عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - زكي رضا

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / محاولة أغتيال كاتب
« في: 18:48 02/03/2024  »
محاولة أغتيال كاتب


في سلسلة من الأغتيالات لن تتوقف على ما يبدو بالعراق شهدت العاصمة بغداد قبل أيّام محاولة لأغتيال الشخصية الوطنية والثقافية، الكاتب ورئيس مؤسسة المدى للنشر ورئيس مجلس السلم والتضامن العراقي السيّد فخري كريم، الذي كان في طريقه لبيته مغادرا معرض بغداد الدولي حيث معرض العراق الدولي للكتاب. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وعلماء وأطباء وعسكريون لمحاولات أغتيال في العراق ولن تكون الأخيرة، طالما ظلّت الدولة عاجزة عن أستخدامها لوسائل العنف الخاصّة بها، ومنع أيّة جهة غيرها عن حقّ أمتلاك السلاح. ووسائل العنف عند الدولة (أيّة دولة) هو عنف مشروع من الناحيّة السياسيّة عند بعض المفكرّين، وعمليا لا توجد دولة أو سلطة على مرّ التاريخ لم تستخدم العنف. وفي هذا الجانب يقول ويرث ميلز: كل السياسات صراع حول السلطة، والعنف هو الشكل الأخير للسلطة. فيما ذهب ماكس فيبر في تعريفه للعنف المشروع الى تعريفه للدولة من أنّها: هيمنة الإنسان على الإنسان باستعمال العنف المشروع. والدولة التي تستخدم العنف "المشروع" كأداة للقمع ومصادرة الحريات وأخضاع المعارضين لها، هي دولة تسلطيّة عنفية لا ديموقراطية، كون العنف هنا هو السلطة، وفي هذه الحالة يكون عنف السلطة هذا وسيلة لحماية طبقة أو قومية أو طائفة أو حزب سياسي، وليس تنازل الشعب لبعض حقوقه للدولة (القانون) من أجل حماية المجتمع من عنف جماعات مسلحة تمتلك السلاح خارج السياقات القانونية، أو من عنف أهلي بين أبناء الشعب الواحد لأسباب مختلفة. ليست وسائل العنف هي الوحيدة التي على الدولة أمتلاكها، لتعلن عن نفسها من خلال عقد أجتماعي بينها وبين الجماهير، بل على الدولة في سعيها لبسط القانون، إمتلاك جهاز أمني هدفه حماية الناس وليس ملاحقتهم أو تغييبهم وقتلهم. فالأمن الداخلي مهم لأستقرار البلاد، كما وسائل العنف الأخرى كالجيش والشرطة.

من الواضح أنّ وسائل العنف بالعراق اليوم ليست حكرا على الدولة، فالأذرع المسلّحة للأحزاب المختلفة وعلى الأخص تلك التي تهيمن على المشهد السياسي في المركز أو الأقليم، تمتلك كما الدولة وسائلها للعنف التي أستخدمتها في الصراع الطائفي الذي عاشته البلاد، أو القومي كما المواجهات بين المركز وإقليم كوردستان، أو فيما بين أحزاب ذات آيديولوجية واحدة لكنها مختلفة على توزيع الغنائم. وعمليات الأغتيال التي جرت والتي ستجري مستقبلا، هي جزء من عنف غير شرعي تقوم به مجموعات مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة وإن كانت منضوية تحتها قانونيا ودستوريا، وبالحقيقة فأنّ الدولة عندنا لا تمتلك هي الأخرى اليوم عنف شرعي، لماذا..؟

كما ذكرنا أعلاه، فأنّ الدولة يجب عليها أمتلاك الأجهزة الأمنية وأحتكارها، لأنّ عدم أحتكارها للأجهزة الأمنية يعني وجود أجهزة أمنية رديفة قد تعمل لصالح أجهزة أمنية تابعة لدول أخرى، أو تعمل على مراقبة معارضيها وتصفيتهم. فهل محاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى المعروفة بدورها بالدفاع عن أنتفاضة تشرين وفتح ملفّات فساد السلطة ورجالاتها، والأخطر بنظر قوى الظلام أهتمامها بالكتاب وتطوير الثقافة المجتمعية، هو جزء من نشاط أجهزة أمنية غير تابعة للدولة...؟

أية محاولة أغتيال سياسي بالعراق وفي أي مكان بالعالم يسبقها جهد أمني، يدرس تحركات الشخص وخط سيره ومواعيده وعدد مرافقيه ونوع الآلية التي يستقلّها ومميزاتها، لتنتخب المجموعة المكلّفة بالأغتيال بعدها الزمان والمكان المناسبين لتوقيت العملية. والدولة بالعراق اليوم عاجزة عن حصر السلاح بيدها رغم ضجيجها الأعلامي، لكن أن تكون هناك جهات أمنية نشطة وتعمل على مرأى ومسمع الدولة وتصدر بيانات عن أنشطتها ونجاحاتها، فهذا أمر غير مقبول وطنيا وإن كان نجاح ذلك الجهاز الأمني له مقبولية على الصعيد الشعبي. فإعتقال إرهابي متمرس بالقتل بعد مراقبة أمنية دقيقة، هو من مهام الأجهزة الأمنية والأستخباراتية التابعة للدولة وليس غيرها، وعلى تلك المنظمات والأحزاب التي نجحت في متابعة هذا الأرهابي أن تعطي معلوماتها لأجهزة الدولة كي تتخذ اللازم، لا أن تصدر بيانا علنيا يحرج السلطة التي أكتفت بالصمت، فبيان قيادة عمليات أستخبارات سرايا السلام عن أعتقالها لأرهابي مطلوب وفق المادة الرابعة إرهاب، يعني إمتلاك أحزاب السلطة وأذرعها المسلّحة في بغداد وكوردستان لأجهزة أمنية تعمل بشكل منفصل عن أجهزة الدولة الأمنية، وبعض من هذه الأجهزة هي من قامت بمحاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى وعمليات الإغتيالات السابقة...

على الدولة إن ارادت تعزيز فرص الأمن وبناء المجتمع ونبذ التمايز الطائفي القومي، والسير في عملية البناء الديموقراطي التي لا زلنا نقف عند خط بدايتها، أن تحتكر السلاح وأجهزة الأمن دون تلكؤ..

كلمّا سمعت كلمة مثّقف تحسست مسدسي ... (النازي جوزيف غوبلز)

 
زكي رضا
الدنمارك
28/2/2024
 

2
إيران وعت الدرس ولا حشد شعبي لها في الباكستان


على خلفيّة مهاجمة أرهابيين ينطلقون بمهاجمة إيران من قواعد لهم في الباكستان مثلما تقول طهران، قامت طائرات إيرانية قبل أيّام بمهاجمة تلك المقرّات وقتلت عدد من المدنيين حسب وكالات أنباء عدّة. ولأنّ باكستان دولة ذات سيادة وتحترم شعبها وترابها الوطني، فأنّها قامت بالردّ سريعا بقصفها أراض إيرانية في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية والتي يتقاسمها البلدان، ولتقتل هي أيضا عدداً من المدنيين هناك.

ردّ باكستان بنفسها على القصف الإيراني لأراضيها جاء سريعا وقويّا من الناحية العسكرية، كما وأنّها رسالة قويّة لطهران وتحذير شديد اللهجة لها من مغبّة التجاوز على التراب الوطني الباكستاني مستقبلا. أمّا قصف إيران بنفسها لتلك القواعد داخل الباكستان، فأنّه يعني عدم وجود ميليشيات باكستانية شيعية تأتمر بإمرتها كما باقي ميليشياتها ذات العمق الشيعي في بلدان أخرى لتنفيذ تلك المهمّة وغيرها من المهام من جهة، وعدم وجود جهات حكومية رفيعة المستوى وأحزاب باكستانية وقوى شعبية تمنح إيران الحقّ في قصف بلدها لشراكة مذهبية، وتبرر لها جرائمها التي ترتكبها في بلادها من جهة ثانية.

المثير للأهتمام هو أنّ الباكستان التي أذّلت ايران بردّها القوّي والسريع وأستدعت سفيرها من طهران ورفضت عودة السفير الإيراني لديها والذي كان في زيارة لبلده، ولم تكتفي بذلك، بل زادت بالأهانة ووجّهت صفعة للدبلوماسية الإيرانية التي تتحكم بحكومات وبلدان عدّة في المنطقة ومنها العراق، الذي يصول دبلوماسييها ورجال مخابراتها وحرسها الثوري في مناطقه المختلفة ويتحكمون بالملف الأمني للبلاد، حينما طالبت الحكومة الإيرانيّة وكطريق لعودة علاقتهما الدبلوماسية لسابق عهدها، في أن يزور وزير خارجيّتها البلاد بنفسه، وهذا ما حصل فعلا. فهل قدّم الوزير الإيراني أعتذار بلاده على أن لا يكرر الجانب الإيراني أعتداءاته على الأراضي الباكستانية مستقبلا، علاوة على شروط أخرى تحد من نشاطات إيران في الباكستان؟

يقدّر عدد الشيعة في الباكستان بحوالي 20% من نفوسها، ومع ذلك لم تستطع بل لم تتجرّأ إيران التي أسست ميليشيات شيعية مواليه لها في العديد من البلدان، من تأسيس تنظيم شيعي يعمل تحت إمرتها وينفّذ أهدافها، كما حزب الله اللبناني وحوثيي اليمن وبعض الحركات الاسلامية الفلسطينية، والحشد الشعبي في العراق. فهل شيعة الباكستان أكثر وطنية تجاه وطنهم من شيعة البلدان الأخرى، أم أنّ هناك خوف إيراني من تأسيس ودعم هكذا تنظيمات، خوفا من ردّ باكستاني تخشاه طهران وتعرف قوّته!؟ علما من أنّ هناك تنظيمات شيعية مسلّحة في الباكستان كـ (سباه محمّد) أي جيش محمّد، الذي أنشقّ عن تنظيم (تحريك الجعفرية باكستان) لمواجهة تنظيم (سباه الصحابة) أي جيش الصحابة السنّي، وتنظيمين شيعيين آخرين هما (شيعة علماء كونسل) و(مختار فورس) أي قوّة المختار، ولا هناك دلائل علنية وواضحة تشير الى دعم إيران لهذه الجماعات.

أنّ ردّ الحكومة الباكستانية القوّي والسريع على التدّخل أو محاولة التدّخل الإيراني في شؤون بلادها الداخليّة، يجعلنا أن نطرح سؤالا على السلطة العراقية التي إن لم تؤيّد علنا تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لبلادنا وقصف مدننا كما قصف أربيل مؤخرّا فأنّها تلوذ بالصمت تجاهها، هو أن متى يكون لها موقف وطني تجاه "شعبهم ووطنهم"، وهل سيعملون على حصر السلاح بيد الدولة وحلّ الحشد الشعبي وميليشيات أخرى تأتمر بأوامر طهران وتنفّذ أجندتها في العراق وغيره من البلدان التي تتدخل إيران بشؤونها الداخليّة، كي لا تكون بلادنا عرضة للخطر وهذه الميليشيات ومعها الحشد الشعبي تغوّلت وباتت تهدد السلم المجتمعي للبلاد، وبعد أن أصبح أبناءنا وقودا لأحلام ولي الفقيه كون الميليشيات التي يعملون فيها هي بنادق للإيجار عند الحرس الثوري الإيراني في البلدان التي أصبحت جبهات متقدمة وجدران عازلة في حرب إيران الأقليمية للحفاظ على نظامها السياسي من السقوط، وبلدها من التعرّض للخراب والدمار...؟

زكي رضا
الدنمارك
29/1/2024
 


3
الموساد في طهران وعواصم أقليمية


الحرس الثوري الإيراني يستعرض عضلاته من جديد في مدينة أربيل، ليقصف ويدمّر بيوت آمنة بحجّة كونها مراكز للموساد الإسرائيلي، ضاربا عرض الحائط سيادة العراق وأستقلاله. وقصف أربيل الأخير هو سلسلة من عمليات قصف إيرانية لمدن ومناطق مختلفة في إقليم كوردستان. جزء منها تحت ذريعة وجود مقرّات للموساد، وأخرى ردا على ما تعلنه طهران من تواجد معارضة إيرانية في مقرّات ومعسكرات بالإقليم. لقد جاء القصف الإيراني الأخير لأربيل كردّ على تفجيرات وقعت في مدينة كرمان أثناء تجمّع للأحتفال بالذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في يناير/ كانون الثاني 2020، والتي حمّلت فيها إيران مراكز للموساد موجودة في اربيل من التخطيط لها وتنفيذها.

الموساد علاوة على نشاطه في قلب إيران نفسها بإغتياله لعلماء ومسؤوليته عن حرائق في مبان إيرانيّة حسّاسّة، ونجاحه في شهر يناير/ كانون الثاني 2018 من سرقة خمسة وخمسون الف وثيقة و 183 قرص مدمّج بوزن نصف طن تقريبا والخاصّة بالبرنامج النووي الإيراني من مستودعات منطقة شير آباد بطهران، ونقلها الى تل أبيب كأكبر عملية سرقة من قلب بلد على عداء مع أسرائيل بل وفي اكبر عملية سرقة وثائق بالتاريخ، فأنّه ومنذ سنوات يصول ويجول في بلدان المنطقة بأكملها، بعضها بشكل سرّي والآخر بشكل علني. فعلى سبيل المثال وعلى هامش مؤتمر ميونيخ في شباط العام الماضي، أعلن نائب وزير الخارجية البحريني عبد الله الخليفي وبحضور رئيس هيئة الأركان الأسرائيلية الأسبق بيني غانز عن أنّ هناك "وجود رسمي وعلني للموساد في البحرين". وفي العشرين من شهر أكتوبر سنة 2020 ، نقلت صحيفة الشرق القطريّة مخاوف مصرية من تحوّل الأمارات الى "مركز أقليمي للموساد"، وذلك بعد مرور عشر سنوات على أغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح من قبل الموساد في قلب دبي. هذا ناهيك عن نشاطات الموساد في مصر والأردن وتركيا وغيرها من بلدان المنطقة.

لقد تباينت المواقف الداخلية من عملية قصف مدينة أربيل، فالحكومة العراقية مثلا لم تكتفي بالتنديد وأستدعاء السفير الأيراني وتسليمه مذكرّة أحتجاج هذه المرّة، بل ذهبت الى أبعد من ذلك بكثير حينما تقدمت بشكوى لمجلس الأمن الدولي، وهذه أوّل مرّة يتقدم بها العراق للمجلس بشكوى حول العمليات العسكرية الأيرانية داخل العراق. وهذه الشكوى علينا ربطها بمواقف أقطاب من الحكومة وموقف شعبي يحمّل إيران جزء كبير من المشاكل التي تواجه البلاد. ومن خلال تحميل إيران هذه المشاكل، فأنّ الأعين تتجه الى أذرع إيران شبه العسكرية والتي ضاق العراقيون بها ذرعا، خصوصا وأنّ قيادات هذه الأذرع المسلّحة تعلن عن مواقفها المؤيدّة لإيران وولي الفقيه علنا، وعلى الضد من مصالح وطننا وشعبنا. فهل الحكومة تريد بهذا أن تنأى بنفسها عن هذه الفصائل، خصوصا وأنّ الضربات الأمريكية لهذه الفصائل كثرت في سوريا والعراق؟

الملفت للنظر هو صمت قوى الأطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي وحزبه على عملية القصف، على الرغم من تنديد الإطار الشديد لأي قصف أمريكي وتركي للأراضي العراقية. الا أنّ قياديين في الأطار لم يكتفوا بالصمت بل ذهبوا الى تحميل أربيل سبب القصف، وذهب آخرون وسيرا خلف الرواية الأيرانية من مهاجمة الولايات المتحدة التي حوّلت اربيل بنظرهم الى ساحة خلفية لأسرائيل! أنّ قصف أربيل الأخير يعني أمور عدّة منها محاولات بدء عزل الميليشيات المسلّحة وتحت أي مسمى عن حواضنها الرسمية لما تشكلّه من خطر كونها تدخل بلادنا في معارك لا مصلحة لشعبنا في خوضها، ما يدفع أمريكا لضربها داخل وخارج البلاد وتأثير ذلك على الوضع الأمني بالبلاد، ومنها عرقلة المفاوضات التي تهدف الى تقليل أو "أنهاء" الوجود الأمريكي في البلاد.

لو أخذنا بالرواية الإيرانية بقصفها مقرّاً للموساد في أربيل، والتي كذّبها مسؤولون عراقيّون كثر ومنهم السيّد قاسم الأعرجي وهو وزير داخليّة أسبق، ومقاتل في صفوف منظمّة بدر أثناء الحرب العراقيّة الأيرانيّة، فلماذا لا تكون مقرّات غير أربيل كالتي في المنامة أو غيرها من العواصم مسؤولة عن تلك الأحداث، ولماذا لا تردّ إيران عليها بقصفها....!؟

أنّ قصف أربيل من قبل إيران نفسها وليس ضربها عن طريق أذرعها العسكرية، ليس بضرب النقطة الأضعف من بين المواقع التي يشتبه وجود مقرّات للموساد الأسرائيلي فيها فقط، وليس تصفيات حسابات مع قيادة البارزاني وعلاقته الهشة مع الأطار الشيعي والميليشيات الولائية، بل رسالة إيرانية الى أمريكا وبعد أحداث غزّة والوضع الصعب للحوثيين في اليمن،  من أننا موجودين وسنستمر بمهاجمة المصالح الأمريكية.



 

زكي رضا
الدنمارك
18/1/2024
 



4
رسالة مفتوحة الى السيّد وزير داخلية العراق

السيّد وزير الداخليّة عبد الأمير الشمّري المحترم
تحية طيبة ...

لم أكتب يوما بشأن شخصي، الّا أنني أجد نفسي وللأسف الشديد مرغما على هذا الأمر، فعلى الرغم من أنّ الأمر شخصي بشكل أو بآخر مثلما ذكرت الّا أنّه يتناول معاناة شريحة أصيلة من شرائح المجتمع العراقي الا وهم الكورد الفيليون. حينما أقول أصيلة فأنني لا أريد الغوص في تأريخ حياتهم بالعراق كما باقي مكونات وشرائح شعبنا المختلفة وما قدّموه للبلد، بل أستند لأدبيات الأخوين الكبيرين  لهذه الشريحة التي عانت ولازالت من التهميش والذُل والمهانة، والأخوين الكبيرين والفيليون كوردا قوميا وشيعة مذهبيا هم الأحزاب القومية الكوردية والأحزاب الشيعية التي تنتمي سعادة الوزير الى أحداها حتما والتي تحكم البلاد، والذين أي الكورد الفيليون كانوا طيلة فترة ما قبل أنهيار النظام البعثي الذي أذاقهم وباقي أبناء شعبنا كل صنوف الأضطهاد، رقما محسوسا في أدبيات وسياسات تلك الأحزاب وهي تعمل ضمن صفوف المعارضة قبل أن تتربع على سدّة الحكم  لتكون قضيتهم أي الفيليين في درج مهمل يأكله الغبار. والكورد الفيليون الذين صادرت السلطات البعثية المجرمة مواطنتهم وأملاكهم ووثائقهم وغيبت الآلاف من شابّاتهم وشبانهم وضيّعت مستقبل أجيال منهم بجرة قلم، كان من المفروض أن يستيعدوا كل ما فقدوه وتعويضهم بقانون نافذ  دون الحاجة لمراجعة هذه المديريات التي تعشعش العنصرية والطائفية في مكاتبها وأروقتها وعقول ضباطها وموظفيها، ليبدأوا أستعادة وثائقهم من نقطة الصفر.. 

السيّد الوزير المحترم ...

لكي لا أطيل في رسالتي هذه والتي أتمنى أن تصل اليكم على الرغم من أنّ التمنّي رأس مال المفلس كما يقال، فأنني سأدخل في صلب موضوع غاية بالغرابة  ولم يمرّ بها كوردي فيلي أو غير فيلي قبلي على ما أظن، تاركا معاناتي  وما عانيته وأنا أراجع قسم التبعية الأيرانية في مديرية الجنسية  بالكرادة والسنك، ومديريتي النفوس في شارع المغرب وساحة عنتر في منطقة الأعظمية حيث روح البعث وشوفينيته يجلسان خلف مكاتب الضبّاط والموظّفين هناك، وشبحه يتجول في بنايات هذه الدوائر التي تتلذذ بأهانة وإذلال الأنسان العراقي بغضّ النظر عن قوميته ودينه وطائفته،  تاركا تفاصيل الأذلال والأهانة الى مقالة مفصلّة في وقت آخر.

السيّد الوزير المحترم ....

لقد وصلت بعد عقود الى بغداد فجر الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2023 ، وفي صبيجة يوم الأحد المصادف للسادس والعشرين من نفس الشهر بدأت رحلة العذاب متنقلا من دائرة لأخرى ومعي دفتر نفوس العام 1957 ، لأثبت به عراقيتي وأنا المولود ووالديّ وجدّي في منطقة باب الشيخ  ببغداد، والمهجّر وعائلتي من العراق في السابع من نيسان سنة 1980، معتمدا لسذاجتي على أحكام المادّة (3 أ) من قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006 النافذ!  وكنت قد قررت قبل سفري أن لا أكون ملعونا وأمتنع عن دفع الرشى الذي حرّمه  نبي الأسلام (ص) حينما قال " الراشي والمرتشي والرائش بينهما ملعونون".

السيّد الوزير المحترم ...

بالمختصر المفيد وبعيدا عن الأنشاء الممّل ولكي لا آخذ من وقتكم طويلا، سأضع أمام سيادتكم بضع وثائق متناقضة حصلت عليها من خلال مراجعاتي لدوائر الجنسية والنفوس. فأحداها تعود الى العام 1978 وتقول أنني  أيراني وأطلب التجنّس بالجنسية العراقية،  وأخرى تقول من أنني عراقي وتطلب من دائرة النفوس منحي البطاقة الوطنية وفق القانون 26 النافذ مثلما ذكرت أعلاه، وأخرى تقول أنني من أبناء الجالية الكويتية والتي أتشرّف بجنسيتها أي دولة الكويت، وأخرى تقول من أنني مسيحي!! لا تهمنّي الجنسية العراقية رغم أعتزازي بها كون المواطنة ولاء للبلد وليست جنسية أو وثيقة، ولي الفخر في أنّ ولائي للبلد لم يتزعزع في أحلك وأصعب الظروف التي مررت بها، ولن يتزعزع بالمرّة. لكنني أضع الأمر بين يدي سيادتكم لأيجاد تفسير للأمر، ولأثبت للكورد الفيليين من أنّهم لا زالوا من  التبعية الأيرانية، وأنّ القرارات التي تمّ أتخاذها من قبل حكومات ما بعد العام 2003  لا تساوي الحبر الذي كتبت به، كما وأريد أن أثبت للكورد الفيليين البسطاء،  من أنّ الذين قالوا بألغاء قانون التبعية من سجلات الجنسية والنفوس من الكورد الفيليين الذين تبوأوا مراكز في الدولة والبرلمان ومجالس المحافظات، ليسوا سوى كذّابون وتجّار قضية عادلة أستغلّوها لمصالح شخصية ليصبحوا من الأثرياء بين عشيّة وضحاها...

السيّد وزير الداخلية المحترم ..

أضع بين يدي سيادتكم أدناه أربع أستمارات غريبة في محتواها ومضمونها، الّا أنّها ليست بغريبة على العقلية البعثية الشوفينية المهيمنة على مديريات الجنسية والنفوس والتي تتحكّم بمصير الكورد الفيليين، ممنيّا النفس في أن تكون غريبة على العقلية الأسلاميّة الشيعية والكورديّة التي تدّعي الدفاع عن مصالحنا، والردّ على رسالتي هذه من خلال مفهوم المواطنة كونكم تمثلّون أعلى سلطة في وزارة أشعر بالرعب عندما أتذكر أروقتها ودهاليزها،  وأشعر بالغثيان وأنا أسمع عن الملجأ حيث سجلات الكورد الفيليين محفوظة بعناية لتكون سيفا مسلطّا على رقابهم وهم يراجعون هذه المديريات الرهيبة...

تقبل سيادة الوزير خالص تقديري وأحترامي..
 

كتاب من مديرية نفوس الرصافة في ساحة عنتر
الى دائرة أحوال الجاليات/ الكويت في مديرية الجنسية العامة في السنك بشارع الرشيد
   


   

أستمارة الحصول على البطاقة الوطنية تظهر فيه ديانتي على أنني مسيحي مع إيماني بأن لا فرق هناك بين الأديان عندما يتعلّق الأمر بالمواطنة، وفي أسفل الأستمارة
 من جهة اليسار رموز لا يفهمها الا الله والراسخون بالعلم وضبّاط البعث، وهي رمز في السجلات الأصلية على أنني مواطن من درجة ثانية أو ثالثة وفق قانون الجنسية
العراقي النافذ والمعمول به لليوم.

 

كتاب من مديرية الجنسية الى دائرة أحوال الرصافة
تثبت به عراقيتي وتطالب دائرة النفوس بمنحي البطاقة الوطنية.
 

أستمارة طلب معلومات بعد تقديمي طلبا للتجنس عام 1978
كوني بنظر قوانين النظام البعثي المنهار والتي لا زال العمل جاريا  بها بشكل أو بآخر، إيراني الجنسية!!

بعد تهجيري وعائلتي الى إيران سنة 1980، لم نستطع الحصول على الجنسية الايرانية هناك فغادرنا البلاد الى سوريا ومنها الى الدنمارك، التي منحتنا جنسيتها بعد خمس سنوات من أقامتنا فيها..

زكي أنور رضا
مواطن عراقي مع وقف التنفيذ وكويتي الى ما يشاء قانون الجنسية العراقي وحكومة العراق  وضبّاط  مديريات الجنسية  والنفوس.

الدنمارك
2/1/2024

5
أطباء نازيّين ألمان بنسخة أسرائيلية


في الثامن من أغسطس 1945 وبالتحديد في مدينة نورمبرغ بمقاطعة بافاريا في المانيا التي كانت للتو قد خسرت الحرب العالمية الثانية، أنعقدت محكمة لمحاكمة النازيين بتهم أرتكاب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب كالقتل والأبادة والترحيل القسري والأستعباد و كل ما يتعلق بجرائم ممنهجة ضد المدنيين على أساس ديني وعرقي وحتّى سياسي. لقد كانت هذه المحكمة ومثلها التي أنعقدت في طوكيو بداية لتأسيس قضاء دولي، يأخذ على عاتقه محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم قتل المدنيين العزّل، والتي تُوّجت اليوم بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا.

أن تحاكم أية محكمة بالعالم  زعماء وساسة وجنرالات عسكريين لجرائم أرتكبوها أثناء الحرب أو السلم، أمر طبيعي وحدث وسيحدث لاحقا طالما هناك حروب وقمع في العالم. لكنّ أن تتم محاكمة أطبّاء مسؤولون أخلاقيّا عن أنقاذ الأنسان من المرض والموت، كونهم مجرمي حرب هو الأمر غير الطبيعي بالمرّة، ليس كونهم أطباء فقط بل لكون مهنتهم أخلاقها التي عليهم الألتزام بها وهم من يؤدّون قسم أبقراط في طريقهم لممارسة مهنتهم الأنسانية. والأطباء النازيين الألمان، كسروا أعراف الأخلاق الطبيّة بتجاربهم على البشرفي معسكرات الأعتقال، وهذا ما جعل الرأي العام العالمي يقف مشدوها وقتها لجرائم يقترفها من بيدهم أنقاذ البشر.

حوكم مئة وسبعة وسبعون طبيبا نازيّا في محكمة نورمبرغ، وحُكم على سبعة منهم بالأعدام وتمّ أصدار أحكام مختلفة بالسجن لعدد آخر منهم. ومن هؤلاء الأطباء المجرمين،  الطبيب النازي كارل كلاوبيرج  الذي كان يجري تجارب طبية على المعتقلين  في الوحدة 10 بمعسكر أوشفيتز، والطبيبة النازيّة هارتا أوبرهاو في معسكر رافنسبروك، و فالدمار هوفن،  رئيس الأطباء من قوات الأمن الخاصة في معسكر بوخنوالد، وفريدرش هوفمان الذي أعترف بقتله  324  قسّا كاثوليكيا  الذين عانوا من مرض الملاريا خلال التجارب الطبية النازية بمعسكر داخاو. لقد كان السجناء اليهود والغجر والبولنديون والسوفييت وغيرهم من الشعوب، ومعهم عشرات الآلاف من السياسيين ومنهم ألمان، عبارة عن خنازير غينية بنظر هؤلاء الأطباء الذين أستخدموهم في تجارب مختبرية غير أنسانية. وبذلك يكون هؤلاء الأطباء النازيين أكثر أجراما ووحشية من قادتهم السياسيين والعسكريين.

اليوم وبعد ما يقارب الثمانية عقود على أنتهاء تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية، وعوضا من تعلّم دروس تلك الحرب وأهوالها وخصوصا من قبل الأطباء، نرى أنّ الأطباء النازيين قد أستنسخوا أنفسهم كأطبّاء أسرائيليين، بل جاء أستنساخهم بشكل أكثر بشاعة وهمجية ونازيّة. فأطبّاء العهد النازي كانوا يجرون تجاربهم في معسكرات أعتقال صغيرة الحجم وقليلة العدد مقارنة مع مُعتقل غزّة الذي يُسجن فيه أكثر من مليوني معتقل منذ ما يقارب العقدين. وعلى الرغم من تلك التجارب الطبيّة النازيّة، الّا أنّها كانت تجارب محدودة مقارنة بأعداد المعتقلين وأسرى الحرب وقتها.

لقد فاق الأطباء الصهاينة أسلافهم النازيين الألمان الذي أُستنسخوا منهم،  وحشية ونازيّة وفاشيّة وهمجية وبربرية. فبعد القصف الأسرائيلي لمستشفيات غيتو غزّة ومقتل المئات من المرضى والكوادر الطبيّة، وعوضا عن وقوف هؤلاء الأطبّاء الى جانب الضحايا من منطلق أنساني بعيد عن منطق الحرب، نرى العشرات منهم ومن بينهم أساتذة طب يطالبون حكومتهم بأصدار الأوامر لقصف مستشفيات معسكر أعتقال غزّة، وقتل من فيها ومنهم زملاء لهم في هذه المهنة الأنسانية.

لقد أرتكبت أسرائيل لليوم عشرات بل مئات الجرائم بحق الفلسطينيين، على أساس ديني وعرقي. كما أرتكبت وترتكب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب وإبادة وترحيل قسري، وهذه الجرائم يجب أن يقدّم مرتكبيها الى محكمة العدل الدولية لينالوا عقابهم. ولو أنعقدت هذه المحكمة في يوم ما، فأنّ العالم سيقف مشدوها وهو يرى عشرات الأطباء النازيين الأسرائيليين في أقفاصها بتهم دعوتهم الصريحة للأبادة الجماعية وقتل المرضى ومنهم مئات الأطفال بالمستشفيات.

جرائم الأبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم

زكي رضا
الدنمارك
7/11/2024 



 




6
المنبر الحر / صباح الخير غزّة
« في: 18:04 18/10/2023  »
صباح الخير غزّة


صباح الخير غزّة، ونحن نتنفس الكرامة من رئون فتيانك
صباح الخير غزّة، وفتيانك كالأسود يزأرون وسط أزيز الرصاص ودوّي القنابل
صباح الخير غزّة، وأنت تمسحين نكسة الأنظمة وتطبيع الجبناء، بطبشور الحريّة
صباح الخير غزّة، وأنت تحولّين النمر الأسرائيلي، الى نمر من ورق
صباح الخير غزّة، وأنت تحولّين حياتنا المالحة الميتة، الى حلوة كطعم الشهد
صباح الخير غزّة، وأنت تدخلين معركة الكرامة دون خطابات مللناها لكثرة هزائمنا
صباح الخير غزّة، وأنت تخوضين المعركة بمرسوم من الشعب
صباح الخير غزّة، وأنت تنتشلينا من جادّة الضياع
صباح الخير غزّة، وأنت تجعلين الشمس تشرق في ليلنا حالك السواد
صباح الخير غزّة، وأنت تغتالين جبن الأنظمة
صباح الخير غزّة، صباح الخير صباح الخير صباح العزّة

كم كان صوت المذياع جميلا اليوم، وهو يزفّ أخبارا أنتظرناها خمسة وسبعون عاما، كم كان جميلا وهو ينسينا "ميس تهدي سلامها لعلي في مخيّم ما"، كم كان جميلا وكيف لا يكون جميلا وهو يلحّن أغاني قهرنا وذلّنا كاجمل نشيد للحريّة. كم كان جميلا ونحن نستبدل مفاتيح بيوتنا القديمة ببندقية تقاوم وتنتصر. بنادقك اليوم يا غزّة أقوى من كل طائرات العرب وجيوشهم ، بنادقك اليوم مسحت بالأرض العجرفة الصهيونية وجيشها الذي "لا" يقهر ، رصاص بنادقك قلائد في أعناق نساء وفتيات فلسطين، رصاص بنادقك أساور حريّة لشعبك.

"مهما هُمُ تأخرّوا ... فأنّهم يأتون
من درب رام الله، أو من جبل الزيتون
يأتون مثل المنّ والسلوى من السماء
ومن دمى الأطفال، من أساور النساء
ويسكنون الليل، والأحجار والأشياء" (*)

ها هم الفتية يا نِزار، جاؤوا من درب غزّة ومن بحر غزّة ومن سماء غزّة، تركوا المنّ والسلوى لأطفال غزّة وأمطروا العدو بالقنابل والصواريخ، ولم يسكنوا الليل بل سكنوا النهار بعد أن حوّلوا نهار العدو الى ليل. نعم غزّة، ميزان القوى الى جانب عدو مدجج بالأسلحة، عدو يحصل على دعم غربي بلا حدود، عدو له سفارات في من يشاركك لغة الضاد وأعلامه ترفرف في عواصمهم.

غزّة عرفت أنّ الأدعية والتوسّل بالله لا يعيد كرامة شعبها، وأنّ خطب الملوك الرؤساء والأمراء التي تُكتب في تل أبيب لن يعيد لها كرامتها، و "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، وقد بدأت غزّة بالتغيير.
 


(*) أبيات من قصيدة فتح للشاعر نزار قبّاني

زكي رضا
الدنمارك
8/10/2023


7
في بغديدا أمطرت السماء نارا


ليست الحمدانية بل بيث خوديدا، بيت الشباب بالآراميّة. بيث خديدة، بيت الله بالفارسيّة. نعم هي ليست الحمدانية وليس من حقّ أحد أن يطلق عليها أسم غير أسمها (باخديدا/ بغديدا)، التي قال فيها ياقوت الحموي في معجم البلدان "باخديدا قرية كالمدينة شرقي الموصل، تبعد عنها سبع فراسخ، كل أهلها نصارى وهي من آثار نينوى".

في هذه المدينة مشى المسيح حاملا صليبه بصبر والنار تحرق جسده وخلفه الحواريّون ينظرون للرب في أعالي السماء بعيون ملؤها الدموع، في أزّقتّها ركضت العذراء حافية تصرخ هول الكارثة. بغديدا أبتلعها الدخان بعد أن أمطرت السماء نارا، بيث خوديدا، كانت شاهدا على شباب يرقص على لهب النيران، أنّه الموت الذي كان يتجول في شوارعها. في قاعتها حيث العروسين يرقصان، دقّت ساعة القدر وفقدت باخديدا توازنها، فسقطت والنار تلتهمها.

لم يترك الرهبان بخديدا تحترق، فنزلوا أقبيتهم حيث دنان النبيذ الأحمر كلون الدم، فحملوها ليصبّوها على النيران كي تثمل وتترك الفتية يعيشون ويفرحون. لكن ويا للأسف فقد تآمرت النيران وهي تشمّ رائحة الشواء مع الفاسدين القتلة على عدم شرب النبيذ، لتشوي متلذذّة أجساد الفتية الجميلة.

في اللحظة التي شويت بها الأجساد، وصرخت الأرواح وهي تطير الى حيث الرب في عليائه، أمر الله ملائكته، لينتخبوا أفضل قاعة أحتفالات بالجنّة. وأشترط عليهم، أن تكون بلا سقف، كما أصدر أوامره بنفس الوقت للشياطين أن ينتخبوا أسوأ مكان في الأرض، على أن يكون بسقف!! فوقعت الملائكة في حيص بيص من أوامر الله هذه، أمّا الشياطين فأنّها سارعت لتلبية طلب الله على عجالة. على الرغم من تعجّب الملائكة من أوامر الله هذه، وهو الخبير بأزّقة الجنّة زقاقا زقاقا، فأنّهم أنتخبوا ركنا شمال الجنّة أسمه بغديدا ليبنوا فيها قاعة حسب مشيئة الله، وجعلوها كما شاء الرب بلا جدران ولا سقف. أمّا الشياطين، فكانوا أسرع من الملائكة في تنفيذ طلب الله، فنزلوا كلّهم الى منطقة في الأرض أسمها العراق، وجعلوا بدل السماء سقوف تغطّيها، سقوف تنثر النار والموت، على شوراعه ومساجده وكنائسه، سقوف تمنع الهواء، ليختنق الجميع..

أيّها الضحايا ماذا تريدون من هذا الوطن، ماذا نريد نحن " الأحياء" من هذا الوطن؟ هل هو وطننا، أم وطن الفاسدين الذين بفسادهم نُشوى؟ دعونا نبني وطن بلا سماء، فسماء بلادنا لا تمطر، الا الجوع والفقر والمرض والجهل، سماء بلادنا ملبّدة بالموت...

من واجب الحكومة المركزية اليوم وأحتراما للأجساد الطاهرة التي أحترقت بنار الفساد، أن تعيد للمدينة أسمها الذي فقدته بقرار بعثي في سبعينات القرن الماضي. كونوا عراقيين وليكن أسم المدينة وبقرار حكومي بغديدا - بخديدا بالسرياني "ܒܓܕܝܕܐ". لا تخافوا التنوع الديني والقومي والطائفي، فعراقنا أجمل بهذا التنوع.

عندما كانت بغديدا تحترق، أحترق معها العراق المسالم والمتنوع..

سلاما الى تلك الأرواح التي ستبثّ شكواها حتما الى الرب، وهي تشير الى القتلة..
سلاما الى تلك الأرواح التي أبكت العذراء، وجعلت المسيح يتيه بين الجبال حاملا صليبا من نار..

زكي رضا
الدنمارك
 1/10/2023



8
المنبر الحر / بيان مُحْبَط
« في: 13:28 23/09/2023  »
بيان مُحْبَط


منذ بدأ ما تسمّى بالعملية الديموقراطية بالبلاد إثر الأحتلال الامريكي، لم تتأخر القوى الديموقراطية عن المشاركة في كل أنتخابات برلمانية أو محليّة. ومن خلال نتائج جميع الأنتخابات التي جرت لليوم، لم تستطع هذه القوى أن تخترق الخطوط الدفاعية لأحزاب المحاصصة والمحاطة بحقول ألغام كثيرة، بعضها ظاهر للعيان وبعضها يختفي عن أنظار من لا يريد أن يراها، كونها واضحة هي الأخرى.

هل المشاركة ضرورية..؟ الجواب وبلا أدنى شك هو نعم. لكن بشروط، طالما نبحث جميعا عن بناء نظام حكم ديموقراطي على أنقاض خرائب حكومات العراق في العهود السابقة وفي مقدمتها الحكم البعثي الفاشي. ومن هذه الشروط والتي تتكرر قبل كل أنتخابات من قبل الكثير هي:

1- قانون أنتخابات عادل ومنصف.
2- مفوضيّة مستقلّة للأنتخابات.
3- مساحات أعلامية متساوية في إعلام الدولة وحياديتها على الأقل مواسم الأنتخابات.
4- قضاء نزيه وعادل.
5- عدم أستخدام المال العام في الترويج لشخص أو حزب أو قائمة بعينها.
6- عدم ترهيب وترغيب الناخبين.
7- عدم إستغلال مؤسسات الدولة وآلياتها لحساب مرّشحين معينين.
8- عدم شراء ولاء الناخبين بالمال والتعيينات والتي تسبق عادة كل عملية أنتخابية.
9- أحترام الصمت الأنتخابي.
10- أحترام مراكز الأقتراع.
11- عدم سرقة صناديق الأقتراع.
12- الأتفاق مسبقا على طريقة العد والفرز وليس تركها لمزاج أحزاب وقوى تعيد فرزها وعدّها إن لم تحصل على أصوات كافية.
13- عدم أستخدام المنابر الدينية كمصدر للدعاية الأنتخابية وغيرها الكثير. فهل تحققّ ولو شرط واحد لا غير من هذه الشروط طيلة التجارب الأنتخابية السابقة!؟

لمّا كانت الأنتخابات (أية أنتخابات وفي أي بلد) ضرورية لبناء أنظمة حكم ديموقراطية، فبالضرورة تكون للمشاركة فيها أهميّة فاعلة لأستمرار النهج الديموقراطي كوسيلة سلمية من وسائل التغيير. فالأنتخابات ستفرز ممثلين سياسيين على مستوى المحافظات والدولة، والنظام الديموقراطي من مهامّه وضع هؤلاء الممثَلين الذين تمّ أنتخابهم من قبل الناخبين، تحت أنظار الناخبين الذين منحوهم أصواتهم لمحاسبتهم في عدم تنفيذ برامجهم الأنتخابية (إن كانت لهم برامج أنتخابية). كما تساهم الأنتخابات من خلال العملية الديموقراطية بمنح الشعب الحق في مراقبة عمل الأحزاب بعد أنتخابها، ومدى ألتزامها ببرامجها التي أعلنت عنها. فهل تمّت محاسبة "ممثل للشعب" على ثرائه الفاحش وعدم أحترام وعوده لناخبيه، من قبل أيّة حكومة أو من حزبه لليوم!؟ وهل وضعت الأحزاب التي تحتل البرلمان منذ الأحتلال لليوم نفسها أمام محاسبة جماهيرها وليس شعبنا بأكمله، وهي تراكم مشاكل البلاد وتستهين بحياة الناس وسعادتهم وكرامة وطنهم؟ وهل عاقبهم شعبنا بعدم أنتخابهم ولو لمرّة واحدة ليجرب أحزابا ومنظمات اخرى، عسى أن تمنحه بعضا من الكرامة!؟

لقد أرتأت قوى وشخصيات سياسية ديموقراطية عديدة منافسة حيتان الفساد، من خلال تجمّعها في قائمة وطنية عابرة للطوائف تحت مسمى تحالف (قيَم المدني)، في الوقت الذي قاطعت فيه الأنتخابات المحليّة القادمة تيّارات وأحزاب ومنظمّات للبعض منها ثقل مجتمعي كبير كالتيار الصدري، الذي أعلن قائده السيد مقتدى الصدر مقاطعته لها حينما قال " لن أشارك في أنتخابات العراق بوجود الفاسدين". ومن المقاطعين الآخرين حركة أمتداد وإئتلاف الوطنية بزعامة إياد علّاوي، والتي قال أي (إئتلاف الوطنية) في بيان له: "نؤمن بأن هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة وهي باب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب، ولكننا أردنا الاشتراك بالانتخابات كونها مجالس خدمية وعدلنا عن رأينا بعدما اتخذنا قراراً نحن وحلفاؤنا، ذلك أن حالة الفساد والنفوذ الأجنبي لا تزال مُخيمة على أجواء الانتخابات إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعباً كبيراً وأساسياً في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة".

بمقاطعة قوى لها ثقلها على الساحة السياسية مثلما ذكرنا قبل قليل، لعب تحالف الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي لعبته المفضلّة أي لعبة المالكي قبل كل أنتخابات. فخشيته من نفوذ الأحزاب الشيعية الجديدة التي أنبثقت كتيارات سياسية لفصائل مسلحة منضوية في الحشد الشعبي وما تمتلكه من امكانيات مالية هائلة وليس خشيته من التيارات المدنية، ولضمان هيمنته على مفوضّية الأنتخابات، قام بتغيير أكثر من عشرة موظفّين كبار من قوام المفوضيّة كمرحلة أولى، بأنتظار ما يخفيه لنا الحاوي بجعبته في قادم الأيّام. وأكّدت المتحدثّة بأسم المفوضيّة جمانة غلاي التسريبات التي قالت "وطاولت التغييرات في المفوضية مسؤولين، بينهم مدراء في وحدة التدقيق والمالية والعمليات الانتخابية وشؤون المكاتب والمعلومات الإلكترونية". فيما أكّدت مصادر من داخل الأطار التنسيقي أنّ "المالكي ما زال يملك نفوذاً واسعاً، بل إنه يسيطر على أقسام كاملة داخل مفوضية الانتخابات". وقال شبل الزيدي زعيم كتائب حزب الله أنّ "المفوضية وقعت تحت ضغط المحاصصة وأن هناك جهات تعمل على الهيمنة والاستحواذ"، وأشار الى أنّ تلك الأجراءات أي التغييرات في قوام المفوضيّة "سوف تُفقد المفوضية حيادها واستقلاليتها، وعلى القضاء ومجلس النواب التدخل لكشف من يقف وراء تلك التغيرات"، فيما وصف التغييرات الأخيرة بـ"المجزرة، وأنها تدمر الديمقراطية والثقة بالانتخابات".

أن بيان قوى التغيير الديموقراطية الأخير، وهو يعبّر عن قلق هذه القوى من التغييرات التي جرت وتجري داخل دوائر المفوضيّة ، قد أصاب جمهورها بالأحباط، ويعتبر البيان أعلان خسارة مبكرّة لهذه القوى قبل بدء الأنتخابات. والبيان أتّهم رئيس الوزراء بشخصه ومركزه بخدمة الماكنات الأنتخابية لقوى ممثلة في السلطة، من خلال تعيينه مستشارين لهذا الغرض. وذهب البيان ليعلن عزوف واسع عن المشاركة في الأنتخابات القادمة حينما قال: "إنّ قوى التغيير الديموقراطية ستعمل على فضح أي أجراء يثلم صدقية العملية الأنتخابية والديموقراطية. وتحمّل الحكومة والمفوضّية أية تداعيات يمكن أن تترتب على إجراءات منحازة الى جهات متنفذّة وتضعف ثقة المواطنين بالعملية الأنتخابية وتحدّ من المشاركة الواسعة فيها". وفي نهاية البيان أكّدت القوى الديموقراطية على "حرصها الكبير على حماية أصوات ناخبي تحالف قِيَمْ المدني، الساعين الى التغيير الديموقراطي". والسؤال هنا هو كيف، وما هي آليات عدم ضياع أصوات ناخبيها.

دائما اعترف عندما تكون مخطئا فانت بذلك توفر الاف العلاجات كما ستكسب بعض الاصدقاء ... (هارفي فيرستين)

زكي رضا
الدنمارك
21/9/2023


9
ديموقراطية الغابون وديموقراطية نظام المحاصصة

صناديق الأقتراع ليست معيارا حقيقيا للديموقراطية في الكثير من البلدان، التي يتوجه الناخبين فيها الى صنادق الأقتراع بشكل دوري. فتعديل الفترة الزمنية للحكم من 4 الى 7 سنوات من قبل الحزب الحاكم أو زعيمه في بلد ما بتغيير فقرات دستورية، لا تمت للديموقراطية بصلة. والتعديلات الدستورية لزيادة الفترة الرئاسية من فترتين الى ثلاث أو أربع أو أكثر، تعتبر من الضربات القاسية لمفهوم الديموقراطية وممارستها. ووجود حزب أو حزبين فقط يتصارعان أنتخابيا في بلد ما، هو الآخر بعيد عن المنافسة الديموقراطية، إذ من غير الممكن أن يكون حزبان فقط يمثلان جميع الطبقات الأجتماعية في بلد تعداد سكّانه مئات الملايين، والأزدواجية في تقييم أنقلاب على الشرعية في بلدان مختلفة تبعا لمواقف دول معينة تجاه أنظمة معينة، هي تحريف لمفهوم الديموقراطية معنى وممارسة.

لو لم تحتل الولايات المتحدة العراق وتغيّر نظام الحكم فيه، لكان النظام البعثي الفاشي لازال يحكم البلد، ولكان التوريث هو نمط نظام الحكم فيه، وهذا ما أثبته واقع المعارضة العراقية الضعيف والمتصارع والمتشرذم وولاءات أحزابه الخارجية، وهذا الأمر أي عدم أستطاعة المعارضة العراقية من أسقاط نظام البعث الدموي، كانت تتحدث به أقطاب المعارضة ورجالاتها قبل الأحتلال، وبعضهم يقولها لليوم! وهذه السياسة أي سياسة التوريث نجحت  في سوريا، وكانت في طريقها للنجاح في مصر وليبيا لحدود معيّنة، على الرغم من عدم ممارسة تلك الأنظمة لجرائم كبيرة كجرائم البعث العراقي تجاه شعبه وشعوب المنطقة.

الغابون الغنية بالنفط والعديد من المعادن، حكمها ثلاثة رؤساء أوّلهم الدكتاتور ليون مبا 1961 – 1967 ، ليخلفه بعد موته الرئيس عمر بونغو 1967 -2009 ، ليرث السلطة بعد 42 عاما من حكمه أبنه علي بونغو سنوات 2009 – 2013 . الوريث وللتغيّرات الكبيرة في العالم بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي، وبضغط من فرنسا والغرب أعتمد النظام "الديموقراطي" ففاز في أوّل وثاني أنتخابات بالبلاد وهذا أمر مفروغ منه في ديموقراطيات الموز إن جاز التعبير، وعلى الرغم من أصابته بجلطة دماغية قبل بضع سنوات الا أنه رشّح نفسه لولاية ثالثة جديدة وفاز بها.  ولو ترك على بونغو حاكما للبلاد، لكان أبنه نور الدين بونغو رئيسا للبلاد بعد وفاته.

النظام " الديموقراطي" بالعراق لا يختلف كثيرا عن " ديموقراطية" الغابون، صحيح أن لا هناك توريث شخصي في الحكم الا في كوردستان العراق، الا أننا نجد توريث حزبي. فديموقراطية الموز بالعراق، لا يترشح منها قادة منتخبون ديموقراطيا، كون الديموقراطية عندنا معلّبة وجاهزة للأستهلاك المحلي. فصناديق الأقتراع تفرز قادة شيعة وسنّة وكورد في كل دورة أنتخابية، على الرغم من فشل هؤلاء القادة ومعهم أحزابهم في حل مشاكل البلاد، بل ولنكون منصفين في وصفنا، فأنّهم السبب الرئيس في تعميق مشاكل البلاد.

عشرات الدورات الأنتخابية المحليّة والبرلمانية منها والرئاسية عند وجود ضرورة عند زعماء المحاصصة لأجرائها مستقبلا، لا تنتج نظام حكم وطني يأخذ على عاتقه بناء عراق جديد. ولأننا جرّبنا حكم العسكر لعقود طويلة، وكانت نتائجها كارثية على مستقبل شعبنا ووطننا، فعلينا أن نرفض تجربة الغابون وغيرها من البلدان في أنقلاباتهم العسكرية لتغيير شكل السلطة. فنحن بالعراق اليوم لسنا بحاجة لأصلاح أو تغيير شكل السلطة، التي فشلت الأنتخابات السابقة والقادمة في تغييرها، بل نحن بحاجة الى تغيير شكل النظم السياسي بالبلاد، وهذا التغيير بحاجة الى حراك جماهيري واسع على غرار أنتفاضة تشرين، والى قوى سياسية جماهيرية نابعة من رحم المعاناة لتتقدم جماهير شعبنا المكتوية بسياسات المحاصصة التي نهبت البلاد والعباد. الجماهير اليوم يائسة تقريبا من تحسّن أوضاعها وأوضاع البلد، لذا نرى غالبيتها  لا تفّكر الّا بلقمة عيشها ، لكن أحساسها بالظلم والتهميش موجود في دواخلها، وعلى القوى الديموقراطية بالبلاد أن تصطف الى جانب شعبها وتبتعد عن المناكفات فيما بينها، لتعمّق هذا الأحساس عند الناس وتدفهم للأنفجار في وجه منظومة الفساد.

تستطيع العربة الخربة أن تسير أذا وضعت في أعلى طريق منحدر ( مثل روسي). 
أستطاعت عربة المحاصصة أن تدمّر كل ما هو أمامها، فلنعمل على أن لا تستمر بالصعود لتصل الى أعلى المنحدر، لأنّ حينها يكون العراق أثرا بعد عين.

زكي رضا
الدنمارك
30/8/2023

10
دولة القانون تحتضن الرفيقات 

الأياّم الأخيرة كانت حبلى بأخبار الرفيقات والساقطات اللواتي تصدّرن المشهد الأعلامي بالعراق، والحقيقة هي أنّ المشهد السياسي العراقي يتصدرّه نسبة كبيرة من شذاّد الآفاق واللصوص والفاسدين والقتلة ونسبة لا بأس بها من البعثيات والبعثيين، منذ أن وصلوا الى السلطة على دبّابة أمريكية بحلّة جديدة ولليوم. ومن ضمن التنظيمات والتحالفات العديدة التي تتداول السلطة فيما بينها نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية، كانت حصّة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي وحزب الدعوة الأسلاميّة من أخبار الرفيقات  والساقطات هي حصّة الأسد. 
 
أرى ومن أجل سواد عيون المالكي وحزبه  و " دولة قانونه" أن نبتعد قليلا هنا عن وصف البعثيات بالرفيقات ليس لكونهنّ غير بعثيات، بل كون الأحزاب الأسلامية وجماهيرها يوجّهون هذه التهمة على غيرهنّ أيضا، كما تناول أعلامهم وجيوشهم الألكترونية ثائرات وثوار أنتفاضة تشرين المجيدة ووصفوهم بأبناء الرفيقات، ومن أشد المستخدمين لهذه التسمية كان إعلام حزب الدعوة وقناته الفضائية ) آفاق(. كما وعلينا وأحتراما للذوق العام الأبتعاد عن إطلاق صفة السقوط الأخلاقي بشكل صريح في الأعلام على خليلات الدعاة ونوّاب "دولة القانون"، ليس لأنّ ما تناولته وسائل الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي حول تعدّي فتاتين على رجل شرطة وتهديده ببرلماني من "دولة القانون" ليس بسقوط أخلاقي، بل إحتراما لثائرات العراق اللواتي قّدّمن أروع صور الوطنية والبطولة والإيثار في أنتفاضة تشرين وأتهامهنّ بالسقوط الأخلاقي من قبل الأحزاب الاسلامية وجماهيرها! 
 
في كانون الأوّل من العام 2022 صدر قرار من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الغت فيه الوزارة شروط
المساءلة والعدالة لطلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية، ما دفع حزب الدعوة الأسلاميّة الى أصدار بيان شديد اللهجة نشره في موقع قناة آفاق الفضائية المملوكة للحزب بتاريخ الثالث من جمادي الثاني 1444 للهجرة الموافق للسابع والعشرين من كانون الأوّل 2022 للميلاد جاء في بعض فقراته من " أنّ مشاعر
العراقيين المجروحة من هكذا قرارت تأتي في غفلة وعدم دراية ودراسة كافية بالوضع السياسي والاجتماعي العراقي ستتحول الى مرحلة الغليان والانفجار"، وأنّ الحزب يحذّر الحكومة  من أنّ " الغفلة عن هكذا قرار من شأنه ان يفتح جامعاتنا على طوابير من التدريسيين الذين  تم تشكيل عقلياتهم بافكار البعث"، وأنّ هذه القرارات " تجعل  طلبتنا عرضة للانتقام الثقافي والتشويه المعرفي ، على يد من كان بالامس يجر اذيال الذل والعار والخيبة بعد انهيار منظومة الدكتاتور  القمعية !".. 
 
بعد نشر الأعلام ومواقع التواصل الأجتماعي لثلاثة وثائق )لليوم( حول الرفيقة عالية نصيفّ النائبة البرلمانية عن "دولة القانون" لثلاث دورات متتالية، سبقتها دورة برلمانية عن القائمة العراقية، علينا أن نسأل نوري
المالكي وزعماء حزبه وقائمة "دولة القانون" إن كان وجود الرفيقة عالية نصيفّ في قائمته وحمايتها تجرح مشاعر العراقيين، أم لا؟ وهل وجود هذه الرفيقة كاتبة التقارير من أجل تدمير حياة الناس عهد حكم رفاقها البعثيين السابقين وليس رفاقها الدعاة الجدد في أعلى هيئة تشريعية بالبلاد ذلُّ وعار وخيبة، أم يجوز للمالكي وحزبه ما لا يجوز لغيرهم؟ ويأمل الحزب في ختام بيانه " من السيد الوزير ورجال الوزارة والطلبة وكافة الفعاليات الثقافية والسياسية وابناء الشعب الواعين ان يقفوا صفا واحدا وفي خندق واحد هو خندق الشعب والدستور من اجل صد هذه الهجمة الجديدة على النظام السياسي ومستقبل ابناء العراق ..". يبدو أنّ الخندق الدعوي الواحد، هو كما خندق البعث في كرّاسة المجرم صّدّام حسين " خندق واحد أم خندقان"، فوجود رفيقات ورفاق بعثيين قياديين في قائمة " دولة القانون" دلالة على خندقان، أولّهما خندق حزب الدعوة ومعه عتاة البعثيات والبعثيين وفساد حكوماته المتتالية للحفاظ على نظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة، والخندق الآخر هو خندق أبناء شعبنا المكتوي بجرائم الرفيقات والرفاق السابقين والجدد .
 
 
 
 
كتاب القيادة القومية لحزب البعث الفاشي الى مديرية الأمن العامّة، إثر تقرير رفعته الرفيقة عالية نصيفّ.
 
 
 
 
رسالة بخط يد الرفيقة النصيرة عالية نصيّف، تشتكي فيها المدرّس عبد العبّاس ظاهرعباّس. 
 
 
كتاب مديرية أمن بغداد لمديرية الأمن العامّة حول تقرير الرفيقة النصيرة عالية نصيفّ 
يعرّف قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة الصادر في العام 2005 في ماّدّته الأولى، رابعا،
الأجتثاث-: ً الإجراءات التي تتخذها الهيئة وفقا لأحكام هذا القانون بهدف تفكيك منظومة حزب البعث في المجتمع العراقي ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني فكريا وإداريا وسياسيا وثقافيا وأقتصاديا. فهل البرلمان العراقي مؤسسة من مؤسسات الدولة، أم ملك طابو للمالكي وحزبه و"دولة قانونه"، ليعيث فيه الرفاق والرفيقات فسادا ونهبا وأجراما!؟ وتعرّف الفقرة 6 من نفس الماّدّة، العضو-: هو كل شخص انتمى لحزب البعث وادى يمين الولاء له. ويبدو من أنّ الرفيقة عالية نصيفّ لم تقسم بيمين الولاء لحزب البعث الاّ تقيّة، كونها كانت عضو في حزب الدعوة وقتها! ويعرّف القانون في فقرته التاسعة من نفس المادّة أعوان النظام -: وهم الأشخاص من المنتمين إلى حزب ا لبعث،  أو المنتسبين إلى الأجهزة القمعية أو المتعاونين معهم أو المستفيدين من نهب ثروات البلاد، الذين استخدمهم النظام البائد في قتل المواطنين وقمعهم واضطهاده م بأي شكل من الأشكال.  وهذا يعني أنّ قائمة " دولة القانون" تضمّ في صفوفها منتسبين للبعث الفاشي، الذين أستفادوا من نهب ثروات البلاد في عهد البعث والدعوة. علما  أنّ مجلس القضاء العراقي الأعلى كان قد أصدر قراري أدانة ضد الرفيقة عالية نصيفّ والزمها بدفع تعويضات مالية للـ )المدعي( " المستشار القانوني جمال طاهر الأسدي، بمبلغ مالي، عن قيمة الضرر الأدبي لثبوت قيامها بالاعتداء اللفظي عليه، أثناء أداء واجاباته ومهامه وفق الأصول"، كما أصدر قرار آخر بتعويض " مساعد المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية )حسين يوسف التميمي(، بمبلغ مالي نتيجة قيامها بالاعتداء اللفظي غير الأخلاقي، أثناء تنفيذه الواجب الرسمي بإلقاء القبض على ابن شقيقها متلبساً باستلام )رشوة( بالجرم المشهود" 
 
تضاف وثائق الرفيقة عالية نصيّف اليوم، الى ما تناولته وسائل الأعلام حول حماية النائب عن دولة القانون بهاء النوري، لأمرأتين تعدّين على رجل شرطة أثناء دوامه الرسمي وأمام الملأ، وإخراجه إياهّنّ من مركز الشرطة. فهل وصل العراق في عهد المالكي وحزبه وباقي أحزاب المحاصصة بأكملها الى الحضيض الأخلاقي، أم أننا في طريقنا الى ما هو أدنى من الحضيض الأخلاقي والوطني.. ؟ 
 
زكي رضا الدنمارك 
  2023/8/1

11
الحشد الشعبي في مواجهة البطريرك ساكو

توالت ردود الفعل حول قرار عبد اللطيف رشيد المعيّن من قبل الأطار الشيعي كرئيس للجمهورية العراقية، بسحبه المرسوم الجمهوري الخاص بالبطريرك لويس ساكو الذي تمّ انتخابه "بطريركا على الكنيسة الكلدانية في سينودس الكنيسة بروما خلفا للبطريرك المستقيل عمانوئيل الثالث دلي في 1 شباط 2013م. و تم تعيينه عضوًا في المجلس الاقتصادي الفاتيكاني في 4 يناير 2022". والبطريرك ساكو حاصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة البابوية في روما وشهادة دكتوراه ثانية من جامعة السوربون، كما حصل على شهادة الماجستير في الفقه الأسلامي، ومن الضروري التأكيد على أنّه لم يشتري شهادتي الدكتوراه وشهادة الماجستير من جامعة أهلية لبنانية بأموال منهوبة من أبناء شعبنا العراقي، ولا بأموال الوقف المسيحي.

البطريرك ساكو رجل دين غزير المعرفة، فهو صاحب عشرين مؤلفّا في مجالي اللاهوت والدين علاوة على اكثر من ستمائة مقالة وبحث. كما حصل البطريرك لليوم على عدّة أوسمة منها وسام القدّيس أسطيفان عن حقوق الأنسان من المانيا. ولو أضفنا مواقف البطريرك الوطنية الى علمه وأوسمته، فأننا سنكون أمام شخصية دينية وطنية تعمل من موقعها على خدمة وطننا وشعبنا بكل أطيافه.

أن يتجاوز الرئيس المعيّن من أقليّة برلمانية خسرت الأنتخابات الاخيرة بفارق كبير، قبل أن تشكّل الحكومة التي عيّنته رئيسا للبلاد وفقا لمبدأ المحاصصة على عرف تاريخي معمول به منذ العهد العباسي لليوم أمر خطير وتجاوز على شخصيّة معيّنة من قبل المركز الرئيسي لمسيحيي العالم، لكن الأخطر بما يمثلّه من إهانة لهذا الرمز الديني هو أن يُصدر ما يسمّى بالقضاء العراقي قرارا بمثول البطريرك أمام قاضي محكمة تحقيق الكرخ على خلفية شكوى تقدّم بها الميليشياوي ريان الكلداني. وهذا يدل على أنهيار القضاء وتبعيته لأملاءات الحشد الشعبي الذي ينتمي أليه فصيل ريان الكلداني.

أحتكار الساحة السياسية على مستوى الشارع بقوّة السلاح، وتشكيل عصابات لأخذ الأتاوات والرشاوى والهيمنة على المنافذ الحدودية والسيطرة على مزاد العملة وتجارة المخدرات وحماية دور الدعارة والقمار وغيرها وصولا لمصادرة عقارات المواطنين، هو جزء من مهام الميليشيات والتي أصبحت شرعية بعد فتوى الجهاد الكفائي لمواجهة تنظيم داعش الأرهابي، لكن والتنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة مع تقدم كبير في قوة الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية التي وجّهت وتوجّه ضربات مميتة لهذا التنظيم الأرهابي، فأنّ الفتوى اليوم بحاجة الى مراجعة من قبل من أطلقها رحمة بالشعب العراقي ولتحريره من هيمنة هذه الميليشيات بسحب الصفة الشرعية عنها، أي حل الحشد الشعبي الذي تغوّل سياسيا وأقتصاديا وماليا، وأصبح دولة " شرعية" داخل جسم الدولة غير الشرعية.

أنّ تنظيم بابيلون الذي يحتكر تمثيل المكوّن الكلداني في البرلمان العراقي، هو جزء من تنظيم ميليشياوي تلاقت أهدافه وطموحاته في النهب والسرقة ومصادرة أملاك المسيحيين في مناطق سكناهم، مع أهداف وطموحات الميليشيات الأخرى بالبلاد. وبالتالي فأنّ إنظمامه للحشد الشعبي يمنحه الصفة الشرعية وفقا للقانون العراقي. ومثلما تشكل الميليشيات الأسلامية خطرا على النسيج الأجتماعي لطائفيتها، فأنّ ميليشيات بابيلون تشكل خطرا على النسيج الأجتماعي المسيحي، الذي وجد نفسه اليوم أمام جريمة منح السطوة السياسية بعد العسكرية للتنظيم من قبل "الدولة" العراقية.

أنّ الدستور العراقي يضمن الحقوق الدينية لجميع الأديان والطوائف بالبلاد، ومسيحيي العراق أحرار في عبادتهم وأحترامهم لنيافة البطريرك ساكو أو غيره ممّن يعيّن من قبل الكنيسة، وهم كذلك أحرار في أنتخاب ممثليهم للبرلمان العراقي، وعدم قبولهم وصاية بابليون وميليشياتها المرتبطة بالحشد الشعبي..

على القوى الوطنية العراقية والمراجع الدينية التي سيأتي دورها لاحقا بشكل أو بآخر لعزلها بقرارات قراقوشية، أن تقف ومعها جماهير شعبنا الى جانب مسيحيي العراق بمطالبها بالعدول عن قرار عزل الكاردينال ساكو، والضغط على ما يسمى بمجلس القضاء العراقي الأعلى بسحب الدعوى المقامة ضد نيافته وتقديم الأعتذار الرسمي له.

 زكي رضا
الدنمارك
16/7/2023
 




12
أخلاق عبد الكريم قاسم ورفاقه وأخلاق من جاء بعدهم


في الذكرى الخامسة والستين لقيام ثورة الرابع عشر من تموز وكما اللواتي سبقتها، تتجه أقلام الكتّاب والباحثين لكتابة آرائهم حول الثورة. فمنهم من يحملّها ما آلت اليه أوضاع العراق منذ أنهيارها بأنقلاب الثامن من شباط الأسود وليومنا هذا، ومنهم من يدافع عنها وعن أنجازاتها التي تحققت في عمرها القصير مقارنة بالعهد الملكي وعهود ما بعد انقلاب شباط 1963 ولليوم وما حققته. وهذا الجدال بين الفريقين سيبقى لفترات طويلة جدا، وما من أفق قريب لحسمه.

في هذه المقالة نود الأبتعاد عن ما حققته الثورة وما فشلت في تحقيقه، بل وحتى الأبتعاد عن كونها ثورة أم أنقلاب عسكري قاده ضباط "مغامرون". لأن الخوض في هذا الموضوع سيبقى جدالا ليس الّا، ومن الصعب أقناع أي طرف بأحقيّة الطرف المقابل، كوننا نفتقر بالعراق ولليوم الى دراسات علمية حيادية وبعيدة عن العاطفة لحسم مواقف سياسية بسيطة، فكيف بزلزال كزلزال الرابع عشر من تموز الذي غيّر وجه العراق بالكامل؟

أمران لازما جميع حكّام العراق منذ بداية تأسيس الدولة لليوم، هما الصبغة الطائفية والعشائرية اللتان كانتا حاضرتان في تصرفات ونهج ليس الحكّام فقط، بل وكامل السلطات بوزارتها ومؤسساتها  وجيشها،  وهذان الأمران كانا بعيدين جدا عن عبد الكريم قاسم ورفاقه.  فقاسم كفرد ورجال حكومته بنهجهم كانوا بعيدين كل البعد عن العشائرية التي حاربوها بإلغاء قانون العشائر الذي سنّه الانكليز لتعميق العلاقات العشائرية والأقطاعية، كما كانوا بعيدين عن الطائفية نهجا وممارسة، عكس جميع السلطات العراقية السابقة واللاحقة لثورة تموز ومنها سلطة اليوم التي تفتخر بطائفيتها وعشائريتها وتعمل على تكريسهما من خلال نظام المحاصصة الطائفية القومية سيئ الصيت والسمعة.

الرشوة والثراء غير المشروع واستغلال المنصب لتمرير صفقات داخلية وخارجية من مسؤول أو أقاربه أو الدائرة القريبة من مركز أتخاذ القرار هو سقوط أخلاقي، علاوة على كونه جريمة بحق الناس والوطن. ولو عدنا الى سيرة عبد الكريم قاسم ورفاقه من الضباط الأحرار الذين نطلق عليهم اليوم تسمية قاسميّون، سنرى فشل حتى من قاموا بأعدامهم من إثبات هذه الجرائم بحقّهم.  فقاسم مات وهو لا يمتلك دارا سكنية أو قطعة أرض بعد أن وهب قطعة الأرض الوحيدة التي يمتلكها في قضاء الصويرة الى الدولة لتشييد مدرسة ثانوية أو مستشفى عليها وفق طلبه.  كما لم تستطع لجان الحرس القومي واللجان التي شكلتها الحكومة من كشف أي شكل من أشكال الرشوة وأستغلال المنصب لأقاربه ورفاقه، بعد أن جابوا كل أرجاء العراق باحثين عن وثيقة تدينه ورفاقه وعائلته.

 


أعلاه وثيقة تنازل قاسم عن أرضه السكنية لصالح الدولة

إذا كانت الرشوة والمحسوبية والثراء غير المشروع وإستغلال المنصب لعقد صفقات مريبة وفاسدة بقوّة الميليشيات والأجهزة الأمنية وفساد القضاء،  لتمرير صفقات تجارية كبرى لصالح هذا السياسي أو ذاك، أو لصالح أبنائه وأقاربه وأبناء عشيرته وأعضاء حزبه من الدائرة المقرّبة، كما كان العهد الملكي والعارفين والبعث وعهد المحاصصة اليوم، والتي أدّت وتؤدّي لأنهيار البلد على مختلف الصعد ومنها الأخلاقي. فأنّ السقوط الأخلاقي لأعداء عبد الكريم وثورة الرابع عشر من تموز وعدم أعتبارها عيدا وطنيا للعراق، هو سقوط أخلاقيّ مدوّي. فساسة اليوم يمتلكون كل مقوّمات السقوط الأخلاقي، ويعملون ونجحوا لحدود بعيدة في أن يشمل السقوط الأخلاقي قطّاعات كبيرة من المجتمع، الذي لا يعيش حياة آدمية كبقية الشعوب لكنك تراه يهرول خلف كل فاسد زنيم!

لسنا في صدد دكتاتورية قاسم وتفرّده بالقرارات خصوصا المهمة منها، ولا بصدد علاقاته مع القوى السياسية العراقية وقتها، ولا بمواقفه اللينة تجاه أعداء ثورة تموز الذين نجحوا بالنهاية في قتله وقتلها، ولا موقفه من مراجع الدين الذي وضعوا اللبنة الأولى لأنهيار ثورة تموز بسعيهم نتيجة لأوامر من خارج الحدود وداخلها على أبعاد قوى وطنية عنه ، أو بالأحرى أبعاده عن تلك القوى التي وقفت معه حتى بعد مقتله. لكننا من حقنّا ونحن نرى الأحزاب الأسلامية التي تدّعي السير على نهج القرآن وعدل علي، أن نقارن قادة هذه القوى ومراجعها الدينية مع قاسم أخلاقيّا، بل وحتى أسلاميا.

رحل قاسم وهو لا يملك من دنياه شبرا، ولازال قتلته ومن جاء بعدهم يريدون منه حقّهم! رحل قاسم عفيف اليد بيضاء ونسى حتى من بنى لهم مدينة متكاملة لينقذهم من الجوع والمرض والفقر تلك اليد، فغيّروا أسم المدينة التي بناها وسمّاها الثورة وليس مدينة قاسم، الى مدينة صدّام مرّة والى مدينة الصدر مرّة!! رحل قاسم وهو لا يملك في العراق على وسعته قبرا! نرى أنّه من العار مقارنة أخلاق قاسم بأخلاق البعثيين وساسة المحاصصة وهم في قعر واد من الأجرام بحق الشعب والوطن وثرواتهما.

الشعب الذي يعرف تاريخ عبد الكريم قاسم ونزاهته وتاريخ البعثيين والأسلاميين وفسادهم وجرائمهم  ولا يضع الحق في ميزانه، بحاجة الى أعادة تأهيل ليعرف الرشد من الغيّ، ولله في البعثيين والأسلاميين وأتباعهم وذيولهم شؤون.

 

زكي رضا
13 تموز 2023
الدنمارك
 

13

مكانة التعليم والأخلاق في العراق الإسلامي


منذ أن عرف الإنسان الكتابة ومهاراته تتطور بإستمرار حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم من تقدّم خدمة للبشرية على مختلف الصعد، وستبقى تتطور الى ما لا نهاية. فالمعرفة والتطوّر العلمي وهما تراكم كمّي ونوعي للمهارات والتجارب التي أكتسبتها البشرية على مرّ العصور لن يتوقفا في محطّة ما مطلقا، بل يستمر قطارهما بالسير قُدُما كلّ ما عبر محطة من محطات العلم والمعرفة. وعندما يدور الحديث عن المعرفة والتطوّر العلمي علينا الإشارة الى العلوم جميعها كحزمة واحدة تتطور بتتطور أي حقل فيها، لتساهم في رقيّ الإنسان وتقدمّه.

تعتبر المدرسة اللبنة الأولى في التعليم، فهي البيئة التي توفّر المعرفة عن طريق مناهج دراسية تنمّي مواهب الطلبة علميا وأدبيا، وهذه البيئة أي المدرسة بحاجة الى كادر تخصصّي متمرّس في زرع المعلومة العلمية عند الطلبة. لكن المدرسة تبقى عاجزة عن إنتاج جيل قادر على مواكبة العلوم والآداب، إن لم تتوفر في مناهجها التعليمية الحيادية في عرضها وتدريسها، ويبقى الطاقم التدريسي والإداري هما من العناصر الهامّة جدا في تقدّم العملية التعليميّة وجودتها.

لقد إهتمّ الإسلام الذي يدّعي رجال الدين والأحزاب والميليشيات الإسلامية ومعهم النسبة العظمى من أبناء شعبنا الإيمان به، بالتعليم وإنتشاره. وكان طلب النبي محمّد من أسرى بدر ممّن كانوا لا يملكون مالا بتعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ليشتروا به حريّتهم، دلالة على إهتمامه بالتعليم بإعتباره اللبنة الأساسية لقيام الدولة التي كان يعمل على تأسيسها. وكان هذا التعليم للأولاد وقتها أشبه بأوّل مدرسة للأولاد في الإسلام.

إنّ التعليم حرب لا تقل ضراوة عن الحروب الحقيقية، ومتى ما أنتصرت دولة في حقل التعليم فأنّها لا تعرف الخسارة بعدها، كونها إستثمرت في مجال الإنسان وعقله. وهذا الإستثمار بحاجة الى إرادة سياسيّة ووطنية عالية تضع مستقبل الشعب والوطن ضمن أولوياتها، من خلال تخصيص نسبة عالية من ميزانيتها لتطوير حقول التعليم المختلفة وفي مختلف المراحل الدراسية. فهل العراق بعد عشرون عاما على وصول الإسلاميين وحلفائهم من قوى المحاصصة للسلطة قادرين على خوض هذه الحرب والإنتصار فيها..؟

تنص المادة (٣٤) اولاً من الدستور العراقي على أنّ : التعليم عامل اساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة، وهو الزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الامية . ثانياً : التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله . ثالثا : تشجع الدولة البحث العلمي للاغراض السلمية بما يخدم الانسانية، وترعى التفوق والابداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ. هنا يكون الإسلاميون قد بدأوا معركة التعليم، لكن على الورق وليس في المدارس والمعاهد والجامعات. وخسارتهم لهذه المعركة التي هي هزيمة ساحقة لشعبنا ووطننا تأتي من خلال فساد المؤسسات التعليمية وقلّة الأموال المخصصة للتعليم في الموازنة العامة، مقارنة بتلك المخصصة للدفاع والداخلية والحشد والأوقاف الدينية والهيئات الرئاسية وغيرها من أبواب الفساد. وبعيدا عن مقارنة الميزانية المخصصة للتعليم بالعراق مع غيره من البلدان، نعود الى ما تناولته اليونيسيف حول سوء التعليم في تقرير لها من " أنّ العراق أنفق في السنة 2015 – 2016 ، ما يعادل 5.7 % فقط من الأنفاق الحكومي على التعليم الأمر الذي يضع البلاد أسفل السلّم بالمقارنة مع دول الشرق الأوسط في أي سنة معينّة". ولو عرفنا مداخيل العراق المالية مقارنة مع مداخيل البلدان التي هي أعلى منّا في سلّم التعليم وجودته، نكتشف حجم الكارثة الحقيقية التي يرتكبها الأسلاميّون بحق بلدنا وشعبنا وخطرهم على مستقبلهما. أمّا لو قارنّا نسبة الأنفاق الحكومي عهدهم مع نسبته المخصصة لوزارة المعارف إبّان العهد الملكي في السنة المالية 1957 – 1958 والتي كانت 20.3 ، وهي بالحقيقة مقدار ما صرفته الوزارة لتطوير التعليم ونشره متجاوزة الميزانية المخصصة لها. فأننا نقف أمام مفارقة كبيرة وهي توجيه الأنتقادات لهذه الميزانية من قبل قادة الرأي وقتها، إذ ومع هذه الميزانية و" مع إهتمام وزارة المعارف بزيادة الأنفاق على تطوّر التعليم ومؤسساته الّا أنّها لم تسلم من كثرة الأنتقادات الموجهّة اليها من قادة الرأي في العراق، لقلّة أنفاقها على ميادين التعليم قياسا بأنفاقها على الدوائر الأمنية، ممّا يدل على عدم إكتراث الدولة في تثقيف الشعب وممارسة حقوقه الأساسية ليكون مواطنا صالحا"!! (1). أمّا في السنة المالية 1962 – 1963 فقد وصلت ميزانية التعليم الى 23% من ميزانية الدولة، ولترتفع في السنة المالية 1963 – 1964 الى 25%. (2) أعود هنا لأقول من أننا لو قارنّا ميزانية التعليم في عهد هيمنة الأسلام السياسي الأسلامي اليوم مع السنوات الأخيرة للعهد الملكي والأولى للعهد الجمهوري فأننا نكتشف حجم الجريمة التاريخية لحكّام اليوم بحق أطفالنا ومستقبلهم ومستقبل وطننا.

لنعود الآن الى الأخلاق التي ما أنفكّ الأسلاميون ورجال دينهم على وعظ شعبنا بها، وكأنّ شعبنا لم يكن يعرف الأخلاق قبلهم، علما أنّ الأخلاق عندنا تدهورت بشكل مخيف عهدهم الكارثي الذي وصل فيه الى تدمير شبه كامل للمنظومة الأخلاقية. لقد كانت الأديان منذ نشأتها لها ركيزتين أساسيتين هما العقيدة/ الإيمان والأخلاق، والأخلاق عند الأسلام والاسلاميين يدور حول الخير والشر والصالح والطالح والجيّد والسيء والحسن والقبيح والفضيلة والرذيلة. وكل ما يفيد الناس ويشذّب أخلاقهم هو خير وصالح وحَسِن وجيد وفضيلة، وكل ما يضرّ الناس وتسوء أخلاقهم بسببه هو شرّ وطالح وسيء وقبيح ورذيلة. ومفهوم الأخلاق عند الفلاسفة المسلمين يعني أستعمال العقل في تصرف الأنسان مع المفاهيم الأخلاقيّة في مجتمعاتهم، فهل الفساد على مختلف الصعد ومنه الفساد الأخلاقي اللذان أصبحا ظاهرة في العهد الأسلامي بالعراق اليوم، مقبولة عقليّا، وما هو موقف رجال الدين المتحكّمين بالشارع العراقي في دفع الناس لأستخدام عقولهم في تفسير الظواهر الأجتماعية الخطرة كضياع الأخلاق، على أعتبار أنّ الفساد هو الحاضنة الطبيعية لكل الموبقات وهو نتاج ضياع الأخلاق؟

يُعتبر فساد الخاصّة أساس لفساد العامّة في الفقه الشيعي، وفي هذا يقول الأمام علي بن أبي طالب: قوام الدين والدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه (3).
فإن كان الإمام علي يعني بالعالم رجل الدين، فلنا منهم جهلة وطائفيّون ولصوص وفاسدون ومفسدون بنسبة كبيرة، وإن كان يعني بهم أصحاب العلوم الدنيوية وهم الكفاءات التي نحتاجها لبناء بلدنا، فقد خلا العراق منهم تقريبا. أمّا جاهلنا فهو يريد أن يتعلّم، لكنّ المجالات أمامه بفعل أخلاق الحكّام وفسادهم مسدودة، أمّا الجَواد والذي يجب أن تكون الدولة محلّه فهو يسرق الفقراء والبسطاء، أمّا معروفه في بناء الوطن فهو بخيل به وسارقه، أمّا فقراء بلدنا فهم باعوا آخرتهم بدنياهم وهم ينتخبون لجهلهم عديمي الأخلاق والضمير من الفاسدين واللصوص والخونة والقتلة في كلّ إنتخابات.

إيذاء الناس ليست من أخلاق الإسلام، وفي هذا يقول النبي محمّد وقد ذُكرت له إمرأة من أنّها تُكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنّها تؤذي جيرانها بلسانها أن: هي في النار. فكيف حال ساسة العراق الأسلاميين وهم يقومون بشعائر الدين ويسرقون الناس أموالهم ويدمرّون بلدا بأكمله!؟ يبدو أنّ أهل جهنم ومنهم هذا المرأة سيثورون إن أدخل الله أسلاميي العراق الى جهنم حيث تقيم ويقيمون، وحينها سيخلق لهم أي إسلاميي العراق جهنم تليق بهم وسعيرها أضعاف أضعاف سعير جهنم االتي يتحدثّون عنها ويصفونها لنا..

لقد بدأ الإسلام بكلمة إقرأ التي قالها جبريل للنبي محمد في غار حراء "اقرأ باسم ربك الذي خلق " ، وشعبنا اليوم بين أمّي ونصف أمّي وشبه أمّي. وآخر كلمة قالها النبي محمد في خطبة رسميّة وكانت خطبة الوداع هي الأخلاق إذ قال " إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".  واليوم ونحن نعيش العهد الأسلامي الأسود وعهد الأنحطاط الأخلاقي ثلاثي الأبعاد،  فمن حقنا أن نسأل القوم عن أسلامهم بعد أن تبخّرت كلمة إقرأ وتلاشت الأخلاق بفضل فتاوى الدين وقوانين العشيرة. 

تمام الإخلاص إجتناب المعاصي (النبي محمّد) .. وزوال الأخلاق الذي يُنْتِج الفساد هو وعاء المعاصي.


(1) موازنة وزارة المعارف في العهد الجمهوري دراسة في آثارها التنموية ١٩٥٨-١٩٦٨ــ مـجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية المجلد ٤ /العدد ٣ ص 121.
(1) نفس المصدر ص 143.
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١٩ / ٣٠٣.

 
زكي رضا
الدنمارك
12/6/2023

 


14

لا ديموقراطيّة بالعراق بل إستبداد وطغيان وعنف وفساد


منذ الإحتلال الامريكي للعراق والحديث يدور عن الديموقراطية وسبل تحقيقها، والتي تمّ تسويقها أي الديموقراطية عراقيّا بأبشع واسوأ صورة مدمرّة أي صورة المحاصصة الطائفية القومية. ولم يتم التطرق الّا ما ندرعن الأستبداد بأشكاله المختلفة والذي هو بالحقيقة السمة الممّيزة للوضع السياسي والأجتماعي والأقتصادي، وما ينتج عنه من طغيان وعنف كبلّت البلاد والمجتمع وفرضت نموذجا سياسيا إجتماعيا أقتصاديا فاشلا يقود البلاد الى نهايات كارثيّة، وفي الحقيقة فأنّ الأستبداد وما ينتج عنه عمره من عمر الدولة العراقية الحديثة، إذا ما تجاوزنا الإستبداد في ما قبل الإحتلال البريطاني للبلاد.

الحديث عن الاستبداد في العراق "الديموقراطي" اليوم أشبه بالتابو، فالسياسيون يبتعدون عن الأشارة الى الأستبداد رغم وضوحه كما الشمس في رابعة النهار كما تقول العرب، والمثقّفون والمفكرّون والواعين من أبناء العراق على قلّتهم مقارنة بالغالبية الجاهلة منقسمون تجاهه نتيجة ميلهم لهذه الجهة المستبدة أو تلك، أو الخوف الذي يمنعهم نتيجة العنف الذي تمارسه الميليشيات من إبداء آرائهم علانيّة.

الإستبداد والطغيان وهما متلازمان دوما بإعتبارهما مكملّان لبعضهما البعض، عرفا تاريخيا من خلال أنظمة مستبدّة عن طريق حاكم متسلّط أو ما يُطلق عليه دكتاتور، أي الحاكم الذي لا يحكم بلاده بنظام ديموقراطي متعدد وتبادل سلمي للسلطة من خلال الآليات الديموقراطية. وفي العراق كانت لدينا تجربة مثل هذه الأنظمة الدكتاتورية لعقود. وشعبنا ونخبه المثقفة مسؤولة عن أنتاج وديمومة مثل هذه الأنظمة الأستبدادية، وهي بذلك لا تختلف عن شعوب ونخب ثقافية ساهمت في أنتاج أنظمة أستبدادية أذاقت شعوبها الويلات في مناطق أخرى من العالم.

الديموقراطية أشبه بالهرم وقاعدة الهرم هي من تمتلك الرأي الفصل في شكل النظام وطبيعة السلطة، أمّا في الأنظمة المستبدة والدكتاتورية فأنّ رأس الهرم هو من يحدد شكل النظام وطبيعة السلطة، وبدلا من أن تُسنّ القوانين من أسفل الى أعلى نرى القوانين تُسنّ من الأعلى وفرضها على قاعدة الهرم بأساليب متعددة. هناك آراء تذهب الى أنّ المستبد قد يكون مصلحا يريد رقيّ شعبه ووطنه، لكنّه في النهاية هو طاغية يمارس العنف تجاه جزء من المجتمع الذي يرفضه، وهناك في نفس الوقت من يؤيدّه في ذلك المجتمع، وهذا يؤدي الى زرع أولى البذور في تقسيم المجتمع وهذا ما حدث بالعراق الذي خاض مثل هذه التجربة السياسية التي كان فيها شخص واحد على رأس الهرم له أتباعه وله مخالفيه. لكنّه وإن كان عادلا سيظل دكتاتورا من حيث تمركز السلطة والقرارات السياسية والأقتصادية عنده. فالأنظمة المستبدة ومنها أنظمة الفرد والحزب الواحد تستخدم القوّة في إستمرار الطغيان والأستبداد والعنف والفساد لتستمر في السلطة لأطول فترة ممكنة، وعكسها الأنظمة الديموقراطية التي تستخدم قوّة اخرى ،هي قوّة القوانين لتوزيع العدالة وبناء دولة مؤسسات.

العلاقة بين الفساد والأستبداد متبادلة ووجود احدهما يعني بالضرورة وجود الآخر، فهل شيوع الفساد على مختلف الصعد بالعراق اليوم يعني أن هناك إستبداد وطغيان وعنف..؟ لو نظرنا الى الواقع السياسي بالبلاد اليوم فإننا نرى ثلاثة أهرامات تشكّل العملية السياسية فيها، وهي الأهرامات الشيعية والسنيّة والكوردية. وهذه الأهرامات تتحكم بسياسة البلاد وإقتصادها من خلال قممها، ولا دور لقواعد الأهرامات هذه في رسم سياسة البلاد بالمطلق. خصوصا وأنّ قمم هذه الأهرامات تلتقي بقمّة رابعة لهرم رابع وهو هرم المحاصصة الطائفية القومية. وهنا يكون الطغيان متعدد وليس طغيان فرد حاكم، ففي الهرم الشيعي هناك طغيان المؤسسة الدينية الشيعية والأحزاب والميليشيات والعشائر الشيعية، ومثله في الهرم السنّي، وكذلك في الهرم الكوردي حيث حكم العائلتين الحاكمتين.

الطغاة الجدد بالعراق اليوم كما الذين سبقوهم لا يستطيعون الأستمرار في إستبدادهم وطغيانهم وعنفهم وفسادهم، لولا إستعداد الجماهير لقبول الطغيان وتأليه الطغاة من جهة، وغياب دور المثقف العضوي في الوقوف بوجه الطغيان وأدواته.

يقول الفيلسوف والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن "الأمم لا تموت قتلاً وإنما انتحاراً"، واليوم ونحن نعبد رجل الدين وزعيم القبيلة ونخاف الميليشيات ونعيش مع الفساد والجهل دون أن نشعر بمستقبل وطننا وأجيالنا القادمة، فإننا نحتضر وإنتحارنا مسألة وقت ليس الّا.

 
زكي رضا
الدنمارك
 3/6/2023

15
تصريحات وخطب ذات محتوى هابط


 ميزّات الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت) عديدة وتدخل في مختلف المجالات، فمن خلاله تعقد الأجتماعات عن بعد، وتتم من خلاله الدراسة عن بعد، وجميع الرسائل في العالم تقريبا تحولّت الى رسائل الكترونية وهي من تطبيقات الأنترنت. والأنترنت اليوم هو موقع للتواصل الأجتماعي بين الناس وتبادلهم الأفكار. الأنترنت اليوم  من أسرع وسائل الدعاية، فمن خلال تطبيقاته على الهاتف الجوّال وهو في العمل أو في الشارع  يكون المرء أقرب الى أحداث العالم من جلوسه في البيت لمتابعة نشرات الأخبار، وفي الحقيقة ونتيجة التطور العلمي الهائل في مجال البرمجيات فأن من الخطأ القول من أنّ العالم عبارة عن قرية صغيرة، لأنّ العالم اليوم وبفضل سرعة نقل المعلومات السلبية والإيجابية ومن مختلف الفروع ليس سوى غرفة صغيرة وليس قرية صغيرة.

الشعب العراقي الذي لم يعرف شيء عن الأنترنت والحواسيب حتّى التاسع من نيسان 2003 ، أخذ حقّه في التعرّف على هذا العلم الساحر والواسع  بعد أن أصبح الأنترنت في متناول نسبة كبيرة جدا منه. لكنّ ما غاب عن بال المتصدّين للشأن السياسي هو أنّ الأنترنت فضاء أفتراضي  لا يعرف أو لنقل لا يمانع من تبادل أو نشر مواضيع تمس أخلاق أو أديان أو مذاهب بلدان ما. وكلمّا حاولت دولة من منع تبادل افكار أو افلام أو خطب سياسية أو دينيّة أو كتب ومجلات ومواقع تتقاطع مع سياسات تلك الدولة بل وحتى مواقع إباحية من خلال حجبها، ينجح روّاد هذه المواقع ومن خلال تطبيقات معيّنة من إختراق الحجب والدخول الى تلك المواقع. وفي مثل هذه الحالات تعود الحكومات لطريقتها المفضلّة في معالجة " المشكلة"، أي القمع  والإرهاب الفكري.  ومن هذه الحكومات، الحكومة العراقية التي وبضغط من رجال الدين وزعماء الأحزاب والميليشيات المسلّحة وهم يقتلّون حريّة التعبير التي نصّ عليها الدستور. ومن أجل محاربة حريّة الرأي عادت السلطة الى سن ما يسمى بقانون المحتوى الهابط، الذي هدفه الأساسي تكميم أفواه الصحفيين والأعلاميين والكتّاب ومنتقدي السلطة وفسادها. ولكي تأخذ الدولة مكانها الطبيعي في مواجهة حريّة الرأي وتكميم الأفواه  أعلنت وزارة الداخليّة العراقيّة عن تنظيم مسابقة المحتوى الإيجابي، على أن " يتلخص المحتوى في تجسيد فكرة عامة لصاحب المحتوى على شكل (فيلم) لا يتجاوز الدقيقتين أو أي محتوى آخر يرونه مناسبا لدعم عمل وزارة الداخلية وسعيها لتعزيز الاستقرار الأمني والسلم المجتمعي". وقد إنتخبت الوزارة لشهر شباط الماضي مثلا موضوعة المخدرّات، على أن يحصل الفائزون الثلاثة الأوائل على جوائز تبدأ من واحد الى ثلاثة ملايين.

لقد أعلن القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن أنّ "المحتوى المسيء الذي يتضمن موضوع الجرائم المخلة بالأخلاق، ويتضمن أفعالاً مخلة بالحياء العام وقد يتضمن أيضاً موضوع الجرائم التي تدعو إلى الكراهية أو تحرض على العنف أو تدعو إلى التمييز العنصري أو الطائفي فهذه كلها مجرّمة بموجب نصوص في قانون العقوبات"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنها "تختلف عن النصوص التي تعالج الأخلاق العامة، والنصوص التي وردت في الباب الخاص بالجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة على من يبث الإشاعات ومن يعمل على الأمور العنصرية، فكل هذه الأفعال هي أفعال مجرّمة وبمجرد أن تحرك الشكاوي أمام المحكمة فالمحكمة ستمضي باتخاذ الإجراءات".

هل الإشارات والإيماءات الجنسية، أو إستخدام الفاظ  تفسّر حسب أهواء أو نوايا متلقّيها، أو مقاطع فيديو وأحاديث تنتقد الفساد وسياسيين ورجال دين من خلال تصريحاتهم الغريبة عن العقل والمنطق، تدخل ضمن خانة المحتوى الهابط؟ وكيف سيميّز القانون بين ما ذكرناه اعلاه ليعطي رأيه النهائي فيه؟ لكي نتعرف على المحتوى الهابط الذي تقول به السلطات العراقية دعونا أن نعود للغّة والتي يجب أن تكون متواجدة بتفسيراتها عند إقرار أي قانون، كي لا يكون القانون حمّال أوجه عند تفسيره.

 إسم محتوى في معجم المعاني الجامع، والذي يهمنّا هنا هو تعريفه الأنترنيتي إن جاز التعبير هو: محتوى الويب : أو محتوى الشبكة العنكبوتية ؛ ‏ هو كل محتوى مكتوب أو مرئي أو مسموع على أي موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية يشمل هذا الصور و الفيديو و النصوص والملفات الصوتية. والمصدر نفسه عرّف الهابط  قائلا: هابِط: (اسم)،  فاعل من هَبَطَ، رَأَيْتُهُ هَابِطاً بِالْمِظَلَّةِ : نَازِلاً، سِعْرُ اللَّحْمِ هَابِطٌ فِي السُّوقِ :  رَخِيصٌ، غَيْرُ مُرْتَفِعٍ، هَابِطُ الأَخْلاَقِ : سَاقِطٌ . وعليه فأنّ معنى محتوى هابط وفق المعجم يجب أن يكون ( محتوى ويب رخيص وساقط) وهو ليس كذلك.  والساقط  هو ما يتعلّق بالأخلاق وهو ما تريد السلطة تطبيقه من خلال قانون، لكن الرخيص حسب اللغة يعني زهيد، أي ذو ثمن غير مرتفع. وليس كلّ رخيص ساقط، وقد جاء في المعجم الوسيط: رخّص الشّخص نفسه: أذلَّها وأهانها ، وقلَّل قيمتها، وفي المثل: " إن أرخصت نَفْسَك أرخصك الناسُ" فهل كل من أرخص نفسه ساقط!؟

قد يتفّق البعض مع قانون المحتوى الهابط إستنادا الى الدين والعرف الإجتماعي على الرغم من مخالفته للدستور كونه يكمّم الأفواه ويقمع حريّة الرأي، لكن السؤال الملّح هو: هل الصور و الفيديو و النصوص والملفات الصوتية، التي تضرب السلم المجتمعي بتعدّيها على رموز طائفة دينية من قبل رادود، يدخل في خانة المحتوى الهابط؟ هل زرع الجهل بين الناس من على المنابر وتناول روايات ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يقول شيخ "  قال أمير المؤمنين (ع) في مخطوطة قديمة أسمها الجفر: ( ولا غالب لأمر الله عند قوم لهم نهر عظيم اسمه أمزون يدعون للحق فيها مغاليس ، والظلم يفتن دهراً ، ينشر في أرضهم فقراً ،ولا يعلو لهم اسم الا في اللعبة السارحة، يمرح رجالها خلف مثل أضعاف بيضة نعامة، كرة من جلود ينصبون لأجلها الرايات ويعزفون المعزف ويرقصون رقص الأحباش..... )، أقول هل هذا محتوى هابط أم لا؟ هل حديث معمّم عن عدم جواز السير خلف إمرأة لأنّه سينظر الى عجيزتها بشهوانية محتوى هابط وبذيء أم لا؟  هل علاج عشيرة كاملة بحبة حلوى ( جكليت) كما قال معمّم محتوى هابط أم لا خصوصا وأنّ هذا المعمّم لم يتناولها وهو مريض، بل ذهب للعلاج خارج البلاد!؟

قبل أيّام خرج علينا رجل دين يمتهن السياسة بتصريح أقلّ ما يقال عنه من أنّه هابط وهابط ليقول، من أنّ الموساد الإسرائيلي هو من قتل الإمام علي بن أبي طالب!!! ونفس رجل الدين هذا يتّهم شعب كامل بقلّة الغيرة وقساوة القلب حينما يقول من أنّ نهر الفرات له هاتين الصفتين وأنّ مصر تعتمد عليه في ( الري والسقاية)!!
فهل سيأخذ القانون مجراه مع أمثال هؤلاء وهم ينشرون الفتنة الطائفية داخليا وخارجيا علاوة على اشاعة الجهل والتخلف. أليست الطائفية والجهل والتخلف والعادات العشائرية المتخلفّة محتوى هابط!؟

يقول القاضي عامر حسن "المحتوى الذي يقدمه بعض السياسيين في حال كونه يتعلق بموضوع إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية فهم يقعون تحت طائلة المساءلة القانونية"، مؤكداً أن " لا أحد فوق القانون، والكل يخضع للقانون". فهل يقع من يسبّ ويشتم رموز دينية لطائفة معيّنة تحت طائلة القانون؟ وماذا عمّن يتّهم شعبا عربيا يختلف معه طائفيّا من أنّ لا غيرة لهم، هل هو فوق القانون؟

على المرجعية وإحتراما للمذهب الشيعي، أن تأخذ دورها في منعها أمثال هؤلاء من إطلاق  هكذا تصريحات تسيء للشيعة قبل أن تسيء لغيرهم، وأن تمنع رجال الدين والرواديد الطائفيين الذين يهددون السلم المجتمعي من صعود المنابر الحسينية، لأنّ العالم اليوم غرفة صغيرة وسينتقل أليها ترهّات وطائفية هؤلاء صوت وصورة وبسرعة قياسية، وهذا ما سيجعل بل وجعل الدين والمذهب في مرمى النقد اللاذع. 

زكي رضا
الدنمارك
13/5/2023
 
 


16
العراق بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية وليس دولة مدنية ديموقراطية
(2)


القوى الديموقراطيّة العراقية لم تتبنى لليوم في برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية وهي تعمل على أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية ، شعار الدولة العلمانية الديموقراطية، ولازالت ترفع شعار الدولة المدنية الديموقراطية كبديل لنظام المحاصصة، وهذا الشعار أشبه بالدواء الذي يهدئ آلام المريض دون علاجه، كما وأنّ نظام المحاصصة ليس ببعيد عن مفهوم الدولة المدنية من وجهة نظر الإسلاميين وشركائهم في السلطة. فنظام المحاصصة يطرح نفسه على أنّه ليس بنظام ديني بل أقرب الى المدنية، ويمنح القوى التي تصف نفسها بالمدنية هامش "كبير" من الحريّة والتي هي بالحقيقة مقنّنة وتتحرك ضمن أطر وخطوط حمراء لا تستطيع القوى الديموقراطية تجاوزها لتكون مؤثرّة في الحياة الأجتماعية والسياسية للبلاد، لا من خلال الأنتخابات التي لا تستطيع أي القوى الديموقراطية التي تطرح نفسها كقوى مدنية من إختراقها لصياغة السلطة مجموعة قوانين تحول دون حضور فاعل للقوى الديموقراطية في المشهد السياسي العراقي ومنه البرلمان من جهة، ولا من خلال العمل الجماهيري لغياب وحدة هذه القوى وتبنيها برنامج إنقاذ وطني في مواجهة قوى السلطة الفاسدة من جهة ثانية، ولغياب الوعي الأنتخابي وضعف الإنتماء الوطني مقارنة بالإنتماءات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية لجماهير واسعة من أبناء العراق من جهة ثالثة. وكمدخل للتمييز بين ما تسمّى بالدولة المدنية والدولة العلمانية نرى أن لا ضير في العودة الى تعريفات اللغة لهما.

المدنيّة كما جاء في معجم المعاني الجامع إسم وهي: الجانب المادّي من الحضارة كالعمران ووسائل الإتصّال والترفيه، يقابلها الجانب الفكري والرّوحي والخلقيّ من الحضارة، وتعني كذلك الحضارة وإتّساع العمران. مدني: (اسم) منسوب إلى مَدينة، خاص بالمواطن أو بمجموع المواطنين، عكس عسكري. وقد تناول المعجم جملة من التعريفات المدنيّة كالقانون المدني، الدفاع المدني، الموت المدني، الطيران المدني، الحقوق المدنية، التربية المدنية، الحريات المدنية، المجتمع المدني، الخدمة المدنية والزواج المدني، ولم تتطرق معاجم اللغة مطلقا الى ما تسمى بالدولة المدنية. فالمدنية والمدني والمتمدّن يقابلها بالأنجليزية كلمة Civil، وهي غير كلمة العلمانية أو اللادينية في المعاجم الأنجليزية أي Secular ، أما Secularism المشتقة من التي قبلها، فأنها تعني نظام دولة لا يلعب فيه الدين أي دور في تنظيم حياة المجتمع ولا دور له في البنية الأساسية في بناء ونهضة المجتمعات والدول الناجحة أي التعليم. كما وأننا لا نجد هذا المصطلح أو تعريفا له في المراكز البحثية الغربية ولا في حقلي العلوم السياسية والفلسفية.

ما تسمّى بالدولة المدنية ليست ضد أن يكون للدين دورا في الدساتير والقوانين التي تنظم حياة الناس الأجتماعية، كما ولا تقف أمام أن يكون للدين دورا في المناهج التعليمية خلال المراحل الدراسية المختلفة وصبغ التعليم بصبغة دينية، أو بصبغة يكون فيها للدين دور واضح وملموس فيها، وهذا ما يدفع الأسلاميون ومنهم أسلاميّو العراق للتواجد في المنطقة الرمادية وهم يتعاملون مع خطاب القوى الديموقراطية الواقعة في فخ ما تسمّيه الدولة المدنية من جهة، ومع منظمات المجتمع المدني ويخترقونها ويشترون ذمم بعض الناشطين فيها كما حدث مع بعض ناشطي أنتفاضة تشرين خدمة لمشروعهم المستقبلي أي أسلمة الدولة، وهذا ما يدفعنا للتساؤل حول إن كانت القوى الديموقراطية تريد بناء دولة متقدمة على أنقاض دولة المحاصصة التي دمرّت البلاد وستقوده للخراب فيما أذا أستمرت في السلطة، أم سترفع شعار تحقيق الدولة العلمانية الديموقراطية وتعمل من أجله بأعتبارها الطريق المفضي لتحرر البلاد من قبضة الفساد والفقر والجهل وسطوة الميليشيات المسلحة؟

الأسلاميون يستطيعون العيش مع ما يُطلق عليه الدولة المدنية، لكنّهم يُحشدّون كل قواهم ضد العلمانية والعلمانيين والدولة العلمانية. وكوسيلة لبدء هجومهم عليها يروّجون على أنّ العلمانية ظهرت في الغرب لمواجهة الكنيسة التي كانت تحتكر الدين وتبيع صكوك الغفران، وأنّ الاسلام لا يمتلك النظام الكهنوتي كما المسيحية، وأنّها ظهرت في الغرب لكسر هيمنة الكنيسة والتحرر من أغلالها. وكأننا في العراق على سبيل المثال وغيره من البلدان العربية ، لسنا مقيّدين بفتاوى المؤسسات الدينية وتدخلاتها في الشؤون السياسية خدمة للمشروع الأسلامي الذي لم يستطع أن يقدّم لليوم نموذجا ناجحا واحدا في أي بلد عربي، علما أنّ جميع المؤسسات الدينية تعمل لصالح النخب السياسية ومصالحها في بلدانها وتمجّد صفوة رجال الدين وتمنحهم صفة القداسة، ومن خلال قداسة هؤلاء ووقفوهم الى جانب السياسيين كما في جميع مراحل التاريخ الأسلامي فأنّها تنشر العبودية في المجتمع وتتّهم بشكل غير مباشر من يناهضهم ويناهض الحكّام على أنّهم كفرة أي علمانيين بالمعنى السياسي للكلمة. وفي هذا الصدد يقول جان بودان في مؤلفه كتب الجمهوريات الستة: "بما أنّه لا يوجد أي أحد أكبر في الأرض بعد الله غير الأمراء السياديين، وإنّ الله أختارهم ضبّاطّا ليقودوا الناس الآخرين، فأنّ الحاجة ضرورية للنظر في مكانتهم من أجل أحترام جلالتهم بكلّ طواعيّة، والأحساس بهم والتحدث عنهم بكلّ شرف، لأن الذي يحتقر أميره صاحب السيادة يحتقر الله الذي هو صورته على الأرض". وإن كانت الكنيسة قد باعت صكوك الغفران لسرقة المؤمنين المسيحيين البسطاء، فأنّ المؤسسات الدينية ومن خلال فتاواها ولسرقة المؤمنين المسلمين البسطاء تحث الناس على طاعتها وبالتالي طاعة الأنظمة التي تعمل هذه المؤسسات لصالحها، فترسم لهم عالم آخروي جميل خال من الظلم والأضطهاد ليعيشوا حياة ملؤها الظلم والأضطهاد والفقر والمرض والجهل والتخلف في حياتهم الدنيا، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال صكوك الغفران. وأذا تركنا التفسير اللغوي لأسم كهنوت وهو وظيفة الكاهن ومصدر الكهانة أي معرفة الأسرار أو أحوال الغيب، فأن رجال الدين الأسلامي اليوم هم أقرب الى الكهنة والكهنوت كما الكهنة والكهنوت في مختلف الأديان.

لقد ظهر مصطلح الدولة المدنية بوضوح وقوّة إثر ثورات الربيع العربي التي لم تنجح في إحداث تغييرات حقيقية في أيّ بلد عربي الّا بشكل جزئي في تونس مهد ثورات الربيع العربي، أمّا في أوربا فأنّ مصطلح المجتمع المدني وليس الدولة المدنية بدأ التداول به في القرن السابع عشر من قبل فلاسفة العقد الأجتماعي مقابل نظرية الحقّ الإلهي كتوماس هوبز وجون لوك وهيغل وماركس وغيرهم وغرامشي في العصر الحديث.

أنّ ما تسمّى بالدولة المدنية مصطلح حديث (عربي) يرجع أساسه لأستنتاجات غير علميّة لنظرية الحكومة المدنية لجون لوك، وإلى توافق غير معلن بين القوى الإسلامية كي لا تتّهم من أنّها تعمل لبناء دولة دينية إسلامية، والقوى الديموقراطية التي تخاف من طرح العلمانية كمبدأ نتيجة تكفير الإسلاميين للعلمانية والعلمانيين وإعتبارهم ملحدين. ولا وجود لها كما قلنا في أي معجم سياسي غربي أو مركز بحثي مهتم بالعلوم السياسية والفلسفية.

والدولة المدنية التي تريدها القوى الديموقراطية العراقيّة كبديل لنظام المحاصصة، لا تعالج أهم نقطة في بناء مجتمع جديد ومن ثم دولة جديدة وهو فصل الدين عن الدولة. أنّ أي تغيير سياسي لا يستحدث آليات سياسية وأجتماعية وأقتصادية وفكرية لنقل المجتمع للأمام وبناء جديد للدولة، هو تغيير فوقي وإستمرار للحالة السياسية التي سبقت التغيير من خلال عدم حلّ المشاكل التي كانت سببا لهذا التغيير ودافعا لحصوله. ومثلما لم تستطع قوى المحاصصة إستحداث الآليات السياسية والأجتماعية والأقتصادية والفكرية لبناء دولة عصريّة، فأنّ القوى الديموقراطية لن تكون قادرة هي الأخرى على إستحداث هذه الآليات من خلال ما يطلق عليه الدولة المدنية التي ترفع شعارها، لأنّها بحاجة الى تحقيق نقطة لا تستطيع "الدولة المدنية" تحقيقها وهي الفصل الكامل للدين عن الدولة كمقدمة لتفكيك أهم حليف للمؤسسة الدينية والقوى الطائفيّة أي المؤسسة العشائرية. وهذه المهمّة التي هي الحل الوحيد لأنقاذ العراق لا تأتي الّا عبر نظام عَلماني ديموقراطي حقيقي، يأخذ على عاتقه بناء مجتمع وفق آليات تختلف عن الآليات التي سبق وأن استخدمتها السلطات العراقية السابقة ومنها سلطة المحاصصة.

أنّ قيام نظام علماني ديموقراطي بالعراق سيقدّم أكبر خدمة للدين، بعد أن جعله الأسلاميّون ومنهم معممّون ومؤسسات دينية في وجه مدافع الإنتقادات، بنشرهم الفساد والفقر والجهل وقمع الحريّات وما ينتج عنها من آفات إجتماعية وخراب أقتصادي وأستعباد الناس، عن طريق منع الدين والمؤسسة الدينية للعب أي دور في مجال التعليم بإعتباره الركيزة الأساسية لبناء دولة متقدمة، لذا نرى إصرار الأحزاب الأسلامية ومعها المؤسسات الدينية على تدمير التعليم بالبلاد، عن طريق إضعاف المدارس والجامعات العراقية التي كانت يوما في مستوى متقدم عن طريق إنتشار المدارس والجامعات الأهليّة التي تمتلكها مؤسسات دينية وشخصيات من هذه الأحزاب، والتي يلعب الدين الطائفي والمفاهيم القوميّة في مناهجها دورا كبيرا. ومن خلال تجربة عراق المحاصصة اليوم نرى ضعف الدولة في مجال التعليم وعدم إمكانيتها في تطبيق نظام تعليمي حقيقي وموحّد بالبلاد، وترك الأمر لأهواء مالكي المدارس والجامعات الأهلية، الذين يبحثون عن الربح مع إستخدامهم المناهج التعليمية وفضاء هذه المدارس والجامعات كحاضنة آيديولوجية.

ويتجاهل الإسلاميون أن العلمانيّة حين تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، تكون قد جنّبت سقوط الدين في معتركات المصالح السياسية وتقلباتها، والتي تؤدي إلى تشويه صورة الدين في حال تم استخدامه في ألاعيب السياسة، وعن هذا كتب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك قائلا:"من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تُنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحراراً، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة"، وإذا ما أردنا أن نطبّق مقولة لوك هذه بالعراق فنستطيع القول "يجب أن تكون الدولة منفصلة عن المؤسسة الدينيّة، والّا يتدخل أيّ منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر العراقي القادم عصر العقل، ولأوّل مرّة في تاريخ العراق الحديث سيكون الناس أحرارا وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة".

الدولة العلمانية الديموقراطية ليست معادية للدين والتديّن، بل على العكس فأنّها ومن خلال قوانين حريّة الرأي والمعتقد والفكر والضمير تمنح المؤمنين وغير المؤمنين حقوقا على قدم المساواة دينيا، كما تمنح أبناء شعبها من القوميات والأثنيات المختلفة حقوقا متساوية أيضا. ومثلما توفّر الحماية للمؤمنين قانونيا فهي توفّر الحماية للملحدين من خلال مبدأ حريّة الرأي والمعتقد والضمير. أنّ الحروب الدينية الطائفية والحروب القومية معدومة تقريبا في ظل العلمانية الديموقراطية وهذا ما نحتاجه فعلا بالعراق اليوم، كون الطائفتين المسلمتين خاضتا ولأوّل مرة في تاريخ العراق الحديث حربا حقيقية وتتخندقان اليوم مقابل بعضهما البعض، وخلافاتهما الفقهية والتي يستغلّها ساسة الطائفتين مع خطر المواجهة القومية بين العرب والكورد، يهددان بتقسيم البلاد كما حصل في السودان ويوغسلافيا والهند وبعدها إنفصال بنغلاديش عن باكستان. وسيبقى الفصل القانوني وفق الدستور بين الدين والسياسة، والتعليم بفصله التام عن التأثيرات الدينية لأي دين أو طائفة، مهمّة لا ينجح بها الا نظام علماني ديموقراطي، مع الأخذ بنظر الأعتبار من أننا بحاجة الى دستور يكتبه فقهاء قانون وليس فقهاء دين.

العلمانية كنظام للحكم لم تظهر دون مخاض سياسي وأقتصادي وأجتماعي وأخلاقي خاضته البشرية طوال تاريخها، بل تطورت على أنقاض أنظمة الحكم المختلفة منذ العبودية لليوم، ونجح الراهب مارتن لوثر على سبيل المثال في نضاله ضد الكنيسة الكاثوليكية التي سنّت صكوك الغفران كوسيلة لإثراء كهنتها، عندما بيّن للناس أن سلوك الكنيسة كان بعيدا عن تعاليم الكتاب المقدس. فهل هناك مرجع ديني أو مصلح ديني أو سياسي قادر اليوم وللحفاظ على الدين والمذهب ان يبيّن للناس أنّ سلوك رجال الدين والساسة الإسلاميين هو على الضد ممّا جاء في القرآن، وأنّ هيمنتهم على السلطة ما هو الا اثراء لهم وإساءة للدين الذي يؤمن به الفقراء المؤمنون، كما كان الفقراء المسيحيّون المؤمنون وقتها؟

والآن فهل نحن بحاجة الى "دولة مدنية ديموقراطيّة" أم الى دولة علمانيّة ديموقراطية ..؟ سؤال موجّه الى القوى والمنظمّات السياسية التي على عاتقها يقع إنقاذ العراق وشعبه من شرور المحاصصة الطائفيّة القومية.

لا يمكن تحطيم اي شكل من أشكال العبودية إلا بتحطيم كل أشكال العبودية ... (كارل ماركس، نقد فلسفة الحق عند هيغل)

 
زكي رضا
الدنمارك
30/4/2023


17

العراق بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية وليس دولة مدنية ديموقراطية (1)


الجميع في العراق يدعو اليوم لما تسمّى بالدولة المدنية، الشيوعيون، القوميون ، الماركسيون، الليبراليون، منظمات المجتمع المدني، النقابات، التشرينيون، العشائر، بل وحتى البعض من الأسلاميين وميليشياتهم!! فهل نحن بحاجة فعلا بعد مرور عشرات العقود على إنشاء الدولة العراقيّة الحديثة بهشاشة نسيجها الأجتماعي وأحتراب مكونّاتها العرقيّة والطائفيّة، وعقدين على تجربة نظام "ديموقراطي" أثبت فشله على كل الصعد لتضاف تجربته المريرة الى فشل أنظمة الحكم العراقية التي سبقته، اقول ، هل نحن بحاجة فعلا الى دولة مدنية ديموقراطية ؟ هذه التي يدعّي جميع من جئنا على ذكرهم العمل لتحقيقها على الرغم من الفروقات الكبيرة بين القوى التي تتبنى هذا المفهوم لشكل الدولة، أم نحن بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية؟

العراق على الصعيد الأجتماعي يتحكّم فيه عاملا الدين/ الطائفة – القومية / العشيرة، ومن خلال هذين العاملين تأتي عوامل أخرى كتحصيل حاصل لدورهما وولاء الغالبية العظمى من الشعب العراقي لهما، نتيجة دور نفس هذين العاملين في ترسيخ التفرقة والتخلف والجهل عن طريق سرقة ما تبقّى من وعي عند الجماهير، علما من أنّ العراقيون لم يغادروا مربّع هذين العاملين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم. ومن العوامل التي تساهم في ترسيخ مفهومي الدين/ الطائفة - القومية / العشيرة اليوم، هي أحزاب المحاصصّة الطائفية القوميّة المهيمنة على السلطة منذ الأحتلال حتى هذه اللحظة. ولمّا كانت المؤسستين الدينية/ الطائفية ومعها القومية/ العشائريّة غير قادرتين دستوريّا على تبنّي تعريف محدّد للدولة، فأنّ سلطة المحاصصّة أخذت على عاتقها من خلال هيمنتها على السلطة تعريف شكل الدولة التي تتماشى بالحقيقة مع ما تريده هاتين المؤسستين بما يضمن مصالحهما.

لو نظرنا الى الأحداث التي جرت وتجري في العراق منذ الأحتلال لليوم، لرأينا أنّ كل مناحي الحياة السياسيّة والأجتماعية والأقتصادية مشوّهة بشكل كبير. هذا التشّوه بالحقيقة له جذوره التي سبقت الأحتلال، لكنّ النظام السياسي الجديد لم يعالج كما كان منتظرا منه التشوّهات التي ورثناها من النظام البعثي والأنظمة التي سبقته في بنية الدولة والمجتمع، بل على العكس فأنّ النظام الجديد عمّق تلك التشوّهات خدمة لمصالح نخب سياسيّة وعائلية وعشائريّة على حساب مصالح الجماهير المسحوقة من جهة، ولصالح قوى إقليميّة ودوليّة من جهة ثانية. ولو عدنا الى أسباب أستمرار التشوّهات في ظل السلطة الجديدة سنرى أنّ الدستور العراقي هو الحجر الأساس في هذه التشوّهات، كون هذا الدستور مشوّه ومتناقض في أهمّ فقراته التي تحدد شكل الدولة وهويّتها. فالدستور لم يشر علنا الى أسلاميّة الدولة، الّا أنّه وضع الدولة في إطار أسلامي على المستوى القانوني/ التشريعي، وفي صورة أسلاميّة على المستوى الأجتماعي وحقل التعليم. فالدستور العراقي ينص في مادّته الثانيّة على:

أولّا :-"الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع"
أ‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام
ب‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور".
ثانيا:- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين .

هذه المادّة الدستوريّة ليست تشوّها في الجسد الديموقراطي للدولة فقط، بل هي أساس قانوني ودستوري لضبابيّة شكل الدولة ونسفها مستقبلا. ولو عدنا الى اللجنة التي كُلّفت بكتابة الدستور فسنرى أنّ النسبة الأكبر من أعضائها هم سياسيّون ورجال دين من ثلاث مجموعات سكّانيّة (شيعة- سنّة - كورد)، مع عدد من ممثّلي الأثنيات العراقيّة الأخرى وعدد قليل من القانونيين والمختصّين كديكور ليس الّا، كونهم غير مؤثرّين لا في هذه اللجنة ولا غيرها. ولكي نتعرف على شكل الدولة التي رسم الأعضاء الواحد والسبعون (عدد أعضاء اللجنة التي كتبت الدستور) ملامحها، فعلينا أن ننتبه الى وجود ممثّل فيها كان له حقّ الفيتو غير المعلن وأملاء ما يريد وتمرير ما يريد وهو السيّد أحمد الصافي النجفي ممثل السيد السيستاني في تلك اللجنة. ولو عدنا الى الدستور العراقي لسنة 1925 لنقارنه بدستور اليوم فسنراه أكثر تقدميّة في هذه المادّة بالذات، فقد نصّ في مادّته الثالثة عشرة من أنّ: "الإسلام دين الدولة الرسمي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تُمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلّة بالأمن والنظام، وما لم تناف الآداب العامة". "ولا يوجد في هذا النص ما يشير الى علاقة الدين بتشريع القوانين نفياً او ايجاباً. ومن الناحية العملية ظلت الأحكام القانونية تُستمد من أحكام الشريعة الإسلامية سواء في الأحوال الشخصية أو العلاقات العائلية أو في الحقوق المدنية" (1)

من خلال الأشكالية الدستورية أعلاه، وممارسات التيار الأسلامي والمؤسسات الدينية سلطويّا ومجتمعيا , ومن خلال حقل التعليم، علينا البحث عن أجابة لسؤال محدّد هو: هل العراق دولة دينية أم "دولة مدنية" يهيمن عليها الدين من خلال مؤسساته وأحزابه الذين يريدون فرضه أي الدين كأداة للحكم وفلسفة وقيم لقيادة المجتمع، وإن كنّا بحاجة لهما أو لأحدهما كنموذج للحكم للخروج من أزماتنا التي نعيشها اليوم كمواطنين وكبلد يشغل الدين فيه مساحات واسعة من العقل الجمعي لمواطنيه وقوانينه ويرسم سياساته ويؤثّر بشكل كبير على حياة سكّانه الأجتماعيّة، أمْ أنّ الدولة العلمانيّة الديموقراطية هي السبيل الوحيد لبناء دولة عصريّة على أنقاض الدولة "الدينيّة" أو "المدنيّة" التي نعيش خرائبها اليوم؟

الغالبية العظمى من الدول العربيّة والأسلاميّة ومن خلال دساتيرها هي شكل من أشكال الدولة الدينيّة على الرغم من أنّها مدنية الطابع إجتماعيّا وثقافيّا وفكريّا، ولا يخلو دستور فيها من أربعة نصوص رئيسية حول الأسلام وهي: أن يكون الأسلام دين الدولة الرسمي، والأسلام مصدر أساسي للتشريع، والأسلام مصدر من مصادر التشريع، والدولة راعية للدين. والدستور العراقي فيه هذه النصوص جميعها. وتبقى الجمهورية الأسلاميّة الأيرانيّة على سبيل المثال والتي تنصّ مادتها الدستوريّة الرابعة بأن:-
"يجب أن تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والأنظمة المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها. ويسري هذا المبدأ على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى على الإطلاق والعموم، ويتولى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور تشخيص ذلك" هي دولة دينيّة دستوريا .

المادّة الدستوريّة الإيرانية هذه هي ترجمة حرفيّة لمفهوم (الحكم بما أنزل الله) والتي يتمّ تفسيرها سياسيّا كي تكون الشريعة الأسلاميّة هي الأساس في بناء المجتمع والأنسان، وهي التي ترسم من قبل الدولة طبيعة الحياة السياسيّة والأجتماعية والفكريّة والأقتصاديّة للمجتمعات الأسلاميّة، وهي التي تملك الوصاية على حقل التعليم وتوجيهه أسلاميّا، وهنا تحديدا تكمن الخطورة. وقد أرجع المودودي القانون الى الله وحده في معرض تفسيره حول حاكميّة الله القانونيّة فكتب "يقرر القرآن الكريم أنّ الطاعة لا بدّ وأن تكون خالصة لله، وأنّه لا بدّ من إتباع قانونه وحده، وحرام على المرء أن يترك هذا القانون ويتّبع قوانين الآخرين أو شرعة ذاته ونزوات نفسه" (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون – البقرة 229 (2) وقد حذا محمد باقر الصدر حذو المودودي في هذا الجانب ليقول "ما دام الله تعالى مصدر السلطات، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعيّ المحدّد عن الله تعالى، فمن الطبيعيّ أنْ تحدّد الطريقة الّتي تُمارَس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإسلاميّة" (3) وقد ذهب الخميني الى "أنّ القرآن الكريم كتاب قانون، يحمل بين دفتيه أصول الحكم وقواعده، ويستبطن مكوّنات دولة في طبيعة تعاليمه" (4) أمّا عن أسباب التشريع الأسلامي فأنّ "ماهية وكيفية القوانين الإسلامية وأحكام الشرع تدلّ على أنّها قد شرِّعت لإنشاء حكومة ولإدارة سياسية واقتصادية وثقافية للمجتمع" (5)

المؤسسات الدينيّة والأحزاب والمنظمّات الدينية والطائفيّة بالعراق، لم تتطرق لليوم الى شكل الدولة بالبلاد عدا بعض التنظيمات التنظيمات الشيعية، والتنظيمات الأسلاميّة المتطرفة ومنها تنظيمي القاعدة والدولة الأسلاميّة (داعش) الأرهابيين، اللذان دعيا لقيام دولة أسلاميّة يكون الحكم فيها لله أي وفق الشريعة. الا أنّ المؤسسات الدينية وغالبية الأحزاب والمنظمات الدينية الأخرى لم تبدِ وجهة نظرها بشكل علني حول شكل الدولة لظروف موضوعية تمر بها البلاد وليس لعوامل ذاتية، لذا نراها تعمل في المنطقة الرمادية لحين قدرتها على تغيير شكل الدولة نحو الدولة الثيوقراطيّة أي الدينية كما إيران وتنظيم الدولة أي داعش، مع التركيز على أنّ شكل الدولة وهي تحت سيطرة الأحزاب والمؤسسات الدينية ومراجعها يلتقي بشكل أو بآخر مع أهداف داعش من حيث العودة للقرآن والشريعة كوسيلة للحكم وبناء الدولة. لكنّه يختلف عنه بالعراق حيث الثقل الشيعي وميل واضح لغالبية التنظيمات السياسية الشيعية نحو الجمهورية الأسلامية الايرانية كنموذج يحتذى به لبناء دولة على غرار الدولة الأيرانية، أي دولة ولي الفقيه. وقد أكّد الخميني أنّ حق الحاكمية بعد الله كانت للنبي ثمّ "أنتقلت مسؤولية القيادة السياسية للمجتمع بعد النبي الى الأئمّة المعصومين" (6). وقد أوكل الله وفق وجهة نظر الخميني حقّ الحاكمية بعد النبي وأئمة أهل البيت بعدهم الى علماء الدين الذين ليس لغيرهم الحقّ في الحكم وهم "المصداق الحقيقي لأولي الأمر" (7)، وفي تشكيل حكومة عصر الغيبة يقول "عرّف الأمام المعصوم (عج) الفقهاء العدول بوصفهم قادة سياسيين للمجتمع والمسؤولين عن تشكيل الحكومة" (8). وقد كان يوسف القرضاوي شديد الوضوح وهو يكتب "فالحق أن الدولة الإسلامية: دولة مدنية، ككل الدول المدنية، لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية"!! (9)

هناك من يعتقد ومنهم سياسيّون ومثقفون من أنّ العراق بعيد كل البعد عن دولة ولي الفقيه لأنّ المرجعيّة الدينيّة في النجف لا تؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، لكنّ هؤلاء لا يمتلكون الأجابة الدقيقة عن موقف مرجعيّة النجف بعد وفاة السيستاني من هذا الأمر، وبدأ الصراع لأنتخاب مرجع أعلى للشيعة بالعراق ودور إيران في حسم الصراع لصالحها عن طريق تأثيراتها الظاهر منها والباطن، متناسين على ما يبدو من أنّ التفسير الشيعي لمن له الأهليّة في قيادة الدولة إنتظارا لظهور المهدي، ينبع من إيمانها في أنّ الإمامة هي إمتداد للنبوّة، وأنّ المرجعيّة الدينية هي التي عليها قيادة الدولة والمجتمع إنتظارا لظهور المهدي المنتظر، أي أنّ المرجعيّة هي من تحدد شكل الدولة وهيكليتها وهي من تقودها، والتي ستكون بعد وفاة السيستاني أي مرجعيّة النجف إيرانيّة في فتاواها ونهجها بقوّة الأحزاب الشيعيّة تشريعيا وتنفيذيّا وبسطوة ميليشياتها "العراقيّة" المسلحّة التي أخترقت جسد "الدولة" العراقيّة.

الأسلام السياسي ومعه مؤسساته الدينيّة اليوم يعملون على قدم وساق لتشويه العلمانيّة بإعتبارها مناهضة للدين ومصادِرة لحقوق المؤمنين، ويسخّرون في هذا الأتجاه كل طاقاتهم الفكريّة والأعلاميّة ومنها منابرهم الدينيّة لتكفير العلمانيّة كنظام للحكم. فهل نحن بحاجة الى "دولة مدنيّة" كتلك التي يتعايش الإسلاميّون اليوم معها، أم الى دولة علمانيّة ديموقراطيّة لتكن بوابّة لبناء عراق جديد؟
 

الدنمارك
27/4/2023


(1) نظرة مقارنة في دستور (1925) ودستور (2005)، عبد الغني الدلي (وزير سابق) صحيفة المدى
(2) ابو علي المودودي، الخلافة والملك، دار القلم الكويت، تعريب أحمد إدريس، ص 16
(3) نظرية الدولة في الإسلام، سلسلة دروس في فكر الشهيد الصدر ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
(4) صحيفة النور 17: 252.
(5) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 28.
(6) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 51.
(7) الإمام الخميني، كشف الأسرار: 221 ـ 223.
(8) المصدر نفسه: 223.
(9) يوسف القرضاوي مقالة تحت عنوان " دولة مدنية مرجعيتها الإسلام.. كيف؟

زكي رضا
الدنمارك
27/4/2023
 



18

أخطأنا .. فلنعترف ونصحّح

طبيعي أن يخطأ المرء هنا أو هناك، لكنّ غير الطبيعي هو عدم الإستفادة من أخطائه. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأحزاب والمنظمّات بل وحتّى الشعوب، فأخطاء حزب أو منظمّة أو حتّى شعب ستستمر وتؤدي الى نتائج كارثيّة ما لم يستعيد ذلك الحزب أو تلك المنظمّة أو ذلك الشعب وعيه، ليس بنقد تلك الأخطاء فقط، بل العمل على تشخيصها وبحثه المستمر لتجاوزها في المراحل التالية من نشاطه ونضاله.

لقد كانت أنتفاضة تشرين/ أكتوبر العراقيّة حدثا كبيرا في تاريخ نضالات شعبنا، وعلى الرغم من عدم نجاحها في تغيير شكل اللوحة السياسية بالبلاد، الّا أنّها تبقى خزينا ثوريا علينا تطويره وتغذيته بمزيد من طاقات الجماهير المتضرّرة للإسراع بإنقاذ البلاد من شرور المحاصصة الطائفية القومية، التي تكرّس هيمنتها وتمسك بيد من فولاذ على مقاليد السلطة يوما بعد آخر بل ساعة بعد ساعة.

حينما كانت الإنتفاضة في عزّ عنفوانها، وحينما كانت الآمال معقودة على شابّات وشبّان رسموا خارطة وطنهم عاليا في السماء، وحينما كان "الطرف الثالث" يقتل ويغتال ويجرح ويطارد ويغتصب هؤلاء الشابّات والشبّان، ظهر إستنتاج سياسي لدى العديد من القوى السياسية والكثير من المتابعين لما كان يجري وقتها، على أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس كما عراق ما بعد الأنتفاضة، فهل تحققت تلك الأمنية!؟

أثناء الإنتفاضة وبعدها رُفعت العديد من الشعارات المركزية، منها تقديم قتلة المتظاهرين للعدالة، تغيير القوانين الأنتخابية لتكون عادلة، مكافحة الفساد، تحقيق العدالة الأجتماعية، نريد وطن وغيرها. فهل تحقّق شعار واحد من تلك الشعارات التي ذهب ضحيتها المئات بين شهيد وجريح ومعاق ومختطف، لنقول من أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس عراق ما بعد الأنتفاضة!؟

لم يتم لليوم تقديم القتلة وهم ميليشياويين على صلة بعواصم محليّة للقضاء، بل على العكس فقد تمّ تكريم القتلة. أمّا القوانين الأنتخابية التي طالب المنتفضون ومعهم أحزاب ديموقراطية ومنظمات مجتمع مدني بتعديلها لتكون أكثر عدلا، فقد ترجمته القوى التي قمعت الأنتفاضة بقوانين فُصّلت على مقاساتها ومقاس ميليشياتها لتكون لها الأغلبية المريحة جدا في البرلمان، كونها تمتلك الأغلبية أساسا بعد تبادل أدوارها لتكون أغلبية سياسية في برلمان يحتله فاسدون. أمّا محاربة الفساد، فقد ترجمته قوى القمع الى أستمراره ليلْتَهم خزينة البلاد، وما سرقة القرن الّا أحدى دلالات هذه القوى على أستهتارها بدماء شهداء تشرين وشعبنا بشكل عام، والعدالة ألاجتماعية عند أقطاب السلطة تعني توزيع الكعكة بين أحزابها وليس بين المواطنين الذين يعيش ثلثهم تحت مستوى خط الفقر وفق أحصاءات رسمية. ويبقى شعار نريد وطن، هو الشعار العصي على التنفيذ في ظل سلطات لا تعرف كتابة أسم وطن على سبورة في صف مدرسي بمدرسة خربة آيلة للسقوط.

أوضاع ما بعد الأنتفاضة أسوأ من أوضاع ما قبل الأنتفاضة، وهذه حقيقة يعرفها المنتفضون والشارع العراقي الذي يعيش أزمات مختلفة، وقولنا هذا ليس حالة من اليأس على الرغم من أنّ اليأس مبرر لتوفّر كل عناصره في الحياة العراقية على مختلف الصعد. أنّ ضرب وطرد نوّاب منتخبين من قبل ميليشيات السلطة وتحت قبّة البرلمان، كي لا يصوّتوا ضدّ قانون سانت ليغو المعدّل والذي سيعدّل في كل دورة أنتخابية ما يتيح لهيمنة قوى الفساد على السلطة، لا يعني أستهتار وقمع أحزاب السلطة وميليشياتها فقط، ولا ضعف قوى التغيير الديموقراطيّة فقط، ولا صمت جينين بلاسخارت التي يطلق عليها العراقيون تهكما كنية (أم فدك) ومؤسستها الأممية عن تجاوز السلطة على أبسط الحقوق الديموقراطية التي تعتقد المؤسسة الأممية من أنها قائمة بالعراق، بل تعني أستمرار حالة اليأس عند المواطنين وعزوفهم عن نضال عليهم خوضه من أجل تحقيق أهداف أنتفاضة تشرين. على القوى السياسية المؤمنة بالتغيير أن تتقدم هذه الجماهير اليائسة والباحثة عن حياة كريمة في وطن يتسّع للجميع، بأصطفافها ووحدة برامجها وتجاوز خلافاتها ومناكفاتها وأنانيتها. فالوقت ليس بصالح جماهير شعبنا وقوى الفساد ترسّخ مواقعها في السلطة. وهذه القوى أي الديموقراطية عليها دراسة الشارع العراقي دون عقد آمال أكبر حجما من أمكانياتها، فخسارة الأنتخابات هذه المرّة أو الحصول على نسب صغيرة غير مؤثرّة في أتّخاذ القرارات وتغيير ولو بسيط في شكل السلطة، سيرسّخان الأحباط واليأس من أي تغيير عند جماهير هذه الأحزاب وعموم جماهير شعبنا. ويبقى أمام هذه القوى هدف اكبر وهو، تنظيم الصفوف ووحدة الخطاب السياسي والعمل اليومي بين الجماهير، لحشدها وتهيئتها للمعركة الفاصلة، أي إنتفاضة اكثر قوّة وأتّساعا من انتفاضة تشرين، وفي الحقيقة فأنّ الأنتفاضة المنظمّة هي طريق خلاص شعبنا من الحكم الفاسد وليس الأنتخابات، التي وضعت قوانينها لتدوير نفس الطبقة السياسية لتكون مالكة القرار من جديد.

أثناء الثورة الفرنسية رفع أونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بميرابو شعار "أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسّيس"، وأثناء أنتفاضة تشرين ومن وحي هذا الشعار رفع أحد المنتفضين وتحت جدارية جواد سليم في ساحة التحرير لافتة تقول"نتمنى أن يُشنق آخر سياسي فاسد بعمامة آخر رجل دين فاسد". ولأننا نعمل كعراقيين لبناء نظام ديموقراطي حقيقي لا مكان للعنف ومصادرة الحريات فيه، فالقضاء هو الذي عليه محاكمة الفاسدين لا الجماهير المحبطة واليائسة والمتذمرة.

 
زكي رضا
الدنمارك
29/3/2023

 



19
إتّحاد الشعب " فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد"

الشعارات التي ترفعها الأحزاب السياسية المختلفة، غالبا ما تُترجِم سياسات تلك الأحزاب تجاه قضايا آنيّة ملحّة وعلى تماس يومي مع حاجات الناس، وهذه الشعارات تختلف بالتأكيد عن الشعارات التاريخية التي تكون بحاجة الى نضال طويل قد يستمر عقودا أو أكثر لتحقيقها، ومثل هذه الشعارات قد تظهر أهميّتها وحيويتها بعد عقود من رفعها في نفس البلد، نتيجة توافر نفس الظروف الموضوعية أو القريبة منها من تلك التي أدّت حينها لتبنّيها من هذا الحزب أو ذاك، وبالطبع يبقى العامل الذاتي لذلك الحزب وطبيعة السلطة وقتها أمرا يجب أخذه بنظر الأعتبار.

قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بقليل وتحديدا أواخر شهر آيار/ مايس 1957، نشرت صحيفة أتحاد الشعب الناطقة بأسم الحزب الشيوعي العراقي ونتيجة لسوء أوضاع الجماهير وقتها مقالا تحت عنوان "الأعمار في ظلّ الأستعمار"، هاجمت فيه حكومة أحمد مختار بابان متّهمة أياها بالعمل على أفقار الجماهير. وقد رفعت الصحيفة وقتها عدّة شعارات منها "فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد" و "الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان" و "إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب" (*)، فهل شعارات الحزب الشيوعي العراقي وقتها لها مكان في عراق المحاصصة اليوم؟

الشعارات الثلاث التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي وقتها في صحيفته المركزيّة، والتي تحقّقت بعد أقلّ من شهرين بنجاح ثورة الرابع عشر من تموز، ليست دلالة على صحّة مواقفه الوطنيّة فقط، وليست بقراءة آنيّة للوضع السياسي الأقتصادي للبلاد وقتها فقط، بل شعارات وجدت لها أرضية وحيوية كاملة ونحن نعيش اليوم عهد محاصصة طائفية قومية تقود البلاد نحو الخراب التام.

"فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد"، هذا الشعار رفعه الحزب وقتها في مواجهة تبذير ونهب وفساد حكومات العهد الملكي، فهل تبذير ونهب وفساد السلطة اليوم يختلف عمّا كان عليه إبّان ذلك العهد؟ الجواب لا قطعا، فالفساد والنهب والتبذير اليوم يفوق ما شهده العراق في كل عهوده بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة، بل ويفوق أمثاله في تاريخ اكثر البلدان فسادا بالعالم.

"الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان"، شعار نحن بحاجة ماسّة إليه اليوم لنبدأ ببناء وطن يتهاوى تحت معاول أحزاب الفساد الحاكمة، وتقديم المسؤولين عن الفساد والخراب للمحاكم. شعبنا اليوم ضحيّة لقوّة السلطة وأذرعها العسكرية الرسميّة منها وغير الرسمية، أقتصادنا وثرواتنا ملك لأحزاب وعوائل وأفراد ورجال دين، الحرمان نراه في فقر الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وباقي الخدمات. الهاوية إسم من أسماء جهنّم لا يُدرك قعرها، وفيها قال الشاعر عمرو بن ملقط الطائي:

يا عمرو لو نالتك أرماحنا       كنت كمن تهوي به الهاوية.

وأرى ونحن نعيش عهد الفساد والأستبداد في ظل نظام المحاصصة الطائفية القومية اليوم من أنّ رماح السلطة تهوي بنا الى الهاوية فعلا وقولا.

"إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب". العراق اليوم وليتجنب السقوط في الهاوية بحاجة الى تبني هذا الشعار لأزاحة كوابيس الأستعمار. فالعراق اليوم مستعمرة لقوى دولية وإقليميّة عدّة، علاوة على كونه مستعمرة لأحزاب تتعامل مع شعبه وكأنّهم عبيد والعراق كأقطاعيّة. ولأنقاذ ما يُمكن إنقاذه من بقايا البلد الخرب علينا أن نجعل الصيحة قريبة وعالية وهادرة، لتعيد لشعبنا بهاءه وثباته وأنتفاضاته التي كلّلها بإنتفاضة تشرين الباسلة.

شعارات الحزب الشيوعي التي نحتاجها اليوم، هي نفسها التي رفعها الحزب في صحيفته أتحاد الشعب قبل 66 عاما. ورفعها والعمل على تحقيقها من مهمّات الحزب الملحّة اليوم وهو يحتفل بذكرى تأسيسه التاسع والثمانون..

المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه التاسع والثمانين.
المجد لشعبنا في معركته للخلاص من براثن الفساد والجريمة والفقر والجهل والتخلف والأميّة.
لنعمل من أجل عراق علماني ديموقراطي فدرالي موحّد.


(*) بحث حول مـوقــف الـحــزب الـشـيــوعــي الـعــراقـــــي من القضايا الاقتصادية والاجتماعية في العراق 1946 – 1958.
أ. م. د. مؤيـد شاكـر كاظـم جامعة ذي قار كلية الآداب، م. د. رحيم عبد الحسين عباس جامعة كربلاء/ كلية التربية.

 

زكي رضا
الدنمارك
26/3/2023
 


20
عشرون عاما من الإحتلال الأمريكي للعراق.. ما هي المكاسب؟


تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وإسقاط النظام البعثي، الذي كان نفسه سلاح دمار شامل للعراقيين بقمعه وحروبه الداخلية والخارجية وتفريطه بالسيادة الوطنية وأراض ومياه عراقية، ومسؤوليته برعونته عن حصار ظالم دفع العراقيون ولازالوا ثمنه. وقد هيأت الولايات المتحدة بسلسلة من الأكاذيب الأجواء لبدء حربها على العراق، حين وقف وزير خارجيتها كولن باول في مجلس الأمن الدولي حاملا انبوبة صغيرة على أنّها جزء من برنامج كيمياوي يقوم العراق بتطويره! وما أن أنتهت الحرب وليومنا هذا لم تستطع الولايات المتحدة ومعها حلفائها من تقديم أدلّة على أمتلاك العراق لأسلحة نووية وبايولوجية وكيمياوية!

لو تركنا أسباب الغزو والحرب والأحتلال جانبا، وعدنا الى تصريحات المسؤولين الأمريكان ما بعد حرب تحرير الكويت والحصار الذي تلاه وحرب ما سميّت بحرية العراق، لصدمتنا تصريحاتهم حولها. فوزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت قالت في معرض ردّها على سؤال من الصحافية ايزابيل كومار أواخر نيسان/ ابريل 2016، حول قولها من أنّ " قتل خمسمائة الف طفل عراقي كان أمرا يستحق ذلك"؟ لتجيب قائلة : لقد سبق لي الإعتراف بأن هذا هو أغبى شيء قلته وأعتذرت عن ذلك، ولكن يبدو أن هناك أناسا يريدون دائما العودة إلى هذه المسألة. لقد غاب عن بال السيدة اولبرايت من أننا نتحدث عن جريمة قتل خمسمائة الف طفل وليس عن خمسمائة الف قطعة شوكلاتة أذابتها شمس بغداد الحارقة، قبل أن تصل الى بطون أطفال العراق المحاصرين كهدايا أمريكية لنقبل كعراقيين ناهيك عن الذين يمتلكون ضمائر حيّة أعتذارها!

لقد قُتل الكثير من المدنيين على يد جنود امريكان وبريطانيين وغيرهم من القوات الغازية، كما ووصلت أهانة القوات الأمريكية للعراقيين الى حد الوقاحة والأستخفاف. وبعد مرور سنوات حسب تقرير للبي بي سي نيوز العربية نشرته بمناسبة الذكرى العشرين لبدء الحرب، قالت فيه لقد " أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأ جسيما"، ومن هؤلاء السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي كان من أشد المدافعين عن "تحرير العراق" لسنوات، والذي تراجع في مذكراته التي نشرها قبل وفاته العام 2018 عن موقفه فكتب قائلا: " لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والانسانية، سوى أنها خطأ... خطأ خطير للغاية، وعليَ أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك ". أنّه ليس بخطأ أيّها السيّد ماكين لتُلام عليه، بل جريمة تضاف الى سلسلة الجرائم التي أرتكبتموها والغرب بحق شعوب وبلدان عديدة في هذا العالم ويجب محاسبتك وبلادك عليه. وعلى سبيل المثال فأنّ قوات بلادكم ومعها القوات البريطانية أستخدمت ما بين 320 – 800 طن متري من اليورانيوم المنضّب ضد العراقيين في حرب تحرير الكويت فقط، وعليكم أن تكتشفوا بأنفسكم حجم الموت وتشوّهات الأجنة والتربة والمياه التي خلّفتها هذه القذائف في بلادنا وأثارها الواضحة للعيان لليوم!

بعد هذه المقدمة التي لابدّ منها، نعود الى "المكاسب" التي حققتها الحرب وفق السيّد بول بريمر الذي عيّنته واشنطن حاكما مدنيا في العراق، ففي مقابلة متلفزة مع محطة سكاي نيوز بالعربية تناول السيّد بريمر جملة أمور معتبرا أنّها كانت أيجابية وساهمت في تحوّل العراق الى دولة ديموقراطية!! قبل تناول ما حققته الحرب من "مكاسب" للعراق وشعبه، علينا تذكير السيّد بريمر من أن بلاده كتبت في العام 1947 بشخص الجنرال ماكارثر الدستور الياباني إثر هزيمة اليابان في الحرب، ومن خلال بنود هذا الدستور وصلت الحياة السياسية في اليابان الى درجة من النضج الديموقراطي والأستقرار السياسي وهي التي أستقبلت أوّل قنبلتين ذريتين على أراضيها! أمّا في العراق فقد ترك الأمريكان متعمّدين كتابة دستور البلاد الى القوى السياسية الطائفية القومية، وكان أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي تتكون من شخصيات سياسية ودينية، ومنهم السيد أحمد الصافي ممثل السيد السيستاني ومعه عدد من رجالات الدين والسياسة الشيعة وثلاث أو أربع قضاة من قوام 71 عضوا في تلك اللجنة، وعلينا أن نعرف طبيعة الدستور الذي يخرج من هكذا مطبخ! وإن كان الدستور الياباني ضَمَنَ استقرار البلاد وتقدمها، وكان اساسا لتقدم اجتماعي واقتصادي وصناعي اوصل اليابان الى مقدمة دول العالم، فأن دستورنا ومن ديباجته وقبل الدخول في مضمونه وبنوده، ضَمَنَ عدم الأستقرار السياسي بالبلاد، وكان ولا يزال أساسا لتخلّف العراق اجتماعيا وأقتصاديا وصناعيا وزراعيا وتعليميا، ولتكن بلادنا في مقدمة الدول الفاسدة والمتخلفة.

السيّد بريمر قال في لقائه التلفزيوني من أنّ الناتج المحلي للبلاد اليوم يعادل خمسة أضعاف ما كان عليه في العام 2003 ، وأنتاج البترول تضاعف هو الآخر لخمسة أضعاف ما كان عليه في نفس السنة. ولم يتطرق السيد بريمر الى زيادة العشوائيات في المدن، وأزدياد نسبة الفقر والبطالة، وتخلّف الصناعة والزراعة وسوء أدارة الدولة لملفّات المياه والمناخ والتعليم والصحة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى التي أزدادت طرديا مع ما ذكره من أرقام، وهذا يعني أنّ الزيادة في الناتج المحلي والذي جاء لتضاعف انتاج النفط وصعود اسعاره، قد التهمه الفساد الحكومي ولم يستفاد منها الشعب العراقي. وهذا يعني أيضا أنّ النظام الحالي هو أستمرار للنظام السابق كون نهج النظامين واحد، بغضّ النظر عن طبيعتيهما السياسيتين.

يستمر بريمر في حديثه ليقول من أن الديموقراطية في العراق لم يشهدها أي بلد عربي آخر، لكنّ ما فات السيد بريمر هو أننا أكثر الدول العربية تقريبا في الفساد والأمية، ومصادرة الحريات حتى تلك التي نصّ عليها الدستور. ويبدو أنّ السيد بريمر وهو يحاول تجميل الوجه القبيح والبشع للأحتلال وطبيعة سلطة المحاصصة، يعمل على القفز على مبدأ دستوري يجب أن يتم تعديله ليحبو العراق نحو الديموقراطية ويمارسها بشكل حقيقي. ولا نظن من أنّ عدم حسم نقطة تحديد الكتلة الأكبر الفائزة بالأنتخابات التي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة، وترك الأمر للقضاء المسيّس وسطوة المال والميليشيات لحسمه، تعتبر شيئا من الديموقراطية وهي تقصي من تأتي به صناديق الأقتراع لصالح جهة خسرتها.

لقد تحررنا أيها السيد بريمر من سطوة نظام قمعي وحالة حرب مستمرة لعقود، لنسقط في مستنقع نظام محاصصاتي فاسد وحرب أهلية (طائفية) وفوضى، تحررنا من نظام يملك ميليشيا أجرامية كميليشيا صدام، لنسقط أسارى سلطة تمتلك العشرات من الميليشيات، تحررنا من نظام دموي يخطف المناهضين له من الشوارع ويغيّبهم، لنسقط في فخ نظام" ديموقراطي" يخطف الناشطين الذين يواجهون نهجه من الشوارع ويغيّبهم، تحررنا من نظام كان يهجّر مواطنيه الى خارج الحدود لنقع فريسة نظام يعيش عشرات الآلاف من مواطنيه نازحين في بلدهم، تحررنا من نظام تسرق فيه عائلة صدام حسين وبعض المقربين منها عشرات المليارات من الدولارات ، لنسقط في بحر من اللصوص سرقوا مئات المليارات من الدولارات.

النظام السياسي الذي جاء به المحتل الأمريكي في نهجه، هو أستمرار لنهج نظام البعثي في تعامله مع قضايا شعبنا ووطننا. وما عجز النظام البعثي عن أنجازه خلال ما يقارب الأربعة عقود من حكمه الكارثي، أنجزه النظام الحالي في عقدين من الزمن، والأنجاز هنا هو تدمير البلاد والنسيج الأجتماعي والتخلف الثقافي والفكري والتعليمي والصحّي. أننا بحاجة الى زلزال أقوى من زلزال تشرين ليأخذ على عاتقه مهمة أعادة بناء البلاد على أسس ديموقراطية حقيقية بعيدا عن نهج المحاصصة والفساد، أننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي حقيقي، والّا فأن الأزمات التي نعيشها ستتحول الى أزمات مستدامة لتهدّد وجود الدولة نفسها.
 
زكي رضا
الدنمارك
23/3/2023
 

21
هل هناك رأي عام فاعل بالعراق..؟

عادة ما تتجه المراكز البحثية في البلدان الديموقراطيّة وهي تريد أستقراء الأوضاع السياسيّة أو الأقتصادية وغيرها ومواقف الجماهير منها، الى عيّنات عشوائية من الناس وأستطلاع آرائهم لغرض عرضها على صانعي القرار السياسي لأتخاذ موقف ما من قضيّة ما. لكنّ أستطلاعات الرأي لا تعني مطلقا نجاحها في تقديم صورة حقيقية للقضيّة التي أستطلع الجمهور فيها، فهناك دوما هامش للخطأ بنسب تختلف من مجتمع لآخر إعتمادا على أمور عدّة، منها أنتشار الوعي، جودة التعليم، الديموقراطية، نسبة البطالة، قوّة النقابات والأتّحادات المهنيّة، الثقة بالحكومة، الأعلام المستقل، وغيرها من تلك التي هي على تماس مع مصالح الجمهور اليومية. أنّ أستطلاع الآراء أصبحت اليوم تجارة تقوم بها مؤسسات أستطلاع لأحزاب متنافسة في وصولها للسلطة، أو حتى بين شركات كبرى تتنافس لتسويق بضائعها في الأسواق، وهذا يعني أنّ هذه المؤسسات البحثيّة تعمل على صناعة رأي عام يساعد تلك الأحزاب للوصول الى السلطة، او تلك الشركة لتسويق منتجاتها، وهذا يعني تحديدا أرباحا مالية للأحزاب والشركات المتنافسة.

يُحدّد الكثير من الباحثين في موضوعة الرأي العام وأهمّيته، على أنّ هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت. كما وأنّ هناك رأي عام يُقاد، وآخر يقود. ولأننا نتحدث هنا عن العراق، فأننا سنتحدث عن الرأي العام في العراق ودوره على الخارطة السياسيّة في بلده، وموقفه من الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي تمر بها البلاد. لنرى إن كان هناك رأي عام عراقي بالشكل المتعارف عليه في البلدان الأخرى، ومدى أمكانية أن يلعب الرأي العام العراقي دورا مؤثرّا في "العمليّة السياسيّة" التي تقوده وبلاده نحو المجهول؟

من العوامل التي تشكّل الرأي العام وفق آراء الكثير من الباحثين ولا زلنا نأخذ العراق كمثال حصرا هنا هم الزعماء السياسيون ورجال الدين والعشائر وزعماء الميليشيات، وكم المشاكل الأقتصادية والأجتماعية التي يواجهها المجتمع العراقي، ولا نقول السياسية كون الشأن السياسي لا تهتم بها الغالبية العظمى من الجماهير نتيجة غياب ثقتها بمنظومة الحكم بأركانها الثلاثة من جهة، وغياب أو ضعف قوى سياسيّة تطمح وتعمل على التغيير، ويأسها أي الجماهير من حدوث تغيير نحو الأفضل من جهة ثانية، وكونها غير واعية لا بحاجاتها اليومية وتوفيرها للعيش بكرامة ولا بمستقبل وطنها. قد يبدو هذا الأستنتاج قاسيا، لكنّه الأقرب الى الحقيقة بشكل كبير من خلال أستقراء الأوضاع السياسية التي شهدتها البلاد منذ الأحتلال لليوم. أنّ الأنتماء الوطني بالعراق ضعيف مقارنة بالأنتماءات الطائفيّة والقومية والعشائرية بل وحتّى المناطقيّة، والقوى المهيمنة على المشهد السياسي وتشكّل الدولة والدولة العميقة في العراق اليوم تعمل على أنتشار وترسيخ الطائفية والعشارية والمناطقيّة كوسيلة لبقائها في السلطة، بل هي في الحقيقة وإن توخينا الدقّة فأنّها أي الدولة إمتداد طبيعي للنسيج الطائفي القومي المناطقي.

هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت وفق الباحثين والمراكز البحثية المختلفة، والرأي العام الثابت هو الذي يرتكز على مفاهيم ثقافية ودينية وطائفية محدّدة ومشتركة بين غالبية جمهور مناطق جغرافيّة معيّنة وحتّى من أبناء تلك المناطق الذين يعيشون خارجها، ومزاج هذا الشكل من الرأي العام من الصعب تغييره، أو من الصعب تغيير غالبيته ولو البسيطة في مسائل سياسيّة مهمّة، كأصلاح أو تغيير سلطة. ولأننا لازلنا في المثال العراقي، فأنتفاضة تشرين على سبيل المثال لم تستقطب جماهير البلاد بأكملها، وأقتصرت لحدود بعيدة جدا على أبناء مناطق ذات لون ثقافي وطائفي واحد وهم الشيعة، لأسباب منها ضعف البنى التحتيّة والخدمات في المناطق الشيعية مقارنة بغيرها من المناطق ككوردستان مثلا، وكون السلطة التنفيذية بيد ساسة ورجال دين شيعة لم يقدّموا ما كان منتظرا منهم لأبناء جلدتهم على الأقل، هؤلاء الذي أنتفضوا ضد سلطة البعث في آذار 1991 تحت شعار "ماكو ولي الّا علي ونريد حاكم جعفري" وإذا بالحاكم الجعفري فاسد ولص وأذاقهم الفقر والبطالة والمرض والجهل والأميّة. والرأي العام المتحرك أو المؤقّت فهو مرتبط بوجود مشكلة ما أو مطلب ما، وموقف الرأي العام منها عن طريق تنظيم تظاهرات أو أعتصامات أو أضرابات أو وقفات جماهيرية، والرأي العام هذا سلبي أكثر ممّا هو أيجابي، كونه يبحث عن مصالحه بأنانيّة وغباء، فالسلطة تستطيع أن تقف بوجه أضراب المعلّمين أو الكادر الصحي والخدمي في مدينة أو منطقة ما في حال تنظيمهم تظاهرة أو أضرابا أو وقفة جماهيرية لتحقيق مطالبهم، لكنّ نفس السلطة ستكون عاجزة عن مواجهة أضرابات أو أعتصامات في كامل البلاد إن كانت هناك قوى سياسيّة قادرة على تنظيم هكذا شكل من أشكال النضال الجماهيري.

الرأي العام الثابت بالعراق ومن خلال تجربة ما بعد الأحتلال بل ومنذ تأسيس الدولة العراقيّة لليوم، يرتكز على أسس طائفيّة وقوميّة ومناطقيّة. فالرأي العام (بأغلبيته البسيطة على الأقل) في جنوب العراق مثلا، يتأثر لحدود بعيدة بالمؤسستين الدينيّة والعشائريّة وتتم أدارة موقفه وتوجيهه من قضايا البلاد وفق وجهات نظر رجال الدين والعشائر والأحزاب والميليشيات من تلك القضايا. وهذا ينطبق على المناطق الغربية والكوردية أيضا. وهذا يعني أنّ موقف الرأي العام عند الشيعة مرتبط بطقوس مقدّسة تنتجها وتديرها مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية مرتبطة بهاتين المؤسستين من جهة، وسطوة رجال الدين والعشائر والنخب السياسيّة في ظل غياب الدولة أو ضعفها أو إنحيازها لجهة دون أخرى. وموقف الرأي العام في المناطق السنيّة يتم إدارته وتوجيهه هو الآخر من قبل مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية ترتبط بهما، مع وجود نفس الدور لرجال الدين والعشائر والنخب السياسية في توجيه الرأي العام نحو حنين لماض كانت فيه أي الطائفة هي من تمتلك زمام السلطة. أمّا الكورد وهم يحلمون بوطن قومي لهم، فأنّ الرأي العام عندهم يقاد هو الآخر من مؤسسات عشائرية عائلية، مع تأثير واضح كما الآخرين للمؤسسة الدينية.

مثل هكذا رأي عام لا يمكن الأعتماد علية في قياس موقف ما من قضية وطنية بحتة، فالمجموعات الثلاث بغالبيتها البسيطة كي لا نكون قساة في حكمنا عليها لا تعرف معنى الوطنية والأنتماء للوطن، فالوطن عندها طائفة وقبيلة وعشيرة. ومثل هكذا رأي عام يقاد بسهولة الى مواقف من يقودها ويرسم سياساتها. فالمثقفون وهم أقليّة ولا يملكون وسائل أعلام ولا أمكانيات ماديّة كالتي تملكها مؤسسات الدولة التي هي أمتداد للطائفية والعشائرية كما اشرنا قبل قليل، غير قادرة في ان تلعب دور القائد في صراعها مع الطرف الآخر للتأثير في الرأي العام.

أمّا الرأي العام المتحرك أو المؤقّت، فهو رأي عام بائس وغير ميّال للمساهمة في إيجاد حلول أو مراكز ثقل لقوى مناهضة لسلطة الفساد ليمنحها القوّة على الساحة السياسيّة. فتظاهرة لعدم توفّر الكهرباء تنطلق في البصرة مثلا ويُقتل فيها عدد من المتظاهرين لا نرى تظاهرات متزامنة مثلها في مناطق أو مدن أخرى رغم معاناة أبناء تلك المناطق كما معاناة أبناء البصرة من نفس المشكلة، كي تكون ذات تأثير واضح على مزاج الناس من جهة وتحدّيهم للسلطة ودفعها لإيجاد حلول للمشكلة من جهة ثانية!

بشكل عام لا يجب أن يتحرك الرأي العام فقط بأتجاه تحقيق مطالب آنيّة وإن كانت ملحّة، بل عليه التحرّك نحو فضاءات أكبر بكثير من المطالب الآنية، فضاءات تأخذ قضايا سياسية كبيرة كتغيير شكل السلطة وترسيخ مبدأ القانون وبناء دولة مؤسسات حقيقية في ظل نظام علماني ديموقراطي، وهذه الأمور الحسّاسة والمصيرية بحاجة الى قوى سياسية قريبة من الجماهير ومزاجها من جهة، وقادرة على إقناع هذه الجماهير بضرورة مشاركتها الفعلية في ماكنة التغيير، كونها أي الجماهير هي الطاقة التي تحتاجها القوى السياسية الباحثة عن التغيير لتحريك ماكنة التغيير لأنقاذ الوطن من مستقبل تشير الوقائع الى أنّه كارثي بمعنى الكلمة.

 
زكي رضا
الدنمارك
13/3/2023
 



22
آراء إسلاميّة حول حقوق الإنسان بالعراق بين الأمس واليوم


لا يمكن بناء سلطة ديموقراطية بدون إحترام حقوق الأنسان وتحقيقها فعلا من خلال العمل على تطبيق القوانين الدولية بهذا الخصوص، خصوصا تلك التي تتبناها الأمم المتحدة، كون جميع الدول بأنظمتها المختلفة هي أعضاء في هذه المؤسسة الأمميّة. وقد تتعرض للتساؤل في حالة أخلالها بهذه القوانين من خلال عدم أحترام حقوق الأنسان في بلدانها. وبالتأكيد فأنّ للدول الحقّ أيضا في أن تنظر لهذه المسألة من خلال قوانينها الخاصّة والتي يجب أن لا تبتعد عن المفاهيم الأساسية لحقوق الأنسان وحقّه في العيش بكرامة. ولأننا نتحدث عن العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الأنسان، فعلينا أن لا ننجر الى مواقع السلطات التي تتبنى من خلال برلماناتها وكونها الأكثرية سواء كانت تلك الأكثرية سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية، في قهر الأثنيات والأحزاب السياسية والمجموعات الدينية والحريّات الشخصيّة من خلال مبدأ الأكثرية والأقليّة، فهذا المبدأ يفقد معناه حينما يبدأ بمواجهة تلك المجاميع من خلال مبدأ الديموقراطية.

نتيجة السجل الأسود للنظام البعثي في ملف حقوق الأنسان وضربه لكافّة المواثيق والعهود الدولية بل وحتى الأسلامية عرض الحائط وقمعه لجماهير شعبنا بكل أطيافه، تبنت المعارضة العراقية  وقتها هذا الملف بكثير من الحماس كونها عانت كما بقية أبناء شعبنا من إستبداد سلطة البعث وسجونه وإغتيالاته وإعداماته. وقد عوّل شعبنا على هذه القوى في إقامة نظام سياسي يحترم حقوق الأنسان وحريّاته الشخصية، وينهي مأساة تلك الحقبة السوداء من تاريخه. فهل نجح معارضي البعث وهم على رأس السلطة اليوم  في تقديم رؤية قانونية لحقوق الأنسان العراقي، على أنقاض رؤية البعث لها؟

لقد تاجرت القوى الأسلاميّة كما غيرها وهي في صفوف المعارضة على ملف حقوق الأنسان، وكان من ضمن الشخصيات الأسلامية التي تناولت هذا الملف المهم جدا من وجهة نظر إسلاميّة هو د. أكرم الحكيم القيادي في المجلس الأسلامي الأعلى المعارض وقتها، والشاغل لمناصب عليا في الدولة العراقية بعد الأحتلال الأمريكي للبلاد. ففي مقال له تحت عنوان " وجهة نظر إسلاميّة تجاه مسألة حقوق الأنسان"، والتي نشرتها مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في عددها رقم 286  والصادرة بتاريخ كانون الثاني – شباط 1999 في صفحاتها 32 – 35  ، تناول السيد الحكيم هذا الملف إستنادا الى الفكر الأسلامي، وحتّى عندما كان يعرج في مقالته عن حقوق الأنسان في العصر الحديث فأنّه كان يربط هذه الحقوق بالدين الأسلامي وتأثيره المعاصر! فهل أوفت القوى الأسلاميّة وهي تتصدر المشهد السياسي اليوم بتعهداتها حول حقوق الأنسان العراقي كما كانت تروّج له وهي في المعارضة؟   

السيّد أكرم الحكيم لم يخرج قط عن عباءة الدين بنظرة طائفية في مقالته وهو يقول " المصادر الأسلامية ( القرآن الكريم ونصوص المعصومين عليهم السلام!!)، هي مصدر الفكر والثقافة والتشريعات والأخلاق الأسلاميّة"، فأكّد وهو يتناول نصوص دينية من التراث الأسلامي الشيعي وآيات قرآنية والتي سنتناول البعض منها لاحقا من أنّ " قيمة هذه النصوص ومثيلاتها تنبع أضافة الى المفاهيم التي تتضمنّها والسياسات التي تؤسسّها، تنبع أيضا من عمرها الزمني الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة... بكلمة أخرى يمكن القول وبدون مبالغة بأنّ النصوص الأسلاميّة ساهمت وبدرجة كبيرة في أثراء التجارب البشرية المتراكمة بمرور الزمن حتى وصلت الى صيغتها المتقدمّة المعاصرة المتمثلّة بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأوّل 1948"، عازيا الدين كعامل مهم في تكوين ما أنتهى اليه الفكر الأنساني، علاوة على " حقوق الأنسان والمواطن" الذي أصدرته الثورة الفرنسيّة ووثيقة " أعلان الأستقلال الأمريكي" في أعلان الصيغة النهائية لقانون حقوق الأنسان، فهل حصل المواطن العراقي على جزء من حقوقه التي نادى بها السيد الحكيم وحزبه والأحزاب الأسلامية الأخرى تمتلك عرش العراق اليوم..؟ 

لقد أجتزء السيد الحكيم بعض الآيات التي ذكرها في مقالته وهو يسوّق مبدأ حقوق الأنسان من خلال معتقداته، والتي برهن التاريخ من أنّها لم تكن الّا وسيلة لذرّ الرماد في العيون، فها هو أسلامه وتشيّعه على رأس السلطة ولم نرى شيئا من حقوق الأنسان في بلدنا الذي أكتوى بنار البعث، وجاء الأسلام السياسي ليكمل ما عجز البعث عن أنجازه في كل حقول السياسة والأقتصاد والأجتماع ومنها حقوق الأنسان وحقوق المرأة وحقوق الأطفال. فالسيّد الحكيم يستشهد بآية (لا إكراه في الدين) سورة البقرةآية 256، لكنّه لا يستمرّ بالآية الى نهايتها والتي تقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، كما وأستشهد السيد الحكيم بالآية 29 من سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ) والتي كما التي قبلها جاءت في غير سياقها كونها لم تستمر حتى نهايتها (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ). في الآيتين السابقتين والتي جاء بهما السيد الحكيم كمثال على مبدأ حقوق الأنسان في القرآن الكريم، فيهما نوع من التهديد والوعيد وهذا بعيد عن مبدأ حقوق الأنسان، فحقوق الأنسان كما الحريّات لا تتجزأ والّا ستكون بعيدة عن أهدافها الحقيقية.

السيّد الحكيم وبعد كم الآيات والأحاديث التي تناولها في مقالته تلك التي كانت بعيدة عن صلب الموضوع أصاب الهدف بدقّة في نهايتها، حينما تساءل عن السبب الذي يجعل البلدان الأسلامية تعيش انتهاكات كبيرة لحقوق الأنسان، مؤكدا من أن أنتهاك حقوق الأنسان ومصادرة حريّاته هي سياسة ثابتة وأستراتيجية للحكومات بمختلف ألوانها. وقد حدّد السيد الحكيم الأمر بنقطتين جوهريتين الأولى هي " إنّ أغلب الحكومات التي تعاقبت  على السلطة في عالمنا الإسلامي ولقرون طويلة من الزمن اختارت من الأطروحة الأسلامية ما يناسبها وأهملت كل ما يتعلّق بحقوق الشعب وكل ما يتعارض مع تسلطها وأستبدادها، حتّى بلغ الحال أن تعتقد ملايين من المسلمين بقداسة تاريخ وشخصيات خلفاء وحكّام كانوا في الواقع ظلمة وطغاة وفاسدين"، والثانية " تخلّف الجماهير في وعيها الديني والسياسي والثقافي شكلّ على الدوام عاملا مساعدا لأستغلال الدين والقيم الدينية لغير أهدافها الأصليّة".

 إذا أخذنا النقطتين أعلاه كمثال لما يجري بالعراق الأسلامي اليوم، سنرى أنّ السلطات تكرّس ما تحتاجه من نصوص اسلامية وغير اسلامية لاستمرار هيمنتها على السلطة، والأسلام السياسي الذي ينتمي اليه السيد الحكيم هو جزء اساسي وفاعل في هذه السلطة اليوم، أمّا عن تخلّف وعي الجماهير فأنّ للسلطة والمرجعيات الدينية والعشائرية الدور الأكبر في تغييب وعي الجماهير وقبره.

غياب حقوق الأنسان والحريّات الأساسية تعني غياب الديموقراطية، وغياب الديموقراطية تعني الأستبداد وأن كانت صناديق الأقتراع فيصلا، كون الديموقراطية في هذه الحالة تكون على قياسات أحزاب السلطة. وما نراه في العراق اليوم من قمع للمتظاهرين وخطف للناشطين والتضييق على الحريات بقرارات تستند على نصوص اسلامية، بعيدة عن كل ما جاء في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان. والقوى الأسلامية اليوم تختار من الأسلام نفسه ما يناسبها، فهي تحرّم أمور كثيرة، لكنّها لا تحرّم السرقة التي وردت آية في القرآن تأمر بقطع يد السارق كما جاء في الآية 38 من سورة المائدة ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، لأننا حينها سنرى مئات من الساسة ورجال الدين مقطوعي الأيدي.

أنّ السرقة حرام، والغشّ حرام، والفساد حرام، والخيانة حرام، وأشاعة الجهل بين الناس لغاية في نفس الأحزاب الأسلامية حرام، وأكل مال اليتامى والأرامل حرام، وأستيراد المخدرات وبيعها على شبابنا حرام ما بعده حرام، أمّا أستمرار سلطة المحاصصة فهي الكفر بعينه. لكي يكون للأنسان العراقي حقوق وفق معايير دولية، فأننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي لا ينظر لهذه الحقوق من ناحية دينية، بل من ناحية قانونية ودستورية تمنح المواطنين الحق في التظاهر والتجمع والأضراب وممارسة شعائرهم الدينية وحريّاتهم الشخصية ومنها حريّة التعبير بما لا يتعارض ومفاهيم حقوق الأنسان.

زكي رضا
الدنمارك
/3/2023 11



   



 





23

عجبي يحاربون معاوية وكلّهم معاوية


بما يشبه روايات الخيال العلمي، وجدت نفسي فجأة على متن مركبة آلة الزمن كالتي جاءت في رواية هربرت جورج ويلز، الّا أنّ المركبة هذه وعلى خلاف المنطق العلمي كانت مجهزّة للسفر نحو الماضي. وما أن جلست فيها حتى بادرني الربابنة العاملين عليها بسؤال عن وجهتي، نحو الماضي طبعا. فقلت للعاملين وبهدوء كامل ونحن نعيش صراع شيعي بفيلم شجاعة ابو لؤلؤة، وسنّي بمسلسل معاوية في شهر رمضان القادم وكأننا في مباراة كلاسيكو بين فريقي كرة قدم، من أننّي أريد السفر الى العام 652 للميلاد والى منطقة الربذة شرق المدينة المنورّة تحديدا.

ما أن خرجت من المركبة التي هبطت هناك، حتّى رأيتني أمام رجل وأمرأة ومعهما غلام فعرفت من أنّه ابو ذر وأمرأته وغلامه الذي بانت على وجوهم علامات الخوف والتعجب من شكل المركبة وطريقة هبوطها.

أنا: السلام عليكم يا ابا ذر.
ابا ذر: وعليكم السلام ورحمة من الله وبركاته، هل معك لي سابق معرفة، قالها متعجبا؟
أنا: لا، ولكنك وفي مكانك هذا وسبب وجودك فيه، أصبحت أشهر من نار على علم. فمن ذا الذي لا يعرف ابو ذر، ومن ذا الذي لا يعرف الربذة.
ابا ذر: أنّ قدومك اليّ هنا على ما يبدو هو لأمر جلل، فما هو؟
أنا: أريد أن تسافر معي على هذه المركبة الى النجف حيث قبر صاحبك الأمام عليّ ومنها الى كربلاء حيث قبر أبنه الحسين.
ابا ذر وعيناه غارقتان بالدموع: هل سأشهد موته!
أنا: بل مقتله وأبنه، ولنسافر على نفس المركبة بعدها الى الخضراء.
ابا ذر بعصبية ظاهرة: الخضراء هذه التي بناها سارق أموال الفقراء والأرامل والأيتام معاوية بن أبي سفيان في الشام.
أنا: لا أنها ليست ت......
ابا ذر مقاطعا: أتعرف من أنني منفي هنا لأنني وأنا في الشام وبمواجهة معاوية كنت آخذ بظاهر القرآن وأتلو آية ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وكنت أقفّ على دكّة في سوق دمشق وأقول محرضّا الفقراء على الأغنياء صارخا (يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء، بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، فلما رأى معاوية أن فعلي يصدق قولي كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا..).
أنا: نعم لقد قرأنا في كتب التاريخ عن مواقفك هذه، وهذا ما دفعني للقدوم أليك، كون الحرب لا زالت مستعرة بين سراة شيعة علي وسراة شيعة معاوية.
أبا ذر: الحرب بينهما قائمة لليوم، وماذا عن فقراء الناس عند الطرفين!؟
أنا: نعم الحرب قائمة لليوم، أمّا فقراء الطرفين فهم كما فقراء العالم يعانون من الفقر والجوع والظلم والأضطهاد.
ابا ذر: هلّا تأخذني بمركبتك هذه عند معاوية في قصره الخضراء بالشام، لأحرّض الفقراء عليه من جديد.
أنا: نعم، سآخذك اليه لكنني أودّ أن تأتي معي أولّا الى النجف وكربلاء حيث قبرعلي وأبنه الحسين ومن ثمّ الى الخضراء في بغداد حيث سراة شيعة عليّ.
ابا ذر: أسراة الشيعة يعيشون في الخضراء!؟
أنا: بلى يا أبا ذر، ووالله لخضرائهم أغنى من خضراء معاويّة.

كانت المركبة في طريقها للهبوط في مدينة النجف الأشرف، وإذا بأبا ذرّ يسألني عن قبّة مذهبّة ينعكس نورها نحو السماء، فقلت له وأنا أنظر الى وجهه لأتعرف على ردّة فعله: أّنه قبر إمام الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين، أنّه قبر الأمام عليّ بن أبي طالب. فلطم أبا ذرّ وجهه وصاح، يا صاحبي يا أمير المؤمنين أرك تئنّ من ثقل الذهب على قبرك. وما أن نزلنا الى الأرض وسط المدينة حيث الفقر ينشر أجنحته على الأطفال الفقراء والعراة حتّى صرخ بيّ أبا ذر، أن أعدني من حيث أتيت فقد سرق سراة الشيعة ومعمّميهم أمامهم وفقراء وأرامل وأيتام شيعته.

في كربلاء تكرّر نفس المشهد، الّا أن ابا ذر وقف مبهوتا وهو يرى معمّم شيعي يجمّل الفقر في عيون الفقراء، وهو في أبهى حلّة. فنظر اليّ ابا ذر بنظرة فهمت منها أنّ آية (﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، تنطبق على هذا المعمّم وأمثاله وسراة الشيعة الذين أذاقوا الناس الذلّ والفقر.

أنطلقت بنا المركبة من كربلاء الى بغداد المسبيّة، وإذا بالفقر يسير جنبا الى جنب الناس كما الموت، وإذا بسراة شيعة عليّ يستقلّون سيّارات رباعية الدفع مصفحّة ضد الرصاص خوفا من غضب الناس، وهم الذين يتاجرون بالتشيع بقولهم (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما). لم يتحمّل ابا ذر منظر البؤس في بغداد ولا رخاء ورفاهيّة سكّان الخضراء، فطلب منّي أن أطير به الى دمشق ليتحدث الى معاوية في قصره. وما هي الّا لحظات وأذا نحن بقصر الخضراء في دمشق، وما أن رأى الحرس ابا ذر في باحته حتى أمتشقوا سيوفهم صارخين: أنّه أبا ذر وجاء ليقتل الخليفة معاوية بن أبي سفيان. فصرخ بهم ابا ذر صرخة سمعها معاوية قائلا: خذوني أليه فأنا لا أحمل حتى العصا التي اتكأ عليها.

أمر معاوية الحرس بأدخال ابا ذر الى بلاطه وعدم الشدّة في معاملته كونه كان شيخا منهكا ومجردّا من أي سلاح يهدد حياته، ليستقبله سائلا إياه: ماذا اتى بك الى الشام من جديد يا ابا ذر؟

أبا ذر: جئت أليك وأنا أرى فقر شيعة علي الذي سُبّ من على منبرك والحسين الذي قُتل من قبل أبنك يزيد على أياد سراتهم، وغنى شيعتك في الشام وغيرها من الأصقاع لأقول: يا معاوية يا من تركت سنّة النبي والخلفاء وجعلت الحكم وراثة، والغدر سنّة وأنت تغدر بأيتام قتلى صفّين بعد أتفاقك مع الحسن بن علي وتقطع أعطياتهم، أنّك لأشرف وأطهر من ساسة الخضراء وسراة الشيعة في العراق، كونهم يسرقون حتى أموال فقراء شيعتهم ولم ينصفونهم كما أنصفت أنت أهل الشام...

على باب قصر في المنطقة الخضراء وقف أبا ذرّ صارخا: هل ادلكّم على تجارة تربحون بها مالا لا يُعدّ ولا يُحصى، بلى قال القوم: دلّنا يا صاحب أمامنا ابا الحسن.. حينها صرخ ابا ذر أن لا تتوقفوا عن المتاجرة بعليّ
وأبناءه أيها الظَلمة، وحينها نشر سراة الشيعة سيوفهم ليجزّوا بها رؤوس فقراء العراق في ساحة التحرير والمطعم التركي وكراج السنك وساحة العشرين في النجف وساحة الحبوبي في الناصريّة وساحات وشوارع باقي مدن العراق.

يروى أنّ النبي محمّد قال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده، ويبدو أن شيعة العراق وفقراءه ونتيجة ظلم ساسته ومعمّميه سيكونون كما أبا ذر، يمشون وحدهم ويموتون وحدهم ويُبعثون وحدهم..

 
زكي رضا
الدنمارك
27/2/2023


24
14 شباط بين فالنتاين وفهد ورفاقه


غدا الرابع عشر من شباط، سيبعث العشّاق لحبيباتهم الزهور والهدايا. غدا تتحول شوارع اكثر مدن العالم الى منصّات للفرح والبهجة. غدا سيتعانق العاشقون مقبلّين بعضهم البعض. غدا ستتزيّن الشوارع بالقلوب والزهور الحمراء. غدا ستتشابك الأيادي من أجل عالم مليء بالحبّ والعاطفة. غدا سيقف الراهب فالنتاين في وجه الأمبراطور الروماني كلاديوس الثاني وفرمانه بمنعه زواج جنود الأمبراطورية التي كانت في حالة حرب مستمرة. غدا سيستقبل الراهب العاشق للحياة الجنود العزّاب في كنيسته لتزويجهم من حبيباتهم رغم أنف الأمبراطور وسلطته. هذه الليلة، ليلة الرابع عشر من شباط يكتب الراهب رسالة الى الفتاة جوليا: كوني قريبة من الله، وداعا. غدا يُنفّذْ حكم الأعدام بالراهب فالانتاين بأمر من طاغية روما.
 
غدا الرابع عشر من شباط، سيبعث فهد الى حزبه وصاياه. غدا سيغيب الفرح عن شوارع بغداد التي لم تذق طعم الفرح يوما.  غدا سيتعانق الشيوعيون ليشدّوا من أزر بعضهم البعض وهم يواجهون الموت من أجل حياة أفضل لشعبهم ولحرية وطنهم. غدا ستُزرع المشانق في ساحات ومعتقلات العراق. غدا ستتشابك أيادي الشيوعيات والشيوعيين للمضي قدُما في نضالهم من أجل تحقيق مصالح شعبهم ووطنهم. غدا سيقف فهدا عملاقا  بوجه  أقزام سلطة الأقطاع عملاء التاج البريطاني. غدا سيستقبل في حلمه ويقظته رفيقات ورفاق حزبه ليوصيهم بالحزب والشعب والوطن. هذا الليلة سيكتب فهد وصيته الى رفيقات ورفاق حزبه: كونوا قريبين من الجماهير، وداعا يا رفاق. غدا يُنفّذ حكم الأعدام بفهد في ساحة المُتحف حيث تاريخ العراق منذ القدم بأوامر مباشرة من لندن، وبأنتخابهم هذه الساحة يكونوا قد نفذّوا حكم الأعدام بتاريخ العراق ومستقبله.
 
أيها الرفيق الخالد فهد: لقد نفّذ رفيقات ورفاق حزبك ومنذ ساعة صعودك الى سماء العراق وصاياك، ولم يغيبوا يوما عن العمل في سبيل مصالح شعبهم ووطنهم. والعراق الذي لم ترى أغلى من روحك لتجود بها في سبيل أن تراه حرا، أمتلأ بمقابر الشيوعيات والشيوعيين ومئات الآلاف من أبناء وطننا المبتلى لليوم. ففي قصر النهاية وفي نفس شهر شباط الذي أُعدمت فيه ورفاقك الميامين، أستشهد تحت التعذيب مئات الشيوعيين من قادة الحزب وكوادره ونشطاءه.
 
لقد كان الوطن وشعبه ووفق وصاياك في حدقات عيون الرفيقات والرفاق ومنهم سلام عادل، الذي فقأ الفاشست البعثيين عينيه، لكنّ العراق ظلّ معه ويراه حتى ساعة أستشهاده البطولي تحت التعذيب، كما ظلّ مع العبلّي الذي دُفن حيّا وهو يستنشق تراب العراق كما يُستنشق الهواء ، وظلّ مع رفيقات ورفاق حزبك وهم يحتضنون أهوار وجبال العراق ويسطرّوا الملاحم في الدفاع عن مبادئهم وشعبهم ووطنهم، وظلّ عصيا على النسيان في أقبية الأمن العامّة والشعبة الخامسة وتحت أعواد مشانق سجن أبو غريب ونقرة السلمان الصحراوي وعشرات السجون والمعتقلات في عراقنا الذي يئن اليوم تحت ظلّ سلطة محاصصة طائفية قومية، لا تريد كما اللواتي سبقتها للعراق وشعبه خيرا..
 
المجد للرفيق الخالد فهد ورفاقه الميامين وهم يبذلون أرواحهم في سبيل حزبهم ونصرة قضايا شعبهم ووطنهم
 
المجد لشهداء الحزب طيلة تاريخه النضالي المشرّف
 
الخزي والعار الأبدي لكل من تلطّخت أياديه القذرة بدماء الشيوعيات والشيوعيين عاشقي شعبنا ووطننا والحياة

 

زكي رضا
الدنمارك
13/2/2023
 



25
الثامن من شباط والتاسع من نيسان  والعاشر من شباط .. أجتياح بغداد

كلاكيت رقم واحد..
فيلم أجتياح بغداد لمخرج مغولي بتاريخ العاشر من شباط 1258 ..

الحرائق تلتهم القصور والبيوت والمدارس والمتاجر والخانات ودور العبادة، النيران تلتهم البشر وتلاحقهم في كل مكان، الآلاف يغرقون في نهر دجلة، الرعب تراه في عيون الأطفال والنسوة، تاريخ وثقافة المدينة يحترق بحرق بيت الحكمة، الموت والدمار يقابله ضحكات الغزاة وقهقهاتهم العالية وهم ينظرون ثملون الى عشرات آلاف الجثث التي تملأ شوارع المدينة، الرماح تخترق صدور رجال العلم والأدب والفلسفة والتاريخ، رؤوس الساسة والرجال الذين قاوموا حراب الرعاع تراها معلّقة على ما تبقّى من جدران المدينة، بين الأنقاض والدمار المنتشر في كل مكان ترى الرعب والخوف يسيران مرعوبَين وخائفَين من هول المشاهد.

كلاكيت رقم أثنين..
فيلم أجتياح بغداد، الجزء الأوّل لمخرج أمريكي بتاريخ الثامن من شباط 1963 ..

طلقات من رشّاش بور سعيد العروبي تنطلق الى صدر جلال الدين الأوقاتي ليكون دمه الذي لوّن أسفلت بغداد في هذا اليوم ساعة صفر الهجوم البربري ومقتل الإله تمّوز، طائرات تقصف مبنى وزارة الدفاع، جماهير تطالب عبد الكريم قاسم بتسليحها، الدبابات البعثية تضرب المنتفضين عند مبنى وزارة الدفاع، مبنى الأذاعة يتحول الى محكمة وساحة أعدام، التتار لم يهدموا قصر الرحاب هذه المرّة بل حولّوه الى مسلخ بشري، لجان الحرس القومي المجرمة تتجول ناشرة الرعب في الشوارع والبيوت، سلام عادل يصدر بيانا يطالب الشيوعيين فيه بالمقاومة،  المقاومة تنتشر في الكاظميّة وعقد الأكراد والثورة والكريمات والشاكرية والشعلة رغم ضعف الأمكانيات، جثث الشيوعيين المقاومين تملأ الشوارع والأنهار، البعثيون على خطى المغول يقتلون المئات من رجال العلم والأدب والفن والتاريخ والأقتصاد، اساليب التعذيب البربرية تنهي حياة آلاف السجناء في الملاعب والمدارس التي حولّها المغول الى معتقلات. من زاوية أخرى للكاميرا صوت مذيع في الأذاعة يقرأ بيان من قوةّ قومية كوردية تأييدا للأنقلاب الفاشي، والقتلة يعلنون بيان رقم 13 لأبادة الشيوعيين مع فرحة غامرة على وجه مرجع ديني يبارك المجزرة.

الرعب والخوف ينتشران ببغداد، البعث يحصي أنفاس الناس، تهجير يطال مئات آلاف العراقيين، الأعدامات تطال آلاف العراقيين المناهضين للسلطة، مئات آلاف الشباب يساقون الى الجبهات حيث الموت في أنتظارهم، الشوارع ممتلئة بمعاقين، حلبجة تختنق بالغاز، الأذاعة تبث تجويدا لسورة الأنفال بصوت بعثي نشاز، طريق المطلاع جحيم تُشوى في الأجساد البشرية، عسكري في ساحة سعد  يرمي صورة هولاكو بالرصاص، مآذن ومراقد تطرّز بالرصاص وتُدنّس بالدبابات والبساطيل العسكريّة، مقابر جماعية تملأ صحارى العراق، الجوع في كل مكان، المرض ينهش الأجساد شبه الآدميّة، مدارس خاوية، معامل معطلّة، مستشفيات بلا أدوية، أرض عطشى، أطفال أشباه عراة يملؤون الطرقات والشوارع، حملات إيمانيّة، الفساد ينهش جسد الدولة والمجتمع.

كلاكيت رقم ثلاثة ..
فيلم أجتياح بغداد، الجزء الثاني لمخرج أمريكي بتاريخ التاسع من نيسان 2003 ..

سندحر العلوج، يا محلى النصر بعون الله، دبّابات على جسر الجمهورية، دبّابات في محيط وزارة النفط، تتار العصر: علي بابا هذا متحفكم وتاريخكم فأنهبوه والرعاع يلبّون النداء، أبو تحسين يلطم وجه الطاغية بنعال،  ساحة الفردوس وتمثال الطاغية يهوى الى الأرض، الرعاع ينهبون البنوك ودوائر الدولة، صدام حسين يُخرج من حفرة قذرة كقذارة تاريخه وحزبه، القاعدة تعلن الحرب، داعش تُعلن دولتها، الطائفيّة تنهش جسد المجتمع، جدران عازلة تقطّع مناطق بغداد، قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة، نحر الرجال في خيم العار، تفجير المراقد وبيوت العبادة، الجهل والأميّة ينهشان جسد المجتمع الغارق في المفاهيم الغيبية، الفساد يتعملق على كل المستويات، بنك الزويّة، غرق مليارات الدولارات في خزائن البنك المركزي، بيع مصانع الدولة خردة لدول الجوار، محاصصة طائفيّة قومية، نهب منظّم لثروات البلد، ميليشيات ولائية، مارد تشرين ينهض، طلبة يملئون الشوارع والساحات، نساء ورجال يقدمّون أبهى صور البطولة في مواجهة رصاص الغدر الميليشياوي، نفق التحرير يتزيّن بألوان الفرح والأمل،  كراج السنك، المطعم التركي، ساحة العشرين، شارع الحبوبي، شهداء،  معاقون، مغيّبون، مدن الصفيح في بلد متخم بالنفط، دعارة، مخدرات، تسوّل منظّم، أتاوات، مدارس طينية وأخرى في الهواء الطلق، البؤس في كل مكان، خيانة...

في التاسع من نيسان 2003 ، حصل المخرج الأمريكي على جائزة الأوسكار وهو يعيد أنتاج فيلم الثامن شباط بحلّة جديدة، بعد دعوته لممثلين شيعة وكورد ليشاركوا زملائهم السنّة بطولة فيلم يقود العراق الى الهاوية..

ليكون النهار العراقي مشمسا، فأننا بحاجة الى مخرج وطني عراقي وممثلين عراقيين غيورين على شعبهم ووطنهم، ليضعوا كامراتهم في ساحة التحرير، لينتجوا فيلم خلاص بغداد، بنداء كلاكيت أربعة... 

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2023   


   







26
المنبر الحر / الدولار العلقمي
« في: 18:49 06/02/2023  »
الدولار العلقمي

غالبا ما يُتّهم وزير الخليفة العبّاسي المستعصم بالله  أي محمد بن أحمد المعروف بأبن العلقمي بخيانة البلاد لصالح المغول، ومساعدتهم في إحتلال بغداد وأنهيار الدولة العبّاسيّة.  وإستنادا الى ما وَرَدَ في المصادر التاريخيّة حول هذه القضيّة وأختلاف وجهات النظر حولها بين الفريقين المتخاصمين منذ قرون طويلة، فأنّ الخلافات بين الفريقين ستستمر الى ما لا نهاية، إستمرارا للخلافات التي  بينهما منذ سقيفة بني ساعدة ولليوم.

لقد كتب العشرات من رجال الدين والمفكرّين الشيعة أبحاثا ومقالات مطوّلة لتبرئة ابن العلقمي، وقابلهم رجال دين ومفكرّين سنّة ليوصموا ابن العلقمي بالخيانة، علما أنّ هناك الكثير من رجالات الطائفتين وعلى مرّ التاريخ نستطيع أن نضعهم في خانة الخيانة والجريمة. فالسلاطين العثمانيين كانوا مجرمين أذاقوا شعوب مستعمراتهم العذاب وخانوا حتّى القيّم الأسلاميّة التي كانو يدّعون الدفاع عنها، ولم يكن الملوك الصفويون أقل منهم باعا بالخيانة والجريمة، وهم يذيقون الشعوب الإيرانية العذاب ويحاربون العثمانيين بالعراق ليدفع شعبنا ثمن صراعهم السياسي المغلّف بالدين والطائفة.

لليوم يعمل زعماء الشيعة على تبرئة العلقمي، كما يعمل زعماء السنّة على تبرئة شخصيات سنيّة لم تكن أقل من العلقمي في خيانتها. لكنّ الأوضاع المزريّة في العراق اليوم والأحزاب والمؤسسات الشيعية تهيمن على المشهد السياسي والأقتصادي بالبلاد، تدفعنا لأستعارة العلقميّة إن جاز التعبير لنوجه من خلالها، تهم الخيانة لحكومة المحاصصة التي يهيمن عليها ويديرها رجال دين وسياسة وأقتصاد من التنظيمات السياسة والميليشياوية الشيعية.

العلقميّة اليوم ليست بالضرورة فتح أبواب البلاد لجيوش المحتلّين وأستقبالهم كمحرّرين، بل هي نهج في السلطة وطريقة في أدارة الدولة، وخطط أقتصادية وتخطيط مالي. والأحزاب الشيعية اليوم وعلى الرغم من الخلاف التاريخي حول ابن العلقمي، فأنّها أتّخذت من العلقمية ممارسة أستراتيجة لخيانة العراق وشعبه وثرواته. 

صعود أو هبوط سعر صرف الدولار الأمريكي بالعراق كما بقيّة دول العالم يؤثّر على حياة الناس، وخصوصا الموظّفين وذوي الدخل المحدود والفقراء. والعراق الذي دخلت خزائنه ونتيجة أرتفاع اسعار النفط مئات مليارات الدولارت، بدّدت سياسة المحاصصّة نسبة كبيرة منها نتيجة النهب والفساد وسوء الأدارة. ولأننا نعيش حكومة محاصصة وتوزيع الوزارات والمناصب وفق نسب سكّانية، فأنّ الجرائم التي تقع على العلاقمة الشيعة إن جاز التعبير ثانية، هي أكثر ممّا تقع على العلاقمة السنّة والكورد.   

أهدر النظام البعثي وغيره من الأنظمة العربية ثروات شعوبهم ليستجدوا الآن بضع مليارات من الدولارات بفوائد كبيرة وشروط قاسية من مصارف عالمية والبنك الدولي تحت شعار( كل شيء من أجل المعركة)، وخسروا المعركة وهي تحرير فلسطين! والاحزاب الشيعية وعمقها الطائفي أهدرت مئات مليارات الدولارات من أجل شعار توسيع النفوذ الإيراني بالعراق والمنطقة تحت شعار ( كل شيء من أجل إيران والمذهب)، لتزداد أعداد فقراء المذهب بشكل كبير.

الدولار الذي أرتفع سعر صرفه الى مستويات قياسية على عكس تعهدات العلاقمة ببغداد، والذي تحاصر سلطات الأحتلال الأمريكي سوقه وتنقلاته ليس لوقف نزيف الخزينة العراقية، بل من أجل عدم تغذية الخزينة الأيرانية التي تعيش كالطفيليات على أموالنا وأقتصادنا وأسواقنا، وللحد قدر الأمكان من التدخلات الأيرانية في العديد من بلدان المنطقة.

أن يستورد العراق الغاز من أيران ويحرق غازه هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يستورد الكهرباء من أيران بأسعار أعلى من أسعار تعرضها بعض دول الجوار هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يستورد العراق التمر من إيران بملايين الدولارات هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يدفع العراق رواتب الميليشيات الولائية وحزب الله اللبناني والميليشيات التي تقاتل في سوريا وغيرها هو شكل من أشكال العلقميّة. لكن أن تتلاعب الدولة نفسها بأسعار الصرف وتفتح اسواق بيع العملة لشركات وهمية أو شركات مرتبطة بميليشيات مسلحة على علاقات وثيقة بإيران، لتفرغ خزينة البلاد من العملة الصعبة خدمة لأيران ومشروعها الجيوسياسي فأنّها الوجه الأكثر قبحا للعلقميّة..

زكي رضا
الدنمارك
4/2/2023



 







27
رائحة الوقت.. رواية للروائي هاشم مطر

الحبكة، الزمان، المكان، الموهبة، الألهام، الحسّ الأنساني، صدق المشاعر، تجسّدت كلها عند الروائي والناقد هاشم مطر وهو يتناول في روايته رائحة الوقت،  باناروما التيه الفيلي وبانوراما المهجرين. هاشم مطر وهو ينشر روايته هذه، فأنّه يغوص في أعماق نفوس المهجرّين، فيرسم مشاعرهم وأحاسيسهم وآمالهم وآلامهم ودموعهم بريشة فنان مبدع، يعرف كيف يوظّف خياله الواسع في رسم صورة مؤلمة ولكن لا بد منها لتلك الأيام الحالكة السواد. لا بدّ منها، كوننا نحن الكورد الفيليون وبقيّة المهجرّين بحاجة ماسّة لتأرخة المصائب والمصاعب التي عشناها بشكل أدبي، بعيد عن تجّار القضيّة من كل حدب وصوب، وهاشم مطر أرّخ تلك الويلات بدقّة وكأنّه مهجّر معهم عانى ما عاناه أبناء جلدته.

لم يكن هاشم مطر يجلس وسط ( الزيل العسكرية)"1" ولا الى الى جوانبها، ولا حتّى الى جانب ذلك العسكري وهو يوجّه فوهة رشّاشه نحو الأجساد المتكدّسة في العجلة وهي تنهب الأرض نحو المجهول، بل كان يجلس فوق (القمارة) وبيده كاميرا ذات مميزّات خاصّة، فعلاوة على ألتقاطها صور ثلاثية الأبعاد لتلك النفوس التي يثقل كاهلها الخوف والرعب وفوهة الرشاش وأخرى للقلق في ترك أب أو أخ أو زوج أو حبيب، فأنّها كانت تلتقط نفس الصور للشوارع والأبنية والمحال والأسواق والمدارس وصالات السينما التي يعرف المهجرّون جغرافيتّها بشكل دقيق، ولم ينسى هاشم مطر مصابيح الطريق التي تتلاشى بسرعة والشاحنة تتوجه بسرعة نحو الحدود التي على تلك الأجساد عبورها، رغم الألغام والذئاب والأفاعي والريح العاتية والزمهرير والثلج وقساوة الطبيعة و"البشر"، تلك المصابيح التي كان نورها ينعكس لثوان على وجه أمّ تركت أكثر من إبن في قبضة الموت، أو زوجة لاتعرف إن كان في رحمها جنينا من زوجها الذي أعتقل في اليوم الثاني لزواجها، أو أخت ودّعت أخوتها بنظرة شعرت من أنّها الأخيرة،  أو فتاة رأت وهي تصعد الشاحنة تحت تهديد أصحاب الزيتوني حبيبها مكسورا والدموع تملأ عينيه.

هاشم مطر وهو يجلس على أعلى (الزيل)، لم يكن وقتها كاتبا ولا ناقدا ولا مصوّرا فوتوغرافيّا، بل كان شبحا لا يراه أحد، شبح مهمّته توثيق تلك الساعات الرهيبة لتلك الأجساد التي رافقها وهي تعبر الحدود وتعارك الطبيعة والجبال الوعرة، رافقها وهو يوجه كاميرته للأجساد التي هدّها التعب فأستسلمت مرغمة للموت لتتهاوى الى وديان سحيقة، رافقها نحو بيوت الفلاحين والرعاة البسطاء وطيبتهم، رافقها الى ( الأوردگاه)"2" والخيام المبعثرة وصفير الريح وهي تخترقها والأجساد التي فيها، رافقها الى عذابات المدن والعمل المضني بأجور زهيدة، رسم اللاأنسانية في هويّات الفيليين والمبعدين والممنوحة لهم من السلطات الإيرانية ( إين كارت أز نظر قانونى أرزش ندارد) " 3"! لقد رافق هاشم مطر الفيليين في محطّاتهم المختلفة وهم يزحفون نحو الشمال، فرسم باقي اللوحة بألوان حقيقية وكأنّه كان لا يزال يرافقهم.

رائحة الوقت يجب أن تزيّن بيوت الكورد الفيليين وبقيّة المهجّرين، ويجب أن تترجم ليقرأها أبنائهم في المهاجر كي يتعرفوا على الأهوال التي مر بها آبائهم وأمهاتهم.. الرواية تقول: عليكم أيها الفيليون وأيهل المهجّرون ان لا تنسوا تلك الفظاعات ابدا.



شكرا ابا نخيل وأنت تترجم مآسينا وآلامنا وعشقنا للحياة رغم الموت الذي كان رفيقنا الدائم، لقد كنت معي يا ابا نخيل وأنا أعيش تلك الأيام القاسية....

1 – الزيل شاحنة عسكرية كان يستخدمها الجيش العراقي.
2 - ( الأوردگاه)، كلمة فارسيّة تعني معسكر.
3 - ( إين كارت أز نظر قانونى أرزش ندارد)، بطاقة تعريف كانت تعطى للمهجرين معناها ( من الناحية القانونية لا قيمة لهذه البطاقة).

زكي رضا
الدنمارك
16/1/2023

28
هدايا سانتا كلوز الأمريكي للعراق

 تحتفل كل شعوب الأرض بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، بغضّ النظر عن أديانها وقومياتها وثقافاتها وعاداتها الأجتماعية. ولهذه الأحتفالات طقوس متشابهة  تقريبا في جميع أرجاء المعمورة، منها على وجه الخصوص حضور سانتا كلوز أو ما يسمّى ببابا نوئيل بزيّه الفولكلوري الأحمر وهو يوزّع الهدايا على الأطفال عشيّة أعياد الميلاد، أو مهرجانات الألعاب الناريّة وهي تضيء سماوات مدن العالم المختلفة وهي تتهيأ لوداع عام ميلادي بأحزانه وأفراحه، آملة أن يكون العام الذي يليه أكثر سعادة وأستقرارا وأمنا من سابقه.

لم نختلف كعراقيين عن بقيّة شعوب العالم ونحن نحتفل بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية في السابق، فكنائسنا كانت عامرة بالمصلّين قبل أن تضيق بهم أرض آبائهم وأجدادهم ليتناثروا كزهور بريّة في أصقاع الأرض المختلفة،  وكان المسلمون  متسامحين وطيّبين وهم يحتفلون مع أخوتهم بالوطن أعيادهم وآمالهم ودعواتهم ومثلهم كان الأيزيديّون والمندائيّون. وكان العراقي بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته، ينظر بفرح الى سانتا كلوز وهو يتجول بين الكنائس وبيوت المسيحيين من أبناء بلده ويوزّع الهدايا على أطفالهم ويزرع بينهم الفرح. ممنيّا النفس في أن يرى يوما سانتا كلوز في شوارع ومدن العراق وهو يوزّع هداياه فيهما، ومنتظرا لتتكحل عيناه بغابات من الألعاب الناريّة التي تضيء سماء العراق.

فجأة وعلى غيرعادة العراقيّين حتّى وهم يخاطبون السماء مبتهلين الى الله لتحقيق دعواتهم تحقّق الأمل العراقي، وبدلا من سانتا كلوز واحد أمتلأ العراق بعشرات الآلاف منه، ومعهم صناديق هدايا ليوزّعوها على الأطفال والنساء والرجال. ولم يحضر السانتا كلوزات إن جاز التعبير على عربات تجرّها حيوانات الأيائل الجميلة، بل جاؤوا على متن طائرات الشبح وحاملات الطائرات والسفن الحربية. وكان هناك أكثر من سانتا كلوز يمتطي صاروخ كروز ليوزّع الموت في مدن العراق المتعبة  ليحولّها الى حطام.

صناديق هدايا سانتا كلوز الأمريكي لم تكن صناديق هدايا بالشكل المتعارف عليه، بل كانت أشبه بمجموعة دمى التعشيق الروسيّة  ذات القطع السبع المسمّاة ماتريوشكا، ما أن تفتح واحدة حتى تظهر أخرى. وإن كانت ماتريوشكا بألوانها الزاهية عبارة عن دمى زينة، فأنّ صناديق سانتا كلوز الأمريكية كانت عبارة عن صندوق بندورا كبير، ما أن تفتحه حتى ترى صندوقا غيره وهكذا،  صندوق بندورا خرجت منه كل الشرور والآثام والجرائم.

فمن هذا الصندوق الأمريكي، خرجت لنا دمية بإسم جميل هو الديموقراطيّة، فإذا بها مشوّهة وعرجاء وقبيحة وبشعة، ومنها خرج لنا مارد قدمه في بئر نفط ويده في مصرف، ومنه خرج لنا تنظيم القاعدة ليحوّل كنيسة سيّدة النجاة وهي تحتفل بعيد جميع القدّيسين الى يوم قيامة، ومنه خرج لنا داعش ليسبي نسائنا الأيزيديات الجميلات المسالمات، ومنه خرج مسلّح سنّي ليقتل طفل شيعي بريء، ومنه خرج مسلّح شيعي ليقتل صديق الطفل المقتول!، ومنه خرج أساطين فساد وخيانة، ومنه خرج معمّم نسى الله وهو يقول ( فأمّا اليتيم فأقهر وأمّا السائل فأنهر وأمّا بنعمة طهران فحدّث)، ومنه خرج وحش المحاصصة ذو الرؤوس الثلاث ليلتهم كل ما يقع أمامه، ومنه خرجت فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ومنه خرجت آفات الفساد والجريمة والمخدرات، وخرج منه الفقر الذي قال علي بن أبي طالب يوما من أنّه لو كان رجلا لقتله وهو أي الفقر بحماية مسلّحين شيعة ليتجول في أرجاء العراق، ومنه خرج الموت الذي يكمن للناس في طرقات وطن قتله سانتا كلوز الأمريكي... 

كلّنا أمل ونحن نستقبل عام 2023 ، أن يستعيد سانتا كلوز بالعراق براءته ويحطّم صندوق بندورا سانتا كلوز الأمريكي...

زكي رضا
الدنمارك
30/12/2022


 

29
فريق مهمل ، ثلاثة بلدان، كابوس واحد


إنتهت قبل أيّام بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، التي حققت الأرجنتين بطولتها بعد فوزها على المنتخب الفرنسي. وككل نهائي في بطولة كأس العالم والأولمبياد، وصلت الى العاصمة القطرية الدوحة وفود بلدان مختلفة، ممُثّلين بملوك وأمراء ورؤساء جمهورية أو حكومات أو وزراء أو مسؤولين رفيعي المستوى. ولم يتغيّب العراق عن الحضور في هذا المحفل الرياضي، الا أن حضوره كان مبالغا فيه لدرجة أنّه جعل بلدنا أضحوكة بين بلدان العالم المختلفة.

الرئيس الفرنسي ماكرون ومنتخب بلده طرف في المباراة النهائية وصل الدوحة برفقة رياضيين فرنسيين لتقديم الدعم لمنتخبهم، أمّا وفود الدول الأخرى فتنوع حضورها بين ملك وأمير ورئيس جمهورية ووزير وسفير وممثلي اللجان الاولمبية والاتحادات الرياضية. وكانت كندا مميّزة في الحضور وهي تبعث وزير نقلها السيد عمر الغبرا السوري الأصل ليمثلّها في المناسبة. 

أمّا العراق الغارق في الفساد، فقد جعله مسؤوليه أضحوكة ومسخرة أمام بلدان العالم المختلفة. فسلطة المحاصصة، تحاصصت في الوفود التي وصلت الدوحة. فشياع السوداني لو كان يمثّل العراق لأقتصر الوفد عليه كما زعماء بقية دول العالم، الّا أنّه أبى الّا أن يكون ممثّلا للشيعة كون المنصب من حصّة طائفته وليس العراق وهو يحضر نهائي كأس العالم. ومثله نيجرفان البارزاني الذي يمثّل الكورد في بيت المحاصصة المرعب، ومثلهما وفق موقع شفق الحلبوسي الذي حضر المبارة الختامية مندوبا عن السنّة الذين يمثلّهم  كما الآخرَين في بيت المحاصصة الفاسد، لكن الغريب هو تواجد رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان وفق وكالة شفق الأخبارية في الدوحة!!  وبهذا الحضور يكون للعراق أربعة وفود لينطبق عليهم المثل البغدادي القائل (علچ المخبل ترس حلگه)، مع جُلّ إعتذاري للمخابيل.

الطائرة التي أقلّت المنتخب الأرجنتيني الى العاصمة بوينس آيريس حيث ملايين الأرجنتينيين في إنتظارها، عبّرت عبر كتابة " فريق واحد، بلد واحد، حلم واحد " على ذيلها،  عن إحترام مسؤولي هذا البلد لشعبهم وبلدهم. أمّا الطائرات العراقية التى أقلّت أصحاب الجلالة من ساسة العراق، أكّدت على إننا بلد ممزّق لا هوية له، وإننا نعيش كابوس طائفي قومي يقود بلدنا نحو الدمار، ولنترك الرياضة وحلم التفوق جانبا كوننا لا نمتلك مقوّمات الحياة ناهيك عن مقوّمات نجاح الرياضة.

 السيد السوداني: الم تشعر بالأسى ولا أقول غيره وأنت ترى من طائرتكم وهي تهبط في مطار الدوحة الأضواء والعمارة في مدينة كانت حتى الأمس القريب مدينة صحرواية خالية من الحياة تقريبا، لتقارنها ببغداد التي أُنشأت قبل ثلاثة عشر قرنا لتكون عاصمة العالم الاسلامي المترامي الاطراف، وهي خربة شبه ميّتة؟

السيّد السوداني: هل رأيت استاد لوسيل الذي جلست في مدرجاته وفخامته، وما هو شعورك و"بلدك" يفتقر الى هكذا ملعب كونكم نهبتم على مدى ما يقارب العقدين حتى أحلام اطفالنا؟ ألا تشعر بالخجل من رياضيي بلدك  الذين ينامون في اروقة المطارات، وانت ترى مدى الدعم الذي تقدمه قطر لرياضييها؟ لا أرى ضرورة في أن تجيب على أسئلتي فالفاسدون وهم يدمرّون بلدا كالعراق ويذلّون شعبه لا حياء لهم.

إنهيار نظام المحاصصة هو السبيل الوحيد الذي يجعلنا أن نشعر بالفخر لنكتب على طائراتنا عبارة "فريق واحد، بلد واحد، حلم واحد".

زكي رضا
الدنمارك
21/12/2022

 

30
المرجعيّة الشيعيّة وأرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق..!!


عُقدَ برعاية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي قبل أيّام، ملتقى "علمي" ديني وفق بيان من العتبة الحسينيّة بكربلاء تحت عنوان (أثر القيادة الصالحة في نهضة الأمم وتقدمها السيد السيستاني "دام ظله" إنموذجاً )، أعلنت فيه "أن المرجعية الدينية الرشيدة قررت إرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق مغايرة للمعادلة الجائرة السابقة، فيما بينت أن رؤية المرجعية العليا تتلخص ببناء دولة تحتضن الجميع". وهذا يعني أنّها أي المرجعيّة تعلن وبشكل رسمي تدّخلها بالشؤون السياسيّة للبلاد، كما ويعني أنّ نظام الحكم منذ الأحتلال لليوم هو نظام جائر، كما ويعني أيضا أنّ الدولة كانت تميّز بين مواطنيها (ولا زالت) وهذا ما يدفع المرجعيّة لرؤية مغايرّة عن السابق في بناء الدولة. والسؤال هنا هو: أين كانت المرجعيّة طيلة ما يقارب العشرين عاماً الماضيّة والدولة العميقة بكل فسادها وجرائمها هي من تقود العراق، ولماذا لم تطرح هذه الرؤية بعد تشكيل أوّل حكومة محاصصة فاسدة بالبلاد..؟

ما شكل الدولة التي تريدها المرجعية الشيعية وفق ما جاء على لسان الأمين العام للعتبة الحسينية حسن رشيد العبايجي وهو يقول : "المرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة كما جاء في حديث الإمام الحجة (عجلّ الله فرجه الشريف)، وأما الأحداث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله" ليبيّن بعدها قائلا من أنّ "عملها يجب أن يكون في ظل ما قام به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أدوار ومواقف مختلفة"؟ من المؤكّد أنّ السيّد السيستاني ليس من دعاة الدولة العلمانيّة الديموقراطية التي ستحدّ من دور رجال الدين ومؤسساتهم من التدخل بالشؤون السياسيّة حسب مبدأ فصل الدين عن الدولة، كما يفعل اليوم. وكما يؤكّد أنصاره والبيانات الصادرة من مقرّبيه فأنه لا يدعو الى دولة أسلاميّة على غرار دولة الفقيه، فهل يدعو من خلال أرساءه "معادلة جديدة لنظام الحكم في العراق" لبناء دولة أسلاميّة معتدلة تشغل فيه الشريعة وسنّة آل البيت حيّزا كبيرا منها؟

لو عدنا الى الدستور الذي أصرّت المرجعية على كتابته والتصويت عليه بعجالة شديدة رغم المناشدات الكثيرة بالتريّث في كتابته والذي تطالب اليوم بـ "إعداد دستور تشارك في كتابته جميع المكونات يحظى بالقبول من أغلبية الشعب" سنرى أنّه في بعض بنوده الرئيسية والتي تمس صلب الحياة الديموقراطيّة، الغام تنسف المفاهيم الديموقراطيّة كما التي جاءت في:

المادة (٢)
اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع :
أ - لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ...!!

فهل ستكون هذه التناقضات والتزواج بين أحكام الأسلام والمباديء الديموقراطيّة موجودة في الدستور الجديد، خصوصا وأن مهدي الكربلائي وعدد لا بأس به من رجال الدين كانوا ضمن لجنة كتابة الدستور السابق، وبالتأكيد سيكونون ضمن اللجنة التي تكلّف بكتابة دستور جديد مثلما تطالب المرجعيّة؟ الجواب نعم ستكون وبلا شك موجودة لأنّ المرجعيّة بأعتبارها جهة دينية لا يمكنها شرعاً القفز على هذه المطالب، وهذا يعني أستمرار الخلل في الدستور وليستمر كما هو اليوم حمّال أوجه.

أمّا حول الأنتخابات البرلمانيّة فأنّ المرجعيّة تطالب بـ "اعتماد نظام انتخابي عادل يتم من خلاله انتخاب مجلس النواب والذي يقوم بتشكيل الحكومة المسؤولة عن حفظ النظام وخدمة الشعب وفق منهج العدل والمساواة بين جميع المواطنين، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ليكون الأمر في نهاية المطاف بيد الشعب". المرجعيّة وبلا أدنى شك وهي تتدخل بالشأن السياسي العراقي تعرف جيداً طبيعة القوانين الأنتخابية التي تظهر قبل كل أنتخابات، وكانت تكتفي في خطبها وبياناتها كما اليوم بأن تكون الأنتخابات عادلة، وعلى الرغم من معرفتها بطبيعة الأنتخابات التي جرت ودور الميليشيات (الحشد الشعبي) والمال العام في ترهيب وترغيب الناخبين، الا أنّها أصرّت على أن تكون على مسافة واحدة من الجميع ، فهل يستوي الذين يقتلون وينهبون الناس مع الذين لا يقتلون ولا ينهبون الناس لتقف المرجعية على مسافة واحدة منهما كما صرّحت يوماً!؟ وأين هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اللهمّ الا أذا كان الفساد والنهب والقتل والخيانة الذي تمارسه أحزاب المحاصصة معروفاً، أمّا إن كان فساداً فأين حديث النبي محمّد الذي يقول "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شئ من الايمان"!! سؤال بريء للمرجعيّة حول الفساد وهو منكر بلا شك، هو إن كانت تعرف شيء عن مشاريع العتبات الدينية الزراعية والصناعية والتعليمية والصحيّة والسياحيّة وغيرها، والمعفيّة من الضرائب ودفع الرشى لأستحصال الموافقات الأصولية نتيجة الفساد وإستغلال المنصب والهالة الدينية، والتي لها الأولويّة كما مشاريع الحشد في أنهاء معاملاتها الرسمية في دوائر الدولة بسرعة الضوء والتي ينتظر فيها غيرها لسنوات وقد لا تنجز، هذه إن كانت مشاريع المرجعية والحشد ومافيات رجال السلطة تحصل على الموافقات الأصولية من دوائر الدولة اساساً.

تطالب المرجعيّة في أن "يكون الشعب هو مفتاح هذه المعادلة الجديدة والمباشرة بالانتخاب وصناعة مؤسسات الحكم ومحاسبتها واستبدالها في حال التقصير عن أداء واجباتها". لقد كانت كل مؤسسات الدولة هذا إن كانت هناك مؤسسات حقيقية ولليوم فاسدة وناهبة للمال العام، ولم تستطع أي أنتخابات من تغيير الخارطة السياسية بالبلاد، والأمل كان معقوداً على أنتفاضة تشرين في بناء دولة جديدة ومحاسبة السراق واللصوص. لكنّ المفارقة هو ليس قمع الأنتفاضة بالحديد والنار بالأمس، بل قمع كل تحرك جماهيري حتى المطلبي منه بقوّة السلاح كما حدث في الناصرّية مؤخرّاً، والملفت للنظر أنّ الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي الذي تشكلّ وفق فتوى الجهاد الكفائي هي المسؤولة عن قتل العراقيين!! إن كان الجهاد كفائياً لمواجهة خطر داعش على حواضر العراق فلم هو باق لليوم ليستغلّه تجار السياسة الأسلاميين، وهل هناك أمل في أن يسحب السيد السيستاني البساط من تحت أقدام الميليشيات المتسلحة بفتواه وإلغائها، كون مثل هذه الفتوى قابلة للتجديد والألغاء وفقاً للظروف التي مهّدت لأطلاقها وأستمرارها وتقييمها من قبل المرجع الذي أطلق الفتوى؟

وبيّن البيان أن "المرجعية العليا أكدت على أبناء العراق الذين يمتلكون الكفاءة والمؤهلات بأن يتصدوا لإدارة البلاد وليس عليهم أن يفعلوا ذلك تحت أي سلطة أجنبية ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن العراقي ووجوب نيل العراق لاستقلاله بصورة كاملة وغير منقوصة"!! أيتها المرجعية الرشيدة: أنّ من يتصدى لأدارة الدولة بالعراق اليوم هم جيش من الأميين والسرّاق واللصوص، هذا الجيش يشتري ويبيع الوزارات والمناصب العامّة بالبلاد. جيش من الدمج يقود القوّات المسلّحة والنظاميّة وإدارات الدولة. ولا مكان لذوي الكفاءة والمؤهلات للتصدي لأدارة البلاد والجامعيين ينضمّون بأستمرار الى فيالق العاطلين عن العمل، فالبلاد يقودها اليوم شعيط ومعيط كما يقول المثل البغدادي.

العراق بحاجة الى علماء أقتصاد واجتماع وفلسفة وتربية وطب وفيزياء وكيمياء وهندسة وغيرها من العلوم لينهض ويتقدّم كما بلدان العالم المتحضرة، وليس لعلماء دين مع جلّ إعتزازنا بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكل المرجعيات الدينية الأخرى.

الأنتفاضة ضد سلطات القتل والفساد والجريمة وليس الأنتخابات التي تضع قوى الفساد قانونها كما تشتهي، هي الطريق الوحيد لتحرير بلادنا من دنس أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بأرض وسماء ومياه وثروات العراق خراباً وتدميراً.. ولتعرف المرجعيّة أنّ قوى المحاصصة لن تستمع لما تقوله المرجعية إن تعارضت تلك المطالب مع مصالحها، لذا ولأحترام تاريخها الفقهي كمرجعية للشيعة في النجف الأشرف عدم التدخل بالشأن السياسي.
 

زكي رضا
الدنمارك
8/12/2022




31
قراءة في الوثيقة السياسية لقوى التغيير الديمقراطية بالعراق


في ظل الأوضاع السياسيّة والأقتصادية والأجتماعية المعقّدة التي تمر به بلادنا، كان من الضروري أن تجتمع القوى الديموقراطية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري لشكل نظام الحكم بالبلاد، لصياغة وثيقة سياسية وبرنامج عمل طموح للتحرر من الأزمات السياسية التي تلقي بظلالها على الأوضاع الإقتصادية والأجتماعية المزرية التي تصنعها قوى المحاصصة، للوصول بشعبنا ووطننا الى برّ الأمان، هذا البر الذي يتحوّل الى سراب حقيقي كلمّا طال عُمْرْ نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والفاشل. فهل طرح المؤتمرون في مؤتمرهم المنعقد ببغداد اواسط تشرين الأوّل 2022 برنامج عمل وفق أمكانياتهم السياسيّة ومقبوليتهم في شارع سياسي مبنى على الأستقطاب الطائفي والقومي؟ وما مدى أمكانية تحقيقهم لبضع نقاط وليس كلّ ما جاء في الوثيقة السياسيّة تحت عنوان "خطى نحو التغيير ومعالجة الازمة"، والتي تتطلب وفق الوثيقة "مرحلتين من الإجراءات اللازمة لمعالجة الأزمات المتراكمة"، وما هي السبل للبدء في النضال لتحقيق التغيير الحقيقي لنهج المحاصصّة ونحو بناء دولة مؤسسات؟

لقد جاء في ديباجة الوثيقة ".. ونرى أن توفر إرادة سياسية فاعلة وثقة شعبية ودعم جماهيري واسع، يشكل ضرورة لتجاوز ما تراكم من مشكلات وأزمات على الصعد المختلفة، فيما يبقى المحك لجدية المشروع هو (الممارسة) والمعيار هو (المنجز)، وأن (المصداقية) تكمن في التطبيق الفعلي والنتائج"، وهذا الأمر يُعتبر تقدّما في نظرة القوى الديموقراطيّة المجتمعة للأنتكاسات والفشل الذي لازم عملها منذ الاحتلال لليوم.

لقد شخصّت الوثيقة الطريق الأوحد للتغيير الديموقراطي المطلوب وهو "تغيير موازين القوى لصالح أصحاب هذا المشروع ومناصريه وداعميه"، وشخصّت أيضا وبوضوح من أنّ هذا التغيير يحتاج الى حشد "طيف واسع من القوى الداعمة، السياسية والمجتمعية، ولبرنامج وخطوات جريئة وارادة كافية لوضع العراق على سكة التغيير الحقيقي". من هي هذه القوى السياسيّة والمجتمعية؟ هل هناك قوى ديموقراطية سياسيّة أو مجتمعية لم تحضر المؤتمر، ولماذا؟ هل تعوّل القوى الديموقراطيّة على قوى سياسيّة فاعلة في السلطة منذ بدء نظام المحاصصة لليوم؟ إن كانت هناك قوى سياسية أو مجتمعية لم تنظم الى مظلّة القوى الديموقراطية في مؤتمرها، فعلى المؤتمرين التحرّك وبسرعة من اجل تحقيق هدفهم في "تجمع القوى والحركات المؤمنة بالتغيير الديمقراطي السلمي"، فالوقت ليس في صالح وطننا ولا شعبنا وقوى المحاصصة الفاسدة تستعد من خلال إقرار الميزانيّة لجولة سرقات ونهب جديدين. أمّا إن كان المؤتمر يعوّل على وجود تجمّعات وطنيّة صغيرة داخل أحزاب سلطة المحاصصّة، فأنّه كمّن يبحث عن إبرة في أكوام من القشّ موزّعة على كل التراب العراقي. إعلان اليأس من قوى المحاصصة في أي تغيير منشود لبناء نظام سياسي مؤسساتي في بيانات القوى الديموقراطيّة بشكل واضح، هي الخطوة الجريئة لوضع العراق على سكّة التغيير الحقيقي كما جاء في ديباجة الوثيقة.

جاء في حقل "مباديء أساسية" للوثيقة، من أنّ القوى الديموقراطية ترى، تتبنى، تؤمن، تتمسّك وتنشد تحقيق جملة من المطالب، والتي بالحقيقة هي مطالب تهم حياة الناس والوطن بشكل مباشر. والمبادئ الاساسيّة التي وردت في هذا الحقل تعتبر كلام أنشائي، إن لم تكن للقوى الديموقراطيّة القدرة على تحويلها من نصوص أنشائيّة الى نصوص قانونيّة ودستوريّة. ولتحقيق هذا الأمر أي التغيير المنشود و"تجاوز الأزمات المتراكمة"، فأن المؤتمرين طرحوا في الوثيقة الختامية خطّة عمل من مرحلتين.

المرحلة الأولى في الوثيقة وهي لا بدّ منها كما جاء فيها، تتكوّن من ثمانية إجراءت تغطّي مساحة واسعة من المطالب والتي هي بالحقيقة أسس قوية للبدء بإصلاحات تعتبر مقدّمة لا بدّ منها نحو التغيير المنشود ديموقراطيّا. وقد بدأت هذه الأجراءات بالمطالبة بـ "اتخاذ إجراءات عاجلة، بما يخفف من معاناة الناس الاقتصادية والمعيشية والخدمية والصحية، فتح ملفات الفساد ومحاكمة المفسدين واسترداد الأموال العامة المنهوبة، احترام مبدأ الفصل بين السلطات، صيانة استقلالية الهيئات المستقلة، محاكمة المجرمين وداعميهم من قتلة المتظاهرين، والكشف عن مصير المغيبين من الناشطين وغيرهم.. وجبر الضرر للضحايا وعوائلهم، التطبيق الفعلي والعملي لقانون الأحزاب السياسية، بما يؤمن حصر السلاح بيد القوات الأمنية الدستورية، حماية سيادة العراق من التدخلات والانتهاكات الخارجية، وضمان استقلالية القرار الوطني العراقي، أنهاء معاناة أبناء شعبنا من النازحين والمهجرين". أن تقوم أحزاب المحاصصة بتنفيذ هذه الأجراءات يعني قبر النظام القائم على الفساد والنهب المُنظّمّين، وهذا الحلم من المُحال وليس من الصعب تحقيقه. فهذه القوى لا تمثّل نفسها فقط لتكون هناك أمكانية ولو لتيّارات صغيرة منها كي تشعر بآلام الناس ومحنة الوطن للبدء بهذه الأجراءات، بل تمثّل قوى أقليمية ودولية لها أجنداتها في بلادنا وهو ما جعلها في مأمن لليوم على الرغم من فسادها وأجرامها ونهبها للمال العام. أنّ تحقيق هذه الأجراءات بحاجة الى جهات سياسيّة تمتلك القرار السياسي، فما هي سبل القوى الديموقراطيّة لتنفيذ هذه الأجراءات وهي لا تمتلك القرار السياسي، بل ولا تستطيع التأثير فيه ..؟

المرحلة الثانية وفق الوثيقة تتألّف من 24 مطلباً يجب تحقيقها ، وهي الأخرى تغطي مساحة واسعة من المطالب الضرورية لبدء التغيير. الا أنها تصطدم هي الأخرى كما سابقتها بعدم أمكانية القوى الديموقراطية لتوفير الأرضية المناسبة لتحقيقها، فهي ليست على رأس السلطة، ولا تمثيل برلماني مؤثّر لها في السلطة التشريعية، ولا تمتلك إعلاماً مؤثراً بين مئات الفضائيات والمنصّات الأعلامية لقوى المحاصصة، وفقيرة ماليا مقارنة بأحزاب حيتان الفساد. وحتى مطالبها بأصلاح النظام الأنتخابي وتعديل الدستور يعتبران ترف سياسي لعدم أمكانية تحقيقهما، كون مفاتيح التغيير هنا بيد نفس القوى الفاسدة التي تسن قوانين أنتخابية على مقاساتها، ولا مصلحة لها في تغيير ولو بعض البنود من الدستور الذي كُتب على عجالة. وفي هذه الحالة فأنّ كل ما طرحته الوثيقة عبارة عن مناشدات ليس الّا، فتبني أية قضيّة دون أمكانية النجاح فيها يعتبر فشلا. ولكي لا يفشل المشروع الديموقراطي للتغيير، فأنّ القوى الديموقراطيّة بحاجة الى تجاوز حالة الأنا فيما بينها، تواجد ميداني في المدارس والمعاهد والجامعات فالطلبة وكما برهنت إنتفاضة تشرين كانوا القاطرة التي ما أن تتحرّك حتى كنا نرى الرعب مرسوما على وجوه المتحاصصين، تواجد شبه مستمر في الأسواق ومناطق تجمّع المواطنين وأنتقاد السلطة في عدم توفير الخدمات للناس من خلال حديث مباشر معهم، عدم الثقة بأي تيار ديني أو شخصية دينية والتعاون معهما وإن على مستوى الشارع، كون أنتفاضة تشرين أثبتت انهما الخطر الأكبر أمام أي تغيير حقيقي لشكل نظام الحكم بالبلاد، عدم الثقة بالقوى القومية في خوضها نضالاً وطنياً من أجل التغيير كونها جزء فاعل من نظام المحاصصة والفساد ونهب ثروات الشعب، تنظيم تظاهرات وأعتصامات عند كل أخفاق سلطوي وما أكثر أخفاقاتها، تشكيل لجنة عليا تأخذ على عاتقها تنسيق العمل بين مختلف أطراف القوى الديموقراطية ودعوة غير المنضوية منها الى الأنظمام للتيّار خدمة لمصالح شعبنا ووطننا، أجراء أتصالات مستمرة مع مكتب الأمم المتحدة ببغداد والأجتماع بها بشكل مستمر لتوضيح وجهة نظر القوى الديموقراطية حول الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية وضرورة تحسين الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية بالبلاد، العمل على إمتلاك وسائل أعلام جماهيرية كفضائية مثلاً لمواجهة الخطاب الأعلامي الديموغاجي للسلطة، عدم حصر المؤتمرات والأجتماعات والندوات في بغداد وحدها، بل عقدها في مختلف المحافظات لبناء أواصر سياسية مع قطاعات جماهيرية مختلفة.


نتيجة الجهل والتخلف وانعدام الروح الوطنية والتمترس الطائفي والقومي، فأن التغيير الحقيقي لا يأتي عبر صناديق الأقتراع في ظل سلطة المحاصصة التي تدير دفّة سفينة البلاد نحو خلجانها. العراق اليوم بحاجة الى نخبة سياسية وطنية تنبع من رحم معاناة شعبنا ووطننا، نخبة على تماس مع حاجات الناس اليومية وترجمتها الى أنتفاضة جديدة، على أن لا تكتفي بأستقالة رئيس وزراء ليأتي غيره من نفس فريقه ولتستمر دورة الفساد والنهب والجريمة.
 

زكي رضا
الدنمارك
3/12/2022


32

هل العراق دولة ضعيفة أم منهارة أم هشّة أم فاشلة ..؟

كل سلطة سياسيّة تقع على عاتقها تحقيق جملة من المسائل التي تنظّم الحياة السياسيّة والإقتصادية والأجتماعية في المجتمع، ويبقى توفير الأمن هو العامل المهم الذي على السلطة العمل على أرساءه. فغياب الأمن لأيّ سبب كان يعني نسف كل ما تستطيع السلطة توفيره أو تكون قد وفّرته بالفعل، وعدم قيام السلطة بواجباتها الأساسيّة في تنظيم الحياة السياسية والإقتصادية والأجتماعية بما يوفر حياة مقبولة لشعبها وفق إمكانياتها الإقتصادية والمعايير الدولية يعني فشل الدولة التي هي على رأسها. والسؤال الذي علينا طرحه في حالة العراق هو: هل العراق دولة ضعيفة لا تمتلك مصادر لتوفير خدمات لشعبها، أم دولة منهارة نتيجة أنهيار مؤسساتها القائمة، أم دولة هشّة فشلت فيها السلطة بتوفير الأمن ومكافحة الفقر والبطالة، أم دولة فاشلة جمعت الكثير من المفاهيم والصفات التي ذكرناها لتتربّع عليها؟

لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح الدولة الفاشلة، فروبن دروف Robbin Droff عرّف الدولة الفاشلة "بأنّها الدولة التي تفقد الحكومة بها إمكانيات القيام بوظائفها الأساسيّة، وهي حكومة فاقدة للشرعيّة وتعاني من أنهيار أقتصادها" (1). فيما عرّف روبرت روتبيرج Robert Rotberg الدولة الفاشلة في مقال له تحت عنوان (الدولة الفاشلة في عالم الأرهاب) نُشر عام 2002 "بأنّها دولة فاقدة للشرعيّة، وتعاني من أنهيار الأقتصاد في مواجهة الأرهاب بالأضافة لأنهيار النظم القانونية المحليّة لمواجهة الجريمة والأجرام الذي تمارسه قوات الأمن التابعة للدولة" (2). أمّا مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن للدراسات الأقتصادية فقد عرّف الدولة الفاشلة بأنّها "حالة أنهيار الدولة، أو الدولة العاجزة عن أداء وطائف التنمية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها"(3). وهناك دراستان أحداهما لكل من جيرالد هيرمان Gerald B. Herman و ستيفين راتنر Steven Ratner أشارا فيها الى أنّ الدولة الفاشلة هي التي "لا تستطيع أن تلعب دورا ككيان مستقل"، وأخرى لوليام زارتمان William I. Zartman يقول فيها أنّ الدول المنهارة هي "تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية". وهناك آراء آخرى لباحثين تقول أنّ الدولة الفاشلة، هي التي تحكمها الميليشيات، أو تلك التي تكون عاجزة عن تحقيق الأستقرار والسلم لشعوبها نتيجة عجزها أمام قوى العنف الموازية لعنف الدولة، أو تلك التي تفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها ما يعني عدم الإيفاء بألتزاماتها تجاه شعوبها وتوزيعها العادل للثروة، أو تلك التي فيها نازحين نتيجة صراعات طائفية أو عرقية أو دينية. ومثلما للزلازل مقياس (ريختر) لقياس شدّتها و(واط) لقياس القدرة الكهربائية، فهناك مقياس لقياس فشل الدول وهو مقياس الدول الفاشلة (Fragile States Index) الذي يصنّف فشل الدول إستنادا لأوضاعها السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأمنية.

ومن المؤسسات التي أهتمت بتعريفات علمية للدول الفاشلة، صندوق السلام (Fund For Pease) وهو مؤسسة أمريكية غير ربحية تأسست في واشنطن سنة 1957 ، وقد حدّد الصندوق أربع خصائص في تعريفه للدولة الفاشلة تمثّلت بـ :

١- فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان إحتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

٢- تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن إتخاذ قرارات موحدة.

٣- عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

٤- عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

ولم يكتفي الصندوق في تعريفه للدول الفاشلة بالخصائص الأربع أعلاه، بل وضع مجموعة معايير وفق آليات علمية ومسح لعشرات الآلاف من المصادر الأخبارية وجمعها وتحليلها وتأطيرها بالنهاية في 12 مؤشر فرعي هي "الضغط الديموغرافي، اللاجئين والنازحين، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الإقتصادي المتفاوت، الإنحدار الإقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي" وخصّصت قيمة من (صفر – 10) لكل مؤشر، وكلّما حازت الدولة على أعلى الدرجات كمعدل لقيم المؤشرات، كلما كانت تحتل مركزا أعلى في جدول الدول الفاشلة.

لو تركنا الإشكاليّة السياسيّة بين المركز والإقليم ودور الجيش العراقي وعدم تواجده على الحدود الدوليّة بين العراق من جهة كوردستان ودولتي إيران وتركيا، بإعتبار قوّات البشمركة جزء من الجيش العراقي. فأنّ وجود قواعد عسكريّة تركية على التراب الوطني العراقي دون أتّفاقيات مبرمة بين الدولتين كالتي تنظّم العلاقة بين امريكا والعراق، وفقدان الدولة والسلطة إحتكارها للقوّة نتيجة وجود قوّات مسلّحة رديفة لها بل ومهددّة لها في أحيان كثيرة كالميليشيات المتعددة، بل وحتى تهديدات قوّات البشمركة بمواجهتها في مناطق معيّنة إثر أزمات سياسيّة كالتي حدثت أثناء الإستفتاء على الإنفصال، نرى أنّ العراق قد حقّق النقطة الأولى من خصائص الصندوق بدرجة قريبة من العشرة، علما أنّ النظام البعثي بعد العام 1991  يشترك مع سلطة اليوم في هذه الخصوصيّة.

لو فرضنا أنّ السلطة شرعية كونها تأتي عبر صناديق الإقتراع، فأنّ السلطة الحاليّة ليست بسلطة شرعيّة كونها لم تحصل على أصوات الناخبين. وسواء كانت السلطة شرعية أم لا، فأنّها عاجزة عن أتّخاذ قرارات موحدّة نتيجة فساد النخب السياسية وولاءاتها لجهات إقليمية ودولية. لذا نرى أنّ صراعاتها فيما بينها وهي في حالة تناسل مستمر لا تخرج عن دائرة مصالحها الحزبية والفئوية ومصالح تلك الجهات. فالسلطة على سبيل المثال عاجزة عن إتّخاذ قرار إنشاء جيش وطني موحّد، لأنّ هذا الجيش سيهدّد حياة الميليشيات المسلّحة وبالتالي يهدد مصالح القوى التي تمتلك هذه الميليشيات للإستفادة منها في مواجهة الدولة.

الفساد في العراق اليوم أمسى ثقافة حتى بين طبقات الشعب المختلفة، والسلطة التي هي أعلى هرم في الفساد وهي تبيع المناصب الأدارية والوزارات لمن يدفع أكثر كرّست الفساد في جميع مفاصل الدولة نتيجة هذه الثقافة البائسة، وعليه فأنّها غير قادرة على تقديم خدماتها لـ "شعبها". فالرشوة والأتاوات والتهديد والأبتزاز وعدم تطبيق القانون، ساهمت وتساهم في منع الأستثمارات الأجنبية عدا تلك المرتبطة ببعض دول الجوار التي تمتلك أذرع مسلّحة بمعرفة الدولة نفسها.

هل العراق يعمل مع محيطه الإقليمي كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي؟ هل الدولة العراقية قادرة على بناء سياسات متوازنة وطبقا لمصالح شعبنا ووطننا مع إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية مثلا؟ هل للعراق دور في محيطه العربي والخليجي والسلطة تبني علاقاتها وفق مفاهيم طائفية؟ هذه الأسئلة بحاجة الى إجابات لنحدد قيمة (صفر – 10) للدولة وهي تبني علاقاتها مع محيطها وفق مفهوم طائفي متسلّحة بميليشيات تملي على السلطة بقوّة سلاحها شكل هذه العلاقات وعمقها.

العراق اليوم لا يمتلك نظام أقتصادي مؤسساتي ، ولا يمتلك نظام مصرفي حقيقي، ولا يمتلك بنى تحتية ذات كفاءة عالية، ولا يمتلك مؤسسات صحيّة لخدمة مواطنيه، ولا يمتلك نظام تعليمي متقدم، ولا يمتلك طاقة كهربائية كافية لتشغيل ورش أصحاب الحرف ولا نقول المصانع التي تهملها الدولة أو تلك التي باعتها بعد أن أصبحت خردة لدول الجوار، ونسب الفقر والبطالة والاميّة والجهل والجريمة فيه مرتفعة، ولا يمتلك زراعة وثروة حيوانية كافية وعليه فليس عنده أكتفاء غذائي، ويقتل ويقمع ويلاحق من يتظاهر ضد سلطة الفساد والمحاصصّة، وفيه مخيّمات لنازحين من طائفة معيّنة نتيجة حرب طائفية، السلطة بالعراق غيّرت الطبيعة الديموغرافية لبعض المناطق وفق مفهوم طائفي كما مناطق حزام بغداد. في العراق هناك ميليشيات مسلّحة بعلم الدولة، بل أصبحت هي الدولة بعد أن أخترقت المؤسسة السياسية لتتمثل في البرلمان والحكومة والجيش والأمن الداخلي. العراق اليوم نتيجة ضعف الحكومة وصراع الطوائف والقوميات فيما بينها حول النهب المنظّم للثروات، أصبح ونتيجة ولاءات هذه الطوائف والقوميات ساحة للتدخلات الإقليمية والدولية وفاقدا لسيادته.

لو عدنا الى صندوق السلام وتقييم (صفر – 10)، فأنّ العراق اليوم وفي ظل سلطة الفساد والمحاصصة، دولة فاشلة بنسبة عالية. ولتستعيد الدولة عافيتها فإننا بحاجة الى دولة تستعمل عنفها في مواجهة الميليشيات المسلّحة، دولة متحررّة من البعدين الطائفي والقومي، دولة قانون ومؤسسات حقيقية، وهذه الدولة هي الدولة العلمانية الديموقراطية.


(1) عبد السلام البغدادي- مجلة دراسات شرق أوسطية – العدد 65 – ص 35
(2) المصدر أعلاه
(3) المصدر أعلاه

زكي رضا
الدنمارك
1/12/2022




33

الكونفدرالية وقانون النفط والغاز في الصراع بين بغداد وأربيل


الخلافات السياسيّة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة المركزيّة تشتد وتنحسر تبعا لمصالح الطرفين وتحالفاتهما لتشكيل الحكومة ما بعد كل أنتخابات برلمانية. وتشتد الخلافات وتظهر للعلن عند شعور الطرف الكوردي بمحاولة حكومة المركز التنصّل من الأتفاقيات المبرمة بينهما والتي غالبا ما تكون سريّة ولا تعرف الجماهير عنها شيئا، خصوصا تلك المتعلّقة بالنفط والغاز والأراضي المتنازع عليها في ظلّ النظام الفدرالي القائم لليوم. وأحيانا تكون ردّات الفعل السياسيّة كبيرة كتلك التي أدّت الى قيام حكومة الأقليم بأستفتاء شعبي من أجل أنفصال الأقليم عن العراق في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر سنة 2017 ، تلك التي عارضتها بغداد ولتصدر المحكمة الأتحادية المركزيّة حينها قرارا ببطلان نتائجه أي الأستفتاء، فيما لم تُصدر السلطات في أربيل أي قرار بإلغاء نتائج الأستفتاء بل أكتفت بتجميده، معتبرة إياه وثيقة رسمية يمكنها العودة اليها في أي وقت.

يبدو اليوم وكالعادة أنّ هناك خلافات بين حكومة أربيل وحكومة بغداد حول جملة من الأمور، منها ملفّ المناطق المتنازع عليها وملفّ النفط والغاز وملفّات أخرى غيرها تأتي بعدهما بالأهميّة. وقد ظهرت بوادر هذه الخلافات للسطح من جديد بعد حلّ أزمة تشكيل الحكومة وأنظمام الحزب الديموقراطي الكوردستاني اليها ، من خلال تحذير من السيّد عرفات كرم، مسؤول شؤون العراق في مقر الحزب الديموقراطي الكوردستاني للأطار التنسيقي الشيعي، إذ قال كرم في تغريدة له على تويتر "إذا فشل الإطار في تصفير المشكلات بين بغداد وأربيل، فالكونفدرالية Confederation هي الحل الأنجع لإنهاء معاناة الشعوب العراقية"، فيما دعا رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد الى "ضرورة حل الخلافات والقضايا العالقة بين اربيل وبغداد والعمل على تشريع قانون النفط والغاز بشكل يرضي الطرفين". يبدو من خلال التصريحين أنّ الاطار التنسيقي الشيعي قدّم جملة تنازلات للحزب الديموقراطي الكوردستاني من أجل إنظمامه الى الأطراف التي شكلّت الحكومة العراقيّة بعد إنسداد سياسي على مدار عام كامل، والتي وعلى ما يبدو أيضا أنّ الطرف الشيعي وبعد أن ضمن تشكيل الوزارة عاد ليتنصل من وعوده ما أثار حفيظة الطرف الكوردي.

أنّ إتفاقات أطراف المحاصصة وخلافاتها فيما بينهم لم تكن يوما في صالح الجماهير، والخلاف الحالي وهو ليس الأخير قطعا لا يخرج مطلقا عن تأمين مصالح هذه القوى وأستئثارها بالمال العام. أمّا نكوص طرف عن التفاهمات المبرمة وتهديد طرف آخر بإتخاذ إجراءات مضادّة، فأنها لا تخرج هي الأخرى عن أصول اللعبة التي يلعبانها منذ وصولهما الى السلطة إثر الأحتلال الأمريكي للبلاد ولليوم، فتهديدات الطرفين لبعضهما ليست الّا زوبعة في فنجان خبرها شعبنا بشكل واضح وجلي. لكنّ الذي يهمّنا من تصريحي المسؤولين الكورديين هما، الكونفيدرالية التي يطالب بها الحزب الديموقراطي الكوردستاني على لسان أحد المقربّين جدا من السيد مسعود البارزاني كحلّ لعدم تصفير المشاكل بين المركز والأقليم، وتشريع قانون النفط والغاز الذي يطالب به الرئيس العراقي الجديد.

لنبدأ بتصريح رئيس الجمهوريّة حول تشريع قانون النفط والغاز عن طريق دورهما في رفاهية الشعوب لنتعرّف عن أثر هاتين الثروتين في رفاهية شعبنا، قبل أن يُسّن قانون حولهما والذي سيكون وبلا شك في صالح النهب المنظّم لهذه الثروة لصالح النخب السياسيّة ولا علاقة له (أي القانون) في تغيير الواقع المعاشي لشعبنا الذي يعيش نسبة 22.5 % منه أي ما يعادل ربع سكّانه أي 9 مليون عراقي تحت مستوى خطّ الفقر وفق تصريحات السيّدة ذكرى عبد الرحيم مديرة الرعاية الأجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الواحد والثلاثين من شهر آب/ أغسطس العام الجاري، لكنّ الأرقام غير الرسميّة تشير الى نسب أعلى بكثير من الرقم الرسمي للحكومة العراقيّة.

لا ندري إن كان السيّد رئيس الجمهورية يستطيع الربط بين دور واردات النفط وأثره على الإقتصاد وحياة الناس في البلدان الغنيّة به، لكنني هنا أوّد التذكير من أنّ النفط ومعه الغاز لم يكونا سببا في رخاء الشعوب التي تنام على بحيرات منه، عدا بلدان الخليج ذات العلاقات القبليّة والمناطقية و الكثافة السكّانية القليلة والتي تعيش غالبية شعوبها في بحبوحة من العيش مقارنة مع مثيلاتها من البلدان النفطية. فمستوى الفقر في دول مثل فنزويلا وأندونيسيا وإيران والجزائر ونيجيريا وهي من البلدان المصدّرة للنفط لا تختلف كثيرا عن نسبته بالعراق.

ليس من حقّ حكومة تنهب ثروات شعبها كحكومة العراق اليوم أن تسنّ قانونا على درجة عالية من الأهميّة كقانون النفط والغاز، كون سنّ هذا القانون سيكون بلا شك في صالح القوى التي تسنّه وليس في صالح شعبنا مطلقا. فالحكومة المركزيّة كانت تصدّر النفط رسميّا دون أن تضع عدّادات القياس وبما يُعرف بالذرعة، كما كانت الأحزاب والميليشيات الشيعية تسيطر على أرصفة تصدير النفط في الموانيء وتهرّبه بشكل غير شرعي لتجني أرباحا بمليارات الدولارات، ولم تكن سلطات الإقليم بعيدة عن هذا النهج وهي تبيع النفط لتركيا بأسعار بخسة ودون علم الحكومة المركزية وموافقتها، علاوة على تهريب كميّات كبيرة منه الى إيران عبر المنافذ الحدودية في منطقة السليمانية ليأخذ طريقه (أي النفط) الى باكستان وافغانستان والى الخارج عبر الموانيء الإيرانية ! فهل أستفاد شعبنا بعربه وكورده وباقي مكوناته من الريع النفطي للعيش بكرامة طيلة ما يقارب العقدين الماضيين. ولا نظنّ أنّ الوضع اليوم يختلف كثيرا عن سابقه، لذا فأنّ تشريع القانون سيكرّس سرقة ونهب أحزاب المحاصصّة للثروة النفطيّة بشكل "قانوني".

أمّا حول تحذير السيّد عرفات كرم من لجوء الإقليم الى الكونفدرالية عوضا عن الفدرالية في حالة عدم تصفير المشاكل بين المركز والأقليم من قبل الأطار التنسيقي الشيعي وفق قوله، فإننا هنا لا نود الخوض في معنى المصطلحين وتطبيقاتهما وقوانينهما من مصادر أجنبية، بل نعود الى دراسة للدكتور نوري الطالباني تحت عنوان "حول مفهوم النظام الفدرالي" أعدّها في لندن نهاية عام 1974 بعد عودة الأقتتال بين البعث والحركة الكوردية بزعامة الراحل الملا مصطفى البارزاني، بإعتماد الفدرالية كحلّ للمسألة القومية بالعراق بدلا عن الحكم الذاتي، لأنّ الحكم الذاتي "لا يستجيب لأماني وطموحات شعب كوردستان وأنّ من الضروري الأستعانة بنظام دستوري آخر لا يكون بوسع السلطة في المركز تجريد مضمونه من محتواه بمجرد إصدار تشريع آخر مناقض له، فوجدت ذلك في النظام بمفهومه الواسع" (1)

"وُيشترط لوجود النظام الفدرالي وجود إقليم Territorial محدّد، تعيش عليه جماعات بشرية. ويهدف هذا النظام الى ضمان الحريّة الكافية لهذه الجماعات أو الأقوام التي تعيش ضمن دولة واحدة، مع العمل على تجنّب تفكّك هذه الأخيرة" (2) . نتيجة فشل الحكومات العراقية المختلفة منذ تأسيس الدولة العراقية في حل المشاكل القوميّة بالبلاد ، ومن ضمنها حكومة البعث التي إعترفت لأوّل مرّة في تاريخ العراق السياسي بحكم ذاتي لإقليم كوردستان عدا كركوك (لا زالت لليوم مشكلة بحاجة الى جهود كبيرة وتنازلات من مختلف الاطراف لحلّها) والتي إنتهت بإنهيار التجربة واللجوء الى السلاح، ما كلّف الدولة العراقية والحركة التحرّرية الكوردية الكثير من الخسائر. كان خيار الفدرالية خيارا مقبولا عند مختلف الأطراف بعد إنهيار البعث والتغييرات الكبيرة التي طالت المجتمع والدولة، وكذلك دور القوى الدولية في سعيها لبناء شرق أوسط جديد.

لكنّ الذي نلاحظه من تصريحات بعض القياديين الكورد وكردّ فعل على تصرفات حلفائهم من القيادات الشيعية، هو عدم الإلتزام بالدستور الذي شاركوا سويّة في سنّه وإقراره بخصوص المعنى الحقيقي للفدراليّة، التي تنصّ قانونيّا ودستوريا على إحترام التراب الوطني والعمل على وحدة الأراضي ضمن دولة العراق، وتجنّب تفكيك الدولة وفق مفهوم الدكتور نوري الطالباني للفدراليّة.

"لقد حاول الفقهاء تحديد الأسس القانونية للنظام الفدرالي، وظهرت في هذا السبيل نظريات عديدة يطلق عليها عادة إسم النظريات التقليدية الكلاسيكية. ولكي تحدّد هذه النظريّات مفهوم الدولة الفدرالية وتميّزها عن الدول الأخرى، قسّمت الأنظمة القانونية للدول بوجه عام الى ثلاث أنواع: الدولة الكونفدرالية والدولة الفدرالية والدولة المتحدة، وتتكوّن الدولة الكونفدرالية – حسب هذه النظريات – بموجب معاهدة أو ميثاق يبرم بين دولتين أو أكثر تتنازل كلّ منهما عن بعض أختصاصاتها لصالح هيئة عليا مشتركة". (3)

كوردستان العراق ليست دولة مستقلة ليتناول السيّد عرفات كرم مسألة الكونفدرالية في تهديده للتحالف الشيعي لتصفير أو أنهاء الخلافات والمشاكل بين الطرفين، وطرحه في أنّ الكونفدرالية هي الحل الأنجع لأنهاء معاناة الشعوب العراقيّة وفق تصريحه، تعني أنّ من حق سكّان سهل نينوى من الكلدوآشوريين والتركمان في مناطقهم وغيرهما من المكوّنات العراقيّة طلب التحالف مع العراق بشكل كونفدرالي!! علما أنّ التحالف الشيعي الموالي لإيران ومن خلال سياساته المعادية لمصالح شعبنا بعربه وكورده وباقي مكوّناته، يحلم في أتحاد كونفدرالي مع إيران، لرهن العراق وشعبه ومنهم الكورد عند دولة ولي الفقيه.

الكونفدراليّة قانونيّا تتكوّن من أتحاد دولتين مستقلّتين أو أكثر وكوردستان العراق وغيرها من الأقاليم التي قد تظهر وفق الدستور العراقي مستقبلا، لا يحقّ لها تبنّي الكونفدرالية في علاقاتها مع بغداد، لكن من حقّها التمتع دستوريا في حقّها بالفدراليّة، وحقّها في الفدراليّة يعني أنّه لا يجوز "لاحدى الدول الأنسحاب من الدولة الفدرالية لتأسيس دولة مستقلة" (4) .

والفدراليّة والتي نراها في العديد من الدول، هي دولة واحدة تتكوّن من كيانين أو أكثر لها نظامها القانوني وغيره من المؤسسات، الا أنها تخضع لدستور فدرالي وهو الفيصل في حلّ مشاكل الطرفين أو الاطراف المتنازعة، كما ولها دستوريّا وقانونيا رئيس دولة واحد وجيش واحد وعلم واحد وعملة واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد، وهذا ما لا نراه في العلاقة بين بغداد وأربيل.

إنّ الصراع على الأمتيازات بين الطرفين لا يمنحهما الحق في التلاعب بمصير البلاد، وحكومة الأقليم كما حكومة المركز لم تقدّم شيئا للمواطن الكوردي الفقير الذي يعاني كما العربي والتركماني والأيزيدي والكلدوآشوري من البطالة والفقر والعوز. النخب الحاكمة بالعراق تتحمل المسؤولية التاريخية عن هذا الانحطاط الذي تعيشه بلادنا، وهي غير مؤهلّة أطلاقا لمثل هذه المسؤولية.


1 – حول مفهوم النظام الفدرالي للدكتور نوري الطالباني ص 5 .
2 – نفس المصدر ص 9 .
3 – نفس المصدر ص 11 .
4 – نفس المصدر ص 13 .

زكي رضا
الدنمارك
20/11/2022



34
عمر الخيّام الى الفضاء وابا نؤاس تُقَطّع أوصاله


مرّت على البشريّة منذ القدم ولليوم حضارات وأمبراطوريات ودول وأقوام أنتهت وتلاشت لتحل غيرها محلّها لأسباب عديدة،  منها هزيمتها عسكريا أو نتيجة عوامل طبيعية كالجفاف والأوبئة وغيرها. لكن وعلى الرغم من مرور آلاف السنين على أنهيار تلك الحضارات والدول، نرى أمرا عصيا على الأنهيار ولا زال يبهرنا نحن أبناء هذا الزمن الرديء، ولا أعني هنا الّا نحن العراقيون الذين أبتلينا بأشباه ساسة وأشباه رجال وهم يقودون بلد نشأت فيه أعظم وأقدم الحضارات الى مستنقع الموت، هذا الأمر هو فنّ وعمارة تلك الحضارات التي لازالت لليوم باقية لتذكرنا من أنّ الفنّ بكل أشكاله ومنه النحت  لن يموت ولن ينهار.   

لقد ورثنا نحن العراقيون الإزميل  من حضاراتنا التي سبقت الهجمة البدوية المتخلّفة القادمة من عمق الصحراء والبداوة، ومعها آلة القتل التي دمرّت ولازالت أرض الرافدين.  فبالإزميل نحت الفنّان العراقي الأسود والثيران المجنّحة للملوك والأمراء، ونحت النصب التذكارية وتفننّ في زخرفة الأبواب العظيمة للقصور.  والفنان أسماعيل فتاح الترك ومن معه من النحّاتين والفنّانين العراقيين ورثة ذلك النحاّت الذي برع  بإزميله وهو ينفخ الروح في حجر الصوان لينحت تماثيل كأنّها الآلهة.  فتمثال الشاعر العبّاسي أبا النوّاس هو نتاج الإزميل العراقي الذي علينا أن نفتخر به اليوم وغدا، فهل ورثة القادمين من عمق الصحراء وعاشقي البداوة لهم الحق في أن يجعلوا من بغداد الأزل أشبه  بمدينة للصرائف بقرية مهملة،  ومن أعطاهم هذا الحق!!؟ 

الفرس أصحاب حضارة موغلة بالتاريخ  وأمتدّت أمبراطوريتهم من بحر إيجة في الغرب إلى حدود الهند في الشرق ومن جنوب مصر إلى البحر الأسود وجبال القوقاز في الشمال. وكما كان للإزميل العراقي دور محوري فيما وصلنا اليوم من تماثيل  ورُقم تملأ متاحف العالم، فللفرس إزميلهم الذي أبدع أيضا في نحت التماثيل والنصب الأثريّة. لكنّهم ولأنهم مدينيون وليسوا قرويين  كما حكّامنا والسواد الأعظم من شعبنا، تراهم يحترمون تماثيل فنّانيهم ويحافظون عليها.  فالفردوسي وهو شاعر  حفظ اللغة الفارسية من الأندثار بعد الغزو العربي لبلاده بكتابته ملحمة الشاهنامة ( كتاب أو ملحمة الملوك)، له تمثال كبير يتوسّط حديقة غنّاء في ساحة تحمل أسمه  بقلب العاصمة طهران، وطالما كان حكّام العراق اليوم يتسكّعون عنده وهم يدخلون ويخرجون من مقرّ المجلس الأسلامي الأعلى قرب الساحة التي تتوسط  شارع  الفردوسي حينما كانوا "يجاهدون" من أجل تقدّم العراق وشعبه مثلما كانوا يشيعون، وإذا بالعراق عهدهم خرائب تنعق فيها غربان  الفساد والقتل والجريمة!!  أمّا الشاعر وعالم الرياضيات الذي اشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم أي عمر الخيّام، فهناك شارع  وسط الحي التجاري في طهران يحمل أسمه، كما وله ضريح آية في العمارة بمدينة نيسابور يزوره الكثير من السياح وأبناء المدينة.

على الرغم من أشعار الخيّام الألحادية و عشقه للخمر، فأنّه يقول في أشعار تُنسب له: 

إبريق مى مرا شكستى ربّى
بر من در عيش را ببستى ربّى
من مى خورم وتو مى كنى بدمستى
خاكم به دهن مگر تو مستى ربّى؟

وترجمتها:

كسرت لي إبريق خمري ربّي
أغلقت عليَ باب رزقي ربّي
أأشرب الخمر أنا فتعربد أنت
يا للوعتي، أراك سكرانا ربّي

الخيّام هذا وعلى الرغم من أشعاره هذه وغيرها وهو يتغنى بالخمر والجواري، نرى أنّ السلطات الدينيّة  الأيرانيّة وبالتعاون مع علماء الفضاء الروس أطلقت قمرا صناعيا بأسمه الى الفضاء تخليدا له!!!




ضريح عمر الخيّام في نيسابور

ساسة اليوم الذين حولّوا العراق الى رُستاق أي قرية بالفارسيّة،  ولأنّهم أعداء لوطننا وتراثنا وتاريخنا تراهم
يجيشّون رعاعهم  لكسر الأزاميل العراقية، عن طريق الهدم والعبث بالتماثيل في بغداد وتشويهها.  فمرّة يهاجمون بمنطق البداوة التي لا يجيدون سواها فيسرقون تمثال السعدون، ومرّة يهاجمون تمثال باني بغداد التي يحقدون عليها أبي جعفر المنصور،  ومرّة يهاجمون تمثال كهرمانة  لمحمد غني حكمت خوفا من أن تؤشر على أبواب قصورهم  ليعرف شعبنا طريقه اليهم،  واليوم يعبثون بتمثال أبي نؤاس لأسماعيل فتاح الترك، وغدا سيعبثون بتمثال الأم لخالد الرحّال ونصب الحرية لجواد سليم وجدارية فائق حسن وغيرها. تماثيل فنّانينا مهدّدة بالهدم،  وتماثيل رجال الدين الشيعة المصنوعة من الشمع والتي كلّفت الدولة ملايين الدولارات تصبح مزارا لأعداء الحضارة والتمدن والمدنية في مُتحفها بالنجف...

يقول المؤرخون أنّ حضارة أناسازي التي نشأت حولي 700 عام قبل الميلاد، أنهارت بسبب الأنقسام الديني الذي قسّم شعوب تلك الحضارة،  فهل أصحاب البداوة اليوم وهم يهاجمون التماثيل لأسباب طائفية سيقودون بلدنا الى هذه النهاية،  وما هي وسائلنا لمواجهتهم ...؟ 

زكي رضا
الدنمارك
9/11/2022


35
ضاع موطني بين الملّايات والماكيرات


لا أعني بكلمة موطني في عنوان المقالة  النشيد الوطني " العراقي"، كون البلدان التي تحترم تاريخها وتراثها وشعرائها قادرة على أن يكون لها نشيد وطني من كلمات أحد شعرائها وتلحين أحد أو مجموعة من ملحنّيها. والأناشيد الوطنية للبلدان المختلفة نرى فيها تراث وتاريخ وجغرافية وأمل وقوّة بمستقبل أفضل لها وشعوبها، والأناشيد الوطنية تلعب دورا في بثّ الحماس بين أبناء الشعب ليتكاتف من أجل بناء بلده، حتّى أنّ بعض البلدان التي تعتمد أكثر من لغة تكتب نشيدها وتلحنّه باللغات الرسمية فيها كما كندا التي تنشد نشيدها الوطني باللغتين الأنجليزية والفرنسية.  والعراق فيه وكان فيه العديد من الشعراء الفحول ذوي القصائد الوطنيّة التي من الممكن لو توفّرت الوطنية عند ساسة اليوم، لكان لنا نشيد وطني عراقي يغوص في تاريخ هذه الأرض وتراثها ويحلّق عاليا فوق نخيله وجباله لينظر من الأعالي لرافديه وهما يبثّان الحياة في الأرض التي يراد لها أن تموت ببطء وعذاب!! 

النشيد الوطني العراقي مرّ بمراحل عدّة، ففي العهد الملكي تمّ تلحين السلام الملكي من قبل الضابط الإنكليزي الميجر جي. آر. موري، وكان لحنا بلا كلمات،  ومع ذلك حاول أحد الشعراء العراقيين كتابة كلمات تتناغم واللحن. وبعد نجاح ثورة الرابع عشر من تمّوز تمّ تلحين السلام الجمهوري من قبل الموسيقار العراقي لويس زنبقة وأسماه نشيد موطني وهو غير نشيد " موطني " اليوم، وكان كما السلام الملكي بلا كلمات. بعد إنقلاب الثامن شباط 1963 ووصول البعث للسلطة أُعتمد نشيد الجمهورية العربية المتحدّة/ المصريّة ( والله زمان يا سلاحي)  وهو من كلمات الشاعر المصري صلاح جاهين والحان الملحن المصري كمال الطويل وغناء أم كلثوم كنشيد وطني للعراق!! وفي العام 1981 أستبدل صدام حسين النشيد الوطني " العراقي" بآخر من كلمات الشاعر السوري شفيق الكمالي والحان اللبناني وليد غلمية.

بعد الأحتلال الأمريكي لم يسعى الذين وصلوا للسلطة ليكون لـ "بلدهم" نشيد وطني من كلمات وألحان أحد شعراء العراق الكبار وجيش من ملحنّيه الذين رفدوا المكتبة الفنية العراقية بمئات الألحان المميزة، بل ذهبوا الى نشيد "موطني" من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان والحان محمّد فليفل. هذا النشيد لا يزال هو النشيد الرسمي للدولة العراقية، على الرغم من أنّ هناك قصائد كثيرة تستطيع أن تكون وبفخر نشيدا وطنيا عراقيا، لكن من أين نأتي بعراقيين في السلطة لينجزوا هذه المهمّة!!؟

الأناشيد الوطنية تعزف في مختلف المناسبات، كأستقبال الوفود الأجنبية، وعندما يعتلي أبطال الرياضة منصّات التتويج، وعندما ينشده التلاميذ في المدارس ليتعلمّوا من خلال إداءه حب الوطن والعمل على رفع إسمه عاليا. فهل يُنشد النشيد الوطني " العراقي" في مثل هذه المحافل!؟

عزف  نشيد " موطني" في حضرة الماكيرة سارة حيدر وبحضور ضباط كبار من الجيش العراقي، فضيحة وطنية وأخلاقيّة وسياسيّة لم تحصل في أي بلد يحترم تاريخه وشعبه لليوم. لسنا ضد عمليات التجميل التي تقوم بها المختصّات في هذا المجال مطلقا، ولسنا في وارد نقدهنّ أبدا، الّا أنّ حضورهنّ في الصف الأول الى جانب رتب عسكرية كبيرة جعلت من هذا النشيد وإن كان غير عراقي نشيد مبتذل، كما هو مبتذل أيضا وهو يُنشد عند حضور ملّاية أو رادود في تجمّع جماهيري.

المسألة اليوم ليست محاسبة من أهان النشيد الوطني " العراقي" بعزفه أمام ماكيرة، بل العمل على أعتماد نشيد وطني عراقي حقيقي نابع من تراث هذه الأرض وتاريخها، نشيد كتبه شاعر عراقي يعرف معنى الوطن، وملحنّ عراقي يجيد تلحين أغاني الناس. ليكن هدفنا جميعا هو الضغط على سلطة المحاصصة لتبني مثل هذا النشيد، الذي يجب أن يتغنّى ببلادنا وشعبنا.

وعودة لعنوان المقالة من جديد أقول أنّ الذي ضاع بين الملّايات والماكيرات ليس النشيد الوطني، بل الوطن نفسه وهو يباع في مآتم مرّة، وفي سهرات حمراء مرّة..

زكي رضا
الدنمارك
4/11/2022

   







36

مجاميع الظل الحاكمة بالعراق


الديموقراطية في المجتمعات غير الواعية وبغياب القوانين التي توفّر بيئة مناسبة لأجراء إنتخابات حقيقية، تؤدّي الى هيمنة قوى سياسيّة مافيوية على السلطة. وغالبا ما تكون لهذه القوى عالما مظلما تعمل من خلاله على توطيد دعائمها في الحياة السياسية والأقتصادية في تلك البلدان. والعراق اليوم فيه بيئة أكثر من مناسبة لهيمنة المافيا على جميع مفاصل الحياة بالبلاد، فالأحزاب السياسية التي تتقاسم السلطة منذ الأحتلال لليوم، جعلت من الفساد والأستبداد السياسي شريان حياة أحزابها، ليقابلها موت يومي لوطن يتهاوى بفعل الفساد وشعب يعيش في منطقة اللاوعي بعد أن يأس من إلتفات أحد الى معاناته.

لا توجد دولة بالعالم تشرعن الفساد بصورة علنية من خلال قوانين نافذة، بل على العكس فأنّ الدول عادة ما تسنّ قوانين تحدّ وتحارب الفساد بيد من حديد مثلما يقال. فما هو الطريق إذاً للإثراء على حساب المال العام..؟ أنّه الفساد، وهو بوابّة النهب المنظّم لثروات الناس. في البلدان التي يهيمن الفساد فيها يكون الفاسدون وهم على الأغلب من عصابات جريمة منظمّة بحاجة الى غطاء رسمي لممارسة فسادهم وسرقاتهم وأبتزازهم وتحكمّهم بمفاصل الأقتصاد والمال. لذا ترى زعماء هذه العصابات يدخلون الحقل السياسي من الباب الخلفي بدعمهم لشخصيات سياسيّة "مستقلّة" وحتّى أحزاب سياسيّة ليصلوا الى قبّة برلمانات تلك البلدان ولتكن لهم عندها الحصانة التي تمنحهم حريّة الحركة وعقد الأتفاقات الأقتصادية مع الشركات الوطنية والأجنبية مقابل عمولات ضخمة، أو أن ترسي عقود المشاريع برمتّها لزعماء الأحزاب السياسيّة ورجالاتها الذين يحصلون على هذه الأمتيازات مقابل ولاء أعضاء البرلمان والحكومة الذين وصلوا الى السلطة بمساعدة هؤلاء الساسة، بمعنى آخر فأنّهم كمجاميع ظل يتحكمون بالشأن السياسي والأقتصادي للبلاد.

المافيا اليوم ليست عصابات تهريب مخدرّات وفرض أتاوات والتجارة بالجنس والأعضاء وغيرها من الجرائم فقط، كما وليست قاصرة على عوائل معيّنة كما بدأت في صقليّة بإيطاليا لتتوسع الى بلدان كثيرة بالعالم. أنّما المافيا اليوم نظم سياسيّة لها علاقات دولية ووزارات تحكم من خلالها شعوب عديدة وتنهب كل ما يقع تحت أيديها دون خوف من ملاحقة القضاء، بعد أن يكون القضاة أنفسهم رهن أشارة السلطة التي تعيّنهم. ولو أخذنا العراق كمثال لأحد اكبر الدول الفاسدة في العالم، فسنرى أنفسنا في حالة غريبة ومختلفة عن كل العصابات المافيوية المعروفة وعوائلها!!

المافيا بالعراق ليست بحاجة الى دعم أحزاب سياسية أو ساسة مستقّلين ليصلوا الى البرلمان، ليقوموا بعدها بمساعدة زعماء المافيا في سرقاتهم ونهبهم للمال العام عن طريق التجاوز على القوانين، وإبرام عقود وهمية بملايين الدولارات والحصول على عمولات بأرقام فلكية من خلال عقود بشروط مجحفة بحق ثروات وطننا. عوائل وعصابات المافيا عندنا محصنّون من المساءلة القانونية، والقضاة يجدون لهم دوما مخارج "قانونية" في الأمور السياسية كما في تفسيرهم للكتلة الأكبر بعد كل أنتخابات، أو التجاوز على القانون من خلال عدم محاسبة الرؤوس الكبيرة من الفاسدين. والمشكلة ونقولها للأسف الشديد تكمن في مناحي عدّة منها عدم وجود قاض عراقي جريء يقف بوجه المافيا العائلية والسياسية التي تقود البلاد الى الهاوية، كما القاضيان الإيطاليان "جيوفاني فالكون" و"باولو بورسيلينو"، اللذان تمّ إغتيالهما من قبل المافيا. وإن كان القضاء قد واجه بشرف الفساد في إيطاليا لينتصر أخيرا، فأنّ القضاء العراقي وهو يحمي الفاسدين الذين يدمرّون العراق وشعبه لا شرف له مطلقا.

العراق حالة غريبة وشاذّة، فتجربة مجاميع الظل الحاكمة في البلدان الأخرى لا مكان لها بالعراق، كون "مجاميع الظل" هي من تشكلّ الحكومة من خلال البرلمان الذي تهيمن عليه، وهي من تشتري شرف القضاة والإعلام، وهي من تمتلك الجيش والعصابات المسلحة. مجاميع الظل لا تحكم البلاد من خلال عالم مظلم كما بقية دول العالم، بل أنها تمتاز بجرأة كبيرة لتعلن عن نفسها علنا وتقود الفساد والجريمة بالبلاد. وحكومة السوداني اليوم هي إمتداد لنهج مافيوي مدمّر يتحكم بمصير البلاد من خلال مجاميع ظل علنية...

 
زكي رضا
الدنمارك
30/10/2022


37
سحق العراق بين إلإطارين

لم يلتفت أحد الى إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية اليورانيوم المنضّب في تصنيع الذخائر التي قصفت بها الجنوب العراقي  في الناصرية والسماوة والفلوجة وعلى الأخص مدينة البصرة منذ العام 1991 حتّى العام 2003 ، لا من المنظمات الدولية ولا من قبل الأقطاب الرئيسية للمعارضة العراقية التي كانت ولازالت تسير وفق المخططات الأمريكية، بل على العكس فأنّ بيل كلينتون ومادلين اولبرايت قالا في تعليقهما على قصف العراق بالأسلحة المحرمة دوليا وعلى الرغم من سقوط مئات الالاف من القتلى والتشوهات التي طالت وتطال مئات الالاف من الأطفال من أن الامر أي قصف العراق يستحق ذلك، في الوقت الذي كان فيه من يمتلك القرار السياسي ببغداد يشجع امريكا على هذا الأمر!! وقد تمّ الإلتفات الى خطورة هذه الذخائر في حرب البلقان، بعد تعرض جنود من حلف الناتو لآثار هذه القنابل التي إستخدمتها الولايات المتحدة في تلك الحرب،  والتي علاوة على قتل البشر وتدمير الآليات المصفحّة والدبابات فأنّ هذه المادّة تترك آثارا شديدة الخطورة على التربة والمياه الجوفية ما يؤثر على الإنتاج الحيواني والزراعي في المناطق الملوثّة ولعقود طويلة.

كانت " الامانة العامة في مجلس الوزراء في 2018 شكلت فريقا وطنيا وتم تشخيص وجود 23 موقعا ملوثاً في محافظة البصرة"،  وأنّه وكما قالت  "تم اجراء مسح شعاعي في البصرة وفحص 86 كيلومترا مربعا والعثور على 400 ألف متر مربع ملوثة باليورانيوم والاشعاع النووي وبدأ الفريق بتنظيف هذه الاماكن"!! هذه التصريحات غاية في الخطورة رغم معرفتنا بها دون الأرقام التي ذكرها مجلس الوزراء، الا إننا نقف منبهرين أمام إمكانية العراق بطي صفحة التلوث الإشعاعي كما أعلن جاسم الفلاحي الذي اعلن أواخر كانون أوّل / ديسمبر 2021  " انتهاء صفحة التلوث الإشعاعي في البصرة، واصبحت خالية من التلوث" أقول منبهرين ، كون السلطات الأمريكية كشفت يوم أمس 16/10/2022  عن " تلوث إشعاعي كبير في مدرسة ابتدائية في ضواحي مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية حيث تم إنتاج أسلحة نووية خلال الحرب العالمية الثانية، وفقًا لتقرير جديد صادر عن مستشاري التحقيق البيئي"، و " تقع المدرسة في سهل الفيضي لخور كولد ووتر، التي تلوثت بالنفايات النووية من إنتاج الأسلحة خلال الحرب العالمية الثانية" ، وعلى الرغم من أنّ سلاح المهندسين الأمريكي يقوم بتنظيف الخور منذ أكثر من 20 عاما وبأحدث الأجهزة وتحت أنظار أفضل الخبراء،  الا أن " مستويات النظائر المشعة مثل الرصاص 210 والبولونيوم والراديوم والسموم الأخرى كانت "أكثر بكثير" مما توقعته شركة بوسطن كيمكال". السؤال هو كيف تمكّن العراق بضحالة إمكانياته وفساد قادته وأمّية هيئاته العلمية وضعف تقنياته من تنظيف المنطقة من التلوّث الإشعاعي، ولم تستطع الولايات المتحدة بكل التقنيات التي تمتلكها من الحذو حذو العراق في تنظيف مدرسة من التلوث الإشعاعي بعد 20 عاما من بدأها مشروعها في تنظيف المكان!!؟

الإطار التنسيقي الشيعي ممثلا برئيس وزراءه الجديد السيد السوداني أكّد في لقاء له بالسفيرة الأمريكية ببغداد السيدة ألينا رومانوسكي على " رغبة العراق في ترسيخ علاقة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة من خلال تعزيز العمل على اتفاقية الإطار الاستراتيجي في جوانبها المختلفة الاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية وقضايا مواجهة آثار التغير المناخي، فضلا عن التعاون الأمني في مجال تقديم الدعم والمشورة لتمكين القوات الأمنية العراقية". الجانب التعلمي والثقافي هما جزء من إتفاقية الإطار الإستراتيجي بين أمريكا والإطار الشيعي تحت أي مسمى كان، ولكن هذا لم يمنع من إنهيار التعليم وحقل الثقافة بالعراق الإسلامي. كما لم يكن فاعلا في بناء نظام أقتصادي متطور أو يسير بخطى محسوبة نحو التطور وإن ببطأ، أمّا حول التغير المناخي وضرورة مساهمة العراق غير الصناعي وغير الزراعي فيه، فأنّ ما لا يعرفه الأطاريون والمتحاصصون أو يعرفونه ويغمضون عيونهم عنه  هو أنّ الولايت المتحدة الأمريكية رفضت مشروع الأتفاق المطروح على مؤتمر المناخ في كوبنهاغن سنة 2009 ، كما انسحبت من مؤتمر باريس للمناخ سنة  2015 !!

السفيرة الأمريكية في تغريدة لها لم تشارك السيد السوداني في تصريحاته الا في مسألة المناخ، رغم أنّ بلادها مسؤولة عن التلوث الأشعاعي بالبلاد. وكتبت على حسابها الشخصي في تويتر، أنّ " التقدم في تحقيق المصالح المشتركة بين أمريكا والعراق، مهم للعراقيين". وأشارت في تغريدتها إلى أهمية وجود "عراق يحارب الفساد ويخلق فرص العمل، وعراق مستقر من خلال مؤسسات أمنية حكومية قوية وخالٍ من داعش، وعراق مرن للتعامل مع التغير المناخي"!!

عراق خال من الفساد أيها السفيرة، وبالأمس فقط وكنزر يسير من الفساد الذي جاء على ظهر دباباتكم تمت سرقة 2.5 مليار دولار من قبل حيتان الفساد!! إيجاد فرص عمل،  والبطالة تزداد نسبتها بأستمرار وتطال حتى خريجي الجامعات وتحولهم الى باعة متجولين!! عراق مستقر، والميليشيات تعيث به فسادا والسلاح يباع في اسواق مدينة الثورة علنا وتحت حماية الميليشيات وغياب الدولة!!

العراق اليوم لا سيادة له، حيث المعسكرات التركية تتواجد في أراضيه بشكل علني وتحت مرأى ومسمع السفارة الأمريكية ببغداد والقنصلية الأمريكية في أربيل والتي تطالب بالسيادة من خلال أتفاقية الأطار الأستراتيجي، والقوات الإيرانية كما التركية تقصفان القرى والبلدات والمدن الكردية متى ما أرادوا. فهل اتفاقية الإطار الأستراتيجي قادرة على وقف العدوان التركي الإيراني على الاراضي العراقية!؟

على حكومة الأطار ان تطالب الولايات المتحدة وكبادرة لتحسين ملف المناخ، أن تتحمل مسؤوليتها في تنظيف الجنوب العراقي من آثار اليورانيوم المنضب التي أستخدمتها في حروبها ضد العراق. وحينها فقط تستطيع البدأ بتنفيذ باقي نقاط المشروع، والا فأن بلادنا ستسحق بين أطاري الاطار الشيعي والأطار الأستراتيجي، ونحن بالحقيقة مسحوقون كبلد وشعب.

قالت آشلي بيرنو، رئيسة جمعية الآباء والمعلمين في جانا والتي لديها ابن في المدرسة: "لقد شعرت بالفاجعة... يبدو الأمر مبتذلاً للغاية، لكنه يأخذ أنفاسك منك". فهل سيشعر قادة الإطار وباقي مثلث الفساد بالفاجعة، وهل الأمر مبتذلا حقّا بنظرهم....!؟

زكي رضا
الدنمارك
17/10/2022




38
من حرق المصاحف والمساجد في إيران ..؟

المجتمع الإيراني لا يقلّ تدينّا عن بقية المجتمعات الإسلاميّة، إن لم يكن في مقدمتّها. فالإسلام وعلى  الرغم من فرضه عنوة على الإيرانيين من خلال إحتلال المسلمين لها إثر معركة القادسيّة  وجد له مكانا رحبا فيها، وهذا ما نستدلّ عليه من خلال  العدد الكبير لرجال الدين الإيرانيين السنّة عندما كانت إيران سنيّة المذهب، أو الشيعة بعد تحوّل إيران الى المذهب الشيعي في العام 1501 للميلاد، أي بعد تأسيس الدولة الصفوية. وفي التاريخ  شخصيّات إسلاميّة إيرانيّة أو من أصول إيرانيّة مرموقة من المذهبين،  منهم مؤسسي مذاهب إسلامية  ومراجع دينيّة أثّروا ولا زالوا في الفقه والفكر الإسلامي.

على الرغم من إنهيار الحكم القاجاري بعد خلع شاه أحمد قاجار وهو آخر شاه من العائلة القاجارية على يد الشاه رضا بهلوي أواخر العام 1925  وبدأ بناء إيران الحديثة، بقي الدين الإسلامي  وبالأحرى المذهب الشيعي له حضوره الكبير في المجتمع الإيراني. وكان لرجال الدين إمتيازات إستثنائية في القانون، فمثلا لم تتم محاكمة الخميني وإدانته بعد تظاهرات الخامس من حزيران سنة 1963 والمعروفة إيرانيّا بتظاهرات خرداد التي خرجت في مواجهة البرنامج الإصلاحي الذي دعا اليه الشاه محمد رضا بهلوي والذي عُرف وقتها بالثورة البيضاء الذي واجهته  رفض ملّاك الأراضي وطبقة رجال الدين له،  والتي قاد الخميني تظاهرات ضدّها في بعض المدن الإيرانيّة منها طهران وقم. وكمخرج لإطلاق سراحه من المعتقل خوفا من زيادة وتيرة التظاهرات وسعتها، منحت الحوزة الدينية بشخص عدد من آيات الله فيها، صفة آيت الله للخميني وإعتبرته مرجعا دينيا ما دعا السلطات لإطلاق سراحه. وهذا الأمر إن دلّ على شيء  فأنّه يدل على هيمنة العامل الديني في المجتمع الإيراني وإحترام المؤسسة الدينية فيها، والذي تحسب له السلطات حسابا كبيرا.

لقد ترسّخ المفهوم الديني في إيران بشكل أكبر من أي وقت مضى، منذ تحولّها الى جمهورية اسلامية في العام 1979 لليوم. فقد صبغ الدين الحياة الإجتماعية والقوانين والمناهج التعلمية والإعلام والجيش وجميع مناحي الحياة، بل صبغ حتّى أسماء المواليد فيها، حيث أصبحت أسماء والقاب أئمة الشيعة ونسائهم وبناتهم هي الأسماء الرائجة. فعلى سبيل المثال وعلى الرغم كون الشاه كان علمانيّا الّا أنّه وليتقرّب اكثر الى الشعب الإيراني أسمى ولديه برضا وعلي رضا.

لقد حوّل النظام الإسلامي في إيران منذ وصوله للسلطة لليوم وبشكل ممنهج الدين من إيمان وعبادات وأفكار ومعتقدات وقيم، الى وسيلة لإخضاع المجتمع لسلطته الثيوقراطيّة والتي تسببّت نتيجة فرضها بالقوّة والسيطرة المطلقة للدولة ممثلّة برجال الدين،  بأسلمة المجتمع وعلى الأخّص حقلي الثقافة والتعليم،   بل إنتهجت سبلا في الطقوس الدينية جعلتها تخدم مصالحها المباشرة.  لقد كان القرآن ونهج البلاغة والأدعية الشيعية كدعاء كميل وأدعية الصحيفة السجّادية للإمام علي بن الحسين المعروف بالسجّاد ومناسبات ولادات ووفيات الأئمة الأثني عشر عند الشيعة  والمراقد والمساجد ، من الأمور المحترمة والمبجلّة  ومقدّسات لا يجوز المساس بها أو إهانتها مطلقا، وبقي هذا الأمر قائما بشكل واسع حتّى مقتل الشابّة الإيرانية ذات الأصول الكوردية ژينا أميني والتي يتناقل الإعلام إسمها بمهسا أميني، الذي فجّر تظاهرات في عموم إيران ضد سلطة الدين وإستبداده لأسباب كثيرة تتعلق بالمشاكل القوميّة  والاوضاع الإقتصادية السيئة والتفاوت الطبقي وإزدياد نسبة الفقر والبطالة وإنعدام الحريات وغيرها الكثير، ولم يكن مقتل الشابّة الكورديّة الإيرانيّة الا شرارة أضرمت النار في الشارع الإيراني التوّاق للتحرّر من نير الدين ورجالاته.   

ليس من عادة وليّ الفقيه علي خامنائي التعليق على حادث وفاة أو مقتل متظاهرين ضد سلطته، الّا أنّه خرج هذه المرّة ونتيجة شدّة التظاهرات ليقول  خلال حضوره مراسم تخرّج طلّاب الأكاديميات العسكرية في طهران، وفق موقعه الرسمي  أنّ " حادثة وفاة الشابّة الإيرانيّة كانت مريرة وأحرقت قلبي. لكنّ رد الفعل دون أي تحقيق كان غير طبيعي. الرد لا يكون بأن يزعزع بعضهم الأمن في الشوارع ويحرقوا المصاحف ويخلعوا حجاب السيدات المحجبّات ، ويضرموا النيران في المساجد والمصارف وسيّارات الناس"!! 

لو تركنا الكلام الإنشائي لخامنائي حول قلبه الذي إحترق بمقتل الشابّة  ژينا/ مهسا أميني وكأنّ نظامه ليس بقاتلها وغيرها مئات الآلاف من أبناء الشعوب الإيرانية، ولو قبلنا بحديثه حول عدم حرق المصارف وسيارات الناس ومباني الدولة والذي يجري أثناء الإضطرابات والتظاهرات في مختلف دول العالم،  وكذلك خلع حجاب المحجّبات كونه تعديّا على الحريات، فإننا سنقف أمام سؤال مشروع  وهو: من حرق المصاحف والمساجد ..؟

إنّ حرق المصاحف والمساجد من قبل الجماهير المنتفضة ضد سلطة رجال الدين، هذا إن كانت الجماهير هي فعلا من حرقت المصاحف وليس أجهزة النظام المخابراتية نفسها كما فعلها البعثيون في العراق ستينيات القرن الماضي، هو ردّ فعل طبيعي على الرغم من تديّن المجتمع الإيراني كما ذكرنا قبل قليل، على الحيف والقهر والإستبداد الذي جاء به الدين كأداة قمع وليس كعبادة وقيم وأخلاق كما يجب أن يكون،  عن طريق السلطة الدينية وميليشياتها وأجهزتها النظامية والمخابراتية القمعية  التي تتحكم بالبلاد منذ ما يربو على الأربعة عقود. أنّ وزن كل أمر في إيران بميزان الدين، جعل الدين في مرمى سهام الجماهير الإيرانيّة. فحرق المصاحف والمساجد والسلطة لا زالت بيد رجال الدين، تشير الى ما سيحدث لهما أي المصاحف والمساجد ومعهما مراقد مقدّسة عند الشيعة من أخطار حالما ينهار النظام الإسلامي.  فالدولة الإسلاميّة لا تستطيع مقاومة تطلعات الناس وسعيها  للحياة بشكل أفضل ممّا تعيشه اليوم، كما ولا تستطيع البقاء الى الأبد. فالإمبراطورية الفارسيّة التي حكمت مصر في وقت ما، والإمبراطورية الرومانيّة ومثلها الأمويّة والعبّاسيّة والعثمانيّة  والإتحاد السوفيتي في العصر الحديث، إنهارت لظروف مختلفة،   وسلطة الدين في إيران اليوم ليست إستثناءا بالمرّة الا أنّ إنهيارها سيشعل الحسّ القومي والعلماني للإيرانيين، لكنّ هذا الحس سوف يُترجم خارج سياقاته المنطقية. فالحقد على النظام الإسلامي سوف لا يقتصر على حرق المصاحف والمساجد، بل ستحرق الجماهير وكثأر ممّا تعرضت له من ظلم وإضطهاد على يد السلطة الدينية  أضرحة عديدة وتدمرّها، وعلى رأسها أضرحة قادة دينيين وهذا ما يتناقله مئات الآلاف من الإيرانيين في أحايثهم الخاصّة داخل وخارج إيران.  ومن الجدير بالذكر أنّ السلطات الإيرانية ساهمت أو غضّت النظر عن نبش وتخريب قبور المئات من  المعارضين لها والذين تمّ إعدامهم فترة ثمانينات القرن الماضي، وهذا ما سيدفع الجماهير هي الأخرى على الردّ بالمثل للأسف الشديد.  ومن غير المستبعد ونظرا لطبيعة المجتمع الإيراني وردّة فعله على إستبداد المؤسسة الدينية، أن يكون الإسلام والتشيّع نفسهما تحت طائلة العشرات من الأسئلة المحرجة التي ستهمّش دورهما على الصعيدين الإجتماعي والرسمي.

أنّ من حرق المصاحف والمساجد في إيران هم رجال الدين أنفسهم بسياساتهم القمعية ومصادرتهم للحريّات وعدم حل المشاكل القومية بالبلاد  وإفقار الملايين من أبناء الشعوب الإيرانيّة،  وليس الجماهير التي تطالب بالحرية والحياة الأفضل لأبناءها في بلد يمتلك كل مقوّمات الحياة بكرامة...   

زكي رضا
الدنمارك
9/10/2022

39
إنتخاب رئيس للجمهورية إنتصار للإتحاد الوطني وقوى المحاصصة وليس للشعب العراقي


بعد عام من المدّ والمدّ جاء الجزر السياسي بوصول قاطرة المحاصصة الى الخضراء، هذه القاطرة التي تحمل رئيس جمهورية بقياسات قوى المعسكر الايراني، وبالتالي فأنّ الأوضاع السياسيّة والإقتصادية والإجتماعية وما يتعلّق بها أو يترشّح عنها ستبقى كما هي. فالأزمات التي رافقت ما تسمّى بالعملية الديموقراطية ستبقى ثوابت غير قابلة للإختراق، خصوصا بغياب أي صوت معارض ولو شكليا في ما يسمّى بمجلس الشعب، ومنهم  الصدريون الذي سهلّوا وصول القاطرة الى الخضراء بمنحهم أصوات مئات الآلاف من ناخبيهم الى الأحزاب والميليشيات الولائيّة.

إنتخاب رئيس للجمهورية هو المتر الأخير للوصول الى منصب رئاسة الوزراء، وبإنتخاب عديل الرئيس السابق جلال الطالباني أي السيّد عبد اللطيف رشيد لمنصب رئيس الجمهورية، فأنّ إنتخاب رئيسا للوزراء من قوى الإطار الشيعي الممثّل الشرعي لوليّ الفقيه في بغداد قد حُسم أمره.  فالرئيس الجديد  كلّف السيد محمد شياع السوداني الذي أستقال من حزب الدعوة كمناورة سياسية من الحزب ليكون رئيسا للوزراء ورفضه الشارع العراقي أثناء إنتفاضة تشرين،  لا يستطيع طرح برنامج حكومي دون موافقة القوى التي طرحته كمرشح لرئاسة الوزراء. وهذا يعني عودة الاوضاع السياسيّة والإقتصادية في البلاد الى المربّع صفر، لأنّ ما أعلنه السيّد السوداني في بيانه من أنّه سيعمل من ساعة تكليفه الأولى وفق برنامج حكومي يتبنى إصلاحات سياسية، وتعهدّه بمحاربة الفساد، وسعيه لإجراء إنتخابات في أجواء حرّة ونزيهة في ظل نظام إنتخابي شفّاف مثلما صرّح، والعمل على ملفّات الفقر والخدمات والتضخّم والبطالة وتحسين الواقع الصحي والتعليمي،  هو نفس ما أعلنه جميع الذين سبقوه دون أن يرى شعبنا منه شيئا لليوم.

هل حقّق الشعب العراقي منذ أوّل إنتخابات شارك فيها لليوم، إنتصارا؟ سؤال يطرح نفسه ويجيب عليه الواقع الذي نعيشه كشعب ممزّق الهويّة ووطن بلا سيادة ولا كرامة. فالحرب الطائفيّة التي خضناها بإرادة فولاذيّة كانت هزيمة نكراء أبطالها قوى المحاصصة التي تتحصّن بالخضراء وليست إنتصارا لشعبنا،  بل لم تكن نصرا حتّى للإسلام الذي يرفع ممثليه في الخضراء راياته،  ونقل الصراع الكوردي من صراع بين الكورد والأنظمة المركزية الى صراع بين العرب والكورد على مستوى الشارع، ليس بإنتصار بل هزيمة للمواطنة. وإستمرار نهج المحاصصة الذي وصل أخيرا الى حمل السلاح وقصف كعبة المحاصصة بالصوارخ ليس إنتصارا للديموقراطية، بل هزيمة ساحقة لها. وبالتالي فأنّ أي نصر تحققه قوى المحاصصة، هو بالحقيقة هزيمة لشعبنا ووطننا.

ما أن حسم الخضراويون منصب رئاسة الجمهورية لصالحهم، حتّى خرج علينا السيّد بافل الطالباني وريث الراحل جلال الطالباني في زعامة الإتحاد الوطني الكوردستاني، بتصريح يحمل نصف الحقيقة.  ففي خبر نشرته عدد من وسائل الإعلام، صرّح ولي عهد الإتحاد الوطني الكوردستاني السابق وزعيمه اليوم من أنّ: إنتخاب رشيد رئيسا للجمهورية كان إنتصارا لإرادة الشعب والإتحاد الوطني.

بلا شك فمن خلال الصراع التاريخي بين الإتحاد الوطني والحزب الديموقراطي الكوردستاني، وتقاسم مناطق النفوذ والمراكز السياسية والعسكرية في الإقليم والمركز، والعلاقات الممّيزة بين الإتحاد وطهران، فأنّ إنتخاب السيد رشيد لمنصب رئاسة الجمهورية هو إنتصار للإتحاد الوطني ومعه الإطار الشيعي والسفارة الإيرانية ببغداد. لكنّ أن يكون إنتخاب السيّد عبد اللطيف رشيد نصرا للشعب هذا إن كان السيّد بافل كان يعني الشعب العراقي،  فنتائج الإنتخابات وعدم تشكيل الحكومة بعد تجاوز الفترة الدستورية لتشكيلها ما يعني تجاوزا على الدستور، ليس بنصر أبدا. أمّا إن كان السيّد الطالباني يعني بالشعب في تصريحه على أنّه الشعب الكوردي  فهذا هو الآخر بعيد عن الحقيقة، كون إنتخاب السيّد رشيد هو إنتصار للشعب في السليمانية وليس في كل أرجاء كوردستان.

النصر يبدأ حينما نقبر المحاصصة ونبدأ ببناء نظام علماني ديموقراطي على أنقاضه، فمنذ الإحتلال لليوم لا نعرف أيها السيد بافل كشعب عراقي بكل قومياته وأطيافه الّا الهزائم، وحزبكم كما الأحزاب المتحاصصة المهيمنة  على السلطة تتحمل نسبة من الهزائم بما يعادل نسبته في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبمعنى آخر يعادل ما نهبتموه من ثروات شعبنا ومنهم طبعا شعبنا الكوردي.


زكي رضا
الدنمارك
13/10/2022             


40

الإسلاميّون وعمائمهم علّموني الوطنية والنزاهة والأخلاق..!!


لا أظنّ أنّ العنوان غريب أو بعيد عن الحقيقة مطلقا، على الأقل بالنسبة لي شخصيا. كوني تعلّمت من الإسلاميين وعمائمهم ، الوطنيّة والنزاهة والأخلاق كما لم أتعلمها من غيرهم قبلها بهذا الوضوح قَط، اللهمّ الّا من البعثيين الذين هم كما الإسلاميون أيضا علّموني وجماهير واسعة من العراقيين الكثير من الوطنية والنزاهة والأخلاق، كلا حسب رؤيته لها وهم على رأس السلطة بالعراق لعقود.

كمدخل للمقالة أعود الى الشاعر والمتصوّف الفارسي سعدي الشيرازي أحد أبرز الشعراء الكلاسيكيين في القرون الوسطى، وتحديدا الى ديوانه "گلستان" أي الروضة أو الحديقة والذي هو بالحقيقة مجموعة من الحكم والمواعظ مزج فيها الشاعر الشعر بالنثر بلغة فارسية رقيقة فيها الكثير من العربية. ومن أشهر حكمه في ديوانه هذا والذي تتناقله الأجيال لليوم هو ما نظّمه عن لسان لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن، إذ كتب قائلا: "قيلَ للقمان: ممّن تعلمت الأدب؟ فقال: ممّن لا أدب لهم، فأجتنبت كلّ ما أستهجنته منهم"(1)

اليوم والاسلاميون على رأس السلطة فأنني تعلّمت منهم النزاهة، فأجتنبت الفساد الذي يمارسونه. تعلّمت منهم الأمانة، فأجتنبت السرقة التي يجيدونها ببراعة. تعلّمت منهم حبّ العلم، بعدما رأيت منهم عشق لا مثيل له للجهل والتخلّف. تعلّمت منهم الحكمة، بعد نشرهم الحُمق في المجتمع. تعلّمت منهم حبّ الأطفال، بعدما رأيت الآلاف منهم بلا مستقبل في ظلّ حكمهم الذي هو حكم الله والنبي والأئمّة الأطهار من آل بيته كما يدّعون. تعلّمت منهم أحترام المرأة، بعد أن أصبحت في عهدهم عورة وتباع في سوق نخاسة الدين متعة. تعلّمت منهم عشقي لدجلة وفيضانها، بعد أن أصبحت عهدهم مجرى صغير لا حياة فيه. تعلّمت منهم حبّي للعمران، بعد أن حولّوا البلاد الى خرائب تنعق فيها غربان طائفيتهم اللعينة. تعلّمت منهم عشقي للمزارع والحقول، وأنا أرى الأرض في عهدهم تموت عطشا والفلّاح جوعا. أحببت هدير الآلات وضجيج المكائن في المعامل والمصانع، بعد أن صمتت وبيعت خردة لدول الجوار في عهدهم الكارثي. أحببت الصحّة والناس الأصحّاء، بعد أن حولّوا المستشفيات الى مسالخ بشريّة ذبائحها أجساد الفقراء. الفقر ذُل وباب للرذيلة فكرهته، لشيوعه عهدهم وهم يجملّونه عن طريق الدين كباب واسع للجنّة. علّموني عشق بغداد أكثر من أي وقت مضى، بعدما شاهدت حقدهم الهمجي عليها. في عهدهم كرهت الموت ليس خوفا، بل لأنّهم يقدّسون الموتى وأنا أكره التقديس. كرهت العربات التي يجرّها العتّالون في الأسواق والطرقات، بعد أن أصبح خريجو الجامعات في عهدهم عتّالين . بتّ أعشق كلّ الألوان، الّا لونهم الأسود كما لون قلوبهم وأفكارهم. في عهدهم عشقت العراق أكثر، بعدما رأيت خيانتهم له جهارا نهارا. لهذا فأنا شخصيّا، تعلّمت الأدب والوطنيّة والنزاهة والأخلاق منهم وقبلهم من البعثيين.

يروى أنّ عصابة من اللصوص أغارت على قافلة كان فيها لقمان الحكيم، فنُهِبَت. فقيل له: الا تلقي سيدي كلمات من الحكمة والموعظة على اللصوص عسى أن نستردّ شيء ممّا نُهِب، فقال: ويا حسرة لكلمة حكيمة تُلقى على أمثال هؤلاء. "إنّ الحديد متى أودى به صدأ فليس بالصقل تبدو منه آثار ... لا يدخل الوعظ قلبا مظلما أبدا ولا يغوص بقلب الصخر مسمار" (2)

عصابات المؤمنين بالله اليوم وهي تنهب قافلة العراق لا تفيد معهم كلمات الحكمة ولا التظاهرات والتجمعات الموسمية والمطلبية، فمعدنهم صدأ وقلوبهم كما افكارهم سوداء ومظلمة كظلمة اللحد. ولا حلّ لأنقاذ البلاد والعباد من جرائمهم الّا من خلال إنتفاضة مستمرّة وعصيان مدني يستمر حتى قبرهم غير مأسوف عليهم في أقرب مزبلة للتاريخ.

الإنتفاضة في بلادنا الميتّة سريريا فعل ثوري عليه أن يستمر حتى تحقيق أهدافه بعودة البلاد للحياة ثانية، وليس طقس أو مناسبة نحتفل بها سنويا.. فلنعي ذلك


(1) گلستان سعدي (فارسي) ، ص 133
(2) گلستان سعدي (فارسي) ، ص 111

زكي رضا
الدنمارك
5/10/2022

 


41

لتتعلّم بغداد من ليفربول

تعتبر لعبة كرة القدم في انكلترا هي الأكثر شعبية في البلاد وجمهورها متعصّب جدا لفرقها، بغضّ النظر عن الدوريات التي تلعب بها تلك الفرق سواء كانت في الدوري الممتاز أو غيره،  ومن الأندية التي لها باع طويل في كرة القدم الانكليزية هو ناديي ليفربول الملقّب بالحُمْر، ويتسّع ملعبه المعروف يإسم الأنفيلد لما يقارب الخمسة وخمسون الف متفرّج. وعلى الرغم من أنّ النادي تأسّس أواخر القرن التاسع عشر، الّا أنّه أصبح جزءا مهما من المدينة التي تأسّست بداية القرن الثاني عشر وتاريخها الطويل كميناء مهم غرب البلاد. وليفربول  علاوة على كونها ميناء  تتميز بكونها مدينة صناعية وفيها العديد من الجامعات المرموقة على مستوى العالم، كما وفيها العديد من المراكز الثقافية والمسارح وغيرها من دور الثقافة المهتمّة ببناء الإنسان.

سكّان المدينة هم كما سكّان باقي انكلترا يتمتعون بدراسة مجّانية في مدارسها ومعاهدها، وجامعاتها بمنح من الدولة تسترجعها بعد تخرج  الطالب، كما ويتمتعون برعاية صحيّة مجانيّة ومتطورة،  ونظام رعاية إجتماعية متقدّم يوفّر حماية للأطفال والبالغين وذوي الإحتياجات الخاصّة والمسنّين بمنحهم رواتب الإعانة ودعم إحتياجاتهم المختلفة.  وعلى الرغم من أنّ سكّان المدينة يتمتعون بهذه الإمتيازات، وعلى الرغم أنّ مدينتهم مدينة صناعية ومركز ثقافي وعلمي مهم بالبلاد، الّا أنّهم يبدون تذمرّهم من أوضاعها!! وعادة ما تعبّر المدينة عن تذمرّها في ملعب أنفيلد أثناء مواجهات فريقهم مع الفرق الأخرى، ويكون التذمّر على شكل معارضتهم للعائلة المالكة وعدم إحترامهم للنشيد الوطني للبلاد.

بعد وفاة ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية مؤخرا وعلى غير العادة إحترمت جماهير النادي دقيقة الصمت حدادا على وفاتها أثناء إستضافة الفريق لنادي أجاكس امستردام الهولندي،  وقد كتبت الصحف البريطانية وقتها من أنّه التزام نادر لجماهير النادي.  هذه الجماهير التي تغنّت في نهائي كأس الإتحاد الانكليزي عام 1965  بـ " حفظ الله فريقنا" عوضا عن نشيد " حفظ الله الملكة"، كما وكانت لها صرخات إستهجان أثناء عزف النشيد الوطني عام 2012 وكذلك في شهر آيار/ مايس الماضي أثناء عزفه في نهائي كأس الاتحاد الانكليزي، ما دفع برئيس الوزراء بوريس جونسون وقتها على إدانة تصرفات الجماهير، فيما كانت كلمات المدرب يورغن كلوب عميقة جدا حينما قال  "لن يفعلو ذلك لو لم يكن هناك سبب.. يجب أن نفهم لماذا؟".

سكّان المدينة يعبرّون عن أستيائهم كون مدينتهم عانت من التهميش خلال فترة السبعينات والثمانينات. وفي العام 1981 اندلعت مواجهات في المدينة احتجاجا على الأوضاع الصعبة والتي أستمرّت لمدة تسعة أيّام. هذه الأحداث والتوترات، جعلت سكان ليفربول"  يعتبرون أنفسهم غرباء ومنفصلين عن بقية البلاد" !! وعلى الرغم من كل الأمتيازات التي يتمتع بها البريطانيون، قال جون جيبونز أحد مشجعي النادي لراديو بي بي سي وهو يعبر عن إستيائه من أوضاع المدينة " إنه أمر يشعر به مشجعو ليفربول بشدة،  إنها مدينة تريد أن تتحدث بصوت عالٍ حول كيف يجب أن نعيش في مجتمع أكثر عدلا"!!

إنتهت الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين ـ أكتوبر بشكل خجول ومأساوي ومؤسف، بعد فشل منطمّوا التظاهرات بحشد جمهور على عدد مقاعد انفيلد ليعبر عن مطالبه ومطالب الملايين الصامتة التي تجتر الدين والمذهب كغذاء يومي وعلى مدار العام، بعد أن حولّت حياتها وحياة أبنائها الى طقس جنائزي بكائي لا يعرف معنى للحياة والفرح. ملايين من البشر يعيشون في مدن محطمّة، حيث لا خدمات ولا رعاية صحيّة ولا تعليم ولا ثقافة، ملايين تسير مئات الكيلومترات لأحياء طقوسها ولا تخرج بتظاهرة للمطالبة في أن تعيش بشكل آدمي. هذه الملايين المسحوقة والمهمشّة والمهشمّة  ستبقى كما هي عاجزة عن تغيير اوضاعها، طالما تفكّر بشكل الحياة بعد الموت عوضا عن شكل الحياة اليوم.

ما قلناه ليس يأسا من الواقع المزري الذي نعيشه في ظل سلطة المحاصصة والإسلام السياسي وسلبية الغالبية من جماهير شعبنا، بل صرخة في أنّ بغداد التي تلفظ انفاسها الأخيرة، عليها أن تصرخ بصوت عال وعال جدا لتطالب في أن يعيش أبنائها وأبناء العراق في مجتمع اكثر عدلا...

لنتعلم من ملعب ليفربول ونحوّل ملاعبنا وفي كل مباراة الى ملاعب نضالية، نهتف فيها ضد اللصوص والقتلة وبيّاعي الوطن، نهتف فيها من أجل أطفالنا وشابّاتنا وشبابنا الذي يضيع في زحمة البطالة والأهمال والنسيان والمخدرّات،  نهتف من اجل غد اجمل لبلادنا وشعبنا.. ما أجمل ان يكون ملعب الشعب كما أنفيلد منصّة للغضب والحقد الشعبي على السلطة وأحزابها وميليشياتها وعصاباتها ومنابرها في كلّ مباراة. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فلتكن ملاعبنا كما ملعب الحريّة ( آزادي) في طهران أيضا، حيث حناجر الجماهير تهتف ضد سلطة الدين المتخلفّة وهي تغتال الحياة كما ذيولها وهم يغتالون الحياة ببلادنا.

زكي رضا
الدنمارك
3/10/2022   

   

42
مستقبل العراق وآفاقه الضبابية

لم يكن العراق الحديث منذ تأسيسه إثر مؤتمر القاهرة في آذار/ مارس 1921 ، ورسم حدوده الجغرافية الغربية والجنوبية بواسطة المسطرة والقلم من قبل المس غيرترود بيل والمعروفة بإسم الخاتون محليّا مستقرا بشكل دائم، بل كانت الأنتفاضات والأنقلابات العسكرية والعصيان القبلي تصبغ الحياة السياسية العراقية أثناء العهد الملكي الذي رعته بريطانيا حتّى ساعة أنهياره صبيحة الرابع عشر من تموز. وعلى الرغم من المشاكل الكبيرة التي كانت تواجه النظام السياسي وتأثير ذلك على مجمل فئات الشعب العراقي، الا أنّ المشكلة الأساسية التي كانت تواجه العراق على صعيد التماسك الأجتماعي الهش كانت القضية الكوردية وتعقيداتها الموجودة ليومنا هذا، وهذا لا يعني عدم وجود مشاكل غيرها أثّرت سلبا على النسيج الإجتماعي، فالسلطة لم توفّر الأرضية الصلبة لبناء مجتمع متماسك لأسباب عدّة، منها ما يتعلّق بطبيعة سياساتها التي همّشت فئات إجتماعية عديدة ومنعتها من المشاركة في الحكم، ومنها ما يتعلّق بالأنقسامات القومية والطائفية التي كانت تطل برأسها عند الأزمات، كما ولم توفّر السلطات جهدا في إستخدام العنف المفرط في مواجهة الكورد والآشوريين والقبائل في ريف الفرات الاوسط.

في العهد الجمهوري بقيت القضية الكوردية مشكلة أساسية دون حلول حقيقية لغياب الديموقراطية في ظلّ الأنظمة التي هيمنت على السلطات في بغداد مكلفا جدا على مختلف الصعد، فالنظام البعثي مثلا تنازل عن نصف شط العرب لصالح إيران لقمع الحركة الكوردية عوضا عن حلّ المشكلة داخليا وهو الأسلم لبناء وطن يشعر فيه أبناء شعبه من أنهم مواطنون على قدم المساواة. وأنفرد النظام البعثي الهمجي في قصف مواطنيه من الكورد بالأسلحة الكيمياوية وإبادة 180000 مواطن كوردي بريء في حملات الأنفال سيئة الصيت.

لقد بدأ النسيج الإجتماعي يفقد آخر حصونه بعد الحروب التي خاضها النظام البعثي ضد إيران والكويت. فبعد أن كانت القضية الكوردية كقضية قومية هي الوحيدة تقريبا في تأثيرها على متانة النسيج الإجتماعي للشعب العراقي، توسّع النظام بعد إنتفاضة آذار ليكون العامل الطائفي مكملّا للعامل القومي في تفتيت هذا النسيج الذي أصبح أكثر هشاشة نتيجة القسوة المفرطة للآلة العسكرية البعثية في قمعها للمنتفضين ودكّها المدن الشيعية ومنها المراقد الشيعية المقدّسة بالصواريخ، ونزوح الملايين من العراقيين الكورد والشيعة الى خارج الحدود.

لقد أثّرت سياسات النظام القمعية تجاه الشعب العراقي عموما والكورد والشيعة خصوصا على المعارضة العراقية في الخارج، وقد ألقت الرؤى المتباينة والشعور بالظلم والقهر عند ساسة الكورد والشيعة بظلالها على مؤتمراتها العديدة. ولم يكن هناك في الأفق ما يشير الى نيّة من سيهيمنون على القرار السياسي العراقي بعد رحيل سلطة البعث، في بدأ بناء الأنسان العراقي ليتحرر من مخلّفات النظام السابق ويساهم في بناء بلده على أسس جديدة.

نتيجة دورة العنف والقتل البعثي كان أكثر المتفائلين يتوقع بناء عراق على أسس جديدة خلال عقد الى عقدين بعد رحيل البعث، من خلال توظيف الثروة النفطية في بناء إقتصاد متين وتوظيف الأموال في بناء بنى تحتيّة من خلال سياسة تنمية مستدامة، بعد أن أدّت سياسات البعث الى تخلّف ودمار البنى التحتية وتردّي طبيعة الحياة بالبلاد على مختلف الصعد. فهل تحقّق هذا التفاؤل ونحن على أعتاب العقد الثالث لهيمنة قوى المعارضة السابقة على السلطة ورحيل البعث ..؟

بدلا عن بدء حكومات ما بعد الإحتلال بالشروع في إعادة العافية للإقتصاد العراقي نتيجة القفزات الهائلة بأسعار النفط، والعمل على أستثمار تلك الأموال في بناء بنى تحتية وتوفير خدمات للمواطنين بما يكفل أن يعيش شعبنا حياة آدميّة، نرى اليوم وبعد مرور عقدين على أنهيار النظام البعثي أنّ السلطات جادّة جدا في تدمير ما تبقى من بنى تحتية ناهيك عن بناءها. أمّا عن مستوى الخدمات، فنظرة أوليّة على واقع الكهرباء والصحة والتعليم تؤكّد فساد السلطات ونهبها للمال العام، وبهذا فأنّها لا تختلف قيد أنملة عن البعث وأستهتاره بأموال شعبنا إن لم تكن أسوأ، كون ما دخل الخزينة قبل نهبه من حيتان المحاصصة يفوق بمرّات ما دخل خزائن النظام البعثي خصوصا أثناء الحصار الأمريكي للبلاد.

أما من حيث متانة النسيج الإجتماعي فأنّ السلطات اليوم فاقت البعث في تكريسه لهشاشة التماسك الإجتماعي المتوارث منذ تأسيس الدولة لليوم. فالصراع الطائفي المسلّح الذي كانت أحزاب السلطة ممثلّة بميليشياتها طرفا فاعلا فيه لم يكن له مكان في تاريخ العراق الحديث على الإطلاق، وتعتبر السلطة اليوم وهي تكرّس المحاصصة الطائفيّة القومية كنهج للحكم، هي الوحيدة التي تميّز بين المواطنين على أساس هوياتهم القومية والطائفية وإن بشكل غير رسمي. فتوزيع المناصب السيادية بين الشيعة والسنة والكورد وإن لم تحدّد دستوريا، أصبحت عرفا بعد كل دورة أنتخابية " ديموقراطيّة" وهو رأس حربة الصراعات القومية والطائفية بالبلاد. وبهذا سيبقى النسيج الإجتماعي العراقي هشّا وقابلا للأنفجار في أية لحظة، فالقضية الكوردية وعلى الرغم من الفدرالية وهي أتفاق بين النخب السياسية وليس بين أبناء الشعب العراقي في ظلّ نظام ديموقراطي حقيقي، تخضع لمزاج السياسيين من جميع الأطراف وهي ورقة يلعبها اللاعبون الرئيسيون وهم يتوجهون لتقسيم كعكة السلطة في توزيعهم للحصص المالية بينهم، تلك التي لم يجني شعبنا منها شيئا خلال العشرين عاما المنصرمة. أمّا الصراع الشيعي السنّي فهو الآخر برميل بارود يهدد ليس النسيج الأجتماعي وحده بل ومعه القضية الكوردية وحدة البلاد الجغرافية. وبهذا تكون السلطات اليوم تعمل بوعي أو غباء سياسي على تدمير الهوية الوطنية العراقية التي بالحقيقة لم يمتلكها العراق منذ تأسيسه ولليوم.

من خلال الواقع السياسي الراهن وتأثيره الكبير على تفتيت النسيج الإجتماعي بشقيه القومي والطائفي، فأننا بحاجة الى أجراء عملية جراحية لجسم العراق الواهن من خلال إنتفاضة ناجحة وسريعة لتغيير شكل الحكم، والإسراع في بناء إقتصاد قوي ومتين ومتنوع لجذب قطاعات واسعة ، ومن فئات إجتماعية مختلفة لسوق العمل الذي يحوّل الصراع القومي والطائفي الخطر الى صراع طبقي يتجاوز حالة الإنقسام في المجتمع. أنّ أي تأخير في تغيير شكل السلطة وطبيعتها يعني تأخير عملية إعادة الحياة للنسيج الإجتماعي لعقود قادمة، وهذا يعني في النهاية وضع العراق في ثلاجة الموتى لحين إعلان وفاته رسميا.
 


زكي رضا
الدنمارك
21/9/2022

 



43

غيتو الخضراء ... مفارقات تاريخيّة


يعود تاريخ أوّل غيتو في اوربا الى إيطاليا وتحديدا مدينة البندقية في العام 1516 ، لأجبار اليهود على العيش فيه بمعزل عن بقيّة سكان المدينة. وقد تطوّر مفهوم الغيتو كمعازل بشريّة لاحقا ليمتد الى بلدان أوربيّة عديدة، بأوامر من ساسة وأباطرة ورجال دين. وكانت الغيتوات ومنذ وصول هتلر للحكم وخلال الحرب العالميّة الثانية، الأكثر عزلا وقسوة. وقد طبّقت الأنظمة العنصرية في بعض البلدان مفهوم الغيتو بشكل أو بآخر بحقّ السكان الأصليين، كما الأمريكيون الذين أقاموا غيتوات تحت مسمى مناطق إيواء لحصر الهنود الحمر فيها، وكما كانت الغيتوات الجنوب إفريقية والروديسية "زيمبابوي اليوم"، ومثلها الإسرائيلية التي عزلت الأحياء العربية والمختلطة بالأسلاك الشائكة بعد تأسيس دولتها في العام 1948 !!!!

بالعراق حيث كل شيء بالمقلوب والهرم يقف على رأسه لا على قاعدته، فالغيتو هو الآخر يجب أن يكون مختلفا شكلا ومعنى ومضمونا عن جميع غيتوات العالم السابقة والقادمة. فالغيتو تُنشئه السلطات لعزل مجموعة بشرية لأسباب عرقية أو دينية أو طائفية، عن طريق بناء جدران عالية تحيط بها أو أحاطتها بالأسلاك الشائكة كما ذكرنا قبل قليل، أمّا الغيتو العراقي فسيكون نموذجا جديدا للغيتو المتعارف عليه وسيدخل التاريخ كأوّل غيتو تقيمه سلطة لعزل نفسها عن بقيّة السكّان أي الشعب.

في سابقة غير معروفة لدى أكثر السلطات قمعيّة وهمجيّة وتخلّفا في العالم اليوم، دخلت حكومة المحاصصة الطائفية القومية وهي تهرب من غضب شعبنا ، التاريخ من "أوسع" أبوابه وهي تبني بوابّات حديدية وأسمنتية لتحيط بها المنطقة الخضراء وجسرين يؤديان اليها، ونحن على أعتاب الذكرى الرابعة للمارد التشريني وهو يقضّ مضاجع الطغاة ومن يحميهم من خارج الحدود. وكعادتها وهي المؤمنة بكتاب الله وسنّة نبيّه والأئمة من آل بيته، فقد واجهت أي (السلطات) التذمر الشعبي الواعي"لتميّزه عن القطيع غير الواعي الذي لا يتذمر" بكذبة من أكاذيبها التي تُضحك الثكلى، وهي أنّ أسباب قيامها ببناء الجدران الحديدية والأسمنتية التي خنقت شوارع العاصمة بغداد جاءت لـ "إجراء أعمال صيانة" على جسرين يؤديان الى الغيتو الأخضر!!!

من مفارقات الغيتو العراقي اليوم، هو أنّ ساكني الغيتو يعيشون حياة مرفّهة وليس كما سكنة الغيتو الفقراء كما هو متعارف عليه سابقا، وأنّهم يعملون بالربا الذي كان أحد أسباب عزل اليهود والذي وصل أي الربا العراقي الأسلامي الى برنابيّو حيث دعايات البنك الإسلامي العراقي تملأ جنبات الملعب الأسطوري في مدريد!! ومن المفارقات الأخرى هو أنّ السلطات كانت وهي تنشأ الغيتوات تفرض العمل القسري على سكّانه، فيما يفرض ساكنو غيتو الخضراء البطالة على أبناء شعبنا والتي هي أشبه بالعمل القسري حينما يعمل خريجّو الجامعات عتّالين وباعة على أرصفة الشوارع والطرقات.

أحدى الحقائق ونحن نعيش عصر الغيتو الأخضر، أنّ الغيتو العراقي هو كما بقية الغيتوات يعتبر حيّ للأقليات. فالحكومة العراقيّة وأحزابها وبرلمانييها وميليشياتها ومافياتها وهم يسجنون أنفسهم في غيتو، أقليّة فاسدة بنظر أبناء شعبنا الواعين ولهذا إنتفض شعبنا في تشرين لمواجهتهم. والشيء الوحيد الذي منحته سلطة الغيتو لشعبنا هو قيامهم بالشعائر الدينية على أن يتم تغذيتها بالطائفيّة، لأنّها أي تشرين الوحيدة القادرة على إزالة الجدران الحديدية والأسمنتية من حول غيتو الخضراء بمواجهتها للطائفية ومحاربتها علنا من خلال شعار (نريد وطن)..

كانت السلطات النازيّة تجبر اليهود على إرتداء شارة صفراء فيها نجمة داوود، والسلطات العراقية في الغيتو تضع شارة الطائفية والقومية السوداء على فوّهات بنادق ميليشياتها الموجّهة الى صدور شابّاتنا وشبابنا الثائر وعموم شعبنا، وعلى الجدارن التي تقيمها لحماية سلطتها الفاسدة المجرمة ...

لنعمل جميعا على هدم الغيتو العراقي الأخضر، فبهدمه يتنفس شعبنا هواء الحرية الذي يفضي الى سعادة أبنائه، ولنجعل من تشرين بتحصينه من المندسين، مشعلا نضيء به ظَلمة العراق الأسلامي القومي حالك السواد.

زكي رضا
الدنمارك
13/9/2022



44
خطورة التنازل الطوعي عن الديموقراطيّة بالعراق


على الرغم من أنّ "الديموقراطيّة" فُرِضَت فرضا على العراق، الّا أنّها وعلى الرغم من حاجتنا الماسّة اليها لبناء بلدنا لم تستطع أن تلبّي أبسط شروطها، لخوض عمليّة سياسيّة حقيقيّة طيلة تصديرها لنا منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد الى اليوم، هذا إن كان للديموقراطيّة حضور في المجتمع والدولة. كما ومن الضروري جدا عدم إضفاء الديموقراطيّة على شكل النظام السياسي العراقي الحالي كونه يؤمن بصناديق الإقتراع، كون صناديق الإقتراع لوحدها ليست دليلا على ديموقراطيّة نظام ما. فهناك الكثير من الأنظمة وتحت ظروف سياسيّة معيّنة تذهب الى صناديق الإقتراع لتأكيد شرعيّتها، وهذا ما ذهب اليه النظام البعثي وهو يؤسس ما يسمّى بالمجلس الوطني عام 1970، ولم يذهب العراقيّون الى صناديق الإقتراع لإنتخاب "مندوبيهم" الّا في العام 1980 ، أي بعد تولّي الدكتاتور صدام حسين السلطة. ومن أهم قرارات المجلس الذي تغيّر إسمه الى مجلس النوّاب العراقي بعدها هو توصيّة أعضاءه بالإجماع على تولّي الدكتاتور السلطة مدى الحياة ... !!

إذا أعتبرنا ومن خلال التجربة القاسيّة التي مرّ بها وطننا وشعبنا ، والمحن اللذان مرّا بهما خلال العهد الدكتاتوري يعود لإفتقارنا لديموقراطيّة حقيقيّة، وأنّ النظام البعثي هو المسؤول عن جميع الكوارث والأزمات التي مرّ بها العراق نتيجة حروب الدكتاتور العبثية والحصار الظالم على شعبنا، فإننا بالحقيقة ننظر الى النصف الخالي من الكأس فقط. أمّا النصف الآخر من الكأس وهو الأهم والمملوء فهو تجاهلنا من أنّ الدكتاتور ونظامه كان لهما عمقا شعبيّا لدى قطّاعات لا بأس بها من شعبنا، سواء كان هذا العمق عن قناعة أو عن خوف من سطوة السلطة وبشاعة جرائمها. كما لا يجب أن نغفل إصطفاف الكثير من المثقفين العراقيين والعرب، الى جانب السلطة الدكتاتورية وتزيين وجهها القبيح، وعلى الضد من مصالح شعبنا وتطلعاته للعيش بأمان وكرامة.

إذا نظرنا الى العراق اليوم وهو يمرّ بأزمة سياسيّة هي إمتداد لأزماته السياسيّة منذ إعتماد "الديموقراطيّة" التي أنتجت نظام المحاصصة الطائفيّة، وأعتبرناها أي "الديموقراطيّة" مسؤولة عن كل الجرائم السياسيّة والإجتماعية والإقتصاديّة التي حصلت وتحصل لليوم، فأننا بالحقيقة ننظر الى الجزء الخالي من الكأس، أمّا الجزء الآخر من الكأس وهو الأهم والمملوء فهو تجاهلنا للعمق الشعبي لأحزاب المحاصصّة الطائفيّة القومية. هنا قد يقول البعض بخطأ هذا الإستنتاج وقد يكون على حقّ، الّا أنّ من حقنا أن يُثبت لنا هذا البعض سبب حصول نفس القوى السياسيّة المسؤولة عن دمار البلد على أصوات الناخبين العراقيين وهم يذهبون الى صناديق الإقتراع كل مرّة؟ سيقال أنّ القانون الإنتخابي غير عادل، هذا صحيح جدا. وأنّ المفوضيّة المستقلّة للإنتخابات غير مستقلّة وغير نزيهة، هذا صحيح جدا. وأن المال السياسي يستخدم لشراء ذمم الناس، وهذا لا ريب فيه. وأنّ المحكمة الإتحاديّة تتحرك وفق أجندات حزبية، وهذا ما لا شكّ فيه. وأنّ للسلاح والفتاوى الدينية دوراً في توجيه الناخبين، وهذا ما لا يختلف عليه إثنان. كل ما ذكرناه أعلاه تعتبر وسائل أو آليات للديموقراطيّة، أمّا العناصر الأساسيّة للديموقراطيّة والتي نفتقدها بالعراق، فهي غياب حريّة التعبير من خلال غياب أو تقنين الحريات الأساسية، وتغييب أو تقنين المشاركة السياسيّة لأحزاب وحركات من خارج منظومة أحزاب المحاصصة الطائفيّة القومية.

عهد الدكتاتورية كانت السلطة بيد البعث ولم تكن هناك قوى سياسيّة داخليّة قادرة على التغيير، لا من خلال الآليات الديموقراطية لعدم إيمان السلطة بها ولا من خلال إستخدام وسائل العنف، لقوّة السلطة وأجهزتها القمعيّة وأذرعها المسلّحة كالجيش والشرطة وفدائيي صدام والجيش الشعبي. ويبدو اليوم أنّ التاريخ يكرر تجربة النظام البعثي من جديد، فالقوى السياسيّة غير المؤمنة بنظام المحاصصة الطائفية القومية، غير قادرة على التغيير من خلال صناديق الإقتراع، لعدم توفر العناصر الأساسيّة للديموقراطية أي حريّة التعبير وإستخدامها في توسيع قواعدها الجماهيرية، وبالتالي رفض القوى المهيمنة على مقاليد السلطة سنّ قوانين تسمح في أن يكون العراق ديموقراطياً بحق. وهي ليست قادرة على التغيير من خلال إستخدام وسائل العنف لقوّة السلطة وأذرعها المسلّحة كالجيش والشرطة الإتحادية وقوات حفظ النظام والحشد الشعبي والميليشيات المسلّحة والعصابات والمافيات التي تديرها الأحزاب النافذة أيضاً. ولا عجب في ذلك، فالبعث وأحزاب المحاصصة وجميع الأحزاب والحركات السياسية العراقية هي نتاج مجتمعنا الغارق بالصراعات الطائفية والقومية.

الصراع السياسي الأخير بالعراق كان أحد أطرافه التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر وهو رجل دين، ويقال أنّ السيستاني هو من هدّأ الموقف بطلبه من الصدر بإصدار أوامره لأنصاره بالعودة الى بيوتهم، والسيستاني رجل دين أيضاً. وهناك من يثمّن مواقف الطرفين لنزع فتيل الأزمة وتهدئة الشارع، وهذا يعني أنّ لرجل الدين في العراق دوراً أكبر من المشاركة السياسية لتعزيز الديموقراطية وسيادة دولة القانون. فمجلس النواب العراقي "المنتخب" ورئاسة الوزراء ومعها الجمهوريّة، لا مكان لهم في تهدئة الشارع عند إحتقانه. أنّ تثمين مواقف رجال الدين في مواقف سياسية كما في المشهد السياسي الأخير من قبل أحزاب ومنظمات ومثقفين وإن كان فعلا لنزع فتيل الأزمة وتهدئة الشارع، يعتبر تنازلاً طوعياً من هذه الأحزاب والحركات عن الديموقراطيّة ونتائجه كارثيّة على المدى البعيد، هذا إن كانت هناك ديموقراطية فعلا بالعراق .....

منح رجال الدين الحق في حسم الأمور السياسيّة اليوم، يعني تفرّدهم بجميع القرارات السياسيّة بالبلاد مستقبلا، وهنا تكمن الخطورة التي على الأحزاب والحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المؤمنة فعلا ببناء نظام ديموقراطي حقيقي الإنتباه لها، خصوصا وأنّ العراق تحت الوصاية الإيرانيّة وتدار شؤونه من طهران....


زكي رضا
الدنمارك
4/9/2022

45
قطار ولاية الفقيه وصل حدود النجف الأشرف

التطور الأجتماعي والإقتصادي والثقافي الذي تشوّه وتوقّف بشكل شبه كامل بالعراق منذ بداية الحرب العراقية الإيرانيّة وأستمرّ بالإنحدار طيلة فترتي الحصار والحروب التي خاضها البعث، لم يستعيد عافيته بعد تغيّر المشهد السياسي نتيجة الأحتلال،  بل أستمر يتوسع أفقيّا وعموديّا  بشكل لا عقلاني لينتج ثقافة غيبية ماضويّة مدمرّة تركت آثارها على مختلف جوانب الحياة بالبلاد وعلى رأسها الإقتصادية والإجتماعيّة.  أنّ التطور ( الإجتماعي- الإقتصادي- الثقافي )  وهو المسؤول عن نقل المجتمع من وضع لآخر بحاجة الى دولة مؤسسات توفر بيئة سياسيّة تفتح مجالات رحبة لتطور الفكر الإنساني من خلال نظم تعليم لا علاقة لها بالدين، أي وبمعنى آخر فصل التعليم بإعتباره اللبنة الأساس في بناء المجتمعات عن الدين كليّا، وبهذا الفصل إنتقلت أوربا الى عالم العقل والفكر بدايات القرن التاسع عشر بعد أن حرّرت مؤسسات إنتاج الفكر من هيمنة الكنيسة، وتحرّرها هذا هو من أوصل بلدانها وشعوبها لما تعيشه اليوم من تطوّر على مختلف الأصعدة، ونحن بحاجة اليوم بالعراق الى تحرير مؤسسات أنتاج الفكر من الهيمنة الدينية كما اوربا قبل اكثر من قرنين.

لقد راهن الكثيرون على تغيير المشهد السياسي من خلال التيّار الصدري، وبشكل أدّق مقتدى الصدر كشخص فرد زعيم. على الرغم من أنّ التغيير بحاجة الى مناخ سياسي يشارك فيه جميع العراقيين بوعي وليس بطاعة، ومن خلال مراقبة الصدر وتيّاره على مدى العقدين الماضيين، نستطيع الإشارة الى فشل المراهنين على الصدر ومشروعه وجماهيره التي تعيش في منطقة اللاوعي ، والذي هو بالحقيقة أي اللاوعي هو السمة الممّيزة لقطّاعات واسعة من الشعب العراقي اليوم وهو يرزح تحت ثقل الدين/ الطائفة.

العراق اليوم بحاجة الى  قوى سياسية  تطرح بدائل واقعيّة لتغيير اللوحة السياسية، وليس الى قوى تنتقد الواقع السياسي برفع شعارات أو بفعل سياسي غير مستمر وغير منظّم. إننا بحاجة اليوم الى مشروع دولة مؤسسات حقيقيّة، دولة علمانيّة ديموقراطية لا تفصل الدين عن الدولة فقط بل تستمر في نفس المشروع لإبعاد المؤسسة الدينيّة عن التدخل بالشأن السياسي بالكامل، لماذا..؟

بعد الأحداث الأخيرة ولعب الصدر على حبال السيرك السياسي العراقي كعادته، وصلت فقرات هذا السيرك الى نهايتها التي كان الكثيرون يُغمضون عيونهم عن مشاهدتها، إمّا  هروبا للأمام، وإمّا سذاجة سياسيّة غريبة فعلا!! لقد أنهى الصدر مشروع الإصلاح الذي كان يتاجر به  وأعتزل السياسة مرّة أخرى، لكنّه هذه المرّة لم يأمر أتباعه بالإنسحاب من مناطق تواجدهم فقط  بل حرّم عليهم حتّى الإعتصامات والتظاهرات المطلبيّة، ونفّذ أتباعه قراره هذا على وجه السرعة!!  لكنّ خطورة الأمر لا تأتي من نزواته هذه المرّة، ولا من إنسحاب أتباعه ومناصريه بأوامر منه ليسقط  مشروعه بإلإصلاح والتغيير في مستقع الفساد الذي أدّعى العمل على ردمه، بل من خطورة المشروع الإيراني الذي بدت ملامحه تتوضح أكثر فأكثر بعد بيان المرجع الشيعي كاظم الحائري من قم بإيران إعتزال العمل المرجعي، والطلب من مقلّديه تقليد ولي الفقيه والزعيم الإيراني علي خامنائي.

لقد تأسّست المرجعية الشيعية بعد وفاة السفراء الأربعة للإمام الغائب وفق المذهب الشيعي في بغداد العبّاسية سنة 1022- 1023  على يد الشيخ المفيد، وإنتقلت من بغداد الى النجف بعد وفاته. وفي سنة 1055-1056 ولإبعاد المراجع الدينية الشيعية عن خطر الفتنة بعد الصراع بين البويهيين الشيعة الزيدية والسلاجقة الشافعيين الأشاعرة، أعاد محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بـ " شيخ الطائفة" تأسيس المرجعيّة الشيعية في مدينة النجف، لتصبح المدينة مركزا دينيا يدرّس الفقه الإمامي، يأتيها طلبة العلوم الدينية من مختلف مناطق تواجد الشيعة ومنهم شيعة إيران لعدم وجود حوزة دينية فيها وقتها.

وأستمرّت النجف في موقعها الريادي دون منافسة لما يقارب 850 عاما، حتى أسّس الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي حوزة دينيّة في مدينة قُم الإيرانيّة. وقد مالت حوزة قُم نحو السياسة أكثر بكثير من حوزة النجف التي إستمرّت بالتدريس والتنوير الديني، مكتفيّة بنصائحها السياسية كلمّا أستدعى الأمر. الّا أنّ ما ميّز حوزة قُم عن حوزة النجف بشكل كبير بدأ مع الثورة الإيرانية في العام 1979 ، وتجذّر أكثر بعد إندلاع الحرب العراقية الإيرانية والقمع المنظّم للشيعة من قبل النظام البعثي، وصمت مراجع الشيعة تقيّة وقتها. كما وأستغلّت الحكومة الإيرانيّة شيعة العراق المهاجرين  والمهجرّين اليها في جرّهم الى مواقعها السياسيّة في خطوة ذكيّة ستجني منها الكثير لاحقا، من خلال تسويق مبدأ ولاية الفقيه بمنظور الخميني وليس بمنظور بعض مراجع الشيعة ومنهم السيستاني، أي بمنظور حوزة قُم وليس حوزة النجف.   

لقد عملت إيران ومنذ الإحتلال الأمريكي للبلاد لليوم، بل وحتى قبله على كسر هيمنة النجف كمركز علمي ديني لصالح قُم، ليس من أجل الدراسات الدينية والحوزية، بل من اجل الهيمنة على مقدرّات العراق وشعبه من خلال الولائيين المؤمنين بولاية الفقيه بنسخة الخميني. وفي هذه الحالة فأنّ إيران بحاجة الى قوى سياسيّة تؤمن بمشروعها السياسي الطائفي، والى مقلدّين شيعة لرجال دين من خارج النجف، أي من قُم تحديدا.

لقد عمل الإيرانيون على هدفهم هذا بهدوء وصبر كبيرين مع مراقبتهم المستمرة للأوضاع السياسية بالعراق كي لا تخرج عن السيطرة،  ما يهدّد وضعهم الجيوسياسي كقادة لشيعة العالم وهم في حالة حصار وصراع مع القوى الغربية والإقليمية. وكانت الأحزاب والمنظمات الشيعية أحدى أدواتها لتصعيد المواقف السياسية كلمّا أحتاجت لذلك، الا أنّ الأمر المهم عندها هو أن تؤمن جماهير الشيعة بمبدأ ولاية الفقيه، خصوصا وأنّ مراجع الشيعة الثلاث في النجف وفي مقدمتهم السيستاني يعيشون الأيام الاخيرة من حياتهم لتقدمّهم في السن.

يعتبر المرجع الشيعي كاظم الحائري الأب الروحي لمقتدى الصدر وتيّاره، وقد أثار في قرار إعتزاله المفاجيء والغريب عن المراجع الشيعية الذين سبقوه، عددا من الأسئلة عن التوقيت والظروف السياسية المحيطة بقراره هذا ومنها  وصاياه لمقلديه وأهمّها تقليدهم لولي الفقيه علي خامنئي ليقول بواجب "إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي"، مشيرا إلى أنه "الأجدر والأكفأ على قيادة الامة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار في هذه الظروف التي تكالبت فيها قوى الكفر والشر ضد الإسلام المحمدي الأصيل"، كما  وأوصى الصدريين قائلا "على أبناء الشهيدين الصدرين (قدّس الله سرّهما) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (رضوان الله تعالى عليهما)، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو - في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب"، وكتكريس للميليشيات المسلّحة ودورها في التدخلات الإيرانيّة بالشأن العراقي وقمعها لأي حراك سلمي من القوى المتضررة من سياسات المحاصصة مستقبلا قال " اُوصي جميع المؤمنين بحشدنا المقدّس ولابدّ من دعمه وتأييده كقوّة مستقلّة غير مدمجة في سائر القوى، فأنّه الحصن
 الحصين واليد الضاربة والقوّة القاهرة للمتربّصين بأمن البلاد ومصالح أهلها إلى جانب باقي القوّات المسلّحة العراقيّة، كما بيّنّا ذلك وأكّدناه مراراً"، وهذا يعني علنا منح الحشد بتشكيلاته الميليشياوية  الفتوى لتكون اليد الضاربة لضرب كل من يتظاهر ضد الفساد، بعد أن حرّم مقتدى الصدر التظاهر السلمي على مريده!! وعودة على الأسئلة التي طرحها إعتزال الحائري من التي تناولناها أعلاه، فأنّ الجواب الوحيد هو العمل على تهيئة الرأي العام العراقي على قبول وصاية إيران على العراق من خلال مبدأ ولاية الفقيه، وهذا ما فعله مقتدى الصدر من خلال أباه الروحي، وسينفذه الإطار الشيعي وميليشياته تحت مسمى الحشد الشعبي.

من المصادفات التاريخية هو تأسيس الحوزة الدينية في قُم على يد المرجع عبد الكريم الحائري اليزدي كمنافس لموقع النجف الديني، و نقل الثقل الحوزي بالكامل من النجف الى قُم عن طريق المرجع  كاظم الحائري اليزدي ووصاياه لأتباعه ومنهم الصدر نفسه بقبول مبدأ ولاية الفقية.. وبهذا يكون قطار الولاية وصل النجف، ليصبح الجنوب الشيعي على الأقل ولاية إيرانية.

زكي رضا
الدنمارك
31/8/2022

46

أقليم كوردستان ليس جزءا من الحلّ


قوى عديدة منها داخليّة وأخرى خارجيّة تدعو الى الحوار المباشر بين التيّار الصدري والأطار التنسيقي الشيعي، بدعوتهم الطرفين للجلوس الى طاولة المفاوضات لنزع فتيل الأزمة التي بالحقيقة، هي أمتداد لأزمات البلد السابقة والتي كان الطرفان ومعهما بقية قوى المحاصصة سببا رئيسيا في أستفحالها ووصولها الى ما هي عليه اليوم.

لو تابعنا ما تسمّى بالعمليّة السياسيّة ورعاتها الأقليميين والدوليين منذ الأحتلال الأمريكي الأيراني للبلاد ولليوم، فأننا سنرى ومن خلال كمّ المشاكل الهائلة التي ساهمت وتساهم بتدمير البلد، أنّ جميعهم وبلا أستثناء لم يكونوا يوما جزءا من حلول تعيد العافيّة لوطن أنهكته الحروب والحصار والفساد، بل على العكس فجميعهم وبلا أستثناء لاعبون أساسيون في دمار البلد وشعبه.

لم يتخلّف أقليم كوردستان العراق هو الآخر عن غيره ونحن نعيش صراع القوى الشيعيّة لأنتخاب رئيس للوزراء، عن طرحه مبادرته للقوى المتنافسة للأجتماع في أربيل من أجل تقريب وجهات النظر بينهما لأبعاد شبح الحرب الاهليّة والتعرّض للسلم المجتمعي والأمن والأستقرار وكأنّ العراق واحة للأمن والأستقرار!! وبهذا الصدد صرّح السيّد نيجرفان بارزاني رئيس أقليم كوردستان العراق، وهو يدعو القوى المتصارعة الى الأجتماع في أربيل قائلا: "أنّ أقليم كوردستان سيكون ، جزءا من الحلّ، لذا ندعو الأطراف السياسيّة المعنيّة في العراق الى القدوم الى أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل الى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد، فلا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلّها بالحوار". دعونا نعود الى أصل المشكلة التي نراها اليوم ومن أين بدأت، علما أنّ مشاكل البلاد تتوزع بالتساوي على كاهل أطراف أحزاب السلطة المتحاصصة.

آليات تشكيل الحكومة بالعراق تمر بمراحل عدّة، أولّها مصادقة المفوضيّة العليا للأنتخابات على نتائج الأنتخابات. ثم يأتي دور رئيس الجمهورية الذي يدعو البرلمان الجديد للأنعقاد خلال فترة خمسة عشر يوما، لأنتخاب رئيسا للبرلمان سنيّا ونائبين له أحدهما كوردي والآخر شيعي وفقا لمحاصصة طائفية قومية "لم يشر الدستور اليها الّا أنّها عرف في السياسة العراقيّة"، وهذا ما نصّت عليه المادة (55) من الدستور العراقي التي تقول "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر". ثم يأتي دور البرلمان المنتخب لتسمية رئيس جديد للعراق خلال ثلاثون يوما من أنعقاد الجلسة الأولى، وفق للمادة (70) من الدستور العراقي التي تقول: "ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للعراق خلال 30 يوما من أنعقاد الجلسة الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات" وجرى العرف أن يكون الرئيس كورديّا.

وتنص المادة (70) من الدستور العراقي على ما يلي: "أولّا، ينتخب مجلس النوّاب من بين المرشّحين رئيسا للجمهوريّة بأغلبية ثلثي أعضاءه". وأخيرا تأتي المادّة الدستوريّة رقم (76) من الدستور العراقي لتضع العجلة الديموقراطية على سكّتها القانونيّة والتي تقول: يكلّف رئيس الجمهوريّة مرشّح الكتلة النيابيّة الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أنتخاب رئيس الجمهوريّة.

جميع أحزاب السلطة ومثلما أشرنا قبل قليل هي أساس المشاكل التي تعصف بالبلاد وشعبها، وجميعها ضربت وتضرب المصالح العليا للبلد عرض الحائط وهي تفتّش عن مصالح أحزابها وعوائلها وعشائرها، وجميعها مسؤولة عن أفقار شعبنا ونهب ثرواته، وجميعها بلا أستثناء تدافع عن مصالح دول أقليمية ودولية وعلى الضدّ من مصالح شعبنا ووطننا. وبالتالي فأنّ تصريح السيّد نيجرفان البارزاني حول أنّ "الأقليم جزءا من الحلّ" ودعوته الطرفين للجلوس الى طاولة واحدة في أربيل هو بالحقيقة محاولة من سلطات الأقليم لخروج الوضع السياسي من عنق الزجاجة والعودة الى الأسلوب الذي لا يشكل خطرا على نهج المحاصصة، أي الأستمرار في نهج المحاصصة وتوزيع كعكة السلطة كما كانت توزّع سابقا.

لو أعدنا ترتيب آليات تشكيل الحكومة بالعراق من الأسفل للأعلى، فأننا سنرى التحالف الكوردستاني هو سبب المشكلة "علما انّ المشكلة العراقيّة مساحتها أوسع بكثير من مساحة التحالف الكوردستاني". فالصراع بين الحزبين الحاكمين في أربيل والسليمانيّة وأصرارهما على مرشّحيهما لتبوأ منصب رئاسة الجمهوريّة، هو الذي وضع العصا في دواليب عربة الديموقراطيّة البالية، والتي بالحقيقة لا تحتاج الى عصا كي تتوقف، فهي لم تتحرك من مرآبها المكيّف منذ أن وُضعت فيه لليوم، وعدم أنتخاب رئيسا للجمهورية ينسف كل الآليات التي تترتب عليه، فهو حجر الرحى في الدستور المريض الذي يرفض التحالف الكوردستاني كما غيره من قوى المحاصصة تعديل بعض بنوده ، على الرغم من تشكيل لجنة لتعديله بعد أشهر من أقراره!!

ما أحوج الأقليم لجلوس حزبيه الحاكمين الى طاولة مفاوضات حقيقية من أجل حلّ مشاكلهما التي أثّرت وتؤثّر على حياة الناس في الأقليم، كما وأننا نفهم سعي سلطات الأقليم لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في بغداد، فأنهيار نظام المحاصصة في بغداد يعني أنهيار حكم العوائل والعشائر في العراق بأكمله.


زكي رضا
الدنمارك
2/8/2022


47

مبنى البرلمان العراقي لايمثّل سلطة الشعب ولا القانون


دخل الصدريون مبنى  البرلمان، غادر الصدريون مبنى  البرلمان. هرب نوّاب "الشعب" من  المبنى، عاد نوّاب " الشعب" الى المبنى. لعبة سمجة كرّرها مقتدى الصدر وتيّاره دون أن يكون هناك أي تغيير على الساحة السياسيّة  للبلاد الّا نحو الأسوأ. فالصدر  بلعبه المستمر على حبال السياسة كالبهلوان، هو جزء من سيرك سلطة المحاصصة والفساد والجريمة البارعين في اللعب على الحبال مثله، ولا فرق بين عربيّ منهم وأعجمي الّا بسقف فساده وجرائمه، علما أن "براعتهم" لا تنطلي الا على عقول السذّج والذين يصفهم أبناء شعبنا بالذيول .

ما أن دخل الصدريون مبنى البرلمان وهرب " نوّاب" الشعب بمساعدة الحمايات والقوّات الأمنيّة، حتى خرج علينا الكاظمي كلاعب من لاعبي السيرك السياسي العراقي بتصريح يُضحك كل ثكالى العراق حينما قال في بيان صحفي " أدعو المتظاهرين الى الأنسحاب الفوري من مبنى مجلس النوّاب، والذي يمثّل سلطة الشعب والقانون"!!! كيف يمثّل مجلس النوّاب اليوم الشعب العراقي يا سيادة رئيس الوزراء وهم أقليّة حسب نتائج الأنتخابات الأخيرة، وأين هو القانون وهذه الأقليّة تريد تشكيل الحكومة!!؟؟ أنّ هذا المبنى ليس سوى وكر للجريمة والسرقة والخيانة، ولا يوجد مبنى  بحجم جرائمه وسرقاته  في جميع أنحاء هذا العالم. أنّ مجلس الفساد والجريمة هذا لن يتطهر من تهم الجرائم التي أرتكبها بحق الشعب والوطن، ولو كسوتموه بكل كسوات الكعبة التي تحجّون اليها لتعبدوا فيها الله زلفا.

ولأنّ لاعبي السيرك لهم أدوارهم المحدّدة في لعبهم داخله، فأنّ مقتدى الصدر خرج علينا بتغريدة كعادته ليقول " بسمه تعالى
ثورة محرّم الحرام
ثورة أصلاح ورفض للضيم والفساد
وصلت رسالتكم أيها الأحبّة
فقد أرعبتم الفاسدين..
جرّة أذن
صلّوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين.
مقتدى الصدر".

السيّد مقتدى الصدر،  لقد خرج الحسين في محرّم طمعا في السلطة، كونها الطريق الوحيد للأصلاح الذي كان ينادي به، وفي الحقيقة أنّ مشروعه كان لتغيير السلطة الفاسدة والشروع بعدها بمشروعه الأصلاحي، أمّا أنت فلم تتجرأ لليوم على رفع شعار التغيير الحقيقي، والأمر المهم الآخر هو أنّ الحسين خرج من مكّة الى ساحة المعركة مع أصحابه وعدد لا يتعدى أصابع اليدين من شيعته، أمّا أنت فتريد الأصلاح من الحنّانة ولا أظنّ أنّ مكانة الحنّانة كما مكانة مكّة عند المسلمين.

أيّ فاسدين تمّ أرعابهم من مريدك وأتباعك اليوم!؟ ها قد عاد القوم الى مبنى " الشعب" من جديد، ليقرّروا ومعهم قا آني مصير العراق لأربع سنوات عجاف قادمة. وهل جرّة أذن اليوم بخروج مريدك من البرلمان بشكل سلس، هي نفس جرّة أذن ميليشياتك بحقّ متظاهري تشرين حاملي شعار التغيير!!؟  السيّد مقتدى الصدر، أنّكم وتياركم بمسرحية اليوم البائسة، منحتم الاطار الشيعي الشرعيّة بعدما منحتموه كل مقاعدكم البرلمانية سابقا، لتشكيل الحكومة القادمة.

لم يشذّ لاعبوا سيرك الأطار الشيعي ببيانهم عن أحداث اليوم والذي جاء في  أحدى فقراته " بعد أن أكملت قوى الإطار التنسيقي الخطوات العملية للبدء بتشكيل حكومة خدمة وطنية واتفقت بالإجماع على ترشيح شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة رصدت ومنذ يوم أمس تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي". أنّ الشخصيات الوطنية يحددها الشارع العراقي وهو من يرفع شعار نزاهتها ووطنيتها وكفاءتها، وقد رفض هذا الشارع  في ثورة تشرين كل المشاركين بالعملية السياسية ومنهم شياعكم السوداني هذا، كما وتستطيعون العودة الى تسريبات زعيمكم لتعرفوا من هم الذين يثيرون الفتنة ويهددون بضرب السلم الأهلي!؟

ولم يشذّ محمد صالح العراقي وزير القائد عن غيره فخرج علينا بتغريدتين أحداهما لبنانيّة " كلّن يعني كلّن" والتي تقابلها " شلع قلع" التي لم يستخدمها وهي المفهومة أكثر عراقيّا!! والأخرى وكأنّها كلمة سر حينما غرّد بكلمة واحدة " يا زهراء"!! إن كانت كلمة تغريدتك كلمة سرّ أيّها السيد العراقي، فكانت أكثر وطنية لو أستبدلتها بـ " يا عراق". 

تجدّد أنتفاضة تشرين ونجاحها هي الكفيلة بغلق السيرك السياسي العراقي للأبد.

زكي رضا
الدنمارك
27/7/ 2022



 






48
بين منهاج حزب الدعوة الأسلاميّة وتسريبات المالكي

" منهاجنا" كرّاس صغير لحزب الدعوة الأسلاميّة من خمس صفحات ( A4 ) نشرته المعارضة العراقيّة  في الخارج على نطاق حزبيّ ضيّق بعد أن كانت قد حصلت عليه بشكل أو بآخر أواخر تسعينيات القرن الماضي. وبعد التسريبات الأخيرة للمالكي وطريقة تعامله مع الواقع السياسي المتأزم اليوم، وقبل الدخول في تفاصيل تسريبات المالكي والتي نفاها وحزبه بشدّة.  أعود  لكرّاسة " منهاجنا" والتي تقول في مقدمتّها وفي النقطة الرابعة " في صورة سقوط هذا المنهاج في يد غير منورّة لا بدّ من الأسراع في أنكار إنتسابه لنا"!! وهذا يعني أنّ أنكار أي حدث أو موقف أو تسريبات كالتي نُشرت مؤخرا، فأنّ حزب الدعوة الأسلاميّة يلجأ الى أسلوب النفي المطلق، وإن كانت الأدلّة حولها ثابتة وواضحة. وهذا الأسلوب جاء  في المادة الأولى من  الفصل الثاني وتحت باب " الأسلوب" والتي تقول " الأسلوب عندنا كالمومياء تحوله مقتضيات الحاجة ، وهذا جائز بالطبع بدليل قوله تعالى ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو بمثلها) ".

في هذه التسريبات أعلن المالكي عن عداءه الشديد للصدر وتيّاره، كما تناول فساد هادي العامري زعيم فيلق بدر والصدر من خلال إستلامهم لرواتب منتسبين فضائيين، عدا عن مهاجمته لمسعود البارزاني ومحمّد الحلبوسي . متهمّا الصدر والبارزاني والحلبوسي في إدخال العراق الى الدائرة الحمراء، في حالة نجاحهم بأبعاد الأطار عن تشكيل الحكومة القادمة،  مهددّا بأشعال حرب طاحنة لأفشال مشروع الصدر وحلفاءه. وبالعودة للفصل الأوّل من " منهاجنا" والذي تحت عنوان " الهدف والعمل الحزبي" نرى أنّ تسريباته هذه لا تبتعد كثيرا عمّا جاء في النقطة الثالثة منه والتي تقول " إنّنا نعمل من أجل أن نفتح عيون الأمّة على واقعها الفاسد، ونرسم لهم طريق الخلاص منه، من أجل تجنيد الطاقات الضخمة التي لدى هذه الأمّة العظيمة، وصبّها في بوتقة التنظيم الحزبي الموحّد الذي نسعى للوصول عبره الى الحكم، وكنس كافّة الفئات الأخرى التي تعادينا، أو تنافق معنا، او تمنع شملنا"!!

أنّ حزب الدعوة الأسلامية ما أنفكّ منذ توليه السلطة في العراق على دبّابة أمريكية لليوم، من تشويه سمعة الأحزاب العراقيّة المختلفة ومنها الأحزاب والمنظمات الأسلاميّة الشيعيّة والسنيّة. فالمالكي وحزبه يتّهمون الأحزاب الكورديّة بالعمالة لأمريكا وأسرائيل، والاحزاب السنيّة بالعمالة لتركيا والسعودية وبلدان الخليج، وفي التسريبات الثانيّة أتّهم مقتدى الصدر بالعمالة لإيران قائلا " إيران دعمته لتجعل منه نسخة ثانية من زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله... أنا أعرفهم.. ضربتهم في كربلاء والبصرة ومدينة الصدر". ليضيف وهو "غير" العميل "أردت جعل الحشد الشعبي مشابها للحرس الثوري الإيراني"!!

لو عدنا الى كرّاسة " منهاجنا" في فصلها الرابع وهو تحت عنوان " مع من؟ ضدّ من؟" نرى أنّ المادة الأولى تقول: " نحن مع من يكون معنا، وضدّ من يرفض التعاون معنا مهما كان مركزه، فقانون – من لم يكن معنا فهو ضدنا- صحيح مائة في المائة في مجال القضايا التنظيمية".

المادّة الثالثة من نفس الفصل تقول: " الأعداء الذين يرفضون مباديء الحزب ويقاومونها وهم الذين نطلق عليهم كلمة – مرضى- فلابدّ من أتّباع الطرق التالية ضدّهم:

الاوّل: "خلق جو من الشك والأستفهام حولهم، من أجل عزل الناس عنهم".
الثاني: "وضع مخطط لإطلاق تهم جديدة ضدّهم بين كل آونة واخرى، لأنهاكه بالدعايات".
الثالث: "اتهامهم بالعمالة لجهات أجنبيّة"، وهذا ما فعله المالكي بالضبط في تسريباته.
الرابع: "محاولة أشغالهم بالتوافه"، وهذا ما أشار اليه الصدر قائلا " لا تكترثوا للتسريبات، فنحن لا نقيم له وزنا".
الخامس:"تأليب السلطات المحليّة ضدّهم حتّى تتولى هذه السلطات عمليّة القضاء عليهم، أو على الأقل أشغالهم بأنفسهم من دون أن يعرف أحد، أنّ ذلك يتم بتحريك من منوّرينا". ولأنّ المنهاج نشر أثناء النضال ضد البعث، فمن الممكن جدا ووفق هذه النقطة تحديدا، أن يكون الدعاة قد تعاونوا مع البعث بشكل غير مباشر، عن طريق مدّهم بمعلومات أمنية عن معارضي البعث من مختلف التيّارات السياسيّة لتصفيتهم حينها.

وتبرز خطورة حزب الدعوة الأسلاميّة بشكل كبير جدا في المادّة الرابعة من هذا الفصل حينما تقول " التوسّل بأية طريقة لتصفية المعارضين لنا وهو أمر مشروع.  فليس التوسّل بالسلطات مثلا ركونا للظالمين، وأنمّا هو لأجل أهميّة الهدف، وفي سبيل هذا الهدف فأنّ التحدث عن شرعيّة نوعيّة القضاء على أعدائنا لا يكون واردا. أنّ علينا أن نحقّق أهدافنا في الحياة وكلّ من يقف بوجهنا فأننا سنقضيي عليه، هذه هي السياسة التي لا بدّ من أتّباعها" أي ما ننطيها كما قال المالكي يوما!! في الكرّاسة توجيهات وأرشادات عدّة حول المرجعية وضرورة تحجيمها وأنتخاب مرجعية على قياسات الحزب، كما ان هناك مواقف تجاه الحركات الاسلامية خارج العراق وضروروة التواصل معهم كالأخوان المسلمين في مصر وجيش التحرير في الأردن، والعديد من الوصايا التنظيمية التي لا مجال لتناولها في هذه المقالة القصيرة.

 

الصفحة الأولى من كرّاس " منهجنا" لحزب الدعوة الأسلاميّة


أنّ التسريبات وما جاء فيها تشير الى أن الدعاة والأسلامييّن بشكل عام ليسو برجال دولة مطلقا، وهم مستعدون لتعريض السلم الأهلي للخطر ووضع البلد على كفّ عفريت من أجل مصالحهم الحزبية والفئوية، معتمدين في ذلك على ميليشياتهم وعشائرهم!! وأي حديث من ساسة الشيعة حول مظلومية الطائفة هو مجرد تجارة وكذب ليس الّا، فالطائفة الشيعية ومدنها وقراها وقصباتها  في العراق لا تختلف بشيء عن بقيّة طوائف وقوميات شعبنا ومدنهم وقراهم من حيث بؤسها وفقرها وتخلفّها، هذا إن لم يكن أسوأ. وفساد هؤلاء الساسة لا يختلف بشيء عن فساد ساسة المحاصصة الآخرين هو الآخر بشيء، إن لم يكن اسوأ هو الآخر..

أنّ العراق وليخرج من الجحيم الذي يعيشه وشعبه، بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي. وهذا النظام لا يأتي هبة من أحد، بل بنضال القوى السياسيّة التي تهمّها مصلحة شعبنا ووطننا، وتشرين كانت البداية ونقطة الأنطلاق.

زكي رضا
الدنمارك
27/7/2022


49
السيّد الصدر .. من المخجل جدّا جدّا

بهذه الجملة غرّد السيّد مقتدى الصدر مهاجمّا رئيس الجمهورية العراقيّة  السيّد برهم صالح، بعد ساعات من ترشيح الأتّحاد الوطني الكوردستاني له في إجتماع قوى التيّار التنسيقي التي منح الصدر أصوات ناخبيه لأحزابه الشيعيّة من أجل تشكيل الحكومة القادمة. وجاءت تغريدة الصدر في وقت لم يصادق فيه رئيس الجمهوريّة لليوم على قانون "حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني" الذي صوّت عليه البرلمان العراقي بالإجماع، خلال فترة الخمسة عشر يوما التي حددّها الدستور للمصادقة على قرارات البرلمان من قبل رئيس الجمهورية، لتكون نافذة بحكم القانون مثلما يقول الصدر الذي ردّ الناطق برئاسة الجمهوريّة عليه في بيان قال فيه أنّ " رئيس الجمهورية برهم صالح كان قد وجّه بالتعامل مع هذا القانون بالصيغة المرسلة من قبل مجلس النواب دون أي ملاحظة، ونشر في جريدة الوقائع العراقية بتاريخ 20 حزيران 2022 ليدخل حيّز التنفيذ".  وبغضّ النظر عن توقيت التغريدة وموقف شعبنا من مسألة التطبيع وإصطفاف غالبية شرائحه الى جانب القضيّة الفلسطينية العادلة، وبغضّ النظر كذلك عن نشر القانون في الجريدة الرسمية من عدمه ، فأنّ أستخدام الصدر لأسلوب عدم الأحترام في مخاطبته لرأس الدولة كقوله " ما يسمّى برئيس جمهورية العراق"، تُحسب ضدّه. فالخطابات الرسميّة بين المسؤولين السياسيين وتصريحاتهم، عليها أن تكون على درجة من اللياّقة وآداب المخاطبة، هذه التي تجاوزها السيّد مقتدى الصدر، وكأنّه يتحدث الى جمهوره الذي يتركه أثناء خطبه فيهم واصفا إيّاهم بـ " جهلة ..جهلة ..جهلة" أو حين يزعل عليهم ليتركهم في حيرة من أمرهم وأمرنا!!

في تغريدته وصف الصدر برهم صالح بغير الوطني، فما هي الوطنيّة بمفهوم الصدر وكيف يعرّفّها؟ علما أن لا السيّد برهم صالح ولا السيّد الصدر ولا جميع ساسة المحاصصّة منذ  بداية الاحتلال لليوم يحملون صفة الوطنيّة، فالوطنيّة تعني الأخلاص للوطن والتضحية من أجله والدفاع والسهر والعمل على أسعاد أبناءه. فهل تتوفر مثل هذه الصفات عند ساسة المحاصصة ورجال دين العراق ومنهم السيّد مقتدى الصدر والسيّد برهم صالح، الذي جعله الصدر في مرمى سهامه؟

هنا أستعير الجملة التي غرّد بها السيّد الصدر لأقول:

من المخجل جدّا جدّا على السيّد مقتدى الصدر بيع أصوات ناخبيه لأركان البيت الشيعي.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر وهو يعلن محاربته للميليشيات وحلّها، أن تكون سرايا " السلام" أداته الضاربة في قتل المعارضين لسلطة المحاصصّة، كما جرائمها أثناء إنتفاضة تشرين وبعدها وقبلها.
من المخجل جدّا جدّا على الصدر، بل ومن الصبيانيّة وهو يُعلن لأكثر من مرّة لليوم تركه العمليّة السياسيّة ثم العودة إليها وتركها والعودة إليها وهكذا.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر وجميع المتصدّين للشأن السياسي فقر شعبنا وجوعه، بعد أن دخلت ميزانيّة البلاد أكثر من الف مليار دولار. السيّد مقتدى الصدر، أين ذهب هذا المبلغ الضخم، وألم يكن كافيا لو تمّ إستغلاله من قبل حكومات وطنية من تلك التي كنت جزء منها لرفاه شعبنا وبناء وطننا؟ هل لك أن تعرّف لنا مفهوم الوطنيّة!!؟ وهل تستطيع أن تعدّد لنا أعداد وأسماء أصحاب الملايين من أعضاء تيّارك وغيرهم من أعضاء أحزاب المحاصصة، وما هي مصدر ملياراتهم. أسألك بالله أيّها السيّد الصدر أن لا تقول أنّهم ورثوها عن آبائهم؟
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر أن تكون مدينة الثورة التي باعتها جماهيرها الذين أنصفتهم ثورة تمّوز وآبائهم، لتطلق عليها إسم مدينة الصدر وقبلها مدينة صدّام كونهم ينعقون مع كلّ ناعق، تعيش حياة مزريّة لقلّة الخدمات والصدريون على رأس كل الوزارات الخدميّة دوما. مع رجاء عدم تحميل بؤس المدينة وفقرها وأهمالها وخرابها، لرفض أسرائيل تعميرها وبناءها، لأنّ هذا الكلام يُضحك الثكلى أيّها السيّد الصدر.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر أن يرى عطش أنهار العراق ولا يقود تيّاره في تظاهرات عارمة أمام سفارتي تركيا وإيران، وأمام البرلمان والحكومة لرفع قضّية المياة الى المحافل الدولية، لحصول بلدنا على حصصه المائيّة وفق القوانين الدوليّة بإعتباره دولة مصب. علما أنّ إيران التي عليها تشكيل الحكومات العراقية بإعتبارها الأب الروحي لشيعة العراق لم تقطع المياه فقط، بل غيّرت مجرى العديد من الأنهار الى داخلها الجغرافي...  فهل تعاقب إيران هنا شعبنا بقتله وأرضه عطشا، متّهمة شيعة العراق وبقيّة ابناءه بقتل الأمام الحسين عطشا في كربلاء!؟

السيّد مقتدى الصدر، هل تعاني من شحّة المياه في بيتك، وهل تعاني من أنقطاع التيّار الكهربائي، وهل تتم معالجتك في مستشفيات فاقدة لكلّ شيء كما مستشفيات فقراء شعبنا، هل يعمل أولادك وأولاد  خاصّتك في جمع القمامة كما أطفال شعبنا ومنهم أطفال مريديك ......؟

السيّد مقتدى الصدر الوطنيّة فعل وليس قول، فكن وطنيّا فعلا وليس قولا. فشعبنا بحاجة الى شخصيّة وطنيّة حقيقيّة قادرة  على محاربة الفساد والجريمة المنظمّة، وبناء نظام جديد على أنقاض نظامكم المحاصصاتي الميليشياوي. ومن خلال سياساتكم وسياسات زملائكم ربابنة سفينة الفساد، أرى أنّ صفة الوطنيّة كبيرة عليكم، ولا حاجة لكم في رمي بيوت زملائكم في السفينة بالأحجار فالسفينة التي تركبونها سويّة مصنوعة من زجاج.   

يقول الإمام علي بن أبي طالب " الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم"، فأين أنتم ودهاقنة الشيعة من فقراء ومساكين وأرامل  وأيتام طائفتكم، ولا أقول فقراء ومساكين وأرامل وأيتام العراقيين جميعا!!

زكي رضا
الدنمارك

29/6/2022 




50
الصدر والمشروع الأيراني  في العراق

قد يبدو للبعض من أنّ المالكي أو العامري هما الورقتان الأيرانيتان الرابحتان في نجاح المشروع الأيراني بالعراق، لكننا لو تابعنا السيد مقتدى الصدر وخطّه السياسي البياني لأكتشفنا من أنّه الجوكر في شدّة الورق الأيرانيّة، وهو من يجعل الهيمنة الأيرانيّة على العراق واقع حال صعب تغييره.

الصدر كما غيره يرفع شعار الأصلاح وليس  الشعار الأهم وهو التغيير، ولو وافقنا الصدر أو غيره شعارهم في تنفيذ هذا المطلب المهم، فما هي السبل لبدء وتنفيذ هذا الأصلاح المزعوم؟  نظريا وعمليا لا يمكن البدء وتنفيذ مشروع الأصلاح من أزقّة الحنّانة بشكل فردي، بل من أروقة السياسة في المنطقة الخضراء ببغداد حيث السلطات الثلاث.  فالأصلاح الذي ينتظره شعبنا يبدأ من البرلمان، الذي يراقب أعضاءه عمل السلطة التنفيذية. والبرلمان نفسه هو من يعيّن رئيس السلطة التنفيذية. أذن فالتواجد البرلماني هو حجر الأساس في البدء بالأصلاحات وأن بشكل تدريجي، أستنادا الى ثقل البرلمانيين ودورهم في البرلمان.

الأحداث السياسية الأخيرة وأنسحاب نوّاب الكتلة الصدريّة من البرلمان، تعني أمرين أثنين. أولّهما هو عدم أمكانيّة الصدر والصدريين من تنفيذ مشروعهم الأصلاحي، كون تنفيذ هذا المشروع بحاجة الى نوّاب يعملون على  تشريع قوانين للحدّ من ظواهر الفساد والجريمة المنظمّة في وزارات وأدارات الدولة التي ينخرها فساد لا مثيل له في العالم كلّه تقريبا. والأمر الثاني بعد أنسحاب الصدريين من البرلمان هو غيابهم عن السلطة التنفيذية، وهذا يعني فسح المجال للقوى التي يدّعي الصدريون مناوئتها لأخذ المبادرة في تشكيل الحكومة، والتي لن تخرج مطلقا عن نهج المحاصصة الطائفية القومية. وهذا يعني عدم أمكانية الصدر وتياره تحقيق مشروعهم الأصلاحي، هذا المشروع الذي صوّت عليه ملايين الصدريين في الأنتخابات الأخيرة  قبل أن يسرق الصدر أصواتهم ويمنحها للبيت الشيعي على طبق من ذهب!! وأذا أفترضنا أنّ الصدر صاحب مشروع تغيير وليس أصلاح، وهذا المشروع بالحقيقة هو الحل الوحيد لأعادة العافية لوطن مدمّر وشعب يعيش في مقبرة كبيرة أسمها العراق. فأنّ   ما ذكرناه أعلاه حول غياب النواب الصدريين عن البرلمان يتكرر هنا في عجز الصدر عن المضي قدما في عملية التغيير، هذا أن كان الصدر من المؤمنين بالتغيير حقّا.

لو أفترضنا أنّ الصدر يعوّل بعد أوامره لنوّاب كتلته بتقديم أستقالاتهم من البرلمان، على قوّته في الشارع  لتحشيد أتباعه في تظاهرات مليونيّة لأسقاط العمليّة السياسيّة وبنائها على أسس وطنيّة من جديد كما يقول دوما، فهل ستشارك جماهير أنتفاضة تشرين وغيرهم الصدريين في سعيهم هذا!؟ الضغط الجماهيري الواسع والمستمر أي غير الموسمي، وممارسة أشكال نضال غير التي أستخدمت لليوم في مواجهة سلطة الفساد،  كالعصيان المدني والأضرابات العمّالية والطلّابية والمهنيّة، تعتبر من أنجع الوسائل للتغيير الحقيقي. لكنّ السؤال المهم هنا هو، من يملك الثقة بالصدر والصدريين ليشاركهم تظاهراتهم وأضراباتهم!؟

الصدر وتياره أصحاب سوابق في أجهاض أي تحرّك جماهيري يهدّد سلطة المحاصصة الطائفية القومية، فالصدر على سبيل المثال تحدّى السلطة في عقر منطقتها الخضراء وأقام خيمته هناك، ودخل أتباعه البرلمان قبل أن يرفع خيمته ويعود أتباعه الى حياة بؤسهم في مدينتهم الأكثر بؤسا منهم!! وتياره كان اليد الأيرانيّة الضاربة في قمع أنتفاضة تشرين الخالدة، بعد أن قتل الصدريون العشرات من المنتفضات والمنتفضين في المطعم التركي وكراج السنك وساحة الصدرين في النجف وغيرها من مدن وبلدات الجنوب الشيعي الثائر.

نجاح المشروع الأيراني بحاجة الى أستمرار نهج المحاصصة وهيمنة البيت الشيعي على القرار السياسي من خلال منصب رئاسة الوزراء، والذي يراد له أن يبقى داخل أسوار هذا البيت. لكنّ مقاطعة الجماهير للأنتخابات والذي يزداد كل دورة أنتخابية عن التي قبلها، وأستمرار فساد السلطة ونهبها للمال العام، وعدم أيجاد حلول لمشاكل الناس ومطالبهم، وأستمرار تخلّف قطّاع الخدمات والكهرباء وبقيّة القطاعات الأخرى التي هي على تماس مباشر مع حاجات الناس اليوميّة أفقدهم ثقتهم بالبيت الشيعي وساسته، كما أفقد ثقتهم ببقيّة قوى المحاصصة الأخرى. ولأنّ أيران بحاجة الى نخب سياسيّة بعينها كما ساسة حزب الدعوة وزعماء فيلق بدر وبقيّة زعماء الميليشيات المرتبطة بطهران لتنفيذ مشروعها بالبلاد، ولعدم شعبيتهم في الشارع العراقي وهذا ما لمسناه من نتائج الأنتخابات الأخيرة والتي عاقبهم الناخبون فيها. فأنّ الأيرانيين يلجأون للصدر في تأهيل هؤلاء الساسة لتشكل الحكومة وأستمرار مسلسل الفساد والنهب، وترسيخ المشروع الأيراني المناهض لتطلعات شعبنا للحياة بكرامة، كيف؟

بدأ الصدر بالتغريد خارج البيت الشيعي رافعا شعاراته حول الأصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين وتقديمهم للمحاكمة ويعني بهم عدد من قادة البيت الشيعي لبناء نظام جديد لا نعرف لليوم ماهيّته، وحثّ أتباعه للتصويت بكثافة لصالح كتلته وبرنامجه هو. وما أن أنتهت الأنتخابات وفاز تيّاره بأغلبية مقاعد البرلمان حتى بدأ بتنفيذ المطالب الأيرانيّة الداعية لتشكيل حكومة تكون القوى السياسية الشيعية ذوات الأذرع الميليشياوية على رأسها، عن طريق أنسحاب نوّابه من البرلمان وتعويضهم بنوّاب آخرين غالبيتهم العظمى من كتلة المالكي الذي يدّعي الصدر معاداته، وكتلة فيلق بدر وبقية القوى الميليشياوية. وهنا تكون أيران قد شكلّت الحكومة العراقيّة الجديدة كعادتها، عن طريق ورقة الجوكر التي عندها، أي مقتدى الصدر.

التغيير لا يأتي عن طريق مقتدى الصدر ولا من الحنّانة، بل يأتي من رحم أنتفاضة تشرين وشعارها نريد وطن، وليكن هذا الوطن للجميع. التغيير يأتي من جماهير  بغداد ومدن وبلدات العراق التي دمرتها الحروب والفساد. أنّ السلطة والصدريين بكلّ جرائمهم وقسوتهم لم يقتلوا الأنتفاضة،  بل أجلّوا عن طريق قمعهم وقتلهم للمئات من المنتفضات والمنتفضين مشروعها في التغيير الشامل للسلطة ونهجها الكارثي.

زكي رضا
الدنمارك
25/6/2022






 





51
السيد مقتدى الصدر: أن كان هذا نصرا فلا أهلا ولا سهلا به

أصدر السيد مقتدى الصدر بيانا حول أعانة المظلوم، دعا فيه لعدم زجّ الحشد الشعبي في الخلاقات السياسيّة القائمة بين أركان البيت الشيعي، وكأنّ الحشد لم يكن ولليوم رأس من رؤوس الفساد التي دمرّت البلاد، وهذا ما سنتطرق اليه لاحقا من خلال بيان الصدر نفسه.

لقد قال الصدر في بيانه " الحمد لله الذي نصر العراق وأهله وأذلّ الإرهاب وأهله فأنت يا ربّي ناصر المستضعفين والمجاهدين أولا وآخرا"!! والنصر لغويا اسم علم مذكر ومؤنث من أصل عربي، ومعناه هو الفوز والانتصار، ومن معانيه أيضا أعانة المظلوم، ومن معانيه أيضا المطر!!! فهل نصرنا الله فعلا نحن العراقيين على أعدائنا كما يقول الصدر في بيانه!!؟؟؟

على من فزنا وأنتصرنا منذ أن جئتم الى السلطة كأسلاميين وبقية قوى المحاصصة على الدبابات الأمريكية، وما هو مفهومكم للنصر؟  أنّ النصر والفوز والظفر أيها السيد مقتدى  ليست كلمات عابرة نقولها في بيانات وتصريحات وندوات وصلوات جمعة لتكون حقيقة واقعة. بل هي نتاجات نريدها مترجمة على أرض الواقع، نتاجات نريد أن نعيشها ونلمسها في حياتنا اليومية كبشر نستحق الحياة، نريدها واضحة وظاهرة  ليس على المواطن المهزوم فقط، بل وعلى الوطن المأزوم نتيجة سياستكم الكارثية كأسلاميين وبقية قوى المحاصصة بشكل عام. 

السيد الصدر، هل أنتصرنا منذ عشرين عاما ولليوم على الأميّة التي تنهش جسد المجتمع؟ هل شاهدنا بيارق النصر ترفرف عاليّا في محطات الكهرباء التي صرفتم كسلطة محاصصة عليها عشرات مليارات الدولارات؟ هل أنتصرنا في زراعة أرضنا وتأهيل مصانعنا التي بعتموها  خردة لدول الجوار؟ هل ترى النصر في وجوه المرضى بالمستشفيات العراقية البائسة والفاقدة للأدوية والرعاية، وهنا والعياذ بالله لا أعني مطلقا مستشفيات الكفيل والعتبات المقدسّة،  أو تلك التي يمتلكها رجال الدين والميليشيات والعصابات التي يتوفر فيها كل شيء، لكن ليس للفقير البائس. ودعني أن  أستعير لغتكم لأقول ليس للمستضعف الذي تتباكون عليه في خطبكم، وهل هناك أكثر بؤسا وفقرا وجوعا وجهلا وتخلفا من اتباعكم!؟

هل أنتصرنا على المخدرات وهي تأتينا من أيران الأسلامية، عن طريق نقاط الحدود التي هي تحت سيطرة الحشد الشعبي والتي تطلق عليها اسم فصائل؟ والم تكن هذه الفصائل ولليوم هي من قوام الحشد الشعبي الذي كان يجب حلّه بعد أن " أنتصرنا" على الأرهاب بفضل فتوى السيد السيستاني على أعتبار أن فتوى الجهاد كان فتوى كفائية!؟؟ هل أنتصرنا على تهريب النفط وسرقته وحرق الغاز، لنشتري الغاز والكهرباء والمشتقات النفطية من كعبتكم المكرمّة، أي طهران ولي الفقيه ليعيش شعبها على حساب شعبنا لأنّ بلادهم في حالة حصارّ؟

السيد مقتدى الصدر، أن أحد معاني النصر في اللغة العربية كما قلت قبل قليل هو ( المطر)، فأين هو نصرنا وقد حبس الله علينا المطر والجود. ولأنّ الأحتباس الحراري هو السبب الأساس في التقلبات المناخية وليس الملائكة المسؤولين عن المطر، فأننا نريد معرفة النصر الذي حققتموه على زعيمي العالمين الأسلامي الشيعي والسنّي ( أيران وتركيا) وهما يقتلان العراقيين وأرضهم عطشا، من خلال بنائكم السدود أو الشكوى للأمم المتحدة وتدويل قضية المياه وفق قوانين دول المصب؟

النصر يعني أعانة المظلوم والأخذ بيده ضد ظالميه، فمن ظلم شهداء تشرين وقتلهم في المطعم التركي وكراج السنك، ومن قتل المنتفضين في النجف وكربلاء والكوت وبقية المدن والبلدات الشيعية، ومن هي الميليشيا التي كان شعارها " قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة" وهل أمّ مهنّد وأمثالها الكثيرات من المظلومات بنظركم!!؟؟ هل أنتصرنا على العادات العشائرية وأسلحة العشائر وهي تغتال الدولة في مناطقها!؟ هل أنتصرنا على الفساد وأنت ترفع يوما راية أصلاح وآخر راية تغيير، وأتباعكم يدخلون البرلمان ويخرجون منه بأشارة من أصبعكم!!؟

أنّ مجرد قولكم " إلزام الجميع بتنظيم الحشد وقياداته والالتزام بالمركزية وفصلهم عن ما يسمى بالفصائل وتصفيته من المسيئين..." يعني أعترافكم بفساد الحشد وفصائله وأساءاته لشعبنا ووطننا، خدمة لمصالح ولي الفقيه.

السيد مقتدى الصدر، أن كان ما نراه ونلمسه ونعيشه في عراقنا المبتلى بالاسلام السياسي نصرا، فلا أهلا ولا سهلا بهكذا نصر.. وعلينا رفع أيادينا بالدعاء الى الله أن يخذلنا ويبعد نصره هذا عنّا، عسى أن ننجح في خذلانه لنا بعد أن خذلتمونا وكذّبتم على بسطاء شعبنا  بقولكم وباقي رجال الدين من أنّه ناصرنا.

أنّ نصرنا الحقيقي يبدأ وترفرف راياته عالية في سماء الوطن،  ساعة قبر نظام المحاصصة الفاسد والمجرم.

زكي رضا
الدنمارك
13/6/2022










 


52
رحل من كان يمسح الله عن قدميه الطين .. رحل مظفر النوّاب


النوّاب يخاطب الله "إشهد إني من بعض شيوعية هذه الأرض"

الأنك "ما عدت تطيق تعاليم المخصيّين" وهم يحكمون بلادك آثرت الرحيل؟ إن كان كذلك فلنرحل جميعا يا مظفّر، فالعهد اليوم عهدهم بعد أن جاء بهم الزناة ليديروا لهم المنطقة الخضراء والموائد الخضراء وليلعبوا ومعهم من جاء بهم، ببلادنا وشعبنا "السيه ورق" *.

لا أدري إن كان اللهُ لا يزال معك ليشهد من أنّك "بعض من شيوعية هذه الأرض"، وإن كان لا يزال "يمسح عن قدميك الطين"؟ لأنني وللأسف الشديد أراه في مكان آخر ولا وقت لديه ليرى إكتشافك "إيّاه والنخلة والفلاح"، بعد أن خطفه رجال الميليشيات الإسلامية، وإحتكره أصحاب العمائم، وكبّله زعماء الأحزاب من ذوي الجباه المكويّة الذين خطفوه وسرقوا النخلة وقتلوا الفلّاح!!

خجلت أن تقول لأولئك الجلادين في طهران وأنت تحت رحمة سياطهم، من أنّك عندهم كونك "قاومت الإستعمار فشرّدك وطنك".

خجلك ذاك وأنت تتحمل أشّد أشكال التنكيل والتعذيب على يدي السافاك الإيراني، هو من جعل "أبا ذر وعلي ولومومبا والأحوازي وجيفارا وماركس" يبثّون فيك روح المقاومة. وأمّك، وبيدها قصيدة البراءة ماسكة من تحت عباءتها ثديها الذي أرضعتك منه، كانت هناك حتما وهي تشدّ من أزرك قائلة:

"وخلي ايدك على شيبي وحلف بطاهر حليبي
گطرة گطرة
وبنظر عيني العميته
گلي ما أهدم حزب بايدي بنيته"

ولأنك لا تعرف الّا أن تكون أبنا بارّا لهذا الشعب، فأختك كانت هناك في ذلك القبو الموحش أيضا وهي تفتخر بك وأنت تقاوم الجلادين الإيرانيين في سجن إيفين الرهيب وتبصق في وجوههم، لتهمس الى أمها قائلة "هذا مظفر ما لف ضميره والكرامة بوصلة جريدة، هذا مظفر ما تبرّه من حزبه ومن شعبه.. هلهلي يمّه و گولي للوادم هذا مظفر أبنّه" ليمتلئ القبو بالزغاريد التي أذهلت الجلّادين. هناك وأنت تبصق على الجلّاد من "أنفه حتّى قدميه"، صمدت صمود الثوري، كون بلدك عندك أمانة.. أمّا اليوم فذلك الجلاد (الإيفيني) هو من يحكم بلدك، وأتباعه من حملة جنسيته وهم يحكموننا يا مظفّر لا يجيدون الا فعل الخيانة.

إيه مظفّر، ولأننا نعيش عصر العمائم فأنّ العمالة لطهران وغيرها من العواصم هي اليوم محطّ فخر وشرف من لا فخر ولا شرف لهم من هؤلاء المخصيين الذين حولّوا بلدك الى ضيعة إيرانيّة. إفتخر يا مظفّر من أنّك قاومت الإستعمار وأزلامه على الرغم من عودة الأزلام الخونة والجبناء على نفس القطار بجبّة بدل الزيتوني للسلطة من جديد!!

الى أين الرحيل، وفي أي "فارگون" من القطار جالس أنت اليوم، وهل هناك قطار أصلا يا مظفر!؟ أُنْبِئُكَ يا مظفّر أنّ المضايف التي كانت رائحة الهيل فيها تلاعب الفناجين، بعد أن تخرج القهوة ثملة من هاون الدگ ليشمّها ويتذوقها زوّار المضايف، قد رحلت دون رجعة. فالمضايف اليوم لا يخرج منها الثوار ولا الرجال ليدمروا ريل الحكومة الفاسدة، بل يخرج منها المهوال الذليل الذي يدعو بأمر الشيخ والمعمم بمد الريل أمام الميليشيات الإسلاميّة إيرانية الهوى والإنتماء الى حيث صرائف الفقراء الجوعى لسحقهم.

أنبأ عليّا يا مظفّر وهو يستقبلك كما يستقبل كل الثوار والأحرار، من أننا بالعراق اليوم نتوضأ بالذلّ وبالعار، ونقبّل مداس السيد ونهديه رضيعاتنا ليفاخذهنْ، أنبأ عليّا بأنّ العمائم اليوم كما أبا سفيان بالأمس يؤلبّون الميليشيات على قتل الأحرار، أنبأ عليا من أنّ العمائم حذفت من كتاب الله "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" كونهم هم السرّاق، أنبأ عليا بأنّ النجف نست لغة القرآن وتتحدث اليوم الفارسيّة، حذّر عليّا يا مظفر في أن يطلب من الله عدم الإستجابة لدعائنا ليبعثه العراق، كون هناك الف إبن ملجم سيفلق هامته ويقول للقطيع المتخلف: أهذا عليّكم، ها قد قتلناه كونه شيوعيّا!!

شخصيا "أغفر لك وحزنك وخمرك وغضبك.. وكلماتك القاسية.. ولا أقول لك كما البعض، بذيء"، لأنني مثلك أقول "أروني موقف أكثر بذاءة مما نحن فيه"، وهل هناك بذاءة أكثر من أن يحكمنا المخصّيون الذين لا تتحرك كرامتهم تجاه "شعبهم ووطنهم" لو تحرّكت كل دكّات غسل الموتى بالعالم؟ وهل هناك بذاءة أكبر من إننّا اليوم نخصي أنفسنا بأنفسنا، لنرقص كالشواذ في حضرة العمامة بعد أن دجّنتنا وفقدنا بتدجينها لنا رجولتنا وكرامتنا وشرفنا وأعراضنا وناموسنا وأخلاقنا وعزّتنا وقيمنا و ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وثرواتنا ووطننا؟

العراق حطام سفينة تمزّقت أشرعتها وتغوص في بحر غير ذي قرار .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول.. يا مظفر
الموت يعشعش في كل ركن من أركانه .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر
الأيتام العرايا والجوعى يملؤون شوارعه وساحاته .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر
الأرامل يبيعنّ أجسادهنّ متعة في المكاتب والمقرّات الإسلاميّة، من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول يا مظفّر
الفقراء يزدادون فقرا لأن هناك من يقول أنّ الله يرزق من يشاء ، من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر

أنا أعرف الفاعل يا مظفر، أعرفه بالإسم والصوت والصورة. أعرفه من رائحته، كونها كريهة كرائحة المستنقع الآسن وعفنة كعفونة البيض الفاسد، أعرفه من بسملته ومسبحته وسجّادة صلاته، أعرفه من جبّته وعمامته وصلواته.

هذا عراق أم مبغى؟ نعم يا مظفّر فعراقك الذي ناضلت من أجله حتّى الرمق الأخير، وحلمت بأن تراه عزيزا وجميلا كجمال الأهوار، وشامخا كشموخ جبال كوردستان، حولّه العمائم الى مبغى، ودار أيتام بحجم وجع النخلة مقطوعة الرأس كما رأس الحسين، ومقبرة للأحياء لا تعرف الا أن تلد مقابرا للأموات كما وادي السلام، في بلد إستوطن الموت فيه وضاع بين عمائمه السلام.

أيها المسكون بحب رائحة أرض العراق ها انت تغمض عينيك بعيدا عن الارض التي عشقت . أيّها المسكون بحبّ الناس، ها هم الناس يبكوك، ويبكون من خلالك حالهم. أيها المسكون بحب الوطن، هل أزفّ الوقت الذي نقول فيه وداعا يا وطن؟ أم علينا أن ننتظر عسى أن ينهض ماردا من تحت ركام الخوف والموت والدمار، مارد تشريني بصورة جائع حامل سيفه بيد، وبالأخرى راية "بإسم الدين باگونه الموامنة" لترفرف على خرائب العراق.


المادة من وحي قصائد الشاعر الراحل
 

* السيه ورق تعني لعبة الثلاث ورقات بالعراق، والتسمية فارسية

زكي رضا
الدنمارك
20/5/2022
 





53
الشعوب الأوربية تغامر بمنجزاتها التاريخية


"إنه الاقتصاد يا غبي"، جملة صاغها الكاتب والخبير الأستراتيجي جيمس كارفيل لحملة بيل كلينتون عام 1992، وقالها الرئيس الأمريكي الأسبق وهو يخوض وقتها غمار حملته الأنتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض بعد فشل جورج بوش الأب في معالجة المشاكل الأقتصادية في امريكا، لأنّ الأقتصاد القوي في الدول الديموقراطية يعني في وجهه الآخر علاوة على أمور كثيرة تحقيق نظام عدالة أجتماعية متين وقوي. هذه الجملة كافية في أن تعي الشعوب الأوربية خطر زوال أو أنحسار ما حققته خلال عقود من نضالاتها في سبيل تحقيق ما حققته لليوم من مستوى معاشي لائق ونظام عدالة أجتماعية عادل لحدود كبيرة خصوصا في البلدان الأسكندنافية، هذه البلدان التي حققت بالفعل مجتمعات الرفاهية لشعوبها.

لقد عانت اوربا في العام 2009 من أزمة أقتصادية القت بظلالها على النمو الأقتصادي لبلدان القارّة، وأحتاجت لفترة غير قصيرة للعودة الى معدلات نمو ما قبل الأزمة، وكانت اكبر التحديات التي تواجه معدلات نمو الأقتصاد الأوربي ومنه الأقتصادات الكبرى فيها، هي توفير الطاقة الرخيصة والمستدامة التي تعمل على كبح جماح التضخم وارتفاع الاسعار والبطالة، والتي تساهم مساهمة فاعلة في استمرار انظمة الرعاية الأجتماعية وتطورّها وديمومتها كنتيجة لها. وما أن تعافى الأقتصاد العالمي ومنه الأوربي، حتى ظهرت جائحة كورونا لتوجّه لطمة قويّة للأقتصاد العالمي الذي بدأ يلتقط قليلا من أنفاسه حينها.

جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي تحت عنوان (إصابات متزايدة بالفيروس وتعاف معطَّل وتضخم مرتفع) نُشر في كانون ثاني 2022، أي قبل أندلاع الحرب في أوكرانيا بشهرين تقريبا. في أنّ "الأقتصاد العالمي يستهل عام 2022 ، وهو في وضع أضعف مما ورد في التوقعات السابقة. فمع انتشار سلالة "أوميكرون" الجديدة المتحورة من فيروس كوفيد-19، عادت البلدان إلى فرض قيود على الحركة. وأدى تصاعد أسعار الطاقة والانقطاعات في سلاسل الإمداد إلى ارتفاع التضخم واتساع نطاقه عن المستويات المنتظرة، ولا سيما في الولايات المتحدة وكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وباتت آفاق النمو محدودة أيضا في الصين من جراء الانكماش الجاري في قطاع العقارات وبطء تعافي الاستهلاك الخاص مقارنة بالتوقعات". ويستمر التقرير في نظرته التشاؤمية ليقول "ومن المتوقع أن يستمر التضخم المرتفع لفترة أطول من المتصور في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، مع استمرار الانقطاعات في سلاسل الإمداد وكذلك أسعار الطاقة المرتفعة في عام 2022". "وبافتراض بقاء توقعات التضخم على مستوى جيد من الثبات حول الركيزة المستهدفة، فمن المتوقع أن ينخفض معدله تدريجيا مع انحسار الاختلالات بين العرض والطلب في عام 2022 واستجابة السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى". ويضيف التقرير من أنّ "انقطاعات سلاسل الإمداد، وتقلب أسعار الطاقة، وتركز ضغوط الأجور في أماكن معينة، كلها يعني ارتفاع عدم اليقين بشأن التضخم ومسارات السياسات"، وقد أشار التقرير كذلك أنّ رفع أسعار الفائدة في الأقتصادات المتقدمة كأمريكا ستسبب مخاطر على الأستقرار المالي في الأقتصادات النامية والعملات. وقد تتحقق "مخاطر عالمية أخرى في ظل استمرار التوترات الجغرافية - السياسية على ارتفاعها، كما أن الطوارئ المناخية الراهنة تعني أن احتمالات حدوث الكوارث الطبيعية الكبرى لا تزال مرتفعة"!!

كيف سيكون شكل تقرير صندوق النقد الدولي القادم، ومتحورّات كورونا مستمرة في جنوب أفريقيا والتي وصلت الى العديد من البلدان الأوربية، مع أستمرار غلق المدن في الصين نتيجة فشلها في تصفير الأصابات؟ وما هي نسب المخاطر على الأقتصاد العالمي وأمريكا ترفع نسبة الفائدة نصف نقطة لليوم، وما هي المخاطر الحقيقية في أنهيار الأستقرار المالي للبلدان النامية والفقيرة، في ظل أستمرار الحرب الروسية الأوكرانيّة وتأثيراتها الكبيرة على سوق الطاقة والغذاء والسلم العالمي، وأستمرار الجفاف ككارثة طبيعية محتملة وتأثيرها على الزراعة في ظل شحّة المياة؟

أندلعت الحرب العالميّة الأولى في أوربا لأسباب عدّة منها التنافس بين الدول الأستعمارية على اسواق جديدة لتصريف بضائعها، والبحث عن مواد خام رخيصة لأستمرار عجلة صناعاتها، وهذا يعني أنّ الأقتصاد هو المحرّك الرئيسي لأندلاع الحرب والتي راح ضحيتها ما يقارب الـ 17 مليون قتيل وملايين الجرحى وخراب كبير طال المدن الأوربية وبناها التحتية. وأندلعت الحرب العالمية الثانية هي الأخرى لأسباب عديدة ومنها الكساد والأزمة الأقتصادية العالمية، والتي راح ضحيتها ما يقارب السبعين مليون أنسان ودمار فاق دمار الحرب الأولى لتطور الأسلحة المستخدمة خلالها، وهذا يعني من جديد، أنّ الأقتصاد هو محرّك آلة الحرب العالمية الثانيّة.

الدولة الكبرى الوحيدة التي خرجت منتصرة وذات أقتصاد قوي مع محافظتها على بناها التحتية، هي أمريكا. أمّا أوربا التي كانت مسرحا مباشرا للحربين، فقد خسرت الكثير فيهما وأحتاجت لعقود كي تعيد تنظيم أقتصاداتها التي أنهارت أثناء الحربين. وهنا تكون مقولة كلينتون "إنه الاقتصاد يا غبي" سابقة لساعة قولها ولازالت، لأنّ البلدان الأوربية وهي تجرّب حربا غير معروفة العواقب على أرضها من أجل توسيع حلف الناتو خدمة للمصالح الأمريكية لم تعي معنى هذه الجملة وتداعياتها على ما يبدو. فالشعوب الأوربية وهي تعيش لحظات تاريخية دقيقة للغاية، بدأت تخسر الكثير من أمنها ورفاهها اللذان ناضلت من أجلهما طيلة سبعة عقود على الأقل أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لليوم. ومستقبل الأستقرار السياسي والأقتصادي والأجتماعي معرّض لخطر كبير في حالة أستمرار الحرب، وعدم الوصول الى وقف القتال عن طريق الديبلوماسية مع أخذ مصالح جميع الدول بما فيها اوكرانيا وروسيا بنظر الأعتبار.

في الأوّل من آيار الجاري، تناولت رئيسة  وزراء الدنمارك السيدة ميتا فريذريكسون في كلمتها بمناسبة الأول من آيار في مقر حزبها وبحضور جمهور من أعضاء حزبها - الحزب الأشتراكي الديموقراطي ، الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها وقالت: أنّ الدنمارك حققت خلال العام 2021 أقل نسبة بطالة خلال 27 عاما، وأدنى نسبة دين عام،. لكنّ الحرب في أوربا لها ثمن غال، علينا أن ننتظر وللأسف الشديد أزدياد نسبة الفائدة وأرتفاع نسبة البطالة. وأعطت بعض الوعود والتطمينات للفئات الأجتماعية الأكثر عرضة لتقلبات الأوضاع الأقتصادية كالمتقاعدين وذوي الدخل المحدود والطلبة والعاطلين عن العمل في مساعدتهم عبر حزمات مالية، على أن تكون مؤقتة وضمن أطر معينة. لو كان مجتمع الرفاهية الدنماركي مهدد بالشكل الذي أشارت اليه السيدة ميتا فريذريكسون بهذه السوداوية، فكيف سيكون حال المجتمعات الأوربية الفقيرة مقارنة بالدنمارك الغنية، كالبرتغال واسبانيا واليونان وبلدان اوربا الشرقية، وكيف ستكون حياة الناس في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية الأكثر فقرا.

في هذه الحرب ستخرج أمريكا وهي بعيدة عن مسرحها كما كانت دوما "منتصرة" وهي تبيع أسلحتها الفتاكة للشعوب الأوربية التي زادت من أنفاقها العسكري، ولتحتكر أمدادت الطاقة لأوربا بنسب مؤثرة. وبدلا من محاولات الدول الأوربية كي لا تخرج خاسرة من هذه الحرب كما اللواتي سبقتها، من خلال أيجاد حلول لأصل المشكلة التي تهدد أمن قارّتهم بشكل مباشر، وأولّها ألتزامها بوعودها في عدم توسع الناتو شرقا أكثر ممّا هو عليه الآن، وضمان عدم قبول اوكرانيا في حلف الناتو كبداية لأنهاء الحرب والأزمة. نراها تتحرك تبعا لسياسات الولايات المتحدة وبريطانيا في توسيع رقعة الحرب التي تهدد كل ما حققته شعوبها خلال عقود من خلال زيادة الأنفاق العسكري وأرتفاع نسب البطالة وقضم تدريجي لما حققّته من أنجازات على صعيد العدالة الأجتماعية ومجتمعات الرفاهيّة، هذه الحرب التي لا تهدد أوربا وحدها بل تمتد لتهدد السلم العالمي والجنس البشري بشكل عام.

الملفت للنظر هو غياب اليسار ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام الجماهيري الأوربي عن دورهم في التظاهر والتجمّع للضغط من أجل وقف الحرب التي تجري في عقر دارهم، هذا اليسار الذي لعب دورا بارزا في دعمه للسلام العالمي ومناهضة الحروب في كل أرجاء المعمورة. فهل وصل الشحن الأعلامي لأستمرار الحرب تحت أية حجج كانت الى تغييب القوى الخيّرة والمحبّة للسلام ونبذ الحروب كوسيلة لفضّ النزاعات عن ساحتها!؟

"لا بوصة واحدة شرقا" جيمس بيكر مخاطبا غورباتشوف حول عدم توسع الناتو شرقا.


زكي رضا
الدنمارك
7/5/2022




54
من أوراق أنتفاضة تشرين الخالدة.....
أنتُنَّ اللواتي لَكُنّ كامل الحقَّ في هذا الوطن


متى ما فهم الأسلام السياسي أنّ الفقر هو السبب الرئيسي للدعارة، وأنّ محاربة الفقر وتوفير فرص عمل كريمة للنساء سوف يقلل نسبتها في المجتمع، ومتى ما ترك رجل الدين هذيانه وهو يخطب من فوق منبره بأنّ الفقر ليس بعيب على الرغم من أنّه بذلك يشجّع على الدعارة والسرقة وكل أشكال الأنحرافات، ومتى ما سنّت الدولة قوانين تحمي المرأة من الأضطهاد والعسف والعنف والجور، ومتى ما وقفت الدولة بمواجهة العادات العشائرية بحزم وهي تبيع المرأة كبضاعة لحلّ الخلافات العشائرية، أو قتلها بتهم جرائم "الشرف"، يكون من "حقّهم" الحديث عن الشرف والعفّة وكرامة النساء. لكن أن يكون جميع من يمتهن المرأة وكرامتها قاضيا ليحاكمها دون أن يوفّر لها ما تدافع فيه عن نفسها، فهذه جريمة بشعة بحق المرأة. لكنّ الجريمة تكون أكثر بشاعة حينما يطالب الاسلام السياسي بعدم مشاركة المرأة بغضّ النظر عن وضعها الأجتماعي ويهينها، كي لا تدافع عن وطنها وتتضامن مع شعبها وهو ينتفض ضد سلطة الفساد والقتل والخيانة. والوطن هو الشرف الرفيع الذي يفتقده الأسلام السياسي وعصاباته، والعهر الحقيقي هو التجارة بالوطن وليس بالجسد الذي دفعه الجوع والفقر ليقع بين براثن قوّاد يتاجر به، والقوّاد الأكثر لؤما ونذالة وخسّة من قوّاد الجسد هو قوّاد الوطن والشعب اللذان أوقعتهما أمريكا وأيران بين براثن الأسلام السياسي بأحزابه وميليشياته وعصاباته.

أربع فتيات ليل توجّهنَ صباح يوم من صباحات أنتفاضة تشرين الخالدة من منطقة البتّاويين وسط بغداد نحو كعبة الأحرار (ساحة التحرير)، ليشاركنّ بنات وأبناء وطنهنّ وشعبهنّ في إنتفاضتهم التي هزّت أركان الفساد والجريمة في الخضراء ومن يوجههم من طهران. توجّهنَ بخطى ثابتة وهنّ يبحثنَ من خلال الأنتفاضة عن وطن يوفر لهنّ الأمان والكرامة والأمل في حياة مستقرة بعيدة عن سوق المتعة وذلّه، التي دفعتهنّ الأقداروجرائم نظامي البعث والمحاصصة الأسلامية الطائفية القومية لدخوله. أربع فتيات يحملنَ في روحهنّ شرف لا يحمله ولن يحمله الكثير من الأسلاميات والأسلاميين، فهنّ لم يشاركنَ في نهب ثروات الناس، ولم يساهمنَ في قتل نفس واحدة، ولم يتقاسمنَ العمولات (الكوميشنات) كما لبوات الشيعة والسنّة، ولم يمتلكنّ قصورا برعاية وحماية السيد، ولم يكونوا يوما عضوات في أتحاد نساء منال الآلوسي سيء الصيت والسمعة ليكونوا بعدها عضوات منظمة نساء الدعوة الأسلاميّة، ولم يطالبنَ بقتل سبعة من السنّة مقابل سبعة من الشيعة، ولم يسرقنَ مصرفا كما مصرف الزويّة، ولم يصدرنّ النفط في أنابيب دون عدّادات، ولا يمتلكن الملاهي والبارات وأندية القمار ودور الدعارة التي يعملنَ فيها لحساب ميليشياوي مؤمن بالله ورسوله وآل بيته، ولا يأخذنّ الرشى من المواطنين البسطاء، ولا يعرفنّ عدد المنافذ الحدودية ووارداتها، ولا يفقهنّ معنى الخُمس وأين تذهب جبايته.


الفتيات الأربع وصلنَ في ذلك الصباح التشريني المفعم بالأمل الى نقطة تفتيش مليشياوية تابعة لميليشيا الدولة العميقة التي تتحكم بأقدار الوطن والشعب، نقطة التفتيش هذه كانت الأخيرة التي تفضي الى كعبة الأحرار وفيها ميليشياويين متسلحّين بأسلحة مختلفة، فبالأضافة الى الرشّاشات والمسدسات والعصي والهراوات والأسلحة الباردة وأجهزة الأتصال المختلفة، كانوا متسلحين بالبذاءة الأخلاقيّة النابعة من مستنقعهم الميليشياوي ومن تربيتهم الحزبية والميليشياوية الفاسدة. ودار بينهم الحوار التالي:

الأسلاميين: وين رايحات (ألى أينَ أنتنّ ذاهبات)

هنّ: الى ساحة التحرير

 الأسلاميين: ليش شتردن! (ماذا تريدنّ)

هنّ: نريد مشاركة الشعب أنتفاضته

 الأسلاميين: بصوت واحد وضحكات داعرة "هسّه أنتن ..... شعليچن من السياسة والمظاهرات" (أنكنّ عاهرات مالكنّ والسياسة والمظاهرات).

هنّ: "أحنا ....... أي لكن عدنا حگ بهذا الوطن" .. نعم نحن عاهرات لكن لدينا حقّ في هذا الوطن.

من غيركنّ له الحقّ في هذا الوطن، أن لم تكوننّ صاحبات هذا الحقّ؟ أنتنّ يا بنات بلدي أشرف من كل التافهين والبذيئين والملوّثين الذين يتحكمون بمصيركنّ ومصير بنات وأبناء شعبنا، أنتنّ أكثر طهرا من كل تجار الوطن والدين، أنتنّ من يوصمن جباه سياسيي وميليشياويي وعمائم الأسلام السياسي وهم يخونون بلدكنّ بالعار. من أجل شرفكنّ المهدور، ومن أجل غد أجمل للمرأة والطفولة، ومن أجل غد أجمل للوطن والناس قامت الأنتفاضة، وستعود أكثر ألقا وعزما، فالهدوء اليوم ليس سوى أستراحة محارب.

حيث يُفْتَقَدْ القانون ينبغي أن ينوب الشرف منابه  (Hvor loven mangler, bør ære tage dens plads)، مثل دنماركي

ماذا نفعل في بلد،  القانون فيه جريمة، والشرف فيه هو القتل والسرقة والفساد والخيانة؟

زكي رضا
الدنمارك
27/4/2022

55
أولويات الأسلام السياسي في العراق من وجهة نظر ميليشياوية

ما هي الأولويات في معالجة أوضاع سياسية وأقتصادية وأجتماعية في بلد كالعراق اليوم، هل هي في إيجاد حلول أو السعي لإيجاد حلول للمشاكل التي يمر به البلد، أم الهروب للأمام في توجيه الرأي العام لمشاكل هي بالأساس نتائج مباشرة لسوء الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية؟ أزمة تشكيل الحكومة هي نتاج مباشر لنظام المحاصصة الطائفية القومية وفشله في حل مشاكل البلاد على مختلف الصعد، وعوضا عن المضي قدما لتوفير مناخ سياسي صحّي يأخذ على عاتقه الأسراع في تشكيل الحكومة والخروج بسرعة من أزمة الفراغ السياسي والشد والجذب بين نفس القوى التي تقاسمت أمتيازات السلطة منذ الأحتلال لليوم، خرج علينا قيادي في الأطار الشيعي وبمناسة ذكرى تأسيس ميليشياته في إيران، ليعلن في كلمة له من أنّ التحديات الكبيرة التي تواجه العراق هي "ظاهرة الألحاد والمثلية والتخلي عن القيم الأصيلة وأنتشار الأفكار المنحرفة والوهّابيّة والمساس بالمقدسّات وآفة المخدرات والأخطر من ذلك فقدان الأمل لدى الشعب"!!

من الصعب إن لم يكن من المستحيل ربط الألحاد (ليس ظاهرة كما يقول هادي العامري) بتبني الملحدين بالعراق لفلسفة معيّنة أو آيديولوجية ما، بل وحتى تأثرّا بالعلم الذي يستند أساسا على التشكيك بالظواهر الطبيعية والميتافيزيقية، كون الملحد العراقي وهو يعيش في مجتمع بلغ عدد الأمييّن فيه وفق أحصاءات وزارة التربية 12 مليون مواطنة ومواطن من مختلف الأعمار لا يملك هذا الترف الفكري بغالبيته العظمى. بل على العكس فأنّ هؤلاء الـ 12 مليون أمّي ومعهم ما يقابلهم من جمهور في اسوأ الحالات متأثر بالعادات والافكار الدينية، والذي هو تحت رحمة برامج دينية طائفيّة مكثفة. فالقوى الدينية ومعها المؤسسات الدينية تصول وتجول في عقول الناس البسطاء والأميين من خلال الأعلام المرئي والمسموع والمقروء لحدود (لأنتشار الأميّة) والمنابر، لتزرع في هذه العقول كل شيء الّا التفكير بحاضرهم وحياتهم، فهي تربطهم دوما بحياة آخروية مليئة وغنيّة بما يفتقدونه في الحياة الدنيا. هذا الجمهور بالحقيقة هو أوسع من الأرقام التي ذكرناها، فلو أضفنا لهم عوائلهم والعاطلين عن العمل وجيش الفقراء المتنامي بأضطراد وأنصاف المتعلمين والمثقفين والذين باعوا ضمائرهم للسلطة الدينية من "مثقفين وأعلاميين"، سنرى أنّهم جيش من مواطنين مؤمنين بما تصدرّه لهم المنابر. وهؤلاء المؤمنون بعيدون عن الألحاد أو هكذا يجب أن يكونوا، فلماذا أذن تزداد نسبة الالحاد في المجتمع كما يقول العامري وقبله الكثير ومنهم ممثل السيد السيستاني في خطبة له بكربلاء، هذا أذا وافقنا العامري وأمثاله بما أعلنوه! أنّ زيادة نسبة الملحدين لا يعود الى الفضاء الديموقراطي والحرية والتحصيل العلمي وتأثيره على عقلية المواطن كما في الغرب، بل يعود أساسا كردّ فعل لجرائم الأسلام السياسي بحق الناس منذ الأحتلال لليوم. وقد لعب الفضاء الافتراضي دورا كبيرا في أظهار الوجه القبيح لبعض رجال الدين وهم يأتون بالترهات من بطون كتب صفراء، من على منابرهم التي تتقيء التجهيل والدجل والكذب. وأصبح رجال الدين هؤلاء هزءا أمام أنظار الملايين، وهذا ما جعل الدين أو المذهب نفسه هزءا للأسف الشديد. وهذا الأمر لا يتحمله الملحد مطلقا، بل المؤسسة الدينية التي لا تريد عقلنة الخطاب الديني وأنسنته، فترى هذا الخطاب اليوم وفي عصر الفضاء يغوص في غيبيات لا يقبلها العقل البشري مطلقا. هذه كانت النقطة الأولى في كلمة السيد هادي العامري، بمناسبة تأسيس ميليشاته من قبل السلطات الإيرانية أثناء الحرب الصدامية - الخمينية.

النقطة الثانية التي اثارها السيد العامري هي المثلية الجنسية، وهي اساسا نتاج عوامل وراثية أو بايولوجية أو أجتماعية أو بيئية، ولو تركنا العاملين الأولين لأنهما فوق المستوى الفكري والعلمي للكثير من ساسة المحاصصة ورجال الدين، فأننا بحاجة لمعرفة الطبيعة الأجتماعية والبيئة الأجتماعية للشعب العراقي، المتّهم اليوم من قبل العامري وغيره من الاسلاميين بشيوع المثلية فيه! العامري وغيره من قادة الاسلام السياسي ومعهم المؤسسة الدينية يملأون الدنيا صراخا أثناء الزيارات المليونية للمراقد الشيعية، ويعتبرون هذه التجمعات مبايعة من قبل هذه الجماهير للخط العلوي الحسيني الذي يدّعون تمثيله طبعا، وبالتالي فأنّها أي هذه الزيارات وبهذه الأعداد الكبيرة صك مبايعة لهم!! فهل هؤلاء الزوّار الحسينيون العلويون المبايعون للعامري والاسلام السياسي مثليون!!؟؟ ومن المسؤول عن شيوع المثلية إن وجدت كظاهرة كما يقول العامري، هل هو النظام السياسي الفاسد والفاشل في تلبية حاجات الناس أم الطبيعة والبيئة الأجتماعية، ولماذا لم تكن المثلية ظاهرة في الأنظمة التي سبقت الاحتلال كما يدّعي السيد العامري؟ تعتبر المجتمعات المنغلقة بيئة خصبة للمثلية الجنسية، إذا ما أهملنا العوامل الوراثية والبايولوجية. ولا توجد أحزاب ومؤسسات تعمل على ترسيخ مثل هذه البيئة، وأتهام أي علاقة بين شاب وشابّة في الجامعة على سبيل المثال بالفجور كما الأحزاب والمؤسسات الدينية.

النقطة الثالثة التي أثارها السيد العامري كانت التخلي (اي تخلّي المجتمع) عن القيم الأصيلة ، ولغويا فأنّ "قيمة الشئ في اللغة هي قدره ، وقيمة المتاع ثمنه . يقال : قيمة المرء ما يحسنه ، وما لفلان قيمة ، أي ما له ثبات ودوام على الأمر"، من خلال هذا التعريف نريد أن نعرف ما يعنيه السيد العامري تحديدا، وما هو تعريفه للقيم والقيم الأصيلة؟ فعلى سبيل المثال ما هي قيمة وثمن تشكيل الوزارة العراقية اذا ما تمّت بأوامر من خارج الحدود؟ وأين هي قيمتها وهي تقوم على أساس نهب ثروات البلد من خلال المحاصصة الطائفية القومية؟ "قيمة المتاع ثمنه" فما هو ثمن الفقر الذي ينهش جسد المجتمع، وما هو ثمنه وهو يباع من قبل أطفال صغار في تقاطعات المرور!؟ لقد دمّرت حروب الدكتاتورية الكثير من القيم الأصيلة في مجتمعنا، وجاء الأسلام السياسي ليعلن مقتل هذه القيم، بعد أن أصبح العراق مرتعا للجريمة المنظمة والميليشيات والفساد والعادات والتقاليد العشائرية البالية. ولمّا كانت قيمة المرء ما يُحسنه، فلنسأل السيد العامري عن محاسنهم وهم على رأس السلطة، والبلد يسير نحو المجهول؟

النقطة الرابعة في كلمة السيد العامري كانت حول "أنتشار الأفكار المنحرفة"، وهنا نكون أمام سؤال كبير ومهم وبحاجة الى تعريف وتوضيح كي يكون مفهوما للجماهير المغلوبة على أمرها، نتيجة فساد وجرائم السلطة وأركانها. ما هي الأفكار المنحرفة التي تعصف بالمجتمع العراقي اليوم، والتي جعلت فرائص الأسلاميين ترتجف من وقعتها!؟ هل هي الأفكار التي تقف على الضفّة الأخرى من افكار السيد العامري، أم توظيف المؤسسة الدينية لخدمة الأسلام السياسي وميليشياته من خلال أصدار فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لزرع وتعزيز الأفكار المنحرفة في هذه التنظيمات، والتي هي سببا اساسيا في الأرهاب والقمع؟
حصر السلاح بيد الدولة يعني عدم أحقيّة أي جهة سياسية في أن يكون لها ذراع عسكري، ويعني أيضا وصف كل فصيل مسلح من أنّه ميليشيا خارجة عن القانون. لذا فأنّ المؤسسة الدينية ولغرض منح الأسلام السياسي وميليشياته وسيلة السيطرة على الشارع وتهديد السلم المجتمعي، قامت بأصدار فتوى الجهاد الكفائي والذي لم تعلّق المؤسسة الدينية العمل به بعد أن انتهى مفعول الفتوى. وأستمرار العمل به من قبل الأسلام السياسي وميليشياته، هو تفسير حقيقي لوجود أفكار منحرفة تريد أن تقود البلاد الى المجهول. أنّ الفكر الديني الطائفي والأفكار العشائرية، هي من صلب الأفكار المنحرفة وإن إستمدّت "شرعيتها" من "الدولة ومؤسساتها".

النقطة الخامسة في كلمة السيد العامري كان تناوله للوهّابية، وهو يعني بالضبط دورها كفكر منحرف وهدّام في تغذية المنظمات الأرهابية، كما يغمز من خلالها للدور السعودي بالعراق من خلال دعمها وبقية دول الخليج وتركيا وقوى أقليمية ودولية لتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية التي دمّرت بلادنا وهو على حقّ في ذلك. الّا أنّه يتجاوز في حديثه الخمينيّة كفكر ونهج هو الآخر، ودورها في تأسيس ودعم ميليشيات ساهمت في الإقتتال الطائفي لتصدير ثورته الأسلامية، علاوة على دورها المشبوه كما الوهّابية في تدمير سوريا واليمن ولبنان. أمّا عن العراق ودورها في نهبه وتخلفه وضعفه عن طريق ميليشياتها وعلى رأسها ميليشيا بدر بزعامة العامري، فالتاريخ شاهد على قبحه قبل جرائمه.

النقطة السادسة في كلمة العامري كانت حول المساس بالمقدسّات!! هنا نكون أمام سؤال بحاجة الى أجابة من قبل السيد العامري وهو أن كانت بيوت الله من مساجد وحسينيات من المقدسّات أم لا، وإن كان القرآن مقدّس أم لا؟ ولا أظن من أنّ الأنسان العاقل وهو يرى هدم المساجد والجوامع وتفجير المآذن وحرق مئات أن لم يكن الآلاف من نسخ القرآن، بحاجة ليكتشف من الذي يدنّس المقدسات التي يتباكى عليها العامري، ومن الذي يفجرّها؟ أجزم من أنّ العامري وغيره من دهاقنة الأسلام السياسي لن يستطيعوا ولو بعد مئة عام أن يلصقوا التهمة بأحزاب ومنظمات ذات آيديولوجيات غير أسلاميّة، لكننا وبكل أريحية نقول أنّ الأحزاب والميليشيات الأسلامية هي المسؤولة وصاحبة المصلحة الحقيقية بالمساس بالمقدسات الاسلامية، بل وبأهانة المقدسّات الاسلامية. وأحداث الأيام الاخيرة من الصراع الشيعي الشيعي، وحرق وتدمير بيوت الله وحرق كتب القرآن فيه، شاهد حقيقي على ما نقول.

النقطة السابعة التي تناولها العامري في كلمته كانت عن انتشار المخدرات بالبلاد، ولا يسعنا هنا الا ان نشاطر العامري خوفه على شباب العراق من هذه الآفة الخطيرة والقاتلة. لكن هل يعرف العامري من أنّ تعاطي المخدرّات كان شبه معدوما ومحكوما بقوانين قاسيّة جدا للحيلولة دون أنتشاره في الأنظمة العراقية السابقة ومنها النظام البعثي، وحتّى في ظل النظام البعثي بعد حروبه الكارثية كان العراق ممرا للمخدرات القادمة من ايران وليس سوقا مستهلكة له بشكل يشكل خطرا على النسيج الأجتماعي كما اليوم عهد الأسلاميين!

السيد العامري وانت قد عشت سنوات طويلة في ايران وشاهدت بأمّ عينيك قوافل المدمنين وهم يفترشون الأزقّة الفقيرة وسط طهران، والشباب الأيراني الضائع وهو يدمن على المخدرات بأصنافها المختلفة، تعرف جيدا منشأ هذه السموم ونقاط عبورها وتجارها المحميين من السلطة.
السيد العامري صدقني من أنّ الأرجنتين لا حدود لها مع بلادنا لتحملّوها نشر المخدرات ببلادنا، وصدقني من أنّ ايران ومعها الأحزاب الأسلامية لها المصلحة الحقيقية في أدمان الشابات والشباب العراقي على المخدرات، فهؤلاء يضافون الى جيش من الشباب الضائع الذي يضاف الى جيش العاطلين عن العمل.

وفي ختام كلمته تحدث العامري عن فقدان شعبنا لأمله في حياة حرة وكريمة!! ما هو السبب الذي جعل شعبنا يصل الى هذا اليأس القاتل بنظركم ايها السيد العامري، وهو يعيش في ظل حاكم جعفري وليس سنّي كما كانت الدولة العراقية سابقا كما تقولون. للأجابة على هذا السؤال علينا قراءة تاريخ الأسلاميين وهم على رأس السلطة، من خلال الكم الهائل من الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ووطننا، فاليأس وفقدان الأمل بحياة كريمة ووطن معافى لن يتحقق بوجودكم في السلطة مطلقا ولو بقيتم في السلطة حتى ظهور المهدي الذي تنتظرون. الحل الوحيد ايها السيد العامري لأعادة الأمل لشعبنا هو بناء نظام ديموقراطي علماني يحترم عقائد الناس ومنها الأديان المختلفة، على أن تحترم المؤسسات الدينية السلطة السياسية والقانونية وتبتعد عن المشاركة والتأثير فيها وفق قوانين دستورية وضعية. دولة علمانية ديموقراطية تبدأ ببناء وطن ومجتمع جديدين على أنقاض وطن ومجتمع دمرته الحروب والحصار والفساد والارهاب والميليشيات، دولة تستند وتعتمد على القانون في محاسبة كل من يتخابر مع دولة أجنبية على حساب "وطنه وشعبه"..

أذا كانت تجربة الأسلام السياسي والمؤسسات الدينية التي نشرت وتنشر الفساد والجهل والتخلف والأميّة، ودمرّت وتدمّر القطاعات الزراعية والصناعية والصحية والتعلمية والخدمية وغيرها مما يشكل خطرا على مستقبل شعبنا ووطننا أيمانا، كونكم على رأس السلطة ومؤمنون بالله ونبييه وآل بيته. فأني أيها السيد العامري أعلن أمامكم عن رفضي لأيمانكم هذا معلنا كفري وألحادي بكل ما تؤمنون به ..

زكي رضا
الدنمارك
21/4/2022

 





56
وقاحة السفير الأيراني في بغداد وخيانة شيعية للعراق

من المفروض أنتخاب عنوان غير العنوان اعلاه للمقالة هذه، أو على الأقل أستبدال كلمة شيعية بكلمة أخرى. كأن نقول أحزاب أو منظمات أو مؤسسات دينية أو مراجع دينية أو حشد، لكننا بالنهاية سنضع كلمة شيعي خلفها ، وهذه حقيقة لا نستطيع نكرانها مطلقا. سيقول البعض أنّ ( خيانة شيعية) تعني بالأضافة الى ما ذكرناه أعلاه الجمهور الشيعي!! وهنا يكون هذا البعض قد أرتكب خطأ فادح،  فالجمهور الشيعي بغالبيته وليس بأجمعه طبعا هو كما باقي جماهير شعبنا، يعاني من الجوع والفقر وأنعدام الخدمات والأمان والفساد وغيرها، الّا أنّه لا يعرف طريق الخيانة. فهذا الجمهور بعيد عن مراكز أتخاذ القرار، وقد خرج في أنتفاضته يريد أستعادة وطن أصبح وليمة لجهات عدّة. والجمهور الشيعي وهذه حقيقة معروفة للجميع، رفع رايات التغيير في أنتفاضته التشرينية المجيدة لوحده، بعد أن كان الصمت يخيّم وقتها على الجماهير الأخرى التي تدفع كما الجمهور الشيعي أثمان باهضة نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية. قد يبدو هذا الحكم قاسيا كثيرا، لكنّه حقيقي وأقرب الى الواقع، ليس لأنّ الجماهير غير الشيعية لم تساهم في الأنتفاضة، بل كون هذه الجماهير تعرف جيدا أنّ الساسة الشيعة وهم من يخونون العراق علنا كما ساسة المحاصصة الآخرون، كانوا سيجّيرون ومن ورائهم أيران مشاركة المحافظات الغربية والشمالية على أنّها مشاركة بعثية. وبالحقيقة فأنّ الساسة الشيعة لم يكونوا بحاجة الى هذا الأمر ليقوموا بقتل المئات من المنتفضات والمنتفضين، وهذا ما لمسناه من خلال تعامل ميليشياتهم التي كانت تدار من غرفة عمليات أيرانية مع الأنتفاضة والقسوة المفرطة في قمعها.

بعد فشل جميع الحكومات التوافقية في بناء نظام سياسي عقلاني يأخذ مصالح شعبنا ووطننا كهدف يجب الوصول اليه لأنقاذ ما يمكن أنقاذه، فأنّ تشكيل حكومة أغلبية سياسية هو الضمان الوحيد لفرملة بعض الجرائم التي أرتكبها نظام المحاصصة بجميع أقطابه، نقول بعض جرائمه كون جرائم نظام المحاصصة وأحزابه لا يمكن حصرها ولا حلّها حتى بحكومة أغلبية سياسية من القوى التي كانت جزء من نظام فاسد وقاتل، لكنّها بالتأكيد تعتبر خطوة أولى لهدم نظام المحاصصة الطائفية القومية، أن صدقت نوايا من يتصدى لهذا الأمر. 

ككل مسعى لتشكيل حكومة بالعراق وبعد كل أنتخابات، يصطدم تشكيل هذه الحكومات باللاءات الحزبية والفئوية. وهذه اللاءات لا تأخذ مصالح شعبنا ولا حتى ناخبي تلك الأحزاب بنظر الأعتبار. فالناخب العراقي ومنذ أوّل أنتخابات، تعامل ويتعامل معها بسذاجة غريبة. فعلى الرغم من عدم وفاء أي حزب سياسي من أحزاب السلطة لشعارته وبرامجه هذا أن كان لديها برامج أصلا،  نرى الناخبين يصوّتون لأحزابهم الطائفية والقومية، ليكتشفوا بعدها وكما كلّ مرّة من  أنّ هذه الأحزاب مستمرة في سرقتهم وحرمانهم من حياة تليق بالبشر. هذا الأمر أي تشكيل الحكومة بهذه الصورة والأصرار عليها من قبل حيتان الفساد، لا تُفسّر الا كونها وقاحة ما بعدها وقاحة، كون تشكيل الحكومة وفق السياقات القانونية وسقوفها الزمنية وموادّها الدستورية، هي ملزمة للمتصدين للشأن السياسي، هذا أذا أعتبرنا أركان المحاصصة أحزاب سياسية وليس عصابات مافيوية، وأجزم من خلال تجربة ما بعد الأحتلال السياسية لليوم من أنهم أقرب الى المافيات من أي وصف آخر.

الحقيقة المرّة التي علينا التعاطي معها في بلادنا اليوم هي أنّ  السفير الأيراني بالعراق السيد أيرج مسجدي،  هو بمثابة المندوب السامي البريطاني  الذي حكم العراق بدايات تشكيل الدولة العراقية أي السيد بيرسي كوكس، وموظفّي سفارة بلاده هم المستشارين للوزراء والحكومة العراقية. فهذا السفير يتدخل وأمام مرأى ومسمع جماهير شعبنا والعالم، في تشكيل حكومة العراق الذي يبدو أن لا سيادة له بنظره، وأعتقد من أنّه محق في هذا الأمر لحدود بعيدة. كونه يعرف جيدا مع أي شكل من أشكال الساسة يتعامل، ويعرف جيدا أنّ ما يقوله هو أمر سيأخذ به ساسة العراق عاجلا أم آجلا، ليس لوقاحته وهو يهين نظام سياسي يقول الدستور من أنّه نظام ديموقراطي حين يقول أنّ " الدعوات للأغلبية الوطنية محل تقدير لكنّها لن تكون ناجحة الا في البلدان المؤسساتية والديموقراطية، لا اقول لا توجد ديموقراطية في العراق الا أنّ الوقت لم يحن بعد لحكومة الأغلبية في العراق، لذا أرى أنّ التوافق هو الحل"، ليضيف قائلا أنّ " التجارب من عام 2003 حتى الآن تقول أنّ التوافق هو المسهّل للوصول الى التعاون ، لأن الجميع يشعرون بالمشاركة ونحن نرى أنّ التوافق هو الأنسب وما أقوله أقتراح وليس تدخلا"!! نقول ليس لوقاحته وهو يصرّح بهكذا تصريحات، بل لخيانة الساسة العراقيين وأنبطاحهم أمامه وأمام بلاده، وفي مقدمة هؤلاء الساسة هم الساسة الشيعة وزعماء العصابات الشيعية المهيئة دوما لأغراق الشوارع بالدماء بأشارة واحد من السيد السفير أو أي معمّم أو سياسي أيراني في أيران، حتى وأن كان مدير ناحية في منطقة نائية فيها. كون الخيانة والذل والشعور بالنقص هي السمة الحقيقية للقيادات الشيعية العراقية أمام الأيرانيين.

أنّ عدم ردّ " ساسة" العراق على تصريحات السفير الأيراني وتدخله بالشؤون الداخلية لـ "بلادهم"، وعدم دعوته الى وزارة الخارجية لتسليمه بيان أستنكار على ما جاء في تصريحاته، لا تفسّر الى بخيانة هؤلاء " الساسة" للعراق أرضا وشعبا..

 السيدات والسادة المتحاصصون: لافرق بين خيانة الضمير وخيانة الوطن، وأنتم بارعون في الحالتين.

زكي رضا
الدنمارك
15/4/20200

57

قضية الكورد الفيليين الموسميّة بين الإرادة والضمير


أيّة قضيّة ودون الخوض في مضمونها وأحداثها ونتائجها وتبعاتها تحمل وجهين متناقضين أولهما الحقّ والثاني هو الباطل، وهذا ما يبتّ فيه القضاة في المحاكم ويصدرون فيها الأحكام التي تتناسب وقوّة الجريمة حسب القوانين المعمول بها. والقضيّة الفيلية بأبعادها المختلفة ونتائجها وما تمخضّ عنها من مأساة لا زالت آثارها موجودة، لا حاجة لقضاة ولا محاكم ليبتّوا في أحقيتها أو بطلانها. فنحن لسنا أمام جريمة جرت أحداثها في مكان منعزل ودون ترك أية آثار لكي تقيّد ضد مجهول، بل أمام جريمة متكاملة جرت في وضح النهار وأمام الملأ، ونُشرت "قوانين" في الصحف الرسمية تعطي الجريمة صفة العدل لتبرّرها!!

على الرغم من أنّ جريمة تهجير الكورد الفيليين وتغييب الآلاف من شبابهم وشابّاتهم وهم في عداد الشهداء اليوم، فأنّها وللأسف الشديد تعتبر قضيّة موسمية على الرغم من أحقيّتها. فهي موسمية عند طرفين، أولّهما أحزاب السلطة دون أستثناء، والمنظمّات الكوردية الفيلية والمتصدّين للشأن الفيلي وكثير من التجّار والدلّالين. وهنا لا أكون قد تجاوزت على أحد منهم، كونهم لا يتذكرون الفيليون وقضيتهم العادلة الّا في شهر نيسان حيث جرت المأساة. وهي موسميّة وللأسف الشديد أيضا عند أصحاب القضيّة الأصليين، أي المهجرّين وعوائل الشهداء والجمهور الفيلي بشكل عام!!

لو أعتبرنا القضية الفيلية عبارة عن جريمة جنائية وهي ليست كذلك بالمرّة، فأننا بحاجة وكي ننجح في كسبها الى محامين أكفّاء ومستقلين ليدافعوا عن ضحاياها. أمّا أن يكون المحامون غير مستقلين ومن أحزاب السلطة، فأنّ كسب القضيّة شبه مستحيل وإن كان المحامون أكفّاء، كونهم يبنون دفاعهم عنها أستنادا الى حيثيات يقدمها لهم من أشترى ضمائرهم. ولأنّ قضية الكورد الفيليين ليست قضيّة جنائية، بل جريمة تطهير عرقي أي جينوسايد وفق قوانين الدولة العراقية التي صدرت في هذا الخصوص، فأننا لسنا بحاجة الى محامين ليقدموا حيثيات الجريمة الى هيئة قضاة في المحاكم العراقية، ليبتّوا في عدلها أو بطلانها. بل بحاجة الى ضمير حكومي و روح القانون وإرادة فيلية مجتمعية بعيدة عن تأثير النخب السياسية ومنها النخب الفيلية نفسها، تلك المرتبطة بالنخب السياسية الحاكمة بحبل سرّي، أي حبل المصالح الشخصية.

بعد أنهيار النظام البعثي المجرم، بدأ الفيليون بأحياء طقوس الشهيد الفيلي وذكرى الجينوسايد والتيه الفيلي، نقول طقوس لأنّ قضية الشهداء الأبرياء هؤلاء أصبحت بالحقيقة طقسا نمارسه في الرابع من نيسان، فهل شهداؤنا وعوائلهم وجميع عوائل المهجرين والقضيّة نفسها هي عبادة وأحتفالات دينية نقوم بها سنويا، وفي أيّام محدّدة من كل عام!!؟

على الكورد الفيليين وهنا أعني الجمهور الفيلي تحديدا وليس نخبه أن يبحثوا أولا عن كرامتهم، لأنّها مفتاح حقوقهم الذي سيفتحون بها الأبواب المغلقة أمامهم، عليهم أن يكونوا مشاكسين بمعنى أن يضايقوا السلطات الحكومية بتظاهرات وأعتصامات على غرار ما يقوم بها الخريجون والمعلمون والمهندسون وغيرهم، ليس أيام العبادة فقط، أي بشكل موسمي بل بشكل منظّم ودوري. فالأعتصام أمام مديرية الجنسية لتكون المواطنة عادلة ومتساوية شكل من أشكال البحث عن الكرامة، والأعتصام أمام وزارة الخارجية ومطالبتها بالعمل على أعادة المهجرين الفيليين من أيران وتوفير حياة كريمة لهم، هو شكل من أشكال البحث عن الكرامة، والأعتصام في شارع الكفاح مثلا ومطالبة السلطات بإيلاء أهتمام بهذه المنطقة وتأهيلها، هو شكل من أشكال البحث الكرامة. كثيرة هي الفعاليات التي تستطيع القاعدة الجماهيرية أن تنظمّها للضغط على سلطة المحاصصة، والتي تحتاج الى إرادة وعزم وثقة بالنفس.

قبل أن انهي المقالة، أودّ ان اشير الى مطالب أقلام كثيرة في البحث عن رفات الشهداء لأقول: أيها السادة لقد اكتشفت السلطات مقبرة لشهداء الكورد الفيليين في بادية السماوة وأغلقتها، لأنها لا تمتلك المال الكافي لتحديد اسماء الشهداء طبقا لتحاليل الحامض النووي ... فهل تمتلك سلطة المحاصصة وهي سلطة لصوصية أساسا كرامة ومصداقية لنصدقها!!؟

الثقة بسلطات المحاصصة والنخب الفيلية التي تلهث وراء مصالحها سراب، فهل أرتوينا من مائهم بعد مرور تسعة عشر عاما على أنهيار البعث!!؟؟

زكي رضا
في الذكرى الثانية والأربعين لعملية تهجير الكورد الفيليين
الرابع من نيسان 2022
الدنمارك


58
بيت الشيوعيين .. بيت الشعب


أن يعقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمرا صحفيا لا تحضره وسائل أعلام الأحزاب الفاسدة ووسائل أعلام السلطة، هو شرف ما بعده شرف لعميد الأحزاب السياسية العراقية. وأن تخرج قيادة الحزب ببيان تناشد فيه علاوة على رفيقاته ورفاقه وأصدقائه ومؤازريه، جماهير شعبنا المكتوية بالفقر في أن تساهم ببناء بيت للحزب هو كما يقول المتنبي "إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ .... فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ" فهل هناك شرف أكبر من أن يناشد الحزب الجماهير الفقيرة لبناء بيتها بنفسها، وهل هناك نجوم أعلى وأكثر لمعانا من نزاهة الحزب، وهو والنزاهة والوطنية توائم لا تجدها في تاريخ أي حزب بالعراق.

بيت الشيوعيين هو تاريخ هذا البلد، وهو الكوخ الذي تبدو كل مقرات أحزاب السلطة وهيلمانها فقيرة أمامه. ففي زاوية من غرفة فيه ترى فهد مكبّلا بالحديد ويقود انتفاضة من داخل سجنه، وفيه ترى حازم وصارم وهما يسيران بثبات نحو الخلود في سبيل بيت الشعب. في تلك الزاوية ترى سلام عادل بكامل أناقته يسير مع الموت الذي طأطأ رأسه خجلا من شجاعته، وليس ببعيد عنه يبصق العبلّي وهو في لحده بوجه قتلته. وفي الزاوية المقابلة تسمع همسا لا تفهم منه الّا أن "أصمدوا أيتها الرفيقات والرفاق فهذا القصر أي قصر النهاية سينهار وسيرحل ومن يديروه إلى مزبلة التاريخ، وسيكون كوخكم هو قصر الشعب الذي تضحون بحياتكم من أجله اليوم، فيلبّي لطيف الحاج وجمال الحيدري وحمزة سلمان وجورج تلو وحسن عوينة ومحمد حسين ابو العيس والمئات من الشيوعيين ذلك النداء ليذوبوا في بيت الشعب، وهناك تسمع صوت قاطرة محمّلة بأبناء بيت الشعب وهي تنهب الأرض نهبا لأنقاذهم من براثن الموت، ولتتوزع عرباته بين نگرة السلمان وسجون العراق المختلفة. وفي الزاوية المقابلة ترى خالد أحمد زكي يصنع السلال من قصب البردي للفقراء ويلونها بدمه ودم رفاقه. وفي مكان آخر من تلك الغرفة ترى عباءة عايدة ياسين معلّقة على الجدار وبجانبها قميصا صباح الدرّة وصفاء الحافظ، ولن تبتعد عيناك بعيدا حتى ترى دماء ستار خضير ومحمد الخضري طرية على جدار الكوخ، وتستمع هناك إلى ضحكات ابو كريّم وأصرار توما توماس وفدائية حسين حجي كنجي - ابو عمشه وبقية النصيرات والأنصار الشيوعيين وهم يرصّعون جبال وسهول كوردستان بأرواحهم من أجل أن يكون بيت الشعب عامرا بالناس.

في الغرفة الثانية من كوخ الشعب يقف الجواهري ينشد "سلام على مثقل بالحديد... ويشمخ كالقائد الظافر"، وأمامه يقف النوّاب مظفّر ليمرّ وهو في قطاره على حمد وليتغنى بالقهوة ورائحة الهيل التي في كوخ الشعب، بعد أن ينعى بيرغ الشرجية، الفلاح صويحب الذي يداعي المنجل بدمه لليوم، وإلى جانبهما يقف عبد الله گوران وهو ينشد "14 تموز/ إنه عرس الجمهورية/ فيا أيها الجسد الراقد في الزنزانة/ أيتها السلاسل..... اصمتي / صمت السكون في الأذن / وأنت أيتها الريح المرتبطة بزنزانتي / اغفي كما يغفو الطفل الرضيع"

أمّا ابو سرحان/ ذياب گزار فتراه بجسمه النحيل يتنبأ بأنتصار الفقراء الخارجين من كوخ الشعب وهو ينشد "بيت الحزب نياشين.. وبيت الحزب بساتين / بي گمر وبي شمس/ بي نهر وبي عرس/ وبي مدرسة وفلاحين"، وقريبا منه يؤمن زاهد محمد زهدي بأنتصار كوخ الشعب ليقول "جم حجّاج مر بينه على مر الزمان وراح مجذوذه نواصيه"، وليس ببعيد عن زاهد محمد يقف عريان السيد خلف ليعلن حبّه وحب أصحاب الكوخ وخوفهم على أطفال الوطن ليقول: الحيطان منخل والدروب حفور/ ووجوه الزغار الحاضنه الشباج / من يهتز قفل حسبالهم شاجور/ مرعوبة جنح وبلا وعي أدّور. وقبل أن نغادر الغرفة/ الوطن تعالوا نصلّي في رحاب نخلة غائب طعمة فرمان ونتوضأ بنبيذ تمرها الأطهر والأشهى من شربت الأنگليز.

في مكان مرتفع قليلا عن الأرض وسط الكوخ يقف يوسف العاني ليقول "بالفتنة والغش والدس كثيرا سمعنا كلمة يس (بلى)/ ثخنتوها كافي عاد نو نو لهناو بس (است)، في قراءة واقعية للعراق الخرابة وفتنة المحاصصة وغش وفساد أحزاب السلطة. وعلى نفس المكان المرتفع (خشبة المسرح) تقف سليمة الخبّازة/ زينب وبجانبها مصطفى الدلال/ خليل شوقي لكن لتوزع الخبز مجانا على الفقراء المعدمين في بلد متخم بالنفط، ولتقول خيرية/ زكية خليفة بتهكم وهي ترى البطالة والفساد والفقر "الحكومة الله يسلمها". وقريبا منهم يجلس ابو گاطع وخلف الدوّاح في صريفة عند باب الكوخ ليقصّا على الفقراء سبب فقرهم وجوعهم قائلين لهم "بويه چا أنتو موش غشمه، وتعرفون يا هو اللي ينهب مال الوادم ويبيع عراگكم بقمري"

قريبا من المسرح يقف فؤاد سالم وشوقية وهما يغنيان "گاعنا فضة وذهب وأحنا شذرها"، وكوكب حمزة يقرّب الگنطرة ليعبرها العاشقون للوطن، أمّا كمال السيّد فلا زال يريد أن "يشيل السلف على راسه" ليحيا أهل السلف بأمان، فيما يبحث طالب غالي وهو ينظر إلى شطّ العرب عن دجلة الخير ليلحنّها ويزيّنها كعروس فائقة الجمال. ووسط هؤلاء تقف فرقة الطريق لتغني للكوخ والناس والوطن، ولتوزع المگبعة المناشير في الدرابين الفقيرة.

 في غرفة من غرف الكوخ التي تحوّلت إلى مدرسة، يقف جعفر الجواهري وشمران علوان وقيس الآلوسي في مقدمة المتضاهرين في وثبة كانون، وليخطوا من حينها أسماء طلبة العراق ونضالاتهم بأحرف من نور، وعلى مقاعد ذلك الصف المدرسي يجلس علي حسن علي وزهور اللامي ورمزية جدّاع يوسف وتماضر يوسف متي وخالد يوسف متي ومعتصم عبد الكريم وهو يرسم على جذوع الأشجار صورة زاهية لأطفال قه زلر.. من هذا الكوخ/ المدرسة، تخرجّ آلاف المناضلات والمناضلين الواهبين حياتهم من أجل بناء وطن لا مكان فيه للأكواخ والصرائف والجوع والبطالة.

في فسحة ترابية أمام الكوخ يقف بشار رشيد وكاظم خلف ورزاق أحمد وكاظم عبود وعبد الواحد عزيز ورسن بنيان وجبار رشك والعشرات من الرياضيين الشيوعيين، ليقولوا للجمهور: نحن من أبناء هذا الكوخ ومنه تعلمنا مباديء حبنا لكم والوطن.

هذا الكوخ الذي يطلب الحزب الشيوعي من الناس مساعدته في بنائه، هو بيت الشهداء والشعراء والفنانين والرياضيين والمسرحيين والكتاب والمثقفين والرسّامين والنحّاتين والأكاديميين، أنه بيت العمال والفلاحين والكسبة. في هذا البيت لا مكان للطائفية والقومية، وأبناء هذا البيت يتنفسون الوطن ويرتوون من مائه ويتظللون بسماءه..

زكي رضا
الدنمارك
19/3/2022



59
الأطار التنسيقي  الشيعي وقصف أربيل  ... بيان منحاز لأيران


لا نريد في هذه المقالة تناول موقف الأطار الشيعي من العملية السياسية،  والتي كان أحد أهم أقطابها وهو حزب الدعوة الأسلامية ودولة ما تسمّى بالقانون يشكلّان العمود الفقري للدولة العراقية وهم على رأسها لثلاث دورات متتالية بشكل مباشر، ويؤثران على قراراتها " الوطنية" بشكل غير مباشر من خلال تواجدهم في البيت الشيعي، كون العملية السياسية والبلاد بشكل عام وصلت في عهدهم الفاسد ولليوم الى الحضيض.  الا اننا سنتناول موقف الأطار بكل أطيافه السياسية والميليشياوية من القصف الأيراني الأخير لمدينة أربيل، من خلال البيان الذي أصدره الأطار. على أن نأخذ التفسير اللغوي لبعض المصطلحات التي وردت في البيان، خصوصا وأنّ هناك نسبة كبيرة من المعمّمين ضمن تشكيلات هذا الأطار، وهم يجيدون اللغة العربية بشكل أفضل من غيرهم كونهم يدرسون أصول اللغة والنحو في المراحل الأولى لدراساتهم الحوزوية.

لقد جاء في البيان الذي أصدره الأطار الشيعي تعرّض " مدينة أربيل الى قصف صاروخي أستهدف احد الأماكن التي تضاربت الروايات حول حقيقتها" مضيفا " خلص المجتمعون الى ضرورة تقديم الأيضاحات على وجه السرعة من قبل المسؤولين المعنيين وتشكيل لجان تحقيقية برلمانية وحكومية لبيان الحقيقة و(لمنع) استخدام الأرض العراقية للأعتداء على دول الجوار و(عدم السماح) لأي طرف بخرق السيادة العراقية من خلال رفع الذرائع وغلق جميع منافذ التدخلات الخارجية بالشأن الداخلي العراقي ".

المنع وعدم السماح لهما تقريبا نفس المعنى لغويا، الّا أنّ المنع هو الأشّد في حالة التحريم أو عدم السماح أو حتى النهي، لذا نرى أن الله منع الخمر من خلال تحريمه، إذ قال في سورة البقرة "( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ). وهذا يعني أنّ التحريم وهو المنع هنا جاء بصيغة الأمر، والّا لكان يستطيع القول بعدم السماح بدل التحريم وهو المنع ايضا. وهنا يكون البيان  بصياغته اللغوية علاوة على السياسية يكيل بأكثر من مكيال وهو يدين قصف مدينة أربيل. فالبيان يضع منع أستخدام الأراضي العراقية للأعتداء على دول الجوار، وهو يعني أيران تحديدا وليس غيرها في مقدمته، ويضع قصف أربيل وهي مدينة عراقية في مؤخرة البيان!! مع العلم أنّ الوية ( الوعد الحق) وهي ميليشيا شيعية قد أستهدفت سابقا منشآت حيوية في ابو ظبي بدولة الأمارات العربية المتحدة بطائرات مسيّرة، دون أن يكون للأطار الشيعي موقفا كما موقفها اليوم من القصف الأيراني على أربيل، فهل السماح بأستخدام الأجواء العراقية على عكس الأراضي العراقية لمهاجمة دول أقليمية مسموح به وفق البيان!!؟   

ولم يبتعد البيان كما عادة الاحزاب الشيعية للتنديد بأعدام العشرات في العربية السعودية، لكنّه كأطار طائفي لفت في بيانه الى أنّ " المجتمعين استنكروا جريمة أعدام أكثر من أربعين مواطنا من شيعة القطيف في السعودية مؤكدين أدانتهم هذه الجريمة المخالفة لمباديء الديانات والقوانين والمواثيق الدولية لحقوق الأنسان"!! وهنا من حقّنا أن نسأل قادة الأطار ونحن ندين الأعدامات ليس في السعودية وحدها بل في أيران وغيرها من البلدان، أن كان قتل المئات من المتظاهرين التشرينيين وجرح الآلاف منهم هو من صلب المباديء الدينية والقوانين والمواثيق الدولية!؟ وهل الأغتيالات المنظمة للناشطين العراقيين المطالبين بأصلاح العملية السياسية الفاسدة التي تقودها البيوتات المتحاصصة، وهي أغتيالات تقوم بها ميليشيات شيعية تحديدا، لها علاقة بالدين والقوانين!!؟ 

وتابع البيان " أننا في الوقت الذي ندعو فيه المنظمات الحقوقية الدولية الى اخذ دورها الحقيقي وألتزام جانب الحياد وعدم الإنجرار خلف سياسات المصالح الضيقة وتوجيهات الأنظمة الحاكمة، نؤكد ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وضمان عدم تكرارها". ومن خلال علاقة القوى الشيعية بأيران، وأصطفاف أربيل الى جانب الصدر والحلبوسي لتشكيل حكومة أغلبية سياسية مثلما يقال، وموقف أيران والأطار الشيعي من هكذا مشروع الذي  يشكل خطرا على مصالحهما، فأنّ البيان هو رسالة مبطنة لحكومة كوردستان، واتهامها بالمسؤولية عن قصف أيران لمدينة أربيل..!!

زكي رضا
الدنمارك
14/3/2014
   


60

الطاقة هي محرّك الأزمة الروسية الأمريكية وليس أوكرانيا

   
العالم اليوم على صفيح ساخن، فالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا والعلاقات المتأزمّة جدا بين روسيا وأمريكا والناتو وحلفائهما من جهة ثانية، يُنذر بمستقبل محفوف بالمخاطر على كامل السلام العالمي، خصوصا وأنّ القوى المتصارعة وعلى رأسيهما الولايات المتحدة وروسيا يمتلكان خزينا من الأسلحة النووية قادرة على تدمير الكوكب عدّة مرات، على الرغم من أنّ تدميره لمرة واحدة كافية لأبادة الجنس البشري. فهل أوكرانيا هي محور الخلاف بين روسيا والناتو والى أي مدى..!؟

لا نستطيع ترك الصراع الروسي الأوكراني حول جمهوريتي دونيتسك ولوغانس اليوم وقبلها الصراع حول القرم والذي حدث سنة 2014 ، والصراع الروسي الجورجي سنة 2008 حول أوسيتيا وأبخازيا. عن نيّة الناتو محاصرة روسيا وخنقها بالتواجد على حدودها، وهيمنتها على البحر الأسود حيث أكبر القواعد البحرية الروسية في سيفاستوبول وشلّها. خصوصا وأنّ الناتو ضرب عرض الحائط ألتزاماته وتنصّل عن وعوده بعدم التوسّع شرقا، بعد أن ضمّ الى صفوفه بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي جميع بلدان حلف وارشو تقريبا. وهذا ما دعا موسكو وقبل هجومها على اوكرانيا، مطالبة اوربا وامريكا بضمانات أمنية بعدم توسع الناتو ابعد ممّا هي عليه الآن كونه يمثل خطرا وجوديا على أمنها القومي. وكان الصحفي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان قد كتب بعد أحداث القرم حول هذا التمدد قائلا " أن نكون جادين بخصوص ما يجري في روسيا، يعني أن نكون جادين في التعلم من أخطائنا الكبيرة التي ارتكبت بعد سقوط جدار برلين. كان من الخطأ أن نفكر بأنه يمكننا توسيع حلف شمال الأطلسي إلى ما لا نهاية، عندما كانت روسيا في أضعف حالاتها وعندما تكون روسيا الأكثر ديمقراطية وأن الروس لن يهتموا لذلك. كان من الخطأ أن نفكر بأنه يمكننا معاملة روسيا الديمقراطية كعدو، كما لو كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة، وأن نتوقع من روسيا التعاون معنا كما لو أن حقبة الحرب الباردة انتهت، وأن هذا لن يؤدي إلا لأن نواجه برد فعل عنيف مناهض للغرب مثل البوتينية".

أنّ الولايات المتحدّة والناتو دفعا روسيا دفعا لغزو أوكرانيا من أجل عزلها اوربيا ودوليا، وحصارها عن طريق عقوبات لم تشهدها أية دولة في التاريخ الحديث لليوم، من أجل الهروب من "هيمنة" موسكو على سوق الطاقة العالمي ومغذية الغاز الرئيسية لأوربا. ومحاولات أمريكا للحد من النفوذ الروسي في أسواق الطاقة العالمية وما يعنيه من تعزيز أقتصادها يمتد الى ابعد من ذلك، وهو محاولاتها المستمرة في تهديد البلدان التي تشتري أو تنوي شراء أسلحة روسية متطورة بأسعار أرخص بكثير من نظيراتها الأمريكية بعقوبات مختلفة أو التهديد بها، كما حدث مع تركيا بعد شرائها منظومة أس 400 ومصر التي تتناقل الأخبار اليوم نيتها ألغاء صفقتها لشراء طائرات سوخوي 35 تحت الصغط الأمريكي، على الرغم من أنّ هذه الطائرات قادرة على خلق حالة من التوازن في منطقة تريد أمريكا أن تكون القوة النوعية فيها لأسرائيل دوما.

بعد أنسحاب أمريكا من أفغانستان وأنحسار نشاط القاعدة وداعش وتأثيرات جائحة كورونا على الأقتصاد العالمي، قلّت شهية العديد من البلدان لشراء الأسلحة الأمريكية، وهذا ما دفع ويدفع أمريكا من خلال المؤسسة العسكرية التي يمثل بايدن مصالحها الى أحياء الحرب الباردة من جديد، وفتح أسواق العالم أمام تدفق الأسلحة الأمريكية، ومن أول بوادر هذه الحرب كانت بزيادة المانيا لـ 2% من ناتجها القومي لتعزيز ترسانتها العسكرية، وهذا ما ستفعله بقية البلدان الأوربية من أعضاء الناتو والتي رحبت به واشنطن بحرارة.

أنّ واشنطن تنتظر من حزمة العقوبات التي فرضتها ومعها أوربا على روسيا وهي تخوض حربها في أوكرانيا، على توسيع الخلاف الأوربي الروسي بشكل أكبر، لتستطيع التفرّد بمساعدة لندن في التحكّم بالقرارات الأوربية وتوجيه سياساتها اكثر نحو ضفة الأطلسي الغربية والحد أو الغاء أعتماد اوربا على الغاز الروسي كوسيلة رخيصة للطاقة. وفي هذا الصدد ومن خلال دعمها اللامحدود لأوكرانيا لأستمرار الحرب وشيطنة روسيا وأنهاء طموحاتها الجيوسياسية في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وأضعاف أقتصادها من خلال أخراجها من نظام سويفت وعزلها عن العالم. وللوصول الى هدفها هذا فأنها تراهن على تحرك شعبي نتيجة ضغط العقوبات على القيادة الروسية، أو انقلاب داخل الكرملين بعزل بوتين من قبل بعض القيادات فيه.

أنّ سلاح روسيا في مواجهة أمريكا والغرب، ليس بوضع قوات الردع النووية على أهبة الاستعداد للرد في حالة تأزم موقفها وهي تواجه حلفا عسكريا ضخما فقط، على الرغم من صعوبة وعدم واقعية اللجوء الى الخيار النووي كسلاح في هذه المعركة. انما يكمن سلاحها بأغراق اوربا بملايين الاوكرانيين كلاجئين اليها وما يعنيه هذا الأمر من أعباء أجتماعية وسياسية وأقتصادية في ظل عدم تعافي العديد من بلدان أوربا لليوم من أضرار ما خلّفته جائحة كورونا على أقتصادياتها. ونيتها في أحتلال أوكرانيا والذي يعني وضع يدها على ما يتجاوز الثمانية عشر مليون طن من القمح سنويا، والذي سيؤدي الى أرتفاع غير مسبوق لأسعار قوت شعوب كاملة، وما ستترتب عنه من أضطرابات على مختلف الأصعدة.

من خلال السيناريو اليوم وتشبث كل القوى المتناحرة بمواقعها المتشددة، يبدو أنّ العالم يتوجه الى ما يشبه الكارثة. لأنّ الرد الروسي على أنهاء دورها العالمي بل وحتى الأقليمي من خلال أملاء سياسات دول صغيرة كانت حتى الأمس تسير في فلكها، سيكون غير محسوب العواقب عند القيادة الروسية في حالة فشل الرهان الأمريكي على تغيير داخلي في روسيا.

فرنسا والمانيا تستطيعان لعب دور الحكماء في هذه الأزمة، على أن يفضلا مصالح الشعوب الأوربية على مصالح غيرها. فأوربا وليست غيرها على الخط الأمامي للحرب، وأوربا وليست غيرها هي من عانت من أهوال الحربين العالميتين، وعليها الآن أن تعمل جاهدة لأيجاد حلول وسط مقبولة من جميع أطراف الصراع خدمة للسلام والأمن الاروربي والعالمي.

زكي رضا
الدنمارك
1/3/2022

61
حتّى لا يطير الدخّان*

قبل الدخول في تفاصيل المقالة، أودّ أن أشكر واضعي الدستور العراقي رغم علّاته على جعل منصب رئيس الجمهورية بروتوكوليا على الرغم من بعض الصلاحيات التي منحت له، بجعلهم نظام الحكم بالعراق نظام برلماني وليس برئاسي.  كما وأنّ انتخاب رئيس الجمهورية العراقية بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان يعني أنّ الموافقة عليه لا تتم الا عبر صفقات سياسية، وهذا يعني أنّ الرئيس يكون تحت رحمة القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي غير المستقر اصلا في العراق، وبالتالي فهو ينفّذ ومن أجل أستمراره بمنصبه أهداف وسياسات هذه القوى، ويقدّم لها ما تريد من خلال إستغلال الصلاحيات الممنوحة له دستوريا.

تنص المادة 27 أولا من قانون المخدّرات والمؤثّرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 على أنّ " يعاقب بالأعدام أو بالسجن المؤبّد كل من أستورد أو جلب أو صدّر مواد مخدرّة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية بقصد المتاجرة بها في غير الأحوال التي أجازها القانون". ولأنني مواطن عراقي كوردي كما السيد رئيس الجمهورية برهم صالح، فأنني توجهت الى بعض المختصّين باللغة العربية لأسألهم عن تفسير هذه المادة كون العربية ليست لغتي الأم. فكان جوابهم من أنّ المادة لا تحتاج الى تفسير أو تأويل،  فهي ليست قرآن كريم ليختلف الفقهاء تبعا لطوائفهم في شرحها وتأويلها، وهي واضحة كما الشمس في رابعة النهار!!

أنّ منصب رئاسة الجمهورية اليوم هو محل شدّ وجذب بين معسكرين سياسيين، كل منهما يعتبر نفسه الفئة الناجية التي سَيُدْخل العراق بها الجنّة الموعودة، كون الدستور منح رئيس الجمهورية صلاحية تكليف ممثل الكتلة الأكبر لتشكيل مجلس الوزراء، وفق المادّة 76 أولا والتي تنصّ على " يكلّف رئيس الجمهورية مرشّح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أنتخاب رئيس الجمهورية".

أنّ  الصراع على منصب رئاسة الجمهورية بين الحزبين الكورديين،  يعود أساسا الى وقوفهما في خندقين متقابلين. فالأتحاد الوطني الكوردستاني اليوم هو في معسكر المالكي وما يسمّى بدولة القانون والأطار الشيعي، فيما يقف الحزب الديموقراطي الكوردستاني في معسكر الصدر والحلبوسي. ولازال الصراع بين الفريقين قائما حول تسمية الكتلة الأكبر في البرلمان.  وتبعا لهذا الصراع فأنّ كلا الفريقين يريدان أن يكون منصب رئاسة الجمهورية  والمتعارف عليه أنّه من حصّة الكورد، من نصيب الطرف الكوردي المتحالف معه. والأمر للآن طبيعي، كونه صراع مصالح حزبية وفئوية ومافيوية، لأن الصراع من أجل مصالح الناس ورفاهيتهم ليس في سلّم أولويات قوى المحاصصة هذه.

هل علينا كمواطنين أن نحترم القانون؟ لا أظنّ أنّ السؤال بحاجة الى صعوبة للأجابة عليه، فالقانون ليس تلك الآلة الموسيقية التي يُعزف عليها، بل هو أساس لبناء الدولة، وعليه فأنّ تطبيقه والعمل به يكون ملزما لجميع أبناء الشعب بغضّ النظر عن الجنس واللغة والدين والعرق والمهنة  والمستوى التعليمي والأختلاف الفكري والآيديولوجي، وعندما نقول الجميع فأننا لا نستثني الطبقة السياسية الحاكمة والتي عليها أن تكون قدوة في تطبيق القانون وروح القانون. فهل السيد رئيس الجمهورية برهم صالح، طبّق القانون وأعاره الأحترام الذي يليق به أي القانون، وهو يرشي دولة القانون لأبقاءه في منصبه؟

لقد نقلت أخبار بغداد غير السارّة كعادتها منذ عقود، خبرا أن صحّ فسيكون كارثيا بمعنى الكلمة، على الرغم من أننا نعيش الكارثة بكلّ تجلياتها وتفاصيلها، فقد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي مرسوما جمهوريا موقّعا من قبل السيد رئيس الجمهورية يعفو فيها أستنادا الى أحكام البند (أولا) من المادّة (73) من الدستور والفقرة (1) من المادة (154) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، وبناء على توصية رئيس مجلس الوزراء. رسم بما هو آت:

أولا يُعفى المحكوم ( جواد لؤي جواد) عمّا تبقّى من مدّة محكوميته في الحكم الصادرعن محكمة جنايات الكرخ في الدعوى المرقمّة (283/ج/2018).
ثانيا: على وزير العدل تنفيذ هذا المرسوم.
ثالثا: يُنَفّذ هذا المرسوم من تارخ صدوره.
كتب ببغداد في اليوم السابع من شهر جمادى الآخرة لسنة 1443 هجرية
الموافق لليوم العاشر من شهر كانون الثاني لسنة 2022 ميلادية
التوقيع برهم صالح رئيس الجمهورية..
 

صور للمجرم بثيابه العسكرية صادرة من مكتب رئاسة الجمهورية

السيد رئيس الجمهورية، أن مرسوكم هذا يعني انكم وكونكم حامي الدستور والقانون، فأنكم تجاوزتم على القانون بشكل واضح وسافر من أجل مصالح شخصية، وهذا ما لا يليق برجل دولة مثلكم. وأنّه يعتبر وكما ذكرت قبل قليل من أنّ مرسومكم بأطلاق سراح المجرم وتاجر المخدرات  جواد الياسري أبن محافظ النجف السابق وعضو حزب الدعوة الاسلامية ودولة القانون وليس المحكوم كما جاء في المرسوم الرئاسي،  ليس سوى رشوة سياسية  لضمان تصويت الأطار الشيعي لكم لتوليكم منصب الرئاسة لدورة ثانية، وتكليفكم الكتلة الأكبر "التي تعملون على ان تكون للمالكي وحلفاءه" التي لم تحسم لليوم لتعيين رئيسا للوزراء.
 

نسخة من المرسوم بتوقيع رئيس الجمهورية برهم صالح

السيد رئيس الجمهورية، أنكم بمرسومكم هذا لم تضربوا القانون العراقي النافذ في مثل هذه الحالات عرض الحائط فقط، بل أنّكم تساهمون بأغراق البلاد بالمخدّرات، وهذا  يعني من أنّكم شركاء في هذه الجريمة  التي تجعل العراق "غرزه" كما يقول أخواننا المصريون، غرزه مغلقة لا يطير منها الدخان بل يبقى جاثما على أرواح وأجساد شباب العراق لتدميرهم وعوائلهم، وتدمير الوطن.

حتّى لا يطير الدخّان* عنوان فلم مصري

زكي رضا
الدنمارك
28/2/2022














 
















62
مستقبل أغلبية الصدر السياسية


أنسداد سياسي، أستعصاء سياسي، مأزق سياسي، "بن بست سياسي" * وغيرها من التوصيفات التي تعبّر عن "عمق" الخلافات البنيوية لسلطة المحاصصة، ليست سوى ترجمة للأزمات التي تتناسل بشكل مستمر منذ الإحتلال لليوم. وبالحقيقة فأنّ أقطاب سلطة المحاصصة اليوم هي نفسها التي بنت وهي في المعارضة صورة وردية عن عراق ما بعد البعث، بقسوته وجوعه وفقره وأهداره للمال العام، والنتيجة بعد ترحيل البعث عن السلطة وأستقدامهم أي المعارضة للسلطة تبيّنّ أنّهم كانو يبنون لنا عراق كما قرى بوتمكين **. فالقسوة أستمرّت لتكون مجتمعية بأدارة هذه الأحزاب، والجوع بقى هو الآخر يحتل مكانته في المجتمع، والفقر زادت مساحته، أمّا هدر المال العام فحدّث ولا حرج، كل هذا وموارد الدولة زادت عمّا كان عهد البعث بمئات المرّات نتيجة أرتفاع اسعار البترول في السوق العالمية وزيادة أنتاجه وتصديره.

لقد برزت أنتفاضة تشرين كثورة ضد سلطة المحاصصة وقبرها، لبناء عراق حلم به أولئك الشابات والشباب. وقد أرعبت تلك الأنتفاضة اركان سلطة الفساد ووراءها دول اقليمية تريد أن يبقى الوضع السياسي هشّا وضعيفا، فعراق ضعيف يعني أستمرار هيمنة هذه الدول على مقدراته، وأستمراره كسوقا مفتوحة لبضائعهم. وقد نبّهت تلك الأنتفاضة قيادات هذه الأحزاب الى نقطة غاية بالأهميّة، وهي أنّ خلافاتهم مهما كانت كبيرة فأنّ أتفاقاتهم من تحت الطاولة أو من فوقها هو الأهم لديمومة سيطرتهم على الأوضاع السياسية بالبلاد، وبالتالي أستمرار عملية نهب ثروات البلد وبناء امبراطوريات مالية وأقتصادية على حساب مصالح الناس ومستقبلهم. وهذا يعني أنّ سلطة المحاصصة تريد كما الدول الأخرى عراق ضعيف وميّت سريريا، دون الأعلان الرسمي عن وفاته و خسارتها سرقاتها ونهبها للمال العام. فهل هذه القيادات فقدت رشدها، أو اصابها الجنون لتخسر مواقعها من أعلان وفاته وأصدار شهادة الوفاة تلك، لأنّ اعلان وفاة العراق يعني خسارة هذه الأحزاب لسلطتها، وبالتالي خسارتها للثروات التي تجنيها من خلال الفساد والرشاوى والأتاوات ..!؟

يريد البعض من المتابعين للشأن السياسي العراقي توصيف الوضع السياسي العراقي اليوم وبعد نتائج الأنتخابات الأخيرة، من أنّه دلالة على تفتت التحالفات القديمة، الشيعية – الشيعية، السنيّة – السنيّة، الكوردية – الكوردية، فهل الوضع هو كما وصف هؤلاء السادة، ونحن نعيش أزمة عدم تشكيل حكومة، وصراع على منصب غير ذي أهميّة كما منصب رئاسة الجمهورية؟ الحقيقة هي أننا نستطيع أن نرى على السطح شكل من أشكال هذه الخلافات، فهل هي جديّة، وهل نستطيع أن نراها في العمق؟ هنا علينا التوقف مليا مبتعدين عن الضجيج الأعلامي حول الخلافات بين البيوتات الحاكمة، لننظر الى الاسباب التي تعطّل تشكيل الحكومة، وهل هي اسباب نتجت وتنتج عن خلافات جوهرية على شكل الدولة ونظرتها للمجتمع وأدارتها للأقتصاد وتوفير حاجات الناس ليعيشوا بكرامة، أم أنّ الخلافات هي خلافات شخصية  للهيمنة على المناصب الحكومية التي تدرّ أرباحا اكثر، كوننا نعيش بازار بمعنى الكلمة؟

يتحدث التيار الصدري اليوم عن حكومة أغلبية سياسية، فماذا تعني الأغلبية السياسية بنظره؟ علينا بداية التأكيد على أنّ الأغلبية السياسية التي يدعو اليها الصدر ليست أغلبية مطلقة، بل أغلبية نسبية أو بسيطة، وهذه قد تكون مفتاحا للبدأ بفتح أبواب مغلقة عديدة لو كانت هناك أرادة سياسية حقّة وقادرة على حسم الموقف بشكل جدي وصارم خدمة لمصالح شعبنا ووطننا. ودعوة الصدر لحكومة أغلبية سياسية تضم جزء من الكورد وهم جزء من نظام المحاصصة الطائفية القومية، وجزء من السنّة وهم أيضا جزء من نظام المحاصصة الطائفية القومية، وجزء من الأطار الشيعي وبالأحرى كل البيت الشيعي عدا المالكي وهم اساس نظام المحاصصة الطائفية القومية، هي ترجمة بلغة بسيطة لأنتاج نظام محاصصة طائفية قومية جديد، هذا أن كنا قد غادرنا هذا النظام اصلا.

الصدر وتياره اليوم أمام خيارين، أولهما هو رفض انضمام الأطار الشيعي باكمله في الحكومة القادمة، وهنا يكون قد أثبت للرأي العام العراقي قبل انصاره عدم أنصياعه لأوامر طهران، وهذا ما يمنحه مجالا اوسع للحركة والمناورة لتنفيذ ما طرحه أمام ناخبيه من شعارات، وأهمها حصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفساد وتقديم رؤوس عليها القيمة منهم الى القضاء لمحاكمتهم وأسترداد ما نهبوه، لكنّ ما هو موقف بقية حلفاءه في حالة أتخاذه لقراره هذا وبينهم اعداد كبيرة من الفاسدين الكبار؟

الخيار الثاني هو أن تكون كتلته وهي اكبر كتلة برلمانية ومعه المستقلين معارضة أيجابية حقيقية، أي تثمين أي قانون يساهم في أستقرار البلاد على مختلف الصعد، والعمل على سنّ قوانين تؤمّن مصالح الناس وتحافظ على ثروات البلاد. وبموازاة ذلك، تعمل على مراقبة أداء الحكومة مراقبة دقيقة ومحاربة الفساد وكشف ملفّات الفساد السابقة وملاحقة المتورطين فيه.

يبدو من خلال الصراعات الظاهرية التي تلقي بظلالها الخجولة على المسرح السياسي البائس اليوم، من أن السلطات في العراق ماضية في أنتاج الأزمات، وأنّ من يقودون البلاد ليسوا رجال دولة، والحكومة التي يعمل الصدر على تشكيلها ستضع أزمات البلاد في برّاد، لتعود تلك الأزمات من جديد بعد تشكيل الحكومة مباشرة وتقسيم الوزارات بين المنتصرين، نقول بين المنتصرين لأن المهزوم الوحيد في هذه المهزلة هو شعبنا المكتوي بأستهتار طبقة سياسية طفيلية وفاسدة بمقدارته ووطنه ....

الدروس المستوحاة من الأنتفاضة وسعتها المستقبلية هي من سترسم العراق الجديد، وليس صراع البيوتات الحاكمة.



* مصطلح فارسي، ويعني الطريق المسدود.
** قرى بوتمكين " قرى زائفة أنشأها غريغوري بوتمكين على ضفاف نهر الدنيبر لخداع الإمبراطورة يكاترينا الثانية أثناء رحلتها للقرم.

زكي رضا
الدنمارك
14/4/2022



63
المنبر الحر / عاش الشَعـــــــ ..
« في: 22:57 08/02/2022  »
عاش الشَعـــــــ ..


في كل ثامن من شباط ومنذ ذلك الفجر الدموي الذي كان بوّابة الجحيم العراقي المستمرّ لليوم، يُكتب الكثير عن تلك الحفلات الهمجية التي مارسها الحرس القومي بحق أبناء شعبنا وفي مقدمتهم قيادة وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي. كما وتعتبر تلك الرِدّة السوداء مساحة لكتابة العلاقة بين البعثيين وحلفائهم الذين شاركوهم ذلك الأنقلاب، أن لم يكن بالتخطيط لها، فبالأعتراف بها منذ لحظاتها الأولى كما القيادة الكوردية وبأمر من الملّا مصطفى البارزاني التي أبرقت الى ما يسمّى بمجلس قيادة الثورة برقيّة موقّعة من قبل صالح اليوسفي وفؤاد عارف كان نصّها " أنّ ضربات الشعب الكوردي تلاحمت بالثورة المجيدة على العدو اللدود للقوميتين الشقيقتين العربية والكوردية وبقية الشعب العراقي على الجلّاد الأوحد لشعبنا الكوردي المسلم وعلى اوكار الخيانة الملطّخة بعار دماء شهداء الشعب وقوّاته المسلّحة وكوارثهم وويلاتهم "(1)، وكان فؤاد عارف ومعه جلال الطالباني ضمن الوفد العراقي للتهنئة بعيد تأسيس الجمهورية العربية المتحدة في 23 شباط 1963، قبل أن ينتهي شهر العسل بأندلاع المعارك بين الطرفين الكوردي والبعثي بأشهر قليلة وتحديدا في العاشر من حزيران، أو من الذين باركوها ووقفوا الى جانبها بكل قوّة كما المرجع الشيعي وقتها السيد محسن الحكيم، قبل أن ينتهي شهر عسله والمرجعية الشيعية بالبعث هو الآخر. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه قطعان الحرس القومي تبحث عن الشيوعيين وأنصارهم والعديد من الديموقراطيين والوطنيين للتنكيل بهم " وجرى أعدام كل شيوعي – حقيقي أو مفترض-لإبدائه أقل مقاومة أو لمجرد الاشتباه بنيته في المقاومة. وأرهق عدد الذين أعتقلوا بهذه الطريقة السجون الموجودة فتمّ تحويل النوادي الرياضية ودور السينما والمساكن الخاصّة وقصر النهاية، وحتّى جزء من شارع الكفاح في الأيّام الأولى الى معسكرات اعتقال. وكانت الاعتقالات تنفّذ بموجب قوائم موضوعة سابقا"(2). وسيبقى بيان رقم 13 وصمة عار في جبين البعث وحلفائه الذين صمتوا عنه، ويقول القيادي البعثي محسن الشيخ راضي حول هذا البيان سيء الصيت والسمعة " ففي هذا الشأن لا أملك المعلومة الدقيقة، ولست مطلعا على من كتب هذا البيان من قادة حركة 8 شباط، أو من قام بصياغة عباراته الدموية الصريحة الداعية الى أبادة الشيوعيين في العراق" (3)

لقد كانت محنة الثامن من شباط بالنسبة للحزب وقاعدته الجماهيرية اكثر قسوة من محنة الحزب في العام 1949 وأعدام قيادته وعلى رأسها الرفيق الخالد فهد، والثامن من شباط لم يكن بالحقيقة ضربة موجعة للحزب الشيوعي العراقي، قدر ما كان ضربة موجعة وقاسية لشعبنا ووطننا. فهذا الانقلاب كان بوابّة لفتح كل ابواب العراق للريح الصفراء التي دمّرت بلدنا وأوصلته الى ما هو عليه اليوم، هذه الريح التي صنعتها المخابرات المركزية عن طريق حزب البعث، وهذا ما أكّده الملك حسين بعد أشهر من الانقلاب في لقاء له مع محمد حسنين هيكل في فندق " كريون" في باريس إذ قال له " تقول لي إنّ الاستخبارات الأميركية كانت وراء الأحداث التي جرت في الأردن عام 1957 . أسمح لي أن أقول لك إنّ ما جرى في العراق في 8 شباط ( فبراير) قد حظي بدعم الأستخبارات الأميركية. ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة. لقد عُقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الاميركية، وعُقد أهمّها في الكويت" (4) . ولم يقتصر الأمر على الملك حسين في تناوله علاقة البعث بالمخابرات الأمريكية، فها هو عضو في قيادة البعث رفض ذكر اسمه يقول في حديث له مع بطاطو " أنّ السفارة اليوغسلافية في بيروت حذّرت بعض القادة البعثيين من أنّ بعض البعثيين العراقيين يقيمون اتصالات خفيّة مع ممثلين للسلطة الامريكية" (5).

في التاسع من شباط قتل البعثيون شعبنا بأكمله في مبنى الأذاعة، ليس لأنهم أعدموا قاسم ورفاقه، وليس لأنهم حولوا العراق الى مسلخ بشري، بل لأنّهم كانوا مرعوبين من كلمة الشعب التي هتف بها المهداوي وهو يستقبل رصاصاتهم الغادرة بشجاعة الوطني الغيور على شعبه ووطنه، وهذا أكّده طالب شبيب إذ قال " خرجنا جميعا من القاعة وبقي الرماة، وتمّ الرمي وحينها علمت من الرماة فور خروجهم، أنّ قاسم هتف بشيء لم يميزوه لكن الوحيد الذي ميزوا ما قاله هو المهداوي الذي هتف بصوت عال: " عاش الشَعـــــ .." ولم يُكملها (6)

مَن نصّبنا – يا ترى – أوصياء للدفاع عن الله ضد عدوّه " يقصد عبد الكريم قاسم"؟!! وهل الله بحاجة الى من يدافع عنه!!. كنّا عفلقيين أكثر من عفلق نفسه (7)

من نصّبكم أيّها الميليشياويون – يا ترى – أوصياء للدفاع عن الله ضد فقراء شعبنا!!؟ وهل الله بحاجة الى من يدافع عنه!! أنّكم خمينيون اكثر من الخميني نفسه



1- "عراق 8 شباط 1963 .. من حوار المفاهيم الى حوار الدم .. مراجعات في ذاكرة طالب شبيب" د. علي كريم سعيد ص 250
2- "العراق .. الكتاب الثالث، الشيوعيون والبعثيون والضباط الاحرار" حنا بطاطو ص 300
3- " كنت بعثيا . مذكرات محسن الشيخ راضي" الجزء الاول ص 152
4- "العراق .. الكتاب الثالث، الشيوعيون والبعثون والضباط الاحرار" حنا بطاطو ص 300
5- المصدر اعلاه، نفس الصفحة
6- "عراق 8 شباط 1963 .. من حوار المفاهيم الى حوار الدم .. مراجعات في ذاكرة طالب شبيب" د. علي كريم سعيد ص 104 – 105
7- " كنت بعثيا . مذكرات محسن الشيخ راضي" الجزء الاول ص 148

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2022



64
الإستعمار الإيراني للعراق أخطر اشكال الإستعمار


بعيدا عن العاطفة مع التحلّي بشيء من المنطق والنظرة الحيادية للعراق اليوم، نستطيع أن نقول ولحدود بعيدة من أنه أي العراق يرزح تحت حكم إستعماري شرس. وإستعمار العراق اليوم  ليس إستعمار بالشكل المتعارف عليه من حيث إستعمار دولة لأخرى لنهب ثرواتها، أي ليس كما الإستعمار القديم الذي كان يعمل على الإستيطان في البلد المحتل ونهب ثرواته، على الرغم من أنّ هذا الأمر قابل للنقاش في العراق اليوم. أمّا كون الإستعمار بالعراق اليوم هو إستعمار حديث، كما كان الإستعمار الأوربي لبلدان العالم المختلفة في آسيا وأفريقيا خصوصا بعد الثورة الصناعية، لإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها والبحث المستمر عن الخامات الرخيصة، فالأمر لا يخلو هو الآخر من اسئلة قابلة هي الأخرى للنقاش في حالة بلدنا.

ولم تُستعمر دولة على مدى التاريخ، الّا وكانت تنظّم مقاومة مسلّحة بشكل أو بآخر ضد المحتلين الغزاة، ولم يتخلف الشعب العراقي في مواجهة الإحتلالين البريطاني أثناء ثورة العشرين، ومقاومة المحتلين الأمريكان بعد الإحتلال الأمريكي سنة  2003 عن هذه الشعوب في نضالها الوطني. ولو راجعنا تاريخ مقاومة الشعوب للمحتلين، فسنرى إنها حققت وعلى رغم قوافل الضحايا نصرا عليها في آخر المطاف. وفي الحقيقة فأنّ مقاومة المحتلين عسكريا وعلى الرغم من كثرة الضحايا والخسائر في هذا الطريق، هو أسهل أشكال النضال. فالشعوب التي قدمّت عشرات أو مئات الآلاف من القتلى في سبيل نيل حريتها ودُمّرت مدنها كما فيتنام مثلا، لم تخسر أهم معاركها وهما المعركتين الفكرية والثقافية. وعدم خسارتها هاتين المعركتين، فتح الطريق أمامها للإستقلال الحقيقي والسير قدما في بناء بلدها.

هل العراق اليوم دولة مستقلّة؟ أو دعونا طرح السؤال بصيغة أخرى، هل العراق دولة محتلة؟

نظريّا وبعد ترتيبات خروج القوّات الأمريكية المحتلّة من البلاد، يعتبر العراق دولة مستقلة. كما وأنّ عضويته في منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وكذلك عضويته في المنظمات الإقليمية والدولية المختلفة تشير الى ذلك دون أدنى شك. لكنّ هل العراق عمليّا هو دولة مستقلّة، أو أنّه لا زال يرزح تحت حكم إستعماري غير الإستعمار الأمريكي؟

من خلال الواقع السياسي غير المستقر بالبلاد، وضعف الإقتصاد العراقي وإنهيار البنى التحتية وتخلّف القطّاعات الإنتاجية أو إنهيارها بالأحرى، فأنّ البلاد هي تحت رحمة إستعمار يتّخذ العراق سوقا لتصريف منتجاته بتواطئ محلّي. وهذا الشكل من الإستعمار هو شكل من أشكال الإستعمار الحديث والذي بدأ بعد الثورة الصناعية في أوربا مثلما قلنا قبل قليل، ومن الممكن مواجهة هذا الشكل من الإستعمار في حالة وجود إرادة سياسيّة متحررّة من عقد الماضي، وقيادات تحترم شعبها ووطنها وتعمل على رفعتهما.

الّا أنّ المشكلة الكبرى تكون في مواجهة الشعوب لإحتلال غير عسكري، أو لنقل إحتلال غير مباشر. خصوصا إن كان المحتلّون يمتلكون أدوات تشكيل منظومة فكرية ثقافية إجتماعية في جزء من البلاد وفرضها على كامل البلاد لوجود حاضنة إجتماعية لهذه المنظومة. وهذا الشكل من الإحتلال هو ما يواجهه شعبنا اليوم، إضافة الى العامل الديني المذهبي والقومي والتغييرات الديموغرافية التي تضرب البلاد.

لقد إستثمرت إيران وجود المعارضة الإسلامية فيها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعلاقاتها مع القيادات الكوردية وتطلعاتها القومية بشكل كبير جدا. وإستطاعت أن تبني لها في قيادات هذه الأحزاب وجماهيرها لحدود معيّنة، شبكات إستخبارية تعمل لصالحها وتأتمر بأوامرها خصوصا عند القوى الشيعية. وما أن رحل النظام البعثي بعد الإحتلال الأمريكي عن السلطة، حتى ملأت إيران بوكلائها الفراغ السياسي، في ظل جهل وتخلّف أمريكي بطبيعة العلاقات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والدينية، وخصوصا عند شيعة العراق مع إيران. وقد وافقت القوى الكوردية على المشروع الإيراني في إدارة العراق من خلال قبولها بنظام المحاصصة الطائفية القومية، وأبتلع سنّة العراق الطعم أيضا ليصبح العراق اليوم مستعمرة إيرانيّة، من حيث القرار السياسي والتبعية الإقتصادية بفتح أسواقه للبضائع الإيرانية وغيرها من البلدان الإقليمية.  لكن هل هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجهه بلدنا وشعبنا؟

أنّ الخطر الأكبر للإحتلال الإيراني للعراق ليس إحتكارها للقرار السياسي اليوم على الرغم من خطورته، وليس من تعداد ميليشياتها الولائية وغير الولائية التي لاتستطيع الخروج عن الإجماع الشيعي برعاية إيران،  وليس كون العراق سوقا لبضائعها وبقية بلدان الجوار، بل يكمن الخطر بإستعمار شعبنا فكريا وثقافيا ومذهبيا. فإيران اليوم تفرض ثقافتها الدينية الطائفية على العراق من خلال مراكزها الثقافية والدينية ومدارسها المنتشرة في محافظات الجنوب حيث المدن الشيعية وخصوصا مدينة البصرة الحدودية، كما تقوم وعن طريق أذرعها العسكرية بالتغييرات الديموغرافية في بلدات محيط بغداد ومحافظتي ديالى وصلاح الدين، بل أنها قامت بغزو فكري ثقافي لبلدات مسيحية في سهل نينوى!!  كما قامت وتقوم وعن طريق التسهيلات المقدّمة لها من قبل السلطات العراقية بتجنيس عشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من الإيرانيين بالجنسية العراقية لسببين، أولهما هو التغيير الديموغرافي بالبلاد، والآخر هو أنّ المتجنسين هؤلاء لهم ثقل إنتخابي وميليشياوي وتجسّسي وتخريبي.

من خلال الغزو الفكري والثقافي والمذهبي الإيراني للعراق، فأنّ الإستعمار الإيراني للبلاد يعتبر إستعمارا طويل الأمد وذو آثار تفوق ضرر كل أشكال الإستعمار الحديث منه والقديم. ولنخرج من هول كارثة هذا الإستعمار، فإننا بحاجة لنهضة فكرية ثقافية في ظل حكم سياسي رشيد، وقد يمتد تعافينا من آثار هذا الغزو لعقود، خصوصا وأنّ نسبة الوعي إنحسرت كثيرا أمام شيوع مفاهيم الجهل والتخلف وخصوصا الدينية منها، والتي تغذّيها إيران عن طريق وكلاؤها بشكل منظّم ومدروس  .....

زكي رضا
الدنمارك
11/1/2022


 


65
أنا أبحث عن الله في .....


بعد حفلة الفنان محمد رمضان التي أقيمت في جزيرة السندباد ببغداد، إنطلقت القوى والشخصيات الدينية  في خطاب ديماغوجي تبحث فيه عن الأخلاق والقيم الإسلاميّة التي أُهدرت وتُهدر من خلال حفلات الفجور التي تُبعد الشابات والشباب عن الله،  وتتجاوز وتستهتر بالمنظومة القيمية والأخلاقية للشعب العراقي كما جاء في بيان حزب الدعوة الإسلامية!!  وكأنّ الفنانة مادلين طبر التي أقامت حفلا فنيا برعاية زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي ببغداد بمناسبة يوم الصحافة العراقية في شهر آب/ أغسطس سنة 2016  لم تغنّي في ذلك الحفل، بل كانت تتلو آيات من الذكر الحكيم، أو تقرأ دعاء كميل في حضرة الدعاة ورجال الدين!! أم لأنها أنثى وجميلة وتتلوى كالأفعى في حضرة الحُواة الإسلاميين، الذين لم ينظروا إليها كبقرة وهم يلتهمونها بعيونهم  وأحاسيسهم، تاركين الله الذي يدعون عبادته في دُرج مهمل !!   

ككل مزايدة بين الإسلاميين في مثل هذه الحالات خرج علينا مقتدى الصدر يبحث عن طاعة الله والأخلاق والأفكار والعقيدة الإسلامية، التي تُبعد شباب العراق عن الله والقيم الإسلامية والمجتمعية كما يدّعي. وكحل لهذه المشكلة الكبيرة، يقول الصدر من أنّه صار لزاما علينا تفعيل مشروع " ديني – عقائدي – أخلاقي" و " إرجاع المجتمع الى الله" !!! وأن الخطوات الأولى في هذا السبيل ولازال الحديث لمقتدى الصدر هو " تفعيل المساجد والحسينيات لتكون دارا للطاعة والخدمة والرجوع لله".

الرجوع لله ....!!  أين يوجد الله عند حزب الدعوة ومقتدى وشيوخ الإسلام..؟ وكيف السبيل للعودة إليه،  هذا إن كان المؤمنون البسطاء قد تركوه أصلا..؟ إنّ الله وفق ما تعلّمناه من الدين قبل أن يتاجر به الدعاة ومقتدى وبقية الإسلاميين،  ليس ربُّ يُعبد دون قيم وأخلاق، وليس بعبعا لتخويف الناس وإرهابهم.. فالله أو أي إسم آخر له وفي أي دين، هو رحمة ومغفرة وحب وصدق وأمانة. الله، يجب أن يكون طريقا للبناء لا الهدم. الله،  هو طريق لزيادة معارف الإنسان لا نشر الجهل بين البشر، وعليه يجب تفعيل المدارس والجامعات لنشر النور وهو العلم بينهم. الله، عافية وليس مرض ويجب هنا تفعيل عمل المستشفيات لإنتاج إنسان معافى. الله، رشيد يرشد الناس للخير، وليس فاسد ينهب الناس. الله، رحمة وليس بمستبد...

المالكي والصدر وبقية إسلاميي العراق يبحثون عن الله في المساجد والحسينيات، وأنا أبحث عنه في المدارس الآيلة للسقوط. هم يبحثون عنه بين أفخاذ الرضيعات بتفخيذهن، وأنا أبحث عنه في براءة طفولتهن ودموع أمّهاتهن. هم يبحثون عنه لإحتكاره، وأنا أبحث عنه ليكون مشاعا لجميع الناس بغضّ النظر عن أديانهم وطوائفهم. هم يبحثون عنه كأداة للقمع، وأنا أبحث عنه كطريق للحريّة. هم يبحثون عنه ليقتلوا الناس بإسمه، وأنا أبحث عنه للرحمة بالناس. هم يبحثون عنه من خلال منابرهم، وأنا أبحث عنه في مساطر العمّال الفقراء. هم يبحثون عنه بجكساراتهم وجيوش حماياتهم، وأنا أبحث عنه حافي القدمين. هم يبحثون عنه من خلال ولائمهم الفاخرة، وأنا أبحث عنه في المزابل حيث الجوع يفتك بالفقراء. هم يبحثون عنه في ثروات وطننا، وأنا أبحث عنه في جيوب المحرومين. هم يحولونه لسوط بيد ابو درع والولائيين، و أنا أريده يد حانية على رؤوس الارامل والأيتام.

من أقرب الى الله، انا الذي ابكي طفل عراقي يتيم وجائع أم الذي سرق أموال هذا الطفل؟  من أقرب الى الله، أنا الذي أغضّ البصر باكيا عن إمرأة جائعة في بلادي، أم الذي يريد أن يضاجعها متعة لحاجتها؟ من أقرب الى الله، أنا الحريص على ثروات بلدي أم الذي ينهب تلك الثروات؟ من أقرب الى الله، أنا الذي أردد قول محمّد " إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة"، أم الذي جعل الرشوة ثقافة في مجتمعنا!؟

إنني أرى الجواهري ينظر الى  حال العراق الإسلامي وحال النجف اليوم وهو ينشد:

يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً  هُناك، وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ  وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ  ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها  إلى غرضٍ يقضُونه ، وأداة
وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ، ومِنهُمُ  لُصوصٌ ، ومنهمْ لاطةٌ وزُناة

زكي رضا
الدنمارك
20/12/2021

   

66
الديموقراطية التوافقية
المحاصصة الطائفية القومية وخطرها على الدولة العراقية

الديموقراطية كلمة لاتينية من مقطعين، الأوّل Demos وتعني الشعب، والثاني Kratos وتعني الحكم أو السلطة، وبالتالي فأنّ مفهوم الديموقراطية كمصطلح هو حكم الشعب. والديموقراطية على الرغم من تعريفها الواضح الا أنّها تتمايز في أشكالها من بلد لآخر تبعا لتطور مجتمعات تلك البلدان أو تخلفها ثقافيا، وكذلك على مبدأ العدالة الإجتماعية والإستقرار السياسي اللتان ترسّخان مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال آليات ديموقراطية تتطور بإستمرار.

التشريعات التي فتحت الطريق للتطور الديموقراطي في بريطانيا وحاجتنا لها

أنّ الديموقراطية البريطانية العريقة على سبيل المثال شهدت في العام 1868 تشريع وإصدار جملة قوانين لإصلاح المشاكل الإجتماعية والإدارية من قبل البرلمان، وهذه القوانين فتحت الباب واسعا لتطور العملية الديموقراطية بالبلاد. ولم يطل الأمر كثيرا للبدأ بإصلاحات جذرية تهم قطاعات واسعة من الجماهير من قبل البرلمان وقتها، ففي العام 1870 أي بعد سنتين فقط سنّ البرلمان البريطاني قانون الخدمة المدنية الذي فتح الابواب مشرعة ليتولى الكفوءين المناصب الإدارية بالبلاد، بعدما كانت هذه المناصب من حصة علية القوم او من الذين يستطيعون شرائها! ويبقى قانون التعليم الذي سُنّ في نفس العام ليحد من سطوة المدارس الكنسية وليشيع نظام تعليمي جديد من خلال مدارس تدعمها الحكومة، قفزة هائلة في تحديث التعليم الذي خطا خطوات جبّارة للأمام من خلال تعليم أطفال الطبقات الفقيرة، والذي ساهم في تغيير اللوحة الإجتماعية بالبلاد.

طرحنا سن قانون الخدمة المدنية وقانون التعليم، ليس لمقارنة الديموقراطية البريطانية العريقة والتي تتطورت خلال قرنين من الزمن لتصل الى ما هي عليه اليوم بـ " الديموقراطية" العراقية، بل إشارة لقصر الفترة الزمنية لسن وتشريع قانونين غيّرا شكل المجتمع البريطاني، مقابل تراجع شكل النظام " الديموقراطي" العراقي بإستمرار منذ أن جاء به المحتل الأمريكي لحل مشاكل الدولة العراقية، والتي تتعمّق وتزداد تعقيدا كلمّا مضينا قدما بهذا الشكل من أشكال الديموقراطية المعتمدة على المحاصصة الطائفية القومية في توزيع مراكز القوى والمناصب، أي الديموقراطية التوافقية. وقبل الدخول في ماهية الديموقراطية التوافقية وتطبيقها الذي سيقودنا الى كوارث على صعيد المجتمع والإقتصاد والتعليم والبيئة وغيرها إن لم يقدنا لليوم، ومقارنتها بأقرب تجربة ديموقراطية توافقية قريبة لنا جغرافيا وما آلت إليه كلبنان، سأتناول بشيء من التبسيط تقريرا تحت عنوان (إستراتيجيات لدعم الديموقراطية في العراق) (1) أعدّه أريك ديفيس أستاذ العلوم السياسية ومدير سابق في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة راتجرز لصالح معهد السلام الأمريكي UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE في العام 2005 ، وإيريك ديفيس هو نفسه مؤلف كتاب (ذكريات دولة: السياســة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث). وهذا المعهد وعلى الرغم من كونه "مؤسسة فدرالية غير حزبية" كما يُعرِّف نفسه، الا أن الكونغرس الامريكي هو من انشأه ويموله، والرئيس الامريكي هو من يعيّن مجلس إدارته ويصادق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي!

إستراتيجيات دعم الديموقراطيّة بالعراق من وجهة نظر معهد السلام الامريكي

في مقدمة التقرير يشير الكاتب الى أنّ بدأ العملية " الديموقراطية" بالعراق تعني أن لا عودة للوراء، وعملية التحول الديموقراطي الجدّي والتي بدأت حسب وصفه بحاجة الى أن يعمل العراقيون على " إضفاء الطابع المؤسسي على نظامهم السياسي الديمقراطي الوليد"، ويستفيض الكاتب بشرح مفصّل عن هذا الأمر من خلال تناوله التاريخ الديموقراطي للعراق منذ عهد السومريين الى يومنا هذا ليصل الى " أن الديمقراطية ليســت جديدة على العراق، والواقع أن العكس هو الصحيح تماما".

لقد تناول التقرير المُعَد بإستفاضة وأرقام وأحداث وشخوص وهيئات وأحزاب مساحة واسعة من العملية السياسية بالعراق بعد الإحتلال لحين تاريخ إعداده، كما تناول إقتراحات كاتبه ونظرته لشكل العملية الديموقراطية بالبلاد وآفاقها المستقبلية. ومثلما بدأت الديموقراطية البريطانية بإيلاء إهتمام كبير للتعليم، يقترح الكاتب جملة توصيات من أجل تطوير التعليم والمناهج الدراسية لتكون بوابّة لفهم اكبر للعملية الديموقراطية من خلال " إدخال مواد للتدريس ذات توجه مدني". لقد تناول التقرير بعد المقدمة الشروط اللازمة للديموقراطية والتي حددها بأربع نقاط ، والخصها من وحي التقرير بـ  :

1- "بناء مؤسسات قوية تحمي المواطنين من الممارسات التعسفية للسلطة السياسية".
2- "أنّ المواطنين يجب أن يصلوا ليس الى صحافة مستقلة ونظام للإتصال الجماهيري، بل ايضا الى نظام تعليمي يدعم الفهم المدني والقيم المدنية".
3- "يجب أن تعمل الحكومة على أن يتمتع جميع المواطنين بالعدالة الإجتماعية. أنّ مجتمعا تنتشر فيه البطالة ولا يرى الشباب فيه أملا في المستقبل لا يستطيع أن يبني ديموقراطية قوية".
4- "يجب أن تتسم جميع المجتمعات الديموقراطية بالإتفاق بين المواطنين على المثل العليا الأساسية التي تجمع بينهم".

ويصل كاتب التقرير الى حقيقة معروفة وهي أنّ الديموقراطية تفشل عندما لا يتمتع المجتمع بمستوى معيشي لائق، وشيوع البطالة والأمية، والركود الإقتصادي، وتراجع منظمات المجتمع المدني وغياب العدالة الاجتماعية. لكنّ العدالة الإجتماعية وهي أساس قوي في بناء النظم الديموقراطية، قد نراها في بلدان غير ديموقرطية كالإمارات وقطر على سبيل المثال، فالفائض المالي الكبير في ظل الإقتصاد الريعي وتعداد السكّان والعلاقات القبلية المتداخلة والإدارة الصحيحة لموارد البلد لحدود معيّنة ساهمت في تبني الدولة مبدأ العدالة الإجتماعية دون تحقيق الشروط اللازمة لتحقيقها بشكلها السياسي والإجتماعي والإقتصادي المطلوب، وعلى الرغم من هذا تبقى هذه الحالة إستثناء وليس قاعدة. فقيام العدالة الإجتماعية في مجتمع ما بحاجة الى عمليات تنمية سياسية وإقتصادية وإجتماعية تبدأ ببناء دولة مؤسسات تأخذ على عاتقها الشروع بعمليات تنمية إقتصادية تتكفل بتوفير حاجات الناس، ويعتبر الضمان الإجتماعي من الأسس المهمة لتحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية، وهذا يعني تحمل الدولة مسؤوليتها في تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال تقديم مساعدات مالية للسكان الأكثر إحتياجا مع ضرورة توفير رعاية صحية وتعليم جيد لجميع الفئات الإجتماعية في المجتمع، ويبقى الطريق للعدالة الإجتماعية معدوما في حالة غياب الأمن والسلام والحريات الفردية وعدم إحترام حقوق الإنسان ومنها حقوق الطفل والمرأة بل وحتى حقوق الحيوانات. وإذا أخذنا بلادنا كمثال فسنرى من إننا بعيدون جدا عن تحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية، فالفساد وسوء الإدارة يلتهمان الجزء الأكبر من مداخيل البلد، علاوة على إنعدام الأمن والسلام فيه. كما وأنّ العدالة الإجتماعية في بلد بتعداد العراق السكّاني والذي تتزايد أعداده بوتائر سريعة، لا يستطيع الإقتصاد الريعي مواكبته ولو بحدوده الدنيا. لذا وليتحقق الشكل الأمثل للعدالة الإجتماعية في ظل نظام ديموقراطي حقيقي، فإننا بحاجة الى موارد ضخمة لا تعتمد على الإقتصاد الريعي وتقلبّات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، بل الى إدارة كفوءة وبنى تحتية وتنوّع إقتصادي لتجنب المخاطر التي تهدد إقتصاد البلاد. أي وبمعنى آخر فإننا بحاجة الى سياسة إقتصادية علمية وعقلانيّة تعمل على تطور ونمو الإقتصاد وتنوعّه من خلال تعزيز القطاع العام وفسح المجال امام القطاع الخاص الوطني للمساهمة في الإستقرار الإقتصادي المنشود والذي يقود الى تحقيق العدالة الإجتماعية، من خلال إرساء نظام ديموقراطي. وعودة للتقرير فأنّه لم يتنبأ وهو صادر عن معهد ابحاث تابع لدولة كانت تحتل العراق وقتها ولليوم الى أمر يقوّض العملية " الديموقراطية" التي لازالت في تراجع على الرغم من تجاوزها الثمانية عشر عاما من ولادتها القيصرية برمتّها، وهو تناسل الميليشيات التي كانت تقاتل النظام البعثي الى العشرات، وكأنها تتكاثر في مزرعة لزراعة اشكال مختلفة من الفطر السام والقاتل، كما وأنّه لم يتناول مصطلح الديموقراطية التوافقية مطلقا كنموذج في التجربة " الديموقراطية" العراقية!!

هل النظام السياسي بالعراق ديموقراطي، وإن كان ديموقراطيا فأي نموذج ديموقراطي هو ..؟

يُعرّف كلا من الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك والفيلسوف الفرنسي مونتسكيو الديموقراطية من أنها" الحكم بالرضى (عبر الإنتخابات)، وحكم الأكثرية أو الأغلبية (الفائز بأكبر عدد من الأصوات)، وتقسيم السلطات". وهناك ملاحق أخرى حسب رأيهما لهذا النظام منها " حقوق الإنسان، الحقوق المدنية للفرد، حقوق المرأة، القانون الدولي.. الخ". ويعتقد البعض من أنّ هذا النموذج من الديموقراطية يعتبر ناجحا في البلدان المتجانسة. اما في حالة البلدان غير المتجانسة فأنّ مبدأ الأغلبية والأقلية حسب رأي عالم الإجتماع الإسباني خوان لينز تتحول الى أغلبية قومية أو دينية أو طائفية والذي ينتج عنه وفق رأيه إستبداد الأكثرية، وهذا ما دفع الباحث الإسرائيلي إرون يفتختال الى قول من أنّ لا ديموقراطية في إسرائيل، بل هناك إستبداد الإثنية الكبرى! ولحل هذه المعضلة أي صعوبة وليس إستحالة قيام نظام ديموقراطي وفق الأغلبية في مجتمع غير متجانس، فأنّ البديل كان مفهوم آخر للديموقراطية وهو مفهوم الديموقراطية التوافقية، والتي تتميز بأربع عناصر أساسية حسب رأي إرنت ليبهارد في كتابه (الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) وهي :

1- " حكومة إئتلاف أو تحالف واسع يشمل حزب الأغلبية أو سواه.
2- مبدأ التمثيل النسبي في الوزارة، الإدارة ، المؤسسات، والإنتخابات أساسا.
3- حق الفيتو المتبادل للأكثريات والأقليات لمنع إحتكار القرار.
4- الإدارة الذاتية للشؤون الخاصة لكل جماعة".

وقد شاع كما جاء في مقدمة الكتاب أعلاه مصطلح التوافقية في العراق شيوعا كبيرا، وأُهملت إسرائيل وهي مجتمع غير متجانس أيضا، وهي متداولة أي مصطلح التوافقية في لبنان على نطاق نخبوي!

سأحاول هنا وبشيء من التبسيط والتكثيف تناول تجربة الديموقراطية التوافقية في العراق ونتائجها، وإن كانت صالحة لبناء دولة في ظل وعي شعبي متدن، نسبة أمّية عالية، بطالة، فقر، غياب كامل للعدالة الإجتماعية، فساد على كل المستويات، تأثير المؤسستين الدينية والعشائرية على جمهور واسع من المواطنين، تعدد مراكز القوى، شيوع ثقافة السلاح، إستقطاب طائفي/ ديني – قومي، إتفاق النخب السياسية على كل شيء الا ما يتعلق منها بخدمة المواطن والوطن. علما من أنّ الديموقراطية التوافقية لم ترد في دستور البلاد بالإسم، ولم يتم تبنّيها علنا من قبل الأحزاب الطائفية – القومية والتي تعمل بالحقيقة من خلالها في قيادة البلد.

أولى ما يُمكن تسميتها بالديموقراطية التوافقية بالبلدان العربية ظهرت في لبنان بعد الإحتلال الفرنسي له، بإعتمادها أي الديموقراطية التوافقية على مبدأ المحاصصة الطائفية كنموذج للحكم فيه. ولو درسنا التجربة اللبنانية وما آل إليه لبنان من تطبيقاتها الكارثية، لأكتشفنا وبسهولة ما يحدث في العراق من فوضى خلّاقة بسبب نظام المحاصصة الطائفية/ القومية، والذي هو في الواقع ترجمة حقيقية للديموقراطية التوافقية التي يراد لها أن تكون الشكل الأوحد للديموقراطية. وقد توصّل المفكّر اللبناني مهدي عامل والذي عاش الحرب الأهلية هناك الى أنّ الديموقراطية إذا أرادت أن تكون ممكنة في لبنان، فيجب أن تكون ديموقراطية ثورية أي حكم وطني ديموقراطي، وفي هذا يقول " كانت الديمقراطية ممكنة ما دامت ديمقراطية طائفية، والديمقراطية الطائفية في اساسها هي هذا النظام الذي يحول دون التكون السياسي المستقل للطبقة الثورية النقيضة، وبالتالي ما ان ظهرت ضرورة تحول الديمقراطية الطائفية الى ديمقراطية سياسية، حتى بمعناها البرجوازي، ما أن ظهرت هذه الضرورة حتى إختارت البرجوازية الخيار الفاشي ودخلت في مرحلة الحرب الأهلية. إذن لم تعد الديموقراطية ممكنة في لبنان إلّا كديموقراطية ثورية أي كحكم وطني ديموقراطي (2) ومن خلال تجربتنا التي لا تقل سوءا

عن التجربة اللبنانية، فعلى القوى اليسارية والديموقراطية تثقيف جماهير شعبنا من أنّ الديموقراطية غير ممكنة في العراق الذي عاش حرب طائفية ويعاني من تغوّل الطوائف وأذرعها العسكرية وفساد النخب السياسية وهيمنة المؤسستين الدينية والعشائرية، الا بشكل ديموقراطية ثورية، أي حكم وطني ديموقراطي. ومفهوم الثورية هنا هو ليس حمل السلاح ضد السلطات الحاكمة أو بشكلها الكلاسيكي المعروف، بل التعبير عن رفض الجماهير للفساد والبطالة والمحاصصة من خلال تظاهرات وإعتصامات وإضرابات تقودها قوى لها المصلحة الحقيقية في تغيير الأوضاع نحو الأفضل. وهذه من مهام القوى اليسارية والديموقراطية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والحركة الطلابية التي لعبت دورا بارزا في إنتفاضة تشرين، هذه الإنتفاضة التي غيرت الكثير من المفاهيم السياسية والإجتماعية في البلاد، وتعتبر نقطة مضيئة من نضالات شعبنا للخروج من محنته بعد أن زرعت الوعي في بين صفوف جماهير كسرت حاجز الخوف ورسمت طريقا لا يُمكن الرجوع عنه وهي تبحث عن خلاصها ووطنها من سلطة الفساد والميليشيات.

أنّ خطورة الديموقراطية التوافقية في بلد كالعراق، تأتي أساسا من تقسيم المجتمع بشكل عمودي، أي بشكل ديني/ طائفي - قومي، وهذا يؤدّي في ظل غياب العدالة الإجتماعية والحريّات وإنتشار الفساد، وصراع النخب السياسية التي تدّعي تمثيلها للدين/ الطائفة- القومية وهو صراع من أجل مصالحها وليس من أجل مصالح من تدّعي تمثيلهم، الى تعميق التمايز بما يخدم مصالح النخب السياسية ويساهم في إضعاف الدولة والمجتمع. في حين أنّ الديموقراطية يكون فيه تقسيم المجتمع أفقيا، وهذا ما عليه أن يتبناه اليسار والقوى الديموقراطية الأخرى . فالصراع يجب أن يكون صراعا إجتماعيا كون اصل الصراع الإجتماعي ذو جذور إقتصادية، وصراعا طبقيا، وهذا الشكل من الصراع هو المحرّك للتاريخ كما يقول ماركس. وإن كانت هناك شهادة جودة للديموقراطية، فأنّ "الديموقراطيات" العربية وفي مقدمتها العراقية هي من اسوأ التجارب والأشكال الديموقراطية التي عرفتها البشرية، وهذا يعود أساسا الى قلّة وعي المواطن العربي وجهله وأمّيته وبحثه المستمر للهويات الفرعية والإحتماء بها نتيجة ضعف الدولة وفسادها، أو إنحيازها لقومية أو دين أو طائفة على حساب الشعب ككتلة بشرية تتمتع بالحرية والعيش الكريم.

إنّ قبولنا بالديموقراطية التوافقية، يعني قبولنا بنظام المحاصصة الطائفية وشرورها، ورفضنا لها يعني العمل على تحشيد كل الفئات الإجتماعية المتضررة من سلطة المحاصصة لتغيير ميزان القوى سياسيا بما يشكل ضغطا شعبيا واسعا لإنهاء هذه الديموقراطية المسخ، والتعبير عن رفضنا هذا من خلال ربط الديموقراطية بتطور مجتمعنا وفصلها كليا عمّا تسمى بالديموقراطية التوافقية. أن الديموقراطية لتكن حقيقية وفعالة فهي أمام مهمة إرساء إستقرار سياسي وإجتماعي، من خلال مواجهة قوى الفساد وتحويل الصراع الإجتماعي من صراع عمودي الى صراع افقي، وهذه من مهمات القوى اليسارية والديموقراطية الأصيلة لمواجهة خطر تقسيم البلاد.

هل الديموقراطية التوافقية هي البوابّة لتقسيم العراق ..؟

في باب الإنفصال والتقسيم ومن خلال ردّه على آراء وأفكار إريك أ. نوردلينغر يقول إرنت ليبهارد " إنّه ينبغي أن لا يُعد الإنفصال نتيجة غير مرغوب فيها للتوترات داخل مجتمع تعددي في كافة الظروف. ثمة ثلاثة حلول لمعالجة المشاكل السياسية في مجتمع تعددي مع الحفاظ على طبيعته الديموقراطية. أولّها إزالة الطابع التعددي للمجتمع أو تقليصه بصورة جوهرية عبر الإستيعاب – وهي طريقة ذات إحتمالات ضئيلة في النجاح، على المدى القصير خصوصا. ثانيهما، الحل التوافقي الذي يقبل بالإنقسامات التعددية بإعتبارها لبنات البناء الأساسية لنظام ديموقراطي مستقر. فإذا كان الحل الثاني بعيد المنال، أو إذا ما جُرّب وأخفق، فأنّ الحل المنطقي الوحيد الباقي هو تقليص التعدد عبر تقسيم الدولة الى دولتين منفصلتين متجانستين أو أكثر". وقد أثبتت تجربة قبرص ذات النظام الديموقراطي التوافقي صحّة إراء ليبهارد وهي تنقسم الى دولتين لقوميتين مختلفتين، الا أنّ التجانس بينهما غبر موجود مثلما توقّع ليبهارد.

لو أهملنا الحلّ الأوّل لضآلته كما يقول ليبهارد، نرى إننا في تجربتنا العراقية قد فشلنا لليوم في الحلّ الثاني أي الحل التوافقي/ المحاصصة الطائفية القومية في تقسيم المجتمع العراقي بعد تجربة عمرها ثمانية عشر عاما، ولم نستطع لليوم ان نتقدم ولو خطوة واحدة في بناء نظام ديموقراطي، ناهيك عن بناء نظام ديموقراطي مستقر. ماذا تبقى من الحلول الثلاثة إذا..؟ لم يبقى الّا الحل الأخير حسب رأيي ليبهارد أي تقسيم الدولة الى دولتين مثلما يقول، وفي الحقيقة أن التقسيم في تجربتنا الكارثية مع الديموقراطية التوافقية، سيقسّم البلاد الى ثلاث أو أكثر من الدول غير المنسجمة إطلاقا وليس دولتين.

إنّ الديموقراطية التوافقية غير قادرة على بناء نظام حكم وطني مستقر، وغير قادرة على تجاوز الحالة الطائفية القومية بالبلاد، وستبقى عاجزة عن حلّ مشاكل شعبنا وبلادنا. وإستمرارها يعني إننا نسير بالبلاد الى جحيم من المشاكل التي لا تنتهي، والتي قد تؤدي الى تقسيم البلاد. ويبقى الحل هو بناء نظام ديموقراطي حقيقي، بمعنى آخر حكم وطني ديموقراطي كما يقول مهدي عامل. وهذا المهمة الصعبة وغير المستحيلة تبدأ بإرساء ثقافة تسامح وطنية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية من خلال كتابة دستور جديد، وتجريم إستخدام مصطلحات طائفية وعرقية كوسيلة للتمييز بين العراقيين لمصالح حزبية وفئوية ضيّقة، خصوصا في الدستور ووزارت ومؤسسات الدولة. فديباجة الدستور العراقي الحالي، ترسّخ مبدأ المحاصصة من خلال ترسيخها لمبدأ الولاءات الدينية والطائفية والقومية، وهذا بحد ذاته يُضعف مفهوم المواطنة إن لم يُنسفها.

لكنّ السؤال الكبير هو، من سيأخذ على عاتقه تحقيق هذه الإنعطافة في الحياة السياسية لإنقاذ شعبنا ووطننا؟ إنّ النخب السياسية المهيمنة على الوضع السياسي، لا مصلحة لها في التغيير مطلقا، لأن التغيير يعني إنتحار سياسي لها. لكن القوى اليسارية والديموقراطية وقوى شعبنا الحيّة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في هذا التغيير، وعليها أن تتفق على أصغر القواسم المشتركة نابذة خلافاتها جانبا، فالمعركة اليوم هي معركة وطن يراد له أن يُقسّم أو أن يبقى مريضا كما هو عليه الآن، وهذه القوى مدعوة قبل غيرها لتحمل أعباء هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من حياة وطننا. أنّ الثقة بالنخب السياسية والدينية والعشائرية في تغيير أوضاع البلاد ولو بنسبة ثانية واحدة لسنة ضوئية ليست سوى سذاجة، كون هذه القوى المتحاصصة وهي تنفّذ أجندات دولية وإقليمية تعتبر أساس المشكلة إن لم تكن المشكلة نفسها.

الكارثة في الفوضى السياسية العراقية هي ليست النموذج "الديموقراطي" بغضّ النظر عن مسمياته، بل الكارثة تكمن في إننا لازلنا في نفس المربع الديموقراطي الروماني قبل الميلاد، عندما كان المرشّح للإنتخابات " يحرص على كسب ودّ أكبر عدد من القبائل"(3)، ولكي نعود فعلا لتلك الحقبة من الصور السلبية في العملية الإنتخابية "نرى أنّ الرشوة تأتي في مقدمتها، أي توزيع النقود على القبائل"(4) وهذا يعني إننا بحاجة وفق النموذج " الديموقراطي " العراقي الحالي، لأكثر من الفي عام لنصل الى ما وصلت اليه روما وقتها حيث الغلبة للقبائل ولمن يستطيع تقديم رشى أكبر ليفوز بالإنتخابات.. !!
 

(1)  https://www.usip.org/sites/default/files/resources/sr153_arabic.pdf
(2) هذا النص جزء من مداخلة القاها المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل عام 1986 ضمن "الندوة اللبنانية العربية العالمية" التي دعا اليها وقتها الحزب الشيوعي اللبناني ضمن التحضير لمؤتمره الخامس.
(3) مجلة النهج العدد 8 ص 100
(4) نفس المصدر ص 101

لقد إعتمدت المادة على كتاب ( الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) للباحث إرنت ليبهارد

زكي رضا
الدنمارك
13/12/2021


67

طلبة العراق .. ماكنة الثورة التي عليها أن لا تهدأ


الحراك الإجتماعي ليس ردّ فعل "عفوي" على سوء أوضاع إقتصادية وسياسية وإجتماعية في مجتمع ما فقط، بل هو بداية لمحاولة إعادة إصطفاف للقوى الإجتماعية المتضررة لتنظيم نفسها وتطوير أساليب نضالها من أجل مجتمع أكثر عدلا وحريّة. وما يُعرف بالحركات الإجتماعية الجديدة إنطلقت في فرنسا عام 1968 بما يُعرف بأحداث مايو/ آيار التي أجبرت شارل ديغول على الهروب من البلاد وقتها، وقد رافق تلك الإحتجاجات نشاطات شبابية عديدة كأنتشار الأغاني الثورية ومعارض الرسوم في الهواء الطلق وتنظيم شعارات تتواءم والوضع السياسي الإجتماعي وقتها، وما لبثت أن إنتقلت تلك الإحتجاجات الى مختلف بلدان العالم. ومن الجدير بالذكر أنّ أحداث مايو/ آيار تلك بدأت بمظاهرات طلابية قمعتها الشرطة الفرنسية بإستخدام القوّة المفرطة، ما دفع نقابات العمّال الى التظاهر مع الطلبة لتستمر التظاهرات بقوّة أشّد. وبغضّ النظر عن المآل التي آلت اليه تلك الحركة، الا أنّها كانت البداية لتغييرات إجتماعية جوهرية وقيام مفاهيم اكثر ثورية لمبادئ العدالة الإجتماعية في فرنسا على الرغم من فشلها في التغيير السياسي المنشود.

لقد لعب الطلبة دورا بارزا في حياة شعوبهم وأوطانهم في المنعطفات السياسية وأثناء الأزمات الإقتصادية والإجتماعية من خلال مشاركتهم الإحتجاجات الشعبية ضد الظلم والإضطهاد والفقر والتمييز، ومن أجل حلول منطقية ومقبولة لتلك الأزمات. فإقرار قانون الحقوق المدنية في امريكا مثلا، بدأها أربعة طلاب سود رفضوا مغادرة طاولة الغذاء الذي كان يُحرّم جلوس السود الى البيض في مطعم كليّة وولوورث في ولاية كارولينا الشمالية المعروفة بتاريخها العنصري تجاه السود والملونين، وقد شكّل هؤلاء الطلبة والذين أطلق عليهم لاحقا (شباب غرينسبورو الأربع) لجنة تحت إسم (لجنة تنسيق الطلاب السلمية)، والتي كانت سببا رئيسيا بنضالها الدؤوب في إنهاء الفصل العنصري بالولايات المتحدة الأمريكية.

لقد قاد الطلبة في جنوب افريقيا منذ العام 1970 – 1980 إنتفاضات وإعتصامات وتظاهرات طلابيّة جوبهت بالعنف الشديد الّا أنّها أفضت في النهاية الى وضع حد لنظام الفصل العنصري هناك أيضا، وتبقى ما يطلق عليها (الثورة المخملية) في براغ والتي قادها الطلبة بشكل سلمي كامل حتى بعد مواجهة قوات مكافحة الشغب لهم، من اكثر التجارب الطلّابية نجاحا في تغيير نظام سياسي ناهيك عن التغييرات إلاجتماعية التي رافقت ذلك التغيير، وفي ربيع الطلبة الچيكي يقول الكاتب البريطاني تيموثي جاردن إنها "لم تكن ثورة عادية، كانت سريعة وغير عنيفة تماماً، وسعيدة، ومرحة، وواحدة من الثورات مكتملة النجاح التي قادتها حركة طلابية في التاريخ الحديث".

لم يختلف طلبة العراق عن غيرهم في العالم وهم يتقدمون صفوف قوى التغيير في مجتمعهم، بل يُمكن القول وبثقة من أنّهم تصدّروا نضالات شعبنا حتى أثناء الفترة العثمانية، عندما إنطلقت نشاطاتهم الطلابية عهد الوالي داوود باشا إثر إفتتاح مدرسة الصنائع عام 1896 . ومع بداية تأسيس الدولة العراقية كان للطلبة دورا كبيرا في الحياة السياسية العراقية وإن بشكل غير منظّم، فكان إضراب طلاب الإعدادية المركزية ببغداد عام 1926 باكورة إضرابات وتظاهرات وتنظيمات وإنتفاضات ووثبات طلابية، كان لها الأثر البليغ في تعزيز مواقع الطلبة في الحراك السياسي الإجتماعي العراقي حتّى العام 1967 . ففي شباط من العام 1928 ساهم طلبة بغداد بفعالية كبيرة في تظاهرات وإحتجاجات ضد زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند التي نظمّها نادي التضامن، والذي كان قد قاد تظاهرة كبيرة في العام الذي قبله من أجل حريّة الصحافة. وإستمرّت التظاهرات والإضرابات الطلّابية في ثلاثينيات القرن الماضي تأييدا لمطالب الحركة الوطنية العراقية التي بدأت ملامحها تتضّح من خلال تأسيس أحزاب سياسية. وفي العام 1948 ساهم الطلبة في وثبة كانون وقدّموا عددا من الشهداء في سبيلها وسبيل تطلعّات شعبنا، ما أجبر السلطات حينها على الغاء معاهدة بورتسموث.

وأستمر النشاط الطلّابي بشكل مضطرد وأكثر تنظيميا بعد تأسيس أوّل تنظيم طلّابي وهو الإتحاد العام لطلبة العراق في العام 1948 إثر إنعقاد مؤتمره الأوّل في ساحة السباع ببغداد، وكان قد سبقه في خريف العام 1945 تشكيل التنظيم الطلّابي لطلبة دار المعلمين العالية. وفي العام 1952 تفجّرت إنتفاضة شعبنا بشرارة إضراب كليّة الصيدلة والتي ما لبث طلاب بقية الكليات والثانويات بالإنضمام اليها، ليسطرّوا وقتها ملحمة ثورية هزّت أركان السلطة الرجعية ما أجبرها على إنزال الجيش للشوارع لمواجهة الأقلام العراقية الشابّة المؤمنة بقضية شعبها ووطنها. وفي العام 1956 وبعد العدوان الثلاثي على مصر ساهم طلبة العراق مساهمة فعّالة في إنتفاضة عام 1956 . ويُعتبر عام 1967 آخر نشاط طلّابي ثوري منظّم بعد أن فازت قائمة إتحاد الطلبة العام بنسبة ثمانين بالمئة من أصوات الطلبة في الإنتخابات الطلابية، ما زرع الرعب في صفوف السلطة القمعية ودفعها لإلغاء الإنتخابات وملاحقة الطلبة الناشطين. أمّا في عهد البعث فأنّ الحركة الطلابية شهدت تراجعا كبيرا بسبب رفض البعث أي نشاط طلابي وحصره بإتحاده الطلابي المسخ.

إستمر غياب ذوي الياقات البيض عن الساحة السياسية الإجتماعية بعد غيابهم الإجباري حتى تشرين عام 2019 ، حينما كانت إنتفاضة شعبنا البطلة تسطّر المآثر وهي تواجه القنابل الدخّانية ورصاص قناصّي ولي الفقيه وعملاءه بصدور عارية ولتقدم في سبيل تطلعات شعبنا وخلاصه من سلطة المحاصصة الطائفية القومية مئات الشهداء والجرحى والمعاقين. حينها خرج سيل الطلبة الهادر لإعطاء زخم أكبر لإنتفاضة تشرين ومتذكرا الأجيال التي سبقته وهم يخوضون سوح النضال الوطني بلا هوادة، وكانت أيّام خروجهم عرسا وطنيا وأملا في غد أجمل لعراقنا وشعبنا، وبنفس الوقت كانوا كابوسا يجثم على صدور السلطة وميليشياتها.

لفترات طويلة كان هناك تنسيق بين إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وإتحاد طلبة كوردستان في مواجهة إتحاد السلطة البعثية الطلابي، واليوم وعلى الرغم من عدم مشاركة الطلبة الكورد بشكل فاعل في تظاهرات زملائهم الطلبة أثناء إنتفاضة تشرين الباسلة، فأنّ الوقوف الى جانب طلبة كوردستان العراق وهم يواجهون قمع السلطة العائلية الطالبانية هو جزء من نضال الطلبة العراقيين، خصوصا وأنّ الطلبة وجماهير شعبنا الكوردي يعانون كما يعاني الطلبة وجماهير شعبنا في كل ارجاء العراق من فساد وقمع وفقر وبطالة. على طلبة العراق وكردستان العراق أن يعملوا اليوم على تشكيل لجان تنسيق سلمية تمتد الى كل مدن وأقضية العراق وكوردستان العراق للتشاور المستمر، من أجل توحيد الخطاب المطلبي وتحويله الى مطالب سياسية تبدأ وتنتهي بقبر نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والمجرم.

أنّ التغيير المنشود للأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية أكبر بكثير ممّا تتحمله الحركة الإحتجاجية الطلابية لوحدها، لذا فعليهم علاوة على التنسيق فيما بينهم على مستوى البلاد بأكملها، فتح قنوات إتصال مع القوى الديموقراطية الوطنية والكوردستانية صاحبة المصلحة الحقيقية والبرامج السياسية القادرة على إنقاذ البلاد من وحش سلطات الفساد في الإقليم والعراق بشكل عام. أنّ مهمّة إنقاذ وطننا وشعبنا هي من مهام الفئات الإجتماعية الأكثر وعيا في المجتمع، والطلبة هم رأس حربة هذه الفئات كونها أكثرها وعيا، بعد إنحسار دور العمال والفلاحين نتيجة إنهيار منظماتهم النقابية، وهيمنة حكم الطوائف والعوائل على القرار السياسي العراقي والكوردستاني، ومصادرة الوعي من قبل المؤسسات والأحزاب الدينية.

"الديمقراطية ليست استفتاءً بالأغلبية.. لو استفتى الأمريكيون لظل السود عبيدًا" . مارتين لوثر كينغ


زكي رضا
الدنمارك
25/11/2021


68
تحويل أموال العراق المنهوبة من جيب البعث الى جيوب قوى المحاصصة


إنطلق صباح أول من  امس الأربعاء المصادف للخامس عشر من أيلول – سبتمبر ببغداد مؤتمر "إسترداد الأموال العراقية المنهوبة"، بحضور رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وبمشاركة وفود عربية ودولية، في مسعى منهم لإسترداد الأموال العراقية التي تركها النظام البعثي في مصارف دول مختلفة قبل " إنهياره".

لا شك أنّ مساعدة أية دولة على إسترداد أموالها من البنوك الأجنبية والتي تمّ إيداعها فيها من قبل أشخاص أو منظمات أو حكومات نهبت تلك الثروات وإعادتها للبلد الذي نُهبت من هذه الأموال، سيساهم في إنعاش إقتصاد البلد المعني، علاوة على فضح التاريخ الإجرامي لتلك الحكومات والمنظمات والأفراد. والنظام البعثي وممّا لا شكّ فيه وضع أرصدة مالية كبيرة في بنوك العالم المختلفة، علاوة على مشاريع إقتصادية كان يديرها في الخارج لحساب رأس النظام وعائلته وبطانته. وإسترداد هذه الأموال والعراق يمر اليوم باسوأ حالاته على صعد مختلفة ضروري لصرفها في إنعاش إقتصاده الذي نخره الفساد. لكنّ السؤال الذي على المجتمعين ببغداد الإجابة عليه هو: هل الحكومة العراقية أمينة في تصرّفها بهذه الأموال في حال إعادتها للبنوك الوطنية ..!؟

نتيجة الغزو البعثي للكويت صدر قرار الأمم المتحدة الرقم 661 في 16/8/1990 والذي نصّ على إقرار حزمة من العقوبات الخانقة على شعبنا، الذي عانى الويلات حتى رفعه بعد الإحتلال الأمريكي للبلاد. وفي تلك الفترة لم يستطع النظام تصدير النفط الا بالكميات التي توافق عليها لجان الأمم المتحدة ذات العلاقة (عدا تلك التي كان يتم تهريبها)، على أن تتصرف لجان أخرى بكيفية صرف الواردات المالية الناتجة عن عمليات التصدير المقننة تلك لتزويد العراق بمواد البطاقة التموينية وشراء الأدوية وبعض السلع التي لم تكن محظورة وفق حيثيات القرار وما تلاه من قرارات، في برنامج عرف بأسم النفط مقابل الغذاء.

لقد بدّد النظام البعثي ثروات شعبنا في حروب داخلية وخارجية، ودمرّ برعونته البنى التحتية للبلاد ليعود العراق بعد حرب تحرير الكويت الى ما قبل عصر الصناعة. ولم يكن رأس النظام يهمّه مصالح شعبنا، فكان وأثناء الحصار يبني عشرات القصور في الوقت الذي كان فيه ابناء شعبنا يبيعون حتى ابواب بيوتهم وشبابيكها. لكنّ هل النظام الحالي قدّم شيئ لشعبنا بعد ان قاربت ميزانيات البلاد معدل 90 مليار دولار سنويا منذ الإحتلال لليوم!؟

أنّ هدر أكثر من ترليون دولار امريكي من قبل الحكومات الفاسدة خلال السنوات الثمانية عشر الماضية، والتي نرى آثارها بإستمرار دمار البنى التحتية وسوء القطاعات الإنتاجية والزراعية وتآكلها، والوضع المزري للقطاعين الصحي والتعليمي، وكارثة الكهرباء والماء الصالح للشرب والجفاف والبطالة وغيرها الكثير، تدل دلالة قاطعة على أنّ السلطة " الديموقراطية" الفاسدة في بغداد لا يهمّها الإنسان العراقي ولا وطنه. وهذا الأمر أي فساد القوى الحاكمة ليس وليد اللحظة، فمنظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد وصفت في تقرير لها صدر بالعام 2005 الفساد بالعراق قالت فيه : "أن العراق ربما يشهد أكبر فضيحة فساد مالي في التاريخ. ويشكل هذا التقرير اختبارا حقيقيا لجدية القيادة العراقية الحالية في التعامل مع قضايا الفساد والرشاوى"، واليوم تحولت تلك (الربّما) الى حقيقة عارية حتى من ورقة التوت.

أنّ وضع الحكومات العراقية منذ الإحتلال ومن ضمنها حكومة السيد الكاظمي لا تختلف قيد أنملة عن بعضها، فكلّها فاسدة وسارقة لأموال وثروات شعبنا، ومقارنة مع مداخيل العراق النفطية في العهدين البعثي والإسلامي القومي اليوم تشير ولكميات النفط المصدرّة واسعارها في السوق العالمية أمس واليوم من أنّ سرقات حكومات المحاصصة تجاوزت سرقات البعثيين بكثير. وعليه فأنّ إعادة الأموال التي سرقها البعث للبنوك العراقية تعني إعادة تحويلها لنفس تلك البنوك من قبل سلطة المحاصصة واحزابها وميليشياتها من جديد. ولا أدري إن كان العاملين في هذه اللجان سيحصلون على نسبة من اموالنا هذه، كما حصلت لجان التفتيش عن الأسلحة على الملايين من اموال النفط مقابل الغذاء كرواتب!!

لو كان المجتمعون ببغداد تهمّهم مصلحة شعبنا، فعليهم عدم مساعدة الحكومة العراقية لإسترداد هذه الأمول الآن، بل تركها لحين قيام نظام سياسي جديد وغير فاسد. أيها السادة ان مساعدتكم للفاسدين واللصوص يجعلكم امام مسائلة تاريخية من قبل شعبنا مستقبلا، والذي يسألكم اليوم عن مصير الأموال التي سرقها المتحاصصون ولا يزالون، وإن كنتم ستنظمون مؤتمرا آخرا لإعادتها لخزينة البلاد، أم انكم ستتجرأون لبحثها مع سلطات بغداد.

السيد الكاظمي إن كنت وطنيا وجادّا فعلا في إعادة اموال شعبنا المنهوبة، فأبدأ من الخضراء حيث تقيم واللصوص والفاسدين..

زكي رضا
الدنمارك
17/9/2021
 





69
الديموقراطية في العراق .. وهم ليس الّا

من الصعب جدا وصف نظام المحاصصة الطائفية القومية بالعراق بالنظام الديموقراطي، فوجود أو السماح 
بقيام أحزاب ومنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني، وإجراء إنتخابات دورية لتشكيل سلطة تشريعية / برلمان لا تعني تحقيق الديموقراطية. كما وأنّ التحولات الديموقراطية لا يمكن تحقيقها في فترات زمنية قصيرة، بل تأتي عبر فترات زمنية طويلة نوعا ما وتراكم كمّي ونوعي لسلسلة من الصراعات السلمية في المجتمع. والديموقراطية في حال تحقيقها تأخذ على عاتقها تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة، من خلال قوانين ونظم علاقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية بين الطبقات الإجتماعية المختلفة، وهذه العلاقة بين الدولة والمجمتع تصل بالمجمع في نهاية المطاف الى أن الصراع السلمي  بين الطبقات الإجتماعية هو من يحدد شكل النظام السياسي / الديموقراطي، من خلال التداول السلمي للسلطة طبعا.

من غير المنطقي الحديث عن الديموقراطية في العراق اليوم دون توفر شروط قيامها والتي تتمثل بجملة أمور لم تتحقق، وإن تحقّقت فأنّ تجاوزها والإلتفاف عليها هما السمتان الأساسيتان في التعامل معها من قبل السلطة. فدولة القانون وسيادته يُصدمان بوجود عدد كبير من الميليشيات المسلّحة، والتي نتيجة لضعف الدولة وفتاوى المؤسسة الدينية باتت تحمل الصفة القانونية وممثّلة في السلطتين التشريعية والتنفيذية ولها إمتدادات غيرها نتيجة نفوذها المسلّح وتأثيرها في السلطة القضائية والسلطة الرابعة.  والحريّات العامّة وهي ركن أساسي في بنية النظم الديموقراطيّة تغيب هي الأخرى لقمعها في مهدها، كما جرى التعامل مع إنتفاضة تشرين/ أكتوبر وقتل المئات من المتظاهرين الذين يبيح لهم القانون والدستور حرية التظاهر والتجمع، علاوة على تجاوز الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الفرد وحقوق الإنسان وتوفير الحياة الكريمة لأبناء المجتمع، ما ترتب ويترتب عنه وجود فجوة كبيرة بين المجتمع والدولة التي لاتتذكر هذا المجتمع الا مواسم الإنتخابات!

" الدولة" العراقية تعترف بالتعددية السياسية في البلاد، والتعددية السياسية بالحقيقة تعتبر ركن من اركان الديموقراطية، كون الصراع السياسي السلمي بين الأحزاب و ما تقدمّه من برامج سياسية للناخبين يرسمان شكل السلطة التشريعية / البرلمان من خلال إنتخابات نزيهة وشفافة وسلسلة من القوانين الضامنة لصراع ديموقراطي حقيقي، فهل الإنتخابات العراقية منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد توفّرت فيها ما يشير الى نزاهتها وشفافيتها؟ وهل تغيّر شكل اللوحة السياسية وحصص الأحزاب الطائفية القومية في السلطة؟   

أنّ الفساد وسوء توزيع الثروة والبطالة والفقر والأميّة وغياب المشهد الثقافي الواعي وعدم إيجاد حلول للمشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي يواجهها شعبنا وغيرها الكثير من قبل سلطة المحاصصة، تلعب جميعها دورا كبيرا في عدم تطور الديموقراطية في بلادنا وبقاءها حبيسة المنطقة الخضراء والبيوتات الدينية والعشائرية والقبلية، وهذا ما يعلق عليه المفكر المصري سمير أمين قائلا من أنها تعبر عن أزمة النظام الإستبدادي العام.   

أنّ أصحاب المصلحة الحقيقية في بناء النظام الديموقراطي وإنتشال العراق من الهوّة السحيقة التي وصل إليها بسبب نظام المحاصصة الطائفية القومية، ليست الأحزاب والمنظمات السياسية التي تحمل برامج ورؤى مختلفة عن برامج ورؤى القوى المهيمنة فقط، بل القوى الإجتماعية المختلفة في المجتمع والتي تضررت نتيجة حروب النظام البعثي والحصار القاسي على شعبنا، وصولا الى ضياع ميزانياته الفلكية نتيجة الفساد والإرهاب ومنها إرهاب الدولة بميليشاتها أيضا. وهذا يتطلب منها ومن منظمات المجتمع المدني ترجمة جملة من المسائل جاءت في الدستور الذي تتبناه السلطة نفسها الى واقع عن طريق تنظيم التظاهرات والإعتصامات والإضرابات، والتي لن تنجح الا بقيام جبهة سياسية واسعة لمواجهة طغيان السلطة وفسادها.  ومن هذه المساءل حرية التعبير والتظاهر والتجمع، وإحترام الحقوق المدنية والإجتماعية والسياسية، وإشاعة الثقافة الديموقراطية. وفي ظل التفاوت الكبير في موازين القوى بين أحزاب السلطة وتلك التي خارجها، يبقى وجود إعلام مرئي حر وديموقراطي وشجاع وموجّه لأوسع الفئات الإجتماعية ضررا، سلاحا قويّا في مواجهة ثقافة الجهل والتخلف والديموغوجيا التي ينتهجها إعلام السلطة وأحزابها.

  أنّ ما يجري اليوم بالعراق هو شكل من أشكال الإستبداد الديني الطائفي بقناع ديموقراطي مشوّه، وعليه فأنّ أي عملية سياسية مرتبطة بهذا الإستبداد أو ناتجة عنه ومنها الإنتخابات التشريعية القادمة لا تمثل النظام الديموقراطي، ولا تعرف من الديموقراطية الا اسمها. كما وأنّ القوى المتنفذة والمهيمنة على مقدرات البلاد ليست مؤهلة لبناء نظام ديموقراطي حقيقي بالبلاد، ناهيك عن بناء الإنسان العراقي ووطنه.

مقاطعة الإنتخابات وتثقيف الجماهير على مقاطعتها لا يسحب من السلطة الفاسدة شرعيتها فقط، بل تعتبر ميدانا للقوى الديموقراطية وجماهير شعبنا لخوض نضالا سلميا واسعا لتغيير ميزان القوى مستقبلا بما يتلائم وتطلعات شعبنا ليحيا بكرامة وأمان...

زكي رضا
الدنمارك
12/9/2021 



70
المنبر الحر / ما بعد پشتاشان
« في: 17:53 26/08/2021  »
ما بعد پشتاشان


لقد طغت أحداث مجزرة پشتاشان في الآونة الأخيرة على السطح مرّة أخرى وليس من جديد، لأنّ الحدث بتداعياته لم يبتعد يوما عن ذاكرة الضحايا والجلّادين. فقيادي في الإتحاد الوطني يتم تجميده بعد نشره كتابا تحت عنوان " بدلا من المذكرات" يذكر فيه إمتناعه عن قتل الأسرى الشيوعيين، محمّلا قيادي آخر قرار اعدام الشيوعيين ليقول " "امتنعت عن قتل أسرى الشيوعيين في أحداث (بشتاشان)، ورفضت أن أنفذ أوامر القيادة حين طلب مني"، وليضيف قائلا " "نوشيروان مصطفى وهو نائب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قال لي حرفيا أنا سحقت رؤوس الشيوعيون وعليك أن تقطع أوصالهم"!! وقيادي في الحزب الشيوعي يتناول أحداث جريمة پشتاشان بشيء من الليونة في برنامج تلفزيوني، ما دعاه للإعتذار بعد عاصفة من الإنتقادات من قبل رفيقاته ورفاقه.

أنّ أي صراع بين القوى الوطنية أثناء نضالهم ضد النظام البعثي الفاشي، كان يصبّ في مصلحة النظام وعلى الضد من مصالح شعبنا. ولم يألوا النظام وقتها جهدا في شق صفوف الحركة الوطنية العراقية وصولا الى الإقتتال فيما بينهم، فهل نجح النظام في ذلك؟ أعتقد جازما ومعي الكثيرين من أنّ النظام البعثي نجح نجاحا كبيرا في شراء قوى سياسية وإستخدامها لضرب قوى سياسية أخرى، كما وأنّ الصراع بين القوى نفسها ولأسباب مختلفة كان يصب هو الآخر في مصلحة النظام. فهل مجزرة پشتاشان كانت ضمن هذه الصراعات التي غذّاها النظام ونفذّها طرف من المعارضة قبل أن يتحول الى جانب السلطة ضد طرف آخر؟

لو دخلنا في أسباب اندلاع أحداث پشتاشان وعلى عاتق من تقع مسؤولية بدأ الأحداث، لرأينا أنفسنا وسط امواج من الإتهامات والأتهامات المضادة، فكل طرف يحمّل الآخر سبب بدأ الأحداث وما آلت اليه من مجازر ستبقى مدار بحث وإدانة لسنوات طويلة. وإن كان التاريخ يكتبه الأقوياء، فإننا نستطيع اليوم القاء اللوم على الشيوعيين في بدأ المعارك، لكن هل التاريخ سيبقى أسيرا بيد من يمتلك القوّة والإعلام والمال!!؟

لا أود في هذه المقالة أن ابحث في احداث مهدّت للمجزرة، ولا للأحداث التي رافقت المجزرة، ولا الى الأحداث التي حصلت بعد المجزرة في كوردستان العراق. كما ولا يهمني هنا ان اصطف الى جانب قيادي في الاتحاد الوطني أو آخر في الحزب الشيوعي عبّرا عن رأيهما حول تلك الجريمة، ولا الى موقف الحزبين اليوم من بعضهما البعض وهما يشاركان بقية القوى السياسية فيما تسمى بالعملية السياسية بالعراق. بل أود العودة الى الحدث في مكان جغرافي بعيد جدا عن مكان حدوث الجريمة، ساعود الى طهران التي كنت مهجرا اليها، لأرى وانا اعيش بين عراقيين مهجرين يعانون من شظف العيش وعدم إمكانية زيارة العراق تحت طائلة الإعدام، نتائج الجريمة من هناك.

كانت احد نتائج جريمة پشتاشان ونحن في إيران هي زيارة عناصر الإتحاد الوطني المقيمين في طهران الى العراق وعودتهم منه بسلام بعد فترة من الزمن، هذه الزيارات فتحت ابواب التساؤل مشرعة عن الثمن الذي قدمه الإتحاد الوطني للسلطة البعثية كي تسمح لعراقيين " معارضين لسلطتها" يقيمون في بلد هم في حالة حرب معه (إيران) لزيارة بلدهم أي العراق ومن ثم عودتهم الى إيران من جديد دون أن تمسّ منهم شعرة واحدة!!؟ والسؤال الآخر كان في اسباب تساهل السلطات الإيرانية مع هؤلاء وهم يذهبون الى بغداد ويعودون منها الى طهران وكأنهم في سفرة داخلية بين مدينتين إيرانيتين!!؟ وقتها حمّل العراقيون المهجرون الى إيران تنظيم الإتحاد الوطني الكوردستاني مسؤولية إرتكاب الجريمة، معتبرين جريمة پشتاشان عربون منهم للسلطة البعثية في إقامة علاقات معهم، وهذا ما فتح بابا لأعضائهم في زيارة العراق... لكن السؤال الذي لازال عصيا عن الجواب هو: لماذا التزمت المخابرات الإيرانية الصمت تجاههم، وكيف أقام فؤاد معصوم بعد رقصته المشهورة وقيادة حزبه مع الجلادّين عزة الدوري وعلي كيمياوي في فندق بطهران كان بمثابة مقر للإتحاد الوطني الكوردستاني، وهل تلك العلاقات المخابراتية بين قيادة الإتحاد الوطني وجهاز إطلاعات الإيراني قائمة لليوم، ونحن نرى إمارة السليمانية الطالبانية حديقة خلفية لإيران...!؟

من خلال قراءتي وقربي من الأحداث من طهران وليس من غيرها، أستطيع القول وبثقة من أن مسؤولية جريمة پشتاشان تقع على عاتق الإتحاد الوطني الكوردستاني. هذه الجريمة التي ستظل تلاحق مرتكبيها أحياء كانو أم أموات لتكللهم بالعار وتوصمهم بالعمالة للبعث والإطلاعات الإيرانية.

المجد للشهداء وهم يطرزون جبال كوردستان بقبورهم
العار للقتلة وهم يطرزون جبال كوردستان برصاصاتهم الحاقدة وبنادقهم المأجورة


زكي رضا
الدنمارك
24/8/2021
 



71
نعم لمقاطعة الإنتخابات ونعم لحث الجماهير على مقاطعتها


لقد دخل الحزب الشيوعي العراقي العملية السياسية على علّاتها من بابها الواسع إثر الإحتلال الامريكي الإيراني للبلاد، منطلقا من إمكانية تطوير الديموقراطية كوسيلة للتداول السلمي للسلطة، من خلال تطوّرها كنهج وأسلوب وممارسة في تقدّم عمليّة سياسية  لبناء وطن أنهكته الدكتاتورية والحروب. وسواء أصاب الحزب أو أخطأ  فأنّه مارس حقّه الطبيعي في العمل السياسي، وأي عمل سياسي فيه أوجه الصواب والخطأ. لكنّ المهم هو تعزيز الصواب والسير قدما لتطويره، وتجاوز الأخطاء والمضي قدما أيضا لإحتوائها من خلال النقد المستمر لها.

لا شكّ أن الحزب وهو يمارس حقّه في النضال والعمل السياسي، أخطأ هنا وهناك. ومن هذه الأخطاء هي تحالفاته الإنتخابية غير المدروسة بعناية والتي أثّرت كثيرا على مواقعه بين صفوف شعبنا الذي يعرف الحزب كحزب وطني ناضل من أجل مصالح العراق وشعبه منذ تأسيسه ولايزال.  وقد إنتقد الحزب هذه التحالفات لينسحب منها بعد أن تخلّى حلفائه عن أهداف وبرامج هذه التحالفات الإنتخابية. 

لم تكن العملية الإنتخابية منذ إنطلاقتها في العام 2005 ولليوم، تستند الى قوانين وآليات تسمح في أن تكون رافعة للديموقراطية وتقدمها ونموها بتقدم الوقت، بل على العكس فإنها في تراجع مستمر من حيث القوانين والآليات وظروف تنظيمها والتي لم تستطع تغيير شكل اللوحة السياسية بالبلاد، هذه اللوحة التي لا تعرف الا ثلاث قوى طائفية قومية. ومع ذلك بقي الحزب الشيوعي العراقي يعمل من خلال الإنتخابات محاولا تغيير الواقع السياسي وفق إمكانياته، رغم معرفته بإستحالة إختراقه لجدار المحاصصة، وإستحالة تنازل مثلث الفساد عن الإمتيازات التي حققوها على حساب بؤس ملايين العراقيين. وقد كانت مشاركة الحزب في الإنتخابات والعملية السياسية برمتها موضع نقد من قبل شرائح واسعة من الجماهير، ومن قبل نسبة لا بأس بها من أعضاءه، ولم يكن هذا الامر ببعيد عن مناقشات قيادة الحزب لها، والتي إنتهت مؤخرا بإستفتاء داخلي كانت نتائجه هي رفض القاعدة الحزبية مشاركة الحزب في الإنتخابات المقبلة والتصويت لمقاطعتها.

أمور عديدة كانت سببا في أن يعلّق الحزب في البداية إشتراكه بالإنتخابات، منها ما يتعلق بقوانين وآليات إجراء الإنتخابات، ومنها ما يتعلّق بمطالب إنتفاضة تشرين/ أكتوبر، ومنها ما يتعلق بكشف السلطات لقتلة الهاشمي وغيره من الناشطين في الحراك الجماهيري. لكنّه كان سبّاقا في إعلان تعليق مشاركته بالإنتخابات، الا أنّه تأخر قليلا للأسف الشديد وهو يعلن مقاطعته لها، ما دفع بعض القوى السياسية لربط موقفه بموقف الصدر. وبالحقيقة فأنّ هذا الربط فيه كثير من التجني على الحزب لأمرين، أولهما هو ما ذكرناه حول موقف الحزب من تعليق مشاركته لحين تحقيق المطالب التي طالب بها كطريق لمشاركته الإنتخابات والتي سبقت تصريح الصدر بمقاطعتها، والآخر هو أنّ التيار الصدري غالبا ما يغيّر مواقفه تجاه العديد من القضايا كونه لا يمتلك القرار في إتخاذ مواقف سياسية الا بموافقة مقتدى الصدر. والصدر وكما هو معروف للشارع العراقي والمتابعين للأوضاع السياسية بالعراق،  من أنه رجل غير ذي ثقة ويغيّر مواقفه بإستمرار، ويبدو أنّ تغيير مواقفه يتم عن طريق إملاءات إقليمية، وتبقى إمكانية تراجع الصدر عن قراره بعدم المشاركة بالإنتخابات قائمة حتّى اللحظات الأخيرة.

لقد شخّص الحزب السلطة في البلاد من أنها سلطة محاصصة ومسؤولة عن الفساد الذي دمّر بلادنا ومزّق النسيج الإجتماعي فيها، ومن هنا فقط عليه بناء مواقفه بعدم المشاركة بالإنتخابات المقبلة أو أية انتخابات غيرها. فتغيير شكل النظام السياسي يجب ان يكون الهدف، اما الشروط الأخرى التي وضعها الحزب كمحاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وكفّ ايدي الميليشيات عن التدخل بالشأن السياسي وكشف قتلة المتظاهرين وتوفير الخدمات الضرورية للناس وغيرها الكثير، تبقى جزئيات كونها لا تتحقق الا بالتغيير الكامل والشامل لمنظومة الحكم الفاسدة.

أنّ مقاطعة الإنتخابات يجب ترجمتها كمقاطعة لسلطة الفساد والجريمة المنظمة ومنظومة الحكم بأكملها وليس للعملية الإنتخابية فقط، وعلى الحزب ومنظماته العمل بين الجماهير لتعميق ازمة الثقة بينها وبين سلطة الفساد والتي تعمّقت اليوم اكثر من اي وقت مضى. فخطاب الحزب اليوم ووطننا يمر بأوضاع صعبة ودقيقة وجماهير شعبنا تعيش هي الأخرى أوضاع إقتصادية وإجتماعية مزرية، يجب ان يكون في حثّ اكبر عدد من الجماهير لمقاطعة الإنتخابات لسحب الشرعية من سلطة طائفية قومية موغلة بالجريمة المنظمة والفساد والنهب المنظم لثروات البلاد.  فعدم مشاركة الحزب والعديد من القوى السياسية التي حذت حذو الحزب في مقاطعتها لها، تعني اساسا رفضها للعملية السياسية التي ستفرزها الإنتخابات القادمة والتي بالحقيقة ستكون تدوير نفس الطبقة الفاسدة من جديد..

من اجل إعادة الحياة لوطننا والكرامة لشعبنا، علينا ان نرفع صوتنا عاليا مطالبين الجماهير بمقاطعة الإنتخابات. وهذا اسلوب نضالي سلمي لا يتعارض مع الدستور الذي يستند عليه الفاسدين في تدوير انفسهم كل اربع سنوات.

زكي رضا
الدنمارك
8/8/2021

       

72
هكذا يبايعون عليّا عند غدير العراق

"الله الله في جيرانكم..."
"الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم .."
"إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"

الجمل الثلاث جاءت في وصيّة الإمام علي لولديه الحسن والحسين وهو على فراش الموت إثر ضربة بن ملجم،  فهل رجال الدين الشيعة وزعماء أحزابهم وميليشياتهم وعصاباتهم التي عاثت بأرض العراق فسادا ونهبا وقتلا يعرفون فحوى وصيّته ومعانيها وهم يطالبون الناس بمبايعته في عيد الغدير، هذا العيد الذي يراد منه أن يكون خنجر آخر يضاف الى الخناجر الطائفية التي مزّقت وتمزّق بلادنا!!؟

الإمام علي اليوم كما الحسين  تجارة مربحة للمؤسسات الشيعية، بعد أن تحوّل حتى الله الى تجارة عند رجال دين الطائفتين. فعلي اليوم يعيش في القصور الفارهة، وجيرانه يعيشون في بيوت يلفّها البؤس والجوع والمرض، الإمام عليّ اليوم عدو للفقراء والمساكين ولا يشاركهم معاشه، والإمام علي اليوم لا يريد صلاح ذات البين بين أبناء العراق!! على هذا يبايعه سراة الشيعة والأشرار من عصاباتهم، الذين لا يقدرّوا أنفسهم بالعامّة مثلما أوصاهم، وهو القائل: شرّ الناس إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به.

هل يعرف رجال الدين الشيعة وسراتهم عليّا وهم يمتلكون ما يمتلكون من أموال وطائرات خاصّة وقصور ودور فخمة داخل العراق وخارجه، هل يعرفونه وهم يمتلكون حسابات مصرفية في شتّى البلدان ومراكز تجارية ومزارع ومستشفيات ومدارس وجامعات خاصّة كالكفيل وغيرها!؟ وأي عليِّ يعرفون، عليِّ الذي يتاجرون به كبضاعة في دكاكين المذهب أم ذاك الذي بنى رجل من عمّاله بناء فخما، فقال: أطلعتِ الوَرِقُ ( الفضّة) رؤوسها، إنّ البناء يصف لك الغنى!؟  تعال يا علي لنريك مبايعيك وهم يمتلكون أبنية وقصور من ذهب وليس من فضّة، تعال الينا لنريك بيوت من صفيح يتكدّس فيها أطفال شبه عراة من شيعتك. الكارثة يا عليّ هو انّ اللصوص يبايعونك وهم يسرقون الفقراء في العراق، والأطفال العراة يبايعونك أيضا وآبائهم هذا إن لم يكونوا أيتاما!! فأي البيعتين هي الأصح، بيعة التجار أم بيعة الفقراء..؟  عذرا علي فإننا نرى بيعة التجار هي الأصح كونهم يعيشون في بحبوحة من العيش، والفقراء والأرامل والمساكين الذي اوصيت بهم يعيشون الفاقة والذل، وأتمنى أن لا تقول لي كما يقول رجال الدين الشيعة، من أنّ الفقراء سيجازيهم الله بقصور من ياقوت وزمرّد في الحياة الأخرى!! أنهم يسرقوننا ويضحكون علينا يا علي، أنهم يقتلوننا جوعا وعطشا، لقد مسخو آدميتنا ياعلي، ولا أخالك مثلهم مطلقا لتطالبنا كما هم بالصمت لنحصل على حقوقنا بعد الموت والعياذ بالله!!

سراة شيعتك ورجال الدين منهم يا علي هم اهل غدر غدرو بالعراق وشعبه، والكارثة أنّ هناك مِن شيعتك مَن يواليهم وانت القائل " الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله"، فهل هؤلاء مسلمون وشيعة كما يدعون وهم يغدرون بالله،   ماذا تقول ........ ؟  نعم، وانا مثلك يا ابا الحسن اقول من انهم دجالون وكذّابون، بل وكفرة ولا يعرفون الله الا كإسم. أنّنا نراهم يا علي يصلّون بكرة وعشيّا، وتنقل الفضائيات صلواتهم وبكائهم وهم يدعون الله بأمور لا نعرفها ، ولكنهم لا يعرفون الإخلاص "لوطنهم" فيخوننه، ولا الإخلاص "لشعبهم" فينهبونه ويقتلونه. فهل صلاتهم مقبولة وانت القائل " ليست الصلاة قيامك وقعودك إنمّا الصلاة إخلاصك"؟

انهم يتهموننا ونحن نتظاهر من اجل نيل حقوقنا وحقوق اطفالنا بالكفر والخروج عن الملّة والعمالة للسفارات الأجنبية،  ليشرعنوا قتلنا يا علي رافعين شعار الخوارج " لا حكم الا لله"، وهذا الشعار كما قلت أنت يوما " كلمة حق يراد بها باطل". ووالله وسراة شيعتك يبايعونك اليوم كذبا، فأنهم دفعونا نكفر لنقول من انها كلمة باطل يراد بها باطل... 

تعالوا يا شيعة علي نبايعه عند غدير العراق بيعة وطنية لنقول: أنّ الإشتراك بالإنتخابات والذهاب للتصويت هي كما ضربة بن ملجم التي فلقت رأسه، تعالوا لنقول أنّ الخنوع للعصابات الشيعية هي كما قتل الحسين في كربلاء.. 

يقول الإمام علي "اذا غضب الله على امة غلت اسعارُها وغَلَبَها اشرارُها " صدقت يا ابا الحسن، فها هم اشرار العراق يتحكمون بقوت الناس، وغلت الاسعار، فهل الله غاضب على اهل العراق ..؟

زكي رضا
الدنمارك
30/7/2021   

 



73
على أي نظام من نظامي الحكم الملكي يتباكى اليوم مناصروه ..؟


الذكرى الثالثة والستين لثورة الرابع عشر من تموز على الأبواب، وكعادة هذه المناسبة وعند حلول ذكراها تبدأ الأقلام بالكتابة عنها سلبا وإيجابا، وكلا من نظرته ومصلحته لما انجزته الثورة من منجزات أضرّت بجزء من المجتمع ومنحت الحياة لجزء آخر منه. ولم تشذّ الثورة في هذا السياق عن بقية الثورات والتغييرات الكبرى في البلدان المختلفة بالعالم، ففي أي تغيير كالذي حدث عشية الرابع عشر من تموز 1958 علينا أن نضع ذلك التغيير في سياقه التاريخي وليس كحدث آني. وما حدث فجر الرابع عشر من تموز 1958 ، لم يكن تغييرا فوقيا للسلطة ولا إنقلابا عسكريا لمجموعة ضباط مغامرين كتلك التي حدثت قبله أو بعده بالعراق أو غيره من البلدان، بل أن الثورة كانت زلزالا غيّر نظام سياسي إجتماعي الى آخر جديد ومختلف عنه بشكل كبير. والواقع "أنّ إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة يكفي لجعلنا نعرف إننا امام ثورة أصيلة" (1) . وتغيّر نتيجة الثورة كذلك "نمط حياة الفلاحين نتيجة لإنتقال الملكية من ناحية ولإلغاء أنظمة النزاعات القبلية وإدخال الريف في صلب القانون الوطني من ناحية أخرى" (2)

الصراع بين المدينة والريف هو صراع بين مباديء حياة وأفكار ورؤى، وهذا الصراع كان موجودا بالعراق قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فبعد إنهيار الدولة العباسية تراجع دور المدن نتيجة الخراب الذي أصابها بغياب دولة مركزية قوية ونظام سياسي قادر على تجاوز الأزمات، وهذا التراجع يصاحبه دوما نمو وقوة العشيرة وأفكارها ورؤاها وطبيعة وشكل الحياة التي تسعى إليه. وقد إستمرت هيمنة المؤسسة العشائرية خلال العهد الملكي، وكان مشايخ العشائر هم الحكام الفعليون لجزء كبير من الريف كما يقول بطاطو. وممّا يؤكد وجهة نظره هو وجود حوالي "أكثر من 100 الف بندقية بينما كانت الحكومة لا تملك غير 15 الفا منها" (3)

بعد الإحتلال البريطاني للعراق عمل المحتلون على تجنب التكاليف الباهضة لبقاء قواتهم في البلاد، ورأوا كما يقول بطاطو أنّ "موازنة العشائر ضد أهل المدن ضمانا اكيدا لإستمرار سلطتهم. وهكذا فإنهم لم يحاولوا فقط وقف العملية المبتدئة للإنحلال العشائري أو صون سلطة رؤساء العشائر أو المحافظة على الحد الأدنى فحسب من التفاعل بين أهل المدن والعشائر، بل أنهم عملوا ايضا على تدعيم الإنشقاق القائم بتقوية العادات العشائرية والإعتراف بها رسميا"(4) . وقد أصبحت العادات العشائرية وانظمة النزاعات العشائرية والتي اصدرها المحتلون بصيغة بلاغات في السابع والعشرين من تموز / يوليو 1918 لها قوة القانون، كما يقول بطاطو، وتحولت بعد إصرار الانكليز قانونا نافذا للبلاد في العهد الملكي بموجب المادتين 113 و 114 من الدستور العراقي للعام 1925 ، بعد ان إستثنت الريف من سريان القانون الوطني عليه.

وهكذا "فقد بقي العراق من الناحية القانونية، وحتى ثورة تموز 1958، يخضع لنظامين، واحد خاص بالمدن، وآخر خاص بالريف العشائري" (5) . والغاء قانون العشائر من قبل حكومة الثورة، والبدء ببناء مجتمع جديد مركزه المدن وتحت سلطة القانون والدستور، والذي أدّى الى افول دور المشايخ ورجال الدين، هو من جعل المؤسستين العشائرية والدينية أن تتحالفا مع البعث والقوى الرجعية والإمبريالية وشركات النفط، لقتل ثورة تموز وقادتها.

أن نظام المحاصصة الطائفية اليوم، والعراق يعيش ضعف مدنه وخرابها وهيمنة العشائر وعاداتها وقوانينها من جهة، وهيمنة المؤسسة الدينية وإفرازاتها من جهة ثانية، تجعل من بلدنا يعيش نفس حالته إبّان العهد الملكي إن لم يكن أسوأ. فالعشائر اليوم تمتلك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وأبناءها هم العمود الفقري للجيش والميليشيات المسلحة، وولائهم للعشيرة والطائفة وليس للوطن. والعشائر اليوم وبدعم حكومي ريّفت المدن وعلى رأسها العاصمة بغداد، التي ما هي اليوم الا منطقة ريفية تهيمن عليها الأعراف العشائرية وقوانينها، بعد أن فقدت الدولة هيبتها وهي في تراجع مستمر أمام غول العشائرية الذي يقود البلاد نحو الهاوية حضاريا.

أن يقف الإسلاميين ضد ثورة الرابع عشر من تموز، أمر لا غبار عليه بالمطلق. فالإسلاميين والشيعة منهم على الخصوص، كانوا من الد أعداء الثورة على الرغم من انها قدمت لبسطاء الشيعة الكثير. فالثورة اعادت للفلاحين وغالبيتهم من الشيعة كرامتهم التي صادرها منهم الإقطاعيون إبّان العهد الملكي، ووزعت عليهم الاراضي الزراعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي. وبنت لهم مدينة كاملة هي مدينة الثورة، بعد أن كانوا يعيشون في ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة والمهانة قبلها. لكن الأمر الغريب هو وقوف من عاصر الثورة وشاهد إنجازاتها في عمرها القصير مقارنة بعهدة العراق السياسية المختلفة، ضدها.

اليوم من حقنّا أن نتساءل والأقلام المأجورة وهي تنهش جسد ثورة الرابع عشر من تموز وإنجازاتها التي لم تحققها أية سلطة جاءت بعدها، و خصوصا السلطة الكارثية التي تقود البلاد اليوم وهم يتباكون على النظام الملكي، ويصبّون جام غضبهم على ثورة تموز محملين إياها وزر جرائم البعث ونظام المحاصصة اللذين دمرا البلاد، أن أيتها السيدات والسادة: على أي من نظامي الحكم الملكي تتباكون، نظام المدن أم نظام الريف العشائري كالذي تعيشون نسخته القبيحة اليوم!؟


(1) (2) حنا بطاطو ، العراق الكتاب الثالث ص 116
(3) نفس المصدر، الكتاب الاول ص 44
(4)  المصدر اعلاه ص 43
(5)  المصدر اعلاه ص 43

 
زكي رضا
الدنمارك
13/7/2021

 



74
المنبر الحر / علي وياك علي
« في: 17:28 05/07/2021  »
علي وياك علي

تعرِّف معاجم اللغة الغوغاء من أنّهم: السِّفْلة و الرِّعاع من النَّاس؛ لكثرة لغَطهم وصياحهم،  والغوغاء كإسم هو صوت الجراد القادر على الطيران، ويبدو أنّ اللغة العربية في وصفها الغوغاء بالجراد كأنّها إنبعثت من العراق وليس من شبه الجزيرة العربية، فغوغاء العراق اليوم كالجراد في هتافاتهم خلف كل فاسد زنيم، وهم من سيحوّلون العراق الى صحراء بلقع.

ولأنّ الغوغاء هم خليط من السِّفْلة و الرِّعاع من النَّاس، فأنّهم في تصرفاتهم يمتازون بالذلّ والضعف والمهانة، وهم بعيدون عن المعرفة والعلم والفهم وأقرب الى الباطل والضلالة والكذب،  وإنتمائهم ليس لبلادهم ولا حتّى للدين بل للعشيرة والمذهب.  لذا تراهم ينعقون خلف كل ناعق، ويهرولون بذلّ خلف أي لص وفاسد طمعا بالفتات من كل شيء، وهم قادرون لو تصرّفوا كالأحرار في أن ينالوا كل شيء! والغوغاء غير مرحّب بهم عند ذوي العقول النيّرة كونهم لا يجتمعون الّا لضرر، فها هو الإمام علي يقول وقد جاؤوا إليه بجانٍ ومعه غوغاء: لا مرحبا بوجوه لا تُرى إلّا عند كل سوأة. وهو القائل بحقّهم " هم قوم إذا تجمّعوا ضرّوا وإذا تفرقّوا نفعوا".

لم يجرؤ الغوغاء في العهد البعثي الأسود من الهتاف لغير الطاغية صدّام حسين، فكان هتاف ( بالروح بالدم نفديك يا صدام) هو هتافهم الذليل وهو يخطب بهم، وهتافهم الأذّل وهم يستمعون الى خطاب أي قيادي بعثي آخر غيره!! أمّا اليوم فنفس الغوغاء الذين كانوا يهتفون بحياة المجرم صدام حسين خوفا وذلّا، تراهم يهتفون خلف كل صدام جديد وهم كثر ذلّا وذلّا، كونهم يستطيعون وقد تغيّرت الظروف في أن يضعوا الخوف جانبا لو أرادوا، لكنّه الإذلال الذي يصبغ نفوسهم وأرواحهم ويمنعهم من أن يكونوا أحرارا قادرين على كسر النير الذي يطوّق رقابهم والذي صنعوه بأنفسهم!!  ولأنّهم عبيد للعشيرة والمذهب فأنّ شعارهم نابع من عادات العشيرة وما يبيعه لهم المعممّون من ذل وتخلف وفقر وجهل من دكّانة المذهب، وكأنّ الدين لا يمتلك الا أمثال هذه البضائع الرديئة والفاسدة لتُعرض في هذه الدكاكين الموبوءة؟  ولأنّهم لا يجرؤون حتّى على شراء هذه البضائع الفاسدة بأنفسهم، فأنّ رجالات الأحزاب والعصابات الإسلامية يعملون كدلّالين في سوق الهرج هذا ليبعونهم إيّاها، شرط أن يكون معها هتاف فيه ضياعهم وضياع مستقبلهم وأطفالهم ووطنهم!

 " علي وياك علي" هو الهتاف الأثير على قلوب الغوغاء وهم يهرولون كالجراد خلف كل فاسد ولص وقاتل. " علي وياك علي" دلالة قاطعة على أنّ الغوغاء يعشقون العبودية، لأن ما من حر يرضى أن يُسرق ويُقتل ويُذَل، ثم يهرول خلف الذي سرقه وقتله وأذلّه هاتفا " علي وياك علي". الغوغاء وعبوديتهم هم بالأساس جزء من منظومة إجتماعية  بائسة نعيشها اليوم، فالغوغاء هم عبيد لزعيم العشيرة وعادات العشيرة، وهم عبيد لرجل الدين وما يبيعه إياهم من وهم وترّهات لا تغنيهم ولا تسمنهم من جوع ، وهم عبيد لسياسيّ يتذكرهم مواسم الإنتخابات فيرمي لهم ما خفّ حمله وخفّ ثمنه، وهم عبيد لرجال الميليشيات والعصابات كون الجبن هي صفة من صفات الغوغاء هؤلاء، وبالتالي نرى الغوغاء هؤلاء يبكون وهم يبجلّون ويقدسّون من يستعبدهم ويذلّهم هاتفين من خلفه ومن أمامه ومن بين يديه " علي وياك علي"!

إنّ الخطر الذي يشكلّه الغوغاء على وطننا ومستقبله اليوم هو في الحقيقة أكبر بكثير من خطورة الدور الذي يلعبه رجال الدين وزعماء العشائر وقادة الأحزاب والميليشيات والعصابات الإسلامية، كون هؤلاء لا يستمدون قوتهم وحضورهم وديمومتهم الا من خلال الغوغاء هؤلاء.  أنّ العلاقة بين سلطة اليوم والغوغاء هي علاقة طردية، فكلمّا زاد عدد الغوغاء وكثر صياحهم وذلّهم وجوعهم وفقرهم وبؤسهم كلما كانت السلطة في مأمن من غضب الجماهير الحرّة، كما وأن السلطة تستخدم جيش الغوغاء هؤلاء في قمع أي تحرّك جماهيري يشكل خطرا على سلطتها، بعد أن صادر المذهب عقولهم الخاوية.

إنّ شعبنا العراقي لن يتخلّص من سلطة الفساد والمحاصصة عبر الإنتخابات مطلقا، بل على العكس فأنّ الإنتخابات هي تكريس لسلطة الفساد والفاسدين. وعليه فعلى شعبنا أن يختار بين أن يحيا حياة الأحرار فيثور ضد الجوع والفقر والجهل والتخلف وإنعدام الخدمات وغيرها الكثير، كالعديد من الشعوب الحرة بالعالم. أو يحيا حياة العبيد  وهنا عليه أن يثور أيضا ضد سلطة اباطرة الإسلام السياسي لنيل حريته، والتاريخ الإنساني مليء بإنتفاضات وثورات العبيد كثورة الزنج ضد اباطرة بنو العباس وثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس ضد اباطرة روما.

عندما يتحول الإمام علي الى شعار يحمي الفاسدين، فأنّ التشيّع كمذهب في طريقه الى الفساد والجريمة. والمشاريع التجارية والصناعية والجامعات التي تمتلكها وتديرها العتبات الشيعية، وتلك التي تمتلكها الأحزاب والميليشيات والمؤسسات الشيعية أو تلك التي يمتلكها رجال الدين،  فاسدة كما جميع المؤسسات في الدولة. وهنا علينا أن نسأل من حوّلوا عليا الى بضاعة: هل كان الإمام علي فاسدا ليكون سورا يحمي الفاسدين!!؟

العبيد يثورون لأنهم يمتلكون الكرامة التي صودرت منهم ويعرفون الشجاعة، والغوغاء لايعرفون الثورة بل ويقفون ضدها ويعملون على إنهائها كونهم جبناء ولا كرامة لهم.

زكي رضا
الدنمارك
3/7/2021 



   














75
لو لم يكن للعباسيين الا هذه لكانوا أعلى منكم مكانة وسؤددا


كتب ياقوت الحموي وهو يصف بغداد، بأنّها جنّة الأرض، ومدينة السلام، وقُبّة الإسلام، ومجمع الرافدين، وغرّة البلاد، وعين العراق، ودار الخلافة، ومجمع المحاسن والطيبات، ومعدن الطرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كلّ فن، وآحاد الدهر من كل نوع (1).

دار الخلافة وعاصمة الدنيا هذه تعتبر من أعظم المدن التي بنيت ومُصِّرت بالعراق بعد واسط الحجّاج وبصرة عتبة بن غزوان وكوفة سعد بن أبي وقّاص وسُرّ من رأى المعتصم العبّاسي، دار الخلافة هذه هي بغداد المنصور " فحل بني العبّاس هيبة وشجاعة ورأيا وحزما ودهاء وجبروتا" (2). لقد بناها المنصور لتكون عاصمة ملكه وحاضرة العالم، ودامت كعاصمة للدنيا وحاضرة للعالم لما يزيد عن خمسة قرون، ولرخاء العيش فيها وإعتزاز اهلها بها " قد تصوّر كل منهم في معتقده وخلده، أنّ الوجود كلّه يصغر بالإضافة لبلده، فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم، كأنّهم لا يعتقدون أنّ لله بلادا أو عبادا سواهم" (3). ولو راجعنا الرسالة البغدادية ووصف ابو حيّان لها والذي ينسب لبغداد لعيشه فيها طويلا، فسنرى أنفسنا في رحلة عبر التاريخ لمدينة فيها أصحاب مذاهب دينية وشعراء ماجنون ومدارس وحلقات علم وصناعات كصناعة الورق والزجاج والصابون وغيرها، مدينة ترجمت فيها كتب العلم والطب والفلسفة، مدينة لاتنام حيث السميريات والقوارب تجوب دجلة ليل نهار، مدينة الاساطير والف ليلة وليلة، مدينة المآذن، مدينة الجواري والغناء، مدينة المناظرات العلمية والمطاردات الشعرية، بغداد السحر.

مدينة كهذه علينا نحن أبنائها أن نفتخر بها ونعمل جاهدين على كتابة تاريخها من جديد، علينا العمل على بناءها لتستعيد جزء من هيبتها ورونقها الذي فقدته منذ أن سقطت بيد المغول، علينا أن ندرس حياة من بناها لنتعرّف عن اسباب إنتخابه لها عاصمة لملكه دون مناطق أخرى من العراق. ابا جعفر المنصور لم يبني مدينة كما المدن الأخرى، بل بنى مدينة اصبحت عاصمة لأمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، مدينة أصبحت كعبة للتجار والصنّاع والحرفيين ورجال العلم والأدب والطب والصيدلة والكيمياء. لم يستطع أحد بعد العباسيين أن يمنح بغداد عظمتها كما هم مطلقا، منذ السيطرة والهيمنة المغولية حتى السيطرة والهيمنة الطائفية اليوم. ولم يجرؤ أحد على النيل من باني بغداد الأزل لليوم، الّا مجاميع من الرعاع الجهلة الذين تدفعهم جهات سياسية وميليشياوية من أجل إحياء صراعا طائفي جديد، وكأن شعبنا وبلدنا لم يتذوقا مرارة الصراع الطائفي الذي لازالت جراحاته طرية.

أيها الرعاع المتخلفون ومن يقودنكم أنّ هارون الرشيد المهمل شارعه اليوم وحفيد ابي جعفر المنصور العباسي الذي تريدون تحطيم تمثاله، قال وهو يخاطب غمامة "إمطري حيث شئت فأنّ خراجك عائد إلينا"، وهذه الجملة لوحدها كافية في أن نجعل له ولابي جعفر المنصور تمثال في كل مدينة، وهي كافية لأن يكون ابي جعفر المنصور وأحفاده أعلى منكم مكانة وعزّة وكرامة وسؤددا. فمن تلك الغيمة كانت تجبى الاموال لبغداد السلام، وتلك الغيمة كانت عنوان لقوة الدولة وعظمتها، وتلك الغيمة كانت بوصلة تهدي طلاب العلم الى مدارس بغداد، وتلك الغيمة كانت عمارة وسدود وقناطر ومجاري أنهار.

في عهد من يدفعونكم من الطائفيين اليوم لهدم تمثال باني بغداد، فأنّهم يخاطبون من خلالكم غيوم العراق باللغة الفارسية طالبين منها أن تمطر في طهران الفقيه لتزداد خيرا، وليشتروا منهم ما يقيمون به أودكم، وما تصدّره لكم تلك الغيوم من مواد مخدرة وذل وإمتهان للكرامة..

يقول أحد الشعراء وكأنّه يرى الرعاع اليوم وهم يريدون هدم تمثال المنصور وخراب بغداد:

سقيا لبغداد ورعيا لها      ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم     كيف أبيحوا جنّة مثلها (4)


ويبدو أنّ المقدسي كان يرى بغداد اليوم من خلال البلّورة المسحورة وهو يقول عنها "وهي في كل يوم الى ورا، واخشى ان تعود كسامرا، مع كثرة الفساد، والجهل والفسق، وجور السلطان" (5)

ووصفها في العصر الحديث الشاعر معروف الرصافي قائلا :


أفي المروءة أن يعتزّ جاهلها            وأن اكون بها في قبضة الهون
وأن يعيش بها العضروط ذا شمم       وأن أسام بعيشي جدع عرنيني


نعم أيها الرصافي فبغداد اليوم تعيش عهد العضاريط، ويا ويل بغداد من عهدهم.


(1) معجم البلدان 1/ 685 لياقوت الحموي
(2) فوات الوفيات 1/ 279 لأبن شاكر و تاريخ الخلفاء ص 259 للسيوطي
(3) رحلة ابن جبير ص 174
(4) معجم البلدان 1/ 692 لياقوت الحموي
(5) احسن التقاسيم ص 120 للمقدسي


زكي رضا
الدنمارك 15/6/2021


76

حينما باع التجّار سيف ذو الفقار


في الفجر كنت ارى جدّتي وانا صغير تتوضأ وصوت المؤذنّ ينادي (الله اكبر)، فكنت اراقبها وهي في رحاب الله تبسمل وتحوقل وتسجد له خاشعة باكية، علما انني لم اراها يوما تعصي ربّها طرفة عين، فعشقت الله معها وهمت في حبّه. واليوم انا فرح لرحيلها قبل ان ترى حزبه وهو يقتل وينهب ويخون، وأصبحت أخاف رصاصات من مسدسات كاتمة أن تغتالني غيلة لتنتقم منّي، لماذا؟ لأنّ الله منتقم كما يقول أعضاء حزبه .. يا إلهي الم تجد غيري وانا الباحث عن وطن أعيش فيه بكرامة  لتنتقم منه!! 

كانت جدّتي وانا صغير دائمة الصلاة على محمّد وآله، ومن خلالها أحببت محمّدا وكنت  أقسم به  صدقا وأتوسّل إليه أن يعينني ويساعدني، وعندما كبرت ورحلت جدتي حسدتها على رحيلها كونها لم ترى كما رأيت وأرى جيشه اليوم يسلب اموال الفقراء ويقتل على الهويّة ويسبي خيرة نساء بلدي.

كنت أذهب مع جدّتي مواسم الأعياد لزيارة القبور في مقبرة وادي السلام بالنجف الأشرف، وكانت قبل زيارة المقبرة تصطحبني الى ضريح ومقام الإمام علي للتبرك والدعاء، فكنت الهو بفرح طفولي على بلاط الحضرة الأملس وأحببت عليا معها، وأحببته اكثر وانا استمع الى سجاياه واخلاقه وبطولاته من خطيب معمّم. وحينما كبرت ورحلت جدتي أصبحت أخاف كتائبه وهي توجه فوّهات بنادقها لصدور ابناء شعبي، وأهرب مذعورا كلمّا أصادف معمّما في مكان ما.

كانت جدّتي تقصّ عليّ بفخر وحب كبيرين بطولات علي والحمزة في معركة بدر الكبرى، فكنت أتخيّل نفسي في تلك الفلوات حيث الرمال الحارقة والإيمان بطلا من ابطال تلك المعركة. وحينما كبرت أصبحت أتحاشى حتّى البدر ليلة تمامه كونه يذكّرني بمنظمة سليلة للخيانة وباعت العراق للأجنبي.

كنت أحلم دوما بسيف ذو الفقار المعلّقة صورته في غرفة جدّتي وهو بيد علي في معاركه المختلفة، حالما أن يكون مثله في يدي يوما لأدافع به عن حقوق الفقراء. وحينما كبرت أصبحت ابتعد عن تلك الصورة بعد أن رأيت ذو الفقار مُهدى للمحتلين من قبل التجّار والمرابين مرّة، و من معمّم لقوّاد ثانية،  ورمزا لقتل العراقيين تحت مسمى لواء ثالثة.

كانت جدّتي دائمة البكاء على فاطمة الزهراء وتصيح بها اثناء الشدائد بلهجتها البغداديّة المحببّة " دخيلچ  يا أم الحسن والحسين"، فكنت انتظر الفرج الذي لا بدّ أن يأتي سريعا لثقتي بجدتي وحرارة دموعها وصدق دعواتها وهي تناجي إبنة محمّد. وحينما كبرت أصبحت أرثي لجدتي حالها بعد أن جاءت لنا سرايا الزهراء بالمصائب والنوائب والشدائد ولتنهمر الدموع أنهارا من عيون ثكالى العراق اللواتي قتلت السرايا ابنائهن.

في عاشوراء كانت تتشّح جدّتي بالسواد وتجلس في ركن تقرأ فيه القرآن بصوت شجي، و كنت أراها ليلة العاشر من محرّم باكية حتّى مطلع الفجر جزعا وحزنا على الحسين وهو مجندلا في صحراء كربلاء، وكانت تحدثّني عن الظلم الذي وقع على سيّد شباب اهل الجنّة وآله وعياله وصحبه، وكنت ابكي لبكائها وأخرج لاطما صدري حزنا عليه في المجالس التي تقام بتلك المناسبة. وأصبحت اليوم أهرب من تلك المجالس، بعد أن حوّلت كتائب سيّد الشهداء بلدي الى مسلخ بشري.

كنت أرى جدّتي ترتجف في اليوم السابع من  شهر محرّم وهي لا تجرأ على لفظ إسم كفيل زينب وساقي عطاشى كربلاء ابا الفضل العبّاس، لما للعباس بن علي من وقع في المخيّلة الشعبية عند عوام الشيعة. لكنني اليوم اريد العودة اليها لأخبرها من أنّ لواءه ولواء كفيل زينب مساهمان في موت العراقيين عطشا، كونهما يتكلمان لغة دولة قتلت ارض الرافدين عطشا.

كانت جدّتي تقول لي أنّ علي مع الحق والحقّ مع عليّ ويدور معه أينما كان، وأنّ اتباع علي هم أهل الحقّ، فصدّقتها إيمانا منّي بصدقها ولكثرة ما سمعته عن عدله، وأصبحت اليوم أخاف أهل الحقّ وعصائبهم التي تفتك بشابّات وشبّان العراق وتنهب وطنهم وتبيع ما تقدر عليه لإيران الفقيه.

كانت جدّتي تصطحبني أحيانا لسامرّاء حيث مقام الإمام المهدي، وكانت تنتظر موعد ظهوره المنتظر ليملأ الأرض قسطا وعدلا، فكنت أحلم على الأقل بعراق يسوده القسط والعدل وفيه كل هذه المراقد وليست الأرض بأكملها، فأصبحت وأنا أشعر بالرعب حالما أسمع بجيشه وهو يصرخ أن ( قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة)، أصبحت اليوم أشعر بالخوف من جيشه وهو يقتحم ساحات التظاهر فيقتل الشابات والشباب بدم بارد، أصبحت اليوم أرتعب من حفيده ساكن الحنّانة لجرائمه بحق العراق والعراقيين.

كانت جدّتي تحدّثني وهي مليئة بالأسى والحزن عن الشورى التي لم تنصف الإمام عليّا وسرقت منه الخلافة، وكنت أشاركها حزنها وأساها لعدالة عليّ وطيبته، وأصبحت اليوم وانا أرى شورى العمائم تسرق بلدا بأكمله وتذلّ شعبا بأكمله حزينا لحزنها وحزني وقتها. 

أنبئك جدتي أنّ لله اليوم ربع ومعهم ثار بإسمه ولا يعرفون الا قتل الابرياء، زوري أمّهات الشهيدات والشهداء في أحلامهن ليقصّوا عليك كيف قتلت سرايا السلام في عراقنا المبتلى بفتاوى الشياطين الأمن والسلام في ربوعه. وأنت في ملكوت الله تقدّمي اليه وأمّهاتنا الطيبات وأطلبن منه أن يكفّ أيادي حزبه وربعه وثاره عنّا، فقد بلغ السيل بنا الزبى فخربت بهم بلادنا وأصبح الموت يحيطنا من كل جانب...

لقد إستبدل قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية وعمائمهم سيف ذو الفقار بسيف عبد الرحمن بن ملجم، وها هم يضربون به قرن رأس العراق وشعبه لقتلهما، كما ضرب إبن ملجم قرن رأس الإمام علي في الكوفة وأرداه قتيلا.


زكي رضا
الدنمارك
4/6/2021







77

المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات تكذب كعادتها
   
 
مفوضيّة الإنتخابات التي عليها تقع مسؤولية إجراء إنتخابات حرّة ونزيهة وشفّافّة، من خلال الإعلان عن موعد الإنتخابات وتنظيمها بدءا من تسجيل الناخبين وتحديث سجلّاتهم ومرورا بالإشراف على مراكز الإنتخابات وجمع وحفظ صناديق الإقتراع وعمليّة العدّ والفرز وإنتهاءا بإعلان النتائج النهائية هي "هيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع لرقابة مجلس النواب" وفق ما جاء في الفصل الثاني، المادة الثانية من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ومجرّد تقسيم مهامها على اساس المحاصصة من خلال تعيين مفوضّين من مثلث الفساد الطائفي القومي، فأنّ المفوضيّة تكون قد فقدت إستقلاليتها لتكون تحت رحمة سياسات هذا المثلث ومصالحه وتحديد نسبة ممثليه في البرلمان المركزي بما يتوافق وإستمرار نهج المحاصصة المدمّر.

لقد دأبت المفوضيّة على إطلاق تصريحات ما أنزل الله بها من سلطان، كلما حدثت جريمة أثناء سير الإنتخابات أو قبلها وبعدها حتّى. فسرقة صناديق الإقتراع وإعادتها بعد فترة ليست بالقصيرة، أو حرق مخازن صناديق الإقتراع، وقضية المال السياسي والإستفادة من عجلات الدولة وبنايات الوزارات الحكومية للدعاية الانتخابية، والتأخير في إعلان النتائج النهائية للإنتخابات من أجل إرضاء القوى المتنفذة وفسح المجال امامها لتزوير النتائج بما يتناسب وأعداد المقاعد البرلمانية لكل منها، وجدت له المفوضيّة ومعها السلطة التنفيذية حلا سحريا وهو تشكيل لجان تحقيق وضرب المتهمّين بيد من حديد كما تصرّح دوما ومعها الحكومة، ولترجع هذه اللجان ومعها تلك اليد الى من نظّمها راضية مرضية لتدخل جنّة البنوك وإمتلاك العقارات داخل وخارج الوطن!! ولأنّنا نعيش موسم الإنتخابات التي لم تنضج ثمارها لليوم، فأنّ المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات خرجت علينا وهي تتهيأ لتزوير إرادة الناخبين الراغبين رغم معرفتهم بنتائج الإنتخابات بتصريح غريب جدا.

فقد تناقلت وسائل الإعلام في 17/05/2021 اخباراً عن فقدان ملايين البطاقات الإنتخابية، وعوضا عن تقديم المفوضيّة تفسيرا منطقيا لفقدان هذا العدد الهائل من البطاقات والتي سيكون تأثيرها كبيرا على نتائج الإنتخابات القادمة، خرجت علينا المتحدثة بإسمها السيدة جمانة الغلاي بتصريح "غريب" جدا. إذ قالت أنّ : "مفوضية الانتخابات قامت بتوزيع بطاقات قصيرة الأمد في 2014 و 2018 وتم اعتمادها وجرى توزيع ما يقرب من 5 ملايين بطاقة قصيرة الأمد على الناخبين" ولتضيف قائلة: " أن "المجلس الجديد والمفوضية الجديدة، وجدا أن هذه البطاقات موجودة في مراكز التسجيل منذ 2014 و 2018 ولم يراجع عليها أصحابها، وقد يكون ذلك بسبب حالات الوفاة والهجرة"، مشيرة إلى أن "هذه البطاقات سُحبت من قبل المكتب الوطني في المفوضية مع حجب بيانات الناخبين وفتح مرحلة تحديث سجل الناخبين مجدداً ونحن بانتظار مراجعتهم لأقرب مركز تسجيل لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد"!!!

في العام 2018 أطلقت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة العراقية خطة الاستجابة الإنسانية لدعم النازحين لذلك العام، وقدّرت السلطات العراقية حينها عدد النازحين داخليا بنحو 2.5 مليون عراقي، ووقتها أعلن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في العراق راماناثان بالاكريشنان ووزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف عن خطّة للإستجابة الإنسانية لدعم النازحين. لكن الذي يهمّنا هنا هو تصريح السيد الجاف الذي ناشد فيه "القوى السياسية عدم استغلال ملف النازحين مع قرب موعد الانتخابات النيابية المقررة في أيار/مايو المقبل". والآن دعونا نعود لتصريحات السيدة الغلاي الغريبة.

تقول السيدة الغلاي أن عدد البطاقات التي وُجدت في مراكز التسجيل من قبل المفوضية هي خمسة ملايين بطاقة، وأنها تعود لناخبين مهجّرين أو موتى، ولمّا كان عدد المهجرين وفق بيانات وزارة الهجرة والمهجرين لنفس الفترة هي 2.5 مليون نازح، فأنّ عدد المتوفين وفق تصريحات السيدة الغلاي هو 2.5 مليون عراقي!! وهذه لوحدها جريمة كبرى ووصمة عار في جبين سلطة المحاصصة التي تنتمي اليها السيدة الغلاي. والأنكى هو أنّ السيدة الغلاي تنتظر مراجعة هؤلاء الناخبين لأقرب مراكز التسجيل " لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد". ولو آمنّا بسياسة الحكومة العراقية في معالجة ملفات النازحين وعودتهم الى حياتهم الطبيعية، ومن ثم تحديث بياناتهم للمشاركة في إنتخابات محسومة النتائج سلفا، فهل سيعود الموتى وعددهم 2.5 مليون لتحديث بياناتهم ايتها السيدة جمانة!!؟؟

السيدة جمانة، هذه البطاقات ستقسّم من قبل المفوضيّة على أحزاب السلطة لتعزيز مواقعها السياسية في إدارة البلاد التي هي على شفير الهاوية، ودعاية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي على زيادة اعداد المشاركين بالإنتخابات.
السيدة جمانة، لدينا مثل شعبي يقول: الچذب المسفّط أحسن من الصدگ المخربط، ويبدو من أنك ومفوضيتك وحكومتك لا تجيدون لا الچذب المسفّط ولا الصدگ المخربط.

الإنتخابات لن تغيّر شيئا من اللوحة السياسية القاتمة، ومقاطعتها وعدم منح الشرعية لقوى الفساد واجب وطني وأخلاقي.


زكي رضا
الدنمارك
18/5/2021

78

لتخرس طهران الفقيه وميليشياتها
   
في الأوّل من أيلول/ سبتامبر 1939 هاجمت المانيا النازيّة بولندا، ولو لم تتدخل كلا من فرنسا والمملكة المتحدّة وإعلانهما الحرب ضدّها واللتان جرتا بقية البلدان الاوربية بعدها للمواجهة، لكانت المانيا هاجمت بقية الدول الاوربية واحدة تلو الاخرى وإحتلتها. لكنّ الأمر المهم هنا أنّ الردّ الفرنسي البريطاني لم يكن عبر بيانات أو تضامن مع بولندا، بل عبر مواجهة عسكرية انتهت بإحتلال فرنسا ودمار واسع لحق بالمملكة المتحدّة هذه المواجهة إنتهت بعد سنوات مريرة بإنتهاء الحرب وإنهيار النازية.

قبل أيّام بدأ الإسرائيليون وعلى خلفية أحداث القدس بإعتدءات واسعة على الشعب الفلسطيني، والتي وصلت الى حد جرائم ضد الإنسانيّة بنظر الكثير من المنظمات الدوليّة المتابعة للأحداث هناك. وعلى عكس بداية الحرب العالمية الثانية فأنّ الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين لم تكن مفاجئة، كونها تتكرر بإستمرار من أجل قضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض وحصر الفلسطينيين بشريط ضيّق. كما وأنّ الموقف العربي من هذا الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على الشعب الفلسطيني ليس بالموقف المفاجئ أيضا، فعلاقات التطبيع مع إسرائيل بدأتها دول عربية عديدة سابقا، ولحقتها دول أخرى اليوم والبقية في طريقها أيضا. وهذا يعني أنّ هذه الدول ليس في نيّتها ولا حساباتها أن تحرر فلسطين من الإحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل العام 1967، كما وأنّ العديد منها لم تتاجر بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية في سياساتها المعلنة وغير المعلنة حتّى. فهل الموقف الإيراني وميليشياته الشيعية من الصراع الدائر الآن وعدم نصرة الشعب الفلسطيني عسكريا هو موقف مفاجئ!؟

منذ نجاح الثورة الإيرانية وكهدف استراتيجي للنظام فيها من أجل بسط نفوذه في البلدان العربية للهيمنة عليها عن طريق ميليشيات موالية لها، كان شعار تحرير فلسطين شعارا اساسيا ترفعه السلطات الإيرانية وشكّلت من أجله فيلقا تحت مسمى فيلق القدس الذي يبدو انه متواجد في مناطق عديدة الا القدس. فهل كان هذا الشعار حقيقيا أم كما شعار كل شيء من اجل المعركة " معركة تحرير فلسطين" التي رفعتها الأنظمة العروبية لعقود دون أن تحقّق أهدافها!؟ وهل نجحت إيران الإسلامية التي خصصت الجمعة الاخيرة من شهر رمضان كيوم للقدس في تحقيق ما فشل القوميون العرب في تحقيقه؟

منذ نجاح الثورة الإيرانية ولليوم كان الإيرانيون يستعرضون قواهم امام البلدان العربية وشعوبها على أنّهم سيكونون الجنود الذين يحررون الأقصى من دنس الصهاينة لو كان لهم شبر واحد من الحدود معها! ولم تمر الا سنوات الّا وإيران وعن طريق ميليشيا حزب الله الشيعية الموالية لها، تمتلك ما يقارب 120 كيلومترا وليس شبرا واحدا من الحدود مع إسرائيل. وما أن بدأت الأزمة السورية في آذار / مارس 2011 حتى كانت لإيران حدودا من الجبهة السورية لا تقل طولا عن حدودها مع إسرائيل على الجانب اللبناني، وهذه المرّة ليس عن طريق ميليشياتها التي لها مواقع ومعسكرات تدريب عديدة في سوريا فقط بل وعن طريق الدولة السورية نفسها والتي فسحت المجال واسعا امام التدخل والنفوذ الايراني بعد أن تخلت عنها الانظمة العربية.

اليوم والفلسطينيون يتعرضون للبطش الوحشي الاسرائيلي وإستشهاد وجرح عشرات الابرياء منهم، وانهيار العديد من المباني والبنى التحتيّة وتعطّل الحياة وهم يعيشون حصارا عنصريا مجرما، وبعد أن انتقلت إنتفاضتهم ومقاومتهم لداخل الخط الأخضر، ارى من حقّنا أن نسأل ولي الفقيه وميليشياته عن اسباب عدم مهاجمتهم لإسرائيل لفتح جبهات عسكرية جديدة تخفّف من وطأة المعاناة عند الفلسطينيين!؟

إن الموت هو المنتصر الوحيد في الحروب، الا أنّ المنتصر في هذه الحرب علاوة على الموت هو الضحك على قادة إيران وجيش قدسهم وميليشياتهم الشيعية التي لم ترمي حجرا ولا أقول رصاصة بإتجاه إسرائيل منذ بدأ أحداث الاقصى لليوم. لكن أن يكون هناك منتصرا آخرا يفوق الضحك إنتصارا، هو دخول المراهق مقتدى الصدر وميليشياته وبقيّة الميليشيات الشيعية معركة فلسطين من خلال إعلان جاهزية عصاباتهم لتحرير القدس، هذه الميلشيات التي من أعظم مآثرها لليوم هي إشتراكها في الحرب الطائفية تحت شعار ( قتلانا في الجنّة وقتلاهم في خلف السدّة)، وإغتيال وقتل المئات من المتظاهرين والناشطين من أجل حرية العراق وشعبه..

لا يختلف إثنان عن ماهيّة السلطات الإسرائيلية الدموية والعنصريّة، كما لا يختلف إثنان عن حقّ الشعب الفلسطيني في النضال من أجل حريّته وحقّه في إقامة دولته المستقلّة وفق قرارات الأمم المتحدّة ذات الصلة. لكننا ونحن نحترم هذا الحق وندعو إليه، نتساءل عن القوى التي تدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني ويخوضون به حرب بالوكالة وخاسرة من أجل أنظمة قومية عروبية في السابق، ومن أجل مصالح دولة وليّ الفقيه اليوم. ومثلما كانت القضية الفلسطينية العادلة تجارة مربحة في بازار القوميين العرب، فأنّها اليوم تجارة مربحة في بازار القوى الإسلامية وراعيتها إيران.

ختاما يجب التأكيد على عدم الدعوة لحرب واسعة ومدمرّة، لكننا ونحن نرى ازدواجية وضبابية ودجل حكام طهران الا قول ( إخرسي طهران وميليشياتك المجرمة).


زكي رضا
الدنمارك
13/5/2021

79
السيد روحاني.. بلادكم اكبر ثقب أسود إبتلع العراق

تعرّف وكالة ناسا الفضائيّة الثقوب السوداء على أنّها " جسم فلكي، يتواجد في المجرات منذ مليارات السنين، وهي أكبر قوة جذب كونية معروفة ولا يمكن لأي شيء ولا حتى الضوء أن يفلت منها، ولو اقترب منها نجم أو أي جسم آخر ستجذبه وتبتلعه"، ووفق الوكالة الفضائية ناسا فأنّ " هذه الأجسام الفلكية ليست ثقوبا بالمعنى الحقيقي، ولكن أي شيء يقترب منها يختفي، حيث تسقط المادة والإشعاع معا ولا تظهرا أبدا"، كما وأنّ الإنسان لا يستطيع أن يرى هذه الثقوب بالعين المجرّدة، كما يؤكّد العلماء.

المقدمّة العلمية التي تناولناها أعلاه تخصّ الفضاء المترامي والشاسع والبعيد عنّا بمليارات السنوات الضوئية، حيث يتشكل الزمكان وفق رصد العلماء لتحركات الثقوب السوداء هذه. أمّا مقالتنا هذه فأنّها تتناول ثقب أسود يُرى بالعين المجرّدة ويمكننا السفر إليه مشيا على الأقدام. ثقب جار لبلدنا يبتلع منذ وصول الطائفيين للسلطة، نفطنا وماءنا وأسواقنا ودولارات مزاد عملتنا، ثقب حقيقي وليس كبقية الثقوب السوداء، ثقب لو إستمرّت تحركاته بنفس الطريقة ودون إنفكاك بلادنا من مجالها المغناطيسي الطائفي، فأن بلادنا وبلا أدنى شك ستسقط فيه ولا تظهر ابدا.

ما يميّز ساسة إيران (الثقب الأسود) عن ساستنا، هو أنهم وطنيون يعملون على رفعة شأن وطنهم وتقدّمه، لذا نراهم يتعاملون مع الدول المختلفة وفق مصلحة بلادهم و نظرتهم لساسة تلك الدول وشعوبها وحكوماتها. ولأنّهم واثقون من عدم وطنية الساسة العراقيين وخيانتهم لبلدهم، علاوة على تربية زعمائهم "ساسة العراق اليوم" في مدارسهم السياسية والمخابراتية في طهران حينما كانوا يشّكلون المعارضة للنظام البعثي الفاشي، فأنّهم يتعاملون مع شعبنا ووطننا بإستخفاف يصل الى حدّ الإستهتار في أحيان كثيرة. فرجال مخابراتهم وزعماء عصاباتهم كسليماني قبل مقتله وقا آني وغيرهما، يدخلون العراق متى ما يشاؤون وأين ما يريدون.  فإيران كما يقول إمام جمعة مشهد الإيرانية علم الهدى ونقلا عن وكالة انباء الطلبة الإيرانية ( إيسنا) هي اليوم اكبر من مساحتها الجغرافية، وأنّ "إيران اليوم ليست فقط إيران ولا تحد بحدودها الجغرافية. الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن وقوات الدفاع الوطني في سوريا والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، هذه كلها إيران". ولمّا كانت عصابات الحشد الشعبي هي من تتحكم بالقرار السياسي العراقي وتهيمن على مفاصل الإقتصاد الوطني والمنافذ الحدودية وتتحصل على الأتاوات وترتبط بحبل سرّة قوي ومتين داخل رحم وليّ الفقيه ونظامه، فأنّ العراق اليوم يتحرك بسرعة قياسية نحو مركز الثقب الإيراني الأسود.

بعد تفشّي  الموجة الرابعة لجائحة كورونا في إيران والتي حصلت نتيجة إحتفال الشعوب الإيرانية برأس السنة الفارسيّة والتنقّل بين المحافظات والمدن والبلدات المختلفة، قال السيد إيرج حريري معاون وزير الصحّة الإيراني من أنّ الوزارة كانت مع عدم فسح المجال للسفر داخل إيران، الّا أن الجهات العليا ولأغراض إقتصادية كانت على الضد من رأي الوزارة. وقد ردّ السيد روحاني على هذا التصريح قائلا " إهتمامنا بالكامل كان ينصبّ على مراقبة المطار، الا انّ الثقب جاء من مكان آخر، وانّ جميع فايروسات كوفيد 19 الإنجليزية جاءت من العراق!!"، ليضيف قائلا وبلهجة الواثق " لو لم تكن الفايروسات قد دخلت البلاد من حدود محافظتي خوزستان وإيلام، لم تكن هذه المشكلة موجوة اليوم!!". وكان وزير الصحة الإيراني  السيد سعيد نمكي قد صرّح قبلها قائلا " من أن الفايروسات لا تحتاج الى جواز سفر لتنتقل من بلد الى آخر!!

قبل إتّهام العراق بشيوع الموجة الرابعة للجائحة في إيران من قبل روحاني، طلب وزير الصحة الإيراني من وزير الداخلية رحماني فضلي بوقف السفر البري والجوي لتركيا بعد تفشي الفايروس الإنجليزي هناك، والذي تم رفضه من قبل الوزير والرئيس وفق وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري!! وكان الوزير قد أخبر قبلها رؤساء الجامعات الطبيّة من انّ سبب تفشي المرض بشكل كبير في ايران هو إزدحام الأسواق والطوابير الطويلة والسفرات الداخلية بمناسبة اعياد نوروز.

لأننا نعيش تحت سطوة الميليشيات الإيرانية ولا نمتلك قرارنا السياسي، فأنّ الحلم بردّ ولو خجول لتصريحات روحاني ومن اجل رفع العتب فقط لن يتحقق. بل على العكس فقد يخرج لنا إمام جمعة أو زعيم حزب أو عصابة غدا ليعلن غلق الحدود مع الثقب الأسود حفاظا على صحّة الشعوب الإيرانيّة، على أن تبقى مرور البضائع والمخدّرات الى الأسواق العراقية قائمة، وكذلك مرور الأسلحة من خلال بلادنا الى العصابات الإيرانية في سوريا.

زكي رضا
الدنمارك
12/4/2021


 

 















80
هل العراق بحاجة الى ليلة سكاكين طويلة ..؟


أحيانا تدفعنا اوضاع العراق وهو يعيش تحت سطوة الميليشيات الإسلامية، الى البحث عن تجارب تاريخية من تلك التي ممكن مقارنتها مع تجربتنا الكارثية تحت ظل سلطة الاسلام السياسي، لإستخلاص بعض النتائج التي لو طُبّقت على واقعنا المزري وعلى الرغم من رفضنا الفكري والآيديولوجي بل والإنساني لها، فأنّ من الممكن لتقارب التجربتين أن نصل الى بعض النتائج التي بوسعها أن تغيّر بعضا من هذا الواقع المعاش. وهذا لا يعني مطلقا انّ التجربة التي سنتناولها في هذا المقالة ورفضنا لمن قاموا بها وظروفها ونتائجها، تعني قبولنا بتجربة الاسلام السياسي ونتائج سياساته الكارثية، كون التجربتين قريبتين من بعضهما في عدائهما لكل ما هو ديموقراطي وانساني ووطني، والتجربتين وعلى الرغم الفارق الزمني الذي يقدّر بتسعة عقود متطابقتان في امور عدّة، أهمّها هي الإحتكام الى السلاح في تهديد الدولة ومناوئيهم السياسيين. ومختلفتين في نقطة مهمّة وهي أنّ الميليشيات الشيعية ليست سوى بنادق للإيجار، والثانية التي سنتناولها بعد قليل لم تكن كذلك.

لعبت كتيبة العاصفة النازيّة منذ أن تأسست بدايات عشرينيات القرن الماضي، دورا هاما في تدعيم النازيّة الالمانية وترسيخ أقدام زعيمها أدولف هتلر على المسرح السياسي الالماني، وكانت من أهم مهامّها في الفترة ما بين 1926 – 1933 تعزيز شعبية الحزب النازي بتنظيمها التجمعات الدعائية للنازيين ومهاجمة التظاهرات الجماهيرية المناوئة لهم، وإشتراكها الفعّال في مهاجمة ممتلكات اليهود الالمان ونهبها كشكل من اشكال الاضطهاد الديني والسياسي. الّا انها وبعد إستلام النازيين للسلطة وتبوأ هتلر منصب مستشار المانيا بداية سنة 1933 وبدلا من أن تتوقف عن اعمال العنف التي مارستها قبل استلام النازيين للسلطة، فأنها استمرت في نفس نهجها السابق ما ادى الى احراج النازيين وعلى رأسهم هتلر الذي لم يستطع ان يوقف هذه الميليشيا عند حدّها. وقد اثار طلب أرنست روم قائد هذه الميليشيا بضم مليوني ميليشياوي وهم تعداد عصابة العاصفة وقتها الى الجيش الالماني، حفيظة وغضب كبار الجنرالات الالمان الذين عبرّوا بشكل علني عن رفضهم الكامل لطلب روم هذا إحتراما لتاريخ الجيش الالماني من جهة، وللحيولة دون انتقال العنف الذي تمتاز به هذه العصابة الى المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، ولإحترام المهنية في الجيش وعدم إختراقه من جهة ثالثة ، فيما كان رد الرئيس الالماني باول فون هيندنبورغ المعادي لهتلر اكثر تشددا وهو يهدد باستخدام الجيش في حرب شوارع للقضاء على عصابة العاصفة بل وعلى النازيين باكملهم.

نتيجة استمرار قادة ميليشيا العاصفة في مواقفهم التي اثارت العديد في المشهد السياسي الالماني، لم يكن امام هتلر الا القضاء على هذه العصابة التي وقفت الى جانبة لاكثر من عقد. فقام بمساعدة قوات الأس أس وهو على رأسهم بمهاجمة مقر هذه الميليشيا في منطقة (باد فيسه) وبداخله كبار الميليشياويين ومنهم أرنست روم الذي وجّه هتلر مسدسه نحو وجهه، وليعُتقل ومعه عدد كبير من زعماء ميليشيا العاصفة. عُرِفت هذا الليلة والتي أدت خلال ثلاث ايام تلتها بليلة السكاكين الطويلة والتي انتهت بحلّ هذه الميليشيا وقتل ما يقارب المئتين من قادتها وعلى رأسهم زعيمها أرنست روم.

بغضّ النظر عن الظروف الموضوعية والذاتية التي كانت في المانيا وقتها ومقارنتها بالتي عندنا بالعراق اليوم، وعلى الرغم من موقفنا الواضح من هتلر والحزب النازي وجرائمهما بحق الشعب الألماني وشعوب العالم أجمع. الا اننا ونحن نرى عصابات عاصفة وليس عصابة عاصفة واحدة بالعراق وهي تنظّم التجمعات المؤيدة لأحزاب الفساد، وتهاجم التظاهرات الجماهيرية لكسرها، وتشكيلها لجيش عقائدي موازي للجيش الوطني، وهيمنتها على إقتصاد البلاد عن طريق مكاتبها الاقتصادية وفرض اتاواتها، وإستعراض قوّتها وهي مدججّة بالأسلحة المختلفة لتُرعب الشارع العراقي، ناهيك عن مشاركة غالبيتها في الصراع الطائفي بالبلاد والذي خلّف مئات الآلاف من الضحايا والمعاقين والمفقودين، أرى اننا بحاجة لقراءة التجربة الالمانية بإمعان.

علينا ان نميّز ونحن نتناول ميليشيا الحشد الشعبي بين جيش المتطوعين الذين هبّوا للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي بعد فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها السيد السيستاني، وبين الميليشيات الشيعية التي كانت موجودة فعلا قبل تلك الفتوى، كميليشيات بدر وجيش المهدي وحزب الله والعصائب و جيش المختار والعشرات غيرها التي وُلِدت من رحمها بنطفة إيرانية لاحقا كثار الله وربع الله وأخرى غيرهما. كما وعلينا ان نميّز بين الميليشيات نفسها فمنها ما هو ولائي يأتمر بأوامر ولي الفقيه في طهران، وبين ميليشيات تعلن ولائها للسيد السيستاني والتي إنسحبت موخرّا من تشكيلات الحشد. لكننا وعلى الرغم من تمييزنا هذا علينا تعريف أي تشكيل عسكري تابع لحزب أو منظمة سياسية ويحمل السلاح خارج المؤسسة العسكرية للدولة، من أنّها ميليشيا. كما وأنّ أي ميليشيا تُعلن ولائها لمرجعيات دينية أو سياسية غير وطنية وتدافع علنا عن دولة أجنبية وتنفّذ أجندتها، من أنها إمتداد لجيش تلك الدولة. ولما كانت الميليشيات الولائية تعترف علنا بولائها لنظام ولي الفقيه، فأنّ إستمرارها بلعب ادوار سياسية يشكل اكبر المخاطر على البلاد ووحدتها وهيبتها، علاوة على كونها إمتداد عسكري إيراني في البلاد.

هل ميليشيا العصائب وكتائب حزب الله وجيش المهدي تحت اي مسمى كان وبقية الميليشيات التي هاجمت المتظاهرين في ساحة التحرير وكراج السنك والخلّاني وميادين التظاهرات في النجف وكربلاء والناصرية والبصرة والديوانية والكوت وميسان وغيرها من المدن والبلدات، والتي إغتالت وتغتال وتخطف عشرات الناشطات والناشطين، والتي قامت وتقوم وهي ممثّلة بالبرلمان بقصف السفارات والمنطقة الخضراء تنفيذا لأجندات إيرانية وتحرج الحكومة العراقية دبلوماسيّا هي جزء من الحشد الشعبي..؟ الإجابة عن هذا السؤال ونحن نبحث عن سلم وإستقرار بلدنا غاية بالأهميّة، لأن الإجابة بنعم تعني أن الحشد الشعبي هو الذي يقوم بقتل وإختطاف وتعذيب الناشطين والمتظاهرين ويقوم أيضا بقصف السفارات والمنطقة الخضراء، هو أشبه بعصابة العاصفة النازية. وإن كان الجواب بلا، فهذا يعني أنّ هذه الميليشيات المتورطة بجرائم خطف وإغتيال المتظاهرين والناشطين ليست سوى عصابات وهي الاخرى أشبه بعصابة العاصفة النازيّة أيضا.

قد يبدو الامر نوع من الفنطازيا عند البعض ونحن نقارن بين ميليشيا العاصفة النازية في المانيا وبين الميليشيات الإسلامية بالعراق، وإن كانت مطالبة إرنست روم هناك بدمج ميليشيا العاصفة في الجيش الالماني وحلّ تلك العصابة وتصفية قادتها وهو على رأسهم ومطالبة قادة الميليشيات الشيعية بدمج ميليشياتهم في الجيش العراقي، تعني اننا بحاجة فعلا الى ليلة سكاكين عراقية طويلة ..؟ أعتقد أن الأمر بحاجة الى مثل هذه الليلة، لكن السؤال هو: من الذي يستطيع ان يهيأ الظروف المناسبة لهذه الليلة المجيدة والتي ستعيد لبلدنا كرامته وأمنه وأستقراره ..؟

منظومة الفساد بالعراق لن تتفكك الّا بتفكك وانهيار شكل النظام السياسي القائم اليوم أي تفكيك نظام المحاصصة، وهذا النظام لن يتفكك الا بتفكيك وتدمير جميع الميليشيات المسلّحة أي وبمعنى آخر تدمير الدولة العميقة. قد يبدو أن هذا الحلّ سيتسبب بما يشبه الحرب الأهلية، كون العصابات والميليشيات المسلحة والمدعومة إقليميا لن تتنازل عن مواقعها بالسهولة التي نتوقعها. وهنا نكون امام خيارين، فأمّا إستمرار اوضاع البلد بالشكل الذي عليه اليوم وإستمرار تردّي الأحوال السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمعيشية لملايين الفقراء، وإمّا بدأ المعركة مع هذه الميليشيات والتي هي بالأساس معركة مؤجلة كونها قادمة حتما في المستقبل، خصوصا وأنّ إرهابيا وقاتلا كعبد العزيز المحمدواي وهو من ابرز قياديي كتائب حزب الله الإرهابي العراقي، أصبح على رأس هيئة اركان عصابات الحشد الشعبي بدعم إيراني غير محدود، وإرهابيا كقيس الخزعلي يهدد الحكومة الشرعية بإستعراض عضلات إرهابيي العصائب في بغداد وتلاه على نفس النهج قادة ربع الله وميليشياتهم، وميليشياويا وقاتل المنتفضات والمنتفضين السلميين كمقتدى الصدر وهو يريد لعب دور الوطني في عرضه حماية المنطقة الخضراء من قبل عصابات سرايا السلام، علاوة على طرح نفسه من خلال دعاية إنتخابية مبكّرة مدافعا عن حقوق مسيحيي العراق الذين لم يفكّر لسبعة عشر عاما تذكّر ما سلبته عصاباته وعصابات البيت الشيعي من أملاكهم!!

لو كنت مكان الكاظمي لفضّلت أذني العراق على أذني وخططت لهذه المعركة بهدوء قبل إنهيار البلد بيد ميليشيات خامنائي.

زكي رضا
الدنمارك
2/4/2021

81

فشلت وستفشل محاولات مكافحة الشيوعية بالعراق


لم تأتي ولادة الحزب الشيوعي العراقي في آذار 1934 كحدث آني وقتها، كون أسباب تأسيس الحزب كضرورة أملتها الحياة السياسية بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كانت قد إختمرت من خلال نضالات شعبنا التي بدأها في تظاهرات جماهيرية عفوية ضد المعاهدة الأنگلو- عراقية والتي حلّت محل الإنتداب في تشرين الأوّل عام 1922، والتي إستطاعت أي التظاهرات إجبار الملك فيصل الأوّل وحكومته على عدم المصادقة عليها. في تلك الفترة كانت تأثيرات الحركات الراديكالية في العراق تتبلور بشكل واضح، من خلال نشاطات حسين الرحال ورفاقه الذين أسسّوا نادي التضامن في العام 1926 ، والذي اصبح العديد من اعضاءه كـ (زكي خيري وجميل توما وعزيز شريف..) وغيرهم قادة يساريين وشيوعيين لاحقا.

لقد شعر البريطانيون والحكومة العراقية بخطورة تأثيرات الأفكار والتجمعّات الماركسية والراديكالية التي بدأت تنتشر بهدوء في المجتمع العراقي، والتي ترجمها نادي التضامن بمظاهرة من اجل حرية الصحافة في العام 1927 وعاد ثانية لتنظيم أخرى في شباط 1928 شارك فيها أكثر من 20 الف متظاهر إحتجاجا على زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند للعراق. ومن اجل الوقوف بوجه هذه التوجهات والسخط الشعبي تجاه الحكومة التي فشلت في تلبية حاجات الناس وعدم إحترام القرار الوطني الذي ترسمه لندن، إنظمت الحكومة الى" اتفاق إقليمي برعاية بريطانية لمكافحة الشيوعية".(1) وكانت بريطانيا تعوّل كثيرا على العامل الديني وإتّخاذه كرأس حربة في مواجهتها للنشاطات الشيوعية، ليس في العراق - حيث للدين مركزا مهمّا في حياة الناس - فقط بل وفي مختلف البلدان الإسلاميّة التي تأثّرت شعوبها بنجاح ثورة اكتوبر في روسيا. وقد تمكّن ضابط الإستخبارات البريطاني بيمان من الحصول في آب / أغسطس 1919 على فتوى من المفتي الأكبر للأزهر الشيخ محمّد بخيت "تدين الشيوعية"

لقد إستمرّت الأفكار الإشتراكية والمفاهيم الشيوعية والراديكالية بالنمو وتعددت المنابر والجماعات الشيوعية، لتصل في نهاية المطاف الى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في الواحد والثلاثين من آذار/ مارس 1934 . وقد شعرت السلطة الملكية ومعها البريطانيون بخطورة الحزب على مشاريعهم، ما جعلهم يوجهون ضربات قاسية للحزب وهو في طور بداياته الاولى وطراوة تنظيمه. حتى وصل الأمر برئيس الشرطة السياسية بهجت العطية وهو يحطّم منظمات الحزب ليعلن بلهجة الواثق والتي لم تكن في محلّها كما يقول بطاطو من أنّ الحزب في "أيّامه الأخيرة"، وكان سلفه والحديث لا زال لبطاطو قد توصّل الى نفس الإستنتاج سنة 1935 ، وسقط البعث في نفس الخطأ مرّتين. الا أنّ "الشيوعية كانت بعيدة عن الموت، وأصبحت في الخمسينات هوى أكثر قوّة، وصارت افكارها تثير مشاعر قريبة من حدود الإيمان .." (2) وكان الميل الى الشيوعية "راسخا لا يمكن إجتثاثه على ما يبدو. وكان لا ينتزع من مكان إلّا وينبت في مكان آخر" (3)

بعد نجاح الحزب الشيوعي العراقي بقيادة وثبة كانون العام 1948 وإنتفاضة 1952 أوصى ضابط الإستخبارات البريطاني پ. ب. راي بما أسماه "المعالجة الدينية" لمواجهة المد الشيوعي، وعلى خطاه سار السفير البريطاني ببغداد السير جون تروبتيك الذي إجتمع بالمجتهد الشيعي الأكبر، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بمدرسته في النجف في السادس من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1953 وناقش معه وفق ما جاء به بطاطو مسألة العدو المشترك، أي الحزب الشيوعي العراقي!!

في شباط 1963 إستغلّ الجلّادون البعثييون فتوى المرجع الشيعي محسن الحكيم ضد الشيوعية والصادرة العام 1959 ، ليقوموا من خلالها بجرائم يندى لها جبين البشرية. و "الغريب" عدم صدور فتوى من قبله بتحريم الإنتماء للبعث الفاشي. وعاد البعث من جديد نهاية السبعينات ليشنّ حملة تصفيات جسدية ضد أعضاء الحزب، حالماً كما اسلافه بقبر الحزب الشيوعي. ليُقبر وحزبه في التاسع من نيسان 2003 بعد أن مهّد برعونته البلد لإحتلال أمريكي تبعه إيراني، دمّرا بلدنا وشعبنا. والسؤال اليوم ونحن نعيش "ديموقراطية" جاء بها المحتل الأمريكي بوصفة جاهزة هو إن كان النظام السياسي القائم اليوم قد نجح فيما فشل فيه غيره في مكافحة الحزب الشيوعي أم لا ..؟

القوى الدينية التي تهيمن على المشهد السياسي وهي متأثرّة بدولة ولي الفقيه المعادية للديموقراطية الحقيقية والأفكار الماركسية، تعمل كما الأنظمة التي سبقتها على مكافحة الحزب الشيوعي وتقليل دوره في الحياة السياسية العراقية بشكل "ديموقراطي" لليوم. وذلك بسن قوانين إنتخابية تُصّعب من فرص الحزب الشيوعي والقوى الديموقراطية العلمانية لدخول البرلمان العراقي بشكل مؤثّر، لشعورها بمخاطر القوى الديموقراطية العلمانية ومنها الحزب الشيوعي على مشروعها السياسي الذي لم يجلب لبلادنا الا الخراب والدمار.

ومثلما فشلت الحكومات السابقة في مكافحة الشيوعية بالعراق، فأن الفشل سيكون من نصيب القوى الفاسدة التي تقود بلادنا نحو المجهول. ولا زال لسان الشيوعيين ولليوم وهم يحتفلون بالذكرى السابعة والثمانين لتأسيس حزبهم يقول بلهجة الإنتصار التي جاءت في إفتتاحية جريدة "الصحافة" التي عاد لإصدارها جماعة الرحّال في العام 1927 بعد إغلاقها لفترة: "عدنا! ولم نلفظ نفسنا الأخير كما تصوّروا!" (4) . وستظل "الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق".

المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى ميلاده الأغّر
المجد لشهداء الحزب على مرّ تاريخه النضالي
تحية لرفيقات ورفاق الحزب وهم يحتفلون بهذا العيد المجيد
تحية لشعبنا وثائرات وثوّار تشرين وهم يبحثون عن غد أجمل من خلال إنتفاضتهم الباسلة


(1) عبد الرزاق الحسني (تاريخ الوزارات العراقية) ج 2 ص 59
(2) حنا بطاطو ( العراق) الكتاب الثاني – الحزب الشيوعي ص 36
(3) نفس المصدر ص 120
(4) نفس المصدر ص 101

زكي رضا
الدنمارك
30/3/2021

82
ليتعلّم المؤمنون بالعراق محاربة الفساد من فرنسا


ما أن تجلس إلى إسلاميّ شيعي في مجلس حتّى تراه متقمّصا شخصية الزاهد وكأنّه الإمام عليّ، وما أن تجلس في مسجد ومعممّ منهم على منبره حتى تتخيّله الإمام عليّ بنفسه وهو يعظ الناس لسلوك طريق الخير ، وما أن تجلس إلى سياسيّ منهم حتى ترى ملامح الإمام عليّ على سيمائه وهو ينظر الى الحق فلا يحيد عنه قيد أنملة!!

الأساس الذي يقوم عليه الدين كما يقول المؤمنون به من رجال دين وساسة إسلاميين وهم يريدون بناء دولة المهدي بالعراق "هو حُكم الله ورسوله"، وهم بذلك يقفون في الجهة المقابلة للعلمانية الديموقراطيّة ويحاربونها كونها كفر وإلحاد! لكنّ السؤال هو أنّ كان الفساد الذي هو أساس بلاء شعبنا ووطننا جزء من حكم الله ورسوله!؟

الفساد لا يقتصر على بلد دون غيره، لذا نراه منتشرا في مختلف البلدان بغضّ النظر عن غناها وفقرها. لكنّ الأمر المهم حينما يكون مستشريا وإن على نطاق ضيّق، هو محاربته وتقليل آثاره المدمّرة. لذا نرى البلدان العلمانيّة الديموقراطيّة "الكافرة" تسنّ القوانين التي تحارب هذه الظاهرة بشدّة، وتعمل على أن يكون القانون نافذا بحقّ الفاسدين دون النظر الى مواقعهم السياسية والإجتماعية. لذا نرى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومعها السلطة الرابعة لا يداهنون بدينهم الذي هو قوانين وضعوها بأنفسهم في محاربة الفساد وتقديم الفاسدين الى محاكم شرعية لنيل عقابهم، مهما كان مركز الفاسد السياسي والإجتماعي.

فرنسا العلمانية "الكافرة" أثبتت لنا اليوم عظمة القوانين الوضعية العلمانية الديموقراطية وتطبيقها، مقابل ضآلة "حكم الله ورسوله" الذي صدّع به رجال الدين وساسته وميليشياته رؤوسنا منذ الإحتلال الأمريكي – الإيراني لليوم على الأقل. الحكومة الفرنسية وهي حكومة تفرزها إنتخابات ديموقراطية لا تعرف المال السياسي ولا الإرهاب الديني والسياسي والميليشياوي كوسيلة لجعل الناخب التصويت لجهات معيّنة بذاتها وهي تعمل بقوّة في إستمرار وتقدّم بناء دولة تحترم مواطنيها، ضربت اليوم مثلا وضعت فيه سلطة المحاصصة بالعراق والانظمة الفاشلة الأخرى أمام مرآة شعوبهم عراة حتى من ورقة التوت.

لقد أصدر القضاء الفرنسي اليوم حكمه على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن 3 سنوات منها سنة واحدة نافذة، بتهمة الفساد واستغلال النفوذ فيما تسمى بقضية "التنصت"! ولم تأتِ إدانة ساراكوزي لعدم وضع عدّادات على انابيب نقل البترول الى السفن الراسية في مياه فرنسا الإقليمية، ولا بسبب المدارس الهيكلية التي بنتها إيران في الريف الفرنسي، ولا سرقة مصرف سوسيتيه جنرال في باريس وقتل حرّاسه، ولا بسبب صفقات الكهرباء وأجهزة المتفجرات والأسلحة وغيرها الكثير، بل بسببٍ لو حدث في العراق لحصل الفاسد على وسام الرافدين من الدرجة الأولى لنزاهته مقابل حيتان الفساد الآخرين. لقد حوكم ساراكوزي كونه وعد "بمساعدة قاض سابق في الحصول على وظيفة في موناكو مقابل الحصول على معلومات سرية حول تحقيق استهدفه، بمساعدة خط هاتفي مسجل باسم بول بيسموث"!!

نظام الله خير في ذاته ، لأنه من شرع الله ، ولن يكون شرع العبيد يوما كشرع الله ... سيّد قطب

لقد أثبتت المؤسسات والأحزاب الإسلامية دون إستثناء، وهي تتاجر بالله وفي كل العالم خطأ ما جئت به يا سيّد قطب. فنظام الله لم نرى منه الا الفساد والفقر والجوع والمرض للأسف الشديد، وشرع العبيد كما ترى تجاوز شرع الله في العدالة. وأتباع نظام الله يرسمون للفقراء جنّة في السماوات بعد أن ينهبوا أموالهم، في الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن جنّة لهم في الأرض.


زكي رضا
الدنمارك
1/3/2021




83

العراق .. سمفونية الموت!!


إلى أرواح شهداء ساحة الطيران
إلى تلك البسطات الفقيرة التي كانت بالكاد تُطعم أصحابها
الى أرامل وأيتام العراق
الى ما تبقّى من ضمائر تشعر بهول الكارثة

من ساحة الطيران، طارت الى الله يوم أمس أجساد ممزّقة تشتكي إليه ما حلّ بها. أجساد نحيلة هدّها الدين جوعاً لفساد أئمته، وفقراً للصوصية قادته، وخوفاً ورعباً لسطوة أحزابه وميليشياته وعصاباته، وموتاً لإجتماع سقيفة و"كسر" ضلع!

ستقف هذه الأجساد كما التي سبقتها لتشكو لله ظلم العمائم، وهي تفتي بالقتل وتصمت عن سرقة أموال اليتامى والأرامل وتُخَمِّس السرقات مع السرّاق.

ستجلس هذه الأجساد بعيدا عن الأنبياء والرسل، الجالسين على أرائك من إستبرق لتفترش التراب في جنّة لا تراب فيها الّا للفقراء.

ستنظر هذه الأجساد الممزّقة الى النبي محمّد وهو جالس بين بقيّة الأنبياء يطوف فيهم غلمان "يسقونهم كؤوسا مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً" لتسأله: هل نحن خير أمَّةٍ أخرجت للنَّاس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر!؟

هناك حيث "تقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون الّا من أَذِنَ له الرحمن وقال صوابا"، تتحدث تلك الأجساد دون إذن وهي تشعر بالقهر والحيف وفاجعة عراقهم المبتلى لتسأل الأنبياء والرسل وهم صامتون كأنّ على رؤوسهم الطيرعن "الحقّ الذي عليهم إتّخاذه الى الله مآبا"، ليسألوا الله أن : يا إلهنا "أنّك أنذرت الكافرين عذاباً قريبا ليقولوا يا ليتنا كنّا ترابا"، فهل أهل العراق كافرون!؟ فتجيب تلك الأجساد: نعم، يبدو إننا من الكافرين و يا ليتنا كنّا ترابا كي لا تحتار ملائكة الله بجمع قطع أجسادنا المتناثرة في سماوات وطننا، وعظامنا التي لم تلحق في أن تتحول الى رميم، بعد أن دفعنا المؤمنين به وهم ينهبوننا الى بيع سقط المتاع في أسواق اللنگة لنعيش عيش الكفاف وما دون منه، وجاء مؤمنون غيرهم لينحروننا بإسمه كما النعاج.

حينها صرخ الأنبياء والرسل ومعهم الملائكة وهم ينظرون صوب العرش (الله أكبر)، وإذا بتلك الأجساد الهزيلة تهرب هنا وهناك خوفاً من هذا التكبير، وكيف لا تخافه وقد سُرِقَتْ به وقُتِلَتْ به وذُلَّتْ به، بل أنّ أحدهم إنتهك معمّم به عِرضه بعد أن تمتّع بأخته مقابل وجبة طعام لأيتامها الجوعى.

من مكان ما ظهر جواد سليم رافعاً إزميله ليذوب وسط تلك الأجساد الشاكية أمرها لله، ومعه فائق حسن وهو يئنّ من ثقل جداريته التي حملها من ساحة الطيران للجنة على ظهره الذي إنحنى وهو يحمل على كاهليه أجساد العمّال المياومين الباحثين عن رغيف مغمّس بالكرامة، وهم يستظلّون بتلك الجداريّة التي لوّنها الدم النازف من أجسادهم التي أنهكها الجوع والمرض باللون القرمزي.

ليسير الجمع في تظاهرة يتقدمّها الزهاوي، طالباً من المتظاهرين أن يعلنوا ثورتهم ضد حكم اللصوص والقتلة من الجنّة هذه المرّة، ليطردوا منها كل رجال الدين على مرّ التاريخ.

وصل أمر التظاهرة لله وهو مستو على عرشه، وأبلغته الملائكة المقرّبين بأحوال الأجساد التي فتك بها الصراع الطائفي الديني ومطالبتهم بطرد جميع رجال الدين من الجنّة.

قرر الله لحزنه على شهداء سوق اللنگة أن يُسرِع بإعلان يوم القيامة، فحملت ثمانية من الملائكة عرشه وهي تسير في موكب جنائزي نحو المتظاهرين ليُعلن تضامنه معهم.

وفجأة توقّفت قافلة الملائكة والعرش فوق رؤوسها لتعود من حيث جاءت!! لأن جميع المتظاهرين قتلوا بكواتم للصوت لا يعرف أحداً كيف دخلت جنّة الله.

في منظر مرعب وجثث المتظاهرين تملأ المكان مثقوبة الرأس، عزفت الفرقة السمفونية لرجال الدين وهي تنظر للأجساد الطاهرة بشماتة وحقد دفين، سمفونية موت العراق وشعبه..

وما أن إنتهى العزف ورجال الدين في فرح وحبور وسرور لإغتيالهم العراق، حتّى تفاجأوا بفرقة سمفونية عراقية، تتقدمها دجلة وهي تتلاعب كأجمل الصبايا بقيثارة سومر لتعزف نشيد الأمل والحريّة تحت نصب الحريّة وسط كعبة التحرير، وبجانبها الفرات بعنفوانه وهو ينفخ ببوق فجر السلالات فتنتفض الناصريّة وتتحول ساحة الحبوبي الى منصّة للحريّة والإباء والكرامة، وليحاكم قتلة العراق في الساحتين وساحات العراق الثائر الأخرى.


- ما بين الأقواس مأخوذ من القرآن الكريم
- سوق اللنگة تعني سوق البالة باللهجة العراقية المحكية

 
زكي رضا
الدنمارك
22/1/2021

84

الإنتخابات ثقافة لا يمتلكها الشارع العراقي

سيتجّه الناخبون العراقيون هذا العام لصناديق الإقتراع للمرّة الخامسة منذ الإحتلال لليوم، للمشاركة في إنتخابات عامّة مبكّرة فرضها القسم الأكثر وعيا ووطنية وشجاعة في الشارع العراقي إثر إنتفاضة تشرين/أكتوبر العام الماضي. لكنّ هذا القسم الأكثر وعيا ووطنية وشجاعة وقع في مطبّ عدم وعيه بآليات الإنتخابات وقوانينها وطرق حسمها لصالحه، وإنعدام هذا الوعي ليس حصرا على الشارع العراقي وحده، بل يمتد بالحقيقة الى القوى السياسية العراقية التي تشارك في الإنتخابات دون دراسة حقيقية للبيئة الإنتخابية وتاريخها ونتائجها في الدورات السابقة.

على الرغم من فشل المحاصصة كنموذج للحكم في العراق، الا أنّ الناخب العراقي "الأكثريّة" لازال يميل الى الأحزاب والشخصيات التي تهيمن على الحكم ويمنحها صوته في كل إنتخابات ويصدّق غالبية إن لم يكن كل ما تطرحه من شعارات وبرامج لم يُنفذ منها شيء لليوم، ويبحث لهذه الأحزاب والشخصيات عن مبررات فشلها في تنفيذ برامجها وشعاراتها ويدافع عنها بقوّة. ويستند الناخب في دفاعه وتبريره هذا كونه ينتمي الى نفس دين أو طائفة أو قومية المرشّح أو الحزب أو القائمة الإنتخابية التي منحها صوته، آملا أن تتحقق أحلامه وهي في الحقيقة أوهام خلال الفترة ما بين عمليتين إنتخابيتين. لكنّ الكارثة أنّ هذا الناخب وعلى الرغم من تلمسّه الفشل وتأثيره السلبي على حياته منذ الإحتلال لليوم يعيد نفس الكرّة ولأسباب مختلفة من جديد في أوّل إنتخابات تُنظّم بعد ذلك، وهذا ما لمسناه من الناخبين خلال أربع دورات إنتخابية سابقة تراجع خلالها البلد للأسف الشديد في جميع مناحي الحياة وأوّلها هي الديموقراطية التي تتأخر في جميع تطبيقاتها يوما بعد آخر!

دائما ما تضع الأحزاب السياسية وهي تتهيأ للإنتخابات خطة عمل، والتي لا يجب أن تعتمد على معرفتها الكاملة بقواها الحزبية وجماهيريتها وطبيعة برامجها وشعاراتها فقط بل أن تكون اكثر استراتيجية، وذلك في أن تذهب الى دراسة علمية ودقيقة وشاملة للمشاركين الآخرين في الإنتخابات أي المنافسين. فمعرفة نقاط قوة وضعف الخصوم السياسيين في أية إنتخابات، وكذلك البيئة الإجتماعية للناخبين في الرقعة الجغرافية للدائرة الإنتخابية التي ستكون محط منافسة بين أحزاب مختلفة، ونتائج الإنتخابات السابقة، وطبيعة القوانين الإنتخابية، والثقل السياسي لهذا الحزب أو ذاك ضمن هذه الدائرة، ودور الإعلام وطرق تلقّي الناخب لشعارات وبرامج الأحزاب المختلفة وغيرها مثل توظيف المال العام والإعلام الحكومي وإرهاب الناخبين وسطوة العلاقات العشائرية والمناطقية والمذهبية وغيرها، هي أبواب مهمّة للنجاح أو الفشل في أيّة إنتخابات. كما وتعتبر هذه الدراسات إن وجدت، خارطة طريق لخوض الإنتخابات والنجاح فيها، أو عدم خوضها كون الفشل سيكون نصيبها. وفي حالة عدم خوض حزب أو أحزاب سياسيّة إنتخابات معيّنة في أي بلد يمرّ بحالة من عدم الإستقرار والفساد وضياع الهويّة الوطنية كما العراق اليوم، فعلى هذه الأحزاب العمل على دفع الناخبين لمقاطعة هذه الإنتخابات بسحب الشرعية من السلطة وأحزابها المتنفذّة بحجج منطقية ومقبولة من الشارع، وذلك بتحميلهم منافسيهم جميع المشاكل التي يعاني منها البلد، وتذكير الناخبين بعدم تنفيذ تلك الأحزاب للشعارات والبرامج التي رفعتها في الإنتخابات السابقة. وعادة ما تتمّ مخاطبة الناخبين ودفعهم لعدم إنتخاب منافسيهم في الأنظمة الديموقراطية (هنا لا نعني العراق بالمرّة)، من خلال مناظرات تلفزيونية قبل يوم الصمت الإنتخابي. ومن خلال تجمعات ولقاءات جماهيرية.

الإنتخابات باتت اليوم بضاعة مهمّة تدرّ أرباحا كبرى وتديرها شركات تسويق لها خبرائها الذين يدرسون أصغر التفاصيل حولها، ليقدّموا بعدها خلاصة دراساتهم للمرشح أو الحزب أو القائمة التي طلبت خدماتهم في البلد المعني. بعد أن يجمعوا جميع المعطيات التي تهم دراستهم وتبويبها علميا، إبتداءا من إستطلاع آراء فئات إجتماعية وعمرية مختلفة من الذكور والإناث، والمتعلمين وغير المتعلمين، وساكني مناطق ريفية وحضرية وأخرى مختلطة أو اولئك الذي يعيشون على تخوم المدن والعشوائيات، والعمّال والفلاحين والكسبة .. الخ، مرورا بكل ما يتعلّق بالعملية الإنتخابية وأهمّها القوانين الإنتخابية وما يرافقها من طرق العدّ والفرز وطرق الشكوى وفاعلية الشكوى وحيادية القضاء، وإنتهاءا بتأثير وسطوة السلاح والمال والفتاوى الدينية والإعلام في بلدان لا زالت تتهجى كلمة (ديموقراطية) ولم تنجح في نطقها على الرغم من تكرارها يوميا منذ ما يقارب الثمانية عشر عاما كالعراق!!

دعونا هنا أن نستعين بشركة من شركات التسويق والدعاية الإنتخابيتين، للقيام بدراسة جدوى للقوى الديموقراطية العراقية ونسب نجاحها وهي تتهيأ لخوض الإنتخابات البرلمانيّة المبكّرة في الثلث الأخير من العام الجاري، ومدى تقييم هذه الشركات المتخصصة للعملية الإنتخابية بصفتها رافعة اساسية ومهمّة للبناء الديموقراطي، وكسر الجمود السياسي الطائفي القومي الذي يكبّل ما تسمّى بـ "العمليّة السياسية"، ونقدّم لها ما تحتاجه من معطيات ومعلومات لتخرج بعد دراستها لها، بنصائحها التي قد تساعد القوى العلمانية الديموقراطية في تحقيق إختراق حتّى وإن ميكروسكوبيا لجدار المحاصصة الفولاذي عن طريق الإنتخابات.

بداية سنساعد المختصّين والخبراء في هذه الشركة على إجراء إستطلاع حر لآراء الناخبين، ولنأخذ مدينة كمدينة الثورة والتي يعادل نفوسها ثلث نفوس العاصمة بغداد كمثال لهذا الإستطلاع. فماذا ستكون نتيجة الإستطلاع التي سيخرج بها هؤلاء الخبراء والمختصون، وكواتم الصوت تبرز من تحت معاطف الميليشياويين مهددّة الأشخاص الذين يتم إستطلاع آرائهم؟ وما هي نسب نجاح القوى العلمانية الديموقراطية في تحقيق نتائج مشجّعة وهي لم تحصد الا مقاعد لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة أو حتّى أقل من ذلك خلال اربع دورات إنتخابية!؟ وما هي نسب حصول مرشّح علماني ديموقراطي وفق دراسات هؤلاء الخبراء لنيل مقعد برلماني وبغداد مقسّمة الى 17 دائرة إنتخابية، علما أنّ أعلى أصوات حصل عليها مرشّح علماني ديموقراطي في آخر إنتخابات برلمانية عن هذه المحافظة وهي دائرة واحدة كانت ما يقارب العشرين الف صوت إنتخابي!؟

نقدّم بعدها لهؤلاء الخبراء قانون الإنتخابات الذي يتغيّر كل دورة إنتخابية ليضمن فوز القوى التي تسنّه وتمرره من خلال البرلمان الذي تمتلكه أصلا، لنرى وجهة نظرهم العلمية في نسبة العلمانيين الديموقراطيين القادرين على منافسة أضعف مرشّح من كتلة أو حزب طائفي في إنتخابات تقسّم البلاد الى 83 دائرة إنتخابية موزّعة على أساس جغرافي. ولا شك في أن هؤلاء الخبراء سيضعون نصب أعينهم قوّة وسائل الإعلام للقوى السياسية المتنافسة ودور العامل الديني والمال السياسي وقوّة السلاح في مدينة الثورة وهي المدينة التي ستجري فيها إستطلاعات الرأي. ولا أدري كيف ستكون خلاصة تقييمهم وإستنتاجاتهم المبنية على أسس علمية، وهم يرون فقر القوى العلمانية الديموقراطية ماليا وإعلاميا وميليشياويا فيها!؟

بنظري فأنّ تقرير هؤلاء الخبراء وتوصياتهم بعد دراسة العوامل المؤثّرة في الإنتخابات العراقية ونتائجها المحتملة (معروفة مسبقا حتى دون جهود خبراء)، ستكون على شكل توصية الى الأحزاب العلمانية الديموقراطية في أن تنسى الصراع الإنتخابي كوسيلة للتغيير. وعليها أن تعمل منذ اللحظة على إعلان مقاطعتها لهذه الإنتخابات وتثقيف الجماهير على مقاطعتها لسحب الشرعية من السلطة، وهنا سيثار سؤال مهم من هذه القوى وهو: إننا لو قاطعنا هذه الإنتخابات، فما هي الحلول التي تملكونها!؟ سؤال كهذا يجعلنا أن نسألهم أيضا: أيها السادة ما هي حظوظكم في هذه الإنتخابات وهل أنتم قادرون على تحقيق إختراق للتيار الصدري في مدينة الثورة، أو للعصائب في الشعلة، أو للحكيم في عشائر الجنوب .. الخ.

الصحفية زاريا غورفيت كتبت مقالة في موقع البي بي سي العربية تحت عنوان "العوامل الخفية التي تؤثر علينا في عملية التصويت" تقول فيه: من المعروف أن القرارات التي نحكم بها ضمائرنا تتأثر بعمليات التفكير التي تدور في عقلنا الباطن، وبالعواطف والانحيازات المسبقة. لتضيف قائلة أنّ: جون كروسنيك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، والذي خصص حياته لدراسة هذه الظاهرة يقول : "ما نعرفه اليوم من علم النفس أن الدماغ ينقسم إلى قسمين، لكن عملية اتخاذ القرار تتم في غياب الوعي العقلي". وضربت الصحفيّة مثالا قالت فيه أنّ كروسنيك وفريق من الباحثين العاملين معه وجدوا أنّه "في انتخابات الرئاسة الأميريكية عام 2008، تأثر عدد من الناخبين بالانتماء العرقي للمرشحين باراك اوباما وجون مكين، وذلك أكثر مما توقع كلاهما. وكان من غير المرجح أن يصوت الناخبون الذين يحملون عنصرية واضحة في منطقة اللاوعي لديهم لصالح أوباما".

فهل سيصوّت أبناء مدينة الثورة وجلّهم من الصدريين الذين قمعوا إنتفاضة شعبنا لصالح القوى الدينية ام لصالح القوى العلمانيّة الديموقراطيّة وهم يحملون في منطقة اللاوعي أجهزة إستقبال طائفية شيعية يحركّها مقتدى الصدر بجهاز سيطرة عن بعدّ كيفما يشاء !؟ إنّ الإنتخابات ثقافة لا يمتلكها الشارع العراقي ولا حتى قواه السياسية للأسف الشديد. وعلى العلمانيين الديموقراطيين والمنتفضين تثقيف الجماهير لمقاطعة الإنتخابات المهزلة القادمة تحت شعار

(جرّدوا السلطة من شرعيتها بمقاطعة الإنتخابات)
 

زكي رضا
الدنمارك
21/1/2021

 


85
مقتدى الصدر يحرّض الغوغاء على القتل العلني


نتيجة عجز حكومة الكاظمي عن توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وفشلها في تحقيق أي مطلب من مطالب المنتفضين الذين أسقطوا حكومة عادل عبد المهدي وهو ما تعهدّت به أمام "شعبها"، كمحاكمة القتلة وحصر السلاح بيد الدولة ولإستمرار الإنتفاضة خصوصا في الناصريّة. بعث مقتدى الصدر بعد قيام ميليشياته كعادتهم بقتل المتظاهرين ومهاجمتهم لساحة الحبوبي وعجز السلطات المتواطئة معهم أصلا عن حماية المتظاهرين ومداهمة بيوت الناشطين وإرعاب عوائلهم، ومن خلال تغريدة له يوم الأربعاء المصادف 2/12/2020 عدّة رسائل الى جهات مختلفة.

أوّل الرسائل كانت الى الأحزاب والمنظمات والميليشيات الشيعية، يدعو فيها لإعادة ترميم البيت الشيعي والذي هو مطلب إيراني عملت عليه إيران ورعته منذ الإحتلال لليوم، وذلك من خلال التوقيع على ميثاق "شرف" عقائدي كما جاء في تغريدته. وقد سبق ميثاق "الشرف" العقائدي الذي دعا إليه مقتدى دعوته لميثاق "الشرف" السياسي، وهذا يعني مطالبة مقتدى بالعودة الى مستنقع الطائفية من جديد على الرغم من عدم مغادرتنا إياه، وكان هادي العامري زعيم ميليشيا بدر أوّل من أعلن موافقته للعودة للمستنقع الطائفي من جديد ليلحقه اليوم القيادي في دولة القانون ابو الحسن البصري بإعلانه عن امكانية تحالف الطرفين، منوهّا الى أنّ التيّار الصدري كان الأقرب لحزب الدعوة بداية "العملية السياسية". وطلبه هذا اليوم يعني، نسف كلّ ما دعا إليه سابقا حول ضرورة إنهاء نظام المحاصصة الذي بإعترافه كان السبب الأول لدمار الوطن.

والرسالة الثانية موجّهة للقوى الكوردية والسنيّة تدعوهم للإسراع بالتوقيع على ميثاقي "شرف" بين أحزابهم ومنظماتهم وترميم بيوتهم الطائفية القومية وهم يتهيأون لخوض الإنتخابات القادمة. وهذا يعني أنّ خمس دورات إنتخابية لم تُعزّز ما يسمّى بالنظام الديموقراطي ولم تتمكن أية قوى من إختراق ولو طفيف لنظام المحاصصة، بل على العكس فأنّ ما تسمّى بالعملية السياسية ستعود بعد الإنتخابات الى مربّعها الأول، هذا إن كنّا قد غادرنا هذا المربّع أصلا.

أمّا أهم وأخطر الرسائل التي وجهها مقتدى الصدر، فهي دعوته قطيعه لقتل المنتفضين بدم بارد ودون خوف من محاكمة، بتهمة التعدّي على الذات الإلهيّة والدين الإسلامي والنبي والأولياء "الأئمة المعصومين". وهو بهذا التصريح يمنح تنفيذ العقوبة وفق هوى الشخص الصدري، ما يفتح الباب واسعا لعمليات قتل على الشبهة أو نتيجة عداوات مسبقة!! ولم يحدد لنا الصدر ولا الشرع كيفية التأكّد من سب الذات الإلهية أو النبي أو أئمة الشيعة، فترك الأمر لأي شخص ليحدد هو بنفسه تنفيذ العقوبة، إن أكّد بعد تنفيذه الجريمة من أنّ القتيل قد سبّ الله أو النبي أو أحدا من أئمة الشيعة وسمعه بنفسه!! ... ما هذا الهراء؟

رويَ عن الصادق أنّ سُإلَ عن عقوبة من شتم النبي محمّد فقال: يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفعه الى الإمام!!

أمّا المرجع الشيعي الخوئي فقد أجاب على سؤال عن "رجل تطاول على لفظ الجلالة أو المعصومين في حالة غضب.. فما حكمه ؟.. وهل يلزمه التلفظ بالشهادتين من جديد ، علما بأنه يواصل الصلاة بعد ذلك ؟..
وما حكمه لو كان صدور ذلك منه بغير غضب (اختيارا)؟ ليفتي الخوئي قائلا: صدور ذلك منه وإن كان معصية، لكنه لا يجعله مرتدا، بل يجب قتله على سامعه إن كان سابا له تعالى، أو لأحد المعصومين، وكان جادا في ذلك، وكان السامع مأمونا من الضرر، والله العالم.

أمّا السيد السيستاني فكان واضحا جدا وهو يجيب عن سؤال حكم من سبّ الله وسبّ الرسول والأئمة الأطهار فأجاب : القتل بإقامة الحدّ عليه!! السؤال هو من يقيم الحدّ؟ هل الدولة، فإن كان الجواب نعم، فهل دستورنا على علّاته يسمح بهذا الأمر؟ وهل نحن نعيش في دولة دينية طالبانية أو خمينية ليُحدّ الناس فيها وفق فتاوى دينية بعيدة عن القوانين المرعيّة؟

الصدر بتغريدته هذه فتح الأبواب مشرعة في ظل غياب الدولة والقانون وفساد القضاء، أمام عصاباته والعصابات الإسلامية الأخرى لقتل الناس دون وازع من ضمير أو خوفا من قانون، بهدف قمع التظاهرات وإنهاء الإنتفاضة التي تؤرق سلطة العصابة.

إنّ العراق في ظل هيمنة القوى الدينية في طريقه لنظام طالبان شيعي، وإستمرار الإنتفاضة بمشاركة أوسع من الجماهير المتضررة وفي كل أرجاء البلاد هو الطريق الوحيد للخلاص من الكابوس الإسلامي الذي دمّر بلادنا وأفقر شعبنا.

"إنّ الوطن لا يُمكن أن يعيش في الإستبداد" و "ولا وطن مع الظلم" .. جان دي لابرويير




 


زكي رضا
الدنمارك
4/12/2020


86
الصدريّون .. طاعة عبودية ذُلْ

الكاتب الفرنسي إتيان دو لا بويَسي يتساءل  مستغربا في كتابه (العبودية المختارة)  عن سبب ذُل القطيع لفرد واحد وطاعتهم العمياء له،  ليعود ويقول ليس لأمر الّا كون "نطفته في صلب أب منتمي لعائلة ملكية". هذا الإستنتاج الذي هو بالأساس جزء من  أدبيات علم النفس السياسي كاف ليوضّح لنا لوحده السبب الرئيسي لذُل جماهير عراقية واسعة وعبوديتهم وطاعتهم لشخصية كمقتدى الصدر، الذي لا يملك أية مواهب سياسية أو أدبية أو فلسفية أو أخلاقيّة لا بل وحتّى دينية، الّا كون نطفته في صلب أب ينتمي الى سلالة السادة الذي يقولون من أنّ نسبهم يرجع الى الإمام علي !

لقد كتب الكاتب كتابه بفرنسا أواسط القرن الخامس عشر حينما كانت فرنسا وقتها تمرّ بظروف هي أشبه ما نمرّ به في بلدنا اليوم، فوقتها كان الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت على أشدّه، وكانت هناك إنتفاضات في مناطق مختلفة والتي قمعتها السلطات بشدّة.  وتطرّق المؤلّف  في كتابه الى أنّ  ثنائية "الطاعة – السيطرة" هي التي تنظم العلاقة بين السلطة وبين المستعبَدين. فهل علاقة الصدر بقطيعه تنبع من هذه الثنائية فقط؟

يقول المؤلّف الذي سنعتمد على  آرائه لنعكسها على واقعنا العراقي بما معناه:  من أنّ العبوديّة المختارة (وهو ما يتميز به الصدريون تجاه زعيمهم) تأتي  جرّاء العادة، فالإنسان الذي يتلذذ بعبوديته كأي مازوخي يشعر باللذة والراحة النفسية جرّاء معاناته. ومن ثم يقول المؤلّف وكأنه يعيش بيننا اليوم من أنّ "الدين والخرافة هما  من عوامل"  خضوع القطيع الجاهل لسيّد وإن كان أحمقا وغبيّا.

 على أمثال هؤلاء ينفجر المؤلف قائلا: "لكن يا إلهي! ما هذا؟ كيف نسمّي هذا؟ أي بؤس هو؟ أيّة رذيلة – أو بالأحرى أية رذيلة بائسة: أن ترى عددا لا يُحصى من الناس لا يطيعون فحسب بل يخدمون، ولا يُحكَمون بل يُضطهدون، لا يملكون شيئا، لا أهل لهم، ولا نساء، ولا أطفال، بل أنّ حياتهم نفسها ليست لهم، وهم عُرضة لأعمال السلب والنهب، والفجور ، والقسوة، لا من قبل جيش، لا من معسكر أجنبي غاشم يجب عليهم أن يبذلوا دماءهم وحياتهم في مقاومته، بل أنّهم يقاسون كل ذلك من واحد، لا هو هِرقل، ولا هو شمشون، وإنّما هو رُجيل غالبا ما يكون أجبن الأمّة وأخنثها"!

عجيب أمر القطيع الصدري الذي يعبد قيوده ويعادي وطنه،  ويختار ان يكون عبدا لجاهل وغير أمين حتى على ما يقوله اليوم ليعلن منه براءته في الغد، عجيب أمر هؤلاء الذين إن خُيّروا بين الحرية والعبودية، تراهم يركضون نحو العبودية بسرعة الضوء كون مقتدى جاء من نطفة سيّد وليس لأمر آخر!!

أنّ مشاكل بلدنا تبقى دون حلول حقيقية ومنطقية طالما بقي الصدر مستقويا بجيش من المتخلفين الجهلة، جيش ينفّذ أوامره دون أي تفكير بمستقبله وأولاده ووطنه.  فعندما يدعو الصدر قطيعه للصلاة في ساحة التحرير، ترى الآلاف من ذوي السوابق والشقاة والقتلة والفاسدين والمشبوهين والمنحرفين والعبيد والذي هم عمود التيّار الصدري يحتلّون الساحة رافعين هاشتاغ  "طاعة
# عد_ عيناك
" ليصلّوا فيها!!

الصدر الذي شارك تيّاره بكل الحكومات الفاسدة لليوم، وساهم في ترسيخ ثقافة الفساد والنهب والمحاصصة، وشارك مسلّحيه بجرائم الحرب الطائفيّة وجرائم قتل المتظاهرين  وآخرها متظاهري الناصريّة اليوم، يطمح بل يريد في الحقيقة  أن تؤدي الإنتخابات القادمة وبغضّ النظر عن الوسائل المستخدمة فيها الى تبوأ تياره مركز رئاسة الوزراء،  وحينها سينهب ودائرة ضيّقة تحيط به وحلفاءه ما تبقى من ثروات البلاد التي نهبوا ما إستطاعوا إليها سبيلا،  وليحولّوا العراق بأكمله وليست بغداد وحدها الى قرية متخلفّة ومهملة.




سيبقى زج الدين بالسياسة ، علاوة على صراع أتباعه فيما بينهم ،هو السبب الرئيسي لتخلّف شعبنا ودمار وطننا،  فالدين أصبح اليوم وسيلة للسرقة والفساد والجريمة.
أيها الإسلاميون إحترموا ما تبقّى من الدين بعدم تسويقه كسلعة لإذلال الناس وتجهيلهم ونهب ثروات الوطن، وأعملوا على أنسنته ليستعيد صفاءه الروحي الذي كان عليه قبل أن تستلموا مقاليد الحكم.  كما ولا حلّ لوقف جرائم الصدريين والإسلاميين والمتحاصصين الّا بهدم المعبد على رؤوسهم عن طريق العصيان الجماهيري والتمرّد على سلطة الفساد والجريمة ومن يمثلّها من سلطة العصابة.

زكي رضا
الدنمارك
28/11/2020


   

   









87
المنبر الحر / ما العمل ..؟
« في: 23:11 24/11/2020  »

ما العمل ..؟


في هذه المقالة لا أود التطرق الى ما جاء في كتاب (ما العمل) الذي الفّه الزعيم البلشفي لينين والصادر في العام 1902، على الرغم من إنني سأعود بعد قليل الى بعض ما ورد فيه. كما وأنّ المقالة لا تعني إشاعة اليأس من أي تغيير ديموقراطي في بلدنا، بل ستتناول في الواقع إستحالة تحقيق حلم التغيير الديموقراطي من خلال صناديق الإقتراع في ظل سلطة الإستبداد الديني القومي التي تهيمن على مقدّرات البلد منذ الإحتلال الأمريكي لليوم. وإذا أخذنا النزعة التشاؤمية في دراسة الواقع العراقي من الناحية الفلسفية والتي تقول أحدى مذاهبها من " إنّ الشرَّ في العالم أكثر من الخير، وأنّ الحياة الإنسانيّة هي سلسلة من الآلام الدائمة"، وترجمناها لتتلائم وواقعنا العراقي فأننا نستطيع القول ونحن مطمئنون من أنّ (الشرَّ في العراق أكثر من الخير، وأنّ حياة شعبنا العراقي هي سلسلة من الآلام الدائمة). قد يختلف الكثير مع هذا الرأي لأسباب عاطفية، لكننا نستطيع سؤالهم ببساطة في أن يثبتوا لنا العكس في حقل واحد من حقول الحياة في بلد يسير بثبات عجيب نحو الخراب والدمار.

لنعد الآن الى لينين وهو يتساءل في كتابه هذا " حول كيفية سيطرة الأفكار البرجوازية على المجتمع، وقد رد على ذلك قائلاً: لسببٍ بسيط؛ أن الأفكار البرجوازية أقدم بكثير في الأصل من الأفكار الاشتراكية، ولذلك فهي أكثر تطوراً، ولديها تحت تصرفها أدوات للدعاية بدرجة لا تقاس". لو قمنا بتعريق مقولة لينين هذه وتساءلنا حول كيفية سيطرة الأفكار الدينية على المجتمع العراقي وتغييبها للعقل سنقول وببساطة: لسبب بسيط، أنّ الأفكار الدينية أقدم بكثير من الافكار البرجوازية والأشتراكية، لكنّها متخلفّة جدا جدا، وتحت تصرّفها للأسف الشديد أدوات دعاية بدرجة لاتقاس وهنا تكمن الخطورة. والخطورة هي إننا نعيش تحت سيطرة الأفكار الدينية العدمية على المجتمع من جهة، وماكنة إعلامية ضخمة لغسل الأدمغة تبدأ من دور العبادة التي إنتشرت كالنار في الهشيم بعد تحولّها الى مراكز إستفزاز طائفية، مرورا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وإنتهاءا بعشرات الفضائيات والصحف والمجلات والمدارس الدينية وفي المناهج الدراسية التي ترسّخ اللاوعي في العقل الجمعي. كما ويعني ودون اللجوء الى المثاليات ونحن نعيش ما نعيشه اليوم من أنّ شعبنا العراقي شعب متخلّف بسواده الأعظم، وعندما نصف غالبية شعبنا بالتخلّف فأنّه ليس بسبّة قدر ما هو واقع أثبتته على الأقّل تجارب السبعة عشر سنة الماضية للأسف الشديد. فتخلّف أي شعب ينبع من تخلّف نظامه السياسي والعكس صحيح، والعراق اليوم هو مثال واضح لتخلف السلطة الدينية القومية وتخلّف الجماهير التي خدّرها الدين ومسخ آدميتها.

لو قارنّا تجربة عراق ما بعد الإحتلال بتجربتي أفغانستان والصومال سنرى من أنها ليست بأفضل حالا من تجربتيهما الكارثيتين، فالعراق عانى ويعاني بسبب طريقة كتابة دستوره من اللبننة وأثناء الحرب الطائفية عانى من الأفغنة، وإذا إستمرّت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالبلاد على نفس الوتيرة التي عليها اليوم فإننا أمام صوملة ستهدد كيان الدولة وتفككّها. فمثل هذه البلدان ومنها العراق بلدان غير متطورة أو متخلفّة بالأحرى إقتصاديا وإجتماعيا وبالتالي سياسيا، ما يفسح المجال لقوى إقليمية ودولية للتدخل بشؤونها الداخلية، وهذا التدخل ولتستمر الهيمنة على هذه البلدان يعمل على تفجير الصراعات الدينية والطائفية والقومية، والذي يؤدي الى ضعف الدولة وهيمنة الميليشيات المسلّحة على القرار السياسي وملأ الفراغ الذي تركته الدولة، وهذا بالضبط ما حصل ويحصل بالبلدان الثلاثة.

دعونا ان نعود لعراق اليوم لنرى إن كان فيه صراعا طبقيا أو إجتماعيا بالمعنى المتعارف عليه علميا، ومدى تأثير هذا الصراع على شكل اللوحة السياسية بالبلاد من خلال دور الطبقات الإجتماعية في هذا الصراع. يقول كارل ماركس ومثله فريدريك أنجلس في البيان الشيوعي " أنّ تاريخ أي مجتمع لحد الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي كل مرّة إمّا بتحول ثوري للمجتمع كلّه، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين". وهنا دعونا نتساءل إن كان هناك تعارض وفقا لهذه النظرة الماركسية لشكل الصراع الإجتماعي بالعراق اليوم، بين الأحرار والنبلاء والبارونات والمعلمين والظالمين والذين يمثّلهم رجال الدين وزعماء الأحزاب والقبائل والميليشيات من جهة، وبين العبيد والعوام والأقنان والصنّاع والمظلومين وهم شعبنا العراقي من جهة أخرى؟ هل هناك صراعا حقيقيا أو مستترا بين الطبقتين وما هو شكل هذا الصراع؟

في الحقيقة ليس هناك صراعا إجتماعيا واضح المعالم بين الطبقتين في العراق الّا في حدود ضيقة، كون الطبقة الثانية بغالبيتها ولتخلفها ترفع مظلاتها عاليا حينما تمطر السماء حريّة وكرامة، وهذه الطبقة أثبتت خلال السبعة عشر سنة الماضية من أنها لا تريد كسر أنيارها، لذا نراها تنسى وطنها وقضيتها وقوت أطفالها ومستقبل أجيالها حالما يصعد معمّم على منبر أو يتسلّح ميليشياوي بسلاح وفتوى بالقتل أو يتقوّى زعيم حزب بعشيرته! وهذا يعني أنّ من سيربح هذا الصراع إن وُجد كما يقول عالم الإجتماع راندل كولنز هو من يمتلك المصادر المادية للعنف، وهذه ليست دعوة لإستخدام الطبقة الثانية العنف كوسيلة للتغيير مطلقا بل إستنتاج ليس الا، وهو أنّ القوى المهيمنة على السلطة وهي تتسلح بالمال والسلاح والنفوذ والفتاوى الدينية قد حسمت الجزء الأكبر من المعركة مبّكرا، وهنا أتمنى بجد أن يكون إستنتاجي هذا خاطئا لأنني لازلت أحلم بحرية بلدي وسعادة شعبه.

من الصعب اليوم في بلد كالعراق التعويل كثيرا على نظريات ودراسات سياسية كوسيلة لتفسير الظواهر السياسية والإجتماعية فيه، وهذا لا يعود الى قصور في هذه النظريات أو الدراسات السياسية العلمية بالمرّة، كون هذه النظريات والدراسات تستطيع أن تقدّم نظرة متطابقة مع الواقع السياسي الإجتماعي في الكثير من البلدان الديموقراطية التي تحتكم الى صناديق الإقتراع ووعي الناخبين الى درجة كبيرة جدا، بل وحتى في العديد من البلدان ذات الأنظمة الشمولية. لكنّ هذه النظريات والدراسات تصطدم بمعوّقات تجعلها غير قادرة على تقديم إجابات مقنعة لبعض الأحداث الهامّة التي مرّت بالبلاد. وقد حاول البعض على سبيل المثال الإستفادة من مفهوم الكتلة التاريخية لغرامشي في تشكيل جبهة سياسية ذات قاعدة إجتماعية واسعة أملا في التغيير المنشود، فكانت النتيجة قاسية ومدمّرة إذ خرجت الكتلة التاريخية (التي عوّلوا عليها كأداة للتغيير) نفسها لتقمع نفسها بنفسها وتغتال إنتفاضة جماهيرية عفوية هزّت أركان السلطة، في موقف إحتار فيه حتّى من آمن بهذا الشكل من الجبهات السياسية وروّج لها ودافع عنها! فهل الخطأ يكمن في مفهوم الكتلة التاريخية نفسها والتي قدّمت نماذج نجحت في بعض البلدان، أم أنّه يكمن بطبيعة المجتمع العراقي والمشاكل التي مرّ ويمرّ بها من جهة وبطبيعة السلطة وقواها السياسية وأدواتها من جهة ثانية؟ كما وتكمن الصعوبة في تفسير الظاهرة الإجتماعية طبقا لنظريات ودراسات سياسية وإجتماعية الى ضعف القوى السياسية " المعارضة"، والهروب من تمييز نفسها بإعتبارها قوى علمانية حداثوية تؤمن بالديموقراطية وإشاعة الحريات، عن قوى دينية رجعية ومتخلفة ومعادية للعلمانية والحداثوية وتقمع الحريّات بالفتاوى والسلاح والإعلام، ومنها حرية المرأة وسنّ قوانين تهمّش دورها بالمجتمع ومنع إصدار قوانين تؤمّن لها كرامتها كقانون العنف الأسري مثلا!

من الصعب بل من المستحيل على أحزاب ومنظمات سياسية لا تمارس الديموقراطية في حياتها الداخلية، أن تقوم ببناء نظام سياسي ديموقراطي. ولو راقبنا الحياة الداخلية لأحزاب السلطة، العلمانية منها والدينية سنرى غياب الديموقراطية عنها شكلا ومضمونا. فالقوى الكوردية وعلى الرغم من علمانيتها ذات زعامات عشائرية وعائلية تتوارث القيادة في ما بينها، أمّا القوى الإسلامية فأن قبولها بالشكل "الديموقراطي" للسلطة اليوم ينبع من إضطرارها لذلك وليس من إيمانها بالديموقراطية كوسيلة للحكم وتبادل السلطة من خلالها. فالديموقراطية تتناقض مع الدين كليّا، وأي حديث من قوى علمانية أو مدنية أو دينية عن قبول قوى إسلامية بالديموقراطية كممارسة ونهج ليس سوى قصر نظر سياسي وفشل كبير. فالقوى الدينية ومثلها القومية غير قادرتان في أن تتحولا الى قوى ديموقراطية، لكنهما قادرتان في أن يتحولا الى قوى فاشية في البلدان المتخلفة كما العراق حال إمتلاكهما لميليشيات وتنظيمات مسلحة خارج نطاق الدولة من جهة، وإمتلاك زعيم يتمتع بهالة عائلية أو عشائرية أو دينية تضفي عليه صفة القداسة والطاعة من الجهة الثانية.

الوضع في العراق اليوم شديد التعقيد سياسيّا، نتيجة صراع الأقطاب الحاكمة الثلاثة فيما بينها بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد إثر إنخفاض أسعار النفط وعدم تنوّع مصادر بديلة للدخل وجائحة كورونا وما ينتج عن هذا الصراع من خطر كبير على تفتيت النسيج الإجتماعي للمجتمع بشكل أكبر ممّا هو عليه اليوم، وكذلك الفساد الذي يخيّم كشبح على البلاد ويهدد بإفلاسها. وعلى الرغم من كل الصعوبات المعيشية والخدمية التي يعاني منها المواطن، فأنّ القوى المتصارعة وميليشياتها ومراجعها الدينية والعشائرية تتعامل مع البلد كإقطاعية وترى نفسها في مأمن من غضب جماهيري عارم. ولا تخاف هذه القوى إنهيار نظام المحاصصة جماهيريا، بعد فشل الإنتفاضة في جرّ الملايين المسحوقة الى المشاركة فيها للإسراع برحيل سلطة المحاصصة الفاسدة والتي قمعتها السلطة وعصاباتها بشدّة، كما لا ترى هذه القوى ما يهدد مواقعها من خلال صناديق الإقتراع في الإنتخابات المبّكرة المزمع إجراءها في النصف الأوّل من العام القادم مثلما لم يهدّد مواقعها في أي إنتخابات سابقة. فهذه القوى تقوم في مواسم الإنتخابات بتغيير أو تعديل القانون الإنتخابي بما يضمن فوزها وتقاسمها للسلطة وفق توافقات لا تتغير كثيرا، كما وأنّها لا تخاف معاقبة الجماهير لها في حالة فشلها في تنفيذ وعودها الإنتخابية التي تتعهد بتنفيذها في وعودها أمام ناخبيها، لأنّ التخلّف وغياب الوعي والتمترس الطائفي والقومي هي السمة الأبرز للناخبين العراقين.

لو أخذنا مدينة كمدينة الثورة ببغداد مثالا لتصويت الناخبين فيها، فإننا سنقف مذهولين من تصويت غالبية أبناء هذه المدينة التي تفتقر الى أبسط مقوّمات الحياة ويعاني سكانها بملايينهم الثلاثة شظف العيش والإهمال الحكومي ، لقوى إسلاميّة لم تقدّم لهم خلال أربع دورات إنتخابية أي شيء بالمرّة ولن تقدّم لهم شيئا في المرّة القادمة، وأنّ حالها سينتقل من سيء الى أسوء. هذه المدينة التي عليها الإنتفاض على ذاتها، قام تيار كبير وواسع فيها بقمع إنتفاضة شعبنا وساهم بقتل العشرات إن لم يكن المئات من شابّات وشبّان خرجوا ليعيدوا إليها وللوطن كرامتهم وكرامته التي تاجر بها الدين من على المنابر. أنّ ما جرى ويجري في هذه المدينة وهي التي عليها أن تتقدم الصفوف في تظاهرات وإعتصامات مليونية حتّى تغيير النظام الفاسد وغير الشرعي الحاكم، يعطينا صورة واضحة عن نتائج الإنتخابات القادمة وعن القوى التي ستشكل اللوحة السياسية الفاسدة من جديد. والمدينة وهي تقف كما غيرها الى جانب القوى التي تسرق قوت أبناءها، دلالة على أن سلطة المحاصصة والفساد غير معزولة جماهيريا، وهذا يعني إنها تمتلك ما يمنحها البقاء حتّى عودة الوعي للمجتمع.

والآن لنعد الى عنوان المقالة لنسأل .. ما العمل؟

الإنتخابات القادمة حُسِمت قبل أن تبدأ، وهذا الأمر يعرفه حتّى المواطن الذي لا وعي له. ومن هذا المنطلق علينا أن نبحث عن إجابة على سؤالنا، حول نسب نجاح مشاركة القوى العلمانية الديموقراطية فيها وهي تعرف المساحة التي ستتحرك فيها وإمكانياتها البسيطة، مع الأخذ بنظر الإعتبار القانون الإنتخابي الجديد والذي في الحقيقة هو أسوأ من قانون سانت ليغو الذي عدّله برلمان المحاصصة عدّة مرّات، والذي لم تستطع القوى العلمانية الديموقراطية بسببه من إختراق منظومة المحاصصة. فهل القوى العلمانية الديموقراطية مصرّة على خوض مستنقع الفشل من جديد!؟ في الحقيقة هناك مؤّشرات حول نية هذه القوى في خوض السباق الإنتخابي والسقوط في أمتاره الأولى مرّة أخرى، وهذا يعني أنّ هذه القوى تؤكّد كما الجماهير التي لا وعي لها من أنّ قوى المحاصصة والميليشيات غير معزولة جماهيريا.

القوى العلمانية الديموقراطية عليها الإتّفاق على أصغر القواسم المشتركة التي بينها وهي كثيرة أساسا من خلال إنتقادها لنفسها لإنخراطها في عملية سياسية دمّرت البلاد، لتشكيل تحالف سياسي يجمعها تحت مظلّة وطنية عابرة للطائفية والقومية، تحالف سياسي يكون قريبا لنبض الشارع العراقي الذي يمثلّه عشرات الآلاف من المنتفضين من طلبة وكسبة وعاطلين ومسحوقين ومهمّشين ومثقّفين الذين خرجوا متحدّين سلطة الفساد والجريمة بشكل عفوي. تحالف سياسي يكون شعاره "جرّدوا السلطة من شرعيتها بمقاطعة الإنتخابات"، فعشرات الآلاف من المتظاهرين الواعين لقضية شعبهم قادرين من خلال خطاب سياسي جديد وقيادات ميدانية نشطة وفاعلة ومخلصة من جرّ آلاف المتضرّرين الى ساحات التظاهر، خصوصا وأنّ السلطة الفاسدة بعصاباتها غير قادرة حتّى على توفير رواتب موظّفيها الا من خلال الإقتراض الداخلي والخارجي. على مثل هذا التحالف توفير معطيات للناس من خلال إعلامه على فقره وتواجده وسط الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، والكسبة في ألأسواق ومساطر العمّال من أنّ مستقبل البلاد ومستقبلهم مظلم، فالبلاد ونتيجة سياسة النهب المنظّم تسير نحو الإفلاس التام.

تبقى المشاركة بالإنتخابات جريمة بحقّ شعبنا ووطننا، ومقاطعتها وتثقيف الجماهير بمقاطعتها واجب وطني ملّح. فهل ستكون القوى العلمانية الديموقراطية أهلا لتحمّل هذه المهمة الوطنية، أم أنّها ستخيّب ظن قواعدها وجماهيرها والشرفاء من أبناء هذا الوطن بها وهي تخوضها لتخرج منها بخفّي حنين كما المرّات السابقة مانحة الشرعية لنظام دمّر البلاد!؟ سؤال ستظهر إجابته بعد حين، على الرغم من معرفة الكثيرين إجابته!

"الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً" ...  البرت آينشتاين

 
زكي رضا
الدنمارك
23/11/2020
 




88
سائرون تبدأ تجارة الإنتخابات من النبي محمّد


لم يشكّل الدين مشكلة كبرى في حياة الشعوب، الّا حينما كان رجال الدين يستغلّوه للجمع بين السلطتين المدنية والدينية. كما وأنّ أي سلطة دينية تنحاز بالضرورة لأتباع دينها على حساب أتباع الديانات الأخرى، ولم يشهد التاريخ الإنساني سلطة دينية تتعامل مع بقية الأديان في أوطانها على قدم المساواة، بل لم يشهد التاريخ كذلك سلطة دينية تعاملت مع اتباع مذهب ديني من نفس الدين على قدم المساواة أيضا. فالكاثوليك والبروتستانت كانوا على صراع دائم ودموي تكلل بحرب الثلاثين عاما، التي بدأت مسيحية مسيحية قبل أن تتحول الى حرب سياسية هدفها إحتلال البلدان الأخرى. والشيعة والسنّة كانوا "لا يزالون" في صراع دموي بدأ إسلاميّا إسلاميّا بحروب بين الصفويين والعثمانيين كان العراق في أغلب الاحيان مسرحا لها، قبل أن ينتهي الصراع بإتفاقات سياسية لتقسيم مناطق النفوذ دون المساس بجوهر الصراع الطائفي القائم لليوم!

إن كان الصراع الديني هو سبب ويلات الشعوب الأوربية والعربية والإسلامية، فلماذا إستطاعت أوربا تجاوز محنها كمحاكم التفتيش وغيرها من الصراعات الفكرية وغير الفكرية فيما لا تزال الشعوب العربية والإسلامية غير قادرة على الخروج من أزماتها، إن لم تتعمّق هذه الأزمات أكثر، وهل السبب يعود الى طبيعة الدينين المسيحي والإسلامي ومفاهيم التسامح فيهما أم الى طبيعة السلطة فيهما؟

جميع الأديان وحتّى الوضعية منها تنادي بالعدل والتسامح، لكنّ اوربا وعلى عكس العالمين العربي والإسلامي أنهت سطوة المسيحية على القرار السياسي وبدأت ببناء دول تحترم الإنسان فيها من خلال تجريد الكنيسة من أهم عنصر قوّة لديها، وهو جمعها بين السلطتين الدينية والمدنية، على الرغم من عدم إعلانها قطيعتها مع الدين مطلقا فالكنائس عامرة ومحترمة، وحتّى دور عبادة الأديان الأخرى محترمة وتحصل على مساعدات مالية من السلطات فيها. فيما لازالت بلداننا تعاني من سطوة الدين على القرار السياسي وما له من تأثير على حياة الناس كونه مقدّس ولا يجوز نقده!

يعتبر الحديث عن القطيعة مع الدين ترف فكري وحلم طوباوي، كون الوعي الإنساني هو من يحدّد هذه القطيعة وطرق الوصول اليها. فالدين لليوم ولآماد مستقبلية غير معروفة يبقى حاجة روحية للكثير من البشر. لكنّ المهم ونحن نعيش عصر التكنولوجيا وغزو الفضاء وكل هذا التقدم العلمي الذي حققّته البشرية في مختلف مجالات الحياة، هو أنسنة الدين من خلال خطاب ديني عقلاني من جهة وفصله بالكامل عن منظومة الحكم، ولن يتم هذا الأمر الّا من خلال نظام علماني ديموقراطي يعزز من هيبة الدين وإحترامه بإبعاده عن السياسة كلّيا.

"السياسة لا أخلاق لها" مقولة يحاول الإسلاميّون القفز عليها من خلال بعض الآيات القرآنية والأحاديث المنسوبة للنبي محمّد، خصوصا إن كانوا على رأس السلطة أو منشغلين بالعمل السياسي. الّا أنّ حججهم ما تلبث أن تكون تحت مطرقة الكثير من الأسئلة التي تفرزها حياة الناس، حالما تُوَجَّه الأسئلة الملّحة عن إدائهم السياسي وفشلهم في تحقيق البرامج السياسية التي وعدوا شعوبهم بها. وما أن يشعر الإسلامي بعدم قدرته على مواجهة الناس حتّى يبدأ كالسياسي بالكذب والمراوغة لتبرير فشله، وهنا يكون قد لصق الكذب والمرواغة والسرقة والفساد بالدين. وعند هذه النقطة تحديدا يكون قد اساء للدين وليس للسياسة، كون السياسة تعني صراع من اجل المصالح والدين هو صراع الإنسان مع نفسه لغرض ارضاء الله. ولو عدنا الى التاريخ الإسلامي وليس غيره، لوجدنا الصراع بين التيارات والأنظمة الإسلامية وحروبها فيما بينها كانت من أجل السلطة وليس لأمر آخر. لنعد الآن الى المثال العراقي لنرى إن كانت الأحزاب الدينية التي على رأس السلطة ومعها المؤسسة الدينية المنشغلة بالشأن السياسي هي الأخرى، لديها أخلاق مستمدّة من الدين الإسلامي الذي تتاجر به من أجل مصالح دنيوية وليس آخروية. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، هاتين الآيتين تكونان تجارة مربحة إن كانت بضاعة لنجاة العراقيين من عذاب الفساد والفقر والجوع والبطالة والإرهاب الذي يعاني منها شعبنا وهو يعيش عهد الإسلام السياسي، أمّا إن كانت غير ذلك وهي اليوم غير ذلك فعلا فأنّها تجارة خاسرة لنا كشعب ومربحة للمتاجرين بها وبالدين كلّه، ومن اكبر المتاجرين بهذه البضاعة اليوم هو مقتدى الصدر ومن يحرّكه ليتخذ المواقف المناهضة لشعبنا ووطننا.

لا شك في أنّ للحريّة حدود علينا التوقف عندها، كي لا يكون تجاوزها تحت أي ظرف سبباً في إشاعة الفوضى والخراب. والرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي إبدو الفرنسية حول نبي المسلمين وتناولها في مادة دراسية عنوانها حريّة التعبير، بدت غريبة عند المسلمين الذين لا يعرفون حرية التعبير في بلدانهم، لكنها في النهاية أساءت لرجل يقدّسه مئات الملايين من البشر. وكان رد الفعل الإسلامي ضدّها محليا "فرنسيا" لا يتوافق مع قوانين الدولة الفرنسية، ولا مع قوانين التمدن والحوار الحضاري. أمّا إسلاميا وعربيا، فقد جاءت الرسوم هبة من السماء لأنظمة لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بالحريات العامة ناهيك عن حرية التعبير والرأي.

عادة ما يكون الحسين وآل البيت هم البضاعة التي يتاجر بها الساسة والمعممّين الشيعة، وهم يتحكمون برقاب الناس وحياتهم وثرواتهم. وغالبا ما تتفتق العقلية الدينية الشيعية وعند مواسم الإنتخابات عن مواقف ومحطّات دينية طائفية لكسب ثقة الناخبين الشيعة، وقد نجحوا لليوم في مسعاهم هذا بشكل كبير. ولم يكن النبي محمد يوماً جزءً من هذه اللوحة، فالنبي بالحقيقة يأتي في مراتب متأخرة في الفقه والأدب والتراث الشيعي مقارنة مع الإمام علي والحسين وجعفر الصادق والمهدي بل وحتى إبنته فاطمة. الا أن مجلة شارلي إبدو قدّمت لرجل دين كمقتدى الصدر حملة إعلامية مجانية ضخمة وهو في طريقه لخوض الإنتخابات البرلمانية من خلال تحالف سائرون، على الرغم من عدم حاجته لها كون القوانين الإنتخابية فُصِّلت على مقاسات أحزاب السلطة ومنها تحالف الصدر هذا.

لقد قدّم الصدر من خلال تحالف سائرون وهو يتهيأ لخوض الإنتخابات الرلمانية المبكرة، مقترح قانون لمعاقبة المسيئين للنبي محمد موقّع من 100 نائب برلماني الى لجنة الأوقاف والشؤون الدينية بالبرلمان لمناقشته وعرضه للتصويت. وهذا الأمر من الممكن قبوله لو كان المقترح متعلق بالعراقيين، لكنّ تحالف سائرون "الصدر" تجاوز الأعراف الدبلوماسية المتعارف والمتعامل بها، حينما ضمّن مشروع قانونه "البعثات الدبلوماسية المتواجدة في العراق في حال صدور الإساءة من أحد أفرادها مهما كان منصبه، ولا تعتبر الحصانة الدبلوماسية مانعة من المحاكمة"!! كما تضمّن مقترح القانون بـإنزال "عقوبات بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، في حال صدرت الإساءة بشكل علني، أما إذا لم تكن علنية فالعقوبة تكون الحبس من 3 إلى 5 سنوات، ويستوي في ذلك العراقي وغير العراقي"، وهنا يكون المشّرع الصدري قد وضعنا في حيص بيص كما يقال، إذ كيف سيتعرف القاضي على الشخص المسيء إن كانت إساءته غير علنية! وهل سيتعرف القاضي مثلاً على شخص أساء للرسول وهو وحيد داخل غرفة نومه، أو شخص رسم رسماً كاريكاتيرياً للنبي ومزّقه دون أن يراه أحد!؟

إنّ الصدر يتعامل مع الدولة العراقية والشعب العراقي كحاكم مطلق، فهو من يقترح القوانين وهو من ينفذّها وهو من يرسم سياسة الدولة وهو من يتحكم بنبض الشارع. وهذه الحالة المرضية خطرة جداً ليس على المشهد السياسي العراقي المعقّد والضبابي، بل خطر على مستقبل البلد ككل. فالصدر يتحرك كونه رجل دين وسياسي، وله جيش من الاتباع يمتازون بقلّة الوعي والقسوة في تعاملهم مع من يخالف قائدهم وإن أخطأ، خصوصاً في غياب الدولة القادرة على كبح جماحه والميليشيات التابعة له.

وهذا الإمام علي وكأنّه يصف أهل العراق اليوم يقول "إذا غضب الله على أمّة غلت أسعارها وغلبها أشرارها".

زكي رضا
الدنمارك
11/11/2020



89
مقتدى الصدر .. انا الدولة!!

السياسة في بلد كالعراق اليوم لا تحتاج الى احزاب وطنية وقوى تؤمن بالديموقراطية وسيادة دولة القانون، كونها أمست ترف فكري نتيجة الفساد والقهر اللذان يأخذان مديات أوسع يوما بعد آخر ويستهلكان آخر ما تبقّى من كرامة للوطن والناس ، وكون الأحزاب الوطنية لا زالت بعيدة عن آمال وتطلّعات الجماهير المسحوقة التي باتت دون ظهير سياسي وقيادات قادرة على مواجهة قوى الفساد التي تتغوّل بشكل مستمر. علاوة على عاملين مهمّين جدا وهما غياب الوعي عند نسبة كبيرة من جماهير شعبنا، والإحتلالان اللذان يديران دفّة سفينتنا المتهاوية الامريكي بقواعده العسكرية، والإيراني الذي لا يصدّر لنا الّا الجهل والتخلف والميليشيات والمخدّرات.
السياسة في بلد كبلدنا تتمترس فيه الطوائف والقوميات حول هوياتها الضيّقة تحتاج الى عصابات تحت يافطات احزاب ومنظمات طائفية وقومية لممارستها، وهذا لا يعني مطلقا أنّ في العهود السابقة كانت السياسة على مستوى تحديات البلد ومستقبله،  لكنّ الواقع - وهذا ما اثبتته احداث بلدنا منذ الإحتلال لليوم - يؤكّد لنا أنّ تجربة السلطة اليوم هي من التجارب السيئة التي عاشها شعبنا على مرّ تاريخه المعاصر إن لم تكن الاسوأ.

لم يصرّح سياسي عراقي ممّن كانوا على رأس السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم من أنّه فوق القانون واجهزة الدولة مجتمعة،  الّا دكتاتور نرجسي ومهووس بالسلطة كصدّام حسين والذي كان فعلا فوق اجهزة الدولة والقانون،  لكنّه  لم يُعلن عن هذا الأمر من خلال الإعلام صراحة. ليس لأنه كان يهاب ذلك وهو دكتاتور دموي ولا كونه كان يخجل من أحد، بل كونه تعلّم من السلطة التي كان فيها وعلى رأسها لعقود من أنّ السياسة لا تعني حصر القوّة والنفوذ بل توزيعها على مراكز عدّة، وإن كان لذرّ الرماد في العيون. فحاكم مستبدّ كصدام حسين وإن كان يختصر العراق بنفسه، الّا أنّه ترك الأمر للإعلام و "المثقفين" لترويج سياسته هذه.


ما أن تتحرك الجماهير لتعلن رفضها لنظام المحاصصة والخراب عن طريق التظاهر والإعتصام،  حتّى تتحرك الأحزاب الشيعية وميليشياتها لتواجهها بمختلف الأساليب القذرة والوحشية. وعادة ما توكّل هذه العصابات الأمر لمقتدى الصدر. كونه الوحيد بينها الذي ينتقل من موقف الى آخر بشكل مستمر ودائم ، معتمدا على تبعية اعداد من الأمييّن وانصاف المثقفين من حملة السلاح والسكاكين والسيوف والهراوات، يحرّكهم كيفما يشاء ومتى ما يشاء!

في أربعينية الإمام الحسين هذا العام والتي صادفت الذكرى الأولى لإنتفاضة تشرين/ اكتوبر ، هتفت الجماهير الغاضبة متظاهرة عند مرقده ضد سلطة الفساد والقتل ورموزها من خلال هتافات ضد الإحتلالين الامريكي والإيراني وذيولهما. هذه الهتافات ضد الظلم والإضطهاد هي جزء من الثقافة الشيعية مثلما ترّوج المؤسسة والأحزاب والمنظمات الشيعية، كما انها كانت على مرّ التاريخ الشيعي وهو يواجه السلطات الجائرة والظالمة المختلفة وفي مختلف البلدان ذات الغالبية الشيعية السلاح الأمضى للتغيير والوصول الى نيل الحقوق عن طريق الثورة، فالحسين في الأدب الشيعي رمز للثورة وليس للذل والطاعة العمياء مثلما يريده رجال الدين والعصابات والمافيات الشيعية اليوم.

والصدر بتغريدته الاخيرة يضع شرطين بصيغة الآمر الناهي ،  اولهما ان تحمي القوات الأمنية المراقد المقدّسة وهو هنا يشيطن الجماهير ويتّهمها زورا بمحاولة مهاجمة المراقد من جهة ، ويهين الدولة من جهة اخرى، ويطالب في الثانية حينما يقسّم المنفتضين الى صالحين وطالحين، في ان يقوم "الصالحين" بالتبرؤ من بقية المنتفضين وهذا من اجل شق صفوف المتظاهرين ويهدد في حالة عدم تنفيذ الشرطين بتدخله الشخصي والعلني لتحقيقهما!!

المرجعية والقوى الشيعية ومنهم مقتدى ترفض دخول المتظاهرين ومعهم صور شهداء الإنتفاضة الى المرقد لقدسيته بحجج مضحكة كعدم إتّباعهم لنظام الدخول وفق ترتيبات مسبقة، او عدم إنتظامهم في مواكب قدّمت مسبقا معلومات عنهم لتقمعهم القوى الأمنيّة بشدّة في منطقة بين الحرمين، ولكنها لا تنبس ببنت شفة والعصابات الشيعية وهي تحمل اعلام حزب الله وبقية العصابات تهتف في منطقة بين الحرمين نفسها (سيدي يا ابن الحسينِ، نحن ابناء الخميني، وهتفنا بالولاء،  لعلي الخامنائي)!! ولو عدنا الى إنتفاضة آذار 1991  نرى المنتفضين يعتصمون وهم مدجّجون بأسلحتهم داخل المرقد مستجرين بالحسين كرمز للثورة ضد الهجوم البعثي على المدينة والمرقد. وهنا من حقّنا والحسين رمز للثورة والعدل في الادب الشيعي، أن نسأل عن الذي يمنع المتظاهرين من فعل نفس الأمر؟  فهل الامام الحسين ثائر وطالب عدل وإصلاح يوما وغير ذلك في يوم آخر، وهل المرقد مقدّس في يوم وغير ذلك في اخر!!؟




ولهذا التهديد معنى واحد وصريح هو (انا الدولة)، انا السلطة التنفيذية التي ستقوم بمعاقبة المنتفضين والقوى الأمنية، انا السلطة التشريعية التي تسنّ القوانين والتشريعات، انا السلطة القضائية التي تحاكم وتحرق وتعدم وتسجن.  فأين الكاظمي من هذا التهديد العلني والمهين للدولة وله شخصيا ؟

عدم نجاح الكاظمي في حل أي ملف من الملفات التي تشكل صداعا مستمرا لما تسمّى بالعملية السياسية بالعراق ولجماهير شعبنا، كحصر السلاح بيد الدولة وتقديم كبار الفاسدين للمحاكمة العلنية وهما مفتاحا أية نجاحات مستقبلية،  تشير الى أنّ الكاظمي أضعف من أن يواجه أية عصابة من العصابات الإسلامية ولا حتّى رجل عشيرة قوي . وعليه فأنّ الرهان على الكاظمي في حل مشكلات البلاد، هو كالرهان على حصان أعرج في مضمار سباق الخيول.


لقد كشّرت الميليشيات من خلال تغريدة الصدر عن أنيابها وعن مواقفها تجاه إنتفاضة شعبنا ، وهو يهدّد المنتفضين وتصفية الإنتفاضة قائلا " ولعلّ (التشرينيين) لا يستطيعون التظاهر مستقبلا إذا لم يتبرأوا رسميا من تلك الجريمة الوقحة فالكل سيتبرأ منهم". وهنا تكون مهمّة  الجماهير هي التظاهر المستمر واليومي وبأعداد تتزايد بإستمرار . فإنتفاضة تشرين/ اكتوبر درس نضالي على شعبنا وقواه الحيّة ان تطوره ليصل الى ثورة تكنس الإسلام السياسي الى حيث عليه ان يكون.   

الذكر الطيب والعطر دوما للشاعر الشعبي عبود الكرخي وهو يقول:

طبيعة بيك شينة، يا ردي الهندام ..... ذاتك عقربيّة، تأذّي خاص وعام

زكي رضا
الدنمارك
9/10/2020 

90
هل نجحت إنتفاضة اكتوبر في تحقيق أهدافها ..؟


لقد اختلفت وجهات النظر حول نجاح انتفاضة اكتوبر العراقية  او نجاحها الجزئي من عدمها، بعد ان خفّت شدّة التظاهرات والإعتصامات ولأسباب مختلفة،  منها الملل الذي اصاب الجماهير وشعورها بالإحباط لطول تواجدها في ساحات الإعتصام، ومنها شيطنة المنتفضين من قبل السلطة الحاكمة وادواتها الإعلامية ومنابرها السياسية والدينية، ومنها استخدام إرهاب الدولة ضد الناشطين وخطفهم وقتلهم، ومنها جائحة كورونا اضافة الى اسباب اخرى كالموقف الإقليمي والدولي من الإنتفاضة. إحدى وجهات النظر تنظر الى الحدث الأهم منذ الإحتلال لليوم من الناحية العاطفية والتمنّي في حدوث تغيير حقيقي في المشهد السياسي على الرغم من عدم توفّر العديد من آليات تحقيق هذه الأمنيات، والثانية والتي علينا ان ننظر اليها بامعان ودقّة هي النظرة النقدية للإنتفاضة من خلال مقارنتها بإنتفاضات وحركات سلمية في بلدان مختلفة، نجحت بعضها فيما فشلت أخرى والبحث عن اسباب نجاح وفشل تلك الإنتفاضات، وعلينا ونحن نستشهد بهذه الحركات السلمية والانتفاضات ان نشير بإعتزاز الى تجربة شعبنا وانتفاضاته ووثباته خلال القرن الماضي.

في دراسة حول نجاح الإحتجاجات السلمية الشعبية في تغيير الانظمة الحاكمة اجرتها كلا من إيريكا شينوويث الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، وماريّا ستيفن الباحثة في المركز الدولي للنزاع السلمي والتي غطّت الفترة  بين عامي 1900 و2006،  حول نسبة نجاح وفشل الحركات السلمية والمسلّحة في تغيير الانظمة الحاكمة ، وتمّ نشرها في كتاب تحت عنوان " لماذا تنجح المقاومة الشعبية: الأسباب الاستراتيجية وراء نجاح النزاعات السلمية " توصلتا الى أنّ الحراك السلمي قاد الى " التغيير السياسي في 53 في المئة من الحالات، في مقابل 26 في المئة فقط للإحتجات العنيفة"، وقد تناولت الدراسة " 25 حركة احتجاجية شعبية من أكبر الاحتجاجات الشعبية في العالم، حقق 14 منها نجاحا بجميع المقاييس".

قبل الخوض في بعض التجارب التي تناولتها الدراسة واسباب نجاح الإنتفاضات وفشلها وفق وجهة نظر الباحثتين، دعونا نعود الى انتفاضات العراق والحدث الأهم بالمنطقة اي الثورة الايرانية. لأنّ تجربتنا والتجربة الايرانية ستعطينا ووفق آراء الباحثتين " سنتاولها لاحقا" الأجوبة التي نبحث عنها في عدم نجاح إنتفاضة اكتوبر بتحقيق التغيير الذي إندلعت من أجله. في التجربة الإيرانية نجحت الحركة السلمية للشعب الإيراني والتي تطورت خلال اشهر الى ثورة عارمة في تغيير شكل النظام السياسي بالكامل، وقد نجحت وثبة عام 1948 السلمية بتحقيق هدفها وهو إلغاء معاهدة بورتسموث، فيما نجحت ثورة العشرين وهي حركة مسلّحة في تحقيق بعض اهدافها، الا أنّ الهدف الأهم  لها وهو اخراج المحتل البريطاني من العراق لم يتحقق الا بعد ثورة 14 تموز 1958 .

ركّزت الباحثتان في بحثهما على تجارب حققّت نجاحت مذهلة على الصعيد السياسي، نجاحات غيّرت شكل الأنظمة بالكامل. ومن هذه التجارب تجربة الثورة الفلبينية ومشاركة الملايين من السكان فيها والتي أسقطت نظام ماركوس الدكتاتوري خلال اربعة ايام فقط! وكذلك ثورة الورود في جورجيا ضد الرئيس شيفارد نادزه والذي قدّم إستقالته بعد دخول المتظاهرين السلميين البرلمان بباقات الورود وثورة الغناء في استونيا، كما مرّ البحث على تجارب السودان والجزائر، كما " وارتكزت أبحاث شينوويث على الأفكار الفلسفية للكثير من الشخصيات المؤثرة على مدار التاريخ، والتي برهنت بالأدلة القاطعة على قوة تأثير الاحتجاجات السلمية، مثل الناشطة الأفريقية الأمريكية سوجورنر تروث، التي حاربت لإلغاء العبودية، وسوزان بونويل أنتوني، التي نادت بإعطاء المرأة حق التصويت في الانتخابات، والناشط الهندي المستقل، ماهاتما غاندي، والناشط مارتن لوثر كينغ الذي ناضل من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة".

بعض النقاط التي تعتبر غاية بالأهمية  بنظر الباحثيتين لنجاح الحراك السلمي في التغيير هي

1-   الإضرابات العامّة والتي هي اقوى وأهم اشكال المقاومة ضد الحكومات المستبدّة.
2-   تعطيل المرافق العمومية " عدا المؤسسات الصحية والخدمية"  وإصابة الحياة اليومية والاجتماعية بالشلل.
3-   التحشيد الجماهيري، ففرص زيادة نجاح اي حراك جماهيري سلمي يعود الى قدرة منظميه من حشد اكبر عدد ممكن من الجماهير لخوضه، فكلمّا كانت اعداد الجماهير اكبر كلمّا كان التهديد الحقيقي للسلطات اكبر.
4-   نجاح الثورة او الإنتفاضة السلمية يتحقق لا محالة ما أن يصل عدد المشاركين فيه نسبة 3.5 من مجموع السكّان. وبينما تمثل نسبة 3.5 في المئة قلة من الشعب، إلا أن هذا المستوى من المشاركة الفعالة يدل على أن شرائح أكبر من الشعب تؤيد أهدافها ضمنيا وفق إيزابيل برامسين من جامعة كوبنهاغن.
5-   وحدة المحتجين وإنسجامهم وتنظيمهم تعتبر من المعايير العالية لنجاح او فشل الحركة السلمية، فالفشل يصيب الحركة من دونها، كما حدث في البحرين كما تقول إيزابيل برامسين، التي تدرس النزاع الدولي في جامعة كوبنهاغن.

لنعود الآن الى إنتفاضة اكتوبر لنرى إن كانت قد نجحت في تحقيق ما ينتظره شعبنا منه أم لا؟

لم ينجح منظمّو الإحتجاجات في قيادة إضرابات عامّة على مستوى البلاد، عدا الإضرابات الطلّابية وإضرابات بعض النقابات.  فيما لم يُنظّم أي إضراب واسع في الأسواق كما حدث البازار في إيران اثناء الثورة، ولا في  قطّاع النفط الحيوي ولا في أجهزة الدولى الإدارية.  كما كان الفشل نصيبهم في تعطيل المرافق العمومية ليصيبوا من خلالها الحياة الإجتماعية واليومية بالشلل مما يرعب السلطة. ونتيجة لأسبوعية التظاهر !! فأن إمكانية حشد اكبر عدد ممكن من الجماهير بقي صعبا على منظمي الحراك رغم النداءات المتكررة لحثّهم وتواجدهم في الشارع.  وبقي عدم وجود قيادة ميدانية أو جسم تنظيمي أو شخصية محورية ذات كاريزما كما الخميني اثناء الثورة الايرانية او غاندي في الهند، من اهم المشكلات التي واجهت الإنتفاضة وابعدتها كليا عن تحقيق نتائج ونجاحات تليق بما قدمته من مئات الشهداء وآلاف الجرحى في سبيل تحقيق التغيير الذي لم يحدث لليوم!

3.5 في المئة ليس رقما سحريا لكنه الحد الأدنى وفق الدراسة العلمية لنجاح الإنتفاضات، فهل شاركت هذه النسبة في إنتفاضة شعبنا؟  يقدّر نفوس العراق بحوالي 40 مليون نسمة، ووفق النسبة الآنفة الذكر فأن نجاح الإنتفاضة بحاجة الى مشاركة فعّالة من حوالي مليون وأربعمائة الف متظاهر عراقي. ولو تركنا هذا الرقم لعدم مشاركة المحافظات الغربية والكوردية في التظاهرات على الرغم من معاناتهم كما محافظات الوسط والجنوب!! ورجعنا الى العاصمة بغداد حيث النسبة السكانية الاكثر كثافة بالبلاد علاوة على كونها مركز الحكم، فأنّ نفوسها يقدّر بحوالي تسعة ملايين  نسمة. ومن أجل نجاح الإنتفاضة نظريا فإننا بحاجة الى 315 ألف متظاهر، فهل وصلت اعداد المتظاهرين في احسن الحالات الى نصف هذا العدد!؟

"خلصت الدراسة الى أنّ "معيار نجاح حركة التغيير هو قدرتها على تحقيق جميع أهدافها".

 كثيرة هي الشعارات التي رفعها المتظاهرون، وأهمّها كانت شعارات محاربة الفساد والمفسدين، تقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، توفير فرص العمل للعاطلين، حل الميليشيات المسلحة، اجراء إنتخابات عادلة ونزيهة وفق قانون انتخابي عادل، والشعار الذي أصبح رمزا أي " نريد وطن". فهل حققت الإنتفاضة أي من هذه الشعارات، لكي نؤمن بنجاحها..؟

ونحن نعيش اليوم الذكرى الأولى لإنطلاق إنتفاضة اكتوبر، علينا أن نستفيد من أخطائنا ونجاحاتنا " كسر حاجز الخوف وتجاوز الطائفية" من خلال مراجعة شاملة للحدث، كما وعلينا الإعتراف بعدم تحقيق الإنتفاضة أي مطلب من مطالبها، سوى نجاحها في تغيير رئيس وزراء بآخر من نفس المؤسسة، والذي يفي بأي عهد قطعه على نفسه لليوم. فلم نرى فاسد من العيار الثقيل امام المحاكم العراقية، ولم يحصر السلاح بالدولة، ولم يجد حلّا للنزيف الإقتصادي والمالي العراقي، حيث البلاد تقترض داخليا وخارجيا من أجل تأمين رواتب جيش الموظفين ومنهم عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من الفضائيين، وغيرها الكثير.


على القوى العلمانية الديموقراطية وفي الذكرى الاولى لإنتفاضة اكتوبر أن تكثّف جهودها ليس لغرض المشاركة بالأنتخابات التي لن تغير شيئا من المشهد السياسي الذي نعيشه منذ الاحتلال لليوم، بل جر اكبر عدد ممكن من   الجماهير ليس للتظاهر الاسبوعي أو الشهري أو في المناسبات كما حصل ويحل اليوم، بل جرها للتظاهر اليومي وباعداد كبيرة والتمهيد باسرع وقت للعصيان المدني. على القوى العلمانية الديموقراطية والإتحادت الطلابية والمهنية والنقابات  والشخصيات الإجتماعية المؤثرة التواجد في قلب ساحات التحرير وبشكل مستمر، كون التغيير بحاجة لتنظيمات فعّالة قادرة على توجيه الحراك السلمي للجماهير. فالتجربة السابقة لقادة ساحاة التحرير زنتيجة الخلافات الكبيرة بينهم، أثبتت أنّ التغيير لا يأتي الا من خلال احزاب وتنظيمات ونقابات واتحادات لها المصلحى الحقيقية في بناء وطن.
" نريد وطن" شعار بحاجة الى تضحية ونكران ذات كبيرين، فلنكن بمستوى هذا الشعار من اجل غد افضل لشعبنا ووطننا وأجيالنا القادمة.

زكي رضا
الدنمارك 30/9/2020     



 




 







91
الفاشيّة الدينية المشوّهة .. العراق مثالا


لقد برزت الفاشية في اوربا نتيجة عوامل عدّة، منها الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي كانت تمرّ بها البلدان الرأسمالية في القارة، ومنها ضعف قوى اليسار والحركات الثورية وإنقساماتها فيها. ولم تنتهي الفاشية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، كونها تستطيع إعادة إنتاج وبناء وتطوير نفسها تحت ظروف معينة، فالأنظمة الفاشية والأنظمة الدكتاتورية الفاشية تظهران وفق شروط تاريخية وإقتصادية وإجتماعية ترتبط بالخصائص المحلية لكل دولة. لذا نرى الفاشية الالمانية برزت في المانيا بطابع عنصري يمجّد العرق الالماني، ولو أخذنا الفاشية الإسلامية القومية بالعراق اليوم نراها تعتمد على تمجيد الطائفة والقومية والتي هي شكل من اشكال العنصرية. وإذا كانت الاولى أي الفاشية عنصرية الهوية ترفض الحياة الديموقراطية والتعددية السياسية والتي كان البعث يسير على نهجها بالأمس، فأنّ الثانية أي النموذج العراقي "الديموقراطي" اليوم وهو يكرر العملية الانتخابية بنفس الآليات التي تجعل منه في قمّة الهرم دائما، يكون له نفس خصائص الفاشية العنصرية بمزيج من الطائفية والعنصرية.

عادة ما يشير البعض الى بروز الفاشية في البلدان ذات الإقتصاديات الرأسمالية، فأنه يشير الى تلك التي برزت في كل من اليابان والمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، الا أنّ الفاشية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية برزت في بلدان نامية لا تعرف معنى الإقتصاد الرأسمالي، لكنّ بروزها جاء نتيجة عوامل سياسية بحتة الا انها غير بعيدة عن صراع الدول الرأسمالية الكبرى في تأسيس وإنشاء أنظمة دكتاتورية تعمل على تلبية مصالحها. فالإنقلابات العسكرية والأحداث السياسية في إيران والعراق واندونيسيا وتشيلي سنوات 1953 – 1958 – 1965 – 1973 على سبيل المثال والتي نفّذتها أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، ساهمت في إنشاء أنظمة دكتاتورية فاشية جديدة معادية للديموقراطية وتطلعات شعوبها في البلدان الأربعة، علاوة على تأسيس أنظمة دكتاتورية فاشية في بلدان عديدة في العالم ومنها جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية. فالفاشية "والفاشية الجديدة والتابعة تبرز في العديد من البلدان النامية، حيث لا يوجد اساس إقتصادي رأسمالي شبيه بما كان الوضع عليه في المانيا وإيطاليا واليابان، وهي تبرز في هذه الحالة كنتاج مباشر للعامل السياسي اولا حيث تستخدم من قبل الإمبريالية ركائزها المحلية كثورة مضادة للثورة الشعبية التي تهدد سيطرتها" (*) وهذا ما نعيشه اليوم في بلادنا.

أنّ تجربة البلدان الأربعة التي أشرنا إليها قبل قليل تعتبر من التجارب التي علينا تناولها كأمثلة على إستغلال أنظمة دكتاتورية فاشية الطابع ثروات بلدانها الطبيعية، لتحديث البنى التحتية فيها وإستغلال هذا التحديث في بلورة علاقات إقتصادية إجتماعية جديدة تخدم قمّة الهرم السياسي في السلطة ومن يمثّلها. ككبار العسكريين وملّاك الأراضي والشيوخ والأمراء ورجال الدين والقبائل والأقطاع ورجال الإقتصاد والمال، وهؤلاء في الحقيقة هم القاعدة الإجتماعية التي تعتمد عليها الأنظمة الدكتاتورية الفاشية في مواجهة الجماهير.

لقد نجحت الولايات المتحدة في شباط 1963 بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي قمعي معاد لمصالح شعبنا ووطننا وقواه الوطنية، وكرّس النظام الجديد والأنظمة التي تعاقبت على السلطة بعده نفس النهج الكارثي والذي إنتهى بإحتلال البلاد من قبل الولايات المتحدة بعد أربعة عقود من ذلك الإنقلاب. لكنّ الأنظمة الدكتاتورية فاشية الطابع والنهج والممارسة التي تعاقبت على السلطة، إستغلّت ثروات البلاد وإن بشكل غير كامل ولا عقلاني في إستمرارها ببناء البنى التحتية للبلاد وتطوير قطاعات عديدة أهمّها التعليم والصحّة وعدد من المشاريع الصناعية التي كانت تسدّ جزء من حاجات البلاد، والتي بدأت تتلاشى منذ مغامرة النظام البعثي الفاشي في حروبه الخارجية والداخلية واثر الحصار الإقتصادي، حتى إنتهى الأمر في أن يكون العراق بقايا اطلال حين حزم البعثيون حقائبهم.

مثلما قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي في العام 1963 ، فأنها قامت بعد إحتلالها للبلاد سنة 2003 بإنشاء نظام محاصصة طائفي قومي، يحمل - على الرغم من تسويقه كنظام ديموقراطي لا يعرف من الديموقراطية الا صناديق الإقتراع والتي بدورها تدور حولها شبهات الفساد والتزوير - سمات فاشية واضحة المعالم. ومن هذه السمات سلب وعي الجماهير وإعادة صياغته بشكل ديني طائفي - قومي، للإستفادة منه في تأجيج المشاعر الطائفية والقومية، والتي بدورها تعتبر الضامن الاساسي لإستمرار القوى الفاشية على رأس السلطة.

ما يميّز فاشيي اليوم عن فاشيي الأمس، هو أن فاشيي اليوم لم يستغلوا ثروات البلاد لإعادة بناء البنى التحتية كما الذين سبقوهم في العراق وفي البلدان الأخرى، بل عملوا وبجد لنهب كل دينار يدخل خزينة البلاد دون أن يلتفتوا لا لحاجات الناس اليومية ولا لمستقبل البلاد. وإن كانت الحكومات الدكتاتورية الفاشية تعتمد في مواجهتها للجماهير والقوى الثورية على فصيل مسلّح كسند للجيش النظامي في قمعها لهم، فأن الفاشيون الجدد يمتلكون عشرات الفصائل المسلّحة التي لا تعير الجيش أي إهتمام وهي تواجه الجماهير العزلاء، لضعف الجيش من جهة ولإختراق قياداته العليا ومراكز اتخاذ القرار فيه من جهة ثانية. والمشكلة هي أن لهذه الميليشيات الفاشية غطاء قانوني وهي تدخل العملية السياسية من خلال اوسع ابوابها اي البرلمان، كما وانها تتمتع بغطاء ديني منحها صفة القدسية على الرغم من جرائمها الكبيرة!! لكنّ الكارثة الكبرى هي أنّها تعلن وبوضوح من أنّها تنفّذ السياسة الإيرانية بالعراق، وتعلن جهوزيتها للتدخل في اي بلد تتعرض فيه المصالح الإيرانية للخطر، بل وتهدّد بتحويل شوارع الوطن الى ساحات قتال دفاعا عن إيران وسياساتها ومصالحها!!

انّ مصادرة الحريات وقمع الحركات الإحتجاجية والمطلبية والعداء لكل ما هو إنساني في حقول الثقافة والفن والادب، وممارسة إرهاب الدولة وعصاباتها هي من صلب ممارسات الأنظمة الفاشية. وكل هذه الممارسات نجدها اليوم في العراق حيث حكم الأحزاب الدينية والقومية فاشية الطابع والمحتوى.

لقد وقفت الولايات المتحدة ومعها البلدان الغربية جميعها ضد النظام الحاكم في بيلوروسيا وهو يقمع الجماهير التي تظاهرت لتشكيكها بنتائج الإنتخابات، وقد هدّدت السلطات بإتخاذ إجراءات عقابية ضدها من خلال عقوبات على السلطة والمؤسسات والأشخاص الموالين لها، لأنّ السلطة هناك إستخدمت العنف ضد المتظاهرين ما تسبّب بمقتل ثلاثة منهم! لكنّها ومعها كل الغرب لم يفرضوا أية عقوبات لا على السلطة ولا على أية مؤسسة عراقية أو سياسي عراقي ساهم بقتل المئات من المتظاهرين وجرح الآلاف وإختطاف العشرات منهم، لأنّ السلطة التي فرضوها على شعبنا نتيجة إحتلالهم لبلدنا هي سلطة دينية فاشية مشوهّة تخدم مصالحهم على المدى البعيد. والمفارقة هي أن الفاشيّة الدينية بالعراق ونتيجة لعمالة أحزابها للأجنبي، هي ليست كما الفاشية القومية الإيرانية عهد الشاه ولا الفاشية الشيعية كما في عهد الخميني، ففي العهدين الفاشيين بإيران لا تزال الدولة تعمل على جعل إيران رقما صعبا بالمنطقة، بل فاشيّة تابعة جعلت العراق رقما مهملا من جميع النواحي.

لقد ربطت الفاشية الدينية الإيرانية مصير إيران بتاريخها العريق وحضارتها بالتشيّع حتى بات إسم إيران والتشيّع متلازمين، وهذا ما يعمل عليه الفاشيون الشيعة وهم يعملون على ربط جنوب العراق بالتشيّع كمرحلة أولى وبإيران كمرحلة قادمة مستقبلا، وهم يعملون مع باقي أطراف المحاصصة على تهيئة الاجواء لتقسيم البلاد على المدى البعيد، خصوصا وأنّ بايدن وهو الاب الشرعي لتقسيم العراق وبناء شرق اوسط جديد خدمة لمصالح بلاده وإسرائيل مرّشح لقيادة امريكا بعد الإنتخابات الامريكية القادمة.

تعتبر الديموقراطية الحقيقية هي القاعدة المتينة لمحاربة الفاشية الدينية القومية بالعراق اليوم، وهذه الديموقراطية لا تاتي كهبة من السماء أو مكرمة من الاحزاب المهيمنة على المشهد السياسي، بل بنضال طويل ومرير بدأته الجماهير دون ظهير سياسي او نقابات عمالية واتحادات مهنية، لذا نراها تخطأ وهي لا زالت في الامتار الاولى من ماراثون نضالها لانقاذ بلدها من الفساد والمفسدين والميليشياويين والتقسيم ، وهي تطالب بإنتخابات على اساس الدوائر المتعددة والتي هي مطلب القوى الفاشية وطريقها للبقاء في السلطة!!



(*) الفاشية الفكرة والممارسة لزهير الجزائري ص 6

زكي رضا
الدنمارك
9/9/2020

92

السلطة كانت هدف الإمام الحسين ولتكن هدف دعاة الإصلاح

السؤال الكبير الذي يواجه الكثير كل عاشوراء هو: هل خرج الإمام الحسين من أجل السلطة ..؟ هذا السؤال سبّب ويسبّب ولليوم إشكالية كبيرة بين من يرفض هذا الأمر بالمطلق، كونه ينطلق من إيمانه بالمقدّس ومقولة الإمام الحسين " إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي"، وبين قائل من أنّه خرج طمعا بالسلطة التي يرى نفسه أحقّ منها من يزيد بن معاوية. وبين هذين الرأيين نسى الفريقان الطريق الأمثل للإصلاح، وهو الطريق الذي سلكه الإمام الحسين.

لو كان الإمام الحسين مصلحا فقط وزاهدا في السلطة كما تقول شيعته اليوم، كان يستطيع البقاء حيث يقيم في الحجاز وينتقد السلطة في دمشق مطالبا منها إصلاح أمر الرعية، التي وصلت مظالمها عهد الأمويين وهم يتاورثون الحكم الى مديات كبيرة، وخصوصا اهل الذمّة منهم وابناء البلدان التي إحتلّها المسلمون وشيعة ابيه علي بن أبي طالب. ووقتها كان يستطيع وهو في منعة من السلطة أن يفلسف الظلم بين أهل الحجاز والحجيج القادمين الى مكّة كل عام، في أن يطالب السلطة الأموية بالكف عن فسادها وجورها وظلمها بحقّ الرعية، عن طريق مطالبتها بإصلاح منظومة الحكم!! أي مطالبة الفاسد والقاتل والمجرم بإصلاح السلطة لتكفّ يده عن الفساد والقتل والإجرام، وهذا أمر دونه خرط القتاد كما تقول العرب!!

ولمّا لم يكن الحسين طارئا على المشهد السياسي وقتها وهو إبن خليفة وحفيد نبي وشقيق خليفة تنازل عن الحكم، فأنّه كان يعرف جيّدا من انّ إصلاح الأمور في البلاد الإسلاميّة مترامية الأطراف وإنهاء ظلم السلطة للرعيّة وفسادها ونهب ثرواتها، لا تأتي عبر دعوته للإصلاح فقط لأنّ الطريق الوحيد للإصلاح بنظره وهذه هي الحقيقة، كانت وصوله الى سدّة الحكم ليبدأ إثرها مشروعه الإصلاحي.

في العراق اليوم إنتفاضة بدأت بمطالب إصلاحيّة، ولكي تمتص السلطة زخمها باشرت الى رفع شعارات الإصلاح، بل وزايدت في أوقات عدّة المنتفضين في رفعها سقف مطالب الإصلاح هذه!! ولمّا كانت جماهير المنتفضين في غالبيتها شيعيّة وهذا ما نأسف لقوله (لكنّها الحقيقة المرّة)، فعلى هذه الجماهير أن تنظّم صفوفها وهي تتعرّض للقتل والتخوين، في أن تعمل على توحيد خطابها السياسي لمواجهة السلطة الفاسدة المفسدة، وعليها أن تعرف جيدا من ان الإصلاح لا يأتي الا بوصول ممثلين حقيقيين لها الى سدّة السلطة.

لقد قُتِل الحسين وفقدت الشعوب العربية والإسلامية من وقتها ولليوم كل أثر للإصلاح، فهي في تراجع مستمر على مختلف الصعد إن لم تكن جميعها. أنّ الجماهير في مفترق طرق، فأمّا الإستمرار بالتظاهرات هنا وهناك مطالبين بالإصلاح وهذا ما لن يحصلوا عليه مطلقا، وأمّا الثورة على السلطة لهدم أسس الفساد وبناء نظام جديد يأخذ على عاتقه إصلاح أوضاع البلاد. إن اردتم ان تتعلمّوا من الحسين أمرا، فتعلّموا منه انّ الوصول للسلطة هو مفتاحكم للإصلاح والتغيير.

فلتذكروني عند هذا كله ولتنهضوا باسم الحياة
كي ترفعوا علم الحقيقة والعدالة
فلتذكروا ثأري العظيم لتأخذوه من الطغاة
وبذاك تنتصر الحياة
فاذا سكتّم بعد ذاك على الخديعة وأرتضى الانسان ذُلّه
فأنا سأُذبح من جديد                                         
                                                                   
                                   "من مسرحية الحسين شهيدا لعبد الرحمن الشرقاوي"



زكي رضا
الدنمارك
30/8/2020
 




93
الكاظمي وتراث بهجت العطية

يعتبر رئيس الوزراء " العراقي" مصطفى الكاظمي إبنا شرعيا لنظام المحاصصة التي إجتازت ببلادنا جميع الموانع وهي تتجه بها نحو الهاوية، ولم يتبوأ منصبه الّا بتوافقات سياسية منها ما هو علني ومنها ما هو "سرّي". الا أنّه بالمحصّلة النهائية يعتبر رجل إيران بالعراق، وحتّى لو حاول أن يُظهر عكس ذلك فأنّ حصوله على الضوء الأخضر من الميليشيات الشيعية لتبوأ مركزه تعني أنّ ولاءه ليس للعراق، فالميليشيات الشيعية ومعها الأحزاب الشيعية  لم تخجل يوما من  إعلان ولاءها لدولة وليّ الفقيه، كما وأنّ الحكومات التي تقودها الأحزاب الشيعية لم تخرج منذ الإحتلال لليوم عن فلك إيران ومصالحها.

الكاظمي ليس سياسيّا عاديا، وليس من الأسماء التي كانت معروفة لجماهير شعبنا كما ساسة آخرون. فالرجل رئيس جهاز مخابرات دولة، وهو بحكم منصبه هذا يتحكم بملفّات أمنية وغير أمنيّة.  وهو يعرف جيدا تحركات الميليشيات والإرهابيين وأوكارهم وتسليحهم والدول التي تدعمهم، وهو على دراية كبيرة بملفّات الفساد وزعمائها، والّا لكان اسوأ رئيس جهاز مخابرات على مرّ التاريخ الإنساني وليس العراقي فقط. لكنّ الأمر المثير "للإستغراب" من أنّ الرجل لم يقدّم فاسدا واحدا من الرؤوس الكبيرة التي يعرفها أبناء شعبنا للمحاكمة ليومنا هذا، ولم يفتح ملفات عقود الكهرباء والطائرات والنفط والموانيء والمعابر الحدودية والمدارس الهيكلية وعقود وزارة الصحة والتربية وغيرها المئات إن لم تكن الآلاف، ولم يتقرب مطلقا من ملفات سبايكر وإحتلال الموصل ولم يتحرك للحد من سطوة الميليشيات، بل ما أن حاول إعتقال مجموعة منهم وبالجرم المشهود حتى رأيناهم ليس مطلقي السراح فقط  بل يحرقون صوره وداسوا عليها بأحذيتهم إمعانا في إهانته وتحذيره في أن يعرف حدوده المرسومة اليه من قبلهم وراعيهم الإيراني بدقّة.

رجل المخابرات هذا لم يكن خيار الجماهير المنتفضة لليوم، على الرغم من طرحه شعارات برّاقة لم ينفّذ منها لليوم أي شيء. فالرجل تراجع عن كل ما جاء به في خطابه وهو يتسنم منصبه بمباركة إيرانية أمريكية، فلا ملف للفساد قد فُتح مثلما ذكرنا قبل قليل ولا مسؤول عن قتل مئات المتظاهرين قد قدّم للمحاكمة ومنهم من صدرت بحقه مذكرة إعتقال من قبل القضاء العراقي كجميل الشمّري، وليس هناك في الأفق ما يشير الى تنفيذ تعهده بإجراء إنتخابات مبكّرة وفق مطالب المتظاهرين وليس وفق تدوير نفس النفايات التي رشّحته لمنصبه من جديد.

الأمر الوحيد الذي لم يحدث في عهد الكاظمي القصير هذا، هو عدم وجود قتلى في صفوف المتظاهرين كما سلفه، ولا حرق لخيام المتظاهرين كما سلفه، ولا إختطاف ناشطين كما سلفه، ولا إغتيال كما سلفه، كل هذا كان لفترة قصيرة جدا. أمّا اليوم فهناك قتلى وجرحى بين المنتفضين، وهناك حرق لخيام المعتصمين، وهناك حالات إغتيال وإختطاف، حتّى أنّ هناك حالة إختطاف لمواطنة المانية تمّ إطلاق سراحها لاحقا دون أن تُعلن حكومة الكاظمي الجهة التي نفّذت الإختطاف!

الكاظمي وهو يتنصل عن وعوده وأجهزته القمعية تلاحق الناشطين،  والميليشيات تغتال وتخطف تحت مرأى ومسمع الشعب العراقي، يستلهم تراثه من أسلافه ومنهم بهجت العطيّة رئيس التحقيقات الجنائية ( الأمن العامّة) في العهد الملكي والذي كان يلاحق الشيوعيين والوطنيين والمناوئين للعهد الملكي، والمسؤول عن إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي بعد نجاح وثبة كانون في إسقاط معاهدة بورتسموث كونهم قادوا وثبة شعبهم وهم داخل سجن الكوت. لكن يبقى هناك فرق جوهري بين الأثنين، فالعطيّة لم يقل من أنّه في طريقه لمحاربة فساد رجالات العهد الملكي وتقديمهم للمحاكمة ولا لمحاربة الإقطاع وإضطهادهم للفلاحين البسطاء، ولا منح الشعب حقّ التظاهر، ولا محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين في وثبة كانون وغيرها من الإنتفاضات والتظاهرات والاعتصامات، ولم يعمل على حصر السلاح بيد الدولة،  ولم يحدد سقفا زمنيا لإنتخابات ديموقراطية عادلة، كون العطيّة كان صادقا مع نفسه وهو يمارس " حقه" في قتل السياسين وملاحقتهم كونه كان إبنا شرعيا لذلك النظام. أمّا الكاظمي فهو صادق أيضا مع نفسه ومع من أوصله للسلطة، كونه ينّفذ الأوامر " السريّة" للقوى التي توافقت فيما بينها على ترشيحه والتصويت لصالحه وحكومته، كونه إبن شرعي لنظام فاسد ومجرم.

الفرق الوحيد بين الأثنين هو أنّ العطيّة لم يكذب.

زكي رضا
الدنمارك
29/7/2020



 






94
سترون يد إيران القويّة ... أين!؟

لم يتخلف نظام الملالي في إيران عن بقية الأنظمة القومية العربية في متاجرته بالقضية الفلسطينية، ومثلما لم تحقّق الأنظمة القومية العربية أي نجاحات تذكر للفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، فإنّ نظام ولي الفقيه لم يستطع هو الآخر من تقديم أي شيء يذكر للفلسطينيين وقضيتهم العادلة منذ اكثر من أربعة عقود. ويبقى الفرق الكبير بين إيران والدول العربية وهم يتاجرون بقضية الشعب الفلسطيني، هو أنّ الانظمة العربية القومية كمصر وسوريا لم يطالبوا كما إيران بمنحهم بضع كيلومترات من خطوط التماس من إسرائيل لمحوها!

لقد صرّح العديد من رجال الدين الإيرانيين وضباط من الحرس الثوري الإيراني "باسداران" وقادة كبار في الجيش الإيراني مرّات عديدة وفي محافل مختلفة، من أنّه لو كان لإيران حدود مع الدولة العبرية لأزالت إيران هذه الدولة من الوجود! فهل ما تقوله إيران فيه شيء من الحقيقة أم أنّه متاجرة بهذه القضية التي أمست اليوم ونتيجة فشل المشروع القومي العروبي وطريقة تعاطيه مع الصراع العربي الإسرائيلي، قضية وطن على شريط ضيّق طوله 41 كم وعرضه يتراوح بين 5 – 15 كم، إضافة الى أجزاء من الضفّة الغربية المحتلّة والتي بدأت إسرائيل بقضم أجزاء منها معتمدة على واشنطن في تحدّيها للرأي العام العربي والإسلامي غير المهم بنظرها، إضافة للرأي العام الدولي والأوربي.   

منذ بداية ثمانينات القرن الماضي كانت لإيران حدود مشتركة مع إسرائيل عن طريق وكيلها في الجنوب اللبناني أي حزب الله، وإن كانت إيران لا تستطيع تحرير فلسطين من خلال الجنوب اللبناني  ليصلّي ولي فقيهها في القدس بمعيّة الإمام المهدي كونها لا تسيطر على كامل كامل القرار السياسي اللبناني. فأنّها تستطيع تحرير فلسطين من خلال مرتفعات الجولان السوريّة، وهي تمتلك كامل القرار السياسي السوري.   

قبل ايّام حذّر الناطق بإسم القوّات المسلّحة الإيرانية الجنرال ابو الفضل شكارچي ردّا على كذب إسرائيل في قصفها لمواقع معسكرات يتواجد فيه مستشارون إيرانيّون في سوريا مثلما قال، من أنّ إسرائيل وفي حالة إستمرارها في ترويجها لمثل هكذا أكاذيب، فأنها سترى اليد الإيرانية القوية كردّ على أكاذيبها! في حين  " إن القوات الإيرانية والجماعات المسلحة التي تديرها في سوريا قد ابتعدت عن الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل مسافة 85 كيلومترا في الفاتح من شهر اغسطس/آب الحالي سنة 2018  (دمشق تبعد عن خط الفصل بين اسرائيل وسوريا أقل من 40 كم)"، فهل من يريد أن يحرر فلسطين يسحب قواته لهذه المسافة البعيدة، أم أنّه يريد تحريرها بالأدعية والصلوات!! كما اكّد مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف في نفس الفترة "إن مقاتلي حزب الله والمليشيات الشيعية التي تدعمها إيران قد انسحبوا جميعا من هناك"، ليضيف قائلا " أن الإيرانيين الذي يعملون بصفة مستشارين عسكريين مع قوات الحكومية السورية لا يشملهم هذا الإجراء ويمكنهم أن يظلوا مع القوات السورية في مواقع انتشارها قرب الحدود بين سوريا وإسرائيل"، فهل ولي الفقيه يريد تحرير فلسطين بمستشارين عسكريين!!

لا شك أنّ يد إيران قويّة وطويلة، لكن أين؟ أنّها طويلة وقويّة في العراق حيث عصاباتها وميليشياتها المنفلتة تتحكم بالقرار السياسي العراقي، وحيث زعماء الأحزاب الشيعية المؤتمرين بأمرها حوّلوا البلاد الى ضيعة لولي الفقيه. أنّ يد إيران ليست قويّة فقط بل أقوى من "الدولة" العراقية وميليشياتها تسيطر على المنافذ الحدودية منذ الإحتلال لليوم، ولا يعرف الا الله والراسخون بالعلم وولي الفقيه ونظامه المتخلّف مدى الضرر الذي لحق بشعبنا ووطننا جرّاء هذه السيطرة. نعم، أنّ يد إيران قويّة على طول حدودها مع العراق وليس إسرائيل، فجيشنا وقواتنا المسلحة لا يستطيعان إعتقال إرهابي واحد ناهيك عن خوض أية مواجهة عسكرية مع أي دولة غازية كما تركيا، وقد شاهدنا كيف أطلقت الحكومة العراقية سراح إرهابيي حزب الله "العراقي" بعد ساعات من إعتقالهم، وكيف أنّ جيشنا والميليشيات الشيعية "الحشد الشعبي" وقوات البيشمركة لم ولن تحرّك ساكنا لمواجهة عدوان السلطان العثماني على أراضينا!

لكن إيران تبقى الأقوى وهي تمتلك خطوط تماس مع الشعب الإيراني، فنراها تقمع هذا الشعب إن خرج مطالبا بحقوقه وتعدم شابّاته وشبّانه، هي الأقوى في قمع تطلعات القوميات المطالبة بحقوقها، هي الاقوى في نهب ثروات الشعب الايراني، هي الاقوى في انتشار التخلف الديني بين شعوب إيران، هي الأقوى في زيادة نسبة الفقر والجوع والمرض بين صفوف ابناء شعبها. وتبقى سلطات إيران غير قادرة على توفير إجابات مقنعة لشعبها حول سلسلة الحرائق والإنفجارات التي سببت صداعا لنظامها الثيوقراطي المتخلف. 

الجنرال ابو الفضل شكارچي، لتكن يد نظامكم قويّة فى توفير حياة كريمة للشعب الإيراني من خلال عدم التدخل بشؤون البلدان الأخرى وتبديد أمواله.  الجنرال ابو الفضل شكارچي، لوكنتم قد أستخدمتم نفس القوّة التي واجهتم وتواجهون به الشعب الإيراني والعراقي الباحثين عن حياة كريمة  مقابل بضعة جنود إسرائيليين، لصدّقناك ومعك ولي فقهيك من أنكم ستصلّون غدا في القدس.

زكي رضا
الدنمارك
17/7/2020   


 








95
المنبر الحر / ثرثرة فوق دجلة
« في: 18:00 06/07/2020  »
ثرثرة  فوق  دجلة

رجل دين يبيع المواعظ للمؤمنين علانية، لكنه  منحرف ومتهتّك ومخادع سرّا! رجل دين يلبس وأطفاله السندس والأستبرق، والأيتام عراة أو بملابس رثّة وهم يعيشون على ما تجود به المزابل! رجل دين يضاجع الغانيات على أسرّة مذهبّة في محرابه ليلا، ويَعِظَ  الناس بمكارم الأخلاق نهارا! رجل دين يعيش كما الأباطرة متمتعا بأكل الحلوى السويسرية، وحلوى أطفال الفقراء بقايا تمر مُتْرب ومغمسّ بذلّ الفقر! رجل دين يذكر زهد علي في كل خطبة من خطبه، ويكتنز الذهب والفضّة! رجل دين يتحدث عن شجاعة الحسين وإباءه لاطما رأسه،  الّا أنّه يحتمي بمئات من الحرس المدجّجين بالأسلحة!

 " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ " ورجل ديننا معجون بالخيانة! " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " ورجل ديننا مُفسِد من قمّة عمامته حتّى "أخمص" نعله الإيطالي! " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " ورجل ديننا يعتدي على الوطن فيبيعه وعلى الفقراء فيسرقهم وعلى الأعراض فينتهكها! " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" ورجل ديننا يظلم ويظلم ويظلم بإسم الله،  بعد أن سَجًنَ الله في جيب من جيوب جبّته التي حيكت من قماش إنجليزي فاخر! " وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ورجل ديننا يجلس على منبره ليُفتي بالإعتداء على الناس الذين يطالبون بحقوقهم التي سرقها وأعوانه! " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ "، ورجل ديننا يعالَج في مستشفيات لندن ولا دواء للفقراء! " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ "، ورجل ديننا المؤمن بالله غَنَمَ العراق وإستأثر بالخمس كله وترك الفقراء والأرامل والأيتام ملومون محسورون منهوبون! " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "، ورجل ديننا الذي خُلِقَ قبل الشيطان بدهر يشجّع الفقر ويجمّله، والفقر طريق للفحشاء والرذيلة! " هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَـزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَـزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ " ليس هناك أفّاك أثيم لعين ليكون أنيسا للشياطين كما تجّار الدين عندنا ورجاله! رجل ديننا لا يعرف سماحة الدين، لكنّه خبير بشرور الطائفية!

"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ"، أمّا في مدينتنا فهناك الآلاف يُفسدون في العراق ولا يُصْلِحُون، ورجال الدين يباركونهم ويشاركونهم فسادهم ونهبهم وخرابهم! لم تنتهي الثرثرة  الّا حينما خرج الفقراء للصلاة فجرا، وآوى رجال الدين مخمورون الى مضاجعهم بالعوّامة الخضراء على شاطيء دجلة ومعهم خليلاتهم بعد قضائهم  ليلة حمراء ماجنة! ماذا عن الفجر مولاي " إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"، إصمت أنّها بضاعتنا التي نبيعها للناس! ولكنه كتاب الله مولاي،  صه أنّها ثرثرة!!

ما بين القويسات آيات من القرآن الكريم

زكي رضا
الدنمارك
4/7/2020






   




96
لا خوف على التومان الإيراني ..!

منذ اسابيع والعملة الإيرانية (التومان) تشهد تراجعا كبيرا امام الدولار الامريكي وبقية العملات في السوق الموازية، وقد بلغ التراجع خلال الأيام الاخيرة مستويات قياسية وبسرعة كبيرة. فسعر صرف الدولار في السوق الإيرانية تجاوز حاجز الثمانية عشر الف وخمسمائة تومان مهددا مدخرّات الناس، دون أن يؤثّر على أصحاب رؤوس الاموال. فإنهيار سعر صرف التومان مقابل الدولار الامريكي يؤدي الى انخفاض القوّة الشرائية للمواطنين الايرانيين، ما يؤثّر بشكل كبير على حياة محدودي الدخل والموظفين ذوو المداخيل الثابتة والمتقاعدين، الذين ستزداد معاناتهم نتيجة إرتفاع اسعار السلع متأثرة بالتضخم الناتج من انخفاض المداخيل النقدية الحقيقية.

هل سعر الدولار الامريكي يتأثر بالأوضاع السياسية التي تعيشها ايران أم بوضعها الاقتصادي وتداعياته، هذا السؤال يجيب عليه مرتضى عزّتي أستاذ الإقتصاد بجامعة " تربيت مدرّس" قائلا " إن سعر العملة الأميركية في إيران يخضع للحسابات السياسية أكثر من المؤشرات الاقتصادية، مما يجعل التكهن بالمستقبل عملية عصيبة "، الا أنّ الباحث الإقتصادي مرتضى ميري وقبل بدأ السنة الفارسية الجديدة (  21 آذار/ مارس 2020 ) قال: " أن ظروفا عصيبة تنتظر العملة الإيرانية خلال العام الإيراني الذي سيبدأ في 21 من الشهر الجاري، وتوقع أن تتراجع أكثر من ألف ريال مقابل الدولار الذي سيبلغ سعره 170 ألف ريال في العام الإيراني الجديد – سعر الدولار اليوم 187200 ريال".

الحصار المفروض على إيران وفساد السلطة فيها والمضي قدما في برنامجها النووي وتحديثها المستمر لترسانتها العسكرية محليا، والأهم تدخلها المباشر في شؤون الدول الأخرى كسوريا ولبنان واليمن، تعتبر من الأسباب الرئيسية لتراجع الاقتصاد الايراني، والذي أصبح اكثر قتامة وفق وجهة نظر الباحث مرتضى ميري الذي قال: "نظرا للتطورات الأخيرة ووقف الصادرات خلال العام المقبل (العام الإيراني)، فإننا سنواجه عجزا في احتياطي البلاد من العملة الصعبة، لا سيما علی ضوء إغلاق الحدود وتوقف تصدير البضائع غير النفطية إلی الخارج". 

إذن فالعامل السياسي هو الذي يؤثّر في أوضاع إيران الاقتصادية، كونها تستطيع أن تتجاوز الكثير من ازماتها فيما لو إنتهجت سياسة مغايرة لما تنتهجه اليوم. خصوصا وأنّ تدخلاتها في لبنان وسورية واليمن واللواتي إنهارت عملاتها أسوة بالتومان قد أنهكت الأقتصاد الإيراني بشكل كبير، ما أثّر بشكل اكبر على أوضاعها الداخلية. فتظاهرات الشعوب الإيرانية نهاية العام الماضي إندلعت بسبب رفع اسعار البنزين من قبل السلطات، وكدليل على إستهتار السلطة هناك بحياة الناس ومشاعرهم نراها تقوم اليوم بإرسال البنزين الى فنزويلا لتخفيف نقصه الحاد هناك، وقد فعلت نفس الأمر مع سوريا العام الماضي.

سلطة العصابة في العراق تفعل المستحيل لضخ الروح في الإقتصاد الإيراني، فالبدء بفتح المعابر الحدودية معها لتسهيل دخول البضائع الإيرانية للبلاد ومنافستها للمحلية منها ليست وليدة اليوم، بل هي إستمرار لنهج سياسي مدمّر لإقتصاد العراق. وسلطة المحاصصة ذات الطابع الشيعي لا تكتفي بإستيراد ما تنتجه السوق الإيرانية وإن كان فضلات بشرية!! بل تعمد وبإصرار غريب على حرق المحاصيل الزراعية وقتل الأسماك وإغراق السوق المحلية بكل البضائع الفاسدة. والسلطة نفسها تضخ المليارات سنويا في الإقتصاد الايراني عن طريق مزاد العملة والذي يعتبر من أشهر اوجه الفساد بالبلاد.

 لو كنا قد دفعنا لايران مبلغ  100 مليار دولار كتعويضات لحرب شنّها صدّام ورفض الخميني إنهائها قبل ان يتجرع السم اخيرا مثلما طلب عبد العزيز الحكيم  وقتها مقابل ان يكون لدينا موقف وطني،  لكنّا قد وفرنا مئات مليارات الدولارات التي نهبتها ايران عن طريق وكلائها من زعماء الاحزاب والميليشيات والعصابات والمافيات الشيعية. على السلطات الإيرانية ان لاتخاف مطلقا على وضع التومان الإيراني ولا على وضعها الإقتصادي، فاسواقنا ونتيجة خيانة ساستنا لبلدنا وعمالتهم لها ستستمر مفتوحة امام بضائعهم، وعملتنا الصعبة ستّهرّب اليهم بإستمرار، واموالنا المنهوبة ستستثمر في بلادهم.

لكي تكتمل اوجه الكارثة في العراق فأنّ اللقاء الذي جرى بين رئيسي البنكين المركزي الايراني عبد الناصر همّتي والعراقي علي العلّاق مؤخرّا، تكمن في اتفاق ايران مع الجانب العراقي بإستخدام  مواردها المالية الكبيرة بالعراق!! لشراء إحتياجاتها من السلع التي لا تستطيع شراءها من السوق العالمية نتيجة الحصار المفروض عليها عن طريق البنوك العراقية، اي تحويل التومان الايراني و الدينار العراقي الذي تحصل عليه من خلال عمليات اختلاس الاموال التي يقوم بها الحرس الثوري الايراني عن طريق مؤسسة " لجنة إعادة إعمار العتبات المقدّسة" في العراق " ستاد باز سازي عتبات عاليات" والمسؤولة عن أذرع أخطبوطية تنهب المال العراقي العام بمعرفة غالبية الساسة الشيعة وبمساعدتهم، وكذلك الاموال التي يحصل عليها الحرس الثوري من خلال عمليات التهريب وغسيل الاموال من خلال شركات وهمية او شركات بادارة عراقية شيعية تعمل لصالحها، الى العملة الصعبة وتهريبها للداخل الإيراني أو إستخدامها في المعاملات المالية عن طريق البنوك العراقية. 

 ومن هنا نقول "آقايان"،  ايها السادة الإيرانيون، عليكم ان تقلقواعلى اقتصادكم وتومانكم متى ماكانت لدينا حكومة وطنية تهمّها مصلحة شعبها، لكن والأمر هو كما اليوم فعليكم ان تضعوا " في بطونكم بطيخة صيفي" كما يقول المثل.

زكي رضا
الدنمارك
18/6/2020

   
 

97

سائرون تتمسك بقانون إنتخابي على مستوى الدرابين


عندما تمّ الترويج لتحالف سائرون وضرورته كتحالف ذو برامج عابرة للطائفية ويسعى " بشكل اساسي للخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والسياسية، وتعزيز الطابع المدني للدولة". خرجت أصوات عديدة تبارك هذا التحالف التاريخي، مطالبة بالوقوف الى جانبه وتعزيز دوره كونه " سفينة نجاة " العراق والقادر على بناء دولة المؤسسات وتأمين العدالة الإجتماعية!! كل هذا بالحقيقة غيض من فيض برنامج طموح لم ينفّذ منه كلمة واحدة، بل على العكس فأنّ تحالف سائرون الذي كان يقوده ولا يزال مقتدى الصدر تنصَل عن جميع ما ورد في برنامجه. فـ "حريّة التظاهر والإعتصام " ترجمه التحالف الى قتل المتظاهرين وإختطافهم، و"  ضمان حقوق النساء وتوسيع مشاركتهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية " ترجمها التحالف الى ملاحقة الناشطات وتهديدهنّ علنا وعلى رؤوس الأشهاد، أمّا " تشريع قانون الكسب غير المشروع " فترجمه التحالف الى إستمرار اللجان الإقتصادية للأحزاب المتنفذة في نهبها وسرقاتها للمال العام.

لمّا كان قانون الإنتخابات هو المفتاح الرئيسي لحل مشاكل البلاد كونه سيغيّر شكل اللوحة السياسية فيها، فإنّ الآمال عقدت على التحالف في " إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان إجراء انتخابات دورية منتظمة نزيهة وحرة، وتشريع قانون انتخابي عادل يتيح المشاركة الواسعة ودون أي تمييز بين المواطنين". الّا انّ التحالف سقط في أوّل إمتحان جدّي لتحقيق هذا المطلب المهم جدا حينما صوّت النواب الصدريون والذين يشّكلون 96.4% من أعضاء التحالف على قانون سانت ليغو 1.9 ، ليرسّخوا نهج المحاصصة الطائفية والسياسية وعلى الضد من حلفائهم في التحالف!!

بعد إندلاع إنتفاضة أكتوبر وضغط الشارع من أجل إجراء إنتخابات مبكّرة تسبقها تعديل قانون الإنتخابات، و تشكيل مفوضّية إنتخابات جديدة تمتاز بالنزاهة والمهنية لتحقيق ولو الحد الأدنى من نزاهة الإنتخابات، خرج علينا تحالف سائرون بما هو أكثر بؤسا من قانون سانت ليغو 1.9 الذي صوّت عليه سابقا  وكأنه يقول لحلفاءه قبل أصدقاءه، من أن الصدريين وميليشياتهم لن يسمحوا لأية جهة سياسية علمانية أو ديموقراطية من الوصول للبرلمان العراقي بأعداد قد تشكل لوحة سياسية جديدة بالبلد. ليعلن هذا التحالف الكارثي الذي يقوده مقتدى الصدر موقفه الرسمي من تعديل قانون الإنتخابات النيابية مؤكدا " تمسكه  باختيار نظام الدوائر الانتخابية المتعددة والبالغ عددها "240" دائرة".

هذا العدد من الدوائر الإنتخابية وفي ظل قانون إنتخابي لا زال لصوصيا، ومفوضّية إنتخابات قوامها المحاصصة، وإستخدام الميليشيات التابعة للأحزاب السياسية ومنها تحالف سائرون الصدري لتهديد الناخبين، وعدم "معرفة" مصادر تمويل الحملات الإنتخابية لحيتان الفساد، وشراء ذمم الناس بالمال وأكياس البطاطا، وتوزيع الأراضي بسندات وهمية لا تفضي الا الى إعادة تدوير نفس النفايات التي هيمنت على السلطة التشريعية خلال السنوات السابقة.

أن يكون العراق 240 دائرة إنتخابية وليس دائرة واحدة، يعني عدم إمكانية منافسة القوى الديموقراطية لقوى الفساد في الإنتخابات التشريعية القادمة. فمئتين وأربعين دائرة إنتخابية تعني أنّ الصدريين يريدون الإنتخابات أن تجري على مستوى الدرابين ليضمنوا فيها فوزا مريحا، من خلال ترشيحهم لرجال الدين والوجهاء ورجال العشائر الموالين لهم.
أقترح على تحالف سائرون الصدري أن يتمسّكوا بقانون إنتخابي على مستوى " بن بست"، الذي سيضمن لهم وحلفائهم برلمانا لا صوت معارض فيه على الإطلاق.

الدرابين مفردها دربونة تعني الأزقّة بالمحكية العراقية.

بن بست، فارسية تعني الزقاق الذي له منفذ واحد.

زكي رضا
الدنمارك
9/5/2020


 





98
أثر غياب القوى الديموقراطية على انتفاضة شعبنا


لم تستطع القوى الديموقراطيّة العراقية على إختلاف مدارسها الفكرية من ترجمة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هيمنت على البلاد منذ الاحتلال لليوم،  تلك التي عانى ويعاني منها قطاع واسع جدا من جماهير شعبنا، الى فعل جماهيري منظّم ليواجه آلة الفساد والخراب السلطويتين. وفشل هذه القوى في بلورة مواقف موحدّة وإن بالحد الأدنى منها بعض الأحيان، دفع القوى المهيمنة على السلطة نحو المضيّ اكثر في استهتارها بمقدرّات شعبنا ووطننا، هذا الاستهتار الذي دفع شعبنا ليعلن اولى جولات نضاله ضدها في شباط 2011 ، ليبدأ من حينها وبهدوء الربيع العراقي الذي لم تكتمل ملامحه لليوم رغم تجاوزه بعض الصعاب التي لم يكن من الممكن تجاوزها سابقا، نتيجة تجذّر العامل الطائفي من جهة وإرتفاع اسعار النفط الذي ساهمت امواله في تحييد الملايين من الموظفين ونحن نعيش الدولة الريعية بكامل اوصافها وابعدتهم عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل ايجابي.

لقد إنطلقت إنتفاضة شعبنا بعد تجربة مؤلمة وطويلة مع قوى طائفية فاسدة أوصلت البلاد الى حافة الهاوية، لتتخلى الجماهير المنتفضة عن النضالات المطلبية نحو نضال أوسع وأكثر مساحة، أي النضال من أجل تغيير كامل وشامل لشكل اللوحة السياسية في البلاد. وهنا كان على اليسار والقوى والمنظمات المهنية  والديموقراطية وهي تعيش إستعادة الجماهير لوعيها أن تنسّق خطابها السياسي وأن تعمل معا متجاوزة إنقساماتها من أجل إعادة إكتشاف شعبنا وهو يسطّر إحدى أكبر مآثره في تاريخه الحديث، والمساهمة الفاعلة في هذا الحراك الجماهيري لتأخذ هذه المأثرة قوّة أكبر ومساحة أوسع. كما كان عليها (لايزال) أن تستوعب الظروف والأحداث والتغيّرات التي رافقت وترافق هذه الإنتفاضة بإعتبارها مشروعا للتغيير، وأن تعمل دون كلل على تعميق الهوّة بين الجماهير المسحوقة والسلطة الفاسدة، لا أن تضع قدما مع الجماهير وأخرى مع السلطة أو إحدى أركانها خصوصا وإن كانت السلطة أو ميليشياتها إرتكبت وترتكب جرائم القتل والإختطاف وإرهاب الناشطين.

الأولوية الآن هو تحويل الحراك الجماهيري من شكله الحالي الى حراك أغلبية جماهيرية  أي العمل على دفع فئات أوسع من المجتمع للمشاركة والمساهمة بالإنتفاضة، وهذه المهمّة هي مَهمّة اليسار والقوى الديموقراطيّة تحديدا وليس غيرها. فهل اليسار ومعه القوى الديموقراطية قادرون على تحقيق هذه المَهمّة، وهل سلوك اليسار والقوى الديموقراطية وسياساتهم وتعاطيهم مع القوى السياسية المناوئة للإنتفاضة مقبول جماهيريا؟

المساهمة في إنتفاضة شعبنا تتطلب إصطفاف كامل مع الجماهير التي قدّمت لليوم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعاقين والعشرات من المخطوفين والمغيّبين، والإجابة عن عشرات الأسئلة التي يطرحونها وهم يبحثون عن سبل جديدة لديمومة الإنتفاضة وإستمرارها حتى تحقيق مطالبها. لا أن يكون خطاب هذه القوى منسجما مع مطالب الجماهير من جهة وناعما مع القوى التي تساهم بقتل نفس هذه الجماهير من جهة ثانية، من خلال إستمرار عملها مع هذه القوى التي تعرفها الجماهير كقوى مجرمة ساهمت في قتل عشرات المنتفضين وتعمل بشكل فاعل على وأد الإنتفاضة.

ستبقى الجماهير وهي تواجه آلة القمع السلطوية الميليشياوية  تتعرّض لأبشع أشكال التنكيل دون ظهير سياسي تستند اليه، واليسار والقوى الديموقراطية لم يحسموا أمرهم بإنحيازهم الكامل الى جانبهم لليوم، وستكون الإنتفاضة معرّضة لإنتكاسات  كبيرة قبل أن تتكلّل بالنصر القادم حتما.  الّا أنّ الجماهير وهي في غمرة نضالها هذا تردّد بشكل غير مباشر كلمات لينين بلغة عراقيّة أصيلة ونابعة من رحم المعاناة التي تعيشها " قدّموا لنا تنظيما من الثوريين، وسنقلب العراق رأسا على عقب". وإن كان وعي الجماهير اليوم ليس كما الأمس، فوعي اليسار والقوى الديموقراطية وهي تعيش حالة إستعادة هذا الوعي أن تكون كما وعي الجماهير  اليوم وليس كما وعيها بالأمس.

من غير الممكن جمع " صيف وشته بفرد سطح " ، فهل يعي اليسار ومعه القوى الديموقراطية هذا المثل.   


زكي رضا
الدنمارك
7/6/2020





   



99
النقد ودوره في بناء عراق جديد


الصراع السياسي في العراق لا علاقة له بالصراعات الفكرية بين أحزاب لها برامج ورؤى مختلفة حول بناء الدولة وشكل النظام السياسي فيه، كون جميع الأحزاب التي تتفق على أنّ ما يجري بالعراق هو عملية سياسية ستتطور حتما في ظل نفس الظروف التي يعيشها البلد منذ الإحتلال الأمريكي لليوم، هي شريكة بشكل أو بآخر في خلق الفوضى التي نعيشها على مختلف الصعد، لأن "العملية السياسية" منذ أن بدأت ولليوم هي في تراجع مستمر لصالح قوى الفساد والميليشيات. وتبقى الحقيقة في أنّ الصراع السياسي في البلد له علاقة مباشرة بصراعات حزبية وتأمين مصالح ساسة ورجال دين ومافيات إقتصادية تحت واجهات وتعريفات مختلفة، وهذا ما يعرفه ويلمسه المواطن المحروم من حياة آدمية لائقة بشكل يومي، ناهيك عن المهتمين بالشأن السياسي من أفراد وأحزاب وتنظيمات.

الصراع بين القوى المهيمنة على السلطة في العراق ليس خصومة فيما بينها أو أداة ووسيلة للنهوض بواقع البلد المتخلف، بل أداة للتنافس على نهب قوت الفقراء بكل السبل المتاحة. ومثل هذا "الصراع" لا يؤدي الى تطور وتقدم العملية السياسية وبالتالي بناء الدولة على أسس متينة وصحيحة، كونه لا يجري بين قوى متناقضة من حيث نظرتها للبلد والشعب ومصالحهما. فجميع القوى التي "تتصارع" علنا فيما بينها نراها تتوصل في "الغرف السرية" الى تفاهمات حول إستمرار "العملية السياسية" كما هي ولتستمر في نفس النهج الكارثي الذي حول البلد الى حطام وحياة الناس الى جحيم.

انّ الذي يؤدي الى تطور العملية السياسية وبالتالي بناء الدولة والمجتمع على أسس صحيحة هو الصراع بين نقيضين، ولمّا كانت قوى المحاصصة غير متناقضة في أهدافها ولا في شكل بناء الدولة والمجتمع كما أشرنا قبل قليل، فأن الحديث عن تطور ما تسمّى بالعملية السياسية في ظلّ هيمنة قوى المحاصصة وأذرعها المسلحّة على المشهد السياسي هو بالحقيقة أضغاث أحلام. إذن ولتتطور العملية السياسية وتتقدم خدمة لمصالح البلد والمجتمع يفترض وجود نقيض سياسي في مواجهة أحزاب السلطة، نقيض يمتلك برامج ورؤى سياسية إقتصادية إجتماعية مغايرة كمّا ونوعا لما تحمله غريمتها في مناح كثيرة، نقيض غير نخبوي يدخل في صراع حقيقي من أجل مصالح الناس والوطن، نقيض يكون سلاحه الفعّال النقد العلني والبنّاء لكل ما تواجهه البلاد والجماهير من خراب على مختلف الصعد. وهذا النقيض عليه أن لا يؤجّل نقد الظواهر السلبية لحين توفر ظروف طرحها، متعللا بعدم نضوج الظرف الموضوعي لمواجهة غرماءه به. وإن كانت الظروف التي يمر بها العراق اليوم غير ملائمة لطرح السلبيات علانية وبجرأة فمتى يكون وقتها إذن؟ هل حينما ينهار المعبد على رؤوسنا ووطننا؟

النقد ليس إثارة للفتنة كما يروّج المتحاصصون اليه في محاربتهم إياه وإظهاره أمام جمهورهم وكأنه وسيلة لسلب طائفتهم أو قوميتهم حقوقها، على الرغم من أنهم اوائل من يغمط حقوق أبناء طوائفهم وقومياتهم، بل وسيلة لتقويم الأوضاع السياسية الشاذّة في البلد والذي يعملون على إستمرارها. ونقدنا يجب أن يكون جريئا وبصوت عال بل وبعال جدا ونحن نواجه هذا الكم الهائل من الخراب والدمار، قبل أن يستفحلا وينتقلا من حالة الى ظاهرة "هي ظاهرة بالفعل اليوم". كما وأنّ النقد ليس أداة للهدم قدر ما هو أداة للبناء علينا التثقيف به وتشجيعه من خلال سلوكياتنا كأفراد وكأحزاب ومنظمات لتقويم ما هو معوج، والا لبقى الأعوجاج على حاله ليسوء أكثر مستقبلا. وحول ضرورة النقد والعمل به يقول لينين "أنّ ماركس برز ثوريّا ينادي بإنتقاد لا هواده فيه لكل ما هو كائن" *

لن يقف العراق على قدميه الا بهدم نظام المحاصصة الطائفية القومية الذي أوقف العراق على رأسه وهو مهمّة الشبيبة الاكتوبرية اليوم، بتحويلهم الأنتفاضة الى شبح يجول أرجاء العراق ليزرع الرعب في صفوف قوى المحاصصة وليهدم أوكار الفساد والخيانة فيه، أنّه وطنكم فلا تبخلوا عليه بشيء وأنتم تخوضون من أجله ومن أجل مستقبل أجيالكم معركة كرامة ووجود.



* ماركس انجلز ، منتخبات المجلد الاول ص 28

زكي رضا
الدنمارك
4/5/2020


100
پيشمرگة، أي پيشمرگة .. حشد، أي حشد..؟


الأمراض التي يعاني منها إقليم كوردستان العراق، هي في الحقيقة  نفس الأمراض التي يعاني منها بقية أرجاء البلد، مع إختلاف بسيط وغير محسوس وهوما يتعلّق بشدّة هذه الأعراض وطريقة تناولها، والتي لا معنى لها "طبيّا" طالما تؤدي الى نفس النتيجة. ومن أشدّ هذه الأعراض تأثيرا هي المحاصصّة الحزبية والطائفيّة، بإعتبارهما الأب الشرعي لجميع الأمراض الأخرى التي دمّرت البلاد.  وبلغة أخرى فأنّ غياب المحاصصة يعني أن لا وجود لأمراض عدّة على رأسها وجود "جيوش" عدّة، وإرادات سياسيّة قادرة على جعل هذه "الجيوش" في مواجهة بعضها البعض حالما شعرت بتعرض مصالحها للخطر، دون الأخذ بنظر الإعتبار مدى الضررالناتج عن هذه المواجهات وإن لم تتطور الى مواجهات عسكرية حقيقية لليوم، كون التراشق الكلامي الذي يستند الى  ظهير مسلّح في بلد مثل العراق يرتبط أساسا بإظهار مبدأ القوّة في فضّ النزاعات، والذي يؤدي بالنهاية الى فرض الأمر الواقع بلغة السلاح.  ولعدم وجود تعريف واضح ومحدّد للجيش العراقي ومهامّه وطريقة إنتشاره على الرغم من تثبيته في المادّة التاسعة من الدستور الذي لم يطبّق لليوم. ، فأنّ الجيوش الرديفة  ونتيجة هيمنتها على القرار السياسي وضربها للدستور حمّال الأوجه متى ما أرادت ، وهي بالحقيقة صاحبة اليد الطولى بالبلد. ستشكّل خطرا كبيرا على السلم المجتمعي إن إصطدمت مع بعضها البعض لأي سبب كان، ومن أهم هذه الأسباب هو تقاطع المصالح بين الدول الراعية لهذه "الجيوش"، ومصالح قادتها وفسادهم وسرقاتهم للمال العام .

لقد إشتعل في الأيام القليلة الماضية خلاف كبير بين الحزبين الحاكمين في إقليم كوردستان العراق حول منطقة ( زيني ورتي)، على خلفية دخول قوات الپيشمرگة الى المنطقة التي يعتبرها حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني من المناطق الخاضعة لحزبه. ما دعا قيادة الإتحاد لإصدار بلاغ  يتهم فيه الحزب الديموقراطي الكوردستاني بمهاجمة القيادة الجديدة للإتحاد الوطني " وفقا لبرنامج مدروس وهذه الهجمات تكرّرت عدّة مرّات ..". كما دعا البلاغ رئيس اقليم كوردستان باعتباره القائد الاعلى لقوات بيشمركة كوردستان "الى اصدار قرار فوري بسحب القوات المستقدمة الى منطقة (زيني ورتي) بناء على المطالب المشروعة لابناء المنطقة وتسليم الاوضاع الامنية الى قوات الامن الداخلي"!! فيما ردّ رئيس الإقليم السيد مسرور البارزاني في بيان  أكد فيه " أن أية قوة لم يتم تثبيتها في المنطقة، عدا قوات البيشمركة"!

السؤال الذي يشغل بال المواطن الكوردي كما يشغل بال المتابع لأوضاع الإقليم والصراعات بين الحزبين الحاكمين التي لم تنته لليوم ولا زالت تهدّد حياة الناس،  يدورحول معنى وتفسير قوات الپيشمرگة المنضوين ضمن تشكيلات وزارة الپيشمرگة، وهل قادة وحدات هذه القوات ومنتسبيها ينفذّون أوامر قياداتهم في الوزارة والقائد العام للقوات المسلّحة بالإقليم دون الرجوع الى قياداتهم الحزبية؟


إنّ رفض الإتحاد الوطني الكوردستاني لتواجد قوّات الپيشمرگة التابعين لوزارة الپيشمرگة في منطقة كوردية تقع ضمن الحدود الإداريّة لإقليم كوردستان العراق، وتأكيد البارزاني من أنّ القوات هناك هي من الوزارة ولا وجود لأية قوّة حزبية فيها. دلالة على إنعدام الثقة بين الطرفين من جهة، وأنّ الپيشمرگة في تلك المنطقة هم پيشمرگة الحزب الديموقراطي الكوردستاني. وهذا يعني أنّ أهم وزارة كوردية والتي تقع على عاتقها الدفاع عن منجزات الشعب الكوردي لا زالت لليوم تحت رحمة المحاصصة كما حال بقية الوزارات هناك علاوة على إنقسامها،  ما يجعل الأوامر الصادرة منها تفسّر حسب المرجعية الحزبية وليس حسب المصلحة العليا للكورد، وهذا يعني أيضا أنّ المواطن الكوردي عليه علاوة على تحملّه الفساد الإداري والبطالة والفقر، أن يسأل السيد البارزاني وقادة الإتحاد الوطني وهم يتحدثون عن وزارة الپيشمرگة أن: أي الپيشمرگة تعنون أيها السادة!؟ وهل الصراع الأخير وليس الآخر بعيد عن تقاسم الثروات بين الحزبين، والتي هي بالأساس تجاوز على حقوق المواطن الكوردي.

الأمر في بلد كالعراق تتحكم فيه العصابات المسلّحة في غياب واضح للدولة وشرعيتها وهيبتها، يدفعنا كعراقيين أن نتساءل حول دور القوّات المسلّحة ووزارة الدفاع العراقية ومدى فاعليتها في كبح جماح الميليشيات المنفلتة. وهذا السؤال يدفعنا الى البحث عن طبيعة القوّات المسلّحة وإستقلاليتها  بعد أن فُرِضَت الميليشيات الشيعية عليها كجزء من تشكيلات مسلّحة مستقلة "تأتمر" بإمرة القائد العام للقوات المسلّحة أي رئيس الوزراء  تحت مسمى الحشد الشعبي " المقدّس". وعندما نقول الحشد فأي حشد نعني، هل قوات المتطوعين إثر فتوى السيستاني والتي تتطورت هي الأخرى الى ميليشيات، أم تلك الميليشيات والعصابات التي كانت تعمل قبل تلك الفتوى وأستغلت الفتوى  لتضفي على نفسها الشرعية وتدخل عالم السياسة وصولا للبرلمان في دورته الأخيرة!؟ وهل القائد العام للقوات المسلحة ولا نقول وزير الدفاع قادر على لجم ميليشيا كالعصائب وحزب الله وغيرهما، وهما يهددان السلم الأهلي بأعمال عسكرية هي على الضد من سياسة البلد العلنية على أقل تقدير؟



تعدد مراكز القوى بالمركز والإقليم حالة مرضية لا يتم الشفاء منها الّا بإستمرار الإنتفاضة الجماهيرية وبناء عراق جديد، على أنقاض طبقة سياسية أشاعت كل أشكال الجريمة منذ أن هيمنت على مقدّرات البلد ولليوم.

زكي رضا
الدنمارك
18/4/2020





101


حكومة مصطفى الكاظمي ميْتة قبل أن تولد


أخيرا تمخّض جبل التحالف الطائفي الشيعي ومعه قطبي المحاصصة الكوردي السنّي وبعد مخاض عسير ومخالف للدستور عن إسم مرشّح لرئاسة الوزراء، إثر إستقالة السيد عادل عبد المهدي تحت الصغط الجماهيري الذي تراجع بشكل مؤقت لشيوع جائحة كورونا، وبعد رفض هذا التحالف لشخصيتين شيعيتين لإختلاف وجهات النظر الإيرانيّة حول مدى كفاءتهما في تحقيق أهدافها بالعراق والمنطقة من خلال أذرعها العسكرية، وليس من خلال برنامجهما الحكوميين ومدى قربها من مصالح الناس وتحقيقها. لقد جاء المخاض بعد أشهر من الإحتقان السياسي بشخصية جدلية هي رئيس جهاز المخابرات العراقي السيد مصطفى الكاظمي، الذي رُفض قبل فترة من ميليشيا حزب الله "العراقي" المدعوم من قبل حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، بعد توجيه أصابع الإتهام إليه في دور ما بإغتيال سليماني والمهندس من قبل المسؤول الأمني في هذه الميليشيا المدعو أبو علي العسكري!!

عملية تمرير ملف الكاظمي لم تنجح الا بعد زيارة قاآني للعراق، وهذا يُثبت من أنّ الجبل لم يتمخّض الا عن شخصية ضعيفة أمام إرادة ولي الفقيه وميليشياته التي تتحكم بمسرح الأراجوزات السياسي بالعراق كما هي العادة، كما وأنّ موافقة إيران عليه تعني تحرّكه أو بالأحرى تحريكه بما يتناغم ومصلحة طهران وليس "العمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها" مثلما غرّد بعد تكليفه في التاسع من نيسان الجاري. علاوة على ذلك فأنّه وعلى الرغم من عدم سعة برنامجه الحكومي من حيث التفاصيل، الا أنّه فتح على نفسه أبواب جهنّم وهو يحدد ثلاث أهداف لن يستطيع إنجاز حتّى نسب بسيطة منها، ما سيجعله أمام تساؤلات لا إجابات لها مستقبلا.

السيد الكاظمي يقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها"، الا أنّه لم يتطرق الى تطلّعات المتظاهرين في إنتخابات مبكّرة والتي أوصلته الى ما هو عليه اليوم، متحججّا بالوضع الصحي بالبلاد وإنهيار أسعار النفط. فماذا لو إستمرت اسعار النفط بالهبوط أو بقيت على ما عليها اليوم، فهل سيلغي الكاظمي مبدأ الإنتخابات بالكامل لأنها تكلّف الدولة مليار دولار كما يقول، خصوصا وأن العراق بلد ريعي ولا يمتلك موارد غير بيع النفط!؟ هنا يكون الكاظمي قد فشل في أولى نقاطه الثلاث.

يعود الكاظمي ليقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق"، فهل الحكومة التي تشكلها وتفرضها طهران التي قبلت به رئيسا للوزراء، فيها شيء من السيادة العراقية ولا نقول الكرامة!؟ كيف ستحفظ حقوق شعبنا ووطننا وهي لا تمتلك القرار السياسي والعسكري، وهل بإمكانه مواجهة زعماء الميليشيات وتدخلات رجال الدين في الشأن السياسي، وهل يستطيع مواجهة قاآني أو أي مسؤول من حزب الله اللبناني ولو عبر الهاتف ليقول لا لما يطلباه!؟

 أخيرا يقول السيد الكاظمي من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تعمل على حل الأزمات، وتدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام"!! هل يعرف السيد رئيس الوزراء المكلّف عمق الأزمات في بلدنا، هل يستطيع جمع السلاح من الميليشيات وحلّها؟ هل يعرف حجم الفساد بالبلد، وهل هو قادر على محاسبة كبار الفاسدين وعدم الإكتفاء بصغارهم، هل بإستطاعته إلغاء المكاتب الإقتصادية للأحزاب السياسية المتنفذّة، هل يستطيع إسترداد الأموال المنهوبة من قبل حيتان الفساد والتي يعرفها جيدا بحكم موقعه؟

 السيد الكاظمي لو إستطعت أن توقف تفريخ الأزمات وليس علاج ما موجود منها اليوم، ستكون حينها قدّمت لشعبنا الكثير. كما وأنّ حكومتك ميْتة قبل ولادتها القيصرية في مشفى طهران.

العمليّة السياسية بالعراق ستظلّ رهن صراعات حزبيّة داخليّا، وصراعات إقليمية ودولية خارجيا. وفي كلتا الحالتين فأنها ستظل في نفس المستنقع الذي تعيش فيه. فلعبة تنصيب رئيس وزراء بالعراق لا علاقة مباشرة لها بالإنتخابات مطلقا، فسواء جرت إنتخابات أم لا وإن كانت الإنتخابات نزيهة أم لا. فأن ما يترشّح عنها لا يختلف بالمرّة عن التي سبقتها أو التي تليها، لأنّ نظام الدولة السياسي مبنى على أساس إستمرار تحكّم الميليشيات والفساد ونهب ثروات البلد.

زكي رضا
الدنمارك
12/4/ 2020
 







102
هل جُنَّ مقتدى الصدر ..!؟


لو أعتبرنا جميع الأفعال والخطب والمواقف المتناقضة لمقتدى الصدر منذ أن أبتليَ به العراق وشعبه، فيها شيء من العقل والمنطق والسياسة بل وحتّى الدين. فأنّ تغريدته الأخيرة والتي يطالب فيها الناس في العالم بأكمله ولمواجهة فايروس كورونا، من السجود لمدّة ثلاثين دقيقة بعد صلاة الجمعة القادمة، تدلّ على أنّ هذا الرجل مريض نفسي.

ففي تغريدته اليوم 7/4/2020، لا يخاطب مقتدى شيعة العراق ولا حتى الشيعة بكل العالم ولا حتى المسلمين، بل يتوهم من أنّه رجل على مستوى عال من الأهميّة على سطح هذا الكوكب، فتراه يخاطب البشر في كل أرجاء الأرض، وبشكل يؤكّد مرضه النفسي حينما يقول " أنا مُلزم أن أبلغكم بأمر لابد من تحقيقه لرفع البلاء"، وكأنّ الله قد أصطفاه من بين الناس أجمعين، ليبلّغهم رسالة تطالبهم بالسجود والتوسّل له والتباكي أثناء الدعاء، لينقذهم "الله" من جائحة كورونا. والكارثة أنّه يريد من الناس أن تضحك على الله، فهو لا يطالبها بالتضرّع لله والبكاء والتوسّل إليه وهو دلالة على اليأس من عجز الأنسان في مواجهة الجائحة وترك الأمر للسماء والله، بل يطالبهم بالتباكي أثناء السجود، متوهّما على ما يبدو من أنّ الله لا يميّز بين البكاء والتباكي كما هو "الصدر"!!. ويبدو أنّ الصدر والذي قضى سنوات طويلة لليوم في الدراسة الحوزية لا يعرف لليوم من أنّ الشخص المتباكي باللغة تعني "تكلّف البكاء ، وتظاهر به" ، فهل يريد مقتدى من الله أن يلبّي دعوات من (يقشمروه) أي يضحكون عليه والعياذ بالله!!

في جانب آخر من تغريدته يعاهد أنصاره وباقي المصلّين في كل أرجاء العالم من أنّه سيسجد مثلهم، وهو يصلّي في مكان سرّي بالنجف الأشرف مع بعض المؤمنين ونيابة عن المؤمنين، وهنا من حقنا أن نتساءل إن كان بين المؤمنين الذين سيصلّون معه، عناصر من جيش المهدي التي قتلت الناس على الهويّة، أو من كتلة الأحرار التي سرقت ما سرقت ، ما دفعه "الصدر" لحرق المراكز التجارية للفاسدين واللصوص منهم، وسجنهم في معتقلات الحنّانة، بإعتباره أكبر من الدولة التي لا تتشكل الا بموافقته!! وهل بينهم من هم في سرايا السلام، الذين قتلوا وأختطفوا وأغتالوا المتظاهرات والمتظاهرين، وآخرهنّ شهيدة ساحة الحبوبي "الملّاية أم عبّاس"؟

إنّ إقامة صلاة الجمعة التي دعا إليها مقتدى الصدر في مكان سري وبصحبة عدد صغير من المصلّين، يتناقض وتغريدته التي أطلقها لزيارة الإمام موسى الكاظم بمناسبة ذكرى وفاته في العشرين من الشهر الماضي، والتي طلب من الناس فيها إتمام الزيارة، والتي ساهمت "الزيارة" بإنتشار الفايروس بشكل أكبر بين الناس.

أنّ العالم اليوم وهو يخوض حربا ضد فايروس كورونا، ليس بحاجة الى "علماء" ورجال دين بل الى عالمات وعلماء في مختبرات الطب ومعامل صناعة الأدوية، العالم اليوم بحاجة الى نصائح من ذوي الأختصاص لتقليل حجم الإصابات على مستوى الكوكب، وليس لنصائح من ملّا أو قس أو حبر أو أي رجل دين آخر. هل يعرف الصدر من أنّ جميع المستشفيات ومراكز الأبحاث الطبية في كل أرجاء المعمورة تعمل كخلية نحل، لمعالجة المصابين بالفيروس والعمل على أنتاج دواء ولقاح له لأنقاذ البشر؟ وهل يعرف من أنّ جميع المساجد ودور العبادة والمراقد في كل أرجاء العالم، بل وحتى بيت الله والقدس والفاتيكان والمسجد النبوي قد تمّ إغلاقها..

الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب (الإمام علي)

زكي رضا
الدنمارك
7/4/2020

103
أربعة عقود على جريمة تهجير الكورد الفيليين



قبل أربعة عقود وفي مثل هذا اليوم الرابع من نيسان 1980 ، بدأ النظام البعثي العنصري الفاشي واحدة من أكبر عمليات التهجير وأقساها في تاريخ العراق والمنطقة بحقّ مكوّن عراقي أصيل ساهم الى جانب باقي مكوّنات شعبنا العراقي، في نضاله من أجل بناء عراق متقدّم تُحتَرمُ في حقوق الإنسان وتُقدّس فيه المواطنة. وقدّم أبناء هذا المكوّن وهم ينخرطون في العمل السياسي من خلال أحزاب وطنية يسارية وقومية كوردية وإسلاميّة، الآلاف من السجناء والمبعدين والمئات من الشهداء بنكران ذات قلّ نظيره. وقد كان لدور الكورد الفيليين في إنتفاضات ووثبات شعبنا العراقي، ومقاومتهم البطولية وهم يقاومون الضباع البعثية دفاعا عن ثورة الرابع عشر من تموز في شباط عام 1963 ، ولموقفهم الرافض للبعث وهو يعود للسلطة من جديد في تموز 1968 . سببا كافيّا ليقوم البعث الفاشي بأوّل عمليات تهجيره في العام 1970 ، والتي لم تكن بوحشيّة هذا الحزب وهو يعود من جديد لتنفيذ المرحلة الثانية من عمليات التهجير التي بدأت عام 1980 وإستمرّت لأكثر من عقد من الزمان. إذ تفتّقت عقول البعثيين الإجراميّة هذه المرّة عن خطط جديدة للإبادة الجماعية، فقام النظام الفاشي علاوة على عمليات التهجير التي طالت الآلاف من العوائل من الكورد الفيليين والعرب الشيعة، ومصادرة ما تمتلكه هذه العوائل من أموال منقولة وغير منقولة ووثائق ثبوتية وشهادات دراسية. بجريمة لازالت العوائل المهجّرة تنتظر إجابات حولها، الا وهي تغييب الآلاف من الشابّات والشبان الكورد الفيليين.

لقد كان الرأي العام الكوردي الفيلي وحتّى إنهيار النظام البعثي، لديه بصيص أمل في أن يكون أبناءه على قيد الحياة في سجون ومعتقلات الفاشيّة، أو على الأقّل كان يُقنع نفسه في أن يكونوا على قيد الحياة. لكن وما أن أنهار النظام الدموي في نيسان 2003 ، حتّى بدأت الآمال تتلاشى ليحل محلّها اليأس الذي لفّ حياتهم ولليوم. لكن الأقسى كان في الطريق وسلطة المحاصصة تبدأ بكشف مقابر جماعية للشيعة والكورد في مختلف مناطق العراق الصحراويّة، كان الوضع ولا يزال مأساويا وقاسيّا لأن السلطة التي نجحت في كشف المقابر الجماعية التي تخصّ أبناءها، فشلت في العثور على قبر واحد وليس مقبرة جماعية للكورد الفيليين!

قبل أسابيع من اليوم، كشفت سلطة المحاصصة والفساد عن طريق مؤسسة الشهداء من أنّه تمّ العثور على مقبرة جماعية لشهداء الكورد الفيليين، هذا الإكتشاف الذي جاء متأخرا جدا منح مع ذلك شيء من الأمل للعوائل الكوردية الفيلية في أن تدفن عظام شهدائها بشكل لائق. الا أنّ أملها هذا إصطدم بتصريح رئيس هذه المنظمة الفاسدة كما فساد السلطة، والذي صرّح من أنّه سيتم فتح المقبرة "حال توفر التخصيصات المالية اللازمة لذلك"!!

السلطة التي نهبت مئات المليارات من قوت شعبنا خلال سنوات حكمها العجاف، لا تمتلك أموالا لفتح مقبرة جماعية لمكون إنتظر 40 عاما ليسمع بهذا الخبر ويشهد هذا الحدث، مؤسسة الشهداء الغارقة في فسادها وموظفيها الفضائيين لا تمتلك هي الأخرى التخصيصات المالية الكافية لفتح هذه المقبرة، الأحزاب الشيعية التي كان الفيليون يتقاسمون معها رغيف الخبز في المنافي القسرية لا يمتلكون الأموال التي من الممكن تخصيصها لفتح هذه المقبرة، المرجعية الدينية التي كان التجار الكورد الفيليون يمدونها بخمسهم وزكاتهم وتبرعاتهم قبل أن تهيمن على خزائن العراق بوصول الشيعة للسلطة لا تمتلك هي الأخرى المال الكافي لمساعدة الكورد الفيليين في فتح السلطات لمقبرة يتيمة تمّ إكتشافها!! فهل كل هؤلاء لا يملكون أموالا بالفعل، أم أنّه نكران متعمّد لدور هذا المكون كونه كوردي، على الرغم من شيعيّته.

أن لا يمتلك كل من ذكرناهم أعلاه أموالا تُخصّص لفتح هذه المقبرة، أو التهرّب من تخصيص هذه الأموال وهو الأقرب الى الحقيقة. فأنّ تجاوز سلطة إقليم كوردستان لهذا الأمر وصمتها حول تصريح رئيس مؤسسة الشهداء، وعدم تكفّلها ماليا وتقنيا في فتح هذه المقبرة. يضع حكومة الإقليم أمام الف سؤال وسؤال، أوّلها هل نحن كورد؟ وهل ناضل المئات من شبابنا في تنظيماتكم وقدّموا حياتهم وزهرة شبابهم في الجبال؟ هل ساهم التجار الكورد الفيليون في مدّ الثورة الكوردية بالمال والرجال؟ وآخرها هل حقيقة لا تمتلكون أنتم كما الشيعة اموالا لفتح المقبرة!؟

المجد لشهداء الكورد الفيليين وشهداء المقابر الجماعية
الذكر الطيب للأمهات والآباء الذين رحلوا دون أن يجلسوا الى قبور أبناءهم
المجد لشهداء الوطن
الخزي والعار لبعثيي الأمس واليوم من أحزاب سلطة المحاصصة الفاسدة
زكي رضا
الدنمارك
4 / 4 / 2020








104
"ليست الحريّة مائدة تهبط من السماء على طالبيها"

يحتفل الحزب الشيوعي العراقي هذا العام بالذكرى السادسة والثمانون لتأسيسه، فيما العراق كما بلدان العالم المختلفة يمرّ باوضاع بالغة الدقّة، لكنّ السؤال الذي علينا طرحه على أنفسنا اليوم هو: متى كان العراق لا يمرّ بأوضاع بالغة الدقّة؟ وما هو السبيل لتحرير العراق من آثار الأنظمة الدموية والفاشية التي مرّت على حكمه ولازالت؟

منذ تأسيسه في الواحد والثلاثين من آذار 1934 ، ظلّ الحزب يعيش ظروفاً معقّدة، هي في الحقيقة إنعكاس لظروف البلد والمنطقة والعالم. وكانت المشاكل التنظيمية للحزب هي الاخرى في مدّ وجزر، ويبدو أنّها كانت بإنتظار شيوعي قادر، على قيادة مركب الحزب ليعبر به أمواج الأوضاع السياسية والتنظيمية المعقّدة، ولم يكن هذا الرفيق سوى فهد.

لم يتبنّى الحزب شعار "وطن حرّ وشعب سعيد" وهو شعار الحزب الشيوعي السوري الّا بعد إنتهاء أعمال الكونفرنس الحزبي الأوّل عام 1944، ويبدو أنّ الحريّة والتي هي مفتاح سعادة الشعوب في كل الأزمنة، كانت تشغل بال الرفيق فهد وهو يرى أوضاع الجماهير والفلاحين البائسة وهي تعيش ظلم الحكومات والإقطاع، وقد جعل فهد هذا الهدف من صلب عمل الحزب ورفاقه.

يبدو أنّ أحداث العراق السياسية منذ ذلك الحين ولليوم أثبتت صحّة ربط فهد مفهوم الحريّة عند شعبنا بالشيوعيين العراقيين ونضالهم الواعي والمستمر وليس غيرهم، فالآخرون وهذا ليس إنتقاصا من القوى السياسية القومية والدينية التي قادت وتقود البلاد اليوم، لا يستطيعون الإستمرار بالسلطة والهيمنة وشعبنا يعرف معنى الحريّة، فالحريّة عند الشيوعيين هدف يتقدمون الجماهير لتحقيقه، والحريّة عند القوى السياسية الأخرى بداية لمشاكل لا نهاية لها لهم، لذا نراهم يعملون على وأدها بمختلف السبل، وقمع إنتفاضة أكتوبر وشيطنة المنتفضين، ليست سوى بابا واسعا لإستمرار العبودية الدينية والطائفية والقومية، وبالنهاية مصادرة الحريّة كليّا.

لكنّ الرفيق فهد وهو يربط النضال من أجل الحريّة بالشيوعيين، فأنّه حدّد صفات الشيوعي التي عليه التحلّي بها، وهو يتحمل هذا المهمّة كواجب وطني نذر نفسه من أجلها. ففي مقالة له تحت عنوان "ليست الحريّة مائدة تهبط من السماء على طالبيها" نُشِرت في العدد السادس من جريدة القاعدة في تموز 1943 ، كتب يقول: "أنّ كلا من إسم شيوعي، تقدمي، ديموقراطي، وطني، ليس لقبا يمنحه الشخص لنفسه، أو تطلقه جماعة من الناس على نفسها، بل أنّ هذه الأسماء صفات لأشخاص ذوي جرأة وتفكير سليم، يناضلون ويضحّون في سبيل ما يؤمنون به".

أنّ حزبنا الذي يحتفل اليوم بذكرى تأسيسه وإنتفاضة شعبنا تشّكل علامة بارزة في طريق الحريّة التي نادى بها الرفيق فهد، عليه العودة الى تراث فهد الثر وهو يقول "علينا أن نقدّر تقديرا صحيحا القوى التي تحاربنا"، كما وعلينا ونحن وشعبنا نواجه آلة الموت والفساد السلطوية التي دمّرت شعبنا ووطننا، أن نقدّر تقديرا صحيحا موقفنا من القوى التي لبست لبوس الوطنية، لتنقلب على الجماهير كالذئاب الكاسرة قتلا وإغتيالا وخطفا ، ونعلن موقفنا منها بشكل علني. لأن من أولى واجباتنا والتي كانت واجبات الحزب حينما كتب الرفيق فهد قائلا "توحيد صفوف جميع المواطنين العاملين الذين يريدون أن يعملوا على إسعاد وطنهم، النضال من أجل الحريات الديموقراطية ومن أجل خبز الناس ورفاههم"، هو دعم الجماهير ومساندتها والعمل معها لإنقاذ شعبنا ووطننا من شرور نظام العصابات المتحاصصة التي تشّكل أكبر الأخطار على مستقبليهما.

أخيرا لنعود الى الرفيق الخالد فهد وهو يقول"نحن نكافح - في سبيل من وضد من نكافح"

المجد للحزب الشيوعي العراقي وهو يجدد شبابه في ذكرى تأسيسه
المجد لقوافل شهداءه وهم يبذلون إغلى ما يملكون في سبيل تحقيق آمالهم في عراق حر وشعب سعيد
كل التحايا لرفيقات ورفاق الحزب في تنظيماته المختلفة
كل التحايا لرفيقات الحزب ورفاقه من الذين هم خارج صفوف الحزب

زكي رضا
الدنمارك
28/3/2020


105
تبرعات سخيّة للشعب العراقي

والعالم يعيش أسوأ وضع صحي له منذ ما يقارب القرن، ونتيجة لعدم قدرة القطّاع الصحي العراقي المتخلف من أستيعاب الأعداد الكبيرة للمرضى حينما يصل الوباء الى أعلى مستواياته عالميا وعراقيا  خلال الأسابيع القادمة وفق توقعات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحّة العراقية، ولضعف الإقتصاد العراقي الذي يعتمد على تصدير النفط الذي فقد الكثير من أسعاره في الأسواق العالمية،  من تلبية حاجات المجتمع وعلى الأخص الفقراء والعاطلين عن العمل.  فأنّ الأنظار تتجه ولفشل الدولة في إمكانية تجاوز هذه المرحلة نتيجة خواء الميزانية الى حملة التبرعات التي نظّمتها بعض المؤسسات الخيرية وبالتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني واللجان الإقتصادية  للأحزاب  السياسية  والوقفين الشيعي والسنّي ومؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية، وإدارات المراقد المقدسة  الشيعية والسنّية ، وتبرعات المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، علاوة على الشخصيات السياسية  والبرلمانية وكبار رجال الأعمال والتجّار الذين أبدوا إستعداد لا مثيل له للمساهمة في هذه الحملة الوطنية.

ففي مؤتمر صحفي بُثَّ على الهواء بشّر منظمي هذه الحملة جماهير شعبنا، بتوفير نسبة كبيرة جدا من إحتياجاته في هذه الفترة الحرجة التي نعيشها ومعنا العالم بأكمله. وهذا يؤكّد الروح الوطنية العالية التي يتحلّى بها كل المتبرعين وهم يعملون على توفير ما يمكن توفيره للفقراء والعاطلين من أبناء هذا البلد المعطاء.

فقد أعلنت اللجنة المنظمة لهذه الحملة، عن  تخصيص رواتب ثابتة للأشهر الثلاثة القادمة للعوائل المتعففة ودفع بدلات إيجار دورهم وإعفائهم من تسديد قسائم الماء والكهرباء، وتعويض العاطلين عن العمل لنفس الفترة. كما قررت اللجنة دفع بدلات إيجار أصحاب المحال والورش الصغيرة والمتوسطة التي تضرّرت وستتضرر نتيجة إغلاق أبوابها لحين عودة الحياة الطبيعية للبلاد. كما ستقوم اللجنة وبإشراف مباشر منها بإستيراد أجهزة طبية ومنها أجهزة التنفس وأجهزة الكشف عن فايروس الكورونا، في المستشفيات القائمة وتلك التي ستبنيها على وجه السرعة  حتى نهاية الاسبوع القادم. كما قدّمت اللجنة المنظمّة شكرها وتقديرها العميقين لمؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية المطهرّة لوضعها جميع إمكانياتها ومنها مستشفيات الكفيل تحت إدارتها لخدمة المرضى مجانا.



في جانب آخر من المؤتمر الصحفي وعلى الرغم من رفض المتبرعين إعلان ما تبرعوا به تيمنّا بالآية القرآنية الكريمة "( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم )، الا أنّ منظمي الحملة ولغرض دفع آخرين للإنظمام الى حملة التبرع هذه قامت بتوضيح بعض الأمور دون التطرق الى الأرقام، مكتفية بالرقم النهائي والذي تجاوز التسعين مليار دولار. وممّا قامت اللجنة بتوضيحه  وإعلانه كان: تبرع اللجان الإقتصادية للأحزاب السياسية بنسبتها من عمولاتها في مشاريع ست وزارات للأعوام الخمسة الماضية والتي تقدّر بعشرة في المئة من كل مشروع تنفّذه الوزارة أو تمنحه لجهة ما لإستثماره. أمّا الوقفين الشيعي والسنّي فقد تعهدا بدفع كل ما دخل خزنتيهما من الأموال التي خصصتها لهما الدولة خلال السنوات السبع الماضية، مضافا إليها بدلات الإيجار والإستثمار لعقاراتهما لنفس الفترة، مع وعد بتحويل المساجد والجوامع والحسينيات الى مستشفيات ميدانية وتحت إدارة المؤسسات الصحية العراقية. فيما تعهدت مؤسسات الكفيل بتوفير وجبات طعام للفقراء والمرضى والكوادر الطبية العاملة في مختلف المستشفيات بعموم البلاد، وفتح مستشفياتها أمام المرضى بشكل مجاني وتحويل فنادقها الى مستشفيات مؤقتة ووضعها تحت تصرف المؤسسة الصحية أيضا. فيما تعهدت إدارات المراقد الشيعية والسنّية على تحويل الأموال التي جنتها من المواطنين على شكل نذور وتبرعات وللسنين العشر الأخيرة الى الدولة العراقية للتصرف بها بما يخدم الصالح العام. وكان موقف المرجعية هو الأكبر والأكثر شعورا بما يمر به شعبنا ووطننا في ظل هذه الظروف العصيبة، فقد أعلنت المرجعية وعن طريق الشيخ مهدي الكربلائي، عن وضع كل أموال الخمس والزكاة تحت تصرف حكومة تصريف الأعمال  برئاسة  السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي،   بما يساهم بالتخفيف من أعبائها وهي تواجه هذا الموقف العصيب..   

فجأة أيقظتني إبنتي الصغيرة من النوم لأخرج معها في نزهة صباحية كونها حبيسة المنزل لتعطيل المدارس  للحد من إنتشار فايروس الكورونا، فطالبتها بمنحي عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي. وفي هذه الدقائق راجعت نشرات الأخبار للتعرف أكثر على هذه الحملة الوطنية الكبيرة، الا إنني تفاجئت بعدم ذكرها في أي خبر وعرفت من أنّ الأمر لم يكن سوى حلما.  وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سوى حلما الا أنني شعرت به وكأنه كابوس، خصوصا وأنّ الأموال التي كانت ستكون تحت يد عادل عبد المهدي وفريقه الحكومي سيكون مصيرها كما مصير مصرف الزوية.
زكي رضا
الدنمارك
20/3/2020
 





106
خيانة العراق في زمن الكورونا


سيظل التاريخ عاجزا عن تكرار تجربة خيانة بلد ما من قبل "أبناءه" كما خيانة الأحزاب والمنظمات الإسلامية للعراق، وإن كرّر التاريخ من خلال صدفة ما نفس التجربة في بلد غير العراق، فأنّ تلك التجربة بشخوصها وأحداثها سوف تنحني أمام تجربة الإسلاميّين الشيعة وتفتتح المعاهد الأكاديمية لتتعلم منهم فنّ الخيانة والذلّ.

فايروس الكورونا هو القشّة التي قصمت ظهر البعير، المكسور أصلا قبل أن يزورنا هذا الضيف القاتل. هذا الضيف الذي تمنع جميع الدول التي تحترم نفسها ، من دخوله أراضيها بمختلف السبل المتاحة، وأوّلها غلق حدودها أمام حركة النقل والمسافرين، كما وأنّها تسخّر كل إمكانياتها المالية والبشرية للحدّ من إنتشاره بين شعوبها.

سلطة العار والخيانة في بغداد لا تبدو عاجزة فقط عن الوقوف بوجه هذا الوباء ولو بالحدّ الأدنى، بل أنّها تصرّ على أن يكون موقفها منه من نوع التراجيديا المضحكة المبكية. فالعصابات الحاكمة بإسم الدولة والتي هي أساسا الدولة العميقة المسؤولة عن كل الخراب الذي حلّ ويحلّ بالوطن منذ أن وصلت للسلطة على ظهر الدبابة الأمريكية، ليست سوى عصابات تأتمر بإمرة ولي الفقيه في طهران. لذا نرى أنّها وعلى الرغم من تفشّي الفايروس بشكل مخيف في بلدها الأصلي (إيران)، فأنّها ولعداءها الغريب للشعب العراقي وكأنّ لها معه ثأر قديم، ترفض غلق الحدود معها. فالرحلات الجوية بين البلدين لازالت مستمرة، ومنها على ما يبدو تلك الرحلات المشبوهة التي تقوم بنقل الأسلحة والمعدات العسكرية للعصابات التي قصفت مؤخرّا معسكر التاجي في يوم ميلاد قاسم سليماني، فهل شعبنا وبلدنا مسؤولان عن تقديم هدايا عيد الميلاد لسليماني!؟

أكثر من ترليون دولار دخلت الخزينة العراقية منذ الإحتلال لليوم، ووزير الصحة العراقي يقول أنّه طلب من سلطة العصابة خمسة ملايين دولار لمواجهة الفايروس، إلا أن الحكومة أعطته (الأذن الطرشة) كونها لا تمتلك هذه المبلغ البسيط على ما يبدو، أو أنّها لازالت تبحث عن مخارج قانونية لتحويل المبلغ! السيد الوزير هو اليوم بوقا للكذب كمّن أستوزره ، بغضّ النظر عمّن أستوزره إن كان "عراقيا" أم إيرانيا. فالسيد جعفر علّاوي فاشل في تسويق كذبة نصدقها وفق المثل البغدادي الذي يقول (الكذب المصفّط أحسن من الصدگ المخربط)، فتراه يقول : بعدم وجود إمكانية (لدى العراق) لمواجهة فيروس كورونا في حال إنتشاره (بالعراق)، ليعود بعدها مباشرة ليقول: إننا نعالج المصابين بحبوب أثبتت نجاحها!! لكنه وعلى الرغم من بؤس منطقه وحججّه نراه كما رجال الدين يبيع لشعبنا الآمال فتراه يقول مؤكدّا: أنّ الفايروس لا يعيش في درجات الحرارة العالية!! ولكي يزداد طيننا بلّة نراه يذهب لرجل دين يستنجده في إقناع السلطة بمنحه الخمسة ملايين دولار التي طلبها!! في الوقت الذي ترصد فيه الأردن الفقيرة قياسا بالعراق 705 مليون دولار لمواجهة آثار الفيروس القاتل، فيما رصدت مصر ذات المئة مليون نسمة والفقيرة بمواردها 6.38 مليار دولار لمواجهة تداعيات الكارثة، فماذا في جعبة لصوص الخضراء لمواجهة هذا الفيروس القاتل!؟

كل الدلائل تشير الى عجز سلطة العصابة في مواجهة هذه الكارثة، فهذه السلطة المشغولة بإنتخاب رئيس وزراء وفق مقاسات إيرانيّة كما إنشغالها بكيفية تجاوز إيران للمصاعب التي تواجهها، لا تملك أحتياطيا ماليا لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية، خصوصا وأنّ أسعار النفط قد خسرت لليوم ثلث قيمتها والقادم سيكون اسوأ بالتأكيد في حال إستمرار الوباء على المستوى العالمي لأشهر قادمة وهو ما يتوقعه العلماء. كما وأنّ العراق في عهد هذه العصابات يفتقر الى مستشفيات ومراكز صحية وبنى تحتية قادرة على مواجهة الفايروس إذا ما أنتشر ببلدنا كما هو الحال في إيران مثلا.

علينا أن ننتظر أياما حالكة خصوصا وأنّ رجال الدين لازالوا يؤمنون بأن الدعوات وزيارات الأضرحة المقدسة هي العلاج الشافي في مواجهة الفايروس، على الرغم من أن بيت الله نفسه قد تم إغلاقه، فهل أئمة الشيعة أكثر قدسية من الله!! على السلطة إن كان فيها رشيد لليوم، أن تقوم بالحجر على كل رجال الدين الذين يروجون لمثل هذه الترهات ومنعهم من إقامة الصلوات والإجتماعات، وملاحقتهم قانونيا في حالة تحريض الناس على إقامة أي نشاط ديني في ظل هذه الظروف العصيبة.


زكي رضا
الدنمارك

17/3/2020


107
شيعة العراق بين بذاءات البعث ومعمّمي الطائفة


لم يألوا زعماء الأحزاب والميليشيات الشيعية وجيوشهم الألكترونية جهدا، في سبيل شيطنة إنتفاضة شعبنا منذ إنطلاقتها في الأوّل من أكتوبر العام الماضي ولليوم من أجل إنهاء هذه الإنتفاضة أو أحتوائها. فعلاوة على إستخدامهم مختلف أساليب القمع التي أدّت الى إستشهاد المئات وجرح الآلاف وخطف وتغييب العشرات من المتظاهرات والمتظاهرين السلميين والناشطات والناشطين، نراها تعمل جاهدة على إلصاق تهم غير أخلاقيّة بحق هؤلاء الشباب وتجمعاتهم في سوح الإعتصام من أجل كسر شوكتهم وتأليب جماهيرهم غير الواعية بحراك شعبنا ضدّهم. ولفشلهم في مساعيهم الدنيئة هذه، إنظمّت إليهم شخصيّات من فئة أخرى لا تقلّ عنهم وحشية وقسوة ودناءة على الرغم من موقعهم الديني الذي يحتّم إنتخاب الموعظة في مخاطبتهم للجمهور وليس التهم غير الأخلاقيّة التي لا يقبلها عقل ولا ضمير، وهنا نعني فئة المعمّمين. هذه الفئة التي دخلت على خطّ معاداة شعبنا بتبنّيها تهم الساسة والميليشياويين غير الأخلاقيّة بحق المنتفضين وتسويقها من على منابرهم أو عبر تغريداتهم بحجّة الدفاع عن القيم والأخلاق. وكأنّ الإختلاط بين الجنسين في التظاهرات من أجل غد أجمل لعراقنا المبتلى هو خروج على قيم شعبنا وأخلاقه ودينه، والإختلاط بين الجنسين في المزابل نتيجة فساد السلطة وحماتها من بعض رجال الدين هو الدين والأخلاق والقيم بعينها!!

لقد تجاوز بعض رجال الدين في معرض دفاعهم عن السلطة الفاسدة كفسادهم ،على المتظاهرين بشكل وقح وغير أخلاقي، فنرى بعضهم يحلف بأغلظ الإيمان منّ أنّ للسلطة تسجيلات وأفلام عن ظواهر اللواط والدعارة وتعاطي المخدّرات، لكنّه ومعه السلطة بكل ما تملك من قوى لليوم فشلت في تسجيل حالات تحرّش داخل ساحات التحرير في عموم البلد. وهناك من لم يجد أي أثر للخمر والمخدّرات والدعارة واللواط، عندما كان أنصاره يعيشون مع المنتفضين في خيام الثورة، الّا أنّه وجدها ما أن ترك أتباعه الثورة لينتقلوا الى الخندق المعادي لها مباشرة!!

هؤلاء جميعا ولمّا كانت الإنتفاضة خرجت من رحم معاناة الأغلبية الشيعية في الوسط والجنوب كجزء من معاناة شعبنا بأكمله، فأنّهم يوجهون سهام إتهاماتهم وحقدهم على هذه الأغلبية الشيعية. وهنا تحديدا يركبون مع البعث الفاشي نفس المركب الذي يمتاز بكل ما هو غير أخلاقي وفاسد ومجرم. هؤلاء المعمّمين ومعهم زعماء الأحزاب والميليشيات الشيعية، يعيدون الى أذهاننا تلك البذاءات التي جاء بها أولاد الأزقّة الخلفية وهم يوجهون تهم تليق بهم وحدهم للشيعة كطائفة، بعد إنهيار إنتفاضة آذار المجيدة سنة 1991 ، مستخدمين عبارات لا يليق بنا طرحها هنا، على عكس المعمّمين الشيعة وهم يطرحونها من على منبر الإسلام!!

في سلسلة مقالات لجريدة الثورة البعثية بعد إنهيار الإنتفاضة الآذارية، خرجت علينا تلك الصحيفة بمقالة تحت عنوان "التعصب الشيعي فساد أخلاق أهل الهور"، والتي جاء فيها "إن هذا الصنف من الناس بوجه عام، كان مركز إيواء ونقيضة غير شريفة لعناصر الشغب والخيانة التي اجتاحت جنوبي العراق ومن الفرات الأوسط في الأحداث الأخيرة، وإذا ما عرفنا كل هذا وغيره كثير، وعرفنا أن بعض هذا الصنف من الناس في أهوار العراق هم من أصول جاءت مع الجاموس الذي استورده القائد العربي محمد القاسم من الهند. وعرفنا أن من أبرز عاداتهم سرقة ممتلكات الخصم عندما يتخاصمون، وحرق دار القصب التابعة لمن يتقاضون منه أو يتنازعون معه، سهل علينا تفسير الكثير من ظواهر النهب والتدمير والحرق والقتل وانتهاك الأعراض التي أقدم عليها المجرمون المأجورون" (*).

لو عدنا الى التهم التي يوجهها زعماء الأحزاب والميليشيات وبعض المعمّمين للمنتفضين اليوم وغالبيتهم العظمى هم من الشيعة، لرأينا أنّها نفس التهم التي كان البعث يوجهها للمنتفضين في الجنوب وقتها وغالبيتهم من الشيعة أيضا. الا أنّ الإسلاميين وفي الحقيقة تجاوزوا البعثيين في أخلاقهم الرثّة، في أنهم أضافوا تهم أخرى كالمخدرات اليها، والتي يبدو ان البعثيين كانوا سيكيلونها هم ايضا للمنتفضين وقتها لو كانت اي المخدرات متوفرة كما اليوم في عهد العراق الإسلامي.


(*) جريدة الثورة، العدد الصادر يوم 5 نيسان 1991.


زكي رضا
الدنمارك
17/2/2020
 


108
فهد في سؤال وطنّي عراقّي

لم يكن الحزب الشيوعي العراقي يوما بخيلا في تقديمه الشهداء من أجل قضية وطنه وشعبه، بل قدّم في سبيلهما قوافل من الشهداء، وقوافل من السجناء الذين حوّلوا السجون الى مدارس للوطنية والنضال. بل ذهب الحزب وهو يستلهم تراثه من إرث وطني مفعم بنكران الذات من قادته الأماجد وعلى رأسهم الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف ( فهد)، الى أبعد كثيرا من قدسية المبادئ التي يؤمنون بها حينما قال مؤسسه الخالد فهد وهو يواجه جلّادي شعبنا "  لقد كنت وطنيا قبل ان اكون شيوعيا، وعندما صرت شيوعيا صرت اشـعر بمسـؤولية اكبر تجاه وطني".

الموقف الوطني هذا ترجمه الرفيق الخالد فهد قبل توجهه الى ساحة المتحف، وكأن التاريخ يريد تخليده والعراق من خلال المتحف العراقي الذي يعني خلود العراق، ليقول لحارس السجن وهو يقيّد قدميه بالحديد  قبل إعدامه: إن كانت أية مظاهرات قد خرجت الى الشوارع ذلك اليوم أو اليوم الذي سبقه"، ليجيبه الحداد "لا"!!. فهل كانت تلك اللا التي خرجت من فم الحارس في ذلك الفجر الشباطي البارد هي نافية جازمة، وهل كانت نهاية أحلام وآمال فهد الحالم بوطن حرّ وشعب سعيد .. ؟

سبعة عقود وعام واحد مرّت في تاريخ العراق، وهي تحمل وزر السلطات والحكومات التي أذاقت شعبنا ووطنا الذل والجوع والتبعية، سبعة عقود وعام واحد مرّت والعراق أشبه بسفينة  لا قرار لها وهي تمخر عباب بحار الموت والظلام.  سبعة عقود وعام واحد وهو يخرج من  شباط  دام ليدخل شباط دام ليعيش شباط دام، والفرق بين شباط وشباط هو الفارق الزمني فقط، بعد أن عاش العراق شباط ملكي، وشباط بعثي، وشباط إسلامي، شباط اللعين الذي قاسمه المشترك هو الموت الذي يزرعه الجلّادون في أرض العراق، الموت الذي يحصد أرواح  عاشقي الوطن والمضّحين في سبيله.

أيّها الرفيق الخالد فهد، اليوم أجابت نساء العراق وتلاميذه وشبابه على سؤالكم، اليوم غيّرت الجماهير صفة شباط، من شهر للموت الى شهر للحياة وإن مارس الإسلاميّون هواية القتل كما البعثّيون والملكيون. اليوم خرجت نساء العراق ليكذّبوا ذلك الحداد الذي قيّد قدميك وأنت تتوجه بخطى ثابتة الى أرجوحة الأبطال. اليوم وقبله وقبله ومنذ الأوّل من أكتوبر العام الماضي  خرجت الجماهير أيّها القائد الظافر في تظاهرات صاخبة، لترسم خارطة جديدة للوطن. اليوم تعيد إنتفاضة شعبنا  لك ولرفاقك وهم يعتلون المشانق حلمهم ببناء عراق معافى، اليوم حوّلت الجماهير وهي تقاوم آلة الموت الإسلاميّة، حلمكم الى حقيقة.

العراق اليوم أيّها الخالد فهد، هو ليس عراق الأمس. عراق اليوم، عراق تبنيه سواعد شابّات وشبّان يشعرون بمسؤولية كبرى تجاه وطنهم، وطنهم الذي يقامر به الإسلاميّون في بورصة طهران.. 

سبعة عقود وعام وأنت تسأل سؤالك الذي أجابت الجماهير عليه اليوم، ليست بالفترة الطويلة في حياة شعبك، لكنّها كلّفتنا الكثير..

إرقد بسلام حيث أنت أيها المعلّم الأوّل، فشعبنا بدأ خطواته المتسارعة لبناء وطن كنت تحلم بأن تراه حرّا، وشعب كنت تحلم بسعادته.

المجد لشهداء الحزب الشيوعي الأماجد
المجد لشهداء إنتفاضة أكتوبر المجيدة
العار كل العار لقتلة الأمس واليوم

زكي رضا
14/2/2020



109
البعثيون والصدريون وجهان لشباط أسود واحد


في كتابه الثامن عشر من برومير يقول كارل ماركس "إنّ التأريخ يعيد نفسه مرّتين مرّة على شكل مأساة ومرّة على شكل مهزلة"، وكان يردّ وقتها على مقولة هيغل التي تقول "أن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول". ووفق قراءة ماركس هذه فأنّ غياب الوعي إجتماعيا هو من يكرر الأحداث الكارثيّة، وبالتالي ينتج أحداث تاريخية متكررة مرّة كمأساة ومرّة كمهزلة وهكذا. وغياب الوعي العلمي يفسّره العالم البرت آينشتاين في قوله "الغباء هو فعل نفس الشيء مرّتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة". ولمّا كانت الماركسيّة علما يعتمد على المنهج الجدلي والبحث، فأنّ تكرار أي حدث تاريخي في بلد ما مرّتين، هوعبارة عن مأساة ومهزلة. وعلميّا فأن الوصول الى نفس النتائج في بحث علمي بالإستفادة من نفس الأدوات ، يعتبرغباءا إذا كان الهدف الحصول على نتائج مختلفة وهو ما أشار إليه آنشتاين.

لو أخذنا كارثتي الثامن من شباط البعثية سنة 1963 وكارثة الأوّل من شباط الصدرية سنة 2020 كمثال فأنّ التاريخ بالفعل يعيد نفسه وفقا لقراءة كارل ماركس مرّتين، لكن على شكل مأساة في الحدثين. ففي الثامن من شباط 1963 أدخل الحرس القومي البلاد في نفق مظلم، وليبدأ حينها العدّ التنازلي لدمار الدولة والمجتمع. وفي الأوّل من شباط 2020 وضع الحرس الصدري البلاد على كفّ عفريت، ما ينذر بحرب أهلية قد تنهي ما تبقّى من بلد أصبح بفعل الشباطيون السابقون والجدد مجرّد أطلال. وفي الحالتين لم يكن خطاب الشباطيون وطنيا بالمرّة وإن تشّدقوا بها، فالبعثيون رهنوا كل شيء في "وطنهم" من أجل معركة العروبة وفلسطين، والصدريّون رهنوا كل شيء في "وطنهم" من أجل مصلحة إيران، وليكن العراق وشعبه كبش الفداء لسياساتهم الكارثيّة.

أدوات الشباطيون السابقون كانت المؤسسة الدينية والقوى القومية الكوردية والرجعية العربية وبقايا الإقطاع الممثّلين بالمؤسسة العشائرية وإيران الشاه ومخابرات دول إقليمية ودولية، وأدوات الشباطيون الجدد هي نفس الأدوات السابقة دون أيّ تغيير سوى تخلّي الزيتوني عن لباسه لصالح العمامة. فهل هناك أمل بالحصول على نتائج مختلفة قد تساهم ببناء البلد!؟

إنّ الصدام الذي سيحصل بين المنتفضين وقوى الرِدّة الإسلاميّة التي يقودها الصدر وتياره، هو ليس صداما بين طبقات إجتماعية مختلفة ولا صراعا إقتصاديا بين طبقات متصارعة ومتناحرة. بل هو صدام بين أبناء طبقة واحدة تقريبا، طبقة لا تمتلك من ثروات وطنها شيئا وتعيش على هامش الحياة فيه، طبقة ترى وطنها يضيع منها كلمّا إستمرّ الشباطيون بالسلطة، وهذا ما دفعها للخروج ضد واقعها المزري بحثا عن حياة أفضل لها ووطنها. فالصدام اليوم ونحن نرى الشباطيّون "طالبي" الإصلاح يهاجمون بأسلحتهم المختلفة المنتفضين العزّل كما شباطيّوا غدّارة البورسعيد، هو صراع بين وعي غائب عند الصدريين، ووعي متقدم عند المنتفضين. والوعي المتقدّم للمنتفضين سيمنع بالضرورة تكرار تاريخ شباط مرّتين، فهل يعي الصدر حجم جريمته وهو يضع بيض "بلده" بأكمله في السلّة الإيرانيّة؟

إنّ العراق هو الورقة الأقوى إيرانيّا في حالة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فبقاء العراق ضمن الهيمنة الإيرانية لحين حلّ مشاكلها مع أمريكا يعتبر خيارا ستراتيجيا لها. ومقتدى الصدر هو الرجل الأقوى شيعيا من حيث ثقل جماهيره غير الواعية وإنصياعها له، والذي يعتبر البيدق الأقوى في مواجهة الإنتفاضة التي تؤرق عمائم قُمْ. لذا فأنّ هجوم الحرس الصدري على ساحة التحرير، وتهديدات مقتدى للمنتفضين والإنتفاضة، هو صراع إيران من أجل البقاء ليس الّا. فرحيل الطغمة السياسية الفاسدة، وتشكيل حكومة وطنية وفق مواصفات الشارع العراقي اليوم، تعني بداية النهاية للنظام الإيراني القمعي.

 
زكي رضا
الدنمارك
2/2/2020






110
ساحة التحرير عروس الساحات


ساحة التحرير،  مفخرة العراق ونقطة إنطلاق كتابة تأريخه الحديث، تأريخ يُكتب بالدماء ليفتح صفحة مشرقة في كتاب شعب يقوده شابّات وشبّان الى حيث الإنعتاق من الذلّ والجوع والتبعية.  ساحة سنستعيد من خلال خيامها وهتافات ثوّارها كرامة شعب صادرها البعثيون والإسلاميّون القتلة، ساحة التحرير قدس أقداس العراق ومكّتها المكرّمة. ساحة التحرير ساحة ليست ككل الساحات، ساحة تبدو الساحات أمامها فقيرة، ساحة ملئت وستملأ اخبارها الدنيا وتشغل الناس، ساحة سيكون نصب حريّتها مزارا للثوار، مزارا للأحرار، مزارا للباحثين عن أوطان.

من مثلك يا عروسة بغداد، ساحة الكونكورد الباريسية وهي تحتضن مسلّة فرعونية أُهديت لها من مصر؟ وهل تصل الكونكورد الى شموخك وأنت تحتضنين نصب جواد سليم بكلّ رمزيته؟  نصب عراقي خالص يلتحف به ثائرات وثوّار بيدهم " مفاتيح مستقبل زاهر"(1)، و ثائرات وثوّار تسلّقوا السماء في مواجهتهم للحقد الإسلاميّ الأسود وهم ينظرون صوب شمس الحريّة التي تصنعها أكفّهم  وهي تُقبر عصر الفجيعة الإسلاميّة،  لهؤلاء تنشد ساحة التحرير وهي تحتضن الثورة  "سلامٌ على جاعلين الحُتوف... جسراً إلى الموكبِ العابرِ"(2).  لا، الكونكورد ليست مثلك الّا في جزئية إعدام لويس الرابع عشر، والذي ستستعيضين عنه في أن تُنصب فيك أقفاص القتلة والخونة والمأجورين والفاسدين لمحاكمتهم.

من مثل نصب حريتك، تمثال الحرية في مانهاتن؟ إن كانت فرنسا قد أهدت تمثال الحريّة لأمريكا، فأنّ شابّات العراق وشبّانه يهدون كلّ يوم شعبهم تماثيل للحريّة، وسينصب أبناء شعبنا وهم يكنسون السلطة الفاسدة الى حيث عليها أن تكون، تماثيل للحريّة تزيّن فضائك وجسور الشهداء والأحرار والجمهورية ومحمّد القاسم، وساحات السنك والوثبة والخلّاني والطيران وحديقة الأمّة. تماثيل بعدد  شهيدات وشهداء الإنتفاضة وهم يحملون مشاعل النور، التي نقوم بإيقادها متنقلين اليها بالتك تك المقدّس.

من مثلك أيتها الرشيقة، بلازا مايور المدريدية..؟ هناك كانت مصارعة الثيران، وفيها كان المصارعون يمتّعون المشاهدين وهم يقتلون الثيران فيها. أمّا في حرمك المطهّر فأنّ العصابات تقتل أبناء العراق، لتثبت لرعاتها ولائها وتبعيتها وحقدها على أبناء شعبنا. وكما ألغى الإسبان تلك المصارعة غير الإنسانية الى الأبد، فثوار ساحتك سيلغون حكم العصابات الإسلاميّة والى الأبد.

إنّك يا قلب العراق اليوم لست كما (تيان آن مِن) في بكّين، فهناك خرج ذوي الياقات البيض ليغيّروا تأريخ بلدهم ففشلوا بعد أن إستخدمت ضدهم السلطة كل أشكال القمع. أمّا أنت فذوي الياقات البيض يزيّنونك كما تُزيّن العروس، ويخرجون في زفّة عرسك وهم يواجهون رصاص القتلة وقنابلهم. وإن كان طلبة بكين قدّ هُزموا فأنّ طلبة العراق مصمّمين على النصر الذي بات قاب قوسين أو أدنى، فهؤلاء الطلبة ومعهم كل متظاهري العراق قد عرجوا الى السماء ولا عودة منها الّا ومعهم رايات النصر التي ستزيّن نصبك وحرمك وتزيّن الوطن. وكما وقف الزعيم الصيني ( ماو تسي تونغ) في الأوّل من أكتوبر عام 1949 على منصّة هذا الميدان وهو يُعلن قيام جمهورية الصين حتى اصبح (تيان آن مِن) رمزا للصين الحديثة، فأنّ الأوّل من أكتوبر عام 2019  كان موعد الجماهير لإعلان الإنتفاضة على سلطة اللصوص وهم يعلنون رفضهم لسلطة العصابة بعد أن خرجوا من نفق التحرير الى ضوء النهار ليعلنوا ولادة عراق جديد ولتكوني رمزا جديدا قديما لوطن حر معافى، فهل الأول من أكتوبر في بكين وبغداد مصادفة تأريخية .. ؟

في الساحة الحمراء بموسكو وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الدبابات تعبر الساحة وهي تتجه الى جبهات القتال ضد النازيين. واليوم في ساحة التحرير فأنّ الثوار يخرجون منها عراة الصدور الا من يد تحمل علما، وهتافا يهزّ الفضاء وهم متجّهون لمواجهة النازيين الإسلاميين. ومثلما كانت الغلبة لدبابات موسكو وهي تدك الرايخشتاغ في برلين، فأنّ الغلبة ستكون لثائرات وثوار بغداد والعراق وهم يدكّون معاقل القتلة وأوكار الخونة..

أيها الجواهري يا عاشق دجلة والفرات أبلغ جواد سليم من أنّ نصبه اليوم أصبح مزارا وساحة التحرير كعبة للثوار والأحرار، وأبلغ أحبّة شعبك بأن شعبنا أذّن اذان الثورة، وقام ينفخ في الصور ليعلن القيامة على الطغاة ورثة الطغاة.

سلاماً، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما... (3)
سلاما ساحة التحرير وساحات العراق المنتفض
سلاما ثائرات وثوار التحرير وثائرات وثوار العراق المنتفض
مجدا شهيدات وشهداء ساحة التحرير ومجدا شهيدات وشهداء العراق المنتفض

(1 و 2 و3) أبيات من قصيدة (سلاما والى أطياف الشهداء الخالدين) للجواهري الكبير.

زكي رضا
الدنمارك
1/2/2020


 







111
لنشيّع تحالف سائرون الى مثواه الأخير


لقد تفاوتت المواقف من قيام تحالف سائرون أثناء التحضير لتشكيله أو حتى بعد تشكيله، بين من  إعتبر التحالف ضرورة وطنية يُعقد عليه آمال تجاوز ما يمر به وطننا من ظروف صعبة ودقيقة، وبين من إعتبره تحالف محكوم بالفشل للتناقض الكبير بين من يمثّلون عموده الفقري. وبغضّ النظر عن موقف الفريق الثاني ووجهة نظره، دعونا نشير الى خطأ وجهة نظرهم منها ولنتمسّك بوجهة نظر الفريق الأوّل. لكن التسليم بهذا الواقع يدفعنا الى دراسة مواقف هذا التحالف من أمرين كانا حجرا أساس في برنامجه ذو البعد الوطني، وهما
"إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان إجراء انتخابات دورية منتظمة نزيهة وحرة، وتشريع قانون انتخابي عادل يتيح المشاركة الواسعة ودون أي تمييز بين المواطنين"، "ومكافحة الفساد". وقد طعن حزب الإستقامة وهو وريث تيار الأحرار الصدري المتحالفين معه بعد أن صوّت لصالح قانون سانت ليغو المعدّل 1.9 ، وبذلك فشل هذا التحالف في أوّل إمتحان يمرّ به. أما محاربة الفساد ففشل هو الآخر كتحصيل حاصل لعدم إمكانية وصول قوى سياسية يهمّها التغيير ومحاربة الفساد نتيجة الفشل الذي سيواجهها في أية إنتخابات تحت ظل هذا القانون.

جاء في مقدمّة برنامج سائرون أنّ هذا التحالف " انبثق من قلب المجتمع ومن حركة الاحتجاج الشعبي"، وهذا ليس بعيد عن الحقيقة لحدود. الا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نعيش أكبر عملية إحتجاج شعبي جماهيري طيلة تأريخ العراق الحديث هو: أن لماذا إتّخذ هذا التحالف موقفا معاديا لهذه الحركة الإحتجاجية وطعنها بالعلن!! أمّا السؤال الاهّم فهو موقف القوى المنضوية في هذا التحالف (غير الصدريين) من هذا الموقف المعادي للحراك الجماهيري..؟

إنّ التعويل على تنظيم طائفي مذهبي  كما التيّار الصدري وغيره من التنظيمات الإسلامية السنّية والشيعية، في إتّخاذ مواقف سياسيّة وطنية  بعيدة عن الحاضنة الطائفية والمرتبطة بحواضن إقليمية ليس سوى سذاجة سياسية. وهذا ما يجب متابعته بعناية من قبل المهتمين بالهمّ الوطني، ومنهم وعلى الخصوص المنضوين في هذا التحالف من غير الصدريين. وقد أثبت رعاة هذا التحالف عدم إمكانية إبتعادهم عن بيتهم الطائفي من خلال إجتماع قم الأخير، بعد أن جلسوا الى " أعدائهم" والتخطيط لقتل الإنتفاضة أي إنهاء الحراك الجماهيري الذي إنبثق تحالف سائرون من رحمه.

لقد ترجم المجتمعون في قُم مذهبيتهم وطائفيتهم وتمسّكهم بالسلطة على رغم فشلهم ورفضهم جماهيريا، ومن خلال تفانيهم من أجل مصالح دولة إقليمية على حساب مصالح " وطنهم" بمسيرة كبيرة وفّروا لها كل وسائل الراحة وأطلقوا عليها صفة تظاهرة، مسيرة تذّكرنا بمسيرات البعث والعديد من النظم الديكتاتورية والشمولية ومنها نظام آيات الله في طهران. وبمسيرتهم هذه عملوا على شق المجتمع العراقي والشيعي تحديدا سياسيا، وهنا تكمن الخطورة مستقبلا والتي قد تؤدي الى مصادمات بين الطرفين.  وما أن أنتهت مسيرتهم المنّظمة بعناية حتّى ترك العديد ممن كانوا يتواجدون في ساحات الإعتصام تلك الساحات بأوامر من قادتهم، بهدف إنهاء الحراك الجماهيري الذي كان كادحي وفقراء شعبنا من المنسحبين جزء أساسي منه. لكن المدهش هو محاولة كتلة سائرون ومن دون بقية القوى الميليشياوية التي إتّفقت معها في قم على ضرب الحراك الجماهيري هو أن تحالف سائرون طالب السلطة بحماية المسيرة التي دعا اليها زعيم التيار الصدري!! 

على القوى المدنية العلمانية المنضوية لليوم في هذا التحالف مراجعة مواقفها بشكل جدي، وإعلان موقفها النهائي للخروج من هذا التحالف بشكل علني وأمام الجماهير كونها دخلت هذا التحالف بشكل علني أيضا. فهذا التحالف اليوم يتحدث بلغة بعيدة جدا عمّا جاء من أجله، علاوة على لغته غير العربية. ولتعرف هذه القوى ومنها من لازال يؤمن بهذا التحالف من أنّ إكرام الميْت دفنه.

زكي رضا
الدنمارك
26/1/2020





112


حاولت سلطة المحاصصة بالعراق بشياطينها الثلاث ولا زالت، وهي تواجه أكبر رفض جماهيري لها منذ وصولها للسلطة بعد الإحتلال لليوم من شيطنة إنتفاضة اكتوبر عن طريق إلصاق مختلف التهم بها وبالمنتفضين. مستخدمة في هذا السبيل مختلف الأساليب ومنها أساليب غير أخلاقية لا تليق الا بها وبجمهورها، فربطت الإنتفاضة بدوائر إقليمية ودولية بإعتبارها هي من حرّكت الجماهير لخوضها. لتتجاوز وهي تقمع وتقتل وتغتال وتخطف المتظاهرين والناشطين حقيقة فشل نظامها في بناء الدولة، وتتجاوز بعناد أيضا عشرات الإحتجاجات والوقفات الجماهيرية المطلبية في جميع أنحاء العراق وتظاهرات عامي 2011 و2015 الواسعتين ضد الفساد وتوفير الخدمات والبطالة وإزدياد مساحة الفقر بالمجتمع، والتي أدّت بالنهاية الى إنفجار الغضب الجماهيري العفوي. لكن هل الإنتفاضة بدأت من العدم، أي ألم تكن هناك أصابع رمت أول حجر في مستنقع السلطة الفاسد؟

حادثة منفردة لكنها ذات مغزى عميق قد تبسّط لنا كيفية إنطلاق هذه الإنتفاضة، ففي شتاء العام الماضي وجدت الشرطة شاب ظنّته متشرّدا ينام ملتحفا بالعلم العراقي تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد، وبعد سؤاله عن سبب نومه في ذلك الجو البارد أجاب من أنّه دعا عدد من الشباب للإعتصام في الساحة الا أنّ أحدا لم يلبّي دعوته، ما دعاه لأن يعتصم وحيدا. فما كان من رجال الشرطة الا ضربه وطرده من الساحة كما أوضح بنفسه لاحقا. هذا الشاب هو الشهيد (صفاء السراي) أحد أهم منظمي هذه الإنتفاضة وأبرز رموزها والذي أستشهد بعد أن اصابته قذيفة قنبلة دخانية في رأسه. بالتاكيد أن فكرة الإعتصام لم تكن فكرة منفردة، بل هي فكرة مجموعة واعية وجريئة من الشباب ضاقت بهم سبل الحياة بغياب أحزاب معارضة حقيقية قوية في وطن ينخره الفساد وتحكمه عصابات منظمة إحتكرت كل شيء فيه، مجموعة يبدو أنها نسّقت مواقفها خلال عام كامل أو أكثر مستفيدة من مواقع التواصل الإجتماعي لتحشّد من خلاله أكبر عدد ممكن من المتذمرين من الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشونها وشعبهم ووطنهم، كالفساد والفقر والبطالة وإنعدام الخدمات وغيرها الكثير. فهل إمكانية مثل هذا السيناريو ممكن أم لا؟ هنا لا نريد التحدث عن إنعدام الوعي في المجتمع، بل عن وجود الوعي عند نخبة من الشباب قادرة على إجراء تغيير في الحياة السياسية بتحشيدها أكبر عدد ممكن من الجماهير المتضررة ودفعها للتظاهر من أجل مصالحها ومصالح أبنائها، هذه الجماهير التي خرجت اليوم بمئات الآلاف من أجل تحقيق هذه الأهداف؟

قبل شهر تقريبا دعا أربعة أشخاص فقط في مدينة بولونيا الإيطالية من خلال مواقع التواصل الإجتماعي الى تظاهرة من أجل إدانة خطاب الكراهية والشقاق الذي يثيره هناك زعيم حزب الرابطة اليميني القومي الفاشي، ليتفاجأ الرجال الأربعة بحضور 15 ألف شخص لتلك التظاهرة! ومن وقتها ولليوم وصل عدد المتظاهرين في خمس مدن إيطالية هي (ميلانو وتورينو وفلورنسا ونابولي وباليرمو) الى 300 ألف شخص، فيما تظاهر يوم السبت 15/12/2019 في روما وحدها 40 ألف شخص. أنّ قيادة أربعة أشخاص قد لا يعرفون بعضهم البعض الا من خلال مواقع التواصل الإجتماعي لتظاهرات بهذا الحجم في إيطاليا، تعني أنّ للإنترنت دور كبير في تحشيد الجماهير المتضررة من قضية ما والتظاهر في سبيل تحقيق مطالبها " قطع نظامي طهران وبغداد الدينيين الإنترنت للحد من إستخدامه في التحشيد الجماهيري للتظاهرات". وقال أحد منظمي هذه الحركة التي تقود التظاهرات المسّماة حركة السردين تيمنا بهذا النوع من السمك الذي يتحرك بمجموعات كبيرة لمواجهة أعدائه من السمك الكبير، "المهم ورغم عفوية الحركة هو أن ينزل اكبر عدد من الناس للشارع ليقولوا أنهم سئموا خطاب الكراهية". لماذا لم تتهم السلطات الإيطالية ومنها حزب الرابطة اليميني القومي الفاشي المتظاهرين من أنهم ينفذّون أجندات أجنبية، ولماذا لم يقف مثقفوا إيطاليا وأحزابها ضد هذه الحركة الناشئة كما يقف البعض او يشكّك بإنتفاضة شعبنا، كون وقوف جماهير هذه الأحزاب والعصابات وجيوشهم الألكترونية ضد إنتفاضة شعبنا أمر مفروغ منه .

هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ضد سلطة غارقة في الفساد؟ هل من حق شعبنا أن ينتفض لإعادة بناء وطنه؟ هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ليعيش بكرامة؟ هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ضد العصابات والمافيات والميليشيات التي تقتل وتخطف وتسرق؟ ليدلّنا من يقف ضد هذه الإنتفاضة أو من يشكّك بها عن الطريق الذي علينا سلوكه لإنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد، وهل علينا الإنتظار عقد أو عقدين آخرين من الزمن حتّى يغيّر الفاسدون أنفسهم بأنفسهم وهل هناك أمل ولو ضئيل في ذلك، ومتى سيتغير ميزان القوى لصالح جماهير شعبنا إن لم يتظاهر أو ينتفض!؟

" جئت - للتظاهرات - لكي أكون شاهدا وإلا لكنت خجلت بكوني إيطالي " المتقاعد روبيرتو ريبرينو

أنا أقف الى جانب شعبنا وأساهم في إنتفاضته كطريق للتغيير والحريّة والا فأنا خجل من كوني عراقي.

 
زكي رضا
الدنمارك
17/12/2019

113
المنبر الحر / بسم الله! يا عراق
« في: 00:01 02/12/2019  »

بسم الله! يا عراق



نظام ولي الفقيه المتخلف في طهران يعرف جيدا ماذا يعني إنتصار شعبنا على أراذله وأوباشه الذين أصبحت مساحة تحركهم اليوم داخل الخضراء وخلف جدران عازلة، بعد أن ضاق بهم الوطن على سعته نتيجة جرائمهم وفسادهم وعمالتهم له، والذي سيضيق بهم أكثر وأكثر حتى نراهم في أقفاص الإتهام أو هاربين إلى بلدان العالم المختلفة ومنها كعبتهم إيران. فالعراق اليوم هو الجدار الدفاعي الأخير لنظام ولي الفقيه الذي بدأ يترنح من أثر ثورة شعبنا وهو يواجه بعنفوان قلّ نظيره آلة القتل الإسلامية، التي بطشت وتبطش بقسوة قلّ نظيرها هي الأخرى بشعب يريد أن يحيا بكرامة محطمّا قيود الذل والجهل والتخلف الذي جاء به أسوأ إحتلال على مرّ التأريخ عن طريق أراذل وأوباش، وهو الإحتلال الإيراني كونه إحتلال فكري ثقافي لا زال يريدنا أن نعيش عهد الكتاتيب والملالي، ونحيا حياة أشبه بالموت إن لم يكن الموت نفسه.

لأن النظام الدموي القروسطي في طهران يعي الخطر القادم إليه من بغداد، وهو يرى أول قطع الدومينو التي تبدأ ببغداد وتنتهي بعاصمته تسقط بإستقالة عادل عبد المهدي الملطخة يديه بدماء شابات وشبان العراق، والتي سوف تستمر بالتساقط حتى سقوط آخر قطعة دومينو في طهران، بعد أن تفقد هذه العاصمة عمقها الإستراتيجي وتمويلها المالي وتخسر فائضها التجاري وهي تعاني من آثار الحصار، حال إعلان شعبنا نصره المؤزر على نظام المحاصصة. فأنّ هذا النظام وهو يعيش حالة من الهستيريا يحاول وبكل السبل المتاحة القضاء على ثورة شعبنا والبطش بهم من خلال عملاءه وميليشياته "العراقية".

في دلالة عن حالة الهستيريا التي يمر بها نظام ولي الفقيه الفاشي، كتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية الصادرة يوم السبت 30/11/2018 مقالا تحريضيا يحمل بين طياته علاوة على مطالبته والتي هي مطالبة نظامه بقمع وإقتلاع جذور المنتفضين بعد إتهامهم بأنهم إستمرار لعصابات داعش الإرهابية!!، كذبا لا حدود له في محاولة لجلب تعاطف الشارع الشيعي المنتفض من خلال فرية حرق مرقد عثمان بن سعيد أوّل سفراء الإمام المهدي في النجف الأشرف من قبل المنتفضين، هذه الفرية التي كذبّتها الأمانة العامّة للمزارات الشريفة في بيان لها جاء فيه "تود الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشّريفة، أن تُطمئن جمهورها ومحبي آل البيت (عليهم السَّلام) أين ما كانوا والشعب العراقي عامةً بأن ما أُشيع في صفحات التواصل الإجتماعي، عن إحراق المرقد المُطهر للسفير الأول للإمام الحجة (عجل الله تعالىٰ فرجهُ الشّريف) الشيخ عثمان بن سعيد العمريّ (رضي الله عنهُ) بأنها أنباء عارية عن الصحة تماماً، وأن المرقد لم يمسسه سوءً أبداً، وأن الحريق الذي أُشيع إنما هو في المحال التجارية المجاورة له، وحركة الزوار في المرقد شبه طبيعية".

لقد إستغلّ شريعتمداري في مقالته حادثة حرق القنصلية الإيرانية بالنجف الأشرف والذي هو أمر مرفوض تماما وفعل لا مبرر له، ليحرّك من خلالها أوباش وأراذل نظامه من أحزاب وميليشيات إسلامية عميلة لقمع ثورة شعبنا بأكثر الوسائل عنفا. فهو يطلب من الحشد الشعبي الدخول على خط المواجهة مع شعبنا منوها الى أنّ قمع الإنتفاضة وإقتلاع جذور المنتفضين الدواعش وفق رأيه سهل جدا على أبناء الحشد الحاملين أرواحهم على الأكف! وليعطي شريعتمداري هالة دينية وطائفية لما يريده ونظامه في قمع أبناء شعبنا فأنّه كتب مقالته تحت عنوان (بسم الله! يا حسين أخرى - بسم‌الله! یک ‌یا حسین دیگر). فهل عنوان المقالة رمز لبدء معركة مفتوحة من الميليشيات المجرمة وهي تواجه شعبنا الأعزل؟ وإن كان مهاجمة السفارات والقنصليات أمر مرفوض وفق الإتفاقيات الديبلوماسية ومنها إتفاقية فيينا للعام 1963 ، فكيف يفسّر لنا السيد شريعتمداري إحتلال السفارة الأمريكية في طهران أثناء الثورة بغضّ النظر عن موقفنا من الولايات المتحدة، وما هو تفسيره لمهاجمة سفارة العربية السعودية وقنصليتها من قبل الإيرانيين في كلٍ من طهران ومشهد عام 2016 ؟

السيد شريعتمداري، إنّك تعنون مقالتك التي تحرّض على قتل أبناء شعبنا ولطائفية مقيتة بإسم الحسين، والإمام الحسين ليس ملككم ولا ملكنا بل هو ملك للمسلمين عامّة. أمّا نحن اليوم إذ ندافع عن شرفنا وعزّة بلادنا وكرامتنا ونثور ضد أسوأ نظام فاسد عرفته بلادنا والمنطقة بل والعالم عبر التأريخ، فإننا نقسم بالعراق من إننا سنستمر في ثورتنا حتى تحقيق النصرالأكيد. فالعراق ملكنا وليس ملككم ولن يكون ملككم ولا ملك أوباشكم وأراذلكم من أحزاب وميليشيات لا تعرف الا الإنحناء وتقبيل أياديكم وسرقة ونهب ثرواتنا، وكما إنتصر الدم على السلاح عبر التأريخ، فأن دماء شهدائنا ستنتصر على رصاصاتكم وقنابلكم الدخانية والمسيلة للدموع وحينها ستكون نهاية نظامكم المتخلف. وإنني هنا إذ أعتذر لإستخدامي كلمات غير لائقة كأوباش وأراذل، يبقى عزائي هو أنها كلماتكم التي إستخدمتموها في مقالتكم وأنتم تصفون بها ثائرات شعبنا وثواره، والتي إن دلّت على شيء فأنّها تدلّ على ضحالة أخلاقكم وقيمكم وثقافتكم.

والعراق سننتصر.


(*) رابط مقالة شريعتمداري في صحيفة كيهان باللغة الفارسية
http://kayhan.ir/fa/news/175950
 
زكي رضا
الدنمارك
30/11/2019



114
لو كنت مكان السيد علي السيستاني لفعلتها

المرجعية صمّام أمان العراق، هذه المقولة هي السلاح الفعال للقوى الدينية في إستمرار هيمنتها على السلطة. وهي المقولة التي تتاجر بها هذه القوى، متّخذين من المرجعية راية يبررون فيها فسادهم ونهبهم للمال العام. والمرجعية سُلّم الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها لتحويل العراق الى ساحة خلفية لإيران، وإن إتّخذت المرجعية موقفا مناهضا لذلك، والمرجعية هي الغطاء الذي تتستر به الأحزاب والميليشيات الشيعية وهي ترتكب جرائمها البشعة بحق شعبنا ووطننا.

شعبنا لم يخرج "أشرا ولا بطرا"،  بل خرج بداية الأمر لإصلاح حال وطنه الذي دمرّه نظام المحاصصة. خرج أول الأمر ليطالب بحياة كريمة بحدها الأدنى، فكانت شعاراته تدور حول توفير خدمات وفرص عمل ومحاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي الطائفي الأثني. لكن والنظام يستمر بفساده وإستهتاره ونهبه للمال العام وإزدياد نسبة البطالة بين الشباب وزيادة رقعة الفقر ورفضه حتى للإصلاح الجزئي للعملية السياسية وآلياتها، تطور شعارهم  (المتظاهرين)  من الإصلاح الى التغيير الشامل، بعد أن تحولت التظاهرات الى إنتفاضة والتي هي في طريقها لأن تكون ثورة.  ثورة ستغيّر واقع العراق والمنطقة بالكامل، على الرغم من الصمت العربي والإقليمي والدولي المريب والمشبوه للجرائم التي يرتكبها حكام الخضراء بحق أبناء شعبنا.


نتيجة لعدم جدية السلطة في إيجاد مخارج واقعية للأزمة المستفحلة بالبلاد، وإعتمادها على عاملي الوقت والبطش في القضاء على إنتفاضة شعبنا السلمية. فأنّ ردة فعل الجماهير أو بالأحرى مجموعات قليلة منها أخذت منحى غير "التظاهر السلمي" والذي لا يعبر عن الوجه الحقيقي للإنتفاضة. وحتى هذا التظاهر الجزئي المحدود وغير "السلمي"، لم يُتَرجَمْ كفعل عنفي ضد قوات السلطة المختلفة ولا حتّى ضد العناصر الميليشياوية، على الرغم من أن الجماهير وفي كل مدينة تعرف الميليشياويين بأسمائهم وعناوينهم. كما ولم يهاجم المنتفضون ولليوم دوائر الدولة والمصارف ومصالح الناس لنهبها وحرقها، بل على العكس فأنهم تعاونوا مع قوات مكافحة الشغب التي حضرت لقتلهم وقمعهم بإعتقال عصابة حاولت سرقة البنك المركزي،  وهذا ما أكّدته قيادة عمليات بغداد في بيان مقتضب لها قالت فيه " القوات الامنية التابعة لقيادة عمليات بغداد تمكنت وبالتعاون مع المتظاهرين من اعتقال عصابة حاولت سرقة البنك المركزي العراقي!!

نتيجة التدخلات الإيرانية المباشرة والعلنية بالشأن الداخلي للبلاد، وإعتراف زعماء أحزاب ومنظمات وميليشيات شيعية علنا بولائها لولي الفقيه، ونتيجة للدور الإجرامي لقائد فيلق القدس الإيراني ( قاسم سليماني) في توجيهه لقوى السلطة العسكرية وشبه العسكرية  لقمع تظاهرات شعبنا، ونتيجة لشعور وطني عارم ضد كل ما هو إيراني خصوصا بعد تسريب وثائق إستخباراتية تؤكد على تدخلات إيرانية واسعة بشؤون العراق الداخلية من خلال تجنيدها لعدد كبير من الساسة للعمل لصالحها، وبغضّ النظر عن توقيت نشرها هذه الأيام.  فأنّ خطّة مبيتة سلفا وبدقة عالية بدأت لإجهاض الإنتفاضة من خلال حرق القنصلية الإيرانية بالنجف الأشرف، هذه الخطة هي على غرار نفس الخطة الشيطانية التي إستهدفت القنصلية الإيرانية بالبصرة العام الماضي، والتي أطلقت يد السلطة في الهجوم الوحشي على المتظاهرين وإنهاء التظاهرات المطلبية وقتها، والتي عزّزها النظام بإطلاق يد القادة العسكريين بإستخدام العنف المفرط بعد تعيينهم كمحافظين، بعودة غير ميمونة لسلفهم المجرم صدام حسين إبّان قمعه لإنتفاضة آذار المجيدة.

حرق مبنى القنصلية الإيرانية المخطط له بعناية من قبل السلطة  بالنجف الأشرف،  والذي جاء نتيجة رعبها من شدّة الإنتفاضة ونجاحها الذي سيكون قبرها، وبداية لإنهيار النظام الثيوقراطي الإيراني إذا ما أضفنا حراك الشعب اللبناني إليها. دفع بعض الميليشياويين والبرلمانيين وكجزء من الخطّة نفسها  بزجّ  إسم المرجعية الدينية في الأحداث،  كورقة من الممكن اللعب بها والإستفادة منها في قمع الإنتفاضة بحجّة الدفاع عن المرجعية من المنتفضين!! متناسين أنّ جماهير النجف لها تأريخ طويل وعريق في الحفاظ على هيبة المرجعية وحماية الأماكن المقدسة بالمدينة، وهم ليسوا بحاجة الى قتلة وفاسدين كي يهبّوا للدفاع عنها.

تغريدتان بائستان لكل من الميليشياوي قيس الخزعلي زعيم عصابات أهل الباطل وأخرى لرئيس كتلة السند في البرلمان النائب أحمد الأسدي، يدخلان في باب محاولات الإسلام السياسي الشيعي وتحت حجّة حماية المرجعية وشخص السيد السيستاني لشق صفوف المنتفضين وقمعهم.  وهي محاولات يائسة أخرى تضاف الى محاولاتهم السابقة والتي ستتكرر لاحقا ماداموا على رأس السلطة، كون الوعي الوطني عند جماهيرنا وهي تعرف ماذا تريد بالضبط  قد وصل الى نقطة لا تستطيع مثل هذه التغريدات أن تقف أمامها.

يقول قيس الخزعلي في تغريدته " واهم من يعتقد إنه يمكن أن يمسّ شيء من السيد السيستاني"، كما يقول أحمد الأسدي "  نعلن ان أرواحنا وأجسادنا فداء لمرجعيتنا الدينية". لو كنت مكان السيد السيستاني وأنا أقرأ هاتين التغريدتين وأمتلك هذه الهالة من القدسية وأسكن الى جوار إمام عادل، لخرجت في خطبة الغد ( 29/11/2019)  ومن صحن إمام الشهداء معلنا رفضي لما غرّد به هذان الأفّاقان قائلا لهما: لستما بأحرص من أهالي النجف الكرام وبقية شيعة العراق وشعب العراق على أمني وحياتي، فأنا أقيم بينهم ومعي المراجع الآخرين دون حمايات مثلما أنتم، وثقتي بأبناء العراق ووعيهم للتحرر من سلطة الفساد وبناء وطن معافى لا حدود لها. وإطمئنوا من لا أحد سيمسّني وباقي المراجع بسوء، إن لم تمسّوني أنتم بسوء وأنتم والله بفسادكم وجرائمكم فاعلون. وإننا كمرجعية نرى أن أجسادنا وأرواحنا هي فداء لهذا الشعب وهذا هو ديدن الإمام العادل وولي الأمر الحق، لذا وإن كنتم صادقون وأنّى لكم ذلك فكفّوا عن قتل أرواحنا وأجسادنا من خلال قتلكم لأرواح وأجساد المنتفضين العزّل الأبرياء المطالبين بحياة كريمة ووطن عزيز.. اللهم إنّي بلّغت اللهم فأشهد .

إفعلها أيها السيد السيستاني، فأنك والله  ستحقن دماء الناس وتعيد الحق المهضوم الى نصابه. السيد السيستاني لا تأخذك في الحق لومة لائم وأنت تجاور إمام الفقراء واليتامى، إمام عدل إستشهد وهو يزأر أن" فزت وربّ الكعبة. إثبت للعالم أجمع من أن ساسة الخضراء ظالمون ومن حق شعبنا أن ينتفض ليحيا بكرامة  وفز بها وأنت حيّ ترزق،  وقل لهم كما قال من تسكن جواره ..

"اللهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك"

زكي رضا
الدنمارك
28/11/2019








115
مقتدى الصدر حصان طروادة إيراني بالعراق


نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا ونقلا عن موقع ذي إنترسبت الأمريكي،  نسخة من وثائق إستخباراتية إيرانية تكشف مساعي إيران لتجنيد مخبرين (جواسيس) لها بالعراق بعد " الإنسحاب" الأمريكي من البلاد عام 2011. وقد وردت في هذه الوثائق تفاصيل كثيرة عن التغلغل الإيراني بالعراق وعلى أعلى المستويات، ولم يقتصر تغلغل الإستخبارات الإيرانية بالعراق على جهة سياسية دون غيرها من تلك التي تتحكم بمفاصل الدولة. فعلاوة على تجنيد ساسة شيعة من الطراز الأوّل والذين بالحقيقة لا يحتاجون الى تجنيد، كونهم موالين لسلطة ولي الفقيه منذ أن كانو في إيران قبل الإحتلال الأمريكي وتمّ تجنيدهم العديد منهم هناك. فأن المخابرات الإيرانية نجحت في تجنيد ساسة سنّة أيضا وعلى مستويات مختلفة، وكذلك ساسة  كورد رفيعي المستوى. وبغضّ النظر عن الأسماء وبالعودة الى المناصب التي يحتلها هؤلاء الساسة، فإننا نستطيع أن نلمس حجم الخراب الهائل الذي يشكله أمثال هؤلاء الساسة على البلاد وأمنها.

عدّة أسئلة علينا طرحها ونحن نتابع ما نشرته الصحيفة الأمريكية، وهل معظم الأسماء التي وردت في هذه الوثائق عملت لصالح الإستخبارات الإيرانية بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق العام 2011 أم قبله؟ هل هناك قيادات دينية سياسية وميليشياوية وقبلية تجاوزتها الوثائق أو الصحيفة، ولماذا؟ هل هناك وثائق من جهات أخرى توضّح طبيعة العلاقة بين ساسة عراقيين وأجهزة إستخبارات دول جارة (عدا إيران) أو إقليمية أو دولية ومنها الولايات المتحدة الامريكية نفسها لم يحن وقت نشرها الآن؟

في الحقيقة فأنّ الوثائق المنشورة  لم تأتي بأمر جديد الا في التفاصيل، فعلاقة من ورد ذكرهم في الوثائق مع السلطات الإيرانية ليست وليدة اليوم، بل تعود الى فترات سابقة وبالتحديد الى تلك الفترة التي كانت فيها المعارضة الإسلامية والكوردية، تتخذان من إيران قاعدة لهما في صراعهما مع النظام البعثي. ومن الطبيعي أنّ إيران حالها حال أية دولة أخرى لم تكن تقدم الدعم  والمساعدات اللوجيستية لهما دون مقابل، كما ومن الغباء  التصور من أنّ إيران لم تجنّد العشرات إن لم نقل المئات ممّن كانت تتوسم فيهم القدرة على تبوأ مناصب قيادية مستقبلا منهم وإن داخل تنظيماتهم السياسية حينما كانوا يعيشون فيها. وبالتالي فأنّ الوثائق المنشورة تشير الى أمرين، أولّهما وجود أسماء أخرى عديدة لم تنشرها الصحيفة خصوصا وأن تعداد الوثائق بلغ ما يقارب السبعمائة صفحة، والثاني هو "إعتقادها"  أنّ من ذكرت أسمائهم أو العديد منهم على الأقل قد إرتبطت مع الإستخبارات الإيرانية بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق!!

من خلال صراع القوى الإقليمية والدولية في العراق، فأنّ وجود مخبرين (جواسيس) من الطبقة السياسية يعملون لصالح دول أخرى غير إيران هو أمر بديهي، وهذا ما يعرفه الشارع العراقي حتّى دون وجود وثائق على أهميتها، بل أنّ هناك ساسة إعترفوا علنا من أنّهم يعملون لأكثر من جهاز إستخباراتي.  والحرب الطائفية ونهج المحاصصة الذي دمّر البلد وهو ينفّذ أجندة دول إقليمية، فرض وللأسف الشديد واقعا لم يمرّ به بلد في المنطقة قبل العراق. فالقوميات والطوائف وهي تبتعد في ظل غياب الثقة بينها عن الفضاء الوطني كما خُطُّطَ لها ، أفرزت مجاميع من السياسيين كانت تحج الى العواصم الإقليمية ولازالت لطلب الدعم المالي والسياسي والإعلامي لأحزابها بحجّة دعم قومياتها وطوائفها، فهل هذه العواصم كانت تقدم خدماتها لهم بالمجّان؟ أم أنها حذت حذو إيران في تجنيد ساسة هذه القوميات والطوائف كمخبرين (جواسيس)؟

بغضّ النظر عن تجنيد الإستخبارات الإيرانية للشخصيّات السياسية المرموقة وذات التأثير الكبير على الساحة السياسية، وما قدّمته هذه الشخصيات لها من خدمات طيلة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم. الا أنّ دولة كإيران بثقلها الإقليمي  وعلاقاتها الواسعة مع العراق وخصوصا مع الأحزاب الشيعية ذات الثقل الأكبر في رسم سياسة البلد، ونظرتها المستقبلية للمنطقة والعراق كونه بوابته للتمدد من جهة، وحبله السرّي إقتصاديا وماليا وهي تعيش حالة مواجهة مستمرة مع أمريكا وتنوء من أثر الحصار الأمريكي عليها من جهة أخرى، يهمّها جدا إستقرار شكل الحكم الذي تتحكم هي فيه أي نظام المحاصصة الطائفية الأثنية.

أية تظاهرات واسعة كالتي يشهدها العراق اليوم  تشكل ناقوس خطر كبير على نظام طهران، خصوصا وأنّ ما يجري بالعراق والمنطقة سيؤثر حتما على الأوضاع الداخلية فيها. وهذا ما لمسناه بعد تظاهرات الشعبين العراقي واللبناني ضد نظامي بلديهما الفاسدين واللذان يحضيان برعاية ودعم حكام طهران، والذي ترجمه الشارع الإيراني بمظاهرات صاخبة في الكثير من المدن الإيرانية بعد زيادة أسعار الوقود والتي قد تتحول الى نهضة شعبية ضد النظام فيها. وممّا لا شك فيه  فأنّ دولة مثل إيران لثقلها ومصالحها كما ذكرنا قبل قليل تفكر في مواجهة مثل هذه الأحداث قبل وقوعها، أو العمل على أحتوائها وإنهائها من الداخل إن حدثت فجأة. ولكي تصل إيران لتنفيذ أهدافها ورغباتها هذه ونحن نتحدث عن تظاهرات شعبنا منذ العام 2011 والتي تُوجّت في الأول من تشرين/ أكتوبر الى إنتفاضة جماهيرية واسعة تنشد تغييرا حقيقيا بالبلاد وإخراجه من أزماته المستفحلة والتي تهدد المصالح الإيرانية من خلال تهديها للسلطة نفسها في الوقت نفسه،  فأنها بحاجة الى عملاء من طراز غير طراز الساسة في المناصب السيادية او المرموقة والحساسة في أجهزة الجيش والشرطة والإستخبارات، عملاء لهم سطوة في الشارع العراقي وقادرين على تحريك جماهيرهم مثلما يشاؤون أي مثلما تشاء طهران. فهل نجحت طهران في تجنيد مثل هذه الشخصية والتي لم تشير إليها وثائق النيويورك تايمز، وما الدليل المنطقي لذلك؟

منذ إندلاع أول تظاهرات مطلبية شعبية بالعراق في شباط 2011، شعرت الحكومة الإيرانية بخطر مثل هذه التظاهرات وتطورها النوعي والكمي خصوصا وهي تعرف جيدا حجم الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، وما سينتج عنه من غضب جماهيري قد ينفجر فجأة ويخرج عن نطاق السيطرة. لذا كان عليها تجنيد شخصية لها ثقلها في الشارع، شخصية تستطيع التغلغل داخل التظاهرات وحرف مساراتها للغلبة العددية له أو للتيار الذي يمثّله، شخصية تقترب من المقدّس عند بسطاء الناس التي تتحرك بإشارة منه وتعود الى بيوتها بإشارة منه أيضا. فمن هي هذه الشخصية؟

لقد دخل التيار الصدري فجأة ودون سابق إنذار الى تظاهرات ساحة التحرير والمدن الأخرى في شباط 2011، وقدّم نفسه كمناهض للفساد وقتها، على الرغم من أن هذا التيار كان يهيمن على الوزارات الخدمية والتي إشتهرت كوزارات فاسدة كما غيرها، ما دعا الجماهير للتظاهر ضده أي الفساد.  وطالب قائد هذا التيار أي مقتدى الصدر من المتظاهرين أن يعطوا الحكومة مهلة ستة أشهر لتنفيذ مطالبهم، لينسحب تياره من التظاهرات تاركا القوى المدنية والديموقراطية والنقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني وحدها، بعد أن سرق منها شعاراتها وأفرغ تظاهراتها من زخمها التي كانت عليه قبل دخوله اليها أساسا. وإستمرّ الصدر في لعبة المشاركة في التظاهرات والإنسحاب منها حتى إنتفاضة شعبنا اليوم. وكان يترك الساحة العراقية الملتهبة ليحل ضيفا على حسن نصر الله في لبنان أو قاسم سليماني في طهران، وليتابع التظاهرات من على شاشات التلفزة!!

لقد رفع المنتفضون في ساحة التحرير وبقية سوح التحرير بالعراق شعار التغيير وليس شعار الإصلاح الذي يريد الصدر برفعه إستمرار مؤسسات الفساد بالبلد خصوصا وأنّ تياره وبغض النظر عن أسماءه (أحرار – سائرون) هم جزء من آلة الفساد المدمّرة والتي ينتفض شعبنا ضدها هذه الأيام، هذا الشعار أي التغيير الذي يقض مضاجع طهران ويهدد مصالحها. كما وأعلن المنتفضون في ساحة التحرير وغيرها من سوح التظاهر بمختلف المدن والبلدات العراقية رفضهم للأحزاب والتيارات السياسية، وقد هتفت الجماهير ضد التيار الصدري والصدر شخصيا في كل المدن المنتفضة.

الا أن الصدر المقيم اليوم في قم، وهو يرى حالة الغليان الشعبي ضد السلطة الإيرانية نتيجة تدخلاتها المباشرة بالشأن العراقي وآثارها الكارثية على الدولة والمجتمع، وفقدان إيران لمراكز قوتها جاخل المجتمع الشيعي خصوصا وأنّ الانتفاضة بدأت شيعية وتتركز في الوسط الشيعي. عاد وبأوامر من الإستخبارات الإيرانية ليحرّك ما تبقى له من جماهير وبأوامر مباشرة من قاسم سليماني الحاكم الفعلي للعراق، للدخول الى ساحات التحرير من أجل إنهاء إنتفاضة شعبنا. أنّ خطر مقتدى الصدر على إستمرار إنتفاضة شعبنا كبير جدا، وعلى المنتفضين إبعاد أو إحتواء أنصاره من خلال التركيز على علاقته بالسلطات الإيرانية وإقامته فيها رغم حالة الهيجان الشعبي المعادي للوجود الإيراني في بلادنا. إذ من غير المعقول أن يكون مقتدى الصدر مع التغيير الذي تنشده جماهير شعبنا وهو يعمل على تحريك أتباعه من طهران التي تستخدم كل السبل لإجهاض هذه الإنتفاضة التي شكّلت منعطفا هاما في حياة شعبنا ووطننا.  كما وعلى المنتفضين الإصرار على خلو ساحات التظاهر والإعتصام من صور أية شخصيات دينية وسياسية، وليكن العلم العراقي والأناشيد الوطنية التي تمجد العراق وإنتفاضة الشباب التشرينية هي الوحيدة التي يرددها المتظاهرون والمعتصمون في مختلف مدن العراق.

قد تكون أسماء المخبرين ( الجواسيس) الذين وردت أسمائهم في الوثائق المنشورة كبيرة وتشغل مناصب حساسة جدا، وقد يكون تجنيدهم على درجة عالية من الأهمية لإستمرار الهيمنة الإيرانية على العراق. الا أنّ تجنيد مقتدى الصدر وإن بشكل غير مباشر ودون وعي منه يعتبر نجاحا بارزا لإيران بالعراق بل هي ضربة معلم كما يقول المصريون. فالصدر لا يعمل كبيدق إيراني يتحرك بأوامر قاسم سليماني فقط، بل هو اليوم حصان طروادة إيراني هدفه إنهاء إنتفاضة شعبنا لما تشكلها من خطر على السلطة التي هو جزء مهم من نسيجها الفاسد،  وكذلك على نظام ولي الفقيه الذي يأتمر مقتدى الصدر ومعه طيف سياسي ديني "عراقي" واسع بأوامره للهيمنة على مقدرات وطننا وشعبنا.

زكي رضا
الدنمارك
21/11/2019

   





       


116

رفسنجاني مرّ من هنا .. إيران مرّت من هنا

ما أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، حتّى عاد النظام الإيراني بقوة ليسابق الزمن للبدأ مجددا في تصدير ثورته التي بدأت منذ اليوم الأول لنجاح الثورة والتي تلكأت بسبب الحرب، تلك التي كانت من أهم أهداف الخميني ونظامه الثيوقراطي. وقد إستفاد النظام وقتها من ضعف العراق بعد الحرب وخصوصا إثر رعونة البعث الفاشي وإحتلاله الكويت، والخلافات العربية وخصوصا الخليجية منها مع العراق.

على الرغم من أنّ النظام الإيراني كان قد بدأ دعمه لحزب الله اللبناني منذ العام 1983 تقريبا، من أجل جعل الحزب رقما مهما على الساحة السياسية اللبنانية، والذي نجح فيه نجاحا منقطع النظير. الا أن الساحة العراقية كانت الأهم له للوصول الى هدفه في بناء الهلال الشيعي الممتد من أراضيه الى لبنان عبر العراق وسوريا. وقد لعب صدام حسين دورا في مساعدة إيران بمسعاها هذا حينما تبنى مشروع الحملة الإيمانية، ما منح القوى الدينية مساحة واسعة للعمل المجتمعي في مجتمع يعاني من الجوع والفقر والذل والخوف في ظل نظام دموي وحصار قاس. فعادت القوى الدينية تحت يافطات غير حزبية عدة للعمل بالعراق مما اكسبها جماهيرية واسعة، مستغلّة المساجد والحسينيات والمناسبات الدينية لذلك. وما هي الا بضع سنوات وإذا بالأمريكان يقدّمون لإيران هدية ثمينة وعلى طبق من ذهب، إذ حررت الولايات المتحدة الأمريكية السلطة الدينية في طهران من حكمين كانا يشكلان لها صداعا مزمنا، ويؤخران من برنامجها في التمدد خارج أراضيها. فقد إنهار نظامي طالبان والبعث في افغانستان والعراق بعد ضربات أمريكية مباشرة ، إثر احداث الحادي عشر من ايلول.

أثناء الحرب العراقية الإيرانية شكّلت إيران فيلقا عسكريا تحت إسم فيلق بدر متكونا من العسكريين العراقيين الأسرى " التوابين" ومجاميع من الإسلاميين من مختلف الاحزاب والتنظيمات الإسلامية، وعراقيين تم تهجيرهم الى إيران قبل نشوب الحرب، وقد لعب هذا الفيلق دورا مهما أثناء الحرب وأثناء الإنتفاضة الآذارية لشعبنا بالعام 1991 . الا أنّ النصر الأكبر لإيران هو وصول هذا الفيلق ومعه باقي الإسلاميين الى قمة الهرم السياسي في العراق بعد الإحتلال الأمريكي، وهنا تكون إيران قد حصدت ما زرعته خلال فترة الحرب وليصبح العراق مستعمرة إيرانية.

ما أن بدأت الأحداث في سوريا ضد الحكم البعثي فيها، حتى كانت إيران ذات العلاقات المتينة معها أثناء الحرب العراقية الإيرانية للخلاف بين البعث في البلدين، في الصف الأمامي للدفاع عن النظام فيها كونه علوي من جهة ولمجاروتها لبنان حيث حزب الله من جهة ثانية. وقد ساهمت إيران بمقاتليها ومقاتلين من العراق وحزب الله، في قتال طويل مع القوات الحكومية السورية ضد مختلف التنظيمات إثر بدأ الحرب الأهلية فيها، والتي إنتهت جميعا تقريبا في خانة القاعدة وداعش بالنهاية. وهنا تكون إيران قد أحكمت قبضتها على ثلاث عواصم عربية بعد أن هيمن حزب الله بقدراته العسكرية والتمويل الإيراني المالي السخي على مقدّرات لبنان، وبدأت أحلام إيران بتحقيق الهلال الشيعي تتحقق، خصوصا بعد تدخلها باليمن لدعم الزيديين " شيعة" فيها، وتمويلها بالخبرات والأسلحة والمال والدعم السياسي.

لقد تسبب التدخل الإيراني في البلدان الأربعة عن كوارث حقيقية لهذه البلدان وشعوبها، فحزب الله ساهم من خلال ما يطلق عليه محور المقاومة بتعريض لبنان للدمار من قبل الطيران الإسرائيلي، وسوريا أصبحت أنقاض من خلال إصرار إيران على بقاء البعث بالسلطة فيها! واليمن الفقيرة أساسا تحولت الى خرائب، والعراق تمّ تدمير مدنه ونهب ثرواته وإذلال شعبه. فهل نجح نظام طهران في إكمال هلاله الشيعي!؟

حتى الواحد من تشرين اول / أكتوبر كان كل شيء على ما يرام تقريبا والرياح تسير بما تشتهيه سفن ولي الفقيه، حتى جاء الرد العراقي من خلال إنتفاضة ستغيّر شكل اللوحة السياسية بالمنطقة بغضّ النظر عن نتائجها. فالعراق والمنطقة قبل الأول من أكتوبر، هو غيره بعد الأول من أكتوبر. والحلم الإيراني اليوم بدأ يتبخر شيئا فشيئا، ويبدو أنّ ولي الفقيه سيستيقض قريبا على أصوات الشعوب الإيرانية وهي تهتف " مرگ  بر ولي فقيه" أي الموت للمرشد.

إيران مرّت من هنا،  هي العبارة الأكثر دقّة في وصف الخراب الكبير الذي طال البلدان الأربعة التي تدخلت إيران في شؤونها الداخلية. وهذه العبارة تذكّرني بكاريكاتير للرسام الشهيد ناجي العلي نشره في صحيفة القبس الكويتية اواسط ثمانينات القرن الماضي وحرب الخليج الأولى على أشدّها، حينما نشر وقتها كاركاتيرا رسم فيه خراب كبير وبرميل كتب عليه " رفسنجاني مرّ من هنا" ..

لقد تحققت نبوءتك يا ناجي العلي وما أشبه اليوم بالبارحة، فإيران مرّت في بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء.. ولم يتبقى من هذه البلدان الا الخراب والأنقاض.

زكي رضا
الدنمارك
11/11/2019

   

117
المرجعية تمسك العصا من الوسط


لم تختلف خطبة المرجعية اليوم عن خطبها السابقة من حيث المضمون، ولا من حيث الشكل لحدود بعيدة. فخطابها لا يزال يدور في نفس الحلقة المفرغة، دون أن تتقدم ولو خطوة واحدة للأمام من باب رفع العتب على الأقل. فهي تحاول في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها البلاد مسك العصا من وسطها، مع ميل في أن تكون الى جانب السلطة وإن كان ذلك يجري بحذر هذه الأيام. فهي اليوم وقبل أن تتطرق الى نقاطها الخمس من خطبتها، بدت في واد وشعبنا في واد آخر. فالمرجعية أصّرت اليوم وبشكل غريب على تجاوز مطالب الجماهير، محاولة بشكل غير مباشر من فرض رأيها والذي يصبّ في صالح السلطة وبالتالي في صالح رعاتها من الدول الإقليمية، والتي طلبت بنفسها الأسبوع الماضي بعدم تدخلها بالشأن الداخلي للبلاد!!

على الرغم من أن التظاهرات التي عمّت بغداد والمدن الجنوبية بأكملها، والتي ترجمها المتظاهرون وخصوصا بعد إستشهاد المئات وجرح الآلاف منهم الى مطالبة بتغيير كامل للعملية السياسية من خلال شروط واضحة وهي، إستقالة الحكومة وكتابة دستور جديد وقانون أحزاب جديد ومفوضية إنتخابات جديدة وإجراء إنتخابات تحت إشراف دولي. الا أنّ المرجعية كما السلطة تريد إجراءات ترقيعية من خلال تجاوزها على مطالب الجماهير الملحة، لتقول " تتواصل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في اكثر من مكان "!! لقد تجاوز شعبنا شعار الإصلاح مع أوّل قطرة دم سالت في شوارع مدننا، ولا خيار اليوم غير خيار التغيير الكامل لعملية سياسية دمّرت بلدنا وأذّلت شعبنا ونهبت ثرواته. فليعي من يريد الخير للعراق هذه الحقيقة، والا فأنّه وبالضرورة سيكون في الخندق المقابل لخندق العراق وشعبه، هذا الشعب الذي شعاره المركزي اليوم هو .. إرحلوا.

تقول المرجعية في النقطة الأولى من خطابها اليوم من " إن أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للاستجابة لمطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفذ في مدة زمنية محددة .. الخ" هنا تعمل المرجعية كعادتها في المنعطفات السياسية الحادّة الى رمي طوق نجاة لسلطة الفساد من جهة، وحقن جماهير شعبنا بحقنة مورفين جديدة من جهة ثانية. عن أية خارطة طريق تتحدث المرجعية، ولمَ لمْ تستجب السلطة لمطالب المواطنين طيلة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم، ومن هم الذين يتفقون على خارطة الطريق هذه؟ السلطة التي لا تثق بها الجماهير وتتظاهر ضدها، أم ساسة من كوكب آخر لا نعرفهم وتعرفهم المرجعية؟

في النقطة الثالثة أعلنت المرجعية من " إن التظاهر السلمي حق لكل عراقي بالغ كامل، به يعبر عن رأيه ويطالب بحقه، فمن شاء شارك فيه ومن لم يشأ لم يشارك، وليس لأحد أن يلزم غيره بما يرتئيه .. الخ" أن إضافة عبارة " بالغ كامل" هي إعطاء رسالة  بعدم مشاركة تلاميذ المدارس الإبتدائية والثانوية في التظاهرات. وهذه الرسالة في محلّها لطلبة الإبتدائية خصوصا ونحن شاهدنا طلبة منهم يخرجون الى الشوارع مع المتظاهرين، وما يشكله خروجهم من خطر عليهم من خلال إستخدام السلطة والميليشيات للرصاص الحي. الا أنّ المرجعية وقعت في مطب فقهي حول سنّ البلوغ، إذ أجاب السيد السيستاني في سؤال له عن علامات سن البلوغ عند الذكر والانثى من أنّ " علامة البلوغ في الانثي اكمال تسع سنين هلالية ، وفي الذكر احد الامور الثلاثة : (١) نبات الشعر الخشن علي العانة ، وهي بين البطن والعورة. (٢) خروج المني . (٣) اكمال خمس عشرة سنة هلالية. ونبات الشعر الخشن في الخد وفي الشارب علامة للبلوغ ، واما نباته في الصدر وتحت الابط ، وكذا غلظة الصوت ونحوها فليست امارة عليه". وهذا يعني حق الأنثى العراقية إبتداءا من الصف الثالث إبتدائي المشاركة في التظاهرات للمطالبة بحقوقها كونها عراقية بالغة!!

في النقطة الرابعة تقول المرجعية " إن هناك اطرافا وجهات داخلية وخارجية كان لها في العقود الماضية دور بارز فيما اصاب العراق من أذى بالغ وتعرض له العراقيون من قمع وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجية الجارية لتحقيق بعض اهدافها، فينبغي للمشاركين في الاحتجاجات وغيرهم أن يكونوا على حذر كبير من استغلال هذه الاطراف والجهات لأي ثغرة يمكن من خلالها اختراق جمعهم وتغيير مسار الحركة الاصلاحية". لا شك أن هناك قوى داخلية وإقليمية وأجنبية تحاول ركوب الموجة، ولا شك أيضا من وجود قوى تريد تغيير مسار الحراك الجماهيري لصالحها. لكن علينا أن نسمّي هذه القوى اليوم بمسمّياتها، ومن خلال تسميتها نستطيع معرفة أسباب ركوبها الموجة. المعني هنا هم البعثيون والسعوديون تحديدا وليس القطريين، كون القطريين اليوم أصدقاء إيران وصديق صديقي صديقي، ونحن لا نشك برأي السيد السيستاني هذا بل نجزم من أنّ عدم محاولة البعثيين والسعوديين من ركوب الموجة يدل على غباء منهم، وبالتالي فأنّهم يعملون جاهدين للسيطرة ولو على جزء من هذا الحراك الجماهيري. لكن السؤال هنا هو، هل شعبنا الذي خرج بالملايين اليوم لينتفض ضد سلطة الإسلام السياسي وبهذا العنفوان، سيركن الى سلطة البعث صاحب المقابر الجماعية من جديد!!؟؟

والأمر الآخر هو تركيز السيد السيستاني على " القمع والتنكيل" دون إشارته الى آفة الفساد والتي قال بنفسه مرّة من أنّ الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب. وهنا على السيد السيستاني  تسمية الفاسدين وراعيهم أي إيران، التي تعزز ميزانيتها وميزانية حزب الله والنظام البعثي السوري وفق ما ذكرته النائب ماجدة التميمي من ميزانية فقراء شعبنا. أمّا ما جاء في النقطتين الثانية والخامسة فهو لا يخرج عن كلام إنشائي حفظناه كما كان يحفظ الأطفال جزء عم في الكتاتيب.

السيد السيستاني أنت اليوم أمام مسؤولية تأريخية أمام الله والشعب، فمن حرّكت مريدك لإنتخابهم ولا زلت ترمي لهم طوق النجاة ما هم الا فاسدون لا يمكن إصلاحهم وإن إدّعوا الإصلاح، وهؤلاء من قال فيهم القرآن الكريم " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ"، فأنأى بنفسك والمرجعية عنهم. السيّد السيستاني  إبتعدوا عن التدخل بالشأن السياسي إحتراما للدين وقيمه، فوالله هناك من يرى نتيجة سوء سلطة الأحزاب الإسلامية وثراء طبقة المعممّين على حساب فقراء شعبنا، من أنّ الإسلام كما قال النبي محمّد سيعود غريبا، وسيكون مصلحيه هم الناس بعد أن أساء رجال الدين له ... فرفقا بالدين من أجل الدين نفسه والله الله بأهل العراق.

زكي رضا
الدنمارك
8/11/2019


 


   

118
السافاك والإسلاميين وبنات الهوى

    لم يألو الإسلاميون جهدا وهم يواجهون إنتفاضة شعبنا، في أن يستخدموا كافة أشكال القمع ضد المنتفضين السلميين. فعلاوة على إستخدامهم القنابل الدخّانية والقنابل المسيلة للدموع والتي يطلقونها بمستوى الرأس لقتل أكبر عدد ممكن من شاباتنا وشبابنا، وعلاوة على إستخدامهم للرصاص الحي والمطاطي وبمستوى الرأس أيضا. فأنّهم مارسوا عمليات خطف الناشطات والناشطين، لغرض كسر شوكتهم وإبعادهم عن ساحات التظاهر. هذا إضافة الى زيادة ذبابهم الألكتروني، في بثّ دعايات رخيصة، لغرض تحييد ما يمكن تحييده من المنتفضين تحت واجهات مختلفة، تبدأ من تهمة الإندساس والعمالة للسفارات الأجنبية وإنتهاءا بدور كبير جدا للبعثيين في هذه الإنتفاضة، مانحين البعث الفاشي وسام لا يستحقه أبدا.

أنّ فشل القوى والميليشيات والعصابات الإيرانية التي ينظّم قاسم سليماني عملها من مركز عمليات خاص في التخفيف من شدّة الأنتفاضة، ونتيجة لحالة الهستيريا التي أصابت الأجهزة المخابراتية الإيرانية ومعها عصاباتها بالعراق، خصوصا بعد خطبة السيد السيستاني الأخيرة والتي أشار فيها الى ضرورة عدم تدخل القوى الأجنبية والإقليمية بالشأن العراقي، والتظاهرات التي إنطلقت إثرها في كربلاء والنجف برفعها شعارات تندد وبالأسماء بقاسم سليماني والخامنائي والدور الإيراني بشكل عام وتحميله كل الخراب الذي حدث ويحدث بالبلد منذ الإحتلال الأمريكي لليوم. عاد الإيرانيون للإستفادة من تجربة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الوقوف بوجه رئيس الوزراء الأسبق مصّدق والإطاحة بحكومته الوطنية، عن طريق زج بنات الهوى في التظاهرات ضد حكومته. وقد إعتمدوا في ذلك وقتها على الشقي (شعبان بي مخ)، والذي إستأجر عددا من بائعات الهوى المعروفات في منطقة (قلعه شهرنو)، أمثال (پري بلنده و پري آجدان وملكه إعتضادي) وغيرهنّ ليتظاهرنّ مع الإنقلابيين ومنهم آيت الله كاشاني ضد مصّدق وحكومته!

لقد عاد جهاز المخابرات الإيراني (إطّلاعات) وهو وريث جهاز السافاك الشاهنشاهي، للإستفادة من تجربة بنات الهوى بالعراق بمساعدة العصابات والميليشيات والأحزاب الشيعية المؤتمرة بأمره، لإفشال إنتفاضة شعبنا والإساءة الأخلاقية لها هذه المرّة. عن طريق زجّ بنات الهوى اللواتي يعملن تحت حماية هذه الأحزاب وبمساعدة سماسرة يعملون في هذه الأحزاب والميليشيات والعصابات كما السمسار حمزة الشمّري الذي أُعتقل سابقا وغيره.

أنّ دخول بنات الهوى ورقصهنّ بشكل إباحي ومقزّز الى كعبة التحرير المقدّسة، للإساءة الى المنتفضين وخصوصا شابّاتنا اللواتي قدّمن صورا لا مثيل لها من البطولة والوطنية والتفاني ونكران الذات، كان هدفا للإيرانيين والقوى الإسلامية التي تعمل تحت إمرتهم. الا أن وعي شبابنا المنتفض وطردهم لبنات الهوى من جهة، والأخلاق العالية لشابّاتنا وهنّ يعملن بجدّ في التنظيف والطبابة والطبخ علاوة على تقديمهنّ أرواحهنّ في سبيل عراق أجمل وأبهى حال دون نجاح سعي هذه القوى. وما فات جهاز المخابرات الإيراني وعملاؤه في العراق، أنّ شبابنا ضربوا أروع الأمثلة في تعاملهم مع المرأة العراقية في سوح الحريّة، فلم تسجّل لليوم حالة تحرّش واحدة بهنّ، عكس بعض من أمثال هذه المظاهر التي حدثت في بلدان أخرى.

ليكن شبابنا في سوح النضال ضد طغمة الفساد وهم يقدمّون قوافل الشهداء من أجل العراق وشعبه، على يقضة عالية تجاه هذه الممارسات المشينة، فالقوى الإسلامية ومن وراءها نظام ولي الفقيه في إيران ستستمر في البحث عن كل ما يقمع المنتفضين ويسيء إليهم.

أيّها الشباب الثائر، وأنتم تخوضون معركة فاصلة من أجل كرامة ومستقبل وطنكم وشعبكم، ضعوا أخواتكم اللواتي يشاركونكم ملحمتكم هذه في حدقات عيونكم، فهنّ شرفكم وشرف العراق.


زكي رضا
الدنمارك
4/11/2019

119
الوثبة والجسر بين بهيجة ونور


بالأمس "سقطت" الشهيدة (نور رحيم) على جسر الجمهورية، بعد أن أصابها ميليشياوي "عراقي" بقذيفة غاز مسيل للدموع إستقرت في رأسها الجميل، رأسها الذي كان يحلم بوطن أجمل لها ولبقية أبناء شعبها وهي تخرج لتتظاهر ضد آلة القمع السلطوية. رأسها الذي فيه عينان صافيتان كصفاء دجلة قبل أن يلوثّها الطغاة، والتي بهما كانت تنظر في وجه قاتلها اللئيم، قاتلها الذي أرعبته نظراتها وهي الواثقة بعدالة قضيتها، فصمم بحقد إيراني على إطفاء تلك العينين الجميلتين، وقتل أحلامها... فهل نجح، ومن المنتصر؟

لو كان الأمر بيدي يا نور، لوفّرت لك وطنا على مقاسك، وطنا يضحك عندما تضحكين، وطنا يبدو أجمل وهو يجلس أمام المرآة (يتمكيج) ليبدو أكثر جمالا ، كما جلست آخر مرّة فيها وأنت (تتمكيجين) لتخرجي الى حيث أخواتك وأخوتك الثوار لتغيّروا بعزائمكم مصير وطن. وطنا يتعطر بك وتتعطرين به، وطنا له ليل جميل كجمال شعرك الفاحم، وطنا له نهارات سعيدة، كسعادتك وأنت تحلمين بثوب زفافك، الذي أبدله القتلة بكفن. وطن يقفز فيه الأطفال فرحين وهم في رياضهم ومدارسهم، كما تتقافز العصافير على أشجاره ونخيله.

نور، لا أستطيع وأنا جالس بعيد جدا عن المكان الذي حولتيه بإستشهادك والمئات من أبناء جيلك الى مزار مقدّس أن أرثيك، فمثلك يا نور لا يُرثى. هل يُرثى النور في عصر الظلام؟ كيف أرثيك وأنت قد أعدت الحياة للعراق من خلال سقوطك على الجسر، عذرا قلت سقوطك. أعذريني يا إبنة النهرين فمثلك لا يسقط والعراق لا يسقط، أنّما الذي يسقط هم الساقطون القتلة.

تعالي إليّ وانا الرجل الستيني وعلّميني معنى الثورة، فقد خدّرتني السنين وبتّ كثير النسيان، بل قد أكون فقدت ذاكرتي. فمن يفقد وطن يا نور هو كمّن فقد ذاكرته. أعيدي اليّ ذاكرتي، أرشديني بنيّتي الى حيث الطريق المفضي لإستعادة كرامتي، دلّيني على أقصر الطرق التي تؤدّي للحرية والإنعتاق. نور تعالي اليّ ونوّري حياتي التي صادرها الطغاة، نوّريها بدروس التضحية والإباء، يا من سينير العراق بها وببقية شهداء سوح التحرير والثورة.

نور، هل قابلت بهيجة؟ بهيجة التي وقفت في منتصف الجسر تهتف ضد معاهدة بورتسموث، وكان هتافها سببا في تقديم عشرون نائبا إستقالاتهم ليتبعهم رئيس المجلس بإستقالته بعد إستشهادها، وليستقيل بعدهم رئيس الوزراء (صالح جبر). هتاف بهيجة أسقط تلك المعاهدة يا نور، هل أخبرتك شيئ عنها؟ إخبريها يا نور من أنّك كما هي، تقدّمت الى وسط الجسر تهتفين (نريد وطن)، الا أن ميليشيويا إيرانيّا من الذين صادروا وطنك أرداك صريعة. أخبريها أنّ الجماهير اليوم هي كما الجماهير وقتها، الا أنّ القتلة مختلفون. فقتلتها كانوا يتحدثون العربية، وقتلتك يتحدثون الفارسيّة.

أخبريها أنّ العراق ينتظر بزوغ الفجر بشروق الشمس على جسر الجمهورية، ليكون النهار دليلا للجماهير وهي تدّك المنطقة السوداء على قتلتك. أخبريها من أنّ قذيفة الغاز المسيل للدموع طرّزت (نفنوفك)، وأنت تهتفين :

يا دجلة خلني أحترگ
صار الشتا صيفي
محسوبة الي نجمتي
ومحفوظ الي طيفي
هم تنلگي بالعمر
شعبي زوافيفي؟

اليوم وفي كعبة التحرير سيتم زفافك يا نور،اليوم سترتفع الزغاريد وهي تزّفك الى العراق. اليوم ستحسدك الصبايا لجمال عريسك وبهاءه. أنّه العراق يا نور، فما أجملك من عروس وما أجمله من عريس.

اليوم ستطوف أمك في كعبة الأحرار وتسعى وهي تجّهزك لعريسك بين الجسر والجداريّة، اليوم سيكون المطعم التركي جاهزا لإستقبال المحتفلين بعرسك. اليوم وبعد العرس ستنشد أمّك وهي تعود الى البيت الخالي من ضحكاتك..

نور خالي دارنا *
الليل مثل الإسلاميين

وخفنا على عراگنا

بهيجة، فتاة الجسر التي إستشهدت في وثبة كانون سنة 1948 .
نور، فتاة الجسر التي أستشهدت في وثبة أكتوبر سنة 2019 .
* مع الإعتذار للشاعر كريم العراقي

زكي رضا
الدنمارك
 1/1 1/2019



120

لا تبنى الأوطان بالأكفان


من خلال تظاهرات شعبنا منذ العام 2011 ولليوم، شكّلت قوى عدّة خطرا جسيما على ديمومتها والحؤول دون وصولها الى نقطة الحسم، وهي تغيير كامل النظام السياسي الفاسد الذي ترّبع على عرش الخضراء بقرار أمريكي إيراني. فقوى المحاصصة الثلاث وهي تشعر بالرعب من تحركات الجماهير، سعت ومنذ إنطلاق التظاهرات المطالبة بالإصلاح وقتها، الى أحتواء التظاهرات بسيل من الوعود الكاذبة والتي لم يتحقق أي منها لليوم. فالفساد تجذّر كثقافة في بنية الدولة والمجتمع، والأستنزاف المتواصل لثروات البلد إستمر بوتائر متسارعة وكأن المتحاصصين في سباق مع الزمن لنهب ثروات البلد وتركه فقيرا ومتخلفا ومدينا للعديد من الجهات وأخطرها هو البنك الدولي.

لم تستطع القوى المتحاصصة على إختلاف توجهاتها الطائفية والقومية من التأثير على التظاهرات أو إنهائها إن أمكنها ذلك، بل إستمرّت التظاهرات وإن بأعداد قليلة وصلت أحيانا الى العشرات بقضّ مضاجع سلطة الفساد. وإستمرار التظاهرات والوقفات الإحتجاجية في عموم البلد، وسوء إداء الحكومات المختلفة للأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وإستمرار الفساد ونهب المال العام، كانت تراكمات كمّية تحولت بفعل حالة الغليان الجماهيري والبؤس الذي يعيشه شعبنا الى تراكم نوعي إنفجر على شكل إنتفاضة جماهيرية رسمت خارطة جديدة للبلاد. فالعراق قبل إنتفاضة الأول من تشرين/ أكتوبر هو غير العراق بعد ذلك التاريخ، وما تسمى بالعملية السياسية برمتها هي اليوم على المحك. لكن هناك خطرا كبيرا من جهة سياسية دينية لا زال قائما لأنهائها أو أحتوائها، هذه الجهة هي الرهان الأكبر لقوى السلطة ورعاتها في تدمير إنتفاضة شعبنا هذه، هذا الخطر هو مقتدى الصدر وتياره الذي يُقاد بجهاز سيطرة عن بعد مركزه طهران وإن كان في الحنّانّة. هذا إذا ما تجاوزنا خطر تدخل المرجعية على خط التظاهرات ومحاولاتها رمي طوق نجاة للسلطة الفاسدة، كما كان ديدنها منذ بداية الإحتلال لليوم.

السيد مقتدى الصدر وفي تغريدة له يطالب المتظاهرين بلبس الأكفان عند التظاهر بهدف ركوب الموجة والجماهير من جديد، وكأننا نريد من تظاهراتنا مواجهة الموت بكل آلامه ومآسيه وبشاعاته . لا أيها السيد مقتدى، شعبنا ليس بعاشق للموت كي يلبس أكفانك، بل هو عاشق للحياة وجمالها. شعبنا يتظاهر من أجل غد أجمل وأبهى له ولأجياله القادمة، يتظاهر من أجل حرية وطنه وتحرره من قيود الدول التي تتحكم بمصيره اليوم لفشل القوى الحاكمة في إدارة البلد، ومن هذه القوى هي أنتم وتياركم. ثقافة المقابر والأكفان تليق بعاشقي المقابر والأكفان المشدودين دوما لتراث بكائي، والذي يريدونه نقطة إنطلاق ونهاية لشعب يمتلك حضارة موغلة في التأريخ الإنساني.

أمام الفنانين والمثقفين العراقيين اليوم وشعبنا يتهيأ لتظاهرات قد تغير وجه العراق مهمة كبرى، وهي تواجدهم في سوح التحرير وبين جماهير شعبهم. مهمّتهم هي تمزيق الأكفان من خلال فعالياتهم الثقافية. حوّلوا أيها المبدعون سوح التحرير في عموم الوطن، الى منتديات شعرية تلهب ظهور الطغاة بقصائد من واقع حياتنا البائس، حولوها الى مسارح، غنّوا أغاني الناس، أرقصوا رقصات الحياة والجمال، إرفعوا أصوات الموسيقى التي يهابها لابسي الأكفان، إرسموا وجوه أطفالنا البريئة وهي تنظر الى سواعد المنتفضين وكلها أمل بغد أجمل للطفولة، أثبتوا وأنتم بين الجماهير التواقة للحرية والكرامة من أننا شعب يعشق الحياة وجمالها، ويكره الموت وأكفانه.

أيتها الجماهير الثائرة إفترشي الساحات والشوارع ولا تتركيها ، فأصحاب الأكفان على أهبّة الإستعداد لسرقة إنتفاضتكم وإفراغها من عمقها الوطني ومعهم كل الفاسدين والخونة والقتلة.. أيتها المرأة العراقية وأنت تتظاهرين بشكل سلمي ، قفي الى جانب أخيك الرجل وغنّي "إيدي بيدك عالمساحي الدنيا تشرين وشمس .. ليلي أضوه من صباحي والوكت وثبة وعرس" *. فشمسك يا إبنة الرافدين ستشرق ولو بعد حين، ستشرق ويصل شعاعها الى حيث مقابر القوم لتقضّ مضاجعهم وتمزّق أكفانهم البالية وهم رِمَمْ.

سلاما شعب العراق
سلاما سوح النضال


* مع الإعتذار لفنان الشعب فؤاد سالم

زكي رضا
الدنمارك
21/10/2019


121
المنبر الحر / مولاي ..!
« في: 18:58 18/10/2019  »
مولاي ..!

مولاي، إني لا أعرف لغة الا لغة القرآن ولا أعرف غيرها، فكيف لي بسؤالك عمّا يعتمر في صدري؟ كما وأنّي أشعر بالعار مولاي ، إن إستعنت بمترجم ليترجم لك ما أقول وأنا في وطني.  أعذرني مولاي وإغفر لي إن تجاوزت بالكلام وقلت وطني فهي زلّة لسان وأنا واثق من أنّك ستسامحني لأنّك غفور رحيم، ألست ظلّ الله في عراقنا وآية من آياته البينات!؟

مولاي، لقد آمنت بكم وبمعجزاتكم وأنا أراها بأمّ عيني. فقد رأيت مولاي مسبحتكم ذات التسعة وتسعون حبّة في بندقية قنّاص، ورأيت تسعة وتسعون ملاكا رصّعت حبات مسبحتكم الكريمة أجْبُنُهم، وفار الدم منهم كما " فار التنّور". أمّي هناك الى جانب جثّة أخي وهي لا تملك كفنا له مولاي، فهل تعيرنا سجّادة صلاتكم لنكّفنها به، وسأعيدها لكم بعد دفنه نظيفة من دمه، لأني أعرف أنّ الدم نجاسة بالإسلام وسوف تبطل صلاتكم حينها.

أخي " المندس" الذي خرج يطالبك بحقّه مولاي وأستقرّت حبّة من حبّات مسبحتكم الكريمة في جبينه، كان مؤمنا بالله الواحد الأحد، ويقيم الصلاة ولا يأتي الزكاة لأنه لم يكن يملك قوت يومه الا بالكاد. وكان يحجّ الى كربلاء سيرا كل أربعينية لأنّه لا يملك مالا يحجّ به الى مكّة.  وكان يستمع لخطبكم مولاي وفتاواكم، بل كان والعياذ بالله يؤمن بكم أكثر من إيمانه بالله أحيانا، لأنّ الله ليس بشيعي مثلكم مولاي.


هل تعرف لماذا خرج أخي متظاهرا ضد سلطة عمامتكم مولاي وليستشهد بحبّة من حبّات مسبحتكم الكريمة، أعذرني ثانية مولاي لأنني قلت من أنّه شهيد، لأنّ الحقيقة هي أنّه "مندس وعميل".  لقد خرج أخي لأنه أعاد قراءة القرآن من جديد وتعجب لحذف إحدى آياته من قبلكم مولاي، تعجّب وهو لا يرى آية " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" فيه. بالله عليكم مولاي، أين ذهبت هذه الآية، وهل صحيح ما يشاع من أنكم حذفتموها من القرآن كي لا يحاسبكم الناس على سرقات مريديكم، ولا أقول أنتم والعياذ بالله؟

أنفاسكم العطرة طيّبها الله مولاي، أُستخدمت لخنقي بعد أن حوّلها ميليشياتكم الى غاز مسيل للدموع. عصاكم التي تتكئون عليها وأنتم تذهبون لإداء صلاة الفجر مولاي، كانت هراوة بيد ميليشياوي فكسّر بها عظامي. أمّا جبّتكم مولاي فأنها تحولت الى كيس وضعوني فيه عنوة بعد خطفي. مولاي وأنتم تذهبون الى النوم في سريركم المقدّس، عد الى الإمام علي كإمام لا كتجارة وهو يقول " يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ". هل رأيت شيئا؟ أنا رأيت العجب العجاب حين تحين ساعة الخلاص وهي آتية " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".

منذ ستّة عشر عاما مولاي وأنتم تطالبوني بالصبر وتجلدونني بآية " وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ"، وأنا أتحمل سياطكم صابرا مؤمنا بكم أدام الله ظلّكم في الحياة وقدس الله سرّكم بعد موتكم. ستة عشر عاما وأنا أطوف حول منبركم كما يطوف الحجيج  حول الكعبة، ستة عشر عاما وأنتم تبصقون في وجهي مرّة للبركة وأخرى للعلاج من أمراضي، ستّة عشر عاما وأنا أنتظر أن أراكم وأتحدث إليكم عن آلامي وآمالي، ستة عشر عاما وأنا أجتر الجوع والفقر والبؤس. ستة عشر عاما وأنا أسمع خطبكم في قاعة ولا قاعات الأباطرة، ستة عشر عاما وأنا لا أملك أجرة " ستوتة" لكنني أقبّل إطارات جكساراتكم مولاي، ستة عشر عاما وأنا أحلم بوظيفة شريفة دون دفع رشوة لكم مولاي.

هل تسمح لي مولاي في أن أزور ضريح الإمام علي لأنبئه، من أن النجف نست لغة القرآن وتتكلم اليوم الفارسية، وأن العمائم كما أبا سفيان بالأمس يؤلّبون الحرس الثوري والميليشيات على قتل الأحرار. هل تسمح لي مولاي أن أحذّره من أنّ هناك الف إبن ملجم سيفلقون هامته إن عاد الى النجف اليوم ويقولون عنه مندس. لو سمحت لي مولاي لأخبرت الإمام علي من أن النجف في عهدكم اليوم مستعمرة إيرانيّة، وكذلك كربلاء والكاظمية. لأخبرته بغربتنا في وطننا، جوعنا في وطننا، بؤسنا في وطننا، موتنا بالمجّان في وطننا. صدّقني وأنا أعاني ما أعاني من أن "

بعيوني بچي...!
بگد الحچي المضموم عد الناس...!

وبگلبي حچي...!
بگد البچي الراكد بعين الناس..! *

مولاي سنغرقكم يوما بدموعنا، وستصيبكم أصواتنا بالصمم ونحن نصرخ في وجوهكم مطالبينكم بما نهبتموه منّا، وسترحلون.

مولاي هل سمعت صراخ أمّي وهي تمر بالقرب منكم الى حيث مقبرة وادي السلام؟ هل رأيتم ثياب أختي الممزّقة وهي تجمع ما يقيم أودها من مكّبات النفايات، هل رأيت أبي بشيبته وهو منكسرا باكيا حزينا على ولده. مولاي أنّهم يريدون الحديث إليك ليبثّوك شكواهم، لأنهم إنتخبوا قتلة إبنهم حبّا بكم مولاي. لكن المشكلة هي أنهم لايجيدون الفارسيّة... فما هو الحلّ بنظركم ..؟

مولاي لقد حلمت بأخي وهو يقول لي، من أنّ الله سأله ساعة أن صعدت روحه الى السماء بعد قنصه" قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً"، وأنه أجاب الله من أنّه يريده شهيدا بينه وبينكم .. أتؤمنون بالله مولاي؟ إن كنتم به مؤمنون فليكن شهيدا بينكم وبين من إستشهد بحبّات مسبحتكم، وإن لم تكونوا مؤمنين بالله، فسواعد شبابنا هي من ستكون شهيدا بينهم والحق معهم وبينكم وأنتم الظالمون.



الا لعنة الله على الظالمين " قرآن كريم"

*أبيات للشاعر كاظم إسماعيل الگاطع

زكي رضا
الدنمارك
16/10/2019

 














 

122
عنفوان شعب .. صورتان


صورتان في إنتفاضة أكتوبر العراق، كافيتان لوحدهما بأن يثبتا للعالم أجمع، ومنهم جميع المشكّكين بقدرات شعبنا وخزينه الثوري، من أنّ شعبنا سيحسم معركته ضد قوى الظلام عاجلا أم آجلا. فإنتفاضة أكتوبر تمرين شعبي ثوري يضاف الى تمارينه السابقة وهو يتظاهر وينتفض ضد سلطة العصابات ببغداد، حتى الوقت الذي يتحول فيه الى مارد من نار ليحرق كل من يقف في طريقه وهو ينشد نشيد الحريّة. وعلى القوى السياسية الحيّة والمؤمنة بقدرات شعبنا وفساد السلطة، أن تهيئ هي الأخرى نفسها لتدخل أتون تلك المعركة الفاصلة بأن تنحاز الى الجماهير من خلال إدانتها بالفعل والقول لما تسمى بالعملية السياسية التي بان عوارها اليوم أكثر من ذي قبل، والتي رفضها شعبنا وهو يعلن تمرده عليها اليوم. فشعبنا بحاجة الى قوى ثورية لتقوده، والقوى الثورية بحاجة للشعب الذي بدونه لا تملك هي نفسها شيئا، والتأريخ سيحاسب من يترك ضفة الجماهير ليتركها عزلاء أمام وحش الإسلام السياسي الفاسد والمرتشي والقاتل والعميل لطهران.

الصورة الأولى ..

إمرأة كادحة ينهشها المرض والفقر والجوع، لكنها تمتلك كرامة لا يملكها كل الساسة ورجال الدين بالعراق المبتلى والمنكوب بهم. إمرأة من بلادي لا تعرف الذل ولا المهانة، فتقف بدل أن تستجدي بذل، لتبيع المحارم على أرصفة الشوارع بعزّة نفس قلّ مثيلها. هذه المرأة الأميّة لم تقرأ كتابا يوما، ولا تعرف أنّ رأس المال جبان كما يقال. الّا أنّها أثبتت للعالم أجمع من أنها أشجع من كل الشجعان وهي تتقدم بكل رأس مالها وهو محارمها التي تبيعها لتعيش منها بكرامة، لتمسح بها دماء جرحى أبناء وطنها الذين إستهدفتهم رصاصات ميليشيات آيات الله. هذه المرأة أوصلت رسالة الى كل العالم وبكل اللغات، من أنّ شعبنا الذي يتعرض للموت اليومي سينتصر حتما. أوصلت رسالتها بكل اللغات وهي خرساء .... فهل من يمتلك مثل هذه المرأة في وطنه، لا يملك خزينا ثوريا ..؟

الصورة الثانية ..

سلطة العصابات تستخدم خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والرصاص الحي بمواجهة الجماهير، ويقف قنّاصوها على أعلى البنايات ليطلقوا رصاصاتهم الغادرة الجبانة نحو الشباب الثائر. الكرّ والفرّ يتسيد المشهد والمدرعات تسير مسرعة لتدهس المتظاهرين، فيتراكض الشباب بسرعة الى حيث الأماكن الآمنة ليعودوا الى الشارع من جديد. لكن فجأة وفي خضم تلك المعارك، يهرول شاب برجل واحدة وأخرى حديدية وهو يهتف ضد سلطة الفساد. شاب قد يكون قد فقد رجله في إنفجار من تلك التي غذّتها العصابات الطائفية، أو من أثر لغم في معركة ما، أو من خلال قتاله الدواعش، لا أحد يعرف. لكن العالم كله رآه وعرف من أنّه وبتلك الرجل الحديدية وهو يشارك أبناء شعبه في إنتفاضة أكتوبر المجيدة، من أن شعبنا هتف وهو يرعب الطغاة (والحديد سقيناه). فهل شعب فيه مثل هذا البطل، لا يستطيع تكملة مشواره في ماراثون الحريّة ..!؟


زكي رضا
الدنمارك
4/10/2019
 
 


123
الدولة المدنية بالعراق.. نجاح إسلامي وفشل علماني

إنتقال قوى الإسلام السياسي الى معسكر المطالبين بالدولة المدنية بالعراق، بعد رفع شعار (خبز- حريّة- دولة مدنية) من قبل أنصار وجماهير التيار المدني المطالبين بالإصلاح، هو بالحقيقة تعبيرعن فشل القوى الدينية والعلمانية على حد سواء في إيجاد تفسير لشكل الدولة التي يريدونها. فالإسلاميون الحالمون بمبدأ الحاكمية لله كمبدأ إسلامي ودولة وليّ الفقيه أسوة بالحكم في إيران، فشلوا في تقديم نموذجا مقبولا للحكم منذ أن هيمنوا على مقدّرات البلد بعد الإحتلال الأمريكي لليوم. وفشلهم هذا ولعدم توفر المناخ السياسي لإعلان ما يحلمون به أي "الدولة الإسلامية" وفسادهم الذي نخر الدولة والمجتمع، جعلهم أن يكونوا الى جانب شعار الدولة المدنية كخيار تكتيكي وليس ستراتيجي. أما القوى العلمانية على إختلاف توجهاتها وآيديولوجياتها، فأنها تراجعت عن علمانيتها لصالح المدنية لخوفها من المؤسسات الدينية التي تستطيع أن تحرّك جمهور واسع من أتباعها الأميين والمتخلفين ضدها، تحت يافطة الكفر. هذا السيناريو لا يقتصر على العراق فقط، بل نراه في بلدان عربية أخرى عديدة ومنها مصر على سبيل المثال. فبعد احداث الربيع العربي، تراجع العلمانيون فيها لصالح الدولة المدنية وتقدم الإسلاميون نحوها بنفس الوقت، حتى أنّ حزبا سلفيا كحزب النور أصبح من دعاة الدولة المدنية، بل ذهب الأمر هناك بعيدا ليقول الرئيس المصري المعزول والراحل محمد مرسي من أنّ "مشروع الدولة الإسلاميّة الذي تطالب به الجماعة - الأخوان المسلمون - لا يختلف عن مفهوم الدولة المدنية بخلفية عقدية دينية"! ولو راجعنا مفهومي المدنية والعلمانية وفق تعريفيهما، لأكتشفنا نجاح الإسلاميين في خطوتهم هذه وفشل مدوي للعلمانيين، لماذا؟

يميل الإسلاميّون الى نموذج الدولة المدنية كحل آني لعدم وجود تعريف محدد لها، علاوة على عدم وجود مثل هذا المصطلح في العلوم والمفاهيم الأجتماعية والسياسية الحديثة، والتي إن وجدت فأنها تتحدث عن مجتمع مدني وليس دولة مدنية وهذا ما يمنحهم حرّية تفسيرها وفق مفاهيمهم الدينية الفضفاضة والقابلة للتأويل، علاوة على هامش واسع للحركة في لوحة سياسيّة معقدّة كما وضع العراق. فالدولة المدنية تضع الدين في صلب دستورها، كأن تقول أن الدين الرسمي هو الإسلام وهو مصدر أساس للتشريع (أو مصدر من مصادر التشريع)، وأن لا يجوز سن قوانين تتعارض وأحكام الإسلام "الدستور العراقي المادة 2 أولا ، أ" . كما ويطالب الإسلاميون بين الحين والآخر ومن خلال حقّهم كونهم منتخبون "ديموقراطيّا" بتعديل قانون الأحوال الشخصية، وهذا الحق يمنحهم إياه شكل الدولة التي يريد العلمانيون التراجع عنها لصالح الدولة المدنية. فالإسلاميّون وهم يحاججون العلمانييون المنكفئون من العلمانية للمدنية في تراجع واضح وخطير، يعتبرون تجربتهم وفق ما أشرنا إليه قبل قليل هي تجربة مدنية، كون العدالة والمساواة واللتان تعتبران من أركان بناء مجتمع مدني، هي بالأساس مفاهيم إسلاميّة بشّر بها الإسلام منذ قرون طويلة. أمّا باقي مفاهيم ما تسمّى بالدولة المدنية كحرية المعتقد والتعبير عن الرأي على سبيل المثال، فأنّ القوى الإسلامية وهي تخوض تجربة "الدولة المدنية" تقمعها بشكل صارخ، وتستطيع في أية لحظة تكفير من يقف بوجهها إن عبّر عن رأيه تجاه قضية إجتماعية معيّنة ولا نقول دينية أو سياسية.

أنّ إنخراط رجال الدين ومؤسساتهم بالحياة السياسيّة بالبلد، عن طريق فتاواهم وما يطلقون عليه نصائحهم للطبقة السياسية الحاكمة والتي فشلت لليوم في بناء دولة ومجتمع متماسك، هو من أكبر الأخطار التي تواجه شعبنا ووطننا. وللخلاص من هذا الخطر المحدق والذي ينذر بتمزيق الدولة والمجتمع، على القوى العلمانية أن تفكّر جديّا بتغيير خطابها السياسي وشعاراتها. فشعار "الدولة المدنية" التي تنادي به هذه القوى، وعن طريق الديموقراطية التي لا تعرف القوى الإسلاميّة منها الا صناديق الإقتراع، لأنّها ونتيجة قلّة أو غياب الوعي عند نسبة كبيرة جدا من أبناء شعبنا تستطيع إضافة الى عوامل أخرى حسمها دائما لصالحها، فأنّها أي القوى العلمانية تفسح المجال - ومن خلال مفهوم ما تسمّى بالدولة المدنية - واسعا لها في بناء دولة دينية.

يحاول رجال الدين ربط العَلمانية كمفهوم وفلسفة للحكم، بسعي الشعوب الأوربية للتحرر من سطوة الكنيسة وفظاعاتها في القرون الوسطى، ومن أنّها مفاهيم غربية لا يمكن الإستفادة منها في بلداننا الإسلامية. متناسين من أنّ العلمانية جاءت لفصل الدين، أي دين عن الدولة. وقد عرّف معجم روبير العَلمانية بأنها "مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". ومن خلال التعريف هذا لا نجد مكانا لما تسمّى بالدولة المدنية، بل هناك مثلما ذكرنا سابقا مجتمع مدني. ومن خلال نفس التعريف وفي حالة الدولة العلمانيّة التي نريدها بالعراق، فأنّ الدولة لا تمارس أية سلطة دينيّة، وفي الوقت نفسه ليس من حقّ المؤسسات والمرجعيات الدينية ممارسة السياسة.

أقرب تعريف إسلامي للعَلمانية في الشرق هو تعريف الشيخ والمجدد الديني محمّد عبده، وهو يحاول إنقاذ الدين من وحل السياسة وإعادة الإحترام له حينما قال "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين". وهو مخالف تماما لرأي الخميني الذي يقول "سیاست ما عین دیانت ما و دیانت ما عین سیاست ماست"، أي أنّ " سياستنا هي ديننا وديننا هو سياستنا بالضبط". ومن خلال الرجلين نستطيع التعرّف على أمر هام للغاية وهو: حرص الشيخ عبده على الإسلام من الأنزواء نتيجة تدخله في السياسة وفشله، ما سيكون له أثر كبير في النكوص عن الدين وهذا ما يسميه رجال الدين بالعراق إلحادا دون أن يفتّشوا عن الأسباب التي تدعو الناس للإلحاد ودورهم فيه، ومغامرة الخميني بتلويث الإسلام بوحل السياسة وهذا ما نلاحظه من الإنتقادات الواسعة ليس لرجال الدين والاحزاب الإسلامية فقط، بل وللدين نفسه بعد أن جرّده الإسلاميون من دفاعاته نتيجة فسادهم وجرائمهم. علما أن الإلحاد بالعراق وإن كان موجودا فأنّه رد فعل على تدخل الدين بالشأن السياسي وفشله، وليس نتيجة زيادة الوعي بين الناس هناك.

ليس أمامنا الا طريق واحد لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن مزّقه الإسلاميون، وجماهير خدّرتها العمائم وأخلاق شوّهها الإسلام السياسي، الّا ببناء دولة علمانيّة لا دولة "مدنيّة". دولة تضع المقدّس كله في بيوت الله موفّرة له الإحترام الكامل وحريّة ممارسته، وتعتمد على القوانين الوضعيّة فقط في تسيير الدولة والمجتمع. دولة لا مكان فيها للفقه والتشريع وتقسيم المجتمع على أسس طائفية. دولة علمانيّة لا تكتفي بفصل الدين عن الدولة، بل تسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين وتمنعهم من التدخل في الشؤون غير الدينية كلها. دولة تراقب إنتشار الكراهية من خلال خطب الجمعة وتقننها ، بل وتعمل على منعها إن شكّلت خطرا على السلم المجتمعي، كأن تتهم أحزابا ومنظمات معينة بنشر الإلحاد. دولة تمنع رجال الدين من التعرض للمرأة وقمعها وإلغاء دورها بالمجتمع.

أنّ ما يجري في العراق اليوم هو نجاح للمشروع الإسلامي عن طريق تبنيه مشروع ما يسمّى بالدولة المدنية، وبتراجع العلمانيون عن مشروع علمانية الدولة لصالح مدنيتها، فأن مشروع أسلمة الدولة والمجتمع مسألة وقت ليس الّا. فهل سيعي العلمانيون هذا الأمر، ويتسلحوا بالجرأة لمواجهة المشروع الظلامي الإسلامي ذي اليافطة المدنية .. ؟


زكي رضا
الدنمارك
30/9/2019

 



124

قانون حمزة الشمّري 1.9 وتصويت الصدريين عليه


بعدما أحتوى التيّار الصدري التظاهرات المطلبية لشعبنا، وأفرغها من محتواها لتنحرف بعيدا عن أهدافها التي إنطلقت من أجلها، ولتتحرك تلك التظاهرات إن إنطلقت بجهاز سيطرة عن بعد يُحَدّد المدى الذي على  المتظاهرين التحرك من خلاله وأعدادهم وشعاراتهم وساعة تراجعهم. كان على من يمتلك هذا الجهاز أي السيد مقتدى الصدر أن يبحث عن سبب ومبرر يدعوه الى التظاهر ضد التيار الإسلامي والذي هو وتياره جزء منه، فما كان منه الا تبني شعار الإصلاح في مواجهة فساد الإسلاميين ومعهم طاقم المحاصصة الكوردي السنّي. ولمّا كان تيّاره يمتلك العديد من الوزراء والعشرات من البرلمانيين وغيرهم الكثير من مدراء عامّين ومستشارين وسفراء في مواقع سياسية وإقتصادية ودبلوماسيّة مهمّة بالبلد وأنّهم جزء من نسيج الفساد الذي يطحن شعبنا ووطننا، تبنى السيد الصدر مشروع الإصلاح بشعاراته البرّاقة غير القابلة للتنفيذ دون سلسلة قوانين منصفة وجهاز إداري كفوء وغير فاسد. وكخطوة أولى في هذا الطريق، أمر الصدر نهاية عام 2017  بتجميد كتلة الأحرار لمدة أربع سنوات، نافيا "أن يكون له نية في وجود ذراع سياسي أو دعم آخر غير الأحرار لتمثيل رأيه في العملية السياسية" وذلك من خلال حديث متلفز للمتحدث بإسمه  صلاح العبيدي في السادس من كانون أوّل / ديسمبر 2017 !

وفي إشارة واضحة الى دوران ما تسمّى بالعملية السياسية حول مركز الفساد وتكرار نفسها بإستمرار قال: أنّ قرار التجميد جاء "لإيجاد معادلة جديدة لتغيير الحلقة المفرغة التي صنعتها الأحزاب في العملية السياسية". ولإثبات أنّ المعادلة السياسيّة حسب وصفه خاطئة وأنّها تجري على حساب المواطن والوطن،  والتي هي من البديهيات التي يعرفها الشارع العراقي جيدا حتى قبل وصفها من الصدر أو غيره كونها حقيقة نراها ونلمسها منذ الإحتلال لليوم، أشار الى أنّ الصدر يريد "تغيير المعادلة كاملة لأن المحاولات السابقة أثبتت أنها تستهلك الوضع العراقي وعلى حساب المواطن وهي خاطئة"، وأنّ المعادلة الجديدة وفق مفهوم الصدر والحديث لازال للعبيدي يجب أن "يراعى بها مصلحة المواطن ومن يعمل فيها يجب أن يلغي مصلحته أولا ونقصد بذلك كتلة الأحرار". وهذا يعني ووفق منطق السيد الصدر نفسه أنّ كتلة الأحرار النيابية التابعة له كانت جزء من منظومة الفساد ونهب المال العام.

وليسبق الصدر الجميع بخطوة والعراق يتهيأ للإنتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2018 ،  أكّد العبيدي أنّ الصدر"سيقدم دعمه لأي تكتل يثبت نفسه من حيث التنظيم والاستراتيجية والبرنامج، هادفا لمصلحة العراق ورافضا للفساد وضد الطائفية وإرجاع أموال العراقيين"، وليضيف العبيدي "أنّ لمثل هذا التكتّل سيتم  دعوة كل الصدريين للتصويت له وتنفيذ مشروعه والبحث جاري عن جهة تحمل هذه الأهداف"، وهذا يعني ومن خلال توجيهات الصدر السابقة من أن جهاز السيطرة عن بعد هو بيد الصدر شخصيا، وأنّ فقراء التيار الصدري لا يتظاهرون من أجل مصالحهم، بل من أجل ما يطلبه ويقرره الصدر وبضغطة زر منه!!

وكنوع من الغزل السياسي وعودة لساحات التظاهر التي بدأت بالمدنيين والشيوعيين أكّد العبيدي "هناك امكانية موجودة للتحالف مع المدنيين فالمشتركات معهم في السنتين السابقة قوية ومنها الاحتجاجات ضد الفساد والمطالبة بالإصلاح"، مشددا على إننا "لا نريد مجرد تجمع ينتهي بانتهاء الانتخابات"!! ومن خلال هذه الدعوة والإجتماعات التي لابد أن سبقتها وتلتها، تمّ وعلى الضد من تصريح الصدر وتجميده لكتلة الأحرار،  تشكيل ذراع سياسي جديد له بإسم حزب الإستقامة! هذا الحزب الذي رفض قادته وبعض المتحالفين معهم في قائمة سائرون إعتباره وهو في طور التأسيس، من أنّه ذراع سياسي للصدر بدلا عن كتلة الأحرار التي تمّ تجميدها. ولينكشف لنا زيف هذا الإدّعاء لاحقا، على الرغم من أنّ الشارع العراقي إكتشف هذا الزيف منذ اللحظة الأولى لتأسيس هذا الحزب الذي يقود تحالف سائرون من خلال توجيهات مقتدى الصدر. فهل هذا الحزب "الإستقامة " يؤمن بالإصلاح، وما هي خارطة طريق الإصلاح التي يتبناها، وما هو دور نوّابه في تمرير قوانين تساهم بالحدّ من الفساد، أو التصويت على قوانين تسمح بتقليص نسبة الفاسدين من خلال فسح المجال أمام قوى وطنية يتحالف معها هذا الحزب ويعتبرها قوى رافضة للفساد ومناوئة للطائفية، والتي تعتبران وغيرهما من المشتركات التي دعتهم الى التحالف معهم "المدنيين" في قائمة سائرون؟

في البلدان ذات النظم الديموقراطية، تبدأ عمليات الإصلاح وتستمر من خلال تشريع قوانين تساهم على المدى البعيد في توفير بيئة آمنة للعملية السياسية فيها. فنرى هناك صراعا ديموقراطيا لتبني أفضل القوانين التي تساهم في عملية بناء ذلك البلد، والتي على رأسها قانون الإنتخابات كونه البوابّة الحقيقية لبناء دولة عصرية. فقانون إنتخابات عادل ومنصف ومفوضّية مستقلة للإنتخابات وإحصاء سكاني علمي وعدم إستخدام المال السياسي ولا فتاوى رجال الدين وضغط المؤسسات العشائرية، هي التي تمهّد الطريق لمشاركة واسعة لتيارات سياسيّة تمثل فئات وطبقات إجتماعية مختلفة، مما يفتح المجال واسعا لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين من خلال ممثّليهم في البرلمان أو مجالس المحافظات. فهل الصدر وحزب الإستقامة مؤمنين بالإصلاح كهدف، وإن كانوا مؤمنين به، فلماذا صوّت أعضاء حزب الإستقامة الى جانب قانون سانت ليغو 1.9 ؟ وهل القانون بصيغته هذه سيسمح لحلفائهم في تحالف سائرون وغيرهم من القوى الوطنية بتحقيق أحلام الناس بالإصلاح، وهو يسرق أصواتهم لصالح حيتان الفساد التي ستتقاسم الأصوات المسروقة بقوّة القانون  ومن هذه الأحزاب، حزب الإستقامة نفسه!؟

عندما يصّوت الصدريون لصالح قانون سانت ليغو المعدّل 1.9  حالهم حال الكتل الفاسدة الأخرى، وعلى الضد من مصالح شريك لهم في التحالف. فهذا يعني أمرين، أولهما تجاوز هذا الشريك والإستخفاف به من خلال نظرة فوقية يحسمها الفرق الكبير بين مقاعد الطرفين في البرلمان، وثانيهما هو جعل الشريك أن يشعر من خلال هذا التصويت بأنّ الإصلاح كشعار هو للإستهلاك فقط وعليه أن يفكّر جديا بموقعه في التحالف وجدوى الإستمرار فيه.

أن يصّوت المتحاصصون لصالح قانون سانت ليغو 1.9 المعدّل أمر، وأن يصوّت نواب كتلة سائرون من حزب الإستقامة على القانون أمر آخر. فتصويت نواب الإستقامة على القانون يبعث برسائل عدّة ولأطراف عدّة، وعلينا قراءتها بدقّة وإتّخاذ موقف من هذا الحزب ورسائله وتحالف سائرون بشكل عام، من خلال طرح السؤال التالي: هل سائرون "عدا النائبين الشيوعيين" وبعد تصويتها على قانون سانت ليغو المعدّل، جادّة في رفع شعار الإصلاح؟

عودة لرسائل الصدريين، فأنّ إحداها موجهّة الى البيت الشيعي رغم الخلافات الظاهرية بينهم والتي لن تصل مطلقا الى خلافات جوهرية، وهي أنّ شعار الإصلاح كان لابد من رفعه لإحتواء الشارع العراقي الذي بدأ المدنيون والشيوعيون التواجد الميداني والتأثير فيه وإن ببطء من خلال تظاهراتهم المطلبية. والرسالة الثانية، موجّهة الى شركائهم في العملية السياسية من الأحزاب المتحاصصة غير الشيعية ودول إقليمية يهمّها إستمرار الفساد وسوء أوضاع البلد وطمأنتهم من أنّ مطالب الإصلاح لن تنجح،  وهم أي الصدريون سيصوّتون ضد أي قانون إنتخاب يسّهل وصول نواب وطنيين ولو بالحد الأدنى الى البرلمان او الى مجالس المحافظات. والرسالة الثالثة موجهّة لحلفائهم في تحالف سائرون وهي: إفهموا اللعبة، فإننا لن نتخلى عن حلفائنا من أجلكم أو من أجل إصلاح حقيقي، وأنّ تصويتنا لصالح قانون يسمح بلعبكم وبقية القوى المدنية والديموقراطية دورا يعتدّ به في الحياة السياسية بالبلد هو ضرب من الخيال. الكرة الآن في ملعب القوى التي تحالفت مع الصدريين في تحالف سائرون، والتي عليها الإجابة على السؤال التالي: هل الصدريون دعاة إصلاح وهم يعملون على إبعادكم عن تبوأ ولو بضعة مقاعد في مجالس المحافظات وسيسرقون أصوات ناخبيكم من خلال قانون سانت ليغو المعدّل،  وهل بقي معنى للإصلاح، وكيف ستخدمون الجماهير وأنتم لا تمتلكون مقاعد في مجالس المحافظات، وتأثيركم البرلماني لا يعتدّ به لنسبته التي تصل تقريبا الى العدم  خصوصا عند التصويت على القرارات التي تهم حياة الناس أو تطوير ما تسمّى العملية السياسيّة؟

سؤال..

يقول السيد رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي:  أن هذا التحدي "التصويت على قانون سانت ليغو المعدّل 1.9، يطرح الان امام القوى المدنية والقوى الوطنية الاخرى التي تقف بالضد من نهج الاستبداد والمحاصصة، مسؤولية توحيد قواها في ائتلاف واسع، ومضاعفة جهودها والعمل على تحقيق تمثيل يليق بحجم جمهورها في الشارع". كيف ومن هي هذه القوى، وهل الصدريين جزء منها وهم يصوّتون لصالح قانون يكرّس نهج الإستبداد!؟

موقف..

يقول عمّار طعمة رئيس كتلة الفضيلة : "التصويت على نظام سانت ليغو (1,9) اغلق الابواب امام التغيير و الاصلاح السياسي واحكم قبضة القوى السياسية النافذة على الواقع السياسي لأمد غير معلوم".

سانت ليغو بنسخته الإسلامية العراقية هو ترجمة حقيقية للسمسار وتاجر الجنس والمخدّرات حمزة الشمّري، وقانونه "سانت ليغو" المعدّل في البرلمان العراقي هو قانون حمزة الشمّري سيء الصيت والسمعة. ولا نعتقد بل ونجزم أنّه بقانون حمزة الشمّري 1.9 الذي صوّت لصالحه البرلمان العراقي ومنه الصدريين لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة في طريق الإصلاح.

 زكي رضا
الدنمارك
13/8/2019

125
المنبر الحر / زمن حمزة الشمّري
« في: 03:44 11/08/2019  »
زمن حمزة الشمّري


حمزة الشمّري السمسار والشقي الذي يدير صالات القمار ودور الدعارة،  وتاجر المخدّرات الذي دمّر مئات الآلاف من شابّات وشبّان وطننا، والنخّاس الذي يبيع ويشتري نساء العراق كأية بضاعة رائجة ونحن نعيش عصر الجواري ونكاح المتعة عهد الإسلاميين الأسود ، والذي وبلا أدنى شك ومن خلال علاقته المتينة بساسة ورجال دين وزعماء ميليشيات وعشائر من العيار الثقيل جدا ، له علاقة بكل أشكال الجريمة في عراقنا المبتلى بحكم الإسلام السياسي وعمائمه كتجارة الأعضاء البشرية  وجرائم الخطف وفرض الأتاوات والفساد.  حمزة الشمّري هو نفسه، رجل البر والإحسان، والداعم الكبير للحشد الشعبي ماليا، والرجل الذي يحصل على سيف ذوالفقار من المؤسسة الدينية كونه شيعي مجاهد ومن أتباع الحوزة، وعلى شكر وتقدير من سياسيّة أصبحت اليوم  مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون المرأة، والذي يبدو أنه قد حصل عليه منها لإيمانها بدوره في مجال حقوق المرأة. وهو نفسه من كان يقف الى جانب قائمة نوري المالكي وحزبه في كل إنتخابات، جامعا لها الأصوات بالترهيب والترغيب. حمزة الشمّري صاحب الغرف الحمراء في علب بغداد الليلية، والموائد الخضراء في صالات القمار العلنيّة والمحميّة بقوة قانون الميليشيات والأحزاب الإسلاميّة، هو اليوم قيد الإعتقال.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم هو: هل بإعتقال الحاج حمزة الشمّري، ستنتهي الدعارة الرسميّة وتُغلَقْ دورها المنتشرة في بغداد والتي تعمل تحت سمع وبصر أجهزة الدولة وحمايتها، وهل ستنتهي الدعارة " السرّية" والمعروفة بزواج المتعة، وهل ستُغلق صالات القمار، وهل ستنتهي تجارة النساء والأعضاء البشرية، وهل ستتوقف تجارة المخدّرات، وينتهي عهد الأتاوات والفساد، وهل سنرى نهاية لمافيات وعصابات التسول، وغيرها الكثير من أوجه الفساد والجريمة؟ الجواب سيكون بنعم، لو كان حمزة الشمّري هو بطل هذه الليلة كما يقول المصريون. لكن الحقيقة هي أنّ السؤال سيبقى قائما دون جواب، لأنّ حمزة الشمّري لم يكن الا موظفّا بسيطا في مؤسسة كبرى  وإن كان ذو " شنة ورنة"، ورحيله لا يعني شيئا، لأن هناك حمزة شمّري جديد سيحل محلّه.

في بلد تحكمه المافيا رسميا كالعراق، يعتبر تقديم كبش فداء بين الحين والآخر أمر ضروري عند زعماء المافيا، وحمزة الشمري ليس سوى كبش فداء لزعماء كبار من المافيا. إنها أصول اللعبة التي لا يجيدها صغار الموظفين كالشمري، والأمر لا يختصر على العراق وحده، بل في كل مكان تكون فيه المافيا هي الدولة، أو تتحكم بمفاصل الدولة. ولو عدنا لسنوات ست مضت، سنرى المافيا تنهي في قلب الخضراء ( نمير كريم عبد الحسن العقابي)  وهو أحد كبار أصحاب الأموال بالعراق وقتها ، والمستثمر التي كانت تفتح له خزائن البلد بعد أن ترسو عليه المناقصات من كل حدب وصوب، ليكون كبش فداء لشريكه، كون شريكه كان ولايزال جزء من نسيج المافيا وأذرعها التي تصل الى حيث تشاء ووقتما تشاء.

أنّ الميليشيات الإسلامية والتي كان حمزة الشمري وجه من وجوهها المعروفة، لا يُمكن أن تترك مواردا مالية تقدر بمئات ملايين الدولار سنويا بعد إعتقاله دون إستثمار. فهذه الميليشيات وبعد الحصار الأمريكي على إيران وضعف الميزانية العراقية، وإدراج بعض قياداتها على القائمة الأمريكية السوداء، ستكون بحاجة الى المال لتستمر بنشاطاتها. وليال بغداد هي الدجاجة التي تبيض ذهبا لهذه الميليشيات، وإن كانت غير إسلامية، بل وإن كانت عاهرة.

الطامة الكبرى هي موقف المرجعية التي تتدخل بكل أمور الحياة بالعراق وتدعو لمحاربة الموسيقى أو منع إقامة سيرك للأطفال كما حدث في البصرة قبل سنوات بحجة أنّ الأرض التي سيقام عليها السيرك ملكا للوقف الشيعي، والتي تحارب المدنية بحجة شيوع الإلحاد. هذه المرجعية التي تدعو لمراقبة مواقع التواصل الإجتماعي خوفا على الشباب من الإنحراف، لكنها تغض بصرها تعففا من دور دعارة الحاج  حمزة الشمري وصالات قماره ومواده المخدّرة، فهل الموسيقى والمسرح ومواقع التواصل الإجتماعي رذيلة والدعارة فضيلة في نظرها!؟ 

 العراق الذي يحكمه منذ شباط 1963 عصابات قادمة من الأّزقّة الخلفية، قادر وتحت نفس السلطات كما سلطة اليوم على إنتاج الكثير من أمثال حمزة الشمّري، والحقيقة هو أن الزمن اليوم هو زمن حمزة الشمّري.



زكي رضا
الدنمارك
8/8/2019

 







126


نوري المالكي بين مادلين طبر وعازفة كمان

على خلفيّة إفتتاح بطولة غرب آسيا لكرة القدم في مدينة كربلاء، وعزف منفرد لآلة الكمان من قبل الفنانة اللبنانية جويل سعادة صاحبت فيها نشيد موطني مع رقصة  لفتيات يمثّلن العلم العراقي بملابسهنّ المحتشمة وسراويلهنّ الطويلة.  فقد زعيم حزب الدعاة (نوري المالكي) أعصابه، ما دعاه لإصدار بيان بإسم حزبه "غير" الفاسد والحرامي والمؤمن جدا جدا!! يدين فيه ويستنكر ما أسماه بحفل موسيقي راقص، كون الحفل أقيم في ملعب مدينة كربلاء ويعتبر تجاوزا على حرمة المدينة وقدسيتها!! فهل هناك مدن مقدّسة، أم هناك أماكن ومراقد وأضرحة مقدّسة؟

من الخطأ إعطاء صفة القداسة لأية مدينة بالعالم، ومن الصواب منح صفة القداسة لأماكن أو أضرحة أو مراقد من قبل المؤمنين بها. أي أنّ وجود مقام مقدّس عند المؤمنين به في مدينة ما، لا يمنح المدينة بأكملها صفة القداسة. فعلى سبيل المثال فأنّ الحدائق البهائيّة المقدسّة عند البهائيين والتي فيها ضريحان لأبرز رجلي دين بهائي، لا تعني أنّ مدينة حيفا حيث تقع الحدائق ، مدينة مقدّسة. ومعبد (هارمندير صاحب) المقدّس عند السيخ، لا يمنح مدينة (أمر يتسار) في البنجاب صفة القداسة. ووجود مراقد الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد وأبي حنيفة النعمان وعبد القادر الكيلاني والعشرات من أضرحة الأولياء والصالحين ومنهم أضرحة وكلاء الإمام المنتظر عند الشيعة في بغداد ، لا تمنح مدينة بغداد صفة القداسة. فالمدن بشكل عام غير طاهرة، والطهارة هنا تعني القداسة. ولكي لا نخوض في هذا الموضوع مطولا، فأن دور البغاء السرّية منها والعلنيّة،  واللواط والمتعة  وأماكن اللهو  منتشرة  في كل مدن الأرض وكذلك الخمر والميسر،  وما من مدينة بالعالم لاتُسْمَع فيها أصوات الموسيقى والغناء، فهل المدن التي فيها كل هذه الموبقات من وجهة النظر الإسلامية  هي مدن مقدّسة!؟  وكربلاء التي فيها الضريحين المقدّسين للإمام الحسين بن علي وأخيه العباس وبقية شهداء الطف هي مدينة كباقي مدن العالم ومنها مكّة المكرّمة نفسها،  فيها كل أشكال الموبقات، وعليه فالمقدّس فيها هي تلك الأضرحة والمقامات فقط.

لو إننا وافقنا المالكي الرأي وهو يصدر بيانا على أنّ إفتتاح البطولة كان عبارة عن  " حفل موسيقي راقص يعدّ تجاوزا على حرمة المدينة وهتكاً لقدسية مدينة الامام الحسين عليه السلام" ومطالبته الحكومة العراقية بفتح " تحقيق عاجل لمحاسبة المقصرين ومن يقف خلف هذا التجاوز الفاضح على حرمة المدينة المقدسة، سواء كانت الحكومة المحلية او وزارة الشباب والرياضة او الاتحاد العراقي لكرة القدم، لضمان عدم تكرار هذه الأفعال  مجددا"،  ولو إننا أتفقنا مع المالكي حول قدسية كربلاء كمدينة لأنها تضم ضريح الإمام الحسين وأخيه العبّاس، فعلينا الإتّفاق وفق وجهة نظره من أنّ بغداد التي تضم ضريحي إمامين شيعين هي مدينة مقدّسة أيضا. وبالتالي علينا عدم السماح لأي حفل راقص فيها وفق وجهة نظر المالكي طبعا، وهنا سنقف أمام سؤال كبير على المالكي وحزبه الإجابة عليه وهو: أن لماذا سمح المالكي بإقامة حفل غنائي برعايته في عيد الصحافة العراقية ببغداد في شهر آب / أغسطس 2016 ، أحيته المطربة اللبنانية مادلين طبر!!

 

مادلين طبر وبرعاية السيد نوري كامل المالكي تغني على حدائق الزوراء في بغداد حيث الكاظمين.

لقد كانت الفتاة التي تعزف على الكمان مع أنغام موسيقى النشيد الوطني العراقي، أكثر حشمة بكثير من المطربة مادلين مطر أيها الدعاة الذين تجيدون الصمت أمام هبلكم ، وأنتم تنهبون وتسرقون البلاد والعباد. كما وأن الأموال التي خصصت للعازفة في ملعب كربلاء لا تساوي شيئا أمام الأموال الطائلة التي صرفت لمادلين طبر وهي تتلوى بثوبها الفضي الغير محتشم إسلاميا أمام ناظريكم، وهي تحيي حفلتها في متنزه الزوراء بخيمة كلفت الدولة عشرات آلاف الدولارات، في الوقت الذي يعاني فيه نازحوا " شعبكم" من نقص في الخيام وهم يفترشون العراء  هربا من تنتظيم داعش، بعد أن سلّم زعيمكم ثلث مساحة البلاد لها حينما كان قائدا عاما للقوات المسلحة وقتها. وكنتم أيضا من الحاضرين في الحفلة التي أقامتها نفس المطربة في نادي العلوية في كرادة بغداد، هذه المنطقة التي فيها مرقد " السيّد إدريس بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المجتبى بن علي بن ابي طالب ( عليهم السلام ) "!! فلم لا تكون الكرادة مقدّسة، ويمنع فيها حفلات الرقص والغناء كما كربلاء، أم يحل لمادلين المالكي ما لا يحلّ لعازفة كمان راقية؟
 

مادلين طبر تغني في نادي العلوية  قرب مرقد " السيّد إدريس بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المجتبى بن علي بن ابي طالب ( عليهم السلام ).

نعم، على الحكومة أن تفتح تحقيقا كما جاء في بيان حزب الدعوة. لكن التحقيق يجب أن يشمل كل الأمور، وليس حفل إفتتاح بطولة غرب آسيا لكرة القدم فقط. على الحكومة أن تفتح تحقيقا واسعا وشاملا في أحداث قاعدة سبايكر وتسليم الموصل لداعش، عليها أن تفتح تحقيقا واسعا وشفافا حول إحتلال حزب الدعوة لمطار المثنى، عليها أن تفتح تحقيقا لهدر الأموال العامة عهد المالكي وسرقة مئات مليارات الدولارت، عليها أن تفتح تحقيقا حول المدارس الهيكلية والطينية ومدارس الهواء الطلق عهد الدعاة والإسلاميين!! عليها أن تفتح تحقيقا في كل صغيرة وكبيرة دمّرها المالكي وحزبه وهم ينهبون ويسرقون البلد وثرواته.
 

عازفة الكمان التي أشاعت بعزفها الفرح في الملعب، الفرح الذي سرقه المالكي ورهطه من أبناء شعبنا ووطننا.


ماذا يريد المالكي أن يفعل منظموا حفل إفتتاح بطولة كرة قدم إقليمية، يشارك فيها بلدان عربية عدة وهدفها رفع الحظر عن الرياضة العراقية؟ هل يفتتحون البطولة وينهوها بلطمية لباسم الكربلائي مثلا، والذي لن يقبل بمبلغ يقل عن المبلغ الخيالي الذي تقاضته مادلين طبر!!؟

اللي أختشو ماتو" مثل مصري" 

زكي رضا
الدنمارك
2/8/2019


     
























127



مساء الأمس وكعادتي اليومية كنت في مقبرة مدينتي الصغيرة، لأسقي الزهور التي تزيّن ضريح صغيري الراقد هناك بهدوء والأشجار تظلل مرقده والمكان. وحالما جلست لأعدل من لعبه التي تنتشر على ضريحه منذ ساعة رحيله وأنا أناجيه كعادتي، حتى شعرت وكأن شخص ما يتحدث إليّ. فوقفت ملتفتا في أرجاء تلك المقبرة لأرى المتحدّث، وإذا به صغيري نفسه. للحظات، شعرت وكأنّ روحي قد خرجت من جسدي وأنّ القيامة قد قامت، فأرتعش كل شيء في جسدي خوفا ورعبا. الّا إنني وكأب تقدمت منه لأحتضنه وأقبله، فأبتعد عني بقدر تقدمي نحوه، وأستمر الحال هكذا للحظات.

سألته متعجبا عن سبب خروجه من ضريحه وحديثه إليّ، وإبتعاده بنفس الوقت عني كلما تقدّمت نحوه. فنظر في عينيّ وهو يقول: لقد جئتك برسالة عليك إيصالها للسيّد مسعود البارزاني! مسعود البارزاني، أجبته وأنا شديد العجب من طفل فارق الحياة ولم يبلغ الرابعة من عمره؟ نعم، أجابني بثقة وهو يقول، سوف يأتي بعد قليل ملاك من الجنة التي نقيم فيها نحن الأطفال، لينقلك الى صحراء مدينة أسمها السماوة وأظنك تعرفها جيدا، فهي من مدن العراق الذي أنت منه.  نعم أعرفها، ولكن إلى أي مكان في تلك الصحراء الواسعة سينقلني الملاك؟ إلى مقبرة جماعية فيها عدد من الأطفال الكورد وأمّهاتهم، مقبرة من مقابر البعث التي تملأ أرض بلدك، ولتذهب معهم الى حيث يقيم البارزاني في سه ري ر ه ش. وكأنني أحاور شخصا بالغا قلت له مستفسرا، لكنك قلت للتو من أنّك قادم من جنّة الأطفال التي في السماء، فلماذا لا يقيم فيها أطفال تلك المقبرة الجماعية. فأجابني وإمارات الأسى بادية على وجهه الجميل، أنّ الأطفال هؤلاء لا يريدون دخول الجنّة إلّا إذا وصلت رسالتهم للسيد مسعود البارزاني.
لم يطل الحديث بيننا طويلا، فالملاك الذي أخبرني عنه صغيري ما لبث أن هبط من السماء، ليحملني وأنا أودّع صغيري والحزن يلّفني وكأنني فقدته للتو، الى صحراء السماوة الحارقة ..   

في صحراء السماوة الحارقة حيث الرمال تمتد الى الأفق غير المتناهي وكأنها قطعة من جهنم، هبط بيّ الملاك عند تخوم قبر جماعي فيه أجساد نسوة وأطفال رضّع ورؤوس إستقرّت فيها رصاصات جبانة في وقت ما. تقدّمت بخطى ثقيلة نحو القبر، فإذا بنسوة عليهنّ بقايا ملابس كانت زاهية يوما، وهنّ يحملنّ أطفالهنّ الرضّع ومعهنّ أطفال صغار يتقدمون نحوي. فتوقفت والملاك بعد أن تقدّم منا أحد الأطفال ليسألني، إن كنت أنا من سأقوم والملاك بنقل أمّهاتهم الى مقر السيد مسعود البارزاني لعرض رسالتهم عليه. نعم، أجبت وأنا التفت الى الملاك الذي رأيته يفرش جناحيه ليطير بنا الى سه ري ر ه ش، بعد أن عادوا جميعا للحظة الى القبر، ولتخرج منه النسوة فقط ومعهنّ أكياس لم أرى ما في داخلها، فطرنا الى حيث يقيم البارزاني.

لحظات وكنت وأمّهاتهم قرب مقرّ البارزاني، والذي جاءه خبر قدومنا من حرسه المتعجب من هبوط ملاك ومعه العشرات من النسوة. ففتح لنا الحرس أبواب مقر إقامة البارزاني بأدب جم وتعجب أكبر وأشّد.  وما أن حضر البارزاني مرحبّا بالجمع، وليسأل عن النسوة ومن أين أتين وما سبب زيارتهنّ. حتى تقدمت إحدى النسوة وبيدها كيسها المغلق كالذي بيد النسوة الأخريات وقالت: نحن نسوة كورد ومن ضحايا الأنفال أيها السيد مسعود البارزاني، وكنّا نعيش كما باقي فلاحي الكورد البسطاء والفقراء في قرانا آمنين، حتى فتح النظام البعثي علينا أبواب جهنم وأبادنا كما أباد حلبجة والبارزانيين والكورد الفيليين والملايين الآخرين من شعب العراق.

السيد البارزاني: إن العالم بأكمله يعرف كما أنت  أن نظام البعث هو من أرتكب جريمة الأنفال، وقد رأينا بأنفسنا أجهزتهم العسكرية والأمنية وهي تعتقلنا وتنقلنا الى حيث صحارى الجنوب وتقتلنا بدم بارد. ولسنا بالحقيقة هنا لنقول لك ذلك، فقولنا أن البعثيين مجرمين وقتلة  لا يحتاج الى برهان، ولسنا هنا لنقول أنهم دمروا قرانا وهتكوا أعراضنا وأنفلوا ما نخجل من ذكره لتفاهته وهو الآخر لا يحتاج الى برهان ودليل،  ولسنا هنا لنشكوك من وجودهم في البرلمان الأتحادي وفي أجهزة الدولة المختلفة. إننا هنا أيها السيد البارزاني لنشكو من دلّ البعثيين على قرانا الآمنة، من تقدم صفوفهم وهم يحشروننا في السيارات العسكرية الى حيث مقتلنا وأطفالنا. إننا هنا لنشكوك الجحوش الذي كانوا أشّد فتكا بنا من البعثيين، إننا هنا لنسألكم أن لماذا لم تحاسبوا قائدا منهم، إننا هنا لنسألك متعجبين: أن كيف تصرفون لهم وعوائلهم رواتب خيالية!!

صمت البارزاني للحظات، وقبل أن يبدأ الحديث فتحت النسوة أكياسهنّ ورمين رؤوس أطفالهنّ التي ثقبها رصاص الجبناء بين أرجل السيد البارزاني قائلات: الأمر يعود إليك أيها السيد البارزاني، فأطفالنا يرفضون دخول الجنّة ونحن معهم  لأنّهم يريدون رؤية الجحوش في أقفاص الأتهام. هذه جماجم أطفالنا أمامكم ، فأمّا أن تركلوها الى حيث أرجل الجحوش ليتلاعبوا بها، أو يضعوها على موائد طعامهم الدسمة والمنهوبة من جيوب فقراء الكورد، وأمّا أن تثبتوا للشعب الكوردي قبل أن تثبتوا لنا من أن إمتيازات الجحوش والذين تعرفهم أكثر منّا ستنتهي بقانون، وأن لا مكان لهم في الحقل السياسي بكوردستان بعد اليوم. من المعيب أيها السيد البارزاني أن يكون القتلة طلقاء، والمقابر الجماعية شاهدة على إجرامهم ودناءتهم. السيد البارزاني، هناك من يتعامل بالمثل بين الجلاد والضحية، لكن أن يكون الجلاد مكرما معززا والضحية تصرخ (وإذا الموءُودة سئلت . بأي ذنب قُتِلَتْ)، فأنها وقسما بأطفال الكورد في مقابرهم الجماعية لقسمة ضيزى كما تقول العرب.

زكي رضا
الدنمارك
27/7/2019
   



128



للأحزاب الشيعية وجماهيرها  و"مثقفيها" عقدة من ثورة الرابع عشر من تموز وقيادتها، وعلى الأخص زعيمها عبد الكريم قاسم. على الرغم من أنّ الثورة أنصفت الشيعة كطائفة  بعد أن عانوا الأمّرين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتّى قيام الثورة، ناهيك عن تهميشهم وقمعهم طيلة العهد العثماني وإحتلاله  للعراق. ولو توخينا الدقّة أكثر، فأنه ونتيجة  لفساد السلطات التي تلت عهد ثورة 14 تموز وإستهتارها بمقدّرات شعبنا ووطننا ومنها سلطة المؤمنين بالله اليوم، فأن هناك من ركب موجة العداء لثورة تموز ونتائجها محمّلين إياها ما آلت إليه أوضاع العراق اليوم، وكأنّ شعب العراق كان يعيش ببحبوحة من العيش الرغيد في ظل النظام الملكي الإقطاعي المرتبط بلندن. ومن هؤلاء أعداد لا بأس بها من "اليساريين" والليبراليين علاوة على البعثيين ، وأعداد كبيرة جدا من الأجيال التي ذاقت مرارة الحروب والحصار والفساد وخصوصا من أهالي الجنوب الشيعة أنفسهم، هؤلاء الذين أنصفت ثورة تموز آبائهم وأجدادهم بعد أن أعادت لهم كرامتهم التي فقدوها في ظل الحكم الملكي وهم يعانون الذل وسياط الإقطاع تلهب ظهورهم.

يحاول الكثير من الناقمين على ثورة الرابع عشر من تموز إظهارها وكأنها أنهت نظاما ديموقراطيا، أو على الأقل نظام  يسير بنهج ثابت نحو الديموقراطية.  ويتباكى الكثير منهم على مصير العائلة المالكة ومقتلها، والذي هو بالتأكيد أمر مرفوض وجريمة بشعة، محمّلين قيادة الثورة مسؤولية مقتلهم مع سابق إصرار وترصد! على الرغم من أنّ الأحداث التأريخية وهي لا زالت طريّة  تشير الى غير ذلك، كما وأنهم يصفون الثورة بالوحشية والهمجية وهنا يلتقون مع رأي السفير الأمريكي بالعراق والديمار ج. غالمان الذي وصف التظاهرات العارمة في بغداد بعد ساعات من إعلان الثورة من أنها "لا تمثّل العراقيين  بل رعاعا جمعهم المحرضّون"! (1)

إنّ الذين يهاجمون ثورة الرابع عشر من تموز والتي بلا شك لها أخطائها كأية ثورة أو إنتفاضة أو تحرك جماهيري واسع ويلصقون بها شتّى التهم، يحاولون لي عنق الحقيقة عن طريق فتح أبواب تلك المرحلة بإرهاصاتها وأحداثها العاصفة  بمفاتيح اليوم، ناسين أو متناسين أنّ الذين قادوا الإنقلاب العسكري والذي تحول الى ثورة كما سنتاوله لاحقا، هم رجال عسكريون بالدرجة الأولى، رغم تنسيقهم مع عناصر مدنية  حزبية  من خلال جبهة الإتحاد الوطني. وهؤلاء لا يريدون بالمرّة مقارنة  ثورة الرابع عشر من تموز في بغداد 1958 ، مع ثورة الرابع عشر من تموز في باريس 1789 . تلك الثورة التي أنهت النظام الملكي وأعدمت الملك وزوجته والآلاف غيرهما بالمقصلة، والتي كان تأسيس الجمهورية العلمانية الديموقراطية أحد أهم أهدافها،  قبل أن تتحول فرنسا بعد نجاح الثورة الى جمهورية إستبدادية عسكرية، وليدفع زعيمها روبسبير حياته  تحت المقصلة التي أعدم بها الآلاف من الفرنسيين.  ونحن نقارن بين الحدثين في بغداد وباريس، علينا أن نميّز بين الشعبين وتطورهما الفكري والسياسي والعلمي والثقافي، قبل أن نحمّل ثورة تموز ما لا تتحمله للفرق الكبير بين طبيعة الشعبين .

بعد ساعات على إعلان الثورة "إزدحمت العاصمة بالناس- "شرقاوية" وآخرين- والكثير منهم بمزاج قتالي، يوحدّهم شعور واحد: "الموت للخونة  وعملاء الأمبريالية". وكان الأمر يشبه موجة المدّ الآتية، التي لفّت أولا، وبعنف، بيت نوري السعيد والقصر الملكي، ثم سرعان ما إمتدّت الى القنصلية والسفارة البريطانيتين وقصور أخرى، وأصبحت مرعبة وساحقة في زحفها الى درجة أن العسكريين الثوريين- القلقين ممّا يحدث- أعلنوا منع التجول، ثم أعلنوا في وقت لاحق بعد الظهر الأحكام العرفية. وبعد أن إنحسرت الحشود في النهاية، وبعد هبوط الظلام، كان تمثال فيصل، رمز الملكية، ملقى مفتتا على الأرض، وكانت صورة الجنرال مود، فاتح - محتل- بغداد ملقاة في الغبار خارج المستشارية البريطانية القديمة المحروقة" (2) من خلال ما جئنا على ذكره، نكتشف ومن مصدر محايد وأكاديمي من أنّ العسكر فوجئوا بالتحرك الجماهيري وشدّته ونتائجه ما دفعهم لإعلان منع التجول وإعلان الأحكام العرفية بعدها، كما نكتشف بؤس أعداء الثورة وبكائهم على الجنرال مود الذي إحتل بغداد، والذي كافأه النظام الملكي المرتبط بلندن بوضع تمثال له في قلب عاصمة  بلدهم.

 

الزعيم عبد الكريم قاسم يزور المرجع الشيعي الأعلى السيد محسن الحكيم الذي غدر به وبثورته في المستشفى

لم تكن ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حدثا فوضويا ولا حدثا آنيا، بل تعود ولكي نضعها في سياقها التأريخي الى تراكم أحداث سبقتها بعقود. فالعراق لم يكن هادئا يوما ولا خانعا يوما لإملاءت الإنكليز وأذنابهم الملكيين، بل كان مرجلا ينتظر ساعة الإنفجار. فالإنتفاضات والإضرابات والإنقلابات العسكرية ، وقصف المناطق الريفية وإحتكار السلطة والتمييز الطائفي في توزيع المناصب.  كانت بالحقيقة هي تراكمات كمّية ونوعية  لذلك اليوم الذي وجدت فيه الجماهير المسحوقة  نفسها في أتون معركة حياة أو موت، فأختارت الحياة وأنطلقت الى قلب المعركة  فحسمتها بعد أن أظهرت قوتها في الشارع،  ما منع من أي ردود أفعال تذكر من قبل مناصري الملكية وأعوانها وأتباعها على مستوى البلد بأكمله.

في جملة ذات مغزى وقد تفسّر أحداثا تقع بعد عقدين ونصف العقد من تأريخها وصل السياسي العراقي جعفر ابو التمّن بتأريخ الأول من تشرين الثاني /نوفمبر 1933  الى "درجة من الخيبة بحيث أنه ما عاد يؤمن بإمكانية الحصول على السلطة بالطرق الديموقراطية  وذلك لقناعته  بأنّ العراق كان له إسم الحكم الإنتخابي لا واقعه".(3)

ويبدو أن هذه المقولة لا زالت ولليوم تحمل الكثير من الصحة  والديمومة، خصوصا إذا عدنا للإنتخابات التي أجريت يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 1934 والتي تلاعبت حكومة المدفعي الجديدة  وقتها "بعمليات الإقتراع وضمنت إنتخاب مرشحيها وأولئك الذي دفعوا مبالغ ضخمة للحصول على كرسي النيابة" (4) . لذا فأن بكاء الإسلاميين وبقية أعداء ثورة تموز تبدو مفهومة والتأريخ السياسي البرلماني العراقي  يعيد إنتاج نفسه بنفس الوجه البشع والقبيح، حيث بيع المناصب الوزارية وشراء المقاعد النيابية كما الأمس تجري على قدم وساق وبشكل علني. وقبل الإنتقال الى حدث الرابع عشر من تموز إن كان ثورة أم إنقلاب، دعونا ننهي فظاعات وإستبداد النظام الملكي الذي يتباكى الكثير عليه اليوم، نتيجة إنحسار الوعي ومحاولة الإسلام السياسي عزل شعبنا عن  تأريخه، من خلال حدثين.

أولهما  إعتراف مضحك مبكي لأحد رجالات العهد الملكي  وهو عبد الكريم الأزري النائب والوزير في تلك الفترة إذ يقول "في صبيحة يوم من أيام تشرين الأول سنة 1943 إتصلّ بي قريبي السيد حسين النقيب الرفيعي بالهاتف قائلا  لي أهنؤك من صميم قلبي ، فسألته عن ماذا تهنؤني؟ أجابني على فوزك بالإنتخابات النيابية، ألم تسمع الإذاعة؟ فقد ذكرت إسمك بين الفائزين في الإنتخابات النيابية عن لواء العمارة (محافظة ميسان حاليا) .. وقد تبين لي فيما بعد أن ما أنبأني به السيد حسين النقيب الرفيعي كان صحيحا. وإنني قد أُنتخبت عن لواء العمارة، وأنا لا أدري، ولم أراجع أحدا من الناخبين ولا من المنتخبين الثانويين- وكانت الإنتخابات تجري وقتئذ على درجتين- ولا أحدا من رجال الإدارة المحلية ولا حتى وزير الداخلية" ويعلّق الأزري على ذلك " وهكذا جئت الى مجلس النواب عن غير علم ولا رغبة  مني وبدون أن أبذل جهدا في ذلك. لقد إنتخبني في الواقع من الأمر نائبا عن لواء العمارة الحكومة ممثلة بوزير داخليتها.. (5)   

والحدث الثاني وهو من جنس المضحك المبكي أيضا وهو خسارة السياسي الشيعي جعفر ابو التمن لإنتخابات عضوية المجلس التأسيسي في قطاع الكاظمين وهي منطقة شيعية خالصة  فقد "حصل جعفر على 19 صوتا، بينما حصل في نفس المنطقة عبد الجبار الخياط ، المرشّح المسيحي على 32 صوتا، وحصل المرشح اليهودي مناحيم دانيال على 26 صوتا!!" (6) . إن الكارثة من هذه الأرقام وإنتخاب الأزري كبيرة جدا ، وتعتبر مقياسا لفساد النظام الملكي وإستبداده . لكن هذا الفساد والإستبداد  اليوم أصبحا دلالة على همجية ثورة تموز وزعيمها، كون الثورة أنهت هذا النظام "الديموقراطي"  وفتحت على العراق ابواب الجحيم بنظر الإسلام السياسي ومن على دربهم من بعض اليساريين الناقمين  والليبراليين ومن يدّعون العلمانية والمدنية الذين يريدون تحميل ثورة تموز المآل الذي آل إليه العراق وشعبه!!

 

المرجع الشيعي الأعلى السيد محسن الحكيم مع طاهر يحيى التكريتي (ابو فرهود)
من مجرمي إنقلاب الثامن من شباط الأسود التي قتلت الزعيم عبد الكريم قاسم في يوم رمضاني وهو صائم !!

هل أحداث الرابع عشر من تموز 1958  ثورة أم إنقلاب؟  يقول كارل ماركس في تعريفه لمفهوم الثورة "أن كل ثورة تلغي المجتمع القديم هي ثورة اجتماعية ، وكل ثورة تلغي السلطة القديمة هي ثورة سياسية". ولكي نبسط هذا التعريف  الماركسي للثورة، دعونا نعود لما جاء به حنا بطاطو حول أحداث الرابع عشر من تموز إذ يقول: "يجب أن لا يقتصر حقل الرؤيا عندنا على ما سبق أحداث 14 تموز (يوليو) بل أن يشمل أيضا ما تلاها. والواقع أن إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة يكفي لجعلنا نعرف أننا أمام ثورة أصيلة. ولم يكن لظاهرة سياسية سطحية أن تطلق كل تلك المشاعر بهذا العنف، أو لتثير المخاوف أو الآمال بهذه الجدية التي غزت سنتي 1958 – 1959 . والواقع أنّ 14 تموز (يوليو) أتى معه بأكثر من مجرّد تغيير في الحكم. فهو لم يُدّمر الملكية أو يُضعف كل الموقع الغربي  في المشرق العربي بطريقة جذرية وحسب، بل أنّ مستقبل طبقات بأسرها ومصيرها تأثّر بعمق. ولقد دمّرت الى حد كبير السلطة الإجتماعية لأكبر المشايخ ملّاكي الأراضي ولكبار ملّاكي المدن، وتعزّز نوعيا موقع العمال المدينيين والشرائح  الوسطى والوسطى الدنيا في المجتمع. وتغيّر كذلك نمط حياة الفلاحين نتيجة لإنتقال الملكية من ناحية ولإلغاء  أنظمة النزاعات القبلية وإدخال الريف في صُلب القانون الوطني من ناحية أخرى. وصحيح أنّ الثورة لم تتجذّر بالعمق بما يكفي، ولكن هذا ما يميل الى تمييز كل الثورات التي تلعب فيها عناصر الطبقة الوسطى دورا تقريريا تقريبا. وصحيح كذلك أنّ التيه ميّز مسار الثورة وأنها كانت لها تعاقبات صعود وهبوط، ولكن هذا ناجم عن عدم إنسجام الطبقة الوسطى وعن الإنشقاقات في صفوفها وصفوف الضباط الأحرار، الذي هو ذراعها المسّلحة والشرعية القائدة فيها". (7)

لو تجاوزنا هنا الإختلاف في وجهات النظر حول إن كان حدث 14 تموز ثورة أم إنقلاب، وأتّفقنا مع الرأي الثاني الذي يروّج له الإسلاميون وجيوشهم الألكترونية  ومعهم آخرون إكتشفوا فجأة أنّ 14 تموز هي سبب مشاكل العراق اليوم، وأنّ النظام الملكي كان ملائكيا في تعامله مع أبناء شعبنا وحريصا على كرامة وإستقلال وطننا وأن إستمراره كان سينقل العراق الى مصاف الدول المتقدمة!! وإتّفقنا معهم أيضا من أنّ ضباطا مغامرين غيّروا مسيرة التأريخ بالعراق بدباباتهم ورشاشاتهم التي أودت بحياة الديموقراطية  والتقدم والرفاهية التي كانت من أهم سمات العهد الملكي الزاهر!!  فمن حقّنا هنا أن ننظر الى إنجازات هؤلاء الإنقلابيين خلال فترة حكمهم "الكارثية" التي لم تتجاوز الخمسة أعوام وما تركوه لنا ساعة رحيلهم  ونقارنها بما تركه لنا البعث الفاشي ساعة رحيله في التاسع من نيسان 2003 وهو على رأس السلطة  لثلاثة عقود ونصف، وما نعيشه اليوم تحت ظل العمامة والأحزاب الإسلامية ومعها كل أحزاب المحاصصة التي وصلت الى الخضراء على متن دبابة أمريكية وليس على متن دبابة خرجت من معسكر المنصورية  بديالى، سلطة  صاحبة أكبر ميزانيات العراق بكل تأريخه والتي بددتها لفسادها وسرقاتها وتهريبها وجرائمها. ستة عشر سنة والأحزاب الحاكمة بالعراق وفي مقدمتها الإسلامية لم تستطع أن تبني عُشْر ما بنته ثورة الرابع من تموز ولن تبني. فهل الضابط الإنقلابي المغامر سبب  تدمير العراق، أم الذين قتلوه وثورته  من بعثيين وقوميين عربا وكوردا ومراجع دين وزعماء عشائر وبقايا الإقطاع..!!؟

لو تركنا موقف تيارات من العلمانيين والليبراليين والمحسوبين على اليسار من ثورة تموز ومحاولاتهم المستمرة للنيل منها، فإن موقف الإسلاميين منها هو موقف تمليه مصالحهم التي هددتها ثورة تموز بقرارتها.  فتدمير العلاقات الإجتماعية المتخلفّة بسلسلة قوانين المرأة والعشائر والإصلاح الزراعي، هدّدت المصالح القديمة الجديدة التي تربط المؤسسة الدينية الشيعية بالإقطاع وملّاكي الأراضي منذ القدم ولليوم. وما شكل العلاقات الإجتماعية  المتخلفة اليوم والأحزاب الشيعية على رأس السلطة، وترسيخها لدور العشيرة  مقابل دور الدولة التي تهينها المؤسسة الدينية الشيعية  بتدخلها المباشر بتركيبتها نتيجة وصايتها على المشهد السياسي بالبلد، الا ترجمة لأهم أسباب معاداة الأحزاب الشيعية  و "مثقفيها"  ليس لثورة تموز وحسب، بل لكل ما هو مشرق وإنساني في بناء علاقات إجتماعية متجانسة. ففي باب حقوق المرأة مثلا والتي جسدتها ثورة تموز بقرارات ثورية، نرى المثقفين الشيعة  يتوارون عن الأنظار عندما يتعلق الأمر بزواج القاصرات وفق المذهب الجعفري، أو إباحة الزواج من الرضيعات وتفخيذهنّ وفق نفس المذهب، ولا يستطيعون الحوار حولهما وخصوصا الزواج  من الرضيعة والتي تعتبر شكل من أشكال البيدوفيليا.   ولازال الكثير من "مثقفي" الشيعة  يشعرون بدواخلهم بالعار على ما يبدو وهم يرون مرجعيتهم وهي تتحالف مع أكبر الأحزاب فاشية بالعراق لإغتيال ثورة تموز، والتي بإغتيالها دخل العراق الى النفق البعثي المرعب، وليخرج منه مباشرة الى النفق الإسلامي المتخلف .

التأريخ  في العراق يكتبه الجبناء والخونة والجواسيس.. لكن الى حين.

 

(7) العراق الكتاب الثالث لحنا بطاطو  ص 115

(2) نفس المصدر ص 114 – 115

(3) محمد جعفر ابو التمن ، دراسة في الزعامة السياسية العراقية . د. خالد التميمي ص 331

(4) المصدر السابق ص 349

(5) ثورة في العراق 1958 – 1963 : نقد تجربة الدولة العراقية  في العهدين الملكي والجمهوري. جعفر الحسني ص 55 .

(6) محمد جعفر ابو التمن ، دراسة في الزعامة السياسية العراقية . د. خالد التميمي ص 197

(7) العراق الكتاب الثالث لحنا بطاطو  ص 116



زكي رضا
الدنمارك
17/7/2019

 

 

 

 

 





129
الشهيد ستار خضير في ذكرى إستشهاده الخمسين


من الكحلاء وبطائح الجنوب حيث الماء الذي خُلِقَ منه كل شيء حي، طُهِّرَ مولود بتعميده  (المصبتا) ليخرج من العالم السفلي الى العالم العلوي ، عالم النور والضياء. طُهِّرَ بماء دجلة الخير، ليرتبط من خلال النهر الخالد ببلاده وشعبه، وليبحث عن نور يبدد الظلام والظلم اللذان يحيطان بهما. وما أن تعلّم أبجديات الحياة وهو يعايش الفلاحين والصيادين الفقراء حتى هداه فكره الوقّاد الى حيث النور ينبع من النهر الثالث في العراق، ومن حينها وحتى ساعة ولادته السرمدية في الثامن والعشرين من حزيران عام 1969 ، كان الدفاع عن مصالح الناس والوطن وهو يخوض نضال شرس في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، شاغله.

الشاب الكحلاوي الذي عارك الحياة بإيمان الشيوعي وأحلامه، إنتقل من محطّة نضالية الى أخرى وكأنّه ينتقل من زهرة الى زهرة، فالمحطات النضالية على قسوة العمل فيها كانت بالنسبة لهذا الشاب حقل زهور. فتراه متظاهرا في وثبة شعبه العام 1948 ، وفي إنتفاضته العام 1952 ، وسجينا ومطاردا ومنفيا.

تراه في العمارة  وبدرة وفي بغداد وديالى والموصل وكركوك، وهو يبني ويرمّم تنظيمات الحزب ويصونها وهي تتعرض لأشرس الهجمات، تراه في ذرى جبال كوردستان وهو يشرف على فصائل الأنصار  في السليمانية وأربيل، تراه في عيون رفاقه وهي تستمد منه القوة والعزيمة والمضي في طريق الشعب والوطن، تراه في عيون زوجته وأولاده، تراه في عيون أمّه المندائية الطيبة وهي تنظر إليه مضرجا بدماءه وهو يقاوم الفاشيين أعزلا، تراه في عيون فقراء العراق وهو الحالم أبدا بغد أجمل وأبهى لهم.

لا افْتِخارٌ إلاّ لمَنْ لا يُضامُ   مُدْرِكٍ أوْ مُحارِبٍ لا يَنَامُ
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ   ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

وَلَوَ أنّ الحَيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ   لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّجْعَانَا
وَإذا لم يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ   فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَبَانَا

أبيات من شعر المتنبي تزيّنُّ شاهدة قبر الشهيد الحي ( ستار خضير)، وهي تعبّرعن إسترخاص الشهيد لدماءه وحياته وهو يواجه الموت بشجاعة المؤمن بإنتصار قضيته. فالشهيد ستار خضير وقف بوجه الموت مرّات ومرّات، متحديا إياه بشجاعة وقوة لا تلين وهو أي الموت نائم. وحتى وهو يغمض عينيه بعدما زرع الفاشيون في جسده الطاهر رصاصاتهم الجبانة الغادرة القاتلة، فأن الردى ظلّ نائما ولليوم. وإلإحتفال بذكرى إستشهاده الخمسين دلالة على هزيمة الموت وإنتصار ستار خضير.

وعودة للمتنبي فلا شك من أنّه يعنيه وهو يوصف الشجاعة والبطولة عند قادة كالشهيد ستار خضير فيقول:

وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ   كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ

المجد وأكاليل الغار للشهيد المندائي والشيوعي النبيل والشجاع  ستار خضير،  والعار كل العار للقتلة المجرمين.

زكي رضا
الدنمارك
25/6/2019



130
إلى أين يقود المتخلفون العراق ..؟

لو كان هناك أمل ضئيل في تعافي العراق من سرطان العمامة، فالعراضة العشائرية الأخيرة في مستشفى مدينة الطب ببغداد قضت على هذا الأمل وقبرته نهائيا، أو تكون قد أجّلت في أحسن الحالات تعافيه من القيم العشائرية المتخلفة وسلطة العمامة الفاسدة الى وقت يكون الخراب قد أتى فيه على كل شيء في البلاد، وحينها فقط سيشعر العراقيون بهول الكارثة التي أحاقت بهم ودمّرت بلدهم.

العراق في عهده الإسلامي اليوم، عراق ممّزق، فاقد لهويته الوطنية. فالإسلاميّون وهم يعتمدون على العشائر والعمائم في بسط سلطتهم على مقدّرات بلدنا، لا يعرفون الا ثقافة المآتم والمقابر والمزارات، ثقافة عبادة الطقوس التي جعلت بلدنا في آخر سلّم التطور الإنساني والعلمي والثقافي مقارنة ليس مع الدول المتقدمة، بل مع بلدان الجوار الإقليمي التي كنّا متقدّمين عليها في شتى المجالات لعقود خلت. العراق اليوم بلد ليس للعقل فيه سلطان، فالمتخلفون هم من يقودون البلد، والكارثة هي أنّ القطيع يرقص على جثة وطنه أمام هؤلاء المتخلفين.

عراقنا متخلّف وشعبنا متخلّف، وهذه الحقيقة علينا أن نواجهها بشجاعة. فعندما تحتل عشيرة ببيارغها وهوساتها مشفى عام وتحولّه الى ما أشبه بالمضيف العشائري، وتبثّ الرعب والخوف بين الأطباء والمرضى، دون أي تدخل من أجهزة الدولة المختلفة. فهذا يعني إننا نعيش عصر الإنحطاط الفكري والثقافي والأخلاقي، عصر ضياع الكرامة والشرف، عصر غياب الدولة وهي تتهاوى تحت ضربات العقال والعمامة. فما من سلطة تملك ذرّة من الكرامة أو قليل من الشرف تسمح لمثل هذه الأحداث المخزية أن تمرّ دون عقاب، اللهم الّا إذا كانت هي نفسها خريجة المدرستين العشائرية والدينية المتخلفتين.

ماذا أبقيتم من العراق أيها الفاسدون المتخلّفون، والى أين تسيرون به وأنتم تغتالون كل شيء فيه؟ تغتالون بغداد وجمالها بحقد العشائر لكل أشكال التحضر، تغتالون الطفولة حين يقف الأطفال يبيعون سقط المتاع في الشوارع، تغتالون الجمال بإغتيالكم النساء، تغتالون العقل بإغتيالكم التعليم في كافة مراحله، تغتالون آلاف الدونمات الزراعية من محاصيل يحتاجها شعبنا لتستوردوها من دول الجوار بحرقكم لحقولنا، تغتالون الثقافة بكل حقولها وأنتم تبرقعون التماثيل، تغتالون الحريّة وأنتم تشيعون ثقافة العبيد، تغتالون الفرح وأنتم تشيعون ثقافة البكاء والحزن اليومي، والكارثة الأكبر هي إغتيالكم للأمل والأحلام في نفوس الناس. لا أظنّ أنّ فيكم أيّها الفاسدون وأنتم تقودون بلدنا نحو الخراب ،عراقي، وإن كان فيكم عراقي فهو كاره لوطنه حاقد عليه ويعمل على خرابه وتدميره، ولم يشهد التأريخ ولن يشهد سلطة فاسدة وحاقدة على "وطنها وشعبها" مثلكم.

العراق يتهاوى، وعوضا عن نقد الظواهر السلبية في المجتمع وإيجاد حلول علمية لتجاوزها، نرى رجال الدين ومعهم زعماء العشائر يحركون القطيع للوقوف بوجه من ينتقد السلبيات بحجّة المساس بالعادات والتقاليد، أو المساس بالمشاعر الدينية! لكن الطامة الكبرى تكمن في وقوف أدعياء الثقافة الى جانب القطيع ومن يحركه من قوى ولنفس الأسباب. سيقف البعض هنا قائلا، لماذا وصف الناس بالقطيع، وهل هذا الوصف يليق بشعبنا أو جزء منه على الأقل؟ هنا لا نملك ردا واحدا، بل آلاف الردود والتي نستمدها من واقع مأساوي يعيشه شعبنا تحت ظل سلطة العمامة والعقال، أي الدين والعشيرة. وهذا الواقع لا ينحصر في جزء من البلد دون غيره، فالمناطق الغربية حيث السنّة، لا تختلف بشيء عن مناطق الجنوب حيث الشيعة، ولا عن منطقة كوردستان حيث تتحكم السلطة العشائرية الدينية بزمام الأمور.

مشكلتنا بالعراق اليوم ليست العشائر وقيمها المتخلفة فقط، ولا رجال الدين ومؤسستهم وخطابهم المتخلف هو الآخر فقط. بل في أحزاب سياسيّة إسلاميّة ولدت من رحم هاتين المؤسستين المتخلفتين، والتي أنهت مفهوم الدولة وهي تتربع على السلطة منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد الى اليوم. الدولة اليوم هي العشيرة والعشيرة هي الدولة، وهذا التماهي أدّى الى تراجع دور الدولة بمؤسساتها المختلفة أمام سطوة العشائر وقيمها البالية.

الأحزاب الإسلامية لا تعمل أبدا على الحد من سلطة العشيرة، كونها تمثل قاعدتها الإجتماعية التي تنطلق منها لإستمرارها بالسلطة. لذا نرى أنّ الدولة التي يقودها الإسلام السياسي هي دولة عشائر وقبائل، أي دولة متخلفة وفاسدة على مختلف الصعد. ولكي تكتمل فصول الكارثة، نرى السلطة السياسية اليوم تعمل بجد على ترييف المدن الحضرية. فمدينة مثل بغداد وغيرها من المدن أصبحت اليوم عبارة عن مضايف عشائرية، يجري فيها حل مشاكل الناس على طريقة الأعراف العشائرية، كما وأنّ هذه المضايف هي من تتحكم بالسياسة العراقية. فالوزراء وأعضاء البرلمان، هم من زوّار هذه المضايف أثناء فترات الإنتخابات، والشيوخ في هذه المضايف هم يمنحون أصوات عشائرهم لهذا السياسي أو ذاك مقابل إمتيازات كبيرة. وهؤلاء الشيوخ قادرين على معاقبة أي سياسي يحاول الخروج عن النهج العشائري في الحكم. لذا نرى وزراء وأعضاء برلمان وموظفين من ذوي الدرجات الخاصّة، يلجأون الى الفصل العشائري حينما يختلفون فيما بينهم، وهذا بحد ذاته هو إغتيال للدولة. ويبقى السؤال الكبير هو: هل النظام "الديموقراطي" الذي يقوده الإسلام السياسي، قادر على إنهاء سلطة العشيرة والعمامة؟

إنّ العراق اليوم كما وصفه الشاعر الراحل زاهد محمد زهدي

أمّا العراقُ فدعْكَ عن أخباره ...... رجعَ الزمانُ به على أدبارهِ
كُمّتْ به الأفواهُ حتى لم يعد ............. ليل يتوق لملتقى سُمّارهِ
والناسُ فيه يرقصونَ لموتهم .....يمشي الخراب وهم على آثارهِ
بلد تملّكهُ الضلالُ ولم يعدْ ............. للعقل سلطان على أفكارهِ

الا أنه يعود وفيه بقايا أمل ليقول:

يا صاحبي إنّ العراقَ وأهله ..... أسرى وفي يدهم فكاك أسارهِ
إنّي لأعلم أنّ يوما قادما ............. سيلفّ أرض الرافدين بنارهِ
ويهدّ (بيت البغي) حتى لا ترى ..... شُرُفاتُه من سقفِه وجدارهِ

فهل سيهدّ شعبنا بيت البغايا بالخضراء يوما، ويتنفس أنسام الحريّة بعيدا عن الأعراف العشائرية وفتاوى الشياطين ..؟

زكي رضا
الدنمارك
18/6/2019

 



131
سيرك البرلمان العراقي بين الإصلاح والگوامة

على الرغم من أنّ ما تسمّى بالعملية السياسية بالعراق والتي هي أشبه بالسيرك، بحاجة الى تغيير شامل أي "شلع قلع" مثلما يقول راعي تحالف سائرون والذي هو قائده بالحقيقة. الا إننا نرى بعض الجهات السياسية ومنها تحالف سائرون نفسه إكتفت بشعار الإصلاح لتغيير واقع سياسي شاذ، على الرغم من أنّ قوى سياسية في هذا التحالف رفعت شعار التغيير. والتغيير في الحقيقة هو الشعار الأكثر نضجا لإنقاذ البلد من بهلوانيي السيرك العراقي، الذي تديره الأحزاب المتحاصصة والمؤسسات الدينية، والذين يستمدون قوتهم من خلال أسباب عدّة بينها غياب الوعي عند جمهور واسع جدا من العراقيين وهيمنة الأعراف العشائرية على الشارع العراقي، هذه الأعراف التي تجاوزت الشارع كتحصيل حاصل لحالة غياب القانون وضعف الدولة، لتصل الى السيرك الكبير أي البرلمان العراقي. ووصول الأعراف العشائرية الى أهم مؤسسة بالبلد والتي من صلاحيتها إقالة أو سحب الثقة من الحكومة، يعني أنّ حلم التغيير عن طريق هذا السيرك وبشعار الإصلاح، هو لعب على الحبال والذي يجيده بهلوانيو هذا السيرك إجادة تامّة.

لو إعتبرنا شعار التغيير غير ناضج وعلينا التريث في رفعه بفسح المجال أمام شعار الإصلاح، لنمهّد به الطريق لعملية الإصلاح الحقيقي. فإننا نكون هنا أمام مهمّة تعريف الإصلاح، وإن كان الإصلاح هو السبيل لعملية تغيير قادمة نتيجة لتراكمات ومواقف سياسيّة تتطور وإن ببطء، لتتحول الى تراكمات نوعية تأخذ على عاتقها عند نضوجها مهمة التغيير التي نحلم بها كما يظن حاملي هذا الشعار؟

لا يختلف إثنان على أنّ النظام السياسي بالعراق اليوم فاسد من رأسه حتى أخمص قدميه، فالفساد هو القاسم المشترك بين مؤسسات هذا النظام، والذي أدّى ويؤدي حتما الى إنتشاره (الفساد) الى أبعد مكان في جسد الدولة الوظيفي، ما جعل العراق دولة فاشلة على مختلف الصعد. ولو عدنا الى موسوعة السياسة والتي تعرّف الإصلاح من أنه "تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية دون المساس بأسسها، وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسين في النظام السياسي والاجتماعي القائم دون المساس بأسس هذا النظام، أنه أشبه ما يكون بإقامة الدعائم التي تساند المبنى لكيلا ينهار وعادة ما يستعمل الإصلاح لمنع الثورة من القيام أو من أجل تأخيرها" (*) فإننا سنكتشف وبسهولة أنّ الإصلاح خدعة يتبناها الفاسدون لإستمرار فسادهم ونهبهم للمال العام وإفقار شعبنا وتأخير رحيلهم عن السلطة. والإصلاح الجذري يعني التغيير الشامل للنظام السياسي الإجتماعي الإقتصادي، إمّا عن طريق الثورة، أو عن طريق رفع شعار التغيير الحقيقي في حالة النظم البرلمانية والذي بحاجة الى التفاف أغلبية برلمانية مريحه لتمرير القوانين وتشريعها، ومن ثم تطبيقها من قبل السلطة التنفيذية بقوة القانون. ومن هذا المنطلق فإنّ التغيير وليس الإصلاح هو الحل الوحيد للمشاكل التي نعاني منها ببلدنا، لأن الإصلاح لا قيمة له بإستمرار هيمنة رموز العملية السياسية الفاسدة على مقاليد الحكم. فهذا النظام الفاسد منتج للأزمات التي تتناسل بإستمرار والتي بها ديمومته وحياته، خصوصا في ظل غياب معارضة حقيقية بالبلد.

عرف قاموس "وبستر" للمصطلحات السياسية الإصلاح السياسي بأنه "تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد". والإصلاح السياسي وفق برنامج الأمم المتحدة لإدارة الحكم في الدول العربية ومنها العراق تُحدّد بسيادة القانون والشفافية والعدل وكفاءة الإدارة والمحاسبة والمساءلة والرؤية الإستراتيجية وتجديد الحياة السياسية وتصحيح مساراتها وغيرها. فهل رافعي شعار الإصلاح قادرين على تبني وتنفيذ هذا الإصلاح!؟ وهل أنجزت حكومات ما بعد الإحتلال ومنها حكومة اليوم تنفيذ ولو جزء بسيط من برنامج الأمم المتحدة للإصلاح السياسي؟

أنّ لجوء نائب بارز من قائمة سائرون الى عشيرته لمقاضاة ناشط مدني من تيّاره "التيّار الصدري" عن طريق ما يسمّى بالگوامة، بعد إنتقاد الناشط له في الفضاء الإفتراضي. تعني الإصرار على تغييب دور القانون لضعف الدولة الفاسدة والعمليّة السياسية برمتها، والتي يريد هذا النائب وتياره وتحالفه وراعي تحالفه إصلاحه من جهة، وتكميم للأفواه والبلطجة والأستقواء بالمركز الوظيفي وغياب الديموقراطيّة من جهة أخرى !!! ولأنّ القانون بالعراق مريض بنفس أمراض السلطة علاوة على كونه أداة لتنفيذ رغبات الحيتان ، فإننا نرى أنّ الناشط ولعدم ثقته كما جميع أبناء شعبنا بوجود قانون بالبلد يلتجئ هو الآخر الى مقتدى الصدر ليبثّه شكواه!! فهل تحالف سائرون قادر على إصلاح العملية السياسية، وأحد رموزه يعود الى عشيرته متجاوزا القانون على علاته؟ وهل مقتدى الصدر هو القانون ليعود اليه الناشط الصدري؟

السيد حسن الكعبي النائب الأوّل لرئيس البرلمان العراقي، إنّ أمثالك وهم في مراكز قيادة هذا البلد المبتلى بكم وأحزابكم وعشائركم لا تجيدون الا الفساد والسرقة ونهب المال العام، وأنتم من يقود بلدنا نحو الهاوية. ولا تقل لي (آني مگاومك جيب عمامك) كوني لا أرى برلمان أنت نائب رئيسه الا سيركا، ولأنّ (العمام) أي العشائر المتخلفة بعاداتها وتقاليدها وأعرافها بحاجة الى "شلع قلع" كما يقول زعيم تيّاركم.

الگوامة، حالة اعلان العداء والطلب بالقصاص.


(*) عبد الوهاب الكيالي موسوعة السياسة الجزء الاول ص 206 و207 *


زكي رضا
الدنمارك
9/6/2019

 


















 

   


132
المنبر الحر / إنتحار الإمام عليّ
« في: 23:24 26/05/2019  »
إنتحار الإمام عليّ

"علي وياك علي" هتاف تناهى الى سمع الإمام علي في السماء، ففرح به وهو يمنّي النفس بتحرر الفقراء من فقرهم وجوعهم وبؤسهم من قبل سراة شيعته وهم يحكمون في بلاد كانت فيها عاصمته. فهبط به جبريل بعد طلب منه ببغداد، وتركه فيها ليعود إليه وقت آخر. سار علي بين شوارع خربة وأزّقة يلعب فيها أطفال ذوي ثياب رثّة وآثار الجوع تظهر جلية على وجوههم. فاتكأ على جدار آيل للسقوط والدمع يبلّل لحيته وهو يجهش بالبكاء لحال الناس، فخرجت إليه عجوز لم يبقي لها الفقر والجوع الا جسد نحيل وتجاعيد تشهد بقسوة الأيام وشدّتها.

العجوز: ماذا تريد يا رجل، ولم تقف على باب دارنا؟
علي: أريد قليلا من الماء لأغسل به وجهي.
العجوز: لا ماء لدينا، فماء الإسالة غير متوفر وأنا إمرأة لا أملك المال لأشتري به ماء. وأني أراك رجل ذو هيبة والماء الذي عندي لا يليق بمقامك، فهو ماء غير صالح للإستهلاك البشري.
علي: "بحنان كبير" لا يهم أيتها المرأة، إعطيني بارك الله فيك قدح منه لإغسل به وجهي وأرحل.
العجوز: أراك غريبا وطيبا، فمن أنت؟
علي: أنا إمام الفقراء والأيتام والأرامل، أنا الإمام علي بن أبي طالب.
العجوز: وماذا تفعل هنا في مدينة الموت والجوع والميليشيات واللصوص فداك أمّي وأبي؟
علي: جئت لأرى الفرح والسعادة في حياة شيعتي وباقي أبناء العراق، الا إنني خُدعتُ بعمائم شيعتي وسراتهم على ما يبدو.
العجوز: لم يخدعوك وحدك يا أمير المؤمنين، فقد خدعونا وسرقونا وخدعوا الله قبلك وقبلنا.
علي: أين تقع المنطقة الخضراء، وهل هي بعيدة عن هنا؟

العجوز وهي تتحدث إليه، شاهدت إبنها وهو مقاتل في الميليشيات الشيعية يأتي من بعيد فقالت: إرحل بسرعة لأني أخاف عليك من غدر إبني وأصحابه، فهم قاتلوك كما قتل شيعتك قبلهم إبن أخيك مسلم بن عقيل، وهو يقف على دار عجوز مثلي بالكوفة.

تحرّك الإمام علّي مبتعدا عن دار العجوز، وحثّ خطاه بحثا عن المنطقة الخضراء ليقابل هناك معمّمي الشيعة وسراتهم من الساسة وزعماء الميليشيات، ليجلس إليهم ويسألهم عن سبب فقر الناس وجوعهم ودمار وخراب البلد. فجأة شاهد أمواج من البشر العراة الحفاة يركضون وراء سيّارة مضللة يجلس فيها معممان يضحكان وهما ينظران الى البؤساء الذين يحاصرون سيارتهم المحصّنة، وهتافات "علي وياك علي" تملأ السماء.

وقف الإمام صارخا صرخة إهتزّ لها محيط المكان، ووقف الناس ليروا صاحب تلك الصرخة فيما كانت السيارة المضللة والسيارات التي معها تبتعد بإتجاه المنطقة الخضراء. عدّل الإمام عمامته ووقف يقول: " أيها الناس أنظروا، فإن أنكرتم فأنكروا. وإن عرفتم فآزروا حقّ وباطل ، ولكل أهل". فأرتفعت أصوات تسأله من أنت أيها الإعرابي، فأجاب أنا علي بن أبي طالب، ووالله أنّ ضربة إبن ملجم على هامتي لأهون عليّ من ذلّكم وسجودكم للباطل.

أيها الناس، ها هو يحكمكم "من يعمل فيكم بأعمال كسرى وقيصر"، وهم والله من أهل "المكر والغدر"، "وأولي الجور والظلم"، "وأكلة الرشا"، وهم والله يسرقون الفقير الجائع وينهبون مال الله. ما لكم لا تكونوا من الساخطين على حالكم وواقعكم المزري، "الا تسخطون وتنقمون أن يتولّى عليكم السفهاء ... فتعمّوا بالذلّ وتقرّوا بالخسف ويكون نصيبكم الخسران"؟. أيها الناس "إنمّا يجمع الناس الرضا والسخط: فمن رضي أمرا فقد دخل فيه، ومن سخط فقد خرج منه". ما لكم لا تخرجون من العبودية وذلها وسوطها وفقرها وجبنها، نحو الحرية وعزّتها وسعادتها؟.

أيّها الناس: كذّبوا ساستكم ومن ورائهم من عمائم، هؤلاء الذين يدّعون موالاتي وهم يغتصبون أموالكم وأعراضكم، فأنا وأحكم بالعدل الإلهي "قشّرت المحتكرين من كل مال أغتصبوه، كما تقشّر عن العصا لحاها". إسألوهم من أين لكم هذا، وكيف ملكتم القصور والضياع والمعامل والمولات والحسابات المصرفية في كل بلدان العالم؟

أيها الناس: "الجوع خير من ذلّ الخضوع"، ووالله لا أراكم وأنتم الجوعى والعراة الا أذلاء خانعين، وهذه ليست من صفات شيعتنا. وأضاف الإمام وهو ينظر الى الجموع التي طأطأت رؤوسها "شر الفقر فقر النفس" ولا أراكم الا فقراء النفس، فمن يرى طفله جائع وطفل الشيخ شبعان، ويرفع صورة الشيخ على أنها تاج رأسه ليس من شيعتنا. ومن يقف أمام معمّم يجمّل له الفقر ويسكت والمعمم يعيش في غنى وترف، لحاسبه الله يوم المعاد أشد من حسابه للمعمّم الكذاب.

أيها الناس: أتركوا العصبية والقبلية والعشائرية، فوالله ما فلح قوم نادوا بها، "فإن كان لا بد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحاسن الأمور والأخلاق الرغيبة والأحلام العظيمة والآثار المحمودة، والأخذ بالفضل والكفّ عن البغي والإنصاف للخلق وإجتناب المفاسد في الأرض".

أيها الناس: لقد قال معاوية لكوفي يوما "أبلغ عليّا أني أقابله بمائة ألف رجل ليس فيهم من يفرّق بين الناقة والجمل"، وأني وربّ العزّة، أرى أحفاد معاوية يقابلون الأحرار ويفتكون بهم وبوطنكم، كونهم يملكون الملايين ممّن لا يفرقون بين الحق والباطل، بين النزيه والمرتشي، بين القاتل والضحية. وما أن سكت الإمام علي حتى رأى الجموع من جديد تهتف "علي وياك علي"!! خلف مجموعة مسلحة يقودها رجل دين متعممّ بعمامة سوداء، يسيرون شاهرين أسلحتهم نحو الإمام علي الذي بقي وحيدا ينظر بأسى الى حال شيعته وواقعهم المزري وبؤسهم وذلهم أمام عمائم الشيطان. وقبل أن يصل الحشد اليه، سجد الإمام على سيفه ذوالفقار ... وأنتحر.


زكي رضا
الدنمارك
26/5/2019

133
وطن حر وشعب سعيد .. شعار شيوعي

شعارات الأحزاب على إختلاف آيديولوجيتها وبرامجها السياسيّة، هي في الحقيقة خارطة طريق تضعها هذه الأحزاب كهدف آني أو مرحلي أو إستراتيجي لها للوصول إليها وتحقيقها وهي تخوض غمار العمل السياسي. وعادة ما تصوغ هذه الأحزاب برامجها وترسم سياساتها من وحي شعارها،  أو قريب منه جدا إن كانت  الظروف السياسية غير مؤاتية في فترة تأريخية معينة ما كشكل من أشكال التكتيك السياسي، الا أنّ مبدأ تحقيق الشعارات التي في الحقيقة هي الهدف النهائي لأي حزب تبقى في صلب برامج وسياسات الأحزاب المختلفة.

وطن حر وشعب سعيد هو في الحقيقة شعارين،  تماهيا مع بعضهما البعض حتى أصبحا شعار واحد. هذا الشعار الذي صاغه ثاني سكرتير للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان خالد بكداش، ما لبث أن أصبح شعار الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه وليومنا هذا. وقد قدّم الحزب الشيوعي العراقي قوافل من الشهداء في سبيل تحقيق شعاره هذا، فهل هناك جهة سياسية غير الحزب الشيوعي العراقي رفعت هذا الشعار يوما ما؟ وهل هناك إمكانية لتبنيه وتحقيقه من أي حزب أو جماعة سياسية أخرى غيره؟ لقد أصبح شعار وطن حر وشعب سعيد جزء من تأريخ وتراث الشيوعيين العراقيين على الرغم من عدم تحقيقه لليوم، ولا يمكن عرضه للبيع تحت أي ظرف كان.

بلدنا وشعبنا اليوم بحاجة ماسّة لتحقيق شعار الحزب هذا، والذي لم يفقد محتواه الوطني منذ تبنيه قبل خمسة وثمانون عاما ولليوم. فظروف العراق اليوم لاتختلف من الناحية السياسية مقارنة مع وقت تبنيه، فالعراق وقتها كان تحت الهيمنة البريطانية وكأنه تحت الإحتلال بالضبط وإن نال " إستقلاله"، أما الوضع اليوم فهو أكثر سوءا من الأمس فالبلد اليوم فاقد لإستقلاله وحريته وكرامته. وإن كان محتلا من البريطانيين عند تأسيس الحزب الشيوعي، فأنه اليوم تحت إحتلال أكثر من بلد. أمّا عن سعادة شعبه، فنسب البطالة العالية وإزدياد رقعة الفقر وإنهيار التعليم وإنعدام الخدمات وإستشراء الفساد وشيوع الجريمة،  تشير وبوضوح الى شقاء الإنسان العراقي وليس سعادته.

لقد ناضل الحزب الشيوعي العراقي وهو يرفع شعاره هذا، ضد كل أشكال التمييز القومي والديني والطائفي. وهذا يعني بشكل أو بآخر أنّ القوى القوميّة والدينية والطائفية خصوصا اليوم، ليست قادرة على تبني هذا الشعار ناهيك عن العمل لتحقيقه. فالقوى الثلاث ومن خلال تجربة سنوات ما بعد الإحتلال، أثبتت من أنها في واد وشعبنا ووطننا في واد آخر. ولم يكتف الحزب الشيوعي طيلة تأريخ نضاله الشاق  بالوقوف ضد أشكال التمييز هذه، بل ناهض السياسات والممارسات والثقافة  التي ترتكز على أشكال التمييز هذه. ومناهضته لأشكال التمييز هذه هي من ساهمت بإلتفاف الجماهير حوله لتحقيق المواطنة من جهة، وتنكيل الحكومات وحتى الأحزاب والجماعات القومية والدينية والطائفية التي إقترب منها أو تحالف معها يوما،  به وبرفاقه في أكثر من مكان وأكثر من مقطع تأريخي من جهة ثانية.

القوى والجماعات الطائفية والإسلامية التي تمثل الدولة العميقة، بميليشياتها ومحاكمها الخاصّة وتمويلها المشبوه. غير مؤهلّة سياسيا وأخلاقيا لتحقيق شعار وطن حر وشعب سعيد. ومجرد التفكير بتبنيه أو إمكانية تحقيقه من قبلها هو ضرب من الخيال للحالمين به. ولو أردنا أن نحلم كما البعض في إمكانية تيار أو حزب أو جماعة ما تحقيق هذا الشعار الذي يحلم به كل عراقي، فلنقترح عليهم رفعه علنا إن كانوا قادرين أو كنّا صادقين مع أنفسنا.

يبدو إننا بحاجة أحيانا لقراءة تأريخ الأحزاب الدينية والطائفية وشعارها المقدّس ( الحاكمية لله) بتروي وهدوء. فجميع الأحزاب والجماعات والتيارات الإسلامية، لا تتنازل عن شعارها المركزي والمقدّس هذا، كونه الشعار الذي تنتهجه لبناء الدولة الإسلامية التي تعمل على تحقيقه. في خضم الصراع السياسي اليوم، ومن خلال فشل الإسلام السياسي في قيادة الدولة والمجتمع، علينا كشيوعيين وديموقراطيين ومدنيين، أن لانكون ملكيين أكثر من الملك. وإن كان الطلاق هو أبغض الحلال عند الله في الشرع الإسلامي، فأنّ طلاقنا مما تسمى بالعملية السياسية  والتي لم تضف لرصيدنا السياسي شيئا، هو أجمل حلال وأبهى حلال في شرعة شعبنا الذي يعاني من شعار الحاكمية لله والعمائم والأحزاب الطائفية تتحكم بمصيره ووطنه. هذه الأحزاب والتيارات والجماعات التي شرّعت الفساد والطائفية والمحاصصة هي التي تقود البلد نحو المجهول، ولا تبحث عن حرية الوطن ولا سعادة شعبه.

شعارالحاكمية لله وحكم الشرع الذي يرفعه الإسلاميون الطائفيون وشعار وطن حر وشعب سعيد الذي يرفعه الشيوعيين ، برزخان لا يلتقيان.


زكي رضا
الدنمارك
19/5/2019   

134
السم الزعاف بين الخميني وخامنئي

أثبتت الكثير من الأحداث في التأريخ، أنّ الحكّام الديكتاتوريين ومن أجل إستمرار سلطتهم على إستعداد للتضحية بملايين البشر وتعريض بلدانهم وبلدان أخرى للدمار والخراب. فأمثال هؤلاء الحكّام لا يعملون على إنهاء ما تواجه بلدانهم وشعوبهم من أحداث مدمرّة حينما يكون هناك وقت كاف لتقليل الخسائر الى أقل الحدود الممكنة، بل تراهم يستمرون بنرجسيتهم العالية الى خوض الحدث أو المعركة كي تستمر لفترة طويلة، ليعودوا بعدها ويوافقوا على حلول كانت قد طرحت عليهم في وقت مبكر. ليكونوا بالنهاية سببا في مقتل الكثير من أبناء شعبهم وغيره من الشعوب، علاوة على الدمار الذي يطال بلدانهم وغيرها نتيجة تعنتهم ونرجسيتهم هذه. ولو أخذنا وقائع الحرب العراقية الإيرانية، أو ما تعرف بحرب الخليج الأولى فأننا سنجد من خلال الخميني مثالا واضحا للحاكم الدكتاتوري الذي رفض كل الحلول والإقتراحات لأنهاء الحرب بين بلده والعراق. تلك الحرب التي بدأها الطاغية صدام حسين، وكان آية الله الخميني سببا في إستمرارها لثمان سنوات بعد رفضه كل الوساطات الدولية والإسلامية والعربية، أو تلك التي قامت بها منظمة عدم الإنحياز. فالخميني الرافض لكل تلك الوساطات ومنها قرار مجلس الأمن المرقم 514 والصادر في 12 تموز / يوليو 1982   والذي صدر بعد تحرير أيران لأراضيها، عاد وقبل ومعه النظام البعثي بقرار مجلس الأمن الدولي رقم  598 والصادر في العشرين من شهر تموز / يوليو 1987، لكن بعد عام من إصداره بالضبط أي في العشرين من شهر تموز/ يوليو 1988 ، عاد ليقول وهو يعطي موافقته على القرار الأممي: " من باز مى‏گویم که قبول این مسئله براى من از زهر کشنده‏تر است" أي " أنا أقول مرة أخرى أنّ قبول القرار بالنسبة لي هو أكثر قتلا من تجرع السم".

لو عدنا اليوم الى تلك الأيام لوجدنا وبلا أدنى شك، من أنّ تجرعه السم في العام 1982  كان أفضل للشعبين الإيراني والعراقي وبقية شعوب المنطقة. فالدمار الذي لحق بالبلدين خلال فترة السنوات الست التي تلت ذلك القرار كان كبيرا جدا، والضحايا الذين سقطوا في تلك الحرب المجنونة زادت كثيرا. كما وأنّ إستمرارها ساهم في أن تلد حرب أخرى وهي إحتلال الكويت من قبل النظام البعثي وحرب تحريرها، والتي كانت السبب الرئيسي في التواجد الدائم للولايات المتحدة في المنطقة من خلال قواعدها في البلدان الخليجية، وتأثير هذا التواجد على الأمن والسلام العالميين، كونها تستطيع التحكم والتأثير على ثلث صادرات النفط بالعالم.

اليوم وطبول الحرب تقرع من جديد والمنطقة تمر بظروف تشبه الى حد بعيد تلك التي سبقت حرب تحرير الكويت والتي أعادت بلدنا الى ما قبل عصر الثورة الصناعية، وبدلا من أن يركن القادة الإيرانيون لصوت العقل في حل خلافاتهم مع محيطهم الإقليمي من خلال عدم التدخل بشؤون بلدان المنطقة الداخلية، ومع المجتمع الدولي من خلال إستمرار إلتزامهم بالإتفاقيات المبرمة، والإبتعاد عن إطلاق التصريحات المتشنجة من أجل سحب البساط من أمام الولايات المتحدة وغطرستها، نرى ولي الفقيه يعتبر مجرّد فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة بـ " سم قاتل". وهنا تحديدا تكمن دكتاتورية ولي الفقيه هذا، وإستعداده للمغامرة بإيران وشعبها وأمن المنطقة وسلمها من أجل أحلامه ونظامه المريضة في تصدير الثورة الإسلامية ، على الرغم من الفشل الذريع للمفاهيم الإسلامية التي جاءت بها الثورة في بناء مجتمعات متماسكة ومنسجمة في البلدان التي جعلت من إيران قدوة لها كما العراق.

 أنّ البطالة والتضخم والغلاء وإنهيار العملة وعدم توفر الكثير من الحاجات التي يحتاجها الناس، ستؤثر حتما ومن خلال إستمرار الحصار على مزاجهم، وتضعف الجبهة الداخلية في إيران لتتحرك الجماهير مطالبة بإيجاد حلول لمشاكلها التي تتفاقم يوم بعد يوم، والتي سيواجهها النظام هناك بالبطش الشديد. لذا ومن أجل مصلحة الشعوب الإيرانية التواقّة للعيش بحرية وكرامة، فعلى ولي الفقيه أن يتجرع السم اليوم قبل الغد، ويجلس ونظامه الى طاولة المفاوضات بدعم من الدول التي وقعت الإتفاق النووي معه والتي تقف لليوم معه رافضة ما أقدمت عليه الولايات المتحدة من خلال إنسحابها الأحادي الجانب من الإتفاق النووي،  طالما كفّت إيران عن تهديداتها بنقض بعض بنود الإتفاق وتحديد سقوف زمنية لذلك. الحرب ليست نزهة والمنتصر الوحيد فيها هو الموت والدمار، فليعمل ولي الفقيه، على إبعاد شبح الموت والدمار عن الشعوب الإيرانية المسالمة ومعها كل شعوب المنطقة التي سيطالها وبلدانها الدمار ومنه على وجه الخصوص بلدنا العراق، الذي سيقاتل بالنيابة عنها كون الميليشيات الشيعية وهي تتوعد أمريكا في دفاعها عن نظام ولي الفقيه ليست سوى بندقية على كتف الحرس الثوري. لتكف الولايات المتحدة الأمريكية عن غطرستها وعربدتها وتهديدها للشعوب بالحصار والحرب، ولتعي دول المنطقة أنّ حل خلافاتها بعيدا عن النظرة الأمريكية ومفهومها عن السلام هو الحل الوحيد للعيش بعيدا عن حالة اللاحرب واللاسلم التي نعيشها اليوم وتأثيراتها العميقة. أنّ حل الخلافات بين دول المنطقة من خلال الإحترام المتبادل وتبني نهج عدم التدخل في شؤون بعضها البعض الداخلية كفيل ليس بإبعاد شبح الحرب فقط، بل في بناء مستقبل أفضل لشعوبهم من خلال الحد من سباق التسلح، والألتفات الى تعزيز إقتصاديات بلدانهم وتطويرها بما يخدم الأجيال القادمة.

السيد الخامنئي تجرع السم اليوم قبل الغد وأنقذ الشعوب الإيرانية وشعوب المنطقة من تجرّعه، لأنّه لن يجلب لها سوى الموت والدمار.
 
زكي رضا
الدنمارك
15/5/2019

     







135
هيفاء الأمين وبارومتر التخلف بالعراق

حينما سأل أحد الأساتذة في جامعة كوبنهاغن الطالب (نيلس بور) الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء لاحقا، عن كيفية تحديد إرتفاع ناطحة سحاب بإستخدام البارومتر، والذي كانت إجابته الصحيحة تتمثل "بقياس الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وعلى سطح ناطحة السحاب". تفاجأ بـ(بور) وهو يجيب على سؤاله قائلا "أربط البارومتر بحبل طويل وأدلي الخيط من أعلى ناطحة السحاب حتى يمس البارومتر الأرض . ثم أقيس طول الخيط"، وكان هذا الجواب كافيا لإعتبار الطالب راسبا. وحينما تظلم (بور) من نتيجة الإمتحان، أعادت لجنة التظلم إمتحانه من جديد كون إجابته صحيحة الا أنها تدل على عدم معرفته بالفيزياء. حينها أجاب (بور)، من الممكن حساب طول ناطحة السحاب من خلال قانون الجاذبية الأرضية، أو قانون التناسب بين الطولين، أو تعقيد الأمور في أن نحسب إرتفاع الناطحة من خلال "قياس الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وعلى سطح ناطحة السحاب بواسطة البارومتر". أمّا إذا أردنا حلا سريعا يريح عقولنا فعلينا إهداء البارومتر لحارس البناية وسؤاله عن إرتفاعها.

لقد قامت الدنيا ولم تقعد خلال اليومين الماضيين، حول حديث النائب (هيفاء الأمين) في لبنان  والتي قالت فيه:  "في العراق هناك بعض العادات والتقاليد والموروث القديم والمتخلف، الذي يحتاج الى وقت أكبر لعلاج الكثير من هذه المشكلات"، وتابعت تقول: "أنا من الجنوب.. والجنوب أكثر تخلفا كمنطقة قياسا ببغداد وكوردستان التي تجاوزت الكثير من المشاكل مثل التعليم وحقوق المرأة وغيرها". وكالعادة وكون هيفاء الأمين شيوعية، تقدم فرسان الثامن من شباط بقيادة البعثي حسن العلوي شاهرا سيف البعث ومن وراءه البعثيين والإسلاميين والمتياسرين الموتورين، متباكين على تأريخ العراق وتراثه، وكأنّ الأمين هي من هدّمت قبر علي الوردي وليس المتخلف جلال الدين الصغير، وهي من أسقطت الجنسية العراقية عن الجواهري وليس المجرم صدام حسين، أو هي من جعلت من تمثال الرصافي مكبّ نفايات، أو هي من تعادي الثقافة بحقولها المختلفة  وتحرّم الفنون بإعتبارها كفر وليس الإسلاميين. وفي محاولة بائسة من هذا القزم البعثي متملقا القيادات الدينية المتخلفة بالبلاد ليغمز من قناة السفور قال "نعم نحن متخلفون بلبس المايوهات، ولبس البكيني والتعرّي"، وكأن رفيقاته ولن نشير الى غيرهنّ كنّ يسبحن محجّبات وبملابس شرعية ، في مسابح المقبورين صدام وعدي وقصي الخاصّة جدا!

هل شعبنا وبلدنا متحضرين أم متخلفين؟ دعونا نعود أولا للغة لنعرف الفرق بين الإثنين، فالتحضر إسم وقد جاء في معجم المعاني الجامع من أنّه "اتِّجاه اجتماعيّ من خلاله يقتبس الناسُ أسلوبَ الحياة الذي يتبعه سكانُ المدن والحضر من حيث النمط الثقافيّ للحياة وكذلك تحويل المناطق الريفيّة إلى مناطق تتبع سلوكَ الحياة الحضريّة ونمطها"، أمّا التخلّف فهو فعل، وقد جاء في نفس المعجم "تخلَّف الشَّعْبُ : تأخّر ، تجاوزته الأمم في مضمار الحضارة". قبل أن نعود الى تجربة البارومتر، علينا أن نسأل العلوي ومن هم خلفه من شذّاذ الآفاق، ما هو شكل النمط الثقافي للحياة بالعراق، وهل هناك حياة حضرية وترييف المدن ومنها العاصمة بغداد يجري على قدم وساق؟ وهل هناك مكان لنا في مضمار الأمم المتحضرة والأميّة والفقر والجوع والفساد والتخلّف تضرب بأطنابها في مجتمعنا، ناهيكم عن الصناعة والزراعة وبؤسهما!؟

لا أعتقد إننا بحاجة الى نظريات علمية وفلسفية، ولا إلى مراجعات تأريخية، ولا الى إعادة شحن ذاكرتنا بمجدنا التليد، ولا كذبنا على أنفسنا من إننا أصحاب وعي، ولا حتّى أصحاب أخلاق بعد إنهارت بفعل رفاق حسن العلوي من خلال حروبهم الكارثية وما نتج عنها من حصار، والتي يستكملها اليوم أصحابه الجدد من المعممّين بهمم عالية وهم يعيثون بالعقل والأخلاق والبلد فسادا. بل نحن بحاجة الى بارومتر لقياس التخلف من خلال واقعنا المعاش، على أن نستخدمه بأسهل الطرق الممكنة أي المحاججة، لنريح عقولنا من أن تتيه بين أناشيد المجد الذي أفل، أو بين الحلال والحرام والمقدّس واللامقدّس الذي يجيد المعمّمون اللعب بهما لسرقة وعي الناس وجيوبهم.

كيف لا نكون متخلفين، ونحن نجعل من عمود كهرباء مزارا نحجّ إليه ، كيف لا نكون متخلفين ونحن نحجّ الى جرّار زراعي، ونقدّم له النذور؟ أين هو التحضّر ومعمم يبصق في وجوهنا ليبعد عنّا الأمراض؟ أين هو التحضر ونفس المعمم يمنحنا "جكليتة" وليقسم برأس الإمام الحسين من أنها تشفي عشيرة كاملة ويصدقه "المتحضرون" لكنه يذهب ليعالج نفسه من الأمراض التي تصيبه الى دول الجوار تاركا "جكليتته" لأصحاب الحضارة!! هل قتال بالأسلحة الثقيلة بين عشيرتين جنوب العراق من أجل بقرة فيه سمة من سمات التحضر؟ هل سطوة العشائر وعاداتها السيئة بخصوص المرأة تحديدا، دون الخوض في كامل الموروث العشائري المتخلّف فيه شيء من التحضّر ليتباكى فارس شباط ورهطه عليها.

كيف لا نكون متخلفين وبلدنا خارج تصنيف جودة التعليم العالمي على المستويين الجامعي والإبتدائي الصادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس؟ كيف لا نكون متخلفين وهناك أجيال من الطلبة تسرّبت من المدارس بسبب الفقر؟ كيف لا نكون متخلفين ووعينا المصادر يدفعنا كي نرضخ للذل ولا نثور على واقع مزري نعيشه؟ كيف وعينا لا يُهزم كما يقول الحرس القومي حسن العلوي، ونحن مهزومون من دواخلنا فنقبّل إطار سيّارة معمّم أو مداسه للتبرك؟ عن أي وعي يتحدثون ونحن واطفالنا نعيش الموت بكل تفاصيله يوميا ولا نثور، أو ليس الوعي هو من يصنع الثورة!؟

صدقت هيفاء، فنحن شعب متخلّف وبلد متخلّف، يقودنا لصوص وقتلة وفاسدون. يقودنا معمّمون يصادرون وعينا في كل لحظة ونحن راضخون، أوليس رضوخنا للظلم والإضطهاد تخلّفا؟ أوليس سكوتنا عن تعاطي بناتنا وأبنائنا  المخدّرات في مدارسهم، كونها مباركة لأنها تأتي من إيران الإسلامية تخلفا وجريمة؟ عندما نسكت عن الفقر لأنّ هناك معمم يقول أنّ الفقر ليس بذات أهمية ونحن نكبّر بعدها ونصلّ على محمد وآله، فإننا لسنا متخلفين فقط بل مجرمين بحق وطننا وأنفسنا وأجيالنا القادمة.

من عليه الإعتذار لأهلنا في الجنوب والوطن المتخلف صناعيا وزراعيا وثقافيا وتعلميا ورياضيا وصحيا ووو... هل هي هيفاء الأمين، التي يريد حتى بعض المتياسرين الموتورين ناهيك عن البعثيين والإسلاميين الرقص على جثتها،  أم السلطة التي جعلت من الوطن مقابر وخرائب ومكب نفايات ومسرحا لحروب طائفية وخزائن يمتلكون مفاتيحها فينهبونها يوميا؟ من عليه الإعتذار وأطفالنا وهم يفترشون الشوارع والأرصفة دون تعليم ليكونوا مشروع تخلف كبير مستقبلا، هل هي هيفاء الأمين التي أشارت إليه أم السلطة التي لا تعالج هذه المشكلة؟  ساحات التحرير في عموم الوطن هي الوجه الناصع لتخلفنا جميعا، فتظاهر العشرات فقط من أجل مصالح الملايين وسكوت هذه الملايين وصمتهم، تعني إننا متخلفون ولو تعلقنا بأستار الكعبة. لكنّ هيفاء شيوعية، وهذا ما جعلها ويجعلها في مرمى سهام البعثيين والإسلاميين والمتياسرين والموتورين، ومهاجمتها هو بالحقيقة هجوم على الحزب الشيوعي العراقي، وليس على شخصها بذاته.

هيفاء الأمين إستخدمت بارومتر قياس الفساد بأسهل طريقة ممكنة، وليست مشكلتها كون نتائج القياس كانت ضد مشاعر الأعمى الذي لا يرى التخلف، ولا من به صمم من الذي لا يريد أن يستمع الى حديثها بأن يكون محايدا ومنصفا. العالم بأكمله ومنه نحن أنفسنا نعرف من إننا وبمقارنة ما دخل ويدخل خزينة بلدنا من أموال وعدم إستغلالها في بناء الدولة والمجتمع، إننا من أكثر شعوب الأرض تخلفا. 

عذرا لقد إنفجر البارومتر بعد تعرضه لضغط بعثي إسلامي متياسر موتور عال جدا، لأن عدّاده وصل الى نقطة الكرامة التي نفتقدها جميعا ونحن نفلسف معنى التخلّف، متخيلين من خلال نفوسنا المريضة والذليلة من أنّنا شعب وبلد متطوران ومتقدمان.. أوليس في الناصرية مطار فضائي!!؟؟

https://www.youtube.com/watch?v=uBKODCF_xO4

رابط حديث النائب هيفاء الأمين في الندوة التي عقدت بلبنان.

زكي رضا
الدنمارك
4/5/2019



 



136
الخارجيّة العراقية تكيل بمكيالين

لم يفوت قادة الأحزاب الإسلامية الشيعية وزعماء ميليشياتها يوما، إعلان ولائهم لإيران ووليّ فقيها. سواء كانوا في المعارضة وهم يقاتلون تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني " الباسداران"، أو وهم على رأس السلطة بعد الإحتلال الأمريكي للبلاد. ولم يمرّ في تأريخ العراق حركة سياسية فضّلت مصالح دولة جارة كإيران أو غيرها، على مصالح "وطنها وشعبها" كما فعلت وتفعل الأحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها. فالدولة العراقية التي يقودها الإسلاميون، فعلت وتفعل المستحيل من أجل إبقاء " بلدهم" تحت الوصاية الإيرانية. فإيران هي من تتحكم بالشأن السياسي للبلاد، وهي من تعيّن رئيس الوزراء الذي لا يمكن تسنمه منصبه، دون موافقة السلطات الإيرانية بشخص ولي فقيهها علي خامنئي. وإيران هي من تدرب الميليشيات الشيعية وتسلحها لترهب به الشارع السياسي العراقي أولا، ولتخوض هذه الميليشيات حروبا بالوكالة نيابة عنها معرّضة أمن وطننا وشعبنا للخطر، من خلال خوض المعارك المحتملة مستقبلا على أراضينا وبين مدننا وقرانا.

ثلاث تصريحات أطلقت قبل أيام على خلفية الصراع الإيراني الأمريكي، من خلال  السفارة الأمريكية والوصايا العشر للسيد مقتدى الصدر وتصريح وزارة الخارجية العراقية. والتي تشير وبوضوح الى أنّ الحكومة العراقية وعن طريق وزارة خارجيتها، تكيل تدخلات دول الجوار والجوار الإقليمي بالشأن العراقي بمكيالين. ولكي تكتمل الصورة الحقيقية لبؤس الدولة العراقية، نرى هناك تصريحات لكتلة الفتح وعمادها ميليشيا بدر، أخذت دور الدولة في تعاملها مع شأن سياسي هو من من صميم عمل الدولة.

منذ إعلان الولايات المتحدة إنسحابها من الإتفاق النووي مع إيران من جانب واحد، والحكومة الأمريكية تضغط على النظام الإيراني من خلال خنقه إقتصاديا. فبعد التأثير الكبير للحصار الأمريكي ومنع تصدير النفط الا لثمان دول ولأشهر عدّة والتي أضعفت الجبهة الداخلية الإيرانية من خلال زيادة نسبة التضخم وإنهيار العملة الإيرانية ( التومان) وإزدياد نسب البطالة، لتزيد من تذمّر الجماهير لسلطة ولي الفقيه، قررت الولايات المتحدة زيادة الضغط على السلطة الإيرانية من خلال تصفير صادراتها النفطية، عن طريق إلغاء فترة سماح إستيراد البلدان الثمانية للنفط الإيراني إبتداءا من الأول من آيار/ مايو. ما يعني حرمان الخزينة الإيرانية من عشرات المليارات من الدولارات، ما يؤثر على حياة الناس في إيران من جهة، وعلى حلفاء إيران كحزب الله اللبناني وغيره من المنظمات الإسلامية التي تُموّل إيرانيا من جهة أخرى، من خلال عدم إنتظام وصول المساعدات المالية لهم كما السابق. وقد إزدادت خلال الفترة الأخيرة التصريحات والتصريحات المضادة بين إيران وأمريكا على خلفية هذا الصراع، الذي إزداد حدّة بعد تصنيف الحرس الثوري " الباسداران" منظمة إرهابية.

بعد إعلان السفارة الأمريكية في منشور لها إن "الفساد يستشري في جميع مفاصل النظام الإيراني، بدءًا من القمة" وأن "ممتلكات مرشد النظام علي خامنئي وحده تقدر بـ 200 مليار دولار، بينما يرزح كثير من أبناء الشعب تحت وطأة الفقر بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي وصلت إليه إيران، بعد أربعين عامًا من حكم الملالي". سارعت كتلة الفتح الى إصدار بيان ولاء لولي الفقيه في إيران من خلال بيان جاء فيه " أن ما صدر من تجاوز كبير على أحد المرجعيات الدينية المحترمة لدى أبناء الشعب العراقي من خلال الموقع الرسمي لسفارة الولايات المتحدة الأمريكية، هو تجاوز سافر وتعد غير مقبول". إننا هنا لسنا بصدد أحقيّة أمريكا أو إيران في صراعهما، لكننا نتساءل عن مصلحة وطننا وشعبنا وزجهما في مثل هذا الصراع من خلال التهديد والوعيد الذي جاء به البيان الذي أضاف أن " "الشعب العراقي يحتفظ بالرد وفق الأطر القانونية من خلال القنوات السياسية والدبلوماسية والفعاليات الشعبية على هذا الإساءة البالغة"، وهل شعبنا يمتلك الإرادة السياسية ليحتفظ بالرد؟ وألم يكن من الأفضل القول أنّ الميليشيات المسلحة تحتفظ بالردّ، وهو ما أكّده الصدر في وصيته الخامسة وهو يقول " وإلا ستكون السفارة أي الأمريكية في مرمى المقاومين مرة أخرى؟  وهل من المنطق بشيء تعريض  أمن وطننا وشعبنا لأخطار جديدة من أجل إستمرار نظام آيات الله في إيران؟

وزارة الخارجية وعلى خلفية تصريحات السفارة الأمريكية، ردّت هي الأخرى على بيان السفارة الأمريكية مؤكّدة أنّ " إنَّ قيام بعثة دبلوماسيَّة عاملة في العراق بنشر منشورات تستهدف إحدى دول جوار العراق، ورُمُوزها الدينيَّة، أو السياسيَّة يتعارض مع مبادئ الدستور العراقيِّ، والسياسة الخارجيَّة العراقيَّة، ولاسيَّما مبادئ حُسن الجوار، وسياسة النأي عن المحاور في العلاقات الخارجيَّة، وعدم التدخُّل في الشُؤُون الداخليَّة لجميع البلدان". ولهذه اللحظة يُعتبر بيان وزارة الخارجية العرقية بيانا موزونا، كونه ينأى بالبلد عن الصراع بين الطرفين. لكننا نقف متعجبين من سكوت الوزارة ومعها الحكومة العراقية من الوصايا الأخيرة للسيد الصدر وهو يطالب في وصيته السادسة بـ "  إيقاف الحرب في اليمن والبحرين وسوريا فورا وتنحي حكامها فورا والعمل على تدخل الأمم المتحدة في إستبباب الأمن فيها والتحضير لإنتخابات نزيهة  بعيدة عن تدخلات الدول أجمع وحمايتها من الإرهاب الداعشي وغيره". هل وصية الصدر هذه تعتبر تدخلا في شؤون الدول الأخرى أم لاّ؟ وإن كانت تدخلا وهي فعلا كذلك، فلم لا تدين وزارة الخارجة أو الحكومة العراقية تصريحاته هذه، ولم الكيل بمكيالين في تصريحات لا تخدم وطننا ولا شعبنا؟

ختاما أتمنى من السيد الصدر أن  يضيف وصيته الحادية عشر ويطالب فيها ، بتنحي حكام العراق فورا، والعمل على تدخل الأمم المتحدة في إستتباب الأمن ببلدنا، والتحضير لإنتخابات نزيهة بعيدة عن تدخلات الدول أجمع، وحمايتنا من إرهاب الدواعش والميليشيات المنفلتة. السيد الصدر نحن أحوج الى مطالبك هذه من غيرنا، فأعلن عنها وتبنّاها لتدخل التأريخ من أوسع أبوابه. 

لا تنظر الى من قال وأنظر إلى ما قال ( الإمام علي ).

زكي رضا
الدنمارك
30/4/2019


 







137
9 نيسان إنهيار بلد وإذلال شعب

 الإحتلال الأمريكي لبلدنا في التاسع من نيسان 2003 ،  لم يكن إحتلالا كما أي إحتلال آخر لأي بلد بالعالم. ولم تكن أهدافه ومن خلال التجربة الحيّة وليومنا هذا، إنقاذ بلدنا من أحد  أشرس الأنظمة القمعية التي عرفته بلادنا والمنطقة منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولليوم، مثلما روّجت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الأحزاب العراقية التي لم ترى طريقة لتغيير النظام البعثي الا من خلال آلة الدمار الأمريكية. ففاتورة هذا الإحتلال تجاوزت كل السقوف الممكنة، من تلك التي دفعها شعب بالعالم ثمنا له.

إحتلال العراق وإن تمّ في التاسع من نيسان 2003 ، الا أن التمهيد له يعود للحظة التي إرتكب فيها النظام البعثي أحد أكبر حماقاته، وهو إحتلال الكويت. هذا الإحتلال وقبله مغامرة نظام البعث في حربه ضد إيران، فتحت الأبواب مشرعة للتدخل الأمريكي في المنطقة، خصوصا وأنّ الإتحاد السوفيتي كان قد أصبح شيء من الماضي. ففي أثناء مفاوضات العراق والولايات المتحدة قبل إندلاع الحرب، حذّر الأمريكيون نظرائهم العراقيين، أنّ في حالة عدم إنسحاب العراق من الكويت، فأنّهم " الأمريكان" سيجعلون العراق يعود الى عصر ما قبل الثورة الصناعية. وقد نفّذوا من خلال أقسى هجوم جوي وصاروخي بعد الحرب الحرب العالمية الثانية، تهديدهم بحذافيره. لتبدأ بعد إنتهاء تلك الحرب وإستسلام النظام البعثي وتوقيعه على صك الذلّ في خيمة صفوان، حصار إقتصادي أثبتت السنوات التي تلته ولليوم، من أنّه أشّد تدميرا من آثار الحرب نفسها.

بلد مثل العراق يمتلك ثروات نفطية هائلة وعقول وأيدي عاملة وقتها، كان من الممكن أن يعيد عجلة الحياة لإقتصاده ويعيد بناء ما دمّرته الحروب في فترة زمنية معقولة من خلال أمرين، أحدهما أثبت التأريخ عدم صحّته. فالأمر ألأول كان إلتزام النظام البعثي وقتها بالقرارات " الأممية"، وتنفيذه لقرارات مجلس الأمن الدولي بتخلّصه من أسلحة "الدمار الشامل"، والتي كان النظام يلاعب المجتمع الدولي بها كورقة ضغط على الرغم من عدم إمتلاكه لها، عدا بعض الأسلحة الكيمياوية والتي كان يستطيع التخلص منها، لولا غباءه ومغامراته التي كانت سببا رئيسيا في دمار بلدنا. أمّا الأمر الثاني فكان نجاح الإنتفاضة الآذاريّة بالقضاء على النظام البعثي، وقيام نظام سياسي جديد على أنقاضه، تكون أولى مهامّه هو بناء علاقات سياسية متوازنة مع دول الجوار والمجتمع الدولي. ليتفرغ بعدها الى بناء جديد لمؤسسات الدولة، وبناء جسور الثقة بين مكونات شعبنا خصوصا وأنّ المناطق السنّية لم تشترك بالإنتفاضة وقتها،  وإعادة بناء البلد بشكل تدريجي مستفيدا من عائدات النفط. والأمر هذا "الثاني" أثبتت سنوات ما بعد الإحتلال عدم صحّته.

فالأحزاب السياسية التي قادت الإنتفاضة التي بدأت عفويّة أوّل الأمر، والتي وصلت الى السلطة على متن قطار أمريكي بعد الإحتلال الأمريكي في نيسان 2003، أثبتت من خلال فسادها وسرقاتها للمال العام، من أنها لم تكن ستنجح في بناء ما دمرته الحرب وقتها. فالسلطة التي لا تستطيع إعادة ما دمرته الحرب وميزانية البلد تصل الى 140 مليار دولار بعد أن تجاوز سعر برميل النفط الواحد حاجز المئة وأربعين دولارا، لا تستطيع مطلقا إعادة بناء البلد وأسعار النفط وقتها لم تكن تتجاوز العشرين دولار للبرميل الواحد.

إنّ المشكلة الكبيرة التي تواجه بلدنا اليوم لا تكمن في إعادة إعماره، والذي تستطيع أية حكومة وطنية بحق إعادة بناءه بخطط طويلة الأمد، عن طريق نهج سياسة إقتصادية جديدة تعتمد على تنويع الإقتصاد من خلال خلق قطاعات جديدة وعدم الإعتماد على الريع النفطي فقط كما اليوم. لكن المشكلة الأكبر هي إنهيار الإنسان العراقي، من خلال إنهيار القيم المجتمعية، وإنهيار التعليم الذي جعل مستوى الجهل والتخلف أن يصل الى مستويات باتت تهدد حاضر ومستقبل البلد.

لقد تعرضّ شعبنا خلال العقود الأربعة الأخيرة، من خلال حروب الطاغية والحملة الإيمانيّة والحصار الإقتصادي، وفساد حكومات ما بعد الإحتلال، وتدخل رجال الدين في شؤون الدولة وتأثيرهم على عوام الناس نتيجة الإصطفافات الطائفية والأمية والجهل والتخلف. الى عملية إذلال وتغييب وتخدير، لم يتعرض لها الا القليل من الشعوب على مرّ التأريخ.

قد يحتفل البعض بذكرى إحتلال بلدنا في التاسع من نيسان على أنّه اليوم الذي تحرر فيه من نير البعث، لكن الحقيقة اليوم ونحن نرى إستمرار الخراب والدمار، وإنهيار ما تبقى من أخلاق وقيم، وفشل النظام الجديد في بناء ما ورثّه البعث من خراب، هي إستعبادنا من قبل الأحزاب الإسلامية وهي تعلق نير ديني "مقدّس" على رقابنا. لو كنّا جريئين في مقارنتنا بين  العهدين البعثي والمحاصصاتي اليوم، فأننا نستطيع القول وبكل أريحية " ما أض.... من سعود الا مبارك".

زكي رضا
الدنمارك
8/4/2019
   










138
السيد السيستاني .. هل يشاركني وكلائكم فقري؟


"لو كان الفقر رجلا لقتلته"، جملة تنسب للإمام عليّ بن أبي طالب، الإمام الأوّل عند الشيعة وزوج أكثر النساء قدسية عندهم ووالد سبطيّ النبي محمّد، فهل قالها الإمام عليّ كجملة عابرة، أم قالها لتكون ركنا من أركان بناء المجتمع؟ من خلال مراجعتنا للتراث الشيعي، فإنّ ما ينقل عن عليّ وبقية أئمة الشيعة، والنبيّ محمّد لحدود معينة  يدخل في باب القدسيّة، أي هو دون كلام الخالق وفوق كلام البشر، وعليه فأنّ المقولة أعلاه أو الحكمة وفق الأدب الشيعي تدخل في باب المقدّس. فعليّ هنا يتناول الفقر من باب الذمّ ويتّخذ إزاءه موقفا قويّا، إذ نراه يستخدم كلمة القتل على بشاعته في وصفه له. وإستنادا الى ما جاء في بعض تفاسير نهج البلاغة بخصوص مقولة عليّ هذه، فأنّ الإنسان الفقير لا يستطيع لفقره من إتّقان حركته الدنيوية، وبالتالي لا يكون له مستقبل آخروي مشرق.

 

لا يكتفي الإمام عليّ بهذا الوصف وهو يحارب الفقر، فنراه يقول (الفقر يُخْرِسْ الفَطِنً عن حُجَّته). أي أنّ الفقير لا يؤخذ بكلامه، ولا وجاهة له. كما يعتبر الفقر بنظر الإمام عليّ منقصة للدين، لذا نراه يخاطب إبنه محمّد بن الحنفيّة قائلا (يا بُنَيَّ، إنّي أخافُ علَيكَ الفَقرَ، فَاستَعِذْ بِاللّه‏ِ مِنهُ ؛ فإنَّ الفَقرَ مَنقَصَةٌ للدِّينِ، مَدهَشَةٌ للعَقلِ، داعيَةٌ لِلمَقتِ). لأن الفقر وفق المفهوم الديني إن تجاوزنا المفاهيم غير الدينية في وصفه، وليس غيره هو من يدفع الإنسان للمعاصي، وهنا نتحدث عن قاعدة وليس حالة. فالفقر يؤدي الى إنحطاط الإنسان وشقاءه وذلّه، لذا نرى عليّا يقول (ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر). ولو كان الفقر وعدم إمتلاك المال في الدنيا أمر حسن، ما يجعلنا أن لا نهتم له إن وقع،  فَلِمَ قال الله في كتابه (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)!!؟؟ لذا وليكون العبد قادرا على تقوى الله والإبتعاد عن المعصيّة قدر الإمكان، فأنّ الغنى سيساعده في أن يكون  تقيا ورعا وقريب من الله وهنا فنحن نتحدث عن قاعدة وليس حالة من جديد، وهذا ما يؤكده حديث النبي محمّد وهو يقول (نعم العون على تقوى الله الغنى).

 

الفقر، ظاهرة خطرة على المجتمعات، فهو يوفّر البيئة المناسبة للكثير من الإنحرافات السلوكيّة. فالفقر والمداخيل الشحيحة مثلا تساعد على إستشراء الفساد وتدفع العاملين الى تلقي الرشاوى، والفقر هو من العوامل الرئيسية في إنتشار السرقة وظاهرة البغاء، كما وأنّه عامل حاسم في إنتشار الجهل والتخلف والأميّة والأمراض. وعليه فأنّ الفقر كآفة، يهدد النسيج الإجتماعي للشعوب في مختلف البلدان ومنها بلدنا، ما يدعو الدولة لوضع الإمكانيات المتاحة والخطط العلمية لمكافحته، خصوصا وأنّ لبلدنا ثروات هائلة لم تستغل الّا لمصالح الساسة والأحزاب ورجال الدين.  كما وعلى المرجعية الدينية وهي تتدخل في كل شاردة وواردة من أمور الحكم والمجتمع، أن تثقّف الناس ليس على مخاطره فقط، بل والثورة ضده إن كانت حريصة فعلا على مصالح شعبنا . والفقر وفقا لتعريفات الأمم المتحدة على سبيل المثال هو أكثر " من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات" وهذا الوصف ينطبق على بلدنا وشعبنا بشكل كبير.

 

ممثّل السيد السيستاني في خطبة الجمعة (22/3/2019) ، قال في خطبته (الناس فقراء في الدنيا لا يهمّ لكن عندما يكون الإنسان فقيراً في الآخرة هذه الخسارة التي ليست بعدها خسارة)!!. أهكذا أيها السيد السيستاني تروى الإبل والنبي محمّد يقول (الفَقرُ سَوادُ الوَجهِ في الدّارَينِ)!!؟؟  أوليس الكفر صنو للفقر لذا يذمّه بعض من أئمة آل البيت قائلين (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)؟  وهل إستمرار الأحزاب الدينيّة بالسلطة وهي تنهب المال العام، وتُفْقِرْ أبناء شعبنا وتذلّهم، يعطي وكيلكم المبرر الكافي لتشاركوهم نهبهم وسرقاتهم، بتشجيع الفقر والرضى به طمعا بالآخرة؟ ولماذا تتمتعون كرجال دين وساسة إسلاميين بمفاتن الدنيا وتستكثروها علينا نحن الفقراء. أنظر الى وجه وكليكم وهو يؤمّ المصلّين، وقارنوه بوجوه أطفالنا أشباه العراة وهم يسبحون في بحار القمامة ليقيموا وأدهم.

 

هل يبات وكيلكم أيها السيد السيستاني ومعه كل رجال الدين والساسة الإسلاميين في عراقنا المبتلى ليلة  دون عشاء، كما مئات الآلاف من أطفالنا؟ هل حُرِم أحد أولادهم من المدرسة لأن والديه فقراء ولا يملكون مصاريف تعليمه؟ هل مات أحد أولادهم لأنّ والديه لا يمتلكون مصاريف علاجه في مستشفى الكفيل!!؟؟ هل يبيع أطفالهم كما أطفالنا بضاعة رخيصة في تقاطعات المرور ليتعرضوا الى كل أشكال التحرش؟ هل يعيش رجل دين واحد ومنهم وكيلكم في كربلاء في بيت من صفيح ؟ هل باع رجل دين كليته ليدفع غائلة الجوع عن عياله؟  السيّد السيستاني أنت تمجّد الفقر في خطبتكم "خطبة المرجعيّة" التي تلاها وكيلكم، فهل تشاركني وبقيّة العمائم فقري وجوعي وتشّردي، هل تشاركوني ذنوبي وآثامي وأنا أسرق وأرتشي وأمارس شتّى أشكال الرذيلة كي أوفّر لقمة خبز لعيالي الجياع ذوي الأسمال البالية في بلد النفط والغاز؟ هل تقفون معي لأستجدي الناس بذلّ عند ضريح الإمام علي في النجف الأشرف حيث تقيمون؟عشرات الأسئلة التي علينا طرحها عليكم،  ووكيلكم يطالبنا بقبول الفقر كونه شريك للصوص سارقي أموال شعبنا. السيد السيستاني، أنت المسؤول أمام الله عن تجميل الفقر والقبول به من قبل فقراء شعبنا، أنت المسؤول أمام الله عن سكوت الفقراء عنه وعدم المطالبة بحقوقهم، لأن وكيلكم يستخدم ترياق الدين لتخديرهم. السيّد السيستاني، أحد أسماء الله الحسنى هو الغني وليس الفقير، فلماذا تريدون منّا أن نحيا فقراء!!؟؟

 

ألا ومن البلاء الفاقة .... (الإمام عليّ)

زكي رضا
الدنمارك
28/3/2019




139
"قرّة" عيونكم سائرون .. رايتكم بيضة سائرون!!


النشيد الوطني في أي بلد، هو النشيد الذي يعبّر بكلماته عن إنتماء أبناء ذلك البلد دون تمييز ومحاباة وأفضلية اليه، بل ويذهب النشيد الوطني أحيانا الى أبعد من حدود الوطن ليكون رسالة حب وسلام الى شعوب الأرض المختلفة . فالأوطان وخصوصا تلك التي تمتاز بتنوعها العرقي والديني والطائفي، ليست ملكاً لأكثرية قومية أو دينية أو مذهبية. ولو راجعنا الأناشيد الوطنية لبعض الدول المتعددة الأعراق والأديان والمذاهب، لما رأينا فيها أية إشارة الى ما يمجّد عرق على آخر، أو دين على آخر، أو مذهب على آخر. فالشعب بمجموعه، والوطن بترابه الموحد هو من يتغنى به النشيد الوطني، والنشيد الوطني في هذه الحالة لا يعرف الهويات الفرعية، ولا طريقة للوصول اليها بشكل ملتوي وغير مباشر. أو إنتهازية للوصول الى أفئدة و "عقول" فئة منه وإن كانت أغلبية.

النشيد الوطني ليس مجرد نص شعري يلحّن وينشد في المناسبات الرسمية، بل هو رسالة قصيرة وغنية عليها أن تؤثر على المتلقي، ليقتنع بمحتواه ويتأثر بمضامينه إيجابيا، بما يؤثر على تشذيب سلوكياته. لذا يعتبر النشيد الوطني وهو ينشد في المدارس، اللبنة الأولى لبناء مجتمع معافى، كونه يخاطب عقول فتية سينهضون مستقبلا بأعباء وطنهم. والنشيد الوطني ليس بنصّ مقدّس، بل هو قابل للتغيير والتحوير طبقا للظروف التي يعيشها أي بلد. فلو أخذنا الأناشيد الوطنية للبلدان التي كانت تقاوم الإستعمار، نرى فيها كلمات قاسية تحرض على "العنف" ضد المحتلين، وتدغدغ المشاعر الوطنية عند الناس. لكن وما أن يتغير الوضع بتلك البلدان وتتحرر من نير الإستعمار، وتباشر ببناء وطنها وشعبها، فنشيدها السابق سيكون من الماضي، إذ لا يمكن بناء وطن ومجتمع عن طريق خطاب تحريضي، وحينها يجب تغيير النشيد الوطني بآخر جديد، يحمل سمات العهد الجديد وخطابه وأهدافه.

العراق بلد متعدد الأعراق والأديان والطوائف، ولا يحمل أيّة صفة قوميّة أو دينية أو طائفية الى جانب إسمه الرسمي، الذي هو الجمهورية العراقية، والذي أراد البعثيون لتأثرهم بالذكورية تغييره الى جمهورية العراقّ! ولم "يكن العراق على مرّ تأريخه الحديث، العراق العربي أو الإسلامي، وكيف يكون وهناك الكورد والتركمان والأرمن وغيرهم، وكيف يكون إسلاميا وهناك المسيحي والأيزيدي والمندائي وقبلهم اليهودي قبل تهجيره، لذا فأن النشيد الوطني عليه أن يكون نشيدا بعيدا عن الإقصاء وإن غير المباشر لأي مكون من مكوناته، فهل النشيد الوطني المقترح من قبل تحالف "سائرون"، يحمل مميزات وأهداف نشيد وطني حقيقي.

ما يراد تمريره عبر البرلمان كنشيد وطني للعراق، هو مزيج من مفاهيم دينية وطائفية وقومية ، وتمجيد للبعث والجلّاد صدّام حسين. فالعراقيون ليسوا كلهم مسلمين، وليس كل المسلمين من الطائفة الشيعية ليوظّف الشاعر إسم الإمام الحسين في النشيد الوطني، لـ "يقشمر" به الأحزاب والجمهور الشيعي، ليكتب "فهذا حسين وذي كربلاء من العز صار لسانً ودم" مع جلّ إعتزانا بالإمام الحسين، ولماذا لم يذكر الحسين وهو يكتب قصيدته (گرة عيونك سيدي .. رايتك بيضة سيدي) في مدح الطاغية صدام حسين ثمانينيات القرن الماضي. فهل الحسين لم يكن حينها شهيدا!؟ وهل كلمات كـ "عراق العلوم ونهرُ الأدب ستبقى تراثً لكل العرب" تمثّل الكورد والتركمان والأرمن وغيرهم، أم أنّهم ليسوا بعراقيين!؟ ولم يكتفي الشاعر بهذا التوظيف الطائفي والقومي، بل ذهب وهو يضحك على ذقون الكثير من الشيعة ساسة وجمهور الى أبعد من ذلك بكثير. فهو يمجّد علنا علم البعث والذي هو علم القومية العربية، ليس من خلال العلم نفسه فقط، بل ومن خلال عبارة "الله أكبر" التي كتبها المجرم صدام حسين بدمه على الرغم من نجاسة الدم في الإسلام، ليقول "تشرف بحمل اسمَ رب السماء لتبقى أعز و أغلى علم"!! وهل مثل هذه الأبيات الشعرية ستؤثر بالمواطن الكوردي والتركماني والمسيحي والمندائي والأيزيدي ، بل وحتى المسلم السنّي ليتفاعل معها!؟

 الأمم الكبيرة والتي تعتز بأوطانها تبحث وهي تعتمد نشيد وطني يمثل شعبها دون تمييز، عن قصائد تمثل الأمّة بأكملها ومن تنظيم كبار شعرائها. فها هي الهند تتبنى قصيدة "جانا غانا مانا" للشاعر الهندي الكبير طاغور كنشيد وطني، والذي قال لاحقا " قد أشدت في أغنية جانا غانا مانا بالشخص الذي يصنع مصير الهند والذي يرشدنا عبر مراحل الصعود والهبوط، عابري السبيل، الشخص الذي يرشد الناس إلى الطريق..". فمن سيرشدنا الى الطريق، نحن عابري سبيل الوطن المثخن بجراح سيوف الدين والطائفة والقومية، نحن من إحترق ماضينا ونرى مستقبلنا أسير للصوص!؟

 كان على تحالف سائرون وهو يتبنى نهج وطني بعيد عن المحاصصة كما يقول!! أن يتقدم بإقتراح تبنّي علم جديد للبلاد، ونشيد وطني يمثل تأريخنا وجغرافيتنا وطبيعتنا وتراثنا. لا أن يتقدم بهذه القصيدة المليئة بالشحن الطائفي والقومي، والتي لن تكون بأفضل من "نشيدنا الوطني" الذي كتبه الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان والذي أُنْتِخب ضمن أسوأ عشرة أناشيد وطنية بالعالم أثناء دورة الألعاب الاولمبية بلندن عام 2012 ، والتي كتبت صحيفة "التلغراف" اللندنية وقتها "بأنه يذكّر الناس بمأسي صدام حسين ، وفيه خيلاء وتعالي ويصدر رسالة خطير"


سلام على الجواهري الكبير و

سلامٌ على هضبات ِ العراق ِ... وشطـّـيه ِ والجُرف ِ والمنحنى
 على النخل ذي السعفات ِ الطوال، وشُمِّ الجبال، تُشيعُ السَـنا
 سلامٌ على نيّرات ِ العصور ِ... ودار ِ السلام، مدار ِ الدُنى
 

زكي رضا
الدنمارك
20/3/2019


140


الكورد الفيليون في حوار قناة دجلة الفضائية حول مشروع قانون الجنسية العراقية


لا نريد هنا مناقشة مشروع قانون الجنسية العراقية الذي أثار الكثير من اللغط خلال الأيام القليلة الماضية بإستفاضة رغم أهميّته القصوى، ولا مناقشة ما جاء على لسان من إستضافتهم القناة من خلال برنامج " بصراحة". حول الأهداف غير المعلنة للقانون المراد إقراره على ما يبدو من قبل الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، والتي هدفها هو التغيير الديموغرافي في البلاد لصالح الرعايا الإيرانيين والذي هو في الخاتمة إمتداد لصراع طويل بين الصفويين والعثمانيين، للسيطرة على العراق ومقدراته من خلال العامل المذهبي.  هذا الصراع الذي كان عليه أن ينتهي مع تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، بإقرار مبدأ المواطنة وإلغاء ما يسمى بمبدأ التبعية، هذا المبدأ الذي جعل العراقيين رعايا إيران وتركيا ببلدهم!!، فالعراقي الشيعي بشكل عام كان من التبعية الإيرانيّة " فارسي"، والعراقي السنّي بشكل عام أيضا كان من التبعية العثمانية " تركي"!! ومن خلال هذا القانون الغريب والذي لا يوجد مثيل له في العالم بأجمعه تقريبا، يكون العراق كبلد لا يملك مواطنين أصليين!! لكن ونحن نبحث عن أمن بلدنا وإستقراره ومستقبله وتحرره من الهيمنة، سواء كانت دولية أو إقليمية، علينا أن نقف الى جانب الآراء التي تتخوف من تبني القانون وإقراره، والذي سيصبّ حتما في مصلحة إيران، التي جعلت من الأحزاب الشيعية مطية لها لتنفيذ سياساتها في بلدنا الذي بدأ يفقد مفهوم الدولة منذ نيسان 2003 ولليوم. فالقانون المزمع مناقشته وإقراره، يعتبر جريمة كبرى بحق العراق وشعبه، وبوابة كبيرة لتجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين إن لم يكن أكثر، وما الى هذا التجنيس من تداعيات كبيرة على الواقع الديموغرافي للبلاد، والتأثير الكبير على الميزان السياسي  في كل إنتخابات، خصوصا ونحن نعتمد مبدأ المحاصصة الطائفية في إدارة " الدولة". فهل تبنّي وإقرار القانون من قبل الأحزاب الشيعية هو رد فعل على التسهيلات التي كان يقدمها النظام البعثي "القومي العروبي" للعرب السنّة من مختلف البلدان العربية للحصول على الجنسية العراقية وقتها!؟ فإن كان الأمر كذلك فهذا يعني، إن الفشل الذي رافق القوميين والبعثيين في بناء مجتمع متجانس ومتصالح مع نفسه من خلال إقرار مبدأ المواطنة، هو نفس فشل القوى الشيعية في بناء نفس المجتمع. وبالتالي فأن فكرة القومية العربية، والفكرة الإسلامية التي جاءت على أنقاضها، لا يستطيعان بناء وطن بالمرّة، وأكبر دليل على فشلهما هو ما نعيشه كمأساة على مختلف الصعد اليوم.

لقد كان من ضمن مَنْ إستضافتهم القناة في برنامجها بتأريخ " 14/3/2019"   و" تحت مسمى "باحث" في الشؤون العراقية، السيد "رعد هاشم كاظم"، ولا ندري إن كانت القناة قد أسبغت عليه هذه الصفة، أم أنّه يقدم نفسه كـ" باحث"، وليس محلل أو متابع سياسي!؟ فالباحث هو من يمتلك أدوات التحليل العلمية، والتي تعتمد في الموضوع الذي يتناوله على أمور عدّة أهمها هو إعتماده على الظرف الزمكاني في الموضوع الذي يتناوله، وهذا المفهوم يجد مكانا له في مناهج البحث لمادة العلوم السياسيّة، تحت باب المنهج التأريخي، والذي يشير من خلال الدراسة العلمية الى أنّ بحث قضية ما لا تكتمل دون العودة لجذورها التأريخية. فهل عاد "الباحث" هذا الى الجذور التأريخية لمشكلة الجنسية العراقية، قبل أن يدلو بدلوه في أعقد مشكلة واجهت وتواجه شعبنا لليوم!؟ وهل "باحثنا" هذا ذو نظرة محايدة تجاه عراقية الكورد الفيليين من عدمها وإتهامهم بنقل أسرار البلد لإيران كما يدعي، والتي هي " الحيادية" ركن أساس من أركان البحث السياسي أو العلمي الرصين؟ وهل إعتمد على جداول إقتصادية رسمية، وهو يتناول قضية رأس المال الوطني ودوره في الدورة الإقتصادية للبلاد؟ وهو يتهم بشكل ساذج الكورد الفيليين إستصغارا وإستهزاءا كونهم " عمّالة" عند اليهود العراقيين قبل تهجيرهم، والذي قاله " الباحث"  بنفس عنصري مليء بالحقد والكراهية والعنصرية، بهيمنتهم على سوق الشورجة  كمركز تجاري. علما أن التجار الكورد الفيليين إستثمروا أموالهم داخل الوطن كجزء من البرجوازية الوطنية ومساهمتهم في تنشيط الحياة الإقتصادية بالبلد، لذا نراهم يعيشون حياة الفاقة والعوز بعد تهجيرهم الى إيران وسلب ممتلكاتهم. على عكس غيرهم من العثمانيين والصفويين الذين يستثمرون الأموال المهربّة والمنهوبة من شعبنا في مختلف دول العالم ومنها دول الجوار العراقي والخليج !؟ وهل سار" الباحث" هذا على مبدأ المنهج الكلاسيكي في بحث قضية إجتماعية ذات أبعاد سياسية كقضية تهجير الكورد الفيليين، من خلال إستناده الى العقل والمنطق في تفسير الأمور للوصول الى الحقيقة والتي هي مراد الباحث الرصين والحيادي؟

سوف نحاول  إختصار الرد على ما جاء به " الباحث" من تهم لشريحة قدّمت للعراق الكثير ولم تحصل الّا على الفتات كالكورد الفيليين، كون ما جاء به لا يستحق الرد مطلقا، فالرجل حاول قلب حقائق يعرفه الكثير من أبناء شعبنا، ومنهم مقدّم البرنامج الذي لم تسعفه ذاكرته ولا فهلوته هذه المرة لمحاججة ضيفه ببديهيات يعرفها كل عراقي، والتي سنأتي على ذكرها لاحقا.

يصبّ "الباحث" هذا جام غضبه وهو يتناول القانون الجديد للجنسية العراقية، على المكون الكوردي الفيلي " بعد أن أخذهم كمثال" بإعتبارهم إمتداد فارسي كما يقول، دون العودة لجذر مشكلة المواطنة بالعراق، والتي لازالت محل جذب وشد  بين قوى سياسية تمثل الطوائف أو تميل إليها في أحسن الأحوال وهي تضع الخطوط العريضة لشكل المواطنة بالبلد! وعوضا من أن يقوم " الباحث" هذا ومعه كل من يهمه مصلحة بلدنا وشعبنا، ببلورة رأي عام ضاغط من أجل إعلاء شأن المواطنة العراقية بسنّ قانون موحد للجنسية، لا يعترف الا بعراقية العراقي دون الإستناد الى ما يعرف " بالتبعيتين العثمانية والإيرانية"، نراه يريد الهروب الى الأمام، بإنتخابه أضعف الحلقات في النسيج الإجتماعي العراقي من ناحية إمتلاكهم لما يسمى بشهادة الجنسية أي الكورد الفيليين، ليهاجمهم وينتقد من خلالهم مشروع قانون الجنسية العراقي الجديد. لكنه يمر عن عمد أو عدم دراية على عشائر عربية كانت حتى القرن الثامن عشر تسكن نجد والحجاز قبل أن تهاجر الى العراق وهذا أمر طبيعي وقتها كما هجرة الكورد الفيليين، كما ويمر مرور الكرام على عوائل معروفة من التي كان لها دورا بارزا على الصعيدين السياسي والإقتصادي بالعراق، رغم أنهم من أصول غير عراقية!!  ففي معرض تناوله (الچلبيين) يقول حنا بطاطو ( والأمر الآخر الذي لابد من ملاحظته بالنسبة للچلبيين كان الأصل غير العراقي للكثيرين منهم، وعلى سبيل المثال، فقد كان أصل الشرشفيين من بلاد فارس، وكانت عائلات الشاهبندر والباچچي والقشطيني من سورية، وعائلات الزيبق وغنّام وصالح وثنيّان وعسّافي وبصّام ومنديل وزهير وعبد الواحد من نجد)"1"، وعدم تناوله عدم عراقية الذين أشرنا إليهم قبل قليل، تفسّر من  أن شوفينية " الباحث" هذا هي بلا حدود. خصوصا وأنه يتهم الكورد الفيليين بنقل المعلومات لإيران أي التجسس لصالحها!! على الرغم من عدم تبوأ كوردي فيلي واحد لمنصب سيادي بالبلد ليكون قريب من المعلومات الإستراتيجية التي تحتاجها الدول وتحصل عليها من جواسيسها. فالكوردي الفيلي المحروم من سلك العسكرية والشرطة والأمن والمخابرات والسلك الديبلوماسي وغيرها، علاوة على وجوده في دائرة الشك دوما ما يجعله في خوف دائم من السلطات، ومهما كانت إمكانياته " بالتجسس"، فأنه لا يصل الى إمكانيات رجال مثل ( نوري السعيد – تركي – عربي – سني والذي كان رئيسا للوزراء 14 مرة، و ناجي شوكت تركي مستعرب – سني رئيس وزراء لمرة واحدة، وحكمت سليمان – متحدر من أصل مولى أصبح مسلما – سني رئيس وزراء لمرة واحدة) "2" ، فلماذا لا يتهم "باحثنا" هذا هذه الشخصيات بالخيانة والتجسس لتركيا العثمانية مثلا وهم في أعلى منصب بالدولة، إن كانت الأصول غير العربية متهمة بالتجسس في العراق!؟

لقد تجاوز " الباحث" بديهيات يعرفها الشارع العراقي جيدا، حينما قال:  أن الكورد الفيليين قد تمّ تهجيرهم لأنهم لا يمتلكون الجنسية العراقية!! وتفسيره غير المنطقي هذا يدفعنا لنتساءل: هل كانت الجامعات والمعاهد العراقية والتي  تخرج منها الآلاف من الكورد الفيليين،  تقبل في صفوفها عراقيين لا يمتلكون شهادة الجنسية العراقية؟ هل كان التجار الكورد الفيليون يسافرون خارج البلد بدون جوازات سفر!؟ وهل من الممكن إصدار جواز سفر عراقي ولليوم دون إظهار شهادة الجنسية العراقية للسلطات؟ كما كفر " الباحث" كفرة صلعاء حينما قال أنّ التبعية "هكذا" ومنهم الكورد الفيليون كانوا لا يخدمون خدمة العلم، والتي كانت شرطا لحصولهم على الجنسية العراقية!! لا أعتقد إنني ككوردي فيلي مجبر هنا للرد على مثل هذه التخرصّات، ولا مثل هذه المحاولات البائسة لطمس الحقائق التي لايريد " الباحث" أن يراها، لأسباب منها ما يتعلق بنهجه الشوفيني، أو بخلفيته السياسية على ما يبدو.

إن عملية إفراغ العراق من مكوناته غير العربية وغير المسلمة هو هدف قومي عروبي مريض، ولازال ولليوم حلم أناس مرضى لايريدون قراءة التأريخ وما أوصلته أفكارهم من مآسي للبلدان والشعوب العربية، ومنها بلدنا العراق. وقد بدأت أولى عمليات التهجير بحق يهود العراق الذين أستوطنوا العراق بعد سبيهم من قبل الآشوريين وبعدهم البابليين منذ العام 859 ق. م. وحتى تهجيرهم أواخر أربعينيات القرن الماضي. والواقع أنّ الطائفة اليهودية بالعراق كما يقول (حنا بطاطو) " كانت عربية تماما، أو إذا كان القاريء يفضّل، فقد كانت مستعربة. كانت لغتها عربية، وكانت العربية تستخدم حتى في طقوسها الدينية. وكان طعامها عربيا، وكانت خرافاتها عربية، وكذلك الأمثال التي تستخدمها، وكان الكثير من عاداتهاعربيا، وحتى الحريم كان يشكل جزءا من أعرافها" "3". وإن كان تهجير اليهود العراقيين قد تم إبان تأسيس دولة إسرائيل وخسارة الجيوش العربية الحرب بما يطلق عليه عام النكبة. فأنّ تهجير الكورد الفيليين كانت لأسباب يجب أن لا تكون بعيدة عن فهم " الباحث" وهو "خبير" بالسياسة العراقية.

إننا ككورد فيليين ونحن نهجّر وتصادر وثائقنا الثبوتية وأموالنا المنقولة وغير المنقولة، ويغيّب الآلاف من شاباتنا وشبابنا، فإننا ندفع ثمن مواقفنا الوطنية تجاه شعبنا ووطننا، وليس لأننا " جواسيس" أو " طابورخامس" كما تقول أيها السيد " الباحث". فحينما كان " العراقيون" من التبعية العثمانية يقفون الى جانب الإقطاع ويصمتون بذل على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان الكورد الفيليين في مقدمة المنتفضين في مدينة الحي الباسلة أثناء إنتفاضتها " إنتفاضة الحي"، وبعد القضاء على الإنتفاضة، سارع أجدادك العثمانيون للإنتقام من الكورد الفيليين، بتهجير العديد من العوائل الفيلية التي ساهم أبنائها في تلك الإنتفاضة البطولية الى إيران. وحينما أدخل رفاقكم من البعثيين العثمانيين العراق في نفق مظلم صبيحة الثامن من شباط الأسود سنة 1963 ، سارع الكورد الفيليين لمقاومتهم في منطقة " عگد الأكرد". هذه المقاومة ومواقفهم الوطنية العديدة كانت أحد أهم أسباب تهجيرهم الثاني سنة 1970 . أمّا تهجيرهم الأكثر وحشيّة وبشاعة فقد كان في نيسان 1980 ، من خلال مسرحية بائسة والنظام البعثي يهيأ نفسه لخوض حرب غيّرت الوضع الجيوسياسي بالمنطقة برمتها، وقادت شعبنا ووطننا الى ما هو عليه اليوم.

السيّد " الباحث"، شخصيا  لا يشّرفني أن أكون من أتباع دولة غير العراق، فلتتشرف أنت بعثمانيتك وغيرك بصفويته. 


"1" - العراق – الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ص 298 " لحنا بطاطو. 
"2" المصدر السابق " ص 214"
"3" المصدر السابق "ص 295 – 296 "

زكي رضا
 الدنمارك
 16/3/2019

141
زعماء الشيعة والجغرافيا والخيانة


لو تركنا سقوط بغداد العبّاسيّة على يد المغول في شباط 1258 م.، مبتعدين قدر الإمكان عن الروايات المتضاربة لخيانة الوزير الشيعي (إبن العلقمي) وعدم توظيفها طائفيّا للنيل من الشيعة كما يريد السنّة. فأنّ زعماء شيعة العراق اليوم يدفعوننا دفعا لإعادة النظر في تلك الحادثة، ليس من خلال خيانة إبن العلقمي من عدمها والتي نتركها للتأريخ كونها أصبحت من الماضي، بل لأن الخيانة عند زعماء الشيعة اليوم في العراق أصبحت ظاهرة وليست حالة فردية كما كانت وقت سقوط بغداد حينها. فإبن العلقمي تحرّك بشكل فردي وليس من خلال مؤسسات وأحزاب ومرجعيات، أمّا زعماء الشيعة اليوم فأنهم يتحركون ضمن كل التشكيلات التي أشرنا إليها بل وحتّى مجتمعيا، كونهم على رأس السلطة وليس في المعارضة كما كانوا عليه أثناء الخلافة العباسية. لذا فأنّ نتائج خيانتهم للبلد ستكون كارثيّة، وهذا ما نراه اليوم من خلال الواقع المأساوي لبلدنا وشعبنا.

مشكلتنا مع النخب الشيعية الحاكمة، هي أنّها تبتعد عن كل ما هو عراقي حينما تتعلق الأمور بمصالح إيران وشعبها.  ومن خلال تجارب سنوات ما بعد الإحتلال ليومنا هذا كانت مصالح إيران وشعب إيران، لها الأولوية على مصالح وطننا وشعبنا، وإذا أردنا توخي الدقّة فأن إيران تحتلنا إقتصاديا وسياسيا وثقافيا. لكن حتى الذين يفقدون وطنيتهم تحت أي ظرف كان، لا بدّ أن يستفيقوا يوما على المآل الذي وصل اليه شعبهم والهوان الذي يعيشه، لا بدّ أن يستفيقوا إن كانت الأخطار التي تحيق بشعبهم لها تأثيرات مدمرة على مستقبله. وإنتشار ظاهرة المخدرات اليوم هي من أكبر الأخطار التي تواجه بلدنا وتهدد شعبنا ومستقبله، فهل ستستفيق هذه النخب ، أم ستبقى تحني رؤوسها أمام نظام ولي الفقيه والتي تأتينا المخدرات من عنده؟ وهل سيظلون ذلك الجنين السفاح في رحم إيران؟

المخدّرات آفة أشّد فتكا على المدى البعيد من الإرهاب، لذا نرى الدول التي تحترم شعوبها تعمل بكل إمكانياتها وطاقاتها من أجل حماية مجتمعاتها من هذ الآفة المدمرّة. ولا تكتفي هذه الدول بالقوانين الصارمة لمكافحة التهريب والتوزيع فقط، بل تتجاوزها الى تخصيص ميزانيات ضخمة من أجل علاج المدمنين وتوعية المجتمع بآثار على سلامته. وكمدخل لمحاربة المخدرات وعدم تدمير تلك المجتمعات، تكثّف تلك الدول الرقابة على حدودها البرية والبحرية ومطاراتها، كما وتراقب وبشدّة الدول التي تأتي منها هذه المخدرات وتتعاون معها إستخباريا وأمنيا للكشف عن العصابات التي تتاجر بها.

المخدرات والإتّجار بها وإنتشارها وتعاطيها حتى من طلبة المدراس الإبتدائية، أصبحت اليوم ظاهرة واسعة الإنتشار وتهدد بتفكك النسيج الإجتماعي للمجتمع العراقي الذي كان ولعقود قليلة خلت محصنا بالكامل من هذه الظاهرة، فالعراق لم يكن سوقا ولا ممرا لهذه التجارة كما لم يكن التعاطي معروفا به بالمرّة تقريبا. عكس إيران التي نشترك معها بحدود على طول ما يقارب الـ (1500 ) كيلومتر، والتي فيها الملايين من متعاطي المخدرات على مختلف أنواعها ومنها الترياق" ترياك" وهو المفضّل عند علية القوم ووعلى رأسهم  رجال الدين فيها. وإيران التي تعاني من هذه الآفة، هي الأخرى لها حدود طويلة مع أفغانستان التي تنتج كميات كبيرة من المخدرات، التي يتم تهريب جزء كبير منها الى إيران عن طريق مناطق قبائل "الهزارة"  الشيعية المرتبطين كما شيعة العراق كثيرا بإيران. 

لقد وصلت خيانة النخب الشيعية للعراق في أنها تبرّيء بلد كإيران الذي يعتبر سوقا وممرا لتوزيع المخدرات في المنطقة ومنها للعالم، والذي تعتقل السلطات العراقية بين الحين والآخر عصابات من رعاياها تتاجر بالمخدرات وتصنع في بعض المدن كالبصرة حبوب مخدرة لتوزعها بين الشبيبة، لتتهم دولة بعيدة عنّا بآلاف الكيلومترات كالأرجنتين بتوريدها الى العراق!! أنّ هذا الإتهام المضحك يدل على أنّ الأحزاب الشيعية لم تكتفي بخيانة الوطن، بل تقوم اليوم بخيانة شعبنا وتدمير شبابه بنفي التهم عن المورد الأصلي للمواد المخدرة للعراق.

من المعيب أن يحكم العراق أميّون بالجغرافيا كما عادل عبد المهدي علاوة على خيانتهم له،  بمحاولتهم  تبرئة إيران وحرسها الثوري والميليشيات والعصابات الشيعية العراقية من نشر المخدرات بين شبابنا. فالأرجنتين بعيدة جدا عن المثلث الذهبي لإنتاج وتوزيع المخدرات، والواقع بين بورما وتايلند ولاوس، و بعيدة كذلك عن أفغانستان التي تصدر هي الأخرى المخدرات الى إيران ومنها الى بقية الدول. فهل من المعقول والمنطقي أن تصدر هذه البلدان المخدرات الى العراق عن طريق الأرجنتين، وأي الطرق أقصر للسوق العراقية الناشئة والواعدة بفضل الأحزاب الإسلامية، إيران أم الأرجنتين!!؟؟ وحتّى لو كانت الأرجنتين بالفعل هي مصدر المخدرات في السوق العراقية،  فهذا لا يعفي إيران من إدخالها الى سوريا فالعراق عبر عرسال، عن طريق حزب الله اللبناني.

في قصّة (المدرسة) للكاتب الروسي أركادي غايدار، سأل مدرس الجغرافيا "مالينوفسكي" تلميذه " توبيكوف" الذي هرب من أهله للقتال على الجبهة الألمانية في الحرب العالمية الاولى، بعد أن تم إرجاعه بعد أيّام وهو متجه الى الشرق الروسي بدل عن التوجه غربا قائلا له: أمّا أنت فأتجهت نحو الجهة المعاكسة تماما، نحو الشرق. فكيف وقعت في الإتجاه المضاد؟ إنّك تتعلم عندي لكي تستطيع تطبيق المعلومات التي حصلت عليها، لا أن تحصرها في رأسك، وكأنها في صندوق قمامة. لا أدري ماذا كان سيقول مدرس الجغرافيا هذا لعبد المهدي وهو ينتخب طريق بعيدة جدا لتهريب المخدّرات الى العراق بدلا من أقصره، أو للجعفري وهو يقول أن روافد  نهري دجلة والفرات ينبعان من إيران!! أو لقيس الخزعلي الذي يقول أنّ نهر الفرات واقع في مصر ويتصّف من يشرب ماءه بقلّة الغيرة، وهل للإسلاميين غيرة على وطنهم وشعبهم كما غيرتهم على إيران ومصالحها؟!!

يا إلهي كم صندوق قمامة لدينا بالعراق؟


https://www.youtube.com/watch?v=x5UTMszYt7c رابط حديث قيس الخزعلي

https://www.youtube.com/watch?v=Hw5oiOzQozc رابط حديث إبراهيم الجعفري

زكي رضا
الدنمارك
8/3/2019

142
رواندا نحو الفضاء .. والعراق نحو الهاوية


رواندا بلد كما العراق عاش أهوال حرب أهلية مدمرّة، الا أن فضاعات تلك الحرب لم تكن كما فضاعات القتال الشيعي السنّي من حيث أعداد الضحايا وطريقة قتلهم، ولا حتى طول الفترة الزمنية التي قتل من خلالها الضحايا كانت متقاربة بين البلدين. فضحايا الحرب الأهلية وضحايا الإرهاب وغيرهم بالعراق قاربت النصف مليون ضحية وقتيل وفق آخر الإحصائيات، التي قالت أن الضحايا والقتلى قد سقطوا منذ الفترة الممتدة من بداية الإحتلال ولهذا اليوم، أمّا ضحايا الحرب الأهلية في رواندا، فقد بلغوا ما يقارب الثمانمائة ألف ضحية خلال ما يقارب المئة يوم فقط!

لم تستطع رواندا تجاوز آثار الحرب الأهليّة والبدء ببناء ما خلّفته تلك الحرب، الا من خلال حزمة من الإصلاحات الجذرية التي طالت كل مرافق الحياة فيها. وكبوابة للإصلاح بدأت الحكومة هناك بمكافحة الفساد بشكل صارم، ما فتح آفاق واسعة لتحسين الأوضاع الإقتصادية بالبلد. وقد سنّت الحكومة هناك القوانين التي تساعد على النمو الإقتصادي ومكافحة الفقر والبطالة، وخطت خطوات كبيرة في تطوير مجالي الزراعة والسياحة. ووفق تقرير منظمة  دول تجمّع السوق الإفريقية المشتركة " الكوميسا"، فأنّ  الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد إرتفع من 1.92 مليار دولار سنة 1995 ، الى 8.48 مليار دولارعام 2019 على سبيل المثال، وهذا الرقم يعتبر تافها جدا أمام الناتج المحلي الإجمالي للعراق، الذي تجاوز وقت ما الـ " 140 " مليار دولار. فهل حقّق العراق بميزانياته الفلكية مقارنة برواندا جزء صغير من نجاحاتها؟

هنا لا نريد أن نتناول الواقع الزراعي والسياحي والخدمي والصحي بين البلدين ومقارنتها بالعراق المتخلف عن رواندا كثيرا ، بل نريد تناول الواقع التعليمي بين البلدين من خلال دور التكنولوجيا في التعليم، وترك النظم التعليمية التقليدية والمتعارف عليها بالعالم الثالث كما العراق، هذا إن لم يكن العراق بالحقيقة خارج تصنيف البلدان.

 ففي الوقت الذي يهان فيه التعليم بالعراق، من حيث بؤس أبنية المدارس وتفاهة المناهج الدراسية التي تم صبغها بطابع ديني متخلف، ودور الدولة من خلال المؤسسة العشائرية في إهانة وتهديد المعلميّن، ودور الحكومة في مصادرة حقوقهم، والتسرب من المدارس في المراحل الدراسية المختلفة نتيجة الفقر والبطالة واليأس من المستقبل وغيرها الكثير من المشاكل، فأن التعليم في رواندا خطا خطوات عملاقة مقارنة به "بالعراق". فبعد أن إتّجهت رواندا للإستفادة من التكنولوجيا في التعليم، من خلال شراكة مع شركة " مايكروسوفت". وإقدامها على تبني نظام " تكنولوجيا المعلومات والإتصال من أجل التعليم"، بإستبدالها الكثير من الكتب التقليدية ووسائل التعليم، بأجهزة " اللابتوب" والآيباد" وغيرهما. خطت رواندا اليوم خطوة هائلة ستضعها خلال سنوات في مقدمة الكثير من الدول في مجال التعليم وعلى الأخص العراق المتخلف بكل شيء، وذلك عن طريق إطلاقها قمرا صناعيا لتزويد مواطنيها بالإنترنت المجاني وكذلك ربط مدارسها به خصوصا في المناطق النائية!!

في الوقت الذي تحلق فيه رواندا المثخنة بجراح الحرب الأهلية نحو الفضاء، لتثبت للعالم أجمع من أنّ روح التسامح ومحاربة الفساد هما المفتاحان اللذان فتحت بهما مستقبلا مشرقا لشعبها،  فأن حكّام العراق أثبتوا لنا وللعالم أجمع من أنهم ومن خلال العراق الخرب الذي نعيش فيه، من أنهم أضاعوا مفاتيح الوطن الذي يقودونه للمجهول.


زكي رضا
الدنمارك
6/3/2019



 



143
أنا مواطن عراقي .... أنا أرفض


كثيرا ما أقول لنفسي وللكثيرين من إنني " مواطن عراقي مع وقف التنفيذ"، أقولها كوني لم أستعد لليوم وثائقي الثبوتية التي صادرها منّي نظام البعث الفاشي بعد أن ألغى عراقيتي بقرار قرقوشي  كوني كوردي فيلي. لكن عراقيتي مع وقف التنفيذ هذه لم تنجح في أن تجعل منّي بعيدا عن وطني وشعبي وهمومهما، بل على العكس فقد كانت دافعا لي ولازالت كي أعمل وأبذل الجهد مع كل الخيرين في هذا العراق المنكوب من أجل غد أفضل وأجمل أحلم به ويحلم به الطيبون من أبناء هذا البلد.

اليوم وأنا أرى بلدي يتحول الى خرائب تنعق فيها غربان الدين وشعبي الى مشروع موت،  قررت أن أستغني عن هذه الجملة مرّة واحدة والى آخر عمري. ليس لأنني حصلت على ما يثبت عراقيتي في أوراق رسمية، بل لأنني أكتشفت أن الأوراق الرسمية التي تثبت عراقية الفرد ليست فيصلا في تحديد المواطنة من عدمها. اليوم إكتشفت أنّ الكثير ممّن يحمل جنسية هذا العراق المبتلى بحكم الإسلاميين، لا يمتّون لهذا الوطن بصلة، وعليه فليس من حقّهم منحي أو حرماني من حق المواطنة، كونهم وببساطة ليسو بعراقيين أصلا.

خمسون رأس مقطوعة لخمسين ملاك أيزيديّة، جعلتني وأنا أرى صمت الحكومة والأحزاب والمنظمات والمرجعيّات الدينية ومنها مرجعيّة السيستاني، وهي مشغولة بالصفقات والإمتيازات وبناء دولة العصابات بـ "قوانين نافذة" وفتاوى دينية، أن أعلن رفضي للأحزاب الدينية بقضّها وقضيضها وهي تعمل على نهب ثروات البلد وتطهيره دينيا. الرؤوس المقطوعة لتلك الأيزيديات الطاهرات والتي هي أطهر من شرف كل ساسة العراق وعمائمه، تجعلني أرفض وبقوّة سلطة الدين وأتهمها بقتل الأبرياء من أبناء شعبنا ومنهم كوكبة الإيزيديات اللواتي ذبحهنّ من سيعيش في " سجون" من خمسة نجوم في عراق العمائم.

خمسون ذؤابة عليها آثار الدماء، لا تجعلني في أن أرفض كل ما يجري ببلدي من جرائم فقط ، بل تجعلني أن أكفر بكل شيء فيه، الا فقراءه وبؤسهم. خمسون وجه ملائكي عاش تلك اللحظات والسكين تنحرها، تجعلني أشّك بوجود عدالة في الأرض أو في السماء، وهذا لا يعني الا رفضي لوجود عدالة هنا وهناك. خمسون صرخة أيزيديّة، وهي تُسحب الى حيث الجزار لنحرها، تجعلني أن أرفض كل من يحكم هذا البلد ويدّعي إنتماءه له. مئة عين صافية وجميلة تحدّق قبل أن تُطفأ للأبد بعيون الجزارين وهي تشعر بالرعب الذي لا حدود له، لم تسأل الجزارين عن سبب ذبحها، لكنها كانت تتساءل عن ضمائرنا وهي تُنحر كما رؤوسها، إذن فعليّ رفض من لاضمير له من ساسة ومراجع دين.

هل لنا كرامة ونحن نعيش مأساة العهر الإسلامي وجرائمه ولا نعمل على تغييره؟ هل لنا كرامة ونحن نمرّ على جريمة بهذا الحجم وبهذه الوحشيّة ونحن نلوذ بالصمت؟ هل لنا كرامة ونحن نستقبل القتلة ونؤهلهم من جديد ليمارسوا هوايتهم في مكان آخر، لأن هناك من يؤمن بالتوازنات في ما تسمى بالعملية السياسية؟ هل لنا دين ونحن نذبح الأبرياء بآياته البيّنات؟ أليس من حقي وأنا أرى هذه الجريمة وغيرها المئات، أن أعلن رفضي لكل من هو غير عراقي في السلطة أو من يبايعهم؟ أليس من حقّي كما " ماتفي" وهو يكتشف الإستغلال والنهب عند المؤسسة الدينية "الكنيسة"، في رائعة مكسيم غوركي " إعترف أين الله"، ومعي كل الأيزيديات والأيزديين الطيبين وباقي مضطهدي شعبنا وهم يعيشون إستغلال ونهب وقتل الإسلاميين لهم ولوطنهم وأعلن رفضي لهم كمجرمي حرب، أن أتساءل: " أين الله"؟

زكي رضا
الدنمارك
28/2/2019


144
إشكاليات مفهوم العمليّة السياسيّة بالعراق


هل العراق ما بعد الإحتلال الأمريكي للبلاد، يحمل سمة الدولة؟ هل هناك معالجة حقيقيّة للملّفات التي لازالت دون حلول جوهريّة من خلال إصلاح الوضع السياسي بالبلاد؟ هل هناك إمكانيّة لإصلاح الوضع السياسي بالبلاد، دون وجود مشروع سياسي؟ وهل من الممكن بناء دولة عصريّة ترعى مصالح المواطنين بشكل متساو، دون عمليّة سياسيّة؟ هذا الأسئلة علينا الإجابة عليها بشكل دقيق، قبل أن نتفق على وجود عمليّة سياسيّة بالبلاد أصلا، وعندما نقول عمليّة سياسيّة فإننا نعني بها هنا عملية تستطيع تنفيذ بناء الدولة التي توفر المناخ المناسب لإيجاد بنية إجتماعيّة متماسكة وبيئة آمنة ومستقرة لمجموع شعبها، من خلال مشروع سياسي يعالج الأزمات التي ترافق " العمليّة السياسية" منذ الإحتلال لليوم. فالعراق اليوم وهو يتخبط في لا عقلانيّة من يمسك بزمام أموره، ليس  بحاجة الى إصلاح سياسي ، ليس لأنّ الإصلاح السياسي لا تتوفر شروط إجراءه لغياب نظام ديموقراطي حقيقي، وليس لأنّ الغالبيّة العظمى من القوى السياسيّة العراقيّة لا تريد إصلاح واقع فاسد ساهمت وتساهم في ترسيخه، وليس لعدم وجود قوى قادرة فعلا على تنفيذ الإصلاح. بل كون العراق بحاجة الى بناء عملية سياسيّة تهدم كل ما خلّفته قوى المحاصصة منذ وصولها الى السلطة لليوم، لأن ما يقال عن إصلاح لما تسمّى بـ " العملية السياسيّة" لا يمكن حدوثه ونحن نفتقر الى قوى سياسيّة مساهمة في " العملية السياسية" منذ إنطلاقها أو من خارجها، ولها تأثير كبير على الشارع السياسي علاوة على إيمانها بمشروع الدولة بمعناها الحقيقي. فالحقيقة التي علينا قبولها ونحن نراقب ما يجري في وطننا، والتي علينا أن نراها بعيون مفتوحة. هي أنّ ما تسمّى بـ "العمليّة السياسية"، تمتاز بقبح لا ينفع معها كل عمليات التجميل، ناهيك عن الماكياج الذي يراد له أن يجمّلها. والأنكى من الأثنين هو: أنّها تمتاز برائحة طائفية كريهة، وتعيش في مستنقع طائفي فاسد يعتاش على سرقة ثروات وطننا وشعبنا.

أنّ الدولة بمفهومها غير المحدّد بتعريفات ثابتة  وفق القاموس السياسي أمام أسئلة كبيرة عن مشروعيتها بالعراق، فالعراق كــ "دولة" اليوم لا يعيش صراعا طبقيّا بالشكل المتعارف عليه، رغم إتّساع رقعة الفقر بين نسبة كبيرة من عدد سكّانه، فـ "الدولة" اليوم تعمل كأداة لطائفة ضد طائفة، وهذا بحد ذاته يلغي مفهوم الدولة بالكامل، وكون " الدولة" تراجعت عن تمثيل كافّة أبناء الشعب بشكل متساو، ولم تنجح في توزيع الثروات بشكل متساو وعادل، لذا فمفهوم الدولة من الناحية النظرية على الأقّل أمام تساؤلات مفتوحة عن شرعيتها، إن لم نقل وجودها.

الدولة اليوم بالعراق لا تأتي كونها صراع بين طبقات بل كونها صراع بين طوائف دينية، وهنا تحديدا تكون هي المسؤولة وإن إمتازت بمواصفات وتعريفات الدولة، عاملا على إنهيارها. فالدولة وإن كانت شخصيّة معنوية، تحوّلت  اليوم بالعراق الى سلطة تجيد فنون الصراع الطائفي وليس الصراع الإجتماعي، سلطة بعيدة عن تعريفات الدولة بالمطلق تقريبا.

يقول لينين في تعريفه للدولة من أنّها: "هيئة لسيادة وهيمنة طبقة على أخرى بقوة القانون كتعبير عن حالة الصراع بين الطبقات الاجتماعية". وتعريف لينين هنا يؤكّد عدم وجود دولة بالعراق لأسباب منها، غياب القانون
والذي إن وُجد فأنّه لا يمثل الّا مصالح رجالات السلطة الفاسدة، علاوة على عدم قوّته أصلا، فنراه متراجعا بجبن أمام قانون العشائر وقانون الميليشيات، ومنحنيا بذل أمام فتاوى المؤسسة الدينية التي هي أقوى من القانون! كما وأنّ الصراع مثلما ذكرنا قبل قليل هو صراع طائفي وليس صراع إجتماعي أو طبقي.

في تفسيره لوظيفة الدولة تجاه سكّانها وتأثرها بالعقل الجمعي، يرى الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي ( أميل دوركايم)، " أنّ من أهم واجبات الدولة هو تحكمّها وسيطرتها على العقل الجمعي للسكّان للحيلولة دون إنزلاق الخلاف الذي قد يحصل بين طوائفها وقومياتها المختلفة الى حرب أهليّة". ولو عدنا الى المثال العراقي اليوم، سنرى أنّ السلطة قد نسفت مفهوم الدولة ووظيفتها من خلال، مساهمتها الفعّالة في نشوب حرب أهليّة طائفيّة دفع شعبنا ولليوم أثمانها غالية جدا. كما شاركت أيضا بصدامات قوميّة ساهمت بتمزيق النسيج الإجتماعي، ووضع الدولة كمفهوم وكيان في خطر كبير. ووفقا والتفسير لازال لـ  (دوركايم) " فأنّ الدولة القويّة هي من تضع مشاكل شعبها على طاولة وتُشارك الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأبناء شعبها في إيجاد الحلول المنطقية لها بما يعزز السلم المجتمعي، كما على الدولة أن تبتعد عن جميع مكونات شعبها بمسافة واحدة، والا فلا داع لإستمرارها".


لا يُمكن إصلاح أي شيء دون أن يكون ذلك الشيء موجودا، فلا يُمكن إصلاح سيّارة عاطلة مثلا دون أن تكون السيّارة موجودة، ولا يُمكن إصلاح بناء آيل للسقوط إن لم يكن هناك بناء أصلا، كما وأنّ الإصلاح وليكون إصلاحا حقيقيا فهو بحاجة الى عمّال ومهندسين ذوخبرة في مجال عملهما ويمتازون بالمهنية والحرفيّة، والّا فأن عملية الإصلاح وإن تمّت فأنها ستفشل وبذلك ستُهدر أموال وجهود ووقت. وإصلاح المؤسسات لايختلف بشيء عن الإصلاح الذي تطرقنا إليه قبل قليل، فإصلاح المؤسسة التعليمية بحاجة الى وجود عملية تعليميّة بالأساس، ولإصلاح العمليّة هذه سنكون بحاجة لبناء مدارس وجامعات ومختبرات، كما ونكون بحاجة الى بناء كادر تدريسي مسلّح بآخر تقنيات التعليم الحديث، ونفس الأمر ينطبق على المؤسسات الصحية والتربوية وغيرها. الا أن الإشكال الأكبر يكون عندما نتناول مفهوم إصلاح ما يطلق عليه " العملية السياسيّة". كوننا هنا بحاجة الى وجود عمليّة سياسيّة أساسا، ومن ثم التفكير والعمل على إصلاحها أو محاولة تزيين وجهها القبيح.

أي عمليّة سياسيّة بحاجة الى مشروع سياسي، تتفّق عليه أحزاب ومنظمات سياسية مختلفة أيديولوجيا، هدفها هو الوصول بالدولة للقيام بوظائفها تجاه مواطنيها والمقيمين فيها. ولو عدنا اليوم الى المثال العراقي، فهل هناك ما يشير الى قيام " الدولة" بوظائفها تجاه مواطنيها ونحن على أعتاب العام السادس عشر للإحتلال من خلال مشروع سياسي وعمليّة سياسية؟ الإجابة عن هذا السؤال تفضي الى سؤال آخر وهو الأهم: إن لم تكن هناك دولة بالشكل الحقيقي للدولة، والذي نتج وينتج لعدم وجود مشروع سياسي بالبلد، والذي يعني عدم وجود عملية سياسيّة، فهل الحديث عن إصلاح هذه العمليّة السياسية له مبرراته، وما هي هذه المبررات؟

أنّ إصلاح العمليّة السياسيّة بالعراق بحاجة الى ساسة يحترفون الوطنيّة ورجال دولة حقيقيين وأحزاب قادرة على بلورة حاجات الناس التي تتفاقم أحوالهم بشكل دراماتيكي ويومي الى حركات إحتجاجيّة، وليس الى رجال عصابات ومافيات لا تعرف الا السرقة والنهب والإنصياع الى إملاءات الدول الأجنبية والإقليميّة. وبالتالي فأنّ العراق لا يحتاج الى إصلاح العملية السياسية فيه نتيجة عدم وجود مشروع سياسي وطني، بل بحاجة الى تغيير شامل للسلطات الفاسدة الثلاث التي تتقاسم ثروات البلد سوية مع المؤسسات الدينيّة، أي تغيير شكل الحكم.

أنّ " الديموقراطيّة" بالعراق هي ديموقراطية الطوائف والقوميات، وهذا الشكل من الديموقراطية لا يبني الا وطنا للطوائف والقوميات. وهنا تحديدا تكون الدولة إن وجدت ملكا لأمراء الحرب والفاسدين. ويبقى السؤال الذي تصعب الإجابة عليه هو: هل سنرى تيارا سياسيا ينأى بنفسه عن سيرك " العمليّة السياسيّة" ليكون في مأمن من محاسبة التأريخ، والقوى الدينية القوميّة تقود البلاد نحو الكارثة. أنّ ما تسمّى بالعمليّة السياسيّة بالبلاد منذ الإحتلال الأمريكي لبلدنا ولليوم، ليست سوى عملية سرقة لتأريخ وثروات وحاضر ومستقبل شعبنا ووطننا، عملية سرقة تقودها نخب إسلاميّة وقومية وميليشياوية علينا فضحها والعمل ضدّها، لا العمل معها لبناء دولة على مقاساتها وأهدافها.

ما بين الأقواس، جاء بتصرف من مقالة تحت عنوان "مفهوم الدولة عند إميل دوركايم" للكاتب ، أحمد أغبال.

زكي رضا
الدنمارك
19/2/2018

 












145
المنبر الحر / 14 شباط .... الكارثة
« في: 19:00 15/02/2019  »
14 شباط .... الكارثة


لم يكن الرفيق الخالد " فهد" وفق روايات العديد من معاصريه ومنهم الجلّاد " بهجت العطيّة" الذي حقق معه بعد إعتقاله في العام 1947 ، يمتلك الثقافة الواسعة كما باقي منّظري الأحزاب الشيوعيّة، ومنها الحزب الشيوعي العراقي الذي خرج من صفوفه مئات المثقفين في فترات ما بعد إستشهاده. الا أنّه ومع ذلك كما يقول حنا بطاطو: "وإذا كانت كتاباته تشكل برهانا، فأنّه يبدو وكأنه أستوعب أفكار ماركس ولينين أكثر من أي شيوعي آخر". وإستيعابه للأفكار الماركسيّة وإيمانه المطلق بها ليست وحدها التي مكّنته من إعادة ترتيب البيت الحزبي وإحكام قبضته عليه، بل يعود وبشكل كبير الى قدرته كمنظم بارع كما يقول بطاطو، والذي يضيف: ويعترف أعتى خصومه، بأنّ أحدا في الحزب ما كان يبزّه في تجميع الناس وقيادتهم. بإيمانه المطلق بالماركسيّة كان يحاور مناوئيه وأعداءه بحجج قويّة، ما دفع الجلّاد " بهجت العطيّة" وأثناء التحقيق معه وهو " فهد" يشرح للعطيّة موقف الحزب الشيوعي العراقي من الأحداث السياسيّة التي يمر بها العراق وقتها، ليقول "العطية" محتجّا ومقاطعا فهدا أثناء التحقيق: من أنّه ليس مهتما بإعتناق الشيوعيّة. والعطيّة نفسه يقول لبطاطو " كانت لدى فهد حجج إقناع قويّة، وله موهبة تفسير الأمور بطريقة واضحة وبسيطة".   

من خلال تتبع حياة الرفيق الخالد "فهد" وإيقاعها، نستطيع بكل أمانه وحيادية القول: أنّ فهدا كان حزبا لوحده. ففي الوقت الذي رفضت السلطات منحه جواز سفر ليتعرف من خلال سفراته كما أعلن الى " حياة الناس"، لم يستكين للقرار، بل نراه " مسافرا سيرا على الأقدام عبر خوزستان والكويت وشرق الأردن وسوريّة وفلسطين"،  وحينما كان ينوي السفر الى مصر، وصلته " أنباء التوصل، في 30 حزيران/ يونيو 1930 الى المعاهدة الأنكلو-عراقية". هذا الإعلان هو ما دفع فهد في أن يعود بأسرع ما يمكن الى أرض الوطن، ليعمل مع مؤيديه القليلين على تثقيف الناس بخطر المعاهدة على الإستقلال الوطني، في حين كانت النخب السياسية العراقية ميّالة للمعاهدة عدا خطابات الإدانة من قبل الحزب الوطني.

أن رجلا كفهد وهو يعيد تنظيم حزب شيوعي رغم شدّة الضربات الموجهة إليه من قبل السلطات الملكيّة بمباركة وتوجيه بريطانيين، ويقود من داخل سجنه وثبة شعبنا ضد معاهدة "بورتسوث" ويُسقطها، يعتبر من أكبر الأخطار التي تواجهها السلطات المالكية العميلة للبريطانيين. ولكي تنهي السلطات هذا الخطر الذي يهدد حياتها، قامت بإعادة محاكمة الرفيق الخالد " فهد" ورفاقه، ولتحكم عليهم بالإعدام شنقا. وإن كانت السلطات الملكيّة قد سلمت وقتها، جثتي الشهيدين الخالدين " حازم وصارم" لذويهما ليدفناهما، فأن نفس السلطات دفنت الرفيق فهد " في ساعة مجهولة، في مكان مجهول، من الركن العام في مقبرة المعظّم"، ومن يومها ونسير وشعبنا نحو المجهول، ولن يصبح المجهول واضحا، الّا بأن يكون للشهداء أمثالك مزارات من نور نحجّ إليها لنستلهم منها معنى الوطنية والشجاعة والإباء.

قبل لحظات من إستشهاده الأسطوري في ساحة المتحف وكأنّه قيّم على تأريخ العراق منذ أن عرف الأنسان الكتابة، هتف بجرأة أرعبت جلاديه وهو يسير بثبات نحو المشنقة " لن يموت شعب يقدّم الضحايا .. الشيوعية أقوى من الموت". في اللحظات التي كان فيها حدّاد السجن يقيّد قدمي الرفيق "فهد" بالحديد قبل إعدامه سأله الرفيق: إن كانت أية مظاهرات قد خرجت الى الشوارع ذلك اليوم أو اليوم الذي سبقه"، ليجيبه الحداد "لا"!!

لا، أيّها الرفيق "فهد". فشعبنا بغالبيته ونتيجة لقلة وعيه لايتظاهر من أجل رجال قدموا حياتهم من أجل كرامة وطنهم وشعبهم أمثالك، وشعبنا لا يتظاهر من أجل أن يوفّر لأطفاله الحد الأدنى من العيش بكرامة وآدميّة، وشعبنا لا يتظاهر ووطنه محتل  من قبل العصابات الأجنبيّة، وشعبنا لا يتظاهر والمخدّرات تفتك بأجساد شابّاته وشبابه، لكنه يتظاهر ويسير خلف الفاسدين بشعار " علي وياك علي". شعبنا اليوم لايمتلك قادة مثلك قادرين على تجميع الناس وقيادتهم الى حيث إنعتاقهم من ذل رجال الدين وسطوة العصابات وفساد الأحزاب الحاكمة، قادة قادرين على ترجمة بؤس حياة الناس الى بركان يزيل سلطة الفساد وعصاباتها في المنطقة الخضراء، كم نحن بحاجة إليك اليوم يا "فهد"، وأنت لا تريد أن تلتقي في منتصف الطريق مع أعداء حزبك وشعبك ووطنك، "كونك كنت وطنيا قبل أن تصبح شيوعيا، وعندما أصبحت شيوعيا صرت تشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطنك"*.

نعم، أيها الرفيق الخالد، نحن نعيش اليوم عهد الكارثة، التي بدأت بإعدامكم ورفاقكم الميامين، ولم تنتهي بإعدام وتغييب عشرات الآلاف من خيرة شابّات وشبّان العراق من الشيوعيات والشيوعيين والوطنيات والوطنيين وفي مقدمّتهم الرفيق الشهيد " سلام عادل"، بعد أن تحالفت العمامة مع البعث الفاشي في الثامن من شباط الأسود، والذي جاء متمما للرابع عشر من شباط الأسود هو الآخر.

لكم أيها الرفيق الخالد، وكل شهداء حزبنا على مرّ تأريخه، المجد وأكاليل الغار. والعار كل العار للقتلة في كل زمان ومكان في هذا الوطن الموبوء بالموت والجوع.

ما ورد بين الأقواس جاء في كتاب حنا بطاطو " العراق – الحزب الشيوعي ".
*مع الإعتذار للرفيق فهد، على التحوير البسيط في مقولته الخالدة.

زكي رضا
الدنمارك
14/2/2019








146
كم فنحاس إسلامي في العراق اليوم ..؟



لم تقتصر أسواق النخاسة والرقيق عبر التأريخ على دولة دون غيرها، أو شعب دون غيره. بل إمتدّت نتيجة الحروب لتشمل كل الدول والإمبراطوريات التي دخلت الحروب ضد بعضها البعض، وليعرض أسرى تلك الحروب من رجال ونساء وأطفال للبيع في أسواق النخاسة والرقيق. فالإغريق والرومان كانت لديهما أسواق نخاسة ورقيق، وقبلهما كانت هناك أسواق في الدولة الآشورية وغيرها من الحضارات القديمة. وبشكل عام فأسواق الرق والرقيق تمتدان الى عمق التأريخ الإنساني، وخصوصا الى تلك المرحلة التي تحول فيها الإنسان من مرحلة الصيد الى مرحلة الزراعة.

لم يخلو العالم الإسلامي من أسواق النخاسة والرقيق، فكانت هنا ك سوق "دكّة العبيد" في الحجاز قديما وأسواق "تونس" و "باب زويلة" بمصر. أمّا ببغداد العبّاسيّة فكان هناك سوقي "شارع باب الرقيق" و " درب النخّاسين"، واللذان كانا يلبّيان طلبات علية القوم من الجواري وخصوصا ما يطلق عليهنّ العرب بجواري بني الأصفر أي الشقراوات. ومن أشهر تجار الرقيق ببغداد وقتها "أبا عمير وأبو الخطّاب النخّاس وحرب بن عمرو الثقفي"(1) وقد تناول الكاتب "جرجي زيدان" في روايته "العبّاسة أخت الرشيد" أخبار تجار الرقيق في "شارع باب الرقيق" ببغداد بشكل أدبي متناولا هذه التجارة من خلال نخّاس فيها أسماه "فنحاس".

على الرغم من أنّ الإسلام لم ينتج نظام الرق كونه سبق الإسلام بل والأديان بمئات القرون، إلّا أنّ الإسلام أباح ولليوم تجارة الرق شرعيا والتي منعتها البلدان الإسلاميّة قانونيا في دساتيرها على الرغم من أنها "دساتيرها" تعتبر الإسلام مصدر أساس للتشريع ، لكي لاتكون بعيدة عن المثل والقيم الأخلاقيّة التي تنظر الى هذه التجارة كونها من أشد أشكال التجارة قذارة. فها هو معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل ناسا دخلوا عليه عن مهنتهم فأجابوه من أنهم تجار رقيق، يقول "بئس التجارة، ضمان نفس، ومؤونة ضرس"(2)

على الرغم من شيوع ظاهرة الرقيق في الدولة البيزنطية كما الأمويين والعباسيين وغيرهم من الدول والدويلات الإسلاميّة، الا أن المملكة البيزنطية " كانت تحرّم على من ليس نصرانيّا أن يتملك رقيقا نصرانيّا، ولكن المسلمين أباحوا لليهود والنصارى أن يتملكوا الأرّقاء ولو كانوا مسلمين"(3) . كما كان اليهود والمسيحيين كما المسلمين يبيحون إمتلاك الرقيق ولكنّ " التسرّي بهنّ لم يكن نظاما مشروعا عند اليهود والنصارى، وإن إرتكبه بعضهم فهو خروج عن القانون" (4)

كان من الضروري تقديم هذه المقدمة ونحن نريد تناول "سوق المتعة" ببغداد الإسلام اليوم، هذه السوق التي تديرها عصابات ومافيات لاتستطيع العمل دون ظهير قوي في السلطة، كما وأنها لاتستطيع العمل لو كانت لدينا في العراق دولة مؤسسات حقيقية. لكن هذه السوق وغيرها كأسواق المخدرات والبضائع والأدوية الفاسدة تجد اليوم في عهد إنحطاط العراق لها رواجا كبيرا، وإن تحمّل الضمير العراقي " إن كان لدينا بقايا ضمير" عدم جودة البضائع وإنعدام الخدمات وفساد الأدوية وإنتشار المخدّرات بين تلاميذ المدارس الإبتدائية، فكيف يتحمل بيع بناته في سوق المتعة ليكونن أسارى عمليات جنسية لا تنتهي، كونهنّ ينتقلن من شقة لأخرى ومن دار دعارة لأخرى!!

في العراق لا شيء مستغرب بالمرّة، إلا أنني إستغربت لإستغراب النائب عن كتلة الفتح الموالية لطهران السيد "محمد كريم عبدالحسن"، وهو يبدي إستغرابه "بعد الكشف عن عصابات متنفذة تعمل على بيع الفتيات عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي"!! ولم يكتف النائب بإستغرابه بل أضاف إليه أسفه ليقول "من المؤسف أن نجد في العراق سوق النخاسة الذي لا يقل خطورة عن أفعال داعش وسبيه للنساء"!! ليقول مضيفا أن هذا الأمر لا يمكن السكوت عنه وليؤكّد على أنّ مجلس النواب "ستكون له مواقف جادّة وحازمة إزاء بيع الفتيات العراقيات"!!

البرلمان لن يتخّذ أي موقفا وإن غير جاد لحل هذه المشكلة، كما لم يستطع لليوم من وضع حلول جادّة للمشاكل التي تتناسل كل يوم في العراق المبتلى بحكمكم الإسلامي أيّها السيّد النائب. وإن أتّخذ قرارا جادا حيال مشكلة أو أمر ما في ساعة صحوة ضمير عندكم، فأن تنفيذ ذلك القرار سيكون مرهونا بوجود سلطة تنفيذية قادرة على تنفيذ ذلك القرار. وبوجود نظام المحاصصة وإستشراء الفساد وسطوة الميليشيات، وبوجود خطاب ديني وطائفي يعملان على تدمير النسيج الوطني، وبوجود سطوة لرجال الدين والعشائر، فأنّ تنفيذ أي قرارات خصوصا تلك التي تتعلق بإثراء غير مشروع ومنه "سوق المتعة" وتجارة المخدرات كمثالين من عشرات بل مئات الأمثلة يعتبر وهما لا يجيده الا من يبيع الوهم أي أنتم ورجال دينكم.

القضاء على أسواق الدعارة والمخدرات وتجارة الأعضاء البشريّة وبقية أشكال التجارة القذرة، أكبر من إمكانيتكم أيها الإسلاميّون. لأنّكم لا تمتلكون الإرادة السياسيّة لكي تبدأوا المشوار الطويل للقضاء على هذه الأسواق من خلال إعادة بناء المجتمع والدولة على أسس غير التي بنيت عليها لليوم من جهة، وكونكم تنفذّون أجندة بعيدة عن مصالح " وطنكم" من جهة ثانيّة، ومن أنّكم لستم برجال دولة مطلقا من جهة ثالثة.

العصابات التي تتاجر بنسائنا وبناتنا، أو تلك التي تتاجر بأعضاء أطفالنا، وتلك التي تتاجر بالمخدرات والتي يقول عنها النائب " عبد الحسن" من أنها دولية، لها حماية وأدوات تنفيذ داخلية والسيد النائب يعرفها جيدا. إذ من غير المعقول أن يعرف المواطن البسيط من أنّ المخدرات تأتينا من إيران، ولا يعرف السيد النائب ذلك. لكن السؤال هو، هل يستطيع السيد النائب التصريح بذلك علنا؟

السيد النائب، إننا اليوم ونحن نعيش جحيمكم الإسلامي، فقدنا وطننا وثرواتنا ومياهنا وإرادتنا السياسية وإحترامنا وكرامتنا وهيبتنا كبلد. لقد فقدنا تحت سلطة ميليشياتكم الوقحة أخلاقنا، فها هي أعراضنا تعرض للبيع في أسواق الرقيق، لقد فقدنا عهد عهركم الإسلامي عقولنا التي خدرّتها عمائمكم وأجسادنا التي هدّتها المخدّرات القادمة من دولة ولي فقيهكم. السيد النائب، لو كانت الرجولة هي الفروقات الجسدية بين الجنسين، لكنتم كأسلاميين رجالا. لكن الرجولة سلوك ومواقف لا تمتلكونهما. وقالت العرب وهم يصفون السلوك والمواقف الشجاعة للإنسان من أنّه سلوك رجولي، وإن تحدّثوا عن إمرأة ذات سلوك ومواقف شجاعة قالوا عنها "أخت الرجال". فهل ما حدث بالعراق منذ أن وصلتم للسلطة الى ساعتنا هذه، تشير ولو من بعيد عن رجولة تمتلكونها؟ السيد النائب، من يحلل تفخيذ الرضيعة ، يضع البذرة الأولى للدعارة في المجتمع. السيد النائب، لو عدنا الى رواية جرجي زيدان وسوق الجواري فيها، فمن حقنا سؤالكم عن أعداد "فنحاس" بينكم أيها الإسلاميون.

هلمّوا هلمّوا هواة الجمال .. فساستنا اليوم أشباه رجال

(1) ضحى الاسلام لأحمد أمين الجزء الاول ص 87
(2) الإغاني لأبي فرج الاصفهاني ج.20 ص 27
(3) ضحى الاسلام لأحمد أمين الجزء الاول ص 86
(4) المصدر السابق ص 85 .
 

زكي رضا
الدنمارك 11/1/2019


147
خطاب كراهية من جامع البعث


تقول العرب " سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، ولسوء حظّنا نحن العراقيين أو لسوء أعمالنا، فقد إبتلانا الله أو القدر ليس بسلطان غشوم فقط،  بل وبسلطة لصوصيّة،  وبرلمان فاسد،  وسلطة قضائيّة  للظلم أقرب،  وساسة بأخلاق العبيد، ورجال دين لا يعرفون الّا طرق الفتنة، فهم ( كحمّالة الحطب ) وهم ينشرون  سموم الحقد والكراهيّة بين أبناء شعبنا. ولكي تكتمل الكارثة من كل جوانبها،  فأنّ الفتنة لم تهدأ يوما في أرضنا منذ أن أصبحت للعمامة دورا محوريّا في حياة شعبنا، نتيجة تدهور المستوى الثقافي والفكري وإستشراء الأمية والجهل والتخلّف في صفوفه.

في الوقت الذي نحن بأمسّ الحاجة فيه كشعب عراقي لتضميد جراحنا، ونفض عذابات عقود من الظلم والإضطهاد. وفي الوقت الذي فيه علينا مراجعة أنفسنا، وإدانة كل خطابات الحقد والكراهيّة التي مزّقت نسيجنا الإجتماعي ودمّرت بلدنا. خرج علينا شيخ معمّم  بعمامة إبليس، شاهرا سيف الإرهاب الفكري والديني التكفيري، في وجه أبناء شعبنا من الديانة المسيحية، محرّضا أبناء دينه على عدم مشاركة المسيحيين أعيادهم وتهنئتهم، في تصرّف بعيد عن روح التسامح والمواطنة، تصرّف لا يمت الى الإنسانيّة بصلة وإن أستند على تراث ديني أو غير ديني. وحديث المعمّم هذا يحظره الدستور العراقي في مادته السابعة أولا والذي ينصّ على: " يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمىً كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".

الشيخ الصميدعي مفتي الجمهورية العراقيّة  ورئيس هيئة إفتاء أهل السنّة والجماعة، طالب المسلمين في خطبته التي ألقاها في جامع البعث " أمّ الطبول"، بعدم مشاركة المسيحيين العراقيين أعيادهم، وأنّ من يشاركهم أعيادهم هو مثل الذي يأكل لحم الخنزير أو لحم الحمار، وإن كان لحم الخنزير محرما بنص قرآني، فهل لحم الحمار محرّم بنص بعثي  أيها الشيخ!!

الشيخ الصميدعي يقول في جانب آخر من خطبته، من أن أننا نعيش اليوم " سنين الفتنة .. سنين الغضب .. سنين الإنحلال  .. سنين الدماء .. سنين الأنبطاح". بالله عليك إن كنت تعرف الله أيها الشيخ، من المسؤول عن الفتنة بين الشيعة والسنّة؟ هل هم القساوسة في كنائسهم وصوامعهم التي فجّرها الأسلاميّون، أم عمائمكم وهي لازالت تبحث عن من هو أحقّ بالخلافة، عليّ أم عمر؟ من كان ولايزال يمتلك الميليشيات التي ذبحت فقراء الشيعة والسنّة وباقي فقراء شعبنا سنوات الغضب التي ذكرتها، هل هم المسيحيون المسالمون أم العصابات الشيعية والسنيّة والتي لازالت تحمل أحقاد ورثناها من سقيفة بني ساعدة وواقعة الجمل ومعركة كربلاء؟  من المسؤول عن خيانة البلد أيها الشيخ، هل هم المسيحيون أم الذين أدخلوا الدواعش وقادة الحرس الثوري الإيراني والعصابات التابعة له، ليغتصبوا مدننا وأعراضنا؟ أليست العمامة ذات الذؤابة هي من فتحت أبواب المدن السنّية الطابع أمام عصابات القاعدة وداعش؟ أليست العمامة التي بلا ذؤابة هي من باعت وتبيع العراق لإيران؟ أشّر لي على رجل دين مسيحي أو أيزيدي أو مندائي واحد، يمتلك خطاب كراهية كما أنتم، أو ساهم من خلال خطبه في قتل الأبرياء؟

الفتنة أيها الشيخ قد تنام، ولكنني أجزم من أنّ وجود أمثالكم ومنحهم حريّة الخطابة والأفتاء، لا تعني الا ان تكون الفتنة يقظة، وإن نامت فستنام بعين واحدة. انكم ايها الشيخ وانتم تحثّون الناس على عداوة المسيحيين وتكفيرهم  وهم أهل كتاب كما يقول القرآن ،  فإنكم وبلا أدنى شك من المؤيدين لداعش وهم يطبقون شرع الله قتلا
وسبيا  بأبناء شعبنا من الأيزيديين الطيبين. إذ من غير المعقول تكفير أتباع دين سماوي وعدم تكفير أبناء دين وضعي وفق إدّعاكم وليس وفق آراء أبناء الديانة الأيزيدية.

الشيخ الصميدعي يقول في خطبته، أنّ الأحفاد سيعيدون هيبة المسلمين!! لكن الشيخ لم يوضح لنا الطريقة التي سيعيد فيه أحفادنا هيبة المسلمين، هل بإشاعتهم لروح الثأر والقتل والتكفير، أم بجعل العراق خاليا من أبناء الأديان الأخرى!!؟؟  هيبة المسلمين لا تعود بالسيف أيها الشيخ لأن سيوف "النصارى" في الغرب أقوى وأمضى، وإن تحججّت قائلا " كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"، فهذا يرتد عليك فها هي إسرائيل وهم فئة قليلة مقارنة بالمسلمين  قد غلبتنا كمسلمين وكعرب، ولكي أطمئنك أكثر أقول، أنّ الحروب اليوم تنتصر فيها الجيوش والقوّاد والأسلحة المتطورة وليس المصلّين والأئمة ومسابحهم ودعواتهم!! أن عودة الهيبة للمسلمين تأتي بعودة الهيبة لبلدانهم، والعراق بلد متعدد الأقوام والأديان والطوائف. ولكي يستعيد البلد وشعبنا هيبتهما من جديد، فنحن بحاجة الى إرساء نظام ديموقراطي علماني، يفصل الدين عن الدولة ويبعثك أنت وكل العمائم الى مساجدكم ويراقب خطاباتكم ويؤنسنها إن لم تكن أنتم قادرين على أنسنتها" وأنتم لست بقادرين".

بدلا من تحريم المسلمين مشاركة أفراح وأعياد أبناء وطنهم من المسيحيين، أطلب منهم الثورة على الفساد والظلم الذي يعيشونه. إذهب الى معسكرات النازحين وغالبيتهم العظمى من المسلمين وحرّضهم على الثورة، هل تعرف معنى أن يكون الإنسان نازحا في وطنه؟  أؤكد لك أيها الشيخ أنّ الأجيال القادمة ستبحث عن أسباب خيبتنا وذلّنا وعارنا، وستكتشف ونحن نعيش عصر الكومبيوتر وليس عصر العنعنة،  من أنكم وبقية العمائم السبب الأرأس في كل ما جرى ويجري وسيجري لنا.

قال ابن مسعود " والله الذي لا إله إلا هو، ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان!" فأسجنوا وبقية عمائم العراق ألسنتكم التي لم تجلب لنا الا الدمار والدماء كما كانت على مرّ التأريخ الأسلامي ولليوم.

تهنئة من القلب لكل مسيحيي العراق والعالم بمناسبة أعياد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية الجديدة، لكم أيها الأحبة مسيحيي بلدي أحلى التهاني وأجمل التبريكات وأنتم تحتفلون بأعيادكم المجيدة، ولترفرف السعادة والطمأنينة عليكم ولتستمر أجراس كنائسكم تدق نشيد السلام، فمت أيها الشيخ بغيضك.

زكي رضا
الدنمارك
30/12/2018

 






148
ساسة وعمائم العراق لا رجولة لهم ولا كرامة


مهما بلغ ضعف المرء، الا أنه سيمتلك ردّ فعل تجاه ما يتعرض إليه من إهانة توجه إليه.  ولأننا محكومون بقيّم دينيّة يقودها ساسة وعمائم ينهلون من الدين الإسلامي في كل ما يقومون به اليوم من أعمال مخزيّة، فعلينا ونحن نبحث عن ردّ الفعل تجاه الإهانات بحق وطننا وشعبنا  هو بحثنا في تراث هؤلاء الإسلاميّون لنرى إن كانوا يمتلكون شيء من الرجولة والكرامة تجاه شعبنا ووطننا اللذين أُبتليا بحكم أشباه الرجال هؤلاء. 

يقول الإسلاميّون ونقلا عن حديث للنبي محمّد أنّه قال:  (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وأضعف الإيمان هنا تعني مقاطعة من يأتي المنكر ويروج له ومن يتقرّب من فاعليه. ولعمري فأنا أرى غالبية  شعب العراق هم من  أكثر الناس على هذه الأرض كفرا ونفاقا، فهم يدّعون الإسلام والتشيّع لكنّهم ضعيفي الإيمان و سيكونون في تابوت من حديد يوم القيامة وفق ما جاء في تراثهم الديني. فها هو الإمام عليّ الذي يعتبرونه  قدوة لهم يقول بحق الظَلَمَة من الذين على شاكلة ساسة وعمائم العراق: (إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظَلَمَة ، أين أعوان الظَلَمَة، أين أشباه الظَلَمَة، حتى من برى لهم قلماً أو لاقَ لهم دواةً فيجتمعون في تابوت من حديد، ثم يرمى بهم في جهنم).

هل الحاكمين في عراقنا الفاقد لكرامته اليوم ظَلَمَة ولا يملكون رجولة وكرامة ولو بحدّها الأدنى؟ هذا السؤال علينا طرحه على روّاد المساجد المؤمنين من أعوان الظَلَمَة، الذين يحضرون صلوات جمعتهم بإمامة معمّم حليف للظَلَمَة وسارقي قوت الناس، معمّم يتحدثّ عن الفضيلة والرذيلة منتشرة بكل مكان بالبلد، بل وعلى بعد أمتار من المسجد الذي يصلّي فيه ، أو من المكان الذي يسكن فيه ولا يدعو الناس فيه للثورة على الفساد. كما وعلينا طرحه على " مثّقفي" وكتبة السلطة لأنّهم يبرّون أقلامهم ويلقون دواتهم لرجالات الفساد وهم ينهبون شعبنا ووطننا، ساسة دفنوا رجولتهم وكرامتهم وكرامة شعبنا من أجل مصالحهم الضيّقة ومصالح دول الجوار. 

أنّ  كرامة الإنسان باللغة هي: احترام المرء ذاته، وهو شعور بالشّرف والقيمة الشخصيّة يجعله يتأثّر ويتألّم إذا ما أُنتقص قَدْره. وكرامة الوطن لا تذهب بعيد عن هذا المعنى مطلقا، فللوطن عند الرجال شرف وقيمة، يجعلهم يتأثّرون ويتألّمون إذا أُنْتقصَت كرامة وطنهم هذا وقيمته. واليوم ونحن نرى الرئيس الأمريكي يزور جنوده لتهنئتهم بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، دون أن يخبر أي من أشباه الرجال والساسة وعرّابيهم من عمائم الشيطان ناهيك عن لقائهم، إن كان لهؤلاء ومَن معهم من كتبة السلطة و " مثّقفيها" رجولة وكرامة؟

أنّ فقدان ساسة العراق وعمائمه ومن يدور في فلكهم لرجولتهم وكرامتهم ليست وليدة اليوم وليست حالة إستثنائية، بل هي تربيّة تنبع من ذلّ مستديم. ولو راجعنا مواقف السلطة الذليلة والفاسدة وهي تدمّر وطننا وشعبنا من خلال مواقفها وردود أفعالها تجاه من هو أضعف من الرئيس الأمريكي وبلاده، لشاهدنا مدى الهوان الذي يعيشه عديمي الرجولة والكرامة هؤلاء. فها هو أردوغان يهين العبادي قائلا له " "إنه يسيئ إلي، وأقول له أنت لست ندّي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولا". وإبتلع الدعوي العبادي ومن معه من جوقة الفاسدين في الخضراء هذه الإهانة، فإن كان أردوغان يفعل ما يشاء ، وفعل ويفعل لليوم ما يشاء، فما هو المانع في أن يقوم (ترامب) بما يشاء وهو زعيم دولة جاءت بأشباه الساسة والرجال هؤلاء الى دست الحكم؟

مشكلة فقدان الكرامة والرجولة لا تبدأ عند قدوم ترامب الى بلدنا ومغادرته إياه دون أن يخبر سياسيي الصدفة بذلك، ولا من تجوال قاسم سليماني في محافظات العراق المختلفة وتصريحاته التي يتهم بها جيشنا وشعبنا بالجبن  كما جاء في قناة الكوثر الذليلة  لولي الفقيه التي قالت: " لقد تمكن اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية وسبعون عنصراً من قواته فقط، في العام 2014، من إنقاذ مدينة أربيل مركز إقليم كوردستان من السقوط بيد داعش"!! حينها صمت كل ساسة الصدفة  كما ساسة الكورد عن هذه الإهانة دون أن يرفّ لهم جفن، ودون أن يسألوا أنفسهم عن دور الجيش والبيشمركة في القتال ضد داعش، وهذه الإهانة إبتلعها شعبنا أيضا وهو لا يتظاهر بأكمله ضد هذه التصريحات التي لم تتهم جيشه بالجبن فقط، بل وصلت الإهانة إليه فأبتلعها كرامة لعيون إيران  وحلفائها. بل تبدأ المشكلة " فقدان الرجولة والكرامة" حينما حصّن أشباه الساسة والرجال هؤلاء أنفسم بالمنطقة الخضراء، وحينما رهنوا البلد عند الأجنبي ، وحينما سرقوا ونهبوا مئات المليارات من الدولارات، وحينما أشاعوا الفقر والمرض والأمّية بين الجماهير.  ولكن وعلى الرغم من قسوة السؤال، فهل نحمل كشعب اليوم شيء من الرجولة والكرامة ونحن ساكتون عن كل هذه الخطايا والجرائم بحق وطننا ومستقبله وأنفسنا وأجيالنا القادمة!!!؟؟

إذا ما أعتمدنا مقولات النبي محمّد مثلما يريد الإسلاميّون شيعة وسنّة وهم يعملون على أسلمة البلد، فسنكون نحن المناهضون لسلطة العمائم من العلمانيين الديموقراطيين أقرب الى الله الذي يعبدون منهم، كون  النبي محمّد يقول: " إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها، أبعدكم عن الله تعالى". سؤال أخير  موجّه للشعب العراقي: كيف تتخيلون مصير بلدكم وأجيالكم القادمة، لو إستمرّ الذي لا كرامة ولا رجولة لهم من حكمكم لعشرين  سنة قادمة؟

أن تكون لسلطة المحاصصة والعمائم رجولة وكرامة  يوما ما ، أمنيّة لا تتحقق مطلقا ولا في أحلام الأطفال وإنتظارهم لسانتا كروز وهداياه.

زكي رضا
الدنمارك
27/12/2018


149


الى عريان .. ضميرك موزغيرك .. للوطن شدّك


بالأمس رحل (عريان) الجسد، وبقي بيننا (عريان الروح(. ولمّا كان الجسد دوما وهو في ظلمة اللحد البارد أسير للمكان، فهو فانٍ منذ ساعة إهالة التراب عليه وتوديعه. أمّا الروح فأنها لا تعرف الأسر مطلقا، فتراها تحلّق في الفضاءات المرئية وغير المرئية، ومن هنا فأنّ روح عريان لم ترحل عنّا، فهي معنا لتذّكرنا بما تركه لنا من إرث شعريّ نفتخر به.

أستمحيك عذرا عريان، وأنا أجعلك محل "المعيبر عبد" لتكن أنت الشاعر والمعيبر، وعلامتك في مسيرتك الليلية هي نجمتك، لأقول:

عريان ستّر قميصه، إعلى اليعبرون
 وشعل روحه
 إبدربهم
 يكشف الليل
 وفرش جفنه السمح
 عن لا يعثرون

 هل أخطأت وأنا أضع "عريان" مكان عبد؟. أوليس "عريان" من كان شمعة تشتعل لتكشف الطريق أمام الناس في ظلمة العراق، ليدلّهم بأشعاره فارشا جفنه السمح على أرضه كي لا يتعثروا ويسقطوا وهم في طريقهم نحو النهار والشمس؟

 عريان، عراقيّ حدّ النخاع، وطنيّ يعشق عراقه، شيوعي مؤمن بقضايا شعبه. لم يجل بخاطره بيع وطنه كما يبيع المؤمنون وطنهم اليوم، حتّى في أحلامه..

يا شعبي إشكثر عانيت وإنطيت
 وخبزتك
 تنعجن بالهم والأوجاع
 يگطعوني عليك أوصّل
 وأبوس الگاع
 گالولي تبيع
 وگلت ما ينباع
 وأرسم بالشوارع وجهك إمرايات

 آه عريان، رحلت والعراق اليوم معروض للبيع في كشوانيّة من كشوانيّات المؤمنين الفاسدين، رحلت والعراق موشوم بالعمائم كما كان "موشوم بالقنابل". وإن كانت القنابل تفتك بأجسادنا، فإنّ العمائم تفتك بعقولنا.. عذرا نسيت يا عريان، فالحقيقة هي أنّ عراقنا اليوم، موشوم بالقنابل والعمائم والفساد والخيانة. عراقنا تكسّرت أوصاله، فهو اليوم (ع.. ر .. ا .. ق)، فهل سنجمع حروفه من جديد؟ أم سنجلس ونضع العراق أمامنا لنقول له كما كتبت يوما:

وگبالي أگعدك
 عاشگ ومعشوگ
 وأحچيلك بحالي
 أشصار وشجاري
 وأغنيلك .. غنى بهداي .. بهداي
 إعله هضمتنه
 إعله خيبتنا وسفّنه
 الراحت ويه الروج حدّاري

 على الرغم من أنّ السفينة ظلّت السبيل وإنحدرت مع الأمواج العاتيّة، الّا أن عريان لم ييأس وهو يخاطب ربّانا بعينه طالبا منه إنقاذ السفينة وإعادتها الى رصيف الوطن بسلام..

لا تحتار
 بعده الماي مايك
 يا هدير السيل
 عيب السفن ذيچ
 ايسدگها الحدّار
 ونته النوخذه النشمي
 وتشم الريح
 وبليل العواصف
 شيمتك بحّار

 عراق الشاعر عريان السيد خلف اليوم (مثل المصوّب الأهله ما يدارونه ... كلما يطيب الجرح عمدن يلچمونه). ومن جديد أقول لعريان وعن لسانه وهو يخاطب عبد في المعيبر:

عريان هلگد طمع
 بمحبة الناس
 وتريد إشگد بعد تنحب
 يمحبوب؟
 سمونك بسمهم
 گُرّة العين
 ويعدّنوك ذنب
 من تحله الذنوب.

وداعا يللي .. ضميرك مو زغيرك .. للوطن شدّك .. وداعا صيّاد الهموم


 عنوان المقالة والأبيات الشعرية، هي من ديوان (صيّاد الهموم) للشاعر الفقيد عريان السيّد خلف.
 


 زكي رضا
الدنمارك
 6/12/2018 



150
ماركس بين باريس وبغداد

تقول العرب عن المتنبي على أنّه الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فشعره عند العرب وهم شعراء بالفطرة وقتها، تجاوز الى حد بعيد الأشعار التي توارثوها من " الجاهلية" وصدر الإسلام وما بعده. وللعرب الحق أن يفتخروا به كما نحن العراقيين، أوليس المتنبي إبن السماوة التي أرضعت المناضلين ضد الظلم في نقرة السلمان حليب الوطنية، قبل أن ترتد وغيرها من المدن التي لم تعرف الذل الى مستنقع العمامة؟

إن كان المتنبي قد ملأ الدنيا وشغل الناس بشعره، وهذا الأمر يخصّ الشعوب العربيّة التي تتذوق الشعر أكثر من غيرها حتّى قالت قريش عن محمّد وهو يأتيها بالقرآن من أنّه شاعر. فكارل ماركس لا زال لليوم وسيظل شاغلا الدنيا والناس  بأفكاره التي يبدو أنّها لا تشيخ، بل على العكس فهي تتجدد على الدوام. فقد كتب المحلل الإقتصادي

جورج ماغنوس بعد الركود الإقتصادي بالعام 2009 مقالا تحت عنوان" "أعطوا كارل ماركس فرصة لإنقاذ الاقتصاد العالمي"، وأنّ "الإقتصاد العالمي يحمل أوجه تشابه كثيرة مع ما تنبأ به ماركس". نعم لقد تنبأ ماركس بمأزق رأس المال العالمي ولكنه ليس بنبي، بل فيلسوف وإقتصادي وعالم إجتماع. والفيلسوف الذي مثل ماركس لا يبني ما يتنبأ به على الغيب ولا على الصدفة، بل يبنيها على حقائق تنتجها الحياة وتزّكيها. فالتأريخ وفق ما جاء به ماركس مثلا لا يُمكن الوصول الى ماهيّته من خلال وجهة نظر كهنوتيّة ولا من خلال المواعظ الأخلاقيّة، بل من خلال النظرة العقلانية وإكتشاف القوى المحرّكة للتحولات التي ترافقها.

قبل إندلاع كومونة باريس بأشهر، حذر كارل ماركس الثوار من مغبّة القيام بالثورة. الا أنه عاد وبعد إندلاعها نتيجة فرضها عليهم، فحيّا الثورة بحماسة كبيرة. ويبدو أنّ ماركس لم يعتمد على فقر الجماهير ومشاركتها الثورة بل إعتمد على وعيها، كون الفقر والظلم والإضطهاد والتمايز الطبقي والقهر الإجتماعي كانوا موجودين قبل الكومونة بوقت طويل. وماركس وبهذا الخصوص هو الذي يقول بحق من أنّ (الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة، الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرا وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائبا).

الأحداث الأخيرة في باريس أثبتت صحّة مقولة ماركس هذه، فوعي الشعب الفرنسي هو الذي قاده الى الشوارع والساحات ليُجبر الحكومة على التراجع عن سياساتها الضريبية التي إستهدفت ذوي الدخل المحدود، ووعي الشعب هذا هو من دفعه الى الشارع  بعد أن رفعت الحكومة أسعار الوقود بضع سنتات. ولم يكن هذا الشعب ينزل وبهذه القوّة الى الشوارع ليجبر الحكومة عن التراجع ولو المؤقت عن سياساتها الإقتصادية، لو كان هناك رجال دين يقودونه. علما أنّ العاطلين عن العمل في فرنسا يتمتعون بتعويضات صناديق البطالة، وأطفالهم يدرسون في مدارس حكومية مجانية، ويستفادون من رعاية صحية مجانية ومتطورة، ولهم نقاباتهم التي تدافع عن حقوقهم أمام مالكي الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصّة. ومن الملفت للنظر أنّ هذا الحراك الجماهيري قد نجح دون وجود أحزاب سياسية تقوده ميدانيا!!

ماذا عن بغداد، وهل أثبتت مقولة ماركس صحّتها فيها كما أثبتت صحّتها في باريس؟  الجواب نعم، كون الحراك الجماهيري الذي يدفع الحكومة ببغداد للتراجع عن حجم فسادها وسرقاتها وإستهتارها بمصير شعبنا ووطننا، لم يقم ولن يقوم بالزخم والإصرار الذي كانت عليه الجماهير بباريس، كون الوعي هناك هو من أشعل فتيل التظاهرات وليس الفقر. أمّا شعبنا الذي يعيش أكثر من ثلاثين بالمئة منه تحت مستوى خط الفقر، شعبنا الذي لا يمتلك أبناءه مدارس ومستشفيات، شعبنا الذي يعاني البطالة وسوء الخدمات، فثورته بزخم كبير من خلال هبّة شعبيّة حتى دون وجود أحزاب تقوده "كما في باريس" يعتبر ضربا من الخيال. لأن الوعي الذي يصنع الثورة كما يقول ماركس، غائب عن الجماهير. فعلاوة على نهج السلطات في ترسيخ غياب الوعي بإعتباره العامل الأساس في تقويض سلطتهم، نرى المؤسسة الدينية المتحالفة مع السلطة تصادر وعي الجماهير هي الاخرى، كما ونرى نسبة كبيرة وكبيرة جدا من الجماهير تبحث عن أفيونها عند هذه المؤسسات الدينية، وليذهب الوطن ومستقبله ومستقبل أجياله الى الجحيم.

شعب يرقص على نشيد موت يلحنه طغاة  ورجال دين .. لن يعيش  بكرامة كما الشعوب الحيّة.

زكي رضا
الدنمارك
 6/12/2018


151
الحل في جعل العراق تحت الوصاية الأممّية


منذ أن أصيب العراق وشعبه بالسكتة الدماغية وأصبحا مشلولين إثر إحتلال البلد وهيمنة القوى المتحاصصة على مقاليده، والأمور تسير ببلدنا من سيء الى أسوأ. فتجربة الخمس عشرة سنة الماضية أثبتت و من خلال الواقع المعاش أمرين ، أولهما أنّ شعبنا بغياب قيادة حقيقية غير قادر على حسم معركته لصالحه وصالح أجياله القادمة، والثاني هو أنّ القوى المتنفذّة لا يهمّها مصلحة شعبنا ووطننا فتراهم ماضون بسياسة الخراب والفساد والتدمير الممنهج لهما خدمةً لمصالحهم الضيّقة ومصالح دول إقليميّة ودولية.

لو نظرنا الى واقعنا الذي نعيشه بحيادية ودون أحكام مسبقة، سواء كانت هذه الأحكام طائفية دينيّة أو قوميّة وهي التي تغرق فيهما قطاعات واسعة من أبناء شعبنا رغم معاناتها وللأسف الشديد. فإننا لا نملك الا أن نؤشر وبوضوح الى أنّ الإصلاح والتغيير مهمتّان لا تستطيع كواهل أشباه الساسة بالعراق من تحملّهما ولا التفكير بهما ناهيك عن تحقيقهما.

لم يكن مفهوم الإصلاح معروفا كمصطلح الّا بعد التظاهرات التي قام بها الواعون من أبناء شعبنا وهم قلّة مع غياب الأكثرية غير الواعية وشيوع ثقافة القطيع، وقد دخلت قوى أخرى غير القوى الحاكمة كالمرجعيات الدينية ولإمتصاص نقمة هذه الجماهير الواعية على خط التظاهرات، لتطالب بإصلاح الأوضاع السياسيّة بالبلد!!! أمّا مصطلح التغيير وهو الطريق الوحيد لإنقاذ شعبنا ووطننا من الدمار، فلم يتم تداوله أو بالأحرى طرحه الّا كشعار ما لبث أن وُضِع على رفّ مهمل. أمّا طرح مطلبي الإصلاح والتغيير في وقت واحد فهو أمر مناف للمنطق السياسي الذي نعيشه، علاوة على عدم قبول الأغلبية العظمى من المتصدّين للشأن السياسي ومنهم مرجعية السيستاني والذي أصبح مرجعا سياسيّا علاوة على مرجعيته الدينية به مطلقا. لأنّ التغيير يعني قبر نظام المحاصصة الطائفية القومية والذي تعتاش عليه أحزاب السلطة وتستفاد منه المؤسسة الدينية، ويعني نهاية أحلام عرّابي السلطة في حكم العراق من خلالهم. كما ويعني أي (التغيير) إنهيار إمبراطوريات مالية وإقتصادية وحكم مؤسسات دينية وعوائل وعشائر وأحزاب وميليشيات، وهذه المؤسسات الدينية والعوائل والعشائر والأحزاب والميليشيات ستقاتل حتى الرمق الأخير للحفاظ على مصالحها.

العراق يحتل دوما في عهد النظام الفاسد الحالي المراكز الأخيرة في أية نتائج بحث تقوم بها مؤسسات دولية وهيئات علمية مرموقة حول مستوى التعليم والصحّة والأمن والخدمات وغيرها مما لا يمكننا المرور عليها هنا لكثرتها، كما وأنه يحتل دوما المراكز الأولى وفق نفس المؤسسات التي ذكرناها أعلاه عندما يتعلق بفقدان الأمن والفساد والفوضى والنهب المنظم لثروات شعبنا. ولإصلاح أمر النظام السياسي الحاكم اليوم مثلما يطرح الساعون للإصلاح، فإننا بحاجة الى أدوات تصل بنا الى هذا الإصلاح، فما هي هذه الأدوات وهل نمتلكها؟ وأين هي الإرادة السياسية للمضي قدما في هذا الإصلاح إن إمتلكنا أدوات التغيير والإرادة واللتان لا نمتلكهما بالحقيقة.

الإصلاح لا يأتي بالتمني ولا بالنيّات ولا بالعمل السياسي تحت نفس الظروف التي أوجدت هذا الخراب الذي نعيشه على مختلف الصعد كالتي نعيشها اليوم، والإصلاح لا يأتي بالصلوات والأدعية، كما وأنّه لا يتحقق بالتظاهرات إن كانت بنفس مستوى اليوم من حيث زخمها الجماهيري، ولا يتحقق الإصلاح حتى بوجود قوى سياسية يهمها الإصلاح وتعمل لتحقيقه لكن دون إمكانيات تمتلكها. الإصلاح في بلد كالعراق تقوده أحزاب هي أقرب الى عصابات ومافيات من كونها أحزاب، ورجال دين هم أقرب الى الرذيلة منهم الى الفضيلة وهم يعتاشون على نظام طائفي قومي كما نظامنا السياسي بحاجة الى أدوات لا تمتلكها هذه القوى مجتمعة، وهي في غير وارد توفيرها وإستخدامها أصلا وإن توفرت عندها.

إننا ولنبدأ الخطوة الأولى بعملية الإصلاح بحاجة لقوانين صارمة لمحاربة الفساد كون الفساد هو رأس حربة كل الجرائم التي نعيشها اليوم، وهذه القوانين ولكي تتحقق فإننا بحاجة الى سلطة قضائية مستقلة ونزيهه، وهذه القوانين إن تمت صياغتها بما يخدم المجتمع والدولة من قبل السلطة القضائية فهي بحاجة الى جهاز تشريعي يعمل على منح الشرعية لهذه القوانين، وإن منحت السلطة التشريعية الشرعية للقوانين هذه فإننا بحاجة الى سلطة تنفيذية لتنفيذها وبقوّة القانون. ومن خلال تجربة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم، فأنّ كلّ المؤشرات تدل وتشير الى فساد الأجهزة الثلاثة، ليضاف إليها فساد السلطة الرابعة التي أشترتها الأحزاب بالمال في تأثيرها على العقل الجمعي للمواطن.

لنعود هنا الى التغيير وهو بالحقيقة الشعار الذي علينا رفعه والعمل على تحقيقه بدل الإصلاح الذي لن يأتي مطلقا، لعدم حدوث أي تغيير في العوامل التي كانت ولا زالت سببا في عدم تحقيقه، ولنرى إن كانت له أدوات قادرة على تنفيذه؟ التغيير هو كما الإصلاح لا يأتي هو الآخر بالتمنيات ولا بالنيّات ولا بالصلوات والأدعية أيضا، فالتغيير له أدواته، والأدوات هنا منها ما هو وطني داخلي ومنها ما هو خارجي لا يهمّه التغيير بقدر ما يهمه مصالحه وإمتيازاته وتحقيقهما.

أنّ قوى التغيير الداخليّة، هي أحزاب قادرة على إستغلال التناقضات التي تعيشها أحزاب السلطة وفشلها خلال ما يقارب العقد والنصف من حكمها على بناء نظام مؤسسات، وبالتالي بناء دولة مواطنة حقيقية توفّر للمواطن سبل العيش بكرامة. وتعتبر النقابات ومنظمات المجتمع المدني وجماهير شعبنا الواعيّة التي تشعر بثقل الظلم الذي حلّ بالوطن هي الأخرى من أدوات التغيير المنشود. فهل لدينا اليوم أحزاب سياسيّة قادرة على أن تلعب دورها في قيادة خيار التغيير الذي نحن بأمس الحاجة اليه اليوم؟ وهل لدينا نقابات ومنظمات مجتمع مدني تستطيع تنسيق مواقفها مع الأحزاب التي يهمها التغيير للتواجد بكثافة وليس بالعشرات في التظاهرات المطلبية والتي إن كان لها زخم واسع فأنها ستؤدي حتما للتغيير؟ وهل لدينا جماهير واسعة تملك الحد الأدنى من الوعي الذي يدفعها لتغيير الأوضاع خدمة لمصالحها ومصالح أجيالها القادمة؟

لأننا لا نملك أدوات الإصلاح ولا أدوات التغيير، ولأنّ شعبنا بغالبيته العظمى يعيش فترة السبات الديني المتخم بالجهل والتخلف وغياب الوعي، والمشحون بالنظرة القوميّة والطائفيّة. ولأن السلطة التي نهبت وأساءت إستخدام مئات مليارات الدولارات خلال الخمسة عشر عاما الماضية، تمتلك كل مقومات إستمرارها ونهبها للمال العام وثروات شعبنا لخمسة عشر عاما قادمة وأكثر في ظل الظروف التي نعيشها اليوم. فإننا لا نملك الاّ أن نطالب بوضع بلدنا تحت الوصاية الأممّية، على الرغم من أن الوصاية الأممّية وبموجب الفصل الثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة تعني الوصاية على الأقاليم. كون بلدنا اليوم لا يعيش حتّى كإقليم ناهيك عن كونه دولة مستقلة، فلا حاكميه تهمهم مصلحة "وطنهم" ولا دول الجوار وغيرها تتركنا وشأننا لننتخب النظام السياسي الذي نطمح به دون تأثيراتهم وتدخلاتهم المستمرة بشؤوننا الداخليّة، ولا شعبنا يصحو من نومه وهنا تكمن الكارثة الحقيقية.

هل يمكننا تحقيق هذا الحلم لإنقاذ ما تبقى من بلدنا؟ الأمر لا يعني القوى المهيمنة على السلطة ومن يوجهها ويمنحها التأييد ويباركها. الأمر يهمنا نحن أبناء هذا الوطن المدمّر والمنكوب، أبناء هذا الشعب الذي يعيش في عوز وجوع وبطالة وجهل وتخلف وموت يومي. لتكن شعارات تظاهرات شعبنا القادمة وعلى قلّة المشاركين فيها، هي المطالبة بوضع العراق تحت الوصاية الأممّية بدلا عن الإصلاح والتغيير اللذان لن يأتيا. لنشّكل لجانا تلتقي بالموفدين الأممّين لبلدنا مطالبين إياهم بالسعي لوضع العراق تحت الوصاية الأممية، فخطر إنهيار البلد ودماره في ظل سلطة العمائم والأحزاب الطائفية القومية كبير، والحلول لإنقاذ شعبنا ووطننا من الكوارث التي يعيشها اليوم كالإصلاح والتغيير دون توفر أدوات نجاحهما هي كإعطاء حبّة أسبرين لمريض مصاب بالسرطان.

الوِصَايَةُ بالعربية تعني: الولايةُ على القاصر.
الوِصَايَةُ هي أيضا: نظام قانونيّ لحماية القُصَّر ، وهم مَنْ لم يبلغوا سِنّ الرُّشْد.

ولا أظنّ أنّ شعبنا ومع ثقل الكلمة، قد بلغ سنّ الرشد. فهو لازال قاصرا لا يعرف مصلحته ومصلحة وطنه، و مؤمنا إيمانا غريبا بالموت مفضّلا إياه على الحياة.
 

زكي رضا
الدنمارك
2/12/2012

152
العمائم  هي من أهلكت العراق


العمامة ليست حصرا على طائفة من المسلمين دون سواها، وعليه فأنّ رجل الدين سيدخل في باب إحتكار الدين  والذي هو مخالف لروح الدين الإسلامي إن إدّعى تمثيله للإسلام بعمّته التي يعتمرها فقط دون غيرها. أمّا رجل الدين الذي يخوض غمار العمل السياسي، فأنّه سيدخل في باب الطائفية إن إدّعى أن عمامته هي من تمثل الوطن متعدد القوميات والأديان والمذاهب دون غيرها. ومن هنا فأنّ العمامة الشيعية بأي بلد ليس من حقّها إدعاء تمثيلها لجميع المسلمين سواء في بلدها أو غيره، كما ولا تستطيع العمامة السنّية أن تعلن إدّعائها هذا وبنفس القدر. ومن خلال الصدام المستمر بين العمامتين  بعد نشوء المذاهب المختلفة فقهيا،  والعودة منهما دوما لأول خلاف سياسي نشب حال وفاة محمد والذي جرت وقائعه في سقيفة بني ساعدة، فأنّ العمامتين ساهمتا مساهمة فعّالة في الكوارث التي عانى منها المسلمون منذ قرون.

كمدخل للمقالة نرى العودة للمعاجم العربية لمعرفة معنى الهلاك لغويّا، فالهلاك في اللغة يعني الموت، ومن معانيه الأخرى دَرَسَ وتَعِسَ وشَقِيَ وحَزِنَ وتَلِفَ وفَسَدَ. ومن أضداده بَقِيَ وخَلُصَ و دامَ وسَلِمَ  وعاشَ وقامَ ونَجَا. وعليه فأن رجل دين كهمام حمودي عارف وهو يصرح قائلا ( لولا العمامة لهلك العراق)  بمعنى الهلاك من الناحية اللغوية بشكل جيد، كون العلوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة تُدرّس في مرحلة المقدمات بالحوزة الدينية . ولأنّ الشيخ يعرف معنى الهلاك لغويّا، فأنّه يعرف معناه وهو يخوض غمار العمل السياسي بشكله الحقيقي من حيث "البناء" والهدم الذي حلّ بالوطن منذ أن وصل الشيخ ومعه بقية العمائم للسلطة، أمّا كرجال دين أو ساسة ينهلون من فكر المؤسسة الدينية.

لم تكن للعمامة وعلى الأقل الشيعية منها دورا محوريا أو محسوسا في الحياة السياسيّة بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى الإحتلال الأمريكي للبلد، وقد إقتصر دورهما (العمامتين) على الوعظ وإقامة الشعائر الدينية ( الطائفيّة). الا أنّهما ساهمتا ولعدم وجود أحزاب سياسية وقتها وبالتعاون مع العشائر العراقية، في ثورة العشرين التي نتج عنها تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وذلك  بعد أن تأثّرت العمامة الشيعية منها  بثورة المشروطة في إيران، فيما كانت السنّية تتبع أوامر الأستانة وتدافع عنها بوجه الإحتلال البريطاني. وبقيت العمامة دون نشاط سياسي ذو وزن حتّى فتوى محسن الحكيم والتي كانت سبب في إبادة الآلاف من خيرة بنات وأبناء العراق، تلك الفتوى التي شيّعت ثورة الرابع عشر من تموز الى مثواها الأخير، وليدخل العراق وقتها ولليوم نفق مظلم ومرعب. ومن الضروري هنا التأكيد على أنّ العمامة لم تساهم كلها بشكل إيجابي  في الأحداث التي مرّت بالعراق، بل كان منها من ساهم بشكل سلبي وهو يحث جمهور العشائر على عدم مقاتلة الأنكليز، كعمامة الشيخ عبد الكريم الجزائري مثلا وهي تطالب الثوار بالهدنة مع الانكليز اثناء مؤتمر الكوفة  فخاطب الثوار قائلا: (الحكومة لاتريد الا الخير، وليس لها قصد سيء معكم، فلا داعي لكلامك هذا، وأنتم لا قدرة لكم على مقابلة الحكومة البريطانية)."1"

نتيجة لعلمانية الدولة العراقية لم تكن للعمامة دورا في السلطة طيلة تأريخ العراق الحديث كما ذكرنا قبل قليل، الا أنّ الوضع تغيّر بعد الإحتلال الأمريكي للبلد. وأصبحت للعمامة والشيعية منها على الأخص ونتيجة لتوجيهات وعمل دؤوب من إيران حتى قبل الإحتلال من جهة، ولقمع البعث " نظام سني" لأنتفاضة شعبنا الآذارية وضربه المدن الشيعية المقدسة بالصواريخ وإستباحتها وتغييب عشرات الآلاف منهم في مقابر جماعية من جهة أخرى، وكرد فعل من قبل جمهور الشيعة لمعاناتهم الطويلة دور كبيرا ليس في الحياة السياسية فقط، بل والإجتماعية والأقتصادية أيضا. فهل هذه العمامة ساهمت بأنقاذ البلد من الهلاك كما قال الشيخ ( همام حمودي) في حديث متلفز له؟

إستند الشيخ حمودي في تصريحه هذا وهو يعني به عمامة السيستاني الى فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها الرجل لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي دون أن يسأل هذا الشيخ نفسه عن، من الذي سلّم ثلث مساحة البلد الى هذا التنظيم المتوحش  والذي كان أحد ضحاياه هم ضحايا مجزرة سبايكر؟ والسؤال الأهم هو إن كان الشيخ قد قال بنفسه بعد إنفجار كدس عتاد في مدينة الثورة والذي ذهب العشرات من الأبرياء الآمنين ضحايا له " أنّ المخدرات والفساد الأخلاقي وخزن المتفجرات داخل المدن هي الوجه الآخر لداعش"، فلم لا تفتي العمامة الكبيرة حسب وصف الشيخ بشكل من أشكال الجهاد ضد إنتشار المخدرات وضد الفساد الاخلاقي وتجارة البشر وتجارة الأعضاء؟ ولم لا تفتي بالجهاد ضد الفساد الذي هو بالحقيقة أقوى تأثيرا من داعش على المجتمع والأقتصاد والدولة برمتها؟

من أضداد الهلاك كما جاء في المعاجم العربية والتي جئنا على ذكربعضها أعلاه هو، النجاة والأستقرار والحياة. وهنا علينا أن نحاور الشيخ قليلا حول ما يعنيه من أن " العمامة كانت سببا في عدم هلاك العراق" من خلال بحثنا عن نجاة البلد من الفساد الذي وصل الى كل مرفق من مرافق البلد، ومنها المؤسسة الدينية. فها هي العتبات المقدسة تمتلك إمبراطوريات مالية تأتي واردتها من تجارتها بكل ما يتعلق بغذاء شعبنا، فشركات الكفيل تحتكر أسواق العراق وخصوصا الشيعية منها، ولم تقتصر هذه المؤسسة على التجارة بل تدخلت بالشأن الصحي حيث تمتلك مستشفيات الكفيل التي لا يدخلها الفقراء والمعوزين لعدم إمتلاك أموال كافية للعلاج فيها، وغيرها الكثير. فهل إحتكار تجارة المواد الغذائية تحت مسمى يدغدغ مشاعر المؤمنين البسطاء والتربح منه، والإستفادة من القوانين التي تحد من منافسة شركات أخرى لها، فساد أم لا، وإن كان فسادا فلم لا يفتي السيستاني بجهاد ضدها وهي في عقر داره!؟

كيف منع السيستاني هدم العراق، ولا يوجد في البلد مرفق واحد يعج بالحياة؟  فالتعليم منحط والمستشفيات دكّات موتى والأرض بور والمياة قاتلة والمصانع والمزارع أصبحتا أثرا بعد عين. لم يصل العراق طيلة عهده الحديث الى الدرك الذي عليه اليوم تحت سلطة العمامة، فالأخلاق شاذّة، والدعارة نتيجة الترمل والفقر تملأ جنبات البلد، وآلاف العوائل تعتاش على المزابل، والشباب عاطل عن العمل، والأطفال يملؤون شوارع المدن والبلدات ليتعرضوا لمختلف أشكال التحرش والأنحراف. ومن هذه المدن النجف الأشرف نفسها حيث تعيش العمامة الكبيرة، فليخرج صاحبها ليرى بأم عينيه كل هذه الجرائم عسى أن يتحرك ضميره الديني ويعلن الجهاد الكفائي ضد سلطة الخضراء والتي العمامة ومنها عمامة الشيخ حمودي إحداها.

الشيخ (همام حمودي)،  من أقوال الأنبياء التي ذهبت مذهب الأمثال حديث محمد وهو يقول: إذا لم تستحي فأصنع ما شئت،  كما ويقول الإمام علي: من لم يستحي من الناس، لم يستحي من الله سبحانه. ووالله أنّ من يرى كل هذا الدمار في بلده ويعتبر البلد غير هالك، لا يستحي وفق حديث محمد، ومن لا يستحي من " شعبه" لا يستحي من الله كما يقول الامام علي فتراه يسرق ويزني ويفسد في الأرض. كما وأنّ الجهاد ليس واجبا على العامّة دون الخاصّة ومنهم أنت أيها الشيخ، فمن المفروض وأنتم تستنهضون همم الناس لقتال داعش أن تكونوا ومعكم باقي العمائم في مقدمة المعارك وليس في خزائن البنوك أو في مناطق آمنة لا يدخلها المواطن كالمنطقة الخضراء، أو التنقل بسيارات مصفحة. وهذا ما حاولت مجموعة من ثوار ثورة العشرين تذكير العمائم بها حينما بعثوا برسالة لهم تدعوهم لمشاركتهم القتال، فكتبوا لهم قائلين: (بلغوا حجج الإسلام، القرآن والمواعظ تلوناها وبرقياتكم إلى العشائر نشرناها فلا ينفع ذلك إلا الإقدام بأنفسكم، الأقوال بلا أفعال تذبح الإسلام ولا نعلم إن الجهاد واجب على العامي ولا يجب عليكم المعلوم قدومكم يهيج الإسلام، فالله الله في حفظنا "2".

لتبدأ العمامة الكبيرة بأهلها المقربون من أولاد وأحفاد، ومعهم أنت ايها الشيخ وباقي العمائم في محاربة الفساد بفتوى، فالفساد آفة أشد فتكا من الإرهاب، اللهم الا إذا كنتم أنفسكم فاسدون، وهذا مما لا شك فيه ونحن نرى بلدنا يسير بخطى متسارعة نحو الإنحطاط  وأنتم على رأس السلطة فيه. إن كانت العمامة السنّية قد إستقدمت الإرهاب، فأنتم لاتفرقون عنها بشيء سوى بنشركم للتخلف والجهل والشعوذة مناصفة معهم. إنّ قوانين العشيرة وهي تتحكم بمفاصل المجتمع لدليل على فساد العمامة والساسة الذي في فلكها ودورها في تخريب الدولة والمجتمع. ويبدو أنّ الحل الأمثل لإنقاذ البلد من الهلاك هو برحيل العمامة الى مكانها الصحيح بعيدا عن السياسة ودهاليزها.

لا أملك وأنا أنهي هذه المقالة الا الإعتذار للشاعر المبدع (خلدون جاويد) لأقول:

عمائكم يا همام لا تطاق .. جرب أصيب به العراق

إِنَّ هَلَاكَ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ (حديث).

 لا يسعني وأنا أقرأ هذا الحديث الا قول: إنَّ هَلَاكَ العراق عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ المعممين.

1-لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث لعلي الوردي  ، ج 5 القسم الاول ، ص 251
2-.   عبد الحليم الرهيمي، تاريخ الحركة الإسلامية في العراق (1900 - 1924)، ص 164 .

زكي رضا
الدنمارك
15/11/2018 

153
هل خرجنا جزئيا من نهج المحاصصة!؟


يتمنى البعض وهو يتابع اللعبة السياسية تحت قبّة ما يسمّى ببرلمان الشعب، أن لا يعود العراق بحكومته الجديدة الى المربّع الأوّل، وكأنّ العراق قد غادر هذا المربّع وسيعود إليه لظروف سياسية جديدة!! ولا ندري هل يعي هذا البعض خطورة التشكيلة الوزارية اليوم عن اللواتي سبقتها؟ وهل يعي خطورة القوى السياسية والتي هي بالأحرى ميليشياويّة وموقعها في البرلمان الحالي والدور الذي ستلعبه في شدّ العملية السياسية الى صخرة المحاصصة التي لازالت مكانها في المربع الأول، لتعبث كما عبثت منذ الساعة الأولى للإحتلال بمستقبل شعبنا ووطننا من خلال تنفيذ أجندة بعيدة عن مصالحهما؟

لقد دخلت بعض القوى الإنتخابات وهي تراهن على تغيير نهج المحاصصة الطائفية القومية من خلال تبني قائمتها برنامج حكومي طموح، يمنح رئيس الوزراء المنتخب صلاحيات واسعة لتشكيل حكومة تكنوقراط ويطلق يديه في إستيزار من يتوسم فيهم الكفاءة دون الرجوع الى الكتل السياسية التي تشكل البرلمان الحالي. لكن ومن خلال ما أسفرت عنه التشكيلة الأولية  للوزارة وتأجيل البت في عدد من الوزارات منها الدفاع والداخلية، فأن الامور لا تشير مطلقا الى إمكانية رئيس الوزراء المنتخب في تشكيل حكومة قويّة قادرة على تنفيذ برنامجها السياسي، علاوة على عدم إمكانيته من تجاوز إملاءات القوائم الممثلة بالبرلمان ودورهم في التصويت على من سيرشّحه رئيس الوزراء من وزراء. بل تشير ومن خلال إستمرار توزيع الرئاسات الثلاث على الطريقة (البريميرية)، من أنّ حلم الخروج من نهج المحاصصة قد تبخر من جديد رغم وجوده  كبخار على الدوام، ليس من خلال تشكيل الحكومة فقط بل من خلال لعبة فرز الأصوات  وحرق صناديق الإقتراع والعودة للفرز اليدوي والبت بنتائج الإنتخابات بعد أسابيع طويلة من إجرائها  لتوزيع الحصص في البرلمان، تلك التي سبقت تشكيل الحكومة. وهذا يعني وكما يقول المثل العراقي من أنّ سمكة العملية السياسية ( خايسه من راسها).

إنّ الوزارة الجديدة وبغضّ النظر عن برنامجها الإنتخابي، لن تكون أفضل من سابقاتها. وفشلها في تحقيق الإستقرار والأمن وإعادة الحياة  لعجلة الإقتصاد وصياغة مفهوم جديد لدولة المواطنة، مسألة وقت ليس الا. وإن كانت الحكومات السابقة فشلت في تحقيق ما يصبو إليه شعبنا من آمال وتطلعات بحياة كريمة، فإن تحقيق هذه الآمال والتطلعات ستكون أصعب بكثير خلال السنوات الأربع القادمة، كون رجال العصابات والميليشيات سيكونون ضمن تشكيلاتها كونهم ممثلون في البرلمان.

إنّ تطبيق البرنامج الحكومي ونجاحه لا يعتمد على التوقعات والتمنيات، بل على نظرة شاملة وكاملة للنهج السياسي للسلطة، ومدى جدية الأطراف المهيمنة على المشهد السياسي وخلفها ميليشياتها ومافياتها  لتجاوز الحالة المستديمة لنهج المحاصصة. لذا فأن عقد الآمال على الخروج الجزئي من نهج المحاصصة من خلال التشكيلة الوزارية الجديدة ليست سوى أضغاث أحلام. إنّ السيد رئيس الوزراء ومن خلفه القوى التي تحلم بالتغيير من خلال الحكومة القادمة والدور التشريعي للبرلمان، سيكونون أمام إختبار حقيقي خلال المئة يوم الأولى. ومن خلال نظرة أولية على الشد والجذب وتوزيع الحصص في التشكيلة الوزارية، نستطيع الإعلان وبشكل مريح عن فشل مشروع الإصلاح المنشود.

هل رئيس الوزراء الجديد قادر على معالجة ملفّات الأمن والفساد وحصر السلاح بيد الدولة، بإعتبارها مدخلا لحل مشاكل البلد المتراكمة؟ هل السيد رئيس الوزراء يعي أنّ التعليم وجودته والثقافة  بمختلف حقولها هما من يفتحان الأبواب أمام تطور مجتمعنا، وهل سيكون قادرا على لجم القوى الدينية كي لا تكون الوزارتان من حصتهما وليعم الخراب بلدنا أكثر من ذي قبل؟ هناك عشرات الملفّات الساخنة التي تحتاج الى حلول سريعة، أو الى إنتهاج آلية للبدء بها، لكن ومن خلال التشكيلة الوزارية غير المكتملة سيكون رهاننا على نجاح السيد عبد المهدي هو كرهاننا على حصان خاسر.

إن كان البعض يتوقع من إننا خرجنا جزئيا من نهج المحاصصة، فالغد كفيل في أن يريه ويرينا عودتنا إلى نفس النهج من بابه الواسع من جديد، هذا إن كنا قد خرجنا منه فعلا.

زكي رضا
الدنمارك
27/10/2018



154
الزهاوي يدعونا للثورة على الجحيم.. كما ثورته -2


الزهاوي وهو يدافع عن المرأة وحقوقها، ويغوص في الفلسفة والعلم والإختراعات ليعبّر عنها شعرا، كان العراق كما بقيّة  شعراء البلد في قلبه وضميره وشعره. وإني هنا لا أريد أن أغوص في مواقف الزهاوي السياسيّة، ولا مواقفه من أحداث عاصفة هامّة كثيرة مرّت في فترات حياته، قدر ما يهمّني الإستفادة ممّا جاء به من قصائد يحثّ فيها الناس على الثورة وطلب العلم ونبذ الجهل والعصبيّة. إننا في العراق اليوم لبحاجة ماسّة الى هدم القديم وبناء الجديد، الى قبر التخلف والجهل وإشاعة التقدّم والعلم، الى منح العقل حرية التفكير وفك إساره. فأغلال العقل أشدّ أثرا من أغلال وأصفاد اليدين، فالأوّل هناك صعوبة في كسره ويقبل العبودية والذلّ كأمر لا بد منه وأحيانا كأمر مقدّس كما عندنا اليوم، أمّا الثاني فإننا بحاجة الى عضلات قويّة ومطرقة لتحطيمها أو قانون يمنعه وهو أمر ممكن. والوعي هو من يناصبه رجال الدين العداء على مرّ العصور، لأنّ بعدائه حياتهم وترفها وسلطتهم وسطوتها.

 والآن لنرحل مع بعض أبيات شعر الزهاوي من قصائد مختلفة، تلك التي خاطب به العقل العراقي محفّزا إياه على إسترداد عافيته من خلال إسترداد وعيه، وليدغدغ من خلالها مشاعر وطنيّة وإنسانيّة يتمناها أن تكون موجودة ولو في العقل الباطن للجمهور، عسى أن يستعيدها الجمهور ويخرج من قمقم اللاوعي الذي أدخلهم إليه رجال الدين وأضاعوا طريقة فك طلاسمه عمدا.

في قصيدته "عن بغداد" والتي خاطب فيها أعداءه، نستطيع أن نرى فيها واقعنا اليوم، حيث الصعاليك هم من يقودون البلد، ولا أعتقد من أنّ الزهاوي  يعني بهم اولئك الصعاليك من أشباه (عروة بن الورد)، الذي كان يسرق ليطعم الجياع والفقراء، بل يعني بهم صعاليك المنطقة الخضراء الذين يسرقون ليجيعوا الفقراء. كما أنه يشبّه الأسلاميين وغيرهم من قاطني الخضراء بالغربان، وأظنّ هنا أنّ تشبيههم بالغربان كان دقيقا للغاية كون الغراب رمز للتشاؤم عند العرب.

بعصر به الأقوام تنشط للعلى ........... أرى البعض لايزداد غير جمود
صعاليك سادوا ثم سيدوا بجهلهم .......... فأذمم بهم من سائد ومسود
أشاهد غربانا بأوكار أنسر ................. وألقى ذئابا في عرين أسود

ليقول بحق زعيم الذئاب التي تنهش العراق وشعبه علما من أننا اليوم نعيش تحت ظل أكثر من زعيم وأكثر من قطيع للذئاب،  الا أنّ أغلبهم كما قال الشيخ وبغضّ النظر عن شكل زعامتهم دينية كانت أم سياسية ليسو سوى جواسيس للأجنبي.
تجسس من بعد الزعامة للعدى ..... وما كان منهم أجره بزهيد

ثم تراه ينتقل الى وصف هو الأقرب الى وصف شعبنا اليوم،  وهو يسير نحو حتفه لجهالة وطائفية وعشائرية. فيتناول بالنقد عادات وتقاليد ورثناها وجعلناها نتيجة ضياع القانون والدولة، جزء من عصبيتنا العشائرية التي أستفحلت اليوم وهي في طريقها لتدمير ما تبقى من دولة وموتها،   فيقول:

وليس الذي في القوم من عنجهيّة ......... سوى إرث آباء لهم وجدود
إذا كان مشي المغمّضين الى الردى ...... وئيدا فمشي القوم غير وئيد

ليقول واليأس يملأ قلبه من شعب نسى ثوراته وأنتفاضاته  يومنا هذا وهو يقاسي الأمّرين بعد أن إستسلموا لمفهوم القدر، فيقول :

ولكنّ قومي فوّضوا الأمر كلّه ...... الى قدر من ربهم وجدود
لقد خمد الثوّار بعد شبوبهم ...... وقد لا تشبّ النار بعد خمود

في قصيدته " طاغية بغداد" ومن خلال دعاء عن لسان نوح، وكأنه ونوح حاضرين اليوم والعراق يجتاحه الطوفان الإسلامي بطاعونه وكوارثه، ودون أن يكون هناك (جودي)  لتقف عليه سفينة النجاة  اللهم الّا قمة جبل " البرز" كي يُغرقها وليّ الفقيه ، أو قمّة في سلسلة جبال روكي عند العم سام ليجعلها تسير نحو شواطئه كونها حمولتها نفط وليس شيئ آخر. أقول في قصيدته هذه يصف الطواغيت من ساسة العراق وعمائمهم وأحزابهم وميليشياتهم وعصاباتهم ولصوصهم وما أكثرهم،  من أنّهم ليسو سوى منافقين وفي ضلالة ولا يعرف الحقّ اليهم طريقا،  فنراه يقول:
ربّ أنّ المنافقين ببغدا ............. د كثير وقد أتوا ضرارا
ربّ إنّي نصحتهم أن يتوبوا  ....... ثمّ إنّي أنذرتهم إنذارا

حتّى يقول متوسلا بالله  وداعيا عليهم بالفناء، كونهم لا يخلفون في الحكم الا أمثالهم من المجرمين:

أن قومي قد أفسدوا لا تذر ..... ربّ على الأرض منهم ديارا
إن تذرهم يا ربّ في غيّهم لا ............ يلدوا الا فاجرا كفّارا
إنهم من ضلالهم في تبار ........... لا تزدهم يا ربّ الا تبارا

وكأنّه ينتقل بنا الى ذُل العبيد وهم يقبلون أيادي السادة كما اليوم، نراه يلهب ظهورهم بأبيات من نار كي ينتفضوا إمّا ألما أو بحثا عن حرّية باعوها، ولكنّ العبيد غافلون وفي بحر جهالتهم نائمون وفي محيط ذلّهم قانعون، فيكتب في قصيدته (حتّام تغفل):

وتلطمنا كفّ الإهانة منهم ................... فنلثمها من خشية ونقبّل
شريف ينحى عن موطن عزّه ............... وآخر حرّ بالحديد يُكبّل
لقد عبثت بالشعب أطماع ظالم ........... يحمله من جوره ما يحمل
فيا ويح قوم فوّضوا أمر نفسهم ...... الى ملك عن فعله ليس يُسأل
أيأمر ظل الله في أرضه بما ........... نهى الله عنه والكتاب المنزّل؟

بماذا نهى الله في كتابه المنزّل؟ هل نهى عن الفساد، فلمَ أنتم فاسدون؟ هل نهى عن قتل النفس، فمالكم تقتلون النفوس؟ هل نهى عن السرقة، فمالكم تسرقون؟ هل نهى عن الخيانة، فمالكم تخونون "بلدكم"؟ أمّا إن كان الله " حاشا الله"  قد حلّل كل هذه الموبقات فنراكم تتسابقون ساسة وعمائم لتحقيقها، فأن إله كهذا ليس جدير بالإحترام، كونه قاتل وفاسد وسارق وخائن.

وكأنّه يخاطب معمّم ذو سطوة وجاه  ليقول له مكذّبا إياه في محاربة الفساد رغم حديثه عنه لسنوات طوال، نراه يقول:

تقول إذا عمّ الفساد فأنني ....... بإصلاحه في فرصة متكفلّ
أبعد خراب الملك وذلّ أهله ..... تهيء إصلاحا له أو تؤملّ؟

فهل يعي شعبنا ما قاله الزهاوي، وما هي السبل التي علينا ولوجها والأبواب التي علينا طرقها كي يعي شعبنا ما يعيشه من ذل وعبودية وجهل وتخلف؟

الزهاوي في قصيدته " قضى الله" يقرأ واقعنا المخزي قراءة حقيقية وصادقة وكأنه يعيش عصر العمامة والخضراء، عصر تهديد الثوار والأحرار وقتلهم غيلة وعلانية، عصر ضياع الفضيلة وإنتشار الرذيلة، عصر ضياع كل ما هو وطني وشريف، فيقول:

قضى الله أن تشقى بلاد بربّها ............. فيكرم ذو نقص وينكى صَمَيْدَع
قضى أن يعيش الحرّ فيها مهددا ......... مهانا، وهل مما قضى الله مفزع؟
بلاد بها قد ضاع من كان فاضلا ............. وللملك من أهل الفضيلة أضيع
حملنا الأذى حتى حنى من ظهورنا ...... ولم يبق في قوس التحملّ منزع

ويبدو أنّ الزهاوي كان حيّا وهو يرى الخونة يسلمّون ثلث أراضي العراق للإرهابيين الدواعش، وليستمروا في السلطة دون أن يحاسبهم أحد ليقول:

رعى الله شعبا أهملته رعاته ........ وملكا كبيرا ركنه متزعزع
تُقْطَع منه كل يوم مدينة  ....... " وما الكفّ الا أصبع ثم أصبع"


وفي الأبيات التالية، لا نستطيع أن نتساءل إن كان الزهاوي حيّا حينما نظّمها أم ميْتا، بل نستطيع أن نراه في مقهاه اليوم، مقهى الزهاوي الكائن  في ما تبقى من شارع الرشيد جالسا على إحدى " الكرويتات" وهو يدخّن سيجارته ويرتشف (إستكان) شاي أسود كسواد نهار العراق الإسلامي، وينظر بأسى لحال الشارع الذي هو جزء من حال البلد بنظرة فيلسوف،  الى المارّة وروّاد المقهى والموت يسير معهم جنبا الى جنب (الموت في مدينة كبغداد يسعى الى الناس في كل خطوة يخطونها)"1" فيقول بأسى والدموع تبلل شيبته:

قد سكنّا وليتنا ما سكنّا ........... في بلاد كثيرة الأزمات
في بلاد نُسام فيها خسفا ...... ونطيل السكوت كالأموات
فكأنّ الأحرار فيها عبيد .............. وكأنّ الأُباة غير أُباة
حتّى يقول :
يا إبنة القوم قد أصابني الضّر ........... فأسبلت للأسى عبراتي
لا تلومي على البكاء حزينا ..... قومه أخضوضعوا لحكم العداة
لا يرى ثورة لهم قد تميط ......... الضر عنهم وتذهب الويلات

الزهاوي على ما يبدو يتابع عن كثب مهزلة الحكومة والأنتخابات، والناخبين الذين لجهالتهم لا ينتخبون الا اللصوص في كل إنتخابات، يدعو الى تغيير شامل وليس الى إصلاح من خلال ثورة عارمة، وعدم الركون الى أشخاص بإعتبارهم حبال نجاة لما تمر بها البلاد وشعبها، مذكّرا الشعب بحقوقه وظلم الحكومة، فيكتب:

فهناك أهل يجهلون حقوقهم ............. وحكومة تعتو ودهر عادي
هم أيّدوا الحكّام في تدميرها .............. فكأنّهم لو يجهلون أعادي
وقد ألتقت فيها الجهالة والردى ............... فكأنما كانا على ميعاد
نظرت الى الأحرار من أبنائها ..... " نظر المريض بأوجه العوّاد"
ليس النجاة لأمة من أسرها ...................... ممّا يتم بهمّة الأفراد

لا أملك كلمات لأقولها للزهاوي، وهو ينظر الى الأحرار نظرة مريض بأوجه عوّاده، متمنيا منهم دواء لشفاءه ممّا هو فيه وهي ثورتهم لتغيير واقع البلد الا: عذرا أيها الشيخ الجليل، فقد بعنا حريتنا وبتنا نشعر بلذة عارمة من عبوديتنا ولثم أيادٍ لا تريد الخير لشعبنا ووطننا تحت حجّة المقدّس، وأزيدك من الشعر بيتا لأقول: من إننا لم نكتفي بتقبيل الأيادي و (المدِسْ)** بل نقبّل اليوم حتّى إطارات ( الجكسارات) "3"  . عذرا، فالجهل والتخلف هو لباسنا، فهل يثور الجاهل والمتخلّف؟. أيها الشيخ الجليل والوقور، لقد منحنا عقولنا أجازة مفتوحة ورغم ذلك رفض المعممّون منحها الإجازة، وأصّروا على قتلها.. فلنقرأ عليها الفاتحة سوّية. 

وفي مصر وهو يحييها بقصيدة ( يا مصر) كان العراق معه في حقيبته، يحمله رغم ثقله "العراق" ووهن عوده، يبحث فيه عن العقل والوعي، ناسيا على ما يبدو وأدهما من قبل أبناء قريش من السادة وعلية القوم فيهم. فتراه يصف العراق وإضطرابه وصراعات الساسة فيما بينهم والناس، ليصف وعن حقّ أنّ بغداد على سعتها أمست مقبرة، ويبدو أنّ القافيّة الشعريّة منعته من وصف العراق بأكمله بالمقبرة، أو أنّه كان يرمز للعراق من خلال بغداد فيقول:

وأنّ العراق اليوم كالبحر مائج ............ به تعبث الأنواء والمدّ والجزر
طغى ثم غاض البحر من بعد ما طغى ..... وليس بما في نفسه يعلم البحر

حتى يقول:
يلومون من يأبى سوى العقل هاديا ..... ويرمون بالكفر لإمرأ ما به كفر
وضاقت بنا بغداد حتى كأنها .................. على رَحِبٍ فيها لأبنائها قبر

نستطيع أن نرى الزهاوي يجوب مدن العراق الخربة، ويلمس جهل الناس وغرقهم في الأوهام والغيبيات، ودور المؤسسات الدينية في تكريس واقعهم المزري هذا من أجل هيمنة الطبقة السياسية الحاكمة التي تربطهما علاقة مصيرية سويّة مع المؤسسة العشائرية. كما نستطيع أن نرى أنّه لا يحمّل وزر مأساتنا عليهم وحدهم، بل يحمّل الجزء الأكبر منه للشعب الذي خدّرته العمائم والمناسبات الدينيّة التي هي كما الحروب، ما أن تنتهي أحداها حتى تبدأ الأخرى وهكذا يضل شعبنا يسير من مناحة لأخرى، ومن مأتم لآخر. مطلّقا الحياة طلقة بائنة لا عودة فيها، فيقول:
أبناء دجلة والفرات نيام ............ عن حقّها وتسرها الأحلام
وإذا الحقائق لم تجد في أمّة ........... سندا تقوم مقامها الأوهام
إنّ العراق به يعيش لشقوة ........... شعب يُسام الذُلّ ثم يُسام
ألفوه حتى صار فيهم طابعا ....... من طول ما صفعتهم الأيّام
لو كُلّفوا مشيا على أرآسهم .......... لمشوا كأنّ رؤسهم أقدام

 أيها الشيخ الجليل ، لو كان القوم يستطيعون المشي على أرآسهم  لرأيتهم يمشون فرادا وجماعات، لكنني أخبركم من أنهم يمشون اليوم على بطونهم وعلى صدورهم وعلى إلياتهم وعلى أيديهم وأرجلهم كما الكلاب، ويفتخرون كونهم كلاب. وليبكي في آخر القصيدة العراق وخلّوه من رجال ذي همّة لإنقاذه من براثن الجهل والتخلف الغارقين فيه ببحر الإسلاميين المتلاطم أمواجه ليقول:

عن كل مملكة يذود همامها ..... أمّا العراق فليس فيه همام

في إلتفاتة الى جوع الشعب وتُخمة الحكّام والمعممّين يشير الى ضياع الناس، مطالبا إياهم ضمنا بالثورة على واقعهم البائس، فهل سيثور الجياع؟

لقد أشبعوا بالطيّبات بطونهم ............ على مشهد منّا لهم وأجاعونا
وقد حفظوا حقّ الحياة لنفسهم ...... بما إغتصبوا من حقّنا وأضاعونا

من خلال حال البصرة التي ثارت من أجل الماء، والسكوت المخزي لباقي العراق شعبا بأغلبيته وأحزابا "الا القليل" ومؤسسات دينية عن جرائم قتل المتظاهرين و إغتيال الناشطين وتهديدهم وإتهامهم بشتى الأتّهامات الباطلة، وعدم التظاهر لنصرتهم لتموت إنتفاضتهم البطوليّة. أقول للزهاوي: لن يثور شعبنا إن جاع، وسيثور عندما يستعيد وعيه، فهل هناك إمكانيّة لعودة الوعي والسلطة ومعها المؤسسات الدينيّة تعمل على تكريس الأميّة والجهل والتخلّف من خلال قتل التعليم والثقافة والفكر؟

إننا هنا لا نخاطب الزهاوي بشخصه، والبصير والجواهري والرصافي وبحر العلوم، ولا نازك والسيّاب وبلند، ولا النوّاب وعريان وغيرهم العشرات من شعراء العراق ، بل نخاطب كل شعراء العراق من الذين تهمهم مصلحة شعبهم ووطنهم، ليثوّروا الناس ضد سلطة الإجرام والرذيلة. نخاطب كل كاتب يحمل قلما حرّا لنصرة شعبه ووطنه في فضح الفاسدين وبياعي الوطن، إننا هنا نخاطب كل مثقف وفنان ومسرحي ونحّات ورسّام في عكس آلام شعبهم بأعمال تقضّ مضاجع المجرمين المتخلفين وتنشر الوعي بين الجماهير. شعبنا ووطننا  تقودهما المؤسستين الدينية والعشائرية والأحزاب المرتبطة بهما الى مقبرة مفتوحة، فلنهدم هذه المقبرة بالكلمة والشعر والنحت والرسم والغناء والتمثيل والقصّة والرواية، ولنبني على أنقاضها حدائق ومدارس ورياض أطفال ومسارح ومكتبات.. العراق يموت، فلنعيد إليه الحياة بالعمل المتفاني ودون كلل، فالحريّة لا تأتي بالتمنيات. 

 

1 - من مقالة ( عودة من المنفى) للشهيد كامل شياع.
2 – المِدِسْ جمع مْداس باللهجة الجنوبية، وهي أشبه بالنعال منها الى الحذاء، وينتعله رجال الدين والعاملين في المقامات الدينية بالعراق.
3 – الجكسارة، مصطلح يُطلق على سيّارات مصفّحة يستقلها الساسة ورجال الدين بالعراق خوفا من غضب الجماهير.

زكي رضا
الدنمارك
22/10/2018






155
ومضات من كربلاء والكوفة

السيّدة زينب

لولا السيدة زينب بنت الأمام علي، لما كان للشيعة الأماميّة وجود، فهي من أنقذت سلالة الحسين من الإنقراض بعد إنقاذها إبن أخيها علي بن الحسين المعروف بالسجّاد من الموت وهو في دار الإمارة بالكوفة. عقيلة بني هاشم ولبوتهم لم تفقد رباطة جأشها وشيعة أبيها وأخيها يقتلون أهلها واحدا تلو الآخر وهي تنظر إلى مصارعهم  في ساحة المعركة، لكنّها لم تطق صبرا وهي ترى شيعة أبيها في عاصمة خلافته يبكون الحسين الذي قتلوه قبل ساعات وهي متّجهة بجيش من الأطفال الأيتام والنساء الثكالى الى دار الإمارة حيث مقر الوالي الأموي كأسيرة، هذه الدار التي كانت يوما تسكنها وأخويها حينما كان أباها الإمام علي خليفة للمسلمين ولها فيها الكثير من الذكريّات.

زينب التي غيّرت مجرى التأريخ الحسيني لم تطق صبرا وهي ترى شيعة أبيها يبكونها والحسين، وهم الذين خذلوا أباها وقتلوا أخاها وقبله إبن عمّها مسلم بن عقيل شرّ قتلة. فجالت ببصرها إليهم متذكرّة أجساد شهداء الواقعة الذين تركتهم في العراء مجندلين فزأرت بوجه هؤلاء الجبناء بعد أن أشارت إليهم أن أسكتوا: أمّا بعد يا أهل الكوفة " شيعة" أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنّة! إنّما مثلكم مثل الذي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا، تتخذّون إيمانكم دَخَلاّ بينكم، الا ساء ما تزرون.أي والله فأبكوا كثيرا وأضحكوا قليلا، فقد ذهبتم بعارها وشَنارها، فلن تَرْحَضوها بغسل أبدا، وكيف تَرْحَضون قتل سبط خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، ومدار حجّتكم ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة، لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.أتعجبون لو أمطرت دما؟ الا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم، أن سَخِطَ الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أتدرون أيّ كبد فريتم ، وأي دم سفكتم، وأيّ كريمة أبرزتم؟ " لقد جئتم شيئا إدّا، تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا"*. 

أي والله يا عقيلة الهاشميين وكأنّك اليوم في الكوفة من جديد، فلا زال شيعة أبيك يبكون ولا تسكن عبراتهم. ليس من أجل الحسين وهم قاتلوه إن جاءهم يطلب إصلاح أمرهم اليوم كما قتلوه بالأمس، بل كونهم يعيشون الذلّ تحت حكم بنو أميّة الساكنين في دار الإمارة بالخضراء. وإن لم يحصل يزيد بن معاوية على فتوى من أي رجل دين ليقتل الحسين، فأن رجال الدين بالعراق يمنحون رضاهم وفتاواهم لحماية دار الإمارة، وقتل العراق وشعبه بل والحسين نفسه إن جاء مطالبا بالإصلاح وتغيير الواقع المرّ الذي نعيشه.

أي والله يا زينب، لازلنا نضحك قليلا ونبكي كثيرا. فجثث أبنائنا ملئت المقابر وأصبح اليوم لدينا الف كربلاء وكربلاء، أمّا عاشوراء فتحوّل الى طقس وباب للتجارة لا غير، أمّا قيمه فقد حوّرها رجال الدين لمبايعة السلطان الا تبّا وتعسا لهم.  هذا هو حالنا يا إبنة علي، لقد ذهبنا كما قلت بعارها وشَنارها، فها نحن اليوم نبيع الوطن ونرقص على نشيج بكاء أيتامنا  وصرخات أراملنا وجثث شبابنا، كي يتمتع أُمويّي دار الإمارة بالخضراء ومريدهم بخيرات بلدنا التي تُسْرَق بفتاوى العمائم وخطابات الأحزاب الدينيّة وأسلحة ميليشياتهم.

الإمام الحسين

حينما طُلِب من الوليد بن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أخذ البيعة ليزيد بن معاوية من الإمام الحسين، ورفض الحسين البيعة. طلب منه مروان بن الحكم بعد أن وبّخه أن يضرب عنق الحسين، فقال له الوليد: وبّخ غيري يا مروان حتّى قال :  والله أني لأظن أن أمرءا يُحاسب بدم الحسين، خفيف الميزان عند الله يوم القيامة"*
وأنا أقول هنا مخاطبا شيعة العراق وأحزابهم وميليشياتهم ومراجعهم " والله أني لأظن أن أمرءا يُحاسب بجوع أيتام العراق وأرامله وهو يسرقهم جهارا نهارا، خفيف الميزان عند الله يوم القيامة". مالكم تبكون الحسين وتحلّون سرقة الأيتام والأرامل، أشيعة أنتم؟ والله أنا في شك بتشيعكم من حيث أقيم الى كربلاء.

لقد كان الحسين وهو في طريقه الى كربلاء بعد خروجه من مكّة وكي لا يثير خوف من معه وخصوصا من النساء والأطفال  يتلو هامسا والقافلة  تسير الى حيث مصرعها " ربّ نجّني من القوم الظالمين"* فمن هم القوم الظالمون؟ هل هم بنو أميّة أم شيعته الذين بعثوا له أحمال إبل من البيعة يستعجلون قدومه وهي تقول " أن قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي، فإقدم علينا" ؟*  من خلال أحداث ما قبل المعركة وسيرها ونتائجها نرى أنّ الظالمين هم كل من إشترك بقتله وعياله وأصحابه، أي قادة الجيش المؤْتمِر بأوامر بنو أمية وشيعته وشيعة أبيه الإمام علي. ومن أجل إتيان الحجّة بالحجّة نقول: هل قُتِلَ سفيره وإبن عمّه مسلم بن عقيل وحيدا دون ناصر في أزقّة دمشق الأمويّة، أم في أزقّة الكوفة الشيعيّة عاصمة عمّه الإمام عليّ!؟ مسلم بن عقيل هذا لم يجد له شبر واحد في مدينة الشيعة هذه ليختبئ فيها، حتّى أنه قال لإمرأة سقته الماء ومتعجّبة من عدم إنصرافه: يا أمة الله، والله ما لي في هذا المصر من أهل، فهل لك من معروف وأجر لعلّي أكافئك به بعد اليوم؟* صدّقني يا بن عقيل إن قلت لك: والله إننا لا نملك في مصرنا شيئا، ومصرنا رهنه قتلتك للأجنبيّ. إن سقتك المرأة شيء من الماء يا إبن عقيل فأطفالنا في البصرة العطشى لا يمتلكون منه شيئا، وهم كما أولادك عطشى. يا أبن عقيل، الأحزاب الشيعية اليوم لا ترمينا من شاهق كما رُميتَ، بل تغتالنا في الساحات والشوارع في وضح النهار، وإن كان بنو أميّة لم يقتلوا النساء لعصبيّة، فأن الميليشيات الشيعيّة تقتل النساء تحت نظر مراجعها وأحزابها.

مسلم بن عقيل وهو يرى الموت قاب قوسين منه أو أدنى بعث برسالة شفهيّة الى الإمام الحسين يقول فيها: إرجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة، فأنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل: أنّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني وليس لمكذوب رأي"*. فهل الكوفة شيعيّة أم أُمويّة!؟ ما نطقت يا بن عقيل عن الهوى، فها هم  شيعة الحسين يكذّبون عيونهم وهي ترى بؤس حالهم وأطفالهم، فهل من يكذّب نفسه من أجل إرضاء سياسي أو ميليشياوي أو رجل دين أو شيخ عشيرة، له كرامة على وطنه وشعبه؟

ما أن حوصر الإمام الحسين بعد أن جعجع به جيش يزيد بن حر الرياحي، حتى قال له نفر من أهل الكوفة وكانوا أربعة فقط جاؤوا لنصرته !!!: أما أشراف الناس فقد أُعظِمت رشوتهم ومُلئت غرائرهم فهم ألب واحد عليك! وأمّا سائر الناس بعدهم فأنّ قلوبهم تهوى إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك*. ولعمري فأنّ " أشراف" شيعة العراق أُعظمت اليوم رشوتهم ومُلئت غرائرهم فهم ألب واحد على شعبنا ووطننا،  يبيعونه كما باع أسلافهم الحسين ومثله وقيمه، فأسلافهم باعوا الكوفة لدمشق وقتها وهم يبيعونها لطهران اليوم. أمّا عوام الشيعة فبطونهم اليوم مع الحسين، وسيوفهم تطعن بلدهم بمقتل، فالحسين خرج للإصلاح وهم يخرجون خلف أحزابهم وعمائمهم لمبايعتهم وهو يعرفون من انهم لصوص، الحسين خاطب الناس في أن يكونوا أحرارا في دنياهم وهم يعيشون حياة العبيد، الحسين صرخ هيهات منّا الذلّة وهم يعيشون تحت سلطة العمائم بذلّة ما بعدها ذلّة، فهل أمثال هؤلاء يعرفون الحسين. وإن كانوا يعرفون الحسين، فأي حسين يعرفون؟

صرخة الحسين حين قاربت المعركة نهايتها والقوم يريدون نهب فسطاطه كانت مزمجرة وهو يقول: ويلكم ... إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في الدنيا، فرحلي لكم عن ساعة مباح*.  لله درّك يا أبا عبد الله، فها هم القوم إذ لا دين لهم  ولا هم بأحرار، وها هو العراق مباح مستباح. إيه يا أبا عبد الله، لقد جعلنا قتلتك من ساسة الشيعة وعمائمهم  نعيش كأسوأ شعوب الأرض، لم يبقى شيئا لم ينهبوه، وخيانة للوطن لم يخونها، وجريمة لم يرتكبوها.

ها هي زينب تنظر الى أخيها نظرة الوداع وهي تصغي الى زئيره الأخير بوجه قاتليه: أعلى قتلي تجتمعون "* يقصد شيعة الكوفة والعراق"؟ أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله، الله أسخط عليكم لقتله مني، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعروا، أما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دمائكم ثم لا يرضى بذلك منكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم*. أي والله يا أبا عبد الله، فها هو الله يسخط على العراقيين بأبناء بنو أميّة من شيعتك ومراجعهم وعمائمهم التي على المنابر، وها هو بأسهم بينهم شديدا، وها هو الله يسخط عليهم بأن ولّى عليهم كل أفّاق خؤون. وإني أرى الإمام الحسين وهو يقاتل جيش شيعته حتّى الرمق الأخير يقول لهم كما قال لهم أبيه الأمام علي: يا أهل الكوفة " يا شيعة العراق"، منيتُ منكم بثلاث وأثنين ! صمٌ ذَوو أسماع، وبكمٌ ذَوو كلام، وعميٌ ذَوو أبصار. لا أحرار صدقٍ عند اللقاء، ولا إخوان ثقةٍ عند البلاء ! تَرِبت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رُعاتها! كُلما جُمِعت من جانبٍ تفرقت من آخر...)*.

والله لعمائم بنو أميّة وهم يصنعون دولة لهي أشرف من عمائم العراق اليوم وهي تدمّر بلدنا، والله لساسة بنو أميّة لأنزه من ساسة الشيعة اليوم وهم ينهبون ثروات شعب أُبتلي بهم. إننا في عصر العمائم الأسود وميليشياتهم وأحزابهم اليوم، نعيش عصر اللادولة. ولكي نعيش كشعب يحترم نفسه ووطنه علينا معرفة حقيقة واحدة، وهي أن لا مجال لبناء دولة في ظل سلطة الإسلام السياسي المدعومة بعمائم الجهل والتخلّف، وأنّ إستمرار سلطة التخلف واللصوصيّة هذه يعني ضياع البلد. هؤلاء المجرمون لا يعرفون الحسين الا من باب التجارة به، ومن يشتري بضاعتهم الفاسدة ليس سوى ساذج.

ختاما أستعير بيتين من الشعر للشاعر الشيعي المتمرّد الكميت بن زيد الأسدي مع تبديل " لبني أميّة" بـ " شيعة الخضراء لأقول:

فقل (لشيعة الخضراء) حيث كانوا ..... وإن خفتَ المهنّد والقطيعا:
أجاع الله من أشبعتموه ..................... وأشبعَ مَنْ بجوركم أُجيعا

*النصوص من كتب مختلفة ومنها كتب الطبري وإبن كثير وتراجم سيدات بيت النبوّة لبنت الشاطيء وغيرها.

زكي رضا
الدنمارك
18/10/2018

156
الزهاوي يدعونا للثورة على الجحيم.. كما ثورته -1


الزهاويّ  كما كل شعراء العراق تقريبا مدح وذمّ وأشتغل بالسياسة، أمّا "كمعارض" أو جزء من نسيج السلطة. إلا أنّه  تميّز عنهم كونه تطرّق الى أبواب لم يتطرق إليها غيره من الشعراء، أو تطرّقوا إليها لمامّا. فالزهاويّ الذي دخل الكتّاب في سن الرابعة لينهي فيه حفظه للقرآن، ولينتقل بعدها لحفظ بعض العلوم وهو مازال فتى، بدأ الدراسة على يد العلّامة الشيخ عبد الرحمن القره داغي الذي قام " بتدريسه بعض العلوم العقليّة والنقليّة، وقد إستفاد من هذا الأستاذ فائدة تامّة، على الرغم ممّا قام بين الأثنين من مجادلات حول قضايا البعث والنشور ويوم الحساب وأصل الأنسان، إذ كان الزهاوي يشك في كل هذه الغيبيات" (1) . عند هذه النقطة تحديدا علينا التوقف مليّا، لأننا هنا أمام مشروع شاعر متمرّد على مفاهيم عصره، تلك المفاهيم التي ظلّت ولليوم محاطة بهالة من القدسيّة، كونها منطقة حرام ذات مليون خط أحمر ولم يتجاوزها أحد الّا وأُتّهم بالزندقة والكفر والإلحاد وليدفع جرّائها حياته أو حريّته ثمنا. ويبدو أنّ المجادلات بينه وبين أستاذه تحوّلت الى إيمان مطلق بالعلم والفلسفة واللتان كانتا سلاحه في شعره وهو يقف بوجه الغيبيات التي كانت تشع جهلا وتخلفا ولليوم، خصوصا وأنّه كان قارئا نهما لكل ما يصل للعراق وقتها من كتب ومجلات. لذا نراه وهو في سنّ الواحد والخمسين من عمره  ينشر قصيدته " الدمع ينطق" وهو في مصر ما أثار عليه علماء الأزهر متّهمين إياه بالكفر والألحاد والزندقة، والتي يقول في بعض أبياتها متأثّرا بتلك الإرهاصات الأولى والتي لازمته كظلّه الى آخر حياته قائلا:

وسائلة هل بعد أن يعبث البلى .......... بأجسادنا، نحيا ونرنو وننطق؟
فقلت مجيبا إنني لست واثقا ................. بغير الذي حِسّي له يتحقق
وهيهات لا ترجى الحياة لميْت ............... إليه البلى في قبره يتطرق
تقولين يفنى الجسم والروح خالد ...... فهل بخلود الروح عندك موثق؟

وقد كان الزهاوي وهو يتابع الحركة الثقافيّة والعلمية والفلسفيّة في شتّى البلدان، متأثّرا بكل ما هو جديد وتقدّمي من أفكار ورؤى ، تلك التي تواجه أفكار ورؤى متخلفة من تلك التي كان يعيشها العراق وقته ولليوم، فتراه يقول باحثا عن جديد في مجتمعه لينقله " المجتمع" للأمام:

سئمت كلّ قديم ........ عرفته في حياتي
إن كان عندك شئ ..... من الجديد فهات

في هذه المقالة المتواضعة، لا أريد الغوص في شعر الزهاويّ، فأنا لست بشاعر أو ناقد ولا حتّى ضليع باللغة ودهاليزها لأقيّم شاعرا كالزهاوي ولا أيّ شاعر غيره. لكنني سأركّز على أمرين مهمّين من شعره وهما ما نحتاجه كشعب عراقي يعاني الأمّرين تحت سلطة الإسلام السياسي والمؤسسات الدينيّة. أولّهما المرأة وحقوقها وتطلعاتها والتي لم تكن سوى بضاعة عند أولياء أمورها، هذه المرأة التي أصبحت اليوم ضحيّة لترّهات الفتاوى الدينية وإرهاب ميليشيات القوى الإسلاميّة المنفلتة،  والثاني هو موقفه من الجهل والتخلف الذي كان يلفّ المجتمع العراقي في حياته، هذا الجهل والتخلف اللذان أصبحا اليوم أكثر شدّة وقتامة مقارنة مع تطور البلدان والشعوب التي كانت دون وطننا وشعبنا تقدّما وثقافة الى ما قبل ثلاثة عقود تقريبا. إنني ومن خلال هذه المقالة والتّي أريدها أن تكون سياسيّة وليست نقديّة، أود أن أقارن حالة الجحيم التي أعلن فيها الزهاوي ومعه كبار الفلاسفة والمفكرّين ثورتهم ضد زبانيته من خلال ملحمته الخالدة " ثورة في الجحيم"، وإحتلالهم للجنّة التي يسكنها التنابلة. وبين شعبنا وهو يعيش جحيمه الإسلامي، دون أن يرفّ له جفن ليعلنها ثورة ضد زبانية الإسلام السياسي من أحزاب وعمائم من الذين دمّروا حياته ومستقبله ومستقبل أجياله. هؤلاء الزبانيّة التنابلة والمجرمون الذين يعيشون في جنّة المنطقة الخضراء، وجنان مدن وعواصم خارج العراق.   

لم يألوا الزهاوي جهدا في دفاعه عن المرأة، مستثمرا كل ما عنده من طاقات على شحتّها كونه كان وحيدا تقريبا في غابة من مجتمع رجولي يكره المرأة ويستخفّ بها، لإنقاذها من ذلّها الذي كانت تعيشه. فكان بحق من أكثر الشعراء جرأة وجسارة وهو يواجه ليس أفراد قلائل أو مجتمع وسلطة، بل جميع من يدين بالإسلام حينما قال:

هزأوا بالبنات والأمّهات ......... وأهانوا الأزواج والأخوات
هكذا المسلمون في كل صقع ....... حجّبوا للجهالة المسلمات
سجنوهنّ في البيوت  فشلّوا ..... نصف شعب يهمّ بالحركات

والزهاويّ وهو يراقب حال المرأة في مجتمعه نراه يعود ليحاكم الإسلام الرسمي والدارج من خلال وأده للمرأة، التي نهى القرآن عن وأدها. لكنّه لا يعني في شعره الوأد بمعناه الذي كان عليه عصر تحريمه، بل بمعنى يومه والذي لازال مستمرا. إذ تُزوج المرأة دون إرادتها، وتعتقل في البيت دون إرادتها، وتُضرب دون أن يكون لها الحقّ في الدفاع نفسها، ويحجّبوها دون أن ترضى، فنراه يقول:

غصبوا النساء حقوقهنّ ......... فلا تُصان ولا تؤدّى
القوم يا إبنة يعرب .......... من جهلهم وأدوك وأدا
ظلموك ظلما ما رأيت  ........... له لعمر الحقّ حدّا
حجّبوك عن أبناء نو ........ عك حاسبين الغيّ رشدا
سجنوك في بيت أُريد ............. بضيقه ليكون لحدا

ولمعرفته بدور المرأة في تقدّم المجتمع نتيجة لدورها التربوي كأم، وخطورة جهلها وتخلفّها في دفع أبنائها الى مستنقع الجهل والتخلّف التي تعيشها نفسها، ما يؤدّي الى تخلف المجتمع بأكمله، نراه يدعو الى رقيّ الأبناء من خلال رُقّي المرأة، والذي من وجهة نظره يبدأ بسفورها فيقول:

ليس ترقى الأبناء في أمّة ما ......... لم تكن قد ترّقت الأمّهات
أخّر المسلمين عن أُمم الأر ..... ض حجاب تشقى به المسلمات

لم يفقد الزهاويّ جرأته ورباطة جأشه وهو يواجه سؤال أحد الملكين في قبره وهو يسأله عن سفور المرأة في ملحمته " ثورة في الجحيم"، فدار بينهما الحوار التالي:

قال هل في السفور نفع يرجّى ..... قلت خير من الحجاب السفور
إنمّا في الحجاب شلّ لشعب ............ وخفاء وفي السفور ظهور
كيف يسمو الى الحضارة شعب ...... منه نصفه عن نصفه مستور
ليس يأتي شعب جلائل مالم ...................... تتقدم إناثه والذكور
أنّ في رونق النهار لناسا ............... لم يزل عن عيونها الديجور

في المؤتمر النسوي الذي إنعقد في نادي لورا خضوري عام 1932 ، وبحضور وفود نسويّة عربيّة من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، أُثيرت من المؤتمِرات مسألة الحجاب والسفور، والذي واجهته القوى المحافظة وصحفها ومنها صحيفة الإستقلال بشدّة،  ما دفع القائمات عليه الى عدم مناقشة المسألة درءا للمشاكل. الّا أنّ الزهاويّ إستبق المعركة هذه بقصيدته (تباشير الإنقلاب)، والتي هاجم فيها كعادته الحجاب والنقاب داعيا المرأة الى المضي في معركتها من أجل السفور، فأنشد في الحفل الذي أُقيم للمؤتمر:

من بعد ما أنتظرت حقابا ..... ثارت فمزّقت الحجابا
عربيّة عرفت أخيرا ............... كيف تنبذ ما أرابا
كان الحجاب يسومها ..........  خسفا ويرهقها عذابا

ولم يتوقف الزهاويّ هند هذه النقطة، بل تحرّك نحو المنطقة الممنوعة، حينما طلب من المرأة البحث عن حريّتها بعيدا عن قشور الدين فخاطبها قائلا:

الحقّ حقّك فأنشديه ............... في محاولة طلابا
وإذا أبو فخذيه منهم ............... في مكافحة غلابا
لا تعبئي أبدا بغر ............... بان يواصلن النعابا
وذري من الدين القشو ..... ر جميعها وخذي اللبابا
عزوا الحجاب الى الكتا ...... ب فليتهم قرأو الكتابا

كان من الطبيعي أن يتعرّض الشاعر الى هجوم عنيف من مختلف الإتجّاهات وهو يدافع عن المرأة وحريّتها، لكنّه كان مؤمن من أنّ الصواب والحقيقة الى جانبه فكتب خلال محنته تلك قصيدته (هي الحقيقة)، والتي قال فيها:

هي الحقيقة أرضاها وإن غضبوا ..... وأدّعيها وإن صاحوا وإن جلبوا
أقولها غير هيّاب وإن حنقوا ........... وإن أهانوا وإن سبّوا وإن ثلبوا
إن يقتلوني فكم من شاعر قتلوا .......... أو ينكبوني فكم من عالم نكبوا
جاؤوا إليّ غضابا يسرعون ضحى .......... فما رأيتهم الّا قد إقتربوا
هذا يسير على مهل ويشتمني ........... وذاك يحبو وذا يعدو وذا يثب

ولم يكتف الزهاويّ وهو يدافع عن المرأة العراقيّة وحقوقها بالشعر فقط، فقد كتب في جريدة ( المؤيّد الأسبوعي" القاهريّة في السابع من آب / أغسطس سنة 1910 مقالا تحت عنوان ( المرأة والدفاع عنها) ، فما أن قرأه رجال الدين والمحافظين ( حتّى ثارت ثائرتهم على ما جاء فيه من آراء جريئة وأحكام تناقض ما جاءت به الشريعة)"2". وعلى الرغم من عزله من وظيفته حينها ، الّا أن الشيخ سعيد النقشبندي وكرأس رمح لبقية رجال الدين والشخصيّات المحافظة ألّف رسالة بحقّ الزهاويّ أسماها ( السيف البارق في عنق المارق) ، ما دفع الزهاوي كما كل الأحرار الذين يدافعون عن الحقيقة الى ملازمة داره خوفا. وكأنّه يرى واقعنا المؤلم اليوم والرصاص يغتال كل ما هو مثقف ووطني وجميل في هذا الوطن المحكوم بأمثال النقشبندي وغيره من المجرمين، فكتب يخاطب زوجته شعرا:

أبثين إن أدنى العدوّ حمامي ........... بمسدس يوريه أو بحسام
فتجلّدي عند الرزية وأحسبي..... إنّي إجتمعت إليك في الأحلام

إننّا اليوم لبحاجة الى أمثال الزهاوي، ليدافع عن المرأة العراقية بوجه خفافيش الظلام. هؤلاء الذين تركوا كل مشاكل بلدنا دون حلول، ليتشبثوا بمسألة الحجاب، وكأنّ مشاكل شعبنا ووطننا مرتبطة به. وإن كان الحجاب هو الوسيلة لإنهاء مشاكل شعبنا ووطننا المبتلى بفتاواهم الشيطانيّة، فلم فرض الحجاب على نساء إيران والسعوديّة وأفغانستان والسودان وغيرها من البلدان المتخلّفة والقمعيّة، لم ينهي مشاكلها التي تتناسل وتكبر كل يوم!؟

1-   ديوان جميل صدقي الزهاوي  الصفحة  د.
2-   المصدر السابق الصفحة ن.

زكي رضا
الدنمارك
14/10/2018









157
ولاية فقيه السيستاني السياسيّة أخطر من ولايته الدينية


عندما يتعلّق الأمر بالوطن ومستقبل شعبنا علينا جميعا أن نتحلّى بالمسؤولية الكاملة تجاه أية مخاطر تواجههما ، وذلك من خلال تحلّينا بالجرأة بلا حدود وتجاوز كل ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء، أو تلك التي يسبغ عليها البعض صفة القداسة لمنحها صوت عال في إدارة شؤون البلد وحق النقض "الفيتو" تجاه ما تراه غير مناسبا مع سياستها المعلنة والخفيّة. علينا جميعا وبروح وطنيّة وحرص على شعبنا ومستقبله، أن نقف أمام مسؤولياتنا والوطن يخرج من محنة ليدخل أخرى أشّد من سابقتها.

قبل الخوض في عنوان المقال الذي يرتبط به مستقبل بلدنا وشعبنا وتقدمهما، علينا طرح سؤال غاية بالأهمّية، كون الإجابة عليه كفيلة بتجاوز الكثير من الأزمات السياسية وغيرها من تلك التي تُستنسخ بإستمرار وهو: هل السيستاني ومن وراءه المؤسسة الدينية الشيعية ولا نقول الأحزاب الشيعية، يؤمن بدولة علمانيّة ديموقراطيّة تعددية بعيدة في تعاملها مع شعبها عن الهويّات الفرعية، ولكي نكون دقيقين أكثر فأننا نعني بالهويّات الفرعية هما "الشيعة والسنّة" بشكل رئيس دون إهمال الأديان والقوميّات في بلدنا؟ أم أنّ الهدف النهائي للسيستاني والمؤسسة الدينية الشيعية ومن أمامهما الأحزاب والميليشيات الشيعية، هو بناء نظام إسلامي على غرار النظام الإسلامي في إيران، أو قريب منه جدا في أسوأ الأحوال؟

 يُشاع أو بالأحرى يُشيع أنصار السيستاني وسط العديد من المنابر الحزبية والجماهيرية والدينية بل وحتّى على المستوى الإقليمي والدولي من أنّه يرفض ولاية الفقيه، وأنّ لا طموحات سياسيّة عنده!! الا إننا لو عدنا الى اليوم الأوّل للإحتلال سنرى أنّه وبهدوء وعن طريق الأحزاب والشخصّيات الشيعية جسّد مبدأ لا يُمكن تجاوزه في الشأن السياسي العراقي، وهو العودة الى ما يقوله "السيستاني" في كل شاردة وواردة رغم إبتعاده عن الأضواء والإكتفاء بممارسة نشاطه السياسي من خلف الكواليس.

بداية تشكيل مجلس الحكم صرّح عضو فيه كان قد ألتقاه وقتها قائلا أنّه " توّاق جدا للتعبير عن آرائه "، كما صرّح العديد من رجالات الأحزاب الشيعية الموالين له من أنّه "لن يعبر الخط الفاصل بين التأثير على السياسة والمشاركة فيها"!! ولكي يمّهد الساسة الشيعة له الطريق واسعا للتدخل بالشأن السياسي لصالح نهج محاصصة طائفية للحكم بالبلد، وليدخله هو بخطى ثابتة ووفق برنامج دقيق هدفه هيمنة الإسلام الشيعي الذي أثبت فشله "كما الإسلام السنّي" اليوم أكثر من أي وقت مضى على مقاليد الحكم بالبلد، قال البعض ممن تولوا المسؤولية في مجلس الحكم وقتها أنّ "السيستاني متحسس بشكل كبير للرأي العام وما يقوله الناس حوله. فهو رفض القبول بأي سلطة سياسية لكن عليه، مع ذلك، أن يستجيب لحقيقة أن الشعب في أمس الحاجة لزعيم". فمن هو هذا الزعيم، هل هو السيستاني نفسه أم شخصيّة يباركها بنفسه لتولي الزعامة؟

 أنّ فكرة إيجاد ولي فقيه عراقي كانت ولا تزال حلما عند الساسة الشيعة ونسبة لا بأس بها من فقهاء الحوزة الدينية بالنجف الأشرف، فتعاظم دور السيستاني في الحياة السياسية والعامة، وتذكر الشيعة لمظلومياتهم في العهود المختلفة للدولة العراقية، هي التي تدفعهم كي يكون هناك " ولي فقيه " بالعراق وعلى غرار ولي الفقيه في إيران، على الرغم من عدم جواز وجود وليين للفقيه في زمن واحد وهذا ما سنتناوله بعد قليل، أو منحه دورا سياسيا بارزا بعد تعاظم دوره على المستوى الشعبي.

في سؤالين مهمّين للسيستاني من أحد أتباعه، أجاب على أحدهما وهو " هل يجوز تشريع القوانين أستناداً الى المصلحة؟ قائلا ": يجوز ذلك لمن له الولاية شرعاً ضمن شروط خاصة". وفي إجابته على السؤال الثاني وهو "ما هو تعريفكم لولاية الفقيه؟ أجاب "الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالامور الحسبية تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد ، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين". لو جمعنا الإجابتين لتعريف ولاية الفقيه وفق أجوبته، لرأيناه اليوم ولي للفقيه وإن إمتنع وأتباعه وجمهوره عن التصريح بذلك علنا.

هل يجوز أن يكون هناك أكثر من ولّي فقيه في مقطع زماني واحد؟ الإجابة على هذا السؤال ستدلنّا على السبب الذي يدعو السيستاني للنأي بنفسه عن ولاية الفقيه. ففي وحدة ولاية الفقيه وتعددها وفق المذهب الجعفري هناك مقامان للولاية، هما الولاية الإصطفائية، "وهي تتعدد بتعدد من تلبس بالخلافة التشريعية، سواء كانوا أنبياء، أم أئمة، أم فقهاء"، أما الثانية فهي الولاية التنفيذية وهذه لا تتعدد وفق فقهاء الشيعة وقد ذكروا أدلّة على ذلك منها "الروايات الشريفة و فلسفة الغيبة الصغرى"، ومنها والتي تهمنّا هنا هي (أدلة عدم جواز مُزاحمة فقيه لآخر)، والتي تؤكد على فتوى فقهاء الشيعة " بعدم جواز مزاحمة الفقيه لفقيه آخر فيما تصدى له مثل نصب الفقيه متوليا للوقف او قيّما للصغار؛ وذلك للأدلة الناهية والمانعة لمثل هذه المزاحمة، فان كانت مثل هذه المزاحمة غير جائزة فكيف بمزاحمة فقيه لآخر نهض لقيادة الأمة وبُسطت يداه لتكوين حكومة إسلامية، فأدلة عدم جواز المزاحمة ثابتة في هذا المورد بالأولوية" (*)

هذا يعني أن ليس من حقّ فقيه شيعي مزاحمة فقيه آخر أو منافسته بأمور صغيرة، فكيف بالأمور الكبرى كقيادة أمّة؟ من خلال النص أعلاه نستطيع أن نتعرف على سبب عدم طرح السيستاني نفسه كولي فقيه، فالسيستاني كان يعيش تحت ظل نظام البعث الدموي في الوقت الذي كان الخميني وبعده الخامنائي طرحا نفسيهما كوليين للفقيه وقادا دولة إسلامية شيعية المذهب. وهذا يعني أن الظروف التي تحققت للخميني والخامنائي من بعده لو كانت قد توفرت للسيستاني لكان قد أعلن نفسه وليا للفقيه أما من قبل الحوزة الدينية بالنجف الأشرف، أو تحت ضغط ساسة أسلاميين من أجل تشكيل حكومة إسلاميّة بالعراق على الرغم من الفارق بين شعبي العراق وإيران من ناحية الثقل الشيعي فيهما.

لقد بدأ السيستاني منذ اليوم الأول لإحتلال العراق بالتدخل في الشأن السياسي، فمطالبته بإجراء أوّل إنتخابات تشريعية دون وجود إحصاء عام للسكان ولا ظروف صحيّة لإجرائها، ومبايعته وقتها للتحالف الشيعي كان تدخلا بالشأن السياسي. وإستمر تدخله بالشأن السياسي نتيجة فتح أبوابه أمام الساسة من مختلف الإتجاهات وأهمّهم الساسة الشيعة للإستئناس برأيه. ولم "ينأى" السيستاني بنفسه عن السياسة الا بعد شعوره بتذمر الشارع من فشل الحكومات الشيعية التي تعاقبت على السلطة، ولكي يبعد نفسه عن الإنتقادات التي بدأت الجماهير توجهها للمؤسستين الشعيتين السياسية والدينية، خرج وكيله "أحمد الصافي" في شباط 2016 ليقول أنّ "المرجعية دأبت على قراءة نص مكتوب يمثل رؤيتها في الشأن العراقي، ولكن تقرر أن لا يكون ذلك أسبوعياً في الوقت الحاضر"، مضيفا أن "آراء المرجعية ستُطرح بحسب ما يستجد من الأمور وتقتضي المناسبات". الا أن خطب الجمعة لم تنقطع يوما منذ ذلك التأريخ، وبقي السيستاني يتدخل بالشؤون السياسية بشكل مستمر ولليوم، كما أنّه ولدرء خطر داعش السنّية، أصدر فتوى الجهاد الكفائي الذي أنهى خطرها ، ولتتشكل من خلال إنظمام الميليشيات الشيعية للحشد الشعبي داعش الشيعية ، وابسط دليل على ذلك هو دعوة الحشد الشعبي اليوم بالبصرة ، الشباب البصري لتشكيل "حشد المتطوعين" لملاحقة المتظاهرين فيها .

أنّ تدخل السيستاني بالشؤون السياسية للبلد في ظل إنتعاش المد الديني ليس بالأمر الغريب، وقبول القوى الدينية لهذا التدخل أمر ليس بالغريب أيضا. فهو " السيستاني " بالنهاية طوق نجاة لهم فيما إذا تحركت الجماهير ضدهم. لكن الأمر الغريب هو قبول قوى قومية ووطنية فيما يطرحه السيستاني من أفكار وآراء ووصايا، وعكسها في بياناتهم وصحفهم، وإعتمادها كجزء من سياساتهم. فاليوم ونحن على أعتاب تشكيل الحكومة، فأن الرأي النهائي لتسمية رئيس الوزراء هو من صلاحيات السيستاني وليس حزب أو كتلة أو تيار ما. والأحزاب ومنها غير الشيعية تنتظر القائمة النهائية للأشخاص الذين سترضى عنهم المرجعية لتبوأ منصب رئاسة الوزراء على أساس المحاصصة لنظل في نفس المربع الذي لم نغادره ولن نغادره في ظل هكذا قيادات سياسية ودينية.

قد لا يكون السيستاني ولي للفقيه اليوم، لكنه بالتأكيد ومن خلال ما نعيشه من أحداث فأنّه عرّاب نظام المحاصصة الطائفية القومية البغيض، والملاذ الآمن للإسلاميين الفاسدين. وإن كان يراد لمقولة "المجرب لا يجرب" التي قالها أن تكون في خدمة شعبنا ووطننا، فعليه أن لا يحصرها بأفراد، بل في أن يعمّمها على أحزاب وتيارات سياسية كاملة. فالمالكي والعبادي على سبيل المثال فاسدين، ولكنهما عضوان في حزب الدعوة، لذا على السيستاني أن يكون أكثر وضوحا ويقول "الحزب المجرّب لا يجرّب"، حينها يكون تدخله بالشأن السياسي في خدمة شعبنا ووطننا، والا فأن تدخله ستكون أمامه عشرات الأسئلة.

يقال أنّ هناك حديثا عن النبي محمّد يقول " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله". ووالله فأن تدخلكم بالشأن السياسي قد نال من إحترام الناس للدين ومن هيبة المؤسسة الدينية وسينال منها أكثر كلمّا زاد الإسلاميون فسادهم وجرائمهم، وكلمّا جلس معمّم على منبر ليأتي بترّهات ما أنزل الله بها من سلطان. فمن أجل البقاء على الدين ورجاله بعيداعن ألسن الناس ولكي لا يأتي اليوم الذي يقول فيه الحجر والشجر" يا عراقيّ، هذا خلفي إسلامي ومعه معمّم فتعال إقتلهما"، على المؤسسة الدينية الأبتعاد عن السياسة ورجالها، وعليها إستخدام المنبر لفضحهم وتثوير الناس ضدّهم، وليكن شعار المؤسسة الدينية "الدين لله والعراق للجميع".



(*) حاتم، نوري، نظرية ولاية الفقيه، من مجلة فقه أهل البيت عليهم السلام.، العدد 25، السنة السابعة، ط 3، 14237 هـ - 2002 م.

زكي رضا
الدنمارك
15/9/2018


158
هذا هو العراق يا بهيجة


بالأمس خرجت بهيجة، " فتاة الجسر" شهيدة وثبة كانون من مرقدها المقدّس، فوصلت للمحطة العالمية بكرخ بغداد وإستقلّت القطار الصاعد الى البصرة العطشى. وما أن تحرك القطار من بغداد التي خدّرتها العمائم ناهبا الأرض صوب الشمس ليعانق "ريله" أعذاق النخيل، وليستريح عند بقايا تنور أم جنوبية قتلها العطش والجوع والفقر والمرض، حتّى بدأت تتأوه بحزن متذكرة ساعة إستشهادها حينما كانت جماهير بغداد والعراق تزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة. فعدّلت من جلستها وهي تنظر من خلال نافذة القطار الى براري العراق، وترثي حال الجماهير الصامتة في وطنها عمّا يجري في الفيحاء لتترنم قائلة " يا ريل طلعو دغش"  نعم بهيجة، " طلعو دغش" ويا ريت تظل بس عالدغش.

وقف القطار في محطّات خاوية مختلفة وهو في طريقه للبصرة، ووصل السماوة ونظرت الى رصيفها فشاهدت " قطار الموت" يقف هناك والجماهير تلتف حوله، فأدارت وجهها قليلا، وإذا بالمحطة خاوية من الجماهير هي الأخرى و صوت أزيز الرصاص القادم من البصرة يُسمع فيها. فعدّلت من وضعية عبائتها التي نزلت على كتفيها النحيلتين وعادت تقول من جديد " يا ريل طلعو دغش"، وظلّت عيناها تبحث عن القطار وركابه وسائقه لتقول بصوت عال سمعه بقية الركاب الذين معها في " الفارگون"،  " وضحچة وبچيه تطﮔ بعيني .. لو ردّيت انته وذاك انته". إهدئي يا بهيجة وأتركي ضحكاتك وبكاءك حتى وصولك لشط العرب لتشاهدي عطشه وموت العشّار. فهل سينجب العراق رجال كركاب ذلك القطاروذاك السائق الشهم الذي كان يقوده؟ وهل سينجب العراق جماهير كالتي سالت دمائها على الجسر بحثا عن كرامتها وكرامة وطنها؟ فجاءها هاتف من مكان قصي وبعيد أن: إطمئني يا بهيجة ففي البصرة ستلاقين هندال يتظاهر مع الشباب الثائر متحدين رصاص السلطة والميليشيات، إطمئني يا بهيجة فما دام للعراقيات أمثالك أرحام فأنّ الرجال قادمون لتحريرعراقك من الحكم الإسلامي الأسود.

حين وصل القطار الى محطته الأخيرة، وما أن وضعت بهيجة قدميها على الرصيف المتشقق عطشا كما شفاه أطفال البصرة، حتّى قفزت وسط الشباب الثائر، لتتقدمهم وهي تشّد عباءتها على وسطها وليغطّي صوت زغاريدها على صوت رصاص المجرمين المتمترسين في أبنيتهم الكونكيرتية. فرفعتها أذرع الجماهير عاليا، وهي تشير كما البوصلة الهادية الى حيث مقرّات الفساد التي جعلت من البصرة مدينة منكوبة.

صعدت بهيجة على برحية مقطوعة الرأس يبكي جذعها سعفها، ونظرت الى الجماهير التي وقفت تطوف بتلك البرحية كما يطوف الحجيج حول الحجر الأسود، وصاحت " بعالي الصوت" وهي تحثّ المتظاهرين على الإستمرار في تظاهراتهم ...

" يا صدري گل للفرح .. أوفي الشعب أوفي
دم بالضمير إشتعل .. شيلنني يچفوفي"

صدرك النازف يا بهيجة لا زال معطاءا ووفيّا لهذا الشعب المضطهد، واليوم وأنت بين الجماهير البصريّة العطشى والمحرومة، فأن أكفّ الجماهير هي التي تحملك عوضا عن كفّيك، وهي تنتظر الفرح القادم حتما على أشلاء الطغاة عديمي الضمير.

" شو هيّ  لهبة وطن .. شو هيّ ساعتها
إلعب يطفل الشمس .. واللعبة لعبتهه"

صدقت يا بهيجة، فالبصرة اليوم هي الوطن والساعة اليوم هي بداية الخلاص من الموت والإنتقال للحياة، وطفل الأمس الذي أحرقته أشّعة الشمس وهو يبيع الماء على أرصفة المدينة دون أن يشرب منه، يلعب اليوم اللعبة الأخيرة مع الموت، وسينتصر حتما وإن رماه قنّاص برصاصة أو مات مختنقا بغاز. سينتصر لأن كفنه هو  عباءتك وچرغد أمّه وشيلة أخته وعقال أبيه، كيف لا ينتصر من يكون كفنه عِرْضه؟

نزلت بهيجة من على النخلة التي تساقط حولها رصاص الغدر والخيانة بدل الرطب فزغردت:

"هي يا رصاص وهله .. وطرزلي نفنوفي
شو چني ليلة عرس تتراگص زلوفي"

يا شباب البصرة الثائر، ها هي بهيجة تتحدى رصاص القتلة ليطرّز "نفنوف" عرسها الأبيض ويلونه بالأحمر بدلا عن أحمر شفاه لشفتيها التي ذاقت العطش مثلكم، ولتقل للطغاة موتوا بغيضكم فشعب يطرز الرصاص ثياب نساءه وهنّ يزغردنّ لن يموت، وسينهض كما العنقاء من تحت ركام رماد جهلكم وتخلفكم وعمالتكم.

تقدمّت بهيجة الجماهير الغاضبة وهي تتجه الى حيث مقرّات العصابات الإسلاميّة التي نهبت أموال الشعب وهي تهتف :

"الريح دم .. والهتاف إنجمع تسبيح
يا بويه چن الشعب .. طاح  السمه وميطيح"

فهتفت حناجر الجماهير ضد الطغاة وهي تقول لبهيجة: أجسادنا ستكون أعمدة لهذا الوطن كي لا ينهار على رؤوس شعبنا، وحياتنا ستكون قربانا لهذا الوطن كي ينهض من جديد ويتنفس هواءا نقيا لا شائبة إسلاميّة فيه، وسنجعل الريح التي تكنس الإسلاميين، ريح صرصر عاتية.

فردّت بهيجة على الجماهير:

" صبر الشعب لو طفح .. كل عوجه يعدلها
ومن يمحي ثورة شعب .. بجروحه سجّلهه؟"

نعم، لقد طفح الكيل بشعبنا يا بهيجة، وها هي البصرة الثائرة تواجه رصاص الغدر لوحدها وهي تسجّل بأجساد أبنائها البررة قصّة مدينة تطفو على الماء وهي عطشى، قصّة مدينة تطفو على النفط وهي جائعة، قصّة مدينة يريدون بيعها للأجنبي بأبخس الأثمان، قصّة مدينة تموت يوميا ألف ميتة.

الموصل، أربيل، دهوك، السليمانية ، الأنبار، صلاح الدين ، كركوك، ديالى، واسط، ميسان، بابل، كربلاء، النجف الأشرف، الديوانيّة، الناصرية، السماوة، بغداد. لاتتركوا البصرة فهي أمّكم التي تُرضعكم الحياة. تعلموا منها فن الثورة والتمرّد، فهي المشعل الذي ينير ليلكم الحالك.

" يا ريل طلعو دغش" من قصيدة الريل وحمد للشاعر مظفر النواب.
" وضحچة وبچيه تطﮔ بعيني .. لو ردّيت انته وذاك انته" للشاعر مظفر النواب.
الشعر ما بين الأقواس، من قصيدة بهيجة للشاعر كريم العراقي.

زكي رضا
الدنمارك
7/9/2018



.





159
البصرة تنزع عن آيات الله عمائمهم


إنّ فشل المشروع القومي والبعثي في البلدان العربية تدرجّ  ليصل الى نهايته منذ هزيمة الجيوش العربيّة في حرب حزيران سنة 1967، على الرغم من أنّ خسارة تلك الحرب لم تكن السبب الرئيسي والوحيد الذي أدى الى ذلك الفشل، بل يعود الجزء الأكبر والأهم منه الى سوء إدارة السلطة والفساد وإنهيار عملية التنمية وعسكرة المجتمع والدولة وغياب الديموقراطيّة. هذا الفشل أدّى بالنهاية الى فوضى وحروب داخلية وإحتلال، ليهيمن من خلاله التيار الإسلامي على السلطة في العديد من البلدان، أو ليكون جزء مؤثر وكبير في المشهد السياسي فيها.

ونتيجة للصعوبات الإقتصاديّة وإزدياد مساحة الفقر وتفشي البطالة في العديد من البلدان العربية وقتها وعدم إيجاد حلول علمية وعملية للخروج منها، ظهرت على السطح بداية الأمر جمعيات إسلاميّة كانت تبدو غير منظمة، لتقديم بعض المساعدات العينية والمالية البسيطة للفقراء والمحتاجين في مناطق معيّنة والتي أصبحت لاحقا مناطق مغلقة تنظيميا لتيارات دينية منها معتدل ومنها تكفيري. ولمّا كان الإسلام ذو شقّين شيعي وسنّي، فعلينا الإنتباه الى الفروقات بينهما على صعيد تقديم الخدمات الاجتماعية وأهدافها، كما وعلينا التأكيد على مساحة عمل المذهبين وحريتهما. فالتيارات السنّية في مصر مثلا كانت لها حرّية العمل الجماهيري بشكل أكبر بكثير من التيارات الشيعية والسنّية على حد سواء بالعراق مثلا، ليس لديموقراطية السلطة وليس لكونها أقدم تنظيميا من غيرها في بلدان أخرى، بل نتيجة للوضع الإقتصادي المزري للبلد " مصر" وعدم إمكانية السلطة فيها من توفير ما تحتاجه قطاعات واسعة من الجماهير الفقيرة والمعدمة من خدمات وفرص عمل ولو بالحد الأدنى أحيانا كثيرة، عكس العراق الذي كان يعيش وقتها في بحبوحة من العيش نتيجة إرتفاع أسعار النفط، الذي وفّر للجماهير حياة أفضل بكثير مقارنة بمصر والعديد من بلدان المنطقة.

لقد إستمرّ غياب دور جمعيات إسلامية ذات طابع إجتماعي – خدماتي بالعراق الى الوقت الذي تبنى فيه النظام البعثي حملته الإيمانية، ليسمح تحت مراقبة شديدة لبعض الجمعيات الإسلامية من تقديم بعض المساعدات البسيطة للعوائل المتعففة، والتي زاد عددها لتصل الى الملايين نتيجة الحصار والبطالة والفقر. الا أنّ تلك الجمعيات كانت هي الأخرى عرضة للفساد الذي ألتهم القسم الأكبر ممّا كان يتبرع به الميسورون لها، وليعاني الإنسان العراقي المعدم بغضّ النظر عن دينه ومذهبه وقوميته من الفقر والجوع والمرض.

بإنهيار النظام البعثي وإحتلال البلد، تصدّرت الأحزاب الدينية الشيعيّة المشهد السياسي بدعم كبير من المرجعية الدينية الشيعية ممثلة بالسيستاني. الذي ساهم بصياغة دستور طائفي لازلنا نعاني من آثاره السلبية، ودعمه للأحزاب والمنظات الشيعية من خلال مخاطبته لمريديه وهم أمّيون وعشائريون وبسطاء في الغالب لإنتخابهم في كل دورة إنتخابية. وعندما وصل فساد الطغمة الشيعية الحاكمة الى مستويات قياسية، لم يتجرأ السيستاني بالوقوف الى جانب الجماهير المكتوية بفساد هذه الأحزاب، بل سارع لرمي الكرة في ساحة الجماهير المتخلفة أصلا والتي يقودها شخصيا، ليقول من أنّه يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، أي أنه يقف على مسافة واحدة من جميع اللصوص!!

من المفروض وبعد أن دخلت خزائن البلد مئات مليارات الدولارات، أن تنتهي دور الجمعيات الإسلامية الإجتماعية وغير الإسلامية منها. الا أنه ونتيجة فساد الأحزاب الحاكمة ودخول المؤسسات الدينية على خط الإستثمارات وإزدياد نسبة الفقر والتخلف والجوع والمرض في المجتمع، تناسلت هذه الجمعيات كما الفطر، ولتصبح وسيلة جديدة للسرقة والنهب المنظّمين نتيجة لإستغلالها من نفس مافيات الفساد الأسلامية من جهة، وفشل الدولة كدولة في القيام بواجباتها تجاه شعبها.

السيستاني الذي تمتلك وتدير إمبراطوريته المالية مراكز ومؤسسات خدمية وإجتماعية ومستشفيات ومراكز صحيّة في بقاع مختلفة من العالم،  يمثل رأس هرم آيات الله التي تتحكم بحياة ومصائر الملايين من أبناء شعبنا، وفي خزائن حوزته تدخل المليارات التي تأتي من الخمس ومن مشاريع إقتصادية كبرى، كمستشفيات وشركات إستيراد وفنادق وإستثمارات منها ما هو معروف ومنها ماستكشف عنها الأيام مستقبلا، علاوة على نسبة تحصل عليها نتيجة تسهيلها الأمور الجمركية لتجار ومستوردين آخرين من خلال شبكة واسعة من العلاقات مع أجهزة الدولة المختلفة، إضافة الى دعم لا محدود وسرّي من الدولة للعتبات الدينية التي يشرف عليها آيات الله في النجف. السيستاني وآيات الله يمتلكون العقارات والأموال داخل العراق وخارجه، كما الأملاك والأموال التي يمتلكها أولاد وأحفاد المراجع الشيعية التي قبله، وهذه الأموال مصدرها الرئيسي هم شيعة العراق الفقراء والدولة العراقية، السيستاني والوقف الشيعي "كما الأوقاف الدينية الأخرى" يمتلكون بالواقع إمبراطورية مالية لا يُعرف عنها شيئا لعدم وجود أجهزة مراقبة إقتصادية للدولة، علاوة على عدم وجود نظام ضريبي ينظم عمل هذه المؤسسات المالية العملاقة.

أين تصرف الأموال التي تدخل خزائن السيستاني؟ للطلبة في الحوزات، كم عددهم وكم منهم عراقي؟ للأرامل والأيتام، أين هي المساعدات المقدمة لهم وهم يعتاشون على النفايات حتى بالقرب من مكان إقامته؟ لمساعدة المرضى وعلاجهم، لماذا إذن يُطرد الفقراء من مستشفيات الكفيل بكربلاء وغيرها؟ للمدارس، لماذا يفترش طلبة العراق الأرض ويدرسون في مدارس متهالكة ودون قرطاسية؟ لزيادة الوعي في المجتمع، لم التخلف هو سيد الساحة إذن؟ لبرامج من أجل إستقرار الأسرة العراقية، لماذا حالات الطلاق هي الأكثر مقارنة بفترات حكم سابقة؟ وأخيرا وليس آخرا، هل أموال السيستاني لخدمة الشيعة؟

إن كانت أمواله وأموال البارونات من آيات الله الذين إبتلى بهم العراق هي لخدمة الشيعة، فهل أهل البصرة شيعة؟ وإن كانوا شيعة فأين السيستاني وآيات الله بالنجف الأشرف من أزمة المياه بالبصرة. وهل يستطيع السيستاني وغيره من الآيات شرب كوب ماء يشربه طفل بصري؟ أنّ ما يجري بالبصرة جريمة لا تتحمله الحكومتين الإسلاميتين المركزية والمحلية فقط، بل هي جريمة يتحملها السيستاني وبقية المراجع الشيعية أيضا، فهو مرجع فقراء هذه المدينة المنكوبة، وهو الذي يتحكم بأموال لا نعرف كم هي، وهو عرّاب الحكومة الشيعية الحاكمة وعصاباتها التي عاثت بالعراق قتلا ونهبا وفسادا، كما وتعتبر جماهير البصرة نفسها جزء من الجريمة التي تُرتكب بحقهم، كون المتظاهرين فيها بأعداد خجولة نسبة الى كثافتها السكانية.

البصرة وعطشها عار على الأحزاب والمنظمات والعصابات الشيعية، وعار على آيات الله الذين يمتلكون المليارات وهي من أموال فقراء الشيعة اساسا، وهم شهود على موت مدينة. البصرة ستكون مستقبلا ملفا مهما في محاسبة كل المجرمين بغض النظر عن مكانتهم السياسية والدينية، البصرة هي عطش الحسين الذي قتله شيعته فيها. عطش البصرة عار علينا جميعا، كوننا شهود زور لسلطتين سياسية ودينية تركت شعبنا ووطننا كعصف مأكول.


زكي رضا
الدنمارك
2/9/2018     

 

160
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
لبوة الشيعة .. من أين لك هذا؟

خلال سنوات الحرب الطائفية التي جرت بين الأعوام " 2006-2008 " خرجت تصريحات طائفية كثيرة من طائفيي الطرفين المتنازعين، والتي ساهمت بقتل عشرات الآلاف من أبرياء شعبنا وشرّدت مئات الالاف منهم. ولو راجعنا تصريحات تلك الفترة المظلمة من تأريخ شعبنا، لوجدنا تصريح لا يدلّ الا على نفس مريضة مليئة بالحقد، نفس تريد أن تتسلق السلّم السياسي على جماجم العراقيين وخراب بلدهم، نفس لا يهمّها ما تتركه تصريحاتها تلك من فواجع وأرامل وأيتام، نفس مجرمة تشرّبت فنون الجريمة من فاشيي البعث قبل أن تصبح الدمية المدللة لحزب الدعوة الحاكم وتتمترس في دولة لا قانونهم، ولم تكن صاحبة هذه النفس المريضة سوى "حنان الفتلاوي" صاحبة أكبر تصريح فاشي وطائفي وهو "قتل سبعة من السنّة مقابل مقتل سبعة من الشيعة". ولتحصل حينها على وسام طائفي بإمتياز وهو "لبوة الشيعة" والذي لم يلبّي طموح بعض الطائفيين فسارعوا لمنحها لقب آخر وأكثر عمقا وهو "زينب العصر"!!

لبوة الشيعة أو زينب العصر هذه وبعد خسارتها الإنتخابات التشريعية الأخيرة، سارعت الى تجميل وجهها الكالح عن طريق الإعلام. ووجدت ضالتها أخيرا في شراء الحصة الأكبر من قناة آسيا الفضائية التي يمتلكها "آراس كريم" زعيم المؤتمر الوطني العراقي والذي وضعته الولايات المتحدة الامريكية على لائحة الارهاب لعلاقاته مع "الحرس الثوري الايراني". والسؤال الذي علينا طرحه هنا هو، من أين لهذه اللبوة كل هذه الأموال!؟

"جوز معدود وجراب مسدود"، مثل بغدادي من الممكن الإستفادة منه لمحاسبة لبوة الشيعة هذه لمعرفة مصدر أموالها التي إفتتحت بها وبعد إنقلابها على المالكي والدعاة ودولة لا قانونهم، العديد من المقرات لحركتها "إرادة" والتي توجتها بشراء الحصة الأكبر في قناة آسيا الفضائية. وهل إفتتحت مقرات حركتها علاوة على الملايين التي إمتلكت من خلالها الحصة الأكبر في فضائية آسيا، جاءت من رواتبها خلال فترة وجودها بالبرلمان كنائب، أم من خلال مشاريع ساهمت بها، أو كومشينات حصلت عليها كما قالت هي يوما بعظمة لسانها، أو من خلال أتاوت فرضتها على رجال أعمال ومستثمرين؟

الحكومات في البلدان التي تحترم شعوبها، تفتح تحقيق شامل وواسع مع أي سياسي يظهر عليه الغنى الفاحش أثناء وبعد توليه منصب ما في الدولة. لأن هذا السياسي سيكون حتما قد إستفاد من موقعه في إبتزاز رجال الأعمال والمستثمرين مقابل توفير خدمات من نوع خاص لهم، أي مساعدتهم في التهرب من الضرائب مثلا أو إرساء العطاءات عليهم في المناقصات التي تقيمها الدولة، وغيرها من العلاقات غير الشرعية إقتصاديا وماليا.

الديموقراطية لا تنحصر بالذهاب الى صناديق الإقتراع فقط، بل هي منظومة شاملة لشكل السلطة والحكم والحريات والواجبات والقانون. وفي البلدان الديموقراطية يقدّم البرلماني والوزير كشف حسابه قبل تولّيه منصبه، لأنه وبعد ترك منصبه تستطيع السلطات معرفة مصدر أمواله من خلال حساب رواتبه خلال فترته البرلمانية أو مدة إستيزاره. ولأن زينب العصر لم تقدّم كشف حسابها كما بقيّة الساسة "العراقيين"، فعلى الحكومة العراقية إن كانت تريد محاربة الفساد فعلا، أن تفتح تحقيقا واسعا مع الفتلاوي بعد حساب رواتبها للسنوات التي كانت فيه عضو بالبرلمان ومصاريفها الشخصية ومصاريف مكاتبها في المحافظات المختلفة، وما صرفته على حملاتها وحملات حركة إرادة الإنتخابية علاوة على الأموال التي دفعتها لشراء أسهم في فضائية آسيا.

على رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وهو يعيش تظاهرات شعبنا المطلبية ومطالبه بمحاربة الفساد. أن يسارع لمحاسبة الفتلاوي اليوم قبل الغد، لمعرفة مصدر ملايينها هذه وعرض نتائج التحقيق معها على شعبنا. فهل يستطيع العبادي وهو الذي صرح منذ توليه رئاسة الوزراء من أنّه سيضرب الفساد بيد من حديد، أن يلبس قفّازه لأوّل مرّة ليضرب به، أم أنّ قفازّه عبارة عن قطعة إسفنج يستخدمها المدربون لغسل وجه الملاكم.

لبوة الشيعة، نهبت وسرقت أموال السنّة والشيعة
 

زكي رضا
الدنمارك
30/7/2018




161
المنبر الحر / إرحلوا
« في: 12:03 28/07/2018  »
إرحلوا


منذ الخامس والعشرين من شباط سنة 2011 ولليوم، إنخرطت جماهير شعبنا في تظاهرات مطلبية إحتجاجية ضد سوء الأوضاع الإقتصادية والبطالة ونقص وإنعدام الخدمات والفساد وتفشي الإرهاب. وقد إختلفت الشعارات التي رفعتها الجماهير حسب مزاج السلطات وهي تتعامل مع المتظاهرين وليس حسب مزاج الشارع، فشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ما لبثت الجماهير أن تخلت عنه سريعا تحت ضغط المرجعيات الطائفية والقومية من جهة، ومن وعود كبار مسؤولي الدولة في تلبية مطالب الجماهير من جهة ثانيّة، ولتتركز الشعارات حول نقص الكهرباء وشحّة المياه والبطالة بشكل عام. الا أنّ الشعارات تطورت بشكل بطيء جدا لتطالب بمحاربة الفساد الذي أثّر على حياة الناس بشكل كبير جدا، وفي النهاية تبلور الشعار الذي لازالت الجماهير ترفعه اليوم وهي تخوض أكبر تظاهرات شهدها العراق لليوم، وهو " الشعار" المطالبة بالأصلاح. هذا الشعار الذي أثار القلق عند حكام المنطقة الخضراء، ونتيجة تشديد الجماهير عليه دخلت المرجعية الدينية على خط التظاهرات مطالبة هي الأخرى بالإصلاح وكأنّ الفساد كان وليد اللحظة!! كما ودخل التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر على الخط هو الآخر مطالبا بالإصلاح على الرغم من أنّ التيار الصدري كان ولا يزال جزء من منظومة الفساد التي يطالب المواطن بإنهائها!!

أنّ تظاهرات تموز هذا العام أكثر إتّساعا من تلك التي إندلعت عامي 2011 و 2015 ، فالسلطة مستمرة في فسادها وسرقاتها، والجماهير طفح بها الكيل وهي تعاني من نقص حاد في توفر الطاقة والماء وفرص العمل وسوء القطاعات الخدمية الأخرى، علاوة على أنهيار كامل للقطاعات الانتاجية غير النفطية. لكن، وعلى الرغم من إتّساع زخم التظاهرات ولعدم وجود قيادات ميدانية فاعلة لها، فأنّ شعارات الجماهير لا زالت تراوح مكانها لتتوقف عند نفس المطالب التي رفعتها أوّل مرّة في شباط 2011 !! ويبدو أنها ميّالة للقبول بحلول آنية هي أشبه بالسراب كتلك التي أطلقها المالكي إثر تظاهرات شباط 2011 والتي طالب فيها من الشعب مهلة 100 يوم لتلبية مطالبه، وها نحن وبعد سبعة أعوام نرى الأوضاع أسوأ من ذي قبل.

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا وفي ظل حراك جماهيري على الرغم من عفويّته. فإننا لسنا بحاجة اليوم الى شعارات كالشعارات التي ترفعها ورفعتها الجماهير في مختلف المدن والبلدات . فالمطالبة بتوفير الطاقة الكهربائية والماء والعمل وغيرها من المطالب، لا تستطيع قوى المحاصصة الفاسدة توفيرها لا على المدى القصير ولا حتّى على المدى البعيد وسبع سنوات على إطلاق المالكي تعهده وعدم تنفيذه كافية لنعرف فساد هذه السلطة وسذاجة قطاعات لا بأس بها من شعبنا . فالأمر لا يتعلق بالفساد فقط، ولا بالمحاصصة كنهج فاشل ومدمر، بل يرتبط أساسا بتنفيذ أجندات ورغبات دول إقليمية لها مصلحة مباشرة في إستمرار الأوضاع في بلدنا على ما هي عليه خدمة لمصالحها ولإغراق السوق العراقية ببضائعها الفاسدة والسيئة، ولتتحكم من خلال تصدير الكهرباء على سبيل المثال لبلدنا بشريان حياتنا الإقتصادي وخنقه متى ما أرادت.

أنّ إستمرار رفع شعارات مطلبية كتوفير الكهرباء والماء وفرص العمل، وحتى محاربة الفساد وإصلاح المنظومة السياسية وغيرها من الشعارات المطلبية الأخرى من قبل الجماهير داخل وخارج العراق. غير كافية لدفع السلطات لتحقيقها مطلقا، فحكومة الخضراء تعرف جيدا من أنّ رفع هذه الشعارات تعني أنّ الجماهير ستركن للهدوء حالما تبدأ السلطات بإطلاق حزمة وعودها لتوفيرها، وقد جرّبت مرات عدّة لليوم هذه الوسيلة وأطلقت وعود عدة دون تنفيذ أو تراجعت عنها بعد فترة وجيزة.

على الجماهير اليوم أن تطور شعارها لإنهاء كافة الأوضاع السلبية التي يعيشها بلدنا وعدم الإكتفاء بالشعارات المطلبية. وقد كان شعار التظاهرة أمام بناية السفارة العراقية بكوبنهاغن والتي نظمها التيّار الديموقراطي وبمشاركة واسعة من قبل جماهير القوى الديموقراطية ومجموعة من الإسلاميين المتنورين، هو الشعار الذي على جماهير شعبنا أن تتبناه. هذا الشعار لم يكن سوى "إرحلوا".

لا خلاص للعراق الا برحيل هذه السلطة الفاسدة بأحزابها المختلفة، فمستقبل وطننا وشعبنا مرهونين برحيل هؤلاء الطغاة واللصوص . ليكن هتاف "أرحلوا" على لسان كل متظاهر من أجل كرامة شعبه ووطنه. أطلقوها صيحة قويّة في تظاهراتكم، فالشعارات المطلبية تعني إستمرار هذه العصابات الفاسدة والمجرمة في الحكم وإستمرار جرائمها ومأساتنا.

زكي رضا
الدنمارك
26/6/2018





162
هل سيكتمل عقد أهل الكساء؟


يعتبر توظيف الدين في السياسة أمر إستراتيجي عند الأحزاب والحركات الإسلامية كي تعبد الطريق نحو السلطة، كون الدين هو من أشّد العوامل جذبا في إستمالة قطاعات واسعة من الجماهير في البلدان الإسلامية وعلى الاخّص تلك التي لا تمتلك الوعي الكافي في بحثها عن مستقبلها ومستقبل أوطانها. كما وأنّه يعتبر سلاحا قويّا في مواجهة الحركات اليساريّة والعلمانيّة وعموم الحركات الديموقراطيّة في تلك البلدان، فسلاح الدين هو رأس الحربة في حسم المواجهات بين التيارات الإسلامية والعلمانيّة ومنها اليساريّة.

في المجتمعات المتخلفّة كما المجتمع العراقي يستطيع أي رجل دين شحن آلاف البسطاء للوقوف ضد من يدافع عن مصالحهم، بإستخدامه وتوظيفه لآيات قرآنية أو أحاديث نبويّة أو مرويّات عن أئمة الشيعة أو السنّة. وإن فشل رجل الدين هذا في إقناع هذه الجماهير لأسباب منها عدم ثقة الجماهير بالدولة أو السلطة التي يعمل رجل الدين في ظلّها، فأنه يذهب الى سلاح أمضى وأقوى وهو إتّهام العلمانيين واليساريين بالإلحاد. والأحزاب والتيارات الدينية لا تفرق كثيرا عن رجل الدين في توظيفها للدين وهي تواجه الحركات اليسارية والعلمانية عموما في حسم معركتها من أجل السلطة، فالإثنان أي رجل الدين والذي يمثل المؤسسة الدينية من جهة والأحزاب الدينية من جهة أخرى لها هدف واحد وهو قيام الدولة الإسلاميّة.

منذ بدء أوّل ممارسة يقال عنها ديموقراطية في العراق، وظّفت المؤسسة الدينية والأحزاب والحركات والميليشيات ، المذهب خدمة لمصالحها. وكان تأويل الأرقام والشعارات وترجمتها مذهبيا لدغدغة مشاعر وقلوب البسطاء حاضرة في كل إنتخابات "ديموقراطية !!" جرت بالبلد لليوم. فالتحالف الشيعي والذي كان يحمل الرقم 555 وشعاره الشمعة، إعتبرته الأحزاب الشيعية ومعها المؤسسة الدينية رقما إعجازيّا منحه الله لهذا التحالف كي يقود العراق، فكانت الخمسة الأولى رمزا لأهل الكساء والثانية رمزا للصلوات الخمس والثالثة لأركان الإسلام الخمسة. وقد ذهب رجال الدين والساسة الشيعة الى أبعد من ذلك وهم يستخدمون الأرقام وفق حساب الجمل كي تشير الى رمز شيعي وهو المهدي، فكانت قراءتهم للرقم "555" هو "يا مهدي بن الحسن أدركني". لكن يبدو اليوم ومن خلال التجربة العملية لحكم الأحزاب الشيعية بالعراق أنّ المهدي لم يدرك هؤلاء اللصوص ولا حتى فقراء الشيعة ولن يدركهم وأنّ شمعتهم قد حرقت البلد.

في الإنتخابات الأخيرة ومن على شاشة أحدى الفضائيات، صرّح نائب شيعي من أنّ التحالفات الشيعية الخمسة وهي "النصر ودولة القانون والفتح وسائرون والحكمة" هم كأهل الكساء الخمسة. ويبدو أنّ قراءته لشكل التحالفات التي ستهتم بأمر تشكيل الحكومة وعلى الرغم من النقد الذي وُجّه إليه وقتها هو أكثر عمقا من قراءة قوى يسارية وعلمانية لشكل الحكومة القادمة، كما وأنّها حددّت بالضبط عدد القوائم الشيعية وأسمائها من تلك التي ستشكل الحكومة مع أطراف أخرى، فلا نجد مثلا المجلس الأعلى وبعض التنظيمات الشيعية الأخرى ضمن أهل الكساء الذين ذكرهم.

فقائمة سائرون بزعامة رجل الدين الشيعي وأحد أهم أهل الكساء نفوذا اليوم "مقتدى الصدر" ومن أجل تشكيل حكومة أبويّة تحت رعايته بعد أن أصبحت حكومة التكنوقراط من الماضي، فتحت أبواب التحالف معها على مصاريعها، لتتنصل من برنامجها الذي يشترك فيه عدد من الأحزاب العلمانية ومنها الحزب الشيوعي العراقي، كونها قائمة عابرة للطائفية وهدفها الرئيسي هو محاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة. فدخل من بابها هذا ثلاثة من أهل الكساء وهم "النصر و الحكمة وتحالف الميليشيات المدعومة من إيران أي الفتح" ولم يبق الا دولة القانون ليكتمل عقد أهل الكساء، والذي وكما تقول الأخبار أنّهم ، اي "دولة القانون" سيدخلون تحت الكساء عن طريق فتح حوار مع "محمد شياع السوداني" بدلا عن "نوري المالكي" الذي يواجه فيتو من الصدر والعامري. وأهل الكساء هؤلاء هم من حكموا البلد ولازالوا بمحاصصة طائفية قومية لم تنتج سوى الفساد الذي حوّل العراق الى واحد من أكثر بلدان العالم تخلفا وفقرا مقارنة بما دخل خزائنه من أموال.

أنّ مجرد إجتماع هذه الكتل الشيعية من جديد هو إعادة تدوير للطائفية والفساد وجنوح أوضاع البلد نحو الأسوأ، في ظل تراجع كبير ومريع للخدمات ونشاط لتنظيم داعش الإرهابي ووضع أمني غير مستقر وقابل للإنفجار في أيّة لحظة نتيجة إمتلاك 18 ميليشيا ستكون ضمن السلطة للأسلحة المختلفة وعدم إلتزام أعضائها بالقوانين المرعية، وما حادثة شارع فلسطين وترويع المواطنين الآمنين في الأحياء السكنية الا نموذج بسيط لشكل الحكومة القادمة.

الحكومة القادمة لن تكون أفضل من سابقاتها، وستفشل في إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل البلد والشعب. وعلى الأحزاب الوطنية أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الحكومة لسببين، أولهما أنها وإن أُسْتوزِرتْ فأنها ستحصل على وزارة هامشية وغير مؤثرة ولا تستطيع من خلالها تقديم شيء للناس، والثانية أنّ تشكيل حكومة وفيها جميع أهل الكساء والقوى السنّية والكوردية يعني عدم تطبيق ما جاء في برنامج تحالف سائرون وحينها نستطيع القول للذي يصرّ على المشاركة في تشكيل حكومة محاصصة طائفية قومية والبقاء ضمن حدود المربع الأول "كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا".

 زكي رضا
الدنمارك
29/6/2018



163
السياسة فن لكنه بالعراق هابط ومبتذل

غالبا ما يقال عن السياسة من أنّها فن الممكن، والتي من الممكن ترجمتها وفق المفهوم الميكافيلي  الى " الغاية تبرر الوسيلة". وهذا المفهوم الميكافيلي هو أساس علاقات الدول فيما بينها وعلاقة الدول بشعوبها، فالدول وفق هذا المفهوم ونعني هنا الدول القوية تتدخل بالشؤون الداخلية للدول الأضعف منها بكل الوسائل الممكنة، والعمل على إضعاف تلك الدول إقتصاديا وسياسيا وعسكريا من أجل مصالحها ومصالح شعوبها. لذا نرى اليوم أنّ جميع الدول المحيطة بالعراق تمارس " فنّ الممكن " هذا لبسط هيمنتها على بلدنا وشعبنا، فإيران تمارس هذا الفنّ كمخرج مسرحي كبير وهي توزع الأدوار بين الكتل الشيعية في سيناريو تنتهي مشاهده دائما بإنتصار "البطل" الشيعي وهو على رأس الوزارة، والسعودية وبلدان الخليج يمارسون هذا الفنّ في رعايتهم  للسنة العراقيين على نفس المسرح العراقي، وكذلك تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان الإقليمية وغير الإقليمية في رعايتهم للكورد اوالتركمان وغيرهم. وقد وصل هذا الفنّ إقتصاديا وإنسانيا الى ضرب شريان الحياة في بلدنا وهو الماء الذي تتبارى طهران وأنقرة على إذلال شعبنا ووطننا به. أمّا فيما يتعلق بنفس المفهوم في الدولة الواحدة، فهو القمع المنظم للدولة بحق شعبها وأحزابه السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بحجة البناء والحفاظ على الدولة وهيبتها، لذا نرى الدول وخصوصا في بلدان العالم الثالث تمارس القمع المتوحش بكل السبل المتاحة ودون أي وازع أخلاقي كون السياسة وفق المفهوم الميكافيلي الذي تتبناه لا علاقة لها بالأخلاق مطلقا.

لا يعتبر العراق اليوم دولة الّا بالحدّ الأدنى ، كونه لا يحقق من شروط مقوّمات الدولة الا إعتراف المجتمع الدولي به كدولة "مستقلّة" والسكان الحاملين للجنسية، أما باقي أركان الدولة من سيادة على الأرض والمياه والمجال الجوي وتوفير الأمن والخدمات وإستغلال الثروات لخدمة الشعب وبناء جيش وطني قادر على الدفاع عن الوطن وغيرها من الشروط فهي غير متوفرة عند سلطة بغداد بالمرة، وعليه فأنّ فن الممكن عند السلطة في بغداد إن وُجد فهو ليس في صالح وطننا وشعبنا بل في صالح الدول التي تنفذ سلطة بغداد مصالحها على حساب شعبنا ووطننا.

لأنّ السلطة في بغداد هي سلطة محاصصة طائفية أثنيّة فهي تمارس أيضا فنّ الممكن، لكن بطريقة مغايرة لنفس الفن عند الآخرين. ففي بلدنا ومنذ الإحتلال لليوم تقوم الأحزاب والمنظمات السياسية من تلك التي تمتلك أذرع عسكرية أو التي لا تمتلكها، بممارسة سياسة الغاية تبرر الوسيلة. فغاية الأحزاب الإسلامية الشيعية هي بناء نظام سياسي على غرار النظام الإيراني، ومن أجل هذا الهدف سلكت هذه الأحزاب والمنظمات وتسلك كل الطرق المشروعة وغير المشروعة للوصول الى غايتها والتي هي بالأساس غاية طهران، والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب والمنظمات الإسلامية وغير الإسلامية السنية والتي ساهمت في خلط الأوراق كما الأحزاب الشيعية في سلوكها كل الطرق المشروعة وغير المشروعة للوصول الى غاياتها والتي هي أيضا غايات أنقرة والرياض والدوحة وغيرها، والكورد لم يتخلفّوا هم أيضا في السير بنفس الطريق فبسبب غاية لم يدركوها لليوم لقصر نظرهم السياسي مارسوا كل التبريريات المنطقية وغير المنطقية لإضعاف سلطة المركز الضعيفة أصلا ليخسروا ومعهم المركز إحترام الشعب العراقي بأكمله، وما عزوف الغالبية العظمى من أبناء شعبنا عن المشاركة في الإنتخابات الا صفعة في وجوه هذه القوى السياسية.

 من خلال نظرة بسيطة على أوضاع العراق منذ الإحتلال لليوم ومن خلال علاقات القوى السياسية " العراقية" بدول أجنبية وتنفيذ أجنداتها، نستطيع أن نفهم " فنّ الممكن" عند هذه الأحزاب.  لكن الذي لا نستطيع فهمه هو خيار " الغاية تبرر الوسيلة" عند أحزاب وطنية عريقة ولها باع طويل في العمل السياسي، والأنكى هو دفاع هذه الأحزاب عن الغاية والوسيلة بقوّة على الرغم من عدم وضوح الغاية والثمن الباهظ لوسيلة الوصول لتلك الغاية التي إن أردنا إستخدام أقل العبارات قسوة سنقول من أنها ضبابية وغير واضحة المعالم.

في معرض الدفاع عن غاية التحالفات أو التفاهمات وفق تصريحات بعض السياسيين تأتي مخاطر وجود البلد على كفّ عفريت وضرورة إنقاذه، لتبرير تحالفات فشلت حال إنتهاء الإنتخابات من كونها غير قادرة لأسباب عديدة من تجاوز الحالة الطائفية للحكم، وبالتالي عدم إستطاعتها من تنفيذ الجزء الأكبر من برامجها السياسية التي وعدت بها ناخبيها وحصدت أصواتهم بسببها. كما وأنّ هذه القوى وهي تتحدث عن كف العفريت الذي يحمل البلد لا تريد أن ترى البلد على ما يبدو وهو في فم العفريت!!

إنّ أي تبرير لحكومة محاصصة طائفية أثنية جديدة والبقاء في المربع الأول، إن كان بحجّة الدفاع عن السلم الأهلي والذي هو في فم عفريت المحاصصة منذ الإحتلال لليوم، أو مفهوم ضرورة المشاركة بالحكومة تحت مسمى الكتلة الأكبر إن كان قبل وبعد الإنتخابات والذي سيعيد تدوير نفس النفايات ونفس الفساد، هو فن سياسي لكنه فن هابط ومبتذل. والفن الهابط والمبتذل له مسارحه وجمهوره وهم جمهور القطيع، أمّا الفن الراقي والملتزم فله مسرح واحد وهو العراق وجمهوره هو ذلك الجمهور الذي صوّت للقوى والشخصيات الوطنية أو من الذين قاطعوا الإنتخابات عن وعي أو عن يأس.

مسرحنا أجمل وأرقى من مسرحهم " الأراجوزي" الهابط والمبتذل، فلنترك مسرحهم الى حيث مسرح الوطن والناس.


الدنمارك
21/6/2018   

 

164
المنبر الحر / شكراً لله
« في: 04:11 10/06/2018  »

شكراً لله

شكرا لله لأنه لم يمّكن الأحزاب الشيعية من حكم العراق بعد أنتفاضة آذار 1991 وقتها، شكرا لله لأنه فكّر بشعبنا ووطننا وأخّر نهايته عسى أن يستطيع من له بقايا ضمير ووطنيّة من رجالات هذا الشعب الذي لا يمتلك حزب أو منظمة سياسية قادرة على ترجمة مأساته الى ثورة عارمة، لتعصف بخونة العراق وشعبه من المجرمين في المنطقة الخضراء. شكرا لله وهو يمنحنا الفرصة الأخيرة لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن خرب وشعب ذليل، من براثن ساسة لصوص وعمائم لا تعرف الا الدجل واللذين لا يجيدون الا العمالة للأجنبي.

تخيلوا لو أنّ الأحزاب الشيعية والعمائم التي معها وبعد تجربة الخمسة عشرة عاماً الماضية، كانت قد حكمت منذ سنة 1991 ، تخيّلوا حالنا اليوم وكيف كنا نعيش؟ إغمضوا أعينكم وفكّروا كيف كانت ستكون حال مدارسنا ومشافينا، فكّروا بحالة الخدمات وهل كنّا نملك منها شيء وهؤلاء اللصوص على سدّة الحكم؟ كيف كانت ستكون حال دجلة والفرات اليوم؟ هل كنا نملك بقايا بنى تحتيّة؟ كم كان عدد الأيتام والأرامل؟ كم كانت نسبة البطالة ومستوى الفقر؟ كم كانت ستكون اليوم نسبة مدمني المخدرات القادمة من بلد أثير وعزيز عند الأحزاب الشيعية الحاكمة والعمائم التي معها؟ كم كانت ستكون نسبة الوعي في المجتمع والفتاح فالية والدجّالين والسحرة يمتلكون عشرات الفضائيات وتدعمهم الميليشيات المسلّحة؟ كم كانت ستكون نسبة الدعارة وبيع وشراء الفتيات لفقر وعوز؟ كم كانت ستكون نسبة تجارة بيع الأعضاء البشرية؟

العبادي الذي أمامه 800 ملف فساد لا يستعمل سلطته كرئيس أعلى سلطة تنفيذية بالبلد لمواجهة الفاسدين بها، كونه أيقونة من أيقونات الفساد في هذا البلد المبتلى بأمثاله من باقي المتحاصصين. 1800 عقار محتل تعود ملكيتها للدولة والعبادي صُم بُكم عُمي إزائها، كون من يحتلها هم رفاقه في حزبه و "رجالات" الأحزاب التي تهيمن على المشهد السياسي منذ الإحتلال لليوم. 100 ميليشيا مسلّحة في بغداد وحدها والتي إن تقاتلت فيما بينها ستحوّل بغداد الى مسلخ بشري، والعبادي يعرفها واحدة واحدة الا أنّه لا يمتلك لا الإرادة الوطنية ولا السلطة كونه جزء من نسيج المحاصصة التي جاءت به.

مئات القتلى والجرحى بإنفجار أكداس عتاد داخل بيت للعبادة، له دلالات عديدة تبدأ بعدم وجود دولة أساسا ولا تنتهي بتحويل دور العبادة وسط المناطق السكنية الآهلة بالسكان الى برك للدماء. هذا الأنفجار الهائل والمدمّر سيتكرر في أمكنة أخرى وفي أوقات قادمة، إن لم يتم إنهاء سلطة الأحزاب الدينية وميليشياتها المنفلتة والمسلحة بأسرع وقت ممكن. لنكن صريحين مع أنفسنا كشعب وبقايا قوى لا زالت تحمل شيء من الوطنية، من أننا غير قادرين على تغيير الأوضاع نحو الأحسن. فإنتفاضة شعبية واسعة أو عصيان مدني أو إضراب شامل في قطاعات العمل المختلفة والتعليم ناهيك عن الثورة، غير ممكنة في ظل غياب أحزاب سياسية قادرة على قيادة الجماهير نحو خلاصها وخلاص الوطن، علاوة على مستوى الوعي المتدني عند جماهير شعبنا وعدم شعورها بالمهانة.

أننا بلد وشعب ضعيفان ولا نستطيع مجاراة أصغر دولة إقليمية ولا نقول هنا بلدان كتركيا وإيران والسعودية، وما تدّخل هذه البلدان بشؤوننا الداخلية بشكل علني الا دلالة على ضعفنا وهواننا وعدم قدرتنا على المواجهة. فتركيا تستعد لدخول قنديل وإجتياح بلدنا عندها أمر طبيعي ونزهة، كما وتقوم بتهديد أرضنا وشعبنا بالجفاف بقطع المياه عن أنهارنا. وإيران تقطع هي الأخرى المياه عنّا وتصدر لنا الجهل والتخلف والخزعبلات والمخدرات، والميليشيات التي تأتمر بأمر ولي فقيهها لتحول بلدنا الى ساحة لتصفية حساباتها مع أطراف عدّة. حتّى الديموقراطية التي صدّعنا بها رؤوس الكثيرين على أنها ممارسة ستتجذر كلما تقدمنا بها، عادت الى المربع الأول بعد أن كانت الأنتخابات الأخيرة أسوأ انتخابات ليس بالعراق وحده بل وفي كل العالم. فما من دولة تستورد آلاف الأجهزة بمئات ملايين الدولارات لتعلن فشل هذه الأجهزة ولتعود الى الفرز اليدوي، الا العراق الفاشل نتيجة فشل ساسته وتدخل المؤسسة الدينية بشؤون الحكم. والكارثة الأكبر أو المهزلة الكبرى تكمن أن برلمان اللصوص رفض وعلى الرغم من المظاهرات سن قانون إنتخابي عادل وأصّر على سنّ قانون بمقاساته، وفرض مفوضّية أنتخابات على أساس المحاصصة، ليعود وبعد أن خسر اللصوص الكبار في الأنتخابات الى سن قانون إنتخابي بعد أنتهاء الأنتخابات، وأنهاء عمل المفوضية لفسادها!!!

أسباب خلاصنا كوطن وشعب ممّا نحن فيه أمر ليس بأيدينا، فلا معارضة وطنية قادرة على قيادة الجماهير البائسة والمحرومة والمُذَلّة والمُهانة الى شاطيء الأمان، ولا وعي لهذه الجماهير التي دجّنها الدين وجعلها تجتر الذل لتعيش فيه دوما. وهذا الأمر كان في السابق أيضا، إذ كنّا كشعب وأحزاب معارضة غير قادرين على تغيير نظام البعث الدموي حتّى جاء الأمريكان ليتولّوا مهمة إسقاطه، فهل ننتظر مرّة ثانية أن تقوم أمريكا بتغيير السلطة ببغداد بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر بإسقاط أو أضعاف سلطة الملالي في إيران؟

نعم، لنكن صادقين مع انفسنا وشجعان في قول الحقيقة، من إننا شعب غير قادر كما بقية شعوب المنطقة على أخذ زمام المبادرة لتغيير حالها بعد أن فقدنا أحزاب قادرة على طرح برامج وشعارات جريئة وواضحة كي تنتشلنا من واقعنا المأساوي من جهة، وكون الدين والعمائم قد خدّرا شعبنا بمخدر يعتبر الأفيون أمامه حليب أطفال من جهة أخرى.

هل خلاص العراق كبلد فاشل وضعيف يكمن في وضعه تحت الوصاية الأممية، مجرد سؤال؟

 

 
الدنمارك
8/6/2018



165

المدن الغبيّة والثورة

لايوجد مصطلح لليوم تحت مسمى المدن الغبيّة، لكن هناك مصطلح شائع اليوم تحت مسمى المدن الذكيّة. والمدن الذكيّة ( Smart city) ظهر للوجود بداية الألفيّة الثالثة ليعرّف وسائل التطوير وتنوعها في مدن حديثة الانشاء، أو تطوير البنى التحتية لمدن قديمة كي تواكب عملية تطور التقنية الرقمية وأثرها في التحوّل لمدن ذكيّة. والتقنية الرقمية تدخل في صلب بناء المدن الذكيّة، من النواحي الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وتوفير الخدمات من ماء وكهرباء وشبكة عنكبوتيّة وشبكات صرف صحّي وشبكات طرق سريعة وآمنة والأهم من ذلك هو تحويل سكّان هذه المدن من خلال منظمات المجتمع المدني الى (سكّان أذكياء)، ليساهم السكّان الأذكياء هؤلاء من خلال مشاركتهم في صناعة القرار دون مسؤوليتهم في إتّخاذه، أي يكون القرار من أسفل الى أعلى وهذا ما يطلق عليه النمو الذكي. وبشكل عام فلا هناك تعريف محدّد وثابت لما يُعرف بالمدن الذكيّة، والتعريف قابل للتطور والنمو نحو مفهوم الأستدامة. كان من الضروري كتابة المقدّمة القصيرة أعلاه بالأستفادة من الويكيبديا قبل الأنتقال لصلب الموضوع رغم قسوة العنوان والموضوع ، والذي هو من شقّين هما المدن الغبيّة في بلدنا العراق ومفهوم الثورة فيه.

في ظل الظروف المأساويّة التي يعيشها بلدنا وشعبنا، لا أرى هناك ضرورة مطلقا لتلطيف الكلمات والأصطلاحات ونحن نقيّم تجربة سياسية أجتماعية أقتصادية، هي من أسوأ التجارب التي مرّ بها بلد ما على مرّ التأريخ الأنساني. تجربة فاشلة وفاسدة يقودها ساسة فاشلون وفاسدون حد النخاع، نهبوا ثروات وأموال كانت كافيّة في أن تحول العراق بأكمله الى بلد ذكي وليس بعض مدنه الى مدن ذكيّة. بل على العكس فالضرورة هي أستخدامنا لأكثر المصطلحات قسوة لمحاكمة هؤلاء الساسة اللصوص من جهة، و جماهير شعبنا وهي تتحول تحت وطأة الدين الى سكان أغبياء مقارنة مع السكّان الأذكياء الذي جئنا على ذكرهم قبل قليل.

بلا شك فأنّ أطلاق مصطلح  (المدن الغبيّة) على المدن العراقيّة كافّة هو مصطلح قاس بل وقاس جدا، ولكنه حقيقي ومتكامل من الناحية النظرية والعملية. فالمدن العراقيّة تفتقد الى كل أشكال الخدمات التي توفّرها أية مدينة لقاطنيها، أو التي من المفروض أن تقدمها المدن لقاطنيها. وهنا قد يبرز رأي يقول لكن هناك الكثير من البلدان بالعالم فيها مدن تعاني نفس ما تعانيه المدن العراقيّة وهذا صحيح لحدود كبيرة، لكن هل دخلت خزائن هذه البلدان خلال الخمسة عشر سنة الماضيّة أموال تقدّر بالف مليار دولار " ترليون"!!؟؟ كما وأنّ إطلاق مصطلح سكّان أغبياء لساكني المدن الغبيّة، لا أراه مصطلح قاس بالمرّة، بل هو الأقرب الى الواقع إن لم يكن الواقع نفسه. فتظاهر العشرات مثلا إحتجاجا على الأنقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومئات الآلاف يجلسون متفرجين منتظرين حلول من السماء، هو شيء من الغباء في سكان تلك المدينة الغبيّة. وتظاهر العشرات فقط  لشحّة المياه ورداءة  نوعيتها مقابل صمت الغالبية العظمى من سكّان تلك المدن الغبيّة دلالة على غباء القسم الأعظم من ساكني تلك المدن، وهذا ما نراه اليوم تحديدا في مستوى التظاهرات والتجمعات والأعتصامات البائسة مقابل حجم الخراب الذي شمل كل شيء والأزمات التي تتناسل يوميا.   

منذ أيّام طرح أو أستخدم  بعض الساسة والكتاب والمثقفين ونتيجة للأزمنة الخانقة للكهرباء والماء آراء لم تُطرح سابقا بهذا الوضوح رغم حاجتنا الماسّة اليها لتغيير واقعنا المأساوي. فعلى سبيل المثال ونتيجة لسوء الأحوال الخدمية والمعاشية وإزدياد مساحة البطالة والفقر، طرح البعض مصطلح الأنتفاضة بأعتبارها وسيلة من وسائل النضال المشروعة في طريق تحقيق العدالة الأجتماعية وبناء دولة مدنية عصرية حديثة، وآخر طرح مفهوما أبعد من ذلك وهو الثورة، الا أنهّ عاد ليقول من أنّه لا يقصد الثورة بمفهومها المتعارف عليه!!

أنّ ما يجري ببلدنا اليوم بحاجة الى ثورة حقيقية بكل معانيها وتفاصيلها ومفاهيمها المتعارف عليها، ثورة شعبيّة عارمة تضع حدا لنظام المحاصصة وتقبره للأبد، ثورة تضع حد لسلطة رجال الدين والمؤسسة الدينيّة اللذين ساهما مساهمة فعّالة بدمار بلدنا نتيجة إحتضناهما لأكثر الأحزاب عمالة وفسادا أي الأحزاب الأسلامية. نعم، نحن بحاجة لثورة للحفاظ على ما تبقى من بلدنا وشعبنا، فلم البحث عن مصطلحات ومفاهيم تقترب منها بخجل. أنّ ما جرى ويجري بالبلد منذ الأحتلال لليوم كان كفيلا في أن تكون هناك أكثر من ثورة ضد رموز الفساد وخونة البلد. ويبقى السؤال الكبير هو من هي الجهة التي ستقود هذه الثورة؟ لتفعلها الجماهير الذكيّة اولا وهي نفسها قادرة على صناعة قادة ميدانيين، وأي كانت نتائج هذه الثورة فأنها ستكون أفضل حالا ممّا نعيشه اليوم.

زكي رضا
الدنمارك
3/6/2018 

166

اللامعقول واللامعقول في المشهد السياسي العراقي

 

العبارة الأكثر تداولا اليوم ونحن خارجون من سباق إنتخابي فاز به نفس المتسابقون السابقون أنفسهم، هي إجماع جميع الكتل السياسية التي شاركت في هذا السباق وحصلت على "ميداليات" عديدة، قولها وهي تهنيء بعضها البعض بهيمنتها لأربع سنوات عجاف قادمة من حياة شعبنا هي: "إننا منفتحون على جميع القوائم القريبة من برنامجنا "، وأنّ" العراق قائم على مكوّنات متعددة ولن يستقر إلا بأن تتمثّل كلها في الحكومة"!! وعلى "ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة أبويّة بأسرع وقت ممكن لتتمكن من تقديم الخدمات للشعب وتعبّر عن تطلعاته المشروعة وضرورة أن يكون قرار تشكيل الحكومة قراراً وطنياً وأهمية مشاركة جميع الكتل الفائزة التي تنتهج مساراً وطنياً في تشكيل الحكومة المقبلة".

دعونا نبدأ من نقطة غاية بالأهمية والتي تُعتبر المفتاح الرئيسي لفتح أبواب موصدة كثيرة في المجالات السياسية والأقتصادية والأجتماعية، وهي الوطنية التي تتعكز عليها جميع الكتل وهي تخاطب جماهير شعبنا التي عانت وتعاني من فساد وإجرام جميع الأحزاب المتنفذة والمهيمنة على المشهد السياسي منذ الإحتلال لليوم على الأقّل. وبدايتنا هي: ما معنى الوطنية في عرف هذه الأحزاب والتنظيمات، وهل يملكون شيء منها؟

ما يجري في بلدنا هو كالدولاب الذي يدور لتصل  مقاعده في حركته المستمرة الى نفس نقاط حركتها اول أمرها ميكانيكيا، والأحزاب الحاكمة في فسادها وجرائمها هي كما الاواني المستطرقة كيمياويا، ففسادها وجرائمها متساوية كتساوي السائل المتجانس في تلك الانابيب، وفي السياسة فان هذا السائل المتجانس هو فساد وخيانة واجرام الطغمة الحاكمة بالخضراء منذ الاحتلال لليوم.

المضحك المبكي في عراقنا اليوم هو، أنّ جميع الأحزاب السياسية العراقية تقريبا، تحمل راية عريضة جدا وهي الوطنية! الا أنها جميعا تخسر في الأمتار الأولى من سباق مارثون الوطنية هذا. فمنها من يخسرها لأن مدربه إيراني، والآخر يخسرها لأن مدربه سعودي، والآخر يخسرها لأن مدربّه أمريكي، لذا ترى الوطنية ومنذ الإحتلال الامريكي لبلدنا ولليوم عبارة عن تنازلات بالجملة لهذه البلدان وعلى الضد من مصالح شعبنا ووطننا. وعليه  فأنّ إنتهاج المسار الوطني من قبل هذه القوى ليس سوى زوبعة في فنجان.

إن كانت جميع القوائم منفتحة على بعضها البعض، ومستعدة لتشكيل حكومة من القوائم المتقاربة في برامجها. فلا نرى سببا مطلقا لإجراء الإنتخابات، ما دامت برامج جميع القوى السياسية والقوائم الإنتخابية تطالب بمحاربة الفساد وتجاوز الطائفية كحالة مستديمة بالحكم، علاوة على مطالبتها بدولة المواطنة التي تحترم الإنسان العراقي بغضّ النظر عن قوميته ودينه ومذهبه ومعتقده السياسي. والذي يؤكد هذا الإستنتاج هو مطالبة جميع القوائم التي تتصارع فيما بينها و لا أدري لماذا!؟ هو أهمية مشاركة جميع الكتل الفائزة ذات النهج الوطني في تشكيل الحكومة!!! وكدليل على إستمرار نهج المحاصصة المدمّر هو مطالبة إشتراك جميع المكوّنات في الحكومة!!

هناك في كل دول العالم ومجتمعاتها معقول ولا معقول ، الا في العراق فاللامعقول واللامعقول هو من يتسيد المشهد المتناقض في كل شيء فيه. فاللامعقول هو عدم اتفاق قوى الفساد على استمرار فسادها، واللامعقول هو عدم تشكيل حكومة من جميع قوى الفساد هذه، واللامعقول هو خروج الجماهير التي قاطعت الأنتخابات بالملايين الى الشوارع  دفاعا عن أسباب رفضها للانتخابات. تخيلوا معي لو خرج من قاطعوا الأنتخابات وهم بالملايين الى ساحات التحرير بالعراق بزخمهم وهمتهم التي عبروا عنها بالأنتخابات لعدة أسابيع متتالية، أو إفترشوا تلكم الساحات فهل ستكون هناك حكومة بالخضراء، وكيف سيكون ميزان القوى؟

إنّ ما يجري على المسرح السياسي البائس اليوم ونحن ننتظر ولادة "قيصريّة" لحكومة "وطنية" ليس سوى أضغاث أحلام. لقد أضعنا كل شيء وشعبنا سلبي في نضاله ، وأحزابنا الوطنية إنحنت أمام العاصفة ذات الريح السوداء. ليس لوحدها بل ومعها الجماهير التي تخرج بالعشرات والمئات من أجل توفير الخدمات أو بإعتراضها على قوانين تمس مفاهيم الدولة العلمانيّة ومطالبتها بتوفير فرص العمل والخدمات، الّا أنها تستأسد وهي تقاطع الإنتخابات بالملايين.

أيتها السيدات والسادة، كلنا مسؤولون بهذا القدر أو ذاك عمّا يواجهه وطننا وشعبنا.. كلنا مسؤولون عن كم الخراب الهائل الذي  حدث ويحدث لليوم.. كلنا مسؤولون ، لأننا لا نمتلك الإرادة الحقيقية في مواجهة اللصوص والقتلة والفاسدين.

الحكومة القادمة ستكون حكومة طبق الأصل للواتي سبقتها، والسنوات الأربع القادمة ستكون كاللواتي سبقتها أيضا. فميزان القوى لا زال يميل الى حيث القتلة والفاسدين وبياعي الوطن. فالنجاح له آباء كثر والفشل لا أب له، أمّا في وطننا فللفشل آباء بعدد الأحزاب والقوائم .

 زكي رضا
الدنمارك
22/5/2018



167
السبت القادم ستعرض بلادي للبيع من يشتري؟

السبت القادم الثاني عشر من آيار/مايس، هو التأريخ الذي سيتوجه الناخبون في بلدي فيه الى صناديق الإقتراع وهم أمام ثلاث خيارات. فأما المقاطعة، أو إختيار من لم تتلوث أياديهم بسرقة أموال شعبنا ولم يعرف الفساد اليهم طريقا، وأمّا إنتخاب اللصوص والفاسدين مرّة رابعة.

السبت القادم، ستنظر طهران الى صنايق الإقتراع ممنّية النفس في إستمرار أتباعها بالسلطة وهيمنتها من خلالهم على مقدّرات شعبنا ووطننا. وسوف تحوّل كما كل إنتخابات أمنيتها الى حقيقة، من خلال ترتيب بيتها في بيتنا عن طريق أحزابها وميليشياتها ليظل العراق ساحة خلفيّة وحائط صدّ لها وهي تواجه الصعوبات في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومحيطها الإقليمي في الخليج . وستتهيأ بعد فرز الأصوات لتشكيل الحكومة العراقيّة في حضرة وليّ الفقيه كما كل مرة، خصوصا وأن عصاباتها المسلّحة سيكون لها صوت عال في برلمان الخضراء هذه المرّة.

السبت القادم، ستنتظر الرياض نتائج الأنتخابات بعد أن قدّمت لأتباعها من أحزاب وشخصيّات كانت حتّى الأمس القريب جزء من نسيج عصابات القاعدة وداعش وأهّلتهم ليدخلوا العملية السياسية مسلّحين بدعم كامل منها و مئات ملايين الدولارات لشراء ذمم الناس. ليكون لها وهي في حالة حرب باردة مع طهران آمال بإعادة العراق الى محيطه العربي، وكأن شيعة العراق ليسوا بعرب!

السبت القادم، سيكون المحتل الامريكي ومن خلال أكبر سفارة له بالعالم في عاصمة الرشيد، قريب جدا من صنادق الإقتراع. ليقوم والطرفين الآخرين بإعادة تدوير نفس النفايات للسنوات الأربع القادمة. فالذي يهم المحتل الأمريكي، هو إستمرار تدفق النفط العراقي الرخيص لأسواقها، وإستمرار شركاتها في إستثماراتها النفطيّة. أمّا ديموقراطية الساندويج الجاهز، فما هي الا جزء من لعبة لا نجيد كعراقيين قوانينها، ولا نملك اللياقة للجري في مضاميرها. والدليل فشلنا كشعب من إنتخاب من يمثّل مصالحنا، بإستمرارنا في إنتخاب نفس اللصوص والفاسدين لنشتمهم بعد إنتخابهم مباشرة!!

السبت القادم، سيقف النخّاسون ليبيعوا ليس شعبنا فقط بل وبلدنا وتراثه وتأريخه. السبت القادم سيُعرض جلجامش للبيع ومعه عشبة الخلود، فمن يشتريه ويشتري تراثنا الأنساني وهو يجر لبؤسنا أذيال خيبتنا كبشر؟ السبت القادم، سيُباع سرجون الأكدي وقاربه المغلق بالقار، فمن يشتري سرجون ويُغرق القارب كي لا يأتي سرجون جديد؟ السبت القادم، سيُباع حمورابي ومسلّته، بعد أن أضعناه كواضع أوّل القوانين فمن يشتريه ويشتري مسلّته ويحطمّها كي نعيش كما اليوم عصر اللاقانون؟ السبت القادم، سيُباع آشور بانيبال وثوره المجنّح، فمن يشتري بانيبال لوحده كون الثور قد تم ذبحه؟ السبت القادم، سيُباع نبوخذ نُصّر وجنائنه المعلقة في بابل، فمن يشتري نبوخذ نُصّر ويفجّر جنائنه بالديناميت؟

السبت القادم، سيُباع الأمام علي في مسجد الكوفة، فمن يشتري الإمام ليفلق رأسه بسيف كسيف إبن ملجم؟ السبت القادم، سيُباع الإمام الحسين في صحراء كربلاء، فمن يشتري الإمام ليبيعه وعياله الى يزيد جديد؟ السبت القادم، سيُباع الإمام موسى الكاظم فمن يشتريه ليسممّه من جديد؟ السبت القادم، سيُباع الإمام أبا حنيفة النعمان صاحب المحنتين، فمن يشتريه ليبيعه لورثة الأمويين والعباسيين لجلده؟

السبت القادم، سيُباع الضرير بشار بن بُرد وأبي نؤاس وأبي العتّاهية ومسلم إبن الوليد وعلي بن الجهم ، فمن يشتريهم بدانق؟ السبت القادم، سيُباع الشريف الرضي وأبو الطيب المتنبي ، فمن يشتريهما بثمن بخس؟ السبت القادم، سيُباع إبن الهيثم والرازّي والخوارزمي وإبن حيّان، فمن يشتريهم مقابل بصقة من معمّم جاهل؟
السبت القادم، سيُباع هارون وغيمته والمأمون وفلسفته والبرمكي جعفر وجوده، فمن يشتري؟ السبت القادم، ستُباع المدرسة المستنصرّية والمدرسة النظاميّة ، فمن يشتريهما ليحولهما الى مسجد وحسينيّة؟

السبت القادم، ستُباع ثورة العشرين وجامع الحيدر خانة، فمن يشتريهما لنعتذر للأنكليز على ثورتنا ضدّهم؟ السبت القادم، ستُعرض للبيع وثبة كانون وإنتفاضات الحي وآل أزيرج والسليمانيّة ، فمن يشتريها ليمحوها من ذاكرة شعبنا والى الأبد؟ السبت القادم، ستُباع ملحمة كاورباغي فمن يشتريها لينهي نقابات العمّال؟ السبت القادم، ستُعرض ثورة الرابع عشر من تموز للبيع، فمن يشتريها ليقتل عبد الكريم قاسم ورفاقه في مبنى إذاعة جديد؟ السبت القادم، ستباع جدارية جواد سليم، فمن يشتريها ليهدّها على رؤوس المتظاهرين ضد الفساد؟ السبت القادم، سيُباع الرحّال وتمثال أمّي، فمن يشتري أمّي ليبيعها في سوق نخاسة الخضراء؟ السبت القادم، سيُباع الرصافي والعلم والدستور ومجلس الأمّة فهل من شارٍ؟ السبت القادم، سيُباع أبا فرات ودجلته الحبيسة عند صبي الجادرّية، فمن يشتريه ليخبره عن لساني "لن يأتي يا أبا فرات يوما عصوفاً جارفاً عرَماً وشعب الثورات خدّرته العمائم، ليرضيك عقباه ويرضيني" *

السبت القادم سيُباع المنصور وبغداد، وسيُنادي الدلال بصوت عال ... بغداد للبيع بدجلتها ومآذنها وقبابها.. من يشتري ؟ وسيتقدّم الشارون .. أنا يا طويل العمر، انا حامي سنّة العراق .. أنا رافع راية البداوة لأحوّل العراق الى صحراء بلقع. ويخرج آخر ليصيح :"من خريدارم .. من حامي شيعة آل بيت محمد هستم .. من عراق را نابود ميكنم" "انا الذي يشتري .. انا حامي شيعة آل بيت محمد . انا من سأدمّر العراق".

السبت القادم، سيقف عاشقو وطنهم ضد بيعه ودماره، وسيقف أعداءه في معسكري طهران والرياض لبيعه لهما ، وستجلس البقيّة على التل لترى إجراءات البيع. إن فاز معسكري طهران والرياض يوم السبت القادم، فكلنا مسؤولون عن ضياع بلدنا الذي لم نحافظ عليه كالرجال، ولن يفيدنا مستقبلا بكائنا إيّاه كالنساء. فلمن الغلبة؟ أقولها وكلّي ألم، من أن النصر نصيب بيّاعي الوطن، فجمهورهم بأكمله خائن لبلاده.

يأتي وقت يكون الصمت فيه خيانة "مارتين لوثر كينغ".


* بتصرف من قصيدة يا دجلة الخير للجواهري؟

زكي رضا
الدنمارك
8/5/2018


168

السيّد السيستاني على مسافة واحدة من الخوش ولد والموخوش ولد!!!

أخيرا وبعد ترقّب كبير من الشارع العراقي لآخر خطبة جمعة قبل الأنتخابات البرلمانية والتي ستجري بعد أيّام قلائل، تلك التّي شدّت اليها أبناء شعبنا التوّاقين للخلاص من فساد الطغمة الحاكمة بالخضراء من جهة، ومن أصحاب الأوهام الكبيرة من "ساسة ومثقفين" في أن يتّخذ السيّد السيستاني موقفا صريحا من الفاسدين من جهة أخرى. تمخّض جبل السيّد السيستاني الكبير عن فأر لا يُرى حتى من خلال تلسكوب هابل الفضائي، ليتبخر حلم أو أحلام من يشدّ أزره بالمؤسسات الدينية على أختلاف أديانها ومذاهبها، وأحلام من كان ينتظر منه موقفا واضحا ضد منظومة الفساد ورموزها التي جعلت شعبنا ووطننا " كعصف مأكول".

أمور عدّة تناولتها خطبة السيد السيستاني والتي ألقاها كالعادة الشيخ " عبد المهدي الكربلائي"، وبعيد عن تكرار ما قاله حول دور المرجعية في إجراء أوّل أنتخابات تشريعية بالبلد " دون ذكر تبنّيه للقوائم الطائفية الشيعية وقتها طبعا !!"، وضرورة التبادل السلمي للسلطة. فأننا نستطيع أن نشير الى صحوة ضمير في الوقت الضائع والتي لاتعني شيء سوى الضحك كما الفاسدين على ذقون فقراء شعبنا. فالسيّد السيستاني أكتشف اليوم فقط وبعد أن بحّ صوت القوى المدنيّة وغيرها ليقول: أنّ المسار الأنتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية الا مع توفر عدّة شروط منها " أن يكون القانون الأنتخابي عادلا ويرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالألتفاف عليها"!!. ماذا تقولون ايها السيد السيستاني، فهل قانون سانت ليغو 1.7 قانون عادل!؟ وإن لم يكن عادل وهو فعلا كذلك، فأين كنتم ساعة أقراره وتطبيقه؟ ولِمَ لمْ تقولوا في خطب الجمع التي تلت تبنّيه من أن القانون هذا غير عادل ولا يرعى حرمة أصوات الناخبين ويسرقها، وهل طرحها اليوم وفي هذا التوقيت تحديدا سيفيد الناخب بشيء أو سيغيّر الفاسدين القانون الأنتخابي بعد سماع خطبتكم هذه!؟ من الأمور السلبيّة التي تحسب عليكم ايها السيد السيستاني، هو حديثكم عن قانون أنتخابي ظالم بعد ثلاث دورات أنتخابية والرابعة ستجري على شاكلتها، هذه الدورات التي جعلت بلدنا كأكثر بلدان العالم فساد على مرّ التأريخ. فساد طال كل مناحي الحياة ومنها حياة المرجعيّة  والوقف الشيعي والعتبتين العباسية والحسينية، أسألوا عن مشاريع هذه الجهات ورساميلها لتعرفوا أنّ الفساد اليوم ليس ظاهرة بل وباء سيقضي على وطننا وشعبنا، أن لم يتغيّر نهج الحكم. فالأصلاح اليوم هو كأعطاء مريض بالسرطان حبّة أسبرين لذا فأنّ التغيير هو المطلوب، أي بتر العضو المسرطن وبمعنى آخر أبعاد الأحزاب الدينية الفاسدة  والمتحاصصة معها عن السلطة أو تحجيمها كي لا تلعب دور مهم في الحياة السياسيّة بالبلد ، بعد أن ترجمت وجودها على رأس السلطة منذ الإحتلال لليوم الى خراب كامل وشامل.

تطرق السيد السيستاني في جانب آخر من خطبته على ضرورة تنافس القوائم الأنتخابية على "برامج أقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيدا عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي أو المزايدات الإعلامية"!!
السيد السيستاني، هل تعني أنّ التنافس خلال دورات ثلاث بين القوى الطائفية لم يكن على أساس برامج أقتصاديّة وتعليمية وخدمية!!؟؟ يا للهول ماذا كنتم تفعلون أذن وأنتم كما يقال ، صمّام أمان هذا البلد المنكوب بحكم الأسلام السياسي وعمائمه. هل كنتم في سبات طيلة هذه المدّة من عمر الوطن، أم أنّ القريبين منكم حولّوا العراق أمام أعينكم الى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار!!؟؟ يا ويلي على العراق من حكم العمائم.

كما تطرّق السيد السيستاني في مكان آخر من خطبته الى منع " التدخل الخارجي في أمر الأنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتشديد العقوبة على ذلك"!! هنا علينا أن نتفق مع السيد السيستاني حول هذه الوصية، لكن من يحدد شكل العقوبة وشدّتها؟ هل لدينا مفّوضّية مستقلة للأنتخابات والتي نصّ على أستقلاليتها الدستور لتحاسب عملاء الدول الخارجيّة والتي يعرفها شعبنا بالأسم وتمنع أستمرارهم في السباق الأنتخابي، أم هناك قضاء مستقل ونزيه ليقدّم هؤلاء الى محاكمة عادلة؟ ولا ندري لماذا تجاوز السيد السيستاني أمر لا يقل أهمّية عن التدخل الخارجي، وهو أستخدام أجهزة الدولة في الدعاية الأنتخابية علاوة على المال السياسي المنهوب أصلا من قوت فقراء شعبنا وجياعه، أم أنّ ما وراء الأكمّة ما وراءها؟ وهل تعرف ايها السيد السيستاني أن القوى الخارجية لها قوائم ميليشياوية ستدخل البرلمان، أي سيكون لهذه الدولة أو تلك مقاعد نيابية في برلمان عليه أن يكون عراقيّا. هل تريد معرفة أسماء هذه القوائم، أم أنّك تعرفها ولاتريد البوح بها!؟

أستمر السيد السيستاني في خطبته ليقول: ومن المؤكّد أنّ الأخفاقات التي رافقت التجارب الأنتخابية الماضية- من سوء إستغلال السلطة من قبل كثير ممّن أُنتخبوا أو تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة وفشلهم في إداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياةالكريمة لأبناءه- لم تكن الا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة- ولو بدرجات متفاوتة- عند إجراء تلك الإنتخابات ، وهو ما يلاحظ – بصورة أو بأخرى- في الأنتخابات الحالية أيضا، ولكن يبقى الأمل قائما بأمكانية تصحيح مسار الحكومة وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد وأستخدام سائر الأسالبيب القانونية المتاحة لذلك". صدّقني أيها السيد السيستاني أن ما هكذا تروى الإبل. فالذّين أُنتخبوا لثلاث دورات سابقا من الذّين أساءوا إستغلال السلطة وساهموا في نشر الفساد ونهب المال العام وغيرها من المفاسد، رشّحوا أنفسهم من جديد وفي ظل قانون أنتخابي فُصّل خصيصا على مقاساتهم ليعودوا من خلاله الى السلطة التي لم تفارقهم  لليوم. لذا فأنّ أملكم بأمكانية تصحيح مسار الحكومة وإصلاح مؤسساتها بوجود هذه الوجوه الكالحة، هو ضرب من الخيال ليس الا. أمّا محاولتكم تخدير شعبنا في عدم أنتفاضته ضد واقعه المزري بمطالبتكم إيّاه " أستخدام الأساليب القانونية للتغيير"، فتعني وقوفكم الى جانب الفاسدين وإن بشكل غير مباشر لأنهم أسلاميون ليس الّا. كون إستمرار سلطة الفساد الأسلامية لأربع سنوات قادمة تعني تراجع الأمل بأي تغيير عن طريق السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا يبقى حينها أمام شعبنا الا أن ينتفض بوجه آلة الفساد الأسلامية ومن يقف ورائها.

ثالثة أثافي خطبة السيستاني هي قوله: أن المرجعيّة الدينية العليا تؤكّد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشّحين ومن كافّة القوائم الأنتخابية  .... "!! هنا سنعود الى عنوان المقالة لنقول: أمن العدل وأنتم مرجع ديني أعلى ويهمكم أمر شؤون المسلمين والعراقيين، في أن تقفوا على مسافة واحدة بين من أساؤوا إستغلال السلطة وساهموا بنشر الفساد ونهب المال العام وغيرها من الموبقات وبين غيرهم ممّن لم تتلوث أياديهم بالأمور التي أشرتم أليها؟ نقول في لهجتنا المحكيّة عن الرجل الشريف والنزيه " خوش ولد" والـ " خوش ولد" هذا كان ولايزال محل إحترام الناس وتقديرهم للخصال الحميدة التي يحملها، ونقول للحرامي والفاسد والمرتشي " مو خوش ولد" والـ " موخوش ولد هذا" كان في زمن غير زمن الطاعون الأسلامي الذي نعيشه اليوم محل إحتقار وأزدراء الناس وأبتعادهم عنهم. ولا ندري ايها السيد السيستاني كيف لكم أن تقفوا على مسافة واحدة بين " الخوش ولد" و " الموخوش ولد"، والثاني لازال يسرق وينهب ويقتل ويخون!!؟؟ هل تريدون أن نؤشر لكم على أسماء " الموخوش ولد والموخوش بنات " من الذين واللواتي نهبوا ونهبن وأفسدوا وأفسدن وأضاعوا وأضاعنّ البلد وأوصلوه الى ما عليه من ذل اليومّ،  أم انكم تعرفونهم خير منّا؟

ولأننا أستعرنا القليل من لغتنا المحكيّة الجميلة فلا نرى بأس من قول...

الإمام اللي ما يشوّر يسمّوه أبو الخرگ . 

زكي رضا
الدنمارك
5/5/2018





169
البارزاني يطالب بإستمرار نهج المحاصصة

تجربة الشعب الكوردي منذ العام 1991 ولليوم كان لها أن تنجح بأمتياز، لولا ضيق الأفق السياسي عند القيادة الكورديّة التي لم تستطع ولليوم أن تتخلص من تجربة المحاصصة والمناصفة، هذه التجربة التي وأدت أعظم فرصة للشعب الكوردي بالعراق للعيش بكرامة في ظل نظام ديموقراطي حقيقي. فبعد أندلاع المعارك بين الطرفين الرئيسين والمهيمنين على الساحة السياسية الكوردستانية أي الحزب الديموقراطي الكوردستاني والأتحاد الوطني الكوردستاني، أتّفق الطرفان على حكومة "الفيفتي فيفتي" التي قسّمت المجتمع الكوردي وعطلت التنمية وأشاعت الفساد وقتلت الديموقراطية. فسياسة "الفيفتي فيفتي" التي يعشقها قادة الأقليم وعلى الضد من مصالح الشعب الكوردي، ساهمت في نهاية المطاف وبعد أن أنحنى قادة الحزبين لأملاءات دول الجوار وسلطة بغداد وإثر معارك طاحنة بينهما، الى دخول القوات البعثيّة الى المدن الكورديّة ومنها أربيل.

سياسة "الفيفتي فيفتي" هذه ترجمها قادة الحزبين مع حلفائهم في البيت الشيعي بعد الإحتلال الأمريكي، وكجزء من خطّة أمريكية لتدمير العراق الى سياسة المحاصصة بعد أن دخل سنّة العراق كطرف ثالث من أضلاع مثلث الشيطان الذي دمّر البلاد والعباد. الا أنّ ساسة الأقليم وهم يرون فشل تجربتهم في الأقليم، لا زالوا مصرّين وبعناد على الإستمرار في نظام المحاصصة بالمركز، على الرغم من أنّ المحاصصة في المركز وهي تعتمد على الأغلبية الطائفية تمنح العرب الشيعة اليد الطولى في إدارة شؤون الدولة. وهذه اليد الطولى وهي تستلم الأوامر من بلد جار، تنفّذ أجندة ذلك البلد. لذا رأينا خلال مرحلة الإستفتاء وما جرى بعدها أنّ أكبر الخاسرين كان شعبنا الكوردي، الذي تنازل قادة الإقليم ودون حياء عن "قدس الأقداس" كما تنقل صحافتهم وأدبياتهم أي كركوك.

أنّ قادة الإقليم وعلى الرغم من التجارب العديدة التي أثبتت سوء نظام المحاصصة في إدارة الدولة، وعلى الرغم ممّا سبّبه هذا النظام من مصاعب سياسية وإقتصادية للإقليم تحديدا ولا نقول كل العراق، كون ساسة الإقليم لايهمّهم لقصر نظرهم ما يجري بالمركز. لازالوا مصرّين على أن تكون ذاكرتهم أقصر من ذاكرة سمكة في تذّكرهم لأحداث طريّة جرت نتيجة نظام المحاصصة وهيمنة الأغلبية الطائفية على مقاليد السلطة، لذا تراهم يعودون من جديد لنفس الخطاب السياسي مطالبين بإستمرار المحاصصة كنهج للحكم في بغداد وبالتالي في الإقليم بعد أن فقدت الأطراف السياسية الرئيسية هناك الثقة فيما بينها!!

في لقاء مع محطة "رووداو" قال رئيس وزراء الإقليم "نيجرفان البارزاني" في معرض ردّه على سؤال حول تركيبة الحكم بعد الإنتخابات البرلمانية المقرر اجرائها الشهر القادم "سنتوصل الى تفاهم مشترك مع بغداد بشأن الحكم والتشكيلة الحكومية المقبلة". كما شدّد على أنّ منصب رئاسة الجمهورية سيبقى للكورد ولن يغادرهم. وهو بذلك يصرّ بغرابة بالرهان على حصان خاسر، فمطالبته بمنصب رئاسة الجمهورية يعني الإستمرار بالمحاصصة من جهة، وتشبثّه بمنصب شرفي في إدارة الدولة، منصب لا يغني ولا يسمن من جوع.

على السيد البارزاني، أن يفكر بعقلية السياسي وذكاءه وذاكرته وليس بعقلية رجل العشيرة وعناده ونسيانه. عليه أن يتذكر أنّ المحاصصة تعني أغلبية عربية "شيعية – سنّية"، والتي ستكون في حالات الهدوء السياسي في البلد في كفّة واحدة. عليه أن يفكّر كرجل دولة بحل مشاكل الشعب الكوردي الإقتصاديّة والماليّة وأن يوضّح خطّة حكومته في حل مشكلة الإدخار الإجباري حينما يقول أن حكومة الإقليم "لديها خطة لإنهاء مشكلة نظام الادخار الاجباري للرواتب"، كما وعليه أن يستخدم ذكاءه وحنكته بتجاوز الخلافات السياسية بين الأطراف السياسية بالإقليم ليستعيد الجميع الثقة التي فُقِدَت بعد دخول القوات الإتحادية لكركوك دون قتال تقريبا والمآل الذي آل إليه الإستفتاء.

على حكومة الإقليم العمل على أنهاء نظام "الفيفتي فيفتي" عن طريق ترسيخ الديموقراطيّة ومحاسبة الفاسدين وعدم تقنين الحريّات بسماحها للجماهير بالمشاركة الفعلية في الحياة السياسيّة. فالديموقراطية هي السلاح الأفضل للمحافظة على ما تبقى من منجزات للشعب الكوردي أهدرها "قادته"، كما وأنها السلاح الفعّال في إنهاء نظام المحاصصة على صعيد العراق. فلتبتعد القيادة الكوردية عن محاولة ترسيخ نهج المحاصصة في البلاد، لأن ثمن المحاصصة تعني تهميش الكورد وباقي مكوّنات شعبنا وأحزابه وحركاته السياسية.
 
زكي رضا
الدنمارك
26/4/2018



170
وداعا دانا جلال .. وداعا أبن الوند

وأنا أكتب هذه السطور لا أملك الا أمنية واحدة، وهي أن يخرج اليّ دانا ليكذّب خبر رحيله الأبدي. دانا، عاشق الثورة والأنسان. دانا، المتمرد على الظلم والقهر. دانا، الباحث بين ركام الموت حيث الفاشية تدمّر كل ما هو أمامها، عن حياة أفضل للناس والوطن. دانا الثوري، نحّات آلام الناس الى مناجل تنتظر السواعد لتقطع بها رؤوس الجلادين والخونة وبيّاعي الأوطان. دانا، حلم جميل في واقع قبيح.

في طريق الحريّة الذي يفضي الى سعادة الأنسان وتحطيم قيوده وأنياره، يسير المناضلون وبيدهم الشموع لينيروا الدرب أمام الملايين المتعبة والجائعة والباحثة عن السعادة الا "دانا"، الذي أبى الا أن يكون هو الشمعة فذاب في الدرب وذاب الدرب فيه. "دانا"، لم أعرف أنّ قلبك ضعيف وسيخذلك ويخذلنا، في الوقت الذي ينتظر أطفال " روج آفا" منك الكثير، لم أعرف أن قلبك الذي إمتلأ بحبّ الناس والحقد على الطغاة، سيترك مرغما ساحة النضال الذي تمرّست فيه كمناضل لايعرف المهادنة؟ هل أتعب الصليب الذي تحمله على كاهليك قلبك الذي هو كقلب طفل يبحث عن والديه بين أنقاض حلبجة وعفرين؟ هل أتعب قلبك طفل تحتضنه  وهو بطعم الخردل والسيانيد؟ هل أتعب قلبك عجوز تاهت بين الجبال لتسقط من شدة الريح والتعب الى واد غير ذي قرار؟ سأسأل وأسأل منتظرا منك الجواب، فلا تبخل بحقّ السماء به عليّ. 

اليوم أرى نهر الوند يغصّ حزنا بماءه، ويغسل ماءه بدموعه. اليوم أرى أزّقة خانقين تتذكر ذلك الطفل الذي سيخرج منها رجلا يحمل معه أحلامه الكبيرة الى حيث النور والضياء. اليوم، ستتذكرك شوارع بغداد وأزقتّها حيث العمل السرّي. اليوم، تفتقدك جبال كوردستان وقراها. لِمَ رحيلك المبكر الذي سيفرح خونة قضاياك؟ لم الرحيل اليوم، ولا زلنا في منتصف الطريق؟

كتبت في منشور لك وأنت تتابع قضايا الناس والوطن كما هو ديدنك،  من انك ستنتخب الحزب الشيوعي العراقي، ولكنك لن تنشر صور الرفاق الا اذا تعاهدوا أن لا يكون راتبهم في البرلمان سوى مليوني دينار.. سأنقل أمنيتك هذه الى رفاقك منتظرا مثلكم تحقيقها. أيها الشيوعي الشهم والصلب. ما أروعك وأنت تحلم بوطن خال من الأضطهاد والجور والعسف، ما أروعك وأنت تحمل كل هذا الحقد المقدّس على الطغاة.

إن كان دانا قد مات حقّا، فأغسلوه بماء الوند، وكفّنوه بأوراق شجر الجوز والبلوط الكورديّة، وصلّوا عليه في روج آفا، وشيّعوه في بغداد، وأدفنوه في خانقين.

وداعا دانا .. وداعا أيها النقي .. وداعا أيها الشهم .. وداعا أيها الجسور .. وداعا أيها الشيوعي النبيل.

زكي رضا
الدنمارك
25/4/2018





171
الكورد الفيليون الشيعة والعرب الشيعة بين قانوني جهرم ورفحاء


جهرم ورفحاء معسكري إيواء يقع الأوّل منهما في إيران فيما يقع الثاني بالسعوديّة، في الأول عاش كورد فيلييون وهم من الطائفّة الشيعية فيما عاش في الثاني عرب من الطائفة الشيعية أيضا. الكورد الفيلييون تمّ تهجيرهم بمئات الآلاف بشكل منظّم وغير إنساني إبتداءا من الرابع من نيسان / أبريل 1980 حتّى العام 1992 ، بعد أن صادر النظام البعثي الفاشي أملاكهم المنقولة وغير المنقولة ووثائقهم الثبوتية وشهاداتهم الدراسيّة، وغيّب حينها ولليوم ما يقارب الستّة عشر ألف شابّة وشابّ منهم. وقد أصدر النظام البعثي حينها سلسلة قرارات غير إنسانيّة ومخالفة لكل القوانين والأعراف الدوليّة كتطليق الزوجة الكورديّة الفيليّة من زوجها العراقي غير المهجّر أو العكس، ما تسبّب بتدمير عوائل بأكملها علاوة على كون التطليق القسري هذا تسبّب مع الحروب الحمقاء للنظام والحصار القاسي على شعبنا في تدمير النسيج الإجتماعي للمجتمع بضربه أسس هذا النسيج أي العائلة المتماسكة.

الكورد الفيليّون هؤلاء وهم كما عرب الجنوب شيعة أثني عشريّة، عاشوا في مختلف المخيّمات التي أقامتها حكومة جمهورية إيران الإسلاميّة لهم في مختلف المحافظات الإيرانيّة، ويبقى (معسكري جهرم وجيرفت) الأشهر والأكثر عمرا من البقيّة. في تلك المعسكرات عاش المهجّرون الكورد الفيلييون عقوداً طويلة محرومين من حياة آدمية تليق بالبشر، وحتّى الوثيقة الممنوحة لهم من قبل السلطات الإيرانيّة كانت للتعريف فقط ولا سند قانوني لها. هناك في تلك المخيّمات ضاعت أجيال وأجيال، وهي تحلم يوما بالعودة لبلدها وتعويضها عما فقدته، ولتتعرّف على المصير الذي لحق بشبابها الذين إنقطعت أخبارهم ولليوم. هناك كان البؤس هو سيّد الموقف، وهو الذي لفّ ولا يزال يلفّ عشرات الآلاف من الكورد الفيليين المهجّرين، أو من أولئك الذين عادوا طوعا الى الوطن بعد الأحتلال الأمريكي و " أنهيار " النظام البعثي الفاشي.

لقد أستنطق الدستور العراقي في ديباجته عذابات الكورد الفيليين، وإعتبر البرلمان العراقي في قراره الرقم (18) لسنة "2011" بتأريخ 1/8/2011 ، وإستنادا الى قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا، والذي صادق عليه رئيس الجمهورية بموجب القرار رقم (6) لسنة 2012 بتأريخ 8/2/2012 ، على أنّ ما لحق بالكورد الفيليين الشيعة هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية (الجينوسايد). ويبدو ومن خلال عدم تنفيذ القرارات الصادرة وعدم وضوح آليات وطرق تنفيذها، والتمييز بين الفيليين وغيرهم من مكوّنات شعبنا وخصوصا العرب الشيعة المدلّلون في معسكر رفحاء، من أن هذه القرارات لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به أو أنّ حبرها جفّ حال كتابته كما تبخّرت عذابات الكورد الفيليين التي نصّ عليها الدستور بديباجته طائفيّة المحتوى.

الكوردي الفيلي الشيعي، لازال لليوم يدفع الرشى لإعادة أملاكه التي صادرها نظام البعث المجرم أمّا أمواله المنقولة فأنها أصبحت أثر بعد عين. الكوردي الفيلي الشيعي، لازال يبحث عن شبابه المغيّب لليوم دون أي بصيص أمل في معرفته عن طريقة إبادتهم ودفنهم. الكوردي الفيلي الشيعي ينظر الى الأحزاب الشيعية منتظرا صدور قانون "جهرم" لإنصافه، على غرار قانون "رفحاء" الذي أنصف حتى الطفل الرضيع أو الذي ولد في المخيّم وبأثر رجعي. الكوردي الفيلي الشيعي يريد معرفة مصير شبابه وإنصافهم، كما أنصف قانون "رفحاء" شباب معسكر الأرطاويّة ومنهم عدد لا بأس به من المحكومين بتهم جنائية وأخلاقية من السجناء الذين هربوا بعد الإنتفاضة الآذارية الى السعودية لينتقلوا بعدها عن طريق الصليب الأحمر الدولي الى اوربا واستراليا وأمريكا وكندا، والذين منحتهم الحكومة العراقية تعويضات سخيّة ورواتب ضخمة وبأثر رجعي بإعتبارهم سجناء سياسيين!!

أنّ سن قانون "رفحاء" لإنصاف العرب الشيعة، وعدم سن قانون "جهرم" أو "جيرفت" لإنصاف الكورد الفيليين وهم شيعة أيضا. دلالة على عنصرية الأحزاب الشيعية الحاكمة ومؤسساتها الدينية وليس طائفيتها فقط تجاه المكونات الاخرى من أبناء شعبنا. أنّ تعويض الرفحاويين بمبالغ خيالية وفتح حتى أبواب الدراسة خارج البلاد لأبنائهم، والكوردي الفيلي لازال يبحث عن حقوقه التي صودرت وأبناءه الذين غيّبوا هو وصمة عار في جبين العمائم والأحزاب والميليشيات الشيعية. كما وأنّ سكوت الكوردي الفيلي الشيعي أو هرولته وراء العمائم والأحزاب والميليشيات الشيعية، وعدم سؤاله عن سبب عدم سن قانون "جهرم" على غرار قانون "رفحاء" لأنصاف أبناء جلدته هو ذلّ ما بعده ذلّ لهذه العمائم والأحزاب والميليشيات.

الإنتخابات على الأبواب، ومنح الكوردي الفيلي صوته لأي مرشح إسلامي وإن كان كورديا فيليا سواء من خلال قائمة إسلاميّة أو من خلال الكوتا، يعتبر خيانة ما بعدها خيانة لدماء شهدائنا، خيانة لدموع أمهاتنا، خيانة لحسرات أطفالنا، خيانة لآلام آبائنا. ليسأل الفيلي وهو يقاتل في الحشد الشعبي قائده : لماذا أصدرتم قانون (رفحاء) ولم تصدروا قانون (جهرم) ؟ ليسأل عضو الحزب الشيعي أو من يؤازره وينتخبه مسؤوله الحزبي : ما هو تبريركم لمنح الرفحاويين تعويضات بمئات آلاف الدولارت وأهلي لازالوا يعانون الأمّرين، وأين قانون (جهرم) الذي يجب أن يوازي قانون (رفحاء)؟ ليسأل المؤمن الفيلي الشيعي أقرب معمم اليه : لماذا لا تطالب من على المنابر بسن قانون "جهرم" على غرار قانون "رفحاء" لإنصاف أهلي أم لأننا كورد؟

أيتها الأحزاب الشيعية الحاكمة .. أيتها الميليشيات الشيعية .. أيتها العمائم الشيعية ... لن أنتخبكم لأنني لست بخائن لدماء شهداء الكورد الفيليين من أبناء جلدتي. لن أنتخبكم لأنني لا زلت أبحث عن رفات وقبور.. لن أنتخبكم لأنني لازلت أغصّ بدموع الأطفال الخائفين وهم يسيرون لأيّام بين الجبال .. لن أنتخبكم لأنني لازلت أبحث عن "چرغد" أمّي الذي عبثت به الرياح في العراء حيث نامت من تعب المسير .. لن أنتخبكم لأنني لازلت أبحث عن صور أهلي التي تبخّرت كما أجساد شابّاتنا وشبابنا .. لن أنتخبكم لأنني كوردي فيلي ذو كرامة ولينتخبكم من لا كرامة له .. لن أنتخبكم لأنكم عنصريّون.

المجد وأكاليل الغار للشهيد الكوردي الفيلي في ذكرى يوم إستشهاده.
لنورث أطفالنا والأجيال القادمة ذكرى فضاعات الهولوكست الكوردي الفيلي، ولنجعل هذه الذكرى عصّية على النسيان الى الأبد.
الخزي والعار لبعثيي الأمس واليوم من الحكّام العنصريين والطائفّيين المجرمين.

زكي رضا
الدنمارك
6/4/2018


172
31 آذار و (پ. ب. راي) وذيوله

           
يتعرض الحزب الشيوعي العراقي اليوم وهو يحتفل بعيد تأسيسه الرابع والثمانون الى هجمة منظّمة وواسعة النطاق وهي ليست بجديدة عليه، فالحزب كان كما اليوم يتعرّض دوما لمثل هذه الهجمات ومن مختلف الأنظمة الحاكمة. خصوصا في المنعطفات السياسية الحادّة، من تلك التي مرّ ويمرّ بها شعبنا ووطننا اليوم. فالتحضير لضرب شعبنا ووطننا، يبدأ بحملة واسعة النطاق ضد الشيوعيين وحزبهم. والعمل على مصادرة الحرّيات وقمع الجماهير، يبدأ بحملة واسعة النطاق ضد الحزب الشيوعي العراقي. الدخول في أحلاف مذلّة وعلى الضد من مصالح شعبنا وشعوب المنطقة، تبدئان بحملة واسعة النطاق ضد الحزب الشيوعي العراقي. توريط البلاد في حروب مدمّرة، تبدأ بحملة واسعة النطاق ضد الحزب الشيوعي العراقي. حتّى في المعارضة، فأنّ فتح قنوات إتّصال مع السلطات تبدأ هي الأخرى بحملة واسعة النطاق ضد الحزب الشيوعي العراقي

لم يكن الحزب وهو يناضل من أجل غد أفضل لشعبنا ووطننا، بعيداً عن بال المخابرات البريطانية لتحجيمه وإقصاءه عن دوره الريّادي والفاعل بالحركة الوطنية العراقية. فالحزب الشيوعي العراقي أثبت ومن خلال التأريخ السياسي العراقي الحديث، من أنه ولليوم الحزب الوحيد بالعراق الذي لم تكن له إرتباطات بأيّة جهات دولية وإقليمية وكان "الشيوعيون، مع تمسكهم بالأممية، يؤكدّون حبّهم لبلدهم وشعبهم. وكان الولاءان لا يتعارضان - في رأيهم - إلا في المظاهر، وإذا ما فهمت الأممية كما يجب فأنّها تعمّق المشاعر الوطنية" "1". وقد كتب رئيس الشرطة السياسية بالعراق "بهجت العطّية" بتأريخ 12 آذار 1946 "بالرغم من الإعتقاد السائد بأنّ المفوضّية الروسيّة والعملاء الروس يوجّهون النشاط الشيوعي في هذا البلد، فإننا لم نتمكن حتى الان من إكتشاف ما يدّل على هذا أو حتّى يوجد أرضيّة للشك" "2". ولكي نصل الى نتيجة نهائية حول عدم إرتباط الحزب بأيّة جهة إقليمية أو دوليّة، علينا الرجوع الى إعتقال الرفيق الخالد "فهد" في 18 كانون الثاني 1947 والذي أجاب المحققين بعد سؤاله عن علاقته بالسوفييت، إذ "نفى بشكل قاطع أن يكون للحزب - الشيوعي العراقي - أية علاقات تنظيمية مع أحزاب شيوعية أخرى أو أي إتصال مهما كان نوعه مع دول أجنبية" و "كرر فهد نفيه أمام محكمة بغداد الجزائية العليا يوم 23 حزيران 1947" "3"

لقد إنطلق تفكير الضبّاط السياسيين البريطانيين بالعراق في محاربة الحزب في تركيزهم على ثلاث نقاط أساسية، بلورها ضابط الإستخبارات الملحق بالقوّات الجويّة الملكية البريطانية "پ. ب. راي" وهنّ (ضرورة إقامة إرتباط وثيق جدا بين قوّات الشرطة في العراق ومثيلاتها في بلدان مجاورة)، ليضيف (كل ضبّاط الشرطة ومهما كان البلد الذي ينتمون اليه، إخوة في السلاح ضد عدو مشترك ويجب الا تفصل بينهم حواجز عقائدية أو قوميّة أو مصالح أنانيّة) "4"، وقد أثبتت فكرته نجاحها في شباط 1963 حينما وقفت الأجهزة الأمنية للدول الإقليمية مع القتلة والمجرمين لتنّكل بالشيوعيين العراقيين.

النقطة الثانية كانت تعليقا لـ "راي" على مذكرة سرّية لـ "بهجت العطّية" يقول فيها "سيكون من المفيد، لمواجهة التنظيم الشيوعي القائم، إقامة حزب شيوعي منافس تكون له صحيفته السرّية الخاصّة به .. ويُسّير العملاء هذا الحزب بموجب خطوط محددة وبطريقة تخفي طبيعته الحقيقية ...." وكان تعليق "راي" هو "أنّه مشروع ممتاز، ولكن من الصعب جدا جدا أن يعمل. وإستنادا الى خبرة مكتسبة في مكان آخر - يبدو أنه إيران -، فإن الأفضل هو عدم المحاولة الا اذا كنا متأكدين تماما من إمكانية الإبقاء على طبيعته الحقيقية سرّا" "5". ولم ينجح مشروع "راي" في العهد الملكي ولا في غيره من العهود، الا محاولة النظام الجمهوري الاول والتي ماتت في مهدها. وليبقى الحزب عصيا على معاول الهدم التي حملها كل الطغاة بالعراق "فالحزب الذي شاده فهد لم تستطع لليوم ولن تستطيع هدمه قرد".

النقطة الثالثة، كانت النقطة الأهّم والمفصليّة في خطط "راي" حينما كتب رسالة مؤرخة في 20 نيسان 1949 موجّة الى مدير الشرطة السرّية العراقية يقول فيها "لن تُقتلع الشيوعية من جذورها بما يمكن أن نسّميه - الطرق البوليسية وحدها - .. ولن تفعل قوّات الأمن، من عندها، الا القليل لإجتثاث الشيوعية ولن تستطيع أكثر من المراقبة وأنتظار نموها، ثم تطبيق إجراءات تصحيحية" "6" ومن هذه الطرق التصحيحية هي إستغلال العامل الديني.

اليوم ونحن نحتفل بعيد تأسيس الحزب الرابع والثمانين وبعد عقود على فشل "راي" ومعه أجهزة إستخبارات بلاده، وعملائهم المحليين في إنهاء أسطورته. وفي خضّم الأحداث الجسام التي يمر بها وطننا وشعبنا، خرج ويخرج علينا المئات من أمثال "راي" فكرا وممارسة للنيل من الحزب ومواقفه. فأن يكون "راي" ومعه كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم بلدنا تقف بالمرصاد للشيوعيين وحزبهم وهم يخوضون نضالا بلا كلل من أجل شعبهم ووطنهم، أمر يجب علينا قبوله. وأن يقف رجال دين وأحزاب إسلاميّة ضد الحزب وهو يناضل لأنهاء نظام المحاصصة الفاسد، ويشّهروا به من خلال الإعلام أو من على بعض المنابر هو مدعاة فخر للشيوعيين وحزبهم، ودلالة على مأزق هؤلاء وعودتهم من جديد لخطاب شرّعه معلمهم "راي". وأن يخوض رفيقات ورفاق الحزب صراعا فكريّا حول رسم خارطة الحزب السياسية وتحالفاته الإنتخابيّة، ليس بأمر مقبول فقط بل وضروري كونه يدفع العقل الجماعي للحزب للعمل بمبدأ الحوار الخلّاق. لنقف كشيوعيين اليوم ونحن نحتفل بالميلاد المجيد لحزبنا، ضد أتباع "راي" وحملة أفكاره من الذين يريدون إستمرار مبدأ المحاصصة الطائفية القومية كوسيلة للحكم. علينا أن نرص صفوفنا متسلّحين بإرادتنا وتأريخ حزبنا النضالي ودماء شهدائنا البررة، لنكون في مقدّمة الجماهير لخلاص وطننا وشعبنا من المصاعب التي تحيط بهما.

لكل عيد هلال ... الا عيدك فهو يزداد كل عيد هلال. في هذه الليلة سأفرح لوحدي وغدا بين رفيقاتي ورفاقي. متذكرّا الحزب وهو يقود إضرابات العمال والفلاحين .. ويحتفل، متذكرا إيّاه وهو يحول السجون الى مدارس للوطنية ..ويحتفل، متذكرا إيّاه وهو يحمل السلاح في الجبل والهور من أجل غد أجمل لشعبنا ووطننا .. ويحتفل. متذكّرا آخر إحتفال بيوم تأسيسه ببغداد وكان مشيا لساعات في شوارع وأزّقة عرفها الشيوعيون وعرفتهم كأبناء بررة لشعبهم ووطنهم .. وأحتفلت.

مجدا للحزب بذكرى تأسيسه الرابعة والثمانين.
مجدا لشهداء الحزب وهو يزّينون سماوات الوطن من أجل غد أجمل وأبهى لشعبنا ووطننا.
الظفر للحزب وهو يخوض معارك شرسة ضد الرجعيين والموتورين.
أربعة وثمانون قبلة على جبين رفيقاتي ورفاقي وهم يحتفلون بذكرى الميلاد المجيد.
أربعة وثمانون باقة ورد حمراء على قبور شهدائنا البررة.


"1" العراق ، الكتاب الثاني – حنا بطاطو ص 234
"2" نفس المصدر 235
"3" نفس المصدر ص 235
"4" نفس المصدر ص 233
"5" نفس المصدر 265
"6" نفس المصدر ص 361



زكي رضا
الدنمارك
عشية الواحد والثلاثين من آذار 2018
 
 
 
 
 
 

 


 



 

 



173
نفس العضّة ونفس الدكتور

"نفس العضّة ونفس الدكتور" جملة قالها الفنان المبدع الراحل سليم البصري "حجي راضي" في السلسلة التلفزيونية الخالدة " تحت موس الحلّاق"، بعد عودة حمّودي الحارثي "عبوسي" من سفرته العلاجية لأورپا دون أي تحسّن لمرضه العقلي. ويبدو إننا بالعراق متأثرين جدا بهذه الجملة، حتى أصبحنا نطبقّها في عالم السياسة من دون ذكر المصدر الرئيسي طبعا، كون ساستنا على مختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم يكرهون التقليد كره العمى!!

من خلال متابعتي للتظاهرات المطلبية في كوردستان العراق، وبعد توضيح حكومة إقليم كوردستان عن طريق السيد "ديندار زيباري" حول التظاهرات التي شهدها الإقليم مؤخرا، وإلقاء القبض على عدد من الناشطين من قبل الأجهزة الأمنية. تذّكرت الناطقين بإسم الحكومة المركزية ببغداد وهي ترد على إعتقالها وتغييبها للعديد من الناشطين خلال التظاهرات التي لازالت لليوم تجري في مختلف المحافظات. أقول تذّكرتها: كون المبرّرات التي جاء بها السيد "زيباري" متطابقة تماما مع تبريرات الناطقين بإسم حكومة المركز "فوله وأنقسمت نصّين" كما يقول المثل المصري.

قال السيد "زيباري" في بيان له اليوم "انه وفق قانون تنظيم التظاهرات، فان تلك الممارسة حق طبيعي كفله الدستور للمواطنين لذا فان أي تظاهرة في إقليم كوردستان تحتاج الى الحصول على موافقة". والسبب من الحصول على الموافقة هو "توفير الحماية اللازمة للمتظاهرين". وحول تنظيم التظاهرات المطلبية هذه قال السيد "زيباري بما معناه" أن المعتقلين حاولوا إستفزاز الأجهزة الأمنية، لا بل تعدّوا على عنصر من جهاز الشرطة بالأسلحة البيضاء، وأنّ الذين ضربوه مرتبطون بجهات سياسية معروفة.

أنّ ما قاله السيد "زيباري" هو تحديدا ما قاله مسؤولو المركز حول التظاهرات المطلبيّة للجماهير، الذين يؤكدون بدورهم كما السيد "زيباري" أنّ التظاهرات حق طبيعي كفله الدستور، لذا فأنّ أية تظاهرة في بغداد وغيرها من المحافظات بحاجة الى موافقات أصولية من وزارة الداخلية. وسبب الموافقة هذه، هي توفير الحماية للمتظاهرين!! كما وأن مسؤولو المركز كما زملائهم في الإقليم، يؤكدّون على إرتباط المتظاهرين بجهات سياسية لها أجندة، وأحيانا جهات إقليمية أيضا. كما وأنهم كانوا يحمّلون المتظاهرين، الإعتداء على عناصر الأجهزة الأمنيّة.

أقترح من خلال بيان السيد زيباري وبيانات حكومة بغداد حول التظاهر، جملة إقتراحات سيكون من شأنها حماية المتظاهرين ورجال الأمن كما يريد السيد زيباري وغيره في بغداد. وستكون الإقتراحات هذه بنفس الوقت في صالح حكومتي بغداد وأربيل للإستمرار بفسادهما وسرقاتهما للمال العام. وهي: منح موافقات مفتوحة للتظاهر على أن تكون التظاهرات على بعد لا يقل عن عشرة كيلومترات عن محيط المدن والبلدات التي ستجري فيها التظاهرات، وحينها تؤمن السلطات الحماية للمتظاهرين بسهولة كاملة. كما وعلى المتظاهرين إثبات عدم تنفيذهم لأجندات أحزاب ودول إقليمية معروفة، أما كيف يستطيعون ذلك فالأمر منوط برمّته لهم. وعلى المتظاهرين عدم رفع شعارات مطلبية كتحسين الخدمات وصرف الرواتب وتوفير الأمن، لأن الشعارات هذه تعني وجود أجندات خارجّية هدفها النيل من الحكومتين اللتان وفّرتا كل سبل العيش الكريم لشعبيهما. على المتظاهرين التظاهر بملابسهم الداخلية، كي يثبتوا للسلطات الأمنيّة من أنّهم لا يحملون أسلحة باردة. ومن المستحسن صدور كتاب رسمي من وزارتي داخلية الإقليم والمركز، تطالب المتظاهرين بشهادة حسن سير وسلوك.

السيد ديندار زيباري، أقترح عليكم مشاهدة سلسلة "تحت موس الحلّاق"، لتعرف أنّ تبريراتكم وحكومة بغداد، عبارة عن نفس العضّة ونفس الدكتور. أمّا من هو هذا الدكتور؟ فجوابه يعرفه كل مواطن عراقي وكوردستاني عانى ويعاني منذ الإحتلال لليوم، من فسادكم وسرقاتكم للمال العام. لتصرف حكومتك رواتب موظّفي الإقليم المتأخرة، قبل أن تعتقل الناشطين وتتهمهم بتهم تضحك الثكلى. أمّا العضّة فهو بقائكم بالسلطة رغم فشلكم.

ئاڤاكرن زه‌حمه‌ته‌ ، به‌لێ خراكرن ساناهى یه‌ "البناء صعب اما الهدم فسهل" ..... مثل كوردي

زكي رضا
الدنمارك
28/3/2018
 
 
 
 



174


خمسة عشر عاما على الأحتلال ... وعود ونتائج وآمال


ليس هناك عراقي وطنّي واحد بهذا البلد المستباح يستطيع أن يجد عذرا للنظام البعثي الفاشي وزعيمه الساديّ (صدام حسين) وهما يضعان بلدنا نتيجة إجرامهما بحقّ شعبنا وجيرانه في قلب العاصفة، كما وليس هناك عراقي وطني واحد يستطيع أن يجد عذرا للنظام الفاسد الذي خلفه بالحكم من أنّه وسّع مجال العاصفة وشدّتها كي تلتهم كل شيء. هذه العاصفة التي بدأها المحتل الأمريكي من خلال خطبة الرئيس الامريكي (بوش) الإبن في السابع عشر من آذار 2003 ، حينما قال وهو يخاطب شعبنا "عراقيّون كثر يستطيعون سماعي هذا المساء، عبر بثّ معرّب، ولدي رسالة لهم: عندما سنبدأ حملتنا العسكرية، ستكون موجّهة ضد الرجال الذّين لا دين لهم ولا شرع لديهم، وليس ضدّكم". وأستمر في خطابه يقول "عندما ستضع قواتنا المتحالفة نهاية لنظامهم، سنقدّم لكم الطعام والدواء اللذين تحتاجون إليهما. سندمّر آلة الإرهاب، ونساعدكم على بناء عراق جديد مزدهر وحر". وأستمر بوش الإبن في خطابه ذلك المساء ليصل الى النقطة المهمة فيه والتي إندلعت الحرب بسببها حينما قال موجها كلامه الى المدنيين والعسكريين العراقيين "يجب على كل المدنيين والعسكريين الإستماع جيدا الى هذا التحذير: خلال القتال يتوقف مصيركم على أفعالكم، لا تدمروا آبار البترول، فهي ثروة تعود للشعب العراقي"!!

لقد سمع الكثير من العراقيين خطاب "المحرر" بوش ذلك المساء الآذاري، سمعه كل الجياع والمرضى نتيجة الحصار الظالم على شعبنا وقته. سمعه كل المتضررين من نظام القسوة البعثي، سمعه الفقراء والمعوزين والمحرومين. سمعه شعب عاش حياة العبيد تحت ظل سلطة القرية، وأنتظر ليرى نتيجة الهجوم على بلاده دون أن يقاوم نتيجة الكره الذي زرعه النظام فيه تجاهه. آملا برحيل الطغاة وليلهم، وحالماً بنهار عراقي جديد مزدهر وحر ذلك الذي بشّرهم به "بوش" الأبن، هذا الذي جاءنا محررا لا فاتحا كما الجنرال مود!! وما هي الا أسابيع قليلة، وبعد أن عاد العراق الى ما قبل الثورة الصناعية بعد هذا الخطاب نتيجة الدمار الكبير الذي خلّفه "المحرر"، وإذا بـ "الرجال" الذين لا دين ولا شرع لديهم يرحلون بملابسهم الداخلية، وليلقى القبض بعدها بشهور على زعيمهم كالجرذ في قبو حقير يليق به وبحزبه. لكن المفاجأة كانت هو قدوم "رجال" لهم دين وشرع وعمائم ولكن بلا ضمير ولا شرف ولا ولاء للوطن ليجلسوا على دست الحكم بأمر من البيت الأبيض. وليفعل هؤلاء المتدينين وأصحاب الشرع والعمائم بالعراق والعراقيين ما لم تفعله سلطة بشعبها على مرّ التأريخ، وبدلا من تقديم الدواء والغذاء لشعبنا كما وعدنا "المحرر" الأمريكي فأننا نرى أطفالنا ونسائنا يعتاشون على المزابل ولا يملكون ثمن الدواء. فقد تبخّرت عهد هؤلاء المؤمنين البطاقة التموينية، وأنهار القطاع الصحي لتتحول المستشفيات الى مسالخ بشرية ولينتشر الفقر رغم مداخيل النفط الهائلة بين قطاعات واسعة من المجتمع. وليخرج الإرهاب من عقاله، فبعد أن كان الإرهاب إرهاب دولة. تحوّل الى ارهاب منظمات كالقاعدة وداعش والعشرات من الميليشيات الشيعية والسنية التي ساهمت بقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين من أبرياء شعبنا. وليصبح العراق الجديد عراقا مدمرا وأسيرا لأملاءات الدول الأقليمية التي جعلته ساحة لتصفية حسابتها فيه، وليتبخر العراق الجديد والمزدهر والحر الذي بشّر به بوش شعبنا كما تبخّر كل شيء في وطننا. الأمر الوحيد الذي تحقق هو التحذير الأمريكي بعدم حرق آبار النفط "وزارة النفط العراقية هي الوحيدة التي لم يهاجمها الرعاع أثناء الاحتلال"، لكن ليس بسبب كونها ثروة تعود للشعب العراقي كما جاء في خطاب "بوش" بل لكونها ثروة للشركات الأمريكية والمتعددة الجنسية. هذا النفط أصبح عامل أفقار لشعبنا، كونه لم يساهم بأعادة تعمير البلاد ولا توفير فرص عمل لأبناءه، هذا النفط تقاسمته تلك الشركات والأحزاب الشيعوسني كوردية الحاكمة التي وضعت أرباحه في مصارف العالم المختلفة.

لقد ترجم المحتل الأمريكي وعوده تلك الى خراب كامل وشامل طال كل مفاصل الحياة، وبدّل بعد أن دكّت طائراته أرضنا دكّا لص بلصوص، وعصابة بعصابات، ومجرم بمجرمين. لقد جاء لنا بقطاره بعد أن أنزل سائقه منه، سائقون جدد لازالوا غير قادرين على تحريك قاطرة الوطن سنتيمترا واحدا للأمام، لكنهم قادرون وأثبتوا خلال خمسة عشر عاما من أنهم مهرة في إعادة قاطرة شعبنا للخلف وبسرعة مذهلة. علينا اليوم ونحن نعاني الهزيمة الفكرية والثقافية، وما نتج عنهما من أنهيار كامل للمنظومة الأخلاقية المجتمعية والتي هي شريك بالجريمة بحق وطننا وأجيالنا القادمة. أن نتحدث بصوت عال وواضح، فعهد المجاملة الضار عليه أن ينتهي، كون إستمراره تحت أي مسمى كان يعني إستمرار الجريمة وضياع سنوات أخرى من عمر وطننا وشعبنا. على المثقف العراقي إن كان يرى الخراب الواضح للعيان في بلده ومجتمعه، أن يعيد التفكير بكل المسّلمات التي أنطلق منها منذ الإحتلال لليوم على الأقل بإصطفافه لتلك الجهة الطائفية أو القومية أو الحزبية أو من خلال كفره بكل ما جرى بعد الإحتلال وغيابه عن التأثير فيه. على المثقف اليوم أن يشهر سلاحه بوجه الفساد الذي هو أكثر خطرا من الأرهاب بل وحتى من داعش، من خلال إعادة جمع أوراقه المبعثرة ورزمها ووضعها في ملف أسمه العراق.

أن يقف "المثقف" الإسلامي الى جانب الفساد والفاسدين ويروّج لهم والأنتخابات على الأبواب أمر ممكن قبوله وتصديقه كونه "هذا المثقف" جزء من آلة الفساد، ويثقف الجمهور الطائفي على قبولهم الطبقة السياسية الفاسدة لأسباب طائفية لا علاقة لها بالوطن والشعب بعد أن تنازل هذا المثقف عن شعبه لصالح طائفته. وأن يقف "المثقف" "القومي" هو الآخر الى جانب الفساد والفاسدين ويروّج لهم والأنتخابات على الأبواب منطلقا من نفس الأسباب هو أمر مفهوم أيضا. لكن الكارثة هي أن يقف المثقف ذو الحس الوطني والداعي الى التغيير الى جانبهم، ويثّقف بإتجاه إستمرار الفساد والفاسدين بهيمنتهم على مقاليد الحكم. أنّ المثقف الذي يدعو الى مقاطعة الأنتخابات، هو في نفس خندق "زملاءه" من "مثقفي" تلك الأحزاب وإن إدّعى غير ذلك. لأنّ الأنتخابات ستجري إن قبل هذا المثقف تنظيمها أم لا، ستجري لأن هذا المثقف لا يمتلك السلاح الذي يستطيع من خلاله تغيير اللوحة السياسية.

تعالوا نُهْزِم عقولهم الطائفيّة والقومية من خلال شحن الوعي في عقول شعبنا ودفعهم الى إنتخاب القوى والشخصيات اليسارية والعلمانية والمدنية الديموقراطية، تعالوا نُهْزِم سائقي القطار الأمريكي ورعاتهم في معركتنا والتي ليست قصيرة ولا سهلة. تعالوا ننتصر لشعبنا ووطننا، ولنجلس بعد الإنتخابات لنحاسب بعضنا بعضا. لأن خلافاتنا اليوم هي مصدر قوّة لخصومنا الفاسدين، ومصدر إحباط لجماهير شعبنا...


زكي رضا
الدنمارك
23/3/2018
 
 
 
 
 
 

 


 

175

نوروز بلون الدم وطعم العلقم

كل عام وأنتم بخير، كنت أنتظر أن أقولها لعائلتي وأهلي وأصدقائي ونحن نحتفل بالعيد. كنت أود أن أقولها للجبال وهي ترقص على ألسنة لهب النيران التي تعانق سماء كوردستان. كنت أنتظر حفلة ما لأدبك فيها فرحا على أنغام الناي والبزق والشمشال والجوزله وصوت الطبل. كنت أوّد مشاركة الرعاة والفلاحين البسطاء فرحتهم بقدوم النوروز، كنت أود أن أجلس الى شيخ كوردي ذو صوت شجي ليغنّي لي أغنيّة عن ملحمة كورديّة، كنت أوّد أن تغنّي لي فتاة كورديّة طور "هيران" وأحزان الفراق والحب الذي لا يتحقق. كنت أنتظر أن أرى أطفال كوردستان وهم فرحون بملابس العيد، كنت أنتظر أن أرى فتيات كوردستان الجميلات بملابسهنّ الزاهية وهن يرقصن جذلات حول حلقات النار وينظرن الى عيون الشباب ليلتقوا بالغد عند نبع نسي الطغاة تجفيفه. فإذا بعفرين تبدد كل أحلامي بل حوّلتها الى كوابيس مرعبة.

هل لي أن أقول "نورزتان پيروز" والرايّة العثمانية القذرة تدنس مزارع الزيتون في عفرين؟ كيف سأقول لعائلتي "نورزتان پيروز" وألسنة اللهب تتراقص في بيوت وحقول عفرين بدلا عن رقص الجبال على شرارات نيران نوروز؟ هل لي أن أدبك وصوت المدافع وأزيز الطائرات تمزقان سماء عفرين بدلا عن البزق والشمشال والجوزله؟ هل لي أن أقول "نورزتان پيروز" للرعاة والفلاحين البسطاء وهم يتركون أرضهم في عفرين ليتجهوا نحو المجهول؟ هل لي أن أقول "نورزتان پيروز" لأطفال ممزقي الملابس في عفرين؟ هل لي أن أقول "نورزتان پيروز" لفتيات عفرين وهنّ يتواعدن مع أحلامهّن عند المقابر فيها ؟

"نورزتان پيروز" سأقولها لذلك الشيخ الكوردي وهو يزرع فينا نحن الكورد الذين يعادينا كل العالم المتمدن وغير المتمدن أسطورة المقاومة، سأقولها له كونه يذكّرنا بملاحمنا ضد آلات الدمار الفاشّية في مختلف أجزاء كوردستان وفي أزمنة مختلفة.

"نورزتان پيروز" سأقولها لتلك الفتاة الكوردية وهي تغنّي طور "هيران" لأقول لها، إستمرّي بالغناء حتّى يحين وقت اللقاء ووقت الحب وهو قادم لا محالة. "نورزتان پيروز" سأقولها لكل بيت في عفرين، سأقولها لكل مدرسة في عفرين، سأقولها لكل مبنى ولكل حقل ولكل مأذنة. سأقولها للخنادق والسواتر، سأقولها للبنادق وهي تقاوم، سأقولها للأجساد وهي تسقط بنيران الحقد الهمجي. "نورزتان پيروز" سأقولها لجبال ومياه وسماء عفرين التي لوّنها الغزاة بلون الدم، سأقولها لأشجار الزيتون المقدّسة التي أصبحت من أثر النيران بطعم العلقم.

أيّها الكورد البسطاء في كل أجزاء كوردستان، عذرا فلا أستطيع العام هذا أن أقول لكم "نورزتان پيروز"، لكنني سأقولها للساسة الكورد الذي باعوا قضيتكم وهم يقبّلون يد السلطان. سأقولها لهم لأنهم يحتفلون يوميا بالعيد، كون اللصوص يحتفلون بسرقاتهم كل يوم.


زكي رضا
الدنمارك
نوروز 2018
 


176

طاعون فساد الإسلام السياسي سيلتهم ما تبقى من العراق


يمتاز العراق اليوم كونه من أكثر بلدان الشرق الأوسط على الأقّل تخلّفا وإنحطاطا على مختلف الصعد، وأنّ تحديد سقف زمني لتجاوز حالتي التخلف والإنحطاط هاتين والبدء بعملية البناء تحت حكم الأحزاب الأسلامية يعتبر أمر غاية بالصعوبة إن لم يكن أشبه بالمستحيل. كون هذه الأحزاب "شيعة وسنّة" ومعهم الطرف الثالث "الكوردي" أثبتوا خلال السنوات الخمسة عشر الماضية من أنهم وباء ضرب البلد، وإستمرارهم لسنوات قادمة على رأس السلطة وعلى نفس النهج سيحول هذا الوباء الى كارثة كبرى ستدفع الأجيال العراقية القادمة ثمنها باهضا جراءه. لذا فأن العمل الدؤوب والنضال المستمر لتغيير المعادلة السياسية بالبلد، يعتبر واجبا ملحّا أمام كل القوى الوطنية العراقية الديموقراطيّة المخلصة للعراق وشعبه.

إنّ الصراع بين الطرفين ليس صراعا سهلا، بل على العكس فأنه صراع غاية بالصعوبة والتعقيد كونه صراع وجود. وأن إنهاء هذا الصراع لن يتم بالسلاسة التي نتوقعها أو نحلم بها، فضعف الدولة مقارنة بقوة الميليشيات والعشائر وإمتلاكهما لمختلف أشكال الأسلحة يجعل السلم الأهلي في خطر كبير أثناء الأنعطافات الحادّة والتي ستأتي بلا شك. إنّ القوى المهيمنة على السلطة لها نقاط قوّة كثيرة وليست على أستعداد للتخلي عنها "السلطة" حتى من خلال صناديق الإقتراع لأسباب داخلية وإقليمية والأخيرة هي الأهّم عندها، كما أنّ للقوى الوطنية نقاط قوّة لم تُستَغل بعد نتيجة عدم إتفاقها لليوم على برنامج إنقاذ وطني واسع هدفه المعلن والعلني هو أنهاء سيطرة الإسلام السياسي على مقدرات البلد. نقول علني، لأنّهم بحاجة الى سياسة واضحة وجريئة لأستقطاب الملايين التي باتت بعيدة عن التأثير باللوحة السياسية نتيجة خيبة أملها بالقوى الوطنية وضبابية شعاراتها وعدم جرأتها في مواجهة الغول الإسلامي الفاسد. إن كانت لدى القوى الإسلاميّة مجموعات ضغط مع هيمنتها الكاملة على عتلات آلة الدمار من خلال إستغلالها لنقاط عدّة سنتناولها بعد قليل، فأنّ للقوى الوطنية الديموقراطية، مجموعة ضغط هائلة وقادرة على قلب موازين القوى وهي الجماهير التي حطم الإسلام السياسي مستقبلها ومستقبل أجيالها لعقود قد تطول.

تعتبر المؤسسة الدينية وفي غياب شبه كامل للوعي عند الجماهير مركز القوة الأرأس للقوى الطائفية الشيعية، والمسؤولة الأولى عن الخراب الكبير الذي لحق بالبلد. فهذه المؤسسة الطفيلية أخذت على عاتقها ومنذ اليوم الأوّل للإحتلال تسويق أسوأ ساسة عرفهم العراق طيلة تأريخه الحديث، وساهمت من خلال ضغطها في كتابة دستور طائفي سبّب ويسبّب للبلد مشاكل لا حصر لها. هذه المؤسسة اليوم وعلى الرغم من محاولة إظهار براغميتها الا أنها تبقى راعية للفساد كون الأحزاب والميليشيات التي رعتها منذ اليوم الأوّل أصبحت اليوم أخطبوط يمدّ أذرعه في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، هذا إن كان لدينا بالعراق الإسلامي مؤسسات مستقلة أصلا.

لقد ساهمت المؤسسة الدينية ومن خلال فتوى الجهاد الكفائي "التي يجب أن تنتهي بإنتهاء أسباب إطلاقها فقهيا" في منح الميليشيات المسلّحة على الضد من الدستور الذي ينصّ على حظر "تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة"، صفة رسمية. فالمؤسسة الدينية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة من جهة الا أنها وبمفارقة غريبة ومقصودة تطالب بالأبقاء والمحافظة على الحشد الشعبي أي الإبقاء على الميليشيات المسلّحة من جهة ثانية!! علما من أنّ الحشد الشعبي تأسس بعد فتوى الجهاد الكفائي من قبل متطوّعين لبّوا فتوى السيستاني ومن ميليشيات كانت موجود أساسا قبل الفتوى، والتي أصبحت جزء من القوّات المسلّحة وستدخل البرلمان العراقي من أوسع أبوابه. ولمّا كان العديد من قادة هذه الميليشيات قد أعلنوا ولائهم لإيران علنا من خلال وسائل الإعلام، فأن الفتوى التي منحت هذه الميليشيات الصفة الرسمية قدّمت خدمة كبيرة لإيران ولي الفقيه من خلال تواجد إيران في البرلمان العراقي ورسم سياسة البلد كما تريد وتشتهي.

أن الأحزاب والميليشيات والعصابات والمافيات الإسلامية، تمتلك علاوة على دعم المؤسسة الدينية وإيران. ثروات هائلة تستطيع من خلالها حسم المعارك الإنتخابية لصالحها، فهي سرقت خلال السنوات العشر الماضية مئات مليارات الدولارات والتي تستطيع من خلال غياب مؤسسات الرقابة وضعف القضاء، إستخدام جزء منها لشراء أصوات الناخبين. كما أنّها تساهم بعمليات تهريب كبرى نتيجة سيطرتها على المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية والتي تدرّ لها أموال طائلة سنويّا. وقد بدأت هذه الأحزاب والميليشيات مؤخرا إنتاج الأقراص المخدّرة بمساعدة خبراء من دولة جارة ولم يكتفوا بإستيرادها وتصديرها الى دول أخرى بعد أن أصبح العراق رائدا في مجال الترانزيت، والأموال التي تجنيها هذه الأحزاب ومعها الميليشيات والعصابات كبيرة جدا. والأهّم من كل ذلك هو خطّة هذه الأحزاب بعيدة المدى في نشر الأدمان بين الشبيبة كعامل أساسي لأبعادهم عن المشاركة بالحياة السياسية ولأستمرار هيمنة هذه الأحزاب على السلطة. وما القرارات الهزيلة للدولة في مكافحتها للمخدرات وتجارتها وترويجها وتعاطيها وإعتبارها جنحة بعد أن كانت جناية في ظل كل العهود، الا دليلا صارخا على ترويج أحزاب وميليشيات متنفذة لهذه التجارة المربحة جدا إنتاجا وتوزيعا وتسويقا.

أنّ إنتشار دور الدعارة ومحلّات القمار في بلد كالعراق بحاجة الى ظهير قوي كي يستمر، والظهير القوّي اليوم والدعارة والقمار ينتشران بسرعة قياسية بالبلد هي العصابات المسلحة التي تديرها أحزاب معروفة للجماهير. كما وتقوم هذه العصابات بالإتجار بالبشر عن طريق سرقة فتيات وفتيان وبيعهم لأغراض الدعارة داخل وخارج البلد. ولهذه العصابات دور كبير من خلال شبكة مافيوية منظمة ومدعومة من أحزاب مؤثرة بالسلطة بتجارة بيع الأعضاء البشريّة مستغلّين حاجة الفقراء للمال وما تجنيه هذه التجارة من أموال تستغلها هذه العصابات في إحكام قبضتها على الشارع العراقي. أمّا مسألة السيطرة على مزاد بيع العملة وتبييض الأموال التي تقوم أحزاب السلطة، فأنها أصبحت أمر طبيعي بعد أن تناولت الصحافة أسرار هذا المزاد والمصارف التي تتعامل به والجهات التي تديرها ولحساب من. أنّ الثروات الهائلة التي تدخل في حسابات هذه الأحزاب ورجالاتها، يجعل من عملية تركها للسلطة أمر غاية بالصعوبة وبحاجة الى جهود جبّارة وإرادة وطنية حقيقية للتغيير.

أنّ طاعون الفساد وهو يتفشّى بالمجتمع تحوّل اليوم الى وباء علينا مكافحته، ولمكافحة هذا الوباء فأننا بحاجة الى إرادة وطنيّة حقيقية والى أحزاب سياسيّة قادرة على التكيّف مع الأوضاع السياسيّة المعقّدة والأستفادة القصوى من فشل الأحزاب الإسلاميّة في إدارة الدولة والمجتمع. الإنتخابات على الأبواب، وأمام الناخب العراقي الواعي وهو يرى المآل الذي وصل إليه البلد، أن يساهم بفعّالية في تغيير هذا الواقع البائس عن طريق المشاركة بالإنتخابات بقوّة والتصويت للأحزاب والشخصّيات الوطنية التي لم تتلوث أياديها لليوم بجرائم القتل والفساد. لنمنح القوى الخيّرة الفرصة لإثبات نفسها من خلال التصويت لها بكثافة، ولنترك حسابات الحقل إن كانت مثل حسابات البيدر أم لا لما بعد الإنتخابات. كون هذه الإنتخابات وما رافقها من إصطفافات سياسيّة جديدة في الحياة السياسية العراقية، تركت ظلالا من الشك والمساءلة عند شرائح لا بأس منها من المجتمع، وهي الحصان الأخير لمن يخوضها في محيطها الجديد.


أنّ مركز قوّة الأحزاب الوطنيّة هي الجماهير المتضررة ، فلتستفد هذه الأحزاب قدر الإمكان من نقمة هذا الجمهور عن طريق تسلّحها بالجرأة في كل مواجهة إعلاميّة مع تجار الموت والدمار هؤلاء، فشعبنا ينظر بإحترام كبير للجسور وغير الهيّاب والفطن.

دعونا ننتظر، ولنحتكم الى نتائج الإنتخابات لنرى إن كانت ستغيّر شيئ من اللوحة السياسية كالحة السواد التي عليها اليوم أم لا؟ كون فشل القوى الوطنية بتحقيق النجاح هذه المرّة يعني، أنّ طاعون الفساد سيتحول الى كارثة كبرى ستنهي ما تبقى من بلدنا. كما وسيضع تساؤلات كبرى أمام هذه القوى وهي تخوض تجربة جديدة وغير مسبوقة في التأريخ السياسي بالبلد، وقد تكون بل ومن المؤكّد أنّ بعض من هذه "التساؤلات" ستكون فرزا لما قبيل وما بعد الإنتخابات. ومن الضروري الجزم بأنّ الفشل الذي لا نتمناه لقوانا الوطنية الحقيقية سيفتح الباب مشرعا لإعادة هيكلة العديد منها.

زكي رضا
الدنمارك
14/4/2018
 


177
ماذا يريد الصدر بحقّ السماء !!

الإسلاميّون وهم يكرّسون حكمهم الديني الذي دمّر البلاد والعباد، يعتبرون السياسة عبارة عن أسئلة وأجوبة من قبل مقلّد لمرجع ديني حول حكم معيّن. وعندما نتناول مبدأ التقليد، أرى لزاما علينا أن نكون واضحين ودقيقين في تسمية هذه الجهة الإسلامية كونها جهة شيعية وليس غيرها كون التقليد عند الشيعة الإمامية تعني السلطة حتى من الناحية الفقهية بإعتبارها إمتدادا لسلطة الأئمة "المعصومين". ومنذ الاحتلال لليوم يخرج علينا العديد من رجال الدين بين الحين والآخر عبر مكاتبهم بسؤال لأحد مريديهم وجواب منهم يحددون من خلاله وجهة نظرهم بشأن سياسي معيّن. وهذا ما نلاحظه من خلال أخبار تتناقلها الصحف لرجال الدين هؤلاء والذين غالبا ما يكونوا مراجع دينية شيعية، ورجل الدين الوحيد والذي لا يمتلك حق الفتوى كونه ليس بمرجع من الذين تتناقل وسائل الاعلام أخبار الأسئلة الموجّهة إليه وأجوبته عليها، هو مقتدى الصدر.

إنّ مقتدى الصدر هو رجل سياسة أكثر ممّا هو رجل دين، وفي الحقيقة فأنّ الكثير من معممّي العراق عليهم خلع عمائمهم طالما شغلوا أنفسهم بالسياسة.  فمهام رجل الدين في إستنباطه للتفسيرات الفقهية المختلفة لأبناء طائفته هي غير مهام رجل السياسة وهمومه التي تشمل جميع مواطني البلد بغضّ النظر عن إنتمائهم الديني والطائفي والإثني. لذا نرى مقتدى الصدر قد ركب ومريديه مركب محاربة الفساد مع قوى علمانية وليبرالية ومدنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي من خلال قائمة "سائرون" الإنتخابية، والتي هدفها الأوّل من بين أهداف عدّة هو محاربة الفاسدين والفساد كمنظومة وليس أحدهما فقط. وللآن يعتبر الأمر من الناحية السياسيّة وعلى الرغم من الإختلاف الآيديولوجي بين ركاب هذا المركب مقبولاً بل وضرورياً من الناحية الوطنية والنيّة ببناء عراق جديد. الّا أنّ هذا البناء لا يتم كما ذكرنا قبل قليل الّا بمحاربة الفساد "شلع قلع" وهي تسمية أطلقها الصدر نفسه وليس غيره، كشعار مركزي لمحاربة الفساد، إذن فـ "الشلع والقلع" لا تعني محاربة الفساد عن طريق النفس الطويل ببناء دولة مؤسسات تمأسس لهيئات رقابية قادرة بقوّة القانون من إعادة الهيبة لمؤسسات الدولة والحد من إفلاسها وضياع ثروات البلد فقط، بل وتعني تشخيص الفاسدين ومن يساندهم ومن يدافع عنهم بغضّ النظر عن مراكزهم بالدولة. كما وأنّ "الشلع والقلع" لا تعني إنتظار سياسي كي يفي بوعد فشل في تحقيقه شخصيا لأربع سنوات وحزبيا لأكثر من إثنتي عشر عاما!!!

إنّ محاربة الفساد ليست بالأمر الهيّن والسهل، كما ولا توجد عصا سحريّة للقضاء عليه. الّا إننا بحاجة الى مراكز قوّة في السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى والتشريعية والقضائية بعدها، للبدأ بشكل سلس للضرب بيد من حديد على مراكز ورؤوس الفساد والتي باتت معروفة حتى للمواطن البسيط وبالأسماء، ومن هذه المراكز هو مركز رئاسة الوزراء. الا أننا نرى الصدر اليوم ومن خلال ردّه على سؤال لأحد مريده عن موقفه من ولاية ثانية للعبادي يقول : "سنعلمكم ذلك لاحقاً فإن المرجعية والشعب ونحن وإياكم بانتظار أن يفي بوعده بمحاربة الفساد"!!، ماذا تقول بحق السماء يا رجل!!؟؟

هل العبادي الذي فشل بمحاربة الفساد لثلاثة أعوام وتسعة أشهر على الرغم من وعوده المتتالية، سيكون قادر على الإيفاء بوعوده بالقضاء عليه خلال الثلاثة أشهر المتبقية من حكمه؟ وإن كنت تريد منحه فرصة ولاية ثانية دون حصول تغيير جذري في اللوحة السياسة للبرلمان القادم،  فكيف ستتم محاربة الفساد بنظرك؟ وإن كنت تريد منح حزب الدعوة الحاكم والذي فشل خلال ثلاث دورات إنتخابية بالكمال والتمام في محاربة الفساد، وضياع ثروات بلدنا وترسيخ الفقر كحالة مستديمة، وصاحب الكثير من السياسات التي تصل الى مصاف الجريمة بل والخيانة العظمى بحق بلدنا وشعبنا، فلمَ دخلت الإنتخابات أصلا؟

لتحارب الفساد عليك أن تحدد موقفك بشكل واضح وصريح من رؤوس الفساد ورجالاته، ولا أظنّ من أنّ العبادي وحزبه والمجاهدين الذي معهم هم فوق الشبهات، بل هم فاسدون حد النخاع. محاربة الفساد أيها السيد الصدر لن تتم الا في ظل حكومة جديدة لا مجال للفاسدين المخضرمين فيها، لا أن تقول لي من أنكم بإنتظار أن يفي العبادي بوعوده. لقد خرجنا من حالة الفطام الى الحبو ونحن في طريقنا للمشي، فأحترموا عقولنا كي نحترم مواقفكم.

زكي رضا
الدنمارك
13/3/2018   


 

178
المجموعات الشيعية وتدمير الدولة الوطنية العراقية في أوّل تجربة حكم لهم


غيّب الموت ببيروت عالم الإجتماع والمفكّر الدكتور فالح عبد الجبار، ليخسر العراق والعالم العربي واحدا من ألمع مفكرّيه في هذا الجانب والذي سيترك غيابه أثرا كبيرا وفراغا سيطول ملؤه لفترة ليست بالقصيرة في هذا الحقل الهام "السوسيولوجيا"، بإعتباره علما نقديا متخصصا بالظواهر الاجتماعية وسلوك الناس لتفسير أسباب حدوثها وتطورها "سلبا أم إيجابا". ولمّا كان علم الإجتماع بحاجة إضافة الى الدراسة الأكاديمية والعلمية وكم كبير من معلومات أرشيفية، الى معايشة مباشرة وقريبة مع الأحداث والشخوص ليكون قادرا على تفسير وتحليل الظاهرة الإجتماعية "وقتها" بأمانة علمية. فأن كتاب "العمامة والأفندي - سوسيولوجيا خطاب وحركات الإحتجاج الديني" للفقيد والتي كتب مقدمتّه البروفيسور العراقي "سامي زبيدة"، تلك التي كتب في نهايتها وعن حق "إنّ الكتاب أشبه بوليمة معرفية لكل دارس للعراق أو المنطقة ، كما لكل قارئ عليم وفضولي"، يعتبر وليمة فكرية دسمة لتأريخ العالم الشيعي الواسع والمليئ بالأحداث والصراعات السياسية والتي أثّرت تأثيرا كبيرا على شكل التطور السياسي بالعراق منذ بدايات تشكيل الدولة العراقية وحتى إستلامهم السلطة بعد الإحتلال الامريكي للبلاد ولليوم، كون الراحل "عبد الجبار" قد عايش الاحداث بنفسه عن قرب والتقى بعشرات الشخصيات الشيعية وغيرها وهو يلاحق المعلومة وإن كانت صغيرة من خلال لقاءات في بلدان عدّة ولساعات طويلة في جهد واضح كانت ثمرته كتابه الموسوعي هذا. ومن خلال فضولي كقارئ ومتابع لما يجري بالوطن من خراب سأتناول خمس نقاط أثارها المؤلف في موضوعة "ميادين النزاع - الشيعة والدولة الحديثة" والتي جاءت في نهاية الجزء الأوّل "ص 109 - 116" . لنتعرّف من خلال هذه النقاط عن موقف الشيعة من الدولة كحكّام وليس كمعارضة، وإن كانوا قد نجحوا بإعادة بنائها على أسس وطنية بعدما عانوا الأمرّين لعقود ثمانية تقريبا من تحجيم دورهم السياسي رغم أغلبيتهم العددية؟

كتب "فالح عبد الجبار" في هذه الموضوعة، من أنّ المجموعات الشيعية المختلفة وفي أزمنة شتّى من تأريخ الدولة - القومية العراقية الحديثة حسب وصفه،  كان لها موقفا معارضا من الدولة. وقد لعبت خمس قضايا رئيسية وفق رأيه دورا محوريّا في تحرّك الشيعة في معارضتهم للحكومات المختلفة. وقد لخّص القضايا الخمس هذه أو "المظلوميّات" وفق الأدب الشيعي بـ "القضية السياسية، وتتركز على الغبن السياسي للتمثيل الشيعي في السلطة كمحور أوّل، و التضييق الإقتصادي أو التظلمّات الاقتصادية كما جاء بالكتاب كمحور ثان، والإنتهاك الثقافي كمحور ثالث، والمواطنة ومشاكل الجنسية والتبعيّة الفارسيّة والعثمانية كمحور رابع، والعلمنة بتقليل دور الدين عن طريق تحديث نظم إدارة الدولة كمحور خامس".

قبل الدخول في صلب المقالة علينا أن نؤكد على أمر تناوله "عبد الجبار" وأكّد عليه من خلال تفسيره لطبيعة السياسات عند الحكومات العراقية "عدا الشيعية اليوم" كونها كانت على الأقّل في العهد الجمهوري من ضمن الخطاب القومي - الماركسي ، وتمثل من الوجهة الإقتصادية إجراءات "تقدمية" "دولتية لارأسمالية". وهذه السياسة تنفي صفة الطائفية عندما يتعلق الأمر ببناء الدولة رغم طائفية السلطة وحرمانها الشيعة من تبوأ مراكز قيادية فيها. وهذا عكس ما نراه اليوم، فالطائفية السياسية وهي جزء من نظام محاصصة طائفي - أثني، صبغت شكل السلطة وطبيعتها بالطائفية علاوة على نهجها المدمّر للدولة ومؤسساتها التي تمّ بناءها في الوقت الذي كان الشيعة فيه يعانون من الأضطهاد السياسي والثقافي والأقتصادي، كما أشار "فالح عبد الجبار" اليه في كتابه.

 وسنحاول هنا تناول هذه المحاور أو المعاناة وفق العقلية السياسية والمذهبية الشيعية حسب تسلسلها وما ورد فيها، لنرى إن كان الشيعة قد نجحوا وهم بالسلطة في تغيير واقع عانوا منه لعقود،  أو لصالح تغيير واقع جماهيرهم على الأقّل والأحزاب الشيعية تهيمن على مقدّرات البلد اليوم. وعندما نقول الشيعة فأننا نعني بهم الأحزاب والمؤسسة الدينية الشيعية تحديدا، وليس الجمهور الشيعي المختلف وغير المتجانس فكريّا وأجتماعيا وأقتصاديا بل وحتّى قوميا، علما أنّ "فالح عبد الجبار" ذكر الشيعة دون حصر الإسم بالجمهور الشيعي أو بالأحزاب والمؤسسة الدينية الشيعية.   

القضيّة السياسية "المعاناة الاولى" :

لقد تناول "فالح عبد الجبار" هذه النقطة بشكل مكثّف دون خوضه بالأرقام والجداول التي تزخر بها الكثير من الأبحاث التي تناولت التأريخ السياسي للحكومات العراقية في العهود المختلفة والتي توّضح وبالأرقام ضعف التمثيل الشيعي فيها ، لكنه ركّز بشكل مباشر وهو يهيئ القارئ لأحوال العراق بعد الأحتلال الأمريكي الى قضيّة التمثيل الشيعي قبل الاحتلال بأعتبار هذا التمثيل الهزيل إضطهادا أو ما يعرف "بالمظلومية" وفق الأدبيات الشيعية لأغلبية عددية سكّانيا. فمراجعة سريعة لعدد الوزارات العراقية إبّان العهد الملكي وتمثيل الشيعة فيها يؤكدّان الى ما ذهب الكاتب إليه، فمنذ تشكيل أوّل وزارة في العراق الحديث في أيلول/ سبتمبر 1921 برئاسة "عبد الرحمن النقيب"، لم يتبوأ شيعي واحد هذا المركز الّا صالح جبر في آذار / مارس 1947، ليليه بعد ذلك ثلاث رؤساء شيعة للوزارة وهم "محمد الصدر و فاضل الجمالي وعبد الوهاب مرجان". وهذا يعني أنّ الشيعة غابوا عن مركز رئاسة الوزراء لمدة 26 سنة تقريبا!! كما أنّهم شكّلوا خمس وزارات فقط طيلة العهد الملكي من مجموع 58 وزارة. ونفس الأمر وإن بشكل أقّل حدّة ينطبق على العراق الجمهوري حتّى الإحتلال الأمريكي للبلاد. الّا أننا ونحن نتناول مفهوم الدولة وترسيخ دور مؤسساتها وبنائها، علينا أن لا ننظر الى الحالة الطائفّية بتركيز كبير. لأننا في هذه الحالة سنكون مجبرين على إجراء مقارنة بين الطائفتين "الشيعة والسنّة" وطريقة إدارتهما للبلد ومدى صلابة مؤسسات الدولة أمام النزعة الطائفية لكليهما.

أن ترسيخ دولة المؤسسات بالبلاد تطوّر بشكل طبيعي منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وساهم النظام الملكي ببناء قاعدة أجتماعية مدينية ساهمت خلال العقود التالية بتحديد ملامح الدولة وسماتها. وكان العراق كبلد زراعي له فائض زراعي للتصدير ما ساهم في تراكم نقدي كما أشار اليه "حنا بطاطو"، وهذا يعني أكتفاء العراق ذاتيا بالكثير من المنتجات الزراعية الضرورية. لكن إيرادات النفط تبقى هي العامل الرئيسي في رفد خزينة البلاد بالعملة الصعبة والتي ساهمت وأن ببطء في بناء البنى التحتية للبلاد. لكن تمركز الثروة كما أشار بطاطو كان عند عدد قليل من العائلات، بل أنّ "قسما كبيرا من التجارة الجارية لم يضف الا القليل الى القوّة الأنتاجية الفعلية للبلاد" ولا زال القول لبطاطو.

ولأن الشيعة يتحدثون عن المظلومية السياسية، نرى لزاما سؤالهم اليوم وهم على رأس السلطة منذ الأحتلال للآن عن ما قدّموه للبلاد وأين تبخّرت مئات مليارات الدولارات؟ فالقاعدة الأجتماعية المدينية تراجعت عهد السلطة الشيعية لصالح الريف، فتمّ ترييف المدن ومنها العاصمة بغداد للقضاء على كل أشكال المدنية ولأستمرار حالة البداوة التي يستمد منه رجال الدين الشيعة وزعماء الاحزاب الشيعية القوة والديمومة. وفي عهدهم تراجع القانون لصالح قوانين العشائر التي تمثل العصب الرئيسي لخراب البلد وهو على ما يبدو هدف رئيسي للأحزاب الشيعية التي ترجمت "مظلوميتها" الى حقد كبير على العراق كبلد. فالثروة الهائلة التي "دخلت" خزائن البلد بعد أرتفاع أسعار النفط تمركزت بيد رجال دين وزعماء أحزاب ومافيات ولم تستغل الى القوّة الأنتاجية ، هذا إن كان لنا قوى أنتاجية أصلا، فالعراق عهد الحكم الشيعي يعيش بأسوأ حالاته، وإن أردنا توخي الدقّة فأنّه يعيش عهد أنهياره. ولو أخذنا الجانب الزراعي فقط لمقارنته مع مثيله عند كل حكومات العراق "السنية" فأن أستيراد مكونات صحن سلطة بأكمله من الخارج، دلالة ليس على فشل هؤلاء الحكام بل على جريمتهم الكبرى بحق الوطن.

التضييق "التظلمات" الأقتصادي "المعاناة الثانية":

لقد وضع "فالح عبد الجبار" كطبيب حاذق مبضعه على نقطة الألم وهو يتناول التظلمات الشيعية من السلطات المختلفة "سنّية" وأسبابها. ففي نهاية الحكم الملكي في تموز 1958 كان بالعراق سبع ملّاك للأراضي الزراعية من أولئك الذين تزيد مساحة أملاكهم عن المئة ألف دونم وفق ما جاء به بطاطو منهم سنّي واحد هو "أحمد عجيل الياور"  والباقون من الشيعة وهم "محمد الحبيب الأمير و بلاسم محمد الياسين وعلي الحبيب الأمير و حسن الخيّون القصّاب و نايف الجريان وعبد الهادي الجلبي، وكان مجموع ما يمتلكة هؤلاء الستّة ما يقارب المليون دونم.
 
أنّ أسباب تظلّم الشيعة إقتصاديا لا يعود الى فقر الجمهور الشيعي والذي كانت صرائف تخوم بغداد شاهدا حيّا عليه، ولا الى بؤس الفلاحين وفقرهم في الريف الشيعي أو البطالة التي كان يعانيه شبابهم. بل يعود الى ثلاثة أمور تناولها "عبد الجبار" بدقّة. وهي، موقفهم من قانون الإصلاح الزراعي الذي جرّد هؤلاء الملاك من أراضيهم. كون هؤلاء الملّاك وكزعماء عشائريين كانوا وكما اليوم في حلف مع المؤسسة الدينية، هذه المؤسسة التي وقفت ضد قانون الإصلاح الزراعي رغم أستفادة الفلاحين الشيعة الفقراء منه كما السنة والكورد!! كما وقفوا "ضد تأميم التجارة وفرض الضوابط عليها في العامين 1964 و 1970 ، وذلك من منطلقات طائفية على أساس أن هذه الأجراءات تسعى الى أضعاف الشيعة" كما يقول "عبد الجبار" ، والأهم من كل ذلك هو التظلم "من حرمانهم من موارد الأوقاف الدينية الكافية". فهل هناك تغيير كبير في هذا الموقف والشيعة على رأس السلطة؟

أن زعماء العشائر "الملاكين سابقا" وأحفادهم اليوم هم جزء من نسيج السلطة، وبالتالي ولشراء ولائهم فأن السلطة وللحفاظ على مصالحها تغدق عليهم بالأموال والمناصب حتى أشترت منهم بقايا وطنية كانوا يمتلكونها في وقت ما. ومن خلال الخراب الكبير الذي طال جميع مناحي الحياة ومنها التجارة، فأن السلطة الشيعية وهي تفسح المجال للفاسدين بأستيراد كل ما هو فاسد شرّعت الأبواب أمام تجارة غير منضبطة، ولا تعرف الضرائب اليها طريقا . وأقرب مثال على جريمة السلطة وليس فشلها هو سياسي شيعي كبير كعبد الفلاح السوداني، ولا أعتقد أنّ العراق "السنّي" كان له وزير تجارة بهذا الكم من الفساد طيلة تأريخ الدولة العراقية. والآن نعود الى النقطة الأهم عند الشيعة وهي "موارد الاوقاف الدينية" وبدقة أكبر موارد الوقف الشيعي، والتي تضاعفت آلاف المرّات عمّا كانت عليه قبل الاحتلال لنسأل ومعنا ملايين الجياع والمعوزين الشيعة عن أوجه صرفها؟ والطريقة التي أصبحت بها العوائل الدينية بارونات في التجارة والأقتصاد؟ يقول  فالح عبد الجبار "إنّ الأستبداد يجرّد المجتمع من دفاعاته الذاتيّة الحديثة، بينما يترك المؤسسات القرابية والدينية بلا مساس. بيد أنّ للدين جذورا دنيوية: فهو يلعب دور الترياق في مواجهة الحرب والموت، والجريمة والدعارة، وهو دالّة على الهوية، ومحفّز لأعمال البر والأحسان، ومصدر للدعم المعنوي، وبديل عن الآيديولوجيات الشائهة". الا اننا نرى في العهد الشيعي أن الأستبداد الديني الطائفي لم يترك المؤسسات القرابية والطائفية بلا مساس فقط، بل عمل على تقويتها وتجذّرها على حساب الوطن والمواطنة. كما أنه لم يلعب دورا كترياق في مواجهة الحرب والموت، بل أشاع نتيجة الكراهية والحقد الطائفي الحرب والموت ببلدنا، وكان ولا يزال المغذّي الرئيسي لفشله ببناء دولة ومجتمع عاملا أساسيا في أنتشار الجريمة والدعارة. أما كونه محفّز لأعمال البر والأحسان، فأننا نستطيع مشاهدته من أزدياد نسبة الفقر وأزدياد أعداد أطفال الشوارع والدعارة وبؤس دور الأيتام. وبالتالي فأن المؤسسة الدينية "شيعية وسنية" لا يحق لها التحدث عن أعمال البر والأحسان، وبلا شك فأن أي تغيير مستقبلي للسلطة وسيادة دولة القانون ستكشف لنا عن جرائم كبرى لهذه المؤسسة وتفضح أساليبها الأخطبوطية في سرقة ثروات البلد. 

الأنتهاك الثقافي وحقوق المواطنة "المعاناة الثالثة والرابعة":

تناول "فالح عبد الجبار" هذه القضية بترابط علمي رصين، متحدثا عن أشكال عدّة من القومية العربية، إبتداءا من "نسخة ساطع الحصري الثقافية القائمة على أساس اللغة والتأريخ المشتركين، الى الأشكال الإثنية للتوجه البعثي الذي قام بعلمنة الإسلام وتعريبه، كما هي الحال مع ميشال عفلق". وأستمر "عبد الجبار" ليقول من أن التوجهات العلمانية في المشرق لعربي أنشئت لتحقيق ثلاثة أغراض في الأقل: "إستبعاد مفهوم الوحدة الدينية من خلال التأكيد على تمايز العرب إثنيا عن الأتراك وفي وقت لاحق عن الفرس، ومن أجل تجاوز الأنقسام المسيحي - المسلم في صفوف الناطقين بالعربية بالمشرق، ولإعادة بناء التأريخ لغرض ترسيخ حق العرب في أن يكونوا أمّة واحدة". وفي الحقيقة وقد أشار "عبد الجبار" لذلك أيضا، فأن المؤسسة السنية كما الشيعية كانت ضد التوجه الأول بأعتباره يشكل عاملا لتدمير المكانة المركزية للدين كما يؤكد المؤلف. وقد تطابقت وجهات نظر الشيعة والسنة في النقطة الثانية أيضا بأعتبارهم أعلى مقاما من أتباع جميع الأديان ومنها المسيحية واليهودية، الا أن الخلاف بينهما "الشيعة والسنة" ظهر في النقطة الثالثة. فتمجيد الأمبراطوريات العربية "كالأموية والعباسّية" كان من صلب السياسة الثقافية لجميع الحكومات طيلة تأريخ الدولة العراقية الحديثة وحتّى الأحتلال الأمريكي، وهذا التمجيد هو ما أستفزّ ويستفز الشيعة كون تلك الامبراطوريتين هضمتا حق أئمة الشيعة بالولاية، إذ لا ولاية بنظرهم الا ولاية آل البيت وصولا الى المهدي الموعود.

لقد كانت سنوات ما بعد الأحتلال فرصة ذهبيّة للشيعة كي يثبتوا من أن التشيع ذو أرومة عربية وهو فعلا كذلك، وأن التشيع الفارسي المتّهمون به منذ عشرات العقود ليس الا مرض في عقول أعدائهم يستخدمونه فقط لقمع الشيعة وأبعادهم عن مراكز أتخاذ القرار، وأنّ النجف ستظل حاضرة التشيّع ومنها إنطلق التشيّع الى فارس ولبنان وغيرها من البلدان. الا أننا وعلى العكس رأينا الشيعة يثبتون من خلال ولائهم المطلق للمؤسسة الدينية والسياسية الإيرانية والجهر به علانية، من أنّ ما كان يقال عنهم لحقب مختلفة أمر قابل للنقاش. لقد كانت العلاقات الطائفية الأقليمية كما يقول المؤلف "جزءا من الحقوق المألوفة قبل نشوء الأمم الحديثة" . ولكننا اليوم نرى أنّ الشيعة قد أعادونا الى ما قبل عصر نشوء الأمم "الدولة الحديثة"، بتغليبهم الأواصر الطائفية داخليا وخارجيا على مصالح البلد والشعب، فتراهم ميّالون وبقوّة لأستمرار نهج المحاصصة العددية وليس السياسية لتكريس واقع طائفي لا يمت للوطنية بصلة داخليا، يقابله خضوع واضح وصريح لهيمنة المركز الطائفي الشيعي الاول بالعالم أي إيران، حتى باتت مصالح إيران وتقدمها ونموها وهيمنتها بالمقام الاول وعلى الضد من مصالح العراق أرضا وشعبا.

 أنّ الوطنية ليست جنسية وشهادة جنسية، بل ولاء للأرض وعمل دؤوب لبناء وطن قوي قادر على الوقوف بوجه الصعوبات، الوطنية مبدأ وليس بالضرورة أن يكون إسلاميا أو طائفيا أو قوميا أو شيوعيا. والأمر هنا ينطبق على جميع ممثلي سلطة المحاصصة الطائفية - الإثنية، وليس الشيعة كطائفة وأحزاب ومؤسسات فقط. ولو جلسنا اليوم الى مواطن عراقي شيعي بسيط وسألناه عمّا حققه له الحكم الشيعي خلال خمسة عشر عاما فماذا سيكون جوابه؟

العلمنة "المعاناة الأكبر":

بدأ أوّل صراع بين الدولة العراقية الحديثة وبين المؤسسة الشيعية تعليميا، حينما بدأت المدارس الحكومية تنتشر بالبلاد شيئا شيئا ما أثّر على دور رجال الدين في سلك التعليم، ما حدا بهذه المؤسسة الى إعلان حربها والذي فشلت به ضد التعليم الحكومي الذي أنتشر خلال عقود قليلة ليشمل كل العراق ومنه المدن الشيعية المقدّسة والتي لرجال الدين فيها السطوة والنفوذ. وما أن بدأ العهد الجمهوري الأوّل حتى بدأت العلمنة تشكل تهديدا واضحا للمؤسسة الدينية الشيعية، كونها حرمتها كما أشار "عبد الجبار" من أدارتها للشؤون القانونية، ليبدأ دور أفول الدين أمام الحياة المدنية التي أستقطبت غالبية سكان المدن وأعداداً لا بأس بها من سكان الريف الذين أنتقلوا الى المدن من أجل الدراسة أو العمل. وقد شعرت المؤسسة الشيعية كما أشار المؤلف من أنّ الخطر من هذا التوجه موجّه أساسا لها، كون المؤسسة السنّية كانت مدمجة بالدولة، وأعضائها ما هم الا موظفين فيها. فقانون الأحوال الشخصيّة وقانون المرأة والإصلاح الزراعي والموقف الرسمي من إيران بعد خروج العراق من حلف السنتو، وإلغاء قانون دعاوى العشائر، جعلت المؤسسة الدينية الشيعية في مهب الريح. ما دعاها الى التحرك بسرعة للوقوف بوجه هذا المد العلماني الذي همّش من مواقعها الى حدود بعيدة علاوة على تحجيم دورها السياسي. فأعلنت عن طريق "محسن الحكيم" عدائها لثورة تموز والشيوعيين وباقي القوى العلمانية، هذه الثورة التي كان نظامها السياسي هو أوّل نظام سياسي عراقي ينهي الطائفية السياسية عمليا بالعراق. الا انّ المفارقة التي علينا التوقف عندها طويلا هي، تحالف المؤسسة الدينية الشيعية مع حزب علماني فاشي هو البعث، ودعمه والوقوف الى جانبه حتّى أغتيال ثورة تموز ومقتل قادتها وعلى رأسهم "عبد الكريم قاسم" الذي كان أوّل رئيس وزراء بتأريخ العراق يزور مرجع شيعي أثناء مرضه!!

لقد بنيت كل مؤسسات الدولة العراقية وبنى البلد التحتية في عهد أنظمة علمانية بغضّ النظر عن طبيعة تلك العلمانية والفترة التأريخية التي كانت تمر وتعيش بها البلاد في حين نرى الخراب بكل تفاصيله وهو يضرب كل شيء بالبلد عهد سلطة الأحزاب الشيعية. فالعراق الذي توقف عن تصدير النفط منذ بدأ الحصار الأقتصادي عليه الا تلك الكمية التي كانت تُنتَج بعلم وموافقة الأمم المتحدة ليذهب ريعها لصندوق خاص، أستطاع ورغم همجية السلطة وبطشها والحصار المفروض عليها، أن يعيد بناء الكثير ممّا دمّرته الحرب وتجاوز آثارها ولو جزئيا، كما أستطاع أن يوفّر ضمن بطاقته التموينية مواد غذائية بشكل كان كافيا لحدود للمواطن العراقي. أما النظام "الشيعي" اليوم، فأنه لم يفشل ببناء البلد على الرغم من الميزانيات الهائلة فقط، بل دمّر ما كان موجود منها أصلا.

 في ظلّ الأنظمة العلمانية كانت هناك حروب قوميّة بين الحكومة والكورد، ولم يصل هذا الصراع الى صراع بين العرب والكورد كقوميتين، بل على العكس كانت العلاقات بين الطرفين تتطور وتتماسك أكثر كلّما شنّت الحكومات المتعاقبة حربها على الكورد. أما الصراع بين السلطة والكورد في العهد الشيعي فقد تحوّل الى صراع بين العرب والكورد على مستوى الشارع لأوّل مرّة بتأريخ العراق، وهنا علينا عدم تبرئة الجانب الكوردي ودوره في هذا الصراع، هذا عدا عن الصراعات القومية والأثنية بين المكوّنات العراقية المختلفة. أما على المستوى الطائفي، فأنّ الصراع الشيعي السني تحوّل الى حرب ضروس ذهب ضحيتها مئات الالاف من الأبرياء، علاوة على فتحه أبواب البلد مشرّعة لتدخل دول الجوار في شؤوننا الداخلية. وفي العهد الأسلامي أرتفعت وتيرة الكراهية الدينية لتهدد بأفراغ العراق من ساكنيه الأصليين من المسيحيين.

أن النظم العلمانية حتى تموز 1979 ، قدّمت للعراق كل ما نراه اليوم من بقايا بنى تحتيّة، والنظام الديني الذي تقوده العمامة أستطاعت خلال خمسة عشر عاما أن تنهي العراق كدولة وتُفقر شعبه وترهن ثرواته لعقود قادمة. لا أدري كيف يفّكر الجمهور الشيعي وهو يرى قادته ورجال دينه وهم يهينون الوطن وينهبون ثرواته، الا انني شخصيا أستطيع ومن خلال التجربة الحيّة التي نعيشها اليوم بالجزم، من أنّ عهد الحكومات الشيعية منذ الأحتلال لليوم هو أسوأ عهد مرّت به البلاد، وأن بقاء هذه الأحزاب وهذه العمائم في المشهد السياسي لفترة أطول لا تعني الا أنهيار العراق ودماره.  لقد "عانت"  القوى الشيعية عكس الجمهور الشيعي من العلمنة لعقود مثلما تدّعي، فماذا قدّمت للبلاد من خلال الأسلمة؟

لا حل لبناء عراق جديد الا بنظام علماني ديموقراطي ، يُقبِر نظام المحاصصة الطائفية القومية الى الأبد بفصله الدين عن الدولة في كل مجالات الحياة. لنكن جريئين بمواجهتنا لهذه الأحزاب ومؤسساتها الدينية ونحملّهم مسؤولية خراب بلدنا ودماره بالكامل.

الكذّاب والميْت سواء، لأن فضيلة الحيّ على الميْت الثقة به. فإذا لمْ يُوثَق بكلامه فقد بطُلت حياته "الإمام علي" ، فهل هناك بقايا ثقة بالأحزاب الإسلامية والمؤسسات الدينية وهما ينشران في الوطن طاعون الطائفية والسرقة والنهب والعمالة!؟

زكي رضا
الدنمارك
3/3/2018


179
السيستاني يبايع الدعوي الفاسد حيدر العبادي


كان الشيعة ولليوم وسيظلّون يعتبرون بنو أمية من أسوأ من تولّى قيادة المسلمين على مرّ التأريخ ويناصبونهم العداء، على الرغم من أنّهم "الأمويون" بنوا دولة عربية - إسلامية ورفعوا راية "لااله الا الله محمد رسول الله" لترفرف فوق دولتهم هذه التي إمتدّت من حدود الصين شرقا الى تخوم فرنسا غربا، هذه السيطرة التي يسمونها اليوم فتح هي بالأساس إحتلال ساهم بنشر الدين الإسلامي بين الامم المغلوبة  بحد السيف، حتّى أنّ الإمام الرابع عند الشيعة "علي بن الحسين الملقّب بالسجّاد" له دعاء معروف بدعاء الثغور يدعو فيه للمقاتلين المرابطين على الحدود "الثغور" دفاعا عن الدولة الإسلامية من هجمات الغزاة. 

إذن فعداء الشيعة للأمويين لا يأتي من إحتلالهم للبلدان الاخرى والّا لما وقف إمامهم الرابع موقفه هذا، لكنّه يأتي من كون الأمويين وفي عهد يزيد بن معاوية إرتكبوا مجزرة بحق آل بيت محمّد في كربلاء، ذهب ضحيّتها الأمام الحسين بن علي وأولاده وآل بيته وجمهرة من شيعته. وقبل تلك المجزرة وقف الحسين قائلا وهو يرفض مبايعة "يزيد بن معاوية" قائلا: مثلي لا يبايع مثله. كون يزيد كان بنظر الحسين والكثير من وجهاء المسلمين فاسقا يرتكب المعاصي، علاوة على إسلوب التوريث التي لم يعرفه الإسلام قبل معاوية. والفسق باللغة هو تجاوز حدود الشرع.

لقد قتل الأمويون حسينا واحدا وسبوا زينب واحدة الا انهم وكما اسلفنا ساهموا في تأسيس  دولة "إسلامية" مترامية الاطراف ليدخل الناس بسببهم كرها أو طواعية الإسلام أفواجا. فكم حسين قتل سراة الأحزاب الشيعية وميليشياتها في العراق اليوم، وكم زينب سبيت في عراق اليوم، وهل أبقى هؤلاء الطائفيون على الوطن وهم يصمتون صمت المقابر لتصريحات عرّابيهم في طهران وهم يهينون العراق حيث كربلاء الشهادة والحسين؟   

لقد صرّح السيستاني عن طريق وكلاءه من أنّه لن يستقبل أي مسؤول عراقي لفسادهم، على الرغم من أنه ساهم بفتاواه و توجيهاته بوصول هؤلاء الفاسدين الى السلطة ليس لأمر الّا كونهم شيعة. لكنّ هؤلاء المسؤولين الشيعة فاسقون، فالفساد هو تجاوز لحدود الشرع، وسرقة المال العام تجاوز لحدود الشرع، وتفشّي الرشوة في عهدهم هو تجاوز لحدود الشرع، وإفقار الناس وتجويعهم في بلد كما العراق وخيراته هو تجاوز لحدود الشرع، وعيشهم والعمائم ومنهم أبناء المراجع في بلهنيّة من العيش مع إنتشار العشوائيات وبيوت الصفيح هو تجاوز على حدود الشرع. وإن لم تكن كل هذه الجرائم بحق شعبنا ووطننا جرائم بنظر السيستاني، فليعرّفنا على تفسير آخر لمعنى الفسق باللغة العربية؟ أمّا إن كان كل ما جئنا به أعلاه جرائم، فلم يستقبل وكيل السيستاني فاشلا وفاسدا على عكس ما يدّعي كما "العبادي"؟ أنّ السيستاني وهو يستقبل العبادي عن طريق وكيله "عبد المهدي الكربلائي" يريد إيصال رسالة للناخبين الشيعة من مقلديه من أنّ العبادي "رجل المرحلة" والا لما كان في ضيافة المرجعية وهي تفتح له الأبواب، متراجعة عن قرارها السابق. وهذا الإستقبال يعني مبايعة السيستاني والمرجعية الشيعية للعبادي الفاسد كرئيس وزراء لدورة ثانية.

يقول الإمام علي بن أبي طالب وهو يوصي مالكا الأشتر بإختيار من يجب أن تُسند له الوظيفة قائلا:  "ثمّ لا يكن إختيارك إيّاهم - يقصد طالبي الوظائف - على فراستك وإستنامتك وحُسن  الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصّنعهم، وليس وراء ذلك من التضحية والأماني شيء. ولكن إختبرهم بما ولّو للصالحين قبلك: فأعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا وأعرفِهِم بالأمانة وجها". والآن وأنت كما تدّعي حفيد ذلك الأمام العادل، هل العبادي وقبله المالكي والجعفري والحكيم والصغير والعلاق والمئات من سراة الشيعة الذين أذّلوا شيعة علي قبل غيرهم من العراقيين ونهبوا مال الله والعباد، أحسن الناس للحكم؟  وهل عرفت الأمانة اليهم طريقا من وجهة نظركم؟ أنّ من أستقبلته ومعه كل البيت الشيعي الحاكم هم من مَن إستأثروا فأساءوا الأثرة، ويخضمون مال الله كما تخضم الإبل نبتة الربيع كما قال إمام الأرامل واليتامى.

"إنّما يُستدلّ على الصالحين - في نهج عليّ - بما يُجري الله لهم على ألسن عباده" "وقلوب الرعيّة خزّان راعيها" . وهنا وأنا أحد رعايا هذا الوطن المنهوب المنكوب من حكم العمائم أقول .. اللهم العن الظالمين وأعوان الظالمين أيّا كانوا..  اللهم إلعن الظالمين وأعوان الظالمين أيّا كانوا.

لن تقوم للعراق قائمة والعمامة تتدخل بالشأن السياسي.   

زكي رضا
الدنمارك
22/2/2018


180

إيران وإحياء فتوى إبادة الشيوعيين .. لِمَ اليوم !؟


شهدت بغداد اليوم إنطلاق الإجتماع التاسع للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، بحضور وفود من 22 دولة إسلامية من أصل 53 دولة أي ما يعادل "41.50%" من الدول التي تدين غالبية شعوبها بالدين الإسلامي على مستوى العالم. وعدم حضور وفود رسمية أو دينية من غالبية الدول الإسلامية لهذا الإجتماع، يضع هذا الإجتماع أمام أسئلة عديدة. تبدأ بشرعية الإجتماع والقرارات والتوصيات التي سيتخّذها كون النصاب غير كامل، ولا تنتهي بسؤال عن معنى الصحوة التي يراد تسويقها للرأي العام الإسلامي والتي تريد إيران تطبيق فلسفتها الدينية المذهبية في تفسيرها وفق مصالحها القومية، و محاولاتها المستمرة لإتخاذ "الصحوة الإسلامية والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب" كشعارات للتدخل بشؤون البلدان الاخرى وتعريض أمنها القومي للخطر بحجّة مكافحة الإرهاب والوقوف بوجه الأطماع الامريكية والإسرائيلية بالمنطقة.

لا تهمنّا في هذه المقالة، هرطقة إيران حول ما تسمّى بالصحوة الإسلامية في العالم الاسلامي. كون ما تعانيه الدول الإسلامية من فقر وبطالة وفساد وهدر للمال العام، يشير وبوضوح الى عدم وجود صحوة على مستوى قيادات هذه الدول وعلى رأسها إيران نفسها. والتي تعاني من إرتفاع مستمر في نسب البطالة والفقر وإرتفاع كبير في نسبة التضخم علاوة على الفساد والبيروقراطية ، و يقابلها من جهة أخرى تراجع كبير في مستوى الخدمات المقدّمة للناس ومستواها. أمّا على المستوى الجماهيري فأنّ الصحوة نراها، بإزدياد نسب متعاطي المخدّرات بأنواعها المختلفة وشيوع الجريمة المنظمة والتجارة بالبشر وظاهرة أطفال الشوارع وتطور سوق الدعارة وإتساعه بشكل مخيف، وإنهيار الأخلاق ما أدّى ويؤدّي الى تفكك العلاقات الأسرية الحميمية والتي كانت موجود في مجتمعاتنا قبل أن تذوق طعم الحروب والحصارات وما تلاها من حكم الاسلاميين وفسادهم وفشلهم ببناء دولة. كما وعلينا أن نشعر بالقلق والخوف الشديدين، والسيد "ولايتي" يتحدث عن تصاعد أمواج الصحوة الإسلامية التي حمل رايتها الخميني، لأنّ هذا يعني ومن خلال التجربة المعاشة، مساحات أكبر للفقر والبطالة والجوع والمرض والدعارة والمخدرات في مجتمعاتنا، ويعني أيضا إستشراء الفساد وضياع ما تبقى من ثروات وطنية. وفي حالة العراق الذي بإعتراف "العبادي" سيظل يدفع فوائد وأصول القروض الأجنبية لستة عقود قادمة يعني، أنّ إستمرار الصحوة الإسلامية على هذه الشاكلة سيفضي لبيع الوطن أو رهنه في أحسن الاحوال.

إيران تهاجم السعودية دوما وتتهمّها بالتدخل بالشأن الداخلي العراقي من أجل زعزعة الأمن والإستقرار فيه، ولا أعتقد من أننّا بحاجة كعراقيين لرأي إيران في هذه المسألة، فأحداث الحرب الطائفية وما حملتها لنا من دمار وتفكك للنسيج الإجتماعي، وسقوط مدننا بيد تنظيم داعش الإرهابي ودمارها وقبله القاعدة والقتل على الهويّة. تشير الى تدخل دول عدّة منها جارة ومنها إقليمية وأخرى دولية ومنها السعودية في شؤوننا الداخلية، لكن ماذا عن إيران نفسها!؟ أنّ كلمة ولايتي وهو يتحدث أمام المجتمعين ببغداد اليوم وتدخله الفظ بالشأن الداخلي العراقي، لا يحتاج الى مسؤول سعودي ليوضحه لنا، كون "ولايتي" تجاوز اليوم كل الخطوط الحمراء، وتصّرف دون قيود وبحرية من أجل زعزعة الأمن والإستقرار ببلدنا .

أنّ تعقد اللوحة السياسية ونحن على أعتاب الإنتخابات البرلمانية، وما رافقها من تكتلات وإئتلافات جديدة وإنهيار القديمة منها أو إعادة بنائها بإبتعادها عن العناوين الإسلامية التي أستهلكت وفشلت في تقديم نموذج مقبول للحكم بالبلد، ما جعلها تغيّر ولو شكليا من عناوينها لتتبنى عناوين مدنية طالما أتهمتها بالإلحاد. أفرزت لوحة سياسية جديدة نبعت من رحم الشارع العراقي، هذه اللوحة أثارت ولليوم وستظل عاصفة من الإنتقادات والتوجس والخوف ممّا قد يحصل في المستقبل القريب. فتحالف "سائرون" وبغضّ النظر عن المواقف المتباينة حوله، أصبح اليوم وهو يضم تيار جماهيري شيعي كبير مقارنة بالتيارات الشيعية الأخرى وقوى مدنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي في مرمى جهات عدّة، منها داخلية وفي مقدمتها حزب الدعوة وما يسمى بـ "دولة القانون" ومعسكر الاحزاب والمنظمات والميليشيات الشيعية والمؤسسة الدينية علاوة على أبواق لا تتهاون في مهاجمة الشيوعيين العراقيين في أوقات مختلفة وخصوصا مواسم الإنتخابات. لكن تبقى العاصفة الأكبر والأخطر ضد هذا التحالف هي تلك الريح السوداء القادمة من الشرق، والتي ترجمها ممثل ولي الفقيه "ولايتي" بوقاحة وصلافة في كلمته أمام "قادة" "عراقيين"، لم يستنكروا تدخله وبلاده الفظ في شؤون "بلدهم" الداخلية.

لقد عمل "ولايتي" على ليّ عنق الحقيقة وهو يحرّض الميليشيات المؤتمرة بأمر ولي الفقيه وعلى الضد من مصالح وطننا، ضد الحزب الشيوعي العراقي والقوى الليبرلية، حينما أشار الى أنّ "الشيوعية والليبرالية والقومية أدّت الى شقّ عصا المسلمين"!!. نقول أنّه لوى عنق الحقيقة، كون الشيوعيين ليسوا هم من شقّوا عصا المسلمين، وليسوا هم من أشعلوا الحرب الطائفية، وليسوا هم من قسّم المجتمع الى شيعي وسنّي، وليسوا هم من قام بالتفجيرات في المناطق الشيعية والسنّية ليذهب ضحيتها عشرات آلاف الأبرياء، ولم يكونوا في السلطة ليمأسسوا لفسادٍ أنهى البلد وثرواته. إنّما الذي فعل كل هذه الجرائم هم الأحزاب الإسلامية وليس غيرهم، والذي يريد "ولايتي" اليوم أن يدفعهم تجاه الصحوة!! ولو كان من جاء على ذكرهم من أنهم شقّوا عصا المسلمين، فهذا يعني أنّ البعث السوري ذو النزعة القومية العروبية قد شقّ عصا المسلمين، وهنا من حقّنا سؤاله عن سبب تحالفهم ودفاعهم عن نظام قومي يشقّ عصا المسلمين في بلاده، أم أنّ المسلمين بنظر "ولايتي" هم الشيعة فقط !!؟؟

أنّ كلمة "ولايتي" في إجتماع ما يسمّى بالصحوة الإسلامية تشير الى أمرين مهمّين، أولّهما خوف إيران من التقارب الذي حصل بين الشيوعيين والصدريين والذي أفرزته حاجة الجماهير للتغيير وإمكانية تأثير هذا التقارب على شكل اللوحة السياسية الموجودة اليوم، والذي سيعني في حالة نجاح "سائرون" ببرامجها المعلنة الى تكريس مفهوم وطني بعيد عن إملاءات طهران ما يهدد مصالحها على المديين المتوسط والبعيد على الأقل، وثانيهما هو أن يكون هذا التحالف بداية لتصدع البيت الشيعي والذي عملت إيران على بناءه حجراً حجراً. كما وأنّ خطابه حمل بين طيّاته رسالة الى "الصدر" وتيّاره الذي يعتبر من أكبر التيارات الإسلامية الشيعية والسنّية قوّة ونفوذا بالشارع العراقي، تشير الى إمتعاض ولي الفقيه وعدم رضاه على التحالف الأخير بين الصدريين
وأحزاب وتيارات يسارية ومدنية وليبرالية وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي. والعمل على فض هذا التحالف وعودة الصدريين للبيت الشيعي.

كما وتعتبر كلمته، علاوة على كونها تدخل غير مقبول بشؤون بلدنا الداخلية، تحريضاً على العنف عن طريق توجيه رسائل مبطنة وعلنية لقوى سياسية عراقية من أجل بدء صراع آيديولوجي. وذلك عن طريق إعادة الحياة لفتاوى دينية أثبتت أحداث بلدنا على عقمها ومساهمتها المباشرة لما آلت إليه أوضاعنا اليوم علاوة على الشرخ الكبير والجرائم التي تركتها وأرتكبتها السلطات العراقية حينها. على ولايتي أن يعرف أنّ الحزب الشيوعي العراقي، حزب عراقي قدّم من أجل سعادة شعبه وحرية وطنه عشرات آلاف الشهداء، كما وأنّه جزء من عملية سياسية وإن ما زالت متعثرة. لذا فأنّ التحريض على الشيوعيين وبهذا الشكل العلني يعتبر جريمة في كل الأعراف، وكان من واجب السلطات العراقية إبداء موقف واضح وصريح وسريع على الضد من تصريحاته التي ستعقّد المشهد السياسي أكثر ممّا هو معقّد اليوم.

على الشيوعيين اليوم التحلي باقصى درجات الحيطة والحذر مع إستمرارهم بنضالهم المعهود بين الجماهير لخلاص شعبنا ووطننا من الأزمات التي أوصلهما إليها الإسلام السياسي ، كون تجربة اليسار مع العمامة الايرانية كانت تجربة دموية ومريرة، وولايتي حاله حال بقية القيادات السياسية والدينية الايرانية وعلى رأسهم الخميني، لازالت أياديه طرية بدماء الشيوعيين والوطنيين الايرانيين. ويبقى السؤال الأهّم والذي ستأتي إجابته قريبا هو، موقف "الصدر" من خطاب "ولايتي" ومدى قدرته على المضي قدما بالمشروع الوطني الذي يتبناه تحالف "سائرون" للعبور بالعراق بعيدا عن مستنقع الطائفية والفساد؟ فهل سيصمد التحالف بوجه النفوذ الإيراني وإملاءاته، أم سنعود الى المربع الأوّل ليفقد شعبنا بصيص أمل كان يمنّي النفس به، وليفقد "الصدر" نفسه مصداقيته؟

اليوم وبعد تدخل إيران بالشأن الداخلي العراقي ومحاولتها إبعاد الحزب الشيوعي العراقي تحديدا وبقية القوى المدنية والليبرالية عن الساحة السياسية، أرى لزاما على كل من تعزّ عليه قضية الوطن والإنسان أن يفكّر أكثر من مرّة وهو يعلن عداءه السافر للشيوعيين العراقيين وحزبهم، من أن يعيد حساباته من جديد تجاه هذه القضية العقدية والحسّاسة. لنلقم "ولايتي" والمؤسسة التي يمثلها حجرا عراقيا من الصوان الذي دشّنت به البشرية في أرضنا بدايات الحضارة...

زكي رضا
الدنمارك
18/2/ 2018


181


قراءة في بعض ما جاء بخطاب العبادي أمام مؤتمر "إعمار" العراق


العبادي وهو يتّجه الى الكويت ليستجدي بذّل ما بعده ذلّ الدول المجتمعة هناك لتقديم مساعداتهم لإعادة "إعمار" البلد ، لم يمتلك الا الكذب والمرواغة، من خلال خطاب بائس لا يُقنع قريب أو بعيد. وكان خطابه إنشائيا بحتا، وكأنّه يتحدث الى أنصاره في مهرجان إنتخابي محسوم سلفا، لسرقاته وحزبه من جهة، ولطبيعة الذين يتحدث إليهم وذلّهم كما هو من جهة ثانية. ناسيا أنّه يتحدث أمام مسؤولي دول يعرفون جيدا ما فعل حزبه وتحالفه الشيعي وبقية المتحاصصين من جرائم بحق وطننا وشعبنا، وأمام شركات ومؤسسات لا يهمّهما خطابه الإنشائي بالمرّة، قدر ما يهمّها مردودات إستثماراتها بالسوق العراقية. كما يبدو أنّه ليس على دراية من أنّ من إجتمع إليهم، يعرفون بالضبط  وبالأرقام الأموال التي دخلت خزائن "العراق" وأوجه صرفها، وطريقة إختفائها وتحويلها لإنعاش إقتصاد دولة جارة.

بدأ العبادي خطابه الذليل بمرواغة كان عليه الإبتعاد عنها كونها كذبة مكشوفة كان قد إعترف بها حال إستلامه السلطة من رفيق حزبه "المالكي"، حينما قال "لقد تسلّمنا مسؤولية ادارة الحكومة العراقية في ظل ظروف
غاية في الصعوبة، وكان تنظيم داعش الإرهابي يحتل ثلث مساحة العراق، وقد هجّر الملايين من أبناء شعبنا، كما حطّم البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والخدمية على نحو لم يسبق له مثيل في تأريخ العراق او المنطقة على مدى عقود من الزمن، و رافق ذلك تحدٍ مالي كبير هو الانخفاض الكبير في أسعار النفط الى مستويات متدنية على الرغم من الحاجة المتزايدة للإنفاق على ادامة المعركة ضد داعش". لا شك انّ العبادي إستلم مسؤولية إدارة "الدولة" من سلفه وأمامه أكثر من ملّف ساخن، وهذه الملّفات وقد أثبتت الأحداث اللاحقة متساوية بأهمّيتها تقريبا. فأحتلال تنظيم داعش الإرهابي لثلث مساحة البلد، أو وبدقّة أكبر تسليم تنظيم داعش ثلث مساحة البلد من قبل حزبه وأمينه العام "نوري المالكي"، مرتبط أساسا بفشل نهج سلطة المحاصصة وعدم إمتلاكها لبرامج سياسية وطنية كي تكون مدخلا لبناء عراق جديد. هذا الفشل أساسه الفساد المستشري بمفاصل "الدولة" المختلفة، والتي يعتبر العبادي ورفاقه في سلطة المحاصصة من أبطاله. وبدلا من تحميل "نوري المالكي" وبالتالي حزبه سبب إهدار مئات مليارات الدولارات، ولأنه يعتقد أن الذاكرة العراقية ضعيفة جدا نراه قد نسى قوله حال إستلام السلطة من سلفه من أنه "إستلم خزينة خاوية"!!! في وقت وصلت أسعار النفط عهد حزبه الى ما يقترب الـ 150 دولار للبرميل الواحد.

 إستمر "العبادي" بهذيانه وهو يقول "لكننا عقدنا العزم على مواجهة تحدي القضاء على الإرهاب وتحدي الازمة المالية ومحاربة الفساد والبيروقراطية التي تختبئ خلفها والمضي بالاصلاح الاقتصادي وتبسيط الاجراءات وتشكيل لجنة عليا للاستثمار برئاسة رئيس الوزراء مع فريق متابعة يسهل على المستثمرين اجراءات عملهم ورفع العراقيل امام الإعمار والاستثمار". هل يعي العبادي ما جاء به!!؟؟ دعونا نصّدق كالسذّج عن تحدّي العبادي وحزبه وبيته الشيعي ومرجعياته الدينية وقوى المحاصصة المؤتلفة معهم، وعقده وهم معه  العزم بالقضاء على الإرهاب، وتحدّيهم الأزمة المالية ونكتته الكبيره بمحاربة الفساد والبيروقراطية. لكن هل يعرف العبادي وعباقرة حزبه الإقتصاديين شروط إستثمار الشركات الاجنبية الواجب توفّرها قبل بدأ إستثماراتهم، وهل يتوقع العبادي أنّ هذه الشركات ستستخير الإنجيل أو تذهب الى أقرب فتّاح فال أو قاريء كف ليضمن لها سلامة إستثماراتها!!؟؟ السيد العبادي إستثمار الشركات والمؤسسات من تلك التي طلبت منهم إستثمار أموالهم بالبلد تحتاج الى شروط لن تستطيع توفيرها ولو حكمت وحزبك العراق لعشرات السنوات القادمة، ولأننا لسنا بصدد مناقشة أسباب عدم إستطاعتكم توفيرها، فإننا سوف نمر عليها كشروط فقط وبسرعة.

من أهم الشروط الواجب توفرها لجذب رؤوس الأموال كي تستثمر بأي بلد وليس العراق فقط هي :

•   شركات تأمين قادرة على تعويض هذه الشركات في حال تعرض مشاريعها للتخريب، من قبل عشائر                أو ميليشيات أو عصابات الجريمة المنظمة. 
•   بنى تحتية من طرق وسكك حديد وجسور ومطارات.
•   توفر مصادر الطاقة المختلفة والتي بدونها يبقى الإعمار وإعادة تأهيل البلد حلم صعب المنال ليس الا.
•   الإستقرار السياسي والأمن.
•   جهاز إداري غير بيروقراطي وغير فاسد.


السيد العبادي وبكلمة واحدة، هل تستطيع توفير هذه الشروط؟

"اليوم يقف العراق منتصراً موحدا قويا غير أنه يقف على أنقاض دمار هائل خلفته العصابات الارهابية، لم يقتصر على البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، بل شمِل قطاع السكن الذي صبت عصابات داعش غضبها على مساكن الناس الآمنين، فدمرت ما لا يقل عن (150) ألف وحدة سكنية تدميرا كليا او جزئيا يقتضي منا إيلاء ذلك أولوية قصوى بدعم من المجتمع الدولي كي يعود أهلها النازحون اليها". لنترك مفردة "موحدا" الى وقت آخر أيّها السيد العبادي، ولنركّز قليلا على "الدمار الهائل" الذي خلّفته العصابات الإرهابية والتي تعني بها تنظيم داعش الدموي بلا شك، لنسألكم عن الدمار الذي خلّفته العصابات الطائفية والتي ستدخل الى السلطة التشريعية من أوسع أبوابها، وأين هي من خطابكم هذا، أم أنّ الإرهاب مختلف عندكم عندما يتعلق الأمر بميليشيات من طائفتكم!!؟؟

وأنا أنظر الى العبادي بعين وهو يتوسل الى المجتمعين قائلا "وما نود التأكيد عليه ان العراق يمتلك مؤهلات النهوض بما حباه الله من موارد طبيعية وامكانات بشرية هائلة ومتخصصة في جميع مجالات العمل
والابداع وأيدٍ ماهرة ... "، فإنني أرى بالعين الثانية ملايين الطلبة دون مدارس، دجلة وجفافها، الأمراض وهي تفتك بالناس، المليارات في جيوب الدعاة والإسلاميين، مصادرة الأراضي والدور وحتّى المدارس من قبل العمامة، إنهيار الزراعة والصناعة، الجهل والتخلف والأميّة. أرى العمالة والخيانة وهما يقودان البلد. لم أرى العبادي وهو الذي عاد ليقول بعد إنتهاء المؤتمر وبخبر مسّرب من مجلس الوزراء  وبعد تأكيد البنك المركزي العراقي في المؤتمر ان "البنك المركزي العراقي اكد خلال مؤتمر الكويت عدم قدرة العراق على تحمل اي قروض أخرى بعد ما اقترض الحد الأعلى المقرر له في السنوات الأربع الماضية، وسيبقى يدفع القروض لستة عقود قادمة"، من أنّه يرفض "القروض الممنوحة للعراق في مؤتمر الكويت، مشيرا الى ان البنك الدولي اكد عدم قدرة البلاد على تحمل المزيد من الديون" .

العراق الذي دخلت خزائنه عهد حكمكم الإسلامي أكثر من الف مليار دولار، سيبقى يدفع فوائد القروض وأصولها لستة عقود قادمة.. هل أنتم كإسلاميين رجال دولة ؟؟؟؟

إرجع الى سلطتك، وإضرب بيد من حديد على أيادي كل الفاسدين وأنت تعرفهم واحداً واحدا، فعندهم من المال ما يكفي لإعادة إعمار العراق عشر مرّات إن لم يكن أكثر... ولكنني أشك بذلك كونك أداة من أدواة الفساد إن لم تكن هرما منه ..

من مال الله السخي حبيب الله .. لم نرى في الكويت أسخياء ولا كرماء، لكننا رأينا أذلاء وأذّلوا وطننا وشعبنا وهم يستجدون لا أب لهم بعدما ضيعوا مئات المليارات.

زكي رضا
الدنمارك
15/2/2018






182
تحيّة للقائد الظافر .. تحيّة لفهد في يوم الشهيد الشيوعي


وجهك وهو ينظر الى الأفق حالما بغد أجمل للعراق، سيكون مع الآلاف من رفيقاتك ورفاقك وهم يسيرون على خطاك لتحقيق هذا الغد الجميل، سيكون معهم في أقبية التعذيب، في معسكرات الإعتقال، في قطار الموت، في قصر النهاية، في أهوار الجنوب وجبال كوردستان، في القسم الشيوعي والنضال في سبيل الكادحين والوطن. وقامتك المنتصبة في المحكمة وأنت تشرح للحاكم ومن معه من الجلّادين برنامج الحزب مادّة مادّة وكأنهم تلاميذ عندك، ليقاطعك الحاكم بتحريض من معاون الجلاد بهجت العطية "الجلاد عبد الرزاق عبد الغفور" لتقول لهم "انكم تحاسبوننا على اهداف الحزب الشيوعي، أليس من حقي أن أبين ذلك لكم؟" ستكون زادا لرفيقات ورفاق الحزب الذين حوّلوا سجون العراق الى مدارس للوطنية، كما ستكون دافعا لأن يكونوا دائما منتصبي القامة وفي أحلك الظروف.

وأنت تجيب أحد الرفاق في سجن الكوت وهو يسألك عن عمرك قائلا "يبدأ عمري يوم دخولي الحركة الوطنية، أما الباقي فليس من عمري"، قلادة فخر لرفاقك وهم يتبعون خطاك " فعمرنا أيها الرفيق كشيوعيين يبدأ يوم حصولنا على عضوية حزبك، ولا ينتهي حتى بموتنا أو إستشهادنا". وعضوية الحزب تعني كما قلت، أن نكون وطنيين قبل أن نكون شيوعيين، ولأننا شيوعيين فإننا نشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطننا".

من أجل هذا الوطن بصق "الرفيق سلام عادل" بوجه المجرم "علي صالح السعدي" وهو يحتضر من شدّة التعذيب في قصر النهاية بجسارة القائد الشيوعي، ومن أجل هذا الوطن كان " الرفيق العبلي" يشتم الجلّادَين "خالد طبرة وسعدون شاكر" وهما يضعانه في حفرة مجهولة بهذا الوطن ليفرغ الثاني في رأسه المليء بحب الناس رصاصة. من أجل هذا الوطن تحرّك قطار الموت ومن أجله صمدت رفيقاتك ورفاقك في مسالخ قصر النهاية والشعبة الخامسة، ومن أجل هذا الوطن كانت قوافل الشهداء تنير الدرب. ومن أجل هذا الوطن كانت " بيرية حسن سريع" مدرسة أركان بالوطنية والإباء.

لقد علّمتنا أيها المعلّم أن تكون أصواتنا دوما عالية، ألست القائل صبيحة الرابع عشر من شباط والجلّادون يرحلوك من معسكر الحرس الملكي بأبي غريب ، الى ساحة المتحف حيث مشنقتك التي كنت أعلى قامة منها "الوداع يا رفاق.. انني في طريقي الى المشنقة". أهي صدفة أن تكون المشنقة في ساحة المُتْحَفْ، هل بشنقك كانوا يرمزون لشنق العراق!!؟؟ وهل الصدفة هي الأخرى جعلتك والجلاد "بهجت العطيّة" في فصل دراسي واحد بالمدرسة التبشيرية الامريكية وأنتم أطفال، لتقع بقبضته وهو رئيس للشرطة السياسية وتفقد حياتك، ولكنك وبفعل أفكارك التي حرّكت الجماهير وزرعت الوعي بالعقول، أسقطته يوم الرابع عشر من تموز.

اليوم أيّها الرفيق "فهد" بحاجة نحن الشيوعيين العراقيين، لهدوءك وصمتك وبخلك بالكلمات وأنت تحضر إجتماعات الحزب وتزدري النقاشات الطويلة والعقيمة مع من كنت تسميهم "شيوعيو المقاهي". اليوم نحن بحاجة الى شلال كلماتك التي لم تكن تبخل بها وأنت تشرح لرفاقك خط الحزب السياسي في المنعطفات التي كان يمر بها وطننا وشعبنا. إننا اليوم لبحاجة الى قائد مثلك يعترف حتى خصومه من أن لا هناك من "يبزّه في تجميع الناس وقيادتهم".

لقد ترجم رفاقك طيلة العقود الثمانية ونيف من عمر حزبك العتيد أفكارك الى زهور تملأ أرجاء الوطن من شماله الى جنوبه، لقد ترجموها الى ألحان لكلمات الناس في بحثها عن لقمة الخبز، لقد ترجموها الى مشاعل تنير درب عاشقي هذا الوطن الموبوء باللصوص والفاسدين، لقد ترجموها الى نجوم ترشد الناس نحو الخلاص لتقول "من يم ذوله العبره".

مجدا للرفيق الخالد فهد ورفاقه الميامين وهم يستصغرون الموت من اجل حزبهم وشعبهم ووطنهم، مجدا لشهداء حزبنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل غد أجمل لشعبنا وحرية وطننا. وكما يكلل التأريخ الشهداء بأكاليل الغار، فأن نفس التأريخ كلل ويكلل القتلة والخونة بالعار.

ومثلما قال الجواهري الكبير... تعاليت أيّها المقتدى وخلا الحيّ بعدك من سامر.

سلامٌ على جاعلين الحتوف ......................... جسراً إلى الموكب العابر
على ناكرين كرام النفوس ................. يذوبون في المجمع الصاهر
سلامٌ على مثقل بالحديد ........................... ويشمخ كالقائد الظافر
كأن القيود على معصميه ..................... مصابيح مستقبل زاهر
تعاليت من قدوة تقتدى ........................ ومن مثل ٍ منجح ٍ سائر
سمير الأذى والظلام الرهيب ...............خلا الحيّ بعدك من سامر ِ

زكي رضا
الدنمارك
11/2/ 2018



183
الجيشان العراقي والسوري حطب طموحات ولي الفقيه التوسّعية

     
بدلا عن الإهتمام بتوفير فرص عمل لشبابها، والعمل على تقليص مساحة الفقر بإستغلالها موارد البلاد النفطية وغيرها في بناء مشاريع تنهض من خلالها بإقتصادها الذي تأثر ويتأثر كثيرا بالحصار المفروض عليها. نرى حكّام إيران لا زالوا على خطى شعارهم الأول وهو تصدير الثورة الإسلامية، في وقت باتت هي نفسها ليست بمنأى عن ثورة شعبها ضد نتائج هذه الثورة وما سببته من حروب ومصاعب إقتصادية وعزلة دولية وغياب تام للديموقراطية والحريّات في بلدها.

إيران التي خرجت بإمتيازات غيّرت مواقف الكثير من قطع الشطرنج في السياسة الدولية من خلال إتفاقها النووي، باتت اليوم تشعر بخطورة عودة الشروط الثقيلة لتحجيم برامجها النووية والصاروخية نتيجة الموقف المتشدد للإدارة الأمريكية، المدعومة بموقف إسرائيلي قوي ورغبة إقليمية "خليجية" في تقليص مساحة تدخلاتها بشؤون بلدان المنطقة وتقليم أظافرها. فإدارة ترامب ماضية على ما يبدو للتنصل من الإتفاق النووي أو تقليصه ووضع شروط تعجيزية أمام تنفيذه على الرغم من المعارضة الأوربية والروسية للأمر علاوة على إعلان عزمها بشكل واضح للتدخل بالشؤون الداخلية الإيرانية إثر إنتفاضة الغلاء الأخيرة، وهذه السياسة هي من دفعت ساسة إيران وهم المعروفون بدبلوماسيتهم الهادئة في حل وإدارة الأزمات التي يواجهونها عادة وبالأخص الخارجية منها الى الخروج بتصريحات متشنجّة هذه المرّة.

هل المنطقة على أعتاب حرب جديدة؟ سؤال يجيب عليه السيد الحسين سلامي النائب العام للحرس الثوري " باسداران" الذي أعتبر في تصريح له نقلته وكالة " تسنيم " التابعة للحرس الثوري أمس " السبت" أن خيار الحرب " خيار واقعي ونستعد له"!!

أنّ ما يهمّنا هنا ليست الحرب وتوقيت إندلاعها وأهوالها فقط، والتي علينا كشعوب العمل على إجهاضها اليوم قبل الغد. بل العمل بنضالنا المستمر وبلا هوادة على إبعاد شبحها نهائيا عن المنطقة، التي دفعت وشعوبها أثمانا باهضة منذ مغامرة صدام حسين والخميني في إندلاع وإستمرار حرب الخليج الأولى، مرورا بحرب الخليج الثانية وإحتلال الكويت وإنتهاءا بما تسمى حرب تحرير العراق. خصوصا وأنّ هذه الحروب لم تكتف بتدمير إقتصاديات دول المنطقة وتخلفها، بل جعلتها مراكز لتفريخ وإنتاج أكثر المنظمات الإرهابية شراسة وهمجية ووحشية والتي ستستمر آثارها قائمة لسنوات طويلة.

فبعيدا عن التصريحات " العنترية " للمسؤول الإيراني حول قوّة إيران وأمكانياتها بتوجيه ضربات مميتة لجميع قواعد العدو العسكرية!! دون الأخذ بنظر الإعتبار التفوق العسكري والتكنولوجي الهائل للطرف الثاني أو الإستفادة من تجربة ورعونة النظام البعثي " المنهار" وتحدّيه الأجوف الذي أعاد بلدنا الى عصر ما قبل الثورة الصناعية، ولا إلى إمكانيات الدول الحليفة له في حال مهاجة إيران لهم، ودون ما تعنيه هذه الحرب من دمار وخراب لإيران وشعبها. نرى قادة إيران وهم في هذه اللحظة الحسّاسة من تأريخ بلدهم، يفكرّون بعقيلة وطنية وقومية يُحسدون عليها، عقلية يفتقدها ساسة كساسة العراق تحديدا والكثير من الساسة العرب.

المسؤول الإيراني وهو يهييء خطاب الحرب هذا، بدا كرجل سياسي وعسكري من طراز رفيع. فالرجل وهو يرى نذر الحرب قادمة للمنطقة. رمى وهو يهيأ بلاده للدفاع عن نفسها أولى كراته في العراق وسوريا، حينما قال: " "من غير المنطقي أن يحصر أي بلد نطاق أمنه داخل حدود بلده ونحن نعتبر الجيشين السوري والعراقي العمق الاستراتيجي لنا. وأفضل استراتيجية للاشتباك مع العدو تكون عبر الاشتباك معه عن بُعد".

هذا يعني أنّ العراق وسوريا ستكونان ساحة معارك دولة ولي الفقيه والساتر الأخير للسلطة في إيران، بالحفاظ على أمنها وإستقرارها وبناها التحتيّة. ومن خلال سياسة اللحظات الأخيرة والتي مارستها وتمارسها إيران منذ عقود ولليوم، فأنّ إمكانية وصولها الى تفاهمات تقيها دمار بلدها بعد دمار الجيشين السوري والعراقي وإستخدام شباب البلدين كوقود لأطماعها التوسعية وتصدير ثورتها إن إندلعت الحرب، أمر قائم جدا بل وواقعي.

لو كنت إيرانيا لرفعت قبّعتي عاليا لساسة بلدي وعسكرييه وعمائمه وهم يعملون على نقل معركة سلطتهم وطموحاتهم الى دول الجوار كالعراق وسوريا ليكون بلدي بمنأى عن شرور الحرب وأهوالها، ولو كنت عراقيا لرميت ساسة بلدي وعسكرييه الدمج والأميين وعمائمه في أقرب مكبّ للنفايات مصحوبين بلعنات شعبنا.

راحت رجال الحامض السمّاگي ... ظلّت "رجال" البعصا تنساگي


مقولة ذهبت مذهب الأمثال وتعني " غياب الرجال الحق وبقاء " الرجال" التي تساق بالعصا.

زكي رضا
الدنمارك
5/2/2017

184
بغداد الأزل بين الهزل والهزل


بغداد، مدينة ألف ليلة وليلة، مدينة الأنس والليال المزدانة بسميرّيات الأمراء وعلية القوم وهي تمخر عباب دجلة العباسّيين. بغداد، مدينة العجائب وبساط الريح وحكايا السندباد. بغداد، مدينة القصص وأبطالها من الأنس والجان. بغداد، المستنصريّة ومناظرات الفلاسفة. بغداد، سوق الورّاقّين ودار الترجمة. بغداد، علوم إبن الهيثم والرازي والخوارزمي وإبن حيّان. بغداد، شقاوة أبي نؤاس ومجون حمّاد وفحش والبة وتوبة أبا العتّاهية. بغداد، حِكَم الحيوان وأبن المقفّع وكليلته ودمنته. بغداد، مساجد وخمّارات. بغداد، تكايا ودور بغاء. بغداد، زبيدة والخيزران وعنان الجاريّة. بغداد، شاغلة الدنيا وشاغلة الناس. بغداد، " مدينة السلام بل مدينة الإسلام". بغداد، الرشيد والمأمون والخراج القادم إليها من أصقاع الأرض. بغداد، زوراء ولكنها أقرب الى القلب والعين والروح. بغداد، دجلة وطغيانها وأمومتها. بغداد، سُرّ من رأى قبل أن تُسِّرُّ أخرى من رآها. بغداد، الموسيقى والموصلّي وإبنه وإبراهيم بن المهدي، بغداد، الغناء و شارية ودنانير. بغداد، الجود والبرامكة. بغداد، طرفي جسر حيث مرقد صاحب المحنتين أبي حنيفة النعمان ومقبرة الخيزران. وموسى الكاظم الزاهد المسجون ومقابر قريش.

بغداد، محن وكوارث. بغداد، مغول وتتار وخيانات. بغداد، فرس وترك وديلم. بغداد، دمار وطاعون وفيضان. بغداد، قحط وجوع. بغداد، صفوية وسلجوقية. بغداد، جحافل بريطانية وسيخ وهنود. بغداد، ثورة العشرين. بغداد، وثبة كانون. بغداد، الإنتفاضات والجسر والشهداء. بغداد، باشوات وإقطاع وسراكيل وأكواخ خلف السدّة. بغداد، تموز وحلم ضاع. بغداد، شباط وقصور للنهاية. بغداد، تموز آخر وبداية موت سريري. بغداد، حروب وحصار. بغداد، نيسان وأمريكان. بغداد، عمائم وعشائر. بغداد، جثث تصعد الى السماء. بغداد، شيعة وسنّة. بغداد، كورد وعرب. بغداد، قصور وعشوائيات. بغداد، أطفال بلا آباء ونسوة بلا معيل. بغداد، جوع وفقر وعطش. بغداد، جهل وتخلف. بغداد، مافيات وميليشيات. بغداد، فساد وفساد وفساد.

نوحي بغداد، فها هاهو الزهاوي يصف ضعفك وكأنه اليوم:

قل لبغداد قد هُضِمتِ فنوحي ..... إنما أنت في أسار الطغاة
يكشف العار عنك حرّ ولكن ..... أين حرّ مرّ أخو عزمات؟

نوحي بغداد، فها هو الدعوي السارق والخائن والمرتشي " عبد الفلاح السوداني" حر طليق، وإعتبي على " موسى الكاظم" الذي زار هذا الأفّاق مرقده بعد أن برأه القضاء العراقي النزيه جدا!! وإسأليه كي تحركي عقول الكثير من المخدوع المؤمن: " أشو ما شوّرت بيه.. ليش" !!!!؟؟؟؟

إيه بغداد، بغداد الدعاة والمثنى والجادرية، بغداد الخضراء وسلطة السرسرية. بغداد مطارات النجف والناصرّية. بغداد الصبيان من تجّار المخدّرات وعصابات الخطف. بغداد الإسلاميين، راعيي الموت والمخدّرات والجهل والتخلف. بغداد العمالة والعمامة والذل والخيانة....

مع إعتذاري لشاعر مجهول أقول، وأنا أرى عهر الإسلام السياسي وخيانته للبلد :

إسلامي في الخضراء
بين أمريكي وآغا
يقول ما قالا له
كما تقول الببغا

زكي رضا
الدنمارك
1/2/ 2018




185

عفرين .. أسطورة ونشيد للحريّة

أبكيك عفرين وأنت تخوضين ملحمة الصمود والحرية والحياة، أبكي حاراتك التي تقاوم، مزارعك، بيوتك، أطفالك، أبكي ذلك الرشّاش الذي يسقط ملطخا بالدم من يد آلهة عفرينية، منتظرا يد أخرى تحمله وتقاوم. صلّوا على عفرين فالصلاة عليها خير صلاة. أذّنوا أن عفرين أكبر، من قامات السلاجقة وما يسمى بالعالم المتمدن. أصرخوا من على المآذن والكنائس أن : أين الله، هل لبس طربوش تركي أم أمتطى كأي يانكي حصانه ليقتل الأبرياء؟ عذرا عفرين، أنّه عصر الترك والأمريكان "الكلمة للنار والحديد والعدل أخرس أو جبان" (*) . أنظري إلينا بعيون صباياك وهنّ في خنادقهنّ يواجهنّ ملك الموت، عذرا نسيت فقد عرفت للتو، أن الترك أستنسخوا في مختبرات الغرب والشرق وبأموال رعاة الإبل ملك الموت ليصبح عندهم الف الف ملك... الا تصدّقين، إنصت لرجال دينهم من على المنابر، إنصت لدعاء القطيع وهو يرفع يديه الى السماء لنصرة البرابرة، أنّهم يشكرون الله على قتل الأطفال والنساء. لا تثقي عفرين بالغرباء فها أنا أسمع كنائس واشنطن وموسكو تدّقان أجراس الغفران من أجل نصر جنود السلطان.

جرحك بمساحة الكون يا عفرين، جرحك حزن غائر في الوجدان، جرحك أكبر من كل الأوطان بل من كل الأكوان. حزنك وصمة عار في جبين تجار الشعوب، حزنك طقس كوردي ممتد منذ الأزل، وسيظل جرحك ينزف روح ودم وجسد وبين جرح وجرح ألف جرح يا أقدس الجروح. جرحك وجع كوردي عميق، بعمق وديان كوردستان، جرحك شلّال آلام كشلالات كوردستان، جرحك آه بمساحة آهات البشر منذ الخليقة لليوم. الزناة يا عفرين يرفعون غصن الزيتون وهم يقذفونك بحمم النار، يا لعهرهم الا يعرفون من انك غابات للزيتون!!

بالأمس كانت كوباني، واليوم عفرين وفي الغد مدينة كوردية أخرى وبعد الغد والغد ستحذو مئات المدن حذوهما. فعفرين إمتحان جديد للثوار، وإمتحان جديد للسفلة والأشرار. وسينجح الإثنان، عفرين بصلابتها وعشقها للحرية، والسفلة بخزيهم وعار الهمجّية. هل يموت شعب له شراسة العفرينيات؟ هل يموت شعب تترك فيه إمرأة وليدها لتذهب الى ساحة القتال وهي تزغرد؟ هل يموت شعب يعلّم أبناءه نشيد الحياة في زمن الموت وفي ساحات القتال؟

عذرا عفرين، فأنا لا أملك غير الكتابة. وها أنا جالس الى حاسوبي في غرفة دافئة على بعد آلاف الأميال عنك و أثرثر مع نفسي، وأترجم ثرثرتي كلمات ... يا لبؤسي ويا لعاري.. ففي الوقت الذي تشعر به طفلتي بالدفء وهي في فراشها الوثير، هناك طفلة عفرينية تصرخ جوعا، تصرخ عطشا، تصرخ رعبا من أصوات مدافع الذئاب الرمادية، ومن أزيز طائرات الأخوان المسلمين. طفل يبحث عن أمّه .. عن أبيه .. طفل يبحث عن الله !!!

أيّها الكورد في كل مكان، إجعلوا من أسم عفرين تميمة لأطفالكم، أجعلوا منه مهد لهم، إجعلوا منه وسادة لعجوز هدّ الظلم حياتها، إجعلوا منه معول بيد رجالكم ليهووا بها على رؤوس أعدائكم، إجعلوا منه زهرة تزيّن أعراسكم، إجعلوا منه دبكة لرقصاتكم، إجعلوا منه موت يلاحق قاتليكم. لا تنسوا عفرين يوما، ولتكن دوما شرارة حقد تحرق كل من يمدّ يده ليدنس أرض كوردستان الطاهرة.

 
1.   
(*) مقطع من قصيدة "جيفارا مات" للشاعر المصري الراحل "أحمد فؤاد نجم".



زكي رضا
الدنمارك
26/1/2018



186
الشيوعيون وسائرون والإنتخابات ... ما العمل؟


أثار قرار قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالإنظمام الى قائمة "سائرون" والتي يقودها حزب "جديد" التأسيس، هو حزب الإستقامة الذي تشّكل بأوامر من رجل الدين "مقتدى الصدر" كخليفة لكتلة الأحرار النيابية المشاركة في السلطة ومفاسد هذه السلطة وميليشياتها منذ الأحتلال لليوم. لغطا كبيرا ليس في الشارع العراقي فقط، بل وفي داخل صفوف الحزب أيضا. وقد أفرز الأختلاف الداخلي وهو ما يهمّنا هنا إتجاهين داخل الحزب على صعيد القاعدة بشكل أكثر وضوحا منه على صعيد قيادة الحزب، أولهما إتجاه مع هذا التحالف الإنتخابي تحت مسوغات ومبررات مختلفة والثاني على الضد من التحالف بالأعتماد على مسوغات ومبررات مختلفة أيضا وتتقاطع مع الأولى. والإتجاه الثاني كان له طريقتان في التعبير عن الرأي، الأولى هو معارضة التحالف والوقوف ضده مع الألتزام الكامل بالنظام الداخلي للحزب، أي مبدأ الأغلبية والأقلية التي على الشيوعيين وهم يعملون داخل صفوف الحزب طوعيا الإلتزام والعمل به طالما هم محكومون بنظام داخلي ينظّم العلاقة بين الشيوعيين تنظيميا. والثانية وللأسف الشديد كانت في أتجاه عمد الى الأستفادة من وسائل التواصل الأجتماعي لتحشيد مواقف وآراء متشنجة وعدائية ضد موقف الحزب، مع معرفة هذا البعض طبيعة الوسط الذي يتحرك فيه ومدى عدائه للحزب إن أصاب "الحزب" أو أخطأ!! وهنا لا أرى أي مبرر لهذا البعض وهو يمارس "النقد !!" بشكل فوضوي وكأنه على عداء مسبق مع الحزب، كون الحزب ليس ملك لقيادته التي من حقّ أي شيوعي توجيه النقد لها، وليس ملك لهذا البعض ليعبّر عن "حرصه !!" في التشهير بسياسته بطريقة فجّة وبعيدة عن عرف العمل الحزبي. بل هو ملك لجماهير شعبنا التي ناضل من أجلها لأكثر من ثمان عقود.

لست هنا بصدد أحقية قيادة الحزب ومعرفة مبرراتها في تحالفها مع الصدريين من عدمه، لأنني ووفق قناعاتي الشخصية ضد هذا التحالف والذي عبّرت عنه في مجالي التنظيمي بقوّة وبصوت عال جدا، وسأستمر من خلال مجال عملي نفسه على التبشير بآرائي وإقناع أكبرعدد ممن أعمل معهم على نقد سياسة قيادة الحزب حول تحالفه هذا ومجمل  العملية السياسية برمتها من جهة، وتبديدها لطاقات الحزب وضياع شهور كاملة من عمله وهم يثقفون الجماهير ومنهم الجمهور الحزبي بتحالف مدني واسع وعريض لإنقاذ البلد، قبل أن يُتْرَك هذا التحالف ليكون عرضة للتشظي والأنقسامات من جهة ثانية.

لا شك أن فرص القوى المدنية على سعتها المجتمعية في إستقطاب جمهور الناخبين الناقمين على سوء أوضاع البلد في ظل قانون أنتخابات سُنَّ على مقاس قوى المحاصصة ومفوضية "مستقلّة !!" للأنتخابات طائفية وأثنية القوام وتمركز الإعلام والمال السياسي عند القوى الطائفية المدعومة من رجال دين وغيرها الكثير، اقول أن فرص القوى المدنية قليلة جدا إن لم تكن معدومة خصوصا وأنّ هذه القوى تشرذمت تحت ظروف مختلفة الى كيانات عدّة. ولا شكّ أيضا من أنّ مقاطعة الإنتخابات ستكون في صالح القوى الدينية الطائفية التي بدأت حملتها الإنتخابية منذ وقت ليس بالقصير، والتي لا تحتاج بالحقيقة الى دعاية إنتخابية. كون المدنيين واليساريين "والشيوعيين" يقدمون لها دعاية مجانية، لا تقل قوتها عن دعاياتها أو دعايات المؤسسة الدينية لها.

أنّ جمهور القوى الدينية ونتيجة الجهل والتخلف، علاوة على الوسائل غير الأخلاقية وغير القانونية في تحشيد الناخبين والمريدين ليس بحاجة الى جهد كبير لإقناعهم في إنتخاب نفس الفاسدين. فرجل دين مهما صغر حجمه، يستطيع من على منبر مسجد في مكان قصي بالريف من تحشيد المئات إن لم يكن الالاف من الجمهور الأمي وغير الواعي الى جانب أي سياسي طائفي. أقول يستطيع، كونه لا يخاطب وعي الناس التي تفكر بالبحث عن حقوقها وهي تعاني من شظف العيش وهدر كرامتها، بل يخاطبها بإسم الطائفة والدين الذي بإسمه سرقت وتسرق الأحزاب الإسلامية بلدنا وثرواتنا.

أمّا جمهور القوى المدنية، فهو جمهور واع ويشعر بما آل اليه وطنه وشعبه من مصير بائس. لكنه جمهور مشاكس ويخدم من حيث لا يدري القوى الدينية ويعمل على إستمرار نهج المحاصصة بالبلد، والتي يعرف بدقّة مضارها وآثارها الكارثية. وبدل من أن يثقف نفسه قبل كل شيء بكيفية إيجاد مخرج حقيقي لمأزق البلد، نراه يعمل على تثقيف الملايين التي "تجلس على التل" من خلال مطالبتها بعدم الإشتراك بالإنتخابات!! وهو بذلك يقف الى جانب القوى الدينية وعلى الضد من القوى المدنية وهنا تكمن الكارثة.

لنمنح القوى المدنية والعلمانية الديموقراطية واليسارية ومنها الحزب الشيوعي العراقي فرصة إنتخابية جديدة، لتغيير الشيء اليسير من المشهد السياسي الكارثي بالبلد. وليعمل الحزب الشيوعي على إقناع شركاءه في تحالف "سائرون" بفتح أبواب التحالف أمام "تقدم" و "التحالف المدني الديموقراطي" وأية قوى وطنية خيّرة أخرى لها مصلحة ببناء عراق مدني ديموقراطي علماني فدرالي موحد.

للشيوعيين الذي يعشقون التغريد خارج السرب أقول، لقد وضعتنا قيادة الحزب كشيوعيين في مفرق طرق. فأمّا أن نستمر برجم الحزب وموقف قيادته لنخسر كل شيء وليحاسبنا شعبنا جميعا لموقفنا هذا، وإما أن نترك خلافاتنا الى وقت آخر ونتجه صوب تثقيف الجماهير بضرورة الإشتراك بالإنتخابات وإنتخاب القوى والشخصيات المدنية . دعونا نوفر طاقاتنا بمحاسبة كل من أخطأ ويخطأ في رسم سياسة صحيحة للحزب الى ما بعد الإنتخابات. فحينها فقط سنجلس معا لنحسب الربح والخسارة، كوننا لسنا من أتّخذ القرار ولسنا من يتحمّل الخسارة خصوصا إن عَمَلنا على القيام بمهامنا الحزبية حتى موعد الإنتخابات على أكمل وجه.

المعركة القادمة معركة كبيرة، وعلى الخيّرين بهذا البلد أن يتسلّحوا بالوعي والهمّة والنشاط والجرأة. فأعداء شعبنا بالداخل والخارج ينتظرون حسم هذه المعركة لصالح نفس قوى الفساد، فهل سنخيب ظنّهم؟   



زكي رضا
الدنمارك
24/1/2018   






187
إن إنتفضت طهران إرتعشت بغداد



لولا حكم العمامة في طهران لما إستطاعت العمامة العراقية ومعها الأحزاب والميليشيات والعصابات الشيعية من بسط هيمنتها على مقاليد الحكم بالبلد، رغم فشلها في إدارة الدولة والمجتمع منذ الإحتلال الذي جاء بهم الى السلطة ليومنا هذا. هذه الأحزاب والعصابات وبإعتراف عرّابها أي مرجعية السيستاني وهو الراعي الرسمي لها منذ تزكيتها ورجالها اللصوص للتمكن من رقاب شعبنا، إعترفت بالأمس وهي تستقبل وفد من "شباب الوسط والجنوب" بفشل الإداء الحكومي الذي تمثل الاحزاب والعصابات الشيعية ركنا مهما منه مشاركة مع الأحزاب العائلية الكوردية والأحزاب الإسلامية والعصابات السنّية والبعث تحت واجهات مختلفة.

أنّ ممّثل السيستاني أي عبد المهدي الكربلائي قال في بيان نقله موقع العتبة الحسينية "جماران العراق" أنّ (هناك فشلا في الأداء الحكومي ويجب أن نقر ونعترف بهذا الفشل، ويجب التصحيح وإيجاد مواضع الإخفاق والخطأ)!! مضحك أمر مرجعية السيستاني والناطق بإسمه بتصريحهم هذا، كون الفشل الذي يتحدث عنه الكربلائي " السيستاني" لا يحتاج الى بيان رسمي وإجتماع مع وفود شبابية أو غير شبابية لإعلانه، لأنّ ما جاء به الكربلائي يعرفه حتّى الأطفال الذين لازالوا في أرحام أمّهاتهم ناهيك عن الأطفال الرضّع. فهل هناك شيء في هذا البلد المكتوي بنار عمائمكم لا يشير الى فشلكم وسرقاتكم وإستهتاركم بأمور البلد ومستقبله!؟ ليخرج السيستاني الى شوارع ومدن العراق ليرى بأمّ عينيه ماذا فعلت وصاياه لمريديه بإنتخاب اللصوص والقتلة والأميين، ودعنا ايها الكربلائي أن نسّهل عليه الأمر في أن ندعوه ليخرج الى فقراء النجف الأشرف حيث يسكن والى عشوائياتها ليرى حال شيعة علي في مدينة علي. وإستمر الكربلائي وبما يشبه النكتة التي تضحك الثكلى ليقول من أنّ (المرجعية تطالب في التدقيق بتجربة الانتخابات وما هي أوجه الفشل في هذه الممارسة الديمقراطية)!!!!، دعونا هنا نسأل المرجعية سؤالا واحدا لا غير وهو، من هي الجهة التي ستقوم بتدقيق تجربة الإنتخابات "الديموقراطية للگشر" لتصحيحها والبحث عن أوجه الفشل التي رافقتها لليوم ؟ هل أنتم كمرجعية دينية ، علما من إنكم لا تمثلون لا الكورد ولا السنّة ولا قطاعات واسعة من المجتمع الشيعي الذي تتهمون شبابه بالإلحاد حينما تقولون أنّ (من نتائج الأخطاء الماضية الانحراف الحاصل بين الشباب في موضوع الإلحاد وعملية انتشاره، بسبب الانحرافات والتأثيرات والتدهور الثقافي والاقتصادي في البلد). أم الأحزاب والعصابات التي تتحكم بالبلد عن طريق المحاصصة؟ أم القضاء غير النزيه والمرتبط برجال العصابات والمافيات تحت واجهات سياسية؟ لقد أثبتت سنوات ما بعد الإحتلال لليوم من أنكم جميعا أيها الشيخ الكربلائي "بربطة المعلم كما يقول المصريون" جزء من المشكلة ولستم جزء من الحل.

الشيخ الكربلائي، هل أنت واع لما جئت به في لقائكم مع هؤلاء الشباب؟ من المعيب عليكم كمرجعية دينية طائفية "كونكم مرجعية للطائفة الشيعية" أن تتحدثوا عن التدهور الثقافي بالبلد، لأنكم سبب رئيسي وأساسي في الأنهيار الثقافي بالعراق والذي يعتبر مركز الزلزال الذي يضرب كل القطاعات الإنتاجية ومنها قطاع الفكر والتعليم المنهار. فجعل جرار زراعي أو عمود كهرباء في بلد بلا كهرباء مرقد مقدّس دلالة على إنهيار ثقافي وفكري مريع سببه، الإسلام السياسي وجوقة العمائم التي تبشر به أو تلك التي تسكت عنه. ففي كربلاء حيث تسكن أيها الشيخ الكربلائي يضعون أمام الأطفال في رياضهم تابوت ليعلموا الأطفال البكاء والذّل منذ نعومة أظفارهم، فماذا تتوقع من طفل يعيش حالة الذّل مستقبلا، هل تريده أن يكون مثقفا وواعيا مثلا!!؟؟

(الوطن والمواطن والرجل الصالح) ثالوث يقول الكربلائي من أنه يحتل الأولوية في خطابات المرجعية!! دعونا نناقش مع الشيخ الكربلائي والمرجعية الامور الثلاثة التي جاء بها كلا على حدة لنرى إن كانت المرجعية جادّة فيما جاء به الكربلائي أم لا؟ عندما نتحدث عن الوطن علينا أن نرّكز على أمرين مهمّين فيه، أولّهما بناءه، وثانيهما الحفاظ عليه من خلال العمل على رفعته وإستقلاله ووحدته وعدم السماح لأيّة جهة مهما كانت من التدخل بشؤونه الداخلية. فهل العراق اليوم يحمل سمات دولة، وهل سعت الحكومات المتعاقبة "طائفية قومية" لبناء دولة مؤسسات والتي عليها إحترام الأنسان العراقي الذي جئت على ذكره كمطلب ثان لكم؟ والأمر المهم جدا من إننا كعراقيين نرى أنّ هناك تدخلا فجّا في شؤون بلدنا من دول عدّة ومنها دول إقليمية وجميع الدول المجاورة لنا ومن ضمنها إيران، فهل تستطيع المرجعية الإشارة الى التدخلات الايرانية في شؤون بلدنا ورسم سياسته والمساعدة على تشكيل حكوماته بعد كل إنتخابات!!؟؟ أمّا الرجل الصالح "فخلّوها سنطه والحچي بيناتنا".

في إيران اليوم تظاهرات ضد الفساد والفقر والبطالة والغلاء والجوع، والتي واجهتها وستواجهها سلطة العمامة هناك بالنار والحديد كون المعركة اليوم بين السلطة والشعب هناك معركة وجود وليست معركة عابرة. وإن فشل الشعب الإيراني هذه المرّة في تغيير الأوضاع نحو حياة أفضل نتيجة القمع الوحشي لأذرع السلطة البوليسية والعسكرية والميليشياوية، فأن هذا الفشل ليس سوى إستراحة مقاتل وتمرين لا بدّ منه لتظاهرات وإنتفاضات جديدة. لأن السلطة في إيران لا تغيّر من نهجها بما يخدم شعبها، فتدخلها بشؤون بلدان عدّة ومنها العراق وإستمرار حالة الإحتقان الجماهيري فيها نتيجة إرتفاع معدّلات الفقر والغلاء والبطالة خصوصا بين فئات الشباب، علاوة على قمعها المستمر للحريات. سيعيد هذه التحركات الجماهيرية الى الواجهة من جديد، وفي النهاية فأنّ الشعوب هي التي تنتصر وللشعب الإيراني ذو التأريخ الكبير في النضال خلال القرن الماضي صولات وجولات كان آخرها وأهمّها ثورته التي أطاحت بالنظام البهلوي.

اليوم وأنا أرى شباب إيران وهم من مواليد ما بعد الثورة أي الجيل الذي راهن عليه الخميني يتحدون سلطة العمامة في المدن الإيرانية المختلفة ومنها العاصمة طهران، وبهتافات الموت للديكتاتور وحرقهم لصور ولي الفقيه فيها. أجزم من أنّ عمائم العراق والأحزاب والعصابات الاسلامية ترتجف رعبا ممّا يجري هناك، كونها تعرف جيدا وهي التي ربطت وتربط حبل سرّتها في حضرة ولي الفقيه هناك، من أنّ رياح التغيير إن جاءت وفق ما تشتهيه سفن الإيرانيين التواقين للحرية، فأنهم راحلون الى مزبلة التأريخ وبقوّة لأنّ شعبنا عرف معدنهم الردي.

زكي رضا
الدنمارك
31/12/2017



188
تحذيرات وأمنية بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة


إحذروا معمّم يتحدث عن الله كثيرا، لأنّه مُرابٍ بإسمه. إحذروا معمّم يتحدث عن الحسين كثيرا، لأنه سارق لقوت الفقراء بإسمه. إحذروا معمّم يتحدث عن عدل علي كثيرا، لأنه يظلم الناس بإسمه. إحذروا معمّم يتحدث عن الرفق بالقوارير كثيرا، لأنّه يراودهنّ عن أنفسهنّ بإسم المتعة. إحذروا معمّم يتحدث باكيا عن الأيتام كثيرا، لأنّه أول من يسرق أموالهم. إحذروا معمّم يشتم يزيد كثيرا، لأنه سيكون يزيد آخر لو ظهر الحسين اليوم. إحذروا معمّم يتحدث عن آل البيت كثيرا، لأنّه ليس سوى جابي لأموال البسطاء بإسمهم. إحذروا معمّم يدّعي النصيحة كثيرا، لأنّه ربّ للضلال بإسمها. إحذروا معمّم يتحدث عن الإيمان كثيرا، لأنّه أكثر من جاحدٍ بإسمه. إحذروا معمّم يتحدث عن الأمانة كثيرا، لأنّه أكثر الناس خيانة بإسمها. إحذروا معمّم يتحدث عن الحرية كثيرا، لأنّه لا يريدكم الا أذّلاء بإسمها.

إحذروا إسلامي يتحدثّ عن النزاهة كثيرا، فهو ليس سوى سُفُول. إحذروا إسلامي يتحدث عن العراق كثيرا، فهو ليس سوى خائن له. إحذروا إسلامي يتحدث عن الإصلاح كثيرا، فهو ليس سوى فاسد. إحذروا إسلامي يتحدث عن محاربة الفساد كثيرا، فهو ليس سوى حيدر عبادي. إحذروا إسلامي يتحدث عن توفير الأمن كثيرا، فهو ليس سوى راع لميليشيا. إحذروا إسلامي يتحدث عن محاربة الرشوة كثيرا، فهو ليس سوى عبد فساد سوداني. إحذروا إسلامي يتحدث عن توفير الكهرباء كثيرا، فهو ليس سوى لص شهرستاني. إحذروا عن إسلامي يتحدث عن البطولة كثيرا، فهو ليس سوى نوري إسبايكري. إحذروا إسلامي يتحدث عن التعليم كثيرا، فهو ليس سوى إسم نكرة للأدب. إحذروا إسلامي يتحدثّ عن الصحّة كثيرا، فهو ليس الا شبيه لعديلة. إحذروا إسلامي يتحدث عن الزهد والتقشّف كثيرا، فهو ليس سوى عمّار وحكيم. إحذروا أنفسكم كثيرا كثيرا، لأنكم لستم سوى أصوات لبيع وطنكم وثرواته وكرامتكم ومستقبل أولادكم. إحذروا أنفسكم كثيرا كثيرا، لأنكم سبب تخلّف وجهل وأمّية أولادكم ومرضهم وضياعهم. إحذروا أنفسكم كثيرا كثيرا، لأنّكم من الشعوب النادرة الكارهة لأوطانها على مرّ التأريخ.

مع العذر لبالزاك أقول، حذار من معمّم وإسلامي يتحدثان عن الشرف كثيرا. وختاما أقول وبثقة، لا تحذروا معمّم وإسلاميّ يتحدثان عن إيران ولو قليلا، كونهما هنا صادقان وأمينان في ولائهما لها ولولي فقيهها وعلى الضد من مصالحكم ومصالح وطنكم.

لا أدري إن كانت جملة كل عام وشعبنا والعراق بخير ستغيّر شيئا من حال شعبنا ووطننا ونحن على أعتاب عام ميلادي جديد.. لكن لا يسعني الا أن أمنّي النفس بأن يعي شعبنا الحقيقة التي لا يريد رؤيتها ويعرف أنّ العمائم والإسلام السياسي هما كما قوى المحاصصة المجرمة الأخرى من أساطين دمار العراق.

زكي رضا
الدنمارك
24/12/2017
 

 




189
قوت الفقراء خط أحمر


أخيرا وصل صبر الجماهير في كوردستان العراق الى محطّته الأخيرة، وحدث ما حاولت قوى الفساد العائلية والعشائرية والحزبية على تأجيل إنطلاقته منذ الإحتلال الأمريكي للعراق لليوم على الأقّل. فالسياسات الخاطئة والتي وصلت الى مستوى الجرائم في الإقليم حرّرت الناس من عقدة الخوف من الآخر وهي تبحث عن قوت أطفالها، وهي تعاني من عدم صرف رواتب العمال والموظفين نتيجة أزمة الإقليم المالية الناتجة من فساد قادته من جهة ومن خلال سياسة الحصار التي أعلنتها الحكومة الإتحادية على الإقليم إثر عملية الإستفتاء من جهة أخرى.

قادة الإقليم ونتيجة ضيق أفقهم السياسي وتعاملهم مع الأحداث الجيوسياسية بصبيانية واضحة وتحالفاتهم الكارثية مع ألأحزاب الشيعية، وعدم جديتهم بتوحيد البيت الكوردي واللعب على الخلافات السياسية فيما بينهم بعقلية الهيمنة والإقصاء وعلاقات التبعية لإيران وتركيا. لم يستطيعوا أن يستثمروا الأوضاع السياسية والإقتصادية في الإقليم، وهم يمتلكون معابر حدودية ومطارات و17% من ميزانية الدولة العراقية ومساعدات من دول مختلفة والتي كانت كفيلة في حال إستثمارها علميا وبعيدا عن الفساد والقبلية والعشائرية والحزبية، في بناء تجربة رائدة على صعيد العراق والعديد من الدول. الّا إننا وللأسف الشديد نرى العكس تماما، فالإقليم لا يمتلك بنى تحتيّة وهو ميّت زراعيا ولم يتمكن لليوم من توفير سلّة غذاء وإن بنسب معقولة لمواطنيه، معتمدا على منتوجات زراعية تركية وإيرانية وحسب ولاء ساسته للدولتين وعلاقاتهم معهما وكذلك في القطاع الصناعي، ما كان سببا في ضياع مئات مليارات الدولارات كونه كما المركز أصبح مستهلكا فقط.

أوجه الشبه بين الإقليم والمركز عديدة وتكاد تتطابق في السلبيات جميعها كون الإيجابيات لا ترى بالعين المجّردة، الّا أنّ وجه الشبه الأكبر ونحن نتناول تظاهرات الجماهير هناك هو الطلب من الجماهير الكف عن التظاهر لأنّ هناك أجندة عند البعض ومنها سلطة بغداد للضغط على حكومة الإقليم!! وهذا الموقف هو نفسه موقف حكومة بغداد عند إنطلاقة التظاهرات المطالبة بالإصلاح التي إنطلقت في بغداد وبقيّة المحافظات، والتي طلبت من الجماهير عدم التظاهر لأن هناك أجندة من أجل إفشال التجربة الديموقراطية بالبلد !!!! كما وأنّ الطرفان يقولان في خطابهما للمتظاهرين من أنّ الوقت غير ملائم للتظاهر!! غير ملائم للتظاهر أيها السادة وفسادكم وصل الى حدود لا يمكن السكوت عنها بعد اليوم، ومتى سيكون ملائما بنظركم؟

أنّ الجماهير التي توجّه لها الأحزاب الحاكمة في كوردستان العراق وإعلامها الرسمي مختلف النعوت وعلى رأسها خيانة قضية الشعب الكوردي، هي نفسها التي خرجت قبل أشهر لتصّوت بنعم على الإستفتاء، وهي نفسها التي إنتظرت هذه السنوات لترى تجربتها التي ضحّى في سبيلها أجيال كاملة من آبائهم تتحقق، وهي نفسها التي تشعر بمرارة الهزيمة اليوم، وشبابها ولدوا بغالبيتهم بعد العام 1991 أي أنّهم أبناء السلطتين الكورديتين، فلمَ يتظاهرون ضدّها إذن؟ أنّ الجماهير وهي تتظاهر من أجل لقمة خبزها لا تختلف بشيء عن جماهير تونس والقاهرة وغيرها من العواصم، فالجوع يحرّك ماكنة الثورة والإنتفاضة من أجل الوصول الى المخابز ومن بعدها الحرية، وهذا ما لم يعيه حكّام تلك البلدان ولم تستفد منه الطبقة المخملية في كوردستان العراق.

عجلة التأريخ لن تتوقف عند أرحام بعض النساء من هذه القبيلة أو تلك العشيرة، بل تستمر كون أرحام نساء أخريات قادرة على إنجاب نساء ورجال لقيادة الدفّة. ونساء الكورد لا يختلفنّ عن نساء البارزانيين والطالبانيين في إنجاب قادة قادرين على قيادة الجماهير الى حيث شاطيء حريّتها وكرامتها. لكن على الجماهير اليوم وهي تتظاهر من أجل لقمة خبزها وأطفالها، أن تبتعد قدر الإمكان عن ممارسة العنف في تظاهراتها المطلبية العادلة للحفاظ على ما أنجزته هي من خلال نضالها الطويل من مكتسبات، ولكي لا تعطي مبررّا للآلة القمعية للسلطة في إستخدام العنف المضاد تجاهها.

لتكن تظاهرات الجماهير ضد سلطتين، سلطة الإقليم وسلطة بغداد كونهما شركاء في جريمة تجويع شعب كوردستان العراق والشعب العراقي بأكمله. أنّ سلطة بغداد الطائفية ليست أقلّ سوءا من سلطة الإقليم، وليس من حقّها مطلقا أن تتشفّى بالمآل التي وصلت إليها الأوضاع في الأقليم نتيجة سوء تقدير قادته للأوضاع فيه وفي العراق والمنطقة. وعلى العراقيين إن كانوا يريدون العيش بكرامة، أن يحذو حذو إخوتهم في كوردستان العراق. فالأوضاع عندهم ليست أقلّ سوءا من أوضاع الإقليم، فهم وبفضل الأحزاب الشيعية الحاكمة يعيشون على هامش الحياة بعد أن سرق الإسلاميون منهم حتّى كرامتهم.

زكي رضا
الدنمارك
21/12/2017
 

 

 


190
حزب الدعوة يدعو الى الإرهاب


إذا كان الساسة العراقيين المهيمنين على المشهد السياسي على إختلاف قومياتهم ومذاهبهم ومدارسهم الفكرية منذ الإحتلال، فشلوا لليوم في إيجاد هويّة وطنية لبناء وطن لكل مكونات شعبنا العراقي، فأنّ تسويق مرجعية دينية أو رجل دين واحد على أنّه يمثل كل الإختلاف الموجود والقادر على بلورة هويّة وطنية متجانسة لبناء جديد للعراق أو بناء عراق جديد، هو إستمرار لحالة الإحتقان التي لم ولن تنتج الا الفساد والعنف وضياع الهويّة الوطنية.

فالعراق اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، أمّا أن يكون علمانيّاً ديموقراطياً ليبدأ عهداً جديداً تكون أولى مهامّه بناء هوية وطنية لشعب مزّقته الطائفية، أو إسلامياً طائفياً وإستمرار الأوضاع على ما هي عليه اليوم وجنوحها نحو الأسوأ. فأي الخيارين هو القادم والعراق يحسم معركته ضد تنظيم داعش عسكرياً مع تأجيل المعركة الفكرية معه وهي الأهم الى مستقبل غير منظور؟

لقد تدخلت مرجعية السيد السيستاني ومنذ اليوم الأول لدخول القوات الامريكية بغداد وإحتلالها بالشأن السياسي، فتدخلت في كتابة دستور حمّال أوجه لا زال البلد يعاني من كثرة تناقضاته. وإستغلّت مركزها الديني وغياب الوعي عند الجماهير، لتوجّه هذه الجماهير على الضد من مصالحها ومصالح البلد في إنتخاب الفاسدين بكل إنتخابات. وحتّى عندما صرّحت من أنّ المجرّب لا يجرّب فأنّها تلاعبت بالكلمات من أجل إستمرار حالة الفساد، فالسيد السيستاني كان عليه أن يكون صريحا مع الناس إن كانت تهمه مصلحة الوطن، ويقول أنّ المجرّب الذي يعنيه هو ليس فردا بل قائمة إنتخابية بأكملها. لأنه بتصريحه هذا يعني محاربة فاسد واحد أو عشرات الفاسدين من الذين جرّبهم شعبنا، لكن الحقيقة التي يعرفها السيد السيستاني ويتغاضى عنها من أجل إستمرار سلطة الإسلاميين الفاسدة هي أنّ القوائم الإسلامية فاسدة بسياستها وبرامجها وبكل شخوصها وليس بعض منهم وما وصل اليه البلد اليوم من خراب على مختلف الصعد لدليل دامغ على فسادهم.

في الوقت الذي كانت فيه عصابات داعش تحتل العديد من المدن والبلدات العراقية نتيجة فساد ساسة العراق وطائفيتهم وتهدد مدن أخرى وعلى رأسها العاصمة بغداد، أفتى السيد السيستاني بفتوى الجهاد الكفائي لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي. والجهاد الكفائي هو، الجهاد الذي لو قام به العدد اللازم لسقط التكليف عن الآخرين فيكون وجوبا على الجميع حتى يبلغ الأمر كفايته، وهذا ما أكّده السيد السيستاني نفسه في ردّه على أحّد مقلديه حول إستمرار الجهاد الكفائي بعد تحرير الكثير من المدن والبلدات والمناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، حينما قال بحسب مكتبه "قد افتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوبا كفائيا للدفاع عن الشعب العراقي وارضه ومقدساته، وهذه الفتوى ماتزال نافذة لاستمرار موجبها، بالرغم من بعض التقدم الذي احرزه المقاتلون الابطال في دحر الارهابيين". وقد ساهمت تلك الفتوى بالإنتصار على داعش عسكريا بعد أن لبّى الآلاف من مقلّدي السيد السيستاني وغيرهم ممّن تهمهم مصلحة وطنهم وشعبهم فتواه تلك وحملوا السلاح الى جانب قوات الجيش والشرطة الإتحادية. الّا أنّ الأمر الذي لم "ينتبه" له السيد السيستاني هو أنّ الميليشيات الشيعية والتي كانت موجودة وساهمت في الإقتتال الداخلي الى جانب الميليشيات السنية وشاركت في مهام خارج حدود البلد خدمة للمشروع الإيراني، قد تشكلت قبل إعلانه الجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي من قبل قادة هذه الميليشيات والمتطوعين وعلى غرار القوات الإيرانية غير النظامية أي الحرس الثوري وقوات التعبئة "الپاسداران والبسيج").

اليوم وإعلان ساعة الإنتصار على داعش عسكريا قد حددّه السيد رئيس الوزراء بنهاية العام الجاري فهل سينتهي مفعول الجهاد الكفائي وحلّ الحشد الشعبي بعد زوال مسبباته، أم أنّ للحشد الشعبي كميليشيا غير نظامية على الرغم من دمجه بالقوات المسلحة العراقية لغاية في نفس " قاسم سليماني" دور آخر؟ وهل إنضم المقاتلون العراقيون إبّان ثورة العشرين والذين قاتلوا القوات البريطانية المحتلّة بعد فتوى الجهاد الكفائي وقتها الى الجيش العراقي لاحقا؟ وهل إستمرّوا كميليشيا كما اليوم؟

في الكوارث وبأي بلد بالعالم يتحرك الجيش والمتطوعين للمساعدة في إنقاذ المنكوبين وإعادة إعمار ما دمرّته تلك الكوارث، والعراق ليس إستثناءا. فالجيش العراقي كان يهبّ لمساعدة أبناء الوطن ومعه جيش من المتطوعين أثناء الفياضانات التي كانت تهدّد العاصمة بغداد وغيرها من المدن إبّان العهد الملكي. لكن اليوم والكارثة ليست فيضانا يهدد مدينة أو بلدة أو قرية، بل فيضان من الفساد والسرقة والرشوة والخيانة يهدد بلدنا المنكوب بأكمله، فأنّ الفاسدين واللصوص والمرتشين والخونة يريدون للمتطوعين تحت مسمى " الحشد الشعبي" معركة غير معركة البناء. أنّهم يريدون للميليشيات المنضوية تحت مسمى " الحشد الشعبي" معركة ضد قوى وطنية مساهمة في العملية السياسية بالبلد، قوى لم تتلوث لليوم كما قوى المحاصصة ومن ضمنها القوى الشيعية وميليشياتها وعصاباتها بأمراض الفساد والنهب والسرقة والخيانة للأجنبي.

إنّ مطالبة "الحشد الشعبي" بإعلانه الجهاد الأكبر من قبل حزب الدعوة الحاكم أمر علينا الوقوف عنده طويلاً، لأنّ الجهاد الذي يعنيه هذا الحزب الموالي لإيران هو ليس جهاد البناء أو الجهاد ضد الفساد والأمّية والتخلف، هو ليس جهاداً من أجل منع تصحّر الأرض والأخلاق وإعادة العافية للإقتصاد العراقي، هو ليس جهاداً من أجل رفعة الوطن وكرامته. بل هو جهاد من نوع آخر، جهاد مخالف للدستور، جهاد يحرّض على الإرهاب، جهاد إن بدأ فسوف يقضي على آخر أمل ببناء عراق معافى ومستقل. فالجهاد الذي يبشّر به هذا الحزب الخياني هو جهاد ضد قوى وطنية عراقية مساهمة بالعملية السياسية على علّاتها، قوى لم تسجّل بحقها حالات فساد وسرقة للمال العام، قوى لا تمتلك ميليشيات وعصابات تدربّت وتتدرب في الجوار الإقليمي. الجهاد الذي يريده هذا الحزب هو جهاد ضد الشيوعيين والعلمانيين الديموقراطيين والمدنيين، وكمحاولة منهم لإقناع الجماهير التي بدأت تعرف أساليبهم الملتوية بالحكم وفسادهم بعد أربعة عشر عاما من سلطتهم الفاسدة فأنّهم وضعوا الفاشيين البعثيين في نفس الخانة معهم. وكأن الجماهير لا تعرف نضال الشيوعيين الطويل من أجل وطنهم وشعبهم، ولا تعرف ما عاناه الحزب على أيدي البعثيين المجرمين من جرائم.

إن بدأت معركة حزب الدعوة وميليشياته تحت مسمى الحشد الشعبي ضد القوى الوطنية العراقية تحت حجج واهية، فإنّ السيد السيستاني وهو صاحب هذه الفتوى والذي عليه إعلان فتوى جديدة تبطل الأولى لإنتفاء الحاجة إليها والعراق ينتصر في معركته ضد عصابات داعش الإرهابية. سيكون مسؤولا أمام الله والوطن والناس والتأريخ عن كل قطرة دم ستراق بالعراق. إنّ دعوة حزب الدعوة الحاكم لميليشيات وعصابات الحشد الشعبي وهنا لا نعني المتطوعين منهم، لأن "يتسلحوا ويتهيئوا لمعركة أكبر من المعركة ضد داعش" دعوة صريحة للإرهاب ومنه الإرهاب الفكري الذي منعه الدستور العراقي.

على القوى الوطنية العراقية في تحالف "تقدم" ومنها الحزب الشيوعي العراقي ولمواجهة تهديدات حزب الدعوة الحاكم وأذرع الإسلاميين العسكرية وعصاباتهم الخارجة على القانون، أن يتظاهروا ويعقدوا الندوات والإجتماعات واللقاءات مع مختلف شرائح شعبنا لزيادة الضغط على هذا الحزب، كما عليهم أن يسارعوا بتقديم شكوى رسمية الى المحكمة العراقية العليا، وإستنادا الى ما جاء بالدستور وفقا للمادة السابعة الفقرة أولا، والمواد 14 و15 و16 ، والمادة 38 الفقرة أولا، والمادة 46 .

"السادة" في حزب الدعوة الحاكم، إنّ الفساد ،السرقة، نهب المال العام، خيانة البلد، إستشراء الرشوة، إزدياد رقعة الفقر، نسب البطالة العالية وسن قوانين تزويج القاصرات وتفخيذ الرضيعات، هي بمجموعها رذائل. وهذه الرذائل تأتي منكم ومن تيّاركم الإسلامي وفتاوى رجال دينكم، وليس من جانب الشيوعيين والمدنيين والعلمانيين الديموقراطيين.

ختاما يقول لابرويير "إنّ الوطن لا يمكن أن يعيش في الإستبداد" وأنكم أيّها الإسلاميون تقتلون الوطن، تقتلون العراق لتحيا إيران، فمن هم العملاء؟


زكي رضا
الدنمارك
11/12/2017
 



191

تاهت طرق تحرير القدس بين عبّادان وكربلاء

القدس عروسة العروبيين الذين إتّخذوها دكّة يُجلِسون عليها جماهير العاطلين في بلدان العروبة، القدس حشيشة الأنظمة الفاشلة تُدّخن في مقاه روّادها حشّاشون وشاذّون جنسيا، القدس فتاة أدخل الساسة عليها "كل زناة الأرض" فأُغْتُصِبت وتوضّأ بدماء بكارتها المسلمون في المساجد، القدس درب حرير لتجّار القصور والعوّامات، القدس إسراء محمّد ومعراجه و ما ورثناه من عركات قريش، القدس مسيح يُصلب ويهوذا يخون، القدس ضحكات أمراء النفط في أحضان عاهرات العلب الليلية، القدس وجع أطفال يولدون في مخّيمات ويكبرون في مخّيمات ويموتون في مخّيمات، القدس فجر بعيد كون ليلنا بلا فجر، القدس قمر يغطيه دخان آبار النفط القادم من مدن الصحراء، القدس حفلة رقص بدوي وسيف بدوي ورؤوس مقطوعة، القدس مهد مات فيه ألف مسيح ومسيح، القدس الف مريم هزّت النخلة ولم يتساقط على أبنائها رطب شهيّا، القدس صلاة ميْت لشرف مسجّى في ماخور والإمام قوّاد، القدس كوفّية جعلها الحكّام على خصر راقصة في ليلة حمراء، القدس هلال غرق في البحر الميّت، القدس صليب فُجِّر بالسلام عليكم قبل أن يُفجَّر بشالوم، القدس مفتاح بيت عند نازح في مكان ما، القدس مدينة المدائن التي أغلقت أبوابها بوجه المصلّين، القدس كنيسة القيامة في يوم القيامة، القدس شهيق وزفير فإختناق، القدس عويل وبكاء، القدس دموع رضيع جائع أُغتصبت أمّه ودفنت حيّة، القدس روح الله المصلوب، القدس تحمل صليبها ولا رجل كالقيرواني ليعينها على حمله، القدس لسان المسيح وهو يقول "يا أبتي إغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون".

لا أيها السيد المسيح، فنحن ندري ماذا نفعل بالقدس، نحن نغتصبها ونعذّبها ونبيعها كأمة في سوق الجواري، القدس عنوان خيباتنا وجبننا وصلاتنا خلف إمام مأبون، القدس عنوان نذالتنا وضعفنا وذلّنا الأبدي، القدس عندنا قرآن في بيت زنديق، القدس عندنا إنجيل معلق على صليب، القدس عندنا أجيال من الهزيمة، القدس عندنا خيام بأرقام، القدس عندنا جوع وفقر ومرض، القدس عندنا حروب يقودها قادة دونكيشوتيون، القدس عندنا حسابات مصرفية في واشنطن، القدس عندنا إنحناء وتقبيل حذاء سيد البيت الأبيض، القدس عندنا دفع أتاوات لرجال اليانكي، القدس عندنا بلا خارطة.

القدس تاهت بين حملة الشعارات، فصدّام أراد تحريرها عبر عبّادان بجيش هو جيش القدس! ووليّ الفقيه يريد تحريرها عبر كربلاء الحسين بفيلق هو فيلق القدس! لينتحر جيش القدس في صحراء الكويت، وليتوجه فيلق القدس الى كل مكان الّا القدس! الوحيدون الصادقون مع القدس هم أمراء النفط ، كون القدس عندهم دشداشة خلعوها منذ زمن بعيد.

عذرا فيروز فقد هوت مدينة القدس، ولم تستوطن الحرب ولن تستوطن، صلّي حيثما أنت فيروز فلن تُفْتَح أبواب القدس بعد اليوم فقد "سقط الحقّ على المداخل"، دقِّ بكل قوّة على أبواب القدس لكنها لن تُفتح لك بعد ساعتنا هذه، ولن يغسل يا فيروز نهر الأردن "آثار القدم الهمجية"، الضعفاء والجبناء أمثالنا لا يستطيعون يا فيروز أن يُهزموا وجه القوّة، والبيت ليس لنا والقدس ليست لنا....

وداعا "يازهرة المدائن"

زكي رضا
الدنمارك
7/12/2017
 

 


192
شهرزاد بين المعتمد العبادي وحيدر العبادي


في منتجعه الصيفي على السواحل اللازوردية بالريفيرا الأرستقراطية، جلست شهرزاد في حضرة الملك المعظّم لتروي على مسامعه حكايتها لليلة الثالثة بعد الألف، وبعد أن غادر الخدم والحرس القاعة الملكية حيث مخدع شهريار، بدأت شهرزاد حكايتها :

يروى أيها الملك السعيد ذو الرأي السديد، أنّ الفساد بعد قرون في بغداد حيث ملكك اليوم قد شاع على يد قطّاع طرق كانت لهم مغارة كبيرة جدا تسمى المغارة الخضراء.  واللصوص هؤلاء سيدي الملك لم يكونوا يتواروا نهارا كما لصوص اليوم  ليخرجوا ليلا وينهبوا الناس والطرقات، بل كانوا هم من يحكم بغداد في عهد إنحطاطها ذاك والذي أطلق المؤرخون عليه عهد الإنحطاط الإسلامي. والملفت للنظر مولاي الملك أن الناس وقتها هم من كانوا ينتخبون اللصوص بفتاوى من رجال الدين، كما وأنّ رجال الدين أنفسهم كانوا على رأس هؤلاء اللصوص ويبررون سرقاتهم واللصوص بحيل لم تخطر حتّى على بال إبليس ويسمونها حيل شرعية.

لقد وصل الفساد والنهب للمال العام والبلد بعد أربعة عشر عاما من حكم رجال الدين واللصوص الذين معهم الى مستوى لم يشهده أي بلد من بلدان العالم، حتى باتت بغداد التي تنعم بالكتاتيب والمارستانات والحمّامات والبازارات والأمن عهد حكمك الرشيد اليوم، مدينة أميّة ومريضة ولا ماء فيها والأمن فيها مفقود. وخوفا من أن يستفيق الناس من نومتهم بتأثير ترياق رجال الدين للدفاع عن مصالحهم والفساد يلف البلد من أقصاه الى أقصاه،  إجتمع البعض من اللصوص بأوامر من رجل دين كبير عندهم وتدارسوا الأمر فيما بينهم وأتفقوا على "محاربة" الفساد !!! فهل اللصوص هؤلاء كانوا فعلا يريدون "محاربة" الفساد؟ وهل كانوا قادرين على الوقوف بوجه زعمائهم من اللصوص والفاسدين؟ وهل محاربة الفساد ممكنة من خلال رجل كان حتّى الأمس القريب ولليوم عنصر مهم من العصابة نفسها، ويعرف عنه رفاقه الكثير من الزلّات والهفوات التي من خلالها يستطيعوا أن يضعوه في "خانة اليك" كما في لعبة النرد.

عدّلت شهرزاد من جلستها بين يدي  شهريار والليل ينزوي في ركن من السماء تاركا الفجر يغزل خيوطه ليعلن نهار جديد على تلك الشواطيء الساحرة لتقول: قريب من هذه الشواطيء، دخل "المعتمد العبادي"  صاحب قرطبة وإشبيلية الحمام يوما وكان ثملا، وأمر أن يدخل النحلي الشاعر معه، فجاء النحلي، وقعد في مسلخ الحمام حتى يستأذن له، فجعل المعتمد العبادي يحبق "يضرط" في الحمام، وهو خال، وقد بقيت في رأسه بقّية من السكر، وجعل كلما سمع دويّ حبقته، يقول: الجوز، اللوز، القسطل، ومرّ على ذلك ساعة، الى أن تذكّر النحلي، فدعا به، فلمّا دخل، قال له، من أي وقت أنت هنا؟ قال: من أوّل ما رتّب مولانا الفواكه في النصبة (النصبة مائدة ترتب فيها الفاكهه) * فضحك شهريار ونظر الى عيني شهرزاد ليعرف نهاية الحكاية ، فقالت: أنّ العصابة بخضراء بغداد أيها الملك السعيد إنتخبت من بينها رجلا إسمه "حيدر العبادي" ليتقدم الصفوف في محاربة الفساد!! متناسية عن قصد وعمد وضحكا على ذقون الناس، أن (حيدر العبادي) كان في جوقة الفساد منذ أن رُتّبَت النصبة،  الّا أنّه وبدلا عن جوز ولوز وقسطل  (المعتمد العبادي)  يقول الكوميشينات، المشاريع الوهمية، سرقات النفط، والفساد على مختلف أشكاله.

وقتها نظر الملك من خلال النافذة الى أمواج البحر وهي تضرب الشاطيء اللازوردي بلطف، إذن فمملكتي التي عمّرتها اليوم سيخربها اللصوص مستقبلا، فأجابت شهرزاد: نعم أيها الملك السعيد سيخربّها اللصوص المؤمنون وتصبح بغداد الزاهية اليوم أثر بعد عين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

* نفح الطيب 3/234 .   

زكي رضا
الدنمارك
2/12/2017 

193
لا إنتصار على الفساد في ظل المحاصصة

السؤال الذي شغل ويشغل بال الكثير من المتابعين والمراقبين للمشهد السياسي العراقي منذ بدء الحرب الفعلية ضد تنظيم داعش الإرهابي كان ولايزال، ماذا بعد داعش؟ هل هو البناء وإصلاح النظام السياسي عن طريق ترسيخ الديموقراطية الحقيقية لمواجهة خطر أكبر من خطر داعش بكثير وهو الفساد، أم الإستمرار بالحلول الترقيعية وإستمرار الفساد عن طريق إعادة إنتاج النظام السياسي لنفسه من جديد؟

لا يمكن محاربة الفساد في أي بلد الا بأسلوبين لنظام الحكم، أولهما أن يكون النظام السياسي فيه ديموقراطيا يعتمد الصراع بين الأحزاب فيه على برامج سياسية تخاطب عقل الناخب. والذي سيُنتج كما حال العديد من البلدان الديموقراطية حكومات تكنوقراط تعتمد الشفافية في محاربتها للفساد وتعمل على ترجمة برامج حزبها أو أحزابها  في حال الحكومات الإئتلافية، بما يخدم مصالح البلد أولّا والجماهير التي صوّتت لها وحتّى تلك التي لم تصوت لها، والا فأن الناخبين سيعاقبونها "حزب أو تحالف" في الأنتخابات التي تليها. أما الأسلوب الثاني هو أن يكون النظام السياسي قمعي ويدار من قبل حزب حاكم واحد أو عائلة ولكن الأسلوب هذا ليس كما الأول أي لا يعالج المشكلة من جذورها، لأن القوى التي تحارب الفساد سوف تغضّ النظر عن فساد أعضاء حزبها وعوائلها. بمعنى آخر فأن الفساد سيكون متاحا فقط للنخبة ومن يريد النظام السياسي شراء ولائهم، وهنا نعني فساد الحيتان الكبيرة وليس صغار الفاسدين في الدوائر الرسمية للدولة رغم خطورة الأثنين على إقتصاد البلد وحياة الناس. 

الأساس الذي تم بناء العملية السياسية بالعراق عليه كان أساساً خاطئاً، لذا فأنّ أيّة حلول أو مقترحات حلول تنبع من هذا النظام السياسي لمحاربة الفساد سوف تصطدم بلا شك بجدران كونكريتية تدعى جدران المحاصصة. فالمحاصصة كنظام والتي رافقت "بناء" عراق ما بعد البعث لليوم، لم تستطع أن تقدم بديلا أفضل من نظام البعث على مختلف الصعد، هذا إن لم تكن قد قدّمت الأسوأ في بعض الملفات ومنها بل وعلى رأسها هو ملف الفساد. فالنظام البعثي كان نظاماً شمولياً إعتمد الحزب "البعث" كواجهة لسلطته القمعية قبل أن يتخلى عنه لصالح المناطقية فالعائلية لينهيها بسلطة الفرد الواحد، الدكتاتور. والدكتاتور الذي كان يمتلك الكلمة العليا في العراق قنّن الفساد لصالح النخبة المقرّبة منه ومن حاشيته، الا أنّه كان يضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه ممارسة الفساد بعيداً عن تلك الدائرة خصوصاً أثناء الحصار لحاجته الماسّة بعدم إنفجار الجماهير ضده، في وقت كان النظام فيه يشعر بمدى كراهية الشعب له من جهة وتدخل القوى الدولية والإقليمية للتعجيل بنهايته من جهة أخرى. ولأن النظام القائم ببغداد اليوم لا يحمل السمات التي كان عليها النظام السابق من مركزية السلطة وما تمنحها هذه المركزية من "قوّة" في إصدار تشريعات وقوانين من قبل رأس السلطة لمواجهة الفساد كتلك التي كان يصدرها الدكتاتور عند حاجته إليه، فأنه "النظام اليوم" غير قادر على خوض معركة الفساد والإنتصار فيها.

كون النظام القائم ببغداد اليوم ليس بنظام شمولي ولا يقوده حزب لوحده، لا يعني مطلقاً من أنه نظام ديموقراطي. فالنظام السياسي اليوم هو نظام مشوّه بنيويا ويعتمد على أسوأ أشكال الديموقراطية في حكمه للبلد، هذا إذا أعتبرنا أنّ ما يسمى بالديموقراطية التوافقية التي أنتجت وتبنت نظام المحاصصة والتي أنتجت بدورها آلاف الجرائم بحق العراق وشعبه طيلة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم هو شيء من الديموقراطية. لقد أفرز نظام المحاصصة وسوء إدارة الدولة وغياب القانون وعدم حيادية القضاء وروح الإنتقام، نظاماً سياسياً على درجة عالية من الكفاءة بنهب المال العام لصالح القوى السياسية التي تمثل هذا النظام المشوّه. هذا النهب المنظّم لا يأتي الا بوجود منظومة فساد واسعة و محميّة بقوانين وتوافقات وعصابات مافيوية تديرها أحزاب وميليشيات مسلّحة، وهذه كلها جزء من نسيج النظام نفسه. لذا فأن مواجهة الفساد ومحاربته لا يمكن أن يقودها ساسة من داخل النظام السياسي نفسه، لأنهم سيصطدمون حينها بأحزابهم وميليشياتها ولأنها تعتبر مروق عن النهج السياسي السائد. علاوة على أنّ من سيتصدى منهم للأمر وهو جزء من الهرم السياسي منذ الإحتلال لليوم ساهم بشكل أو بآخر بإستشراء الفساد، ولمناوئيه ملفّات فساد وغيرها ضدّه.

أنّ تجديد عمل المفوضّية "المستقلة" بنفس نظامها السابق وسن قانون إنتخابي بما يكرّس من نظام المحاصصة، سوف يعيد دورة حياة الفساد من جديد.  بل بشكل أكبر وأكثر شراسة بعد أن منح "القانون" وعلى الضد من الدستور الحق لميليشيات شبه نظامية تأتمر بأوامر إقليمية بتشكيل أحزاب وخوض الإنتخابات القادمة. فهذه الميليشيات وبعد هزيمة داعش تريد الحصول على حصّتها من كعكة السلطة، ولا طعم حقيقي لهذه الكعكة دون فساد.

العبادي حتى وإن كان جاداً بمحاربة الفساد، الا أنه سيصطدم بالكثير من مناوئيه الأقوى منه وعلى رأسهم أعضاء حزبه المتنفذين.  وعليه فلا حل بإنهاء الفساد وبدء دورة حياة جديدة لوطننا وشعبنا الا بقبر المحاصصة وإقامة النظام العلماني الديموقراطي ببناءه دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وإبعاد الدين عن التدخل بالشأن السياسي.

زكي رضا
الدنمارك
25/11/2017 

194
متى يشرعن البرلمان العراقي قانون تفخيذ الرضيعة والتمتع بها!؟


إرتفعت أصوات عراقية عديدة من الداخل والخارج مطالبة البرلمان العراقي بعدم تشريع قانون جديد للأحوال الشخصية أو إجراء تعديلات على القانون رقم 188 لسنة 1959،ولكن وفي المقابل فأنّ الإسلاميين من أعضاء البرلمان ماضون على ما يبدو في تشريع القانون الذي ينتهك طفولة الإناث الصغيرات السن. فهل هؤلاء البرلمانيون ينتهكون أسس الدين الإسلامي والدستور العراقي وقوانين الطفل الدولية ؟

إتفق أصحاب المذاهب الإسلامية الخمسة على أنّ الحيض والحمل هما دلالتان على بلوغ الأنثى، لأن الحيض عند النساء هو بمنزلة المني عند الرجال. وأختلف فقهاء المذاهب الخمسة في وصف صفة البلوغ ، ففي حين أشار فقهاء الإمامية "الجعفرية" والمالكية والشافعية والحنابلة الى أنّ ظهور الشعر الخشن على العانة دلالة على البلوغ، إختلف الحنفية عنهم  بعد الإستدلال على أنّ شعر العانة هو كما سائر شعر البدن. أما من حيث السن،  فأنّ الشافعية والحنابلة إتّفقا على أنّ البلوغ يتحقق عند الغلام والجارية بخمس عشرة سنة. أمّا الحنفية فقد حددته بثمان عشرة سنة في الغلام، وسبع عشرة سنة في الجارية في حين ذهبت المالكية الى انّ كليهما يبلغ بسن سبع عشرة سنة. أمّا الإمامية "الجعفرية" فأنّهم حّددوا سن البلوغ بخمس عشرة سنة للغلام، وتسع للجارية وفق ما ورد في حديث لإبن سنان "إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع اليها مالها، وجاز أمرها، وأقيمت الحدود التامّة لها وعليها".

عندما نتحدث هنا عن البلوغ فإننا نعني به البلوغ الجنسي وهذا ما يعمل رجال الدين على تحديده من خلال الفقه، ورؤيتهم للبلوغ هو "السنّ التشريعية  للتكليف والمسؤولية"، لكن القرآن وهو المصدر الأساسي لأحكام الشريعة الإسلامية لم يتناول في آياته بشكل واضح وصريح ومحدد سنّ البلوغ. فقد جاء في سورة النور(يا ايها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت ايمانكم، والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلوة العشاء ثلاث عورات لكم. واذا بلغ الأطفال منكم الحُلم فليستأذنوا كما إستأذن الذين من قبلهم (النور 58-59). كما ولم يحدد القرآن سنّا للنكاح فقد جاء في الآية الرابعة من سورة الطلاق (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). 

 من خلال التفاسير الفقهية المستنبطة من "الشريعة"، فأنّ الأحزاب الطائفية تعمل على تقسيم المجتمع وإضعاف الهوية الوطنية. فمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي هو مخالف للمادة الخامسة من الباب الأول للدستور والذي ينص على أنّ (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالإقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية). كما وأنه يتعارض مع الفقرتان (ب) و (ج) من المادة الاولى للباب الأول من الدستور، واللتان تنصان على (لا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديموقراطية و لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور) على التوالي. وأنه مخالف أيضا للمادة الرابعة عشر من الباب الثاني  للدستور والتي تنص على أنّ (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي).

 كما أنّ التعريفات الإسلامية لسنّ البلوغ تتعارض والتعريفات القانونية الدولية التي وردت في "إتفاقية حقوق الطفل"، التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 والتي بدأ نفاذها في 2 أيلول/ سبتمبر 1990 بموجب المادة 49 . هذه الإتفاقية التي صادق العراق عليها بتاريخ  1/1/1994، مع تحفظه على "حرية الدين عند الطفل" الواردة في الفقرة (1) من المادة (14) لأن تغيير "الطفل" لدينه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية.  ففي هذه الإتفاقية حُدد سن الطفل في الجزء الأول منها  وبالمادة "1" ما يلي "لأغراض هذه الإتفاقية، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه".

يبدو أنّ المذهب الجعفري قد ذهب أبعد بكثير من المذاهب الأربعة الأخرى في مصادرة أحلام طفولة الإناث الصغيرات السن وسرقة حياتهن، لذا نراه لم يكتف كما المذاهب الاخرى بتحديد سن البلوغ والزواج بتسع سنوات هلالية وإعتبارها أنثى كاملة قادرة على المضاجعة والجماع وتحمل أعمال المنزل وتربية الأطفال!! بل مارس من خلال فقهه أشد أنواع الشذوذ الجنسي وأقبحها والذي يصل الى مستوى الجرائم وفق القوانين الدولية والعرف الإنساني والأخلاقي، حينما نصّت بعض فتاواه غير الأخلاقية على "جواز تفخيذ الرضيعة"!!

جاء في المسألة 12 من كتاب تحرير الوسيلة للخميني (لا يجوز وطأ الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواما كان النكاح أو منقطعا، وأمّا سائر الإستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس فيها حتى بالرضيعة)، ولم يبتعد السيستاني كثيرا عن الخميني الا بحذفه كلمة رضيعة من المتن مع بقاء المعنى حيث ورد في مؤلفه كتاب منهاج الصالحين المسألة 8  (لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين، دواماً كان النكاح أو منقطعاً، واما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتقبيل والضم والتفخيذ فلا بأس بها)!!

ولأن لا حياء في الدين، فهل سنرى الإسلاميون بالغد يشرعون قانونا عبر برلمانهم وإستنادا الى رأي كل من الخميني والسيستاني يجيز تزويج ولي الأمر "الأب أو الجد من جهة الأب وصاعدا" رضيعته لفقر أو حاجة الى رجل ميسور الحال وبغضّ النظر عن سنّه ليفاخذها ويضمّها اليه بشهوة ويقبّلها من فمها كأي شاذ، خصوصا وأنّ مساحة الفقر قد إتّسعت بالعراق؟

"البيدوفيليا" وفق تعريف دائرة المعارف البريطانية هو (اضطراب وخلل نفسي محوره الإحساس بالانجذاب والرغبة والخيالات والاستثارة الجنسية من قبل البالغين (غالبا من الذكور وقليلا من الإناث) تجاه الأطفال ذكورا وإناثا، ويترجم هذا الاضطراب في أعراض وصور مختلفة تتفاوت من مجرد النظر بشهوة، أو اللمس المشبوه، أو التعرية للضحية، أو التعري أمامها، أو الاتصال الجنسي بشتى صوره). فهل من يروّج للتمتع بالرضيعات بشهوة "بيدوفيلي" أم لا؟ لكن الكارثة هي أن الفرق بين الضحية "الرضيعة" والجلاد "الزوج عند الشيعة" في علم النفس الذي يتناول الظاهرة هو خمس سنوات لاغير......

لنرفع أصواتنا عاليا من أجل وقف دعارة الأطفال من قبل البرلمان العراقي.

زكي رضا
الدنمارك
9/11/2017




   










195
سبل عرقنة العراق والحد من تفريسه أيها السيد تيلرسون

 
"أنتم عرب ولستم فرسا"، جملة ليست بعابرة خصوصا وأنها قيلت من وزير خارجية دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية بحق حكومة العراق، أو بالأحرى بحق الأحزاب الشيعية الحاكمة والمهيمنة على المشهد السياسي بالبلد. كونها الوحيدة التي لها ولاء كامل لإيران على حساب " شعبها ووطنها"، وهذا لا يعني مطلقا أنّ ضلعي المحاصصة الآخرين " السنّة والكورد" لهم ولاء تجاه قضايا شعبنا ووطننا ويعملان من أجل إسعاده وإستقراره.
 
جملة السيد "تيلرسون" هذه علينا الوقوف عندها مليّا، ليست كونها سرّا أفشاه السيد الوزير، بل كونها حقيقة يعرفها العالم بأكمله وشعبنا ولا تنكره الأحزاب الشيعية من خلال علاقاتها مع إيران والتي لا تخرج عن علاقة القائد بالجندي، وهذه ما أكّده ميليشياوي كـ " ابو مهدي المهندس" حينما صرّح يوما من أنّ علاقته بـ "قاسم سليماني" هي كعلاقة الجندي بالقائد.
 
لم يقدّم بلدا المساعدة لإيران منذ نجاح ثورتها كما الولايات المتحدة الأمريكية، فإيران التي كانت بين فكي كماشة طالبان في أفغانستان والبعث في العراق. تحررّت من هذا الضغط لتحلق عاليا في سماء المنطقة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وإعلان الولايات المتحدة "حربها على الإرهاب" الذي توجته بتغيير نظامي طالبان والبعث في أفغانستان والعراق. ولكن التغيير الأهم والذي صبّ في مصلحة إيران كان بالعراق والذي تُوجّ بوصول الأحزاب الشيعية الموالية لها الى السلطة من خلال نظام محاصصة طائفية قومية. هذا التتويج جعل العراق حديقة خلفية لإيران وطريق معبّد لهلال شيعي يمتد الى سواحل المتوسط، ليؤمن مصالحها ونفوذها وليعزز من دورها الإقليمي وصولا الى الحدود الإسرائيلية عن طريق " حزب الله" اللبناني.
 
التغيير بالعراق والحد من تفريسه أو سعودته او عثمنته، محكوم بطريقة حكم البلد والقوى التي تحكم البلد والقوى التي تريد تغيير أحوال البلد، مع الأخذ بنظر الإعتبار تأثير القوى الإقليمية والدولية وتشابك مصالحها على الضد من مصلحة شعبنا ووطننا طبعا. لذا فأن شكل التغيير "أي تغيير " يعتمد بالدرجة الأولى على القوى السياسية بالداخل ومدى إستعدادها وأمكانياتها في إجراء تغيير سياسي جذري لإنقاذ البلد من أزماته الطاحنة.
 
من خلال تكريس نظام المحاصصة الطائفية القومية التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية كطريقة للحكم بالعراق، فأنّ الحياة السياسية بالبلد تحوّلت الى صراع طائفي أثني وليس صراع برامج سياسية بين أحزاب تتنافس لتقديم الأفضل للمواطن. هذا الصراع تحولّ بالنهاية الى معارك بالنيابة بين كتل " سياسية" تمثل أجندة إقليمية ودولية، وهذه الكتل هي " الشيعة والسنّة والكورد". فيما أفرز الشارع العراقي حراكا جماهيريا أدى الى نشوء " كتلة" تحت مسمى التيار المدني والتي تريد أن تغيّر نظام الحكم عن طريق إصلاحه! فهل الكتل هذه هي كتل وطنية، أي هل ولائها للعراق وشعبه؟ وما هي إمكانياتها بتغيير شكل الخارطة السياسية بالبلد إن كان من الممكن وصفها بقوى وطنية؟

لم تنكر أية كتلة من كتل البرلمان الثلاث من خلال سياساتها وعلاقاتها فيما بينها ولائها لأجندات خارجية ولم تخجل منه، ففي ذروة الحرب الطائفية سنوات 2006 – 2008  كانت طهران والرياض وأنقرة محطّات لساسة هذه الكتل بأحزابها المختلفة ولازالت. وفي تلك العواصم كانت تُرسَم سياسة البلد وتوجهاته المستقبلية، وفيها كان العراق وشعبه بضاعة للبيع. فالأحزاب السنّية فتحت أبواب المدن السنيّة الهوية أمام المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وبأوامر واضحة من الرياض وأنقرة والدوحة، والأحزاب الكوردية تركت كل العراق حيث عمقها الوطني لتتحصن في مناطقها ومحافظاتها وكأن إستقلال كوردستان كان قاب قوسين أو أدنى علاوة على رهانها الخاسر على الولايات المتحدة وغيرها من البلدان. أما الأحزاب الشيعية التي هي صاحبة اليد الطولى في رسم السياسة الداخلية والخارجية نتيجة نظام المحاصصة الذي منحها هذا " الحق" لقصر نظر ساسة غريمتيها، فأنّها كانت تحل " مشاكلها" ولا زالت في طهران التي أصبحت اليوم هي من تتحكم بالقرار السياسي  وهذا ما أكّده الرئيس الإيراني مؤخرا.

أنّ الكتل الثلاث بهيمنتها على البرلمان وإستئثارها بالمال العام وفسادها وإرتباطها بالأجنبي لا تمتلك مفاتيح حل معضلات البلد، بل هي أساس المشاكل التي تعصف به. والقوى المدنية بضعف إمكانياتها وبالقوانين التي يسنّها برلمان المحاصصة  للحد من نشاطها على فقره والتي ليس لها تأثير حقيقي فيه، غير قادرة على التغيير ولا الإصلاح ولا التأثير النوعي والكمّي في الجماهير. فجماهير شعبنا غائبة عن الوعي ومتخلفة وجاهلة وأمّية ولا تخرج للتظاهر والتغيير حتى عندما يتعلق الأمر بسرقة حياتها وليس وطنها فقط وهذا ما لا حظناه من صمتها وهي ترى البرلمان يشرّع بيع فتياته القاصرات، قد يبدو الإستنتاج هذا قاسيا ولكنه حقيقي ونعرفه جميعا.

إنّ الولايات المتحدّة الأمريكية هي المسؤولة الأولى عن جعل العراق ساحة مفتوحة لدولة ولي الفقيه، وهي المسؤولة عن جعلنا نتنفس هواءا فارسيا بعد أن دخل الإيرانيون حتّى من خلال مسامات أجسادنا. أنّ وزارة الداخلية العراقية والمسؤولة عن إستتباب الأمن بالبلد وزارة إيرانية أيها السيد تيلرسون، وجميع ملفاتنا الأمنية لديها نسخ في وزارة الداخلية الإيرانية. فوزير داخليتنا كان ميليشياوي في ميليشيا يديرها الإيرانيون ولازالوا، فهل من المنطق أن يفكّر مقاتل إيراني بالعراق وشعبه، وهل من الممكن أن يكون العراق عراقا وهو لا يمتلك مفاتيح أمنه!!؟؟

فصل الدين عن الدولة، الحد من تدخل رجال الدين بالشأن السياسي، إعادة كتابة الدستور، نبذ المحاصصة ، إعلان الحرب بلا هوادة على الفساد، إعادة الحياة للتعليم، إنهاء عسكرة المجتمع، والشروع ببناء دولة المواطنة، هي من سبل عرقنة العراق على الصعيد الداخلي والأمر هذا دونه خرط القتاد كما تقول العرب. أمّا على الصعيد الخارجي  فإننا بحاجة الى قرارات دولية ملزمة ومن أعلى المستويات للضغط على حكومة بغداد للعمل على إستقرار البلد ومحاربة الفساد وحل الميليشيات، وتبقى مطالبة الساسة الشيعة في أن يكونوا عربا وليس فرسا  حديث يضحك الثكلى كون حبل سرّتهم مع طهران لم يقطع بعد.  أخيرا هل الوصاية على العراق لحين إعادة الحياة إليه بعد أن قتله الطائفيون هو الحل الأخير، لفساد حكامه وضعف معارضيهم؟ أنّه مجرد سؤال لاغير.

بالغد ستتكلم أرضنا اللغة الفارسية وليس شعبنا فقط. 

زكي رضا
الدنمارك
3/11/2017

196
لمَ الثقة بالصدر وتيّاره؟


لم أغير من هذه المقالة والتي كتبتها قبل عامين "31 / 10 / 2015" الا قليلا ، حينما ركب الصدريون موجة تظاهرات قوى التيار المدني لإفراغها من محتواها الّا عنوانها. تلك المشاركة الصدرية التي آمن بها البعض من قادة التظاهرات ونسّقوا مع الصدريين ببعض من تظاهرات ساحة التحرير علاوة على لقاءات بعضهم مع الصدر شخصيا أو مع أقرب مساعديه. أعيد نشر المقالة التي لم ترى النور لأسباب معينة اليوم والصدريّون الذين أخرجوا خرم صغير من أنفهم الغارق مع جسدهم في مستنقع الطائفية العفن حينها ولليوم ذرّا للرماد في عيون البعض، وهم يعودون ليغرقوا في المياه الآسنة للمستنقع الذي يعشقون العيش فيه كون دورتهم الحياتية كما كامل البيت الشيعي تجري في أجواء لا يصلها الأوكسجين النقي. فالصدريون ومعهم هبلهم الذي يعبدون والمتاجرين بالإصلاح ضربوا الإصلاح بمقتل كما قتل أسلافهم "إمامهم" الذي جاء العراق للإصلاح، حينما وقفوا اليوم على الضد من إصلاح مفوضّية الإنتخابات، ليعيدوا ترتيب أوراق المحاصصة من جديد وليصّوت خمسة وعشرون نائبا برلمانيا من تيارهم مع البقاء على المحاصصة! أنّ الصدر كما غيره من قادة المحاصصة دون إستثناء جزء من واقع فاسد وآسن وأشبه بمستنقع نتن دمّر بلدنا وشعبنا، بل هو مستنقع بكل تفاصيله القبيحة.

"خبز .. حرية .. دولة مدنية" هذا هو الشعار الذي تبنته الجماهير التي خرجت بشكل عفوي بعد إندلاع تظاهرات البصرة وإستشهاد أحد المتظاهرين فيها قبل أن تنتقل شرارة التظاهرات والإحتجاجات الى بقية مدن العراق ومنها العاصمة بغداد. هذا الشعار كان بحاجة الى هتاف يكشف عن الذين صادروا الخبز والحرية من الناس، وصادروا كذلك مفهوم الديموقراطية ليكرّسوا نظاما دينيا بسماته العامّة لا يمت للدولة المدنية بصلة، فكان الهتاف المدوّي الذي أرعب القوى الدينية ما جعل المرجعية تسرع الى "تبني" مطالب الجماهير أو الجزء الكبير منها ظاهريا أمّا الحقيقة فكانت خطّة مدروسة لإمتصاص زخم التظاهرات المدنية الطابع بإقحام تيار ديني له قواعد جماهيرية بين فقراء شعبنا لإستغلالهم في ضرب الأهداف التي خرج المدنيون للتظاهر وتحقيقها. هذا الهتاف المدوّي كان "بإسم الدين باگونه الحرامية" والذي بدأت تهتز من إثره العمائم، ما جعل العديد منها يخرج مكّفرا من يتبنى هذا الهتاف الذي توصّلت اليها الجماهير بقريحتها.

لقد دخلت القوى السياسية ومنها التيار الديموقراطي وبعض الأحزاب الأخرى معترك التظاهرات متبنية هي الاخرى شعار الجماهير الذي هو شعارها أساسا كونها تناضل من أجل بناء الدولة المدنية والذي تعتبره وعن حق طوق النجاة الأخير لعراق يغرق في بحر الطائفية المتلاطم. وشكّلت تنسيقيات لقيادة التظاهرات في كل يوم جمعة بمختلف المدن كما وكانت هناك إجتماعات بين هذه التنسيقيات لتوحيد الخطاب السياسي والعمل الميداني قدر الإمكان وتبعا لظروف كل مدينة. وإستطاعت هذه التظاهرات بأعدادها التي كانت بين مدِّ وجزر أن تفرض واقعا سياسيا جديدا خصوصا بعد أن وقفت مرجعية النجف الأشرف الى جانب بعض مطالبها، هذا الواقع دفع حكومة السيد العبادي أو بالأحرى شخص السيد العبادي الذي لا يملك كسلفه ظهيرا حزبيا قويا من رفاق الأمس في حزبه ولا ظهيرا سياسيا من قبل الكتل السياسية المختلفة بالبرلمان العراقي، الى تبني بعضا من مطالب الجماهير و "البدء" بما يسمى حزمة إصلاحات لم يتحقق منها شيئا على أرض الواقع، فالفساد وهو الوجه الآخر للإرهاب لا زال ينخر بجسد البلاد ولم نرى إقدام العبادي على تقديم رؤوس كبيرة متهمة بالفساد الى القضاء رغم معرفته ومعرفة الشارع العراقي بهم.

لو قرأنا بتأني الخارطة السياسية قبل إندلاع التظاهرات وبعدها للاحظنا حضورا واضحا ومقبولا من قبل قطاعات "ليست واسعة" من الجماهير لمفهوم الدولة المدنية، وكان حضور الجماهير يزداد ويقل في ساحات التظاهر تبعا للظروف السياسية والأمنية التي يمر بها البلد، أو نتيجة التهديدات التي تطلقها عصابات معروفة للرأي العام ضد الناشطين عن طريق تهديدهم وخطفهم وقتلهم. هذا الحضور الجماهيري وبهذه النسب يعتبر حضورا جيدا في مجتمع تنخره الطائفية والخوف من الآخر، وهذا الحضور على رغم محدوديته كون الجماهير المتضررة من العملية السياسية الجارية بالبلد هي بالملايين يعتبر نصرا للقوى المدنية كان عليها إستغلاله على الوجه الأكمل وتعزيز الطابع السلمي للتظاهرات والضغط في مختلف الاتجاهات من أجل جرّ أكبر عد ممكن من الجماهير الى ساحات التظاهر، عن طريق توحيد صفوفها من جهة وإبتعادها عن التنسيق مع الصدريين والذي أبعد الكثير من الجماهير عن التظاهرات، لعدم ثقة الجماهير بالصدريين ولا بغيرهم من الإسلاميين وأقطاب المحاصصة. ويبدو أنّ حدس الجماهير وقراءتها للشارع هي أعمق من قراءة قادة التظاهرات الذين إعتقدوا لوهلة من أنّ الصدريين تيار من الممكن أن ينتقلوا وإياه لبناء الدولة المدنية! فهل فعلت القوى المدنية والديموقراطية هذا؟

إن من يتوقع بإمكانية قبول قوى الإسلام السياسي أو البعض منها ومرجعياتها الدينية بمشروع الدولة المدنية يبتعد بنظري عن الحقيقة التي نعرفها جميعا بشكل كبير، كون هدف الدولة المدنية الأول ولبناء نظام سياسي جديد يأخذ حق المواطنة كركن أساس من أركان بناء مجتمع منسجم أجتماعيا هو فصل الدين عن الدولة، فأي سياسي يتوقع أن ينحني قادة الطوائف هؤلاء أمام رياح التغيير بهذه السهولة؟ وأي سياسي يثق ببناء دولة مدنية مع قوى تملك ميليشيات مسلحة وسجون ومافيات مالية؟

أليس من المؤسف إفراغ التظاهرات من محتواها وعنفوانها خصوصا وإن العديد من الظروف الموضوعية التي تمر بالدولة والمجتمع هي الى جانب قوى التغيير التي لم تستطع لليوم أن تلعب دورها التاريخي الذي يتحتّم عليها لعبه؟ أليس من المؤسف الثقة بمراهقين سياسيين ليكونوا حلفاء ولو تكتيكيين لانصار الدولة المدنية كمقتدى الصدر؟ ألم يدرس من ألتقوا به، تصرفاته غير المحسوبة والبعيدة عن السياسة منذ أن أبتلي وطننا به وبأمثاله من سياسيي الصدفة وتراجعه عن قراراته وتصريحاته بسرعة قياسية؟

لقد برزت الى السطح قبل أيام وبعد لقاء الصدر مع عدد من الناشطين آراء تشير الى إمكانية الإعتماد على الصدريين وزجّهم في معترك النضال المطلبي كون القاعدة الجماهيرية لهم هي كما القاعدة الجماهيرية لانصار التيار المدني، مهمشّة ولا تملك الحد الأدنى مما يمكن أن نسميه بالحياة الآدمية في بلد سرقه لصوص المحاصصة ومنهم الصدريون بالتأكيد كونهم جزءا فاعلا من المشهد السياسي منذ الإحتلال لليوم. هذه الآراء أعتمدت كما تقول على مطالبة الصدر من أتباعه عدم رفع الصور ولا الأعلام غير العلم العراقي وتوحيد الشعارات والهتافات، ولأن الصدر وتياره هم جزء من البيت الشيعي الذي لا يستطيعون الفكاك منه لاسباب عدّة فأن عشم المدنيين بالجنة مع الصدريين هو كعشم أبليس بها كما يقول المثل. وها هو الصدر يعود الى حظيرته الدينية ليقول اليوم في رده على رسالة من أحد أتباعه نقلته السومرية نيوز أن "الكثير لديه صورة شفافة عن التيارات المدنية، وانهم يريدون التفرد، وما يحدث الان من ردود تبين العكس ـ عند البعض ـ"، مشيرا الى أن "المناداة (بالمدنية) في المظاهرات فيه إقصاء للجانب الاسلامي الصادق، فتمنيت ان تكون تحت عنوان الوطنية فهو عنوان أشمل"!!!

أعتقد إن الصدر هنا على بينّة من الفروق بين الدولة المدنية التي من مبادئها عدم معاداة الدين مع فصله عن الدولة وبين الدولة الوطنية التي قد تكون مدنية او دينية او ليبرالية او اشتراكية او غيرها، فهل قادة التيار المدني على دراية بمباديء الدولة المدنية الذي لا يريد الصدر أن يصل العراق اليها!؟ وهل لازال الصدر حليفا من الممكن الاعتماد عليه لبناء دولة مدنية الذي هو الشعار الأرأس في مطالب الجماهير والهدف الذي علينا النضال لتحقيقه!؟

الصدريون لن يغادروا البيت الشيعي مطلقا، فليفهم من يدعو الى الدولة المدنية ذلك.

زكي رضا
الدنمارك                                 

31/10/2015

اعادة النشر 27/10/2017


 

197

تصريح إيراني وقح وصمت عراقي ذليل


في عربدة جديدة لحكومة ولي الفقيه بطهران وكدلالة على طول باعها وتدخلها بشؤون البلدان المجاورة والإقليمية وفي إستصغار واضح وعلني لبلدان عربية عدّة، قال الرئيس الإيراني في كلمة له بثّها التلفزيون الإيراني الرسمي بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة نجل زعيم الثورة الايرانية " مصطفى الخميني". أنّه "لا يمكن في الوقت الحاضر اتخاذ إجراء حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران"!!

إنّ تصريح الرئيس الإيراني هذا لا يعني وعلى الأخصّ فيما يخص العراق الّا أمر واحد لاغير، وهو أنهم "الإيرانيون" هم من يحكموا العراق، وأنّ الأحزاب الشيعية بقضّها وقضيضها ليست سوى أحزاب عميلة لها وتنفذ أجندتها لاغير. وقد سبق وأن أشار "العبادي" الى مثل هذه العمالة لهم حينما قال في لقاء له بمكتبه مع نخبة من الإعلاميين بتاريخ 17/6/2017 " لن نعادي إيران حتى لو أعطونا ملك الدنيا أو عمّروا العراق مجّانا"!! فكيف هي شكل الخيانة أو شكل العمالة عند العبادي وحزبه وبيتهم الشيعي!؟

كان على العبادي وغيره من المسؤولين "العراقيين" أن يكونوا بقامة شاب دخل السياسة بالأمس من باب عائلته أي رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" الذي غرّد من خلال حسابه الخاص بتويتر على روحاني قائلا "قول روحاني إن لا قرار يتخذ في لبنان دون إيران، قول مرفوض ومردود لأصحابه"، مشددا على أن "لبنان دولة عربية مستقلة لن تقبل بأي وصاية وترفض التطاول على كرامته".

لبنان دولة مستقلة ولن تقبل بأية وصاية وترفض التطاول على كرامتها، أمّا العراق عهد الإسلاميين فهو دولة محتلّة مذهبيا من إيران وتحت وصاية ولي الفقيه، ولا تملك رجلا سياسيا ليوقف من يتطاول على كرامته هذا إن كان لبلدنا عهد أذناب طهران كرامة؟

لقد أخطأ السيد روحاني وهو يقول أن سبب عدم أجراء حاسم بالبلدان التي تدور بمحور بلاده يعود الى "وعي الشعب الإيراني وفطنة قائد الثورة ووحدة الصف والتضامن في البلاد". لأن السبب الحقيقي والذي تغافل عنه السيد روحاني بدبلوماسية واضحة وأتحدث هنا عن العراق هو، أن عملائهم هم من يملكون زمام الأمور ببغداد، وأنّ الجماهير الشيعية بغالبيتها العظمى والتي تعيش كما باقي أبناء شعبنا جهلا مطبقا تتحرك بإمرة رجال دين ولائهم لا يخرج عن خط مرسوم لهم بدقّة من قبل الدوائر الدينية في طهران والتي تقود السلطة فعليا. إننا نعيش اليوم وفي عهد العمامة وأحزابها وميليشياتها إنحطاط وطني وفكري وأخلاقي. إننا اليوم في حالة موت سريري بعد إصابتنا بمرض سرطان الفقيه، ولن نستعيد حياتنا وآدميتنا الا بإستئصال هذا الورم السرطاني أي "العمامة"، ولن تقوم للعراق قائمة وفيه عمامة واحدة تمتهن السياسة من خلال الدين.

إنّ إيران كانت ستمر بأوقات عصيبة فترة حصارها لولا فتح خزائن العراق أمامها، فأسواقنا تستورد الكثير مما تحتاجه منها علما من أنّ بلدنا قادر على إنتاجه بل وينتجه قبل أن يتلف لعدم إمكانية منافسة الأسعار الإيرانية وخصوصا في المجال الزراعي، وأموالنا المنهوبة من عمائم العراق وأحزابها وميليشياتها موجودة في بنوك إيران، ومرضانا يزورون المستشفيات الإيرانية لأن الأحزاب الشيعية تهمل مشافينا وميليشياتها تقتل أطبائنا. نعم ، أنها الخيانة بأقبح وجوهها تلك التي مارسها ويمارسها الإسلام السياسي الشيعي بحق العراق أرضا وشعبا وثروات.

بغضّ النظر عن شخصية "إبن العلقمي" ودوره في "سقوط" بغداد" والتي ما أنفكّت الآلة الدعائية السنّية تتهم الشيعة من خلاله بالخيانة، فهل الأحزاب الشيعية الحاكمة بالعراق اليوم أعطت صورة مغايرة عن صورة "إبن العلقمي" وهل عملت على تفنيد ما تقوله المصادر السنّية؟ علما من إننا هنا لا نتحدث عن إبن العلقمي كوزير أو مهتم بالأدب كما كان بل نتحدث عن الخيانة كفكر والذي إرتبط إسمه بها، على الأقل في الأدبيات السنية.

شخصيا لا أتعجب من وقاحة الساسة الإيرانيين وهم يتناولون شؤون بلدنا، وفي الوقت نفسه لا أتعجب من ذل "ساسة" العراق وهم ينحنون مقبلين أيادي ولي الفقيه كالعبيد. وبغضّ النظر عن صحة ما ينسب الى عمر بن الخطّاب وهو يقول "ليت بيننا وبين الفرس جبلا من نار لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم"، أقول وأنا أرى المخدّرات الإيرانية تقضي على شبابنا، والمدارس الهيكلية يأكلها الصدأ، والتخلف والجهل يجتاح مجتمعنا لتعيش هي "إيران" عصر علومها وفنونها وآدابها وبرامجها النووية وغيرها الكثير الكثير "ليت بين العراق وإيران العمامة براكين تقذف حممها الحارقة الى عنان السماء لتمنع شعبنا من رؤية عمائمهم الى الأبد، لنعيش على الأقل كما تعيش شعوب البلدان المجاورة لنا".


زكي رضا
الدنمارك
25/10/2017
 



198
إنهم يقتلون الشعب الكوردي .. أليس كذلك؟


أخيرا حدث الذي حذّر منه الكثير من المتابعين للشأن السياسي في إقليم كوردستان العراق، وبان قصر نظر ساسة الإقليم تجاه أخطر قضية واجهت الشعب الكوردي منذ عقود طويلة إن لم يكن طيلة تأريخه. وعرّض ويعرّض هؤلاء الساسة نتيجة صبيانتهم وأخطائهم الكارثية وفسادهم تجربة شعب كوردستان الى مخاطر جمّة، أخطرها هي حالة الإحباط واليأس التي لم يمرّ بها هذا الشعب في أحلك ظروفه تلك التي تعرض فيها الى أبشع عمليات القتل والتنكيل طيلة تأريخه النضالي المشرّف من أجل إحقاق حقوقه القومية المشروعة.

لو أجرى ساسة الإقليم الإستفتاء الذي ذهب مع الريح اليوم، غدا أو بعد غد أو بعد مئة عام فأن تصويت الشعب الكوردي عليه سيكون كما حصل في هذه المرة ، بالأغلبية المطلقة. وعليه كان على هؤلاء الساسة أن يستمعوا الى صوت العقل وهم يواجهون رفضاً محلياً وإقليمياً ودولياً بعدم إجراءه وتأجيله الى وقت آخر. الا إننا رأينا وعلى الضد من منطق العقل الناضج الذي عليه قراءة المشهد السياسي طبقا للوضع الجيوسياسي في البلد والمنطقة وأخذ العلاقات الدولية المتشابكة ومصالحها بنظر الإعتبار، مَيْل لمنطق طفولي في التعامل مع الحدث إعتمادا على وعود جرّبتها حركة التحرر الكوردية وخصوصا بكوردستان العراق أكثر من مرّة والتي فشلت فيها في كل مرّة.
وإن كانت نتائج الإستفتاء ستكون لصالح الإنفصال والإستقلال سواء أجري الإستفتاء اليوم أو غدا، فلمَ غامر السادة المغامرون في إجراءه؟

قبل أن نجيب على السؤال أعلاه علينا أن نعي حقيقة يحاول البعض التهرب منها والقفز عليها والبراءة من نتائجها، علما من أنّ هذا البعض لوّن أصبعه باللون البنفسجي وكان من أشّد المتحمسين لإجراء "الإستفتاء" بل وبدأ كما غيره بالمزايدة على إجراءه لكسب أعداد أكبر من الجماهير الكوردية الى صفّه بعد أن تلاعب الجميع بعواطف الشعب الكوردي وتطلعه كأي شعب الى الحرية والإستقلال. فالإستفتاء لم يكن الا هروباً للأمام من قبل سلطات الإقليم بأحزابه المختلفة التي فشلت في ترجمة حاجات الناس اليومية، وللخروج من أزمات حادّة طالت مناحي الحياة المختلفة في المجتمع الكوردستاني. فالبرلمان الكوردستاني كان معطّلا والرئيس "البارزاني" غير شرعي والعلاقة مع حكومة المركز غير طبيعية، والأزمة الإقتصادية ضربت أسس الإقتصاد الريعي الذي إعتمد أساسا على تصدير النفط "دون تدخل الحكومة المركزية" نتيجة إنخفاض أسعاره وملاحقة الحكومة المركزية للنفط الكوردستاني للحد من بيعه ووقوع الإقليم تحت رحمة أتاوات أنقرة. فالأحزاب الكوردية الحاكمة في أربيل والسليمانية وعلى الرغم من إيراداتها الضخمة لتصديرها النفط وحصّتها من الميزانية المركزية حتّى فترات قريبة وما كانت تجنيه من المعابر الحدودية فشلت لليوم في توفير فرص عمل للشباب الكوردي وإزدادت في مناطقها كما بقية أرجاء الوطن مساحة الفقر.

أنّ ما جرى خلال الأيام الماضية وفشل الإستفتاء وإنسحاب قوات الپيشمرگه دون قتال أمام الجيش العراقي والقوات غير النظامية المساندة له، لا يتحمله حزب سياسي بعينه ولا شخصية سياسية لوحدها لأن ما جرى كان نتيجة طبيعية لهيمنة عائلتين متنافستين على مقاليد الحكم في كوردستان، وقد دفع الشعب الكوردي وسيدفع لاحقا أثمانا باهضة نتيجة الصراع بين هاتين العائلتين والذي بات يشبه صراع عصابات المافيا. اليوم وبعد الأنهيار الكبير للأحلام المشروعة للشعب الكوردي نتيجة ضيق أفق قادته وإرتباطهم الدائم بالقوى الإقليمية ودوائر صنع القرار الدولي والتي تركت الشعب الكوردي مرارا ليتذوق طعم الهزيمة، لم يبقى أمام جماهير الكورد الا تنظيم صفوفها للضغط على المغامرين وفضحهم وعزلهم. لأنّ ما جرى لا يدخل في باب الأخطاء قدر ما هو جريمة بشعة بحق الشعب الكوردي ومستقبله.

أنّ صبيان السياسة في كوردستان لازالوا لليوم وسيثبت التأريخ ذلك، ركن مهم وأساس ليس في إنهيار التجربة الكوردية والتلاعب بمصير "شعبهم" فقط. بل كركن أساس في خراب العراق نتيجة إصطفافهم مع باقي القوى السياسية لترسيخ نهج المحاصصة المدمر، فالأحزاب الكوردية وعلى رغم مرارة تجاربها التأريخية مع حكام بغداد على مختلف مشاربهم السياسية لازالوا يعتبرون النظام الديموقراطي وقواه عدواً لـ "شعبهم" لذا تراهم يتحالفون ولليوم مع أعتى القوى رجعية وخيانة للبلد . فحتّى قبل أيّام من الطلاق البائن لزواج المتعة بينهم وبين الأحزاب الشيعية وقفوا الى جانب الأخيرة في مطالبتها بمحاصصة المفوضّية "المستقلة" للإنتخابات، ليضيفوا موقفهم المخزي والمعادي للديموقراطية الى مواقفهم السابقة من إقرار قانون إنتخابات على مقاسهم ومقاس الاحزاب الشيعية التي ضربتهم "بوري" كما يقول الشارع العراقي.

على الشارع الكوردي وهو يعاني من الإحباط الذي تسبب به قادته بلا إستثناء أن يعي حقيقة واحدة، وهي أنّ نظام ديموقراطي حقيقي ببغداد هو نصر للكورد قبل العرب. وهو البوابّة الحقيقية لبناء مجتمع خال من الإضطهاد والتمييز. على جماهير شعبنا في كوردستان أن تنظم الى الجماهير في مدن العراق المختلفة للمطالبة بإصلاح العملية السياسية بل وتغييرها بالكامل، فعدم مشاركتها طيلة السنوات السابقة في تظاهرات مطلبية حوّل كوردستان العراق كما بقية البلد الى مستنقع للفساد والدكتاتورية.

القيادات السياسية في كوردستان هي من قتلت الحلم وهي من قتلت التجربة وهي التي علينا محاسبتها، كون الأحزاب الشيعية الحاكمة وهي حليفتها حتّى الأمس ليست سوى بيدق شطرنج تتحرك على رقعة إيرانية. فهل سيتحرك الشعب الكوردي لمحاسبة قاتليه، أم سينقسم في هذا الوقت الدقيق من تأريخه بين عصابتين من جديد وليعيد دورة الإضطهاد مرة أخرى؟

زكي رضا
الدنمارك
19/10/2017
 

 

 


 


 

 

 



199
بغداد تحتضن حلف سنتو جديد

أكدت تصريحات لعضو قيادي في دولة "القانون" عن نيّة السيد العبادي إرسال دعوتين رسميتين للرئيسين الإيراني "روحاني" والتركي "أوردوغان"، لعقد قمّة ثلاثية بينهما نهاية الشهر الجاري بشأن الإستفتاء الذي جرى مؤخرا في إقليم كوردستان العراق. ويبدو أنّ القضية الكوردية والتي أصبح الإستفتاء رأس حربتها في البلدان التي يعيش الشعب الكوردي فيها ستأخذ نصيبها من المواجهة كعدو لهذه البلدان، عوضا عن الإتحاد السوفيتي السابق والذي تأسس حلف السنتو أو ما يعرف بحلف بغداد لمواجهته أثناء الحرب الباردة.

لقد تأسس حلف بغداد نهاية شباط سنة 1955 بين تركيا والعراق واللذان أصدرا ميثاقا بإسم "المعاهدة المركزية" نصّ على "تعاون الدولتين في مجالات الأمن والدفاع"، وترك حينها الباب مفتوحا أمام دول الشرق الأوسط التي يهمّها وقف الخطر الشيوعي والدفاع عن "السلم والأمن" بالمنطقة. لينضم إليه لاحقا كل من إيران والباكستان وبريطانيا برعاية أمريكية، والتي إنسحب منها العراق بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 .

إنّ حكومة بغداد وهي تستعين بالشاه الصفوي والسلطان العثماني في مواجهة الشعب الكوردي وإستفتاءه، وتجري معهما المناورات العسكرية على حدود بلدنا معرّضة السلم  فيه للخطر. فأنها تعود الى تلك الحقبة التأريخية التي قبرتها ثورة تموز لتعلن وبقوّة عن نيتّها المشاركة في إنشاء أحلاف عسكرية وأمنية على الضد من مصالح العراق وشعوب المنطقة على المديين المتوسط والبعيد. وفيما إذا أقدم قادة البلدان الثلاثة على توقيع إتفاقات أمنية وعسكرية أثناء لقائهم المرتقب وهو الإستنتاج الأرجح، فأن سورية مرشّحة هي الأخرى للدخول معهم في هذا الإتفاق من أجل محاصرة الشعب الكوردي وضرب حركته التحررية.

أنّ الأمر الذي لا يريد العبادي فهمه ومعه تحالفه الشيعي الذي ساهم مع بقية القوى المتحاصصة "كورد وسنّة" في دمار العراق وتدمير الوشائج الإجتماعية بين أبناء شعبه لطائفيتهم وقوميتهم، هو أنّ الساحة السياسية بالمنطقة بل وبالعالم بحاجة الى قراءة جديدة من جانبهم ومن جانب حلفائهم في إيران وتركيا وسوريا. فالقراءة القديمة لشكل الصراعات ومبدأ إستخدام القوّة لحلّها أصبحت أمرا غاية بالصعوبة، حيث تشابك المصالح وتقاطعها بين العديد من البلدان أصبح السمة الأبرز على المسرح السياسي الدولي. يبدو أنّ حكام العراق لا يريدون على ما يبدو أن يعرفوا أنّ تركيا مكروهة أوربيا وإيران مارقة بنظر الولايات المتحدة والتي في طريقها لتأزيم علاقاتها مع إيران أكثر، من خلال وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الراعية للإرهاب وتهديدها بمراجعة أتفاقها النووي معها.

من المفروض على السيد العبادي وبدلا عن سعيه لتشكيل أحلاف عسكرية وأمنية وحتّى سياسية مع بلدان الجوار وغيرها،  فتح أبواب الحوار على مصاريعها ليس مع سلطات الإقليم فقط بل ومع جميع الأحزاب والمنظمات السياسية بالبلد تلك التي يهمّها إستقراره وتقدمه. كوننا اليوم بحاجة أكبر لإيجاد حلول آنية وسريعة للحيلولة دون تطور النزاعات السياسية الى نزاعات عسكرية أو التهديد بها. على السيد العبادي أن يتصرف كرجل دولة يهمّه بالنهاية وحدة بلده وسعادة شعبه دون أيّ تدخلات أجنبية، كما وعلى الساسة العراقيين الآخرين ترك مناكفاتهم السياسية والجلوس الى طاولة الحوار، من خلال الدعوة الى مؤتمر وطني واسع لإيجاد أفضل السبل للخروج من أزماتنا التي بدأت تتناسل بشكل أميبي. وعندما نقول مؤتمر وطني واسع فأننا نعني مؤتمر "مثلث المحاصصة + بقية القوى الوطنية المؤمنة بالعملية السياسية". لأن أي مؤتمر بين نفس القوى المتحاصصة وإبعاد الآخرين عنها، يعني العودة الى نقطة الصفر أي نقطة بدء المشاكل من جديد.

العالم اليوم ليس كما العالم سنة 1955 وحلف بغداد اليوم لن يكون أحسن حظّا من سابقه، فليفكر العبادي وحزبه ألف مرّة قبل بدء مغامرتهم الجديدة والتي لن تضيف لشعبنا ووطننا الا دمارا أكبر... فهل سيعي ذلك ؟

زكي رضا
الدنمارك
11/10/2017



200
فاطمة الزهراء على حدود كوردستان


بدأت قبل أيام وكوسيلة لتهديد إقليم كوردستان العراق على خلفية الإستفتاء الذي جرى مؤخرا، مناورات عسكرية كبيرة في مدينة "مريوان" الكوردية غرب إيران والمتاخمة لحدود هذا البلد مع كوردستان العراق بمشاركة قطعات قتالية من الجيش العراقي.

أن تقوم مناورات عسكرية بين أي بلدين وإن لم يكونا جارين هو أمر متعارف عليه بين جميع دول العالم من أجل تدريب جنودهم وزيادة كفاءتهم القتالية. ولا يشذّ البلدان " العراق وإيران" عن هذه القاعدة مطلقا خصوصا وأنهما جاران تربطهما علاقات واسعة جدا، وعلى رأسها علاقاتهما الطائفية كونهما شيعة. لكن المناورات الأخيرة بينهما وفي هذا التوقيت تحديدا تشير الى أمرين مهمين من أمور عدّة، أولهما تهديد مباشر لسلطات الإقليم ومطالبتها بالغاء نتائج الإستفتاء ومن خلاله تهديد الشعب الكوردي،  وثانيهما هو تجييش الشارع العراقي طائفيا ضد الشعب الكوردي.

فمن بين مئات إن لم تكن الآلاف من الرموز التي من الممكن إستخدامها لبداية مناورات ما ككلمة سر، لم تنتخب العقلية الطائفية الشيعية عند ساسة وعسكريي البلدين الا رمزا دينيا أصبح من خلال هالة  تقديسه رمزا طائفيا  للشيعة، وهذا الرمز لم يكن سوى "يا فاطمة الزهراء"!! والتي قالها القائد الإيراني مرّة واحدة مسبوقة بـ "بلدنا العزيز إيران"، فيما كرر القائد الشيعي "العراقي" الرمز مرتين دون أن يمر على إسم العراق ولو مرور الكرام!!

"فاطمة الزهراء" أصبحت عند طائفيي بغداد وسيلة لزيادة رقعة الكراهية بين العرب والكورد، "فاطمة الزهراء" ترعى الموت القادم مع هذه الجحافل العسكرية، "فاطمة الزهراء" تنظر بعينيين شزرتين الى نساء وأطفال الكورد، "فاطمة الزهراء" تقود رسل الموت والدمار لتقتل الحياة وتدمر المدن على من فيها إن إندلعت الحرب التي علينا العمل على إبعاد شبح أهوالها. فهل فاطمة الزهراء هي حقا هكذا!؟ أم أنها أصبحت هي الأخرى تجارة مربحة مع إبنها "الحسين" الذي قتلته شيعته عند الأحزاب الشيعية وعمائمها؟

جريمة أن يقوم الجيش العراقي بمناورات لتهديد أبناء بلده "كوردستان لليوم جزء من التراب العراقي"، ولم يعمل على القيام بمناورات مع حليفه الشيعي الإيراني على الحدود مع تركيا لإجبارها على الخروج من الأراضي العراقية وهي التي لازالت تدنس أراضينا. والجريمة الأكبر هي المناورات العسكرية التركية العراقية التي قامت مؤخرا على حدود البلدين والمتاخمة لحدود إقليم كوردستان العراق. جريمة لأن التحالف الشيعي ومنهم العبادي تحمّل سيل من الإهانات في مثل هذه الأيام من العام الماضي حينما طلب أوردوغان  من العبادي أي العراق "أن يعرف حدوده" ليضيف مخاطبا إياه اي "العبادي" وقتها "إنه يسيئ إلي، وأقول له أنت لست ندّي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولا". فهل عرف العبادي حدّه ومعه تحالفه الشيعي الطائفي وأحترم ما في نفسه من بقية وهو يقبّل يد السلطان ويطلب مساعدته في تهديده للكورد وضربهم!! وهل كان رمز إنطلاق المناورات المشتركة ين الطرفين على حدود بلدنا "يا عمر بن الخطاب أدركني" كون الطرف التركي سنّي المذهب!!؟؟

الأحزاب الشيعية بأعضائها ومريديها و"مثقفيها" التي تقود اليوم حملة منظمة ضد الشعب الكوردي بأكمله، لم ترى الّا مستنقع الطائفية كي تغوص فيه. فهذه الأحزاب لا تفوت فرصة واحدة الا وتستغلها طائفيا لإستمرارها على رأس السلطة رغم فشلها الكبير لليوم،  لقد كان بإمكان الأحزاب الطائفية الشيعية أن تطلب من أسيادها في إيران ومراعاةً للتنوع الطائفي والقومي في "بلدها" أن ينتخبوا إسم رمز غير "يا فاطمة الزهراء" كي تكون بداية لمناوراتهم العسكرية.  لأن هذا الإسم وكما قلنا قبل قليل أصبح دلالة على شيعية قائلها وطائفيته مع إعتزازنا الجم بالسيدة "فاطة الزهراء" كونها بنت النبي محمد وزوجة الإمام علي وأم سبطيه.

هل هناك بصيص أمل ببناء مجتمع متجانس ومتآخي بالبلد، والأحزاب الشيعية تجيّش الشارع العراقي طائفيا وقوميا؟ من خلال الهيجان الشعبي عند الطرفين "العرب والكورد" وإستغلال حالة الهياج من قبل قيادات الطرفين، نستطيع الجزم من أنّ ما فشلت به كل الأنظمة العراقية ومنها نظام البعث الهمجي لعقود طويلة في تحويل صراع الحكومات ضد الحركة التحررية الكوردية الى مستوى الشارع، قد نجحت به سلطة المحاصصة بأقطابها نجاح منقطع النظير. بل فاقت نتائجه ما كان مخطط له أصلا، حين إنحدر المثقف العراقي ليتمترس خلف شعارات طائفية وقومية بحجة الدفاع عن الوطن ووحدته، وكأن الوطن ليس "خان جغان" وشعبه ليس بالشعب الجائع والجاهل والفاقد لمقومات الحياة الآدمية نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية، الذي أصبح اليوم هو الضامن لوحدة البلد الجغرافية عند الكثير وللأسف الشديد !!!!

زكي رضا
الدنمارك
4/10/2017

201
لا تنسي الجوع يا بغداد

لازلت اشم رائحة التفاح الفاسد في حلبجة وشيخ وسان وباليسان و سركلو وبركلو وسيوسينان وزيوه وعشرات المناطق والقرى الآمنة،  لازلت ابحث عن عيون الماء التي ضيع البعث آثارها لتجف كجفاف فكرهم الهمجي، لازلت انظر الى الجبال الجرداء وابكي اشجارالبلوط التي كانت ترضع من غيوم سماء كوردستان، لازلت ابحث عن لعب الاطفال المتربة  في مقابر البعث الجماعية، لازلت أبحث عن الفتيات البريئات في أقبية البعث السادية، لازالت ذاكرتي تأبى أن تنسى تلك العجوز الكوردية وهي تهلهل لأعدام أبنها تحت تهديد بنادق الفاشيين، لازالت تلك الجموع المليونية وهي تجتاز الجبال في ظل طقس  زمهريري تثقل كاهلي، لازلت أدور في مقابر حلبجة المغتصبة بحثا عن أبتسامة طفل أغتال البعث طفولته، لازالت فتيات الكورد التي تم بيعهن في سوق نخاسة البعث يؤرقنّ منامي بكوابيس ثقيلة، لا زلت  وأنا أقرأ القرآن بين الحين والحين أتعمد عدم المرور على سورة الأنفال، ولازال مذاق فمي فيه طعم السيانيد، لازلت أرى شباب الكورد الفيليين وهم يساقون الى مختبرات الموت.

لازلت أرى أهوار الجنوب العذبة تبكي قصبها الذي أحرقته نار البعث الهمجي، لازلت أتعذب لمناظر النخيل التي أعدمها الطغاة وهي عمّتنا، لازلت أبكي قبّة الإمام علي تدنسّها دبّابات الطغاة ومإذنته التي وشمتها القنابل، لا زلت أتخيل الشباب الثائر وهو يدفن حيّا في مقابر البعث الجماعية، لازلت أرى الرعب في وجه عجوز يُدَقّ بابها ليلا بعنف، لازالت الكوابيس تلاحقني وأنا أرى شباب تتفجّر أجسادهم بأصابع الديناميت والزيتوني يهتف بإسم الطاغية، لازلت الكوابيس تؤرقني وأنا أتخيل شكل الموت في طريق المطلاع حيث فتح الجحيم أبوابه لشباب العراق، لازلت أسمع إهانات البعث  "للشرگاوي والكاكه" وإستصغارهما، لازلت أرى السمك يتجمع عند ضفّة دجلة ليلتهم اللحم البشري الذي يأتيها من مفرمة البشر عند الشعبة الخامسة. ولازلت أبكي النعوش المحمولة الى وادي السلام.

هل تتذكرين الجوع يا بغداد والحصار يلف الوطن من شماله الى جنوبه؟ هل نسيت الناس وهي تبيع حتى أبواب منازلها والشبابيك لتوفر لقمة خبز لأبنائها، هل أثّر بك مثقف يبيع كتبه وهو يبكي من أجل أن يدفع إيجار بيته؟ إنني أتذكر أب لا يملك ما يقيم به أود أطفاله فأنتحر، أنني أتذكر أم بلا معيل باعت جسدها الطاهر كي توفر لقمة خبز لأبنائها، أني لليوم أبكي أب لم يكن ثمنا لشراء علبة دواء لطفله فهام على وجهه، لازلت لليوم أسمع بكاء الأطفال شدّة البرد على تقاطعات المرور وهم يتعرضون لمضايقات أشباه البشر. نعم بغداد، لازال شرف بناتنا مدنسا وهنّ يباعنّ في مواخير دول المنطقة، نعم بغداد لازالت شوارع عمّان ودمشق تتذكر حرائر العراق وهنّ يبيعنّ سقط المتاع على أرصفتها لدرء غائلة الجوع عن عوائلهن. لقد ذقت الجوع يا بغداد ويا حسرتي عليك، فما لك اليوم تهددين أبناءك بالجوع!!؟

الجوع كفر يا بغداد، فكيف تريدين أن تكفّري أطفال الكورد بأن تطلبي من جيراننا أن يجّوعوهم. من يذق طعم الجوع يا بغداد لا يرضاه لغيره فكيف والغير هذا إبنك لليوم!! قفي شامخة وإغتسلي بماء دجلة وأرفضي تجويع أطفال كوردستان ونساءه. ألم تشعري بالقيء من كلمة " حصار"؟ هذه الكلمة التي أذلت شعبنا وأنهت أحلامنا وجائت لنا " بالسرسرية" ليحكمونا؟ إن كنت تشعرين بالقيء منها فكيف تريدين إعلان الحصار على كوردستان!؟ بغداد البعث كانت بطلة الحصار والدمار، فهل أطلّ البعث برأسه فيك من جديد لتعلني حصارك على الأطفال وتذيقيهم الجوع؟

أنّ الحكومة العراقية وهي تطالب تركيا وإيران بغلق حدودهما وأجوائهما كما تنوي هي أيضا في غلق حدودها مع إقليم كوردستان، ترتكب أمّ الجرائم الإنسانية بحق الشعب الكوردي. ومثلما لم يؤثر الحصار الظالم على السلطة الحاكمة وقتها وطال الفقراء من أبناء شعبنا العراقي، فأنّ الحصار الذي تنوي الحكومة العراقية الشيعية إعلانه وبمشاركة تركيا وإيران لن تؤثر على حياة الطبقة السياسية في كوردستان، بل ستطال فقراء الكورد وأطفالهم.

على الحكومة العراقية وحكومة الإقليم أن يشكلا لجان تفاوضية وأن يحتكما للدستور في حل الخلافات التي بينهما وليس تجييش الشارع وشحنه طائفيا وقوميا، فالعراق لازال " لليوم" دولة ذات سيادة وإن كانت منقوصة بسبب ضعف السلطة فيها نتيجة فسادها، كما وأنّ الإستفتاء لا يعني الإنفصال عن جسد الدولة غدا.

كما كلل العار البعث وهو يجوع شعبنا بعربه وكورده وباقي أثنياته ويحاصره، فأنّ التأريخ سيكلل قادة بغداد اليوم بالعار وهم يريدون تجويع الشعب الكوردي وحصاره. لتحتكم كل الأطراف للغة العقل والمنطق ولتخرس طبول الحرب من أجل سلام نحن بأمسّ الحاجة إليه لنبدأ مرحلة جديدة من تأريخنا وننهض من جديد. لنعمل معا من أجل عراق آمن ومستقر، لا مكان فيه لسياسات التجويع والحصارات ، ولا مكان فيه للفساد والميليشيات.

زكي رضا
الدنمارك
27/9/ 2017





202
براءة الإمام الحسين من شيعته

أمر ما جعل السادن يقضا تلك الليلة على غير عادته، فقد كان ومنذ أن وطئت قدماه أوّل مرّة تلك البقعة المقدّسة ينام ملء جفنيه وهو ينتظر تباشير الفجر الاولى ليفتح أبواب الضريح المقدّس لأول المصّلين. لم يفهم السادن هذا الأمر، الّا أنه كان في حالة من الشرود وشيء من الخوف رغم قدسية المكان ووقعه النفسي عليه. ومع تقدّم ساعات الليل والمدينة تغط في نومها بإنتظار نهار جديد لتبدد فيه أشعة الشمس فلول الظلام. كان الشرود والخوف يتحولان الى رعب داخلي وتوسل خفي ورغبة جامحة بصراخ قد يجلب معه شخص ما ليكون أنيسه حتى الوقت الذي يشدّ الليل فيه أسراره راحلا.
 
الضريح ليس نفس الضريح، قالها محدّثا نفسه وهو يتقدم بقدمين مرتجفتين بضع خطوات نحو المكان المألوف عنده منذ سنوات طويلة والذي يبدو غريبا عليه اليوم. "يا الله . يا رسول الله .. يا ابا عبدالله" ظل يبسمل ويحوقل وهو يتقدم ببطء شديد نحو الرواق المؤدي للقبر الشريف، ما لي لا أرى نور في الرواق؟ قالها وهو يحاول إشعال عود كبريت بيد مرتجفة ليتفحص موقع قدمه على البلاط الأملس. على الرغم من حالة الهلع والخوف الا أنه إستطاع أن يجمع ما تبّقى عنده من قوى على ضعفها متخطيا المتر الأخير الذي يفصل الرواق عن القبر. وما أن مدّ رأسه على ضوء عود الكبريت وهو يشاهد القبر، حتّى كتم صرخة كانت كفيلة بإيقاظ المدينة بأكملها. يا إلهي، قالها وهو ينظر الى القبر مفتوحا ولا أثر للجسد المقدّس !!! أين الجسد الطاهر، أيعقل أن يعبث به عابث؟ ولو كان هناك عابث ما فكيف دخل الضريح ووصل الى حيث القبر والأبواب مغلقة ولم أغادر مكاني للحظة؟

الدقائق كانت طويلة وثقيلة على السادن وهو يسبح في بحر من الظلمات بعد أن أكلت النار عود الثقاب الذي كان قد أشعله، كان وهو يحاول أن يرى موقع قدميه أن يتذكر جغرافية المكان ليخرج من محيط القبر الى حيث ضوء الفجر الذي بانت خيوطه الأولى تلك اللحظات. وما أن إستدار قليلا نحو ما كان يتوقعه مخرجا للرواق المؤدي الى الخارج حتى أغمض عينيه بكلتا كفّيه لشدّة النور الذي كاد أن يفقده بصره. من أنت؟ سمعها بوضوح وعن قرب. لم يستطع الإجابة للوهلة الأولى وكانت كفّاه لازالتا تغطيان عينيه ليحميهما من الضوء الساطع الذي غطّى المكان، الّا أنّه ولهدوء الصوت ولمعرفته بقدسية المكان الذين خففّا عنه حالة الرعب التي كان يعيشها لحظتها، أجاب وبصوت مرتعش وبعيد جدا: أنا سادن ضريح الإمام الحسين "ع"، فجاءه الصوت آمرا هذه المرّة  أن إرفع كفّيك لأحدثّك.

ببطء شديد أبعد السادن أصابعه وهو ينزل كفّيه عن عينيه ليرى محدثّه خلسة وليعتاد على الضوء الذي كان قد ملأ المكان، فرأى رجلا ذا هيبة وخطّ من الدماء الطرية تحيط برقبته فتلعثم بالكلام قائلا: من أنت سيدي؟ فأجابه الرجل: أنا الوتر الموتور، أنا أبا الأحرار. حينها جثا السادن على ركبتيه ووجهه نحو الأرض كالساجد قائلا: سيدي الحسين بن علي، أنا عبدك وإبن أَمَتِكْ، فنهره الإمام الحسين أن قم ولا تسجد لأحد قط الا لله. فنهض السادن ببطء وهو ينظر الى الحسين بنظرة هي مزيح من الرهبة والفخر قائلا: أين كنت سيدي، ولم عدت بعد كل هذه القرون الى كربلاء!؟

الحسين: كنت في الشام، لأعيد رأسي الذي قطع  يوم العاشر من محرم، بعد أن خذلوني شيعتي وشيعة أبي، وعدت اليوم لأرى حالهم  وهم  يطوفون حول قبري هاتفين "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما".

السادن: شيعتك اليوم سيدّي يمتلكون قرار البصرة والكوفة وبغداد وأحفادك بعمائمهم يوجّهون الناس من النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء الى ما فيه صلاح العامّة منهم والخاصّة ولأننا معك، ترانا سيدي قد فزنا فوزا عظيما. ونحن اليوم ننتقم من قتلتك، فمختارنا اليوم كما مختار الأمس يقود جيش شيعتك ضد جيش يزيد الذي قتلك وسبى أهل بيتك الطيبين الطاهرين. 

الحسين: لا تراوغني يا هذا، فأنت تعرف جيدا ما حلّ بي وبأهل بيتي ورسولي إليكم مِنْ قتل وسبي لنساء وبنات جدّي رسول الله بعد قدومي إليكم، وكان معي حينها مئات الكتب والصحف التي بعثتموها  لي بخطكم وأنا بمكّة "أنّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحق" 1

السادن: ولكننا .....


الحسين: مَه، فأنا لم أنهي حديثي بعد، ثم جاءتني رسلكم بصحيفة تقول "أمّا بعد، فَحيَّ هَلاَ، فإنّ الناس ينتظرونك، ولا رأي لهم في غيرك، فالعَجَلَ العَجَلَ" 2 . وأخرى تقول "أمّا بعد، فقد أخضرّ الجَنابُ، وأينعت الثمار، وطمّت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد، والسلام عليكم" 3

السادن: ولكننا اليوم غير الأمس سيدي ومولاي، فلك بالعراق اليوم جند مجنّدة وأسلحة شاهرة وعمائم ساهرة سائرة على نهجك.

الحسين: كان فقراء شيعة أبي وشيعتي وجمهور المسلمين يعانون الأمرّين عهد "معاوية " ومن تلاه من ملوك بني أمّية وبني العباس وغيرهم، وحسب حديثك فأنّ حالهم قد تغيّر نحو الأحسن إذن وأنتم تمتلكون زمام الأمور.

السادن: متلعثما، هناك على الدوام فقراء وأغنياء سيدي وأنت تعرف ذلك و ....

الحسين: دعنا ممّا تقول وأصحبني لأرى الناس وأحوالهم.

السادن: تستطيع سيدي أن ترى شيعتك في أيام محرم هذه و .. ...

الحسين: "بعصبية" أنا هنا لأرى أحوال الناس وليس شيعتي وبقية المسلمين يا هذا، فالناس كما قال أمير المؤمنين الإمام علي صنفان (إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

حينها كان الليل يودع سماء المدينة والفجر قد لاح في الأفق، فصلّى الأمام الحسين وخلفه السادن صلاة الفجر والناس في الخارج لم تجد تعليلا للسبب الذي دعا القائمين على الضريح بعدم فتح أبوابه لتأدية الصلاة. وما أن أتم الامام صلاته حتى خرج متنكرا ومعه السادن الى المدينة التي كانت الحركّة قد دبّت فيها وهي متشّحة بالسواد، والبيارق تغطّي الشوارع والساحات وأسطح المباني والبيوت.

الحسين: هلمّ بنا الى ضواحي المدينة لأتجوّل فيها فهناك دوما يعيش الفقراء.

السادن: لكنّ المدينة ليست كما الأمس مولاي، فهي اليوم مترامية الأطراف وأنا أرى الدماء لازالت تنزف من رقبتكم المباركة، فلم لا تستريح اليوم لنرى أمر الدماء فيها وتؤجل الموضوع للغد سيدي. "كان السادن يريد عدم خروج الحسين الى الناس لحين إخباره المسؤولين من ساسة ومعممين عن خبر حضوره ليتّخذوا ما يروه مناسبا".

الحسين: لست أنت من يقرر الأمر، هلم معي إن شئت أو أمكث حيث أنت.

السادن: بل أنا خادمكم سيدي.

في العشوائيات التي تحيط بالمدينة وقف الحسين مذهولا من حال الناس فيها، صور فقرهم وعوزهم  تمثّلت أمامه وهو يرى أطفالاً عراة ونسوة متّشحات بالسواد والبؤس يغطّي وجوههنّ. هناك حيث كان الجوع  هو سيد المشهد وبيوت الصفيح المتهالكة  ترفرف فوقها الأعلام وعبارة "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما" منقوشة على كل صفيحة من صفائح البيوت البائسة ومعها صور لرجال ملتحين وعمائم تشّوه المكان المشّوه أصلا بدونها. وقف الحسين في ساحة تتوسط تلك البيوت المحرومة من كل شيء يوحي بآدمية من يعيش فيها متأملا حال الناس والذلّة التي يعيشونها.

وما هي الا لحظات حتى كان خبر وقوف الحسين وقفته تلك بوسط الساحة قد تسلل الى كل "بيت" في تلك البقعة البائسة، ولم يرى الحسين وبجانبه السادن الذي تعرّف عليه الناس هناك نفسه الا محاصرا بالآلاف من البشر بعد أن تعرفوا عليه وهم يهتفون غير مصّدقين "علي وياك علي" !! وما أن سكت الناس وجلسوا يفترشون الأرض حوله حتى خطب بهم قائلا:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين، جدي أبا القاسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

أيها الناس أما بعد .. 

لقد عدت الى هذه الدنيا الفانية بعد ما يقارب الألف وأربعمائة عام من قتلي على يد جيش الظلم والكفر وبعد أن خذلني وأهل بيتي شيعتي وشيعة أبي وسلّوا سيوفهم بوجهي، عدت بعد أن بكت حتى ملائكة السماء على حالكم وأوضاعكم المزرية وأنتم تئنون من وقع الظلم والأضطهاد عليكم وعلى أبنائكم، عدت من جديد عسى أن أنجح هذه المرّة وأنتم بالملايين في أن "أصلح الأمر في أمّة جدي" بعد أن  شاع فيها الفساد والظلم. عدت لأبثّ فيكم روح الثورة على الطغيان، عدت لأقول لكم كما قلت لجيش يزيد بن معاوية "إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم". فجاء رد الجماهير مدويّا "هيهات من الذلّة .. هيهات منّا الذلّة".

أيها الناس ...

لا أظنكم وأنتم تعيشون كما أراكم بفقر وجهل وجوع ومرض، جادّين فيما تقولون. والذي نفسي بيده أنّ من يعيش عيشتكم هذه دون أن يثور لإصلاح أمره وهو يطيع "أولوا الأمر" ويبايعهم مرّة ومرّتين وثلاثا وهم يزيودنه فقرا وتعاسة وجهل، لهو في ذلّ ما بعده ذل. لقد وقفت وأنا إمامكم على ما تدّعون والجيوش تحيط بي وبأسرتي وأصحابي على قلّة عددهم وبعد أن خيّرني الطغاة بين أمرين أحلاهما أمّر من العلقم، فصرخت بوجوههم  "ألا وأنّ الدعي بن الدعي قد ركّز بين إثنتين بين السِلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله".

أيها الناس ...

اليوم وأنا بينكم من جديد لآخذ بيدكم الى حيث حريتكم وكرامتكم وأنسانيتكم التي سرقها لصوص الله، لا أراكم الا بين الذلّة والذلّة. اليوم أسمع أمير المؤمنين علي يدعو ربّه قائلا "اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم، وأبدلهم بي شرا لهم مني"، فلله درّك يا أبا الحسن فها أنا أرى الله قد أستجاب لدعاكم وأنّي أرى القوم يجهدون أنفسهم كي يتولّى الأشرار أمورهم فيذيقونهم العذاب.

أيها الناس ....

قال جدّي رسول الله "صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي وإذا فسدا فسدت أمّتي وهما الفقهاء والأمراء"، والذي نفسي بيده لم أجد أفسد من فقهائكم ومن أمرائكم حتّى عهد معاوية وإبنه يزيد، ولكن والحق حقّ وعليّ  قوله فأنّكم أكثر منهم فسادا كونكم أعطيتموهم يدكم إعطاء الذليل الصاغر والعبد الحائر الذي يبدلّ نير بنير. مالي أراكم وقد وهبكم الله عقولا وأجساما تكفرون بنعمته فتهبون عقولكم ليفكر الفقهاء الأشرار بدلا عنكم في أمور دينكم ودنياكم، وما لكم وقد وهبكم الله أجسادا تتركوها بيد الأشرار من أمراؤكم  ليذيقوها الجوع والذل عوضا عن إستخدامها لحريتكم من عبوديتكم لهم!!

أيّها الناس ...

أني سأسير بكم من يومي هذا الى حيث قصر الإمارة وأبن زياد في خضرائه ببغداد، لأصلح الأمر في أمّة جدي  مع معرفتي بصعوبة ما أقدمت عليه وإمكانية قتلي من جديد على يد جيوش السراق والمرتشين من الميليشياويين القتلة سارقي قوت أطفالكم وخونة وطنكم.

الجماهير تقاطعه وهي تبكي وتلطم وجوهها بهتاف "هيهات منّا الذلّة .. هيهات منّا الذلة"، سر بنا على بركة الله لنطهر ذنوبنا بإنتخابنا اللصوص مرّات ثلاث ولنصلح حالنا بعد أن لَبَسَنا البؤس والجوع  لسوء إنتخابنا.

في تلك اللحظات وما أن جال الحسين ببصره  وإذا بالناس على مدّ البصر، فخبر وقوف الحسين وقفته تلك كانت قد وصلت الى  بقية العشوائيات وكامل مدينة كربلاء التي كان تموج بزوار قبره في أيام محرم تلك. ولكن أمر ما جعله يستعيذ بالله وتلى "إنّا لله وأنّا إليه راجعون"، قالها الحسين وهو يشعر بالخطر القادم بعد أن رأى رحيل السادن خلسة  ودون إذن منه.

جلس بعدها الأمام الحسين على سجّادة متهرئة والناس تتقدم نحوه لتبايعه على المسير نحو الخضراء والثورة على الطغاة والمجرمين الذين فيها، وما أن أذّن المؤذن صلاة العشاء حتى كان عدد من بايعوه من العراقيين يزيد على الخمسة مليون رجل وإمرأة من شيعته.

قصور الخضراء في بغداد

في الخضراء لم تكن الأوضاع تلك الساعة كما هي عليها كل يوم، فالسادن الذي وصلها ومعه الفقهاء من النجف وكربلاء ولحق بهم فقهاء الكاظمية وسامراء، وفقهاء قم وطهران الذين وصلوا اليها بالطائرات على وجه السرعة.  كانوا جميعا في حالة عصبية، ومعهم ساسة الخضراء الإسلاميين ورجال العصابات وهم يناقشون الخطط التي عليهم إتّباعها لمنع وصول الإمام الحسين ومعه هذا البحر المتلاطم من شيعته الى حيث يقيمون. كان الهلع سيد الموقف الى أن جاءهم خبر وصول ممثل ولي الفقيه والذي تعذّر عليه الحضور لأسباب صحّية، طالبا منهم الهدوء لسماع رأي الولي حول الأمر، ولأتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على وحدة الصف  لإستمرار السلطة بيد المعممين والعصابات في البلدين حفاظا على مصالح الجميع.

أنّ إيقاف قافلة الحسين ومن معه أو من سيلتحق به أمر لا نقاش فيه ومن دون الخوض في الأسباب، هكذا بدأ رجل معمّم حديثه وهو يوجّه كلامه الى الحضور الذين أكتضت بهم أكبر قاعات الاجتماعات في الخضراء.

أحدّهم "مقاطعا": كيف تريدنا أن نوقف القافلة وهي كالبحر المتلاطم كما نقل لنا السادن وأعيننا التي معه  أخبارها.

ممثل ولي الفقيه: بكل السبل المتاحة والتي سندرسها بهدوء، فموعد وصول الحسين والرعاع الذين معه لن يكون قبل ثلاثة الى أربعة أيام.

آخر: رعاع!! أتعني أنّ شيعة الحسين من العراقيين رعاع  قالها بعصبية ظاهرة.

نظر ممثل الولي الى باب القاعة، وما هي الا ثوان وإذا بالرجل يسحب الى خارج القاعة وصوت رصاصة تدوّي فيها. وليخيم الرعب والصمت على الحضور وكأن على رؤوسهم الطير.

إسمعوا جيدا قال ممثل الولي  بلغة عربية ركيكة، أننا نعرف من أنكم لستم سوى عصابة من السراق والقتلة، ونعرف كما تعرفون  من أنكم غير قادرين على إدارة البلد ولستم برجال دولة أصلا، وتعرفون أيضا من أنكم لستم سوى بيادق شطرنج تتحرك بأوامر منّا لحماية مصالح بلدنا. وعليكم أن تعرفوا جيدا من أنّ وصول الحسين الى هنا يعني القضاء على سلطتكم والتي ستكون وبالا علينا أيضا، لذا قررنا إرسال وفد الى الامام الحسين للتفاوض معه لثنيه عن القدوم الى الخضراء إن أمكن والّا ستكون لنا خطط أخرى في حالة إصراره على المسير الى هنا.

ماذا تقول يا مولاي "قاطعه معمم سياسي عراقي" قائلا له وبذل واضح،  أتريدون التفاوض معه!!؟؟

 نعم، أجاب ممثل الولي وهل لديك حل آخر للخروج من هذه المعضلة؟

بالتأكيد لديّ حلّ، وسهل جدا.

أسعفنا به إذن.

نتركه يكمل مسيره الى هنا ثم نقتله دون أن نخوض معه أية مفاوضات.

إرتفعت الأصوات المؤيدة له في القاعة وكأن القوم كانوا بحاجة الى من يطلق هذه الشرارة ليقفوا بأجمعهم خلفه.

كيف تقتلونه!؟ قالها ممثل الولي متعجبا وغير مصدّق لِما يسمع.

لقد قتلناه مرّة بعد أن راسلناه طالبين حضوره، والأمر اليوم أسهل من ذي قبل فهو لوحده وليس معه أحد من أهل بيته أو أصحابه.

وماذا عن الملايين التي تسير بين يديه، ما أنتم فاعلون بهم؟

إرتفعت الضحكات في القاعة حتّى إهتزّت جدرانها، فقال المعمم ضاحكا ملأ شدقيه. أنّ هذه الملايين ونحن معهم أحفاد من كتبوا إليه مئات الكتب سائلين إياه القدوم اليهم وقيادتهم للثورة ضد طغيان يزيد وبني أمّية، وتركناه بعدها عطشانا مجندلا في صحراء كربلاء وقطعناه إصبعه وسرقنا خاتمه وما عليه من ملابس وجالت خيولنا على صدره . وسنعمل على أن يصلّي الحسين عند أسوار بغداد لوحده، وحينها سنقتله قتلة لا يتخيلها كي لا يعود بعدها الى الحياة مستقبلا ليهدد من جديد حكمنا وحكم من سيلي السلطة بعدنا.

حينها وبأقتراح من سياسيي خبير بدفع الرشى وشراء ذمم الناس تشكلت فرقة خاصّة بصلاحيات مالية كبيرة لشراء بطّانيات ومدافيء نفطية لتوزيعها على من خرج مع الحسين لإستمالتهم وتركهم إيّاه، كما إستمال بن زياد أهل الكوفة ورؤساء عشائرها بالدراهم الزيوف. وتشكّلت فرقة أخرى للتخطيط في الطريقة والوسيلة التي عليهم إتّباعها في قتل الحسين عندما ينفردون به. وبعد  إجتماعات مطولة وأخذ ورد ، توصّل المجتمعون لطريقة القتل على أن يشارك فيها زعماء جميع الأحزاب الشيعية وممثلي المؤسسات الدينية في الداخل والخارج كي يضيع دمه بين الفرقاء، وليقطعوا الطريق أمام تشكيل جيش للتوابين يطالب بالثأر لمقتله.

كربلاء

بعد تحرّك الحسين من العشوائيات نحو كربلاء وزيارته ومعه تلك الملايين قبر أخيه العباس  وقبور أصحابه وأهل بيته، أخذته العبرة فخطب فيهم قائلا:

أيّها الناس ...

أنّي خارج معكم الى حيث إصلاح حالكم  مع خوفي من نكوصكم وترككم إيّاي خوف السلطان وطمعا بماله، فلا زال صوت بن عبّاس يرن في أذني وأنا بمكة وهو يخاطبني "يا أبن عم أنّي أتصبّر ولا أصبر، إنّي أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك والإستئصال، إنّ أهل العراق قوم غدر، فلا تقربنّهم، أقِم بهذا البلد فأنّك سيد أهل الحجاز". فبكى الناس وأخذتهم العبرة ورفعوا أياديهم الى السماء قائلين "اللهم أنك وقد أرسلت الينا إبن بنت نبينا ليأخذ بأيدينا الى حيث كرامتنا وحريتنا، فأننا نعاهدك على المضي معه حتى تظهر فينا وبقاطني الخضراء أمرك، وأننا بحضرتك اليوم نبايع إمامنا على أن نقاتل أمامه ومن خلفه ومن بين يديه حتّى نصل وإيّاه الى حيث قصور الطغاة في الخضراء لندكّها دكّا أو نرتفع الى السماء لنشكيك ظلم فقهائنا وأمرائنا لنا.

حينها رفع الحسين يديه الى السماء حتى بان بياض أبطيه مخاطبا ربّ العرش "اللهم  هؤلاء الفقراء البؤساء المغلوبين على أمرهم من المسلمين، بايعوني على إصلاح أمرهم أمّا سلما وأنت خير التوابين وإما حربا وأنت خير الناصرين، اللهم إني بك أستعيذ من كيد القوم في أن يغرّوني ويكذّبوني ويخالفوني ويخذلوني، وأن يستنفروا عدوك وعدوهم وعدوي عليّ فأكون حينها بين حجري الرحى، اللهم إنصرني وأنصرهم على قوم الخضراء الظالمين وخذ بيدي ويدهم الى ما فيه صلاح أمرهم وبلدهم".

ما أن أنهى الحسين دعائه حتّى كان علية القوم ورجال العشائر تحيط به كما يحيط السوار بالمعصم، وما هي الا ساعات حتى كانت خطط المسير من كربلاء الى الخضراء قد وُضِعت والتي أكّدت على سلمية المسير قدر الإمكان. وحين أنهى الحسين زيارته لقبور أهل بيته وأصحابه وشدّ المسير الى خارج كربلاء متوجها الى بغداد حيث يسكن الطغاة واللصوص، حتى كانت الصحراء الشاسعة بحر متلاطم من البشر والحسين في المقدّمة كأي قائد جسور لا يهاب الموت من أجل مبادئه.

كانت جموع المسلمين القادمين من شتّى أرجاء العراق تنظم الى قافلة الحسين المليونية ليزداد عددهها ساعة إثر ساعة، وقد أنظمّ الى تلك الجموع  رجال أرسلهم الفقهاء والساسة ورجال العصابات لفتح قنوات إتصال مع زعماء العشائر الذين خرجوا وعشائرهم مع الحسين في مسيرته المؤدية الى حيث الإصلاح والحرية والعدالة، لثنيهم وعشائرهم عن المسير معه وخذلانه وعدم نصرته والبراءة من بيعته. وفي غفلة عن الحسين الذي كان مشغولا بتنظيم صفوف المسيرة وتأمين طريق وصولها الى مبتغاها، أتّصل الرجال القادمون من الخضراء مع رؤساء العشائر بعيداً عن عيون الحسين والمحيطين به من الذين بايعوه أول الأمر في كربلاء.

كان إجتماع زعماء القبائل والبعض القليل من المعممّين الذين آثروا "حتى تلك اللحظة" الوقوف الى جانب الحسين عاصفا، فما جاء به رجال السلطة من أوامر لم تخرج عن الطلب منهم نقض بيعتهم وعشائرهم والإنظمام للسلطة مقابل وعود كبيرة ومغرية. في ذلك الإجتماع  إرتفعت أصوات بعض زعماء العشائر الكبيرة رافضة  نقض بيعتها للحسين والغدر به مرّة أخرى كما غُدِرَ به من قبل أسلافهم أوّل مرّة، فيما كانت الأخرى خجولة وتنتظر معرفة ماهية عرض السلطة. ولأن مندوبو السلطة كانوا يحملون تفويضا كاملا للأتفاق بأي ثمن مع زعماء القوم، فأنهم تركوا لزعماء العشائر ومن معهم من رجال الدين تحديد قائمة بمطالبهم. وكما توقّع الفقهاء والأمراء بالخضراء فأن القوم نقضوا بيعتهم بعد وعود بملايين الدولارات ومناصب في الدولة والجيش والشرطة لأبنائهم.

مضت قافلة الحسين في طريقها والناس تنظم اليها وتبايعه في كل مدينة تصلها حتى وصل عدد مبايعيه وهو على أطراف بغداد ليلة الجمعة العاشر من محرم الى ما يقارب الخمسة عشر مليون إنسان. وفي تلك اللحظات من الليل تذكر الحسين مسيره الى الكوفة وإستشهاد أبن عمه مسلم بن عقيل بعد أن خذله شيعته. جلس الحسين في ركن بعيد عن الناس وهو ينظر الى جموعهم المليونية متذكرا حديثه مع "مجّمع بن عبد الله العائذي" وهو يقول له "أمّا أشراف الناس فقد أعظِمَتْ رشوتهم، وملئت غرائرهم، يُستمال ودّهم، ويُستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعد، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك". فأستغفر ساعتها وهو يتخيّل بؤس حياة الملايين التي معه وضرورة إصلاح حالها لتحيا حياة آدمية، الا أنّ هذا لم يمنعه من تذكر خطبة أبيه الإمام علي في أهل الكوفة وهم من شيعته حينما خاطبهم متبرما منهم  "يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث وأثنتين: صمٌ ذوو أسماع، وبُكمٌ ذوو كلام، وعميٌ ذوو أبصار. لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا أخوان ثقةٍ عند البلاء! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها: كلّما جُمعت من جانب تفرّقت من جانب". وما أن إرتاح الحسين قليلا وتحرر من أفكاره تلك ، حتى أنزوى يصلّي وحيدا صلاة الليل، وما أن أتّم صلاته حتّى بدأ يقرأ القرآن بصوت خفيض عذب ودموعه تبلل لحيته وقطرات الدم الطرية تبلل رقبته التي نحرت بكربلاء.

هناك على أطراف بغداد وحين كان الحسين منزويا وحيدا يصلّي ويستذكر ربّه كان زعماء القبائل ورجال الدين الذين معهم يحثّون أبناء العشائر ومريديهم سرّا على ترك القافلة حفاظا على أرواحهم وعوائلهم. وفي ذات الوقت كان رجال السلطة يوزّعون البطّانيات والمدافيء النفطية على الناس، الذين كانوا يغادرون المسيرة خلسة فرحين بما حصلوا عليه. وقبل أن تبزغ شمس العاشر من محرم كان الحسين يسير في المقدّمة دون أن يفّكر بهروب الملايين من شيعته عنه ونقضهم بيعتهم له. فسار ومعه ما يقارب العشرة آلاف أنسان فقط  نحو الخضراء ببغداد فوصل الكاظمية ليعبر بعدها جسر الأئمة نحو الأعظمية وليسير بمحاذاة دجلة حتى وصل ساحة التحرير.

هناك تحت نصب الحرّية وقف ليصلي صلاة الفجر مع من تبقّى معه من رجال، وما أن أتمّ صلاته وأستدار حتّى رأى نفسه وحيدا والدبّابات تقف على الجسر مع آلاف الجنود والميليشياويين المدججين  بمختلف أنواع الأسلحة تراقبه وتراقب مجموعة من الشباب الواقفين على بعد أمتار منه وكانوا معروفين للسلطة من أنهم متظاهرون من أجل الإصلاح .  فبدأ الحسين  يبسمل ويحوقل وهو يرى نفسه وحيدا فصاح بصوت كالرعد:

 أيّها الناس لقد جئت لإصلاح أمركم والأخذ بيدكم لما فيه خير دينكم ودنياكم وقد بايعتموني على ذلك أمام الله وملائكته، وها أنتم اليوم كما أسلافكم بالأمس تتركوني وحريتكم الى قتلي وعبوديتكم. أن العاقل من كان يومه أفضل من أمسه وأنتم  والله تعملون كالثور القوّي كي يكون أمسكم خير من يومكم. الا شاهت وجوه قوم يحيون حياة العبيد ويسجدون دوما  للمجرمين الذين يحرمونهم من حياة تليق بالبشر.

أيها الناس ..
 
   إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم هذه. فوالله، أن الله لا يرى في وجه عبد يخون نفسه وعياله، وأنتم وربّ العزّة خونة لأنفسكم وعيالكم ووطنكم. ما لكم تقتلون كل ناصح لكم وتكذبونه؟ ما لكم تبايعون اللص مرّة ومرّتين وثلاث؟ والذي نفسي بيده أنكم لستم بمؤمنين بدين الله، ألم يصلكم قول نبي الرحمة من أن "لا يلدغ مؤمن من جحر مرّتين".

وما أن أنهى الحسين حديثه حتى كان إثنين وسبعين متظاهرا من متظاهري ساحة التحرير وفي تلك الساعات الاولى من فجر العاشر من محرم يحيطون به.

الحسين: من أنتم؟

متظاهر:  نحن من متظاهري هذه الساحة ضد سلطة الخضراء.

الحسين: ما إسم هذه الساحة وما هي مطالبكم؟

متظاهر: إسمها ساحة التحرير، ومطالبنا هي إصلاح الخراب الذي دمّر الإنسان والوطن.

الحسين: منذ متى وأنتم هنا تتظاهرون؟

متظاهر: منذ ما يزيد على العامين بقليل.

الحسين: تقولون أنكم تريدون الإصلاح، فلم لا يشارككم الناس مطلبكم هذا وهو خير لهم؟

متظاهر: لأننا مدنيون علمانيون نؤمن بفصل الدين عن الدولة، إحتراما للدين ولبناء دولة لكل أبناء شعبنا بعيدا عن الدين والقومية والطائفة.

الحسين: إذن فأنتم أصحاب مباديء، ولا أراكم بعيدين عني في هدفي بإصلاح أمور الناس. بل ذهبتم أبعد حينما لم تقصروا الإصلاح على المسلمين فقط. لكن لمَ تقفون معي وأنا رجل دين ورجال الدين وأتباعهم هم من سرقوكم ودمروا بلادكم. ولم تعرّضون حياتكم للخطر، وأنا صريع بعد ساعات؟

متظاهر: نقف معك لأنك طالب إصلاح كما نحن، ونحن إذ نقف هنا معك فأننا نقف مع شعبنا ووطننا الذي مزّقه قاطني الخضراء.

الحسين: إسمعوا يا أبنائي لا أقول لكم الا ما قلته لمن معي وأنا في طريقي الى كربلاء "لقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الأنصراف فلينصرف ليس معه ذمام". فأنصرفوا وأتركوني فأنني تعوّدت الشهادة من أجل المحرومين وإن غدروا بي كما الأمس واليوم.

متظاهر: لسنا جميعا من المسلمين، ففينا المسلم والمسيحي والصابئي المندائي والأيزيدي والشبكي وغيرها من الأديان والمذاهب، كما فينا العربي والكوردي والتركماني والكلداني والآشوري. صحيح أننا لسنا من شيعتك ولكننا من شيعة الإصلاح الذي تنادي وننادي به. وسنتظاهر رافعين شعارتنا المطالبة بالإصلاح والتغيير حتى نراها  تتحقق أو نموت دونها.

جلس المتظاهرون تحت نصب الحرّية والحسين وسطهم، فتناقشوا ساعة حول الشعارات التي عليهم رفعها في مواجهة جيش الفقهاء والأمراء وميليشياتهم. وعرضوا على الحسين عشرات الشعارات كي يحمل أحداها وهم يطوفون حول ساحة الكرامة. فأمتدت يد الحسين بثبات الى شعار "بإسم الدين باگونا الحرامية". وبعد أن طاف الشباب والحسين معهم حول نصب التحرير توجّهوا الى بوابّات الخضراء وقبل أن يصلوا جسر الجمهورية ، كانت الدبابات والمدافع تمطر في سماء المكان، وما هي الا لحظات حتى هدأ كل شيء، وتم جمع أشلاء جثث الحسين والشبان الطاهرة من قبل عناصر الميليشيات، وجالت الدبابات عليها في موقف مخز وجبان.

وما أن أنتهت وليمة القتل برحيل القتلة من فقهاء وأمراء وصعود أرواح الشهداء الى السماء، حتى شهدت الساحة وصول الملايين اليها متلحفين برشى الذل ونقض البيعة من بطانيات ومدافيء هاتفين وأصواتهم تسمع بالخضراء:

يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما !!!!

وفي الخضراء جلس القوم يحتفلون حينما قال المعمّم لولي الفقيه، ألم أقل لكم سيدي أن الأمر يسير. نحن نتلاعب بعقول هؤلاء منذ مئات السنين ونعرف كيف نشتريهم بما لا قيمة له مقابل بيعهم إيّانا حريتهم وكرامتهم وحياتهم. إننا السادة هنا وهم عبيدنا بل وأسوأ من العبيد. تصّور إننا سرقنا كل ما يملكون ووزعنا الفقر والذل والجهل والتخلف والمرض والأميّة عليهم وقايضناهم بها بزيارة الأربعين، فباعونا كل شيء مقابل هذه الزيارة. وما أن جاء الحسين بنفسه ليرشدهم الى طريق حريتهم ويبث الوعي بينهم حتى تركوه وخانوه وشاركونا قتله. بلغ ولي الفقيه سلامنا وليطمئن من أننا حريصون على تعليم الناس طرق الذل وسبل خيانة العراق. 

وليعيد التأريخ وجهه القبيح من جديد، وليُغْرِق تجار الدين ومن معهم  "سفينة النجاة" التي يتاجرون بها للهيمنة على عقول الناس وأموالهم وسرقتها، ولتبقى سارية السفينة عندهم يرفعونها في كل محرم وعند كل إنتخابات ليضحكوا بها على جمهور الرعاع الذي أضاع بوصلته وبوصلة أجياله والوطن. 

1 - من كتاب أرسله سليمان بن صُرَد والمسيّب بن نُجُبة ورِفاعة بن ضدّاد  وحبيب بن مُظاهر وشيعة من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.
من صحيفة سلّمها كلا من هانيء بن هانيء السبيعي وسعيد بن عبدالله للحسين في مكّة. 2 -
3 -  من كتاب لشَبَث بن رِبعِيّ، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رُويْم، وعَزرة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج الوبَيدي، ومحمد بن عمير التميمّي..


زكي رضا
الدنمارك
شهر محرم من العام 2017 للميلاد.

203
العبادي يتّهم المالكي بالتآمرعلى البلاد


في مؤتمره الصحفي الأسبوعي المنعقد بتأريخ 6/9/2017 ، تناول السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي عددا من القضايا كان أهمها، تحرير تلّعفر من قبضة عناصر داعش الإرهابية. وكان من أهم ما تناوله العبادي في حديثه هذا، هو الوقت القياسي لتحرير المدينة مع تكبيد العدو خسائر كبيرة والتي وصفها "بالدمار الهائل".
 
لقد أرسل السيد العبادي من خلال حديثه في مؤتمره الصحفي هذا ثلاث رسائل مهمّة الى ستّة أطراف مختلفة،  فالرسالة الأولى هي أنّ الجيش العراقي والقوات الرديفة له حققّت نصرا عسكريا سريعا ومباغتا على عصابات داعش الإرهابية بإرادة وقرار سياسي عراقي وهي موجّهة للرأي العام العراقي. والثانية موجّهة للشعب العراقي والقيادة الكوردية والتي تتلخص بنيّة  الدولة على إستعادة هيبتها من خلال تنسيقها مع السلطات الفدرالية في كوردستان، وحديثه حول تسلّم الحكومة العراقية للأسرى الدواعش أو من سلّموا أنفسهم وعوائلهم لقوات البيشمرگه. والثالثة هي أنّ النصر هذا تحقّق دون أية إتفاقات مع العدّو، وهيّ موجّهة لحزب الله اللبناني وزعيمه حسن نصر الله وراعيه الإيراني والنظام السوري الذين وقّعوا إتفاقا مع عصابات داعش لنقلهم من غرب سوريا الى شرقها عند الحدود العراقية – السورية والتي وضعت الأطراف الثلاثة في مأزق وهم يواجهون الرأي العام العراقي.
 
 الّا أنّ المهم في حديث السيد العبادي هو رسالته لأكثر الأطراف خطورة وتأثيراً على الوضع الداخلي بالبلد أي المالكي الذي شكك بإنتصارات الجيش العراقي ولم يتحمل نصره حسب وصف العبادي. والعبادي الذي وصف المالكي بعد تسنمه لمنصب رئاسة الوزراء بخزينة خاوية بالقائد الضرورة مشبّها إياه بالمجرم صدّام حسين، ذهب بعيدا هذه المرّة ليتّهمه بالتآمر على العراق وشعبه. 
 
لقد كان السيد العبادي واضحا في حديثه وهو يتهم البعض بالتآمر على العراق وشعبه وجيشه معربا عن أسفه من أنّ بعضهم عراقيون وهو هنا لم يكن يعني الا المالكي والعديد من أعضاء حزبه وتحالفهم اللاوطني، الذين ونتيجة إنبطاحهم  أمام سادتهم في طهران لم يكتفوا بالتشكيك في إنتصار قواتنا السريع في تلعفر متهمين الحكومة بالإتفاق مع الدواعش. فبدأوا بخلط الأوراق ليبرروا بذل جبلوا عليه نقل مئات المجرمين الدواعش من قبل حزب الله اللبناني وسوريا بتخطيط ومباركة أيرانيتين.
 
لقد كان العبادي هذه المرّة عراقيا حقيقيا بعيدا عن الطائفية التي صبغت وتصبغ حزبه وتحالفه الشيعي وتآمرهم على البلاد لصالح إيران ومن يسير في فلكها من دول ومنظمات إرهابية وعصابات مسلّحة. فالأنتصار حسب وصفه تحققّ بتضحية الأبطال من العراقيين لا عن طريق إتفاقات مع أي طرف. ليقول نحن "في العراق لا نتفق مع مجرمين ولا نعقد صفقات مع مجرمين، فالمجرمين أمام خيارين إمّا الإستسلام وإمّا القتل". العبادي كان عراقيا على عكس ساسة ورجال دين وعلى رأسهم نوري المالكي، وهم يشككون بالجيش العراقي وقدراته وليغطّوا على إتفاق العار المبرم بين داعش وحزب الله بزعامة نصر الله حتّى وصل بهم الأمر الى قولهم "من أنّ مدن وبلدات العراق لم تتحرر الا بتضحيات الإيرانيين وحزب الله"! ضاربين عرض الحائط دماء عشرات آلاف الشهداء من شبابنا الذين ضحوا بأرواحهم من أجل تحرير بلدهم من رجس الدواعش.
 
الإنتخابات على الأبواب والعبادي يسابق الزمن لتحرير كل الأراضي العراقية قبل إجرائها لتكون له  أوراق قويّة وهو يخوضها، وأمامه فرصة كبيرة للنجاح إذا تعامل مع الملفّات السياسية التي أمامه بحنكة وذكاء. فالتوصل لإتفاق مع الكورد وتطبيقه البنود الدستورية الكفيلة بإعادة الثقة بين بغداد وأربيل بما ينسجم مع مصالح الطرفين ضمن العراق الفدرالي الموحد، وإيجاد الحلول الإنسانية والسريعة لمشكلة النازحين وإعادتهم الى مدنهم وبلداتهم وقراهم والبدء بإعادة إعمارها، ومحاربة الفساد عن طريق تقديمه بعض الرؤوس الكبيرة للمحاكمة العادلة لينال ثقة الشارع العراقي تعتبر أوراقا رابحة عليه أن لا يفرّط بها وهو يخوض معركة أمام عدو يمتلك الكثير من وسائل الشر كالمالكي. وتبقى عند العبادي ورقة "الجوكر" وهي إعلانه رسميا الإنسحاب من حزب الدعوة والتحالف الشيعي، والعمل على بناء تحالف إنتخابي عابر للطائفية لمواجهة حيتان الفساد والبدء ببناء عراق جديد، عراق لا مكان فيه للطائفية السياسية، عراق متصالح مع نفسه ويعمل على رقّي شعبه وتقدّمه. أنها فرصة قلّما يحصل عليها سياسي في ظل أوضاع سياسية متأزّمة كالتي نعيشها اليوم، فهل سيستغلها العبادي؟

زكي رضا
الدنمارك
8/9/2017
 

 

 


204
حزب الله وحزب الدعوة وداعش


لقد فتح الإتفاق الأخير بين حزب الله اللبناني والحكومة السورية مع تنظيم داعش الإرهابي لمغادرة التنظيم مواقعه من الحدود اللبنانية السورية الى الحدود العراقية السورية أي من غرب سوريا الى شرقها والذي لم يجري دون علم إيران وروسيا، الباب واسعا أمام تكهنات عديدة حول أهداف الصفقة ومدى تأثيرها على الوضع الأمني غير المستقر أساسا غرب العراق. ولكن وقبل تناول أهداف الصفقة بين الطرفين علينا إعطاء حزب الله وحلفائه الحق الكامل في البحث عن مصالحهم وإبعاد مقاتلي هذا التنظيم الإرهابي عن حدود لبنان أولا ومنح حليفته الحكومة السورية فرصة بسط نفوذها على غرب بلادها كي يكون بإستطاعتها إعادة تمركز قواتها للقتال في جبهات ضيقة ومحددة خصوصا بعد إبرامها إتفاقات سابقة مع الإرهابيين لإخلاء مناطق واسعة من محيط العاصمة وريفها.

حزب الله، حزب له ثقله على الساحة اللبنانية وشريك فاعل بالسلطة وعلى عاتقه تقع إلتزامات سياسية وعسكرية عليه القيام بها على المستوى المحلي، لذا فأن إستقرار الحدود اللبنانية السورية وبعد تدخله المباشر في القتال الى جانب الحكومة السورية وإحتلال إرهابيي داعش لمساحات واسعة من أراضي الأخيرة والمتاخمة للحدود اللبنانية كان مطلبا شعبيا لبنانيا قبل كونه مطلبا رسميا. لأن إستمرار تواجد داعش على الحدود السورية اللبنانية وخطفه وقتله لعناصر الجيش اللبناني وتأزيمه للوضع اللبناني الداخلي عن طريق أنصاره من لبنانيين وفلسطينيين داخل المخيمات، وضع حزب الله أمام تساؤلات عديدة للشارع اللبناني خصوصا بعد تصريحات ساسة وعسكريين لبنانيين عن محاولات الإرهابيين نقل المعارك من الاراضي السورية الى داخل الاراضي اللبنانية. وعليه فأن حزب الله يكون بهذه الصفقة قد حقق أول أهدافه أي إستعادة الأمن على جانبي حدود بلاده مع سوريا ونقل المعركة بعيدا عنها.

ولأن حزب الله كما بقية الأحزاب والميليشيات الشيعية بالعراق وغيره من البلدان يعتبر بيدقا إيرانيا وهذا ما لا يكذّبه الحزب بل إفتخر به مرارا عن لسان زعيمه السيد "حسن نصر الله" الذي أكّد لمرّات ولا يزال من أنه جندي عند ولي الفقيه "الخامنئي"، فأنّه لم ولن يبرم أي إتفاق ولن يدخل أية معركة الا بأوامر إيرانية صرفة وبما يخدم مصالح إيران وحلفائها بالمنطقة. ومصلحة إيران اليوم في سوريا هي الحفاظ ليس على النظام السوري فقط بل يتعداه الى وحدة الأراضي السورية وإنهاء أية محاولة لتجربة كوردية كما تجربة كوردستان العراق. إضافة الى إبقاء الوضع بالعراق على حاله من عدم الإستقرار وخصوصا في المناطق السنّية، كتصفية حسابات مع أبناء هذه المناطق الذين يعتبرون بنظر إيران العمود الفقري لنظام البعث الذي دخل وإياهم في حرب إمتدت ثمان سنوات من جهة، ولتدمير المدن والبلدات السنّية الطابع والهوية عن طريق فسح المجال لعصابات داعش بالتسلل لهذه المدن والبلدات وتدميرها من خلال معارك إحتلالها وتحريرها تلك التي تجري بين الجيش العراقي والبيشمركة والمتطوعين والميليشيات الشيعية التي تعمل بإمرة إيران من جهة و عصابات داعش من جهة ثانية، لإستمرار الشحن الطائفي ما يؤدي الى إستمرار نظام المحاصصة الطائفية وهيمنة الأحزاب الشيعية على السلطة خدمة للمشروع الإيراني.

خلال الإتفاق الأخير بين حزب الله وداعش لنقل عناصره من منطقة الجرود اللبنانية والسورية الى البوكمال على الحدود العراقية السورية أي شرقها إرتكب حزب الله وحلفائه جريمة بشعة بحق شعبنا ووطننا، تضاف الى جرائم سوريا بإحتضانها للإرهابيين وفتح معسكرات تدريب لهم وتوفيرها كل المساعدات اللوجيستية لضرب السلم الأهلي والمجتمعي ببلدنا، قبل أن تتذوق سوريا نفسها نفس السم ومن نفس المطبخ. ويبدو أنّ سوريا وهي تتلقى دعما روسيا وإيرانيا على الصعد السياسية والعسكرية والإقتصادية ودعما بشريا من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية ، لازالت تتعامل مع الملف العراقي بإستخفاف حالها حال حزب الله وإيران، ولا يهمّها مطلقا أن يظل العراق يدفع ثمن جرائم داعش من دماء أبنائه ودمار مدنه. ولحد الآن نرى أنّها على حق كونها تبحث عن مصالح شعبها ووطنها، لا كما ساستنا الشيعة وهم يبحثون عن مصالح سوريا وإيران وحزب الله بعيداً عن مصالح شعبنا ووطننا، لذا نرى أصوات نكرة تبرر الإتفاق المشين والإجرامي بين حزب الله وداعش لتقارنه بين تسليم عناصر داعش أنفسهم لعناصر البيشمركة في تلعفر في تبرير صبياني لا يأخذ بالحسبان خطر هذه العصابات وهي تتواجد على حدود العراق الغربية والرخوة عسكريا لوجود حواضن لهذا التنظيم الإرهابي.

هل يشكل إنتقال الدواعش الى شرق سوريا خطرا على بلدنا، وما هو موقف حسن نصر من الأمر؟ كي نجيب على السؤال علينا أن نعود الى خطاب له القاه بمناسبة العاشر من محرم العام الماضي أي في شهر أكتوبر سنة 2016 ، حينها نرى أنّ نصر الله ليس سوى عدّو لبلدنا وشعبنا ويجب الوقوف بوجهه وفضحه ورعاته وأنصاره من رجال دين وساسة عراقيين وزعماء ميليشيات مسلّحة. قال "حسن نصر الله" في خطابه العام الماضي والعراقيون كانوا يتجهون لحسم المعركة المصيرية وتحرير الموصل من براثن التنظيم الإرهابي، وبعد أن تحرّكت قوافل من داعش نحو الحدود العراقية السورية دون أن تتعرض لقصف الطيران الأمريكي قال (اليوم الأميركيون يريدون، كما قلت بالأمس، تكديس داعش في المنطقة الشرقية من سوريا، أقول للعراقيين، للإخوة العراقيين، ليس فقط من أجل سوريا، بل من أجل العراق، من أجل العراقيين، من أجل الشعب العراقي، تكديس داعش في سوريا بعد هزيمتها من العراق إلى ماذا سيؤدي؟ وقد أجاب السيد "نصر الله" على السؤال الذي طرحه بنفسه بنقطتين هما:

أولاً، ستستغل تواجدها العسكري والأمني في المنطقة الشرقية يعني على الحدود الغربية للعراق لتنفيذ عمليات أمنية وإرهابية وانتحارية حيث تصل أيديها في داخل العراق، وستجدون أنفسكم لتوقفوا هذه العمليات الانتحارية والتكفيرية مجبرين أن تدخلوا إلى المنطقة الشرقية من سوريا.

وثانياً، سوف تحشد داعش لتعود من جديد إلى العراق، أساساً قبل سنوات عندما كانت الأنبار وصلاح الدين ومحافظة نينوى الموصل كانت في يد الحكومة العراقية، من أين دخلتها داعش؟ دخلتها من الرقة، من دير الزور، من المنطقة الشرقية في سوريا.

هنا علينا محاورة السيد "نصر الله" ومن خلاله المالكي الذي برّر إتفاقه وحزبه والعصابات الإسلامية "الميليشيا" بالإستنتاجين اللذين توصّل أليهما في خطابه ذلك، لنرى هل حقّا أنّ نصر الله حريص على الدم العراقي والأرض العراقية؟

أن عصابات داعش ووفق الأتفاق الأخير مع حزب الله ستستقر في المنطقة الشرقية من سوريا، أي غرب العراق. وهذا يعني وفق إسنتاج "نصر الله" وهو إستنتاج صحيح جدا، من أنّ داعش ستستغل تواجدها العسكري شرق سوريا لتنفيذ عمليات إرهابية وإنتحارية داخل العراق. وسوف تحشّد قواتها وخلاياها النائمة في مدن وبلدات غرب العراق لتعود الى المدن والبلدات والقصبات التي تركتها مؤخرا نتيجة خسارتها لمعاركها في مواجهة الجيش العراقي والبيشمركة والتشكيلات شبه العسكرية التي تقاتل معهما من جديد. وهنا نود أن نقول له ومن تساؤله نفسه نعم أي السيد نصر الله ، أنّ داعش دخلت أراضينا من الرقّة ، من دير الزور، من المنطقة الشرقية لسوريا، وأنت اليوم بإتفاقك هذا جئت لنا بالدواعش من جديد الى نفس المنطقة التي حذّرتنا من عدم تكديس الدواعش فيها حفاظا على أرضنا وشعبنا!!!

يبدو أنّ السيد نصر الله أصيب كما الساسة العراقيين بمرض فقدان الذاكرة وهو يقول (إذاً، هذا الخداع الأميركي سيضيع انتصاركم في الموصل، الانتصار العراقي الحقيقي هو أن تضرب داعش وأن يعتقل قادتها ومقاتلوها ويزج بهم في السجون ويحاكموا محاكمة عادلة، لا أن يفتح لهم الطريق إلى سوريا، لأن وجودهم في سوريا سيشكل خطراً كبيراً على العراق قبل كل شيء) . أيها السيد نصر الله، أنك هنا تدين نفسك وتقرّ من أنّ هدفك هو إبقاء الوضع بالعراق غير مستقر وغير آمن، وليبقى العراق حائط صدّ أمام أية عمليات إرهابية ضد دولة ولي الفقيه التي تدين لها وزعماء شيعة العراق بالولاء التام . والّا كيف تفسّر لنا طلبك بإعتقال قادة ومقاتلي تنظيم داعش الإرهابي وزجهم في السجون ومحاكمتهم وعدم فتح الطريق أمامهم الى سوريا، ولا تعتقلهم أنت وتزجّهم في السجون وتفتح الطريق أمامهم لمهاجمة العراق، أليس هذا كيل بمكيالين !!!؟

إن كان نقل الدواعش من غرب سوريا الى شرقها شأن داخلي سوري كما أكّده نصر الله في بيان له حينما صرّح قائلا "اطلعت اليوم على تصريحات عدد من الأخوة المسؤولين العراقيين حول مجريات التفاوض الأخير الذي جرى في منطقة القلمون السورية، وكذلك قرأت بعض التعليقات لشخصيات وجهات عراقية مختلفة حول الموضوع نفسه"، لافتا إلى أن "الاتفاق قضى بنقل عدد من مسلحي داعش وعائلاتهم من أرض سورية إلى أرض سورية وليس من أرض لبنانية إلى أرض عراقية حيث أن غالبية مقاتلي القلمون الغربي السوري من السوريين ولم يكن قد بقي منهم في الأرض اللبنانية إلا أفراداً قليلين جداً". وهنا نريد أن نسأل السيد نصر الله من جديد إن كان والزعماء الشيعة ومن خلفهم إيران يقبلون بأن نتفاوض كعراقيين معهم كما تفاوض هو مع عصابات داعش وننقلهم وعوائلهم بباصات مكيّفة الى حدودنا الشرقية أي تلك التي مع إيران، على أن نتعهد لنصر الله وإيران من أننا سننقل مقاتلي التنظيم من العراقيين فقط، وتبقى عملية نقلهم داخل الأراضي العراقية حصرا وهذا ما لا يستطيع نصر الله الإعتراض عليه!!!!؟؟؟

أن صمت الميليشيات الشيعية ورجال الدين الشيعة مع الدفاع المستميت للمالكي وحزبه وبقية الأحزاب والتنظيمات الشيعية والرد الرسمي العراقي الخجول من هذه الجريمة تدل على إستخفاف هؤلاء ببلدنا وشعبنا من جهة، وتنكرهم لتراب وطننا وتطلعات شعبنا للعيش بأمان وإستقرار من جهة ثانية. ولا أظن من اننا بحاجة الى الف عين لنرى خيانتهم هذه بحق العراق أرضا وشعبا، فنصف عين كافية لنرى هول ما فعلوه خلال تجربتهم السياسية الفاشلة منذ أن وصلوا الى السلطة بالقطار الامريكي لليوم.


زكي رضا
الدنمارك
3/9/2017
 

 

 


 


 

205
الكفيشي وقائده الضرورة يتقيئان فساد وعمالة


أتعرض في كتابة بعض المقالات  للنقد من البعض كوني أحدد وبالأسم أحيانا من أريد أن أكتب عنهم، سواء كان المعني شخص أو حزب أو حتّى دولة. ولأنني أؤمن بالديموقراطية  وأن لاهناك شيء مقدّس بنظري الا الإنسان، فأنني لا أعير إهتمام للآراء التي تطالبني بعدم التشخيص ، خصوصا إن كان التشخيص " بنظري" ضروريا لفضح لص أو قاتل أو خائن بحق شعبنا ووطننا كون الى الوطن والشعب دوما يجب أن تميل كفّة الميزان. وهذا التشخيص نفسه هو سبب أساسي في رفض نشر بعض مقالاتي ببعض المواقع. الا ان الأمر ومن جديد لا يهمّني ولايعنيني مطلقا، طالما أبحث عن الحقيقة في دفاعي عن شعبنا ووطننا وهما يُسْرَقان ويُقْتَلان بل ويُبْاعان كأية بضاعة وبأبخس الأثمان من أجل مصالح إيران أو السعودية بحجّة الحفاظ على المذهب عند ساسة الطائفتين. لذا نراهم وميليشياتهم وأحزابهم ورجال  دينهم  يخونون بلدهم وشعبهم من أجل مصالح تلك الدولتين، أمّا الوطن ومستقبله والشعب وسعادته فهما ليسا سوى عفطة عنز عند هؤلاء الخونة.

قبل  أن أتناول الهجوم المنّظم لحزب الدعوة الحاكم عن طريق شيخ من شيوخه وهو الكفيشي وعبر قناة الحزب الفضائية " آفاق"، أرى هناك ضرورة للعودة الى دستور يقول عنه الكفيشي نفسه في لقاء تلفزيوني من أنّه من منجزات الدين وليس المدنيين حينما تساءل قالا " لنرى أن الدين حقّق إنجازات وإنتصارات أم التيار المدني؟ فعندما إحتل المحتل العراق جاؤوا بدستوركتبه المحتل، وهو هنا يريد التذكير بدور المرجعية في كتابة دستور دمّر البلد لطائفيته بدءا من سطوره الاولى وديباجته الكافرة"، لنرى إن كان الكفيشي هذا قد إلتزم به أم لا؟ "1".

لقد نصّ الدستور  الذي على الكفيشي وحزبه الحاكم إحترامه كونه دستور من نتاج إنتصارات الدين وليس التيار المدني في فصله الثاني " الحريّات" وفي المادّة 35، أولا  "أ" (حرية الإنسان وكرامته مصونه). فيما نصّت الفقرة ثانيا من نفس المادة الدستورية على أنّ (تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني)، فيما تنص المادّة 40 منه على أنّ ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة)، فيما نصّت المادّة 44 منه على أن (  لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية).

طبقا للمواد الدستورية أعلاه والتي كتبها المتدينون أنفسهم فأن المدنيين لهم حصانة قانونية وهم يمارسون حريتهم في الفكر والضمير والعقيدة، وعلى الدولة بكامل مؤسساتها أن توفر لهم المجال بما لايخالف الدستور في ممارسة حريتهم هذه، من خلال نضالهم ومطالبهم بتحسين ظروف الناس اليومية بعد فشل المشروع الاسلامي في ذلك. وحتّى لو تعكّز الكفيشي وحزبه ومن ورائهم مرجعياتهم الدينية وميليشياتهم على الدين وإحترامه ، فأن أي تشريع لتضييق مساحة الحرية سيصدم بالنص الذي يمنع تحديد مساحة جوهر الحق والحرية. علما من أننا لم نرى  المدنيين يوجهون أي نقد أو إساءة  للدين الإسلامي أو غيره من الأديان والمذاهب، عكس رجال دين الطائفتين من الذين إستغلّوا المنابر في بيوت الله لبث الحقد والكراهية بين أبناء شعبنا والتي أدّت وتؤدي الى مجازر بين الشيعة والسنّة. والمضحك ان الكفيشي يعتقد من ان ذاكرة الجماهير ضعيفة للحد الذي لا يتذكرون التيار الاسلامي ومنهم
حزبه  الحاكم وهم ضيوف العربة الفاخرة  من القطار الأمريكي الذي بدأ رحلته الثانية لتدمير بلدنا في التاسع من نيسان 2003  ومشاركتهم  روّاده البعثيين الذي كانوا على متنه منذ شباط 1963 لليوم.

في حديث الجمعة بتأريخ "26/5/2017" (2)  يتحدث الكفيشي عن مفاهيم الإسلام والحلال والحرام فيه وقيمه  الصحيحة وأخلاقه، ليستمر قائلا من أن كل فرد في المجتمع مسؤول عن هذه الأمور وأن الأمر لا يتعلق بالخطباء والفقهاء فقط.  وهنا يكون الكفيشي هذا قد أعطى الحق لي ولغيري  بالبحث عن الحلال والحرام والقيم والأخلاق ليس بمعناها الإسلامي فقط بل الى أبعد من ذلك، كوننا كعلمانيين ومدنيين لنا وجهة نظر حول تطبيقات الحلال والحرام والقيم والأخلاق غير وجهة النظر الدينية والتي لا تحيدعن العرف السائد بالمجتمع ولا ثقافته المدنية التي توارثها شعبنا منذ بداية تشكيل الدولة العراقية على الأقل، إذ إننا أبناء هذا المجتمع نتأثر ونؤثر به  ولم نصل إليه من المريخ على متن مركبة فضائية مثلا!! ولم ينسى الكفيشي  في نفس محاضرته الدينية هذه أن يحرّك الغوغاء ضد المدنيين والعلمانيين وخلافا للدستور بإتهامهم بالإلحاد والكفر، في عودة الى خطاب ديني بائس أكل الدهر عليه وشرب. قبل أن نناقش والداعية الكفيشي" صلاح عبد الرزاق وعبد الفلاح السوداني والخزعلي دعاة مثله أيضا" عن الحلال والحرام والقيم والأخلاق، دعونا أن نتعرف على كلمة " كفر" التي هي سيف مسلّط على الناس لإبتزازهم من قبل رجال الدين على مرّ التأريخ، على أن نتناولها من خلال الواقع العراقي لغويا ودينيا لنرى من هو الأقرب من خلاله الى هموم الناس وحماية مصالحهم ، هل هم الإسلاميون كالكفيشي وأمثاله أم العلمانيون والمدنيون؟

الكُفْر: إسم، مصدر كَفَرَ كما جاء في كتاب المعاني الجامع. وووفق المفهوم الديني يقال كفر الرجل: إذا لم  يؤمن بالوحدانية ، أو النبّوة،  أو الشريعة،  أو ثلاثتها. أمّا لغويا فأن كَفَرَ تعني الستر أو الغطاء. يقال كَفَرَ الشَّيْءَ : سَتَرَهُ ، غَطَّاهُ كَفَرَ عَلَيْهِ. كَفَرَ اللَّيْلُ الْحُقُولَ : غَطَّاهَا بِظُلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ. كَفَرَ الْجَهْلُ عَلَى عِلْمِهِ : غَطَّاهُ. دعونا الآن أن نناقش الكفر الذي يتهم الكفيشي به المدنيين والعلمانيين خلافا للدستور والذي هو بمثابة دعوة صريحة للقتل، والذي كان سيحاسب عليه قانونيا إن كنا نعيش في دولة قانون، غير دولة قانون حزبه طبعا.

ينقسم الإيمان الى قسمين هما الإيمان الظاهري والإيمان الباطني. والإيمان الظاهري هو الإقرار والإعتراف  بأصول وفروع الدين علنا أي باللسان، والإيمان الباطني هو الإقرار والإعتراف بنفس الأمور بلسان القلب والعمل بها لكن بشكل غير ظاهر. وهناك آراء فقهية تقول أن الإيمان الظاهري بدون إيمان باطني يعتبر كفرا. لذا فأن تكفير أي إنسان مسلم مولود لأبوين مسلمين ويعيش في مجتمع إسلامي يعتبر أمر صعب التحقيق للغاية، خصوصا في المذهب الشيعي حيث التقية. لكن المثير هنا وهو ما نريد أن نناقشه مع الإسلاميين هو أنّ إيمانهم الظاهري يعتبر كفرا في غياب إيمانهم الباطني وليس العكس كما يقولون هم بحق العلمانيين.

لنعد الآن الى المفهوم اللغوي للكفر الذي يتهم به الإسلاميون من أمثال الكفيشي والمالكي وغيرهما المدنيين به، لأنه سيكون مدخلا سلسا ورحبا في تناول المفهوم الديني له، ولنرى من خلال المفهومين وأنعكاسهما على الأحداث السياسية بالبلد من هو الكافر بحق الله الذي " وسعت رحمته كل شيء" وبحق الناس الذين سيرفعون مظالمهم الى الله الذي يتاجرالكفيشي بإسمه ويسرق بإسمه ويخون بلدنا بإسمه؟ ولكن قبل ذلك أوّد أن أقول وعن لسان النبي محمد حينما سأله أحد أصحابه قائلا: أي الإسلام خير؟ فقال النبي:  تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" فهل أنت مسلم وهناك ملايين الارامل والأيتام والمشردين و المهجرين من الذي يفترشون الارض ويلتحفون السماء، في بلد دخلت خزائنه خلال فترة حكم حزبك القائد ما يقارب الألف مليار دولار؟ أنظر في المرآة الى نفسك وتجول بعدها في عشوائيات الوطن لترى الفرق بينك الداعية لله، وبين من تطلب منهم أن يهتدوا كما أنت!!! أنظر الى فقرهم وعوزهم وجوعهم، أنظر الى بقايا ملابس يلبسها أطفال عراة حفاة جوعى. وحينها إرحل في رحاب نهج البلاغة وقف مع علي وهو يقول " ما جاع فقير الا بما متّع به غني"، هل تعرف من هو الغني ومن هو الفقير؟ تعال معي لأريك الجوع بأبشع حالاته ولتريني أنت في خضرائكم الأنس والشهوات  الغارق بها وحزبك وتيارك الشيعي ورجال طائفتكم بأكملها ومعكم شركائكم بالجريمة من بقية المتحاصصين.

 
من الكافر!؟

عرفنا من المعجم أنّ كفر معناه غطّاه، أي ستره عن العيون كي لا يرى. ومن هذا الباب دعونا أن نبحث عن الذين يسترون الفساد كي لا يكشف المستور وهو غير مستور أصلا، هل هم الداعون لله أم العلمانيون والمدنيون والشيوعيون؟ هل علينا الخوض في الأسماء أيها الداعية الكفيشي أم الإكتفاء بما نراه من أثر للفساد في الدولة والمجتمع وتأثيرهما على حياة الوطن ومستقبل أجياله؟  لنأخذ الأمرين فأنا لست على عجلة من أمري وأنت لا يهمّك أن تنعت بأسوأ النعوت طالما تعيش ببحبوحة من العيش كنت تحلم بها قبل أن تصل بقطار المحتل الى سدّة الحكم، لأسألك إن كان السوداني وعبد الرزاق والخزعلي وأبا رحاب والعلاق وابا حسنين والعطية و همام حمودي والحكيم والمالكي وأبنه وصولاغ والأعرجي وغيرهم الآلاف دعاة وإسلاميون، أم علمانيون ومدنيون وشيوعيون؟ وهل من سنّ قانون رفحا لسرقة  ثروات البلد دعوي وإسلامي أم شيوعي؟ وهل من ينهب حقوق المتقاعدين دعوي إسلامي أم علماني؟ هل تعرف كم من الأموال خصصت من قبل قائدك الضرورة لإعمار البلد ونهبتموها؟ في خطاب لزعيم حزبك في تكريت " الهندية" بتاريخ 16/5/2009  قال من أنه خصص مبلغ مقداره 72 مليار دولار للزراعة والسكن والمدارس، وبعد ثمان سنوات لازلنا نستورد الخضار من دول الجوار والملايين يعيشون في العشوائيات والمدارس الطينية تحولت الى مدارس بالهواء الطلق."3". كما قال بعد تظاهرات المدنيين سنة 2011 من أن مشكلة الكهرباء ستحل خلال مئة يوم "4" ، وقد صدق الرجل فها نحن نصدر الكهرباء الى دول الجوار كما وعدنا المالكي والشهرستاني العلمانيين!!! صحيح من أنني لست على عجلة من أمري، الا أنني سأتوقف هنا كون ملفات فسادكم في عقود الدفاع والكهرباء والنفط والصحة والتعليم وغيرها أيها الدعاة والإسلاميون تزكم الأنوف وبت أشمّها وأنا على بعد آلاف الكيلومترات من قمامتكم في الخضراء ومطار المثنى المنهوب.  إخجل يا رجل وكف عن الكذب وأتهام الآخرين بجرائم ترتكبونها منذ وصولكم الكارثي للسلطة والى اليوم. الا تعرف من أن الباقر " إمام شيعي" قال ( ان الله جعل للشر اقفالا ، وجعل تلك الاقفال الشراب ، والكذب شر من الشراب ). عد الى حديث النبي محمد وهو يقول  ( آية المنافق ثلاث ، اذا حدّث كذب ، واذا وعد اخلف ، واذا اؤتمن خان )   لتعرف من أنك  وأعضاء حزبك وكل التيار الإسلامي الشيعي والسني كذّابون ودجّالون ومنافقون. ووالله فقد حدثتم فكذبتم ، ووعدتم فأخلفتم ، واؤتمنتم فخنتم . والآن من هو فاقد للأخلاق العلمانيون الذين يتظاهرون لتوفير الخدمات للجماهير، أم أنت وحزبك وقائدك الضرورة وأنتم تنهبون أموال الدولة وتكذبون بوعودكم  في توفير ما يحتاجه شعبنا وجعلتموه كعصف مأكول؟

الاخلاق أيها الكفيشي هي توفير سبل العيش الكريم  كي يبتعد الناس عن الرشوة والفساد والسرقة والقتل ، الأخلاق هي إحترام النظام والقانون وليس الوعظ فقط. والاخلاق ليست تزيين الفقر للناس على أمل الغنى بالآخرة مع غناكم ايها الكفيشي اليوم ، بل هي توفير كل فرص العيش الكريم للبشر هنا بهذه الدنيا في عراقنا المنهوب منك ومن حزبك الفاسد المجرم. الأخلاق والإسلام الذي تدّعونه يتبخر مع كل جملة " مطلوب عشائريا" مخطوطة على جدران بيوت الناس في بلد ضاعت هيبته وأنتحر القانون فيه وأنتم تقودونه من خراب الى خراب.  أنتم لا تصلون من خلال هذا المفهوم المبسّط للأخلاق الى الفيلسوف الكبير  كونفيشيوس الذي سيدخل جهنم  كما تقولون وهو يحارب الفقر قائلا " أنّه لأشّق على الإنسان أن يكون فقيرا دون تذمّر، من أن يكون غنيا دون غطرسة" وإعلم ايها الدعوي الفاسد والمجرم من أن العراقيين الفقراء إذا ما تذمّروا يوما وثاروا ليهربوا من الفقر الذي سجنتموهم فيه، لن يكون بأفضل من مصائر طغاة قبلكم فأنّ مصيركم لن خانوا بلدانهم وأذّلوا شعوبهم.

ويظل الفرق بيننا كعلمانيين ومدنيين ديموقراطيين  وبينك هو أنك تحرّك الغوغاء الذين تسرقهم  ضدّنا، ونحن نحاورك بما تؤمن به أنت من قيم وأخلاق كما تدّعي. لنقول للبسطاء من أبناء شعبنا، أن إنتبهوا الى دجل العمائم لأنّهم لايعرفون الدين ولا يرشدوكم لطريق النجاة. فها هو النبي محمد  يحرّض الناس على الظالم كما نحرّضهم نحن حين يقول (إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب)،  فهل يعرف العراقيون  لماذا يعاقبهم ربهم اليوم.  خذوا على يد الكفيشي وأمثاله من رجال دين وساسة لصوص أيها العراقيون كي لا يعاقبكم ربكم لأنهم يسرقونكم بإسمه " بإسم الدين باگوكم الحرامية" من أمثال الكفيشي وغيره من عمائم الشيطان..

أنّ إيمانكم أيها الكفيشي وبقية الإسلاميين بمراجعكم  مجتمعين هو إيمان ظاهري، أي أنكم بالمجموع كفرة. لأن الإيمان الباطني مفقود عندكم. إذ من غير الممكن أن يكون المؤمن دجالا وكذّابا ولصّا طائفيّا وخائنا لشعبه ووطنه. أقول كفرة لأن الإيمان الظاهري عليه أن يقترن بالإيمان الباطي. ومن يملك إيمانا باطنيا لا يرتكب الموبقات التي إرتكبتموها منذ وصولكم معززين مكرمين بالقطار الأمريكي في نيسان 2009 لليوم. أنكم وبعد أربعة عشر عاما لا زلتم تتقيأون فساد وقتل على الهوية وعمالة وخيانة للوطن وستستمرون  طالما أنتم في السلطة.

" أنّ الحكام المستبدّين كالحشرات القذرةلا تعيش أبدا في جو نظيف، ولا تنصب شباكهاالا حيث الغفلة السائدة والجهالة القاتمة. وأنّ عقول المستبدين لا تعرف مبدأ التفاهم، ولا تطيق – لضيقها وتفاهتها- الأخذ والرد للوصول الى الحق. ويكاد لا ينبعث صوت للخير حتى يلاحقه سوط من الأرهاب يطلب  إما إخراسه وإما قتله"
 من كتاب الإسلام والإستبداد السياسي. 
 
"1" https://www.youtube.com/watch?v=iP5zehXJQvA
"2" https://www.youtube.com/watch?v=VoAXJV9TdLM
"3" https://www.youtube.com/watch?v=397A_PTmig8
"4" https://www.youtube.com/watch?v=oRBCrE71VjM

زكي رضا
الدنمارك
30/8/2017






 

206
ليلة القبض على الشيطان


كانت الملائكة في حركة مستمرة بين "السماوات والأرض وما بينهما"، وكانت وهي تجوب الكون اللامتناهي بحثا عن الشيطان الذي أفادات تقارير ملائكية عن هروبه من مكان الرجم المخصّص له كجزء من مراسم الحج وفق التراث الديني الإسلامي، في إتصال مباشر مع غرفة عمليات بحث واسعة مقرّها الجنّة لإستلام توجيهاتها للإسراع بالقبض عليه، والذّي فرّ والناس أتت مكّة من "كل فجّ عميق" لإداء مراسم الحج.

لقد بدأ الملائكة المحققون في هروب الشيطان من المكان المخصص له بجمع خيوط الحادثة للوصول الى أسباب هروبه ومكان إختفاءه. ولكي يرسموا خارطة طريق منطقية في بحثهم الجنائي هذا، هبطوا في مكّة وتوجهوا الى حيث رمي الجمرات. ليبدأوا من هناك تحقيق دقيق وعلمي وجنائي عن حادثة الهروب غير المعروفة أسبابها، والبحث عن أدلّة قد تميط اللثام عن أسباب الهروب ومحل إختفاء الشيطان.

بدأت الملائكة عملها بزيارة موقع الحادثة والبحث عن خيوط قد تفتح الطريق أمامهم لمعرفة ملابسات الحادثة وتحديد الوجهه التي قد يكون الشيطان قد هرب نحوها وأختبأ بها. وبعد بحث دقيق ومضني شعروا أنهم يبحثون في المكان الخطأ، فعلى الرغم من أنّ المجرم يحوم حول جريمته كما يقول القانون الجنائي البشري، الّا أنّ الشيطان ليس ببشر وهذا ما يدفعه الى عدم البقاء في محل الجريمة مطلقا لذكاءه من جهة ومعرفته المسبقة بطريقة تفكير الملائكة إذ كان يوما ما أحد المقرّبين من العرش الألهي. وبعد إجتماع مطوّل لفريق البحث الذي توزع على ورش عدّة لتسهيل المهمة التي جاء من أجلها وتسهيل مهامّها، وإتصالها المباشر بغرفة العمليات بالجنّة. قررت أحدى الفرق مراجعة سجل زوار بيت الله الحرام لهذا العام، عسى أن تتّعرف من خلال بعض الزوار وخلفياتهم السياسية والفكرية، ومن خلال البحث في سجلهم الجنائي ببلدانهم على بعض الحقائق التي قد تقود الى نجاح المهمّة.

لم يطل الأمر بالفريق وهو يراجع سجل الزوار في أن يصل الى اولى الخيوط التي قد تقود الى معرفة أسباب هروب الشيطان، والذي سيقود حتما الى معرفة مكان إختفاءه أو قد يساعد بذلك. ففي مراجعة أحد الملائكة لسجلات الزوار الرسميين القادمين للحج هذا العام، وقع نظره على وفد رسمي كبير جدا ما أثار الشك في نفس الملاك، الذي بدوره رفع تقريرا لرؤسائه حول الموضوع. وما هي الا لحظات حتّى كانت لجنة من خيرة المحققين الملائكة تراجع أسماء الوفد العراقي الذي وصل الأراضي المقدّسة، والتي بعثت بدورها تقريرها الى لجنة أخرى لتبحث في ملفاتهم الشخصية ببغداد لمعرفة كل شاردة وواردة عنهم. وما هي الّا ساعات حتّى إكتملت أولى التحقيقات وتجمّعت خيوط أشارت الى وجود ربط بين هروب الشيطان، والحجاج العراقيين الرسميين الذين وصلوا مكّة بالمئات.

أحد أكثر الملائكة خبرة في تحقيقات من هذا النوع توصّل الى حقيقة مثيرة وهي صفة الفساد والسرقة عند الوفد العراقي الرسمي الكبير، ما جعله يربط بينها وبين الشيطان الذي عليهم رجمه كي يتطهروا أمام الله من سرقاتهم وفسادهم. فقد إكتشف هذا الملاك أنّ الحجاج الرسميين العراقيين يحجّون بيت الله من أموال حرام، وهي مسروقة أساسا من شعب يعاني الجوع والفقر والمرض. كما وأنّهم ومن خلال مراكزهم بالسلطة قد إكتنزوا الذهب والفضّة التي نها الله عنها، بطرق ملتوية أقلّ ما يقال عنها من أنها شيطانية. وكانت حجّته بتوصلّه الى هذه الحقيقة هي، أنّ الشيطان لن يسمح لمن هو أكثر منه فسادا بالأرض أن يرجمه. وبعد أن عرض إستنتاجاته على الفريق العامل معه ورفعهم تقرير بذلك الى رؤسائهم، أُعتمدَت النتائج التي توصّل اليها فريق البحث ولم يبقى الّا كشف مكان إختفاء الشيطان والقبض عليه لإعادته الى مكانه لإستكمال مناسك الحج.

في إحتماع موسّع لفرق البحث اقترحت مجموعة من الملائكة أن يتم البحث عن الشيطان في مكان يرتاده المسؤولين العراقيين أو يسكنوا فيه بعيدا عن فقراء "شعبهم"، كونه المكان الذي من الممكن على الشيطان أن يختفي فيه إنتظارا لعودتهم والإنتقام منهم لعدم وجود ملائكة في المكان لنجاسته ما يجعله في مأمن من إعتقاله. وبعد دراسة المقترح والموافقة عليه بالإجماع، تحرّك وفد من الملائكة بقفّازات وكمّامات وألبسة خاصّة تحميهم من النجاسات ، الى المنطقة الخضراء ببغداد. وما هي الا لحظات وإذا بالشيطان مكبّلا بعد أن شاهدوه مختفيا بجبّة وعمامة في غرفة شيخ كان موجود لحظتها بمكّة ليحج بيت الله الحرام !!!!

بدأت أولى التحقيقات مع الشيطان ساعتها، ووجّهت اليه تهمة الإخلال بمراسم الحج بهروبه من المكان المخصّص لرجمه. الا أنّ فريق المحقّقين تفاجأوا بصلابته وهدوءه مطالبا إيّاهم بعرضه على محاكمة عادلة في مكان غير الأرض. ولأن اللجنة كانت تحمل كافة الصلاحيات ومخوّلة إلهيا بمتابعة الموضوع وإتخاذ القرار اللازم بحقّه، فقد أكّدت له من أنّ هذا التحقيق هو أشبه بالمحاكمة وله الحق بالدفاع عن نفسه. حينها فقط ولإيمانه بعدالة المحكمة دافع عن نفسه قائلا: لقد قلت أكبر "لا" بالتأريخ حينما رفضت السجود لآدم، واليوم أكرر هذه الـ "لا" من جديد رافضا كائنات أكثر مني شيطانية كأعضاء الوفد العراقي الرسمي من رجمي. فتّشوا في ماضيهم وحاضرهم وقارنوا بين رفاههم وفقر الناس وإملاقهم، وإن كانت هناك بقية عدالة في السماء والأرض أحكموا عليّ بما ترونه مناسبا.

لم يكن دفاع الشيطان عن نفسه طويلا، الّا أنّه كان مقنعا للملائكة المكلفين بإعتقاله ما جعلهم أن يطأطأوا رؤوسهم أمامه. فالفريق الذي كان مكلّفا بالبحث في سجّلات الوفد العراقي الرسمي إكتشف فساد وسرقة أموال تقدّر بمئات مليارات الدولارات في المنطقة الخضراء التي كان الشيطان مختفيا بها. الا أنّ الاوامر جاءت بما لا تشتهيها سفن الشيطان والتي أمرت الملائكة بإعتقاله وإعادته الى مكانه ليرجم من جديد، وأن يستمر الوفد العراقي بمراسم الحج على أن تعاد العام القادم بنفس الزخم، طالما الشعب العراقي يغط في نومه الطائفي.

 
زكي رضا
الدنمارك
21/8/2017

207
الإسلاميون هم عملاء وخونة وبلا أخلاق وليس الشيوعيين والمدنيين

كلمتان في الإسلام تعتبران أو على الأقل يجب أن تعتبرا من أكثر الأمور أهمّية في تسويق الدين الإسلامي، إذ بدونهما يتحول الإسلام الى مستنقع للجهل والتخلف ودين بلا قيم. ولو توخينا الدقّة فأنّ غياب هاتين الكلمتين حتّى في المجتمعات غير الإسلامية وتحت أي ظرف كان، فأنهما يحوّلان تلك المجتمعات الى مستنقعات للجهل والتخلف علاوة على ضياع القيم فيها بنفس القدر.

طبقا للمرويات الدينية الإسلامية فأنّ كلمة "إقرأ" كانت أوّل كلمة سمعها النبي محمد في غار حرّاء، أمّا الأخرى والتي لم تكن قرآنا فهي الأخلاق والتي جاءت في حديث له يقول "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق". هاتان الكلمتان وما يتفرع منهما ويبنى عليهما هما من سبل نجاح أي مجتمع في أي زمان ومكان، بغضّ النظر عن دين وطائفة وقومية ذلك المجتمع.

"إقرأ" ومن دون الخوض في التفسير الفقهي لها والأكتفاء بجذرها اللغوي تعني وفق لسان العرب لأبن منظور "القراءة"، فقد جاء بالقرآن " ِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ" (*) أي جمعه وقراءته. إذن فالقراءة وهي ترد بالقرآن تعتبر من الأمور الهامّة جدا وقد تكون الأكثر أهمّية حتّى من الطقوس والفرائض، إذ بدونها لا يمكن فهم الدين على حقيقته ما يؤدي الى الفهم الخاطيء للكثير من بنوده والذي يؤدي بدوره الى ما لا يحمد عقباه من أمور. وعندما نقول القراءة هنا فإننا نعني بها التعليم، وعندما نشير الى التعليم وقتنا الراهن فأننا نعني به المراحل الدراسية كافّة وسبل تطويرها من مختلف المناحي لخدمة المجتمع. أمّا الأخلاق فهي جمع "خُلُق" وهو هنا إسم كما جاء في معجم المعاني الجامع، وتعني "حالّ للنفْس رَاسِخَةٌ تصدر عنها الأفعالُ من خيرٍ أو شرٍّ من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ". وما يهمنّا من "الأخلاق" هنا هو خصوصيته الإسلامية وليس الفلسفية كالتي عند "هيغل وكانت وماركس وغيرهما من الفلاسفة".

لقد شنّ عدد من الشخصيات الإسلامية الشيعية في الأيام الأخيرة و بمناسبة قرب موسم الإنتخابات، هجوما هو ليس الأوّل ولن يكون الأخير على التيار المدني والحزب الشيوعي العراقي، متهمينهم بإفساد الشباب والعمالة الفكرية للغرب!!! وقد سبق هذا الهجوم أحاديث كثيرة حول زيادة وتيرة الإلحاد بين الناس والشباب على وجه التحديد، محمّلين نفس الأطراف مسؤولية الإلحاد هذا!!!! وفي هذه المقالة لا نريد تناول أسباب فشل المشروع الإسلامي جميعها، بل سنركّز على التعليم "إقرأ" كما جاء بالقرآن، والأخلاق الذي جاء النبي محمّد ليتمّمها من خلال نبوته.

لم تكن وزارتي التربية والتعليم أو التعليم العالي والبحث العلمي منذ الإحتلال لليوم من حصّة المدنيين بل كانت على الدوام من حصّة الأحزاب الإسلامية بشّقيها، حتّى أنّ من يتّهم المدنيون بالعمالة الفكرية لغرب كان وزيرا للتعليم العالي. ولم يشهد التعليم بكافّة مراحله إنهيارا وتخلفا كما هو عليه عهد الإسلاميين، هذا الإنهيار الذي وصل الى الحد الذي تمنح فيه المؤسسات الدينية شهادات جامعية عليا. ووصلت فيه الجامعات العراقية الى الحضيض بعد هروب المئات من الأساتذة والتدريسيين والأكاديميين ومقتل العشرات منهم، علاوة على تخلّف المناهج الدراسية وطائفيتها وعدم مواكبتها للعلوم التي تتطور ساعة بساعة بالعالم الذي نحن بعيدين عنه. أنّ بؤس القطاع التعليمي وإنهياره خلق جيشاً من الأمّيين والمتخلفين ثقافيا ليكونوا زادا للأحزاب الإسلامية ووقودا لمشاريعها الميليشياوية، وبالتالي عملاء فكريين دون وعي منهم لعواصم إقليمية هي الراعية لهذه الأحزاب.

فـ "إقرأ" أي التعليم تعني الثقافة بحقولها المختلفة والتي يوجه الإسلاميون إليها فوهات رشّاشاتهم حال سماعهم لها، كما كان يتحسس "غوبلز" مسدّسه كلما سمع بها. والثقافة كأفعال من سينما ومسرح وفنون ليست عمالة فكرية لمن يتعامل معها أو من يعمل على حمايتها وإنتشارها بين صفوف الناس، بل ونحن نعيش عصر الإنجازات العلمية والفكرية والثقافية التي أصبحت بلا حدود، تعتبر عاملا أساسيا من عوامل تقدّم الدول والمجتمعات. ولو أخذنا دولة يدين لها الإسلام السياسي الشيعي بالعمالة، التي تعتبر فخرا بنظرهم لأسباب طائفية كإيران على سبيل المثال سنرى فيها مساحة شاسعة للمشهد الثقافي، تمتد من السينما تمثيل وإخراج وإنتاج، الى المسرح ومسرح الطفل، الى الشعر والقصّة والرواية، الى الترجمة لإغناء المكتبة الإيرانية، وهذا يعني أنّ الإيرانيين طبّقوا أوّل كلمة قيلت في غار حرّاء "إقرأ". عكس الأحزاب الشيعية التي ضربت هذه الكلمة الاولى بأقرب جدار وأهانتها. فإنهيار التعليم عهد الإسلاميين والذي وصل الى أن يكون هناك دور ثالث، ونسبة النجاح في الإمتحانات العامّة التي لم تتجاوز الثلث كأسوأ نتيجة في تأريخ التعليم بالعراق وفي العالم تقريبا. تعني أنّ الأحزاب الإسلامية الشيعية فشلت في إسلامها وليس في مشروعها فقط ، وحولّت الإسلام "على الأقّل الذي عرفناه قبل حملة البعث الإيمانية" الى خزعبلات وترّهات عن طريق إشاعة الجهل والتخلف وعن عمد في صفوف المجتمع. هذا المجتمع الذي يدفع سنوات طويلة من مستقبله ومستقبل أجياله مع كل يوم تبقى فيه هذه الأحزاب المتخلفة في السلطة.

أمّا الأخلاق والتي هي اليوم علم بحدّ ذاته فتُعَرّف في معجم المعاني الجامع من أنها : "الفلسفة والتصّوف" أحد أقسام الفلسفة وهو علم نظريّ يحدِّد مبادئ عمل الإنسان في العالم ، وغرضه تحديد الغاية العليا للإنسان ، أو هو علم بالفضائل وكيفية التحلِّي بها، والرذائل وكيفيّة تجنّبها. ودعونا هنا أن نتناولها بقليل من التفصيل كي نتعرف والقرّاء على ما تسبب به الإسلاميون بالعراق من جرائم، وإن كانت هذه الجرائم جزء من المنظومة الأخلاقية بشكل عام أم أنهم أبدعوا بها حتّى فاقوا بها قبلهم من حكّام على مرّ تأريخ العراق المعاصر بل والكثير من بلدان العالم.

ما يميّز التجربة الإسلامية بالعراق هو الفساد بأشكاله المختلفة وضياع القيم وتفشّي الجريمة والرشوة والتزوير وغيرها من الموبقات والجرائم والتي تدخل في باب ضياع الأخلاق. فهل النبي محمد قد دعى الى ما ذهب ويذهب به إسلاميو العراق اليوم من جرائم تجعله خجلا من إسلامهم؟ أم أنّ إسلامهم هو من أخلاق الدين وأنّهم يطبقون قول النبي بحذافيره؟ أم أنّهم يكذبون على نبيّهم أو يسّفهون حديثه؟ أو أنهم يعتبرون حديثه موضوعا ولا يمكن الأخذ به لضعف سنده؟ علما من أنّ ما جاء على لسان النبي وهو يذكر الأخلاق في حديثه وإن كان موضوعا، فهو باب لبناء مجتمع يعرف الأخلاق وليس كمجتمع حوّله الإسلاميون وليس الشيوعيين الى مجتمع بلا أخلاق.

لا أدري إن كانت الرشوة التي بددت ثروات شعبنا بمشاريع فاشلة وبمئات مليارات الدولارات من الفضائل التي علينا التحلي بها ، أم أنها من الرذائل التي علينا النهي عنها والأبتعاد عنها؟ وهل الشيوعيين أم ألإسلاميين هم من يتعاملون بالرشوة في عرضهم للمناقصات والمزايدات وإبرام العقود الضخمة ومنها عقود التسليح والكهرباء مع الشركات الأجنبية؟ هل الفساد المالي والإداري وجيوش الموظفين والمراتب العسكرية الفضائيين هم من الشيوعيين أم من الإسلاميين؟ هل من بنى المدارس الهيكلية لخدمة بلده إيران على حساب شعبنا دعوي أم شيوعي؟ هل من طالب العراق بدفع 100 مليار دولار من أموال شعبنا تعويضاً لبلده إيران مجلسي/ حكيمي أم شيوعي أو مدني؟ هل من أغرق المدن الشيعية الجنوبية بالمخدّرات التي تأتي من بلده إيران برا وجوا هم الشيوعيون أم الإسلاميون؟ هل من تسبب بضياع ما يقارب الترليون دولار من أموال شعبنا ووطننا شيوعيين أم إسلاميين؟

أي مشروع إسلامي يعمل الشيوعيين والمدنيين على تدميره مثلما يدّعي الإسلاميين؟ هل لديكم فعلا مشروع لبناء وطن، ومتى تباشرون به وكيف؟ الجريمة الأخلاقية لغويا تعرّف من أنها "جريمة تَمَسّ العرض والشرف ، كُلُّ جُرْم أو ذنب يقترفه الموظف في أثناء القيام بأعمال وظيفته". وأنتم أيها الإسلاميون موظفون "منتخبون" من شعبنا للقيام بأعمالكم، ولأنكم مذنبون ومجرمون وهذا ما نستطيع تلمسّه من غياب كامل للخدمات وهزالها، وحرب طائفية أكلت الأخضر واليابس، وتسليمكم ثلث مساحة البلاد لتنظيم داعش الإرهابي، وقمعكم المستمر للحريات ومشاركة ميليشياتكم المافيوية بقتل أكاديميي وأطباء العراق و غيرهم من الكفاءات خدمة لبلدكم الأم "إيران"، وغيرها من مئات الجرائم بحق الأرض والإنسان فأنكم بلا عرض ولا شرف. كون من يرى أطفال بلده مشردون وبلا مأوى ويسأل عن طائفتهم ومن أي مدينة جاءوا لا يملك ذرّة شرف ناهيك عن كرامة أو عرض.

أيها السادة الإسلاميين ، لقد فشلتم في القراءة والأخلاق ولا أدري ما يعني الدين دونهما. وبسببكم وليس بسبب المدنيين والشيوعيين سنرى يوما "الناس يخرجون من دين الله أفواجا".

صديقي الشاعر المبدع "نزار ماضي" كتب بعد بدء هجوم الإسلاميين على المدنيين والشيوعيين قائلا:

عليُّ اللا أديبُ .... هذا ..عمالتُهُ لإيرانٍ عبادة
قرون الجهلِ يحملُها سلاحًا..ويفرضُ باسمها علنًا فسادَه
يقولُ بأننا عملاءُ فكْرٍ .. وقد أهدى لإيرانٍ بلادَه
يسبُّ العالمينَ بغير علمٍ.. ولكنّ اسطوانتَهُ معاده
كمن يتخبطُ الشيطانُ مسّاً.. فنسمعُ قولَهم ونقولُ سادة ..

فكتبت له قائلا أن " لم يهدي لإيران بلاده ... بل ضم العراق لبلاده".

(*) سورة القيامة الآيات 17 -18

 زكي رضا
الدنمارك
11/8/2017


208
سانت ليغو وسجائر بهمن الإيرانية


موافقة  البرلمان العراقي على إعتماد نسبة 1.7 الذي تقدّمت به الحكومة كقاسم إنتخابي بدل عن 1.9 الذي صوّت عليه البرلمان الإسبوع الماضي، كمشروع لقانون إنتخابات مجالس المحافظات والأقضية المزمع إجرائها ربيع العام القادم. أثبتت أمور عدّة، منها إصرار الكتل المتنفذة على إستمرار نهج المحاصصة المدمّر والذي قاد البلد الى كوارث لا حصر لها من جهة، ووأد المطالبة الجماهيرية بالتغيير والإصلاح والذي تاجرت به القوى المتحاصصة نفسها خلال الفترة الماضية من جهة ثانية، وسرقة أصوات الناخبين غير المصوّتين لهم عن طريق توزيعها كغنائم "حرب" فيما بينهم من جهة ثالثة، ورابعا والأكثر أهمّية هو رؤية هلال خيانة حزب الدعوة الشيعي لعرّابيهم في إيران بعد أن وعوا درس عمائم البازار أفضل من معلمّيهم هناك.

"اللي يشوف الموت يرضه بالصخونه" هو المثل البغدادي الذي ينطبق على قرار البرلمان ومن بعده الحكومة ، فالموت هو القاسم الإنتخابي 1.9 و "الصخونه" هو القاسم الإنتخابي 1.7 ، وصعود وهبوط النسبة ذكّرتني بسوق السجائر الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية وشمولها حالها حال المواد الغذائية والمشتقّات النفطية وغيرها بسياسة التقنين.

بعيداً عن جميع المواد التي كانت توزع عبر البطاقة التموينية وقتها في إيران، كانت للسجائر وضعية  مميزّة لشّحتها من جهة وزيادة الطلب عليها من جهة أخرى. وهذا ما دفع معلّمي حزب الدعوة وبقية الأحزاب الشيعية  من عمائم البازار الى إكتشاف طريقة 1.9 و 1.7 في عرضها سيجارتي بهمن و آزادي في السوق الإيرانية. فعند توزيع حصص البقّالين من تلك السجائر كانت كميات كبيرة منها ترى طريقها للسوق السوداء لتباع بضعف سعرها الرسمي، فإن كان السعر الرسمي لسيجارة بهمن "80 ريال إيراني" فأن سعرها في السوق السوداء كان "150 ريال تقريبا" . وكي تثبت الحكومة وقتها حسن نيتها في محاربة السوق السوداء، فأنها كانت توزع كميات أكبر بسعر "120 ريال" لفترة أشهر لتقوم بعدها بتقليص الكمية من جديد. وهنا تحديدا كان السعر يرتفع من جديد في السوق السوداء الى "200 ريال تقريبا". لتعود الحكومة من جديد بضخ كميات أكبر للسوق بسعر أقل بقليل من سعر السوق السوداء ليرتفع سعرها بعد تقليص توزيعها من جديد الى سعر أعلى. وبهذه الطريقة كانت الحكومة تحصل على أموال أكبر علاوة على ضحكها على ذقون شعبها.

في العراق اليوم يقوم الدعاة  وباقي الإسلاميين ومعهم الحزبين الكورديين بإعتبارهم كانوا ولا زال بعضهم  من تلاميذ إيران لفترة طويلة ، بنفس اللعبة الشيطانية ، الا أنهم تفوقوا على معلميهم كونهم لا يبيعون لـ "شعبهم" سجائر بل يبيعونهم الموت اليومي والذل والجوع والفقر والقهر. لذا تراهم يصوّتون على نسبة 1.9 ثم يعاودون الإجتماع ليقرّوا إقتراح الحكومة التي هم  قوامها بالأساس على نسبة 1.7 . وبهذا الشكل ستعاد دورة الفساد من جديد لأربع سنوات قادمة من عمر بلد أنهكته المشاكل والحروب والمهدّد بوحدة ترابه الجغرافية.

لا شك أن للتظاهرات المستمرة منذ أكثر من عامين تأثير على المشهد السياسي بالبلد، لكن هذا التأثير لم يأت بأية نتائج وبات بدون جدوى لمحدوديته ، لذا ولكي تكون لتظاهراتنا جدوى فعلينا الانطلاق الى فضاء أوسع ومؤثر عن طريق التخلص من رتابة التظاهرات الأسبوعية  في الجمع "المباركة"، وتحويل التظاهرات الى إعتصامات في جميع ساحات التحرير بالبلد. لأنّ أي حديث عن التغيير والإصلاح والتجديد من خلال البرلمان والحكومة ليس سوى ضرب من الخيال. وسنبقى وشعبنا ننتقل في كل  إنتخابات بين سانت ليغو وسجائر بهمن ...

أيها المدنيون .. أيها الديموقراطيون ... قاطعوا الإنتخابات وثقّفوا الشارع العراقي على مقاطعتها في حال عدم سن قانون إنتخابي عادل، ووجود مفّوضية مستقلة بحق للإنتخابات.

زكي رضا
الدنمارك
6/8/2017


209
پانوروما الفرهود الكوردي الفيلي

" العهر في زمن الدعاة "


 خارج بناء أسطواني الشكل تقف طفلة كوردية  فيلية  شبه عارية وبلا ملامح، تطوف بين زوار المبنى بإناء فيه أذن مدمّاة وخصلات من شعر أسود فاحم تغطيها بقايا تراب، وقرط  فيه آثار لحم بشري، ولعبة بلا يدين. الجمهور الذي كان ينتظر الدخول الى المبنى كان يرى بقايا عظام آدمية متناثرة بين قطع أثاث مهملة وبقايا ملابس متوزعة هي الأخرى بإهمال حول المبنى، الذي لم يكن الا بناء تغطي جدرانه من الداخل صور ثلاثية الأبعاد لأحدث عملية " فرهود" طالت الكورد الفيليين في بغداد والمدن والبلدات الشيعية في جنوب العراق،  تلك التي صمّمها وأخرجها حزب الدعوة الشيعي ونفّذها الرعاع بعد تصريحات من قيادي بهذا الحزب بـ" فرهدة الكورد الفيليين" إثر عزم حكومة إقليم كوردستان /العراق على إجراء إستفتاء.

يتوسط المبنى من الداخل منصّة لجلوس الزوّار فيها، ليرحلوا مع صور "ثلاثية الابعاد" توثّق بدقّة عالية عملية الفرهود الفيلي لحظة بلحظة، صور تغطي جدران المبنى ولكل منها موسيقاه التصويرية وحواره الخاص بها باللغة العربية وباللهجة الكوردية الفيلية.  وفي المبنى قاعة تعرض أفلاما وثائقية عن ذلك الفرهود والسبي الذي تلاه.

الصورة الأولى ...

رجل ملتحي من رجالات حزب اسلامي شيعي يحيط به عدّة رجال أشداء وخلفهم جمهور كبير مسلّح بالعصي و السكاكين و"القامات" ويهتف، علي وياك علي.

الصورة الثانية ...

طفلة فيلية بلا أذنين محصورة في زقاق صغير بين رجال ذو جباه مكوية جرّدوها من ملابسها وهي تصرخ برعب " دااااااااا " وتضيع صرختها بين تلك الجموع الهمجية، وفي الصورة رجلين يتقاسمان أذنيها وفي كل منها قرط صغير.

الصورة الثالثة ..

شابّ  حديث الزواج عاري الصدر يرمي بنفسه وسط جموع الذئاب البشرية لأنقاذ أخته الصغيرة "هاتم"، وإذا به ممّدا بين أرجل المفرهدين،  عاريا وبلا رأس وبأصبع مقطوعة. وعجوز تصرخ " كشتنت لفن إمامسين".

الصورة الرابعة ..

قطيع يخرج من أحد البيوت وهو يحمل معه صورة  للإمام علي مع صرخات التكبير التي تملأ أرجاء المكان، اوليس اليوم يوم فرهود؟

الصورة الخامسة ..

رجل يخطف رضيع  من صدر أمّه بعد أن يهشّم رأسها وهي تصرخ بتوسل " كورگم تن خدا"، ويرحل مع الطفل لزوجته كونه لا يستطيع الإنجاب ....

الصورة السادسة ..
.
.
.

الصورة العشرين ..

.... جثث تتدلى من أعمدة نور دون أسلاك.

.... نساء عاريات مقطّعات الاوصال.

....  شباب وفتية يُرمَون  من أبنية عالية.

.... أسفلت تغطيه الدماء.
 
الصورة المئة ...

... معمّم يتقدم الجموع لمباركة الفرهود الذي أبتلع كل شيء.

جثث تملأ المكان، صرخات مكبوتة لأطفال فقدوا آبائهم وأمهاتهم . الرعب والدمار في كل مكان والعالم أعمى وأصم وأبكم.

عند باب الخروج هناك رؤوس بلا أجساد لأطفال صغار تطالب بأن يعيد المفرهدين لهم لعبهم وصور آبائهم وأمهاتهم، الا ان المشاهد يرى رجال " يطبّرون" تلك الرؤوس الصغيرة الجميلة صارخين ، يا لثارات الحسين !!!!

دا،  تعني " أماه" بالعربية.
هاتم،  تعني " أتيت" بالعربية.
 كشتنت لفن إمامسين،  تعني " قتلوك كما قتلوا الأمام الحسين " بالعربية .
كورگم تن خدا، بالعربية تعني " أبني ، أقسم عليكم بالله".
القامات، مفردها قامة " أشبه بالسيف القصير يستخدمه الشيعة لشج رؤوسهم أيام عاشوراء".


زكي رضا
الدنمارك
26/6/2017





 









210
فوبيا الإلحاد عند العمائم والساسة الإسلاميين في العراق


إزدادت في الأيام الأخيرة تصريحات رجال دين وساسة من المذهب الشيعي على الأخص من إنتشار الألحاد  بالمجتمع العراقي محمّلين أسباب ذلك الى الشيوعيين والمدنيين والعلمانيين، وقد سخّر هؤلاء في معركة غير متكافئة مع " الملحدين" دور العبادة والفضائيات والصحف والمجلات لصالحهم. كونهم على عكس " الملحدين" الذين يفتقرون لكل شيء تقريبا ، يملكون السلطة والثروة والإعلام والميليشيات التي يهددون بها الناس وضربهم بيد من حديد!!

لم يُعلن أي حزب أو مجموعة سياسية أو فكرية الإلحاد أو يروّج له بالعراق منذ زوال الحزب اللاديني سنة 1929 لليوم، على الرغم من إسم اللاديني ليس بالضرورة أن يكون معناه الألحاد أو الفكر الألحادي. وحتّى الحزب الشيوعي العراقي الذي يحاول اليوم رجال الدين والساسة الشيعة إلصاق تهم الإلحاد به لعوامل سياسية تتعلق بالأنتخابات وتصدر الشيوعيين والمدنيين وقوى ديموقراطية أخرى لتظاهرات شعبنا المطلبية ومن أجل إصلاح العملية السياسية، لا توجد في أدبياته ما يشير بكلمة واحدة الى الإلحاد ناهيك عن الترويج له. وفي هذا الخصوص كتب ضابط المخابرات البريطاني " ب.ب. راي" في رسالة موجّهة الى مدير الشرطة السرية العراقية بتاريخ  20 نيسان 1949 " على ان الشيوعيين العراقيين ، بذلوا جهدهم لعدم اثارة مسألة الدين ، ولكن هذا لا يمنع حسب توصيته،  في ان تستفاد الحكومة من هذا العامل في محاربتهم" (1). ولتأكيد موقف الشيوعيين من مسألة الدين وإحترام عقائد شعبنا، وأنهم " الشيوعيون"  لم يكونوا غافلين عن نتائج الإجتماع المباشر بين السفير البريطاني بالعراق السير " جون تروبتيك" والمجتهد الشيعي الأكبر " الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء" في تنسيق المواقف بين الطرفين تجاه العدو المشترك والمنعقد في مدرسة الشيخ بالنجف الأشرف بتاريخ السادس من تشرين الثاني /أكتوبر سنة 1949 ، كتب حنا بطاطو قائلا " ولم يكن الشيوعيون غافلين عن محاولات تعبئة القوى الدينية ضدهم،  ولهذا فقد تجنبوا بطريقة مدروسة توجيه حتى اصغر اساءة الى معتقدات الناس " (2) .

دعونا أن نعود هنا الى الأسباب التي دعت وتدعو رجال الدين وأعضاء الأحزاب الدينية على تناول موضوعة  الألحاد اليوم، وهل هناك بالفعل موجة إلحاد واسعة بالبلد ما جعل هذه القوى أن تصاب بمرض نفسي إسمه " فوبيا الإلحاد" أو رهاب الإلحاد باللغة العربية؟  لكن قبل البحث عن أسباب " الإلحاد" علينا أن نمّيز بين إلحاد النخبة أي المثقفين الذين يتعاملون بالفكر والعقل والعلم والمنطق والفلسفة  للوصول الى الإلحاد وهم قلّة بالمجتمع، وبين "إلحاد" الجمهور والذي يتخوف منه الإسلاميون ورجال دينهم والذي تجاوز اليوم الخطوط الدينية والأجتماعية "الحمراء" بنظرهم، والتي لم يعرفها مجتمعنا من قبل ولا حتى عندما كان الشيوعيين  يمتلكون الشارع سنوات ثورة الرابع عشر من تموز. فالألحاد عند المجموعة الأولى هو موقف مبدأي مرتبط بأمور فلسفية وعلمية لا مجال لسعتها في بحثها هنا، أمّا " إلحاد" المجموعة الثانية وهم الأغلبية فلا علاقة لها بالفلسفة والعلوم مطلقا.

أنّ الإلحاد وبالأحرى النكوص عن الدين والذي تفشّى في السنوات الأخيرة في عموم العالم الإسلامي والعربي منه على الخصوص شمل فئات إجتماعية واسعة لأسباب عدّة، منها الخطاب الإسلامي المتشدد والذي كان الأرهاب أحد أهم تجلياته، ومنها فشل المشروع الإسلامي في تلبية حاجات الناس اليومية لعدم إمتلاكهم نظريات وأفكار أجتماعية وإقتصادية  قادرة على التعامل مع المتغيرات الهائلة التي حدثت وتحدث في العالم يوميا ومواكبتها، علاوة على الفقر والبطالة واليأس من تحسّن الأوضاع في ظل دكتاتوريات الحكومات وتراجع القوى الديموقراطية واليسارية بالتصدي لمشاكل مجتمعاتها لأسباب منها ذاتية وغيرها موضوعية.

" الإلحاد" في العراق هو ليس كما " الإلحاد" في بقية البلدان العربية والإسلامية، ففي تلك البلدان أظهرت المنظمات الإرهابية كالقاعدة وداعش من الوحشية ما أصاب العقل الجمعي في تلك المجتمعات بالصدمة. وقد ساهمت نقل المعلومة بسرعة قياسية نتيجة الثورة التكنولوجيا والفظاعات التي روجّتها وسائل إعلام هذه المنظمات وضعف الدولة في مواجهة الخطاب الديني " السلفي" بل مباركتها لها أحيانا كثيرة، بشيوع موجة " إلحاد" بين الفئات العمرية المختلفة  ومن أوساط إجتماعية مختلفة. الا إننا لم نلاحظ هجمة منظمة على الإلحاد من قبل تلك الحكومات كما الهجمة المفتعلة الأخيرة عندنا.

لإزدياد نسبة الأمية في البلدان الإسلامية والعربية والتي يحتل بلدنا مركزا متقدما منها، لا وجود للإلحاد بمعناه الفلسفي والعلمي الا في مساحات ضيّقة كما أسلفنا. الّا أنه  أي الإلحاد إنتشر وينتشر ببطء ولكن بوتيرة متصاعدة بين الشبيبة خصوصا كرد فعل على، تسويق الدين من قبل الجماعات الطائفية المتقاتلة فيما بينها بشكل أظهر الإسلام كدين متعطش للدماء. فالحرب الطائفية بين الشيعة والسنّة والتي ليس للملحدين فيها أي دور تسببت خلال سنوات ما بعد الإحتلال لليوم من الجرائم ما يندى لها جبين البشرية. والعراقي الذي كان له الأمل ببناء دولة المواطنة على أنقاض دولة البعث البوليسية، يرى بلده اليوم وهو تحت حكم أحزاب أسلامية شيعية وسنية وتدخل مباشر لرجال الدين في أمور الدولة على شفير الهاوية.

فالأنهيار الإقتصادي والإجتماعي والأخلاقي بالبلد رغم المداخيل الفلكية بعد أن قفزت أسعار البترول لأرقام قياسية خلال السنوات الماضية، وإرتفاع نسبة البطالة والفقر وإنعدام الخدمات برمتها وغياب الأمن وكثرة التفجيرات  وإرتفاع أعداد الضحايا بشكل مستمر، وعدم وجود ما يشير بالأفق الى إمكانية عودة الأوضاع الى حالتها الطبيعية في الأفق المنظور. دفعت قطاعات واسعة من الناس الى اليأس، وقد ترجم الكثير من اليائسين هؤلاء موقفهم من المصاعب اليومية التي يعانون منها ووطنهم الى " إلحاد"، فهل هذا " الإلحاد" الا رد فعل؟

ماذا حصل للجماهير التي عاشت الفترة الإيمانية التي أطلقها المجرم صدام حسين ، تلك التي رسّخت الطائفية بأبشع صورها إثر قمعه الأكثر من قاس للإنتفاضة الآذارية لشعبنا؟ أليست هي نفسها التي تمترست دينيا  وطائفيا خلف مرجعياتها الدينية وأحزابها الإسلامية؟ أليست هي من تقيم الشعائر الدينية وتعطل البلد لأشهر في مناسبات دينية مختلفة منها ما هو حقيقي ومنها ما هو مبتكر!؟ لماذا فشل الخطاب الديني وهو يمتلك كل مقومات القوة من إعلام ومال وسلطة وميليشيا وجمهور؟ لماذا تراجع التدين الحقيقي النقي والفطري لصالح التدين المزيف والطائفي واللصوصي؟ لماذا خرجت الجماهير ولأول مرة في تأريخ العراق وهي تهتف " بإسم الدين باگونه الحراميه"، و لماذا لم تهتف الجماهير " بإسم الإلحاد باگونه الحراميه " على سبيل المثال؟

أنّ الإجابة على الأسئلة أعلاه وغيرها من تلك المتعلقة بالفشل الأمني والأقتصادي والأجتماعي للسلطة، هي التي ستوضح الأسباب الحقيقية لمواقف الناس من الدين ورد فعلها تجاهه. بعد أن أصبح الدين تجارة مربحة للمتاجرين به من أحزاب ومؤسسات دينية. أنّ عودة الحياة الى طبيعتها وبناء دولة المواطنة على أنقاض نظام المحاصصة الطائفية القومية من خلال نظام علماني ديموقراطي حقيقي، سيعيد للدين نقاءه الذي شوهته القوى الدينية نفسها وحينها سنرى الإلحاد في نطاق ضيق كعادته.

أيها الإسلاميون أنّ ما ترونه وتهابونه وتتهمون القوى الديموقراطية  بتبني الإلحاد ونشره بين الجماهير، لا مكان له الا في عقولكم المريضة والبائسة. فالخط البياني لحكوماتكم في تنازل مستمر الا الخط البياني للقتل والسرقة والخيانة،  ولو نجحتم هذه المرة بخداع الناس لينتخبونكم  بلصق صفة الإلحاد ونشره ضد خصومكم، فمن هو خصمكم التالي بالمرّة القادمة بعد أن تكونوا قد إستنفذتم كل الخصوم من كورد وسنّة وإرهابيين؟

(1)العراق ، الكتاب الثاني ص 361 ، حنا بطاطو.
(2) نفس المصدر ونفس الصفحة.


زكي رضا
الدنمارك
14/6/2017 





     







211
بيت الدعارة والتكليف الشرعي


بعد أربعة عشر عاما من بدء الإحتلال وإعلان نظام المحاصصة الطائفية القومية كوسيلة للحكم والتي دمّرت البلد وتسير به الى الهاوية، خرج علينا السيد "سلام المالكي" وزير النقل الأسبق عن دولة القانون بتعريف جريء لما تسمّى بالعملية السياسية لم يسبقه إليه لليوم أحد. لا من أقطاب السلطة ولا من "معارضيهم" من الذين لازالوا يريدون إيجاد تعريفات ما أنزل الله بها من سلطان للعملية السياسية المسخ، ولا حتّى من كتّاب ومثقفين لأسباب مختلفة، قد يكون أهمها هو الخجل من وصف بهذه الصورة كون مجتمعنا مجتمع " إسلامي وذو أخلاق إسلامية وأعراف إجتماعية" !!

سلام المالكي الذي كان وحزبه وإئتلافه جزء رئيس من خراب البلد توصل أخيرا لما توصل إليه غيره منذ اليوم الأوّل، الى أنّ نظام المحاصصة الطائفية هي أكبر جريمة بحق شعبنا ووطننا وثرواتنا. ليعلن في حديث تلفزيوني من أنّ دخوله "العملية السياسية" كان خطأ كبير في حياته وسوف لن يسامح نفسه عليه، واصفا هذه العملية من أنها "أشبه ببيت دعارة، لا توجد فيها أي أخلاق أو دين"، وليستمر قائلا إلى أن "الوضع في العراق يسير منذ 14 عاما من سيء إلى أسوأ".

ما جاء به السيد سلام المالكي ليس بجديد، فبعد أربعة عشر عاما من فشل المشروع الإسلامي الذي رعته مرجعية النجف وآثاره الكارثية والتي بدأت تهدد وحدة البلد الجغرافية علاوة على تفتيت نسيجه الإجتماعي، يكون كربّان يرى غرق سفينته ويقفز منها تاركا من عليها تتقاذفهم الأمواج الى حيث مصيرهم المحتوم. لكن المالكي وهو يقفز من السفينة أشار إلينا الى المهندسين الذين مزّقوا أشرعتها لتواجه ومن عليها رياح الموت التي تحيط بها من كل جانب. ومثل ما كان السيد "سلام المالكي" جريئا في وصفه العملية السياسية ببيت الدعارة، فعلينا اليوم أن نكون بجرأته ونشير الى من يريد لهذا البيت أن يفتح أبوابه على الدوام ليدلفه قوّادوا السياسة من إسلاميين وهم الأغلبية وغيرهم من السماسرة والعاهرات وطلاب المتعة.

يقول سلام المالكي من أنّ المرجعية دعت في السابق الى ثلاثة أمور هي "الدستور والأنتخابات وتشكيل إئتلاف يقود البلد"، الّا أنه أشار في معرض حديثه الى أمر مهم جدا وهو أنّها أي المرجعية "لم تتدخل في التفاصيل وإختيار الشخصيات وإنّما أختارت أحزابا". ووفق تصريحه وما نعيشه من خراب على مختلف الصعد فأنّ الأحزاب هذه وليس أفراد منها هي من أدارت وتدير بيت الدعارة الذي أشار اليه في حديثه. لذا فأنّ مطالبة المرجعية بتبديل المالكي الذي قاد البلد الى الهاوية بغيره من نفس الحزب والأئتلاف والبيت هو غلق باب من بيت الدعارة وفتح آخر جديد. لأن المالكي كما العبادي وكما الأديب وغيرهم يمثلون مدرسة سياسية وفكرية أثبتت خلال أربعة عاما من أنها غير قادرة على إدارة روضة أطفال وليس بلد كالعراق بمكوناته ومشاكله التي ورثها من نظام البعث المجرم.

الإنتخابات على الأبواب وإن كانت مرجعية النجف جادّة في غلق بيت الدعارة الذي يمتلك الإسلاميين أكثر الغرف فيه، فعليها أن تطلب من مريدها وحفاظا على عرض الوطن من أن لا ينتخبوا الأحزاب والكتل التي حوّلت بلدهم الى ماخور كبير. "فالمجرّب لا يجرب" وهو قولها في " 29/8/2015 " بعدم أنتخاب اللصوص يجب أن يكون له معناه الحقيقي الشامل وليس الجزئي. أي عدم أنتخاب أي عضو في أية قائمة أو أئتلاف من تلك التي نهبت البلد وثرواته وإن لم يجرّب، لأننا جربنا معلميهم ورفاقهم طيلة أربعة عشر عاما.

يؤلمني أن أرى مرجعية النجف وهي تتدخل بالشأن السياسي لصالح اللصوص أن تكون مساهمة في بيت الدعارة التي أشار إليها أحد مريدها ، والذي وصف دخوله الى هذا البيت سيء الصيت والسمعة من أنّه "تكليف شرعي". أعيدي يا مرجعية النجف الى الدين صفاءه ونقاءه وأبتعدي عن التدخل بالشأن السياسي، أو كوني جريئة كما مريدك "سلام المالكي" وقولي للناس من أن الإسلاميين ومن معهم من متحاصصين حولوا بلدكم الى بيت دعارة. أطلبي من مريديك عدم أنتخاب الأحزاب الإسلامية وشخوصها وإن غيّروا أسمائهم وجلودهم، كي نغلق الماخور مرّة والى الأبد.

عودة الى أنّ العملية السياسية لا أخلاق فيها ولا دين كما قال المالكي، أذكر هنا قولا للإمام علي مصدر رزق تجار الدين الشيعة وهو يقول "لا زعامة لسيء الخلق". فهل ستثقف المرجعية الناس بهذا القول؟

 
زكي رضا
الدنمارك
11/6/2017

 



212
كوردستان العراق وتجربة قطر


منذ سنوات وساسة بارزون في إقليم كوردستان العراق وعلى رأسهم السيد "مسعود البارزاني" يعملون من خلال قنوات سياسية مختلفة، على تهيئة الأجواء لحل القضية الكوردية بما يتماشى وتطلعات الشعب الكوردي بالإستقلال عن الدولة المركزية من خلال إستفتاء عام في الإقليم. والحديث عن الإستفتاء هذا والذي جاء على لسان مختلف المسؤولين في الإقليم لا يعتبر مروقا لا عن الوطنية ولا عن الديموقراطية، فالإستفتاء ومعه الإقتراع العام يعتبران من الوسائل السلمية لإعلان حق تقرير أي شعب لمصيره وفق القوانين الدولية.

لقد أكّدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة في قرارها المرقم 637 الصادر في كانون أوّل سنة 1952 على أنّ "رغبات الشعوب تؤكد من خلال الإقتراع العام أو أية وسائل ديموقراطية أخرى ومعترف بها، ويفضّل أن تمارس تحت إشراف الأمم المتحدة". وقد كررت لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية النص نفسه في باب "حق الشعوب في تقرير مصيرها" في الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الثامنة والأربعين.

نتيجة للتطورات السياسية التي حصلت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنتهاء الحرب الباردة، ظهرت بدفع من قوى دولية إنقسامات في بعض البلدان. وقد صاحبت تلك الإنقسامات مجازر بشعة بين المكونات العرقية والدينية فيها كما في يوغسلافيا السابقة على سبيل المثال. ونتيجة للتطورات القانونية الدولية حصلت المكونات على حق تقرير مصيرها وإنفصالها عن الكيان الأم، ولم يكن حق تقرير المصير هذا أي الإستقلال بعيدا عن تلك القوانين من جهة و عن الدعم السياسي لبلدان معينة من جهة أخرى.

أن الشعب الكوردي المقسّم عمليا بين أربع بلدان رئيسية له الحق بصفته أكبر قومية دون وطن أن يقرر مصيره بنفسه وقد منحه القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان هذا الحق المشروع، علاوة على نضاله الطويل لنيل حقوقه والتي تطورت مع تطور الأوضاع الجيوسياسية بالمنطقة والعالم ، خصوصا وأنّه عاش ويعيش في ظل أنظمة دكتاتورية إعتمدت وتعتمد سياسة التمييز بين مواطنيها على أساس العرق والدين والطائفة.

كان من الضروري تقديم المقدمة المختصرة أعلاه لتأكيد أحقّية الشعب الكوردي بحقه في تقرير مصيره من خلال لجوءه الى مختلف الوسائل ومنها الإستفتاء، الذي رفعت شعاره سلطات الأقليم مرّات عدة خلال السنوات القليلة الماضية. خصوصا في ظل الخلافات العميقة بين الإقليم والمركز حول تفسير الدستور وتوزيع الثروات والمناطق المتنازع عليها والبيشمركه وغيرها، من تلك التي إستجدّت بعد تحرير العديد من المناطق التي كانت تحت سلطة تنظيم داعش الإرهابي.

أنّ ما جرى خلال الأيام الماضية من أحداث في الخليج وقطع بلدان عدّة علاقاتها مع قطر، جعل إنفصال الإقليم عن العراق من خلال إستفتاء أو غيره أمام تساؤل بحاجة الى أجوبة عدّة. خصوصا وأنّ الدول ذات العلاقة إتخذت قرارات عديدة ضد قطر والذي يهمنا منها وفي ما يتعلق بإعلان الدولة الكوردية من العراق، هو غلق هذه البلدان لأجوائها أمام حركة الملاحة الجوية القطرية. كون الدولة الكوردية المستقبلية ستكون محصورة بين بلدان لازالت القضية الكوردية فيها مشكلة قائمة دون حل، نتيجة غياب الديموقراطية فيها كوسيلة للحكم.

لكي نعرف حجم مشكلة الملاحة الجوية التي ستعاني منها الدولة الكوردية المستقبلية وسط محيطها العدائي، علينا مراجعة قوانين الملاحة الجوية ذات الصلة والتي سنتعرف من خلالها على صعوبة الملاحة المدنية إذا ما أغلقت البلدان المحيطة بكوردستان أجوائها أمامها. فقد نصّت المادّة السادسة من إتفاقية شيكاغو للعام 1944 على أنّ لكل الدول الموقعة عليها السيادة الكاملة على مجالها الجوي، بحيث "لا يجوز لأي خط جوي دولي منتظم أن يطير فوق إقليم دولة متعاقدة (...) إلا إذا كان يحمل إذنا خاصا أو ترخيصا من قبل تلك الدولة". فيما أكّدت المادة التاسعة من نفس الإتفاقية على أنّ "من حق الدولة أن تمنع الطيران بمجالها الجوي لظروف استثنائية "أو أثناء أزمة أو لأسباب تتعلق بالأمن العام"، وذلك بشرط عدم التمييز بين الجنسيات". والأهم من ذلك كله هو ما جاء في المادة 35 والتي تنص على "عدم جواز نقل ذخائر حربية في طائرة ملاحة دولية من دون ترخيص، ومن حق الدولة أن تمنع ذلك".

أنّ عدم حل القضية الكوردية حلا ديموقراطيا عادلا في البلدان التي إنقسم الشعب الكوردي بينها، يجعل عملية إنفصال إقليم كوردستان عن العراق أمر غير عملي في المدى المنظور. وهذا الأمر إنتبه إليه "السيد جلال الطالباني" حينما صرّح في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في الثامن من نيسان 2006 قائلا "بأن فكرة انفصال أكراد العراق عن جمهورية العراق أمر غير وارد وغير عملي، لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كردية لم تحسم فيها القضية الكردية بعد، وإذا ما قررت هذه الدول غلق حدودها فإن ذلك الإجراء يكون كفيلا بإسقاط الكيان المنفصل من العراق".

أن قيام نظام ديموقراطي علماني حقيقي في بغداد "كبداية" هو كفيل بحل جميع المشاكل المتراكمة التي عانى منها الشعب الكوردي طيلة عقود. وقيام هذا النظام في ظل ظروف العراق اليوم بحاجة ماسّة الى أن تأخذ القيادات الكوردية جملة من المواقف السياسية ، كي تفسح المجال للوصول الى هذا النظام بهدوء وبشكل سلس. وأهم هذه المواقف هو العمل على منح القوى الديموقراطية والمدنية فرصة للعب دور أكبر في الحياة السياسية، خصوصا بعد فشل نموذج الإسلام السياسي الذي تحالف معه الكورد بداية في تلبية حاجات شعبنا ووطننا ومنها حاجات الشعب الكوردي والإقليم. وهذا يأتي بإستخدام الكورد لثقلهم ومعهم نسبة لا بأس بها من أعضاء البرلمان العراقي في سن قانون إنتخابي عادل ومنصف يكون فيه العراق دائرة إنتخابية واحدة، مع تغيير قوام المفوضية "المستقلة " للإنتخابات. فالدائرة الإنتخابية الواحدة هي في صالح القوى الديموقراطية صديقة الشعب الكوردي وصاحبة المصلحة الحقيقية في بناء دولة المواطنة والتي يكون الكوردي فيها مواطن من الدرجة الاولى كما بقية ابناء شعبنا، كما وأنها في مصلحة الأحزاب والقوائم الكوردية لأنتشار الكورد في محافظات العراق المختلفة ما يحول دون ضياع أصواتهم.

على القيادات الكوردية أن تتعلم كثيرا من الدرس القطري، وأن تنظم ورش لدراسة الحالة القطرية دراسة علمية بعيدة عن العواطف والوعود الخارجية. وسيبقى بناء أنظمة ديموقراطية حقيقية في البلدان التي تتقاسم أراض كوردستان نصر للشعب الكوردي، وبوابّة لإنفصال هاديء وحضاري حين توفر الظروف الموضوعية والذاتية لذلك.

 
زكي رضا
الدنمارك
6/6/2017

213

بريجنسكي وعمالة الأحزاب الشيعية العراقية لإيران ..


أطلق الجنرال "توماس تاسك" وهو نائب قائد العمليات الخاصّة الأمريكية تحذير حول دور إيران الكبير بالعراق، من خلال ولاء القيادات السياسية والعسكرية والدينية والميليشياوية الشيعية لدولة ولي الفقيه لها. وقد جاء تحذير الجنرال هذا بمناسبة تنظيم دراسة حول إيران ودورها بالمنطقة نظّمه معهد "إنتربرايزر" الأمريكي مؤخرا. مشيرا فيه من خلال "تذمر" ظاهري على ما يبدو للسيد "حيدر العبادي" حول عدم إستلام مسؤولين حكوميين "وغيرهم" الأوامر منه بصفته رئيس للوزراء وقائد أعلى للقوات المسلّحة، وأنهم كما قال يتلقون عوضا عن ذلك الأوامر من إيران!!

وأشار واضع الدراسة في المعهد "ماثيو ماك أينيس" والذي عمل سابقا مع الجيش الأمريكي الى الأمر نفسه، الا أنّه أخطأ على ما يبدو وهو يشير الى أن تعزيز النفوذ الإيراني بالعراق قد حصل في الفترة الأخيرة، مشيرا بنفس الوقت الى أنّ "العراق أصبح خلال فترة الحرب على داعش جزءاً من المنظومة الأمنية الإيرانية أكثر من أي وقت مضى"!! وكأن العراق لم يكن جزء من منظومة الأمن هذه منذ إحتلال بلده لبلدنا وإشاعة الفوضى فيه. ولم ينسى وهو يرى توسّع النفوذ الإيراني بالعراق وتأثيره الجيوسياسي ليدق ناقوس الخطر، محذّرا الإدارة الأمريكية من خطورة إخلاء الساحة لإيران، طالبا منها الإستمرار بنهج المحاصصة الطائفية القومية كأسلوب للحكم من خلال "إيجاد توازن في العراق" وهو ما نعيشه اليوم.

إنّ الإدارة الأمريكية وهي تريح إيران من ضغط طالبان شرقا والعراق البعثي غربا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كانت على علم مسبق بالدور المستقبلي للأحزاب الشيعية في تدمير البلاد وجعلها حديقة خلفية لإيران وحائط صد لها. فهذه الأحزاب وتشكيلاتها اللاحقة ولدت وترعرعت ونمت في إيران، فالمجلس الإسلامي الأعلى ومن كان تحت خيمته والذي تأسس برعاية المؤسسة الأمنية والعسكرية والدينية الإيرانية كان برئاسة "آيت الله سيد محمود هاشمي شاهرودي"، قبل أن ينتخب الإيرانيون له الفقيد "السيد محمد باقر الحكيم". كما وأنّ حزب الدعوة الإسلامية والذي تأسس بعد ثورة الرابع عشر من تموز وعلى الرغم من "خلافه" الظاهري مع بعض الممارسات الإيرانية، لم يخرج هو الآخر كما المجلس وغيره من التنظيمات الشيعية عن دائرة النفوذ الإيراني. وهذا ما نلمسه اليوم، وهو نفسه الذي حذرت منه الدراسة الأمريكية التي جئنا على ذكرها.

أنّ إزدياد النفوذ الإيراني ودور القيادات الشيعية في ترسيخ هذا الدور على حساب مصالح وطننا وشعبنا لا يجب أن يثير ساسة البيت الأبيض ولا جنرالاته. ففي لقاء له مع صحيفة "أزفيستيا" الروسية بعد شهر من أحتلال بلدنا قال مستشار الأمن القومي المخضرم والذي توفي قبل أيّام أن "مركز صنع القرار في واشنطن، يفضّل الأحزاب الدينية حكاما للعراق على العلمانيين، من منطلق انه يمكن السيطرة على هذه الأحزاب بالتفاهم مع مراجعهم وتوجيهها بالوجهة المناسبة".

هنا تحديدا علينا أن نعود بالتأريخ الى الخلف قليلا لنتعرّف على ماهية القوى الدينية ودورها في تنفيذ المصالح الأمريكية بالعراق وإيران. فالولايات المتحدة الأمريكية وعن طريق وكالة الأستخبارات "سي آي أيه" وبالتعاون المباشر مع المؤسستين الدينيتين في إيران والعراق، إستطاعت أن تقوّض نظامي حكم مصدّق وقاسم سنوات 1953 و1963 ، ولعب رجلا الدين الشيعيين الكاشاني والحكيم دورا مهما الى جانب الأنقلابيين في كلا البلدين. وعليه فأن بريجينسكي وهو يشير الى تفضيل الأسلاميين للحكم بالعراق يعرف جيدا طريقة أحتوائهم للعمل ضمن دائرة المصالح الأمريكية، لذا نرى تصوراته لشكل نظام الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين وفقا للرؤية الأمريكية من أنه "سيكون نظاما فيه الكثير من عناصر النظام الشمولي السابق، يديره تحالف بين الأكراد والأحزاب الشيعية، مع نسبة معينة من المؤسسات الديمقراطية، ودور أساسي لإيران في الحفاظ على الاستقرار".

الا أن ما غاب عن بال بريجينسكي أو ما لم يستطع أن يتوقعه هو أن الحكام الشيعة والذي قال ان مراجعهم هي التي تسّيرهم سوف لن يلتفتوا لمصالح "شعبهم ووطنهم"، حينما يتعلق الأمر بطائفتهم ومذهبهم الديني. فهؤلاء الساسة ومنذ اليوم الأول لوصولهم الى السلطة عن طريق أمريكا نفسها، نذروا العراق ليكون قربانا للمصالح الإيرانية. فإيران التي تعاني من الحصار أنتعشت إقتصاديا خصوصا بعد أرتفاع أسعار النفط وتحويل مئات مليارات الدولارات التي نهبتها الأحزاب الشيعية "كما أحزاب المحاصصة الأخرى" الى بنوكها لديمومة أستمرار برامجها العسكرية واستمرار تدخلها في سوريا واليمن ، ودعمها للحركات الدينية في لبنان والبحرين وفلسطين وغيرها من البلدان. ونتيجة لفساد هذه الأحزاب وأهمالها لكل ما يتعلق بتوفير حياة كريمة لمواطني بلدنا، نرى قطاعات مختلفة من قطاعات الخدمات قد تم تدميرها عمدا من أجل ضخ الدم في الإقتصاد الإيراني. فعلى سبيل المثال نرى بؤس القطاع الصحي بالعراق رغم مداخيل النفط الخيالية، ما يدفع المرضى العراقيين الى السفر والعلاج في المشافي الإيرانية، وكذلك أنهيار القطاع الزراعي العراقي مقابل القطاع الزراعي الايراني إذ باتت السوق العراقية تستورد الفاكهة والخضار من إيران بشكل رئيس.

أنّ عدم إستلام الساسة والعسكريين والميليشياويين الشيعة الأوامر من العبادي وأستلامها من ساسة وعسكريين إيرانيين كقاسم سليماني مثلا لا يعتبر أمرا إستثنائيا، لكن الأمر الإستثنائي هو أستلامهم أوامر من مسؤول عراقي. كما وأنّ خيانة هؤلاء الساسة "لوطنهم وشعبهم" لا تعتبر أمرا إستثنائيا، لكن الأمر الإستثنائي هو عدم خيانتهم "لوطنهم وشعبهم".

لقد كان بريجينسكي من أشد المتحمسين لضرب فيتنام الا أنه وفي نفس الوقت كان أشد المتحمسين لعدم ضرب إيران .... لماذا؟

 
زكي رضا
الدنمارك
1/6/2017



214

المفوّضية تسابق الزمن لمنح الميليشيات صفة الأحزاب
         
 
لو أردنا وصفا أقرب الى الدقّة لما يسمى بالدولة العراقية تحت هيمنة القوى المتحاصصة، فأننا نستطيع وبدون تفكير طويل القول من أنّها دولة "بريمرية" مشوّهة كمولود بلا رأس وبثلاثة أرجل. فبريمر المعيّن من قبل الإدارة الأمريكية وقتها كمشرف على العراق وفي الفترة التي قضاها كحاكم مدني فيه، رسّخ مبدأ المحاصصة بالسلطة ولكن بشكل "ديموقراطي"!!. ولكي يضمن إستمرار "الديموقراطية" هذه بالبلد من وجهة نظره فأنه أصدرعدّة قوانين إعتبرها ضامنة لديمومة العملية "الديموقراطية" وتطورها ومنها الهيئات المستقلة، فكان البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية، ودواوين الأوقاف، وهيئة الأعلام والأتصالات، والمفوضّية العليا لحقوق الأنسان، ومفوضّية النزاهة العامّة، ومؤسسة الشهداء، والمفوضّية العليا للأنتخابات وغيرها. وقد عدّ الدستور العراقي الذي جاء بدلا عن قانون الدولة الأنتقالي لينص في مادّته الرقم "102" على "تُعَد المفوضّية العليا لحقوق الانسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النـزاهة، هيئاتٌ مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم اعمالها بقانون".

الّا أنّ الذي حدث في عهد المالكي ولرغبته بالهيمنة على السلطة فأنّه أفرغ الفقرة الدستورية أعلاه من محتواها، بعد أن قاتل من أجل ربط بعض الهيئات المهمّة والمؤثرة على المشهد السياسي، كالبنك المركزي وهيئة الأعلام والأتصالات والمفوضية العليا للأنتخابات بمكتب رئاسة الوزراء خلافا للدستور وقد نجح في ذلك بعد أن إشترى ذمم القضاة في مجلس القضاء الأعلى. ومنذ ذلك الحين أصبحت المفوضيّة التي أريد لها أن تكون دعامة من دعائم "الديموقراطية"، هيئة فاشلة وفاسدة كما السلطات الثلاث والوزارات وجميع مفاصل الدولة، لتنتهي هي الأخرى الى مستنقع المحاصصة العفن وليعيّن المالكي ومن خلفه مسؤولين عنها بأنفسهم.

لفساد المفوضية وإرتباطها بالقوى المتنفذة في السلطة وتوزيع مناصبها بين الكتل السياسية حسب ثقلها وقبل أن ينتهي عمرها دستوريا، أقدمت وفي مخالفة دستورية واضحة وصريحة بمنح ميليشيا عصائب أهل الحق المتهمّة بمشاركتها في حملات التطهير الطائفية والتي أطلق المالكي سراح زعيمها "قيس الخزعلي" المتهم بالأرهاب وقتها من سجنه ، إجازة تأسيس حزب سياسي تحت إسم "حركة عصائب أهل الحق".

أن الدستور العراقي في مادّته التاسعة الفقرة "ب" يؤكد (يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة)، والعصائب وغيرها من الميليشيات الإسلامية لها تنظيماتها العسكرية شبه النظامية ووجود محسوس في الشارع العراقي منذ سنوات ما بعد الإحتلال لليوم. هنا قد يقول البعض من أنّ العصائب ومعها جميع الميليشيات الشيعية قد أنضوت للعمل في مؤسسة جديدة هي ما يسمى بـ "الحشد الشعبي" والتي أصبحت تضاهي القوات المسلحة العراقي وفقا للأمر الديواني رقم 91 لسنة 2016 والصادر من مكتب العبادي. الا أن هذا الأمر يتناقض هو الآخر مع ما جاء في الفقرة "ج" من نفس المادة والتي تنص على (لا يجوز للقوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أية دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخاباتٍ لإشغال مراكز سياسية، ولا يجوز لهم القيام بحملات انتخابية لصالح مرشحين فيها، ولا المشاركة في غير ذلك من الأعمال التي تمنعها أنظمة وزارة الدفاع، ويشمل عدم الجواز هذا أنشطة أولئك الأفراد المذكورين آنفاً التي يقومون بها بصفتهم الشخصية أو الوظيفية، دون أن يشمل ذلك حقهم بالتصويت في الانتخابات). وهذا يعني أن لا حق للعصائب حتّى إذا أعتبرناهم جزء من القوات المسلحة، في أن يترشحوا للأنتخابات وشغل أي مركز سياسي.

أن إقدام المفوضّية على منح العصائب إجازة تأسيس حزب سياسي للمشاركة بالأنتخابت ليست مخالفة دستورية فقط، بل هي جريمة جديدة تضاف الى جرائمها "تصويت الإيرانيين والأفغان الشيعة لصالح الكتل الشيعية" وجرائم السلطة التي تريد أن تعقّد المشهد السياسي أكثر، ومحاولة منها لترسيخ مبدأ عسكرة المجتمع والدولة لصالح الأحزاب الطائفية. وليس ببعيد أن تقدم المفوضية في عمرها الباقي على منح إجازات تشكيل أحزاب لجميع الميليشيات الشيعية.

أن منح العصابات الإرهابية المنفلتة والمسلحة صفة أحزاب لخوض الصراع الأنتخابي القادم، إضافة الى عدم تغيير أعضاء المفوضية والتي تطالب به الجماهير من خلال تظاهراتها الأسبوعية، يعني أنّ السباق الأنتخابي وصل الى نهايته مع عدم وجود ما يشير الى تبني قانون عادل ومنصف للأنتخابات. فهل ستغامر القوى المدنية بخوض سباق أنتخابي ستكون خارجه منذ الأمتار الأولى!!؟؟؟

أنّ تثقيف الناس على مقاطعة الأنتخابات وعقد ندوات وطاولات حوار في الشوارع والساحات والمقاهي لهذا الغرض، يعتبر اليوم واجب وطني لمواجهة عصابات الجريمة المنظمة وهيمنتها على القرار السياسي. قاطعوا الأنتخابات لأبقاء المساحة القليلة من الثقة التي بقيت عند الجماهير بكم، وكي لا تمنحوا الشرعية للأحزاب الأسلامية الحاكمة.

هل ستعقدون مؤتمرا صحفيا بعد أنتهاء الأنتخابات لتوضحوا فيه سبب الهزيمة من أنها جاءت بسبب فساد المفوضية وعدم اقرار قانون انتخابي عادل ومنصف وعدم وجود قاعدة بيانات لعدم اجراء إحصاء سكاني وغيره من الأسباب!!!!!؟ عفوا نسيت أمرا، لا تنسوا أن تحاولوا الحصول على أعداد الإيرانيين والأفغان والبحرانيين والحوثيين الذين سيصوتون الى القوائم الشيعية عن طريق إتصالكم بالسيدة (ماجدة التميمي) والتي ستعطيكم الأعداد قبل حلول أنتخابات 2022 كدعاية أنتخابية.

زكي رضا
الدنمارك
24/5/2017

 


215

بروج يسارية عاجّية ..

جلست مع أوّل خيوط الفجر على أحد أرصفة ساحة الطيران "المسطر" متحديا إرهاب الميليشيات والسلطة ومفخخات الإرهاب وسط عدد كبير من الأُجَراء الذي لا يملكون الا قوّتهم العضلية لبيعها في سوق العمل، من أجل توفير لقمة خبز لهم ولعوائلهم البائسة. كنت من القليلين الذين تقدّم بهم العمر بين جموع شابّة  أنهكها الجوع والأنتظار لكسب لقمة خبز مغمّسة بكرامة لازالت باقية عند الكثير ممّن لم تدنس كرامتهم في العمل ضمن أحزاب السلطة وميليشياتها. ولأن العرض أكبر من الطلب في سوق العمل، فأنني رأيت نفسي والكثيرين ممّن لم تتعلّق ذرة تراب واحدة "بمساحيهم" لعدم إشتغالهم لأيّام نتحاور بأمور مختلفة ومنها بل وعلى رأسها هو الوضع السياسي بالبلد.
 
جلست وأنا أعدّل من وضع نظّاراتي بين مجموعة من الشباب متحدثّا إليهم عن ضرورة إنظمامهم الى نقابات عمّالية لضمان حقوقهم، وضرورة قراءتهم للأدب الماركسي ليتسلّحوا بفلسفة علمية كي يقّوضوا بها النظام السياسي المتهريء. كما وعلى القادمين منهم من الأرياف العودة إليها وتشكيلهم للسوفخوزات والكولخوزات، وضرورة دخول المكننة في الأنتاج والتوزيع. قلت وأنا أتبختر كالطاووس بينهم  أن يحددوا موقفهم بدقّة من قوى اليسار وأن يجدوا لها تعريفات ماركسية ثورية حقيقية، لتمييزها عن الحركات الماوية والتروتسكية أو تلك المصنفة كيمين بالحركة الشيوعية. وقبل أن أنهي مداخلتي حول جوهر الفهم المادّي للتاريخ وضرورة دراسة ميتافيزياء الإقتصاد السياسي لبناء مجتمع شيوعي بالعراق، رأيت نفسي أركض بعيدا هربا من عصي يحملها هؤلاء الكادحين بعد أن ضاقوا ذرعا بفلسفتي الفارغة.
 
بالتأكيد أنّ ما جاء أعلاه ليس سوى ثرثرة، الا أنّي أراها اليوم ضرورية بعد أن تسلّح البعض لوأد بادرة حوار "يساري يساري"، من خلال بحثه عن تعريفات لليسار ومكانته في مسيرة نضال شعبنا. وكأن الصراع الفكري بين "اليساريين" والحزب الشيوعي العراقي هو ما يهم الجماهير، وليس بحثها عمّن يقودها الى الخلاص من أوضاعها المزرية والكارثية وهي ترى وطنها يتمزق وتنهب ثرواته. لا  يا أيها السادة، ما هكذا تروى إبل شعبنا العطشى للحرية والخبز. أمن المعقول أن لا تتفق قوى اليسار وهي التي عليها أن تتقدم صفوف الجماهير على أصغر قاسم مشترك يجمعها وهذه الجماهير، أي وجودها في الشارع وقيادتها بشعارات آنية وملحّة، لتحوّل أي تقارب ولو كان هامشيا الى صراع فكري. هل ستشبع جماهير شعبنا من الصراع الفكري الذي يريد البعض تسويقه لغاية في نفس يعقوب؟ أين هي المعامل والمصانع والمزارع، دعونا من هذا لنسأل أين هي المدارس والمعاهد والجامعات وما هو مستواها؟ وما هي لغة الخطاب التي علينا إستعمالها للتواصل مع أبناء شعبنا حيث الفقر تجاوز الـ "30%" والبطالة تجاوزت الـ " 28%"!! هل نتحدث اليهم عن ضرورة تعريف اليسار ودوره في بناء الشيوعية بالعراق!! أم ضرورة التحدث إليهم بلغة أقرب الى فهمهم لدفع أكبر عدد ممكن منهم وهم متضررون بالفعل لخوض نضال مطلبي من أجل تحررهم وخلاصهم ممّا هم فيه.
 
هل إذا ما توصّلنا مثلما يريد "العاجّيون"،  الى تعريف اليسار وضرورة عدم صهر وذوبان اليساريين والأشتراكيين في الحزب الشيوعي مثلما يروّج البعض. فأن الطريق ستكون سالكة لبناء مجتمع شيوعي أو إشتراكي في أسوأ الأحوال!!؟ أليس من ألأصوب التعامل مع الواقع السياسي الموجود اليوم والبحث من خلاله على حلول عملية بعيدا عن التنظير الفكري الذي لا تفهمه الجماهير ولا علاقة لها به، من خلال تشديد التظاهرات والإعتصامات والبحث عن طرق توسيعها للضغط على قوى السلطة المتحاصصة؟ أنّ التنسيق "ليس الذوبان مثل يتخيل البعض" بين القوى اليسارية والديموقراطية والمدنية  "علمانية" على مستوى الشارع، أو الجلوس الى طاولة حوار من أجل تعزيز الحوار هذا لا يعني الإنخراط الفعلي بما يسمى بالعملية السياسية أو المشاركة بالأنتخابات التي يقف البعض على الضد منها. لكن إن إستطاعت هذه القوى من خلال ضغطها على السلطات  بتوفير فضاء صحي للإنتخابات بالشروط التي يتفق عليها كل التيار المدني، فأنّ مشاركة القوى اليسارية والديموقراطية والمدنية بالإنتخابات سيكون له أثره على الخارطة السياسية.
 
دعونا أن نبلغ الديموقراطية أوّلا ولنفكر بعدها بالإشتراكية والشيوعية، أنّ الجدل الفكري الذي يريده البعض عمودا فقريا فولاذيا ليس سوى جدل بيزنطي لن ينتهي مطلقا. فلنترك بروجنا العاجّية أيتها السيدات والسادة، ولنلتفت الى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية بالتغيير. وأني أؤكد لكم هنا من أنها لا تفهم ما تريدونه ولكنها تريد أن تفهمكم عمّا ما تريده هي..
 

 

زكي رضا
الدنمارك
20/5/2017



216
يا مسيحيي العراق إختاروا ما بين الجزية والقتل ..


أمران مثيران للإستغراب تناقلتهما وسائل الإعلام وصفحات التواصل الإجتماعي على خلفية نشر شريط مصوّر لرئيس الوقف الشيعي "علاء الموسوي" خلال اليومين الماضيين قال فيه أنّ "أحكام الإسلام تجاه المسيحيين هي إشهار إسلامهم أو دفع الجزية أو القتل". أولّهما مطالبة مسيحيي العراق من خلال "قائمة الوركاء الديموقراطية" وغيرها من المدعو "علاء الموسوي" والوقف الشيعي بالأعتذار عن تصريحاته، وثانيهما صدور بيان من الوقف الشيعي يتّهم جهات لم يسمّيها بمحاولة زرع التفرقة والفتنة بين أبناء الشعب العراقي!! وأنّ ما جاء في الشريط كان "درسا فقهيا نظريا قبل ثلاث سنين واقتطع جزء منه، ولم يتضمن أية دعوة عملية للقتال أو الاعتداء على أحد من أتباع الديانات المذكورة". أقول مثيران للإستغراب كون مسيحيي العراق يطالبون من رجل دين كعلاء الموسوي بالأعتذار عن حكم شرعي هو من صميم دينه، وهناك العديد من الآيات التي لا تأويل فيها تدعو الى الجهاد ضد الكفار ومنهم أهل الكتاب حتّى يدخلوا الإسلام أو يدفعوا الجزية " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" "1" ، والأمر الآخر المثير للإستغراب هو بيان الوقف الشيعي الذي يحاول التملص ممّا قاله "الموسوي" وهو "اي الوقف" بهذه الحالة يمارس مبدأ التقية بغباء كامل هنا، كونه يريد الإلتفاف على آيات قرآنية تؤكد ما جاء به الموسوي وغيره.

الشيعة ومنهم المدعو "علاء الموسوي" يقولون في تفسير الآية أعلاه من أنّ الله "بعث محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى ان تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا ينفع نفسا ايمانها إن لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا، وسيف منها ملفوف وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه الينا، فاما السيوف الثلاثة الشاهرة.

"فسيف على مشركي العرب قال الله تعالى: "اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا - يعني آمنوا- فاخوانكم في الدين "فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل او الدخول في الاسلام وأموالهم وذراريهم سبي على ما سبى رسول الله صلى الله عليه وآله فانه سبى وعفا وقبل الفداء صلى الله عليه وآله"
"والسيف الثاني على اهل الذمة قال الله جل ثناؤه: "وقولوا للناس حسنا" نزلت في أهل الذمة فنسخها قوله: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية او القتل وما لهم وذراريهم سبي فاذا قبلوا الجزية حرم علينا سبيهم وأموالهم وحلت مناكحتهم ولا يقبل منها إلا الجزية او القتل" والسيف الثالث "على مشركي العجم يعني الترك والديلم والخزرج قال الله جل ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين 
كفروا فقص قصتهم فقال: فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فأمّا منّا بعد - يعني السبي - وما فداء" يعنى المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام فهؤلاء لا يقبل منهم القتل أو الدخول في الإسلام ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب" "2"

بل أنّ الشيعة الإمامية كما غيرهم من المذاهب الإسلامية ذهبوا الى أبعد من ذلك حينما يقولون أنّ "لولي الامر أن يشترط عليهم - زائدا على الجزية - ضيافة المارة عليهم من العساكر أو غيرهم من المسلمين حسب ما يراه فيه مصلحة ، من حيث الكم والكيف ، على قدر طاقاتهم وإمكاناتهم المالية ، وما قيل من أنه لابد من تعيين نوع الضيافة كماً وكيفاً بحسب القوت والأدام ونوع علف الدواب وعدد الأيام فلا دليل عليه ، بل هو راجع إلى ولي الامر"!!

أنّ ما صرّح به الوقف الشيعي أو ما يقوله علمائهم لا يختلف قيد أنملة عمّا يقوله الطرف الآخر "السنّة" ولا عمّا يقوله الدواعش، فالثلاثة ينهلون من نفس الآيديولوجيا، وهم محكومون بآيات قرآنية لا يمكنهم تجاوزها أو تفسيرها بشكل مغاير عما جاءت به اللغة العربية وهي لغة القرآن. كما وأنّ الفقه الإستدلالي عند الشيعة يتناول الجهاد على أن "جهاد الكفار واجب مع وجود الامام عليه السلام، والكفار هم كل من لا يدين بدين الاسلام. سواء
كان من الكتابيين أو من غير الكتابيين. وأنّ جهاد الكفار مطلق ضد كل من لا يدين بدين الاسلام وواجب مع وجود الامام، والغاية من الجهاد هو أما أن يدخلوا الاسلام واما ان يدفعوا الجزية وهم صاغرون. أما غيرهم فلا يقبل منهم الا الاسلام والجهاد واجب في عصر الغيبة أيضا أي ليس مختصا بوقت ظهور المهدي".
لذا فأنّ أي تفسير لآيات القتل والجهاد على الضد ممّا جاء به "الموسوي" يعتبر كفرا عند المسلمين عامّة، وهذا يعني من أنّ ما جاء به الموسوي وغيره من الشخصيّات الإسلامية وداعش في دعوتهم لقتل أهل الكتاب وسبيهم أو أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون، هي من ثوابت الإسلام التي مناص منها. ولا أظن أنّ هناك رجل دين على هذه الأرض قادر على تفسير جديد للآيات التالية وغيرها على سبيل المثال "(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون، قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) "3". و (ذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) "4". و (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) "5".

أنّ ما يجري بالعراق اليوم من شيوع لمفهوم الكراهية بين أتباع الديانات والمذاهب التي يدين بها شعبنا هو من مسؤولية المؤسسات الدينية التي فشلت في تسويق "الله" الذي هو بحسب الدين الإسلامي ألها لجميع البشر وتحويله كأداة للموت والحقد. كما وأنه تعبير صادق عن فشل المشروع
الإسلامي بعد أن حولّوا "الله" من خلال تحويل الدين الى أداة لسرقة الناس ونهب ممتلكات البلد، الى سيف مسلّط على رقاب الناس.
أنّ النظام العلماني الديموقراطي الذي تهاجمه الأحزاب الدينية ويحمّله رجال الدين مسؤولية خراب البلد!!! هو الوحيد القادر على تسويق "الله" كإله لا يميّز بين البشر، وهو الوحيد القادر على إعادة جسور الثقة بين مكوّنات شعبنا المختلفة لبناء عراق آمن ومستقر. لأنه حينها سينهي إحتكار الله من قبل المؤسسات والأحزاب الدينية تلك التي أتخذت الله هزؤا وهي تتاجر به. فبإسم الله تسرق، وبإسمه تخون، وبإسمه تدعو الى أخذ الجزية من أبناء شعبنا، وبإسمه تكفّر. كما أنّ الإسلام غير المتصالح مع نفسه منذ ما يقارب الأربعة عشر قرنا لليوم، لا يستطيع أن يعلن صلحه ولا تسامحه مع أتباع الديانات الاخرى مطلقا. لذا فعملية فصل الدين عن الدولة، وعقلنة الخطاب الديني وتحريره من كل الموبقات والسيئات التي علقت به بسبب فتاوى رجال الدين ومن ورائهم من مؤسسات وأحزاب هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع متصالح مع نفسه. وهذا الأمر هو من مهام الدولة العلمانية تحديدا كونها الوحيدة القادرة على تطبيقه.

أنّ إعتذار المدعو الموسوي أو غيره سواء كان شخصية دينية أو مؤسسة دينية لا تعني شيئا مطلقا، كون الكراهية تجاه الأديان الاخرى والعمل على أسلمة أتباعها أو إذلالهم بأخذ الجزية منهم أو قتلهم، ستظهر في وقت آخر ومكان آخر. وأنّ إعتذار الموسوي والوقف الشيعي والمرجعية الشيعية إن جاء فهو من باب التقية ليس الا، كون الجهاد هو الركن السادس عند بعض المذاهب الإسلامية، وسنامه عند غيرها.

كما وأنّ أي مطالبة من قبل أتباع الأديان والمذاهب غير الإسلامية بحماية "ئالدولة " لهم ليست سوى صرخة في واد، لأن الدولة هي الوجه الأكثر قبحا من تصريحات رجال دين كالموسوي وغيره.

"1" التوبة 29
"2 تفسير القمّي.
"3" سورة المائدة.
"4" سورة الأنفال.
"5" سورة محمد.

زكي رضا
الدنمارك
15/5/2017

217
مفهوم الأغلبية السياسية بين ماكرون والمالكي


ما أن إنتهت الإنتخابات الفرنسية بإعلان فوز المرشح المستقل "إيمانويل ماكرون" أمام منافسته مرشّحة اليمين المتطرف "مارين لوبان" لتتنفس فرنسا ومعها أوربا بأكملها الصعداء، حتى وقف "ماكرون" أمام حشد من ناخبيه ليقول "الليلة أصدقائي، أنا مدين لكم، وأنا أعلم أنه من واجبكم الاستمرار في متابعة هذا الالتزام النشط
حتى النهاية، مهمتنا ضخمة. ستتطلب منا أن نبني من الغد فصاعدا أغلبية حقيقية قوية. هذه الأغلبية لازمة لإحداث التغيير الذي تتطلع إليه البلاد وتستحقه". فأي أغلبية يريد ماكرون الذي أكّد إلتزامه بثوابت الثورة الفرنسية "حرية، مساواة، أخوّة" ولماذا؟

الرئيس الفرنسي المنتخب يعرف جيدا أنّ التغييرات التي تحتاجها بلاده ورسمه لخارطة سياسية جديدة بحاجة حقيقية لأغلبية برلمانية مريحة في مواجهة خصومه، وهم اليوم نواب اليمين المتطرف ممثّلين بأعضاء "الجبهة الوطنية اليمينية بزعامة لوبن"، وهذه الأغلبية بالتأكيد هي أغلبية سياسية تجمع الذين لهم مصلحة حقيقية في فتح صفحة جديدة سمّاها ماكرون بصفحة "الأمل والثقة المستعادة". ففرنسا وهي تخرج من عنق زجاجة اليمين المتطرف بحاجة الى وحدة شعبها رغم الإنقسام الحاد بالمجتمع ذلك الذي أظهرته نتائج الإنتخابات الأخيرة.

لحاجة ماكرون الى أغلبية مريحة في الإنتخابات التشريعية القادمة نراه يخاطب أبناء شعبه من أنّه سيخدم "جميع الفرنسيين مهما كان اختيارهم في الانتخابات، وسأركز كل جهدي وطاقتي لتحقيق أمانيكم وتطلعاتكم". ليضيف من أنّه سيقف "في مواجهة أي محاولة للتفريق والتقسيم حفاظا على وحدة الأمة" وقال "سأحارب الانقسام الذي نواجهه والذي يؤثر علينا جميعا". أن زعيم الإليزيه الجديد يعرف جيدا أنّ الأغلبية البرلمانية هي طريقه لتنفيذ برنامجه السياسي الذي أوصله الى سدّة الحكم، ولكنه وهو في بحثه عن هذه الأغلبية التي يُتوقع أن يحصل عليها، لا يخاطب جزء من شعبه ولا ناخبيه فقط بل نراه يخاطب الشعب الفرنسي بأكمله قائلا "سأحارب الانقسام الذي نواجهه والذي يؤثر علينا جميعا".

دعونا نعود الآن الى بلادنا المنهكة ونبحث من خلال ركام الخراب الشامل فيها عن الأغلبية التي يدعو إليها المالكي الذي فشل فشلا ذريعا خلال رئاسته للوزارة مرّتين، ولا زال فشله مستمرا لليوم من خلال فشل حزبه الذي يقوده ظل باهت له "العبادي" في السلطة؟ وهل المالكي زعيما لكل العراقيين أو حتّى لكل الشيعة كونه يرأس حزب طائفي؟

يبدو أنّ المالكي الذي لا يستطيع الخروج من "قمقم" الطائفية الى حيث "شعبه ووطنه"، ولعطشه الى السلطة على رغم فشله وفشل كامل المشروع الإسلامي ومعه نظام المحاصصة الطائفية القومية، يفسّر الأغلبية السياسية بشكل طفولي. فالأغلبية السياسية عنده هو تحالف شيعي واسع يضمّ في صفوفه بضعة شخصيات سنّية وكوردية يشتريها بأموال نهبها وحزبه خلال سنوات ما بعد الإحتلال لليوم، ولا يعرف شيئا أو لا يريد أن يعرف شيئا عن أغلبية سياسية عابرة للطوائف والقوميات. فالمالكي وطيلة ثمان سنوات من حكمه لم يستطع أن يكون زعيما "لشعبه"، بل على العكس فأنه كان يعلن عداءه لقطاعات واسعة منه. ففي عهده إندلعت حرب طائفية أهلية راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، وفي عهده إزدادت الفجوة بين العرب والكورد، وفي عهده تأسست العديد من الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة، وفي عهده وصل الفساد وهدر أموال الدولة الى مديات مخيفة ومرعبة، وفي عهده كانت "سبايكر" وتسليم ثلث مساحة البلاد لتنظيم داعش الإرهابي.

المالكي لا يستطيع اليوم ولا غدا من مخاطبة جميع أبناء شعبنا كما الرئيس الفرنسي، كما وأنّه لا يستطيع الخروج من عباءة الطائفية التي يمثلها حزبه الى حيث فضاء الوطن الواسع، وأنّه لا يستطيع بنفس الوقت محاربة الفرقة والتقسيم الذي يمر به بلدنا وشعبنا كونه وحزبه جزء فاعل الى جانب آخرين في ترسيخ مبدأ الفرقة والتقسيم. لذا فأنّ أي حديث عن أغلبية سياسية يدعو لها لا تخرج من أغلبية طائفية شيعية، وهنا مكمن الخطر وإستمراره.

إن كان المالكي جادّا بمشروعه هذا فعليه، الخروج من التحالف الشيعي، حلّ البيت الشيعي، حلّ الميليشيات بشكل عام وحصر السلاح بيد الدولة، عدم إعلانه علنا بمعاداته لقطاعات واسعة من "شعبه" تحت مسمى معاداته للعلمانية والحداثوية وغيرها، صيانة الحريات ومنها حرية التظاهر وعدم إلصاق تهم العمالة بالمتظاهرين، إقراره بفشل مشروعه الإسلامي الذي لم يجلب لبلادنا وشعبنا الا الكوارث، العمل على سن قوانين تحد من سلطة رجال الدين والعشائر وتدخلهما في حياة الناس. والعمل على إطلاق مشروع وطني للإنقاذ من خلال طاولة حوار تضم كل الخيّرين في هذا البلد وإبعاد كل الميليشياويين عنه.

الأغلبية السياسية التي لا يريد المالكي فهمها، هي أغلبية الوطن وليس أغلبية الطائفة، أغلبية الشفافية وليس أغلبية الفساد، أغلبية الشعب وليس أغلبية الأحزاب، أغلبية الحريات وليس أغلبية القمع، أغلبية الإستقرار وليس أغلبية الفوضى، الأغلبية التي نحتاجها اليوم هي أغلبية البناء وليس أغلبية الهدم، وهذه الأغلبية لن يستطيع المالكي تطبيقها وهو يحمل معولا طائفيا بيد وآخر للفساد بيده الأخرى.

السيد المالكي، هل عرفت بماذا يتميّز عنك ماكرون؟

زكي رضا
الدنمارك
12/5/2017

 


218
زوّار الفجر في البتاويين


لسنوات طويلة وثقيلة خلال العهد البعثي الأسود كانت عناصر الأمن العامّة تنطلق من مقرها بمنطقة القصر الأبيض "المجاورة للبتاويين" لأعتقال خيرة بنات وأبناء العراق، ولتزرع الرعب في شوارع وبيوتات بغداد. وقد أطلق معارضي نظام البعث الهمجي عليهم وهم ينطلقون لأعتقال الناس بالليل والفجر إسم "زوّار الفجر"، بعد أن عُرِض فيلم "زائر الفجر" الذي كان يدور حول إعتقالات سلطات الأمن المصرية لمعارضيها وقتها في ساعات الفجر الأولى.

من الصدف الساخرة ببلادنا التي يتحرك الرعب والخوف في شوارعها وأزّقتها كغول متوحش، أنّ زوّار الفجر اليوم هم عكس زوّار فجر العهد البعثي الذي كانت له مرجعية حكومية واحدة كونهم اليوم يمثّلون ميليشيات حكومية عدّة. ومرجعيتهم أحزاب متنفذة في السلطة ولها سجون وأقبية تعذيب سرية وخاصّة بها، كما وتجيد كل فنون التهديد والخطف والتعذيب والقتل بعد أن تدربت تدريبا رفيعا من جهة وخبرة عناصرها من البعثيين السابقين المنضوين في صفوفها من جهة ثانية.

زوّار الفجر الجدد ولخوف الأحزاب الشيعية الحاكمة التي يأتمرون بأمرها من الحراك الجماهيري المستمر الذي سيدخل عامه الثاني بعد حوالي الشهرين، وفي مكان لا يبعد كثيرا عن مقر الأمن العامة حيث كان زوار الفجر البعثيين ينطلقون منه. إنطلقوا فجر اليوم الأثنين "8/5/2017" وعند الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ليخطفوا سبعة طلبة وناشطين مدنيين من محل سكنهم في منطقة البتاويين وسط بغداد. والعجيب أنّ بعض وسائل الإعلام تتحدث عن مسلّحين مجهولين لتحمّلهم مسؤولية خطف هؤلاء النشطاء!! دون أن تُتعب نفسها بالبحث عن المستفيد من حالة الخطف هذه. فهؤلاء الطلبة والشباب ليسوا من ميسوري الحال ليتم خطفهم ومقايضة أهاليهم بفدى مالية لغرض إطلاق سراحهم. وهم غير معروفين للملايين من أبناء شعبنا كونهم جنود مجهولون في خوضهم نضال يومي من أجل حرية شعبهم ووطنهم، الّا أنهم معروفين جيدا للقوى الميليشياوية "الأمنية" بنشاطهم السياسي ما دفع هذه العصابات لخطفهم.

أنّ جريمة الخطف هذه تضاف الى عشرات بل مئات الجرائم التي إرتكبتها عصابات على صلة وثيقة بالسلطة الحاكمة التي تعرف الخاطفين جيدا،  إذ من غير المعقول أن تقوم جهة ما بعملية خطف سياسي بهذا الشكل في منطقة حسّاسة جدا أي وسط بغداد دون أن تشعر بها أجهزتها الأمنية المنتشرة في هذه المنطقة تحديدا لأمور عدّة، منها أنّها ملاصقة لساحة التحرير حيث تجمع الجماهير الأسبوعي المطالب بإصلاح العملية السياسية من جهة، وكونها مركزا للجريمة من جهة ثانية.
 
أنّ إعتقال هؤلاء الطلبة والشبيبة يعتبر وصمة عار في جبين الأحزاب المتنفذة والمرعوبة من الحراك الجماهير المستمر، كما وعلى السيد العبادي ووزير داخليته التحرك بأسرع ما يمكن لإطلاق سراحهم والكشف عن الجهة التي إختطفتهم. وعلى السيد العبادي ومعه جميع زعماء عصابات الخطف معرفة أمر في غاية الأهمية، وهو أن أهالي المخطوفين لا يملكون أموالا كتلك التي دفعتها قطر لهم لتمويل جرائمهم المستمرة بحق شعبنا ووطننا. على العبادي وحزبه وبيته الشيعي أن يعوا جيدا من أنّ شبابنا قد عرفوا طريق الحرية ولن يستوحشوه عكس شيعة السلطة رغم قلّة سالكيه اليوم، لأن الغد سيثبت لهذه العصابات أن سالكي طريق العراق سيكونون بالملايين وحينها فقط نرى زوّار الفجر يرحلون الى حيث أسيادهم.



..  (البلد دي ريحتها فاحت.. عفّنت.. بقت عاملة زي صفيحة الزبالة.. لازم تتحرق)

"حوار من فيلم زائر الفجر".

زكي رضا
الدنمارك
8/5/2017


219
هل أزّف موعد لقاء يساري يساري واسع ..؟

عديدة هي بيانات الأدانة للعمل الأرهابي الذي طال مقّر محلية الحزب الشيوعي العراقي بمدينة الديوانية داخليا وعربيا وخارجيا ، والتي كانت تحمل علاوة على الأدانة والأستنكار مواقف التضامن مع الحزب وهو يخوض نضال صعب في سبيل غد أفضل لشعبنا ووطننا. لقد كان موقع الحزب الرسمي وصحيفته المركزية " طريق الشعب" منذ اليوم الأوّل للأعتداء ولليوم منبر إعلامي عكس كم كبير من هذه البيانات، التي عزّزت من ثقة الشيوعيين بأنفسهم وبنهجهم الوطني الثابت في ظل أوضاع سياسية معقّدة ودقيقة. لكن بيانات الأستنكار الأهّم التي لاقت طريقها للنشر بنظري، كانت تلك التي جاءت من أربعة أحزاب شيوعية هي ( الحزب الشيوعي العمالي العراقي وحزب اليسار الشيوعي وأتحاد الشيوعيين في العراق والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي)، كونها كسرت قمة الجبل الجليدي الذي يغطي علاقات هذه الأحزاب ببعضها، وبعبارة أدّق "صراعات" هذه الأحزاب مع الحزب الشيوعي العراقي.

لا يهمنا هنا إن كانت الأحزاب هذه قد نسّقت مواقفها وهي تتضامن مع الحزب الشيوعي العراقي وتدين الأعتداء على مقّر محليته بالديوانية أم لا، لكن الذي يهمنا هنا هو أنهم رموا بكرتهم في ملعب الحزب الذي بقي بين حالتين لا ثالث لهما. فإما أن لا ينشر بيانات الأحزاب هذه وهي تتضامن معه في صحافته والتي وجدت طريقها الى عشرات المواقع الألكترونية وعلى نطاق واسع، أو أن يقوم بنشرها لتعتبر سابقة في إعلامه وسياسته. وقد إختار الحزب الحل الثاني وهو الأكثر عقلانية من الحل الأول، لكن هل سينتهي الأمر عند هذا الحد أم ستكون هذه البادرة من الطرفين بداية لعلاقة جديدة يحتاجها الشيوعيين على مختلف تنظيماتهم السياسية، علاوة على أنّها مهمة ملّحة أمام جميع الشيوعيين في نضالهم الدؤوب لأنقاذ وطننا وسعادة شعبه؟

 أن الخلافات بين الأحزاب الشيوعية على مختلف تسمياتها والحزب الشيوعي هي خلافات سياسية أصلا وبعضها يعود لخلافات شخصية وللأسف الشديد. وقبل أن نخوض في دراسة أهم الخلافات في الوقت الراهن وهو إيمان الطرفين بالعملية السياسية من عدمها، أرى من الضروري الكف عن حالات التخوين وأحيانا الشتم من جهة وعدم وضع شروط مسبقة لأي حوار أو لقاء نراه ضروريا بل وملّحا في هذه المرحلة المفصلية من تأريخ بلدنا.

أنّ الظروف السياسية وتعقيداتها تجبر الشيوعيين بمختلف تنظيماتهم على اللقاء والتشاور كبداية صحّية لتنسيق بعض المواقف، وخصوصا تلك التي تتعلق بالحراك الجماهيري وتحشيد القوى من أجل التأسيس لقاعدة رفض جماهيرية لسياسات حكومة المحاصصة التي أشاعت الدمار بالبلد. لأن المعركة اليوم ليست نزهة بل معركة حقيقية تحتاج الى سواعد الشيوعيين وعقولهم وهممهم وإرادتهم وحرصهم، وهذه المعركة لن تنجح وهم يقفون على ضفتين متباعدتين. أنّ وجودهم في ساتر واحد هو أحد الضمانات لتعزيز الخط الدفاعي الأخير للعراق وأنقاذه من براثن الفوضى والتقسيم.

أحد أهم المآخذ من قبل أطراف اليسار الأخرى على سياسة الحزب الشيوعي العراقي هي قبوله بالعملية السياسية وإستمراره فيها، على الرغم من أنّ الحزب كان له موقفا واضحا وسليما حينما رفض الأحتلال الأمريكي للبلاد. لكن المشاركة بالعملية السياسية والتي يعارضها الكثير من رفاق الحزب الشيوعي العراقي نفسه تبقى مسألة يجب دراستها وفق ظروف البلاد الموضوعية وستزّكي الحياة موقف الطرفين من هذا الأمر مستقبلا. نعم، أنّ وجود وزير في هذه الكابينة الوزارية أو تلك، ووجود برلماني في هذه الدورة أو تلك لم يكن لهما تأثير كبير، ولم يكن بأستطاعتهم تغيير كفّة الفساد والسرقات التي مارستها وتمارسها أحزاب السلطة. الّا أنّ حمل السلاح ومقاومة المحتل كما طرحتها بعض التنظيمات اليسارية هي الأخرى لا تقل ضررا عن المشاركة في عملية سياسية أثبتت السنوات الأربعة عشر الماضية من أنها أكبر جريمة مرّت على بلد بالعصر الحديث إن لم يكن على مرّ التاريخ.

لقد بعث الحزب من خلال مؤتمره العاشر رسالة مؤثرة الى رفاقه الذين يقفون خارج صفوفه لأسباب شتّى، ومنهم أعداد لا بأس بها وجدت طريقها الى تنظيمات شيوعية ويسارية ومنها الأحزاب الأربعة التي أعلنت تضامنها مع الحزب مطالبة أيّاهم بالعودة الى صفوفه. وبعثت الديوانية بالأمس رسالة قويّة الى جميع الشيوعيين من أنّ وقت العمل قد حان . أنّ الحوار بين جميع التنظيمات الشيوعية أمر مهم وملح على أن يكون بروح رفاقية ومبدأية عالية بعيدا عن الشروط المسبقة والهيمنة، فما من حزب لوحده اليوم بقادر على تحمل العبء الكبير لنضال شعبنا، وما من حزب لوحده قادر على ترجمة مصالح الناس الى عمل حقيقي في الشارع. أننا بحاجة اليوم الى وحدة الصف وبناء علاقات رفاقية تأخذ مصالح شعبنا ووطننا كأولوية أساسية في عملها.

الأستفادة من تجارب الأحزاب الشيوعية واليسارية والنقابات بالأنضمام في قائمة إنتخابية واحدة أثبتت نجاحها في بلدان كثيرة، والشيوعيون واليساريون بالعراق هم أقرب الى بعضهم فكريا اليوم وسياسيا على المدى البعيد من قربهم لأي فصيل سياسي آخر. وهذا ما يدفعهم لتحمل مسؤولياتهم والأبتعاد عن المناكفات فيما بينهم من أجل غد أفضل لشعبنا ووطننا. أننا اليوم بحاجة ماسة الى طاولة حوار واسعة تضم كل قوى اليسار والديموقراطية في بلدنا. لنترك الجدال حول أحتكار الحقيقة ولنعمل على أحتكار الشارع بجماهيره البائسة التي لا منقذ لها الا اليسار.
 

 زكي رضا
الدنمارك
21/4/2017

 

220
المالكي يوعز بالهجوم على الحزب الشيوعي العراقي


ليست المرّة الأولى التي تتعرض لها مقار الحزب الشيوعي العراقي للأعتداءات السافرة في العهد " الديموقراطي" ولن تكون الأخيرة، طالما تواجد الحزب وسط الجماهير التي تتظاهر منذ ما يقارب العشرين شهرا. فأستمرار تواجد الحزب في ساحات التظاهر ومطالبته بأصلاح العملية السياسية والقضاء على الفساد وتوفير الخدمات للناس، أصاب القوى الدينية التي تتصدر ملفات الفساد والجريمة بصداع مزمن. وقد وصلت الى الحزب رسائل علنية وغير علنية عدّة مطالبة أياه بعدم الأشتراك في التظاهرات التي تنظم أسبوعيا في مختلف المدن العراقية ومنها بغداد، وهذا ما جعل الحزب وهو يرفض هذه الأملاءات في مواجهة قوى ظلامية تمتلك كل أدوات القمع كالسلطة والمال والميليشيات والخطاب الديني الطائفي علاوة على حقد تأريخي على الحزب وعموم اليسار العراقي والحركة الديموقراطية لمواقفهم الثابتة تجاه قضايا شعبنا ووطننا.

وصف المالكي في كلمة له بمناسبة إعدام رجل الدين " محمد باقر الصدر" على يد النظام البعثي المجرم نُظّمت يوم الأحد الموافق للتاسع من نيسان الجاري، القوى المدنية والعلمانية من أنّها حملة "أفكار هدّامة". في عودة لخطاب سياسي بائس بدأه قبله " نوري السعيد" حينما كان يطلق على الشيوعيين من أنهم حملة "أفكار هدّامة"، دون أن يستفاد الـ " نوري " الجديد من مصير الذي آل إليه الـ " نوري " السابق. فالمالكي اليوم وهو يخشى " أن تتسلل الينا بعض الأفكار الهدامة وتدخل علينا النملة السوداء على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء" حسب وصفه!!!، هو نفسه المالكي بالأمس الذي أعلن في أحتفالية بنفس المناسبة عُقِدت بالنجف الأشرف عداءه العلني لـ " العلمانية والماركسية والألحاد والحداثوية". هذه القوى على ما يبدو هي  القوى الناعمة" التي حذّر المالكي من تسللها " للعملية السياسية وإثارة الفتن الداخلية لوضع العوائق أمام الحكومة" وفق ما جاء في كلمته.

لقد هيأ المالكي الأجواء المناسبة لضرب مقر الحزب الشيوعي العراقي بالديوانية كمرحلة أولى كون الضربات ضد الحزب وعموم التيار الديموقراطي والمدني ستأتي لاحقا، حال الأنتهاء من المعارك ضد تنظيم داعش الأرهابي أو حتّى قبلها. ولم يتوانى وهو الذي يشكل حكومته في طهران وبرعايتها ومباركتها من أتهام القوى التي يصفها بالناعمة" وصف يطلق مع الملوّنة على الحركات الأحتجاجية " من أنها تحظى بتأييد خارجي وليس بعثي هذه المرّة حينما قال أنّ " المؤامرات الناعمة والأفكار التي تتسلل للعملية السياسية تحتم اتخاذ الحيطة والحذر لأنها تهدف لوضع مطبات وعوائق أمام عمل الحكومة الداخلي بتأييد من دول خارجية"!!

المالكي وهو الذي أشعل الفتنة الطائفية بالبلاد وسلّم ثلث أراضي البلد لداعش وهرب جنرالاته من ساحة المعارك حتّى قبل أن تبدأ تاركين خلفهم أسلحة حديثة تقدّر بعشرات مليارات الدولارات، أتّهم في كلمته أطرافا داخلية وخارجية دون أن يسمّيها من أنّها تخطط لأشعال فتنة في الوسط السياسي من " خلال تقسيم الأطراف السياسية لتيارات إسلامية ومدنية وعلمانية"!!، هو نفس المالكي " بطل " سبايكر. هل يعتقد المالكي من أنّ التيارات الثلاث هذه هي عبارة عن تيّار واحد وذو وجهة سياسية واحدة وببرامج موّحدة، هل يريد أن يقّلد ملهمه صدّام حسين في قوله " خندق واحد أم خندقان" ليجعل من القوى السياسية المختلفة تحت عباءة حزبه الدموي والناهب لثروات شعبنا!!؟؟؟ أمن العدل أن يقود العراق " سياسي" كهذا!!؟ وأستمر المالكي بهذيانه قائلا " أن "الخطأ يكمن بوصف العملية السياسية الحالية ذات توجهٍ ديني لأنها لكل العراقيين، وتسعى لتخفيف الظلم عنهم"!! فأسلمة المجتمع بالقوة وقمع الحريات وسن القوانين التي تمتهن كرامة المرأة والتدخل بشكل اللباس والمساحة الأكثر من واسعة للخطاب الديني الجاهل والمتخلف وتدخل المؤسسات الدينية بالشأن السياسي، وتفجير محلات أبناء الأديان الأخرى وقتلهم  ليست ذات توجّه ديني بنظر المالكي !!

لو تابعنا الأحداث التي سبقت حرق مقر الحزب بالديوانية لرأينا أن حرق المقر بدأ في التاسع من نيسان، أي في اليوم الذي ألقى فيه المالكي كلمته محذّرا من "مؤامرة" يقودها ذوي "الأفكارالهدّامة". ولم يكن اليوم الذي يليه أي العاشر من نيسان الا أستمرار في أخراج المسرحية الرديئة بتوجه زعيم عصائب " أهل الحق" قيس الخزعلي وهو اليد الضاربة للمالكي بعد أن أطلق الأخير سراحه من السجن إثر إنشقاقه عن الصدر بتهمة الأرهاب، الى جامعة القادسية ومعه جيش مدجج بالأسلحة من قوات حمايته مدنسا حرم الجامعة خلافا للقانون والدستور. والخزعلي يعرف جيدا أنّ هناك طلبة سيقفون بوجهه كما وقفوا بوجه العبادي في واسط وبوجه غيره، لكنه وعلى ما يبدو كان ينتظر حدثا كالذي جرى وقتها إذ أُطلق الرصاص داخل الجامعة بعد هتافات أعتبرها الخزعلي أستفزازية وهي تشير الى حيث رعاته.

مساء العاشر من نيسان أصدرت العصائب بيان قال  فيه المتحدث باسمها نعيم العبودي، أنّ طالبا شيوعيا هو من بدأ الأحداث التي أدت الى شغب وأطلاق رصاص داخل الجامعة، وعلى الرغم من إصدار منظمة الحزب الشيوعي بالديوانية بيانا نفت فيه ما جاء ببيان العصائب الّا أنّ مقرها تعرض للحرق والتخريب ليلتها.

لقد تناقلت بعض الأخبار من بغداد عن قيام مجموعات مجهولة بتمزيق صور شخصيات دينية وسياسية وما في ذلك من تأجيج للأوضاع المعقّدة والحساسة أصلا، كما وتذكرنا هذه الممارسات بممارسات البعث بداية ستينات القرن الماضي وتمزيقها نسخا من القرآن الكريم وألصاق التهمة بالشيوعيين من أجل تهيئة الأوضاع لضربهم وهذا ما أشار اليه البعثي " حسن العلوي" أكثر من مرّة.

أنّ حرق مقر الحزب بالديوانية ليس سوى "بروفة" لضربات قاسية قادمة بحق الحزب ورفاقه وعموم الحركة الديموقراطية بالبلاد، لفشل قوى المحاصصة في تلبية حاجات الناس من جهة وقرب أنتهاء المعارك ضد تنظيم داعش الأرهابي وعودة الميليشيات للحصول على نسبتها من كعكة السلطة من جهة، وإستمرار الحزب والتيار المدني الديموقراطي بتواجدهما في سوح النضال اليومية من جهة أخرى. لذا وإثر هذ ا الهجوم الإرهابي الجبان والغادر تقع مسؤولية كبرى على عاتق قيادة الحزب اليوم للتحرك بجدية من أجل صيانة التنظيم الحزبي وحماية رفاقه، من خلال تغيير أساليب العمل والتحرك نحو جميع القوى الوطنية التي يهمها أستقرار الوضع لوضعها أمام مسؤولياتها، والتواجد المستمر بين الجماهير والأحتماء بها. على الحزب تقديم شكوى قضائية ضد الحكومتين المركزية التي إلتزمت الصمت المريب للساعة في عدم إدانتها للحادث، وضد الحكومة المحلية ليأخذا على عاتقهما فتح تحقيق عاجل وسريع لمعرفة الجناة والجهة المتنفذة التي ورائهم وهي معروفة للجميع. على قيادة الحزب أن تدرك من أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة صعبة جدا ودقيقة، فالفشل الذي رافق تجربة القوى الأسلامية طيلة السنوات الأربعة عشر الماضية وظهور بوادر تذمر جماهيري وإستمرار حراكه السلمي حيث الحزب في قلبه وهو المكان الطبيعي له، أصاب هذه القوى بالهستيريا ما سيدفعها لمغامرات غير محسوبة العواقب..   
 
أنّ الخطر المحدق بالشيوعيين هو خطرا على عموم اليسار والقوى الديموقراطية والمدنية والشعب والوطن، فلتُرَص الصفوف من أجل مواجهة أيّام عجاف قادمة والوقوف بحزم وبعقل وقّاد في مواجهة غربان الأسلام السياسي وميليشياته المجرمة المنفلتة...

زكي رضا
الدنمارك
13/1/2017

 

 






221

التاسع من نيسان ... فشل مدوّي للبعث وورثته ومعارضيه


التاسع من نيسان 2003 ليس تأريخا كبقية التواريخ التي مرّت بالعراق، فهو ليس إحتلال كما إحتلاله قبلها ولا كالذي مرّت به بلدان غيره. فالتاسع من نيسان ذلك العام كان أيذانا ببدء مرحلة أنهيار شعب ودولة، وبداية غيبوبة الوعي عند شعب مزّقته الولاءات الطائفية والقومية التي ستؤدي الى تمزيق وطنه لا محالة إن لم يستعِد ذاكرته وهويته الوطنية. واليوم ونحن على أعتاب العام الرابع عشر للتيه العراقي علينا أن نعود الى ذلك التاريخ لننطلق منه في أن نضع الأوراق كلها على طاولة البحث، دون أن نسمح لعواطفنا أن تتغلب على الحقائق التي حصلت قبل ذلك التأريخ المشؤوم ولا تلك التي حصلت بعده. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع التأريخ الذي سيسجل يوما مواقف الجميع ويضعها في كفّة ميزانه، ليحمّل كل سيئات هذه المرحلة ولا أقول إيجابياتها، كون الإيجابية الوحيدة التي حدثت لم تكن سوى "إنهيار" البعث الرسمي وليس الشعبي. لأن البعث بعد أن عاد الى حواضنه "الطائفية" أصبح أكثر خطرا على العراق الجديد، كونه أصبح جزء ممّا يسمى بالعملية السياسية وله نوابه بالبرلمان "العراقي" ووزراء وقادة عسكريين وأمنيين في الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية من جهة، ومساهما كبيرا في تنظيم العمليات الأرهابية من جهة ثانية، وجهة فاعلة مع غيره ممّن هم بالسلطة في أندلاع حرب طائفية لازالت مستمرة بشكل أو بآخر.

أرى ونحن نتناول هذا التأريخ بكل تناقضاته ونتائجه الكارثية لليوم، أن نحدد القوى التي لعبت دورا في كل ما جرى ويجري وسيجري. ومن خلال تحديدنا لهذه القوى علينا أن نقوم ووفق أدوارها وحجم هذه الأدوار في تحديد مسؤولياتها عن الدمار الحاصل اليوم، فمن هي هذه القوى؟ عدا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، والدول الأقليمية وفي مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفائهما، علينا أن نحدد القوى السياسية العراقية أيضا، وهي البعث وورثته "غالبية الأحزاب والتنظيمات التي تدّعي تمثيلها لسنّة العراق". والقوى التي كانت تعارضه لعقود وهذه نستطيع تقسيمها الى ثلاثة أقسام هي أولا، الأحزاب الشيعية التقليدية كحزب الدعوة أو تلك التي تأسست في إيران وقوى وتنظيمات شيعية تأسست بعد الأحتلال وفي مقدمتها التيار الصدري وكذلك المرجعية الدينية بالنجف. والثانية هي أحزاب الحركة الكوردية بجميع فصائلها، والثالثة هي الأحزاب الوطنية والديموقراطية والتي يقف الحزب الشيوعي العراقي في مقدمتها. أمّا بعض التنظيمات التي لعبت دورا في معارضة النظام وساهمت لعلاقاتها مع الأدارة الأمريكية في أحتلال البلد كالمؤتمر الوطني العراقي، فأننا نستطيع أن نضعها بيسر في خانة الأحزاب الشيعية بعد أن ساهم مؤسسها "الراحل أحمد الجلبي" في تأسيس البيت الشيعي الموالي لأيران أثر تعرّض حظوظه كسياسي ليبرالي الى الخطر نتيجة المدّ الديني.

بعد أن فشل البعث في تطبيق سياساته الكارثية التي بدأها بعد إنقلاب الثامن من شباط نتيجة إنقلاب عارف الأول عليه في تشرين الثاني 1963 ، عاد هذا الحزب الى السلطة من جديد في تموز 1968 بنهج "جديد" محاولا إستمالة قطبي المعارضة العراقية حينها أي الحزب الشيوعي والحركة الكوردية. وأستطاع البعث في الحادي عشر من آذار 1970 من توقيع أتفاقية مع القيادة الكوردية أنهت النزاع المسلح بين الطرفين وفق بنود كان أهمها عائدية كركوك الى إقليم الحكم الذاتي بعد فترة أنتقالية. كما قام البعث ولغرض مد الجسور مع الشيوعيين الذين كانت لهم تجربة مرّة معه سنة 1963 الى أصدار الميثاق الوطني في العام 1971 وبعد سنتين من الحوار، تم إعلان "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية". ومثلما تنكّر البعث لأتفاقية آذار سنة 1974 ما أدخل البلاد في صراع مسلح جديد، فأنه تنكر لأهم شروط الجبهة وهي أنهاء الفترة الأنتقالية والبدء بوضع دستور دائم للبلاد تلك التي طالب الشيوعيين بها في آذار 1978. وقد أدّى موقف الشيوعيين هذا الى أنهيار الجبهة الوطنية وبدء حملة شرسة ضدهم ما أدى الى أعدام الآلاف منهم، ولا يفوتنا هنا حملات الأعدامات الجماعية بحق أعضاء الحركة الأسلامية وغالبيتهم من حزب الدعوة حينها خصوصا بعد نجاح الثورة الأيرانية.

لقد ساهمت أتفاقية آذار والجبهة الوطنية في أرساء دعائم الأمن بالبلاد، ما سمح مع تزايد مداخيل العراق النفطية نتيجة زيادة أسعاره الى تقدم البلاد على مختلف الصعد. فتطورت نتيجة لبعض السياسات الأيجابية والعلمية للسلطة، الزراعة والصناعات الخفيفة والبتروكيمياويات والأسمنت والأسمدة والأدوية، علاوة على الصناعات "الثقيلة" التي كان عمادها مصانع التجميع التي أنتجت الجرارات الزراعية وبعض أنواع الشاحنات والباصات. ووصل دخل المواطن العراقي حينها الى ما يقارب دخل شعوب البلدان النفطية الأخرى كبلدان الخليج، مع فارق تقدم العراق عليها وعلى العديد من البلدان النامية حينها في المجالات الثقافية والأدبية والفنية والرياضية، وكانت قطّاعات مثل التعليم والصحّة في البلد في تقدم مضطرد إذ كانت الجامعات والمعاهد والمستشفيات العراقية في درجات متقدمة جدا مقارنة مع بلدان الجوار والكثير من البلدان الآسيوية والأفريقية . ولم تسجّل بالبلاد وقتها حالات فساد كبيرة كما وكانت الرشوة شبه معدومة في دوائر الدولة. الّا أن هذه الأنجازات توقفت وبدأت بالتراجع فالأنهيار نتيجة رعونة النظام السياسي، فالبعث وبدلا من تطوير أتفاقية آذار نراه يبدأ القتال من جديد ضد الكورد المدعومين حينها من أيران الشاه والولايات المتحدة الأمريكية. والذين أوقفوا دعمهم للحركة الكوردية بعد أتفاقية الجزائر التي تنازل بها البعث عن أراض ومياه أقليمية عراقية لصالح أيران. وقد توّج البعث خيانته بحق الوطن والشعب في حربه ضد إيران التي خرج منها منهكا إقتصاديا ولأن الحرب تلد أخرى خصوصا مع تسريح مئات آلاف الجنود وتوقف الأقتصاد عن النمو نتيجة الديون الكبيرة التي أثقلت بها البلاد، ومع أنخفاض "متعمد من بلدان الخليج" في أسعار النفط. فأن النظام البعثي غامر بشعبنا ووطننا بأحتلاله للكويت. هذا الأحتلال الذي أنتهى بكارثة الحصار الذي أذّل شعبنا ووطننا وكان بداية لهزيمة كبيرة أدّت بالنهاية الى أحتلال بلدنا في التاسع من نيسان 2003 ، من خلال حرب خاطفة حوّلت فيها التكنولوجيا العسكرية المتقدمة بلدنا الى حطام.

أنّ القسوة البالغة للنظام البعثي في قمعها لأنتفاضة شعبنا الآذارية والتي أدت الى قتل عشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف من الشيعة والكورد، ومع صمت المحافظات "السنية" التي أعتبرت بيضاء أدّت الى شرخ في النسيج الأجتماعي العراقي والذي ستظهر آثاره لاحقا. وكان مؤتمر لندن بداية لنظام طائفي قومي "جاء بعد الأحتلال" لترسيخ ذلك الشرخ بعد أن أتّفق الموقعون على بيانه الختامي على جملة من التوصيات كان أكثرها ضررا وهذا ما أثبتته سنوات ما بعد الأحتلال هو، إشراك المكونات القومية والدينية والطائفية في السلطة دون الألتفات الى برامجها السياسية، ما سمح للبعث أن يعود الى الواجهة السياسية من خلال المكوّن "السني" علاوة على دوره التخريبي ورعايته للأرهاب.

أنتهى زواج المتعة الشيعي الكوردي خلال السنوات الأولى التي أعقبت الأحتلال، وقد أصبحت العديد من التوصيات والقرارات التي خرجوا بها من مؤتمر لندن حبرا على ورق عدا تلك التي تؤمن مصالحهم. فتصفية السياسات الطائفية للنظام البعثي مثلا كرّستها الأحزاب الشيعية بشكل أكثر بشاعة من البعث نفسه ، فالقانون الجعفري مثلا هو ملزم للشيعة فقط وهذا يعني فتح المجال للسنة لتشريع قانونهم الخاص بهم وكذلك بقية الأديان والطوائف، وهذا بحد ذاته هو تكريس للطائفية بأبشع صورها والعتبة الأساسية لتمزيق المجتمع على أساس الهويات الفرعية وعلى حساب الهوية الوطنية. كما أننا لم نرى البعث يوما ولا أية سلطة منذ تأسيس الدولة العراقية حتى التاسع من نيسان تحول مؤسسات الدولة الى منابر دينية تثير الأحقاد بين الطوائف العراقية كما سلطة اليوم، حتّى وصل الأمر بتحويل الطائرات المدنية العراقية الى أقطاعيات طائفية!!!!

ومن خلال تناولهم الأوضاع الأقتصادية وتصفية آثار حربين مدمرتين عن طريق تحميلهم النظام البعثي "المنهار" مسؤولية "التدهور الاقتصادي والمعاشي والأمني والاجتماعي الذي يعيشه العراق بتدمير وتهجير الملايين من أبنائه من مناطق سكناهم إلى الخارج ويحيي الدول الشقيقة والصديقة على استضافتهم وتقديم الملاجئ والتسهيلات لهم". فأننا نرى هذه الأحزاب لم تكتفي بتعميق التدهور الأقتصادي والمعاشي والأمني والأقتصادي فقط ، ولا إزدياد عدد المهجّرين والمهاجرين منه عهدهم الذي فاق أعداد أقرانهم عهد البعث المجرم، بل شمل تدهورها شكل الحياة بالبلد فتصّحرت بسبب سياساتهم اللصوصية وفسادهم ، الأخلاق والروح الوطنية، والتي بغيابهما يبقى التغيير والتخلص من أوضاع البلد الشاذّة حلما يصعب تحقيقه.

أن التاسع من نيسان 2003 هو أكبر من إحتلال وأكبر من كارثة حلّت بالعراق وشعبه، فالولايات المتحدة "أزالت" البعث من السلطة لتأتي لنا بأكثر من بعث. فالعراق كبلد اليوم ونتيجة سياسة قوى المحاصصة أشبه بمريض ميّت سريريا وينتظر فصل أجهزة العناية عنه ليدفن، لكن بعد أن يتمزق جسده بحراب أبناءه.

أنّ الدمار الذي يعاني منه البلد لا حدود جغرافية له داخل الوطن، فالفساد مثلا ليس شيعيا فقط ولا سنيّا فقط بل هو كوردي أيضا، وأمراض المركز هي نفسها أمراض كوردستان مع فارق وحيد مهم وهو أستتباب الأمن فيها ليس الّا. فالمحاصصة هناك هي وسيلة للحكم كما المركز وقمع الصحفيين هو كما القمع بالمركز، والبطالة وعدم دفع رواتب الموظفين والعمال هو كما المركز، وإثراء القيادات السياسية هو إثراء كما ساسة المركز.

لو توخينا الدقّة في قراءة المشهد العراقي البائس فأن البعث الذي أوصل بلدنا الى حافّة الهاوية ليس الوحيد في طريق دمار وطننا وشعبنا، فالقوى السياسية العراقية سواء تلك التي في السلطة أو تلك التي في "المعارضة" هي شريكة البعث في هذا الدمار. ففترة أربعة عشر عاما مع مداخيل نفطية تجاوزت ما دخل ميزانية العراق منذ تأسيسه لليوم كانت كافية لبناء وطن غير وطننا اليوم، ومجتمع غير مجتمعنا اليوم. أنّ "العملية السياسية" التي أركانها "شيعة – سنة – كورد" هي جريمة والبقاء فيها وعدم تغييرها هي مساهمة في هذه الجريمة.

هل حسابات حقل التاسع من نيسان 2003 هي نفس حسابات بيدره؟ .... سؤال مطروح لأصحاب المصلحة الحقيقية، أي أبناء شعبنا وممثليه الحقيقيين التوّاقين لغد أفضل لوطننا وأجيالنا القادمة.

 
زكي رضا
الدنمارك
10/4/2017
 



222

واشنطن تطلق نكتة من العيار الثقيل


أن يكون العراق في مقدمة الدول الأكثر فسادا بالعالم فأنه أمر لا يحتاج الى مؤسسات دولية لقياس الشفافية ولا إلى "روحه للقاضي" مثل ما يقول المثل البغدادي، "فالجوز معدود والجراب مسدود" كما يقول أهلنا في أمثالهم. فبمجرد إلقاء نظرة بسيطة على مداخيل العراق النفطية كوننا لا نمتلك غيرها بأعتبارنا من أكثر بلدان العالم المعتمدة على الأقتصاد الريعي خلال سنوات ما بعد الأحتلال الأمريكي لليوم، نستطيع أن نؤشر وبوضوح الى حجم الفساد والسرقة التي تقوم بها قوى المحاصصة الطائفية القومية، وذلك من خلال الكم الهائل للخراب الذي يضرب جميع القطاعات الأنتاجية وزيادة مستوى البطالة والفقر.

الّا أن واشنطن التي جلبت لنا التغيير "الديموقراطي" تأبى ونحن على أعتاب العام الرابع عشر في أن تترك هذه المناسبة دون مشاركة فاعلة منها في توجيه "ديموقراطيتنا" الى حيث مصالح شركاتها وحلفائها، لتوعز لسفيرها في بغداد "دوغلاس سيليمان" في إطلاق نكتة من العيار الثقيل بعد إحتلال العراق "كالعادة" المرتبة 166 من أصل 176 بقائمة الدول الأكثر فسادا بالعالم. والنكتة هي "أنّ واشنطن ستساعد رئيس لوزراء حيدر العبادي على محاربة الفساد في البلد"، وأنها أي واشنطن ستساعد العبادي عن طريق "وحدة الإصلاح الأقتصادي"، ومشيرا في جانب آخر من حديثه الى وسائل الأعلام الى أنّ "العراق يجب ان يحارب الفاسدين ووضع قوانين شفافة لتقليل الفساد".

لو كانت واشنطن وهي أحد أكبر الرعاة في أدارة ما تسمى بالعملية السياسية بالعراق جادّة في أرساء نظام ديموقراطي حقيقي وغير فاسد بالعراق كي يكون نموذجا يحتذى به بالمنطقة والعالم كما روّجت إبّان أحتلالها لبلدنا، لكانت قد تبنت خطة أشبه بمشروع مارشال لبناء العراق الذي فرضت عليه الحصار المدمر لما يقارب الأثنتي عشرة سنة، ودكّت مدنه ودمّرت بناه التحتية. وأقول أشبه بمشروع مارشال لأن العراق بثرواته كان قادرا على النهوض من جديد وأعادة دورته الأقتصادية دون الحاجة لمشروع ضخم كمشروع مارشال ولا الى قروض كبيرة أو سنوات طويلة من الأنتظار. فالعراق كان بحاجة بالحقيقة الى ما هو أهم بكثير من "مشروع مارشال" و "ديموقراطية الطوائف والقوميات" التي جاء لنا بها مندوبها السامي "بريمر"، هذا الأمر المهم وكما أثبتت أحداث 14 عاما من الفساد والقتل والتدمير وأنعدام الثقة بين مكونات شعبنا لم يكن سوى الدستور الأعرج.

فواشنطن لو كانت جادة كما أسلفنا في بناء تجربة ديموقراطية بالعراق لكانت بعثت رجلا كالجنرال "دوغلاس ماكارثر" الذي أشرف على كتابة الدستور الياباني بعد الحرب العالمية الثانية الى البلد بدلا عن الكارثة "بريمر". ليشرف على كتابة دستور عراقي يأخذ بنظر الأعتبار الخصوصية العراقية المتنوعة، لا أن تترك الأمر للأحزاب الدينية ومراجع الدين، الذين ساهموا في كتابة دستور يعتبر حقل ألغام لكثرة المتناقضات التي تقع بين دفّتيه.

أنّ وحدة الأصلاح التي تطرق اليها السفير الأمريكي خلال لقاءه مع وسائل الأعلام لن تقوم الا بأصلاح سياسي وبدوره فأن الأصلاح السياسي هذا لا يأتي والمحاصصة هي التي تمثل المشهد السياسي البائس وما جرّته من ويلات على شعبنا ووطننا. كما وأنّ الأصلاح السياسي لا يتم الا بأعادة النظر في العديد من القوانين والتشريعات والتي بدورها لا تأتي الا بأعادة النظر بالدستور أولا. كما وأن الفساد سيبقى مستمرا بشكل شرس كون القوى الحاكمة التي تمتلك السلطة والقانون والميليشيات لن تسنّ قوانين للحد من الفساد، كونها جزء أساس من حالة الفساد بالبلد.

ويبدو أنّ السيد العبادي هو الآخر يحب إطلاق نكت من العيار الثقيل، كما المالكي الذي حدد 100 يوم كفترة للأنتهاء من الأصلاحات بالعام 2011 ، أو الشهرستاني الذي تعهد بتصدير الكهرباء لدول الجوار، أذ قال "العبادي" في وقت سابق من العام الماضي، أنّ العام 2016 سيكون عام القضاء على الفساد وإذا به يصطدم في الثلث الأول من العام الجديد بـ "نعالات" عديلة، التي أكّدت وعلى خلاف ما جاء به العبادي من أنّ الفساد له دين ومذهب وطائفة وأحزاب وميليشيات ومراجع دينية .

   زكي رضا
الدنمارك
5/4/2017


 

223
مساء الخير حزب الكادحين


مساء الخير أيها الرفيق فهد وأنت تكتب أوّل بيان شيوعي وتعلقّه على جدران الفقراء بالناصرّية، مساء الخير أيّها المعلم وأنت تُدهش السلطات الأمنية حين إعتقالك في 20 شباط 1933 و تصّرح للشرطة السياسية وعلى خلاف رفاقك الآخرين من أنّك شيوعي، وتلقي عليهم محاضرة عن الجماهير الكادحة.

مساء الخير "راس القرية"، وأنت تحتضين الشيوعيين الروّاد وهم يوحدّون صفوفهم في "لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار"، الذي سيتحول إسمها لاحقا الى الحزب الشيوعي العراقي ليحمل راية النضال الوطني منذ آذار 1934 ولليوم. هذه الراية التي إنتقلت من سجن الى سجن ومن مسلخ الى مسلخ ومن الجبل الى الهور، وبقيت خفّاقة ترفرف على ربوع الوطن بعد أن حوّلت السجون والمعتقلات الى مدارس تخرج منها عشرات آلاف المناضلين الذين قدّموا حياتهم وأرواحهم في سبيل قضية شعبهم ووطنهم وحزبهم.

مساء الخير أيها الحزب الذي يقود إضرابا عماليا يمتد من البصرة الى بغداد فكركوك ولم يمرّ على تأسيسه سوى ثلاثة أعوام ليتحدى حينها سلطة العسكر المتمثلة بـ "بكر صدقي" الذي أعلن وقتها من إستعداد الجيش لسحق الحزب.

مساء الخير أيها الرفيق الصلب "فهد - سعيد" وأنت تعود من جديد بداية عام 1938 لتلّم الحزب مرّة أخرى وتضعه على السكّة الصحيحة ومعه بوصلتك الهادية الى حيث الشعب والوطن، "إذ ليس لكل إنشقاق أن يصنع الضعف ولن تكون أية وحدة مصدرا للقوّة" . مساء الخير يا من كنت وطنيا قبل أن تصبح شيوعيا وعندما أصبحت شيوعيا صرت تشعر بمسؤولية أكبر تجاه وطنك، مساء الخير أيّها الجوّال والسائر على قدمية عبر "خوزستان والكويت وشرق الأردن وسورية وفلسطين" لمعرفة أحوال الناس وسبل تنظيمهم لنيل حريتهم وآدميتهم.

مساء الخير "الشيخ عمر" وأنت تحتضين في آذار عام 1944 فهدا ورفاقه  في أوّل كونفرنس للحزب، هذا الكونفرنس الذي دعا الى "إحياء العمل بالدستور" و "إمداد الناس بضرورات الحياة الأساسية بأسعار تتناسب مع مستوى مداخيلهم"، "وتطوير الإقتصاد الوطني"، "ووقف سلب أراضي الدولة من قبل من هم في السلطة أو تحويل ملكيتها الى رجال القبائل" . هل قرأت حال العراق اليوم وأنت تجتمع برفاقك في بيت "علي شكر" تلك الأمسية!؟ كم خسارة العراق بك كبيرة إذن؟

مساء الخير أيها الرفيق فهد ..  وأنت تقف كالطود الشامخ أمام جلّاديك مدافعا عن حزبك ورفاقك "الحزب الشيوعي العراقي حزب سري، ويمنعني نظام الحزب من إعلان أي من أفراده ومن الكشف عن أي من تنظيماته"، ليذهب أولئك الجلادين الى مزابل التاريخ وحزبك الى المجد. مساء الخير وأنت تعتلي ورفاقك المشانق لترسموا للعراق لوحة زاهية بأحلام وطن مزّقته اليوم غربان الطائفيين.

مساء الخير  كاورباغي ومأثرتها الخالدة، مساء الخير  جسر الشهداء والجماهير الثائرة في وثبة الوطن والناس، مساء الخير شارع الرشيد وإنتفاضة شعبنا في العام 1952 ، مساء الخير هندال  وإضرابات عمال الموانيء، مساء الخير جدران السجون والمعتقلات والأقبية، ألا زالت صرخات الشيوعيين تقضّ مضاجعك وهم صامدون كجبال العراق أمام الجلّادين؟

مساء الخير .. أيتها  "الكاظمية"، مساء الخير "الكريمات والشوّاكة" مساء الخير مدينة الثورة وجماهيركم الوفية تقف الى جانب ثورة تموز والحزب وهو يقاوم آلة البعث الهمجية. مساء الخير "عگد الأكراد" وأنت تخوضين ملحمة شيوعية بطولية أمام عدو همجي مدجج بأحدث أسلحته وأقذرها...


مساء الخير .. أهوار العراق وجباله والشيوعيين ينطلقون منكما لبناء وطن حر وشعب سعيد، مقدّمين في سبيل شعارهم هذا خيرة بنات وأبناء الحزب والشعب قربانا على مذبح حرية العراق. مساء الخير حزب الشهداء في يوم ميلادك وكل عام وأنت وشعبنا ووطننا بألف ألف خير.


مساء الخير أيها الرفاق في كل مكان وأنتم تحتفلون بعيد تأسيس حزبنا الخالد، لكم جميعا ولحزبنا أجمل باقات ورد حمراء بهذه المناسبة. ولنعمل دون كلل من أجل أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية البغيض، من أجل عراق أجمل وأبهى يسوده السلام،  من أجل شعب يعيش بأمان وحرية بعيدا عن الموت اليومي والجوع والفقر. من أجل طفولة سعيدة، من أجل المساواة الكاملة بين المرأة والرجل. لنعمل على إنقاذ العراق وشعبه .....

عاشت الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي..
عاش نضال الشيوعيين من أجل الغد الأجمل للشعب والوطن ...

زكي رضا
31/3/ 2017   



 

224
مهمّة إصلاح وتأهيل التعليم فوق طاقتكم وحزبكم أيها العبادي


إذا أردنا أن نصّدق الإسلاميين في ما يقولونه عن الإصلاح رغم عدم إصلاحهم لأي أمر منذ وعود المالكي بإصلاح العملية السياسية خلال 100 يوم والتي مددّها لمئة أخرى ولم يتقدم ولو خطوة واحدة فيها، فأننا سنكون على جانب كبير من السذاجة لو صدّقناهم بإصلاح قطّاع على درجة عالية من الأهمّية كقطّاع التعليم. لأنّ إصلاح هذا القطّاع وتأهيله وإستعادته لعافيته بإسترجاعه لمكانته التي فقدها خصوصا ما بعد الإحتلال لليوم يعني، تربية جيل جديد متعلم ومتسلح بالمعرفة الحقيقية خصوصا مع إنتشار طرق جديدة للتدريس والتعليم إضافة لدخول الكومبيتر في حياة الطلبة ممّا يسهل أمورهم بالوصول الى المعلومة العلمية بيسر وسهولة، ممّا سيؤدي بوجود أساتذة عراقيين أكفّاء في داخل وخارج الوطن وعمل نسبة كبيرة منهم مع أرقى المعاهد والجامعات العالمية، الى تقدّم مستوى التعليم بكافّة مراحلة. ما يعني إنحسار الجهل والتخلف من جهة وإزدياد رقعة الوعي من جهة أخرى،  ما يؤدي هو الآخر الى إنحسارهيمنة الأحزاب الدينية التي فشلت لليوم بكل شيء الا النهب المنظم لثروات البلد وإشاعة الفوضى فيه شيئا فشيئا. وهذا بالضبط هو ما يؤرق هذه الأحزاب ومن ورائهم المؤسسة الدينية ويمنعها من إصلاح هذه المؤسسة الهامّة جدا.

 السيد العبادي إلتقى " السبت 18/3/2017 " السيد ويليام أنتوني" المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف، بحضور وزيرة الصحّة ووزير التربية والأمين العام لمجلس الوزراء. وتحدّث السيد العبادي خلال اللقاء بأمور يعرف هو قبل غيره بعدم قدرته و لا نيّته على تحقيقها. وتصريحاته  اليوم لا تفرق عن تصريحات أي سياسي "عراقي" من ساسة المحاصصة منذ وصولهم للسلطة لليوم، أي أنها ليست سوى تصريحات كاذبة ليس الّا.

العبادي الذي هو حالة فاسدة من حالات الفساد التي أبتلينا بها منذ الإحتلال لليوم، يتطرق الى دورعصابات داعش الإرهابية في " غسل أدمغة الفتية والشباب وإشاعة مفاهيمه الهدّامة بينهم"، لكنه يتجاوز بعناد غريب عن غسل أدمغة الشباب بل والشعب بأكمله بترهات رجال الدين التي حوّلت شعبا كالشعب العراقي الى شعب يقوده مشعوذون ودجّالون من خلال قنوات فضائية وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان. العبادي لا يقرأ على ما يبدو لذا تراه لا يعرف نسبة الأمية بين صفوف أبناء " شعبه"، العبادي يجلس والى يمينه وزير تربية  فشل في تجهيز طلبة " بلاده" بالكتب المدرسية العام الدراسي الجاري دون أن يرفّ له جفن، وإلى يساره وزيرة الصحّة وهي تدير أحدى أكبر مؤسسات الفساد بالبلاد، وزيرة ترى الدلّالات يبيعن الأدوية على أرصفة الشوارع والمشعوذون يعالجون المرضى بالأدعية والخزعبلات دون أن تحرك أجهزتها الطبية لوقف مثل هذه الحالات الشاذّة.

عن أي إصلاح تعليمي وتربوي يتحدث الدعوي "حيدر العبادي"؟ هل يعرف المسؤول الأوّل بالدولة عدد المدارس الطينية بالبلد، وعدد المدارس في الهواء الطلق أو تلك الآيلة للسقوط فيه؟ هل يعرف بؤس أثاث المدارس وقدمها؟ هل يعرف شيئا عن المدارس الهيكلية التي نهبها رفيقه الخزاعي مشاركة مع السلطات الأيرانية؟ هل يعرف العبادي أنّ مدّرسين ومعلمين يُضربون من الطلبة وأوليائهم دون ردود فعل من السلطة، وترك الأمر للفصل العشائري، أبالعشائر يريد الدعاة وباقي الأسلاميين بناء وطن وإصلاح العملية التربوية؟

أن سلطة تبحث عن أشكال ملابس الطلبة وتلاحقهم في إحتفالاتهم دون أن تتعب نفسها بتطوير نوعية التعليم وتزويدهم بآخر ما توصّل اليه العلم لهم لا يحق لها التحدث عن عملية إصلاح، السلطة التي يكون فيها وزير التعليم العالي والبحث العلمي معلم فاشل لا يحق لها بل وليس لها القدرة على الشروع بعملية إصلاح من أي نوع. السلطة التي تعترف بالشهادات الدراسية المزّورة كونها صادرة من الحوزات الدينية هي المسؤولة عن أنهيار التعليم بالبلد، السلطة التي فيها أكثر من خمسمائة موظف في هيئاتها التنفيذية من الذين لا يحملون شهادة الأبتدائية هي سلطة جاهلة وفاسدة.

السيد العبادي أحذّركم من إستعادة التعليم لعافيته،لأن الإعلامي المتخرج توا من معاهد الإعلام والصحافة سيكتب حينها بتاتا وليس " بتاتن" وسيكتب أصلا وليس " أصلن" . ومتى ما وصل الإعلامي الى تعلم أملاء لغته بعد 14 أو 16  سنة دراسة!! حينها سيكون مصيركم ومصير المحاصصة الطائفية على كف عفريت شعبنا الذي لا يتوانى حينها وبعودة الوعي الذي صادرتموه وعمائكم منه، في أن يرميكم ألى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليكم كما البعث المجرم بعد أن تكونوا قد ضيّعتم مئات مليارات أخرى من العملة الصعبة، وإزدادت أعداد الأرامل والأيتام من خلال الصراع القادم بين العصابات المسّلحة وهي تعود بعد أنتهاء المعارك ضد عصابات داعش الهمجية.

لا خير في مجتمع عقله ..... بسيء العادات مغلول
يخبط في موضعه نصفه ..... ونصفه الآخر مشلول .... " الزهاوي"


زكي رضا
الدنمارك
19/3/2017
 


 

 




225
الى الكورد الفيليين من أتباع وأنصار وجماهير الأحزاب الشيعية

أن يتاجر الآخرون بقضايا الكورد الفيليين أمر ممكن قبوله خصوصا وأنّ الكورد الفيليين كانوا بضاعة مقبولة للتسويق أثناء مقارعة الأحزاب الشيعية والكوردية لنظام البعث الدموي، وأن تستمر المتاجرة بقضيتهم بعد أن أنتقل الطرفان من خندق المعارضة الى أسرّة وثيرة في فندق الخضراء ذي المليون نجمة كونهم أصوات إنتخابية أو جزء من وقود لميليشيات شيعية أمر من الممكن قبوله أيضا وإن على مضض. لكن أن يقبل الفيلي أن يكون بضاعة على رفوف هذه الأحزاب وبملأ إرادته فأنّه أمر يحتاج أن يتوقف المرء عنده طويلا.

لا أريد في هذه المقالة القصيرة أن أجّرد الفيليين من ولاءاتهم الفكرية والطائفية والقومية ولكنني أريد أن أضعهم أمام سؤال يطرحونه على أنفسهم كل يوم تقريبا، سؤالا أصبح بضاعة هو الآخر رغم مرارة تسويقه، بضاعة يضعها البعض في " بقچة" كأي دلال ليفترش بها طاولات الأحزاب المتنفذة من تلك التي يدين لها بالولاء ليخرج بعدها مبتسما أو منحنيا بالأحرى بعد وعود أشبه بمواعيد عرقوب. السؤال الثقيل كثقل سنوات التيه الفيلي، والمؤلم كألم الأمّهات الفيليات، والحارق كدموع الأطفال الفيليين الذين كبروا اليوم بعد أن حرقت تلك الدموع روحهم وهم يودّعون آبائهم وأشقّائهم الى الأبد، والمفجع كفجيعة الفتيات الفيليات وهنّ يودّعن زوج وحبيب وصديق بدموع صامتة خوفا من ضباع البعث وقتها. السؤال أيّها السادة أعضاء وجماهير وأنصار الأحزاب الشيعية تحديدا هو: أين رفات شهدائنا؟ وماذا فعلت سلطات الخضراء للكشف عن مصيرهم؟

دعونا أن نذّكر الفيليين وفي مقدمتهم أعضاء وأنصار وجماهير الأحزاب الشيعية أمرين غاية بالأهمية أولهما، أنّ هذه الأحزاب وهي على رأس السلطة قد وضعت يدها على أطنان من الوثائق التي تركها نظام البعث الفاشي، والثاني هو أنها أجرت تحقيقات مع المئات إن لم يكن الآلاف من البعثيين الكبار وأعضاء الأجهزة الأمنية والإستخبارية. فهل من المعقول أن لم يرد ذكر الشباب الفيلي المغّيب في أية وثيقة أو حديث وإن كان عابرا لمجرم بعثي أثناء التحقيقات معه!؟ أم أنّ التحقيقات قد كشفت عن عناصر بعثية تلطّخت أياديها بدماء الشهداء وهم اليوم جزء من المشهد السياسي وهذا ما يدعو الى تجاوز الأمر!؟

ما دعاني الى كتابة هذه المقالة هو إعلان وزارة الدفاع العراقية عن " تخصيص مكافأة مجزية لمن يدلي بمعلومات عن رفات الكويتيين المفقودين في العراق، أو عن الممتلكات الكويتية المنهوبة إبان الغزو العراقي للكويت"، كما أهابت الوزارة في بيانها " العراقيين الذين يمتلكون أية معلومات عن رفات العراقيين أو الكويتيين أو الإيرانيين الذين فقدوا في الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، أو ما يتعلق بمفقودات الأرشيف الأميري الكويتي والممتلكات الكويتية، الإدلاء بها للجهات المختصة في الوزارة". وأكّد البيان في مكان آخر أنّ الوزارة "خصصت مكافأة مجزية لمن يتقدم بهذه المعلومات بعد التثبت منها، دون أن يكشف عن طبيعة تلك المكافأة".

والآن هل سأل أو سيسأل الفيليون من أتباع وأنصار وجماهير الأحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها المنفلتة عن السبب الذي لم يجعل هذه الاحزاب لليوم وهي السلطة الحقيقية بالبلد، في أن ترصد جوائز مالية لمن يدلي بمعلومات عن الشهداء المغيّيبين وطريقة إختفائهم؟ هل يجرؤون على ذلك أم أنّ شهدائنا يجب أن يكونوا بضاعة على رفوف مهملة، أو في" بقچ " كما قلت ليحملها البعض كدلّال لهذه الأحزاب على كتفيه، تاركا نسائنا يموتّن بصمت مفجع ومؤلم ورفات شهدائنا في علم الغيب.

هل سنرى الدلّالين غدا يطالبون الحكومة العراقية في أن تعامل المغّيبين الفيليين كما تعامل المغّيبين الإيرانيين والكويتيين، أم أنّ دماء الآخرين زرقاء؟

زكي رضا
الدنمارك
12/3/2017

 


226
لماذا لا يفتي السيستاني ضد ترّهات رجال الدين!؟


أيهما أخطر على حياة الناس والوطن، الغناء والسينما والمسرح أم الفساد والرشوة والقتل على الهوية؟ أيهما أكثر خطورة على حياة الناس، مخرج سينمائي أم سياسي إسلامي فاسد ومرتشي وقاتل؟ أيهما أخطر على حياة الناس مخرج أغاني أم تاجر مخدّرات؟ قبل الإجابة على هذه الأسئلة دعونا نعود والسيد السيستاني الذي أفتى مؤخرا بحرمة الموسيقى والغناء من خلال تحريمه إخراجهما ، دعونا نعود الى عراق ما قبل الحرب العراقية الإيرانية، لنرى وإياه واقع المجتمع العراقي حينها من حيث الفساد الأخلاقي والإداري، ونقارن بين الإنحطاط الفكري للمجتمع قبل وبعد الإحتلال والذي تطرق إليه السيد السيستاني في مجموعة فتاواه الأخيرة حول "مشاهدة كرة القدم والمسلسلات".

لم يمر العراق بوضع كارثي كالذي يمر به اليوم الّا بعد الهزيمة المخزية التي جلبها البعث الفاشي لنا في غزوه للكويت، تلك الهزيمة التي فتحت كل أبواب جهنم أمام شعبنا وأولها وأهمها بوابة جهنّم الإسلامية، من خلال حملة المجرم صدام حسين الإيمانية. فنتائج تلك الحملة الإيمانية كانت أكثر خطورة حتّى من نتائج إنقلاب الثامن من شباط الأسود الذي لم ينجح رغم دمويته وبشاعته في تغييب العقل عن شعب كامل، مثلما فعلت وهي تمّهد الطريق لأسوأ تجربة حكم شهدها العراق والمنطقة بل والعالم بأسره بعد أن ساهمت وبمساعدة الحصار الإقتصادي على إذلال شعبنا ووطننا. تلك الحملة ساهمت في أن يكون للقوى الإسلامية المتخلفة حضاريا وفكريا وثقافيا وعلميا مجال في أن تمد جذور التخلف والإنحطاط الفكري في ظل نظام متهريء هيأ لهذه القوى الظلامية الأرضية الخصبة التي سيساهم الأمريكان لاحقا بتعزيزها، كي يصلوا للسلطة ويدمروا بلدا بأكمله.

لو أجرينا إستفتاءً ديموقراطياً شفّافاً وبعيداً عن إرهاب الميليشيات الإسلامية حول نظرة العراقي لوضعه ووضع البلد اليوم حيث المساجد والحسينيات تملأ العراق، وحيث الفضائيات الدينية تبث لمدة 24 ساعة باليوم، وحيث رجال الدين والمؤسسات الدينية يثقفون الناس بالإسلام وكأن العراقيين كانوا كفرة قبل وصول هؤلاء للسلطة، وحيث الحجاب هو اللباس الطاغي للنساء على حساب سفورهنّ. مع وجهة نظر نفس العراقي لوضعه ولوضع البلد قبل إندلاع الحرب الصدامية – الخمينية، حينما كانت الحسينيات والجوامع تعد على أصابع اليد الواحدة في مناطق فيها اليوم العشرات منها، وبعدم وجود أية قناة دينية تبث سموم التخلف والكراهية كما اليوم، وبعدم إنتشار الحجاب كما هو عليه اليوم بإعتباره "ستر" للمرأة المسلمة. فكيف ستكون نتائج الإستفتاء؟

المؤسسة الدينية الشيعية بزعامة السيد السيستاني والتي تدس أنفها بكل صغيرة وكبيرة ، في كل أمر سواء كان على صعيد السياسة أو الإقتصاد أو المجتمع من خلال فتاواها التي لا تنتهي، خرجت علينا ببعض الفتاوى المضحكة كفتوى تحريم الغناء من خلال تحريم إخراجه، وكأنّ الغناء أشّد خطرا من الطائفية التي يمثل السيد الجانب الشيعي منها ، أو أنّ الغناء أشّد خطرا من المخدّرات التي تأتينا من بلد ولي الفقيه وتحت أنظار الأحزاب والميليشيات الشيعية التي تتاجر بها، والتي تملأ مدن وبلدات العراق ومنها النجف الأشرف حيث يعيش السيد دون أن يجرؤ على إصدار فتوى بتحريم المخدّرات. كي تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يروّج لها والتي يريدها لتنشئة الأبناء تنشئة دينية صالحة للوقوف بوجه الأفكار الهدّامة على ما جاء في فتواه، وبوجه الإنحطاط الفكري والخلقي للذي يشاهد برامج تلفزيونية فيها صور خليعة !!

يبدو أنّ السيد السيستاني في واد وقضايا شعبنا وواقعه المأساوي في واد آخر، لأنه لو شاهد بنفسه ما تبثه القنوات الدينية من برامج دينية وخطب وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لعرف مدى الإنحطاط الفكري الذي وصل اليه مجتمعنا بفعل الدين الإسلامي. أمّا حول الجانب الأخلاقي وواقعه المرير فأنني أشعر بالحرج من ذكر ما يجري في مجتمعنا الذي كان محافظا قبل أن يصله إسلام المرجعيات الدينية الذي شوّهه بالكامل.

الأفكار الهدّامة اليوم هي أفكاركم الإسلامية ، أفكاركم التي أوصلت مجتمعنا الى الحضيض، أفكاركم التي تعادي التعليم والثقافة والفن والزراعة والصناعة، أفكاركم التي تشجع على خيانة الوطن من خلال خيانة أحزاب كاملة لتربة العراق والعراقيين لصالح إيران. الفكر الهدّام هو الفكر الذي يهدم وطن ويجعل شعبه ذليلا ، ولم ينجح فكرا بهذا الأمر الا الأفكار الإسلامية التي تريد من الناس أن يتبعوها!
عجبي أن كنتم مسلمون والاحزاب التي معكم وبيدكم مقادير البلد وعشائره وميليشياته ودولة ولي الفقيه، فمن سرق ثروات العراق إذن؟ ومن هو سبب التخلف المريع في كل مناحي الحياة؟

من أجل الحفاظ على بقايا الدين ونقاءه وبساطته ذلك الذي كان عندنا قبل أن تهيمنوا على مقدّرات البلد أدعوكم لاصدار فتاوى ضد ترّهات رجال الدين التي تضحك الثكلى، وتنفر الناس من الدين الذي أصبح أضحوكة في عهدكم اللإسلامي، إنّ "خروج الناس من دين الله أفواجا" نتيجة سرقات الإسلاميين وتجارة الروضتين العباسية والحسينية ونهبهما للمال العام من خلال المقاولات التي تستأثر بها، وعدم معرفة الناس بمصير المليارات التي تمتلكونها كخمس وغيرها من الأمور ليس بالبعيد. لأن رد الفعل على قمعكم الفكري وسرقات الإسلاميين ، وفشل مشروعكم الإسلامي ودمار البلد ستدفع الناس الى ذلك، وهذا ما أشار اليه عدد من كبار منظري الاسلام السياسي الذي توصلوا الى هذه الحقيقة وهم يرون حال البلد والناس والتي لا تستطيعون رؤيتها على ما يبدو.


إن كانت مشكلتنا بالغناء والخمر فهيّ هينة ولكن مشكلتنا هي في الدين وفتاوى رجالاته وهنا تكمن الكارثة.


زكي رضا
الدنمارك
12/3/2017

227
الإمام علي "ع" ليس بِلصِّ يا شيعة العراق


منذ وصول الأحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها ومافياتها للسلطة وتربّعها على قمة الهرم السياسي بالعراق إثر الإحتلال الأمريكي للبلاد، وهي تجعل من الرموز الدينية لطائفتها على قدسيتها عند جماهير الشيعة على مدى قرون بضاعة تتاجر بها في مواسم الإنتخابات، وسلعة يبيعونها للبسطاء والفقراء من الشيعة ليسرقوا ما يشاؤون بواسطتها من ثروات وليزداد الفقراء فقرا. فهذه الأحزاب وبصمت "مريب" من مرجعيتها الدينية جعلت من الإمام علي "ع" الذي يقول عنه النبي محمد وفق مرويات الشيعة "(علي مع الحقّ والحقّ مع علي)، نصيرا للصوص والقتلة والفاسدين والمرتشين على حساب الفقراء المحرومين والمسروقين في عرضهم ومالهم ووطنهم.

الأحزاب الشيعية ومعها ميليشياتها وعن طريق جيش من المعمّمين وعشرات الفضائيات الحزبية والميليشياوية والدينية التي تنفث القيح والحقد والكذب في برامجها جعلت الناس تتّبع الباطل وأهله حيث كانوا، وعلى الضد من مقولة عليّ الذي يقول "إتّبعوا الحق وأهله حيث كانوا". هذه الأحزاب اللصوصية والخائنة لتربة العراق وشعبه روّضت الناس لتستحسن القبيح من الأفعال والأعمال، وبذا يكونون شركائهم في الخيانة، أليس "عليّا" هو القائل "من إستحسن القبيح كان شريكا فيه"!!

أن يقبل العوام بما يقوله الروزه خونية وهم يسوّقون بضاعة الفساد الإسلامية المسجّلة بماركة عليّ أو بقية أئمة الشيعة ليسرقوا وينهبوا ويقتلوا ويخونوا البلد أمر، وأن تسكت المرجعية الدينية عن تحويل عليّ الى رجل حامي للصوص والقتلة أمر آخر. أمّا سكوت مثّقفي الشيعة والقليل الباقي من المخلصين والوطنيين بالأحزاب الإسلامية في أن يكون جمهورهم مجرد قطيع لهو أمر فظيع بكل المقاييس. كون إستمرار غياب الوعي عند هذا الجمهور ستكون له آثار كارثية أكثر مما هي عليه اليوم على المدى البعيد.

لم يمر العراق طيلة تاريخه الحديث بوضع مأساوي كما هو عليه اليوم، ولم يبلغ الشعب العراقي مستوى من الجهل والتخلف والأنحطاط الفكري والأخلاقي كما هو عليه اليوم، وعندما نقول أخلاقي فإننا نعني به الفساد والرشوة والسرقة والخطف والقتل على الهوية إضافة الى الفساد الأخلاقي الناتج عن الحروب المستمرة طيلة العقود الأربعة الماضية وآثارها السلبية. وبدلا من أن تستخدم قوى المحاصصة ومنها الأحزاب الشيعية المهيمنة على مقدّرات البلد لأغلبيتها الطائفية مداخيل النفط لرفاهية "شعبها" نراها نهبت كل سنت دخل ميزانية البلد في عملية سرقة تعتبر الأكبر بالتاريخ.

على الرغم من كل ما جئنا على ذكره فأن الامر من الممكن تجاوزه لتحسين الأوضاع وبناء عراق جديد إن كان لدينا مثقفا عضويا نقديا، ناقدا للظواهر السلبية سياسية كانت أم إجتماعية أم إقتصادية على أن يمتلك الجرأة في نقد حتّى ما يسمّى "بالمقدّس" إن كان "المقدّس" مساهما في غياب الوعي عند الجماهير، وإذا ما إمتلكنا شعبا يمتلك ولو الحد الأدنى من الوعي الذي يدفعه للخروج الى الشارع ليدافع عن قوته وقوت عياله وكرامتهم. فهل نملك هذين الإثنين كونهما المحرّكان الرئيسيان لماكنة الثورة؟

كل ما يجري في الوطن يشير الى إننا لا نملك مثقفين عضويين بالعدد الكافي مقارنة بمثقفي الاحزاب وإمكانياتهم المادية والمساحة الإعلامية المتاحة لهم، كما وإننا لا نملك شعبا يمتلك حسّا وطنيا بعد أن تفتت نسيجه الإجتماعي بشكل مريع خلال سنوات ما بعد الإحتلال لليوم. لست متشائما ولكنني لا أعتقد بأن شعبا يقدّس رجلا كما الإمام "عليّ" قادر على تغيير أوضاعه على المدى القريب على الأقل، وهو يضع إمامه هذا بمصاف اللصوص والقتلة فيهتف وراء كلّ أفّاق زنيم "علي وياك علي" !!!! منذ متى إمتهن "عليّ" اللصوصية أيها القطيع!!؟

نظرية القطيع ليست شتيمة إو إنتقاص من الناس بل سلوك صاغه كنظرية فلسفية عالم الأحياء "هاملتون"، تتلخص في أن يقلل الشخص من الخطر المحدق به في أن يكون ضمن مجموعة بشرية أكبر كما قطعان الحيوانات أو مجاميع الطيور ليظهر القطيع كجسم واحد، فيه تراتبية من الأصغر شأنا الى الأكبر شأنا ومن الفقير الى الغني ومن المسود الى السيد الأعلى ومن الأقل نفودا الى الأعلى نفوذا وهكذا. لذا فأن تسمية الجماهير التي تتبع الأكبر والغني والسيد مع علمها من أنهم لصوص وقتلة بالقطيع ليست إنتقاص منهم قدر ما هو شرح لواقع مرّ للأسف الشديد.

زكي رضا
من تعدّ الحق ضاع مذهبه .... "الإمام عليّ"
فهل لساسة الشيعة وعمائمهم والقطيع اليوم مذهب!!؟؟


الدنمارك
23/2/2017


228
لبنان تقدّم مساعدات إنسانية للعراق!!

العنوان ليس نكتة بل خبر سيملأ الصحف العراقية بعد عدّة عقود من اليوم إن بقي العراق بلدا موحدّا، وإن بقيت السلطة كما اليوم سلطة محاصصة طائفية قومية لا تعرف الّا سرقة ثروات هذا الشعب، وإن بقي الشعب العراقي غارقا في نومه الطائفي القومي وهوغارق ونائم فيه فعلا.

سنقرأ بعد عقود عن طوابير من العراقيين يقفون منتظرين مساعدات عينية من لبنان الشقيقة لساعات طويلة في حرّ تموز أو برد وزمهرير شباط، سنقرأ عن شعب يستجدي لقمة خبز من دول كانت حتّى الأمس القريب تتلقى المساعدات من بلاده، سنقرأ عن كيل المديح للبنان من حكّام يرثون هذا الخراب الذي عندنا اليوم ليوفّروا لقمة خبز لبقايا بشر في بلد محطّم، سنقرأ عن رجال دين يقودون جموع المؤمنين الجياع ليرفعوا أياديهم نحو السماء شاكرين الله على نعمائه للبنان واللبنانيين!! سنقرأ عمّن يدعوا الله ليل نهار في أن يحفظ لبنان واللبنانيين على كرمهم وتقديم الخبز لهم ولأولادهم. وشخصيا فأنني أقدّم منذ اليوم شكري وإمتناني للشعب اللبناني الشقيق وحكومته الكريمة عن مساعداتهم التي سيقدّمونها لشعب العراق بعد عقود من اليوم، متمنيا الخير والتقدم والعزّة للبنان الشقيق والرفاه والسعادة لشعبه الكريم.

قبل أن أكتب عن " العنوان النكتة"، أريد أن أذكّر العراقيين بشي عن صندوق الأجيال في دولتين إحداهما الكويت والثانية هي النروج. ففي الكويت أنشأت الحكومة في العام 1976 " صندوق الاجيال القادمة"، وأصدرت الحكومة حينها قانونا يتم وفقه تحويل " 10%" من جميع إيرادات الدولة بالإضافة الى " 10%" من صافي دخل صندوق الإحتياطي العام الى "صندوق الاجيال القادمة". وتستثمر أموال الصندوق في الأسهم والعقارات لمصلحة أجيال الكويت مستقبلا عبر تحويل " 50%" من رصيد صندوق الاحتياطي العام إضافة الى "10%" من جميع إيرادات الدولة السنوية إليه.

أمّا دولة النروج والتي تعتبر في مقدّمة الدول ذات الرفاهية العالية والأقل فسادا بالعالم فأنها أنشأت " صندوقا للأجيال القادمة" تدّخر فيه نسبة من دخل ثروتها النفطية والتي وصلت في الربع الاول من العام 2004  الى" 915" مليار كرونة نرويجية أي ما يعادل  "6ر133 " مليار دولار أمريكي وقتها. وكما الكويت فأنّ النروج تستثمر أموال هذا الصندوق في الأسهم والسندات بالأسواق الخارجية، تحسّبا لليوم الذي تنضب في موارد النفط والغاز فيها. علما أنّ النروج بلد صناعي ومصدّر كبير للأسماك  ويمتلك خزينا من الثروات الطبيعية التي في باطن الارض، كما وأنّها إحتلت المركز الرابع في تصدير الأسلحة والذخائر الحربية في العام 2008 .

 عودة الى العنوان " النكتة" فأنّ الرئيس اللبناني " ميشال عون" قال في إجتماع له مع نقابة الصحفيين " إن بلاده تتوقع أن تبدأ إنتاج النفط في 2018 على أن تودع إيراداته في صندوق ثروة سيادي"، وأضاف أن الإيرادات ستستثمر في مشروعات للتنمية، وتعهد في نفس اللقاء بزيادة الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية المتهالكة في البلاد.

أن تسارع وتيرة سرقات الثروة الوطنية العراقية وهدر المال العام والتحطّم الكامل للبنى التحتية بالبلد عن طريق الأحزاب الاسلامية وشركائها من أضلاع مثلث الشيطان، ودمار الصناعة والزراعة والسياسة غير الكفوءة في مجال المياه وتدمير الأنسان العراقي تعليميا وفكريا وثقافيا. ستؤدي لا محال في حالة إستمرارها الى أن يكون العراق بعد عقود بلد صحرواي لا يمتلك ما يقيم أود شعبه خصوصا في ظلّ التغيرات المناخية التي لا تستطيع سلطة المحاصصة مواجهته لعدم توفر المال الكافي عندها!!،حتّى إن بقي هناك نفط قابل للتصدير. كون أسعار النفط حينها ونتيجة توجّه العالم الى إستخدام الطاقة البديلة لن تكون كما هي اليوم، إضافة الى النمو السكاني الذي سيشكل عبئا ثقيلا على الإقتصاد الذي سيكون متهاويا لعدم إستطاعته مواكبة النمو السكاني هذا ومتطلباته.

إن إستمرار سلطة الإسلام السياسي وعمائم الشيطان سيجعل إعلان الصحف العراقية عن تقديم كميات من الرز والطحين وغيرهما كمساعدة للشعب العراقي من حكومة لبنان مستقبلا حقيقة قائمة وليس نكتة. كما وأنّ إنشاء صندوق أجيال عراقي تذهب أرباحه الى سلطات المحاصصة الطائفية القومية وعوائلهم والمقرّبين منهم هي الاخرى حقيقة وليست نكتة. أمّا النكتة الحقيقية فهي خروج شعبنا ليعتصم في ساحات التحرير بمختلف مدن بلاده ضد حكم العمائم والإسلاميين والقوميين الذين سيجعلون من أجياله القادمة شحّاذين يستجدون المساعدات الانسانية من مختلف الدول لأنهاء حكمهم الاجرامي، مطالبين بإنشاء صندوق أجيال عراقي من أجل مستقبل آمن للأجيال القادمة.  والنكتة الأكبر هي أن يتخلّى مثقفي العراق عن طائفيتهم ليشعروا بهول الكارثة التي تحيط بشعبهم ووطنهم وأن يكفّوا عن تمجيد أحزاب مثلث العهر الحاكم وشخوصهم وينزلوا الى شوارع بلدهم ليقودوا الجماهير الى الحرية.

إن الحرية لا تهبط إلى مستوى الشعوب بل على الشعوب أن ترتقي إلى الحرية  " ياسر حارب- كاتب إماراتي".

زكي رضا
الدنمارك
1/2/2017



     



229
الإسلاميون وإغتيال العراق علنا


لقد نقل لنا التاريخ الأنساني منذ تدوينه ليومنا هذا أعدادا كبيرة من حوادث الإغتيال التي طالت شخصيات سياسية وعسكرية وثقافية وعلمية وإجتماعية وغيرها. والإغتيال في اللغة هو القتل على غفلة لشخصية ما لها تأثير إيجابي أو سلبي على مسرح الأحداث ساعة وقوع عملية الإغتيال، وهناك الإغتيال الأدبي كإغتيال الفكر وإغتيال وطن وهذا ما نريده من مقالتنا هذه. علما أنّ هناك بعض حالات الإغتيال التي تتم لأسباب نفسية وهذه ليست واسعة كتلك التي تتم لأسباب عقائدية.

بعيدا عن أشهر حالات الإغتيال التي حدثت في أرجاء العالم المختلفة كإغتيال يوليوس قيصر قديما وملوك وأباطرة مسلمين وغيرهم على مرّ التاريخ، مرورا بإغتيال عمر بن الخطّاب وعلي بن أبي طالب وحتّى إغتيال ابراهام لنكولن وغاندي وكينيدي والسادات وبالمه، وعراقيا إغتيال بكر صدقي برفقة قائد القوّة الجوية بالموصل وإغتيال كامل شياع في بغداد. فأنّ البعثيين بالأمس والأسلاميين اليوم هما التنظيمان السياسيان الوحيدان بالعالم تقريبا من الذين إغتالوا " وطنهم" علنا وعن سبق إصرار، دون خوف من أية مسائلة قانونية أو شعبية، كونهما فوق القانون ويعرفون عدم إلتفات الشعب لمصالحه ومصالح وطنه لأنه شعب مخدّر، إمّا قوميا أو طائفيّا وهذا هو ما يصيب العراق بمقتل اليوم وغدا، علاوة على غياب قوى سياسية قادرة على التأثير في حركة الشارع لتأليب الرأي العام ضد سلطات أوصلت العراق الى تخوم الموت اليومي. 

البعثيون مجرمون لأنهم أغتالوا شط العرب بعد أن منحوا حق السيادة لايران الشاه حتى خط التالوك فيه، ومنحوا بالوقت نفسه أراض أخرى لدول جوار أخرى كالسعودية والأردن، كما منحوا البعض منها حق التوغل في أراضينا معرضّين سيادة وطننا للخطر ومنتهكين كرامته كتركيا، وتوجّوا إجرامهم بحروب دونكيشوتية خرجنا منها بحصار قاس وتحطيم كامل لكرامة وطننا وشعبنا بعد أن ساهمت تلك الحروب والحصارات بإذلال شعبنا وتحطيم نسيجه الاجتماعي. مهيئّين شعبنا ووطننا لذلّ الإحتلال الامريكي وسلطة الفاسدين أمثالهم، ليكمّل الفاسدون الإسلاميون ما لم يستطيع البعث تحقيقه.

أمّا الإسلاميون فهم أكثر إجراما من البعث كونهم يستمدّون سياستهم من دين ومذهب دوخّوا به الناس منذ ثلاثة عشر عاما على أقل تقدير، على أنّهما دين ومذهب للخير والتسامح والبناء، أنّهما دين ومذهب يحترمان الوطن والأنسان، أنهما دين ومذهب يحترمان المرأة والطفولة. فهل ما جاءا به حقيقة أم ضرب من الخيال أثبتته سياساتهم الفاشلة منذ الاحتلال لليوم.

ففي عهدهم الكارثي لم نرى تسامحا بين أبناء شعبنا، بل على العكس فأنّ الإسلاميين ولعدم إمتلاكهم لبرامج سياسية وإقتصادية وإجتماعية لم يجدوا غير زرع الكراهية بين الطائفتين بشكل أكثر عمقا ليستمروا بالسلطة على حساب أرواح مئات الالاف من الأبرياء، أمّا في حقل البناء فنظرة واحد على البلد كافية لترينا عريهم حتّى من  ورقة توت تستر عوراتهم القبيحة. أماّ إحترامهما للمرأة فنجده في جيش الارامل الذي يملأ البلد وجوعهنّ وبؤسهنّ، أو من خلال عدم توظيف أعدادا كبيرة من النساء الّا بشروط تمتهن كرامتّهنّ مستغلّين حاجتّهن وعوائلهنّ للمال. أمّا الطفولة في عهدهم فهي أكبر جريمة مرّت على أطفال بلد بالعالم له إمكانيات كالتي توفّرت لهؤلاء الفاشلين المجرمين، فأطفال العراق بلا رياض أطفال ولا مدارس ولا ملاعب ولا رعاية صحية ولا مستقبل آمن.

لقد ترجم الإسلاميون إحترامهم للأنسان العراقي بمصادرة عقله، بحيث أصبح شعبنا وللأسف الشديد واحدا من أكثر شعوب العالم تخلفا، فكريا وثقافيا وتعليميا. شعب ليس له القدرة على الخروج من دوّامة التخلف والجهل والخزعبلات التي هي زاد الإسلاميين بلا منافس، شعب لا يفكر بمصير وطنه ومستقبل أجياله، قدر تفكيره بمستقبل العالم الشيعي " إيران" والعالم السنّي " تركيا والسعودية والخليج". شعب لا يحرّكه الموت اليومي والفقر اليومي والجوع اليومي والفساد اليومي والبؤس اليومي ليقول كلمة لا بحق هؤلاء اللصوص والقتلة.

 شعب ينتظر رأي العمامة بكل أمور حياته اليومية، فهو يستفتيها أو ينتطر منها خطابا إن كان جوعه من اجل المذهب حلال ليذهب الى صناديق الإقتراع وينتخب جلاديه مرّة تلو المرّة، شعب لا يخرج مطالبا بحقوقه الّا إذا قالت له العمامة أخرج للتظاهر وحينما تأمره بالعودة الى بيته البائس دون أن يحقق ماخرج من أجله تراه مطيعا لتلك العمامةّ ملبّيا طلبها مقبّلا عجلات سيارته المصفّحة. شعب لا يسأل العمامة أن لماذا لا تفتين بالثورة على من سرق أموالنا وقتل أبناءنا ودمر وطننا ما دمت تتدخلين بالشأن السياسي!؟ وهل سرقة قوت الناس وخيانة الوطن والعيش بعيدا عن شكلها الآدمي هو ما جاء به الإسلام والمذهب؟؟

الإسلاميون اليوم هم على خطا البعث في إغتيالهم للوطن، فهاهم يبيعون خور عبدالله  للكويت ليخنقوا العراق ويعطبوا رئته البحرية الوحيدة، هاهم اليوم يطعنون العراق علنا بعد أن خدّروا والعمائم التي تقودهم شعبنا الذي لم يتظاهر لبيع وطنه، ولكنه يخرج بمئات الالاف من اجل إعدام شيخ شيعي في البحرين!!! ها هو برلمان العهر والدجل والسرقة والكذب يصمت صمت أبي الهول لهذه الجريمة البشعة، وهو الذي يعطّل أعماله بسبب إعدام رجل دين يالسعودية.

المرجعية الدينية التي تدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة في هذا الوطن الموبوء بالعمائم والفساد هي اليوم أمام خيارين لا غير، فأمّا أن تخرج لتقول للناس علنا وبوضوح وبكلمات قريبة من فهم الناس الذين صادرت عقولهم وأفكارهم، من أنّ عدم تظاهرهم ضد السلطة الحاكمة الغاشمة التي باعت الوطن هو من الكبائر كون خيانة الوطن من الكبائر، أو أن تلغي خطبتها السياسية الأسبوعية لترتاح ونتخلص نحن من صداعها المزمن.

الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم، والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة " نلسون مانديلا"

الا يستحق العراق أن نموت من أجله كشجعان.


زكي رضا
الدنمارك
30/1/2017   



230
قراءة في  إفتتاحية طريق الشعب حول " مشروع قانون انتخاب مجالس المحافظات"


قبل التطرق الى ما جاء في إفتتاحية صحيفة " طريق الشعب الناطقة بإسم الحزب الشيوعي العراقي " حول مشروع قانون انتخاب مجالس المحافظات"، الذي أحالته حكومة المحاصصة الطائفية – القومية الى مجلس نوابها للمصادقة عليه مؤخرا. أرى من الضروري طرح سؤال بغاية الأهمية على القوى المدنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي إن كان في نيتها الأشتراك بمهزلة " الأنتخابات " من جديد لتخسر الإنتخابات ومعها أعداد كبيرة من جماهيرها كما المرّات السابقة، إن صوّت برلمان السلطة "سيصّوت"على مشروع  الحكومة وهو نفسه مشروع البرلمان ، كون الحكومة والبرلمان وجهان لنفس عملية السطو والفساد والهيمنة؟

لم تطرح إفتتاحية طريق الشعب حلولا لمساويء المشروع وإكتفت بـ " لا .. للتعديلات المجحفة"، وكأن "اللا" هذه ستمنع عصابات البرلمان من تمرير مشروعها القديم الجديد، أو أنّ البرلمانيين سيصوتّون ضد كتلهم و مصالحهم وإمتيازاتهم!!، لتقول " وقد اثار مشروع القانون الكثير من الاستياء والسخط، خاصة في شأن المواد التي صممت لتخدم توجهات الكتل المتنفذة لادامة سيطرتها وهيمنتها وسرقة اصوات الكتل الاخرى، وتقليص مساحة المشاركة في صنع القرار، والتضييق على القوى الرافضة لنهج المحاصصة وللفساد والمفسدين، والساعية الى الخلاص من كل هذا وذاك والدفع في اتجاه تدوير عجلة الاصلاح والتغيير، التي ما برح اعداؤهما يضعون العصي في دواليبها". وهنا علينا السؤال عن القوى التي سيثيرها الأستياء والسخط ومدى حجمها وتأثيرها على الحكومة وبرلمانها لأجراء عملية الأصلاح السياسي التي رفعت كشعار منذ شباط 2011 من قبل المدنيين والشيوعيين دون أن تتحقق ولو بالحد الأدنى؟ صحيح أنّ عدم تنفيذ أي بند من بنود حُزَم البرامج الإصلاحية التي رفعتها السلطة منذ بدأ التظاهرات لليوم ولو بالحد الأدنى تتحمله الحكومة وبرلمانها، لكن العجيب هو مراهنة القوى المدنية على التغيير من خلال البرلمان على الرغم من خسارة الرهان هذا مرّة تلو المرّة. ومراهنتها هذه والخاسرة دوما تأتي من إصرارها على خوض كل أنتخابات وفي ظل قوانين توضع لترسيخ الطائفية السياسية وأبعاد القوى المدنية ومنها الحزب الشيوعي عن التأثير بالقرار السياسي، لتعود بعد إنتهائها مبررة خسارتها بسوء القانون الأنتخابي، وكأن القانون الأنتخابي وضع أثناء بدأ عمليات الفرز والعد والتي تطول لمدة ما يقارب على الشهر لتوزيع النسب بين الكتل الثلاث " شيعة – سنة – كورد" !! لهذا فأنّ " النجاح" الجزئي للقوى المدنية في انتخابات مجلس المحافظات والذي لم يستطع تغيير خارطة الفساد والسرقة في هذا المجالس لضعفه مقارنة مع الآخرين، لا يمثل دليلا على سعي القوى المدنية لخوض مهزلة أنتخابات محسومة النتائج سلفا.

أنّ رفض الحزب الشيوعي العراقي عبر افتتاحية جريدته المركزية لمشروع "قانون مجالس المحافظات" تبخّر حال نشره، إذ نشرت " طريق الشعب" في اليوم التالي وبالصفحة الاولى تصريحا لرئيس اللجنة القانونية في برلمان الحكومة محسن السعدون قال فيه " أنّ البرلمان أنهى القراءة الاولى لمشروع قانون مجالس المحافظات الذي أرسلته الحكومة" متوقعا أمكانية إقراره خلال شهر! واللافت للنظر هو تقليل أعداد أعضاء مجالس المحافظات في المقترح مقابل مقترح قانون قدّمه رئيس دولة الفساد " فؤاد معصوم" يبقي فيه على عدد أعضاء مجلس نواب المحاصصة دون تغيير!! والسبب هو تكريس هيمنة مثلث الفساد " الشيعي – السني- الكوردي" على قرارات البرلمان وإستمرار برنامج الفساد على نفس الوتيرة، إذ حتّى وإن وصل عدد من المدنيين الى برلمان السلطة بمعجزة على الرغم من أنتهاء زمن المعجزات فأنّ تأثيرهم سيكون قريبا من اللاشيء.

تطرقت الأفتتاحية كذلك الى أنّ (غياب قانون عادل ونزيه  متكامل، وعدم توفر شروط اخرى مطلوبة لاجراء الانتخابات "مفوضية مستقلة ونزيهة وغير منحازة وبعيدة عن المحاصصة، اشراف دولي فاعل.. الخ"  سيغدو عاملا اخر لتكريس نظام المحاصصة والهيمنة والاقصاء، وادامة سلطة الوجوه ذاتها التي  عرف المواطن قبل غيره  بؤس ادائها). لكن دون أن تلتفت الى أنّ الحكومة وبرلمانها هم من يحددون أعضاء هذه المفوضية الفاسدة كفساد جميع أجهزة الدولة وطبيعة عملها، لذا نرى أنّ مجلس وزراء الكتل الثلاث قد حدّد تاريخ السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 2017 لأجراء أنتخابات مجالس المحافظات أي 4 أيّام فقط قبل أنتهاء عمل المفّوضية قانونيا، وخمسة أيّام قبل بداية  شهر محرّم الذي ستستغلّه الاحزاب الشيعية الطائفية لتحشيد البسطاء للمشاركة بالمهزلة الانتخابية والتصويت لها مستفيدين من جيش العمائم التي تدور في فلكها، وهنا لا نحتاج الى عبقرية لمعرفة نيّة حكومة الكتل الثلاث في حسم الأنتخابات لصالحها، وإبعاد القوى التي من الممكن أن تثير لهم بعض المشاكل وأن تكن بسيطة بفعل هذه المفّوضية الفاسدة حتّى النخاع.

ختمت الصحيفة إفتتاحيتها لتقول" اننا اذ نعلن رفضنا لهذه التعديلات المتقاطعة مع كل دعوات الاصلاح والتغيير، نجدد التمسك  باعتماد الباقي الاعلى في توزيع المقاعد، او الابقاء على سانت ليغو بصيغته الاصلية. وندعو كل القوى الرافضة لسرقة اصوات الناخبين من قبل الكتل المتنفذة، وللطائفية السياسية والمحاصصة والفساد، الى تدشين حملة واسعة للضغط على مجلس النواب، كي يرفض هذه التعديلات ولا يمررها، ويقوم بصياغة قانون انتخاب عادل ونزيه". فهل هذا النداء هو بمستوى الأحداث الجسام التي مرّت وتمرّ على شعبنا ووطننا منذ الإحتلال لليوم على يد مثلث الشيطان الفاسد؟ ومن هي القوى الرافضة لسرقة أصوات الناخبين الذين دعتهم الأفتتاحية لتدشين حملة واسعة للضغط على برلمان السلطة،   هل هم متظاهري ساحات التحرير في عموم البلد أم هناك غيرهم ، على أن نخرج التيار الصدري من هذه المعادلة لضبابية مواقفه وكونه ركن رئيسي من البيت الشيعي الفاسد الذي تمتلك طهران مفاتيحه.

أنّ مطالبة الفاسدين بتحقيق شروط صحّية لاجراء أنتخابات عادلة ونزيهة هو ضرب من الخيال، والمشاركة بأنتخابات وفق هذه الشروط هو أنتحارعلى الصعيد السياسي ومنح الشرعية لأسوء عملية سياسية شهدها العالم لليوم. لذا على القوى المدنية أن تبدأ من الان على تثقيف الجماهير عن طريق طاولات الحوار في الشوارع والساحات والمقاهي والملاعب، عليها أن تشكل فرق توعوية لطرق أبواب الناس والحديث اليهم بشكل مباشر وحثّهم على مقاطعة الأنتخابات، التي لن تأتي بجديد كونها ستكرسّ نفس الواقع المأساوي وتزيده تشّوها.

إنّ مقاطعة الإنتخابات من قبل القوى المدنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي في حالة عدم توفر شروط نزاهتها 
 ستساهم في تعزيز مواقعهم وسط أبناء شعبنا المكتويي بنار الفاسدين من جهة، ووسط جماهيرهم التي سترى فيه بداية إنطلاقة جديدة لعمل سياسي جديد واضح المعالم والأهداف. أن شعبنا ووطننا بين فكّي كمّاشة الأرهاب من جهة والفساد الذي هو أخطر من الأرهاب من جهة أخرى، وعلى القوى الديموقراطية والمدنية تحمّل مسؤولياتها بفضح عملية الفساد هذه والتي تجري تحت إسم " العملية السياسية" . فهل ستكون القوى المدنية على قدر المسرولية هذه المرّة  أم ستمنح صك الوطنية للفاسدين والقتلة وخونة الشعب والوطن ، لتشترك معهم مجددا في مسرحية إسمها " المهزلة الأنتخابية".
 
من يدلوا بأصواتهم لا يقررون نتيجة الأنتخابات، من يفرزون الأصوات هم من يقررون " ستالين"

ولما كانت  المفوضّية السلطوية الفاسدة هي من ستفرز الأصوات فعلينا معرفة نتائجها منذ هذه اللحظة...

زكي رضا
الدنمارك
26 /1/2017




231
متى يعلن الإسلاميون إفلاس العراق؟


في الوقت الذي وصل فيه معدل الفقر بالبلاد وفق تصريحات اللجنة المالية بالبرلمان " العراقي" الى أعلى مستوى له منذ قرن كامل، ليرتفع منذ العام 2013 في المناطق التي تحت سيطرة الحكومة الإتحادية ومنها جميع المحافظات الشيعية الخاضعة لهيمنة الأحزاب والميليشيات الشيعية بلا إستثناء من13.7% عام 2013 الى 35% ، وكذا الحال مع جميع مناطق إقليم كوردستان الخاضع لهيمنة الحزبين الكورديين وسطوتهم، من 3.7 % عام 2013 الى ما بين 15 و 16 % . ما يؤدي الى عيش 35% من أبناء شعبنا تحت خط الفقر على الرغم من الميزانيات الضخمة التي لم يعرف العراق لها مثيلا خلال نفس القرن. فأن الاخبار القادمة من البصرة تشير الى كارثة إسلامية شيعية جديدة لم يشهد العراق لها مثيلا عهد أسوأ حكوماته ومنها حكومة البعث الفاشية.

فالأحزاب الشيعية التي تسببت لليوم بتبديد وسرقة مئات مليارات الدولارات من قوت فقراء شعبنا علاوة على فشلها الكامل في جميع الملفات التي تصدّت لها لحد هذه اللحظة نتيجة طائفيتها المقيتة، والتي دفع المواطن الشيعي ثمنا اكبر من غيره بسببها قبل أن يذوق سنّة العراق الويلات منذ أن فتح (قادته) أبواب مدنهم أمام تنظيم داعش الإرهابي. لم تكتفي بسرقاتها للثروة الوطنية العراقية والتي بدأت منذ اليوم الأول للإحتلال ووصولها الى السلطة على قطار "الشيطان الاكبر" ومنها سرقات النفط في البصرة والذي كان يهرّب من أرصفة مختلفة تمتلكها هذه الأحزاب، ولا غيرها من السرقات نتيجة الفساد المالي الكبير والعمولات والمشاريع الوهمية وسرقة العقارات والأراضي والبطاقة التموينية بل وحتى المقابر. بل سرقت وبشكل منظم النفط العراقي من البصرة الفقيرة حتّى بعد أن أعلنت وزارة النفط كذبا عن نصب عدّادات لقياس النفط المصدّر.

في مؤتمر صحفي عقد بمجلس النواب "العراقي" حضره "ماجد شنكالي و علي الفياض و غادة الشمري" وحضرته السومرية نيوز ، كشف النائب "صادق المحنا" عن عمليات سرقة (في عدادات النفط بمحافظة البصرة تتراوح ما بين 100 - 300 ألف برميل يومياً، مبينا أن قيمتها تقدر بنحو 20 مليون دولار، فيما طالب رئيس الوزراء وهيئة النزاهة بمتابعة القضية والحفاظ على الثروات العراقية التي "تسرق دون رقيب")!!! مضيفا أنّ (الباخرات التي تخرج من الميناء تكون محملة بضعف حمولتها المسجلة)!!! وقد أوضح النائب "العراقي" صادق المحنا، على أنّ هناك تلكؤ من قبل وزارة النفط في نصب العدادات منذ عام 2008 أي عهد الدعوي الفاشل نوري المالكي لليوم، مشيرا الى انه "وخلال المتابعة من قبلنا لم نجد أية أدلة أو ملفات تثبت معالجة الموضوع من قبل الوزارة" وأنّ النفط يصدّر اليوم بطريقة الذرعة البدائية. ليضيف أنّ ما يسرق سنويا من نفط العراق يبلغ 7 مليارات دولار !!!

من يحكم البصرة ؟ علينا قبل أن نوجّه أصابع الإتهام لجهة ما معرفة موقع البصرة جغرافيا وسياسيا وإن كانت تقع ضمن إقليم كوردستان لنتهم الكورد والبارزاني بسرقتها "الكورد ينهبون نفط كركوك"، أو أنّها تقع غرب الموصل كي نتّهم تنظيم داعش وقبله آل النجيفي بسرقته. ولأننا نعرف جغرافية البلد بشكل جيد عكس الجعفري الذي يقسم على أنّ دجلة والفرات ينبعان من إيران، أو قيس الخزعلي الذي يعتبر الفرات نهرا مصريا!!فأنّ البصرة مدينة ذات غالبية شيعية يهيمن عليها البيت الشيعي بأحزابه وميليشياته، وهو الميناء العراقي الوحيد لتصدير النفط عن طريق البواخر.

أنّ ما نهبته الأحزاب والميليشيات الشيعية دون إستثناء منذ العام 2008 لليوم وعلى هذه الطريقة اللصوصية فقط، هو مبلغا يقارب ال 63 مليار دولار!! أي ما يعادل أكثر من 8 أضعاف ميزانية الاردن لسنة 2016 والتي بلغت 7.589 مليار دولار!! فإلى أين يراد قيادة العراق من قبل ألأحزاب الشيعية وميليشياتها ومراجعها الدينية؟

أليس فيكم ذرّة كرامة تجاه فقراء الشيعة ولا أقول غيرهم، كون الوطنية لا وجود لها في قواميسكم؟ أليس فيكم رجل يرى بلده ينحدر بسببكم الى الحضيض ليقف ويقول كلمة حق أمام شعبه الذي يعيش 35% منه تحت خط الفقر؟ أليست فيكم شهامة لتكفّوا عن سرقاتكم وتعلنوا إفلاسكم السياسي كونكم أكبر هرم من اهرامات الفساد الثلاثة التي دمّرت وتدمر البلد؟ أليست فيكم مرجعية دينية تعترف بهذا الكم الهائل من الخراب الذي كانت جزء فاعل منه وتعتذر لملايين الفقراء؟ اليس فيكم رجل رشيد؟

أنّ تجربة الثلاثة عشر سنة الماضية أثبتت وبالدليل الطائفي القاطع أنكم أسوأ سلطة حكمت بلدا على مرّ التاريخ، وأنّ بقائكم يوما أضافيا واحدا بالسلطة يعني أرتفاع نسبة الفقر والمرض والجهل والتخلف والأمية بين أبناء شعبنا. أنّ الكرة الآن في ملعب الفقراء ومن يدافع عنهم ليقولوا كلمتهم في مستقبل وطنهم وشعبهم وأجياله القادمة، وأن أنحرفت هذه الكلمة ولو بمقدار 1 بالمليون الى حيث العمامة والاحزاب الإسلامية وعصاباتها فأنّ العراق سيستمر في هذه الدوّامة المرعبة لحين يرى الشعب العراقي نفسه يستجدي المنظمات الانسانية لتوفير طعام أبناءه، وغدا لناظره قريب.

هل تعرف مصدر الفضيلة أو الخير المطلق؟ ... "سقراط"
كلا ... "كسينوفون"

أيها الإسلاميون "الكسينوفيون" أنكم مصدر الرذيلة والشر المطلق، أنّكم العار بعينه.


زكي رضا
الدنمارك
15/1/2017


232

أنا أعرف "الملثّمين" في ساحة التحرير


بدلا من أن تلتفت حكومة الفشل الأمني المستديم للتفجيرات التي ضربت وتضرب بغداد بكثرة هذه الأيّام، وبدلا من أن تنصت لأصوات المتظاهرين السلمية وهي تطالبها بإيجاد حلول سريعة للواقع الأمني المزري. نراها وهي العاجزة كليا عن مقارعة الإرهاب الذي يصول ويجول في بلدنا كما الفساد، تتعرض للمتظاهرين بخسّة ودناءة وجبن لتواجه المتظاهرين والمحتجّين بالهروات والقنابل المسيلة للدموع وتعتقل بعضهم.

أنّ تدخل قوات مكافحة الشغب والجيش لفضّ إعتصام أو تظاهرة قد يكون أمرا مقبولا قانونيا، خصوصا وأن المعتصمين والمتظاهرين لم يحصلوا على موافقات قانونية من وزارة الداخلية. أقول قد يكون قانونيا كون السلطات لن وسوف لن تمنح موافقتها لإقامة تجمع أو تظاهرة مناوءة لها، وأي مطالبة جماهيرية للحد من الفساد والإرهاب والبطالة أو المطالبة بتوفير الخدمات تعتبر حربا على السلطة!! وفي الحالات التي تمنح فيها السلطات تحت ضغوط جماهيرية وغيرها موافقاتها، فأّن التظاهرة تكون مطوّقة بقوات أمنية لا تقل أعدادها عن أعداد المتظاهرين إن لم تكن أكثر، ومزوّدة بكافة أدوات القمع وأوامر بإستخدام القوّة المفرطة مع قطع الشوارع المؤدية الى مكان التظاهر والإعتصام. وخوفا من إنفلات الأمور أو تلكؤ القوى الأمنية في إستخدام القوّة لو حاول المتظاهرون التوسع في تظاهرتهم، فأن الميليشيات الشيعية وخصوصا تلك التي تعود لحزب الدعوة الحاكم تكون جاهزة وعلى أهبّة الإستعداد للإندساس وسط جموع المتظاهرين بعصّيهم وسكاكينهم، وهذا هو الأمر غير المقبول من سلطة تدّعي من أنّها "تحترم" نفسها والمواطن.

في فض الإعتصام الذي نُظِّمَ نهار أمس الثلاثاء في ساحة التحرير ببغداد والمطالبة بتوفير الأمن، إشتركت قوّات غير نظامية الى جانب تلك النظامية في فضّ الإعتصام بالقوّة المفرطة. والذي جلب نظر المتابعين هو أنّ أفراد القوّة النظامية تلك كانوا "ملثّمين"، فهل كانت تلك العناصر المنفلتة والإرهابية كونها تزرع الرعب بين صفوف المتظاهرين ملثّمة بالفعل؟

حينما كنّا صغارا نلعب لعبة عسكر وحرامية أو شرطة وحرامية بلهجتنا العراقية، وكنّا ننقسم الى فريقين الأول هم الشرطة أو العسكر والثاني هم الحرامية والأّول كان يطارد الثاني،  ولكي يعرف أعضاء الفريق الواحد رفاقه  فأنّ الحرامية كانوا يتقنّعون "يتلثمون" بقطعة من قماش أو من ورق المقوّى ذات ثقبين تبرز من خلالهما العينين. أمّا اليوم وقد كبرنا فأنّ الذي يتلثّم هو الحرامي أيضا لكنه يعمل مع رفاقه الشرطة وتحت حمايتهم، وبالأحرى فأنّ الشرطة هي التي تمتثل لأوامر الحرامية وتنفذّها، وهذا ما نشاهده في كل إعتصام أو تظاهرة حينما يهاجم الملثّمون المتظاهرون بحماية الشرطة لهم!!

أنّ "الملثّمين" الذين هاجموا تظاهرة أمس أو اولئك الذي هاجموا تظاهرات غيرها سابقة أو الذين سيهاجمون تظاهرات أخرى مستقبلا ليسوا بملثّمين مثلما يرى البعض، لأنني أعرفهم و"يعرفهم الكثير" وأعرف من أين أنطلقوا ومن أصدر لهم الأوامر ومن يدّربهم ويمولّهم والى أية جهات ينتمون.

الأمر لا يحتاج الى فطنة ولا الى معلومات غاية بالسرية ولكنه يحتاج الى قليل من الجرأة والحديث بصوت مسموع وبعيد عن المجاملات، فالوضع بالعراق لا يحتاج الى مجاملات سياسية لأننا نعيش على فوهة بركان مهدد بالأنفجار ليتشظّى في كل شيء. "الملثّمين" هم من عناصر حزب الدعوة الإسلامية وميليشياته لكسر الأضرابات والتظاهرات والاعتصامات المؤتمرة بأمر نوري المالكي رئيس جهاز حنين الدعوي، التي خرجت من مقراتها في مطار المثنّى المُغتَصب والمدّربين تدريبا عالي المستوى بكيفية قمع التظاهرات .

أنّ مطالبة الحكومة بفتح تحقيق بالأمر أو الكف عن ممارسة الإرهاب بحقّ المتظاهرين من قبل القوات الأمنية ومن معها من "ملثّمين"، هي أمنية البطرانين والمعوّلين على أنّ هناك عملية سياسية بالبلد، وأنّ هناك دستور وقانون وقضاء عادل.  وتبقى التظاهرات التي تقاد بجهاز السيطرة عن بعد هي تظاهرات أشبه بـ (القشمرة على الذات) وأعني هنا تظاهرات التيار الصدري، أذ أنّ هذه التظاهرات تخرج وتعود الى من حيث أتت بكلمة واحدة من مقتدى الصدر، وعجبي ممن يتوقّعون خروج الصدر عن القرار الإيراني، عفوا أردت القول عن القرار الشيعي. 

زكي رضا
الدنمارك
12/1/2017     

   

233
أيّ داعش كانت في الغدير أمس؟

طائفّيو بغداد مجرمون كما داعش، إلّا إنّ ما يميزّهم عن داعش الإرهابية هو أنّ الأخيرة لا تستطيع أن تقتل الأبرياء في مناطق سيطرتها ووضع اللائمة على السلطة، على الرغم من أنّها أكثر التنظيمات الإرهابية وحشيّة وقتلا للأبرياء بطرق دنيئة. في حين أنّ الأولى أي طائفيو بغداد تقتل الأبرياء في مناطق نفوذها وتضع اللوم على الإرهاب ومنه داعش بالطبع.

بالأمس والبشرية تحتفل بأعياد الميلاد المجيد والسنة الميلادية الجديدة، قامت مجموعة إرهابية "مقنّعة" بإرتكاب جريمة وحشية جديدة في منطقة الغدير ببغداد راح ضحيّتها عدد من المواطنين العراقيين المسيحيين والأيزيديين الأبرياء. ولا أظنّ أنّ منطقة الغدير ببغداد هي تحت سطوة وسيطرة تنظيم داعش الإرهابي لكي تحمّله حكومة الخضراء وزر هذه الجريمة، كما ولا أظّن مطلقا أنّ العصابات المسّلحة السنّية "الميليشيات" قادرة على التحرك بهذا الشكل شبه العلني ببغداد، وهذا الظن ليس إثم بل مبني على حقائق يعرفها البغداديون بشكل جيد.

عند حدوث أيّة جريمة علينا أن نبحث عن ثلاثة أمور مهمة تساعد رجال الأمن والمحقّقين في الكشف عن ملابساتها ومعرفة القاتل أو القتلة، وهي : أداة أو أدوات الجريمة والمستفيد منها والمحرّض عليها. ولو أردنا أن نوجّه أصابع الإتّهام في هذه الجريمة لجهة معينة وفقا لحيثيات الجريمة، أي الأمور التي أشرنا اليها أعلاه مع الأخذ بنظر الإعتبار مسرح الجريمة و الأشخاص الذين أُرتكبَت بحقّهم الجريمة التي نحن بصدد تناولها في هذه المقالة، فمن هو المجرم؟

المغدورون قُتِلوا بدم بارد في ظل "دولة القانون" وهم مواطنون عراقيون مسيحيون وأيزيديون، وهؤلاء المواطنون العراقيون هم الذين يحق لهم إستيراد وبيع وصنع الخمور وإدارة محلّات بيعها وفق الدستور العراقي الهزيل. إذن فهناك جهة أخرى تنافس هؤلاء المواطنين في إستيراد وبيع وزرع وتصنيع وتوزيع مادّة غير الخمر وتبحث لها عن سوق أو أسواق جديدة، على أن تكون المادة هذه حلالا وليس كالخمر "المحرّم" دينيا لتنافسهم فيها، فما هي هذه المادّة!؟ كي لا أدخل في "حيص بيص" كما تقول العرب ولأنّها إزدادت إنتشارا منذ هيمنة الأحزاب الإسلامية على السلطة بعد الإحتلال لليوم، فأنّ هذه المادة هي المخدّرات بأصنافها المختلفة والقادمة من دولة جارة كانت ولازالت عمقا أستراتيجيا لهذه الاحزاب. فالمخدّرات القادمة من هذه الدولة هي حديث الشارع العراقي ويستطيع المرء ملاحظة إنتشارها بين صفوف طلبة المدارس والشباب العراقي، حتّى أنّ هناك مقاه معروفة لبيعها وتعاطيها في مختلف المدن والأقضية بما يشبه "الغرز" في مصر. ولو أخذنا حملة "اللا محمود واللا حسن" الإيمانية الجديدة ومن وراءه الغالبية الإسلامية التي يمثل الشيعة الأكثرية منها في البرلمان بقانون منع إستيراد وبيع الخمور، لأكتشفنا الجهة التي من مصلحتها قتل المواطنين المسيحيين والأيزيديين، وكذلك الجهة التي حرّضت على قتلهم.

أمّا أداة أو أدوات الجريمة فإنّها مرتبطة بمكان إرتكابها، ففي بغداد لا تستطيع أية عصابة مسّلحة أن تتحرك بحرّية من دون حاجتها لأقنعة الّا بعلم السلطة ، على أن تكون هذه العصابة ذات هوية شيعية، لاّن السلطة نفسها تتشكل من أحزاب تمتلك عصابات "ميليشيات" مسلّحة بثّت وتبثّ الرعب بين أهالي بغداد وللبغداديين معها قصص وحكايات. فكم من مرّة سرقت هذه العصابات محلّات الناس، وكم من مرّة إختطفت الأبرياء مقابل فدية، وكم من مرّة إحتلت أبنية الحكومة عنوة، وكم مرّة ساهمت بقتل الأبرياء من مكّون آخر كما الميليشيات السنّية عندما كانتا ناشطتين سنوات الحرب الطائفية، وكم مرّة إغتالت أطبّاء وأكاديميين ومثّقفين وصحفيين وناشطين مدنيين، وكم من مرّة دخلت بمعارك في ما بينها بمختلف أنواع الأسلحة كما حدث في منطقة الحرّية، وكم من مرّة نزلت للشوارع دفاعا عن السلطة؟

والآن فهل نحن بحاجة الى "فتّاح فال" كي نتعرف على القتلة مرتكبي جريمة حي الغدير في بغداد بالأمس، أم أنّنا قادرون على تشخيص القتلة وتوجيه تهم القتل العمد لهم مع سبق إصرار وترصد؟ مشكلتنا مع حالات القتل هذه أنّ بعض السياسيين من غير المسلمين يطالبون رموز السلطة الكبار بفتح تحقيق عاجل بالقضية وتقديم القتلة للمحاكمة لنيل عقابهم العادل!! أيتها السيدات والسادة أنّ من تطالبونهم بتقديم القتلة للمحاكم هم القتلة أنفسهم، وأنّ القضاء غير العادل بالعراق لا يمكن أن يكون عادلا هذه المرّة، فتحلّوا بالجرأة قليلا وإستفادوا من مناصبكم ووجّهوا أصابع الإتّهام اليهم بدلا من "الخوط بصف الإستكان".

شخصيا أوجّه الإتهام بارتكاب هذه الجريمة البشعة لتنظيم داعش، ولكن أي ّ داعش؟




زكي رضا
الدنمارك
26/12/2016


234
أمنيات لن تتحقق بالعراق في العام القادم


من غير الطبيعي ولا من المعقول بل ومن الغباء بالأحرى أن يجزم إمرُؤ ما بتحقيق أمرا معينا في وقت ما. ففريق لكرة القدم يمتلك أمهر لاعبي العالم على سبيل المثال قد يخسر بطولة ما لكثرة إصابات لاعبيه المهرة، ومصنع سيّارات يتعهد مثلا بإنتاج عدد معيّن من السيّارات خلال فصل ما ، ترى أنّ أخطاءا تقنية غير متوقعّة أو إضرابات عمّالية عند عمّاله قد تؤخر سقف إنتاجه الذي رسمته له إدارتها. أمّا في عالم السياسة فمن الغباء تحديد موعد لسقوط أو إنهيار نظام سياسي معيّن خلال فصل ما كأن يكون الشتاء أو الصيف القادم أو الذي يليه لتغيّر الظروف الذاتية والموضوعية التي تحدد هذا الإنهيار بين عشّية وضحاها. أمّا الأمنية فهي رغبة مرجوّة ومطلب يتمنّاه الإنسان ويشتهيه وينتظر حدوثه دون أن يخطّط له بجدّية بل ينتظر الصدفة لتحقيقها ولكن تبقى نسبة حصولها " الصدفة" لتحقيق تلك الأمنية قائمة وإن كانت بنسب متدنية.

فالذي يلعب لعبة اللوتو الأوربية ويتمنى الفوز ببطاقتها الأولى تبقى قائمة على الرغم من أن نسبة فوزه بالجائزة الأولى تكون واحد الى 150 مليون في بعض الأسابيع لأن هناك شخص ما يجب أن يفوز بها وقد يكون هو! والمسافر على قدمية في الصحراء عطشانا يتمنى أن تمطر السماء ليرتوي الّا أن الصدفة قد تبعث في طريقه قافلة من البدو في ذلك المكان المقفر لشّحة السماء بالمطر فيرتوي من مائهم. وتبقى هناك أمورا وأمنيات لا يستطيع الإنسان الجزم بتحقيقها بالعراق على الرغم من غبائها كونها أشبه بالمستحيل ، إن لم تكن المستحيل بعينه.

فأن تكفّ الأيادي المتوضئة من عمائم وأفندية ومعهم أقطاب ضلعي المحاصصة الآخَرَين من نهب المال العام خلال العام القادم تعتبر أمنية مستحيلة، وأن تسود دولة القانون في العراق بقوانين تهدف الى إنهاء حكم العصابات المسلّحة أي الميليشيات وتحجيم دور العشائر المخزي ومنع تدخّل المؤسسة الدينية بالشأن السياسي يعتبر أمرا أصعب من المستحيل ، لأن القوى المهيمنة على السلطة تعتاش على هذا الثالوث غير المقدّس " ميليشيا – عشائر – عمامة". وأن ينتهي الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة والذي حوّل العراق الى أكثر الدول فشلا بالعالم فأنها كأمنية أن تعيش الأسماك على اليابسة وتذهب الى المدارس!! وأن تُعاد الحياة الى مزارعنا وبساتيننا ومصانعنا ومعاملنا من قبل حرامية بغداد لنتخلص من ألإقتصاد الريعي، فأنها كأمنية أهل مَيْت نحره داعشي مجرم وفجّر جثّته ثم حرقها ونثرها بالبحر ليحتار حتّى الّذي خلقها في جمعها وهي رميم. وأن تكون المدارس والجامعات ورياض الأطفال أكثر عددا من الجوامع والحسينيات فهي أمنية حتّى الشيطان ومعه كل أبالسة الأرض لا يحلمون ولا في نومهم بتحقيقها، كونهم أصبحوا مسلمين ويصلّون فيها ليل نهار بعد أن أصبحوا من روّادها الدائميين، لأنّهم فيها فقط يستطيعون أن يوسوسوا في صدور المسؤولين الذين فاقوا هؤلاء الشياطين بكيفية إلحاق أكبر الأذى بالوطن والناس بعد أن زاملوهم.

كثيرة هي الأمنيات التي لن تتحقق ببلادنا في العام القادم ، ويبقى أملي وأمل نسبة قليلة من العراقيين مقارنة مع سطوة القطيع في تغيير الخارطة السياسية بعدم إنتخاب القتلة واللصوص والفاسدين والمرتشين وبيّاعي الوطن في الإنتخابات القادمة، كأمنية رجل دين بأن تكون الأرض مستوية وتكفّ عن الدوران.

لقد كانت أمنية فقراء بلدي أن يجدوا الرز في بطاقتهم التموينية التي سرقتها سلطة العمائم "غير" المجرمة وقلصتها الى ثلث ما كانت عليه عهد البعث المجرم وقللّت من أوزانها، فتحققت أمنيتهم برز هندي فاسد أستورده الفاسدون بشكل مقصود لتسميم أبناء شعبنا وفقا لتصريحات نائب برلماني. فهل هناك أمل في أن يغيّر المتضررين من الرز الفاسد شكل الخارطة السياسية وينزلوا الى ساحات وشوارع التحرير في مختلف مناطق العراق لتغيير واقعهم وواقع وطنهم المزري لما فيه خير أجيالهم القادمة، أم سينتصر اللصوص من جديد لأنهم من طائفة معينّة؟

من له أمنية تغيير مستخدمي الرز الفاسد من ولائهم الطائفي أو القومي من أجل مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم في الإنتخابات القادمة دون أن يتقدّم بجرأة ليقودهم بشجاعة، ومنتقدا سلطات الفساد دون خوف أو مجاملة فاضحا ما يسمّى بالعملية السياسية التي أثبتت هزالها ولصوصيتها ورسمها خارطة طريق شيطانية لتمزيق بلدنا وشعبنا فإنّه أكثر من متفائل. أمّا شخصيا فإنني فأعتذر للراحل أميل حبيبي المتشائل لأعلن تشاؤمي من أي تغيير بالعام القادم، منتظرا نهايته لأعلن عن أمنياتي القادمة.

من يبني آماله على الأوهام يجدها تتحقق في الأحلام " شارل بودلير"

زكي رضا
الدنمارك
24/12/2016





235
المنبر الحر / 16.6 مليار دولار
« في: 20:54 21/12/2016  »

16.6 مليار دولار

المبلغ عنوان المقالة من الممكن أن يكون ميزانية دولة إفريقية فقيرة لسنوات عدّة، أو ما يقارب من ميزانية دولة كالأردن لأكثر من عام. ولكننا لو لاحظنا البنى التحتية بالأردن ومشافيها ومدارسها وجامعاتها وحال مدنها لرأينا أنّها تفوق ما في العراق كمّا ونوعا. والمبلغ نفسه هو رقم بسيط جدا في ميزانية الدولة العراقية خلال حكم الإسلاميين وشركائهم المتحاصصين خلال سنوات ما بعد الإحتلال لليوم. ولو قارنّا ميزانية العراق مع ميزانية الأردن ونوع الخدمات المقدّمة للشعبين فيهما لرأينا حجم الكارثة التي يعيشها شعبنا تحت سلطة ساسة الخضراء.

المبلغ عنوان المقالة هو قيمة عقد أبرمته إيران مع شركة "بوينغ الأمريكية" لشراء 80 طائرة ركاب حديثة لتحديث أسطولها الجوي، منها 50 (طائرة بوينغ 737) و (30 طائرة بوينغ 777 العملاقة)، ستستلمها إيران من الجانب الامريكي خلال عشر سنوات. وهذا يعني أنّها تفكر بمستقبل شعبها ووطنها خصوصا وأنها توقع عقدا مع " الشيطان الأكبر" الذي ناصبته العداء منذ نجاح الثورة لليوم، عكس إسلاميي العراق الذين جاءوا للحكم على أجنحة هذا الشيطان نفسه.

السؤال الذي يتبادر لذهن أي عراقي وهو يرى إيران توقّع مثل هذا العقد الضخم أو الأردن وهو يمتلك أسطولا جويا متميزا من طائرات الأيرباص مختلفة الأحجام والموديلات والتي تغطّي خطوط طيران في مختلف قارات العالم ، هو : أين ذهبت أموال العراق ولماذا تُمنَع الطائرات "العراقية" من التحليق في الأجواء الاوربية؟ وأين أصبحت الخطوط الجويّة العراقية ، وهل هناك خطوط جوية عراقية أصلا ؟

لا أظن أن علينا التشاؤم والنظر بشكل سوداوي لحال الطيران المدني بالعراق، فالسيد عمّار الحكيم وباقر صولاغ وكتلة المجلس الأعلى وشركائهم الفاسدين من الأحزاب الشيعية الأخرى والمهيمنة على الطيران المدني. سيوقّعون حتما وهم ينظرون الى جيران العراق وتقدّمهم في هذا المجال وفي مقدمتهم راعيتهم إيران عقداً لشراء أسطول جوّي حديث في المستقبل القريب، لكن ليس بإسم الدولة العراقية بل بإسم عوائلهم وأحزابهم.

الكارثة أنّهم يقولون  أنّ هناك من يريد أن يُفشل المشروع الإسلامي دون أن يسألوا أنفسهم عن ملامح هذا المشروع وأين هو؟

 

زكي رضا
الدنمارك
20/12/2016

236
نوري وحزبه ودمار العراق

قبل أن أدخل في متن المقالة والتي تتعلق بخطاب نوري زعيم حزب الدعوة الحاكم بمناسبة تأسيسه الستين!! فأنني أتحدى نوري وكل قيادات حزبه من أن يأتوا بوثيقة واحدة تشير الى تأسيس حزبهم في العام 1956 وليس بعد نجاح ثورة الرابع عشر من تموز التي بثّت الرعب في المؤسسة الدينية الشيعية التقليدية المرتبطة إرتباطا عضويا بشيوخ العشائر والإقطاعيين.

لقد بدأت بوادر تشكيل هذا الحزب الذي سيلعب أكثر الادوار خطورة بعد عقود وهو يقود البلاد الى نهاية تراجيدية "بين سنوات 1958 – 1959 الى العام 1964 على أقل تقدير" (1) نتيجة فزع المؤسسة الدينية من ثلاث قضايا رئيسية حدثت بعد الثورة وهي "إلغاء ملكية الشيوخ الكبرى، قانون الأحوال الشخصية، والإنتشار الجماهيري للماركسية" (2) . وهذه المهمّة الكبيرة ترجمتها المؤسسة الدينية وقتها بتحالفها مع البعث ومعهم القوميون الكورد بإغتيالهم لثورة الرابع عشر من تموز، في صبيحة الثامن شباط الأسود سنة 1963 ، الا أنّ زواج المتعة بين الثلاثة إنتهى سريعا بالطلاق بعد أشهر قليلة على حفلات عرس الدم بحقّ خيرة شابّات وشبّان العراق.

والمؤسّسة الدينية ومعها الدعوة وبقية الفصائل السياسية الشيعية إستطاعت وبعد وصولها للسلطة على قطار أمريكي في التاسع من نيسان 2003 ، أن تعمل على ترجمة مهمتّها التي فشلت في تحقيقها إبّان تحالفها مع البعث الى حقيقة، أو العمل على تحقيقها بهدوء وهي على رأس السلطة على الأقل. فإلغاء الملكيات الكبرى للشيوخ يريدون اليوم تحقيقها من خلال قانون العشائر سيء الصيت والسمعة، وقانون الأحوال الشخصية وهو من المنجزات الهامّة للثورة والتي حقق الكرامة للمرأة العراقية وفتحت الابواب امامها واسعة للعب دور اكبر في الحياة السياسية والإجتماعية بالبلد يريدون ويعملون على إجهاضه بالقانون الجعفري الذي يوسّع الشرخ الطائفي ويمتهن من كرامة المرأة بشكل أكبر. أمّا مقاومة الإنتشار الجماهيري للماركسيين أي الشيوعيين وباقي الديموقراطيين فقد مهّد لهم البعث بتحقيق الجزء الأكبر منه، ليأتي نوري تحديدا ليترجمها أمام جمهرة واسعة من المعممّين وأعضاء حزبه في نيسان 2012 ومن النجف ليقول "إن الدولة التي تتنوع بمكوناتها لا يمكن أن تبنى بمكون واحد على حساب مكون آخر، واليوم ونحن نستذكر استشهاد الصدر الذي هو مدرسة للفكر التي نشأنا وتسلحنا بها في وقت كانت التحديات الفكرية الإلحادية والماركسية والعلمانية، والتي استطعنا بفكره تهديم كل هذه الأفكار الغربية"!! فأين هو التنوع والبناء في بداية حديثه وبين الهدم في آخره!!.

لنعود الآن الى كلمة نوري التي القاها بمناسبة تأسيس حزبه أمس السبت "17/12/2016" لنناقش بعض نقاطها بهدوء وبحجّج أفرزها الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي البائس والذي يعتبر نوري وحزبه أحد أهم أعمدته.

يقول نوري أنّ "مفهوم التسوية الوطنية لا يعني التصالح مع من تلطخت يداه بدماء العراقيين"، ليس هناك عاقل لا يتّفق مع ما جاء به الحاج نوري، ولكن علينا أن نسأله إن كانت هناك مصالحة مع زعماء حرب ساهموا في الحرب الطائفية أثناء فترة حكمه، أي الميليشيات التي رعاها عندما أطلق سراح الخزعلي وغيره من أمراء الحرب والارهابيين من أبناء طائفته، وهل سيكون أمراء الحرب هؤلاء جزء من المشهد السياسي!!؟؟ وما هي آفاق ما يسمّى بالتسوية الوطنية وإن كانت العصابات الشيعية دون السنّية هي من تحمل صفة الوطنية بنظر الحجي!؟

وفي تهديد واضح لشركائه في الوطن وإستمرارا منه لتعميق الازمات في المجتمع عوضا عن نزع فتيلها فأنه سارع الى تبني أقوال زعيم "عصائب أهل الحقّ " الذي هدّد به شركائه بالوطن أي الكورد بالقتال، بدلا من ترطيبه الأجواء وإدانته لتصريحات زعماء العصائب بالتدخل في الشأن السياسي بصفته نائب لرئيس الجمهورية وأمين عام حزب يقود السلطة للأسف الشديد، ليضيف قائلا أنّ "الارهاب يجب ان يقضى عليه اجتماعيا وسياسيا واتمنى ان لا نفتح معركة مع شريك في العملية السياسية لان معركتنا واحدة ننتهي منها وبعدها نحل خلافاتنا بالدستور والقانون". متناسيا عن جهل أوعن عمد أو الأثنتين معا، أنّ الإستقرار السياسي هو المفتاح لحلّ جميع مشاكلنا، والمفتاح هذا لا يمتلكه لا هو ولا تحالفه الشيعي ولا شركاءه في السلطة من السنّة والكورد، فالمفتاح هذا لا يمكن صناعته الّا في ظل نظام مدني ديموقراطي يقبر المحاصصة الطائفية القومية مرّة واحدة والى الأبد.

من لا يساعد نفسه عليه أن لا يتوقع مساعدة الآخرين له وفي عالم السياسة لا مساعدة ولا علاقات مميزة بلا ثمن وهذا ما لا يريد الحاج فهمه أو أنه أعلى من مستوى فهمه، وهو نفسه صاحب أكبر الأزمات مع بعض دول الجوار ونقيضها أي صاحب أفضل العلاقات مع البعض الاخر على الرغم من تدّخل الطرفين بشكل واضح ووقح بالشأن العراقي. والسبب هو تمترسه الطائفي وحزبه وليس مصلحة "شعبهم ووطنهم" فهو يقول "أتمنى من دول الجوار مساعدة العراق في مرحلة بناء البلد بعد انتهاء عصابات داعش الإرهابية"، مشددا على ان "عدونا الحقيقي داعش والتكفير والتطرف". وهنا يبدي نوري سذاجة سياسية ليست غريبة على رجل مثله قاد "بلده" الى حافّة الهاوية بعد أن كانت فترة حكمه ، مسرحا لحرب طائفية ومجازر بحق المدنيين والعسكريين وأكبر عملية سرقة لثروات بلد على مرّ التاريخ وكللّها بتسليمه ثلث مساحة البلد لعصابات داعش الإرهابية من أجل ولاية حكم ثالثة. وليستمر الحاج بسذاجته أو إصراره على الكذب معتمدا على فقدان الناس لذاكرتهم على ما يبدو ليقول من أنّ "عدونا الحقيقي داعش والتكفير والتطرف". ماذا عن الفساد الذي هو الوجه الآخر للإرهاب، وماذا عن حزبك الذي يمتلك مطار المثنّى العسكري وجعل منه مقّرا له مقابل مبلغ إيجار رمزي!؟ وماذا عن أموال شعبنا المنهوبة من الفاسدين في سلطة المحاصصة على مختلف تلاوينهم وفي المقدمة منهم ذوي الأيادي المتوضئة، أليسوا أعداءا لشعبنا ووطننا؟ هل تعرف نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر من أبناء شعبنا، وإن لم يكن الفساد إرهابا فهل تستطيع وحزبك تعريفه لنا؟

وأنهى نوري خطابه بنكتة أضحكتني وهذا ما يدعوني لشكره عليها حين قال "ان طبيعة العمل السياسي العراقي حركي ويحتاج إلى تأسيس أحزاب وخير الأحزاب من يعمل للإنسانية وليس لفئة". لا أدري ماذا يعني الحاج بالإنسانية، هل هي البشرية جمعاء أي الأممية التي يعمل الشيوعيون عليها أم يقصد الوطنية وقد خانه التعبير؟ وهل حزبك الذي يضم بين صفوفه شيعة فقط حزب وطني أم فئوي يا نوري!!؟؟

عام يذهب واخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوء يا وطني.. محمود درويش.
 

(1) العمامة والأفندي – ص 125 ، فالح عبد الجبار
(2) المصدر نفسه ص 120 .
 
زكي رضا
الدنمارك
18/12/2016

237
سپايكرمان يهدد بصولة "فرسان" جديدة


كل يوم يثبت حزب الدعوة الإسلامية من أنّه خير وريث للبعث الفاشي في حكم العراق، فهذا الحزب الذي هيمن على السلطة نتيجة خلاف الحكيميون والصدريون وقتها ليرسّخ بعدها دولة العصابات، أدخل العراق ومعه بقية الأحزاب الشيعية وباقي قوى المحاصصة في عنق زجاجة الموت والدمار. فحزب الدعوة وزعيمه يقلّدان البعث وزعيمه تقليدا حرفيا في بعض الأحيان.

فكسر إضرابات العمّال والجماهير بالحديد والنار وإتّهامهم من أنهم طابور خامس وعملاء بحق الوطن والشعب التي برع بها البعثيون وصدّامهم كقمعهم لإضراب عمّال الزيوت في الخامس من تشرين أول / أكتوبر سنة 1969 على سبيل المثال، أعادها الدعاة ونوريّهم في قمعهم لتظاهرات شعبنا عام 2011 تحت نفس الأسباب. وحينها حلّقت حوّامات حزب الدعوة بشكل منخفض على رؤوس الجماهير المطالبة بالإصلاح السياسي لبثّ الرعب فيهم، فيما كان بعض كوادرهم يراقب الجماهير من بناية المطعم التركي ليوجّه العصابات وأبناء العشائر التي إستقدمها المالكي وحزبه نحو ساحة التحرير لفضّ التظاهرة بالأسلحة الباردة كالسكاكين والهراوات، مع صمت مريب من الأجهزة الأمنية حينها وكأن الأمر لايعنيها. ولجوء صدّام الى العشائر لتثبيت سلطته لمعرفته بخسّة شيوخ العشائر وإستعدادهم الدائم لبيع كل شيء للذي يدفع لهم أكثر، هو ما يقوم به نوري تحديدا لذا نراه يهرول اليهم قبل كل إنتخابات لشراء ضمائرهم، أوليسوا نفس الشيوخ الذين باعوا الحسين بدراهم زيوف ليزيد بن معاوية؟


المالكي كما صدّام مغامر وفاشل ومتعطّش للسلطة وعصابچي، وكما يعتبر صدّام حسين وحزبه الدموي مجرمين وأوصلوا العراق الى شفير الهاوية فإنّ المالكي وحزبه بسياستهم الطائفية وعمالتهم للأجنبي رموا العراق في تلك الهاوية. وكما كنّا نتهم الأرعن صدّام حسين وحزبه الدموي وهما على رأس السلطة بمسؤليتهما المباشرة عن الدمار الذي حل بوطننا، فعلينا أن لا نتوانى ولو للحظة بإتهام المالكي الأرعن وحزبه بكل الجرائم التي مرّت على بلدنا منذ الإحتلال لليوم كونهما على رأس السلطة. فنوري مسؤول عن تغطية ملّفات فساد تقدّر بمئات مليارات الدولارات من قوت شعبنا كون الفاسدين من عائلته أو حزبه أو بطانته، وهذا ما دعاه للسكوت عن سرقات الآخرين من شركاءه سواء كانوا من التحالف الشيعي أو الكوردي أو السنّي، وبذلك بدّد الثروة الوطنية العراقية وأوصل الإقتصاد العراقي الى ما دون الخطوط الحمراء والتي تنذر مستقبلا ولعدم تنويع مصادر الدخل بعواقب وخيمة جدا لن يشعر بها شعبنا الّا بعد فوات الأوان وللأسف الشديد. ونوري هو المسؤول عن جريمة سپايكروسقوط الموصل وبقية المحافظات العراقية كونه كان حينها قائدا عاما للقوات المسّلحة، كما نعتبر صدّام مسؤولا عن الدمار الذي حلّ بالعراق كونه كان قائدا عاما للقوات المسلّحة أيضا، هذا إذا كنّا منصفين في تناولنا للأحداث خدمة لمصلحة الوطن وبعيدا عن تأليه المجرمين.

أنّ ما حدث للمالكي في الجنوب " الشيعي" قد يكون تصفية حسابات بين قوى شيعية متنافسة الّا أنها بالنهاية شريكة بنهب ثروات شعبنا وتهديد أمن وطننا للخطر، أو يكون ردّ فعل لجماهير غاضبة نتيجة عدم محاسبة المسؤلين عن جريمة سپايكر وسقوط الموصل وغيرهما من الجرائم، والتي يتحمّل نوري مسؤوليتها الدستورية والقانونية والأخلاقية بصفته رئيسا للوزراء وقائدا أعلى للقوات المسلحة وقتها. لكنّ المشكلة الكبرى هي في تهديد نوري وحزبه بصولة " فرسان" جديدة في البصرة! فهل تهديد نوري جاء بصفته زعيما لحزب الدعوة أم مسؤولا في الدولة العراقية، وهل يسمح له منصبه بتحريك قطعات عسكرية لمدينة عراقية ما لأن بعض جماهيرها منعوه من لقاء شيوخ عشائر باعوا ضميرهم ووطنهم وإلقاء خطاب فيهم؟

إن كان نوري يهدّد جماهير البصرة بصفته الحزبية كأمين عام لحزب الدعوة الفاشي فهذا يتطلب محاكمته أمام قضاء نزيه وعادل، كونه سيستخدم حينها عصابات خارجة عن القانون لتنفيذ مهمّته هذه. وقد رأينا مجرما كالبطّاط يهدّد بصبغ شوارع العراق بالدماء دفاعا عن رمزه أي نوري! أمّا إن كان يهدد بصولته هذه بصفته مسؤولا في الدولة، فهذا يتطلب تقديمه للمحاكمة أيضا كون مركزه هو مركزا شرفيا وليس عسكريا أو تنفيذيا.

نوري وعصاباته ومدحت المحمود وقضاءه النزيه جدا!!... إذن فشعبنا بين لحيي الأسد وهو مفترسنا إن لم نرّوضهم ونضعهم في أقفاص لمحاكمتهم.

زكي رضا
الدنمارك
14/12/2016

238
الإسلاميون تفّوقوا على أنفسهم بخيانة الوطن

لأنّ الإسلاميين (شيعة وسنّة) لم يصلوا الى دست الحكم بالعراق الّا بجرّار أمريكي ثقيل حرث أرضنا ليزرعها طائفية وقتلا وتدميرا، فإننا لم نجد أسهل الطرق لمعرفة معنى الخيانة عند الإسلاميين الّا اللجوء الى قانون الدولة الراعية لهم والتي جاءت بهم ليحكموا بلدنا المبتلى بهم وبخياناتهم. فالدستور الأمريكي يعرّف الخيانة بحق الدولة الامريكية، بشنّ حرب من فرد أو مجموعة ضد أراضي ومواطني الولايات المتحدة الامريكية أو مساعدة أعداءها. أمّا العرب فتوسّعت كثيرا بمفهوم الخيانة حالهم حال الشعوب الاخرى، ولو راجعنا معاجم اللغة فإننا سنجد تعريفات كثيرة للخيانة والتي تنطبق على رجال العصابات الإسلامية بشكل كامل.

الأحزاب الإسلامية (شيعية وسنّية) مارست فعل الخيانة بحق العراق أرضا وشعبا وإقتصادا بشكل تفّوقت فيه على أكثر من خان بلاده على مرّ العصور، فلم ينقل لنا التأريخ على حدّ علمي أخبارا عن خيانة بحجم خيانة هذه الأحزاب لتراب وطنها وفقراء شعبها. فالأحزاب الإسلامية وعن طريق ميليشياتها وعصاباتها شنّت وتشنّ حروباً شعواء ضد مواطنين عراقيين ليس لشيء الّا كونهم من طائفة أخرى، وبذا عرّضت السلم الأهلي للخطر وفتحت الأبواب مشرعة لتدخل الدول الإقليمية في الشأن الداخلي للبلد معرّضة بهذه الحالة إستقلاله السياسي للخطر، وعن هذا الطريق مارست أكثر أشكال الخيانة بشاعة وهي تقدّم المساعدة لبلدان الجوار كي تستقر وتتطور على حساب شعبنا ومستقبله.

الأحزاب الإسلامية وحسب ما جاء بالدستور الامريكي في حالتنا اليوم هي أحزاب خائنة للبلد، ولكننا لو رأينا تعريفات الدول الاقليمية للخيانة والتي تدين هذه الأحزاب لها، فأنها لا تخرج عن مفهوم الخيانة عند أربابهم الامريكان. فإيران مثلا تعتبر منظمة مجاهدي خلق منظمة مارست فعل الخيانة تجاه شعبها ووطنها حينما رمت بنفسها في أحضان صدام حسين على الرغم من أنّ هذه المنظمة تأسست في إيران وقارعت ببطولة نظام الشاه وساهمت مساهمة فعّالة مع باقي القوى الوطنية بإسقاطه. وهذه المنظمة تعرّضت للإعتداءات المستمرة على معسكرها "معسكر أشرف" من قبل الميليشيات المسلّحة المدعومة من إيران لأنّها مارست فعل الخيانة تجاه بلدها "إيران" بأوامر مباشرة من ولي الفقيه هناك.

فإن كانت منظمة مجاهدي خلق منظمة خائنة لشعبها ووطنها بنظر الحكومة الإيرانية وعملائها في بغداد، فما هو الوصف الذي من الممكن إطلاقه على أحزاب وعصابات مسلّحة "عراقية" تأسست في طهران تعتبر نفسها وبشكل علني مخلب قط إيراني في مواجهة شعبها وإذلال وطنها!؟ وتقاتل ليكون "بلدها" حديقة خلفية وساتر أخير لإيران أمام هجمات قوى الإرهاب. وما هو الوصف الذي من الممكن إطلاقه لعصابات مسّلحة أدخلت كل زناة الأرض لوطنها بأوامر واضحة وصريحة من قبل مثلث الشيطان (التركي – السعودي – القطري)، وساهمت بقتل الآلاف من أبناء "شعبها" وإغتصاب نساءه وتدمير البنى التحتية بالبلاد وإرتكابها أكبر جريمة بحق تاريخ وتراث بلدها بتفجيرها لآثار تعود لآلاف سنوات خلت!! هل هناك وصف لهذه الميليشيات الإسلامية غير الخيانة؟

أنّ شعبنا الذي يعاني البطالة والجوع وإنعدام الخدمات والأمن والأمّية والجهل والتخلف هو صاحب 1000 مليار دولار دخلت خزائنه في فترة ما بعد الإحتلال لليوم، فأين هي أمواله؟ لو رجعنا الى كم الأموال العراقية المهرّبة من قبل زعماء العصابات الإسلامية الى إيران والأردن ولبنان ودبي وأنقرة لعرفنا حجم الخيانة التي فاق بها هؤلاء الإسلاميون كل خونة العالم، بل وفاقوا حتّى أنفسهم في هذا المجال. لو راجعنا الفائض التجاري العرقي مع هذه البلدان لعرفنا حجم الخيانة الكارثية بحق العراق وشعبه ومستقبلهما، لو فتّشنا عن مصانعنا المتوقفة كي يفسح الإسلاميون المجال لصناعات تلك الدول بالنمو لشعرنا بحجم خيانتهم وأبعادها؟ لو القينا نظرة على قطّاعنا الزراعي لعرفنا أننا أمام غول جوع قادم مع موت أراضينا الزراعية نتيجة إهمال العصابات الاسلامية التي في سدّة الحكم من جهة والتغيرّات المناخية نتيجة ضعف مواجهتها لقلّة الأموال والخبرة والإرادة من جهة أخرى!!

أن العصابات الإسلامية لا تعرف من خطط التنمية شيئا، وإن عرفت فأنها ستصطدم بالفيتو الإقليمي الذي يريد العراق ضعيفا وهشّا وغير قابل ولا قادر للنهوض. ومن يترجم الفيتو هذا الى حقيقة في بلدنا هم خونة الشعب والوطن، أي الأحزاب الإسلامية.

لم يبقى الّا الهواء كي نستورده من هذه البلدان وقد نستورده غدا.

إذا خانك الشخص مرّة فهذا ذنبه، أما إذا خانك مرتين فهذا ذنبك أنت.. "فرانكلين روزفلت"

فكم مرّة علينا تحمّل خيانة الإسلاميين لنا؟


 

زكي رضا
الدنمارك
12/12/2016





239
الأحزاب الشيعية وترسيخ الطائفية ..... الجيش مثالا


هل الجيش العراقي الحالي جيش وطني، أي هل هو جيش العراق بطوائفه وقومياته المتعددة؟ وهل هناك إمكانية بناء جيش محترف ومنظّم للدفاع عن الوطن في ظل حكم طائفي؟ أسئلة تطرح نفسها بقوة ونحن نرى بوادر بناء جيش عراقي تصطدم بفكر طائفي تديره مؤسسة دينية وأحزاب سياسية يعتاشون على بعضهما البعض.

بداية علينا التأكيد أنّ بناء جيش عراقي وطني قوي ومحترف لا يصب في مصلحة دول الجوار، ليس كون الجيش العراقي عهد البعث الساقط  شنّ حروب عبثية على بعض هذه البلدان، وليس لأنّه إستخدم القوّة المفرطة في قمعه أبناء شعبنا في كوردستان أو الجنوب أثناء الإنتفاضة الآذارية. بل لانّ جيش عراقي وطني حقيقي سيشكل خطرا على الميليشيات التي تديرها دولة جارة، وهذا يعني إنحسار سلطة هذه الدولة لحدود كبيرة عن التأثير في مجمل القرار العراقي الذي تحرك اليوم خيوطه مثلما تريد.

أنّ الدعوي " حيدر العبادي" هو كما " البعثي  " صدّام حسين" قائدا عامّا للقوات المسلّحة وللأسف الشديد، وكما وقعت على عاتق الثاني أمر إهانة الجيش العراقي وتدميره بعد أن قام بإعدام وقتل خيرة قادته وتعيين مدنيين فاشلين لقيادة وحداته الضاربة ، وأدخله في حروب عبثية ضد بلدان الجوار وشعبنا بالداخل. فإنّ الثاني يتحمل أكبر إهانة وُجّهت للجيش منذ تأسيسه لليوم ، إهانة لم تحصل  لجيش على مرّ التاريخ الحديث، وهي أن يقسم ضباط تخرجوا للتو من كلياتهم العسكرية ، قسم الولاء للوطن المتعدد الطوائف والقوميات والمذاهب والأديان كما العراق في ضريحي إمامين شيعيين، بدلا من القسم في معسكراتهم أو في كلياتهم التي تخرجوا منها. و يتحمل العبادي أيضا إهانة الرتب العسكرية من قادة وأساتذة عندما ردّد الخريجون الجدد القسم " الطائفي" أمام معمّم شيعي بدلا عن قادة الجيش وأساتذة كلياته المختلفة!!!

أنّ هذه الحالة الغريبة على تاريخ الجيش العراقي وغيره من الجيوش تعني أنّ الضبّاط الجدد الذين أدوا قسم الولاء الطائفي هم جميعا من أبناء الطائفة الشيعية، وهذا يعني ترسيخ  المفاهيم الطائفية في أكثر المؤسسات حساسية في العراق. وإن يكن الخريجين جميعهم من أبناء طائفة واحدة فهذا يعني قمع أبناء الطوائف والقوميات الاخرى وإحساسهم بالدونيّة.

مع جلّ إعتزازنا بالإمام الحسين بن علي وأخيه العبّاس فإننا نتساءل إن كان الجيش الإيراني يقسم قسم الولاء لوطنه في ضريح الإمام الرضا وأمام رجل دين شيعي؟ وإن كان الجيش الملكي السعودي يقسم قسم الولاء أمام شيخ وهّابي في مكّة؟ وإن كانت الجيوش الغربية " مسيحية" تقسم قسم الولاء لوطنها في الفاتيكان؟

يكذب من يشك ولو للحظة بطائفية العبادي وحزبه وعمالتهم للأجنبي على حساب شعبنا وكرامته  ووطننا ووحدته.

زكي رضا
الدنمارك
8/12/2016

 

240
سنده عيدي ... سوش خيدي ... سلوس فيدي*

بدلا من بناء دولة المواطنة للعبور بالوطن الى شاطيء الأمان لرسم مستقبل أبهى وأجمل لأجيالنا القادمة، وبدلا من العمل على إقرار قوانين تحترم الوطن والمواطن وتخرج بلادنا من دوّامة العبث والموت والضياع اليومي.  أعادت المؤسسة الدينية المتخلّفة ممثّلة بالأحزاب الدينية المهيمنة على المشهد السياسي الحياة لعقد زواجها الكاثوليكي مع أسوأ مؤسسة متخلفة عرفتها البشرية على مرّعصورها تلك التي تجاوزتها بلدان كثيرة، أي المؤسسة العشائرية، من خلال قانون برلماني بإسم "مجلس قبائل وعشائر العراق" .

أنّ تاريخ العشائر العراقية وعلى الأقّل منذ حقبة سلطة البعث الثانية ولليوم هو تاريخ أسود ومشبوه وإجرامي، فهذه العشائر ممثّلة بشيوخها ورثة الإقطاعيين السابقين جلّادي بسطاء الفلاحين وسارقي قوتهم والمتحالفين على الدوام مع المؤسسة الدينية. كانوا عملاء للبعث وأدلّاء أذلّاء له وهم يسلّمون أبناء عشائرهم  الفارّين من جبهات الموت لأجهزته الأمنيّة ليتم إعدامهم. وشيوخ العشائر اليوم هم أولئك الخانعين الذين نفاهم الطاغية صدام حسين الى الرمادي بدايات سبعينيات القرن الماضي ليقيموا فيها أقامة إلزامية دون أن ينبسوا ببنت شفة. ليعودوا بعدها بأمر منه محمّلين بهداياه على ان يكونوا جواسيس له ولنظامه ضد أبنائهم ونفّذوا تلك المهمة بنجاح منقطع النظير.

 الاحزاب الدينية المتحالفة اليوم مع المؤسسة العشائرية وريثة البعث بأسوأ أشكاله فأنها ولكي تستمر بالحياة أعادت هذه المؤسسة المسخ الى الحياة بشكل رسمي وقانوني ، كما شرعنت العصابات بشكل رسمي وقانوني بالأمس. أنّ هذا القانون هو وجه آخر للفساد وسرقة المال العام الذي تتفنن المؤسسة الدينية والاحزاب الدينية بأيجاد السبل الجديدة منها كل يوم لنهب ثروات الفقراء ومنهم أبناء هذه العشائر. والأهم في هذا القانون هو أن تكون العشائر المسلّحة هذه هي الظهير والعمق لهذه الاحزاب في السلم والحرب، والمدافعة عن ساسة الفساد الذين يستنجدون بعشائرهم كلّما واجهت أحدهم مشكلة ما مع سياسي آخر، وقد لاحظنا ذلك عندما إستنجدت "حنان الفتلاوي" بعشيرتها بعد أن أتّهمها "ابو گلل" من أنّها إنبطاحية!

بعيدا عن السياسة وقريبا من الأدب الساخر الذي أبدع فيه الراحل "شمران الياسري – أبو گاطع" في الجزء الرابع من روايته "فلوس حميّد"، نستطيع أن نتعرف على طرق وأساليب غاية في الدناءة وتدل على نفسية وضيعة لرجال الدين وهم يستغلّون بساطة الريفي من ابناء العشائر لسرقتهم. وهذا ما يفعلونه اليوم أيضا على الرغم من نهبهم ومعهم أشباه الرجال من الأحزاب الاسلامية لمئات مليارات الدولارات من ثروات شعبنا.

في تلك الرواية عرف معممّين أحدهما سيّد "حسن الكربلائي" والشيخ "محمد رضا" أنّ "صالح ابو البينه" رجل العشيرة البسيط قد باع "حلاله" ويملك اليوم مالا وفيرا، ولأنّهما ظلّ الله على أرضه فلهما حصّة من هذا المال وإن كان على حساب بؤس وجوع فقراء الناس. فتوجها الى حيث يقيم خارج الديرة، وما أن شاهدهما "ابو البينه" (حتّى أنكبّ على قدم السيد بعد تقبيل يديه وأنتحب باكيا من فرط التأثر) ليقول الشيخ محمد رضا بلغة الموامنة "سوش خيدي سداس ميدي" أي "خوش مداس"، ليجيبه السيد الكربلائي "سنده عيدي ... سوش خيدي ... سلوس فيدي" أي "عنده خوش فلوس".

بهذا القانون تقود الأحزاب الإسلامية ومن ورائها المؤسسة الدينية الراعية لها العراق الى الحضيض، بعد أن تمنح ما يسمّى برؤساء العشائر والقبائل والأفخاذ صلاحيات واسعة لدفع البسطاء من أبناء عشائرهم لإنتخاب هذه الأحزاب في كل إنتخابات من جهة، ولتحل المؤسسة العشائرية وقوانينها الرجعية المتخلفة محل القانون في بلد يقوده تحالف إسمه "دولة القانون !!!!"، ولينهب زعماء العشائر أبناء العشائر البسطاء والفقراء لصالح هذه الاحزاب الدينية.

"ساح ريدي. سحط إيدي.سلاو كيدي. سراسه بيدي"  أي "راح أحط كلاو براسه"... 

من أين نأتي بأبي گاطع اليوم لنقول له أنّ المؤسسة الدينية والإقطاعيين الجدد من الاحزاب الإسلامية "حطو كلاو بروس شعبنا".

نحن بإنتظار أن يسنّ البرلمان  العراقي"قانون الحسينيات والجوامع" .... حتّى تكتمل السبحة.

*عنوان المقالة من حوار في رباعية أبو گاطع – فلوس حميّد.

زكي رضا
الدنمارك
5/12/2016










241
كم هدى عمّاش لدينا في العراق الإسلامي!!؟؟


أفاقت محكمة الجنايات المختصّة بقضايا النزاهة من نومها اللذيذ بعسل الإمتيازات المافيوية لتصدر حكما بحقّ " المدانة هدى صالح مهدي عماش التي كانت تشغل منصب وكيل وزير التربية في فترة حكم النظام السابق يقضي بالسجن مُدَّة خمسة عشر عاماً؛ لتجاوزها على المال العامِّ". جميل جدا موقف المحكمة هذا وهي تبحث عن اللصوص وان مرّت على سرقاتهم عشرات السنين، فالمحكمة الموقّرة لا تأخذها في الحقّ لومة لائم وهذا دلالة عن حرصها على المال العام.

وكانت المحكمة قد إستندت في قرارها على التحقيقات التي أجرتها دائرة التحقيقات بقضايا النزاهة التي توصلّت الى إستغلال المتهمة الهاربة من العدالة "هدى صالح مهدي عمّاش" لمنصبها الوظيفي كوكيل وزير التربية وقتها وإستحواذها دون وجه حق على "خمس سيّارات حكومية نوع بيك آب دبل قمارة" تابعة للوزارة!!!.

هل "هدى عمّاش" إستغلّت موقعها الوظيفي وقتها؟ لسنا بحاجة ونحن خبرنا حكم سنوات البعث الفاشي التي إمتدّت لما يقارب الأربعة عقود، من أنّها وغيرها من مسؤولي النظام البعثي كانوا يستغلّون مواقعهم الوظيفية لنهب المال العام وخصوصا إثناء فترة الحصار. ولسنا بحاجة أيضا لنعرف إن كنّا منصفين في تقييمنا لسنوات السبعينات من أنّ إستغلال الوظيفة لنهب المال العام كان حكرا فقط على دائرة مقرّبة من القيادة البعثية وأجهزتها الأمنية، إذ كان الفساد حينها على مستوى مقبول في بلد كالعراق مقارنة بما نحن عليه اليوم.

الأمر المثير للعجب هو أنّ محكمة الجنايات المختصّة بقضايا النزاهة التي تذّكرت "هدي عمّاش" عندما كانت وكيل وزير التربية بالعهد البعثي، لا تتذكر مطلقا نهب المال العام في هذه الوزارة عهد العراق الإسلامي! فالمحكمة وهيئة النزاهة ينامون نومة أهل الكهف عندما يتعلق الأمر بقضية المدارس الهيكلية التي نهب منها "خضير الخزاعي" عشرات ملايين الدولارات حينما كان وزيرا للتربية بعد أن أسند مهمة "بناء" تلك المدارس لشركة إيرانية نصبت الهياكل وسرقت كما الخزاعي أموال شعبنا. ومحكمة الجنايات المختصة بهيئة النزاهة مرّت مرور الكرام على ملف عدم توزيع المناهج الدراسية لما يقارب الستة ملايين تلميذة وتلميذ العام الدراسي الجاري، ولم تفتح أي تحقيق في هذه الأمر الذي يعتبر وصمة عار في جبين سلطة المحاصصة. ونفس الهيئة لا تفتح أي تحقيق في إنتشار المدارس الطينية أو تلك التي في الهواء الطلق!! على الرغم من الميزانيات الفلكية للحكومات العراقية المتعاقبة منذ الإحتلال لليوم، والهيئة أصيبت بالعمى عندما لا ترى طلبة العراق يفترشون الأرض في العديد من المدارس لنقص في المستلزمات!.

أنّ القضاء العراقي بقراره هذا يدين نفسه بنفسه ويؤكد من أنّه قضاء غير نزيه وغير عادل ومرتشي ويقف الى جانب ناهبي ثروات شعبنا، فقضايا الفساد وهدر المال العام ليست حالة في العراق اليوم بل ظاهرة واسعة الإنتشار أبطالها معروفين ومنهم وللأسف الشديد السلطة القضائية نفسها، التي أدانت متّهمة سرقت "خمس سيارات بيك آب" ولا تدين متّهما كعبد الفلاح السوداني سرق المليارات على سبيل المثال!!

تحضرني هنا كناية بغدادية تنطبق على الآلاف من أمثال "هدى عماش" في عراق اليوم وهي (إيده خفيفة) والتي تقال عن اللص الذي يستطيع أن يسرق، وأن يخفي ما سرقه عن عيون الناس، على الرغم من أننا نستطيع رؤية السارق والمال المسروق. وفيها هجا الفرزدق "عمر بن هبيرة الفزاري"، لمّا ولّاه يزيد بن عبد الملك العراقين، أذ قال ...

أمير المؤمنين، وأنت عفّ ..... كريم، لستَ بالطبع الحريص
أولّيت العراق ورافديه ............... فزارّيا، أحذّ يد القميص
ولم يك قبلها راعي مخاض ......... ليأمنه على وركي قلوص
تفيهق بالعراق أبو المثّنى ............... وعلّم أهله أكل الخبيص

يريد بقوله: أحذّ القميص، أنّ ردن قميصه مقطوعة، ليتمكن من تحريك يده عند السرقة كيفما أراد (*) .

أننا اليوم لسنا بحاجة لشاعر كالفرزدق لنرى المتفيقهين من المتوضئة أياديهم ممّن تولوا أمر العراق ورافديه، من الذين لم يكن أحدهم قبلها راعي مخاض لنكتشف أصولهم وسرقاتهم.

أن تسرق خمس سيّارات بيك آب جريمة لا تغتفر وأن تنهب المليارات مسألة فيها نظر... وعذرا للشاعر أديب أسحاق.
 


(*) الأغاني ج 21 ص 311


زكي رضا
الدنمارك
30/11/2016



242
"البرلمان العراقي" يشرعن المافيا قانونيا


أقرّ "البرلمان العراقي" قبل أيّام بالأغلبية الطائفية قانون دمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي بعد أخذ وردّ أنتهى أخيرا الى إقراره دون الإلتفات الى الأصوات النشاز المعارضة له على قول النائب عن ميليشيا بدر السيد حنين القدو، الذي تحدث بلغة (الأشقيائية) وبعيدا كل البعد عن العرف السياسي حينما أشار في تصريح له الى السومرية نيوز ان "تهديدات البعض بمقاطعة العملية السياسية في حال تمرير قانون الحشد الشعبي لا قيمة لها، ومن يريد المقاطعة ليفعل ما يشاء". كما أبدى القدو أسفه وعن حق الى إرتباط القوى ذات الأصوات النشاز بعواصم إقليمية حينما أشار الى (وجود بعض القيادات السياسية التي مازالت حتى اللحظة تستلم التعليمات من تركيا والسعودية وقطر"، مشيرا الى أنها "تعمل وفق اجندات تلك الدول لإضعاف العملية السياسية ونسفها بشكل كامل")، ومن حقنا هنا أن نبدي أسفنا وعن حق أيضا الى وجود بعض القيادات السياسية ومنها قيادات ميليشيا بدر وغيرها من الميليشيات التي لازالت حتّى اللحظة تستلم أوامرها من طهران، بل أنّ الغالبية العظمى من هذه الميليشيات وعلى رأسها ميليشيا بدر شُكّلَت عسكريا وآيدولوجيا في طهران، وعليه فإن زعماء العصابات السنية والشيعية كلاهما عملاء للعواصم الإقليمية النافذة بالشأن العراقي وهذه حقيقة يعرفها الشارع العراقي بشكل جيد، ولا يستطيع لا القدو ولا غير القدو حجب هذه الحقيقة بغربال الكذب.

لقد تشكل الحشد الشعبي بصيغته الحالية إثر فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنها السيد السيستاني لمواجهة خطر تنظيم داعش الإرهابي، هذه الفتوى التي دفعت عشرات الآلاف من مقلّديه وغيرهم الى التطوع في تشكيلات شبه نظامية للدفاع عن المدن العراقية التي كانت تحت مرمى التهديد الجدّي لعصابات داعش، خصوصا بعد أنهيار الجيش الذي كان بعهدة المالكي وتسليمه ثلث مساحة البلاد الى هذا التنظيم الهمجي. لكن الحشد الشعبي بعد الفتوى كان بالحقيقة حشدان، أولهما هم أولئك المتطوعين المدفوعين بفتوى السيد السيستاني من الذين لم يكن يملك الكثير منهم حتّى مصاريف المواصلات من والى مدنهم وهم وقود الحرب الفعلية، وحشد ثان كان موجودا أصلا على شكل ميليشيات مسلّحة تم تأسيسها وتدريبها وتمويلها من طهران لتساهم في إرباك الوضع الداخلي لحين حصولها على غطاء قانوني لحماية مصالحها المتشعبة بالبلد من جهة، وللمشاركة في القتال الى جانب القوات المسلحة السورية وحزب الله اللبناني في سوريا أي بنادق للإيجار من جهة ثانية.

إن إقرار "البرلمان العراقي" لدمج الحشد الشعبي مع الجيش العراقي منح ليس المتطوعين بل تلك العصابات "الميليشيات" الصيغة القانونية للعمل كون الدستور يمنع تشكيل الميليشيا وفق الفقرة (ب) من المادة التاسعة التي تنص على : (يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة). هذه الصيغة القانونية والشرعية تعني هيمنة مافيات الميليشيات المسلحة على مساحات واسعة من الحياة السياسية والإقتصادية والعسكرية حال الإنتهاء من محاربة تنظيم داعش الإرهابي، إذ ستطالب هذه العصابات بحصّتها خصوصا وأنها تعتبر نفسها العامل الحاسم في المعركة.

أنّ تجربة الحرس الثوري في إيران وهو الراعي الأساسي لهذه الميليشيات هي تجربة مريرة كلّفت إيران الكثير كون الحرس الثوري وبعد أنتهاء الحرب العراقية الإيرانية وبدعم من ولي الفقيه تحول الى غول عسكري وسياسي وإقتصادي، فالحرس الثوري يمتلك قوات نظامية "كانت شبه نظامية" من مختلف الصنوف والتي لا تقل أن لم تكن تزيد قدرة تسلحية وتنظيمية عن الجيش الإيراني وهي حامية نظام ولي الفقية من أي تحرك للجيش أن فكر يوما بالتحرك ضد السلطة هناك، ولذا فأن ما يقوله العبادي من ان الحشد هو تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة ليس سوى نكتة. أمّا سياسيا فأن الحرس الثوري هو من يدير العملية السياسية من خلف الستار عكس الميليشيات عندنا والتي لها ممثلوها في السلطات الثلاث وبقوة وميليشيا بدر اليوم ، وغدا غيرها مثالا. أمّا العامل الأكثر أهمية كونه يشكل عصب الحياة عند الحرس الثوري هو العامل الإقتصادي، لذا نرى أن نسبة كبيرة قد تصل وفق معطيات غير رسمية الى ما يقارب الثمانين بالمئة من الاقتصاد الايراني هي تحت هيمنة الحرس الثوري، وهذه ما سيكون عليه الوضع بالعراق حال الانتهاء من محاربة داعش، فالعصابات المسلحة والتي أقّر (البرلمان العراقي) شرعيتها قانونياً ستتحكم بالإقتصاد والسوق العراقيين مناصفة مع الحرس الثوري ومؤسساته الإقتصادية والمالية.

ختاما أودّ القول أنّ طلب عملاء الرياض وانقرة والدوحة من عملاء طهران بتحديد نسب مئوية للمكون السنّي ضمن تشكيلات الحشد الشعبي والذي رفضته قيادات التحالف الشيعي هو طلب دستوري للأسف الشديد وفق المادة التاسعة،المادة (9):
اولاً :ـ أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة)، كون الحشد وفق القانون الاخير أصبح جزء من القوات المسلحة العراقية.

الى شعبنا الحالم بغد أفضل تحت حكم العصابات السنية والشيعية أقول "تالي الليل تسمع حس العياط".


زكي رضا
الدنمارك
28/11/2016



243
أبو كرتونة.. أبو الخضرة .. أبو الصمون


بالأمس توفي الفنان المصري محمود عبدالعزيز ليطوي بذلك سنوات من التمثيل التلفزيوني والسينمائي والتي قدّم من خلالهما مسلسلات وأفلام عدّة، وكان واحدا من تلك الأفلام هو فلم "أبو كرتونه". لقد عكس فلم أبو كرتونه الذي تمّ إنتاجه في بداية تسعينيات القرن الماضي بشكل دقيق واقع المؤسسات الحكومية الإنتاجية وكيفية الأستحواذ عليها من قبل القطط السمان الذين أبتلى بهم الشعب المصري.

الفلم يدور حول مؤسسة حكومية تتعرض للسرقات المستمرة من قبل الأدارة والتي تريد بالنهاية أن توصل المؤسسة "وهميا" للخسارة أمام هيئات الرقابة الحكومية، كي تبيع ماكناتها الضخمة والتي لازالت بحالة جيدة الى شركة من القطاع الخاص هي ملك لزوجة أحد المتنفذين بالشركة بأسعار بخسة. ولكي تكون الأمور مستوفية الشروط "القانونية" للبيع. كان على الإدارة أن تمنع وصول عمال أكفّاء وحريصين كمندوبين الى مجلس الإدارة خلال الانتخابات. وهنا بدأت الإدارة لعبتها بترشيح بعض العمال الهامشيين وغير المؤثرين وعديمي الشخصية "كأبو كرتونه وبهية جمعيات وغيرهما" في قوائم إنتخابية صرفت عليها الأموال وأستخدمت شتّى أساليب التزوير لإنتخابهم كمندوبين للعمال. وقد نجحت الإدارة بعد أول إجتماع لها مع الهيئة الادارية الجديدة بالحصول على تواقيع "أبو كرتونه وبهيه جمعيات ورفاقهما" لبيع الماكنات. الّا أنّ أبو كرتونه وتحت ضغط بعض العمال يكتشف فداحة خطأه فيقوم وزملائه بتصحيح موقفهم في نهاية الفلم.

أنّ ما جرى ويجري في العراق اليوم لا يختلف بشيء عمّا شاهدناه في فلم أبو كرتونه، فالأحزاب المهيمنة على السلطة وكي تستمر في نهبها لثروات بلدنا عليها أن ترشح دوما ضمن قوائمها الإنتخابية العشرات من أمثال "أبو كرتونه وبهية جمعيات" والتي تصرف عليهم أثناء الإنتخابات وقبلها الملايين لتسويقهم في بازار الإنتخابات. ومثلما "رشّ" مندوب الإدارة الاموال على بعض العمال لإنتخاب "ابو كرتونه " في الفلم، فأن رؤساء العصابات "الأحزاب" لديهم مندوبيهم الذين "يرشّون" الاموال والهواتف وأكياس البطاطا وسندات وهمية لإمتلاك الاراضي وغيرها من الرشى على الجماهير كي ينتخبوا ممثّليهم، وهؤلاء الممثّلين هم ما بين "أبو الخضرة وأبو الصمّون وغيرهما"، من الذين يوقعون على أي سند لبيع أي شيء في العراق وإن كان العراق نفسه.

أن يتوقع إمرءً ما ، في أن يفكر رؤساء العصابات "الاحزاب الحاكمة" بأحوال الشركة "الوطن" لإنقاذه من الدمار الذي يعيشه فأنّ أحلام هذا المرء ليست وردية فقط بل هي الوان قوس وقزح، وأن يتوقع إمرء ما ، في أن يتحلى "أبو الخضرة وأبو الصمّون" بروح وطنية أو أن يكتشف خطأه ليعيد للشركة "الوطن" ما تمت سرقته فأن أحلام هذا المرء لا حدود لها على الإطلاق. أما أن يتوقع إمرء ما ، في أن يخرج رجال من تلك العصابات "الأحزاب" لتصحيح أمور الشركة "الوطن" بعيدا عن مصالح تلك العصابات ورؤسائها فأنها الكارثة بعينها.

الى الوقت الذي يكون في الشركة "الوطن" عمّال "جماهير" واعون وحريصون على ماكناته "ثرواته" أترك القاريء الكريم بقطعة فيسبوكية لصديق لي يقول فيها : "يحكى ان هناك ملكا جمع الناس كلهم ووضعهم في حلبة للصراع، ووضع شروطا للنجاة بأن يأكل بعضهم بعضا بطرق مختلفة وكل حسب قدرته، وقد تناقلت لنا الأخبار عبر التاريخ أنّ هذا الملك كان يحب شعبه حبّا عظيما ولا يوصف!!!".

أبو كرتونه حبيب الكل .. أبو كرتونه زي الفل



زكي رضا
الدنمارك
15/11/2016

244

دار .. داران .. ثلاثة نواب

حكومتنا إسلامية بإمتياز، فهي تبني المساجد والحسينيات بالمئات حتى أصيب البلد منهما بالتخمة، وحكومتنا تهرول الى النجف حيث المرجعية لتتبارك بها وتستأنس برأيها في كل شاردة وواردة، وحكومتنا لا تنتخب رئيسها الا من خلال مباركة ووصاية الولي الفقيه بعد أن تجتمع مع ممثليه في طهران، وحكومتنا لإسلاميتها جعلت أيام العيد لأول مرّة في تاريخ الإسلام مضاعفة تقريبا، وحكومتنا تسنّ قوانين تحافظ فيها على بيضة الإسلام كمنع الخمور!!، وحكومتنا تفسح المجال أمام رجال عصاباتها لمهاجمة النوادي الإجتماعية وتدميرها وحتى قتل البعض من روادّها وتهديد الباقين منهم لأنهم "ينشرون" الرذيلة!!.

حكومتنا أمّية حتى في قراءة دينها ومذهبها فعلى سبيل المثال لا الحصر فأن "القاضي" محمود الحسن يعتبر "العدل أساس الملك" وهي مقولة لـ "إبن خلدون"، آية قرآنية!!، حكومتنا أمّية في قراءة معنى الوطن والمواطن فتراها تخون البلد بتسليمها ثلث مساحته لداعش، حكومتنا لا أخلاق لها كونها تمارس رشوة الناس وشراء ذممهم بالمال السحت ، حكومتنا فاسدة حتى في ما يتعلق بقوت الناس فتراها تستورد مواداً غذائية غير صالحة للأستهلاك الآدمي، حكومتنا تتعاون مع ميليشيات أحزابها لسرقة كل شيء بالبلد فترى في عهدها أن مطارا عسكريا كمطار البصرة يسرق نهارا جهارا، حكومتنا تمنح الحق لنفسها في أن يعتدي جلاوزتها على المواطنين متى ما أرادوا مثلما حصل لمدرب كرة قدم فريق كربلاء وقتله أو مقتل هادي المهدي ونشطاء التظاهرات المدنيين أو محمد بديوي وأخيرا كسر كتف الصحفي محمد فاضل الحسناوي بعد ضربه ضربا مبرحا وإطلاق الرصاص الحي عليه وغيرها الكثير من الحوادث، حكومتنا الإسلامية تعرف من أنّ القرآن بدأ بكلمة إقرأ الا انها تعمل جاهدة لتوسيع الجهل والتخلف والأمّية، حكومتنا الإسلامية تعرف أنّ آخر كلمة قالها محمد في خطبة رسمية كانت الأخلاق في خطبته الأخيرة المسماة "خطبة الوداع" حينما قال "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، الا اننا نراها بلا اخلاق وهي تعيد نواب الرئيس الثلاثة الى مناصبهم، علما من أنّ الرئيس نفسه بلا عمل!!

حكومتنا لا تخجل من شعبها ولا من نفسها ولا من الدول الأخرى فترى وزير تربيتها يلقي كلمة أمام مؤتمر الأيسيسكو المنعقد في تونس يتناول فيها "الواقع التربوي للعراق والتحديات التي يواجهها، وعرض منجزات الوزارة بخصوص تطويرها والارتقاء بها، فضلاً عن طرح ورقة عمل خاصة بالمؤتمر تتضمن مجموعة من المقترحات والتوصيات على المستوى التربوي للدول الأعضاء وسبل تطويره"!! علما أنّ الوزير وحكومته فشلا في توفير المناهج الدراسية لما يقارب الخمسة مليون تلميذة وتلميذ.

حكومتنا تخرّج معظم رجالاتها في مرحلة كان فيها التعليم مجاني وإلزامي، الا انها تقف بالضد من مجانية التعليم وتعمل على تسريح اكبر عدد ممكن من الطلبة الى الشوارع! حكومتنا إمتلكت واللواتي من قبلها أكبر ميزانية في تاريخ العراق والكثير من بلدان العالم والمنطقة الا انها لم تكتفي بسرقة غالبيتها بل ضيعت الباقي من خلال فساد لم تشهده دولة على سطح هذا الكوكب من قبل.

في الغد ستخرج الملايين سيرا على الأقدام الى كربلاء بمناسبة أربعينية الامام الحسين، ولكنها لا تمتلك حسّا انسانيا تجاه أبنائها لتسير بعد انتهاء زيارتها ، الى الخضراء لتطالب بحق امتلاك ابناءها لكتب دراسية!! فهل العيب بحكومتنا فقط أم يتحمل شعبنا جزء لا بأس به من دمار مستقبله ومستقبل أبناءه في وطن إستباحه الطغاة؟

تعلمنا ان نقول دار .. داران .. واليوم نتعلم أن نقول ثلاثة نواب لرئيس عاطل.. تعلمنا أن نقول نار .. نيران وتعلمنا اليوم أن نطفيء نفوسنا أمام برلماني فاشل ... نسينا كل ما تعلمناه الا اننا لا ننسى ... نوري قاد بقرنا، فقودوا ايها الإسلاميون بقرنا فبعيرنا لا يترك التل حتى يخّيم الظلام الذي يلفُّ بسببكم العراق.

زكي رضا
الدنمارك
5/11/2016



245
نه غزّه نه لبنان جانم فداي إيران


كان من الممكن كتابة عنوان المقالة باللغة العربية بدلا من لغتها الأصلية وهي الفارسية بعد ترجمتها، الا انني إرتأيت كتابته باللغة الفارسية لسببين إثنين، أولهما كونه شعار رفعه متظاهرون إيرانيون في مناسبة قومية تهم شعبهم ووطنهم الذي يحترمونه، وثانيهما هو مخاطبة جماهير شعبنا وفي المقدمة منها جماهير الأحزاب الدينية ليعرفوا موقعهم تجاه "وطنهم" مقارنة بعشق الإيرانيين لوطنهم.

في مناسبة قومية حاول حكام إيران منذ نجاح الثورة الإيرانية محوها كما غيرها من الذاكرة الجمعية للشعوب الإيرانية، خرجت جماهير غفيرة تحتفل بذكرى دخول (كوروش بزرگ "الكبير") مدينة بابل رغم أنف السلطات الإيرانية التي منعت تسمية المواليد الذكور بإسم كوروش منذ نجاح الثورة لليوم. ويومها هتفت الجماهير الإيرانية بهتافين اولهما قومي يتحدى افكار الدولة الإسلامية وهو "ایران وطن ماست، کورش پدر ماست" والثاني سياسي يتناول تدخل إيران في شؤون بلدان أخرى بحجة الدفاع عن الإسلام والمسلمين وهو بالأحرى وسيلة لنشر افكار ولي الفقيه والدفاع عن المصالح الإيرانية في تلك البلدان وهذا الشعار هو "نه غزّه نه لبنان جانم فداي إيران".

لو تجاوزنا الشعار الاول وترجمته "إيران وطننا وكوروش أبانا" كوننا كعراقيين لا نملك مثل هذا الحس الوطني كي نقول مثلا "العراق وطننا وبانيبال او حمورابي او نبوخذ نصر أبانا" وذهبنا الى الشعار الثاني وترجمته "لا غزّة لا لبنان روحي فداء إيران". فإننا كعراقيين قد نقف بالضد من حاملي هذا الشعار ليس كونه شعار غير واقعي بل كون السلطات الإيرانية لم تزج بالشباب الإيراني في محرقة معارك سورية بل أرسلت مستشاريها فقط وهؤلاء هم من النخب العسكرية لحرس الثورة الإيرانية، ومقتلهم يسعد القوى المناوئة للحكومة الإيرانية ومنها هؤلاء المتظاهرين.

لو قرأنا بشيء من الدقة شعار "نه غزّه نه لبنان جانم فداي إيران - لا غزّة لا لبنان روحي فداء إيران -"، لرأيناه شعار حكومي إيراني وليس شعار آلاف من القوميين الفرس فقط، كون السلطات الايرانية كما ذكرنا قبل قليل لا تزج شبابها في معركة بعيدة عن أراضيها وإن كانت دفاعا عن مصالحها. ولماذا تفعل ذلك طالما تمتلك ساسة يأتمرون بأمرها وينفذّون مطالبها كالمالكي وبقية زعماء الإسلام السياسي الشيعي المرتبطين بحبل سري الى رحم ولي الفقيه في "حسينية جماران بطهران"، لماذا يبعثون شبابهم الى محرقة الموت اليومي في سوريا والميليشيات الشيعية ترسل خيرة أبنائنا وشبابنا مغررة بهم ليموتوا هناك دفاع عن نظام ارسل الينا آلاف البهائم البشرية بأوامر سعودية وقطرية. هل للدفاع عن المراقد الشيعية!؟ وإن كان كذلك فهل نحن الشيعة الوحيدون في المنطقة وأين هم ملايين الايرانيين الذي يزورون كربلاء في أربعينية الامام الحسين؟

على عكس الشعار القومي الايراني والذي هو شعار الحكومة الايرانية ايضا نرى المالكي في مؤتمر الصحوة الإسلامية المنعقد برعاية ايرانية ببغداد، يوسع من دائرة المعركة التي يريد منها زج ما تبقى من شبابنا في أتونها لتشمل اليمن إضافة الى سوريا عندما قال (أنا ارى على مستوى مواجهة هؤلاء الارهابيين ان عمليات "قادمون يا نينوى" تعني في وجهها الاخر "قادمون يا رقة" "قادمون يا حلب" "قادمون يا يمن"). علما أنّ الموصل وثلث مساحة العراق كان المالكي قد سلمها لداعش قبل سنتين.

ان يكون العراق ساحة معارك للدفاع عن طهران ونظامها هو هدف الاحزاب الشيعية الحاكمة وميليشياتها ومرجعياتها، وبدلا من ان تتحلى هذه الكيانات بشيء من الوطنية والألتفات الى حاجات الناس اليومية وحل مشاكل البلد التي تتناسل يوميا، نراها تريد فتح جبهات جديدة وفق نظرية "الحرب تلد حربا أخرى" للهروب من إلتزاماتها التي فشلت بها بإمتياز.

على هذه الكيانات وقبل أن توسع من دائرة الحرب الطائفية أن توفر الكتب المدرسية ليس لجميع الطلبة العراقيين بل للطلبة الشيعة فقط ، فهل بإستطاعتها ذلك!؟

زكي رضا
الدنمارك
1/11/2016

246
إنني أهنيء المرجعية وعلى رأسها السيستاني


كثيرا ما نرى وزراء ونواب برلمان وسياسيين و " مثقفين" إسلاميين و " قادة " عسكريين ومعممّين وقضاة يرفعون التهاني والتبريكات والتعازي تارة للمرجعية الدينية وعلى رأسهم السيستاني في مناسبات مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو عسكري ومنها ما هو ديني وطائفي. فنرى مثلا أنّ هؤلاء يزّفون للمرجعية آيات من التهاني بمناسبة " فوزهم " بالإنتخابات التي رعتها المرجعية التي تقف على مسافة واحدة من الجميع!!! وفي مكان آخر يرفعون اليها التهنئة بمناسبة تشكيل الحكومة على الرغم من انّها شكّلت في طهران بعد مخاض عسير. كما وأنّهم يزفون اليها التهاني بعد تحريرهم لمدينة ما علما من انّهم سلّموا تلك المدينة للإرهابيين الدواعش، ناهيك عن سيل التهاني في المناسبات الدينية كميلاد محمد او الطائفية من تلك التي تخصّ المناسبات الشيعية.

بالأمس خرج علينا القاضي "محمود الحسن" الذي عرفته الجماهير وهو يوزع سندات أراض كرشوة إنتخابية لصالح ولي نعمته الذي سلّم ثلث مساحة العراق لداعش أي المالكي على صفحته الشخصية في وسائل التواصل الإجتماعي "الفيسبوك"،  ليزف التهاني للمراجع الدينية في النجف الأشرف إذ كتب "نهنيء مراجعنا العظام والشعب العراقي كافّة بالتصويت على مشروع القانون الذي تقدم به القاضي محمود الحسن وصوتت عليه اللجنة والخاص بحظر واستيراد وتصنيع وبيع الخمور انواعها وهذا ما اكده الدستور العراقي بكافة القانونية"*، هذا القانون الذي يخالف الفقرتين "ب" و "ج" من المادة الثانية من الدستور واللتان تنصان على "لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية و لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور" على التوالي.

إن كان لهؤلاء الفاشلين مجتمعين أن يزفوا التهاني للمرجعية وهي فرحة بهذه التهاني، فأنني كمواطن عراقي ارى من واجبي أن أهنيء المراجع العظام على عظمة بلدنا في عهدهم وعهد الأحزاب التي تدور في فلكهم ومن خلالهم أهنيء ولي الفقيه الخامنئي على سير بلدنا بقوة ليكون جزء من ولاية الفقيه التي يقودها.

أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على عدم توفر الأمن في بلدنا منذ الإحتلال لليوم.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على إستشراء الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة وعلى أعلى المستويات.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على نهب ثروات البلد وتبديد ثروته الوطنية.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على إنهيار النظام التعليمي بالبلد وتسرب مئات آلاف الطلبة من المدارس.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على إنهيار القطاع الزراعي والصناعي.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على إنهيار القطاع الصحي وتفشي الأمراض بين صفوف الفقراء.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على عيش مئات الآلاف في العشوائيات.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على زيادة نسبة البطالة وإزدياد رقعة الفقر.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على زيادة جيوش الايتام والارامل ومعاناتهم.
أهنيء مراجعنا العظام وشعبنا العراقي على تفشي المخدرات القادمة من إيران بين شبابنا.

إننا نعيش اليوم زمن الإنحطاط الإسلامي بأكثر صوره بشاعة وهمجية، أننا نعيش عهد أسود لقوى ظلامية تريد أن تعيد شعبنا لصحارى نجد والحجاز من خلال مسخ آدمية الإنسان العراقي وقد نجحت لحدود بعيدة في مشروعها الجهنمي هذا. إننا نعيش زمن الإنحطاط الإسلامي الفاقد للكرامة والوطنية، أنه عهد اللصوص والمجرمين، أنّه عهد العمائم عمائم السحت والمال الحرام.

*أنا لن أنافق حتى ولو وضعوا.. بكفي المغارب والمشارق.. (الشاعر أحمد مطر).

https://www.facebook.com/mahmoud.alhassan.official/photos/a.824689274288214.1073741828.824515677638907/1180633665360438/?type=3&theater

زكي رضا
الدنمارك
24/10/2016


 





247
السلطان العثماني المتعجرف يهين الوالي الصفوي


بإسلوب القوي العنجهي والمستهتر في مواجهة الضعيف طلب الرئيس التركي "أوردغان" وعلى خلفية تواجد قواته العسكرية في معسكر بعشيقة وبعد طلب الحكومة العراقية خروج القوات التركية من البلاد. طلب  من رئيس الوزراء "حيدر العبادي" بأن "يعرف حدوده". وقد تجاوز "أوردغان" حدود اللياقة الدبلوماسية حينما وجّه كلامه الى العبادي بإستخفاف  قائلا "إنه يسيئ إلي، وأقول له أنت لست ندّي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدّك أولا"، وفق ما نقلته عنه وكالة أنباء الأناضول .

أمران مهمّان غابا عن بال حكومة المحاصصة في الخضراء وهي تريد أن تحرر الأراضي والمدن التي أحتلتها داعش الإرهابية نتيجة فشلها " الحكومة" منذ الإحتلال لليوم بترتيب البيت الداخلي العراقي. هذان الأمران لو عرف الإسلاميون قراءة التاريخ بشكل محايد لعرفوا ما هما، حتّى قبل أن يتطرق اليهما السلطان العثماني في معرض ردّه المتشنج والعصبي والمستهتر على الوالي الصفوي "العبادي". فأوردغان اليوم هو وريث السلطنة العثمانية وقرأ تاريخها جيدا وعرف من أن العراق هو البستان الذي يتقاتل بلده مع جاره الصفوي من أجله منذ قرون، واللذان دخلا بسبب هذه الحديقة في حروب طويلة وقاسية كان وقودها دوما أبناء العراق.

قال أوردغان في إجتماع إسلامي بأسطنبول أمور عدّة حول تواجد قواته في بعشيقة ودورها العسكري وترتيبات ما بعد تحرير الموصل وغيرها، الا ان الأمر الأهم والذي يعود اضافة الى عمق تاريخي وطويل في علاقات العراق بتركيا وقبلها بالدولة العثمانية ودور تركيا اليوم في رسم خارطة المنطقة ، والذي لا تريد سلطات بغداد معرفتها أو أنها تحاول تجاهلها. هو الدور الإيراني بالعراق والذي يتم بموافقة الحكومة العراقية وخصوصا "الشيعة" وتدخلها "ايران" بالشأن العراقي بشكل واضح وعلني، وهذا ما يقلق تركيا وحلفائها الإقليميين وبيادقها في الداخل.

دعونا نعود الى ما قاله السلطان العثماني في كلمته بأسطنبول ونقارنها بتبريرات الشاه الصفوي "خامنئي" حول سبب تدخلهم بالشأن العراقي، ليس لاننا لا نعرفها بل كون العبادي وحكومته وتحالفه الشيعي متعجبين من سلاطة لسان السلطان وعدم أحترامه لحكومة بغداد ممثلة بالسيد رئيس الوزراء ورفضه الأنسحاب من الأراضي العراقية.

أن أحد أهم أسباب تدخل الشاه الصفوي في الشأن السياسي العراقي عن طريق ولاته من التحالف الشيعي وهي عديدة هو، حماية الأراضي الايرانية من هجمات الارهابيين وضربهم في العمق العراقي وسلامة وأمن المسلمين ، والمسلمين هنا هم الشيعة!. ولو راجعنا حديث السلطان لرأيناه لا يخرج قيد أنملة عمّا يقوله الشاه، فالسلطان قال وبالحرف الواحد أن بلاده "ليست لديها مطامع ولو في شبر واحد من أراضي وسيادة غيرها ولا نملك هدفا غير حماية أراضينا وسلامة المسلمين في المنطقة". وترجمة حديث اوردغان هو ضرب الارهابيين حسب وصفه (والإرهابيين هنا هم ليسوا الدواعش الذين أحتلوا أراضينا بمعرفتهم بعد تمويلهم وتدريبهم في معسكرات تركية بل هم مقاتلي حزب العمال الكوردستاني)  في العمق العراقي وحماية المسلمين، والمسلمين هنا هم السنّة!. فما الفرق بين تبريرات الطرفين للتدخل بالشأن العراقي!!؟؟ 

إنّ الطرفان لا يهمّهما رد الفعل العراقي الرسمي كونهم يعرفون جيدا أنهم ليسوا أندادا لا للسلطان في أنقرة ولا للشاه في طهران، بل ويعرفون جيدا أنّ جميع الساسة العراقيين من التحالفين الشيعي والسنّي ومعهم الساسة الكورد ليسوا سوى بيادق شطرنج لا تتحرك الا بأوامر صادرة من العاصمتين، ويعملون على حماية مصالح العاصمتين على الضد من مصلحة "شعبهم ووطنهم"

ليس هناك أدنى شك بعدم لياقة السلطان العثماني من الناحية الدبلوماسية وتجاوزه الفظ على زعيم دولة جارة له، كما وليس هناك أدنى شك بضعف رئيس وزرائنا ومعه كامل الدولة العراقية في مواجهة أي رد فعل إقليمي على المستويين العسكري والسياسي. الا ان الأمر الوحيد الذي يجب على السلطات العراقية القيام به للرد على إستهتار السلطان هو تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي حول إنتهاك البساطيل التركية لحرمة أراضينا وتدنسيها، دون الخوض في مسألة التدخل بالشأن الداخلي لبلادنا لأن تركيا حينها ستتعذر بالتدخل الإيراني بالعراق والذي لا يحتاج الى إثبات أصلا.

نقول الأمر الوحيد لأن الأمر الآخر وهو إعادة ترتيب البيت الداخلي العراقي وإنهاء نظام المحاصصة وبناء دولة المؤسسات والقانون هو خارج قدرات حكومة الخضراء، التي لا تستطيع العيش الا في ظل "نظام سياسي" كما المعمول به اليوم. وهذا يعني أنّ سلسلة إهانات السلطان العلنية والشاه الضمنية لبلدنا وشعبنا ستستمر.

أن السلطان العثماني لا يستطيع أن يتحدث الى الشاه الصفوي بهذه اللغة المتعجرفة ولكنه يستطيع أن يتحدث بها الى والي الشاه وهذا ما فعله أوردغان تحديدا. فهل يعي العبادي وغيره من الإسلاميين ثقل هذه الإهانة ويعيدوا التفكير بمصير "بلدهم وشعبهم" قبل فوات الأوان؟

أنّ ساسة يضعون كامل بيض شعبهم في سلّة أنقرة كونهم سنّة أو في سلّة طهران كونهم شيعة ليسوا سوى عملاء.

زكي رضا
الدنمارك
12/10/2016
   



248
الأمام الحسين "ع" وأنا



كانت الصحراء حارقة كعادتها بعد أن توسطت الشمس كبد السماء وأنا لاأدري من الذي دفعني لخوض تلك الرمال الحارقة وحيدا، ليس معي الّا زوّادة صغيرة وزمزمية لم يتبقى فيها الا قليل من الماء. كان الماء هو الشيء الوحيد الذي أراه في كل خطوة أخطوها في تلك الرمال الواسعة كمحيط بلا نهاية، ولأنني لم أفقد سيطرتي على عقلي بعد لوجود ما يكفيني منه لساعة أو ساعتين من السير، فإنني كنت أعرف يقينا أنّ الماء الذي أراه ليس سوى سرابا.

في سكون كسكون الصحراء التي كنت أغذّ السير فيها وفي قيضها الذي سيرسم نهاية مفجعة لحياتي حين نفاذ آخر قطرات الماء التي معي، كان صوت الإنسان أو أي حيوان أليف أو أية شجرة أو نخلة هو الأمل الوحيد للهروب من الموت. ولكن من أين تأتي هذه المعجزة وأنا أتيه في أرض لم أمر بها من قبل ولا هناك أمل لأرى فيها من دفعته الأقدار لخوض رمالها في تلك الساعات مثلي.

لم يكن جلدي لذاتي وتعنيفها ساعتها سيساعد في خلاصي ممّا أنا فيه خصوصا وأنّ الماء الذي بتّ أراه يبتعد عنّي كلما إقتربت منه أصبح حقيقة، وبتّ وأنا أسير مترنحّا أنظر الى النسور وهي تحوم في الفضاء القريب منّي لأستشّف من طيرانها قرب أجلي. وبعد فترة من السير حلّقت النسور بعيدا وبات السراب أسودا على غير العادة وبدأت ملامحه تتضح كلمّا إقتربت منه، حتّى بتّ رغم التعب والإجهاد والعطش أرى تلك الملامح على شكل إبل وجياد وخيام وكأنها معسكر للبدو فزحفت الحياة الى جسدي المنهك، وبدأت السير نحو تلك الخيام.

لم أكن بحاجة الى تعليل وجودي في تلك الصحراء وفي ذلك الوقت كون الرجال في ذلك المعسكر "البدوي" كانوا طيبين جدا وتحدثّوا الي بأدب جم لم أكن أتوقعه وأنا أراهم متسلحين بالسيوف والرماح، وما أن إلتقطت أنفاسي قليلا حتّى كاد أن يغمى عليّ بعد أن عرفت أن تلك الخيام لم تكن الا معسكر الإمام الحسين "ع"!!!

عشرات آلاف الإبل كانت تغطي تلك الصحراء كأنها الكمأ بداية الربيع وكان الحادي يتهيأ والقافلة للمسير شمالا، ما جعلني أسأل الرجل متعحبا عن وجهة القافلة وهذا العدد الكبير من الإبل وحمولتها خصوصا وأن الإبل التي كانت مع الامام في مسيره الى كربلاء لم تتجاوز العشرات. فما كان منه الا ان يربت على كتفي قائلا، أنّ وجهة القافلة هي بغداد وأثقال الإبل هي الكرامة الإنسانية والثورة على الظلم، ليضيف بإبتسامة فيها الف الف معنى من أن مستقر القافلة سيكون تحت نصب الحرية في ساحة التحرير!!

هناك كما قال سيقف الإمام ليترجم وصيته (إنما خرجت لإصلاح الامر في أمّة جدي) ثورة ضد طغيان المتاجرين بإسمه، هناك سيقف بين العشرات من طالبي الإصلاح تاركا الملايين المسحوقة والمسروقة والتي لا تعرف معنى الثورة في سباتها تسير الى حيث جسده بعد أن ضيّعت أفكاره . تحت تلك الجدارية وكما قال لي محدثّي فأنّ الميليشياويين ومعهم فتوى عمائمهم سيقتلون (عبد الله الصغير) من جديد برصاصة من (حرملة) آخر. هناك سيحيط المتظاهرون المطالبين بالإصلاح بالإمام ليذودوا عنه وعياله بعد أن باعه شيعته من جديد الى يزيد الخضراء مقابل المال السحت.

تحت نصب الحرية وبين يدي الحسين"ع" سيقف العلمانيون المطالبين بالإصلاح كما هو صارخين بوجه أبناء أمية بالخضراء (أننا معك في طلبك الإصلاح وسنموت معك وسنفوز فوزا عظيما)، أهناك فوز أكبر من الإستشهاد في سبيل الناس والوطن؟ هناك بين يدي الحسين سيهتف العلمانيون قائلين (ما أهل كوفة نيستيم إمام تنها بماند .... ما ميرويم به خضرا إمام زنده بماند) (*) . نعم فنحن المتظاهرين تحت نصب الحرية لسنا كشيعة الحسين في الكوفة والعراق حينها واليوم لنتركه وحيدا يبكي مشروعه الإصلاحي الذي إستشهد من أجله، بل سنذهب للدفاع عنه من خلال مطالبتنا بالإصلاح ليحيا هو بمشروع إصلاحه.

من قتل الحسين قتل مشروعه الإصلاحي ومن يتظاهر اليوم يحمل ذلك المشروع، فكم هم مع قتلة الحسين من شيعته وكم هم مع مشروعه الإصلاحي.. ساحات التظاهر هي التي تحدد من هم شيعة الحسين ومن هم شيعة الدينار؟

لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد، هكذا كانت صرخة الحسين في يوم عاشوراء، أمّا شيعته السائرون الى حيث قبره فقط تاركين أفكاره فقد أعطوا أيديهم مرات عدة لليوم للصوص والقتلة إعطاء الذليل بإنتخابهم، ويفرّون من تظاهرات الإصلاح التي نادى بها الحسين فرار العبيد.

لله در أباك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع" وهو يصف شيعة العراق بعد أن ملؤوا قلبه قيحا حينما قال (وأعظكم بالموعظةِ البالغة فتتفرقون عنها، وأحضكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم ... أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبةُ عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أُمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه .. يا أهل الكوفة، منيتُ منكم بثلاث وأثنين ! صمٌ ذَوو أسماع، وبكمٌ ذَوو كلام، وعميٌ ذَوو أبصار. لا أحرار صدقٍ عند اللقاء، ولا إخوان ثقةٍ عند البلاء ! تَرِبت أيديكم ! يا أشباه الإبل غاب عنها رُعاتها ! كُلما جُمِعت من جانبٍ تفرقت من آخر...).

قوموا بجهاد أهل البغي بالخضراء لترضوا إمامكم إن كنتم حقّا من شيعته، إنهم يسرقون ويرتشون ويفسدون ويقتلون ويخونون وأنتم اليهم سمّاعون وتهتفون (علي وياك علي)، من قال لكم أنّ الإمام علي مع الباطل والفساد والرشوة والخيانة.

جاء في القرآن "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، لقد قتلت عمائم العراق وأحزابه الإسلامية هذه الآية، فذهبت عهدهم الأسود أموالنا كما يذهب الزبد ومكث الموت والدمار في أرضنا.


(*) شعار كان يهتف به الإيرانيون أثناء الحرب العراقية الإيرانية وترجمته (نحن لسنا كأهل الكوفة لنترك الإمام - الحسين - وحيدا .... نحن نذهب الى جبهات الحرب ليبقى الإمام - الخميني - حيّا).

 
زكي رضا
الدنمارك
7/10/2016




249
حزب الدعوة وإغتيال سانت ليغو


كانت تظاهرات شباط 2011 سببا أساسيا في إعتماد طريقة "سانت ليغو" لتوزيع المقاعد في إنتخابات مجالس المحافظات سنة 2013 ، ولم يقف ضد إقرار هذا القانون الذي غيّر جزئيا حينها شكل الحكومات المحلية الا حزب الدعوة ودولة لاقانونه. لقد فقد الدعاة وقائمتهم الإنتخابية وقتها مواقعهم الرئيسية في العديد من المحافظات ولم تأتِ الرياح بما تشتهي سفنهم على الرغم من إستخدام المال السحت لشراء ذمم نسبة كبيرة من الناخبين. ونتيجة لـ "هزيمتهم" في تلك الإنتخابات بذلوا ما يستطيعون من قوّة على إلغاء قانون سانت ليغو، حتى وصل الأمر الى أنهم هددوا بمقاطعة الانتخابات البرلمانية تلك التي جرت في العام 2014 . ونتيجة لضغوطهم السياسية والمافيوية نجحوا على مصادرة النصر المؤقت للتحركات الجماهيرية وضغطها على صنّاع القرار، بإلغاء قانون سانت ليغو الى قانون سانت ليغو المعدّل الذي يمنح أفضلية مريحة للقوائم الكبيرة في سرقة أصوات الناخبين، وحتّى هذا التعديل لم يشبع نهم الدعاة فقاموا بإستحداث قاسم إنتخابي لم يستخدم في أية عملية إنتخابية بالعالم، بعد أن زادوا القاسم المشترك من 1.4 الى 1.6 عند حساب الأصوات في عملية قرصنة واضحة لأصوات الناخبين لصالح كتل الحيتان الفاسدة.

أنّ خطة حزب الدعوة خلال إنتخابات مجالس المحافظات القادمة والبرلمانية التي تليها بعام هي عدم السماح مطلقا لوجود قوائم "صغيرة" في هذه المجالس ولا في البرلمان القادم، إضافة الى محاولة الحزب الهيمنة على القرار الشيعي من خلال جذب أصوات الناخبين الشيعة عن طريق تقليص نفوذ التيارات الشيعية المنافسة له وعلى رأسهم الصدريون والعمّاريون، وسوف يستخدم الحزب العديد من الوسائل لهذا الغرض وعلى رأسها المال الذي سيكون بالمليارات لشراء أصوات الناخبين في ظل غياب قوانين تحد من أستخدام المال في الإنتخابات.

لقد بدأ هذا الحزب حملته الإنتخابية منذ اليوم بتصريحات رئيس كتلته الإنتخابية "خلف عبد الصمد" بهجوم متوقع ضد قانون "سانت ليغو" المعدّل داعيا الى تغييره "لتسببه بتوقف العمل"!! وليضيف قائلا أنّ "الجميع مقتنع ان قانون سانت ليغو هو من تسبب بمجيء الكتل السياسية الكثيرة، والذي ادى الى توقف عمل المحافظات من خلال تغيير المحافظين ورؤساء مجالسها". ولم يوضّح لنا هذا الداعية الجهبذ شكل العمل الذي توقف بسبب قانون سانت ليغو وهل كانت الخدمات التي تقدمها المجالس قبل إقرار القانون نموذجية ووفرت إحتياجات المواطن من خدمات في مختلف المحافظات!؟ كما لم يشر لنا من هم "الجميع" الذي جاء على ذكرهم وهل فيهم تلك القوائم "الصغيرة" أيضا؟

إنّ بدء عملية إغتيال قانون "سانت ليغو" ستتم لتوفر ظروف نجاحها وأهمّها فساد القضاء و الترتيبات المسبقة من مثلث الفساد "الشيعي - السني - الكوردي" لإستمرار الأوضاع على ما هي عليه، والأهّم من كل هذا هو ضعف العامل الجماهيري وضغطه على هذه القوى نتيجة غياب قيادة ميدانية قادرة على ترجمة حاجات الجماهير الى حركة إحتجاجات واسعة ذات زخم جماهيري من شأنها أن تؤرق هذه القوى وتدفعها الى التراجع ولو قليلا عن إستئثارها بالسلطة على الرغم من فشلها المدوي في كافة المجالات.

على الجماهير أن تعرف جيدا من أنّ إشتراكها في إنتخابات مجالس المحافظات القادمة او البرلمانية التي ستليها تعتبر جريمة بحق شعبنا ووطننا، كونها تعتبر تزكية من هذه الجماهير لهذه القوى الفاسدة لتستمر بمصادرة آدمية الإنسان العراقي.

ليكن شعارنا القادم في الإنتخابات القادمة لن أمنحك صوتي بدلا من لا تسرق صوتي.

 
زكي رضا
الدنمارك
13/9/2017







 


 


 

 



250

رسالة الى الإمام علي بن أبي طالب "ع"

لست من الذين يقولون عندما يكتبون الى إمام مثلك ، أن لا أدري سيدي ومولاي من أين أبدأ الحديث إليكم، كوني أعرف جيدا من أين أبدأ الحديث والا لما كتبت رسالتي هذه. أعرف جيدا ما أريد أن أبثّه اليكم من شكوى لأنني لست تاجرا بإسمكم ولا باكيا دجلا بحضرتكم ولا أسرق الأيتام والأرامل بأقوالكم، أعرف ما أريد كوني يا أبا الحسن من المتضررين كما باقي العراقيين من جور سراة "شيعتك" من عمائم وساسة ورجال عصابات، هؤلاء الذين إغتصبوا وطنا بكل ما فيه ونهبوا الأرض والماء والسماء.

كان التجار بإسمك من حوزات وأحزاب وميليشيات يتحدثون - قبل أن يؤهلهم المحتل الأمريكي ويمنحهم السلطة والمال - عن دولة عدلك التي سيقيمونها على أنقاض دولة جور البعث، وها نحن اليوم وبعد أن "أنقذنا" المحتل من ظلم البعث وجوره ، لم نلحق بعد بدولة عدلك ولن نلحق والمتاجرين بإسمك هؤلاء على دست الحكم.

عجبي أشيعة هؤلاء وهم يلهجون بإسمك ليل نهار؟ أنهم يحثوننا على طاعة عمائمهم وهي تقود سفينة شعبنا نحو القاع. عرفناك يا علي لا تنهى عن معصية الا وكنت أول من يتناهى عنها، فما بال القوم مقمّطين بالمعصية منذ أن ولدوا لليوم ليتاجروا بإسمك، وما بال الناس تشتري بضاعتهم بعد أن حوّلوا إمام مثلك الى بضاعة تباع في (سوق هرجهم). لقد تغيّر الحال عندنا يا علي "فالزعامة اليوم لسيء الخلق" بعد أن دفن المرابون تلك الـ "لا" الكبيرة التي سبقتها بحكمتك هذه. أنهم يسرقون يا علي ويفسدون في الأرض ويذلّون اليتيم وينكحون الأيامى لفقرهنّ وحاجتهنّ وبؤسهن وجهلهنّ، أنهم يتبعون الحطيئة وهو يقول ساعة موته في وصيته بحق اليتامى والأرامل "كلوا أموالهم وأنكحوا أمهاتهم"، ووالله أني ارى عمائم العراق وساسته الاسلاميين يعلقون وصية "الحطيئة" هذه في غرف نومهم.

أيتها العمائم التي تاجرت بعلي وباعته لسقط المتاع لينهبوا بإسمه وطنا بكامله أقول لكم كما قال "ابو العتاهية" بحق خليفة بغداد عهده....

مَن مبلغ عني الإمام نصائحا متواليه
إني أرى الأسعار، أسعار الرعية، غاليه
وأرى اليتامى والأرامل في البيوت الخالية
يشكون مجهدة بأصوات ضعاف عاليه
من للبطون الجائعات وللجسوم العاريه
ألقيت أخبارا إليك من الرعية، شافيه

علي، ها هي العمائم تكشف لنا اليوم دجلها وكذبها في حرصها على الصالح العام وأمن الناس، ها هم الذين يتاجرون بإسمك اليوم يمتلكون "عصابات مسلحّة" تتفاوض مع أخرى من أجل نهب العراق وشعبه.

العمائم التي تدّعي وقوفها ضد الفساد وأبنائها متهمون بالفساد يمتلكون يا علي عصابة تحت أسم "فرقة العباس القتالية" التي وجّهت إنتقادات حادّة الى عصابة بدر بسبب رواتب منتسبيها، وغدا ستتقاتل هذه العصابات فيما بينها من أجل الهيمنة والنفوذ السياسي. أبالعصابات يا أبا الحسن يعود الأمن الى ربوع وطننا الذي دمّرته العمائم، عمائم الشيطان هذه التي تقول من أنها لن تتدخل بالشأن السياسي ولن تستقبل مسؤولين حكوميين!!. بالأمس يا علي إستقبلت هذه العمائم ثلاثة وزراء لتوجههم!! ولا أدري إن كانت تعرف أنّ توجيهاتها وهي تستقبل اللصوص على مدار ثلاثة عشر عاما قد دمّرت بلدنا، نعم علي بلدنا وليس بلدهم هؤلاء الذين رفعوا عمامتك كما رفع معاوية المصاحف في صفّين.

العمائم التي ترفع إسمك زورا تنصر اللصوص والأفّاقين من أحزاب الإسلام السياسي بأموال الناس التي تسرقها بمسميات مختلفة ومعها لصوص الخضراء، وكما قلت ياعلي بحق معاوية وبن العاص "تَرِبَت يدُ هذا المشتري نُصرَة غادر فاسق بأموال الناس"، لا أملك قولا وأنا أرى هذه العمائم وهي تمتلك عصابات مسلحة وأراض ومصانع ومتاجر وفنادق تحت إسم الوقف وغيره وتفتي بأنتخاب اللصوص، الا أن أقول "تَرِبَت يدُ هذه العصابات ومن ينصرها من الغادرين الفاسقين السارقين لأموال الرعية" .

أولست القائل يا أبا الحسن في عهدتك للأشتر النخعي "أنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك"، فما بال عمائم الشيطان ومن يلوذ بها من لصوص وسراق وقطاع طرق وخونة لا ينصفوننا لا من أنفسهم ولا من خاصة أهلهم. أننا اليوم في عراقنا المسبي كسبي كربلاء نشكوا القوم اليك، لقد فعلوا بأسمك الافاعيل بنا ياعلي، لم تبقى موبقة لم يفعلوها بإسمك يا علي، يشيعون الجهل والتخلف بإسمك ، يبيعون الوطن بإسمك، يقتلون الناس بإسمك، يسرقون ضحكات أطفالنا بإسمك، يغتصبون نسائنا بإسمك.

يا شيعة العراق إن كنتم علويون فهاكم ما قاله علي لكم بحق الحكام "لو سلّمتم الأمر لأهله - لذوي الكفاءة - لسلمتم". فهل حكامكم الذين اوصت وتوصي العمائم بإنتخابهم أكفّاء؟ أعرفتم الآن لماذا لم تسلموا من سرقات الإسلاميين وخياناتهم؟ أعرفتم الآن لماذا تتفجر شوارعكم ومقاهيكم ومطاعمكم ومساجدكم؟

يقول الإمام علي "أمرتكم بالشدّة على الظالم" فمتى تشدّون على ظلمة الخضراء الفاسدين البغاة، أوليس فيكم علوي؟

 

زكي رضا
الدنمارك
8/9/2017


251
تصريحات الميليشيات أصدق أنباء من "العملية السياسية"


ضمن العديد من الفتاوى والتوصيات التي أفتت وأوصت بها مرجعية النجف الأشرف من تلك التي أثّرت وتؤثر وستؤثر على مستقبل البلد بشدّة وتقوده نحو المستنقع الإسلامي الطائفي، هي فتوى الجهاد الكفائي، وعلى الرغم من أن هذه الفتوى ليست الأخيرة الّا أنها الأشّد وقعا وضررا على مستقبل البلاد بعد أن منحت مجالا رحبا وواسعا للميليشيات المسلّحة للتدخل بالشأن السياسي ولعب دور "قانوني ودستوري" فيه اليوم وغدا.

كان على المرجعية إن كانت صادقة في حماية البلد أن تطالب رئيس الوزراء وهو"شيعي" والغالبية الشيعية بالبرلمان العراقي للضغط من أجل فتح أبواب التطوع أمام الشباب العراقي في الجيش للدفاع عن حياض الوطن، كون فتواها تلك "الجهاد الكفائي" ساهمت بدخول ميليشيات مسلّحة كانت موجودة أصلا ولم تحلّ نفسها وفقا للدستور في قوام الحشد الشعبي لتأخذ بهذه الفتوى الصفة الرسمية والقانونية.

هذه الميليشيات وبدعم إيراني مرسوم لها بدقّة وبمباركة المرجعية لها ستتحول لاحقا الى قوات من شقّين كما هي الحال في إيران، فالميليشيات السابقة كميليشيا بدر وجيش المهدي وغيرها وتلك التي تأسست بعد إندلاع الصراع في سوريا بدعم حكومي وإيراني، كميليشيا العصائب وميليشيا الخراساني وحزب الله والكتائب على مختلف تسمياتها والحركات على مختلف تسمياتها أيضا وعلى رأسها حركة النجباء المنشقة عن العصائب والتي هي منشقة أصلا عن جيش المهدي، ستتحول لاحقا الى ما يشبه الحرس الثوري الإيراني "باسداران"، أمّا المتطوعين في الحشد الشعبي إمتثالا لفتوى السيستاني فسيتحولون الى مؤسسة عسكرية شبه رسمية على غرار قوات التعبئة "البسيج".

إنّ الساذج سياسيا فقط هو من يحسن النية في حلّ هذه الميليشيات لنفسها بعد إستقرار البلد وعودة الأمن الى ربوعه، والساذج سياسيا هو الذي يحسن النية بفتوى المرجعية حول الجهاد الكفائي وعدم إرتباطها العضوي بأسلمة الدولة عن طريق الإرهاب الميليشياوي غدا. كون هذه الميليشيات ستستمر بالوجود حتى بعد هزيمة داعش الإرهابية لتتحول بعدها الى جزء هام من مؤسسات الدولة، وهذا ما صرّح به أمين عام حركة النجباء خلال مؤتمر صحفي عقده بطهران التي يزورها زيارة رسمية !!! حين أكّد أنّ الفصائل الشيعية المسلحة في العراق "ستحافظ على حياتها حتى بعد تحرير الموصل"!!.

إنّ أهداف الأحزاب الإسلامية الشيعية وأذرعها العسكرية لا تختلف بشيء عن أهداف الأحزاب الإسلامية السنية وأذرعها العسكرية، وللإثنين هدفان هما الدعوة للإسلام و إقامة حكم الله في الأرض ، مع الأخذ بنظر الإعتبار طريقة تطبيق هذين الهدفين على أرض الواقع. وعليه فأن الاحزاب الشيعية العراقية تعمل وهي التي تعلن ولاءها علنا لإيران ولحكم ولي الفقيه على أسلمة الدولة والمجتمع بمختلف السبل المتاحة وتسليم السلطة لنائب "الإمام المهدي" أي ولي الفقيه الإيراني، ومهما حاولت مرجعية النجف النأي بنفسها عن هذا المشروع الضار لها ماليا كونها في صراع مرجعي مع مرجعية قم، الا أنّ الهدف الأسمى وهو بناء دولة إسلامية خالصة يعتبر هدفا من الممكن أن تتنازل المرجعية بسببه عن إمتيازات إمبراطوريتها المالية.

أنّ تشبيه الساسة العراقيين الشيعة و زعماء الميليشيات الشيعية المسلّحة تجربة الحشد الشعبي بتجربة "الباسيج" و "الباسداران" الإيرانيتين بإستمرار لا يجب إغفالها كمجرد تشابه بين قوات عسكرية شبه نظامية، ولا كونها محاولة عراقية بحتة لإستنساخ التجربة الإيرانية، بل هي تهيئة الأرضية السياسية والنفسية للشعب العراقي على إعطاء دور لهذه الميليشيات كما هو دور "البسيج والباسداران" في إيران، فما هو الدور الحقيقي للبسيج والباسداران في إيران وما هي إمكانياتهما المالية والعسكرية والأمنية؟

إنّ تشكيل قيادة ميدانية وسياسية واحدة للميليشيات الشيعية بالعراق على غرار الحرس الثوري في إيران هو مسألة وقت لا غير، فالحرس الثوري كان في بداياته متعدد الولاءات السياسية ولكن ذو هدف واحد وهو القضاء على أعداء الثورة بالقوة وهذا ما ستقوم به الميليشيات الشيعية في وقت قادم ليس ببعيد، وما إعتقالها للناشطين المدنيين وتغييب البعض منهم من خلال صمت حكومي وشعبي الا بروفات سياسية وأمنية لذلك اليوم. وسيكون لهذه الميليشيات وعلى غرار "الباسداران" ومعها المتطوعين في الحشد "البسيج" دورا أمنيا وعسكريا كبيرا يفوق دور الجيش العراقي والأجهزة الأمنية ، كونها قوات نظامية ذات آيديولوجيا إسلامية شيعية تعتبر الولاء للمرجع وولي الفقيه والطائفة أكبر من الولاء للوطن المتعدد المذاهب والقوميات. ومن خلال إمكانياتها الأمنية والعسكرية التي ستتحلى بها ستكون على إستعداد تام لمواجهة الجيش النظامي، إذا ما فكر الجيش يوما ما بتحديد أو التضييق على حكم المؤسسة الدينية والأحزاب الدينية. إذ سيكون لهذه الميليشيات عند وحدتها ضمن مؤسسة "الحرس الثوري العراقي" قوات برية وجوية وبحرية كما في الجيش العراقي تضاهي بتسليحها الجيش إن لم تتفوق عليه.

سيكون لـ "الحرس الثوري العراقي – ميليشيات الحشد الشعبي" علاوة على قواتها المسلحة إمبراطورية مالية وإقتصادية بدأت منذ ما يسمى بعملية تحرير العراق بسرقتها للبترول وبيعه ، وإمتلاكها لنسب كبيرة من أسواق العقارات والإستيراد والتصدير والفندقة إضافة الى إمتلاكها لعصابات سرقات محال العملة والذهب وفرضها الأتاوات على الشركات المختلفة التي تعمل في السوق العراقية من خلال إستيفائها لنسب وحصص بسبب عدم حصول هذه الشركات على موافقات إصولية ورسمية الا من خلال دفعها لهذه الاتاوات. كما ستمتلك وهي تمتلك اليوم مؤسسات إعلامية ضخمة من صحافة و إذاعات وتلفزة وفضائيات تهيمن من خلالها على المزاج الشعبي العام وتوجيهه الى حيث مصالحها.

إنّ الميليشيات المنضوية تحت إسم الحشد الشعبي لا تعتبر حصان طروادة إيراني في العراق، فإيران ليست بحاجة الى حصان طروادة لتصول وتجول بالبلد، فكل الاحزاب الشيعية ومعها تشكيلات الحشد الشعبي التي تأسست بعد فتوى "الجهاد الكفائي" هي أحصنة إيرانية تعمل وفق سياسات مرسومة لها بدقّة في طهران. وإستقبال طهران لزعماء ميليشيات وسجناء سابقين بتهم الإرهاب إستقبالا رسميا ورعاية هذه الميليشيات وتدريبها وتسليحها وتمويلها وتسويقها إعلاميا، يسحب البساط من تحت أرجل كل من يحلم بدولة مدنية ونظام ديموقراطي في ظل أكبر كذبة تسمى "عملية سياسية"!!!.

إنّ عملية تحرير المدن العراقية من رجس عصابات داعش ستتزامن والإنتخابات القادمة في نيسان العام القادم والتي يعمل الإسلام السياسي على جعلها إنتخابات مجالس محافظات وبرلمانية مبكرة، لمنح هذه الميليشيات مساحة أكبر على المشهد السياسي من خلال حصدها لنتائج مشاركتها في الحرب على داعش على شكل مقاعد برلمانية. وهذا يعني أنّ الميليشيات التي تعلن من طهران عدم حلّ نفسها حتّى بعد تحرير العراق وهزيمة داعش كحركة النجباء وغيرها من الميليشيات ستكون ممثلة في البرلمان وجزء من السلطة التنفيذية حسب عدد مقاعدها في برلمان "الشعب".

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ             في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ ....."ابو تمام"

أنّ العراق يسير نحو مستقر له هو "حكم الميليشيات الدينية" ، واي حديث عن "عملية سياسية" سيكون من الأحلام الوردية .. فتصريحات رؤساء الميليشيات من طهران وغيرها من العواصم ، أصدق من تلك الأحلام ، إذ أنها الحد بينَ الجدِّ واللَّعبِ.

 
زكي رضا
الدنمارك
31/8/2016



252
الإسلاميون فاسدون وأشقيائية وقچغچية *

زكي رضا
الدنمارك
24/87/2016
 
لا نحتاج الى خبراء سياسيين ولا الى أساتذة في العلوم السياسية ولا حتّى الى فتّاح فاليه ولا الى مجهر عالي الدقّة أو تلسكوب كتلسكوب هابل لنرى الفساد الإسلامي وتدميره للبلد من أول تجربة حكم له في العراق المبتلى بحكمهم ومن ورائهم عمائمهم، بل نحتاج الى نظرة واحدة وبالعين المجرّدة لنرى من خلالها مدى الدمار الذي حلّ بالبلاد والعباد بسبب فشل هؤلاء الروزه خونية في كل ما أنيط بهم من مهام.
 
يعتبر الفساد في الحكم الإسلامي الأسود ماركة مسجّلة للحكومات المتعاقبة على السلطة في مثلث برمودا الأخضر، هذا المثلث الذي إبتلع كل شيء بالبلد وحوّله الى حطام حتّى أنّ صحيفة بريطانية كتبت مرّة ، أنّ البرلمان العراقي يعتبر اسوأ مؤسسة بالتاريخ، فيما وصف الكاتب محمد حسنين هيكل ساسة العراق وصفا هو الأقرب الى الواقع إن لم يكن هو الواقع نفسه حينما قال أو وفق ما نقل عنه من أنّ " العراق عبارة عن بنك استولى عليه مجموعة لصوص ليست لهم علاقة بالسياسة او الحكم". 
 
يعتبر الإسلاميون وعلى غرار البعثيين أشقيائية "شقاة" من الطراز الأوّل ولو عدنا للتاريخ الحديث على الأقل سنراهم (چماقداريه) أي من حملة العصي الغليظة حينما كان البعث حينها يحبو. فآية الله الكاشاني في إيران " كعبة الأحزاب الإسلامية في العراق" تحالف مع "سرسرية " طهران وعلى رأسهم "الأشقياء شعبان بي مخ" وعاهرات دور البغاء والسفارة البريطانية في حلف مقدّس لإسقاط حكومة مصدّق. واليوم في العراق نرى (چماقدارية) حزب الدعوة الحاكم وهم يحملون عصييهم في بغداد والناصرية خارجّين من مقراتهم لضرب المتظاهرين السلميين في تكرار تجربة حوزتهم الدينية في طهران وقم، تلك التي استخدموها ثانية إبّان الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام الشاهنشاهي ومن جديد في التظاهرات التي قادها الإصلاحيون قبل سنوات.
 
أن يكون المرء سرسريا وأشقياء في بلده وهو على رأس السلطة أمر طبيعي في ظل أنظمة كنظام العمائم في العراق اليوم. ولكن أن ينقل هذا النظام سرسرية أعضاءه وشقاواتهم الى خارج البلد مشوّها سمعة العراق على الصعيد الدولي فهو الأمر غير الطبيعي والذي يجب عدم السكوت عنه وفضحه. 
 
فبعد حادثة طيران الشرق الأوسط والتي قادها صبي سرسري ليعيد من خلالها طائرة قبل الهبوط ببغداد كونه لم يستقلّها لوصوله متأخرا الى مطار بيروت، ما كان سببا بإعتذار الحكومة العراقية وتعويض الشركة عن الخسائر التي لحقت بها من الخزينة. نقلت لنا الأخبار مؤخرا خبرا عن توأمين سرسريين أنهالا ضربا على مراهق برتغالي محتمين بأبيهما الإسلامي كونه سفيرا هناك ما تسبب بإدخال الصبي الى المستشفى بحالة حرجة. وبدلا من أن تعتذر حكومة وسفارة الروزه خونية للبرتغال على تصرف نجلي السفير، خرجت لنا السفارة العراقية ببيان توضيحي ومضحك عن الحادثة كون عذر البيان أقبح من ذنبه. فقد جاء في بيان السفارة وفق رويتر إنّ "الأخوين حيدر ورضا تصرفا دفاعا عن النفس"، مبينة أن "مهاجميهما تفوهوا بإهانات عنصرية ومناهضة للمسلمين"، وفي مقابلة مع قناة (إس.آي.ٍسي) التلفزيونية سجلت في السفارة قال الشقيقان، إنهما تعرضا للهجوم أولا من جانب مجموعة من الشبان من بينهم كافاكو بعد ليلة شربوا فيها مشروبات كحولية في حانة. وهنا من حقّنا أن نسأل حكومة الروزه خونيه ببغداد عن دفاع الأشقيائية "حيدوري ورضاوي" وغيرتهم على دينهم وشربهم الخمر حد الثمالة في حانة وعلاقة الخمر والإسلام مع بعضهما!؟
 
ولأن الفساد مثلما قلنا يعتبر ماركة مسجلة عند الروزه خونيه لذا تراهم " قچغچية" ومسيئين لسمعة عراقنا " ليس عراقهم" خارج البلد على الرغم من انهم ديبلوماسيون ويقع على عاتقهم تقديم وجه مشرق للديبلوماسية العراقية في مناطق عملهم. فقد نقل موقع "20 minutes" الفرنسي في تقرير له أنّه " تم تغريم موظفين من الممثلية الدائمة لجمهورية العراق لدى الامم المتحدة في جنيف بـ170 ألف و120 ألف فرنك سويسري، وذلك لتهريبهما السجائر"، مشيرا الى أنهما "تمكنا من تهريب ما يقارب 600 الف علبة سجائر في السوق السوداء في فرنسا". ولم يكتفي هذين القچغچيين بأستخدام إسم العراق في عمليات القچغ هذه إذ بينّ التقرير أنّ "هذين الموظفين لم يكونا يهربان السجائر على اسم ممثلية جمهورية العراق وحسب، بل أيضا على اسم هونغ كونغ والبحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان"، لافتا الى أن "المحققين تدخلوا في هذه القضية عندما اشتكت غرفة هونغ كونغ التجارية إلى السلطات السويسرية من مجهولين قاموا بطلب التبغ على اسمها".
 
لقد لوثتم أيها الروزه خونيه لا بارك الله بكم إسم العراق وجعلتموه كعصف مأكول فمنكم الفاسد ومنكم السرسري ومنكم القچغچي... 
 
 
* الأشقياء باللهجة العراقية ومفردها شقاوة أي شقي باللغة العربية.
سرسري باللهجة العراقية تعني من لا أخلاق له .
قچقچي باللهجة العراقية تعني مهرب، فارسية الأصل "قاچاق".
 
زكي رضا
الدنمارك
24/87/2016

253
ايران تذلّ شعبنا وتهين وطننا

أن يكون هناك في أي بلد بالعالم عملاء فهذا أمر طبيعي إذ قلمّا يخلو شعب من أناس عديمي الوطنية ومستعدين لبيع اوطانهم وأبناء شعبهم للأجانب مقابل مردود مالي أو فكري حتّى، لكن أن تكون أحزابا كاملة تقريبا بزعاماتها وجماهيرها ومرجعياتها عميلة للأجنبي ومعادية لوطنها ومستقبله فالأمر عندئذ ليس بالأمر العادي، بل يحتاج الى وقفة طويلة لنعرف نحن أبناء الوطن المتضررين من طغمة الفساد والقتل والسرقة الوجهة النهائية لبلدنا تحت حكم هؤلاء اللصوص.

منذ الأحتلال لليوم وإيران كما السعودية وتركيا والدولة القزمة قطر وغيرها من البلدان تتدخل بالشأن السياسي العراقي بشكل علني. فسنّة العراق وضعوا كامل أوراقهم في سلّة الرياض والدوحة وأنقرة، والكورد وضعوا أوراقهم عند طهران وأنقرة والرياض وقوى أخرى دولية في بحثهم عن الأنفصال من الجسد العراقي الميت سريريا لغياب قوى قادرة على إستقطاب الملايين من المتضررين وزجّها في نضال مصيري في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية من تاريخ الوطن. أمّا الشيعة فأنهم وضعوا أوراقهم كما الآخرين في طهران التي بمباركتها وحدها يكون هناك رئيس وزراء ما للعراق. فهل مع هذه القوى هناك مجال للحديث عن الوطنية ومصالح الناس؟ أم علينا أستخدام القسوة في وصفنا لها كما نشاء خصوصا وأنها أستهترت وتستهتر بمصائر الملايين وتعبث بمقدرات بلدهم؟

لقد صرف عملاء الأجنبي لليوم عشرات مليارات الدولارات في حقل الطاقة الكهربائية دون أن يتمكنوا من توفيرها بحدّها الادنى، ووصل بهم الأمر وهم اللصوص والخونة الى تعيين تواريخ لبيع الطاقة الكهربائية الفائضة عن حاجة العراق الى بلدان الجوار ومن بلدان الجوار هذه إيران. فهل أوفى قادة الأسلام السياسي الشيعي المتصدّين لهذا الملف الشائك والحيوي بوعودهم، أم أنّهم ولعمالتهم وضعوا رأس الكهرباء العراقية تحت المقصلة الإيرانية، لتتلذذ بإهانة شعبنا وإذلاله متى ما ترى هناك حاجة لذلك مقابل عدم وجود أي رد فعل حكومي وشعبي لهذا الإذلال وهذه الإهانة.

في الوقت الذي تخطّت فيه درجات الحرارة نصف درجة الغليان، وفي وقت الحاجّة الماسّة للناس لوجود تيار كهربائي يعينهم على تحمّل حرارة الأجواء الجهنمية ناهيكم عن تشغيل الورش ولا نقول المعامل لعدم وجودها الا بنطاق ضيّق. ولأرتباط الحكومة بإتفاق مع طهران لتزويد العراق بما يقارب "800" ميغاواط من إمدادات الطاقة الكهربائية، قامت الحكومة الإيرانية وبشكل مفاجيء ودون سابق إنذار بوقف هذه الإمدادات وفق بيان وزارة الكهرباء الذي قالت فيه "إن إيران أوقفت يوم الثلاثاء تزويد العراق بالطاقة الكهربائية عبر خطي استيراد الطاقة الكهربائية (خرمشهر - بصرة) و(كرخة - عمارة)، مما أدى إلى انخفاض الترددات وتوقف عدد من محطات الإنتاج في محافظة البصرة، الواقعة في جنوب العراق". علما أنّ وزارة الكهرباء كانت قد دفعت "100" مليون دولار لإيران من أصل ديون مستحقة لها بقيمة "700" مليون دولار كانت الحكومة في الخضراء منحتها كفالة مالية رسمية فيها.

إن تصرّف الجانب الإيراني هذا وفي ظل الظروف المناخية الصعبة التي يمر به بلدنا ليس له الّا تفسير واحد وهو، العمل الدؤوب من جانبها على إذلال شعبنا والحطّ من كرامته وآدميته وإهانة بلدنا بقسوة كبيرة وإعتباره حديقة خلفية للضغط من خلاله على ملفّات سياساتها الخارجية في سوريا ولبنان ومباحثاتها الدولية حول ملّفها النووي. إنّ صمت الأحزاب الشيعية والمراجع الدينية عن إهانات الإيرانيين لشعبنا ووطننا أمر مفروغ منه، لكن المثير والغريب هو ليس فقط صمت الملايين لهذه الإهانات والسكوت عنها بل رفعهم لصور القادة الإيرانيين في ساحات وشوارع المدن العراقية. فهل شعبنا وقد دجّنه البعث لعقود والعمائم منذ الإحتلال لليوم أصبح يتلذذ بالظلم الواقع عليه، لذا تراه ساكنا لا يتحرك أمام كل الإضطهاد الذي يتعرض له ولكنك تراه في ساحات التظاهر منددا بمقتل معمم شيعي في بلدان أخرى.

عندما ترفض إيران دخول العراقي اليها الا بتأشيرة دخول وتسمح لآلاف من مواطنيها ان يعبروا الحدود ويحطموا مكاتب النقاط الحدودية، فهذا يعني عدم إحترامها لـ "حكومتنا" ولبلدنا وإهانته، ولكن أن تسكت الجماهير عن هذه الإهانات بحقها فأنها الكارثة بعينها.

عليّ يحدّث نفسه "لا يؤنسنّك الّا الحقّ ولا يوحشنّك الّا الباطل" ..

فإعرفوا يا شيعة عليّ الحق وهو وطنكم فأتبعوه وإعرفوا الباطل فحاربوه.

زكي رضا
الدنمارك
28/7/2016

254
المنبر الحر / الله أكبر
« في: 16:15 20/07/2016  »
الله أكبر

بالأمس كانت صرخة "الله أكبر" عبارة عن حافلة تسحق الأبرياء في "نيس" الفرنسية، وقبلها كانت صرخة "الله أكبر" جحيما تحترق به أجساد الأبرياء في كرّادة الشهادة، وقبلها كانت صرخة "الله أكبر" عربات تتناثر وجثث الباعة الفقراء في "علاوي الخضروات"، وقبلها كانت صرخة "الله أكبر" أجساداً تقطّع في مقاه أثناء مشاهدة مباراة رياضية، واليوم "الله أكبر" فأس وسكّين في بافاريا الألمانية فهل "الله أكبر" لها تاريخ طويل مع القتل أم أنها وليدة اليوم؟

يحاول العديد تسويق الأرهاب والرعب الإسلامي بعيداً عن نصوص القرآن وتفسيره وتأويله وكأنه حالة جديدة وُجدَت اليوم فقط نتيجة لظروف سياسية وإجتماعية وإقتصادية تعاني منها المجتمعات الإسلامية، ومنها بالطبع العربية التي تبثُّ مدارسها الدينية وعلى ألسنة "فقهائها" آلاف الفتاوى الدينية التي لا تخرج بمجلها عن أمرين إثنين، أولهما القتل وثانيهما الجهل. متناسين عن عمد أن "الله أكبر" كانت منذ بداياتها تجسيداً حياً وواقعياً لهذين الأمرين.

الله أكبر تجسّدت بضرب أعناق المستسلمين من بني قريظة دون رأفة وشفقة تليق مثلما يقال بالدين الإسلامي، ألم يكن من الممكن سماع صرخات " الله أكبر"من المحاصرين بعد العفو عنهم، ولكانت " الله أكبر " أخذت منحى آخر غير ما هي عليه الآن. لقد خرجت صرخات " الله أكبر" على أسنّة الرماح وتحت ظلال السيوف مغبرّة من صحراء العرب لتهدي الناس الى دين الحق!!! ولكنها جلجلت كالرعد في "عين التمر" التي إستسلمت لخالد بن الوليد فأباد من فيها وكانت صرخات " الله أكبر" وقتها تطارد النساء والأطفال لسبيهم. وها هو عقبة بن نافع يقود جيشه بصرخات " الله أكبر " في أفريقيا فوضع السيف كما يقول أبن الأثير " في أهل البلاد" وفي إسبانيا فتكت " الله أكبر" بشعب لم يكن يعرف أين تقع صحراء العرب.

"الله أكبر" اليوم مرادفة للرعب الذي جاء به القرآن "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ" وفي أخرى يهدد الله العباد قائلاً "سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ" !! واليوم ترجم المسلم الأفغاني وهو يحمل فأسه وسكينه تهديد الله بحق المسالمين الذي آووه بعد أن هرب من جحيم "الله أكبر" في بلاده، وضرب فوق الأعناق بسادية ووحشية مستندا الى آيات قرآنية.

لقد أساء العرب لأنفسهم في هذه العبارة وتحت هذه الراية بعدما أبتعدوا عن أخلاقهم التي كانوا عليها قبل الإسلام، ففي ما يقال عن جاهليتهم كانوا بعيدين عن الفعل الدنيء عكس إسلامهم، في جاهليتهم كانوا لا يسبون حرّة وكانوا نبلاء في الحرب عكس المسلمين المتسلحين بـ "الله أكبر". وها هو النابغة الجعدي الذي عاصر الإسلام و "الجاهلية" يفتخر بأهله قبل الإسلام ليقول:

ملكنا فلم نكشف قناعاً لحرة ..... ولم نستلب إلا الحديد المسمرا

ولو أنا شئنا سوى ذاك أصبحت ..... كرائمهم فينا تباع وتشترى

ولكن أحساباً نمتنا إلى العلى ..... وآباء صدق أن نروم المحقرا

من خلال هذه الأبيات الثلاثة نستطيع التعرف على العرب قبل "الله أكبر" وبعدها!! فالعربي الذي كان نبيلاً وشهماً ما لبث أن تخلى عن هاتين الصفتين بعدما أدرك الإسلام، فتسلّح وسلّح غيره بهذه العبارة التي أصبحت اليوم لا تعني الا الرعب ، فدمر بها البلدان وقتل الملايين ونهب الثروات و سبى وأغتصب الفتيات ورمّل النساء ويتّم الأطفال وباعهم في سوق النخاسة من أجل أن تعلو كلمة "الله أكبر"!!

على الحكومات العربية والإسلامية الضغط على المراجع الإسلامية بكل قوة من أجل دفعها لتبني تفسير جديد للقرآن خال من مفاهيم الرعب والقتل والسبي، على هذه الحكومات أن تعمل بنفسها ، وتبدأ بتعيين الأئمة في المساجد كموظفين ليتناولوا الجانب المسالم من القرآن والسنة وكتب التراث في خطبهم، وقبل كل هذا عليها إلغاء مادة ما يسمى "بالتربية الدينية" من المدارس . وعلى رجال الدين الذين يهمّهم دينهم والحفاظ عليه أن يتقّوا الله بشباب بلدانهم وعدم دفعهم للإرهاب بأن يؤنسنوا هذا الدين ليكن مقبولاً من الآخر أيضاً.

تجربة الحافلة:

لو افترضنا أنّ شخصين ركبا حافلة لنقل الركاب وبعد لحظات من إنطلاق الحافلة أخرج شاب ملتحي كماناً وبدأ يعزف مقطوعة موسيقية فماذا سيكون رد فعل ركاب تلك الحافلة؟ الأمر لا يخرج من حالتين، الأولى أن تكون الحافلة في بلد غربي وحينها يقابل فعل الشاب بالإستحسان والتشجيع من قبل الركاب، أو سيتعرض للنقد أو الإهانة بل وحتّى الضرب من الركاب إن كانت الحافلة في بلد إسلامي.

ولو إفترضنا أن شابين ملتحيين أو غير ملتحيين ركبا حافلتين في بلدين أحدهما غربي والآخر إسلامي وبعد لحظات من تحرك الحافلة وغلق أبوابها وقفا وسط الحافلتين وصرخا بجملة "الله أكبر" ، فماذا ستكون النتيجة ؟

"انني امتلك كلمات ملطخة بالدم" ... جلال الدين الرومي

هل هذه الكلمات سوى "الله أكبر" أيها الرومي

زكي رضا

الدنمارك

19/7/2016

255
هل سيفعلها السيستاني؟

هل يعرف السيستاني الذي أوصل هذه الأحزاب الفاسدة للسلطة بفتواه لمريديه والذي أصّر على كتابة دستور بفريق يقوده رجل دين ليفصّله على أساس طائفي مقيت ويمزّق البلد، من أنّ الحكومة العراقية حكومة " ما بيها خير " كما مرجعيته التي وصفتها إمرأة كرّادية بعد جحيم منطقتها، بمرجعية "ما بيها خير" !! وبالطبع ولأن الطيور على أشكالها تقع فأن " الـ "ما بيها خير" الأولى لم تجد الّا الـ "الما بيها خير" الثانية لتشكلا حلفا مقدّسا الهدف منه دمار البلد، بتحالفهما مع أسوأ نظام متخلف عرفه العراق والعالم أي النظام العشائري المتعفن وغير المتحضر.

أنّ المرجعية التي رقصت طربا لتزاوجها مع السلطة ومع العشائر . خرجت علينا وعلى لسان الشيخ الكربلائي في كرّادة الشهادة مطالبة الحكومة بمحاسبة الفاسدين وإعطاء "جدّية" للجان التحقيق!!.

وهنا نسأل المرجعية إن كانت تعتقد أو رأت أو سمعت فاسداً يحاسب نفسه!! وإن كانت رأت أو سمعت لليوم لجنة تحقيق تحقق بجرائم وحالات فساد إرتكبتها بنفسها.

ونسألها "من ضيمنا"، مًنْ مِنْ أعضاء الحكومة ترشّح ليحاسب الفاسدين ؟ هل ترشح المالكي؟ أم عمار؟ أم مقتدى؟ أو العبادي؟ الأسدي؟ العلاق؟ أبو رحاب؟ الجبوري ؟ مشعان؟ الميليشياوي الخزعلي أم حليفه العامري أم المهندس؟

بالله عليكم أشيروا لنا على شخص واحد نزيه من الذين طلبتم من مريديكم إنتخابهم ، ليحاسب الفاسدين وسنرضى به، على أن تقسموا بالله من أنّه شريف .

العراقيون لم يروا السيستاني الا وهو يغادر الى لندن للعلاج، فهل هو أفضل من النبي محمد الذي كان يعيش بين الناس ويخطب بهم ويقود الغزوات بنفسه!!؟؟ هل هو أفضل من الأمام علي الذين إستشهد في محراب صلاته وهو يصلي بالناس!!؟؟

لقد طفح الكيل بشعبنا وأصبح وطننا بمدنه وقراه وشوارعه ومدارسه جحيماً نحترق به بسبب الإسلام السياسي. ليخرج السيستاني للناس عبر اية فضائية ، ليعترف امامهم من أنه قد أخطأ بفتواه المدمرة تلك، ليخرج ويعتذر ، فالاعتذار من شيم الشجعان . ليخرج ويلبّي طلب تلك المرأة الكرّادية التي قالت عن المرجعية "ما بيها خير" لأنها لا تفتي بمهاجمة اوكار اللصوص .

فهل فعلا لم يعد "بيها خير"؟. هل تناهى الى سمع السيستاني أنّ شعار "لو ما المرجعية ما أنتخبنا السرسرية" قد حوّرته الجماهير الغاضبة الى "لو ما السرسرية ما أنتخبنا السرسرية" الا يهزّكم هذا الشعار الذي جاء متمما لشعار "بإسم الدين باگونه الحراميه"، الا يهزّكم رمي رئيس هرم التحالف الشيعي الذي وصل الى السلطة بفتواكم بالأحذية!!؟؟؟

على السيد السيستاني، وحفاظا على ماء وجه المرجعية وعلى ما تبقى من دين عند العراقيين، ان يخرج للناس بنفسه عبر الفضائيات ويعلن البراءة من أحزاب الأسلام السياسي التي لوثّت تاريخ مرجعية النجف الأشرف، يعلن البراءة من العمائم التي سيّست الدين لتنهب أموال البلاد والعباد. فالوقت الذي ستهان فيه العمامة على الملئ وتُحْتَقَر ليس باليوم البعيد. ويعلن ابعاد الدين والمرجعية خصوصاً عن السياسة والاهتمام بشؤون الفقه والدين.

شعبنا اليوم بفضل فتوى المرجعية ، بحال كما وصفه إمام العدل "ثلاثة يُرْحَمون، عاقل يجري عليه حكم جاهل، وضعيف في يد ظالم قوي، وكريم يحتاج الى لئيم". ووالله، أنّ شعبنا بفضل فتاويكم يحكمه جهلة وظَلَمَة ولؤماء. الكرة الآن في ملعبكم ، فأما تنصفوا أبناء العراق بإعتذاركم لهم، وإما تستمرون بدعم اللصوص والطلب منهم بمحاسبة أنفسهم!!!!؟؟

إمرأة ليل لرجل دين "هذه حقيقتي فهل هذه حقيقتك" عبد الرزاق الجبران.


 زكي رضا

الدنمارك

11/7/2016

256
الى رائحة الشواء في كرّادة الشهداء

لم تكن الحقيبة الصغيرة التي تحمل على الكتفين ثقيلة أول الأمر وأنا أحملها على ظهري أو أنني لم أكن أشعر بثقلها وأنا أسير بها في جو عاصف وماطر، محمّلة ببعض الكتب التي طلب صديق لي أن أوصلها لصديق ثالث. ولم أكن أعرف نوع الكتب التي فيها فالأمر ليس بتلك الخطورة كالتي كان عليها عراق البعث أو العديد من البلدان العربية والأسلامية ما يجعلني أن أعرف محتوياتها قبل أن أخطوا بها خطوة واحدة، بل على العكس فالكتاب هنا مباح كما الدم عندنا مباح.

في منعطف يؤدي الى شارع مخصص للدرجات الهوائية توقفت على صراخ إمرأة تصرخ بي جاحظة العينين وكأن بها مس من الجنون، لتسألني عن سبب الدماء التي تنزف من ظهري ولتطالبني بالتوقف لحين إتصالها بالإسعاف والشرطة كونها إعتقدت من أنني تعرضت لحادث ما كطعنة سكّين مثلا، كوني كنت ساعتها أسير مترنحا مغمض العينين إمّا هربا من صفير الريح أو من زخّات المطر التي كانت تهطل بغزارة محوّلة الشارع الى بركة ماء أو كليهما.

طمأنتها بعد شكرها، من إنني بخير ولم أتعرض لأي سوء وإنني أحمل في الحقيبة بعض الكتب وليس فيها أيّة أدوات حادة قد تكون أصابتني بأي جرح، ومددت يدي وأنا احدثها لأتحسس ظهري واتأكد مما قالته حول الدماء التي تنزف منه. فتبللت أصابعي بمادّة لزجة التي ما أن رأيتها حتّى حلّ بي الخوف كون تلك المادة كانت دما بالفعل مثلما قالت تلك السيدة. فساعدتني وأنا أرتجف خوفا في نزع الحقيبة عن ظهري متسللين هربا من المطر داخل بناية لمكاتب شركات مختلفة، ومن ثم تحسّست هي ظهري ووجدته سليما ما دعاها الى التراجع قليلا والرعب يملأ عيناها الزرقاوتان لتكتم صرخة بداخلها كونها توقعّت وجود رأس منفصل عن جسده في حقيبتي تلك، أو لست مسلما أو ما يوحيه شكلي ولهجتي بذلك، أو لست قادما من بلاد الموت اليومي الذي يقتل به الأبرياء على مدار الساعة. الّا أنني هدأتها حين جثوت على ركبتي فاتحا لها حقيبتي لتتأكد من محتوياتها قبل أن يتجمع علينا المارّة والمراجعين لتلك المكاتب.

تفضلي سيدتي وأنظري بنفسك أنها كتب وليست رؤوسا مقطعة أو بقايا أجساد آدمية، الا انني تعجبت وأشتد خوفي أكثر منها وأنا أرى كتابا منها ينزف دما من صفحات عدّة فيه. فمددت يدي اليه وإذا به القرآن ينزف دماء غزيرة من آيات "أنفاله ومحمده وتوبته ونساءه" ورأيت ضربا فوق الأعناق وضربا في كل بنان، ورأيت فيه أجساد مصلوبة، وأخرى مقطوعة أرجلها وأيديها من خلاف، ورأيت فيه قوافل من الأبرياء يُنفَون من بلادهم ليكونوا مهجّرين فيها. رأيت فيه 96 موضعا مليئة بالجثث البريئة التي قُتِلت وتُقتل منذ ما يقارب الـ "1400 عام"، رأيت فيه سجّين وحطمة وسموم تشوى فيها الأجساد البشرية، رأيت فيها مالكا تتحرك أبالسة الجحيم بأمره، وسمعت منها صراخ كصراخ الأيزيديات وصراخ ثكالى العراق وهنّ يندبن أبنائهن وإخوانهنّ وأزواجهنّ بعد كل تفجير يهزّ كل شيء الا ضمائر المؤمنين من رجال الدين.

رأيت فيه الكرّادة والموت الذي طارد أطفالها الأبرياء و فتياتها الجميلات، رأيت فيه الموت وهو ينظر شزرا الى عيون فتية يلهون ببراءة حالمين بغد أجمل ، رأيت فيه آباءا وأمهات يحلمون بيوم فرح سلبه منهم الدين وصراعه المستمر منذ سقيفة بني ساعدة، رأيت فيه عشّاق ألتقوا ليسرقوا من الحياة لحظة فرح جميلة في زمن أسلامي أسود، قبل ان تتحول تلك اللحظة الى ركام. نظرت اليها منكسرا ودموعي لزجة بعد أن تحولت الى دم بلون قان.

انظري سيدتي الم أقل لك أنها كتب وليست رأسا منفصلة عن جسد فصرخت بي وهي تترنح، يا هذا أنا أرى في حقيبتك جبالا من الرؤوس المقطعة والأشلاء المكدّسة فوق بعضها البعض، أنا أرى محيطات من الدم اللزج، أنا أسمع صراخ نسوة وأطفال ورجال هدّهم الذل. ولكن مهلا الا تشتم معي رائحة شواء تنبعث من كتابك هذا، رائحة شواء أجبتها بشيء من البله وانا اضع أرنبة أنفي بالقرب من الكتاب، فقلت لها نعم أنها رائحة شواء. فقالت من أين تأتي رائحة الشواء هذه ولم رائحته غريبة بهذا الشكل، فاتّكأت بظهري على الجدار ببكاء هستيري وقلت لها .... سيدتي إنه رائحة شواء أجساد أبناء وطني الذي تلذذ المؤمنون بشّيهم .. أنها رائحة الكرّادة.

"مرّة تعبد حجرا ولكنك لم تضرب به أحدا، فإن كسروه لك، قبلت أيديهم. ومرّة تعبد الله ولكنك تسبي وتقتل بأسمه. في الأول أنت بدين الله حتّى وإن كنت وثنيا، وفي الثانية أنت ضد الله وإن سُميت داعية أو مجاهدا" .... من كتاب لصوص الله لعبد الرزاق الجبران.


زكي رضا

الدنمارك

7/7/2016

257
رموز الإستفزاز الإسلامية بالعراق ... بابل أخيرا

أتذكر جيدا ونحن صبية صغار وقبل أن نعي معنى الوطن والناس ونفهم كنه التاريخ من إننا وفي مراسم أحياء شهر محرم وإستشهاد الإمام الحسين "ع" أو في ذكرى إستشهاد الإمام علي "ع"، كنّا نتحرك ونحن نسكن منطقة باب الشيخ في شارع الكفاح البغدادي بإمرة شباب يكبروننا بالسن لنصرخ كل مساء بالقرب من أبواب الشيخ الصوفي والزاهد الجليل "عبد القادر الگيلاني" بهتافات كـ " إمام أول علي، نعله على قاتلك يا علي، أّوّل وآخر علي ، قاتل كفار علي ، فاتح خيبر علي" وغيرها من الشعارات التي كانت محل ترحاب المتخلفين والجهلة، وإنتقاد وإشمئزاز الشباب الواعي في تلك المنطقة التي رفدت الحركة الوطنية العراقية بخيرة المناضلين منذ عشرينيات القرن الماضي، والتي وقفت بعد إنقلاب شباط الاسود تقاوم آلة البعث الهمجية وحرسه القومي المجرم دفاعا عن ثورة تموز وقادتها.

لم يكن إستفزازنا نحن الصبية الشيعة "بإتخاذنا رأس حربة" للمكّون السني بعيداً عن صراع طائفي موغل بالقدم ويعود لفترات انقسام الإسلام على نفسه وللأبد منذ سقيفة بني ساعدة، هذا الإنقسام الذي ساهم ببحار من الدماء على مر القرون الأربعة عشر المنصرمة نتيجة الصراع السنّي – الشيعي والمستمر لليوم والذي سيستمر مستقبلا. كما وانه لم يكن بعيدا عن إستفزاز بعض رموز السلطات السنّية للشيعة على الأقل في فترة ما بعد أعلان الدولة الوطنية. ومنها إصدار كتاب "العروبة في الميزان" لمؤلفه "عبد الرزّاق الحصان" سنة 1933 والذي أرجع فيه أصول الشيعة الى "المجوس" الاوائل، والذي أدّى الى قيام إحتجاجات ومصادمات عنيفة في المدن الشيعية وخصوصا المقدّسة منها ما أجبر السلطات حينها على مصادرة الكتاب. كما حصلت مصادمات عنيفة بين الأهالي والسلطات بمدينة الكاظمية إثر قرار السلطات سنة 1935 ببناء دائرة للبريد على أرض مقبرة شيعية ، وكأن الأراضي قد خلت في تلك المنطقة ولم يبقى الا بهدم قبور الموتى الشيعة!!

هذه الإستفزازات كانت إستفزازات موسمية أو مؤقتة أو كانت تحصل نتيجة لوضع سياسي معّين وبالتالي لم تكن إستفزازات ثابتة، الّا إننا نستطيع الإشارة الى العشرات من رموز الإستفزاز الشيعية والسنّية الثابتة والتي تتطور بإستمرار وهذه الرموز هي المراقد المقدّسة عند الطائفتين والمناسبات التي تجري فيها. ونتيجة لكثرة المناسبات المذهبية الشيعية وتنوعها فأننا نرى أنّ الدولة كانت تشترك كطرف في بعض المناسبات المذهبية السنية وتنقل مراسم إجرائها من خلال التلفزة، كما في مراسم أحياء المولد النبوي الذي يقام عادة في "مسجد الإمام الأعظم". حتّى أنّ المتابع لأمور هذه المناسبات وأجرائها كان يلمس عن حق من أنّ الشيعة غير ميّالين للأحتفال بالمولد النبوي مقارنة لأحتفالهم بمولد الإمام المهدي على سبيل المثال، وهذا ما نلاحظه ولليوم من حجم الأحتفالات ونوعيتها بالمناسبتين.

على الرغم من كثرة الرموز الطائفية الأستفزازية للطائفتين بالعراق، الا اننا وللامانة التاريخية لم نرى السلطات وكانت سنّية على الدوام حتى ساعة احتلال العراق تعمل على إيجاد رموز أستفزاز جديدة، علما من انها كانت قادرة على ذلك على الأقل في المدن والبلدات السنّية ذات الطيف الواحد. ولم نرى الدولة "السنية" ولا دائرة الأوقاف السنية تعدّل كل عام من دليل الأضرحة والمقدّسات السنّية لتضيف إليها مراقد ومزارات جديدة، كما هو الحال مع الوقف الشيعي الذي يكتشف بين الحين والآخر مراقد ومزارات جديدة لتكون مراكز أستفزاز جديدة ومنبع جديد لسرقة الناس والأراضي والعقارات. ومن يراجع كتاب المراقد والمزارات في العراق (*) اليوم، سيرى اسماء مراقد ومزارات لم تكن متواجدة لسنوات ليست بالبعيدة !!

لقد أفرز الصراع الطائفي اليوم هستيريا الزيارات واختراع المراقد والمزارات ومن أهم هذه المزارات المخترعة حديثا هي مزارات بنات الحسن، إذ لدينا منها في النجف الأشرف إثنتين وآخر بالمحاويل وآخر في كربلاء وآخر في بابل وآخر في بغداد!!. يبدو أن الأمام الحسن والذي لا يأتي بنفس مرتبة أخيه الإمام الحسين عند الشيعة لأسباب لسنا بصدد تناولها في هذه المقالة قد دخل دائرة الأستفزازات الطائفية من أوسع أبوابها، بعد أن تفتقت العقلية الطائفية الأستفزازية الشيعية عن مشروع جهنمي لو قيض له أن ينجح فسوف يعمل على محو حضارة بلادنا هذه التي يناصبها الأسلاميون العداء. وهذا المشروع ليس سوى تبديل إسم أحدى أقدم المدن بالعالم أي "بابل" بحضارتها الموغلة بالقدم والتي قدّمت للبشرية أولى القوانين الى مدينة تحمل أسم "الأمام الحسن" !!

لقد تخبط مسؤولو العتبة الحسينية في ردودهم حول هذا الأمر بعد ردة الفعل الشعبية على قرارهم بتغيير أسم المدينة الى "الأمام الحسن" والذي أكّده عضو اللجنة التحضيرية لمهرجان "الامام الحسن" في بابل "علي كاظم سلطان" حينما قال أن (المهرجان يسعى لتجديد الدعوة لتغيير اسم محافظة بابل إلى "مدينة الإمام الحسن"). ما دعا الامانة العامة للعتبة الحسينية في أن تصدر بيانا قالت فيه انها تلقت "الاخبار التي تناقلتها بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول سعي العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية تغيير اسم محافظة بابل الى مدينة الامام الحسن (ع)"، معتبرةً ان "هذه الاخبار عارية عن الصحة، ولا اساس لها". فيما خرج علينا نائب الأمين العام للعتبة الحسينية "أفضل الشامي" ليقول في لقاء تلفزيوني أنّ (بابل تبقى بابل لكن أهالي مدينة الحلة هم من يطلقون على مدينتهم اسم "محافظة الأمام الحسن") !!.

إن تراجع المسؤولين عن هذه الفضيحة الأخلاقية ولا أقول الوطنية كونهم لا يمتون بصلة لهذا الوطن لا تعني أنّهم خسروا المعركة، بل تعني أنّهم ينتظرون وقتا مناسبا آخرا لسرقة تاريخنا كما سرقوا حياتنا وثرواتنا وأمننا ومستقبلنا، وعلينا أن لا نتهاون في هذه المسألة مطلقا وأن نحشد لها كامل الطاقات والأمكانيات. أنّ عملية سرقة الوطن وجعله وقفا شيعيا هو الهدف الرئيسي لهؤلاء اللصوص الذين يمتلكون اليوم إمبراطورية مالية وعقارية وتجارية تقدّر رساميلها بمئات المليارات المنهوبة من أفواه الجياع.

لو غيّر الوقف السنّي مدينة تكريت الى مدينة "يزيد بن معاوية" و الفلوجة الى مدينة "شمر بن ذي الجوشن" والرمادي الى مدينة "عمر بن الخطاب" والموصل الى مدينة "عثمان بن عفان" وهكذا مع بقية المدن، فماذا يتبقى من الوطن !!؟؟؟

الطائفية بئر قاذورات لا يؤمن به الا القاذورات.

(*) كتاب : المراقد والمزارات في العراق من تأليف ثامر عبد الحسن العامري وتقديم الشيخ جلال الحنفي البغدادي.

زكي رضا

بابل الحضارات

22/ 6/ 2016


258

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون ... أيخون إنسان بلاده؟ (*)


منذ عقود وقف السّياب وظهره للعراق مخاطبا الخليج "صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون" بعد أن "جلس الغريب ، يسرّح البصر المحيّر في الخليج". فماذا لو بدّل السياب وقفته تلك في يومنا هذا وجعل الخليج في ظهره ليخاطب بلده؟ ماذا تراه يقول بعد أن يرى أعمدة الدخان تملأ رئتي العراق فيختنق بسبب هذا الدخان؟ ماذا تراه يقول لثكالى بلده حيث لا مدّ في الخليج اليوم بعد أن باع الخونة المياه الى دول الجوار؟ ماذا تراه يقول بعد أن هاجرنا السحاب دون عودة بعد أن فشل المنجمون في صلاة الاستسقاء؟ ماذا يقول بعد أن يرى الدموع تملأ مآقي الناس بعد أن أصبح البكاء جزء منهم وهم يموتون يوميا؟

الغريب اليوم أيها السيّاب ، لا يجلس على الخليج بل يجلس في بغداد التي أحببت، بعد أن تحوّل أبناء بلدك الى غرباء ومهجرّين ومهاجرين. الغريب لا يسّرح البصر نحو الخليج بل يسّرح البصر من الخليج نحو العراق، أنّي أراه يضحك ملئ شدقيه وهو يعرّينا حتّى من ملابسنا، أني أراه يبصق في وجوهنا محتقرا إيانا، أني اراه يغتصب أعراضنا وينتهك حرماتنا، أني أراه يخرج من مسامات جلودنا ليبيعنا في سوق النخاسة.

أقولها لك وكلي ألم من أن العراق اليوم ليس دورة أسطوانة، فالدين حرّم الأسطوانة ليس كونها إسطوانة بل كون العراق يتردد من خلالها كنغم جميل. هل رأيت مؤمنين بدين حاقدين على بلد كما يحقد المؤمنين على عراقنا اليوم؟ العراق اليوم أيها "السياب" بضاعة رخيصة تباع في طهران والرياض، وهل تعرف الدلّالون والباعة لهذا العراق؟

في العراق اليوم من يقتل الأطباء ليعالج العراقيون مرضاهم في مستشفيات دول الجوار، في العراق اليوم نقتل أعمدة الكهرباء لنستورد الكهرباء من دول الجوار، في العراق اليوم نقتل المياه والأسمدة لنستورد الخضروات من دول الجوار، في العراق اليوم نقتل الأساتذة الجامعيين لنحيي الجهل والتخلف والخزعبلات، في العراق اليوم اليوم نقتل الجيش لنحيي الميليشيات، في العراق اليوم لا مستشارين لدينا فنستورد مستشارين من دول الجوار، في العراق اليوم نقتل طيارين وضباط لان جار لنا يريد ذلك، في العراق اليوم نفتح مدننا للأفاقين والمجرمين لننفذ أجندة دولة جارة، في العراق اليوم تباع نسائنا في سوق الرقيق والجواري لنعيد به مجد الإسلام!!

هنيئا لك كونك متّ ولم ترى خيانة أحزاب كاملة لبلدها من أجل مذهب وطائفة، هنيئا لك كونك لم ترى بلدك يباع بالمفرق والجملة للغرباء، هنيئا لك كونك لم ترى نساء بلدك يباعنّ كسبايا، هنيئا لك كون الخليج الذي وقفت عنده كان خليجنا وشط العرب كان شطّنا والبصرة كانت تتحدث بلهجة عراقية. تعال لأريك اليوم خيانة القوم لبلدك وشعبك، تعال لترى أن تعجبّك عن خيانة "الرجال" لأوطانهم ليست سبّة!!! بل على العكس فالخيانة واجب طائفي ومذهبي، فشيعتنا يسّرحون البصر نحو طهران ليقبّلوا يد الولي الفقيه، وسنّتنا يسّرحون البصر نحو الرياض ليقبلوا أنف "المحفوظ"، وكوردنا لازالوا في حيرة من أمرهم فمركبهم لازال بشراعين، الريح تدفع احدهما نحو الشرق وتدفع بالاخر نحو الشمال .

اليوم لدينا الملايين كالمسيح يجرون صلبانهم في غربتهم داخل وخارج الوطن، اليوم إزداد "وقع خطى الجياع" فالقحط في كل مكان. اننا لا نعيش عهد الخيانة لوحدها بل نعيش معها عهد القحط الوطني والاخلاقي والإنساني. اننا نتنفس الموت بريح الخيانة، ان من يحكمنا اليوم أيها السياب ليسوا سوى خونة، بكل ما في كلمة خونة من معنى، أنهم يقتلون العراق. والآن الا زلت متعجبا أن كيف يمكن أن يخون الخائنون ... وهل لازلت متعجبا لتسأل "أيخون إنسان بلده".

لا تتعجب ، فالشمس في العراق ليست اجمل من سواها كوننا لا نعرف الا الظلام. ولا زلنا ونحن مهجّرون داخل وخارج العراق (بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو "خطيّة") نعم والأمر كما قلت (والموت أهون من "خطيه" ). ولا أدري إن عدت بعد حين معك ، إننا سنرى العراق عراقا، وهل ستصرخ الريح فينا .... عراق .

الأسلاميون كالعملات المزيفة لا يساوون ثمن الكيس الذي يوضعون فيه.


(*) مقطع من قصيدة غريب على الخليج لبدر شاكر السياب



زكي رضا
الدنمارك
9/ 6/ 2016

259
المنبر الحر / عمّار الحكيم يهدد
« في: 19:21 03/06/2016  »
عمّار الحكيم يهدد


هناك أكثر من مفهوم لمصطلح ميليشيا الا ان الاقرب منها للواقع هي أنها، مجموعات مسلحة خارج إطار الجيش النظامي تدعمها تنظيمات حزبية أو دينية أو طائفية أو قومية، لذا فأنها تعتبر ذراعا عسكريا للقوى التي تدعمها وتتحرك بإمرتها وتدخل المعارك بتوجيهات سياسية دفاعا عن مصالح تلك القوى.

تنتشر ظاهرة الميليشيا عادة عند الحروب، إذ ينخرط المدنيون في تشكيلات شبه عسكرية لمقاومة محتل أو معتدي على بلادها. وتُحَلْ هذه الميليشيات بعد إنتهاء أسباب تشكيلها ليعود المنضويين اليها لممارسة حياتهم الطبيعية وأعمالهم التي كانوا عليها قبل الحرب.

يعالج الدستور العراقي في مادته التاسعة، الفقرة (ب) ظاهرة الميليشيات بنص يقول "يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة". وتبقى هذه المعالجة ناقصة ومن السهل الإلتفاف عليها لتشكيل وتشجيع تشكيل ميليشيات عديدة وهذا ما حصل ويحصل فعلا اليوم إذ وصل تعداد الميليشيات الشيعية والسنية المتصارعة فيما بينها الى العشرات، كما وان الصياغة اللغوية جاءت بشكل يتيح للأحزاب المتنفذة التي تملك أذرع عسكرية "ميليشيا" من الالتفاف على النص الدستوري ايضا، وذلك بالإستفادة من التعريف "يحظر تكوين" والتي من الضروري ان يضاف اليها "حل جميع الميليشيات العسكرية خارج اطار القوات المسلحة". وبهذه الصيغة تصنّف جميع المجاميع العسكرية التي دخلت البلد بعد الاحتلال ولم يتم حلّها لليوم ميليشيا عسكرية خارج إطار الجيش إضافة الى تلك التي تأسست بعده.

لقد كانت تجربة شعبنا مع الميليشيات تجربة مريرة ولكن القادم وبعد أنتهاء الحرب على عصابات داعش الارهابية ستكون بلا ادنى شك اكثر مرارة، فالميليشيات التي انضوت تحت يافطة الحشد الشعبي كمجاميع مسلحة وليس كأفراد ستعود بعد إنتهاء المعارك باحثة عن حصتها من كعكة السلطة. ولتبدأ بعدها القتال فيما بينها وبين الجيش والشرطة وقوات حفظ النظام من الجهة الاخرى، وبالأمس أثارت ميليشيا "عصابات أهل الحق" الرعب وسط مدينة البصرة، عندما إصطدمت عناصرها مع الشرطة في منطقة "الجمهورية". وبدلا من ان تتم محاسبة هذه العناصر الميليشياوية لإعتدائها على سيطرة للشرطة مكلّفة بإستتباب الأمن بالمدينة نرى قيادة هذه العصابة تخرج ببيان تقول فيه، إن ما حصل لم يكن سوى "سوء تفاهم بسيط" على الرغم من ان المعركة بين الطرفين دامت قرابة الساعة زارعة الرعب وسط الشارع البصري، مع صمت مطبق كالعادة من الحكومتين المركزية والمحلية!!.

يبدو أن السيد "عمار الحكيم" يريد أن يلتف على المفهوم القانوني للميليشيا وحتى على الدستور، عندما توعد في كلمة له خلال المؤتمر الـ "30 " للمبلّغين والمبلّغات في النجف بـ "معاقبة كل من يتّهم البعض بأنهم ميليشيات لأن الكل يقاتل ولا حدود للشهادة".

السيد عمار الحكيم الدستور يقول أن جميع التشكيلات العسكرية خارج نطاق القوات المسلحة العراقية هي ميليشيات، ومنها ميليشيا سرايا الخراساني التي تحمي مملكتك المحصّنة بالجادرية. فهل ستعاقب الدستور بسجنه أو إغتياله، أم ستقول عنه كما المجرم "صدام حسين " من أنه چزة قلم!!".

السيد عمار الحكيم أنت وكل زعماء المحاصصة رعاة ميليشيا.


زكي رضا
الدنمارك
3/ 6/ 2016





260
السيستاني يؤكد تصريحات سليماني حول التدخل العسكري الإيراني بالعراق


العراق وفق دستوره هو بلد ديموقراطي وتُتّخَذْ القرارات المصيرية فيه من وحي هذا الدستور، فإن أرادت الحكومة إعلان الحرب دفاعا عن أراضيها ضد أي عدوان داخلي اوخارجي فعليها العودة للمادة 61 الفقرة 9 أ التي تنظم آلية الموافقة بنص يقول "الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءاً على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء". ومن الطبيعي أن تقوم نفس الجهات بالبحث عن حلفاء وأصدقاء لمواجهة العدوان على أراضيها، من خلال مباحثات سياسية ومساعدات عسكرية وإستخبارية ولوجيستية على أن تضمن إنسحاب جيوش الأصدقاء والحلفاء من العراق بعد عودة الاوضاع الأمنية الى ما كانت عليه قبل الحرب.

في يوم السبت 29/ 5 / 2016  "صرّح قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني إستعداد بلاده للتدخل عسكريا في العراق للقضاء على "الإرهاب" في حال صدور توجيهات من السيستاني بذلك، إذ قال في تصريح له نقلته وكالة تسنيم المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني أنّ  "ايران سيكون لها دور ضد الارهابيين في العراق عندما تصرح المرجعية الدينية العليا في العراق بان هناك حاجة سياسية ودولية لذلك". وتصريح سليماني هذا يعني تجاوزه على السلطات العراقية وعدم إحترامه لإرادة شعبنا العراقي ، كما ويعتبر تصريحه هذا تدخلا سافرا بالشأن العراقي الداخلي معتمدا على مرجعية دينية لا تمثل جميع العراقيين ولا حتّى كل الشيعة.

والغريب والمؤسف في آن واحد هو ليس صمت المرجعية الدينية أمام هذا التصريح الذي زجّها في عمل سياسي ليس من إختصاصها ولا حتى من مهامها، بل صمت السلطات العراقية وعدم تنديدها بهذا التدخل بشؤون "بلادها" و "هيبتها"، والكارثة الاكبر هو صمت كصمت المقابر لجميع القوى السياسية العراقية دون إستثناء وهي ترى بلدها يقاد من خلف الحدود وعدم تنديدها بهذا التصريح الخطير الذي إن حدث فسيكون لتوفر الظروف الموضوعية والذاتية له إحتلالا طويل الامد!!

إنّ الإرهاب الذي يضرب العراق اليوم ليس شأنا داخليا فقط بل هو تصفية حسابات سياسية بين قوى إقليمية عملت عن طريق "أراجوزات سياسية" أن تجعل بلدنا ساحة لتصفية حساباتها، ولو عدنا قليلا بالتاريخ للوراء لرأينا الصراع الشيعي - السني بنسخته الإيرانية - الوهابية اليوم هو نسخة من الصراع الصفوي - العثماني الذي دفعنا بسببه أنهارا من الدماء على مدى سنوات طوال. ومحاربة هذا الإرهاب بحاجة الى دولة مؤسسات تعيد للجيش العراقي هيبته وفاعليته وليس الى قوى ميليشياوية ستكون بالغد مخلب قط لإحتلال آخر.

إن السيد السيستاني وكونه مرجعا شيعيا لا يستطيع أن يخرج من إطار شيعيته الى إطار العراق مهما حاول وهو بذلك لا يفرق بشيء عن المراجع السنّية، ولأن الامور بخواتيمها كما يقال  نراه يقول وبعد يوم واحد فقط من تصريح سليماني وفي لقاء له مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة " يان كوبيش" من أنه (قلق على أوضاع العراق وأنه يدرس التدخل "العسكري" إذا إقتضت الضرورة ذلك). وليؤكد بهذا التصريح من أن هناك تفاهمات تجري خلف الكواليس بين المرجعية في النجف وبين الحكومة الايرانية لتدخل إيراني عسكري "شرعي" بحجّة محاربة الإرهاب وهذا ما أكّده سليماني مثلما ذكرنا في بداية المقالة، حينما أكّد تدخل بلاده بالعراق في حالة "تصريح المرجعية بذلك".  وها هي المرجعية تفتح أبواب العراق على مصاريعها أمام أحلام سليماني ومعه أحلام حكومته، بعد أن أوصلت شعبنا للحضيض بتأييدها لأحزاب طائفية دمّرت شعبنا ووطننا بطلبها إنتخابهم مرّة ومرتين وثلاث ليتركوا العراق على شفير الهاوية.

السيد السيستاني ، أهكذا تروى إبل العراقيين؟؟ !!!

زكي رضا
الدنمارك
31/ 5/ 2016

261

إذا لم تستح فكن دعويا


كل شيء من اجل المعركة "تحرير فلسطين" !!!، شعار رفعه البعث لسنوات طوال ليقمع به شعبنا ومعارضيه من مختلف الفصائل السياسية، فبه قمع الشعب الكوردي وبه رسّخ دكتاتوريته و ضرب الاحزاب الوطنية والقومية والاسلامية، وبه سخّر إقتصاد البلد لعسكرة جيشه الذي فقد بوصلته مرّة بإتجاه إيران وأخرى بإتجاه الكويت وأخرى لقمع شعبنا في إنتفاضة آذار. وبهذا الشعار كانت الاحكام العرفية غير المعلنة هي التي تتسيد الساحة السياسية العراقية وقتها  فالمظاهرات والإضرابات والإعتصامات كانت تقابل بالتصفية الجسدية المباشرة إن حدثت.

رحل البعث وجاء الدعاة الى سدة الحكم على نفس القطار الامريكي، ولأنهم من راكبي القطار هذا فإنهم يقلدون البعث في كل شيء تقريبا وأحيانا بشكل اكثر إحترافية كما حالهم مع نهب ثروات البلد ورهنهم العراق كما أمثالهم الاسلاميين لبلد جار كونه من نفس طائفتهم. ومن جملة شعارات البعث التي رفعها الدعاة اليوم وللحيلولة دون إستمرار التظاهرات الشعبية وإنهائها تلك التي تطالب بإصلاح " نظام سياسي " فاسد وفاشل أوصل البلد الى ما هو عليه اليوم تحت حكمهم وباقي المتحاصصين ، هو شعار " كل شيء من اجل المعركة" والمعركة هذه المرّة هي تحرير الفلوجة" !!!.

الفلوجة التي بقيت محتلة منذ عام  2013 لليوم ومنها كانت تنطلق السيارات المفخخة حسب تصريحات المسؤوليين الأمنيين عهد حكومتي المالكي وعلى رأسهم أسوأ مسؤول أمني عرفه العالم أي الدعوي عدنان الاسدي، لتحول شوارعنا عهده الى أنهار دماء وسماواتنا الى دخان ممزوج بأشلاء الأبرياء،  لم يكن تحريرها من اولويات حزب الدعوة المسؤول الاول عن تسليم ثلث مساحة البلاد لتنظيم داعش الارهابي على الرغم من خطورة الموقف فيها وكونها اقرب مدينة محتلة من داعش للعاصمة بغداد. فماذا جرى اليوم، ولماذا خرج الدعاة اليوم ومعهم أقطاب المحاصصة والسفارةالامريكية، في حرب هدفها عودة " الفرع الى الأصل " !!

إن الحرب لتحرير الفلوجة وهو واجب وطني قبل كل شيء لم تبدأ بسبب إستمرار التظاهرات المطالبة بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين، والا لكانت بدأت بعد الشهر الاول أو الثاني وحتى الخامس او السادس لانطلاقتها خصوصا وأنها رفعت ولاول مرّة شعار غير مألوف عند ساسة العراق ورجال الدين، وهو شعار " بإسم الدين باگونه الحراميه" وما لهذا الشعار من وقع ومعنى.  كما ولم تبدأ المعركة " تحرير الفلوجة" حتّى عندما دخل المتظاهرون مبنى البرلمان التي ستعرف مستقبلا بحادثة " القنفة"، بل بدأت تحديدا بعد دخول المعتصمين لمبنى مجلس الوزراء بأسبوع واحد تقريبا وذلك بعد إستخدام القوة ضد المتظاهرين وسقوط أربعة شهداء وجرح العشرات منهم.

إن الدعاة يعرفون جيدا معنى الدم في مثل هذه الحالات من خلال تجربتين قريبتين منهم، اولهما أن الدم سيزيد الهيجان الشعبي ويكون عاملا اساسيا في أن تأخذ التظاهرات مديات أوسع بمشاركة جماهيرية أكبر كثافة، وهذا ما حدث بالضبط في أيران أثناء ثورة شعبها ضد النظام البهلوي الفاسد. إذ كانت التظاهرات التي تلي أستشهاد المتظاهرين برصاص قوات الشاه تتحول الى تظاهرات صاخبة حيث جثامين الشهداء في مقدمتها لتشييعهم الى المقبرة، وفتحت تلك التظاهرات أخيرا وبلون الدم الاحمر قبر النظام الشاهنشاهي البغيض. والتجربة الثانية هي أن الدعاة وعلى لسان زعيمهم ليسو سوى طلّاب ثأر وفق مبدأ عشائري يقول " الدم بالدم" وهم الذين روجّوا له وشجّعوه، وهذا يعني وهم يعرفون ذلك جيدا أن ذوى الشهداء وعشائرهم سيكونون في مقدمة المتظاهرين لاحقا ممّا سيتسبب في شدّة التظاهرات وعدم معرفة نهاياتها و حسمها. فما العمل؟

العمل، هو رفع الشعار البعثي الدعوي المشترك " كل شيء من اجل المعركة "، وليبدأ به قرار تحرير الفلوجة. ولأن التحرير هذا يحتاج الى جهود القوات الامنية والعسكرية إضافة الى متانة الجبهة الداخلية، فالتظاهرات يجب ان تتوقف لحين استكمال تحرير الارض العراقية المحتلة بأكملها !!! أي منح حكومة المحاصصة صكا مفتوحا بما تريد أن تنهبه من اموال البلد وقروضه وحتى الاموال العراقية المجمدة التي يعملون اليوم على تحريرها من البنوك العالمية.

إن عدم إلتزام أية جهة سياسية عهد البعث بشعار " كل شيء من اجل المعركة" كان يتعرض لتهم شتّى كالجيب العميل كما الكورد والخونة كما الشيوعيين وفرس مجوس وعملاء إيران كما حزب الدعوة الحاكم اليوم. ولأن ركاب القطار الامريكي لهم نفس المعلم ونفس اسلوب التدريس نرى الدعاة اليوم وعلى خطى الطغاة، يتهمون المتظاهرين كونهم بعثيون!!! وعليهم عدم التظاهر حتى إنتهاء المعركة. أية معركة الفلوجة ؟ الموصل؟ عشرات القرى والبلدات في كركوك وصلاح الدين والانبار!!!؟؟؟؟ 

إنّ الدعاة كما البعثيين لايستحون فها هو " صلاح عبد الرزاق " القيادي في حزب الدعوة ودولة اللاقانون يطالب المتظاهرين بالكف عن التظاهر لعدم إشغال السلطات عن هذا الامر ليقول " أن "ذلك يتطلب عدم إشغال الحكومة والقوات الأمنية بحماية المتظاهرين والمؤسسات الرسمية والمال العام"، دون أن يسأل هذا الدعوي نفسه إن أين كانت القوات الحكومية وهي تترك داعش يسرح ويمرح في بلدنا وهي متواجدة بعشرات الالاف لحماية الزوار مرّات عدّة كل عام ولسنوات عديدة!!، الا تستطيع السلطات ان تضع بضع مئات من قواتها لحماية المتظاهرين. إعتبروا المتظاهرين زوارا وهم كذلك فعلا كونهم زوار للحرية والوطن ولتكن هناك قوة لحمايتهم من بطشكم قبل بطش الارهاب.

ولأن الدعاة لا يعتبرون الفساد هو الوجه الثاني للإرهاب ترى عبد الرزّاقهم هذا يطالب المتظاهرين بالذهاب الى الفلوجة لقتال الدواعش ، إذ حثّ "المتظاهرين إلى الذهاب لجبهات القتال لدعم المقاتلين والدفاع عن الوطن، وتأجيل التظاهرات إلى ما بعد تحرير الفلوجة" متناسيا أن خطر حزبه وهو يقود الفساد لا يقل عن خطر تنظيم داعش الارهابي. إنّ المعركتان مقدّستان ولن ننجح في هزيمة داعش ما لم ننجح بمحاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي المتهالك والطائفي من خلال إستمرار التظاهرات السلمية حتى تحقيق الإصلاحات الحقيقية وتطبيقها.

أليس من العار أن تعرف مصدر الخبز واللحم والأقمشة والأحذية وتجهل مصدر الفضيلة مع انها الميزة الوحيدة بين الانسان والحيوان  " حوار بين سقراط وتلميذه كسينوفون" .

أليس من العار أيها الدعاة أن تعرفوا مصادر النهب والقتل والطائفية وخيانة الوطن ورهن ثروته الوطنية وتجهلون معنى الفضيلة ليعيش شعبنا بكرامة ، او لستم مسلمون وعلى خطى آل البيت سائرون!؟؟

زكي رضا
الدنمارك
29/ 5/ 2016

 




262
أين هو الدم بالدم أيها الدعاة ويا عبيد المالكي

حينما إرتكب أحد حمايات الفوج الرئاسي وبدم بارد جريمة قتل الإعلامي والأستاذ الجامعي الشهيد " محمد بديوي" في المنطقة الخضراء، رأينا المالكي وكان رئيسا للوزراء حينها "ولليوم" ومرشّحا لولاية ثالثة يسارع بالوقوف على جثّة المغدور في موقف تمثيلي وبحركات تعبيرية تدل في ظاهرها عن الألم الذي يكتنزه في داخله. ليعلن أمام الصحافيين ووسائل الاعلام التي وصلت بسرعة الضوء الى مكان الحادث ليقول " أنا ولي الدم وكل من له اي صلة بهذه الجريمة يجب أن يمثل امام القضاء والدم بالدم، وهذه العملية " مخالفة للقانون وهذه واحدة من الإجراءات التعسفية".

في إنفعالاته تلك أعادني زعيم الدعاة الى نيسان عام 1980 وخطاب زعيم الطغاة عندما قال بعد مسرحية التفجير في الجامعة المستنصرية ومحاولة إغتيال " طارق عزيز"، من أنّ الدماء التي سالت بالمستنصرية لن تذهب هدرا . ليس كون الجريمتان متشابهتان بل كون الدم هو العامل المشترك في خطاب فاشيي الأمس الذين قالوا " نقول لكم والله, والله, والله ... ان الدماء الطاهرة التي سالت في الجامعة المستنصرية لن تذهب سدى" وبين فاشيي اليوم الذين قالوا " أنا ولي الدم "، مع ملاحظة مهمة وهي أن الفاشي الاول يقول "نحن" والثاني يقول "أنا".

لا أدري ما هو لون الدم الذي يستثير الدعاة ويجعلهم يخرجون دفاعا عنه كي نعمل نحن المكتوين بنار فساد السلطة الى تغيير لون دمائنا لتكون كما يريدونها!؟ ولماذا لم نرى أي مسؤول دعوي يقف على رأس جرحى التفجيرات التي هزت العاصمة الاسبوع الماضي؟ إن إستخدام الرصاص الحي في التعامل مع المتظاهرين من قبل قوات ميليشياوية صرح المسؤولين عنها علنا من أنّهم بصدد إعادة تشكيلها لتكون على غرار " الحرس الثوري الايراني" وإنتشارها في مناطق مختلفة من العاصمة ، تعتبر بوادر لإستباحة هذه الميليشيات للعاصمة والعبث فيها أكثر مما هي عليه اليوم. إنّ الخطر القادم من هذه الميليشيات خلال الأيام القادمة سيكون اكبر، والدماء التي ستسيل ستكون أكثر غزارة. وهذا واضح من تصريح لقيادي في التحالف الشيعي الحاكم بصدد التظاهرات القادمة يقول فيه "لن يتكرر ما حدث في يوم الجمعة، وسيكون التعامل اكثر قسوة هذه المرة".

إنّ حزب الدعوة الفاشي لا يفرق قيد أنملة عن حزب البعث الفاشي فالأثنان وجهان لنفس الجريمة. فهذان الحزبان لايعرفان الحياة والعمل السياسي دون أن يديروا معاركا هنا وهناك، والاثنان يتبادلان نفس الخطاب حينما يتعلق الأمر ببعضهما البعض. فبالأمس كان الفاشيون يعدمون مناوئيهم السياسيين على أنهم " دعاة" !! على الرغم من أنّ نسبة كبيرة منهم كانوا أعضاءا بالحزب الشيوعي العراقي و من أعضاء الحركة الكوردية، واليوم يتهم الفاشيون الدعاة المتظاهرين الذين خرجوا لتصحيح مسار "عملية سياسية " قادت البلد الى الهاوية من أنهم " بعثيون".

مفارقة، ولكنها ليست غريبة مطلقا فحزب الدعوة وعلى خطى البعث يعمل دوما ومن اجل إستمرار هيمنته على مقدّرات البلد بإفتعال معارك جانبية مع أطراف مختلفة معه بل وحتّى مع حلفائه في البيت الشيعي. وهو بهذا الخصوص لا يفرق بشيء عن حزب البعث الذي كان في بحث دائم عن صراعات داخلية وإقليمية وحتى حزبية. ويستحضرني هنا قولا للفاشي " صدام حسين " نقله الاعلامي " سعد البزاز " في كتابه " الجنرالات آخر من يعلم " وهو يقول " عندما لايبدو أن امامنا معارك معلنة اليوم .. أن هناك معارك محتمة ستقع غداً ... الحروب الآتية ليست محتملة.. بل أنها محتمة.. فمنذ علمنا الأستاذ ميشيل عفلق السير على هذا الطريق في العمل السياسي لم نعد نعرف العيش بدون صراع .. واذا كنت لاترى من جانبك معركة قادمة .. فأني أراها من المكان الذي أتطلع منه الى أنفسنا والعالم.. لكنني لا أستطيع أن احدد من أي اتجاه ستكون هذه الحرب الأتية .. أو ضد من ستقع ".

أنّ التظاهرات حقّ كفله الدستور، وليس هناك نص في هذا الدستور يحتّم على المتظاهر تقديم وثيقة تثبت عدم " بعثيته" ليرفقها بطلب للتظاهر ويقدمها الى أحد فروع أو شُعَبْ حزب الدعوة الحاكم لتتم تزكيته، ولتتم حينها فقط إعتباره متظاهرا حسن السيرة والسلوك!! كما وليس من حق السلطات سجن التظاهرات في أماكن محددة وتطويقها بميليشيات مدججة بالسلاح وجاهزة لإطلاق النار في أية لحظة، وعلى السلطة الحاكمة أن تفكر بـ " شعبها " وتوفر له الأمان كما توفره للمنطقة الخضراء. إن الأزمات القادمة ستكون أشّد وأقسى من الأزمات التي عاشها شعبنا طيلة سنوات ما بعد الاحتلال لليوم، فهل سيصر حكام الخضراء على أن يكون الدم هو العلامة الفارقة في حكمهم كما الفساد والخيانة الوطنية!؟

وعودة لهتاف " الدم بالدم" فهل سيعطي زعيم الدعاة الحق لذوي المغدورين وعشائرهم بإن يطالبوا بدم أبنائهم بعمليات ثأرية وهي ضد القانون والتي بدأت بوادرها فعلا. وهل فكّر يوما وهو يقود دولة من أنّ العشائرية التي إتكّأ عليها ولا يزال هي من أشد المعاول هدما للدولة الوطنية. إن ممارسات الدعاة والمالكي وهم يشقّون الموقف الوطني المتهريء اصلا في معاركهم ضد الكورد والسنّة والبعض من حلفائهم في البيت الشيعي للهيمنة على البيت الشيعي بالكامل، تثبت من انهم تلاميذ نجباء لميشيل عفلق.

إن تطلّب الأمر أن أبيض بيضة من أجل وطني فسوف أفعل ذلك " بوب هوب"


لا نريدك أن تبيض بيضة أيها المالكي من اجل "وطنك" بل نريدك أن تترك الناس تبيض من أجل وطنها بعدم إتهامها من أنهم اعضاء في حزب الدعوة آسف حزب البعث، ولم الأسف أليسوا وجهان لخيانة واحدة؟

 

زكي رضا
الدنمارك
23 / 5 / 2016




263

سنشكوكم الى الله أيها القتلة واللصوص !!!!!



حتّى الملحدون الذين لا يؤمنون بوجود إله يعرفون إنّ الموت هو نهاية الإنسان الطبيعية فما بالك بالمؤمنين وهم يقرأون كما العراقيين "كل نفس ذائقة الموت" آلاف المرّات يوميا في وداعهم لأحبتهم، الذين يموتون لنقص الدواء في بلد النفط المنهوب من الأحزاب الإسلامية وعرّابيه من المعممّين وباقي أقطاب المحاصصة، أو متناثرين في سماوات الوطن نتيجة فشل هذه الاحزاب التي باركتها المرجعية في إستتباب الأمن ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة بعد أن أصبحوا جزء من نسيجه. وهذا يعني أنّ الموت يطال الفقير والغني، والعبد والسيد، والمحكوم والحاكم، والثائر والجلاد، والمسروق والسارق، والطفل في مدينة الثورة ونوري المالكي، وتلك المرأة التي ركضت حافية على الأسفلت الملتهب لتجمع ما تستطيع جمعه من أشلاء أبنها وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وسليم الجبوري واسامه النجيفي والسيد السيستاني وأنا.

سؤال أطرحه أمام رجال الدين ونحن نعيش عصر الجريمة الإسلامية الكبرى في نهب وقتل العراق وشعبه، والدور البارز للدين الإسلامي ومذاهبه في المجازر المرتكبة يوميا بحق أطفالنا ونسائنا وأيتامنا وفقرائنا...
من سيحاكم القتلة واللصوص الذين جاء بهم المعممّون ليستبيحوا حياتنا؟
 ولمن علينا شكايتهم؟
 وهل ستعمل المحاكم على إسترداد الحق العام منهم كونهم قتلة ولصوص وتصدر القرارات المناسبة بحقّهم وفق قانون الجنايات العراقي؟
 وهل ستصدر المحاكم قرارات تلزمهم بإعادة ما سرقوه من خزينة الدولة ؟

 هل يعرف رجال الدين أين تقدم شكاوى الإتهام بالقتل والسرقة والفساد والخيانة العظمى وبقية الجرائم؟ لا أخالهم لا يعرفون ذلك ، وإن كانوا لا يعرفون وهم يعرفون فأن الشكاوى أيها السادة تقدّم الى السلطة القضائية المسؤولة عن تحقيق العدالة عبر المحاكم وليس الى جهة أخرى، والتي تصدر أحكامها الواجبة التنفيذ تجاه المتهمين أمّا بالبراءة أو الغرامة أو الحبس أو كلاهما مجتمعين ولفترات متفاوتة حسب نوع الجريمة، أو الإعدام في حالات القتل العمد والخيانة العظمى عدا البلدان التي تمنع حكم الإعدام. إن المجرم يجب أن يعاقب على جريمته وعدم تأجيل المحاكمة لأمد غير معروف لأن عدم محاكمته ومعاقبته سيدفع الآخرين الى ممارسة الجريمة وتكرارها، وحينها يكون المجتمع بأكمله تحت رحمة الجريمة لنعيش ساعتها شريعة الغاب بدل شرعة القانون.

رجل دين يقول في خطبة الجمعة مخاطبا الساسة اللصوص والقتلة وخونة الوطن والشعب وهم مؤمنون ويقيمون الفروض ويضعون الخواتم على أكثر من إصبع وجباههم سوداء من أثر السجود أن "لا جدوى صمّوا آذانكم عن الإستماع لأصوات الناصحين.. شكوناكم الى الله "!!. فهل سيقتصّ الله من هؤلاء الفجّار ويعيد الحق لأصحابه هنا في حياتنا هذه كما تفعل المحاكم عندما نشكوا لها مجرما أو لصّا؟ أي هل سَيُعاقَبْ المجرمون الذين سرقوا وقتلوا شعبنا وعاثوا بالعراق فسادا أمامنا في محاكم علنية ليكونوا عبرة للآخرين؟ وبلغة أخرى قريبة من الحدث الذي من أجله قيلت هذه الكلمة أي التفجيرات الاخيرة التي ضربت بغداد وخلّفت مئات القتلى والجرحى والمعاقين ودمّرت الاسواق والمحلات زارعة الرعب في بغدادنا المغتصبة من الأسلاميين، هل ستعيد هذه الشكوى للطفل قدميه اللتين فقدهما في إنفجار مدينة الثورة ؟ وهل ستعوّض هذه الشكوى الفقراء ما فقدوه من قليل مال كان رأسمالهم الذي يعتاشون عليه وأسرهم المعدمة ليعيشوا بها بكرامة؟ لا أظن ذلك لأن الفقر يزداد يوميا ومساحة الألم والمرض والعوز في إتساع بنفس نسبة إتساع إمبراطوريات اللصوص على أشكالهم ومافياتهم على أشكالها هي الأخرى. كما وإنّا لم نرى فقيرا مريضا فقد طفله وهو يبيع الخردوات في سوق مريدي ليعيله وأسرته المعدمة قد حصل على تعويض يجعله يعيش بآدمية وكرامة لا من الله ولا من اللصوص الذين يسرقوننا بإسمه.

دعونا هنا ونحن نستمع الى نية البعض بتقديم اللصوص والقتلة الى المحكمة الإلهية بدلا عن المحاكم الشرعية عن طريق تقديم شكواهم الى الله!! أن نذكرّهم بجرائم كبيرة أرتكبها طغاة بحق ملايين الضحايا الذين قدموا - بلا ادنى شك - شكاواهم الى الله حينها أيضا، فماتوا في السجون والمنافي وتحت سياط الجلادين وتعذيبهم اليومي دون أن ينصفهم الله مطلقا، وبقي القتلة والجلادين متنعمين بمباهج الحياة كما آل الخضراء ، حتّى موتهم بشكل طبيعي، دلالة على عدم وصول شكاوى تلك الضحايا الى الله أو أنّه قد تجاوزها لأسباب نجهلها. هل يعتقد رجال الدين أن الإمام الحسن لم يشكو معاوية الى الله ، وأن الإمام الحسين لم يشكو يزيدا الى الله ، وهل يشّكون للحظة من ان الإمام موسى الكاظم لم يشكو هارون الرشيد الى الله، فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت مقتل الأئمة الثلاثة ووفاة القتلة الثلاثة وفاة طبيعية رغم جرائمهم وسرقاتهم بعد أن تمتّعوا بحياتهم على أفضل وجه حتّى نهايتها، سيقول لي المعمّمون وغيرهم من أنّ التاريخ خلّد الأئمة الثلاثة عكس القتلة على الرغم من ان التاريخ خلّد الاخرين أيضا.

طيب وماذا عن ضحايا الحجّاج المعروف بالمبير أي المبيد مثلا ، أعني ضحاياه البسطاء الذين سجنوا وعذبوا وقتلوا عهده وكانوا ايضاً يشكون الحجاج الى الله كي ينتقم لهم منه، فهل إنتقم لهم وخلّدهم؟ لقد ماتوا في غياهب سجونه وتحت التعذيب صبرا ليموت هو مريضا بين غلمانه وجواريه كما يموت ملايين البشر بعد أن حكم وتمتع بلذات الدنيا عشرات السنين ، واليوم فنحن لا نعرفهم ولكننا نعرف الحجّاج!!. هل يعرف رجال الدين والشيعة منهم تحديدا ، أن جميع ملوك بني أمية الذين كانوا من ألدّ أعداء الشيعة وآل بيت النبوة ماتوا ميتة طبيعية، ومنهم من ضرب القرآن بسهمه وقتل الآلاف من الأبرياء الذين شكوه بلا شك الى الله، عدا مروان الحمار ؟

 في الغد سينفجر شعبنا حتما ضد كل اللصوص والحرامية "الباگونه بإسم الدين" وحينها سنشكو كل من ساهم بقتلنا وسرقتنا وضياع وطننا الى القانون، في الغد ستكون المحاكم هي الفيصل التي تعيد لنا حقّنا من أحزاب الإسلام السياسي وعرّابيه الذين ليسوا أقل سوءا منه، أمّا شكوانا لله فسنتركها لوقت آخر ومكان آخر. إنّكم هنا بشكواكم هذه الى الله قد ساهمتم بتخدير الناس كي لا يطالبوا بحقّهم، وكان الأحرى بكم أن تطالبوا الناس بالخروج بالملايين ليحاكموا اللصوص والقتلة والمسؤولين عن خراب البلد.

على ساسة الخضراء أن يستبشروا خيرا حول شكايتهم الى الله كونها كما تقول الكناية العامية البغدادية "بشّر أمّك صارت بديانة" أو قريب منها من حيث المعنى، وأصل الكناية هي :

 " إنفساح المجال أمام المبطل الشرير للتغلّب على خصمه المحقّ. وصارت بديانة: كناية عن الوصول الى حلف اليمين. وأصل الكناية: إنّ نزاعا حصل بين شرّير مبطل وبين محقّ، وصدر القرار بتكليف المبطل بأن يحلف اليمين، فوثق المبطل بنجاح إدّعائه لسهولة حلف اليمين عليه، والتفت الى ولده، وقال له، بشّر أمّك صارت بديانة، يعني إنّه قد ربح القضية ، ما دام قد وجّه اليه اليمين". فهنيئا للأشرار ربحهم لكل قضايا الفساد والقتل بعد أن أجّل البعض محاكمتهم الى يوم القيامة ليشكوهم الى الله وليستمروا متمتّعين بملذات الحياة ورخائها بما سرقوه ويسرقوه من أموال الناس، في حين ندفع نحن الثمن من دمائنا وأموالنا وأعراضنا ومستقبل أجيالنا، وخوفي من أن ندفع وطننا ثمنا بالنهاية.

أني أرى ساسة الخضراء في فرح وسرور وحبور وشكر وإمتنان للذي أشتكاهم الى الله ، كما وأراهم يهاتفون أبنائهم في منتجعاتهم هربا من قيظ بغداد هذا إن كانوا فيها أصلا ، أن بشّروا أمهاتكم فقد ربحنا العراق وحُوِلت أوراق كل سرقاتنا وما نهبنا وما إقترفناه من جرائم الى المستقبل غير المنظور.
أهكذا أيها السادة تروى الإبل ؟ ألم يحن الوقت لتتركوا السياسة للسياسيين وتبعدوا الدين عن الاعيبها؟ أقولها ثانية ومن اجل إحترام التاريخ الديني لمدينة النجف وحوزتها الدينية إتركوا التدخل بالشأن السياسي وكفاكم تخديرا للناس. كيف سيطالب الناس بحقوقهم وهناك من يرسل اوراق إتهام اللصوص والمجرمين نيابة عنهم الى المحكمة الألهية... نحن نريد أن نحيا كما بقية البشر في بلد يُحْتَرم فيه القانون ويقدّم فيه المجرم والقاتل والفاسد للمحاكمة لينال جزاءه هنا في هذه الحياة، والّا فإنها كما تقول العرب "قسمة ضيزى"... فأتركونا بالله عليكم بعد أن أفسدتم حياتنا ووطننا وأنصرفوا لأمور الدين.

ان الظلم اينما كان يهدد العدل في كل مكان "مارتن لوثر كينغ"

 

زكي رضا
الدنمارك
14 / 5 / 2016



264
المرجعية تدعو الفاشلين الى التفكير بمستقبل " شعبهم " !!

إذا ما أهملنا خطب الجمعة في مدينة النجف الأشرف كونها ميّالة للمجلس الإسلامي الأعلى والحكومة الإيرانية ولا تقرأ اللوحة السياسية العراقية الّا من خلال نظّارات إيرانية، فعلينا أن لا نمر مرور الكرام على خطب المرجعية الدينية ممّثلة بـ "السيد السيستاني" حتّى بعد إعلان السيد الصافي النجفي بتاريخ الخامس من شباط العام الجاري عن عدم القاء خطبة سياسية أسبوعيا حسب العادة، " بل حسبما يستجد من الامور وتقتضيه المناسبات، بعد أن كان الدأب في ذلك أن تقرأ بشكل " نصاً مكتوباً يمثل رؤى وانظار المرجعية الدينية العليا في الشأن العراقي ". ليس لما جاء به السيد الصافي من تبرير لعدم وجود خطبة ، وليس لأن العراق وبعد فشل الإسلام السياسي والمؤسسات الدينية في قيادة البلد تحوّل الى رماد ستنثره ريح المحاصصة ، وليس لأن "الساسة " الشيعة الذين زكّتهم لنا المرجعية كونهم احفاد الإمام "علي" يتاجرون بإسم المذهب والطائفة ونهبوا كل ما وصلت له أياديهم، بل لإصرار المرجعية على التدخل بالشأن السياسي رغم فشلها بثلاث مهمّات قصمت ظهر البلد.

لقد إحترمنا موقف المرجعية وهي تنأى بنفسها عن المشهد السياسي "بعد خراب البصرة" حين وجدت نفسها في موقف لا يحسد عليه من رفض الأحزاب التي تلفعت بعباءتها "برضاها"، من الإنصياع لإرادة الشارع والبدء بعملية الإصلاح التي تعتبر الساتر الاخير أمام فوضى عارمة قادمة سوف لن تبقي على ما يسمى بعملية سياسية ولا وحدة تراب وطن إسمه العراق، الذي سيلفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية التي رسّخها "بريمر" والدستور المريض الذي باركته المرجعية ليكون أول الأثافي قبل رعايتها " المرجعية " لأحزاب الاسلام السياسي التي تتحكم بالسلطة رغم فشلها كثاني الأثافي ، على أن نتطرق في نهاية المقالة عن ثالثة الاثافي التي ستقبر البلد بعد حمّامات دم يذهب ضحيتها الالاف من الابرياء.

لقد كان على المرجعية وهي تعود الى خطبتها السياسية أن تتحدث الينا بلغة الإمام "علي" أو ليست وارثة فكر "علي" و عدل "علي" وشجاعة "علي"؟ ألم يحارب الإمام "علي" الحكّام الذين إستباحوا أرزاق الناس وأعناقهم؟ ألم يحارب الأمام "علي" الظَلَمَة بالكلمة والسيف كي يعيد ما سرقه اللصوص الى بيت المال؟ لقد كان الإمام "علي" على جانب كبير من الجرأة وهكذا يجب أن يكون مريدوه والناطقين بإسمه وليس تجار الدين والمذهب والطائفة كما عندنا بالعراق اليوم ؟

لو قرأنا خطبة الجمعة في كربلاء بنية سليمة ، مبتعدين عن اللغط الذي أثارته بعض الاخبار حول ترشيح المرجعية واحد من أكثر المسؤولين "العراقيين" فشلا وفسادا وكذبا ونهبا للمال العام والقريب جدا منها أي "حسين الشهرستاني" ما دعاها للخروج عن صمتها هذا لتقول إنّ "الأنباء التي تداولها عدد من المواقع الخبرية في الأيام الأخيرة ونسبت فيها إلى المرجعية الدينية العليا مواقف سياسية وترشيحات لمواقع حكومية ولقاءات مع بعض السياسيين، عارية تماماً عن الصحة جملة وتفصيلاً''. فإننا سنشعر بالأسى والأسف الى اللغة غير السياسية واللينة تجاه ما يجري من أحداث تهدد السلم المجتمعي والبلد تلك التي جاءت في الخطبة .

إنّ أحداث اليوم تحتاج الى مواقف واضحة وقويّة ليس من المرجعية الدينية فقط وهي تأبى الّا أن تخوض غمار السياسة لتفسدها وتسيء للدين نفسه، بل وحتّى من أحزاب نستطيع أن نطلق عليها أسم المعارضة كونها غير ممّثلة بالبرلمان ونزلت الى الشارع لتصلح ما أفسده العطار الاسلامي وحلفاءه. إنّ ما يمر به البلد اليوم لا يحتاج الى بيانات ومواقف مترددة أو مرنة أو ما يتوافق مع الواقع السياسي "المحاصصاتي" ، كون هذا الواقع السياسي هو سبب ما نمر به من كوارث وهو سيكون المعول الذي سيطيح بالعراق.

منذ الإحتلال ولليوم ونفس القوى السياسية هي التي تتحكم بالمشهد السياسي وهي التي خاضت غمار الحرب الطائفية ، وهي التي بددت ثروات الشعب، وهي التي أدخلت داعش وسلّمته ثلث مساحة البلاد، وهي التي تنحر العراق اليوم من الوريد الوريد. الا إننا نرى أن المرجعية لا تشعر سوى بالأسى والأسف" لما آلت إليه أمور البلد على أيدي من كان يفترض بهم أن يعملوا في خدمة مواطنيهم ويسعوا إلى إسعادهم ويوفروا لهم متطلبات الحياة الكريمة" !! وهنا تضع المرجعية نفسها في خانة البسطاء من الناس الذين يأسفون هم كذلك لحال بلدهم وما آل اليه، الّا أنهم يفرقون عن المرجعية كونها كانت صاحبة اليد الطولى بتحريكهم لانتخاب هؤلاء الفاشلين ، أيعقل هذا أيتها المرجعية الرشيدة !!؟؟

وتستمر المرجعية بعدم قراءتها الصحيحة لواقعنا المؤلم أو القفز عليه حينما تشير الى أنّ السياسيين "انصرفوا بدلاً من ذلك إلى مصالح أخرى وتشاغلوا بالمماحكات والمزايدات السياسية وتسببوا في زيادة معاناة الناس''. إنّ معاناة الناس مستمرة في كل أنحاء البلد ومنها مدينة النجف الأشرف وكربلاء والتي أتعجب من عدم خروج أحد المراجع يوما في جولة فيهما ليرى بؤس الناس وفقرهم، أمّا عن المزايدات السياسية التي تطرق اليها السيد الكربلائي فهي أمر متعارف عليه ولم تكن يوما غائبة عن المشهد السياسي ، أو لا تدري المرجعية بذلك لتقول أنهم أنصرفوا اليها !!!؟؟

بغض النظر من أنّ المرجعية جدّدت في خطبتها هذه "تحذيرها جميع الأطراف من الاستمرار في النهج الحالي بالتعاطي مع قضايا البلد وأزماته الكثيرة، وتدعوهم إلى التفكير ملياً في مستقبل شعبهم واتخاذ خطوات جادة وملموسة للخروج من الوضع الراهن إلى مستقبل أفضل". الا انني بودي هنا أن أقول للمرجعية وفي هذه النقطة تحديدا " مولانا تره السمچه خايسه من راسها ".

لا أدري إن حبست المرجعية أنفاسها كما أهل بغداد وهم يرون ميليشيات الحشد الشعبي تحتل مناطق من العاصمة بكامل عدتها وعديدها؟ وهل شعرت المرجعية بهول ما كان سيحدث لو إصطدمت هذا الميليشيات فيما بينها؟ ألم تعرف المرجعية العالمة بالامور !!" وهي تفتي بالجهاد الكفائي وتشكيل الحشد الشعبي من أنّ الميليشيات الحزبية المسلحة هي التي ستهيمن على هذا الحشد وتسّيره بالإتجاه الذي تريد أو الذي يراد منها بالأحرى؟ نعم أنّ الحشد الشعبي الذي إستغلته أحزاب السلطة وأذرعها العسكرية هو ثالثة الأثافي، وهو الذي سيقصم ظهر العراق حالما يعود من معركته مع داعش .

لو اجرت المرجعية اليوم امتحانا لشيعة العراق "هذا لا يعني أن الاخرين ملائكة" ببسطائهم وعلمائهم، عن الزهد والأمانة والابتعاد عن الرشوة والفساد وعدم سرقة اموال الايتام والارامل والمثل والاخلاق وغيرها من صفات الامام علي، وحددت درجات لكل حقل منها كمادة إمتحانية فكم من مئة ستكون نتيجة الممتحنين .

أتمنى من المرجعية الدينية في العراق أن تبتعد عن الشأن السياسي بالكامل إحتراما لتاريخها الفقهي الذي نكن له كل الاحترام . دعوة للسيد السيستاني : إلتزم بمقولة الإمام علي وهو يقول ... ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

السيد السيستاني أن حكّام العراق يظلموننا ، فإن كنت تريد الإستمرار بالشأن السياسي فقف الى جانب شعبنا وأرفع كلمة الامام "علي" عاليا وهو يقول .. الظلم يدعو الى السيف... هل ستدعو العراقيين المظلومين الى رفع السيف بوجه الظَلَمَة ، سؤال ننتظر إجابته ؟


زكي رضا
الدنمارك
9ـ 5 / 2016


265

ماذا عن جرائمكم يا سليم الجبوري.. ؟


هناك مقولة تنسب كحديث للنبي محمد تقول "إنّ ممّا أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى : إذا لم تستحي فأصنع ما شئت" وأخرى قريبة منها منسوبة للإمام علي تقول "إذا لم تستحي فأفعل ما شئت" والحديثان يدخلان في باب الحياء بالتراث الديني، وللحديث المروي عن النبي محمد تفسيرات عدّة منها "إذا أردت فعل شيء ، فإن كان مما لا تستحي من فعله من الله ، ولا من الناس فافعله". لقد تعمّدت أن تكون مدخل المقالة من التراث الإسلامي كوني أخاطب بها ، مسؤولا كبيرا ليس بـ "الدولة العراقية" كون العراق "ولايه تايهه" بل مسؤولا كبيرا في حزب "الأخوان المسلمين" هو رئيس برلمان "الشعب" السيد سليم الجبوري ومن خلاله أخاطب جميع الأسلاميين من أمثاله سنّة وشيعة.

فقد كشف مصدر برلماني مطلع، اليوم الأربعاء وفق صحيفة "المدى البغدادية"، من "أن رئاسة مجلس النواب وجهت بـ"عدم اصلاح الاضرار التي خلفها اقتحام مبنى البرلمان من قبل المتظاهرين، يوم السبت الماضي، لحين انجاز الاجراءات القانونية والقضائية، فيما أكد أن الرئاسة شددت على ضرورة "الابقاء على كافة معالم الجرائم المرتكبة من دون تغيير". كما أضاف نفس المصدر قائلا أن "رئيس مجلس النواب أصدر كتابا وجّه خلاله بالأبقاء على كافّة معالم الجرائم المرتكبة خلال إقتحام المتظاهرين للبرلمان من دون تغيير أو إصلاح لحين إتمام الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة" !!!

إن السيد الجبوري غاضب جدا على ما يبدو من "الجرائم" الفظيعة التي إرتكبها "الأوباش" من المتظاهرين من الذين دنسوا بيت "الشعب" خلال إقتحامهم له، من خلال تدميرهم لبعض قطع الأثاث أو نثرهم للقرطاسية على أرضية البرلمان "المقدّسة"، أو جلوس أحدهم على كرسي عرشه، أو تلك الجريمة البشعة بتلويثهم "القنفه" والتي سيذكرها التاريخ كدلالة على همجية شعب العراق ومدنية قادته الأسلاميين وحرصهم على ثروات بلدهم الفنية والتاريخية!!

تحطيم جزء من أثاث البرلمان أعتبرها السيد الجبوري جرائم يجب أن تبقى آثارها مكانها وعلى حالها لحين إتمام الاجراءات القانونية والقضائية اللازمة من قبل اللجان المختصة لتقدير حجم الضرر الناتج عنها وكلفة ترميمها، والتي سوف تكون رقما فلكيا كعادة الارقام الفلكية في أية عملية نصب وسرقة للمال العام من قبل ساسة المحاصصة، كما وسيتوقف عمل البرلمان لحين إستكمال هذه الاجراءات وإعادة الوجه الحضاري للبرلمان الى ما كان عليه والذي سيطول لحين ترتيب الخلافات السياسية بين القوى المتحاصصة للقفز على ما يسمى بالإصلاحات تلك التي سمعنا جعجعتها كثيرا دون أن نرى نحن الجوعى ولو رغيف منها.

دعونا نتفق مع السيد الجبوري حول "الجرائم" التي إرتكبها المتظاهرين في البرلمان ولنسأله عن ، إدخال كل زناة الأرض الى العراق ليقتلوا الأبرياء من أبناء شعبنا إن كانت جريمة أم لا؟ دعونا نسأله عن ، كل هذا الخراب بالبلد في عهدكم الكارثي إن كان جريمة أم لا ؟ دعونا نسأله عن ، الفساد الذي وصل الى مستويات قياسية عهدكم إن كان جريمة أم لا؟ عشرات الأسئلة بل المئات نضعها أمامك ايها السيد الجبوري ، وكل سؤال منها بالف الف جريمة. فمن سيحاسبكم عليها، وهل تريدنا أن نبقي وضع العراق كما هو عليه الآن ثم نأتي بك ومعك كل اللصوص لنضعكم في السجن لحين إتمام الاجراءات القانونية والقضائية؟ وماذا تتوقع سيكون حكم القضاء إن كان عادلا ساعتها؟

السيد الجبوري عليك وزملائك أن تشكروا الله "وجهاز التحكم عن بعد" الف الف مرّة كون المتظاهرين لم يفتكوا بك وبزملائك، أنتم الذين شرّعتم السرقة والفساد ليصل البلد في عهدكم الأسود الى حافّة الهاوية، أنّ جرائمكم بحق العراق لم تمرّ ببال أي حاكم ظالم حكم هذا البلد منذ أن كان مهدا لحضارات دمّرتم ما تركوه من خلال حلفائكم القادمين من الصحارى وكهوف ما قبل التاريخ ليومكم هذا.

لو كان لك ذرّة حياء وأنت ترى "بلدك" بهذا الخراب و "شعبك" بهذا البؤس لما قلت ما قلته، ولكنك كما كل ساسة المحاصصة لا تملك حياء رغم أسلاميتك وأسلامية باقي المتحاصصين، والذي لا يملك الحياء من أمثالك ينطبق عليه حديث النبي محمد الذي يقول فيه " إذا أبغض الله عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء، لم تلقه الّا بغيضا مبغضا، فإن نزع منه الأمانة نزع منه الرحمة، وإذا نزع منه الرحمة نزع منه ربقة الإسلام، وإذا نزع منه ربقة الإسلام لم تلقه الا شيطانا مريدا".

ووالله فأنت وأمثالك من ساسة المحاصصة مجتمعين "بربطة المعلم" لا حياء لكم لانكم كذّابون ، ولان لا حياء لكم فلا أمانة عندكم فتراكم لصوص للمال العام، ولانكم تسرقون اليتيم والفقير والارملة فلا رحمة لديكم، ولان لا رحمة لديكم فانتم كما يقول النبي محمد خرجتم من ربقة الإسلام، ولأنكم خرجتم من ربقته فلستم سوى شياطين.


الحياء و الإيمان في قرن , فإذا نزع الحياء تبعه الآخر " ابن عباس ".



زكي رضا
الدنمارك
5ـ 5 / 2016




266

هل العراق دولة كي تكون له هيبة؟

منذ أن إقتحم المتظاهرون مجلس نواب " الشعب" ولليوم خرجت علينا الأحزاب المتحاصصة على مختلف إنتماءاتها الطائفية والقومية ومعها ما يسمّى بالرئاسات الثلاث ببيانات شديدة اللهجة تندد فيها بـ " همجية " المتظاهرين هذه التي ضيّعت هيبة الدولة حسب زعمها، فهل العراق دولة في عهد المحاصصة الطائفية القومية؟ وما هي سمات الدولة ووظائفها بنظرهم؟

كي لا نطيل في مفهوم الدولة وتعريفاتها القانونية تبعا لمدارس فقهية قانونية وأجتماعية وسياسية وإقتصادية مختلفة وكي نكون أمناء مع تاريخ بلدنا الذي يسير الى نهاية تراجيدية لا نتمنى أن يصل إليها، علينا الإعتراف من أنّ العراق كدولة وفق حدوده المعروفة اليوم "حدود سايكس بيكو" كان ولساعة إحتلاله في التاسع من نيسان 2003 دولة حسب الفقه الدستوري المعاصر الذي يعرّف الدولة بـ (مجموعة أفراد "شعب أو شعوب" يقيمون إقامة دائمة على إقليم محدد ويخضعون لسلطة سياسية). فهل أبقى الذين ورثوا هذه الدولة بعد الإحتلال شيئا منها، و هل حاولوا بعد أن دمّر المحتل الأمريكي مؤسساتها العسكرية والأمنية المهمة أن يعيدوا بنائها من جديد بعيدا عمّا كانت عليه عهد البعث، ووفق مهنية كانت مطلبا لحكّام اليوم أثناء مقارعتهم لذلك النظام الدموي؟ وهل يخضع العراق اليوم في عهده الطائفي القومي لسلطة سياسية بمعناها المتعارف عليه، أي هل تمتد سلطة "الدولة" السياسية على كامل تراب العراق الجغرافي والتي بدونها لا يبقى للدولة مفهوما أو معنى؟

لا يعتبر العراق اليوم دولة بالشكل المتعارف عليه مطلقا كونه فاقد لأهم خصائص الدولة التي بدونها نعيش كما اليوم حالة اللادولة، فعلم الإجتماع السياسي يقول حول الدولة وتأسيسها من أنها تأتي "بموجب عقد بين الأفراد تخلوا بموجبه عن بعض حقوقهم مقابل تحقيق الأمن والإستقرار وضمان حريتهم المنسجمة مع قوانين الدولة ودستورها". فهل حققت "الدولة " العراقية القائمة اليوم الأمن والإستقرار للمواطنين العراقيين على كامل ترابها الوطني ؟

قبل الخوض بواجبات الدولة ومعرفة إن كانت "الدولة" التي يراد لها أن تكون "مهيوبة" علينا التأكيد على ضياع هيبة الدولة حالما تخلّت عن عنفها المشروع "الجيش والأجهزة الأمنية" مقابل العنف المنفلت وغير المشروع "الميليشيات بمختلف تسمياتها"، كون العنف المشروع هو الركن الأساس في إستتباب الأمن والذي بدونه يبقى الحديث عن التنمية بمختلف حقولها مجرد كلام ليس الا.

لان الدولة العراقية تكونت أساسا من أحزاب ذات أذرع عسكرية لازالت عاملة وتعمل بموازاة "جيشها النظامي" وتتفوق عليه في العدّة والعديد، فأن العنف غير المشروع نراه اليوم هو الذي يتحكم بقرارات الدولة أو بقرارات الاحزاب التي تشكل هذه الدولة بلغة أخرى. وبهذا سيبقى العنف غير المشروع وهذا يشكل تهديدا مستمرا للسلم المجتمعي ممّا يهدد وحدة الدولة الجغرافية، خصوصا وإنّ هذا العنف غير المشروع يقاد من خلف الحدود.

من أهم واجبات الدولة ، إرساء الأستقرار السياسي ومحاربة الفساد في ظل دولة قانون، فهذه الأركان الثلاثة مع إستتباب الأمن "العنف المشروع" تشكل القاعدة العريضة والمتينة لهيبة أية دولة. ولمّا كان الوضع السياسي بالبلد غير مستقر منذ بدء دولة المحاصصة لليوم، والفساد مستشر بشكل يفوق فساد أية دولة بالعالم اليوم إن لم يكن على مرّ التاريخ، وبغياب واضح لدولة القانون والذي تستغله ميليشيات وقحة تحتل شوارع المدن متى ما تريد لإجهاض أي تحرك جماهيري، ناهيك عن غياب شبه تام للخدمات وأستشراء البطالة وإتسّاع رقعة الفقر، فإن الحديث عن هيبة الدولة العراقية يعتبر نكتة ثقيلة.

لا هيبة لدولة نهب ساستها مئات مليارات الدولارات من خزائنها، ولا هيبة لدولة شعبها لا يعيش حياة آدمية، ولا هيبة لدولة تخاف جماهيرها فتكيل لهم التهم المختلفة كلما تظاهروا من اجل أصلاح ما يسمى بالعملية السياسية التي هي في موت سريري منذ أن قامت لليوم، ولا هيبة لدولة يهرب ممثلي "الشعب" فيها بمعية حقائبهم المملوءة بمال الناس الى دولهم الأصلية كون العراق ليس ببلدهم مطلقا، والّا لما ناصبوه العداء وحقدوا عليه بهذا الشكل البشع.

الجماهير وحدها بإمكانها إعادة الهيبة لبلدها عن طريق تواجدها المستمر وبشكل سلمي في الساحات والشوارع للضغط على قوى المحاصصة وتفتيتها عن طريق قيادات ميدانية واعية للظرف السياسي المعقد والخطير الذي نمر به، على الجماهير أن لا تكلّ مطلقا من التظاهر والإعتصام بل عليها تطويره بإستمرار لزيادة سعة المشاركة فيه، هيبة العراق في شعبه وليس في هيبة لصوصه. ولا هيبة للعراق الّا بقبر المحاصصة مرّة واحدة والى الأبد.


زكي رضا
الدنمارك
4ـ 5 / 2016


267
العراق بازار يباع فيه كل شيء ... متى يباع البازار؟

لم يتحول بلد على مرّ التاريخ تقريبا الى سوق يتاجر فيه الفاسدين من تجار السياسة بكل شيء سوى العراق، ولن يرينا التاريخ على المدى القريب سوقا يبكي روادّه سارقيه وهم يحملون لهم مسروقاتهم كما شعب العراق. ولم يرينا التاريخ الا نزرا سوقا لا يوجد فيه من يحمل شهامة ورجولة ليقف بوجه اللّصوص ويصطف معه كل المسروقين والمنهوبين الا العراق. وسيقف التاريخ لأمد طويل متعجبا من رواد هذا السوق الذّين يتقاسمون فيه الذل والجوع بإنقسامهم في الوقوف الى جانب هذا اللص او ذاك، ولا شك أن التاريخ سيقص على أجيالنا القادمة قصّة "ألف حرامي وحرامي" بدلا من "ألف ليلة وليلة" أو لسنا نفس ذلك الشعب ونحمل ذات التراث؟ ولكن في القصّة القديمة كانت هناك "كهرمانة" وهي تصب الزيت على الحرامية بعد أن أشّرت على دورهم في "خضرائهم"، أمّا اليوم فإن "كهرمانة " جارية تباع وتشترى في سوق نخاسة اللصوص أو خليلة عندهم بخضرائهم في أحسن الحالات!

منذ الإحتلال لليوم حوّل اللصوص العراق الى بازار يباع فيه كل شيء، ففيه بعنا الوطنية لصالح الدين والقومية، وفيه بعنا الدين لصالح الطائفة، وفيه بعنا الطائفة لصالح الميليشيات ، لكي تحمي اللصوص ليعيدوا دورة السرقة والقتل من جديد . في هذا البازار الذي هو أشبه بـ "سوق الهرج" بعنا حتّى أعضاء أطفالنا الصغار وليرحل مع تلك الأعضاء فرحهم وطفولتهم البريئة الى الأبد. في هذا البازار بعنا تأريخنا الموغل بالقدم ففتحنا مواقعنا الأثرية لينهبها لصوص محترفون أو ليدمرّها لصوص وقتلة جئنا بهم نتيجة حمايتنا لهذا اللص مقابل لص آخر. في هذا البازار بعنا ثروات أجيالنا القادمة لصالح مجرمين وقتلة ولصوص ليس لشيء الا كونهم من طائفتنا، في هذا البازار بعنا ضمائرنا مقابل "بطانية" ليستمر اللصوص بسرقتنا. في هذا البازار "يقشمرنا" لص بصلاة وآخر بتقديمه لنا صحن من الطعام وثالث بـ "چكليته" !!

في هذا البازار دمّرنا مدارسنا وأنشأنا بدلا عنها آلاف المساجد التي لم تصّدر لنا الّا الجهل والتخلف والحقد والكراهية والموت، في هذا البازار تعلّمنا تقبيل يد السارق بكل ذل كونه "تاجر دين أو شيخ عشيرة". في هذا البازار بعنا أعراض نسائنا وفتياتنا في دور بغاء دينية بعد أن هدّهن الفقر والعوز، في هذا البازار وقفنا ببلادة ننتظر من اللصوص أن يعيدوا لنا شيئا ممّا سرقوه، يا لخيبتنا أيعيد اللص مالاً سرقه!؟ ومتى وقف اللص الى جانب المسروق، ولماذا سرقه أساساً ؟

لقد أنهك اللصوص أساسات البازار ولم تعد تتحمل أية عمليات ترميم، فالأرضة نخرت فيه كل شيء من الآجر الى الأرض الى المياه بل وحتّى السماء، وعندما لا تتحمل الأساسات عمليات الترميم لا يبقى لأعادة البازار الى حالته الأولى قبل أن يغزوه اللصوص الا الهدم والعمل على بناء بازار جديد ذو أساسات قوية قادرة على تحمل البنيان الجديد.

إنّ أي عملية إصلاح لهذا البازار بوجود اللصوص فيه هو ضرب من الخيال، ولنتساءل بعيدا عن الطائفة والقومية وتأثير لصوص الله ومعهم تلك المؤسسة المتخلفة التي أسمها العشائر، إن كان هناك مسؤول في هذا البازار لم يسرق أو يقتل أو يغتصب؟ إن البازار لا يحتاج الى إصلاح بل إعادة بناء جديدة على أنقاض ما هدّمه اللصوص، وإن كان الإصلاح أمرا لا مناص منه فلا يجب أن يأتي من زمرة اللصوص هؤلاء ، لان "الإصلاح" في هذه الحالة يجب أن يوافق عليه جميع اللصوص ضمن حزمة واحدة لا تخرج بعيدا عن مصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية، إن الإصلاح الذي يريده اللصوص لرواد هذا البازار هو في أعادة ترتيب اللصوص ضمن نفس القائمة التي هيمنت وتهيمن على حكم البازار. إن تجار الله ومعهم تجار القومية والبعث وأيتامه باعوا كل شيء في هذا البازار ، فمتى يبيعون البازار نفسه؟

علموني الكفر بكل شيء - "خليل الكافر" - من قطعة قصصية لجبران خليل جبران

زكي رضا
الدنمارك
26ـ 4 / 2016





268
دراسة التمايز بين الاسلام كمعتقد والإسلام السياسي واحتكار السلطة *

في الحقيقة أنا أرى أن عنوان المحور " دراسة التمايز بين الاسلام كمعتقد والإسلام السياسي واحتكار السلطة" ليس دقيقاً الى درجة كبيرة ، كون الأسلام السياسي هو ترجمة للأسلام كمعتقد ويستمد منه كل ما جاء به هذا الأسلام كدين من أفكار وثقافة وطريقة للتفكير ورؤية للمجتمع وكيفية إدارته، إضافة الى نظرته المستقبلية لشكل الصراع السياسي بين المجتمعات والدول الاسلامية وغير الاسلامية  وطريقة حسمه لصالحه "الأسلام" عن طريق ما جاء به القرآن من آيات ليكون الدين كله لله، وهذا الهدف أي أن "يكون الدين كلّه لله" هو الذي يعمل الأسلام السياسي بشقيه "المعتدل" منه والراديكالي عليه بأعتباره أمرا مقدسّاً وهدفاً يجب الوصول اليه بمختلف السبل لتعلو كلمة الله على الارض عن طريق الدين الأسلامي وليس غيره كونه آخر رسالة "سماوية". كما وأن الاسلام  بنظر ألأحزاب التي تمثله هو دين ودنيا ولا يجوز الفصل بينهما لاي سبب وترجمته "دين ودنيا" هو أن يكون الحكم "السلطة" والحاكم هو الاسلام، وهناك نصوص كثيرة تؤكد على هذا الأمر ومنها نص قرآني واضح وغير قابل للتأويل يقول " إن الحكم الا لله".

إنني أرى وعلى خلاف العديد من آراء المتابعين لتاريخ الأسلام السياسي ونشوءه وأنتشاره من أن الأسلام السياسي الذي نراه اليوم كأحزاب وتنظيمات بل وحتّى كخطاب سياسي لا يعود بتاريخه الى أوخر القرن التاسع عشر مثلما يقول به الكثيرون ، ولم يكن سبب "نشوءه" لأصلاح المعتقدات الاسلامية التي لا تتوافق مع عصرنا في مجالات الحريات الشخصية والنظرة الى المرأة والديموقراطية اضافة الى النظرة تجاه العلم والمعرفة اللتان غيرتا الكثير من المفاهيم والقيم تلك التي كانت ولازالت مقدّسة عند المؤمنين المسلمين "ومؤمني الأديان الاخرى"، ولا الى الحنين لنظام الخلافة التي أنهاها أتاتورك. بل يعود "نشوء الاسلام وإنتشاره" الى يوم أعلانه في مكّة وهدف محمد لبناء دولة على أسس آيديولوجية أسلامية ركيزتها الفكرية القرآن وأحاديثه التي سبغ عليها قدسية لا تقل عن قدسية القرآن " وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى". وليتحول ذلك الاعلان بعد سنوات إثر توفر القاعدة المادية والبشرية له بعد كتابة الوثيقة المسماة "وثيقة المدينة" الى قرار سياسي كبير غيّر وجه التاريخ في مناطق شاسعة من العالم ولا يزال، هذا القرار كان بناء دولة عربية  "حلم محمد الذي ورثه من جده الرابع قصي قبل الأسلام" بداية ومن ثم دولة عربية – إسلامية لاحقا. ومن غير الطبيعي بناء دولة ذات مؤسسات وإن كانت بدائية حينها قبل أن تتطور بعد تماسها مع ثقافات الدول التي أنهارت نتيجة غزو العرب المسلمين لها ، دون أن تكون لهذه الدولة أفكار ورؤى سياسية لها عقائدها التي تستنير بها في بناء قاعدتها السياسية الاجتماعية التي كانت في طور التوسع داخليا عهد محمد في جزيرة العرب،  وخارجيا بعد وفاته وبدء تاريخ الغزوات والحروب لأحتلال البلدان الاخرى والتي يطلق عليه المسلمون أسم "الفتوحات".

كمدخل لدراسة محور النقاش أرى إنه علينا بداية معرفة ماهية الفكر الأسلامي وتأثيره وأرتباطه بالحكم والدولة الأسلامية، فالفكر الاسلامي نتاج للعقلية الأسلامية التي تستمد مبادئها ورؤاها من القرآن والسنّة النبوية يضاف اليهما فكر الأئمة الأثني عشر عند الشيعة، وهذا يدفعنا الى معرفة أن لا إنفصال هناك بين النصوص والمباديء التي تأسس عليها الأسلام تلك التي ذكرناها قبل قليل وبين تجربة بناء الدولة الأسلامية التي بدأت عهد محمد مرورا بالدول الأسلامية التي تلتها لليوم، وهذا يعني إن الحركات الأسلامية والتي نطلق عليها اليوم مصطلح الأسلام السياسي لا تستطيع بل  لا تريد أن تتحرر من هذا التزاوج بين التجربة التاريخية في نشوء الدولة الأسلامية الاولى وبين مفهوم السلطة والحكم وتطبيقاتهما.

لأنني لا أرى ان هناك انفصالاً بين الاسلام كمعتقد والاسلام السياسي وأحتكاره للسلطة كهدف فأنني سأتناول بداية نظرة الأحزاب والجماعات الأسلامية على أختلاف عناوينها وأنتماءاتها المذهبية والتي لا يختلفون بشأنها مطلقا كونها من الثوابت الدينية "الآيديولوجية" حول إدارتهم لشكل الحكم في صراعهم مع القوى المختلفة وشكل هذا الصراع، على أن أعود في نهاية المداخلة على موضوعة إحتكار السلطة وهي الجزء الثاني من عنوان المداخلة.

لأن الأسلام دين كوني عند المسلمين فأن الجماعات الأسلامية لا تعترف مطلقا الا بالأمة الأسلامية التي هدفها النهائي إعادة مجد الخلافة عند الأسلام السياسي السنّي ودولة المهدي عند الأسلام السياسي الشيعي، ولبلوغ هذا الهدف فإن الاسلام السياسي هو على عداء واضح مع العلمانية والدولة المدنية كون الدولة المدنية بنظرهم ليست بديلاً مثالياً عن دولتهم الأسلامية. وتوفيرها "الدولة المدنية" للحريات الأجتماعية وأيمانها بحق المساواة بين الجنسين والعدالة ونظرتها للمنتوج الفكري والثقافي والعلمي للمجتمع يأخذ أبعاداً تتقاطع ونظرتهم اليها كما نظرة العلمانيين لدور المرأة بالمجتمع على سبيل المثال، وهذا يتعارض كلية مع مفهومهم لشكل الصراع الذي يريدونه ثقافة وممارسة نابعاً من شرع الله ليكون الركن الاساس في بناء دولة الأسلام.

إن عداء الأسلام السياسي لليسار والعلمانية والدولة المدنية لا يعني مطلقا إن هذه القوى هي على مقربة من بعضها، بل على العكس فقوى الأسلام السياسي ولدت متناحرة لاسباب عديدة أهمهّها على الأطلاق تمايزها الطائفي. لذا نرى اليوم إن قوى الاسلام السياسي تتوزع على معسكرين إثنين أحدهما شيعي مركز ثقله إيران والاخر سنيا له أكثر من مركز ثقل كالسعودية وتركيا والباكستان بعد أن دبّ الضعف بالأزهر في القاهرة لحاجته المستمرة للمال السعودي والخليجي ما سمح بالنهاية لهيمنة الفكر الوهابي الذي يمثل اليوم آيديولوجية جميع الحركات والأحزاب الأسلامية السنية تقريبا، ولكن الواضح أيضا أن هناك صراعات واضحة وكبيرة بين هذه الاحزاب التي يراها البعض متجانسة كونها في نفس المعسكر وتنبع من فكر طائفي واحد.

تعتبر الثورة الأيرانية بوابّة التحرك الأسلامي في عديد من الدول الاسلامية والعربية وهي التي ألهمت العديد من شعوبها وعلى الاخص العربية منها لتبدأ عملية التغيير السياسي في بلدانها خصوصا بعد فشل المشروع القومي العروبي، الذي لم يستطع خلال ستة عقود تقريبا من أيجاد أرضية صلبة لبناء أنظمة تحترم مجتمعاتها وثرواتها بعد أن تشوّهت أثناء حكمها كل ملامح التنمية وبددت ثروات شعوبها وبلدانها في مجال التسليح وسوء الأدارة ولتزداد نتيجة سياساتها المالية والأقتصادية الخاطئة وجشعها وارتباطها بالطبقة الكومبرادورية مساحة الفقر داخل مجتمعاتها التي كانت تديرها بقسوة مبالغ فيها.

 أن فشل الاحزاب القومية ومنها البعث والناصرية بحل مشاكل شعوبها الأقتصادية والأجتماعية ومغامراتهم العسكرية أضافة الى قمعهم للقوى اليسارية وغزلهم مع الجماعات الاسلامية وخصوصاً مصر عهد السادات أدى بالنهاية الى وقوع الدول العربية في براثن الاسلام السياسي. كما وعلينا الأشارة الى إن الثورة الايرانية لم تكن العامل الوحيد في تعزيز مواقع الإسلام السياسي ونشاطه بل كان هناك عاملاً آخراً لا يقل أهمية عن الثورة الايرانية إن لم يفوقه في ألأهمية وهو الغزو السوفيتي لأفغانستان والأنسحاب منه وأنهيار الأتحاد السوفيتي وفشل التجربة الاشتراكية. هذا الإنهيار مع فشل تجربة القوميين والناصريين والبعثيين التي أشرنا اليها قبل قليل جذب أعداداً كبيرة من الجماهير الناقمة  لتخوض صراعها السياسي الاجتماعي على الرغم من عدم تجانسها طبقياً مدفوعة بحسّها الديني الطائفي الى جانب الجماعات والاحزاب الدينية الأسلامية، ما غيَّر من موازين القوى لصالحها بغياب دور فاعل للقوى اليسارية والديموقراطية وانكفائها عن الساحة السياسية وقبولها بدور المتفرج إما لضعف إمكانياتها إو خوفها من المجابهة وإن بأمور جانبية ولكنها مهمة، أو الأثنتين معا.

إن الأسلام السياسي غالباً ما يكون عنفياً مع بعض الأستثناءات التي تحددها طبيعة النظام السياسي الذي تتعايش معه وعلاقة سلطة ذلك النظام مع الأحزاب السياسية التي تقف على الضفة الاخرى منها، ما يدفع السلطة الى منح هامش اكبر من "الحرية" له بالعمل لمساعدة النظام السياسي في صراعه مع تلك القوى السياسية والتي غالباً ما تكون يسارية. وعنفياً على الدوام وهو على رأس السلطة كونه يستخدم أجهزته القمعية الرسمية وغير الرسمية المتمثلة بمؤسسات الوعظ الديني التي تتدخل في حياة الناس وخصوصياتهم ممارسة القمع المبرمج والممنهج ضدهم. وعادة ما تملك القوى الأسلامية أذرع عسكرية تتحول الى جيوش رديفة لجيشها النظامي والتي تلعب دوراً كبيراً  كونها "جيوش" عقائدية لقمع أية حركة أحتجاج أو تحرك جماهيري أو قومي، كما وتلعب دوراً كبيراً في كسر الأضرابات والأعتصامات العمّالية.

إن مجرد تسمية هذه الأحزاب نفسها على أنها أحزاب إسلامية فإنها تعلن تمايزها ليس عن الاحزاب اليسارية والليبرالية والقومية والعلمانية بشكل عام فقط ، بل عن الجمهور المسلم أيضا بعد أن تكون قد طرحت نفسها وحدها كمتحدث وملتزم بالأسلام الذي لا يعرف الآخرون قيمه أو أنهم إبتعدوا عنها "اي غير مؤمنين". وهذا الأمر يمنحها بعد أن تكون قد سيسّت الدين او ديّنت السياسة  أن تدخل معارك فكرية وسياسية وهي مطمئنة الى رجحان كفّتها، فلو إعترض سياسي ما على رأي أو برنامج لسياسي اسلامي وكان هذا الرأي مغلف بغلاف ديني وله ظهير من المؤسسة الدينية "غالبا ما يكون الظهير موجوداً" مع نسبة عالية من الأمية والجهل والتخلف وسط صفوف المجتمع سيعتبر السياسي هذا على خلاف ليس مع مناوئه الاسلامي بل مع الدين نفسه ، والآن هل هناك سياسي له الجرأة بالوقوف ضد مناوئيه من الاسلام السياسي وهم يحملون كلمة الله ويدافعون عنها بوجه العلمانية والليبرالية واليسارية.

قبل أن نتطرق الى الأسلام السياسي وهو على رأس السلطة دعونا نتناول مفردة مهمة جداً وهي الديموقراطية وعملية التحول الديموقراطي ومدى فهمها لهما خلال عملها السياسي ضمن المعارضة وطبيعة استراتيجيتها للوصول للسلطة ومدى إلتزامها بمباديء اللعبة الديموقراطية بالنهاية؟ الديموقراطية عند الحركات الاسلامية ليست ذلك المفهوم الواسع والمتشعب الذي ينظم الحياة السياسية والاجتماعية بما فيها من قيم ومباديء ومفاهيم وتبادل سلمي للسلطة والتوازن بمفهوم حفظ حقوق الاقليات السياسية والدينية والقومية والطائفية مع الاغلبية الحاكمة مطلقاً، وهي لا تعترف بهذه المفاهيم كونها تتعارض مع أهم ركن من أركان "جهادها" في سبيل أقامة الدولة الأسلامية وهو "الحاكمية لله" والذي يعتبر أية حاكمية غيرها هرطقة. الا أن مفهومها "الديموقراطية" عندهم بسيط جداً إذ يفسرون حكم الاغلبية على أنه حكم المسلمين في البلدان المتجانسة طائفيا وحكم الطائفة الاسلامية في البلدان المتعددة الطوائف الدينية.

أرى من غير المنطقي النظر الى الإسلام السياسي وهو في صراع سياسي سلمي في أي بلد دون الإيمان الكامل بنيته المسبقة  بالهيمنة على السلطة وإحتكارها والغاء كل مظاهر العلمانية ومنها الديموقراطية التي يصل من خلالها الى السلطة. فإحتكار السلطة هو هدف ديني قبل أن يكون دنيوياً عند هذه الاحزاب وعليه فإنها تقوم وقبل وصولها للسلطة أو مشاركتها فيها، بتسخير كل إمكانياتها المادية والبشرية الخاصّة بها في توسيع رقعة مساحتها المجتمعية عن طريق بنائها للمدارس والمدارس الدينية ودور الايتام وكفالتهم ومشاريع إجتماعية وإقتصادية عدّة حتى تصل نشاطاتها ومساحة تلك النشاطات  لتكون موازية  لمؤسسات الدولة وذلك عن طريق مؤسساتها الدينية وأدارات الاوقاف الدينية. ولكن وما أن تصل هذه الاحزاب الى السلطة فأنها تبدأ بإستغلال كل أجهزة الدولة وخصوصاً الاعلامية والثقافية منها لأسلمة المجتمع والعمل على بناء دولة ثيوقراطية لا مكان فيها للديموقراطية مطلقاً وإن وجدت هذه الديموقراطية فأنها ستكون "ديموقراطية" أسلاموية وحتّى هذا الشكل المشوّه من الديموقراطية يفقد مكانه لديموقراطية أكثر تشوّها والتي من الممكن اطلاق تسمية ديموقراطية الفلترة عليها،  وهذا الشكل من "الديموقراطية" هو ما نجده في الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث حكم ولي الفقيه.

كما وليس من المنطق النظر الى الأسلام السياسي  وهو على رأس السلطة بعيداً عن نهجه المستمر للهيمنة عليها وأحتكارها ومن ثم إبعاد وإقصاء مناوئيه عنها بمختلف السبل، فهذه الأحزاب كما الاحزاب القومية واليسارية هي أحزاب شمولية ولكنها تختلف عنها كونها تحمل تفويضا "سماويا" لبناء دولة الأسلام. هذا التفويض يمنحها حق ممارسة أبشع أشكال القهر بحق مناوئيها السياسيين وإظهارهم على إنهم معادين للدين وعليه يجب ان يكونوا خارج الملّة أي كفرة وفق المفهوم الديني.

إن خطورة الإسلام السياسي في المجتمعات المتعددة الأديان والطوائف وهي على رأس السلطة أخطر بكثير من تلك البلدان ذات الطيف الطائفي الواحد أو الغالب، كون الاسلام السياسي في الاولى بحاجة الى أحزاب طائفية أسلامية من كلا الطائفتين وهذا ما يضع الطائفتين في مواجهة بعضهما بأستمرار مما يؤثر على السلم المجتمعي و ينذر دوماً بأندلاع مواجهات بين الطائفتين .

ختاماً أود التأكيد على أن وحدة الدين لا تعني مطلقاً تطابق الأسلامين السياسيين الشيعي والسني كون الخلاف التاريخي بينهما كان ولا يزال وسيستمر مسبباً للمجتمعات الاسلامية الكثير من المصاعب مهدداً في لحظات تاريخية معينة وحدة بلدانهم كما العراق اليوم .

كنت اتمنى ان تكون المساحة المخصصة لتناول المادّة اكبر مما هي عليه، ما كان يفسح المجال لدراسة الطبيعة التاريخية لشكل الصراع الاسلامي الذي افرز خلال قرون الكثير من الحروب والصراعات التي أنهكت البلدان الاسلامية وكانت عاملاً حاسماً في تخلفها بشتّى الميادين.


(*) مداخلة قدمت الى اللقاء الفكري السابع المنعقد في مالمو السويدية بتاريخ 2 ـ 4 تشرين أول/ أكتوبر 2015 التي نظّمتها لجنة العلاقات الفكرية للحزب الشيوعي العراقي "لعف الخارج".






 







 


269
آلو .. yes .. چشم * .. أمرك يا طويل العمر


لم يصمد السؤال الذي طرحته بالأمس من خلال مقالة تحت عنوان "ثوابت – المحرر- الامريكي ... المحاصصة ثم المحاصصة فالمحاصصة" حول موقف الصدر من الحراك الجماهيري الذي ترجم زورا الى حراك برلماني بعد أن سرقته قوى لديها أكثر من قدم في ما يسمى بالعملية السياسية التي بان عوارها اليوم أكثر من ذي قبل، وقد تساءلت في نهاية المقالة : "هل سيستمر الصدر في حراكه أم سينحني للثوابت الأمريكية والإقليمية لإنتاج شكل جديد من المحاصصة لا يقل تشوّها عن الذي نحن فيه اليوم ... سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة"، فعلاً لم يصمد سؤالي الا ما لا يقل عن 24 ساعة فقط. فها هو الصدر وكما كان متوقعا منه يتراجع خطوة ولكنها واسعة الى الخلف ليرسم حول موقفه أسئلة أستفهام عديدة، خصوصا أمام من كان يراهن عليه من أتباعه أو من "البطرانين الحالمين بالكتلة التاريخية" في إنهاء نظام المحاصصة الذي دمّر بلدنا وشعبنا.

يخطأ من يتوقع أن إنهاء النظام البعثي الفاشي كان بعيدا عن تفاهمات أمريكية – إيرانية – إقليمية قوامها دول الخليج وعلى رأسها السعودية. ويخطأ من يتوقع إبتعاد هذه القوى الثلاث عن التأثير في ما يسمى بالعملية السياسية ورسمها لخارطة طريق تأخذ بنظر الاعتبار مصالحها في إبقاء العراق ضعيفا وهشّا وغير قادر على النهوض لإستعادة دوره الإقليمي ، حتّى وإن تقاطعت مصالح هذه القوى هنا وهناك، ويخطأ من يتوقع أن العراق وشعبه لن يدفعا ثمنا في سياسة توازن الرعب الشيعي – السني عن طريق ساسته الطائفيين العاملين دوما على فتح الابواب مشرعة أمام تدخل الدول الاقليمية بالشأن السياسي العراقي حماية لهذه الطائفة او تلك .

كما يخطأ من يتوقع خروج الصدر عن البيت الشيعي ، او ابتعاده عنه ، أو تبنيه حقّاً مشروع الدولة المدنية التي أساسها فصل الدين عن الدولة، فالصدر محكوم كما ساسة المحاصصة الاخرين كالكورد والشيعة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء والثوابت المرسومة في واشنطن وطهران والرياض. فالصدر يعرف جيداً أن تغريده خارج السرب الطائفي الشيعي أمر غير مقبول وسيكلفه الكثير على الرغم من محاولاته العديدة في تسويق نفسه وتياره كحاملي راية العراق غير الطائفي والبعيد عن المحاصصة، كما وسيثير ضدّه قوّة إقليمية وهي إيران ، لا يستطيع مقاومتها كونها تعزف على وتر عدم خروج السلطة من الشيعة والتي ترجمت يوما بـ "ما ننطيها" حفاظاً على مصالحها. وهو هنا لا يختلف بشيء عن ساسة سنّة يعرفون كذلك أن خروجهم عن ثوابت ما تريده دولة إقليمية رعت وترعى الارهاب كالسعودية ، التي هي في صراع مكشوف مع إيران .. هاتان الدولتان حولّتا العراق الى ساحة حرب مفتوحة بينهما ليدفع شعبنا ثمنها، ولتكررا صراعا صفوياً عثمانياً طويلاً إذ كان العراق حينها ساحة مكشوفة أيضاً لصراع تلك القوتين.

إنّ التعويل على الصدر في إيجاد تغيير بمعادلة المحاصصة عن طريق جماهير تقاد "بالريموت كونترول" أمر بعيد جداً عن التحقيق، فالجماهير التي تخرج الى الساحات وتغادرها بنداء من شخص واحد غير آبهة بسوء أحوالها وأحوال وطنها، هي جماهير مغيّبة ولا تمتلك حتّى الوعي الذي يدفعها للدفاع عن مصالحها ومطالبها الحياتية وهي بذلك لا تستطيع التغيير. إن الصدر وغيره من ساسة المحاصصة وفي كل منعطف سياسي تكون فيه القوى الجماهيرية الواعية في المقدّمة في نضالها من اجل غد أفضل لشعبها ووطنها، يقوم بمصادرة هذا الحراك عن طريق ركوب الموجة ، ليكون بعدها كما غيره من ساسة المحاصصة شيعة وسنة وكورد قريب من الهاتف ليجيب دون إرادة قائلاً "آلو .. yes .. چشم .. أمرك يا طويل العمر" . وليذهب العراق وشعبه الى الجحيم.
 


* "چشم " كلمة فارسية تعني "حاضر" .

 
زكي رضا
الدنمارك
20 / 4 / 2016



 



270
ثوابت "المحرر" الامريكي ... المحاصصة ثم المحاصصة فالمحاصصة


في مثل هذه الأيام من العام 2003 وصلت طلائع عصابات اليانكي الامريكي الى بغداد لتنهي فترة حكم أشرس نظام قمعي عرفه العراق طيلة تأريخه الحديث ، لتؤسس على أنقاضه نظاما سياسيا جديدا البسته لبوس الديموقراطية الموشاة بألوان الطوائف والقوميات والاعراق. ليبدأ العراق فترة حكم جديدة لا تقل سوءا عن سابقتها ، إن لم تكن أسوأ منها في مجالات الأمن والطاقة والفساد والنهب المنّظم لثروات الوطن وغيرها من المجالات. ففي ذلك العهد الأسود كانت جماهير شعبنا تعرف أن البعث المجرم هو من يسرق وينهب ويقتل. أمّا في عهدنا الأسود الجديد "الديموقراطي" فقد تعدد السرّاق والنهّابين والقتلة، فأصبح لدينا أحزاب بعث تمثل مثلما تطرح نفسها شرائح المجتمع العراقي والتي يجب أن تُمَثّل في أية حكومة مثلما صرّح العبادي أخيرا، علما أنّ جميع أحزاب البعث هذه تعمل تحت مظّلات أميريكية وإقليمية . 

لقد رسم المحتل الامريكي ومعه دول أقليمية تضررت من نظام البعث الفاشي خارطة حكم جديدة بالعراق ، لها ثوابت وخطوط حمر من تلك التي لا يجوز على أي حزب من أحزاب البعث المجرمة الجديدة أن تصل اليها ناهيك عن تجاوزها. وأهم الخطوط الحمر هذه هي المحاصصة ثم المحاصصة فالمحاصصة. وهذا ما أكّدته الإدارة الأمريكية وفق وكالة "تسنيم التابعة للحرس الثوري الايراني" من خلال سفيرها ببغداد "ستيوارت جونز" الذي بيّن بخصوص الأزمة السياسية التي يعيشها العراق قائلا: "انه بدأ إتصالاته مع بعض قادة الكتل  السیاسیة لإجبار نوابها على الأنسحاب من الأعتصام ، لحمایة خطوطها الحمراء فی العراق، ومن بینها الرئاسات الثلاث".
وقد دعت هذه الأزمة وزير الدفاع الامريكي "أشتون كارتر" لزيارة العراق بشكل مفاجيء  وبحث أوضاعه السياسية وخصوصا إعتصام البرلمانيين .
وكان مصدر سياسي عراقي قد صرح لصحيفة الشرق الأوسط  إن "الولایات المتحدة الأمیرکیة أوصلت عن طریق جوزیف فوتیل ، قائد القیادة الوسطى الأمیرکیة، رسالة هامة ومختصرة إلى القیادات السیاسیة العراقیة، مفادها أنها ستتولى عن طریق قواتها المرابطة بالقرب من العراق حمایة خطوطها الحمراء فی العراق، ومن بینها الرئاسات الثلاث" . فماذا تريد واشنطن ونحن نمر بأخطر منعطف سياسي والذي يهدد بحرب طوائف وأعراق وأخرى بين الطوائف والأعراق نفسها؟  هل تريد تكريس أمر واقع جاءت من أجله للمنطقة وهو بناء نظام شرق أوسطي جديد يبدأ بتفتيت العراق، وهذ ما أشار اليه قائد القوات الامريكية الأسبق في العراق الجنرال المتقاعد "رايموند أوديرنو" عندما قال "ان العراق الموحد انتهى ويجب ان نعرف بان هذا البلد الان يتكون من ثلاث مناطق مختلفة يتقاسمها الكورد والشيعة والسنة"؟

إن الأحزاب البعثية التي تتحكم بالقرار السياسي العراقي تشعر اليوم بقلق كبير على مصير المحاصصة نتيجة التحرك الجماهيري الواسع والذي بدأته القوى المدنية العراقية قبل تسعة أشهر، والذي أصبح أكثر سعة بدخول التيار الصدري على خط التظاهرات لأسباب مختلفة منها ما هو واضح، وهو طرح الصدر نفسه ممثلا للجماهير المسحوقة واليائسة من تحسّن أحوالها بعد ثلاث عشرة سنة، ومنها ما هو غير معلن وهو الصراع داخل البيت الشيعي الذي لعب دورا كبيرا في خراب أوضاع البلد وهو يمثل الركن الأكثر قوّة في نهج المحاصصة المدمّر.

لو أهملنا إعتصام البرلمانيين وغالبيتهم بحساب بسيط وبعد عد نواب الكتل الاخرى هم  من "حزب الدعوة ودولة القانون وإغلبهم فاسدون وغير مهنيون" وعدنا الى لقاء الغريمين اللدودين " الصدر والمالكي" برعاية زعيم حزب الله "حسن نصر الله" وبعد سيل الأتهامات التي هي أقرب الى الشتائم بين الطرفين. سنرى أن "مقتدى الصدر" قد خطى خطوة في الحياة السياسية يصعب عليه التراجع عنها لأنها قد تكلفه حياته، وتبعد فيه بنفس الوقت الجماهير اليائسة والمعدمة التي صرح ويصّرح دوما من أنه خرج في سبيلها. "فالصدر" الذي بدأ مراهقا سياسيا وأتّهم بتهم مختلفة وهذا ما صرح به المالكي ويعرفه أبناء شعبنا كذلك، عليه اليوم أن يثبت نضوجه عن طريق إستمراره بالضغط على الحكومة والبرلمان ومؤسساتهما المدعومتين أمريكيا وإقليميا وبشكل سلمي لبناء نظام ديموقراطي مدني على أنقاض نظام المحاصصة، خصوصا بعد إتضّاح عدم جدية العبادي تحت ضغط حزبه وبقية القوى المتحاصصة من إجراء أية إصلاحات خارج نظام المحاصصة، وهو الذي صرّح اليوم قائلا "ان التغيير الوزراي ما هو إلا حلقة ضمن الاصلاحات الشاملة اضافة الى تغيير الهيئات المستقلة والوكالات لاختيار شخصيات من الكفاءات والخبرات بعيدا عن المحاصصة السياسية مع مراعاة تمثيل شرائح الشعب العراقي المختلفة" وهذا يعني "تمثيل شرائح الشعب العراقي المختلفة" العودة الى مثلث " شيعة – سنّة – كورد".


أنّ جماهير شعبنا هي صاحبة المصلحة الحقيقية ليس بإصلاح مؤسسة طائفية قومية كمؤسسة السلطة التي نخرها الفساد بل بتغيير جذري لشكل الحكم ورجالاته، ومن يريد لهذه الجماهير أن تحيا بآدمية مخلّفة سنوات المعاناة خلفها أن يعمل وهو مسّلح بهذه الملايين على تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلّين تأخذ على عاتقها قيادة البلد لفترة لا تزيد عن السنتين بعد حلّها للبرلمان. على أن تباشر بعد تسلم مهامها مباشرة بأنتخاب قضاة مدنيين ومن خبراء بالقانون مستعينة بخبرات الامم المتحدة والمؤسسات القانونية الدولية في كتابة دستور جديد للبلاد لا مكان فيه للنزعة الطائفية والقومية، على أن يطرح بعدها للإستفتاء العام دون تدخل المرجعيات الدينية فيه ولا حتّى مباركتها . كما عليها أن تسنّ قانونا جديدا للإنتخابات مستفيدة من الفشل الكبير للقوانين السابقة التي رسّخت المحاصصة الطائفية القومية، عبر مفوضيّة للإنتخابات تعمل بإمرة حيتان الفساد. على حكومة التكنوقراط المستقلة أن تباشر بإصلاح القضاء عن طريق إبعاد القضاة الفاسدين ، وتبدأ بمقاضاة جميع المسؤولين الذين نهبوا ثروات شعبنا.

 على جماهير شعبنا وهي تخوض معركتها المصيرية ضد كل أشكال القتل والسرقة والنهب والخيانة الوطنية التي مارستها وتمارسها الأحزاب الطائفية والقومية ، أن تعي خطورة المرحلة التي يمر بها العراق. بلدنا في خطر فلنفشل الثوابت الأمريكية وثوابت الدول الإقليمية ودول الجوار.

هل سيستمر الصدر في حراكه أم سينحني للثوابت الأمريكية والإقليمية لأنتاج شكل جديد من المحاصصة لا يقل تشوّها عن الذي نحن فيه اليوم.. سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة .


زكي رضا
الدنمارك
19/4/ 2016

     



271
المنبر الحر / هذيان المالكي
« في: 23:14 13/04/2016  »
هذيان المالكي


كهروب للأمام ولترسيخ  مفاهيم دولة بعيدة عن المدنية والتحضر، إلتقى الفاشل نوري المالكي بمناسبة إستشهاد "السيد محمد باقر الصدر" رؤساء العشائر والقبائل في محافظة بابل، من الذين كانوا حتى الأمس القريب يهتفون للطغاة البعثيين وزعيمهم المجرم "صدام حسين" قبل أن يعلنوا ولائهم للطغاة الجدد وزعيمهم "نوري المالكي"، كما الشيخ "صباح محسن عرمش المالكي" شيخ عشيرة بني مالك صاحب قصيدة "تره عندك زلم" الذي تذلل من خلالها وعشيرته  للطاغية المجرم (1) ، قبل أن يؤهله حزب الدعوة ودولة اللاقانون ليكون المرشّح  رقم "13" في قائمة دولة اللاقانون رقم "277" في إنتخابات عام 2014 الماضية  (2) . أمام هذا الحشد العشائري والقبلي المتخلف والإنتهازي يراد للعراق أن يتقدم ويقف على قدميه بنظر هذا الفاشل ، الذي يعرف جيدا سوابق هؤلاء وكيف كانوا يبيعون اولاد عشائرهم للطغاة اثناء الحرب العراقية الايرانية عند فرارهم من محارق قادسية العار بإخبار السلطات الامنية عنهم، وهذا ما فعلوه بالضبط وكرروه  و"سيكرروه لاحقا" أثناء إنتفاضة شعبنا الآذارية الباسلة . وهؤلاء هم أنفسهم كانوا بلطجية الدعوة الحاكم في ضرب المتظاهرين في ساحة التحرير وسيكونون بلطجيتهم مستقبلا أيضا، وسيكونون بلطجية أي حاكم أرعن قادم ما دام يدفع لهم المال.

لقد تحدث المالكي وهو مصاب بالرعب من الحركة الجماهيرية التي يشهدها الشارع العراقي عن جملة أمور لم تخرج على الرغم من محاولاته الإنشائية وتملقه للعشائر متكئا على آيات قرآنية وشخصيات إسلامية ومرجعيات دينية ، عن تهمة الفساد والفشل التي هي حصيلة تجربة الاسلاميين وبقية المتحاصصين عربا وكوردا "شيعة وسنة"، محاولا تحميل الاحتجاجات الجماهيرية  جميع مساويء حكم المحاصصة  التي دمّرت البلد وتهدد وحدته ومستقبل أجياله القادمة .

أول ما شدّ إنتباهي  بداية خطابه هو قوله عن لسان "الصدر" من "أنّ الجماهير لن تستسلم" ولا أدري لماذا يريد هذا الفاشل الفاسد من الجماهير ان تستسلم لنزواته وحزبه الحرامي وبقية حرامية المنطقة الخضراء وهم ينهبون البلد ليتركوه كعصف مأكول؟ إن كنت تؤمن بعد بعدم إستسلام الجماهير وسكونها وهذه حتمية تاريخية فعليك أيها الفاسد أن تترك وأشباهك من الفاسدين  المشهد السياسي بعد أن اوصلتم البلد الى طريق مسدود، أو لست القائل " في الحقيقة المتصدين من السياسيين والشعب يعلم ان هذه الطبقة السياسية وانا منهم ، ينبغي ان لا يكون لها دور في رسم خارطة العملية السياسية في العراق لانهم فشلوا فشلا ذريعا ، ينبغي ان يبرز جيل آخر ، بخلفية الوعي لما حصل وبخلفية الاخطاء التي ارتكبوها" (3) . 

عرج الفاشل الفاسد نوري المالكي في خطابه كثيرا على "محمد باقر الصدر" قائلا أن "العراق الجديد الذي اردنا ان نبنيه هو  كما فكر به الشهيد الصدر"، هل هذا العراق الممزّق اليوم وشعبه المتخلف بسببكم كان حلم مؤسس حزبكم !!! ؟؟  هل هذا العراق المنهوب من قبلكم والذي هو على شفا حفرة من نار كان حلم مؤسس حزبكم !!؟؟ هل كان في نية "الشهيد الصدر" رهن العراق لدول أجنبية كما انتم وحزبكم. تقول أن "الصدر" شخصية إسلامية أي ليست طائفية وانتم اسلاميون ولستم طائفيون ، فكم عضو سنّي في حزبكم، ولماذا لا تريدون التفريط بمبدأ المحاصصة الطائفية وتصرّون على تقسيم العملية السياسية على اساس شيعي - سني - كوردي؟

يقول المالكي الفاشل في جانب آخر من خطابه "الشارع يغلي ووظيفتنا ان نهدئ الشارع والناس" ، كيف تريد أن تهدئهم ، هل بالأتهامات على أنهم بعثيون كما قلتها مرة في العام 2011  ، أم بتحميلهم نتيجة تظاهراتهم كل ما يجري بالبلد من مساويء؟ أم  بقيامكم بتفجيرات وسط صفوف الابرياء لشحن الوضع الطائفي وأعادة الاوضاع الى المربع الاول كلما تماسك الشارع العراقي وخرج مطالبا بحقوقه؟ أن الشارع يغلي بسبب سوء إدارتكم للسلطة وفشلكم كرجال دولة ببناء بلد على أنقاض ما خلفه البعث الساقط، وإذا بكم تزيدون أنقاض البعث بجبال من الأنقاض حتّى جعلتم البسطاء من الناس يترحمون على وضع البعث المجرم للأسف الشديد. 

إستمر المالكي في خطبته البائسة ليقول "اسقطوا العراق كاملا  في نظر جميع الدول من انه بلد فاشل فاسد .... العراق انتصر وبدأت عملية البناء وحصل الالتفاف عبر بوابة سوريا لاسقاط العراق . حتى ان بعضنا يكرر فساد
فساد فساد حتى لم ينجوا احد في العراق لا جاهل ولا عالم ولا مسؤول ولا شيخ عشيرة ". ليقول بعدها مستعيرا نصا من القرآن  "قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين"!! (4) .

كل هذا الدمار بالبلد وكل هذا الفقر والجوع  والمرض ونسب البطالة العالية وتخلف القطاعات الانتاجية ، وكل هذا الارهاب وعدم توفر الامان  ، وكل ثراء النخب السياسية الحاكمة الفاحش ليست فسادا بنظر الفاسد والفاشل نوري المالكي . أين هي المستشفيات والمدارس والمعاهد والجامعات التي كان العراق يحتل فيها مستويات متقدمة جدا في السابق ؟ أين هي المعامل والمصانع والمزارع ؟ أين هي فرص العمل لجيوش الشباب؟ هل تعرف كم هي نسبة الجهل والتخلف بسبب خطابكم الديني ؟ إنكم لستم بفاسدين وفاشلين فقط ايها المالكي بل مجرمين ومستهترين بحياة الشعب والوطن، لذا فنحن لسنا بحاجة الى من يأتينا ببرهان كي نرى الحقيقة عارية كعريكم من الاخلاق والشهامة الوطنية.

حول التكنوقراط وضرورة تشكيلهم للحكومة لغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خراب القوى الاسلامية والمتحاصصة معها، قال المالكي الخائف من إصلاح الاوضاع خارج سياق تفاهمات الكتل الفاسدة التي تسببت بضياع وطننا وتخلف شعبنا "قالوها ان الحكومة يجب ان تكون من التكنوقراط ، والتكنوقراط يعني المهنيين وذوي الشهادات  . من الذين لديهم اختصاص بالزراعة والصناعة وهذا شيء جيد ولا احد ينكر ذلك ، ولكنهم افسدوا ذلك حينما قالوا ان يكون مستقلا". لماذا؟ هل تعرف ما الفرق بين التكنوقراط المستقل والتكنوقراط الحرامي أو الذي يقوده الحرامية؟ الفرق هو اننا يمكننا أيها العلّامة الجهبذ من مساءلة ومحاسبة التكنوقراط المستقل إن دارت عليه شبهة فساد، أما تكنوقراطكم فاننا لا نستطيع مساءلته ناهيك عن محاسبته حتى لو ثبتت عليه تهمة الفساد واستغلال الوظيفة لغرض الإثراء غير المشروع، لاننا حينها سنكون ضمن معادلة "شّيلني وأشّيلك" التي عملتم بها طيلة السنوات الماضية ، فالفاسد الشيعي يترك مقابل فاسد سني ، والفاسد الكردي يترك مقابل فاسد شيعي ، ودخلنا بسببها دوامة الفساد والفشل ودفعنا بسببها مئات مليارات الدولارات ومئات آلاف الضحايا وجيوش من الارامل والايتام. التكنوقراط المستقل أيها العلامة الجهبذ من السهل محاسبته لعدم وجود حزب أو كتلة خلفه، أمّا تكنوقراطكم فواجب عليه أن يسرق ليعطيكم حصتكم. بالمناسبة ، اين كان تكنوقراطكم قبل اليوم، أم أن الفاشلين وهم يتصدّون لملفّات الأمن ويستوردون جهاز كشف المتفجرات الاكثر فشلا منك ومن حزبك لم يكونوا تكنوقراطا، وماذا عن تكنوقراطكم الذي صدّرنا في عهده الكهرباء لدول الجوار!! وأين هو تكنوقراطكم صاحب فضيحة المدارس الهيكلية والآخر صاحب قطار بغداد المعلق وغيرهم الكثير. اليس من الافضل ان تحترم نفسك وتغادر المشهد السياسي كونك قلت سابقا من انك وكل الطبقة السياسية فاسدين وفاشلين ؟

المالكي في خطابه تباكى على مشروعه الاسلامي الذي يراد هدمه من قبل المتظاهرين "من ورائهم دول مثلما يقول" ولا ندري ما هي ملامح هذا المشروع الاسلامي وماذا جنينا منه خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية؟ ولأنه يقحم الدين في كل حديث سياسي، فاننا لا نريد يوما ونتيجة سوء ادارتكم للدولة بأسم الأسلام، وسرقاتكم بأسم الأسلام، وقتلكم على الهوية بأسم الأسلام، واتساع رقعة الفقر والجوع والمرض باسم الأسلام، واستفحال التخلف والأمية بين قطاعات واسعة من شعبنا بأسم الأسلام، أن يصل شعبنا الى حالة نرى فيها "الناس (بسببكم) يخرجون من دين الله أفواجا".

نعم نحن لسنا بعيدين عن ايام البعث السوداء كما قلت،  ولكننا لا نستطيع أن ننسى أيامكم السوداء هذه والتي نعيشها اليوم بحذافيرها وبكامل تجلياتها وجزئياتها وهي لا تقل مرارة عن مرارات البعث.

نعم كانت هناك ديكتاتورية،  واليوم تحكمنا الميليشيات التي تسلب الناس وسط الشوارع في رابعة النهار.
نعم نتذكر أيام الجوع وأيام العوز عهد البعث الأسود، فهل انتهى الفقر والعوز بعد ان وصلت ميزانية العراق في عهدكم الى ما يقارب الـ 150 مليار دولار ؟
نعم لسنا بعيدين عن هذا الظلم "البعثي"  الذي مر به العراق ، فهل نعيش اليوم جنتكم الأسلامية ؟ نعم سنذكر ابنائنا بالبعث والبعثيين ،  وسنذكرهم بفشلكم وعاركم ايضا.
نعم سنذكرابنائنا بالمجرمين،  وسنذكرهم بإجرامكم  ومساهمتكم بقتل العراقيين على الهوية.
نعم سنذّكر ابنائنا بالطغاة ، على أن نذكّرهم أيضا بالدعاة.

والله أيها الإسلاميون لو حاربتم شعبنا وتطلعه لحياة كريمة بأسم الاسلام والقرآن والسنّة وأحاديث الأئمة الشيعة، لعرفنا من انكم كذّابون دجّالون أكّالون للمال السحت فاسدون فاشلون ولن تكونوا يوما رجال دولة .

1 -  https://www.youtube.com/watch?v=SsScLZt5Fds

2 -  https://www.youtube.com/watch?v=TaUBzO_crEY

3- https://www.youtube.com/watch?v=BMLcdhhxN7g

4- https://www.youtube.com/watch?v=GJOxbMzQojA



زكي رضا
الدنمارك
13 / 4 / 2016


272
المنبر الحر / أمنيتان
« في: 23:46 08/04/2016  »
أمنيتان


في التاسع من نيسان 2003 وبعد مشاهدتي لدبابتين أمريكيتين على جسر الجمهورية ببغداد من خلال التلفاز في منفاي الدنماركي، إنتابتني مشاعر مختلفة لا أستطيع وصفها اليوم كونها كانت خليطا من حزن مشروع على بلدي المحتل وقد دنسّته البساطيل الامريكية وقلق على مستقبله، وفرح مشروع أيضا لرحيل البعث الفاشي وقائده المجرم مصحوبين بلعنات الشرفاء من أبناء شعبنا. ومن الطبيعي وكما حال ملايين العراقيين وأنا المهجّر وعائلتي من بلدي أن تكون لنا أمنيات نتمنّى تحقيقها برحيل الطغاة، منها ما هو شخصي ومنها ما عام ووطني.

لحقدي المشروع والمقدّس على البعث ونظامه الدموي فأمنيتي الأهم وأنا حينها أحلم بالعودة "لم يتحقق لليوم" الى وطن مزقه الطغاة من خلال حروبهم العبثية وحصارات الغرب التي أذّلت شعبنا وأرجعتنا عشرات السنين للوراء كانت، إعتقال رأس النظام وأعوانه وتقديمهم للمحاكمة وسجنهم وليس إعدامهم على الرغم من كثرة جرائمهم التي لا تحصى ووحشيتها.

أمنيتي كانت تتلخص في إخراج المجرم "صدام حسين " وأعوانه بعد عشر سنوات من سجنهم ليروا الوجه الآخر للعراق بعد رحيلهم عن السلطة، إذ كنت أتوقع من أن فترة عشر سنوات كافية للبدء ببناء وطن دمّروه ومجتمع مزّقوه. خصوصا وإن اللوحة السياسية بالبلد كانت تشير الى هيمنة الاسلاميين الذين رفعوا راية عدل "الامام علي" وبناء وطن يتسع للجميع كما كانوا يقولون أو يتاجرون بالأحرى.

اليوم ونحن على أبواب الذكرى الثالثة عشر للتاسع من نيسان أعدت النظر وأنا ارى حال العراق بأمنيتي تلك، وأشكر الاحزاب الاسلامية وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم وزعيمه الفاشل "نوري المالكي" من أنّهم لم يحققوا أمنيتي بالأبقاء على المجرم "صدام حسين" حيّا لليوم بل أعدموه، ليعتبر بعض السذّج من "المثّقفين" من أن كل مساويء الدعاة والإسلام السياسي واجرام حكومات المحاصصة من الممكن غفرانها مقابل إعدام الطاغية!!

تخيلوا معي كيف كان المجرم "صدام حسين" سينظر الينا نحن الحالمون ببناء دولة عصرية على أنقاض دولته الدموية، تخيلوا معي ضحكته وهو ينظر الى قتلنا بعضنا البعض على الهوية لليوم، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى زيادة عديد جيوش الارامل والايتام، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى بؤس واقعنا الزراعي والصناعي والمائي، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى بؤس مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا، تخيلوا معي ضحكته وهو يرى ونحن الذين كنا ننتقده لكثرة حماياته وهو يرى حمايات بعشرات الآلاف يقطعون الشوارع متى ما ارادوا ليفسحوا الطريق لمسؤول أمّي! تخيلوا معي قهقهته وهو يرى الاعداد غير المعروفة للميليشيات المسلحة ونحن الذين كنا ننتقده لوجود ميليشيات الجيش الشعبي وفدائيي صدام . وتخيلوا وتخيلوا كما تشاءون وفي مختلف المناحي .

اليس من حقي أن أشكر الفاشل نوري المالكي وحزبه ودولة لاقانونه وتحالفه الوطني على أعدام الطاغية صدام حسين ، كونهم قطعوا المجال امامه للتشفي بيّ وبأمنيتي البسيطة ...

أمّا أمنيتي الثانية فإنني أتمنى وعلى عكس الاولى أن تتحقق، وهي كما الاولى أمنية ملايين من العراقيين الذين طحنهم الارهاب والفساد والجوع والمرض ، ملايين العراقيين المشردين والمهجّرين داخل وخارج وطنهم ، ملايين العراقيين الذين يعرفون فقط أرقام ما دخل خزينة بلدهم من أموال في سنوات إرتفاع اسعار النفط ولكنهم لم يلمسوا من خلال حياتهم البائسة ما يشير الى استفادتهم من تلك الاموال.

أمنيتي هي إعتقال مسؤولي عصابات المحاصصة الطائفية القومية وإعطائهم بيانات بما دخل خزينة البلاد من العملة الصعبة في فترة حكمهم الكارثية، والقيام بجولة على مختلف مدن وقرى العراق ليروا بأعينهم الكم الهائل من الخراب الذي تسببوا به، أمنيتي أن أراهم خلف القضبان ليحاسبهم شعبنا على كل جرائمهم ، أمنيتي أن ارى أموال بلدي المنهوبة تعود الى خزائنه لنبني بها وطنا معافى من أدران الطائفية.

إن كنت قد شكرت الفاشل نوري المالكي وبقية رفاقه على إعدامهم للمجرم "صدام حسين" كي لا يرى فشلنا، فانني سأشكر ألف مرّة من يعتقل زعماء عصابات الجريمة المنظمة من المافيويين المهيمنين على السلطة من قاطني الخضراء، ويجعلهم في أقفاص تحت نصب الحرية في ساحة التحرير لمحاكمتهم وسجنهم .... ليروا بعد سنوات كيف سيصبح حال العراق .... ولكن خوفي سيبقى مشروعا الا تشاطروني الخوف!؟

لقد منحني "الجنّي" أمنيتين إثنتين ولا أود التفكير بالثالثة.
زكي رضا
الدنمارك
8 / 4 / 2016


273
المنبر الحر / من يراهنني؟
« في: 22:41 04/04/2016  »
من يراهنني؟

تناولت وكالات الانباء مؤخرا خبرا غير عادي على المستوى الدولي ولكنه أكثر من عادي على المستوى المحلّي في عراق الطوائف، وهو تورط مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى بقضايا فساد تتعلق بعقود نفطية. وكان موقعا "فبرفاكس ميديا" و"هافنتغون بوست" أشارا الى أكبر رشوة شهدها العالم أبطالها مسؤولون من عراق المحاصصة كالعادة، وفي المقدمة منهم السيد " حسين الشهرستاني" الذي صدّر العراق في عهده وعهد المالكي الكهرباء الى دول الجوار بعد أن إكتفى العراق ذاتيا من الطاقة الكهربائية!!

الرشوة التي كانت بعشرات ملايين الدولارات والتي فرّطت بثروتنا الوطنية أبطالها عدد من المسؤولين العراقيين عهد حكومة الفاشل "نوري المالكي" وعدد من الشركات الاجنبية كما ورد في التقرير، ومن هذه الشركات إضافة الى شركة نفط الجنوب هي شركات  بتروفاك "SBM" الهولندية وشركة ليتون البحرية. وكانت همزة الوصل بين هذه الشركات والمسؤولين المرتشين هي شركة ذات جنسية إيرانية إسمها  unaoil"  التي يديرها شخص إسمه " عطا إحساني" والذي حاول من خلال العراقي " باسل الجراح" الذي يعتبر همزة الوصل بين الشركة الايرانية والمسؤولين العراقيين " الحرامية" من الحصول على رشوة بقيمة 7 ملايين دولار يذهب نصفها "للشهرستاني" من شركة "هيونداي" لتفوز بعقد نفطي قيمته 100 مليون دولار.

بغض النظر عن حجم الرشوة والفساد الذي صاحبها والشخصيات المتهمة فيه فهناك سؤال علينا أن نبحث عن إجابة له وهو، هل الشهرستاني ورفاقه هم الوحيدون المرتشون والفاسدون في العراق؟ لاأظنّ من أن بحثنا عن إجابة للسؤال ستطول كثيرا لنكتشف من أن الفساد والرشوة وتبديد المال العام أصبح ظاهرة منذ تقاسم أضلاع مثلث الشيطان السلطة إثر إحتلال البلد لليوم، وإنّ كبار المسؤولين العراقيين وعوائلهم والمقرّبين منهم هم من نهبوا مئات مليارات الدولارات التي دخلت خزينة العراق، والّا فأين ذهبت مئات مليارات الدولارات والخراب يعمّ البلد من أقصاه الى أقصاه؟

في تقرير لها عن حجم الفساد المستشري بالبلد كتبت صحيفة " الغارديان" البريطانية واسعة الإنتشار قائلة " قادت الطبقة السياسية بالعراق نهبا ماليا للمال العام لمدة 13 عاما بحثا عن النفوذ، وعندما بدأت أسعار النفط تنخفض مؤخرا وتؤثر هي الأخرى على موارد الدولة، تلاشت كل الآمال في تحسن الحكم". إن ما جاءت به الصحيفة ليس بالشيء الجديد على المتابع للوضع العراقي وسرقات مسؤوليه الكبار والمؤسسات الديني وإدارتهم لشبكات مافيوية تهدد حياة الناس وأرزاقهم، فما توصّلت اليه الصحيفة يعتبر من البديهيات في العراق والتي يعرفها المواطن العادي دون حاجته لقراءة تقارير الصحيفة أو غيرها من التقارير.

وكعادة لجنة " النزاهة" التابعة لمجلس النواب العراقي في مثل هذه الحالات وبعد نشر التقرير الذي يدين "الشهرستاني " ورفاقه، فإنه سارع الى تشكيل لجنة خاصّة للتحقيق في التقارير الصحفية حول تورط " الشهرستاني ورفاقه" في ما جاءت به التقارير من إتهامات بحقهم. وهذه ليست المرّة الاولى التي تشّكل فيها مثل هذه اللجان للتحقيق في دعاوى الفساد والرشاوى التي طالت وتطال كبار الساسة العراقيين، فهل ستكون نتائج التحقيق مختلفة هذه المرة خصوصا وإن كبريات الصحف قد تناولت الموضوع عبر كشفها لعشرات آلاف رسائل البريد الألكتروني بين مندوب المتهمين وعدد من الشركات النفطية العالمية؟

إنني وبشكل شخصي أضع حياتي مقابل إتهام الشهرستاني أو أي مسؤول عراقي رفيع المستوى أو أحد من أبنائهم أو أصهارهم  بتهم الفساد والرشوة ونهب وسرقة المال العام، فمن يراهنني؟

على لجنة النزاهة محاسبة فقراء العراق كونهم متذمرون من فقرهم وينتقدون سلطة السرّاق!

زكي رضا
الدنمارك
3/4/2016   

.

     





274
خبز .. حرية .. دولة مدنية


منذ أن إنطلقت تظاهرات ساحة التحرير وغيرها من سوح التحرير في بقية مدن بلدنا أواسط العام الماضي كان هذا الشعار "خبز .. حرية .. دولة مدنية" هو الشعار المركزي للمتظاهرين، وهذا الشعار ليس بشعار عفوي تبنته الجماهير ساعة غضب أو شعار آني من الممكن التخلي عنه لصالح شعار آخر دونه قوّة "من الممكن تطويره في ظل ظروف ذاتية جديدة"، بل هو شعار مدروس نابع من إحساس كامل عند هذه الجماهير بالتغيير الحقيقي لشكل الحكم بالبلد أي وبمعنى آخر نبذ نظام المحاصصة الطائفية القومية برمتّه، بعد أن أثبت هذا الشكل المشّوه من أشكال الحكم فشله الذريع في قيادة الدولة والمجتمع وكان ولايزال السبب الاول للخراب الحاصل بالبلد على مختلف الصعد.

وهذا الشعار الذي تبنته القوى المدنية التي لم يخفّ حماسها كما كانت القوى الطائفية تمنّي النفس به حتّى حينما وصلت أعدادها أحيانا الى بضع مئات من المتظاهرين، هو الذي جعل حكومة المحاصصة أن تتبنى قرارات للإصلاح دون أن تلتزم بتنفيذها لليوم. ونتيجة لإستمرار الضغط الجماهيري كان لابد لهذه القوى أن تعمل على إحتواء تظاهرات المدنيين بقوى أخرى قريبة منها جدا ولها قواعد تعاني من الفقر والتهميش، فكان الصدريون بزعامة السيد مقتدى الصدر هم تلك القوى التي تبنت هذا المشروع الذي يريد التغيير فوقيا ولايخرج مطلقا خارج عباءة الدين والطائفة. وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي عن هذا الهدف الا أن تصريحات المسؤولين الطائفيين رسمت لنا صورة واضحة وهي تتحدث عن خطوط حمر للتظاهرات لا يمكن تجاوزها، وأول بل وأهم الخطوط الحمر هذه على الإطلاق هوعدم المساس بمنصب رئيس الوزراء ليبقى من نصيب التحالف الشيعي "ما ننطيها" وهو ترجمة حرفية لإستمرار نظام المحاصصة.

إن ما يعنيه شعار "خبز .. حرية .. دولة مدنية" من إهداف وهي تغيير شكل السلطة بإبعاد الدين عن السياسة، ترجمها السيد مقتدى الصدر في خطابه الاخير بجملة " شلع قلع" في حالة عدم تلبية مطالب تياره والجماهير وهي من اللهجة المحكية ولا تعني الإصلاح بل التغيير الكامل عن طريق تبديل شكل السلطة. وهنا يلتقي السيد مقتدى الصدر في ما أعلنه مع شعار المدنيين أعلاه، فهل للسيد مقتدى الصدر الإرادة الحقيقية والمصلحة الحقيقية في تبني هذا الشعار الذي يعني ممّا يعنيه كمرحلة أولى، إعادة النظر بالدستور وتعديله بما يخدم العملية الديموقراطية الحقيقية، و سن قانون ديموقراطي ومنصف للإنتخابات، وسن قانون أحزاب لا هيمنة فيه للإحزاب الفاسدة، وتشكيل مفوضّية مستقلة للإنتخابات تهيئ الظروف المناسبة لإنتخابات ديموقراطية وشفّافة لا مكان فيها لأستخدام الدين والمال السحت الحرام لشراء ذمم الناس والناخبين؟ وهل يعرف السيد مقتدى الصدر أنّ أهم سياسات الدولة المدنية هي حصر السلاح بيد الدولة والقضاء على الميليشيات نهائيا، وهل يعرف السيد مقتدى الصدر أن السجون تدار في الأنظمة الديموقراطية من قبل وزارة العدل ؟

لا أريد أن أكون متشائما من نتيجة ركوب الصدريين موجة التظاهرات لترتفع أصواتهم على الأصوات المدنية التي لازالت تتظاهر أسبوعيا لقيادة الشارع نتيجة ضعف التيار المدني وجماهيره مقابل سطوة وهيمنة الصدريين على الشارع، ولا أريد هنا أن أشكك بالنوايا الصادقة للبعض وحديثهم حول الكتلة التاريخية التي بدأنا نسمع ونقرأ عنها كثيرا هذه الأيام. ولكن هل يشكل التيار المدني بضعف إمكانياته المادية والبشرية مع الصدريين وغناهم المادّي "كتياّر وليس كأفراد" والبشري ما يمكن أن نطلق عليه الكتلة التاريخية؟

صحيح جدا من أنّ الكتلة التاريخية هي ليست جبهة بل هي أكثر عمقا وشمولية الا أنها بالنهاية كما يوضح غرامشي نفسه وهو صاحب مفهوم الكتلة التاريخية ستؤدي الى ظهور ظروف سياسية جديدة ناتجة من إعادة ترتيب العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أشكال الصراع، وهذا سيؤدي وفق "الغرامشوية" الى "هيمنة " جديدة لقوى أفرزتها الكتلة التاريخية بعد أن تكون قد أزاحت الكتلة التي سبقتها في الهيمنة على السلطة، كما وعلى هذه الكتلة تقع مسؤولية إتخاذ سياسات جديدة على النقيض من التي سبقتها لبناء الدولة والمجتمع وفق مفاهيم أفرزها شكل الصراع الذي تكون قد حسمته لصالحها.

لأن التنسيق في التظاهرات لليوم هو بين المدنيين والصدريين فقط ، ولم تشترك فيه قوى سياسية أخرى متضررة حتما من سياسات السلطة الحاكمة بعد فشل الطرفين لظروف عديدة ومختلفة من جر أكبر عدد من الجماهير المتضررّة الى التظاهرات المطالبة بالتغيير، فإن الحديث عن "كتلة تاريخية" قادرة على إمتلاك الشارع السياسي والتأثير الجذري والنوعي فيه سابق لأوانه. ولو فرضنا جدلا وجود مثل هذه الكتلة ونجاحها في حسم الامور لصالحها فلمن ستكون الهيمنة بالنهاية وهذا ما طرحه غرامشي نفسه، هل للمدنيين أم للصدريين؟ بحساب بسيط جدا لميزان القوى اليوم وحتّى بالمستقبل المنظور فإن ميزان القوى يميل وبشدّة للصدريين. وهذا يجعلنا أن نطرح سؤالا هو مربط الفرس في نضال شعبنا والتيار المدني على وجه الخصوص ويتعلق بشكل الدولة التي نريدها وتلك التي يريدها الصدريون؟

علينا ان لا نكون متفائلين تحت أي ظرف في أن يمضي الصدريون لا لوحدهم ولا ككتلة تاريخية بعيدا عن إهداف البيت الشيعي، كما وعلينا أن نعود الى مواقف سابقة عدّة أتخذها زعيمهم السيد مقتدى الصدر وتخلى عنها بعد حين في ظل ضغوطات داخلية وخارجية، ويجب علينا أن نعيد النظر بأحلامنا في جدّية ونية السيد مقتدى الصدر ببناء دولة مدنية وفق شعار "خبز .. حرية .. دولة مدنية "، كون الدولة المدنية تعني فصل الدين عن الدولة أي إبتعاد السيد مقتدى نفسه وغيره من رجال الدين عن التدخل بالشأن السياسي.


المشاكل الموجودة في العالم اليوم لا يمكن ان تحلّها عقول خلقتها ... "البرت آنشتاين"


زكي رضا
الدنمارك
8 / 3 / 2016


275

لا إصلاح الّا بقبر المحاصصة

الرئاسات الثلاث وهي نفسها أقطاب المحاصصة الثلاث التي فشلت لليوم في كل المهام المناطة بها الّا مهام الفساد ونهب الثروة الوطنية وإذكاء روح الكراهية بين أبناء شعبنا لتستمر هي بقيادة البلد بنفس التشكيلة الفاشلة. لازالت مجتمعة للبحث عن الطرق والوسائل التي يراد منها أن تفضي الى تشكيل لجان لمناقشة آراء وملاحظات الكتل الثلاث بشأن التعديل الوزاري، الذي يراد له وتحت ضغط الشارع العراقي من جهة وفشل الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم منذ الاحتلال لليوم من جهة أخرى في أنهاء الازمات العديدة التي تسببت هي بها أساسا. ولكن السؤال المطروح هنا هو، هل بإمكان قوى المحاصصة هذه والتي هي أساس المشكلة أن تكون جزءا من الحل؟ وهل النتائج التي ستخرج بها ستكون قادرة على إنقاذ ما دمّرته هي نفسها خلال الثلاثة عشر عاما المنصرمة؟ وما هو شكل اللجان التي ستخرج بها من خلال إجتماعاتها التي ستكون ماراثونية؟

لكي لا نطير عاليا بأحلامنا حول حكومة التكنوقراط أو "الفساد قراط - كرات" وهي الأصح كون الـ "قراط - كرات" باللغة اللاتينية والتي جاءت منها التسمية تعني سلطة وحكم وهي التي تهيمن على المشهد السياسي منذ نيسان 2003 لليوم، علينا أن نعود الى تصريح مستشار رئيس الجمهورية "كوردي" بعد إجتماعه برئيس الوزراء "شيعي" ورئيس البرلمان "سني" السيد قحطان الجبوري الذي قال في تصريح نقلته السومرية نيوز اليوم أنّ "الكتل السياسية متفقة على التعديل الوزاري شريطة احترام الدستور والحفاظ على تمثيل المكونات وإعداد برنامج اقتصادي لإنقاذ البلاد من الأزمة الحالية".

أي وبمعنى آخر أن كتل المحاصصة الثلاث ولأنقاذ البلد في بحثهاعن حكومة قادرة على النهوض بالمهام التي فشلت فيها خلال السنوات السابقة ستعود الى الدستور الطائفي "المقدّس!!" من جديد كنقطة إنطلاق لإستنساخ شكل قديم – جديد من المحاصصة الطائفية، بإعتمادها في "التغيير" المنشود على ضرورة إلتزام الكتل الطائفية القومية الثلاث في تشكيلها لحكومة "الفساد قراط" بتمثيل المكونات الثلاث نفسها من جديد، أي العودة الى المربع الاول مرة إخرى!!. وإذا ما لاحظنا الفشل الكبير لجميع "البرامج" على مختلف تسمياتها لليوم من التي وضعتها حكومة الفاشلين حينما كانت الخزينة عامرة ، فعلينا أن نتوقع قدوم أزمات قادمة أكثر شدّة من الأزمات الموجودة اليوم، كون النظام السياسي سيكون نفسه وإن بتسمية يراد لها أن تكون مختلفة من جهة و إنخفاض أسعار النفط وهي العمود الفقري للسيولة النقدية التي يحتاجها البلد بعد إنهيار كل شيء فيه من جهة ثانية. ولكي نعرف أن هذه الرئاسات أي هذه الكتل المتحاصصة غير جادّة مطلقا بأي تغيير يحد من سلطاتها وسرقاتها فأنهم خرجوا بمحصّلة نهائية تقول إن "الكتل مختلفة بشأن آلية التغيير الوزاري والمعايير التي ينبغي اتباعها"، وهذا الإختلاف لا يعني سوى إستمرار الأزمة الى أمد غير محدود تتحكم فيه قوة الشارع العراقي وعزمه على التغيير هذه المرّة لا الإصلاح ، عبر إعطاء زخم أقوى لتظاهراته والتي يجب أن تكون يومية حتّى إنهاء هذا الشكل المشوّه والسرطاني للحكم بالبلد . كون الإصلاح لن يأتي مطلقا من خلال كتل سياسية هي أساس المشكلة التي واجهناها وتواجهنا لليوم.

إن إجتماع الرؤساء الثلاثة وما يشاع عن تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة للبدء بعملية الإصلاح ليست سوى نكتة سمجة الهدف منها إمتصاص نقمة وغضب الشارع العراقي، خصوصا وإن المسؤولين عن فلترة الأسماء التي ستطرح او طرحت سرا لتشكيل الكابينة الوزارية المزمع إعلانها هم أكثر أعضاء حزب الدعوة الحاكم فشلا لليوم، ممثلة بزعيمهم نوري المالكي ورئيس الوزراء الحالي الذي لم نرى أية إصلاحات جذرية منذ أن حمل رايتها لليوم والأديب الذي إرتضى وهو أحد كوادر الدعوة أن يكون ذيلا لإصهار المالكي في الأنتخابات الأخيرة متناسيا تاريخه في هذا الحزب عندما كان صهري القائد الضرورة طفلين لا غير. كما وعلينا أن نعرف الخطط الجهنمية لحزب الدعوة الحاكم في إبقاء الاوضاع على ما هي عليه من خلال هذه اللجنة والتي ستصطدم جميع قرارتها بحلفاء هذا الحزب اللصوصي ودولة لا قانونه في البيت الشيعي من جهة وبين البيت الشيعي والقوى الكوردية والسنّية من جهة أخرى.

من الضروري التأكيد على أنّ السيد العبادي حتّى وإن كان حريصا مثلما يقول على التغيير والإصلاح وإنتخاب لجنة محايدة من شخصيات بعيدة عن الصراعات الحزبية والفئوية والقومية والدينية والطائفية، لتعرض هي بدورها عليه أسماء وزراء تكنوقراط ليقودوا البلد للمرحلة القادمة برئاسته، فأن هذا الاسماء ستصطدم بعدم موافقة برلمان اللصوص عليه ليعود العبادي ووزرائه وشعبنا من معركتهم في سبيل الاصلاح بخفّي حنين.

"وهمه يبو خميّس " مثل بغدادي اراه منطبقا على السيد العبادي اليوم.

زكي رضا
الدنمارك
2/3/2016


276
تظاهرات الوعي وتظاهرات اللاوعي


تعتبر التظاهرات في العراق اليوم " وغيرها من البلدان" شكل من أشكال الإحتجاج السلمي على واقع سياسي أو أجتماعي أو إقتصادي أو أمني أو خدمي أو مجتمعة يؤثر سلبا على حياة الناس، للتعبير عن رفض هذا الواقع والعمل على تغييره نحو الأحسن من خلال الضغط على القوى السياسية المهيمنة على مقاليد الحكم كونها أساس المشاكل التي تعصف بالبلد. والجماهير التي تمارس هذا الفعل الثوري عادة ما تكون بل يجب أن تكون مسلّحة بالوعي، إذ من غيره فأن التظاهر سيتحول الى أصطفافات سياسية "جديدة" نابعة من رحم الإصطفافات التي قبلها والتي خرجت الجماهير بداية لتغييرها. فهل الجماهير التي خرجت للتظاهر في ساحات تحرير العراق والتي بدأت فعلا في أواخر شباط / فبراير 2011 والمستمرة لليوم تحمل الوعي القادر على قيادة حركة التغيير نحو إصلاح كم الفساد الهائل الذي خلّفته سياسة المحاصصة لليوم والتي تهدد وحدة الوطن ومستقبل شعبه؟

من الممكن القول من خلال تجربة التظاهرات التي بدأت منذ أواخر تموز 2015 ولليوم وبعد تظاهرة التيار الصدري يوم الجمعة " 26 /2/2016 من إننا أمام تجربتين من أشكال التظاهر بالبلد، أولهما هي تظاهرات الوعي إن جاز التعبير، وهي التي تخرج بإصرار كل يوم جمعة في بغداد ومختلف مدن الوسط والجنوب بأعداد تقل وتتزايد من أسبوع الى آخر ولكنها لاتتعدى بضعة آلاف في أحسن الحالات متسلحة بوعي جماهيري ضيّق لليوم وقابل للإتساع الحتمي مستقبلا. وهذا ما يظهر في أعداد المشاركين فيه والذين يرفعون شعارات الإصلاح الحقيقية وهي إنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية وبناء نظام مدني على أنقاضه كهدف استراتيجي،  وهذا ما يرعب القوى الطائفية القومية على قلّة أعداد المتظاهرين ما دفعها ويدفعها دوما الى قمع المتظاهرين بخطف وقتل بعض ناشطيهم أو الإعتداء الجسدي عليهم عن طريق " شقاوات" أحزابهم وتنظيماتهم ، كما حصل في ساحة التحرير ببغداد وفي تظاهرات البصرة وأخيرا أعتداءات جلاوزة حزب الدعوة الحاكم على المتظاهرين في الناصرية.

والتجربة الثانية والتي من الممكن نعتها بتظاهرات اللاوعي هي التي خرجت الجمعة الماضية ببغداد، والتي أستطاع السيد الصدر أن يحشّد فيها عشرات الالاف من المتظاهرين الذين ملئوا ساحة التحرير والساحات والشوارع المحيطة بها دون أن تتعرض لا القوات الأمنية لهم ولا شقاوات حزب الدعوة الحاكم! ولكن لِمَ هذا الوصف " القاسي" لهذه الآلاف من الجماهير التي تعاني كما بقية أبناء شعبنا من الفقر والجوع والمرض والمهددَّة بفقدان القليل من المكاسب التي حققتها مستقبلا؟

للإجابة على السؤال أعلاه علينا أن نطرح أسئلة إعتراضية لنحرك قليلا من الماء الراكد الذي تحول الى مستنقع تعيش فيه وتتغذى من خلاله الاحزاب المهيمنة على السلطة كأية فطريات لتنهب ما لم تصل له يدها لليوم وليظل الشعب يعاني من أزمات يستنسخها المتحاصصون بمهارة وحرفنة بعد أن تراكمت عندهم خبرة السرقة منذ الاحتلال لليوم من جهة، ولإنتشار ثقافة اللاوعي وأنحسار ثقافة الوعي عند أعداد كبيرة جدا من أبناء شعبنا ، من جهة ثانية.

من هذه الأسئلة، لو فرضنا أن بناء نظام مدني ديموقراطي ليس هدفا لهذه الجماهير على الرغم من فشل النظام الطائفي في تلبية حاجاتها اليومية وهو فعلا كذلك، فَلِمَ لَم تتظاهر لليوم بنفس الكثافة كما خرجت الجمعة الماضية ضد عدم توفر الخدمات مثلا؟ لماذا لم تتظاهر لليوم لغياب الأمن؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد البطالة وعدم توفير فرص عمل؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد الواقع الصحي والتعلمي البائس؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد الفساد الذي يهدد المجتمع نتيجة أستشراءه بأزمات إقتصادية ستؤثر على حياة عامّة الشعب والتي بدأت آثاره نتيجة إنخفاض أسعار النفط العالمية وريعية الإقتصاد العراقي؟

إنّ عدم خروج هذه الجماهير بهذه الكثافة دفاعا عن مصالحها وخروجها فقط بعد نداء السيد الصدر لها لا يعني الا أنتشار وشيوع ثقافة اللاوعي بينها، إذ من غير المنطقي أن يبقى الأنسان يعاني من الجوع والمرض والبطالة وانعدام الخدمات ويرى بنفس الوقت وطنه مهددا بالمجهول ولا يخرج للتظاهر في سبيل تغيير واقع مأساوي يعيشه نحو الأفضل. أن متظاهري التيار الصدري لا يعملون من حيث يدرون أو لا يدرون على أصلاح العملية السياسية بالبلد كون التيار الصدري كان ولا يزال جزء مهم وفاعل في مؤسسة الفساد التي خرّبت البلد، كما وإنّ التيار الصدري لا يعمل على أصلاح جذري للعملية السياسية بل على إعادة توزيع المناصب في نفس مؤسسة الفساد وذلك من خلال عدم رفعه شعارات واضحة تدعو ودون أية تأويلات وبعيدا عن التقية في نبذه للمحاصصة كنهج للحكم، كون المحاصصة هي أسُّ البلاء وليس الفساد الذي هو وغيره من الجرائم أبناء شرعيين لهذه المحاصصة. والآن هل السيد الصدر جاد فعلا بمبدأ التغيير؟

إن كان السيد الصدر جادا فعلا بمبدأ التغيير وهذا ما نتمناه فإنه مطالب اليوم ولغرض أنهاء الإصطفافات الطائفية بالمجتمع بأن يعلن عن خروج تياره متسلحا بحالة الرفض الجماهيري من البيت الشيعي أولا والبرلمان والحكومة العراقيتين ثانيا كي يسحب البساط عن شرعية الفساد التي تمثلها الحكومة وبرلمان اكثر فسادا منها،  وقوّة قضائية لا تعرف غير الصمت أمام غول الفساد والمصادقة على قرارات الفاسدين وتغطية جرائمهم بفتاوى قانونية! على السيد الصدر ان يجيبنا حول نظرته لشكل الحكم التي ستنقذ البلد من المشاكل التي يمرُّ بها وهل هي بأعادة الإصطفافات السابقة بنفس رموزها أو ممن يخرج من عباءتهم على الرغم من فشلها الكبير لليوم، أم بنبذه للطائفية نهجا وقولا وفعلا وعملا؟ وما هي رؤيته لشكل الدولة هل هي دولة إسلامية أم مدنية؟ كون التجربة الاسلامية بالعراق فشلت لليوم في بناء دولة بعد أن ضيّعت الهوية الوطنية لصالح هويّات فرعية وساهمت مع غيرها من القوى المتحاصصة بشيوع ثقافة الكراهية والقتل والقتل المضاد وسرقة ونهب ثروات البلد، أنّ أي بديل إسلامي لنظام المحاصصة سيكون إعادة أستنساخ لتجربة ثلاثة عشر عاما من الجرائم بحقّ شعبنا ووطننا.

اليوم والإقتصاد العراقي يترنح من ثقل فساد ساسته الأشرار لم أرى جملة أنهي بها هذه المقالة غير قول الامام علي بن أبي طالب "ع" ...

إذا غضب الله على أمّة غلت أسعارها وغَلَبَها أشرارها.



زكي رضا
الدنمارك
27/2/2016

277
حتّى أنت يا "نجامينا" !!


لا أدري ما شكل البارومتر الذي يستخدمه الإسلاميون لقياس نسبة النجاح والفشل لحكمهم الكارثي منذ الإحتلال لليوم، وبماذا سيجيبون أجيال العراق القادمة حول مستوى الخراب الذي حلّ بالعراق على كافّة الأصعدة وضياع ونهب وسرقة مئات مليارات الدولارات من ثرواته في عهدهم الأسود. وهل لازال هناك من يريد افشال تجربتهم الاسلامية التي يحسدنا عليها العالم بأكمله!!؟ ولمَ كل هذا الحقد في داخلهم ضد العراق وشعبه، هل لهم مع العراق ثأر قديم يريدون اليوم تسويته، علما من أنّ مشكلتهم الطائفية بدأت في المدينة المنورة "يثرب" وليس ببغداد فهناك كانت السقيفة وليس في شوارع وساحات وأزّقة بغداد؟

لا أدري أن كان الاسلاميون أحزابا وساسة وقواعد حزبية ومعمّمين تاجروا بالدين ببازار السياسة فأساؤوا للدين وأفسدوا السياسة وغيرهم من معمّمي الميليشيات أو من أصحاب الخطابات الرثّة التي لا تفرز الّا القيح من على منابرهم مسيئة ليس لشعبنا بزرع الجهل والتخلف بينهم فقط بل للتراث الشيعي وأعلامه قبل كل شيء، من أمثال الشيخ "كيت كات" والسيد "چكليته" وغيرهما من الذين نعتهم شعبنا بألقاب أخجل من ذكرها، أقول هل هؤلاء بقضّهم وقضيضهم عراقيون!؟

أن ما دخل خزينة شعبنا في عهد حزب الدعوة الحاكم والبيت الشيعي ومعهما البيتين السنّي والكوردي فاق ما دخل خزائن العديد من البلدان الاوربية إن لم يكن موازيا لها، الا اننا نتيجة فسادهم وسرقاتهم وتبديدهم للثروة الوطنية نعيش كأي شعب أفريقي بل وأفقرهم أن اردنا توخي الدقّة. فلصوصنا في الخضراء يهمّهم دوما أحراز العراق وشعبه المراكز الاولى في أي مسح تقوم به مؤسسات دولية معتبرة، فنحن الأوائل مقارنة ببلدان لا تملك عشر ثرواتنا بنسبة الأمية والأوائل بنسبة الجهل والتخلف، والأوائل بفقر البنى التحتية وبؤسها كما ولازلنا نتربع على المركز الاول بالفساد على مستوى العالم، ونحن الدولة الوحيدة تقريبا التي تجيز التزوير حتّى وصل الامر بأن تقوم مؤسسة دينية بتزوير شهادة دراسية لأحد شيوخها لأشغال منصب بصفة وزير.

بغداد التي هي أفضل من دبي وأربيل ونيويورك وفق قول الأسلامي "عبعوب" صنّفتها شركة ميرسر البريطانية للإستشارات اليوم كأسوأ مدينة بالعالم يمكن العيش بها علما أنّ هذا المركز تحتله عاصمتنا لعدّة مرات منذ العام 2011 وفق تصنيفات هذه الشركة المرموقة التي تعتمد معايير عدّة في ترتيبها للمدن ضمن قائمتها السنوية. ويأتي في مقدّمة هذه المعايير الإستقرار السياسي الذي يشمل الأمن وهيبة الدولة بأمتلاكها السلاح لوحدها كما يشمل التعليم والصحّة ومعدلات الجريمة والترفيه والنقل. وهذا يعني من أننا وبفضل حكوماتنا الطائفية الفاشلة لا نملك إستقرارا سياسيا ودولتنا لا هيبة لها ، أما الصحّة والتعليم والنقل فأننا لا نعرف منها الا أسمائها أما الترفيه فبغداد هي المدينة الوحيدة التي لا تملك رئة ترفيهية كون الترفيه من المحرمات.

وقد أنهت الشركة تقريرها قائلة أن "مدينة دمشق" - في سوريا الغارقة في حرب دموية منذ خمس سنوات - سبقت بغداد بستة مراكز، وحلت بينهما كل من "بانجي" في جمهورية أفريقيا الوسطى و"صنعاء" في اليمن و"بورت أو برنس" في هايتي و"الخرطوم" في السودان و"نجامينا" في تشاد.

وأني إذ ارى "نجامينا" عاصمة تشاد وهي أفقر دولة أفريقية تقف أعلى من بغداد الرشيد التي حوّلها الاسلاميون الى مزبلة حقدا عليها ، لا أملك الا ان اقول بألم رغم إحترامي الشديد لها "حتّى أنت يا نجامينا".

لم يحظى شعب ولا وطن بالعالم على مرّ التاريخ بساسة مجرمين كساسة العراق اليوم.

زكي رضا
الدنمارك
24/2/2016

278
السيد السيستاني يقرّ بفشل تدخل المرجعية بالشأن السياسي


أخيرا وبعد أن حلّ الدمار بالعراق وشعبه من قبل سلطة المحاصصة التي يمثّل البيت الشيعي وأحزابه الفاسدة كما فاسدي البيوت السياسية الأخرى وأحزابها ، أركانه الثلاث وبعد أن وصل البلد الى حافّة الأنهيار الاقتصادي نتيجة سرقة هذه البيوت الثلاثة "الشيعي - السنّي - الكوردي" لميزانياته الفلكية خلال السنوات العشر الماضية، شعرت المرجعية الدينية الشيعية بالنجف الاشرف بثقل دورها السلبي لتدخلها في الشأن السياسي لصالح الأحزاب الطائفية الشيعية والتي رعتها وحشّدت جماهيرها الى جانبها منذ تأكيدها على إعطاء دور أكبر للمعمّمين في كتابة الدستور المريض الذي فتح أمامنا أبواب جهنم جميعها وحتّى وقوفها بكل قواها الى جانبها في كل إنتخابات على الرغم من فساد هذه الاحزاب الذي أصبح حديث الشارع.

كان على المرجعية أن تحسم أمرها منذ بداية الولاية الثانية للنرجسي نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الحاكم الذي امتاز عهده بالفساد وانهيار الأمن وأنعدام الخدمات، والذي أهدر نتيجة رعونته وحزبه وطائفيتهم المقيتة وفشلهم في أدارة الدولة مئات مليارات الدولارات لتزداد بسببها مساحة الفقر في البلاد.

كان على المرجعية وهي تتلاعب بمقدّرات العراق لصالح لصوص السلطة الذين أفرغوا خزائن العراق أن تتأسّى بجرأة رجالات الشيعة الذين زخرت بهم كتب التراث أو شعرائهم على الاقل وهم يواجهون السلطات الظالمة بعنفوان التمرّد ضد كل أشكال القهر التي عانى منه الفقراء، أو ليست المرجعية حاملة تراث "علي"!؟ فأين هي من "علي" أم أصبح هذا الإمام الزاهد الورع تجارة في زمن الأحزاب الإسلامية، وإن أصبح الإمام علي ومعه إبنه الحسين تجارة فلماذا وقفت المرجعية مع التجار طيلة سنوات ما بعد الاحتلال !؟

أنّ من يعرف كل هذه الجرائم التي أرتكبتها أحزابا وصلت الى السلطة بفتاواه ويختار عدم التدخل بالشأن السياسي بعد تدخله فيه لما يقارب الثلاثة عشر عاما يقف من حيث يدري او لا يدري الى جانب اللصوص ضد الفقراء وهذا ما لم يكن الأمام علي عليه. على المرجعّية أن تكون مشروع شهادة من أجل وطن ساهمت بتدميره لوقوفها الى جانب اللصوص والقتلة، لا أن تأخذ جانب الدعة والطمأنينة وتعلن عزوفها عن التدخل بالشأن السياسي. لقد قلت في مقالة سابقة تحت عنوان " متى تزيدين الكلام إذن أيتها المرجعية الدينية " (العراق أيتها المرجعية الدينية على مفرق طرق فأمّا أن تتحلّي بالجرأة والشجاعة وتقفي الى جانب الوطن المسلوب والشعب المسبيّ وتزيدي الكلام في خطب الجمع القادمة لتؤشرّي بوضوح ودون مواربة على مسؤولي الفساد وهذا واجب ديني وأخلاقي ستحاسبين عليه أن لم تتحمليه، وإمّا أن تتركي الخوض بالشأن السياسي الذي بدأ بكتابة دستور مريض مزّق شعبنا لطائفيته المقيتة ولم تنهييه بمباركتك للأحزاب اللصوصية التي نهبت البلد وساهمت بدمار الوطن) .

يبدو أن المرجعية الدينية لا تمتلك جرأة شاعر كالكميت الأسدّي لتقف مع الناس ضد المجرمين واللصوص وبيّاعي الوطن، لذا تراها تراجعت عن خطبتها التي قالت فيها قبل أسابيع من أنّها ستزيد الكلام في خطب الجمعة القادمة، ويبدو أن زيادة الكلام عندها هو هروبها من الكلام الذي هو لصالح أحزاب السلطة نفسها وهذا ما تريده فعلا.

أن شعبنا والتاريخ سوف يذكران دوما هروب المرجعية من سفينة العراق التي جنحت بسببها وهي تدفع بالناس البسطاء الى حيث الموت، فالمرجعية بدأت سلسلة فشلها المدوّي بمساهمتها البائسة في كتابة الدستور الهزيل والمريض وبمساعدتها للأحزاب الشيعية كي تهيمن على المشهد السياسي وتسرق ما تشاء من ثروات البلد بأسم الدين والمذهب، والمرجعية ساهمت بتشكيل الحشد الشعبي عوضا عن تقوية الجيش العراقي كي يكون السلاح بيد الدولة فقط وليس بيد جيوش رديفة "ميليشيات". على المرجعية وقبل أن تعلن طلاقها مع السياسة أن تعتذر لجماهير شعبنا عن دورها في خراب البلد، على المرجعية أن تعترف من أنها ساهمت في اكبر جريمة أرتكبت لليوم بحق العراق وشعبه، على المرجعية وقبل أن تقفز من سفينة العراق المدمر أن تلعن من ساعدتهم وتحالفت معهم لأسباب طائفية. على المرجعية أن تكون جريئة لتقول أن الحل بالعراق هو بفصل الدين عن الدولة ، أننا بحاجة الى دولة علمانية تحترم الدين وطقوسه بأبعاده عن الشأن السياسي، دولة تحترم الأنسان العراقي وتعمل على توفير ما يعيد له آدمّيته التي صادرها الدين. أن لسان حال اللصوص المؤمنين وهم ينهبون ثروات العراق هو كما قال الشاعر .

صلّى وصام لأمر يطلبه ، .......... حتى حواه، فلا صلّى ولا صاما


شكرا أيتها المرجعية على أعترافك بفشلك وهذا بحد ذاته نصف الطريق نحو التغيير الذي سيكون مخاضه عسيرا ومكلفا جدا وأن غدا لناظره قريب .

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2016


279

الثقافة بين تكريم بالكويت وإهانة في العراق

في خطوة تدل على إحترام دولة الكويت للمسرح وروّاده والفن بشكل عام ورعايتها أطلقت الحكومة الكويتية وعن طريق وزير إعلامها ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ "سلمان صباح سالم الحمود الصباح" إسم الفنان المسرحي الكويتي الكبير والقدير "عبد الحسين عبد الرضا" على مسرح السالمية المعروف، إذ قال الوزير إنه يأتي " تكريما للرموز الفنية الكويتية القديرة التي أثرت الساحة الفنية بأعمالها على الأصعدة كافة محليا وإقليميا وعربيا". ليضيف وهو رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن "المسيرة الحافلة لتلك الرموز الفنية أصبحت عنوانا للتطور الحضاري والثقافي الكويتي، ولم ولن تدخر الدولة جهدا من أجل تقديرها وتكريمها ورعايتها". هذه هي الكويت التي لا تريد من خلال هذا التكريم لفنان كبير وهو حيّ يرزق أن تعلن رعايتها للمسرح الكويتي وتشجيعه على العطاء خدمة للمجتمع لما للمسرح الجاد منه تأثير كبير عليه فقط، بل تريد أن تثبت لمجتمعها من أنها لن تنسى مبدعيها أبدا وتحترمهم أحياءا كانوا أم أمواتا. هذا في الكويت الصغيرة بحجمها مقارنة بالعراق والحديثة "مع أعتزازنا بدورها الثقافي" على المشهد الثقافي مقارنة بالعراق الذي بدأت فيه الحركة الثقافية منذ عشرينات القرن الماضي، هذا في الكويت التي دخلها المسرح بعد ما يقارب الأربعة عقود من تاريخ دخوله للعراق، فماذا عن المسرح بالعراق الاسلامي الميليشياوي؟

وأنا أقرأ خبر تسمية مسرح كويتي عريق بأسم المبدع "عبد الحسين عبد الرضا" قرأت خبرا مؤلما كباقي الاخبار التي ترد من الوطن عن حال الحريات وقمعها من قبل جلاوزة الاسلام السياسي الذين قتلوا كل شيء جميل في أرض الرافدين، وهو قيام عصابات القتلة الأسلاميين بتعليق ملصقات إرهابية لقمع النساء وتحريم الغناء قرب سيطرات ونقاط تفتيش الحكومة الطائفية الفاشلة وبالتنسيق معها وفي رئة العوائل البغدادية الوحيدة "متنزه الزوراء". في الكويت يكرّم المسرح والمسرحي وفي عراقنا تهدّم المسارح وتتحول دور السينما الى محلات لبيع الخردة ويموت الفنان فقيرا مريضا في الغربة أو كمدا وفقرا في الوطن، في الكويت هناك خبز ومسرح لتثقيف الناس وفي العراق لدينا جوع ورصاصة توضع في رأس كل من يريد أن يفكّر خارج دائرة الدين أو خارج دائرة الطائفة بالأحرى بعد أن أصبح الدين بالعراق دينين بشكل رسمي.

لم ينحدر المشهد الثقافي والفنّي يوما في العراق الى الحضيض كما هو عليه اليوم، ولم يهاجم الشقاوات والزعران بيوت الثقافة يوما بالشكل الذي تتعرض له البيوت الثقافية والأندية الأجتماعية كما هو جاري بالعراق اليوم، ولم تهان الثقاقة ويقمع المثّقف كما تهان ويقمع اليوم.

ماذا تريد الأحزاب الطائفية وميليشياتها المجرمة التي تزرع الموت والدمار في شوارع العراق نهارا جهارا وفي رابعة النهار؟ ماذا يريد هؤلاء القادمين محمّلين بالحقد على كل ما هو مشرق وإنساني؟ ماذا يريد رسل الموت والدمار هؤلاء؟ ماذا يريد هؤلاء القتلة المتخلفين واللصوص بعد أن أصبح العراق في عهدهم يتنفس الموت وينحدر الى هاوية سحيقة من الجهل والتخلف. كل شيء في بلدنا بسببهم ميت، الأرض والأنسان والماء والهواء والتأريخ والآثار والحب والجمال والطفولة والحياة والفرح والفن والأدب، كل شيء ميت حتّى النخيل التي منها جاء أسم العراق "أرض السواد" لتنتهي الأرض ويبقى اللون الأسود فقط يرسم ليلا جاثما على صدور الناس ودروب الوطن المتهالكة، حتّى وصل الأمر بالله بأن ينعى بيوته التي تتهدم كل يوم ويقتل من فيها من مؤمنين!!

في الوقت الذي تهان فيه الثقافة بمختلف فروعها في دول متخلفة كالعراق والسعودية وإفغانستان والصومال والأراضي المحتلّة من قبل داعش في سوريا واليمن وليبيا، نرى بلدان أخرى تتقدم في حقول العلم والثقافة والفن ومنها بلدان ذات نظام ديني منذ عشرات السنوات كالجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم بعض المضايقات التي يتعرض لها البعض من فنّانيها وشعرائها بين الحين والآخر دون أن يتسبب ذلك بالحد من العطاء الفكري فيها مطلقا. فالزائر الى إيران وهي دولة إسلامية ذات غالبية شيعية يرى فيها وعلى عكس العراق الشيعي صناعة سينما متطورة ومتقدمة تحصد العديد من الجوائز في مهرجانات دولية معروفة كمهرجان (كان) على سبيل المثال، وفي أيران اعداد كبيرة من صالات السينما والمسارح التي تغص بالمشاهدين من الجنسين إضافة الى حركة ثقافية نشطة في مختلف المجالات من شعر ورواية وقصّة وقصّة قصيرة وترجمة، وفيها أيضا فرق موسيقية تعزف الموسيقى التراثية في أشهر مطاعمها ومقاهيها دون أن يتعرض روادها للتهديد بالقتل كما يجري في عراق الميليشيات الطائفية.

هناك في إيران يعتزّون بتراثهم وثقافتهم عكس شيعة العراق الذّين يهينون ثقافة البلد وتراثه لإنه ليس ببلدهم على ما يبدو، فهناك شوارع بأسماء شعراء ومفكري إيران من مختلف العصور إضافة الى نصب وتماثيل لهم. فالفردوسي شاعر الشاهنامة الكبير يتوسط تمثاله بشموخ حديقة وكأنها روضة من الرياض في ساحة بإسمه وسط شارع يحمل أسمه أيضا وهناك شوارع وساحات بأسماء جميع شعراء إيران بلا إستثناء. أمّا في عراق الميليشيات فيهان شعرائنا ورجالات العراق الاخرين فالرصافي وتمثاله حوّله الاسلاميون الى مزبلة ، وشاعر كالجواهري منسّي في بلد كتب فيه أروع قصائده وغيرهما العشرات من الشعراء والأدباء والفنّانين أمّا قبور مفكرينا فتهدم من قبل بعض العمائم الحاقدة على الثقافة والادب . والآن إن كانت التماثيل حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هي ليست كذلك في إيران!؟ وإن كان الرسم حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هو ليس كذلك في إيران!؟ وإن كانت السينما حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هي ليست كذلك في إيران!؟ وإن كان النحت حراما عند إسلاميي العراق فلمَ هو ليس كذلك في إيرانّ؟ ووووو ، إنني هنا لا أرى المشكلة في المذهب أو الدين بل في طبيعة الشعوب التي تتعامل مع هذا المذهب أو ذلك الدين ، فالشعب الإيراني وحكومته يحترمون تاريخهم وتراثهم وثقافتهم وبلدهم ويعملون على رقّيه وتقدّمه وهكذا هي الشعوب الحيّة، أما شيعة العراق وأحزابهم وحكومتهم فإنهم يحتقرون تاريخنا وتراثنا وثقافتنا وبلدنا ويعملون على هدمه وإزالته من الوجود أن أمكنهم ذلك ليس لشيء الا كونهم ورثة البداوة وفكرها المتصحر العشائري والتي تزاوجت مع فكرهم الطائفي وهكذا هي الشعوب التي تصارع الحياة كي تموت.

إعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا .... "برتولت بريخت"

أعطني صوتك الإنتخابي أعطيك شعبا جاهلا مستسلما .... "الإسلام السياسي"



زكي رضا
الدنمارك
22/1/2016

280
عذرا عَلّي لقتلك ثانية

لنقف بداية دقيقة صمت حدادا على إستشهاد إمام الفقراء والأرامل والأيتام الإمام علي بن أبي طالب "ع"  الذي أستشهد يوم أمس بعد أن أسقط عليه قاتلوه 100 كيلوغراما من الذهب الخالص في مدينة النجف الأشرف، بالأمس فجّر الأفّاقون طريق الفقراء والأيتام والأرامل الذي سار فيه الأمام رغم وحشته وقلّة سالكيه، بالأمس جال بن ملجم بسيف ذهبي هذه المرّة وليفلق هامة علّي وهو يسجد من أجل الفقراء المسروقين بأموالهم وأعراضهم وكرامتهم وأمنهم ووطنهم، بالأمس خنقت العمائم في النجف الأشرف علّيا محذّرة إياه من حث الفقراء على الثورة ضد الظلم لأن الظلم من صنيعتها مهددّة أياه بتهمة الشيوعية.

عذرا علّي أوَ لست القائل لسبطيك " قولا الحقّ، وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا"؟ ها نحن في عراق العمائم وأحزابها الظالمة ننهل من وصاياك ونرفع اليك مظلومية فقراء شعبنا ضدهم ونريد منك العون كونهم يقتلون ويسرقون وينتهكون الأعراض ويبيعون البلد بإسمك... .... آه  أعذرني أيها الإمام لقد ذهب عن بالي من أنهم قد سجنوا جثّتك الطاهرة بعد قتلك في ضريح مذّهب ليجدد بين فترة وأخرى بأموال الفقراء، لقد ذهب عن بالي من أنّهم وضعوا لنا في طريقك الذي هو طريق الحقّ والثورة ضد الظلم أبالسة مسّلحين بسكاكين وعصي وكواتم صوت.

عذرا علي، فقتلتك لم يكتفوا بقتلك لوحدك فقط فها هو تلميذك وصديقك البار أبا ذر الغفاري يُقتل في ربذة من ربذات العراق وهو يتلو "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" بعد أن رأى عمائم العراق وأحزابهم يريدون أن يجعلوا منك أيّها الزاهد كانزا للذهب والفّضة وأنت في لحدك بعد أن فشلوا وقتها في جعلك من حزبهم الشيطاني. أنت الذي لم تنم يوما مبطانا، أتعرف كم عمامة وكم من أحزابهم ينامون مبطانين وهناك من يمص نواة في دروب العراق المتربة؟

عذرا علي، أوَ لست القائل "قد أعَدّوا لكل حق باطلا، ولكل قائم مائلا، ولكل حيّ قاتلا، ولكل باب مفتاحا، ولكل ليل مصباحا"؟ فها هي العمائم ومعها أحزابها تأتينا بباطلها ذهبا لمرقدك والحق يفترش الارض ويلتحف السماء في صحارى العراق، وها هم يمتشقون مختلف أدوات القتل بإسمك أيها القديس للأسف الشديد ليقتلوننا ، وها هم عندهم لكل بنك ومصرف مفتاحا لسرقتنا نحن الفقراء، وها هم يمتلكون مصابيحا تنير لهم دروب الموت والسرقة ونعيش نحن في ديجور مستمر بعد أن حوّلوا حتّى النهار الى ديجور.

أيتها المرجعية في النجف الأشرف أيهما أحوج لـ 100 كيلوغراما من الذهب الخالص، علي إمام الفقراء أم ملايين المهجّرين والنازحين والفقراء؟ أيهما أقرب الى الله تعالى تذهيب قبّة أكثر الناس عدلا في الإسلام أم إشباع بطون غرثى وما أكثرها في عراقنا المسبي؟ أيّهما أكثر عدلا أن نرى قبّة أمام الثكالى مذّهبة أم نرى الثكالى طاهرات الذيل عفيفات بعيدات عن سوق المتعة؟ أيهما أكثر فائدة قبّة مذّهبة أم مدرسة لأطفال ومشفى لمرضى لا يملكون شروى نقير؟

لقد كان علي مخبئا للفقير وسترة للضعيف وكانت دموعه لحرارتها توقد نارا لمن لا نار له، فلماذا تريدون سرقة تاريخه وتراثه؟ لماذا تريدون سرقة وصاياه ومثله وقيمه؟ لماذا تريدونه للمال والذهب جامعا وهو القائل بالخورنق وفي يوم شتوي بارد "والله ما أرزؤكم ـ أنقصكم ـ شيئا  وما إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة " .

إن تصريحات المسؤولين عن العتبة العلوية حول الذهب المقّدم من قبل البنك المركزي العراقي لتذهيب قبّة الإمام علي "ع" على أنّها أشترتها من البنك وليست هبة منه، هو كالعذر الذي أقبح من ذنب. فلو صدّقنا ما تقوله "كون الكذب هو ديدن حاكمي العراق" من أنها أشترت الذهب فمن أين جاءت بالأموال، من جيوب الفقراء أم هبة من الأغنياء؟ أن كانت من جيوب الفقراء فالفقراء أولى بها في أيّامهم العجاف هذه وإن كانت من جيوب الاغنياء فالفقراء أولى بها أيضا خصوصا وأن أكثر الأغنياء هم لصوص للمال العام.

أن المنافسة الشيعية السنّية لأستحمار الناس تجري على قدم وساق فها هو الوقف السني يبني مساجدا في مراكز أيواء النازحين بدلا من أفتتاح مدارس ومستوصفات وتوفير لوازم العيش الآدمي لهؤلاء النازحين وكأن الله لا يعبد الّا بالمساجد. والمشكلة الأكبر هي أن بيوت الله هذه " حسينيات وجوامع" تحرق وتفجّر ويقتل فيها عباد الله. كفّوا بالله عليكم من سرقة شعبنا بأسم الدين. 

يقال أن العدل أساس الملك وهناك من يقول أن العدل أساس الدين، ولم أرى بيتين من الشعر في التراث الشيعي أدّق في الوصف من موت العدل كما جاءت بهما "سودة بنت عمارة الهمدانية" والتي قالتها وهي عند "معاوية بن أبي سفيان" إذ قالت عن الامام علي وعدله الذي تبتعد عنه العمائم وأحزابها..
صلى الإله على روح تضمنها          قبر فأصبح فيه العدل مدفونــاً
قد حالف الحق لا يبغي به بدلاً          فصار بالحق والإيمان مقروناً

لم أرى أحدا رعته المرجعية أو المؤسسة الدينية السنّية أو الأحزاب الطائفية الّا لصّا وثرّيا ويقابله جيش من الفقراء.... أفهكذا كان علي.


زكي رضا
الدنمارك
16/1/2016


     

281
متى تزيدين الكلام إذن أيتها المرجعية الدينية!!؟

هناك وجهة نظر تقول إن أي نقد موجّه لتصريحات المرجعيّة الدينية في النجف الأشرف لتدخلها بالشأن السياسي تعتبر كفرا حتّى لو كانت تلك التصريحات والأستنتاجات خاطئة أو تؤثّر سلبا على الواقع السياسي بالبلد. فهل على المتابع للشأن السياسي أخذ هذه الأتهامات على محمل الجد والأنزواء بعيدا عن شبح المرجعية الذي تجوّل ويتجوّل بالعراق محولّا البلد من خلال الأحزاب التي أوصلها للسلطة الى جحيم لا يطاق خوفا من هذه الأصوات؟ دعونا أن نغير في هذه المقالة شروط الحوار مع المرجعية والمراد منّا أن لا نقترب من حدودها لـ "قدسيتها" بأن نشكك في نواياها تجاه ما تقوله وتصرّح به في الأعلام وما تخفيه في لقاءاتها عن طريق مكاتبها مع المتنفذين من أقطاب الإسلام السياسي ومن ثم نبحث عن النتائج التي تنفي أو تثبت شكوكنا، عوضا عن الطاعة العمياء التي يراد منّا إظهارها لها كي نكون كالبهيمة من خلال عدم قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والباطل وبين الخطأ والصواب وبين الخير والشر والتي يقول فيهما الامام علي "ع " (ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة). ولا أظن أنّ المرجعية الدينية وهي تبحث عن كمال الأنسان حالها حال جميع المؤسسات الدينية في كل العالم كما تقول ويدّعون، ترضى أن يُوصف شعبنا بالبهيمة!؟

أين الحقّ في العراق وأين يقف؟ على ضفّة الطبقة الحاكمة وأحزابها وعصاباتها ومعها الكثير الكثير من رجال الدين بعمائمهم وهي تسرق ما تشاء من ثروات البلد ليزداد جيش الفقراء والعاطلين والأيتام والأرامل، أم على ضفّة الجماهير وهي تعاني الفقر والعوز والمرض والبطالة وسوء الخدمات والموت اليومي؟ وعلى أية ضفّة يجب أن تكون المرجعية وهي ترث تراث الأمام علي "ع" الذي وهب نفسه للحق وليس العكس بأن ينتظر الحقّ ليأتي اليه، علي الذي قال لجميع من "نصحوه" بإن يُبقي على الولاة المفسدين ليأمن خطرهم قائلا "إنّي لأعرف ما يصلحكم ، ولكن لا أصلحكم بفساد نفسي" وليخاطب نفسه بعدها قائلا " لا يؤنسنّك الا الحق ولا يوحشنّك الا الباطل"؟ هذا هو علي إمام الفقراء والأرامل الذي بأسمه وللأسف الشديد تسرقنا الأحزاب الطائفية ومن خلال موقف خجول للمرجعية التي جاءت بهم الى سدّة الحكم في خطبها.

على المرجعية أن توفي لنا الكيل نحن البسطاء من خلال نقدها الواضح والجريء للسلطة وجرائمها بحق شعبنا ووطننا كي تبعد نفسها عن الفساد الذي أتهمها به نوري المالكي حينما هدّدها قائلا في آب العام الماضي بكشف ملفّات فساد كبيرة لثمانية أعوام أبّان تسنمه رئاسة الوزراء وأوضح " أنّ تلك الملفّات ستوقع برؤوس كبار بضمنهم وزراء ومسؤولون وأبناء مراجع". أمّا حديثها في خطبها الأسبوعية عن وجود فساد وضرورة الإصلاح فهذا كما يقول المثل البغدادي "ما يوكل خبز" لأن الأعمى والبصير ومن به صمم يدرك ويعيش حالات الفساد هذه يوميا ويدفع بسببها دماءه وأرواحه وقوته وقوت عياله.

عندما تكرر المرجعية الدينية في خطبها أمور الفساد وقلة الخدمات مطالبة بأيجاد حلول لها لتعود بعد فترة لتتناول نفس الامور مطالبة من جديد بأيجاد حلول لها، من خلال تهديدها مرّة بأنّ صبرها بدء ينفذ ولتعرب في أخرى عن أسفها لأستمرار نفس الحالة معتمدة على ضعف الذاكرة الجمعية على ما يبدو ، يعتبر ضحكا على الذقون لحدود، ومن حقّنا في هذه الحالة أن نشكك بما تقوله وأن ننتقد ما يبدر عنها والشك هنا طريق لمعرفة الحقيقة والنقد وسيلة للبناء، ولا أظن أن المرجعية الدينية تضع نفسها فوق النقد والا لأتهمت بالجمود الفكري كون النقد هو الطريق الأصوب للأصلاح.

في نهاية شهر تموز من العام الماضي وبعد أيّام فقط على بدء التظاهرات الجماهيرية التي طالبت ولا تزال بالإصلاح كان واضحا كما صرّح حينها النائب "حبيب الطرفي" عن كتلة "المواطن" "إن المرجعية رفعت نبرة خطابها من الإرشاد والتوجيه الى التوبيخ والتأنيب" وهذا يمثل جرس إنذار للسلطة وفق تصريحه، لينهي تصريحه قائلا من أن الشيخ الكربلائي حذّر الحكومة نتيجة سوء الخدمات قائلا "أن للصبر حدود"!!!. وبعد ما يقارب الخمسة أشهر على تلك الخطبة أبدى الشيخ الكربلائي هذه المرّة أسف المرجعية "لانقضاء العام الماضي دون اتخاذ السلطات الثلاث خطوات إصلاحية جادة وتحقيق العدالة الاجتماعية وملاحقة كبار المفسدين"، في تراجع واضح بنبرتها الذي بدأ بالأرشاد والتوجيه ليتطور الى توبيخ وتأنيب وليتراجع اليوم الى "أسف!!" من خلال تأكيده على أن "هذا أمر يدعو للأسف الشديد ولا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر !!!!".

"لا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر" متى تريد أن تزيد الكلام إذن يا معتمد المرجعية !!!؟ عندما ينتهي البلد بالكامل على يد الفاسدين والمقامرين والعصابات الميليشياوية والمافيوية التي باركتموها ؟ شعبنا في طريقه لمواجهة كوارث إقتصادية نتيجة فساد المؤسسة الحاكمة التي ضيّعت مئات مليارات الدولارات وأنهيار أسعار النفط وعسكرة المجتمع بعد فتوى "الجهاد الكفائي" ليعيد الاسلاميون شعار البعث القميء "كل شيء من أجل المعركة" ولينهبوا بإسم الحشد الشعبي ما لم يسرقوه سابقا. إنّ الكثير من مسؤولي "الدولة" يحذرون المواطنين من عدم أستطاعة الدولة الأيفاء بألتزاماتها ودفع رواتب الموظفين أو فتح باب التعيين هذا العام ولحين أنتعاش أسعار النفط، وبدلا من أن ينتقدوا أنفسهم ويكفّوا عن نهب المال العام ويبحثوا عن طرق حقيقية وغير مكلفة لأعادة العافية الى الأقتصاد العراقي كأستثمار الاموال التي نهبوها طيلة السنوات الماضية في مشاريع تنموية للخروج من الأقتصاد الريعي، نرى حراميا كزعيم حزب الدعوة الحاكم يطالب برهن العراق عند صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأستدانة الدولة قروضا من داخل البلد! الا تدفعكم هذه التصريحات وكل الفساد والقتل وقلة الخدمات للأسراع في الكلام لوضع النقاط على الحروف وتعريف الناس باللصوص لرفع العتب وليس لأمر آخر كون الناس تعرف اللصوص بالأسماء والكنى.

من يملك المال ليقرض الدولة، هل هو المواطن البسيط العاطل عن العمل أم المتقاعد الذي يستلم راتبا بائسا كل ثلاثة أشهر أم خريجي الجامعات الذي يفترشون الأرصفة أم الأرامل وأولادهنّ أيها الدعاة ؟ إن الذي يملك الاموال في البلد هم النخبة السياسية الفاسدة التي أثرت على حساب أبناء شعبنا ومعها مقاولو المشاريع الوهمية وأبناء المسؤولين والمرجعيات "على ذمّة المالكي" والوقفين الشيعي والسني والمؤسسات الدينية ومنها المرجعية فهل هؤلاء سيساهمون في أخراج العراق من أزمته التي دفعوه اليها دفعا!!؟.

يقول الامام علي "ع" من كتاب له الى زياد بن أبيه عامله على البصرة : وإني أقسم بالله صادقا ، لئن بلغني أنك خنت من فيءَ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا، لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر". فلماذا لا تحركّون الجماهير البائسة علنا من خلال خطبة الجمعة بالزحف على ماخور السلطة بمبغى الخضراء وحينها ستدع الجماهير الغاضبة هؤلاء الأفاقين قليلو الوفر ثقيلو الظهر ضئيلو الأمر، أوَ لم يخونوا ويسرقوا ويقتلوا وينهبوا لليوم. وهل بقي من فيء العراقيين شيئا لم تسرقه الاحزاب الاسلامية القومية المتحاصصة؟

العراق أيتها المرجعية الدينية على مفرق طرق فأمّا أن تتحلي بالجرأة والشجاعة وتقفي الى جانب الوطن المسلوب والشعب المسبيّ وتزيدي الكلام في خطب الجمع القادمة لتؤشرّي بوضوح ودون مواربة على مسؤولي الفساد وهذا واجب ديني وأخلاقي ستحاسبين عليه أن لم تتحمليه، وإمّا أن تتركي الخوض بالشأن السياسي الذي بدأ بكتابة دستور مريض مزّق شعبنا لطائفيته المقيتة ولم تنهييه بمباركتك للأحزاب اللصوصية التي نهبت البلد وساهمت بدمار الوطن.

إتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم "الامام علي" .


زكي رضا
الدنمارك
10/1/2016

282
إنتصارنا النهائي ليس بعودة الموصل إلى حضن الوطن

في كلمته بمناسبة الذكرة الخامسة والتسعين لتأسيس الجيش العراقي قال السيد رئيس الوزراء "حيدر العبادي" إن هذا العام سيكون عام تحقيق الإنتصار النهائي وعودة الموصل لحضن الوطن"، فهل بعودة الموصل وغيرها من المدن والبلدات والأراضي المحتلّة الى السيادة الوطنية سيكون إنتصارنا النهائي.

إن تحرير الأراضي والمدن العراقية من سطوة داعش ليست سوى مسألة وقت ليس الا خصوصا بعد التدخل الروسي في سوريا وقلب المعادلة السياسية والعسكرية من جهة لصالح النظام الى حد بعيد، ووصول الأرهاب الداعشي وأمثاله الى عقر دار الدول التي لعبت دورا مباشرا مستفيدة من الشدّ الطائفي في تأجيج الصراعات بمنطقة الشرق الاوسط  كفرنسا على سبيل المثال والتي تدخلت هي الاخرى بشكل مباشر عبر طيرانها وبالتنسيق مع روسيا من جهة أخرى، إضافة الى زحف مئات الآلاف من اللاجئين صوب أوربا طلبا للجوء فيها وتأثير هؤلاء في زيادة شعبية اليمين واليمين المتطرف على حساب الأحزاب التقليدية الحاكمة. فهذه العوامل وغيرها حسمت أمر القضاء على داعش عسكريا ويبقى القضاء عليها فكريا وهذا يحتاج الى وقت طويل وبرامج تعليمية وتربوية وثقافية قد تأخذ عقودا من الزمن.   

لا أظن أن السيد العبادي قد أصاب في كلمته هذه وهو يتحدث عن "الأنتصار النهائي" كون الأنتصار النهائي ليس بالعسكري فقط بل هو بحاجة الى أنتصار الدولة بمؤسساتها المختلفة على كل أشكال الفساد الذي لايقل وحشية عن الأرهاب وداعش، أننا بحاجة الى أنتصار الارادة الوطنية وليس الطائفية من أجل بناء وطن آمن مستقل يحترم فيه الأنسان العراقي بغضّ النظر عن أنتماءه الديني والطائفي والقومي، أننا بحاجة الى دولة لادور فيها للميليشيات التي سيكون خطرها وتأثيرها كبيرين جدا وأمراءها يبحثون عن مساحة أوسع ودور أكبرعلى مسرح "السياسة" العراقية المتهالك.

إن تجربة 13 عاما من الحكومات الطائفية أثبتت أن أقطاب السلطة ومنها حزب الدعوة الحاكم الذي يقود البلاد منذ عشر سنوات غير قادرين على بناء دولة بل العكس هو الصحيح،  فهذه القوى وعلى مختلف تلاوينها الطائفية والقومية ساهمت مساهمة مباشرة في أنهيار الدولة وتهديد وجودها، وعليه فأن أي حديث عن أي أنتصار وأستمرار نفس القوى بالهيمنة على مقدّرات البلد ليس سوى أضغاث أحلام.

على السيد العبادي أن يعرف جيدا من أنه وكامل الطاقم السياسي الفاسد الذي يقود ما تبقى من بلد وشعب غير مؤهلين لتحقيق أي إنتصار ولا يسعون لتحقيق أي إنتصار، لأن الإنتصار هذا إن تحقق فأنه يعني هزيمة الفكر الطائفي وأحزابه وأنحسار دورهم عن المشهد السياسي، فهل العبادي وحزبه الحاكم وبقية القوى المتحاصصة تريد أنتصار العراق وشعبه!؟

هناك أمر واحد يحقق أنتصار العراق أيها السيد العبادي، وهذا الامر لاتمتلكه ولاحزبك ولا كل القوى المتحاصصة التي أوصلت بلدنا الى شفير الهاوية، وهو الوطنية التي جعلتموها على رفّ مهمل يأكله الغبار في خضرائكم المحصّنة أو أنكم قد بعتموها الى أي سمسار وهذا هو الأرجح. لذا فأن أنتصارنا النهائي لايكون بعودة الموصل وغيرها الى الوطن بل بأنتصارنا عليكم نحن الجماهير التي عانت وتعاني من فسادكم وسرقاتكم ونهبكم للمال العام وميليشياتكم .

قيل للأمام علي : صف لنا العاقل. فقال: هو الذّي يضع الأشياء مواضعها. فقيل: فصف لنا الجاهل: فقال: قد فعلت. ولو كان الامام علي حاضرا اليوم وسألناه عن الوطنية لأسهب في شرحها أو أختصرها بعدم الفساد والسرقة والقتل وبيع الوطن، ولو سألناه عن خيانة الوطن لأشار اليكم جميعا ايها السيد العبادي قائلا : فعلت.

السيد العبادي أن أنتصارنا النهائي سيكون بعودة الوطنية الى حضن الوطن وهذا ما لا تملكوه لا أنت ولا بقية المتحاصصين.

زكي رضا
الدنمارك
6/ 1/ 2016

283
ستفشل السعودية وحلفائها في جرّ إيران الى حرب إقليمية


إن إعدام رجل الدين الشيخ نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية وبهذه الطريقة الهمجّية لن تمّر دون أن تترك أسوأ النتائج على كامل الوضع السياسي في منطقة الخليج والشرق الاوسط حيث الصراع الطائفي في سوريا والعراق والغزو السعودي الخليجي لليمن. ولو قرأنا بإمعان الصراع داخل العائلة المالكة السعودية ومحاولاتها الفاشلة لليوم في حسم الحرب رغم قوة أمكانياتها وحلفائها لصالحها، ورؤيتها لفشل سياستها في سوريا بعد التدخل الروسي الذي قلب ميزان القوى لصالح النظام السوري بشكل ملموس، ونجاح الحكومة العراقية في تحرير مساحات شاسعة من أراضيها ومدنها التي سيطر عليها الارهاب الداعشي الممّول سعوديا وخليجيا وتركيّا، نستطيع أن نتعرف على السبب الذي دعا السلطات السعودية الى إعدام الشيخ "النمر" في هذا التوقيت بالذات. فالهروب للأمام لإثارة المشاكل الطائفية وتطوريها لحروب هو هدف حكّام السعودية والخليج لمقاومّة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وتأثيرها الواضح في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية حيث الثقل الشيعي وآبار النفط، خصوصا وأن حلفاء السعودية الأقليميين أقوى بكثير من حلفاء أيران في المنطقة وليس في بلدانهم مشاكل كالتي يعاني منها حلفاء أيران. فالعراق وسوريا واليمن لا يمتلكون القوّة العسكرية التي يستطيعون من خلالها دعم إيران في أية حرب أقليمية نظامية بعد أن أنهكتهما الصراعات الداخلية التي لم تنتهي لليوم أمّا المنظمات والأحزاب الشيعية فأن تأثيرها يكاد أن يكون معدوما في التأثير النوعي لو جرت الحرب.

إن الرهان السعودي - الخليجي لجرّ أيران الى مواجهة عسكرية مباشرة ستبوء بالفشل لأسباب عدّة من الممكن تلخيص أهمها بما يلي: ..

1- حرص إيران على أتمام برنامجها النووي بعد أن توصّلت بدبلوماسيتها طويلة النفس مع الغرب الى إتفاقيات حرّرتها من قيود حصار أمريكي - غربي إمتدّ لعقود وما لهذا البرنامج من تأثير كبير في جعلها لاعبا رئيسيا ليس في منطقة الشرق الاوسط فقط "هي لاعب رئيسي"، بل وحتّى على المستوى الأقليمي والدولي وهذا النجاح الإيراني في المفاوضات هو من أهم أسباب محاولة السعودية وحلفائها لجرّ إيران الى حرب مجهولة النتائج.

2- معرفة أيران من أن دخولها الحرب سيضعف من أمكانياتها العسكرية ما يفتح المجال لأنحسار دورها في مناطق نفوذها بالعراق وسوريا ما يؤدي على المدى البعيد الى تغيير ميزان القوّة الطائفية في البلدين، ما يعزّز نفوذ القوى "السنّية" بزعامة السعودية وتركيا وهيمنة الخطاب السلفي المتشدد ما يشكل خطرا على المصالح الإيرانية التي ستكون محاصرة بدول تكن لها العداء العلني والواضح.

3- سعي إيران للإستفادة من رفع الحظر الإقتصادي عنها لتعزيز مكانتها الإقتصادية خصوصا وأنها ليست بلدا ريعيا كما السعودية وبقية بلدان الخليج، علما أن عودة أيران وبقوّة الى سوق النفط والإستفادة من حصّتها في أكبر حقول الغاز بالعالم والتي تتقاسمها مع قطر بعد رفع المقاطعة التكنولوجية في مجال أستخراج الغاز من أعماق مياه الخليج وتصديره، ستعزز من قوتها المالية فالعسكرية بعد سنوات طويلة من أبتعادها عن التأثير في سوق النفط نتيجة الحصار والمقاطعة.

4- عدم أستعداد القوى العظمى والغرب لأندلاع صراع بين الطرفين قد يهدد صناعة النفط وتصديره ممّا سيتسبب بأرتفاع مفاجيء لأسعار النفط في وقت لازال الاقتصاد العالمي يمر بفترة إنكماش وعدم نمو، أمّا سياسيا فأن صراع مسلح بين الطرفين قد يهدد السلم بالمنطقة بالكامل بعد دخول دول تتحرك نتيجة أزماتها المالية وفق صانع القرار السعودي. لذا كان رد الفعل الروسي والفرنسي سريعا بمطالبة الطرفين بإعتماد الأساليب الديبلوماسية لحل المشاكل التي بينهما وإستعدادهما للتوسط بين الطرفين.

5- إن إيران تعرف أصول اللعبة وتلعبها بعقلية المحترف الذي يمارس الفعل وتدرس ما تريده بصبر وتأني ومن دون أن تتورط بشكل مباشر في أية حرب كونها خاضت حربا لثمان سنوات ضد العراق لم تخرج بعده منتصرة فقط على الرغم من معاناتها، بل ونجحت على المدى البعيد في ترسيخ دورها السياسي والديني والثقافي فيه. عكس السعودية التي تلعب اللعبة بأسلوب ردّ الفعل عندما تشعر بالفشل وهذا ما دفعها لشن حرب ظالمة ضد الشعب اليماني ولتتورط في مستنقع اليمن في حرب يبدو أن رحاها ستستمر طويلا لعدم أمكانية الحسم العسكري فيها.

إن أيران دولة شيعية وتعمل على توسيع رقعتها المذهبية أو الحفاظ عليها لأرتباطها بأمنها القومي ما يجعلها تصطدم بمؤسسات دينية سنّية، الّا أنها لم تتعرض لليوم لأتهامات برعايتها وتمويلها لأرهاب على شاكلة إرهاب القاعدة وداعش وبقية المنظمات السنّية المتطرفة في المنطقة وغيرها من المناطق كإفريقيا والتي وصل ضررها الى أوربا وأميركا وروسيا بل وحتّى الصين وغيرها من البلدان كما السعودية ، وهذا لا يعني مطلقا عدم دعم إيران لمنظمات وضعت على قائمة الإرهاب كما حزب الله وبعض الميليشيات العراقية. أمّا السعودية فهي ليست دولة سنّية على الرغم من طرحها نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي السنّي بل هي دولة وهّابية تمثل أسوأ أشكال الاسلام من حيث المحتوى والتطبيق وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل أشكال الارهاب "السنّي" والذي في الحقيقة هو إرهاب وهّابي، مستفيدة من إمكانياتها المادية الهائلة وضعف إقتصاديات الدول العربية والإسلامية في شراء الولاءات السياسية وتشكيلها لكتل سياسية وعسكرية بزعامتها.

إن الخطر الأكبر الذي يهدد شعوب المنطقة اليوم بالأضافة الى خطري داعش والقاعدة وخطر الارهاب الديني من كل الاطراف، هو أندلاع حرب إقليمية في هذه المنطقة المهمّة والحسّاسة بالعالم والذي سيعرقل خطط التنمية ما سيؤثر سلبا على شعوبها، إذ ستزداد رقعة الفقر والبطالة والأمية وستفقد هذه الشعوب ما أستطاعت بناءه طيلة عقود من بنى تحتيّة. فمن اجل غد أفضل وسلام دائم لشعوب المنطقة ليرتفع صوت العقل أعلى بكثير من صوت طبول الحرب التي سيكون الموت فيها هو المنتصر الأكبر.

زكي رضا
الدنمارك
5/1/2016

284
المنبر الحر / نادية مراد
« في: 23:18 28/12/2015  »
نادية مراد

نادية مراد، ليس إسما لفنّانة أو سياسية أو رياضية أو أكاديمية معروفة بل هو أسم شائع قد يجده المرء في أية دولة أسلامية وعلى الاخص العربية منها، ولكن هذا الإسم  ليس بالضرورة أن يكون لإمرأة مسلمة خصوصا وأن أبناء "الأقليات" الدينية والعرقية عادة ما تسمي مواليدها بأسماء عربية خوفا وتقية من سطوة الأكثرية المسلمة، وهذا ما نجده في العراق مثلا فغالبية الصابئة المندائيين والمسيحيين وغيرهم يحملون أسماء عربية وكذلك الأيزيديين ومن هؤلاء الايزيديين هي الشابة " نادية مراد.

نادية مراد التي أستطاعت الهرب من جحيم الدواعش الارهابيين وقفت بالأمس لتعرّف العالم بأسره معنى السبي الأسلامي للنساء، وقفت وهي تُستَقبل من قبل الرئيس المصري "السيسي" بجرأة قلّ نظيرها لتشرح ما عانته شخصيا ومعها الآلاف من بنات العراق غير المسلمات من أغتصاب وتعذيب على يد برابرة العصر من الدواعش وبيعهنّ في سوق الرقيق والنخاسة مع صمت مريب وقذر لكافّة الحكومات العربية والأسلامية بل وحتى العالمية!

نادية مراد الشجاعة والجسورة وقفت في مجلس الامن وفي الأزهر وبحضرة الرئيس المصري وفي جامعة القاهرة ليس لمحاكمة الدواعش فقط أو البعض من المسلمين، بل وقفت وهي العراقية المسبية لتحاكم كامل النظام السياسي العراقي ومعه مؤسساته الدينية التي تعتاش على هذا النظام الطائفي القذر. ومن دون الدخول في تطبيق داعش لما جاء في الشريعة الاسلامية وما كان يفعله السلف الصالح والصحابة وهم يحتلون البلدان الاخرى من فضاعات لا تقل وحشية عمّا يفعله الدواعش اليوم، أرى أن نسأل أصحاب القرار السياسي والديني عن سبب عدم أستقبالهم لـ "نادية مراد" على غرار المصريين.

السيد "حيدر العبادي" هل تعرف أن المسبية "نادية مراد" مواطنة عراقية وليست مصرية!؟ وإن لم تكن أنت من يستقبلها ليستمع منها الى الجريمة التي تسبب بها رئيس حزبك الفاشل برعونته ونرجسيته بتسليم ثلث مساحة العراق للدواعش، فمن يستقبلها إذن. وهل من الوطنية بشيء بل ومن الكرامة بشيء أن تمر على لقاء بنت "بلدك" بالرئيس المصري لتشرح له معاناتها وقومها مرور الكرام، ومتى ستكونون أيها الدعاة الفاشلون رجال دولة ؟

السيد السيستاني، هل تتنجس من المواطنة العراقية "نادية مراد" وهي أطهر واجرأ وأشرف من كل رجالات الاحزاب الطائفية الذين دعمتهم خلال سنوات ما بعد الاحتلال لليوم وهذا ما دعاك لعدم أستقبالها لليوم، أم كونها إمرأة أجنبية ويحرّم عليك دينك الجلوس اليها، أم كونها مغتصبة؟ وهل أخبرك القريبون منك أن شيخ الازهر قد أستقبلها وجلس يستمع اليها بهدوء وصبر وهي تشرح له ما عانته من أهوال خلال فترة سبيها ولحين هروبها؟ أم أنّ وقتك لا يسمح لك بأستقبال السبايا!!؟

أيّها القيمّون على الوقف السنّي ما لكم تصمتون صمت المقابر ومعكم الاحزاب التي تتغذّون عليها حول الجريمة المرتكبة بحقّ البطلة "نادية مراد"، هل لأنكم وأياهم شركاء في الجريمة وأنتم تفتحون مضارب عشائركم ومدنكم لعصابات الأفّاقين القتلة القادمين من كافّة ارجاء المعمورة والمحمّلين بحقد دفين على أبناء شعبنا. لماذا لا تستقبلون "نادية مراد" هل تهابونها؟ هل تشعرون بثقل الجريمة ؟ أم وضعتم الوطنية في مظروف كتبتم عليه "للبيع"؟

طلبة العراق، لقد وقفت بنت بلدكم أمام زملائكم من طلبة جامعة القاهرة لتشرح لهم ما تعانيه نساء بلدكم على يد المجرمين الدواعش، داعية إياهم أن يعلّموا مجتمعهم وأسرهم بالممارسات الهمجية لهذا التنظيم كي تقف جميع المجتمعات ضدّه حسب قولها ومطالبة إياهم بالوقوف الى جانب المرأة وقضاياها في كل العالم. فهل ستقفون الى جانبها من خلال أستقبالها، وهل ستنظمون المظاهرات والأعتصامات والندوات من أجلها ومن أجل السبايا من بنات وطنكم؟ لا تجعلوا التاريخ يوصم نضالات الطلبة العراقيين ومساهماتهم الفعّالة في الحركة الوطنية العراقية بالعار لسكوتكم على هذه الجريمة البشعة، أدعوها وأستمعوا أليها فهي لكم خير معلّم في طريق حرية بلدكم وسعادة شعبكم.

نادية مراد... هل تعرفين لماذا يهابك المسؤولون العراقيون ولا يريدون سماع شهادتك بحق أبشع جريمة عرفتها البشرية في تأريخها الحديث؟ هل تعرفين لماذا لم يستضيفك "أبناء" بلدك" لليوم ؟ لأنهم وببساطة شديدة لا يملكون ما يقولونه لك، ليس لانهم ليسوا بأصحاب القرار فقط بل لأنهم شركاء في الجريمة التي أرتكبت بحقّك.

سيدتي "نادية مراد" الشامخة كجبل سنجار والمقدّسة كمعبد لالش حيث خميرة الكون ومهبط الملائكة، أيتها الأيزيدية الطيبة كطيبة أهلك وأرضك لقد أبكيت كل الشرفاء بوقفتك التي لم تقفها أمرأة ولا رجل قبلك، لقد أبكيت حتى "طاووس ملك" وهو بين صحبته من الملائكة. الا أنك لم تستطيعي ولن تستطيعي أن تبكي أشباه الرجال، هل عرفت لماذا لم يستقبلك ساسة بلدك لليوم؟

السيد السيستاني ، السيد العبادي وغيركما من شخصيات وأحزاب، أيها البرلمان الكارتوني أن ينسى شعبنا يوما موقفكم غير الحكيم وغير الرجولي هذا ، فأن "نادية مراد" وأبناء جلدتها وكل سبايا العراق ومعهم كل الاحرار لن ينسوا ذلك ، وهذا بحدّ ذاته محاكمة لكم وهي محاكمة مذّلة.

مّن عزّى الثكلى فقد أظلّه الله في ظلَّ عرشه "الأمام علي "


زكي رضا
الدنمارك
28 / 12 / 2015



285
معمّم شقي في شارع المتنبي .. آني شعليه


ما أن إنقلب عبد السلام عارف على رفاقه البعثيين ممّن شاركوه إنقلابه الأسود في الثامن من شباط 1963 بعد أقل من عشرة أشهر على نجاح ذلك الإنقلاب الذي غيّر وجه العراق، ليضعه على أول سكّة ضياع البلد من خلال سلسلة من الحكومات الكارثية التي لم تنتهي لليوم. توقعت الجماهير ولسذاجتها من أنّ عهد السرسرية البعثيين من الذين فعلوا الأفاعيل بأبناء شعبنا قد إنتهت برحيلهم. ولم يدر بخلد البعثيين حينها من أنّهم وبجرائمهم التي يندى لها جبين البشرية قد روّضوا الغالبية العظمى من الشعب بعد أن أدخلوا الى الثقافة الشعبية "مفهوم" من كلمتين لم تكن معروفة عند الغالبية العظمى منه، ولم تكن هاتين الكلمتين وباللهجة المحكّية الّا "آني شعليه".

وقد لعبت "آني شعليه" دورا حاسما في ترسيخ البعث في عهده الثاني سلطته بقوة النار والحديد والتي أوصلت البلد الى ما نحن عليه اليوم من دمار وضياع. ومن خلال "آني شعليه" كان أي بعثي سرسري وخصوصا من أعضاء الأجهزة الأمنية أو ممّن كانوا يرتدون الزيتوني يستطيع التعدّي على من يشاء أو أن يفرض رأيه على من يريد ومتى ما يريد خصوصا على المناوئين لهم سياسيا. إذ حينها كان للزيتوني "هيبة" تمنح من يرتديه القوّة في تدمير المقابل بكلمة واحدة لا غير "سب الريس أو سب الحزب والثورة". وكان هذا البعثي السرسري يحسم أي نقاش سياسي معه بكلمتين قائلا "آني بعثي". فهل رحل السرسرية برحيل البعثيين وهل تراجع شعبنا عن "آني شعليه"؟

لا أظن أنّ "آني شعليه" قد رحلت من ذاكرة الناس أو خفّ بريقها برحيل البعث غير المأسوف عليه بل على العكس فأنها ترسّخت في العقل الجمعي كجزء من الثقافة الشعبية التي ترفض حتّى الدفاع عن مصالحها الحياتية اليومية، ولو أستخدمنا قليلا من القسوة في التعبير فأننا نستطيع القول من أن الغالبية العظمى من الجماهير ولأسباب مختلفة جعلت "آني شعليه" مخّدرا تتناوله الى جانب مخّدرات أخرى يبثّها الأعلام السلطوي والميليشياوي لِتُقبِر بها بلدها. والّا هل من المعقول أن يقول العاطل عن العمل والجائع والفقير ومن تدخل المياه الثقيلة بيته ومن لا يجد مدارس لأولاده ومن لا يملك حق الدواء، آني شعليه إن خرجت تظاهرة للدفاع عن مصالحه تلك؟ إن كانت "آني شعليه" عهد البعثيين قد تسبّبت بحروب كارثية وحصار قاس ومجاعة، فإن "آني شعليه" عهد الاسلاميين ستضع البلد بتاريخه وثرواته وشعبه ووحدة ترابه على كف عفريت، هذا إذا لم تكن قد وضعته لليوم.

بعد رحيل البعثيين كنّا نتوقع أن عهد السرسرية قد ذهب بلا رجعة، وإذا بالزيتوني يتحول الى عمامة ومنطق البعثي بتهديده الناس بشتم "الريس والحزب والثورة" يتحول بتهديد العمامة للناس بالحديث عن "المرجع" وشتم الدين. وإذا كنّا عهد البعث نموت من اجل مصالح الناس والوطن ونحن شهداء مقاومون ضد سلطة فاشية ، فأننا في عهد العمامة ونحن ندافع عن الوطن ومصالح الناس مهددون بالموت لكن ككفار لأننا بنظر العمامة نعادي "الدين"! هكذا بكل بساطة عاد البعث من جديد ولكن بلبوس جديد ولينطبق على شعبنا المثل البغدادي المعبّر "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي".

بالأمس دخل مراهق لا يجيد لليوم الف باء الدين ولا الف باء السياسة ليهدد رواد شارع المتنبي بلباسه الزيتوني أو عِمّتِه إذ لا فرق على ما يبدو بين الاثنين اليوم، ليقول وبالحرف الواحد "اليوم دوري أنا معمّم أقضي على العلمانيين وعلى كل من يشّوه الإسلام". فهل ما قاله هذا المعمّم - الزيتوني صحيح؟ نعم أن ما جاء به هذا المعمّم السرسري صحيح كون اليوم في ظل منطق الـ "آني شعليه"هو يومه الحالك السواد. ولكي لا يبتعد هذا المعمّم عن نسخته البعثية الأصلية قال وكما رفاقه الزيتونيين (ولأن انا معمّم عندما أدخل "أفوت" لا احد يتكلم عن المرجع) ليعيد لنا التاريخ من جديد مستبدلا "السيد الريس بالمرجع".

شخصيا لا أرى أية مشكلة في ما طرحه هذا المعمّم الزيتوني من أفكار ورؤى بل المشكلة تكون إن تبنى افكارا ورؤى مغايرة لما جاء به. ولكنني ايضاً أرى المشكلة في قوى وشخصيات لازالت تتوقع أن تقوم المؤسسة الدينية وخرّيجيها من أمثال هذا المعّمم بتبني مطالب المتظاهرين في دولة مدنية تعيد رجال الدين الى بيوت الله وتبعدهم عن السياسة.

وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ... "الإمام علي".


رابط ما جرى من معمّم – زيتوني في شارع المتنبي

https://www.youtube.com/watch?v=sy70kGs5oug



زكي رضا
الدنمارك
13 / 12 / 2015

 

286
هل الخمر سبب بلوى العراق !؟

لا نريد هنا الدخول في جدل بيزنطي حول تحريم الخمر من عدمه وفقا للشريعة الإسلامية أو ما جاء من أحاديث للنبي وجمهرة من الأئمة والمفسّرين ولا الغوص في عمق اللغة العربية لتبيان الفرق بين التحريم الذي جاء كنص واضح بالقرآن في سورة المائدة والإجتناب كما جاء في سورة البقرة، ولأن هذه المسألة لاتهمنا في هذه المقالة مطلقا  كونها لازالت محلّ أجتهاد مرجعيّات أسلامية مختلفة وفقا لقراءاتها الشخصية والأجتماعية والأهم من هاتين الاثنتين هو موقفهم السياسي منها ومدى قربه من رأس السلطة. لكن عدم الخوض في هذه المسألة الفقهية لاتعني عدم تطرقنا الى أمر هام جدا وهو ما نريد أن نصل اليه من خلال مقالتنا هذه، وهو "الامر" المقارنة بين عدد القتلى طيلة التاريخ أو على الاقل التاريخ الاسلامي إثر عركة بين سكارى وعربدتهم في حانة وبين أعداد القتلى والجرحى والأيتام والأرامل والمسبيات إثر حروب طويلة وقاسية بين المسلمين وأعدائهم أو بين المسلمين وعربدتهم فيما بينهم.

لكي لانعود الى العنعنة وفق كتب التراث وروايات من رواها عن السلف الصالح ومدى صحّتها فأننا سنلقي في هذه المقالة نظرة بسيطة حول واقع العراق منذ الاحتلال لليوم، كونه مثبّت في ذاكرة الناس والذاكرة الرقمية التي ستحتفظ بهذا التاريخ الدموي الذي عاناه ويعانيه شعبنا على يد الاحزاب التي تهيمن على السلطة لتنقله الى الأجيال القادمة، كي تتعرف على مرتكبي هذه الجرائم وخلفياتهم الفكرية ولتحملّهم وزر ما سيحصل للعراق بسببهم. وقبل أن ندخل في صلب الموضوع وهو تصريح صاحب توزيع سندات الاراضي كرشوة إنتخابية لصالح "دولة القانون" ورئيس اللجنة القانونية البرلمانية القاضي محمود الحسن الذي قال فيه (عدت اللجنة
القانونية البرلمانية، اليوم الثلاثاء، أن الخمور جزء من "المؤثرات العقلية"، مبينة أنها، أدرجتها ضمن مشروع قانون "المخدرات والمؤثرات العقلية" الذي تعده حالياً مع لجنة الصحة والبيئة النيابية، تمهيداً لمنعها إذا ما تم إقراره من قبل المجلس). وأضاف في تصريحه للمدى برس قائلا  إن "اللجنتين القانونية والصحة والبيئة تشتركان في إعداد مشروع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية"، مشيراً إلى أن "اللجنة القانونية عدت عند مناقشة المشروع، أن الخمر والمسكرات جزء من المؤثرات العقلية والمواد المخدرة، وأصدرت قراراً بوصفها من المواد المحظورة"، وليضيف عضو "دولة القانون" هذا قائلا أن " شمول الخمور بمسودة ذلك القانون جاء
بناءً على اعتبارها من قبل لجنة الصحة والبيئة من المؤثرات العقلية"، مبيناً أن "مجلس النواب إذا ما اعتمد ذلك الرأي وصوت عليه فستكون الخمور ممنوعة قانوناً". أقول وكمدخل للمقال كون اللجنة المعنية لم تستند في تقديمها للمشروع على أسس دينية بل على أسس صحّية بيئية وقانونية بعد دمج الخمر مع المخدّرات، هو البحث عن المعنى القانوني "للمؤثرات العقلية".

تعرّف " إتفاقية الأمم المتحدة للإتجار غير المشروع في المخدّرات والمؤثّرات العقلية لسنة 1988 " المؤثّرات العقلية في المادة واحد "تعاريف" الفقرة "ص" (يقصد بتعبير "المؤثّرات العقلية" أية مادّة، أو أية منتجات طبيعية مدرجة في الجداول الأول والثاني والثالث والرابع من إتفاقية المؤثّرات العقلية لسنة 1971 )، وقد حددت إتفاقية سنة 1971 الموقّعة في21 شباط  بالعاصمة النمساوية المؤثّرات العقلية بـ ( العقاقير ذات التأثير العقلي مثل الأمفيتامينات والباربيتورات والبنزوديازيبينات والمنشطات"، وجاءت هذه الأتفاقية لتعديل قانون المخدّرات لسنة 1961 التي إقتصر نطاقها على المخدّرات مع القنب والكوكا والأفيون، كونها لم تحظر المؤثرات العقلية التي أكتشفت لاحقا. ومن الملاحظ أن القانون الدولي لم يعتبر الخمر من المؤثّرات العقلية لذا لانرى ذكرا له في جميع القوانين التي سنّتها هيئاتها المختلفة.

لاريب من أن على الدولة واجب قانوني لحماية المجتمع من كل ما يضّر به وتنظم ذلك بقوانين تحدد اشكال العقوبات والتدابير من أجل مكافحة الجريمة بكل أشكالها وبغضّ النظر عن شكل الجريمة وثقلها. ولكن الذي يثير العجب هو ترك البرلمانيين "النشامى" التفكير بقوانين على درجّة عالية من الأهمية وترتبط بحياة الناس ومستقبلهم والوطن وما يحيط به من مخاطر وحصر "تفكيرهم" بكيفية منع تداول الخمر!.

لاأدري أيهما أشّد بتأثيره العقلي على المجتمع "الخمر" أم الخطاب الديني وما يحمله من كراهية تجاه الآخر؟ لا أدري أيهما أشّد بتأثيره العقلي على المجتمع "الخمر" أم حرب الطوائف التي طحنت وتطحن مئات آلاف البشر الأبرياء؟ لاأدري أيهما أشّد بتأثيره العقلي على المجتمع "الخمر" أم نهب ثروات البلد من أمثال أعضاء اللجنة القانونية في البرلمان العراقي وباقي الطبقة السياسية؟. إنني هنا لست بصدد الدفاع عن حق المواطن للتمتع بحريته وفقا للقانون والدستور كون الحرية أصبحت حكرا على جهات سياسية معيّنة، ولكن الا يعتقد أصحاب هذا المشروع من أنه يتناقض وماجاء في المادة الثانية الفقرة "ب" من الدستور والتي تنص على أن" لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية" أوليست الحرّية الشخصية جزء لايتجزأ من النظام الديموقراطي!؟، كما وأنّه يخالف قوانين الأمم المتحدة في تعريفها للمؤثّرات العقلية أستنادا الى قوانينها المسّنة.

جاء في التراث أن وهب بن جرير بن حازم، قال: حدثني أبي، قال: و أخبرنا عفان بن مسلم و سعيد بن منصور،  قالا: حدثنا مهدي بن ميمون جميعا، عن محمد بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم، قال: سمعت رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض يكون في ثوبه، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظروا الي هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!! و قد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول للحسن و الحسين: هما ريحاني من الدنيا.

وبعد 1400 عام لازال أهل العراق يحثّون الخطى على نفس الطريق، فتراهم يبحثون عن الخمر وطرق منعه ولا يبحثون عن طرق لمنع تدخلات دول الجوار بشأن بلدهم. يبحثون عن طرق منع الخمر ولا يبحثون عن طرق الحد من الأرهاب والجريمة والفساد والرشوة. يبحثون عن طرق منع الخمر والميليشيات والمافيات والعصابات تعيث بالبلد قتلا وترويعا وأبتزازا، حتّى وصلت الجريمة في أن يُسرق المواطن تحت تهديد السلاح وسط الشارع وفي أوج الزحام. "السيدات والسادة" راجعوا الصحافة لسنوات ما بعد الاحتلال لليوم لنتعرف وإياكم عن عدد حالات القتل التي أرتكبت تحت تأثير الكحول مقارنة مع تلك التي حدثت تحت تأثير الفتاوى الدينية من طرفي المسلمين وأنشروها على الملأ إن كنتم حريصين فعلا على العراقيين وبلدهم .

زكي رضا
الدنمارك
9/12/2015 









 


 
ا


287
نجاح الأربعينية لا تعني أنتصار معركة الإصلاح


قبل قراءة بعض ما جاء في خطبة ممثل المرجعية في كربلاء يوم الجمعة " 4/12/2015 " والتي تركزّت على نجاح زيارة أربعينية الإمام الحسين وإعتبار هذا النجاح إنتصارا في معركة الأصلاح !!، أرى من الضروري العودة الى أول رسالة للوحي والتي بدأت منها رسالة الأسلام وأحاديث النبي محمد حول طلب العلم والعمل والتحلّي بالأخلاق. ولنرى من خلال هذه الثوابت الثلاثة "العلم والعمل والاخلاق" إن كان رأي المرجعية حول نجاح الزيارة في تعزيز معركة الأصلاح ضد الفساد الذي دمّر بلدنا وشعبنا له ما يبرره وفيه شيء من الصواب!؟

بدأ القرآن بكلمة "إقرأ" إذ جاء في الآيات القرآنية (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَق، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَم، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وأختتم النبي محمد رسالته في خطبة الوداع وكانت كلمة الأخلاق هي آخر ما قاله في تجمع واسع للمسلمين "خطبة رسمية" قبل وفاته وتوقف الوحي بعدها عن النزول إذ قال "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وبين أوّل آية بالقرآن وآخر خطبة كان العمل حاضرا في أحاديث النبي محمد وآله وصحبه وكيف لا يكون حاضرا وهو نفسه كان يعمل راعيا قبل أن يتاجر بمال خديجة حتّى زواجه منها.

قال ممثل المرجعية في بعض من خطبته بالصحن الحسيني في معرض وصفه للزيارة الأربعينية "ستكون تأكيدا على انتصار العراقيين في الحرب على عصابات داعش الارهابية وبمعركة الاصلاح ضد الفاسدين"!!. لنترك هنا مسألة الانتصار على داعش كونها مسألة وقت ليس الا على الرغم من أعداد الضحايا والخسائر المادية التي ستسببها من جهة وكونها أصبحت قرارا دوليا خصوصا بعد دخول روسيا كطرف مؤثر وفاعل ضد هذا التنظيم الهمجي، ولنعود الى قوله حول الاربعينية من أنها انتصار بمعركة الاصلاح ضد الفساد!!، ولنتساءل عن ماهيّة الفساد وهل هو أداري فقط أم أنه أعظم وأشمل من هذه النظرة الضيقة التي تحصره في جانب واحد، وهل تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد على بؤس التدريس فيها شكل من أشكال الفساد؟ وهل تعطيل مصالح المواطنين وإغلاق الدوائر والمعامل على قلّتها ولعشرات الأيام "بشكل غير رسمي" شكل من أشكال الفساد!؟

دعونا نتحدث بلغة الأرقام قليلا عن فساد الدراسة وفساد العمل ونحن نستمع الى تصرح السيد رياض نعمة سلمان مسؤول قسم الشعائر والهيئات الحسينية حول أعداد زوار الأربعينية التي وصلت حسب قوله الى أربعين مليون زائر منذ الاول من محرم حتى العشرين من صفر، وكان نصيب زيارة الاربعين لوحدها وفق ما جاء به هو عشرين مليون زائر، ونقارنه بحديث المرجعية لنرى كم هو حجم الفساد الذي حققته الزيارة هذا إذا وافقتنا المرجعية من أن ترك مقاعد الدراسة وأماكن العمل بشكل أو بآخر منذ الواحد من محرّم وحتى العشرين من صفر هو شكل من أخطر أشكال الفساد. ليس كونهما يؤثران سلبا على مستقبل شعب بأكمله من حيث التعليم والبناء فقط بل لأنهما يتعارضان مع ما جاء بالقرآن الكريم من آيات جئنا على ذكرها أعلاه من جهة ومن أحاديث حول طلب العلم وضرورة العمل جاءت على لسان النبي محمد والأمام علي وكثرة من الأئمة والصحابة. لا أدري إن كانت المرجعية تعتبر ترك مقاعد الدراسة يتناقض وما جاء بسورة إقرأ التي كانت اول ما نزل على صدر النبي محمد لأهمية التعليم والحثّ عليه، أمّا العمل وتركه لأشهر سنويا في عراق الزيارات وأهميته في تقدّم الشعوب فأنني لم أجد في التراث الإسلامي ما يختصره ويربطه مباشرة بالدين الإسلامي الا ما جاء به الإمام علي وهو يقول "لَأَنْسُبَنّ الإسلامَ نِسبةً لم يَنسُبْها أَحَدٌ قَبْلي : الإسلامُ هو التّسليم، والتّسليمُ هو اليقين، واليقينُ هو التّصديق، والتّصديقُ هو الإقرار، والإقرارُ هو الأداء، والأداءُ هو العمل".

إذن فالإسلام وفقا لمقولة الامام علي هو العمل ومن ترك عمله ترك إسلامه، فهل العراقيين الذين يتركون أعمالهم ودراستهم شهورا عدّة بالسنة من أجل الزيارات المليونية وغير المليونية والتي بدأت تستنسخ نفسها وتتكاثر بشكل غير طبيعي مسلمين، ولنفرض جدلا من أنهم مسلمون كونهم ولدوا كمسلمين فهل هم مؤمنون بدينهم الذي يحثّهم على العمل والتعليم والتحلي بمكارم الاخلاق!؟

دعونا نعود للغة الأرقام التي تحدثنا عنها قبل قليل ولنسأل المرجعية الدينية عن فساد العلم والعمل إستنادا الى الارقام التي ذكرت بداية المقالة ومدى تأثيرها على واقع التدريس والعمل بالبلاد. دعونا نفترض أن أعداد الزوار من العمال والموظفين والمزارعين هم خمسة مليون زائر فقط من مجموع 15 مليون زائر لوجود 5 مليون زائر أجنبي !!! فكم هي ساعات العمل المهدورة وساعات الدراسة المتوقفة خلال عشرة أيام فقط تبدأ من العاشر من صفر وتنتهي بالعشرين منه. لنتجاوز أيام عاشوراء وما بينها وبين زيارة الاربعين وما بينهما من زيارات وأحتسبنا يوم العمل بسبع ساعات ولعشرة أيام من خلال 5 مليون زائر قادر على العمل، سيكون عدد ساعات العمل المهدورة 350 مليون ساعة عمل ومثلها ساعات الدراسة. لو تمّ تنظيف متر مربع واحد في كل ساعة عمل لنظّف الزائرون ما مجموعه 350 مليون متر مربع أي 350 الف كيلومتر مربع من مساحة العراق !! وأترك للمرجعية تأثير غياب 350 مليون ساعة دراسة لتقيمها بنفسها إن كانت فسادا أم لا؟ علما أنّ هذه الحالة التي حسبنا أرقامها بالحد الادنى تعصف فينا منذ 12 سنة لليوم! والآن هل يستطيع شعب أمي وعاطل عن العمل محاربة الفساد أم سيكون مفصل من أهم مفاصل الفساد الذي تستفيد منه الاحزاب الطائفية المدعومة من المرجعية وبقية الاحزاب المتحاصصة؟

وأشار ممثل المرجعية في قسم آخر من خطبته قائلا "لابد من ان نعبر عن عميق اعتزازنا وتقديرنا شكرنا لجميع الذين كان لهم الدور الفاعل والاساس في انجاح هذه الزيارة ومنهم جموع الفضلاء وطلبة الحوزة العلمية الذين انتشروا في مختلف الطرق المؤدية الى كربلاء لتبليغ المعارف الدينية وارشاد الزائرين".

وطالما ان المرجعية الدينية تطالب بالاصلاح ومحاربة الفساد ، فلماذا لم تطلب من الفضلاء وطلبة الحوزة ومن جموع الزوار التوجه الى الخضراء لمشاركة الواعين من أبناء شعبنا تظاهراتهم ضد الفساد .

وإن كانت هذه الجموع المليونية بزيارتها الاربعينية هي إنتصار للأصلاح ، فلماذا أعداد المتظاهرين ضد الفساد هم بالمئات أو بضعة آلاف في أحسن الأحوال. أن الأعداد القليلة للمتظاهرين مقارنة بالاعداد المليونية للزوار تعني أن هذه الملايين لا يهمّها وطنها قدر مذهبها، وأن حديث المرجعية حول أنتصار الاصلاح بالاعتماد على هذه الجماهير الكسولة التي فقدت كل شيء دون أن يتحرك لها جفن هو حديث في غير محلّه.

أمّا الاخلاق التي كانت آخر ما نطق بها النبي محمد في آخر خطبة له فيجب أن تشمل كل ما هو غير أخلاقي كالكذب والسرقة والرشوة والفساد والخيانة، والمتظاهرين من أجل الاصلاح يتظاهرون ضد الكذّابين والسراق والمرتشين والفاسدين وخونة الوطن وهم ليسو بالملايين بل بضعة آلاف ليس الّا، ولعمري أن من تنطبق عليهم هذه الاوصاف هم من دعوتم الناس لانتخابهم تحت شعار الشمعة التي حرقت عراقنا.

وفي مكان آخر من خطبته قال السيد الكربلائي ان "التزايد المضطرد من اعداد الزائرين من داخل العراق وخارجه لا يتناسب مع ضعف وتواضع ما يقابله من تطور ضروري للخدمات الاساسية للزائرين ومن هنا يتحتم على الجهات المعنية وخاصة في الحكومة الاتحادية المزيد من الاعتناء والاهتمام لتوفير الموارد اللازمة لاقامة مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة ولاسيما في مجال النقل وتوسعة الطرق وانشاء الساحات العامة والمجمعات الصحية وغيرها من الخدمات الضرورية". ونسى السيد الكربلائي أن يضيف هنا أن الشركات التابعة للحوزتين العباسية والحسينية والمرتبطتين بشكل أو بآخر بالمرجعية وباقي الاحزاب الأسلامية جاهزة لانجاز هذه المشاريع لزيادة ملياراتها من قوت الشعب البائس، كون العمل هنا عبادة!!!.

لا أرى في آخر هذه المقالة الأ أستعارة بعض ما جاء في أحدى خطب الأمام علي البليغة وهو يصف أهل العراق حينما قال "يا أشباه الرجال ولا رجال! حُلومُ الأطفال وعقول ربّات الحجال، لَوَدَدتُ أنّي لم أركُم ولم أعرفكم معرفة، معرفة والله جرت ندما وأعقبت سَدَما".

لله دُرّك يا أبا الحسن فها نحن لليوم لا نزال للحق كارهون وللظلم خانعون، نرى الحق فنحيد عنه ونرى الباطل جهارا نهارا فنميل أليه وها نحن نضع عراقنا في مهب ريح صرصر عاتية.

صدقت يا علي وأنت تقول "إذا غضب اللهُ على أمّة غَلت أسعارها وغَلَبَها أشرارُها".

زكي رضا
الدنمارك
6 / 12 / 2015



288
أيها الدعاة أيها المتحاصصون ... لقد بان معدنكم الردي


الأحزاب في الشرق هي ليست كنظيراتها في الغرب، حيث الديموقراطية لحدود بعيدة قد جعلتها ورقة مكشوفة أمام شعوبها، لذا ترى هذه الأحزاب تتسابق بشكل عام لتقديم أفضل البرامج السياسية والأقتصادية والأجتماعية أمام الرأي العام طامعة بصوت الناخب الذي يحسم الصراع الأنتخابي بصوته لصالح الأفضل، والناخب في البلدان الغربية ليس ساذجا ولا يمكن شراء صوته مطلقا كونه يفكر بأمور عدّة قبل وضعه لصوته في صندوق الأنتخاب وأهم هذه الامور هو السعي لمجتمع الرفاهية وأدامته وتطويره بما يعنيه هذا المجتمع من خدمات وفرص عمل وأمن وغيرها، وهذا لا يعني مطلقا أن الأحزاب في الغرب لاتعمل على خداع الناخب بشعارات برّاقة لاتعمل على تنفيذها بعد وصولها الى السلطة، لكن وعي الناخب الغربي سيكون بالمرصاد لهذه الأحزاب في أنتخابات لاحقة ليشهر بوجههم الورقة الحمراء حيث يروا أنفسهم خارج السلطة . أمّا الأحزاب في الشرق ومنه بلدنا العراق ولغياب الديموقراطية فأنها تبقى عصية على الفهم لحدود بعيدة، لأن المواطن لا يبدأ بالتعرف الحقيقي على هذه الاحزاب ومواقفها تجاه الوطن والشعب والعملية السياسية برمّتها الّا بعد وصولها للسلطة، وحينها يكون هذا التعرّف متأخرا جدا كون هذه الأحزاب تعتبر الوطن وثرواته من خلال سلطتها وقفا لها ومن حقّها فرهدته، ومن خلال هذه الفرهدة تعمل على شراء الذمم والاصوات بالمال المنهوب أصلا من خزينة البلاد!!

حتّى أواسط السبعينات كانت الخارطة السياسية العراقية تتشكل بشكل رئيسي من أربعة أحزاب وهي البعث الحاكم حينها والشيوعي والديموقراطي الكردستاني "الپارتي" والدعوة الحاكم اليوم، فهل الجماهير كانت تفهم وتعرف طبيعة هذه الأحزاب في حالة أستلامها السلطة وكيفية التصرّف بها؟ إن الحزب الوحيد الذي عرفته (جربته) الجماهير من هذه الأحزاب الأربعة وهو على رأس السلطة كان حزب البعث الذي أستأثر بكل أمتيازاتها تاركا الفتات منها للآخرين ، وقد أثرى العديد من البعثيين وخصوصا المنحدرين من المحافظات الغربية بشكل فاحش مع أرتفاع أسعار النفط حينها كما خصص المجرم صدام حسين نسبة من مبيعات النفط كحصّة لحزبه الدموي. وكي نكون منصفين أمام التاريخ فأن البعث ولحين أستلام المجرم صدام حسين السلطة وأزاحته لرفيق دربه البكر عنها وعلى الرغم من سوء سياسته الداخلية تجاه معارضيه الّا ان البلد كان يمر بفترة رخاء نسبية، حيث قلّة البطالة ووجود عدد كبير من المصانع والمزارع التي تمتلكها الدولة ونظام صحّي مجّاني جيد لحدود ، مقارنة بدول المنطقة، ونظام تعليمي راق ومحترم ومعترف به دوليا مع ألزامية التعليم ومجانيته، وتوفر خدمات بشكل معقول ومتقدم نوعا ما مقارنة بدول قريبة من العراق. ولأن البعث وزعيمه الأرعن هم من صفة المقامرين فأن شعبنا عرفهم جيدا وهو يهدمون كل شيء من خلال حروبهم الداخلية وقمعهم لقوى المعارضة وتصفيات جسدية حتى برفاق حزبهم والتي كُلّلت بالحرب العراقية الايرانية وبعدها حرب الخليج الثانية والحصار المدمّر ثم أحتلال البلد. وبدأ شعبنا يتعرف على هذا الحزب الدموي حتّى بعد الاحتلال وهو يقود العصابات الارهابية ليكون جزءا من الحرب الطائفية التي تهدد وحدة البلاد.

أمّا الأحزاب الثلاثة الاخرى التي كانت تعارض البعث فكان من الصعب على المواطن معرفة طبيعتها وهي في المعارضة، ولو أستثنينا الحزب الشيوعي كونه لم يصل الى السلطة ولم يكن مؤثرا في قراراتها وسياساتها حتّى وهو ممثلا فيها بوزارتين في عهد البعث الثاني "احداهما كانت وزارة بلا حقيبة" ووزارتين عهدي الدعوة الحاكم وعلى الرغم من عدم توجيه أي إتهام للوزيرين الشيوعيين بأية تهم فساد، فإن معرفة الشيوعيين وحزبهم لن تكون على المحك الا وهم على رأس السلطة وحينها فقط ستستطيع الجماهير معرفة الحزب ومواقفه وسياساته وحرصه على ثروات البلد مقارنة مع الاحزاب الاخرى من تلك التي وصلت الى السلطة، فلنترك هنا الحزب الشيوعي العراقي لهامشية دوره في الحكم ونتحول الى حزبين أحدهما يحكم في أقليم والآخر يحكم البلد ولنرى إن كانا يعملان بعقلية البعث وهو على رأس السلطة أم لا؟

هل البعث هو الحزب الوحيد الذي سخّر من خلال هيمنته على السلطة ثروات البلد لصالحه؟ للأجابة على السؤال علينا التطرق الى موقفي الحزب الديموقراطي الكردستاني والدعوة وهما على رأس السلطة من الثروة والنفوذ ونقارنهما مع موقف البعث، وهذا لا يعني عدم تسخير الأحزاب والمنظمات الشيعية غير حزب الدعوة أو الاحزاب الكوردية غير الديموقراطي الكوردستاني ما يستطيعون تسخيره لمصالحهم، الا ان مقالتنا هذه لا تتناول احزابا ومنظمات لم تكن موجودة على الساحة السياسية قبل العام 1975 .

يلعب الحزب الديموقراطي الكوردستاني دورا محوريا وقياديا في الأقليم منذ العام 1991 وقد سيطر على نسبة كبيرة من الأموال التي دخلت خزينة الأقليم لسنوات طويلة قبل الاحتلال، من خلال ما كان يحصل عليه الأقليم من أموال أو من خلال هيمنته على معبر "إبراهيم الخليل" الحدودي مع تركيا أضافة الى ما كانت تصل الى الاقليم من مساعدات أجنبية وموارد من تهريب النفط. أما بعد الإحتلال فأن الحزب قد هيمن بشكل واضح على نسبة الـ "17%" المخصصة للإقليم من حكومة المركز وفق الدستور إضافة الى ما تحصل عليه حكومة الأقليم من بيعها للنفط المنتج من آبار الإقليم وغيرها من الموارد نتيجة الإستثمارات المختلفة. ولكن الملاحظ من خلال سعة الخلافات السياسية بين الاحزاب المتنفذة هناك أن الحزب الديموقراطي لا يستطيع الخروج عن نفس عقلية الاحزاب في الشرق عموما ومنها البعث حينما تصل الى السلطة، لذا تراها تستأثر بالمال العام والمناصب الحسّاسة وتعمل على رفد مالية حزبها بأموال غير شرعية كما وتعمل جاهدة على إلغاء الحد الأدنى من الديموقراطية أي التبادل السلمي للسلطة، وهذا ما لمسناه مؤخرا من خلال رفض السيد مسعود البارزاني الإلتزام بالدستور بل وذهب الى ابعد من ذلك عندما منع حزبه رئيس البرلمان الكوردستاني من الحضور الى البرلمان لممارسة مهامه وهو المنتخب شرعيا.

أن التظاهرات التي حصلت وتحصل بالإقليم للمطالبة بالرواتب المتأخرة وأصلاح العملية السياسية فيها من خلال إلتزام جميع الاحزاب بالدستور اضافة الى نسبة البطالة التي لا تختلف بشيء عن مثيلتها في باقي المناطق العراقية ، تشير الى أن الحزب الديموقراطي وهو على رأس السلطة غير ذلك الحزب وهو مقارعا للدكتاتورية مدافعا عن حقوق شعبه. فغنى قادة الحزب وعوائلهم ونظرتهم للعملية السياسية والنظام الديموقراطي اليوم تشير الى أن المكاتب قد قتلت الأفكار الثورية وخدمة الشعب أو جعلتها فوق رفّ مهمل ليغطيه الغبار. فهل نظرة المجتمع الكوردستاني للحزب الديموقراطي الكوردستاني هي نفسها قبل وبعد أستلامه السلطة؟ وهل مالية الحزب هي نفسها قبل وبعد أستلامه السلطة؟ وهل غنى قادة الحزب وعوائلهم هي نفسها قبل وبعد إستلامهم السلطة ؟ إن أفضل من يجيب على هذه الأسئلة هم الجماهير الكوردستانية وليس غيرهم.

يعتبر حزب الدعوة الحاكم اليوم الأب الشرعي لجميع الأحزاب والتنظيمات الأسلامية الشيعية من تلك التي ظهرت بعد نجاح الثورة في إيران وقيام الجمهورية الأسلامية الايرانية على أنقاض نظام الشاه فيها، كما وانه لازال الأعلى منها صوتا في البيت الشيعي وترأس ثلاثة من أعضائه أربع وزارات وهي وزارة الجعفري "خرج من الحزب لاحقا" ووزارتين من حصّة المالكي والأخيرة لحيدر العبادي، فهل حقّق الحزب الحد الأدنى من شعاراته بخدمة الشعب والوطن؟ وهل حزب الدعوة الحاكم بثرواته غير المعروفة هو نفس حزب الدعوة قبل وصوله للسلطة؟

منذ اليوم الأول للأحتلال وعودة قادة هذا الحزب الى العراق تبين بما لا يقبل الشك ومن خلال الكثير من الظواهر والتجارب الحيّة من أنه جاء للإنتقام من الشعب والوطن. فأصحاب الأيادي المتوضئة من الدعاة وبقية الأسلاميين من الّذين كانوا يعيشون على المساعدات من قبل هذه الدولة أو تلك، ولم تكن حياتهم كما بقية أقطاب المعارضة الأخرى أثناء نضالهم ضد فاشية البعث سهلة ودون مصاعب خصوصا في إيران وسوريا، نراهم اليوم من أصحاب الملايين إن لم تكن المليارات. فهذه الأحزاب وعلى رأسها الدعوة الحاكم بدأت مسلسل سرقاتها بتهريبها النفط من حقول الجنوب حيث كان لكل حزب ومنظمة أسلامية شيعية رصيف في الموانيء الجنوبية تهرّب من خلاله النفط لحسابها الشخصي، وكان لهذه الأحزاب حصّتها من النفط المباع بشكل رسمي كذلك لعدم وجود عدّادات لقياس النفط المصدّر حتى الأول من تموز عام 2008 بعد أن أكملت شركة بارسونز الأمريكية نصب العدادات من نوع دانيال صنع شركة (إيميرسون بروسيس مانجمينت) الأمريكية"، وفق ما صرّح به المهندس "أحمد جاسب شوكت" مسؤول شعبة العدّادات النفطية في لقاء له مع شبكة الأعلام العراقي، فأين ذهبت المليارات من عائدات بيع النفط دون عدّادات لخمس سنوات هل تبخّرت هي الاخرى كما تبخرت عشرة مليارات دولار من الخزينة مؤخرا!!؟ وهل هذه المليارات "بقچه وضاعت من كنتور" مثلما صرحت رفيقتكم حنان الفتلاوي بعد سرقتكم البنك المركزي العراقي الذي يرأسه دعوي مؤمن من ذوي الأيادي المتوضئة. فإن كان لحزب البعث الذي ناضل الدعاة ضده ، نسبة 5% من قيمة النفط المصدّر "لم يصّدر بعد سنة1991 بشكل رسمي الا عن طريق الامم المتحدة وكانت الاموال تذهب الى صندوق النفط مقابل الغذاء ودفع تعويضات حرب الخليج" ولازال (البعث) لليوم يقاتل بها شعبنا ، فكم يا ترى هي ثروة الدعاة اليوم وكم هي عدد العصابات والمافيات والميليشيات التي يستطيعون تجنيدها بهذه الأموال الطائلة لقتل اكبر عدد من العراقيين في حرب أهلية قادمة حالما تضع الحرب ضد داعش أوزارها !!؟؟

دعونا نطرح سؤالا أمام هذا الحزب الحاقد على العراق والعراقيين حول أهدافه وهو يناضل ضد دكتاتورية البعث وصدام حسين وماذا أنجز منها وهو على قمّة الهرم السياسي ليس في العراق بأكمله بل حتّى في المدن والبلدات الشيعية كونه أثبت وهو على رأس السلطة ويهيمن على المفاصل الحسّاسة فيها من أنه ليس سوى حزبا طائفيا ساهم مع بقية الطائفيين والمتحاصصين بضياع البلد وتشريد شعبه. علما من أنه لم يقدّم شيئا حتّى لأبناء طائفته بل على العكس فأننا نرى المناطق الشيعية من أكثر المناطق العراقية فقرا وبؤسا، عدا بعض المناطق الغربية التي تعيش اليوم حالة بؤس وفقر كبيرين نتيجة إحتلالها من قبل عصابات داعش الإرهابية من جهة وفساد قياداتها وممثليها في برلمان الصدفة من جهة ثانية. ولأن هذا الحزب يقود رسميا بلدا أسمه العراق ولازال هذا البلد موحدا جغرافيا ومعترف به كبلد "مستقل" ذو "سيادة" في المحافل الدولية فلنا الحقّ في أن نقارنه مع سلفه "البعث" لنرى حال العراق والعراقيين في عهده، وهذا لا يعني مطلقا من أن البعث المجرم صاحب المقابر الجماعية والذي أوصل بلدنا الى ما نحن عليه اليوم أفضل من حزب الدعوة الحاكم مطلقا ، ولكن حزب الدعوة هو الاخر بما أرتكبه ويرتكبه من جرائم بحق العراق والعراقيين لا يقل سوءا عن البعث لحدود بعيدة.

كانت المعارضة العراقية ومن ضمنها حزب الدعوة الحاكم اليوم تعيب على صدّام حسين وحزبه الحاكم حينها تقريبه لأفراد عائلته وعشيرته من أبناء وأصهار وأبناء عمومة وخؤولة وقادة حزبيين مقّربين وما يعنيه التقريب هذا من جاه ونفوذ يستخدمان للإثراء غير المشروع، فهل سلك الدعاة وزعيمهم سلوكا مغايرا للبعث وطاغيتهم!؟ خصوصا وأنهم جميعا من الأيادي المتوضئة فهذا راهب الحزب وذاك قائم الليل وذاك حمامة المسجد والاخر إسودّت جبهته من كثرة العبادة والسجود وإذا بهم لصوص من العيار الثقيل لم ينهبوا كما نهب لصوص البعث "نتيجة الفرق الكبير بأسعار النفط" مئات آلاف الدولارات أو بضع ملايين في أحسن الحالات ، بل سرقوا المليارات من قوت الفقراء وهرّبوها الى البنوك الاجنبية وأستثمروا هذه الاموال بمشاريع عديدة في مختلف البلدان.

دعونا نقارن حال المدارس والجامعات من حيث الأبنية والأدارة ومستوى التعليم فيها عهد الطغاة وبين حالها عهد الدعاة، ولنتساءل بصدق إن كانت هناك مدارس بالهواء الطلق عهد الطغاة كما هي اليوم عهد الدعاة؟ دعونا نتساءل عن ترتيب الجامعات والمعاهد العراقية بين العهدين دوليا؟ دعونا نرى نسبة الشهادات الدراسية والجامعية المزورة بين العهدين؟ دعونا نسأل عن مجانية وإلزامية التعليم بين العهدين وهل هي موجودة أصلا في بلد يقوده حزب كالدعوة ووصلت ميزانيته لما يقارب الـ " 150 " مليار دولار لسنة 2014 وهي الأعلى في تاريخ العراق. من يريد أن يبني بلدا عليه أيلاء الإهتمام بالتعليم أيها الدعاة فكم هي نسبة التسرب من المدارس نتيجة الفقر وكم هي أعداد المدارس الآيلة للسقوط أو مدارس الطين أو مدارس الهواء الطلق!!، بالمناسبة هل نستطيع أن نسأل الخزاعي المؤمن التقي والورع عن المدارس الهيكلية وما مصير مئات ملايين الدولارات التي خصصت لها أم إنكم قد بعتم حتى الهياكل لتضيفوها الى حساباتكم المصرفية؟ دعونا نتساءل عن واقع القطّاع الصحي وحال المستشفيات بالبلد وطريقة العلاج من حيث توفر الادوية والأجهزة والكادر مقارنة مع عهد البعث المجرم، دعونا نتساءل عن عدد الأطباء الذين قتلتهم أو طالبتهم العشائر "بفصلية" بين العهدين، ميزانيتكم فلكية فلماذا هناك شحّة في الادوية ويباع الفاسد منها على قارعة الطريق!؟

في عهد الطغاة كان هناك أنتاج زراعي لم يصل في أدنى حالاته ومستوياته الى الناتج الزراعي عهد الدعاة فهل الأرض عهدهم "عوجه" فقلّ الأنتاج أم أن هناك سوء إدارة وعدم أيلاء أي إهتمام وبشكل متعمد من قبل "الدولة" تجاه هذا القطّاع الحيوي، أيعقل أن مئات مليارات الدولارات دخلت خزينة البلد ولم نستطع إعادة الحياة لعشرات آلاف البساتين وغابات النخيل التي تموت يوميا نتيجة الأمراض وعدم توفر علاجاتها نتيجة غلاء أسعارها مما لا تتحمله كواهل الفلاحين، أيها الدعاة أننا نستورد حتّى الخضار!! أما الصناعة ومعامل الدولة التي بنتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة لليوم فأنها في طريقها الى الزوال نتيجة الخصخصة ومن سيشتريها غير قططكم السمان من مافيات حزبكم ورفاقكم من الاحزاب الاسلامية وباقي المتحاصصين كلا حسب نسبته ومنطقته.

بالله عليكم أيها الدعاة هل أستخدم الطغاة مطارا حكوميا كمقر لحزبهم كما تستخدمون أنتم مطار المثنى وكم تدفعون بدل أيجار للدولة؟ 400.000 دينار عراقي سنويا أي ما يوازي أيجاراً شهرياً لبيت صغير في منطقة شعبية !! أهذا ما تعلمتموه من آل البيت، سرقة الوطن والناس!؟ وهل كانت للبعث فضائية كما أنتم ؟ كان للطاغية أبنين أستهترا بمقدّرات العراق والعراقيين ولطاغيتكم أبنا "يعادل" عشرة من أبنيّ الطاغية السابق سرقة ونهبا وبطولة ، هل تتذكرون بطولاته "حمودي" في المنطقة الخضراء؟ كان للطاغية صهرين هما حسين وصدام كامل ، زوجيّ رغد وحلا وكانا في مناصب حساسة جدا في الدولة قبل مقتلهما ، وأستبدلهم العراقيون اليوم بصهرين لزعيمكم نوري المالكي هما حسين المالكي وياسر المالكي زوجيّ أسراء وحوراء المالكي وهما اليوم أعضاء بالبرلمان العراقي ومن أصحاب المليارات، فما الفرق بين طاغيتكم وطاغية البعث ، كان سابقا الطغاة تكارتة واليوم من بني مالك؟

إن سياستكم الطائفية ورعايتكم للعديد من الميليشيات المسلّحة ونزاعاتكم المستمرة فيما بينكم من جهة وبين حلفائكم في البيت الشيعي من جهة ثانية وبين ممثلي المكون السني من جهة ثالثة وبين الكورد من جهة رابعة، وعدم التوازن السياسي في علاقاتكم مع الدول الاقليمية والاجنبية وفشلكم في أهم الملّفات التي كانت تحت أياديكم خلال سنوات حكمكم الكارثية، كملف النفط والأمن والكهرباء، إضافة الى فشلكم الكبير في ملفات الخدمات والصحة والتعليم ، وإنهيار البنى التحتية وعدم تجديدها أو أدامتها، وأحتلال العصابات الارهابية لثلث مساحة البلد عهد حكمكم الكارثي وفقدان الدولة لسيادتها وهيبتها. تشير بمجموعها وغيرها من الكوارث التي حلّت في عهدكم الأسلامي الاسود من أن معدنكم الردي قد بان وأنتم على رأس السلطة وانكم على ما يبدو لديكم مع العراق والعراقيين ثأرا تريدون تحقيقه ، فهل حزبكم اليوم وأنتم على رأس السلطة هو نفسه وانتم في المعارضة من الناحية السياسية والثروات وهل موقفكم من العراق وشعبه هو نفسه حينما كنتم في المعارضة؟ لم يهدد حزبا وحدة البلاد الجغرافية وأذلّ شعبه كما البعث وأنتم، ولم تكن أوضاع العراق على مرّ تأريخه المعاصر بهذا السوء كما عهدكم الأسود، ولم تعاني البلاد من التدخلات الأقليمية والدولية وأنهيار حدودها بهذا الشكل المرعب الّا في عهدكم، في عهدكم الكارثي جفّ كل شيء، الأرض والأنهار والضمائر والآثار والتراث والثروة والكرامة ، ونما في عهدكم الخوف من الموت اليومي والرشوة والمحسوبية والفساد والجهل والتخلف والقتل على الهوية والأمراض والأمية واليتم والعوز، لقد أثبتت فترة حكمكم من أنكم لستم أقل من البعثيين رعونة وأستهتارا بحياة شعبنا ووطننا.


إن التاريخ شئنا أم أبينا سيقارن بين عهود العراق في عصره الحديث لا محالة وحينها يعرف الناس الفرق بين عهدكم ذو الميزانيات الفلكية والفقر المدقع والدمار الهائل وأنهيار الروح الوطنية والنسيج الاجتماعي الممّزق وبين العهد الملكي وعهد ثورة تموز والبعث الاول والعارفين والبعث الثاني وسيعطي لكل ذي حقّ حقّه.

أيها الدعاة الفاشلون لقد حولتم ورفاقكم المتحاصصين العراق الى اكثر دول العالم فشلا ، الا شاهت وجوهكم.



زكي رضا
الدنمارك
1/12/2015
 



289
هل ستدعو المرجعية الزوار بالتوجه للخضراء بعد الزيارة؟


لقد أكّدت المرجعية الدينية بالنجف الأشرف مرار على أن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب وبالتالي فإن المعركة ضد الفساد لا تختلف بشيء عن المعركة ضد الإرهاب. وقد أثبتت كل الأحداث التي تمر بالبلد على صحّة هذا الموقف الذي لم تكن المرجعية الدينية هي الوحيدة بالوصول إليه، بل سبقها الكثيرون من قوى مدنية وأحزاب ومثقفين وكتّاب من الذّين تهمّهم مصلحة بلادهم وشعبهم ويعملون جاهدين على إنهاء الأوضاع الإستثنائية التي وصلت الى مديات تهدد وحدة البلاد ومستقبلها. ولكن والحق يقال فإن أصوات هذه القوى والأحزاب ونتيجة لهيمنة الخطاب الديني الطائفي على المشهد السياسي رجحت  صوت المرجعية الدينية بالنجف الأشرف على أية أصوات أخرى، فهذه المرجعية هي التي ساهمت مساهمة فعّالة في كتابة دستور طائفي مريض كان ولا يزال السبب الأساسي في كل هذا الخراب الذي نعيشه، كما وأنها كانت سببا أساسيا من جملة أسباب في هيمنة الاحزاب الطائفية الشيعية على السلطة بعد مباركتها لقوائمها الأنتخابية في أوّل إنتخابات "ديموقراطية" جرت بالبلد وما جنته هذه الأحزاب نتيجة فسادها وسرقتها للمال العام من إمتيازات وأموال طائلة أشترت بها ذمم الناخبين في الإنتخابات التي تلتها والتي بعدها بتوزيعها ما خفّ حمله ورخص ثمنه للناخبين الّذين ساروا على نهج المرجعية في تأييدهم لهؤلاء الساسة اللصوص.

هنا قد يقول البعض من أن المرجعية الدينية لا سلطة لها على المواطن الشيعي ولا على القرار السياسي وأن دورها يقتصر على الرشد والنصيحة، فهل ما يقوله هذا البعض له أساس من الصحةّ!؟ أن توجه الطبقة السياسية الحاكمة الى المرجعية وزيارتها بالنجف الأشرف في كل منعطف سياسي يثبت بما لا يشوبه الشك من إن للمرجعية دورا واضحا ومركزيا في بلد يراد له أن يسير بخطى مدروسة نحو الأسلمة، وللتاريخ فأن هناك قوى أخرى تقف على الضفّة المقابلة تعمل دوما على زجّ أسم المرجعية ومطالبتها في أن تتخذ موقفا يتوائم وحاجة الناس ومن هذه القوى من هو مدني وديموقراطي بل وحتّى يساري ، وبذلك فأن هذه القوى تقف من حيث تدري ولا تدري الى جانب الأستراتيجية بعيدة المدى لأسلمة المجتمع التي تعمل قوى الأسلام السياسي على جعله أمرا واقعا في بلد يئن من سياسة المحاصصة والأرهاب والفساد!

لقد طالب اليوم الجمعة " 27/11/2015" خطيب جمعة كربلاء وممثل المرجعية في خطبته من الصحن الحسيني المقاتلين " الجيش والحشد الشعبي والشرطة وغيرهم" بعدم تركهم لمواقعهم على جبهات القتال ضد عصابات داعش الإرهابية للتوجه للزيارة الأربعينية، وأننا نجزم هنا من أن هذا الموقف هو عين الصواب وهو ما نحتاجه فعلا في هذه الأيام العصيبة والتي نتمنى أن تنتهي بأنتصار قواتنا المسلحة على هذه العصابات الهمجية. لكن طلب المرجعية هنا لا يحتمل الّا إحتمالان لا ثالث لهما، أولهما أن لا تصغي هذه القوات أو الغالبية منها الى هذا النداء العقلاني وتترك مواقعها لتشارك جموع الزائرين في أربعينية الأمام الحسين، وهنا يكون كل ما ذكرناه عن تدخل المرجعية بالشأن السياسي وأنصياع الجماهير لها أضغاث أحلام وليس لها ما يثبتها على أرض الواقع. أو، وهو الأحتمال الثاني أن تلتزم هذه القوات بنداء المرجعية وتبقى مرابطة على خطوط القتال ضد عصابات داعش، وهذا الاحتمال يعني أن ما أستنتجناه من سيطرة المرجعية على الشارع وتحريكه لصالح قوى تزكّيها هو أمر صحيح وهذا ما رأيناه ولمسناه منذ الاحتلال لليوم.

ولأن الأحتمال الثاني هو الأقرب للواقع، ولأن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب، ولأن الجماهير الواعية من شعبنا هي التي تتظاهر أسبوعيا ومنذ ما يقارب الأربعة أشهر ضد هذا الفساد. فلماذا لا تقوم المرجعية الدينية وهي التي وقفت الى جانب المتظاهرين ومطالبهم  بمحاربة الفساد كما تدّعي بتوجيه الجماهير المليونية التي تتقاطر على مدينة كربلاء هذه الأيام بالتوجه الى بغداد لمشاركة أبناء شعبنا في تظاهراتهم بعد أنتهاء الزيارة، هل هناك فرصة أفضل لتحشيد هذه الأعداد المليونية والمتضررة من سياسات الحكومة في جميع الملفّات لمثل هذه الفعّالية؟ أن ألتزام الجماهير بنداء المرجعية في حال إطلاقه وتحركها لبغداد يعني أن للمرجعية ثقلا حقيقيا على الناس، وعدم توجه هذه الجماهير لندائها تشير الى أن لا دور ملموس للمرجعية وهذا يدفعنا للمطالبة من السياسيين على الأقل من غير سياسيي الاحزاب الاسلامية بالكف عن أقحام أسم المرجعية بكل شاردة وواردة في المشهد السياسي. كما وان عدم أصدار مثل هذا النداء " توجه المتظاهرين نحو بغداد" تعني أن موقف المرجعية في محاربة الفساد أمر مشكوك فيه.

السيد السيستاني، أن الإمام علي بن أبي طالب يصف معاوية بن أبي سفيان في مواقع عدّة من نهج البلاغة على أنه "معاوية" (من أهل المكر والغدر، وأولي الجور والظلم، وأَكَلَةِ الرشا، المشترين الغادر الفاسق بأموال الناس، الذين سفهوا الحق وأختاروا الباطل، والذين لو ولّو الناس لأظهروا فيهم الغضب والفخر والتسلط والجبروت والفساد في الأرض)، وقسما بدموع أيتام العراق وثكالاه وجوع الفقراء وأموالنا المنهوبة ووطننا المستباح، أن ساسة الخضراء مكّارون غدّارون جاروا ويجيرون على الناس وأنهم لذوي ظلم عظيم، آكلة الرشا من الذين  أشتروا الفاسقين الغادرين بأموال الأيتام والفقراء، لقد ولّوا علينا بفتواكم وها هي بلادنا تمور بالفساد والظلم والطغيان.

شر الناس إمام جائر ضَلّ وضُلّ به " الإمام علي" 

زكي رضا
الدنمارك
27/11/2015
   

   

290
يد العبادي مغلولة إلى عنقه

عادة ما يكون لأية حكومة برنامج عمل تعمل على تنفيذه خلال سنوات حكومتها، والحكومة الناجحة هي من تنفذ الجزء الأكبر من برنامجها وفق خطط مدروسة وتبعا لسعة ذلك البرنامج والأمكانيات المادّية والبشرية التي تعمل على تذليل الصعوبات التي تواجهها. ولو أخذنا جميع حكومات ما بعد الأحتلال كمثال لرأينا أنها كانت بلا برامج وإن طرحت برامج عمل فأنها غالبا لم تستطع تنفيذها أو لم ترد تنفيذها لأسباب متعلقة بصراعات الكتل المهيمنة والصراعات الحزبية داخل نفس الكتل وأستشراء الفساد في جميع " مؤسسات" الدولة. هذا الفساد الذي أبتلع خلال فترة وزارتي حزب الدعوة السابقتين بزعامة المالكي مبالغا فلكية تقدر بأكثر من سبعمائة مليار دولار، دون أن نلمس أية عملية بناء خلال ثمان سنوات، بل رأينا تراجعا مريعا في الخدمات والأمن ما نتج عنه بالنهاية ضياع ثلث مساحة البلد وسقوطه بيد عصابات داعش الإرهابية.

بعد "فوز" المالكي بالإنتخابات الأخيرة وبغض النظر عن الطريقة التي فاز بها فأنه ولأسباب مختلفة أهمها الصراعات الحزبية داخل التحالف الشيعي "الوطني" ووجود فيتو كوردي وسني أنتخب السيد حيدر العبادي رئيسا للوزراء خلفا له. وكما سلفه فإن العبادي لم يطرح برنامجا واضحا كون الخزينة خاوية والفساد ينخر "مؤسسات الدولة" وأصابع القائد الضرورة في كل مكان من تلك "المؤسسات" والإرهاب يفتك بالمواطنين والبلد ، ما دعاه "العبادي" وتحت ضغط الشارع وبعد تدخل المرجعية الدينية لاحقا الى رفع راية الإصلاح، كرأس حربة لمحاربة الفساد وإعادة ما بقي من هيبة للدولة التي حولها سلفه الى دولة ميليشيات ومافيات. فهل العبادي قادر على الإصلاح وما هي أدواته؟

إن كان العبادي يعوّل على الإصلاح من خلال قنوات البرلمان والقضاء فأنه كمن يحرث في الهواء كون هاتين المؤسستين هما أصل الفساد الذي ضيّع الثروة الوطنية. لذا فأن طريقه نحو الإصلاح إن كان جادا فيه يمر بطريق آخر غير طريق هاتين المؤسستين الفاسدتين، ولكن هذا الطريق بحاجة الى حلفاء قادرين على أسناده وهو يخوض معركة ليست بالسهلة أمام حيتان حزبه وكتلته وتحالفه وكذلك أمام الفاسدين من القوى السياسية التي تشكل حكومته، فهل توفر للعبادي أمثال هؤلاء الحلفاء؟

بعد أن بدأت تظاهرات شعبنا قبل أسابيع وبعد أن تدخلت المرجعية الدينية الى جانب هذه الجماهير وهي تتظاهر بشكل سلمي مطالبة بـ " خبز .. حرية .. دولة مدنية" ووقفت بكل ثقلها الى جانب العبادي وهو يرفع راية الإصلاح، توقع الكثير إستغلال العبادي هذه الظروف وتراجع حيتان ومجرمي الفساد مؤقتا أمام ضغط الجماهير للبدء بحملة إصلاحات واسعة تعطي له مصداقية وللجماهير أملا بالتغيير الحقيقي، ولكننا وبعد كل هذه الأسابيع نرى إن يد العبادي مغلولة الى عنقه فلا يستطيع أن يبسطها ليعمل بها إنما بقيت أسيرة حزبه ليكون ظلا باهتا للمالكي وسياسيا فاشلا فرّط بأفضل فرصة منحت لسياسي منذ الإحتلال لليوم.

إن العبادي الذي رفع راية الإصلاح بيد نراه يرفع الهراوة باليد الاخرى ليس لضرب الفاسدين بل لضرب أنصار الإصلاح الّذين يتظاهرون أسبوعيا وبشكل سلمي لتعزيز مواقعه هو وليس غيره لكي ينفذ "برنامجه الإصلاحي" الذي سمعنا جعجعته دون أن نرى طحينه. إن إعتقال المتظاهرين ونشطاء الحركات الاحتجاجية السلمية وضربهم وأستخدام أخس الممارسات الاخلاقية التي ورثها الدعاة من البعثيين الطغاة كما جرى اليوم أمام مجلس النواب وبعد حصولهم على الموافقات الاصولية ، تشير الى أن العبادي غير جاد بسياسة الإصلاحات وهو كغيره من أبناء حزبه والطاقم السياسي الفاسد المهيمن على السلطة منذ الاحتلال لليوم يعمل باللعب على عامل الوقت لأمتصاص غضب الجماهير التي تتظاهر أسبوعيا.

إن من يريد الإصلاح أيها السيد العبادي لا يقمع ويعتقل حلفائه وظهيره السياسي بل ينزل معهم الى ساحات التظاهر بنفسه. جرّب وشارك المتظاهرين يوم الجمعة القادمة تظاهراتهم تحت نصب الحرية لترى الجماهير تشكل أسواراً لحمايتك من بطش رفاقك في حزب الدعوة الفاسد ولتبدأ بعدها عملية الإصلاح وأنقاذ الوطن، لن يمنحك التاريخ أكثر من فرصة واحدة وها هي أمامك فأستغلها كي لا تجلس بعدها ملوما محسورا.

ما أغلى الوطن على القلوب الطيّبة المنبت ... "فولتير"

 
زكي رضا
الدنمارك
18/11/2015


291
أيها الدعاة من سرق أموال العراق إذن ؟


أنه لأمر طبيعي أن يخرج لنا حزب الدعاة الناهبين لثروات البلد والمعرّضين وحدته للخطر بتصريح صحفي ورد على لسان أحد رموز الفساد الكبيرة من قيادييه وهو "صلاح عبد الرزاق" محافظ بغداد السابق، والذي كما كان متوقعا أبدى تأييد حزبه القائد وأئتلاف ما يسمى "بدولة القانون" للإجراءت القانونية التي سيتخذّها القضاء العراقي بحق الذين وردت أسمائهم في الوثائق التي سلّمها الراحل "أحمد الچلبي" الى رئيس مؤسسة المدى السيد "فخري كريم" والذي سلّم بدوره نسخة منها الى القضاء لمتابعة الأمر.
 
وكما في أي ملف للفساد لم يكشف لليوم وظلّ أصحابه أحرارا فأن الحزب الحاكم وضع في هذا التصريح شروطا أمام القضاء بعد أن أشار الى أن أصل البلاغ والوثائق نفسها "غير كافية"!! وكأن "الچلبي" وهو رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب والقريب جدا من مراكز إتخاذ القرار والذي يستطيع بحكم مركزه واللجنة التي يرأسها من الوصول الى وثائق سرية غاية بالأهمية قد أستوردها من الخارج!! ومن هذه الشروط إجراء تحقيقات واسعة وشهود، ولأن القضاء العراقي فاسد "يديره حزب الدعوة الحاكم" وهو نفسه الذي تطالب الجماهير بإصلاحه كما المرجعية الدينية ولأن رئيسه "مدحت المحمود" الذي يؤيد بقاءه في منصبه حزب الدعوة و "دولة القانون" والميليشيات المرتبطة بهما، فأن عملية حرف التحقيقات لصالح المتَّهمين أو إغلاق التحقيق بعد فترة لعدم كفاية الأدلة أمرا واردا وممكنا جدا وهو الذي من المتوقع ان يحصل لاحقا. أما الشهود وإحضارهم للإدلاء بشهاداتهم فأمرهم في عرف لصوص ميليشياويين كما أعضاء حزب الدعوة الحاكم ، سهل جدا ولا يخرج عن إحتمالين إثنين أولهما : شراء الشهود وثانيهما : "كاتم الصوت"، ويبقى الاحتمالان الاخيران غير قائمين كون حزب الدعوة قد يحسم أمر ملفّات الفساد التي طالت بعض أعضاء إئتلافه العاملين لصالح رؤوس كبيرة جدا داخل الحزب والمتهمين بغسيل وتهريب أموال طائلة خارج البلد حال وصول الملفّات الاولى للتحقيقات الى مجلس القضاء الأعلى ورئيسه الفاسد "مدحت المحمود".
 
أن إثبات الفساد أو سرقة المال العام صعب جدا أمام  حزب الدعوة الحاكم كونه حزبا إسلاميا يؤمن بالشهود العدول. فلو أخذنا الزنا وهو شكل من أشكال الفساد فأنه بحاجة الى شهود عدول أربع، وحتّى لو كان هناك شهود عند حدوث واقعة الزنا، وحتّى لو رأوا هؤلاء الشهود الواقعة على بعد أمتار من مسرح العملية فأن شهاداتهم تبقى ناقصة كونهم لم يروا "الميل يلج في المكحلة". فمن أين نأتي أيها الدعاة بشهود على سرقاتكم وأبوابكم مغلقة وتقف عندها ميليشيات مدججة بكواتم الصوت، ولو جئنا فرضا بشهود فكيف يشهدون بولوج ميلكم في مكحلة "خزائن" العراق التي نهبتموها وهل سيخرجوا سالمين من قاعة محكمة "مدحت المحمود"؟ 
 
إن وثائق "الچلبي" ليست أحسن حظّا من أية وثائق سابقة أو لاحقة، فطالما القضاء فاسد والميليشيات تتحكم بالشارع والاحزاب الاسلامية لم تروي غليلها بعد في إذلال العراق والعراقيين، وطالما الشعب العراقي شعاره هو "آني شعليه" فإن السرقات ستستمر الى حين ترك العراق بقايا بلد.
 
لا حل في محاربة طاعون حزب الدعوة الحاكم وباقي أحزاب المحاصصة الا بتحويل المتظاهرين تظاهراتهم الى إعتصامات في بغداد وبقية المحافظات كما الشعب المصري، الذي كشف لعبة الاسلاميين ومن ورائهم المخابرات الأمريكية وأنقلب عليهم برجولة.

أيها الدعاة أين أموال العراق ومن سرقها إذن ؟
 
زكي رضا
الدنمارك
10/11/2015


292

الحسين قيمة .. وليس قيمة*!


يبدو العنوان محيّرا بعض الشيء خصوصا لكثرة من غير العراقيين الذين سيصابون بالدهشة من معنى القيمة والقيمة، ولكن بالنسبة للعراقيين فإن العنوان يبدو مفهوما، ومع ذلك فسأحاول وقبل أن أسترسل بالمقالة أن أعود الى "العم غوغول" لأشرح معنى القيمة الأولى على أن تكون للقيمة الثانية مكانها لاحقا كونها لبّ الموضوع الذي سنتناوله من خلال المقالة هذه.

جاء في اللغة أن " قيمة الشئ هي قدره، وقيمة المتاع ثمنه. يقال : قيمة المرء ما يحسنه، وما لفلان قيمة، أي ما له ثبات ودوام على الأمر". كما ويطلق لفظ القيمة في علم الاخلاق على " ما يدل عليه لفظ الخير، بحيث تكون قيمة الفعل تابعة لما يتضمنه من خيرية.  فكلما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغائية للخير أكمل، كانت قيمة الفعل أكبر، وتسمى الصور الغائية المرتسمة على صفحات الذهن بالقيم المثالية، وهي الأصل الذي تبنى عليه أحكام القيم، أي الأحكام الشيئية التي تأمر بالفعل أو بالترك".  وللقيمة تعريفات متعددة منها " إنها كلمة متواطئة الدلالة، تختلف باختلاف موضوعاتها التي تتوزع بين القيمة اليومية المرتبطة بالوعي العادي العام المشترك، والقيمة العلمية المتعلقة بالتفكير العلمي الوضعي، والقيمة الفلسفية المرتبطة بالفعل الفلسفي وميتافيزيقاه"، أما على المستوى السلوكي فإن القيمة " هي مقياساً لضبط الأفعال الخيّرة، كالكرم والتضحية والبذل وذم الأفعال الذميمة كالأثرة والجشع والقسوة والعنف .. إلخ".

لو فتّشنا عن الحسين كقيمة وفق ما ذكرناه أعلاه فأين يمكننا أن نجده؟ هل في الخير كون أفعاله نابعة ممّا يدعو اليه من خير؟ أم قيمته من خلال الوعي الذي نملكه اليوم والذي علينا أن نقيسه فيه من خلال القيم الفلسفية لحياته وموته؟ أم من خلال قيمته السلوكية وهو يضحي  من أجل مبادءه التي آمن بها لأسباب شتّى؟ أم نحدد قيمته من أحاديثه وأقواله وخصوصا تلك التي قالها وهو ينظر الى الموت زاحفا نحوه من كل جهة؟

من خلال معنى القيمة واستخداماتها فأن نظرتي الى الحسين كقيمة سلوكية وإنسانية وفلسفية ومبدئية من خلال أيمانه هو بما مات من أجله، تختلف إختلافا كليا عن نظرة  البكاّئين عليه والمطّبرين والمطّيّنين وأولئك الذين يرونه ضعيفا فيبكون كالثكالى عليه وعلى آله وأصحابه؟ ونظرتي إليه هنا تتقاطع كليا مع ما يراه فيه شيعته عموما وشيعة العراق على وجه الخصوص. كوني أريد أن أرى الحسين من خلال الإمام علي وليس كشيعته الذين يريدون رؤيته من خلال بني أمية، وأريد أيضا أن أراه بعين المظلومين وليس بعين الظَلَمَة، وأتعجب بنفس الوقت أن لماذا يصر شيعته أن يروه ضعيفا فيبكونه على الدوام ويرفضون شموخه أمام عنت الحكّام فيبجّلونه!!؟ لماذا يريدون تصغير كل القيم التي جاء بها بل وقتلها من أجل مصالح دنيوية إن كانوا مؤمنين حقّا بالحسين!.

لقد خرج الحسين من الحجاز الى الكوفة بعد أن بايعته شيعة أبيه وأرسلت اليه مئات ويقال آلاف رسائل البيعة قبل أن تغدر به وتتناوشه بسيوفها. وفي مثل هذه الأيام تبكيه وتردد مقولة " يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما" فهل يعرف شيعته أن لماذا خرج الحسين الى الكوفة، وما هو الفوز العظيم؟ الفوز العظيم ليست الشهادة كما يرددّه الروزه خونيه وإن كانوا من كبار رجال الطائفة، كون  الحسين قال " (وأعلموا أني لم أخرج إشرا ولا بطراً ولا مفسداً ولاظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي " وهذا يعني عدم خروجه ليقتل شهيدا مطلقا. ومن خلال صرخته هذه أريد أن اضع شيعة العراق القابلين بالظلم أمام خيارين اثنين لا أظن أنّ هناك غيرهما، هل انتم مع الحسين في صرخته، أم مع الدجل الكهنوتي الذي حوّل الحسين الى تجارة رابحة بعد تحويله "الحسين" الى أفيون ليخدّركم من أجل مصالحه؟ أو تريدون يا شيعة العراق حقّا أن تفوزوا فوزا عظيما، ففتّشوا إذن عن قيمة الحسين بل قيمه التي نادى بها وخرج من أجلها وأنظروا الى أنفسكم وواقعكم المزري لترو أين أنتم منه.

"لم أخرج مفسدا ولا ظالما" هذا ما قاله الحسين في صرخته الكربلائية تلك، وهو نفسه قال حينما إقتربت منه سيوف القوم " فان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخشون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم"، لنجعل هاتين المقولتين مدخلا للمقالة ولنرى إن كان للحسين عند شيعة العراق المتضورين جوعا والبائسين والمسروقين بثرواتهم والعاطلين عن العمل والفاقدين للخدمات والمدارس والمستشفيات والذين أصبحوا وقودا لطائفية أحزابهم الشيعية ومؤسساتهم الدينية، أقول إن كان للحسين بنظرهم قيمة؟ وإن كانت له قيمة فأي من القيمتين هو؟

الحسين خرج مثلما صرخ وهو يقف ينتظر موته على يد شيعته العراقيين وبزعامة أمويّة ضد الفساد والظلم ولعمري فإن فساد الأحزاب الشيعية وظلمها ومن خلفها عمائمها لهو أشّد وقعا على العراق اليوم من فساد بني أمية. ولو ظهر الحسين اليوم  ليرى بؤس الرعية لأستهانت عليه رماح وسيوف وسهام قاتليه ولبكى حال العراقيين ووطنهم.

إن الفساد والظلم الّذي يلف العراق اليوم بحاجة الى حسين جديد كونه "الفساد" أمّوي الهوية، إستأثر فرسانه من عمائم وساسة بالمال العام وسرقوا ونهبوا وأجاعوا الناس وباعوا الوطن. أنهم ليسو سوى طغاة، القضاء عندهم فاسد ومرتشي ولديهم العديد من أجهزة القمع وجيوش من المافيا والعصابات التي يهددون بها الأبرياء، ولكنهم والحق يقال يصلّون ويذهبون الى الحسينيات ويلطمون صدورهم ويزينون قباب علي والحسين بالذهب والفضّة!! هل عليّا والحسين بحاجة الى الذهب والفضّة!!؟

منذ أسابيع وهناك أحرارا خرجوا الى ساحات العراق متظاهرين ضد الفساد والظلم الذي أشار اليهما الحسين وخرج من أجلهما، هؤلاء المتظاهرين إن لم يكن لهم دين كما تردد زورا الكثير من عمائم الفسق الا أنهم ووفقا لصرخة الحسين أحرارا كونهم خرجوا ضد ظلم وفساد العمائم هذه وأحزابها، إذن فهم حسينيون بالمعنى المجازي كونهم رأو الحسين من خلال إضطهاد شعبهم وخراب وطنهم، وهم وإن كانوا بالآلاف لخير من الملايين التي تنظر اليه من خلال الظالم فتراه مشروع للقتل والسبي والسلب لذا تراها تقف مع السلطة "العمامة" الزور لقتله وسبي نسائه وسلبه حتّى ملابسه، والحسين المقتول والمسبي والمسلوب اليوم ، هو العراق، والقاتل هم بنو أمّية الخضراء.

أتعجب لمن يقول "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما"، ها هي ساحة التحرير وبقية ساحات التحرير أمامكم إن كنتم صادقين، ها هم الفقراء والأرامل والايتام يملئون جنبات البلاد والّذين من أجلهم قُتل علي والحسين، فلماذا إذن لاتكونوا فيها ضد لصوص الخضراء من عمائم وأفندية لتفوزوا فوزا عظيما!؟ إن لم تكونوا من شيعة الحسين فكونوا على الأقل أحرارا في دنياكم. الا تحرك فيكم دمعة يتيم وصرخة ثكلى وبكاء رجل عاجز عن إعالة أسرته شيء من الكرامة عليهم والتي قتل الحسين وهو يدافع عنها بإباء، الا تحرك فيكم ضحكات اللصوص والقتلة في الخضراء وقهقهاتهم وهم ينهبونكم ويسرقونكم شيئ من الشهامة، أدكّة موتى أنتم؟

من يعشق الحسين لايبكيه كالثكالى بل يسير على نهجه، ومن لايعرف نهج الحسين طيلة هذه القرون لليوم فالأحرى به أن يصمت كونه ليس سوى ذليلا ويعشق ثوب الذلّ. كيف، لأن هناك كاهنا يقول له دجلا، كن ذليلا وأبكي وألطم وشجّ رأسك وألهب ظهرك بالسوط وأرمي نفسك بالوحل ولا تنتقدني مهما كذّبت عليك، كوني انا الذي يمهّد لك الطريق الى الحسين، والحسين هو من يدخلك الجنّة بشفاعته! ولسان حال هذا الكاهن "المعمّم" يقول إنتبه أيها الحسيني فأنا ظل الله!! فهل الله سارق ولص كهذا المعمّم؟

إنني اليوم أرى واقعة كربلاء تعاد من جديد، ففي الخضراء هناك يزيد بن معاوية المالكي وهو يأمر بقتل العراق "الحسين"، وفي قصر من قصور الأمارة " الخضراء" أرى زياد أبن أبيه الحكيم وهو يوزع الدراهم المعدودات للعشائر كي يساهم أبنائها بقتل العراق "الحسين"، وفيها عمر بن سعد العامري على رأس ميليشيات قتل العراق "الحسين" كون لاجيش لبني أمية بعد، وعلى ميمنته  شمر بن ذي الجوشن الخزعلي وعلى ميسرته الحصين بن نمير المهندس. كما أرى قادة الجيش المتأهب لقتل العراق "الحسين" مدجّجين بأسلحتهم، فها هو حرملة بن كاهن الأسدي وقيس بن الأشعث الشهرستاني  وعبد الله بن زهير المعصوم و عبد الرحمن بن أبي سبرة الأعرجي و مضاير بن رهينة الأديب و كعب بن طلحة المنتفكي و عزره بن قيس علّاوي و يزيد بن ركاب النجيفي و يزيد الحرث بن رويم الصغير و عمروبن الحجّاج الهمام حمودي و حجّار بن أبجر الزهيري و الأزرق بن الحرث العطية و زجر بن قيس العلّاق و الحصين بن نمير الجبوري.
 
لقد كان مع هؤلاء المجرمين وهم يقتلون الحسين وآله وأصحابه ويقودون نساءه سبايا قائدا أسمه "الحر بن يزيد الرياحي" وهو الذي جعجع بالحسين حتّى كربلاء، فأنحاز بعد أن رأى الظلم الى معسكر الحسين ليقتل معه، فكم حرّا بالعراق اليوم؟ أيعقل أن الأحرار هم هذه الالاف التي تتظاهر أسبوعيا في ساحات التحرير فقط!؟ والا ترى الملايين مقتل وطنها لتخرج مع هذه الالاف ضد بنو أمية الجدد في الخضراء!؟

عودة لعنوان المقالة أقول إن الذين يتظاهرون أسبوعيا من أجل إزاحة الظلم ومحاربة الفساد يرون الحسين قيمة بمفهومه الفلسفي والانساني وحتى الديني، أمّا الملايين التي لاتعرف من الحسين الا مشروعا للإثراء وحائط مبكى فلا يرون الحسين الّا من خلال صحن "قيمة"، ولكن الكارثة هنا أن هذا الصحن غال جدا ويشتريه من يضحك على ذقونهم ساسة الاحزاب الطائفية والعمائم التي ورائها بمئات مليارات الدولارات المنهوبة من قوتهم وقوت أطفالهم طيلة حكم الطائفيين الاسود.

الحسين مجندلّ في الخضراء فأنصروه إن كنتم صادقين!!

*القيمة  " طعام مطبوخ من اللحم والحمص ويقدّم مع الرز أيّام عاشوراء".

زكي رضا
الدنمارك
18/10/2015





293
تأريخ البارزانيين على المحك

" وبعد أن تغطّت أرض الجبل بأسمنت الحكومة، وطليت جدران البيوت بالأصابع الكيمياوية وأغلقت المداخل بالأبواب، دخل الشيوخ ليدشّنوا بيوتهم الجديدة ...
أم البارزاني هي الوحيدة التي لم تدخل بيتها ... إرتابت بالأسوار والأبواب الحديدية وزجاج النوافذ المشّع ... هاجس: " حذار من بيوت بنيت من طين الحكومة!"
وقد صحّت نبوءة العجوز ... فما كاد البارزانيون يرخون أحزمة العتاد ويتمددون في بيوتهم، حتّى دوّت مدافع السلطة . *


ما جاء أعلاه هو شذرات من نضال عائلة البارزاني طيلة عقود ضد مختلف الأنظمة التي إضطهدت الشعب الكردي من خلال إضطهادها لجماهير شعبنا العراقي بأكمله وخصوصا عهدي البعثيين المجرمين الأول والثاني، ولهذه العائلة مواقف وطنية وقومية عديدة طيلة فترات نضالها تلك، فهل ناضل البارزانيون من أجل قبيلتهم أم من أجل القضية الكردية؟ هذا السؤال يطرح نفسه وبقوة اليوم ونحن نتابع تسارع الأحداث على الساحة الكوردستانية ممّا يهدد بإفشال تجربة شعب قدّم مئات آلاف الشهداء في سبيل تحرره وإنعتاقه من الذلّ والعبودية وعيشه بكرامة وإنسانية.

بعيدا عن طبيعة الصراع السياسي الكوردي الكوردي والذي كان مسلّحا لسنوات طويلة، فإن التظاهرات التي تشهدها المدن الكوردية اليوم هي بالأساس جزء من طبيعة الصراع والحراك الجماهيري في عموم العراق ضد الفساد الذي ينخر بـ " مؤسسات" الدولة ومن ضمنها تلك التي في كوردستان العراق، فما يجري في كوردستان  العراق لايمكن فصله مطلقا عمّا يجري في البلد بشكل عام، كون الفساد أصبح عند القوى المتنفذة سواء كانت في بغداد أو أربيل ثقافة تمأسست على مفهومي السرقة والقمع.

إن رفض السيد مسعود البارزاني الإلتزام بالدستور الكوردستاني الذي يحدد رئاسة الإقليم بدورتين دفع الاوضاع السياسية في الإقليم الى مزيد من التعقيد على الرغم من حصوله على " تمديد لمدة سنتين بالاستناد الى القانون رقم 19 لسنة 2013 المعروف بأسم قانون تمديد ولاية رئيس الاقليم في 20 آب 2013 لمرة واحدة غير قابلة للتجديد. وينتهي التمديد في 19 آب 2015 " (1)،  وفي نفس الوقت فإن الرفض هذا وبغضّ النظر عن أسبابه وظروفه يدفع بإتجاه سلطة دكتاتورية طالما ما أنتقدته سلطات الإقليم ومنها الحزب الديموقراطي الكوردستاني نفسه من خلال توجيه الإنتقادات المستمرة "عن حق" لجهات سياسية أخرى في المركز. ما يجعل حديثها عن الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة مجرد نكتة تصطدم بوجوه غير ديموقراطية لاتعرف الضحك مطلقا، ما يجعل النكتة هذه أي التداول السلمي للسلطة أمرا بعيدا عن المنال.

على الرغم من مشروعية التظاهرات في مدن وبلدات الأقليم والذين رفعوا شعارات تطالب " بتحسين أوضاع المواطنين وصرف الرواتب والكف عن المصالح الحزبية الضيقة"، وتلك التي جرت بالتزامن مع إجتماع الاحزاب الكوردية الخمس ومطالبتهم إياها بإيجاد حلول سريعة بشأن أزمة رئاسة الإقليم ومعالجة مشاكل المواطنين والمطالبة بالإصلاحات، فإن عمليات الهجوم على مقّرات بعض هذه الأحزاب ستخرج هذه التظاهرات المطلبية عن طابعا السلمي ممّا يمنح القوى الأمنية هامشا أكبرا للتحرك بضرب المتظاهرين بحجّة الدفاع عن الممتلكات العامّة، وهذا ما يجب أن ينتبه اليه المتظاهرون مع أستمرارهم بالتظاهر لحين تحقيق مطالبهم والتي هي مطالب الشعب الكوردي أساسا.

وعودة للسؤال الذي جاء في بداية المقالة حول إن كان نضال البارزانيين هو من أجل قبيلتهم أم الشعب الكوردي، وعودة أيضا للنص الأدبي الذي جاء في مقدمتها، أقف متعجبا لهذا الإصرار من قبل السيد مسعود البارزاني على إختصار تأريخ عائلته النضالية المشّرف من أجل تطلعات الشعب الكوردي وحريته وكرامته، بمنصب رئاسة الاقليم وإن كان مخالفا للدستورالّذي وافق وحزبه عليه. ويزداد تعجبي أكثر من إصراره على أن تكون كل المناصب الأمنية والعسكرية المهمة بيد البارزانيين وليس بيد رفاقه من أعضاء الحزب الديموقراطي الكوردستاني مثلا الّذين خاضوا غمار القتال ضد الحكومات العراقية المتعاقبة حينما كان جميع المسؤولين العسكريين والامنيين البارزانيين اليوم أطفالا أو لم يولدوا حينها حتّى! فهل هناك شك في ولاء رفاق الأمس أم هو أحتكار للسلطة؟

لاينكر أي كوردي أو غيره من المنصفين تاريخ عائلتكم النضالي أيها السيد مسعود البارزاني ولا ما تعرضت له عائلتكم المناضلة وقبيلتكم ومنطقة بارزان من قمع منظّم ودمار مبرمج، ولكننا لانستطيع أن ننكر أيضا إستشهاد خمسة آلاف كوردي بريء ذهبوا ضحية الغازات البعثية السامة في حلبجة الشهيدة، ولا إختفاء 182000 كوردي في عمليات الانفال البعثية سيئة الصيت والسمعة، ولا تدمير خمسة آلاف قرية كوردية وتهجير ساكنيها الى معسكرات أقرب الى معسكرات النازيين في الحرب العالمية الثانية، ولا قوافل الشهداء منذ إندلاع أول ثورة كوردية ليومنا هذا.

ولأنكم لاتستطيعون ولا غيركم من تجاوز كل هذه القوافل المضيئة التي روت بدمائها أرض كوردستان العراق، فأنكم وغيركم لاتستطيعون أعلان الحجرعلى أرحام الكورديات وولادتهنّ لقادة قادرون على اكمال مسير من سبقهم ومنهم أنتم أيها السيد مسعود البارزاني ووالدكم الراحل. ولاأدري هنا أن كان هناك قادة مخضرمين في الاتحاد الوطني الكوردستاني لأسألهم عن سبب رضوخهم ليكون "قوباد الطالباني" نائبا لرئيس وزراء الإقليم، وهل كان "قوباد" مقاتلا في صفوف تنظيماتهم عندما كانت تقاتل منذ أن تأسست سنة 1975 وحتّى تربعّها على  عرش حكومة السليمانية؟   

السيد مسعود البارزاني إن الشعب الكوردي وقضيته هما أكبر من أي حزب أو قبيلة مهما قدّما من تضحيات، فمن أجل هذا الشعب وتطلعاته أعمل ومعك منافسوك على نزع فتيل الأزمة وأيجاد حلول مقبولة ومنطقية ووفقا للدستور، ولا تجعل نبوءة الام البارزانية أن تكون "  فما كاد البارزانيون يرخون أحزمة العتاد ويتمددون في بيوتهم.. حتى توجهوا للإستفادة القصوى من نضالهم بالهيمنة على مقدّرات الشعب الكوردي والأستئثار بكل المناصب المهمة.

من أجل الشعب الكوردي وتجربته فكر أيها السيد البارزاني ومعك كل الاحزاب المتنفذة اكثر من مرّة.


*"أوراق جبلية 7 ، الثقافة الجديدة العدد 175 لسنة 1986 ص 136 ، زهير الجزائري.

1 - تقرير "خلية الازمة" حول موضوع انتهاء مدة تمديد ولاية رئيس الاقليم، صحيفة خندان النسخة الالكترونية ليوم 10/3/2015 .

زكي رضا
الدنمارك
10/10/2015

294
يا فقراء العراق إشربوا الماء المعقّم !!


يقال إن الملكة ماري إنطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس الرابع عشر قالت أثناء الإضطرابات التي إجتاحت فرنسا نتيجة الفقر وفساد السلطة الحاكمة وتلاعبها بمقدرّات وثروات بلادها وبعد هتافات الجماهير الجائعة وهي تطالب بالخبز "إذا لم يكن هناك خبزاً.. لماذا لا تعطوهم بسكويتاً"، وقد دخلت مقولتها هذه التاريخ من أوسع أبوابه لتشير دوما الى بطر السلطة وعنجهيتها وإستهتارها بجموع الشعب المضطَهَد والإستهزاء به.

في عراق اليوم لدينا الالآف من أتباع الاحزاب الدينية والمتحاصصة الأخرى على شاكلة "ماري إنطوانيت" من الّذين يستهترون بمصير شعبنا ويرقصون على أصوات آهاته وكأن لهم مع هذا الشعب عداء قديم، ومن أمثال هؤلاء برلمانية تقسم بأغلظ الايمان من إن راتبها البرلماني لا يكفيها حتى منتصف الشهر! وآخر يرفض إلغاء تقاعد البرلمانيين كي "لا يديح في الشوارع كما الشعب العراقي!!" حسب قوله، وآخر يضحك على شعبنا دون خجل وهو يقول في مقابلة تلفزيونية "لقد وفّرنا للشعب ماءا فطلب الكهرباء ووفّرنا له الكهرباء فطلب الامان ووفّرنا له الأمان فطلب زيادة في الحصّة التموينية فدعمناها بثلاثة آلاف دينار وعملنا على إنهاء الاحتلال حتّى قال البعض لنا ماذا أبقيتم للآخرين وأنتم تقدّمون للشعب كل ما يحتاجه!!". بأمثال هؤلاء الساسة وغيرهم من سارقي المال العام والمتاجرين بثروات البلد أبتلي شعبنا الّذي ما صدّق أن خرج من حفرة البعث الفاشي ليسقط في جبّ الاسلام السياسي الذّي لا قرار له.

أن تضحك أحزاب المحاصصة على الناس وتقودهم من أزمة الى أخرى مستهترة بمصائرهم أمرا ليس بغريب عليها مطلقا، فهي ومنذ اليوم الأول لوصولها للسلطة على قطار أمريكي عملت بجد ومثابرة وبتصميم عال على تدمير البلد ونهب ثرواته وإذلال شعبه. لكن أن تقوم مؤسسة دينية بحجم مرجعية النجف الأشرف التي تتدخل بكل صغيرة وكبيرة من أمور شعبنا ووطننا دون أن تساعد تدخلاتها هذه في تحسين الواقع المعاشي للناس أو الحد من الفساد والرشوة والمحسوبية والقتل على الهوية وغيرها من المشاكل التي تناسلت وتتناسل كل يوم، بالضحك على ذقون الناس وهي تدّعي دفاعها عن المحرومين يعتبر أمرا غير منطقيا بالمرّة. كونها تعتبر نفسها القيّم على العراق وشعبه ويوافقها بالرأي جميع الاحزاب العراقية تقريبا للأسف الشديد غير آخذين بنظر الاعتبار أن حشرهم للمرجعية الدينية بكل أمور السياسة والمجتمع وإعتمادها مرجعا لحل المشاكل والتوجه اليها للشكوى من موقف سياسي معين، سيدفع البلاد الى بناء دولة فقيه غير معلنة ولدينا في العراق اليوم هذه الدولة. فصلاة الجمعة في كربلاء خصوصا وبقية المدن عموما هي التي ترسم سياسة البلد وتوّجه الناس ببوصلتها الدينية، ومن غير المنطقي أن يتوقع المرء من مؤسسة دينية إعلان حربها على أحزاب دينية ومن نفس طائفتها وإن نهبت هذه الاحزاب جميع ثروات العراق.

لقد كشف وباء الكوليرا الذي فتك بعشرات المواطنين لليوم أن المرجعية الدينية بالنجف الاشرف في واد وفقراء العراق في واد آخر. ففي خطبة الجمعة ليوم أمس 25/9/2015 أستمعت شخصيا الى صوت "ماري إنطوانيت" وهو يطالب فقراء العراق الذّين يعيشون على أكوام النفايات وبين المزابل بـ "شرب الماء المعقّم"!! إذ قال الشيخ الكربلائي في خطبته "الذين يهمنا هو الفات المواطنين الى اهمية رعاية الامور التي تقلل من احتمال الاصابة بهذه المرض الفتاك ومن اهمها كما يقول الخبراء هو عدم استخدام المياه الملوثة واقتصار مياء الشرب للماء المعقم وتجنب شرب مياه الانهار وغسل الفواكه والخضروات التي تؤكل بالماء المعقم وغسل اليدين قبل اعداد الطعام وقبل الاكل وبعد استخدام المرافق الصحية ومن الضروري ان يهتم المواطنين بالتعليمات للوقاية من هذا المرض الخطير حماية لانفسهم من الاصابة به".

بالله عليك أيها الشيخ الكربلائي، هل يملك من يجمع قوت يومه بالعمل بين أكوام القمامة ، مالاً ليشتري به الفواكه ويغسلها بماء نظيف ومعقّم؟ وأين هي المياه النظيفة والمعقّمة التي توفرها دولة المحاصصة التي جاءت الى السلطة برعاية المرجعية الدينية وتوصياتها للناس بأنتخابها طمعاً بولاية عدل الامام علي لتغتسل به قبل الاكل وبعده وبعد أستخدامهم للمرافق الصحية، إننا في ظل عراقكم الإسلامي لم نرى عدلا أيها الشيخ الكربلائي ولكننا رأينا الإمام علي مقتولا على أبواب الخضراء بسيوف مئات أبناء ملجم من مريديكم؟

يقول الامام علي أيها الشيخ الكربلائي "لا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه"، فأسلك طريق الحق في أن تسمّي الأسماء بمسمّياتها وتشير ومعك المرجعية إن كنتم حريصون فعلا على هذا الوطن، ليس الى مواطن الخلل التي نعرفها جميعا بل الى أسماء من يقتل العراق يوميا والتي نعرفها أيضا. إعلن من على منبرك عند ضريح أبا الاحرار الحسين بن علي وبصوت حر وبعزيمة الحرّ الذي مال الى معسكر الحق مقابل معسكر الظلم ودون وجل وخوف ومجاملة عن أسماء السرّاق واللصوص وبيّاعي الوطن ليعرف شعبنا حينها من إنكم فعلا تقفون الى جانبه، إعلن عن أسماء لصوص دخلوا البرلمان عن مدينة الحسين ليس لشيء الا كونهم قريبين من رأس السلطة حينها، أعلن عن أسماء قادة الميليشيات التي تشكل خطرا كبيرا على السلم الاهلي وهي تمتلك جيشا موازيا للجيش العراقي، إعلن وبالأسماء عن قضاة لصوص ومرتشين و لا تأخذك فيهم لومة لائم كوننا نعرف أسمائهم أيضا. لكن الفرق بيننا وبينكم أيتها المرجعية الدينية هو أن أصواتكم مسموعة من قبل المؤمنين بكم الذين منحوكم عقولهم لتفكروا بها بدلا عنهم، فلا تستغلوا هذه العقول لتبقى غير فاعلة في الذود عن مصالحها بالتستر على أسماء القتلة والمجرمين والطائفيين سنّة وشيعة وعربا وكوردا. وإن لم تكن لديكم القدرة على كشف المجرمين وبالأسماء لأسباب بتنا لا نجهلها" فأعيدوا للناس عقولهم التي صادرتموها بأسم الدين ليبدأوا بأنفسهم أستخدامها وقد بدأوا إستخدامها وهم يصرخون "بإسم الدين باگونا الحراميه"

السيد الكربلائي إن الاحزاب الطائفية تطلب النصر بالجور كما قال الامام علي وليس أمامكم كمرجعية دينية كي لا تكونوا شركاء معهم في جورهم الّا أن تنصروا الفقير من ظلم اللصوص. أيها السيد السيستاني أقول لكم كما قال الامام علي وهو يرى فقر الملايين وغنى الالاف فخاطب نفسه قائلا "إضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر الّا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة الله كفرا". فأخرجوا الى حيث شئتم من الناس وفي مدينة أمام العدل لتروا الفقراء يكابدون فقرا والاغنياء من الساسة والعصابات الدينية قد سرقوا كل شيء، لا ضير في خروجكم الى الناس لتعرفوا معاناتهم فأنتم ورغم مركزكم الديني لستم بأفضل من الامام علي الذي كان يتجول في طرقات الكوفة ليلا ليطمئن على الفقراء وحالهم.

أنعموا أيها السيد السيستاني على أيتام العراق وأرامله من أموال الوقف الشيعي وهو أمبراطورية مالية ضخمة فهذه الأموال ملك لهم وليس لأمريء غيرهم. الله الله في أيتام العراق والله الله في أرامله وثكالاه أيها السيد السيستاني.

من عرف نفسه فقد عرف ربّه .... "الامام علي" 
لقد عرفنا أنفسنا مضطهدون يا علّي فعرفنا ربّنا، وعرف الاسلاميون أنفسهم وعرفناهم لصوصاً فهم لا يعرفون ربّهم.



زكي رضا
الدنمارك
26/9/2015


295
هجرة العراقيين بين الإمام علي والسيد السيستاني

منذ أن فتحت أوربا وفي مقدمتها ألمانيا أبوابها أمام جيوش المسلمين وبقّية الأديان الأخرى الفارّين من جحيم الإسلام السياسي اللاأنساني بحثا عن الأمن المفقود في بلدانهم للحفاظ على حياتهم، حتّى تذكّرت العمائم والقوى السياسية التي باركتها لتذيق شعبنا الذلّ والفقر والموت اليومي أن الهجرة الى بلاد غير إسلامية محظور الا بشروط عند السيد السيستاني، وإنها محظورة بالكامل عند بعض العمائم من تلك التي رفعت الجماهير بوجهها شعار " بإسم الدين باگونه الحرامية" وفي المقدمّة منهم معمّم يسمى الصغير جلال الدين، الذي قال في صلاة الجمعة من أن اوربا بحاجة الى خدم والمهاجرين اليها سيعملون كخدم عندها كونها بحاجة الى يد عاملة، ولا أدري إن كان أقطاب الإسلام السياسي من الّذين كانوا في أوربا قبل أن يقفزوا الى العربة الأمريكية وهي تحتل العراق ومنهم معممّون يعملون كخدم فيها؟

قبل أن أتناول ما جاءت به العمائم من توصيات للمؤمنين بها ولكي تصمت قليلا وتكف عن التدخل بشؤون الناس والدولة، دعونا نتعرف على أسباب هذه الهجرة وإن كانت العمائم تعرف أسبابها.

ما يهمّني في هذه المقالة ، هجرة العراقيين هربا من "جنّة" العمائم وأحزابهم، والتي أستطيع تلخيصها بالنقاط التالية :

1- الوضع الأمني غير المستقر وأنتشار الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة المرتبطة بأحزاب السلطة وأستهتارهم بحياة الناس.

2- القمع المبرمج للأقليات الدينية والعرقية وتعرضّها لما أشبه بعمليات الإبادة الجماعية.


3- البطالة التي وصلت نسبتها وفق أحصاءات وزارة العمل العراقية للعام الماضي وعلى لسان وزيرها الى أرقام مرعبة، إذ صرح وزير العمل "نصّار الربيعي" في تصريح لاذاعة العراق الحر على هامش مشاركته في "مؤتمر أولويات التنمية المستدامة في المنطقة العربية لما بعد عام 2015" الذي عقد في العاصمة الاردنية عمّان، " إن نسبة البطالة في العراق تتجاوز 46% من عدد سكانه وهو أمر خطير يتطلب دعما كبيرا من الدولة والقطاع الخاص خاصة وان أكثر من 300 الف شاب يدخل سوق العمل سنويا."

4- إتساع رقعة الفقر التي وصلت حسب أحصاءات وزارة التخطيط للعام الماضي وفق ما جاء به وزير التخطيط " سلمان الجميلي" الذي قال إن "نتائج التحليل التي أطلقت والمبنية على مؤشرات الاقتصاد الكلي وتقديرات الاسقاطات السكانية ونتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة توصلت الى ان نسبة الفقر تراجعت الى ما كانت عليه في عام 2007 اي (22.5%) بعد ان كان متوقعاً ان تنخفض من 19% في عام 2012 الى 15%". لافتا الى ان "الحكومة خسرت كل الجهود التي بذلتها منذ عام 2007 وحتى عام 2012"، وهذا يعني أن ربع سكّان البلاد تقريبا يعيشون دون خط الفقر هذا اذا ما اتفقنا على صحّة الارقام الحكومية.

5- فقدان الأمل بتحسّن الاوضاع الإقتصادية على المدى المنظور عند قطّاعات واسعة من الجماهير وفي مقدمتهم خريجي الجامعات وأنظماهم الى جيش العاطلين عن العمل الذي يزداد سنويا نتيجة أنعدام فرص التوظيف الحكومي.

6- فشل الحكومة في أيجاد حلول حقيقية بما يحفظ كرامة مليونين وثمانمائة ألف مهّجر داخل البلد ومعاملة الكثير منهم وكأنهم أجانب بعد مطالبتهم بما يشابه "الفيزا" للتنقل بين المحافظات.

إضافة الى اسباب عديدة اخرى مرتبطة أساسا بالصراعات الحزبية والطائفية والقومية والتي تهدد بأنفجار الوضع الأمني الهش.

لقد وضعت الإمام علي كعنوان في المقالة كون العمائم التي وضعت وتضع الشروط أمام هجرة العراقيين هي في الغالب عمائم شيعية يبدو أنها لم تقرأ "للإمام علي شيئا" وإن قرأته فأنها تلوي عنق حقيقة ما جاء به، كيف؟ سأتناول ما جاء به "الإمام علي" الذي يقول المعممّون من إنه إمامهم ، عن الفقر والذي هو أحد أهم أسباب هجرة العراقيين للخارج .

يقول "الإمام علي" في إعلان حربه على الفقر " ما ضرب الله عباده بسوط أوجعَ من الفقر" هذا الفقر الذي يعيش في كنفه - بفضل الاحزاب الاسلامية ومراجع الدين - ربع الشعب العراقي جلّهم من الشيعة الذي خرجوا يتظاهرون ضد فساد السلطة وسرقتها لثرواتهم. هذا الفقر الذي يزّينه المعممّون وبعض الزهّاد للعباد كمدخل الى الجنّة كون الفقير حبيب الله! ولا أدري إن كان الفقر مدخلا للجنة لماذا لا يتوشح الاسلاميون والعمائم الثرية بلباس الفقر ليختصروا الطريق اليها؟

يبدو أن سوط الفقر أنتقل من يد الله الى أيادي حزب الدعوة والمجلس الاعلى والفضيلة والتيار الصدري وبقية الاحزاب والميليشيات الاسلامية والقومية ليجلدوا به ظهور فقراء العراق وهم يسرقونهم أيها "السيد السيستاني"، يبدو أنكم سهوتم أيها السيد السيستاني عن قول إمام الفقراء وهو يقول " الفقير غريب في بلده" فإن كنتم تريدون عدم هجرة الناس فأعملوا على أن لا يكون في هذا الوطن غريبا، وما أكثر الغرباء عند ضريح إمام الغرباء. تجوّل قربه لتراهم عراة واطفالهم يعتاشون على المزابل أيها السيد السيستاني، هل تعرف كم هم اعداد سكّان العشوائيات؟ وهل تعرف كم هم أعداد أطفال الشوارع في بلد النفط المنهوب من مريديكم الذّين باركتموهم من ساسة الاحزاب الطائفية الشيعية؟ هل تعرف أن هناك عوائل قد باعت أطفالها نتيجة الفقر؟

يقول الإمام علي " الفقر هو الموت الأكبر" فلماذا تريد للناس أن يموتوا فقرا في بلد أسلامي ولا تجعلهم يعيشوا أغنياء لحدود وبكرامة في بلد "كافر"، إذ تقولون في وصفكم " لنقص الدين" وأنتم تضعون شروطا لهجرة الناس هربا من ظلم الاحزاب الاسلامية من أنكم تقصدون به " اما فعل الحرام باقتراف الذنوب الصغائر أو الكبائر كشرب الخمر أو الزنا أو أكل الميتة أو شرب النجس أو غيرها من المحرمات الأخرى، وإما ترك الواجب كترك الصلاة أو الصوم أو الحج أو غيرها من الواجبات الأخرى". أيعقل من إنكم لا تدرون من إن نسبة الدعارة الحقيقية منها والمقننة "دينيا" قد زادت الى حدود لم تكن مسبوقة بالعراق حتّى ثمانينات القرن الماضي؟ أيعقل من أنكم لا تعرفون أن الخمر والمخدّرات قد أنتشرت بشكل كبير في المجتمع العراقي؟ أيعقل من أنكم لا تدرون شيئا عن لحوم الحيوانات الميتّة ومنها الحمير تباع في أسواق العراق ويأكلها الفقراء لرخص ثمنها؟ وهل جميع العراقيين يصلّون ويصومون ويحجّون داخل بلدهم كي تخاف عليهم وهم في بلاد الكفر أو بلادا غير أسلامية كما تصفها؟ إن الصلاة أيها السيد السيستاني يجب أن تكون كما قال الإمام علي لزياد بن كميل الذي سأله في معنى الصلاة والصوم فأجابه : "يا كميل، ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، وإنما الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقيّ وعمل عند الله مرضي، وأنظر فيما تصلّي، وعلام تصلّي، فإن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول". وإنني هنا أجزم وأنا مسؤول أمام الله أن الغالبية العظمى من المعممّين وجميع قيادات الاحزاب الاسلامية دون أستثناء لا يصلّون الا رياءا وكذبا ، كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهل هناك فحشا ومنكرا اكبر من سرقة أموال الرعية وبيع الوطن أيها السيد السيستاني؟ وهل من يتعامل بالرشوة مؤمن؟ وهل تعرف نسبة المرتشين في دولة فاسدة كدولة الاحزاب الاسلامية؟

في الغرب "الكافر" لا مكان للرشوة والفساد الا بحدود ضيقّة جدا عكس العراق الاسلامي الذي فيه الرشوة والفساد أصبحتا ظاهرتان تهددان أسس الدولة بكاملها وهما سمة بارزة للاحزاب الدينية التي باركتموها في كل انتخابات!! في الغرب "الكافر" كل الابواب مفتوحة لابنائنا في أن يتلقوا تعليمهم ويكونوا أفرادا أيجابيين في المجتمع الّذي يعيشون فيه، في الغرب "الكافر" تتم معالجة مرضانا في مستشفياتهم ويحصلون على علاجهم مجّانا، في الغرب " الكافر" يعاملوننا كبشر من دون النظر الى قوميتنا وديننا وطائفتنا، في الغرب "الكافر" نشعر بالأمان وحماية الدولة لنا. فهل هذه الامور وغيرها متوفرة في عراق الانبياء والمعصومين أيها السيد السيستاني!!؟

يقال أيها السيد السيستاني إن " فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد"، وأبليسنا في العراق اليوم هو نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والمليشيات التابعة له التي زرعت الفقر في أرجاء وطننا وجعلت من شعبنا مشروع موت، فهل تستطيع أن ترفع سيفك "فتوى لمريديك" لتقتل به الفقر الذي قال فيه إمام الفقراء والمساكين " لو تمثّل لي الفقر رجلا لقتلته" . لقد قلتم أيها السيد السيستاني عن طريق وكلائكم في صلوات الجمعة ولاكثر من مرّة أن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب، ولأنكم وقفتم ضد الإرهاب الّذي يهدد وطننا وشعبنا بفتوى "الجهاد الكفائي"، فأننا ننتظر منكم فتوى بجهاد لا أعرف أسمه كوني لست فقيها ضد الفساد، لتخرج الجماهير التي تقلدكم وغيرها الى الساحات والشوارع حتّى ننهي نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد، ولنبني على أنقاضه دولة المواطنة الكفيلة ببناء عراق مزدهر معافى من أدران الطائفية العفنة.

السيد السيستاني، لماذا أكثر المهاجرين الى بلاد الكفر هم من المسلمين!؟


 
زكي رضا
الدنمارك
16/9/2015
 


296
داوود الشريان يكذب ويكذب ويكذب


بعد أن وصلت طلائع جيوش العراقيين والسوريين الى أوربا هربا من فشل نظامي بلديهما السياسيين في معالجة مشاكل شعبيهما، ومن جحيم الحروب والإرهاب التي تمولها دول الخليج وعلى رأسهما السعودية وقطر لعصابات داعش و جيش النصرة وقبلهما القاعدة وغيرهم من المنظمات الارهابية الاخرى. كتب الصحافي البريطاني " روبرت فيسك " مقالا في صحيفة " الاندبندنت "البريطانية تحت عنوان " هل وصلت الرسالة يا رئيس الوزراء "  تساءل فيه عن اسباب حرص الفارّين من جنان الاسلام السياسي الى جهنم الكفر في اوربا وعدم فرارهم الى حيث دول الخليج الثرية ومنها السعودية حيث بيت الله الحرام ليتساءل وعن حق عن سبب حرص المهاجرين على "التوجه إلينا، الكفار، طلبا للمساعدة" بدلا من الذهاب إلى دول الخليج الثرية مثل السعودية.

بعد نشر المقالة في الرابع من أيلول الجاري كتب الصحفي والاعلامي السعودي "داوود الشريان" مقالا بتاريخ السابع من ايلول على صفحات صحيفة الحياة اللندنية ردأ على مقالة "فيسك" تحت عنوان " أضعف الإيمان رسالة الى روبرت فيسك"، وبدلا من أن يتناول الشريان مشكلة اللاجئين واسبابها ويقترح حلول معالجتها على الأقل من الناحية الإنسانية بإعتبار ان اللاجئين من العرب المسلمين بغالبيتهم العظمى وهو عربي مسلم، رأيناه يتعامل مع مقال "فيسك" بأسلوب ردّ الفعل ما جعله يتخبط في عرض ردوده عليه علما إن ردوده كانت ساذجة وفيها الكثير من الكذب الذي لا يليق بصحفي مرموق في بلده على ذكرها خصوصا وإن العالم لم يعد قرية صغيرة بل غرفة صغيرة نتيجة التقدم العلمي والذي لا دور فيه لبلد الشريان وبقية الدول العربية والاسلامية.

لقد ترك السيد "الشريان" الكثير مما جاء في مقالة "فيسك" وإعتمد في ردّه على جملتين إثنين من تقرير "فيسك" ، وهاتان الجملتان هما "التوجه إلينا، الكفار، طلباً للمساعدة بدلاً من الذهاب إلى دول الخليج الثرية مثل السعودية" و "اللاجئون لا يقتحمون شواطئ مدينة جدة على البحر الأحمر مطالبين باللجوء والحرية". متجاهلا أمورا أخرى كتبها الصحفي البريطاني وخصوصا تلك التي تتعلق بمفهوم الإنسانية، كما قام الشريان " بقص بعض ما جاء به الصحفي البريطاني متوقعا إن القرّاء أغبياء ولا يتابعون ما كتبه من يقوم بالرد عليه. وقبل الخوض في المقالة ردّا على ترهات الشريان أطلب منه أن يكون أمينا وهو ينقل حديثا عن صحفي مثله. فالسيد الشريان قال في مقالته إن فيسك كتب قائلا في معرض كتابته عن اللاجئين إنهم قرروا " التوجه إلينا، الكفار، طلباً للمساعدة بدلاً من الذهاب إلى دول الخليج الثرية مثل السعودية" وفي الحقيقة إن فيسك كتب قائلا "  "اللاجئون لا يقتحمون شواطئ مدينة جدة على البحر الأحمر، مطالبين باللجوء والحرية في البلد الذي دعم طالبان وخرج منها أسامة بن لادن." في إشارة منه واضحة الى رعاية السعودية للإرهاب في المنطقة والعالم .

يؤكد الشريان في مقالته من أن بلاده أستقبلت مئات الالاف من السوريين يكتب " وإذا كان بعض الدول الأوروبية يتحدث عن بضعة آلاف، فإن السعودية استقبلت منذ بدء الأزمة السورية أكثر من مليون لاجئ سوري، وهذا الرقم لا يشمل عدد المقيمين السوريين قبل الأزمة"  ليضيف قائلا أن " السعودية لم تضع السوريين في مخيمات للاجئين وتتاجر بهذه القضية، بل منحتهم حق الإقامة، واستضافتهم بطريقة كريمة تعد سابقة في التعامل مع الفارين من ويلات الحروب".
دعونا نناقش هذه النقطة مع السيد الشريان قبل الانتقال الى النقاط الاخرى، أن قوله أن سلطات بلاده لم تضع السوريين المليون في المخيمات وإنها تستضيفهم بطريقة كريمة، يُفهَم منها أن السوريين المليون هؤلاء يعيشون في مساكن وفّرتها سلطات بلاده لهم، والإستضافة الكريمة تعني من انها وفّرت لهم سبل التعليم والطبابة ورواتب الاعانة أو فرص عمل، فهل ما كتبه الشريان فيه ولو جزء من الحقيقة؟

في تقرير كتبه "خالد الشايع من الرياض " بتاريخ 18/1/2015 وتحت عنوان " عجز حكومي أمام أزمة السكن في السعودية  يكتب قائلا  "  يرى محللون ومختصون في السعودية، أن وزارة الإسكان باتت عاجزة عن حل أزمة السكن في المملكة، معتبرين أن قرارها الأخير بالتوقف عن بناء المساكن الجاهزة، والاتجاه إلى تخطيط الأراضي ومنحها للمواطنين، مع قروض للبناء، يؤشر إلى فشلها في أداء الدور المنوط بها، واستمرار سياستها المتخبطة التي لم تفرز أية نتائج ملموسة على الأرض" وأضاف الكاتب في نفس التقرير قائلا " ويعاني السعوديون من أزمة سكن منذ عقود، وتؤكد إحصاءات شبه رسمية أن 60% من السعوديين لا يملكون مسكناً خاصا، وأن نحو 30% من المُلاّك يقطنون مساكن غير لائقة"!!!  أمّا وزير الإسكان السعودي السيد" شويش الضويحي" كان قد صرح قبل كتابة التقرير " إن الوزارة ستتوقف عن بناء الوحدات السكنية، على أن تتولى تخطيط الأراضي وتنفيذ البنى التحتية لها، ثم تقوم بإعطائها للمواطنين، مع قروض سكنية للبناء عليها، حسب آلية الإستحقاق والأولية" وكان السيد "عبد الله المغلوث" عضو اللجنة العقارية في مجلس الغرف التجارية السعودية قد قال " إن قرار وزارة الإسكان يؤكد مدى تخبط الوزارة، وعدم قدرتها على أداء دورها المطلوب منها كما يجب، معتبرا القرار يُدخل المواطن في دوامة من الأزمات لم يكن لها داع" ليضيف قائلا " ما نشاهده حالياً من مشروعات لا يتناسب مع حجم المطلوب بأي حال. الوزارة تبني 13 ألف وحدة من أصل 500 ألف تم حجز ميزانيتها فعليا".


والآن أيها السيد الشريان إن لم تكن سلطات بلادك قد أسكنت المليون سوري الذي قلت عنهم من أنهم معززين مكرمين في مخيمّات كما ذكرت، فأين أسكنتهم وبلادك تعاني من أزمة سكن خانقة!!؟؟ هل أسكنتم السوريين المليون في الفضاء مثلا؟.

يضيف الشريان في مقالته آنفة الذكر ليكتب إن العاهل السعودي أمر أمرا ملكيا" بقبول 100 ألف طالب من أبناء اللاجئين السوريين في الجامعات السعودية"!! ، ألا تعتقد معي أيها السيد الشريان من أن لا دولة هناك في هذا العالم وإن كانت ذات أمكانيات علمية ومادية هائلة كالولايات المتحدة الامريكية واليابان والمملكة المتحدة قادرة على أستيعاب مثل هذا العدد الضخم من الطلبة في جامعاتها ومعاهدها العلمية المختلفة؟ وهل تريد أن تقول أن نسبة عشرة بالمئة من اللاجئين هم طلبة جامعيين!!؟؟

كما وأرى أن السيد الشريان قد فضل عدم الرد على قول "فيسك " من أنه لا يعتقد  "أن الدافع وراء ذلك هو أن المهاجرين لديهم معرفة كافية بأوروبا وتاريخها، إنهم يعرفون أن على الرغم من ماديتنا وضعف تديننا، لا تزال فكرة "الإنسانية حية في أوروبا".  ولو كنت مكانه لألتزمت الصمت مثله خصوصا وإن بلدي مصدرا رئيسيا للإرهاب  ويمتلك كبرى مؤسسات بث الكراهية الدينية والطائفية في العالم، وهو الاول مع قطر في إنتهاج سياسة إعلامية لا تعرف الّا الكذب وزرع الفتن بين دول المنطقة. ولصمتّ صمت أبي الهول كون اكبر عدد من القتلى الارهابيين في بلدان الجوار هم من بلاد الحرمين ، التي هتكت حرمات اليمن وسوريا والعراق وافغانستان وغيرها.

نعم ايها السيد الشريان لازالت اوربا تحمل افكارا إنسانية ومن خلال هذه الافكار تحترم الطفولة التي تنتنهك حريتها بزواج القاصرات عندكم، لازالت اوربا تحترم المرأة التي تستعبدونها في دوركم بشكل فظ وغير إنساني مستغلّين فقرها للعمل عندكم "كخادمات"، لازالت اوربا تحترم الاديان والمذاهب المختلفة في حين لا تسمحون في بلادكم من ان يمارس غير المسلمون الوهّابيون طقوسهم بسلام، واليك بتفجير مساجد اتباع المذاهب الاخرى مثالا.   


في مستنقع الأكاذيب لا تسبح سوى الأسماك الميتة "مثل روسي ".

زكي رضا
الدنمارك
10/9/2015



297
كُلّكُم معاوية وإن إعتَمَرتُم بعمامة علي

منذ سقيفة بني ساعدة إنقسم المسلمون الى فريقين، فريق إتّبع الإمام علي وسمّي بشيعة علي أي أتباعه وآخر لم تظهر له تسمية واضحة الا حين رفض معاوية التنازل عن حكم الشام بعد  مقتل الأموي عثمان واستخلاف الإمام علي مكانه، حينها سمّي الفريق الثاني بشيعة معاوية والذي سيطر على العالم الأسلامي ومنه العراق لعقود بعد مقتل الأمام علي على يد الخوارج.

منذ ذلك التاريخ وقادة  الفريق الأول أي فريق  شيعة الإمام علي يمنّون الناس وعلى الأخص الشيعة منهم بدولة عادلة كدولة عدل علي التي هي على نقيض دولة ظلم معاوية. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يرّوجون لدولة تنصف الفقراء والأرامل والأيتام كما دولة علي ولا تسرقهم كما معاوية. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يكررون صرخة الحسين بكربلاء " إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم"، منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفرق يبكون زهد علي وأخلاق علي وشجاعة علي وإيثار علي. منذ ذلك التاريخ وقادة هذا الفريق يستنكرون ترف معاوية وسوء أخلاق معاوية وجبن معاوية وأثرة معاوية.

منذ إندلاع التظاهرات الجماهيرية في الواحد والثلاثين من آب الماضي خرج علينا قادة الفريق الاول أي السياسيون الشيعة والكثير من المعممّين معهم  ليستنكروا على الجماهير خروجها ومطالبتها بوضع حد لفساد الطبقة السياسية المتنفذة بالبلد وانهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية وتعديل الدستور وتوفير الخدمات وتقديم السراق للمحاكمة، خرجوا علينا مشكّكين بالنضال الجماهيري السلمي الداعي لدولة مدنية بعد أن أذاقنا الاسلام السياسي بشقّيه الويلات منذ الاحتلال لليوم، مهدّدين الجماهير والناشطين المدنيين والاعتداء عليهم وإغتيال البعض منهم تارة و محاولة حرف التظاهرات الى وجهات اخرى بعد الأندساس فيها تارة أخرى حتّى وصل الأمر بقيادة الحشد الشعبي في أن تصدر بيانا متلفزا في الثاني من أيلول الجاري محذّرة فيه من ضرب المتظاهرين كما تضرب الارهابيين الدواعش إن حاولوا المساس بالسلطات الثلاث وعلى الاخص القضائية منها!!، أو التشكيك بنوايا المتظاهرين وهم بعشرات الآلاف من أنهم ينفّذون أجندة أجنبية أو تهديدهم بأخراج ملايين من الغوغاء ضدهم في الساحات والشوارع كما قال البعض من ساسة الخضراء. فيما دعت بعض العمائم علنا الناس الى عدم التظاهر كون الدولة المدنية تعني الكفر!! إن تهديداتهم المستمرة بضرب النشطاء المدنيين ومعهم الجماهير وهي تعلن سلمية التظاهرات للقضاء على الفساد وبناء الدولة المدنية والتي تبنتها المرجعية الدينية بالنجف الأشرف بعد أسبوع على مطالبة الجماهير بها من خلال تظاهرات الواحد والثلاثين من آب الماضي ليس بموقف الإمام علي من معارضيه، بل هو تجسيد لموقف معاوية من الناشطين السياسيين السلميين ضده وما قتله "حجر بن عدي" الا دليلا ساطعا على إن قادة "شيعة الإمام علي " الخضراء هم بالحقيقة من شيعة معاوية.   

بعد مرور خمس أسابيع على أندلاع التظاهرات التي أثبتت سلميتها وعدم سعيها لقلب نظام الخضراء، بل لتصحيح مسار العملية السياسية وإنقاذ البلد من الارهاب والفساد والفقر بشعار " خبز.. حرية.. دولة مدنية "، بدأت بعض الاصوات من داخل قصور الخضراء ومنهم قادة من فريق " شيعة الإمام علي" يعملون على ان لايتوسع المتظاهرين بشعارتهم الى ما يمس سلطتهم "المقدسّة". ومنطقهم في سعيهم هذا والسماح للتظاهرات أن تستمر "رغما عنهم" على أن لاتصل الى الخطوط الحمراء والتّي إن وصلت الجماهير إليها فإننا سنرى بكل تأكيد تحول ساحات التحرير ببغداد وساحات التظاهرات في المحافظات الاخرى الى " میدان ژاله "* جديد عن طريق قمعها بقسوة من قبل ميليشياتهم المسلحة، ليس بمنطق الإمام علي بل منطق معاوية وهو يقول " إنّي لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا". وهذا المنطق هو ترجمة حرفية لما قاله معاوية، فقادة "شيعة علي" وهم من فريق معاوية يقولون للمتظاهرين المطالبين بالإصلاح ، تظاهروا وإياكم المساس بسلطة المحاصصة والّا فإن قبر "حجر بن عدي" سيفتح من جديد ليقبر كل متظاهر وإن تظاهر بشكل سلمي. 

إنكم أيها السادة لستم من شيعة علي وإن بكيتموه وأبناءه كل يوم، بل أنتم شيعة معاوية الذي تناصبونه العداء قولا  وتسيرون على دربه فعلا، فالدولة عندكم أموية فأنتم الرؤساء وأبنائكم وأصهاركم وأقربائكم والمقربين منكم  وزراء ونواب برلمان وسفراء ووكلاء وزراء ومدراء عامّون وضباط وزعماء ميليشيات ومافيات.

دعونا نسأل هنا وبقسوة بعض الشيء الجماهير التي لم تخرج للدفاع عن مصالحها ومصالح أبنائها وبلدها لليوم وجلست على التل لتسلم عوضا أن تقف مع شعبها ضد معاوية، هل أنتم شيعة علي  فعلا وهل أنتم مسلمون أصلا؟ شخصيا وبقسوة أيضا لااراكم الا كوفد الكوفة الذي ذهب الى معاوية في الشام بزعامة موسى بن المغيرة ليطالبوه بتعيين "يزيد" وليا للعهد بعده، فأختلى معاوية به وسأله: بكم أشترى أبوك من هؤلاء دينهم، فقال بثلاثين الف درهم. حينها قال معاوية لقد هان عليهم دينهم. ووالله لقد هان عليكم يا أهل العراق دينكم وشعبكم ووطنكم وانتم تبيعونهم "ببطانية ومدفأة ووجبة طعام" لساسة الخضراء ليس لشيء الا كونهم شيعة أو سنّة على علمكم بهم من انهم سرقوكم وقتلوكم وباعوا وطنكم. إن الجلوس على التل وعدم الخروج في هذا الحراك المقدس لتكونوا أحرار في دنياكم كما قال الحسين سيفتح الطريق أوسع لإنتصار قيم معاوية ومُثُل معاوية التي تتجسد في ساسة الخضراء ونظام المحاصصة اللصوصي، الذي لم يبقي شيئا لكم ولمستقبل أولادكم.

لو تمنطقتم يا حرامية الخضراء بذي الفقار وأعتمرتم عمامة علي ورفعتم راية الحسين وحَوَّلتم العراق بأكمله الى كربلاء وجعلتم أيامّه كلها عاشوراء، فإنكم لستم سوى شيعة معاوية . ووالله أيها الحرامية إنكم وقد دمرتم العراق ونهبتم ثرواته وأجعتم شعبه وهجَّرتموه، لستم الّا كما وصفكم  الإمام علي بصدق قائلا يا " أشباه الرجال".

خير البلاد ما حملك، والفقير غريب في وطنه " الامام علي" ، نعم يا "علي" فشعبنا بفضل "شيعة الخضراء" غريب في وطنه ويهاجر لتبتلعه البحار.

* "میدان ژاله " ساحة في طهران حدثت فيها مجزرة بحق المتظاهرين من الحركة الاحتجاجية عرفت بأسم "الجمعة السوداء" أواخر أيام الثورة الايرانية، وقد حولت السلطات الايرانية اسم الساحة لاحقا الى "ميدان الشهداء".


زكي رضا
الدنمارك
8/9/2015   

 


298
لكل نبي مزار .. فليكن للنبي آلان مزار*

أجلس الآن يا "آلان" مع صورتك التي هزّت ضمير العالم غير العربي والإسلامي مستسلما ليأسي ودموعي، لأبكيك، ومن خلال بكائي عليك أبكي كرامتنا المهدورة وجبننا .. نعم "آلان" وعذرا فنحن جبناء أذلّاء لأننا فرّطنا بطفولتك، جبناء لسرقتنا ضحكاتك . "آلان" .. لا ذنب للحكام في موتك التراجيدي مطلقا يا حبيبي كونهم يدافعون عن مصالحهم، الذنب ذنبنا كوننا فقدنا لجبننا رجولتنا ولا نريد الدفاع عنك وعن مصالحنا التي هي مصالح الناس. أيه "آلان" إخبرني بالله عليك ، كيف كان طعم الماء في فمك؟ هل ناديت أباك؟ هل تشبثت بيد أخاك لتحضنه في رحلتك الأبدية؟ هل طلبت من أمك رضعة تزيل طعم ماء البحر المالح من فمك الجميل؟

أتدري.. أتدري يا "آلان" إن جسدك الغض والأمواج تتقاذفه الى الشاطيء الذي كان والديك يحلمان بوصولك وإياههم إليه سيحاكمنا جميعا،  كوننا جميعاً مسؤولون عن موتك؟ إننا وباء هذا العصر الإسلامي الأسود لاننا لا نجرأ أن نقول لا ... بوجهه، إننا الأمواج التي أفزعتك وأرعبتك حتّى أستبد بك الأعياء يا صغيري وأستسلمت لها، إننا الوباء الذي أخرجك من أرضك لمغامرة غير محسوبة العواقب. لا ذنب للحكام أيها الملاك الطاهر في موتك ولا للقضاء والقدر، بل الذنب ذنبنا فنحن وباء هذا العصر الهمجي ونحن بلاء للأطفال أمثالك. لاننا مثلما قلت لك بداية ، إننا جبناء لا نقوى على الصراخ في وجه القتلة واللصوص، أننا جبناء لأننا أضعنا طريق الثورة ونحن نبحث من خلال جوعك وجوعنا وموتك وموتنا عن دين قتلنا بطائفيته، عن دين حوّلنا الى عبيد عمائم الشيطان التي تسرقنا بإسم الله وتنحرنا بإسم الله وتبيع أوطاننا بإسم الله وتهّجرنا بإسم الله وتغتصبنا بإسم الله، ونتوسل اليها أن لا تسرقنا وتنحرنا وتبيع أوطاننا وتهجرنا وتغتصبنا بإسم الله أيضا! يا لكارثتنا ويا لمأساتنا ويا لبؤسنا.

"آلان".. أقسم بضحكاتك وبمرحك ولُعَبُكَ على فقرها التي تركتها خلفك من إننا شعوب ذليلة وخانعة، أقسم  ببراءتك التي بلعها البحر من أننا شعوب لا ضمائر لها، أقسم بالماء الذي "خلق منه كل شيء حي" والذي ملأ رئتيك الصغيرتين من أننا شعوب لا كرامة لها.

كيف تكون لنا ضمائر وكرامة ونحن لا نثور كي نتحرر ولا نكون أذلّاء وخانعين لسراق ولصوص،  إن لم نتعلم من موتك كيف نثور فسنبقى يا "آلان" في سجننا القذر الذي نحن فيه اليوم والذي إستمرأنا قذارته لجبننا، إن لم يدفعنا جسدك الذي أيقظ حتّى الضمائر الميتة إن كانت ميتة بالغرب "الكافر" لتفتح حدود بلدانها أمام الآلاف من أمثالك يا صغيري فإننا شعوب لا تستحق الحياة.

"آلان" .. أيها النبي يا صاحب معجزة فتح أبواب جنان "الكفر" أمام مئات الاف الهاربين من جحيم المؤمنين أبكيك ومعي الملايين في أصقاع الارض، إلّا سارقي شعوبنا وبياعي أوطاننا . أيها النبي عليك مني السلام يوم وُلِدت ويوم غَرِقتَ ويوم "تبعث" حيّا.

لو كنت ربّا ولأثبت ربوبيتي لخسفت الأرض بكل الساسة العرب والمسلمين.

* آلان طفل كردي من كوباني غرق على السواحل التركية وهزت صورة غرقه ضمائر العالم اجمع الا ضمائر العرب والمسلمين.

زكي رضا
الدنمارك
4/9/2015 
 

   

299
الشيوعيون والصدريون

لكي لا نحلق عاليا في فضاء التنظير الايديولوجي والفكري علينا اولا تحسس الارض التي نقف عليها ومتانة تربتها ومن ثم دراسة طبيعة أشكال الصراع وأهدافه وسبل الوصول الى هذه الاهداف. لأننا لو لم نجمع النقاط الثلاث أعلاه في بوتقة واحدة ولم نعمل على تحليل مفرداتها بشكل مبسط للغاية وقريب جدا من العقلية السائدة بالمجتمع وبعيدا عن القوالب الايديولوجية فإننا سنكون كمن يريد غزو الفضاء على ظهر حصان. كون الواقع العراقي اليوم وبعد تغييب كامل للعقل وتجلياته وإنحدار الثقافة بفروعها المختلفة الى الحضيض نتيجة عقود من الدكتاتورية، تشير وبشكل واضح وجلي الى سيادة منهج ديني يمتاز بالتخلف والانحطاط الفكري والفشل التام على الصعيد السياسي والأقتصادي والأجتماعي تقوده أحزاب أسلامية طائفية تتغذى من أفكار " مقدّسة" تقودها هي الاخرى المؤسسة الدينية، مما حولّت نسبة كبيرة من الناس الى كائنات تقاد بأجهزة السيطرة عن بعد وهؤلاء هم من يحدد مصير البلد سواء عن طريق صناديق الانتخاب أو بتنظيمهم في ميليشيات شبه عسكرية لها كامل الحرية بالتحرك وضرب من تريد متى شاءت أو شاء من يتحكم بها وبغياب تام للدولة التي إن تدخلت ولم تلتزم الصمت فأنها ستتدخل الى جانب هذه الميليشيات كون أحزابها هي جزء فاعل وأساسي من المشهد السياسي.

نتيجة للأنعطافة الحادّة التي يمر بها البلد اليوم ظهرت على السطح وجهات نظر متباينة في كيفية التعاطي مع مزاج هذه الجماهير ذات النزعات الاجتماعية المتفاوتة والمتناقضة طبقيا في نفس الوقت. وتسخير المزاج الشعبي المعارض والمتنامي ضد سلطة الفساد الدينية بأتجاه إحداث تغيير جذري في شكل الحكم، بعد أن تجاوزت الجماهير خلال تظاهراتها الاسبوعية مسألة الخدمات وتوفيرها الى محاكمة كامل النظام السياسي بإعتباره المسؤول الاول والاخير عن كل الخيبات التي طالت الوطن والناس. وبالحقيقة لو تجاوزنا دور القوى المنادية بالمدنية والتي إشتركت بقوة في هذه التظاهرات التي بدأتها الجماهير بعفويتها كرد فعل على سوء الخدمات والفساد قبل أن تتطور مثلما اسلفنا قبل قليل الى هدف أسمى هو تغيير شكل السلطة وطبيعتها، فإننا أمام جهتين أولهما : بقايا البعث والمرتبطين به حتّى من داخل الحكومة والبرلمان الحالمين بركوب الموجة وإعادة عقارب الساعة للوراء، وهؤلاء لا دور حقيقي لهم وغير قادرين على التأثير بالجماهير ليس كونهم وحزبهم مكروهين من غالبية أبناء شعبنا نتيجة جرائمهم الواسعة، بل كون المحافظات التي تتظاهر أسبوعيا غالبيتها "شيعية" كون المحافظات السنّية أسيرة تنظيم داعش الإرهابي حليف البعث السابق. والجهة الاخرى هي الأحزاب الاسلامية الحاكمة والتي تحملّها الجماهير وزر كل أشكال الفساد والسرقات وأنهيار مؤسسات الدولة، والتي تريد هي الاخرى ركوب الموجة وقيادة هذه التظاهرات!!! ونتيجة للصراعات الداخلية بين هذه الاحزاب المنضوية في ما يسمى بالتحالف الوطني "البيت الشيعي" فإن بعضا من رموزه تريد أن تنتقل من قارب السلطة التي كانت جزءا فاعلا منه للثلاث عشرة سنة الماضية ومساهمتها كما باقي أقطاب حكومة المحاصصة في نهب ثروات البلد ودورها بكل أشكال الفساد والجريمة التي ارتكبتها الى قارب الجماهير، الذي بدأ للتو يتحرر من مستنقع الخوف والرضوخ منتقلا الى محيط الجرأة والتمرد. وعلى رأس هذه الجهات وكالعادة نتيجة تخبطه المستمر وإنتقاله من معسكر الى آخر وتبنيه لتصريحات اليوم ليتبرأ منها غدا هو " مقتدى الصدر" وتياره. هذا التيار الذي يريد مشاركة الجماهير او بالأحرى قيادتها في تظاهراتها ضد الفساد وكأن عرّابيه وهم ينهبون ثروات البلاد كما أقرانهم من أقطاب سلطة المحاصصة الطائفية القومية، لم يكونوا ولليوم جزءا فاعلا من الحكومة والبرلمان التي يتظاهر شعبنا ضدهم. والسؤال هنا هل يريد التيار الصدري التظاهر ضد التيار الصدري!!؟؟

عودة لبعض الآراء التي تطالب بتحالف الشيوعيين العراقيين "هم جزء من الحراك الشعبي ولا يقودون هذا الحراك" مع الصدريين ، أرى علينا العودة الى النقاط الثلاث التي ذكرتها في بداية المقالة والبحث عن أجابات من واقعنا المعاش وعدم الخوض بتجارب تاريخية بعيدة جدا عن واقعنا هذا ومحاولة ربطه بتلك التجارب التاريخية دون الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية لتلك التجارب ، والظروف الموضوعية التي عندنا اليوم، وهذا لا يعني مطلقا عدم الاستفادة من تلك التجارب كون تلك التجارب وغيرها ومنها تجربتنا هي التي تحدد تاريخيا طبيعة واشكال الصراع الذي تخوضه قوى اليسار والقوى الدينية للوصول الى غايتيهما، فهل غايات وأهداف اليسار هي نفسها غايات وافكار القوى الدينية بغض النظر عن المشتركات الاجتماعية بين قواعدهما؟ وهل شكل الدولة التي يعملان على تشكيلها  في نهاية المطاف هي نفسها بين الطرفين؟

إن تجارب التحالفات ومنها تجربة اليسار العراقي "الحزب الشيوعي العراقي" أثبتت إن عدم التكافؤ بالقوى بين المتحالفين ونتيجة لغياب الديموقراطية كنهج وثقافة بين القوى السياسية العراقية على مختلف تلاوينها يؤدي بالنهاية الى فشل هذا التحالف وإنهياره وعادة ما يكون الفشل والأنهيار دمويا.  لذا ارى هنا إن أي تحالف بين الشيوعيين والصدريين في ظل ميزان القوى الذي يميل للصدريين على الرغم من أشتراكهم في جرائم الفساد والرشوة والقتل على الهوية اثناء أحداث سنوات ما بعد تفجير المرقدين في سامراء يعتبر إنتحارا سياسيا للشيوعيين العراقيين وضربة بالصميم لتظاهرات شعبنا في محاربة الفساد الذي يمثل الصدريين قلبه كونهم يهيمنون على جميع الوزارات الخدمية ولسنوات، تلك التي فشلوا وهم على رأسها من توفيرها "الخدمات ولو بالحد الادنى" وهذا بالضبط ما دفع الجماهير للتظاهر.

إن طبيعة الصراع الذي تخوضه الجماهير اليوم ومنهم الشيوعيين تتقاطع ويجب أن تتقاطع كليا مع الصدريين وغيرهم من الاحزاب المتنفذة بالسلطة ، شيعية وسنية وكردية كون هذا الاحزاب ومن جديد هي المسؤولة عن كل ما جرى ويجري بالبلد وهي التي تحاكمها الجماهير اليوم من خلال شعاراتها وهتافاتها. فالصدريون يحلمون بدولة دينية كي يسلمّوها مستقبلا "للإمام المهدي" حين ظهوره، ومن خلال هذا الحلم يقومون بتربية نشئ كامل على السير في هذا الطريق، أمّا عن دورهم خلال سنوات ما بعد الاحتلال فإنهم قاموا وعلى خلاف الدستور بتعدّيات واسعة وكبيرة على العديد من الاندية الثقافية بحجّة محاربة الخمور كما وانّهم من أعداء الفن والأدب بشكل عام وهذا بنظري ليس عيباً فيهم أنمّا هو جزء من ثقافتهم وسلوكهم التربوي، وكأن الله قد حرّم الخمر وحلّل السرقة والرشوة والفساد. فهل الشيوعيين العراقيين لهم نفس الحلم في شكل الدولة؟

إن الشعور بالظلم والتفاوت الاجتماعي والتهميش ليست سمة مشتركة بين الشيوعيين والصدريين فقط ، بل هي سمة مشتركة بين غالبية أبناء شعبنا الذي يعاني الفقر والبطالة والمرض وفقدان الأمن والخدمات، مع فرق واضح وهو أن القيادات الصدرية على عكس الشيوعية هي جزء متين من نسيج الفساد، فللصدريين ما يقارب الأربعين برلمانيا وعددا من الوزارات ومئات الدرجات الوظيفية العالية في السلكين المدني والعسكري والمتهمين حالهم حال بقية مثلث الفساد الطائفي القومي بسرقة ونهب ثروات شعبنا وتدمير بلدنا.

إن الطريق الوحيد للتغيير المنشود هو إستمرار سلمية التظاهرات وعدم جرّها الى صراعات جانبية لتصفية حسابات بين قوى كانت ولا تزال جزءا مهما من المشهد السياسي الفاسد، فالصراع بين الصدريين والدعوة الحاكم وبين المجلس الاعلى والدعوة الحاكم والصراع بين مكونات البيت الشيعي ، ليس صراعا من اجل مصلحة البلد الذي دمّروه بسياستهم الطائفية اللصوصية، بل صراعا من اجل مصالح هذه القوى الطفيلية وتطبيقها الحرفي كما القوى الطائفية الاخرى لسياسات خارجية هدفها أبقاء العراق ضعيفا وغير مستقر.

على الشيوعيين العراقيين اليوم النظر الى المستقبل بمنظار الجماهير التي عرفت أسرار اللعبة والركوب معها في قاربها الذي عرفت بوصلته طريق الخلاص. أن أي أجتهاد من قبل الشيوعيين يكون على الضد من مصالح الجماهير المتظاهرة من اجل حقوقها وحقوق وطنها سيكون وبالا على الحزب.   

زكي رضا
الدنمارك
27/8/2015




300
إعلان إرهابي تحت أنظار العبادي!!
زكي رضا
هل العبادي جاد فعلا في إنهاء الفساد والأرهاب وتوفير الخدمات بِحُزَم قراراته التي يريد من خلالها تقليم أظافر قوى المحاصصة وعصاباتها، وذلك بإنتقال ليس بالسهل الى بناء نظام مدني ديموقراطي والذي أصبح اليوم مطلبا شعبيا رئيسيا وعنوانا للتظاهرات؟ هذا المطلب الذي تبنته حتّى "مرجعية النجف الاشرف" تحت ضغط الشارع او لقراءة صحيحة للواقع السياسي وتداعياته بعد اكثر من عقد على حكم الاسلام السياسي للبلد وفشله المدوّي على مختلف الصعد، هذا الفشل الذي ترجم بغياب الامن لانهيار المؤسستين العسكرية والأمنية وبغياب كامل للخدمات ونهب منظم لثروات البلد وفسادا لم يمر بهذا الحجم على اي بلد بالعالم وليكلل بالنهاية بضياع ثلث مساحة البلد رهينة عند عصابات داعش الاجرامية.

لا أريد هنا أن أتناول فشل السيد العبادي "لا نريده ان يفشل" في تطبيق أول حزمة من قراراته التي تفاءلنا بها كثيرا على أعتبار أنها سترّشق وزارته بعد الترهل الكبير لكل وزارات حكومات المحاصصة المختلفة، هذا الفشل الذي أدهش الشارع السياسي وكل من بنى آمالا على شخص السيد العبادي ليكون "بسمارك العراق" ورافع راية الأصلاحات والسير بالعملية السياسية وقاربها المتهالك بعيداً عن المحاصصة والفئوية والحزبية بأنتخابه النزيهين والمهنيين على رأس وزاراته ، وذلك بإعفاء وزير العلوم والتكنولوجيا السيد "فارس ججو" المحسوب على التحالف المدني "الدولة المدنية شعار للتظاهرات" من منصبه بعد ألغاء الوزارة ودمجها بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ليترأسها واحد من اكبر الفاشلين في المهام التي أنيطت به طيلة سنوات وأهمها على الاطلاق والتي أصبحت مثار سخرية المواطن والاعلام المحلي والعربي، وهو السيد "حسين الشهرستاني" الذي وعد شعبنا بتصدير الكهرباء نهاية 2013 ليكون وأئتلافه إئتلاف دولة القانون ومعهما كل التحالف الوطني "الشيعي" مسخرة أمام الجماهير وهي تذوب حرّا وتتوقف أعمالها نتيجة غياب الطاقة الكهربائية.

إن الذي أريد تناوله من خلال هذه المقالة ليس الطلب من السيد العبادي بعدم الكيل بمكيالين في تطبيقه لِحُزَم إصلاحاته بتطهير الجهاز الحكومي والذي يعتبر المسؤول الاول عنه من الفاشلين والفاسدين والمزورين أعضاء حزبه وتحالفه الوطني على وجه الخصوص وغيرهم بشكل عام مطلقا، كون السيد العبادي إبن حزب الدعوة وأبن الأسلام السياسي ومن غير الممكن أن يكيل بمكيال واحد. بل الذي اريد أن اتناوله هنا هو موقفه بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة وعلى عاتقه تقع مسؤولية حفظ الأمن والنظام، من تولي رجال دين في أحزاب طائفية مهمة تدريب الشباب على استخدام الاسلحة بأنواعها المختلفة وتدريبات صناعة المتفجرات والقتال الاعزل وبالاسلحة الخفيفة وتوقيت هذه التدريبات؟ وأين هي القوى الامنية والعسكرية من كل هذا؟ وهل بقيت هناك هيبة للدولة وهي ترى معسكرات تدريب في المدارس وبين دور المواطنين؟

إثر التظاهرات الاخيرة والمطالبة ببناء دولة مدنية وبعد أن أصاب الجماهير اليأس من تحسّن أحوالها وأحوال البلد تحت ظل نظام المحاصصة الطائفية القومية، جنّ جنون الاحزاب الإسلامية وبدأت تصريحاتها تتصاعد يوما بعد يوم مهددة الجماهير بشكل مبطن أحيانا وعلني أحيانا أخرى بقمعها من خلال رسمها بنفسها لسيناريوهات متعددة، كالأعتداء على الممتلكات العامّة أو أتهام قوى داخلية وخارجية على تنظيمها أو تحرش المتظاهرين بالدين والشخصيات الدينية "المقدسّة" وغيرها الكثير !!، على الرغم من إن الجماهير المتظاهرة رفعت ولا زالت شعار "سلمية سلمية .. دولة دولة مدنية" .

لقد بدأت قوى الاسلام السياسي منذ الاسبوع الماضي بتحريك شقاواتها "بلطجيتها" لضرب المتظاهرين المسالمين بالهراوات والأسلحة الباردة بعد نجاحها بالدخول الى ساحات الأعتصام وخصوصا ببغداد، بمجاملة من القوى الامنية أو بالضغط عليها من قبل ميليشيات القوى الاسلامية الشيعية على الرغم من الموقف الرائع للقوى الأمنية بشكل عام ولليوم في حماية المتظاهرين عكس موقفها في شباط 2011 . الا ان نية الجماهير على الاستمرار في التظاهر السلمي لحين تحقيق مطالبها ، دفعت الأحزاب الاسلامية الميليشياوية الى توجيه رسائل إرهابية جدّية للمواطنين من إنها سوف تستخدم القمع بكل أشكاله إذا ما شعرت من إن مواقعها بالسلطة وإمتيازاتها ستتعرض للخطر. ومن هذه الرسائل هو فتح هذه الاحزاب دورات عسكرية لحرب الشوارع والعصابات والقتال الاعزل.

إن رفع لافتات في مناطق مختلفة من بغداد من قبل شخصيات سياسية ودينية مرتبطة بأحزاب طائفية لتدريب الشباب على الاسلحة وغيرها، تعتبر مخالفة دستورية كون الأمن وأستتبابه والشؤون العسكرية وكل ما يتعلق بها هي من صلب مهام الدولة وليست من مهام الاحزاب وعصاباتها "أذرعها العسكرية".
وأنني هنا وكمواطن عراقي أضع مخاوفي وهواجسي بقمع التظاهرات من قبل عصابات الاسلام السياسي الشيعي أمام السيد العبادي بأعتباره المسؤول الاول بالدولة ، مطالبا إياه بتقديم كل من يأخذ مكان الدولة بتدريب للشباب في دورات عسكرية ، ومن هؤلاء الميليشياوي المعمّم عضو المجلس الاعلى وصهر "عمار الحكيم" المدعو "همام حمّودي" رئيس لجنة صياغة الدستور !!!!!!! الذي بدأ بتنظيم دورة قتالية بمنطقة الكرادة بتاريخ 18/8/2015 للمحاكمة بسبب تهديده للسلم الاهلي  وبتهمة الارهاب وإرعاب الناس.
 


صورة من لافتة المجلس الاعلى بمنطقة الكرادة
مفارقة مؤلمة.... شعبنا يتظاهر تحت جدارية "جواد سليم" لنيل حقوقه المشروعة والعصابچي المدعو "همام حمودي" سيحرك "الشقاوات" لضربهم خارجة من مدرسة "جواد سليم"!!


الدنمارك
20/8/2015
 


301
قراءة في بعض ما جاء في خطبة المرجعية الاخيرة

منذ الأحتلال الامريكي ولليوم ونتيجة  للمد الاسلامي بالعراق  " والمنطقة لتراجع الافكار القومية واليسارية" كنتاج لسياسات اقتصادية واجتماعية كارثية تسبب بها نظام البعث المجرم والتي أوصلت  بلدنا الى ما هو عليه اليوم، فأن المرجعية الدينية في النجف الاشرف بدأت بأقامة صلاة الجمعة عن طريق وكلائها في مختلف المدن العراقية ذات الحضور الشيعي، ولتكن هناك كعادة اية صلاة جمعة خطبة سياسية تعبر عن موقف المرجعية من التطورات السياسية بالبلد لتبدي فيه رأيها وتوجيهاتها ونصائحها للسلطة الحاكمة. كما وساهمت المرجعية الدينية بالضغط من اجل كتابة الدستور وإن لم يأتي بالشكل الذي كنّا نريده لبناء وطن متعدد الطوائف والقوميات والمشارب السياسية، كما وأنها ساهمت بدفع الناس وبقوة للإشتراك بالأنتخابات ملمّحة على الرغم من نفيها المستمر الناخبين لأنتخاب القوائم الطائفية الشيعية، أوعن طريق غضّها النظر عن أستخدام هذه القوائم الطائفية لأسمها وصورها في دعاياتها الأنتخابية.

إن تدخل المرجعية المستمر في الشأن السياسي وعلى الرغم من أحترامنا الشديد لها ولمكانتها الدينية ومركزها العلمي خصوصا وهي ترث على الدوام إرثا دينيا ومدرسة فقهية كبيرة في مدينة مقدّسة كالنجف الأشرف، تعتبر عتبة أولى لبناء نظام ثيوقراطي طائفي كونها لاتمثل مجموع الشعب العراقي بل تمثل الشيعة فقط ، كما وعلينا الانتباه هنا من إنها لاتمثل مجموع الجماهير " الشيعية" إذا ما أخذنا بنظر الأعتبار العلمانيين منهم على مختلف مشاربهم السياسية وأتجاهاتهم الفكرية. وبذلك يعتبر هذا التدخل بالشأن السياسي مدخلا لأستمرار الصراع الطائفي ممّا يهدد بالنهاية وحدة البلد الجغرافية. ومن الطبيعي جدا أن تقف هذه المرجعية الى جانب الاحزاب الشيعية الحاكمة عند الأزمات محاولة أنقاذها من الأنهيار. وما من أزمة أشّد على هذه الأحزاب كما أزمتها اليوم بعد أن أختبرت الجماهير  سياساتها الكارثية بحقّها وبحق وطنها، ما جعلها أن تخرج الى الشارع للتظاهر مستخدمة لأول مرّة مفردة الدين لتتخذها شعارا مركزيا لها في جميع ساحات التحرير بالوطن وهذا الشعار هو " بأسم الدين باگونه الحراميه"، هذه المفردة لم تصب الأحزاب الطائفية الحاكمة لوحدها بالرعب ما جعلها تهاجم القوى المدنية متهمة إياها بقيادة التظاهرات " وهذا فخر لهذه القوى" بل جعلت المرجعية هي الأخرى أن تشعر بالخوف بعد أن سمعت هتاف الجماهير به في عقر دارها أي في النجف الاشرف وما يعنيه هذا الهتاف.

أن الفساد ونقص الخدمات والبطالة، وانعدام الأمن والطائفية وإنهيار النظام القضائي وأستشراء الرشوة وسوء القطاع الصحي والتعليمي وأنهيار القطاع الصناعي، وتراجع القطاع الزراعي  وبيع وشراء المناصب الحسّاسة بالبلد وكاننا في بازار وغيرها من الجرائم. ليست وليدة اليوم بل هي وليد شرعي لنظام المحاصصة الطائفية الفاسد والذي يجب أن يوضع بأكمله في قفص الأتهام لمحاكمته وتوجيه تهم الخيانة الوطنية له. أمّا محاولة أمتصاص نقمة الجماهير ومن أية جهة كانت، فأنها لاتعدو سوى حقنة مورفين الهدف منها تخدير الجماهير لفترة زمنية حتّى تتم السيطرة على الأمور من قبل مافيات المحاصصة من جديد أو يخفت عنفوانها وهي تحرك نفسها بنفسها لتتحرر من قبضة الاسلام السياسي الذي عاث بالعراق عامّة وبالمناطق الشيعية التي يدّعي تمثيلها فسادا. والمرجعية الدينية بالنجف الاشرف وهي تتدخل بالشأن السياسي وضعت وللأسف الشديد نفسها من جديد كحائط صد أمام الجماهير بدفاعها عن الأحزاب الاسلامية!

إن أنتقاد المرجعية رغم إحترامنا الشديد لها جاء نتيجة تدخلها بالشأن السياسي تحديدا والسياسة كما معروف عنها لعبة تتحمل الكذب والرقص على الحبال للوصول الى أهداف و مصالح ، وهذه الأهداف والمصالح هي دنيوية بحتة ، فهل للمرجعية بأعتبارها ممثلة لجموع المؤمنين مصالح دنيوية!؟ إن السياسي الذي يقدم برنامجا ما أو توصيات ما بشأن قضية ما ويفشل في تطبيقها فأنه سيتعرض للمسائلة والنقد وقد يكون هذا النقد قاسيا كما نراه اليوم بحق ساسة المحاصصة الطائفية القومية، ومن هذا المنطلق يجب أن يتسع صدر المرجعية للنقد كونها وهي تتدخل بالشأن السياسي وتقدم أقتراحات وتوصيات قد لاتتحقق كما لم تتحق معظمها وبأعترافها سابقا "هذا ما سنتطرق اليه" تكون قد وضعت نفسها كما الساسة موضع تسائل ، وهذا مالم نكن نريده للمرجعية الدينية لأحترامنا المعنوي الكبير لها.

في خطبة الجمعة الماضية 14/8/2015 تطرق الشيخ "الكربلائي" الى جملة من القضايا التي تهم الشارع العراقي مذكرا الجماهير ببيانات سابقة للمرجعية حول جملة من الامور وقد قرأها الشيخ من قصاصات ورقية قائلا "  ففي نيسان عام 2006 اي قبل ما يقارب 10 اعوام، وبعد انتخابات الدورة الاولى من مجلس النواب وقبيل تشكيل الحكومة اصدر مكتب المرجعية بيانا ورد فيه ان من المهام الاخرى للحكومة المقبلة التي تحظى باهمية بالغة مكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة لدرجة تنذر بخطر جسيم ولابد من وضع اليات عملية لملاحقة المفسدين قضائيا أياً كانوا"، ليتابع ويقول " وفي ايلول 2006 وبعد تشكيل الحكومة أصدر المكتب بياناً ورد فيه التأكيد مرة اخرى على مكافحة الفساد وسوء استغلال السلطة التي تسببت بضياع جملة من موارد الدولة مع ممارسة القضاء على محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم". وأشار في مكان آخر من نفس الخطبة الى أنه " وفي شباط عام 2001 اصدر مكتب المرجعية بيانا دعت فيه المرجعية الدينية العليا مجلس النواب والحكومة الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولاسيما الكهرباء ومفردات البطاقة التموينية وتوفير العمل للعاطلين ومكافحة الفساد". ليضيف أيضا قائلا " قبل هذا وذاك فقد دعت الى اتخاذ قرارات حاسمة لالغاء الامتيازات غير المقبولة للاعضاء الحاليين والسابقين في البرلمان والمحافظات وكبار المسؤولين في الحكومة والدرجات الخاصة والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنويا مبالغ كبيرة من اموال الشعب".

نستطيع ونحن نقرأ ما جاء به السيد الكربلائي أن نعطي درجة عشرة على عشرة لموقف المرجعية من قضايا الانسان العراقي،  هذا إذا ما أتفقنا على تدخلها بالشأن السياسي أصلا. ولكن الطامة الكبرى تأتي عندما يقول الشيخ في نفس خطبته " هذه نماذج من دعوات المرجعية وتأكيداتها المستمرة على ضرورة مكافحة الفساد في دوائر الدولة التي لم نجد مع الاسف اذانا صاغية لها في السنوات الماضية". وهنا من حقّنا أن نضع علامة أستفهام بحجم الوجع العراقي وبحجم المال المنهوب من الاسلاميين  ومنهم عدد كبير جدا من المعممّين وشركائهم في نظام المحاصصة  أمام المرجعية للإجابة عليه. وسؤالنا هو، أيتها المرجعية الرشيدة إن كانت كل توصياتكم للحرامية كما ينعتهم شعبنا لم تجد آذانا صاغية طيلة 13 سنة ، فهل تتوقعون منهم آذانا صاغية لمقترحاتكم حول أصلاح النظام القضائي والوظيفي من خلال تعديل سلّم لرواتب وغيرها مما طرحتموه خلال خطب ما بعد ملحمة شعبنا المطالبة بدولة مدنية لامكان فيها للطائفية اليوم، وما هو ضمانتكم لشعبنا في تحقيقها!؟؟؟ ولماذا تضعون أنفسكم في موضع التساؤل أساسا وأنتم تعرفون أستحالة موافقة هذه الاحزاب على أدانة نفسها من خلال أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية الذي أصبح اليوم وليس الخدمات مطلبا شعبيا اساسيا.

إن التوصيات والقرارات مهما كان حجمها ومضمونها لاتمر من خلال دهاليز الحكومة والبرلمان الا من خلال ما يسمّى بمبدأ الحزمة الواحدة أو السلّة الواحدة، وعليه إن كنتم تريدون فعلا معالجة الآثار السيئة الناجمة عن سياسة المحاصصة ومن جديد أن كان لكم الحق بالتدخل في الشأن السياسي، أن لا تجّزئوا مطالبكم وتوصياتكم ، بل لتكن حزمة واحدة او من خلال سلّة واحدة. وسلة الجماهير معروفة لكم بشكل واضح وجلي وهي، أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية والبدء بنظام سياسي مدني ديموقراطي يأخذ على عاتقه بناء نظام مؤسسات حقيقية ومهنية للسير بالوطن وبهدوء نحو الخروج من أزماته التي كرّستها حكومات ما بعد الاحتلال.   

إن الشيخ الكربلائي  يقول في نفس الخطبة "من المنطق ان يمنح المسؤولون فرصة معقولة لاثبات حسن نواياهم في السير بالعملية الاصلاحية الى الامام دون زج البلد بالفوضى والدخول بالمهاترات السياسية" وهنا أرى إن المرجعية ومع شديد أعتزازي بمكانتها الدينية قد إصيبت هي الأخرى بداء النسيان الذي لاأظنه متعمدا كما هو عند أحزاب السلطة. أيتها المرجعية الرشيدة، لقد طلب المسؤولون من الذين باركتموهم  والتي خرجت الجماهير اليوم في تظاهرات عارمة ضدّهم والذين تريدون إنقاذهم بكلامكم هذا في شباط 2011 ، 100 يوم لأصلاح العملية السياسية وتوفير الخدمات وها قد مرّت أربعة أعوام على وعدهم الذي لم يتحقق، بل زادت خلال السنوات الاربع الماضية الاوضاع سوءا ، حتّى اننا فقدنا ثلث أراضينا نتيجة خيانة كبار الساسة ومنهم المالكي. فهل تريد المرجعية منّا أن نمنح نفس الساسة وهم يتصدرون المشهد السياسي 100 يوم جديدة، أي أربعة أعوام أخرى، لنتحمل نفس البؤس ونفس المأساة.  هل بناء نظام أسلامي على أشلاء شعب ووطن يرضي الله!؟ إن كان يرضي الله فأنا كافر.

في الختام اود أن اخاطب الاسلاميين كما خاطب أبن الرومي العباسيين معتذرا له من تغيير في بيتيه  قائلا....

غررتم لئِن صدّقتم إنّ حالة ........................... تدوم لكم، والدهر لونان، أخرج

لعلّ للعراقيين، في ساحات التحرير، ثائرا ..... سيسمو لكم، والصبح في الليل مولج


زكي رضا
الدنمارك
17/8/2015



302
حوار في كعبة التحرير

لا أدري ان كنت اليوم مع المتظاهرين يا جواد؟ وهل كان فائق يرافقك؟ وماذا عن خالد هل كان معكما؟ هل تلّمستم أكّف الجماهير وهي تهتف "بأسم الدين باگونه الحراميه"؟ هل حضنتم الرجال ليعرفوا معنى الأم وعشقها لأبنائها عند الرحّال خالد؟ هل غنّيتم نشيد الحرية لتتلوها الجماهير خلفكم في كعبة التحرير يا جواد؟ هل جمّعتم الناس كما جمّعهم فائق ليغنّوا للعراق؟ لا أظن أن معروفا لم يكن معكم ، هذا الذي مات في غرفة غانية لا يملك من دنياه شبرا وهو يصرخ متألما لحال شعبه ..

أفهكذا تبقى الحكومة عندنا .........كلما تموه للورى وزخرف
 كثرت دوائرها وقل فعالها .... كالطبل يكبر وهو خال أجوف
 كم ساء منها ومن وزرائها .... عمل بمنفعة المواطن مجحف
 تشكو البلاد سياسة مالية........... تجتاح أموال البلاد وتتلف


 هل صحيح إن الشيخ الجليل الزهاوي كان معكم وانتم تهتفون ضد معمّم "نسوانچي" بعد أن أثار حميتكم على عرضكم ويبكي بنات بغداد اللواتي هدّهن الفقر والعوز ولؤم سقط المتاع لينشد ...

رام هتكا لمّا تصون فتاة ..... كسبت في أمر العفاف إشتهارا
 رام شيئا لبنت بغداد يزري .... فغلى الشعب شعبها أن يغارا


 كما وانني سمعت أن بحر العلوم كان معكم يترنم بـ ..

حاسبيني إن يكن ثمة ديوان حساب
 كيف أهلوك تهادوا بين لهو وشراب
 وتناسوا أن شعبا في شقاء وعذاب
 يجذب الحسرة والحسرة تحكى : أين حقي؟!


قل لي بربك يا جواد هل جلست الى الكاظمي عبد المحسن وهو يبث حنينه لبغدادنا وينشد..

وكم قائل سر نحو مصر ترى المنى .... وأنت على كل البلاد أمير
 فقلت لهم والدمع مني منطلق ........ أسير وقلبي في العراق أسير


 وماذا عن الجواهري محمد مهدي يا فائق هل كان معكم ؟ يجب ان يكون معكم فأبا فرات يعشق دجلة الخير أم البساتين وعلى شاطئها الممنوع على العشّاق عند عمائم الشر كان يترنم بكأسه حبّا ببغداد التي يكرهونها.

هل مرّ بكم "حمد" يا جواد وهل لازال القطار ينطلق من "العلاوي" أم تناثرت عرباته في شوارع بغداد بعد أن جاع سائقه في بلد النفط المنهوب من سماسرة الدين فبعثر ليأسه تلكم العربات، لا تنسى أن تقول للشابات والشبان وهم يحجون تحت جداريتك إن النواب مظفر يريد دلّة قهوة ممزوجة بـ "الهيل" ليرتشف معها ذكرى شوارع بغداد التي أرعبت الطغاة وزلزلت الارض من تحت أقدامهم ، بغداد الأنتفاضات والوثبة وتموز.

هناك في مقهى الشط إذهب الى الكرخي عبود ليأتي معك الى الجماهير ومعه يوسف ليغني....

ساعه وأكسر المجرشه ...... والعن أبو السوّاها
 إشچم سفينه البالبحر ...... يمشي ابعكسها هواها
 إيصير أظلّن يا خلگ ......... متجابله آنه وياها
 كلما يگيرها النذل ............ آني بحيلي أبريها


 قل له أن يأتي معك بلسانه الذي يعرف معدن الأنذال الذين "گيروا" حياتنا ووطننا ولينشدنا قصائد الثعالب والذئاب المعمّمة وهي تضحك علينا لتسرقنا وتنهبنا "بأسم الدين باگونه الحراميه"، ولتسيروا جميعا ومعكم الجماهير الغاضبة الى حيث محمد غني حكمت و"كهرمانته" لينحت آلاف أخرى من "بستوگاته"، ولتغلي كهرمانه الكثير من الزيت لتصبّه ومعها الجماهير على رؤوس اللصوص ، وقل للجماهير أن لا تهاب حراميا وقاتلا بعد اليوم كونها أشّرت على أبوابهم كي يعرف شعبنا طريقه اليهم ليركلهم الى مزابل التاريخ التي تأبى هي الاخرى أن يكونوا فيها لنجاستهم.

أيها الشرفاء ، أيها البؤساء ، يا من سرقكم الأنذال بأسم الدين لا تتركوا جوادا وفائقا وخالدا وكهرمانه لوحدهم ، إفترشوا الميدان ولا تتركوه حتّى "تطلع الشمس على بيوت الحرامية" وتنيروا وطنكم الذي لفّه ليل الأسلاميين الدامس ومافياتهم وعصاباتهم وفسادهم. من أجل مستقبل أولادكم والعيش بكرامة في وطن يحتضن الجميع لتكن أصواتكم هادرة وهادرة وهادرة، من أجل كرامة وطنكم ووحدته لتكن وقفتكم اليوم وغدا وبعد غد وبعده وبعده حتّى تضعوا أقفاصا لمحاكمة السّراق والقتلة تحت نصب الحرية.... ما أجمل الحرية وما أجملكم من شباب .


 زكي رضا
 الدنمارك
11/8/2015
 

303
القبّانچي معمّم يزن دون قبّان

في شباط 2011 أصاب الأحزاب الأسلامية ومن خلفها العديد من رجال الدين الرعب من التظاهرات التي اندلعت حينها مطالبة بتحسين الاوضاع الخدمية وأصلاح النظام السياسي، ما دفعهم لأتهام المتظاهرين بمختلف التُهَم ومنها أن البعثيين وراء تلك المظاهرات. الأ إن المالكي حينها وعلى الرغم من قمعه للتظاهرات بالقوة خرج علينا بخطّة أصلاحية لتوفير الخدمات أمدها 100 يوم، ثم جدد المدة من جديد وليضعها وحزبه وحلفاءه في التحالف الشيعي في ثلاجة موتى بالمنطقة الخضراء التي تتوفر فيها الكهرباء بإستمرار كي لاتعود للحياة من جديد.

واليوم والتظاهرات تتجدد للمطالبة بنفس مطالب التظاهرات السابقة تقريبا وبعد أن وصل مستوى الخدمات الى مستويات متدنية جدا أو معدومة، خرجت علينا كتل وأحزاب سياسية شيعية والعديد من رجال الدين الشيعة مطالبين الناس بعدم التظاهر لأن داعش هذه المرّة أضيف الى البعث ليستغلا التظاهرات كي يندسوا فيها ويسقطوا العملية السياسية. ومن رجال الدين هؤلاء إمام جمعة مدينة النجف الأشرف "صدر الدين القبّانچي" الذي يزن أحداث البلد دون أي قبّان على الرغم من واجبه الديني حيث إنه رجل دين عليه وزن الامور السياسية والتعامل معها بما يخدم جماهير الشعب وليس النخب الحزبية وطبقة رجال الدين التي هو منها والتي هتفت الجماهير لهما اليوم "حرامية حرامية "، وواجبه المهني بإعتباره " قبّانچي" عليه أن يزن الأمور بعدالة وفق الآية القرآنية التي تقول " فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴿٨٥ الأعراف﴾".

في خطبته أمس الجمعة 7/8/2015 وبدلا من أن يتقي ربه بالفقراء والارامل والأيتام ممن سرقت وأهدرت أموال بلدهم المقدرة بترليون دولار من قبل الاحزاب الدينية الشيعية وطبقة رجال الدين وباقي أحزاب المحاصصة الطائفية، ويدعوهم الى التظاهر حتّى تحقيق مطالبهم للعيش بآدمية كما باقي البشر. نراه يكشف عن وجهه القبيح كما غيره من مسؤولي الاحزاب والميليشيات الدينية مطالبا الجماهير بعدم التظاهر لورود تقارير اليه " ما هو مركزه الأمني؟" تشير الى إحتمال أندساس داعش بينهم " لخلق ضجّة ومشكلات"وهذا يعني من وجهة نظر " القبّانچي" هذا أن تكف الجماهير عن التظاهر لتحقيق مطالبها المشروعة من الآن حتّى أمرا يراه الله مفعولا، ولتستمر المعاناة سنوات أخرى، وإن قال هذا " القبّانچي" إن حكومة المحاصصة ستعمل على حل ملف الأزمات الكبير والعديدة بعد ترك المتظاهرين للشارع، فأن "سيدنا" هذا لايعدو كونه كذابا ومنافقا.  كذّاب لأنه يعرف جيدا عدم جدية وإستطاعة الحكومة على حل أي ملف خدمي وعلى الأخص منها الكهرباء لمحاصصتها وتوزيعها للوزرات على اساس النقاط والحصص، ومنافق كونه لم يسأل المالكي بعد أربع سنوات من التظاهرات السابقة ولا التحالف "الوطني" الشيعي حول ما إذا أنتهت فترة المئة يوم التي حددها التحالف الشيعي لمعالجة الملفات الخدمية العالقة.

لنعد الآن الى هذيان هذا " القبّانچي" في خطبته أمس والتي أعجبني فيها قوله إن " الشعب العراقي سوف لن يشارك في هذه التظاهرات لأنه أكثر وعيا وامتثالا لعلماء الدين والمرجعية" سائلا إياه عن الجماهير التي تظاهرت في مدن وبلدات العراق المختلفة ومنها " مدينته" النجف الأشرف، وهل الجماهير عندما تتظاهر وتنتفض مطالبة بحقوقها تكون فاقدة للوعي؟ إن كان كذلك فإن هذا " القبانجي" يتهم جميع العراقيين المشاركين بأتفاضة شعبنا الآذارية من اجل حقوقهم التي أغتصبها البعث منهم بقلّة الوعي، وهذه التهمة كان البعث قد أطلقها على المنتفضين حينها، والسؤال هنا هو هل " القبانجي" بعثي!! يبدو ذلك كون البثيين كانوا يعتبرون أية حركة إحتجاج ولو كانت صغير فإنها موجهه ضدهم ونظامهم. وهذا بالضبط هو ما جاء به " القبانجي" في خطبته بالأمس عندما قال " المرجعية ومنابر الجمعة لم تترك نقد الحكومة في التقصير بتقديم الخدمات، لكن اليوم نرى في التظاهرات شعارات ضد الدين والعلماء وهذا يعني أن الهدف وراءها ليس إصلاحيا وإنما العودة إلى الحكم اللاديني". وهنا ايضا يقوم هذا " القبانجي" بالكذب كوننا لم نرى أي هتاف ضد الدين من المتظاهرين، نعم أننا رأينا شعارات وسمعنا هتافات ضد "رجال دين" وطرد بعضهم من كعبات التظاهر والسبب هو إن "رجال الدين هؤلاء يمارسون العمل السياسي حالهم حال اي سياسي آخر ، وعادة ما يتم نقد السياسي وشتمه أحيانا إن أخطأ او سرق أو قتل،  فهل رجال الدين من الذين أحترفوا السياسة واساءوا للعمامة التي على رؤوسهم أولياء وإن سرقوا وإن قتلوا وإن أخطأوا!! وهل يريد هذا " القبانجي" أن يبني نظاما ثيوقراطيا على مبدأ ولاية الفقيه عندما يقول بنفس الخطبة " أن الهدف وراءها – التظاهرات- ليس إصلاحيا وإنما العودة إلى الحكم اللاديني" ، بالله عليك يا رجل هل تستطيع ان تخبرنا عن الفوائد التي جنيناها من حكمكم الديني؟ ستقول انكم بنيتم مجتمعا اسلاميا على أنقاض البعث! فهل الرشوة والمحسوبية والسرقة والفساد الاداري والمالي ونهب ثروات البلد وخيانته من الاخلاق الاسلامية؟؟؟ 
ولكي يعلن عداءه للعلم والتكنولوجيا كما المالكي الذي قال يوما إن الكومبيوتر ليس سوى "مكب نفايات" نرى هذا " القبّانچي" يتهم "الفيسبوكيون" بقيادة التظاهرات أو التحضير لها، في رسالة لئيمة دارت إشاعات حولها خلال الأيام الماضية وهي محولة بعذ القوى الدينية من غلق أو فلترة "الفيسبوك".

لقد جاء في المعجم حول معنى كلمة قبّان :

القَبَّانُ : الميزان ذو الذراع الطويلة المقسَّمة أقسامًا ، يُنقَلُ عليها جِسمٌ ثقيل يسمَّى الرُّمَّانة ، لتعيِّنَ وَزْنَ ما يوزن
القَبَّانُ : الحفيظ الأمين
فلانٌ قبَّانٌ على فلان : أَمينٌ عليه يحاسبه ويتَّبع أمره

فهل أنت اليوم أيها " القبّانچي" حفيظ أمين على مستقبل شعب العراق الذي نهبت وتحالفكم الشيعي مئات المليارات من خزائنه؟ وهل أنت أمين أمام شعب العراق وتبدأ في خطب الجمع القادمة بمحاسبة ساسة ورجال دين تعرفهم جيدا جدا وتعرف كم نهبوا من ثروات الفقراء والأيتام والأرامل خصوصا وإن إمامهم "علي بن أبي طالب" على مقربة من مسجدك؟

أن يوزن المرء بضاعة دون ميزان أو قبّان مع قدرته على الوزن بهما فهو حرامي.

زكي رضا
الدنمارك
8/8/2015


304

نتظاهر ضد الفساد ، فضد من يتظاهر العامري ؟؟


هل يعرف زعيم ميليشيا بدر لماذا سيخرج شعبنا كما الأسبوع الماضي متظاهرا في مدن البلاد المختلفة ومنها العاصمة بغداد الأسيرة بيد لصوص المحاصصة الطائفية القومية ؟ هل يعرف العامري هذا لماذا خرجت الجماهير في شباط 2011 للتظاهر قبل أن تقمعها قوات حزب الدعوة الأسلامية الحاكم؟ هل يعرف العامري أن تظاهرات 2011 كان شعارها إصلاح النظام الا إنه ومعه جميع الاحزاب الشيعية إتهمت المتظاهرين من أنهم بعثيون ويريدون إسقاط العملية السياسية ، إن كان ما يجري بالعراق منذ الاحتلال لليوم هو عملية سياسية؟

السيد العامري ... إن الجماهير التي خرجت وستخرج غدا للتظاهر لا تخرج بطرا ولا تتوقع إن تظاهراتها ستكون نزهة ولا هدفها أسقاط تجربتكم الأسلامية الأصلاحية الفذّة والرائعة!!! كما قال حليفكم المعمم "علي العلاق" بل ستخرج متظاهرة ضد الفساد الذي وصل الى مستويات لم يصلها في أية دولة بالعالم. فليست هناك دولة واحدة على هذا الكوكب وصل فيها حجم الفساد المالي والأداري وهدر الثروات نتيجة السرقة وسوء التخطيط لعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب والتي تقدّر بترليون دولار إضافة الى فقر قطّاعات واسعة من ابناء الشعب الذي وصل مستوى الفقر فيه الى أكثر من 30% وفق أحصاءات وزارة التخطيط ، كما العراق الذي أبتلى بحكمكم وبحكم بقية أحزاب المحاصصة الطائفية القومية.

السيد العامري ... هل تعرف من إنك زعيم ميليشيا غير قانونية وفق الدستور ساهمت وتساهم مع باقي الميليشيات المسلحة في إرباك الاوضاع الأمنية نتيجة عملكم المستمر على أن تكون هذه الميليشيات أقوى من الجيش ، لتتحكموا من خلالها بالشارع السياسي فارضين أتاواتكم السياسية على الدولة وعلى جماهير شعبنا غير المؤمنة بسطوة الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة والتواقّة لبناء نظام حكم مدني.

السيد العامري ... هل تعرف من إن ميليشيا بدر التي تتزعمها لها تمثيل ملحوظ بالبرلمان العراقي وتساهم مساهمة واسعة في كثير من لجانه ومنها اللجان الخدمية، وأنتم كما باقي الكتل السياسية ببرلمانكم وحكومتكم جزء فاعل في تفشي الفساد الذي اوصل الدولة الى حافّة الانهيار. وهل تعرف من إنك وزير في كابينة حكومية متهمة بعدم توفير أبسط الخدمات للجماهير وأنها والحكومات التي سبقتها والتي كنتم شخصيا في مقدمة المشهد السياسي منها فشلت في إدارة البلد وفرّطت بمحافظات عدّة منه نتيجة خطابكم الطائفي المقيت.

السيد العامري ...

غدا سنتظاهر ضد الفساد الذي جئت به وحكومتك وتياركم الاسلامي ، فهل ستتخلى غدا عن أسلاميتك وتعترف من ان الاسلاميين فاسدين لتخرج معنا في تظاهراتنا هذه!؟

غدا سنتظاهر لعدم توفيركم للطاقة الكهربائية بعد أن نهبتم من أجل "توفيرها" 27 مليار دولار من قوت أيتامنا وأراملنا، فهل تعاني أنت أيضا من أنقطاع التيار الكهربائي في قيظ الصيف القاتل هذا لتخرج غدا معنا معترضا على نفسك باعتبارك وزير في حكومة فاشلة!؟

غدا سنتظاهر من اجل مجتمع مدني لا مكان فيه للميليشيات ، فهل أنت الاسلاموي مع مجتمع مدني يفصل الدين عن الدولة لتخرج غدا معنا في تظاهرات تعمل على انهاء حكم الميليشيات!؟

غدا سنتظاهر دون حماية من أحد فهل ستحضر التظاهرات لوحدك أم مع جيش من حمايتك الشخصية!؟ مظاهرتنا غدا لا مكان فيها لتنظيمات سياسية فهل ستكون عصابتك البدرية معك لترهب بها المتظاهرين كما حليفك المالكي الذي دسّ عصاباته المدججة بالأسلحة الباردة في تظاهرات سنة 2011 لتعتدي على المتظاهرين!؟

غدا سنتظاهر ضد كل الصبيان من أبناء اللصوص الذين تصدروا المشهد السياسي في غفلة من الزمن ومنهم أبنك "المحروس بسبع الدجيل .. مهدي العامري" الذي أستهتر ليعيد طائرة من مطار بغداد كونه لم يستطع اللحاق بها لعبثه ما جعلكم تزورون العاصمة اللبنانية وتعتذرون الى مسؤولي شركة الميدل أيست وتعوضونها من أموالنا، وهل كان بأستطاعة " الحباب مهدي " أن يفعل فعلته لو لم يكن أبنك!؟

السيد العامري ... قد تركب الموجة غدا وغيرك من الأسلاميين وقد تنجحوا في أنهاء التمرين الثاني لشعبنا من اجل أصلاح العملية السياسية كما نجحتم في تمرينه الاول شتاء 2011 ، ولكنكم لن تنجحوا مطلقا في إدارة البلد ليس لأنكم طائفيون ولا تملكون أية برامج لأدارة بلد مثل العراق فقط ، بل لأنكم فاسدون ومرتشون ولصوص أيضا.

السيد العامري ... هل تستطيع الضغط على حكومتك كي لا تغلق الطرق المؤدية الى كعبة التحرير التي سنحج اليها غدا مبتهلين لشعبنا أن يعمل على تغيير الواقع السياسي لما فيه خير أبناءه .
السيد العامري ... سنتظاهر غدا ضد الفساد الذي أنت جزء أصيل منه . فضد من ستتظاهر أنت؟

فائدة : يروى إن عبد الملك بن مروان أرقَ ذات ليلة فأستدعى سميرا يحدثّه فقال السمير: كان بالموصل بومة وكان بالبصرة بومة. فخطبت بومة البصرة بنت بومة الموصل لأبنها، فقالت لها بومة الموصل: لا أجيب خطبة أبنك حتّى تجعلي صداق إبنتي مائة ضيعة خربة! فقالت بومة البصرة: لا أقدر على ذلك، ولكن إن دام وُلاتُنا سنة أخرى أتيتُك بما تريدين. فهل هناك مكان غير خرب في عراقكم الأسلامي الفاشل أيها السيد هادي العامري!؟


زكي رضا
الدنمارك
6/8/2015


305
خندق واحد أم خندقان ... بلبوس حزب الدعوة هذه المرّة


لماذا أستنساخ الطاغية بطريقة حياته وتصرفاته وهوسه بالخراب والتدمير بل وحتّى طريقة الكلام أحيانا وأستخدامه للمفردات تتم وراثتها من الذين يعتلون عرش الحكم بعده ولو بعد حين؟ هل هناك شبه بين طاغية الأمس وطغاة اليوم في عراق الجوع والمرض والسرقات والأمية والارهاب وأنعدام الخدمات والجهل المطبق وهيمنة رجال الدين وتخديرهم لعقول العامّة بأسم هذا الدين لينهبوا والطبقة المخملية ما يشاؤون من الثروات والعقول والارواح؟ وهل الطاغية "صدام حسين" هو أسوة حسنة ليستنسخ أقطاب المحاصصة الطائفية القومية حياته!؟

في النصف الثاني من سبعينيات القرن المنصرم وبعد إتساع جماهيرية الحزب الشيوعي العراقي إبّان ما تسمى بـ "الجبهة الوطنية" بين صفوف الطلبة والشبيبة والمرأة والعمال على الرغم من عدم إمتلاك الشيوعيين حينها الا صحيفتهم اليومية المركزية "طريق الشعب" والاسبوعية "الفكر الجديد" ومجلة الثقافة الجديدة، مقابل هيمنة بعثية مطلقة على وسائل الاعلام كافة وأمتلاكهم لكل ثروات البلد وحق التصرف بها كما يشاؤون، جنّ جنون الطاغية صدام حسين ما دفعه الى أصدار كراسه "خندق واحد أم خندقان" ليعبر من خلاله على ضرورة أن يكون الجميع في خندق واحد بقيادة بعثية، وبعد فترة من نشره كرّاسه هذا وجّه أعنف الضربات للحزب الشيوعي العراقي ولتكون تلك الضربات مدخلا لضرب القوى السياسية الاخرى كالقوى الكردية وحزب الدعوة الاسلامية، وليهيئ العراق عمليا وبعد نجاح الثورة الايرانية بأدخاله في حرب ضروس كانت نتائجها كارثية على شعبنا ووطننا، وأوضاع اليوم هي ما جنيناها من تلك العقلية البعثية وخندقهم. 

كنّا نتوقع من حزب كحزب الدعوة الحاكم اليوم ومعه الاحزاب الطائفية القومية أن تعي تلك التجربة المريرة من تاريخ شعبنا ووطننا وتستفاد منها في بناء نظام ديموقراطي حقيقي على أشلاءه، الّا أنّ تجربة الثلاثة عشر سنة الماضية أثبتت للأصدقاء قبل الاعداء ولمجموع جماهير شعبنا البائس أنّ من جاء الى السلطة على انقاض حكم الطاغية مستقلا بتباهي وفخر العربة الممتازة في القطار الامريكي ليسوا سوى طغاة لا يفرقون عن طاغية الامس بشيء، بل هم أسوأ حالا في أبتزازهم لشعبنا وثرواته إذا ما قارنّا ما دخل خزائن البعثيين طيلة حكمهم الاسود وما دخلها خلال حكم الطائفيين القوميين في سنوات ما بعد الاحتلال.

لقد أستنسخ زعيم حزب الدعوة الحاكم "نوري المالكي" الصّدامية بأبشع صورها عندما سرد قصة حياته مع النهر والشرطة السرية وبطولاته كما المجرم صدام حسين، بل انه فكر حسب ما قاله في ذلك اللقاء المتلفز بنيته لتشكيل تنظيم  سري حينها لاسقاط النظام حينما كان في الثالثة عشر من عمره! و لم تختلف تصرفات أبنه وصهريه بشيء عن تصرفات المجرمين عدي وصهري الطاغية حسين وصدام كامل، ولكن لا أدري إن كان أحد البعثيين قد أقترح على الشعب العراقي بأستنساخ الطاغية صدام حسين كما أقترح أحد الدعاة "عباس البياتي" في برنامج بين قوسين من فضائية السومرية في 18/ 6/2012 عندما قال "ان ائتلاف دولة القانون سيقوم باستنساخ رئيس الحكومة نوري المالكي في حال وفاته!!!"، ولكي نكون منصفين فإن الاحزاب الطائفية القومية وقادتها وأبنائهم وعوائلهم ليسوا بأفضل حال من الطاغية صدام حسين  وحزب البعث ولا من نوري المالكي وحزب الدعوة فالجميع في نفس المركب المحمل بثروات الوطن وينظرون بأشمئزاز الى شعب يفقد آدميته بسبب سياساتهم العقيمة يوما بعد آخر.

ولأن "حيدر العبادي" خريج نفس المدرسة الحزبية "الدعوة الحاكم" وشريك أساسي بكل الجرائم التي حلّت بالعراق وشعبه منذ الاحتلال لليوم كونه كان من ساسة الصف الاول في حزبه والحكومة نراه لا يستطيع هو الاخر التغريد بعيدا عن سربه. لذا نراه هو الاخر يستخدم مقولات صدام حسين ففي كلمة له أمام المؤتمر الاول للتعايش بين الشباب يناقض نفسه بنفسه، ليقول في معرض حديثه عن الأصلاح!! فبعد مطالبته بـ " تعاون وتضافر جهود الجميع من كتل سياسية ووسائل الاعلام سيسير بالبلد الى الاصلاح وبر الامان " يعود ليقول في نفس الكلمة " مشيرا الى المسؤولين "الكتل السياسية" (أية خطوة نخطوها للاصلاح تقابل بالرفض ومنها ما يتعلق بتخفيض رواتب المسؤولين وكذلك شمول المسؤولين بالقطع المبرمج للكهرباء،" مشيرا في ذات الوقت ان "أكبر هدر للثروات يتمثل بسوء التخطيط والتنظيم المتبع في تنفيذ المشاريع)، بمن تريد إذاً البدء بمشروع الأصلاح أيها السيد العبادي!!؟؟

وعلى خطى حديث الطاغية صدام حسين وخندقه نرى السيد العبادي يقول في كلمته بنفس المؤتمر" اننا اليوم مع شريحة الشباب نسعى للاصلاح وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد لأننا في خندق واحد وليس خندقين، مشيدا بدور الشباب في بناء المجتمع وترسيخ التعايش السلمي ومحاربة داعش اضافة الى محاربة الفساد والتخلف".
كيف يكون المسؤولين الرافضين للاصلاح والناهبين للمال العام في خندق واحد مع شباب عاطل عن العمل ويائس من تحسّن وضعه أيها السيد العبادي؟ كيف يكون المسؤول المرتشي في نفس الخندق مع أرامل لا يستلمن رواتب الاعانة الاجتماعية على شحتّها بأوقاتها وناقصة أيها السيد العبادي؟ كيف يكون المسؤول الذي يصطاف في أفخر الفنادق هروبا من حر العراق القاتل وبين مواطن يضع طفله في سطل ماء قذر لينعشه قليلا من الحر لغياب الطاقة الكهربائية في نفس الخندق ايها السيد العبادي؟ كيف يكون الدعاة والمتحاصصين الطائفيين والقوميين وهم يسكنون قصور الطاغية والاخرى المنهوبة من ابناء شعبنا كالمسيحيين وغيرهم في نفس الخندق مع من لا يملك دارا في بلد دخلت خزائنه بأعترافكم منذ الاحتلال لليوم اكثر من " ترليون دولار!!" ايها السيد العبادي؟

أنت على خطأ كبير أيها السيد العبادي فأنتم وحزبكم ومعكم كل المتحاصصين والمؤسسات الدينية في خندق، ونحن أبناء الشعب الذين نعاني من البطالة والفقر والمرض وأنعدام الخدمات في خندق ثان ، ونراكم غير جديرين بحكم البلد وتهددون أمنه القومي وأستقلاله ووحدته الجغرافية. هناك اليوم في العراق خندقان ، خندق فيه الفساد والرشوة والمحسوبية والميليشيات الطائفية وعصابات الجريمة المنظمة وقوى الارهاب والنهب المنظم لثروات الوطن والخيانة وهم أنتم أضلاع المحاصصة الطائفية القومية ومعكم عصابات داعش وبقايا البعث،  وخندق آخر فيه الجماهير التي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت الى من يقودها لدك خندقكم ومحاكمة النظام الطائفي القومي على جميع ما أقترفه من جرائم لليوم.

أستمرار المظاهرات لحين وضعكم جميعا في قفص الاتهام وبساحة التحرير لتنالوا جزاءكم بحق جرائمكم هو الامر الوحيد الذي سيضع شعبنا بأكمله في خندق واحد.


زكي رضا
الدنمارك
4/8/2015





306
السيد السيستاني هذه نتائج وقوفكم على مسافة واحدة من الجميع

كلما أرى الجماهير تتحرك "أحيانا للأسف" للمطالبة بتحسين ظروف حياتها اليومية البائسة من فقر وبطالة وأنعداما للأمن والخدمات تلك التي تحاصرها وتقمعها سلطات المحاصصة ببلطجتها، وكلما أستمع الى خطبة ممثل المرجعية  الشيخ عبد المهدي الكربلائي معتمد وممثل المرجع السيستاني بمدينة كربلاء في صلاة الجمعة التي تلي او تتزامن مع تلك التظاهرات، كلمّا أشعر بأن شعبنا ومعه حتّى قواه "الحيّة" قد خدرته العمائم بعد أن تنازل طوعا عن حقّه للعيش بشكل كريم مستفيدا من ثرواته الهائلة التي سرقتها الاحزاب الطائفية تحت سمع وبصر هذه المرجعية الدينية. هذه المرجعية التي تحرك الشارع السياسي مثلما تريد بغياب كامل لأحزاب سياسية تقع هذه المهمة على عاتقها أصلاعن هذا الشارع ، وتعاظم دورها السياسي حيث أصبحت مرجعا ليس للمؤمنين من أبناء الطائفة الشيعية وحدها وسياسييهم بل ومرجعا تعود اليه النخب السياسية السنية والكردية في حال حدوث خلافات بينهم وهي من الكثرة حيث يصعب عدّها، كما وإنها نتيجة ضعف الأداء السياسي "لساسة المحاصصة" أصبحت مرجعا سياسيا للكثير من الوفود الاجنبية ومنها أممية للتداول بالشأن العراقي، لكن ليس على أساس إنها طرف سياسي "لليوم" بل جهة معنوية ناصحة وذات نفوذ واسع بين جمهور الشيعة المؤمنين. وخير دليل على نفوذها الذي يفوق نفوذ الدولة هو إعلانها فتوى الجهاد الكفائي للتصدي لعصابات داعش المجرمة بعد فشل الجيش العراقي الفاشل والاجهزة الامنية بالتصدي لهذا التنظيم الهمجي، وقد رأينا نجاح منقطع النظير لهذه الفتوى في تحشيد مئات الالاف من الفقراء والمحرومين للدفاع عن البلد وقد نجحوا بذلك لليوم .

إن تلبية مئات الالاف لفتوى المرجعية  تدل على أمرين هما أنصياع هؤلاء المؤمنون لفتاوها وإعتبارها واجب ديني إلزامي غير قابل للنقاش وهو جزء متجذر في الثقافة الشيعية والاخر هو دراية المرجعية الدينية بما تحتاجه الجماهير والوطن والعمل على تقديم النصح والمشورة والدفاع عن مصالح الناس. لذا نرى السيد الكربلائي يقف كل يوم جمعة ليناقش من خلال خطبته التي تنقلها عشرات وسائل الاعلام الواقع السياسي العراقي لينتقد هنا وينصح هناك بعد أستعراضه للمشاكل العديدة التي يمر بها البلد، ومنها على الاخص واقع الخدمات المزري والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وأحزابها الحاكمة و ملف الامن ومحاربة الأرهاب. وقد تدخلت المرجعية الدينية في النجف الاشرف بشكل فاعل ومؤثر في كتابة الدستور وأجراء الانتخابات. صحيح أنها وقفت الى جانب القوى الدينية الشيعية علنا في الانتخابات الاولى وفق العديد من الاحزاب الشيعية حينها وهذا ما كان عليه ان يكون ولليوم، إذ من غير المعقول بل ومن الغباء السياسي أن ننتظر من المرجعية وقوفها الى جانب نظام ديموقراطي علماني يفصل الدين عن السياسة حتّى وإن كان العلمانيون ملائكة مقارنة بشياطين الاسلام السياسي الذين جعلوا العراق على شفير حفرة من نار.

إن كان من غير المعقول وقوف المرجعية الى جانب نظام علماني ديموقراطي  مثلما ذكرنا اعلاه، الا ان غير المقبول هو وقوف المرجعية على مسافة واحدة من الجميع "الكتل السياسية"، وهذا ما قاله الشيخ الكربلائي في خطبته بمناسبة التحضير لأنتخابات مجالس المحافظات في السادس من حزيران 2008 ، إذ قال في خطبته تلك  إن " المرجعية الدينية العليا تقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والشخصيات التي تشارك في الانتخابات المقبلة"!! . كيف هذا أيتها المرجعية الدينية؟ وهل يمنحكم الدين والشرع حقّا بالوقوف على مسافة واحدة بين الخير والشر!؟، بين الحق والباطل!؟، بين السارق والمسروق!؟، بين القاتل والمقتول!؟، بين الغني الذي يزداد غنى والفقير الذي يزداد فقرا!؟، بين من يتمتع بمباهج الحياة من نهب المال العام وبين الذي لايملك الا قوت يومه إن ملكه!؟ بين من يعيش في جنّة الخضراء وبين من يعيش جهنم الموت اليومي في شوارع غير آمنة!؟ بين أسلامي مرتشي وعلماني نزيه!؟

يقول النبي محمد في حديث له " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان "، فهل منكرات الحكومة الاسلامية بالعراق اليوم نستطيع أن نراها بالعين المجردة ونحسها ونشعر بها أم لا؟ ولكي يكون الايمان قويا علينا اليوم أستخدام القوة لكنس اللصوص والقتلة من الذين وقفتم على مسافة واحدة بينهم وبين الاخرين قبل سنوات، ووقوفكم هذا هو ما أوصلهم لسدة الحكم أيها السيد السيستاني وهو الذي جعلهم طواغيت هذا الشعب جالبين له البلاء والفرقة والموت اليومي. فهل سنسمع من المرجعية  في خطبة الجمعة القادمة كلمة تدعوا الناس علنا للأستمراربالتظاهر وبقوة حتّى كنس اللصوص الاسلاميين من السلطة بعد هذه النتائج المفزعة لبقاء الاسلاميين بالسلطة وفشلهم المدوّي؟ أيهما أهم الانسان العراقي البائس والمحروم أم حكم شيعي على أشلاء هذا الانسان ووطنه؟

الله الله بالعراق وشعبه من لصوص وقتلة الاسلام السياسي أيتها المرجعية الدينية

زكي رضا
الدنمارك
1/8/2015


 

307

وصولكم أيها الاسلاميين الى السلطة هو الذّي دبّر بليل

تعتبر التظاهرات وسيلة من وسائل النضال التي تتبناها أحزاب ومنظمات سياسية ونقابات مهنية كورقة ضغط شعبية وسياسية ضد قرارات حكومية تتعلق عادة بحاجات الناس اليومية أو حقوقها القانونية. وقد منحت جميع الدول لشعوبها من خلال دساتيرها حق التظاهر والتجمع السلمي للتعبير عن مطالبها ومن هذه الدساتير، الدستور العراقي الذي جاء في مادته الثامنة والثلاثون : تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
وفي مادته السادسة والاربعين " لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناءً عليه، على ان لا يمس ذلك التحديد.

كمدخل لمقالتنا هذه وأستنادا لما جاء به الدستور دعونا نتساءل إن كان من حق الشعب العراقي "ذو الترليون دولار!!" التظاهر مطالبا حكومته الأسلامية بتوفير أبسط الخدمات على الرغم من خلو العراق لأحزاب سياسية مهمتها الاساسية هي قيادة التظاهرات المطلبية للجماهير وتصدّرها، أم لا؟. ولكي نجيب على هذا السؤال البديهي ومن دون الخوض في تفاصيل العملية السياسية المصابة بالشلل الرعاشي ما نتج عنه نتيجة أهتزازات رؤوس التنين الطائفي القومي الحاكم تساقط أحجار البلدالواحدة تلو الأخرى على رؤوس البسطاء من شعبه، أن نقرأ تصريحات المسؤولين الشيعة حول مظاهرات جماهير البصرة لتوفير الكهرباء التي صدّرتها دولة القانون المالكية على رغم الحاجة الماسّة لشعبنا اليه الى دول الجوار منذ العام 2013 لتوفير العملة الصعبة التي يحتاجها البلد!! والى تصريحات وزير النقل الشيعي حول تظاهرات عمال السكك ببغداد المطالبين بصرف رواتبهم كي يستطيعوا السفر خارج البلد للأستجمام والهرب من حر بغداد الجهنمي!! لنرى من خلالهما ما هو الامر الذي " دبر بليل" كما يقول وزير النقل "باقر الزبيدي" !!!.

في تظاهرات البصريين ومطالبتهم بتوفير الطاقة الكهربائية خصوصا وإن درجات الحرارة تجاوزة نصف درجة الغليان وبدلا من قيام المسؤولين بإيجاد حلول آنية سريعة لهذه المعضلة التي خرج الناس للتظاهر من اجلها ومجابتها لهم بقوة السلاح وسقوط قتيل وجرحى على الضد من القانون وما جاء به الدستور. نراهم يفتحون نار الاتهامات فيما بينهم لاسباب حزبية وأقتصادية تتعلق بالسيطرة على أغنى مدينة عراقية، واصفين التظاهرات من أنها سياسية الهدف منها أسقاط حكومة البصرة الحكيمية لاعادتها الى حظيرة المالكية أما علاقة "التظاهرات" بتوفير الكهرباء فليست سوى "كلمة حق يراد به باطل" وورائها جهات سياسية مشبوهه. ولم يفّوت زعيم حزب الدعوة هذه الفرصة ليصرح قائلا على "ضرورة مراجعة الفهداوي لسياسته الفاشلة في ادارة الوزارة وتقديم استقالته في حال عدم المقدرة على تقديم الخدمات للمواطنين وان يبتعد عن سياسة المعاقبة لمحافظات معينة ومنها البصرة" متناسيا إن المشكلة تفاقمت في عهده الكارثي ولا أدري لماذا لم يحاسب وزراء كهرباء كابينتيه حينما كان يقود البلد وحزبه من فشل ألى آخر؟

أمّا السيد "الزبيدي" فأنه "يثرد بصف الماعون" عندما صرّح في ردّه على تظاهرات منتسبي السكك ومطالبتهم بدفع مستحقاتهم المتأخرة قائلا " في الوقت الذي كنت فيه اجتمع مع ست شركات عالمية لبناء ميناء الفاو الكبير كانت الأحداث والأخبار تتوالى لكنها لم تؤثر على نجاح اول مؤتمر دولي للاستثمار لميناء الفاو عقد في مطار بغداد وحضرته كبرى الشركات العالمية منها شركة CMA الفرنسية والتي تأتي في التسلسل العالمي الثالث"، مبيناً أنه "بعد التداول مع الشركات مجتمعين ومشاهدة عروضهم عقدنا اجتماعات منفصلة مع كل شركة بحضور الوكيل الفني ومدير عام الموانئ ومدير ميناء الفاو"، وليضيف بعد قطع العمال لبعض الطرق بالعاصمة بغداد إن " ما حدث تقف وراءه جهات سياسية مشبوهة تريد خلق البلبلة والفوضى وإزعاج المواطنين وإحراج الحكومة"!!. لاأدري ما دخل تأخر صرف رواتب العمال ومشروع الفاو الذي سمعنا جعجعته منذ سنوات دون أن نرى طحينه!

الا أن أقوى تصريح للوزير الهمام حول ما حدث في تظاهرات عمال السكك هو إن التظاهرات " أمر دبر بليل"!
عن أي ليل تتحدث أيها السيد الزبيدي؟ ليلكم الاسلامي الذي بدد ثروتنا الوطنية ودمر نسيجنا الاجتماعي ويهدد بشكل جدي مستقبل العراق كبلد، أم ليلكم وأنتم تقتلون كل ما هو جميل بهذا الوطن؟ أم ليلكم وأنتم تغتالون الثقافة وتضعون كواتم أصواتكم في أفواه المثقفين؟ أم ليلكم والتعليم ينحدر نحو هاوية سحيقة ليتشبع الجهل والتخلف؟ أم ليلكم وقواتكم الأمنية الفاشية تعتمد في واجباتها على فتاوى رجال الدين بمهاجمتها للمطاعم وأقلاق راحة المواطنين بأطلاق الرصاص الحي؟ أم ليلكم وأنتم تعتدون على الصحفيين في رابعة النهار دون واعز أخلاقي أو ديني؟ عن أي ليل تتحدث، عن ليلكم وأنت الفاشلون في كل الامور التي تخص البلد ومواطنيه؟ أتحداك أيها السيد "الزبيدي " إن أستطعت أنت وأي سياسي شيعي أن تذكر حسنة واحدة جئتم بها منذ وصولكم الى السلطة ( بأمر دبر بليل) لليوم.

أنكم يا ساسة الاسلام السياسي الشيعي الفاشلون لستم أمرا دبّر لوطننا وشعبنا بليل، بل أنتم الليل الدامس الذي يلف العراق من أقصاه الى أقصاه، ولن ينجلي ليل الوطن الّا برحيل نظامكم الطائفي المحاصصاتي المكروه والمتخلف ومعكم شركائكم في الحكم الى أقرب مزبلة للتاريخ. 

أصعب سؤال أراه اليوم هو ، من لقيادة مظاهرات الناس المطلبية؟


زكي رضا
الدنمارك
30/7/2015

308
إنزلاق المنطقة نحو الحروب بدأ من العراق

من الضروري جدا ونحن نعيش حالة الفوضى السياسية  والحروب الأهلية التي تعم منطقة الشرق الأوسط وخطرها على السلم الأقليمي وتهديد مصالح شعوبها من خلال أنزلاق بلدانها في حروب مباشرة بينهم أو من خلال حروب بالوكالة، أن نحدد سمات الطبيعة السياسية والبشرية للبلد الذي ساهم مساهمة مباشرة في أندلاع الحروب الأقليمية الكبيرة ما جعل المنطقة بالنهاية أن تدخل في دوامة مشاريع دولية تقودها الولايات المتحدة في سعيها لبناء شرق أوسط جديد يقام على أساس ديني طائفي أثني. أما الحديث عن الديموقراطية والعمل على ترسيخها في المنطقة فأنها ليست سوى كذبة كبرى وتبرير للتدخل المباشر بشؤون المنطقة، فأمريكا التي تريد بناء أنظمة ديموقراطية وتداول سلمي للسلطة في ليبيا وسوريا والعراق على سبيل المثال هي على ما يبدو غير أمريكا التي تغض النظر عن أنظمة الخليج ومعاداتها لكل ما يمت للديموقراطية بصلة، ولا تفكر مطلقا بأي تداول سلمي للسلطة فيها الا اذا كانت الزعامة الوراثية في عوائل فاسدة هي شكل من أشكال الديموقراطية وفق رؤيتها  الأنتقائية لهذه الديموقراطية! وهي بنفس الوقت غير أمريكا التي وقفت بكل ثقلها الى جانب الأخوان المسلمين في مصر وهم يعملون على تحويل نظام الحكم فيه الى نظام ثيوقراطي كان يعمل وبمساعدة خليجية على جعل أكبر بلد عربي رهينة بيد الاخوان المسلمين وباقي الحركات الاسلامية  لتعود به عشرات العقود الى الوراء، كي تكون مصر بثقلها الكبير بوابة الأنطلاق لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي لازال العمل به جاريا كونه هدف ستراتيجي لامريكا واسرائيل في تفتيت دول المنطقة وأضعافها لآماد غير محدودة، وهي غير أمريكا التي تريد بناء نظام ديموقراطي تحت سطوة الميليشيات التي تقودها أحزاب أسلامية بالعراق، هذه الأحزاب التي تعمل على بناء نظام أسلامي بشكله الأكثر تشوها من خلال أبتعادها عن التحضر والمدنية والتي تعتمد في حكمها على طائفية مقيتة.

لا يتميز العراق عن غيره من بلدان المنطقة من حيث التنوع الديني والقومي والمذهبي،  الا أنه يتميز بالقسوة المفرطة من سلطاته المختلفة في تعاملها مع هذا التنوع منذ بداية تأسيس الدولة ليومنا هذا. فالسلطات العراقية المختلفة لم تستطع ان تخفف من عمق الخلافات العربية الكردية  المتشنجة طيلة تاريخها الممتد لتسعة عقود والتي بدأت بالمعارك التي خاضتها ضد الكرد بقيادة الشيخ محمود الحفيد سنة 1921 وعشرات المعارك غيرها لينهيها النظام البعثي بقسوة كبيرة في قصفه لمدينة حلبجة بالغازات السامّة وتغييبه ما يقارب لـ 182000 مواطن  كردي بريء في ما يسمّى بعمليات الأنفال. ولا يجب أن نغفل ونحن نقول بقسوة الانظمة المختلفة وتعميق الخلافات بين القوميتين الأكبر بالعراق،  تعمد السلطات المختلفة تقريبا وسلطة البعث خصوصا في أهمال المدن والبلدات والقرى الكردية وأستثنائها من مشاريع التنمية، وقيامها بتدمير ما يقارب خمسة آلاف قرية كردية وتهجير قاطنيها الى معسكرات "سكنية" أشبه بمعسكرات الاعتقال النازية وأعتبارها " القرى" ساحات حرب يقتل من يعود اليها. هذه القسوة دفعت الكرد بالنهاية وبعد فشل أنتفاضة آذار 1991 التي قمعتها سلطة البعث بقسوة مبالغ فيها كالعادة وبمساعدة أمريكا وحلفائها الى أعلان شبه دولة ليتعمق بعدها الخلاف العربي "السني" الكردي. الذي تحوّل الى خلاف عربي "شيعي – سني " كردي عهد رئيس الوراء السابق السيد "نوري المالكي" الذي نجح ومعه السيد "مسعود البارزاني" بسياساتهما المصلحية المتشنجة تجاه بعضهما البعض في تحويل الصراع العربي الكردي ولأول مرّة بتاريخ العراق الى صراع على مستوى الشارع، وهنا تكمن الخطورة إذ من المحتمل جدا وبعد أنتهاء الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي وفي حالة ما بقيت الخلافات بين المركز والأقليم التي يديرها صقور الطرفين لأسباب حزبية وفئوية ولسعة الفجوة بين الشعبين، أن تشتد بين الطرفين " الخلافات" أكثر حول تصدير النفط والمادة 140 والميزانية وغيرها من المشالكل العالقة وبدفع من قوى دولية وأقليمية  لبروز صراع جديد أكثر خطورة من الصراع الطائفي الذي عاشه العراق سنوات ما بعد 2006 خصوصا وأن ميزان القوى قد تغير بعض الشيء لصالح السلطة "الشيعة" التي حصدت بعض الأنتصارات في حربها ضد تنظيم داعش الأرهابي، ما يجعلها أن تكون ذات ظهير شعبي "عشائري – ميليشياوي" وهي تخوض صراعا قادما محتملا ضد الكرد.

أن عمق الخلافات العربية الكردية يقابله خلافا عميقا آخرا بين شيعة العراق وسنّته، هذا الخلاف كان واضحا لحدود  طيلة تاريخ الدولة العراقية عدا فترة ثورة 14 تموز " بدأت خلافات الثورة مع الكرد عام 1961". فشيعة العراق تعرضوا لقسوة كبيرة طيلة تاريخ العراق الحديث حتى ساعة أحتلاله، فالحكومات العراقية المختلفة كانت تنظر اليهم بأستمرار على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وطابورا خامسا فلم يكونوا كنظرائهم السنة يحصلون على مراكز مؤثرة في مواقع الدولة المدنية منها والعسكرية، وكان الكثير منهم ومعهم الكرد الشيعة المعروفين بأسم (الكرد الفيلية) لازالوا يحملون شهادات جنسية عراقية تعتبرهم من التبعية الأيرانية عكس العرب السنّة الذين يعتبرون مواطنون أصلاء ومن الدرجة الاولى كونهم من التبعية العثمانية في مفارقة غريبة لمثل هذا القانون الذي يعتبر التبعية للأجنبي أساسا للمواطنة! أن التهميش الكبير للشيعة ومحاربتهم حتى في ممارسة طقوسهم  من قبل السلطات العراقية ومن خلال سلطة البعث على الخصوص، ولأنهم كأغلبية كانوا وقودا لحروب الحكومات المختلفة الداخلية منها والخارجية، ولكثرة عدد ضحاياهم في الحروب الداخلية والحرب العراقية الأيرانية وحرب الكويت دفعتهم ومعهم باقي أبناء الشعب العراقي عدا سنّة العراق في محافظاتهم الأربع والتي أسماها النظام بالمحافظات البيضاء، أن يفجروا أنتفاضة آذار أثر أنسحاب الجيش العراقي المخزي من الكويت. وكما مع الكرد فقد تعامل النظام البعثي مع الشيعة بعد فشل الأنتفاضة بقسوة قلّ مثيلها "أستخدمها رفاقهم البعثيون السوريون في حمص وحماه" بين أنظمة الحكم في المنطقة ، حين دُكّت مدنهم المقدسة بعشرات الصواريخ ودفن الآلاف منهم في مقابر جماعية لازال العديد منها مجهولا. ونحن نتناول قسوة السلطة  في تعاملها مع العرب الشيعة والكرد علينا أن لا نغفل عن دورها في عملية أفراغ العراق من أتباع الديانات الأخرى غير الاسلام من البلد، فاليهود العراقيين تعرضوا لعملية تهجير بشعة  "الكرد الفيليون لاحقا" أقترنت باسوأ مصطلح عرفه شعبنا وهو "الفرهود" وفتحت السلطات الباب أمام هجرة الآلاف من المسيحيين حينما كانت تمنع غيرهم من السفر، كل هذا لأجل التغيير الديموغرافي وأنهاء التنوع الديني والمذهبي والقومي في البلد. وقد أدّت هذه الممارسات الشوفينية والطائفية بالنهاية الى فشل السلطات العراقية المختلفة ومنها سلطات اليوم في تشكيل هوية وطنية بين أبناء البلد الواحد، هذا الفشل في تشكيل الهوية الوطنية هو الذي يعزز اليوم مواقع القوى الطائفية والقومية بالسلطة على حساب مستقبل البلد ووحدته وتطلعات شعبه للعيش بكرامة وهذا الفشل نفسه هو المسؤول عن عدم أستقرار البلد منذ الاحتلال لليوم.

أن قسوة السلطات المختلفة وعلى الأخص سلطة البعث الثانية لم تقتصر في تعاملها مع المواطنين فقط بل تعدّتها الى قسوتها في تبديد ريع الصادرات النفطية وهي الدخل الأكبر والأهم للدولة في بناء جيش من أكبر الجيوش في المنطقة وتسليحه بمختلف أنواع الأسلحة التي دُمرّت في معارك خاسرة ولتباع أخيرا الى بعض دول الجوار كخردة، وتبقى قسوة سلطة البعث على الارض الزراعية العراقية وموارد البلد المائية شاهدا على وحشية هذا النظام الذي حوّل العراق من بلد ذو أكتفاء ذاتي من المحاصيل الزراعية الى بلد مستورد لها، كما تسبّب من خلال تجفيفه للأهوار وتغيير مجرى بعض الأنهر في تغيير كبير بالمناخ وزيادة التصحر ليهدد بجريمته هذه المستقبل الغذائي لأجيال عديدة قادمة. ولكي نكون منصفين في موقفنا من تبديد الثروة الوطنية عهد البعث الاسود علينا الأشارة الى تبديد أكبر وأوسع لهذه الثروة والتي لم تدخل الخزينة العراقية مثلها على مر تاريخ العراق من قبل حكومات المحاصصة. ولو أردنا الدقّة اكثر فاننا أمام أكبر سرقة وتبديد لهذه الثروة بالتاريخ من قبل الاحزاب الطائفية والقومية المتنفذة، عندما نعرف أن مجموع ما دخل الخزينة العراقية من أموال نتيجة تصدير النفط منذ بدء التصدير لحد 9 نيسان 2003 لا يساوي ما دخل الخزينة خلال فترة ما بعد الاحتلال الامريكي ولليوم دون أن تبني قوى المحاصصة مشفى واحد أو معملا واحدا على سبيل المثال طيلة فترة حكمها منذ الأحتلال لليوم، علما إن ما دخل الخزينة العراقية وفق بعض الارقام وصل الى 1000 مليارد دولار.


لقد بدأ الفرز الطائفي على مستوى الدول في المنطقة مباشرة بعد نجاح الثورة الأيرانية وأعلان قيادتها عن عزمها على تصدير الثورة، ما جعل السلطات السنّية في العراق والسعودية والبحرين والكويت والتي يتواجد فيها مواطنون شيعة من تعزيز قبضتها عليهم وتهجير مئات الآلاف منهم كما جئنا على ذكره من العراق وأستيراد الالاف من السنة العرب والآسيويين ومنحهم الجنسية في البحرين لتغيير الطبيعة الديموغرافية  فيها لصالح السنّة، هذا الفرز الطائفي ظهرت آثاره لاحقا وان بدرجات متفاوتة في بلدان عدّة من بلدان المنطقة. فلو تجاوزنا لبنان لعودة بوادر النزاع فيه الى عام 1975 والتي استمرت لما يقارب الـ15 عاما، فأننا سنرى نزاعا طائفيا في المنطقة يبدأ من العراق الذي ورث معارك جرت على أرضه بين فرق اسلامية عديدة منذ مقتل عثمان بن عفّان ليومنا هذا مرورا بالصراع الصفوي العثماني الذي كانت تدور رحى معاركهم في العراق لما يقارب الثلاثة قرون ذهب ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين سنّة وشيعة.

في بدايات القرن الماضي نشأت حركات أصلاح عربية وإن على نطاق ضيّق بالبداية نتيجة شيوع الأمية بمعناه اللغوي والفكري لأبتعاد البلدان العربية "عدا لبنان لحدود" عن التواصل الفكري والثقافي والأدبي والفلسفي مع الغرب لعقود طويلة، وحالما أستطاعت هذه الحركات الأصلاحية بعد عقود قليلة  أن تترجم نشاطاتها من خلال شعاراتها القومية لتشكل احزابها فأنها لم تجد مفرا وهي تعيش بين مجتمع متخلف نتيجة طول فترة الاحتلال العثماني لها وذو جذور دينية، الا ان ترتكز على الأسلام كدين وفلسفة وأن لم تكن تبغي ذلك في قرارة نفسها لتضعه في صلب شعاراتها وأدبياتها مستفيدة من  عملية تحديث الفكر العربي الأسلامي التي بدأت عهد "محمد علي باشا" في مصر وأمتدت الى بلدان عربية عدّة وفي مقدمتها بلدان المشرق العربي في الشام والعراق تلك التي حمل رايتها طلائع المثقفين القوميين . فالمثقف القومي وهو يعمل ضمن هذه الأحزاب ومنها البعث وضع قوالب قومية "دينية" لا يمكن الخلاص منها فعندما يتحدث عن التراث فأنه يعني التراث العربي – الأسلامي وعندما يتحدث عن التاريخ فأنه يعود بذاكرته الى التاريخ العربي – الأسلامي وعندما يجادل بالفكر فأنه يجادل بالفكر العربي الأسلامي وهكذا. فعلى رغم الخلاف الكبير بين الأسلام الذي يعتبره الأسلاميون مفهوما أوسع بكثير من القومية "العروبة هنا" وبين القومية العربية فأننا نستطيع أن نتوصل الى الهدف الذي تبتغيه هذه الأحزاب خصوصا تلك التي قادت بلدان متعدة القوميات والاديان والمذاهب كالعراق، هذا الهدف هو أحتواء أو أذابة جميع المسلمين من قوميات غير عربية والذين يتحدثون لغات غير العربية في بوتقة القومية العربية عن طريق الأسلام. وإذا ما أردنا أن نعود الى جذور التزاوج القومي الأسلامي من ناحية التراث الذي يستند عليه القوميون والبعثيون ونبحث بدقة في العلاقة بينهما فأننا نراهما لا يتمايزان عن بعضهما كونهما يتغذيان من بيئة تراثية واحدة. ان الأنظمة القومية العربية ومنها من حكم العراق ليست الوحيدة في نظرتها تجاه القوميات التي تعيش في بلدانها ومحاولة تذويبها في بوتقة قوميتها الرئيسية، بل تشترك معه بلدان أخرى كتركيا وأيران في عهديهما العلماني والأسلامي.

على الرغم من أن الأسلام بالأحرى وليست العروبة هو الذي حمل راية تقدم المجتمعات الاسلامية في بعض جوانب الحياة والمعرفة عن طريق الشعوب التي دخلت الاسلام بحد السيف والتي يطلق عليها أسم الفتوحات - الاحتلال - فأن المثقفين الاسلاميين يعيدون " ثورية" الاسلام  الى محاولته الاولى عهد محمد في انهاء حالة التشرذم القبلي والعشائري في طريقه لبناء دولة قومية عربية - اسلامية قوية، وإذا أخذنا وجهة نظرهم هذه وقارنّاها بما يجري اليوم في غالبية البلدان الاسلامية ومنها العراق  فأننا سنصل الى نتيجة تدل على فشل تلك السياسة والاستراتيجية التي حملها الاسلام معه وتقهقره الى نقطة الصفر، كون القبائل والعشائر اليوم  هي التي تتحكم بمفاصل العديد من البلدان الاسلامية وشعوبها وهي تعيد وفق الرؤية الفكرية للاسلام نفسه وليس غيره عن طريق أطنان من التفسيرات غير العقلانية لنصوص الدين، هذه الشعوب الى عصر الجاهلية التي عمل الاسلام على "نبذها" لهدف أكبر حينها. وهذا يجعلنا ان نستخلص فشل ما يسمى بالاحزاب الاسلامية اليوم وهي تعمل في بيئات عشائرية وقبلية محضة وتتغذى عليها كما الفطريات في قيادة الدولة والمجتمع. وأذا كان الأسلام يريد وقتها أخراج العرب من براثن الجهل والتخلف "بثوريته" فأن الواقع الذي تعيشه الشعوب التي تعتنقه اليوم وعلى رأسها الشعوب العربية يشير الى عودة مفزعة الى واقع اكثر جهلا وتخلفا وتشرذما أذا ما وضعنا امكانيات البشرية اليوم والأمس من علوم وفنون وثقافة وغيرها من سبل المعرفة في كفتي ميزان.

لم يكن حزب البعث العربي الأشتراكي وغيره من الاحزاب القومية كالأحزاب الناصرية والتي تدور بفلكهما  بعيدين عن تلك التشكيلات والأرهاصات الاولى لحركات الاصلاح العربية فكريا، كما أنهما لم يكونا بعيدين أيضا عن فكرة تزاوج الاسلام "الثوري" مع القومية العربية،  التي شغلت مساحة واسعة من المشهد السياسي لتلك الفترة مع الفكر اليساري خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والعمل من خلال هذا التقارب على محاولة أستنهاض الشعوب العربية  لخوض معارك "مصيرية" خصوصا بعد الهزيمتين العربيتين الكبيرتين والتي يطلق القوميون العرب والبعثيون عليها النكبة والنكسة على التوالي وهما في الحقيقة هزيمتان ثقيلتان مهدتا لاحقا لهزيمة كاملة للفكر العربي. هذا الفكر الذي كان يقود البلدان العربية بأحزاب السلطة حفر قبرا عميقا لبلدانها بعد ان تشوهت كل ملامح التنمية وخططها ولتبدد الثروة الوطنية لبلدانها في مجال التسليح وسوء الأدارة وليزداد الفقر بين ابناء "شعوبها". أن فشل الاحزاب القومية ومنها البعث بحل مشاكل شعوبها الأقتصادية والأجتماعية ومغامراتهم العسكرية أضافة الى قمعهم للقوى اليسارية وغزلهم مع القوى الاسلامية وخصوصا مصر عهد السادات أدى بالنهاية الى وقوع الدول العربية في براثن الاسلام السياسي.

إن القمع الوحشي لأنتفاضة آذار 1991 من قبل البعث كان بوابة لدخول العراق في أتون صراع طائفي شيعي - سني ليس على مستوى الشارع العراقي كما اليوم  لقسوة السلطات حينها في تعاملها مع مثل هذا الصراع، بل الى حركات المعارضة العراقية في المنفى التي بدأت منذ ذلك التاريخ بالتكتل على أسس طائفية شيعية وقومية كردية بالأساس لعدم ثقل اليسار العراقي والقوى الديموقراطية وضعف حركات القوميين العرب على محدوديتها. أما سنّة العراق فلم يكونوا جزءا من التكتلات السياسية خارج الوطن كونهم لم يعارضوا النظام بشكل عام بل عملوا على ربط أنفسهم للأسف الشديد ولليوم مع النظام والبعث. فعدم مشاركة المحافظات "السنية" الاربع في الانتفاضة ضد نظام البعث كان من الاسباب التي ادت الى فشل الانتفاضة حينها، ولو كان أبناء هذه المحافظات قد أنظموا الى جماهير شعبنا وقتها لتجنب بلدنا كل سنوات الحصار ومآسيه ولكان العراق ليس كعراق اليوم.     


هناك العديد من السياسيين والمثقفين من الذّين يحاولون جهد الأمكان ولعدم رغبتهم في تحديد مواقع الخلل البنيوية في المجتمع العراقي وغياب الروح الوطنية عند قطاعات ليست بالقليلة منه،  القفز على حقيقة مهمة جدا وواضحة للعيان وهي أن العراق في أفضل حالاته كان عبارة عمّا يشبه الكانتونات الطائفية والقومية حتّى في المدن المختلطة سكانيا. فالمدن والبلدات في أقليم كردستان كانت ولازالت ذات صبغة كردية ونادرا ما ترى فيها وجودا عربيا عدا موظفي الدولة من خارج الأقليم وأجهزة الأمن والأستخبارات وقوى الجيش، ونفس المظاهر لكن بشكل طائفي نراها في مدن الأنبار وصلاح الدين  والنجف وكربلاء والعديد من مدن وبلدات الفرات الاعلى وحوض دجلة. ولو أخذنا مدينة بغداد كمدينة ذات خليط سكاني ديني وطائفي وقومي فأننا نستطيع ان نحدد أسماء هذه الكانتونات وطبيعتها الطائفية او الدينية او القومية، فالأعظمية سنّية والكاظمية شيعية ومنطقة الفضل سنية والمناطق المحيطة بها كعقد الاكراد شيعية والثورة شيعية والبتاويين مسيحية ومنطقة التوراة في شارع الكفاح " غازي سابقا" كانت يهودية وكمب الارمن أرمنية وهكذا.

من الطبيعي أن لا يبقى الصراع السني الشيعي حبيس العراق لوحده خصوصا بعد أحتلال العراق وحلّ مؤسساته الأمنية والعسكرية من قبل الحاكم الامريكي " بريمر" وهو نفسه مهندس نظام المحاصصة الطائفية القومية الذي جعل العراق دولة منهارة بمعنى الكلمة وبكافة المجالات. فمثلث المحاصصة الشيطاني الذّي جاء به المحتل الأمريكي لم يبقي نتيجة صراعاته الغبية وفساده من العراق الا أشلاء بلد وشعب ممزق دينيا وطائفيا وقوميا. إن غزو العراق كما جاء في العديد من الوثائق كان له هدف واحد لاغير وقد نجح الأمريكان فيه نجاحا منقطع النظير، هذا الهدف لم يكن سوى أذكاء الحرب الطائفية التي رفعت راية تقسيم العراق عاليا، وقد ساهمت أضلاع مثلث الشيطان التي تتحكم بسياسة البلد اليوم في تطبيق الخطّة الامريكية - الأسرائيلية  بنجاح كبير أمّا الحديث حول بناء نظم ديموقراطية فأنه ليس سوى أضغاث أحلام .

إن موقع العراق الجيوسياسي والذي كان مسرحا لحروب طائفية طاحنة عهد الصراع العثماني الصفوي ناهيك عن الصراعات الطائفية بين أبناء شعبه والحروب التي خاضها المسلمون ضد بعضهم البعض  منذ الأحتلال الأسلامي لليوم، يؤثر "موقعه" بشكل مباشر على محيطه الأقليمي سلبا وأيجابا. وإذا كان مارد الصراع الطائفي بالعراق لقرون عديدة قد ظل حبيس قمقمه العراقي من دون أن يؤثر بمحيطه فأنه وبعد الأحتلال الامريكي إنطلق بكل عنفوانه ليكون سببا لصراعات حتّى في بلدان متجانسة قوميا ودينيا وطائفيا مثل ليبيا على سبيل المثال. وهنا تحديدا علينا البحث عن الأسباب التي أطلقت مارد الطائفية من قمقمه العراقي وجعله يحلّق عاليا في سماوات البلدان العربية مهددا وحدة ترابها ومستنزفا ثرواتها ومعرقلا بالتالي مستقبل أجيالها القادمة لحدود بعيدة و قاسية.     

إن مهاجمة الكويت وإحتلالها من قبل النظام البعثي "المنهار" كان بداية النهاية لأنهيار حلم وطموح المشروع  القومي العروبي، هذا المشروع الذي فشل في بناء الدولة الوطنية نتيجة أستخدام الأنظمة العربية ومنها القومية العنف الممنهج حيال شعوبها وسعيها في طريق بقائها بالسلطة  الى تشويه البنية التقليدية لمجتمعاتها، بل وصل الأمر بها الى التدخل بشكل إرهابي في حياة الناس اليومية. فالمواطن كان يشعر بأنفاس الأجهزة الأمنية حتى داخل غرفة نومه ما اضطره  الى ان ينغلق على نفسه خوفا من تبعات أي أمر تعتقده السلطة جريمة، وقد وصل أرهاب السلطة بالعراق مثلا الى الحد الذي أبتعد فيه المواطنين عن تسمية أبنائهم بأسماء معينة تضعهم وأبنائهم في دائرة الشك عند مراجعة دوائر الدولة وخصوصا العسكرية والأمنية.

أن حرب تحرير الكويت والحصار الأمريكي للعراق رسَما سياسة جديدة - قديمة الهدف منها تحطيم حدود سايكس بيكو ورسم خارطة جغرافية جديدة تأخذ بنظر الأعتبار أمن أسرائيل بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق ولتأكيد وجهة النظر هذه علينا العودة الى أتفاقيات " أوسلو" إذ كان الامريكيون وهم يضغطون على الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" ليوقع على الأتفاقية صريحين جدا عندما قالوا له "إعلم أنك من منطقة قابلة لتعديل الحدود والبشر في أي وقت".

لقد كان العراق نتيجة السياسات المغامرة لسلطة البعث الركن الاساس في بعثرة الاوراق السياسية بالمنطقة العربية، فبعد الحرب العراقية الأيرانية والتي دخلها مدللا بدعم سعودي - خليجي - عربي غير محدود، عاد وبعد عقد من زمن تلك الحرب ليكون نتيجة مغامرة الكويت نظاما مكروها من جميع البلدان العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج الأخرى. ولعدم قدرة النظام "حتّى ساعة إنهياره" من إيجاد حلول لأزماته العديدة نراه يهرب للأمام في حملة "إيمانية" ليؤكد على غياب العقل العربي والأسلامي في حل المشاكل التي يواجهانها منذ إنهيار الدولة العبّاسية لليوم.

إن الحروب الطائفية والأهلية التي نراها اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومحاولات إذكائها في مصر وتونس والجزائر لها إضافة الى البعد الديني والطائفي وهو الواضح للعيان من خلال الصراع بين أيران وحلفائها الشيعة  في العراق وسوريا واليمن ولبنان  وبين السعودية وبلدان الخليج وحلفائهم من الدول السنّية ، بعدا آخر هو البعد الاقتصادي، متمثلا بالغاز القطري وطرق تصديره الى أوربا. وإذا كانت السعودية ومعها بلدان الخليج والدول الأقليمية الاخرى لعبت وتلعب دورا مهما في أستمرار الصراع الطائفي بالعراق من أجل تحجيم أيران وبحجّة الدفاع عن السنّة، فأن قطر تلعب دورا أكبر من حجمها بكثير وهي تبحث عن طرق مواصلات لتصدير غازها الى أوربا. وفي طريقها هذا عملت على إنهيار الأوضاع الأمنية في سوريا بدعمها وتمويلها للمجموعات الارهابية الأسلامية بعد رفض سوريا طلبا قطريا لمرور غازها الى أوربا عبر تركيا والتي تتعارض مع سياسة سوريا بالألتزام في أتفاقاتها مع حليفتها روسيا التي تحاول قطر منافستها في سوق الغاز الاوربية. كما وإن قطر ومعها بلدان الخليج الأخرى عملوا بالأضافة الى سعيهم للهيمنة على العالم العربي والذي نجحوا فيه الى حدود بعيدة نتيجة أمتلاكهم للثروة، الى محاولات عديدة من أجل إبقاء الحصار مستمرا على أيران التي تشترك مع قطر في إمتلاك غاز حقل الشمال الذي يمثل اكبر حقول الغاز بالعالم، والذي تستغله قطر لوحدها نتيجة حصولها من الشركات الغربية على التكنولوجيا التي تساعدها على تجميد الغاز المستخرج وتحويله الى غاز مسال لغرض تصديره. 

إن الأسلام السياسي الذي ورث الأنظمة القومية العروبية  التي فشلت في ترجمة شعاراتها طيلة نصف قرن ليس بأفضل حالا منها بل على العكس تماما،  فالأنظمة القومية العروبية بان فشلها في تلبية حاجات بلدانها بعد مرور عقود على وصولها للسلطة على عكس الأسلام السياسي الذي فشل في تجربته منذ الدقيقة الأولى سواء كان على رأس السلطة كما بالعراق والسودان ومصر مثلا أو في المعارضة كما في سوريا والجزائر. كون هذا الاسلام السياسي تفرقه نقاط اكبر مما يوحدها سياسيا ودينيا ومذهبيا. إن الشعوب العربية كما مرّت بفترة العهد القومي العروبي وتذوقت فشل مغامراته فأنها تمر اليوم بتجربة الأسلام السياسي الأكثر بشاعة من سلفه. وإذا كان الإسلام السياسي قادرا اليوم نتيجة خطابه الطائفي ليس الّا على أستقطاب الجماهير التي كانت موزعة الولاء بين القوميين واليساريين لعقود، فإنه ونتيجة عدم أمتلاكه لبرنامج سياسي قادر على حل المعضلات والمشاكل التي تمر بها المجتمعات العربية فأنه سيترك مكانه كما القوى القومية العروبية لقوى جديدة تنهض من تحت ركام الخوف والجهل والخراب، لكن بعد أن تدفع هذه الشعوب نتيجة غياب القوى السياسية القادرة على ترجمة مأساتها وأنتكاساتها ومطالبها للعيش كالبشر، الثمن غاليا وغاليا جدا من أرواح أبنائها وثرواتها.

وكما كان العراق هو الركن الأساس في أندلاع الحروب بالمنطقة العربية "عدا الحروب العربية – الأسلامية" فإنه سيكون الركن الاساس في أنتهاء الصراع الطائفي إذا ما إستقرّت أوضاعه، وهذا الأستقرار ليس شأنا داخليا ولا رأي فيه للعراقيين مطلقا. بل هو شأن إقليمي تتحكم فيه إيران الخارجة من أصعب مفاوضات مع الغرب وعلى رأسها أمريكا منتصرة، والسعودية ومعها بقية بلدان الخليج التي تنظر الى هذا الأنتصار بمرارة، كما وإنه شأن دولي تتقاطع فيه مصالح بلدان عديدة على رأسها الولايات لمتحدة الامريكية وإسرائيل. فهل هناك ضوءا في نهاية النفق العراقي المظلم بعد الأتفاق الأيراني - الأمريكي حول البرنامج الايراني النووي؟ وهل هناك ملاحق سرية ترسم ملامح الوضع السياسي المستقبلي بالمنطقة؟

الاوهام عادة ما تعيش طويلا.

زكي رضا
الدنمارك
25/7/2015

 

309

المالكي يُكَذّب الله!!

لم تصل الطائفية السياسية بالعراق حدّا من الوقاحة التي الهدف منها تمزيق الصف الوطني أكثر مما هو ممزق اليوم الا على أيدي "ساسة" يريدون تصّدر المشهد السياسي دوما على الرغم من فشلهم الذريع في أدارة الدولة والمجتمع لسنوات طويلة كانوا فيه على رأس السلطة. ولم تصل الطائفية السياسية مرتبة من الأجرام حتّى بحق القرآن الذي يتباكى عليه الطائفيون من أنه والدين الأسلامي أصبحا غريبين! ما تسبب نتيجة سوء تفسيره الى أن ترتكب جماعات أسلامية باسمهما المجازر كما الصراع الطائفي الشيعي السني بالعراق وغيره من البلدان أو تلك التي ترتكبها عصابات داعش الارهابية وقبلها تنظيم القاعدة الأرهابي ألا في وقتنا هذا.

أن يركب المعممّون الموجة الطائفية ويفسروا التاريخ والأحداث الأسلامية منذ سقيفة بني ساعدة لليوم وفقا لنظرة مذهبية وطائفية ضيقّة والتي ساهمت بمعارك ومجازر كبرى بحق المسلمين وغيرهم من شعوب البلاد الموطوءة قد يكون مقبولا كونهم " المعممّون" ليسوا سوى تجّارا يسوقون الدين بأتجاه مصالحهم الكهنوتية المرتبطة دوما بالسلطة وطبيعة نظامها. أما أن يأخذ "سياسي" في بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب والطوائف مكان المعمّم ليقوم بتناول التاريخ الأسلامي وتفسير أحداثه بشكل يؤدي الى تمزيق النسيج الأجتماعي لشعب يقول أنه وحزبه يعملون على أزدهاره ورفاهيته من خلال بناء الوطن!! فإن الأمر هنا بحاجة الى وقفة طويلة وعدد كبير من الأسئلة تبدأ بماذا يريد هذا " السياسي"؟ وتنتهي بنتائج سياسة هذا "السياسي" وتأثيرها على المشهد السياسي الذي في حالة العراق اليوم ليس رثّا بل ممّزقا الى حدود بعيدة، وما بين هذين السؤالين من جرائم أرتكبت وترتكب وسترتكب بحق العراق شعبا وأرضا من قبل أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بالعراق فسادا وقتلا ونهبا وتدميرا. 

لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل كتابة القرآن والذي كان يكتب دون تنقيط على الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ و اللِّخَافِ وجُمعَ لأول مرّة عهد أبي بكر خوفا عليه، بل أريد أن أتناول حديثا لزعيم حزب الدعوة أي المالكي في ندوة له أتّهم فيها أمام جمع من الحضور بعد أن لبس "الجلباب والعِمّة" وفي محاولة مستمرة له في تكريس طائفيته وحزبه  تناول تاريخ جمع القرآن من وجهة نظر طائفية بحتة، متهما المذهب السنّي دون تسميته من أنهم منافقين قد حرقوا كل نسخ القرآن وكتبوا آخرا بدله ليس فيه تهميش أو تفصيل! علما أن القرآن كان يحفظ أول نزوله ولفترة متأخرة عند المسلمين كما كان أسلافهم يحفظون الأشعار، كما ولم تنقل لنا كتب التاريخ أمرا عن التهميش في القرآن وقتها ولا زال القرآن لليوم غير مهمّش بل هناك تفاسير عديدة لما جاء به من آيات ووقت وأسباب نزولها ومن هؤلاء المفسّرون من هو شيعي.

إنّ الآية التاسعة من سورة الحجر في القرآن هي ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون )، ولا أريد هنا أن انقل تفسير هذه الآية عند المفسرين السنّة كالطبري والفيروز آبادي والزمخشري وغيرهم الكثير، بل سأتناول ما جاء عند المفسّرين الشيعة ومنهم "آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي" في تفسيره المسمّى " الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل ". وسأنقل هنا تفسير الآية من كتابه هذا نصّا لأبيّن أن المالكي يكذب على الله عندما يدّعي بشكل غير مباشر على تحريف القرآن أو العبث به لأسباب سياسية تتعلق بالعداء لآل بيت النبوة علما أن هناك حديث عند الشيعة وله جمهور واسع من السنة يقول عن لسان النبي محمد " إني تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي"، ولو أفترضنا عدم صحّة هذا الحديث الذي يناقض تهمة المالكي بحذف كل أشكال التهميش في القرآن لأسباب شتّى ويؤكد على أن القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه الذي كان قبل الحرق أو بعده،  فهل علينا ان نذهب مع زعيم حزب الدعوة الى ابعد من ذلك أي الى تكذيب الله الذي يقول في القرآن ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )؟

لنرى هنا ما يقوله الشيرازي في تفسيره للآية أعلاه ولنرى هل أن الله حافظ على وعده من خلال الآية المكّية هذه والتي تعني ان الله بشّر المسلمين بحفظ كتابهم في حياة النبي وقبل ان يُجمَع القرآن مرّة عهد أبي بكر واخرى عهد عثمان، وهل علينا تصديق الله أم زعيم حزب الدعوة الأسلامية نوري المالكي؟

يقول  المفسّر " الشيرازي " في تفسيره للآية ما يلي :

 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ "9 "
 التفسير
حفظ القرآن من الحديث
 بعد أن استعرضت الآيات السابقة تحجج الكفار واستهزاءهم بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن، تأتي هذه الآية المباركة لتواسي قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة ولتطمئن قلوب المؤمنين المخلصين من جهة أُخرى، من خلال طرح مسألة حيوية ذات أهمية بالغة لحياة الرسالة، ألا وهي.. حفظ القرآن من أيادي التلاعب والتحريف (إِنا نحن نزلنا الذكر وإِنا له لحافظون).. فبناء هذا القرآن مستحكم وشمس وجوده لا يغطيها غبار الضلال، ومصباح هديه أبدي الإِنارة، ولو اتحد أعتى جبابرة التاريخ وطغاته وحكامه الظلمة، محفوفين بعلماء السوء، ومزودين بأقوى الجيوش عدّة وعتاداً، على أن يخمدوا نور القرآن، فلن يستطيعوا، لأنّ الحكيم الجبار سبحانه تعهد بحفظه وصيانته.
وقد اختلف المفسّرون في دلالة (حفظ القرآن) في هذه الآية المباركة:

1 ـ قال بعضهم: الحفظ من التحريف والتغيير، والزيادة والنقصان.
2 ـ وقال البعض الآخر: حفظ القرآن من الضياع والفناء إِلى يوم قيام الساعة.
3 ـ وقال غيرهم: حفظه أمام المعتقدات المضلة المخالفة له.

بما أنّه لا يوجد أي تضاد بين هذه التفاسير وتدخل ضمن المفهوم العام لعبارة (إِنّا له لحافظون) فلا داعي لحصر مصاديقها في بُعد واحد، خصوصاً وإِن «لحافظون» ذُكرت بصيغة مطلقة وليس هناك ما يخصصها.

والصحيح، وفقاً لظاهر الآية المذكورة، أنّ اللّه تعالى وعد بحفظ القرآن من جميع النواحي: من التحريف، من التلف والضياع، ومن سفسطات الأعداء المزاجية ووساوسهم الشيطانية.
أمّا ما احتمله بعض قدماء المفسّرين بأنّه الحفظ على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار أن ضمير «له» في الآية يعود إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالة إِطلاق لفظة «الذكر» على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الآيات، فهو احتمال يتعارض مع سياق الآيات السابقة التي عنت بـ «الذكر» «القرآن»، بالإِضافة إِلى إِشارة الآية المقبلة لهذا المعنى.

إذن فأن الله الذي يكذّبه المالكي لأسباب طائفية وعد بحفظ القرآن من التحريف والتلف والضياع وسفسطات الأهداء المزاجية ووساوسهم الشيطانية وفق تفسير "الشيرازي"، فهل المالكي محّرف أم شيطان أم طائفي أم الثلاثة مجتمعة. وماذا سيكون رد فعل تجار الدين "المعممّين" وأتباعهم لو أن رجلا غير أسلامي قال ما قاله المالكي ؟

الى متى سيدفع شعبنا ثمن طائفية الأحزاب الأسلامية الشيعية والسنّية دما وكرامة؟
الى متى سيدفع شعبنا ثمن طائفية المالكي وحزبه وأمثالهما قتلا وتهجيرا؟
الى متى سيدفع شعبنا ثمن صراع الطائفيين الغبي موتا وأيتاما وأراملا وثكالى؟

رابط حديث المالكي الفاشل

 https://www.youtube.com/watch?v=5rq93x5dYdY


زكي رضا
الدنمارك
14/7/2015


310
هل سرسرية زيونه " ساده من جماعتنه"؟

قبل أيام قصفت طائرة سيخوي تابعة لطيران الجيش منطقة النعيرية السكنية ببغداد "كم كنت أتمنى لو أنها كانت قد قصفت المنطقة الخضراء المقدسة" عن طريق الخطأ أو السهو أو عدم كفاءة " الطيار" او نتيجة للأسباب الثلاثة مجتمعة.  ولأن الحادث لم يكن تفجيرا بسيارة مفخخة كالتي أعتدنا عليها نتيجة غياب الأمن والسلطة ولا نتيجة نزاع عشائري أعتدنا هو الآخر عليه نتيجة غياب الدولة ولا هجوم ميليشياوي لأحدى العصابات المرتبطة بإحدى الميليشيات المرتبطة بدورها بحزب سياسي معين ولا حادث خطف وسلب ونهب أصبحت جزءا من حياتنا خلال سنوات المحاصصة الطائفية القومية، رأينا السيد "علي التميمي" محافظ بغداد يزور مكان الحادث بسرعة قياسية كسرعة المالكي بزيارته منطقة "الجادرية" المحتلة عند أستشهاد الأعلامي "محمد بديوي" ومع المحافظ  لجنة التعويضات  لتعويض المتضررين في سابقة لم تحدث لا في العراق ولا في اية نقطة بالعالم على الاطلاق فما من دولة حتى العريقة بالنظم الديموقراطية والتي تحترم شعوبها فعلت ذلك الا حكومتنا الديموقراطية ! وهنا لا أريد أن أتهم والعياذ بالله السيد المحافظ بالكذب لأنني لو فعلت ذلك فأكون كمن عرّف بعد جهد الماء بالماء. ولكن الذي أثارني ومعي الكثير على ما أظن هو تصريحه الذي تبرأ منه كعادة سكّان الخضراء لا بارك الله بهم هو إن الطيار "سيد من جماعتنه! وانني هنا ارفع قبعتي عاليا بل أرميها في السماوات السبع على صراحته في مثل هذا الموقف الذي جسّد فيه المحاصصة الطائفية بابشع صورها متسائلا من سيادته إن كان سيكون معه " لجنة تعويضات" إن لم يكن "الطيار" سيد ومن جماعتنه"! ولماذا لم نرى أية لجنة تعويضات في أية منطقة منكوبة وما أكثرها لا في بغداد ولا في غيرها من المدن العراقية !!؟؟

لا أدري لماذا لم يتواجد السيد "علي التميمي" الشهم والساهر على راحة سكّان العاصمة بأعتباره محافظ هذه المدينة المنكوبة في منطقة "زيونة" وهي لا تبعد كثيرا عن منطقة "النعيرية" عندما أستباحتها عصابات مسلحة تابعة لميليشيا حزب سياسي "إسلامي بالضرورة كونهم المستهترين الوحيدين ببغداد" وهم يهددون السلم الأهلي وعن عمد وسابق إصرار بأحتلالهم لمبنى تابع "للدولة الميليشياوية" ليكون مقرا لعصابتهم الحزبية. ولماذا لا يصارح السيد المحافظ ومعه وزارة الداخلية الشعب بخلفية هذه العصابة ولأي حزب إسلامي تنتمي؟ وأين هي لجنة تعويضاته ذات الاوامر الهمايونية؟ وهل سنرى في مكان كل حادث أنفجار أو تعدّي عصابات الاحزاب الاسلامية الحاكمة على الناس وممتلكاتهم لجان تعويضية مستقبلا؟

ليس هناك شك وبعد أن تبدل الزيتوني بالعمامة والرفيق بالحجي والسيد، من أن العصابات التي تروّع الناس وتفرض عليهم الأتاوات وتهاجم الأسواق وتقتل وتسرق التجار والصاغة وغيرهم وفي وضح النهار دون أن تتمكن القوى " الأمنية " من أعتقالهم هم "سادة ومن جماعتهم" وهذا ما يمنحهم الحصانة القانونية. ولأن "السادة" يملكون هذه الحصانة فأننا سنظل ندفع أثمانا باهضة من راحتنا وأموالنا وثروات وطننا وكرامتنا التي أستباحوها هؤلاء السادة ومن ورائهم من أحزاب دينية.

أن صراع السادة "الأحزاب الطائفية" فيما بينهم مستقبلا سيكون سببا في مقتل الآلاف في بغداد وغيرها من المدن بعد أن يستخدموا ترسانتهم من الأسلحة -  التي لن يسلموها "للدولة" حتّى وأن الحقت "الدولة" الهزيمة بتنظيم "داعش " الأرهابي -  في معاركهم من أجل السلطة والنفوذ والمال. إن عملية حرق الأخضر واليابس في المناطق الشيعية من قبل عصابات "السادة" هي مسألة وقت ليس إلّا، كون هؤلاء المستهترين يستغلّون غياب الدولة لفرض هيمنتهم على الشارع وملئ الفراغ الذي تركته، أضافة الى الخلافات العميقة التي بينهم حول طريقة ونسب السرقة والنهب.

السيد محافظ بغداد هل العصابات التي زعزعت الأمن في منطقة "زيونة السكنية" وأقلقت راحة الناس في شهر صيامهم "سادة من جماعتكم" أم  سادة من جماعتهم" أم غضب من الله على هذا الشعب الذي ما صدّق خلاصه من حكم الرفاق حتّى أبتلي بحكم "جماعتكم أم جماعتهم " كون الجماعة لا تعني هنا شيئا لأن البلاء النازل على الناس هو نفسه بغض النظر عن الجماعة ولا عن سيدها.

اللهم فرّق "جماعة المحافظ وسيده" و " جماعة غيره وسيدهم" كما قال الحسين فرقا، وأجعل طرائقهم قددا، إنك سميع مجيب.

زكي رضا
الدنمارك
10/7/2015


 





311
صرخة زينب في كربلاء الأموية

 قبل 1335 عاما صرخت زينب بنت الأمام علي بوجه يزيد بن معاوية صرختها التي قالت فيها: أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الإماء... أنسيت قول الله تعالى : " وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ". أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وامائك وسوقك بنات رسول الله سبایا، قد هتکت ستورهنّ وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلی بلد.
تلك الصرخة لم تكن الّا صرخة صبر وتحد لطغيان بني أمية وهم يتّخذون مال الله دولا وعباده خولا، تلك الصرخة حرّكت في نفوس العراقيين روح الثورة ضد طغيان بني أمية فكانت ثورة التوابين والمختار وزيد بن علي. تلك الصرخة لم تكن سوى بوادر ثورة ضد سرّاق المال العام من مستعبدي البشر، صرخة حملت بذور الأمل في تثوير الجماهير ضد كل أشكال الأستبداد والطغيان، صرخة تقول إن الدين يفقد معناه " وقدسيته" إن وقف على الضد من مصالح الفقراء والمظلومين والمهمشّين والى جانب من يتاجر به من رجال دين وأحزاب. في تلك الصرخة أجابت زينب اخيها الحسين وهو يقول " الا من ناصر ينصرني"، إن صرخة زينب تلك كانت في دمشق الأمويين لا في كربلاء حيث قتل أخيها وأهل بيتها وأصحابه.

أمّا زينبنا اليوم فهي ليست تلك الزينب ولا أسمها زينب ولا أعرف إسمها الحقيقي حتّى ، ولكنني لم أجد لها أسما آخر وهي تقف صارخة في نفس المدينة التي سبيت منها زينب وثكلت بآل أبيها غير هذا الأسم لرمزيته. فزينبنا اليوم إمرأة كربلائية تعاني كالملايين من ثكالى عراقنا من الفقر والجوع والمرض، زينبنا هذه كما غيرها لا تملك سقفا يأويها وأيتامها، زينبنا هذه جائعة في بلد متخم بأيرادات النفط المنهوب من قبل أحزاب الأسلام السياسي ومَن خلفهم مِن معمّمين. 

زينبنا اليوم وهي تفضح الأسلاميين الدجّالين وهم يحتفلون بنقابة المعلمين الاسلامية في مدينة الحسين، لا تريد وهي الجائعة التي تفترش الأرصفة وأطفالها الا ان توصل رسالة لما تبقّى من رجال في عراق الطوائف والميليشيات واللصوص أن : الا ناصرا ينصرني وأطفالي ، أليس في العراق غرس شريف ؟ أليس فيه إبن حرّة ؟

لا أدري سيدتي، ولكنني أعرف جيدا أن من ينتخب اللصوص مرّة ومرّتين وثلاث كمّن يلدغ من نفس الجحر مرّة ومرّتين وثلاث وهذا يعني أنه ليس بمؤمن كون محمدا يقول " لايلدغ مؤمن جحر مرتين"، وأنني أعرف سيدتي أن "رجالات" الاحزاب الشيعية التي تحكم العراق وكربلاء هم السبب في جوعك وتشردك ولا أظن ان فيهم ذو غرس شريف أو أبن حرّة ليسمع صراخك وأمثالك وأنتن بالملايين، وإنني أدري يا سيدتي إن رجل الدين الذي يقف ليخطب كل جمعة وأمامه عشرات المايكروفونات لا يهمه إن كنت وغيرك من نساء كربلاء على الاقل وأطفالكن جائعات ومشردّات، أتعرفين لماذا ؟ لان زوجته وأطفاله لم يجوعوا ولن يجوعوا ولن يمرّوا بما مرّت به زينب بنت علي و لا أنت. صدّقيني سيدتي إن هؤلاء الذين أتيت على ذكرهم هنا وجوههم لله وظهورهم للجياع والفقراء والمشردين أمثالك، صدّقيني سيدتي أن الملحد أقرب الى الله منهم إن كان ألحاده من أجل سعادة البشر.

أن الشتائم التي وجهتيها لهم وأنت تبعثرين أطعمتهم الفاخرة على أرض القاعة لا تليق الا بأمثالهم فطوبى لك أيتها العراقية البطلة، نعم، ما نطقت عن الهوى وأنت تصفينهم بالقوّادين كون هذه المهنة تليق بهم وهم يقتلون بلدك. أتدرين سيدتي أن محمدا قال " أذل الناس من أهان الناس"؟ ووالله أنا لا ارى في العراق اليوم الا "رجالات احزاب اسلامية ذليلة ومعممّين أذلاء" كونهم يهينون الناس، ألست سيدتي من الناس؟ أيها المعممّون إطلقوا سراح الله من سجونكم "معابدكم" ليضع يده على رأس يتيم ويمسح دمعته، أطلقوا سراحه ليزرع فينا حب الوطن كي نعيد بناءه بعدما شوهتم ماضيه وحاضره وتهددون بطائفيتكم مستقبله... الا شاهت وجوهكم.. الا شاهت وجوهكم.

إذا رأيت كاهنا "معمما" فصح حرامي .. حرامي " كير كيغارد"


رابط فلم المرأة الكربلائية

https://www.facebook.com/105940206413506/videos/111944955813031/?pnref=story

زكي رضا
الدنمارك
4/7/2015
 

 

312
الحل في أن ترهنوا شعبنا بدل نفطكم أيها السيد زيباري

ليس هناك أي خطأ في عنوان المقالة فكلمة نفطكم لا أعني به السيد زيباري لوحده بل جميع "ساسة" المحاصصة الطائفية القومية، ونفطكم هي الأقرب الى الواقع من كلمة "نفطنا" أي نحن جماهير الشعب المسحوقة التي لم تعرف شيئا عن هذا النفط الذي يقال كذبا من أنه ثروة وطنية. ولكي نعرف حقيقة النفط العراقي إن كان نفط الشعب أم نفط الساسة ، دعونا نقارن بين حال الأثنين منذ الأحتلال لليوم، ولنرى بعد أن دخلت خزينة حكومات ما بعد الاحتلال مبالغ خيالية نتيجة الطفرة الكبيرة لاسعار البترول في السوق العالمية تقدّر بما لا يقلّ عن 800 مليار دولار إن لم تكن أكثر، أن نبحث عن المستفيد من هذه المبالغ وأوجه صرفها ولصالح من؟

هل النفط نفط الشعب العراقي؟ الجواب بنظري وبكل سهولة هو لا، لماذا؟ لأننا كشعب لم نستفد من أيرادات بيع هذا النفط في تحسين حياتنا ولو بالحد الأدنى، فمدننا خربة ومصانعنا متوقفة وأرضنا الزراعية غير منتجة ونظامنا التعليمي أكثر من بائس والنظام الصحي كارثة والخدمات نحتاج في وصفها لعبارات لا توجد في أية معاجم لسوءها وبدائيتها ناهيكم عن الدمار في القطاعات الرياضية والثقافية والفنية وغيرها الكثير حتّى وصل الامر بنا الى رؤية تاريخنا الموغل بالقدم وهو يهشّم أمامنا، ويبقى القطاع العسكري والأمني وفشلهما في أستتباب الأمن ما أدّى الى مقتل مئات الآلاف من ابنائنا من أكبر الدلائل على أن النفط ليس نفطنا.

أن هذا النفط لو كان نفطنا لكنّا اليوم بين قائمة الشعوب المرفهه وعلى الأقل العربية منها، فهل نحن كذلك ؟
تعالوا لنرى موقعنا من خلال مجموعتين عربيتين والى أية منهما ننتمي. فلو رجعنا لتقرير مجموعة بوسطن كونسلتينج روب لتحديد مستوى الرفاهية للعام 2015 الصادر في حزيران الجاري نرى أن المنظمة وضعت أثنا عشرة دولة عربية في قائمتها الدولية، وحصدت دول الخليج النفطية المراكز الستة الأولى عربيا فقد جاءت قطر في المرتبة الأولى فالأمارات والكويت وعمان والسعودية والبحرين. أما المراكز الستة التي تلتها فكانت من نصيب دول غير نفطية من تلك التي لو جمعت ميزانيات ثلاث أو أربع منها لما وصلت الى ميزانية عراق زيباري ورفاقه المتحاصصين، وهذه الدول حسب التسلسل هي الأردن وتونس والجزائر ولبنان والمغرب فمصر. "ويستخدم التقرير لتقييم التطور الاقتصادي المستديم الذي يحدد مستويات الرفاهية ثلاثة معايير رئيسية شملت المستوى الاقتصادي ويقيس دخل الفرد، والاستقرار الاقتصادي، والتوظيف، والاستثمارات وشملت مجال الصحة، والتعليم والبنية التحتية، والاستدامة وتقيس جودة الدخل والمجتمع المدني والحوكمة والبيئة"، لذا ومن خلال المعايير الثلاثة نرى العراق في قاع المجموعة ويبدو انه لا يود التخلي عن مركزه هذا الذي احتله بجدارة منذ سنة 2003 لليوم، وهذا لا يعني مطلقا أن وضع العراق كان افضل خلال العهد البعثي الا انه لم يكن بالسوء الذي عليه اليوم.

من خلال المقدمة أعلاه عرفنا أن النفط ليس نفطنا، إذن نفط من يكون؟ أنه نفطكم أيها السيد زيباري ، نعم نفطكم ورفاقكم في الحكومة والبرلمان وحكومة الأقليم، أنه نفطكم تتصرفون به كما تشاؤون وتباً لشعب حقود حسود كشعب العراق الذي يتهمكم زوراً من انكم سرقتم وأهدرتم مجتمعين كأحزاب وكتل لصوصية عربية وكردية وشيعية وسنّية كامل ثروته وثروة أجياله. أنني أرى وأنتم تعانون من هذا الشعب وأطعامه أن ترهنوه بدلاً عن نفطكم عند الشركات العالمية، لأنكم لو فشلتم في سداد الأموال التي ستحصلون عليها من خلال رهنكم أياه " الشعب" فأن هذه الشركات ستبيعنا كالعبيد لمختلف بلدان العالم ومنها بلدان الخليج، وحينها سيكون النفط وغيره من الثروات ملكاً لأحزابكم وعوائلكم بالكامل بعد أن يفرغ العراق من شعبه.

السيد زيباري أنكم وأحزابكم وكتلكم السياسية تلك التي تتحكم بالسلطة في العراق المبتلى بكم، من أكثر حكّام العالم أستهتاراً وأجراماً وفساداً ولصوصية وخيانة للعراق وشعبه، السيد زيباري لم يمر على العراق ولن يمر ساسة على شاكلتكم في عدائهم "لشعبهم"، السيد زيباري أنت وحكومتك وبرلمانك لستم سوى لصوص.

إن شعباً لا يدكّ الخضراء على ساكنيها سيعيش أزمات طويلة



زكي رضا
الدنمارك
22 / 6 / 2015 


313
متى تبدأ غزوة الأندلس الثانية؟

الأندلس التي بالمقالة ليست تلك التي تقع في أسبانيا، بل هي ساحة الأندلس بوسط بغداد التي أغتالتها تفجيرات الأرهاب الأعمى وكواتم عصابات الجريمة المنظمة تلك التي تعمل برعاية "الدولة" وتحت سمعها وبصرها دون أن يهتز لها جفن، كون الدولة وهي تفقد هيبتها بالكامل أصبحت جزءا من هذه العصابات وإذا أردنا توخي الدقّة فأن الدولة اليوم ليست سوى عصابة كبيرة تتحكم بالسلطة والثروة وتجيّرها لصالح عصاباتها المتعددة كي يمتد أرهابها المتنوع الى كل مفصل من مفاصل البلد والمجتمع. فللدولة "العصابة" عصاباتها المالية المهتمة بسرقة الاموال ومنها المال العام وتبييضها وتهريبها الى خارج البلد، وللدولة "العصابة" عصاباتها الاقتصادية التي تحتكر سوق المال وتعمل على تهديد قوت الناس بتلاعبها بسعر صرف الدولار، وللدولة "العصابة" عصاباتها التي تتحكم بالمشاريع الوهمية منها والحقيقية لتكون ملكا لأباطرتها أو العاملين بأمرهم، والدولة "العصابة" لها عصاباتها التي تتحرك وتتنقل بسيارات "الدولة العصابة" وباجاتها في وضح النهار لتهاجم وتعتقل وتقتل وتخطف وتسرق وتعتدي على أي مواطن أو سوق تجاري أو صحفي وأعلامي أو تجمع عمالي يطالب بصرف رواتبه المتأخرة أو تجمع طلابي يبحث عن فرص عمل، والدولة "العصابة" لها عصاباتها الاعلامية وجيش من الكتبة الذين يعتبرون أية مظاهرة مطلبية للجماهير من انها ذات طابع سياسي معاد لأحدى عصاباتها التي تتنافس فيما بينها لفرض سطوتها أكثر على الشارع، وللدولة "العصابة" عصاباتها الدينية السياسية التي تعمل على تهديد كل العاملين في المجال الثقافي غير الأسلامي وقتل الناشطين منهم والذين يشكلون خطرا على مشروعها "الثقافي" أمثال الشهيدين كامل شياع وهادي المهدي وغيرهما العشرات.

بالأمس قامت عصابة تابعة "للدولة العصابة" قدّر عددها بخمسين رجل عصابة يستقلّون سيارات مدنية بمهاجة مقر "الأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق" الكائن في ساحة الأندلس بعد غلق الشارع المؤدي لمقر الأتحاد، وقامت هذه العصابة "الدينية" في غزوتها الاندلسية الاولى هذه بأحتجاز حماية المقر التابعين لوزارة الداخلية "في لعبة مضحكة" والأعتداء على العمّال في المقر وتحطيم الكثير من أثاثه.
وقد أصدر الأتحاد إثر ذلك بيانا جاء في البعض منه : "ان الاتحاد اذ يشجب بقوة هذا الاعتداء المخالف لكل تقاليد المجتمع الديمقراطي فانه يكشف عن المخاطر التي تهدد في المستقبل حياة وسلامة جميع العاملين في الاتحادات والنقابات الثقافية والإعلامية وبقية منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وروابط المرأة في حالة إطلاق العنان لبعض القوى والمجموعات المسلحة لتتمادى في لحظة تاريخية دقيقة نقف فيها جميعا وبمسؤولية ضد العصابات الداعشية الإرهابية التكفيرية ومن يقف وراءها".

إن ما يثير الأستغراب في بيان الأتحاد هو إنه لازال يؤمن أو يعتقد أن هناك تقاليد ديموقراطية في البلد!، والأمر الثاني هو ظن الأتحاد من أن العصابات المسلحة والتي يسميها مجموعات لم تتمادى ويُطَلق عنانها للعبث بأمن الوطن والمواطن بعد!، والأمر الثالث هو ان غزوة الاندلس الأولى هذه تكشف وفق البيان عن خطر هذه العصابات التي ستهدد مستقبلا حياة وسلامة العديد من المنظمات! وكأن هذه العصابات لم تهدد لليوم بل ومنذ أن أستباحت تحت يافطة الدين والطائفة الشارع العراقي حياة وسلامة الناس والمنظمات المهنية بعد أن أصبحت الذراع الضاربة لأحزاب طائفية تقود السلطة، ولتهدد هذه الاحزاب من خلالها جميع منظمات المجتمع المدني والأتحادات التي تعمل بمعزل عن أملاءاتها. إن الوهم الأكبر الذي عليه مغادرة العقول هو الأعتقاد من أن هذه العصابات تعمل بمعزل عن أوامر صادرة لها من مرجعيات سياسية ودينية تتحكم بمصير ما تبقى من عملية سياسية واللتان تقودان الوطن نحو المجهول، إن الاعتقاد في ان تكون " الدولة " قادرة على لجم هذه العصابات ليس سوى سذاجة علينا طرحها بعيدا إن كنّا حريصين فعلا على سلامة منظمات المجتمع المدني والأتحادات المهنية.

أن مهاجمة مقر الأتحاد في وضح النهار وبهذا العدد الضخم من رجال العصابات بسياراتهم وغلقهم للشارع المؤدي للمقر وبالتواطيء مع "الدولة العصابة"، يدفعنا للسؤال عن من هي الجهة التالية التي ستتعرض لمثل هذا الهجوم المدروس بعناية من قبل من يريد أن يوصل رسالة "من خلال هذا الهجوم" الى منظمات وقوى سياسية لازالت تعتبر ما يجري بالبلد "عملية سياسية" وعلينا دعمها خصوصا واننا في معركة ضد تنظيم داعش الارهابي. على القوى السياسية المعرضة لمثل هذا التهديد أن تتعظ من شعار كل شيء من أجل المعركة الذي رفعه البعثيون ومن خلاله مارسوا القمع المنظم لكل مظاهر الحياة السياسية لينفردوا بعدها وحدهم بالسلطة ولينتهي العراق الى ما هو عليه الآن. إن خوض المعركة ضد الارهاب من قبل شعبنا لا يمنح القوى الدينية الحق في فرض إرهابها على الشارع والعربدة فيه، فهذه العصابات المنفلتة من عقالها والمدعومة من مرجعيات سياسية ورجال دين تمثل أتجاه سياسي واضح المعالم في عدائه للديموقراطية والعلمانية والماركسية والألحاد "كما قال المالكي في النجف". وقوى الاسلام السياسي هذه وعصاباتها المسلحة قادرة على تحريك الغوغاء لمهاجمة أي مقر لأي حزب أو منظمة سياسية في الوقت والمكان الذي تختاره مستغلة الفوضى التي صنعتها هي وتضرب بأطنابها البلد بكل مفاصله وبتهم جاهزة .

دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية وعصابات داعش تحتل ثلث مساحة البلاد وتهدد خاصرة العاصمة بغداد دون أن يقدّم أي مسؤول عن هذه الكارثة الى العدالة، دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية والأقتصاد يترنح والخزينة شبه خاوية، دعونا نتساءل هنا عمّا تبقى من عملية سياسية والمظاهرات المطلبية يتم قمعها ببقايا جيش المالكي الانكشاري المسمّى "سوات". أية عملية سياسية ديموقراطية يتم الحديث عنها و الأزمات تلف حياة الناس والبلد، عن أية عملية سياسية يتم الحديث ولازال قانون الاحزاب الذي ينظم الحياة السياسية بالبلد يعيش في قبو الطائفيين المظلم، هل هناك عاقل في هذه البلاد يستطيع أن يؤشر على نظام ديموقراطي بالعالم تحكمه الميليشيات!؟

إن الأعتقاد مجرد الأعتقاد على أن هناك عملية سياسية وديموقراطية بالبلد والعصابات تجول في شوارع مدنه مهددة السلم المجتمعي تعتبر نوما بالعسل وستكون لها نتائج وخيمة على الأحزاب والقوى المدنية والديموقراطية التي لازالت تؤمن بأمكانية أن تقوم قوى المحاصصة وعلى رأسها الأحزاب الشيعية بتغيير الاوضاع نحو الافضل!!. إن الضربات التي وُجّهَت للقوى الديموقراطية على مر ّ تاريخ العراق الحديث وفي ظل أبشع أنظمته لن تكون سوى نزهه مقارنة مع ما سيحدث لها على يد قوى الأسلام السياسي الشيعي وعصاباتها الهمجية، هذه القوى التي تمارس عمليات الأعتداء والضرب والقتل بشكل علني وأمام وسائل الأعلام المحلية والعالمية دون خوف من رقيب أو حساب .

إن كلمات التضامن والتنديد وتشكيل لجان متابعة لمعرفة الجناة من قبل الحكومة "العصابة" وأن حدثت ليست سوى ذرّا للرماد في العيون، فكم لجنة شكلت لليوم للتحقيق في مختلف الجرائم ولم تتوصل ولن تتوصل الى أية نتائج، وكم عصابة تبخّرت بعد أرتكابها جرائمها لتتكثف في سماء الطائفية وتمطر من جديد لترتكب جرائم جديدة؟

شُلّت أيادي ملاكمي الأسلام السياسي الشيعي المتخلف والهمجي وهي تنهال ضربا على وجه القامة الثقافية الشيخ الفريد سمعان.


زكي رضا
الدنمارك
19 / 6 / 2015 

 


314
المنبر الحر / العدد 312
« في: 21:24 16/06/2015  »
العدد 312

العدد 312 ليس عددا مقدسّا كي يستخدمه البعض لاقناع العامّة بأنتخاب قائمته الانتخابية أثناء "الانتخابات" البرلمانية  كما العدد "555" الذي جلب لنا البلاء منذ أن صوّتت له الجماهير الشيعية  بفتوى دينية وليومنا هذا، إثر تحول نور الشمعة فيها الى ظلام يلف العراق بدخانه بعد أن أحرق لهيبها الأخضر واليابس في هذا البلد المنكوب خلال السنوات العشر الماضية.  و 312 ليس عدد المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية التي تمّ بنائها،  ولا عددا لمعامل أعيد تأهيلها وتطويرها لتساهم في تقليل البطالة بين الشباب، ولا عددا لمشاريع زراعية جعلت من العراق بلدا مكتفيا بالمنتوجات الزراعية عوضا عن استيرادها، وليس هو بعدد لجامعات ومعاهد خرّجت كوادر علمية كفوءة عن جدارة وليس عن طريق التزوير، والعدد نفسه ليس ملاعب وصالات رياضية ومسابح ليستغلها العراقيون في تطوير الرياضة التي اصبحت سفيرة سلام بين الشعوب، و312 ليس عددا لصالات سينما ومسارح ومعاهد فنية ومكتبات عامّة ودور ثقافة لتساهم بزيادة الوعي عند المواطنين  مما يقلل من التخندق الطائفي، و 312 ليس عدد لمدارس ورياض أطفال كي تستقطب مئات آلاف التلاميذ المتسربين وتعليمهم ليكونوا في خدمة وطنهم مستقبلا بدلا عن بيعهم لبعض الخردوات على أرصفة الشوارع وعند تقاطعات المرور. و312 ليس عددا ذريا والذي يمثل عدد البروتونات في كل ذرة طبيعية والتي تبدأ بالرقم "1" في الهيدروجين وتنتهي بالعدد " 92" كما في اليورانيوم  علما أن ليس هناك عنصران يتشابهان في عدديهما الذرّيين. إذن ما هو العنصر الذي يملك عددا ذريا بقيمة "312" ؟

لقد قام السيدان "مسعود حيدر" و "أحمد حمه" عضوا اللجنة المالية النيابية بالأجابة على سؤالنا أعلاه بعد إماطتهما اللثام عن اكبر عملية  تهريب وغسيل  أموال يقوم بها سياسيو بلد بالعالم. حيث صرّح "حمه" قائلا إن " اللجنة استضافت عدد من مسؤولي البنك المركزي العراقي و المصارف الخاصة للتحقيق بكيفية تحويل مبلغ 312 مليار دولار الى خارج العراق منذ 2004 الى 2014 بطرق مشبوهة"، ليضيف في تصريحه  نفسه  قائلا " ان أغلب هذه الاموال حولت الى حسابات شركات استثمارية و جهات سياسية و رجال اعمال عن طريق شركات التحويل المالي" لافتا الى ان " التحويلات في بعض الحسابات وصلت الى ارقام فلكية".  واشار حمه كذلك  الى ان " اللجنة تحقق بامكانية تهريب هذه الاموال من قبل جهات سياسية و رجال متنفذين بالدولة انذاك".  وكان السيد"  مسعود حيدر" قد أكّد سابقا  " اختفاء مبلغ 178 مليار دولار من خزينة الدولة خلال ثماني سنوات"، ولا ندري هل هذا الرقم هو جزء من الرقم " 312" أم رقما جديدا لتكون الكارثة أكبر؟. إذن فالعدد 312 هو العدد الذري لعنصر الفساد عند الاحزاب المتحاصصة للسلطة ولما لم يثبت العلم لليوم عنصرين متشابهين في عدديهما الذرّيين ، فأن الفساد في بلدنا لا شبيه له على مستوى العالم أيضا.

إن كان مجموع ما دخل الخزينة العراقية من أموال خلال السنوات العشر الاخيرة هو  1000مليار دولار " الرقم اقل من ذلك" فهذا يعني أن ساسة المحاصصة هرّبوا وساهموا بتهريب ثلث ميزانية البلد الى الخارج!، عن طريق شركات التحويل المالي ولكن السؤال هنا هو، من يمتلك هذه الشركات في الداخل والخارج؟  في بلد مثل العراق حيث الميليشيات الحزبية  الأسلامية والقومية هي التي تتحكم بجميع مفاصل الحياة لا يمكن تهريب وتبييض مثل هذا الرقم الفلكي دون ان تكون لهذه  الاحزاب شركاتها الخاصّة  بها والتي يديرها أعضائها أو من المرتبطين بهم بشكل أو بآخر، ولهذه الاحزاب الطائفية مكاتبها بالخارج أيضا وما تصريح القيادي الكبير في حزب الدعوة الحاكم "عدنان الاسدي " لقناة الشرقية بعد أعفاءه من منصبه كوكيل أقدم فاشل لوزارة الداخلية من أنه يملك محلا للصيرفة في العاصمة الدنماركية كوبنهاكن الا قمّة الجبل الجليدي  لمكاتب صيرفة وغسيل وتهريب أموال موزعة على عشرات الدول.

لو أخذنا بلدا عربيا كالمغرب وقارنّاه بالعراق المحاصصاتي سنرى بشاعة جريمة تهريب الاموال التي مارسها "المؤمنون بالله واليوم الآخر" بحق شعبنا ووطننا.   فوفقا "على نحو خمسة تقارير دولية ووطنية أعدّتها منظمات متخصصة في جرائم الأموال وتهريبها وتبييضها تضمّنت معطيات حول قضية تهريب الاموال"، وكانت أحداها صادرة عن هيأة السلامة المالية العالمية وهي منظمة امريكية غير حكومية أكدت على أن " 328 مليار درهم تم تهريبها من المغرب إلى الخارج طيلة 38 سنة" أي ما يعادل 34 مليار دولار ، وهذا يعني تهريب ما يقارب 900 مليون دولار سنويا وهذا الرقم على ضخامته بنظر المنظمات الدولية لا يساوي شيئا أمام نهب المتحاصصين لمبلغ 31.2 مليار دولار سنويا من قوت العراقيين.

على الرغم من اللوحة القاتمة التي أمامنا الا أن السيدين " حيدر وحمه" أبيا الّا أن يُضحكا الشعب العراقي في أيامه العجاف هذه عندما أطلقا نكتة من العيار الثقيل حين  "شددا"  في تصريحيهما على أن " اللجنة  ستكشف عن نتائج هذه التحقيقات والشخصيات المتورطة بعمليات التحويل بعد انتهاء التحقيقات في القضية". وهنا لا استطيع الا ان اقول لهما وهما يطلقان هذا التصريح الذي هو أكبر من حجمهما بكثير رغم أحترامي لهما الا ..... أيّباخ.

إن أقطاب المحاصصة بأحزابهم وميليشياتهم من ناهبي المال العام وقاتلي العراق أرضا وشعبا هم الفئة الباغية، فمن أين لنا بعلي جديد ليرميهم بمارج من نار . 


زكي رضا
الدنمارك
16/6/2015

315
الحسين  أيثار  .... الحسين تجارة


لقد مورست الطقوس الحسينية منذ الأحتلال لليوم بشكل لم يعرفه العراق سابقا ، فأحزاب الاسلام السياسي ومعها طبقة رجال الدين الطفيلية أستغلت التغييرات السياسية بالبلد ووصولها على ظهر دبابة امريكية للسلطة في أشاعة هذه الطقوس  مستغلة الامكانيات المادية الهائلة التي تحت تصرفها وهي اساسا من ثروات شعبنا،  بشكل نستطيع ان نقول عنه وبلدنا وشعبنا يمران بأزمات حادة ومهددان من قوى الارهاب المتكالبة عليه من كل حدب وصوب من انها فوق المعقول ولم يمارس أي شعب بالعالم طقوسه الدينية وغيرها من الطقوس بهذا الحجم والزخم كما عندنا بالعراق وفي ظل ظروفنا المأساوية هذه. فعراق اليوم يراد له ان يكون كل يوم فيه كربلاء وكل يوم عاشوراء، ولكن أي كربلاء وأي عاشوراء يريدون؟ هنا يكمن السؤال الذي علينا البحث عن اجابة حقيقية له من دون أن تأخذنا في الحق لومة لائم ولنسير في بحثنا عن الحقيقة وأن كانت على الضد من أفكار ونهج وسياسة المتصدين لهذه الطقوس بشكلها غير العقلاني ومعهم العوام، في طريق الحق الذي اوصى الامام علي "ع" به دون أن نهابه "الطريق" لقلّة سالكيه.

كنت أريد ان يكون عنوان مقالتي هذه ( الحسين ثائرا .. الحسين تاجرا) الا انني تجاوزت الفكرة لسببين الاول هو أن  الحسين لم يكن تاجرا، الّا اذا كانت مقولته الشهيرة قبل أستشهاده في كربلاء  من أنه " جاء لاصلاح الامر في أمّة جده" تجارة وهذا ما لا اعتقده، والأمر الثاني هو عدم كتابتي أياه ثائرا كوني لست بصدد كتابة مقالة عن واقعة كربلاء. لذا أنتخبت  (الحسين  أيثار  .... الحسين  تجارة) كعنوان للمقالة. كوني أريد هذا الأيثار مدخلا لمقالي هذا مقارنا أياه بمن جعلوا "الحسين" تجارة وكربلاء حائط مبكى، هؤلاء الذين يريدون الحسين عامل فرقة بين العراقيين ضاربين بعرض الحائط مقولته من انه جاء الى كربلاء " لأصلاح الامر في أمة جده"،  فهل أمة جد الحسين هم الشيعة فقط!!؟؟ وللأسف أراهم قد نجحوا في مسعاهم الشيطاني هذا. 

لقد جاء في سورة الدهر عند الشيعة وسورة الانسان عند السنّة " وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا" وأختلفت حوله تفاسير الطرفين كما أختلافهما ليومنا هذا حول الكثير من الامور التاريخية والفقهية ما دفع جمهور المسلمين بسببه ملايين القتلى ليومنا هذا وسيستمر أن لم يعقلن الدين ويؤنسن. ولأنني أريد تناول أيثار الحسين  فأنني سآخذ الرواية الشيعية في تفسير هذه الآية القرآنية ، كونها ستعطينا الاجابة التي نريد الوصول اليها وهي أن أيثار الحسين تحول اليوم الى تجارة مربحة من المتاجرين بأسمه وثورته وأمامته وسلوكه الأنساني.

أن سبب نزول هذه السورة عند المفسرين الشيعة هو "بيان  فضل الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) بعد وفائهم بالنذر وإطعامهم المسكين واليتيم والأسير". والقصة بشكل مختصر وفق الادبيات الشيعية تقول ( روي أنّ الإمامين الحسن والحسين"عليهما السلام" مرضا، فعادهما رسول الله"صلى الله عليه وآله" في ناسٍ معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت لولديك، فنذر علي وفاطمة"عليهما السلام" وجاريتهما فضّة، إن برءا الحسن والحسين ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام قربةً إلى الله تعالى. فشفيا "عليهما السلام" من المرض ، فلمّا أرادوا أن يصوموا وفاء لنذرهم، ما كان معهم شيء، فاستقرض علي"عليه السلام" ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة "عليها السلام" صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فلمّا وضعوها بين  أيديهم ليفطروا، جاءهم سائل قائلاً: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة فأعطى الامام "ع" طعامه وطعام آل بيته ومنهم الحسين "ع" الى ذلك المسكين، فلمّا كان اليوم الثاني والثالث حدث نفس الامر مع يتيم وأسير. ووفقا لهذا التفسير فأن هذا الأمر يعتبر قمّة في الأخلاق، فالأيثار مذهب يرمي الى تفضيل خير الاخرين على الخير الشخصي، وعكسه الأثرَة. كما جاء في معجم المعاني الجامع. فهل حسين اليوم لازال يفضل خير الاخرين على خيره الشخصي!؟

أن الطبقة السياسية الشيعية الطائفية المترفة ومعها طبقة رجال الدين الطفيلية لايريدان كربلاء كما كربلاء الحسين، ولا عاشوراء كما عاشوراء الحسين. فكربلاء سنة 61 للهجرة كانت معركة ضد الظلم والأضطهاد الاموي، أما كربلاء اليوم فهل معركة ضد الفقراء والمحرومين، انها معركة يقودها الاسلام السياسي الشيعي ضد الارامل والايتام وما أكثرهم وهم يزدادون عددا بعد أن اصبحت أرض العراق كما كربلاء سنة 61 للهجرة مليئة بالدم وصراخ النسوة، في كربلاء كان الحسين يقف بأباء أمام جيش العراقيين من شيعته الذين خذلوه والذي كان بقيادة شامّية ، أما في كربلاء اليوم ففيه يراد أن يقف الحسين في مواجهة العراقيين بأجمعهم وعلى الاخص منهم شيعته وفي مدينته.  في كربلاء كان الحسين مع الحق ضد الباطل، أما اليوم فانهم يريدون ان يضعوه مع الباطل الذي يمثلوه ضد الحق الذي هو بؤساء العراق.

كم أعداد الايتام بهذا العراق المبتلى بطبقة لصوص المحاصصة؟ كم هو أعداد الارامل والثكالى؟ كم هو أعداد المساكين والفقراء؟ كم هو أعداد ألمهجرين؟ كم هي أعداد المدارس الآيلة للسقوط وكم هي اعدادها في الهواء الطلق؟ كم هي نسبة البطالة بين الشباب؟ كم هو حجم أزمة السكن وكم منزلا جاهزا واطيء الكلفة يمكنها البناء به لعوائل شهداء الحشد الشعبي؟ كم هي أعداد المعامل التي صدأت ماكيناتها؟ كم هو أعداد الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم لاشهر؟ كم هي عدد المحافظات التي أعلنت افلاسها؟ كل هذه الاسئلة وغيرها الكثير بحاجة الى أجوبة من قبل الأحزاب الطائفية وطبقة رجال الدين الطفيلية وهم ينهبون ثروات البلد  ويهددون نسيجه الاجتماعي ووحدة ترابه. فهل هؤلاء المستهترين بمصير الشعب على قدر مسؤولية قيادة البلد وهو يخوض حربا شاملة ضد الارهاب، هؤلاء المتباكين على أن الكثير من عناصر الحشد الشعبي لايملكون أجور نقلهم من مدنهم الى حيث قتالهم ضد تنظيم داعش الارهابي؟ تعالوا لنرى كيف يفكر هؤلاء اللصوص وهل يرضى الحسين بما يفعلوه؟

دعونا نسأل أيهما أفضل عند الحسين بناء صحن لأخته السيدة زينب من ضمن خطة لتوسيع مرقده المزّين بالذهب والفضة!! على أرض مساحتها 40 ألف متر مربع ومساحة كلية عند الانتهاء من المشروع تبلغ 200 الف متر مربع!! وبكلفة 750 مليار دينار!!. أم أطعام المساكين والأيتام والمهجرين لأنهم لايفرقون عن الأسرى بشيء بل هم أسوأ حالا؟ أم دفع أجور نقل الحشد الشعبي الذي يتباكون عليه، هل أبقى زعماء الاسلام الطائفي الشيعي ورجال دينهم بتصرفاتهم واعمالهم المخجلة  للحسين أيثارا؟

أن صرف هذه المبالغ الكبيرة ستذكر الناس بأيثار الامام علي وآله ومنهم الحسين لو انها أستخدمت في بناء مدارس ومستشفيات وشبكات صرف صحي وتطوير قطاع الكهرباء وتأخير اعلان افلاس بعض المحافظات. أنني لاارى الحسين "ع" السلام وهو يرى بؤس شعب العراق ومنهم شيعته بعين، وما يقوم به اللصوص في توسيع مرقده بعين ثانية، الا باكيا معتذرا من هذا الشعب على ما يفعله به المتاجرين بأسمه، واراه كذلك مشيرا اليهم أن كفى خنوعا وليكن لكم بيّ أسوة في ثورتكم ضد حكم اللصوص وإن تعمّموا بعِمّتي، فعِمّتي نقية وعمائمهم خالطها الكذب والسرقة والرياء بل والقتل حتّى.

تعال يا علي وانت القائل " ولكن أسفا يعتريني وجزعا يريبني، من أن يلي هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذون مال الله دولا، وعباد الله خولا، والصالحين حربا، والقاسطين حزبا" لترى السفهاء والفجّار واللصوص يحكموننا ويسرقون أموال اليتامى والارامل، تعال أريك مرقدك ومراقد أولادك وهي تئن من ثقل الذهب والفضة وشعبنا يئن ولكن من الفقر والمرض، تعال لأريك ترف الخضراء و "رجالاته" المتاجرين بأسمك وباسم الحسين مقابل بؤس الرعية. 

رابط توقيع عقد توسعة الصحن الحسيني .
  http://www.nasiraq.net/2015/06/750.html   

زكي رضا
الدنمارك
13/6/2015











 

 
   






316
داعش الشيعية تدير سوق نخاسة بالبصرة

متى يعلن الأسلام السياسي الشيعي فشله التاريخي المدوي في أول تجربة له بالحكم في العراق والتي قادت البلد الى كوارث ما بعدها كوارث؟ متى يعلن هؤلاء الفاشلون هزيمتهم الفكرية والاخلاقية والسياسية والتي يراها الجميع من داخل وخارج البلد الا من أشتروا ذممهم من أفندية ومعمّمين؟ متى يشد "رجالاتهم" الرحال محمّلين بعشرات مليارات الدولارات المنهوبة من قوت شعب مهددا بفقدان وطنه الى دولهم الحاضنة بعد ان تركوا العراق صحراءا بلقع؟ متى يعي أشباه الساسة هؤلاء من انهم دمّروا بلدا عمره من عمر الحضارة الأنسانية وأعادوه الى عصر ما قبل الحضارة؟ متى تعلن احزاب الاسلام السياسي وهي تقود البلد منذ أن وصلت الى السلطة على ظهر دبّابة أمريكية كما رفاقهم البعثيين سنة 1963 أفلاسها السياسي والفكري والاقتصادي والاخلاقي؟

لقد ملأتم أيها الفاشلون واللصوص الدنيا زعيقا حول جرائم أخوانكم من الدواعش وهم يبيعون نساء العراق في سوق نخاسة الموصل، وتباكيتم حول هذه الجريمة النكراء ذارفين دموع التماسيح لتلصقوا هذه المأساة بأتباع المذهب السنّي متناسين من أنكم وأياهم في قارب ملغوم واحد هدفه تدمير العراق . بماذا تتميزون عنهم ؟ بالقتل؟ فهم قتلة وأنتم قتلة. بالأمانة على أموال الرعية كما تقولون والحفاظ عليها؟ فأنتم لصوص وهم لصوص. بالفساد الذي يزكم الانوف؟ فأنتم فاسدون وهم فاسدون. بتقبلكم للرشوة وجعلها ظاهرة في الدولة والمجتمع؟ فهم وانتم مرتشون ومساهمون في تدمير الجهاز الأداري لمؤسسات الدولة. بضياع القيم والاخلاق في البلد ؟ فأنتم وأياهم تتسابقون على ضياعها. برهنكم الدولة أو ما تبقى منها بالحقيقة الى رجال الدين والعشائر ليعيدوها الى عصور التخلف والهمجية؟ فأنتم وأياهم شطّار في هذه الجانب. بماذا تفرقون عنهم أيها "السادة" .....
نعم عرفت بماذا تفرقون عنهم .

أنكم أيها "السادة" تفرقون عنهم كونكم من "الموالين" لآل البيت وهم من "النواصب" الذين يعادون آل البيت وفق الأدبيات الاسلامية وليس بشيء آخر مطلقا. طيب أتركونا نسألكم عن آل البيت الذين تؤمنون بهم حول سرقة المال العام والرشوة والفساد والخيانة والقتل على الهوية، على أساس أننا قبلنا على أن السرقة والرشوة والفساد والخيانة هي جزء من اخلاق "النواصب"، فهل آل البيت منحوكم حرية السرقة والرشوة والفساد والخيانة كونكم من أتباعهم!!!! أهناك عاقل يقبل بهذا الكلام؟ ولو فرضنا على سبيل المثال منحهم أياكم حرية ممارسة كل هذه الموبقات، فهل منحوكم حق بيع النساء الشيعة تحت بند "الفصل العشائري" كتعويض لجريمة أرتكبها رجال!؟ ستقولون من أن هذه العادات عشائرية ولا نستطيع تغييرها، وهنا تكونوا قد كذبتم على انفسكم وعلى الآخرين، كون هذه العشائر لا تمارس مثل هذه العادات وبالحجم الذي تناقلته وكالات الانباء حول بيع 50 أمرأة وفتاة من بينهن قاصرات الا في غياب الدولة ومؤسساتها.

أن ما جرى بشمال البصرة لا يفرق بشيء عمّا جرى ويجري في الموصل والرمادي، وأن كان الذي جرى ويجري في الموصل والرمادي سببه أنهيار الدولة هناك، فأن سبب ما يجري في البصرة هو الشيء عينه. لا أدري أن كان فطاحلة الأسلام السياسي "ومثقفيهم" ورجال دينهم يعرفون أن العشائرية مرحلة تاريخية تسبق قيام الدولة أم لا؟ وهذا يعني ان لا هناك دولة بالعراق فمتى تعلنون أفلاس العراق أيها الفاشلون.

تعالوا نبارك الأحزاب والمؤسسات الشيعية الدينية على أفتتاحهم لسوق نخاسة البصرة والى أسواق نخاسة جديدة!!       

زكي رضا
الدنمارك
2/6/2015   


317
متى سيكون للحزب الشيوعي العراقي ناطقا رسميا بأسمه !؟

حتّى لو لم تكن الأوضاع بالبلد بكل هذا السوء التي هي عليها الآن، وحتّى لو لم تكن الأحداث متسارعة بالشكل التي هي عليها الآن، وحتّى لو لم يكن إعلام الحزب بالضعف الذي عليه اليوم، فأن الحزب ولتوضيح موقفه من جملة ما يجري بالبلد وليكون متواجدا ولو بالحد الأدنى في الأعلام المرئي والمسموع والمقروء على ضعفه، فأنه بحاجة الى ناطق رسمي بأسمه مهمته الأساسية أعلان موقف الحزب من الأحداث السياسية والأمنية التي تمر بالبلد والمنطقة وبسرعة كي يكون الحزب قريبا من سير الأحداث وتسارعها وتغيراتها المستمرة.

في ظل الأنحسار الواضح للقوى الديموقراطية والمدنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي عن الساحة السياسية نتيجة هيمنة الخطاب الطائفي المسعور، وضعف هذه القوى ماديا وأعلاميا وجماهيريا مقارنة بالأحزاب والقوى الدينية والقومية وخطابها التصعيدي ومناكفاتها التي نجحت من خلالها بتقسيم المجتمع طائفيا وقوميا. فأن القوى الديموقراطية المدنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي عليها أن تبتعد عن كل ما يشتت جهودها على ضعفها، من أجل إستمرار تواجدها بين الجماهير أو ما تبقى منها في عهد القحط والتصحر الطائفي خصوصا في طريقة تصديها للهجمات الأعلامية التي تضعها أمام جملة تساؤلات من قبل الرأي العام، هذه الهجمات التي تأخذ وقتا طويلا للخلاص منها وخصوصا في مجتمع فقد بوصلته السياسية والفكرية كما المجتمع العراقي المريض بمرض السرطان الطائفي.

ليس هناك شك في أن هناك قوى عديدة داخلية وأقليمية وعربية بل وحتّى دولية تضع معاداة القوى الديموقراطية ومنها الحزب الشيوعي العراقي وأضعافها وتهميشها في صلب أهتمامتها ونشاطها كون هذه القوى هي الوحيدة التي تقف ضد عرس الدم الطائفي الممول أقليميا ودوليا على ضعفها، آخذين بنظر الأعتبار خطط الحكومات العراقية المختلفة ومنها حكومات ما بعد الأحتلال في تقليل مساحة القوى الديموقراطية وتأثيرها على مجمل الحياة السياسية ومعاداة الحزب الشيوعي العراقي والعمل على تصفيته إن أمكن.

ومن خلال هذا الجهد الأعلامي المعادي لشعبنا وقواه الحيّة بثّت قناة الجزيرة القطرية قبل أيام لقاءا مع نكرة أدّعى أنه ناطقا بأسم الحزب الشيوعي العراقي دافع فيها هذا الموتورعن تنظيم داعش الأرهابي وجرائمه بحق شعبنا ووطننا، وعلى الرغم من تأكيده على انه ناطقا باسم الحزب الشيوعي العراقي – الكادر، الا ان القناة سوقت اللقاء كما تريد ما أشعل صفحات التواصل الأجتماعي حول موقف " الحزب" من هذا التنظيم، وقد أستغل الكثير من الأسلاميين الطائفيين هذا اللقاء للنيل من الحزب وتاريخه خصوصا وأن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا باتت لاتملك اليوم وعيا سياسيا يعتد به نتيجة شيوع الجهل والتخلف والأمية بينها.

على الحزب كما باقي الأحزاب السياسية ولكي تكون مواقفه واضحة أمام الجماهير وأن لايكون بحاجة الى أصدار بيانات لتكذيب مواقف سياسية تتخذ بأسمه، أن يقوم بتسمية شخصية قيادية فيه كناطق رسمي بأسمه ويتواصل مع وسائل الاعلام المختلفة للتعبير عن وجهات نظر الحزب حيال العديد من القضايا التي تعج بها حياة الوطن السياسية أسبوعيا مثلا وعند حدوث أحداث جسام على سبيل المثال وبالتالي فأن هذا الناطق سيكون معروفا لوسائل الاعلام والجماهير. إن تأثيرات برنامج "الجزيرة" ليست بسيطة كما يتوقع البعض بل تحتاج الى وقت ليس بالقصير وجهدا ليس باليسير لأقناع الناس من أن ذلك "الناطق" الموبوء ليس سوى نكرة يكن ليس للحزب فقط بل للوطن والشعب حقدا بعثيا داعشيا.

الأعلام المدروس أكثر فتكا من البندقية.

زكي رضا
الدنمارك
30 / 5 / 2015 


318
البيرية والزيتوني والعمامة

لم يتعرض الجيش العراقي طيلة تأريخه الذي يمتد الى أكثر من ثمانية عقود الى إهانة وأذلال كما عهدي البعث الأسود والأسلام السياسي الشيعي البشع، وقلّما بنفس الوقت تعرض شعب لحملات تنكيل وإبادة من قبل جيشه "الوطني" كما الشعب العراقي. بالحقيقة أنني هنا لست بصدد الدفاع عن الجيش "العراقي" الذي لايهمني بشيء طالما هو غير قادر على حماية أمننا الوطني و ليست لديه الجرأة في ان يرفع مسدسا خاليا بوجه الميلشيات التي تتدخل بشأنه دوما بل وتصدر له الأوامر أحيانا كثيرة. لكنني هنا بصدد الأشارة الى الأهانات وسياسات الأذلال المتعمدة بحق جيش فقد أهم سمات وجوده وهو اليوم لايملك أمر نفسه.

الجيش العراقي كمؤسسة عسكرية لم يكن عهد البعث الاسود الا ذراعا بيد سلطة غاشمة قمعت به شعبنا ودمّرت به وطننا وأدخلته في حروب لاناقة لنا فيها ولاجمل. وبعد أن تحمّل هذا الجيش أعنف الضربات وهو ينسحب من الكويت إثر أحتلاله لها بأمر "زيتوني" وبدلا من أن يقف الى جانب جماهير شعبنا وهي تنتفض لكرامته "الجيش" الذي أنسحب الى داخل الأراضي العراقي بشكل مخزي وبائس، نرى قادته يوقعون صكوك الذّل والأهانة بالنيابة عن اللباس الزيتوني في خيمة العار بصفوان  ليستأسدوا بعدها على أبناء "شعبهم" في قمعهم للأنتفاضة الآذارية تحت إمرة نكرات ومجرمون من أمثال "عزة الدوري" و "حسين كامل" و "علي حسن المجيد" و" قصي وعدي أولاد الدكتاتور" . 

أن الجيش العراقي عهد البعث الاسود فقد رجولته عندما كان يقف قادته وضباطه أذلاء أمام طاغية لايعرف شيئا عن الحياة العسكرية وهو الذي لم يخدم يوما الخدمة الألزامية كونه كان فارّا منها، وفقد أضافة الى رجولته كرامته وشرفه وقسمه للدفاع عن بلده وهو يقف بشكل مذّل أمام أولاد الطاغية وأزلامه من الزيتونيين. أن يقود نكرة ومجرم كـ"حسين كامل" ضباطا كبارا وخريجي معاهد أركان وهو الأمي بحياة العسكرية لم تكن سوى إهانة بالغة لجيش فضّل قادته لجبنهم حينها بلعها، أن يشتم أرعنا ومجرما كـ "علي حسن المجيد" عسكريين قضوا حياتهم في المعسكرات وبين الثكنات وهو يتبختر بلباسه الزيتوني لم تكن سوى صفعة لوجه المؤسسة العسكرية بأكملها. أن يغتصب سادي كـ" عدي ابن الديكتاتور" بنات ونساء العديد من قادة الجيش  وضباطه لأذلالهم وهم ساكتون كان أغتصابا لوطن وذلّ ما بعده ذل.       

عندما كانت المعارضة العراقية وهي تعمل على أسقاط نظام البعث الفاشي ولم تنجح الا على ظهر دبابة أمريكية، كانت تخاطب الجيش العراقي من خلال صحفها وأذاعاتها وأدبياتها بكل ما جئت به أعلاه حينما كانت تحث قادته على أحترام لباسهم العسكري وشرفهم العسكري ومؤسستهم العسكرية عن طريق عدم تلقي الاوامر من أفراد لايعرفون شيئا عن الحياة العسكرية والجيوش بالأنقلاب عليهم والوقوف الى جانب شعبهم ووطنهم. فهل أستمرت هذه القوى وهي تهيمن على مقدّرات العراق منذ أن تحاصصت لنهبه ثم قتله لاحقا بعد أن وصلت الى السلطة عن طريق رعاة البقر، بمطالبها تلك من الجيش؟ أم تعمل كما عهد الزيتونيين على إذلال المؤسسة العسكرية وإهانتها؟

أن الجيش العراقي هو اليوم أضعف بكثير من قوات البيشمركة التي تطالب بعدم تسليحه بأسلحة نوعية ومنها الطائرات والحوّامات وغيرها خوفا من أستخدام هذه الأسلحة ضد الأقليم في حالة حصول نزاع بينها وبين سلطة المركز، والجيش العراقي لايستطيع لأتهامه بالطائفية من دخول المحافظات السنية إذ يطلب ساسة تلك المحافظات أن يتم بدلا عنه تسليح عشائرها للدفاع عن مناطقهم ولهذا الغرض تراهم يحجّون الى واشنطن وعمّان والرياض وقطر وانقره وغيرها، ونفس الجيش لايستطيع أن يتحرك بحرية في مناطق الجنوب وحتّى مناطق عديدة من بغداد نتيجة هيمنة الميليشيات على الشارع وعلى القرار السياسي، ونفس هذا الجيش أيضا كان قد سلّم ثلث مساحة البلد لعصابات داعش المجرمة لتعيث به قتلا وتشريدا ونهبا وتدميرا. وهذا يعني أن الجيش العراقي بوضعيته هذه وعلاوة على ضعفه البين فأنه يتعرض لأهانة وأذلال مستمرين من قبل المتحاصصين في المنطقة الخضراء وميليشياتهم وجيوشهم وعشائرهم.

الّا أن الأهانة الأكبر لهذا الجيش هو ليس ما جئنا على ذكره أعلاه على الرغم من أهميته، لكن الأهانة تأتي أشّد وأكثر وقعا عندما تفترش البيرية الأرض أمام  "العمامة"، والذل يأتي لئيما عندما تستمع البيرية لنصائح العمامة "العسكرية". لاأدري ماذا يستطيع أن يقدّم معمم كـ"بشير النجفي" لوزير الدفاع "خالد العبيدي" من خطط عسكرية لمواجهة أرهاب داعش ودحره؟ فهل السيد "النجفي" يحمل شهادة أركان حرب في صنف من صنوف الأسلحة مثلا!؟ وهل خدم يوما ما بالجيش العراقي على سبيل المثال!؟ وإذا كانت الاحزاب الطائفية الشيعية تمنح المعممين الحق بالتدخل بالشأن العسكري كما يتدخل "النجفي" وغيره فلماذ أعتراضنا كان على "الزيتونيين" أذن وهم كما هو لم يكونوا مسلكيين ولم يخدموا العلم يوما!؟ أن العسكري الذي تهينه العمامة والزيتوني لا يستحق أن يكون عسكريا و عليه خلع بيريته أحتراما لهذه البيرية قبل كل شيء.

إن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجّة عليه أعظم. الأمام علي "ع".

زكي رضا
الدنمارك
13/5/2015
 
 



 

319
مستقبل العراق يقرر في مقهى!!!

لأول مرّة في تاريخ البشرية يحدد مصير بلد أثر نقاشات في مقهى، وأن النقاش هذا إن دلّ على شيء فأنه يدل على أستهتار المؤتمرين بالقضية التي يتناقشون حولها وتفاهتها بنظرهم. فالعراق هذا البلد الذي يراد نحره على الطريقة الأسلامية القومية وبسكين أمريكية و"بسملة" إسرائيلية، يراد تحديد مصيره في مقهى "سياسي" وليس تحت قبّة "برلمان الشعب" في إشارة رمزية من قبل القوى المجتمعة والتي إتخذت هذا القرار الى الأمعان في إهانة بلد أتخذوه مطية للوصول من خلاله للسلطة قبل أن يرهنوه عند دول الجوار بعد أن وصلوا إليها "السلطة" كما البعث بدبّابة أمريكية مع الفارق أن دبّابة البعث الامريكية كانت شركات النفط ، ودبّابة بيّاعي الوطن اليوم كانت دبّابة أمريكية يقودها جنود أمريكان . 

إن قرار الولايات المتحدة في المصادقة نهائيا على أعلان موت العراق السريري لحين حقنه بحقنة الرحمة وأعلان وفاته بشكل رسمي ودفنه، بعد تمرير الكونغرس الأمريكي خطته القابلة للتعديل لاحقا بتسليح الكرد وسنّة العراق بمعزل عن الحكومة العراقية بحجّة محاربة تنظيم داعش. يعتبر الحلقة الاخيرة في أنهاء الزواج غير الشرعي لها مع الحكومة العراقية، كونها ستدفع البلد بقرارها هذا (في حالة تمريره من قبل الرئيس الامريكي) الى خطر حرب طائفية ستكون قاسية جدا لضعف الجيش العراقي في أدائه وكفاءته وولاءه للشعب والوطن، مقابل ميليشيات الطوائف والعشائر المسلّحة تسليحاً جيداً من قبل إيران عند الميليشيا الشيعية، وأمريكا والعرب ومنهم الاردن على سبيل المثال الذي أعلن رسميا أستعداده لتسليح العشائر السنية في خطوة تدلّ على ضعف الحكومة العراقية في منع تدخل بلدان الجوار بشأن "بلادها" الداخلي.

في ظل غياب أي صوت وطني في "برلمان الشعب" وفي ظل غياب أي دور ملموس لقوى وطنية قادرة على تحشيد الرأي العام للدفاع عن وحدة تراب وطنه ومستقبله، وفي ظل تهيئة الرأي العام نفسيا للقبول بتقسيم بلده وأعتبار التقسيم هذا حلّا لأنهاء المشاكل التي رسّختها السياسات الفاشلة والمتعمدة من أطراف المحاصصة الطائفية القومية. فأن التنبؤ بمصير بلدنا ليس صعبا وقد وصل الصراع بين القوى المهيمنة على المشهد السياسي ودفعها بالأمور الى مزيدا من التعقيد، فالفوضى الخلّاقة التي بدأت منذ أعتماد المحاصصة كنهج للحكم ستستمر بشكل يفضي الى تقسيم البلد بعد حمّامات دم بين الأطراف الحاكمة والمتخاصمة فيما بينها علنا والتي تنفذ رغبة دوائر سياسية في بناء شرق أوسط جديد تكون فيه أسرائيل هي الرابح الاكبر وشعوب المنطقة هي الخاسر الوحيد.

إن مناقشة مستقبل العراق في "كافيتريا البرلمان" بطلب رئيسه من رؤساء الكتل السياسية  للأتفاق على الصيغة النهائية  "للرد على مشروع قرار الكونغرس الاميركي بشأن تسليح قوات البيشمركة ومقاتلي العشائر من دون الرجوع للحكومة المركزية". لا يدل فقط على سقوط ورقة التوت "الوطنية" عن قوى المحاصصة فقط، بل وتدلُّ بشكل لا تخطئه العين الى قراءة ناقصة من قبل أية قوى سياسية تعوّل على أمكانية تغيير الوضع القائم من خلال قوى "وطنية" تنبع من رحم نفس القوى المتحاصصة هذه، وأنها تدلّ أيضا عن غياب دور الجماهير للدفاع عن مستقبل بلدها ووحدة ترابه بعد أن لعب الدين ورجالاته وأحزابه دورهم في تغييب الوعي الذي مهد لهذه الهزيمة النكراء.

إن شعبا ، وأقولها بصدق وبوجع وألم ، يعقد ساسته الذين أنتخبهم لثلاث مرّات حتى اليوم ، أجتماعاتهم في مقهى لتقرير مصير بلدهم لا يستحق ساسة أفضل من ساسة اليوم، إن شعبا يثق باللصوص كونهم شيعة أو سنّة أو كرد وهو يعيش حد الكفاف والرعب اليومي نتيجة الارهاب وسطوة الميليشيات ،عليه أن يبكي وطنه الذي رهنه بنفسه الى هؤلاء اللصوص والقتلة.

أن  الأعتقاد بأن القوى الحاكمة والمستهترة بمصائر الملايين هي أس المشاكل بتوليدها المستمر للأزمات وأستنساخها هو أعتقاد وتشخيص صحيحين من جهة، الا أن هذا الأعتقاد والتشخيص ليسا الا وجه من أوجه المأساة. أما الوجه الآخر فهو هذا التيار الجارف الذي تتمتع به هذه القوى من قواعد جماهيرية واسعة خدرتها الطائفية والعمائم.

أسوأ البلدان تلك التي تباع برشفة شاي وقهقهة عاهر.     

زكي رضا
الدنمارك
3/5/2015     

320
مستلزمات درء خطر الأقتتال الكردي الكردي

في أشارة واضحة الى غريمه التقليدي الأتحاد الوطني الكردستاني أشار السيد مسعود البارزاني في رساله له مؤخرا الى خطر أندلاع حرب أهلية في كردستان العراق، واصفا حزب الأتحاد الوطني الكردستاني بشكل واضح " بالتيار اللاوطني والخطير الذي يسعى لاشعال فتيل الحرب الاهلية وتجزئة الاقليم الى ادارتين". وجاءت رسالته هذه إثر تصاعد الخلافات بين الحزبين  بسبب تمديد ولاية السيد مسعود البارزاني التي ستنتهي في شهر آب الجاري بعد أن تم تمديها لمدة سنتين في العام 2013 . وكان البارزاني قد أنتخب رئيسا للأقليم في دورتين متتاليتين في الأعوام  2005 – 2009 و 2009 – 2013 وهي التي يجيزهما الدستور الكردستاني من مادته 103 في فصله الثاني الذي ينص على أن " تكون ولاية رئيس اقليم كوردستان أربع سنوات ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية".

على الشعب الكردي أن يأخذ رسالة البارزاني هذه وعمق الخلافات بين طرفي النزاع في كردستان العراق على محمل الجد وهي تهدد تجربة عمّدها " الشعب الكردي" بدماء أبناءه لعقود طويلة. فالخلافات بين الحزبين لم تأتِ من فراغ أو هي وليدة اليوم، بل أسبابها عديدة منها ما يتعلق بأعادة صياغة الدستور الكردستاني، وأخرى تتعلق بأحتكار المناصب، ومنها ما يتعلق بالعلاقة مع المركز، ومنها ما يتعلق بحقوق الأنسان، ومنها ما يتعلق بتوزيع الواردات بين الأطراف الحاكمة. وأهمها على الأطلاق هو التهرب من تطبيق أهم مبدأ بالديموقراطية وهذا ما يفعله السيد مسعود البارزاني اليوم أي  العمل على عدم تبادل السلطة بشكل سلمي و التهرب من هذا المبدأ بحجة ظروف سياسية غير مؤاتية، لأن هذه الظروف السياسية غير المؤاتية أو غيرها قد تظهر مستقبلا بشكل آخر وهذا يعني توفر فرص غير معلومة للأمساك بقبضة من حديد على السلطة وعدم التنازل عنها حتى مستقبلا.

إن العمل بالدستور يعتبر المفتاح الرئيسي لحل العديد من الملفّات الشائكة من تلك التي تهدد تجربة الشعب الكردي بالفشل عن طريق أندلاع صراع غبي لا يبتعد في أسبابه عن صراعات سابقة بين الطرفين من اجل مصالح حزبية ضيقة دفع ثمنها الشعب الكردي دماء كثيرة وأثّرت طويلا على تبلور ونجاح تجربته، ومن هذه الصراعات هو صراع عام 1996 ودخول القوات العراقية الى كردستان العراق بطلب من الحزب الديموقراطي الكردستاني وانكفاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وانسحابه الى داخل الأراضي الأيرانية. ومن هذا المنطلق فعلى السيد مسعود البارزاني وهو يتوق الى ولاية ثالثة مخالفة للدستور أن يضع مصلحة الشعب الكردي وتاريخه السياسي وعائلته في كفتي ميزان. إن التجاوز على الدستور سيكون مقدمة لمشاكل جدّية في الأقليم متأثرة  بمحيطها الجغرافي، خصوصا وأن العراق الذي لازالت كردستان جزءا منه معرّض بعد تحرير أراضيه من تنظيم داعش الأرهابي الى صراعات شيعية – شيعية وأخرى سنّية – سنّية، فهل يريد القادة الكرد أستباق هذه الصراعات بصراع كردي -  كردي سببه تمديد فترة حكم السيد مسعود البارزاني وأستئثار أفراد من عائلته بمناصب مهمة وحسّاسة للغاية، وهل هناك نية التوجه الى التوريث ليكون منصب رئاسة الأقليم حصرا على عائلة السيد البارزاني؟

من المفروض على حكومة الأقليم وهي تخوض تجربة سياسية ناجحة الى حد ما مقارنة بتجربة الحكومة الفدرالية العراقية الفاشلة أن تتعلم من أخطاء المركز، الا اننا نرى ان الاداء الحكومي فيها له نفس أمراض الأداء الحكومي في بغداد، فالفساد على سبيل المثال منتشر كما في بغداد وإن بنسب أقل في الكثير من الوزارات والمؤسسات مما أثّر ويؤثّر على عمل وفاعلية هذه الوزارات والمؤسسات. وهذا الفساد والهدر المالي دفع حكومة الأقليم أن تعلن عجزها عن دفع رواتب موظفيها حالما أوقفت حكومة بغداد المستحقات المالية ضمن موازنة الأقليم لفترة إثر الخلاف على تصدير النفط، ما تسبب بأندلاع مظاهرات وأحتجاجات وأعتصامات في الأقليم ما أثّر سلبا على حياة المواطنين.

أن أحتكار المناصب وتوزيعها لا تختلف بشيء عن توزيع المناصب في حكومة المحاصصة ببغداد لا بل أسوأ في بعض الحالات، فرئاسة حكومة الأقليم هي من نصيب عائلة البارزاني ممثلا بـ"نيجرفان" وليس الحزب الديموقراطي الكردستاني و مركز نائب رئيس وزارء الأقليم هو من نصيب عائلة الطالباني  ممثلا بـ"قباذ" وليس بحزب الأتحاد الوطني الكردستاني، أما المناصب الأمنية الحسّاسة والتي تتعلق بالأمن القومي الكردي فأنها من نصيب عائلة البارزاني تحديدا، وهذا التوزيع غير العادل الذي أمتد الى العديد من المؤسسات يثير العديد من الأسئلة وسط الشارع الكردي، كما أثار ويثير حفيظة الاتحاد الوطني على رغم انجراره هو الآخر الى سياسة أشبه بسياسة التوريث، فهل خلت قيادة الحزب وقواعده من الذين قاتلوا نظام البعث لعقود ، من شخصيات قادرة على أن تستلم مهمة قباذ الطالباني!.

أن أحدى نقاط الخلاف الكبيرة بين الحزبين هي نوع العلاقة مع المركز، فالأتحاد الوطني الكردستاني يميل الى بناء علاقات كردية - عراقية في ظل هذه الظروف السياسية المعقدة على اساس أن كردستان ، جزء من العراق وعليه يجب العمل على ان تكون العلاقة بينهما مرنة ومتواصلة، في حين أن الحزب الديموقراطي الكردستاني يميل  نوعا ما الى علاقات متشنجة مع بغداد مستغلا ضعف حكومة المحاصصة وطائفيتها خصوصا عهد حزب الدعوة الأول والثاني، هذا التشنج دفع بالسيد مسعود البارزاني مرارا الى أن يصرّح بتصريحات ذات سقف عال وغير قابلة للتحقيق في ظل الظروف الموضوعية التي يمر بها العراق والمنطقة، ومن هذه التصريحات تهديده بالأنفصال عن العراق إثر كل خلاف وخصوصا حول ملفّات النفط والميزانية والمادة 140 . علما أن حق تقرير المصير هو حق طبيعي للشعب الكردي كما هو هدف مشترك بين جميع الفصائل الكردية ومنها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني نفسه. وقد وصلت مناكفة حكومة الأقليم للسلطات الفدرالية ببغداد حدّاً أن تكون أربيل مأوى للخارجين عن القانون والمتهمين بالأرهاب والبعثيين ممّن ساهموا ويساهمون في إذكاء نار الحرب الطائفية ومن أولئك الذين يمجّدون تنظيم داعش الأرهابي، كنائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي الذي كان ضيفا عليها والعشرات من رجال "الدين" والقبائل الذين يصرّحون بتصريحات مؤذية ضد كامل العملية السياسية بالبلد ولا يخفون حنينهم للنظام البعثي المنهار.

إن الحفاظ على نجاح التجربة السياسية في كردستان العراق لا يأتي بمعزل عن نجاح التجربة السياسية في العراق فمن غير الممكن بناء نظام سياسي اجتماعي اقتصادي محمي من خلال وضع أمني مستقر، وبقية العراق يعاني من سوء الأوضاع السياسية والأجتماعية والأقتصادية ومن عصابات داعش  وميليشيات طائفية تهدد واقعه الأمني الهش بشكل مستمر ومؤثر. علما أن الواقع الأقتصادي ممثلاً بالجانبين الزراعي والصناعي البائسين في كردستان العراق لا يختلف بشيء عن مثيله في العراق الفدرالي. لذا فهناك ضرورة حتمية تقع على عاتق الساسة الكرد وهي العمل على بناء نظام ديموقراطي حقيقي قادر على أيجاد حلول جذرية للمشاكل السياسية والأقتصادية والأجتماعية  التي يمر بها الأقليم بعيدا عن الهيمنة الحزبية أو المناطقية أو القبلية، وبناء علاقات طبيعية ومتوازنة مع بغداد وذلك بالأبتعاد عن التصريحات المتشنجة والغير مبررة أحيانا كثيرة والتي يتم أستغلالها لتهييج الشارع العربي ضد الشعب الكردي كونها مضرّة على كامل المشهد السياسي العراقي ومنه المشهد الكردي.

وعودة الى رسالة السيد مسعود البارزاني حول خطر أندلاع حرب أهلية أقول، لا يجب أختصار نضال الشعب الكردي وتضحياته بشخص فرد أو عائلة، فالشعب الكردي قدّم من التضحيات ، الكثير وينتظر من قادته الكثير. فلتحتكم القوى الكردية الى الدستور والى أسس النظام الديموقراطي  في حل مشاكل الأقليم وهي ليست بالقليلة وليس الى السلاح، كون الحرب هذه المرّة ليست بالنزهة وستطيح بتجربة الشعب الكردي هذه لسنوات طويلة من الصعب التكهن بها.
 



ئاڤاكرن زه‌حمه‌ته‌ ، به‌لێ خراكرن ساناهى یه‌ "مثل كردي"
البناء صعب اما الهدم فسهل

زكي رضا
الدنمارك
19/4/2015



321
حليب أطفال شيعي ... حليب أطفال سنّي

عهر سياسي جديد خرج به أعضاء البرلمان العراقي أول من أمس "30/3/2015 " ليضاف الى قائمة طويلة من عهرهم وأستهتارهم وطائفيتهم التي شملت كل شيء في هذا الوطن المبتلى بهم، عهر لم يمارسه قبلهم أي برلمان حتّى في أحلك ظروف مرّت بها بلدان عانت من الطائفية كما نحن ، عهر علينا تسجيله في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بأعتباره أعلى درجات العهر الذي مارسه ويمارسه ساسة على مرّ التاريخ ، عهر فشل في مجرد التفكير به وليس تبنيه والتصويت عليه كل من خاض مستنقع الطائفية العفن قبل أن يخوضه برلمانيي العراق المرضى ، هذا العهر هو تقسيم أطفال العراق الذين تعرضوا ويتعرضون الى جرائم داعش في قرار تم تأجيل التصويت عليه الى اطفال شيعة واطفال سنّة واطفال كرد وهكذا. وقد صرّحت النائب أشواق الجاف في لقاء لها مع وكالة PUKmedia في " 1/4/2015 (ان التصويت على قرار مجلس النواب عن جرائم داعش ضد الاطفال العراقيين، تأجل خلال جلسة الاثنين الماضي، 30/3/2015، لان احدى فقراته  تذكر الأطفال بانتمائهم القومي والمذهبي، لافتا الى ان لجنة حقوق الانسان واللجان المعنية بالقرار "اللجنة القانونية، لجنة المرأة والأسرة"، ترى ان يستخدم بمشروع القرار، مصطلح اطفال العراق، دون ذكر انتمائهم القومي او الطائفي).واضافت بعد سؤالها عن توقعاتها عن القرار وتمريره قائلة " انه يصعب التكهن بما سيحصل تحت قبة البرلمان، مجددة التاكيد على ان اللجان المعنية تطالب باستخدام مصطلح اطفال العراق، دون استخدام اطفال العرب الشيعة والعرب السنة والكورد وغيرهم".

إن برلمانيي المحاصصة الطائفية القومية وهم يقسمون أطفال العراق على أسس دينية وطائفية وقومية يتنكرون لأتفاقية حقوق الطفل التي أعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 والتي بدأ العمل بها في 2 أيلول / سبتمبر 1990 وبموجب المادة 49 التي نصّت في جزئها الاول بمادتها الثانية في فقرتها الاولى على أن "تحترم الدول الاطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون اي نوع من انواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل او والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الأثني أو الأجتماعي، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر"، وكان العراق قد صادق على هذه الاتفاقية بتاريخ 15 / 6/ 1994 .

في الحروب كما أوقات السلم يعتبر الأطفال خطا أحمرا يجب التوقف عنده وعدم تجاوزه وعليه فأن تمرير هذا القانون بالصيغة التي تكرس التمييز بين اطفال العراق على اساس طائفي عرقي يعتبر من أبشع الجرائم ليس بحق الطفولة فقط بل وبحق الانسانية والتي على القوى الخيِّرة المتبقية في هذا البلد الفاسد على ندرتها، أن تقوم بتقديم شكوى ضد الحكومة والبرلمان العراقيين بتهمة التمييز الطائفي والعنصري الى المحاكم العراقية والدولية.

أَن تصل المحاصصة بين الأحزاب الحاكمة الى محاصصة الطفولة فأنها دليل على فشل قوى الاسلام السياسي والقوى القومية في قيادة الدولة والمجتمع بسرعة قياسية مقارنة مع فشل القوى القومية العروبية ومنها البعث، فالبعث والقوى القومية في الدول العربية احتاجوا الى ما يقارب الخمسة عقود ليعلنوا فشلهم وافلاسهم عكس الاسلام السياسي وخصوصا بالعراق الذي أعلن أفلاسه وفشله وقبحه خلال حبوه في اول سنوات عمره.

على الحكومة العراقية في حال اصرار الاسلاميين والقوميين على تمرير القانون بنفس صيغته الحالية أن يقوموا من اليوم بأستيراد لعب أطفال شيعية تقول (لا للنواصب) ولعب أطفال سنية تقول (لا للروافض) واخرى كردية تقول (لا للعرب). كما وعليها ان تجبر شركات الحليب ان تكتب على منتوجاتها ان هذا الحليب لاطفال الشيعة والاخر للاطفال السنة والثالث للاطفال الكرد وهكذا.... ويريدون أن يبنوا بلدا!!!!!

إن أمرنا صعب مستعصب، ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة وأحلام رزينة ... " الامام علي "


زكي رضا
الدنمارك
3/4/2015


322
مثقفون يتنازلون عن أمتهم فماذا عن الدين؟

صرخة تحمل معها كل الخيبات وكل الآهات وكل الهزائم تلك التي خرجت من عقل وروح مثقف عربي كـ "جهاد الخازن" بالأمس، صرخة جمع فيها مأساة أمته المندحرة فكريا وثقافيا وحضاريا وتتباهى اليوم بتدمير تأريخها الذي هو ليس تأريخها كما كتب بل تأريخ أقوام سكنت هذه الأرض قبل أن تهينها سنابك الخيول التي قدمت من عمق الصحراء القاحلة.

الخازن طلّق "أمّته" طلاقا بائنا كونها أمّة " تقتل أبناءها، تدمر مستقبلها"، وكأن الخازن وهو شهد صعود الاحزاب القومية والعوائل الفاسدة لتتحكم ببلدان أمته وقرأ تأريخ دينه الأسلامي لعقود كمثقف وصحفي، قد أكتشف اليوم فقط هذا القتل والدمار بحق الأنسان والأرض. فاقدا ذاكرته للحظات متناسيا  جرائم تاريخية كبرى ارتكبت ضد أبناء أمته منذ معارك ما تسمى بالردّة مرورا بمعارك أبناء أمته فيما بينهم وصولا الى مجازر بني أمية والعبّاس ومن خلفهم بحق أبناء نفس أمته، وليستمر "قتل الأبناء" على يد أنظمة أمّته في العصر الحديث ليصل اليوم الى حد جعله "معه الكثيرين" أن يصاب بالصدمة لهول واقعها المزري منتظرا نهايتها التراجيدية وهي تنتحر "تدمر مستقبلها".

الخازن يعلن براءته من أمّة "أمته" تقتل المصلين بالمساجد وكأنه لم يقرأ تأريخ الحجاج الثقفي وهو يقتل المصلين في المسجد الجامع بالبصرة حتى وصلت الدماء الى ابواب المسجد والسكك، لا ادري أن كان "الخازن " قد قرأ شيئا عن معركة الزاوية وقتل أحد عشر ألفا من أبناء أمته بالخديعة والمكر بعد أعطائهم الأمان؟ وأين قتل الأمام علي أليس في مسجد؟ لقد نقل لنا التاريخ المخزي أحداثا عن قتل الالاف من الحجيج والمصلين داخل أقدس بقعة عند المسلمين وهي الكعبة، فالقتل بالمساجد ليس وليد اليوم بل هو أمتداد لتأريخ همجي موغل بالقدم وقد ظهرت تجلياته اليوم بصورة اكثر همجية لتطور وسائل القتل ليس الا.

الخازن يشعر بهول الكارثة ومعه كل الحق وهو يرى سبي نساء أمته وبيعهن في أسواق النخاسة، وكأن حواضر مدن أمته طيلة تأريخها الدموي لم تشهد سبيا أو أسواق نخاسة؟ مئات الالاف من البشر تم بيعهم في مدن أبناء أمته حتّى وصل الامر بأن يباع بعضهم مقابل حفنة من فلفل أو ملح. الخازن وهو يستحضر أنجازات أمته العربية لا يريد الاعتراف أن الترجمة والطب والرياضيات وغيرها من العلوم "العربية" ما هي الا نتاج "موالي" دخلوا دين قوميته بحد السيف وسبيت بلدانهم ونسائهم وذراريهم. والسيد الخازن كأي مثقف عربي لازال يشعر بالحنين لأحتلال الأندلس "اسبانيا" ويحلم بعودة فردوسها، لا ادري إن الأندلس أرضا من أراضي الأمة العربية!!؟

الخازن يشير في طلاقه البائن من أمته العربية الى جرائم صدام حسين "المافيوزي" وأبتلاعه الكويت وجرائم الاسد في سوريا والحوثيين باليمن وعصابات داعش والى نصف أمي "القذافي" وهو يحكم ليبيا لمدة 42 عاما، ولكنه وهو المثقف العربي الذي عليه ان يحمل هموم أمته بأكملها لا أن يجزئها نراه يغض الطرف عن أميين حقيقيين من عوائل فاسدة تحكم ممالك و "دول" فاسدة لعقود، وهنا يكون مقتل المثقف العربي وعدم ثقة الجماهير بمواقفه كونه يكيل بمكيالين بحثا عن مصالحه الذاتية.

في أدراك متأخر ورد فعل عاطفي ونتيجة لحالة الاحباط التي يعيشها جراء الفشل الكبير للمشروع القومي العربي الذي حلم بتحقيقه يوما، فأن السيد الخازن "هناك الكثيرين غيره من المثقفين العرب" يعلن تأييده لقيام دولة كردية في أجزاء كردستان الاربعة حيث يعيش الكرد مشتتين، نتيجة مقاومتهم للأرهاب كما يقول وليس لان لهم الحق في ذلك كونهم أكبر مجموعة عرقية في المنطقة لا تمتلك وطنا. ومن يضمن أن لا يقوم كرديا كما الخازن يوما ليعلن براءته من قوميته بعد أن تتحكم العوائل بمصير شعبه وتتقاتل فيما بينها نتيجة خلافها على شكل الحكم ان كان ملكيا ام جمهوريا - برلمانيا ام قبليا وليرث الكرد كل المشاكل التي مرت بها القومية العربية في العصر الحديث ليترجموها لاحقا الى معارك ليس بالأيدي هذه المرّة بل بقوة السلاح "هناك تجارب سابقة"؟

السيد الخازن لا يريد البقاء في أمّة يكون فيها متهما على الهوية ، انت عربي إذن فأنت فاشل وجاهل وقاتل كما كتب. فهل العرب هم الوحيدون الذي يقتلون الناس في المساجد ويسبون النساء ويدمرون الاثار ويقتلون أبنائهم؟  من دمّروا تمثالي بوذا في أفغانستان لم يكونوا عربا بل طالبان الأفغان، ومن يسرق الفتيات الصغيرات في نيجيريا ليسوا عربا بل مجموعة بوكو حرام الارهابية النيجيرية، الذين يفجرون اجسادهم النتنة بين الأبرياء ليسوا جميعا من ابناء الامة العربية بل منهم الكثير من الافغان والشيشان ومن اسيا الوسطى والباكستان وغيرها. إذن فالمشكلة لا تكمن في ألأمة العربية لوحدها وعلينا البحث عن اسباب خارج هذه الأمة ولكن لها روابط متينة وعميقة معها ، ولو نظرنا نظرة سطحية في بحثنا هذا فاننا لن نجد سوى الاسلام كدين مسؤولا مسؤولية مباشرة عن الأحباط الذي أصاب " الخازن" وغيره الكثير من المثقفين وملايين الخائفين على الجهر بهذه الحقيقة.

على المثقف العربي  اليوم ومن أجل غد أفضل لأمته عسى أن تلحق بالعربة الاخيرة من قطار العلم والمدنية والتحضر أن يتحلّى بالجرأة ويشير بوضوح وبقوة من أن الدين ليس سوى أفيونا تتعاطاه الأمة العربية منذ قرون فأصبحت مدمنة عليه. على المثقف أن يضغط من الاسفل حيث القطيع يسير دون هدى نحو حتفه ليبث فيه روح الامل والتغيير، عن طريق تثقيف الناس المستمر لان يكون الدين لامور العبادة والطقوس وليترك رجال الدين حقل السياسة، فرجال الدين المختلفين مع بعضهم البعض منذ عشرات القرون نتيجة فرقة المسلمين لشيعة وسنة هم المسؤولون عن تصحر فكر الانسان المسلم. على المثقفين من امثال جهاد الخازن ان لا يتركوا الساحة يأسا بل عليهم تعريف الناس على ان الطلاق مع الدين المتخاصم مع نفسه واعادة أنسنته ليواكب التطور المذهل الذي تمر به البشرية واحترامه ليكون في مكانه الطبيعي "المساجد والجوامع"، هو طلاق بائن مع التخلف والجهل وزواج كاثوليكي مع المستقبل المشرق الذي تصبوا الامم للوصول اليه.

العربي والكردي والفارسي والتركي وغيرهم ليسوا متهمين كونهم عربا وكردا وفرسا واتراكا بل كونهم مسلمون، فلنعيد النظر بتفاسير الدين الاسلامي ولنعمل من أجل قيام أنظمة علمانية ديموقراطية قوية تأخذ على عاتقها تحرير الانسان العربي وغير العربي في هذه المنطقة من طاعون الدجل وسرطان التخلف المتمثلين بالصراع الطائفي الذي يحمل اليوم راية خراب المجتمعات والدول بعد أن تحوّل الى صراع مصالح سياسية.

أنسنة الدين هو الطريق الوحيد للخلاص من هزائم قادمة كون هزائمنا لليوم ليست سوى نزهة مقارنة بالتي ستأتي لاحقا.

زكي رضا
الدنمارك
27/3/2015

 

323
تزاوج العشائر والميليشيات خطر على مركزية الدولة

حدثين حصلا قبل أيام تجعلنا - إن كنا نريد البحث عن مستقبل العراق ما بعد اندحار داعش - نتوقف عندهما قليلا ليس للبحث فيهما فقط ، بل محاولة استخلاص نتائجهما ومدى تأثير هذه النتائج على أستقرار البلد الذي ستحكمه قوة مركزية غير مكتملة البنيان ولها وشائج عديدة مع قوى ميليشياوية عمقها ليس الدولة بل العشائر، والقوة النارية الكبيرة لهذه العشائر والميليشيات ودورهما بالحصول على نتائج مشاركتهما في حرب طائفية بمعنى الكلمة، على شكل مراكز سياسية غاية بالأهمية لترسيخ واقع مافيوي لنهب ما تستطيع الوصول اليها من ثروات البلد، ألم يقدموا دماءا والدماء لها ثمن؟

لا يختلف إثنان بالعراق على "خربطة" التيار الصدري في مواقفه السياسية تجاه مختلف الأزمات التي مرّ و يمرّ بها البلد كونهم جزء من لوحة سياسية لا نعرف لها لونا غير الاسود لليوم، فهذا التيار ممثلا بالسيد مقتدى الصدر جعلنا نلهث خلف قراراته لنحل شفرتها فتارة يطالب بتجميد جيشه "جيش المهدي" وتارة يبدل اسم جيشه وتارة يضع "الجيش" تحت عهدة المرجعية الا انه هو الذي يصدر اليه الاوامر حتى وصل به الامر الى تغيير أسم "جيشه" الى سرايا السلام، وحتى هذه السرايا فأنه أمر بتجميد نشاطها في معارك "الحشد الشعبي" ضد تنظيم داعش الارهابي في تكريت وغيرها نتيجة لتصرفات طائفية لبعض مجاميعه. الا انه في الاسبوع الماضي طلب من 1500 مقاتل من هذه السرايا بالتوجه الى ساحات القتال على شرط ان يكونوا تحت إمرة الجيش العراقي وهذا يحسب له لابعاد صفة الطائفية عن سراياه، الا ان قراره هذا أصطدم بقرار من فيلق بدر بقيادة "هادي العامري" يمنع فيه هذه السرايا من المشاركة بقتال داعش بسبب اصرار الصدر على ان تعمل كتائبه تحت توجيه الجيش. وهذا يعني أن الجيش العراقي الذي يمثل البلد او هكذا يجب ان يكون لا يمتلك زمام الامور قدر ما يمتلكه الحشد الشعبي بقيادة العامري وفيلقه فيلق بدر ومعه بقية الميليشيات التي تشكل الجسم الاكبر للحشد الشعبي كون هناك الالاف من العراقيين تطوعوا للقتال في الحشد الشعبي وهم ليسوا اعضاء في أية ميليشيا، هذا الحدث سوف تكون له آثار مستقبلية غاية بالخطورة، في مقدمتها ان هذه الميليشيات ستساهم هي الاخرى كما الكرد والسنة على اضعاف الجيش العراقي لتكون هي من يتحكم بالارض مستفيدة من دعم لا محدود من قوى اقليمية تريد كما غيرها عراقا ضعيفا وغير قادرا على النهوض من سقطته وليس كبوته هذه.

أما الحدث الثاني فقد كان بعيدا عن ساحة المعارك وفي اقصى الجنوب في البصرة، التي شهدت نزاعا عشائريا مسلحا عنيفا في ناحية الكرمة شمال المدينة بين "عشيرتي الحمادنة والبطوط على خلفية انتهاء الهدنة "العطوة" بين العشيرتين. واستخدم الجانبان أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وأسفرت عن جرح مدنيين وقطع الطريق الرابط بين مركز المدينة وقضاء القرنة". وقد سبقت أحداث البصرة أحداثا مؤسفة أخرى في العمارة وكان ابطالها ايضا العشائر، فقد تحوّلت ناحية العدل جنوب مدينة العمارة (إلى "ساحة حرب" يسودها الرعب وجعل الأهالي يتصورون أن منطقتهم تعرضت لغزو خارجي نتيجة كثافة النيران التي أطلقت من مختلف أنواع الأسلحة بدءاً من الرشاشات الخفيفة والمتوسطة إلى القناصات والقاذفات ما أوقع الكثير من الضحايا بين قتيل أو جريح، ما جعل الأهالي يطالبون عشائر المنطقة الإسراع بتسوية الخلاف لحقن الدماء وإشاعة السلام وفقاً للأعراف السائدة والقانون). ونتيجة لتدخل المرجعية بالأمر ومطالبة خطيب كربلاء السيد الصافي النجفي من السلطات بالتدخل الفوري من قبل الحكومة ، تحركت الحكومة لاعلان البصرة مدينة منزوعة السلاح على غرار بعض مناطق بغداد، وبدلا من تلتزم العشائر بقرار الحكومة وتحترم قرار مرجعيتها الدينية التي تستغلها في كل انتخابات ، خرج علينا الشيخ "احمد السليطي" نائب رئيس لجنة الحشد الشعبي ورئيس كتلة منظمة بدر بزعامة "هادي العامري" ليقول بأن "نزع سلاح أهالي البصرة قرار لا يتخذه إلا هم أنفسهم عندما يكون الوقت مناسبا وأما الآن فالظروف الأمنية والتهديدات الإرهابية والمؤامرات الأقليمية والدولية التي يواجهها البلد حاليا لا تسمح بالتخلي عن أي قطعة سلاح ومن يدعو لذلك فهو جزء من هذه المؤامرات بقصد أو بدونه"، ليضيف قائلا " ان وجود عشائر متمردة على القانون لا يبرر نزع سلاح بقية المواطنين.. ودعا السلطات الحكومية الى تطبيق أقسى العقوبات بحق هؤلاء الخارجين على القانون وضربهم بيد من حديد دون أدنى رحمة بهم لانهم لا يبالون بأرواح الناس وممتلكاتهم وهم وداعش وجهان لعملة واحدة بحسب قوله" وكأن الحشد الشعبي يقاتل داعش في منطقة "الحيانية" مثلا. وبين هذين الحدثين كان هناك حدثا آخرا لا يقل خطورة عن سابقيه ويعكس التدخل المباشر للميليشيات في غياب الدولة ببسط نفوذها وهيمنتها حتى داخل العاصمة بغداد. فقد اعلنت كتائب "حزب الله" (عن عزمها ارسال بطارية صواريخ الى منطقة الشعلة للرد على مصادر اي نيران تستهدف المواطنين كما حصل يوم الاربعاء الماضي، فيما حذرت ما اسمتها "المناطق الحاضنة لداعش" والتي انطلقت منها مصادر النيران برد "قاس".
وجاء في بيان صدر عن كتائب حزب الله ونشر على موقع الكتائب الرسمي، واطلعت عليه، "السومرية نيوز"، إن "الكتائب وبطلب من اهالي منطقة الشعلة وانطلاقا من تكليفها الشرعي في الحفاظ على حياة المواطنين والدفاع عنهم، قررت ارسال بطارية صواريخ خاصة للرد على اي مصادر للنيران تستهدف المواطنين الابرياء في مدينة الشعلة والمناطق القريبة منها". وحذر البيان "جميع المناطق الحاضنة لمجرمي داعش والتي انطلقت
منها مصادر النيران برد قاس في حال استمرارها بانتهاك ارواح الناس وممتلكاتهم"، مضيفا، أن "كتائب حزب الله على استعداد تام لتقديم المساعدة والعون لجميع المواطنين وفي عموم المناطق وبما يسهم في الحفاظ على امنهم وسلامتهم". وكانت منطقة الشعلة، شمال غربي العاصمة بغداد، قد تعرضت  يوم الاربعـاء الماضـي (11 شباط 2015)، الى قصف بالهاونات والكاتيوشا، ما اسفر عن مقتل واصابة العشرات من المواطنين، فيما طالب النائب عن تحالف الإصلاح الوطني حيدر الفوادي، رئيس الوزراء حيدر العبادي وقائد عمليات بغداد عبد الأمير الشمري بالتدخل لحماية أهالي المنطقة.
 
تاريخيا كان هدف العثمانيين والانكليز بعدهم وغيرهم من الدول التي تتدخل بالشأن العراقي بشكل مباشر ولضمان هيمنتها ، كان اضعاف المدن وبشكل اكثر وضوحا " فإن وجود عشائر قوية كان يعني، في القاعدة، وجود مدن ضعيفة بالتلازم. وعلى العكس فإن نمو المدن كان يعني تراجع العشائر" "1". وبعد سنة 1908 ووصول جماعة تركيا الفتاة الى السلطة السياسية فانهم عملوا على تعديل هذه المعادلة لصالح المدن بالحد من قوة وهيمنة العشائر ، الا ان الانكليز الذين احتلوا العراق كان لهم وجهة نظر اخرى - موجودة لليوم عدا بعض الفترات القصيرة - وهي انهم " رأوا في موازنة العشائر ضد أهل المدن ضمانا أكيدا لأستمرار سلطتهم. وهكذا فأنهم لم يحاولوا فقط وقف العملية المبتدئة للأنحلال العشائري أو صون سلطة رؤساء العشائر وتبريرها أو المحافظة على الحد الأدنى من التفاعل بين أهل المدن والعشائر فحسب ، بل أنهم عملوا أيضا على تدعيم الانشقاق القائم بتقوية العادات العشائرية والاعتراف بها رسميا" "2". وقد فشل النظام الملكي وعلى الرغم من بعض المحاولات العروبية لبناء دولة عراقية "وفق بطاطو" كنتيجة منطقية لغياب القرار السياسي الوطني أو ارتباطه المباشر بالمندوب السامي البريطاني والتاج البريطاني في لندن. وإذا توخينا الدقة فأن العشائر العراقية عاشت على الدوام أفضل حالاتها عدا مرحلة ثورة 14 تموز وبضع سنوات من عهد البعث الثاني، أما اليوم فأنها تعيش بشكل لم تحلم به مطلقا، فهي اليوم من يرجح كفة الاحزاب في الانتخابات، وهي التي تصنع الميليشيات، وهي التي تلقي بظلالها ثقيلة على المدن لترييفها، وهي التي بأسم مذاهبها تشترك بأغتيال البلد.

على الرغم من مواقف المرجعية الدينية للاحداث الاخيرة بالبصرة وغيرها ومطالبتها بنزع سلاح العشائر الا ان العلاقة التاريخية بين العشائر والمؤسسة الدينية على مر التاريخ لا يمكن اغفالها او تجاوزها، فالمؤسسة الدينية وقبل ان تهيمن على القرار السياسي اليوم كانت دوما بحاجة الى العشائر ورجالاتها واموالها لتسيير امورها الدنيوية، واليوم هي كذلك بحاجة لهم من اجل استمرار هيمنة الاحزاب الطائفية على المشهد السياسي، كون تغيير ميزان القوى سياسيا لقوى مدنية او غير اسلامية سيدفع السلطة حتما الى وضع حد لهيمنة رجال الدين وتدخلهم بسياسة الدولة وتوجيهها نحو أسلمة المجتمع وبعيدا عن الديموقراطية المنشودة.

أن عدم تحرك الحكومة بقيادة السيد "حيدر العبادي" للجم تدخل الميليشيات بالشأن السياسي وعدم نزع سلاح العشائر في كل ارجاء البلد سيكون دلالة على فشل نستطيع ان نرى طلائعه من البصرة. 

زكي رضا
الدنمارك
24/3/2015





  1 – العراق- الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ، الكتاب الاول ، حنا بطاطو ، ص 42 .

2- نفس المصدر ص 42 – 43 .

 

324
هل البعث بريء من جريمة ضياع الموصل ؟

هل الحديث عن الطائفية اليوم هو شكل من أشكال الترف الفكري؟ هل الأشارة الى موقف المثقف أن نحى منحى طائفي أو قومي جريمة؟ هل الأحزاب الطائفية الشيعية وحدها المسؤولة عن هذا الكم الهائل من الخراب؟ هل الأحزاب الطائفية السنية شريكة في إزدياد رقعة الدمار؟ هل الأحزاب الكردية من صنف الملائكة؟ هل البعث بريء براءة الذئب من دم يوسف في أعراس الدم التي بدأت بأنهياره لحد هذه اللحظة؟

أسئلة عديدة علينا أن كنّا نريد حقيقة أن نقف الى جانب شعبنا ووطننا بصدق، تكمن في أن نفتش معا عن أجابات للمصائب والمصاعب والآلام التي مرّت وتمر ببلدنا ونشير اليها دون أن تأخذنا ولو للحظة أية أحاسيس قومية أو دينية أو طائفية أو عشائرية أو مناطقية. فمن المعيب على المثقف وهو يرى ما يحل ببلده من خراب أن يعمل على تحميل وزر هذا الخراب على جهة قومية أو دينية أو طائفية معينة دون طائفته أو دينه أو قوميته وإن حمّلها شيئا يسيرا فعن خجل بسيط ليس الا، فنظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة ، هذا النظام العاهر هو من أوصل البلد الى ما هو عليه اليوم، هذا النظام السياسي الذي يتقاسمه الشيعة والسنّة والكرد منذ بداية الأحتلال لليوم هو الذي علينا أن نحاكمه بجميع أركانه، لا أن نهرب للأمام لنسير على غير هدى كون هروبنا هذا سيكون كالمعول الذي دمّرت به عصابات داعش تاريخنا الذي لم نحافظ عليه كالرجال.

عليّ أن كنت مواطنا عراقيا "على الرغم من سلبي جنسيتي العراقية منذ 35 عاما" القول على كره من أنني كردي شيعي، ليس أنتقاصا من الكردية كقومية ولا من التشيع كمذهب مطلقا، بل كون ساسة الطرفين كان ولايزال لهم دورا كبيرا في تفتيت النسيج الوطني العراقي ونهب ثروات البلد لحزبية ضيقة كون فقراء الكرد زادوا فقرا وكذلك الشيعة مقابل غنى القطط السمان من أعضاء أحزابهم وميليشياتهم، ولأنهما لعبا دورا كبيرا في ضياع ثلث مساحة البلد بيد تنظيم داعش لأسباب طائفية وقومية. فالأحزاب الشيعية وعلى الأخص حزب الدعوة الأسلامية الطائفي بزعامة "المالكي" في دورتين أنتخابيتين متتاليتين عمّقت بممارساتها الطائفية جراح شعبنا وساهمت بشكل فعّال في تفتيت ما كان قد تبقى من نسيجه الأجتماعي، أضافة الى ضعف أجهزتها العسكرية والأمنية المختلفة نتيجة شيوع الفساد في مفاصلهما وتجييرهما لصالح حزب وطائفة معينة بعد أحتكار هذا الحزب لوزارت الدفاع والداخلية والأمن الوطني. هذا الضعف قاد الى هزيمة منكرة أمام عصابات داعش وبسرعة لم يصدقها حتى أعداء العراق ناهيك عن أصدقائه. أما الأحزاب الكردية فأنها ومن أجل أحكام سيطرتها على مساحات أكبر من الأراضي المتاخمة لحدود كردستان سمحت بتمدد أرهابيي داعش في عدد كبير من المدن والبلدات المسيحية والأيزيدية بعد أنسحاب قوات البيشمركة أمامهم، لتعود هذه القوات وبمساندة الطيران الغربي وأمدادات الأسلحة بتحرير العديد من المناطق وليصرح الكثير من الساسة الكرد على ان العراق قبل حزيران 2014 ليس كما العراق بعد حزيران2014 في أشارة الى التغيير الجيوسياسي أثر أعلان القيادة الكردية ضمّها للكثير من الأراضي المحررة الى أقليم كردستان لاحقا. ولم يحسب الطرفان وهما يمرران هذه السياسة الكارثية ما حلّ بالأيزيديين والمسيحيين والتركمان من جرائم ستكلل جميع المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عنها بالعار.

من خلال المقدمة أعلاه أكون قد تناولت بالنقد مواقف ضلعي نظام المحاصصة الطائفية التي أنتمي اليهما أي الجانبين الكردي والشيعي، وكنت أتمنى من بعض الكتّاب السنّة "أقولها عن كره" أن ينتقدوا الضلع الثالث "الجانب السنّي" وهم يتناولون ما حلّ بمدن عراقية عديدة من تلك التي دنّستها عصابات داعش الأرهابية ومنها مدينة الموصل "رأس العراق" كما وصفها أحد أبناء المدينة نقلا عن المؤرخ "لونكريك"، من خلال مقالة تحت عنوان "نحر مدينة الموصل : قطع رأس العراق". فالكاتب ونحن معه يشعر بالحزن العميق على تاريخ بلاده وهو يراه حطاما أثر معاول أرهابيي داعش أعداء الحياة، وأنا واثق من أنه ومعه كل الخيرين "كما العالم المتحضر أجمع" كانوا يشعرون بثقل هذه المعاول على أرواحهم وهم ينظرون الى تاريخ بلدهم الموغل بالقدم يتحول الى ركام خلال لحظات، حين هوت معاول التخلف والهمجية تلك على تماثيل أبدع صنّاع الحضارة قبل أن يظهر دينهم في صنعها والتي كانت جزء من التراث الأنساني.

لقد تناول الكاتب وهو مؤرخ في مقالته المدينة "الموصل" من وجوه عدة وإن دون الخوض فيها بعمق " لقصر المقالة على ما يبدو "، فنراه قد تحدث عن تاريخها وتناول حضارتها وخصوصيتها الاجتماعية "تشترك معها مدن عديدة بالعراق"، ليصل الى تاريخها السياسي الحديث وما جرى بها من أحداث " أبّان عهد ثورة الرابع عشر من تموز. وتناول الكاتب في مقالته ايضا مأساة الأيزيديين والمسيحيين وتهجيرهم من المدينة بعد سلب أملاكهم، ليتوّجها أعداء الحياة بسبي النساء والاطفال وبيعهم. لينتهي الكاتب بوصف واف عن المتحف الحضاري للموصل وأقسامه ومحتوياته النفيسة التي سنبكيها الى آخر الدهر.

يتناول الكاتب واقع المدينة بعد مرور أشهر على الاحتلال الامريكي للبلاد وهي تعيش أقسى حالات التمزق والرعب حسب وصفه لتنتهي مرتهنة بيد الارهاب ولتعاني من " مخاض التحديات الجديدة التي فرضتها اجندة الحكم المشبعة بالكراهية والاحقاد لتنتج ردود فعل دموية مع تفسخ متبادل بين الاطراف وكان ضحاياه الابرياء من الاهالي ". ليصل الكاتب الى الأحداث الأخيرة أي سقوط المدينة بيد عصابات داعش، وهنا بنظري يكون الكاتب قد بدأ بمجاملة طائفية " لا نقول نزعة طائفية" وهو يحمّل حكومة بغداد "الطائفية بنظري" وأجهزتها العسكرية والأمنية "تتحمل مسؤولية كبرى" لوحدهما سقوط المدينة بيد "داعش" حين يكتب " ولعل الهجمة البربرية التي تعرضت لها مؤخرا جراء استهتار الحكومة العراقية المركزية السابقة ، واستهتار القيادة العامة للقوات المسلحة وكل من قيادات وزارتي الدفاع ومسؤولي الداخلية ببغداد .. قد ادى الى سقوطها بيد تنظيم متوحش لا صلة له بحياة العصر ، وقد اطلق عليه اسم ( داعش وهو مختصر : الدولة الاسلامية في العراق والشام ).

لنرى من خلال توضيح بعض الامور إن كان للكاتب وهو يتناول الوضع الراهن للمدينة " مجاملة طائفية " أم لا؟ لنتفق أولا على تقصير ومسؤولية الحكومة المركزية السابقة "عهد المالكي الفاشل" ولنتفق على أستهتار القوى العسكرية والأمنية من قيادات وزارتي الدفاع والداخلية كما أشار اليه الكاتب، ولنضيف اليهما وهو ما لم يتطرق اليه الكاتب أستهتار وطائفية الميليشيات الشيعية، وعدم جدية البيشمركة بالتصدي لداعش وانسحابها من مواقعها داخل وخارج المدينة.

والآن وبعد أتفاقنا مع الكاتب على كل ما جاء به فهل من حقنا أن نسأله عن دور البعث العراقي وتحالفه مع داعش ليس لأحتلال الموصل وحدها ولا المحافظات السنّية فقط بل تهديدهما بأحتلال بغداد وأعادة عقارب الساعة الى حيث دكتاتورية المجرمين البعثيين، ولماذا لم يتطرق اليهم بالأسم كما تطرق للحكومة المركزية؟ وهل من حقنا أن نسأله عن دور العديد من العشائر العربية في أحتضان داعش كما القاعدة قبلهم وتوفير الملاذ الآمن لهم ودعمهم لوجيستيا وأمنيا وبشريا ولماذا غضّ الكاتب النظر عنهم؟ هل يستطيع الكاتب أن ينكر عدم مقاومة المدينة لداعش وقبلهم للمحتلين الامريكان ولو برصاصة واحدة؟ وهل يستطيع الكاتب أن يجد تفسيرا واحدا مقنعا لمقاومة المدينة للحكومة المركزية بأجهزتها ومنها الشرطة الأتحادية الذي شكّل أهالي المدينة غالبيتهم العظمى بعمليات عسكرية لسنوات وعدم مقاومتهم للدواعش، حيث لم تنقل لنا وسائل الاعلام أخبارا عن أية عملية نوعية ضد هؤلاء القتلة كما كانت تفعل قبل دخول الدواعش للمدينة!؟

إن من يشمت بما حصل في الموصل مثلما أشار اليه الكاتب وهي التي صوّتت للبقاء ضمن العراق عند تشكيل الدولة، وغيرها من مدن العراق ليس في داخله الا مرض كون الموصل كما غيرها من المدن عزيزة على قلوب كل العراقيين، ولكننا وكما ذكرت في بداية مقالتي علينا ولكي نصل بر الامان ان نبتعد عن التأثيرات القومية والدينية والطائفية والمناطقية ونحن نتناول وضعا سياسيا معقدا كوضع العراق السياسي اليوم وذلك في أن نقف ضد كل أشكال الطائفية التي أورثتنا شعبا ممزقا ووطننا مرهونا عند الاجانب ونشير اليها دون أستحياء .

كما ذكر وسيذكر التاريخ بفخر مدينة ستالينغراد وملحمتها البطولية بأعتبارها رمزا للمقاومة، وكما سيذكر التاريخ بأعتزاز مدينة كوباني الصغيرة وهي تقاوم آلة داعش الجهنمية بأعتبارها رمزا للصمود، فأن التاريخ نفسه وللأسف الشديد سيذكر الموصل "العزيزة على قلوب الشرفاء" كونها المدينة التي بيعت فيها نسائنا كسبايا وأطفالهنّ وسيظل التاريخ يشير اليها وللأسف الشديد أيضا على أنها المدينة التي ذبحت أو التي ذُبِح فيها تاريخنا الحضاري.

متى نتحلّى بالجرأة ونسمّي الاسماء بمسمياتها؟


زكي رضا
الدنمارك
6/3/2015


325

القتل حرقا سنّة أسلامية .. فلم العجب؟

صُدِمَ العالم يوم أمس بالطريقة البشعة التي تم فيها قتل الطيار الاردني "معاذ الكساسبة" من قبل عصابات "داعش" الأرهابية بعد أن نقلت صفحات الارهابيين الالكترونية فلما عن طريقة القتل التي لن توحي الا بهمجية أشباه البشر هؤلاء وخسّتهم ومدى إجرامهم. وجريمتهم هذه ليست أكثر بشاعة من قتلهم لشهداء "سبايكر" مع حلفائهم البعثيين في صلاح الدين ونينوى والانبار وغيرها من مدن وبلدات العراق التي عاثوا بها فسادا، بعد تحالفهم مع هذه العصابات البربرية وفتح مدن المحافظات السنّية أمامهم.

لقد خرجت علينا مرجعيات دينية ورجال دين بعد جريمة "داعش" هذه بتبريرات عديدة كالعادة تبريء فيه الدين الاسلامي من أمثال هذه الجرائم البشعة التي يقف مجرمون لا يعرفون من الاسلام شيئا وفق وجهة نظرهم!! دون ان يعودوا لقراءة تاريخ الاسلام منذ نشأته أو على الاقل بعد أن اصبح دينا لامبراطورية واعدة ما مرّت سنوات حتّى كانت تحتل بحد السيف مساحات شاسعة أمتدت من حدود الصين حتّى حدود أسبانيا الشمالية مرورا بشمال إفريقيا وصولا الى وسط أوربا، وما نتج عن عمليات الاحتلال تلك والتي يسّميها الاسلاميون "فتوحات".

لا يجب أن نصاب بالعجب لما كانت ترتكبه إمبراطوريات كبرى كالبيزنطية والفارسية وغيرهما من جرائم بشعة بحق مخالفيهم ولا طرقهم البربرية في قتلهم لاولئك المعارضين أو أبناء البلدان التي كانوا يحتلونها. ولكننا يجب ان نصاب بالعجب والدهشة ونحن نقرأ أمّهات الكتب الاسلامية التي لازالت تملأ رفوف المكتبة الاسلامية حول طرق القتل والتعذيب التي كان يمارسها المسلمون بحق أبناء الشعوب المغلوبة أو بحق مخالفي سلطتهم من قبل معارضهيم المسلمين. أقول نصاب بالدهشة والعجب كون المرجعيات الدينية لا تريد ان تعترف بمدى همجية تلك الممارسات لليوم بل وتعمل جاهدة على تعطيل العقل العربي خصوصا والاسلامي عموما عن البحث والتنقيب في تاريخ دينهم ومحاولة بعض المفكرين من تجديد التفسير الديني على الاقل كي يتوافق مع تطور الفكر البشري وآفاقه الرحبة.

دعونا نعود الى مقتل الطيار الاردني "الكساسبة" حرقا لنتابع ما قاله الأمين العام لمجمع البحوث الأسلامية في الأزهر "محي الدين عفيفي" حينما قال "إن الدين الأسلامي يرفض هذه الأفعال جملة وتفصيلا" ولنرحل مع ما قاله الى أيام خلافة "أبي بكر الصدّيق" لنتعرف إن كان الحرق من الدين الاسلامي بشيء أم لا؟

يقول أبن الأثير، وأما خبر الفجاءة السلمي وإسمه إياس بن عبد ياليل فإنه جاء إلى أبي بكر ، فقال له : أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة، فأعطاه سلاحاً وأمره أمرة فخالف إلى المسلمين ، وخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة بن أبي الميثاء ، من بني الشريد وأمره بالمسلمين، فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن، فبلغ ذلك أبابكر ، فأرسل إلى طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له ويسير إليه ، وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاشي عوناً، فنهضا إليه وطلباه فلاذ منهما ثم لقياه على الجواء فإقتتلوا، وقتل نخبة ، وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر، فلما قدم أمر أبوبكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطاً. (1)

أما أبن خلدون فقد ذكر نفس الواقعة قائلا " وأما بنو سليم فكان الفجاءة بن عبد يا ليل قدم على أبي بكر يستعينه مدعياً إسلامه ، ويضمن له قتال أهل الردة فأعطاه وأمره وخرج إلى الجون وإرتد ، وبعث نجبة بن أبي المثنى من بنى الشريد وأمره بشن الغارة على المسلمين في سليم وهوازن فبعث أبوبكر إلى طريفة بن حاجز قائده على جرهم وأعانه بعبد الله بن قيس الحاسبي فنهضا إليه ولقياه فقتل نجبة ، وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره وجاء به إلى أبي بكر فأوقد له في مصلى المدينة حطباً ثم رمى به في النار مقموطاً. (2)

وفي معارك العرب الداخلية بعد وفاة النبي محمد والمسمّاة بالردّة فأن العديد من الصحابة أعترضوا على عمليات حرق الاسرى التي كان ينفّذها "خالد بن الوليد" وقد فاتحوا "أبي بكر الصدّيق" بالأمر فردّهم قائلا "لا أشيم سيفا سلّه الله على الكفّار"، وفي نفس تلك المعارك وبعد قتل مالك بن نويرة فأن خالدا بن الوليد أم برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم!! (3).

وقد أستمرت هذه الهمجّية والمثلة عند الامويين كحرقهم "للمغيرة بن سعيد العجلي" بأمر مباشر من قبل "خالد القسري" ، أما العباسيين فأنهم أعدموا الكاتب "عبد الله بن المقفع" بأمر من "سفيان بن معاوية أحد ولاة المنصور"، وقد طوّر العباسيون لاحقا هذه الطريقة البشعة الى أبشع عندما حرقوا "محمد بن الحسن المعروف بشيلمة" وهو أحد قادة الزنج فوق نار هادئة.

السادة في الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية الاسلامية ، السيد "محي الدين عفيفي" الامين العام لمجمع البحوث الاسلامية، هل الدين الاسلامي أيام "أبي بكر الصديق" هو نفسه الدين الاسلامي اليوم؟ إن كان الجواب نعم فهذا يعني إن الحرق هو من الدين الاسلامي والاّ لمَ يحرق "أبي بكر مناوئيه"، وإن كان الجواب لا فكيف تفسّر لنا قيام "ابي بكر بحرق مناوئيه" وهذا العمل ليس من الاسلام بشيء كما تقول؟

أيها الدواعش بالله عليكم وانتم تذبحون أبنائنا بالعراق أن تحسنوا الذبحة فقد جاء في صحيح مسلم "عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".

أنسنة الاسلام بحاجة الى قراءة جديدة لنصوص القتل والنهب "الانفلة" لتتماشى مع عالمنا المتحضر اليوم.

زكي رضا
الدنمارك
5/2/2015



(1) إبن الأثير - الكامل - الجزء : (2) - رقم الصفحة : (350)
(2) إبن خلدون - تاريخ إبن خلدون - الجزء : (2) - رقم الصفحة : (72)
(3) البداية والنهاية لابن كثير فصل في خبر مالك بن نويرة اليربوعي التميمي





326
عيّارو بغداد بين الأمس واليوم

لا أريد في هذه المقالة الخوض في الجانب الأدبي لحركة العيّارين والشطّار في العراق أبّان العهد العباسي حيث بدأت حركتهم بداية خلافة المهدي كما يقول البلاذري ولتنتشر حتى عهد الرشيد حيث أتخذ العيّارون منطقة "سيسر" وهو أحد رساتيق همذان الذي يقوم مكانه الآن قصبة كردستان الفارسية" (1) كما يقول الهمداني، وصولا الى أيام فتنة الأمين والمأمون والغوص في كتب الأدب والتراث للبحث عن شخصياتهم ومواقفهم وما أضافت لها روايات القصّاصين من بطولات وخوارق، بل تناول ضعف حكومة الأمين حينها وظهور العيّارين ونشاطهم في الدفاع عن مدينتهم اثناء حصارها الطويل الذي أمتد لأربعة عشر شهرا من قبل جيش المأمون القادم من خراسان بقيادة طاهر بن الحسين. (2)

تقول كتب التاريخ حول تلك الفترة العصيبة من تاريخ بغداد أن العيّارين ولمقاومة جيش المأمون ونتيجة لضعف الحكومة وجيشها قاموا بتشكيل وحدات قتالية "ميليشيا" غير منظمة لمشاغلة ومقاتلة الجيش الخراساني، لان المعركة حينها أصبحت معركة بين العرب والعجم كما يقول الطبري (3) أذ دارت حينها أكثر المعارك عنفا وشراسة بين العيارين من جهة والجيش الخراساني من جهة اخرى، وعُرفت تلك المعركة بواقعة "قصر صالح". وحينما فرض العيّارون أنفسهم كقوة ميليشياوية لا يستهان بها مع ضعف واضح للجيش والحكومة معا ولأنهم كأي ميليشيا يبحثون عن أمتيازات لقادتها وغنائم لأعضائها، فأن أحد قادة الأمين "دون أعتراض الحكومة" أباح لهم النهب والسلب. ولم يفوّت العيّارون الفرصة فقاموا بنهب الدور والمحال مستغلّين الفوضى العارمة في المدينة.

لا تظهر قوات غير نظامية "ميليشيا" في البلدان المستقرة سياسيا وفي الاوضاع الطبيعية، ولكنها تظهر وتنشط أثناء الحروب الوطنية كما حصل في الحرب العالمية عندما تشكلت حركات مقاومة ضد المحتلين النازيين في جميع البلدان الاوربية تقريبا، وكذلك أثناء فترات احتلال بلد ما لآخر كما في مقاومة الفيتناميين ضد الامريكان والجزائريين ضد فرنسا والليبيين ضد ايطاليا وغيرها من البلدان. وتقوم هذه الميليشيات وبعد انتهاء دورها بتسليم اسلحتها للحكومة وتندمج بالحياة المدنية بعد ان تكون قد قدّمت خدمة لشعوبها وبلدانها، وبعد ان تكون قد ضربت وهي تقاتل من اجل شعبها ووطنها اروع الأمثلة في البطولة وفي طريقة تعاملها مع ابناء شعبها خلال تلك الفترات، ولم ينقل لنا التاريخ حوادثا عن سرقات ونهب وقتل مارستها تلك الميليشيات بحق ابناء جلدتها وهي تقاتل عدوا اجنبيا لذا نرى أن الاجيال الحالية تتحدث عن اولئك الرجال والنسوة بأحترام وتقدير عاليين.

أن قيام جهات غير حكومية بالعمل على تأسيس حركات "عيّارية" اليوم بأسماء ميليشياوية مختلفة تعتبر علاوة على ضعف الجيش وغياب الدولة من جهة، والنهب والسلب التي تقوم به هذه الميليشيات العيّارية لدور ومحال المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها بعد تحريرها مع الجيش من عصابات داعش من جهة ثانية وهذا ما حذّرت منه المرجعية الشيعية مرّات عدة في خطب الجمعة من كربلاء. هي إعادة قبيحة لنسخة العيّارين عهد حكومة الامين العباسي وقوّاد جيشه، أولئك القوّاد الذين كما قوّاد اليوم كانوا انفسهم من صنف العيّارين لذا تراهم فتحوا الابواب مشرعة امام العيّارين لممارسة هوايتهم في سلب ونهب المواطنين، ليضيف عليهم عيّاروا اليوم عدم السماح للأهالي بالعودة الى بيوتهم ومحال أرزاقهم لاسباب طائفية ليكونوا والدواعش في خانة واحدة.

وتبقى عملية سرقة عيّاري الخط الاول الذي كان يقوده المالكي وعصابته للأموال المخصصة لميليشيا الحشد الشعبي "عيّاري اليوم" كونهم وبأعتراف المرجعية سلبوا ونهبوا الكثير من الدور والمحال التجارية، من العلامات البارزة التي وصمت عهد الفاشل نوري المالكي خصوصا وانه وحزبه سرق اموالا مخصصة لعيّاري الخط الثاني، أي المقاتلين تقدّر بـ 70 مليارد دينار عراقي فقط لا غير!

هذا ما كشف عنه رئيس كتلة حزب الدعوة - تنظيم الداخل "أحمد البديري"، الذي أشار " عن فقدان 70 مليارد دينار كمخصصات الحشد الشعبي في زمن الحكومة السابقة، فيما اشار الى ان هذه الاموال كانت باشراف مستشار الامن الوطني فالح الفياض". وأضاف البديري في تصريح صحفي إن "الحكومة السابقة خصصت 70 مليار دينار كألبسة وغذاء لقوات الحشد الشعبي"، مشيرا الى ان "الحكومة السابقة لم تقدم كشوفات مالية عن آلية صرف الاموال". وقال ايضا في تصريحه "الحشد الشعبي لم يستفد من هذه الاموال ولم يستلم دينارا واحدا من هذه المبالغ"، مبينا ان "الحكومة السابقة تتحمل مسؤولية فقدان هذا المبلغ الضخم". ليتابع قائلا ان "هذه الاموال كانت باشراف مستشار الامن الوطني فالح الفياض"، مؤكدا اننا "لغاية الان لم نعرف ابواب صرف هذه الاموال".

إن التاريخ سيثبت لشعبنا إن حكومات المحاصصة الطائفية ومعها ميليشياتها غير القانونية وغير الدستورية هم أشبه بعيّاري القوّاد الذين باعوا بغداد وأهلها عهد المأمون العبّاسي، الا اننا لن نرى فيهم عيّارا واحدا يبكي بغداد كما أحد عيّاري ذلك الزمان الذي أنشد متوجعّا.....

بكيت دما على بغداد لمّا             فقدت غضارة العيش الانيق
تبّدلنا هموما من سرور             ومن سعة تبدّلنا بضيق
أصابتنا من الحسّاد عين            فأفنت أهلها بالمنجنيق
فقوم أحرقوا بالنار قسرا            ونائحة تنوح على غريق
وصائحة تنادي، واصباحا           وباكية لفقدان الشقيق
تفر من الحريق الى أنتهاب         ووالدها يفر الى الحريق
ينادين الشفيق ولا شفيق           وقد فُقِدَ الشفيق من الشفيق
ومغترب قريب الدار ملقى           بلا رأس بقارعة الطريق

من له كرامة على شعبه ليحاسب المالكي والجعفري والفيّاض والسوداني والعطية ومعصوم وميسون وحنان وغيرهم من سارقي أموال شعبنا، أليس في العراق بملايينه رجل؟


إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب .... "النبي محمد"


زكي رضا
الدنمارك
17/1/2015

(1) مختصر كتاب البلدان للهمذاني 239 – 240
(2) أحسن التقاسيم للبلاذري ص 120
(3) تاريخ الطبري ج 8 ص 445

327
هل العبادي جاد بمحاربة الفساد؟

لم يستطع السيد العبادي لليوم من اجراء تغيير واضح وملموس ولو بحده الأدنى، وذلك بالحد من آفة الفساد التي ألتهمت خلال سنوات حكم حزبه حزب الدعوة الاسلامية بزعامة سلفه "المالكي الفاشل" التي ألتهمت خلال تلك السنوات العجاف مئات مليارات الدولارات، ما بين هدر للمال العام ورشى وتهريب للأموال ورواتب خيالية لرجالات السلطة ليتوجها الفاسدون من السلطة نفسها بجيش من الفضائيين في وزرات ومؤسسات مختلفة ومنها اهم وزارتين هما الدفاع والداخلية.

إن التحقيق في ملفّات الفساد لوحده أو أقالة ومحاسبة مسؤولين من درجات دنيا فقط من السلم الوظيفي، من دون فتح تحقيقات شفافة مع المسؤولين المباشرين المشتبهين بالفساد تعتبر اجراءا ناقصا يهدف في جزء منه الى عدم محاسبة المسؤولين الرئيسيين على ملفات الفساد لأسباب مختلفة لا تخرج بمجموعها عن ضمانات متبادلة بين مكونات سلطة المحاصصة من جهة وبين اعضاء الاحزاب الواحدة فيما بينها من جهة أخرى.

إن السيد العبادي وهو جزء من السلطة ورقم مهم فيها طيلة حكم "المالكي الفاشل" قبل ان يتسنم منصب رئاسة الوزراء يعرف جيدا مكامن الخلل في بنية السلطة وأوجه فسادها وتحديدا عند أعضاء حزبه إن لم يكن عند باقي الاحزاب والقوائم التي حكمت وتحكم البلد لليوم، وطريقة ثرائها غير المشروع وهدرها للمال العام وأفراغها للخزينة العراقية التي استلمها من رفاق حزبه وهي خاوية تقريبا.

أن التحقيق بملفات الفساد في أية دولة بالعام تتكلل في نهاية الامر بالمعاقبة وفقا للقانون إن كانت هناك جدية عند السلطات في محاربتها للفساد. وقد كنّا نتوقع أن يتحرك السيد العبادي ولو خطوة واحدة للامام بعد أن كشف عن ظاهرة الفضائيين في وزارة الدفاع بتقديمه رؤوس الفساد الى المحاكمة العادلة، الا اننا لليوم لم نحصل كما في السابق الا على "سينات" المسؤولين و "السينات " هنا هي ، سوف نكشف، سوف نحاكم، سوف نحقق، سوف نعمل، سوف نبني ... والخ من "سينات" اتعبتنا ايها السيد العبادي وجعلت من بلادنا "فرجه لليسوه والمايسوه".

الشارع العراقي يعرف والسيد العبادي أيضا أن الفضائيين لا يقتصرون على وزارة الدفاع بل هناك امثالهم أن لم يكن أضعافهم في وزارة الداخلية المتخمة بالفساد عهد "المالكي الفاشل" والتي كان على رأسها "حجي عدنان الاسدي". الذي تميّز عهده بالتفجيرات اليومية وانتشار عصابات جرائم السطو المسلح والخطف التي كان يديرها حمايات مسؤولين كبار بالدولة ومن اقاربهم دون ان تستطع أجهزة "الحجي" الأمنية الحد منها ناهيك من القضاء عليها. وقد توقعنا والسيد العبادي يبدأ عهده بأعفاء بعض المسؤولين من مناصبهم لفشلهم وأن لم يقلها، من أنه سيقدم على خطوات حقيقية يحارب بها الفساد الذي يضرب جميع "مؤسسات " الدولة دون استثناء. خصوصا بعد أعفاءه رجل حزب الدعوة القوي "حجي عدنان" الذي ابرمت في عهده العديد من العقود الفاشلة والوهمية وعلى رأسها أجهزة كشف المتفجرات والتي اتضح انها ليست سوى لعب اطفال، ويعمل على فتح تحقيق موسع وشامل مع رجل فشل في ادارة اهم ملف في البلد وهو الملف الامني.

الا ان توقعاتنا ذهبت ادراج الرياح ونحن نرى هذا الفاشل بأمتياز "حجي عدنان" يتم تعيينه كمستشار في رئاسة الوزراء، ولو كان قد تم تعيينه مستشارا في مجال عمله لكان الامر مقبولا لحدود، أما ان يتم تعيينه مستشارا أمنيا فأنه يعني ان ليست هناك جدية بمحاربة الفساد مطلقا ولا الحد من الارهاب. لأن مسؤولا "كالحجي عدنان" يجب أن يقدم الى هيئة تحقيق تابعة لمؤسسة النزاهة ومحاسبته عن عقود أجهزة السونار وغيرها والتي ذهب ضحيتها اضافة الى سرقة وهدر المال العام ، أرواح عشرات الالاف من الابرياء. ولو كان السيد العبادي جادا في محاربة الفساد لأبقاه مستشارا كي يتمكن القضاء إن كان عادلا هو الاخر أن يحاسبه أن تقدمت لجنة النزاهة إن كانت نزيهة هي الاخرى بأدلة ضده وهي تمتلكها فعلا. الا اننا رأينا وللأسف الشديد ولكي تكون "للحجي ابو حسنين" حصانة من المحاسبة المستقبلية عودته الظافرة عضوا الى مجلس "نواب الشعب" ليبدأ فساده من هناك هذه المرة.

السيد العبادي اتمنى منكم قراءة خطاب الرئيسة البرازيلية السيدة "ديلما روسيف" التي بدأت دورتها الرئاسية أول العام الجاري والتي وعدت فيها الجماهير "بتنفيذ التقشف بطريقة تخفض الى أدنى حد ممكن العبء على رجل الشارع الذي يعتمد على الحكومة في الرعاية الاجتماعية" وقالت بجرأة إمرأة مناضلة تعرضت للسجن وابشع انواع التعذيب عهد النظام الدكتاتوري في بلدها أمام البرلمان ان "الشعب البرازيلي يريد مزيدا من الشفافية ومزيدا من مكافحة كل الجنح وخصوصا الفساد، ويريد العدالة للجميع ولا اخشى مواجهة هذه التحديات"

كما وعدت بالتحقيق "بصرامة في فضيحة "بتروبراس" وهي اكبر شركة بترولية ببلدها وتقديم سلسلة اولى من الاجراءات لتعزيز قانون مكافحة الفساد إلى البرلمان في النصف الاول من 2015 ".

وأستمرت لتقول "لدينا اليوم اول جيل من البرازيليين الذين لم يعرفوا الجوع"، مؤكدة ان الأولوية في ولايتها الرئاسية الثانية ستعطى "للتعليم" من موارد النفط. لتضيف ان "الشعار الجديد لحكومتي سيكون البرازيل وطن للتعليم".

نحن لا نتوقع ان يكون شعار حكومتك "العراق وطن للتعليم" ولا "العراق وطنا منتجا زراعيا" ولا "الدواء في متناول كل عراقي" ولا "توفير العمل للعاطلين" وغيرها ، ولكننا نتمنى ان نراك جادا بتقديم الرؤوس الكبيرة الفاسدة للقضاء وهم معروفون لك ولابناء شعبنا فهل أنت بفاعل؟

أخيرا أود القول من أن شعبنا كالشعب البرازيلي يريد مزيدا من الشفافية ومزيدا من مكافحة الجرائم والفساد كما واننا نريد العدالة للجميع.

أنقذ المظلوم من يد الظالم ولا تكن صغير النفس في القضاء ... "الامام علي"

زكي رضا
الدنمارك
14/1/2015

328

هل لازال أهالي الموصل قلقون على بغداد يا ميسون!؟

أرى من الضروري جدا وقبل الخوض في المقالة أن أعود الى تأريخ الثامن من ايلول للعام 2009 ، إذ كتبت حينها وبعد أن ركلت ميسون الدملوجي باب السفارة العراقية في لندن لتتقدم المعتصمين أثر أغتيال الشهيد "كامل شياع" وتسليمها مذكرة لهم تطالب الحكومة بالكشف عن القتلة "لم يكشف عنهم لليوم" والتي رفضت السفارة استقبالهم، مقالة تحت عنوان "الى السيدة ميسون الدملوجي .. يا ليتنا لو كنت كردية فيلية". وسبب عودتي لتلك المقالة ليس ندما على كتابتها مطلقا كونها تناولت حدثا كان لميسون فيه موقفا مشّرفا حينها، بل لأقول من أن المواقف السياسية تتغير من ظرف لآخر ومن موقع لآخر ومثلما يغيّر السياسي موقفه فعلى الكاتب والمتابع السياسي أن يغير موقفه أيضا، الا إذا كان الكاتب او المتابع السياسي يبني مواقفه على أسس شخصية وليس على مواقف سياسية، وهنا يكمن الخطر لانها "المواقف الشخصية" ستكون بعيدة كل البعد عن المواقف السياسية للساسة ومدى قربها أو بعدها عن هموم الوطن والناس تلك التي يجب أن يضعها الكاتب او المتابع السياسي نصب عينيه.

علينا أن لا نشك ولو للحظة واحدة من أن النظام السياسي في العراق هو نظام محاصصة طائفية قومية وهذا يعني أن رؤساء الجمهورية و الوزراء والبرلمان ونوابهم والوزراء والبرلمانيون نزولا الى أدنى الدرجات الوظيفية هم نتاج هذه المحاصصة وبالتالي هم ليسوا بعراقيين، بل شيعة وسنّة وكورد. ومن هؤلاء الساسة الّذين أبتلى بهم العراق هي "ميسون الدملوجي" وأشباهها ممن يعملون جاهدين على تمزيق البلد عن طريق فسادهم الذي أزكم الانوف وسرقاتهم ومساندتهم للأرهاب القادم من خلف الحدود. فميسون الدملوجي لم تكتفي بسرقة المال العام وأبرام العقود والحصول على المناقصات و " الكوميشنات " بأعترافها شخصيا مع زميلتها بالسرقة " حنان الفتلاوي " وذلك في برنامج تلفزيوني جمعهما معا (*)، بل تعدّتها الى مساندتها العلنية للأرهاب والترويج له حينما صرّحت في برنامج تلفزيوني بعد أحتلال الموصل من قبل عصابات داعش المجرمة، أن البعض يقول أن "كل الثوار من داعش وهذا غير صحيح لأن من يدير الموصل هم أهالي الموصل وقيادات الجيش السابق وقيادات عشائرية ترفض تقسيم العراق... وأن أهالي الموصل قلقون على أهالي بغداد والمحافظات الاخرى" (**) . فهل مجرمي داعش أو قيادات الجيش السابق من البعثيين وزعماء العشائر من الثوار؟ هذا السؤال أطرحه على ميسون الدملوجي و"ثوارها" ممن ذكرتهم بعد أن تناقلت الاخبار اليوم أقدام "ثوارداعش" و"ثوار" الجيش العراقي السابق من عتاة البعثيين المجرمين و "الثوار" من زعماء عشائر الموصل الذي بايعوا أمير مؤمنيهم، بأعدام سبعة أطباء ومحامين من أهالي المدينة؟

هل نصف ما يقوم به "ثوار ميسون" من بيعهم للأيزيديات في سوق نخاسة الموصل بالعمل الثورّي؟ هل جهاد النكاح الذي يقوم به "ثوارك" عمل ثورّي يا ميسون؟ هل ما جرى في سبايكر عمل ثوري يا ميسون؟ هل بيع أعضاء أطفال "بلدك" عمل ثوري يا ميسون؟ هل أمتهان المرأة وحريتها وحقوقها في الموصل وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها العصابات عمل ثوري يا ميسون؟ هل تدمير آثار "بلدك" عمل ثوري يا ميسون؟ هل تدمير الاماكن الدينية والكنائس عمل ثوري يا ميسون؟ نعم، قد يكون عملا ثوريا ولكن وفق آيديولوجية البعث ليس الّا يا ميسون . كما وانني هنا يا ميسون لا أتحدث عن سرقة النفط والآثار ليس لانهما لا يُسرقان، لا ابداً، ولكنك وللأمانة لست الوحيدة في عملية نهبهما فمعك في سرقتهما ثوار آخرين منهم شيعة وسنّة وكورد أي أقطاب المحاصصة التي جاءت بك وبالكثير من العاهات الى حكم العراق في غفلة من الزمن. والآن وأنت ترين - إن كنت ترين - ما يحدث في المناطق التي تحت سيطرة "ثوارك" ليس بالموصل وحدها بل وفي كل مدينة وقرية دنّسها "ثوارك الأشاوس"، من أن أهالي بغداد وبقية المحافظات العراقية لازالوا محط قلقك وقلق أبناء الموصل يا ميسون؟

يعرّف المرصد العربي للتطرف والارهاب، على أن الأرهاب "هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية ". فالعنف الجسدي والتكفير الفردي والجماعي والأفتاء بهدر دم إنسان أو جماعة أو طائفة، والتخريب والأكراه والتهديد والتهجير والتفجير والتصفية الجسدية أو المذهبية أو العرقية (والتصفية الدينية) ، وأستهداف منشآت البنى التحتية والقتل المنظم للمدنيين حسب نفس المرصد، هي جزء من أشكال رئيسية للأرهاب. فهل مارس "ثوارك" ما جاء في تعريف الأرهاب وفق المرصد العربي أم لا؟ ويبقى ما قمت به يا ميسون من دعمك للأرهابيين وإن تحت مسمى "الثوار" هو شكل من أشكال الأرهاب الذي يعاقب عليه القانون.

لو كنت عراقيا لرفعت اليوم أمام القضاء العراقي على الرغم من عدم نزاهته وبالنيابة عن عوائل الأطباء والمحامين المغدورين ومعهم الالاف من ضحايا "ثوار ميسون" في عموم أرجاء العراق، دعوى قضائية أتهم فيه هذه "الثائرة" بتشجيع وتمويل الأرهاب أعلاميا كونها الأدلة الوحيدة التي أمتلكها. ولأنني للأسف الشديد لست بمواطن عراقي فهل سأرى عراقي وعلى الأخص من ذوي الشهداء يقدم على هذه الخطوة، لتكون مدخلا لتقديم كل الارهابيين ولصوص المال العام الى القضاء؟ أليس العراق بلدا ديموقراطيا !؟

أسوأ أشكال العهر هو العهر السياسي



(*) https://www.youtube.com/watch?v=CZWTnRPihCQ
(**) https://www.youtube.com/watch?v=-yfZ-yrvJ-U


زكي رضا
الدنمارك

8/1/2015

329
تسليح العشائر السنية يعني جيشا "عراقيا" ثالثا

هل وصل مشروع بايدن لتقسيم العراق الى مراحله الأخيرة؟ وهل ستكتمل ثالث حلقات سلسلته لتقسيم العراق عن طريق حروب داخلية بين مكوناته الرئيسية بتسليح العشائر السنّية التي بدأت بالفعل برعاية أمريكية ورضا بغداد واربيل كلا لحساباته الخاصّة؟ ومن سيقود الجيش العشائري السنّي بعد دحر داعش وفرضية عدم تقسيم البلاد وأين سيكون موقعه في الحياة السياسية؟

الأسئلة أعلاه هي غيض من فيض عشرات الأسئلة التي تشغل بال المواطن المبتلى بسوء أستخدام السلطة من قبل القابضين عليها بقبضة الطائفية والقومية، كما وأنها تشغل بال الكثير "ليس الجميع" من المتابعين للشأن السياسي العراقي الذي ما أن يبدأ بمحاولة الخروج من أزمة معينة حتّى يتم إدخاله في أزمة جديدة وليستمر صراع هذا المواطن مع الأزمات بفعل القوى المتحاصصة لآماد غير منظورة نتيجة إستمرار نفس القوى بالهيمنة على مقاليد السلطة من جهة وغياب دور القوى المدنية بالتأثير الأيجابي على الحياة السياسية ومنها بالطبع أبتعادها ليس عن هموم المواطن نتيجة عدم تبنّيها للعديد من مطالبها وتصدرها للتظاهرات والأضرابات على محدوديتها، بل الوقوف الى جانب هذه القوى أحيانا كثيرة لاسباب لسنا بصدد تناولها بهذه المقالة ومن هذه المواقف هو الموقف من تسليح العشائر وقبلها تشكيل الحشد الشعبي.

لقد أفرزت سيطرة عصابات داعش الأرهابية على ثلث مساحة البلد بسرعة قياسية واقعا سياسيا جديدا لعبت الولايات المتحدة الامريكية والسائرين في فلكها من أحزاب "عراقية" دورا كبيرا في ترسيخه، لرسم خارطة سياسية جديدة قديمة للبلاد تأخذ بنظر الأعتبار بقاء هذه الأحزاب "العراقية" على سدة الحكم مع أضعاف حكومة المركز على مختلف الصعد ومنها الصعيد العسكري. فبعد الضعف الذي بان عليه الجيش العراقي وعدم بناءه بشكل وطني منذ الاحتلال لليوم، وتأسيس جيش كردي"تأسس ولازال كجيشين منذ عام 1991 في اربيل والسليمانية"، وتأسيس جيش شيعي ميليشياوي بأسم الحشد الشعبي بقيادة الجنرال "قاسم سليماني" فأن اللوحة السياسية كي تكتمل فأنها بحاجة الى جيش سنّي من عشائر المحافظات والمدن والبلدات السنية، التي نفسها فتحت مضارب عشائرها وساحات مدنها لتنصب فيها منصات العار التي سوّقت تنظيم القاعدة أولا قبل ان تبايع العديد من هذه العشائر "أمير المؤمنين" ليعيث في مدنها فسادا وقتلا وترويعا للابرياء.

أن أصرار الولايات المتحدة الامريكية برضا حكومتي بغداد واربيل على تأسيس جيش سنّي يعني عمليا نهاية الجيش العراقي لصالح جيوش غير نظامية، فالجيش الكردي هو وارث قوات الپيشمرگة التي بدأت حرب العصابات ضد حكومات بغداد المركزية منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى فترة قريبة، والحشد الشعبي ليس سوى ميليشيا شيعية تضم بين صفوفها منظمات وتيارات متّهمة بأشتراكها في عمليات تطهير طائفي أثناء سنوات الحرب الأهلية بين الاعوام 2006 – 2008 حيث ساهمت هذه الميليشيات كفرق موت في قتل الالاف من الأبرياء كعصابات عصائب أهل "الحق" وجيش المهدي بأسمائه وتشكيلاته المختلفة وثار الله وحزب الله وميليشيا بدر وغيرها الكثير. أما الجيش السنّي الذي سيتشكل أو بدأ تشكيله فعلا فأنه وارث تنظيمات غاية بالأرهاب كمثيلاتها الشيعية والتي لعبت دورا كبيرا هي الاخرى في سنوات المحنة تلك كمساهم نشط وفعال في حملات التطهير الطائفي كجيش محمد والنقشبندية وجيش عمر وكتائب ثورة العشرين وغيرها. وأذا كان الجيش الكردي مرجعيته واضحة ومعروفة وكذلك الجيش الشيعي "الحشد الشعبي" فأن البعث هو مرجعية الجيش السنّي الذي يضم أعتى المنظمات الأرهابية والمسؤولة عن سفك دماء الأبرياء، وهو الذي يقود العديد من عمليات تنظيم داعش الأرهابي والمسؤول عن العديد من المجازر "كمجازر سبايكر والصقلاوية وغيرهما".

أن تسليح هذه العشائر وهي مسّلحة أساسا وتمتلك خبرات عسكرية كبيرة كون ابنائها كانوا يشكّلون العمود الفقري للجيش النظامي البعثي الذي خاض حروب عدّة داخليا وخارجيا تعني أن هؤلاء وجميعهم من البعثيين "الكلية العسكرية كانت مغلقة للبعث" ورفاقهم العاملين اليوم مع تنظيم داعش سيعودون للحياة السياسية من بابه الاوسع، وبالتالي فأن ما يتردد منذ بداية الأحتلال لليوم حول إبعاد البعث عن العملية السياسية ليس سوى زوبعة في فنجان حكومة المحاصصة وخصوصا الاحزاب الطائفية الشيعية التي فشلت فشلا تاريخيا في قيادة البلد.

إن تسويق الجيش السّني ليكون تحصيل حاصل وواقع حال لابد من ان تسبقه إنتصارات كبيرة للجيشين الكردي والشيعي على تنظيم داعش الأرهابي لحين تطهير العراق من إجرامه، والا سيبقى هذا التنظيم نشطا وفعالا لحين موافقة كل الفرقاء على السيناريو الأمريكي الجديد.

إن موافقة أطراف المحاصصة على تسليح العشائر لتأسيس ثالث جيش بالعراق إضافة الى الجيش النظامي قد يكون مفهوما كونه جزء من لعبة سياسية تديرها الولايات المتحدة الامريكية، ولكن من غير المفهوم ، مطالبة شخصيات خارج السلطة بتسليح العشائر بدلا من مطالبتها بسن قانون للتجنيد الأجباري مثلا لتأسيس جيش عراقي موحد يربّي أبناءه تربية وطنية ديموقراطية ليحترموا شعبهم ويدافعوا عن حياض وطنهم! هذا على الرغم من معرفتها الأكيدة حول عدم أمكانية بناء مجتمع مدني بوجود العشائرية ومعرفتها الأكيدة أيضا بمن سيقود هذا الجيش من ابناء تلك العشائر.

إن أهم طريقة لتجاوز الحالة الكارثية التي يمر بها البلد اليوم هو إعترافنا بفشل النظام السياسي الطائفي القومي الذي قادته الاحزاب الطائفية الشيعية والسنّية والكردية بحرفية عالية على الضد من مصلحة الوطن والمواطن وتثقيف الجماهير به، هذه السياسة التي خلّفت لنا وستخلّف في حالة إستمرارها مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية اكبر مما هي عليه الآن. والتي أنتجت خلافات طائفية وقومية نتيجة عدم إتفاق قوى السلطة حتّى على دستور أعرج كتبوه ولازالوا مختلفين على تفسيره، هذه الخلافات التي فتحت أبواب العراق مشرعة أمام تدخلات إقليمية ودولية ناهيك عن دور هذه الخلافات وسوء إدارة البلد التي وضعت العراق نتيجة نهب ثرواته من قبل نفس مثلث الحكم هذا في مأزق خطير للغاية.

البعث لن يعود من شبّاك العملية السياسية الفاشلة بل سيعود من أوسع أبوابها وليدفع شعبنا ثمن قصر نظر"ساسته".



زكي رضا
الدنمارك
21/12/2014

330
السيد العبادي لاتحتفظ بملفّات الفساد وأكشفها

إحدى المآخذ التي رافقت حقبة الفاشل نوري المالكي وهي كثيرة كانت تهديداته الجوفاء كلمّا كان البلد في منعطف سياسي حاد عن طريق اعلانه إمتلاك وثائق تدين هذا السياسي أو ذاك، متهما ذلك السياسي بالأرهاب والتعاون مع دول إقليمية لزعزعة السلم الأهلي وتغذية المشاعر الطائفية. الا إنه وفي كل مرّة وبعد أن يتناول الاعلام تهديداته ويهرب الضحية الذي لم يكشف المالكي ما عنده من ملفّات ضدّه،  كان ينتظر ويتصيد سياسي آخر وبنفس الطريقة حتى وصل الامر الى إتهام مسؤولين كبار في البنك المركزي العراقي من الذين رفضوا الأنصياع لأوامره الهمايونية بتسليم إحتياطي العراق له بتهم كاذبة. أثبت القضاء بعد تحرره الجزئي من سطوة المالكي وحزبه حزب الدعوة الاسلامية كيدية التهم الموجهة اليهم وليبريء ساحتهم بعدها. لكن العجيب بالأمرهو إن المالكي لم يمتلك ولا ملفّا واحدا ضد أي سياسي شيعي من ألاحزاب الطائفية حول تهم الفساد التي بانت طلائعها برواد فضاء وزارة الدفاع التي أدارها حزب الدعوة الأسلامية لثمان سنوات بشخص رئيسه، و لاتلك التي ستظهر لاحقا إن لمسنا جدّية السيد العبادي في تكملة مشواره في وزارة الداخلية التي كان حزب الدعوة يديرها بشخص المالكي وأقرب مساعديه  بشخص وكيل الوزارة الدعوي عدنان الاسدي " ابو حسنين"!!.   

والفشل هو ليس الصفة الوحيدة التي لازمت المالكي خلال فترتي حكمه بل نستطيع أن نضيف اليهما الكذب والعجرفة، فالمالكي كان دائم الكذب وهو يوعد شيعته " كونه كان رئيسا لوزراء جزء من الشيعة"  بحل مشاكلهم وتوفير حياة افضل لهم خلال مئة يوم مثلا، وما ان تنتهي المئة يوم حتى يكون عبيده جاهزين لتفسير المئة يوم تفسيرا لايفقهه الا الله والراسخون بالعلم من حزبه القائد. أما عجرفته فأنها تتجسد برفضه الحضور الى مجلس النواب ليس للمساءلة أحيانا بل كضيف وكان هذا دليلا على استهتاره بسلطة الشعب التي جاءت به الى سدّة الحكم، أي من الممكن أن نصفه بالمستهتر ايضا لتضاف الى طائفيته ورعونته بقيادة البلد الذي أفرغ والفاسدين واللصوص الذي هم تحت إمرته خزائنه.

نتمنى أن لايرث السيد العبادي وهو الذي بدأ مشواره في الحكم بشكل لا بأس به لليوم على رغم التركة الثقيلة التي ورثها من سلفه أمراض ذلك العهد الذي نتمنى أن يكون بائدا، وخصوصا إمتلاكه للملفّات وعدم طرحها بشفّافية أمام البرلمان ليتعرّف عليها المواطن العراقي. فالعبادي الذي تعرض ولا يزال يتعرض لهجوم شرس من قبل المالكي وأيتامه ومحاولتهم وضع العصي غير القابلة للكسر في دواليب حكومته، بدأت ضدّه حملة جديدة وهي التشكيك بصحة ما قاله حول رواد فضاء المالكي في وزارة الدفاع والداخلية وغيرها من الوزارات والمؤسسات اثناء فترة حكمه. وهذا ما يتطلب منه التحلّي بالشجاعة الكافية والأرادة الصادقة في متابعة الأمر حتّى النهاية عن طريق فضحه المسؤولين عن تلك الجرائم التي تعتبر شكلا من اشكال الارهاب كما صرّح المالكي نفسه أكثر من مرة، إذ من غير المعقول أن يكون من وضع خمسون ألف أسما وهميا في سجلات وزارة الدفاع لليوم فقط  ومنهم من غادر الحياة منذ وقت طويل ليقبض من خلالها رواتب تقدر بـ 450  مليون دولار سنويا " 3.6 مليارد دولار خلال فترة المالكي الفاشلة" حسب تصريحات قائد عسكري الى صحيفة الشرق الاوسط اليوم هو ضابط أو مجموعة ضباط صغار في الوزارة. بل وراء هذه الارقام الفلكية أسماء كبيرة من داخل الوزارة ومن مكتب القائد العام للقوات المسلحة ممثلة برئيسه وأعضائه ومنهم اليوم برلمانيون وبعلم المالكي نفسه وهم الذين كانوا يديرون ملف الفساد المافيوي هذا.

إن عدم تقديم رؤوس كبيرة من خلال تحقيق شفّاف من قبل الحكومة والبرلمان الى القضاء لأسترجاع هذه الاموال ونيل المجرمين أيا كان مركزهم الوظيفي خلال عهد المالكي عقابهم وفقا للقانون، سيضع السيد العبادي كما المالكي سابقا في دائرة الأتهام كونه من ملفقّي تهم دون أساس قانوني ليس من المالكي الذي أنكر تصريحات السيد العبادي حول الفضائيين ولا إتهامات أيتامه فقط، بل سيتعدى الامر الى المواطن البسيط والمراقبين لعمل الحكومة ممّن تهمّهم نجاحها وتقدمها بعبورها حقول الالغام التي تعترض طريقها من أجل غد أفضل لعراق فدرالي موحد وشعب يعيش بكرامة.   

 


السيد العبادي من أجل العراق وشعب العراق لاتكن كالمالكي وأكشف ملفّات الفساد "وخليها تصير بوكسات".

زكي رضا
الدنمارك
17/12/2014




331
لا ديموقراطية في ظل إنتهاك حقوق المرأة

لا يجب أن يخامرنا الشك ولو للحظة واحدة من أن قوى الاسلام السياسي الحاكمة اليوم لم تكن تقبل بنظام "ديموقراطي" للحكم بعد الاحتلال الامريكي لولا لعبة المحتل لتسويق نفسه من جهة، والنسبة الكبيرة عدديا للمذهب السني "الكورد والعرب السنّة" من الجهة الاخرى علاوة على الوضع الجيوسياسي للكرد والذي ترسّخ كجزء من المشكلة العراقية منذ إنهيار أنتفاضة آذار سنة 1991 وفي جميع مؤتمرات المعارضة العراقية لليوم والذي منح الكرد وضعا ممّيزا لضعف المركز وأستمرار الصراع الشيعي السني وتدخلات القوى الاقليمية والدولية التي تهدف الى اضعاف العراق وتهديد وحدته الوطنية. ولو ترك الامر للقوى الشيعية الحاكمة اليوم في أن تقرر مصير العملية السياسية لوحدها لكان العراق اليوم ديموقراطيا ولكن على الطريقة الايرانية أي ديموقراطية ولي الفقيه، والتي تعني "فلترة" ليس القوى غير الاسلامية قبل الترشيح لأية أنتخابات بل و"فلترة" حتّى القوى الاسلامية غير المؤمنة بولاية الفقيه أو تلك التي تحاول أن تغرد ولو على مسافة قصيرة عن عمامة ولي الفقيه. وذلك لسببين، أولهما أنّ الديموقراطية "بنظرهم" إن تجاوزت ذهاب المواطن الى صندوق الاقتراع تعتبر كفرا إذا ما تمت ممارستها في دولة مسلمة كون الديموقراطية تعني "حكم الشعب لنفسه" أستنادا الى قوانين وضعية تأخذ مباديء حقوق الانسان بالأعتبار عند صياغة دساتيرها مع الاستفادة من قوانين الشريعة لحدود يحددها الدستور طبقا للحالة الاجتماعية، وثانيهما هو أن مناهج الاحزاب الدينية ونظرتها للمجتمع تأتي من خلال سعيهم لبناء دولة دينية تستمد قوانينها من خلال مبدأ "الحكم لله" والذي يترجم بالممارسة "الديموقراطية" على اساس أن "الدين هو الحل" لأقامة "حكم الله في الأرض". ولمّا كان الدين "أي دين" ينقسم الى فرق وشيع فأن صراع هذه الفرق والشيع والتي هي اليوم أحزاب دينية سياسية سوف يظهر للسطح كصراع فكري بداية والذي يتحول لاحقا الى حرب معلنة بين الاطراف الاسلامية المختلفة وذلك طبقا لتفسيرات هذه الاحزاب للدين، وهذه التفسيرات المختلفة للدين ستتمخض عنها لاحقا ونتيجة الصراع على السلطة مجازر بشرية بين أبناء الدين الواحد ناهيك عن أضطهاد الأديان الاخرى وهذا ما أثبتته تجربة سنوات ما بعد الاحتلال لليوم.

إن الجمود العقائدي للأحزاب الدينية وعدم أنفتاحها على الافكار الأنسانية والتجارب السياسية الناجحة في بلدان عديدة ومنها بلدان كانت تعاني حتّى الأمس القريب من أسوأ اشكال الديكتاتوريات كتلك التي في امريكا اللاتينية، أثبتت من ان هذه الأحزاب ليست بقادرة على حل مشاكل الدولة والمجتمع بل هي غير قادرة على تسيير أمورهما بالمرّة. كون هذه الأحزاب تريد أن تسّير أمور الدولة على أسس بسيطة جدا وبدائية بأعتمادها على أفراد كفاءتهم الوحيدة هو أنهم "مؤمنون يعرفون" الله ويقيمون الفروض ومن موالي آل البيت، متناسين عن جهل وعمد أن الدولة الحديثة لا تدار كما تدار به الدولة بالعراق، فالدولة الحديثة تحتاج الى عقليات سياسية متفتحة ومرنة وقادرة أن تصل الى الحلول الوسط أثناء الأزمات ليست الداخلية فقط بل والخارجية ومنها الأقليمية بالطبع، وهذه العقلية المرنة والمتفتحة التي تفتقدها القوى الدينية هي الوحيدة القادرة على حل العديد من المشاكل السياسية والاثنية والأقتصادية والثقافية والاجتماعية التي يمر بها البلد. أن الوصول لحلول منطقية لهذه المشاكل المستعصية لا يأتي من خلال نظرة أسلامية ضيّقة بل بانفتاح كامل على تجارب واخلاقيات سياسية عالمية أستمدت الكثير مما جاء في دساتيرها من قوانين حقوق الانسان وقوانين دولية وأممية.

إن ما تقوله القوى الدينية عن ممارستها للديموقراطية بالعراق اليوم ليست سوى كذبة كبرى كون الديموقراطية لا تتجزأ وإن تجزّأت فهذا يعني ان هناك خللا واضحا في النظام الديموقراطي وتطبيقاته. فالديموقراطية سلوك نجده في كل مفاصل الحياة ومنها سلوك الدولة الديموقراطية تجاه المرأة وحقوقها بمساواتها مع أخيها الرجل وعدم سجنها من خلال قوالب فكرية ودينية جاهزة وموروثة منذ عشرات القرون. إن أضطهاد المرأة ومحاولة أجبارها على أرتداء زيّ معين من خلال التهديد بالقتل من قبل ميليشيات منفلتة من عقالها وبغطاء من الدولة سواء عن ضعف أو تواطؤاً منها تعتبر جريمة بحق الديموقراطية التي لازال الكثير يعلّق عليها الآمال لانقاذ البلد من خلال نفس القوى الحاكمة اليوم.

من هنا فأن الاحزاب الاسلامية الحاكمة اليوم "ومعها المحتل الامريكي والبطرانين من القوى والمنظمات السياسية العراقية" التي تعتبر النظام في العراق افضل ما موجود بالمنطقة، إذ هناك "وفق الارقام والنسب" في البرلمان 25 % من النساء على الرغم من إن غالبيتهنّ عبارة عن تكملة لديكور البرلمان الطائفي المحاصصاتي، والذي تدافع 80 % منهنّ عن التحجّب وعن حق الرجل بالزواج من اكثر من امرأة، إضافة الى أنّ غالبيتهنّ مع اقرار القانون الجعفري الذي ينظم عمليات الزواج من القاصرات، ليس سوى هروبا للأمام!. ومهما تضمن الدستور العراقي على علّاته ونواقصه من كلمات كبيرة وطنّانة فانه يبقى مجرد حبر على ورق في مجالات عدّة ومنها مجالات المرأة والطفل والاسرة الذين يعانون اكثر من غيرهم في ظل غياب الدولة، فعدد الايتام والارامل في تصاعد يومي مستمر يقابله سوء مستمر في معالجة أوضاعهم البائسة، أما حقوق المرأة بشكل عام فأننا نجده في تقرير أصدرته منظمة "تومسون رويترز" في مجال قضايا المرأة العربية في 14 تشرين ثاني/ نوفمبر سنة 2013، والذي صنّف فيه العراق كثاني أسوأ بلد بين اثنين وعشرين بلدا عربيا في مجال حقوق المرأة خلف مصر التي أحتلت المركز الاول، في حين أحتلت جزر القمر المركز الاول باعتبارها افضل دولة عربية في مجال حقوق المرأة بعد أن وصلت نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب أدارية "وليست ديكورية" ومنها مناصب عليا بالدولة الى ما يقارب العشرين بالمئة.

أن النظام الديموقراطي يحمي من خلال القانون جميع مواطنيه بشكل متساوي دون النظر الى قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وجنسهم، وعدم توفير الحماية للمواطن تحت أي ظرف كان يعني عجز الدولة عن القيام بأهم مهمة تقع على عاتقها وهي فرض الأمن، الذي بدونه لا يمكن بناء مجتمع معافى قادر على أن يمضي بثبات نحو بناء نفسه.

إن الاخبار التي تم ّ تداولها أخيرا حول التهديدات التي تعرّضت لها السيدة المناضلة "هيفاء الأمين" المرشّحة السابقة للبرلمان العراقي والتي حصلت على ما يقارب الستة عشر ألف صوت في مدينة الناصرية عن قائمة التحالف المدني وعضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي من قبل "مجهولين" خلال الايام الاخيرة تدلّ على ضعف الجانب الامني للسلطة أو تواطئها مع هؤلاء "المجهولين" الذّين يعرفهم الشارع العراقي جيدا كونهم ليسوا سوى أعضاء وأنصار ميليشيات شيعية غير قانونية، تريد ومن خلفهم بعض المعممّين أحتكار الشارع السياسي في تلك المدينة وفرض الارهاب عليه بقوة هذه الميليشيات الارهابية.

أن الموقف السلبي واللا أبالي للسلطة من الممكن فهمه كون ديمومتها في الحكم هو زيادة عدد الميليشيات الطائفية عند الطائفتين وتناحرها المستمر وتهديدها للمواطنين جميعا وللسلم الاهلي ، ومن الممكن ايضا فهم موقف منظمات حقوق الانسان وعدم جدية وفاعلية ردود افعالها لهذه اللحظة لاسباب عدّة ، كما وانه من البديهي فهم موقف وزارة المرأة كون وزيرة المرأة "السيدة بيان نوري" هي من مؤسسات الاتحاد الاسلامي الكردستاني ومن المدافعات عن الحجاب. ولكن من غير المفهوم لهذه اللحظة صمت قائمة التحالف المدني التي تعتبر السيدة "هيفاء الامين" عضوا فاعلا ونشطا فيها ، أضافة الى عدم صدور أي رد فعل من قبل الحزب الشيوعي العراقي كونها عضوة في اللجنة المركزية.

على التيار الديموقراطي والحزب الشيوعي العراقي أن يصدرا بيانات حول واقعة التهديد إن كانت فبركة إعلامية وصحفية ليقف الشارع العراقي على مجرى الامور، أو أن التهديدات حقيقية وهذا يتطلب موقفا رسميا من الطرفين حيال القضية. إن السكوت عن هذه التهديدات وعدم الوقوف ضدها بحزم سوف يفتح الابواب مشرعة لتهديدات قادمة واكثر شراسة.

ختاما إن كانت تنظيمات القاعدة وداعش وجيش محمد والنقشبندية وجميع الميليشيات السنّية تظهر بشاعة الاسلام السنّي وهمجيته، فأن عصابات عصائب أهل "الحق" وميليشيا جيش المهدي بتسمياته المختلفة وما يسمى بفيلق بدر وحزب الله العراق وباقي التنظيمات الارهابية الشيعية تظهر بشاعة الاسلام الشيعي وهمجيته ايضا. إن تهديد المناضلة "هيفاء الامين" من قبل دواعش الشيعة وهي مرشحة عن البرلمان السابق لهو نسخة قبيحة لتهديدات وقتل مرشحات البرلمان السابق في المناطق السنية من قبل دواعش السنّة.


عندما يقرر العبد أن لا يبقى عبدا فإن قيوده تسقط  .... "المهاتما غاندي
"

زكي رضا
الدنمارك
15/12/2014

332
المنبر الحر / صدگ ما تستحون
« في: 22:13 07/12/2014  »

صدگ ما تستحون

يُصَنف العراق من خلال تقارير منظمات دولية رسمية وغير رسمية وحتى الفضائية منها من أنه أسوأ دولة بالعالم في مجالات عديدة، فهو يتذيل قائمة الدول الفاسدة لسنوات طويلة رافضا أن يتنازل عن مركزه الكبير هذا لأية دولة منافسة له كون مسؤوليه ومستشاريهم يقرأون تسلسل الدول من الأسفل الى الأعلى، لذا ترى العراق بنظرهم يحتل المركز الاول وهذا ما يبحثون عنه بالضبط. والعراق هو الأسوأ بالنظام التعليمي في جميع مراحله الدراسية من حيث المناهج التعليمية والتربوية وأبنية المدارس والمعاهد والجامعات حتّى وصل الامر بأن تكون المدارس الطينية ترفا بعد أن تفتّقت عبقرية المسؤولين عن فكرة مدارس الهواء الطلق،  كما ويعتبر العراق الاسلامي من الدول المبدعة والسبّاقة في أعتماد الدور الثالث في الامتحانات النهائية لمختلف المراحل الدراسية وذلك من أجل تخريج أكبر عدد من الفاشلين وكأن بينهم وبين نجاح بلدهم عداء قديم. أما النظام الصحي فحدّث ولا حرج بعد أن أصبح أصحاب البسطيات يبيعون الأدوية على قارعة الطريق وكأنهم خريجو أرقى كليات الصيدلة في أفضل جامعات العالم، وبعد أن قُتل وهاجر خيرة أطباء البلد خوفا من الأرهاب الذي فشلت حكومات المحاصصة مجتمعة من القضاء عليه أو الحد منه على الاقل ما دفع المرضى العراقيين القادرين على تحمل نفقات علاج أنفسهم من التوجه الى دول عديدة أما الاخرون من الفقراء والبؤساء فلهم قبور أصبحت هي الأخرى ذات أثمان باهضة.  أما نظام المجاري والصرف الصحي وكل ما له علاقة بنظافة المدن فأنها وصلت في عهد عبعوب وحزبه الى كوارث لوثّت حياتنا وتهدد الواقع الصحي والبيئي بالبلد لسنوات طويلة قادمة. أما الأمن وبسطه على مساحة البلد فأنه حلم قد يتحقق بعد عقود نتيجة فساد المؤسسة السياسية بكل أركانها أضافة الى فساد الجيش والامن الداخلي والذي بان أخيرا بالفضائيين الّذين يملأون جميع دوائر ومؤسسات الدولة دون أستثناء.

دعونا بعد هذه المقدّمة التي مللناها من كثرة تكرارها أن نسأل سؤالا هو الاخر مللنا من طرحه ولا يحتاج الى دور أول أو ثان أو ثالث للأجابة عليه بنجاح كونه من البديهيات التي يعرفها جميع العراقيين تقريبا وهو، من المسؤول عن كل هذه الجرائم التي لحقت وتلحق بالبلد والشعب، أليسوا هم نفس النخب السياسية الفاسدة التي تتبادل مواقع المسؤولية منذ أن وصل قطار الاحتلال الى محطته الاخيرة في المنطقة الخضراء؟ هؤلاء "المسؤولون" الذين إن تركوا موقعهم في البرلمان تحوّلوا الى وزراء ، وأن تركوا مقعد الوزارة تحوّلوا الى مدراء ورؤساء مؤسسات، وأن لم يعملوا في هذا الجانب فهناك السلك الدبلوماسي الذي إن لم يلبي طموحاتهم كونهم سيكونوا حينها بعيدين عن البلد وسوق التجارة فيه، تراهم مستشارين لرفاقهم الذي كانوا بدورهم مستشارين لهم في عملية تبادل مراكز لم يتعبوا منها مطلقا ولكن الذي تعب منها هو شعبنا ووطننا كونهما معرضّين لأبتزاز هؤلاء اللصوص حتى يومنا هذا.

بعد أن أنتقد العديد من العراقيين ومن مختلف المستويات ظاهرة المستشارين في الرئاسات الثلاث وبدلا من أن تقوم هذه الرئاسات بالأستجابة لمطالب الجماهير للحد من هذه الظاهرة التي لا تقل فسادا عن ظاهرة رجال المالكي وحزبه الفضائيين خصوصا والبلد يمرّ بأزمة مالية لاسباب عدّة منها سوء أدارة المالكي للسلطة وأنهيار أسعار النفط في السوق العالمية، نرى أن مجلس رئاسة الجمهورية برئاسة  "فؤاد معصوم" بصدد إعداد مقترح يتضمن "التعاقد مع الوزراء والنواب السابقين من ذوي الكفاءة والخبرة للاستفادة من تجاربهم طيلة السنوات الماضية" وقد كشف مجلس النواب العراقي نقلا عن "شفق نيوز" اليوم السادس من كانون الاول 2014 إن "رئاسة الجمهورية تعتزم تقديم مقترح قانون الى مجلس النواب يتضمن التعاقد مع الوزراء والنواب السابقين بصفة مستشارين"، مشيرا الى ان "التعاقد يشمل الوزراء والنواب من ذوي الشهادات والخبرة والكفاءة". وأوضح مقرر مجلس النواب "عماد يوحنّا" قائلا إنّ "بعض المتعاقدين حاليا مع مجلس النواب من النواب السابقين يعملون طواعية من دون اي مبالغ مالية والبعض الاخير تم التعاقد معه براتب شهري"، لافتا الى ان "الاستفادة من خبرات الوزراء والنواب السابقين تشمل ايضا ابواب الخبرة السياسية والاكاديمية". يُذكر أنّ رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب تعاقدت مع عدد من الوزراء والنواب السابقين خلال الفترة الماضية للاستفادة من خبراتهم بالاعتماد على قرار اصدره مجلس الوزراء السابق قضى بإمكانية التعاقد مع الوزراء السابقين!!.

الله شافو بالعين لو بالعقل...... لنأخذ هذا المثل البغدادي ونصيغه كسؤال نوّجهه الى "الريس" والى "الحجي أبو أسراء" الذي أصدر أثناء فترة حكمه الكارثية قرارا يمكن من خلاله التعاقد مع الوزراء السابقين والذي أضاف أليه "أبو جوان" النواب السابقين لغاية في نفس يعقوب وهو، إن كان الوزراء السابقون قد فشلوا في إدارة وزاراتهم بالشكل الصحيح وكانت نتائج فترة توزيرهم التي ظهرت بعد رحيلهم عنها كارثية بكل المعاني فما قيمة أستشاراتهم؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر ما قيمة إستشارات "عدنان الاسدي" الامنية وهو الذي كان مسؤولا فاشلا بأمتياز عن وزارة الداخلية لما يقارب الاحد عشرة عاما، وما قيمة أستشارات "جوان معصوم" في مجال الاتصالات وهل وفّرت أثناء توزيرها قاعدة بيانات معلوماتية لتستفاد منها الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها في رسم سياسة البلد وحصر الارهاب؟ وهل أنجزت أو وضعت اللبنات الاولى للحكومة الألكترونية التي كانت ستسهل أمور الناس؟ هل من فشل في إدارة وزارة قادر على تقديم إستشارة من أجل نجاحها لاحقا؟ وهل من لم يتحدث وهو عضو برلمان الأ لدقائق خلال أربع سنوات قادر على تقديم أستشارة من أي نوع؟ وماذا عن البرلمانيين الذي لم يؤدوا سوى القسم في دورة برلمانية كاملة؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه والأمثلة التي جئنا على ذكرها ومعها المئات من الامثلة الاخرى التي تعمل رئاسة الجمهورية على التعاقد معهم، لا يملكون شيئا ليقدموه للبلد الا سرقاتهم. إن نسبة كبيرة جدا من مسؤولي البلد الطائفيين والقوميين هم من ذوي الشهادات المزورة والفاسدين، وأمامكم أيها السادة عقول عراقية أكاديمية داخل وخارج الوطن ممن لم يتلوثوا بأمراضكم المعدية  من الذّين تستطيعون التعاقد معهم لهذا الغرض على أن يكون عددهم معقولا وبقوائم واضحة لا مجال فيها لمستشارين فضائيين.

إن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا تعرف إن الله "شافوه بالعقل مو بالعين" ولكنكم لكثرة سرقاتكم أيتها السيدات والسادة ولكثرة فسادكم لم تشاهدوا  الله "لا بالعين ولا بالعقل" لانكم وبكل بساطة "صدگ  ما تستحون".   


الدنيا حمقاء لا تميل الّا إلى أشباهها " الامام علّي "

زكي رضا
الدنمارك
6/12/2014


333
دلّالية حزب الدعوة لبيع الاراضي

يبدو أن المالكي وعائلته والمقربين منه من أعضاء حزبه ودولة لاقانونه كانوا منغمسين بحالات من الفساد إضافة الى سوء أدارتهم للسلطة وطائفيتهم التي عمّقت الشرخ بين أبناء شعبنا إلى حدود بعيدة جدا، كما ويبدو ايضا أن مجرى الفساد ونهب المال العام الذي كان الشغل الشاغل له ولعائلته وحزبه لم تظهر رائحتها النتنة بشكل جلي للرأي العام على الرغم من وجود إشارات واضحة وعديدة عليه أثناء فترة حكمه الكارثية، كونه " المالكي" كان بصفته رئيسا للوزراء السدّادة التي منعت انبعاث روائح فساد حزبه الذي يزكم الأنوف، من ذلك المجرى الملوث. وذلك عن طريق إرهاب عصابات تعمل من اجل تهديد وابتزاز وحتّى قتل الاخرين عن طريق حملها لباجات مكتبه المتعدد المهام والصلاحيات، كما واستطاع مكتبه هذا الذي كان أبنه وصهريه هم الحلقات الاقوى فيه من شراء ذمم العديد من قادة الجيش وضبّاط وزارة الداخلية والأمن ومدراء شركات النفط والبناء والاستثمارات وكبار موظفيها وكذلك شرائهم لمؤسسة القضاء التي كانت تأتمر بأوامر المالكي، علاوة على شراء ذمم وضمائر بعض المعمّمين من أمثال المستشار الثقافي للمالكي حينها المدعو "حسين بركة الشامي" الذي باعته وزارة الدفاع  التي كان المالكي يترأسها جامعة البكر بكامل منشآتها بمبلغ مقداره "مليون ومئة ألف دولار" علما إن القيمة الأصلية للعقار وحسب رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقي حينها "بهاء الأعرجي" كانت تقدر بمبلغ 800 مليون دولار!! وقد فشلت تلك الصفقة بعد كشفها أمام الرأي العام ولكن دون محاسبة البائع والمشتري على الرغم من ضخامة المبلغ الذي كان سيسرق ليتم تحويله الى بنوك خارج البلد.

من الواضح إن فساد المالكي ورهطه سوف يظهر وبشكل كبير كلما كانت الحكومة العراقية جادّة فعلا في محاربة الفساد الذي إن أستمر دون محاصرته والقضاء عليه فأنه سيشكل خطرا لا يقل عن خطر الأرهاب الذي يضرب البلد اليوم. ولكي يعرف صغار اللصوص والسراق والمرتشين إن الحكومة ماضية في كشف قضايا الفساد والسرقة كتلك التي اعلن عنها السيد العبادي قبل أيام حول ما يسمى بظاهرة "الفضائيين" وستضرب بقوة دون أي أعتبار لشخصية الفاسد ومركزه، فعلى السيد العبادي بأعتباره يمثل أعلى سلطة تنفيذية بالبلد أن يتابع جميع ما ينشر من تقارير ووثائق تثبت ضلوع شخصيات عسكرية ومدنية ذات وزن في المؤسستين العسكرية والمدنية بحالات فساد، وأن يحيل المتهمين الى لجان النزاهة لمحاسبتهم وليبت القضاء العراقي بعد تطهيره من مخلفّات المالكي في قضاياهم. أن محاسبة الرؤوس الكبيرة بشكل علني ومتابعة الاوضاع في الوزارات والمؤسسات العراقية ميدانيا من قبل لجان معروفة بالنزاهة للحد من ظاهرة الفساد عن طريق دراسة جميع التعاقدات المبرمة وأرسالها إلى أكثر من لجنة مختصة لفحصها وتقييمها ستسرع في تضييق مساحة الفساد الذي بسببه خسر العراق عشرات مليارات الدولارات من قوت شعبه لليوم.

أن قيام المالكي ببيع جامعة البكر للشامي وتوزيعه دورا سكنية وقطع أراض لعسكريين وسياسيين مقربين منه "وصهريه" كدعاية أنتخابية وكأن العراق ملك شخصي له ولحزب الدعوة الاسلامية، والتي كللها ببيع قطعة أرض في أرقى مناطق بغداد لواحد من اكثر العسكريين فسادا وجبنا في تاريخ الجيش العراقي على ما يبدو في شباط 2009 وهو "الفريق أول ركن عبود كنبر هاشم خيون" والتي جاءت في وثيقة مسرّبة حديثا. تعطينا انطباعا من أن حزب الدعوة الاسلامية قد بدّل أختصاص عمله من الجهاد في سبيل أقامة دولة عدل علّي ، الى دلالية لبيع الاراضي والدور والعقارات بأسعار رمزية لشراء ذمم وضمائر الاخرين.

 أن عدم تقديم المدعو كنبر والمسؤولين الذّين باعوه قطعة الارض هذه من موظفّي هذه الدلّالية وعلى رأسهم الدلّال "نوري المالكي" الى المحاكم المختصة لنيل عقابهم لسرقة أراض الدولة التي هي ملك لشعبنا تعتبر اليوم تواطؤا من قبل المسؤولين مع الفساد واركانه، كما وانها تعطي انطباعا عن عدم جدية الحكومة في محاربة الفساد الذي شمّر السيد العبادي عن ساعديه لمحاربته مما سيسمح بتوسع الظاهرة اكثر.





 

صورة من مديرية التسجيل العقاري العامة التابعة لأمانة بغداد




يا مراءون ! يا أولاد الأفاعي! أريد رحمة لا ذبيحة! إنكم تُصَفّون من البعوضة وتبلعون الجمل! تظلمون الفعَلة والحصّادين! تأكلون بيوت الأرامل ولعلّة تطيلون صلاتكم! "السيد المسيح".


زكي رضا
الدنمارك
5/12/2014




334
50 ألف حرامي والحبل عالجرّار

لم يفجر السيد رئيس الوزراء "حيدر العبادي" وهو يتحدث أمام البرلمان العراقي عن كشفه لـ " 50 ألف أسما وهميا" أو ما يعرف بالفضائيين في وزارة الدفاع لوحدها وهو ما يعادل أربع فرق عسكرية!! مفاجأة من العيار الثقيل ولا المتوسط ولا حتّى الخفيف ، كون هؤلاء الفضائيون كانوا معروفين للشارع العراقي ليس كأسماء وأعداد بل كظاهرة، حتّى أن الشارع العراقي كان يقول عنهم على سبيل النكتة من أنهم "فضائيين" وليسوا " رواد فضاء". وكان السيد العبادي وهو يتحدث عن هذا العدد وأكتشافه من خلال متابعة مكتبية روتينية وليس عبر متابعة ميدانية يبدو منزعجا كون "رواد الفضاء" هؤلاء كانوا يستلمون رواتبهم لسنوات طويلة ما أثّر بشكل كبير على ميزانية البلد. خصوصا في هذه الفترة كون المالكي ترك الخزينة العراقية خاوية عند تسليمه السلطة التي كان بقاءه فيها هو أستمرار هذه الفرق العسكرية الوهمية الاربع وغيرها العشرات التي سيكشفها السيد العبادي إن كان جادّا فعلا في محاربة الفساد، بأستلام رواتبها والتي تذهب الى جيوب متنفذين وضباط كبار في وزارة الدفاع التي كان وزيرها لدورتين انتخابيتين هو المالكي نفسه.

لو راجعنا ميزانيات الدولة العراقية عهد المالكي لرأينا أن نسبة كبيرة منها كانت مخصصة نتيجة الارهاب الى وزارتي الدفاع والداخلية والتي كان يقودهما " المالكي" بنفسه أضافة الى منصبه كرئيس للوزراء وقائدا أعلى للقوات المسلحة العراقية. وعلى الرغم من هذه النسبة العالية الّا أنّ الارهاب كان في وتيرة تصاعدية حتّى وصل بالنهاية الى أن يفقد البلد ثلث مساحته بعد أن تبخر الجيش لأسباب عديدة ومنها سوء أدارته وعدم كفاءة قادته وأنهيار الروح المعنوية للجنود، وقد يكون أحد أسباب تمدد تنظيم داعش الارهابي هو أن الفرق التي واجهته كان من بينها فرق وهمية أي من الفضائيين. أما بالنسبة للأمن الداخلي فأن وزارة الداخلية كانت في أسوأ حالاتها حيث التفجيرات يومية ودون انقطاع "عكس التيار الكهربائي" ومن أسبابه كان ايضا عدم كفاءة ضباطه ومسؤوليه ولا يستبعد ان يكون هناك عشرات آلاف الاسماء الوهمية من الفضائيين الذين أثقلوا كاهل الوزارة برواتبهم. أن هدر عشرات مليارات الدولارات لم يكن بسبب هؤلاء الفضائيين فقط ، بل جاء أضافة لأبرام عقود وهمية كان افضحها صفقة الاسلحة الروسية والتي ذهب ضحيتها " علي الدباغ" دون شركائه الكبار من بطانة المالكي واقطاب حزب الدعوة، وشراء لعب أطفال على أنها أجهزة كشف متفجرات لم يذهب ضحيتها أحد كون المسؤول عنها قيادي بارز في حزب الدعوة وغيرها الكثير.

أن شعور السيد العبادي بالأسى وحده لا يكفي لمحاربة الفساد، والتركيز على محاربة الفساد في المؤسستين العسكرية والامنية على أهميتهما تبقى ناقصة دون أن تمتد الى باقي مؤسسات ووزارات الدولة كون الفساد أصبح ثقافة مجتمعية بدلا من أن تكون الثقافة المجتمعية عاملا لمحاربة الفساد. كما وأن أتخاذ التدابير الآنية لمحاربة الفساد دون وضع خطط أستراتيجية وعلمية مدروسة مع أتخاذ كل الاجراءات الادارية والقانونية لتقديم الفاسدين الى محاكم علنية ومن دون أي أعتبار لمركز المسؤول أو الموظف الفاسد ستكون بداية حقيقية لدحر هذا العدو الذي يعتبر اكبر خطرا من الارهاب نفسه. ومن الضروري هنا تذكير السيد " العبادي" بعد تمنياته بعدم فساد المؤسسة القضائية من أن هذه المؤسسة فقدت مصداقيتها واستقلاليتها بعد أن أصبحت العوبة بيد المالكي يحركها كيفما شاء للنيل من الذين وقفوا أمام هيمنته، أما حول الفساد الواضح للغالبية العظمى من القضاة العراقيين فيستطيع السيد العبادي ان يعود الى التسجيل الذي يقوم به القاضي من دولة القانون " محمود الحسن" بتوزيع أراض الى البسطاء مع تهديدهم بمنعها عنهم في حالة عدم أنتخابه ودولة لاقانونه .

أن 50 ألف حرامي هم في الحقيقة بضعة حرامية ايها السيد العبادي وهم الذين نظّموا قوائما بهذا العدد الكبير من الاسماء الوهمية ولهم شركاء في أعلى مراكز أتخاذ القرار أو من أبنائهم وأصهارهم وهم معروفون لك ولنا ولشعبنا الذي يموت أطفاله في مُهُد من "كارتون"، فهل ستستطيع أن تكمل مشوارك وتسحب سفينة العراق من المياه الضحلة التي رست فيها لرعونة ربّانها؟ أنك اليوم جرّار الحبل الذي عليه سحب السفينة الى حيث المياه العميقة لتمخر نحو شاطيء الأمان، فأكشف عن الحرامية وأضربهم بقوة ولا تأخذك في الحق لومة لائم.

رؤساؤكِ شركاء السرّاق. كلّ يحب الرشوة. لا ينصفون اليتيم ودعوى الأرملة لا تصل اليهم ... "أشعيا مخاطبا المدينة الظالمة"
 
زكي رضا
الدنمارك
1/12/2014

335

قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة العاشرة - الأخيرة)


ولكي ننهي قراءتنا المتواضعة لكتابه ، نمر بشكل بسيط على أمرين نراهما جديرين بالمرور عليهما وهما التقية والشفاعة.

التقية

يعتبر شريعتي أن التقية في المنظور العلوي للتشيّع عبارة عن شكلين من أشكال التكتيك، هما تكتيك "تقية الوحدة" وتكتيك "تقية النضال". ويلخص شريعتي مفهومه للشكل الأول من التقية على عدم ابراز ما يثير مجموع المسلمين ويشتت وحدتهم وكلمتهم، وذلك في بحثه المستمر عن توفير الفرص لوحدة المسلمين، والبحث عن المنهج والوسيلة لطرق عمل وسلوك الأقلية مقابل الأكثرية ليس في أحترام أفكار الأخوة وأعمالهم فقط ، بل وللحفاظ على عقائد من يمارس التقية للحفاظ عليها وحمايتها. وأعتبر الصلاة في مكة والمدينة المنورة أثناء تواجد الشيعي هناك خلف أمام سني جائزة حسب توصيات "علمائنا الكبار" حسب قوله. أما "تقية النضال"، فهي الحفاظ على قوى الأيمان "لا على النفس" من خلال مواصلة النضال الفكري والسياسي والاجتماعي مع مراعاة جانب الكتمان بعدم أعطاء السلطات الظالمة أية ذريعة لضرب المذهب ورجالاته. وبذلك فأن التقية حسب وصفه عبارة عن منهج علمي وعملي للحفاظ على الكيان الشيعي. وقد ضرب مثلاً على تقية الأئمة الشيعة أمام السلطان الأموي والعباسي.

وتختلف التقية عند التشيّع الصفوي عن مثيلاتها عند التشيّع العلوي في أنه أي التشيّع الصفوي، وبحجة الحفاظ على النفس يدعو الى التزام الصمت تجاه أنحرافات السلطات المُضطَهِدة. ولم يحدد شريعتي هنا هذا الشكل من التقية فيما إذا كانت هذه السلطة شيعية، وهل على الشيعي أن يأخذ جانب التقية إذا كان الحاكم الظالم شيعياً !؟. ولكن أستنتاجه حول الفرق الذي حدده بالحفاظ على النفس وإن كان الخطر ضئيلاً بين التشيّعين نجد له مثالا صارخاً في التاريخ والتراث والادب الشيعي متمثلاً في موقف الحسين في كربلاء من خصومه وعدم لجوئه الى التقية للحفاظ على حياته وآل بيته وأصحابه الذين أستشهدوا في معركة غير متكافئة. فالحسين كان باستطاعته "وفق التقية الصفوية" أن يتقي خطر الأمويين ببيعته ليزيد لحين عودته الى مكّة أو المدينة، حيث يحّشد شيعته ليعلنها حرباً على النظام الأموي. إن موقف الحسين هذا أضافة الى موقف أباه الأمام علي بعزله معاوية وعدم أخذه بنصيحة المغيرة بن شعبة على أبقاءه لحين أن تقوى شوكة الأمام تقيّة، يوضحان بشكل جلي من أن التقية المعروفة اليوم هي شكل من اشكال الجبن والأنتهازية ليس الّا.

الشفاعة

الشفاعة في اللغة مشتقة من مفردة (الشفع) أي (الزوج وما يضم إلى الفرد). قال ابن منظور:(شفع : الشفع : خلاف الوتر، وهو الزوج، تقول: كان وتراً فشفعته شفعا، وشفع الوتر من العدد شفعا : صيره زوجاً...، وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع: طلب، والشفيع: الشافع، والجمع شفعاء ، واستشفع بفلان على فلان وتشفع له إليه فشفعه فيه. وقال الفارسي : استشفعه طلب منه الشفاعة أي قال له كن لي شافعاً. وفي التنزيل: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها . وقد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، والمُشفِع: الذي يقبل الشفاعة، والمُشفَع: الذي تقبل شفاعته).

وتستخدم الشفاعة عند العرب بأن يطلب شخص له مكانة اجتماعية أو دينية أو ما شابه ذلك من شخص آخر بيده أمر من أمور الناس كالحكام في أن يعفو عن معارض، أو أن يقضي حاجة لشخص وهكذا، وأن يتقبل الشخص شفاعة الشفيع، بسبب خشيته من أنه إذا لم يقبل شفاعته، فسوف يلحق الأذى بالشفيع ، وبذلك يحرم من لذة معاشرته، بل ربما يؤدي عدم قبوله لشفاعته، أن يلحق به بعض الأذى، والضرر من جانب الشفيع.

أما في الاصطلاح، فهي ليست ببعيدة عن المعنى اللغوي كثيرا، إذ الشفاعة هي: (السؤال في التجاوز عن الذنوب)، أو هي : (عبارة عن طلبه من المشفوع إليه أمرا للمشفوع له. فشفاعة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران الذنب وقضاء الحوائج. فـ(الشفاعة نوع من الدعاء والرجاء).

والشفاعة عند المسلمين من المسائل المهمة ليس في الحياة الدنيا، بل في الحياة الآخرة لكونها ترتبط أرتباطاً وثيقاً بيوم الحساب عند ميزان الحق الالهي وفق ما أتفق عليه فقهاء المسلمين من جميع المذاهب الأسلامية، عدا الخوارج والمعتزلة. وقد حدد علماء المذاهب السنّية الشفاعة بالنبي محمد وبقية الأنبياء والملائكة وخواص القوم، وقالوا أن الشفيع يطلب من الله ويسأله برفع الذنوب أو تخفيفها لمن يحبون أو يريدون. الّا ان هذه الشفاعة لا تنفع الا بأذنه "الله" وفقاً للآية القرآنية :"من ذا الذي يشفع عنده الا بأذنه" (1) ، أو الآية:"وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا الّا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" (2).

أما الشفاعة عند التشيّع العلوي فهي لا تختلف بشيء تقريباً عن نظيرتها في المذاهب السنّية. فحتى شفاعة أئمة الشيعة لأتباعهم يوم القيامة والتي يؤمن بها الشيعة أيماناً مطلقاً مقبولة من السنّة وإن بشكل غير مباشر. فالمذاهب السنّية تكن كل الأحترام للنبي وآل بيته وهي تؤمن بأن خواص القوم لهم القدرة على الشفاعة، وآل بيت محمد هم جزء لا يتجزأ من خواص الأمة عند مجموع المسلمين ولذا فهم من الشفعاء. وعودة إلى الخوارج والمعتزلة الذين لا يعتقدون بالشفاعة، فأنهم، شأنهم في ذلك شأن أتباع المذاهب الاخرى، يستندون الى نصوص قرآنية ومنها "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلّة ولا شفاعة" (3) .

يبقى الفرق بين التشيّع العلوي والسنّة من جهة وبين التشيّع الصفوي حول مسألة الشفاعة من جهة أخرى تدور حول شفاعة غير بني البشر كالتراب مثلاً!. فالحسين على سبيل المثال هو شهيد الأسلام بأعتراف جميع المذاهب الأسلامية تقريباً، وهو بنفس الوقت سبط النبي محمد وأبن بطل الاسلام علي وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين؛ أي أنه من خواص الخواص وشفاعته لمريديه جائزة بل قائمة وفق ما جاء في آيات عديدة من القرآن حول مسألة الشفاعة.
 
الا أن شريعتي في تناوله لمسألة الشفاعة عند "التشيّع الصفوي"، ينتقد هذا التشيّع كونه تشيّع خرافة وجهل ليضرب لنا مثلاً حول شفاعة التراب والدمّ!، فيقول أن "الشيعي الصفوي يرى أن تراب كربلاء له خواص مميزة ينفرد بها عن سائر الأتربة في العالم ، ويتألف من مواد مختلفة عن تلك التي تتألف منها الأتربة الأخرى، وربما كانت له خواص فيزياوية وكيمياوية فريدة من نوعها!. ففي تراب كربلاء، حسب اعتقادهم، روح خفية وقوة غيبية وخاصية أعجازية ميتافيزيقية وله كرامة ذاتية جوهرية وفضائل ومناقب لا يدركها عقل أنسان وهي التي أكسبته هذه القدسية الدينية التي تفتقر اليها سائر انواع التراب" (4)،"أن ما وراء هذا التراب وهذا السحر والاكسير قوة غيبية أشبه بالمانا" (5) . وينبري التشيّع الصفوي في وصفه الكربلائي الحقيقي السائر على درب شهادة الحسين ليمنحه نفس قدسية هذا التراب وأن بشكل آخر محاولاً منح حق الشفاعة من الناحية الروحية قائلاً :"هذا التراب يبعث الحياة في عقولنا الخاملة وينشط قلوبنا التعبى ويحرّك أرادتنا الميتّة ويبعث في أجسادنا الحرارة وفي أرواحنا الحياة!. أنه يعيد لنا أنسانيتنا التي معها فقط نستحق الحياة، هكذا يشفع لنا تراب الحسين" (6) . ويخلص شريعتي الى القول بتطابق وجهتي نظر التشيّع الصفوي والعلوي حول مسألة الشفاعة سوى ان التشيّع الصفوي خص الفائدة منه بنفسه فكتب يقول:"والتشيّع الصفوي يقول بذلك أيضاً، هنا وفي أي مكان آخر، فقد أكدت في أكثر من موقع على أن التشيّع الصفوي حافظ على نفس معتقدات التشيّع العلوي غير أنه جرّ نفع وفائدة ذلك الى نفسه وبما يضر المجتمع ككل" (7). ويلخص شريعتي كلامه في النهاية ويقول أن الشفاعة في التشيّع العلوي هو "سبب لكسب أستحقاق النجاة" فيما الشفاعة عند التشيّع الصفوي هو "طريق لنجاة غير المستحق".

لقد شغل بال شريعتي كمفكر أسلامي شيعي علوي تجديد الفكر الديني عن طريق صيانته وتنقيته من كل أشكال الجهل والخرافة التي رافقته خلال مسيرته الطويلة، مشدداً على أستخدام لغة المنطق والشك في تفسير الكثير مما جاء في التراث الديني بشكل عام، مع تركيزه على التشيّع. وهذا يحسب له، بجرأته في نقد وتعرية كل ما من شأنه أن يحط من قدر أئمة مذهبه من تلك الخوارق التي سبغتها عليهم كتب التراث الشيعية، خصوصاً في الفترة ما بعد تأسيس الدولة الصفوية. أن شريعتي في كتابه هذا يريد من الحسين اليوم أن يكون أشلاءاً متناثرة في صحراء كربلاء، لأن تلك الأشلاء هي التي حفظت التشيّع العلوي وليستمر معها الدين الاسلامي. أنه يريد ذلك الحسين الثائر على الوضع السياسي والاجتماعي حينها والذي أنتج بعد أستشهاده عشرات الثورات التي أستلهمت من مواقفه الكثير. إن البحث عن مثل هذا الحسين قاده الى حصر وجوده في التشيّع الأحمر؛ أي تشيّع الثورة من أجل القيم والمباديء التي تفضي الى تحرير الانسان من ربقة الفقر والعوز والجوع والجهل. أن شريعتي يبحث عن الحسين في دار أبيه الامام علي المتواضعة في عاصمة الخلافة الاسلامية "الكوفة"، وليس في قصر الأمارة. أنه يبحث عن الحسين في صحراء الربذة الموحشة حيث كان أبا ذر يعاني سكرات الموت منفياً من السلطة الجائرة هو وزوجته. هذا هو التشيّع الذي بحث عنه شريعتي، ومثل هذا الحسين كان مناره وهو يرى التشيّع يغيب في لجّة بحر مظلم حالك السواد، فهل وصلت سفينة شريعتي الى شاطئها؟.

أن تلك الأشلاء المتناثرة التي ألهمت الكثيرين على الثورة ضد الظلم والطغيان والفساد بعد أن اصبحت مأوى لكل الناقمين على سوء أوضاعهم، غادرت صحراء كربلاء لتستقر تحت قبّة ذهبية في فناء واسع تحيط به أبواب ذهبية وفضيّة، وليصبح ترياق وأفيون رجال الدين الصفوي يخدر مريديه وعشّاقه ويبعدهم عن تلك الصحراء الى حيث تلك القبّة الذهبية. وبدلاً من ان تسير هذه الجموع، كما يريدها شريعتي ، الى حيث حسين الدم والكلمة والثورة، فإن العمائم الصفوية تسيّرها الى حيث حسين السواد والذلّة والسكوت عن الظلم والجوع وجور الحاكم ، ليس لشيء الا كون هذا الحاكم شيعياً.

أن الحسين في التشيّع العلوي، كان يريد ان تقف الثورة والقيم والمثل والحكمة وإن تصطف الى جانب الفقراء في مواجهة الحكام الفجرة القتلة المرتشون الذين لبسوا لباس التقوى. أما الحسين عند التشيّع الصفوي فيراد منه ان يلبس لباس السلطة الغاشمة. لماذا، لأن السلطة شيعية والحاكم شيعي ورجل الدين في بلاطه شيعي!. وهنا تكمن الكارثة التي لحقت بالتشيّع العلوي الذي أصبح اليوم لا يجرؤ أن يطل برأسه وهو يرى كل هذه الخزعبلات في طقوس لم تنتمي اليه، الا لشأن سياسي بحت. فهل سيستعيد التشيّع العلوي يوماً ما رونقه و مُثُله ومكانته التي حلم بها شريعتي؟. وهل سيتحقق حلم شريعتي بتشيّع يصطف إلى جانب الفقراء والارامل والأيتام الذين شغلوا بال الأمام علي حتى ساعة أستشهاده؟. وهل سيتحقق حلم شريعتي بـ"تشيّع" يقوده العامّة ولا تقوده العمامة؟




زكي رضا
الدنمارك

26 / 11 / 2014
 

(1) " قرآن كريم سورة البقرة آية 225 "
(2) " قرآن كريم سورة النجم آية 26 "
(3) " قرآن كريم سورة البقرة آية 254 "
(4) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 274 "
(5) " المصدر السابق هامش ص 275 ، والمانا: قوة تأثير غيبية في أدبيات الديانة المانوية وهي ديانة قريبة من الزرادستية "
(6) " المصدر السابق ص 276 "
(7) "  المصدر السابق ص 270 "
 



336
سماء الخضراء تمطر مستشارين

على الرغم من أن عمر وباء المستشارين يعود الى أيام الاحتلال البريطاني للعراق وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة تحديدا، ذلك الذي جاء لتعزيز مفاصل الدولة الناشئة لأنعدام الخبرة السياسية والادارية لحكام ذلك العهد حينها الا ان عدد المستشارين كان تقريبا بعدد الوزارات العراقية أو اكثر بقليل. وكان المستشارون كلّهم من الأنكليز ومن الذبن على درجة عالية من الكفاءة الادارية التي ساهمت أفكارهم وأستشاراتهم بتشكيل اللبنات الاولى لدولة ذات مؤسسات نفتقدها اليوم، وكانوا هم الذين يديرون الوزارات التي يعملون فيها ما دفع الشاعر المتذمر دوما من سوء أوضاع بلده ، أي الرصافي بكتابة قصيدة هاجم فيها الوزراء الفاسدين بالعهد الملكي جاء في بيت منها:

المستشار هو الذي شرب الطلا .... فعلام ياهذا الوزير تعربد ُ

وفي العهود الجمهورية كان لرؤساء الجمهورية والمسؤولين الكبار في الدولة كرؤساء الوزراء والوزراء مستشارين يستشيرونهم في امور ذات أختصاص ، إذ كان هناك مستشار مالي وآخر ثقافي وأعلامي وعسكري وهكذا، وهؤلاء كانوا ايضا على عدد الاصابع ولم يكن الشارع يعرفهم كما المستشارين في البلدان الغربية، لأن ثقافة الأستشارة لم تكن ولليوم في العراق ثقافة سائدة عند أهل الحكم فالمسؤول في العراق وخلال كل العهود هو ربّ أعلى ولم نسمع يوما أن يكون للرب مستشارا. كما كان مستشارو العهود الجمهورية على ما يبدو من الكفاءات لحدود بعيدة ومن مختلف الحقول ، ما ساهم في دفع عجلة التطور على الرغم من عدم معرفة الشارع العراقي بهم كونهم يعملون بالظل لاسباب عديدة منها بالطبع نرجسية الحكام في عدم الظهور بمظهر من يطلب استشارة أو عون ما من أي شخص آخر.

لكن الذي حدث بالعراق بعد الأحتلال 2003 هو أن وباء المستشارين قد ضرب المؤسسة السياسية بعنف فبدلا من أن يكون عدد المستشارين على عدد الاصابع مثلما كان طيلة عهد العراق الحديث، نرى أن عددهم يتزايد بأستمرار حتى أصبحوا جيشا كاملا تضيق بهم الرئاسات الثلاث ووزارات ودوائر الدولة والسفارات والهيئات العراقية خارج البلد. وبدلا من ان يكون المستشارون كما في أي بلد يحترم شعبه من ذوي الكفاءات ومن الذين يحتاجهم ذلك المسؤول فعلا، نرى غالبية المستشارين هم من الابناء والاصهار والاقارب والحزبيين من الدائرة الضيقة وأغلبهم من الفقراء فكريا وسياسيا أضافة الى فقرهم المهني والعلمي.

لقد خطا السيد العبادي منذ توليه رئاسة الوزراء خلفا لرفيقه وقائده في حزب الدعوة بعض الخطوات التي اعتبرها الشارع العراقي ، اولى الخطوات لبناء نظام مؤسساتي يعتمد الكفاءة بعيدا عن الهيمنة الحزبية ولعبة المحاصصة. فبعد الغائه لمكتب القائد العام للقوات المسلحة كنا نتوقع من السيد العبادي أن يعمل وهو يرث ميزانية خاوية من المالكي أن يبدأ بترشيق مكتبه على الاقل والعراق يمر بأزمة مالية نتيجة هبوط أسعار النفط وأنهيار القطاعين الصناعي والزراعي، عن طريق تقليل عدد الطاولات التي يحتلها العاطلون عن العمل ذوو الرواتب الخيالية ، أي تقليل عدد المستشارين ، فهل قام السيد العبادي بهذه الخطوة أم أن مكتبه تلوث هو الاخر بوباء المستشارين الذين تمت أضافتهم الى عدد غير معروف من المستشارين الذين ورثهم من نوري المالكي؟

لقد أصدر السيد العبادي قرارا صائبا جدا عندما ابعد وكيل أقدم وزارة الداخلية "عدنان الأسدي" والمحسوب على فريق المالكي بعد عشر سنوات من مهمته التي فشل فيها بأمتياز ومعه طاقم من العسكريين والامنيين لا يقلون عنه فشلا، وبدلا من أن يحال هذا المسؤول على التقاعد في أحسن الحالات أو تقديمه للمحاكمة لما سبّبه من دمار في المؤسسة الامنية ذهب نتيجتها ضحايا تقدر بمئات الالاف، نرى السيد العبادي وعلى خطى المالكي ومعصوم وغيرهم قد عيّن هذا المسؤول الفاشل مستشارا له، وبالطبع سيكون الاسدي مستشارا أمنيا للسيد العبادي كونه كان على رأس أهم وزارة أمنية بالبلد لعشر سنوات عجاف.

هنا علينا ان نسأل السيد العبادي عن نوعية الاستشارات التي سيقدمها عدنان الاسدي له وهل من الممكن الاخذ بها أو التعويل عليها؟ هل يعرف السيد العبادي "يعرف بشكل جيد" أعداد التفجيرات التي حدثت خلال السنوات العشر الماضية، وكم هم اعداد ضحاياها؟ لو فرضنا ايها السيد العبادي أن هناك ثلاثة تفجيرات فقط يوميا في كل العراق حينها سيكون عدد التفجيرات في عهد الاسدي المعزول هو " 10950 " تفجيرا خلفت عشرات آلاف القتلى ومثلهم من الجرحى على الاقل ، مع ما سببته من دمار في الممتلكات والبنى التحتية. والاسدي هذا بشخصه وصفته الادارية وثقله في وزارة الداخلية يعتبر مسؤولا عن استيراد لعب أطفال بمئات ملايين الدولارات على أنها أجهزة كشف متفجرات ليذهب ضحيتها الالاف من الابرياء نتيجة ضلوعه في احدى اكبر عمليات الفساد التي نخرت وتنخر البلد. والان ايها السيد العبادي بماذ ستستشير عدنان الاسدي الذي عينته مستشارا لكم؟ بالحد من الارهاب وهو الفاشل بمحاربته بأمتياز، أم بشراء أجهزة فعالة لكشف المتفجرات ، ولماذا لم يشتريها عندما كان صاحب القرار!؟.

أنكم ايها السيد رئيس الوزراء بتعيينكم "عدنان الاسدي" كمستشار عندكم ضربتم اولى النوايا الحسنة التي توفرت عند البعض حول جديتكم بمحاربة الفساد. فهل ستعيد شيئا من هذه النوايا بأبعاده وأمثاله من مكتبكم عن طريق ترشيق "المكتب"، والبلد يمر بأحلك ظروفه والنازحين يملأون مدارس وشوارع مدنه وبلداته وقراه ؟


طلحة والزبير: نبايعك على أنّا شركاء في هذا الأمر!

علي: لا!
وراح علي يقشر المحتكرين من كل مال أغتصبوه كما تقشر عن العصا لحاها (*)

تعال الينا يا علّي لتعرف أين وصل الامر بشيعتك وهم يسرقون أموال اليتامى والارامل.


(*) علي وحقوق الانسان " جورج جرداق" ج 1 ص 180 .

 

زكي رضا
الدنمارك
25/11/2014



337

فؤاد معصوم غير معصوم

منذ الامس وبعد نشر وثيقة (أمر ديواني رقم 229 صادرة من ديوان رئاسة الجمهورية) (*) ليتم من خلالها تعيين " جوان معصوم" أبنة رئيس الجمهورية بصفة مستشار لابيها وبراتب قدره 12900000 " أثنا عشر مليون وتسعمائة ألف دينار عراقي فقط" أسوة بأقرانها بنفس الوظيفة، وأنا أسافر بين معاجم اللغة عسى أن أجد وصفا يليق بالسيد فؤاد "معصوم"، ومنذ الامس أيضا وأنا أرحل بين كتب التاريخ عسى أن أجد ساسة على شاكلة السيد فؤاد " معصوم"، ومنذ الامس قرأت الكثير عن الفساد السياسي والاداري والشخصي عسى أن أجد شخصا على شاكلة السيد فؤاد "معصوم". وحين هدّني التعب ولم أستطع الوصول الى اجابات حول اسئلتي علما انني تجولت بالبحث عنها في قارات الارض الخمس ، جلست منهكا على رصيف في شارع عراقي مليء بالازبال حيث أمرأة تستجدي المارّة ورجل سبعيني عتّال ينوء بما يحمله على ظهره وروحه من أثقال وتعب السنين، وعلى الرصيف كانت هناك شابّة مكسورة تبحث في عيون المارّة بخجل عن ...... لا ادري أن كانت قد فقدت معيلها في تفجير سيارة مفخخة أو ذهب ضحية صراع طائفي سافل ، وعند تقاطع الاشارات الضوئية لمحت طفلا تنهشه العيون الوقحة وهو يبيع ليعيل عائلته ، أكياسا صغيرة من المكسّرات.

هناك على الرصيف العراقي بأمتياز عرفت أن الاجابة موجودة في العراق الطائفي وأن بحثي عن أجابات في أمكنة أخرى لم تكن سوى ضياعا للوقت. هناك على ذلك الرصيف عرفت أن فؤاد "معصوم" لا يفرق عن أقرانه من ساسة المحاصصة الطائفية القومية بشيء، وانني مهما بحثت في كتب التاريخ فانني لن أجد مثيلا له ولأقرانه من ساسة تنكروا لشعوبهم كما تنكر ساسة المحاصصة لما يقارب المليوني نازح من ابناء شعبنا الذين يعانون الجوع والمرض والبرد في هذا الشتاء وهم يفترشون الارض ويلتحفون السماء مهجرين من مدنهم بفعل فشل الحكومة العراقية في تأمين الأمن وأستتبابه، كما وانني مهما قرأت عن فساد سياسي واداري وشخصي فانني لن أجد أشخاص فاسدين كما ساسة المحاصصة الطائفية .

لا يمكن ان نتوقع في أن يكون أحد ساسة المحاصصة الطائفية القومية نزيها فالجميع بلا أستثناء تحوم حولهم شبهات مالية وإثراء غير مشروع، وجميعهم فتحوا أبواب اعلى الوظائف أمام أبنائهم وأصهارهم وأقاربهم وبرواتب خيالية أضافة الى أطلاق أياديهم في المشاريع التجارية والعقود والمناقصات. وبالامس فقط عيّن زعيم حزب الدعوة ونائب رئيس الجمهورية نوري المالكي 7 من فريق حزبه الذين لم ينجحوا بالانتخابات "مستشارين" على غرار جوان "معصوم" وبنفس الراتب والامتيازات!!. و"معصوم" و "المالكي" ليسا سوى نماذج لساسة المحاصصة، هذه المحاصصة التي لازال بعض السذّج في عالم السياسة يتوقعون أن يغيّر أقطابها سياساتهم من أجل بناء عراق جديد.

لقد خدمنا الحظ اليوم على ما يبدو في الكشف عن هذه الوثيقة، ولكن السؤال الكبير هنا ، هو كم عدد الوثائق غير المكتشفة لليوم؟، وعندما تقول الوثيقة أن السيدة جوان سيكون راتبها كما اقرانها فكم هو عدد هؤلاء الاقران في الرئاسات الثلاث!؟

السيد "معصوم" صدقني أنني أشعر وأنا أكتب هذه المقالة ومعها الوثيقة الصادرة من مكتبكم بالخجل من نفسي كوني قرأتها فقط ، فهل تشعرون أنتم بالخجل أيضا وأنتم ترون أبنتكم كل صباح تشرب الشاي بالحليب في مكتبها متحدثة مع صديقاتها من خلالها هاتفها الخلوي ولتستلم في نهاية الشهر راتبها الخرافي هذا ؟ وهل تعرف ايها السيد "معصوم" أن وظيفتك ووظيفة نوابك هي وظيفة تشريفية فقط؟


الحكومة العراقية تعلن سياسة التقشف على الشعب فقط وهذا ترجمة للمثل البغدادي"يتعلم الحجامة براس اليتامى"

زكي رضاالدنمارك
24/11/2014

(*)

الدنمارك
23/11/2014


338

محاكم تفتيش طائفية في شارع المتنبي

في هزيمة جديدة للعقل العراقي وامتدادا لهزيمة العقل العربي والاسلامي الذي تعثر ويتعثر أمام العقلية الغربية التي تجاوزت كل مخلفات محاكم التفتيش أثناء القرون الوسطى تلك التي ادارتها الكنيسة، مخلّفة ورائها تقييد الحريات وقمع الفكر الحر والمآسي التي تسببت بقتل الالاف من البشر بينهم عدد كبير من المبدعين في مختلف مجالات المعرفة ، لتنطلق من حينها في فضاء العلم والثقافة التي أبدعت من خلالها أيما أبداع نتيجة شيوع ثقافة حرية الرأي والمعتقد لتقدم للبشرية ما لم تستطع أن تقدمه أية نهضة قبلها. سيقدم بعضا ممن يحسبون على الثقافة زورا في عراق الطوائف بحرق مجموعة من دواوين الشاعر العراقي "سعدي يوسف" في شارع الثقافة العراقي الوحيد " المتنبي " الذي لا يزال يتنفس برئة معطوبة متحديا الجهل والتخلف الذي بدأه المجرم "صدام حسين" نتيجة حروبه العبثية وحملته الايمانية ولتصل اليوم الى جهل مطبق نتيجة تزاوج السلطة مع رجال الدين وميليشيات منفلتة من عقالها تتحرك في كل "مؤسسات الدولة" كأذرع الاخطبوط.

إن لمنظمي هذه الفعالية التي يراد منها أن تكون بداية لحملة مستقبلية هدفها تكميم الافواه وعدم المساس بما يراد منها ان تكون ثوابت في السياسة العراقية، لها هدفان ، أولهما أن يتبوأ المشهد الثقافي عنوة بعض من الفاشلين والمغمورين ادبيا وثقافيا من المتحمسّين لمثل هذه الجريمة الفكرية، وثانيهما هي أصابع تحرك هؤلاء الفاشلين ليكونوا مسدساتها التي توّجه فوهاتها الى كل مثقف له موقف من مجمل العملية السياسية التي يمر بها البلد والتهديدات التي تحيط به من كل جانب، دوليا واقليميا وداخليا عن طريق تكفير المثقف فكريا والنيل منه. هذا التكفير الذي بدأ نتيجة صراع المذاهب والمدارس الدينية أثناء العقود الاولى للأسلام والذي تطور اليوم ليصبح سلاحا سياسيا للقمع بيد مجموعات دينية وحكومات طائفية تستمد مشروعيتها من مؤسسات دينية طائفية وميليشيات مسلحة وآلة أعلامية تستغل اكثر الناس تخلفا وجهلا كوقود لتمرير مخططاتها بالهيمنة على مراكز القرار خدمة لمصالحها الحزبية والفئوية الضيقة وعلى الضد من مصلحة الوطن والمواطن.

أن جريمة حرق كتب الشاعر "سعدي يوسف" هي ليست الاولى في غياب الفكر العقلاني العربي وهزيمته أمام قوى الاستبداد لأغراض سياسية، ولن تكون الاخيرة مادامت القوى العلمانية من يسارية وديموقراطية عاجزة عن التغلغل بين صفوف الجماهير وتثوريها لنيل حقوقها في بلد هائل الثروات والامكانيات كالعراق. فقد سبق هذه الجريمة جرائم احراق كتب أبن رشد وأبن حزم الاندلسي وغيرهم سابقا ومحاولة حرق كتب الشاعر "أدونيس" في عصرنا الحديث. علما أن عملية حرق الكتب في العصر الراهن ليست أكثر من مسألة رمزية ومضحكة خصوصا مع تقدم العلم في تسهيل جميع أمور الحياة ومنها دوره البارز في أيصال المعلومة لأكبر عدد ممكن من الناس في أقل فترة زمنية علاوة على حفظ النتاج العلمي والتراث الادبي الانساني.

من الطبيعي جدا أن تكون هناك مواقف سياسية مختلفة من الشاعر "سعدي يوسف" خصوصا تلك التي نحى بها بعيدا عن أفكاره ورؤاه التي عاش معها عقودا طويلة من حياته، وهذا بنظري حق طبيعي له كون الافكار والمواقف تتغير من ظرف الى آخر ومن موقف الى آخر. ولكن عندما تتجاوز هذه الافكار والمواقف الثوابت علينا حينها أن نتوقف قليلا عندها. ومن هذه الثوابت هي الطائفية والقومية العنصرية تلك التي انحدر اليها الشاعر بسرعة قياسية ليقترب بشكل دراماتيكي وبائس من تفكير البعث وهو يهين جزء كبير من العراقيين حينما نشرت صحيفة "الثورة" البعثية سلسلة مقالات بذيئة واصفة أياهم بأبشع الاوصاف بعد فشل أنتفاضة آذار المجيدة التي يعمل الاسلاميون اليوم على سرقتها كما سرقاتهم الاخرى بحق ثروات الشعب والوطن . فبدلا من أن يتخذ الشاعر موقفا من الاحزاب الشيعية وميليشياتها وأمتدادتها الفكرية المرتبطة بطهران وفي هذا يتفق معه الكثيرون، نراه للاسف الشديد يرحل بنا بعيدا في عمق التاريخ قائلا، مادام ان اسم العراق جاء من "أوروك" فلا معنى لأن يتحكم بالبلد أكراد وشيعة "فرس حسب وصفه لهم".

من دون الخوض في تسمية العراق التي يختلف المؤرخون حولها، أن كانت من اصل عربي او فارسي او عراقي قديم يعود الى عصور ما قبل سومر وهي "أوروك" كما قال الشاعر.علينا أن نسأل من سكن "اوروك " هذه منذ قدم التاريخ، هل هم العرب من الطائفة السنية دون غيرهم بعد ان يبدي الشاعر تعجبه واستهجانه من ان يكون اكراد وعرب شيعة "يسميهم الشاعر فرس كما البعث" من يتحكّم بالبلد!!؟؟ أعتقد هنا ان رحلة سريعة مع ساكني هذه الارض وفق المؤرخ العراقي "طه باقر" ضرورية جدا كي يعرف الشاعر وغيره من الطائفيين والقوميين من ان هذه الارض "اوروك" كانت موضع هجرات كبيرة وعديدة على مرّ التاريخ إذ يقول "طه باقر" (.. وعلى ضوء ذلك ينبغي للمؤرخ أن ينظر الى تركيب سكان ما بين النهرين. فمن الجزيرة العربية والبوادي الشمالية الغربية "مهد الاقوام السامية" نزحت الى بلاد ما بين النهرين في مختلف عصور التاريخ الاقوام السامية المختلفة ومنها القبائل العربية التي يرجع اصولها الى القسم الاعظم من سكان العراق اليوم "عكس الشاعر لم يحدد هويتها أن كانت شيعية ام سنية بل اكتفى بكونها عربية" . ومن المنطقة الثانية ، اي الاقاليم الشرقية والشمالية الشرقية، نزحت الى العراق اقوام عديدة من بينها جماعات من اصول الاقوام الهندية - الاوربية. والعراق من هذه الناحية مفتوح لهجرات الاقوام والغزوات بالمقارنة مع وادي النيل الذي يعد اقليما مغلقا بوجه نسبي) (*) . إذن فالاكراد وغيرهم من الاقوام التي تسكن هذه الارض هم من ابناء هذه الارض ولهم الحق كما غيرهم في ان يكونوا جزء من الدولة التي يريد الشاعر احتكارها لجهة قومية معينة على ان تدين بمذهب لا يرى الشاعر غيرها لها الحق في قيادة البلد!!

نعود لنقول ثانية أن من حق الشاعر ان يكون له موقفا سياسيا و"معه الكثيرون" مناهضا للساسة الكرد وطريقة أدارتهم للصراع مع حكومة المركز، وله نفس الحق في أنتقاد حكومة الاقليم على قرارات عديدة منها أهمال اللغة العربية وتجاوزها علما انها اللغة الاولى بالبلد وفقاً للدستور كما وان الاقليم لازال جزء من الدولة المركزية العراقية. ولكن هذا الحق يضيع بأكمله وهو يصف شعب عانى الأمرين من السلطات العراقية المختلفة وخصوصا عهد البعث الفاشي بكلمة نابية محملّا اياهم ما يقوم به ساستهم.

أن قوله "ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية ؟" لا يمكن تفسيره الا كونه نظرة طائفية مقيتة كان عليه ان يترفع عنها، فبعد أن عزل وشكك في عراقية الكرد والشيعة "فرس" لم يبقى لهذه الاغلبية معنى الا العرب السنة. كم كنت اتمنى على شاعر في شتاء عمره أن لا ينهي تاريخه السياسي بهذا الشكل البشع، ولا اقول الادبي إذ لا غبار على قامته الشعرية وجمالية وغزارة اشعاره التي لا يختلف فيها اثنان. كما كان عليه أن يراجع ذاكرته قليلا وهو يسأل عن معنى استقدام الجيوش لقتل العراقيين ليعرف أن الذي جاء بهذه الجيوش فاتحا أبواب جهنم على العراق وليدخل شعبه في دورات لم تنقطع من الموت هو المجرم "صدام حسين" ولا أظن أن "صدام حسين" - ويشاطرني الشاعر الرأي - كرديا أو فارسيا!!

تبقى عملية حرق كتب الشاعر "سعدي يوسف" ذات طابع سياسي وليس شيئاً آخر ، فالشاعر مثلا لم يشتم المقدسات الاسلامية ولا أساء لشخصية دينية كي يقوم بعض الباحثين عن الشهرة في حرق كتبه مع سكوت مريب للمؤسسة الثقافية، التي يعمل بعض المتخلفين فكريا وثقافيا وادبيا من اتباع الاحزاب والميليشيات الطائفية استغلالهم لايصال رسالة الى العاملين بالحقل الفكري والثقافي من ان هناك "محاكم تفتيش دينية طائفية" هي على أهبة الاستعداد لأعدام حرية الفكر والرأي والمعتقد.

أحرقوا كتب الشاعر في حسينية أو في مقر لحزب اسلامي شيعي وليس في شارع المتنبي.




زكي رضا
الدنمارك
  20/11/2014


(*) مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة "الوجيز في تأريخ حضارة وادي الرافدين" الجزء الاول ص 24-25


339

قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة الثامنة)

قبل أن ننتقل إلى قراءة أهم ما جاء به شريعتي في مؤلفه وهو تناوله لطقوس عاشوراء الصفوية والتي شكّلت بممارستها منذ تأسيس الدولة الصفوية تغييباً للعقل والوعي الشيعي وتجاوزاً على العديد من المسّلمات التي نادى بها أئمة الشيعة وعلى رأسهم الأمام علي.

علينا التأكيد على أن مقولة شريعتي بتغيير بعض المسّلمات التي تناولها الدين الاسلامي والتي اعتبر أنها ستتحقق بعد مئة عام من حكومة الامام علي فيما لو أستمر المسلمون عليها وفق وجهة نظره، تعني حصر التعديلات التي يحتاجها الدين ليتطور تطوراً معقولاً مع التطور البشري الذي طال مختلف مناهج العلم والحياة في حياة الامام علي وأبناءه أو استمرار نهج "الامام علي" حتى يومنا هذا!.

إن هذا الشرط بعيد جداً عن المنطق والسياق التاريخي لتطور المجتمعات والدول، التي يقول عنها ابن خلدون في كتابه "المقدمة" أنها تولد وتنمو وتهرم وهذا يعني أن لا أمكانية في تغيير أو تعديل أو تشذيب نصوص قرآنية مقدسة بغياب دولة عدل علي والتي رحلت مع رحيل علي. وهذا يدفعنا الى عدم أنتظار تغيير جذري في موقف المؤسسات الدينية أزاء نصوص التعامل التجاري والتعامل بالرق والجواري وزواج القاصرات وكل ما يدخل في باب الحيل الشرعية والجزية وغيرها الكثير، تلك التي شغلت فكر شريعتي وغيره من المفكرين الاسلاميين المتنورين. ويبقى الحل هو التفكير بأيجاد مخارج غير دينية للخروج بحلول منطقية تأخذ التطور الاجتماعي والعلمي بعين الاعتبار ، وقد أشار اليها شريعتي بشكل محدود ومن دون قصد في سياق كتابه هو النظام العلماني وان لم يسمّيه.

كربلاء حائط مبكى للتشيع الصفوي!

لقد أنتخبنا العنوان أعلاه في قراءة طقوس عاشوراء بدلاً عن العنوان الذي جاء به شريعتي وهو "نصرانية الغرب والتشيّع الصفوي الأفرنجي في كربلاء"، ونعتقد أن العنوان الذي أنتخبناه سيلمسه القاريء بعد أن نبدأ في قراءة ما جاء به شريعتي في هذا الباب، الذي يبدأه "شريعتي" في ربط الصفوية كنظام للحكم في أيران بالمسيحية كنظام حكم في أوربا لمواجهة الامبراطورية الاسلامية العظمى حسب وصف شريعتي أبان الحكم العثماني، والتي شكّلت حينها خطرا كبيرا على اوربا من خلال صراع طويل أنتهى بالنهاية بأنهيار دولة الخلافة.

أن شريعتي عند تناوله لما يسميه بظاهرة الأغتراب الشيعي يحاول قراءة الأدب الشيعي الصفوي من خلال الثقافة الشيعية الصفوية، التي أوصلت شيعة أيران الى سدة الحكم فيها بعد أن كان الشيعة قبلها أقلية مضطهدة غير قادرة على ممارسة طقوسها بحرية. ولم تتضح هوية أجتماعية خاصة للشيعة عدا فترة آل بويه والسربداران (رؤوس على المشانق). ومن الطبيعي في مثل هذه الحالة حيث شاع القمع المنظم للشيعة وحرموا من أداء طقوسهم المذهبية أن يعمل الصفويين حاملي لواء الشيعة! على أقحام الجانب السياسي في الجانب الطائفي العقائدي من خلال تنظيم "المظاهر الاجتماعية العلنية" كما يقول شريعتي بعد أستلامهم مقاليد الامور في أيران. إن أول ما بدأ به الصفويون في هذا المجال الذي يجعلهم يمتلكون بعداً أجتماعياً بين الشيعة المؤمنين والمضطهدين، هو أستحداثهم لمنصب لم يكن موجوداً سابقاً ولا لاحقاً وهو وزير"الشعائر الحسينية"!. ولمّا كان الصفويون قد أستوردوا المذهب الشيعي من جبل عامل في لبنان بكل ما في كلمة الاستيراد من معنى، فأنهم عملوا على أستيراد الشعائر الحسينية التي نجدها اليوم وقد تطورت لحاجة سياسية منذ ذلك الوقت أيضاً ولكن من أوربا الشرقية هذه المرّة.

لقد سافر وزير الشعائر الحسينية هذا الى أوربا الشرقية التي كانت وبقية بلدان اوربا في صراع مفتوح مع العثمانيين كما مع الصفويين، وهذا ما فات على شريعتي ذكره فوصف تلك العلاقة بالغموض. فدرس الوزير الصفوي وحقق في المراسم والطقوس الدينية المتبّعة هناك، ومنها طريقة أحياء ذكرى شهداء المسيحية وأدواتها، لينقلها بحذافيرها الى أيران حيث جرت عليها بمساعدة بعض الملالي التعديلات التي تجعلها صالحة في المناسبات الشيعية : "بما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في أيران"، على حد تعبير شريعتي. وقد أدى ذلك ومن خلال التطبيق العملي لتلك الطقوس بتوفير كل مستلزمات نجاحها من قبل السلطة المدعومة من المؤسسة الدينية، وأن تتحول الى طقوس أستمرت ليومنا هذا على الرغم من عدم وجودها لا في الفلكلور الأيراني الغني بعمقه التاريخي والحضاري ولا في الشعائر الاسلامية بشكل عام. ومن بين تلك المراسم "النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والأقفال والتطبير وأستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل أنسان مطلع على تلك المراسم أن يشّخص أن هذه ليست سوى نسخة من تلك" (*) .علماً أن المؤرخ ابن الأثير يشير الى ظهور مراسم عاشوراء في العراق الى زمن معزّ الدولة أحمد البويهي أثناء حكم الاسرة " 932 – 1055م".

تحت عنوان "passions" أي المصائب، يبدأ شريعتي معلناّ أن تجسيد المصائب التي تعرّض لها الحسين وأهل بيته وصحبه وبالأحرى آل البيت وفاطمة الزهراء بنت النبي وزوجة علي وأم الحسن والحسين بشكل تمثيلي ومسرحي والذي يطلق عليه الشبيه ويسمى بالعراق "التشابيه"، ليست سوى نسخة من مراسم العزاء المسيحي في تمثيل الشهداء الأوائل للمسيحية ضحايا قياصرة الروم وطريقة قتلهم والتمثيل بهم مروراً بسيرة الحواريين والعذراء مريم وتجسيد عذابات وآلام المسيح على يد اليهود والروم. وقد أستخدم الشاه اسماعيل الصفوي "التشابيه" لأول مرّة لنشر المذهب الشيعي بين الايرانيين معتمداً على العواطف الجيّاشة عندهم تجاه أستشهاد الحسين وآله بتلك الطريقة المأساوية في عاشوراء سنة 61 للهجرة. وأصبحت ذكرى "أستشهاد الحسين" محوراً رئيسياً في استمرار التشيّع الذي فقد بريقه الثوري لاحقاً، كما يقول شريعتي، وليتحوّل الى مجرد طقس بكائي بعد أن أن تم أفراغه من محتواه الفكري، وهو الوقوف الى جانب الطبقات المسحوقة ضد السلطات على مختلف تلاوينها.

وقد تابع حكام فارس القاجاريون تقليد تمثيل موقعة كربلاء. وفي عهد أول شاه قاجاري وهو الأغا "محمد خان"، أصدر المجتهد "فاضل القمي" فتوى تشرّع هذا التمثيل. لكن الممارسات الدامية التي كانت تصاحب التمثيل مثل اللطم وشج الرؤوس بالسيوف، والجلد بالسياط لم تصل إلى المركز في إيران. ولم تُعرف هذه الطقوس في البلاد العربية إلا في القرن التاسع عشر، ومنها العراق حيث دخلت هذه الطقوس عن طريق الشيعة الاتراك والفرس بالأساس.

الا أن عملية شج الرؤوس "التطبير في العراق" لم تمارس الا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وانتقلت ممارسة شق الرأس الى مدن العتبات المقدسّة في القرن التاسع عشر بواسطة شيعة من أصل تركي. وكانت تقتصر في العراق على الشيعة الأتراك والفرس بالأساس. ويروي تاريخ النجف المحكي أن شق الرأس لم يلاحظ في كربلاء والنجف قبل منتصف القرن التاسع عشر. وقد مارس هذه الطقوس لأول مرة الزوار الشيعة من القفقاس أو من آذربيجان. فقد وصل هؤلاء الزوار الذين ربما كانوا من قزلباش، الى كربلاء حاملين أسلحتهم الشخصية" (1). وترجع مصادر تاريخية عملية شج الرؤوس الى عام 1640 في بعض انحاء القوقاز الجنوبي تحديداً.

أن مراسم الزنجيل والتطبير والتسوط وحمل الاقفال لازالت كما يقول شريعتي ممارسة سنوية في منطقة "lourder". ويعلل شريعتي أستمرار ممارستها و"تطورها" الى أرادة سياسية وليست دينية، لكونها لم تحظ بموافقة وتأييد كبار علماء ورجال الدين الشيعة لانها تتعارض مع أحكام وموازين الشرع. الا ان شريعتي يعود ويؤكد أنه نتيجة لترسخ الظاهرة وقوتها بين العوام فأن الكثير من العلماء لا يتجرأون على اعلان رفضهم لها ويلجأون الى التقية في هذا المجال!!(2). أن طقوس عاشوراء ونتيجة للقمع المتواصل للشيعة لقرون، كانت وما زالت مجالاً رحباً وواسعاً لتمتين العلاقات المذهبية بين أبناء الطائفة الشيعية، خصوصاً بين أبناء البلدات والمناطق الواحدة. ولهذا السبب تطورت اشكال هذه الطقوس في أيامنا هذه، أضافة الى الدور البارز "للروزه خون" المقبول شعبياً لظروف منها سياسية ومنها ما يتعلق بقلّة الوعي ومنها ما يتعلق بالمساس بقدسية هذه الطقوس بعد ربطها مباشرة بالأمام الحسين. إذ يقف "الروزه خون" وهو يحث جموع المؤمنين على ممارسات وطقوس لم تكن موجودة حتى قبل عقد واحد كالمشي على الجمر ، الذي يعتبرها المؤرخ حسين الامين انها ظاهرة هندوسية"، أو المشي على الزجاج معبراً أن الحسين خط أحمر!

لقد أستغلت حادثة كربلاء سياسياً من السلطة الحاكمة ومن المعارضة ايضاً، لكون الامام الحسين يشكل رمزاً ومدخلاً للمطالبة بالحقوق المغتصبة. وتحوّلت هذه الطقوس بالرغم من قدسية الامام وما آل اليه وآله وصحبه في تلك المعركة غير المتكافئة وبتلك النهاية الحزينة، في النهاية الى ما يشبه التجارة. وقد كتب أهل الصفا في هذا الجانب : "من الناس طائفة قد جعلت التشيّع مكسباً لها، مثل الناحة والقصاص! لا يعرفون من التشيّع إلا التبري والشتم والطعن واللعنة والبكاء مع الناحة" (3) . وهذا ما يذهب اليه الفقيه الشيخ محمد جواد مغنية عندما يقول : "من الناس طائفة قد جعلت التشيّع مكسباً لها مثل النياحة والقصص.. لا يعرفون من التشيّع إلا البكاء وحب المتدينين للتشيّع.. وجعلوا شعارهم لزوم المشاهد، وزيارة القبور، كالنساء الثواكل، يبكون على فقدان أجسامنا وهم بالبكاء على أنفسهم أولى" (4).

كما وأن هناك بعض المؤرخين يتحدثون عن علاقات ميثولوجية "بين احتفالات بل - مردخ (تموز) في بابل من جهة، والاحتفالات بيوم عاشوراء من جهة أخرى. إنه من الممكن أن تتشكل إمكانية للتشابه فكرياً ووجدانياً كتعبير عن انتصار الخير على قوى الشر. فإنّ نواح عشتار على حبيبها مردخ (تموز) سنة بعد أخرى، إنّما يمثل طاقة خلق وتجديد لمبدأ الأرض - الخصوبة - الحياة، مثل الاحتفال بذكرى عاشوراء الذي يمثل تجديداً أو إحياء لمبادئ الحسين في الرفض والشهادة" (5) . أمّا المستشرق أيردمنس فأنه يقارن بين طقوس عاشوراء بأيران في القرن التاسع عشر وطقوس وشعائر سومر وبابل قائلاً : "إنّ أحد رموز الاحتفالات هو كف العباس التي ترفع في مواكب العزاء والتي تدل على تشابه واضح مع طقوس بابلية وكريتية وكذلك يهودية قديمة، حيث ترمز الكف إلى الخصوبة، مثلما ترمز إلى الوعي بعودة تموز ثانية، بالرغم من موته، في ربيع العام القادم والتقائه بحبيبته عشتار إلهة الخصوبة" (6) .

هناك العشرات من علماء ورجال الدين الشيعة أن لم يكن أكثر، ومنهم عدد لا يستهان به من مراجع التقلّيد وقفوا ضد العديد من طقوس عاشوراء، وعلى رأس هذه الطقوس عملية شجّ الرأس "التطبير في العراق" بآلة حادّة "القامة"، بإعتبار هذه الطقوس تمثل أساءة بالغة للتشيّع. ولكنهم أعترفوا بالوقت نفسه أن هناك من العلماء من يسكت عنها خوف الأهانة والضرر"وهنا نرى نجاح التشيّع الصفوي في تسويق بدعه عن طريق "علماءه - روزه خونيه"، وجعلها أشبه بالمقدسّات عند عوام الشيعة من الغوغاء، وهذا بالضبط ما يحتاجه الساسة. ومن رجال الدين الذين تناولوا خوف رجال الدين من ضرر العامة واهانتهم لهم في مثل هذه المواقف هو العلامة محمد جواد مغنية الذي قال :"ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم، ان هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون ان يأذن بها إمام أو عالم كبير، كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الاهانة والضرر" (7) . واذا كان بعض رجال الدين يفتون بمنع هذه الطقوس فقط، فأن السيد محمد باقر الصدر قال بأن العلماء دائبون على منعه وتحريمه حيث قال في جوابه للدكتور التيجاني أثناء زيارته له في مدينة النجف الاشرف "ان ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه" (8). أما آية الله السيد ابو الحسن الأصفهاني فأنه أضاف الى عدم شرعية هذه الممارسات علاوة على منعها وتحريمها عندما قال :"ان استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء بأسم الحزن على الحسين (ع) انما هو محرم وغير شرعي" (9) . أما آية الله كاظم الحائري فأنه يوصم ممارسي هذه الطقوس على انهم يمارسون أعظم المحرمات حين كتب قائلاً : "ان تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيّع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخراً لذلك. ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين (ع) من أعظم المحرمات" . وتأكيداً على ما جاء به شريعتي وعلى رغم خلافه المبدئي معه، أكد آية الله مرتضى مطهري على ما قاله شريعتي حول استيراد هذه الطقوس من القفقاز عندما كتب قائلاً :"ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم" (10).
 
زكي رضا
الدنمارك
20/11/2014

(*) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 208".
(1) " شيعة العراق لأسحاق نقّاش ص 269 "
(2) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 209 "
(3) "  من مقال لرشيد الخيّون في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 16/1/2008 "
(4)  " من كتاب مع علماء النجف لمحمد جواد مغنية ص 121 "
(5) " تراجيديا كربلاء لأبراهيم الحريري ص 326 – 327 "
(6) " المصدر السابق ص 322 "
(7) " من كتاب تجارب لمحمد جواد مغنية "
(8) " كل الحلول عند  آل الرسول للتيجاني ص 50 
(9) " هكذا عرفتهم لجعفر الخليلي ، الجزء الاول "
(10) " كتاب الجذب والدفع للمطهري "



340
أحزاب المحاصصة ودعارة غسيل الاموال
نشرت صحيفة المدى عن صحيفة الديلي ستار في عددها "3216" ترجمة لتقرير أقتصادي مرعب كتبه ستيوارت بوين المفتش العام لإعادة إعمار العراق، تناول فيه حجم الاموال التي أنفقت على العراق خلال الاعوام 2003-2004 فقط من تلك التي سحبتها الادارة الامريكية من حسابات عائدات النفط المجمدة أثناء الحصار الامريكي على العراق الذي بدأ في السادس من شهر آب/ أغسطس 1990، قائلا أن الأدارة الامريكية سلّمت للعراقيين حينها مبلغ 10 ميليارد دولار تعرضت معظمها وفق ما قاله في تقريره للسرقة!! وأضاف " بوين" في تقريره  وهو يصف البنك المركزي العراقي قائلا "كان برنامج إعادة الإعمار الأميركي يرعى دون قصد ثالوثا سياسيا يشمل الأحزاب السياسية ومسؤولي الحكومة والمجموعات الطائفية. هذا المحور القاتل أجج إرهابا وفسادا تسببا في تسميم البلاد". ويستمر الكاتب بتقريره ليشير الى أن عمليات غسيل الاموال والتي تسرّب معظمها الى بيروت ودبي بلغت "رقما فلكيا" 100 مليارد دولار عازيا سبب ذلك الى الفساد المستشري عهد المالكي أكثر رؤساء وزراء المحاصصة الطائفية عمرا وفشلا. قائلا أن العراق لن ينجح عسكريا وأقتصاديا دون "كبح جماح الفساد المستشري".

إن الجمع بين أكثر من وظيفة في الدولة مضافا اليها ظهير وعمق سياسي طائفي أو قومي في لعبة المحاصصة المقيتة تعتبر من أهم العوامل التي تعمل على انتاج مستمر لاكثر من بيئة للفساد والسرقة والحصول على عمولات كبيرة وتفتح الباب واسعا لسرقات تتعدى احيانا حدود العقل، وهذا ما لم يذهب اليه تقرير "بوين" الذي أهمل ميليارات الدولارات نتيجة تهريب النفط منذ العام 2003 ولليوم والتي تصل بدورها الى عشرات المليارات من الدولارات. على الرغم من تشخيصه ووصفه الدقيق لأركان السراق ناهبي المال العام وثروات الاجيال القادمة والتي حددها بالثالوث الاجرامي والتي أضلاعه هي، الاحزاب السياسية  التي تتصدر المشهد السياسي القاتم منذ الاحتلال لليوم الطائفية منها "الشيعية والسنية" والقومية  اي الاحزاب الكردية، ومسؤولي الحكومة كما اشار وهم أنفسهم في السلطة منذ الاحتلال لليوم على الاغلب مع تغيير في مراكز وظائفهم فقط لاغير كضلع ثان، ليضيف اليهم الضلع الاخير وهم الميليشيات التي حددها بالطائفية والتي تقوم بسرقة النفط والنفط المكرر من حقول المنطقة الشمالية ومصفى بيجي لبيعها الى تجار وسطاء وشحنه الى بلدان الجوار بأبخس الاسعار، أضافة الى التهريب المستمر للنفط منذ الاحتلال لليوم من المدينة الخربة والمهملة من كل مظاهر الحياة " البصرة"

ومما يعزز الرأي حول وجود سرقات مستمرة من أنابيب النفط العراقي لصالح جهات متنفذة وبيعها بأسعار أقل من السوق الرسمي وتهريب هذه الاموال " تبييضها " الى عواصم معينة، هو تصريح الناطق بأسم وزارة الداخلية "العميد سعد معن" بتاريخ 15/11/2014 والذي قال فيه إن " جهاز المخابرات وجهاز الامن الوطني تلقيا معلومة حول تهريب نفط في محافظة البصرة وبعد تنفيذ العملية ضبطت القوات الامنية في المحافظة على مضخات موضوعة على صمامات الأنبوب النفطي الأحدب ، الذي يصل الرميلة الشمالية وبالخلف من الكم الصيني غربي البصرة يتم استخدامها لسرقة النفط " وقد هدد السيد معن قائلا " " عمليات البحث جارية من قبل جهاز المخابرات وجهاز الامن الوطني على الاشخاص الضالعين في عملية سرقة النفط ". وهذا يدل على أن عمليات تهريب النفط لصالح جهات متنفذة كانت مستمرة منذ فترات طويلة وهي ليست وليدة الساعة، إذ أستمرت لاعوام طويلة نتيجة عدم تثبيت عدّادات لأحتساب كميات النفط المصدّرة!! كما وأنها تعني أيضا من أن تهديد العميد "معن" عبارة عن هواء في شبك إذ من غير الممكن أن تتورط وزارة الداخلية بالكشف عن مسؤولي هذه الجرائم كونهم من أهل الدار!. ولو عدنا الى عمليات تهريب النفط وغيره من البضائع لشهر كانون الثاني 2004 فأن هناك وفق ما جاء بتقرير لصحيفة الشرق الاوسط بعددها المرقم " 9182" والصادر بتاريخ " 18/1/2004 " وعلى لسان السيد "عبد الرزاق الكاطع" مدير الموانيء العراقية حينها والذي قال أن " هناك حسب معلوماتنا 33 ميناء غير شرعي على ضفاف شط العرب تستغل من قبل مختلف الشركات لنقل البضائع من دون رقيب ولتهريب البضائع والنفط والبشر" فمن يا ترى له القوة السياسية والعسكرية في أدارة هذا العدد من الموانيء والارصفة، أليست هي الميليشيات التي تحتمي بأحزاب طائفية تدير عملية سياسية جلبت الخراب للبلد منذ الاحتلال لليوم؟

إن الفترة التي تمت بها غسيل أموال تقدر بـ 100 مليارد دولار من أموال فقراء العراق تقع  بأغلبها على الاقل ضمن فترة حكم الفاشل نوري المالكي وحزبه وهذا لايعني مطلقا تحميلهما المسؤولية كاملة. فهم جزء من اضلاع مسّدس وليس مثلث هذه المرة، يبدأ ضلعه الاول بأنعدام الشفافية والتضييق على لجان النزاهة والحد من عملها، و الرشوة والمحسوبية والتي لايمكن من خلالهما أبدا أنجاز أي مشروع مهما كان حجمه، وعدم الكشف عن الذمم المالية لمسؤولي الدولة، وضبابية وعدم دقة الموازانات الحكومية ، وعدم تفعيل سياسة محاسبة الفاسدين لانها ستكون محاسبة سياسية وفق وجهات نظر احزابهم! والضلع الاخير من هذا المسّدس هو الطائفية التي تعتبر الوعاء الكبير لكل الجرائم التي حولّت البلد الى حطام وشعبه الى شعب نازح داخل وخارج أرضه.

إن غسيل أمول تقدّر بـ 100 مليارد دولار من قبل عصابات المحاصصة ليست سوى شكل من اشكال الدعارة السياسية التي بدأت عهد الاسلاميين في قيادة الدولة والمجتمع وعلى رأسهم المجرم نوري المالكي وبطانته الفاسدة التي أثرت كما بقية المتحاصصين عربا وكردا و سنّة وشيعة على حساب ملايين العراقيين وبؤسهم وشقائهم اليومي. أن محاربة الفساد لن تبدأ قبل محاسبة مسؤولي عهد المالكي وهو علي رأسهم ومن كل الاطراف بعد أن تركوا خزينة البلاد خاوية نتيجة أستهتارهم بأموال الشعب وثرواته.

 في الختام وكمقارنة لحجم أرقام غسيل الاموال في العراق الطائفي مقارنة مع غيره من الدول ووفقا لتقرير أعدّته قناة العربية اليوم، فأن السلطات البحرينية وبالتنسيق مع أجهزة الامارات والسعودية الامنية أستطاعت أن تطيح بأكبر عملية غسيل أموال في منطقة الخليج بأكملها والمقدّرة بـ 4 ميليارد ريال سعودي خلال عامين!!.

نهاية الفساد يبدأ بتوجيه مسّدس الى مسّدس الفساد.

زكي رضا
الدنمارك
16/11/2014 


341


قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة السابعة)


الحيلة الشرعية .. خدعة على الله

تُعَرَّف الشريعة على أنها ما شرّعه الله لعباده من قوانين ونظم واحكام وقواعد لتسهيل أمورهم في مختلف المجالات كالصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره. وتستمد الشريعة أحكامها من القرآن والسنّة النبوية عند السنة، مضافا اليها ما جاء به الأئمة المعصومين عند الشيعة الامامية الأثني عشرية. أما مفردة الحيلة في اللغة فهي أسم مشتق من الاحتيال، فالأحتيال مصدر والحيلة أسم. وتعرف الحيلة في معاجم اللغة على أنها "الحِذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف". أما المعنى الشرعي لها فهو الوصول الى المراد بطريق غير جلي أي خفي. وهذا يعني أن الحيلة لا تتناغم وتتناسب مع الشرع ومشتقاته اللغوية كالشريعة، وهي بهذا المعنى تعتبر من المحرمات. ولكن رجل الدين الصفوي أستطاع بفذلكته أن يجد طريقا لدخول الشيعي الامتحان الألهي وتجاوز ما حرّمه الله في ذلك الامتحان بنجاح. ولكننا إذا أردنا توخي الدقة فأن الحيلة الشرعية ليست من أنتاج التشيّع الصفوي لوحده مثلما قال شريعتي، بل هي موجودة أيضا عند أهل السنة. ويبدو ان شريعتي لم يذكرها لكونه يناقش في كتابه هذا التشيّع الصفوي مقارنا اياه بالتشيّع العلوي. ولكن هذا لا يمنعنا هنا من أن نتطرق الى الحيلة الشرعية عند أهل السنة بعد أن نتعرف على الحيلة الشرعية عند التشيّع الصفوي وفق شريعتي، والتي نراها اليوم موجودة بقوة في عهد يفترض أن يكون التشيّع الصفوي قد أنزوى الى ركن مهمل بعد أن أصبحت للحوزات الشيعية سلطة دنيوية أضافة الى سلطتها الدينية.

يعتبر الربا من المحرمات في الشريعة الاسلامية كما في الاديان التي سبقته. أما من حيث مقارنة الربا بالذنوب فأنه يعتبر من كبائر الذنوب. فقد جاء في الكتاب المقدس (العهد القديم):"إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا" (1) . أما في العهد الجديد فقد جاء :"اقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا فيكون أجركم عظيماً" (2) . أما الربا في "القرآن فقد جاء في أربع سور. وقد تدرّج القرآن في تحريمه قبل الهجرة الى يثرب. إن السور التي ورد فيها تحريم الربا هي في سورة الروم:"وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ" (3) . و كما جاء في سورة النساء:"فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (161)" (4) ، ليستمر القرآن في تحريمه للربا في سورة آل عمران وسور عديدة كالبقرة لينهيها بـالآيات التالية:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون . وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون . واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " (5)، ليكون التحريم مطلقا الى يوم القيامة.

وعلى الرغم من تحريم الربا الذي هو تلبيس الحق بالباطل بنصوص قرآنية واضحة وجلية، الا أن رجل الدين الصفوي ألتف على نصوص القرآن بشكل يوحي بالضحك على الله من خلال ما يسمى بالحيلة الشرعية والمستخدمة حتى يومنا هذا، معتمداً على تفسيرين بائسين من أجل تحليل ما حرّمه الله شرعاً في قرآنه، أولهما أن المبادلات التجارية في عهد محمد ومن خلفه من الملوك كانت بالدينار والدرهم، وكانتا بالذهب والفضة حينها. أما اليوم فأن المبادلات التجارية تجري بالاوراق المالية وهي ليست بالذهب والفضة. وثانيهما هي تحويل نية المرابي من اقراض الطرف الاخر ما يحتاج من مال وتغيير صيغة القرض من ربا الى بيع مشروط، وهو أضافة مثقال من الملح، مثلا كما يقول شريعتي، الى اصل المبلغ بقيمة يتم تحديدها من المرابي بمبلغ معين. وعندما يحين موعد السداد فأن الطرف الاخر يعيد نفس المبلغ الذي أقترضه من المرابي علاوة على المبلغ المتفق عليه "كربا" ثمنا لمثقال الملح أي الفائدة الربوية كما في حالة المصارف اليوم!.

أما في الجانب السنّي فيعتبر المذهب الحنفي هو أول المذاهب الاربعة السنية التي أفتت بجواز الحيل الشرعية. ويعتبر محمد بن الحسن الشيباني وهو حنفي أول من ألف كتاباً في هذا الباب أسماه "المخارج في الحيل". وقد حدد العديد من الفقهاء والباحثين في الشريعة الاسلامية تاريخ العمل بالحيلة الشرعية والتي سمّوها بدعة بعد 100 عام على الاقل من هجرة محمد. وهذا يدل على عدم جوازها والعمل بها في عهد محمد وخلفاءه الاربعة ولسنين طويلة من الحكم الاموي، حتى ان هناك حديثاً عن لسان محمد يقول فيه :"لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلون محارم الله بأدنى الحيل". ومن هذه المحارم أضافة الى الربا هو نكاح التحليل "بعد الطلقات الثلاث". وقد أفتى العديد من صحابة محمد ومنهم ابن عباس والامام علي وابن عمر بتحريم هذا الشكل من النكاح، وهناك من روى عن عمر قوله :"لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما". أما ما دون الربا ونكاح التحليل على ما يبدو، فأن العديد من الفقهاء ومن مختلف المذاهب الاسلامية وعلى الاخص الحنابلة والمالكية قد أفتوا وفقا لتفسيرات بعض الآيات القرآنية أشكال من الحيل سمّوها الحيل المحمودة!

حاول شريعتي من خلال بحثه في الحيل الشرعية وكذلك في ظاهرة الرّق التي سنتناولها بعد قليل أن يحمّل التشيّع الصفوي مسؤولية تفشي الظاهرتين، على الرغم من انهما ليستا من أنتاجه قط. وقد تناولنا قبل قليل ظاهرة الحيل الشرعية عند المذاهب السنية والتي لازال العمل بها قائماً لليوم . لكن شريعتي وهو الذي يعيب على فقهاء المسلمين تأخرهم في نيل شرف تحرير العبيد تاركين هذا الشرف الانساني الرفيع للعالم الغربي العلماني، ينتابه شعور بالألم والحسرة ليقول :"أن شرف تحرير العبيد صار من نصيب العالم الغربي، وأن فتوى تحريم الاسترقاق يصدرها الرئيس الامريكي أبراهام لينكون، وليس مرجعاً من مراجع المسلمين"، ليؤكد أنه لو كانت الحكومة الاسلامية قد سارت على المنهج العلوي لكانت قد منحت فقهاء الشريعة الأسلامية فرصة لأستنباط الأحكام التي كانت ستقضي على ظاهرة الرّق بشكل تدريجي خلال مئة عام!. هنا علينا أن نقف مع وجهة النظر هذه وأقصد فسح المجال للفقهاء المسلمين لألغاء أو تعديل ظاهرة جاءت من ضمن نصوص مقدسة في القرآن وأمكانية تحقيقها. فهل كان بمستطاع فقهاء ذلك العهد ومن جاء بعدهم أو فقهاء اليوم ألغاء أو تعديل أو تشذيب الآيات القرآنية التي تبيح القتل والرجم وقطع اليد والجلد والتي تركها العالم المتمدن منذ عقود طويلة على أقل تقدير كونها شكل من اشكال الهمجية وعدم احترام الانسان وحقوقه!؟. أعتقد أن شريعتي بأعتباره مفكراً أسلامياً وجّه انتقادات لما أسماه بالتشيّع الصفوي الذي نرى له اليوم أمتدادات واسعة وبينّة في الفكر والممارسة الشيعيتين، وقد غرّد خارج سرب الكثيرين ممن سبقوه وعاصروه والى اليوم بل وفي المستقبل غير المنظور أيضاً بجهره في أنتقاد العديد من رجالات الدين الشيعة من الذين لا زال الغالبية منهم يتحاشون الاصطدام بالملالي الصغار، الذين يستغلون المنابر "الحسينية" لحشو أدمغة العامّة من جمهور الشيعة البسطاء بقصص خرافية عن مواقف وهمية لأئمة الشيعة لا تمت بصلة الى العقل فحسب، بل لكونها بعيدة عن المنطق، وتسيء الى أولئك الأئمة أساءة بالغة دفعت شريعتي إلى أن ينفجر بوجوههم بعد أن حوّلوا الامام علي الى مجرد بطل أسطوري وزوجته فاطمة الى أمرأة لا يشغل بالها الا أرض "فدك"، أما الحسن، فأستحي أن أقول... وفق ما كتبه شريعتي، وليضيف أنه لا يطيق الكلام بشأن ما ورد عن الحسين في الكيمياء الصفوية على حد تعبيره.

لقد حاول "شريعتي" في تناوله لظاهرة الرّق أن يبريء الاسلام كدين من العمل بها، على الرغم من أن الشريعة الاسلامية تناولت هذه الظاهرة وسنّت لها القوانين التي يقول المسلمون عنها أنها جاءت لخدمة العبيد وعتقهم من العبودية !. فتحرير رقبة مثلاً وما ملكت ايمانكم واللتان وردتا في أكثر من آية قرآنية تدّلان بما لاشك فيه على وجود عبيد وجواري وجواز أمتلاكهما في الدين الاسلامي. وحاول مفسرو الشريعة لاحقاً وعلى الرغم من امتلاك جميع الصحابة تقريباً لعبيد وجواري، حتّى ان محمداً كان قد أهدى الصحابة ومن بينهم أقرب الصحابة اليه جواري من أسارى غزوة حنين على سبيل المثال لا الحصر، ليتمتعوا بهنّ. على أن الاسلام كان يشجع على تحريم الرّق، وان الحكومة الاسلامية لو سارت على نهج الامام علي لعملت على ألغاء الرّق خلال مئة سنة مثلما جاء أعلاه، بالرغم من أن ذلك يصطدم بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية تبيح هذه الظاهرة. ولو ذهبنا مع أصحاب هذا الرأي الى ما يريدون، فعلينا طرح سؤال حول أحترام الاسلام للمرأة مثلاً. عندها نرى أن الأسلام ساوى بين الرجل والمرأة في أمور كثيرة منها على سبيل المثال المساواة بالتكاليف الشرعية والمساواة بالعقوبات والتعليم والمساواة بالحقوق والواجبات الزوجية وغيرها. ولكن هذا الاسلام نفسه لم يستطع أن يساوى المرأة بالرجل في حق الميراث على الرغم من ان الاسلام خطا خطوات كبيرة في هذا الجانب مقارنة مع الاديان التي سبقته. فقد جاء في القرآن :"للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً" (6). وجاء أيضا :" يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" (7).

أن أمثال شريعتي لو ظهروا اليوم حاملين جزءاً من أفكاره في النظر للتشيّع كفكر ديني والترويج لها في ظل الثقافة الشيعية السائدة حالياً والتي غلبت عليها السلبيات والافكار غير المنطقية وغير العقلانية، والتي لم تكن جزءاً من هذه الثقافة حتّى لعقود قليلة مضت، لتمت محاربتهم بل وقتلهم من قبل الغوغاء المتسلحين بصمت رجال الدين الكبار بل وبفتاوى منهم ايضاً خوفاً من عاقبة نفس الغوغاء. وهذا ما حصل لشريعتي بالفعل أثناء كتابة مادته القيّمّة هذه من خلال هجوم عنيف شنّه عليه كبار علماء ورجال الدين في وقتها. أن موقف شريعتي من التشيّع الصفوي لو وجدت له اليوم سوق رائجة وسط جمهور الشيعة، وقابلها موقف سنّي مواز له من التسنن العثماني "الأموي" وتفريخاته، لكان الأسلام اليوم بعيداً عن كل الاتهامات الموجهة اليه كدين يروّج للقتل ويساهم بنشر ثقافة التجهيل، والتي سمّاها شريعتي بحق "الاستحمار"، والذي يشكل مع الأستبداد والأستغلال مثلثاً للتحكم بالناس. فالأستبداد يُفقد الانسان ثوريته عن طريق القمع والأرهاب، والأستغلال يقوم بسرقة أموال البسطاء بمختلف الحيل التي يجيدها المعمّمون. أمّا "الاستحمار" مثلما يقول شريعتي، فهو حقن المؤمن البسيط بالترياق وتخديره بحجّة الصبر لأن آلام المؤمن هنا في الأرض ليست سوى قصورا منيفة بعد الموت!.

من خلال ما يقارب الـ30 صفحة من الكتاب "175 – 205 "، يرحل بنا شريعتي برحلة مشوّقة في العديد من الاحاديث التي وردت في العديد من المصادر الشيعية كـ"جواهر الولاية في الخلافة والولاية" للكاظمي اليزدي، و"بحار الانوار" للمجلسي، و"مستدرك الوسائل" للطبرسي، و"بصائر الدرجات" لمحمد بن الحسن الصفّار، و "الارشاد" للديلمي، و "الكافي" للكليني، وغيرها العشرات من المصادر التي تروي حوادث عديدة نقلها شريعتي بمرارة. فقد وصف ما جاء في هذه الكتب على أنها تشكل أهانة لأئمة الشيعة وتلويث لتراثهم الانساني. ولعل أبسطها كي لا أطيل الحديث عنها، ويستطيع القاريء مراجعتها في كتاب شريعتي او في الكتب التي ذكرناها، ما ورد في هذه المصادر أن الأمام الصادق خرج مع مجموعة من أصحابه إلى البيداء وأصابهم العطش. فما كان من الامام الا وضع عصاه المباركة في حلقه فجرى الماء!. وهناك رواية أخرى عندما طلب علي الاكبر من أبيه وهو بالمسجد أن يأتي له بشيء من العنب، فمدّ الامام الحسين يده الى احد أعمدة المسجد وأخرج منه عنقود عنب!. ولكن الراوي نسي على ما يبدو أن الامام الحسين لم يستطع توفير شربة ماء لولده الذي كان يقاتل عطشاناً رغم وجود الماء بالقرب منهم في واقعة كربلاء!. ونشير إلى رواية ينقلها هؤلاء عن الامام علي حين طلب من عمار بن ياسر مرّة أن يأخذ حفنة من التراب ويقرأ عليها أسم الامام علي فتتبدل الى ذهبّ.

ونأتي على آخر هذه الروايات لننهي هذه الصفحة السوداء من صفحات "الاستحمار الصفوي" بما جاء في "جواهر الولاية" (*) حين يُشار إلى أنه :"كان الله واحدا في وحدانيته، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة ومكث الف دهر ثم خلق الاشياء كلها". وهذا الحديث وفق شريعتي يتعارض مع الآية القرآنية التي تقول " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " (8).

أن شريعتي هنا، وهو المتألم لحال أئمته جراء ما ورد في أدبيات وتراث أقطاب التشيّع الصفوي وتبعيتهم وخنوعهم للملوك الامويين والعباسيين، رأيناه يتحدث بوجع وألم مزجهما بسخرية من كل الموروث الصفوي الذي تفنن في رسم نهاية محزنة للفكر العقلاني الشيعي، ليرسله الى متاهات الدجل والشعوذة والضحك على ذقون البسطاء ليس من أجل سرقة ونهب أموالهم فحسب، بل من أجل هدف سياسي لا غير. لأن رجل الدين الذي تماهى مع السلطة حينها لم يكن بحاجة الى هبات ومساعدات من بسطاء الشيعة مطلقاً، بعد أن اصبحت مفاتيح خزائن الدولة وقتها بمتناول يده حاله حال أي شاه أو مسؤول كبير في البلاط.
 
زكي رضا
الدنمارك

15 / 11 / 2014

(1) " سفر الخروج ص 22 "
(2) " إنجيل لوقا الأصحاح الساس ص 94 – 35 "
(3) " قرآن كريم سورة الروم آية 39 "
(4) " قرآن كريم سورة النساء آية 160 "
(5) " قرآن كريم سورة البقرة، الآيات 278 – 279 "
(6) " قرآن كريم سورة النساء آية 7 "
(7) " قرآن كريم سورة النساء آية 11 "
(*) جواهر الولاية لليزدي ص 98 .
(8) " قرآن كريم سورة يس آية 83 "

342


باقات ورد من مجرمي المحاصصة لذبّاحي داعش

في مقالة له بعنوان "السعوديون هم وقود داعش!" كتب الاعلامي السعودي تركي الدخيل مقالة في صحيفة عكاظ  تناول فيها دور السعوديين في الحركات الارهابية المرتبطة بالقاعدة و جبهة النصرة وداعش وغيرها من المنظمات الارهابية في مختلف ارجاء العالم، فهناك منهم كما كتب الدخيل وفرة في أفغانستان، والبوسنة، والشيشان، وكشمير، وبورما، وأفريقيا، وفي نهر البارد بلبنان، وفي سورية، والعراق، واليمن. وللأرهابيين السعوديين في العراق أدواراً قذرة في قتل المدنيين العراقيين وبالجملة نتيجة تفجير أجسادهم النتنة في جموع المواطنين الابرياء في المساجد والساحات والشوارع وأماكن تجمع وتجمهر البسطاء في الاسواق والمطاعم والمقاهي، وقد نقل "الدخيل" في مقالته عن  رصد الصحافي زيد بنيامين حال تصدر السعوديين عددا في تنظيم داعش، وقال: «إن السعوديين يتصدرون من فجروا أنفسهم في العراق في ٤٥ يوما من بين ٣١ استخدمتهم داعش»!. إذن فهؤلاء المجرمين لم يأتوا الى العراق في نزهة أو سفرة سياحية بل جاءوا الى العراق بنية واحدة لا غير، وهي قتل اكبر عدد ممكن من الابرياء وليموتوا بعدها.

لكن يبدو أن هؤلاء الانتحاريين السعوديين يمتازون أضافة الى صفة الاجرام والقتل التي تربوا عليها في بيئة مريضة بميزة أخرى وهي ميزة الغباء، كونهم أنتحروا وضحوا بشبابهم الغالي على عوائلهم وشعبهم وحكومتهم. ولم يكونوا أذكياء كرفاقهم القتلة الذين وقعوا في أسر القوات العراقية ليودعوا السجون بأنتظار محاكمتهم ومنهم من شارك في تفخيخ السيارات أو زرع العبوات الناسفة التي قتلت الالاف من الابرياء أو من ساهم بذبح ابناء شعبنا كالخراف. فهؤلاء المجرمين "الأذكياء" يعرفون قيمة أنفسهم عند حكومتهم ويعرفون جيدا من أنها ستفعل المستحيل للم شملهم بعوائلهم لتعيد تأهيلهم في سجون من فئة الخمسة نجوم وليطلق سراحهم بعد حين بعفو ملكي او تدخل عشائري، ولتذهب دماء الضحايا العراقيين هدرا، ولذا لم يقوموا كزملائهم الاغبياء بتفجير اجسادهم النتنة وسط جموع البسطاء.

شخصيا، لو كنت سعوديا فأنني سأحترم حكومتي التي تدافع عني وأن كنت قاتلا. ولكنني للأسف الشديد "عراقي" أعاني الأمرين من حكومات المحاصصة التي لا تحترمني حيا ولا ميتا، هذه الحكومات التي تسرقني وأبنائي، هذه الحكومات التي لم توفر لي ابسط اشكال الخدمات منذ الاحتلال لليوم، هذه الحكومات التي جعلت بلدي نتيجة جشعها ونهبها وضعفها في استتباب الامن "كعصف مأكول"، لهذه الاسباب مجتمعة وغيرها فأنني لا أحترم حكومة بلدي ولا ساسة بلدي ولا أحزاب بلدي ولا منظماته المدنية والانسانية ولا مرجعياته الدينية. خصوصا بعد أن تناقلت الاخبار نية مجرمي المحاصصة تسليم قتلة ابناء شعبي الى حكومة بلدهم ومنها الى عوائلهم لاحقا معززين مكرمين لتجعلني أفقد أحترامي ميتّا هذه المرّة بالأفراج عن قتلتي.

لا أدري صراحة ان كانت لساسة المحاصصة شيء من الكرامة والغيرة على ابناء "شعبهم" وهم يرون كيف تعدم السلطات السعودية وبشكل همجي رعاة أغنام أو مهربين أو آخرين بتهم مضحكة أحيانا، وهم يتسابقون اليوم لأطلاق سراح قتلة متمرسين بالنحر على الطريقة الاسلامية. لا أدري كيف ستتعامل ضمائرهم "أن بقي منها شيئا" مع دموع أيتام وأرامل وثكالى الضحايا الذين تنائرت جثثهم في سماوات وطن يصرخ كالمذبوح من أرهاب هؤلاء القتلة. من المسؤول أيها المتحاصصون المجرمون عن مأساة الايزيديين والمسيحيين ومن تسبب بتهجيرهم ومعهم الملايين في مختلف ارجاء البلد، اليس تنظيم داعش الارهابي والذي كان السجناء الذين تنوون اطلاق سراحهم اليوم جزء من آلة قتلها الهمجية؟ لا أدري ان كنتم ستقفون طابورا كحرس الشرف وانتم تودعون القتلة بباقات الورد الى طائرة الخطوط الجوية السعودية أم لا؟

يقول المثل "من أمن العقاب أساء الادب" ولأنكم أمنتم عقاب شعب خدّرته العمائم فلكم كل الحق في أن تسيئوا الادب متى ما شئتم وأين ما شئتم. أنكم أيها السادة لستم سوى .. وطن سزيه.


زكي رضا 
الدنمارك
13/11/2014


343
د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة السادسة)

قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

الشعوبية الصفوية

لقد أُطلق مصطلح الشعوبية لاول مرة على حركة ظهرت بوادرها ابّان العصر الاموي، وظهرت للعيان ابّان العصر العباسي. إذ كان معتنقيها يرون ان لا فضل للعرب على غيرهم من العجم، مستندين إلى آيات قرآنية صريحة كما جاء في سورة الحجرات :" جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم "، وحديث النبي محمد :"لا فرق بين عربي أو اعجمي الا بالتقوى". وناضل معتنقو هذه الحركة دوماً من أجل الغاء الفوارق بينهم كشعوب مضطَهَدة تحت حكم الاحتلال الاسلامي " العربي " الذي عاملهم كرعايا في بلدانهم، على خلاف ما جاء في القرآن او على لسان محمد. واختلف المؤرخون والمفسرون العرب في تعريف الشعوبية، فمنهم من عرّف الشعوبية بأنها حركة "تبغض العرب وتفضل العجم" كالقرطبي ، او"هم الذين يصّغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلا على العجم" كالزمخشري في اساس البلاغة. وقد جاء في القاموس المحيط :"الشعوبي بالضم محتقر امر العرب وهم الشعوب". اما الموسوعة البريطانية فأنها عرّفت الشعوبية من انها كل اتجاه مناوئ للعروبة. ويعتبر شريعتي من اوائل المفكرين الايرانيين بل وابرزهم في تحديد اسس دعائم الحكومة الصفوية، عندما اشار الى تزاوج المذهب الشيعي بالقومية الايرانية، عن طريق توظيف المشاعر والشعائر الشيعية واستثمارها في تعزيز الروح القومية الايرانية، والتي ادت حسب رأي شريعتي الى اخراج ايران من الجسد الاسلامي ، الذي كان يمثله العثمانيون باسم الاسلام، لتخوض بعدها الدولتان معارك ضارية .

لقد عمل الصفويون جاهدين على ربط الاسرة الصفوية بالاسرة الهاشمية وتحديدا آل البيت. ولم يجدوا مدخلا لهذا الانتماء (القسري) الا من خلال معركة القادسية ليربطوا من خلال نتائجها، كما سنرى لاحقاً، مصيرهم بمصير الامامة عند ثاني اكبر طائفة في الاسلام وذلك عن طريق المصاهرة بين العائلة الساسانية الفارسية حسب قول للنبي محمد كما يدّعون : "اختار الله من العرب قريش ومن العجم فارس"!!، او قولاً للامام السجّاد يقول فيه:"انا ابن الخيرتين"، بل وحتى شعراً ينسب إلى الاسود الدؤلي يقول فيه مادحاً الامام السجّاد:

وان غلاماً بين كسرى وهاشم      لأكرم من نيطت عليه التمائم  (1)

لنأتي الان الى البحث عن اساس هذه المصاهرة مستخدمين المنطق والتاريخ في الوصول الى نتائج تقرّبنا من الحقيقة. ولا يهمنا هنا ان كانت هذه الحقيقة مقبولة من البعض دون الاخر، لان من ابرز سمات البحث العلمي في التراث الشيعي وفق شريعتي هو كثرة النقد والاشكال والاعتراض على الافكار المختلفة عند البعض، كما وان التاريخ علّمنا دوماً ان البحث المستمر والعلمي يصطدم باستمرار باراء وافكار تعيش على نكرانها للحقائق او زوغانها عنها.

لقد اثبتت جميع المصادر التاريخية تقريباً على ان ولادة الامام الحسين (ع) كانت في 3 شعبان سنة 4 للهجرة، وان معركة القادسية جرت في 13 شعبان سنة 15 للهجرة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. وهذا يعني ان سن الامام الحسين كان يوم المعركة تلك 11 عاماً و10 أيام حسب التقويم الهجري القمري. وقبل ان ندخل في حيثيات زواج الامام وولادة ابنه علي (ع) الملقب بالسجاد والذي عن طريقه امتزج الدم الهاشمي مع الدم الساساني الفارسي كما يُروى، دعونا ان نعرف شيئاً عن "عروس المدائن كما يسميها شريعتي"؛ اي جهان شاه بنت يزدجرد الثالث" آخر ملوك فارس.

يروي العلامة المجلسي في (بحار الانوار) اخباراً مثيرة للغثيان (حسب شريعتي) حول زواج الامام الحسين (ع) من ابنة يزدجرد. فهو يدّعي أن الامام الحسين قد اعجب بالاسيرة الفارسية وتزوجها وهي التي انجبت له الامام السجاد، وهو الوحيد من الذكور الذين نجا من معركة كربلاء، ومن خلاله استمرت الامامة حتى الامام الثاني عشر. ولكن شريعتي وهو الباحث عن الحقيقة نراه هنا مستخدماً اسلوب الشك والمحاججة المنطقية للوصول الى تلك الحقيقة. فالمجلسي يقول ان ابنة يزدجرد كانت من سبايا القادسية اللواتي جاء بهن الجيش المنتصر الى المدينة، وما ان رأت الفتاة الخليفة عمر بن الخطاب حتى سبّته وشتمته فسبّها هو ايضاً وأمر ان تباع في سوق الجواري ليعترض الامام علي (ع) عليه بالقول ان بنات الملوك لا تباع وتشترى وان كانوا كفاراً. واشار علي إلى عمر ان يزوجها رجلاً من المسلمين ويدفع صداقها من بيت المال. وبعدها يروي المجلسي رواية منقولة عن الامام الصادق حول حوار جرى بين الامام علي والاسيرة الساسانية اضافة الى حضور فاطمة الزهراء لادخال كنتها الى الاسلام بعد ان دخل الرسول محمد (ص) قبلها القصر الساساني ليعقد بين الاميرة الساسانية وابنه (الامام الحسين). كل هذه الامور هي غير منطقية وغير مقبولة جاء بها المجلسي والكافي وغيرهما. وقد اعترض شريعتي على ما نقله المجلسي وغيره بأسئلة اعتراضية استخدمت المنطق والشك ليتساءل ونحن معه عن جملة من الامور سنلخصها بالتالي :
بداية يطالب الامام علي (ع) الخليفة الثاني بتزويح الاميرة الساسانية لرجل من المسلمين. ولكن الزواج تم للامام الحسين (ع)، علماً ان الامام كان حينها غلاماً. ولو قبلنا يهذه الواقعة فاننا سنكون امام اشكالية اخرى "وفق شريعتي" وهي ولادة الامام السجاد (ع) والتي جاءت في الخامس من شعبان سنة 38 للهجرة؛ اي بعد ما يقارب 23 عاماً، 20 عاماً عند شريعتي" من زواج الامام. وهذا يعني ان الاميرة لم تنجب ابنها الا بعد مضي ما يقارب 25 عاماً. الا ان المجلسي كما يقول شريعتي حاول ترقيع هذه المشكلة بالقول "انّه ليس من المستبعد ان تكون كلمة (عمر) الواردة في الرواية تصحيفاً لكلمة (عثمان) فيكون الزواج قد تم في عهد عثمان وليس في عهد عمر!) (2) . وفي الواقع، وفق شريعتي، فان هذه الادعاء اذا تم القبول به فاننا سنكون امام اشكالية اخرى اكثر احراجاً من ذي قبل، وهو طول الفترة الزمنية بين اسر البنت وزواجها. فهل كلمة القادسية مصحفة ايضاً؟!. وفي مكان آخر يعمل التراث الشيعي الصفوي على غاية واضحة هي اقحام الامام علي (ع) في حوار لا يقبله المنطق ولا العقل ولا حتى الغيب. كيف؟...

يقول المجلسي في "بحار الانوار" نقلاً عن الامام الصادق (ع) ان حواراً جرى بين الاميرة الاسيرة وبين الامام علي (ع) على الشكل التالي :  (3)
فقال الامام علي (ع) چه نام داري اي كنيزك؟ يعني ما اسمك يا جارية؟!
قالت: جهان شاه.
فقال: بل شهربانويه.
قالت : تلك اختي.
قال: " راست گفتي" صدقت...!

يقول شريعتي في رده على هذه الفرية ان ناقل الخبر ولو فرضنا معرفة الامام للغة الفارسية قد فاته ان الامام "حسب الحوار اعلاه" كان يتحدث الفارسية باللهجة الدرية وهي لهجة محلية لاهالي خراسان وهي التي يتحدث بها اليوم الافغان الناطقين بالفارسية، في حين ان الاسيرة كانت تتحدث باللغة الفارسية البهلوية. كما وان كلمة "كنيزك"، حسب شريعتي كانت من الاصطلاحات الرائجة في زمان الراوي لا في زمان الحدث. كما يبدي شريعتي دهشته حول الحوار، فلماذا كان الامام "عربي" يتحدث الفارسية الى الاميرة " فارسية " التي تجيبه بالعربية؟!!.

هنا قد يبرر البعض طريقة الحوار بدعوى ان الاسيرة وهي اميرة وبنت ملك، وتعيش في عاصمة مملكة ابيها (طيسفون - المدائن) التي تقع على تخوم اراض يعيش فيها العرب المناذرة. وربما أن الاميرة قد تعلمت اللغة العربية وهذا ليس ببعيد، وان الامام علي يعرف الغيب "حاشا الامام" وبذلك أحاط باللغة الفارسية، وهذا ممكن ايضاً!. ولكن الاشكالية التي سنقع فيها بسبب أصحاب هذا الرأي هو اذا كان الامام يعلم الغيب وتعلم اللغة فلماذا اخطأ باسم الصبية قائلاً لها شهربانويه بدلاً من جهان شاه!؟. اعتقد ان الهدف من كل هذه المحاورة هو حشر الاسرة الساسانية في علاقة نسب ومصاهرة مع الهاشميين، وما لهذه المصاهرة من أثر كبير سيترجم لاحقاً بولادة شاه جهان لصبي واحد هو الامام السجّاد والذي من خلاله سيبقى الدم الساساني خالداً مع حفيد السجّاد حتى إلى المهدي المنتظر. هذا الشكل من اشكال الشعوبية يطلق عليها شريعتي مصطلح الشعوبية الصفوية. لقد تمكنت الصفوية من توظيف المشاعر الصادقة للشيعة في ايران لترسيخ حركة شعوبية عزلت ايران عن باقي العالم الاسلامي بواسطة "رجال دين" كانوا على استعداد لتنفيذ كل ما يطلبه الحكام منهم لانتاج التشيّع الصفوي من المادة الخام الاصلية والنقية اي التشيّع العلوي. ولم يكن الاتراك ببعيدين عن هذا التوجه وتغذيته عن طريق "رجال دين" تدفعهم السلطات في اتجاه انتاج تسنن تركي يشوّه قاعدة التسنن المحمدي الاصيل لتحقيق الاهداف القومية التوسعية للأتراك.

لقد حرص الصفويون، كما يقول شريعتي، على تضييق دائرة المشتركات وتوسيع دائرة الخلافات لعرقلة اجتماع المسلمين - شيعة وسنة- حول شعيرة واحدة، وقاموا في الوقت نفسه بتحريك ماكنتهم الدعائية ضد التسنن التركي حتى وصل الامر بهم باتهامهم للتسنن غير المحمدي طبعاً ، باخفائه عمدا آيات من القرآن الكريم فيها مدح للامام علي. وهذا يعني ان القرآن الذي بين ايدينا، هو قرآن ناقص ومحرّف "حسب شريعتي"، وان القرآن الاصلي كان بحوزة الامام علي ليورثه من بعده باقي الائمة المعصومين، وهو الان بحوزة الامام المهدي. وعلى غرار الصفويين فان وعاظ سلاطين الباب العالي كانت لهم فتاواهم التي تنال من الشيعة وتنتقص من اسلاميتهم، عندما كانوا يفتون بجواز زواج المسلم بالمرأة "الكافرة" من اهل الكتاب، وتحريم زواجه من المرأة الشيعية !!.

أن الصراع السياسي والعسكري بين الصفويين والعثمانيين كان بحاجة إلى آيديولوجية مذهبية لمواجهة كلاً منهما الاخر. وهذا ما دفع بالصفويين الى تأسيس وتبني تشيّعا بعيداً كل البعد عن التشيّع العلوي؛ أي التشيّع الصفوي. واعتنق العثمانيون تسنناً خاصاً بهم أيضاً وبعيداً كل البعد عن التسنن المحمدي حسب وجهة نظر شريعتي. وهكذا أفرزت المواجهة بين الدولتين من الدين الاسلامي الواحد ديانتين مستقلتين متخاصمتين. وخير دليل على صحة وجهة نظر شريعتي في هذا الجانب هو أستمرار الصراع الشيعي الصفوي والتسنن العثماني وما نتج عنهما من كوارث خلال العقود اللاحقة، هذا الصراع الذي اتخذ لاحقاً منحى أكثر قسوة على طريق صراع لا نهاية له على المدى المنظور. ومما كرس هذا المنحى هو وجود نصوص قرآنية قد تم تفسيرها حول حتمية أستمرار الصراع بين الفرق الاسلامية. فقد قام غالبية مفسري القرآن بتفسير الآية التي تقول: ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) لصالح هذه الفكرة. إذ أن النبي قال عندما وصل جبرائيل بالآية الى "عذابا من فوقكم" أعوذ بوجهك، وعندما وصل جبرائيل الى قوله " أو من تحت أرجلكم " قال النبي ثانية أعوذ بوجهك، وعندما وصل جبرائيل  الى "أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض "فقال النبي حينها هاتان أهون؟. من الواضح أن تفسير هذه الآية بهذا الشكل، قد أعطى ويعطي مادة دسمة وزادا لاينضب الى المتشديين من مختلف المذاهب الاسلامية وعلى الاخص الشيعة والسنة في أن يستمروا بصراعهم هذا حتى قيام الساعة.

في حديثه عن الحركة "الشيعية الشعوبية"، يحاول شريعتي كشيعي ملتزم أن يفصل مذهبه الديني عن المذاهب الاخرى، حيث يقوم بذلك عند تناوله نضال الشعوب المختلفة خصوصاً في العالم الثالث لنيل حريتها وترسيخ مفاهيم المساواة والعدالة متأثرة بالثورة الفرنسية وثورة أكتوبر ونضالها السياسي الاجتماعي في محاولة منها لوضع نهاية لمعاناتها المتجسدة بنظام الاستغلال الطبقي، وذلك من خلال وضع مفهومين شيعيين هما "الأمامة والعدل" بأعتبارهما ركنان اساسيان في هذا الصراع، متهماً المذاهب الاخرى بأنها غارقة في "عالم الروح وما وراء الطبيعة"، بعد أن يتهم طبقة من رجال الدين بمحاولتهم "سلب البعد الاجتماعي والتقدمي والحياتي" للأديان والمذاهب وذلك من أجل ضمان مصالحهم الطبقية وتأمين مصادر أرتزاقهم من السلطات الحاكمة" حسب وصفه. ومهما حاول شريعتي تبرئة المذهب الشيعي ورجال دينه من التهم التي طالت المذاهب الاخرى ورجال دينها، فأن المستقبل الذي لم يراه شريعتي أثبت بطلان أعتقاده هذا بعد أن أصبح المذهب الشيعي كما المذهب السني، مذهب دولة لها سلطة تعتمد أعتماداً كبيراً على رجال الدين الذين كما زملائهم السنة يحتكرون لأنفسهم فقط مهام تفسير الدين لصالح الطبقة السياسية الحاكمة التي يرون أنفسهم جزءً منها بل في مقدمتها. إن وجود رجال الدين هؤلاء في السلطة أو قرباً منها، جعلتهم أن يبتعدوا ومعهم مريديهم الذين يقودونهم لصالح مصالح سياسية عن أسلام علي وتشيّع علي ودين علي القائم على العدل والامامة كما يقول شريعتي. أن يأس شريعتي من ضياع عليّ الامام والانسان من خلال ممارسات التشيّع الصفوي جعلته أن يصرخ قائلاً: "أنت يا من تشم رائحة الخبز في يد الجياع كما تشم رائحة الله في المحراب، اليك أنت فقط ، أصرّح برغبتي العارمة بأن تعرف حقيقة ماذا يعني "عليّ" (5) . ويتحول يأس شريعتي هذا الى أحباط كبير عندما يجزم قائلاً :"ولكن هيهات، فأن أكسير الأستحمار الصفوي المشؤوم أستطاع أن يصنع من (الدم) (ترياقا) ومن (ثقافة الاستشهاد) (ترنيمة نوم)" .



زكي رضا
الدنمارك
12 / 11 / 2014

(1) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 124 "
(2) " المصدر السابق ص 125 "
(3) " المصدر السابق ص 126 "
(4)] " قرآن كريم سورة الأنعام ص 65 "
(5) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 149 "
 

344
المصالحة الوطنية وآفاق نجاحها

قبل الخوض في هذه المقالة "المصالحة الوطنية" التي استجد الحديث عنها هذه الايام علينا ان نطرح سؤالين في غاية الاهمية، أولهما حول اذا ما كانت القوى السياسية الحاكمة اليوم لها مصلحة حقيقية في البدء بحوار جدي لبناء الارضية المناسبة لانطلاق قطار المصالحة الوطنية ووصوله الى محطته الاخيرة؟ هذا القطار الذي فشل مرّات عدة لليوم في تجاوز الامتار الاولى من محطته على الرغم من المؤتمرات العديدة و المبالغ الكبيرة التي صرفت عليه، حتّى ان بعض هذه المؤتمرات انعقد في عواصم بعيدة عن المحطة الرئيسية " بغداد" ومن هذه العواصم " هلسنكي" الفنلنديةّ !!. وثانيهما ان كانت القوى التي ارتكبت الجرائم بحق شعبنا وهي التي يجب ان تكون ضمن مشهد المصالحة قادرة  كي ننهي حالة عدم الثقة بين المكونات العراقية على الاعتراف بجرائمها وذنبها ومساهمتها في ان تكون اوضاع البلد كما هي عليه الان؟. ومن ضمن هذه القوى طبعا الميليشيات الطائفية التي يجب تفكيكها بقرار سياسي واحتواء اعضائها في المجالات المدنية دون العسكرية، على ان تكون هناك خطوات سياسية واقتصادية مدروسة لجذب اكبر عدد ممكن من التشكيلات الميليشياوية والقوى والكيانات السياسية التي من الممكن الاتفاق معها لعزلها عن "البعث"، الذي يجب ان يكون كحزب وليس كأفراد " من الذين لم تتلطخ اياديهم بدماء شعبنا" بعيدا جدا عن أي مؤتمر للمصالحة الوطنية ليس لانه لم يعترف لليوم بجرائمه الكبيرة ضد شعبنا ووطننا والمنطقة فحسب، بل لتعاونه الوثيق مع عصابات داعش ومساهمة اعضاءه من عسكريين ومدنيين في جرائم جديدة لاتقل بشاعة عن جرائم حزبهم منذ الثامن شباط 1963 وليومنا هذا ومن هذه الجرائم البشعة " جريمة اسبايكر ".

أن الدعوة الجديدة للمصالحة الوطنية التي تطرح هذه الايام ليست الاولى "نتمنى ان تكون الاخيرة"، فقد سبقتها دعوات عديدة ، منها علي سبيل المثال طرح رئيس الوزراء السابق "نوري المالكي" خطة للمصالحة الوطنية من 24 نقطة في حزيران / يونيو 2006  كان من بينها ايجاد الاليات المطلوبة لمعاقبة مثيري النزاعات الطائفية وأنشاء " اللجنة العليا للحوار والمصالحة الوطنية" الذي اوكلت مهام قيادتها لاكرم الحكيم المقرب جدا من المالكي، الا ان اللجنة هذه وقفت عاجزة عن الاستمرار بعملها بعد ان الغى البرلمان مبلغ 65 مليون دولار كان مجلس الوزراء قد خصصها لها علما ان البرلمان كان يهيمن عليه ولليوم الاحزاب الشيعية. ما يدفعنا الى الاقرار بعدم جدية القرار الحكومي حينها نتيجة ضغوط الصقور في هذه الاحزاب وميليشياتهم وكذلك التدخل الاقليمي الهادف الى ابقاء العراق حلبة صراع مفتوحة لتصفية حسابات سياسية على ساحته.   

وفي بداية شهر ايلول/ سبتمبر من العام 2007 ولمدة أربعة أيام أجتمع ساسة عراقيون ومنهم من كان يمثل مجموعات مسلحة في "هلسنكي" بفنلندا، وخرج المجتمعون حينها بأتفاق اطلق عليه " اتفاق هلسنكي" الذي خرج بتوصية تعهد فيها المجتمعون على " فتح مفاوضات من اجل المصالحة الوطنية "، وتضمن البيان الختامي لها اثنتي عشر توصية وتسع أهداف سياسية كان أهمها هو " حل جميع الخلافات السياسية عن طريق الحوار الديمقراطي ونبذ العنف " و " تشكيل لجنة مستقلة تكون مهمتها الاشراف على عملية نزع اسلحة المجموعات المسلحة غير الحكومية". الا ان الذي حصده شعبنا من دعوة " المالكي" واتفاق " هلسنكي" لم تكن المصالحة الفرقاء السياسيين بل حربا طائفية راح ضحيتها مئات الالاف من المدنيين بين الاعوام 2006 – 2008 أي تحديدا بين مؤتمر هلسنكي وعام كامل على طرح المالكي لدعوته !!.

في حزيران / يونيو 2007 تم تشكيل لجنة بأسم " لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية" التي ارتبط مباشرة بالمالكي شأنها شأن العديد من المؤسسات المستقلة الاخرى بدلا عن ارتباطها بـ " اللجنة العليا للحوار والمصالحة الوطنية" ما ساهم في عدم فعّالية اللجنة التي اوصى المالكي بنفسه لأنشائها!! كما تم في ايلول / سبتمبر من نفس العام تشكيل لجنة خجولة فشلت في مهدها تقريبا بأسم " لجنة المصالحة الوطنية" من أعضاء في البرلمان العراقي وفق مبدأ المحاصصة مما زاد في فرص فشلها.

هناك أمور عديدة وقفت وستقف بالمستقبل ايضا - ما لم يتم تحجيمها - في نسف أية محاولة جادّة للخروج من عنق الزجاجة الضيق جدا والنجاح ولو الجزئي كبداية على الاقل في اعادة الثقة بين المكونات العراقية المتصارعة من خلال مؤتمر واسع للمصالحة الوطنية،  التي عليها ان تجمع جميع الاحزاب والكيانات السياسية العراقية بأستثناء البعث كحزب وليس كأفراد. وفي مقدمة هذه الامور هو التطرف الديني الذي تغذّيه فتاوى دينية غير مسؤولة تساهم في تأجيج الرأي العام على أساس مذهبي و أستمرار أمراء الحرب العلنيين والسريين في مراكز مؤثرة في الحكومة والبرلمان وهم يقودون في نفس الوقت ميليشيات طائفية خارجة عن القانون كونها تحمل السلاح في دولة "ديموقراطية" يحصر القانون فيها حمل السلاح بالدولة واجهزتها العسكرية والامنية فقط.   
كما وستبقى عملية دمج اعضاء الميليشيا هؤلاء في الاجهزة العسكرية والامنية خطرا يهدد الامن والسلم الوطني مستقبلا والذي على الدولة ان ترفض هذا الطلب بتوفير فرص عمل لهم في المجالات المدنية كما ذكرنا.

أن مؤتمر المصالحة الوطنية المزمع انعقاده وهو الاوسع مثلما نقلت عن العديد من المصادر لم يأتي لوجود نوايا حسنة هبطت فجأة على صانعي القرار السياسي العراقي، أو تعهدات مسبقة للعبادي اثناء طرحه برنامجه الانتخابي، او وصول القناعات عند الساسة العراقيين على انهاء خلافاتهم تحت ضغط الشارع العراقي المغيّب واليائس من نجاح "ساسته" في معالجة أية أزمة، ولا من ضغط قوى واحزاب المعارضة في البرلمان العراقي او خارج البرلمان ابدا. بل جاء نتيجة التهديدات الكبيرة التي تهدد السلم والامن في المنطقة والعالم الغربي - اذا ما عاد الارهابيون القادمين منها الى بلدانهم -  نتيجة تمدد تنظيم داعش الارهابي الذي اصبح مجرد وجوده وليس نجاحه أمرا غير مقبول دوليا واقليميا ولكنه مقبول داخليا وأن على مضض لتصفية الحسابات بين الفرقاء العراقيين انفسهم. لذا نرى وكما سربت العديد من المصادر عن نية العديد من الشخصيات المؤثرة في حواضنها والمتهمة بعضها بالارهاب من قبل الحكومة السابقة الحضور الى المؤتمر بضغط امريكي وخليجي.

على الرغم من الضغط الامريكي والخليجي تحديدا والعربي لحدود معينة في انجاح هذا المؤتمر الذي اعطيت بصدده ضمانات من قبل حكومة العبادي بان لاتكون شكلية كالتي سبقتها، الا اننا يجب ان نعترف بوجود مشاكل عديدة قد تساهم في نسف هذه المحاولة التي نحتاجها في هذا الوقت العصيب جدا من تاريخ شعبنا ووطننا لانهاء حالة الاقتتال وبسط الامن وعودة الحياة الى طبيعتها بأعادة عملية البناء. ومن أهم هذه المشاكل:

1-   مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها.
2-   أجتثاث البعث.
3-   توزيع الثروات.
4-   العلاقة بين المركز والاقليم.
5-   مستقبل المليشيات.

أن مثل هذا المؤتمر الواسع وبهذا الحضور الدولي والاقليمي وما سيطرح فيه من افكار وتوجهات ستكون متقاطعه بلا شك نتيجة ارث العداء الكبير والموروث من سلطات سابقة ابتداء من البعث وانتهاء بحكومتي المالكي، بحاجة الى شفافية عالية ومصارحة حقيقية من جميع الاطراف بما لها وعليها من مواقف سياسية خاطئة اقرب الى الجريمة تجاه البلد وشعبه. وعلى الحكومة و معارضيها ان يتحلوا بقدر عال من الشجاعة في تقريب وجهات النظر وايجاد الاليات المقبولة والحلول المنطقية القابلة للتنفيذ لحل جبل المشاكل الذي سيواجههم. وتحليهم بالشجاعة يتطلب منهم قبل كل شيء و من اجل فتح بعض الابواب المغلقة أدانة حقبة البعث الكارثية من الجانب السني وعدم الاصرار على وجوده كحزب بالعملية السياسية،  والميليشيات الشيعية من الجانب الشيعي، مع تعهدات كوردية بعدم تصعيد الخطاب السياسي مع المركز عند اندلاع أية أزمة والتهديد بالاستفتاء والانفصال، واستمرار العمل مع بغداد لغرض التوصل الى حلول مقبولة للمشاكل العالقة بين الطرفين.

على الفرقاء العراقيين ولكي لاتكون نتائج هذا المؤتمر كاللواتي سبقته الاستفادة القصوى من هذا التواجد الكبير للقوى الاقليمية والدولية  في التوصل لحل المشاكل التي من الممكن حلّها اليوم وترحيل المشاكل الاخرى الى آجال محددة بسقوف زمنية معقولة وتشكيل لجان سياسية وقانونية بعيدة عن نهج المحاصصة لمتابعتها،  وكم سيكون مفيدا ان كانت هذه اللجان من خارج احزاب السلطة على ان يكون فيها ممثلين عنها لمتابعة اعمالها.

من الغباء ان يخوض المرء قتالا يعرف أنه سيخسره فلا تخوضوا ايها السادة قتالا خسارته وطنكم.



زكي رضا
الدنمارك
11/11/2014


345


د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة الخامسة)


   


قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "


وعلى الرغم من النقد المباشر لعلي شريعتي للحالة الطائفية والسياسية لتلك الفترة ، الا انه كشيعي اثني عشري لا يستطيع الخروج من قالب أحقية الشيعة ليس بالخلافة فقط ، بل وبأحقية فهمهم للاسلام ايضا ليستمر قائلا :(ان الخلاف بين الشيعة والسنة هو في الاساس خلاف فكري وعلمي وتاريخي يرتبط بطريقة فهم حقيقة الاسلام، وكل ما يدّعيه الشيعة في هذا المجال – وهو ادّعاء وجيه – انه ينبغي لمعرفة حقيقة الاسلام الاقتداء بأهل بيت النبي وعلي " ع " لاجل ان تكون المعرفة مباشرة ومن دون واسطة، وهذا بحدّ ذاته كلام معقول . وكما يدّعي الشيعة ان مواصلة طريق الرسالة وروحها بعد النبي مرهونة بأتباع علي (ع) والاعتراف به خليفة بعد النبي دون غيره ممّن عجزوا عن مواصلة الرسالة بروحها حتى آل امر المسلمين الى ما آل اليه مما يعرفه الجميع) (1). وهنا يعيدنا شريعتي الى المربع الاول متناسيا عذابات قرون من القتل والسبي طالت الملايين من البشر، ليقطع الشك باليقين مرة ثانية، وليستمر وهو المطالب بتقريب المذاهب، بضرب اولى الخطوات التي قد تذيب القليل من جبال الجليد بين المذهبين والطائفتين، بمطالبته الاعتراف بالامام علي كأول خليفة بعد وفاة محمد، بل يذهب شريعتي الى ابعد من ذلك عندما يصف الاخرين (ابي بكر وعمر وعثمان) بالعجز عن مواصلة الرسالة !.

ان التراشق والمهاترة هو الذي سيطر على مناخ الخلاف الفكري والعقائدي بين الشيعة والسنة ولا يزال، على حد قول شريعتي، وليتحول إلى سباب وشتائم وتهم مقززة، ومنها تهم اخلاقية طالت وتطال رموز اسلامية، استغلها ويستغلها معمّمو الطرفين لحقن مريديهم بأفيون رخيص الثمن طويل التأثير، دون ان يلتزم هؤلاء المعمّمون ( بالقرآن الناطق وفق شريعتي ) المتمثل بالامام علي وهو يُنهي عن السباب والشتائم. فقد خاطب علي اصحابه في حرب صفين قائلا :"أني اكره لكم ان تكونوا سبّابين" (*). ويذهب هؤلاء المعمّمون الى ابعد من ذلك وهم يعصون امر ربهم الذي قال في سورة الانعام وهو ينهي المسلمين حتى سبّ المشركين قائلا " ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله ". ان رجل الدين الشيعي الصفوي لا يكتفي باللغة السوقية والالفاظ المبتذلة والافتراءات والاقاويل المقززة بحق الخلفاء، بل يعمد كما يقول شريعتي الى اختلاق فضائل وكرامات فارغة للأئمة توجب استغفال " استحمار " عقول الناس ليبقوا اسارى أغلال الجهل والمذّلة ، بدلا عن تعريفهم بالامام علي ليس كأمام فقط بل وكأنسان، له مواقف ثابتة حيال الظلم والتملق والزور والتزوير والفقر والسرقة واغتصاب الحقوق واثارة الفتنة (2). ومن الفضائل والكرامات الفارغة التي يستشهد بها شريعتي على لسان رجال الدين الصفويين، هو تمكن الامام علي من تحويل الرجل المنافق الى كلب على الفور!!، أو أن (علي وبنفحة واحدة حوّل رجل الى امرأة تزوجت وأنجبت لزوجها وسكنت معه تحت سقف واحد لسنوات مديدة ومن ثمّ عادت الى حالتها الاولى، كل ذلك في طرفة عين)!!. وهنا بنظري يبدأ مفعول الترياق الصفوي وهو يخدر الشيعي البسيط ، كي لا يسأل عن السبب الذي لم يجعل الامام علي ان يحوّل معاوية الى كلب او انثى، بدلا من الدخول معه في حرب صفين وما نتج عنها من نتائج، ادت في النهاية الى استقلال معاوية بحكم الشام واسرعت في مقتل الامام علي واستشهاده في محراب الصلاة في مسجد الكوفة على يد احد الخوارج، وهو احد افرازات معركة صفين، وليصل الاسلام كدين من ساعتها الى مفرق طرق دفع وسيدفع الملايين من البشر حياتهم ثمنا لصراع الفريقين" الشيعة والسنّة".

ان شريعتي يستخدم جميع ادوات التجميل عند حديثه عن التشيّع العلوي الذي يقف ضد الظلم والجهل والتخلف والفقر والاذلال، وهو (جميل اصلا مقارنة بالتشيّع الصفوي حسب وصفه). كما يقف شريعتي بقوة ضد التشيّع الصفوي المؤمن بالخرافة والمنغلق على نفسه بعيدا عن المنطق والجدل الموسوعي الذي يستند عليه التشيّع العلوي، ليقول ان منطق الدفاع عن الامام علي "ع " ومهاجمة خصومه السياسيين من مغتصبي الخلافة بأسلوب السب والشتم هو القبح بعينه:"اذ أن المسافة بين وجهي التشيّع العلوي والصفوي هي عين المسافة بين الجمال المطلق والقبح المطلق" (3) . وفي معرض دفاعه عن البيانات والخطب والكتب الصادرة من مؤسسة الارشاد، وتناوله للتهم الموجهة لشخصه من قبل رجال الدين الصفويين بدعوى عدم ايمانه بولاية الامام علي وتنكره لاهل بيت الرسالة وانه سنّي ووهابّي، بعد اتهامه من قبل الحركة الوهابية كونه شيعي مغالي في العام . يقول شريعتي في وصفه لرجل الدين الصفوي قائلا :"ان رجل الدين الصفوي – ولا اقول العالم الشيعي – متعصب تعصبا اعمى، بمعنى انه غير قادر على تحمل رأي المخالف وليس لديه أدنى استعداد للاصغاء اليه وفهم ما يقول. وليس المراد من " المخالف " هنا بالضرورة أن يخالف الآخرين في الدين او المذهب، بل حتى من يخالفه في نمط التفكير وطبيعة المزاج، فهو لا يتورع عن تكفيره بدون تردد. وعند تمييزه العالم الشيعي ليس عن رجل الدين الصفوي فحسب، بل وعن علماء الاديان من المذاهب الاخرى، وفي محاباة واضحة يقول شريعتي:"إن (العالم) في التشيّع العلوي مستثنى من هذه القاعدة من بين جميع علماء الاديان وحتى المذاهب الاسلامية" (4).

واستمراراً لمقارنته التي اشرنا اليها، فان شريعتي يشير الى ان احد اهم الاسباب التي ادت الى انفتاح العالم الشيعي وتحرره في مجال البحث والمحاججة العلمية، هو وجود الاجهزة الاعلامية بيد المذهب المخالف ( السنّة ). وهذا التحرر منح العالم الشيعي مساحات اكبر في التفكير والنقاش الفكري والعقائدي لاثبات احقية المذهب، على عكس رجل الدين الصفوي والذي وان تزيّا بنفس زيّ العالم الديني ( من التشيّع العلوي)، فاننا نراه – والقول لشريعتي – يتهرب من مواجهة العلماء واهل التخصص ، مع انه يزعم بكونه عالم شيعي ويدّعي انه مرجع للعوام في معرفة امور دينهم، إلاّ أنه في الحقيقة مقّلد لعوام الناس وليس سوى أداة رسمية لاصدار الاحكام على ضوء ما استنبطه مريدوه تبعا لاهوائهم ومزاجهم) (5) . ويستشهد شريعتي بأحد هؤلاء الصفويين وهو السيد العسكري الذي يقول في وصفه لعمر بن الخطاب وتوهينه (6)، رداً على بيان مؤسسة الارشاد " متى كان عمر بن الخطاب شريف بني عدي، أما نسبه ففي كتاب الدرر باسناده عن الحسن بن محبوب عن ابن الزيات عن الامام الصادق (ع) انّه قال: "كانت صهاك جارية لعبد المطلب، وكانت ذات عجز، وكانت ترعى الابل وكانت من الحبشة، وكانت تميل الى النكاح فنظر اليها نفيل جد عمر في مرعى الابل فوقع عليها. فحملت منه بالخطاب، فلمّا أدرك البلوغ (الخطاب) نظر الى امه صهاك فاعجبه عجزها فوثب عليها فحملت منه بختمة، فلما ولدتها خافت من اهلها فجعلتها في صوف والقتها بين احشام مكة فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد فحملها الى منزله وسمّاها ختمة. وكانت شيمة العرب أن من يربي يتيما يتخذه ولدا ، فلما بلغت ختمة نظر اليها الخطاب فمال اليها وخطبها من هشام فأولد منها عمر وكان الخطاب أباه وجدّه وخاله وكانت ختمة أمّه وأخته وعمته ، وينسب العسكري الى الصادق في هذا المعنى شعراً:

من جده وخاله ووالده               وامه واخته وعمته
أجدر أن يبغض الوصي وان       ينكر في الغدير بيعته

ويقول شريعتي هنا ، من انه يكتفي بنقل هذا المقدار من الهوامش "العلمية لهذه الشخصية العلمانية الصفوية" (7). ولو تركنا كل ما جاء به السيد العسكري كرجل دين صفوي من ترّهات يقبلها الكثير من عوام الشيعة، فهل علينا ان نقبل بان ينزل الامام الصادق وهو الامام المعصوم عند الشيعة والمنزّه عن الخطايا وحفيد الامام علي الذي يعتبر الكلام الفاحش تعبيرا عن هبوط شخصية المتكلم قبل السامع، الى هذا المستوى من سب ولعن وشتم، بل واستخدام اكثر العبارات بذاءة!؟. الجواب بالتأكيد لا، ولكن التشيّع الصفوي يغرر بالبسطاء من الناس ليجعل الاسود ابيضا والابيض اسودا خدمة لمؤسسته الدينية وديمومتها وخدمة للسلطان الصفوي او من جاء بعده لتحقيق مآربه السياسية ومن ثم المالية .

لقد تداخل، بنظري، العشرات من علماء التشيّع العلوي ومنطقهم العقلاني ومحاولاتهم سوية مع العشرات من اقرانهم من علماء مذاهب اهل السنة والجماعة من أجل العمل على حصر الخلاف الفقهي بأضيق حدوده، او على الاقل الابتعاد عن اعتبار الخلاف سببا للعداء والبغضاء. فكما يقول الشيخ كاشف الغطاء في "التشيّع العلوي بالتشيّع الصفوي":"بعد وصول الشيعة الى السلطة في ايران جرى الاستفادة القصوى من رجال الدين الصفويين على حساب علماء الدين لتعزيز مواقع السلطة. هذا التداخل والتماهي في حدود معينة صعّب امر علماء الدين امام رجالات الصفوية البارعين في دغدغة مشاعر البسطاء من الناس والضحك على ذقونهم، مما عقّد ويعقّد مهمة التقارب بين المذاهب، عدا الوهّابية المرفوضة من قبل العديد من المذاهب الاسلامية". وهذا يحتاج كخطوة اولى الى تنقيح الكتب الدينية عند الطائفتين، ومنها المئات من الكتب الدينية " الصفوية " مما تحويه من أمور لا يقبلها العقل البشري ولا تمت بشيء الى تراث أئمة الشيعة الزاخر بالعطاء الفلسفي الديني. وسنأتي لاحقا على نماذج من هذه الامور التي تسيء للتشيع بدلا من تعزيز موقعه كمذهب حمل راية الثورة ضد الطغيان السلطوي لقرون قبل ان تخمد آواره. ومثلما أصبح الحقد والكراهية والغاء الاخر هو من صفات التشيّع الصفوي باعتقاد شريعتي، فان نفس الحقد والكراهية والغاء الاخر هو من صفات التسنن الاموي كما يعتقد الشيخ شلتوت. ولا اظن ان هناك شخصيتين اسلاميتين استطاعتا وصف الصراع الشيعي السني غير العقلاني بهذه الدقة ومن خلال جملتين لا غير، كما وصفهما شريعتي وشلتوت. أما الشيخ محمد تقي القمّي سكرتير عام دار التقريب فيقول:" ... لو امعنّا النظر في جذور تسمية المذهبين السنّي والشيعي ، لاكتشفنا أنّ جميع المسلمين هم شيعة لأنهم جميعا يحبّون أهل بيت النبي الاكرم (ص)، وهم أيضا سنّة لأنّ جميع المسلمين يعتقدون العمل بكل ما ثبت من طريق موثوق أنّه صادر عن النبي الاكرم (ص) .. وفي ضوء ذلك فنحن جميعا سنة وشيعة وقرآنيون ومحمديون ". ولو بحثنا في تاريخ الصراع الشيعي السني عن عقلاء ومفكرين كشريعتي وكاشف الغطاء والقمي وشلتوت لوجدنا العشرات، وخصوصا منذ بداية النصف الثاني من القرن السابق .


(1) " المصدر السابق ص 77 "
(*) "المصدر السابق 78 الهامش ” يتحدث شريعتي عن ترجمة نهح البلاغة الى اللغة الفارسية من قبل أحد المترجمين وتأويله للسب والشتيمة ليكونا مقبولين من الناطقين بالفارسية فيقول "شريعتي" (أن هذا الرجل "المترجم" عندما وصل  الى مقولة علي لأصحابه "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين" ووجد أنها لا تنسجم مع التوجه العام لدى علماء التشيّع الصفوي لجأ كالعادة الى التأويل وهي الحرفة التي تتجلى فيها المهارة الفائقة للتشيّع الصفوي في قلب معاني التشيّع العلوي وتجريدها من مضمونها الحقيقي)، فقال: (ليس المراد من هذه العبارة هو عدم جواز شتم المخالف واللعن عليه بل على العكس هذا واجب وتكليف، غير أن المنع جاء هنا من أمير المؤمنين بخصوص سبّ بني أمية وذلك خشية أن يسبّوا بالمقابل أمير المؤمنين فيكون السّاب لبني أمية متسببا في سبّ أمير المؤمنين "ع" وهو أمر غير جائز طبعا)!!. نهج البلاغة، ترجمة فيض الاسلام. ويقول شريعتي هنا (لاحظوا هنا كيف حوّل المترجم كلام أمير المؤمنين الى قاعدة مقلوبة، ومفادها أنّه لا يجوز السبّ الّا أذا كان الطرف المقابل مؤدبا لا يرد بنفس الطريقة!!).  وهنا سأستعير جملة لشريعتي وأقول " يا له من أنتصار صفوي ساحق لا يقبل الا بالاستحمار كمنهج لأدامة هذا الشكل المشوّه من التشيّع.
(2) " للأستزادة راجع المصدر السابق ص 79 "
(3) " المصدر السابق ص 80 "
(4) " المصدر السابق ص 82 "
(5) " المصدر السابق ص 85 "
(6) " أحدى وسائل أهانة عمر بن الخطاب كانت ظاهرة ما يسمى بـ "عمر كشون" حيث يحرق العوام لعبة تمثل عمر بن الخطاب في التاسع من ربيع الاول من كل عام وهو يوم مقتله، لأدخال الفرحة الى قلب فاطمة الزهراء وذلك بحضور بعض المعممين من الروزه خونيه، وكان يصاحب الاحتفال بهدذه المناسبة الفرح الغامر والموسيقى وتوزيع الحلوى. وقد عارض العديد من علماء الدين الايرانيين كالمرعشي النجفي والخميني وغيرهم الكثير مثل هذه الطقوس. وقد أنحسرت هذه الظاهرة بشكل كبير جدا في أيران بعد الثورة. ونفس هذا الطقس بالعراق يسمى " فرحة الزهره" وكان في وقت ما قبل أن ينحسر هو الاخر يوم حبور وسرور عند عوام الشيعة.
(7) " التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي ص 120 "


زكي رضا
الدنمارك

8 / 11 / 2014

346
د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة الثالثة)


قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

في النصف الاول من القرن الثامن الهجري، أحتل المغول ايران وفرضوا سيطرتهم التامة على جميع اراضيها ليتقاسمها ملوكهم وقادة جيشهم ورؤساء طوائفهم الذين امعنوا في اذلال الناس. وبما أنهم لا يستطيعون الحرب على مختلف الجبهات في وقت واحد ولفترة طويلة، ومن أجل التقرب من الشعوب الايرانية فأنهم اعلنوا اسلامهم الظاهري الذي لم يعرفوا منه شيئا الا الختان، كما يقول شريعتي، واصبح هؤلاء بعد اعلان اسلامهم هذا يعتمدون في بطشهم للناس على فتاوى علماء الدين " وعاظ السلاطين "، الذين كانوا يدعون الناس الى  الهدوء والرضا والتسليم المطلق للحكام الجدد باسم مذهب (السنة والجماعة). ولم يكن هذا ديدن كل علماء الدين، فظهرت هناك طائفة أخرى منهم رفضت المشاركة مع زملائهم في اضطهاد الناس عبر فتاوى جاهزة تباع لهذا الحاكم المغولي او ذاك. ولكنهم بدلا من ان يثوروا ضد هذا الوضع، آثروا العزلة والتصوف وبذلك تركوا الناس امام مصير مظلم .
في ظل هذه الاوضاع المعقدة والاجواء المشحونة يظهر ( الشيخ خليفة ) الذي يشبهه شريعتي بسلمان الفارسي في بحثه عن الحقيقة. فيبدأ هذا الشيخ المتمرد بالعمل ضد حكم المغول وفي البحث عن المدارس الفكرية الاسلامية لينطلق منها في تأليب الرأي العام ضد سلطة المغول وظلمهم للرعية. فيبدأ بمدرسة الزهد، ليكتشف بعد فترة ان الزهد يعني السكوت مقابل الظلم لنجاة النفس. إن هذه الصفة الانانية بنظر الشيخ جعلته ان يترك هذه المدرسة الى مدرسة اخرى هي مدرسة التصوف، التي ما لبث أن هجرها بسرعة بعد ان يكتشف من انها لا تختلف بشيء عن المدرسة السابقة. ويشد الشيخ خليفة الرحال الى مدينة (بحر آباد) ليدرس على يد شيخ الاسلام الامام غياث الدين هبة الله الحموي احكام الشرع المقدس وفق ( المذاهب الحقة لأهل السنة والجماعة ) عله يصل الى ينبوع الحق والحقيقة !." ولكن هيهات ! فقد وجد ان الفقيه يتعكز على الف مسألة شرعية في آداب التخلي، دون ان يقدم مسألة واحدة وحكما شرعيا واحدا يتعلق بالمصير المشؤوم الذي ينتظر الامة والبلاد" 1 .  ولم يبق امام الشيخ الا اختيار مذهب الرفض والشهادة " اسلام علي "2 . وهنا يضعنا شريعتي وهو الاسلامي المتفتح على ثقافات عدة وغير المتحجر فكريا  الى حد بعيد امام سؤال عصي على الفهم اذا جاء منه تحديدا، وهو لماذا اسلام علي وليس اسلام محمد  الذي جاء بالاسلام ؟.
ومن الصدف التاريخية هو وصول الشيخ خليفة بزي درويش بسيط لا ناصر له ولا كفيل ليستقر في جامع مدينة سبزوار، وهي نفس المدينة التي ولد شريعتي في احدى قراها بعد سبعة قرون ليعظ الناس مستندا الى افكار التشيّع للتمرد على الذل والجور والجهل والمهانة.

 

نصب "سربداران" في مدينة سبزوار

و بما أن الناس كانت تجتمع اليه وتسمع منه ما يشفي غليلها، فقد كثرت الوشايات ضده الى ان عُثر عليه مقتولا قبل صلاة الفجر في باحة الجامع، لينهض بالمهمة من بعده احد تلامذته ومريديه وهو الشيخ ( حسن الجوري ) الذي يقود الفلاحين في حرب ضد جيوش المغول وفتاوى وعاظ السلاطين. ولتنهار سلطة المغول ويتلاشى نفوذ الملالي وسطوة الطبقة المالكة والاقطاعيين. وسرت الثورة التي اندلعت في سبزوار كالنار في الهشيم لتشمل مقاطعة خراسان والقسم الاعظم من شمال ايران وبعض الجيوب في الجنوب. هذه الثورة يطلق عليها في ايران اسم " سربداران "؛ أي رؤوس على أعواد المشانق. ويقول شريعتي:" حصل هذا قبل حوال سبعمائة عام وكان آخر تيار ثوري ذي طابع شيعي علوي يحمل هوية ( التشيّع الاحمر ) الذي فجر في النفوس روح الثورة والرغبة بالتحرر واقامة العدل ومقاومة الجور والفقر والجهل ببسالة وعزم لا يلين"3 . وبعد ذلك التاريخ بمئة عام تقريبا، جاء الصفويون ... ونزح التشيّع من " المسجد الجامع " في القرية والمدينة الى "مسجد شاه" بجوار مقر اقامة السلطان في قصر " عالي قابو "4   .

وتحول التشيّع الأحمر الى تشيّع أسود ! 
ومذهب الأستشهاد الى مذهب عزاء وحداد !

ان ما جاء اعلاه كان قراءة للقسم الاول من كتاب التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي. وهو مثلما جاء في الكتاب عبارة عن موجز كتبه شريعتي كمقدمة لعمل مسرحي تحول الى عمل درامي لاحقا بعنون " سربداران ". وقبل الانتقال إلى قراءة  القسم الثاني من الكتاب، اود الاشارة الى ان  د . شريعتي من خلال ما جاء به في هذه المقدمة وضع التشيّع في مفترق طرق، فأما طريق التشيّع العلوي الحقيقي، وهذا هو الذي سيعيد للدين بهاءه ورونقه ويخلصه من كل الشوائب التي علقت به منذ السقيفة وحتى اليوم، او تشيّع صفوي لا يفرق كثيرا عن تسنن يدفعه علماءه الذين هم علماء السلطة بنظره الى محاباة الحكام على حساب آلام المقهورين. وعلى الرغم من أن د . شريعتي خلال القسم الثاني من الكتاب يميل مثلما سنرى الى ايجاد مساحات مشتركة مع المذهب السني، ولكن هذا التقارب المنشود وتلك المساحات يجب أن لا تكون على حساب الثوابت الشيعية العلوية من وجهة نظره. وبموازاة هذا سنرى انه يبتعد قدر الامكان عن التشيّع الصفوي الذي يسخر وينال منه ويعتبره الخطر الاكبر على التشيّع العلوي ومشوّها له جاعله في خانة الشعوذات والجهل والتخلف.
   
التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي

اذا كان الاسلام قد بدأ بلا " اثنتين "، مثلما كتب شريعتي في القسم الاول من الكتاب ، فأنه يعمل في هذا القسم على ان يستخدم " لا " واحدة كمشرط جراحي وليغرزها بعيدا في عمق جسد التشيّع الصفوي، وليثبت وبطريقة سلسلة للغاية (السهل الممتنع) على ان هذا النمط من التشيّع " الصفوي " هو (تشيّع حب وبغض وعاطفة). وهناك على الضفة الاخرى يقف التشيّع العلوي الذي يستند على ( العقل والمنطق والاستدلال )5  ، بعد ان استغل الحكام طمع الروحانيين واستغل الروحانيون جهل الشعب وتخلفه وأميته. يعتبر شريعتي من القلة التي كانت لها الجرأة في ان تقف هذا الموقف في عقر دار التشيّع الصفوي. ولم يكن في صفه حينها الا الشباب المتنور و بعض رجال دين من الذين يعرفون الحقيقة ولكنهم يهابون العامة فوقفوا موقف الحياد. ولم تأخذ شريعتي وهو يدخل هذا المعترك الكبير في الحق لومة لائم، بل كان كل مراده الوصول الى الحقيقة وليس سوى الحقيقة. واستطاع باصرار لا يلين وبمنطق لا يحيد وبأسلوب بسيط ان يوصل رسالته الى مديات اربكت حينها المؤسسة الروحانية وارعبتها، ولا اكون مغاليا ان قلت ان هذه المؤسسة تنفست الصعداء عندما وصلها خبر موت شريعتي أغتيالا على يد اجهزة السافاك في لندن كما تردد آنذاك .

 

الامام موسى الصدر يصلي صلاة الميت على جثمان علي شريعتي في السيدة زينب

تعتبر الخطابة بنظر د. شريعتي ركيزة اساسية ومهمة جدا من ركائز التشيّع الصفوي، اذ انها تستطيع ان تغور عميقا في الوجدان الشيعي، حيث وظف الملا (الآقا) ومن اجل مصلحة الحكام كل طاقاته وفذلكته كي لا يتعرف هذا الشيعي على التشيّع العلوي الحقيقي الا من خلال قلبه اي العاطفة، وتحريك هذه العاطفة في الوجهة التي يريدها الملا بإيعاز من السلطة بسهولة جدا لأنها من اختصاصه اولا، ولأنه بارع فيها ثانيا. اما العقل بما له من مزايا في بحثه عن الحقيقة  فالافضل له ان يتمتع باجازة، لأن الخطر لن يأتي الا من خلاله اذا بدأ بالتعرف على الوعي. إن شريعتي الذي هو قريب من المؤسسة الدينية ان لم يكن احد ابنائها، لم يستخدم نفس الاسلوب المتبع في الخطابة، اثناء القاء خطبه وخصوصا تلك التي كان يلقيها في حسينية ارشاد .

لقد نصح أحد الاصدقاء شريعتي في ان ينتبه الى فحوى ما يقول وان لا يثير احدا ( روحاني بارز او سياسي كبير )، وليكن فلان الذي كان يخطب في الناس منذ ثلاثين عاما  دون ان ينتقده احد مثلاً يحتذي به شريعتي، وان يترك طريقته في الخطابة التي ينتقد فيها العديد من مظاهر التشيّع " الصفوي "، والتي يعتبرها اقطاب هذا التشيّع وكأنها خروجا عن الملةَ، مما يجعل الانتقادات ان تنهال عليه من كل حدب وصوب، بل من مواقع متضادة احيانا وتقف فيما بينها على طرفي نقيض6 . وإلى هاتين الطريقتين من الخطابة، يشير شريعتي الى:" ان احد الفوارق الرئيسية بين التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي تكمن في هذا المجال، وهو فرق رئيسي بلا شك). لماذا، لان هذا الخطيب الذي اعتلى المنبر لثلاثين سنة ولم يتوجه اي نقد اليه لم يستطع ان يوصل إلى سامعيه أية نتيجة طيلة المدة المذكورة.
إن المطلوب من  شخص كشريعتي كي يكون في مأمن من نقد وهجوم المؤسسة الدينية، حسب رأي البعض ان يكتب ويتحدث ويخطب دون ان يغضب احدا لا من السلطة ولا من الروحانيين ولا من العامة !!. لماذا ، لأنه عالم اجتماع وهذا يجعله خبيرا في شؤون الناس ليعمل على ارضاء الجميع. كما عليه ان يتملق للروحاني الذي يستطيع ونتيجة للجهل الشائع في المجتمع ان يؤلب العامة ضده. لماذا ؟ لان شريعتي سينافسهم في مناطق نفوذهم. فما الضير لو انه قال مثلا (ان فلان ولي من اولياء الصالحين وانه حجة الاسلام والمسلمين)، وما الذي سيخسره لو قال (انه حلم ليلة امس على ان الروحاني الفلاني الذي توفاه الله في نفس الليلة كان يطير مع جعفر الطيار). لماذا، لأن المجتمع لا يعني عوام الناس، بل هم الصفوة ( الذين لديهم القدرة على التلاعب بعواطف الناس وأفكارهم ، لأن رأي أولئك " الصفوة " يمثل في المحصلة رأي المجتمع برمته .. ) 7  . ان على شريعتي وهو العارف والمطلع على الأحاديث والروايات الصادرة عن آل البيت، أن يعيش في جو هذه الروايات ويستشعر روح الامامة والولاية والتشيّع . " هل يوجد عندنا " الشيعة ( وفي الروايات التاريخية مصادر صريحة تشير إلى ان الأئمة كانوا يصدرون فتاوى على خلاف الواقع عملا بالتقية ؟. بلى ، يا صديقي ، ان هذه هي طريقة أهل البيت ( ع ) في مقابل الخليفة الجائر الغاصب لحقهم ، لماذا؟ السبب واضح لأن كل شيء في يد الخليفة) 8  .
ان الشيعي الباحث عن الحقيقة يقف هنا يواجه سؤال  كبير جدا وذا مغزى، فهل افتى أئمة الشيعة من آل البيت بفتاوى تخدم الحكام ( الخلفاء الامويين والعباسيين ) وتضر بجمهور العامة تقية من غضب الحكام اولئك !؟. وأن كان هذا صحيحا فما هو الفرق بين أسلام " السنة والجماعة " الذي اعتبره شريعتي وغيره اسلام السلطة والحكام وبين الاسلام الشيعي الذي حارب اسلام السلطة والحكام ؟. اعتقد ان شريعتي توّصل الى الاجابة على هذا السؤال عندما وضع التقية هذه في خانة "التشيّع الصفوي" وليس في خانة "التشيّع العلوي" .
كيف ؟ يقول شريعتي انه لا يحزن ولا يتحرق الما على نفسه بل على الامام علي الذي لم يبق في زماننا هذا من يستفيد من هذه الافكار الرائعة !!، ولم يمتد به العمر الى ايامنا هذه كي يعيش في مناخ روايات آل البيت. ولانه لم يصل الى ما وصلنا اليه في فهمنا للتشيّع، نراه ( علي ) ( يصدح بكل ما يدور في خلده من قضايا وهموم ، وقد عانى ما عاناه بسبب عدم ادراكه لضرورة تجنب التصريح بمثل تلك الامور. كان علي ينتقد ويعترض ويواجه كبار صحابة النبي وأصحاب الشأن والقداسة بين المسلمين، وأصحاب التاريخ الجهادي الطويل وحفظة القرآن وجهابذة العقل واللسان. وبالتالي خرجوا عليه وتركوه وحيدا أمام العدو المشترك، بل شاركوا في طعنه من الخلف. لقد وقف جهاز بني أمية المدجج بالمال والجاه والسلاح، واذا بأعز أخوانه واقرب المقربين اليه ممن عايشوه طوال عقدين من الزمن ونيف ينفصلون عن معسكره ويلتحقون بمعسكر الاعداء!. لم يكن علي " ع " ينظر بعين المصلحة للامور، حتى ان اخاه الاكبر لم يتحمل تصرفاته بعد ان كواه بحديدة حارة فتركه والتحق بمعاوية)9 . ويستمر شريعتي ليستنتج من أن جهل علي بهذه النصائح والارشادات والتي تكشف عن دراسة وخبرة عاليتين في المجالين العلمي والاجتماعي للخطباء الصفويين!!، كانت سببا في تعرضه لطعون الاعداء والاصدقاء، والعوام والخواص، الصالح والطالح، والقريب والبعيد، طيلة السنوات الثلاث والعشرين التي قضاها في الجهاد وفي خدمة الاسلام والمسلمين. كما اتفق المجاهد والمنافق والموّحد والمشرك على طمس حقيقته وغصب حقه وتشويه تاريخه.
من خلال ما جاء اعلاه نرى أن شريعتي يشن هجوما على الخطباء المتفوهين المتفذلكين الذين يريدون ارضاء الجميع ليقول :( اذا ما حصل هذا فأعلموا – يا أحبتي – علم اليقين بأن هذا الشخص شيعي ! ولكن ليس شيعيا علويا انما هو شيعي على خطى شاه عباس) 10 ، و ( انه يتبع الشاه عباس  بدلا من اتباعه لعلي ! انه نهج السقيفة الذي يقتضي مراعاة الجميع وحفظ ود الجميع وعدم اثارة الجميع والعمل على ضوء المصالح لا المباديء) 11 .
ويسعى شريعتي لاثبات ان المصالح ليست من التشيّع العلوي بشيء من خلال مقارنته بين شخصيتين اسلاميتين ، كانا اول من اسلما من الرجال من حيث موقفهما المصلحي والمبدئي "من وجهة نظره" تجاه الاوضاع السياسية حينها، وهما ابو بكر وعلي. فيضع ابو بكر و خطه السياسي في نهج المصالح، في حين نرى ابو بكر يعمل على ارضاء عبد الرحمن بن عوف كي لا يسبب له بالمشاكل ، بأعطائه الاموال لشغفه بها ، لانه من قبيلة فيها رجال اصحاب وزن وتاريخ كسعد بن ابي وقاص، ومن اجل اسكات بني أمية ولو مؤقتا ولأنهم أصحاب قدرة ونفوذ يمنحهم ولاية الشام . ومن أجل أن يبقى خالد بن الوليد في صف المسلمين، فانه يعفيه من الحد ، بعد قتله لمالك بن نويره ومضاجعة زوجته الفاتنة في نفس الليلة. ولينتهي قائلا ( وبطبيعة الحال ومن المؤكد في حالة ابي بكر ان تجتمع الاراء لمصلحته ، لانه رجل يقدر المصلحة ويعرف طبيعة المجتمع . اما (علي " المبدئي من وجهة نظر شريعتي " الذي لا يكترث بكل هذه الامور ولا يعير لها وزنا فمن دون شك ، سيبقى وحيدا ) .
يحاول شريعتي ان يثبت سبب توقف نهضة التشيّع العلوي أو خروجها عن المسار التاريخي الذي بدأت به واستمرت تحقق النجاحات تلو الاخرى من ناحية تكريس روح الثورة ومركز جذب للمضطهدين. فمنذ اليوم الأول الذي استلم فيه الصفويون السلطة في ايران، انتهجوا طريق احد مباديء علم الاجتماع وهو (مبدأ تحول الحركة الى نظام ” Movement to Institution ” ). ولكن هذا لا يمنع اطلاقا وجود العديد من رجال الدين المتنورين الذين كانوا يبشرون بآرائهم الجريئة، ولكنهم كانوا يتراجعون عنها خوفا من العامة ونفور المقلدين عنهم كالشيخ محمد حسين النائيني في العصر الحديث  12 .


زكي رضا
الدنمارك
2/11/2014

_________________________
 1 " التشيع الوي والتشيع الصفوي ص 34"
 2 " المصدر السابق ص 35 "
 3 " المصدر السابق ص 38 "
 4 " المصدر السابق ص 38 " ويقع قصر عالي قابو والذي يعني بالتركية البوابة العالية في مدينة أصفهان عاصمة الدولة الصفوية وقتها، وقد بني القصر بأمر من الملك الصفوي "شاه عباس الأول".
 5 " المصدر السابق ص 225 "
 6  " المصدر السابق ص 45 "
 7  " المصدر السابق ص 47 "
 8  " المصدر السابق ص 49 "
  9  " المصدر السابق، ص 50 الهامش ، يعتقد بعض العلماء أن عقيلا ألتحق بمعاوية من بعد شهادة- أستشهاد- علي "ع"، وأنا أعتقد أن هذه محاولة بائسة لتبرئة ساحة عقيل، إذ بعد شهادة – أستشهاد – علي "ع" كانت الحكومة أيضا بيد الأمام الحسن "ع" فالأشكال باق على حاله إذ الألتحاق بمعاوية في أي زمن كان لا يمكن أن يبريء ساحة صاحبه"
 10 " المصدر السابق ص 51 .
 11 " المصدر السابق ص 51 "
 12 " للمزيد يمكن العودة الى لمحات أجتماعية من تاريخ العراق لعلي الوردي ج 3 ص 126 "

347
قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "
د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
(الحلقة الثانية)
زكي رضا
موقف بعض رجال الدين من شريعتي
نتيجة افكار شريعتي الجريئة والمتجددة وقف ضده العديد من رجال الدين أو "الروحانيون الصفويون" حسب تعبيره، ومن بين هؤلاء مرتضى انصاري قمي الذي طالب بسجن واعدام شريعتي، وحذر الحكومة والشعب والروحانيين قائلا:" خلال القرن الاخير ، لم يواجه الاسلام والتشيع عدوا خطرا ووقحا كعلي شريعتي ".  اما ناصر مكارم الشيرازي فكتب مقالة في مجلة " مكتب اسلام " بعنوان (هل الشورى هي اساس الحكومة الاسلامية؟)، خطأ فيها رأي شريعتي قائلا:" ان الشيعة لا يعتقدون بانتخاب الخليفة وفق مبدأ الشورى، لان الخليفة وفق مبدأ التشيع منتخب من الله ورسوله" .
 

علي شريعتي مع أنصاره في حسينية إرشاد

وفي احدى المرات زار وفد من طلبة قم كل من شهاب الدين المرعشي النجفي وشريعتمداري واخبروهما ان شريعتي انكر في احدى خطبه في حسينية ارشاد  امام الزمان (المهدي المنتظر)، وان لا سند حقيقي لدعاء الندبة. فأجاب المرعشي من انه لا يعرف شريعتي ولكن اذا كان الذي نقلتموه عنه صحيحا فأنه كافر.  اما محمد مطهري
فانه وبحضور كل من محمد بهشتي وسيد هادي خامنئي انتقد شريعتي قائلا:"بغض النظر عن افكاره غير الصحيحة واخطاءه وغروره فانه وّجه ضربة قاسية للعلاقات بين الروحانيين والشباب المتعلم وجعلهم ينظرون بعين الشك والريبة للرجال الروحانيين". وكتب ابو الحسن القزويني جوابا على احد المستفتين قائلا:" على الرغم من مرضي في الفترة الاخيرة وعدم مطالعتي للكتب، لكن استنادا الى مطالعاتي السابقة اعتبر كتب الشخص المذكور "شريعتي" غير مطابقة مع التشيع وهي انكار للنبوة اي انكار للاسلام". اما محمد حسين الطباطبائي فقد قال:"انا لم اوافق مطلقا على كتابات علي شريعتي ، ان آراءه خاطئة، وهي غير قابلة للتصديق طبقا للمفاهيم الاسلامية". فيما حرّم كاظم المرعشي في اجابة للذين استفتوه بيع وشراء كتب علي شريعتي، واعلن علي اصفهاني ان كتابات شريعتي تشتمل على اباطيل مختلفة .
وقد استمر صدور الفتاوى بحق شريعتي حتى بعد موته، حيث اصدر كل من الخوئي و المرعشي النجفي والشاهروردي وعبد الله الشيرازي ومالك الحسيني وعلي نمازي وآخرين فتاوى مشابهة. وفي نفس الفترة جرت محاولات مع الخميني كي يصدر فتوى بهذا الشأن، ولكنه فضّل السكوت. وكتب محمد اليزدي في مذكراته حول اجتماع مدرّسي قم قبل الثورة لأتخاذ قرارا بحق شريعتي قائلا:" عقدت تلك الجلسة في منزل نوري الهمداني ووصل النقاش الى حدود الكفر والايمان عند شريعتي، وتوصل السادة المجتمعون بعد نقاشات طويلة الى ان اعلان كفر شريعتي لن يكون له أثر جيد وليس في مصلحة الاسلام والمسلمين بشكل عام . وكان للسيد مصباح يزدي وجهة نظر خاصة على الضد من الاخرين. وعلى هذا المنوال فأن البعض من الروحانيين القريبين من الخميني والذين اشتركوا بعدها في حكومة الجمهورية الاسلامية وبسبب المصلحة فقط لم يكفروا شريعتي .
اما مرتضى مطهري  وفي رسالة للخميني اثناء الثورة قال :"أقل ذنب ارتكبه هذا الرجل هو اساءته لسمعة الروحانيين. وجعل العلاقة بين الروحانيين وأجهزة الظلم والجور" السلطة " ضد جماهير الشعب جزءا من الصراع الاجتماعي، وادّعى ان السلطة والحاكم والملا وبتعبير آخر السيف والذهب ( المال ) والعبادة كانوا الى جانب بعضهم البعض ولهم  نفس الهدف" .

أقوال في علي شريعتي

ومن المناسب إيراد بعض ما قيل بحق علي شريعتي، فعلى سبيل المثال:

يشير على خامنئي : "ان الاطار التأسيسي الذي يجعل الدكتور شريعتي في اطار الرواد الاوائل، يتمثل في قدرته البيانية الفائقة في اعادة طرح الاسلام بلغة حديثة تتناسب مع ثقافة الجيل يومذاك. واذا كان الكثيرون ولجوا قبله هذا المجال ، فأن النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه  ".
الدكتور محمد حسين بهشتي : "لقد اوجد الدكتور علي شريعتي طوال السنوات الحساسة من عمر الثورة الاسلامية جوا حماسيا مؤثرا، وكان له دور بناء في جذب الطاقات الشابة المتعلمة نحو الاسلام الاصيل، واجتذب قلوبا كثيرة نحو الثورة الاسلامية. وعلى الثورة والمجتمع أن يقدران له ذلك الدور ". 
محمود الطالقاني : "ان المرحوم شريعتي ، تميّز بروح مستقصية شكاكة منذ بداية شبابه وأوائل عهده بالدراسة والتحصيل العلمي. كان يشك بكل شيء، حتى بدينه ، فقد كان يشك بالدين السائد بين الناس ، أي بذلك الاسلام الممسوخ، ذلك الاسلام الذي حوّل الى دكان للارتزاق ، ووسيلة للاحتراف وتربية  المريدين – اي الاتباع –. كان لابد لشاب واع مثل شريعتي أن يبدأ بالشك ، لكنه لم يبق أسير الشك  ".
احسان شريعتي : "هكذا رأينا ان شريعتي لم يستخدم قلمه من اجل تفنيد الشيوعية واسقاطها، وانما وّجه رماحه ضد الرجعية، التي سادت في بلادنا منذ العهد الصفوي، وكانت تمسخ الاسلام والتشيّع باظهارهما في صورتهما "الصفوية". لقد وقف شريعتي في وجه الرجعيين الذين تلبسوا الاسلام، ليدّعوا بان محاربة السلطة القائمة انما تخدم الماركسيين في النهاية   ".

التشيع الاحمر والتشيع الاسود

جاء في مقدمة الطبعة الفارسية للكتاب من انه يتضمن قسمين، الاول بعنوان (التشيّع الاحمر والتشيّع الاسود )، وهو عبارة عن موجز كتبه علي شريعتي كمقدمة توضيحية لمسرحية "سربداران" ( رؤوس على المشانق )، والتي عرضت لليلة واحدة فقط اثناء حكم الشاه، و تحوّلت الى مسلسل تلفزيوني بعد نجاح الثورة الايرانية. وتحوّل هذا البحث الى مقدمة لكتابه ( التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي )، والذي كان بالاساس عبارة عن محاضرة للكاتب القاها ولمدة ثلاث ساعات في احدى ليالي رمضان في حسينة "ارشاد". وقد اجرى المؤلف بعض التعديلات عليها لينشرها في كتاب يتألف من 143 صفحة في ربيع عام 1972 . وقد فعل المترجم * خيرا وهو يؤكد على صعوبة الترجمة، لان مادة الكتاب كانت اساسا عبارة عن محاضرة على اشرطة كاسيت حوّلت الى كتاب . ولكن المترجم اشار في كلمته بخصوص الترجمة   الى استخدام د. علي شريعتي كلمات عربية لا يستخدمها العرب في تلك المعاني الاصطلاحية ، وانه لجأ الى مرادفات عربية شائعة الاستعمال أو اضطراره على ابقائها بنصها الاصلي رعاية على انسيابية النص وحرصا على دقة المعنى. واشار المترجم وهذا هو المهم هنا الى مصطلح " الروحانية الصفوية " والمقصود منها حسب قوله (طبقة رجال الدين عندما تمتهن الدين فتصبح أحياناً شبيهة بوعاظ السلاطين ، وتنعزل أخرى عن الحياة فتصبح قريبة من الرهبنة ، وتصبح فئة ثالثة خليطا من الحالتين). وفضّل المترجم ان يبقي الاصطلاح على حاله لكي يترك للقاريء الحرية في فهم المعنى من خلال السياق العام للكتاب على حد قوله .   
يبدأ الاسلام ( في مقدمة الكتاب ) بـاثنتين من حرف "لا "  ، الاولى بدأ بها محمد الاسلام كدين توحيد واصبحت شعارا لدينه وهي (لا اله الا الله محمد رسول الله) التي كانت راية العرب في حروبهم واحتلالهم للبلدان الاخرى في حينها، وراية المسلمين لاحقا في معاركهم ضد الشعوب غير المسلمة لنهبها واسلمتها بحد السيف ، اما الثانية فهي " لا " التشيّع والتي كما جاء في مقدمة الكتاب ، هي التي (صدّع بها علي وارث محمد ومظهر اسلام الحق والعدالة. وقد اكتسب التشيّع هويته الحقيقية في التاريخ الاسلامي وتحددت ملامحه ووجهته من خلال كلمة الرفض التي اطلقها "علي" في الشورى جوابا على عبد الرحمن بن عوف الذي كان يمثل الجانب الاخر؛ أي اسلام الجاه والمصالح). وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه على ان التشيّع والتسنن لم يكونا في بداياتهما صراعا فقهيا ومذهبيا، بل صراعا سياسيا  و تحوّل الصراع  منذ حياة الامام الصادق ولليوم الى صراع  فقهي وطائفي وسياسي. حيث بدأ الصراع الفقهي والمذهبي في نهاية القرن الهجري الاول وليستمر لليوم . وكلمة الرفض " لا " هذه استمرت كنهج عند شيعة علي في شجبهم للظلم الذي مورس ضدهم، والذي تحوّل بمرور الوقت إلى أن يستقطبوا أكثر الشرائح الاجتماعية فقرا و أضطهادا "وان لم يتشيّعوا" بسبب رفضهم للطغيان الذي كانت تمارسه السلطات  ضد الفقراء والمحرومين ومناهضي الحكم من مختلف القوميات التي كانت تئن من ظلم الحكام المسلمين لها، ورفضهم في نفس الوقت للتفسير الخاطيء للدين عند الحكام وابتعادهم عن جوهر الدين المحمدي وتبنيهم لدين وعاظ السلاطين. فكما جاء في كتاب علي شريعتي:" وبهذه الكلمة تحقق الفرز تاريخيا بين جبهتين وحزبين، حزب يؤسس قناعاته ومواقفه على ضوء ما يمليه القرآن والسنة المأثورة عن آل الرسول، وحزب يستمد هذه القناعات والمواقف مما يمليه عليه بنو أمية وبنو العباس أو الغزنوي والسلاجقة أو حتى أحفاد جنكيزخان وتيمورلنك وهولاكو" . ومن خلال النص السابق نستطيع ان نرى نقطة خلاف كبيرة بين الطرفين، فالسنة يؤكدون على القرآن والسنة النبوية والشيعة يؤكدون على القرآن وسنة آل محمد في قراءتهم للنصوص الدينية وتفسيرها فما هو السبب ؟ .
لو راجعنا الاحاديث النبوية التي يتداولها علماء الطائفتين سنرى امرا غريبا يجعلنا ان نشك في الغالبية منها لسببين، اولهما ان هذه الاحاديث تم جمعها بعد وفاة محمد بسنوات طويلة. وهذا ما يجعل القاريء الفطن والباحث أن يستشف منها المصلحة السياسية للسلطة آنذاك والسلطات التي تلتها، بالاضافة الى طول المدة التي قيلت فيها تلك الاحاديث وزمان جمعها وكتابتها. وثانيهما هو اعتماد الاحاديث على رواة لم يعايشوا محمدا لسنوات طويلة، ومع ذلك نقلوا عنه كم هائل من الاحاديث، في حين تركت واهملت بل ومن الممكن ان تكون قد ضيعت عمدا العديد من الاحاديث عن رجال عايشوا محمدا قبل النبوة وحتى وفاته. ومن هؤلاء الامام علي بن ابي طالب الذي ترّبى في بيت محمد منذ صغره وكان ابن عمه وربيبه وصهره واول من اسلم من الذكور. فلم تنقل لنا الكتب الا بضع عشرات الاحاديث عن لسان علي في احسن الحالات،  مقابل المئات التي تم نقلها عن ابي هريرة مثلا. وهذا ما يجعلنا ان نشك في صدق هذه الاحاديث وصحتها. ويطرح سؤال هنا عن سبب عدم نقل الكثير من احاديث محمد منقولة عن الامام علي وهو الذي لازمه منذ ان كان فتى يافعا حتى مماته، في حين تم رواية المئات منها على لسان غيره بالرغم من عدم ملازمة البعض لمحمد او ملازمتهم له لسنوات قصيرة في احسن الحالات ولأشهر عدة أحيانا!؟. إن الجواب على هذا السؤال يكمن في مصلحة من يمسك بزمام السلطة في ذلك الوقت. فالامام علي وان كان قد نقل العشرات من الاحاديث عن محمد، إلاّ أنه يعد خصماً سياسياً، والخصوم السياسيين في أنظمة استبدادية يواجهون خيارين لا غير، فأما التصفية الجسدية أو الأهمال وتشويه السمعة. وهذا ما حصل للامام علي بالضبط، فبعد اغتياله تم شتمه على المنابر وتشويه سمعته من قبل ملوك بني أمية وبني العباس وغيرهم.
ولكن كل هذا لا يمنح الشيعة الحق ( بنظر السنة ) اهمال السُنّة المحمدية والاعتماد على سُنّة آل البيت بشكل أساسي. اننا لو دققنا النظر اليوم في الممارسات والاحاديث والطقوس والمناسبات الشيعية وحكمنا عليها بشكل حيادي، فاننا نرى فيها تراجع محمد الى المقاعد الخلفية في دين كان هو نبيه لصالح ابنته فاطمة وزوجها الامام علي وابنائهما. ولكن هذا لا يمنع من سؤال السنة ايضا عن سبب اهمالهم لعلي وآخرون من أنصاره اثناء حديثهم عن الاحاديث المنقولة عن محمد في مذاهبهم. فهل من المنطق القبول بأن لا ينقل على لسان علي أحاديث لن تصل إلى عشر معشار الأحاديث المنقولة عن أبي هريرة وأمثاله، وهو الذي عايش محمدا مثل ما قلنا منذ الصغر حتى وفاته؟.
إن علي شريعتي، شأنه في ذلك شأن أي شيعي امامي مؤمن ( اثني عشري )،  يشعر بالمرارة في عدم تبوأ آل بيت محمد السلطة على مر التاريخ. لذا نراه ينبري قائلاً:" وهكذا طوى الاسلام مسارا تاريخيا غريبا عجيبا، حيث تمكن جميع المستكبرين وطواغيت الزمان وأصحاب البيوتات من العرب والعجم والترك والمغول والتتار من بلوغ سدة الحكم والاستواء على مسند خلافة النبي ، ما عدا آل النبي وأهل بيته من أئمة الحق والهدى". وبهذا ينفي شريعتي شيعية تلك الدول الشيعية التي حكمت لفترات معينة كالدولة الفاطمية في مصر ودولة الادارسة والحموديين والدولة البويهية والحمدانية والزيدية وغيرها، لانها وببساطة لم تكن تدين بالمذهب الامامي ( الاثني عشري ). وبقي التشيّع رافضا للمسار الذي اختطه التاريخ لنفسه ومحتجا عليه لان التاريخ ركب وبإسم القرآن، امواج جاهلية كسرى وقيصر، وعمد بأسم السنة الى التنكيل بتلامذة مدرسة القرآن والسنة !)  .
لقد قام الشيعة وعلى مر التاريخ بعشرات الثورات المسلحة والتي رفعوا خلالها شعارات تؤكد آهلية آل البيت في الحكم دون غيرهم، استناداً إلى نص مختلف على تفسيره حتى اليوم وهو آخر خطبة لمحمد في غدير خم. وعلى العموم فإن الشيعة  أعرضوا " عن المساجد الفاخرة والقصور العامرة التي شيدها ( خلفاء الاسلام )، ووجد الشيعي ضالته في بيت فاطمة المشيد من الطين ". ومن مطالبة فاطمة بحقها في قرية "فدك"، بدأت أولى بوادر الصراعات بين الطرفين السني والشيعي سياسيا كمتممة لنتائج السقيفة، ولتستمر حتى اليوم. فأصبحت فاطمة مظهر ( الحق المهضوم ) وعلي  مرآة ( العدل المظلوم ) والحسن ممثلا لـ (آخر خطوط المقاومة في جبهة اسلام الامامة في مواجهة الخط الاول في جبهة اسلام الحكومات )، ومن بعده كان الحسين باعتباره ( شاهدا وما يزال لكل شهداء الظلم والجور على طول التاريخ ووارثا لجميع احرار العالم ومن ينادون بتحقيق العدالة والمساواة من عهد آدم الى زمانه والى الابد، ورسولا للشهادة ومظهر نداء الثورة ).  وأخيرا أضحت ( زينب الشاهدة على كل الاسرى العزل في ظل سطوة الجلادين ، ورسول ما بعد الشهادة ومظهر نداء الثورة ). 

ويتسلسل شريعتي بمسيرة نضال الشيعة ( والذين يلوذون بهم من الطبقات المسحوقة ) وادواتهم وافكارهم تاريخيا برفع شعار " ولاية علي " للتخلص من الجور والظلم والطغيان ورفع شعار ( الامامة ) لأماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لنظام الخلافة، لان لفظ " امام " مثلما يقول حسين مروة  يحمل المفهوم الالهي للخليفة عند الشيعة، أما لفظ " الخليفة " فيحمل مفهوم سلطة  "الأمة" في مصطلح جمهور اهل السنة ، ولاسيما الاشاعرة)  . ووقعت على عاتق الشيعة مهمة رفع شعار ( العدالة ) من أجل انهاء التمييز العنصري ضد القوميات غير العربية من مسلمين وغير مسلمين والقضاء على الفوارق الطبقية التي تعمقت كثيرا بعد اتساع رقعة الدولة الاسلامية واستحواذ العرب المسلمين على اموال الجزية والخراج والضرائب الاخرى والتي كانت من نصيب النخب السياسية والقبلية والدينية (الطائفية) خصوصا اثناء الحكم الاموي والعباسي. لقد سعى السلاطين (الحكام) ووعاظهم وحاشيتهم إلى صرف انظار الناس عن المظالم، حسب شريعتي:" عن طريق الفتوحات واقامة الفرائض وبذل الهدايا والنذور والاوقاف وتعظيم الشعائر والاهتمام بالمظاهر وكأن الامور تجري على خير ما يرام وعلى النحو الذي يرضي الله وعباده الكرام". وتوجب على الشيعي ان ينبري لها ويفضحها من خلال رفع شعار " الانتظار "، ومن اجل تنسيق العمل ومركزية النهضة. وكان على الشيعي ان يلوذ بشعار ( المرجعية ) و ( التقليد ) لكي يعبئ الطاقات للتحرك بشكل منهجي وموّحد بقيادة مسؤول هو (نائب الامام)   . ومن مقولة نائب الامام هذه نستطيع ان نشير الى التمايز الواضح والجلي بين الشيعة الامامية والسنة من ناحية تأمين الاموال والموارد لاستخدامها في المجالات المختلفة. فالمذاهب السنية كانت ولازالت مذاهب سلطة، وتسخر هذه السلطة مواردها المالية لتحقيق اهدافها بالفتاوى التي تحتاجها كلما انغمرت في نزاع ما سواء كان هذا النزاع سياسيا او فكريا او غيره. اما المذهب الشيعي فاعتمد ماليا على ( سهم الامام ) الذي هو سهم واحد من الخمس المتكون من خمسة اسهم في بعض الروايات وستة في اخرى لتسيير امور الطائفة حيث: " يقسم الخمس نصفين، نصف للإمام (عليه السلام) خاصة، ويسمى (سهم الإمام) ونصف للأيتام الفقراء من الهاشميين والفقراء وأبناء السبيل منهم، ويسمى (سهم السادة). ونعني بالهاشمي من ينتسب إلى هاشم جد النبي الأكرم (ص) من جهة الأب، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم" *، أضافة الى تبرعات الميسورين والتجار الشيعة. ومن المهم الاشارة الى استمرار تحصيل هذا السهم حتى اثناء قيام دول شيعية في ازمنة واماكن مختلفة. اما الوسيلة المتبعة للتذكير بكفاح الشيعة على مر التاريخ والوقوف ضد حملات التحريف والتشويه لمساره هو ممارسة (مجالس العزاء) التي يشار بواسطتها الى حوادث الظلم والغضب والخيانة والخداع والكذب والانحطاط وفي الوقت نفسه استثمار مجالس العزاء هذه في أحياء ذكرى الشهداء". ويستمر شريعتي في تسلسله هذا ليصل الى حادثة الطف  في كربلاء أي يوم عاشوراء والذي يطلق عليه ( نداء عاشوراء ) ، اذ يعتبرها شعارا لتصعيد العمل المعارض لسلاطين الجور ورفض البيعة لهم ، في حرب تاريخية مستمرة بين ( ورثة آدم وورثة ابليس ) ليصل الى توضيح الحقيقة التالية بنظره وهي ان:"الأسلام الحكومي هو اسلام القتلة متشحا بوشاح السنة، بينما الاسلام الحقيقي والواقعي ما زال غائبا يرتدي ثوبه المضرج بالدماء ! ".
وتوجب أن يستمر هذا الصراع  بكل اشكاله ضد السلطة الغاصبة في ظل عدم تكافؤ ميزان القوى بين المعسكرين، ولوجود وعاظ سلاطين جاهزين لتنفيذ مطالب هذه السلطات بفتاوى جاهزة تصاغ على ضوء ما يشتهيه الحكم، ووجود العامل المهم جدا والذي يعتمد عليه نجاح الحكم في تمرير سياساته، اي الناس الجهلة او كما ينعتهم شريعتي بالمغفلين الجاهزين دوما وفي كل زمان ومكان وخصوصا في حالات غياب العقل وتجلياته للعمل لصالح الجهل والتخلف وما يترشح منهما من خزعبلات واساطير، وأن يكونوا قاعدة للقتل وسحق النهضة. وعليه فمن أجل أن يستمر الشيعة في مشروعهم التغييري هذا وليواصلوا النهضة ويصّعدوها، فعليهم رعاية الضوابط الامنية وكتمان الاسرار، هذا المعلم من معالم المنهج العلوي أي ( التقية ) التي سنأتي على ذكرها لاحقا .
ان التشيّع العلوي ولمدة ثمانية قرون هجرية (الى اوان العهد الصفوي)، باستثاء فترة الامام جعفر الصادق الذي امتنع عن ممارسة العمل الثوري بالرغم من الضغوط التي مورست ضده واكتفى بالتنوير والفلسفة وممارسة العلوم التطبيقية والطب، كان عبارة عن ثورة مستمرة فكرا وممارسة ضد الانظمة الاستبدادية وعلماء الزيف والتزوير من الذين كانوا يستغلون عنوان المذهب السني لتمرير سياساتهم في فرض الهيمنة على الشعوب واشاعة الخوف في صفوفهم نتيجة الارهاب المنظم للسلطة ، مما جعل الكثير من ابناء هذه الشعوب او حتى من العرب المسلمين انفسهم الذين كانوا يعانون من التمايز الطبقي الواضح أن ينظموا الى التشيّع وان لم يتشيّعوا مثلما قلنا سابقا. ولذا ونتيجة تغلغل الافكار الشيعية بين اوساط هؤلاء وخصوصا الفلاحين البسطاء والبؤساء، ظهرت حركات شيعية ذات طابع عنفي كحركة حسن الصباح ( الاسماعيلية ) وحركة القرامطة، فيما تمرد بعض اقطاب التصوف من ذوي الميول الشيعية ضد مظاهر التحجر والعنف الديني . وقد جاءت الامامية مثما يذكر شريعتي كمذهب معتدل غني بالمعارف، ليمثل قمة هذا التوجه ( الثوري ). وارتكز هذا المذهب الى ركيزتين اساسيتين هما العدل والامامة، وشعاره الثوري لم يكن سوى عاشوراء كي يستطيع من خلاله تعبئة الجماهير ضد الاوضاع السائدة انتظارا لظهور المهدي ( الامام الثاني عشر عند الشيعة الامامية )، ليثأر وينتقم للمظلومين ويملأ الارض قسطا وعدلا ! .


348
" قراءة في كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي "

شكر وتقدير للأستاذ الكريم عادل حبه
أرى من الضروري ، والمادة هذه ترى النور ، أن اتقدم بجزيل شكري وتقديري وأمتناني للأستاذ الكريم "عادل حبة" على ما بذله من جهد في مراجعة المادة وتنقيحها وأبداء ملاحظاته التاريخية والفكرية القيمّة حولها، وقد كانت الاضافات التي ساهم بها أو تلك التي وجّهني فيها لمراجعتها وأغنائها دورا كبيرا في أن تخرج المادّة بالشكل التي هي عليه الآن.
وفي الحقيقة لم أرى وأنا المس التواضع الجم للأستاذ العزيز عادل حبه رغم تجربته السياسية والفكرية الكبيرة الا أن أعمل على تحقيق ما أشار اليه من تلك الملاحظات القيمة التي أفادتني أكثر مما كنت أتوقع.
أتقدم من القلب مرة أخرى للأستاذ عادل حبه بجزيل شكري متمنيا له طول العمر والنجاح الدائم على مختلف الصعد.

زكي رضا



د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي
 (الحلقة الاولى)

زكي رضا - الدنمارك

 

د. علي محمد تقي شريعتي

من خلال قراءة اولية وبسيطة في التاريخ نستطيع التوصل الى ان جميع الاديان تقريبا ومنها ( السماوية ) كان كل منها في بداياته دينا واحدا، ولكن لم تمر الا سنوات ليست بالطويلة على نشوئها وموت مؤسسها او ( نبّيها ) ونتيجة الصراع على السلطة من قبل اتباعه، وهو وجه من اوجه الصراع الاجتماعي – الاقتصادي على مر العصور، حتى أنقسم ابناء الدين الواحد بسبب هذا الصراع سياسيا الى جماعات وشيع تتناحر فيما بينها. وغالبا ما كان هذا الاختلاف السياسي الذي هو من اجل التنافس على الغنائم والسلطة والهيمنة، يتحول الى صراع  دموي وحروب طويلة وقاسية بين ابناء الدين الواحد، كالحروب  الدموية وحتى فترة قريبة بين الكاثوليك والبروتستانت والحروب التي خاضها المسلمون ضد بعضهم البعض. اما في التاريخ القريب فقد شهدنا معارك مذهبية طاحنة بين الفرس الصفويين والاتراك العثمانيين والتي دفع فيها العراقيون دماءا كثيرة نتيجة خوض الدولتين معاركهما على ارضهم. كما لا يجب علينا ان نغفل الصراعات والحروب التي جرت بين ابناء الديانات المختلفة والتي كان ظاهرها  نشر الدين ونواياها الحقيقية السيطرة على البلدان الاخرى ونهب ثرواتها، إلاّ أن الدين لم يكن إلاّ الوسيلة الامثل لحشد جموع المؤمنين البسطاء في جيوش تحتاجها تلك الدول لتتوسع فيها على حساب البلدان الاخرى، ابتداءا من ما سمي بالفتوحات الاسلامية ضد بلاد فارس ( الزرادشتية ) وبلاد الروم  البيزنطية (المسيحية) وضد الهند ( البوذية والهندوسية ) بذريعة نشر الاسلام. وسارت الكنيسة الأوربية في قرون لاحقة على نفس الدرب في إشعال  الحروب الصليبية من أجل احتلال اراضي الشرق بحجة حماية القدس ونشر المسيحية. وتضاف إلى ذلك الحروب التي كانت تدور بين العثمانيين والاوربيين، والتي كان فيها العامل الديني حاضرا متمثلا بالمؤسسة الدينية ورجالها. 
   
لقد ادت الخلافات السياسية بين رجالات المسلمين الاوائل والتفاف المؤمنين حولهم الى نشوء حركات سياسية والتي سماها  العرب شِيَع، والتي تعني حسب اللغويين فرقة وصنف. ويقول الزَجّاجْ ( ان الشيع فرق وكل فرقة شيعة وأصله من المشايعة وهي المتابعة يقال شايع فلان فلانا على امره اي تابعه عليه ومنه شيعة علي وهم الذين تابعوه على امره ودانوا بامامته ) (1) . وقد وردت كلمة شيع باشتقاقاتها العديدة في آيات مختلفة من القرآن مثل " ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين ) (2) ، وجاء ذكرها في سور الصافات والقصص والروم ومريم وغيرها. وكانت هذه الشيع بحاجة الى برامج لم تكن تمتلكها في حينها كي تستطيع من خلالها رسم سياساتها لان العرب كانوا حينها حديثي العهد بالاسلام، وكانت الصراعات فيما بينهم ولازالت تحمل طابع صراع ما قبل الاسلام وامتداداً لتلك العصبية القبلية التي حاول محمد القضاء عليها ولم تنتهي إلى اليوم.

إن اسباب الصراع الذي بدأ برحيل النبي كانت كامنة في حياته او وبشكل أوضح في اعقاب الفتوحات الاسلامية وما تركته من غنائم تركت آثارها السلبية على شخصيات لها ثقلها مثل الامام علي واصحابه وشيعته من الفقراء ومواليه و على بني أمية وشيعتهم ومواليهم. ويؤكد هذا الصراع كما اثبت تاريخ الامويين والعباسيين لاحقا على انه كان صراعا طبقيا وقبليا في آن واحد بين الفقراء الذين يمثلهم علي الذي انحاز الى معسكره الفقراء من امثال عمار بن ياسر وابو ذر الغفاري وبني هاشم وغيرهم، وبين الاغنياء الذين كان يمثلهم الامويون بشخص عثمان بن عفّان الذي انحاز اليه أو أستقطب معاوية بن ابي سفيان وابيه وعبد الرحمن بن عوف وبني أمية وغيرهم. أما الصراع بين الامام علي وبين ابو بكر وعمر فكان سياسيا ومن أجل السلطة والأستئثار بها ولا كما يحاول البعض أعادته الى المذهبية التي لم تكن قد تحققت وقتها بعد. إن الصراع السياسي يحتمل، علاوة على الاختلاف، التوافق في بعض الامور اذا كانت في صالح المجموع  (الجماهير) وهذا ما كان قائماً بين الزعماء الأربعة. إن هذه الأحداث التي أثارت الفرقة بين المسلمين وأدت بعد عقود إلى بروز المذاهب الدينية جاءت بالاساس نتيجة لصراع اقتصادي وسياسي مما افرز افكارا مختلفة ومتباينة ليس من حيث تفسيرها للقرآن او قبولها ونفيها بما نقله الرواة من احاديث عن محمد وتفسيرها فقط، بل البحث عن المصالح والموقف السياسي من السلطة. وبعبارة أخرى، فمنذ اجتماع السقيفة وانعقادها اثناء دفن محمد وغياب علي وصحبه وبني هاشم عنها، فإن هذه الافكار او المذاهب المتصارعة لا زالت مستمرة منذ ان نشأت وحتى اليوم. وليس هناك في الافق ما يشير الى حسمها لصالح جهة طائفية او مذهبية محددة ومعينة، بعد ان لم يتم حسمها منذ ما يقارب الالف واربعمائة عام بالرغم من الحروب الطاحنة والقمع المنظم الذي مارسته احداهما ضد الاخرى
 
ان المذاهب السنية الاربع نشأت بعد القرن الاول الهجري، حيث كان الامام ابو حنيفة النعمان الذي ولد في سنة 80 للهجرة صاحب اول مذهب سني عند أهل السنّة والجماعة على الرغم من عدم ذكر أي شيء عن السنّة كطائفة في تراثه. ونشأ آخرها على يد احمد بن حنبل المولود سنة 164 للهجرة. أما المذهب الجعفري فقد بلوره وصاغه الامام جعفر بن محمد الملقب بالصادق وهو الامام السادس عند الشيعة الامامية الاثني عشرية، والذي تتلمذ على يديه كل من النعمان ومالك بن أنس. الا ان المؤرخين يعتبرون أن "السقيفة" هي بداية التشيع والتسنن، حيث اعتبر كل من ابي بكر وعمر وعثمان ومن حضر معهم في السقيفة ومن شايعهم من "السنّة، واعتبر الامام علي ومعه العديد من المهاجرين والانصار وبني هاشم ومن شايعهم "شيعة"، وأطلق عليهم منذ ذلك الحين وحتى اليوم "شيعة علي". وهذا يدل على ان الخلاف الفقهي لم يكن له دورا في نشوء التشيع والتسنن في البداية بقدر ما كان للدور السياسي وما تمخضت عنه نتائج "السقيفة" والتي مازالت وحتى اليوم موضع خلاف الطرفين .

لقد تعرض الشيعة "كتيار سياسي" للأضطهاد حالهم حال غالبية التيارات السياسية المناوئة لحكم عثمان بن عفان الأموي، الذي يعتبر اول حاكم مسلم يعتمد على اقرباءه في ادارة شؤون الدولة حتى وإن لم يكونوا مؤهلين لاشغال مناصبهم تلك. وهذا ما ادّى في النهاية الى تنامي المعارضة ضده لتنتهي بمقتله الذي تلاه معارك كبيرة بين المسلمين انفسهم واهمها معركتي "الجمل" و"صفين". الا ان الاضطهاد الحقيقي للشيعة بدأ بمقتل الامام علي وتنازل الامام الحسن عن الخلافة الى معاوية بن أبي سفيان، الذي لاحق شيعة الامام علي في كل مكان يستطيع رجاله الوصول اليه. وقد توج ابنه يزيد سلسلة المطاردات والتنكيل والقتل بحق الشيعة ورموزهم بقتل الامام الحسين ومن معه في كربلاء في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة وسبي نسائه. واستمر الذين جاءوا من بعده من ملوك بني أمية بأستثناء عمر بن عبد العزيز وملوك بني العباس بأستثناء المأمون، وغيرهم من الملوك على مدى التاريخ الاسلامي المليء بالقتل والدسائس والدماء بمطاردة الشيعة والتنكيل بهم مع حفظ مقام أئمة الشيعة الأثني عشرية وأحترامهم خصوصا في العهد العباسي لكونهم لم يشكلوا خطراً يذكر على السلطة في حينها. ولذا أمسى التشيع مأوى لكل الناقمين على سلطات الاستبداد ومن الباحثين عن العدالة الاجتماعية والحرية ومركز جذب لهم. إننا لو القينا نظرة على غالبية الثورات والانتفاضات في تلك الفترة العاصفة من تأريخ الاسلام لوجدنا فيها نفس شيعي أو كاريزما شيعية، وهذا ما كان قائماً اثناء ثورات الاسماعيليين والقرامطة على سبيل المثال .

فهل استمر التشيع العلوي هذا بنفس الروحية والعنفوان؟، ام توقف في منعطف تاريخي معين ليفقد تلك السمة "الثورية" عندما إنحاز رجل الدين الشيعي إلى صف الفقراء وضد أقطاب السلطة الظالمة الجائرة؟.
في الواقع أن المؤسسة الدينية الشيعية قد تبنت تشيعاً جديداً وغريباً في طقوسه منذ العام 1501 م  مبتعدا عن جوهر التشيع السابق بعد أن اصبحت المؤسسة المذهبية الشيعية ورجل الدين الشيعي جزءا من السلطة التي تستحوذ على المال والجاه وتنكل بالفقراء.
يقول المفكر الاسلامي الإيراني علي شريعتي : (وهكذا يتبين ان التشيع العلوي لم يكن مجرد حركة ثورية استمرت على مدى ثمانية قرون - الى اوان العهد الصفوي -. ولم يقتصر على إعلان الجهاد فكرا وممارسة بوجه الأنظمة ذات الطابع الأستبدادي والطبقي، وهو الأستبداد الذي كان يمثّل قاسما مشتركا بين أجهزة الخلافة الأموية والعباسية والسلطنة الغزنوية والسلجوقية والمغولية والتيمورية والأيلخانية والتي أتخذت المذهب السني مذهبا رسميا للبلاد حينها) (3) . وهنا ينتهي التشيع العلوي بنظر شريعتي ليحل محله التشيع الصفوي، ولكن الذي ينفي صفة الثورية بشكل مستمر عن المذهب الشيعي لحين سيطرة البويهيين على بغداد على الاقل حسب ما جاء به الكاتب اسحاق نقاش في كتابه "شيعة العراق"، هو عدم تنصيبهم حاكما شيعيا على بغداد مع عدم مطالبة رجال الدين الشيعة منهم ذلك. وبذلك استمر الحكم العباسي المناوئ للشيعة ولطقوسهم من خلال ابقاء الملك العباسي الضعيف مكانه.

 وقبل الخوض في قراءة هذا الاثر الكبير والمهم للدكتور علي شريعتي؛ اي كتابه الموسوم بـ ( التشيع العلوي والتشيع الصفوي )، علينا ان نتعرف على سيرة هذا الرجل الذي تعرض لانتقادات وهجوم تيار كبير من رجال الدين المتعصبين الايرانيين وحتى اليوم، بسبب آرائه الاصلاحية الجريئة عندما وصف التشيع الصفوي بالتشيع المليء بالخرافة والابتعاد عن  نهج الامام علي وأخلاقه ومطالبته بإصلاح المؤسسة المذهبية الشيعية وغيرها الكثير والتي سنتناولها لاحقا .

 

علي شريعتي والعائلة

ولد شريعتي، واسمه الكامل علي محمد تقي شريعتي عام 1933 م في مزينان وهي قرية صحراوية صغيرة تابعة لمدينة سبزوار في محافظة خراسان وعاصمتها مدينة مشهد حيث يوجد ضريح ولي عهد المأمون العباسي الامام الثامن للشيعة علي بن موسى الرضا. كان والده محمد تقي شريعتي من كبار المفكرين والمجاهدين الاسلاميين وأسس في مدينة مشهد مع عدد من رجال الدين المناضلين مركز الحقائق الاسلامية ( كانون حقايق اسلامى ). وعمل علي شريعتي في بدايات نشاطه السياسي في شبيبة الجبهة الوطنية. وبعد سقوط حكومة مصدق انظم الى حركة المقاومة التي اسسها آية الله زنجاني وآية الله طالقاني ومهدي بازركان سنة 1958. وبعد قمع المقاومة اعتقل شريعتي ووالده لمدة سنة ونصف. وانهى بعد خروجه من السجن دراسته الجامعية في كلية الآداب بدرجة امتياز ليرسل في بعثة الى فرنسا، حيث نال شهادتي دكتوراه احداهما في علم الاجتماع والثانية في تاريخ الاسلام. وفي فرنسا واصل نشاطه السياسي حيث اسس حركة تحرير ايران فرعي اوربا و امريكا التي كان بازركان والطالقاني وزنجاني قد أسسوها عام 1961 م. وبعد وصوله إلى باريس، كان على صلة وثيقة بمجموعة من الناشطين الايرانيين الذين تسّلموا مواقع رسمية مهمة بعد نجاح الثورة الايرانية عام 1979 من امثال ابراهيم يزدي ( وزير خارجية في وزارة مهدي بازركان " معتقل لمرات عدة " ) وابو الحسن بني
صدر ( اول رئيس جمهورية في ايران ( الآن لاجيء في فرنسا) وصادق قطب زاده ( مدير الاذاعة والتلفزيون الايراني ووزير خارجية سابق (اعدم ) ومصطفى جمران ( وزير دفاع ومن مؤسسي حركة امل ( قتل اثناء الحرب العراقية الايرانية )، كما كان رئيسا لتحرير صحيفة ( ايران الحرة ) الناطقة بالفارسية والتي كانت تصدر في اوربا في عهد الشاه .

 

علي شريعتي في معتقل الشاه
وعند عودة علي شريعتي الى ايران في منتصف الستينات تم اعتقاله عند الحدود ليسجن لفترة ويطلق سراحه وتم تعيينه كمدرس بجامعة مشهد . وكانت محاضراته ودروسه مشاكسة للسلطة الشاهنشاهية، مما ادى بالسلطات الى فصله من الجامعة ليعين معلما في احدى المدارس الابتدائية في احدى القرى النائية. وبسبب عدم توقفه عن نشاطاته، تم نقله الى طهران ليعمل مدرسا في جامعتها وليكون تحت نظر السافاك الايراني . وفي العام 1969 افتتحت حسينية الارشاد التي ستلعب دورا مهما في كونها مركزا للاشعاع الديني العقلاني المتجدد، ومنها بدأ شريعتي محاضراته المنتظمة عن الاسلام وتاريخ التشيع . وراح ينتقد رجال الدين ووعاظ السلاطين وبدأ باستخدام مصطلح "التشيع العلوي" الذي اعتبره غريبا وقد طواه النسيان مقابل "التشيع الصفوي" الذي اعتبره تشويها للتشيع الحقيقي. سمح لشريعتي ان يغادر إيران إلى لندن في عام1977، ووجد مقتولا في شقته بعد ثلاثه اسابيع من وصوله إليها، الا ان تقرير مستشفى ساوثهامبتون قد ذكر ان سبب الوفاة هو نوبه قلبية قاتله عن عمر بلغ 43 سنة. و كان الرأي السائد أن الوفاة تمت على يد مخابرات الشاه. دفن الدكتور علي شريعتي في مقام السيدة زينب في دمشق .
إن شريعتي يمثل أحد أبرز التيارات الاصلاحية للمذهب الشيعي الذي غرق - كما يشير إلى ذلك شريعتي -  في دهليز الخرافات والشعوذة والطقوس الغريبة. لقد  حاول بعض الاصلاحيين تحقيق هذه المهمة منذ ثورة "المشروطة" في إيران عام 1905، وهي أول ثورة ديمقراطية في القارة الآسيوية. ولكن المؤسسة الدينية الايرانية المحافظة وانصارها وخاصة في الريف الايراني المتخلف وبدعم خارجي أحبطت كل محاولات الاصلاح الديني. وكانت المؤسسة الدينية حجر عثرة على طريق تحديث المجتمع وارساء دعائم الديمقراطية، وتجلى ذلك بشكل واضح في وقوف المؤسسة الدينية إلى جانب الانقلاب الذي دبّرته المخابرات المركزية ضد حكومة الزعيم الوطني الدكتور"مصدق" في آب عام 1953، ومن أجل ارجاع الشاه إلى كرسي العرش بعد هروبه خارج البلاد. ولكن ومنذ الستينيات من القرن الماضي، بدأت حركة جديدة للإصلاح الديني خاصة بين الشباب والمتعلمين وبدعم من القلة الاصلاحية لرجال الدين وعلى رأسهم المرحوم سيد محمود الطالقاني. ولقد تبلور هذا التيار الاصلاحي لأسباب عديدة. فقد حصل تغيير في البنية الاجتماعية في المجتمع الايراني جراء تنامي دور الطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية والطبقة العاملة وكل الفئات المرتبطة بالانتاج الحديث في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية التي تركت آثاراً فكرية واقتصادية على المجتمع الإيراني. وهذا ما أوجد الأرضية لنمو جديد للتيار اليساري في عقد الستينيات، وخاصة في صفوف الشباب. وكان ذلك بمثابة انذار للتيار الديني كي يفكر في عملية اصلاحية من شأنها الحد من انتشار التيار اليساري.
وهكذا تبلور هذا التيار الاصلاحي الذي سعى إلى تحرير المذهب الشيعي من الشوائب التي علقت به خلال القرون السابقة. وكانت أولى بدايات ذلك هو سعي هذا التيار الى التلفيق بين العلم والدين. وظهرت على سبيل المثال مؤلفات تشير إلى أن القرآن قد عالج "نظرية التطور" قبل أن يطرحها العام داروين في بريطانيا، بالاستناد إلى آيات قرآنية في مؤلف "التطور في القرآن" (تكامل در قرآن) الذي ألفه الدكتور يد الله سحابي أحد المقربين إلى شريعتي ومهدي بازركان والطالقاني. هذه النزعة في الحقيقة تماثل النزعة التي جرت لاحقاً في العالم العربي ضمن موجة "الاعجاز في القرآن". ولقد اعتبر هؤلاء الاصلاحيون الايرانيون أن لا مجال لهم في السير بعملية الاصلاح دون نقد المؤسسة الدينية التي هيمنت على المجتمع فكرياً وسياسياً وحتى مادياً، والتي تعتبر امتداداً للتشيع الذي فرضته السلسلة الصفوية على ايران منذ نهاية القرن الخامس عشر، وسارت عليه السلسلة القاجارية منذ 1779 وحتى سقوطها عام 1925. وتبنت أوساط واسعة من الشباب المؤمن وخاصة مجاهدي خلق الترويج لهذا التيار الاصلاحي الذين راحوا يروّجون لمؤلف الدكتور علي شريعتي "التشيع الصفوي والتشيع العلوي" وأصبح بمثابة المادة الفكرية الأساسية لهؤلاء الشباب. ولكن هذا التيار اصطدم بالتيار المحافظ المذهبي الذي سيطر على الحكم بعد الثورة الايرانية ليتولى هجوماً قاسيا ضد التيار الاصلاحي وضد كل افكار التنوير والحداثة.
لقد تحول الكتاب إلى موجز لعمل مسرحي في فصله الاول، وإلى خطبة قد القاها في حسينية الارشاد على امتداد ثلاث ساعات في فصله الثاني.
في الكتاب، أكد شريعتي مراراً على الفرق بين ما يطلق عليه لفظ الروحانيون (ومفردها روحاني " من الروح " وهو لفظ وتسمية جديدة في الفكر والادب الشيعي ) و لفظ علماء الدين ( مفردها عالم دين ) كبير جدا، بل هما على تضاد حسب رأيه حين يقول :(انا لا اساوي بين الروحانيون وعلماء الاسلام ، بل اراهما على تضاد). فلا (يوجد لدينا في الاسلام طبقة او فريق باسم الروحانيين. وهذا المصطلح جديد جدا. في الاسلام لدينا العالم مقابل غير العالم ، وليس الروحاني ضد الجسماني ، السيد روحاني ، طيب ما هو وجه الاستفادة منه ؟. هل هو مفكر اسلامي ؟ الجواب لا . هل هو عالم اسلامي ؟ الجواب لا. هل هو خطيب اسلامي؟ الجواب لا . هل هو كاتب او مترجم اسلامي ؟ الجواب لا . اذن ما هو ، انه.. نور بالكامل ، ومقدس ، وشخصية دينية ، انه ماء وجه الدين !). واستنادا إلى اقوال وافعال شريعتي هذه علل مهدي بازركان اسباب عداء بعض رجال الدين له قائلا ان: (الروحانيون وفي مختلف الاديان ومن خلال مختلف الادوار لهم دليلين في عدم توافقهم مع اشخاص من امثال علي شريعتي ، احدهما رؤيتهم للتجديد والتحديث من انه يتنافى واصالة وتقوية الدين ، ولخوفهم من تزلزل افكار ومعتقدات الناس " العامة " المبنية على التحجر والعادات والافكار البالية الى حد كبير. والسبب المهم الآخر هو انهم لا يريدون اي شخص من خارج المؤسسة الدينية " المقدسة " ان يدخل منطقة الوساطة بين الله وعباده غيرهم )  (4) .
يتبع

(1)  "ويكيبديا بالعربية"
(2) "سورة الحجر"
(3)  " التشيع العلوي والتشيع الصفوي ، علي شريعتي ص 29 "
(4) "ويكيبديا بالفارسية"


الدنمارك
25/10/2014

349


النظام الطائفي في بغداد متعفّن وغير قابل للأصلاح


إن أية محاولة لتزكية النظام السياسي القائم في بغداد وإبعاد صفة الطائفية - القومية عنه تعني تعمد قراءة الواقع السياسي العراقي بشكل يفضي الى تجاوز كل الخراب الذي أنتجه وسينتجه هذا الشكل المشوه من نظام الحكم، حتّى لو حاول البعض ومن أجل "المصلحة الوطنية" وصف الحكومات التي جاءت من رحم طائفي، بحكومات الشراكة الوطنية أو حكومات توافقية ستنتهي (وهم كاذبون) بعد أستقرار الأوضاع الأمنية وأعادة عجلة البناء والحياة الى الدوران بتعديل الدستور وسنّ قوانين جديدة. لأن الأحزاب الطائفية - القومية لا ترى الا في إعتماد وتكريس هذا الشكل من نظام الحكم تحديدا لحماية أمتيازاتها التي حصلت عليها خلال فترة هيمنتها على مقاليد البلد. فهذا النظام ومن دون الدخول في تفاصيل عجزه بأدارة أبسط الملفّات التي تصدى لها منذ الاحتلال لليوم يعتبر نظاما فاشلا بكل المقاييس.

من الصعب مقارنة النظام السياسي في العراق اليوم مع أي نظام سياسي آخر في أي مكان بالعالم ، كوننا في العراق لا نعرف لليوم شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم فيه ولازالت الامور عندنا ضبابية نتيجة تداخل مهام الدولة والحكومة واللتان تختلفان عن بعضهما كونهما منفصلتان. فالدولة تمثل السلطات الثلاث ومنها السلطة التنفيذية أي الحكومة، والدولة أضافة الى مسؤوليتها تلك فلها واجبات أخرى كأدارة شؤون المجتمع وتنظيم الحياة الاجتماعية فيه والتي هي أساسا جزء من مهام اكبر وهي أحتكارها للأجهزة السياسية والاقتصادية والقانونية، أما الحكومة فيمكن القول من أنها عبارة عن موظفين "ساسة" يحكمون بأسم الدولة لفترة زمنية معينة ليرحلوا بعدها عكس الدولة التي تظلّ باقية على الدوام.

لكي نعرف إن كان هناك في عراق اليوم دولة أم لا علينا البحث عن أهداف الدولة تجاه وطنها وشعبها مقارنة مع أية دولة تحترم وطنها وشعبها بالحد الأدنى. ولننطلق من أولى وأهم هذه الأهداف أي الحفاظ على أمن المواطن وحمايته من كل أشكال القهر والارهاب والتهميش السياسي، مع توفير حياة حرة كريمة لهذا المواطن في مجالات الصحة والتعليم والعمل والثقافة وذلك بالحفاظ على وتطوير موارد بلده من الثروات الطبيعية وعدم التفريط بها أو المساهمة في تبديدها. وهناك الامر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ما ذكرناه كونه يعتبر أطارا لحمايته وهو العمل على استقلال القرار السياسي وحماية أمن البلد وحدوده وعدم السماح لأية قوى أجنبية دولية كانت أم أقليمية بالتدخل في شأنه الداخلي.

فهل والارهاب يضرب متى ما شاء واينما شاء ومع أنعدام شبه كامل للأمن والخدمات ونهب ثروات البلد من قبل دول الجوار وأنهيار القطاعين الصناعي والزراعي والتدخل العلني لدول عدة بالشأن السياسي الداخلي وأنهيار الحدود وأمكانية تجاوزها بسهولة كبيرة من مختلف الجهات توحي من أن هناك دولة؟

الدولة في حالة العراق متعدد الطوائف ولكي ينطبق عليها مفهوم الدولة فأنها بحاجة الى القفز على كل الطوائف أي أن لا يكون للطائفة أي موقع فيها من الناحية السياسية لأن تسلح الطوائف بظهير سياسي دستوري يعني حلبة صراع مفتوح بين هذه الطوائف، والتي تحمل في رحمها جنين الحرب الطائفية الذي إن خفّ أواره لضغوط دولية وأقليمية في وقت معين فأنه سرعان ما سيستعيد "عافيته" في أي فراغ سياسي ليدمر ما لم يُدَمَر نتيجة فشل الدولة في مهامها سابقا. فالدولة العابرة للطوائف مهمتها الاساسية هي حماية نفس الطوائف التي تبدو متصارعة على ساحتها من خلال حماية المواطن الفرد عن طريق أنتاجها لنظام سياسي ديموقراطي حقيقي وحكومة أغلبية تستند الى صناديق الاقتراع على أن لا تتجاهل حقوق الاقليات القومية والدينية والمذهبية والسياسية، وأن تسن القوانين الكفيلة بأجراء الانتخابات البرلمانية بحرية وشفّافية وبعيدا عن استخدام الدين والطائفة كخطاب وبرنامج سياسي!

إذا ما تحققت ما تسمّى بـ "حكومة الشراكة الوطنية" في أية دولة ومنها العراق فأنها تعتبر ترجمة حقيقية للتجاوز على الدولة وتعطيل مؤسساتها كون هذه الشركة سوف تنتج " أنتجت" نظاما لتوزيع المناصب وفق النقاط وكأننا في بورصة تجارية، وستعمل "المطلوب أن تعمل" هذه الحكومة بمكوناتها الطائفية والقومية على خدمة كياناتها تلك وليس المواطن المتواجد في أي بقعة جغرافية من الوطن وبغض النظر عن أنتمائه الديني والطائفي والقومي، ولكننا لا نرى هذه الخدمة على أرض الواقع بل العكس هو الصحيح فحجم الدمار والتخلف وانعدام الامن والخدمات منتشرة على عموم التراب الوطني العراقي عدا أقليم كوردستان ولحدود معقولة ولكن غير كافية نتيجة لأشتراك السلطة هناك بنفس السمات مع مثيلتها بالمركز وهي في الواقع جزء منه.

أن ما تسمّى بـ "حكومة الشراكة الوطنية" أو بـ "حكومة التوافق" لم تترك لنا من خلال تجربتنا المرّة معها خلال فترة الثلاث عشرة سنة الماضية الا خرابا وفوضى خلّاقة! وعلينا اليوم البحث عن قوى قادرة على أن تخرج بلدنا وشعبنا من تحت ركام هذا الكم الهائل من الخراب المادي والمعنوي والروحي بسعيها على أن تكون مركز جذب واستقطاب لقوى أجتماعية متضررة مما وصل اليها حالها وحال البلد والتواقّة للعيش بسلام وكرامة في عراق آمن مستقر. لأن الاعتماد على نفس القوى الطائفية من أجل تغيير الواقع السياسي بتعديلها للدستور للعبور بالعملية السياسية لانتاج دولة مدنية حديثة حلما لا أظنه يتحقق مطلقا، لأن في حالة تحقيقه يعني تنازل هذه القوى عن مصالحها وهذا أمر بعيد تحقيقه أن لم يكن محالا. وفي هذه الحالة فأنها لن تنتج الا نظاما متهرئا وغير قابل للاصلاح. أن الطريقة الوحيدة للأصلاح هي هدم هذا النظام وبناء نظام مؤسسات لا مكان فيه لعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات، نظام سياسي يحترم الدين كحاجة أنسانية وأجتماعية عند قطاع واسع من العراقيين ولكنه يعمل "من اجل مكانة الدين واحترامه" على الغاء دور المؤسسات الدينية الطائفية في الشأن السياسي.

الاحزاب الطائفية تتحمل كامل المسؤولية عن هزيمتنا الفكرية والاجتماعية والاخلاقية، بل هزيمة وطننا.



زكي رضا
الدنمارك
23/10/2014


350
المنبر الحر / هَزُلَت وربّ بغداد
« في: 22:19 15/10/2014  »
هَزُلَت وربّ بغداد

وزارة السيد العبادي غير مكتملة لليوم فالوزارات الامنية وكالوزارات السابقة لم تحسم بعد لأي مرشح شيعي وسنّي على الرغم من أن الدستور العراقي المريض لم يشر الى مثل هذه القسمة الضيزى، والسيد العبادي والعراق يمر بظرفه المعقد جدا اليوم حيث داعش على أبواب بغداد وفق العديد من المصادر الغربية والأرهاب يضرب بقوة لغياب الأمن ، والجيش العراقي في أسوأ حالاته والميليشيات الشيعية والسنية المدعومتان من المؤسستين الطائفيتين الشيعية والسنية تعيثان بأرض العراق فسادا مكبّلة حتى الجيش الضعيف نتيجة تعدد مصادر القرار .

العبادي يقع تحت ضغط قائمته أولا وتحالفه الشيعي ثانيا فدولة القانون بزعامة الفاشل المالكي والمهيمن على الوزارتين "الداخلية والدفاع" لسنوات طويلة والتي قادهما بفشل يحسد عليه، تذّكر اليوم فقط من أن أدارة الوزارتين بالوكالة أمر سيء ولا يتوافق مع الدستور ويضر بالعملية السياسية!! ما يدفعه و "دولة لاقانونه" بالضغط على السيد العبادي لتوزير قائد ميليشيا بدر"هادي العامري" كوزير للداخلية، على الرغم من كثرة الأعتراضات على العامري من قبل جهات المحاصصة الاخرى والتي شُكّلت الحكومة على أساس توافقها من جهة ومن بعض أطراف التحالف الشيعي نفسه من جهة اخرى، ولعدم أهلية العامري لتسنم هذا المنصب المهم كونه معروف بولائه المكشوف لأيران والذي يجعل الطرف السنّي أن يضع العصا في عجلة الحكومة بترشيحه لأي أرهابي أو بعثي أو ميليشياوي على أساس المعاملة بالمثل. وكأن البلد لا طاقات فيه الا تلك التي على غرار العامري ونظيره السنّي!!

أن القوى الطائفية الشيعية منها والسنية معروف أمتداداتها للشارع السياسي العراقي وهم لا يخجلون في أن يعلنوا ولائهم لهذه الدولة الأقليمية أو تلك، ولم يعد سرّا تلك العلاقات التي تربط سنّة العراق ببعثييهم وأسلامييهم وقومييهم وأرهابييهم من عناصر ميليشياتهم الدموية بدول مثل السعودية وقطر وتركيا وغيرها ، بل هم يعلنوها بشكل صريح ويعملون على تنفيذ أجنداتهم في "بلدهم" على الرغم من أنها تصب في خانة خراب البلد، وآخر تلك الأجندات كانت أحتضان عصابات داعش وقبلها القاعدة في مدنهم وقراهم ومن على منصّات عارهم حيث كانت الاناشيد التي تنادي بقتل أبناء "بلدهم" وتمجد بتنظيم القاعدة الأرهابي محط فخر لهم وما "سبايكر وما جرى للمسيحيين والأيزيديين الّا شواهد حيّة ووصمة عار ستلاحقهم على مدى الزمن"،وليتنمر بعدها المارد الأرهابي على مدنهم وقراهم ليذيقهم طعم جهنم قبل بلوغها فها هي المدن التي أحتضنت هذه العصابات تدفع الثمن من دماء ابنائها وأعراض نسائها.

أما القوى الشيعية فلم تخجل لا اليوم ولا الأمس في أظهار ولائها وتبعيتها للحكومة الأيرانية، فطهران هي الكعبة التي يحجّ اليها ساسة الشيعة لينحروا عند ولي الفقيه فيها "بلدهم" كما تنحر القوى السنّة "بلدهم" في مواخير قطر والسعودية وتركيا، والقوى الشيعية يهمها مصلحة الجار الأيراني أكثر بكثير من مصلحة بلدهم كون أيران هي العمق الشيعي والذي يجب أن لا يتعرض للخطر وليذهب العراق الى الجحيم. فأذا كان العراق في خطر وهناك ضرورة للتعامل مع الولايات المتحدة الامريكية وبدلا من ان يتجرع ساسة العراق السم كما تجرعه الخميني عند موافقته على انهاء حربه مع المجرم صدام حسين فأن الموقف الايراني من أمريكا ومصلحة بلدهم هو ما سيعتمده ساسة العراق الشيعة وليس مصلحة العراق، أما الميليشيات الشيعية المدربة والمجهزة في معسكرات تدريب أيرانية فأنها ليست سوى حصان طروادة لفيلق القدس الايراني داخل الجيش العراقي خصوصا بعد تشكيل الحشد الشعبي الطائفي المحتوى، وعليه فأن ظهور سياسي شيعي من الاحزاب الطائفية الحاكمة قادر على تجرع السم من أجل مصلحة "شعبه ووطنه" ومثله من الطرف السنّي يعتبر ضربا من الخيال.

بالعودة الى بداية مقالتنا والحديث عن الوزارات الامنية "الداخلية والدفاع" والصراع بين الكتل الطائفية حول من سيغنم هذه الغنيمة، نقلت صحيفة الحياة اللندنية خبرا عن أستعانة السيد العبادي بأيران من اجل الضغط على الاحزاب التي تدور في فلكها "عملائها" ومنح حرية أكبر له "العبادي" في ترشيح شخصية شيعية غير العامري لهذا المنصب، كما ولا مجال للشك هنا بأن القوى الطائفية السنّية هي الاخرى ستحسم منصب وزير الدفاع من خلال مرشح الشيعة للداخلية أضافة الى الأوامر التي ستصل لها من قطر والسعودية وتركيا بأعتبارهم رعاة الأرهاب الذي تتبنى تنفيذ برامجه الاحزاب السنّية في الحكومة من أجل ابقاء العراق ضعيفا ومفككا حتّى الأنتهاء من الأزمة السورية خوفا مما يسمى بهلال شيعي.

أن طلب العبادي لو صح وفق ما جاءت به صحيفة الحياة اللندنية سيكون مقبولا لحدود كبيرة ليس لضعف موقفنا كعراقيين بل لأن أيران تعتبر لاعبا رئيسيا أن لم تكن الأرأس في أدارة الملف العراقي وما يشكله هذا الملف من أهمية على مجمل السياسة الخارجية الايرانية، فالعراق حلقة وصل بين أيران وسوريا ومنها لبنان حيث حزب الله ومصالح أيران في هذه البلدان ليست خافية على أحد، أضافة الى تعهد أيران بحماية الشيعة العراقيين وعتباتهم المقدسة والتي صرحت انها ستتدخل بالعراق متى ما تعرضت "العتبات المقدسة " لأي خطر.

ولكن غير المقبول بالمطلق والذي يدل على أستهتار ساسة الاحزاب الطائفية الشيعية بالعراق وشعبه هو لقاء "ولازال الحديث لصحيفة الحياة" جرى بين أحد اعضاء التحالف الشيعي "الوطني" في بيروت مع "الشيخ محمد كوثراني" مسؤول الملف العراقي في حزب الله لمناقشة القضية معهم!!

أن مجرد مشاركة الحكومة أو التحالف الشيعي "الوطني" لحزب الله اللبناني في هذا القضية بل وفي أية قضية أخرى تثبت بالدليل القاطع مدى هوان وبؤس وتبعية هؤلاء "الساسة"، هل هناك دولة بالعالم تحترم نفسها وشعبها تأخذ النصح والمشورة من منظمة عسكرية أجنبية!؟ هل أنتم منظمة سرية!؟ أليس بينكم ذو عقل رشيد ليقول لكم من أنكم تديرون بلدا موغلا بالتاريخ وان هذا الحزب هو وليد الامس فقط!؟ يا لعاركم .. يا لعاركم فقد هزلت بكم بغداد التي تكرهون.

وانّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق و لا أظهر من الباطل ... الامام علي "ع".
 

 
زكي رضا
الدنمارك
14/10/2014

351

إلغاء القرارات ال (370) مطلب شعبي ووطني

على الرغم من دقّة الاوضاع الأمنية والعسكرية ووصول عصابات داعش الى أقرب نقطة لها في تهديد العاصمة بغداد حسب صحيفة " الانديبيندت البريطانية"، والنكسات العسكرية الاخرى في محافظة الانبار وأختطاف المئات من العسكريين العراقيين وقتلهم بشكل بشع على يد تلك العصابات المجرمة المتحالفة مع البعث الفاشي ومن يسّمون أنفسهم " بثوار العشائر". وعوضا عن أن تصب كل الجهود وترص كل الامكانيات لمواجهة هذا الخطر الجدي والذي أستطاع السيد العبادي أن يحشد له موقفا دوليا لمحاربته من خلال زيارته الاخيرة الى مقر الامم المتحدة خلال الايام الماضية، والتي تُوِجت بحشد دولي بدأ منذ أيام بقصف مراكز تجمعات تنظيم داعش الارهابي والحاق اضرار كبيرة به. نرى المالكيين من أعضاء حزب الدعوة ودولة اللاقانون وجيش من الكتبة والمتملقين والانتهازيين من محرري صحف ومواقع الكترونية والعشرات من مواقع التواصل الاجتماعي، قد بدأوا بشن هجوم قاس على السيد العبادي محمّلين أياه الفشل الامني والعسكري خصوصا حادثة الصقلاوية. وكأن الامن كان مثاليا في عهد الحاج ، ناسين في نفس الوقت أو متناسين على ما يبدو حادثة اسبايكر، التي دخلت التاريخ العراقي كأسوأ حادثة حدثت زمن قائد أعلى للقوات المسلحة العراقية "المالكي" وبتلك الصورة البشعة التي رأيناها ورآها العالم معنا.

بدلا أن تعمل كل الأطراف السياسية العراقية على تهدئة خلافاتها التي لا تنتهي من أجل أنقاذ البلد والعملية السياسية على علاتها من الأنهيار بخلق تفاهمات وان كانت آنية حتى خروج البلد من مأزقه، نرى المالكي الفاشل ومعه جيش من عبيد اليورو والدولار بدأوا بشن هجوم لا هوادة فيه على السيد العبادي بسبب القرارات التي أتخذها مؤخرا وأهمها وقف قصف المدن للحفاظ على ارواح الابرياء، حتّى وصل بهم الامر الى اعلان نيتهم بل والتحضير لمظاهرات مناوئة للعبادي هدفها ليس اصلاح العملية السياسية والتي خرجت من اجلها مظاهرات ساحة التحرير سابقا وقمعها الفاشل بالقوة، بل أزاحة العبادي وأعادة الفاشل الى سدة الحكم في قراءة سياسية تدل على صبيانية هذا الفاشل وفريقه الأمّي سياسيا. الذين لا يستطيعون قراءة خارطة سياسية يقرأها أبسط مواطن عراقي خصوصا وأن العبادي حصل على تأييد دولي وعربي وأقليمي ووطني كان يحلم به المالكي الفاشل.

أن فريق المالكي وهو يعمل جاهدا كما البعثيين بأعادة عقارب الساعة للوراء يعتمد على مليارات الدولارات المنهوبة من المالكي وحزبه ودولة لاقانونه في شراء ذمم مئات الضمائر الميتة من جهة، ومن جيش الأتباع الاوفياء لسيدهم الذين تم تعيينهم في المناصب الحكومية المختلفة أثناء فترة حكمه أو خلال أيامه وساعاته الاخيرة من خلال 370 قرارا فرديا وكأنه كان يسارع فيها الزمن.

أن تواجد هؤلاء الذي عينهم المالكي الفاشل بمناصبهم خلال تلك الفترة تمثل علاوة على عدم شرعية تلك القرارات كونها لم تأتي ضمن السياق القانوني والأداري، فأنها تمثل من ناحية أخرى سكاكين مغروسة في خاصرة العبادي وحكومته. ومن أجل درء هذا الخطر الذي أن توارى اليوم لظروف قاهرة فأنه سيعود للظهور مسببا الكثير من المشاكل مستقبلا ، ليس أمام العبادي سوى التحلي بالجرأة متسلحا بحقه الدستوري بألغاء قرارات سلفه الـ 370 والذي هو مطلب وطني وشعبي خصوصا وأن من عيّنهم الفاشل هم أما من البعثيين أو من غير الكفوئين وغير المهنيين.

هناك العديد من نقاط الشبه بين المالكّية والصدّامية.
 زكي رضا
الدنمارك
30/9/2014


352


لو في يدي لحبست الغيث عن عراق مستسلم *


لا يوجد وطن على الارض لم ينتفض لمقاومة محتليه، وقليلة هي الشعوب التي ترضى أن تهان وجيشها وقواها الشعبية من قبل دول أخرى، وقليلة هي الاحزاب التي ترضى بأن يهين أي كان "شعبها" وجيش "بلادها" وهي صامتة كصمت المقابر. ومن الشعوب القليلة التي ترى نفسها وجيشها يهانان وينعتان بالخوف والجبن من دون ان تحرك ساكنا وكأنها دكّة موتى هو شعبنا العراقي للأسف الشديد، ومن الاحزاب التي ترضى ان يهان "شعبها" و"جيشها" نتيجة صمتهم عن تلك الاهانة هي الاحزاب الشيعية الحاكمة والسنية والكوردية بأكملها، ومن الساسة الذين يحتقرون "شعوبهم" بصمتهم عن عدم رد الاهانة التي تعرضت لها هم ساسة المحاصصة بكل اطيافهم دون إستثناء.

لو تحملنا أهانة حزب الدعوة الحاكم وزعيمه الفاشل بأمتياز الحاج نوري المالكي بحق مئات الالاف من منتسبي وزارة الداخلية ومنهم الوكيل الاقدم للوزارة الحاج ابوحسنين، عندما أعلن فشلهم جميعا ولأكثر من مرّة في أعتقال مقاول فاسد وأرهابي بحوزته العشرات من المسدسات كاتمة الصوت حسب زعمه ونهوض نجله "أحمد" بالمهمة من المرة الاولى وخلال لحظات، فأننا لا نتحمل على أكثر الظن أهانة قاسية ومؤلمة وجهها لشعبنا وجيشه وپيشمرگته وحشده الشعبي المتسلح بفتوى المرجعية وميليشياته الطائفية كالأهانة التي وجهتها القيادة الايرانية لشعبنا وحكومتنا وحكومة الاقليم وباقي التشكيلات العسكرية شبه النظامية "الميليشيات"، عندما أكّدت أن لولا الحاج قاسم سليماني الذي يدير الملف العراقي ومعه 70 رجلا فقط قاتلوا معه لكانت اربيل بل وكوردستان بأكملها سقطت كما سقطت الموصل بيد عصابات داعش المجرمة.

لقد نقلت صحيفة الحدث الجديد "رويداد نو" نقلا عن شبكة "أي بي سي نيوز الامريكية والتي كانت قد تابعت لقاءا تلفزيونيا بقائد القوة الجوية في الحرس الثوري الايراني على قناة "المستضعفين التلفزيونية" والتي نُشِرَت على نطاق واسع في وسائل الاعلام الايرانية، أن الحاج قاسم سليماني زعيم فيلق القدس أستطاع برفقة 70 رجلا فقط من الحرس الثوري الايراني ان يوقف زحف داعش ويمنعهم من دخول اربيل!! وأضاف قائد سلاح جو الحرس الثوري الايراني في لقاءه التلفزيوني أن مستشاري أيران العسكريين نظّموا عمل الميليشيات الشعبية "يعني الشيعية" والتي الى جانب "رجولة" حكّام العراق "حسب تعبيره" وموقف الحوزة الدينية ساهمت مجتمعة بأسقاط سيناريو أحتلال بغداد ومن ثم تحريرها من الامريكان ليعوضّوا فشلهم السابق، مضيفا الى ان الدول التي موّلت الارهاب ودرّبت الارهابيين والتي وصلت تعدادها الى ما يقارب الاربعين دولة أستندت الى القصف الجوي لتدمير مجموعة أرهابية كداعش، فيما الجيش العراقي والميليشيات "الشيعية" قادرتان على الحاق الهزيمة بداعش وأن أحتاجا الى مساعدة فأن هذه المساعدة يجب أن تأتي من دولة مثل أيران!!

أن أنقاذ 71 رجلا فقط لمدينة مثل أربيل من السقوط وبقية أجزاء كوردستان ومعها مدينة آمرلي وفشل الجيش والمليشيات الشيعية وقوات الپيشمرگة بذلك تضعنا أمام سؤالين الأجابة على أي منهما جريمة لا تغتفر. فبعد هذه المهزلة من حقّنا أن نسأل وبصوت عال جدا الحكومة المركزية ببغداد عن جدوى جيش صُرِفت على تجهيزه عشرات مليارات الدولارات وليفشل في النهاية بالقيام بمهمة نفّذها 71 رجلا، والذي "الجيش" فرّ قبله تاركا ثلث مساحة البلاد ومن ضمنها ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة بغداد بيد عصابات داعش وحلفائها من البعثيين وبعض العشائر السنّية، وهل قادة الجيش الذين ينظرون ببلادة لشهداء "سبايكر والصقلاوية " والالاف غيرهم علينا مكافأتهم بأحالتهم على التقاعد أو بمنحهم قطع أراض في أرقى مناطق بغداد أن كان هناك رقّي في عاصمة مهملة ، أم بمحاكمتهم في محاكم ميدانية أو على الاقل علنية ومعهم الساسة المدنيين المشرفين عليهم. ومن حقّنا أن نسأل المرجعية الدينية التي أفتت بالمساهمة في الحشد الشعبي "الطائفي" عن عجز من ساقتهم لهذه المعركة من انجاز مهمة نفّذها 71رجلا!؟ كما ومن حقنا أن نسأل القيادات الكوردستانية عن سبب أنهيار قوات الپيشمرگة وفشلها بالتصدي تاركة هذه المهمة لفيلق القدس الايراني برجاله الـ71 ! وأين هي عشرات مليارات الدولارات التي دخلت خزائن الاقليم منذ العام 1991 ليومنا هذا، أيعقل أيها القادة الاشاوس أن تفشلوا من حيث نجح 71 رجلا!؟ كما وأن مأساة الأيزيديين وسبي نسائهم وبناتهم ستظل وصمة عار في جبين من جبن تاركا ساحة المعركة للأفاقين والأرهابيين والبعثيين، وستظل اصابع سباياهم اللواتي تم بيعهن في سوق النخاسة الاسلامية تشير أن لا شرف لساسة المنطقة الخضراء من المتاجرين بدماء شعبنا بمختلف أطيافه.

دعونا نعود الان الى السؤال الثاني مستفسرين أن كان ما قالته الصحافة الايرانية حول البطولات "المزعومة " لقائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني ورجاله السبعين ليست صحيحة بل هي نوع من آلة الدعاية الايرانية فقط، فهل هناك سببا واحدا يدعو عدم قيام حكومة بغداد ومعها حكومة الاقليم والمرجعية الدينية بدفع صفة الجبن والهروب من أمام عصابات داعش، بأبعاد مثل هذه التهمة الشنيعة عن جيشنا وپيشمرگتنا و حشدنا الشعبي ومقاومي آمرلي الشجعان طيلة أشهر من الحصار، وذلك بأصدار بيانات رسمية تكذّب مثل هذه الاخبار وتعيد لشعبنا كرامته؟

كمواطن "عراقي" أشعر بالهزيمة والذل وانا أرى جيش بلدي وأقليمه وحشده المؤمن بفتوى مرجعيته يهابون عدوا هزمه 71 رجلا لاغير. ولكنّ هزيمتي وذلّي يتحولان الى مرارة وأسف شديد على شعب يرى أطفال بلده ونسائه وبناته يباعون في الشوارع وسوق النخاسة بأبخس الاثمان، وهزيمتي وذلّي يتحولان الى صرخة كبيرة بوجه شعب يعيش في مدن محرومة من كل شيء فهي محرومة من الخدمات والأمن والصحة والعمل والدراسة والكرامة، ويهان يوميا عند نقاط السيطرات التي يمر من خلالها المسؤولون والسيارات المفخخة التي تفجر أجساد أبناءه في سماوات الوطن، وتتحول هزيمتي وذلّي الى رثاء ونشيج على شعب يبحث عن فتاوى من معمميه ليتقاتل على أرث أرض ليست بأرضه مع آخرين يبحثون عن فتاوى مشابهة ليكفّروا أبناء وطنهم وليسلموا رقابهم الى عصابات تريد أن تعيدنا الى عصر صدر الاسلام، أيعقل أن يعيش شعبا كاملا على أحداث 1400 عاما مضت تاركا مستقبله وحاضره؟ أن كان الامام الحسين أستشهد في كربلاء مع 72 رجلا من أهل بيته وأصحابه فله اليوم مقاما رفيعا في قلوب كل المسلمين وعلى الاخص منهم شيعة أبيه علي بن أبي طالب وله ولأصحابه قبور معروفة مزينة بالذهب والفضة والديباج يزورها الملايين من عشاقه . أما شهداء سبايكر والصقلاوية وغيرهم فأن الصحراء قد أبتلعتهم والى الابد بعد ان تم سوقهم الى حيث نحرهم في منظر سيبقى عالقا بأذهان كل الخيرين والطيبين الحالمين ببناء عراق لا طائفي ولا مكان فيه للصوص والقتلة الذين نهبوا خيرات البلد بأسم المحاصصة اللعينة.

* أعتذر للشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري كوني أستخدمت بيت شعر من قصيدة له كعنوان للمقالة بعد أن بدّلت "بلد" بـ "عراق" والتي بث فيها لواعج نفسه وروحه لحال شعبه ووطنه عندما قال في أبيات كلها غرر منها....

وكيف يُسمع صوت الحق في بلد ٍ.......... للإفك والزور فيه ألف مزمار
واخش الدخيل فلا تمدد إليه يداً.......... فإنه أي نفَّاع ٍ وضرّار ِ
صرف الدراهم باعوا واشتروا وطني .......... فكل عشرة أميال بدينار
وطغمة ٌ من دُعاة السوء ساقطة ٌ.......... ليست بشوك ٍ إذا عُدَّت ولا غار ِ
مأجورة لم تقُم يوماً ولا قعدت .......... إلا على هتك أعراض وأستار
عوت فجاوبها أمثالها همج ٌ.......... من كل مستصرخ للغي نعّار

الى ان يقول .....

لو في يدي لحبست الغيث عن وطن ٍ.......... مستسلم ٍ وقطعت السلسل الجاري


 

لقاء قائد القوة الجوية في فيلق القدس مع تلفزيون المستضعفين باللغة الفارسية.
http://mostazafin.tv/latest-video/video/3344

 
زكي رضا
الدنمارك
28/9/2014

353
إلى متى يا بغداد، وهل سقط الكورد الفيليون من المقالة سهوا؟

في عموده الأسبوعي "تغريدة الأربعاء" كتب الشاعر والأديب إبراهيم الخياط مقالة تحت عنوان " إلى متى يا بغداد"،  متسائلا بحرقة عن سبب صمت بغداد عن العشرات بل المئات من المجازر والكوارث التي حلّت بأهليه منذ أن مُصِّرت قبل ما يقارب الـ 1250 سنة أثناء حكم الملك العبّاسي أبو جعفر المنصور وليومنا هذا. وقد قسّم الكاتب الكوارث والنكبات التي حلّت ببغداد وفق قرائتي لمقالته الى ثلاثة أشكال من الكوارث والنكبات، منها التاريخية ومنها السياسية ومنها ما يتعلق بتصرفات الرعاع والغوغاء أثناء إنعدام الأمن لأي سبب كان إن كان عمدا أو من دون عمد.

فالنكبات التاريخية بدأها الكاتب من حصار وإحتلال هولاكو لبغداد ومقتل ما يقارب المليون بغدادي وفق كتب التاريخ، وبعدها نكبتها "بغداد" على يد تيمورلنك والذي قتل وفق كتب التاريخ أيضا والتي ذكرها الكاتب ما يقارب مئة ألف بغدادي خلال يومين فقط، ناهيك عن الدمار الذي لحق المدينة خلال النكبتين وتدميرها. ولم تقتصر النكبات التاريخية في بغداد على عهد معين، ففي أثناء الصراع الصفوي العثماني والذي بدأ بعد تأسيس الدولة الصفوية العام 1501م على سبيل المثال لا الحصر كانت بغداد بوجود مراكز الاستفزاز الشيعية في الكاظمية والسنية في الأعظمية، مسرحا لصراع الدولتين ليدفع البغداديون ثمن ذلك الصراع السياسي ذو اللبوس الطائفي مئات الالاف من أبنائهم لحين إنهيار الدولة الصفوية. 

أما النكبات السياسية التي حلّت ببغداد فقد بدأها الكاتب بأم النكبات والمجازر والكوارث التي فتحت باب العراق على مصراعيه لتدخل من خلالها الريح السوداء التي لم تتوقف على حرق البلد لليوم، وذلك في الثامن من شباط الاسود الذي قُتِل فيه الالاف من خيرة نساء ورجال بغداد على يد أعضاء دواعش البعث حينها. ولينتقل الكاتب الى كوارث ما بعد أنهيار البعث والتي قادها البعث المجرم نفسه وليدفع البغداديون هذه المرة ثمنها عشرات الالاف من أبنائها في حمامات دم ليس هناك في الافق ما يشير الى نهايتها.

إن الكوارث في الحقيقة شملت كل التراب العراقي وفي مختلف العهود ولكنني تحدثت عن بغداد فقط كون مقالة الكاتب الخياط جاءت على شكل سؤال لبغداد المدينة على الرغم من أنه يعني بها العراق بالتأكيد، كوني أريد أن أتحدث عن نكبة منظمة قامت بها أجهزة سلطة فاشية ورعاع همج من أبناء نفس الرعاع الذين أغاروا على محلات وبيوت يهود بغداد في العام 1941 ، ليسرقوا وينهبوا ويقتلوا ويهتكوا الأعراض أمام أعين السلطة التي شاركتهم "فرهودهم" وليجبروهم بعد ذلك على مغادرة بلدهم الى الدولة العبرية  وهي نكبة الكورد الفيليين.

لقد بدأت نكبات وكوارث الكورد الفيليين في عهد البعث المجرم منذ العام 1970 عندما أقدم هذا النظام الشوفيني بتهجير عشرات الالاف من أبناء هذا المكون العراقي الأصيل الى أيران مع سماحه لقوة أيران الشاه حينها للمهجرين  ببيع ممتلكاتهم ونقل أموالهم معهم. أما في العام 1980 وعشية إندلاع الحرب العراقية ألأيرانية ولضعف أيران التي كان شعبها للتو قد أنتصر في ثورته فأن عملية تهجير الكورد الفيليين كانت قاسية جدا حتى وفق حسابات المجرمين والقتلة. فالنظام البعثي لم يكتفي بتهجير مئات الالاف من الكورد الفيليين ومصادرة كل ما يملكون ورميهم على حدود البلدين بملابسهم فقط، بل توجّها بتغييب وأعدام ما يقارب الثمانية آلاف شابّة وشاب كوردي فيلي من مختلف الأعمار منهم صبية صغار وأطفال تم إعدامهم مع ذويهم.

بدأ النظام بعد تهجير العوائل الكوردية الفيلية بعرض ممتلكاتها للبيع لجلاوزته وللكثير من ضعاف النفوس، عدا سرقة آلاف الدور والمحال التجارية من قبل الجيران وأبناء المحلة في عملية فرهود أكثر بشاعة من فرهود يهود العراق، كون أموال يهود العراق لازالت لليوم محفوظة بشكل أموال مجمدة، أما أملاك الفيليين فقد صادرها نظام البعث ولايعيدها النظام الاسلامي الحالي الا بعد أن يدفع الكوردي الفيلي أموالا لمغتصبيها!

 كنت أتمنى أن يعرج الكاتب والشاعر أبراهيم الخياط في تغريدته الأربعائية على نكبة الكورد الفيليين و"فرهدتهم" من قبل السلطة البعثية والغوغاء الذين أثبتوا ومعهم سلطة اليوم التي لم تعد الحق الى نصابه ولم تكشف اللثام عن مصير الالاف من شابّاتهم وشبّانهم، أن الفرهود لازال حلوا كونه مستمرا لليوم مع الكورد الفيليين الذين ملّوا من مراجعة دوائر السلطة دون جدوى، ولكن يبدو أن الفيليين قد سقطو سهوا من مقالة الكاتب.

أن بغداد لم تسكت على قتل أبنائها وفرهدتهم فقط بل أهملت خيرتهم فها هو الرصافي يعتب على بغداد بلسان كل المنكوبين و "المفرهَدين" قائلا من قصيدة كلّها غرر...
ويل لبغداد عمّا سوف تذكره .......... عنّي وعنها الليالي في الدواوين
لقد سقيت بفيض الدمع أربعها .......... على جوانب واد ليس يسقيني
ما كنت أحسب أني إذ بكيت بها .......... قومي، بكيت بها من سوف يبكيني
أفي المروءة أن يعتزّ جاهلها .......... وأن أكون بها في قبضة الهون
وأن يعيش بها العضروط ذا شمم .......... وأن أسام بعيشي جدع عرنيني


زكي رضا
الدنمارك
24/9/2014


354
أنطلاق سهام عصابة المالكي نحو حيدر العبادي

هل بدأ حزب الدعوة الحاكم وذيوله في البرلمان العراقي " وكتبتهم خارج البرلمان" بأعلان ساعة الصفر في حربهم ضد رئيس الوزراء "حيدر العبادي"، إثر سلسلة من القرارات التي أتخذها مؤخرا كونها لم تنسجم مع سياسة الصقور منهم وعلى رأسهم الفاشل "نوري المالكي"من جهة، وكونه "العبادي" وافق أن يكون رئيسا للوزراء بدلا عن خلفه الفاشل وهو ما أعتبروه خروج عن "الملّة"!؟ وما هي أسلحة ذيول الفاشل هؤلاء؟

منذ أن أتخذ السيد العبادي قراره بوقف قصف المدن لمنح أهاليها فرصة العمل على أستعادتها وتحريرها بمساعدة الجهد الاستخباري والعسكري الحكومي أضافة الى القصف الجوي الامريكي والفرنسي مؤخرا من جهة ولحقن دماء الابرياء الذين أتخذتهم عصابات داعش كدروع بشرية من جهة أخرى.  خرجت علينا أصوات برلمانية من داخل دولة اللاقانون ومن خارج البرلمان على حد سواء تطالب السيد العبادي بالعدول عن قراره أو توضيحه بشكل يمكن تفسيره على أستمرار القصف، في أصرار غريب على أستمرار الشد الطائفي وعدم السماح للسياسة بالعمل على حل الازمات بدلا عن الحرب، رغم خطورة هذه الحرب بشكل أكبر بعد تدخل الميليشيات بشكل فاعل في معاركها وأثر ذلك في أستعداء ميليشيات من الجانب الاخر ضد الجيش والحكومة وهما يواجهان أرهابيي داعش.

بعد الفشل العسكري الجديد في الصقلاوية وأستشهاد 300 عسكري كانوا محاصرين في أحدى قواعدها رغم مناشداتهم المتكررة للحكومة في فك الحصار عنهم، خرجت علينا بعض الاصوات محملّة رئيس الوزراء بشخصه ومنصبه ومعه القادة الامنيين والعسكريين وفي مقدمتهم قائد عمليات الانبار رشيد فليح مسؤولية أستشهاد هؤلاء العسكريين. ومن هذه الاصوات كان صوت النائب "علي البديري" الذي عقد بمعية عددا من برلمانييي الديوانية مؤتمرا صحفيا في مبنى البرلمان قال فيه " إننا نحمل القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي والقادة الأمنيين لاسيما قائد عمليات الانبار رشيد فليح المسؤولية الكاملة عن مصير الجنود المحاصرين بسبب بطء الاجراءات الفورية من قبل طيران الجيش رغم كثرة المناشدات بالاجراءات السريعة لإنقاذهم منذ عدة ايام" ومما لاشك فيه فأن موقف النائب هذا له صفة قانونية أضافة الى الصفة الرسمية والاخلاقية كون السيد العبادي هو القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول الاول والاخير عن نجاحات واخفاقات الجيش العراقي. ومن حق النائب هذا أيضا أن يستجوب رئيس الوزراء وقادته الامنيين في البرلمان بعد جمعه 25 صوتا وفقا للدستور العراقي في مادته رقم 61 الفقرة ج والتي تقول " لعضو مجلس  النواب، وبموافقة خمسة وعشرين عضوا، توجيه أستجواب الى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في أختصاصهم، ولاتجري المناقشة في الاستجواب الا بعد سبعة أيام في الاقل من تقديمه".


من خلال تصريح البديري هذا وقبله تصريحات حنان الفتلاوي وعالية نصيف وخالد الاسدي حول الغاء قرار قصف المدن من قبل العبادي أو توضيحها بما يمكن أستمرار القصف مثلما ذكرنا، وبدأ حملة أعلامية منظمة ومدفوعة الثمن ضد أعادة بعض المتهمين بالأرهاب للحياة السياسية كرافع العيساوي وغيره من المتهمين. نستطيع أن نستشف أن الحملة على السيد العبادي قد بدأت من رفاقه في حزب الدعوة وزملائه في دولة اللاقانون من أيتام الفاشل نوري المالكي والتي ستستمر في محاولة منهم على ما يبدو في جعله أن يكون بيدقا يقوده المالكي "الفاشل" من خلف الستار. وليس من المستبعد أن يكون القادة الامنيون والعسكريون المسؤولون عن الصقلاوية قد تقاعسوا عمدا عن تنفيذ قرارات القائد العام للقوات المسلحة والتي اصدرها قبل اربعة ايام، تنفيذا لقرار من الفاشل نوري المالكي الذي قال العديد من اعضاء حزبه ودولة لاقانونه اثناء صراعه على "الولاية الثالثة"، أن العديد من قيادات الجيش سوف تترك مواقعها او لاتعمل بنفس الكفاءة "ان كانت كفوءة اصلا" في حالة عدم اعادة تجديد البيعة للمختار. دون أن يوضحوا لنا هؤلاء السيدات والسادة الاسباب التي لم تجعلهم أن يحملوا المالكي مسؤولية مجزرة "سبايكر" أو رفض المالكي لحضور جلسة الاستجواب حينها. وإذا كان العيساوي الذي تناقلت الاخبار عودته الى بغداد من خلال صفقة سياسية مع الحكومة أرهابيا فأن مشعان الجبوري الذي أعاده المالكي للحياة السياسية أرهابيا أيضا والفرق بينهما أننا لم نشاهد أرهاب العيساوي ولكننا شاهدنا أرهاب الجبوري عبر فضائيته التي كانت تقدم دروسا في كيفية تفخيخ السيارات بين الابرياء في شوارع وساحات مدننا. فلماذا يعود مشعان الى البرلمان ولايحق للعيساوي ذلك أذا كان الاثنين ارهابيين؟

أذا كان مجلس النواب ورئاسة الوزراء فيهما العشرات من الارهابيين سنة وشيعة من خلال المحاصصة الطائفية اللعينة، فعلى سجون العراق أن تمتلأ بالارهابيين السنة والشيعة على حد سواء أسوة بنظام المحاصصة سيئة الصيت والسمعة. إذ من غير المعقول أن كتائب ثورة العشرين وجيش محمد وجيش عمر وغيرها من الميليشيات السنية أرهابيون، وعصابات "عصائب أهل الحق" وسرايا السلام وحزب الله وكتائب ابي الفضل العباس وغيرها من الميليشيات الشيعية غير ارهابيين! والأدهى هو محاولة دولة اللاقانون في عرقلة إتمام تشكيل الحكومة بأصرارها على ترشيح الميليشياوي زعيم ميليشيا بدر النائب هادي العامري لحقيبة وزارة الداخلية، ما حدا بسنة العراق ترشيح الارهابي رافع العيساوي لحقيبة وزارة الدفاع!

أن الجرائم كجريمة سبايكر لاتسقط بالتقادم وعلى من كان في موقع المسؤولية حينها أن يقدم للقضاء.

زكي رضا
الدنمارك
24/9/2014



355
هل سيتقدم ساسة المنطقة الغربية خطوة مقابل خطوة العبادي؟

ونحن نقرأ الواقع السياسي اليوم وحاجتنا الماسّة الى ترتيب أوضاع بيتنا الداخلية إثر كل هذا الفشل الذي تراكم ليصبح جبلا من المشاكل التي أثّرت تأثيرا كبيرا بالنسيج الاجتماعي مهددة وحدة الوطن الجغرافية، خصوصا بعد الفشل الامني الكبير والتراجع " الهروب" الواسع لقطاعات كبيرة من القوات المسلحة أمام عصابات داعش الارهابية لتحتل ما يقارب ثلث مساحة البلد، مما أستدعى تدخل دولي شبيه بالتدخل الاممي تتزعمه كالعادة الولايات المتحدة الامريكية، علينا أن لانحصر قرائتنا بالفترة ما بعد الاحتلال الامريكي أي التاسع من نيسان 2003  التي كانت الطائفية أحدى أهم سماتها، والتي أدت نتيجة هيمنة "الشيعة" على المفاصل الحساسة في هيكلية الدولة، وتصرف حكومة المالكي خصوصا خلال فترتها الاخيرة بطائفية وهذا ما أقره الكثير حتى داخل المعسكر الشيعي، عندما بدأت بممارسات بعيدة كل البعد عن الوطنية ووحدة الشعب حينما كانت القوات العسكرية التي تحت أمرته تتعامل مع مواطني العديد من المحافظات " السنية" بفوقية متعمدة محاولة أشعار الطرف الآخر بالدونية في عملية "أنتقام" لعقود من تهميش المكون "الشيعي" على يد حكومات "سنية". بل أن نعود الى المزاج الشعبي "السني" الرافض وللأسف الشديد القبول بواقع سياسي عراقي جديد نتيجة أحتلال كانت فيه سلطات البعث هي العامل الأرأس في رسمه نتيجة رعونتها وهمجيتها، هذا المزاج الذي تحول بعد ما يقارب الثمانية عقود من "الحكم" وعدم أستطاعة القوى "الشيعية" الخروج من معطف المعارضة وهي على رأس السلطة وفشلها في أدارة الدولة، أن تجعل من المناطق ذات الغالبية "السنية" حاضنة لأرهاب قاس وشرس ممثلة بميليشيات طائفية على علاقة بحزب البعث الفاشي ولتتوجها نتيجة سوء تقدير بأحتضان أكبر التنظيمات الارهابية وحشية في التاريخ المعاصر وهو تنظيم داعش، وليدفع شعبنا ومن ضمنهم الكثير من ابناء المناطق الغربية ثمنا باهضا لأيوائهم ودعمهم.

أن أحتلال هذا التنظيم الدموي مدنا وبلدات وقرى آهلة بالسكان وتواجد مسلحيه بين صفوف المدنيين لم يمنع حكومة المالكي من قصف تلك المدن والبلدات والقرى، علما ان حكومة المالكي كانت قد قامت بعد فشلها في أحتواء "أعتصامات" العشائر والقوى الدينية والسياسية السنية في الفلوجة على الاقل بقصف المدينة بالقذائف. حتى بات مطلب وقف قصف المدن على الرغم من تعاون البعض من عشائرها ورجال دينها مع تلك العصابات مطلبا رئيسيا حمله الساسة "السنة" كأحد أهم المطالب التي على حكومة بغداد تنفيذها. وقد أصطدمت مطالبهم تلك بعقلية المالكي الفردية وعدم رغبته بالتوصل مع غرمائه الى حلول معقولة ضمن برامج معينة تنفذ على مراحل عدة، ما جعل القوى السنية أن تتشدد اكثر في موقفها من حكومة بغداد في موقف من المعقول فهمه، ولكن الغير معقول فهمه هو سكوتهم على بعض العشائر ورجال الدين المساهمين مساهمة بارزة في تبني الارهاب وما حادثة "سبايكر" الا وجه من أوجه التشدد الغير مقبول وطنيا للضغط فيها على حكومة المركز. وقد نجحت هذه القوى ومعهم التحالف الكوردستاني وبعض القوى الشيعية وقوى أقليمية ودولية أخرى في تغيير جزء بسيط جدا من الخارطة السياسية وهذا التغيير كان بمنصب رئاسة الوزراء لاغير.

أن التغيير الذي حصل في رئاسة الوزراء وبعد بيان السيد "العبادي" بوقف العمل بقرارت سلفه وأصدار قراره بأعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية بوقف قصف المدن ليس بالتغيير البسيط أذا ما أستثمرته المناطق التي تنشط فيها داعش وقواها السياسية، بل سيكون بابا لتغييرات اكبر أذا ما نجح ابناء تلك المناطق من التعامل مع العقلية الجديدة في بغداد ومؤازرتها كي تدفعها لاتخاذ قرارات أخرى تصب بمصلحة البلد. وأهم ما عليها ان تفعله هذه العشائر والقوى السياسية التي تدعمها هو العمل مع الجهات الامنية والعسكرية بشكل فاعل من اجل الاسراع بتطهير مناطقهم من رجس المجرمين الدواعش، أضافة الى عدم تقديم مطالبهم ضمن حزمة واحدة كون هناك البعض منها لايستطيع لا العبادي ولاغيره تنفيذها لأن تنفيذها لايعني الا انتحارا سياسيا.

أن خطوة العبادي هذه تعبر عن نظرة جديدة نتمنى ان تستمر وتتطور بمساعدة ومساهمة الاخرين للوصول الى افضل الحلول الممكنة وأقصرها للنهوض بواقع البلد، كما وان هذه الخطوة قد وضعت السيد العبادي في وضع مريح بعد أن رمى بالكرة الى المعسكر الاخر منتظرا ومعه شعبنا كيفية أستغلال الطرف الاخر لهذه الخطوة والتي عليهم عدم تفويتها أن كانوا فعلا حريصين على وحدة العراق وسلامة شعبه. أما أمكانية وقوف العبادي في وجه صقور حزبه وتحالفه الشيعي والمضي ببرنامجه السياسي الى نهايته أو على الاقل تنفيذ الجزء الاكبر منه فمسألة سنراها في قادم الايام.

قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ظلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا "سورة الكهف"

زكي رضا
الدنمارك
15/9/2014
 

356
" لاله شجر" ودولة رئيس الوزراء وفخامة نائب الرئيس نوري المالكي

على الرغم من إن السيد العبادي ينتمي الى نفس الحزب الحاكم كما سلفه الحاج نوري المالكي ويحمل نفس أفكاره كونهما من مدرسية فكرية واحدة، الا انه الوحيد وعلى خلاف جميع الزعماء في العهد الجمهوري ومنهم الحاج طبعا ينحدر من أقدم مناطق مدينة بغداد. وقد تكون حالته هذه وأستفادته عكس غيره من أقامته الطويلة بالغرب هي السبب الاساسي في أتخاذه قرار منع الالقاب وتعليق صوره في الدوائر الرسمية وثكنات العسكر، بعد أن لم يكتفي سلفه بمجرد الالقاب الهمايونية بل زادها بأخرى تاريخية كمختار العصر حتى وصل الامر بزبانيته من دولة لاقانونه نية أستنساخه!! وبذلك يكونون مثالا اسوأ بكثير من نظارئهم البعثيين الذين لم تسعفهم افكارهم الشيطانية بأستنساخ مجرمهم.

على الرغم من أصدار العبادي القرار هذا والعمل به من لحظة أعلانه وهذا ما أراح الكثير من المواطنين الذين أعتبروه بادرة جيدة من لدنه بعد أن عاث المسؤولين السابقين بأعصابنا خرابا دون ان نرى طحينا لجعجعتهم بل رأينا رمادا تصاعد من إثر الانفجارات التي لاتزال تشكل جزءا من حياتنا، وبعد أن نسينا لأيام فقط "معالي الوزير" فخامة الرئيس" دولة رئيس الوزراء" عاد الينا المولع بالالقاب والفاشل دوما بكل سياساته الرعناء الحاج المالكي بنغمة " فخامة نائب الرئيس الاستاذ نوري المالكي" وذلك على قناته وقناة حزب الدعوة الحاكم "آفاق" بعد تصدر مانشيت خبري يقول " فخامة نائب رئيس الجمهورية الاستاذ نوري المالكي يلتقي رئيس الجمهورية فؤاد معصوم"!! ولم يكتفي تلفزيون "فخامته" باستخدام لقب منع رئيس الوزراء الذي هو اعلى منه منصبا أستخدامه عند مخاطبته، بل وصل وقاحة القائمين على القناة أو غبائهم أو الاثنين مجتمعين على مخاطبة السيد فؤاد معصوم دون ذكر لقبه العلمي الذي يفتقده الحجي وحتى دون ذكر كلمة السيد وهي التي يجب على قناة حزب الدعوة الحاكم الانتباه اليه، واذا كان منصب فؤاد معصوم شرفي " وهو كذلك" بنظر حزب الدعاة الحاكم مما لايستوجب مخاطبتة بكلمة احترام فأن " الحاج ابو احمد" هو أقل منه درجة في منصبه هذا. وقد ذكرني حب الحجي للزعامة والالقاب بقصة طريفة من تراثنا الشعبي سأختصرها لطولها جهد الامكان، وهي تتحدث عن شخص يدعى " لاله شجر".

تقول الحكاية أن "لاله شجر"  كان يحب أن يكون الامر الناهي بين أقرانه ومعارفه والمسؤولين منه لانه الافضل والاحسن ، فعندما كان طفلا صغيرا كان هو الذي يحدد شكل اللعبة التي سيلعبونها أن كانت كرة قدم أو  "شنطرة وبلبل" او السباحة في الشط " كما السباحان صدام حسين في دجلة والمالكي في الفرات". وعندما اصبح شابا درس العلوم الفقهية ليصبح قاضيا في بغداد وكما يقول المثل " ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع، " عزل " القاضي لاله شجر" يوما من منصبه ولكي لايقول الناس عنه بعد فقدانه عمله أنه" قاپ سز" أي عاطلا عن العمل، عمل معلما للصبيان الذين تركوا كتّابه نتيجة استمرار أعتقاده من انه الافضل والاحسن واليه يجب ان تنتهي قرارات الطلبة مع ألزام من ينادي من طلبته وحتى البعض من معارفه بلقب "القاضي" قبل أسمه . وبعد ترك الطلبة له قدّم على وظيفة جديدة ونتيجة قلّة فرص العمل لم يجد الا وظيفة " البريقچي" في جامع الاوزبكي ببغداد. فذهب "لاله شجر" الى سوق الشورجة وأشترى " درزنين" من الاباريق على حساب دائرة الاوقاف ثم جاء الى الجامع وصفّها أمامه على صفّين بنظام الزوج، وجلس أمامها بكل عظمة ووقار وكأنه ناپليون پونابرت أمام جيوشه وصار يلقي أوامره على الداخلين والخارجين من دورات المياه، قائلا لمستخدمي أباريقه ...
شيل هل البريق...
خلي الفرغ هناك...
لا ... هذا فارغ لاتخذه ... أخذ هذا...
هذا بلبولته مكسوره... أخذ هذاك احسن ...
وفي يوم ما وقع "لاله شجر"في موقف لايحسد عليه أمام أحد الاشخاص ما جعله يحترم نفسه ويبتعد عن التدخل في امور الاخرين، فمتى يشعر البعض أن عهدهم ولّى نتيجة فشلهم في أداء ما أوكل اليهم لسنوات عديدة  وثمينة من عمر الوطن.


 

     صورة من قناة آفاق لحزب الدعوة الحاكم تاركين التعليق للقراء الكرام.


زكي رضا
الدنمارك
15/9/2014


357


السيد العبادي في أول ضحكة له على ذقوننا

لم يطلب أحدا ما من السيد العبادي وهو يتسنم منصبه كرئيس لوزراء العراق أن يجترح المعجزات، أو أن يحضر الى مكتبه في يومه الأول ومعه عصا سحرية يحل بها مشاكل البلد التي ورثها من العهدين الصدامي والمالكي. بل على العكس فقد كتب العديد حول منح السيد العبادي وقتا كافيا لتنظيم أمور البلاد بعد أن حصل على دعم كبير من جهات عدّة كانت بعضها حتى الامس القريب "ولليوم" تقف على الضد من مصالح العراق وشعبه.

في تصريحاته بعد ترشيحه لمنصبه بشّرنا السيد العبادي بترشيق حكومته بعد أن زاد وزنها كثيرا عهد سلفه المالكي مما دفع العديد الى أنتظار أعلانه تشكيلته الوزارية ونوعية وزراءه، فأذا بنا نرى أن الوزارات بقيت على حالها تقريبا مع ترهل واضح في رئاستي الجمهورية والوزراء بعد أن أصبح لكل من الرئيسين ثلاثة نواب، بدأها نواب الرئيس في تنافر واضح حال انتهائهم من القسم وذلك بعد أن استدارت كاميرا العراقية "الدعوية" الفضائية بسرعة كي لا تظهر نائب الرئيس علاوي عندما مدّ يده لمصافحة زميله النائب المالكي!

وإذا عرفنا أن من أحدى نقاط البرنامج الحكومي للسيد العبادي هو القضاء على الفساد والترهل الأداري في مؤسسات الدولة، فأننا سنصاب بالدهشة لهذا العدد من النواب المتنافرين وجيش حماياتهم ورواتبهم ومصاريف مكاتبهم وبدلات سفرهم وغيرها مما نعرفه ولا نعرفه من أمتيازات ستثقل كاهل الميزانية العراقية، في وقت أرتفعت فيه نسبة الفقر من 19% الى 30% بعد سيطرة "داعش" على مساحات واسعة من البلاد وأزدياد أعداد النازحين وهذا ما أكده في تصريح صحفي وكيل وزارة التخطيط مهدي العلاق في السابع من الشهر الجاري.

قد يُرجع البعض ما حصل من عدم ترشيق وزاري وأستمرار بل وزيادة الترهل الاداري في أعلى مؤسسات الدولة "رئاستي الجمهورية والوزراء" والتي يجب ان تكون قدوه لغيرها من المؤسسات الادنى منها وأستمرار نفس الوجوه تقريبا في تصدر المشهد السياسي العراقي كوزراء مع تغيير مواقعهم فقط، الى الضغط الذي تعرض ويتعرض اليه العبادي من قبل حلفاءه في العملية السياسية بأستمرار نفس نهج المحاصصة الطائفية البغيض وبيع الوزارت بالنقاط بعيدا عن المهنية والكفاءة. وهذه الاسباب وغيرها قد تؤجل ضحكنا قليلا من الوقت على ما ترشّح من تعيينات ومناصب لأفراد فشلوا فشلا ذريعا في المهام التي أنيطت بهم خلال وزارتي المالكي السابقتين، أو من الذين تصدروا المشهد السياسي منذ الاحتلال لليوم. وسأضرب هنا مثلا "قبل أن أعود الى أول ضحكة للسيد العبادي على ذقوننا" بثلاثة نواب لرئيس الجمهورية سيشكلون فريق عمل مع رئيسهم لأربع سنوات قادمة وهم المالكي الفاشل في أدارة أزمات البلاد والذي في عهده أنعدمت الخدمات وزادت حالات الفساد واستشرت الرشوة ليتوجها بفقدانه ثلث مساحة "بلده" لتنظيم داعش الارهابي مع أتهامه من مناوئيه وهم زميليه الآن بالطائفية والعمالة لأيران، والنجيفي المتهم بالطائفية وبيعه مع شقيقه الموصل لعصابات داعش نكاية بالحكومة المركزية وصراعه الذي استمر 4 أعوام مع المالكي خلال الدورة البرلمانية السابقة، وعلاوي ربيب البعث وعميل عدد لا يعرف من أجهزة الاستخبارات الاجنبية حسب تصريحات المالكي المباشرة وغير المباشرة يضاف اليها صراعهما بعد ان حرم الماكي علاوي من رئاسة الوزراء بعد تفسيرات غير بريئة للقضاء حول الكتلة النيابية الاكبر في الانتخابات البرلمانية قبل الاخيرة. فهل بمثل هذا الفريق غير المتجانس سيخطو العراق خطوات صحيحة وموزونة للانتقال الى عهد جديد!؟

دعونا الان أن نعود الى الضحكة الاولى للسيد العبادي على ذقوننا نحن الجماهير البائسة واليائسة حول أعادته النظر بالقرارات والتعيينات التي أتخذها سلفه المالكي في آخر اجتماعين لمجلس الوزراء قبل مغادرته مكتبه، بتعيينه شخصيات من حزب الدعوة الحاكم وآخرين مما يسمى بـ "دولة القانون" ومن المقربين منه على رأس هيئات مستقلة وفي مديريات حساسة، أو أحالتهم على التقاعد ومنحهم قطع أراض في أرقى وأغلى مناطق بغداد، أضافة الى اصدار أوامره بصرف مبالغ خارج صلاحيته حسب ما تردد في اروقة الطبقة المخملية. إذ صرح العبادي قائلا من انه سيقوم بتقديم جميع الشخصيات التي عينها المالكي في الوقت الضائع من حكمه الى البرلمان للتصويت عليهم!! فهل المالكي قد قدم اسماء المقربين منه هؤلاء الى البرلمان السابق وصوّت البرلمان عليهم أم أنه اتخذ قراره بشكل فردي؟

هناك أجابتين لا غير على السؤال أعلاه أولهما هو ان المالكي قد قدم هذه الاسماء للبرلمان وهذا لم يحصل، والثاني ان المالكي تصرف على اساس صلاحياته كرئيس للوزراء "ويحب الحبايب" فكان أمره فرمانا. وطبقا للاجابتين فعلى السيد العبادي ان لا يبدأ ضحكته الاولى على ذقوننا بتقديم الفاسدين المالكيين للبرلمان للتصويت عليهم، بل الغاء قرارات سلفه الفردية بقرار من مجلس الوزراء الجديد كون كل ما بني على باطل فهو باطل، الا اذا كان باطل حزب الدعوة الحاكم حلالا.

لا ينبغي أن يكون الوالي على الناس الجاهل فيضلّهم بجهله " الامام علي "
زكي رضا

الدنمارك
11/9/2014


358
مغالطات الميليشياوي هادي العامري حول كركوك و الپيشمرگة

قلنا في مقال سابق أن المالكي نجح في ما فشل فيه صدام حسين رغم دمويته في أن يجعل الصراع العربي الكوردي على مستوى الشارع، بعد أن كان هذا الصراع ولعقود طويلة حتى قبل سيطرة نظام العهر البعثي على مقدرات البلد، صراعا بين جيش وطني فيه جنود كورد كما بقية أبناء شعبنا وبين قوات الپيشمرگة التي أستخدمت طيلة تاريخها القتالي حرب العصابات لنيل حقوق الشعب الكوردي العادلة ضمن دولة العراق، وقد دافعت العديد من القوى السياسية عن حقوق الشعب الكوردي ونضال الپيشمرگة من أجل أن ينال الشعب الكوردي تلك الحقوق. وكان قتال الپيشمرگة الشرس سببا أساسيا في أن يعقد البعث العراقي مع القيادة الكوردية أتفاقا لأنهاء عقود من الحرب وذلك بالتوصل الى أتفاقية في 11 آذار من العام 1970 تنظم علاوة على وقف أطلاق النار العلاقة بين المركز وأقليم كوردستان، على أن تتم صياغة قانون الحكم الذاتي لمنطقة كوردستان وأعلانها وتبنيها في 11 آذار 1974 ، أستنادا الى نصوص الاتفاقية الموقعة في 11 آذار العام 1970 في أعتماد مبدأ الأحصاء السكاني وفق بيانات وسجلات عام 1957 للمناطق المتداخله قوميا ومنها "كركوك" والذي بموجبه يتم تحديد المناطق والوحدات الادارية ضمن الرقعة الجغرافية للحدود الادارية والسياسية لمنطقة أقليم كوردستان للحكم الذاتي على أساس الأغلبية الكوردية. الا ان تلك المحاولة لأنهاء الحرب الداخلية أنتهت بالفشل بعد أن طلب البعث من القيادة الكوردية حينها الادارة المشتركة في كركوك علاوة على عدم تنظيم الأحصاء السكاني المتفق عليه في العام 1970 ، وبأنهيار ذلك الاتفاق أندلع القتال بين الطرفين من جديد لينهيه نظام البعث بأتفاقية العار مع شاه ايران والمعروفة بأتفاقية الجزائر ، التي أعتبرت نقطة خط القعر هي الحدود البحرية بين العراق وايران وذلك بالعودة الى الاتفاقية المبرمة بين الطرفين عام 1937 والتي رفضتها ايران مطالبة ان تكون الحدود وفقا لاتفاق عام 1913 بينها وبين العثمانيين.

لقد كان ضروريا ان تكون هناك مقدمة قصيرة وسريعة كالتي سقناها لتحديد وضع كركوك من الناحية السياسية وفقا لأحدث الاتفاقيات التي وقعها النظام البعثي والتي تخلى عنها كتخليه عن العديد من الاتفاقات المبرمة بينه وبين اطراف عدة منها داخلية واخرى خارجية. أما مسألة كركوك في عهد ما بعد الاحتلال الامريكي فتم التأكيد على حلها من خلال المادة 52 من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وبالخطوات التالية.

(أ‌) - تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير الخطوات التالية:

1 - فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاما مع قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، والاجراءات القانونية الاخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، باعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، واذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا.

2- بشأن الافراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراض معينة، وعلى الحكومة البت في امرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية، لضمان امكانية اعادة توطينهم، او لضمان امكانية تلقي تعويضات من الدولة، او امكانية تسلمهم لأراض جديدة من الدولة قرب مقر إقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، او امكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق.

3- بخصوص الأشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض اجبارهم على الهجرة من أماكن إقامتهم في الأقاليم والأراضي، على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والاراضي.

4 - اما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة الغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للاشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون اكراه او ضغط.

(ب) - لقد تلاعب النظام السابق ايضا بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق اهداف سياسية. على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة. وفي حالة عدم تمكن الرئاسة الموافقة بالاجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالاجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات. وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم ، فعلى مجلس الرئاسة ان تطلب من الامين العام للامم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.

(ج) ـ تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الإجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب ان تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادىء العدالة، اخذا بنظر الاعتبار إرادة سكان تلك الأراضي.

وحين تم اقرار الدستور الدائم كان نص المادة 140 منه يشير الى :

أولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.

ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستورعلى ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.


وبدلا من ان تقوم حكومة بغداد ذات الغالبية الشيعية بتنفيذ بنود المواد التي اقرتها بنفسها كمساهم رئيسي في صياغة الدستور أضافة الى مساهمتها في طرح قانون الدولة للمرحلة الانتقالية وموافقتها عليه، نراها قد نحت منحى البعث "لعدم وجود بند دستوري يحكمه" بل واسوأ منه حين أعتمدت على عامل الوقت للتملص من تنفيذ مادة دستورية ضمن دستور ساهم الشيعة بصياغته وقبله الشعب العراقي بأستفتاء شعبي مدعوم من مرجعيته المذهبية.
أن تراجع القوى الشيعية عن تنفيذ المادة 140 الدستورية لم يأتي بمنأى عن فشل المفاوضين الكورد في أدارة هذا الملف الشائك والحيوي بأعتمادهم وبسذاجة على وعود شفهية وترطيب للخواطر من قبل بعض الشخصيات الاسلامية ومنهم رجال دين، أضافة الى الضغط الواقع عليهم من قبل القوى الأقليمية وفي المقدمة منها ايران حول ضرورة التنسيق مع الاحزاب الشيعية لصد البعث الحالم بالعودة للسلطة ممثلا بسنة العراق. وبقيت كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها بين جذب وشد حتى ظهور داعش وتمددها "المفاجيء" وأنسحاب القوات الحكومية بزعامة صناديد المالكي من أمامها كالجرذان تاركة خلفها اسلحة ومعدات متطورة جدا من تلك التي لم تمتلكها قوات الپيشمرگة لليوم، ما دفع قوات الپيشمرگة لسد فراغ القوات الحكومية التي فرّت هاربة ، لتتمدد "داعش" في العديد من المناطق التي لم تحسم امرها لليوم دستوريا، قبل أن يبدأ الجيش العراقي بأسناد من الطائرات الامريكية وقوات الپيشمرگة والحشد الشعبي "الشيعي" بالهجوم المضاد على عصابات داعش وتطهير العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم ومنها مدينة "آمرلي" التي ارتفعت فيها رايات ميليشيا بدر الشيعية بدلا عن اعلام الدولة العراقية!!. ليقوم بعدها الميليشياوي وربيب أجهزة "سازمان أطلاعات" المخابرات الايرانية وزير النقل في كابينة نوري المالكي المنتهية ولايته "هادي العامري" بألقاء خطاب يثير الكراهية والحقد حول دور البيشمركة ومصير كركوك، مستهزئا بهذه القوات التي قادت نضالات الشعب الكوردي ببطولة نادرة في مختلف البلدان التي يتواجد فيها الكورد ومنها بلد أسياده في أيران، فهل قوات الپيشمرگة "ميليشيا" كما عصابات بدر التي قامت وغيرها بأغتيال المئات من الكوادر العراقية بعد الاحتلال الامريكي؟

بعد الاحتلال الامريكي وأقرار الدستور الدائم للبلاد تم أعتبار قوات الپيشمرگة جزء من منظومة القوات المسلحة العراقية بأسم "حرس الاقليم" على أن يكون تسليحها ومخصصاتها المالية بعهدة الحكومة المركزية وهذا ما لم تفي به حكومتي المالكي المنتهية ولايته نتيجة الخلافات المستمرة بين المركز والاقليم والتي أثرت سلبا على مجمل الواقع السياسي العراقي. أما حول عصابات "بدر" فأن الدستور كان واضحا وصريحا معها وغيرها من الميليشيات الشيعية والسنية حينما نصّت مادته التاسعة ، الفقرة ب بما يلي "يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة". ومن خلال نص هذه المادة الدستورية ، من حقنا أن نسأل الميليشياوي هادي العامري وقائده العام للقوات المسلحة ورئيس وزراءه بأعتباره ضمن تشكيلته الوزارية عن تفسيرهما لهذه المادة الدستورية، وهل وفى الاثنان بأحترامهما للدستور الذي أقسموا على العمل به؟

يقول العامري أن وزارة الپيشمرگة وزارة كارتونية "وتعبانة" وانها ليست سوى اوراق كارتونية فقط لانها فشلت في مواجهة داعش. طيب، دعونا هنا ان نوافق العامري ،على ما جاء به بل ونزيده من طنبورنا نغمة أخرى قائلين له بل أنها "جبانة" أيضا على الرغم من بساطة الاسلحة التي تملكها البيشمركة مقارنة مع ما استولت عليه داعش من معسكرات جيش المختار، الى جانب قلة وقدم اسلحة البيشمركة نتيجة عدم حصولها على اسلحة جديدة لرفض السلطة العراقية أمدادها بها أو السماح لها بشراء ما تحتاجه من السوق الدولية. ولكن من حقنا أن نسأل العامري عن وصفه لفرق عسكرية كاملة بالعدد والعدة والتي تركت معسكراتها ومدن وبلدات وطنها نهبا لعصابات شذّاذ الآفاق الداعشية لتهرب كجرذان السفينة ساعة غرقها، أن كانت كارتونية أم مجرد ظل لأي جيش يقوده جبناء وغير مهنيون يترك ساحة المعركة بعد أن التجأ قادته الى حيث الاوراق الكارتونية التعبانة على حد الوصف السوقي لهادي العامري!؟ وأستمر العامري قائلا من كركوك "أنه لا يسمح للپيشمرگة بالبقاء في المناطق المتنازع عليها من دون التنسيق مع الجيش العراقي"، فهل العامري رئيسا للبلاد أم قائدا عاما للقوات المسلحة العراقية ومن منحه حق التصريح بهذ الامر الذي هو من أختصاص رئيس الوزراء المنتهية ولايته طبقا لحقوقه الدستورية، أم أن طبول المليشيا سترتفع أكثر لتهدد وحدة البلاد ونسيجها الوطني؟ أن مجرد ظهور عصابات "بدر" وعصابات "عصائب أهل الحق" وغيرها من الميليشيات في المعركة الدائرة مع الأرهاب دلالة على ضعف الجيش العراقي الذي صُرِفَ على تسليحه مئات ميليارات الدولارات من أموال شعبنا لينتهي به الحال هكذا الى نهايته المؤسفة والحزينة التي تحز في ضمير كل مواطن عراقي يرى بلده تمزقه أهواء الطائفيين الحمقى. وهل سيسيّر العامري ميليشياته " لتأديب" الكورد وفق منطق وأعلام البعث المقبور أثناء معاركه ضد الپيشمرگة إذا لم يلتزموا بفرمانه.

أخيرا يقال أن المجرم صدام حسين قال يوما لأحدى الوفود التفاوضية الكوردية (نحن لا ننكر ان كركوك كوردية لكننا لا يمكن ان نعطيكم اياها لأنها قاعدة جاهزة لأعلان دولة... كل شيء الا كركوك)، وموقف صدام هذا يعتبر موقفا أستراتيجيا للحكومات المركزية في بغداد، ولا تختلف حكومة التحالف الشيعي بزعامة حزب الدعوة الحاكم في تبنيها لهذا الموقف من الكورد عن سلفهم حزب البعث في أية مفاوضات قادمة. كون كركوك خطا احمرا على المستوى الاقليمي فلا طهران ولا أنقرة ولا دمشق "قبل أندلاع المعارك في سوريا" على أستعداد لمنح كركوك للكورد وهذا ما يعرفه الساسة الكورد جيدا ويجب أن يعملوا على نيل حقوقهم في العراق الفدرالي من هذا المنطلق، وذلك بعدم التعويل على العامل الامريكي ومشاريع التقسيم التي تتبناها بعض الاطراف في الأدارة الامريكية على المدى القريب، كون تقسيم العراق في الوقت الراهن سيطلق أكثر من مارد من قمقمه ويعرض المنطقة بأسرها الى أضطرابات وحروب لم تتهيأ لها أمريكا وحلفائها بعد، خصوصا بعد أن بان أن صنيعتهم "داعش" أكثر دموية وفتكا من مولودهم الشرعي "القاعدة" وأمكانية نقل نشاطه الى داخل أمريكا نفسها وأوربا.

اذا كان العراق الغني، ديموقراطيا وتستخدم ثرواته لبناء وطن معافى وشعب مرفّه فلا الكورد ولا بقية الاقليات لهم المصلحة في تركه والانفصال عنه، واذا كان النظام السياسي في بغداد يحترم التعددية القومية والدينية والمذهبية والسياسية ولا يعمل على تشويه وتلويث السلطة لطائفيته المقززة، فأن أعادة بناء العراق الذي كنا نحلم به سيبدأ على أسس صحيحة وسيتكاتف الجميع للنهوض به شرط أن يكون الشعب العراقي المرجعية الوحيدة لجميع القوى السياسية، والى بغداد وليس الى عواصم الدول الاقليمية الاخرى يكون الحج من أجل بناء هذا العراق الديموقراطي الفدرالي الموحد.

لم تحل الاحزاب الشيعية وهي تقود الجيش والأمن الداخلي ميليشياتها "لن تحلها" بل كانت منها تقية.



زكي رضا

الدنمارك
5/9/2014


359
من يكذب وزير الدفاع أم قائد عمليات صلاح الدين

لأول مرة يتنازل القادة " العسكريون" ليقبلوا أستضافتهم من قبل البرلمان بعد أن رفض قائدهم العام دوما حضورهم اليه وهو معهم رغم فشله المدوي على الصعيدين الامني والعسكري" ولو لشرب أستكان شاي في الكافيتريا"، وتنازلهم هذا لم يأتي رغبة منهم في توضيح تداعيات أستشهاد ما يقارب الـ 1700 عسكري من قبل عصابات البعث المتحالفة مع عصابات داعش في مسقط رأس المجرم صدام حسين "تكريت"، ولا نزولا عند مطالبات العديد من المنظمات التي طالبت بفتح تحقيق من قبل البرلمان بتلك الجريمة، بل جاءت بعد أن دخل أهالي الضحايا عنوة الى مبنى البرلمان وهروب نواب الشعب من باب الطواريء.

عادة عندما يستضيف اي برلمان بالعالم مسؤولا تنفيذيا أو عسكريا لمناقشته حول ملف ما، فأن البرلمانيين يقومون بتهيئة أسئلتهم مستندين على أرقام وحقائق دقيقة حصلوا عليها لحصانتهم البرلمانية التي تمنحهم الوصول الى العديد من الملفات التي لاتستطيع الصحافة الوصول اليها عادة. ونادرا ما خرج سياسي ما في الدول الديموقراطية من البرلمان بعد استجوابه حول أية مسألة دون ان يدفع ثمن ما تم استجوابه من اجله، ونادرا أيضا ما كان برلمانيو تلك البلدان يتحدثون بعبارات أنشائية أثناء أستجواب أية شخصية خصوصا اثناء الكوارث، ولا أدري ان كان اعضاء برلماننا الموقر يعتبرون ما جرى في قاعدة " اسبايكر" كارثة أم لها عندهم تفسير آخر؟

لاأعتقد ان حادثة أسبايكر لها اهمية عند غالبية البرلمانيين وهذا ما لمسناه من الحضور المتدني للنواب الحاضرين، فحضور 207 نائب من مجموع 328 نائبا دليلا على تفاهة الجريمة عند هؤلاء النواب على ما يبدو، كما وأن عدم تركيزهم على مفاصل الجريمة واسبابها والبحث بالأسماء عن العسكريين المقصرين دليل على محاولة منهم ولأسباب سياسية المماطلة في الكشف عن الكثير من الحقائق وتركها لوقت قد يطول من أجل تسويفها. والا لكان الاستجواب بقدر المسؤولية المناطة بهم، وسأضرب هنا مثالا بسيطا على عدم جدية النواب في مراقبة ما يقوله القادة العسكريون والتناقض في اقوالهم لاستخدامها كأدلة على تورطهم في الجريمة او على الاقل التستر على زملاء لهم في القيادات العسكرية الميدانية في صلاح الدين او في بغداد باعتبارها مقرا للقائد العام للقوات المسلحة.

قال السيد سعدون الدليمي وزير الدفاع وكالة " أن حالة أنكسار الجيش في الموصل وصولا الى مدينة تكريت دفع الجنود المتسربين للجوء الى قاعدة اسبايكر الحصينة ولم تصدر اية اوامر من القادة الامنيين ورئاسة الاركان بالانسحاب بل طالبوهم بالثبات" إذن فقاعدة اسبايكر محصنّة، وحديث الدليمي يناقض بالكامل ما جاء به قائد عمليات صلاح الدين الفريق الركن " على الفريجي" حيث قال في نفس الاستجواب " إن سبايكر هي قاعدة جوية طول ضلعها 7 كم أي انها بمحيط ما يعادل 49 كم ولها باب نظام واحد واربعة أخرى مغلقة وتحصيناتها بسيطة هي عبارة اسلاك شائكة وساتر ترابي" ، وعلى الرغم من التناقض الواضح والصريح بين التصريحين لم نرى أية مناقشة حقيقية من قبل النواب حول هذه المسألة!! كما ومن حقنا هنا أن نسأل القائد العام للقوات المسلحة ووزير دفاعه وكالة وقيادات القاعدة العسكرية والامنية أن كان من العرف العسكري تحصين قاعدة جوية بأهمية أسبايكر الواقعة في منطقة خطرة من الناحية الاستراتيجية كونها تقع في منطقة ينشط فيها البعث المجرم وحلفائه من الدواعش وبقية المجاميع الارهابية، بأسلاك شائكة وساتر ترابي!؟ والا يعتبر هذا أهمالا من القيادات العسكرية؟ ولنفترض عدم منح الجنود لانفسهم أجازة بعد ان أكّد القادة العسكريون خروجهم دون أوامر تبريرا لفشلهم "القادة" وتسترا على بعضهم البعض، فهل كان الجنود يستطيعون مقاومة عصابت البعث وداعش ومن معها من عشائر المنطقة من داخل قاعدتهم التي لاتمتلك أية تحصينات دفاعية!؟

أن ما جرى في قاعدة اسبايكر جريمة بشعة تضاف الى سلسلة جرائم البعث السابقة المرتكبة بحق شعبنا ووطننا، وضحايا هذه الجريمة وذويهم ومعهم كل ابناء شعبنا ليسوا بحاجة اليوم الى نصب تذكاري وفصل عشائري وتعويض مادي واعتبارهم شهداء، بل بحاجة الى معرفة مرتكبي الجريمة الفارين ومحاكمتهم ومعهم القيادات العسكرية والامنية الفاشلة والغير مهنية أبتداءا من القائد العام للقوات المسلحة  وصولا الى الجنرالات المزيفين والضباط المرتشين والمتعاونين مع البعث وحليفتها داعش.

السيد ولي الدم لماذا استنكفت حضور استضافة القيادات العسكرية والامنية في البرلمان، أم ان الدماء التي سالت من شهداء سبايكر كانت ماءا أو أنهم ليسو بعراقيين .


زكي رضا
الدنمارك
4/9/2014

   

 

360
قلنا أن حنان الفتلاوي قرچ فقامت علينا القيامة

لم أكن أنتظر وأنا أكتب في الاول من نيسان العام الجاري مقالتي التي بعنوان " قرچ نيسان ... حنان الفتلاوي مثالا" والتي كتبتها ردّا على تصريحها المشين والطائفي بقتل سبعة من السنة مقابل سبعة من الشيعة، أن أحصل من أيتام المالكي من الكتبة الذين ينصبون اليوم سرادق العزاء لرحيله عن كرسي الخلافة على باقات الورد أبدا. بل كان من المتوقع وهذا ما حصل بالفعل هو أن أتعرض لهجوم كبير من قبلهم، هذا الهجوم الذي أقل ما يمكن القول عنه أنه كان هجوما غير أخلاقي مستندين على عنوان مقالتي،  وكأن كلمة "قرچ" هي من الكلمات النابية وليست وصفا للمرأة سليطة اللسان التي ترفع صوتها عاليا بحق ودون حق في مجتمع أسلامي ينتظر ان تكون المرأة فيه رقيقة كالقارورة لسهولة كسرها كما جاء على لسان النبي محمد.

وقد جاء في قاموس المعاني أن القارورة : وعاء الطيب، والقارورة المرأة على التشبيه بها في سهولة الكسر، والجمع قوارير. وفي الحديث الشريف: رفقا بالقوارير.

ما دعاني الى كتابة مقالتي هذه وقد أفل نجم المالكي ورهطه اللصوص من أعضاء حزبه وما يسمى دولة قانونه بعد هيمنة آل أبي صخيل على حزب الدعوة، وعدم أمتلاك هذا الحزب الذي قارع الدكتاتورية يوما ببطولة قبل أن يترك بطولاته رهنا عند "حمّودي"، سوى قرچا مثل الرفيقة حنان الفتلاوي كي تدافع عنهم بسلاطة لسانها التي ورثتها من رفيقتها " منال الآلوسي" رئيسة أتحاد نساء البعث الساقط في الندوات التلفزيونية، ومن هذه الندوات تلك التي جمعتها مع السيد " أبي گلل" على شاشة فضائية الدعاة " العراقية". حيث ظهرت فيها الرفيقة بكامل قيافتها البعثية مع مستلزمات الاسلاميين كالحجاب وهي ترفع صوتها عاليا ما دفع محاورها الى الطلب منها التحدث بهدوء، كونها قارورة وأن لم يقلها. فهل الرفيقة الفتلاوي قارورة؟

لقد نقل لنا التلفزيون الدعوي يا عبيد المالكي بالصوت والصورة حديث الرفيقة حنان وهي ترد على السيد " أبي گلل" حين قالت له " آني مو حبّابه وعاقله، أنت صير حبّاب وعاقل". هذا كان ردها، وأذا كنتم عراقيون فأنكم تعرفون جيدا أن المرأة التي تصف نفسها من أنها" غير حبّابه وعاقله" يعني أنها على الأقل ، أقول على الأقل ولو كنّا بغداديين على درجة عالية من الحياء والادب فأننا لانجد لها سوى صفة " قرچ " كي نطلقها عليها، والّا فأن في قاموس لغتنا المحكية أوصافا ونعوتا أشد وقعا مما جئت به.

اللهم بارك بقرچ حزب الدعوة ودولة القانون الرفيقة حنان الفتلاوي  وزد من أمثالها أنك سميع مجيب.

زكي رضا
الدنمارك
13/8/2014 

 
 




361
مهام ملّحة أمام السيد حيدر العبادي

لا أحد يتوقع ان يحل السيد العبادي مشاكل العراق المتراكمة بين ليلة وضحاها، وليس من المنطق بشيء الطلب منه بمثل هذا الحل خلال فترة زمنية قصيرة، بل على العكس فأن معالجة الأرث المدمر الذي تركه سلفه "نوري المالكي" يحتاج الى سنوات طويلة تفوق فترة السنوات الاربع التي سيقضيها في الحكومة بكثير. ولكن هذا لا يمنع السيد "العبادي" بل يتطلب منه وبالسرعة الممكنة بدء الخطوات الاولى في ترتيب البيت العراقي بهدوء وبعيدا عن المواقف المسبقة تجاه أية قضية عقدية من تلك التي تمتلئ بها الساحة السياسية، كما وعليه البدء بمد جسور الثقة مع شركائه بالعملية السياسية كي يخطو وأياهم خطوات ثابتة وإن ببطء، لأعادة الهدوء والأنسجام بحدود معقولة الى المشهد السياسي قبل البدء الحقيقي بأصلاح ما تم تدميره.

أن السيد العبادي له دراية واسعة بحجم المشاكل التي تعصف بالبلد وأشكالها كونه كان قبل أن يتصدر المشهد السياسي اليوم قريبا جدا من دائرة أتخاذ القرار، ومساهما الى حد بعيد في صياغة الكثير من سياسات حزب الدعوة الحاكم التي صبغت بأسم " دولة القانون " الحياة السياسية العراقية بالخراب والدمار على الاقل خلال السنوات الاربع السابقة. فهو يعرف الاسباب الحقيقية للأخفاقات وما كان يجري خلف الكواليس ما أدى بالنهاية الى أنهيار الوضع الامني وتعريض وحدة البلاد للخطر وأنعدام الثقة بين أقطاب العملية السياسية والتردي الكبير في وضع الخدمات ما أثّر سلبا على حياة المواطن.

أن النقطة التي على السيد العبادي الانطلاق منها في سباق ماراثون أعادة العراق الى السكّة الصحيحة هي شعوره من أنه يمثل العراق وليس طائفة معينة ولا حتّى حزب معين، لأنه إن خضع لهذه العقلية في الحكم فأن الوضع سوف لن يختلف عمّا كان سابقا بل قد يجنح نحو الأسوأ، خصوصا وأنه أمام حرب مفتوحة من رفاقه القدامى والذي سيدفعه الى تشكيل حزب سياسي جديد يخرج بالضرورة من معطف حزب الدعوة من جهة، وأمام تحديات هائلة وملفّات ساخنة سيتقدم بها شركاءه بالعملية السياسية لأعادة النظر بها وفق معطيات الواقع الراهن من جهة أخرى. ما يتطلب من السيد العبادي أبداء براغماتية ومرونة كبيرة في التعامل مع هذه الملفات وأعطاء الأهمية القصوى في اللحظة الراهنة الى أعادة السلام وأستقرار الأمن كونهما المفتاح الرئيسي لحل باقي مشاكل البلد.

أن تمدد داعش السريع وهو الخطر الاكبر الذي يهدد وحدة البلد والسلم المجتمعي لم يأتي من قوة هذا التنظيم الارهابي أبدا، بل جاء كنتيجة منطقية للفشل الحكومي الذي كان سمة مميزة لسلطة الفرد الواحد الذي دأب خلال سنوات حكمه على صناعة الأزمات التي كانت تستنسخ بعضها وتشتد كلما كنا قريبين من حدث سياسي كبير أو على ابواب أستحقاق أنتخابي. وكانت نتيجة هذه الأزمات ، أنعدام الثقة بين مكونات شعبنا ما جعل لداعش حواضن في مناطق مذهبية معينة بعد شعورها بالتهميش، ما ساهم أضافة الى تصعيد التوتر بين المركز والأقليم وضعف الجانب الاستخباري وعدم بناء جيش وطني حقيقي بعيد عن اللعبة السياسية كما في البلدان الديموقراطية، الى أن تحتل هذه العصابات مساحة تقدر بثلث مساحة البلد، وما نتج عنها من أهوال وجرائم بحق مكونات شعبنا جميعها وخصوصا المكون المسيحي والمكون الأيزيدي. وهذا الملف تحديدا يجب أن يكون الملف الاول على مكتب السيد العبادي منذ هذه اللحظة، مستفيدا من الدعم السياسي الامريكي والغربي والايراني والاقليمي والداخلي، مع مقبولية واضحة وأرتياح من قبل المؤسسة الدينية الشيعية ممثلة بمرجعية النجف.

أعتقد أن السيد العبادي يعرف اليوم وبعد هذه التجربة الطويلة في السياسة العراقية، أن الحل السياسي والامني هما الاساس في أية مشكلة قد تواجهه مستقبلا "ستواجهه حتما"، كون الحل العسكري والعنجهية بوصف الخصوم على أنهم فقاعات وغيرها من الاوصاف، لا تجدي نفعا في سوق السياسة خصوصا وأن للقوى السياسية العراقية النافذة والمهيمنة على المشهد السياسي أجندات غير وطنية ومرتبطة بدول أقليمية وأجنبية لها مصلحة كبرى في أن يبقى العراق أسير دوامته هذه.

أن العراق بحاجة اليوم الى مؤتمر وطني واسع يضم جميع القوى السياسية الممثلة بالبرلمان والتي خارج البرلمان من المؤمنين بالعملية السياسية ووحدة الوطن وأراضيه لتجاوز محنته هذه ورسم خارطة طريق حقيقية، تطرح فيها على طاولة النقاش والبحث جميع الملفّات العالقة والتي كانت سببا في أشتعال الحرائق بالبلد وبالعملية السياسية برمتها. وأن خير من يدعو لهذا المؤتمر وكعربون لجماهير شعبنا وعهدا لهم بالعمل جهد الامكان على تجاوز جميع السياسات الخاطئة السابقة هو السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي. الذي من منصبه هذا وبنكران ذات من أجل العراق وشعبه يستطيع البدء وفق حقوقه وواجباته الدستورية بالعمل على أطفاء الحرائق واحدة تلو الاخرى بتأني وصبر، أبتداءا بتعزيز السلم المجتمعي وأنهاء مظاهر التسلح وأعادة السيطرة على أجزاء البلاد المحتلة وحل المشاكل مع الكورد وفق السياقات الدستورية والعمل على تطبيق المادة 140، وبناء جسور الثقة مع أبناء المناطق "السنية" لعزلها عن تنظيم داعش الأرهابي كمقدمة لسحقه بتنفيذ المطالب المقبولة منها والتفاوض على غيرها ضمن سقوف زمنية معقولة على أن لا تؤثر على الامن الوطني ومن دون القفز على الثوابت، ومن هذه الثوابت محاسبة كل من تلطخت يديه بدماء شعبنا أو تآمر على الوطن طبقا للقانون.

أن تحجيم الميليشيات الشيعية والسنية ستعتبر من المهام الصعبة التي ستواجه السيد حيدر العبادي، خصوصا وأن سلفه قد أطلق لها العنان لملئ فراغ الجيش الذي فشل تسلحيه وبناءه وفقا للثوابت الوطنية نتيجة الفساد والطائفية، ومن هذه المليشيات وأهمها وأكثرها سطوة على الشارع مستفيدة من غطاء السلطة السابقة هي عصابات "عصائب أهل الحق"، وتبقى عصابات بدر وخروجها العلني بقيادة وزير في كابينة الحكومة أكبر وصمة عار في جبين حكومة المالكي، خصوصا وأنه أكد ومعه زعيم تلك الميليشيا في أوقات سابقة على أن تلك الميليشيا قد تمّ حلها، وعندما نشير الى الميليشيات هنا فعلينا أن لا نغفل بالمرّة الاشارة الى تلك السنية منها والتي تحمل السلاح وتقف في طريق بناء العراق الجديد حالمة بأعادة عقارب الساعة للوراء.

يبقى تعديل الدستور الذي كتب على عجالة وفي ظروف سياسية بالغة الدقة حينها أمرا غاية بالأهمية كونه " الدستور" هو صمام الأمان لمجمل العملية السياسية وتحركها على أرض صلبة، ولن يتم توفير فرص التقدم السياسي بالبلد والدستور يحمل بين دفتيه العديد من المواد القابلة للتأويل وتلك التي تناقض بعضها البعض.

أن أمام السيد العبادي الكثير من المهام الصعبة والمعقدة سواء على الصعيد الداخلي أو الأقليمي والدولي ولن يستطيع حلّها لوحده دون مساهمة شركاءه بالعملية السياسية بشكل فاعل وحقيقي متحملين بدورهم قسطهم في دفع عجلة العملية السياسية المتعثرة للامام، ليثبتوا لشعبنا وناخبيهم على الاقل من أنهم قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تعديل سفينة الوطن التي جنحت كثيرا نحو بحار الدماء التي سالت وتسيل لليوم. أن ترك السيد العبادي لوحده وعدم التوصل معه لحلول ببدء أزالة آثار سلفه، سيدفعه وهو خريج نفس المدرسة الحزبية كما المالكي الى أن يتحول الى " مالكي " آخر وهذا ما لا يريده الجميع كونه سيكون القفزة الأخيرة للعراق نحو الفوضى والمجهول.


نظام ديموقراطي حقيقي يحترم الدستور هو الضمانة الاساسية لوحدة الوطن وسعادة شعبه.


زكي رضا
الدنمارك
12/8/2014


362
المالكي ربُّ الخضراء وللعراق ربُّ " يحميه "

 لم يكن أسوأ المتشائمين يظن أن تاريخ العراق الحديث سينقل لنا أستهتار زعيم سياسي قامر وحزبه "بشعبهما ووطنهما" كما المجرم المهووس بالسلطة والطاغية صدام حسين وحزبه، عندما قال بأنهم "البعث" جاءوا ليبقوا وأن تركوا العراق سيتركوه أرضا بلا شعب ولا موارد و برّ المجرم ومعه البعثيين الطغاة بقسمهم، إذ ما أن حلّ التاسع من نيسان من العام 2003 حتى كان العراق أرضا وشعبا صحراءا بلقع. فالدمار شمل ساعة رحيلهم الى مزابلهم ، الارض والانسان والتاريخ فكان إرثهم الباقي كارثيا ككارثة حكمهم التي مهّدت الطريق لأحتلال البلد وجعلته رهينة لسياسات القوى الدولية والاقليمية.


ما أن أنهار النظام الدموي البعثي إثر الاحتلال حتى أزداد تشاؤم الكثيرين من الحالمين ببناء عراق آخر جديد على أنقاض عراق البعث المجرم. فأصدقاء الامس وهم يناضلون ضد آلة البعث الهمجية تحولوا الى أعداء خصوصا وأن الاموال المعروضة للنهب من خزائن البلد فاقت بعشرات المرّات ما دخلت خزائن البعث "كان في حصار لما يقارب الـ12 عاما عدا فترة الحرب الصدامية الخمينية" بعد أن أرتفع سعر برميل النفط ليعبر حاجز المئة دولار. وبدلا من العمل على نبذ الأرث الصدامي البعثي والبدء ببناء نظام ديموقراطي حقيقي كفيل بأعادة بناء الارض والانسان، رأينا تراجعا شرسا عن كل ما كانت هذه الاحزاب تعمل من أجله وتبشّر به. وأهم ما رفضت أن تتركه من أرث كان تشبثها بالسلطة والعمل على الهيمنة عليها بأسم الديموقراطية التي ضاعت فجأة تلك التي جاء الامريكان كوصفة سحرية لتتحول بالنهاية الى "ديموقراطية توافقية" أو "ديموقراطية الأغلبية" واللتان تعنيان نظام محاصصة وسلطة طائفية على التوالي.

أن ما يجري اليوم بالعراق من أحداث خرجت في بعضها عن السيطرة جاءت نتيجة أستهتار مهووس آخر بالسلطة كسابقه، أي المقامر نوري المالكي وحزبه الحاكم اللذين يغامران كما اللذان سبقاهما " بشعبهما ووطنهما " من أجل الاستمرار بالسلطة وأن كانت على بقايا بلد دمّروه نتيجة رعونتهما وسياساتهما الطائفية. فالمالكي وهو يرث عشق صدام وحزبه المجرم للسلطة صرخ منتشيا ضاحكا مستهترا بالعملية السياسية و"بشعبه ووطنه" دون أن يستفاد من دروس التاريخ حتّى تلك التي عاصرها عن قرب، حين قال أمام مؤتمر عشائري بائس كبؤس سلطته " ما ننطيها "، في نزعة تسلطية تعتبر العتبة الاولى لدكتاتورية بغيضة تستطيع أن تنتصر بأية أنتخابات طالما تملك المال والسلطة والاعلام و ملفّات ساخنة جدا ضد الاصدقاء والاعداء كما صدام وحزبه. ولكي يبرّ المالكي كما صدام بقسمه بل وأكثر منه قال مؤخرا أن عدم مبايعته كخليفة للمنطقة الخضراء ستفتح أبواب جهنم  على العراق. فهل جهنم لم تفتح (في عهدك وحزبك الحرامي) أبوابها وشبابيكها لتحرق العراق لليوم أيها المقامر؟ لنترك أيها المقامر بوحدة العراق وشعبه،  كل أشكال جهنمك التي هددتنا بها لنبحث عن جهنم واحدة فقط ستكللكم بالعار الى نهاية التاريخ.

فهل هناك جهنم أكبر وأشد نيرانا من جهنم داعش التي هربت قواتك بأعتبارك "القائد العام للقوات المسلحة" من أمامها تاركة لهم مختلف أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة؟ هل هناك جهنم أكبر وعصابات داعش تهدد بأحتلال بغداد وأنت لازلت تريد أن تكون رئيسا للوزراء على الرغم من رفض حتّى رفاقك بالبيت الشيعي وعدم التوافق عليك من قبل بقية المتحاصصين؟ هل هناك جهنم أكبر وثلث مساحة " بلدك " تعيث بها العصابات الداعشية فسادا وقتلا وتدميرا؟ نعم أيها المستهتر بالوطن والشعب هناك جهنم أكبر من كل أشكال جهنم التي جئنا على ذكرها ولا يُمر بها مرور الكرام الا الذين لا كرامة لهم مثلك وحزبك، وهي جهنم داعش بحق أبناء شعبنا وخصوصا المسيحيين والأيزيديين منهم.

هل تعرف أيها الفاشل والمهووس بالسلطة أن عصابات داعش قد فتحت سوقا للنخاسة لبيع بنات " شعبك ووطنك " في الموصل التي هربت منها كجرذ؟ وهل تعرف أن شذّاذ الآفاق من هذه العصابات أغتصبت لليوم المئات من نساء " شعبك " دون أن يرف لك جفن؟ هل تعرف أن هذه العصابات من الممكن أن تحتل العاصمة وأنت وبقية المتحاصصين لاهون بتقسيم السلطة والمناصب . بأي جهنم توعدنا، وهل هناك جهنم أعظم من مصيبتنا هذه أيها النرجسي والصدامي أرثا. أن رئيسا لوزاء دولة تغتصب بنات شعبه و تباع كجواري في سوق النخاسة ولن يستقيل بل ويقاتل للأستمرار بالسلطة ليس سوى مجرم أو معتوه.

جاء في كتب السيرة أن عبد المطلب بن هاشم خرج الى أبرهة الحبشي وهو قرب مكة يطالبه بأعادة أبله التي أخذها جنوده، فقال أبرهه: من هذا، فقالوا: أنه عبد المطلب بن هاشم من سادات مكّة وصاحب العير. فقال له أبرهة: سقطت من عيني جئت أهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذ لك، فقال له: أنا رب الأبل وللبيت ربّ يحميه. وذكرت لنا كتب التاريخ بأسهاب نهاية الحادثة ومعجزات "السماء" وطير الأبابيل لينكسر جيش أبرهة ويفوز عبد المطلب بأبله.

واليوم حيث الدواعش على أعتاب بغداد نراك تريد حكم الخضراء "الري" أما العراق فله ربّا "يحميه "!! متناسيا على ما يبدو أن لا معجزات بالعالم اليوم، الا السياسة العقلانية والناضجة متسلحة بأرادة وطنية وشعبية وقوة عسكرية يعتد بها وأنت لا تمتلكها.

أليس من العار أن لا تطالب ببنات ونساء وأطفال بلدك وهناك في التاريخ من يطالب بأبله!؟ 

زكي رضا
الدنمارك
10/8/2014













363


صدقت ڤيان ، فتحت راية لا أله الا الله ، يقتل المسلمون البشر منذ 14 قرنا

لا أدري لماذا حاول رئيس مجلس النواب العراقي "الاخوانجي" سليم الجبوري أسكات النائب الايزيدي عن قائمة التحالف الكوردستاني السيدة " ڤيان دخيل " من الحديث والطلب منها الالتزام بما جاء به البيان حسب طلبه، عندما كانت تشرح باكية "يا لعاركم" ما يتعرض له المكون الأيزيدي المسالم من عمليات قتل وتهجير وتنكيل واغتصاب على يد عصابات داعش التي أحتلت ما يقارب ثلث مساحة البلد في وقت لا زال فيه المسلمون "سنّة وشيعة" من المؤمنين بالسلف الصالح أو بولاية الامام علي يتحاصصون ويتقاتلون من اجل توزيع المناصب ونهب ثروات البلد.

لقد قاطع هذا الأخوانجي في جلسة البرلمان العلنية السيدة ڤيان دخيل كونها قالت أن أبناء مكونها يُقتَلون تحت راية "لا إله إلا الله" وكررتها لمرتين وليقاطعها هذا الاخوانجي بالمرتين، فهل هناك راية للمسلمين يقاتلون تحتها منذ بدء الاسلام لليوم غير راية "لا إله إلا الله" يا سليم الجبوري ويا ايها البرلمانيون الاسلاميون؟ وهل بتّم تخجلون اليوم من عمليات القتل تحت هذه الراية، فأن كان كذلك فأنتم أمام خيارين لا غير ، اولهما أن تتركوا القتل والجهاد وتعودوا بشرا كما باقي البشر وأنتم لستم بفاعلون، أو تغيّروا رايتكم هذه وأنتم لستم بفاعلون أيضا؟

لا أدري أن كان الاخوانجي سليم الجبوري يعرف أن مئات الالاف من الاطفال في كل أرض أحتلها المسلمون بأسم"الفتح" وتحت راية " لا إله إلا الله" بيعوا كغلمان ليُلاط بهم من قبل أجداد الاخوانجي هذا من جهابذة المسلمين، وهل هذا الاخوانجي المؤمن يعرف أن تحت راية " لا إله إلا الله" بيعت أمهات هؤلاء الغلمان وأخواتهم من قبل تجار الرقيق المسلمين كجوارى ليتمتع بهنّ الصحابة والملوك "الخلفاء" المسلمين وخصوصا ما كان يطلق عليهن جواري بني الاصفر، وهل يعرف هذا الاخوانجي أن آباء وأزواج أولئك الاطفال وأمهاتهم قد قتلوا ومُثِل بهم شر تمثيل وأيضا تحت "راية لا أله ألا الله".

لا أدري أن كان الاخوانجي سليم الجبوري يعرف أن ثلاثة من أشهر من قال بهم محمد على أنهم من المبشرين بالجنة وهم عشر قد أقتتلوا بحضور زوجته "عائشة بنت أبي بكر" وهم علي أبن أبي طالب وطلحة والزبير اللذان قتلا في تلك المعركة "الجمل" وكان الفريقان تحت رايتين مختلفتين الا أن كلا منها كانت تحمل عبارة "لا إله إلا الله" ، فأي "لا إله إلا الله" منهما على حق! وما ذنب المسيحيين والايزيديين والصابئة لنذيقهم الموت نتيجة أمراضنا الدينية والبدوية؟

لا أدري أن كان الاخوانجي سليم الجبوري يعرف أن تحت راية "لا إله إلا الله" سرق المسلمون خيرات البلدان التي احتلوها وقضوا ببداوتهم على حضارات تعود بجذورها الى عمق التاريخ في بلدان كالعراق ومصر وفارس والروم وغيرها، ليعيثوا في تلك البلدان وتحت تلك الراية فسادا وقتلا وتدميرا همجيا نابعا من همجية الصحراء وقساوتها التي نشأوا وترعرعوا فيها قبل ان تكون لهم ادنى صلة بالحضارة ولليوم.

لا أدري أن كان هذا "الاخوانجي" قد قرأ تاريخ المسلمين ليتعرف من خلاله على دينهم كون قراءة أحدهما دون الاخر سيجعل معرفتنا بالدين ناقصة؟ وعندما نشير هنا الى التاريخ فأننا نعني به تاريخ معارك المسلمين عهد محمد تحديدا كونه وضع اللبنات الاولى لتعامل ابناء دينه مع ابناء واتباع الديانات الاخرى، معتمدا بطبيعة الحال على نصوص قرآنية بقيت وستبقى جامدة دون أي تطوير مع التطور المذهل للبشرية مما يُسهل تفسيرها من قبل متطرفي مسلمي اليوم كما جاءت على لسان محمد أو كما تصرف معها وقتها اثناء غزواته وحروبه، علما أن غير المتطرفين من المسلمين لا يستطيعون الوقوف عندها كونها نصوصا مقدسة، وافضل ما يقومون به هو تجاوزها لحين ، لا نعرف لليوم أوانه وقد يكون أوانه حين تكون لهم قوة تضاهي قوة الغرب على اقل تقدير.

آه يا ڤيان لم تقل دموعك الساخنة والصادقة اليوم الا الحقيقة فأنهم قتلوا ويقتلون البشر تحت هذه الراية بنصوص قرآنية لا خلاف عليها وكيف يكون هناك خلاف عليها وهي تقول " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ومن هذه الآيات التي تحرض على القتل علانية: (أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) "الاحزاب 27". و (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚفَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "5 التوبة".
أتعرفين يا ڤيان أن لنا نحن المسلمون 70 آية أنزلت من "السماء" بلسان عربي فصيح تدعونا الى النفير والجهاد والقتال في سبيل الله وتحت راية "لا إله إلا الله" وقد أبدعنا أيما أبداع في تطبيقها على ملايين البشر طيلة تاريخنا الدموي والمخزي فقتلناهم شر قتلة ومزقناهم شر تمزيق.

تعالي يا ڤيان لنرحل سوية الى صدر الاسلام الى غزوة بني المصطلق وحنين والتي يقول الشافعي فيها : أن النبي "ص" قسّم أموال بني المصطلق وسبيهم في الموضع الذي غنمه قبل أن يتحول عنه، وما حوله كله بلاد شرك، أما السبي في حنين فكان يقارب الستة آلاف وقد فرّق النبي وأعطى رجالا منهم عبد الرحمن بن عوف وصفوان بن أمية وعثمان بن عفّان وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وجبير بن مطعم وطلحة بن عبيد الله وسعد بن ابي وقاص وابا عبيدة ابن الجراح والزبير بن العوام، جارية من سبي حنين لكل منهم تقول كتب التاريخ أنها كانت "وضيئة معجبة" أي فائقة الحسن والجمال (1). والان هل عرفت لماذا تباع الايزيديات البريئات كجواري في سوق نخاسة المسلمين وهل عرفت سبب طلب الاخوانجي منك السكوت؟ وهل عرفت لماذا يُقتل ابرياء بلدك من المكونات الجميلة وبسطاء المسلمين؟ عليك أن تعرفي أيتها العراقية الاصيلة أن الذي طلب منك السكوت والذي جَبُنَ وهرب وسلّم ثلث مساحة البلاد لعصابات داعش ينهلون ومعهم داعش من نفس البئر ولكن بآنية مختلفة. ولهذه البئر علامة مسجلة واحدة لاغير وهي راية "لا إله إلا الله".


(1) كتاب الأم للشافعي الجزء الرابع

زكي رضا
الدنمارك
6/8/2014

 
 


364

أنحراف المثقف العراقي أخطر على وحدة البلاد ومستقبلها من الأرهاب

المثقف العراقي لا يختلف بشيء عن أي مثقف آخر في بلدان تعاني من أزمة هوية، خصوصا إن صاحبت تلك الأزمة حكومات دكتاتورية وحروب "وطنية" وأخرى أهلية. أذ يبقى المثقف بهذه الحالة أسير سؤال وحيد، أكون مع من وضد من؟ وهذا السؤال الذي يبدو بسيطا للبعض يحتاج للأجابة عليه الى شجاعة من الصعب تخيلها لأن المثقف هنا أمام طريقين لا غير أحدهما يفضي الى السلطة وأمتيازاتها والآخر يفضي الى الاصطفاف مع من تقمعهم السلطة أي الشعب أيا كانت هذه السلطة.

في مثل الواقع العراقي اليوم حيث النزاع القومي بين العرب والكورد والطائفي بين الشيعة والسنة يقف الكثير من المثقفين العراقيين عاجزين عن تحديد وجهتهم أو بالاحرى بوصلتهم (ان لم يكن الكثير منهم قد أضاعها للأسف الشديد)، كونهم لا زالوا يعانون من فترة أبعادهم أو أبتعادهم وتهميشهم منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي عندما غادر الكثير منهم الوطن تحت وطأة دكتاتورية البعث ليصابوا بالأحباط لطول فترة النفي القسري ان جاز التعبير، ليعودوا اليوم "وإن كان الكثير منهم لا يزالون يعيشون خارج البلد" محملّين برؤى وأفكار لا صلة لها بالمرّة مع واقع المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في البلد الذي هو على الضد من الثقافة ممارسةً وتطبيقاً . اما مثقفي الداخل فكانوا بين من انطوى على نفسه تاركا الثقافة كي لا يقترب من حدود السلطة وأمتيازاتها القذرة ليعيش بعيدا عن حقله الثقافي كي لا يتلوث بأوساخ السلطة حينها ومنحازا للجماهير وإن بصمت، وبين من لم يرى نفسه الا أسيرا لأملاءات السلطة وهؤلاء كانوا على قسمين اولهما كان من بطانة السلطة وخريج مدارسها ومنغمس في وحلها "العديد منهم من بطانة السلطة اليوم أيضا"، والاخر دفعته سنوات الحصار التي تلت الغزو العراقي للكويت بما حملته من معاناة أثرت عميقا في نفسية المواطن العراقي، الى ان يكون جزءا من الآلة الاعلامية والثقافية للسلطة وإن على كره بعد أن تحكمت السلطة بلقمة خبز الناس.

الديموقراطية تقف عند المثقفين الموالين للسلطة اليوم على رأسها لانهم يعتبرون الانتخابات هي اساس الديموقراطية بل جوهرها ولمّا كانت الانتخابات التشريعية والبلدية تجري كل أربع سنوات مرّة من دون الخوض هنا في طريقة أجرائها فالنظام عندهم ديموقراطي! لكنهم يتناسون ان الديموقراطية مفهوم واسع لطريقة الحكم والحياة والانتخابات ليست الا خطوة من خطوات الديموقراطية ذات الالف ميل وهذا المفهوم الواسع والشامل للديموقراطية يقودنا للبحث عن الطرق التي تهدينا في ان نجعل هذه الديموقراطية ان تقف على ارجلها كي تكون لها قاعدة استناد عريضة ومركز ثقل قوي قادر على حماية النظام الديموقراطي من الانقلاب عند المنعطفات الحادّة. وهذه نظرية فيزيائية تستخدم عادة في صناعة الحافلات ومركبات النقل العالية حيث نرى القاعدة واسعة ومنخفضة واوسع من قمة الحافلة او المركبة مع مركز ثقل قوي ومتين وقريب من الارض لحمايتها من الانقلاب لحدود كبيرة. وأذا أردنا أن نقارن الحالة الفيزيائية هذه بما يسمى بالنظام الديموقراطي العراقي اليوم فأننا بحاجة الى طبقة مثقفة لها قاعدة شعبية واسعة نتيجة قربها من هموم الناس ومنحازة اليهم وذات ثقل في الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية، والناس هنا هم جماهير الشعب دون أي تمييز على أساس القومية والدين والطائفة، والمثقف هو مركز الثقل الذي عليه أن يكون بتماس يومي مع كل ما يفرزه الواقع السياسي وترجمته بنتاج ثقافي يتحدث بلغة مفهومة لشرائح واسعة من شعبنا تم تجهيلها منذ أكثر من ثلاثة عقود وليومنا هذا . فأين المثقف العراقي اليوم من هذا الوصف وما هي سمات الثقافة التي تعكسها السلطة أن كانت تملك مشروعا ثقافيا "لا نقصد هنا الثقافة الدينية الشيعية كونها لا تمثل كل ابناء الشعب العراقي" ولو لذرّ الرماد في العيون وهل هناك واقع ثقافي في البلد؟

الثقافة عبارة عن منتوج فكري متنوع وواسع ولا يقف عادة عند حدود معينة فكلما تطور الفكر البشري كلما تطورت الثقافة وحقولها المعرفية حالها حال حقول المعرفة الاخرى، كما وليس بالامكان تجزئة الثقافة بالمرّة كالقول مثلا أن علينا منع موسيقى الراب أوعدم الاهتمام بها لأننا مجتمع له عاداته وتقاليده الاسلامية، أو القول أن فن النحت أو الرسم يجب الغاؤهما كمادتين دراسيتين في معاهد وأكاديميات الفنون الجميلة لأن الاسلام حرّم النحت والرسم. والمثقف بأعتباره منتجا لهذه الثقافة عليه أن لا يتنازل مطلقا عن حقه الذي هو حق الشعب في دفاعه عن كل حقول الثقافة والمعرفة، لأنه لو تنازل في صراعه الدائم من أجل تكريس الديموقراطية عن أي حقل ثقافي أو معرفي، فأنه سيكون مجبرا لاحقا عن التنازل "للسلطة" عن حقوق ثقافية ومعرفية أخرى وبذلك سيكون من حيث يدري أو لا يدري جزءا من معاول هدم الديموقراطية وتحويلها الى سلطة أستبداد. ولو أخذنا فترة البعث "المنهار" فأننا سنرى المثقف العراقي "على الاقل مثقفي السلطة في الداخل" قد هيأ الأرضية المناسبة لدكتاتورية زعيم سادّي كصدام حسين الذي أختزل الثقافة العراقية بأكملها وكرّسها من خلال شعار "كل شيء من أجل المعركة" الى ثقافة عبادة الشخص الواحد وتأليهه لأن المعركة لم تكن الا شخصه ونرجسيته وساديته وعشقه لكرسي الحكم وإن كان على حساب مصلحة الشعب والوطن وهذا ما حصل فعلا في النهاية. وقد نجح في مسعاه لحدود كبيرة ليوصم عقدين كاملين تقريبا بثقافة تمجيد لشخصه وذل للمثقف وأنهيار للثقافة والمعرفة وقيمهما.

لكن الذي حدث بعد أنهيار نظام البعث وأحتلال البلد و "بناء" نظام "ديموقراطي" مشّوه على أساس طائفي قومي، هو أنهيار المنظومة الفكرية لأعداد كبيرة من المثقفين أو من المحسوبين عليهم وأنحيازهم الواضح الى الطائفة والقومية على حساب الشعب بأجمعه، لأن الثقافة ليست حصرا ولا ملكا لأية جهة قومية أو دينية أو طائفية فالنتاج الثقافي في أي بلد وفي أي زمان هو ملك للشعب وللبشرية جمعاء. لذا نرى المثقف الذي عليه ربط الواقع الثقافي بالواقع السياسي من دون أن يرضخ لأملاءات السلطة ومراكز النفوذ الاخرى التي تستمد قوتها منها "السلطة" أمام مهمة كبيرة جدا، وهي ليست نقده للسلطة والاوضاع الشاذّة الاخرى بالبلد فقط ، بل دفع اكبر عدد ممكن من الجماهير للخوض في هذا الصراع ، ومرّة أخرى ، فهذا الصراع يجب لا أن يجري على اساس الانتماء الديني أو الطائفي أو القومي ، بل على أساس الانتماء الوطني.

أن تحرير المثقف لنفسه من السلطة وأذرعها وأستمرار عطائه الثقافي الشامل من حيث التوجه سيجعله في النهاية في موقف قوي أمام السلطة كونه يمثل النخبة الفكرية، والمثقف يعرف جيدا أن السلطة دائما ما تكون بحاجة الى المثقف ، أما المثقف فلا حاجة له بالسلطة الا إذا اصبحت الثقافة مهنة ، حينها يشكل المثقف خطرا كبيرا على المجتمع والدولة ، كون المثقف حينها سيعتبر موظفا عليه تنفيذ الاوامر لا غير ويبدو حينها وهو قريب من مجلس السلطان كالآلة التي تتحرك بأشارة من هذا المسؤول أو ذاك.

لو راقبنا المشهد الثقافي العراقي وأهتمام السلطة به منذ الاحتلال ليومنا هذا وحكمنا عليه بحيادية تامّة فماذا ستكون النتيجة؟ لا أظن أن الامر بحاجة الى جهد كبير للأجابة على هذا السؤال ، فالثقافة بحقولها المختلفة بنظر السلطة رجس من عمل الشيطان علينا أجتنابه وأستبداله بثقافة السلطة، فمثلما ذابت الثقافة عهد البعثيين ودكتاتورهم بـ "كل شيء من أجل المعركة" نرى القوى الدينية المهيمنة على المشهد السياسي تعمل جاهدة على حصر الثقافة بنمط أنتاجي واحد وهو "ثقافة البكاء" فالمسرح والسينما يجب أن تحمل طابعا بكائيا، حتى وصل الامر بتمثيل مشاهد بكائية للأطفال في رياضهم ومنع نفس الاطفال من التمتع بمشاهدة عرض سيرك خاص بالاطفال ألغي في اللحظات الاخيرة بحجة أن الارض التي سيقام عليها السيرك ملكا للوقف الشيعي! بل وصل الامر بثقافة السلطة الى رفض مسؤول حزبي من القوى الاسلامية الدخول الى معهد للفنون الجميلة إذا لم يتم تغطية تمثال لأمرأة بعباءة! "داعشي قبل ظهور داعش بسنوات".

أمّا حقول الثقافة الاخرى فأنها أسوأ حالا من تلك التي تطرقنا اليها، فالفرقة السمفونية والفرقة القومية للفنون الشعبية وكل ما يتعلق بالفن أصبح في حكم المنتهي، والمثقف الذي يبرر عدم أيلاء السلطة أهتمامها بالثقافة ورموزها الذي يغادرون الحياة نتيجة الفقر والعوز أو في منافيهم متعللا بالاوضاع غير الطبيعية التي يمر بها البلد، فأنه يتنازل عن جزء من الديموقراطية والذي سيدفعه لاحقا للتنازل عن أجزاء أخرى وبذلك فأنه يعبّد الطريق لسلطة الفرد الواحد في أية منطقة جغرافية بالبلد وإن بآليات "ديموقراطية".

لا أعتقد أن في العراق اليوم مثقف عراقي الا بحدود ضيقة كون المثقف اليوم أصبح مثقفا شيعيا أوسنيّا أوكورديا، وبالتالي فأن العطاء الثقافي هو ليس عطاءا وطنيا قدر ما هو عطاء طائفي وقومي. وهؤلاء المثقفين لا يستطيعون التأثير الايجابي في الحياة السياسية "الوطنية" كونهم ليسوا بمثقفين مشغولين بالهمّ السياسي وأنما العكس ، وبالتالي فأنهم سيكونون جزءا من الآلة الدعائية الشيعية أوالسنية أوالكوردية، وبمعنى آخر فأنهم مثقفي محاصصة على غرار السلطة وهنا من حقنا أن نطرح عليهم السؤال التالي، ماذا جنى شعبنا ووطننا من هذه المحاصصة لليوم أيها السادة كي يكون لنا محاصصة ثقافية هذه المرّة؟

أن شعبنا اليوم بحاجة الى صوت المثقف أكثر من أي وقت مضى لأنه الساتر الاخير أمام طغيان الفساد والارهاب الذي يهدد أمنه ووحدة بلده، والمثقف اليوم أمام آخر أمتحان ليثبت لهذا الشعب وطنيته وأنه أهل لحمل هذه الامانة التي حملها قبله المثقفون في جميع بلدان الارض وخلال مختلف العصور ودفع الكثيرون منهم حياتهم في هذا الطريق الوعر والشائك والمقدس بنفس الوقت. أن الثقافة ليست سلعة تباع على قارعة الطريق أو في محفل السلطان بل هي عرق وجهد ملك للناس طالما يدونها المثقف على ورقة وتتحول الى نص مسرحي أو كلمات أغنية أو قصيدة شعر أو قصة أو رواية أو منشور أو مقال يقض مضاجع الطغاة "الديموقراطيين" بفضح ممارساتهم الطائفية وسرقاتهم وأستهتارهم بالبلد ووحدته والشعب وأمنه.

أن أنحراف المثقف نحو سلطة المحاصصة بجميع مكوناتها أشد خطرا على البلد من خطر الارهاب، كون آثار الارهاب من الممكن تجاوزها وبناء البلد وخصوصا في حالة العراق الغني ، بسنوات معدودات حال القضاء عليه "الارهاب". أما في حالة غياب الثقافة وأصطفاف المثقفين الى جانب طوائفهم وقومياتهم فسيكون بحاجة الى عقود لأن الثقافة تتعامل مع الانسان وعقله وروحه، وبناء الانسان هو أصعب أشكال البناء ويأخذ وقتا طويلا.

لا يُعبَد الله والشيطان بنفس الوقت الا في عراق المحاصصة
زكي رضا
الدنمارك
24/7/2014


365
وا نوريها ومالكيها....!!!

يُروى أن رجلا نقل للمعتصم العباسي انه شاهد أمرأة عربية في مدينة عمّورية يسحلها عساكر الروم الى السجن فصرخت "وامعتصماه وامعتصماه"، فما كان من المعتصم وهو حاكم البلاد حينها بعد أن أخذته العزّة بالنفس بعد صرخة أحدى رعاياه الّا أن يوجه رسالة الى حاكم تلك المدينة قائلا له "على ذمّة كتب التاريخ" (من أمير المؤمنين الى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمّورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا، فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم قالت نعم).

واليوم وقد أجبر الدواعش أهلنا من المسيحيين الطيبين في الموصل بمغادرتها وهم بناة حضارتها وأقدم من المسلمين في سكناها، رأيت من خلال شاشات التلفزيون صورا لنسوة وأطفال وشيوخ يسيرون من غير هدى دون أن يحملوا معهم شيئا من متاع بعد أن تركوا كل شيء نزولا عند قرارات مجرمي داعش و"خليفتهم"، كما شاهدت صورا على مواقع الانترنت تبكي كل ذي ضمير حي وكل من لازال يحمل ذرة من الوطنية والانسانية في داخله، لنسوة يبكين وهنّ يقدن أطفالهن بمعية عوائلهن الى حيث المجهول في وطن أصبحت فيه المواطنة ترفا فكريا مقابل الطائفة والقومية. وأنا أرى هذه المشاهد التي تهز ضمائر كل البشر الا ضمائر حكام العراق على مختلف طوائفهم الدينية والقومية، تذكرت واقعة عمّورية وصرخة تلك المرأة بـ "وامعتصماه وامعتصماه".

ولأن ردود افعال المظلومين على ما يقع عليهم من ظلم تبدو متشابه دوما ان لم تكن متطابقة، فأنني أستطيع أن أجزم أن أحدى النساء قد صرخت بعد ان خرجت من محيط المدينة المحتلة بوجه السماء لما حصل لها واهلها، مطالبة جهة ما بأنصافها وأعادتها الى بيتها وحياتها. ولأن رجلا في الحدث قال أنه شاهد أمرأة تصرخ بـ "وامعتصماه وامعتصماه"، فأنني أقول للسيد المالكي بأعتباره حاكم البلاد من أن شخصا هاتفني اليوم قائلا أنه شاهد أمرأة مسيحية مهجرة من الموصل وهي تصرخ "وا نوريها ومالكيها". فهل ستتحرك أيها الحاج "ابو أسراء" لأغاثة تلك المرأة وغيرها من النسوة، وهل سترسل برسالة الى المجرم "ابو بكر البغدادي" تطالبه بأعادة المهجّرين المسيحيين وغيرهم الى المدينة، والا لبعثت له جيشا بدايته في المنطقة الخضراء وآخره في المسجد الذي اعلن من خلاله خلافته الاسلامية. ألست ولي دم كل عراقي كما تقول فأين هي ولايتك اذن؟ وأين هو جيشك الذي صرفت عليه من اموال شعبنا مئات المليارات من الدولارات؟ أن الحاكم الذي يفشل في توفير الأمن والخدمات لشعبه لتسع سنوات ويطالبهم بتجديد بيعته أما أحمق أو متخلف أو يخاف الحساب لسرقاته وعائلته وبطانته وحزبه.

السيد مختار العصر أنني واثق أن لو أمرأة عربية هاشمية عراقية صرخت في منطقة الباب الشرقي "وا نوريها ومالكيها" لما تجرأت على الخروج من حفرتك الخضراء لأغاثتها فكيف بأمرأة مسيحية من الموصل. تعسا لك ولحزبك ولدولة قانونك.

زكي رضا
الدنمارك
20/7/2014

 


366

داعش من عشائر شمّر فمبروك للشمّريين دواعشهم

عندما أنزلق المالكي الى حضيض العشائرية العفن بتمجيده لعشائر الجنوب الشيعية وفي مقدمتها عشيرة "بني مالك الأشترية" وتفضيلها على غيرها من العشائر، بنفخه الروح في جسدها "العشائر" لتكون رصيده اضافة لطائفيته في أستمرار هيمنته على مقاليد بلد فشل في قيادته وأدارته فشلا ذريعا. كان عليه ان يحسب ان هذا السلاح "العشائر" هو سلاح غير أمين لأن تأريخ العشائر العراقية وعلى الاقل منذ تولي البعث السلطة للمرة الثانية في تموز 1968 كان عبارة عن خنوع وذل وتملق بائس من هذه العشائر للسلطات الحاكمة. فالعشائر العراقية وبعد ان اعاد لها المجرم صدام حسين جزء من دور تلعبه لحسابات مرحلية حينها، ساهمت مساهمة فعالة في توفير وقود لا ينضب لحروب الطاغية الداخلية والخارجية عن طريق دفع أبنائها للاشتراك فيها خدمة لنزوات الدكتاتور ومن اجل مزايا كان يقدمها النظام لما يسمى بشيوخ العشائر ورؤساء الأفخاذ، حتى وصل الامر بهؤلاء الى تسليم ابناء عشائرهم الهاربين من خدمة الطاغية واللاجئين الى مضارب عشائرهم الى السلطات التي نفّذت بحقهم احكام الاعدام داخل المدن لارهاب الناس، وذلك بعيدا حتى عن "النخوة " أو عن "الدخالة" وهي من صميم عادات العشائر البدوية منها والريفية.

عندما نقول أن سلاح العشائر الذي استخدمه المالكي هو سلاح غير أمين فأننا نعني به هنا تحديدا هو سماحه للعشائر العربية السنية بعد ان قرّب العشائر العربية الشيعية بهوسة "لا تنطيها" كجزء من آليات تكريس سلطة الفرد الواحد وديكتاتوريته، في أن تكون على الطرف المقابل ليس لحكمه فقط بل مقابل الوطن ايضا للأسف الشديد بعد أن شعرت ليس بالتهميش فقط "لسنّيتها" بل "ضرورة " مساهمتها الفعّالة في تنفيذ أجندة أقليمية و "عروبية" هي بالضد من مصالح شعبنا ووطننا نتيجة التدخلات الايرانية في رسم السياسة الداخلية العراقية. هذه السياسة التي لا يستطيع القادة الشيعة انكارها ولا هم بصدد انكارها بعد ان اصبح العراق فعلا حديقة خلفية لأيران وحائط صد بشري وجغرافي أمام اي تهديد يطال حدودها الغربية.

أن رد العشائر العربية السنّية على هوسة "ما ننطيها" المالكية الشهيرة والتي لا تقل عن خطأ أعدام الدكتاتور في أول أيام عيد الأضحى والتدخل الواضح للمؤسسة الدينية الشيعية في الحكم والتدخلات الايرانية وفشل المالكي في ولايتين حكوميتين من تأسيس دولة ذات مؤسسات بعيدة عن الطائفية والحزبية والفئوية الضيقة وغيرها من الاسباب الاخرى التي لا تقل أهمية عما ذكرناه اعلاه. دفعت العشائر العربية لخوض صراع مع حكومة بغداد بدأ تقريبا منذ بداية الاحتلال الامريكي، ولكن علينا كي لا نبتعد عن الحقيقة ان نعترف بأن هذه العشائر وابنائها من الذين كانوا ضمن المؤسسة العسكرية والمدنية للبعث الساقط لم تتحمل التغيرات السياسية في العراق وأفول دورها الذي اعتادت ان تلعبه لثمانية عقود هي تاريخ الدولة العراقية الحديثة حتى ساعة الاحتلال الامريكي.

قد يكون مفهوما ان تعلن العشائر السنية العصيان على سلطة بغداد الطائفية وقد يكون مفهوما ان تشعر هذه العشائر بالاهمال الذي طال مدنها على الرغم من ان الاهمال طال ولازال جميع مدن العراق العربية ومنها العاصمة بغداد التي تعتبر في عهد المالكي الزاهر وحزبه الحاكم من "اوسخ العواصم في العالم"، وقد يكون مفهوما ايضا أن تنتقل هذا العشائر من العصيان المدني "الفقاعة حسب الوصف البائس للمالكي" الى العصيان المسلح. ولكن غير المفهوم هو أصطفاف هذه العشائر الى جانب قوى أرهابية ومشاركتها خصوصا البعثيين منهم والنقشبنديين في أرتكاب أبشع الجرائم بحق الابرياء من ابناء شعبنا أضافة لتدميرها أنابيب نقل النفط ومحطات الطاقة. علما أن هذه العشائر تستطيع أن ترجع سنوات الى الوراء لتعرف أن في أوج معارك النظام البعثي المنهار ضد ابناء شعبنا وقواه الحية لم يقدم اي تنظيم سياسي على ضرب أية منشأة أقتصادية عراقية، وكمثال بسيط على ذلك فأن قوات البيشمركة الكوردية والانصار الشيوعيين العراقيين كانوا يمرون عابرين أنابيب النفط الاستراتيجية المتجهة نحو تركيا اثناء تنقلهم من سوريا الى كوردستان العراق، دون أن يمسوا هذه الانابيب بأي أذى كون هذه الانابيب هي ثروة وطنية وليست ملكا لنظام معين.

دعونا ننتقل الان الى غير المفهوم عند هذه العشائر وذلك من خلال تصريحات عشائرية وبعثية صرّح بها المشاركين في ما يسمى بـ "مؤتمر عمّان لإنقاذ العراق ودعم الثورة " البالغ عددهم 250 مندوبا من سبع محافظات عراقية هي " نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى والانبار وبغداد وشمال بابل" وهم خليط من قوى عشائرية وبعثيين وسلفيين واخوان مسلمين وتنظيمات عسكرية كانت مساهمة بشكل فعال في الحرب الطائفية ولازالت تلعب نفس الدور لليوم. ومن ابرز النقاط التي خرج بها "المؤتمرون" هي تأييد قيادات بارزة ساهمت في هذا المؤتمر للعمل المشترك مع تنظيم "داعش الارهابي" ومن لم يعلن عن هذا الموقف بشكل صريح فضّل عدم الخوض في مناقشته وهذا يعني قبول ضمني منهم. ومن هذه القيادات كانت قيادة "البعث" ممثّلة بعبد الصمد الغريري الذي وصف موقف حزبه من تنظيم داعش الارهابي قائلا " الآن نسميها الدولة الإسلامية وهي حققت أهدافاً وأعانت الثوار في تحقيق أهدافهم، ونحن شبه منسجمين في تحقيق معهم في مواجهة المشروع الإيراني الصفوي في العراق"، أما عن استعداد حزبه مستقبلا للتعاون مع تنظيم داعش الارهابي قال "نحن الآن نتحدث عن القتال وليس الجوانب الفكرية والعقائدية، والمؤتمر لم يناقش داعش بل العملية السياسية وسلبيات الاحتلال فقط وسنعمل على تحقيق توصيات المؤتمر مع المجتمع الدولي" وكأن سيطرة داعش على محافظة نينوى وغيرها نتيجة ضعف وتخاذل الحكومة وقواتها العسكرية والامنية ليست أحتلالا!!

لم يثر أهتمامي شيء بما خرج به المؤتمر المنعقد برعاية أردنية رسمية بعمّان ما خرج به من قرارات وتوصيات، لأن المثير للاهتمام كان عدم خروج هذا المؤتمر بمثل هذه التوصيات والقرارات. ولكن الذي اثار أهتمامي هو كشف جديد في أصول العشائر العراقية بعد أن عرفت اليوم فقط أن، الشيشانيون والباكستانيون والافغان والتونسيون والجزائريون والفلسطينيون والسوريون واللبنانيون والسعوديون واليمنيون والكثير من الافارقة هم من عشائر المناطق الغربية ومنهم عشيرة شمّر. وذلك بعد تصريحات الشيخ "وضّاح مالك الصديد" أحد شيوخ عشائر شمّر العراقية العربية الافريقية العالمية "كما ليبيا سابقا" فقد صرّح بعد المؤتمر حول أمكانية التحالف مع تنظيم داعش الارهابي قائلا " "لم نتحدث من قريب أو من بعيد لكن نأمل أن ينضموا إلينا وأن يساعدونا في ثورتنا لأن داعش هم جزء من أبناء عشائرنا.. ولننظر إلى إنجازاتهم في الموصل وصلاح الدين حتى الان الامور مستقرة" أما عن امكانية عمل المؤتمرين مع تنظيم ما يسمى "بالخلافة الاسلامية" فقد اتحفنا الشيخ المذكور قائلا لموقع الـCNN بالعربية "هذا أمر آخر لا نرفض ولا نقبل.. وسنرحب في دعوتهم للمؤتمر المقبل وغيرهم من الأطراف بشرط أن لا تكون لأي طرف أجندة إيرانية، وأي طرف يعلن رفضه للمد الصفوي نحن يدنا معه". ومن خلال تصريحات الشيخ الشمّري يبدو أن "شمّر بخير وما يعوزها غير الخام والطعام وداعش"

وكما كان متوقعا ونتيجة للتدخلات المستمرة من المؤسسة الدينية الشيعية في أمور الحكم بالعراق فأن رجال دين سنّة وفي مقدمتهم الشيخ عبد الملك السعدي أحد أهم رجال الدين السنّة بالعراق والشيخ بشار الفيضي الناطق بأسم هيئة علماء المسلمين، قد حضروا المؤتمر ، ما يجعلنا نؤكد أن احد أهم مشاكل شعبنا ووطننا هو هذا التدخل من قبل المؤسسات الدينية التي أساءت لنفسها وللعملية السياسية والبلد. وأن استمرار تدخلها ورعاية هذا التدخل من قبل الاحزاب الاسلامية والذين يدورون في فلكها ستكون له اسوأ النتائج مستقبلا ليس على العملية السياسية وحدها بل وعلى وحدة شعبنا ووطننا، لان الخلاف ما بين هاتين المؤسستين بقي دون حل لقرون طويلة، وهذا يعني تحديدا انهم ليسوا جزءا من المشكلة بل أساس المشكلة لانهم طائفيون ولن يستطيعوا ان يكونوا جزءا من حل ننتظره. فمتى يعي المهتمين بالشأن السياسي ذلك؟

العشائرية داء لا يقل خطرا عن الطائفية والمالكي مصاب بالاثنتين.

زكي رضا
الدنمارك
18/7/2014


367
والآن هل شفيَ غليلكِ يا حنان الفتلاوي

في طريقهم للأنتخابات البرلمانية الاخيرة ولشعورهم بأنحسار شعبيتهم نتيجة فشلهم في جميع الملفّات التي تهم أمر البلد واستقراره، بدأ حزب الدعوة الشيعي الحاكم وزعيمه نوري المالكي وما يسمّى بدولة قانونهم بتهيئة الاجواء في الوسط الشيعي لأعادة انتخابهم مرّة أخرى. ولم تكن هذه الاجواء بطبيعة الحال هي تغيير ولو نسبي بسياساتهم الكارثية التي أوصلت البلد الى حافّة الهاوية ولا الحد من مناكفاتهم مع شركائهم في ما يسمّى بالعملية السياسية من خلال حكومة المحاصصة الطائفية القومية كي لا تصل الامور الى حد القطيعة، ولا توفير بعض من خدمات افتقدها المواطن العراقي نتيجة سوء أدارة الحكومة لأبسط الملفّات، ولا استقرار ولو جزئي وبسيط للحالة الامنية بالبلد التي شهدت فلتان واضح قبل ان تنهار بنكبة العاشر من حزيران التي يسميها بعض الفاشلين بالنكسة أو "الوكسه" باللهجة العراقية المحكية. بل كانت الاجواء التي هيأها المالكي وفريقه تسير بأتجاه آخر مغاير تماما لما ذكرناه، فالمالكي وفريقه الشيطاني لم يجدوا دعاية انتخابية افضل من اذكاء النار في أتون الصراع الطائفي الذي أكل وسيأكل الاخضر واليابس في بلد كان ولا يزال بحاجة الى حكماء حقيقيين ووطنيين حقيقيين لأخراجه من ورطته التي أدخله فيها الاسلام السياسي وحثالات البعث المتحالفة مع شّذاذ الآفاق القادمين من كهوف ما قبل التاريخ.

لقد بدأت دعاية المالكي وحزبه الحاكم من الانبار تحديدا بفضّ أعتصامات المعتصمين الحاملين لشعارات أختلطت فيها مطالب مشروعة واخرى غير مشروعة بأشهر قبل بداية الانتخابات بالقوة العسكرية، تلك التي كان بأمكان المالكي تلبية بعضا من تلك المطالب المشروعة منها التي يقرّها اليوم بدلا من عناده الذي قاد البلد الى اسوأ وضع سياسي وعسكري وأمني يمر به العراق طيلة تأريخه الحديث ويهدد وحدة اراضيه وسلامة شعبه، بل سيتعداه الى تهديد أمن المنطقة بالكامل في حالة استمرار الميزان العسكري على الارض لصالح قوى الارهاب المتمثلة بمجرمي "داعش" وحلفائها من البعثيين وبقية التنظيمات الارهابية والبعض من العشائر في المنطقة الغربية من تلك التي تبحث عن مصالحها على غرار العشائر في منطقة الجنوب والفرات الاوسط من تلك التي ولازالت كمثيلاتها مستعدة لبيع نفسها لمن يدفع اليها المال. نعم، لقد بدأت دعاية المالكي بتصريح لا يليق برجل دولة من جهة، ولا يطلقه الا من كانت له القدرة الفعلية والحقيقية على تحمّل ما جاء به من كافة النواحي، وكان ذلك التصريح البائس هو وصفه لما كان يجري في المنطقة الغربية من أعمال عسكرية أو التهديد بها وخصوصا في مدينة الفلّوجة المتاخمة لحدود بغداد الكبرى، من أنه ليس سوى فقاعة! وعندما اندلعت المعارك قبل عدة أشهر عرفنا وبعد فشل المالكي في السيطرة على الاوضاع في تلك المدينة الصغيرة والقريبة من مراكز الامداد والتعبئة العسكريتين، من أن عورة المالكي لا تسترها غابة من الاوراق وليس ورقة واحدة بعد أن عصيت عليه المدينة وفشل في أقتحامها، وليتبين لنا لاحقا أن تلك الفقاعة بعد انفجارها كان فيها جبلا من المشاكل. ومن أهم وأشرس هذه المشاكل هو تنظيم داعش الارهابي الذي يسيطر على مساحات واسعة من البلاد منها سدود مائية على درجة عالية من الاهمية وما يعني هذا من خطر حقيقي على مدن كبرى منها بغداد في حالة أقدام هذه الزمر الهمجية من تنفيذ مخططاتهم الشيطانية، أضافة الى تحكمّه بمصير الملايين من ابناء شعبنا وتهديد حياتهم وأمنهم. فهل لازال المالكي وبعد كل هذه الاحداث قادر على تحمل وصفه هذا كرجل سياسي؟ هل لازال ما يجري في العراق اليوم وتهديد الارهابيين بمهاجة بغدادنا وليس بغداده هو عبارة عن فقاعة!؟ وأذا كان شعار الدم بالدم هو مطلبه  فليس من الغريب أن يعتمده بدو يعرفون هذا الشعار أفضل منه ليحاربوه بنفس منطقه الغريب والمعوّج والذي لا يليق برجل دولة.

لم يكن المالكي هو الوحيد من حزب الدعوة الشيعي الحاكم وما يسمّى بدولة "القانون" من أطلق تصريحات نارية بحق الكثيرين من شركاءه سواء من كان منهم بالحكومة أو حتّى من رفاقه في التحالف الوطني الشيعي، بل أنبرى آخرون ليهاجموا فيه وكجزء من دعاية أنتخابية رخيصة طعمها ولونها كالدم الذي يجري اليوم في أرجاء العراق والذي سيجري لاحقا، بمهاجمة الكورد ليس كساسة فقط بل وحتى كشعب لينجح المالكي في ما فشل فيه المجرم صدام حسين الذي لم يستطع ولعقود من الصراع أن يدق أسفينا بين عرب العراق وكورده ومنهم عرب الجنوب الشيعة، يا له من أنجاز!. ومن أولئك الذين أنبروا لمهاجمة جميع شركاء المالكي بالعملية السياسية نستطيع أن نشير الى ربيبة البعث السابقة ومدللّة المالكي وحزبه الحاكم اليوم النائب حنان الفتلاوي التي وصلت فيها طائفيتها المقيتة الى الحد الذي طالبت فيه علنا بقتل 7 من السنة مقابل قتل 7 من الشيعة، عوضا عن بحثها وزعيمها بأعتبارهم على رأس السلطة اليوم على طرق أفضل من القتل لبناء الوطن، فهل مثل هذا التصريح يعتبر مسؤولا؟ وهل من يطلق مثل هذا التصريح يعرف معنى المواطنة؟

السيدة حنان الفتلاوي هل شفيَ غليلك الآن وأرهابيي داعش يقتلون من سنة العراق وشيعته ما فشلت أنت بقتلهم؟   
السيدة حنان الفتلاوي هل شفيَ غليلك والعراق قادم على أهوال ما بعدها أهوال؟
السيدة حنان الفتلاوي هل شفي غليلك وسيدك و"الفقاعات والدواعش المجرمين" على أبواب بغداد وأنتم عاجزون عن فعل أي شيء الا بمساعدة الاخرين؟
السيدة حنان الفتلاوي هناك اليوم الالاف من الأُسَر التي تريدين قتلهم مقابل قتلاك يهيمون في صحارى العراق بعد فرارهم من "الفقاعات والدواعش" فهل تتحملين وزرهم وهل شفي غليلك؟ 
السيدة حنان الفتلاوي لقد قتل "الفقاعات والدواعش" قبل يومين البطلة الشهيدة "أميمة جبارة" وهي تقاتلهم بسلاحها عوضا عن رميه والهرب، فهل شفي غليلك أم انك تتأسفين لعدم الظفر بها وقتلها مقابل شيعي عراقي يقتل؟
السيدة حنان الفتلاوي أن نظاما سياسيا لا يحاكمك بتهمة التحريض على القتل والكراهية لهو نظام داعر. 
السيدة حنان الفتلاوي أن التاريخ سيكللك والمالكي وكل الطائفيين شيعة وسنة وكل القوميين ممن يساهمون بتقطيع أوصال وطننا بالعار.
السيدة حنان الفتلاوي أرحلي أيتها الطائفية وقولي لزعميك أن يرحل، عسى أن يقود العراق رجل كفوء قادر على محاربة حثالات داعش والبعث المجرمتين وليعيد للعراق كرامته المهدورة.

 في بلدان المحاصصة الطائفية القومية المافيوية كالعراق تضيع الحقائق في آلاف السراديب المظلمة والرطبة


زكي رضا
الدنمارك
24/6/2014 


 






368
البقّال والفشل الأمني المستديم

بداية أود القول من أن العمل ليس عيبا مهما كان نوع العمل الا تلك الاعمال التي تدخل في خانة العيب حسب نظرة الشعوب المختلفة لمعنى العيب، كأدارة أندية القمار ودور الدعارة حتى المقننة منها تلك التي ترتبط بزواج القاصرات والأتجار بالبشر والمخدرات وتهريب آثار البلد والتجسس لحساب الاجنبي وغيرها من المهن أذا ما كانت مثل هذه الاعمال القذرة مهنة. وقد عانينا كعراقيين من مختلف القوميات والاديان والمذاهب والمشارب السياسية من الآثار المدمرة لسياسة البعث الساقط، تلك التي دفعتنا الى مختلف المهاجر أما تبعيدا أو هروبا من بطش نظامه الفاشي.

من الطبيعي ونحن في تلك المهاجر فرادى أو مع عوائلنا أن نبدأ بالبحث عن عمل شريف لنعيش منه وعوائلنا بكرامة، ولا أجافي الحقيقة شيئا أن قلت بأن اغلبنا قد عمل في أعمال هي ليست من أختصاصه، فشخصيا كنت أفترش ارصفة طهران لأبيع فيها بعض الحاجيات التي تدر علي بعضا من مال يسير أضافة الى العديد من الاعمال الشريفة الاخرى، وكان معي العديد من العراقيين المهجرين ومنهم أساتذة وموظفون بل وكان من بيننا رجال يعتبرون من ذوي الثراء قبل أن يهجرهم نظام العهر البعثي مصادرا كل ما يملكون. أذن فالعمل ليس بعيب فالنبي محمد "ص" مثلا كان راعيا فتاجرا والمسيح عيسى "ع" كان نجارا وغيرهما العديد، كما ونحن نعيش غربتنا القسرية على رغم رحيل البعث الى مزبلته نرى الكثير من الطلبة يدرسون ويعملون في غسل الاطباق بالمطاعم ليوفروا لهم مالا يعينهم على تحمل بعضا من نفقات دراستهم. أذن أين يكمن العيب؟

العيب يكمن في أن يتبوأ المرء عملا فوق طاقته ويفشل فيه بأمتياز سنة أثر أخرى، ويتحول هذا العيب الى جريمة أن كان الفشل هذا يودي بحياة الالاف من البشر ويساهم بتدمير ممتلكات المجتمع. ويتحول نفس العيب هذا الى كارثة وطنية أن استمر نفس الشخص بمنصبه من جديد. فالسيد وكيل وزارة الداخلية البقّال "عدنان الاسدي" والذي يسمى اليوم بالعراق بـ "عدنان ألنكي بعد حديث الألنكي والجدران المفتوحة في فلم كارتون أفتح يا عدنان أو يا سمسم" والذي يدير الملّف الامني في البلد، يثبت فشله في كل دقيقة من حياة المواطن والبلد منذ أن استلم منصبه نتيجة نظام المحاصصة الى يومنا هذا. فالحجي "ابو حسنين" فاشل في تأمين بغداد وغيرها من المدن من أرهاب قوى الجريمة، والحجي فاشل في منع تهريب وتبييض الاموال المنهوبة من قبل أزلام الاسلام السياسي وغيرهم من أزلام نظام المحاصصة على الرغم من معرفته الدقيقة بعمل بعضها، والحجي فاشل في مكافحة الرشوة حتى داخل عرينه، وهو ليس فاشلا فقط بل مساهما فاعلا في ترويج الرشوة وما رشوته للبسطاء في السماوة لكسب اصواتهم الانتخابية الا دليلا على فساد وزارته فأن كان " وكيل الوزير للدف ضارب .. فما شيمة أعضاء وزارته سوى الرقص". وفشل الحجي "ابوحسنين" وللأمانة يقابله نجاحات علينا التأكيد عليها كي يستمر الحجي في تعزيزها، ومنها منعه للتظاهرات وعدم منحها التراخيص وفق ما جاء به الدستور لأنها مخترقة بنظره!! ونجاحه في استيراد أجهزة كشف المتفجرات التي بسببها ينعم البغداديون بالهدوء ولا يستمعوا الى أصوات الانفجارات الا صوت مدفع الافطار في شهر رمضان من كل عام وأصوات الالعاب النارية التي تغطي سماء بغداد بين الحين والحين !!! و..و ..و ..و.. ومنها أيضا  قطع الطرق على المواطنين عن طريق نصب السيطرات الثابتة والمتحركة مما يعيقهم بالوصول الى أعمالهم ودوائرهم وجامعاتهم ومدارسهم، والسماح للسيارات المفخخة من التجول بحرية لتنفجر مخلفة مئات القتلى والخراب في ممتلكات الناس، وآخر تلك الانفجارات كانت قبل أيام دون ان يتحرك لبقّالنا ومن جعله في منصبه وأعضاء حزبه جفن.

ان وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو الخطوة الصحيحة لتقدم العمل، فمن غير المعقول وضع شخص ذو مؤهلات بسيطة ليقود رجال أكاديميون، كما وليس صحيحا أن نضع عالم بالطب مثلا مسؤولا في أحدى البلديات، وليس صحيحا أيضا أن نجعل أستاذا للغة الانكليزية مثلا أن يدرس مادة الرياضيات أو الفيزياء في أية جامعة أو صرح علمي. أذن فالمؤهلات التي يمتلكها الشخص هي التي تمنحه السيطرة على منصبه، وعلى المسؤول الذي يمنحه منصبه هذا أخذ هذه المؤهلات بعين الاعتبار في مثل هذه الحالة. وكمثال أسلامي "لاننا نتحدث الى "حُجّاج" على مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، من أنه يروى عن النبي محمد "ص" أنه قال للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري بعد أن سأله توليته " يا أبا ذر، أنك لضعيف. وأنها لأمانة، وأنها يوم القيامة خزي وندامة، الا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيه".

هل فكر الحاج "ابو أسراء" وهو يولي "الحاج البقّال" منصبه الخطير هذا ولو لبرهة بحديث النبي محمد "ص"، وهل أدى الحاج "أبو حسنين "الامانة"؟ وهل أدى الذي عليه فيه، أم أنها خزي وندامة في الدنيا قبل الاخرة؟ وهل أرواح أبناء شعبنا وهم يتناثرون في سماوات الوطن نتيجة التفجيرات شبه اليومية أهم، أم منح أحد الدعاة وأن كان بقّالا منصبه الخطير هذا أهم؟ أن محاربة الارهاب بالعراق بحاجة الى الابتعاد عن الكذب المستمر وتخدير الناس بوعود لاتتحقق حتى بعد سنوات من أطلاقها، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومواجهة الارهاب بتدريب كادر محترف متسلح بالعلم والخبرة والمال والاجهزة الحديثة "ليس بالضرورة أن يكون من حزب الدعوة القائد" قادر على ضرب الارهابيين قبل تنفيذ خططهم الشيطانية. وهنا بودي أن أنهي مقالتي بتصريحين أحدهما للحاج "أبو أسراء" والاخر للحاج أبراهيم الجعفري "أبو أحمد"، لنتعرف على سذاجتنا نحن العراقيين، وكيف نتقبل كذب المسؤولين وفشلهم المستمر بأنتخابهم مرة بعد أخرى.

"الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقواتنا الأمنية تمسك بالأرض " من خطاب متلفز في أواخر آيار/ مايس سنة 2010. "الحاج نوري المالكي"

"أن الاعمال الاجرامية مؤشّر على أن الارهاب بدأ يلفظ أنفاسه الاخيرة، وهو يجر أذيال الهزيمة مذموما مدحورا" 10/9/2012 " الحاج أبراهيم الجعفري".


قال الامام الباقر "ع" (آية المنافق ثلاث، أذا حدّث كذب، وأذا وعد أخلف، وأذا أؤتمن خان) ووالله لقد حدّثتم فكذبتم، ووعدتم فأخلفتم، وأؤتمنتم فخنتم".


زكي رضا
الدنمارك
16/5/2014


369
الامام علي "ع" وخوزيه موخيكا وشيعة الخضراء

عادة ما يحتفل الناس بيوم ميلاد شخص عزيز عليهم بأقامة حفل بالمناسبة، وتختلف طبيعة ذلك الحفل من شخص لآخر حسب وضعه الاجتماعي وثروته، فنرى هناك حفل فقير للغاية وحفل يبلغ البذخ فيه ما لايتصوره عقل الانسان لما يصرف فيه من أموال كأحتفالات الاغنياء ورؤساء الدول بأعياد ميلادهم. كما تحتفل العديد من الشعوب بأشكال مختلفة بأعياد ميلاد عظمائها وساستها الذين أثروا في حياة شعوبهم مستذكرين أعمالهم وبطولاتهم ومواقفهم، ليستلهموا منها نهجا ومثلا واخلاقا في تربية الاجيال المعاصرة بعد ان يرسخّوا من خلال تلك الاحتفالات تلك الشخصيات في العقل الجمعي لمجتمعاتهم كي يتخذونهم قدوة لبناء أوطانهم على سيرة المحتفى بهم.

يحتفل العالم الاسلامي والشيعي خصوصا ومنهم شيعة العراق سنويا بذكرى ميلاد الامام علي "ع" ويقيموا الاحتفالات الكبيرة بهذه المناسبة وخصوصا في مرقد الامام في مدينة النجف الاشرف، فهل الاحتفال بهذه المناسبة كافية عند القائمين عليها من خلال الفرح بهذا اليوم فقط، أم عليهم وهنا نعني المؤسسة الدينية ورجال الساسة الشيعة الذين يمتلكون البلد اليوم أن يعكسوا للجمهور الشيعي أخلاق الامام ومواقفه من أمور الحياة المختلفة وضرورة السير على نهج الامام في تربية النفس والمجتمع والتثقيف بمواقفه؟ 

لو تركنا دراسة تاريخ الامام علي "ع" منذ ولادته وحتى ساعة أستشهاده في مسجد الكوفة، والبكاء الازلي لشيعته لفقدانه وفقدان الخلافة خلال كل القرون الماضية، وركزنا على تاريخ الاحزاب السياسية الشيعية خلال النضال المرير لشعبنا ضد حكم البعث المجرم وكيف كانوا يجاهدون من اجل اقامة دولة عدل علي على انقاض دولة يزيد العصر المجرم صدام حسين كما في ادبياتهم، وقارنّاها بما فعلوه ويفعلونه منذ ان وصلوا للسلطة بعد الاحتلال الامريكي بعشر معشار ما فعله الامام خلال فترة خلافته وهم شيعته ومريدوه مثلما يدعون لأصابنا الغثيان أن لم نصاب بالجنون. فهل هناك أمامين بنفس الاسم، أحدهما علي الفقراء والاخر علي المنطقة الخضراء واساطين الشيعة؟ أم ان هناك عليا واحدا يزور مرقده مئات الالاف من مريده ليتبركوا بزيارته ويشكو اليه ما حلّ بهم، ويزوره بنفس الوقت آخرون ليتاجروا بأسمه وليسرقوا ليس شيعته فقط بل وطنا بأكمله؟

لاأظن اننا هنا بحاجة الى اعادة دراسة شخصية الامام علي "ع"، شجاعته في قول الحق، عدله، أيثاره، أمانته، أنسانيته، موقفه من الثروة وهو القيّم على خزائن أموال المسلمين وزهده منها، مواقفه من ولاته وأقرب أصحابه ومنهم أبن عمه عبد الله بن عباس واليه على البصرة وأخيه عقيل أبن أبي طالب وطلحة والزبير وغيرهم، موقفه من الرشوة وشراء ذمم الناس وغيرها الكثير. أقول لسنا بحاجة لأعادة دراسة شخصية الامام علي "ع" وسجاياه ليس لاننا درسناها ضمن مناهجنا التعليمية فقط، وليس لان رجال الدين الشيعة قد اشبعونا من تراثه الذي يحيدون عنه كلما مرّو به وخصوصا معمّي المنطقة الخضراء، وكذلك قيادات الاحزاب الاسلامية الذين يتاجرون باسمه اليوم لاغراض شخصية دنيوية بحتة. ولكننا بحاجة ماسّة لمعرفة كيفية تعرف أحد الشخصيات العالمية على تراث هذا الامام العادل ان كان قد تعرف عليه، وهذه الشخصية هي الرئيس الاورغوياني "خوزيه موخيكا ".

لاأعرف أن كان خوزيه "بي بي " مونيكا الثائر الماركسي السابق ورئيس الاورغواي الحالي الذي قضى ما يقارب 15 عاما في سجون النظام اليميني الموالي للولايات المتحدة، والذي فاز في انتخابات ديموقراطية حرّة دون ان يوزع اراض وأموال على الناخبين لشراء ذممهم في بلده باكثر من 50% من أصوات الناخبين قد قرأ شيئا عن الامام علي "ع" أو أنه قد سمع به، ولكنني اعرف أن هناك خصالا فيه تجمعه مع الامام علي "ع".
فالامام رفض بعد ان اصبح خليفة للمسلمين أن يتخذ دار الامارة بالكوفة سكنا له وكذلك فعل موخيكا، الذي يعيش وزوجته " لوسيا توبولانسكي" عضو مجلس الشيوخ في بيت ريفي صغير يمتلكانه. والأمام كان يوزع الاموال على الناس ويكنس بيت المال،  وموخيكا يتبرع بـ 90% من راتبه "12500 دولار" الى الفقراء ويكتفي بمبلغ 1250 دولار لنفسه وكذلك زوجته التي تتبرع بجزء من راتبها للفقراء والمحتاجين، والأمام لم يكن يسير بأبهة ملوك بني أمية وبني العباس ومن خلفهم من ملوك وأمراء، وموخيكا يتنقل بسيارة "فولكس واكن 1987 ". وأعرف أن نسبة الفساد في عهده أنخفض بشكل كبير ليحتل بلده اليوم المركز الثاني في قائمة الدول الاقل فسادا في امريكا الجنوبية بعد ان كان لسنوات فبل سيطرة اليسار على السلطة ضمن الدول المتقدمة في مؤشر الفساد حسب منظمة الشفافية العالمية.

دعونا الآن أن نعود لشيعة المنطقة الخضراء "معمّمين وأفندية" لنقارنهم مع الشخصيتين السابقتين ونضعهم في بارومترين مختلفين  لقياس نزاهتهم وايثارهم وعدلهم ومحاربتهم للفساد والرشوة وسكنهم. وليكن احد البارومترين اسلاميا أي الامام علي "ع" والاخر ماركسيا أي موخيكا. فأين سيكون موقع سكّان المنطقة الخضراء من أعضاء الاحزاب الشيعية لانهم الاكثر التصاقا بعلي وعدله مثلما يقولون من تلك الشخصيتين؟  أعتقد أن تجربة الاحزاب الشيعية في الحكم منذ الاحتلال ولليوم توضح لنا الصورة دون الحاجة للتعمق بدراسة الواقع السياسي العراقي. كما واعتقد أن رؤساء العشائر الشيعية العراقية الذين خذلوا الامام الحسين بن علي "ع" وسلموه لقاتليه في كربلاء مقابل اموال بني أمية بالامس، هم أنفسهم الذين باعوا شعبهم ووطنهم لاحزاب الاسلام الشيعي مقابل المال السحت والحرام المسروق أصلا من قوت أبنائهم  اليوم.

ألا تسخطون وتنقمون أن يتولى عليكم السفهاء.. فتعموا بالذل وتقرّوا بالخسف ويكون نصيبكم الخسران (الامام علي "ع").

زكي رضا
الدنمارك
15/5/2014


370
دولة "دولة القانون" تستورد الكهرباء بدل تصديره

(بصراحة، لا يتوقع احدا ان مشكلة الكهرباء ستحل قبل عامين الى حين انتهاء جنرال الكتريك الاميركية وسيمنز الالمانية وشركة صينية من عملها) ... ( لا اعرف اكثر منه كفاءة فنية في العراق!! (...) لقد تعامل مع الارهاب ليل نهار)، (مؤكدا في الوقت ذاته ان حل مشكلة انقطاع التيار ما تزال بحاجة الى سنتين).

اعلاه كان بالنص ما قاله المالكي بتاريخ 22/6/2010 "اي قبل ما يقارب الاربعة أعوام!!" بعد خروج المظاهرات اثر تردي وضع الكهرباء على الرغم من مليارات الدولارات التي صرفت من قبل وزارة الكهرباء، تلك التظاهرات التي دفعت وزير الكهرباء حينها "كريم وحيد" لتقديم استقالته والتي قبلها المالكي بعد ان صرّح من انه الاكفأ لقيادة هذا الملف بالعراق!! ليضع بدلا عنه لحين تعيين "عبد الكريم عفتان" وزيرا للكهرباء نائبه لشؤون الطاقة "حسين الشهرستاني" مسؤولا عن ملف الكهرباء.

لم يختلف "الشهرستاني" عن بقية زملاءه السياسيين في حكومة المالكي شيئا، لذا نراه "يزرع شيلمان كما في المثل البغدادي" ليقول بتصريح له بتاريخ 25/3/2013 "اي قبل اكثر من سنتين تقريبا"!!

أن العراق سيصدر الطاقة الكهربائية لدول الجوار خلال العام المقبل 2013 ، مبينا ان انتاج الطاقة الكهربائية المجهزة للمواطنين خلال فصل الصيف ستصل الى 9000 ميغاواط، وستصل خلال العام 2013 الى 20000 ميغاواط) وأضاف "الشهرستاني أن (الوزارة وقعت على انشاء 30 محطة كهربائية في عموم العراق عدا اقليم كردستان بطاقة 17000 ميغاواط، انجز منها 12 محطة كهربائية بطاقة 5000 ميغاواط، مشيرا الى ان هنالك محطات اخرى ستدخل للخدمة نهاية العام الحالي وهي كافية لتلبية متطلبات الطاقة الكهربائية للمواطنين). وعلى مبدأ "على حس الكذب خفّن يرجليه" خرج علينا "وزير الكهرباء "عفتان" بتاريخ 6/7/2013 ليقول " نهاية العام الحالي ستكون نهاية الظلام في العراق".

بعد أن فشل وزيرا الكهرباء ومعهم نائب المالكي لشؤون الطاقة في ترتيب بيت الكهرباء الداخلي على رغم صرف مليارات الدولارات عليها، خرج علينا المالكي بتصريحات نارية بتاريخ 23/7/2013 وصف فيها كبار المسؤولين ومنهم نائبه لشؤون الطاقة بالغباء حيث قال فيها ( ان المسؤولين عن الطاقة في البلاد ومنهم نائبه المختص حسين الشهرستاني زودوه بـ "ارقام خاطئة" عن قدرة الطاقة الكهربائية في البلاد، كاشفا في الوقت نفسه عن وجود "غباء" بشأن التعاقدات) ولا ادري لماذا لم يقل الفساد في التعاقدات وهي الاقرب الى الحقيقة مع احترامنا لرأيه حول الغباء طبعا. ولكي يؤكد المالكي "غباء" المختصين قال ( أن هناك "غباء " في مسألة التعاقدات وذلك عن طريق التعاقد مع شركات لنصب محطات تعمل بالغاز، في وقت لا يوجد غاز في البلاد)!!

لا يوجد غاز في العراق !!! هذا ما قاله المالكي تحديدا بعد ان ساهم ودولة لا قانونه في تبخر الغاز العراقي على ما يبدو!! لاننا نعرف ان هناك عدة حقول مكتشفة للغاز وهي " حقول چمچال، كور مور، خشم الاحمر، جريا پيكا، المنصورية، عكّاس وحقل صبّة جنوب البصرة ويبلغ احتياطي هذه الحقول مجتمعة ما يقارب 13 تريليون متر مكعب "عدا الكميات غير المكتشفة والتي تقدر باضعاف ما موجودة اليوم ومن ضمنها الغاز المستخدم في توليد الكهرباء. كما وقد فات المالكي حينها وهو يتحدث عن عدم وجود غاز بالعراق ان هناك شركتان وطنيتان لتصنيع الغاز الطبيعي وهما شركتا غاز الشمال والجنوب. وبالتالي يكون المالكي قد انضم الى جوقة مرؤوسيه وعجزهم وفشلهم بتوفير الطاقة الكهربائية بعد ان حددوا سقوفا زمنية ليس لتوليدها للأكتفاء الذاتي فقط بل ولتصدريها الى دول الجوار.

ولان حبل الكذب قصير كما يقول المثل ولاسكات تجار الازمات فان مديرية توزيع الكهرباء في الجنوب اعلنت اليوم الاحد 11/5/2004 أن وزارة الكهرباء بصدد الاتفاق مع الجانب الايراني على زيادة الطاقة الكهربائية المستوردة من ايران عبر البصرة بواقع 100 ميغاواط لتحسين قطاع الكهرباء في المحافظة. وبدلا من ان نصدر الكهرباء الى دول الجوار كما وعدتنا حكومة السيد المالكي بتنا نستورد الكهرباء من دول الجوار، فهل وفت حكومة المالكي بالتزاماتها؟

العراق هو البلد النفطي الوحيد في العالم الذي لا يصاحب استخراج نفطه الغاز .... "نوري المالكي"

زكي رضا
الدنمارك
11/5/2014


371
أول غيث نواب البرلمان القادم... رشوة

في المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب والذي عقد ببغداد مؤخرا قال المالكي في كلمته التي القاها في ذلك الملتقى أن " الارهاب والفساد وجهان لعملة واحدة ويترابطان بالاهداف والممارسات". ولم تأتي كلمة المالكي هنا من فراغ بل من معاناة "بلده" من الارهاب الخارجي والداخلي، أضافة الى استشراء ظاهرة الفساد التي من سعتها جعلت العراق يحتل احد اكثر المراكز تقدما في هذه الظاهرة الخطيرة حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية طيلة سنوات ما بعد الاحتلال ومن ضمنها دورتي المالكي في رئاسته للوزراء.

تحاول حكومات ما بعد الاحتلال الامريكي للبلد أن تحمّل ظاهرة الفساد والرشوة التي هي اساس تفشي الفساد على النظام البعثي المنهار فقط، دون ان تأخذ بنظر الاعتبار مساهمتها ومشاركتها أضافة الى تقاعسها وشللها في معالجة هذا الملف الخطر والذي من الممكن في حالة استمراره ونموه بنفس الوتيرة التي هو عليها اليوم ان يهدد كامل النظام السياسي ويحوله من نظام ديموقراطي الى نظام اشبه بالانظمة الشمولية والعائلية، كون الفساد في هذه الحالة يؤخر عملية الاصلاح السياسي ومن الممكن ان يحل محله. والرشوة التي هي اساس الفساد والمرادفة للارهاب مثل ما قال السيد المالكي جريمة ولا فرق بين رشوة صغيرة وكبيرة الا من حيث مقدار الضرر الذي ستسببه للمجتمع، ومن الطبيعي ان الرشى الكبيرة تكون ذات اضرار اكبر من الصغيرة. وهنا تكون الرشى المقدمة او المحصّلة من المسؤولين الكبار اكثر ضررا من تلك التي عند الموظفين الادنى رتبة او الصغار ولكنهما في النهاية يساهمان في ترسيخ ظاهرة الفساد. وهذا ما أكّد عليه أستاذ العلوم السياسية " صموئيل هانتنتون" عندما قال (المتنفذون السياسيون هم أكثر فساداً من كبار الموظفين، وموظفو الدواوين الأعلى مركز وظيفي أكثر فساداً من الآخرين. كما أن رئيس الجمهورية أو القائد الأعلى، يفوق الجميع فساداً، وهذا النمط من الفساد لا يكون بالضرورة متعارضاً مع الاستقرار السياسي طالما سُبل التحريك نحو الأعلى والآلية السياسية والبيروقراطية متاحة. لكن إذا حصل تنافس على المكاسب المالية بين أبناء الزعماء السياسيين وآبائهم وبين جنرالات الجيش الأكبر والأقل رتبة عسكرية. في هذه الحالة يصبح النظام معرضاً لخطر الزوال، ويتوقف الاستقرار السياسي على حجم الفساد وحركته باتجاهين من الأعلى نحو الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى).

هناك أمور مهمة وتؤثر بشكل واسع في توسيع رقعة الفساد، ومنها استشراء ظاهرة البيروقراطية والتضخم الوظيفي في السلكين المدني والعسكري ودورهما في ترهل الاقتصاد وأستنزافه خصوصا في الدول الريعية "كالعراق"، ونهج المحاصصة الحزبية والطائفية في رسم سياسة البلد، والتأثير الحكومي على المؤسسة القضائية كي لاتأخذ دورها المناط بها في محاربة ظاهرة الفساد. وتبقى مساهمة السياسيين الكبار ومنهم اعضاء البرلمان والقضاة من اكثر انواع الفساد خطورة على مستقبل البلد السياسي وتوجهه المستقبلي في أحتواء الديموقراطية وتحويلها الى آلية لترسيخ سلطة البرجوازية الطفيلية الناشئة نتيجة استغلال وظيفتها في ترسيخ شكل مشوه لقيادة الدولة والمجتمع وهو الشكل المحاصصاتي. هذه البرجوازية التي تعمل نتيجة هيمنتها على مراكز القرار وتصرفها غير الشرعي بالثروة الوطنية وعدم توجهها الجاد لتنويع الاقتصاد واخراجه من أحادية اعتماده على النفط، تساهم عن وعي في ترسيخ سلطة الفساد وعلى رأسها الرشوة لتشمل كامل السلّم الاداري من أصغر موظف بالدولة انتهاءا بقيادة الدولة، وتبقى مسألة فساد ورشوة القضاة والبرلمانيين هي الاخطر من غيرها كونهما يمثلان ضمير الشعب. ومن اهم صفات القاضي هي ترفعه عن الرشوة وعلو همته، فهل تتوفر هاتين الصفتين في العدد الاكبر من قضاة العراق وبرلمانييه؟

اثناء الانتخابات البرلمانية الاخيرة استخدمت مافيا الاحزاب الدينية وعلى رأسها مافيا حزب الدعوة الاسلامية وما تسمى بـ "دولة القانون" بقيادة المالكي اراضي ومساكن واموال البلد من اجل شراء ذمم الناس للتصويت لقائمته. فرأينا المالكي يبدأ حملته الانتخابية بتوزيع المساكن على الفقراء، ويمنح أصهاره سندات أراض لتوزيعها كدعاية لصالح حملتهم الانتخابية، وغيرها الكثير ومنها تعيين موظفين وشرطة ورفع الحظر عن رواتب السجناء السياسيين وامور اخرى عديدة. ولكن تبقى هناك حالة غريبة للغاية وموثقة صوتا وصورة وهي اقدام قاض مرشح ليكون برلماني بتوزيع سندات اراضي على محتاجيها من فقراء شعبنا. هذا القاضي هو محمود الحسن ولعمري لامحمودا هو ولا حسن ولا يمتلك شيئا بما يتميز به القضاة، ليس لوحده بل ومعه كامل السلك القضائي الذي صمت صمت ابي الهول وهو يرى "مدلل" المالكي هذا يهين ليس القضاء العراقي وحده بل القضاء في كل ارجاء المعمورة. والانكى ان قياديين من اتباع المالكي طالبوا بمحاسبة اللامحمود واللاحسن هذا لوحده بعيدا عن ولي نعمته "المالكي" وكأن قاضينا غير الجليل هذا كان يوزع "چكليت" وليس اراض سكنية منحها اياه السيد المالكي وكأنها من ارث جده ابو المحاسن وليست اراض العراقيين المبتلين بطائفية الاحزاب الدينية وتخلفها.

أن عدم الغاء أصوات هذا القاضي المرتشي والذي منحه سندات تلك الاراضي اي المالكي ستبقى كاكبر وصمة عار في جبين القضاء والسياسة العراقيتين كون القضاء لايحابي احدا ولايبخس حق الاخر، والاخر هنا شعبنا ومستقبله. واذا كان منصب القاضي في فرنسا قديما يشترى من القضاة ليتولوا تحصيل ما دفعوه مع الارباح من الخصوم. فأن برلمانيي العراق اليوم كقاضي المالكي غير الجليل هذا واصهاره واولاد اخيه واقرباءه ومرشحي دولة "لاقانونه" وغيرهم من مرشحي الجهات الطائفية الاخرى. يشترون منصب النائب البرلماني ليتولوا تحصيل ما يدفعوه مع الارباح مستقبلا من خصومهم، ولكن المشكلة الاكبر ان خصوم هؤلاء النكرات هم شعبنا ووطننا وثرواته. 

لا وطن مع الظلم " لابرويير"

زكي رضا
الدنمارك
8/5/2014


372

نداء الى أعضاء حزب الدعوة الاسلامية


السيدات والسادة اعضاء حزب الدعوة المحترمون ...
تحية عراقية خالصة...

لايستطيع أي عراقي شريف ومنصف أن يبخس حقكم ونضالكم كما باقي قوى شعبنا الحيّة والخيّرة ضد آلة البعث الهمجية، ولايستطيع بل ولا يحق لأي وطني شريف ان يتجاوز على قوافل شهداء العراق ومنهم كواكب من شهداء حزبكم الذين وهبوا حياتهم في سبيل وطنهم وشعبهم وفي المقدمة منهم الشهيد "محمد باقر الصدر"، ومن اجل عراق آمن مستقر وشعب يتمتع بثرواته التي بددها دكتاتور البعث الارعن في حروبه الداخلية والخارجية.

الاخوات والاخوة الافاضل

أثناء النضال ضد نظام القرية البعثي كانت الاحزاب والفصائل السياسية العراقية ومنها حزبكم "حزب الدعوة الاسلامية" توجه بين الحين والحين نداءات الى اعضاء حزب البعث الحاكم حينها تطالبهم فيها بنفض أياديهم عن ذلك الحزب الدموي، مذّكرة أياهم دوما بأن حزبهم "البعث" قد تمّ تهميشه لصالح الدكتاتور وعائلته وزبانيته المقرّبين، وذلك بعد أن أصبح ابناء الدكتاتور وأصهاره وأخوانه وأبنائهم وزبانيته المقربين الساجدين بحمده والخاضعين له،  لهم من النفوذ والسطوة اكثر مما لدى العديد من القيادات البعثية حينها تلك التي عرفت طريقها الى حزبهم قبل ان  يقفز الطاغية صدام حسين الى السلطة ليعدم العشرات من رفاقه ويقود البلد الى الهاوية.

أن أحد أهم اسباب انفراد المجرم صدام حسين بالسلطة حينها وتكريس سلطة الفرد الواحد والظهورالواضح والكبير لابناءه وأصهاره من النكرات على المشهد السياسي لم تكن دكتاتوريته فقط، بل صمت الغالبية العظمى من قواعد ذلك الحزب وكوادره المؤثرة تجاه هيمنة العائلة على حزبهم وافراغه مما يؤمنون به هم على الاقل. وصمتهم هذا جعلهم بالنهاية ان يفقدوا حتى كرامتهم لانفسهم وهم يقادون بشبان مستهترين "كأبناءه عدي وقصي وأصهاره حسين وصدام كامل"، ناهيك عن أشتراكهم في كل الجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا ووطننا ليتوجوه بالنهاية نتيجة حروب الطاغية الدونكيشوتية بالاحتلال الامريكي للبلد.

الاخوات والاخوة الدعاة الكرام

لم يتوقع اسوأ المتشائمين أن يبدأ حزبكم وهو على رأس السلطة بتكرار تجربة الدكتاتور صدام حسين وذلك بأن يقوم رئيس حزبكم كما الطاغية صدام حسين بتهيئة الارضية المناسبة لترشيح صهريه (أزواج أسراء "رغد"  وحوراء "رنا") وأبناء أخيه الى البرلمان العراقي، وتمويل حملاتهم الانتخابية بأموال شعبنا وسندات الاراضي التي منحها أياهم "عمّهم حاكم العراق الاوحد" ليكونوا أذرعه الضاربة في البرلمان القادم، فعصابة المالكي هذه أن وصلوا الى البرلمان "سيصلون حتما" سيكونون "أحدهم على الاقل" على رأس العديد من اللجان البرلمانية ومنها الامن والدفاع والمالية والنزاهة والنفط والطاقة والعلاقات الخارجية. ومع تهيئة "أحمد المالكي" لدور اكبر مستقبلا، فأن حزبكم ايها الاعزاء سيتحول الى ظلّ باهت لحزب البعث المجرم، حينها سيفقد حزبكم الذي قارع الدكتاتورية اسمه ليتحول كما سلفه البعث الى حزب المالكي.

هل خُليَت أيها الاعزاء محافظتي بابل وكربلاء المقدسة التي دكّها المجرم صدام حسين بالصواريخ ودنّس ضريحي الامامين الحسين بن علي وأخيه العباس"ع" أثناء انتفاضة شعبنا الآذارية المجيدة من رجالات حزبكم، ليرشح المالكي أصهاره وأبناء أخيه ضمن قائمته الانتخابية "دولة القانون" والقوائم المساندة لها في المحافظتين؟ الا تسألون انفسكم من هم هؤلاء النكرات وهل كانوا يستطيعون توزيع الاموال والاراضي لشراء ذمم الناس لولا رئيس حزبكم؟

كم اشعر بالاسى لحزبكم وشهدائه وهو يتحول شيئا فشيئا الى حزب عائلي من "العوجة – طويريج" ، فهل ستعملون على اعادة نظام القرية مرة اخرى؟ وهل سيتحول شعار بالروح بالدم نفديك يا مالكي الى شعار بالروح بالدم نفديك يا ابن رحاب؟ وهل قدّم الشهيد "محمد باقر الصدر" والالاف قبله وبعده ارواحهم ليحّول المالكي حزبكم الى حزب "علّو جلّو" بأعتماده على مراهقين خبرتهم السياسية الوحيدة هي انهم من عائلته!؟ وساسة لصوص ونهّابين لأموال الشعب وغير مهنيين ولا كفوئين كالسوداني والعطية والاسدي وعبعوب وغيرهم الكثير من الدعاة الذين ابتلى بهم شعبنا ووطننا؟   

الاخوات والاخوة الاعزاء...

من اجل سمعة حزبكم وذكرى شهدائكم ومن اجل وطنكم واستقراره وشعبكم وتقدمه للعيش حياة حرة كريمة، انقذوا حزبكم من آفة المالكية وخطرها عليكم، ولكم بمصير البعث  وقوانين اجتثاثه أسوة. فأنتم اليوم ايها الاحبّة لستم سوى جهاز تعبوي للمالكي وعائلته وزبانيته، فلا تعملوا على تهميش مناضلكيم ولا تحولوا انفسكم كما البعثيين الطغاة الى جهاز امني لخدمة المالكي وعائلته. أن قامات شهدائكم البررة وتضحياتكم ومرارت غربتكم لاعلى بكثير من قامات اقزام يعمل رئيس حزبكم على جعلهم عمالقة.

العراق من وراء القصد

زكي رضا
الدنمارك
28/4/2014   


373


سأنتخب كي لا أساهم في بيع وشراء وأغتصاب القاصرات "قانونيا"

يوم الجمعة الماضي 11/4/2014 كان اليوم المدرسي الاخير لطلبة المدارس بالدنمارك قبل بدء عطلة عيد الفصح. وكانت المدينة الصغيرة التي أعيش فيها تعجّ بطلبة المدارس خصوصا الابتدائية منها كون دوامهم اليومي ينتهي قبل الاخرين. وأثناء تجولي في أحد الشوارع القريبة من محل سكني حيث احدى هذه المدارس رأيت العشرات من التلاميذ الصغار بنينا وبناتا وهم فرحون ببدء عطلتهم هذه، وكانوا مع معلمّيهم في رحلة درّاجات الى احدى الغابات القريبة من المدرسة مع حقائبهم وخوذهم الواقية، وما شدّني اليهم فرحا بطفولتهم البريئة للحظات فقط قبل ان أنتقل بتفكيري كلّه الى طلبة وطني الصغار، هم آباء وأمهات هؤلاء البراعم الصغيرة والبانية لمستقبل بلدهم لاحقا، الذّين وضعوا ثقتهم بالسياسيين الذّين انتخبوهم لبرامجهم وتعهدهم ببناء نظام تربوي وتعليمي وصحي يمنح اولادهم الثقة بالنفس ويضعهم على اول الطريق لبناء انفسهم ووطنهم مستقبلا.

حينها فقط قررت أن أتجاوز تعهدي لنفسي ، ذلك الذي قطعته بعدم اشتراكي بالانتخابات، ليس لثقتي بالقانون الانتخابي، ولا بنزاهة المفوضية "المستقلة" للانتخابات، ولا بقانون الاحزاب الذّي لم يرى النور لليوم، ولا ثقتي بعدم أستغلال المال العام من قبل الاحزاب المتنفذة، ولا ثقتي بعدم تجيير الاعلام "الحكومي" لصالح أحزاب السلطة، ولا أطمئناني بعدم تزوير نتائج الانتخابات والتلاعب بها، لا أبدا. لانني اعرف جيدا من ان القانون الانتخابي فُصٍّلَ على قياسات أحزاب السلطة لاستمرار هيمنتها على المشهد السياسي، وأعرف جيدا ان المفوضّية "المستقلة" للانتخابات فقدت استقلاليتها بعدما هيمنَ عليها حزب معين، وأعرف جيدا أن لا قانون احزاب بالبلد لان هذه الاحزاب لا تريد الاعلان عن مصادر تمويلها. كما وأعرف جيدا استغلال اموال الدولة وامكانيات الوزارات للمصالح الشخصية والحزبية التي يراها الجميع الا اعضاء مفوضية الانتخابات!، كما وأعرف جيدا ان هناك صناديقا للاقتراع ستبدّل بالكامل بعد أغلاقها أضافة الى الغاء الالاف من الاصوات الانتخابية بأتلافها أو العبث بها لتكون باطلة، وأعرف جيدا ان الاعلام الحكومي هو اعلام حزبي وفئوي، وأنا متأكد من ان القانون الانتخابي شهد الكثير من الشد والجذب والتهديد بعدم المشاركة بالانتخابات من قبل احدى الكتل التي تتربع وتهيمن على مقدرات البلد الا اذا تمت الموافقة على أملاءاتها وهذا ما حصل بالفعل. أذا لماذا غيّرت رأيي فجأة وقررت الادلاء بصوتي في انتخابات الثلاثين من نيسان الجاري أن جرت؟

الذي جعلني أن أغيّر رأيي فجأة هو مشاهدتي لاولئك الطلبة الصغار ومقارنتي لاولياء أمورهم الذين منحوا اصواتهم لساسة يحفظون طفولة اطفالهم من عبث العابثين ويعاملونهم كأطفال ليس الا ، موفّرين لهم كامل الرعاية حتّى بلوغهم سن الرشد، بأولياء أمور تلامذة بلدي الصغار الذّين يمنحون أصواتهم لساسة فاشلين لم يستطيعوا توفير سبل العيش الكريم لهم لدورتين انتخابيتين على الاقل ليتوجوها بأغتصاب طفولة بناتهم الصغيرات القاصرات تحت اسم ديني وطائفي هو ، القانون الجعفري. غيّرت رأيي لانني اريد ان اكون صادقا مع ضميري الانساني اولا ومع اطفال بلدي ثانيا عسى ان اساهم مع بقية شرفاء العراق بألغاء هذا القانون الذي يغتال الطفولة ليشبع شهوات رجال لا أظنهم سالمين سلوكيا، غيّرت رأيي لانني لا اريد ان اكون شاهد زور على استغلال قاصرات بلدي جنسيا تحت اي مسمى كان. غيّرت رأيي لابريء نفسي وانزهّها مما قد يثقل كاهلي من شذوذ اصحاب هذا القانون والذين سيصوّتون عليه جنسيا.

سأشترك بالانتخابات من اجل هذه الفتيات الصغيرات وامنح صوتي للقوى الوحيدة التي تحلم ببناء مجتمع مدني يحفظ لهنّ طفولتهنّ وكرامتهنّ ويؤمن لهنّ ولعوائلهنّ سبل العيش الكريم ويمنع بيعهنّ وشرائهنّ كجواري لاغتصابهنّ قانونيا تحت بند الدين والمذهب، ولشعبنا الأمن ولوطننا السلام والتقدم. سأمنح صوتي لقوى التيار الديموقراطي وقائمتهم الرقم 232 البديل الوحيد المنشود لعراق معافى.

زكي رضا
الدنمارك
14/4/2014


374

تموتين ما لبسچ خزّامة

عنوان المقالة عبارة عن كناية بغدادية محدّثة تستخدم لأيئاس المخاطب مما يؤمّل، أي اهماله وعدم الرد عليه بعد قولها. والخزم: النظم، يقال: خزم البعير، اذا جعل في جانب منخره الخزامة. وتلفظ بالعراق بالزاي المشددة، خزّامة، وهي عبارة عن حلية ذهبية تعلق في طرف أحد المنخرين.

وقد اورد هذه الكناية رئيس وزراء العراق أبّان العهد الملكي "نوري السعيد" بعدما ابرمه النائب الشيخ احمد الداوود بكثرة اعتراضاته في المجلس النيابي حينها، ما جعل نوري السعيد ان يشتط غضبا قائلا له بعد ان أتهمه لمرات عدّة بأن اعتراضاته ليست لوجه الله ولا حبا بالوطن " تموتين ما لبسچ خزّامة" أي سأهملك وهذا ما حصل فعلا.

وانني هنا وبكل بهدوء أقول لاحد أهم كتبة المالكي "التارك عبادة خالقه نحو عبادة مالكه والسجود له" الذي ما انفك يهاجم كل من ينتقد سوء ادارة المالكي للسلطة وفشلها في حل الكثير من الملفّات، كملفّات الامن والخدمات والطاقة والتسليح والفساد وغيرها الكثير. من انني لا يشرفنّي الرد على أمثاله من الكتاب الليبرو طائفيين المصابين بلوثة الدفاع عن نوري المالكي ودولة "قانونه" حتى وأن أجرموا.

ولأن هذه المقالة هي ردا على هذيانه فانني استعير مقولة للينين ذكرها الكاتب في مقاله الاخير وكان تحت عنوان "الانتخابات وهيستيريا الحملات التسقيطية"، تلك التي يقول فيها "لينين" (المثقفون أكثر من يخون الثورة لأنهم الأقدر على تبرير الخيانة). ولا أدري في أية خانة من خانات الخيانة بحق شعبه ووطنه يضع الكاتب نفسه وهو يقفز برشاقة نمر من معسكر الوطن الى معسكر الطائفة ليبرر لنائب "ة" برلمانية دعوتها لقتل سبعة سنّة مقابل سبعة من الشيعة ويهاجمني ان استخدمت كلمة من قاموس لغتنا المحكية ، أم يريدنا ان نكون اسارى التابو الاجتماعي واحرارا في غيره؟ وهل استخدام كلمة "قرچ" وتعني المرأة الوقحة وسليطة اللسان جريمة، ومطالبة قتل العراقيين لانهم من طائفة اخرى او قومية اخرى وسرقة ونهب اموال البلد ليست بجريمة!؟ وهل موافقة مجلس الوزراء برئاسة المالكي بارسال مقترح القانون الجعفري للقضاء على طفولة القاصرات الى البرلمان للمصادقة عليه ليست جريمة في عرف الكاتب، وهل.. وهل .. وهل؟ وماذا عن قول الكاتب في مقالته اعلاه مهاجما بعض الكتّاب العراقيين اذ كتب "يركضون وراء أول عظمة يرميها لهم رئيس تحرير أية صحيفة خليجية معادية لدمقرطة العراق" فهل هي من الادب بشيء؟

ان الكاتب لشعوره الداخلي بالمهانة والذل الذي اوصل نفسه اليه يريد من الجميع ان يكونوا عبيدا للمالكي ساجدين له كأله اوحد كما هو، انه يريد من الجميع ان يتلوثوا في وحل الطائفية التي انزلق اليها كما هو، انه يطالب الاخرين بنقد من يشاءون في العملية السياسية الا المالكي واعضاء حزبه ودولة لا "قانونه" كما هو، فهل رأيتم ذليلا كما "صاحبنا"؟

أن من يسوّق للناس من ان الشبهات والمساويء والاخطاء بعيدة كل البعد عن المالكي وآل بيته وحزبه وانهم معصومون من الزلل والخطأ دون الاخرين ليس سوى عبد، وهذا العبد لانه عشق عبوديته فأنه يكره رؤية الاخرين احرارا. ولان الانتخابات قادمة وكسنّة معروفة في السياسة العراقية فان مهاجمة اليسار والقوى الديموقراطية هو ديدن القوى الفاشية والرجعية على مرّ العهود، لذا نرى هذا العبد قد شمّر عن ساعديه في خدمة المكتب "الخضراوي" الذي يجيد توزيع العظام لمن يريد "استعارة من الكاتب".

الى مثل هذا الكاتب الموتور الذي رهن قلمه في المنطقة الخضراء لطائفية مقيتة بعد ان زارها قبل سنوات ولعدم رغبتي مثلما قلت بالرد عليه بعد اليوم انهي مقالتي قائلا له :

تموتين ما لبسچ خزّامة


زكي رضا
الدنمارك
11/4/2014


375
قرچ نيسان ... حنان الفتلاوي مثالا

كأي أول من نيسان كنت قد هيأت نفسي لاستقبال مزحة ثقيلة من صديق ما، كوني ومعي الكثيرون بالتأكيد قد عانينا من هذا اليوم الذي اصبح الاول منه "عيدا" للكذب البريء ولكنه لايخلوا احيانا من مصيبة قد تأتي بشكل عرضي بعد ان يتم تصديق كذبة ما. ويبدو أن استنفار حواسّي بأكملها والتهيؤ لكذبة نيسان العام الجاري هذه المرّة كانت في غير محلّها، فبدلا من ان يكون خبر أحد الاصدقاء كذبة وبالتالي استطيع التجاوز عليها ضاحكا عليها كوني قد هيأت نفسي لها، اكتشفت أن ما نقله لي الصديق وبعد نقاش قصير ورابط فيديو أنها لم تكن كذبة بل كانت حقيقة، ولكون تلك الحقيقة كانت مؤلمة وغير قابلة للتصديق فانني كنت اتمنى ان تكون كذبة حتى وان كانت مزحة من النوع الاكثر من ثقيل.

لقد قال لي صديقي هذا ان السيدة "حنان الفتلاوي" قالت في برنامج تلفزيوني بُثّ من على قناة السومرية " أشو آني أريد توازن باليستشهدون من ينقتلون سبعة شيعة أريد گبالهم سبعة سنّة ليش أولادنا ينذبحون شنهو الثمن اللي ايحصلون عليه – الحديث عم احداث الرمادي-". فلم اتمالك نفسي وذهبت في ضحكة طويلة قائلا له: كفاك يا رجل انني اعرف ان اليوم هو الاول من نيسان وان كذبتك هذه لن تنطلي عليّ ولا على أي عاقل في بلدنا. أيعقل أن السيدة حنان الفتلاوي النائب"ة" عن دولة القانون بقيادة السيد المالكي والحالم ببناء وطن لجميع العراقيين بغضّ النظر عن اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم تصّرح مثل هذا التصريح؟ ماذا ابقت وقائمتها الانتخابية للارهابيين والطائفيين أذن؟ لا لاأصدّق "فحنان الفتلاوي" المحجبة والمؤمنة والقيادية في قائمة انتخابية يقودها حزب قدّم الكثير من الشهداء من اجل الاسلام، أيعقل أنها لم تقرأ سورة فاطر في القرآن الكريم " ولا تزر وازرة وزر اخرى"!؟ ماذا تقول، "حنان الفتلاوي" التي تريد وقائمتها بناء دولة القانون والمواطنة تعالج مشكلة القتل بالقتل هل هي متخلفة وطائفية الى هذا الحد!؟ أتركني يا رجل أمن الممكن أن يقود العراق ساسة بهذا النفس الطائفي وينتمون الى دولة القانون بقيادة حزب الدعوة الاسلامية!، اتركنا من هذا الهراء؟ لا أظن أنها قالت ذلك حتى ولو على سبيل المقارنة فهي تعرف جيدا ان للمقارنة حدود لايمكن تجاوزها وخصوصا من ساسة يقودون البلد؟ أنني واثق من أنها لم تقل ما نقل عن لسانها حتى لو تم تصوير الامر كدعاية انتخابية، لانها وورائها دولة القانون من غير الممكن ان يستخدموا دعاية انتخابية معمّدة بالدم!. ولكن صديقي هذا اقسم بأغلظ الايمان من أن ما جاء به عن لسان "حنان الفتلاوي" حقيقة وليست كذبة نيسان ولكي يؤكد لي الامر قام بارسال رابط يؤكد الواقعة!!

بعد مشاهدتي الرابط وبغض النظر عن المناسبة التي طالبت فيها "حنان الفتلاوي" تطبيق مبدأ العين بالعين والسن بالسن العشائري القبلي كما زعيم قائمتها رحت ابحث عن صفة يمكن اطلاقها على هذه المرأة "السياسية"، فلم أجد مستميحا القراء الكرام وبعد مشاهدة العديد من الروابط وهي تعارك هذا وتتجاوز على ذاك بلسان سليط الا صفة "قرچ" و"القرچ" كلمة تركية تستخدم بنفس المعنى في العراق ولسنا هنا بصدد تعريف الكلمة فهي معروفة للعراقيين وكثيرة الاستخدام.

أن التحريض على القتل والعنف يضّران بأمن وسلامة المجتمع ويحاسب عليهما القانون الجزائي في كل دول العالم، ولم يبحث القانون عن الاسباب التي تدفع المحرضين لتحريضهم هذا أن كانت قومية أو دينية أو طائفية كما تحريض النائب "ة" حنان الفتلاوي ولا عن طريقة بث التحريض ان كانت عبر لقاء تلفزيزني او كتاب او مقالة أو عبر أية وسيلة أخرى، بل حددت العقوبات وفق القوانين الجزائية المرعية بكل بلد. والان والانتخابات على الابواب وشاهدنا همّة المفوضية "المستقلّة" العليا للانتخابات التي تديرها شخصيات حزبية قريبة جدا من الحكومة وهي تمنع البعض من الترشيح للانتخابات كونهم انتقدوا السيد رئيس الوزراء، فهل تستطيع هذه المفوضية أن تطعن بترشيح السيدة "حنان الفتلاوي" كونها تحرض على القتل والعنف والكراهية بين ابناء شعبنا، أم لها رأيا آخر كونها مقرّبة من السيد رئيس الوزراء وقيادية في قائمته وتتصدر كل المعارك الكلامية التي تخوضها دولة القانون كما رفيقها السابق والحالي "علي الشلاه".

كم اتمنى أن يكون الرابط مفبركّا ويكون الحديث كله كذبة نيسان

رابط حديث السيدة "حنان الفتلاوي"
   https://www.youtube.com/watch?v=vLlyT5J50UY

زكي رضا
الدنمارك
1/4/2014




     









376
فهد في عيد حزبه الثمانين

قبل عام وبضعة اشهر من آذار 1934 وبالتحديد في ليل 13 كانون اول "ديسمبر" وفي بلدة الناصرية ظهر اول بيان شيوعي بخط اليد ليعلق في ثمانية عشر "عدد محافظات العراق اليوم" مكانا مختلفا من المدينة وموقعّا ببساطة شديدة بأسم "عامل شيوعي". ولم يكن البيان وليد ساعته او لحظته بل كان صرخة تراكمت نتيجة سنوات طويلة من الحرمان والفقر الذّي لف العراق وغيره من بلدان المشرق العربي. فترجمها "العامل الشيوعي" فهد في لحظة تأريخية ستؤثر في حياة العراق وشعبه لعقود قادمة وها هي تتجدد بأحتفال حزبه الحزب الشيوعي العراقي بعقده الثامن وكأن فحوى ذلك البيان كتبت في يومنا هذا، فهل ولد "فهد" من جديد مستقرئا أحداث اليوم أم أن بعض اوضاع العراق اليوم تشبه الى حد بعيد ما كانت عليه قبل 80 عاما؟

"أيها العمال !... العاطلون عن العمل يملأون الشوارع... نساؤهم وأطفالهم لا يملكون ما يقتاتون به... هل فكّرت الحكومة بمساعدتهم في هذا الطقس البارد؟ لم يحصل شيئا من هذا... لأن الحكومة ليست الا عصابة تعمل ضد الشعب"(1). هكذا خاطب "الخالد فهد" جماهير الفقراء والمحرومين والذين لدينا في عراق اليوم "على الرغم من الفارق الشاسع بين مداخيل ذلك العهد واليوم"  عشرات امثالهم من العاطلين والمحرومين والمهجرّين بسبب الارهاب وضعف الحكومة في مواجهته نتيجة التناسل غير الطبيعي لتلك العصابة والتي لم تكتفي بتحولها الى عصابات، بل انتقلت الى مرحلة المافيا مهددة السلم المجتمعي والبلد وثروات العراق بالصميم نتيجة لجشعها واجرامها من جهة، ورهنها مستقبل العراق لطائفية مقيتة عند عواصم الجوار لتنفيذ اجندتها على حساب وطننا وشعبنا من جهة ثانية، واحترابها لنهب اكبر قدر ممكن من ثروات البلد من جهة ثالثة .

أن فهدا "بطبعه شبه القاسي في طاقته، والبسيط والمتحرر- في الوقت نفسه- من أي غش"(2) كان قريبا من الناس متعرفا على طباعهم لصيقا بهمومهم مفتشا بنظرة ثاقبة عن حلول لمشاكلهم، وبالوقت نفسه كان هاديا لهم ناصحا دافعا اياهم في خضم النضال من اجل تحرر انفسهم ووطنهم، مشيرا بعقلية متفتحة وبجرأة اصبحت سمة من سمات حزبه ورفاقه لاحقا الى اللصوص مدعّي الشرف فكتب في ذلك البيان الثوري " ما من أحد يمكنه أن يشعر ببؤس العمال الا العمال انفسهم. ولا أحد يعرف آلام الجوع الا الجائع. لماذا نلوم الذين يأكلون ثمار عملنا... اذا كنّا نحن انفسنا نشجّعهم على سرقتنا؟ لا تُخدعوا بأسم فلان من الناس لكونه من الاعيان أو لكونه غنيا أو من عائلة كبيرة، فكل الرذائل تأتي من العائلات الكبيرةالتي يُزعم أنها شريفة حيث لاشرف الا بالعمل، وما من شريف غير العامل والفلاح"(3) . فهل كتب الرفيق الخالد "فهد" بيانه ذاك اليوم، كيف عرف اننا اليوم نشجع السراق على سرقتنا ونبارك لهم؟ كيف عرف ان عشرات العوائل التي تدعي الشرف والوجاهة ما هم الا حفنة من لصوص وقتلة؟ كيف عرف ان كل ما يجري في بلدنا اليوم هو نتيجة لانخداع الناس بهذه العوائل التي تتاجر بالرذيلة؟  والرذيلة التي أشار اليها مؤسس حزب الشيوعيين الخالد ليست تلك التي تدور في أذهان تجارها لا ابدا. انما الرذيلة هي نهج المحاصصة الطائفية القومية التي انتجت وتنتج كل هذه الجرائم بحق وطننا وشعبنا، فهل عرف تاريخ العراق السياسي لليوم تعريفا اكثر وضوحا ودقّة واكثر شمولا من تعريف الرفيق الخالد فهد للرذيلة؟ أيها الرفيق الخالد "فهد" لم يشهد بلدا في العالم عصابات بأسم رسمي تنهب ثرواته وتفتك بمواطنيه وتهدر كرامته وتبدد ثراوته وتضّيع مستقبل أجياله وتشيع بينهم الجهل والتخلف والامية والامراض وتساهم في تلوث الارض والمياه والانسان كما عصابات اليوم، أيها الرفيق الخالد "فهد" أننا اليوم بحاجة الى بيانك الذي طرّزت به جدران الناصرية وبعدها جدران الوطن لنستنسخه بدماء ضحايا شعبنا الابرياء ولنرسم به وطنا يحث الخطى نحو الحرية ليسرع في اللحاق بركب الامم وأسعاد شعبنا. 

 "أيها الرجل الصلب"* ان حزبك الشيوعي العراقي وهو يحتفل بعيد تأسيسه الثمانين في ظل ظروف سياسية معقدة للغاية، لهو بحاجة وبقية القوى الديموقراطية المتحالفة معه في "التيار الديموقراطي" وهم على اعتاب انتخابات سترسم وجه العراق ليس للسنوات الاربع القادمة بل الى ابعد منها، الى الاستفادة القصوى من ذلك البيان الاول والغوص في معانيه لترجمته بأبداع وتثقيف الناس به وفق ظروف اليوم أنتظار لغد مشرق.

مجدا لتلك اليد التي كتبت وعلّقت البيان على جدران بيوت الفقراء في الناصرية.
مجدا لك ايها القائد الظافر.
مجدا لك ايها الرجل الصلب.
مجدا لحزبك حزب الفقراء والمحرومين وشغيلة اليد والفكر في عيده تأسيسه الثمانين.
مجدا 31 آذار.     


(1)   العراق، ج 2 الحزب الشيوعي ص 80، حنا بطاطو.
(2)    نفس المصدر ص 80.
(3)   نفس المصدر ص 80.


*"الرجل الصلب" من كتاب ذكرياتي ج1 ص 397 ، محمد مهدي الجواهري.

زكي رضا
الدنمارك
31 آذار 2014







377
هل السيد المالكي ولي أمر أم ولي دم؟


لقد كتب الكثير عن تصريح السيد نوري المالكي " الدم بالدم" بعد استشهاد الاكاديمي والاعلامي "محمد بديوي" بدم بارد على يد أحد عناصر الفوج الرئاسي ولو راجعنا ما كتب فاننا سنقف تقريبا على أمر مشترك واحد بين كل ما كتب، وهو ادانة ما حصل ومطالبة الجميع بتقديم القاتل الى المحاكمة القانونية لينال جزاءه وفق احكام القانون، وهذا ما حصل فعلا بعد ان تناقلت الاخبار نبأ تحويل الجاني الى محكمة الجنايات المركزية والتي ستحدد لاحقا موعدا للمرافعة فيها. وبذلك قطعت محكمة الجنايات المركزية الطريق أمام سماسرة الحقد والعاملين على تعميق الخلاف العربي الكوردي من كل الجهات بين ابناء شعبنا خدمة لمصالح انتخابية من استغلال هذه الحادثة رغم بشاعتها .

بقيت عبارة " الدم بالدم" التي اطلقها السيد المالكي في فورة غضب لاتليق بتصرف رئيس وزراء لم نراه يوما في اي منطقة حدث بها انفجار اودى بحياة العشرات من "مواطنيه"، ولا سمعنا يوما انه شكل لجانا للبحث عن قتلة المئات من الاكاديميين والاساتذة الجامعيين والاطباء والصحفيين والاعلاميين والرياضيين وغيرهم ليكون ولي دمهم وينزل العقاب بالجناة، محل خلاف بين مخالفيه الذين اعتبروا تصريحه هذا هو انقلابا على القانون وعودة لاعراف قبلية وعشائرية مطالبين بمعالجة المشكة قانونيا وهذا ما حصل بالفعل، وبين مناصريه الذين اعتبروا ان تصريحه هو من صميم الدين الاسلامي ولم يخلقه بنفسه في دفاع لو درسناه بدقة وحيادية فسنراه نوعا من الدعوة للثأر والقصاص. واعتقد ان مثل هذه الدعوة تعتبرتجاوزا على القانون ودعوة لأحياء قوانين العشائرية والقبلية التي علينا لو كنّا نريد فعلا بناء دولة قانون ومؤسسات ومجتمع مدني ان نقفز عليها. فهل صرخة السيد المالكي هذه هي دعوة لتطبيق القانون أم هي دعوة للثأر أم هي دعوة للقصاص؟ وهل المالكي ولي دم الشهيد أم ولي الامر "الحاكم"؟ وهل هناك فرق بين ولي الدم وبين ولي الامر "الحاكم"؟ 

 لا أريد في هذه المقالة أن أخوض في التسلسل التاريخي لمبدأ القصاص " كالكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن وما يدخل في هذا الباب كالرجل بالرجل واليد باليد والدم بالدم من الناحية التاريخية والشرعية، كون الاسلام كدين يعتبر مرحلة متقدمة عن العشائرية والقبلية، ولكنني ارى من الضروري بعد اطلاق الكثير من التصريحات المؤيدة لما قاله السيد رئيس الوزراء " أنا ولي الدم " أن نتعرف على المعنى اللغوي للثأر والقصاص وهل هناك فرقا بينهما؟ كما علينا ان نسأل أن كان "ولي الدم" هو نفسه "ولي الامر"؟

يقول ابن منظور في لسان العرب شارحا معنى القصاص ( أن القصاص والقصاصاء والقصاصاء: القود وهو القتل بالقتل أو الجرح بالجرح). وجاء معنى القصاص في المعجم المعاصر( قِصاص:  1- مصدر قاصَّ،  2- أن يُوقَع على الجاني مثل ما جنى، النفس بالنفس والجرح بالجرح " والجروح قصاص ولكم في القصاص حياة" ).

ويقول ابن منظور في لسان العرب عن معنى كلمة ثأر، الثأر والثورة: الذّحل، أبن سيده: الثأر الطلب بالدم، وقيل الدم نفسه، أثآر و آثار، على القلب، حكاه يعقوب. أما في معجم المعاني الجامع فقد عرّفت كلمة ثأر على حالتين اولهما ان كانت فعلا فانها تعني: ثأربـ/ ثأر لـ/ ثأر من يثأر ثأرا فهو ثائر والمفعول مثئور. أما ان كانت اسما فانها تعني الدم نفسه وتجمع على شكل أثار وثارات. وكان المختار الثقفي قد رفع شعار يا لثارات الحسين "ع" بعد استشهاده في واقعة الطف، ولازال الشيعة يرفعون هذا الشعار في ذكرى استشهاد الامام السنوية بشهر محرم.

أما في معنى "ولي الامر" فأن أبن منظور قال:  في أَسماء الله تعالى : الوَلِيُّ هو الناصِرُ وقيل: المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق القائمُ بها ومن أَسمائه عز وجل: الوالي وهو مالِكُ الأَشياء جميعها المُتَصَرِّفُ فيها. قال ابن الأَثير: وكأَن الوِلاية تُشعر بالتَّدْبير والقُدرة والفِعل وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي "الوالي هنا ولي الامر". وجاء شرحه في معجم المعاني الجامع على حالتين اولهما ان كان فعلا فهو: وليَ/ وليَ على، لِه، ولاية وولايةً، فهو والِ، والمفعول مولىّ، وليَ البلد، حكمه وتسلط عليه، وليَ الشيء/ وليَ على الشيء: ملك امره وقام به، ولي فلانا/ ولي على فلان: نصره. وان كان اسما فهو: كل من وليّ أمرا أو قام به.

أما "ولي الدم" في اللغة فيعرّف كما جاء في معجم المصطلحات الفقهية من انه (ورثة القتيل)، أما لغويا وكما جاء في المعجم فأن "ولي الدم هو الآخذ بالثأر"   

بعد المقدمة اعلاه علينا ان نطرح سؤالا حول صفة السيد رئيس الوزراء ان كان وليا للدم مثلما قال أو وليا للأمر؟ وهل صرخته "الدم بالدم" كانت للقصاص أم للثأر؟ لانه من غير الممكن عقلا ولا شرعا ان يكون ولي الدم هو نفسه ولي الامر الا اذا كان القتيل يخص ولي الامر شخصيا، ومن غير الممكن كذلك ان يكون القصاص وهو جزء من الشرع هو نفسه الثأر الذي يعتبر عرفا عشائريا وبدويا ويظهر بوضوح في المجتمعات المتخلفة وعند غياب سلطة الدولة أو ضعفها.

 لقد اثبتنا لغويا خطأ ما جاء على لسان السيد رئيس الوزراء حول ما قاله عند جثة الشهيد "محمد بديوي" من أنه " ولي الدم" لأن ولي الدم هو الآخذ بالثأر ، فهل السيد رئيس الوزراء يريد الاخذ بالثأر لمقتل الشهيد "بديوي" أم القصاص له شرعا أم تطبيق القانون!؟ أسئلة اطرحها على السيد المالكي ومناصريه الذين دافعوا عن صرخته "الدم بالدم" ودافعوا عن قوله من انه "ولي الدم". أن المالكي يجوز ان يكون "ولي أمر" ولكن لايمكن ان يكون "ولي دم" وهذا ما يمكن التوصل اليه في "مسائل معاصرة في فقه القضاء" لسماحة المرجع الديني السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم في السؤال 18 من الباب 59 والذي جاء على الصيغة التالية " بالنظر الى ضرورة أشراف الحاكم على استيفاء القصاص، يرجى الاجابة عن ما يلي" هل يجب على ولي الدم أن يستأذن ولي الامر أو من عيّنه لذلك في استيفاء القصاص؟ ج_  لا يجب على ولي الدم " هنا ذوي الشهيد محمد بديوي" أستئذان الحاكم "هنا ولي الامر السيد المالكي" لان القصاص حق له "  وهنا ذوي الشهيد محمد بديوي"، ومقتضى اطلاق أدلته جواز استيفائه لحقه من دون أذن الحاكم "ولي الامر وهنا السيد المالكي".

أن جرائم الحدود والقصاص تعتبر من المسائل الشرعية في الاديان المختلفة ومنها الدين الاسلامي الذي لم يتركها للناس بل عالجها قرآنيا حيث ساوى النص القرآني بين الناس دون النظر الى مراتبهم واصولهم واعراقهم "ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب". ولكن السيد رئيس الوزراء تجاوز على النص القرآني عندما ترك آلاف الضحايا دون ان يقتص من قاتليهم الا قاتل الشهيد "محمد بديري وهذا حق قانوني وشرعي" والذي كان من الممكن ان يتجاوز على هذه الحادثة أيضا لو لم تكن الانتخابات على الابواب او كان على علاقة جيدة مع الاقليم، فهل هناك فرقا مثلا بين الشهيد "بديوي" والشهداء "كامل شياع" أو "هادي المهدي" أو "قاسم عجام"  أليسوا جميعا وغيرهم من المثقفين والادباء والصحفيين مواطني دولة ولي امرها السيد المالكي، فلماذا نرى فرقا بين موقفه تجاه الفريقين!؟  كما وان الاختلاط بين مفهومي ولي الامر وولي الدم وقعت فيه الحكومة العراقية "المالكي رئيسها" مرّات عدة قبل اليوم وذلك عندما اطلقت سراح ارهابيين ضمن صفقات سياسية مع حكوماتهم، حيث الشرع يمنح الحاكم "ولي الامر" حق في اطلاق سراح مدانين ولكن هذا الحق يتوقف عند حق الدم فهو لولي الدم. والآن اليس من حق اولياء دم الضحايا الذين اطلق سراحهم "ولي الامر اي المالكي" باقامة الدعوى عليه لانه تصرف بدماء ذويهم دون استشارتهم بأعتبارهم اولياء دم؟

أن صرخة المالكي لم تكن الا ثأرا من الكورد كون القاتل كوردي ودعاية انتخابية كون الانتخابات على الابواب متمنيا بعد تصريح صلاح عبد الرزاق رئيس ائتلاف دولة القانون في مجلس محافظة بغداد عن نية المحافظة قيام نصب يخلد الشهيد "محمد بديوي" في مكان الجريمة، أن لاتكون بابا لزرع الكراهية بين ابناء شعبنا من العرب والكورد، هذه الكراهية التي لم ينجح حتى الطاغية صدام حسين على رغم بشاعة وكثرة جرائمه زرعها. فهل سينجح المالكي وحزبه الحاكم من حيث فشل صدام وحزبه الحاكم؟ أم سيختار فتح قنوات اتصال مع معارضيه السياسيين من اجل التهدئة خدمة للصالح العام والالتفات لبناء الدولة التي دمّرتها سياسات البعث الهوجاء واكملتها سلطة المحاصصة؟

من اجل مستقبل العراق وشعبه لنعمل على ان لا يرفع المالكيون رايات يا لثارات الشهيد محمد بديوي في سمائه. 

زكي رضا
الدنمارك
28/3/2014


378
الدم بالدم عرف بدوي أيها السيد المالكي

كالعادة كان بريد بغداد اليوم مغمسّا بالدم الذي تشتيهه قوى الارهاب من جهة وميليشيات حكومية من جهة ثانية، وكالعادة ايضا كان الاسفلت البغدادي كما اسفلت شوارع العراق مسرحا لجريمة بشعة بحق اعلامي واستاذ جامعي هو الشهيد "محمد بديوي" وليضاف اسمه الى قائمة طويلة من شهداء الكلمة التي تؤرق الطغاة في كل الازمنة وفي مختلف الاماكن.

لسنا هنا بصدد تبرير الجريمة وكيف نستطيع ذلك ودماء الشهيد "بديوي" لم تجف بعد من على اسفلت "الجادرية"، كيف نستطيع ان نبرر الجريمة والقاتل معروف ان لم يكن بالاسم لحد هذه اللحظة فهو معروف المكان والجهة التي تتبناه والتي ستسلمّه الى العدالة بلا شك لينال عقابه، كيف نستطيع تبرير الجريمة والضحية ليست شخصا بذاته بل هو "كلمة" عليها ان تجوب فضاءات العراق لتوصل ما تبقى من حقيقة في هذا الزمن اللئيم الى من يحتاجها لبناء وطن يتهاوى بفعل المحاصصة الطائفية القومية اللعينة.

المنطق يقول ان تبرير جريمة كهذه سيؤدي الى تبرير جرائم سابقة واخرى لاحقة ونفس المنطق يقول ان الضحية لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة، ولو استقرئنا المنطق بشكله "المنطقي" فعلينا البحث عن كل الجرائم المرتكبة ليس بحق الصحفيين والاعلاميين والسياسيين فقط بل وبحق كل الابرياء من العراقيين الذي ذهبوا ضحية طغم سياسية تنهب ثروات البلد باسم الطائفة والقومية وصراعاتهم السياسية العقيمة، لنؤشر بعدها على القتلة لتقديمهم الى محاكم قانونية عادلة، السنا في ظل دولة القانون وننهل من خيره وعطائه!؟

لم نرى السيد المالكي حريصا على الدم العراقي الا اليوم حيث انتظره الجميع ليرفع جثّة الشهيد المغدور بيديه "الكريمتين" كدعاية انتخابية ويا ليته لو اكتفى بذلك، بل رأيناه منفعلا ليضيف الى طائفيته وعشائريته،  بداوته بابشع صورها متناسيا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية بالبلاد ليقول " الدم بالدم". لا يا حاج صدقني ما هكذا تروى الابل وليست هذه من اخلاق زعماء البلدان ناهيك عن سياستهم. ألم تستشير مستشاريك ليخبروك من انك تمثل القانون بالبلد وان قائمتك الانتخابية تسمى "دولة القانون" لذا عليك ان تكون حذرا بأنتخاب الكلمات في مثل هذه المواقف؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا لليوم في موقع انفجار ارهابي قتل العشرات منهم بين صبية ونسوة وشيوخ وعجائز؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا في مناطقهم عندما غرقت مدنهم ودخلت المياه الثقيلة الى داخل بيوتهم؟

السيد رئيس الوزراء هل دماء الشهيد البريء "محمد بديوي" لها لون غير لون دم الشهداء " كاوه كرمياني" و "كامل شياع" والشهيد "هادي المهدي" الذي قتل لانه انتقدك شخصيا وغيرهم الكثير من شهداء الكلمة والفكر؟ واذا كان قاتل الشهيد "كرمياني" معروفا وسيحاكم ان لم يكن اليوم فغدا، فهل علينا ان نسألك من هم قتلة "شياع والمهدي" ولماذا لم تتابعوا قضيتهم لليوم؟ السيد رئيس الوزراء من الذي اطلق سراح قاتل الشهيدين ولدي السيد مثال الالوسي ضمن صفقة سياسية؟ هل تعرفه أم علينا الاشارة اليه؟

اننا في العراق بحاجة الى ارساء دولة المؤسسات التي تحاسب القتلة والمجرمين من خلال محاكم قانونية وليس عن طريق المنطق والثأر البدوي، وان حديث النبي محمد "ص" عندما قال في العقبة الاولى حين سأله بعض اليثاربة عن عهودهم مع اليهود أذ قال " الدم بالدم والهدم بالهدم" كانت وليدة ظرف تاريخي معين، وان كان السيد المالكي استوحى مقولته " الدم بالدم" من حديث النبي محمد "ص" آنف الذكر فالاولى له اتمام الحديث " والهدم بالهدم" وليشن حربه على الكورد ويهدم مدنهم أن استطاع وأراد لأن الجاني كوردي ومن ضمن حماية رئيس للجمهورية لازال في منصبه خلافا للدستور نتيجة غيابه بسبب المرض. أما اذا لم يستوحي ماقاله من حديث النبي محمد "ص" بل هي من بنات افكاره فأنه بدوي، وستكون بداوته وطائفيته وعشائريته معاولا بيد حزبه ودولة لاقانونه ليهدموا بها ما تبقى من البلد.

البداوة ليست سوى مرحلة تاريخية ولّت بتقدم المجتمعات نحو المدنية التي يناصبها المالكي العداء.

زكي رضا
الدنمارك
22/3/2014


 









379
أختطاف الطائرات وأرهاب الاحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد 

تطلق صفة الارهاب عادة على أي فعل عنفي يؤدي عند حدوثه الى خلق حالة من الخوف والرعب عند المخطوفين حتى وان انتهت تلك العملية بسلام وبغض النظر عن الفترة الزمنية التي استغرقتها "العملية". ويعتبر الارهاب أحد اكثر الافعال اجراما كونه يهدد حياة أبرياء شاءت الصدف ان يتواجدوا في المكان الخطأ وفي الزمن الخطأ وقد يكون بين هؤلاء الابرياء اطفال وعندها تكون الجريمة المرتكبة اكثر بشاعة، واستهتارا بقيم اخلاقية لاشك في ان الخاطفين ومن ورائهم تنظيماتهم السياسية فقدوها ليس ساعة قيامهم بالجريمة بل قبلها بوقت طويل.

على الرغم من ان الحرب ومنذ القدم تعتبر اعلى شكل من اشكال الارهاب، الااننا اليوم اصبحنا ونتيجة استفحال الارهاب في اماكن عديدة في عالمنا هذا أمام البحث عن تفسير جديد للارهاب يأخذ بنظر الاعتبار اشكال الارهاب الذي نريد تعريفه. ومن هذه الاشكال هناك الارهاب الفكري والارهاب الاقتصادي والارهاب الديني والارهاب السياسي وغيرها، كما وليس بالضرورة أن يكون منفذي العمليات الارهابية من الخارجين على القانون أو من عصابات الجريمة المنظمة، بل قد يرعى الارهاب دولة او مجموعة من الدول لاسباب سياسية أو اقتصادية او اجتماعية، وقد يرعى الارهاب سلطة من اجل الضغط على مناوئيها السياسيين لزرع الرعب في صفوف المجتمع واستمرارها في الحكم.

في العراق ومنذ الاحتلال الامريكي ولليوم ضرب الارهاب كل مفاصل الحياة وتداخلت المجموعات والقوى الارهابية في اهداف شيطانية ليس لعرقلة العملية السياسية فقط أن بقيت لليوم عملية سياسية، بل لتفتيت النسيج الاجتماعي ليكون طريقا سالكا نحو تفتيت وتمزيق الوطن كأمر واقع وهذا ما تقوم به فعلا مجاميع ارهابية من داخل وخارج الحدود على حد سواء وبنظرة واقعية ومدروسة على الواقع السياسي والقوانين التي تتبناها السلطة نستطيع القول ان السلطة هي ايضا جزء من منظومة الارهاب. فالرشاوى والعمولات المليونية الضخمة هي جزء من الارهاب الاقتصادي وتمارسها احزاب السلطة وقوائمها دون استثناء، وتحويل قوانين تجعل من الفتيات القاصرات سلعة بأسم المذهب من قبل مجلس الوزراء الى البرلمان للمصادقة عليها يجعل هذا المجلس وبشخص رئيسه جزء من منظومة الارهاب الاجتماعي والطائفي، وان استغلال رجال الدين لتظاهرات وان كانت لها بعض المطالب المقبولة كما في مدن "المحافظات السنية" لتجييش الحس الطائفي تعتبر ارهابا فكريا كونها تريد الغاء الاخر وسياسيا كونها اصبحت حاضنة لمجرمين عتاة قادمين من خلف الحدود.

ولان العراق اصبح من اكثر دول العالم معاناة من الارهاب المنفلت وآثاره المدمرة فأن سلطة بغداد نظمت قبل ايام " المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب" بمشاركة دول ومنظمات عربية ودولية متخصصة في مجال مكافحة الارهاب، فهل سلطة بغداد قادرة على ترجمة القرارات والتوصيات التي خرج بها المؤتمر؟ وهل عملية خطف الطائرات تعتبر شكلا من اشكال الارهاب؟

بدأت عمليات خطف الطائرات منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي وتحديدا في شباط 1931 ولتبلغ اوجها في العام 1969 عندما تم اختطاف عشرات الطائرات الطائرة من كوبا واجبارها على الهبوط في المطارات الامريكية، كما ودخلت منظمة التحرير الفلسطينية على الخط منذ بدايات الستينيات  وحتى النصف الثاني من السبعينات. ونتيجة لعمليات الخطف هذه وغيرها سُنّت العديد من القوانين المحلية والدولية التي تتناول احكام جرائم خطف الطائرات. وقد عرّف فقهاء القانون جريمة خطف الطائرات ب"قيام شخص بمفرده او بالاشتراك مع الغير بصورة غير قانونية وهو على ظهر طائرة في حالة الطيران بالسيطرة عليها أو تغيير مسارها بوجه غير شرعي أو قانوني باستخدام القوة او التهديد بها او الشروع في ارتكاب اي فعل من هذا القبيل على ان تكون الطائرة المختطفة اثناء الطيران (1). فهل عملية اجبار الطائرة العراقية التي بدأت رحلتها من مطار اصفهان نحو مطار مدينة النجف الاشرف قبل يومين وتغيير مسارها نحو مطار "بغداد" من قبل ثلاث مسؤولين من الاحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد وهي في الجو "اي بعد انطلاقها" يعتبر ارهابا؟

لكل جريمة هناك ركنا ماديا وفي جرائم خطف الطائرات هناك اربع اركان مادية هي:
1-   استعمال القوة او التهديد باستخدامها.
2-   ارتكاب الفعل على متن الطائرة.
3-   أن يقع الفعل غير المشروع أثناء الطيران.
4-   الاستيلاء على الطائرة أو السيطرة عليها. (2)

ليس هناك ادنى شك من ان الاركان الاربعة هذه قد توفرت عند الخاطفين الارهابيين اعضاء احدى الاحزاب الشيعية الحاكمة، الذين قد لم يستخدموا القوة الواضحة الاانهم استخدموا بالتأكيد التهديد مع طاقم الطائرة لتغيير مسارها، وقد يكون هذا التهديد بفصلهم عن العمل او سجنهم في حالة عدم تلبية مطالبهم وذلك بعد ابراز هوياتهم وكونهم "مسؤولون في الدولة"، والتهديد هنا هو شكل من اشكال ارهاب السلطة وعدم احترامها للقوانين اضافة الى استهتارها بارواح المسافرين على متن الطائرة وبينهم اطفال ونساء. اما الركنين الثاني والثالث فقد تحققا ساعتها كون الطائرة كانت في الجو وبالتالي فان الفعل "الارهابي" حدث اثناء الطيران وهناك شهود كثر على الحادثة ومنها شخص قدّم أو سيقدم شكوى بذلك، والفقرة الرابعة تحققت باستيلائهم ولو بالتهديد على الطائرة وتغيير مسارها للهبوط في مطار آخر بعيد عن وجهتها الاصلية. وقد عالجت اتفاقية لاهاي في مادتها الاولى هذه الحالة عندمت تمت اضافة عبارة "وبأي شكل من أشكال التخويف"، وهذه العبارة تشمل "صور الاكراه او الارهاب المعنوي"*


اعتقد جازما ان فقهاء القانون الدولي سيقفون عاجزين عن تفسير  سلوك الارهابيين الثلاثة وصمت حكومة بغداد ووزارة النقل عن الحادثة لسبب بسيط جدا، وهو انهم لم يضعوا في اعتبارهم لليوم ان تحدث حالة خطف طائرة وتهديد طاقمها بتغيير مسارها والهبوط في مطار يريدون هم الهبوط فيه عن طريق تهديد طاقم الطائرة شفهيا كونهم "مسؤولين". أن استهتار اعضاء الاحزاب الاسلامية وابنائهم المستمر في ظل ما يسمى "دولة القانون" تؤكد على فشل هذه الاحزاب الاخلاقي اضافة الى السياسي في تربية اعضائهم واحترامهم للقانون، وعلى رئيس ما يسمى "دولة القانون" ان يعرف جيدا أن "التعليم ومواجهة المشكلة الاقتصادية والوحدة الوطنية"(3) هي السبل الامثل لمواجهة الارهاب. ويبدوا بل ومن المؤكد انه لم يتأثر بالمذهب السني الا في انه اعلن طلاقه بالثلاث بالتعليم والاقتصاد والوحدة الوطنية.

أن محاكمة الارهابيين الثلاثة علنا ومعاقبتهم بأعتبارهم خاطفين قد تعيد شيئا من كرامة فقدتها الاحزاب الشيعية الحاكمة فهل ستفعلها سلطات المنطقة الخضراء؟   


(1) اسامة مصطفى ابراهيم، جريمة اختطاف الطائرات المدنية- بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، 2003 .
(2) احكام جريمة اختطاف الطائرات في القانون الدولي، أ.م.د عبد العزيز شعبان، ص 5 .
(3) فرج فودة
* المصدر اعلاه نفس الصفحة.

زكي رضا
الدنمارك
14/3/2014
 

 

 



 
 

380
عدنان الاسدي... أضحكتني والله

بعد ان نشرت صور لسيارات وزارة الداخلية المملوكة لحزب الدعوة الحاكم وهي تقوم بتوزيع رشاوى انتخابية كدعاية لمرشح الحزب القائد "الحاج عدنان الاسدي"، خرج علينا مولانا "ابو حسنين" مغرّدا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، معتذرا عن استخدامه لسيارات وزارته في توزيع تلك الرشى التي يُحرّمها الاسلام والمذهب الشيعي الذي اصبح اثرا بعد عين عند الدعاة ، مؤكدا عدم تكرار هذه المسألة مستقبلا وانها كانت من فعل سائقي الوزارة وبحسن نية !!.
ليضيف قائلا ""اهلي واحبتي انني ومنذ سنوات وقبل سقوط نظام البعث البغيض وابناء محافظتي المثنى يعلمون اني اقوم بمساعدة المحتاجين والفقراء من مالي الخاص ويصل الى مئات العوائل والايتام ولي كسوة تصل للايتام والطلبة الفقراء بشكل مستمر صيفا وشتاء والوجهاء و علماء الدين في المحافظة والمراكز الخيريه تعلم ذلك بل ان لي مالا مخصصا للمحتاجين في الامور الطبية والعلاج ومعي بعض المحسنين ولم نشع ذلك او نذكره للاعلام لان غايتنا هي رضى الله وما ذكر من مساعدات عينية وغذائية في بعض وسائل الاعلام ومن تشهير هو مساعدات غذائية انسانية وليس للانتخابات لانه لم يذكر فيها اي رقم لاسم او رقم اي قائمة".

واستمر في تغريده ولحنه الجميل فكتب حول صناديق المواد الغذائية "الرشى" التي وزعها "هذه كانت هدايا للفقراء وليس كدعاية انتخابية".
وكان سيدنا ابو حسنين "ع" قد أكد في تصريح صحفي أن "هذه هي مساعدات وحقوق شرعية اقوم بتوزيعها على الفقراء ، مبينا ان "افراد الشرطة هم من اشرفوا على توزيعها وهي عبارة عن مساعدات وتم الكتابه عليها الحاج عدنان الاسدي من دون ذكر مرشح او رقم وتم ارسالها للفقراء او انه تم اعطاء هذه المساعدات للفقراء من الشرطة". والان دعونا "ندردش" قليلا مع الحجي "عدنان الاسدي".

الحاج عدنان الاسدي المحترم......
بأعتبارك اسلامي قح ومن الخاصّة وعلى دراية كاملة بالتراث الشيعي قبل الاسلامي! فأنك تعرف كما الكثير من العامّة الذين يصدقونكم للاسف الشديد بأن الكرم هو من صنع الكريم على ان لا تكون له غاية الا مبتغاة الله، أما اذا كان الكرم في اوقات محددة وتواريخ محددة ولغايات محددة فأنه يدخل في باب الوجاهة من اجل هدف غير سام لانها "تكسبه عطفا وتستر ما اختلس وتلقي سدلا على جوره ان كان من اهل الجور وعلى عجزه في سياسة الناس ان كان من ذوي العجز" وهذا اللون من الوان الكرم لا يختلف عن الرشوة في معناه" (*) ولكي يكون كرمك الدعوي مقبولا من ربك فعليك بالستر لا ان تفضح الفقراء المحتاجين لمساعدتك ، والا تشاطرني الرأي بان وجود فقراء في "بلدك" بميزانياته الفلكية وطيلة فترة حكم حزبكم القائد تعتبر وصمة عار في جبينه وجبينكم!؟

ولاننا "انت وانا" ونتيجة ارهاب سلطة البعث قد التجأنا الى الدنمارك فاننا "على الاقل انا" نعرف سوق العمل في هذا البلد ومستوى الرواتب والمداخيل عند من يعملون لحسابهم الخاص "حسب نوع العمل" أو من الذين يعيشون على حساب دافعي الضرائب وانت تعرف الكثير منهم، وبالتالي فان ما ذكرته حول مساعدتك لمئات العوائل ومثلهم من الايتام وكسوتهم وكسوة الطلبة صيفا وشتاءا من مالك الخاص حتى قبل سقوط نظام البعث الدموي "ينرادله صفنه مو شلون مچان!!" أما عدم أشاعتك لهذا الامر وذكره للاعلام لان غايتك ومبتاغك "رضى الله" فانها - وهنا أود تعذرني حجي - كذبة ما بعدها كذبة وضحكا على ذقون البسطاء الذين عليهم ان يسألوك ، هل الله غير موجود في موسم الانتخابات ولهذا قمت باشهار مساعداتك هذه المرة ولم تنتظر رضاه أم ماذا؟ أما انا فسأسلك قائلا "لماذا تريد رضى الله علنيا في كل اربع سنوات مرّة هذا اذا كان ما قلته صحيحا ؟ أذن فانها دعاية انتخابية والمفوضية "المستقلة" للانتخابات بدورها "نايمة بالعسل" لانكم من الحزب الحاكم ، لذا نراها "تغلس" على المادة 25 من قانون انتخابات مجلس النواب الذي يقول "يمنع استغلال ابنية الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة واماكن العبادة والرموز الدينية لأي دعاية انتخابية او انشطة انتخابية للكيانات السياسية والمرشحين". والمادة 27 التي تقول " لا يجوز لموظفي دوائر الدولة والسلطات المحلية استعمال نفوذهم الوظيفي أو موارد الدولة أو وسائلها أو أجهزتها لصالح أنفسهم أو أي مرشح بما في ذلك أجهزتها الامنية والعسكرية بالدعاية الانتخابية أو التأثير على الناخبين"

أن مصيبتنا نحن العراقيون هي خلاصنا من سطوة دكتاتور أحمق وحزب فاشي اوصلا بسياساتهما الفاشلة بلدنا الى شفير الهاوية ، وسقوطنا في مصيبة حزبكم الطائفي وقادته الجهلة الذين دفعا ويدفعان بسياستهما الاكثر من فاشلة وطننا نحو الهاوية نفسها. واحد هؤلاء القادة الفاشلين والجهلة هو وكيل وزارة الداخلية "اي حضرة جنابكم" الذي فشل ويفشل كل يوم في ارساء الامن ولو بشكل نسبي في البلد، ولو كان غيرك يدير ملفا امنيا فيه بعض الخروقات فقط لاحترم نفسه واستقال.

السيد الاسدي صدقني انكم مجرمون بكل ما في كلمة الاجرام من معنى ، ولانكم اضافة الى اجرامكم لا تخجلون كما "الحجي هادي العامري" فلا ارى ضرورة لتغريدتكم على "الفيسبوك" لأن العراق بنظر حزبكم "بيتنا ونلعب بيه شلهَ غرض بينا الناس"

أذا لم تستحي فكن من الدعاة.

 (*) علي وحقوق الانسان ، جورج جرداق ج1 ص 92-93 .

زكي رضا
الدنمارك
12/3/2014


381
المسؤولين العراقيين وأبنائهم "ع" شلّة "هايته"

كيف نستطيع الحكم على دولة معينة من انها دولة فاشلة؟ أو دعونا نطرح سؤالنا بشكل آخر لنقول ما هي مقومات الدولة الفاشلة؟ هنا قد يحاججنا البعض وهو على حق ليقول من ان سؤالك ساذج لأن المنطق يحكم في ان تطرح سؤالك بشكل مغاير تماما وهو ان تقول ما هي مقومات الدولة الناجحة؟ ولكن السائل "غير العراقي" والمتابع لاوضاع العراق سيعطيني الحق بطرح سؤالي بالصيغة التي اشرت اليها حالما يعرف من انني "عراقي"، لماذا؟  لأن غير العراقي يتابع امور العراق بشكل حيادي ويتعجب من فقر شعبه وحالة بلده الكارثية رغم الميزانيات الفلكية، أما العراقيين بغالبيتهم العظمى فهم على دراية بأن دولتهم وسلطتهم فاشلتين ولكنهم غير قادرين او راغبين بالاعتراف بذلك أما كونهم شيعة أو سنّة أو كورد، وأن اعترفوا بفشل دولتهم وسلطتهم ولصوصيتها التي باتت علنية فأنهم لايعملون على تغييرها حتى عبر صناديق الاقتراع لان السلطة المشوهّه ذات الرؤوس الثلاث تعرف جيدا متى عليها اشغال الشارع العراقي بأزمات مختلفة مع موجات من التفجيرات تسبق الانتخابات وتليها حتى تشكيل الحكومة والتي لاتخرج عن مبدأ المحاصصة حتى وان لبست لبوس "حكومة الوحدة الوطنية".

يعتبر الدستور الحلقة الاهم في بناء الدولة، وهذا الدستور هو الذي يحيط الدولة بسياج قانوني ان جاز التعبير لتتفرع منه سلسلة من القوانين التي تنظم هيكلية هذه الدولة على مختلف الصعد ولتنتهي اخيرا بقوانين تنظم الحرية الفردية عند المواطنين  بشكل متساو امام القانون الذي تستمد منه السلطة قوتها بأعتبارها نتاج قانوني لذلك الدستور الذي وصلت من خلاله للسلطة. وهذا يعني ان الدولة بسلطاتها عليها ان تقّيد مواطنيها بنظام وقانون كي تمنع من خلالهما الفوضى التي ستحدث حتما ليس بغيابهما بل حتى بضعفهما ايضا. و لأن المسؤولون العراقيون وأبنائهم وأصهارهم وأنسبائهم واقربائهم هم مواطنون عراقيون، فأن قانون الحرية الفردية سيطبق عليهم كما على باقي ابناء الشعب أو هكذا يجب ان يكون أما في حالة تمايزهم وبشكل وقح احيانا كثيرة عن باقي ابناء شعبنا فانها دلالة على انهم من صنف "الهايته".

و "الهايته" كناية بغدادية عن " الشخص المتفلّت المعتدي، الذي لايتقيد بما تعارف عليه الناس من أصول، وتشير الكناية الى نوع من العساكر العثمانية، يسمّون: الهايته، كانوا متفلتّين يعتدون على الناس، ولا يتقيدون بنظام أو قانون. فهل مسؤولي العراق وابنائهم من صنف "الهايته"؟*

أن تعدّي حمايات المسؤولين على الصحفيين ورجال الشرطة يؤكد لنا ان هؤلاء المسؤولين هم من صنف الهايته، ان قطع الشوارع اثناء مرورهم واولادهم وتعطيلهم لمصالح الناس تثبت "هايتيتهم"، ان عدم اقرار الميزانية لليوم ليدفع المواطن البسيط ثمنها تؤكد تلك "الهايتيه" بابشع صورها، ان فشلهم في تقديم الخدمات لابناء شعبنا تشير الى انهم "هايتيه وحراميه" في نفس الوقت، أن فشلهم في استتباب الامن بعد 11 عاما من الاحتلال تشير الى انهم "هايتيه" من الطراز الرفيع.

ان منع طائرة طيران الشرق الاوسط القادمة من بيروت  بالهبوط في مطار " آل عامر الدولي" ببغداد نتيجة عدم تواجد "مهدي العامري ابن هادي العامري –عليهما السلام-" على متنها لتأخره في ركوبها، وعذر سلطات المطار "بتنظيف المطار!!" التي هي اقبح من ذنبهم جعلت السلطات العراقية هزءا أمام العالم. ولتثبت من خلاله الدولة انها دولة "هايته" بالفعل وأن ابناء المسؤولين العراقيين يتصرفون بمؤسسات الدولة كملك شخصي وعشائري من دون وازع اخلاقي. ان تصرف هذا الصبي ينم عن سوء سلوك ناتج عن قصور في التربية، لأن من يستقوي بمركز ابيه في ايذاء الناس وتعريض سمعة "بلده" للاساءة ليس من صنف الهايه فقط بل و"سر...."ايضا كما اولاد الطاغية "صدام حسين" الا اذا كان حرام صدام حلال عند الاحزاب الاسلامية . وعلى المالكي ليس محاسبة طاقم المطار المسؤول عن هذه الحادثة المشينة مثلما صرّح بل محاسبة وزير النقل نفسه واعفائه من منصبه وان لم يفعل وليس هو بفاعل، فهل يستطيع وزير النقل تحمل المسؤولية كون الابن لم يفعل فعلته المشينة الا لأنه ابن وزير النقل ويستقيل من منصبه، سؤال ساذج اليس كذلك؟ 

لم ارى وصفا للفوضى التي يمر بها العراق تحت ظلال سيوف الاسلاميين ادق من ابيات الشاعر الجاهلي "الأفوه الأودي" الذي قال وكأنه يصف حال العراق رؤساء ومرؤوسين اليوم.

البيت لا يبتنى الّا على عمد ................ ولا عماد أذا لم ترس أوتاد
فأن تجمع أوتاد وأعمدة ............... وساكن، بلغوا الامر الذي كادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ...... و لاسراة اذا جهّالهم سادوا
تبقى الامور لأهل الرأي ما صلحت .......... فأن تولّت فبالجهّال تنقاد

"العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به: شركاء ثلاثة"،  الامام علي "ع"


*الكنايات العامية البغدادية ، الجزء الثالث ص 223 " عبود الشالجي".

زكي رضا
الدنمارك
7/3/2014


382
أنتخابات كربلاء وداماد الوالي (*)


تميزت العقود الاخيرة من الحكم العثماني بالفساد الكبير والواسع والذي أدى بالنهاية الى انهيار حكم "الخلافة" أثر خسارتها الحرب العالمية الاولى، حتى وصل الفساد الى بيع وشراء المراكز السياسية الهامة بالبلد كالقضاة والولاة اضافة الى بيع وشراء المقاعد النيابية في برلمان الاستانة الذي اسسه السلطان عبد الحميد الثاني والذي سمّي حينها بمجلس المبعوثان. و تدور حول ولاة ذلك العهد الكثير من القصص والحكايا التي يدخل الكثير منها في باب اللامعقول حتى لو تمّت مقارنتها مع مثيلاتها في بلدان اخرى، وهذا ما اشار اليه الكثير من الرحّالة الذين جابوا ارجاء تلك الامبراطورية الفاسدة قبل انهيارها ودونّوها في عشرات الكتب.

من اخبار بعض ولاة بغداد في ذلك العهد والٍ نقلت عنه حكاية مضحكة وغريبة "وقد تكون من نسج الخيال" الا اننا نستطيع ان نجد لها شبها الى حد بعيد في عراق الطغاة ودكتاتورهم صدام حسين وعراق الدعاة ودكتاتورهم نوري المالكي "على ذمة السيد مقتدى الصدر" وملخص الحكاية تلك هي: أن والي بغداد الذي اشترى منصبه (كما ستباع وتشترى الوزارات والمناصب الحكومية العراقية الاخرى بعد انتهاء الانتخابات مباشرة كما في كل مرّة)، بعث في طلب احد أغنى الاقطاعيين لينزل ضيفا عليه من اجل الحصول منه على مبالغ مالية مقابل خدمات يقدمها الوالي لذلك الاقطاعي. وكان الوالي يتحدث الى طبّاخه الخاص يوميا ليحضّر له ولضيفه الوجبات الثلاث والتي كانت تختلف من وجبة الى اخرى، وكان الطبّاخ يسجل ما يطلبه الوالي مع ثمن كل مادة من المواد التي تدخل في طبخ اي صنف من اصناف الطعام بالليرات الذهبية والتي كان الاقطاعي يدفعها طبعا، لكن الوالي كان ينهي حساب الليرات بعشر ليرات ذهبية اضافية بعد كل وجبة طعام قائلا انها "للداماد". وبعد اسابيع وعندما أزّف موعد رحيل الاقطاعي سأله الوالي عن رأيه بالضيافة والطعام فأجاب الاقطاعي أن الضيافة كانت رائعة وكذلك الطعام الا انه لم يذق على رغم طول فترة الضيافة اكلة معينة على الرغم من انه دفع ثمنها مرارا وكانت من أغلى الاكلات، فسأله الوالي متعجبا عن أسم تلك الاكلة فأجاب الاقطاعي، أنها "الداماد" سيدي الوالي، عندها ضحك الوالي قائلا له أن "الداماد" ليس صنفا من الطعام بل هو صهره أي زوج ابنته.

يبدو أن "الداماديه" مرض لا يصيب الا الحكام الطغاة المستهترين بحياة وثروات ومستقبل شعبهم ووطنهم، فتراهم يضّيقون الحلقة الخاصة المحيطة بهم حتى يصل بهم الامر الى ابعاد حتى رفاقهم في احزابهم ليقتصر الامر على الابناء و "الداماديه"، ومن هؤلاء الطغاة كان والي العراق الطاغية صدام حسين الذي فسح المجال واسعا لنكرة لا يعرف له أي تاريخ سياسي حتى في صفوف حزبه الدموي ليترأس أعلى الهيئات الصناعية والسياسية وليكون حمايته الشخصية وكاتم أسراره، هذا النكرة لم يكن سوى "الداماد" حسين كامل الذي استهتر كما عمّه بحياة العراقيين حتى ساعة مقتله على يد القميء عدي وبأمر مباشر من المجرم صدام حسين.

وبعد الاحتلال الامريكي كان لدينا الواليين أياد علاوي وأبراهيم الجعفري على رأس السلطة التنفيذية الا انهما وربما لقصر فترة رئاستهما لم يصابا بمرض "الداماديه" أو لانه لم ينجبا أناثا ليكون لهما "داماد". ولكن الظرف والواقع تغيرا حال استلام الوالي نوري المالكي منصبه كرئيس للوزراء. اذ بدأ حكمه بترسيخ سلطة العائلة - حتى اسرع من سلفه الطاغية صدام حسين - بشكل مواز لسلطة حزبه بل كانت سلطة عائلته على رغم قلّة الاخبار المتسربه من مكتبه - هي فوق سلطة العديد من رفاق دربه في الحزب الذي أوصله الى السلطة، فمكتبه هو مطبخ سياسته في قيادة البلد والعاملين فيه هم طباّخي سياسته وخصوصا ابنه "احمد" وأبن أخته و"داماده" حسين أحمد هادي المالكي المعروف ب "الحاج أبو رحاب". ولكي تتم هيمنة العائلة على العديد من مقدرات البلد تهيئا لظروف تحول العراق مستقبلا الى بلد تحكمه العوائل المافيوية، فأن دخول عالم السياسة يعتبر من اولويات النخب الاجرامية التي تستطيع من خلال تزاوج السياسة مع المال أن تفرض نفسها بين عوائل المافيا التقليدية في البلد الدينية منها والقومية. وهذا ما دفع الحاج نوري المالكي بترشيح "داماده" الحاج "ابو رحاب" كنائب عن "عوجة" كربلاء أي مدينة "طويريج" مسقط رأس الوالي نوري المالكي، وليبدأ "الداماد" مستفيدا من خزائن العراق المفتوحة أمامه وأمام عمّه وخاله والي بغداد وفي غياب قانون الاحزاب بصرف الملايين كدعاية انتخابية مع وعود بنهوض العراق وتخطي المحن وان يكون عينا للعوجة "طويريج" في مجلس النواب!! دون ان نعرف شيئا لليوم عن التاريخ الجهادي "لداماد الوالي العزيز" ودون ان نعرف اسباب سكوت الدعاة عن ترشيحه وأن كان حزبهم قد خلى من الذين قارعوا نظام العهر البعثي وتحملوا في سبيله السجن والتعذيب والنفي والتشريد، أم انها عودة وحنين لعهد البعث المجرم واستنساخ تجربته المرّة التي ناضل حزبهم ضدها لعقود وقدّم خلالها قوافل من خيرة شباب العراق كما الاحزاب الاخرى التي قارعت الدكتاتورية كشهداء في ذلك الدرب الوعر.

في نيسان القادم سيكون سكان مدينة الحسين "ع" أمام امتحان عسير كما أهل الكوفة في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، فأما أن يكونوا مع أمامهم أمام الفقراء والمساكين وأما أن يكونوا مع آل أمية وعبيد الله بن زياد ممثلين بآل المالكي و"داماده" ابو رحاب، فلمن ستكون الغلبة للحسين أم للدراهم الزيوف المنثورة من دار الامارة "الوالي"؟ وهل سنرى في شوارع مدينة الحسين وساحاتها اشباح "هاني ابن عروه وعبد الله بن عفيف الازدي" وهم يشتمون الباطل دفاعا عن أمامهم، ليدفعا الناس ليدافعوا عن عراقهم أم سيقتل الحسين ثانية؟

"الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم" ... من وصية الامام علي -ع- لولديه الحسن والحسين

فهل سيرى اهالي كربلاء فقراء ومساكين مدينتهم قبل ان يصوتوا للداماد؟

 
 (*) الداماد، تعني الصهر في اللغتين التركية والفارسية.
 زكي رضا
الدنمارك
25/2/2014


383
على مرجعية النجف الاشرف ان لاتسيء لنفسها مرة اخرى

كل المؤسسات في العراق بحاجة الى اصلاح او اعادة بناء ومن ضمنها بالتأكيد المؤسسة الدينية، فانتشار الامية والجهل اللذان يفضيان الى التخلف بين صفوف غالبية المجتمع، لايمنح احدا مهما على شأنه الحق فردا كان أم حزبا أم مؤسسة في استغلالها من اجل تكريس واقع تحلم بديمومته لآجال غير معلومة خصوصا ونحن نتحدث عن دولة يراد لها ان تكون ديموقراطية الا انها لاتستطيع في كل الاحوال تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء. واهم هذه الخطوط الحمراء هي طبقة رجال الدين ومؤسستهم الدينية والتي تعمل على تكريس سيطرة احزاب الاسلام السياسي ورعايته. من خلال تدخلها المباشر بالشأن السياسي لصالح طائفة معينة ليس كجمهور وهذا ما نلمسه من فقر قطاعات واسعة من ابناء هذه الطائفة، بل كأحزاب ومنظمات اصبح لدى الكثير من رجال الدين نتيجة تدخلهم في الشأن السياسي بصفتهم الدينية مصالح اقتصادية ومالية معها تقدر بالمليارات ولتشمل من اجل استمرار دعم هذه الطبقة لهم "الاحزاب" المساهمة بالتوسع المستمر للاوقاف الاسلامية وخصوصا الشيعية التي من الممكن ان تتحول في ظرف معين الى دولة داخل دولة ان لم تكن هي كذلك اليوم.   

ان التدخلات المستمرة لمرجعية النجف الاشرف بالشأن السياسي لصالح الاسلام السياسي الشيعي تحديدا يجعلها ان تتقاطع في مواقفها مع بناء الدولة، وهذا ما اشار اليه المفكر "نصر حامد ابو زيد " حينما كتب قائلا " الدولة  ليست المجتمع، بل هي الجهاز الاداري والسياسي والقانوني الذي ينظم الحياة داخل المجتمع. واذا كان الدين قوة اجتماعية، فهو أيضا ليس المجتمع، أذ المجتمع جماعات واديان. ومن حق هذه المجتمعات على الدولة أن تحمي بعض الجماعات من الافتئات على حقّ الجماعات الاخرى. من هنا فدور الدولة كجهاز منظم لسير الحياة في المجتمع – المتعدد الاديان بطبيعته- يجب ان يكون محايدا، بأن لايكون للدولة دين تتبناه وتدافع عنه وتحميه. أن دورها حماية الناس لا حماية العقائد"*. لكن ما نراه في العراق اليوم هو ليس الانحياز للدين فقط بل هو الانحياز لابشع نتاج للدين والذي سبب على مدى التاريخ الاسلامي وليومنا هذا بكوارث من الصعب تحديد آثارها المدمرة على الانسان والمجتمع وتطورهما اي الطائفية،  التي اصبحت في بلدان اسلامية عديدة ومنها العراق عاملا اساسيا لتفتيت الاواصر الاجتماعية بين ابناء شعبنا ووسيلة لوصول سياسيين الى السلطة " بصكوك غفران " طائفية من قبل المؤسسة الدينية وتسويقهم بفتاوى بعضها علني والاخر مبطّن.

هناك من يريد جاهدا ان يبعد اي دور لمرجعية النجف في حث البسطاء من الناس على انتخاب لصوص اليوم حينها، ولكن التصويت الاخير على الفقرة 38 من قانون التقاعد الموحد الخاصة بامتيازات كبار المسؤولين " الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب وذوي الدرجات الخاصة" والاحراج الكبير الذي أحدثه التصويت هذا لراعيهم "مرجعية النجف" أمام جموع مقلديها الذين اكتشفوا ان المرجعية الدينية اخطأت كثيرا "ان لم تجرم" بدفعهم لانتخاب هؤلاء "النواب". جعلت استاذا في الحوزة العلمية بالنجف ومقربا جدا من المرجعية الدينية الشيعية كحيدر الغرابي ان يصرح لصحيفة الشرق الاوسط عن انزعاج المرجعية ل " مستوى الخديعة الذي مارسه النواب الذين ما كان لهم ان يصلوا الى البرلمان لولا تأييد المرجعية لهم"، أذن فأن من اوصل هؤلاء الفاشلين والمتاجرين باموال وثروات شعبنا هي مرجعية النجف وليس غيرها!!!

وبدلا من ان تعتذر مرجعية النجف عن تدخلها بالشأن السياسي الذي كان وصول اللصوص الى البرلمان من اهم نتائجه احتراما لتاريخها وحياديتها ووقوفها على مسافة واحدة من جميع الاطراف كما صرحت مرارا!! نراها ونقلا عن الغرابي تعود لممارسة نفس اللعبة والتي ان نجحت ثانية او ثالثة بالاحرى سندخل في اماكن اكثر ظلمة من النفق الذي دفعتنا اليه ووطننا من خلال توصياتها الاولى والثانية. عندما نقلت الشرق الاوسط عن الغرابي قائلا أن " هناك مشروعا حوزويا تتبناه المرجعية وتمت مناقشته مع طلبة الحوزة بدعم أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة وأن يكونوا تحت وصاية المرجعية من اجل ان ينتخبهم الجمهور بعد ان ثبت ان اعضاء البرلمان العراقي لم يكونوا لمستوى المسؤولية التي انيطت بهم" ، وبعد ان يحث الغرابي "نقلا عن المرجعية" الناخبين بالتوجه لصناديق الاقتراع وانتخاب ممثليهم ممن تزكيهم المرجعية في تدخل واضح "اثبت فشله مرتين لليوم"، يؤكد على وجود مشروع خاص للحوزة الدينية بالعراق وهذا المشروع لايخرج بالتأكيد عن أسلمة المجتمع و بالاحرى تكريس طائفيته حينما يقول أن " المرجعية تشعر انها حيال مسؤولية كبرى لأنها لاتريد ان تفشل ويفشل مشروعها حين يتصدى للمسؤولية الفاسدون وأضرابهم الى السلطة ثانية".

من خلال حديث الغرابي ومن خلال مزاج الجماهير بعد فشل ممثلي المرجعية في جميع الملفات التي تصدوا لها لليوم وبعد ان اصبح السلم الاهلي في خطر والوطن باكمله على فوهة بركان، على المرجعية في النجف الاشرف ان تبعد نفسها هذه المرة عن التدخل في تزكية هذه الطرف او ذاك او هذا الشخص او ذاك بعد فشلها في ايصال ممثلين حقيقيين الى البرلمان من جهة واحتراما لمؤسستها العريقة وابعادها عن دهاليز السياسة من جهة اخرى، كون السياسة خداع ومصالح وعلى المرجعية ان تتنزه عن مثل هذه الاوصاف.   

أن الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم "الامام علي -ع-" لقد جاروا على فقراء شيعتك وفقراء المسلمين يا ابا الحسن.


 * الفزع من العلمانية: فصل الدين عن الدولة لنصر حامد ابو زيد، الحوار المتمدن العدد 3054 

زكي رضا
الدنمارك
15/2/2014







384


المالكي وتظاهرات التحرير والكيل بعشرة مكاييل

نتيجة لسوء الخدمات واستشراء الفساد الاداري والمالي ومن اجل احالة المفسدين للقضاء ولتصحيح مسار العملية السياسية، كان الناشطون في منظمات المجتمع المدني قد حددوا بعد اجتماعات علنية عدة ومنذ فترة ليست بالقصيرة وبعلم السلطات، يوم الخامس والعشرين من شهر شباط 2011 موعدا لانطلاق تظاهرات من اجل الضغط على سلطات المنطقة الخضراء بالالتفات لحاجات الناس اليومية وتحقيقها، وكانت ساحة التحرير ببغداد هي مركز تجمع الجماهير لرفع مطالبها تلك " قال المالكي في كذبة صلعاء انه سينفذها خلال مئة يوم!!!" نقطة التقاء الجماهير للانطلاق بتظاهراتها.

حينها استنفرت الاجهزة القمعية للحكومة من قوات الشرطة الاتحادية وشرطة مكافحة الشغب ومختلف الاجهزة الامنية والاستخبارية معزّزين بقوات الجيش والطائرات السمتية وشقاوات حزب الدعوة القادمين بسيارات الدولة من بعض المحافظات بعصّيهم وسكاكينهم بالهجوم على المتظاهرين كونهم لم يحصلوا على موافقات الاجهزة الامنية التابعة لوزراة الداخلية!

تحركت آلة حزب الدعوة الاعلامية بشخص زعيمها وكتّابه بمهاجمة المتظاهرين على انهم بعثيون وهدفهم هو اسقاط النظام المنتخب شرعيا، علما ان جميع اللقاءات التي اجريت مع العديد من الناشطين والمشتركين في تلك التظاهرات أكّدت على شعار "اصلاح النظام". وقد تراجع رأس السلطة حينها عن اتهامه ومعه المؤسسة الدينية مؤكدين على احقية الشعارات التي رفعتها الجماهير في بغداد وبقية المحافظات وضرورة تحقيق مطالبهم المشروعة، على الرغم من محاولة البعض وفي محافظات محددة حرف التظاهرات عن وجهتها الحقيقية برفعهم صورا للمجرم صدام حسين واعلام البعث.

واليوم وفي شباط ايضا ولكن في العاشر منه انطلقت تظاهرات لتنظيم ارهابي هو عصابات "عصائب أهل الحق" في ساحة التحرير ببغداد من دون موافقات الاجهزة الامنية! كون هذه العصابات قد حددت بالأمس فقط "بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي" من انها ستتظاهر في ساحة التحرير، ليس من اجل تحقيق مطالب الناس من خدمات مفقودة أو بائسة، وليس من اجل اصلاح العملية السياسية المتعثرة، وليس من اجل الغاء أمتيازات اعضاء مجلس النواب والدرجات الخاصة وغيرها. بل من اجل مهاجمة حرية الرأي والنشر التي نص عليها الدستور العراقي في مادته السادسة والثلاثون بتهديد هذه العصابات لصحيفة عراقية نشرت صورة "بورتريه" لشخصية سياسية - دينية ايرانية وهو المرجع الشيعي ورئيس جمهورية ايران الاسبق السيد على خامنائي! في تهديد واضح لكل منتقدي الدور الايراني المكشوف كما السعودي وغيره، من ان يد ايران طويلة جدا في العراق وانهم اي العصابات هم مخلب قط " لا نعرف" لليوم بقية امثاله ومخالبهم. وما تفجير بوابة مقر الصحيفة (على الرغم من اعتذارها ومخاطبتها لسفارة ولي الفقيه الحاكمة في بغداد) بعبوة ناسفة الا اشارة لقوة وسطوة هذه العصابات التي شجعها المالكي واطلق سراح قيادييها المتهمين بالارهاب نكاية بالتيار الصدري من جهة، واشارة الى دور ايران القوي وتدخلها بالشأن العراقي على الرغم من محاولات التكذيب المستمرة من قياداتها في هذا الشأن. كما وانها رسالة الى كل القوى المدنية العراقية بتوخي الحذر من حدود الخطوط الحمراء المرئية منها وغير المرئية لعصابات السلطة الطائفية وتهديها بهم بل وتهديد السلم الاهلي والمجتمعي عند الضرورة. خصوصا وان اعضاء من هذه العصابات "العصائب" ستدخل المنافسة الانتخابية مدعومة بالكامل من ايران ماديا ومعنويا واعلاميا، ولا ارى هنا سببا يدعو المفوضية العليا للانتخابات بالسماح لقوى وعناصر ارهابية بخوض السباق الانتخابي.

ان عدم منع تظاهرات غير مرخصّة من السلطات الامنية في ساحة التحرير ببغداد على الرغم من انها مخالفة صريحة للدستور اضافة الى كونها دفاعا عن شخص اجنبي " قد تحذو قوى طائفية اخرى غدا حذوها"، وقمع تظاهرات عراقية طالبت باصلاح النظام السياسي وفي نفس المكان، يضع السيد المالكي وحكومته "بأعضائها الشيعة كونهم المسؤولين عن الامن" امام سؤال نحن بامس الحاجة للاجابة عليه ويتعلق بطريقة تعامله وتمييزه وانحيازه الى القوى الدينية "حتى الارهابية منها" مقابل قمعه للقوى المدنية التي لا تمتلك غير الكلمة مقابل سلاح السلطة في وجهها. والتي عليها اليوم بعد سماح السلطة للعصابات بالتظاهر ان تتقدم بطلب للمالكي واجهزته الامنية بالسماح لها بالتظاهر في ساحة التحرير تحديدا من اجل الغاء امتيازات لصوص الشعب اي "نوابه".

في عرف المالكي وسلطته فأن تظاهرات القوى المدنية في ساحة التحرير من اجل تحقيق مطالب شعبهم حرام ما بعده حرام، أما تظاهرات العصابات الاسلامية بالدفاع عن ايران وزعاماتها السياسية وتدخلها بالشأن الداخلي العراقي فهي حلال است.

 زكي رضا
الدنمارك
11/2/2014


385

الدواعش في البرلمان والحكومة العراقيتين

هل داعش منظمة ارهابية ويجب علينا ان نتعامل معها بالاصطفاف الى جانب الحكومة في محاربتها والقضاء عليها؟ سؤال غريب لا يطرحه الا الاغبياء من الذين يتعاملون مع الحكومة على اساس السجود، أما لكونها من طائفتهم أو لكونها منحتهم الامتيازات التي باعوا بسببها اقلامهم التي تتعملق في مديح سياسييها ووصفها للارهاب ولكنها تتقزم امام فساد ولصوصية نفس السياسيين ! في مفارقة ليست غريبة بنظري عمّن اصيب بالعمى فلا يرى بؤس بلاده وواقعها المزري بعد عشر سنوات على الاحتلال وعلى الرغم من ميزانيته الكبيرة، وفقر ابناء "شعبه" وجهلهم بفعل نفس الاوثان التي يسجدون امامها لتمنحهم الفتات على حساب استمرار بؤس الجماهير التي يذرفون عليها دموع التماسيح .

عادة ما يربط القانون الارهاب بالجريمة المنظمة، كون الاثنين وجهان لعملة واحدة ومكمّلتان لبعضهما فالارهاب بحاجة الى تمويل مالي وهذا لا يمكن الحصول عليه الا عن طريق الجريمة المنظمة التي تختلف من بلد الى آخر ومن ظرف سياسي واجتماعي معين الى آخر ومن وضع اقتصادي معين الى آخر، ولكنها لا تختلف بشيء رئيسي واحد وهو النتيجة التي لا تخرج عن القتل والسرقة. اذن فالقتل بأشكاله والسرقة والفساد بأشكالها ان جاءت من افراد او منظمات او دول تعتبر شكلا من اشكال الارهاب، يضاف اليها في حالة الدول دكتاتوريتها وكبتها للحريات وتكميمها للافواه، وسنّ قوانين تتواءم ومصالحها وان كانت على الضد من مصلحة الجمهور.

وقد التفتت حكومات ما بعد الاحتلال لهذه الظاهرة نتيجة الاوضاع غير الطبيعية التي يمر به البلد وانتشار الارهاب بمعناه الواسع الذي اشرنا اليه اعلاه. ما دفعها الى تشكيل مديرية خاصة تابعة لوزارة الداخلية اسمتها "المديرية العامة لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة" وبهذا تكون الحكومة العراقية قد اعترفت بأن الارهاب والجريمة المنظمة بحاجة الى محاربة من قبلها ومن قبل المجتمع.

اننا لا نختلف عن وصف تنظيمات القاعدة "وتفريخاتها" من امثال داعش وغيرها بالارهاب والطائفية ومعاداة شعبنا وضرورة توفير كل مستلزمات القضاء عليها عسكريا وأقتصاديا وفكريا وثقافيا الا اننا قد نختلف حول محاربة الارهاب والجريمة المنظمة بشكل عام. فالفساد الذي ينخر كل مفاصل الدولة والذي تديره مافيات الاحزاب المتنفذة دون استثناء يعتبر ارهابا وهذا ما اشار اليه المالكي ايضا لكن من دون تقديمه الحلول الكفيلة بمحاربته. فعدم تشكيل الحكومة العراقية لليوم ونحن على ابواب انتخابات جديدة ارهاب ما بعده ارهاب، والعمولات التي تجنيها الاحزاب المتنفذة من عقود الاسلحة ومحطات الكهرباء والقطاع النفطي والمقاولات وجميع مرافق الحياة في البلد هي ارهاب، وقانون التقاعد الاخير الذي التفّ على قرار المحكمة الاتحادية التي اقرته بأجماع اعضائها التسعة حينها وتجاوز التظاهرات التي انطلقت لالغائه في جميع ارجاء البلد من قبل "نواب الشعب" ارهاب وتشير الى انهم "النواب" ومن ورائهم حكومتهم ليسوا سوى دواعش ولا يفرقون عن "داعش " الارهابية كثيرا.

يريد بعض الساجدين للمالكي وحكومته "بأعضائها الشيعة فقط" ان يعطينا دروسا بالوطنية في وقت هم وأوثانهم بأمس الحاجة فيه الى تعلم طريقة تهجي حروف الوطن والوطنية. ليكتبوا قائلين في صحافة السلطان، الى كل من يعز عليه وطنه وشعبه، أن لا حياد في المعركة ضد "داعش"( فأنت أما تكون مع الشعب أو ضده، مع الوطن أو ضده، مع الدولة أو ضدها، مع العراق أو مع داعش).

نحن الى جانب شعبنا في مطالبه التي تظاهر من اجلها لالغاء امتيازات دواعش المنطقة الخضراء وانتم تقفون الى جانبهم وهم يسرقون اموال شعبنا، فمن منّا مع داعش؟ نحن مع الوطن الذي تهينه وتمزقه الطائفية واقلامها ونبحث عن شفائه من مرضه الطائفي هذا وانتم تمجدونها "الطائفية" لانها الوسيلة الوحيدة لبقاء اوثانكم بالسلطة، فمن منّا مع داعش؟ وفي الختام تريدوننا ان نكون مع الدولة!!! أية دولة؟ تجولوا في شوارع عاصمة الدولة وليس مدنها الاخرى وصوروها لنعرف ان كانت هناك دولة ؟ صوروا جامعاتها ومدارسها ومستشفياتها ومصانعها ومزارعها ، صوروا ساحاتها وبناياتها الخربة، صوروا اطفال بلدكم وهم يستجدون المارة في تقاطعات المرور ... صوروا .... صوروا .... صوروا لكن اياكم ان تصوروا منطقة الاوثان المقدسة "الخضراء"، لانكم
حينها تعرفون "وانتم تعرفون" من انكم واسيادكم في واد وشعبنا ووطننا في واد آخر.
فنحن مع العراق ونقول له كما قال اصحاب الحسين للحسين "ع" "نموت معك"، وانتم يا من تزوقون وجه دواعش الاوثان في المنطقة المقدسة "الخضراء" كأصحاب يزيد الذين قالوا له "كم تهب لنا"، فمبروك لنا عراقنا وحسيننا ومبروك لكم يزيدكم وامواله.
 
زكي رضا
الدنمارك
9/2/2014


386
انقلابي 8 شباط و 28 مرداد وما بينهما

لم يكن سيناريو انقلاب الثامن من شباط الدموي في العام  1963 الذي اطاح بحكومة عبد الكريم قاسم بعيدا من حيث اسبابه وآليات وظروف نجاحه عن انقلاب 28 مرداد " 19 آب 1953 " في طهران والذي اطاح بحكومة مصدق.  بل نستطيع ان نجد بينهما بعض الاحداث المتطابقة تقريبا الى حد بعيد والتي تشير بوضوح الى ان الانقلابين طبخا في مطبخ واحد وهو مطبخ المخابرات الغربية وبالتحديد اجهزة مخابرات كل من بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، بمساعدة المؤسستين الدينيتين والقوى المتضررة من الحكومتين في البلدين.
ومن الامور المهمة والتي علينا ان نتوقف عندها طويلا هو نجاح القوى الدينية "التي وقفت الى جانب الانقلابيين ممثلة بمرجعيات دينية" في البلدين وبعد عقود من نجاح الانقلابين بالوصول الى قمة الهرم السياسي ودورهما في ترسيخ حكم اسلامي ليسد فراغا سياسيا بمنطقة انهارت فيها تجربة القوميين التي يبدو ومن خلال احداث ما بعد انتهاء الحرب الباردة انهم كانوا ينفذون سياسة مرسومة لهم بدقة في دوائرغربية.
فانقلاب شباط 1963 لم يكن انقلابا عاديا كما الانقلابات في بلدان اخرى بالمنطقة بل كان طريقا معبّدا لاحداث جسام مرّت وتمرّ بالعراق والمنطقة وقد يكون تقسيم العراق وسوريا بداية لسلسة جديدة من الاحداث ستغير الجغرافية السياسية لبلدان عديدة فيها.

من اهم الاسباب التي دفعت الغرب للاطاحة بنظام مصدق الذي وصل الى السلطة عبر الانتخابات هي تأميمه لنفط بلاده في آيار 1951 ، وهي نفسها دفعت الغرب للاطاحة بنظام عبد الكريم قاسم وثورة تموز بعد اعلان قاسم عن القانون رقم 80 والذي استرجعت به البلاد معظم الاراضي غير المستثمرة من الشركات النفطية الاجنبية والتي قدرت حينها ب 95% من مساحة العراق، ومن المصادفات "الغريبة" ان الانقلابين حدثا بعد مرور سنتين من اعلان حكومتي البلدين عن تحرير ثروة بلادهما النفطية من هيمنة شركات النفط الاجنبية! وهذا لا ينفي وجود اسباب اخرى ساهمت الى جانب عامل النفط في تهيئة الارضية المناسبة للمتضررين من حكم الزعيمين في كلا البلدين بالمساهمة الفاعلة مع جهاز المخابرات البريطاني والسي . آي . ايه الامريكي لاسقاط نظامي الحكم في البلدين . فمصدق بدأ حال استلامه السلطة بأدخال عددا من الاصلاحات الاجتماعية، منها انشاء صناديق لتوزيع بدلات البطالة للعاطلين عن العمل وسن قوانين تجبر ارباب العمل على دفع جزء من رواتب العمال اثناء المرض والاصابة و التفات حكومته الى فقراء الريف عن طريق بدء برامج الاسكان لفقراء الفلاحين وتحرير الفلاحين من عمل السخرة في مزارع الاقطاعيين.
وعلى الجانب العراقي كانت قوانين الاصلاح الزراعي والاحوال الشخصية اضافة الى قوانين تحرير العملة العراقية من دائرة الاسترليني والخروج من حلف بغداد وغيرها من القوانين. هذا الاسباب مجتمعة وخصوصا فيما يتعلق منها بالارض والاقطاع وقانون الاحوال الشخصية والمد الشيوعي في البلدين "حزبي توده والشيوعي العراقي" دفعتا المؤسسة الدينية في البلدين والتي في الحقيقية هي واحدة تقريبا،  الى التعاون الوثيق مع الانقلابيين المدعومين من اجهزة استخبارات الغرب، يضاف اليهما في العراق القوى القومية العربية والكردية وحركة الاخوان المسلمين ممثلة بالحزب الاسلامي العراقي وحزب البعث ورؤساء العشائر من الاقطاعيين الذين تضرروا كثيرا من قوانين الاصلاح الزراعي. 

في ايران كانت لحزب توده "الشيوعي" معلومات عن المحاولة الانقلابية التي تأجلت عدة مرات من قبل الانقلابيين بعد اجتماعات عديدة مع اجهزة مخابرات بريطانيا وامريكا التي بعثت "كيرميت روزفلت وهو حفيد روزفلت" لادارة خطة نجاح الانقلاب، والتي توّجت بقرار للشاه قبل مغادرته ايران يعزل فيه  مصدق من مركز رئاسة الوزراء ويعيّن في الوقت ذاته الجنرال زاهدي محله.
وفي يوم الانقلاب حرّك حزب "توده" الشارع الايراني للدفاع عن شرعية مصدق ولمواجهة الانقلابيين الذين اشاعوا نية مصدق بعزل الشاه "الذي كان قد غادر طهران الى بغداد  فروما" وتعيين نفسه رئيسا للجمهورية اضافة الى الاشاعات التي تناقلتها المساجد حول تهديد رجال الدين واهانة المقدسات، وبدلا من ان يقف مصدق الى جانب حزب "توده" الذي ظل يدافع عنه حتى اللحظات الاخيرة نراه يتراجع امام الانقلابيين معتقدا ان المظاهرات ستخدمهم ويصدر مرسوما يمنح فيه قوات الشرطة والجيش بمنع المظاهرات المؤيدة له.
وقد كتبت بعد نجاح انقلاب "مرداد 1953 " الكثير من الدراسات والابحاث التي اكدّت ان خطأ مصدق قبل الانقلاب واثناءه هو غياب الثقة  بالنفس وعدم اتخاذ موقف جدي من الخطر الذي بدت ملامحه كارثية اضافة الى الضعف في اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة الحاسمة. ولم تمر ساعات على بدء الانقلاب حتى كانت الغوغاء الذين حركتهم المؤسسة الدينية ممثلة بآية الله كاشاني والبلطجية واتباعهم بل وحتى النساء سيئات السمعة في الشوارع خلف الدبابات التي قصفت بيت مصدق الذي امر قوات حمايته بعدم الرد ليلتجأ الى بيت جار له ، ليحاكم بعدها ويظل رهن الاقامة الجبرية حتى ساعة وفاته بعد ان سلّم نفسه للانقلابيين في اليوم الثاني للانقلاب. أما أقرب مساعدي مصدق كوزير خارجيته "حسين فاطمي" فقد تم اعدامه على الرغم من مرضه بعد ان تعرض قبلها لمحاولة اغتيال طعنا بالسكاكين في وضح النهار من قبل الشقي "شعبان بي مخ"، أما " أمير مختار كريم بور شيرازي" رئيس تحرير صحيفة شورش "الثورة" كثيرة الانتقاد للشاه فقد تم حرقه حيّا في مركز اعتقال وتعذيب خاص بالسجناء السياسيين وخصوصا اعضاء حزب "توده".

اما في العراق فان خطوات انقلاب 8 شباط  الدموي لم تختلف كثيرا عن سابقتها في طهران فالمؤسسة الدينية ممثلة بالسيد محسن الحكيم وقفت بكل قواها ضد قاسم ونظامه،  مقدمة فتاوى القتل التي احتاجها المجرمون البعثيون ومن خلفهم شركات النفط الاحتكارية. 
كما اتخذت القيادة الكردية موقفا انسجم كليا مع اهداف الانقلابيين الذين قلبوا للكرد والمرجعية الشيعية ظهر المجن ولينتهي زواج متعتهم مع الطرفين بعد اشهر قلائل من نجاح انقلابهم الاسود. 
وكما حزب "توده" فأن الحزب الشيوعي العراقي كان على علم بالمؤامرة التي خططت لها الاجهزة الاستخبارية الغربية وقادها الملحق بالسفارة الامريكية ببغداد "ويليم ليكلاند" الا ان قاسم وكما مصدق لم يستقبل تحذيرات الشيوعيين له والتي كانت تصله عن طريق اقرب مساعديه بلاأبالية فقط ، بل انه امر بعدة تنقلات في صفوف الجيش صبّت بالنهاية في صالح الانقلابيين.  وكما مصدق ايضا فانه رفض تسليح الجماهير التي قادها الشيوعيون دفاعا عنه وعن الثورة ، لتتم محاصرته في مبنى وزارة الدفاع وليسلم نفسه كما "مصدق" الى الانقلابيين بعد يوم واحد من نجاح الانقلاب. وعلى عكس مصدق الذي سجن ثم اصبح قيد الاقامة الجبرية لحين وفاته فان قاسم اعدم في 9 شباط بمبنى الاذاعة اثر محاكمة صورية قصيرة بمعية مقربيه من خيرة ضباط الجيش العراقي، واعدم في تلك الايام السوداء الالاف من الشيوعيين والوطنيين وكما ابتكر انقلابيو مرداد تلك القتلة السادية لرئيس تحرير صحيفة شورش "الثورة" فان انقلابيي شباط قتلوا الشهيد "ابو سعيد" صاحب اشهر عمود في صحيفة اتحاد الشعب بشكل سادي ايضا. ولتزرع بعدها فرق الموت البعثية المعروفة بالحرس القومي برفقة بعض الميليشيات الدينية كجماعة الخالصي الموت والرعب في جميع ارجاء العراق خصوصا بعد انهيار المقاومة المسلحة للشيوعيين الذين كانوا يفتقدون الى السلاح. وليدخل العراق منذ تلك اللحظة الى جمهورية للخوف والرعب حتى ساعة رحيل الشباطيون في التاسع من نيسان 2003.

أن وقوف القوى الرجعية المتمثلة بالمؤسسة الدينية والاقطاع والاحزاب القومية وتعاونها مع أجهزة المخابرات الغربية ضد الحركة الوطنية في العراق وايران حينها كانت تعبر عن تحالف واسع للدين وتكامل مصالح البرجوازية الوطنية مع السياسات الغربية.  حيث ان القوى اليسارية التي تنشد بناء دولة مدنية كانت تعترض على ادارة شكل الدولة التي اختزلت بشركات متعددة الجنسية كانت هي الحاكم الفعلي بالبلدين وليس بناء نظام شيوعي كما روّجت له المؤسسة الدينية وعواصم الغرب.

ان من المهام الملحة للقوى الديموقراطية ونحن نستذكر احداث ذلك اليوم المشؤوم من عمر وتاريخ الوطن، ان تعرف جيدا من انها لازالت "على الرغم من ضعفها" الضد النوعي لسلوك البرجوازية الوطنية التي تشكلت بعد الاحتلال. وكونها ضدا نوعيا لهذه البرجوازية التي لم تصل الى ما هي عليه اليوم عن طريق طي مراحل تطورها الطبيعي، بل انها بدأت كمافيا نهبت حتى المساعدات الدولية التي كانت ترسلها الدول المانحة لفقراء شعبنا واستمرت لليوم كمافيا بعد ان نهبت مئات مليارات الدولارات. فان مهمة تصديها لنضالات شعبنا لنيل حقوقه وفضح سراق المال العام يجب ان تكون من المهام الاولى في نضالها اليومي والعصيب، ولن تنجح في مهمتها الوطنية هذه من دون جر اكثر فئات الشعب تضررا من سياسة حكامه الجدد الى ساحة النضال المطلبي. كون استمرار الاحداث وتوزيع مراكز القوى بالشكل الذي عليه اليوم سيفرز حتما اوضاعا سياسية تستكمل المهام المؤجلة لانقلاب شباط 1963 وهو ايجاد خارطة جديدة للمنطقة تبدأ من وطننا.

هل هي صدفة ان تقطف احزاب الاسلام السياسي في العراق وايران ثمار الانقلابين ضد قاسم ومصدق قبل عقود؟ أم ان وثائق المخابرات الغربية ستكشف لنا كما كشفت بعد 60 عاما على اسقاط نظام مصدق عن الجهات المستفيدة من انقلاب شباط 1963؟ وما هي مهام احزاب الاسلام السياسي الموكلة له من الشيطان الاكبر !؟

زكي رضا

الدنمارك
6/2/2014   

   



387
هل ستكون معركة بغداد آخر معارك القادسية؟

لم يعد سرا في ان مدير شبكة الاعلام العراقية قد حول هذه المؤسسة الممولة من خزينة الدولة والتي عليها عكس سياسة الدولة وليس السلطة التنفيذية، الى مؤسسة تابعة وناطقة بأسم السيد رئيس الوزراء وحزبه الحاكم. ولأن السلطة في العراق كأية سلطة في العالم بحاجة الى صحف مقرّبة منها لتبث من خلالها رؤاها وافكارها وسياساتها الداخلية والخارجية، فأن صحيفة الصباح البغدادية التابعة لشبكة الاعلام العراقي تعتبر الناطقة بأسم السلطة التنفيذية، خصوصا عبر افتتاحياتها ومقالاتها في باب "آراء" والتي يحررها رئيس تحريرها المقرّب جدا من المالكي وحزبه.

لقد كتب رئيس تحرير صحيفة الصباح البغدادية اليوم 29/1/2014 مقالا جاء كأفتتاحية للموقع الألكتروني للصحيفة تحت عنوان "معركة بغداد" تضمن سيناريوا مرعبا لأيام قادمة حبلى بالأحداث الكارثية. جاء فيه أن "داعش" الارهابية ستخوض معركة "التمكين" حسب وصفه للسيطرة على منطقة فائقة الاهمية بعد ان تنقل معركتها من "الفلوجة" الى بغداد او بعض بغداد، تأكيدا لشعار "قادمون يا بغداد" الذي رفعته في ساحات الاعتصام "العار". واستمر الكاتب في السيناريو الذي وضعه "وُضِعَ له" ليحدد مناطق وجيوب خزن الاسلحة التي ستستخدم في هجومها على العاصمة وكذلك اخفاء نساء ورجال غسلت ادمغتهم لقتل الشيعة لانه الطريق الاقصر للجنة وملاقاة النبي، وستكون هذه المناطق هي حزام بغداد وربما مناطق اخرى من بغداد "سنية الصبغة" وقريبة من المواقع الحساسة ومنها بالتأكيد المنطقة المقدسة "الخضراء"، ليشيعوا ان لم يستطيعوا السيطرة والتمكن "احتلال بغداد" الفوضى والارتباك في صفوف الدولة ورجالها والتي تشكل ضربة معنوية للدولة. الا انه يتراجع قليلا في السيناريو المفترض ليمنحنا بعض الامل عن طريق رد الصاع صاعين "لداعش" عن طريق القادة العسكريين الواعين لهذا الامر وبمساندة ابناء شعبنا.

في معركة مفترضة "كمعركة بغداد" يعتبر تحصين الطرق والممرات المؤدية للمدينة وقطع الطريق على الارهابيين من الوصول اليها عن طريق محاصرتهم في اماكن تواجدهم والقضاء عليهم بنقل المعركة الى ارض الخصم، من بديهيات العلوم العسكرية التي اعتقد ان الضباط المسلكيين المؤتمرين بقائد سياسي او عسكري كفء على دراية كاملة بها. ولكن السيناريو الذي جاء به السيد رئيس تحرير صحيفة الصباح يشير الى أمرين اثنين اولهما عسكري والثاني سياسي.

على الصعيد العسكري، يعتبر مجرد التفكير بمثل هذا السيناريو وليس حدوثه جريمة وطنية كبرى يتحملها قادة عسكريين فاشلين وليس من المستغرب ان يكونوا من قوات "الدمج" الذين ابتلت بهم البلاد من اعضاء ميليشيات الاحزاب وخصوصا الاسلامية كونهم من المتنفذين في المؤسسة العسكرية، ومن وراء هؤلاء القادة قيادة مدنية عاجزة عن حماية "مواطنيها" كونها تدير مؤسسة عسكرية ذات سمات طائفية وضعيفة من حيث نوعية الاسلحة والتدريب والامداد والجهد الاستخباري.

وعلى الصعيد السياسي ، فأن اشاعة اجواء عدم الثقة بين مواطني العاصمة واشاعة الفوضى سيؤدي كالعادة الى تمترس طائفي وهذا ما يحتاجه الساسة المتنفذون اليوم لاننا وببساطة على ابواب انتخابات تشريعية جديدة. بعد ان فشلت السلطات ومنها سلطة المالكي الاطول عمرا خلال السنوات العشر السابقة من تقديم اي شيء "لمواطنيها" عدا الخراب الذي دمر البلد.

وعودة الى سيناريو انتقال ارهابيي "داعش" للهجوم على بغداد وضرورة التصدي لهم، ألم يكن من الافضل  للحكومة الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين المقبولة منها طبعا، وعدم فسح المجال امام الانتهازيين والبعثيين والارهابيين والطامحين للعب دور سياسي اكبر من حجمهم بركوب الموجه والظهور بمظهر "الابطال" على الاقل في مناطقهم وحواضنهم؟ ألم يكن من الافضل للحكومة ان تعزز من مكانة القوى التي قاتلت تنظيمات القاعدة وطردتها من مناطقها تلك التي اطلقت عليها اسم قوات "الصحوة" والتي اصبحت في وقت ما هدفا للارهابيين كونهم قاتلوهم جنبا الى جنب قوات الجيش من جهة، وهدفا لقوات الحكومة بعد اتهامهم بالارهاب؟     

اذا كانت "معركة بغداد" التي يبدوا ان التخطيط لها قد تم على اعلى المستويات ونتائجها هي جزء من حملة المالكي الانتخابية  وهي امتداد لتحشيدات و صولات ومعارك سابقة،  فلتكن ومن اجل البدأ بمشروع بناء الدولة  عن طريق استقرار الاوضاع السياسية والامنية وللحد من مقتل آلاف الابرياء من ابناء شعبنا  آخر معارك قادسية المالكي. فهل ستكون كذلك ام هناك امامنا معارك اخرى.

ختاما اذا كانت حجة المالكي عدم قتال "داعش" في الفلوجة هو خوف السلطة على مواطنيها لانهم يتحصنون بين الاهالي، فأن الامر سيكون كذلك ايضا اذا تمكن هؤلاء الذين ثقافتهم نشر الموت والرعب بين الابرياء من دخول بغداد أو بعض بغداد، بل ان جرائمهم بين صفوف المدنيين ستكون فضيعة  واكثر بشاعة كون بغداد ليست ذات صبغة قومية او دينية او طائفية واحدة كما الفلوجة. أن اي تلكؤ من قبل المالكي في حسم أمر داعش في الفلوجة يصب في صالح الارهابيين الذين قد يعززون من مواقعهم ليس بالفلوجة فقط بل وفي مناطق اخرى، ويصب ايضا في مصلحة المالكي الذي يلعب على عامل الوقت لحين موعد الانتخابات الذي تهيأ له منذ فترة ليست بالقصيرة عن طريق الشحن الطائفي والدخول في صراعات على مختلف الجهات، وقد تكون تأجيل الانتخابات واطالة عمر حكومته احدى نتائج سياسة المالكي المرعبة.

زكي رضا
الدنمارك
29/1/2014

 
 

 

388
وهل فتحتم الحدود امام الارهابيين يا بثينة شعبان أم لا؟

ما لم تقوله المستشارة الاعلامية للرئيس السوري بشار الاسد السيدة بثينة شعبان حول طلب ثلاثة وفود عراقية زارت العاصمة السورية دمشق بعد التفجير الذي طال مبنى وزارة الخارجية العراقية في صالحية بغداد، والتي كانت برئاسة طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، وخليط من القائمة العراقية التحق بهم في دمشق كلا من حارث الضاري وعدنان الدليمي وسليم الجميلي وسلمان الجبوري ورشيد العزاوي على التوالي حسب تصريحاتها والتي نقلتها"شفق نيوز"، ان كانت سلطات بلدها قد استجابت للوفود الثلاثة وفتحت حدودها لاستقبال الارهابيين من البلدان المختلفة وساعدتهم لوجستيا وعسكريا حتى عبورهم الحدود المشتركة نحو حواضنهم "ليجاهدوا في سبيل الله" بقتلهم الالاف من الابرياء أم لا؟

كما ان هناك تقرير صحفي نسب للرئيس السوري بشار الاسد يقول فيه " ان ساسة عراقيين طلبوا منه فتح الحدود امام من اسموهم "بالمجاهدين" لضرب العملية السياسية، مشيرا الى ان حكومة بلاده تحتفظ بتسجيلات صوتية لأولئك الساسة وستبثها في الوقت المناسب"، اما السيدة شعبان فانها عززت تصريح رئيسها بان سلطات بلدها تحتفظ بالتسجيلات صوتا وصورة. والسؤال المطروح على السيد بشار الاسد هو نفس السؤال المطروح على مستشارته الاعلامية، لنقول له هل استجبتم لهؤلاء "الساسة" وفتحتم حدود بلدكم امام شذاذ الافاق المتعاونين مع حثالات البعث العراقي أم لا؟

الاجابة على السؤال لاتحتاج الى جهد كبير، وان لم تكن السيدة شعبان او زعيمها قد اجابوا عليه من خلال تصريحاتهم، فان بوليسية النظام البعثي السوري وطريقة مراقبته لزائري بلدهم وتعداد اجهزة ودوائر المخابرات التي على الزائرين مراجعتها وطريقة التحقيق معهم، تشير الى ان حجم وعديد الارهابيين العابرين حدود سوريا الى العمق العراقي تمت بموافقتهم ودرايتهم. وهذا ما اكده رئيس وزراء العراق حين صرح مرات عدة على ان  الاجهزة الامنية والاستخبارية  في العراق تمتلك ادلة "كما السوريين" على وجود معسكرات تدريب للارهابيين وبمساعدة السلطات السورية. ولكن يبقى هناك سؤالا علينا ان نتعرف على اجابته حول دوافع سوريا في تأزيم الوضع العراقي ومن هي الدول الرئيسية التي قدمت لهم خدماتها، ولماذا؟

لقد كان العراق ساحة ومنذ تأسيس الدولة الصفوية في العام 1501 م  للصراع الطائفي ولتصفية الحسابات بين الصفويين والعثمانيين على شكل صراع شيعي – سني دفع ثمنه غاليا العراق وشعبه دمارا وتخلفا وتبعية، ولتستمر معاناته اثناء الحكم العثماني بعد انهيار الدولة الصفوية في العام 1875 م وحتى انهيار الدولة العثمانية بعد خسارتها الحرب العالمية الاولى. وبقي الصراع السني "الحاكم" والشيعي قائما بشكل او بآخر بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ولم يتجذر بشكل يهدد السلم المجتمعي الا بعد انتفاضة آذار وقمع نظام البعث الفاشي لها بسادية معروف بها. وما ان انهار النظام في عام 2003 حتى بدأ صراعان اولهما الصراع السني الشيعي للبحث عن مناطق نفوذ بتغذية تيارات موالية لهما يطفو على السطح ثانية وهذه المرة ايرانيا سعوديا ليبقى العراق كما السابق يدفع ثمن صراعات الاخرين على ارضه، وثانيهما صراعا بعثيا ضد العملية السياسية "على علّاتها" يقوده بعثيو سوريا لنصرة رفاقهم القتلة. وهذا لايعني عدم وجود اشكال اخرى للصراع تقودها دولا اخرى دولية كانت ام اقليمية اطلاقا، ولكن ما يهمنا هنا هو الصراع الذي يقوده مثلث الشيطان "الايراني –السعودي- السوري" هذا ضد العراق والذي نجح لليوم نتيجة تبعية "ساسة" العراق الجدد لأحد اضلاع هذا المثلث طائفيا أوقوميا قبل الانقلاب عليه.

فبالنسبة لأيران المعزولة دوليا "قبل الاتفاق الاخير مع الغرب" والطامعة بهيمنة كاملة على الخليج مع قدرة عسكرية ناهضة ومشروع نووي طموح قطعت من خلاله اشواطا كبيرة، كان وجود جيشا امريكيا على حدودها الغربية "العراق" مقلقا للغاية بالنسبة لها. ولذا كان هدف ابعاد هذا الجيش عن حدوده وان امكن اخراجه من العراق بشكل كامل يمثل هدفا استراتيجيا لها بل كان لها مسألة حياة او موت. وقد نجحت ايران في اجبار الامريكان على الانسحاب من العراق بتدريبها وتمويلها لميليشيات شيعية  وتغذيتها لحرب طائفية نجحت من خلاله بترسيخ وضعها كلاعب قوي على الساحة السياسية العراقية، حتى بات تشكيل الحكومات العراقية لايتم الا بموافقتها ومباركتها ليس في بغداد فقط بل وحتى في الاقليم الذي اصبح قادته يزورون ايران اثناء الازمات لحلها "كصديق". ولان الحرب الطائفية تحتاج الى ميليشيا سنية لمواجهة مثيلتها الشيعية فان ايران نسقّت مواقفها مع حليفتها سوريا بغض النظر عن تسلل الالاف من الارهابيين الى العراق للمساهمة في اشعال فتيل تلك الحرب ليبقى العراق غير مستقرا وتابعا لساسة طهران في مفاصل كثيرة.

اما السعودية "الوهّابية" والتي كشفت الاحداث الاخيرة من انها الممول الرئيسي للارهاب الاسلامي الدولي المتطرف عن طريق المال واطنان الفتاوى التكفيرية ولتأكيد زعامتها لسنة العالم ، فان وجود حكومة شيعية في عراق مستقر يشكل خطرا على مصالحها الاقليمية والاقتصادية خصوصا وان عراق معافى يعني عودة الى اسواق النفط العالمية ومنافستها لباقي الدول المصدرة وعلى رأسها السعودية، اضافة الى خوفها من التحالف الايراني العراقي وتأثيراته على شيعة المنطقة ومنهم شيعة السعودية في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط وشيعة البحرين. ما دفعها في محاولة يائسة لاعادة عقارب الساعة للخلف وعودة البعث العراقي بواجهته السنية للسلطة ثانية الى لعب دور كبير جدا والتعاون مع الحكومة السورية في ارسال الارهابيين الى العراق وتمويلهم، وكما  ساسة الشيعة فأن الساسة السنة كانوا ولازالوا يحجّون الى الرياض ليساهموا كنظرائهم الشيعة في دمار "بلدهم" عن طريق طلبهم من مرجعيتهم هناك بارسال قوافل جديدة من الارهابيين الى اراضي العراق والمساهمة الفعالة  في دفع الامور السياسية والامنية الى منزلقات خطرة.

أما سوريا التي احتضنت قيادات البعث العراقي بعد انهيار حكمهم اثر احتلال العراق فانها رضخت لضغوط ضلعا الشيطان الايراني والسعودي بفتح حدودها امام زناة الارض من الارهابيين، وقدمت لهم كل ما يحتاجونه من تسهيلات في سياسة قصيرة النظر لم تكن من صفات السياسة السورية حتى وقت قريب و لتدفع اليوم جرّاءها الثمن غاليا. فعشرات آلاف الضحايا وملايين المشردين ودمار البنية التحتية والعزلة الدولية التي تهدد نظامهم  بالانهيار وبلدهم ربما بالتقسيم نتيجة الحرب الاهلية التي يقودها نفس الزناة الذين ادخلتهم سوريا الى العراق، هي نتيجة منطقية لرعونة السياسة السورية تجاه العراق الذي كان السوريون يحلمون كما السعوديون بعودة البعث فيه الى السلطة ثانية.

والان ايتها السيدة شعبان ونحن واياكم ندفع ثمن الارهاب الذي تقولون انكم تمتلكون أدلة مادية عليه "ولاشك في ذلك" حول طلب متهمين بالارهاب ومحكومين هاربين واعضاء برلمان صوتا وصورة، وهم يطلبون منكم فتح حدودكم امام ما يسمى "بالمجاهدين" لضرب الامن والعملية السياسية بالعراق برمتها وتسببوا لليوم مع قصر نظر طائفيي الجانب الاخر بمقتل الالاف من الابرياء ودمار البلد ودفعه الى الفوضى والتقسيم. فهل هناك نية في نشرها علنا كي يتعرف من خلالها ابناء شعبنا على دعاة الارهاب والطائفية أم انكم ستكونون كما المالكي الذي يمتلك أدلة دامغة وملفات "مخبأة" ان اعلنها فسيتحول البرلمان الى ساحة ملاكمة حسب وصفه.

السيدة شعبان لدينا في العراق مقولة ذهبت مذهب الامثال تقول "يا حافر البير لاتغمج مساحيها خاف الفلك يندار وانته التگع بيها"، وها هو الفلك الذي تمثله السياسة اليوم قد أدار لكم ظهر المجن فأصبحتم تعانون أشد المعاناة من ارهاب زرعتموه في ارضنا الطيبة. لتحصدوا منه الموت اليومي وليتسبب في قتل الالاف من ابناء الشعب السوري الطيب على يد "داعش" واخواتها صناعة فتاوى الشياطين من الطائفتين.

السيدة شعبان نحن في العراق بحاجة لجولة ملاكمة على حلبة الخضراء وليس في الغرف المغلقة.


زكي رضا
الدنمارك
28/1/2014



389
ناغورني تلعفر وقره باخ خورماتو

لم ينتهج اي زعيم عراقي سياسة التغيير الديموغرافي قبل الاحتلال الامريكي عن قصد وعمد كما الدكتاتور صدام حسين، الذي ترك لنا بسياسته الطائشة ورعونته ارثا من المشاكل التي لازلنا نعاني منها بشدة وقد تكون خطرا حقيقيا في حال استمرارها مثلما هي اليوم وبقائها دون حلول على مستقبل البلد ووحدته. فترسيخ التغيير الديموغرافي وتغذيته اكثر من سابقيه في محافظة كركوك حتى وصل الامر به الى تغيير اسمها ايضا، وصل الى مديات كبيرة ما ترك المحافظة اشبه ببرميل البارود الذي ان انفجر فان شظاياه تصل الى مناطق واسعة من العراق. ولم يكتفي النظام الدموي السابق بكركوك فقط بل تعداها الى قضم اراضي من محافظتي بغداد وكركوك ليشكل منها محافظة باسم صلاح الدين حيث مسقط رأسه، واستمر النظام البعثي "المنهار" بالتغيير الديموغرافي عندما ضم منطقة النخيب في محافظة كربلاء الى محافظة الانبار اضافة الى المشاكل الكبيرة العالقة في محافظة نينوى.

ما ان انهار النظام البعثي اثر الاحتلال الامريكي للبلد وبدلا من انتهاج سياسة منطقية تأخذ بنظر الاعتبار وقف التغيير الديموغرافي وصولا الى سلوك طرق سياسية وقانونية لاعادة الحقوق الى نصابها الحقيقي من قبل ساسة العراق الذي يراد له ان يكون جديدا، والتي بدأت بالمادة 140 غير المعمول بها لليوم "الا في نطاق التعويضات" على الرغم من دستوريتها. نرى سلطات بغداد وللهروب من مشاكلها تقدم على خطوة جديدة في التغيير الديموغرافي للبلد اشد واكثر خطورة من خطوة فاشيي بغداد من البعثيين، وهي انشاء محافظات شيعية في مناطق سنية مما يفتح الباب على مصراعيه لحروب اهلية ان لم تكن اليوم فغدا. ان وعد بلفور العراقي اي السيد المالكي بتحويل قضائي تلعفر والطوز الى محافظتين قد فتح شهية اقضية اخرى وبلدات اخرى كي تحذو حذو المدينتين، فها هي الكوفة وصفوان وخانقين وغدا بدرة وجصان والنخيب مثلا ستطالب هي الاخرى بتحويلها الى محافظات وقد تطول القائمة لتصل الى الكاظمية أو الاعظمية داخل بغداد.

ان عدم استطاعة المالكي من توفير الامن بالبلاد وعدم سيطرته على الكثير من مناطقها وكذلك فشله في توفير حياة كريمة "لمواطنيه" رغم العائدات المالية الكبيرة وكخطوة محسوبة للانتخابات القادمة هي ليست الوحيدة التي دفعته لاتخاذ هذا القرار الخطير، واذا تعكز على الدستور في وعده هذا فان نفس الدستور قد حدد سقفا زمنيا لانجاز المادة 140 ونفس الدستور يتحدث عن مناطق متنازع عليها. بل هناك خطوة اخرى هدفها تعميق الشرخ الطائفي وتهديد المحافظات "السنية" بحقول الغام باتخاذ المحافظات الشيعية المزمع تأسيسها عامل عدم استقرار فيها، متناسيا ان عدم استقرار اية محافظة او مدينة في البلد يلقي بظلاله على الوضع الامني للبلد ككل. واذا كان المالكي لا يستطيع اليوم من تأمين هذه البلدات من هجمات الارهابيين سواء من داخل البلد او من خارجه، فكيف سيستطيع تأمينها مستقبلا وما هي الاليات التي ستتخذ؟ ولماذا لا يتخذ مثل هذه الاليات اليوم ان كانت متوفرة؟

ان عدم حل المشاكل القومية والدينية على اسس ديموقراطية صحيحة وسليمة واللجوء الى القوة او فرض سياسة الامر الواقع في حلها تزيد حتما من كم المشاكل التي تتناسل بشكل يومي. كما وعلينا الاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى في حل مشاكل التغيير الديموغرافي عندها ودراسة تجربتها بشكل جيد واقرب مثال لنا هي مشكلة ناغورني قره باخ بين الارمن والاذريين والموروثة من الحقبة السوفيتية، عندما منح السوفييت اواخر العام 1920 اقليم ناغورني قره باخ الى اذربيجان بدلا من ارمينيا حسب وعود سابقة في خطوة لاستمالة تركيا الى جانب السياسات السوفيتية . والتي انفجرت كمشكلة عرقية دينية في حرب امتدت بين عامي 1988 و 1994 ليذهب ضحيتها الالاف من الابرياء. فهل يريد المالكي ان يشعل مستقبلا حروبا بين العرب السنة في الموصل والتركمان الشيعة في تلعفر، ومثلها بين عرب كركوك السنة وكوردها مع التركمان الشيعة في الطوز؟ اليس من الاجدى للمالكي ان يتعامل مع المسألة القومية والطائفية بروح رجل الدولة الذي عليه بسط سلطان نفوذ الدولة على كل شبر من اراضي بلده بتوفيره الامن وفرص العمل وتوزيع الثروة بشكل عادل؟ وهل زيادة عدد المحافظات سينهي مشاكلنا العديدة او يقللها؟

ان تصرفات المالكي وقراراته الاخيرة توحي بانه يتبارى مع بايدن "ان كنّا حسني النية" على من هو الاسرع في تفتيت العراق كدولة، ويبقى بايدن لليوم اكثر "وطنية" من المالكي لانه ينادي بتقسيم العراق الى ثلاثة اقاليم على اساس طائفي وقومي فقط مع بقاء بغداد كعاصمة ادارية، اما المالكي فانه يريد نسف حتى هذه الأقاليم عن طريق اشاعة الفوضى في الحياة السياسية والامنية في البلد.

ان المالكي اليوم يشكل خطرا كبيرا على مستقبل العراق ووحدته كما يشكل عامل عدم استقرار سياسي نتيجة هيمنته على مراكز القرار الاكثر اهمية في البلد علاوة على تحكمه بالثروة وطريقة صرفها. واذا لم يعمل حلفاءه من داخل البيت الشيعي او من خارجه ممن اوصلوه لكرسي رئاسة الوزراء على لجم تصرفاته - ان كان لديهم لليوم حس وطني - فان البلاد ستكون امامها اياما اكثر سوادا مما هي عليه اليوم وسيدفعون على يديه وحزبه الثمن واحدا تلو الاخر ليقولوا ساعتها "اكلنا يوم اكل الخروف الابيض". ومن الواضح ان المالكي يريد البقاء بالسلطة حتى لو بلغ الامر به ان يكون عرّابا للفوضى بالعراق.

عراق اليوم ولينهض من جديد بحاجة الى بسمارك ديموقراطي يوّحده وليس الى رجل طائفي يمزقه.

 زكي رضا
الدنمارك
23/1/2014



390

ماذا عن الغد يا حيدر العبادي؟

ان خير وصف لدولة العراق في ظل نظام المحاصصة الكريه اضافة الى اوصاف الفساد والتخلف وانعدام الخدمات والرشاوى والفلتان الامني ، هو دولة الرواتب الوهمية لجيوش من السياسيين الكسالى واللصوص ومثلهم من اتباع احزابهم المحالين على التقاعد برتب مستشارين وعسكريين كبار على الرغم من كونهم يعيشون خارج البلد ومنهم الامي والمتخلف عن اداء الخدمة العسكرية!، والرواتب الحقيقية والتقاعدية التي لا تغني ولا تسمن من جوع لملايين العمال والموظفين والمتقاعدين. هذه الرواتب مضافا اليها مخصصات "مسؤولي الدولة" ومكاتبهم وفسادهم الاداري والعمولات الكبيرة التي يتقاضونها من شركات القطاع العام والخاص والشركات الاجنبية من اصل العقود المبرمة، كصفقات كشف الاسلحة الفاسدة ومحطات الكهرباء وتأهيل القطاع النفطي والاعمار والبنى التحتية والبطاقة التموينية وشراء الطائرات والاسلحة والمدارس الهيكلية وشراء ذمم العشائر، وغيرها مما لا يعد ولا يحصى من ثروات شعبنا المبتلى بهم، تؤكد لنا على فساد السلطة الحاكمة واستهتارها بأموال شعبنا وثروات وطننا.

من خلال فشل السلطة بإعادة الحياة للقطاعين الزراعي والصناعي رغم العوائد المالية الكبيرة منذ العام 2003 ولليوم وازدياد الوتيرة الاستهلاكية، فان ما يستر عورة حكومة المحاصصة اليوم هو بقاء اسعار النفط على مستواها الحالي اضافة الى الارتفاع في كميات النفظ المصّدر. ولكن ماذا لو شهد سوق النفط العالمي انهيارا او تراجعا بالاسعار الى حدود ما كانت عليه قبل اربع او خمس سنوات، اي ما يقارب السبعين دولارا للبرميل الواحد او خفض الصادرات لاسباب قد تكون امنية؟ وماذا سيكون موقف الحكومة امام العجز الكبير الذي سيحصل حينها خصوصا وان المتحاصصين في الحكومة فشلوا في نيل ثقة بعضهم البعض ناهيك عن ثقة شعبنا بهم، ومن اين ستأتي الحكومة حينها بالاموال لتسديد رواتب الموظفين الوهميين والجنود الوهميين والمتقاعدين وغيرهم اضافة الى تمويل الوزرات الخدمية وغيرها مما تحتاجه اية دولة في العالم.

ولان الحلول السياسية في نزع فتيل الازمات العديدة معدومة تقريبا فان السلطة الحاكمة تعمد على اثارة المشاكل مع حلفائها "بالسلطة" في محاولة منها لرمي كرة فشلها في ملاعب الاخرين، من دون تبرير الاخرين في استغلال ضعف السلطة وتهافتها على كسب الامتيازات والبقاء على سدة الحكم لاطول فترة ممكنة على الرغم من فشلها المدوي خلال فترة حكمها. ومن هذه الازمات هي ازمة الميزانية التي اصبحت ككرة المضرب بين الحكومتين الاتحادية والاقليم، ولان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم فان فريق السيد رئيس الوزراء بدأ هجومه القديم الجديد على حكومة الاقليم وتصديرها للنفط، بالعجز الذي سيصيب الميزانية " المقدرة ب "174.6 تريليون دينار عراقي اي ما يعادل 150.12 مليار دولار امريكي وفق تصريحات السيد المالكي" في حالة عدم تلبية حكومة الاقليم لطلبات وبالاحرى رغبات المالكي ودولة قانونه بايداع عائدات النفط المصّدر من الاقليم في ميزانية الدولة، ومهددين الكورد باستقطاع جزء من نسبة ال 17 بالمئة التي كانت جزءا من الاتفاق المبرم بين الطرفين لانتاج حكومة محاصصة!

وفي احدث تصريح لقيادي كبير في حزب الدعوة الحاكم ودولة القانون والنائب في البرلمان العراقي السيد حيدر العبادي حول ازمة الميزانية غير المقرّة لليوم، اشار الى ان "بلاده" لا تستطيع تمويل العجز المتوقع في ميزانية عام 2014 والمقدر وفق ما جاء به ب " 212 مليار دينار اي ما يعادل 18 مليار دولار" اذا لم يتم الاتفاق مع حكومة الاقليم على شكل الصادرات وعوائدها. مؤكدا ما جاء به السيد المالكي قبل ايام حول ان العجز في الميزانية يبلغ اليوم " 21 تريليون دينار" وهذا تم حسابه بغياب عائدات النفط المصدّرة من كوردستان العراق، واذا ما تمت اضافة 15 أو 16 تريليون اخرى للمبلغ اعلاه فان الميزانية ستنهار.

والان دعونا ان نسأل السيد حيدر العبادي ومن خلاله السيد المالكي، ماذا لو رفض الكورد الانصياع الى فرمانكم وفرمان الشهرستاني، فهل ستفتحون حينها جبهة قتال جديدة؟ وماذا لو انهارت اسواق النفط كما ذكرنا في بداية المقالة؟ الم يكن من الافضل ان ترّشقوا مؤسساتكم الحقيقية منها والوهمية وتنقذوها من الترهل؟ اليس من الافضل ان تعتمدوا على خطط اقتصادية ومالية علمية لخبراء في هذا المجال بدلا عن سجنهم وفصلهم وملاحقتهم قضائيا ومن دون وجه حق؟ اليس من الافضل تنويع مصادر الدخل ايها السادة؟

السيد العبادي اعود لاسألكم ماذا عن الغد وهل في جرابكم شيء جديد ايها الحاوي.
زكي رضا
الدنمارك
20/1/2014



391
مهمة الجيش العراقي هي الحفاظ على السلطة الدكتاتورية وديمومتها

في السادس من كانون الثاني من كل عام تحتفل الدولة العراقية ب "عيد" تأسيس جيشها الذي تمر هذه الايام ذكرى تأسيسه الثالثة والتسعين، وقد كتبت بهذه المناسبة عشرات المقالات خصوصا وان ذكرى تأسيسه تأتي والعراق يمر بمنعطف خطير، حيث عصابات الارهاب المدعومة من جهات اقليمية باتت معروفة وحواضنها، تعيث بأمن الناس والبلد. في ظل ضعف كبير لحكومة طائفية واقرب الى الدكتاتورية ظلت عاجزة منذ ما يقارب الثمانية اعوام عن تقديم اي شيء "لمواطنيها" وعمقت بممارساتها البعيدة عن كل ما هو وطني الشرخ الموجود اصلا بين ابناء مجتمعنا. ومن هذه الممارسات زج الجيش ليكون طرفا في نزاعات سياسية اصلا كما كان عندما تحركت قوات دجلة نحو المناطق المتنازع عليها، او ليكون دعاية انتخابية "للسلطة" لضرب قوى ارهابية تناستها الحكومة المركزية لسنوات ولغاية في نفس يعقوب كما يقال، او لقمع تظاهرات سلمية كما تظاهرات ساحة التحرير وغيرها. فمن هو الجيش العراقي اليوم وهل يربي جنوده تربية ديموقراطية كي يكونوا على اهبة الاستعداد للدفاع عن وطنهم وكرامة شعبهم، وهل هناك جيش عراقي يتمثل فيه جميع ابناء شعبنا على اختلاف تلاوينهم القومية والدينية والمذهبية والسياسية، ام هناك جيش شيعي وآخر سني وثالث كردي؟

لو عدنا الى تاريخ اول قانون للتطوع في الجيش العراقي في العام 1921 وبعد اشهر من تأسيسه الذي اصدره وزير الدفاع حينها "جعفر العسكري" لاكتشفنا ان نية الجيش أو السياسيين القائمين على امره كانت ومنذ بداياته هي تحريكه لضرب تظاهرات وانتفاضات وثورات ابناء شعبنا. فبعد اعلان قانون التطوع اهدت الحكومة البريطانية للجيش العراقي حينها بطاريتي مدفعية جبلية في اعلان واضح باستخدام السلاح ضد الشعب الكوردي اذا ما ثار ضد السلطة المركزية وهذا ما حصل فعلا. وفي العام 1927 حاولت الحكومة ان تشرّع قانونا للتجنيد الاجباري الذي ووجه برفض بريطاني مما اخرّ تشريعه لحين قبول العراق في عصبة الامم العام 1933 ، ومن اهم نقاط التشريع حينها كانت حول مهام الجيش الذي حدده القانون ب " الامن الداخلي والدفاع عن الوطن" وبذلك اعطيت الاولية لان يأخذ الجيش مهام الشرطة اولا ثم مهامه كجيش للدفاع عن حدود الوطن، وبلغة اخرى فان مهام الجيش بدأت كمهام بوليسية قبل ان تكون عسكرية.

لقد لعب الجيش العراقي طيلة العهد الملكي دورا كبيرا في الحفاظ على السلطة الحاكمة وكان اداة طيّعة بيدها بقمعه عشرات التظاهرات والاضرابات في المدن العراقية المختلفة ومنها العاصمة بغداد التي قمع بها الجيش وبقسوة بالغة انتفاضتي أعوام 1952 و1956 ، واستخدم الجيش من قبل السلطات الملكية في كسر اضرابات العمال كما كان رأس حربة النظام في ضرب الثورات الكوردية والحركة الايزيدية وانتفاضات الفلاحين كما استخدم لمرات بشكل طائفي بضربه حتى مواكب العزاء الحسينية، ولو دققنا في طبيعة الجيش وتنفيذه للاوامر فاننا لا نرى اي عصيان او تململ من قبله لمعارضة استخدامه ضرب ابناء بلده.

واستمر الجيش العراقي حتى في العهد الجمهوري الاول وعلى الرغم من وطنية السلطة الى حدود بعيدة مقارنة بكل السلطات التي حكمت العراق لليوم في تنفيذ نفس مهامه وخصوصا بعد ان سيطر عليه البعثيون والقوميون نتيجة تراجع قيادة ثورة تموز عن اصطفافاتها الطبيعية مع قوى اليسار وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي والحركة الديموقراطية وقمعهما لاحقا، والذي تجسد بعودة القتال ضد الشعب الكوردي منذ العام 1961 ، مما هيأ الارضية المناسبة لقوى الردة في انقضاضها على السلطة بانقلاب شباط الاسود.

واستمر الجيش العراقي معزولا عن الشعب وبعيدا عن همومه ليكون جيشا "عقائديا" قمعيا في خدمة دكتاتورية الحزب الواحد والقائد الواحد الذي ادخله في حروب عبثية ضد ابناء شعبنا الكوردي قبل ان يزجه رأس النظام الدكتاتوري الارعن في حرب طويلة وقاسية ضد الجارة ايران، لتلد تلك الحرب حرب عبثية اخرى بدخول الجيش الى اراضي الجارة الكويت، ليخرج منها بعد اشهر ذليلا مهانا ومحطما ليعلن استسلامه المذل في خيمة صفوان. وبدلا من ان يتحرك هذا الجيش بالثأر لكرامته على الاقل رأيناه يدك المدن العراقية المنتفضة في الجنوب الشيعي وكوردستان العراق بالصواريخ والمدافع والدبابات مرتكبا المجازر الوحشية بحق المنتفضين والسكان العزل بعد الاستسلام الرسمي مباشرة . وبقي هذا الجيش سورا للنظام حتى ساعة تبخره امام القوات الامريكية في آذار عام 2003 ، ومن المفيد الاشارة هنا الى ان الجيش العراقي يعتبر من الجيوش القلائل ان لم يكن الوحيد الذي استخدم اسلحة كيمياوية ضد ابناء شعبه كما في حلبجة وضد مقاتلي المعارضة الوطنية العراقية اثناء قتالها ضده في ذرى وجبال كوردستان.

ان الجيش العراقي الذي تبخر امام المحتلين اصبح اثرا بعد عين عندما اعلن الحاكم المدني الامريكي بول بريمر حلّه وليعاد تشكيله ثانية من قبل سلطات ما بعد الاحتلال. وبدلا من اعادة بناءه على اسس المواطنة وتربية منتسبيه تربية ديموقراطية حقيقية وابعادهم عن المفاهيم الطائفية لانهم يمثلون العراق وليس طوائفه وقومياته، وهذا ما اشارت اليه احدى بنود مواد التشريع للتطوع الاجباري او الالزامي في العام 1927 الانف الذكر والذي نص على فتح ابواب الجيش ليضم كل العراقيين. نرى الجيش العراقي اليوم مقسما الى جيشا كورديا يتركز تواجده في اقليم كوردستان وبعض اجزاء المناطق المتنازع عليها وجيشا شيعيا يتركز تواجده في الجنوب حيث الشيعة، وجيشا سنيا طور التكوين يتركز في المحافظات الغربية والشمالية الغربية حيث السنة.

ان عدم وجود ضباط ومراتب وجنود من مختلف القوميات والطوائف في الجيش العراقي وفي مختلف المناطق العراقية يشير الى حقيقة قد يقفز عليها البعض لاسباب عديدة، وهذه الحقيقة هي عدم وجود جيش وطني بل جيوش طائفية والتي ان تسلحت من دون غطاء سياسي ودون نظام ديموقراطي حقيقي بعيد عن هيمنة الدين والطائفة، فان الصدام بين هذه الجيوش سيبقى قائما خصوصا وانها تعتمد "لليوم" على خبرة ضباط الجيش العقائدي البعثي والذين يتمايزون عن بعضهم البعض اليوم فقط، هو كونهم ضباط بعثيون شيعة او ضباط بعثيون سنة. ويبقى هذا الجيش وبهذه العقلية والممارسة خير حافظ للنظام الطائفي المدمر، معتبرا ديمومة السلطة والحفاظ عليها بإعتباره اليد الطولى في قمع المناوئين كمهمة ارأس.

سلطة وطنية ديموقراطية تنبذ الطائفية هي الوحيدة القادرة على بناء جيش نستطيع ان نفتخر به
زكي رضا
الدنمارك
8/1/2014


392


صحيفة التآخي ترد الدَّين الفيلي بسيل من الاهانات

النظرة القومية الضيقة ومثلها الطائفية للحكم على مجموعة اثنية او عرقية من خلال موقف سياسي دون الاخذ بنظر الاعتبار الاسباب التي ادت او تؤدي لاتخاذ مثل هذا الموقف من تلك الاثنية او العرق ودراستها بشكل منطقي وعلمي وحيادي ، تفرز عادة ردود افعال متشنجة ليس عند المثقفين او المفكرين او السياسيين ، بل عند انصاف واشباه المثقفين والسياسيين الذين تتحكم عواطفهم في توجيه بوصلتهم "السياسية" معتمدين وللاسف الشديد على ردود الفعل في دراسة اية ظاهرة اجتماعية او سياسية لمجموعة بشرية معينة. فالاثنية هي هوية اجتماعية تترشح من ظاهرة تاريخية تستند الى ممارسة ثقافية تأخذ بنظر الاعتبار الشعور بالانتماء لجماعة معينة والتي منها تتحدد هوية افراد تلك الاثنية، ليس من تفاعلهم مع بعضهم البعض فقط بل من خلال تفاعلهم مع المحيط الذي يعيشون فيه جغرافيا وبشريا، وعندما نقول بشريا هنا فاننا نعني به العادات والتقاليد والطقوس والاعياد غير القومية. اما العرقية فانها مختلفة عن الاثنية كونها مفهوم محدد لا يعتمد مطلقا على الثقافة والمعتقد والدين والطقوس بل يعبر تحديدا عن شعب واصل عرقي.

يعتبر الكورد الفيليون جزء اصيل من الشعب الكوردي اذا اخذنا التفسير العرقي كقياس لحالتهم الاجتماعية، ويعتبرون اثنية اذا اخذنا بنظر الاعتبار المحيط الجغرافي والبشري الذي يصبغ الكثير من عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم. ولانهم يعيشون خارج اقليم كوردستان وفي مناطق عربية ذات غالبية شيعية وكونهم شيعة ايضا فانهم وبالضرورة سيتأثرون كثيرا بمفاهيم دينية طائفية وخصوصا في حالات الفرز الطائفي كما اليوم. اما في اوقات الصراع السياسي الوطني والقومي كمجمل تاريخ العراق الحديث قبل الاحتلال الامريكي فانهم اي الفيليون كانوا جزءا مهما وفاعلا في نضال الحركتين الوطنية والكوردستانية وتبوأ العديد منهم مراكز سياسية مرموقة في الحركتين.

بعد ان خسر الكورد الفيليون معركتهم "كما المعارك التي قبلها والتي ستليها" في مسعاهم للحصول على عدد من المقاعد النيابية "تتناسب او لا تتناسب مع اعدادهم الحقيقية" من خلال الكوتا والتي تجاوزتهم بعد ان فقدوا بوصلتهم معتمدين على الاخرين في تحمل قضاياهم!!، وبعد ان تجاوز الاخرون من الذين يرتبط بهم الفيليون مذهبيا وقوميا على الاخبار التي تناقلتها العديد من وسائل الاعلام حول امكانية شمولهم بالكوتا اسوة بالمكونات العراقية الاخرى، ثارت ثائرة البعض القليل منهم فيما التزمت الغالبية صمتا اشبه بصمت المقابر حول تهميشهم القديم الجديد من قبل "الاخوين الكبيرين"، ولهذا الصمت من وجهة نظري ثلاثة اسباب، اولها اليأس من كل ما يرتبط بتغيير واقع مر بدأ كما بدأ عند الاخرين الا انه لم ينته كما انتهى عند الاخرين لليوم! وثانيها النزعة القومية عند نسبة لابأس بها منهم والتي ترى في مستقبل التحالف الكوردستاني وستراتيجيته منقذا للشعب الكوردي بشكل عام ومنه الفيليون، وثالثها لا يستطيع لليوم ان يخرج عن بيئته الطائفية ومظلوميته كشيعي وليس كفيلي او كوردي عانى من اضطهاد السلطات العراقية الحكومية على مر العهود بشكل عام!

من خلال نظرة ضيقة لمواقف الكورد الفيليين من نتائج التصويت على قانون الانتخابات وحرمانهم من الكوتا، كتب احدهم مقالة تحت عنوان "الكورد الفيليون وسياسة الترويض المكشوفة"، ولو كانت المقالة قد نشرت في اي موقع الكتروني لكان من الممكن اهمالها خصوصا وانها حملت بين طياتها دونية مقصودة لهذه الشريحة بعد ان تم تشبيه الكورد الفيليون من خلالها "بالخنفساء المقلوبة على ظهرها تجذف بضعف دونما فائدة". ولكن ان يتم نشرها في صحيفة تابعة لحزب كوردي مرموق كصحيفة التآخي فاننا نستطيع ان نستشف منها قصد واضح وللاسف الشديد في اهانة مكون كوردي كالفيليين رغم ما قدمه ابناء هذه الشريحة لهذا الحزب تحديدا من خلال نضالهم في صفوفه "وهذه ليست منّة قدر ما هي واجب قومي نهض به الفيليون خير نهوض"، قبل ان تتأسس بعد انهيار الثورة الكوردية عام 1975 تنظيمات كوردية جديدة كان فيها الكورد الفيليون رقما مهما ايضا ولليوم.

يقول كاتب المقال في معرض هجومه غير المبرر على الكورد الفيليين من ان هناك بعض الوصوليين منهم قد استهوته مقولة الاسلام السياسي، متناسيا ان الاسلام السياسي هذا "الشيعي" هو الحليف الذي اعتمده التحالف الكوردستاني قبل انهيار نظام البعث وبعده، ما يجعلنا ان نشير بدورنا الى امكانية وجود تفاهمات بين الطرفين لتجاوز الفيليين في مسألة الكوتا والتصويت عليها. ويستمر الكاتب في مقالته ليكتب "ان نقطة التوازن المفقودة في لمّ لحمة هذه الشريحة هي إنها كانت ولا تزال غائمة الفهم متضاربة الميول فريسة الوهم والغرور" ومن خلال استخدام الفعل الماضي "كان" فان الكاتب يكون قد صبغ الكورد الفيليين كمجموعة اثنية ولليوم من انهم فريسة للوهم وضبابيي الفهم ومغرورون. وهنا يكون الكاتب قد ادخل نفسه عن قصد او غير قصد ضمن مجموعة ذات نزعات تمييزية ان لم نقل عنصرية كونه وسم الفيليين بصفات وخصائص سلبية عكس الوسط الذي جاء منه، بأتهامهم "الكورد الفيليين" من انهم مغرورون وضبابيي التفكير ويقعون تحت فريسة وهمهم وهذا يدل على حالة سلوكية تنظر للاخرين بدونية. ومن حقنا ان نتساءل هنا ان كان المرحوم "حبيب محمد كريم" سكرتير المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكوردستاني "البارتي" وعضو هيئة تحرير صحيفة التآخي التي يُشتم الفيليون من منبرها اليوم للفترة ما بين الاعوام 1967 – 1969 وصاحب امتيازها للفترة ما بين 1970 – 1974 والمرشح من قبل القائد الكوردي "الملا مصطفى البارزاني" ليكون نائبا لرئيس الجمهورية وفقا لنصوص اتفاقية آذار "خنفساء"! وهل من قاد اتحاد طلبة كوردستان واتحاد شبيبة كوردستان واتحاد نساء كوردستان من الفيليين والفيليات بداية سبعينات القرن الماضي من فصيل "الخنافس"!؟ أهكذا ترد صحيفة التآخي الدّين للذين بذلوا حياتهم وشبابهم في خدمة قضية الكورد المصيرية ليس لشيء الا كونهم كورد فيليون يعيشون خارج الاقليم وطلبوا بمعاملتهم على انهم اثنية وجزء من عرق كوردي وبالتالي من حقهم ان يكونوا ممن تتوفر فيهم شروط الكوتا. علما من انني اتفق مع كاتب المقال حول عدم تحميل الفيليون اخطائهم على شماعات الاخرين دوما وضرورة دراسة اخطائهم الكثيرة بعقلية سليمة قادرة على فرز العدو من الصديق في عالم اختلطت فيه المفاهيم للاسف الشديد.

انني هنا وفي ختام مقالتي هذه اتوجه بالسؤال للفيليين في الاحزاب الكوردستانية ان كانوا يقبلون بان يصفهم ورفاقهم الراحلين من الفيليين احدا بالخنافس، وان لم يكن هناك قبول منهم حول ما جاءت به صحيفة التآخي فهل نرى منهم موقفا واضحا تجاه الاهانة التي تبنتها الصحيفة لابناء شريحتهم؟ في عالم السياسة الاذكياء فقط هم من يحولوا الهزائم الى انتصارات وللفيليين معارك قادمة في حرب لا افق لانتهائها على المدى القريب، فهل سيحترمون تاريخهم وشهدائهم ونضالاتهم ليبعدوا عن انفسهم "السخرية واللامبالاة وعدم الاكتراث" كما وردت في المقالة، بان يساهموا ببناء زورقا كما قال كاتب المقال وباشرعة واسعة للبحث في مجهول الطائفية والقومية عن كرامتهم التي تهدر يوميا من اطراف المتحاصصين دون تمييز؟

رابط المقال في صحيفة التآخي.
http://www.altaakhipress.com/viewart.php?art=40249#pagebegin
زكي رضا
الدنمارك

8/12/2013



 
 


393
العراق من صدام المجيد الى نوري الاشتر

لم تنحسر العشائرية طيلة تاريخ العراق الحديث بشكل كبير ومحسوس الا خلال فترة ثورة الرابع عشر من تموز 1958، وجاء هذا الانحسار كمحصلة طبيعية للتطورت الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت مع الثورة وانتهت اجتماعيا على الاقل باغتيالها صبيحة الثامن من شباط الاسود 1963. وانحسار العشائرية لم تأتي من زيادة القاعدة الاجتماعية للنظام حينها والتي توسعت نتيجة اصطفاف السلطة الى جانب المهمّشين والفقراء والنازحين من ظلم العلاقات العشائرية الاقطاعية فقط، بل تجذّرت اكثر بحزمة من القوانين الحكومية التي رسخّت العلاقات المدينية من التي عملت على تفكك النظام العشائري المدعوم بقوة "لليوم" من المؤسسة الدينية الى حدود كبيرة، كقانون الاصلاح الزراعي والغاء قانون دعاوى العشائر. ونتيجة لاصطفاف قوى عديدة ضد الثورة حينها فان التجمعات المحلية لابناء بعض البلدات والمدن وحتى القرى والمدعومة بتكتلات سياسية اقليمية ناصبت ثورة تموز العداء منذ يومها الاول، وجدت لها ارضية مناسبة في القوات المسلحة العراقية لتترجمها لاحقا واثر محاولات عدة بانقلاب عسكري لتنتعش العلاقات العشائرية ثانية ، بعد ان امسكت هذه المجموعات السلطة بقوة وهيمنة عشائرها.

لقد بقي الصراع العشائري كامنا بين انقلابيي شباط المنحدرين على الاغلب من القرى والبلدات في تكريت والرمادي لفترة امتدت الى ما يقارب العشرة أعوام عندما حسمها البيكات لصالحهم نهائيا، بعد ان ظلت السلطة في عشيرة الجميلات التي ينحدر منها الاخوين عارف منذ شباط 1963 وحتى تموز 1968 ، واحتاج حزب البعث الذي طغى عليه العنصر "السني" مقارنه "بالشيعي" ساعة انقلاب شباط الى ما يقارب الخمسة سنوات بعد تموز 1968  ليحسم السلطة بالعراق ويحولها الى سلطة عشيرة لتختصر لاحقا الى سلطة عائلة ففرد جسّده الدكتاتور صدام حسين بنرجسية عالية حتى ساعة هروبه المخزي، وذلك اثر محاولة مدير الامن العام حينها المجرم ناظم كزار "شيعي" الانقلاب على رفاقه في 30 حزيران 1973. علما ان نظام البعث بعد 1968 قد قلص دور العشائر العراقية "الشيعية خصوصا" الى حدود ضيقة جدا قبل ان يطلقها من قمقمها بعد اندلاع الحرب الصدامية الخمينية لحاجته الى وقود بشري لها وفّرته بذل كبير قيادات عشائرية ومنها جميع العشائر الشيعية اسوة بالسنية ودون اي استثناء، ومن هذه العشائرعشيرة آل مالك التي يتغنى بامجادها نوري المالكي اليوم عازفا على نغمتها العشائرية لحنا طائفيا نشازا ومقززا بعد ان انحسرت قاعدة سلطته الاجتماعية على قسم من شيعة العراق فقط. فهو اليوم ليس رئيسا لوزراء سنة العراق ولاكورده ولامسيحييه الذي سيغادرون العراق عن بكرة ابيهم عنوة نتيجة سياسة التمييز الديني ضدهم ولا بقية مكونات شعبنا ونسبة كبيرة من شيعته، وهذا ما جعله ان يتجه نحو ابناء عشيرته ليبدأ من عندهم حملته الانتخابية ليخطب فيهم خطابا تتزاوج فيه العشائرية باقبح صورها والطائفية بارذل اشكالها وكأنه يريد ان يدخلنا في حرب جمل جديدة او صفّين اخرى. في توجه يشير الى ضعف الدولة كون الدولة القوية ذات المؤسسات تضعف في عهدها العشائرية، أما الدولة الضعيفة كالتي يقودها المالكي فانها تكون ارضا خصبة للعشائرية التي تهيمن حتى على مؤسسات يراد لها ان تكون وجها ولو شاحبا للديموقراطية، وما التهديد باللجوء الى الفصل العشائري بين نواب ما يسمى بالبرلمان العراقي اثر كل نزاع يتم بينهم "لمصالحهم" الا دليلا على ملأ العشيرة  الفراغ الذي تركته "الدولة".

ان المالكي الذي يقود ومنذ ثمانية اعوام تقريبا بلدا فاشلا على مختلف الاصعدة لم يبدأ حملته الانتخابية من حيث بيوت الفقراء ولا من حيث مدن العراق الغارقة بمياه الامطار التي عجزت حكومته على احتوائها لاكثر من مرة، ولا من اماكن ضحايا الارهاب التي فشلت حكومته في الحد منه. بل بدأها من البصرة وبين ابناء عشيرته ومضاربهم في حنين على ما يبدو لأيام الجاهلية او صدر الاسلام في احسن الحالات تلك التي يجسدها وتحالفه الطائفي كما التحالفات الطائفية الاخرى في خراب البلد،  ولم يكتف بخطاب عشائري هناك بل زاوج عشائريته بطائفية معروف بها، عندما تغنى بنسب عشيرته وارومتها وانحدارها من نسل "مالك الاشتر" الذي قاتل تحت راية الامام علي "ع" في جميع معاركه ومنها الجمل وصفين، وما لهاتين المعركتين من اثر كبير في التراث الشيعي على بسطاء الشيعة. مذكرا اتباعه وهو في بداية حملته الانتخابية من انه شيعي وحفيد مالك الاشتر ولن ينسى اصحاب الجمل وصفين الذين ناصبوا الامام العداء، وبلغة اخرى فان اصحاب الجمل وصفّين هم سنة العراق والذي على الشيعي ان ينتخبه لانه اليوم "نوري الاشتر" وهو من سيقوم بملاحقة اعداء الامام علي اينما كانوا، كما كان بالامس مختار العصر الذي جاء ليقتص من قتلة الامام الحسين "ع" في العراق، واذا كانت البطحاء لم تلد رجلا "كمالك الاشتر بالامس!!" فان بطون العراقيات جفّت بعد ولادة حفيده "نوري الاشتر" كما جفّت عهد الدكتاتور الذي سبقه  صدام المجيد فهل هناك طائفية وعشائرية اكثر مقتا من طائفية وعشائرية المالكي، وهل هناك نرجسية اكثر عمقا ووضوحا من نرجسيته التي فاق بها حتى المجرم صدام حسين.


قال المالكي في خطابه العشائري الطائفي في البصرة " ان الذين لا يحسنون التعامل مع النعم يسيئون اليها" متناسيا انه اساء الى كل العراقيين ونعمهم بعد ان سرقت واهدرت حكومة المحاصصة بقيادته مئات مليارات الدولارات من عائدات النفط وبالتالي يعتبر المسيء الاكبر في عدم تعامله بثروات "شعبه" بشكل عقلاني لبناء "بلده". ليضيف في مكان آخر من خطابه الى ان " البعض يدّعي ويضلل لكسب صوت الناخب وسلبه ارادته، كوننا على ابواب الانتخابات"، اهكذا يا نوري الاشتر تروى الابل فهل توزيع الاراضي على الفقراء بعد خطابك يعتبر رشوة لشراء اصوات الناخبين ام انك اكتشفت فقر "شعبك اليوم فقط؟ واستمر نوري الاشتر في خطابه الديماغوجي ليحذر من ان "يكون الصوت بلا ثمن او وعي او ارادة، فانه سيكون شهادة زور"، كيف يكون بلا ثمن ايها السيد رئيس الوزراء وقد دفعت لهم اثمانها مقدما، قطع اراض وخطاب طائفي مشحون بالكراهية. 

وبدلا من ان يتجه "نوري الاشتر" في خطابه للتهدئة مع "خصومه" من اجل بناء الدولة التي لايريدها "ضعيفة ومهانة مثلما قال" وليقوي جبهته الداخلية بفتح حوار سياسي بناء مع مختلف الفصائل السياسية، نراه يفتح جبهة ضد الكورد شركاؤه في حكومة المحاصصة عندما قال "ان العراق سيكمل مشوار تسليح الجيش حتى لو عارض هذا التوجه بعض اصحاب الاجندات". هل الكورد هم الوحيدون الذين لهم اجندات في البلد؟ وماذا عن سنة العراق؟ وماذا عنكم ايها السيد رئيس الوزراء وكيف تفسرون زياراتكم لطهران وبقية اقطاب تحالفكم كلما اقتربت مواسم الانتخابات، ولماذا لاتتشكل الحكومة في بغداد بعد انتهاء الانتخابات الا بزياراتكم "بربطة المعلم" لطهران ومباركتها بعد ذلك في حسينية جماران حيث الولي الفقيه؟ ان الذي بيته من زجاج ايها السيد رئيس الوزراء لايرمي بيوت الاخرين بالحجر.

ان المالكي في خطابه أكّد على غياب المؤسسة الامنية والعسكرية في حكومته وضعفهما عندما قال ان " بعض المحافظات كانت اسيرة بيد الارهاب والقاعدة والعشائر العراقية هي من حرر هذه المناطق من كيد الارهاب"، وبالتالي لانفهم اصرار المالكي على تسليح الجيش العراقي اذا كانت العشائر قادرة على القيام بمهمات الجيش، كما لازلنا لانفهم اسباب وجود وزارة الداخلية بتشكيلاتها اذا كانت عاجزة عن اعتقال فرد واحد عندما اظهرت عجزها باعتقاله تاركة الامر لاحمد الاشتر.

ان الذي يقوم ببناء الدولة العراقية اليوم هو الارادة السياسية وليست الارادة العشائرية كما يريدها المالكي، ان الذي يقوم ببناء الدولة العراقية اليوم هو الخطاب الديني العقلاني وليس الطائفي بنبش التاريخ  والبحث بين ثناياه عن معارك كانت سببا ولليوم في عشرات المجازر التي مرّت على العراق، لابمالك الاشتر ولا بمعاوية بن ابي سفيان نبني الوطن، بل نبنيه بعقول وسواعد نساء ورجال همّهم خدمة وطنهم وشعبهم والرقّي بهما فهل بين من يحكم العراق اليوم امثال هؤلاء؟ 

كأني ارى الامام عليا ع" اليوم مخاطبا شعب العراق بعد ان خدعهم المالكي وامثاله من الطائفيين يوم قال ..

"أيتها الامّة التي خُدِعت فانخدعت، وعرفت خديعة مَن خَدعها فأصرّت"

زكي رضا
الدنمارك
5/12/2013

   



394
أجيبوا هذه الطفلة ان كانت لكم كرامة

يقول الشهرستاني وهو من الاعضاء البارزين في دولة اللاقانون في معرض رده على الخلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم حول تصدير النفط من انهم ويقصد به حكومته مؤتمنين على اموال الشعب عندما قال " ان الحكومة الاتحادية مؤتمنة على ثروات البلاد، ولا يمكنها التغاضي عن التصرف بتلك الثروات دون علمها". وقال عضو آخر وهو محمد الصيهود في نفس القائمة ، من ان رئيس قائمته هو الافر حظا لرئاسة الوزراء للمرة الثالثة عندما صرّح قائلا " ان الولاية الثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي يقررها الشعب العراقي، مؤكدا ان " القراءة للوضع العام تؤشر الى ان المالكي هو رجل المرحلة وهو المرشح الاوفر حظا للولاية الثالثة واصبحت قاب قوسين او ادنى منها" مضيفا ان " العراقيين لا يمكن ان يأتمنون الا من هو حقا أن يكون مؤتمنا وليس هناك رجل أأمن على وحدة العراق وعلى مستقبله مثل المالكي!"

ان الحديث عن الامانة عند عضوي دولة اللاقانون هذين ينطبق عليه مقولة الروائي الفرنسي بلزاك والتي ذهبت مذهب الحكم عند جميع شعوب الارض يوم قال "حذار من امرأة تتحدث عن الشرف كثيرا" ويا ليته لو اضاف لها "وبصوت عال". كوننا نرى اليوم لصوص المحاصصة الفاشلين يصرخون بالامانة والشرف وحب الوطن وشعبه. غافلين في خضم سرقاتهم العلنية ان الامطار الاخيرة ستعريهم واشباه سياسييهم بعد ان اصبحت ثروات البلد الذي يتباكون عليه ملكا لهم ولاحزابهم كما كانت ملكا للمجرم صدام حسين وحزبه من قبل، عندما تبصق طفلة عراقية "شيعية يدعون وصلها" من مدينة الديوانية في وجوههم الكالحة، عندما تبصق "زمن" وهذا اسمها على زمن يحكم فيه الاسلاميون شيعة وسنة عراق الخيرات المنهوبة.

استمع الى "زمن البريئة" ايها السيد الشهرستاني واجبها، اين موقعها من ثروات بلدها الذي تدعي امانتك عليها؟ اجبها اين مدينتها من ميزانية البلاد ذات الارقام الفلكية؟ قل لها الحقيقة واخبرها عن ارصدتكم في الخارج وكم اصبحت؟ كن صريحا معها لانها تعرف هذه الحقيقة وقالتها اكثر من مرة عندما سألتك وغيرك من "الامينين" بلغة طفولية بسيطة على ثرواتها واطفال شعبها الاخرين، ان كنتم ستأخذون الاموال المنهوبة معكم الى قبوركم. ان "صرخة زمن البريئة" هذه لهي شهادة حقيقية من انكم لستم بامناء لقيادة هذا البلد الذي ازداد الخراب فيه اكثر منذ ان توليتم السلطة فيه بقضاء وقدر غريبين.

السيد الصيهود الا زلت وانت ترى طفلة من ابناء "وطنك ومذهبك" وهي توجه اليكم اكبر صفعة تنظر الى زعيمك كرجل مرحلة؟ هل صرخة زمن دلالة على انكم وزعيمكم امناء على العراق؟ انها صرخت فيكم صرخة تخر لها القلوب المفعمة بايمان الوطن والشعب سجودا. لكن اين هي هذه القلوب عند اقطاب السلطة التي لا ترى الا امتيازاتها، واين هو الوطن وثرواته؟ واين هي الطفولة وحقها بالعيش كما اطفال ساسة العراق؟ ان زمننا اليوم هو زمن السرقة والجهل والتخلف، انه زمن الموت اليومي في الساحات والطرقات والملاعب والمدارس، انه زمن عدم الحياء وليس زمن طفولة "زمن" المسبية كسبايا الحسين "ع" الذي يبكيه الروزه خونيه نهارا "رياءا" و يسرقون باسمه ليل نهار.

وانت يا صغيرتي السومرية "زمن" لا تتمني الموت ارجوك فلا زالت في الحياة فسحة، انتظري عسى ان يكون بين شعبك رجالا يوقفون هؤلاء الافاقين عند حدودهم، ان "البطانيات المليئة بالبول" التي تتدثرين بها وصغار بلدتك يا حبيبتي اطهر من طاهرهم واشرف من اشرفهم. ان المكان المعتم والبارد الذي تحلّين فيه عوضا عن بيت دافيء يأويك واسرتك لاكثر دفئا من ضمائرهم الميتة الباردة واكثر انارة من قلوبهم السوداء الحاقدة على العراق وشعب العراق.

لا تتمني الموت ايتها البريئة النقية فالموت لهم ، ولك ولاطفال العراق الحياة التي ستشرق شمسها يوما ليس ببعيد، حينها ستكونين انت وامثالك امينين على البلد وثرواته، حينها ستكون الطفولة ذات طعم جميل، حينها ستكون الحياة اجمل واكثر عدلا، حينها ستكون الضمائر انسانية وليست اسلامية، حينها "ستكون الشمس في بلادك اجمل من سواها والظلام حتى الظلام حينها سيكون اجمل فهو يحتضن العراق" (*).

السيد المالكي هل لديك اجابات على اسئلة "زمن"، اجبها ان كانت عندك ذرة من كرامة على "شعبك" الذي يقتل بشكل يومي وتنهب ثرواته؟ وصدقني لو كنت حزبا سياسيا لدخلت الانتخابات بشعار يصور"زمن" تبصق فيه على كل من ينتخب اسلاميي العراق سنة وشيعة واولهم دولة "قانونك".


(*) مع الاعتذار للشاعر بدر شاكر السياب

رابط تظهر فيه الطفلة زمن وهي تدين حكومة المالكي الطائفية :

http://www.ankawa.org/vshare/view/4464/child/


زكي رضا

الدنمارك
29/11/2013



395
العراق بين نهر الگومل ونهر عبعوب الاستراتيجي


لقد ارجعتني فيضانات بغداد والمدن العراقية الاخرى في العهد الجناجي "نسبة الى جناجه مسقط رأس نوري المالكي" والتي غرقت بسببها قطاعات واسعة من العاصمة بغداد عدا المنطقة الخضراء، الى اعادة قراءة تاريخ الملك الاشوري سنحاريب الذي حكم نينوى قبل ما يقارب ال 2700 عاما، ولكن لماذا سنحاريب دون غيره من ملوك تلك الحقبة كالقائد والملك  آشور بانيبال مثلا؟

امتاز عهد الملك سنحاريب بالاعمار واهم ما يمكن الاشارة اليه بعد تهديد الجفاف  بلده هو تنفيذه مشروعا طموحا "حتى بحسابات اليوم" لنقل مياه نهر الگومل من نقطة قريبة من مدينة "خنس" الى نينوى عن طريق حفر ساقية يترواح طولها بين 60- 80 كلم بين تضاريس جبلية صعبة، اذ حفر المهندسون الساقية حينها عموديا في قلب الجبل ليرفعوا منسوب الماء الى المستوى المطلوب ليسيل الى سد "جروانة"  كي يسقي الاراضي الزراعية ويرسل الماء الفائض عن الحاجة الى نهر دجلة. وحسب الكتابات المسمارية التي عثر عليها منقوشة على الرقم الاثرية فان المشروع رغم ضخامته احتاج الى فترة 540 يوما لاغيرلانجازه!

 بعد 2700 عاما على عهد سنحاريب ها نحن اليوم نعيد قراءة تاريخه لنصفه بانه انجز عملا هندسيا فذا،
وسيستمر التاريخ وبعد آلاف اخرى من السنين ليصفه بعبارات مديح اخرى وليستمر تمجيده جيلا اثر جيل.

اذا كان "سنحاريب" قد اجترح معجزة نهر الگومل قبل ما يقارب ال 2700 سنة، فان الحاج ابو اسراء الذي فشل عكس "سنحاريب" بكل المهام الموكلة اليه لليوم تقريبا وهو يحكم منذ ما يقارب ال 2600 يوما، ابى وهو يرى بام عينيه غرق عاصمة "بلاده" الّا ان يتصرف كصبي صغير يريد ان يناكف من هم حوله بتعيينه فاشلا آخرا يضاف الى جيش مرؤوسيه الفاشلين وهو "نعيم عبعوب"، الذي كان عذره بالصخرة ذات ال 150 كيلوغراما وغرق رصافة بغداد اقبح من ذنب الذي عينّه في منصبه هذا. ويبدو ان العراقيين بدأوا يستعيدون شيئا من الظرف والفكاهة في زمن الموت اليومي، ليرفعوا لافتة في حي جميلة البغدادي يعلنون فيه عن افتتاح "عبعوب" نهرا استراتيجيا في منطقتهم ويبدو ان "عبعوب" يريد ان يدخل سيده الحاج في كتب التاريخ كما سنحاريب، ولعبعوب في مجارينا صخور.

اللافتة التي تم رفعها في حي جميلة.....

 
اللافتة التي تم رفعها في حي جميلة.....

زكي رضا
الدنمارك
26/11/2013



 

 


396

الكورد الفيليون وسراب الكوتا
اخيرا وبعد صراع طويل بين قوى المحاصصة وبضغط امريكي واضح على الحاج من قبل اوباما في زيارته الاخيرة لواشنطن وحال عودته للمنطقة الخضراء، اقر "البرلمان" العراقي قانون انتخابات البرلمان للعام 2014 متضمنا كوتا "للاقليات القومية والدينية" مستثنيا منها كوتا الكورد الفيليين بعد ان كانت لهم حصة في كوتا انتخابات مجالس المحافظات.

يعرف نظام الكوتا احيانا من انه شكل خاص من قانون انتخابي يوفر الى حد ما المساواة بالنسبة للاقليات القومية والدينية والمذهبية على ان يكون مؤقتا لحين اعتماد مبدأ المواطنة الحقة بين افراد المجتمع، اما الكوتا النسوية فتعني شكل من اشكال التدخل الايجابي لحماية المرأة. وتتنوع اشكال الكوتا " من حيث هي كوتا قانونية أو دستورية ، أو كوتا حزبية طوعية. وما يهم مقالتي اليوم هي الكوتا الحزبية الطوعية وضرورة التمثيل الفيلي فيها بشكل عادل مما يسمح للفيلي او الفيلية من حجز مقعد برلماني من خلال قائمة سياسية معينة اعتمادا على البعدين القومي والمذهبي اللذان يتمتعان بهما، خصوصا وان القانون الانتخابي بشكله الجديد القديم يكرّس مبدأ سياسة المحاصصة والتي تريدها الاحزاب الطائفية والقومية كشكل من اشكال الحكم المستديمة.

من الممكن جدا بل ومن المؤكد ان الاحزاب القومية الكردية والاحزاب الشيعية التي يصوّت لهم الفيليون بكثافة عادة كانت ستمنح الكورد الفيليين مقاعدا اكثر مما يطالبون انفسهم بها ان كان يتوفر فيهم شرطان مهمان جدا لتوسيع دائرة نفوذ تلك الاحزاب، وهذا الشرطان هما :

1- لو كانت مناطق سكن الكورد الفيليين في احدى المحافظات السنية المذهب كالموصل مثلا كما "الشيعة التركمان في تلعفر"، حينها كانت الاحزاب الشيعية في التحالف "الوطني" تعمل المستحيل كي تكون هناك كوتا للكورد الفيليين وبعدد اكبر من نسبتهم في تلك المناطق، لانهم حينها كانوا سيقللون من عدد الممثلين السنة من تلك المحافظة في البرلمان.

2- لو كانت منطقة تواجد الكورد الفيليين محافظة كركوك مثلا لكانت الاحزاب الكوردية الممثلة بالتحالف الكوردستاني تقاتل من اجل ان يكون للكورد الفيليين الكوتا ليس المناسبة لهم بل حتى اكبر من حجمهم، لان حينها كما الشيعة كانوا سيستفادون من زيادة مقاعدهم البرلمانية عن المحافظة على حساب العرب والتركمان.

ولان مناطق تواجد الكورد الفيليين هي ليست كما تريدها الاحزاب الشيعية والكوردية فان حصولهم على الكوتا او اي تمثيل سياسي آخر سيكون رهنا للاتفاقات السياسية بينهما، دون الاخذ بنظر الاعتبار مشاكل الكورد الفيليين والتي اصبح تكرارها مملاً واشبه بحالة الاستجداء، على الرغم من احقية مطالبهم وشرعيتها بعد مرور عقد كامل على انهيار الفاشية البعثية واستبدالها بنظام سياسي جديد لازال الكورد الفيليين فيه يعانون الى حدود معينة نفس معاناتهم السابقة.

هناك سؤال مهم جدا علينا ككرد فيليين طرحه على انفسنا قبل ان نضع مجمل مشاكلنا على شمّاعات الاخرين والسؤال هو، ان كنا قادرين ليس على تجميع قوانا ووحدة صفنا التي هي اشبه بجبل يصعب زحزحته من مكانه، بل ان كان ابنائنا العاملين في التنظيمات السياسية الكوردية والشيعية على استعداد ان يكونوا ما اشبه باللوبي والضغط على احزابهم من اجل تبني بعضاً من مطالب شريحتهم؟ فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من تبخر حلم الكوتا الفيلية وفقا للقانون الانتخابي الاخير، فان باستطاعة هذه الاحزاب ايصال عددا من الكورد الفيليين الى قبة البرلمان اذا رشحت البعض منهم من خلال قوائمهم الانتخابية شرط ان لا يكونوا في ذيل القائمة او في تسلسل من الصعب الوصول اليه.

ان عدم وجود بضع مرشحين كورد فيليين وفي مقدمة القوائم الانتخابية الكوردية والشيعية لضمان وصولهم للبرلمان والتصويت لهما كما كل انتخابات، سيضع الضمير الفيلي امام عشرات علامات الاستفهام محملا اياه جزء لا بأس به من المأساة التي لازالت موجود بصيغة او بأخرى. وهنا بودي ان اخاطب الكورد الفيليين ان كانت دماء شهدائهم دون دماء شهداء الاخرين، وان كانت مأساتهم المستمرة اقل ثقلا من مأساة الاخرين؟

كي يحترم الاخرون مواقفنا تجاه قضايانا علينا ان نحترم نحن قضايانا اولا.
زكي رضا
الدنمارك
10/11/2013


397
السيد ابو حسنين.... تره صارت يخني

نتيجة للانجازات الكبيرة التي حققتها وزارة الداخلية العراقية برئاسة وكيلها الاقدم السيد "ابو حسنين" والتي يلمسها المواطن العراقي على صعيد استقرار الوضع الامني المستتب تقريبا الا في بعض الحالات النادرة، والتي تعتبر عادية جدا نتيجة بعض الاختراقات هنا وهناك والتي لا تؤثر بشكل عام على طبيعة يقظة قوى الامن واستعدادها الدائم لملاحقة فلول الارهاب في كل نقطة من البلد وفق مصادر حكومية رسمية طبعا. خرج علينا الوكيل الاقدم السيد "ابو حسنين" في كلمة له امام مؤتمر للتيار الرسالي والذي نظم في فندق بغداد تحت عنوان "وقفة تضامنية مع حماة العراق" بتصريح ناري كالعادة، قال فيه أن ( قواتنا تمكنت خلال شهر تشرين الاول الماضي من قتل 1200 ارهابي في محافظة الانبار و50 أرهابيا في العاصمة بغداد، مطالبا مجلس النواب ومنظمات المجتمع المدني " بوقفة جادة لدعم القوات الامنية")!!!!. ولاندري لماذا استثنى "ابو حسنين" النشاط المبهر لقواته في محافظات صلاح الدين وديالى والموصل وبابل وغيرها خلال نفس الشهر، ام ان الارهابيين فيها كانوا في اجازة اعتيادية لقضاء عطلة سياحية على شواطيء الريفيرا!!! أو ان الوضع الامني مستقر للغاية فيها فلا اتاوات مثلا في الموصل وديالى ولاتفجيرات في مدن وبلدات صلاح الدين وعلى الاخص تلك التي تطال مراكز الشرطة التابعة لوزارة الداخلية برئاسة السيد" ابوحسنين"!!

ان تصريح السيد ابو حسنين شبيه لتصريحات مسؤولين كبار وكثر في الحكومة والبرلمان من الذين جعلوا العراق "گمره وربيعه" مثلما يقول المثل البغدادي. وبمناسبة هذا التصريح الناري للسيد ابو "حسنين" فانني تذكرت قصة قصيرة جدا ذهبت مضرب الامثال، سوف انقلها للقراء الكرام دون اي تعليق تاركا التعليق للروح العراقية القادرة على الضحك احيانا في احلك الفترات، اقول احيانا لان الضحك اصبح بضاعة كاسدة امام رواج الحزن اليومي الذي اصبح القاسم المشترك بين العراقيين منذ ان ادخلنا نظام العهر البعثي في نفقه المرعب والى يومنا هذا. تقول القصة القصيرة هذه...

كان لاحد الكذّابين صديق"يرگع" له الكذبات.. فضمهم ذات يوم مجلس كان البحث فيه يدور حول العيد.. فقال الكذّاب بشيء من الغرور:

-  آني مهاراتي بالصيد معروفه.. ويعرف الاخ " واشار الى صديقه المرگع" ليجيب صديقه قائلا.
-  هاي شنو؟ هاي مسألة مشهورة.
فاستمر الكذاب في حديثه:
- فرد يوم شفت 20 حمامة فوگ شجره.. ونيشنت بالبندقية عليهن وضربت واذا بالعشرين حمامة عالگاع!!
فتعجب الحاضرون.. ولكن المرگع اجاب:
هاي الشغله كلش معقوله.. لان البندقية چانت بندقية صيد والخرطوشه الوحده بيها 50 صجمه، ولو چانت 50 حمامه عالشجره هم چانن وگعن.

فتشجع الكذاب واستمر في حديثه:

وفرد يوم شفت درّاجه خاتله بين الشوك وضربتها ولمّن جيت عليها چانت مشويه ومملحه.
فقال المرگع:
هاي هم معقوله.. لان حضرتك من ضربت الدرّاجه التهب الشوك والگاع چانت صبخه والطير اتمرغل من الوجع والنار اللي بيه فتلگاه انشوه وتملح.

فاستئنس الكذاب بهذا التعليل واستمر في حديثه:

وفرد يوم شفت فختايه اموكره على نخله.. وضربتها ولمّن جيت عليها شفته صايره يخني..

فاندهش الحاضرون وسكت "المرگع"ولم ينبس ببنت شفة، فقال له الكذّاب:

متحچي اشبيك؟
فاجاب "المرگع"

ولك شحچي؟ المسأله ثخنت وصارت يخني.. هسّه آني البصل امنين اجيبه؟ الحمص من اجيبه؟ الطماطه منين اجيبها؟ الجدر امنين اجيبه؟

فضحك الحاضرون.. وعرفوا ان الصياد من طراز "الشيلمانچيه"


لو سلّمتم الامر لأهله – لذوي الكفاءة – لسلمتم،  الامام علي "ع"

زكي رضا
الدنمارك
9/11/2013




 

 

398
القتلة يحكمون العراق

تمتاز مواسم الانتخابات في بلدان العالم المختلفة بميزة تكاد ان تكون مشتركة ان لم تكن متطابقة، وهي منافسة الاحزاب المشتركة في السباق الانتخابي بتقديمها افضل ما لديها من سياسات اقتصادية واجتماعية عبر برامج واضحة للجمهور من اجل كسب اصواتهم. أما الحزب الحاكم فيها فأنه يعمل على كسب اصوات الناخبين من خلال ما انجزته حكومته من برنامجه الانتخابي الذي حصل بموجبه على اصواتهم "الناخبين" التي اهّلته لرئاسة الحكومة. ومن المؤكد ان العملية الانتخابية تعتمد في البلدان الديموقراطية على وعي الناخب الذي لايضع صوته الا في الصندوق الذي يلبي مصالحه، أما في البلدان الديموقراطية العالم ثالثية ان جاز التعبير فان الاحزاب السياسية المتنفذة وخصوصا في حالة عدم وجود قانون للاحزاب تعرف جيدا ضعف الوعي عند الناخبين، وتعمل جاهدة على استمرار غياب الوعي هذا او تحويله من العقل الى الجيب، حيث عادة ما تصرف الاموال الطائلة وجميعها تقريبا من السحت الحرام لشراء ذمم الناس واصواتهم.

في العراق ولعدم وجود اية برامج انتخابية للاحزاب الحاكمة سوى يافطات الطائفية فان الاحزاب الحاكمة لاتحتاج الى جهد كبير للتأثير على الناخبين، حيث انها تبدأ بكسب اصواتهم مبكرا عن طريق الشحن الطائفي والذي يتطور الى عمليات قتل على الهوية وتفجيرات كلما اقتربنا من موعد الانتخابات. والذي يقوم بهذه العمليات الاجرامية مجرمون عتاة ينفذون اجندة منها داخلية ومنها خارجية، ويبقى العامل الحاسم في مواجهة هذا الشكل المنفلت من الارهاب هو الحكومة التي عليها ان تكرس امكانياتها الهائلة في الحد من هذه العمليات واعتقال القتلة. ولكن السؤال الذي يبقى دون جواب هو، ماذا لو كانت الحكومة طرفا في الجريمة ، وماذا لو كان رأس السلطة شريكا في الجريمة عن طريق التستر على المجرم او المجرمين، والانكى هو، ماذا لو عرف راس السلطة بجماعة اجرامية تمارس القتل على الهوية ويتحالف معها لتشكيل حكومة برئاسته؟

بعد عودة الحاج ابو اسراء من زيارته الى الولايات المتحدة الامريكية تعرض للنقد من قبل احد اهم حلفائه من الذين لو لاهم لما كان الحاج اليوم رئيسا لوزراء العراق وهم الصدريون، والذين يشكلون مع المالكيين والمجلسيين اعمدة البيت الشيعي الرئيسية التي تهيمن على الحكومة العراقية. ولان الحاج لايتحمل النقد مطلقا فأن مكتبه "بايعاز منه" شنّ هجوما عنيفا على مقتدى الصدر متهما اياه بالقاتل والمرتشي وفارض الاتاوات على الناس. اذ اوضح مكتب الحاج قائلا " أن من حق مقتدى أن يمارس الدعاية الانتخابية المبكرة، لكن عليه ايضاً أن لا يستخف بعقول وذاكرة العراقيين الذين يعرفون جيدًا من قتل ابناءَهم في ظل ما كان يسمى بـ(المحاكم الشرعية) سيئة الصيت، ومن الذي كان يأخذ الاتاوات والرشاوى وشارك في الفتنة الطائفية والقائمة تطول (في اشارة الى الصدر".

ان المتابعين للشأن السياسي العراقي يعرفون جيدا صحة ما جاء به مكتب الحاج خصوصا حول عدم الاستخفاف بعقول العراقيين وذاكرتهم حول تلك الايام السوداء والتي ستبقى تكلل وجه المحاصصة الطائفية بالعار لسنوات طويلة. ولكن ما فات المكتب هو ان الحاج لم يستخف فقط بعقول العراقيين وهو يخفي ادلة جرمية عن العديد من مناوئيه الذين هم شركاء في حكومته من الذين ساهموا بقتل المئات ان لم يكن الالاف من العراقيين لسنوات طويلة، ولم يهدد بها الا عندما اراد ان يستفاد من تلك الادلة شخصيا وليس وطنيا ومن امثال هؤلاء الشركاء نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. كما وفات مكتب الحاج انه هدد امام العديد من وسائل الاعلام من انه يمتلك ملفات عن دور سوريا في تدريب وتمويل وشحن البهائم البشرية للعراق، الا انه وبقرار من فيلق القدس على ما يبدو قد بلع تهديده هذا ليساهم بعدها وعلى ذمة الامريكان بفتح اجواء العراق لمساعدة النظام السوري الذي ساهم بقتل الالاف من العراقيين كما ذكر الحاج بعظمة لسانه. ويبدو ان مكتب الحاج كما الحاج نفسه سريع النسيان اذ انه "الحاج" وللتهرب من استجوابه في "برلمان الشعب" نسى تصريحات الحاج حول الوثائق التي يمتلكها والتي لو عرضها لانقلب "البرلمان الى حلبة ملاكمة حينما قال وباللهجة المحكية "تصير بوكسات".

اريد القول هنا ان الحاج لم يستخف بعقول العراقيين لاخفائه الادلة الجرمية فقط بل اصبح مجرما حقيقيا مساهما بالقتل العمد عندما تحالف مع مقتدى الصدر. ان الذي يتحالف مع قاتل من اجل ان يكون على راس السلطة لايفرق بشيء عن القاتل الاصلي وهو شريكه في جريمة القتل، ان الذي يتحالف مع مجموعة تفرض الاتاوات على الناس شريك بفرض الاتاوات، ان الذي يتحالف مع من يمتلك محاكم شرعية لقتل ابناء العراق يعتبر شريك في ادارة تلك المحاكم، ان من يتحالف مع مثيري الفتن الطائفية يعتبر هو الاخر مثيرا لتلك الفتن.

من خلال تحالف الحاج ابو اسراء مع عصابة الصدر حسب وصفه هو لاغير فان يداه وحزبه ملطختان بدماء ابرياء شعبنا، فهل سيمنح شعبنا اصواته للقتلة واللصوص ومثيري الفتن الطائفية سنة وشيعة، الجواب للاسف الشديد نعم لان الوعي مثلما قلنا انتقل من الراس الى الجيب وان بقي في الراس فانه يشغل نصف الرأس الشيعي أو نصفه السني.


ان الحكام المستبدين كالحشرات القذرة لاتعيش ابدا في جو نظيف، ولاتنصب شباكها الا حيث الغفلة السائدة والجهالة القاتمة " الاسلام والاستبداد السياسي".

زكي رضا
الدنمارك
7/11/2013
 




399
هل المالكي يريد خوض حرب عالمية ضد الارهاب بقيادة حمّودي وابو حسنين!؟


كل شيء في العراق فاشل، فالخدمات فاشلة، والصحة فاشلة، والتعليم فاشل، والزراعة فاشلة، والصناعة فاشلة، ولكي لانستمر بتعداد أوجه الفشل فاننا سنطوي  صحارى العراق السياسية الفاشلة الى اكبر فشل تترتب عليه جبال نفايات الفشل مجتمعة اي الفشل الامني. والذي بسببه توقفت عملية اعادة بناء البلد لان الفشل هذا فتح شهية الساسة الفاشلين وفتح لهم ابواب الاثراء غير المشروع عن طريق سرقة ونهب ثروات البلد تارة بقوانين يصدرها لهم برلمانهم "الفلتة" وتارة بالسرقة العلنية ودون اي حياء. على اساس ان الحياء قطرة ومن الممكن تجفيفها بورقة من فئة المئة دولار التي كانت حلما يراودهم رؤيتها قبل ان تفتح لهم خزائن العراق عن طريق كلمة السر الجديدة "افتح يا عمو سام" بعد الاحتلال.

والفشل السياسي بالعراق يراد له ان يكون فشلا مستديما عن طريق ما يسمى بنظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة بنفس "ابطالها" الذين فشلوا ويفشلون وسوف يفشلون في ترتيب البيت العراقي ليكون قادرا على الوقوف بوجه الارهاب الدولي او الاقليمي او الداخلي. هذا الارهاب الذي طلب الحاج ابو اسراء من الرئيس الامريكي اعلان حرب عالمية ثالثة عليه دون ان يخبرنا عن الحربين العالميتين السابقتين ضده، الا اذا كان يعتبر الحربين العالميتين الاولى والثانية كانتا ضد الارهاب!!، حينها يكون الحاج ابو اسراء قد افتى بفتوى اغرب من الخيال وتنطوي على جهل كبير بتاريخ حربين ضروس التهمتا عشرات الملايين من البشر بسبب حلم التوسع الامبريالي وليس الارهاب مثلما يعتقد، واذا اردنا ان نكون مجاملين مع الحاج فدعونا نقول انها زلّة لسان  ليس الاّ متمنين من جيش مستشاريه لاحقا ان ينتبهوا الى زلّات لسان الحاج قبل وقوعها.

ان محاربة الارهاب بحاجة الى مستلزمات عديدة منها جهاز استخباري وطني وقوي وفعّال، واسلحة ومعدات ذات تقنيات عالية ومتطورة، واموال كافية لتمويل اقامة دورات منتظمة وعلى مستوى عال لمنتسبي الاجهزة الامنية لزيادة فاعليتها، اضافة الى تعاون مشترك مع الاجهزة الامنية للبلدان التي تعاني من الارهاب او من تلك التي لها مصلحة حقيقية بمحاربة الارهاب. واذا كانت هناك بلدان ترفض ان تتعامل مع دولة ما بشكل مباشر فانها تتعامل معها بشكل غير مباشر عن طريق طرف ثالث سواء بعلمها او بدونه خصوصا ان كان الطرف الثالث بلدا كاميركا. ويبقى العامل الاهم عند الاجهزة الامنية هو الادارة وكفاءتها ونوعية الرجال القائمين عليها.

ولو اخذنا جهاز مكافحة الارهاب في عراق اليوم على سبيل المثال لاكتشفنا فشله حتى قبل مناقشة موضوعه، فالاختراقات الامنية والتفجيرات التي باتت تطال مختلف المدن العراقية وبنفس الاسلوب تقريبا توضح لنا بؤس الاجهزة الامنية وضعفها وعدم فاعليتها كونها تفتقر الى الاجهزة والمعدات المتطورة التي تستخدم بالعديد من دول العالم، وعلى الرغم من توفر اموالا طائلة عند الحكومة الا ان فسادها بدد الكثير من هذه الثروات ومن اشكال الفساد هذا شراء لعب اطفال على انها اجهزة كشف متفجرات راح ضحيتها اضافة الى المال العام ارواح الالاف من العراقيين الابرياء. ولضعف جهاز الاستخبارات العراقية نتيجة اختراقها من بلدان عديدة فان الثقة به اصبحت ضعيفة ان لم تكن معدومة، خصوصا وان القائمين عليه اثبتوا لشعبنا قبل الاخرين افتقادهم للحنكة والكفاءة لانهم اساسا يعملون باوامر ادارة غير مهنية ولا تعرف عن هذا العالم المخابراتي الواسع اي شيء تقريبا.

على الرغم من كل هذا الفشل المدوي في الحد من العمليات الارهابية بالعراق وليس القضاء عليه، وعلى الرغم من ان العراق يفتقد الى قائد سياسي محنك قادر على التعامل مع ابناء شعبه كمواطنين عراقيين دون النظر الى مذهبهم ودينهم وقوميتهم، وعلى الرغم من تكريس واقع النظام المحاصصاتي الطائفي وما جناه البلد منه من دمار سيستمر حتى انهاء شكل المحاصصة اللعين بالحكم، وبدلا من تسويق الحاج ابو اسراء نفسه كحامي للنظام الديموقراطي الحقيقي وليس المحاصصاتي مثلما يريد وحزبه القائد. نراه يقف بالبيت الابيض مطالبا الولايات المتحدة باعلان الحرب "العالمية الثالثة" على الارهاب عبر مؤتمر يعقد ببغداد لهذا الغرض!!! ولا ادري هل كان الحاج جادا في طرحه لمبادرته هذه ام انها مزحة او زلّة لسان ومن يضمن استقرار الوضع الامني حينها، ام ان لاجهزة الحاج الامنية خطتها الجاهزة والمعروفة وهو منع التجوال في بغداد طيلة ايام المؤتمر ولواستمرت شهرا ومنع دخول اي مركبة وانسان وحيوان اليها!!، اي سجن سكان العاصمة ببيوتهم !؟ فان كانت خطة اجهزة الحاج الامنية لذلك اليوم هي ما جئت به وقد فعلتها مرة عند انعقاد مؤتمر الجامعة العربية فهذا يعني فشل الوفد العراقي بهذا المؤتمر حتى قبل انعقاده.

ولا أدري على ايّا من الرجال الابطال يريد الحاج ابو اسراء الاعتماد لمشاركة العراق في الجهد الدولي عبر مؤتمر لمحاربة الارهاب، فأن كان يعني حمّودي صاحب صولات وجولات المنطقة الخضراء فانني اطمئنه من ان حمّودي وان كان بطلا صنديدا الا ان بطولاته لاتتجاوز المنطقة الخضراء المقدسة، ومحاربة الارهاب الدولي بحاجة الى تواجد الرجال الابطال في مناطق مختلفة من العالم من دون حمايات آبائهم واقربائهم. وان كان يعتمد على رفيق دربه ووكيل اقدم وزارته ابو حسنين، فانني اطمئنه من الان على فشل اختياره لان الرجل اثبت فشله الذريع بمحاربة الارهاب حتى داخل بغداد التي يتحصن بمنطقتها الخضراء ناهيك عن باقي العراق، على الرغم ان الارهاب في عهده وصل الى لفظ انفاسه الاخيرة مرات عدة حسب تصريحات وزارته، كون الرجل ليسا مهنيا ومهارته الوحيدة لشغل هذا المنصب الحساس هو عضويته في حزب الدعوة القائد.

الحاج ابو اسراء محاربة الارهاب بحاجة قبل كل شيء الى رجال دولة وانت والذين معك في الوزارة والبرلمان لستم برجال دولة بل رجال سلطة همّها الاول والاخير سرقة ثروات البلد المنكوب وشعبه بكم. وان من الامور الكبيرة هو الاعتراف بالفشل وتصحيحه فهل تعتبر نفسك وكل المتحاصصين بالبلد فاشلين؟ وان لم تكونوا فاشلين من وجهة نظركم فهل تريدنا منحكم  40 عاما من عمر الوطن لتعترفوا بفشلكم!؟

ما أغلى الوطن على القلوب الطيبة المنبت " فولتير"

زكي رضا
الدنمارك
3/11/2013



   







400
شيعة العراق ضحايا ساسته ورجال طائفتهم

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وليومنا هذا لم يتعرّض مكون عراقي لعزل سياسي وتجهيل متعمد كما شيعة العراق، مرّة من السلطات الحاكمة ومرّات من ساسته ورجال طائفته الذين ما انفكّوا يتاجرون بمأساته لليوم. فمع تأسيس الدولة العراقية الحديثة من قبل المحتلين البريطانيين استنكفت المرجعية الدينية الشيعية - لعدم وجود طبقة سياسية حينها - وبخطأ تاريخي كبير بعد ثورة العشرين المساهمة في ادارة الدولة العراقية الناشئة والتي يمثل شيعة العراق فيها الثقل الاكبر عدديا. ما ادى الا عزل ابناء طائفتهم عن المراكز الحساسة والمهمة في الحكومة والدولة كالجيش والتعليم وغيرها من المؤسسات ما ستدفعه اجيالهم اللاحقة تهميشا وأمية من قبل السلطات العراقية المتعاقبة خلال العهد الملكي خصوصا، و مسلوبي الارادة وتابعين لسلطة رجال الدين الذين كرّسوا الجهل عندهم بمنعهم انخراط ابناء الطائفة في المدارس الحكومية لسنوات طويلة.

ان "مظلومية الشيعة" تكون مفهومة من قبلهم اذا ما تعلق الامر في شعورهم بالاضطهاد من الحكومات العراقية "السنية" عدا فترة ثورة تموز، وهذه "المظلومية" وجدت من يتعاطف معها ليس بين اوساط الشيعة فقط بل وبين قسم لا يستهان به من "السنة" والكورد وباقي مكونات شعبنا اضافة الى الفصائل السياسية اليسارية والديموقراطية ذات البعد الوطني. ولكن هذه المظلومية تصبح محل تساؤل اذا ما جاءت من قبل ابناء جلدتهم او بالاحرى ابناء طائفتهم من ساسة ومعمّمين، وهذا ما نريد ان نتطرق اليه هنا خصوصا وان الاسلام السياسي الشيعي والمؤسسة الدينية الشيعية تتحكم اليوم بمصير ليس الشيعة فقط بل وبالعراق وتعمل مع الاسلام السياسي السني والمؤسسة الدينية السنية في دفع الامور بالبلد الى منزلق خطر، باصرارهم على استمرار نظام المحاصصة الطائفية التي اثبتت خلال عقد كامل من تطبيقها فشلها الذريع على مختلف الصعد، وساهمت بوقف عملية اعادة ما دمرته دكتاتورية البعث بل انها ساهمت بشكل اكبر في ازدياد الخراب الموروث من تلك الحقبة السوداء. بعد ان ساهمت - على الاقل سياسيي الطائفتين - في تأجيج حدة الصراع الطائفي وشاركت بعضها البعض في نهب ثروات البلد.

لقد اصطدمت حركة "النهضة الشيعية" وقاعدتها الاساسية اي التعليم بتجاهل تام من العثمانيين وبدايات الحكم الملكي، حيث لم يكن تعداد المدارس يتناسب وسكان مختلف الالوية العراقية "المحافظات"، فلواء مثل الموصل كانت فيه 63 مدرسة حكومية و 4 مدارس اهلية يقابله 4 مدارس حكومية ومثلها اهلية في لواء كربلاء في السنة الدراسية 1921- 1922 * ونستطيع من خلال هذه الارقام ان نتعرف على نسبة الامية وسط سكان كربلاء مقارنة بالموصل. وبدلا من ان تلتفت المؤسسة الدينية خصوصا والساسة الشيعة عموما لردم هذه الهوة الكبيرة نراهم قد توجهوا نحو تدريس العلوم الدينية وكأن بها سيأخذ الشيعي مكانه الحقيقي في المجتمع والدولة. متناسين وعن عمد انهم بعدم دفع ابنائهم الى صفوف الدراسة الحقيقية فانهم يكرسون الامية وما ينتج عنها من جهل وتخلف، والذي ستستغله الحكومات المتعاقبة لتكريس واقع شبه طائفي في هيكلية الدولة لعدم وجود "شيعة" متعلمين بالشكل الكافي.

وقد تغيرت هذه المعادلة تماما بعد ثورة 14 تموز التي نشرت التعليم حتى في مناطق نائية من البلد كالاهوار والقرى المنسية التابعة لبلدات كانت منسية اساسا، ولم تمر سنوات من عمر الثورة الا وكان عدد كبير من " الشيعة" يفرضون انفسهم بتحصيلهم الاكاديمي وليس الحوزوي في دوائر الدولة واجهزتها ومؤسساتها المختلفة. وفي اواسط السبعينات وحتى نهايتها كان للشيعة دورا متميزا في الجامعات والمعاهد العليا كطلبة وتدريسيين. الا ان اندلاع الحرب الصدامية الخمينية قلل من مساحة التعليم بالعراق عموما نتيجة سوق الالاف من الشبان وغالبيتهم من المتعلمين الى جبهات الموت، وضُرِب التعليم في مقتل بعد الغزو العراقي للكويت وما نتج عنها من ويلات، واكبر هذه الويلات كانت الحملة الايمانية للطاغية صدام حسين والتي هي نتاج طبيعي لاندحار وهزيمة النظام مما ترجمه والشعب معه الى هروب كبير للامام حيث النزعة الدينية المتخلفة، وما تنتجه في مثل هذه الاحوال من عادات لا يقبلها العقل الانساني في الفترات الطبيعية لتطور المجتمعات. ففي تلك الفترة المظلمة للثقافة والعلم والذهبية للغيبيات وما يرافقها من دجل وضحك على ذقون البسطاء، انحدر الانسان العراقي الى ادنى مستوى فكري وصل اليه طيلة تاريخ العراق الحديث، ذلك الانسان وبمساعدة "رجال دين" لا يعرفون الا سرقة عقول الناس كي يكونوا قطيعا يقودنه الى حيث يريدون وحكومة تشجعهم سرا وعلانية لحاجتها اليهم ، عبد يومها الجهل والشعوذة كأنهما ركنين مقدسين من اركان الاسلام. حينها كان شعبنا عموما و"الشيعة" خصوصا كونهم الاكثر تضررا من سياسات النظام البعثي المنهار سواء خلال الحرب الصدامية الخمينية ام غزو الكويت وما تلاها من قمع وحشي اثر فشل انتفاضة آذار، من اكثر طبقات وفئات المجتمع اندفاعا نحو التخلف الفكري والثقافي وايمانا بما يأتي به "رجال دين"متخلفون من امور تثبت لاي انسان يحمل ذرة من الوعي انهم منحوا العقل اجازة مفتوحة.

وما ان انهار النظام البعثي اثر احتلال العراق حتى تفاءل الكثير من العراقيين وبينهم عدد كبير من "الشيعة" بتغيير معادلة الجهل والتخلف الى معادلة العلم والمعرفة، خصوصا وان الذين باتوا يمتلكون زمام الحكم هم من ابناء مذهبهم، والذين طالما بشّروا بعراق جديد عندما كانوا في المعارضة. ويبدو ان حسابات الحقل لم تأتي وفق حسابات البيدر، فالساسة الشيعة ومن خلفهم مؤسستهم الدينية عرفوا منذ البداية ان شعبا واعيا يمتلك ناصية العلم وفي ظل اي نظام ديموقراطي لن يمنح اصواته للمتخلفين والمشعوذين واللصوص، ما دفعهم وللاسف الشديد الى ليس تجاهل التعليم ومستواه فقط من حيث تعداد المدارس وجودتها و مستواها التعليمي، بل الى تشجيع عمليات التزوير ومنح شهادات علمية مرموقة من جامعات عراقية لمتخلفين ودجالين بعد ان تتم معادلة شهاداتهم في تخصصات لا تعرفها اية جامعة من جامعات العالم، يرافقه تجاهل متعمد لحملة الشهادات الحقيقية وعزلهم ومحاربتهم كونهم لا ينتمون الى احزاب السلطة الطائفية كما كان عهد البعث منذ العام 1979، لينحدر مستوى التعليم وبالتالي الوعي والثقافة الى مستويات متدنية جدا. وهذا ما تحتاجه احزاب السلطة الشيعية تحديدا لاستمرار هيمنتها على مقاليد الحكم ورقاب رعيتهم من بسطاء وفقراء الشيعة تحديدا.

في مقالتي هذه كنت مضطرا لعرض هذه المقدمة الطويلة نسبيا لمناقشة الانتخابات البرلمانية القادمة وكيفية محاولة القوى الدينية الاستمرار في السلطة عن طريق اشاعة الجهل والتخلف بين صفوف اوساط واسعة من ابناء طائفتهم، هذا التخلف المتعمد استشرائه في المجتمع كي يضمنوا ومن خلفهم "رجال دين" على الدوام اصوات الاميين وانصاف المتعلمين استنادا الى قوانين انتخابية تفصّل على مقاسات هذه القوى نتيجة استمرار نظام المحاصصة.

ان اصرار حزب الدعوة وباقي القوى الدينية على وجه الخصوص بالقفز على قرارت المحكمة الدستورية والتي هي باتّة وملزمة للسلطات كافة وفقا للمادة 91 من الدستور لاجل سرقة اصوات الناخبين الذين لم يصوتوا له، والاصرار ايضا على جعل العراق دوائر انتخابية متعددة مع اعطاء صلاحيات واسعة لرئيس القائمة بالتعامل مع نوابه، يحتاج الى مستلزمات عديدة خصوصا بعد فشل هذا الحزب ورئيسه ومعهم كل اطراف المحاصصة في انتشال البلاد مما هي فيه طيلة دورتين انتخابيتين. واهم هذه المستلزمات والتي تعتمد عليها القوى الشيعية الحاكمة اعتمادا كليا هو استمرار ازدياد اعداد الاميين وانتشار الجهل والتخلف بين صفوف المجتمع ليكونوا جيشهم الذي يقاتلون به التنوير والعلم والثقافة. وهم في هذا الحالة بحاجة الى نواب من طراز خاص، نواب متخلفون واميون فكريا وثقافيا، نواب لصوص وسراق للمال العام، نواب ينظرون الى اصبع رئيس قائمتهم ليعلنوا نفاقهم السياسي، نواب لا ارادة حقيقية لهم.

ومن هؤلاء المرشحين ليكونوا نوابا في التحالف الشيعي القادم بزعامة المالكي الحالم والذي يعارك الحقيقة التي اثبتت فشله لليوم كي يكون رئيسا للوزراء للمرة الثالثة، كارثة من بابل اسمها " فوزية الجشعمي" التي كفرت بالله كفرة صلعاء، عندما تحدّت ارادة الله بان ترغمه على ادخال من يكتب كلمة "قبلت" على صفحتها "المباركة!!" الجنة بأن لا تدخلها الا ومعها ذلك الافاق الذي سيغفر الله له كل ذنوبه لانه آخى "فوزية". حينما قالت " انني ان كنت من اهل الجنة والشفاعة وأذن لي بدخول الجنة لن ادخلها الا وانت معي!!!!!".

بامثال "فوزية" والذين صوتوا وسيصوتون لها كي تصل الى قبة البرلمان وفق شروط حزب الدعوة يريد المالكي بناء دولة، بأمثال "فوزية" ومريديها من الطامعين بالجنة يريد المالكي محاربة الارهاب واستقرار الامن، بأمثال "فوزية" وجيش المتخلفين الذي وراءها يريد المالكي النهوض بالعملية التربوية واشاعة العلم في البلد. ان امثال "فوزية" من دجالين ومشعوذين وهم كثر من الجنسين يسيئون اساءة كبيرة الى المذهب الشيعي قبل غيره، وعلى رغم هذه الاساءة التي وصلت الى الكفر العلني نرى وللاسف الشديد صمتا مطبقا من رجال دين كنا نتوسم فيهم العقلانية في محاربة الظواهر الغريبة والشاذة ليس في المذهب فقط بل وفي المجتمع ككل ايضا. فهل بشفاعة فوزية لناخبيها سينتشر التشيع العلوي الحقيقي ايتها المؤسسة الدينية؟ وهل بأمثالها سنصل بالعراق الى بر الامان ايتها الاحزاب الشيعية؟

* من الصحف العراقية القديمة "بغداد من سنة 1900- 1934 "الجزء الاول ص 191 " للكاتب فخري الزبيدي.

سيبقى العقل وليس الدين او المذهب زينة الانسان.



زكي رضا

الدنمارك
7/11/2013


401
ماذا نريد من المالكي في زيارته لواشنطن

في شهر ايلول الماضي واثناء انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة وعلى خلفية سماح العراق للطائرات الايرانية بالعبور من اجواءها محملة بالاسلحة متجهة الى سوريا وفق المصادر الامريكية دون تفتيشها، وبعد رفض الادارة الامريكية ترتيب لقاء له مع الرئيس اوباما هو الثاني خلال عام واحد الغى المالكي زيارته الى واشنطن لالقاء كلمة العراق في الامم المتحدة على ان يلقيها نائب الرئيس العراقي بدلا عنه، وقد علل اعضاء في  دولة "القانون" عدم سفر المالكي حينها بعدم توجيه الادارة الامريكية دعوة اليه علما ان زعماء العالم اجمع يزورون مقر الامم المتحدة دون دعوات من الادارة الامريكية!

ومنذ العام الماضي لليوم تغيرت العديد من المواقف السياسية خصوصا ما يتعلق منها بالازمة السورية، فبعد ان كان شبح الحرب يلبّد سماء المنطقة بعد تهديدات عواصم عدة في حلف الاطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا بتحريض واضح من اسرائيل ودول البترودولار العربية كالسعودية وقطر بقصف دمشق، تراجعت احتمالات النزاع العسكري المباشر بعد اصطفاف دول مثل روسيا والصين وحليف سوريا القوي ايران والعراق ومصر ما بعد الاخوان الى جانب نظام بشار الاسد، مع تغيير واضح في الموقف التركي من معارضي دمشق خصوصا بعد المجازر التي ارتكبتها المعارضة السورية متمثلة بالاصوليين الاسلاميين المدعومين خليجيا والمعارك التي جرت وتجري بالقرب من حدودها. وبالوقت نفسه تراجعت المواجهة الايرانية الامريكية بعد انتخاب روحاني رئيسا لايران واتصاله الهاتفي مع اوباما في زيارته الاخيرة لمقر المنظمة الدولية بنيويورك، ما سمح بخلق مناخ سياسي جديد في المنطقة يعطي فرصا اكبر للديبلوماسية في تقريب وجهات النظر من اجل حل العديد من المشاكل واهمها ملف ايران النووي والارهاب، على الرغم من وقوف جهات عدة ضد هذا التقارب منها السعودية واسرائيل اضافة الى اليمين الايراني التقليدي. ويبقى الموقف السعودي مثيرا للتساؤلات حول عدم ادراكها لسياسة توازن الرعب الشيعي السني في المنطقة خصوصا بعد موقفها المتشنج من السياسة الامريكية في حل الازمة السورية وفتح بعض القنوات مع ايران.

أن المالكي الذي سيزور واشنطن نهاية الشهر الجاري قد عبّدت له الظروف السياسية الاخيرة مجالا رحبا للحوار مع الادارة الامريكية حول ملفات عديدة منها ما يتعلق بالوضع الاقليمي وتداعياته ومنها العلاقات العراقية الامريكية من خلال اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي ابرمها الطرفان في 17/10/2008 ومنها ملف الارهاب الذي يؤرق الكثير من الدوائر السياسية في المنطقة والعالم كون هناك بلدان تعمل على تغذية الارهاب بشكل علني تقريبا كقطر والسعودية مثلا. والملف الامني يعتبر التحدي الاكبر للمالكي الذي عجز لليوم عن توفير ظروف سياسية قادرة على تحجيمه "داخليا" للقضاء عليه مستقبلا على الرغم من توفر الكثير من الامكانيات المادية لديه والتي فشلت نتيجة سوء ادارته للغالبية العظمى من الملفات نتيجة الفساد الاداري والسياسي الذي انهك البلد اضافة الى سياسة المحاصصة التي يصر عليها المالكي ومنافسوه على نفس القدر ما دامت تعزز مواقعم في السلطة، فهل سيعود لنا المالكي من واشنطن "ومعبّي شليله" كما نقول في لهجتنا المحكية، أم انه سيعود الينا لنبدأ معه رحلة الالف ميل من خطوتها الاولى التي بدأناها في 9 نيسان 2003 ؟

أن ما يهمنا كعراقيين اليوم هو ترميم بيتنا الداخلي قبل كل شيء وهذا ما فشل فيه المالكي لليوم تحديدا، أما الوضع الاقليمي وخصوصا السوري والارهاب الدولي فعلى رغم اهميتهما القصوى في استقرار البلد الا انه اكبر من طاقة الحكومة العراقية كي تكون لاعبا فيها لاسباب عدة، اهمها صبغة الطائفية التي صبغت حكومة بغداد نفسها بها اثناء تعاملها مع الملف السوري قبل بدأ الحرب الاهلية وبعدها. فموقف المالكي شخصيا من دمشق قبل الاحداث فيها هو على النقيض تماما من موقفه بعدها وهذا ما يفسره العديد على انه جاء متوائما مع الموقف الايراني والذي تتبناه العديد من الفصائل السياسية العراقية، آخذين بنظر الاعتبار مواقف قوى سياسية اخرى تغيرت مواقفها من داعم لدمشق قبل الاحداث الى معاد لها بعدها معتمدة هي الاخرى على الاصطفاف الطائفي.

وعودة لزيارة المالكي الى واشنطن فان مناقشة اتفاق الاطار الاستراتيجي وتفعيل بنوده خصوصا تلك المتعلقة بترسيخ الديموقراطية والامن،  قد تكون اذا كانت هناك نية حقيقية بتحقيقها مفتاحا لحل الكثير من الازمات التي يمر بها بلدنا، والتي ستنعكس حتما على استتباب الامن بعموم المنطقة وما سيرافقه من تطور اقتصادي نتيجة انحسار الارهاب وجذب المستثمرين لبدأ عملية البناء التي كان عليها ان تتحرك قبل عشرة اعوام.

فمسألة تسليح الجيش العراقي باحدث الاسلحة مما يعزز من مكانته وهيبته وقدرته على القيام بالمهام التي على عاتقه في استتباب الامن والحفاظ على سلامة البلد وتدريبه تدريبا جيدا وابعاده عن الطائفية وعن التدخل بالشأن السياسي، قد تم تثبيته في اتفاق الاطار الاستراتيجي في قسمه الاول "مباديء التعاون" الفقرة ثانيا الذي ينص على " ان وجود عراق قوي قادر على الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة ". لذا فعلى المالكي ان يهتم بمسألة تعزيز قدرات الجيش العراقي بالاسلحة المختلفة لمواجهة الارهاب اكثر بكثير من جهده في اطلاق "مبادرة" لحل ازمة هنا وازمة هناك، كون الازمات التي عندنا لاتعد ولا تحصى وعلى الرغم من ذلك نرى ان مبادرات المالكي لحلها ناقصة كونها لاتنتطلق من موقف وطني حقيقي لحلها.

كما وعلى المالكي ان يُفَعِّل اللجان الثقافية التي نصت علىها بنود الاتفاق في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي وبناء الجامعات، والاسراع بعلاقات التوأمة بين المؤسسات المختلفة وخصوصا برنامج الارشاد الزراعي التابع لوزارة الزراعة الامريكية، وقد اكد الطرفان في القسم الرابع الفقرة 2 من الاتفاق الاستراتيجي عليها. وهناك الكثير من النقاط في الاتفاق التي من الممكن مناقشتها مع الادارة الامريكية قي سبيل تحقيقها وبمختلف المجالات.

لكن السؤال المهم الذي يسبق كل النقاط التي وردت اعلاه هو مدى جدية الادارة الامريكية بالضغط على المالكي في تنفيذ النقطة الاولى من القسم الثاني من الاتفاق والذي بعنوان " التعاون السياسي والديبلوماسي"، الذي ينص على " دعم وتعزيز الديموقراطية والمؤسسات الديموقراطية في العراق التي تم تحديدها وتأسيسها في الدستور العراقي، ومن خلال ذلك، تعزيز قدرة العراق على حماية تلك المؤسسات من الاخطار الداخلية والخارجية". وهل هناك امكانية الضغط على المالكي لاحترام قرارات القضاء العراقي وتعزيز علاقة القضاء مع السلطة التنفيذية لمحاربة الفساد وغسيل الاموال وتهريبها وغيرها والتي ناقشتها النقطة الثالثة من من اتفاقية الاطار الاستراتيجي في نقطته الثالثة، خصوصا بعد اخبار تهريب 800 ميليون دولار اسبوعيا الى خارج البلد عن طريق مافيات السلطة المختلفة.

ان زيارة المالكي ستكون ناجحة اذا تناولت جميع الملفات التي تهم الشأن الداخلي وسبل تحقيقها بفترات قريبة، اما اذا كانت الزيارة تهدف الى تعزيز وضعه قبل الانتخابات وتسويق نفسه باعتباره المرشح الاكفأ والافضل لقيادة البلد رغم فشله لدورتين متتاليتين، فان الاوضاع في البلد ستسير بوتيرة اسرع الى مزيد من الخراب والدمار. ان احترام المؤسسات الديموقراطية واحترام بنود الدستور وخصوصا ما يتعلق منها بتعزيز الحريات واحترام القضاء وقرارات المحكمة الاتحادية هي الفيصل الابرز بين النظام الديموقراطي و النظام "الديموقراطي السيامي" ، كون ديموقراطية الاسلام السياسي اليوم ديموقراطية "انتقائية " وهي اشبه بديموقراطية ذات رأسين كما الاطفال السياميون.

زكي رضا
الدنمارك
27/10/2013   

           

402

رد هادئ على مقالة السيد زهير شنتاف


إن مقالتي، التي كانت بعنوان "حجي ابو اسراء تعال نبحث معا عن معاناتكم" والتي كتبتها ردا على كلمة المالكي التي القاها امام المؤتمر التأسيسي لرابطة ذوي الشهداء، تلك التي قفز فيها على معاناة جميع الفصائل السياسية العراقية التي قاومت الدكتاتورية البعثية واعتبرها لا شيء تقريبا امام معاناة اعضاء الفصائل الاسلامية، أثارت حفيظة السيد زهير شنتاف ما دعاه ان يرد على مقالتي بمقالة هادئة وحضارية حملت بين اسطرها العديد من النقاط التي اراها جديرة بالنقاش وليس السجال، لان السجال في الظرف السياسي الراهن ومحاولة التقليل من شأن اي حزب او فصيل سياسي او عزله او سرقة اصوات ناخبيه بقوانين مخالفة لقرارات المحكمة الاتحادية والتقليل من معاناة اعضائه وعدم الاعتراف بشهدائه كما يفعلها المالكي دوما لا تخدم العملية السياسية المتعثرة اساسا.

إن ما جاء في مقالتي التي اثارت السيد شنتاف كانت رد فعل لخطاب رجل يمثل السلطة في بلدي بل هو رأس السلطة واذرعها، علما ومن خلال كتابات السيد شنتاف نستطيع ان نتعرف على موقفه من المالكي وانتقاده المستمر لنهجه الذي خرج عن نهج الدعاة الذين قدموا قوافل الشهداء من اجل العراق وليس من اجل الطائفة والذي لازال السيد شنتاف يؤمن به. ولكنني وقبل ان أبدأ بمناقشة ما جاء في مقالته ارى من الضروري توضيح امر هام جدا وهو ان شهداء العراق على مختلف مشاربهم واديانهم ومذاهبهم وقومياتهم من الذين سقطوا في سوح النضال السياسي على مر تاريخه الحديث ومنهم على الاخص من قاوموا آلة البعث الهمجية اثناء فترتي حكمهم الاسود يعتبر خطا احمرا لا يجوز لاي كان التجاوز عليه ومهما كان منصبه، ومن هؤلاء الشهداء وفي المقدمة منهم ابن الشعب البار الشهيد عبد الكريم قاسم الذي رفضت بعض الجهات المتنفذة في حكومة المالكي اعتباره شهيدا!!!

سأبدأ بمناقشة النقاط التي اثارها السيد شنتاف المحترم في مقالته حسب تسلسلها في ردّه وليس حسب التسلسل التاريخي للاحداث محاولا الاجابة على جميع تساؤلاته وبشفافية عالية متمنيا ان لا يكون ردي هذا سجالا، بل توضيحا لحقائق قد اكون قد قفزت على بعضها وتناولتها بشيء من العصبية او يكون السيد شنتاف قد قفز عليها وتناولها بعصبية، علما ان تناولنا للاحداث والقفز عليها كمواطنين عراقيين مختلفين آيديولوجيا شيء والقفز عليها من قبل المالكي او اي متنفذ في سلطة المحاصصة شيء آخر، حيث اننا نمثل انفسنا عندما نكتب على الاقل من جانبي فانا اعبر في كتاباتي عن وجهة نظري الشخصية فقط، والمالكي يمثل الدولة او هكذا يجب ان يكون. والدولة ويشاطرني السيد شنتاف الرأي على ما اظن فيه ليست للشيعة ولا للسنة ولا للعرب او الكورد او غيرهم من مكونات شعبنا، كما وانها ليست لاي طيف سياسي معين لان الانتخابات التي جاءت بالمالكي وحزبه للسلطة اليوم ستأتي بغيره في وقت آخر اذا سارت العملية الديموقراطية بالشكل الذي نتمناه جميعا للوصول بالعراق الى بر الامان.

يبدأ السيد شنتاف مقالته بأن يعطيني الحق في انتقادي للمالكي فيما يتعلق بنفيه او قفزه على نضالات التيارات السياسية العراقية غير الاسلامية ومقارعتها للنظام الفاشي، بل ويذهب ابعد من ذلك في انه يمنحني وبالضرورة الاخرين في انتقاد اداء المالكي خلال فترة حكمه والتي تعني انتقاد السلطة بجميع احزابها المتحاصصة وما خلّفته من دمار على مختلف الصعد. ولكنه يتوقف عند جملة "تعال نبحث عن معاناتكم" التي وردت في عنوان المقالة مطالبا مني ان اتحدث عن المالكي كشخص وليس كحزب، فهل هاجم السيد المالكي شخصا معينا عندما بخس حق الاخرين شدة معاناتهم مقارنة مع الاسلاميين؟ وما يريدني السيد شنتاف ان اقول للمالكي، هل اقول "معاناتك وشهداءك على سبيل المثال"؟ ومن هو المالكي اليوم اليس رئيس حكومة وقائمة انتخابية وحزبا؟ ومن هم جماهير حزب الدعوة اذن اذا كان المالكي لا يمثل حزب الدعوة، وهل هناك تيار كبير من الدعاة اعلن انتقاده الواضح لاداء المالكي وانشق عنه مثلا كي يكون وارثا لتنظيمات الحزب؟

سأسوق للسيد شنتاف مثلا قريبا جدا من منطقه حول ان" المالكي بعد السلطة ليس المالكي قبل السلطة بكل اسف" و"لان حزب الدعوة بعد عام 2003 هو ليس حزب الدعوة منذ عام 1957 وحتى 2003 فحزب 2003 هو حزب المالكي وليس حزب الدعوة الاسلامية المعروف وان اختطف الاسم زورا وبهتانا". وهو انني في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي كنت في حوار وآخرين في دمشق حول الوضع في العراق وشدة بطش النظام وضرورة انهاء الحرب الصدامية الخمينية، وكان بين الحضور شخصا عرفت من انه بعثي محسوب على ملاك ما يسمى بقيادة القطر ورأيته متحمسا جدا في نقاشه مما دفعني لاسأله عن جماهير حزبهم في الداخل وتنظيماتهم ليفاجئني من انهم "قيادة القطر" تعتبر جماهير البعث داخل العراق جميعا على ملاكهم، وان حزب البعث عام 1979 سنة وصول صدام الى السلطة هو غير حزب البعث منذ تأسيسه في العام 1947 ، وانه اي صدام قد سرق الحزب واسمه. وهنا لا اريد ان اقول بان السيد شنتاف قد نحى منحى ذلك البعثي في هذيانه لانني كما السيد شنتاف لا اؤمن بمقارنة اي سياسي عراقي قارع النظام الدموي البعثي بامثال ذلك النكرة البعثي وغيره من البعثيين سواء كانوا خارج السلطة او قريبين منها او فيها اليوم، واعتقد ان السيد شنتاف يعرف جيدا من هم بعثيو السلطة اليوم.

وفي مكان آخر من المقالة يخاطبني السيد شنتاف قائلا"ولشدة غضبك تجاوزت حقائق تاريخية ووقائع اظهرت بانك لم تعايش الاحداث وليست لديك معلومات عن التاريخ السياسي لحقبة معينة من الزمن حيث اعبت على الدعوة عدم مشاركتها في احداث لم تكن قد تأسست فيه بعد و لا اريد ان اقول بانك نحيت منحى المرتزق البعثي حسن العلوي في هذياناته الاخيرة ... لان البعثي مرتزق ومنافق وجبان .. الخ ". مسألة قراءتي لتاريخ العراق السياسي من عدمه او عدم معايشتي للاحداث من وجهة نظره كوني ذكرت احداثا تاريخية لم يشارك فيها الدعاة لعدم تأسيس حزبهم حينها، هفوة لم اكن اتمنى ان يقع فيها السيد شنتاف لانني عندما خاطبت حزب الدعوة قائلا اين نضالاتكم لأن المالكي كما اسلفت رئيس الحزب ولكي اذكره فقط بان الحزب الذي يريد ان يقفز على نضاله وغيره من القوى الاخرى كانت على الساحة وتقارع انظمة الاستبداد المختلفة قبل تأسيس حزبه، أما اذا كان السيد شنتاف قد فهم حديثي على انه انتقاص لنضال حزب الدعوة ضد النظام الدموي البعثي فانني امتلك الشجاعة الكافية في ان اتراجع عما كتبته. كما وانني على قدر معلوماتي المتواضعة درست شيئا ولو بسيطا عن تاريخ العراق السياسي الحديث ومنه تاريخ الحركة الاسلامية ودور علماء الدين في ثورة العشرين ومحاولة تأسيس تنظيم باسم "جمعية شباب الشيعة" بمبادرة من قبل علماء الدين في النجف وكربلاء وشيوخ عشائر الفرات الاوسط عام 1932 ومحاولة آخرين تأسيس جمعية سرية اسمها "الصباح"، مرورا بتأسيس حزب الدعوة الذي تشكل بشكل جنيني نهاية خمسينات القرن الماضي وتحديدا بعد ثورة 14 تموز على يد الشهيدين مهدي الحكيم ومحمد باقر الصدر والسيد طالب الرفاعي، ومما يعزز ذلك (ان أقدم وثيقة يمكن ل" حزب الدعوة" ان يدّعي اصدارها بصفتها بيانا ايديولوجيا او سياسيا تعود الى اواخر العام 1960 او اوائل العام 1961) (*) كما وعاصرت عن قرب تأسيس المجلس الاسلامي الاعلى بداية الثمانيات في ايران عندما كنت مهجرا إليها من قبل النظام الفاشي "المنهار".

وخير دليل على ان مقالتي جاءت كرد فعل لسياسي يتخبط في اقواله وتصريحاته متناسيا انه رئيس وزراء دولة وليس زبونا في مقهى شعبي، كتابتي في شباط الماضي مقالة عن شهداء حزب الدعوة من خلال صديقين وزميلي دراسة من تنظيمات الحزب استشهدا في اقبية الجلادين البعثيين بعنوان "رسالة الى شهيدي حزب الدعوة رعد مير حسن وعامر عبد الرزاق" (**) متمنيا من السيد شنتاف قراءتها بامعان ليعرف من انني انحني اجلالا امام كل شهداء العراق الذين ضحوا باغلى ما يملكون من اجل انقاذ وطنهم واسعاد شعبه، كلا حسب رؤاه وافكاره وقد تقاسم الشهداء اولئك نفس الزنازين متحدين نفس الجلادين وآلة تعذيبهم الهمجية ومنهم بكل تأكيد الشهداء صاحب دخيل وعارف البصري ونوري طعمة والالاف غيرهم من مناضلي حزبكم والاحزاب الاخرى، ليأتي اليوم وللاسف الشديد شخص كالمالكي ليقفز على جراحات الكثير منهم. لقد كان على الدعاة ان يكونوا من اوائل الذين يطالبون المالكي بالاعتذار لا ان يتركوه يصرّح تصريحا تلو الاخر ليسيء الى تاريخ حزبهم الذي قارع الدكتاتورية لعقود وحال وصوله للسلطة لبس لبوسها. كان على السيد شنتاف ان يدافع عن شهداء فصائل المعارضة العراقية التي ناهضت الدكتاتورية حال سماعه كلمة المالكي لا ان يوجه لي سهام النقد على الرغم من انها حضارية ومتزنة. واود هنا ان اقول للسيد شنتاف هو انني قد اكون جنحت نحو العصبية قليلا وانا ارى المالكي يهذي كما هذيانه عن بطولاته وهو صغير وبطولات ابنه وغدا صهره لتعاد الروح الى المقبورين عدي وقصي وحسين كامل ابناء وصهر دكتاتور العوجة، ولكن لجنوحي نحو العصبية سبب اكبر مما جاء به المالكي وهو الوطن الخرب والشعب المغلوب على امره من قبل الاسلام السياسي بشقيه السارق منهم والقاتل. ان تجربة عشرة اعوام من السلطة وازدياد اعداد اصحاب الملايين ومنهم للاسف الشديد رجال دين يعتمرون العمامة ويعرفهم السيد شنتاف خيرا مني مقابل فقر قطاعات واسعة من ابناء شعبنا، كافية لان نتعرف من خلالها ان احزابا نست ما عاهدت به الله والناس عندما كانت تتقاسم وبقية اطراف المعارضة غربتها القسرية وقسوتها لم تفشل فقط بل سقطت أو ستسقط من اعين كل ذي ضمير حي يرى وطنه مهددا وشعبه مقتولا وثرواته منهوبة.

ارى من الضروري ان اشكر السيد شنتاف لمخاطبته اياي بالضمير "انت" او باسمي الشخصي كي لا تؤخذ وجهات نظري الشخصية على انها تمثل رأي الحزب الشيوعي او انها من سياسة الحزب. وهذه المخاطبة تمنحني حرية الكتابة وعرض وجهة نظري وفق رأيي الشخصي للامور لاقول للسيد شنتاف، اذا كنتم كاسلاميين ورثة المرجعية ورجال الدين الذين ساهموا في قيادة ثورة العشرين فأنتم بالضرورة ورثة نفس المرجعية ورجال الدين الذين قدموا فتوى للبعث والمجرم عبد الغني الراوي في قتل وابادة الشيوعيين واغتيال ثورة 14 تموز، التي وعلى عكس المعلومات التاريخية التي يعرفها القاصي والداني دافع الحزب الشيوعي عنها حتى بعد نجاح الانقلاب، وبقيت المقاومة الشعبية التي قادها الحزب مستمرة لايام في الكاظمية وعكد الاكراد وغيرها من مناطق العراق، في وقت كانت رشاشات البورسعيد تنتقل من كتف بعثي الى كتف اسلامي من جماعة الخالصي في الكاظمية الذي شارك اجداده في ثورة العشرين، وهذا يخالف ما جاء به السيد شنتاف حول ترك الحزب عبد الكريم والشعب لوحدهما امام جلادي شباط وحلفائهم.

اما حول ما جاء به السيد شنتاف عن الجبهة الوطنية فانني اعتقد ان الحزب قد قيّم موقفه منها منذ المؤتمر الرابع، ويستطيع السيد شنتاف ان يرجع الى ارشيف الحزب في صفحته للاطلاع على وثائق ذلك المؤتمر. نعم ان ما جاء به السيد شنتاف حول الجبهة الوطنية صحيح الى حدود بعيدة، ولكن علينا ان لا نبخس الامور حقها وهنا لست بصدد دراسة الوضع الذاتي والتاريخي لحظتها لانها تحتاج الى دراسات طويلة أو الدفاع عن الجبهة. ولكنني اود ان اوضح للسيد شنتاف ان فترة الجبهة كانت من افضل الفترات التي مر بها العراق من حيث تطور البنى التحتية وتقدم المستوى العلمي والطبي والتقدم الكبير في مجالات الفن والثقافة والرياضة ونمو القطاعين الزراعي والصناعي وخصوصا الصناعات المحلية وانعدام البطالة ونجاح حملات محو الامية، تلك التي دمرها الطاغية صدام حسين بحروب رعناء. والحزب الشيوعي ذو الثمانين عاما من النضال لابد ان ينجح هنا ويخطأ هناك كما الاحزاب الاخرى وقد انتقد الحزب في ادبياته العديد من المواقف كما ثمّن غيرها، وكذلك فعل البعض كالسيد مسعود البارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكوردستاني ورئيس اقليم كوردستان، عندما انتقد موقف والده الراحل "الملا مصطفى البارزاني " من انقلاب شباط والبعثيين عام 1963، فهل تستطيع الاحزاب الاسلامية وهي ترث مواقف رجال الدين على الدوام ان تعترف بخطأ اصطفافها الى جانب البعث ضد ثورة 14 تموز وزعيمها الشهيد قاسم الذي اعتبر حينها ولغاية سقوط فاشيي بغداد الزعيم الوحيد الذي انصف الشيعة.

ان موقف الحزب من احداث خان النص تعتبر من وجهة نظري موقفا لم يكن على الحزب اتخاذه ليس لتقدمية القوى الدينية التي اشار السيد شنتاف الى عنوانين نشرا في طريق الشعب حينها تحمل كليهما اسم الرجعية، بل لان ضرب القوى الاسلامية والعلاقة المتأزمة مع الكورد كان يجب قراءتها بشكل صحيح على انها مقدمة لضرب الحزب لاحقا. ولكنني هنا اطالب السيد شنتاف وللامانة التاريخية ان يأتينا برقم عدد طريق الشعب وتاريخ اصدارها تلك التي يقول فيها ان طريق الشعب كانت "تنشر عناوين بيوتات الدعاة والمساجد التي يتواجدون فيها حتى تذهب قوات امن حزب البعث لاعتقالهم وخصوصا في البصرة" ليستمر قائلا من دون دليل ان الشيوعيين كانوا سببا في استشهاد العشرات من الدعاة على ايدي البعثيين المجرمين!!، فهل قوات الامن البعثية كانت بحاجة الى جهود الاخرين في ملاحقة الناس واعتقالهم!؟ وماذا عن الالاف من الشيوعيين الذي استشهدوا على يد البعثيين بفتاوى دينية ومن المسؤول، اليست القوى الدينية الوريثة لجهاد رجال الدين كما اوضح السيد شنتاف في مقالته.

اما حول ما جاء به الكاتب عندما قال ( وبالتالي ليس كل ما قلته صحيحا عندما كتبت "وكذب سيدكم في المنطقة الخضراء الذي يحلم بان يجعل من حزبكم اليوم حزبا جهاديا وفيه من البعثيين والجلادين واللصوص")، ليقول "فالمالكي لم يحلم بان يجعل حزبنا جهاديا بل الحزب كان فعلا جهاديا ...الخ " والان لنناقش معا ما كتبته انا وما كتبه السيد شنتاف من الناحية اللغوية لا غير لنصل من خلالها الى ما اريد قوله وما يريد السيد شنتاف تأويله. فانا قلت "ان يجعل من حزبكم اليوم" ويجعل فعل مضارع وعليه فان الجملة تعني الان والمستقبل، وما يؤكد كلامي هو قولي وفيه من البعثيين والجلادين واللصوص المئات من الذين تعرفونهم انتم قبل غيركم والعديد منهم في مراكز سياسية هامة في الحكومة والبرلمان"، وعلى حد علمي بل وانا متأكد من خلو حزب الدعوة كفصيل سياسي كان في الصفوف الامامية اثناء نضاله ضد الطغاة من بعثيين وجلادين ولصوص حينها، وعندما اقول انهم في مراكز سياسية هامة في الحكومة والبرلمان فانني اشير الى اليوم وهذه لا تحتاج الى اثبات ولا الى قسم. ولكن السيد شنتاف يرد علي قائلا " بل الحزب كان فعلا جهاديا" وكان ايها السيد العزيز فعل ماضي ناقص ويأتي في الجملة لحدث مضى، وانا اتحدث عن حزب الدعوة اليوم لذا لا ارى ان هناك ضرورة لخلط الاوراق مطلقا.

وقبل نهاية مقالته يسألني السيد شنتاف بعض الاسئلة القصيرة ومنها، ألم تسمع بانه عندما كانت السماء تمطر في روسيا كان الاخوة الشيوعيين في العراق يحملون المظلات. نعم سمعت ذلك ولكن الم تسمع ايها السيد شنتاف ان الاسلاميين في العراق يتدربون على التزلج في صيف بغداد لان الثلوج تكون حينها تغطي جبال البرز في ايران. ويعود السيد شنتاف ليسألني ، هل هتاف المتظاهرين الذي يقول "بغداد قطعة من السوفييت اسمع يا كريّم هو شعار وطني ويدل على استقلالية. لا لا يدل على استقلالية ولكن هل رفع صور الخميني والخامنئي في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية هو تصرف وطني ويدل على استقلالية؟

اما حول هتاف سبعة ملايين عراقي للحزب الشيوعي وتعداد العراق كان حينها سبعة ملايين، فهل البعثيين والقوميين كردا وعربا وتركمانا والاسلاميين ومنهم اعضاء حزب الدعوة والاطفال والعجزة والراقدين في المستشفيات والعراقيين خارج العراق جميعا ومعهم اركان الحكومة العراقية وعلى رأسها الشهيد قاسم كانوا يهتفون، وكيف استطاع السيد شنتاف عدّهم!

اتمنى ان اكون قد التزمت بادب الحوار في نقاشي مادة الكاتب شنتاف المحترم الذي انهى مقالته مستعيرا الاسطر الاخيرة من مقالتي في تمجيد شهداء العراق جميعا ولكن يبدو ان السطر الرابع من المقالة والتي اقول فيها " والخزي والعار للقتلة ودكتاتوريي الامس واليوم" قد سقط سهوا .

السيد زهير شنتاف المحترم تقبل تحياتي وكل عيد وانتم واسرتكم الكريمة ووطننا وشعبنا بالف الف خير.


(*) العمامة والافندي ص 204 "فالح عبد الجبار"
(**) رابط مقالة "الى شهيدي حزب الدعوة رعد مير حسن وعامر عبد الرزاق"
http://al-nnas.com/ARTICLE/ZReda/16a06.htm 

رابط مقالة السيد زهير شنتاف
http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=145177#axzz2hUKhkSTp

زكي رضا
الدنمارك
17/10/2013

403
المنبر الحر / حتى صدام لم يفعلها
« في: 18:36 14/10/2013  »


حتى صدام لم يفعلها


عندما تكون الدولة لا دولة وعندما يكون القانون لا قانون وعندما تكون الرشوة والفساد وسرقة المال العام عناوين رئيسية لسلطة غير قادرة على توفير الامن "لشعبها" كما السلطة العراقية اليوم. تبدأ حينها مرحلة الشائعات بشكل اكبر من المعتاد لتأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع نتيجة لشحة الاخبار وتضاربها خاصة عندما تكون تلك الاشاعات متوائمة مع العقل الجمعي للمجتمع حينها، شرط ان تكون الاشاعة لها ارضية واهمية من خلال الحدث لحظتها. وقد قسّم علم النفس الهدف من اطلاق الاشاعة الى خمس نقاط وهي العدوانية "ضد شخص او مجموعة لتشويه السمعة"، التنبؤ "تهيئة المجتمع لامر ممكن الحدوث"، الاسقاط " اسقاط الاخرين نتيجة الكذب والرشوة مثلا"، الاختبار" باطلاق بالونات دعائية لجس النبض حيال امور منتقاة"، جذب الانتباه" نتيجة عدم الثقة بالنفس والايحاء بالقدرة على معرفة معلومات لا يعرفها الاخرون ". أما انواع الشائعات فهي عديدة ولكن ما يهمنا في مقالتنا هذه نوعين منها وهما شائعة الامل وشائعة البعبع وفق توصيف بعض المدارس "النفسية" حيث تنتشر الاولى عندما يتمنى مطلقوها حدوثها فعلا أما الثانية فهي نتاج الخوف المبالغ فيه.

ولو درسنا واقع الاشاعات المتداولة اليوم في العراق والهدف من اطلاقها نراها لا تخرج عن السياق العلمي الذي توصل اليه باحثون واكاديميون كثيرون خصوصا وان التربة العراقية خصبة لاطلاقها وفي مختلف المجالات نتيجة الفساد المستشري في مفاصل السلطة كافة وعجزها عن توفير اجابات حقيقية لمئات الاسئلة التي يطرحها الشارع العراقي. ويبقى امر مقاومة الاشاعة بيد السلطة نفسها وذلك بتوفير مصادر معلومات حقيقية وصادقة وعلى درجة عالية من الشفافية لابعاد الناس عن تصديق الاشاعات وتداولها بما يضر بسير "العملية السياسية" ويؤدي الى ضبابية في اللوحة القاتمة اصلا عند الناس وثقتهم المهتزة بالسلطة ورجالاتها.

سقت المقدمة القصيرة اعلاه بعد ان تناهى الى اسماع الكثير من العراقيين اشاعات حول دور كبير يلعبه احمد نجل نوري المالكي رئيس السلطة العراقية وزعيم حزب الدعوة ودولة "القانون" في الحياة السياسية العراقية وخصوصا في جانبها الامني والاقتصادي حيث اثيرت العديد من الشائعات حول امتلاكه لعقارات واموال ورساميل داخل وخارج العراق وشركات أمنية وغيرها، اضافة الى دوره المتنفذ الى جانب زوج شقيقته اسراء "ابو رحاب" في ادارة مكتب ابيه والذي يسيطر من خلاله على الكثير من الامور الحساسة والمهمة في البلد خصوصا في جانبها الامني. وتبقى هذه الامور بأكملها في باب الاقاويل والاشاعات لعدم ظهور ما يوحي الى صحتها خصوصا وان احمد ابن لرئيس سلطة له من الاعداء الكثير ومن الطبيعي ان تتناوله الاشاعات والاقاويل، ولان هناك من يتمنى حدوثها فعلا لابتزاز السلطة واظهارها ضعيفة وهناك من يطلقها خوفا. ولكننا لو تركنا علم النفس وانتقلنا الى الفقه القانوني والجزائي في القضاء والمحاكم بشكل مجازي وبحثنا عن دليل يثبت هذه الاشاعات سنكون حينها بحاجة الى دليل مادي، وقد توصل فقهاء القانون الى ان اقوى ادلة الادانة هو الاعتراف دون اي اكراه او تعذيب فصاغوا العبارة القانونية التي تقول بأن " الاعتراف سيد الادلّة".

وقبل أيام ومن على شاشة السومرية الفضائية قدّم لنا نوري المالكي سيد الادلة حول دور مخفي "مافيوي" لنجله احمد عندما اعترف من ان ابنه فوق القانون وفوق السلطات ان لم يكن هو السلطة والقانون! فالمالكي المنتشي بالسلطة والمتأكد على ما يبدو بالبقاء بها الى اجل غير مسمى قال بعظمة لسانه ان نجله احمد توجه بعد حصوله على امر قضائي بمعية قوة من افراد الشرطة الى احدى الدور في المنطقة الخضراء لاعتقال مقاول فاسد وسارق وارهابي"لوجود مئات قطع السلاح مع كواتمها بحوزته"، دون ان يشرح لنا الوالد المحترم عن مركز ابنه في جهاز الشرطة، معترفا بالوقت نفسه بفشل وبؤس اجهزته الامنية التي يقودها "ابو حسنين" وجبنها بالقبض على المقاول المذكور.

ان اعتراف المالكي هذا يقودنا بالضرورة الى فساد السلطة القضائية وعدم نزاهتها مما يجعلها في موقف لا يحسد عليه من حيث انها تأتمر بأمر حزب الدعوة الحاكم وسيده القائد، وان لم يكن القضاء فاسدا ومرتشيا فهل يستطيع وزير العدل العراقي ان يوضح لنا كيفية منح شخص مدني مهما كان مركزه امرا قضائيا باعتقال مجرم ما، واين هو دور الشرطة والاجهزة الامنية الاخرى؟ هذا من جهة ومن الجهة الاخرى فان تصرف السلطة القضائية بهذا الشكل المريب ورضوخها لنزوات شاب ليس لشيء الا لكون اباه على رأس السلطة التنفيذية، فانه يؤكد على ان الفصل بين السلطات الثلاث وعدم رضوخ الواحدة للاخرى ليست في النظام الديموقراطي الاسلامي والدعوي تحديدا الا اضغاث احلام.

من الطبيعي جدا في دول ومجتمعات العالم الثالث وعلى الاخص بالدول العربية ومنها العراق ان يلعب ابناء رؤساء الدول دورا كبيرا في الحياة السياسية "لبلدانهم" حتى وان كانوا "اطفالا رضّع!!" ومنهم على سبيل المثال اولاد حافظ الاسد والقذافي وعلي صالح والحريري ومبارك وغيرهم، اما في العراق فلم ينقل لنا التاريخ لليوم ان احد ابناء زعماء العراق عدا صدام حسين قد تدخلوا بشكل واضح في السياسة العراقية مستغلين نفوذ والدهم، فنوري السعيد الذي ترأس الوزارات العراقية 14 مرة وكان رجل بريطانيا الاول في العراق ان لم يكن في المنطقة ، لم يتدخل ابنه في الاجهزة الامنية والعسكرية على رغم انه كان طيارا. وحتى ابناء احمد حسن البكر فاننا لم نسمع عنهم تدخلهم بالشأن الامني كما اولاد المجرم صدام حسين وكذلك ابناء زعماء العراق الاخرين.

الا اننا لو اردنا الحقيقة كاملة ومنصفة في كتابة التاريخ فأن المجرم صدام حسين لم يتطرق على حد علمي "كوني خارج العراق منذ ما يقارب 34 عاما" في اي لقاء تلفزيوني عن اي دور لولديه في الشأن الامني كما صرح المالكي بحق نجله، على الرغم من ان الطاغية كان قد منح قصي خصوصا عددا من الاوسمة في مناسبات مختلفة اثناء الحرب الصدامية الخمينية، وعلى الرغم كذلك من معرفتنا الاكيدة عن دور قصي القذر في عملية تطهير السجون التي راح ضحيتها الالاف من خيرة ابناء شعبنا قبل الاحتلال بفترة وجيزة.

لكن المالكي الذي تحدث لنا عن بطولاته وهو يافع ومحاولته تأسيس تنظيم لاسقاط الحكم البعثي، اكد لنا ان ما تناقله الناس عن اموال ابنه وعقاراته وشركاته لم تكن اشاعة، فالشخص القادر على اعتقال ومصادرة اموال مواطن لم تتهمه المحكمة بعد وبأمر قضائي سليم وبأمرته مثلما قال المالكي العديد من افراد الشرطة يجب ان يكون ذو سلطة حقيقية. واذا كان طاغية حزب البعث صدام حسين لم يجرؤ او خجل من هكذا تصريح بحق ولديه، فان طاغية حزب الدعوة نوري المالكي يجرؤ ولا يخجل من هكذا تصريح مشين.

ان الرأي العام العراقي وقواه السياسية "الحية" و منظمات المجتمع المدني عليها ان تطالب المالكي بتوضيحات عمّا جاء في مقابلته التلفزيونية تلك، كون الامر يشكل بادرة خطرة ذات ابعاد اكثر خطورة تريد ان ترسخ في العقل الجمعي اشاعة البعبع وهذه المرة من السلطة وليس من الناس لزرع الخوف في نفوسهم في طريقة لا تختلف كثيرا عن اسلوب البعثيين.
رابط فلم بطولات احمد نوري المالكي "ابو طبر"
http://www.youtube.com/watch?v=xGg7jWqyS_8  .


الذين لا يتراجعون عن رأيهم يحبون انفسهم اكثر مما يحبون الحقيقة "جوزيف جوبير"

زكي رضا


 
الدنمارك
13/10/2013



404
حجي ابو اسراء تعال نبحث معا عن معاناتكم

لاتمر العديد من المناسبات التي يحضرها "الحجي ابو اسراء" دون ان يثبت لنفسه وحزبه القائد قبل الاخرين من انه ليس برجل دولة، بعد ان وضعته الاقدار الحمقاء وغيره من الاميين والجهلة والطائفيين لقيادة بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب من جهة، وله "العراق" تاريخ سياسي طويل عمّدته دماء شهداء احزاب وطنية قدّمت قوافل من الشهداء (كالحزب الشيوعي العراقي) من اجل سعادة شعبه وليس سرقته كأحزاب السلطة اليوم، كما العراق. 

وعندما نقول ان المالكي ليس برجل دولة فاننا نعني عدم توفر صفات رجل الدولة فيه، فعلى الرغم من عدم وجود تعريف دقيق لرجل الدولة لكننا نستطيع ان نضع بعض المواصفات التي على السياسي ان يتصف ولو ببعض منها كي يكون رجل دولة حقيقي، ومن هذه الصفات او السمات  بل واهمها هو قدرته على قيادة بلده ورسم استراتيجية واضحة ومرنة كي تكون قابلة للتطبيق من اجل بناءه "البلد" اثناء السلم، وان يمتلك المهارة الدبلوماسية في تضييق شقة الخلاف مع اعداء بلده وتحييدهم اثناء الحرب والازمات، وحنكته في تجاوز المشاكل القومية والدينية والمذهبية والسياسية في حياة بلده الداخلية. فهل هناك سمات من تلك التي اوردناها في المالكي؟

وعودة للتاريخ الذي لم يقرئه المالكي على ما يبدو فانني أحيله الى قراءة حياة الكاردينال والسياسي الفرنسي الكاثوليكي "ارماند دي ريشيليو" الذي كان يساند الولايات البروتستانتية في حروبها ضد امبراطور النمسا على رغم مخالفة ذلك لعقائده لان مصلحة فرنسا البلد هي اهم بنظره من مصلحة فرد او دين او مذهب. لذا نراه على رغم اختلاف وجهات النظر حوله قد نزع ردائه كرجل دين ليقود دولة مدنية، اي بالضبط عكس المالكي الذي يلتف بعمامة دينية وعباءة عشائرية ليقود بلد علماني الى بلد ديني فاشل بكل المقاييس، واثبتت تجربة الاسلام السياسي وتجربته شخصيا باعتباره اطول رئيس وزراء عمرا بعد الاحتلال هذا الفشل وترجمته من خلال ما نراه من حطام في كل ارجاءه.

لقد وقف المالكي مرة بمناسبة ذكرى استشهاد محمد باقر الصدر وامام جيش من المعممين في مدينة النجف الاشرف ليصب جام غضبه على العلمانيين والحداثويين والماركسيين والملحدين، وان كان له بعض الحق في اشهار عدائه للملحدين لانه من خلفية دينية، الا انه يعرف جيدا "اتمنى ان يعرف" ان النظم الديموقراطية الحقيقية تمنح الانسان حرية الرأي والفكر والمعتقد وتمنع مصادرتها، وقد جاء في المادة 40 من الدستور العراقي والذي لم يقرئه المالكي هو الاخر على ما يبدو من ان ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة). ولم يكتفي المالكي بذلك بل عاد وقبل فترة وفي لقاء تلفزيوني جمعه وبعض الصحفيين ليعلن عدائه لليبرالية عندما خاطب الصحفي قائلا لتكن انت على ليبرليتك وانا على اسلاميتي، هذا عدا العديد من المواقف المتشنجة في خطبه ولقاءاته عن الكرد والسنة ليثبت لنا من انه ليس رجل دولة عليه الاعتراف بالتنوع الديني والمذهبي والقومي والفكري واحترامها، بل قائد حزب طائفي "شيعي" وصل الى السلطة ممتطيا حصان الديموقراطية الذي يراد له ان يكون اليوم "كديشا" من خلال قانون انتخابات ينصف اللصوص . الا ان ما جاء في كلمته امام المؤتمر التأسيسي لرابطة ذوي الشهداء في الخامس من الشهر الجاري ببغداد حول ماعاناه مناوئي البعث والمناضلين ضده في سجونه ومعتقلاته الرهيبة وتجييره لصالح الاسلاميين فقط مع مرور خجول على نضالات غيرهم من يساريين وقوميين كردا وعربا وديموقراطين ومستقلين ووطنيين، يجعلنا ان نعود بذاكرة شعبنا والتي لازالت طرية لعقود مرّت كي نثبت فيها دجل وكذب المالكي في حديثه الانف الذكر.

السادة اعضاء حزب الدعوة الاسلامية، ما هو حجم نضالات حزبكم اثناء العهد الملكي وهل شهدت سجون الحلة وبعقوبة والكوت والمركزي ونقرة السلمان والعشرات من السجون والمعتقلات في طول العراق وعرضه شيئا من جهادكم مثلما يحلوا لكم وصفه، وهل تعرفون مدى التعذيب الذي تعرض له الشيوعيون العراقيون على يد جلادي بهجت العطية، وهل قدم حزبكم قادته شهداء كما قادة الحزب الخالدين (فهد وحازم وصارم)؟ أين هم شهدائكم في اضرابات ووثبات وانتفاضات شعبنا من اجل الحرية والانعتاق كما شهداء الحزب الشيوعي العراقي، وما هو دوركم ان كان لكم دور في اضرابات عمال السكك 1936 وكاورباغي ووثبة كانون 1948 وانتفاضة 1952وغيرها العشرات  وما هو حجم نضالاتكم ضد الاقطاع حينها؟ وهل ساهمتم في انجاح ثورة الجيش والشعب في 14 تموز عام 1958 ام كنتم وحلفائكم من الذين ساهموا في اغتيال تلك الثورة؟

وبعد اغتيال الثورة هل تستطيعون ان تدلوني على عذاباتكم "التي سطرها المالكي" في اقبية ودهاليز قصر النهاية او سجون العراق ومدارسه وملاعبه الرياضية التي حولها الفاشيون الذين تحالفت معها المؤسسة الدينية، الى اماكن لاغتصاب وتعذيب وقتل الالاف من الشيوعيات والشيوعيين العراقيين؟ لقد قدم الحزب الشيوعي وللمرة الثانية قيادته ورفاقه على مذبح حرية الشعب العراقي الذي يذبح بعهدكم الميمون اليوم، وما سلام عادل والعبلي ومتي الشيخ والحيدري والجلبي والالاف من رفاقهم الا دليلا ساطعا على همجية البعث وكذب سيدكم في المنطقة الخضراء الذي يحلم بان يجعل من حزبكم اليوم حزبا جهاديا وفيه من البعثيين والجلادين واللصوص المئات من الذين تعرفونهم انتم قبل غيركم والعديد منهم في مراكز سياسية هامة في الحكومة والبرلمان، من الذين استغلوا مناصبهم في نهب ثروات البلد ليصبحوا مافيا مالية تمتلك المليارات وفيهم من نعرفهم بالاسماء من الذين لم يكونوا يملكون قبل الاحتلال شروى نقير.

نعم لقد قاسمتم باقي الاحزاب الوطنية والقومية الكردية عذابات الدكتاتورية البعثية منذ ما بعد اواسط السبعينات حتى ساعة احتلال العراق وقدمتم كما قدموا قوافل الشهداء من اجل غد افضل لشعبنا ووطننا وفشلتم بعد وصولكم للسلطة بالامتحان فشلا ذريعا، لكن معاناتكم تلك ودماء شهدائكم البررة لاتمنح لسيدكم الحق بالقفز على نضالات وعذابات الاخرين.  كما وانه لمن المعيب على "سياسي" ان يتجاوز نضالات احزاب قدمت المئات بل الالاف من الشهداء وهي تقاتل الطاغية من ذرى وجبال كردستان من اجل حرية شعبها ووطنها ويقارنها باحزاب كانت تقاتل الطاغية بتمويل من بلد جار.   

المجد لشهداء الحزب الشيوعي وشهداء الحركة الوطنية العراقية
المجد لشهداء حركة التحرر الوطني الكردية
المجد لشهداء الحركة الاسلامية
والخزي والعار للقتلة ودكتاتوريي الامس واليوم



زكي رضا
الدنمارك
12/10/2013

 

405
راغب علامة يستنكر والمالكي ايضا يستنكر!!!

لايختلف صباح بغداد اليوم عن صباحات كثيرة غيرها كان قاسمها المشترك انفجارات عدة تضرب مختلف مناطقها مخلفة العشرات ان لم يكن المئات من الضحايا، ودمارا يضاف الى دمار مدينة تعودت على الموت والخراب لتتوقف فيها الحياة نتيجة نجاح الارهاب وفشل المتصدين له، من الذين لايملكون الا كلمة "نستنكر" "ونحمل قوى الارهاب والبعثيين"، ليبدأوا مباشرة بقطع الشوارع والطرقات محمّلين المواطنين اعباءا اضافية على اعبائهم. ومن ثم تبدأ تصريحات "المسؤولين" حول بدأ عمليات نوعية ضد اوكار ارهابية افتراضية كونها تفتقر الى الجهد الاستخباري الذي يساعد في تحديد معرفة الجناة، والتي تؤدي الى حملة اعتقالات تطال في جزء لابأس منها العديد من المواطنين الابرياء لتساهم في تحويل عوائلهم الى متعاطفين مع الارهاب للاسف الشديد ومن حاضنيه، ولنكتشف بعد ايام او اسابيع على الاكثر ان تلك العمليات لم تكن الا للاستهلاك المحلي بعد ان يقدم الارهابيين على جرائم جديدة .

الا ان ما يميز انفجارات صباح اليوم الاثنين 30/9/2013 هو ان الاستنكار جاء هذه المرة قبل الحكومة على ما يبدوا، فالمطرب راغب علامة الذي زار اقليم كردستان مؤخرا في جولة فنية، استنكر على صفحته في الفيس بوك انفجارات بغداد واربيل مقدما تعازيه للشعب العراقي ليضيف "والله ينصركم على الارهاب والاجرام".

ان التفاتة الفنان راغب علامة هذه وتعاطفه مع ابناء العراق على الرغم من انه لم يولد على ارضه ولم تكن له زيارات سابقة لبلدنا لهي جديرة بالاحترام والتقدير، على الرغم من ان الله لن ينصرنا ايها الفنان راغب على الارهاب والاجرام اذا لم ننصر نحن انفسنا عليه، فقد جاء في الذكر الحكيم " ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم". ونحن على ما يبدوا قد قطعنا على انفسنا عهدا بعدم العمل بهذه الاية الكريمة وترك الامر للسفهاء منّا في ادارة شؤون البلاد والعباد ليعم الخراب ما تبقى من ارض الرافدين.

ومع جلّ احترامي للفنان راغب علامة الا انني ساكون ولعظمة مصاب شعبنا مجبرا للمقارنة بين موقفه وموقف سياسي يقال انه رئيس وزراء بلدي  ومن مهامّه حفظ امنه واستقلاله لاخاطبه قائلا، وبحچايات اهلنه الطيبين:

"عيني ابو اسراء يابه صدك جذب اشو تره الارهاب دامرنا دمار وانت بس تستنكر وتتوعد حالك حال ابوحسنين "وكيل وزارة الداخلية" وگاظيهه مؤتمرات عشاير ونقابات معلمين، مرة ماتنتطيها ومرّة اترد ردود على شعار البعث بالروح بالدم نفديك يانوري، زين ما تشوف اللي گبلك اشجراله او وين صار مچانه، او لو هيه بس بالاستنكار حجي چا شنهي فرقك عن راغب علامة مو انت ابن البلد الله يچرم"

والصدگ چذاب!!
واصبرلك بعد عشره وعليهن زود
عودك .. عود يابس
أبد ما بيه فود.
   " ابيات من قصيدة خضر الياس لعريان السيد خلف"

زكي رضا
الدنمارك
30/9/2013







 




406

هلهوله للدعوة الصامد


على ضوء ما يجري في العراق اليوم من تمركز للسلطات عند فرد واحد وتفرده بالكثير من القرارات الهامة والمصيرية مستغلا مراكزه السياسية العديدة التي ورث بعضا منها نتيجة عدم تشكيل الحكومة لليوم "مع صمت غريب لمناوئيه"!! وبعضا منها من خلال "حق" منحه له دستور تشكلت لتعديل العديد من بنوده لجان حتى قبل ان يجف حبره دون جدوى لليوم، هل هناك امكانية فعلية لظهور طاغية جديد في العراق الذي يراد له أن يكون "ديموقراطيا" ومن سيصنع هذا الطاغية؟

بداية علينا الاعتراف بأن الديموقراطية بركائزها الثلاث أي فصل السلطات والرقابة الجماهيرية أو الشعبية على الدولة و خضوع الدولة ومؤسساتها للقوانين التي تسنها ويشرعها برلمانها ليست بالمهمة السهلة حتى في البلدان الاوربية التي اصبحت نموذجا للانظمة الديموقراطية اليوم ، والتي لم تصل الى ما هي عليه اليوم الا بعد انهيار المنظومات الشمولية كالنازية والفاشية أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تحديدا. وهذا يدفعنا الى ان معرفة ماهية النظام الديموقراطي بحاجة الى معرفة وفضح المرتكزات التي قامت عليها الدكتاتورية وهي السلطة والمال "القوة" والتي من خلال كشفها ومعرفتها نستطيع ان نخطو الخطوات الاولى في السير بدرب الديموقراطية الطويل والشائك، علما ان تغييب وليس غياب الوعي - لان تغييب وتوجيه الوعي باتجاه معين بدأ بداية الحرب الصدامية الخمينية لليوم - هو العامل الاساسي في صنع الطاغية والذي يحتاج الى عامل مهم جدا وهو الجهل الناتج بسبب ارتفاع مستوى الامية بين افراد الشعب. ولو تتبعنا الخط البياني للجهل والامية فاننا نستطيع الاشارة الى بداية استفحالهما بعد الحصار الامريكي على العراق وبدء ما يسمى بالحملة الايمانية للدكتاتور صدام حسين، والتي اعتبرها الاسلاميون - دون ان يعلنوا عن ذلك علنا وفرحوا له - بداية لعملية تجهيل المجتمع الذي كانوا يطمحون به ، وهذا يعني ان الطاغية صدام حسين قد قطع لهم اكثر من نصف الطريق كي يهيمنوا به على عقول الناس.

ان اهم مظاهر الاستبداد اليوم يعتمد على الايديولوجيا الدينية بابشع صورها اي الطائفي منها والتي ساهم فيها واستفاد منها ساسة طائفيون شيعة وسنة ، كون الجماهير الشيعية والسنية ومعها بقية جماهير شعبنا بغالبيتها العظمى لازالت تعاني الامرين من السياسات الرعناء لهؤلاء الساسة الذين لم يتركوا شيئا قابلا للسرقة دون ان يسرقوه. ولان المتحاصصين لازالوا يعتبرون الدستور العراقي غير ناضجا وكاملا ومحل خلاف لليوم وهو كذلك ، ولان القوانين يتم تفسيرها وفق نفس هذ الدستور الذي لم ينجح لليوم في ارساء دولة المؤسسات فأن امكانية صناعة دكتاتور من خلال كل هذه المعضلات واهمها تمركز المال عند مافيات القوى الدينية واقطاب سلطة المحاصصة يصبح امرا يسيرا.

ليس غريباً ان تفشل محاولة فرض الديموقراطية عنوة على مجتمع في بلد نسبة الامية والجهل والايمان بالغيبيات فيه فوق حدود المعقول كالعراق ، اضافة الى طبيعة السلطة التي تعمل دوما على تشديد الازمات وسيطرتها على ثروات البلد ومن خلالها على ارزاق الناس والتعامل معهم بعلاقات بدوية تشبه الى حد بعيد تلك التي كانت سائدة في المجتمعات القبلية العربية منذ قرون سحيقة ، والتي يوزع فيها رأس الدولة "القبيلة" المنح والهدايا والعطايا على رعيته دون الاحتكام الى مؤسسات دستورية وقوانين واعراف وبنفس الطريقة التي كان ينتهجها الطاغية صدام حسين ويسيرعليها المالكي اليوم باعتبارهما ابوين للشعب العراقي!!

أقول ان فرض مثل هذه الديموقراطية ستفشل بالضرورة خصوصا وانها فشلت لليوم في ترسيخ واحدة من اهم مباديء استمرارها بالحياة اي توفير الامن ، وهذا ما اشارت اليه صحيفة ستيتسمان جورنال الامريكية قائلة "ان حقن ديمقراطية على الطراز الغربي امر اثبت انه لا يحقق الأمن" والذي بعدم تحقيقه تتوقف كل مشاريع بناء الدولة ، والتي تساهم في صناعة اكثر من دكتاتور في مناطق نفوذها تلك التي تتحكم بمناطقها ذات الطبيعة الطائفية والقومية المتمايزة.

وكأمتداد لمسيرة طويلة من الاستبداد والهيمنة الشخصية والحزبية ومحاولة لتقليدها بعد وراثتها بغالبية موبقاتها ومنها الهتافات والهوسات من عهد البعث المجرم رغم مساوئها والنضال ضدها في فترة ما ، نرى المالكي اليوم وهو يوزع الهدايا والعطايا على من يريد ومتى ما يريد خصوصا عندما تقترب مواسم الانتخابات مستفيدا من مركزه على اعلى سلطة تنفيذية في البلد ، يسير على خطى الطاغية صدام حسين حيث نراه منتشيا بهوسات العشائر له ومديح الشعراء والكتاب المأجورين لتتجسد نرجسته التي ستقود العراق الى الهاوية ، بظهوره بمظهر الدكتاتور والراعي والاب بقاعة المسرح الوطني وهو يتقلد "بدرع الوفاء" من قبل نقابة المعلمين هاتفين له كما كانوا يهتفون للطاغية الذي سبقه "بالروح بالدم نفديك يا مالكي".

ان هتافات المعلمين "وغيرهم" الذين فشلوا لليوم في بناء نظام تعليمي وتربوي بعيدا عن الجهل والتخلف من الذين اساءوا كثيرا لتاريخ المعلم والتربوي العراقي وهم يبيعون الاسئلة الامتحانية ويساهمون بتزوير الشهادات الدراسية لأميي السلطة ، تسيء الى هذه المؤسسة العراقية الاصيلة التي تحمّلت وبفخر بناء اجيال عديدة ساهمت مساهمة فعالة في بناء وطنها الذي استباحه البعثيون والاسلاميون. وليس من الغريب ان تخرج علينا هذه النقابة او غيرها غدا ولتكريس دكتاتورية المالكي وحزبه هاتفين كما في عهد الطاعون البعثي بهتاف كان الدعاة كباقي معارضي الطغاة يشمئزون منه ليغيروا منه قليلا ليناغم العهد الدعوي الجديد هاتفين :

"هلهوله للدعوة الصامد، هلهل هلهل هلهل".

كل رجال عهد الاستبداد لا اخلاق لهم ولا حمية فيهم ولا يرجى منهم خير مطلقا .... "الكواكبي"

زكي رضا

 
الدنمارك
24/9/2013


407
هل يحق لنا مقارنة ابن الشعب البار قاسم بالمالكي؟


تخرج علينا بين الحين والاخر مقالات تحاول ان تضع ثاني انزه زعيم سياسي حكم العراق على مر تاريخه بعد الامام علي ابن ابي طالب وفق آراء كتاب وباحثون كثيرون اي الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم في مقارنة ظالمة مع المالكي "هبل العراق الجديد"، الذي وصل الفساد في دائرته المقربة جدا وحزبه ودولة قانونه ناهيك عن الدولة التي يقودها الى مستويات مرعبة. لا يغض الطرف عنها ومحاولة ايجاد التبريرات لها الا متملقين من العيار الثقيل ولانهم يعرفون جيدا مدى تملقهم نراهم يؤكدون في كل مقال يدبجوه في مدح رأس الفساد "لانه رأس السلطة التنفيذية" من انهم لا يدافعون عنه لمصلحة شخصية ولا طائفية بل لان الظرف السياسي الذي يمر به السيد المالكي هو نفسه الذي مرّ ابن الشعب البار قاسم "اللي جوه ابطه عنز يمعمع"، وهذا يعني بشكل او بأخر بأن الظروف الموضوعية من وجهة نظرهم التي تحيط بالمالكي اليوم هي نفسها التي كانت تحيط بالزعيم المغدور سنوات حكمه، ولأن جغرافية العراق لم تتبدل فاننا سنناقش موقف دول الجوار من الزعيمين على ان نتناول مواقف القوى "الوطنية" والغربية منهما في مكان آخر من المقالة.

موقف دول الجوار

أيران غربا: لقد اجهز الزعيم الشهيد قاسم بقرارات سريعة وثورية على اهم حلف استعماري كبّل لعقود شعوب المنطقة وهو حلف بغداد، ما دفع دول الحلف المجاورة للعراق كتركيا وايران على اتخاذ مواقف عدائية تجاه الثورة وتحشيد قوى الردة المرتبطة بها للاجهاز عليها عن طريق تحريك تلك القوى التي تضررت كثيرا من نجاح الثورة وقراراتها الشعبية. ولان المواقف التركية تجاه العراق "والمالكي" هي نفسها تقريبا تلك التي اتخذتها انقرة تجاه العراق وزعيمه قاسم أي حنينها للعب دورها العثماني فاننا سنتجاوز موقفها لنتعرف عن كثب على موقف دولة  عادت قاسم وثورة العراق حتى اللحظة الاخيرة لثورة 14 تموز اي ايران، التي حرّكت المرجعية الدينية ممثلة بالسيد الحكيم لمعاداة الثورة وزعيمها اللذان انصفا وللمرة الاولى في تاريخ العراق المكون الشيعي من خلال احترام الثورة وقادتها المخلصين لجميع مكونات شعبنا، وقد شجع الشاه بشكل غير مباشر بعد وفاة البروجردي السيد الحكيم ليكون مرجعا للشيعة، لتخليص ايران من مركز ثقل ديني كان يشكل ارقا لنظامه عندما بعث اليه ببرقية تعزية رسمية، كما غض النظر عن تأسيس حزب اسلامي في العراق على ان لا يكون له فرع  في ايران ليتم بعدها تأسيس حزب الدعوة الاسلامية في تواريخ متضاربة حتى في ادبيات الحزب نفسه. فهل موقف ايران من المالكي اليوم هو نفس موقفها من قاسم حينها!؟ وهل يستطيع عبيد المالكي ان يفسروا لنا لماذا تعسّر تشكيل الحكومة العراقية برئاسة "هبل العراق" لحين اجتماعه وغرمائه بالبيت الشيعي في ايران وتحت رعاية دولة ولي الفقيه وفيلق القدس؟ ان أعمى البصيرة فقط هو الذي لا يرى الدعم الايراني غير المحدود وعلى مختلف الصعد للمالكي والذي كان يقابله عداء غير محدود لقاسم اثناء ثورة تموز، فهل ظروف قاسم هي نفس ظروف "هبل" التي يعمل عابدوه على تسويقها لنا اليوم على رغم معرفتهم انها بضاعة لا تسوى فلسين في بازار السياسة؟

سوريا والاردن شرقا: لقد كان موقف الدولتين تجاه الثورة مختلفا من الناحية المبدئية الفكرية الا انه كان متطابقا من الناحية العملية، فالعائلة المالكة الهاشمية كانت تشعر بالمرارة ليس لرحيل ابناء عمومتها عن الحكم خصوصا وان رحيلهم كان تراجيديا فقط بل ولفقدانها المساعدات العراقية على قلّتها ايضا، ما دفعها لان تضع كامل ثقلها للاجهاز على الثورة ورجالاتها وخصوصا الشهيد قاسم، عن طريق تنسيقها وتعاونها غير المحدود مع مختلف اجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، كما كان لها محاولة للسيطرة على رتل الهادي "اللواء المدرع السادس" المرابط على اراضيها وتحريكه لمواجهة الثورة مستفيدا من انزال بريطاني محدود على اراضيه اضافة الى انزال الجنود المارينز الامريكيين في لبنان. أما سوريا والتي كانت جزءا من الجمهورية العربية المتحدة بزعامة جمال عبد الناصر وعلى اثر رفض قاسم الوحدة الفورية معها فانها قامت وبأوامر مباشرة من عبد الناصر بتحريك الشارع القومي والبعثي ضد الثورة وتوجتها بتدخلها المباشر بتهيئة مستلزمات انقلاب الشواف وعلى رغم فشلها في تلك المحاولة الا انها نجحت بعد 4 سنوات في القضاء على الثورة وقاسم ليدخل العراق حمام دم بعثي لازال لليوم طريا. فهل موقف الاردن الذي يضخ اليها المالكي النفط بالمجان مرات وأخرى باسعار رمزية منه "المالكي" اليوم وسكوتها المشروط وعدم تدخلها الرسمي العلني بمواجهة المالكي يمكن مقارنتها بموقفها من تموز وقاسم!؟ أما موقف سوريا من المالكي فانه لم يفرق بشيء عن موقفها من الشهيد قاسم سوى ان المالكي ولحسابات طائفية ليس الا وقف الى جانب نظام بشار الاسد، وابسط مثال على ذلك هو عدم اتخاذه اية خطوات عملية لمواجهة الاسد واجهزة مخابراته التي عاثت بارض العراق فسادا عن طريق مساعدة بهائم القاعدة للوصول الى العراق وتقتيل شعبه واتخاذهم دمشق كمحطة للعبور والتدريب، وهذا ما صرّح به المالكي نفسه وهدّد بجعجة فارغة بكشف ادلة وملّفات يمتلكها ضد النظام البعثي المقبول من ايران راعي المالكي وتحالفه الحاكم وهذا ما منعه من اظهارها.

ويبقى الموقف السعودي اليوم من العراق وتأثير تدخله بشؤونه الداخلية اكبر من زمن قاسم نتيجة التطور الكبير في الموقف السعودي على الصعيدين العربي والعالمي لما تمتلكه من رساميل ضخمة، استخدمتها بخبث كبير في انتشار المذهب الوهابي الراعي لجميع الحركات الارهابية في المنطقة والعالم وممولها. أما الكويت والتي كانت تمتلك في 8 شباط الاسود اذاعة تبث من خلالها اسماء الوطنيين العراقين من شيوعيين وقاسميين وهذا ما صرح به الملك حسين في مقابلة له مع محمد حسنين هيكل، فان المالكي اشترى عدم تدخلها الرسمي بشؤون العراق الداخلية ومعاداته شخصيا بتفريطه باراض ومياه العراق الدولية. والسؤال هنا هل موقف الكويت من المالكي هو نفسه من قاسم؟

الموقف الدولي

كانت كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وباقي الدول الغربية في حالة الصدمة اثر نجاح ثورة تموز وقد أوضحنا قبل قليل جزء من الدورين العسكريين للدولتين في محاولة منهما لاحتواء نتائج الثورة، وبقيت هاتان الدولتان تلعبان ادوارا اساسية لتخريب الجبهة الداخلية العراقية عن طريق زيادة العناصر الناقمة على الثورة ودعمها، خصوصا بعد انسحاب العراق من حلف بغداد وخروجه من دائرة الاسترليني وسن قانون النفط "رقم 80" الذي بموجبه حرر واستعاد قاسم ما يقارب من 95% من الاراضي التي كانت مشمولة بامتيازات شركات النفط متعددة الجنسية، كما لعبت الدولتان ادوارا قذرة في محاصرة ثورة تموز دبلوماسيا. كل هذا وغيره الذي لا مجال لذكره في مقالتنا هذه حاكتها الدولتان ضد قاسم، فما هو موقف هاتين الدولتين من المالكي؟ سؤال اطرحه على عبيده مذكرا اياهم بفتح المالكي حقول النفط العراقية واراضيه غير المستكشفة لليوم امام جولات التراخيص لصالح الشركات الغربية دون وجود قانون للنفط والغاز يحمي ثروات شعبنا الايلة للنضوب. ان بناء شرق اوسط جديد على مقاسات امريكية بحاجة ماسّة الى ساسة من امثال المالكي وليس قاسم، ولذا فمن المعيب مقارنة عملاق مثل الشهيد قاسم مع سياسي كان مغمورا حتى الامس القريب ومن الصف الرابع في حزبه كالمالكي، ولكن يبدو ان للدولار رائحة نفّاذة وان كانت على الضد من اشرعة سفن الوطن والناس.

الموقف الداخلي

لو تتبعنا قرارات ثورة تموز فاننا نستطيع ان نصل بسهولة ويسر كبيرين الى فهم طبيعة القوى التي ناهضت الثورة واتحدت على رغم تباين مصالحها لتدمير تلك التجربة التي برحيلها بدأ ناقوس الخطر يدق بصوت عال، ليصيب "الساسة" الفاشلين وعبيدهم من "كتاب وصحفيين ومثقفين" بالصمم والعمى والخرس وهم يشاهدون بلدهم يجري تدميره في سوق نخاسة الطائفيين وتنهب ثرواته، وشعبهم يتجرع الموت اليومي لنجاح الارهابيين وفشل الحكومة التي يقودها "هبل" في محاربتهم رغم الامكانيات المادية الهائلة للمالكي وحزبه. فالمؤسسة الدينية وقفت ضد الشهيد قاسم بكل ما تملك من قوة بعد اصدار حكومة الثورة قانون مساواة المرأة بالرجل ، رغم احترام قاسم الكبير لرجال الدين ومنحهم الوظائف الرسمية خصوصا في سلك التعليم. كما وقفت العشائر بشخوص رؤسائها  ضد الشهيد قاسم بعد الغاءه قانون العشائر وملحقاته وتعميم القانون المدني للفصل في جميع القضايا.

أما المؤسسة الدينية اليوم فهي التي اوصلت المالكي وتحالفه الى سدة الحكم بفتاواها التي تعمل اليوم على تخفيف وطأتها بعدم استقباله وغيره من اللصوص سارقي قوت الشعب والمتاجرين بارضه ولكن بعد ان سبق السيف العذل، حيث فساد المالكي ورهطه يزكم الانوف حتى وصلت الاموال المنهوبة من ميزانية العراق في عهده الاسود الى مئات مليارات الدولارات وليحتل العراق في عهد الاسلاميين وعن جدارة ولسنين عديدة احد اهم المراكز المتقدمة بالفساد، فهل موقف المؤسسة الدينية التي ساهمت في اغتيال قاسم هو نفس موقفها من ابنها الطائفي المدلل المالكي؟ اما العشائر التي ناصبت قاسم العداء فانها اليوم تأتي لتقمع المتظاهرين في ساحات التظاهر بأوامر رسمية ولتصرخ في مؤتمرات العشائر التي ينظمها حزب الدعوة والمالكي ان لا تنطيها في شد طائفي واضح لا يود عبيد "هبل" ان يروه.

اما الكرد الذين ساهموا ايضا في اغتيال ثورة تموز فهم الذين اوصلوا المالكي للسلطة ثانية من خلال مؤتمر اربيل، وسيذهبون بعيدا في تأييده لولاية ثالثة اذا ما منحهم وعودا حول بعض المسائل العقدية ليتملص منها لاحقا كما تملص من اللواتي قبلها. فهل موقف الكرد من قاسم هو نفسه من المالكي "هبل" أيها الساجدون قياما وقعودا. ويبقى العامل الاكثر اثارة في العداء لقاسم وللعراق ارضا وشعبا وثرواتا وقيما واخلاقا أي البعثيين القتلة، حيث نراهم اليوم وبأمر من المالكي ورجالات حزبه في مفاصل عديدة ومهمة من "الدولة" العراقية لانهم شيعة لا اكثر ومنهم اعداد كبيرة من اعضاء دولة "القانون". فعن اية مقارنة يبحث عبيد المالكي هؤلاء عندما يقارنوه بنجم لن يأفل مطلقا من ذاكرة شعبنا والتاريخ!

والمالكي المتعطش للسلطة من اجل استمرار نهب ثروات البلد من قبل حزبه وقائمته الانتخابية والعمل على تفتيته اسوة بشركائه في ما يسمى بالعملية السياسية لا يمكن مقارنته  مطلقا بقاسم الذي لم يمتلك لا حزبا ولا قائمة انتخابية وهو الذي كان يردد دوما "انني فوق الميول والاتجاهات"، قاسم الذي يشهد بنزاهته حتى اعداءه اللدودين لهو اعلى قامة من كل الساسة الطائفيين اليوم وليس هبل العراق الجديد وحده الذي فشل في ادارة "بلده" فشلا ذريعا لليوم.

واذا كان لقب الزعيم الاوحد اطلق على قاسم لانه اصبح صانعا للقرار كونه رئيس للوزراء ووزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، فان المالكي اضاف الى تلك المهام ترؤسه لوزارة الداخلية والامن الوطني واجهزة الاستخبارات ومحاولاته المستمرة للسيطرة على القضاء والبنك المركزي والعديد من المؤسسات المرتبطة بالبرلمان وغيرها ليهيء نفسه لدورة رئاسية ثالثة. ان انتخاب "هبل" العراق لدورة ثالثة سيكون خطرا جدا على الحياة السياسية مستقبلا لان البطانة التي اوجدها حزب الدعوة ودولة القانون حوله تحولت الى مافيات والتي ستتحكم ان لم تردعها قوانين الشفافية والمحاسبة الى حكومات داخل الحكومة، عندها فقط ستشعر القوى السياسية التي تسهل امر رئاسته للوزراء مرة ثالثة بفداحة خطأها ولكن بعد فوات الاوان.

نهاية اود القول وطبقا للاحداث التاريخية التي سادت زمن قاسم ومقارنتها بزمن "هبل" من قبل البعض لاتخاذها مطية بالدفاع عن المالكي، ستكون مقارنة غير ناضجة فكريا ولكنها ناضجة جدا اذا ما ارتبطت بالدولار.

من يريد ان يكفر فليقارن الشهيد عبد الكريم قاسم بهبل "المالكي".

للتعرف اكثر على الفرق بين العهدين يرجى مراجعة مقال لمصلحة من هذا الهجوم على الحزب الشيوعي؟ وهو على حلقتين.

http://al-nnas.com/ARTICLE/ZReda/21ap1.htm

http://al-nnas.com/ARTICLE/ZReda/23ap2.htm

زكي رضا
الدنمارك
24/9/2013

 
     

408
انصفوا ضحايا شباط 1963 حينها تنصفون ابن الشعب البار قاسم


(الغت اللجنة الخاصة في مؤسسة الشهداء قرارها السابق برقم (450/3) باعتبار المتوفي (عبد الكريم قاسم محمد بكر) شهيداً   وشموله بقانون مؤسسة الشهداء رقم (3) لسنة 2006 واتباعاً لقرار مجلس شورى الدولة رقم 23/2008)
هذا الخبر تداولته العديد من الصحف والموقع الخبرية بتاريخ 18/9/2013 ، وقد أثار العديد من ردود الافعال وخصوصا على الصعيد الجماهيري لما للزعيم الشهيد قاسم ورفاقه من مكانة خاصة في ذاكرة الجماهير الفقيرة وقلوبها، تلك التي انصفها قاسم بعد تهميشها لعقود وعزز من مواقعها الاجتماعية لتأخذ مكانتها الحقيقية كجزء فعال في بناء العراق الحديث. هذا العراق الذي تكالبت عليه قوى الشر والجريمة الدولية والاقليمية والداخلية متمثلة بالمؤسسات الدينية المرتبطة بأجهزة المخابرات البريطانية وغيرها اضافة الى القوى القومية العربية والكردية وبقايا الاقطاع والمتضررين من قرارات الثورة الوطنية حينها ليصل "العراق" الى نهايته التي هو عليها اليوم بعد ان ادخلته اثر انقلاب 8 شباط الاسود نفقا لازلنا نسير فيه من دون هدى، وكان الشهيد "المتوفي" عبد الكريم قاسم ورفاقه والالاف من الشيوعيين العراقيين والوطنيين هم ضحايا ذلك اليوم المشؤوم.

وعودة على حيثيات الخبر اعلاه وحرمان الشهيد قاسم من صفته كشهيد واعتباره متوفيا، فانني لاارى في القرار الذي اتخذته مؤسسة الشهداء ما يتعارض والقوانين العراقية الخاصة بهذه المؤسسة، وعليه فان القرار المتخذ هو ترجمة قانونية وحِرَفية ومنطقية لتفسير القوانين التي تعتمد عليها هذه المؤسسة في منحها صفة الشهيد، لما لهذه الصفة من مكانة في المجتمع. وكم كنت اتمنى ان تقوم باقي مؤسسات "الدولة"العراقية بتطبيق القوانين الخاصة بها بحِرَفية وعدالة اعضاء ومنتسبي مؤسسة الشهداء العراقية عدا بعض الهفوات البسيطة والتي ستكشف في قادم الايام ومنها خبر منح صفة شهيد لبعض من عتاة مجرمي البعث ممن تم اعدامهم على يد المجرم صدام حسين بعد ان اختلفوا معه.

ان من اهم مقومات الدولة الحديثة وبغض النظر عن طبيعة هذه الدولة هما السلطة والقانون، ولو تجاوزنا مفهوم السلطة هنا لعدم شمولها كل التراب العراقي وركزنا على القانون على الرغم من صعوبة مثل هذا الطرح. فاننا ستقترب جدا من ان العلاقة بينهما "السلطة والقانون" هي التي تحدد طبيعة الدولة والتي عليها ان تقوم بصناعة القانون الذي يتغير بتغير مصالح المجتمع والظرف السياسي الذي يمر به. لان الدولة تمثل هنا البوتقة التي تستوعب كل المواطنين دون اي تمييز قومي وديني وطائفي واجتماعي وسياسي ومن واجبها خلق وصناعة قوانين تنصف جميع رعاياها. واذا ما صنعت الدولة قوانين باثر رجعي وهذا من حقها لانصاف ضحايا عهد سياسي معين فعليها عدم التجاوز على تواريخ سياسية معينة، كونها اما كانت مشاركة فيها او على عداء فكري معها لانها في هذه الحالة ستفقد الدولة احدى دعامتيها وهو القانون، عندها ستتحول الدولة الى سلطة فقط وستمثل بالضرورة جزءا من النسيج المجتمعي وليس كله.

من هنا فانا اعتقد ان تدخل "الدولة" العراقية في خلق وصنع قانون جديد عن طريق التشريع لضخ دماء جديدة في مؤسسة الشهداء باعتبار ضحايا البعث الفاشي في 8 شباط 1963 هم من شهداء الشعب والوطن "وهم فعلا كذلك" سيعيد لهؤلاء الشهداء اعتبارهم وحقوقهم، ومن هؤلاء الشهداء قادة واعضاء الحزب الشيوعي العراقي والكثير من الوطنيين العراقيين، ومن بينهم بكل تأكيد الشهيد ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم ورفاقه الشجعان.

سؤال بريء: لو كان بين شهداء وضحايا شباط الاسود معمما واحدا وعدد من اعضاء حزب ديني  من تلك التي  في السلطة اليوم، فهل كان الشهيد قاسم شهيدا ام متوفيا؟

زكي رضا
الدنمارك
20/6/2013   





409

لا تتأسف يا شعب العراق على الدنيا وما "بيها"

منذ ان صرح النائبة مطشر السامرائي وهنا لا أريد تأنيثه قدر اعتباره بالفعل وزملائه في ما يسمى بالبرلمان العراقي والحكومة العراقية واحزاب السلطة نوائب وكوارث على شعبنا الطيب المكتوي بنارهم، تصريحه "السرسري" باتهام شعبنا "بالدياحة"، مرّت برأسي العديد من الافكار لكتابة مقالة تتناول تصريح هذا النائبة غير الاخلاقي لفقدانه الاخلاق وغير الحضاري لانه على ما يبدو بدويا ،وغير السياسي على اعتباره طارئا على السياسة ولم يصل الى منصبه هذا ومعه الغالبية العظمى من السياسيين العراقيين الا بقضاء وقدر. وقد دونت العديد من رؤوس الاقلام وكتبت بضعة اسطر هنا وبضعة اسطر هناك لامزقها كونها كانت قديمة بافكارها أو تناولها العديد من الكتاب في ردهم على نائبتنا هذا ودفاعهم عن شعبهم وكرامته واخلاقه. وبعد رحلة بالقطار من محل عملي الى البيت والتفكير برد مناسب على هذا النائبة، قررت الاستعانة بالتراث العراقي الثر بالحكم والمواعظ والامثال للرد عليه دون الدخول في نقاشات سياسية ستكون بلا شك عقيمة لانه وغيره الكثير من زملائه لا يفهمون من السياسة الا كونها محطة للاثراء السريع ليس الا، اما كونها محطة لخدمة "شعبهم" في ايامه العصيبة هذه فهو ما لا يدور بخلدهم مطلقا ولن يدور اذا ما استمرت الاقدار بخدمتهم ويبدو انها سائرة بهذا الاتجاه نتيجة التخندق الطائفي الذي سيمزق البلد للاسف الشديد.

بعيدا عن السياسة! وفي كتابة مادة للرد على النائبة مطشر مستوحاة من تراثنا البغدادي اوصلني تفكيري للاستعانة بمثل بغدادي بعد تحوير متن قصته "للضرورة" قليلا، كي تكون مناسبة للحدث الذي نحن بصدد تناوله ونص المثل البغدادي هذا هو " لا تتأسف على الدنيا وما بيها، ابو الهُبزي صار دفتر دار بيها"، وقصة مثلنا البغدادي مع قليل من التحوير للضرورة تقول :

يحكى ان ملكا ذو جبروت تحكم يوما بالعراق، قرر ان يعزل احد ولاته عن الحكم ببغداد بعد ان خدمه لعقود نتيجة حاجته لوال جديد في ظرف تاريخي معين على ان يحكم الوالي الجديد من خلال مؤسسة تسمى مجلس النواب. ولان الملك لا يثق الا باللصوص والسراق فانه امر الوالي الجديد بسن القوانين التي تمنع وصول الشرفاء الى البرلمان، وتسهل وصول الأميين والطائفيين والبعثيين اليه ، وكان من بين هؤلاء بعثيا أو اسلاميا "لا فرق هنا" يسمى " ابو الهبزي"، تحول بعد تغيير الوالي السابق الى "انسان دايح" ذو حذاء ممزق وملابس رثه ليعينه الوالي نتيجة نظام المحاصصة سيء الصيت والسمعة عضوا في البرلمان العراقي، وصرف له ولبقية اعضاء برلمانه الرواتب السخية مع امتيازات كانوا لا يحلمون بها حتى. وبعد ان نهب "الدايح" هذا وامثاله مئات الالاف من دولارت الخزينة العراقية، انتبه المحكومون العراقيون لحجم سرقاته وحكومته وبرلمانه فقرروا الخروج بتظاهرات تحد من سرقاتهم، واهمهما قوانين اصدروها بانفسهم تمنحهم الحق برواتب تقاعدية تعادل 80% من رواتبهم الخرافية اضافة الى جوازات سفر دبلوماسية عدا قطع الاراضي وغيرها من الامتيازات .

وبعد نجاح المتظاهرين في الضغط على الوالي وخوفا من اصدار قوانين تلغي هذا الامتياز، خرج " ابو الهبزي" ليقول ان الشعب العراقي الذي خرج بتظاهرات لحرمانه وبقية الحرامية من رواتبهم الخرافية ليسوا سوى "دايحين". بعد ان وقف وامثاله من المتحاصصين على نعش الانسان العراقي ووطنه هامسين في اذنه قبل دفنه قائلين :

لا تتأسف يا شعب العراق على الدنيا وما "بيها"، مطشر "ابو الهُبزي" ولملوم وامثاله صايرين وزراء ونواب بيها.

وسأنهي مقالتي ببيتين من الشعر للقالي اذ يقول :

تصدر للتدريس كل مهوس ............. بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لاهل العلم ان يتمثلوا .......... ببيت قديم شاع من كل مجلس


لاشك ان شعبنا سينتخب "دايحين" المحاصصة مرة اخرى.
زكي رضا


الدنمارك
7/9/2013




410
المنبر الحر / نكرهك ياعراق
« في: 20:26 02/09/2013  »

نكرهك ياعراق


نكرهك يا عراق ونكره شعبك، نكرهك ياعراق ونكره ارضك وسماءك، نكرهك ياعراق ونكره تاريخك ونعمل على وأد مستقبلك، نكرهك ياعراق ونكره نخلك وانهارك، نكرهك ياعراق ونكره اراملك وايتامك والثكالى من نساءك، نكرهك ياعراق ونكره شبابك واطفالك، نكرهك يا عراق ونطعنك جهارا وعلى رؤوس الاشهاد كي نرى موتك الذي به يهدأ بالنا وتقرّ به عيوننا. اي ارض انت واي شعب يعيش بين جنباتك، شعب يقول الطغاة البعثيون انه تآمر على طاغيتهم فها هم يستبيحون ارضه ويدخلون كل الزناة الى ترابه الطاهر ليقتلوا ما يشاءون ويدنسوا ما يريدون، ويقول الاسلاميون الشيعة من انهم "شعب العراق" هم الذين قتلوا الامام الحسين "ع" وعليهم دفع ثمن جريمتهم تلك !!! ليعيش شعبك في حزن سرمدي وليجلدوه على فعلة لم يفعلها بعد ان حوّلوا كل ارضك الى كربلاء حيث الموت يتربص بالبشر في كل زاوية من زوايا ترابك، وحوّلوا كل ايامك الى عاشوراء حيث الحزن اليومي والابدي وليرحل الفرح خارج ربوعك مع حكومة وبرلمان اللصوص والمجرمين وشعارهم القميء "نكرهك يا عراق".

انبئك يا عراق واصرخ في سمائك عاليا عسى ان يسمع كلامي من به صمم من اشباه ساسة ومثقفين وطبّالين، من لصوص ومرتشين ودجالين، من قوادين يتاجرون بعرضك في سوق نخاسة دول الجوار وغيرهم من مشارق الارض ومغاربها. انبئك يا عراق عن حزب الدعاة وارثي عهد حزب الطغاة و ما ارتكبوه من جرائم تجاه صرخة شبابك : بان كفوا عن سرقة ثرواتنا ولا لرواتب تقاعد الفاشلين من "برلمانيين" وغيرهم. اخبرك يا عراق عن امرأة لبنانية وهي بالف "سياسي" عراقي قامة ومباديء ووطنية اسمها "بهية الحريري" وهي نائب في البرلمان اللبناني، اخبرك عن فعلتها التي ينحني امامها كل الساسة الشرفاء في العالم الا في العراق حيث لا شرف لساستنا، وهي اعادتها لخزينة الدولة اللبنانية مبلغ مقداره 350 ألف دولار تقريبا وهو ما تقاضته كراتب خلال السنوات الاربع الماضية من عمر البرلمان مقرونة باعتذارها اذ قالت " أعتذر من كل الشعب اللبناني، لأني لم أقم بواجبي الوظيفي منذ العام 2009 حتى الان، وتقاضيت من الشعب اللبناني راتبا لا استحقه"، لتضيف قائلة ايضا " بانني اتشرف أن اعيد للشعب اللبناني كل ما تقاضيته من هذه الدورة النيابية حتى الان" ولنؤسس كما اضافت من خلاله صندوق القيم الوطنية" حساب بحبك يا لبنان 2020".

من اين لنا بمثلك يا بهية ليس بين "السياسيات" بل حتى بين "السياسيين" الذين لا يستطيعون حتى ان يكونوا ظلاّ لقامتك العملاقة بعد ان كانوا وسيظلون اقزاما تجاه قضايا وطننا وشعبنا. انهم لم يكتفوا بما سرقوه من رواتب دون ان يتحدث بعضهم وبعضهن طيلة 4 سنوات الا لدقائق معدودات، بل كرّسوا سرقاتهم تلك بقرارات تمنحهم راتبا تقاعديا يعادل 80 بالمئة من قيمة راتبهم الاصلي. وعندما جربنا يا بهية وبشكل حضاري ان نصرخ بوجوههم ليكفوا عن سرقتنا ردت علينا حكومتهم السجينة في المنطقة الخضراء بان طوقت ساحات بغدادنا واطلقت علينا قواتها القذرة المسماة "سوات" لتمارس بحقنا كل الافعال التي لا تمت الى الديموقراطية التي يدّعون وصلها بصلة، فهراواتهم عالية و عصيهم كهربائية "نحن لا نملك كهرباء" وكلماتهم نابية كاخلاقهم واسلاكهم شائكة كحقدهم على الممارسات الديموقراطية ومنعها تلك التي كفلها الدستور.

ان صندوق القيم الوطنية التي تعملين وغيرك لاقامته في لبنان يعتبر عند ساستنا اللصوص هرطقة ولو كنت في العراق اليوم لقتلوك بتهمة النزاهة!! لانهم لا يعرفون معنى الوطن وبالتالي لا تهمهم اشتقاقاته وخصوصا الوطنية كونها بنظرهم كلمة نابية ومحض هراء، فالوطنية يا بهية عند ساسة المنطقة الخضراء ليست "حساب صندوق بحبك ياعراق" كما عندكم. لا يا بهية بل الوطنية تعني " حساب نكرهك يا عراق". صدقيني يا بهية انه لم يمر بتاريخ العراق لليوم حكومة سرقت وتسرق المال العام كما حكومة المحاصصة، صدقيني يا بهية انه لم يمر بتاريخ العراق لليوم حكومة فشلت في توفير الامن والخدمات "لمواطنيها" كما حكومة المحاصصة، صدقيني يا بهية انه لم تمر حكومة بتاريخ العراق قمعت تظاهرات "شعبها" كما حكومة المحاصصة لانها كما تدّعي ديموقراطية، ولان الانظمة السابقة لم تكن ديموقراطية وبالتالي فقمعها كان مبررا من جانبها حسب وجهات نظرها.

واذا كان شعار حكومة المالكي وحزبه ودولة "قانونه" المدعومة بقوى امنية ذات قبضة قوية "مثلما قال ابو حسنين" كقوات حزب الدعوة المسماة قوات سوات القذرة والمرتبطة بمكتب ابو اسراء مباشرة امام المتظاهرين والضعيفة والخائفة امام الارهابيين، هو نكرهك ياعراق. فان شعار متظاهري ساحة التحرير والفردوس الذين قمعهم المالكي وحزبه حزب الدعوة الاسلامية كان وسيكون دوما هو " نحبك ياعراق".

نحبك يا عراق ونحب ارضك التي نريدها ملتهبة تحت اقدام الدعاة كما التهبت يوما تحت اقدام الطغاة، نحبك ياعراق و لا نريد لاطفالك التسول على ارصفة شوارعك وتقاطعات المرور فيها، نحبك ياعراق ولا نريد من يستغل نسائك لحاجتهن لمال او عمل، نحبك ياعراق و لن نسكت عن اللصوص والقوادين، نحبك ياعراق وسنتظاهر من اجل عدم سرقة اصواتنا من احزاب المافيا، نحبك ياعراق ونريدك آمنا مستقرا ديموقراطيا موحدا عزيزا، نحبك ياعراق وسنزرع النخيل في جنباتك ونعيد الحياة لانهارك والبسمة لوجوه اطفالك والعزة لشعبك الذي يريده المافيويون ذليلا مكسورا، نحبك ياعراق ونعمل على تطهيرك من كل الخونة وبياعي الوطن واللصوص والمرتشين والقتلة.

زنيم ، وغد ، دنيء، وضيع ، حقير، لئيم ، خسيس من يكرهك يا عراق ويقف على الضد من تطلعات شعبك بقمعه ومنعه من ممارسة حقه الذي كفله له الدستور الذي يعودون اليه عندما يشتهون، أو من يأوي مجرمي البعث والقاعدة في ساحات التظاهر. وكريم ،عظيم، ماجد، شريف، أثيل من يعمل على رفعتك وعزتك يا عراق وهم ابناؤك الذي خرجوا الى شوارع مدنك بالامس .

لك يا بهية يجب ان يكون هناك نصبا تذكاريا وليس للمالكي كما طلب مستشاره الاعلامي علي الموسوي.
زكي رضا
 
الدنمارك
1/9/2013




411
عدنان الاسدي بين الترخيص والعجز


صديق لي نصحني يوما بان لا اتناول اية شخصية سياسية بشكل مباشر في مقالاتي لان هذا ليس في صالح العملية السياسية التي علينا ان ندعمها بكل الوسائل الممكنة كي يتجاوز الوطن المحنة التي يمر بها، ناسيا بأن المحنة التي يتحدث عنها عمرها تجاوز العشرة اعوام وان الذين يطيلون عمر المحنة هذه هم انفسهم الذين تصدوا لانهائها منذ اليوم الأول للاحتلال وليومنا وفشلوا في حلها فشلا ذريعا وان لا افق في حلها ما داموا متفقين فيما بينهم على توزيع المغانم من خلال سلال اتفاقياتهم، التي يعيدون ترتيبها دوما في مواسم الانتخابات عن طريق تأزيم الوضع السياسي والذي ينعكس بشكل كبير على الوضع الامني مما يساهم مساهمة كبيرة في الاستقطاب الطائفي الذي هم بحاجة ماسة اليه لتجاوز مرحلة الانتخابات بسلام.

وبدوري سألت صديقي هذا سؤالا حول ردة فعله وشعوره لو انه فشل في تأدية مهمة موكلة اليه بعد عشرات المحاولات ان لم تكن المئات ولسنوات ليس امام الاخرين بل امام نفسه وشكل ذلك الشعور. فأجابني وبمرارة بعد ان سحب نفسا عميقا كاد ان يحرقه انه سيشعر بالخجل ان لم يكن بالعار لفشله هذا لانه انسان واع ومتعلم وحتى لو كان اميا والكلام لازال له فعليه ان يتعلم من عدد المحاولات وطول المدة هذه شيئا ولو بسيطا على الاقل. عندها اجبته وردا على نصيحته "تحذيره" من انني كي لا اشعر بالعار قررت ان لا اخجل من نقد اي "سياسي" مهما كان حجمه ومركزه في المافيا لانهم جميعا لا يخجلون على الاطلاق، لذا تراهم يكذبون في كل الامور مهما كان حجمها ودون اي خجل لا من وازع اخلاقي لان الاخلاق اصبحت بضاعة بالية وكاسدة في عرف المافيا ولا من وازع ديني لان الدين تجارة ليس الا.

ولهذا السبب انتخبت عنوان مقالتي اليوم لتتناول شخصية لها ثقلها الكبير في السلطة "المافيا" العراقية اي الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي "ابو حسنين" وهو في الوقت نفسه قيادي من الصف الاول في حزب الدعوة الحاكم ويد المالكي وعينه في ضرب ومراقبة مناوئيه. وسبب تناولي اياه في هذه المقالة هما امران اثنان ومرتبطان ببعضهما بشكل كبير، وهما ترخيص وقبضة "امنية" والتي حوّرتها لتكون عجزا "امنيا" لانها بنظري هي الاقرب للحقيقة من كلمة قبضة "امنية" لغياب الامن حتى عن المنطقة المقدسة "الخضراء" احيانا.

 "كان" من المقرر ان تخرج مظاهرة دعت اليها منظمات شبابية واخرى من المجتمع المدني في 31 من الشهر الجاري ليس لاسقاط النظام ولا حتى لاصلاحه "لغياب العطار" بل لالغاء تقاعد البرلمانيين ونواب الجمعية الوطنية واعضاء مجالس المحافظات والاقضية والنواحي لما تسببه هذه الرواتب الخرافية من ثقل على كاهل الميزانية وبالتالي على كاهل المواطن. وعوضا عن ان يسارع الاسدي منح المتظاهرين التراخيص القانونية للتظاهرة وفق ما حدده الدستور العراقي كحق من حقوق المواطن خصوصا وانه يعيش في ظل دولة قانون حزب الدعوة من جهة، ولان التظاهرة ليست عدوانية ضده ولا ضد حزبه بل هي لسلب اللصوص حقهم بالسرقة مستقبلا من جهة اخرى، رأيناه يقف مستأسدا ورافضا منح منظمي التظاهرة الترخيص اللازم لها دون ذكر اية اسباب والتي بنظري لا تحتاج الى جهد كبير لمعرفتها بعد ان شاهدنا طريقة قمع قوات حزب الدعوة للتظاهرات التي سبقتها، والتزام نفس هذه القوات الصمت المطبق والغريب لمظاهرات الصدريين وعصائب اهل الحق وتلك التظاهرات التي خرجت لنصرة مختار العصر اي المالكي من دون اية موافقات رسمية وبحماية القوى الامنية لحزب الدعوة ، اضافة الى عجزه عن انهاء تظاهرات المنطقة "السنية" والتي استغلتها قوى ارهابية ومعادية للعملية السياسية لتجعل اسقاط النظام هدفا اساسيا لها!!
ان منع تظاهرة ال31 من آب القادمة عن طريق عدم ترخيصها رسميا او قمعها عن طريق الاعتقالات واحاطة ساحة التحرير والطرق المؤدية اليها بقوات حزب الدعوة والاسلاك الشائكة تعني من بين امور عدة، خوف السلطة من اية تظاهرة مطلبية تنطلق من ساحة التحرير تحديدا لما لها من رمزية نتيجة تغيير العديد من الحكومات في تظاهرات انطلقت من ساحات تحرير تلك البلدان، ومنها حماية السلطة للصوص وتأمينهم من اية محاسبة قانونية ليحتفظوا برواتبهم الخرافية لان رجال السلطة انفسهم هم مشاريع مستقبلية لنهب رواتب تقاعدية بنفس الحجم، كون عصابات الجريمة المنظمة قد تختلف فيما بينها حول نسب السرقة لكنها لا تختلف مطلقا حول مبدأ السرقة. ولا ادري الى متى يستطيع الاسدي وارباب نعمته من سجن المارد الجماهيري داخل قمقمه، والا يحسب حساب ذلك اليوم الذي ينزع المارد الحبيس لباسه الطائفي لينطلق في فضاء الوطن وليس غيره، هذا كان الامر الاول في المقالة .

اما الامر الثاني فانه يرتبط الى حد كبير بمنع التظاهرة نهاية آب الجاري ولكن بطريقة تضحك الثكلى بعد ان اكدت وزارة الداخلية التي يديرها "ابو حسنين" بالوكالة احكام قبضتها على الشارع. "يا الهي" عن اي قبضة  تتحدث الوزارة والخروقات الامنية والاغتيالات والتفجيرات وقتل الابرياء امام الكاميرات اصبحت سلعة عراقية يومية واصبحنا كما يقول المثل العراقي "فرجه للرايح والجاي"، هل تعي وزارة الداخلية ما جاء في بيانها من ترهات ؟، وهل تستطيع الوزارة ان تضحك على ذقون الناس الى هذا الحد ؟ ومن منحها هذا الحق الذي هو الباطل بعينه ؟.
ان الوزارة لا تريد ان ترى ابعد من ارنبة انفها في معالجة الملف الامني الذي يسوء يوما بعد يوم على الرغم من الامكانيات المادية والبشرية الهائلة التي خصصت لها.
السيد الاسدي ارى من الضروري منح وزارتكم ميدالية ذهبية بالفشل المزمن ولو كانت هناك ميدالية من نوع آخر اكبر من الذهب لكنتم قد حصلتم عليها.
احترموا عقولنا قليلا كي نحاول ان نحترمكم وقولوا ان بيانكم حول احكام قبضتكم على الشارع يعني منعكم لاية تظاهرة مطلبية وخوفكم منها، لانني واثق ان الخرق الامني الذي سيبدد تصريحاتكم ذات الوزن الثقيل والتي لا تتحمله كواهلكم قادم، ليس "لقوة" الارهابيين بل لضعفكم الذي لمسناه منذ سنوات.

هناك من يرى نفسه امام المتظاهرين اسد كبير وهناك من يراه الاخرون امام الارهابيين ارنب صغير

زكي رضا
الدنمارك
26/8/2013
     
   





412
العنف والعدوانية في زمن الكوليرا... مرتضى القزويني مثالا

كان اكثر الكتاب المناهضين للحكم الفاشي البعثي يصفون عهدهم بعهد الطاعون البعثي، لما سببه من خراب ودمار على مختلف الصعد بحق الانسان والوطن منذ الفتوى التي اباحت لهم قتل الشيوعيين والوطنيين العراقيين اثر انقلابهم الدموي الذي ادخل البلد الى نفق مظلم برضا المؤسسة الدينية ومباركتها لهم الى يومنا هذا. تلك المؤسسة التي لم تنسى حينها ولليوم الموقف الرجولي والبطولي لقادة ثورة تموز ضد حلفائها من عشائر واقطاع والاهم منهما موقف ثورة تموز ضد حلف السنتو وبريطانيا راعية الحركات الدينية في العالم الاسلامي ليومنا هذا، اضافة الى موقفها من الحبل السري للمؤسسة الدينية اي ايران سواء كانت شاهنشاهية ام خمينية والتي لازلت صوره "الخميني" بالحجم الكبير تحتل وسط بغداد برضا الحكومة الطائفية والمؤسسة الدينية والاحزاب الاسلامية الشيعية في عملية امتهان للوطن وقدسيته، اذ لايرى كل من يحمل ذرة من كرامة ووطنية سببا واحدا يدعو الى تقبيح وجه بغداد الخربة "القبيحة للاسف الشديد بآلاف الصور" بصور الخميني والخامنئي.

ونتيجة طبيعية لجنوح الاوضاع في البلد من سيء الى اسوأ منذ الاحتلال لليوم ولعدم استطاعة القوى الطائفية والقومية من تلك التي تمتلك القرار السياسي في ترسيخ دولة القانون لبناء وطن معافى من ادران البعث وطاعونه المميت، ولان العنف والارهاب قد افلتا من عقالهما ليدمرا بشكل ممنهج بقايا بلد وشعب كان يتوقع ان يلملم "ساسته" الجدد جراحه فان الطاعون البعثي بقي مستمرا بصيغته الطائفية القومية. ولكي نميز بين العهدين الكارثيين بالعراق من ناحية الوباء اللذان يحملانه اطلقنا اليوم صفة الكوليرا والتي اريدها اسلامية طائفية مقارنة بالطاعون البعثي الذي لازالت بعض مناطق العراق وخصوصا في المناطق "السنية" تحتضنه ومجرمي القاعدة ليهددا السلم الاهلي نتيجة ارهابهم الغير محدود، اضافة الى عجز الحكومة وافتقارها الى حلول سياسية لبناء اسس جديدة في العلاقات بين ابناء الوطن الواحد، تحد من العنف والعنف المضاد الذي ازهق لليوم حياة مئات الالاف من ارواح الابرياء اما لكونهم شيعة او لكونهم سنّة، حيث يقتل "الشيعي" بعدوانية وعنف "السنّي" ويقتل "السنّي" بعدوانية وعنف "الشيعي". ولم يقف الامر على قتل ابناء المذهبين لبعضهما البعض نتيجة الدور الغير واع للعديد من رجال دين الطائفتين والاحزاب الدينية الطائفية وعجز وفشل الحكومة فقط، بل تعداه الى قتل وتهجير ابناء الاديان والطوائف غير الاسلامية  وتدمير البنى التحتية وضرب مصالح الدولة وتفجير بيوت الله الذي يدّعون عبادته. وبدلا من ان يلتفت رجال دين الطائفتين لاصلاح امر دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة نراهم يحرضون على العنف علانية فمنهم من يقف تحت منصات العار مهددا العملية السياسية برمتها وبالتالي السلم الاهلي  "كرجال الدين في تظاهرات المناطق "السنية"، ومنهم من يريد ان يستغل ضعف الوعي السياسي عند الجماهير وتعاطف الدولة معه بالتحريض على العنف لقتل الشيوعيين والعلمانيين في سابقة خطيرة قد تعيد مجازر شباط الاسود وبشكل اكثر عنفا الى واجهة الاحداث ثانية. ومن "رجال" الدين هؤلاء رجل دين ايراني يدعى مرتضى القزويني وقزوين محافظة ايرانية تقع الى الشمال الغربي من ايران وعاصمتها تحمل نفس الاسم. وقبل ان استطرد في مقالتي هذه ساعرج على لسان العرب لمعرفة المعنى اللغوي "للعنف" و"العدوان" الذي يتميز به العديد من رجال دين الطائفتين الذين قسموا المجتمع طائفيا اليوم وهم في طرقهم لتقسيم البلد .

العنف في اللغة:

يعرف معجم لسان العرب (العنف) بأنّه الخُرقُ بالأمر، وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق. عَنُفَ به وعليه، يعنُفُ عنفاً وعنافة واعنفه وعنفه تعنيفاً، وهو عنيفٌ إذا لم يكن رفيقاً في مالا يُعطي على العنف.
والعنيف: الذي لا يُحسن الركُوب وليس له رفق بركوب الخيل واعنف الشيء: أخذه بشدة. واعتنف الشيء: كرهه.
والتعنيف: التعبير واللوم، التعنيف، التوبيخ والتقريع واللوم
وعنف: العين والنون والفاء، أصل صحيح يدل على خلاف الرفق وقول الخليل: العُنف ضد الرفق. تقول عَنفَ، يعنف عنفاً، فهو عنيف، إذا لم يرفق في أمره.
العدوان في اللغة:

هو الظلم الذي يتجاوز فيه الحدّ، وهو مصدر من عدا يعدو عدواوعدوّا وعدوانا وعداءالّتي تدل على تجاوز الشيء وتقدم لما ينبغيان يقتصر عليه، قال الخليل: التعدّي: تجاوز ما ينبغي ان يقتصر عليه، والعادي: الذي يعدو على الناس ظلما وعدوانا. ويقال: عدا فلان طوره، ومنه العدوان، قال: وكذلك العداء والاعتداء. قال: الظلّم الصّراح، والاعتداء مشتق من العدوان. اما حول تعريف العدوان اصطلاحا..
 فان المناوي يقول: العدوان أسوأ الاعتداء في قول او فعل او حال.
والجرجاني يقول: العداوة: ان يتمكن في القلب قصد الاضرار والانتقام.
اما الراغب بيقول: العدو هو الذي يتحرى اغتيال الاخر ويضادّه فيما يؤدي الى ضرره.

كما ويعرف العدوان بأنه كل فعل يتسم بالعداء تجاه الموضوع أو الذات ويهدف للهدم والتدمير، نقيضاً للحياة في  متصل من البسيط إلى المركب. ويكون العدوان مباشراً على فرد أو شيء هو مصدر الإحباط في صور مختلفة سواء باستخدام القوة الجسمية أو بالتعبير اللغوي أو الحركي.
أما (شابلين) فيعرف العدوان بأنه هجوم أو فعل معاد موجه نحو شخص ما أو شيء ما. كما يعني الرغبة في الاعتداء على الآخرين أو إيذائهم والاستخفاف بهم أو السخرية منهم بأشكال مختلفة بغرض إنزال أضرار عقوبة بهم أو إظهار التفوق عليهم(1).
ويعرف (دولارد وميللر) العدوان باعتباره فعلاً يكون هدفه إصابة الكائن(2).
أما السلوك العدواني فيعرف بأنه تهديد لحياة الآخرين.
ويعرف الغضب بأنه عدم الرضا عن شيء يجري(3).
وهنا يفرق المؤلف بين السلوك العدواني والغضب بقوله أن الأفراد العدوانيين، يمضون في عدوانيتهم حتى يصبحوا خطراً ويتمثل في سلوكهم العنف الخطير، أما الغضب فينتهي بانتهاء الموقف الذي أحدثه.
ويرى (برو كوفيتز)، أن السلوك العدواني يفترض انه مسبوق بوجود إحباط(4).
ولكن ليس دائماً، فربما يؤدي الإحباط المتكرر إلى استثارة السلوك نحو العدوان، وربما تكون ردة فعل تسمى أحياناً بالغضب، وخاصة إذا لم يتحقق للهدف استجابته النهائية .. فليس كل عدوان يكمن خلفه إحباط، وليس كل غضب يكمن خلفه دوافع للسلوك العدواني*.

ان تامين حياة الانسان وحقوقه سواء كان هذا الانسان فردا او جماعة او تنظيما سياسيا او نقابيا او غيره من اشكال التجمعات التي يكفلها الدستور هو الذي يترجم مفهوم سيادة دولة القانون وليس شيئ آخر. وهو الذي يمنع اي شكل من اشكال الاضطهاد والتعسف التي تقوم بها الدولة او الجماعات الكبيرة على التي اقل منها عددا، كما وعليها اي الدولة بمحاسبة من يدعو الى العنف والكراهية والعدوان وفقا للقانون سواء كان صادرا من حزب او منظمة او جماعة سياسية او غيرها، او كان صادرا من جهة اعلامية مرئية ام مسموعة ام مقروءة، او كان صادرا من شخص ما وبغض النظر عن المركز الاجتماعي والسياسي لهذا الشخص على اساس ان المواطنين سواسية امام القانون ومنهم كذلك المقيمون والاجانب الذين لاتوجد اتفاقات رسمية بين بلديهما تنص على افضليتهم بالتمتع بمحاسبة قانونية في بلدهم الاصلي عند ارتكابهم جرما يحاسب عليه القانون. وتعتبر الدعوة الى العنف والتحريض عليه من اولى اسس الانفلات الامني الذي يتطور بتجاهل الدولة له لاسباب مختلفة "تعتبر شريكا في هذه الحالة" الى ما يهدد السلم الاهلي والمجتمعي والذي يؤدي الى انتاج حرب اهلية تتحمل الدولة مسؤوليتها الاخلاقية فيه لعدم منع العنف واعتقال من دعا وروج اليه وفق القانون.

ان الدعوة والتحريض على القتل التي افتى بها المدعو مرتضى القزويني تعرضه وقناة الانوار الفضائية الى المسائلة القانونية  امام القضاء العراقي، حيث تقول المادة "170" من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 " يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على عشر سنوات من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد 156 – 169 ولو لم يترتب على التحريض اثر" وهذا يعني معاقبة الذي اطلق التحريض والوسيلة التي اطلق تحريضه من خلالها ان كانت مقروءة او مسموعة او مرئية، وان لم تحدث جريمة نتيجة تحريضه لعدم قناعة احد بما جاء به . كما وينص القانون الجنائي العراقي على اعتبار من اطلق التحريض على القتل شريكا فيها حيث تقول المادة 48 من قانون العقوبات اعلاه " يعد شريكا في الجريمة من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض" اما المادة 49 من نفس القانون فانها تنص على " اعتبار المحرض فاعلا اصليا للجريمة اذا كان حاضرا اثناء ارتكاب الجريمة او ارتكاب اي فعل من الافعال المكونة لها". اما الدستور العراقي فانه ينص صراحة في المادة 29 رابعا" تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع" . ان قناة الانوار الفضائية هي الاخرى تعتبر محرضة على الارهاب لبثها خطب وبيانات تحرض على العنف والكراهية ويجب معاملتها وفقا للقوانين الاعلامية العراقية التي اغلقت لنفس الاسباب قنوات فضائية عديدة ولعدة مرات كالجزيرة والبغدادية وغيرهما، لانهما كانتا تدعوان بشكل صريح الى الكراهية والقتل وخصوصا قناة الجزيرة ما يؤدي الى اشاعة الفوضى في المجتمع والمساس بامنه. ان التحريض على القتل اضافة الى انه مرفوض اخلاقيا وقانونيا، فانه مرفوض دينيا ايضا ولكن لمن يعرفون الدين وليس تجّاره من سارقي قوت الفقراء او المساهمين بسرقته لانه سيؤدي الى تكفير الاخرين واتهامهم بالمروق والخروج عن الدين ما يجعلهم عرضة للاذى الجسدي والمعنوي من مريدي رجل الدين ذاك او غيرهم ممن يوصفهم الادب الديني بالغوغاء، وهذا ما يتعارض مع القوانين العراقية السائدة اضافة الى القوانين الدولية التي وقع العراق عليها باعتباره عضوا مؤسسا للعديد من المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة والمهتمة بحقوق الانسان.

ان الذين يفجرون بيوت الله هم الطائفيون السنة والشيعة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسرقون المال العام دون ان تنبس وامثالك ببنت شفة هم الطائفيون من احزاب الاسلام السياسي وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الفاسدين والمرتشين هم احزاب الحكومة التي انت جزء منها وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يسرق اموال الارامل والايتام ويجعلهم جوعى لسرقة بطاقتهم التموينية هي حكومتك الطائفية وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان من يرهن الوطن عند بدو الصحراء او ابناء جلدتك في طهران هم طائفيي المذهبين وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذي يقطع عن ابناء النهرين مياه الانهار هم حماة طائفيي السلطة في طهران وانقرة وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى، ان الذين يسيئون لمقدسات المسلمين هم انتم ونظرائكم في الطائفة الاخرى وليس الشيوعيين والعلمانيين يا مرتضى. يا مرتضى انظر بضمير حي ان بقي لك منه شيئا الى من هم حولك من البائسين والمعدمين الذين سرقت وامثالك من المعممين والسلطة التي تتغاضى عن جرائمكم وقارنها بما تمتلك وامثالك من ثروات واعرضها على الدين لنرى ان كانت منه شيئا، يا مرتضى ان من حرّف القرآن هو انت وليس الشيوعيين والعلمانيين حين حرفت ما جاء في سورة آل عمران عندما اضفت آل محمد الى الآية التي تقول " ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالم اجمعين"، وسؤالي هنا موجه الى المرجعية الدينية في النجف وكل علماء الدين الاسلامي ان ما هو عقاب من يحرف كلام الله ويتهم الامام السادس عند الشيعة بقوله ان القرآن محرف لانهم "السنة" حذفوا عبارة آل محمد من الاية المذكورة. 
على الشيوعيين والعلمانيين في التيار الديموقراطي يامرتضى ان يقيموا عليك وعلى قناة الانوار دعوى قضائية بتهمة التحريض على القتل والترويج له، وان لم يفعلوا "لظروف قاهرة" فعلى العلمانيين والشيوعيين خارج العراق ان يتحركوا لتقديم شكاوى قضائية بحقك وحكومة العراق التي لاتحاسبك امام المحاكم الاوربية بتهمة التحريض على القتل العلني واشاعة الكراهية وتهديد السلم المجتمعي بالعراق لخطر الانزلاق الى حرب اهلية حيث سيذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء. ختاما اود ان اقوللك يا مرتضى من انك لست برجل دين لان رجل الدين يدعو الى الالفة والتسامح او هكذا يجب ان يكون، لانك عبارة عن مشروع طائفي وجاهل ومتطرف وخبيث وفي خدمتك وسيلة اعلامية على الدولة اغلاقها قبل ان يسبق السيف العذل، مرتضى انك وباء بل انك الكوليرا بعينها.


ايها الشيوعيون العراقيون ايها العلمانيون من اين حشرت عليكم البهائم اليوم.

1-فرج عبد القادر طه، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، مصدر سابق، ص480.
2-  ت. أ أنسكو و. ج. سكوبلر، علم النفس الاجتماعي التجريبي، ترجمة عبد الحميد صفوت إبراهيم، مطابع جامعة الملك سعود/الرياض (1993)، ص380 .
3- ديانا هيلز وروبرت هيلز، العناية بالعقل والنفس، ترجمة عبد علي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت (1999)، ص218.4- 4 ت. أ. انسكو و ج. سكوبلر / مصدر سابق "غوغل"*.

زكي رضا
الدنمارك
25/8/2013

413
المنبر الحر / الحكومة السجينة
« في: 20:06 22/08/2013  »
الحكومة السجينة

الحفاظ على حياة المواطنين هو الشغل الشاغل لاي نظام سياسي بغض النظر عن طبيعة النظام ان كان دكتاتوريا شموليا او ديموقراطيا، ففي الانطمة الدكتاتورية الشمولية يكون الامن مستتبا لبطش السلطة وقسوة اجهزتها الامنية والتي بها تؤمن السلطة نفسها من الاحزاب المعارضة لها وعملها على الاطاحة بنظامها، وفي الانظمة الديموقراطية يكون الامن مستتبا لقوة الاجهزة الامنية من جهة وتعاون المواطن معها من جهة اخرى لان المواطن نفسه هو من ذهب الى صناديق الاقتراع لانتخابها وهو نفسه من يزيحها عن السلطة اذا لم تنفذ السلطة برامجها التي وعدت بها اثناء الانتخابات. وهذا يعني بمعنى وبآخر ان الوطن في ظل سلطة دكتاتورية شمولية عبارة عن سجن كبير كما معظم الانظمة الشمولية العربية،  ونفس الوطن عبارة عن واحة للطمأنينة الى حد بعيد في ظل الانظمة الديموقراطية، مع بعض الاستثناءات في طبيعة بعض الانظمة السياسية ذات الحزب الواحد والتي تعطي هامشا من الحرية ولكن دون المساس بمركزية الدولة كمصر اثناء عهد مبارك.

الشيء الغريب في العراق ان البلد كان عبارة عن سجن كبير أبّان الحكم البعثي الساقط  وكان سجّانوه اي اقطاب النظام وازلامه يصولون ويجولون في ارجاء البلد بحرية كاملة لان الاجهزة الامنية كانت اضافة الى قسوتها ووحشيتها، مهنية (لم تكن طائفية) وتعتمد على مصادر معلومات عديدة ومتنوعة اضافة الى استخدامها اساليب علمية تعلمتها من خيرة المدارس المخابراتية في العديد من دول العالم والتي ترجمتها السلطة الدكتاتورية حينها بشكل مثالي للحفاظ على نفسها وهيبتها امام شعبنا المغلوب على امره. ولو تحدثنا بلغة الحقائق فان المعارضة العراقية حينها ومن ضمنها احزاب السلطة اليوم والمدعومة باكثر من قوة اقليمية لم تستطع ان تنال من النظام البعثي المنهار رغم الحصار الاقتصادي والسياسي حتى جاء الامريكيون بجيوشهم ليزيحوا عن كاهل شعبنا حكما تفنن في اذلاله لما يقارب من الاربعة عقود. 

والشيء الغريب ايضا اليوم ان النظام السياسي الطائفي لم يستطع منذ الاحتلال لليوم من بناء اجهزة امنية مهنية تعتمد على المعلومة الاستخبارية لتحللها كي تتخذ الاجراءات الكفيلة التي تحول دون ان يضرب الارهاب ضربته الاستباقية، فالاجهزة الامنية طائفية القوام وحزبية يديرها افراد لا صلة لهم اساسا بالجانب الامني والاستخباري الذي هو بحاجة الى رجال مهنيين ومدربين تدريبا علميا جيدا وقادرين على التعامل مع اي معلومة استخبارية للاستفادة منها بالسرعة القصوى.

أن ضعف الاجهزة الامنية وعدم تعاون المواطن معها لخوفه من الارهابيين نتيجة اختراقهم للاجهزة الامنية من جهة، وزيادة فاعلية قوى الارهاب كنتيجة طبيعية لحالة عدم الاستقرار السياسي من جهة اخرى والتي وفّرت العديد من الحواضن لها، ونتيجة لعدم توفير ادنى مستلزمات الحياة الكريمة للمواطنين ما ادى الى شعورهم بعدم تمثيل الحكومة لهم، اضافة الى الجهد الاستخباري لقوى اقليمية تريد تدمير العملية السياسية برمتها، جعلت العراق ساحة مكشوفة امام الارهاب الداخلي والخارجي الذي اصبح اليوم قادرا على ضرب اهداف منتخبة في المكان والزمان الذي يريدهما، وعادة ما تكون هذه الاماكن الاسواق ودور العبادة والمقاهي وساحات كرة القدم اخيرا وغيرها من الاماكن المزدحمة بالسكان.

 ولكن المفارقة الكبيرة والتي لم تحدث في اي بلد بالعالم على حد علمي لليوم، هو ان تترك السلطة شعبها عرضة للموت اليومي وحماية نفسها فقط وبطريقة تنم عن ضعف كبير وذل ما بعده ذل امام قوى الارهاب. ان الحكومة العاجزة في عراق الطوائف لم تجد طريقة لحماية نفسها الا بسجن نفسها في سجن  في المنطقة الخضراء بعد ان احاطت المنطقة بالحواجز والاسلاك الشائكة، اضافة الى حواجز وسيطرات المسافة بينها 100 م داخل السجن نفسه أي داخل المنطقة الخضراء.

ان الحكومة التي تحمي نفسها تاركة شعبها بين براثن الارهاب لا يحق لها ان تدّعي تمثيل "شعبها" ولا حتى جزء منه، ان هذه الحكومة التي يريد البعض ان تستمر لاربع سنوات قادمة بشخص رئيسها فاشلة وعلينا تطليقها بالثلاث الا اذا اردنا ان يحكمنا سجناء يهابون الخروج من سجنهم دون جيش من الحمايات.

الطاغية صدام حسين كان سجينا بين خطي العرض 32 و 36 ، اما نوري المالكي فهو سجين بين بوابات المنطقة الخضراء، يا لفرحة شعبنا بحكامه السجناء!!

زكي رضا
الدنمارك
22/8/2013 

   
 

414
كل "ساسة" العراق يستغربون الاّ شعبه!!

من خلال متابعتي للاعلام العراقي ومقارنتي اياه بالاعلام العربي والدولي وما ينقلونه عن لسان السياسيين وجدت ان اكثر كلمة متداولة بين "السياسيين" العراقيين هي كلمة استغرب واشتقاقاتها ، فالسياسيون كافراد واحزاب وكتل و حتى المرجعيات الدينية لا تكف عن استخدامها واشتقاقاتها يوميا تقريبا. خصوصا اثناء اللقاءات الصحفية التي يجريها "مسؤولو" السلطة وغيرهم مع وسائل الاعلام ليستغربوا بعدها ويكذّبوا طبعا ما نقل عن لسانهم، او من خلال البيانات التي تصدر عن الكتل السياسية المتنفذة وغيرها والتي سأتناول البعض منها في مقالتي هذه التي اريدها مقالة يكتبها الاخرون ودوري فيه لا يعدو اعادة ما قالوه وجمعه بشكل مختصر هنا.

ارى من الضروري وقبل الخوض في المقالة ان نتعرف على معنى كلمة "استغرب " في اللغة العربية والتي وجدتها في المعجم الغني، اذ وردت الكلمة بالمعاني التالية: استغرب حركاته البهلوانية ومعناها، اندهش وتحير: استغرب في الضحك، بالغ فيه: استغرب الدمع، سال. واعتقد ان المعاني الثلاث للكلمة هنا هي بيت القصيد لهذه المقالة، لان الوضع العراقي فيه من الحركات البهلوانية المضحكة والمبكية المحيرة والمدهشة والتي تسيل من اجلها الكثير من الدموع عديدة ومتنوعة.

سأبدأ من اخر استغرابين قرأتهما امس على ان تكون "الاستغرابات " اللاحقة قديمة بعض الشيء ومن دون التركيز على تاريخها لان العادة ان التقويم الشهري والسنوي في تقدم مستمر الا في العراق فالتقويم لا يعني شيئا البتة. واذا كان تاريخ اليوم في اي بلد مقارنة بنفس اليوم قبل عقد او عقدين وخصوصا في بلدان تمتلك امكانيات العراق الكبيرة او حتى دونه يتقدم باضطراد، فان الوضع في العراق هو على العكس تماما اذ اننا وبفضل "ساسة" البلد نتأخر و بشكل مريع لان اليوم هو اسوأ من الامس والغد اسوأ من اليوم وهكذا.

واليكم ايها القراء الكرام بعض الاستغرابات من دون تعليق.

الشيخ عباس المحمداوي يبدي استغرابه من " رفض بعض السياسيين تمديد ولاية المالكي".
عالية نصيف تبدي استغرابها من صمت رئاسة مجلس النواب إزاء الدور السعودي في زعزعة استقرار العراق.
نواب في البرلمان العراقي يستغربون من تصريحات الشابندر ويؤكدون عدم صحتها.
الحكيم يستغرب من سكوت المسؤولين عن تكرار جرائم اقتحام السجون.
البارزاني يستغرب تصريحات المالكي حول تشكيل أقاليم جديدة.
الوطني يستغرب من تصريحات بارزاني.
المرجعية الدينية في النجف الاشرف تستغرب الاسباب التي اعلنتها الحكومة حول الغاء البطاقة التموينية.
المواطن تستغرب صمت الحكومة حيال استهداف وكلاء ومعتمدي المرجعية.
النجيفي يستغرب من التدهور والضعف الامني ويطالب القيادات الامنية بحملة لايقاف نزيف الدم.
علي العلاق يستغرب من مواقف النجيفي بوقوفه مع كتله دون أخرى.
المالكي يستغرب احتضان دول مجاورة لقتلة ومجرمين.
المجلس الاعلى يستغرب تصريحات التحالف الوطني ويدعوه لاجتماع طارئ.
بعد ان وصفهم بخفافيش الظلام علاوي يستغرب من تصريحات المالكي تجاه حركة الوفاق.
السيد مقتدى الصدر يستغرب من تبوء نعيم عبعوب منصب الوكيل البلدي في أمانة بغداد.
الصدر يحذر انصاره من التدخل بعمله ويستغرب عدم ثقة بعضهم به.
رئيس ديوان الوقف السني يستغرب عدم الاستجابة لدعوته الى عقد مؤتمر وطني.
حتى وصل الاستغراب الى ما وراء الحدود عندما استغربت سوزان السعد عن كتلة الفضيلة صمت المجتمع الدولي تجاه نبش ضريح الصحابي حجر ابن عدي!!!

ايتها السيدات والسادة من مرجعيات سياسية ودينية لقد فاتتكم حالة استغراب مهمة جدا ولم تأتوا على ذكرها مطلقا وهي، عدم استغرابكم لعدم خروج الجماهير الى شوارع المدن للمطالبة ببعض من حقوقها التي يجري نهبها منذ الاحتلال لليوم، واستغرابكم لحالة شعب يقاد الى الموت اليومي دون ان تبدر منه ردود افعال توازي حجم الجريمة التي ترتكب بحقه ووطنه. واذا كان شعبنا غير مستغربا لما يعيشه من وضع كارثي ولا تسيل دموعه على ضحاياه ولا يضحك على بهلوانية و"مقربازية" حكامه بعد ان خدرته الطائفية، فان شعوب العالم اجمع في حالة من الدهشة والحيرة "والصفنات" والاستغراب على حال شعب لا يريد ان يخرج الى الحياة.
زكي رضا
 
الدنمارك
18/8/2013



415
سلّموا الملف الامني لعشائر الكرادة

ها هم شذّاذ الافاق يغزون دار السلام ثانية ويحولون صباحها الذي يختنق بحرارة شمس آب وزفرة الفقراء المحرومون من كل ما يمت للمدنية والحياة بصلة،  الى صراخ وعويل وجثث تتطاير لتخلف عشرات الارامل والثكالى والايتام،  ها هي السلطة التي فقدت عذريتها بعد ان استباحت نفسها بنفسها نتيجة شهوتها التي بلا حدود للحكم الطائفي ونهب ثروات البلد تعلن عن عجزها للمرة الالف في توفير الامن " لمواطنيها"  لتشارك الارهابيين جرائمهم الوحشية بحق شعب يساق الى الموت وتستباح مدنه وبلداته. النيران تلتهم بغدادنا وابنائها يلوذون بصمت اشبه بصمت المقابر ليس من فيهم قادرا على قول، كفى يا سقط المتاع، فبغدادانا ليست بغيا لترجم، ولا حمالة حطب لتضعوا في جيدها حبل من مسد، بغدادنا اطهر من طاهركم، واشرف من اشرفكم، واعز من اعزتكم، بغدادنا ليست مسخا كما انتم، لقد كانت بغدادنا تزرع الحياة وتحصد الحياة، قبل ان تأتيها جحافل الهمج والعهر البعثية والتخلف واللصوصية الاسلامية، ليزرعوا في جنباتها الموت لنحصد الموت.

بالامس واليوم "وغدا" نجح الارهاب وفشل حكومة نوري المالكي في ازهاق ارواح العشرات في مدينة المدن ثانية، بالامس واليوم اثبت المالكي وحزبه عجزهم التام عن مواجهة الارهاب  دون ان يمتلكوا ذرة من الشجاعة ليعلنوا عجزهم هذا، بالامس واليوم نزعت القوى الامنية غير المهنية التي تقودها عقول التجار والمرابين ورقة التوت المتهرئة لتبان عورتهم بأقبح ما يكون. بالامس واليوم "وغدا" كان للارهاب المنفلت "غزوة" وكأن مدننا العراقية هي من بقايا ممتلكات قريش التي ناصبت الاسلام العداء.

بغداد، هل لي ان اتحدث اليك، ان اناجيك، ان اداعبك، ان اجلس لاقص على مسامع اطفالك وايتامك تاريخك المجيد قبل ان يلوثه البعثيون والاسلاميون التتار القادمون من خلف الحدود ومن يأويهم من اولاد الزنا. بغداد هل  لي ان اخبرهم عن دجلتك ولياليها التي سرقها الطغاة وسجنها الدعاة وشركائهم في جريمة ما تسمى "حكومة محاصصة طائفية "، بغداد هل لي ان اخبر صغارك عن طفولة ابنائك قبل ان تعرف الحروب والحصار والطائفية العفنة طريقها الى عقولهم التي هي الان في سبات طويل، بغداد هل لي ان اخبرهم عن تظاهرات وانتفاضات ابنائك من اجل الانسان والوطن وليس من اجل الدين والطائفة، بغداد هل لي ان اخبر صغارك عن شهامة واخلاق ابنائك قبل ان يبيعوا بلدهم ابتداءا من سرقة آثاره الى ثرواته والاتجار بنسائه واطفاله، ايه بغداد هل لي ان اخبرهم عن قوّادين يتاجرون بعرضك بعد ان زوجوك متعة ومسيارا وانتي اشرف من البطون التي حملتهم، هل لي ان اخبرهم عن زناة لا يعرفون من جغرافيتك مكانا الا ماخور يسمى " المنطقة الخضراء" يمارسون فيه كل اشكال الرذيلة. انهم غرباء عنك، انهم بدو واعراب لايعرفون الا النهب والثأر، لقد ريّفوك "من الريف" بغداد حتى اصبحت تصول في ارجائك العشائر والافخاذ ولتنزوي المدنية يوما بعد يوم امام اعرافها المتخلفة، حتى وصل الامر الى ان تكون سطوتها "مع تواطيء السلطة" في ان تطبق القانون بدلا من سيادة دولة القانون.

انني اعتقد ان النجاح الباهر لعشائر الكرادة في "غزوة" المقاهي يمنحنا الحق في ان نطالب السيد المالكي وحزبه ودولة قانونه بتسليم الملف الامني لها، وانا على استعداد لجمع 1501 صوتا لذلك اي اكثر من الاصوات التي جمعتها العشائر في "غزوة" المقاهي بصوت واحد. خصوصا بعد فشل وزارة الدفاع والداخلية والامن الوطني واجهزة المخابرات المختلفة وقوات سوات وغيرها من التشكيلات العسكرية التي يقودها السيد رئيس الوزراء اما مباشرة او بالوكالة بالتصدي للارهاب وتقليل حجم خسائره الى حد معقول دوليا!!

السادة في منتجع الخضراء، هل تستطيعون ان تحددوا لنا سقفا زمنيا لتدمير العراق بالكامل بتحويل اطلاله التي تركها البعثيون الى خرائب وبالكامل ايضا؟ هل تستطيعون ان تحددوا لنا سقفا زمنيا لانهيار شكل الدولة وتحولها الى عقد اجتماعي عشائري يكون فيه للمهوال الدور الاكبر في شحذ الهمم " لاتنتطيها"؟ هل تستطيعون ان تحددوا لنا سقفا زمنيا لتصحير العقل العراقي بعد ان صحّرتم ارضه ونهبتم ثرواته؟

ان التاريخ سيكلل سلطة المحاصصة المسؤولة عن كل الخيبات والجرائم التي تمر بالوطن وشعبه في هذه الظروف الحساسة والمعقدة بالعار، لانها ووفق كل المعايير تعتبر من اكثر السلطات فسادا وضعفا على رغم اقلام المدّاحين من وعاظ السلاطين، الذين اصبح كل واحد منهم كشيطان مصاب بعوق لانهم لم يكتفوا بانهم يسكتون عنه لانهم خرس، بل اصبحوا لايسمعونه و لايرونه وليكتمل بذلك عوقهم والذي يؤدي الى عوق البلاد، لان الذين يقودون البلد اليوم اشبه ما يكونوا بالمعاقين ان لم يكونوا معاقين فعلا.

   هل رأيتم قبل اليوم مالكا يشارك اللصوص نهب بيته؟
زكي رضا
الدنمارك
16/8/2013

416
الله "يساعدچ" امريكا


يقال وعلى سبيل النكتة، ان اجهزة الامن العراقية اعتقلت اثناء الحصار الامريكي على شعبنا بعد حرب الخليج الثانية التي تكللت بانتصار صدام وحزبه في خيمة الذل البعثية في صفوان!!، رجلا مسنّا ذو ملابس بالية ويعاني من الجوع الشديد في شارع السعدون ببغداد وهو يستجدي الناس قائلا " الله يساعدچ امريكا". حيث تعرض صاحبنا لابشع انواع التعذيب والاهانات والاستفسار منه عن سبب دعائه ليساعد الله امريكا وهي التي خاضت حربا على بلدنا وحاصرته حصارا شديدا، ليجيب الرجل بعد ايام من التعذيب انه اذا كان حال العراقيين وهم منتصرين بعزم "القائد" في حالة من البؤس والشقاء كالتي هو والملايين من العراقيين عليها، فكيف حال الشعب الامريكي المسكين وهو قد خسر الحرب امام جيش القادسية البطل وعليه فانه قد رفع صوته بالدعاء لمساعدة الامريكان لانهم فقراء؟

تذكرت هذه النكتة المعبرة عن حالة شعبنا وضحكه على نظام الطاغية المجرم صدام حسين حينها، وانا اقرأ اليوم بيانا صادرا من وزارة حقوق الانسان حول التفجيرات الارهابية الاخيرة " العيدية" التي ضربت اكثر من مدينة ومنها العاصمة بغداد. حيث نددت الوزارة والتي عليها الاهتمام بحقوق الانسان ومنها العيش الكريم متمتعا بحرياته التي كفلها له الدستور، نددت بالجهات المسؤولة عن هذه التفجيرات فقط وهي قوى الارهاب التي نجحت في اختراق الاجهزة الامنية لتزرع الموت في شوارع المدن العراقية، دون ان تنتقد ولو بشكل خجول الحكومة والاجهزة الامنية التي فشلت في كبح جماح الارهاب الذي تزداد وتيرته نتيجة فشل خطط الحكومة في مواجهته.

لكننا نراها وعلى العكس ورغم اعداد الشهداء والجرحى الذي سقطوا جراء تلك العمليات الجبانة تشيد بالدور "غير المرئي والملموس" الكبير للاجهزة الامنية اليقظة التي نجحت "وخاصة" في عمليات (ثأر الشهداء) التي ضربت الارهاب في عمقه!!، وذلك في محاولة لاثبات الوجود "حسب البيان" الواهم لمن قاموا بهذه العمليات التي كان معظمها فاشلا من الناحية النوعية ليقظة اجهزتنا الامنية" و حمّل بيان الوزارة الاعلام قائلا ان " وسائل الاعلام غير المسؤولة والتي لها اجندات سياسية مدعومة اقليميا قد بالغت وارسلت رسائل مرعبة للمواطنين في ايام العيد اكثر من الارهابيين" ولم تنسى الوزارة في بيانها ان " تشّد على يد الاجهزة الامنية، وتثمن تضحياتها لمكافحة الارهاب بكل الوسائل القانونية المتاحة حماية وضمانا لحقوق الهيئة الاجتماعية".

وعودة الى النكتة التي في اول المقالة اقول، اذا كانت العمليات الاخيرة للارهابيين فاشلة كما صورها البيان وانها جاءت كرد فعل لنجاح الاجهزة الامنية ويقظتها في عمليات "ثار الشهداء" على الرغم من انها حصدت ارواح العشرات من ابناء شعبنا الابرياء. فانني اعتقد ان حس النكتة لو كان لازال موجودا عند شعبنا وهو يرى ما يصيبه يوميا جراء الارهاب المندحر!! فانه سيقول "الله يساعد الارهابيين خطية اذا فاشلين وهيج مسوّين بينه لعد لو اينجحون شلون"، او يقولوا " الله لا ينطي عافيه لهيچي حكومة هاي امفتحه وهذا حالنا لعد لو امغمّضه شلون؟
زكي رضا
الدنمارك

12/8/2013



417
المالكي تاجر وفي التجارة ربح وخسارة

زكي رضا

التجارة مهنة كباقي المهن التي يزاولها الانسان ليؤمّن لنفسه وعائلته مالاً يستطيع العيش به، الا ان ما يميز التجارة "أية تجارة" عن غيرها من المهن هو الربح السريع أو الخسارة السريعة والذي يعتمد على شطارة التاجر، وشطارة التاجر هي كرأسمال الدلّال أي الكذب والمراوغة لبيع بضاعته بأضعاف سعر شرائها، وقد يستخدم التاجر وخصوصا في الشرق الاسلامي القسم ليوهم به المشتري عن صدقه، والذي بدوره "المشتري" سيبيع بضاعته مشفوعة بالقسم الى مشتر آخر وهكذا.

بتطور التكنولوجيا تطورت التجارة وخصوصىاً الجزئية منها اذ اصبح التجار يبيعون بضاعتهم عبر الانترنت، لتنتهي حقبة طويلة من تاريخ التجارة التي بدأت بقطارات الابل وخانات طريقها، لتتطور الى مكاتب فخمة في ناطحات سحاب وجيوش من الموظفين والمحامين ووسائل نقل مختلفة. وتنوعت بفضل التقدم العلمي وتنوع وتطور المنتجات الاستهلاكية وغيرها الحياتية التجارة واساليبهاK لتصل الى بيع الهواء المعلب مثلا والذي رأيت علب منه تباع في باريس بقيمة يورو واحد!

ولكن والحق يقال لم ارى تجارا لليوم يبيعون ويشترون وطناً كما المالكي ومافيات السلطة في المنطقة الخضراء الذّين يتاجرون بكل شيء، فهم تجار بترول وغاز وآثار وعملة وكل ما يفكر به التاجر الحقيقي أضافة الى الشعارات لانهم يمتهنون السياسة ايضا، ولان التجارة رأسمالها الكذب مثلما اسلفنا فان شعاراتهم يجب ان تكون كاذبة لبيعها كسلعة جيدة وهم متأكدون من سذاجة الزبون او طيبته في احسن الحالات. وتجارة الوطن عادة ما تبدأ بعد موسم الانتخابات وعند جلوس اللصوص في مغارتهم الخضراء لتقسيم ما نهبوه من اصوات الناس بعد ان كانوا قد باعوهم الشعارات التي جئنا على ذكرها.

وعندما قلنا مرارا ان الوزارات لها نقاط وتباع وتشترى من قبل المتحاصصين في المنطقة الخضراء، انبرت العشرات من اقلام الذين لا يملّون السجود للمالكي قياما وقعودا ليتهموننا بمعاداة العملية السياسية برمتها، لان المالكي هو الربّان الوحيد الذي يستطيع ان يبحر بسفينة العراق المحطمة الى شاطيء الامان بنظرهم. ولان المالكي تاجر كغيره من التجار فانه وفي زلة لسان له خلال حوار له مع قناة "آفاق الفضائية" وفي معرض دفاعه عن نفسه للترشح مرة ثالثة لمنصب رئيس الوزراء "لخدماته الكبيرة للبلد" امام رفض بعض القوى السياسية ومنهم حلفائه في التحالف الشيعي اي الصدريين، قال " اذا كنّا قد اشترينا اصواتهم - الصدريين - بثلاث وزارات من حصة حزب الدعوة فاننا لن نشتريها في المرحلة المقبلة"!!!!

ما هذا ايها السيد المالكي هل تعي ما قلتم وهل انتخبكم "شعبكم" لتبيعوا اصواته التي أمّنكم عليها، صوت الناخب شرفه ايها السيد المالكي فكيف سمحتم لنفسكم ببيع شرف من انتخبكم واعطاكم الثقة لتقود بلده ام اصبح الشرف بضاعة للبيع في عرفكم. هل تعرفون ايها السيد المالكي ان التجارة بشرف الناخبين الذين هم مواطنين عراقيين تعني انكم تاجرتم بالعراق كوطن؟ وهل تعرفون من انكم قد كذبتم على مريديكم ببيع وزارات كان عليكم من خلالها تقديم الخدمات لشعبنا مقابل اصوات انتخابكم لرئاسة الوزراء.

ان من يقول ان المالكي وحزبه ليسوا تجارا لبيع الوطن، هو واهم لان الاعتراف في القانون الجنائي سيد الادلة وصاحبكم قد اعترف بعظمة لسانه من انه باع واشترى. اما الصدريون فهم لا يختلفون بشيء عن المالكي لان من يشتري بضاعة مسروقة يعتبر شريكا للص وقد باعوا اصواتهم للمالكي مقابل الوزارات الثلاث اي انهم شركاء في جريمة السرقة.

لم يرى العراق طيلة تاريخه قرصانا كصدام حسين ونوري المالكي.


 
الدنمارك
7/8/2013


418
قيمة فاتورة هاتف الحسن بن علي 4 ملايين دينار فقط

قبل اتهامي من انني أسيء الى أحد أئمة الشيعة وتحديدا الامام الحسن بن علي"عليهما السلام" فانني ادعو القراء الكرام الى عدم الجزم على المقالة من عنوانها فقط، بل التأني في اعطائهم حكمهم عنها حتى الكلمة الاخيرة فيها عسى ان يكون لهم موقفا من حجم الضحايا في العراق وحجم جرائم مسؤوليه وسرقاتهم واستهتارهم بارواح العراقيين، اقول عسى لان المواطن في بلدنا المبتلى يلدغ من نفس الجحر مرات ومرات لا لشيء الا لان الافعى داخله من مذهبه، أرأيتم اسوأ من هذا الخيار؟ كما واتمنى من القرّاء ان يتحلوا بالفطنة لان زمن الامام الحسن "ع" لم تكن هناك هواتف ارضية ناهيك عن الخلوية أو الذكية التي تصبح فيها من خلال كبسة زر في عالم افتراضي فيه من الاعاجيب ما لا يتحمله عقول الساسة المؤمنين المصلين الصائمين، لضحاياهم "ابناء شعبنا". ولكنهم يتفاخرون باستخدامه من قبل اولادهم الصغار "المدللين" المرفهين الذين يبدو انهم من طينة اخرى عكس اطفال العراق المحرومين من مدارس آدمية والمحشورين في مدارس اشبه بعلب السردين في بلد ميزانيته تجاوزت ال 118 مليارد دولار ان كانت هناك مدارس لهم، وان لم يتسربوا منها لتحمل اعباء الحياة مبكرا، وليسوا كأطفال العراق الذي يستجدون المارة على قارعة الطريق ليتعرضوا من خلاله الى كل اشكال الاهانة والذل، وذوو صحة وعافية وليسوا كاطفال بلدنا الذين يعانون من مختلف الامراض وسوء التغذية نتيجة الفقر وشحة الادوية وسوء المستشفيات.

في برنامج مسؤول صائم عن الاكل والشرب ولكن ليس عن سرقة مال الناس ونهب الوطن والذي يعرض على قناة البغدادية، خرج الينا البعثي السابق وعضو دولة القانون الحالي والمقرب من المالكي ولسانه السليط المدعو علي الشلاه ليكفر بالانسان العراقي والوطن والتراث والتاريخ، ضاحكا على مشاعر الناس مستهترا بكل القيم والاخلاق التي لا يمتلكها ونسبة كبيرة جدا ممن دفعتهم الاقدار الى قيادة بلد مثل العراق. ليصرح منتشيا من ان ابنه اسمه الحسن والاخر اسمه الحسين وهو علي ولم يبقى الا قوله لنا ان جده ابن ابي طالب، قائلا ان ابنه "الحسن" استخدم الهاتف النقال لامه وان الفاتورة كانت ب 4000.000 دينار فقط!!

ما هكذا يا ابا الحسن تروى الابل ولو كانت لدولة قانون المالكي وحزبه حكومة حقيقية لحاكمتك وعزلتك وصادرت ما سرقته لليوم من اموال شعبنا المبتلى بكم وبحكمكم المحاصصاتي الكارثي، هل تعرف ايها "النائب" اللاهي عن مأساة الفقراء من "شعبك" ان راتب اسرة عراقية دون معيل لمقتل معيلها نتيجة فشل حكومتك في استتباب الامن وتوفير الحياة المستقرة "لشعبها" لا يتجاوز ال120.000 الف دينار عراقي من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي ان حصلت عليها. اتعرف ودولة قانونك والمتحاصصين الاخرين صعوبة الحياة التي يعيشها العمال المياومين والمعرضين للموت اليومي وعوائلهم. هل تستطيع ان تحس بمشاعر اب وام لا يتمكنان من شراء ما يحتاجه ابنائهم على بساطتها لضيق ذات يدهم.

صدقني ان الذي يتفوه بمثل حديثك في البرنامج وما صرفه ابنه في شهر واحد كفاتورة هاتف فقط ويرى ابناء شعبه يعانون ما يعانون ليس ببشر ناهيك ان يكون مسؤولا، صدقني انك ومن تنتمي اليهم لستم سوى لصوص تفننتم وتتفنون بسرقة المال العام، صدقني لو كانت هناك حكومة تحترم نفسها قبل شعبها لحاسبتك على كلامك هذا، صدقني لو ان المالكي يريد ان يبتعد عن اللصوص لاعفاك من كل مهماتك وحاسبك ولكن هيهات فالطيور على اشكالها تقع.

صدقني لو شعبا ذو ثروات غير الشعب العراقي المدجّن طائفيا ويعيش مثلما يعيش من شحة وانعدام الخدمات والبطالة وانعدام الامن وواقع الكهرباء السيء وخرج مسؤول في دولته ليقول ما قلته، لكانت المنطقة الخضراء التي تتحصن بها وحكومة المحاصصة الطائفية القومية الان اثرا بعد عين.

رابط فيديو لحديث النائب عن دولة القانون السيد ابو الحسن.
http://www.youtube.com/watch?v=lEGggZupCwc


ويبقى السؤال، هل علي الشلاه هو الوحيد بمثل هذه الاخلاق بين متحاصصي العراق؟

وعضّ الموسرون على ما في ايديهم وتعصبوا له .... "الامام ابو الحسن علي ابن ابي طالب -ع-"

 زكي رضا
الدنمارك
6/8/2013



419
ديموقراطية الهراوة


"التظاهر السلمي هو حق كفله الدستور وتكون الحكومة ملزمة بسماع مطالب المتظاهرين وما كان يدخل في اختصاصها يفترض ان تتعامل معه بشكل جدي وايجابي اما ان تخرج التظاهرات عن طابعها السلمي وتصل لقطع الطرق ومصالح الدولة والمواطنين وتصل لرفع الشعارات التي تسيء الى احد المكونات الاساسية في الشعب العراقي ورفع اعلام حزب البعث وصور اردوغان (رئيس وزراء تركيا) فهو امر غير مقبول " و " اننا - دولة اللاقانون- لا نقول كل المتظاهرين مدفوعين من جهات اجنبية وانما هناك مطالبات مشروعة ويعبرون عن وجهة نظر المواطن ولكن استغلت هذه المظاهرات وبدفع من جهات اقليمية وبتعاون من جهات داخل العراق من اجل ادخال البلد في حرب طائفية تمهيدا لتجزأته وتقسيمه"  (حنان الفتلاوي النائب عن دولة اللاقانون بتاريخ 5/1/2013 ).

سأعتمد هذا التصريح الصحفي للنائب المقرب جدا من المالكي (مدلّلّة دولة القانون) كمدخل لتظاهرة الخميس 2/8/2013  واغلاق قوات سوات التابعة لرئيس الوزراء والقوات الخاصة وقوات مكافحة الشغب مداخل ساحة التحرير ببغداد والشوارع المؤدية اليها لتمنع المواطنين بالقوة من التوجه اليها متسلحة بالهراوات واعتقال عددا من الناشطين واطلاق سراحهم بعد ساعات على خلفية دعوتهم للتظاهر ليس لاسقاط النظام ولا لتخريب العملية السياسية "الخربانة" اساسا، بل للمطالبة بتحسين واقع الخدمات السيء وعلى الاخص في مجال الطاقة الكهربائية وتوفير الامن الذي بفقدانه اصبح البلد ساحة مكشوفة امام الارهابيين ووقف نزيف الدم العراقي الذي يسيل يوميا على اسفلت شوارع العراق، فهل توفير الامن والخدمات من اختصاص الدولة أم ماذا؟ .

أن النائب "حنان الفتلاوي" كغيرها من نواب الكتل السياسية المهيمنة على مقدرات البلد لا تستطيع ان تتعامل مع اية قضية الا من خلال معيار الكيل بمكيالين والذي يعتبر الوجه الاخر للمحاصصة الطائفية القومية القبيحة. والا لكانت اتخذت موقفا من عملية قمع سلطات "دولة لا قانونها" للتظاهرة، لان التظاهر وكما ورد في تصريحها اعلاه يعتبر حقا كفله الدستور والحكومة ملزمة بسماع مطالب المتظاهرين لا اعتقالهم، خصوصا وان التظاهرة لم تكن سلمية فقط بل وحضارية لعدم استخدام المتظاهرين العنف ضد حملة الهراوات الذين استخدموا العنف في منع المتظاهرين من الوصول الى ساحة التحرير.

ومن خلال النائب الفتلاوي اتساءل عن الذي قطع الطرق ان كان المتظاهرون ام الدولة؟ ومن قطع ارزاق الناس هل هم المتظاهرون الذين خرجوا من اجل المطالبة بتوفير الخدمات ام الدولة التي منعت الكسبة  من الوصول الى اماكن عملهم بارهابها؟ ام ان منع التظاهرة جاء على خلفية رفع شعارات معادية للسلطة ومطالبة باسقاط "العملية السياسية"؟ ومن خلال متابعتي لاحداث اليوم فانني لم ارى متظاهرا قد حمل شعارا بعثيا ولا صورا "لاردوغان" لتجعلها  السلطة قميص عثمان كي تتعكز عليه في قمعها غير المبرر. الا انني لا ادري ان كان المتظاهرون قد حصلوا على الموافقات الرسمية من وزارة الداخلية للتظاهر ام لا، وهل كانت الوزارة ستمنحهم هذه الموافقة؟ من خلال رعب السلطة من اية تظاهرة في ساحة التحرير نستطيع ان نجزم بان السلطة باجهزتها القمعية لن تمنح اية موافقة لاية تظاهرة الا  للاحزاب والتنظيمات الاسلامية والشيعية منها تحديدا وفي المكان والزمان الذي ينتخبونه، وتغض النظر حتى ان تظاهروا دون اخذ موافقات رسمية.

انا اعرف ان "اردوغان" ليس بعراقي ولا يحمل الجنسية العراقية وحتى ان كان حاملا للجنسية العراقية فهذا لا يعني انه ينتمي لهذا الوطن لان المواطنة ليست مجرد ورقة، واذا كانت مجرد ورقة فهذا يعني ان المجرم صدام حسين وأعضاء حزبه الفاشي الذين قادوا بلدنا الى الدمار عراقيون!! وزعماء القبائل ورجال "الدين" في ساحات العار ومنصّاته من الذين يأوون شذّاذ الافاق بين ظهرانيهم ليتفننوا في قتل ابناء "بلدهم" عراقيون!!

واعرف ايضا ان سارقي قوت الشعب وثرواته من سكنة المنطقة الخضراء ليسوا بعراقيين لانهم لا يعرفون معنى الوطن، واعرف ان "الخميني" لم يكن يوما ما عراقيا وحاملا لجنسية هذا البلد، وحتى لو كان حاملا لجنسيته فالمواطنة ليست مجرد ورقة. ولكنني اتعجب لغض السلطة واحزاب الاسلام السياسي الشيعي نظرهم عن حمل متظاهرين صورا للخميني في شوارع "بلدهم" وعدم غضّهم النظر عن متظاهرين يحملون صورا "لاوردغان" علما ان حكومتي البلدين ايران وتركيا تتدخلان بشكل سافر في الشأن العراقي.

ان قمع تظاهرة 2/8/2013 في ساحة التحرير كشفت كاللواتي سبقتها عن الوجه القبيح للديموقراطية الطائفية القومية المقننة، هذه "الديموقراطية" التي تجيد توزيع الغنائم على لصوصها، والهراوات على من يطالب بالفتات من ثروات بلده والعيش فيه بامان كبقية شعوب الارض.

كي لا تواجه تظاهرات قادمة بقوات متأهبة لسحقها ليكن شعارنا القادم.

سنسجد للمالكي سنينا وسنينا...... السلام عليك يا امير المؤمنينا.

زكي رضا
الدنمارك
3/8/2013
 



420
الانصار الشيوعيون ليسوا مرتزقة

لاأظن ان الرفيق والصديق رزكار عقراوي كان موفقا هذه المرة في انتخاب عنوان مقالته الاخيرة " النضال براتب!، حول تقاعد - الانصار الشيوعيين- في العراق"، لان عنوان مقالته من الممكن ترجمتها على ان الشيوعيين العراقيين كانوا اثناء نضالهم المشرّف ضد آلة البعث الهمجية دفاعا عن شعبهم ومُثُله وقَيمه عبارة عن مرتزقة تحت الطلب ينتظرون امتيازات ورواتب حتى ان كانت بعد حين. ولا اظن ان هناك نصيرا واحدا حتى من اولئك الذين هم خارج تنظيمات الحزب الشيوعي اليوم او اولئك الذين يناصبون الحزب العداء منهم يسمح لنفسه ان يكون مرتزقا او ان يتهم بالارتزاق، وان كانوا مرتزقة فالسؤال هو لحساب من كانوا يعملون؟ وهنا لااريد ان اتلاعب بالكلمات لان النضال براتب ليس له معنى غير الذي جئت به.

ان يكون لليساريين موقفا من حكومة اقليم كردستان ودورها في ترسيخ نظام المحاصصة الطائفية سيئة الصيت والسمعة، اضافة الى عمل الحزبين الحاكمين هناك بالهيمنة على الحياة السياسية ومن خلالها على ثروات الاقليم والتصرف بها كوقف عائلي وعشائري شيء، وموقفهم من الحزب الشيوعي العراقي ومعاداته لخلافات الكثير منها شخصية وهذا ما لمسته من ردود الكثير منهم على مقالة الرفيق عقراوي شيء آخر.

لااظن على حد علمي ان هناك حزبا سياسيا في العراق قام ويقوم كما الحزب الشيوعي العراقي في طرح برنامجه الحزبي بل وحتى نظامه الداخلي للنقاش العلني في الصحافة لاغنائها بالنقد والحذف والاضافة، وهذه السياسة تقودنا الى التعرف اكثر على الحياة الداخلية للحزب وديموقراطيتها. وتشير على ما اعتقد الى وجود مساحات واسعة للنقد الذي لن يستثني اي مجال من مجالات الحزب التنظيمية والسياسية  بعيدا عن التأليه والقداسة اللتان كانتا موجودتان في فترات سابقة، علما ان غالبية الذين يهاجمون الحزب اليوم كانوا يعملون في صفوفه سنوات التأليه والقداسة تلك دون ان يعملوا حينها على تغيير شكل العمل الحزبي او تطويره ناهيك عن نقده.

ونتيجة للتوجه الحزبي الجديد فان المنظمات الجماهيرية كأتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة الديموقراطي ورابطة المرأة العراقية، اصبحت اليوم تتمتع باستقلاليتها التنظيمية بعيدا عن توجيه "هيمنة" الحزب عليها، وكذلك هو الحال مع منظمة الانصار الشيوعيين محور مقالتنا هذه. ولانني لم انل الشرف في ان اكون الى جانب الانصار وهم يقاتلون اشرس نظام قمعي في العراق والمنطقة وبالتالي لست عضوا في منظمتهم الوطنية هذه، الا انني شاهدت صدفة احدى اجتماعاتهم في كوبنهاكن وكان من بين الحاضرين اصدقاء لي "رفاق سابقون" تركوا الحزب منذ سنوات الا انهم احتفظوا بعضويتهم في منظمة الانصار ويشاركون بجميع فعالياتها، وهذا يدل على استقلالية هذه المنظمة تنظيميا عن الحزب الشيوعي العراقي والا لكان الانصار العاملين فيها من خارج التنظيم الحزبي قد تركوها، اليس كذلك؟ وهذا يقودنا الى ان الحديث عن رواتب الانصار ونضالاتهم براتب" المرتزقة"! يجب ان يكون بعيدا عن الحزب لان التنظيمين يعملان بصورة منفصلة.

الذي يقول ان الشيوعيين من طينة خاصة فهو واهم لانهم ابناء هذا المجتمع يتأثرون بسلبياته وبايجابياته، الا انهم وعلى مدى تاريخ حزبهم ضربوا اروع الامثلة في الوطنية ونكران الذات ومنهم بالتأكيد الذين يقفون في الخندق المقابل لرفاق الامس، وهذا لايعني انهم دون ذنوب الا انهم عكس الاخرين اذ دوما ما يغسلون ذنوبهم بدماء افضل رفاقهم وهذا ما فعله الانصار الشيوعيين في غسلهم لذنب ما كان يسمى "بالجبهة الوطنية"،  اذ دفع الكثير منهم حياتهم والاخرون افضل سنوات عمرهم وزهرة شبابهم في ذرى وجبال كردستان من اجل غد افضل لشعبهم وبلدهم.

لااريد في مقالتي القصيرة هذه ان ادخل "حدّادخانه كما يقول المثل العراقي" في حوار سيكون بالتأكيد عقيما وغير مجد بالمرة لان المواقف المسبقة عند الكثير هي الفيصل في قبول او نفي الاخر، الا انني اود ان اذكّر البعض ان اعضاء تنظيمات الانصار التي قاتلت النازية والفاشية ابّان الحرب العالمية الثانية لازالوا يتمتعون برواتب تقاعدية في بلدانهم، ويُحتفل بهم سنويا في ذكرى الانتصار على النازية كابناء بررة لشعوبهم، واعتقد ان انصار الحزب الشيوعي العراقي لايقلّون عن اولئك الانصار البواسل قيمة ونضالا، واذا كان لهم راتب تقاعدي فهذا من حقهم الطبيعي وليس منّة من احد. وعدم منح سلطات الاقليم رواتب تقاعدية لغيرهم او لجميع فئات شعب كردستان من خلال شبكة رعاية اجتماعية مثلا والذي هو مطلب شعبي، يعتبر اخفاقا حكوميا كردستانيا تحكمه افكار وآليات عمل الحزبين الحاكمين ولادخل للشيوعيين العراقيين والانصار فيها، أما ان يتخلى الانصار عن حقهم لان سلطات الاقليم لم تشمل الجميع بقانون تقاعدها هذا فانه ضرب من المثالية "وحرشه ليس الا مثلما يقال بلهجتنا المحكية". اما عن موقفهم مما يجري في كردستان العراق من هيمنة الحزبين الكرديين على الاقليم فعلى الرغم من انهم ليسوا طرفا فيه، الا ان موقعهم الالكتروني" ينابيع العراق" نشر وينشر العديد من المقالات التي تتناول الوضع في الاقليم سلبا وايجابا. ويبقى موقف الحزب من التحالف الكردستاني موقفا قابلا للنقاش خصوصا بعد ان ذهب القادة الكرد بعيدا في ترسيخ مبدأ المحاصصة اللعينة التي ستمزق البلد. علما انه علينا ان نراقب وندرس الواقع العراقي بشكل دقيق وعلمي آخذين بنظر الاعتبار امكانيات الحزب والتيار الديموقراطي والظروف الموضوعية التي تكبّل العمل الجماهيري لهما نتيجة التخندقات الطائفية ، وهي نفسها التي يريد المتحاصصين ومنهم قادة الاقليم بل ويعملون على ادامتها لانها اكسير حياتهم. بالنقد الموضوعي فقط وبعيدا عن التسقيط ومشاركة قوى التيار الديموقراطي عملها المضني لتعبئة اوسع الجماهير في النضال اليومي ضد حكومة المحاصصة الطائفية القومية،  نستطيع ان نفتح نافذة للامل لتهب من خلالها تباشير الغد الاجمل الذي عملنا ولازلنا من اجله.

في النهاية اعتقد ان ما يخص الاصلاحات السياسية التي نتمناها جميعا في الاقليم كيساريين ترتبط باليسار الكردي ومنه الحزب الشيوعي الكردستاني العراقي الذي همّش نفسه وانعزل عن النشاط الجماهيري، وليس الحزب الشيوعي العراقي الذي يجب ان تكون له مواقفه الواضحة تجاه دور الكرد في الصراع السياسي في المركز واصطفافهم مع القوى الطائفية لتكريس نمط سياسي مشّوه ومستديم لن يجلب لشعبنا الا الخراب وللمتحاصصين الامتيازات.   

زكي رضا
الدنمارك
27/7/2013

 






421
الغبي هو من يصدقك ايها السيد المالكي


بعد ان اصبح توفير الطاقة الكهربائية معضلة  فأن رئيس وزرائنا ، الذي تعتبر فترة جلوسه على عرش العراق بعد الاحتلال الامريكي من اطول فترات رؤساء الوزراء ، لم يستطع حلّها، وبعد سكوته دهرا عن معاناة شعبنا من جرّاء شحة وانعدام الطاقة الكهربائية وتأثيراتها الاقتصادية نتيجة تعطيل سوق العمل الذي يعتمد عليها،  والنفسية جرّاء معاناة المواطنين من انقطاعها لساعات طويلة اثناء فترة الصيف، اضافة الى المشاكل التي يسببها انقطاعها على الواقع الصحي والخدمي. خرج علينا المالكي اليوم لينطق كفرا قائلا " ان نائبه المختص حسين الشهرستاني قد زوده بارقام خاطئة عن قدرة الطاقة الكهربائية في البلاد، وليتهم اقرب الناس اليه بالغباء لانهم يتعاقدون لشراء محطات غازية في الوقت الذي لا يوجد غاز في البلاد!!!

وأضاف المالكي انه يأسف لوجود ثلاثة نواب للطاقة والخدمات والاقتصاد، قائلا انه يتعين على كل نائب ان يتحمل مسؤولياته وكلام المالكي هذا صحيح مئة بالمئة، ولكن ما هي مسؤولياتك ايها السيد رئيس الوزراء، اليست هي متابعة هؤلاء النواب ومعرفة خططهم وان كانوا قد نفذوها ام لا؟ واين كنت خلال ما يقارب السنوات الثمان العجاف من حكمك ولماذا لم تصرح مثل تصريحك الناري هذا قبل اليوم؟

ويبدو ان المالكي  الذي فشل فشلا ذريعا في كل شيء وخصوصا في مجالات الكهرباء والماء والخدمات والصحة والتعليم والامن والبطالة، وبعد ان عاث سوس الفساد وأرضة الرشوة جسد دولته غير القادرة على حماية مقهى يرتاده شباب ناهيك عن سجون وجامعات ومعابد وساحات كرة قدم، ولقرب موعد الانتخابات وبعد ان فقد العديد من الحكومات المحلية في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة يريد ان يظهر بمظهر الضحية محملا خصومه كل الموبقات التي جرت وتجري في عهد سلطنته على عرش العراق، وهذا يعني انه الحمل الوحيد والوديع بين قطيع ذئاب المنطقة الخضراء التي تراهن بالعراق على مائدة قمار. محملا خصومه افشال حل ازمة الكهرباء لدواعي انتخابية قائلا "للاسف العراقي يعيش في الحر وهم يعملون على هذا الامر- اي خصومه - ". شكرا لكم ايها السيد رئيس الوزراء فانكم وبعد ما يقارب من ثمانية اعوام من حكمكم الميمون اكتشفتم ان ابناء "شعبكم" يعانون حر الصيف وزمهرير الشتاء.

ولم يثر دهشتي من خطاب المالكي شيئا قدر قوله "انه لن يتسامح مع اي مقصر - ايباخ - وانه سيقيله بشكل فوري" بعد ان شكل لجنة مختصة لمتابعة المقصرين ولا ادري مدى جدية السيد المالكي في هذا الامر، وان كانت الاشكالية في ملف الكهرباء لوحده لهانت ايها السيد المالكي ولكن "الشگ چبير ورگعتك زغيره مثلما يقول المثل البغدادي" فالاشكالية طالت وتطول كل مرافق الحياة في البلد الذي يحكمه الفشل المستديم. ودعني ايها السيد المالكي وعلى رغم معرفتي باسلاميتك وابتعادك عن كل ما يلهيك عن عبادة الله  كالميسر مثلا، ان تراهنني حول امكانية اقالة وكيل وزير داخليتك والمسؤول الثاني عن الامن بالعراق بعدك، والذي كان آخر فشل في عمله هو هروب مئات الارهابيين من سجني ابو غريب والتاجي، اضافة الى فشله في التقليل وليس القضاء على الارهابيين ومفخخاتهم التي تحصد العشرات من ابناء شعبنا كل يوم وفي كل ارجاء الوطن. هل تراهنني؟ انا واثق من انك ستخسر الرهان لانك خسرته بالفعل.

الاغبياء وحدهم من يصدّقون الفاشلين .

زكي رضا
الدنمارك
25/7/2013



 

422
السياسة فن الممكن وليست فن التمنيات


بعد نجاح نظام "سانت ليغو" في ايصال عشرة مرشحين من التيار الديموقراطي لاغير في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، ثارت ثائرة حزب الدعوة ودولة قانونه وتحالف النجيفي وغيرهما ضد هذه الآلية التي منحت كل ذي حق حقه ووقفت حائلا دون سرقة اصوات الناخبين من الذين لم يصوتوا لهم، الى حد معقول اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار التجاوزات التي تقوم بها القوائم المتنفذة قبل واثناء كل انتخابات. ولم يأتِ تبني نظام "سانت ليغو" بعيدا عن قرار المحكمة الاتحادية و النشاط الجماهيري الواسع للحزب الشيوعي العراقي وحلفائه في التيار الديموقراطي والعديد من منظمات المجتمع المدني، رغم ضعف امكانياتهم الاعلامية والمالية و التي نجحت في النهاية من اقرار القانون لتجني منه تلك المقاعد العشرة.

ان السياسة فن الممكن، واذا كان التحالف الكردستاني قد تقدم بمقترح لالغاء نظام "سانت ليغو" للبرلمان العراقي من اجل تبنيه واقراره في الانتخابات البرلمانية القادمة، فانه يدل على بحث هذا التحالف عن مصالحه حتى وان كانت آنية وعلى الضد من مصلحة القوى الديموقراطية التي لازالت تظن وبسذاجة انها لازالت حليفا وصديقا من الممكن الاعتماد عليه ونحن نعيش ازمة سياسية حقيقية. وبهذا الخصوص كتب السيد جاسم الحلفي القيادي في الحزب الشيوعي العراقي مقالا بعنوان " التحالف الكردستاني ... اخطاء تتكرر" يحمل بين طياته كل النبل السياسي والتمنيات!! الا انه لا يحمل ما يوحي لنا من ان هناك فهما لواقع سياسي عراقي من الممكن تسميته بواقع السلّة، اي وضع مصالح القوى المتنافسة في سلّة واحدة والتفاهم على آليات سياسية لحصد اكبر الفوائد وان كانت معادية لمصالح الوطن والشعب.

واذا تركنا تاريخ علاقة الحزب الشيوعي العراقي والقوى الديموقراطية بالشعب الكردي ونضالاته المريرة ضد مختلف الانظمة الدكتاتورية في تاريخ العراق الحديث، والذي لم يكن منّة من الحزب قدر ما هو موقف مبدئي تبناه وطوره الحزب منذ تأسيسه وليومنا هذا، وتطرقنا الى موقف الفدرالية وكيفية التصويت عليها بعد ان كان نائبي الحزب السيدان حميد مجيد موسى ومفيد الجزائري هما بيضتا القبان في اقراره، نرى ان الحزب قد صوّت الى جانب التحالف الكردستاني دون ان يعي سياسة السلّة وامكانية الاستفادة منها لمصلحته التي هي مصلحة وطننا وشعبنا. وعوضا عن ان يثمن التحالف الكردستاني هذا الموقف الكبير للحزب الشيوعي العراقي ويعمل على توطيد العلاقة معه ومن خلاله بالقوى المتحالفة مع الحزب في توسيع مساحة القوى الديموقراطية التي يعتبر نفسه جزء منها! "وهذه تمنيات وعتاب وليست من السياسة بشيئ" نرى ان التحالف الكردستاني وقف بالضد من الحزب والتيار الديموقراطي في اقرار قوانين سابقة معادية للعملية الديمقراطية وقريبة كل القرب من سياسة المحاصصة تلك التي يناضل الحزب والتيار الديموقراطي لتجاوز آثارها الكارثية.

ان موقف التحالف الكردستاني لم يصل حتى الى موقف المرجعية الدينية التي اكدت مراراً لليوم على تبني نظام "سانت ليغو" في الانتخابات القادمة في مفارقة غريبة على السذج وليس على من لازال يحبو في عالم السياسة، لان الذين يعيشون بالتمنيات والعتاب في هذا الصراع القاسي  لن يحصدوا الا الخيبات. ان موقف الحزب من التحالف الكردستاني يجب ان يكون واضحا ليس لرفاقه وحلفائه فقط بل ولجماهير شعبنا التي تعاني من نظام المحاصصة الطائفية سيئة الصيت والسمعة والتي يعمل التحالف الكردستاني على ترسيخه مع بقية القوى الطائفية عن طريق سرقة اصوات الناخبين. على الحزب اليوم وبعيدا عن المجاملة ان يعمل على تسمية الاشياء باسمائها، باعتباره موقف التحالف الكردستاني من قضية الغاء نظام "سانت ليغو" جاء كمحصلة طبيعية لزيارة البارزاني الاخيرة لبغداد ولقائه بالمالكي وتمديد فترة حكم كليهما.

واخيرا اتوجه بالنصيحة لليسار الكردستاني بالابتعاد قدر الامكان عن هيمنة وسطوة قوى قومية لا تتواني عن تعريض مصالح شعبنا الكردي للخطر من اجل مصالح آنية وضيقة. كما وعلى الحزب اليوم وقبل الغد تحديد موقفه من التحالف الكردستاني فيما اذا نجح والقوى الطائفية الاخرى في تكريس النهج اللصوصي بسرقة اصوات الناخبين.

زكي رضا
الدنمارك
23/7/2013

   
   
 






423
المالكي = الشهرستاني + عفتان بالاستعاضة و.ه.م


و. ه. م. ليست كتابة مسمارية ولا هيروغليفية وليست في نفس الوقت رمزا بابليا او فرعونيا من تلك التي لم يصل الآثاريون لحل شفرته لليوم، بل هي مختصر "مثلما جاء في الويكيبديا" لمصطلح رياضي اصله باللاتينية "Quod erat demonstrandum " وتختصر باللغة الانجيليزية   "َQ.E.D " وتعني هذا ما كان يجب البرهنة عليه، ونطلق عليها في العراق وهو المطلوب اثباته، وهي جملة كان الرياضيون اليونانيون كأقليدس يختتمون بها براهينهم. 

ولأن مشكلة الكهرباء في عهد السيد نوري "القانوني" اصبحت مهزلة المهازل في دولته الفاشلة، بعد ان بلعت من ميزانية العراق اموالا لايعرفها الا الله والراسخون بالعلم وسيادته واولي امر الكهرباء من مرؤوسيه، الذين سرقوا بعلمه او بغير علمه "ولكن بغضّه النظر عنهم" عشرات المليارات من الدولارات دون ان يوفروا لشعبنا الحد الادنى من الطاقة الكهربائية. فانني آليت في مقالتي هذه ان اتناول هذه المعضلة الرياضية ذات المليون مجهول بطريقة علم الجبر. معتبرا السيد المالكي باعتباره رئيس اعلى سلطة تنفيذية في العراق والمسؤول الاول عن رسم سياسة البلد وتوفير حاجات مواطنيه ومنها الكهرباء، عبارة عن قيمة مجهولة محاولا بالاستفادة من قِيَم مجهولة "معلومة" ايضا كالشهرستاني وعفتان وعن طريق الاستنتاج  الوصول الى القيمة الفعلية له في معادلة جبرية ذات ثلاثة مجاهيل ساتناولها كسؤال امتحاني لطلبة الثانوية، وعلى طريقة الامتحانات سنوات السبعينات لانني لااعرف غيرها بعد مغادرتي او اجباري على مغادرة العراق من قبل سلطة البعث المجرمة  قبل بدأ الحرب الصدامية الخمينية.

نموذج امتحان مادة الكهرباء من سؤال واحد لطلبة حزب الدعوة ودولة "القانون" لصيف تموز وآب اللهاب للسنة الدراسية 2013 .
 
متى ستوفر حكومة نوري"القانوني" الكهرباء للمواطنين، وأثبت أن طرفي المعادلة متساويان، وما قيم المجاهيل الثلاثة في معادلة العنوان ؟ مدة الاجابة على السؤال 8 سنوات.
http://واليكم نموذجا لجواب احد الطلبة....
 أ - لما كان نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة السيد الشهرستاني قد صرح بتاريخ 2/4/2012 ان (عقودا وقعتها الحكومة العراقية سترفع قدرة العراق على انتاج الطاقة الكهربائية محليا الى حدود 20 ألف ميغاواط، مقارنة بما يقدر بنحو 15 ألف ميغاواط يتوقع ان يصل اليها الانتاج نهاية هذا العام. كما واضاف " نأمل ان يصل اجمال الانتاج قبل نهاية 2013 الى نحو 20 الف ميغاواط، وبهذا سيكون بمقدورنا تلبية حاجة البلاد من الطاقة بالكامل، بل ونسعى الى تصدير الفائض الى الاسواق المجاورة" لان الكهرباء وفق حديثه لتلفزيون البغدادية ليست كالنفط لنستطيع تخزينه ، فاذن لاطريق امامنا الا تصديره خصوصا وان اسعاره جيدة!! ولما ظهر زيف ما يدعيه حيث سبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر الى خروج تظاهرات "موسمية للاسف الشديد" رمضانية ليلية ضد الحكومة وتعطيل الدوام الرسمي، فان قيمته تعتبر صفرا في معادلة الكهرباء التي في السؤال.
ب- نشر موقع وزارة الكهرباء تصريحا لوزيرها السيد كريم عفتان قال فيه " جدد معالي وزير الكهرباء المهندس كريم عفتان الجميلي، تعهداته بان نهاية العام الحالي سيشهد تجاوز ازمة الطاقة الكهربائية في البلاد، مؤكدا ان الطاقة المنتجة ستصل خلال الايام المقبلة الى 11 ألف ميغاواط، مما سينعكس ايجابا بزيادة ساعات التجهيز ". ولان حديثه زائف كحديث القيمة في الفرع "أ" فان قيمته هي كقيمة الفرع "أ " اي صفر.
ج- اكدت لجنة النزاهة النيابية ان رئيس الوزراء نوري "القانوني" لا يوافق "ليش" على طلب برلماني تقدمت به لجنة الطاقة منذ شهور، باستجواب وزير الكهرباء كريم عفتان، لافتة الى ان انتاجنا من الطاقة لم يتجاوز 7 آلاف ميغاواط في حين تبلغ حاجتنا نحو 15 ألف ميغاواط، ووصفت تصريحات مسؤولي الحكومة بقرب انتهاء ازمة الكهرباء بالكاذبة".  ونلاحظ ان رقم انتاج الكهرباء بالميغاواط في الفرع "ج" هو ثلثي ما جاء في الفرع "ب" واقل من نصف ما جاء في الفرع "أ" وهذا يؤكد قيمة الصفر لطرفي المعادلة ويقربنا اكثر من قيمة المجهول "السيد المالكي" خصوصا بعد رفضه لمسائلة وزيره امام برلمان منتخب مثلما يؤكد دوما.
د- قال منصور التميمي النائب عن دولة القانون ان "نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ووزير الكهرباء عبد الكريم عفتان، يتحملان مسؤولية الفساد الحاصل في وزارة الكهرباء والتدهور في الطاقة الكهربائية. وعزا التميمي سبب تدهور الطاقة الى "سيطرة الشهرستاني والجميلي على كل العقود التي تبرمها الوزارة"، ولان الفساد والعقود وجه من اوجه السرقة، فاننا نستطيع ان نستنتج من كلام النائب القيمة الحقيقية لهما وهذا ما اثبتناه في الفرع "أ" و "ب" اي صفر.
ولمّا كانت قيم الشهرستاني وعفتان صفر، ولان السيد المالكي يرفض استجواب وزيره ومحاسبة نائبه على تصريحاته الكاذبة التي سيتذكرها التاريخ ككذب وزير اعلام المجرم صدام حسين اي الاضحوكة محمد سعيد الصحاف. اضافة الى هدر عشرات مليارات الدولارات من اموال شعبنا المبتلى بحكم الاسلاقوميين فاننا نصل الى ان .
صفر + صفر= صفر
الشهرستاني + عفتان بالاستعاضة وهو المطلوب اثباته. =اي ان  المالكي
وهذا يعني ان طرفي المعادلة حالهم حال الهاربين ايهم السامرائي ووحيد كريم سيفشلون في توفير الطاقة الكهربائية للعراقيين، ولو وظّفوا مليارات اخرى على تلك التي صرفوها لليوم، وهذا هو المطلوب اثباته ثانيا.

زكي رضا
الدنمارك
21/7/2013





424

المغارة الخضراء وقانون علي بابا الانتخابي
زكي رضا

منذ ذلك اليوم الذي اشار به المحتلون الامريكان للغوغاء بان ينهبوا تاريخ العراق بسرقتهم لاثار "بلدهم" صارخين فيهم هيا علي بابا ادخلوا وانهبوا ما تشتهون من متحفه، عرفت بان "العلي بابويه" ان جاز التعبير ستصبح الصفة الوحيدة التي سيتصف بها لصوص المنطقة الخضراء أو المغارة الخضراء لاحقا ولليوم. ولان الطريقة الوحيدة لاستمرار هؤلاء اللصوص بنهب البلد تحتّم عليهم البقاء في المغارة الخضراء والتمتع بامتيازاتها الخرافية والتي لا تخرج عن سرقة المال العام بتاتا، ولان الانتخابات هي الطريقة الوحيدة التي تتيح لهم طيب الاقامة فيها، وليقطعوا الطريق عن تواجد افراد ذوو شرف ووطنية داخل تلك المغارة والذين سيستعينون باكثر من كهرمانة لكشفهم ومحاسبتهم، ولانهم عرفوا خطورة امثالهم (الشرفاء والوطنيون) في مغارات اصغر حجما مثل تلك التي في المحافظات بعد انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة. فأن كبير اللصوص وعصابته اصرّوا ويصرّون على العودة الى القانون السابق للانتخابات الذي مكنّهم من الهيمنة على مقدّرات البلد، اي تبني القائمة المغلقة في عراق متعدد الدوائر واحتساب الاصوات المتبقية للص الاقوى. ضاربين عرض الحائط قرار المحكمة الاتحادية العليا 12 /اتحادية/ 2010 المؤرخ في 14/6/2010 المتضمن عدم دستورية نظام توزيع المقاعد الذي فرضته العصابات الكبيرة في السابق. وكذلك تحذيرات المرجعية الدينية من العودة الى نظام القائمة المغلقة والغاء طريقة سانت ليغو لحساب الاصوات المتبقية وعدم "فرهدتها" من "العلي بابويه". وقبل الاستمرار في المقالة اود ان اذكر المحكمة الاتحادية العليا بان سمعتها ستكون على المحك اذا ما تراجعت عن قرارها السابق تحت ضغظ عصابة كبيرة هددت بعدم الدخول في الانتخابات اذا ما استمر العمل بطريقة سانت ليغو، معتبرة سبب خسارتها لعدد من مقاعدها وانحطاط هيبتها بسبب اعتماد هذه الطريقة وليس الى اخفاقاتها في جميع المجالات منذ ان تولت السلطة لليوم.

صحيح ان في المغارة الخضراء 325 علي بابا ، الا قليلا منهم، وهم في الغالب تحت رحمة اللصوص الكبار، وان هناك لصوصا يفرقون عن لصوص آخرين من حيث المقام والمركز وسنوات الخبرة! وفي مقالتي القصيرة هذه سأتناول تصريحا لأحد "العلي بابويه" دون غيره لانني وغيري الكثير قد تناولوا في مقالات عدة دور البقية في تهيئة الاجواء لسرقة اصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة المزمع اجرائها مطلع العام المقبل.

لقد صرّح علي بابا "نا" هذا يوم السبت 13/ 7/ 2013 عقب زيارته للسفارة الايرانية في بغداد ان " قانون (سانت ليغو) كان موضع اتفاق، وكان ضعيفاً، وأدّى إلى نتائج غير طيّبة، وغير جيِّدة، وهو نظام قديم مضى عليه أكثر من 100 سنة استُخدِم ليعالج قضايا مُعيِّنة في دول مُنيَت بأمراض سياسية، فهو لا يُواكِب عصرنا، أو لا يُطابِق وضعنا في العراق". وهنا بودي ان اناقش علي بابا هذا حول ما جاء في تصريحه الذي نقلته العديد من وسائل الاعلام العراقية.

السيد علي بابا، بداية اود القول ان "سانت ليغو" هو نظاما او طريقة لحساب الاصوات المتبقية اكتشفه عالم رياضيات فرنسي اسمه "اندريه سانت ليغو" وهي مماثلة لطريقة هونت "د" التي يطالب بعض لصوص عصابتكم اعتمادها في الانتخابات القادمة، والتي تعطي نتائج متشابهة جدا الا انها تفضّل الاحزاب والقوائم الكبيرة مقارنة مع طريقة او نظام سانت ليغو الذي يعتبر اكثر انصافا وعدلا في ايصال ممثلي الشعب الى البرلمان او "المغارة الخضراء من وجهة نظركم". اذن فقولكم بان سانت ليغو هو قانون انتخابي يعتبر خطأ كبير لا يقع فيه الا علي بابا مبتديء وليس علي بابا ذو خبرة مثلكم. اما قولكم من انه نظام "حيرتنا والله بين النظام والقانون" قديم فهو مناف للحقيقة لانها استخدمت في بوليفيا العام 1993 وبولندا العام 2001 وفي الاراضي الفلسطينية عام 2006 وفي النيبال 2008 وفي المملكة المتحدة عام 2011 اثناء تولي حكومة المحافظين والليبراليين الديموقراطيين الاتحادية السلطة كطريقة في انتخابات مجلس اللوردات، وحول قدم النظام فهل الشورى التي طبقت في صدر الاسلام قبل 1400 عام ليس بالقديم مثلا؟ وهل من الممكن تطبيقه في مجتمعنا اليوم حيث الاديان مختلفة والمذاهب مختلقة والقوميات مختلفة علما ان هناك الكثير من المسلمين هم غير مؤمنين وعلمانيين بل وحتى ملحدين!؟ أما قولك من انه يعالج قضايا معينة في دول منيت بامراض سياسية، فانه نكتة تضحك الثكلى يا رجل، فهل هناك بلد بالعالم فيه مشاكل سياسية ك" بلدك"، وهل تتوقع ان المشاكل السياسية في البلدان التي جئنا على ذكرها ممكن مقارنتها مع مشاكل بلدنا التي لا تعد ولا تحصى. أما قولك من انه "غير مواكب للعصر" فانه الكفر بعينه على الرغم من معرفتي المسبقة بمرات زياراتك العديدة لبيت الله الحرام حاجّا ومعتمرا وقائدا للحجيج!!

وعلى الرغم من اختلافي معك بكل ما جئت به الا انني اتفق معك بالرأي حول ضعف نظام "سانت ليغو" ونتائجه غير الطيبة وغير الجيدة، أتعرف لماذا؟ لانه قد يحرمكم بل سيحرمكم من العديد من المقاعد البرلمانية في انتخابات عام 2010 القادمة وسترون في مغارتكم الخضراء افرادا ذوي كرامة يملكون حسّا وطنيا وغيرة على شعبهم ووطنهم. وستشعرون بالخطر وتحسبون الف حساب قبل اية سرقة لثروات هذا الشعب المبتلى بكم لان هناك عيون ستراقبكم ليل نهار كتلك العين التي كانت على المطعم التركي، و تحدق بمغارتكم بغضب لتذكركم بغضب الشعب ان تحرك يوما من لحده الطائفي الذي وضعتموه وبقية الطائفيين اسير ظلمته.

أن الطريقة الامثل لاجراء انتخابات برلمانية عادلة ورفع يد "العلي بابويه" عن المغارة الخضراء تكون بالضغط الشعبي المستمر وبمختلف الطرق القانونية، ليكون فيها العراق دائرة انتخابية واحدة تعتمد على القائمة المفتوحة ليصل من خلالها المستحقين فقط الى قبة البرلمان، مع اعتماد نظام سانت ليغو لحساب الاصوات المتبقية كي لا يسرقها علي بابا كبير.


"قيمة كل امريء ما يحسن" الامام علي "ع".. صدقت يا ابا الحسن.


 
15/7/2013
الدنمارك
 
 


425
السيد المالكي هل تتبناني أن اصبحت لصا؟



السيد رئيس وزراء العراق نوري المالكي المحترم.
قبل التحية اود ان اهنئكم بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم متمنيا لكم ولشعبنا الطيب كل الخير.

تحية عراقية خالصة

قد تبدو رسالتي هذه خروجا عن المألوف في المخاطبة بين رئيس وزراء دولة كشخصكم الكريم و"مواطن" مع وقف التنفيذ لازال يبحث عن وطن مثلي. ولكن هذا الخروج عن المألوف يصبح مألوفا أذا ارتبط الامر بمستقبل البلد وشعبه وثرواته، وهنا لااريد وانا كما ذكرت لكم مواطنا عراقيا مع وقف التنفيذ ان ازايد على وطنيتكم وحبكم لشعبكم وحرصكم على ثرواته، ولكنني ان سمحتم لي فانا امتلك الحق على الاقل وانا ولدت على ارض بلد اسمه العراق وقضيت بين ناسه الطيبين عقدين من عمري قبل ان اغادره مجبرا، ان ادافع كما الكثيرين غيري ومنهم بالتأكيد شخصكم الكريم عن ثروات هذا البلد المنهوب من لصوص اعتقد جازما من انكم تعرفونهم خيرا مني لانكم على تماس يومي معهم، ان لم يكونوا اساسا من اهل الدار وللاسف الشديد.

السيد رئيس الوزراء المحترم


لقد نقلت يوم امس العديد من وسائل الاعلام ومنها صفحة الكترونية لاأظنها تريد بك سوءا وهي صفحة عراق القانون خبرا عن صدور كتاب رسمي منكم مذيلا بتوقيعكم وموجها الى وزارة الخارجية العراقية، تأمرون فيه بتعيين الناطق السابق باسم حكومتكم السيد على الدباغ سفيرا للعراق في احدى الدول العربية دون تسميتها للآن. علما ان علاقة السيد الدباغ بعقد الاسلحة المبرم مع روسيا والتي دارت حولها الكثير من الاقاويل كانت سببا في اعفائه من منصبه ودخوله انتخابات مجالس المحافظات السابق بقائمة منفردة. ومن الطبيعي جدا وانتم على رأس السلطة من انكم تعرفون جيدا ان "الشائعات" ان لاحقت مسؤولا معينا وخصوصا حول الشك بذمته المالية وعدم امانته، فان هذه "الشكوك" تتحول الى حقيقة خصوصا اذا رفض المسؤول المعني كشف حسابه امام لجان النزاهة وغيرها من الاجهزة التي من المفروض انها تلاحق الفاسدين.

ولكن الامر، اي اعادة الاعتبار للسيد الدباغ من قبلكم على الرغم من الكم الهائل من الشبهات التي دارت وتدور حوله ليس الاول ولن يكون الاخير ايضا لاسباب عدة، منها ان الفساد اصبح ظاهرة بين ساسة البلد المتنفذين ومسؤوليه وليس حالة وهذا ما اكدته مؤسسات دولية عريقة ومنها مؤسسات تابعة للامم المتحدة. كما وانكم وقبل اعادة الاعتبار للناطق السابق باسم حكومتكم كنتم قد تبنيتم السيد وزير تجارتكم السابق عبد الفساد السوداني، وعذرا ايها السيد رئيس الوزراء فان تسمية عبد الفلاح بعبد الفساد ليست منّي بل هي تسمية ووساما حصل عليه من ابناء شعبنا الفقراء من الذين سرق اموال بطاقاتهم التموينية والتي قدّرت ب 2  ميليارد دولار فقط، ولتحكم محكمة قرقوشية برئاسة قاض اسمه "ورور" مؤخرا ليس ببراءة السوداني فقط بل ليقول قاضيها الجليل ان السوداني قد ظلم، وهنا من حق اي انسان عاقل ان يتسائل عن ال 2 مليارد دولار واوجه صرفها واين اختفت.

السيد رئيس الوزراء المحترم

يبدو ان الحالتين التي جئنا على ذكرهما ليستا الوحيدتين في سلسلة حالات الفساد والسرقة والرشوة والتلاعب بالمال العام التي تنخر "مؤسسات البلد" ولن تكون الاخيرتين -  ومنها ملفات الكهرباء والمدارس الهيكلية واجهزة كشف المتفجرات وغيرها- ، ولانكم قد أهّلتم السيدين المذكورين وغيرهم ممن لانعرفهم لانهم جزء من لعبة "شيلني واشيلك" فانني اود ان اتوجه الى سيادتكم بسؤال غير بريء وهو ان كنتم ستتبنوني لو اصبحت لصا قريبا منكم؟ اسرق وارتشي وتكون لي حصتي الثابتة في كل الصفقات التي انتدب اليها وبدلا من ان اعاقب نهاية المطاف، ارى نفسي سفيرا او نائبا لرئيس الجمهورية أو مستشارا ان لم يكن لسيادتكم فللقريبين منكم.


السيد رئيس الوزراء المحترم

اعرف جسامة المهام التي تواجهكم وانتم تجاهدون في سبيل وطن معافى من ادران الطائفية! ومن اجل توفير الامن والخدمات للمواطن!  واعرف مدى الجهد الي تبذلونه لتوفير الطاقة الكهربائية وتوجيهكم للسيد الشهرستاني لادارة هذا الملف الشائك على الرغم من تقاطع تصريحاته مع تصريحات مستشاركم ثامر الغضبان التي اصبحت وللاسف الشديد نكتة الموسم، واعرف جيدا وقوفكم ضد تدخلات دول الجوار في شان بلدكم الداخلي دون محاباة اي منها!

ولكن كثرة المهام ايها السيد رئيس الوزراء لاتسمح لكم اطلاقا بتأهيل اللصوص واحتضانهم بل بمحاسبتهم وسجنهم لما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا. اما حول طلبي منكم بالعمل كحرامي ومن ثم تأهيلي ثانية واحتفاظي بما سرقته من مال هذا الشعب لنفسي، فانه ليس سوى مزحة لانني لن اسمح لنفسي كما لكل ذي ضمير حي ان اشارك اللصوص ما يسرقونه، فهنيئا للسوداني وهنيئا للدباغ وغيرهم منحتكم الابوية الكبيرة ولن اقول  لهم ولا لغيرهم من لصوص المال العام ياليتني قد كنتم معكم فافوز فوزا عظيما. لان الفوز العظيم هو خدمة الناس لاسرقتهم، ان الفوز العظيم هو حماية الوطن من التشظي لا خيانته بالتهديد بتقسيمه عن طريق الحرب الاهلية والتهديد بها دوما، ان الفوز العظيم هو ان تحاسب اللصوص والافاقين لا ان تكرمهم.

السيد رئيس الوزراء المحترم

قبل ان اختتم رسالتي هذه اذكرك بما قاله الامام علي "ع" لمعاوية عندما رفض توليته الشام لتعرف الفرق بينكم وبين من تدّعون موالاته، لان معاوية كان بنظر الامام علي " من اهل المكر والغدر، وأولي الجور والظلم، وأكلة الرشا، المشترين الغادر الفاسق باموال الناس، الذين سفهوا الحق واختاروا الباطل، والذين لو ولّوا على الناس لاظهروا فيهم الغضب والفخر والتسلط بالجبروت والفساد في الارض". ولعمري فان اتباعكم لايخرجون عن وصف الامام علي لابن آكلة الاكباد بشيء قيد انملة ان لم يكونوا اسوأ منه.

السيد رئيس الوزراء

اعيد واكرر سيادة رئيس الوزراء ان تتقبل اقتراحي كي اكون حراميا لاشارك بنهب الوطن المبتلى كمزحة لاغير، لان اللصوصية مهنة شاقة لايقوى عليها الا صنف من البشر لايشرفني ولا الملايين غيري ان نكون منهم. وتذكر ايها السيد رئيس الوزراء ان دولة القانون هي تلك الدولة التي تحاسب اللصوص والقتلة والخونة وليست تلك الدولة التي تكرمهم.


زكي رضا
الدنمارك
11/7/2013




426
لتكن محاكمة فدائيي صدام "سوات" المعتقلين علنية

تعتبر قوات سوات الخاصة والتي من الممكن تشبيهها بمنظمة فدائيي المجرم صدام حسين من الوحدات العسكرية غير التابعة لوزارة الدفاع العراقية ولا لقوات وزارة الداخلية كما ولا يعرف البرلمان العراقي من خلال لجنة الامن والدفاع البرلمانية عنها الشيء الكثير، على الرغم من ان كافة تجهيزاتها من الاسلحة وغيرها اضافة الى تدريبها تقع على عاتق وزارة الدفاع العراقية. ومن المعروف وفق تصريحات عديدة ومنها تصريح النائب شوان محمد طه اواخر نيسان من العام الحالي، ان هذه القوات ترتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء وتستلم اوامرها مباشرة من الفريق فاروق الاعرجي ومن الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية والمسؤول البارز في حزب الدعوة الحاكم عدنان الاسدي. وتسربت انباء كثيرة خلال فترات سابقة حول الصبغة الطائفية لهذه القوات التي اوكلت اليها العديد من المهمات القمعية، منها قمع التظاهرات التي اندلعت للمطالبة باصلاح العملية السياسية عام 2011 وصولة الفرسان في البصرة واحداث الحويجة وغيرها، كما كان لهذه القوات دورا رئيسيا في اقتحام كنيسة سيدة النجاة مما ادى الى مقتل الارهابيين ومعهم عددا اكبر من المصلّين في عملية تعتبر فاشلة وفق المفهوم الامني للاقتحامات من اجل تحرير الرهائن.

ان الحفاظ على الامن الداخلي في اي بلد ديموقراطي او حتى شبه ديموقراطي يقع على عاتق قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية وهذا ما لاحظناه حتى في بلدنا ذو السلطة القمعية كسلطة البعث "المقبور"، وعليه فان منظمة "فدائيي صدام" ولانها كانت خارج تشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية فقد كانت تعتبر حينها ولليوم وعلى الرغم من شمول اعضائها برواتب تقاعدية من المالكي وحزبه، منظمة ارهابية تعمل خارج القانون مما كان يبيح لها القيام بجرائم عديدة تجاه ابناء شعبنا دون محاسبة قضائية، بعد ان جيّر النظام البعثي حينها القضاء لصالحه في سابقة خطيرة لم يشهدها القضاء العراقي لعقود.

واليوم وعلى الرغم من ان الحكومة الحالية بزعامة حزب الدعوة ودولة "قانونهم" قد وصلوا الى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع! وبدلا من ايكال امر الحفاظ على الامن الداخلي لوزارة الداخلية وتشكيلاتها وهي ملك طابو لهم كما وزارة الدفاع والاجهزة الامنية المختلفة، نراهم يتجاوزون هذه الوزارات معتمدين على ميليشيا طائفية تعتبر ظهيرا للسلطة الحاكمة وليس للدولة العراقية المؤسساتية وتسمى هذه التشكيلات العسكرية "الميليشيا" قوات "سوات" أو " فدائيي المالكي". والتي ارتكبت في الاسبوع الماضي اغرب وأقذر جريمة في الملاعب العراقية طيلة تاريخها، وهي قتل مدرب فريق كربلاء الكروي الشهيد محمد عباس داخل حرم الملعب.

أن القضاء العراقي وعلى خلفية اعتقال 31 عنصرا من فدائيي المالكي مدعو اليوم لان يأخذ دوره الوطني والقضائي المعروف به لعقود طويلة في محاكمة هذه الشرذمة المجرمة ومعرفة من ورائها، وان تكون هذه المحاكمة علنية كي يتعرف من خلالها ابناء شعبنا على الجناة الحقيقيين، كما ان الجماهير العراقية عليها الضغط على اعضاء البرلمان العراقي وعلى كل من تعز عليه المواطنة في هذا البلد، من اجل حل هذه الميليشيا المجرمة والتي ان فلتت من العقاب فانها ستقوم بعشرات الجرائم مستقبلا كما ارتكبتها سابقا.

السيد المالكي، يقول الامام علي "ع" (ان ظنت بك الرعية حيفاً فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك) أي: اذا ظن الناس بك اعوجاجا او انصرافا عن لزوم الحق والعدل، فما عليك الا أن تبرز لهم في الحال وتبين عذرك، لانك مسؤول امامهم ولانهم محقّون في سؤالك عمّا تفعل وفي مراقبة اعمالك. فأنت "نائب الامّة").
فهل وانت ترفض سؤالك في برلمان اوصلك للسلطة عن عدم توفير الامن والخدمات تسير على نهج امام تدّعي انك على خطاه؟

زكي رضا
الدنمارك
1/7/2013




427
المنبر الحر / من أشتم؟
« في: 20:05 26/06/2013  »

من أشتم؟
زكي رضا

الشتم في اللغة العربية يعني السب، وجاء في لسان العرب لابن منظور في شرح الشتم انه: شتم: الشتم: قبيح الكلام وليس فيه قذف. والشتم: السب، شتمه يشتمه ويشتمه شتما، فهو مشتوم، والأنثى مشتومة وشتيم، بغير هاء، عن اللحياني: سبه، وهي المشتمة والشتيمة.

وفي التاريخ الاسلامي امثلة عديدة وكثيرة عن الشتيمة لا اجد هنا مبررا لسوق العديد منها مكتفيا باثنتين نقلتا عن النبي محمد "ص" والامام علي "ع"، فقد نقل لنا الرواة حديثا عن النبي محمد "ص" يقول فيه (اذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهنّ ابيه ولا تكنوا) (واعضوه اي اشتموه اي قولوا له اعضض هنّ ابيك أي ذكره ولا تكنوا أي صرحوا) ويعتبر هذا الحديث على درجة عالية من الصحة لوروده في ثلاثة مؤلفات معتبرة عند اهل السنّة وهي، مسند احمد وصحيح البخاري وكبير الطبراني كما ورد في جمع الجوامع او الجامع الكبير للسيوطي في جزئه الاول. اما الامام علي "ع" فانه قال لاتباعه في حرب صفين "اني اكره أن تكونوا سبّابين" وهذا يدل على وجود فعل السب عند اصحابه ومن كان معه في تلك المعركة والا لما اورد حديثه هذا.

وفي مقالتي هذه اعني بالشتيمة شتيمة السلطة ورجالاتها تحديدا وليس الاشخاص الذين نختلف معهم لاسباب قد تنتفي اسسها بعد فترة من الزمن، وقد شتمت كما الملايين غيري من العراقيين سلطة البعث وزعيمها الارعن صدام حسين، واذكر يوما شتويا باردا وممطرا على قناة الجيش ببغداد نهاية سبعينات القرن الماضي كنت فيه انتظر مع العشرات من الاشخاص حافلة نقل الركاب لمدة تزيد على الساعة دون جدوى، لان السيارات والمدرعات وناقلات الجند كانت قد قطعت الطريق على اية مركبة مدنية. وعلى الرغم من حالة الغليان التي انتابتني ساعتها وغيري الا ان صوتا نشازا هتف قائلا انظروا الى "جيشنا الابي" ، فما كان مني ساعتها الا ان اقول اي جيش يا رجل فمبلغ دبابة واحدة ممكن ان نشتري 300 حافلة نقل ركاب. ولم تمر ايام الا وانا في المنظمة الحزبية البعثية في تحقيق مكثف "مع لوازمه" عن كيفية معرفتي بسعر الدبابة والحافلة.

وفي منفاي الدنماركي ومنذ نهاية الثمانينات وحتى بداية الالفية الثالثة كنت اشتم الدكتاتور وحزبه ومريديه، كلما ارى ذلك الفلاح العجوز صيفا وهو يقود جرّارّه الزراعي البالي ساحبا خلفه محراثا مرّة وحاصودة مرّة وماكنة لنشر البذور مرّة وعربة للسماد او جمع الحشائش لتكون علفا مرّة. لأتساءل عن ثمن دبابة بيعت بعد رحيل الدكتاتور خردة وكم جرّارّا زراعيا كان من الممكن شرائها بثمنها وكيف كان سيكون حال العراق زراعيا.

واليوم وقد رحل وحزبه الى مزبلة التاريخ فهل يحق لنا الاستمرار في الشتم والسباب؟ وان كان من حقنا ان نسب ونشتم، فمن هم الذين علينا سبّهم وشتمهم؟ ولو عدنا الى مقولة الامام علي "ع" من انه يكره لنا ان نكون سبّابين أو شتّامين، فهل يحب لنا ان نكون سارقي اموال الارامل واليتامى، وهل يحب لنا ان نكون مرتشين، وهل يحب لنا ان نكون بياعي وطن، وهل يحب لنا ان نكون طائفيين وقتلة، وهل يحب لنا ان نأوي المجرمين تحت منصات العار، وهل يحب لنا ان نهدر ثروة بلدنا التي هي ملك الاجيال القادمة، وهل وهل وهل.... ، فمنذ الاحتلال ولليوم دخلت الخزينة العراقية ارقام فلكية من العملة الصعبة فاين هي وماذا كان باستطاعتنا ان نفعل بها لو كان لدينا ساسة شرفاء؟ اليس من حقي ايها القاريء الكريم ان اشتم واسب هؤلاء الذي سرقوا اموال شعبنا كما كنت ولا زلت اشتم واسب البعثيين الذين اوصلوا العراق الى ما هو عليه اليوم؟

نعم اني اشتم واسب كل من يأوي حثالات الارهاب القادم من خلف الحدود ليقتلوا ابناء شعبنا.
نعم اني اشتم واسب كل من يدعو للطائفية النتنة في الجوامع والحسينيات ومؤسسات الدولة.
نعم اني اشتم واسب كل من لا يوفر الكهرباء لابناء شعبنا.
نعم اني اشتم واسب كل من لا يستطيع توفير الامن لمدننا.
نعم اني اشتم واسب كل لصوص المال العام.
نعم اني اشتم واسب كل من يستورد دواءا وغذاءا واجهزة فاسدة.
نعم اني اشتم واسب كل من يسرق اصوات الناخبين .
نعم اني اشتم واسب البعثيين والطائفيين والتكفيريين.
نعم اني اشتم واسب كل من يعمل على افراغ العراق من ابنائه.
نعم اني اشتم واسب كل من يكره اطفال العراق.
نعم اني اشتم واسب من قتل مدرب فريق كربلاء الكروي واتعجب لصمت الحكومة عن هذه الجريمة البشعة وغير الاخلاقية، ولكن عجبي يزول عندما اعرف الجهة القاتلة وممن تستلم اوامرها.
نعم اني اشتم واسب اصحاب الرواتب الخرافية التي نستطيع ان نشتري بجزء منها مئات الجرّارّات الزراعية لننهض بواقعنا الزراعي المزري.

يقول سيبويه "كل شيء ولا شتيمة حر" ووالله اني لا ارى في طائفيي العراق حرّا كي لا اشتمه.

 
26/6/2013
الدنمارك
 
 


428
سأسرق صوتك صولة جديدة لدولة "القانون"

ان عدم نجاح حزب الدعوة ودولة قانونه في تشكيل الحكومات المحلية لجميع المحافظات، تلك التي راهن عليها السيد رئيس الوزراء قبل بدأ الانتخابات من خلال جولاته المكوكية في مختلف المحافظات الجنوبية "الشيعية". دفعته الى ان يصب ومسؤولي حزبه ودولة "قانونه" جام غضبهم على طريقة سانت ليغو في حساب الاصوات، وانها حرمتهم من عشرات المقاعد في مجالس المحافظات، مطالبين بعدم تبني هذا الطريقة في الانتخابات البرلمانية القادمة، بل وصل الامر بدولة "القانون" وعلى طريقة البلطجية بالتهديد بعدم مشاركتها بالانتخابات القادمة اذا بقيت طريقة سانت ليغو كوسيلة لحساب الاصوات *. علما ان المحكمة الدستورية كانت قد الغت في وقت سابق الفقرة الخامسة من المادة 13 من قانون انتخابات مجالس المحافظات لانها مخالفة للدستور حسب وصف رئيس مجلس القضاء الاعلى السيد مدحت المحمود لها وان قرار الالغاء جاء للحفاظ على اصوات الناخبين مثلما قال. وكانت الفقرة الملغاة تنص على ان " تمنح المقاعد الشاغرة عند وجودها للقوائم المفتوحة الفائزة التي حصلت على اعلى عدد من الاصوات بحسب نسبة ما حصلت عليه من المقاعد لاستكمال جميع المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية.

قبل بدأ الانتخابات البرلمانية الاخيرة قال احد كتبة الدستور العراقي من التحالف الشيعي في خضم دفاعه عن القانون الانتخابي الذي ابطلته المحكمة الدستورية دون اثر رجعي للصوصيته ولتكريس طائفية الحكم بالعراق، من اننا "؟" لسنا بحاجة الى كتل برلمانية صغيرة بل الى ثلاثة كتل كبيرة في البرلمان لتسهيل عملية تشريع القوانين والاسراع بانجازها!! علما ان الكتل التي اشار اليها وكانت الوحيدة في البرلمان مثلما خطط وغيره لها فشلت لليوم وبعد مرور ما يقارب الاربعة اعوام من تشريع العديد من القوانين المهمة والمرتبطة بامن الوطن ورفاه شعبه، كما وان الكتل التي اشار اليها فشلت في عقد جلسات برلمانه العتيد لاشهر عديدة! والانكى ان الحكومة الفاشلة التي جاء بها برلمانه هذا جاءت بعد مخاض عسير وتفاهمات - تحولت الى صراعات كبيرة - من تحت الطاولة في اربيل وطهران وبعض العواصم الاخرى. وكانت من نتائج تلك الانتخابات وطريقة اجرائها بسرقة اصوات الاخرين قد اسفرت عن حصول 17 نائبا لاغير من مجموع 325 نائب على اصوات تؤهلهم لتجاوز العتبة الانتخابية، ووصل الاخرون عن طريق الاليات اللصوصية المتبعة للقاسم الانتخابي الذي سرق اصوات الكتل والكيانات "الصغيرة" غير المتحالفة مع اللصوص الكبار. وهذا ما لم يفهمه احد اعضاء دولة القانون عندما حمّل طريقة سانت ليغو خسارة تحالفه لمقاعد عديدة في مجالس المحافظات وليس سوء ادارة حكومته للبلد قائلا "  إننا رفضنا اعتماد قانون "سانت ليغو" في انتخابات مجالس المحافظات، لانه قانون يعقد تشكيل الحكومات المحلية وليس فيه عدالة، لان هناك مرشح حصل على 200 صوت وصعد الى مجلس المحافظة، واخر من قائمة اخرى حصل على 9 الاف صوت ولم يفوز" متناسيا عن عمد العشرات من اعضاء كتلته الذين وصلوا الى البرلمان باصوات هي اقل بكثير من الاصوات التي حصل عليها مرشح في بغداد لم يصل القاسم الانتخابي لانه لم ينضم الى قائمة حرامية.

ان طريقة سانت ليغو هي البداية الصحيحة لصراع سياسي سوف يغير بالتأكيد لو استمر العمل به صورة الصراع الطائفي الذي يقود البلد نحو الدمار، ولان هذه الطريقة ستضر حتما بقوائم الحيتان فاننى سنرى جهودا كبيرة منها لالغاء العمل به والعودة الى اسلوب القائمة المغلقة التي يروج لها حزب الدعوة، علما ان الغالبية العظمى من الكتل المنضوية للقوائم الكبيرة تسير على خطى الدعاة في هذا الطريق. اما القوى التي انتصرت بقرار المحكمة الدستورية والضغط الجماهيري عبر حملة "لاتسرق صوتي" فعليها الاستمرار بحملتها وتطويرها بضم قوى اخرى الى التيار الديموقراطي وعن طريق الندوات الحوارية مع الجماهير واقامة الفعاليات المختلفة الداعمة لتوجهها هذا والاتصال بالمنظمات المحلية والاقليمية والدولية والسفارات المعتمدة في العراق وخصوصا الاوربية منها، لغرض شرح وجهة نظرها حول واقع الصراع السياسي في العراق والعمل على استقراره بعيدا عن الطائفية وشرورها. ان الاصوات التي حصل عليها التيار الديموقراطي على قلتها شكلت وتشكل ارقا لكل الطائفيين والقوميين الذين يريدون ترسيخ النهج التحاصصي المعمول به اليوم كنهج مستديم في الحكم.

ان حزب الدعوة الحاكم ودولة "قانونه" وقبل بدأ صولتهم ضد سانت ليغو وسرقة اصوات الناس الذين لم ينتخبونهم، عليهم بدأ صولاتهم لتوفير الكهرباء والامن والخدمات، على الحكومة ان تبدأ صولتها ضد الفساد والرشوة والمحسوبية، اننا بحاجة الى صولة لمحاربة البطالة كي نقلل من مساحة الارهاب، اننا بحاجة الى صولة لانصاف الارامل والايتام والمتقاعدين، اننا بحاجة الى صولة تعليمية للقضاء على الامية، اننا بحاجة لصولة صحية وطبية وزراعية وصناعية، اننا بحاجة الى صولة ضد الطائفية، فهل يستطيع الدعاة ودولة "قانونهم " القيام بها..... لااظن.
لا لسرقة اصواتنا ولا لاغتيال سانت ليغو بكاتم صوت.

* http://www1.alforattv.net/modules/news/article.php?storyid=90025


زكي رضا
22/6/2013
الدنمارك


     




429
حتى نسبة المئة بالمئة لا تكفي ايها السيد الشبوط

نشرت صحيفة الصباح الحكومية والمقربة من السيد رئيس الوزراء امس (11/6/2013 ) مقالا افتتاحيا تحت عنوان 17 بالمئة بقلم رئيس تحريرها السيد الشبوط، حيث تناول فيها بعد عودته الى بغداد الوضع الاقتصادي والخدمي في مدينة السليمانية التي كان في زيارة لها مؤخرا. ويبدو ان السيد الشبوط قد صدمه واقع المدينة الكردية التي كانت وغيرها من المدن والبلدات الكردية في الاقليم عبارة عن مدن وبلدات مهملة لا تعرف الخدمات اليها طريقا ناهيك عن واقعها الصناعي والزراعي البائس خصوصا في عهد الديكتاتورية البعثية. ما حدا به وهو على حق طبعا في طرح تساؤلات منطقية جدا مقارنا من خلالها بتطور المدينة "السليمانية" مع بقية مدن العراق في الوسط والجنوب والغرب على حد قوله، من حيث توفر الطاقة الكهربائية ونظافة المدينة ومجالات الاستثمار الاجنبي والتي لاحظها في المشاريع العملاقة ومنها مجمعات سكنية على احدث طراز، وكان عليه لايضاح الصورة لنا نحن العراقيون خارج الاقليم وخارج البلد ان يتناول الواقع الصحي والتعليمي والسياحي والزراعي ومنه احياء الغابات وغيرها الكثير وفي المقدمة منها استتباب الامن في مقالته الانفة الذكر، كي نكون قريبين جدا مما يريد السيد الشبوط الوصول اليه ونحن معه بكل تأكيد.

لقد كتب السيد الشبوط في نهاية مقالته بعد ان تناول واقع الخدمات مثلما ذكرنا بشكل سريع متسائلا (المقارنة بين الاقليم وبين بقية مناطق العراق مشروعة، مثلها في المشروعية التساؤل عما حققته الـ83 بالمئة من الميزانية، وهي حصة الوسط والجنوب والغرب، في هذه المناطق. لماذا لم تحقق هذه النسبة نفس ما حققته الـ17 بالمئة في كردستان؟ اين يكمن الخلل؟ البحث عن اجابات علمية وموضوعية لهذه الاسئلة وما شابهها ليس ترفا فكريا ولا ينطوي على مضيعة للوقت. لا بد ان تتم الاجابة بالشكل الذي يساعد على جعل سكان مناطق الـ83 بالمئة ينعمون بنفس مستوى الحياة الذي يتمتع به سكان مناطق الـ17 بالمئة. فهم ليسوا من جنس اخر!). يبدو من خلال اسئلة الشبوط المشروعة هو بحثه عن اجابات علمية وموضوعية لتساهم في ان يكون العراق "العربي" - دون الاقليم - والذي يتمتع بنسبة 83 بالمئة من ميزانية البلد التي وصلت الى ما يقارب المئة وثمانية عشر مليار دولار وهي الاضخم في تاريخ العراق لليوم، كما الاقليم من حيث الخدمات المقدمة لابنائه والتي جعلت السيد الشبوط ان يكتب من اجلها مقالته. ولان السيد الشبوط كاتب محترف ويرأس مؤسسة اعلامية ضخمة ممولة من السلطة فانني اتعجب من سؤاله حول الاجابات العلمية والموضوعية لاسئلته. لان المعروف ان الاجابات العلمية يجب ان تكون لنظريات علمية او احداث تاريخية وسياسية كبيرة وغيرها العديد مما يتعلق بالاقتصاد وفروعه والزراعة والصناعة والفلك والطب وبقية العلوم على سبيل المثال، اما طلب اجابات علمية عن بديهيات تشاهد بالعين المجردة فانه امر غير منطقي بالمرّة، ولكي اقرب الامر للسيد الشبوط اقول، ان سؤال شخصا ما عند الساعة الثانية عشر ليلا والقمر يتوسط السماء الذي تنيره الالاف من النجوم حول حالة اليوم ان كان نهارا ام ليلا ساعتها ومكانها علاوة على انه لا يحتاج الى اثبات علمي لانه بديهي، فانه يحمل نوعا من السذاجة الفكرية مع جلّ احترامي للسيد الشبوط ووجهة نظره هذه.

ولان السيد الشبوط قد تناول في مقالته ويتفق معه الكثيرون المشاكل العديدة والكثيرة التي في الاقليم خصوصا السياسية منها، ونستطيع ان نضيف اليها واقع حقوق الانسان والعنف ضد النساء والرشاوى والفساد وغيرها مما هو موجود في بقية انحاء العراق لحدود معينة لن تتجاوز ما هو في المركز مطلقا، فاننا سنتجاوز مشاكل الاقليم العديدة هنا لنبحث مع السيد الشبوط وبعيدا عن اي ترف فكري عن اسباب تقدم العراق "الكردي" ان جاز التعبير عن نظيره "العربي" الذي  لم يقر فيه لليوم قانون النفط وقانون الاحزاب وقانون انتخابات منصف للجميع وغير لصوصي وغيرها من القوانين التي نحن بأمس الحاجة اليها للنهوض بواقع البلد والوصول به الى واقع الاقليم الكوردي ذو السبعة عشر بالمئة.

السبب ايها السيد الشبوط ومن دون الدخول في متاهات النظريات العلمية والتجارب المخبرية ولا حتى قراءة معمقة ولا بسيطة للتاريخ والحركات الاجتماعية وبعيدا عن نظريات الاقتصاد والفلسفة وبعيدا حتى عن "الخيرة" و"الفال" و" التخته رمل"،  السبب هو العشائرية التي تغذي طائفية مقيتة تبنتها احزاب "اسلامية" طائفية تعتمد في حل مشاكل البلد على طبقة رجال الدين الذين يسعون الى بناء مجتمع وفق مقاسات محددة بعيدة كل البعد حتى عن الاسلام قريبة كل القرب من الطائفة والمذهب، وما لهذا البعد والقرب من خطرعلى البلد وعلى النسيج الاجتماعي العراقي نتيجة احترابها المستمر بأعتمادها على ميليشيات مرئية وغير مرئية وتوظيف المال العام وهو جزء من الثلاثة وثمانون بالمئة التي تتحدث عنها لنشاط هذه المليشيات، اضافة الى توظيفها "اموال الشعب" في مشاريع وهمية تسرقها الحيتان الطائفية لتتقاسم حتى "الفضلات الباقية" كمنح وقروض ميسرة وقرطاسية نعم ايها السيد الشبوط نواب برلماننا شبه الاميين تخصص لهم اموال لشراء القرطاسية!!! السيد الشبوط انت تعلم ان البلدان تتقدم بالعمل الذي قال عنه النبي محمد (ص) انه عبادة فكم هي عدد الساعات التي تهدر في مناسبات طائفية كل عام؟ وبالامس القريب وفي طقس طائفي تباهت الاحزاب الطائفية بتعداد زائريه الذي وصل وفق الاعلام الى سبعة ملايين انسان، ولو فرضنا ان كل واحد منهم قد خلّف كيلوغراما واحدا من الازبال في المدينة لكانوا قد تركوا سبعة آلاف طن من الزبالة وهنا اعرف تحديدا حجم دهشتك بنظافة مدينة السليمانية مقارنة ببقية مدن العراق "العربي". السيد الشبوط اعمل والاخرين من اجل حظر ومنع تأسيس احزاب على اساس ديني وطائفي عندها ترى بلدنا اكثر جمالا واكثر بهاءا من مدن الخليج وغيرها.

السيد الشبوط صدقني لو اعطيت حكومة المنطقة الخضراء اليوم ميزانية العراق كاملة ولو ضاعفتها حتى فان الوضع سيبقى على ما هو عليه، لان - وهذه بديهية ايضا - شهية لصوص المنطقة الخضراء كبيرة جدا.

"ايها الناس، انما انا واحد منكم، لي ما لكم وعليّ ما عليكم، والحق لا يبطله شيء" ... الامام علي.

زكي رضا
11/6/2013
الدنمارك

 



 

430
العراق دولة قانون أم دولة طوائف وعشائر؟

بداية علينا ان نوضح امراً يعتبر غاية بالاهمية حول مفهومي دولة القانون والديموقراطية ، وهو ان الديموقراطية هي الوليد الشرعي لنظام مؤسساتي محكوم بأطر قانونية وهذا النظام المؤسساتي هو الذي يحدد الحقوق والواجبات والاجراءات داخل المجتمع وأجهزة الدولة الاربع، ومن غير الممكن لأي فرد حتى وان كان على رأس السلطة وتحت اي شرط أو مسمّى التجاوز على اي اجراء قانوني أقرّ من قبل نواب الشعب (البرلمان) أو اي بند من بنود الدستور بأعتباره عقداً سياسياً ينظم العلاقة بين الاطراف السياسية لخدمة شعبها ووطنها وأجتماعياً تتحدد من خلاله شكل العلاقة بين فئات المجتمع المختلفة، ومن غير الممكن الفصل بين هذين العقدين مطلقاً لان الاخلال باحدهما يشبه الى حد بعيد قطع الحبل السري عن الجنين قبل الولادة مما يؤدي الى موته. أما اعتبار التوجه الى صناديق الاقتراع لوحده ودون توفر الشروط اللازمة لانتاج عملية سياسية وتسميتها ديموقراطية فانها تعتبر ضحكاً على الذقون، لماذا؟ لان عدم توفر قوانين وآليات واجراءات تسهل وتصون العملية الانتخابية من الغش والتزوير وسرقة الاصوات وما اليها من مخالفات اخرى، ستجعل من العملية الانتخابية اشبه بأي استفتاء كتلك التي كان ينظمها النظام البعثي الساقط أو غيره من الانظمة الدكتاتورية في بلدان مختلفة، وفي حالة العراق فأن القوى المتحاصصة تعمل جاهدة على جعل الانتخابات كأستفتاء لبقائها وحدها في السلطة دون مشاركة الاخرين. من خلال المقدمة الموجزة اعلاه نستخلص ان الديموقراطية هي سمة ملازمة لدولة اسمها دولة القانون، فهل دولة "القانون" التي تحكم العراق اليوم وتقاتل كي تستمر بالسلطة لدورات قادمة بشخص رئيسها قادرة على، أو استطاعت ان تقدم للعراقيين سياسة واضحة لبناء دولة قانون حقيقية ذات أجهزة  مؤسساتية تعتمد على قوانين وتشريعات تحدد واجبات وحقوق كل مواطن والاجراءات التي تنظم هذه الحقوق والواجبات، أضافة الى معرفة حجم ودور اية مؤسسة من مؤسسات الدولة؟ وهل نجحت في تجاوز مخلفات النظام العشائري الذي حجّمته ثورة 14 تموز خلال فترة حكمها القصير والبعث لسنوات عدة قبل ان يلجأ اليها لاحقا بقوة نتيجة حروبه الكارثية. ومثله مخلفات الصراع الطائفي غير المحسوس لعقود قبل ان يتجلى بصورة واضحة بعد انهيار انتفاضة آذار، والذي تطور الى صراع طائفي واضح المعالم وديني بعد الاحتلال نتج عنه هجرة مئات الالاف من اتباع الديانات غير الاسلام ومقتل الالاف منهم في ظل عجز الدولة عن حمايتهم.

دعونا هنا نتجاوز دور الطائفة المركزي كركن اساسي من اركان الحكم في عراق اليوم والذي اثبت فشله الذريع في تعزيز العقدين السياسي والاجتماعي الواجب توفرهما في دولة القانون، ولنركز على الدور العشائري وتغذيته من قبل دولة "القانون"، وانني هنا اعني بدولة "القانون" ذلك التحالف السياسي الذي يقود السلطة اليوم في العراق عملياً، وليس دولة القانون التي نسعى كعراقيين عابرين للطوائف والقوميات تحقيقها عبر وسائل سلمية وديموقراطية بعيدة عن العنف الذي اصبح سمة احزاب السلطة حتى وان حاولت ان تنأى بنفسها عنه.

لقد بدأت الازمة الاخيرة غير المنتهية لليوم - أزمة ما بعد الهاشمي - بعد أتهام حماية وزير المالية المستقيل او المقال رافع العيساوي، قبل ان يُتَهَم هو شخصيا بالارهاب وفقا لملفات يمتلكها دوماً السيد المالكي ضد مناوئيه وخصومه السياسيين، والتي يبقيها لحين حاجته اليها دون ان يأخذ بنظر الاعتبار وهو الحارس على أمن البلد والشعب واستقرارهما، الالاف من الضحايا الذين يتساقطون في مدن العراق المختلفة وآخرها ضحايا الاثنين الدامي (اليوم). هذه الازمة التي تطورت نتيجة ضيق افق الفرقاء المتنازعين الى ايصال البلاد الى شفا الحرب الاهلية والطائفية والتي نستطيع رؤية طلائعها بهذه التفجيرات الدموية التي ذهب ويذهب ضحيتها الابرياء ككل مرة.

لكن ووفق احد اهم المقربين من السيد رئيس الوزراء وعرّاب فتح القنوات واعادة البعثيين والارهابيين الى الحياة السياسية، فان دماء آلاف الابرياء الذين سقطوا ضحايا لعبة السيد رئيس الوزراء لا تعني شيئاً ما دامت بعيدة عن العرف العشائري! فهذا العرّاب صرح أنه (أبلغ وزير المالية المستقيل رافع العيساوي أن المالكي ليس لديه مشكلة شخصية معه وأن كل ما هو مطلوب منه إنهاء المشاكل التي تتعلق بالحق العام مع من قدموا شكاوى بحقه وكلهم من أبناء الفلوجة عن طريق الدية أو الفصل العشائري). أهكذا يا عرّاب دولة القانون تروى الابل؟

انني هنا لا اريد ان افترض بأن رافع العيساوي ارهابي، بل وطبقاً لملفات السيد المالكي فانني اعتبر العيساوي ارهابياً بالفعل والقول والعمل وساهم بشكل مباشر وغير مباشر بممارسة الارهاب منذ العام 2008 وفق تسريبات دولة "القانون"، ومن خلال اعتباري العيساوي ارهابياً سأطرح على عرّاب دولة "القانون" بعض الاسئلة متمنياً الاجابة عليها خدمة للحقيقة ليس الا، على الرغم من معرفتي المسبقة ان الحقيقة في عراق دولة "القانون" والطوائف تعني الكذب والمراوغة بل وحتى القتل لمصالح شخصية وحزبية وفئوية وعلى الضد من مصلحة شعبنا ووطننا.

أسئلتي هي، لمّا كان العيساوي ارهابي وقتل المئات ان لم يكن الالاف منذ العام 2008 لليوم وامتدت مساحة ضحاياه لتشمل مساحات واسعة من البلد ومنها على وجه الخصوص العاصمة بغداد، فلماذا حصر عرّاب دولة "القانون" ضحاياه ببعض ابناء الفلوجة فقط مطالباً اياه بدفع الدية او الفصل العشائري لذوي الضحايا؟ وماذا عن بقية الضحايا في المدن الاخرى كالرمادي وبغداد واخرى طالها بلا شك ارهاب العيساوي؟ وماذا عن الحق العام الذي هو من حق المجتمع ممثلاً بالدولة واخلال المجرم - وهو هنا العيساوي - بأمن المجتمع واستقراره وسلامته؟ وهل من يريد بناء دولة قانون يتنازل عن دماء الضحايا الابرياء ان لم تكن لهم عشيرة!؟

أن اكبر نكتة في تاريخ السياسة العراقية منذ تأسيس الدولة لليوم هي دولة "القانون" التي وضعت القانون على رف مهمل مقابل قانون العشائر، واستمرار النكتة هذه بالسلطة لفترة طويلة ستجعل العراق هزءا ومسخرة.

ضرب البوكسات في البرلمان اقل ضررا من دماء ضحايا الشعب.


زكي رضا
الدنمارك
27/5/2013










431
حجة الاسلام والمسلمين نوري المالكي

أمران أساسيان هما اللذان يحددان نجاح اية حكومة وفي اي مكان في العالم على الصعيد الداخلي، وهما توفير الامن والخدمات لمواطنيها، والامر يصبح اكثر ضرورة اذا كانت هذه الحكومة او تلك قد وصلت الى السلطة عن طريق الانتخابات وليس الانقلابات العسكرية، لان وصولها عن طريق الانتخابات يحتّم عليها الايفاء ببرنامجها الانتخابي الذي بسببه منحها الناخبون اصواتهم. واليوم والانفجارات تهز العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية بعنف ومستوى الخدمات وصل الى ادنى مستوياته، فهل وفت الحكومة بالتزاماتها تجاه "شعبها"، وهل استطاعت ان تحد من العنف الذي يزهق ارواح العشرات يوميا؟

يبدو ان المالكي لا يعرف او لا يريد ان يعرف ان مكافحة العنف واستتباب الامن بحاجة الى ركائز وهذه الركائز تحتاج الى رجل سياسة قادر على توفير شروط اللقاء السياسي مع مناوئيه والوصول معهم الى نقطة التقاء تعتبر منطلقا لتجاوز حالة سياسية متأزمة، والبدء بعملية سياسية جديدة في ظروف جديدة تنشأ من تفاهمات تهم مصلحة شعبنا ووطننا قبل مصالح القوى السياسية المتنفذة. ومن ركائز مكافحة العنف امور عدة من بين اهمها ، تطور الاجهزة الاستخباراتية وقوتها، سرعة تحرك القوات المسلحة و قوة اسلحتها مقارنة باسلحة الارهابيين، الابتعاد عن الشحن الطائفي في استغلال المناسبات الدينية، توفير فرص العمل ومحاربة الفساد والمحسوبية مما يقلل من مساحة الارهاب، استخدام لغة اعلامية غير متعالية أو متشنجة تجاه الخصوم السياسيين، الاعتراف بشرعية البرلمان كأعلى سلطة تشريعية في البلاد واحترام قراراتها.  ولو راجعنا سياسة المالكي تجاه النقاط اعلاه لوجدناه فاشلا بها جميعا. فالاجهزة الاستخباراتية ضعيفة ومخترقة نتيجة المحاصصة، وقواتنا المسلحة بائسة التنظيم والتسليح ولم يعد الجيش العراقي جيشا وطنيا قدر ما هو مناطقي، والشحن الطائفي على قدم وساق حتى داخل المؤسستين العسكرية والامنية، والفساد والمحسوبية اصبحا من العلامات الدالّة لحكومة المالكي، اما اتهام الخصوم بملفات تسقيطية دون ابرازها واتهام التظاهرات والاعتصامات من انها بعثية وفقاعات فانها تشير الى ضعف المالكي في تعامله مع مناوئيه وتشنجه غير المبرر خصوصا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية في البلاد، كما ويعتبر المالكي اول رئيس وزراء في العراق والعالم يرفض الحضور الى برلمان بلده لاستجوابه حول ملفات الفساد والارهاب وغيرها وكأن البرلمان العراقي نكرة، او انه اعلى واكبر من البرلمان وهذا بحد ذاته نرجسية خطرة ستؤدي بالبلاد الى دكتاتورية طائفية او الى حرب اهلية وتقسيم البلاد.

والمالكي - بمراكزه السياسية والامنية العديدة - الذي فشل في الملف الامني لليوم فشلا ذريعا مثلما ذكرنا وبدلا من البحث مع مناوئيه عن حلول سياسية للازمة المتفاقمة، نراه يضيف الى مراكزه الكثر مركزا جديدا وهو مركز "حجة الاسلام والمسلمين" في محاولة لجمع السلطتين السياسية والدينية في شخصه على ما يبدو، وذلك بدعوته للصلاة الموّحدة بمسجد واحد من اجل محاربة الارهاب، ناسيا على ما يبدو ان الارهاب اصلا يأتي من بيوت الله هذه، ولولا الصراع الطائفي بين الجامع والحسينية لكان شعبنا اليوم ، بالف الف خير. كما وانه ينسى او يتناسى من ان ما يدعو اليه اليوم قد فشل به علماء دين كبار طيلة ما يقارب الاربعة عشر قرنا هي طول الصراع الشيعي - السني مذهبيا وقرون من الصراع الصفوي - السلجوقي سياسيا وهو ما ندفع كعراقيين ثمنه دماء ودمار.

على الرغم ان الفشل سيكون نصيب اقتراح المالكي هذا كما فشله السابق في جميع الملفات التي ادارها، الا انني ابارك للحوزة الدينية بظهورعالم دين جليل كالسيد حجة الاسلام والمسلمين نوري المالكي "دام ظله"، الذي سوف يحارب الارهاب بالدعاء ولله في خلقه شؤون.

اشتنفع صلاة الكثرن ذنوبه ..... "شعر شعبي"

زكي رضا
الدنمارك
20/5/2013




432
من يدلّني على لون الكذب وشكله؟

قبل ايام صادفت صديق لي يدرس في احد معاهد الرسم في الدنمارك، واستغليت رحلتي واياه بالقطار لاسأله سؤالا حيرني منذ فترة، وهو ان كان للكذب لون معين أو شكل معين؟ فنظر اليّ متعجبا لسؤالي الغريب هذا خصوصا وانا لا اتعاطى المخدرات بكل انواعها كما وانني كنت في طريقي الى عملي وهذا يعني عدم تناولي لاي منكر، وقد شاهدت ذهوله من قسمات وجهه وهو يحدق في عيني بنظرة استغراب. ولكي اقطع طريق اي تفكير سيء حول سؤالي قلت له ان الامر مرتبط بامر ما بعيدا جدا عن الرسم، الا انني سألت سؤالي معتمدا على مقولة عراقية تصف الكذب بلهجتنا المحكية (هو شنو قابل الكذب لونه احمر اصفر؟) عندها ضحك صديقي قائلا اطمئن يا عزيزي فلم يصل اي رسام ولا نحات لليوم الى معرفة لون الكذب وشكله كي يرسموه وينحتوه ولكنني واثق ان سؤالك هذا ليس بسؤال بريء.

وللبحث عن اجابة تشبع فضولي توجهت الى العم (غوغل) بنفس السؤال لابدأ من خلاله رحلة بحث مضنية دون جدوى، وبدا لي ان (غوغل أدام الله ظله) قد فهم من الحاحي حول هذا السؤال الغريب من انني عراقي، لانه بدأ يسألني عن سبب سؤالي وتاريخ ميلادي ومحل ولادتي ومستواي العلمي وهل انا شيعي ام سني ، كردي ام عربي وهل اعيش في الجنة العراقية ام خارجها، اي والله  وكأنه يريد ان يستخرج لي الجنسية العراقية المحروم منها لليوم. وبعد ان ملأت النموذج الذي ظهر على شاشة الحاسوب بعد استجوابي الدقيق، تنهد العم (غوغل) بعمق ليسألني سؤالا اخيرا وهو ان كنت ابحث عن شيء اسمه خدمات في العراق، ولما اجبته بنعم، ضحك العم الطيب (غوغل) قائلا لي استخدم عقلك للاجابة ضمن دائرة تسمى "دولة القانون".

عندها اكتشفت سذاجتي حالي حال الملايين من العراقيين الذين يصدقون كل ما يقال لهم بسرعة قياسية خصوصا اذا ما جاءت الاقوال من احزاب وقوائم دينية كدولة "القانون" وشكرت العم (غوغل) على نصيحته، وبدأت رحلة بحثي مع اكبر مشكلة في عراق الاسلاميين والتي صرفوا عليها عشرات المليارات من الدولارات دون جدوى، اي الكهرباء وما ادراك ما الكهرباء. واستنادا الى النصيحة المقدمة لي بدأت حصر المعلومات عن علاقة الكذب بالكهرباء محاولا الوصول الى الاجابة التي تهم كل عراقي، اي لون الكذب وشكله. وكم كانت دهشتي كبيرة بعد ان وصل بحثي الصبور الى نتيجة ادهشتني وستدهش القاريء بلا شك، وهو ان الكذب له لون وشكل ولسان واعضاء ويتحرك ويزوّر ويسرق ويأكل، ببساطة اكتشفت انه "انسان" لكنه من طينة اخرى لانه استمرأ الكذب حتى تحول بصفاته "البشرية" الى قطعة من الكذب تتحرك هنا وهناك وتصرح هنا وهناك، نعم ايها القاريء الكريم لقد استطعت بمساعدة العم (غوغل) ان احدد الشكل النهائي واللون النهائي للكذب في العراق "حول مسألة الكهرباء"، انه بكل بساطة مسؤول اسمه "حسين الشهرستاني".

فالشهرستاني هذا لم يكف منذ سنوات عن كذب اتعبنا ولم يتعبه اهلكنا حرا ولم يهلك منه لا هو ولا بقية قاطني المنطقة الخضراء "قدس سرها". قال مرة ان مشكلة الكهرباء ستنتهي ويبدأ العراق بتصدير الكهرباء الى دول الجوار نهاية الثلث الاول من العام 2013 ، وانتظرناه حتى باب الدار كما يقول المثل العراقي، وقال قبل اشهر من ان العراق سيحقق الاكتفاء الذاتي بالطاقة الكهربائية واذا بنسب التحقيق لم تتجاوز ال 40% مما قاله!! ما جعل مقرر لجنة النفط والطاقة النيابية السيد قاسم محمد ان يتساءل حول كيفية تصدير الشهرستاني للكهرباء!!
وختاما ولكي اثبت لاعضاء "دولة القانون " كذبهم وكذب شهرستانيهم هذا اذكرهم بما قاله السيد "باتريك كوكبيرن" مراسل صحيفة انديبندت البريطانية في تقرير مطوّل له تحت عنوان "العراق لصوصي وازمة الكهرباء ستستمر ثلاثين سنة" عزا فيه الاسباب الى الفساد وتحويل الاموال المسروقة الى الخارج مع استثمار جزء ضئيل منها في سوق العقارات. السيد الشهرستاني احتراما لنفسك ولدولة "قانونك" كفى تصريحات حول ازمة الكهرباء لانك وحكومتك اصغر من ان تستطيعوا حلها، اتعرف لماذا لانكم لستم برجال دولة بل رجال سلطة همّها النهب باسم الطائفة والملايين من ابناء طائفتكم يعانون شظف العيش، لانكم تسيرون بالبلد الى الهاوية وبقية المتحاصصين، لانكم لن تستطيعوا ان تضعوا الرجل المناسب في المكان المناسب.

وين الكهرباء يا دولة "القانون" وين الكهرباء؟


زكي رضا
الدنمارك
12/5/2012

 



 

433
هيومان رايتس حيادية .. هيومان رايتس غير حيادية

في الخامس من آيار الجاري حمّلت منظمة هيومان رايتس واتش وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بحقوق الانسان وترجمة اسمها حرفيا هو "مراقبة حقوق الانسان"، وعلى خلفية نتائج تحقيق اللجنة البرلمانية التي شكلت لتقصي الحقائق حول الاحداث التي جرت في مدينة الحويجة. كل من السيد رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكالة ومسؤولين كبار في وزارتي الدفاع والداخلية مسؤولية اصدار الاوامر بالهجوم على ساحة الاعتصام في المدينة على خلفية مقتل عدد من افراد الجيش العراقي والتي ادت الى مصرع العشرات من المعتصمين.  ان تاريخ هذه المنظمة وغيرها كمنظمة العفو الدولية حافل مع النظام البعثي المنهار نتيجة السجل السيء له على صعيد تعامله مع معارضيه السياسيين، مما جعل اطراف المعارضة العراقية ومنها احزاب السلطة اليوم ان تعتمد تقاريرها في فضح الممارسات الغير انسانية تجاه شعبنا امام المحافل الدولية والمطالبة بمقاضاته حينها، وهذا يعني ان هذه المنظمات كانت حيادية وهي تجمع المعلومات عن همجية نظام البعث مما كان يدفع فصائل المعارضة العراقية حينها على متابعة ونشر تقاريرها في صحفها وادبياتها. لكن نظام البعث الدموي كان يضرب عرض الحائط جميع تقارير هذه المنظمات معتبرا قراراتها غير حيادية والهدف منها زعزعة ثقة العراقيين بنظامهم الوطني!

واليوم وبعد ان تغيرت الاوضاع السياسية واصبحت قوى المعارضة السابقة التي ذاقت الامرين من بطش البعث وهمجيته على رأس السلطة نراها وللاسف الشديد تتبنى نفس خطاب البعث الساقط في تقييمها لبيانات هذه المنظمات معتبرة اياها غير حيادية وتتعامل بمزاجية مع الملف العراقي، وعليها - هذه المنظمات- ان "تستقي معلوماتها من الجهات المعنية - اي الحكومة – مباشرة اذا كانت تبحث عن الحقيقة" كما صرح بذلك الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع! وفي تصريح يبريء الطاغية صدام حسين من مجازر الانفال وحلبجة وقمع الانتفاضة الاذارية - كانت عصيانا وتمردا بنظره - لانه لم يكن قائدا ميدانيا قال نفس الناطق ان " مسائل من هذا النوع والتي تتعلق بمكافحة التمرد والعصيان لا دخل للقائد العام للقوات المسلحة أو وزير الدفاع بها بل هي متروكة للقائد العسكري الميداني الذي يقدر هو الموقف بناء على المعطيات المتوفرة لديه". اذن فالقادة الميدانيون حينها هم الذين نفذوا المجازر بحق ابناء شعبنا وليس المجرم صدام حسين لانه لم يكن متواجدا ساعة تنفيذ الجرائم في مواقع الجريمة!! ان هذا المنطق المعوج بحاجة الى تفسير واضح من الحكومة العراقية، ومن الافضل لها ان تنتخب افرادا قادرين على تبرير افعالها بشكل يحفظ ماء وجهها والا فانها لاتختلف بشيء في ممارستها غير المبررة احيانا عن حكومات سبقتها.

من اراد عزّا بالباطل أورثه الله ذلا بالحق " الامام علي -ع- "


زكي رضا
6/5/2013
الدنمارك




 




 

434
نحو مؤتمر وطني لدرء المخاطر عن بلدنا

لم يمر العراق طيلة تاريخه السياسي الحديث بوضع معقد وقابل للانفجار وتشظي الدولة كما هو عليه اليوم، ولكي يكون المرء واضحا وصادقا مع نفسه وشعبه عليه في هذه الاوقات العصيبة  تحديدا ان يبتعد كليا عن المجاملة السياسية، وهذا ما لا نجده في اوساط السياسيين والكثير من المثقفين العراقيين الذين اصبح ديدنهم هو توجيه التهم الى اطراف تتقاطع معه اما طائفيا او قوميا، بعد ان انزوت الروح الوطنية نتيجة فشل القوى السياسية المهيمنة في حل مشكلات البلد بعيدا مقابل نمو النزعات الطائفية والقومية.

ان الازمة الشبه مستعصية اليوم ليست وليدة اللحظة قدر ما هي تراكم كمي ونوعي لسلسلة من المشكلات اوجدتها ظروف سياسية معقدة مرت بها البلاد لقرابة التسعة عقود من عمرها، ولترسم خلال العقد الاخير نتيجة الاحتلال وتدخلات الدول الاقليمية خارطة جديدة حملت تباشير تدمير الدولة بعد ان عجزت القوى السياسية المتنفذة عن تبني مشروع وطني عابر للطوائف والقوميات، لتعود بطبيعة علاقاتها مع مجموع الشعب العراقي الى عصر ما قبل الدولة لتحتمي بطوائفها وعشائرها ومؤسساتها الدينية بعد ان كرست نظاما سياسيا لم تستطع لليوم ايجاد تعريف حقيقي له، في ما اذا كان نظاما للشراكة الوطنية ام نظاما للمحاصصة الطائفية القومية.

ان الابتعاد عن المجاملة السياسية المؤذية جدا في هذا الظرف الحساس من عمر الوطن يدعونا ان نشير الى عناصر الازمة بصوت عال ونحملها المسؤولية عما حدث ويحدث، فكلنا مسؤولون بهذا القدر او ذاك عما يجري، وكلنا مسؤولون بهذا القدر او ذاك عن الدم العراقي الذي يراق يوميا. ولكن حجم المسؤولية ومساحتها  يختلفان من طرف الى آخر. وتبقى القوى المهيمنة على المشهد السياسي العراقي اليوم بما لها من امكانيات عززتها تواجدها في السلطة تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية.  وهي قوى الاسلام السياسي الشيعي على الرغم من خلافاتها الظاهرية، والقائمة العراقية "المفككة" بتياراتها الاسلامية السنية والقومية والبعثية، والكورد في اقليمهم شبه المستقل، يضاف اليهم  قوى التيار الديموقراطي التي بقيت خلال السنوات العشر الاخيرة ممثلة للنخبة الحالمة بالتغيير دون  ان توفر لنفسها مساحات الحركة في المجتمع الذي كان ولا يزال بحاجة ماسة الى صوته في التغيير الحقيقي بالعملية السياسية، لتخطوا نهاية الامر خطوة جريئة جنت ثمارها وان كانت دون الطموح المطلوب والمشروع.

لقد اثبتت الاحداث وبشكل ملموس ان القوى المتنفذة الثلاث لن تستطيع ايجاد مخرج للازمات المتعددة التي يمر بها البلد، كونها وببساطة شديدة مستنسخة  لهذه الازمات وتغذيها في منعطفات سياسية تنتقيها بدقة. ولم يحدث ان اتفقت هذه القوى فيما بينها على اية مسألة وغالبا ما كان الاتفاق بينها على شكل اثنين ضد واحد، فاذا تحالف الكورد والشيعة كان السنة خارج اللعبة، واذا تحالف الشيعة مع السنة كان الكورد خارج اللعبة وهكذا، في عملية سياسية اشبه ما تكون بلعب الصبيان في الحواري. وكنتيجة للصراع العقيم بين هذه القوى وخصوصا الشيعية والسنية وتاثيرها على حياة الناس بل وتهديد وجودهم رأينا مقاطعة واسعة من الجماهير وصلت لاكثر من 50% لانتخابات مجالس المحافظات الاخيرة، والذي يعتبر بحد ذاته استفتاءا شعبيا رافضا لوجود هذه القوى في السلطة مستهزءا بها وبانتخاباتها على الرغم من خطأ عدم مشاركتها وتصويتها لبديل عنها.

واليوم والعراق على مفرق طرق خطيرقد يؤدي الى حرب طائفية جديدة اكثر بشاعة وقسوة ووحشية من سابقتها، فان انعقاد مؤتمر وطني واسع يضم اضافة الى احزاب السلطة التي فشلت لليوم في الجلوس الى دائرة مستديرة ، قوى التيار الديموقراطي وممثلين عن النقابات والمكونات العراقية  والمؤسسات الدينية، وجميع القوى السياسية المؤمنة بالعملية السياسية وتطويرها اصبح امرا ضروريا بل ومطلوبا على وجه السرعة. ان تعالي بعض الاحزاب ورفضها لمثل هذا المؤتمر والذي دعت اليه بعض القوى السياسية منذ فترة ليست بالقصيرة واصرارها على ان تكون الاجتماعات بين احزاب السلطة نفسها، اثبتت فشلها الكبير في عدم فهمها لحركة الواقع السياسي، واستمرار هذا الرفض والتعالي لن يخدم العملية السياسية المهددة بالانهيار في اية لحظة نتيجة فعل احمق من اي طرف. ان عقد المؤتمر الوطني الواسع يعتبر اليوم ضرورة ملحة من اجل تجاوز المخاطر التي تهدد بلدنا وشعبنا، فلنعمل جميعا من اجل هزيمة قوى الشر التي تكالبت على بلدنا وتقوده نحو الهاوية.

زكي رضا
الدنمارك
29/4/2013

   

   
 

435
المالكي وحزبه يضربون شعبنا ووطننا "دَبّه"

لم يتعرض شعب للاحتيال والخديعة من قبل حزب ما وهو يبحث عن حريته وكرامته كما تعرض اليه شعبنا على يد القوى الاسلامية والشيعية تحديدا وعلى رأسها حزب الدعوة الاسلامية. شعبنا الذي ناضل لسنوات طويلة ضد نظام البعث القمعي وعقد الامال الكبيرة على احزاب المعارضة العراقية حينها لتغيير الواقع السياسي الاكثر من مر من اجل غد افضل لابناءه ووطنه وللتحرر من نير البعث الفاشي. يُصدم اليوم بنرجسية المالكي وحزبه ودولة لاقانونه ومماراساتهم المشينة ومعهم باقي عناصر التحالف الشيعي،  الذين اثبتوا ان بينهم وبين مصلحة الوطن والمواطن واحتياجاته بون كبير لن تستطيع ديماغوجية هذه الاحزاب المتعكزة على الطائفية من النهوض بها مطلقا حتى وان تعكزوا على مرجعية دينية جاءت بهم الى السلطة.

وكما ذكر التاريخ وسيذكر جرائم البعث بحق العراق والعراقيين لسنوات طويلة ويوصمها بابشع واشنع العبارات والاوصاف، فان هذا التاريخ نفسه قد بدأ بعد مرور فترة قصيرة على الاحتلال الامريكي للعراق ولليوم بوصم القوى الاسلامية العراقية التي عقد شعبنا وعلى الاقل شيعته عليهم الامال لتغيير بؤس واقعهم المعاش تحت ظل البعث "المقبور" باوصاف لاتفرق كثيرا عن فترة البعث الدموية. فهذه الاحزاب وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم قدمت اسوأ نموذج للحكم طيلة تاريخ العراق المعاصر، وقفزت من خلال سياساتها الرعناء والبعيدة عن مفهوم الوطن والمواطنة على شعاراتها التي رفعتها اثناء مقارعتها لنظام المجرم صدام حسين، لتسيء بذلك الى تاريخها وقوافل شهدائها بعد ان تنكرت لمثلها وقيمها واخلاقها.

فسرقة المال العام الذي جرى ويجري على قدم وساق من قبل قياديي واعضاء وانصار هذه الاحزاب وعوائلهم، وحجم الفساد المستشري بعلمهم وبمساهمتهم فيه والذي ادى الى تعطيل العديد من المرافق المهمة بالبلد وتدميرها، وضياع مليارات الدولارات من خلال عقود وهمية لشركات وهمية يديرها متنفذون منهم وغيرها الكثير. تشير بمجملها الى ان هذه الاحزاب قد خدعت ابناء شعبنا واحتالت عليهم وهي تسّوق نفسها كمنقذ و  مخّلص لهم من ارث نظام صدام وحزبه. وآخر جريمة بشعة ارتكبها المالكي وحزبه ودولة لاقانونه كانت مكافأة مجرمين عتاة قتلوا الالاف من خيرة شباب العراق بطرق هي اقرب الى الهمجية اي فدائيي المجرم صدام حسين، هؤلاء القتلة الذبّاحين هم الذين اعاد لهم المالكي وحزبه الاعتبار تاركا ضحاياهم واولئك الذين قارعوا نظام العهر البعثي كالانصار الشيوعيين الذين قدموا اعدادا كبيرة من الشهداء وهم يقاتلونه في سبيل غد افضل لوطنهم وشعبهم ومعهم كل الشرفاء في هذا البلد المبتلى بحكم الاحزاب الطائفية، مصابين بالذهول لهذا القرار "القرقوشي" الكارثي والذي ترجمه المالكي على انه قرار انساني اكثر مما هو سياسي. ولنتساءل بدورنا عن المانع في ان يصدر المالكي قرارا يمنح فيه الانصار الشيوعيين نفس امتيازات القتلة من فدائيي صدام على ان يكون انسانيا لاسياسيا، لخطورة انصار الحزب الشيوعي العراقي على العملية السياسية!!!!

اذا اردنا ان نكون منصفين في مقارنتنا بين المجرم صدام حسين وحزبه منذ وصولهم الاول للسلطة في 8 شباط الاسود 1963 ولحين رحيلهم غير المأسوف عليه عنها، وبين المالكي وحزبه منذ وصولهم للسلطة الى يومنا هذا، علينا ان نشير الى ان المجرم صدام وحزبه لم يحتالوا او يخدعوا شعبنا بشيء، لانهم ببساطة سليلو منظمات الجريمة، والتي ابدعوا فيها ليصل البلد بعد عقود من حكمهم الى ما هو عليه الان، علما انهم كانوا صريحين مع شعبنا، فجلادهم الاكبر قال علنا من انهم جاءوا ليبقوا وان تركوا السلطة سيكون العراق بلا شعب ولا موارد. اما المالكي وحزبه فانهم خدعوا شعبنا واحتالوا عليه وساهموا ويساهمون مثلما ذكرنا بسرقة ثرواته بشكل منظم ومبرمج معتمدين على استفحال الظاهرة الطائفية والتي يغذونها باستمرار لهدف رسم لهم في مطابخ دول اقليمية وغربية، واثبتوا انهم تلاميذ مهرة لهذه المطابخ التي تريد العراق ضعيفا على اقل تقدير. فالمالكي وحزبه وهم في المعارضة بل وحتى قبل كل انتخابات يحولون العراق بثرواته الهائلة "المسروقة" الى جنات تجري من تحتها الانهار، وبعد ان استفردوا بالسلطة عن طريق نظام دكتاديموقراطي، تنصلوا من كل تلك الشعارات وليدفع شعبنا نتيجتها ثمنا باهضا.

وعودة لعنوان المقالة فان كلمة "دَبّه" تعني في اللغة العراقية المحكية الاحتيال والخديعة، " وانضرب دَبّه" كناية بغدادية عمن خدعوه واحتالوا عليه. ومن خلال سياسة المالكي وحزبه " واشقيائية دولة لاقانونه" وطيبة وبالاحرى سذاجة جزء كبير من ابناء شعبنا الطيب يشير الى ان شعبنا " انضرب من الاسلاميين مو خوش دَبّه" وينطبق عليه قول الشاعر الملا عبود الكرخي:

ظل السرسري يسبّه ............ والف وسفه انضرب دَبّه
چان امقّر .....................................................
زكي رضا
الدنمارك
14/4/2014


 

436
يا للهول ايها الكرد الفيليون الا زلتم تناشدون، ومن تناشدون؟

منذ ان هوى ذلك التمثال الكريه للمجرم صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 لينهي حقبة من احلك ما مرّ به العراق وشعبه حتى ساعته من سنوات، واذا بالكرد الفيليين يتنفسون حالهم حال باقي مكونات شعبنا المضطهد وخصوصا من الذين خارج المحافظات الاربع البيضاء الصعداء. حالمين بغد افضل لبلدهم في ظل نظام ديموقراطي حقيقي راهنوا عليه لاكثر من عقدين، ليعيد لهم كرامتهم المهدورة وحقوقهم المغتصبة وانسانيتهم التي امتهنت على يد جلادي بغداد. حالمين بمعرفة مصير ابنائهم الذين اختطفتهم عصابات الجريمة المنظمة البعثية والذين ضاع اثرهم ولليوم. وكيف لا يحلمون، بل وكيف لا يحولوا حلمهم هذا الى حقيقة لينسجوا منه آمالا كبيرة في ان يعيد حكام بغداد الجدد من الذين قاسموهم شظف العيش والغربة وقساوتها  جزءا ولو يسيرا مما فقدوه، كيف لا يحلمون وكانوا حتى ساعة رحيل الطغاة رقما وقاسما مشتركا بين الاحزاب والقوائم التي حكمت وتحكم بغداد لليوم. كيف لا يحلمون وهم كردا وشيعة اي من الذين ورثوا حكم العراق. فهل تحقق الحلم الفيلي بعد ان اصبحت المحافظات البيضاء كردية وشيعية؟

قبل ان استمر بمقالتي - بمرارة - مما آل اليه الوضع الفيلي اليوم بفضل عدم انتهاج الفيليين انفسهم سياسة حكيمة تنجيهم من عذاب ذوي القربى الاليم، الذين برعوا وابدعوا ايما ابداع في الضحك على ذقونهم منذ 9 نيسان 2003 ولليوم. اود ان اذكّر الفيليين ببعض مواقفهم البطولية وهم يواجهون طغيان البعث بل وحتى النظام الملكي في عقر دارهما. فلكم ايها الفيليون مواقف كتبها تاريخ العراق الحديث بحروف من ذهب وستظل تشع ضياءا رغما عن انف الحاقدين، فقد كنتم من المساهمين البارزين في نضالات شعبنا العراقي بعد ان انخرط شبابكم حينها في اتون المعترك السياسي، ولتقدم حينها مناطق سكناكم في شارع "غازي " الكفاح لاحقا اروع صور البطولة عندما قاومتم حكومة ارشد العمري وحرقتم مركزي شرطة باب الشيخ وقنبرعلي واسكتّم نيران الشرطة التي حصدت ارواح 12 شهيدا وقتها. وفي العام 1963 وعندما ساهم الاخرون بشكل مباشر وغير مباشر في اجهاض تجربة 14 تموز الخالدة وكانوا شهود زور على اعدام خيرة من انجب العراق من زعماء  وهو الشهيد النزيه عبد الكريم قاسم، كان ابن لكم وهو الشهيد "هاشم غلام علي" اول من يستشهد دفاعا عن الثورة في باب وزارة الدفاع، لتتمترسوا بعدها في منطقة "عگد الاكراد" وتقاوموا قطعان الحرس القومي ببطولة نادرة وباسلحة بسيطة قواتهم المدججة بالاسلحة الخفيفة والدبابات، ولتكونوا آخر من يرمي رصاصة في وجوههم وصدورهم التي حملت تجاهكم الحقد والضغينة، والتي ترجموها بعد 7 سنوات في اول عملية ترانسفير في منطقة الشرق الاوسط بالعصر الحديث على غرار صهاينة اسرائيل. ولم تتوقف بطولاتكم حتى وانتم اسارى زنازين اسوأ سجون العراق واكثرها رعبا، حين انتفضتم في الواحد من أيار 1980  ضد آلة البعث الهمجية في سجن ابو غريب اثر تهجير عوائلكم المسالمة الطيبة وسجنكم فيه، مجبرين سلطات البعث على التفاوض معكم واطلاق سراح قسم لا يستهان به منكم، في وقت لم يكن يجرؤ فيه سجين واحد (وله الحق لدموية السلطة) في ان ينبس في ذلك السجن الرهيب ببنت شفة.

بعد كل هذا النضال المجيد وانتم حملة هذا التراث الوطني الثر وهذه البطولات النادرة وبعد عشر سنوات على انهيار نظام القرية البعثي اراكم وللاسف الشديد قد نسيتم تاريخكم هذا، وها انتم اليوم كما العام الماضي والذي قبله ومنذ عشر خلت، وكما العام القادم وبعده على ما يبدو تتوسلون ساسة خانوا بكم الامانة، تناشدون ساسة يضحكون ملأ اشداقهم على سذاجتكم - اعذروني على هذا الوصف الذي هو اقرب الى الواقع - وانتم ترفعون اليهم نفس المطالب في نفس التاريخ من كل عام. عجبي لماذا لا تسألونهم عن مصير ابنائكم ولماذا لا يوجد لهم اثرا بين عشرات المقابر الجماعية التي اكتشفت لليوم؟ اسألوهم اين وجدتم رفات شهدائكم كي تشيعوهم بين الحين والحين في مواكب رسمية وشعبية ودينية؟ فهل ابنائكم خلقوا من صلصال بينما خلق ابنائنا من ماء فتبخروا؟ اسألوهم كيف استعدتم اموالكم وممتلكاتكم ولازلنا ننتقل من دائرة الى اخرى ومن وزارة الى اخرى ومن موظف مرتش كحكومته الى موظف مرتش آخر؟ قولوا لهم الم يقل (مالكيكّم) ان ما صودر بقرار سياسي يعود بقرار سياسي؟ اسألوه واسألوا تحالفه الشيعي الذي تصوتون لهم ان كان الساقط صدام حسين قد صادر اموالكم وممتلكاتكم بقرار سياسي ام برلماني؟ اسألوا التحالف الكردستاني الذي له تصوتون  اين انتم من سن القوانين التي تنصفنا عندما شكل (التحالف الكردستاني) والشيعة اغلبية كبيرة "ولا زالوا" وفي شهر عسل على سواحل دجلة المنطقة الخضراء؟ اسألوهم اين رفات شهدائنا وهل بخلنا يوما بارواحنا في سبيل قضية الكرد؟ 

اعذروني ايها الاحبة من انني لم اكتب مقالتي بصيغة "انا" كوني كرديا فيليا وهذا ليس لهروبي من ارومتي بل على العكس فمثلي من له الحق ان يتباهى كونه فيليا، وانا كما انتم ابن اولئك الرجال البواسل الذين سطروا آيات البطولة في سجون العراق ومعتقلاته وذرى جبال كردستان ليرسموا غدا افضلا لشعبهم ووطنهم. ولكنني كتبت بصيغة انتم لأميز نفسي "وهذا من حقي" مع القلة من الفيليين الذين لم يمنحوا ولن يمنحوا اصواتهم في اية انتخابات للذين خانوا قضيتنا، لن اتوسل الى لصوص وقتلة وسيسأل اكثركم من هم اللصوص والقتلة. لأقول ان اللصوص هم من لا يريدون اعادة اموالكم وممتلكاتكم لكم بعد ان استعادوا اموالهم وممتكاتهم ونهبوا كما البعث خزائن العراق، والقتلة هم من قتلوا الامل في صدور المرأة الفيلية وهي تبحث عن عظام ابن واخ وزوج وحبيب. شخصيا سأقطع اصابع يديّ لو صوتت يوما الى من قتل الامل في صدر اية امرأة فيلية، فانتخبوا من تشاؤون على ان لا تتوسلوا او تناشدوا احدا بعد اليوم. 

ما أقبح الغدر من السلطان "الامام علي -ع-"

زكي رضا
9/4/2013
الدنمارك










437
"دولة القانون" حصلت على الاغلبية السياسية في مجالس المحافظات!!


هناك دلائل كثيرة توحي  بأن عنوان المقالة اعلاه سيكون من العناوين الرئيسية لمختلف الصحف المحلية وغيرها بعد اعلان النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات القادم والتي ستجري في العشرين من نيسان الجاري. لأن اعلان فوز الحزب الحاكم وتحالفه الانتخابي وبأغلبية مريحة هو الوحيد الذي يرضي شخصا متعطشا للسلطة كالمالكي، الذي فشل لليوم في معالجة جميع الملفات التي واجهته نتيجة العمل على تهميش حتى حلفائه في التحالف الشيعي الواسع من جهة وبقية القوى السياسية التي ساهمت في ايصاله للسلطة من جهة اخرى.

فلو راجعنا سنوات حكم السيد المالكي منذ توليه الحكم بدلا عن الجعفري ليومنا هذا فاننا نستطيع منحه اسوأ الدرجات في أدارته للازمات التي مرت ولازالت بالبلد، فما من ملف مهما كانت اهميته الا واثبت المالكي فشله في ادارته، بداية من ملفات الامن والارهاب والتسليح والطاقة والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والبطالة والرعاية الاجتماعية والمتقاعدين وغيرها انتهاءا بملفات الفساد التي ستطال العديد من المقربين اليه حال ابتعاده عن رئاسة الوزراء. هذا على الصعيد الوطني اما على صعيد المحافظات ومنها تلك التي يديرها "دولة القانون" فان الوضع ليس افضل من سابقه ان لم يكن اسوأ. ولاننا نتناول هنا انتخابات مجالس المحافظات فاننا سنتجاوز عزلة العراق اقليميا وادخاله في دائرة الشكوك في تدخله بالحرب الاهلية الدائرة رحاها في سوريا نتيجة سماحه للطائرات والشاحنات الايرانية بنقل الاسلحة عبر الاجواء والاراضي العراقية الى سوريا، وهذا ما يؤكده رعاة العملية السياسية الامريكان رغم المحاولات المتكررة لحكومة بغداد بنفي الامر.

ومن خلال فشل الحكومة المركزية والحكومات المحلية في توفير احتياجات ناخبيهم والتذمر الكبير الذي يبديه الناس منهما وهو ما ترجمته استطلاعات الرأي العديدة التي اظهرت عزوف الناخبين في التوجه الى صناديق الاقتراع بنسب كبيرة وصلت في بعضها الى نسبة تقارب ال 75%، علينا ان نبحث عن نقاط قوة المالكي في كلمته اثناء اعلانه قائمة ائتلاف "دولة القانون" التي حسم من خلالها نتائج الانتخابات مسبقا عندما قال " ستحصل دولة القانون على الاغلبية السياسية في مجالس المحافظات حتى تتمكن من تمشية الامور الراكدة وتحقيق الخدمة والانجازات والاعمار"، وما هي الاسس والمعايير التي استند عليها رغم فشله المدوّي، في ان يكسب اصوات الناخبين.

سيدخل المالكي كحزب وقائمة الانتخابات وفي جعبته اسلحة معروفة تمتلكها كل السلطات الدكتاتورية في العالم "الديموقراطي" النامي او الثالث او الشرق اوسطي في حالة العراق، وهي، السلطة والمال والاعلام والسيطرة التامة على اجهزة الجيش والشرطة باعدادها الكبيرة التي ستصوت قبل موعد الانتخابات، وهي ملك صرف للمالكي وحزبه كما كانت ملكا صرفا لصدام وحزبه قبلها اضافة الى العشائر التي اشترى المالكي كما صدام ولائها بالمال منذ ان صرح امامها "ما ننطيها". ويبقى السلاح الاهم الذي في جعبة المالكي هو التزوير الذي سيكون على اوسع نطاق في هذه الانتخابات لاهميتها القصوى في تشكيل اللوحة السياسية القادمة والتي يريدها المالكي ذات لون حزبي واحد وهو اللون الدعوي او لون "دولة القانون"، واذا نجح المالكي في مسعاه - الكثير من الشواهد توحي بنجاحه – فان زيادة انتاج النفط وباسعار اليوم لاتعني الا اننا سنكون في بداية طريق لبناء دكتاتورية جديدة بلبوس ديموقراطي، واكبر دليل على ذلك هو حصول حزب الدعوة على 8 مقاعد تقريبا اثناء وجود في قائمة التحالف الشيعي "555" التي دخلت اول انتخابات تشريعية، وليحصدوا بعد ان اصبح المالكي رئيسا للوزراء خلفا للجعفري - نتيجة الخلاف بين الصدريين والبدريين حينها- في الانتخابات الاخيرة على 89 مقعدا!!

ان جاءت نتائج انتخابات مجالس المحافظات القادم مثلما تشتهيها سفن المالكي، فان العنف الدائر اليوم في العراق سيتجاوز من مناطق ذات طابع طائفي واحد "سنة" الى محافظات كانت لليوم في منأى عن هذا العنف "شيعة" وسيدفع الصدريون تحديدا ثمنا باهظا في هذا الصراع نتيجة صبيانيتهم في اتخاذ القرارات السياسية وسرعة الانقلاب عليها ان اتخذوها. ولكن المالكي بما يملكه من ادوات قمع وتأييد ايراني وغض طرف امريكي سيتمكن في النهاية من تطويع اطراف الازمة بعد ان يعمل كما فعل لليوم في شق صفوفهم وهذا ما نجح به مع القائمة العراقية اليوم. وفي حالة فشله في انهاء العنف فان خطة بايدن والتي يطمح تحديدا الى تطبيقها جاهزة وهذا ما اشار اليه يوما عندما قال، ان الحرب الاهلية او التقسيم هما احدى الحلول في حالة الاصرار على منع ترشيحه لولاية ثالثة.

زكي رضا
الدنمارك
1/4/2013




438
مساء الخير بغداد .... صباح الخير بغداد

صباح الخير بغداد، يا مدينة الموت الرابض في كنائسها ومساجدها وساحاتها وشوارعها واسواقها.
مساء الخير بغداد، يا مدينة الظَلَمَة نهارا والظُلمة ليلا .
صباح الخير بغداد، يا مدينة كهرمانة التي صب اللصوص على رأسها الزيت لتموت، بعد ان أشّرت على ابواب اللصوص الطائفيين والقوميين بطبشور اسود.
مساء الخير بغداد، يا مدينة العمائم المتخمة حتى الشبع، ومدينة الفقراء الذين لا يعرفون الا الجوع والمرض. 
صباح الخير بغداد، يا مدينة المنطقة الخضراء ( قدس سرها )، و مدينة المساحات السوداء والحزن اليومي.
مساء الخير بغداد، يا مدينة  الجدران العازلة والسيطرات المخترقة.
السلام عليك بغداد، يا مدينة بلا حكومة وحكومة بلا رجولة.
السلام عليك بغداد، يا مدينة العهر السلطوي والارهاب المنفلت الحاصد لارواح الابرياء.
السلام عليك بغداد، يا مدينة المزابل والمياه الآسنة.
السلام عليك بغداد، يا مدينة التصريحات الفارغة والرجولة الوهمية والخطاب الكاذب.
السلام عليك بغداد، وانت تدفعين ثمن عهر منصات العار "العز" - التي فتحت مضارب عشائرها لمجرمي تنظيم القاعدة - دما وجثثا وخراب.
السلام عليك يا بغداد وعلى الارواح التي تصعد من فنائك يوميا نحو السماء لتشكوا الى رب يعبده طائفيون سنة وشيعة كذبا ودجلا.
السلام على صباحك الآمن وهو يرتجف رعبا من السيارات التي تطايرت لتزرع الرعب والجثث في ارجائك ايتها العروس المغتصبة.
السلام عليك بغداد، يا من صادر السفلة براءة اطفالك
السلام عليك من هول الفاجعة.

ها هي التفجيرات الدامية تستهدف ابناء شعبنا الابرياء ثانية امام عجز "حكومة" كان عليها ان تعرف مسبقا - كما يعرف من له قليل من الفطنة - ان سقط المتاع من الارهابيين سيضربون عروس العراق بمقتل في الذكرى العاشرة لبدء العمليات البرية لاسقاط نظام العهر البعثي. ها هي تفجيرات اليوم تكشف لنا عن ضعف الحكومة المستديم في مواجهة الارهاب لعدم كفاءة اجهزتها الامنية بعد ان صرفت عليها المليارات من خزينة الدولة. ها هي التفجيرات تضع عشرات اسئلة الاستفهام امام "ساسة" و "رجال دين" و" زعماء عشائر" و"احزاب" و"ضمائر" ترى اعلام القاعدة القذرة وهتافاتها واهازيجها على منصّات عارهم وهي تهتف لقتل اخوتهم بالوطن وهم ساكتون، وبسكوتهم فقط وليس بشئ آخر اثبتوا من انهم شياطين. الا تخجلون من انفسكم وانتم تحتضنون أفاقي الارض بين ظهرانيكم ليعيثوا "بوطنكم وشعبكم" فسادا وقتلا وتدميرا، تعسا لكم وانتم تفقدون رجولتكم وشبح الموت يجوب بفعل من هم في حمايتكم شوارع العراق.

ان حدثا اقل بكثير من حدث اليوم ولمرة واحد في اي بلد بالعالم تحترم حكومته شعبها يدفعها الى الاستقالة، او على الاقل استقالة المسؤولين الامنيين فيها لانهم المسؤولين الرئيسيين عن حفظ امن وسلامة المواطن. واذا كان المالكي وهو المسؤول الاول عن الملف الامني لا تدور بخلده الاستقالة لانجازاته الباهرة التي حققها لابناء شعبنا منذ جلوسه على العرش لليوم!!! فهل سنرى استقالات جماعية لمسؤولين امنيين كبار وعلى رأسهم الوكيل الاقدم لوزراة الداخلية "عدنان الاسدي" الذي فشل فشلا ذريعا في بناء اجهزة امنية قادرة ان تعمل ولو بالحد الادنى، علما ان هذه الاستقالة تحتاج الى رجولة قبل الوطنية.

(ربّنا انا أطعنا سادتنا وكُبَرائنا فأضلّونا السّبيلا* ربّنا آتهم ضعفَين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) "قرآن كريم"

 

زكي رضا
الدنمارك
19/3/2013







439
الارهابيون ليسوا اشباحا

مصلحة المواطن في العيش بامان تتطلب تعاونه مع الاجهزة الامنية باخبارها عن الارهابيين وتحركاتهم لان من مصلحته ومصلحة المجتمع والبلد هو التمتع بحياة آمنة ومستقرة، ومن واجب الدولة بناء اجهزة استخبارية قادرة على تشخيص وكشف شبكات الارهاب قبل ان تضرب اهدافها المنتقاة والتي عادة ما تكون وزارات، دوائر حكومية، بنى تحتية، جسور، خطوط نقل الطاقة، انابيب نقل النفط، سكك حديد وغيرها اضافة الى تجمعات المواطنين في الاسواق والشوارع والجامعات ومساطر العمال واماكن العبادة التي اصبحت البلاد بسببها مسرحا لحرب طائفية ودينية. وهذا يعتمد على امورعدة منها زيادة الوعي عند المواطن عن طريق وسائل الاعلام بشكل مستمر وليس وقت الازمات فقط والتي تتطلب احترام هذا المواطن من قبل الدولة وتقديم ما يحتاجه من خدمات وتوفيرها بعيدا عن المناطقية والطائفية والحزبية، ومنها ايضا التدريب المستمر لزيادة كفاءة منتسبي هذه الاجهزة والتي تعتمد على الدراسة العلمية للارهاب، منابعه، تمويله، حواضنه، والشرط الاهم هو ذكاء الاجهزة الامنية  بالاستفادة من المعلومات التي تحصل عليها وتحليلها بالسرعة الممكنة من اجل قطع الطريق على الارهابيين في توجيه الضربة الاولى، ان ذكاء الاجهزة الامنية لا بطشها وقسوتها هي التي تحدد قوة اي جهاز امني في مواجهة الارهاب. فهل أجهزة الامن في العراق اليوم تتمتع بالذكاء الذي يتيح لها محاربة الارهاب وتوجيه الضربات الاستباقية له؟

ان بناء الوزارات والاجهزة الامنية كالداخلية والمخابرات والاجهزة الامنية الاخرى المرتبطة بوزارة الدفاع ومكتب السيد رئيس الوزراء على اساس طائفي ستؤدي بالضرورة الى عدم فاعلية هذه الاجهزة، لانها ستحرم الكثير من الكفاءات المحسوبة على طائفة او دين او قومية اخرى من العمل في صفوفها، وهذا يؤدي ولشعور المواطنين بالتهميش "المتعمد" الى غياب الكثير من المعلومات التي تحتاجها هذه الاجهزة لتنفيذ عمليات استباقية ضد اوكار الارهاب وحواضنه، خصوصا بعد ان يصبح هذا الارهابي ونتيجة فشل السلطة "الدولة" في تلبية حاجات المواطنين "بطلا" ومحل تقدير شرائح واسعة من السكان في مناطق ذات طيف مذهبي واحد. كما وان سياسة الاعتماد على العشائر والمؤسسة الدينية الطائفية من قبل السلطة يواجهه اصطفاف عشائري من الجانب الاخر مدعوما بمؤسسة دينية طائفية، واللتان ستغضان النظر عن العديد من التحركات الارهابية "لحين تحقيق مطالبها" خصوصا المقبولة منها والتي لازالت الحكومة متلكئة في تحقيقها على الرغم من اعلان استعدادها لتنفيذها.

ان نجاح الحكومة في صولة الفرسان بالبصرة لا يعني مطلقا نجاحها في محاربة الارهاب والحد منه حتى بعد انحساره بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية وتحديدا لوقت بداية الازمة الجديدة التي بدأت بمشكلة الهاشمي ولليوم. كما وان نجاح الحكومة حينها باستتباب الامن نوعا ما لا يعود الى قوة اجهزتها الامنية وسرعة تحركها بل الى قوات الصحوة التي تحملت مسؤولية محاربة المجاميع الارهابية "المعروفة عندها"، والتي قلنا يوما من انها قادرة على قلب الطاولة في وجه بغداد متى ما ارادت، وها هي السلطة تمنحها الاسباب الكافية للانقلاب عليها وعدم الالتزام بتفاهماتها السابقة معها، مما جعلها - او القسم الاعظم منها- في موقف لا يحسدون عليه حيث تتهم الحكومة قادتهم بالارهاب من جهة ومن الجهة الاخرى اصبحوا هدفا للمجاميع الارهابية نتيجة تعاونهم السابق مع السلطة.

ان تفجيرات اليوم وتفجيرات الغد وبعده لا تشير الى فشل سلطة بغداد الذريع في حماية ارواح المواطنين فقط، بل تشير وبشكل صارخ الى دجل وكذب هذه السلطات وديماغوجية اعلامها حول نجاحها في محاربة الارهاب واستتباب الامن والتي تعتبر الركيزة الاساسية عند المطالبين بولاية ثالثة للسيد رئيس الوزراء ، وهذا الفشل  يضاف الى فشله وطاقمه الوزاري في تنفيذ ايا من برامجه الحكومية. فالفساد الذي يضرب كل مرافق البلد وتخبط القوى المتنفذة في ايجاد الحلول الكفيلة بنزع فتيل الازمات التي تناسلت بسببهم اسقط عنهم حتى نصف ورقة التوت التي كانت تسترهم.   

ان محاربة الارهاب والحد منه وصولا للقضاء عليه بحاجة اضافة الى ما ذكرنا اعلاه الى اجواء سياسية صحية بعيدة عن الاتهامات والاتهامات المضادة والتخوين، والبدء الفوري لعقد مؤتمر وطني واسع يضم كل القوى الوطنية المؤمنة بالعملية السياسية وتطويرها. ان محاربة الارهاب بحاجة في هذه اللحظة تحديدا الى حل سياسي وهذا لا يأتي وكل فريق يتمترس بطائفته وقوميته.

ايها السادة ان الارهابيين ليسوا اشباحا ودولة المواطنة هي الوحيدة القادرة على تطهير البلد منهم، فأعملوا على تأسيس دولة المواطنة الحقة ليعيش "شعبكم" بامان كالشعوب الاخرى، خصوصا وان انهيار النظام السوري الوشيك ستكون له تداعياته على الوضع السياسي والامني.


 ان الطريق مظلم و حالك فاذا لم تحترق انت وانا فمن سينير الطريق "تشي غيفارا"


زكي رضا
الدنمارك
14/3/2013








440
أننا في العراق بحاجة الى صرختك يا أبا ذر

لا اريد هنا بابي ذر ذلك العابد والناسك ولا ذلك القائم في محراب صلاته قارئا قرآنه متهجدا ليله، بل اريده ذلك الثائر الذي وقف امام طغيان معاوية بن ابي سفيان وهو وال على الشام من قبل عثمان بن عفان الذي منحه وغيره من المقربين اليه ومن حزب بني أمية بيوت مال المسلمين حينها، ليتنعموا بها ويبنوا بها القصور الفارهة كقصر(الخضراء) الذي بناه بن ابي سفيان لنفسه هناك في الشام، ويا لها من مصادفة تاريخية حيث قصور حزب معاوية اليوم في بغداد تقع في منطقة تحمل اسم قصر معاوية اي المنطقة (الخضراء).

وابا ذر لم يرضى لنفسه ان يكون عابدا فقط  لذا نراه يقف امام الجوع رغم غنى الدولة والسلطة ليزرع فيهم الرعب وليحرك في الوقت نفسه في الفقراء روحهم الثورية لنيل حقوقهم، صارخا فيهم بعنفوان الثائر العارف من ان لا طريق امامهم الا ان يحملوا قضيتهم بانفسهم بعيدا عن الدين ورجالاته واحزابهم، صارخا صرخته التي خلّدها التاريخ (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج للناس حاملا سيفه). نحن بحاجة اليوم الى تلك القبضة وذلك الصوت المدوّي لذلك العملاق وهو يجوب الطرقات والشوارع مشيرا الى اللصوص وسارقي قوت الناس ليصيبهم في مقتل وهو يتلو آية (والذين يكتنزون الذهب والفضة).

تعال الينا يا ابا ذر فما احوجنا اليوم في العراق الى رجل مثلك، رجل صلب لا يهاب سراق مال الفقراء ولا ميليشياتهم المسلحة، رجل شجاع يشير الى احزاب السلطة الطائفية القومية ومافياتهم بجرأة صارخا بوجوههم، لصوص لصوص لصوص، قتلة قتلة قتلة، خونة خونة خونة. رجل يقود جموع الفقراء الى حيث قصور ، كقصور بني امية في كافة ارجاء العراق ليدكها على رؤوسهم بعد ان طغوا في البلاد والعباد. رجل يزأر بوجه تجار الدين ان (أتتكم القطار بحمل النار، اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له).

تعال الينا ايها المنفي الى الربذة، فقد تحوّل بلدنا الى ربذة، وحوّل اللصوص من ذوي الجباه المكوية كذبا ودجلا روحنا الى ربذة، بل حوّلونا كبشر الى ربذة، فالاخلاق في بلدنا ربذة، والتعليم في بلدنا ربذة، والصحة في بلدنا ربذة، كل شيء يا ابا ذر فينا امسى ربذة. الا الفساد فانه جنة، والرشوة جنة، وسرقة اموال الشعب جنة، والطائفية النتنة جنة، اتعرف يا ابا ذر ان الخيانة وبيع الوطن اصبحت عندنا جنة؟ أتدري ان ارضنا التي قتل عليها الامام علي والحسين وآله سيقتلها الطائفيون لانهم لم يستطيعوا لليوم قتل قتلتهم!!، أتدري وانت تدري ان الحسين "ع" لو جاء اليوم واتجه لاصلاح الامر الى المنطقة الخضراء بدل الكوفة لحاصروه واعتقلوه بتهمة الارهاب (4 أ) وابشرك فان مختارهم جاهز كي ينتقم له بعد قتله واسرته واصحابه.

تعال ابا ذر لاروي لك قصة حقيقية من بلدي الذي تنهشه الارضة الطائفية القومية، على ان لا تتعجب من جغرافية المكان ولا قدسيته لانني اعرف مدى عشقك للذي قتل على ترابها، أوَ  لست من مريدي ابا تراب والسائرين على دربه حتى ساعة قتلك "وفاتك" في تلك الصحراء القاحلة (الربذة). تعال ومعك كلماتك عسى ان تحرك فينا شيئا من الكرامة ان بقى منها شيئا، وسيفك عسى ان تعيد فينا جزءا من رجولة قد تركناها عند اولي الامر ليوظفوها في انتخاب اللصوص، ولكن لا تأتينا ومعك صبرك فسيلنا قد بلغ الزبى.

تعال معي ابا ذر لاعرفك على ارملة من بلدي الذي بلغت ميزانيته 118 مليارد دولار أسمها (الحاجة نعيمة محسن راضي) تعيل ثلاث يتيمات صغيرات هن احفادها بعد وفاة والديهم، كانت تسكن واياهن ب "دار" عبارة عن غرفة طينية واحدة (تذكر رقم ميزانية السلطة) التي انهارت بسبب الامطار لتبقى واليتيمات الثلاث (لماذا تبكي يا ابا ذر فلنا من امثالهن في عراق الاسلاميين الكثير) دون مأوى حتى جاء بعض ممن لازال يحمل شيئا من بقايا انسان في داخله ليبنوا لهن غرفة من الواح لا يحميهن من حر ولا برد وتدخل اليها الريح الباردة ليل نهار. تصور يا ابا ذر اطفال يعيشون هذا الفقر المدقع في بلد يقوده شيعة الامام علي (ع) ويتاجرون باسم سبط نبيهم ليضحكوا فيه على عقول البسطاء ومنهم للاسف الشديد الارملة البائسة هذه.   

 هذه الارملة يا نصير الفقراء تعيش في احد اكثر الاماكن قدسية في العراق اي كربلاء حيث ضريح الامام الحسين (ع)، ولكنني لا اعرف بالتحديد اين تعيش من مكان الضريح المقدس هل على بعد 200 م أو 1000 م أو 4000 م لا أدري، ولكنني ادري واعرف جيدا ان رجال "الدين" القائمين على هذا الضريح المقدس استخدموا قبل ايام ما يقارب من 120 كغم من الذهب و 4600 كغم من الفضة في تجديده!! الحسين ابن بيت النبوة والتي كانت الآية التي كنت تلهج بها في الشام تُقرأ في بيته ليل نهار يضعون على ضريحه الذهب والفضة وشيعة ابيه ومنهم ارملة كربلاء لا تملك سقفا يؤويها واليتيمات القاصرات، هل يرضى الحسين بذلك؟ لكنها تجارة  احزاب الاسلام السياسي والمؤسسة "الدينية" لكسب اصوات الناس في كل انتخابات ليحموا شيعة العراق وكأن ارملة كربلاء ويتيماتها لسنَ من شيعة الامام علي "ع".

صدقيني ايتها الجدة الكربلائية ويتيماتك ، ان شسع نعلكن ان كانت لكنّ نعال لهي اشرف واسمى واعلى من قامات مافيات المنطقة الخضراء ومجلس محافظة كربلاء، ان سلطة ترى بؤسكّن ولا تتحرك لتغيير واقع البلاد ليست سلطة بل ماخور، ان رجل دين يرى ما تعانين ولا يتحرك ضميره الديني للوقوف بوجه اللصوص بل يشاركهم لانهم من طائفته ليس برجل دين بل .......... . ان رجال يشاهدون بؤس شعبهم وينتخبون نفس الوجوه الكالحة واحزابها ليسوا سوى اشباه رجال.



أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر ( الامام علي "ع")


http://www.non14.net/40848.htm
رابط مع صور ارملة كربلاء ويتيماتها.

زكي رضا
الدنمارك
10/3/2013


441

قوائم التيار الديموقرطي سفن نجاة العراق

هل ستتغير اللوحة السياسية للبلد بعد اعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراءها في العشرين من نيسان القادم؟ وما هي حظوظ قوى التيار الديموقراطي للتأثير في هذا التغيير؟ وهل تملك قوى التيار الديموقراطي الآليات التي تجعل الناخب ان يدلي بصوته لصالحها؟ اسئلة ارى من الضروري ان تكون لها اجابات واضحة وسليمة كي لا نصاب نحن معشر الديموقراطيين ودعاة الدولة المدنية بخيبة امل اعمق واشد بكثير من خيبة امل نتائج انتخابات 2010 البرلمانية، خصوصا واننا نعرف جيدا ان نتائج هذه الانتخابات ستوضح لنا شكل البرلمان القادم والحكومة التي ستبثق عنه.

قبل الاجابة على الاسئلة التي طرحناها علينا ان نؤمن بان وعي الناخب هو الفيصل الاساسي في تغيير شكل اللوحة السياسية في اية انتخابات "وفي اي بلد بالعالم"، هذا الناخب الذي يدفعه وعيه بما يدور بالبلد من احداث لانتخاب الافضل والاكفأ ليمثله سواء في الانتخابات البرلمانية او في مجالس المحافظات. والوعي هذا يدفعنا هنا الى سؤال آخر وهو اي وعي نعني، هل هو الوعي الايجابي لدى الناخب الذي يذهب الى صندوق الانتخاب وامامه تجربة قوى مارست الحكم لعشر سنوات ولم تمنحه لليوم الحياة الكريمة التي كان يحلم بها ساعة انهيار النظام الدكتاتوري السابق؟ ام الوعي السلبي للناخب الذي يذهب الى صندوق الانتخابات وهو محمّل بحالة مرضية اسمها المظلومية كي ينفضها عن نفسه بفعل احزاب طائفية ليحملها الى جهة اخرى والتي تشعر هي الاخرى اليوم بثقل المظلومية ولنستمر بنفس الدوامة؟ ان سياسة المحاصصة الطائفية القومية والشد الحاصل بين اطرافها قلصت من مساحة الوعي الايجابي مقابل ازدياد مساحة الوعي السلبي، ليس فقط بين اوساط الاميين وانصاف المتعلمين وهم الاغلبية بل حتى بين الكثير من "المثقفين" الذي تركوا سفنهم الى سفن الطائفية والقومية مراهنين عليها لبناء الدولة المدنية وسيادة القانون!!
 
ان فشل القوى المهيمنة على السلطة اليوم في كافة المجالات دون استثناء دفعها ولحسم نتائج الانتخابات مبكرا الى التصعيد السياسي فيما بينها، هذا التصعيد الذي ينذر اليوم بانفجار حرب اهلية طائفية قد تمزق البلد اذا لم يعمل العقلاء من داخل احزاب السلطة نفسها والمسؤولة تاريخيا واخلاقيا عن الكارثة بلجم صقور التصعيد من رفاقهم. ان الوضع السياسي المعقد اليوم والذي لا يحمل تباشير مطمئنة لبلدنا وشعبنا يجعلنا مجبرين ان نضع التشاؤم والتفاؤل في كفتي ميزان ولنفسر بقراءة منطقية وبعيدا عن الامنيات كفتي الميزان هذا واين ستميل "ان لم تكن قد مالت" هل للتشاؤم من امكانية التيار الديموقراطي بحلته الجديدة القديمة في كسب موطيء قدم له في الانتخابات القادمة، ام للتفاؤل وهو يحمل مشروعه الوطني ليس لتلبية حاجات الناس اليومية فقط والتي هي جوهر شعاراته بل لانقاذ البلد الذي اوصله المتحاصصون الى فوهة البركان.

هل ستتغير اللوحة السياسية؟

كمتابع للوضع السياسي وما افرزته من احداث خلال الفترة القريبة الماضية ناهيك عن السنوات العشر المنصرمة، اعتقد ان شكل اللوحة السياسية سيبقى على ما هو عليه - مع تغيير طفيف - ليس لنجاح القوى المهيمنة على السلطة اليوم في تنفيذ برامجها الانتخابية التي رفعتها قبل كل انتخابات!! علما انها لم تملك برامجا سياسية، وان ملكتها فانها فشلت في تنفيذها فشلا ذريعا، وليس لقصور في قانون الانتخابات او سوء اداء المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات، وليس لتردد القضاء في تنفيذ قرارات اتخذها بنفسه تحت ضغط قوى سلطوية، وليس لدور مافيا المال والسلطة في شراء ذمم الناس واستغلالها لمرافق الدولة واعلامها فقط ، بل لسبيين مهمين جدا يضافان الى الاسباب التي ذكرناها وهما زيادة الشحن الطائفي والعمل بخطة مدروسة على تصعيده من قبل الاحزاب المهيمنة حتى ساعة الانتخابات، والسبب الثاني هو عزوف الكثير من الناخبين عن التوجه الى صناديق الانتخاب نتيجة حالة اليأس والاحباط من تغيير الواقع بعد تجربة السنوات العشر الماضية. مما يمنح القوى الطائفية مجالا واسعا ورحبا ليس لكسب الانتخابات - ستكسبها - بل لانحسار الفرص امام التيار الديموقراطي، لان الجماهير التي عزفت عن التصويت في الانتخابات السابقة وغالبيتها محسوبة على قوى التيار قد "مارست" حقها بشكل سلبي بعدم اشتراكها في الانتخابات وبالتالي حرمان القوى الديموقراطية من مقاعد اكيدة كانت ستحصل عليها رغم سوء القانون الانتخابي حينها.

ان حظوظ التيار الديموقراطي ليست كبيرة في هذه الانتخابات ولكنها في الوقت نفسه ليست معدومة، ان استطاعت ان تقنع الجماهير الصامتة ودفعتها للادلاء باصواتها في العشرين من نيسان القادم. فللتيار الديموقراطي جذور عميقة في العراق رغم الانتكاسات الكبيرة التي واجهته ورغم طغيان المد الديني، وما محاولة السلطة مثلا في منع العمل السياسي بين الطلبة في الجامعات الا دليلا على خوف السلطة من زيادة الوعي الديموقراطي بين صفوف الطلبة والذي يؤدي بالضرورة الى زيادة الوعي الوطني وانحسار مساحة الطائفية. ان الضعف في الجانب الاعلامي لقوى التيار الديموقراطي يجب تعويضه ميدانيا، فمرشحو قوائم التيار عليهم التواجد اليومي ومخاطبة الجماهير في اماكن تجمعهم في الاسواق والساحات والشوارع ليس ببرامج التيار واهدافه فقط وهو امر بالغ الاهمية، ولكن بالاشارة المباشرة الى المشاكل الحياتية التي تواجه الناس وفشل احزاب السلطة في تلبيتها، وهذا لا يحتاج بنظري لاستفحال الامية الى صحف ومنشورات بل الى الحديث المباشر الى الناس بلغتهم اضافة الى عرض افلام وتوزيع صور تذكرهم دوما بعدم توفر الخدمات وتحميل السلطة باحزابها سبب عدم توفرها. ان توزيع صور غرق العاصمة مؤخرا مثلا له تأثير اكبر من منشور او مقال في جريدة، وكذلك صور المدارس الطينية مثلا او تلك الآيلة للسقوط وغيرها. كما وعلى مرشحي التيار ان امكن دعوة منافسيهم من احزاب السلطة الى مناظرات تلفزيونية ومناقشتهم امام الجماهير عن برامجهم وعما حققوه خلال السنوات الاربع الماضية لناخبيهم.

ان الشخصيات الوطنية والديموقراطية النزيهة المنضوية بقوائم التيار الديموقراطي هم اشبه اليوم بربابنة سفن تريد ان تصل بالعراق الى بر الامان، واصواتكم هي الاشرعة التي بهديها تسير سفن العراق لتخرج من بحر الدم الطائفي.

ايها الناخب، صوتك غال فلا تبيعه بدم اطفالك.

زكي رضا
الدنمارك
7/3/2013



   




442
ثلاث (أنا) بين المالكي والملاكم كلاي

يعرف عن الملاكم محمد علي كلاي بطل العالم للملاكمة في الوزن الثقيل والمتربع على عرشها لسنوات طويلة، من انه كان دائم الحديث عن نفسه في اللقاءات التلفزيونية قبل اي نزال عما سيفعله بخصومه وفي أية جولة سيحقق عليهم الانتصار قائلا دوما (أنا الاقوى، أنا الاجمل، أنا الاسرع). وعلى الرغم من انه أحد افضل ملاكمي العالم واقواهم فعلا الا انه سقط امام منافسيه لمرات خمس كانت آخرها امام الملاكم تريفودرد بشر هزيمة، وعلى الرغم من انه الاسرع كما كان يردد دائما الا انه بدا بطيئا وهو يستقبل لكمات جو فرايزر التي طرحته ارضا عدة مرات، اما مسألة انه الاجمل فاعتقد انه يقصد جمال لعبه ولا شك لاحد في جمالية لعبه حتى عندما كان يخسر نزالاته. اذن فلكلاي الحق في وصف نفسه بتلك الصفات على الرغم من انها تعتبر شكلا من اشكال النرجسية التي هي عشق الذات بشكل يفوق الوصف.

ويبدو ان كلاي ليس الوحيد الذي اشتهر بثلاث (أنا) سيخلدها التاريخ، فها هو المالكي يخرج علينا ومن البصرة خلال اجتماع رؤساء مجالس محافظات الوسط والجنوب "الشيعية" بثلاث (أنا) ليدخل من خلالها التاريخ!! علما ان هذه ال (أنا) الثلاث بحاجة الى وقفة مع المالكي الذي فشل بعد ما يقارب الستة اعوام من وجوده على سدة الحكم في تقليل شقة الخلاف مع خصومه السياسيين من اجل مصلحة البلد، اضافة الى فشله وطاقمه الحكومي من تنفيذ اي من عهوده التي قطعها على نفسه، او تحقيق جزء من برامجه الانتخابية ان كانت له برامج انتخابية. مستثنين منها ما حققه لشيعة العراق من حريات في ممارسة طقوسهم الدينية وتطويرها بشكل افضل بكثير من شيعة ايران وغيرهم، والتي اثبت فيها انه ( الاكفأ والاقوى والاقدر) ونستطيع ان نضيف اليها في هذه الحالة والاعظم والافضل على الاطلاق.

دعونا ان نعود الان الى (أنا) المالكي الثلاث التي طرحها في مؤتمر البصرة وهي (أنا الأكفأ، أنا الأقوى، أنا الاقدر)، والتي اختصر فيها المالكي حزبه وقائمته الانتخابية وتحالفه الانتخابي الذي لولاه ما كان سيصل الى كرسي رئاسة الوزراء(بدعم امريكي- ايراني) بشخصه تحديدا، متبنيا جميع النجاحات التي تحققت للآن (لا ادري اين هي) ومحمّلا خصومه ومنهم من يعمل معهم في التحالف الشيعي وزر جميع الاخطاء التي رافقت العملية السياسية لليوم. مطالبا في نفس الوقت وبشكل مباشر بانتخاب اعضاء قائمته وحزبه تحديدا كي تكون له اليد الطولى في ممارسة صلاحياته الدستورية وغير الدستورية بعد ان يهيمن بشكل واسع على البرلمان القادم، حيث ان انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجرائها في العشرين من نيسان القادم - حسمت نتائجها مبكرا- سيعطينا صورة واضحة عن خارطة القوى السياسية التي ستشكل البرلمان القادم. ووصول المالكي الى سدة الحكم مرة اخرى وباغلبية مريحة وبمستوى الانتاج النفطي واسعاره التي عليها اليوم، سيحول المالكي الى قائد ضرورة جديد وحزبه وقائمته الانتخابية الى حزب بعث جديد.     

ان ما يقارب الستة أعوام من حكم المالكي للبلد اثبتت لنا انه الاقوى فعلا بين السياسيين العراقيين الفاعلين، ولكن "قوته" هذه ليست قوة حقيقية قدر ما هي ناتجة عن ضعف وتشرذم خصوم يتجرعون اليوم سمّا كان مدسوسا بعسل صنعوه بانفسهم، هذا السم هو الثقة التي منحوها له لينقلب عليهم بعد ان عمل بهدوء يحسد عليه على قضم اجهزة الدولة الامنية والعسكرية وهي الاهم لصالح حزبه تحديدا، اضافة الى صراعه المستميت لضم الهيئات المستقلة والمرتبطة دستوريا بمجلس "نواب الشعب" الى صلاحياته الشخصية الكثر. ان السذّج فقط في عالم السياسة اليوم هم من يمنحون الثقة لخصمهم السياسي، خصوصا اذا كان الخصم هذا وقبل الجلوس اليه جاء اليهم بعد ان رشّح من خلال تحالف شيعي رعته دولة كأيران كانت طرفا في حرب طويلة وقاسية مع العراق. ومن هؤلاء السّذج هم القائمة العراقية والكرد والصدريون، فالكرد الذي نأوا بانفسهم عما يجري خارج اقليمهم من سياسات وتقاطعها مع ما يدّعونه من علمانية في بناء العراق تجرعوا سمّا صنعوه بانفسهم في عاصمة اقليمهم تحديدا اي مؤتمر اربيل، وها هي المادة 140 الدستورية ستصبح اثرا بعد عين بعد ان تلكأ حليفهم الثقة "المالكي" بالالتزام بها مستفيدا كعادته بعامل الوقت وانضمام قوى جديدة الى رفض المادة كالعراقية البيضاء "صنيعته" والضغوط التي قد يتعرض لها الكرد من خلال المحيطين الاقليمي والدولي اضافة الى شحنه "المالكي" المستمر لعرب كركوك وتركمانها للوقوف بوجه الاحلام الكردية في ضم مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها الى اقليم كردستان.

والقائمة العراقية ليست بعيدة عن الوقوع في شباك الثقة نفسها التي نصبها لهم المالكي وهم يمنّون النفس بمنصب لرئيسها علاوي (مجلس السياسات الاستراتيجية) على رغم معرفتهم المسبقة بعدم امكانية تحقيق ذلك المنصب لتعارضه مع الدستور، وعدم امكانية وجود منصبين سياديين بصلاحيات تنفيذية كما جاءت به اتفاقية اربيل في اي مكان بالعالم، اضافة الى عدم دراستهم الدقيقة لكيفية تفسير رجال الدين للنصوص، اذ ان رجال الدين ومن اجل مصالحهم الشخصية والطائفية قادرين على تفسير حتى نصوص القرآن المقدسة بما يتناغم ومصالحهم تلك أو ليس (القرآن حمال وجوه). علما ان سلاح المالكي في مواجهتهم لم يكن ولليوم بحاجة الى جهد كبير، فوجود وجوه بعثية عديدة في قائمتهم وارتباط العديد منهم بدول اقليمية -على غرار المالكي- اضافة الى اصوات لازالت لليوم تتهم شيعة العراق بالصفويين منحت المالكي ورقة مهمة "جوكر" وهو يلعب معهم القمار لبيع العراق على طاولة حمراء بلون الدم في المنطقة الخضراء. وقد نجح المالكي نجاحا منقطع النظير في تفتيت اوصال القائمة العراقية التي انقسمت وانشطرت عدة مرات على يديه الكريمتين. ولم يسلم من "قوة " المالكي حتى حلفائه في البيت الشيعي، فها هو المالكي يضعف التيار الصدري الى حد كبير بعد ان جرده من الكثير من عناصر قوته باحتضانه للعناصر المنشقة والمتمردة على الصدر كعصابات عصائب اهل الحق وغيرهم، ونجاحه في شق المجلس الاعلى ليهيمن على اصوات منظمة بدر باسم الحفاظ على وحدة الصف الشيعي.

ان القوى السياسية العراقية المتمثلة بالبرلمان والتي خارج البرلمان على حد سواء ستدفع ثمن تهاونها وتشرذمها وعدم اتفاقها على الحد الادنى من التفاهمات غاليا، نتيجة عنجهية المالكي الذي يعتبر نفسه منزّها عن ارتكاب الاخطاء وانه فوق مستوى الشبهات والنقد ما يجعله ان يعتقد بتفاهة منتقديه من "شركائه" في العملية السياسية، والتي تشير الى حالة نرجسية مرضية عبر عنها العديد من مريديه واتباعه الذين حددوا استمرار العراق كدولة ببقاء المالكي في منصبه الى ما شاء الله.

اما قوله (أنه الأكفأ والأقدر وهي شكل من اشكال النرجسية) فان ما مرّ به العراق ويمرّ به اليوم تثبت واثبتت دجل ما يقوله، فاين كفاءته في مكافحة رشوة المقربين منه ولا نقول الرشوة بشكل عام، واين كفاءته في محاربة الفساد عند المقربين منه ولا نقول الفساد بشكل عام، واين كفاءته في توفير الخدمات وغيرها الكثير. اما قدرته فاننا نستطيع لمسها من فشل مسؤوليه الامنيين وهو على رأسهم في توفير الامن في البلد منذ جلوسه على عرش العراق لليوم.

رحم الله امرئ عرف قدر نفسه (النبي محمد).

زكي رضا
الدنمارك
24/2/2013




443
أيها المفكرون العراقيون اطلبوا اللجوء وعوائلكم الى الغرب!!

زكي رضا

طالما اصاب البعض رؤوسنا بالصداع وهو يروّج لديموقراطية الحكومة العراقية المتمثلة بالاسلام السياسي صنيعة حكومة ولاية الفقيه الايرانية بمشاركة طائفيي الطرف الاخر المتمثل بتوجيهات البترو دولار السعودي القطري، طالبين منّا التريث "بعد عشر سنوات" في الحكم على طبيعة السلطة الاستبدادية وطائفيتها ونهجها المدمر للوطن، ومنحها الوقت الكافي لتجاوز الاوضاع الاستثنائية والتي لم تتغير استثنائياتها منذ ان بدأت العملية السياسية لليوم. دون ان يستطيعوا ان يحددوا لنا الفترة الزمنية لهذا الوقت، او تحديد بدء العملية الديموقراطية كي تخطو خطوتها الاولى وان بطريقة سلحفاتية، اذ من غير المعقول ان تبقى اية عملية سياسية تراوح مكانها لمدة تقارب العشر سنوات كما في العراق اليوم، علما اننا نتمنى ان تكون هذه العملية "الديموقراطية" لازالت تراوح مكانها، لا كما هي عليه اليوم حيث نذر الدكتاديموقراطية تطل برأسها في كل مفصل من مفاصلها المصابة بالتكلس.

ان دور المثقف عادة ما يكون تنويريا ليساهم في ايجاد وترسيخ فضاءات تسمح لشعبه بممارسة حريته وفق اسس ديموقراطية، اقول تنويريا كي يكون هناك تمايزا بينه وبين المثقف الذي يشعر في منعطف تاريخي معين بالتعب والارهاق ما يجعله ان يراهن على قوى هي ابعد ما تكون عن التنوير والحداثة. لا بل تعمل جاهدة وبشكل علني على اشاعة ثقافة التخلف والجهل لتتخذهما رأس حربة في ضرب نفس المثقف بالصميم من معتقداته التي يخزنها في عقله الباطن بعد ان قرر بشكل طوعي التنازل عنها.

لقد جاءت عملية اعتقال المفكر ورجل الدين السيد احمد القبّانجي في مدينة قم الايرانية دون اي ردة فعل من حكومة بغداد للان، لتعبر بشكل واضح عن تواطيء هذه الحكومة مع سلطات دولة اجنبية لاعتقال احد مواطنيها الذي لا يتفق معها فكريا. واذا كانت الطبيعة الطائفية لمثل هذه السلطة او الجسم الاقوى فيها تحديدا يشعر بالرضا لعملية الاعتقال هذه ان لم يكن مساهما فيها، فان ردة فعل بعض "المثقفين" الموالين لمثل هذه السلطة جاء خجولا رغما عن عبارات الثناء والمديح التي كيلت للقبّانجي منهم والتي يستحقها القبّانجي فعلا. وبدلا من ان يطالب هذا البعض باطلاق سراحه وعودته الى العراق ليستمر في نشاطه التنويري الذي نحن بأمس الحاجة اليه، نراه يعمل ولغاية في نفس يعقوب على حرمان شعبنا من امثاله، بمطالبته السلطات الايرانية اطلاق سراحه و فسح المجال امامه لطلب اللجوء السياسي وعائلته الى الغرب لممارسة حريته في التعبير عن رأيه!!

وهنا تحديدا وبعيدا عن الاطالة فان "المثقف"هذا ونتيجة لعدم تحميله السلطات العراقية ولو جزءا يسيراً من المسؤولية التي تقع على عاتقها في العمل على اطلاق سراح السيد القبانجي، يكون قد اعطانا المبرر لاتهامه بأمرين اثنين. اولهما عقم كل محاولاته السابقة والتي ستأتي لاحقا بلا شك في دفاعه عن سلطة لا تحترم مواطنيها، وانعدام حرية التفكير والرأي والمعتقد التي تدّعي السلطات العراقية الالتزام بها وفقا للدستور الذي كتبته بنفسها ثانيا.

ان حرمان اي مفكر او اي مثقف في حقول الثقافة المختلفة من التعبير عن آرائه في ظل حماية دستورية، يسحب البساط من هذه الحكومة كونها ديموقراطية، وان دفاع اي "مثقف"عن مثل هذه الحكومة او جزء منها وبالاحرى فرد منها بشكل مستميت يفقد هذا المثقف حجته في  الدفاع عن المثقفين ومعاناتهم. لان القوى الدينية وعن لسان هذا البعض لا تحترم حرية التعبير والتفكير وحقوق الانسان، والقوى الدينية حسب فهمنا البسيط لممارساتها فانها لا تختلف عن بعضها البعض اينما كانت الا بتطور اساليبها في تغييب العقل وتجلياته لصالح التخلف كأكسير حياة لها.

ايها المثقفون العراقيون، ايها المفكرون، يا دعاة الحرية، اتركوا العراق لاجئين الى الغرب وعوائلكم كي تمارسوا حرية التفكير. وهذا بالضبط ما يريده البعض البائس منكم لحماية سلطة دينية اكثر بؤسا منه.

اذا لم تستحي فاكتب ما شئت.


الدنمارك
19/2/2013


444
السيد القبّانجي مواطن عراقي فلنعمل على انقاذه

زكي رضا

من يستمع الى آراء السيد أحمد القبّانجي وطروحاته الجريئة عن المرأة والعلمانية وضرورة قراءة النصوص الدينية ومنها القرآن قراءة جديدة ليحترم فيها الانسان في حياته هذه قبل حياته بعد الموت، ومواقفه الاكثر من جريئة وهو ابن المؤسسة الدينية حول المرأة والحجاب وضرورة تمتعها بحقوقها وعدم الركون لتفسيرات وفتاوى بعيدة حتى عن القرآن الكريم نفسه كون القرآن حمال وجوه كما قال الامام علي "ع"، اضافة الى مواقفه الواضحة والصريحة من الاسلام السياسي بشقيه و ميله الى معسكر العلمانيين كونهم يحترمون الانسان وحريته تاركين علاقة هذا الانسان مع ربه ضمن خانة الحريات الدينية التي توفرها انظمتهم له، اقول ان من يستمع الى هذه الاراء الجريئة وغيرها الكثير حول بعض الطقوس واثرها على الدولة والمجتمع، عليه ان يتوقع الحقد الذي يعتمر نفوس الاسلاميين تجاه قامته الباسقة وهو سليل اسرة دينية عريقة ومدى الاذى الذي سيتعرض اليه منهم، خصوصا وانهم يملكون نصوصا جاهزة لوصفه ونعته بالانحراف والمروق والخروج عن الدين والملّة. وهذا ما مارسته المؤسسة الدينية سابقا ضد العديد من رجال الدين المتنورين او من الذين كانت لهم مواقف سياسية تجاه بعض القضايا الخلافية حول دور الدين ورجال الدين في قيادة الدولة، ولدينا في كل من الشيخ المنتظري والسيد شريعتمداري في ايران مثالين قريبين على ارهاب المؤسسة الدينية ضد رجالها.

ان اكثر من استمعوا الى محاضرات السيد القبّانجي وجرأته وصراحته المتناهية والمستندة على العقل في تفسير العديد من الظواهر الدينية والمذهبية، كان يتوقع نهاية تراجيدية لرجل فدائي بمعنى الكلمة وهو ان يقتل في اية لحظة بأحدى الطرق المعروفة لنا جميعا ولتسجل التهمة كالعادة ضد مجهول. ولان السيد القبّانجي وجه معروف ومألوف عند غالبية ابناء شعبنا لمواقفه الجريئة كما ذكرنا فان عملية تصفيته داخل العراق كان سيشير باصابع الاتهام لا محالة للمستفيدين منه على اساس القانون الجنائي الذي يقول فتش عن المستفيد في اية جريمة تقع. لذا فان المهتمين بالشأن هذا تركوا الامر للمستقبل عسى ان يخطأ السيد القبّانجي في تقدير ظرف معين، وهذا ما حدث فعلا عندما زار السيد عائلته في مدينة قم الايرانية، حيث كان جهاز المخابرات الايراني "اطلاعات" في انتظاره لاعتقاله.  وحال اذاعة خبر اعتقاله وكما كان متوقعا فان عائلته بدت مغتبطة من خبر الاعتقال هذا بعد ان كانت قد اتهمته بالخروج عن الدين والانحراف عن الملّة في بيان اصدره شقيقه السيد صدر الدين القبّانجي القيادي في المجلس الاعلى وامام جمعة مدينة النجف الاشرف في منتصف نيسان عام 2012 .

ان الحكومة العراقية مسؤولة اليوم مسؤولية اخلاقية ووفقا للقانون في متابعة قضية اعتقال مواطن عراقي لا ذنب له الا انه عبّر في بلده عن آرائه وفقا للمادة 40 من الدستور العراقي الذي يقول نصا "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة" وهذا ما مارسه السيد القبّانجي، وضرورة متابعة قضيته على اعلى المستويات دون الخوض في متاهات المؤسسة الدينية واحكامها احتراما للمواطن الفرد من جهة وللعراق كدولة ذات سيادة وتدافع عن ابنائها من جهة ثانية. ان احترام الحكومة العراقية ووزارة الخارجية واجهزتهما المختصة الاخرى تعتبر اليوم على المحك في متابعة هذه القضية.

ان الديموقراطيين وكل منظمات المجتمع المدني في داخل البلد وخارجه مدعوة للتضامن مع احد مفكريهم المتنورين عن طريق التظاهر امام سفارات البلدين للاسراع في اطلاق سراحه والعودة لحياته الطبيعية مستمرا في دوره التنويري في هذا الوقت الدقيق من عمر الوطن.

الحرية للسيد احمد القبّانجي.
والخزي والعار لآسريه والمتواطئين معهم.


الدنمارك
18/2/2013 



 
       

 

445
رسالة الى شهيدي حزب الدعوة رعد مير حسن وعامر عبد الرزاق

زكي رضا

مساء اليوم حضرت احتفالية يوم الشهيد الشيوعي في العاصمة كوبنهاكن، حيث كان الشيوعيون واصدقائهم وضيوفهم يستذكرون شهداء حزب لم يبخل طيلة تأريخه النضالي على تقديم قوافل الشهداء من اجل غد افضل لوطنهم وشعبهم. وعلى الرغم من تزيين صدر القاعة بعشرات الصور لشهداء الحزب في معاركه الوطنية العديدة، منذ ان اعتلى قادته الميامين ارجوحة الابطال في العام 1949 حتى يومنا هذا. الا انني قررت ان احتفل بيوم الشهيد الشيوعي العزيزة على النفس وفي مثل هذه اللحظات الدقيقة من عمر الوطن،  بطريقة قد تبدو غريبة حتى لمن هم ليسوا من الشيوعيين ناهيك من رفاق الحزب الذين يستذكرون في مثل هذه الايام من كل عام، رفاقهم الذين سقطوا في سوح النضال كي تروي دمائهم شجرة وطن يساق اليوم الى النحر على الطريقة الاسلامية. وبدلا من توجيه رسالة الى هؤلاء الشهداء كوني شيوعيا وعلى خلاف الثقافة السائدة بيننا كعراقيين ورفضنا للاخر، قررت ان اوجه رسالتي الى روح صديقين عزيزين عليّ من زملاء الدراسة الثانوية اللذين استشهدا عندما كان الموت في سنوات الارهاب البعثي الاسود يحصد ارواح خيرة نساء ورجال العراق ومن مختلف الاحزاب والقوميات والاديان والمذاهب. وهما الصديقان العزيزان الشهيدان (رعد مير حسن) و (عامر عبد الرزاق) من تنظيمات حزب الدعوة "الحاكم اليوم". اذ لازالت صورتيهما تحتلان مساحة كبيرة من العقل والقلب رعدا وهو صديق طفولة اضافة الى زمالته الدراسية، بأدبه الجم وهدوئه وايمانه المطلق بعراق لا فقر فيه كما كان يحلم، وعامرا الخجول والوسيم والحالم كما زميله بعراق لا ظلم فيه، أضافة الى حقدهما المقدس كما كل الشرفاء على حزب الطغاة العفالقة الذين تفننوا في قتل الانسان والارض.

صديقي العزيزين

لازلت لليوم اتذكر نقاشاتنا العديدة والحادة احيانا والتي لم تصل يوما الى القطيعة على الرغم من كوننا نحمل فكرين مختلفين ومتضادين أضافة الى طبيعة الشباب واندفاعهم وتمسكهم بآرائهم. كما ولازلت لليوم اتذكر ايمانكم المطلق بحزبكم وجهاده من اجل القضاء على النظام البعثي وبناء عراق يكون فيه العدل، عدل الامام علي "ع"  لان في العدل فقط كما كنت تكرر ايها الشهيد البطل (عامر) يستطيع العراقيون ان يعيشوا متحابين ليبنوا وطنهم. ولكنني وبعد عقود من رحيلكما المفجع مع قوافل شهداء العراق البررة. يفرحني ان ازّف اليكما ولكل الشهداء خبر رحيل البعث الى مزبلة التاريخ عسى ان تفرح ارواحكم الطاهرة في عليائها، ويؤسفني في الوقت نفسه وانا اتذكر كلماتكم تلك ان ارسل لكما رسالتي هذه لانبئكم من ان حزبكم وصل الى السلطة، الا اننا لم نجد لليوم للعدل طريقا بعد ان اصبح العدل عدل الطائفة وليس عدل الوطن.

صديقي الطيبين

ان في حزبكم اليوم وعلى خلاف قدوتكم وقدوة الكثير من الشرفاء اي الامام علي "ع" الكثير الكثير من امثال عبد الله بن عباس والي الامام على البصرة وسارق اموال بيت مال المسلمين، بعد ان سرقوا كما ابن عباس الاموال المخصصة لشراء قوت الفقراء لا افلح الله مسعاهم. كما ان الكثير من اعضاء حزبكم اليوم اقرب الى يزيد بن معاوية من الامام الحسين "ع" الذي يشايعونه كذبا وهو القائل بحق الطاغية  يزيد " (وجعلت مال الله دولاً وعباده خولاً)، فها هي اموال العراق لا ندري اين تصرف وها هو شعبنا اصبح بفضل حزبكم والاحزاب الطائفية الاخرى خولاً للطائفيين. ويسير من غير هدى الا من هدي من يريدون به وبوطنه شرا نحو مصير مظلم ومجهول.

صديقي الجميلين

هل تعرفان ان حزبكم لم يشكل حكومته في ملاعب صباكم ومدن وطنكم الذي استشهدتم من اجله، وفضّل طهران على بغداد والبصرة والموصل واربيل والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة. في سابقة تاريخية لم يقدم عليها اي حزب في العالم تقريبا. وهل تعرفان ان حكومة حزبكم لم توفر لابناء شعبكم لليوم الحد الادنى من الخدمات التي تسمح له ان يعيش بآدمية كالشعوب الاخرى. وهل تعرفان ان الرشوة والمحسوبية والحزبية والمناطقية والعشائرية اصبحت من العلامات الدالّة لتعريف حزبكم، الذي يعيش اليوم بعيدا عن الناس في منطقة محاطة بآلاف الحرس المدججين بالسلاح. وهل تعرفان ان حزبكم هدد بحرب اهلية او تقسيم بلدكم ان لم يصل الى مبغاه، ويا ليت لو كان مبغاه ما كان قد استشهدتم من اجله.

يا أصدقاء الزمن الجميل

لااأريد ان اثقل عليكم ولكنني اقول من خلالكم وانتم في عليائكم لاعضاء حزبكم، من انكم ايها الدعاة عصيتم الله بسلبكم اموال العراق لطائفية او حزبية، وان دنياكم امست اعز من آخرتكم التي تدّعون العمل لاجلها، وانكم تتقاتلون من اجل نعيم يفنى ولذة عيش لا تدوم كما تقولون،  ولازلتم تعملون بهمة لا تلين كي يكون العراقيون وعلى الاخص شيعة الامام علي "ع" في سبات وطني وديني، ولا زلتم بتصرفاتكم غير الوطنية بل وحتى غير الدينية وانتم تعتمدون على قضاة غير نزيهين في اصدار قوانين تنصفكم وان كان الحق بعيدا عنكم تمارسون قبح الزلل.

ولله درك يا ابا الحسن وانت تقول :

" واللهِ لو أعطيتٌ الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على ان أعصِي الله في نملةٍ أسلٌبها جٌلبَ شعيرةٍ ما فعلتهٌ، وإنّ دنياكم عندي لأهونٌ من ورقةٍ في فَمِ جرادةٍ تقضَمٌها. ما لعَلي ولنعيمٍ يفنى ، ولذّةٍ لا تبقى! نعوذٌ باللهِ من سُباتِ العقل، وَقٌبحِ الزّللِ. وبه نستعين "

المجد لكما ايها الصديقين في عليائكما ولكل شهداء العراق البررة.


الدنمارك
16/2/2013

 

446
طالبان سوريا على خطى طالبان العراق وافغانستان

تخلف اتباع الاسلام السياسي وشهوتهم وساديتهم في محاربة كل ما هو حضاري وانساني من ثقافة وفنون ليس وليد اليوم ولا الامس ولا حتى الامس القريب، بل يعود الى 1400 سنة خلت، اذ يعمل هؤلاء المتخلفون على النظر من هذا العالم الرحب والواسع والمتمدن بما انتجته الانسانية من علوم وفنون على مدى عشرات القرون لتتقدم بركب البشرية نحو بناء مجتمعات تحترم العلم والادب والثقافة، من خلال كوة صغيرة لا تسع لحاياهم الكثة الوسخة وعقولهم المتحجرة الفارغة ولكنها تسمح لهم بالنظر من خلالها بعينين يتطاير منهما الشر والشرر والحقد وهم يتجهون بابصارهم الى مكة في اول عهدها بالاسلام، ليروا تحطيم الالهة الوثنية والتي لم تكن الا اصناما صنعت ليعبد الله من خلالها زلفا. وليتخذوا من تحطيم تلك الالهة سنّة لهم في هدم التماثيل والنصب اليوم. ولا ادري ماذا كان يفعل هذا المسخ من البشر لو كانت قبائل العرب المختلفة تعبد الابقار والخراف والماعز والخيل وغيرها من الحيوانات حينها فهل كان هؤلاء المتخلفين اليوم يحكمون بابادة هذه الحيوانات، وماذا كانوا سيأكلون ومريديهم من البدائيين القاطنين في تورا بورا او في مدن "عصرية" لا تختلف بشيء عن تورا بورا وما فيها من جهل وتخلف وأمية.

بالامس كانت طالبان (ربيبة وصناعة الامريكان) وهم يدمرون تماثيل ابدع الانسان في نحتها وسط الجبال ليقول للبشرية انه قادر على انتاج الفن وتذوقه كما الاخرين لو توفرت له مساحة من الحرية. حينها وقفت هذه الوحوش البربرية وهي تقهقه عاليا فيما كانت اصابعهم القذرة تطلق القذائف لتدمر تمثالي بوذا في باميان لتثبت للعالم بأسره همجيتهم وحقدهم على الاديان الاخرى علاوة على الفن. ولم تمر سنوات حتى وصل الاسلام السياسي العراقي على قاطرة امريكية الى بغداد الحضارة والتراث واذا بآثارنا تسرق لتباع بابخس الاثمان من قبل الحواسم الذي شكلوا بعدها العمود الفقري للاسلام السياسي القادم توا من الخارج، وليتذكر الطائفيون الصراع العباسي العلوي وكأننا كنّا جزءا منه ليبعثوا برعاعهم حيث تمثال باني بغداد ( ابو جعفر المنصور) التي وصلت في عهده وعهد الذي جاءوا من بعده الى قمة مجدها وازدهارها ليفخخوه بعبوة ناسفة ليغيب ثلاث سنوات ويعود الى مكانه تحت ضغط المثقفين العراقيين واتهامهم للحكومة بمعاداة الفنون ومنها النصب والتماثيل، وكانت حكومتي الجعفري والمالكي هدّمت نصب المسيرة للنحات خالد الراحل في علاوي الحلة، ونصب اللقاء للفنان علاء بشير في المنصور، فيما سُرق تمثال السعدون واهمل عن عمد تمثال الشاعر الرصافي وتحول الى مزبلة! اما نصب قوس النصر الذي يمثل ساعدّي المجرم صدام حسين فقررت حكومة المالكي اعادة تأهيله بمناسبة انعقاد القمة العربيةّ !

اما اليوم فان الاخبار جاءت من سوريا حيث طالبانها القادم اليها بمخطط امريكي حاله حال طالبان العراق وافغانستان وباموال الدولة المجهرية قطر والفكر الوهابي من ارض نجد والحجاز، لينقل لنا اعدام رهين المحبسين الشاعر والفيلسوف ابي العلاء المعري الذي قطع البغاة الحمقى رأسه  وشوهوا ما تبقى من تمثاله لانه زنديق حسب ما يقولون. واذا كان المعري الذي قال:

اذا وهب الله لي نعمة، ................ أفدت المساكين ممّا وهب
جعلت لهم عُشرَ سقيَ الغمام، ....... واعطيتهم ربع عُشرَ الذهب

اقول اذا كان المعري في ابياته الشعرية اعلاه زنديقا فما قول القوم بمن يغتصب بنات المساكين القاصرات ويسرق قوتهم وينهب دورهم؟

لله درك ايها الشاعر الضرير وانت تقول واصفا هؤلاء الاوباش:

ما وفقّوا، حسبوني من خيارهم، ............... فخلّهم، لا يرجّى منهم الرَشَدُ
أمّا اذا ما دعا الداعي لمكرمة، ................. فهم قليل، ولكن، في الاذى، حُشُدُ
كم ينشدون صفاء من ديانتهم،............. وليس يوجد، حتى الموت، ما نشدوا

صدقت وكأنك ترى قتلتك اليوم وتسبر اغوار نفوسهم بعبقريتك لتقول لهم افعلوا ما بدا لكم وتاجروا بدين الله واضحكوا على البسطاء قدر ما تستطيعون، ولكنكم لن تصلوا الى صفاء ديانتكم الكاذبة مهما فعلتم.

لله درك سوريا هل كتب لك العيش في حفرة البعث العفنة لتنتقلي منها الى بئر الظلاميين القذر من ابناء تورا بورا، هؤلاء الذين سيعيدونك عنوة الى متاهات صحراء العرب ومفازاتها، ولتودعي صبح الحضارة النضر الذي شعّ على روابيك الجميلة؟

زكي رضا
13/2/2013
الدنمارك


 

447
راعي 8 شباط الاسود وراعي 9 نيسان هو نفس راعي البقر

ان قراءة متزنة وهادئة وحيادية لاحداث العراق منذ نجاح ثورة 14 تموز" 1958"  لحين نجاح انقلاب الثامن من شباط الاسود "1963"  تثبت لمتابعي احداثها وما جرى خلال تلك السنوات القصيرة لكنها الطويلة جدا من عمر العراق لما ستترشح عنه من احداث لاحقا، ان نظام ثورة تموز قد حمل منذ اليوم الاول للسلطة بذور انهياره المفجع والذي اوصل العراق لما عليه اليوم من تناحر بين مكوناته الطائفية والقومية. تلك التي تسير اليوم كي تطوي بصراعاتها هذه الطريق سريعا الى اعلان نهاية العراق كدولة وتشييعه الى مثواه الاخير، بعد ان رهنت القيادات الطائفية مصير البلد نتيجة ضيق افقها وتبعيتها الى اجندة خارجية اقليمية ودولية، اضافة الى الضعف الكبير للاحزاب والشخصيات الديموقراطية والليبرالية التي ضاعت اصواتها بين صرخات الموت العالية للطائفيين نتيجة عدم قراءتهم الصحيحة لما ستؤول اليه الامور منذ اشتراكهم في العملية السياسية لليوم.

لقد نجحت ثورة تموز بتوجيه ضربة كبيرة جدا للرجعية المحلية متمثلة بالاقطاع وحلفائهم من رجال الدين حين اصدرت قوانين الاصلاح الزراعي لتنصف الفئات الاكثر تهميشا في المجتمع وهم الفلاحون، والتي نجحت في تحريرهم من نير الاقطاع فيما فشلت في الوقت نفسه بتحريرهم من سطوة العلاقات العشائرية على الرغم من اصدار العديد من القرارات التي تحد من سلطة القبائل وزعمائها وحلفائهم من رجال الدين، الذين وقفوا بكل قوتهم ضد الثورة ورجالاتها المخلصين لوطنهم نتيجة انصاف المرأة العراقية باصدار قانون الاحوال الشخصية. ونتيجة للقرارت الوطنية السريعة للثورة في عمرها القصير كرّست الرجعية العربية ومصر ودول حلف بغداد "السنتو" مع رجعيي الداخل والبعثيين والقيادات الكردية بعد اندلاع القتال بينهم وبين الحكومة المركزية، كل امكانياتهم بالتعاون مع القوى الغربية التي تم اضعافها بشكل كبير في اكثر المناطق اهمية لها في العالم حيث منابع الطاقة من اجل اسقاط تجربة تموز . ويبقى القرار رقم 80 لسنة 1961 الذي استعاد العراق بموجبه معظم اراضيه غير المستثمرة من قبل شركات النفط الغربية والمقدرة بنحو 95% من مساحة العراق، هو المنعطف الاهم والاكبر التي ستقود من خلالها الولايات المتحدة الامريكية جميع الفئات المتضررة من نجاح الثورة وترعاهم لحين انضاج الظروف الموضوعية المناسبة للاجهاز عليها، ونجحت فعلا بعد عدد من المحاولات في ايصال البعثيين والمتعاونين معهم الى الحكم بقطار امريكي صبيحة الثامن من شباط الاسود 1963  وهذا ما اشار اليه السياسي البعثي علي صالح السعدي.

ويبدو من تسلسل الاحداث منذ ذلك اليوم المشؤوم ان سيناريو ما يجري في العراق اليوم ليس وليد الصدفة قدر ما هو مخطط له من اعلى المستويات في واشنطن، عن طريق ادوات محلية واقليمية لتغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة عن طريق اضعاف وتهميش والغاء العراق كدولة آخر المطاف. فالوصول الثاني للبعثيين الى الحكم في تموز 1968 جاء لاستكمال ما عجزوا عن تنفيذه في انقلابهم الاول، معمقَين الخلاف الطائفي من خلال حزبهم اولا بعد ان اصبح البعث حزبا سنيا من حيث قياداته الفاعلة بعد ان انطبعت السمات السنية والتكريتية عليه كما يقول حنا بطاطو، ومن خلال تهميشهم وقمعهم للمكونات العراقية الاخرى كالشيعة والكرد وغيرهم من ابناء شعبنا ثانيا. ويبدو ان القطار الامريكي الذي جاء العراق في شباط 1963 كان يسير بخطى حثيثة للوصول الى محطته التاريخية الثانية بركاب جدد بعد انتهاء دور ركاب القاطرة الاولى واستهلاكهم - بعد ان نفذوا ما هو مطلوب منهم - بوصول قطارهم بشعاراته القومية الى محطته الاخيرة في التاسع من نيسان 2003 .

وبعد ان اتم ركاب القطار الاول ما عليهم من ادوار، انطلق القطار الامريكي الثاني في التاسع من نيسان 2003  ,وهو يعي جيدا درس قانون رقم 80 الذي وأد ثورة تموز وقتل خيرة قادتها فتراه - وهو جزء من اتفاق مسبق على ما يبدو- يمنح الامريكان كل ما يحتاجونه لنهب الثروة النفطية والتنقيب عنها في جميع  اراضي العراق،  حاملا " القطار" مشروعين متناقضين في الوقت نفسه، اولهما المشروع الديموقراطي الذي فشلوا لليوم في تسويقه خلافا لوعودهم بتحويل العراق الى نموذج يحتذى به  في المنطقة !! وهو المشروع العلني الذي روّج له الامريكان حتى قبل انطلاق القطار، والثاني -غير العلني مثلما يتخيلون -  هو مشروع تقسيم العراق عن طريق ركاب القطار هذا بتبني الطائفية والقومية كنهج للحكم، على الرغم من تقاطع المشروعين مع بعضهما البعض. وبعد فشل المشروع الاول منذ لحظاته الاولى كشفت الولايات المتحدة ومن يأتمر بأمرتها من ساسة العراق عن الوجهة الحقيقية لقطار نيسان 2003 ، وهو السير بسرعة لم يكن يتوقعوها حتى انفسهم بقطارهم هذا الى محطته الاخيرة. واذا كانت محطة قطار شباط الاخيرة بغداد في ظل حكم ديكتاتوري شرس، فان القطار الثاني سيصل الى محطاته الاخيرة عن طريق ثلاث سكك لا تنتهي ببغداد، بعد  ان تملأ الدماء ارض العراق ويصل صراخ ابناءه الى عنان السماء.


لقد علمنّا الانكليز المشي نحو الموت اما اليانكي فانهم علمونّا الركض نحوه.


زكي رضا
الدنمارك
10/2/2013

 





448
قانون أوحَيِدْ بالنجف الاشرف

قبل أن ادخل في تفاصيل المقالة أود القول ان العنوان لا يشير الى وجود قانون واحد في النجف الاشرف، على اساس ان "أوحَيٍدْ " هو مصغر الرقم واحد على الرغم من رغبتنا الشديدة في ان يكون فيها وغيرها من المدن العراقية الاخرى وعلى غرار دول العالم المختلفة  قانونا واحداً. أنما اسم "أوحَيِدْ" هنا قد يكون مصغر الرقم واحد، ويطلق الاسم عادة عند العشائر الجنوبية "تحببا او ابعادا للحسد من عيون الحساد والعائنين" على العائلة التي تملك طفلا ذكرا واحداً لا غير وسط العديد من الاناث – وتسمى وْحَيدَه ان كانت الوحيدة بين عدة ذكور- او أذا كان وحيد أهله، او قد يكون مصغرا لاسم عبد الواحد على عادة العراقيين في حذف واهمال كلمة عبد التي تسبق العديد من اسماء الله الحسنى كعبد الرحيم والتي يلفظونها "رْحَيمْ" وعبد الجبار التي يلفظونها "جويبرْ" وغيرها. وأن لم يكن أوحَيدْ قانونا معمولا به كما جاء في عنوان المقالة فمن هو اذن؟

قبل ان نتعرف على أوحَيدْنا هذا اسمحوا لي ونحن نعيش الذكرى الخمسين لجريمة شباط الاسود "1963" ان نبحث في الكم الهائل للجرائم التي ارتكبت حينها او تلك التي ارتكبها الطغاة بعد وصولهم الثاني للسلطة " 1968" لحين رحيلهم تلاحقهم لعنات شعبنا "2003" عسى ان نجد فيها قانونا كقانون أوحَيٍدْ ولو في زقاق صغير. علما ان جرائم النظام السابق كانت من السعة والهمجية وتجاوز على القانون ما دعى رأس النظام المجرم صدام حسين ان يصرح علنا ان القانون عبارة عن جرة قلم. وعلى الرغم من جرة القلم هذه وفاشية النظام الدموي السابق وهمجية حزبه والمقربين منه وسادية زعيمه، الا اننا لا نجد هناك فرقا وللاسف الشديد في بعض الممارسات غير القانونية ومنها قضية أوحَيدْ، والتي تعتبر استنساخا مشوها لممارسات البعث والتي نأسف على ممارستها من جهات كانت قد قدمت قوافل الشهداء حالها حال الاحزاب الوطنية الاخرى في مقارعتها لتلك الالة الجهنمية، كما ولم يكن اكثر الناس تشاؤما يتوقع ان تصل احوال البلاد والتجاوز على القانون  يوما الى ما وصلت اليه في قضية أوحَيدْ الذي سنتعرف عليه من خلال الاسطر القليلة القادمة.

أن غير المعقول في عراق الطوائف اوسع واكبر من المعقول بل وصل الوضع الى الحد الذي اصبح فيه المعقول ضربا من الجنون ولا يعمل به الا الفاشلين "بنظر البعض" من الذين لازالوا يحملون قيما واخلاقا اصبحت في عراق الطوائف شيئا من تاريخ غابر يتعرض حاملها الى السخرية ليس الا. اما غير المعقول من الذي يجري في العراق اليوم فهو السائد لانه شطارة في لغة السوق السياسية بعد ان اصبحت القيم والاخلاق والوطنية والانسانية والحفاظ على موارد البلد من الهدر والسرقة وغيرها من المُثُلْ مجرد كلمات لا معنى لها، كما القانون الذي ضاع في لجة الرشوة والمحسوبية وشراء الذمم والحزبية والمناطقية والعشائرية على الرغم من اننا نعيش في ظل نظام "ديموقراطي" وسلطة تطلق على نفسها "دولة القانون".

لقد نقلت لنا الاخبار قبل أيام خبرا كارثيا من دولة حزب الدعوة الحاكم ودولة قانونه ومن مدينة عدل الامام علي "ع" تحديدا، حول قيام عضو "برلماني" من قائمة ما تسمى زورا بدولة القانون المدعو عبود العيساوي بأقامة مجلس عزاء لوالده "أوحَيدْ العيساوي" حيث نصب سرادق العزاء بالقرب من مطار النجف، وبدلا من ان يكتفي العيساوي الابن بقراءة شيء من القرآن الكريم كما هي العادة عند المسلمين الحقيقيين نراه عاد وعشيرته والحاضرين الى عاداتهم القبلية والعشائرية تلك التي نهى عنها الاسلام باطلاقهم زخات الرصاص في وداعهم للمتوفي على غرار ال 21 أطلاقة التي تطلقها المدفعية عند توديع مسؤول كبير في الدولة. ولا ادري هل "أوحيد" مسؤول كبير في دولة المالكي أم ماذا.

ان اطلاق الرصاص ايها الدعاة في سماء المدينة من قبل عضو في قائمتكم ومعزَيه وغلق المطار خوفا على سلامة حركة النقل تشير اضافة الى جعل العراق مسخرة في عهدكم الكارثي، الى امر واحد لاغير وهو استهتاركم واعضائكم بالقوانين المرعية. ولكي تثبتوا من انكم فعلا دعاة لتطبيق القانون الذي اتخذتم اسمه كشعار لكم وانكم لا تشجعون الناس في الوقت نفسه بالخروج على القانون، عليكم تقديم نائبكم هذا للمحكمة لاستغلاله منصبه في الاساءة للبلد اضافة الى البطاط والوافي وغيرهم من المجرمين الذين يحتمون بسلطتكم. كما ويبدو ايها السادة ان قائمة الخارجين على القانون عندكم ستطول في ظل رعايتكم للعشائرية والقبلية وتبني الطائفية كطريقة لحكم البلد.

السادة في دولة القانون لم نلمس لليوم تطبيق قانونكم النهاري خصوصا بعد ان استفادت مدينة النجف من قانون "أوحَيدْ" في غلق المطار، ولا الليلي الذي يعزف عليه بعد ان اصبحت الموسيقى حراما.

زكي رضا
8/2/2013
الدنمارك









449
أحملوا سلالكم وأرحلوا واتركوا لنا سلّة الوطن

ظاهرة بيع السلال في المنطقة الخضراء لها رواج كبير رغم الامكانيات المادية الاكثر من هائلة عند اباطرتها، الذين استنزفوا مئات مليارات الدولارات من قوت الشعب ما بين رواتب ومخصصات وعلاوات و "عيديات" ومنح وقروض بتسهيلات اشبه "بالبلاش" حتى وصلت احدى التخصيصات  الى ما يشبه الفكاهة عندما خصص نواب "الشعب" لانفسهم مبالغا لشراء القرطاسية!!. ولكي لا يذهب القارئ بعيدا في تفكيره حول السلال وبيعها واقتنائها من اباطرة المنطقة الخضراء ولكي اعود به الى ارض الواقع المعاش اليوم فانني اعني بالسلال هي تلك التي بتنا نسمعها منذ بداية الاحتلال لليوم. فكلما استجدت ازمة مفتعلة او غير مفتعلة بين طرفين او اكثر من الحيتان "الكتل" السياسية حتى يخرج لنا بعض "السياسيون" مطالبين فض الاشتباك بطريقة عراقية بامتياز،  اي تقسيم ما يريدون تقسيمه وتوزيع ما يريدون توزيعه  واصدار ما يريدون اصداره من قوانين وتشريعات تصب في مصلحتهم اولا وبالمقربين منهم ثانيا (لان الاقربون اولى بالمعروف) عن طريق ما يسمونه "سلّة واحدة". والسلّة الواحدة لا تعني هنا الا امرا واحدا هو معالجة المشكلة بعيدا عن الرأي العام اي في الغرف المغلقة للوصول الى افضل الفوائد كلا حسب نسبته في ما يسمى بالبرلمان. لاننا ولليوم لم نرى اية نتائج ايجابية من عدد السلال الكبير التي طالب بها البعض او تلك التي قاموا بشرائها كما اشتروا المناصب الوزارية وغيرها من المناصب المدنية والعسكرية.

فعندما نتحدث عن محاربة الارهاب والفشل في التصدي له وضرورة سن واصدار القوانين التي تعمل على الحد منه تخرج لنا الكتل المختلفة عن طريق الناطقين باسمائها وهم كثر معلنين موافقة كتلهم على جميع الاقتراحات والحلول على ان تكون ضمن سلّة واحدة، وعندما يراد مناقشة مشكلة الفساد في وزارة معينة نرى الكتل المختلفة تعلن موافقتها على ضرورة ان تكون المناقشة من خلال سلّة واحدة، بل وصل الامر عند مطالبة الجماهير بعدم تدخل دول الجوار بالشأن الوطني نرى البعض يخرج علينا مؤكدا على ضرورة هذا المطلب وأهميته على ان يكون ضمن سلّة واحدة. ما هذه السلّة الواحدة لا أب لكم الا تخجلون؟   

واليوم ونحن على اعتاب العام العاشر "للتغيير" الذي غيّر حزبا مجرما بحق شعبه باحزاب أدّعت مناهضتها له ولكنها تمارس عمليا نفس ممارساته باختلاف وحيد وهو دمقرطة دكتاتورياتها، نرى هناك نوعين من السلال احداهما سلال السلطة اي جميع من يشترك في الحكومة دون استثناء وهي اضافة الى ما اوردناه بداية المقالة، تشمل سلال الرساميل والمضاربات والاسهم والحسابات المصرفية والعقارات داخل وخارج العراق وسلّة الرشوة باستخدام المنصب ومنها رشاوى الكهرباء والاسلحة ومفردات البطاقة التموينية واموال اعمار البلد وغيرها من السلال الكثيرة والكبيرة.

 اما سلال شعبنا فهي لا تحمل منذ ما يقارب السنوات العشر مما يسمى "بالتغيير" الا الموت اليومي والجوع والبطالة وانعدام الكهرباء ومشكلة الماء ما بين جفاف وغرق وسوء وبؤس القطاع الصحي والتعليمي والسكني والاستهتار بحاجات الارامل والايتام والمتقاعدين والمعاقين وضياع القانون في "دولة القانون" لصالح قوانين العشائر المتخلفة، اضافة الى سلال وضعها اباطرة المنطقة الخضراء على كاهل شعبنا لينوء تحتها خوفا ورعبا من قادم الايام وما ستحمله من نذر شؤم يحملها غربان الطائفية وهي سلال الحرب الاهلية وتقسيم البلد.

ايها الاباطرة، ايها اللصوص، ايها الغربان، يا بياعي الوطن وتاريخه وناسه، احملوا سلالكم وارحلوا واتركوا لنا سلّتنا وفيها بقايا وطن لنضمد جراحه ونعيد بناءه بعيدا عن طائفيتكم المقززة.

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2013



450
السيد المالكي اسم المجرم فاضل الوافي فهل تستطيع اعتقاله؟

زكي رضا

في اواسط سبعينات القرن الماضي كانت بغداد تستيقظ بين الحين والاخر على جرائم سادية بحق افراد مرّة وعوائل باكملها مرات، الا ان ما كان يميز تلك الجرائم هي طريقة قتل الضحايا اذ كان القاتل يستخدم طبرا "فأسا" في جرائمه تلك، وقد اطلق الناس والاعلام عليه اسم ( ابو طبر)، والذي بث الرعب بين اهالي بغداد حتى ساعة القبض عليه وتنفيذ حكم الاعدام فيه. ولان بعض القتلى كانوا من المناوئين لسلطة البعث حينها فأن اصابع الاتهام وجهت الى جهاز المخابرات العراقي في ظلوعه بتلك الجرائم. وبغض النظر عن صحة ذلك الاتهام من عدمه فان الجرائم استمرت لحين اعتقال المجرم ومحاكمته فعرفت الناس من خلال الاعلام اسمه الكامل وطريقة تنفيذه لجرائمه. ولكننا لازلنا ولليوم نعتبر (ابو طبر) صناعة بعثية حاله حال العديد من المسرحيات التي كان النظام السابق يخرجها بين الحين والاخر لبث الرعب بين ابناء شعبنا.

ولم نكن نعرف ما يخبئه القدر لنا بعد ما يقارب العقود الاربعة من رحيل ابو طبر مع رحيل نظام القتلة، واننا سنستيقظ يوما في عهد "الديموقراطية" الاسلامية الزاهر على ابو طبر جديد، ليس كسابقه يخاف النهار بل يرتكب جرائمه نهارا وعلى مرأى من المواطنين المرعوبين، كما انه ليس مجهولا كأبو طبر "البعثي" بل له اسم وعنوان معروفين ، يعرفهما اهالي مدينة الثورة اضافة الى الصدريين وعصائب اهل الحق المقربين من المالكي نكاية ب"الصدريين". وهو المجرم (فاضل الوافي) الذي ارعب الطاقم الطبي لمستشفى الامام علي "ع" في مدينة الثورة واشبعهم ضربا بعد ان اقتحمها بمعية 10 من رجاله باسلحتهم الرشاشة ، مدمرين كل ما تقع عليه اياديهم القذرة من اجهزة طبية تستخدم على قلتها وقدمها في معاجة ابناء هذه المدينة البائسة من عشرات الامراض التي تفتك بهم وبابنائهم. ناشرين الخوف والرعب بين طبيبات واطباء ومنتسبي هذه المستشفى مهددينهم بقصاصة ورق كتبت فيها كلمة واحدة زرعت الرعب فيهم وهي "راجعيلكم"، ما جعل مدير المستشفى ان يقطع دوامه فيما قطع مسؤولو وزارة الصحة هواتفهم منذ يوم الحادثة لليوم.

السيد رئيس الوزراء
السيد وزير الداخلية
السيد وزير الدفاع
السيد القائد العام للقوات المسلحة

السيد نوري المالكي بصفتك حامل اختام المراكز السياسية والامنية اعلاه وغيرها من المراكز المهمة، امامكم اليوم جريمة كاملة الاركان فالمجرم فيها معروف باسمه وعنوانه، والضحايا فيها معروفون باسمائهم وعناوينهم، ومحل احداث الجريمة معروف بعنوانه. وتستطيع ان تتعرف عن طريق اجهزتك الامنية المختصة على مدى الضرر المادي الذي تركه الشقاة خلفهم في مكان الجريمة وهي من املاك الدولة وليست ملكا لحزب معين كي يتنازل عن الحق العام، والضرر المعنوي والنفسي الذي لحق بالكادر الصحي الذي لا يزال يعيش في حالة رعب خوفا من عودة الشقاة ثانية وتنفيذ تهديدهم باستباحة المستشفى كالسابق، اضافة الى تضرر المرضى نتيجة عدم تلقيهم العلاج لترك الاطباء عملهم خوفا ولعدم وجود بعض الاجهزة الطبية التي دمرّها الشقاة وهم من تنظيمات ميليشياوية اسلامية وتعرفونها واجهزتكم الامنية والحزبية جيدا. اقول ايها السيد رئيس الوزراء وانتم تبحثون عن تطبيق "القانون" ما جعلكم تطلقون على قائمتكم التي تهيمن على البلاد ورقاب العباد اسم دولة "القانون" هل باستطاعتكم ان تعيدوا شيئا مما تبقى من هيبة الدولة باعتقال الجناة والشقاة المجرمين وعلى رأسهم المجرم (فاضل الوافي) وتقديمهم الى القضاء من اجل معاقبتهم، ام انهم جزء من المناكفات السياسية التي بينكم وبين الصدريين وعصابات عصائب اهل الحق المنشقة عنهم والتي على المواطنين البؤساء دفع ثمنها.

السيد رئيس الوزراء ليكن للعدالة مكيال والا فإنها ستضيع ومعها هيبة الدولة والسلطة.


2/2/ 2013
الدنمارك 

 

451
المنبر الحر / Thank you beyden By by iraq
« في: 20:26 30/01/2013  »
Thank you beyden  By by iraq

تعمدت كتابة عنوان المقالة باللغة الانكليزية كون مسألة تقسيم العراق كبلد الى ثلاث دول لم يكن مشروعاً عراقياً حتى بداية تسعينات القرن الماضي وتحديداً قبل القمع الوحشي لسلطات البعث لانتفاضة آذار التي اندلعت بعد هزيمة النظام امام قوات التحالف الغربي اثر معارك تحرير الكويت. على الرغم من تعايش المكونات القومية والدينية والمذهبية العراقية في مناطق جغرافية محددة اشبه ما تكون ب(غيتوات) كبيرة كالمحافظات الشيعية والسنية والكردية، بل وحتى المحافظات المختلطة كبغداد وكركوك وديالى والموصل - وغيرها- لحدود معينة كانت ولازالت تعيش فيها المكونات او بالاحرى جزء منها في مناطق محددة هي الاقرب الى "غيتو" من كونها مناطق مختلطة كون الاختلاط فيها غير واضح المعالم من الناحية الاجتماعية. ولو اخذنا مثالا في بغداد مثلا فان منطقة الاعظمية تعتبر "غيتو" للسنة - مع اقلية شيعية غير مؤثرة - يقابله على الضفة الثانية لنهر دجلة "غيتو" شيعي - مع اقلية سنية غير مؤثرة - اي منطقة الكاظمية وهناك "غيتو" كردي وآخر مسيحي، والامر في المحافظات الثلاث الاخرى لا يفرق كثيراً عن الامر في بغداد من حيث تكتل المكونات المختلفة في "غيتوات" خاصة بها. 

اقول لم يكن مشروع التقسيم عراقيا على الرغم من القمع المنظم للسلطات العراقية المختلفة وعلى الاخص سلطة البعث الدموية لقطاعات واسعة من ابناء "شعبها" وتمركز السلطة بيد ابناء طائفة واحدة "سنة"، وعندما نقول تمركز السلطة فاننا نعني بها المراكز المؤثرة في القرار السياسي والعسكري والامني، فما كان يسمى بمجلس قيادة الثورة المنحل مثلاً والذي كان يقود العراق فعلياً لم يكن في عضويته منذ تأسيسه في 30 تموز 1968 وحتى العام 1977 * اي عربي شيعي ناهيك عن ابناء القوميات والاديان الاخرى، على الرغم من ان شيعة العراق والكرد وغيرهم كانوا من المساهمين الفاعلين في تأسيس الدولة العراقية بحدودها المعروفة اليوم . وقال محمد جعفر ابو التمن وهو احد ابرز سياسيي الشيعة اوائل نشوء الدولة متذمراً من تهميش ابناء طائفته ان (عناصرعراقية مهمة مثل رجال الدين الشيعة والاكراد وجماعات المعارضة الاخرى تنازلوا عن كثير من مطالبهم السياسية لكي يضمنوا نشوء الدولة الجديدة وتأسيسها بروح وطنية )** . وموقف ابو التمن هذا يثبت ان العراق ذو الولايات الثلاث كان طموحاً شعبياً عند مكونات شعبنا المختلفة وليس صنيعة بريطانيا وحدها على الرغم من الدور الكبير للبريطانيين في تأسيس العراق بحدوده المعروفة اليوم، وهذا ما دفع تلك الجماعات ان تتحلى بالوطنية وتتنازل عن الكثير من مطالبها في هذا الطريق. ولكن هناك سؤالا يطرح نفسه اليوم على المشهد السياسي بقوة حول مصير تلك الروح الوطنية واين حلّت ولماذا؟

كان وصول البعث للسلطة ثانية عام 1968 وسياساته الشوفينية والطائفية تجاه الجزء الاكبر من مكونات شعبنا سبباً اساسياً في عدم استقرار البلاد سياسياً والذي ادى بدوره الى اضعاف العامل الاجتماعي، الذي استفحل بعد قمع انتفاضة آذار التي كانت احدى نتائجها ذوبان تلك الروح الوطنية في قوالب الطائفية والقومية وتقسيم البلاد بشكل غير رسمي الى ثلاث مناطق وتوطئة لمشروع جهنمي لقبر العراق سيطلق عليه مستقبلاً مشروع "بايدن". فمن الذي يدفع العراق اليوم دفعاً الى التقسيم ليس على غرار ما جاء به بايدن في مشروعه حول ثلاث فيدراليات مع بقاء بغداد مركزاً لهذه الفدراليات،  بل الى ثلاث دول منفصلة عن بعضها بعد ان تبدأ كلاً منها - لحدود - بعمليات تطهير عرقي في مناطقها اما عن طريق التصفيات الجسدية عبر حرب اهلية اشد واعنف من تلك التي اندلعت اثر احداث سامراء او بالهجرة الطوعية. ولو اخذنا وضع الكرد الخاص وفيدراليتهم التي لا تؤثر على وحدة البلاد في حال التطبيق الفعلي للديموقراطية دون ان نضعهم بعيداً عن حلمهم في تقسيم العراق وسعيهم الى ذلك، فاننا نستطيع ان نشير الى ساسة العرب الشيعة والسنة باصبع الاتهام لارتكابهم مثل هذه الجريمة .

ان حساسية السنة - وعلى صعيد المنطقة - من وجود حكومة عراقية بقيادة شيعية دفعتهم منذ انهيار البعث لليوم وكرد فعل على ممارسات طائفية من اصحاب القرار في بغداد على التخبط في سياستهم تجاه وطن حكموه لما يقارب الثمانية عقود ولم يستطيعوا خلالها منح الثقة لشركائهم فيه. كما انهم وقعوا في فخ محكم من قبل الاحزاب الطائفية الشيعية لموافقتهم ومعهم الكرد على المحاصصة كنهج للحكم غير آخذين بنظر الاعتبار نسبة الشيعة في العراق وثقلهم العددي الذي يستطيع ان يحتل غالبية مقاعد البرلمان بفتوى من رجل دين او بدفع من اي مغامر سياسي منهم قادر على تأزيم الاوضاع السياسية ودفعها نحو الصدام في اي منعطف سياسي او متى ما اراد بتخويفهم من عودة البعث. لقد كانت تظاهرات السنّة الاخيرة في مناطقهم وبالشعارات والاعلام التي رفعوها وبعض المطالب التي تتقاطع مع كل المتضررين من نظام البعث الدموي ومنهم سنّة ايضا، هدية استقبلتها الاوساط الطائفية الشيعية وكأنها نزلت عليهم من السماء ليجيشّوا بسطاء الشيعة الذين لم تفرق حياتهم الان عمّا كانت عليه زمن الطاغية في حرب غير معلنة لليوم واستنهاض هممهم للقتال تحت راية مختار العصر! والتي واجهها ساسة الفريق المقابل بفتح بعض ابوابه مؤقتا - وستفتح اكثر مستقبلاً اذا لم يتم احتواء هذا الصراع الشيطاني -  لجيل جديد من تنظيم القاعدة الارهابي وبقايا البعث من اجل الاستفادة منهم كورقة ضغط ضد الحكومة المركزية في بغداد.

ان عقوداً من التهميش وعقود من الدكتاتورية التي مارست اقسى اشكال القمع تجاه ابناء شعبنا لم تستطع اقناع المواطن العراقي او دفعه الى التفكير بتقسيم بلده كما يتبناه ويروّج له بعض ساسته اليوم، ان تصريحات السيد البزوني العلنية في تقسيم العراق ودعوة الشيعة للهجرة الى الجنوب لا تشير الى فشله وفشل السياسيين الذين على شاكلته في بناء دولة المواطنة والقانون فقط، بل وتشير الى أنه وغالبية اعضاء حكومته وبرلمانه من الذين لا يعرف اكثرهم التحدث بلغة عربية سليمة، قد تعلموا جملة انكليزية واحدة وهيthank you beyden by by iraq فهل سيقف ابناء شعبنا وبما تبقى من قواه الحيّة مصفقاً لهؤلاء الساسة وهم يمزقون بلدهم؟ سؤال لن تطول الاجابة عليه. 

 

*العراق ج 3 ص 400 ، حنا بطاطو
** محمد جعفر ابو التمن، دراسة في الزعامة السياسية العراقية- د. خالد التميمي ص 335 .

زكي رضا
الدنمارك
29/1/2013





452
من هم الشباطيّون ايها البؤساء؟

في شباط العام 2011 اندلعت تظاهرات عمّت ارجاء واسعة من العراق ومنها في ساحة التحرير ببغداد والتي اصابت السلطة الطائفية بالرعب مما دفعها الى قطع الشوارع المؤدية الى الساحة واعلان منع التجوال ايام التظاهرات واحاطة المنطقة الخضراء حيث يسكن الطائفيون بالجدران العازلة. وابدعت السلطة حينها في قمع المتظاهرين مستخدمة الطائرات السمتية التي حلّقت فوق رؤوس المتظاهرين ، ومستخدمة سيارات الاسعاف لخطف الناشطين اضافة الى منع الكثير من التوجه الى الساحة، بعد ان ادخلت السلطة قواتها المدججة بالسلاح في مواجهة متظاهرين لم يكن بحوزتهم الا لافتاتهم المطلبية وحناجرهم التي طالبت "لليوم" باصلاح النظام وليس اسقاطه، مثلما ادّعى النظام ذلك حينها بعد ان اتهم المتظاهرين من انهم بعثيون ليتم قمعهم بقوات العشائر "الشبيحة" اضافة الى اجهزة القمع الاخرى. ولمّا فشل النظام في تسويق تهمته هذه بعد ان اكدت المرجعية الدينية في النجف الاشرف على احقية التظاهرات، خرج علينا السيد رئيس الوزراء حينها ليقول ان التظاهرات شرعية وليست بعثية على الرغم من محاولة البعثيين "وهذا ديدنهم" التأثير على المتظاهرين ونجاحهم في بعض المناطق في ذلك، الا ان المحصلّة النهائية للتظاهرات وشرعيتها دفعت بالسيد رئيس الوزراء الى اعلانه فترة 100 يوم لاصلاح ما افسده الدهر على رغم محدودية امكانيات العطار. وبعد فشله في تحقيق وعوده خرج علينا قائلا ان الوزراء فهموا المهلة بشكل خاطيء ومعهم بالتأكيد جماهير شعبنا، الا ان المالكي لم يذعن لفشله فاضاف (ان مهلة المائة يوم خلقت تفهما اكثر وتنسيقا بين الوزارات والمحافظات وتحولت معها كل وزارة الى خلية نحل)!! واليوم وبعد ما يقارب ال 700 يوم وبعد كل تلك الجعجعة فاننا لم نرى لليوم طحينا ايها السيد رئيس الوزراء، بل على العكس فاننا اضعنا وكما يقول المثل سلّتنا وعنبنا والوطن اليوم على مفرق طرق خطر.

وكعادة ضعاف النفوس من الكتبة والمتملقين البؤساء الذين  تعتمد عليهم الحكومات خرج علينا بعضا منهم متهما المتظاهرين لعداء مسبق لليسار العراقي الذي أيد التظاهرات وشارك فيها وللغمز له من جهة تاريخ انطلاق التظاهرات "شباط"، بمادة اعلامية بائسة كبؤس اقلامهم محذرّين شعبنا من الشباطيون الجدد بعد ان قارنوا مقارنتهم الظالمة بين فترة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قتله البعثيون ممن كانوا يرتدون (الزيتوني) وعهد السيد المالكي!!!.

السيد رئيس الوزراء وكتبتكم ، لقد كان من ضمن المعتقلين في ذلك الشباط اربعة من الشباب كان عمر بعضهم في نيسان 2003 لا يتجاوز سن الرشد فمتى اصبحوا شباطيون؟ ولقد رأيناهم والعالم اجمع عبر وسائل الاعلام يطالبون باصلاح النظام الذي فشل ولليوم في توفير ابسط الخدمات "لمواطنيه"، فهل الذي يطالب بتوفير الخدمات لشعبه شباطيا؟ وهل الذي يريد ان يتظاهر وفق مواد الدستور الذي منحه هذا الحق شباطي؟ وهل الذي يريد للنظام "الديموقراطي" ان يبتعد عن المحاصصة الطائفية - القومية لمساوئها التي اوصلت بلدنا الى ما هو عليه اليوم شباطيا ؟ اذا كنتم منصفين ايها السيد رئيس الوزراء "دون المسبّحين بحمدك بكرة واصيلا" في تقييمكم لتلك التظاهرات ومن اعتقل فيها والتي توجتموها باغتيال الناشط هادي المهدي، فانكم ستقولون بعدم شباطيتهم. ولكنني اود ان الفت نظركم ومعكم كتبتكم البؤساء من ان هناك المئات من الشباطيين الحقيقيين ممن هم داخل حزبك وكتلتك البرلمانية من اولئك الذين امرهم الشباطي المجرم صدام حسين قبل هروبه الذليل في ان ينظموا الى الاحزاب الاسلامية كلا حسب طائفته. وليكن من حصة حزبك وقائمة دولة "قانونك" شباطّي وقح كان يتباهى بلبس الزيتوني مطلقا شاربيه على شاكلة القتلة الشباطيون ممتدحا ولي نعمته في اعياد ميلاده، وبالمناسبة فانه ليس الوحيد في حزبك ودولة "قانونه" بل هناك جيش من الشباطيين بين عسكريين مسلكيين ومستشارين اضافة الى جيش اللصوص والاميين الذي اوصلوا البلد سوية مع زملائهم شباطيي الطرف الاخر الى ما نحن عليه اليوم والقادم اسوأ ان لم تكنسهم الجماهير بتظاهراتها المشروعة.


 



السيد رئيس الوزراء اتمنى ان لا تميز بين شباطي سني وشباطي شيعي فالشباطي شباطي وان طوقته بالذهب، وعليه فان النائب عن قائمتكم دولة "القانون" عضو حزب الطغاة سابقا والدعاة حاليا " الرفيق والداعية" علي الشلاه والمنشورة صورته مع هذه المقالة يعتبر وصمة عار لقائمتكم ودليل على عدم خلو قائمتكم والمقربين منكم جدا من الشباطيين، وصدقني ايها السيد رئيس الوزراء ان الشباطي الشيعي ليس ملاكا والشباطي السني ليس شيطانا فالاثنين ايها السيد رئيس الوزراء ابالسة، فمن اجل وطن خال من الابالسة ابتعد عن الطائفية في تفضيلكم لشباطي دون آخر.

الى كتبة المالكي هل عرفتم الان من هم الشباطيون أيها البؤساء.

زكي رضا
الدنمارك
24/1/2013






453
هل على الشيوعيين ان يتحولوا الى عشيرة؟


يبدو ان التظاهرات الاخيرة في المناطق الغربية والشمالية وبعض الجيوب في بغداد قد اجبرت الحكومة المركزية على تنفيذ البعض من مطالبها خصوصا تلك التي تتعلق بالمعتقلات والمعتقلين واطلاق سراحهم بسرعة لم تكن لليوم معروفة عند حكومة المحاصصة الطائفية – القومية، التي تبدو انها تفقد سرعتها الى حد عدم التحرك مطلقا واصابتها بالشلل الولادي عندما يتعلق الامر بقطاعات الكهرباء والصرف الصحي وبناء المدارس ومشاكل البطالة والمتقاعدين وغيرها الكثير، او اصابتها بالشلل الرعاشي وهي تفشل في معالجة الوضع الامني الذي طالما اعتمده أحباب القائد على انه من انجازاته التي علينا البدء بها عندما نقيّم عمل وزارته كما يبدأ المسلمون بالبسملة وهم يتلون القرآن الكريم. ويبدو ان الوقت قد سقى القائد من نفس الكأس العشائرية التي طالما تغنى بها منتشيا وهو يستقبل العشائر (بهوساتهم) وشعارهم القديم الجديد وهم يهتفون بالروح بالدم نفديك يا ..... ليضعوا في الفراغ اسم اي زعيم يحكمهم لرضوخهم لمنطق القوة. والتي لبس المالكي اليوم لبوسها وهو يرضخ لاملاءات بدأت عشائرية مرسلا وفوده هنا وهناك مصدّرا اوامره لتكوين اكثر من خلية عمل لغرض انجاز ملفات كانت تبدو لنا شائكة "ومبدأية عند دولة القانون" خلال ايام معدودة، تلك التي كان يأخذ فيها النظام البيروقراطي الفاسد والمفسد اعواما في معالجتها.
 
ان الاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين من قبل الحكومة ليس بالامر السيئ بل على العكس فانها تعمل على تهدئة الاوضاع السياسية المضطربة كما وتعمل على تعزيز اللحمة الوطنية، وانصاف الضحايا خصوصا اولئك السجناء الذين انتهت مدة محكومياتهم ولم تفرج عنهم السلطات الا بعد بدء التظاهرات والاعتصامات وهذا ما ترجمه المتحدث باسم وزارة العدل السيد حيدر السعدي في بيان الوزارة الصادر امس الاثنين 21/1/2013  . ولكن الامر السيئ والذي علينا ان نتوقف عنده ودراسة اسبابه ، هو رضوخ حكومة المالكي (دون وزراء القائمة العراقية التي استخدمت لغة ليّ الاذرع في تعاملها مع الحكومة التي هي جزء منها) لتنفيذ المطالب " بعضها شرعي" بعد حدوث التظاهرات وليس قبلها؟ ولماذا لم تقم الحكومة مثلا بالافراج عن سجناء انتهت مدة محكومياتهم والتي تؤدي بالمشككين بعمل الحكومة الى طرح العشرات من التساؤلات حول عدم مهنيتها في التعامل مع هذا الملف؟ ولماذا تضع حكومة "منتخبة" نفسها في هذا الوضع البائس مثل الذي عليه اليوم حكومة السيد المالكي الذي جيّش واعضاء دولة "قانونه" والكتبة والمطبّلين والمسبّحين بحمده الشارع "الشيعي" في مسيرات تأييد لحكومته طالما انه كان يعرف في النهاية ان الامر سيسير الى نهايته المعروفة وهو تنفيذ بعض مطالب المتظاهرين المشروعة؟   .

ان ما جرى من تظاهرات وتظاهرات "مسيرات" مضادة تثبت ان ادوات حل الصراعات والنزاعات في العراق اليوم هي الطائفية والعشائرية وامتداداتها التي تتجلى بشكل احزاب تستمد منهما قوتها الانتخابية بعد ان تصل بالبلد الى حافة الهاوية قبل كل انتخابات او اثناء محاولة قسم منها التفرد بالقيادة السياسية على حساب شريكه الذي يتقاسم واياه دجاجة السلطة التي تبيض ذهبا، فالصراعات بين هذه الكتل السياسية ليس الهدف منها خدمة المواطن والوطن قدر ما هي صراعات من اجل البقاء في السلطة لاطول فترة ممكنة ونهب ما تجود به ارض العراق من نفط فقط بعد ان انتهت الصناعة وبدأت الزراعة تلفظ انفاسها الاخيرة نتيجة التصحر واهمال السلطات لها.

ان اهم نتيجة للصراع العشائري العشائري او الطائفي الطائفي الذي يجري اليوم هو اكتشافنا لمنطق القوة التي ترضخ له الحكومة المركزية او حتى الحكومات المحلية ليس امام الجماهير والاحزاب غير القومية وغير الطائفية بل امام عشائرها وطوائفها. والا لكانت الحكومة المركزية في بغداد استجابت مثلا للدعاوى القضائية العديدة التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي لاسترداد امواله المنقولة وغير المنقولة من تلك التي صادرها النظام السابق بقرار سياسي والمرفوعة منذ سنوات عدة امام القضاء العاجز لضغوط سياسية عن البت فيها على الرغم من معرفته بحيثيات القضية ووجود جميع الادلة تحت يديه، وعلى الرغم من قول المالكي شخصيا بان ما صادره البعث بقرار سياسي يعود بقرار سياسي. وهي عبارة عن عقارات وسيارات وحسابات مصرفية ليس في بغداد وحدها والتي حاصرت قوات دولة "القانون" فيها مقر اللجنة المركزية ومكاتب صحيفته المركزية (طريق الشعب) ودنّستها - والتي يستأجرها الحزب ببدلات ايجار ولم يصادرها كما صادر البعض مطارات ومعسكرات وجامعات هي ملكا للدولة اساسا ولم يستخدمها حتى البعثيون كمقار لهم- بل وفي جميع المحافظات. واذا كان المالكي قادرا بعصاه السحرية ان يلبي مطالب ظلت دون حل لسنوات خلال ايام، فما الذي يمنعه من تلبية مطالب الحزب الشيوعي العراقي في استرداد املاكه؟ ولماذا لا يشكل خلايا ازمة لتسريع تنفيذ مطالب قطاعات واسعة من شعبنا الذي ينوء تحت جبل انعدام الخدمات؟

واليوم والشيوعيين العراقيين كباقي شرفاء شعبنا يرون سحر العشائر في تلبية مطالبها من قبل الحكومة المركزية ورضوخها لهم، فهل عليهم ان يتحولوا الى عشيرة كي يلبي المالكي وسلطته مطالبهم المشروعة باعادة ما صادره منهم النظام المجرم؟ وهل عليهم وعلى الديموقراطيين في عراق الطوائف ان يتحولوا الى عشيرة كي يسمح لهم المالكي بالتظاهر في ساحة التحرير تحديدا كما اتباعه الشبّيحة من ابناء العشائر دون سمتيات تحلق فوق رؤوسهم ولا سيارات اسعاف تخطف ناشطيهم؟

من يستجيب لمنطق القوة اما جبان او انتهازي.

زكي رضا
22/1/2013
الدنمارك




454
أمن اجل هذا قاتلتم الطاغية صدام حسين ؟

زكي رضا
لقد كان ما يثير غضب الناس واستهجانهم وضحكهم منذ الوصول الثاني للبعثيين للسلطة في العراق سنة 1968 لحين هروبهم بالملابس الداخلية هي تلك المسيرات التي كانوا ينظمونها في مناسباتهم المختلفة، حين كانوا يجبرون الناس وخصوصاً الطلبة على الخروج في مسيراتهم تلك خلف لافتاتهم القومية التي لم نحصد منها سوى العاصفة التي اتت على العراق بشكل حروب خارجية وداخلية وحصار ذلّ شعبنا وشوّه قيمه واخلاقه وجعله ينظر الى وطنه وكأنه اسلاب قتال عشائري ليبيعه الى اقرب سمسار وفق مفهوم "الما يبوگ مو زلمه". ولتستمر هذه النظرة عند شعبنا حتى بعد زوال الطغاة بعد ان كرّس الدعاة مفهوم العشائرية والطائفية بأبشع صورهما بحيث اصبحا يهددان كيان البلد، الذي قال فيه المالكي في سبيل بقائه على رأس سلطته من ان له حلول اربع تجاهه "البلد" منهما التقسيم والحرب الاهلية مشفوعتان زوراً بعبارة لا سامح الله.
وحينما كان اركان الحكم الحاليين ، يعيشون خارج العراق هرباً من اجرام البعث وساديته كانوا ، ونحن معهم ، نعاني الامرّين في شرح وجهة نظرنا للعرب والاجانب حول تلك المسيرات التي كرّست قيم العبودية عند شعب يبدو انه لا يريد ان يحرر نفسه من نيره رغم رحيل الجلادين الى حيث كان يجب ان يرحلوا. وكان رجالات الحكم الحاليين ونحن معهم في منافينا التي امتدت الى مشارق الارض ومغاربها نكرر ونشرح ونقول باستمرار ان هذه المسيرات ليست عفوية، قدر ما هي منظمة من اجهزة السلطة الدكتاتورية ووفق كتب رسمية وحزبية موجهة الى مدارس ودوائر الدولة ومنظمات الحزب الفاشي.
 واليوم والعراق يصعد بفضل المتحاصصين الى هاويته التي لا قرار لها نتيجة الازمات الكثيرة التي تلفه وآخرها الصراع الشيعي السني المتمثلة ظاهريا بأزمة حماية العيساوي، والذي يحلو للبعض تسميته بالصراع الشيعي - البعثي او الايراني - العروبي وهو الاصح من وجهة نظري بعد ان رهن الطرفان بلدهما باجندة ايران من جهة وبدو الصحراء من جهة اخرى، وكرد فعل على التظاهرات التي انطلقت في المحافظات "السنية- البعثية" وفق تسمية البعض على الرغم من مشروعية بعض مطالبها. نرى وعلى خطى البعثيين تظاهرات في المحافظات " الشيعية - الدعوية" هي اقرب الى المسيرات كسابقاتها عهد البعث الساقط، تخرج بأوامر ادارية صادرة عن العديد من الدوائر التي تخصص لها "المسيرات" سيارات الدولة لنقل "المتظاهرين" الى اماكن التظاهر، وهذا ما اشار اليه العديد من النواب ومنهم النواب الصدريين. لتصب الزيت على النار في تأجيجها للاحتقان الطائفي والاستفادة القصوى منه في الانتخابات القادمة او حتى في تقسيم البلد لا سامح الله وهذه اللاسامح الله حقيقية وليست كالتي اطلقها السيد المالكي زوراً كما قلت.

صورة لكتاب المديرية العامة للتربية في المثني
ومن هذه المسيرات التي خرجت بأوامر السلطات الحاكمة والتي تسمى "تظاهرات" هي تلك التي خرجت بتاريخ 8/1/2013 عند الساعة 9.30 صباحاً في ساحة الاحتفالات بمدينة السماوة بأمر اداري صادر وموّقع من قبل السيد (عبد الكاظم نفات هتول)، والذي اصدر فيه اوامره الى طلبة 6 أعدايات وثانويات في المدينة وهيئاتها التدريسية للخروج بالتظاهرة تأييدا لحكومة نوري المالكي رافعين صوره مطلقين شعارات لا تقل في طائفيتها عن شعارات متظاهري الانبار وبقية المحافظات. مهدداً الطلبة والتدريسيين بشكل ضمني بنفس عبارة البعث الساقط في كتبه التي كان يصدرها لنفس الغرض وهي (وحضوركم جزء من الدوام الرسمي) وفق صورة الكتاب الصادر عن المديرية ادناه. والسؤال المطروح هنا للاسلاميين الطائفيين ممن يحكمون العراق اليوم ان لماذا قاتلتم الرجل اذن ايها السادة؟
السيد المالكي حتى لو لم تكن دكتاتوراً على خطى صدام لليوم فان بطانتك سيحولونك الى دكتاتور



16/1/2013
الدنمارك
 


455
خير وسيلة للاستمرار في السلطة هي المطالبة بدم الحسين "ع"

زكي رضا

بعيدا عن الغوص في التاريخ ودهاليزه المظلمة والرطبة والتي لم تورثنا الا الاحقاد والكراهية التي اثمرت عن معارك وحروب وصراعات ادت في النهاية الى ان يرتكب الفرقاء المجازر بحق بعضهم البعض، منذ استشهاد الامام الحسين "ع" في صحراء كربلاء سنة 61 هجرية وليومنا هذا. كان الامام الحسين "ع" ولا يزال احد الوسائل التي تبناها البعض للوصول الى السلطة، وبهذا اصبح هذا البعض تاجرا يمتلك بضاعة نادرة يستطيع من خلالها دغدغة مشاعر شيعة الامام للوصول الى غايته السياسية، التي ليس لها اية مشتركات لا مع الحسين كأمام ولا مع نهضته وثورته وهو يقول "انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله". ولا ادري هل أمة جد الامام "ع" هم شيعته فقط أم مجموع المسلمين؟

ومن هؤلاء التجار قديما كان عبد الله بن الزبير الذي طالب في حركته بدم الحسين "ع" والمختار الثقفي الذي خرج بالكوفة مطالبا بدم الحسين "ع" لغاية شخصية – كما معاوية وهو يطالب بدم عثمان- ، وغيرهما العديد، ومن التجار حديثا من أخرج "المتظاهرين" في ساحة التحرير حاملين صوره وهي تحمل شعارا طائفيا بغيضا لا يليق برجل دولة تعيش فيها قوميات واديان ومذاهب مختلفة، هذا الشعار الطائفي الكريه كان " انصروا مختار العصر " فما هو رأي علماء الشيعة به وبثورته ضد اركان الحكم الاموي؟ وهل سنة العراق أمويون كي يخرج المالكي "المختار" لابادتهم؟ وهل بهذه العقلية يريد المالكي ان يكون رئيسا لوزراء العراق لدورة ثالثة؟


يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه "الشيعة في الميزان" * ( وكتب "المختار" كتابا الى علي بن الحسين يريده ان يبايع له، ويقول بامامته، ويظهر دعوته، وانفذ اليه مالا كثيرا،فابى علي ان يقبل ذلك، او يجيبه على كتابه، وسبّه على رؤوس الملأ في مسجد رسول الله، وأظهر كذبه وفجوره، ودخوله على الناس باظهار الميل الى أبي طالب، ولمّا يئس المختار منه كتب الى محمد بن الحنفية يريده على مثل ذلك، فاشار اليه علي بن الحسين ان لا يجيبه الى شيء). اذن فالامام السجاد وفي مسجد الرسول قد شتم وسب المختار وقال عنه انه كذّاب وفاجر، ولكن العجب العجاب في عراق اليوم ان يرفع البعض لافتات تمجد مختارا جديدا على الرغم من سوء المختار الاول. ويستمر الشيخ مغنية في كتابه ** ( وبعد ان استقل المختار بالكوفة أخذ يطارد قتلة الحسين، ويقتلهم الواحد تلو الاخر تلبية لرغبات الشيعة الذين صمموا على الاخذ بالثأر، والانتقام من كل من اشترك في موقعة كربلاء ، بخاصة الاشراف، والرؤوس الكبار). فهل يريد المالكي واتباعه بشعارهم هذا ان يطاردوا سنة العراق والثأر منهم بقتلهم لاشتراكهم في قتل الامام الحسين "ع" في كربلاء!!؟؟ وان كانوا يريدون ذلك فلماذا وافق المالكي ان يقرّب المطلك والعاني والعشرات غيرهم منه والعفو عنهم، ام ان فعلته هذه هي اسوةً بالمختار وهو يعفي ويقرّب عمر ابن سعد قائد الجيش الاموي في واقعة كربلاء؟


السيد نوري المالكي والسادة في حزب الدعاة امن اجل هذا جاهدتم ضد الطاغوت وفق ادبياتكم وقدمتم من اجل العراق كما كنتم تدّعون قوافل الشهداء اسوةً بالاحزاب الوطنية العراقية الاخرى؟ هل انتهينا من حقبة البعث المظلمة لنعيش ظلامكم الدامس وفي ظل شعاراتكم الطائفية؟ لماذا لا تكون ايها السيد المالكي مثل سليمان بن صرد الخزاعي الذي طالب بدم الحسين وحوله القرّاء وأهل المعرفة وتصر على ان تكون المختار الذي كان حوله ومعه الغوغاء؟ السيد المالكي الله الله في "شعبك" ولا تحملهم وزر قتل الامام الحسين، فلا انت وريث امام عدل لن تستطيع الوصول اليه و لا "شعبك" بقتلة ابن بنت نبيهم.
الدنمارك
12/1/2013
* الشيعة في الميزان، الشيخ محمد جواد مغنية ص 212 و 213 .
** نفس المصدر ص 213 .


456
تظاهرات مشروعة بوسائل غير مشروعة
زكي رضا
منذ ان بدأ السيد نوري المالكي وباقي اطراف الازمة السياسية التي تعصف بالبلد وكمقدمة لحسم نتائج انتخابات مجالس المحافظات والبرلمانية التي قد تتزامن معها مبكرا، صراعهم الذي بدأ بقضية الهاشمي لتنتهي مؤقتا بقضية العيساوي. استغلت الاطراف السياسية المشاركة في الحكومة والبرلمان والتي تمثل رأس حربة الازمات والفساد وما يهدد الوطن من مخاطر جدية، التعصب الطائفي لتعزف عليه بعد فشلها طيلة السنوات العشر الماضية النغم النشاز والقبيح وهو التهديد بالصراع الطائفي بعد ان وفر له الطرفان كل الوسائل المتاحة والامكانيات المتوفرة في حشد اكبر عدد ممكن من "الجماهير" التي خرجت تتظاهر في حواضنها الطائفية مهددة السلم الاهلي والوطن لاخطار كبيرة. علما ان نفس "الجماهير" هذه لم تخرج ولو بالعشرات للاعتراض على غرق بغداد وبعض المدن الاخرى او للمطالبة بتوفير الخدمات والعيش على الاقل بآدمية في ظل دولة وصلت ميزانياتها منذ الاحتلال لليوم لارقام فلكية.

والملاحظ ان التظاهرات الاخيرة بدأت وكأنها رد فعل على اعتقال حماية وزير المالية "العيساوي" الذي تذكر اليوم فقط طائفية المالكي ودكتاتوريته بعد ان كان صامتا كصمت ابي الهول طيلة فترة توزيره متجاوزا كل مفاسد الحكومة وكيف لا يتجاوزها وهو جزء من حالة فساد تضرب باطنابها كل مفاصل البلد، كما انه لم يستوزر الا على اساس طائفي حاله حال زملائه في كابينة الاخوة الاعداء بقيادة المالكي. ولكن ما رافق هذه التظاهرات من ممارسات لا تمت بصلة الى ما يطلق عليه بحرية الاجتماع والتظاهر لتهديدها عصب الحياة للبلد وانتقالها كعدوى الى مدن وبلدات اخرى ذات طيف طائفي واحد، وتدخل دول ومنظمات على عداء تام مع شعبنا وتجربته الديموقراطية على علاتها لتسييرها واستغلالها للتدخل بالشأن الداخلي "الذي لم تكف عنه يوما"، يجعلنا نتوقف عندها خصوصا وان الطرف الطائفي الاخر حشد كل امكانياته للقيام بتظاهرات طائفية في بلدات ومدن ومناطق ذات طيف مذهبي واحد ايضا.

ان التظاهرات التي بدأت في مسقط رأس العيساوي "الانبار" تشعبت مطالبها منها ما هو مقبول وقابل للتحقيق بوجود ارادة سياسية حقيقية تهدف الى نزع فتيل الازمات والتي نفتقدها في عراق اليوم للاسف الشديد، ومن هذه المطالب اطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين دون اوامر قضائية وانهاء حالات الاقصاء والتهميش التي يتعرض له سنة العراق وتحريم استخدام الشعارات الطائفية في دوائر الدولة وتحقيق التوازن في مؤسساتها المختلفة وغيرها. والبعض الاخر من المستحيل تحقيقها لانها تعتبر انتحارا سياسيا ليس للمالكي فقط بل لكل من يعمل على تنفيذها ومنها تعليق العمل بالمادة 4 أرهاب وايقاف جميع القضايا المتعلقة به لحين الغاءه، اي اطلاق سراح جميع الذين تلطخت اياديهم بدماء الابرياء من ابناء شعبنا على الرغم من استمراره "الارهاب" وفشل الحكومة في انهائه !! وايقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة "اجتثاث البعث" اي عودة البعثيين الى الحياة السياسية على الرغم من الويلات التي مرت على العراق اثناء حكمهم الكارثي، علما ان عودة البعثيين الذين لم تتلطخ اياديهم بدماء ابناء شعبنا يعتبر امرا مقبولا وقد قامت السلطات العراقية باعادة الالاف منهم لليوم وفيهم الكثير من الذين انتموا الى الاحزاب الدينية الطائفية نفسها وخصوصا من العسكريين.

دعونا نتساءل الان، هل التظاهر حق كفله الدستور؟ الجواب نعم، وهل الحكومة تسمح بالتظاهر دون موافقات حكومية من وزارة الداخلية؟ الجواب لا، وهل القوى الطائفية الشيعية اوالسنية وهي تتظاهر لتأييد الحكومة او"المعارضة" تحصل على موافقات رسمية؟ الجواب لا. اذن من يُخرج هذه التظاهرات ويكتب لها هذا السيناريو الكارثي والذي لا يصب في مصلحة الناس قدر ما يصب بمصلحة الساسة الطائفيين واحزابهم؟ انهم المتحاصصون انفسهم لاننا على ابواب استحقاق انتخابي ولصرف نظر الجماهير عن فشل الحكومة بكل اطيافها في تحقيق الحد الادنى مما يحتاجه المواطن من خدمات.

ان الوسائل غير المشروعة التي يعتمد عليها الطائفيون من الطرفين لاتستخدم سوى اسلوب الشحن الطائفي على الرغم من مخاطره الجسيمة والتي ان لم يعملوا على لجمها اليوم قبل الغد - وهم غير فاعلون- فان نارها ستلتهم ما تبقى من نسيج اجتماعي رث، معرضة ليس العملية السياسية التي فشلت لليوم الى الخطر بل والوطن الى التقسيم وهذا ما اشار اليه السيد المالكي اخيرا. ومن هذه الاساليب استخدام العشائر التي عادة ما تبدل ولاءاتها للذي يدفع لها اكثر، وتوظيف المؤسسة الدينية التي عليها ان تنأى بنفسها عن هذا الصراع السياسي مهما كانت دوافعه، واللجوء الى دول الجوار والدول الاقليمية لتنفيذ اجنداتها الخطرة والتي تستهدف اضعاف العراق وبقاءه اسيرا لسياساتها في لعبة اكثر من قذرة سيدفع ودفع بسببها شعبنا الكثير من الدماء.

واذا كانت "المعارضة" اي "السنة" استخدمت اساليب غير مشروعة في تظاهراتها، فهل استخدمت دولة القانون وحلفائها والمالكي "الشيعة" اساليب مشروعة في تظاهراتها ردا على تظاهرات "السنة"؟ وهل يحق لرئيس وزراء يمثل الدولة باكملها الانجرار الى هذا الفخ والمستنقع الطائفي اذا لم تكن لديه النية المسبقة للتلوث باردانها؟ وان لم تكن لديه سواء عن قصد او دون قصد وعن ارادة او دون ارادة النية لتصعيد المواقف ضد شركاءه في العملية السياسية فعلام هذا الشحن الطائفي باخراج مظاهرات "موالاة" مليونية وحتى دون اخذ الموافقات الاصولية من قبل السلطات الاتحادية او الحكومات المحلية، كتلك التظاهرة المليونية التي هدد الزرفي بها تأييدا "لرجل المرحلة" نوري المالكي حسب وصفه والتي ستنطلق بمناسبة وفاة النبي محمد يوم الجمعة القادم من ساحة الميدان في مدينة النجف متوجهة الى ساحة العشرين فيها، وهل يستطيع السيد المالكي او الزرفي من اقناع اتباعهما من الابتعاد عن ترديد الشعارات الطائفية علما ان التظاهرة طائفية كتظاهرات المدن الغربية. وهل حصل المتظاهرون على موافقة السلطات المعنية للتظاهر؟

العراق اليوم لايحتاج الى رجل مرحلة غير متفق عليه بل الى رجل مطافيء (انقاذ) قادر على اطفاء النار الطائفية وهذا ما لاتمتلكه القوى والاحزاب الطائفية من الطرفين.
الدنمارك
8/1/2013


457
الفعاليات السياسية في العراق .. العلم الذي ترفعونه  ليس سوى " بيز"

لم يختلف شعبا على علم بلاده مثلما اختلف ويختلف الشعب العراقي، الذي مرّ في تأريخه السياسي الذي يقارب 9 عقود 7 اعلام ، اثنان منها في فترة العهد الملكي وآخرها وهو علم الاتحاد الهاشمي "علم الثورة العربية الكبرى" دون النجمتان السباعيتان اللتان كانتا ترمزان للالوية " المحافظات" ال 14  لم يدم الا بضعة اشهر بعد ان تم الغاؤه اثر نجاح ثورة 14 تموز. والثاني ذلك الذي تبنته حكومة 14 تموز من تصميم الفنان جواد سليم والذي انتهى العمل به اثر نجاح انقلاب 8 شباط الاسود، وليعتمدوا علما "عراقيا" جديدا مستوحى من افكار الوحدة العربية، حيث اضافوا الى علم الجمهورية العربية المتحدة نجمة ثالثة. وبقي العلم على حاله عهد الاخوين عارف والبكر والمجرم صدام حسين الذي غيره في كانون الثاني 1991 بعد غزو الكويت، باضافة عبارة (الله اكبر) بين نجماته الثلاث لاستمالة العالم الاسلامي والبسطاء من العراقيين ومنهم السياسيون السذج اليوم الذين لازالوا على نفس العلم بعد ان " قشمرهم" المجرم صدام حسين بعبارته تلك. علما ان العلم العراقي اليوم دون نجومه الثلاث وبقاء عبارة " الله اكبر" بالخط الكوفي والذي ترفعه حكومة المحاصصة يعتبر علما غير دستوريا لانتهاء العمل به بتاريخ 22/1/2009 ، بعد ان اقر البرلمان قبلها بعام قانون تغيير العلم على ان يبقى لسنة واحدة لاغير.

والمتابع لما يجري في العراق الان يلاحظ ان للعراق اليوم علمين احدهما غير دستوري ترفعه الحكومة العراقية على وزاراتها وبعثاتها الدبلوماسية ويمثل بشكل او بآخر شيعة العراق حيث يراه المرء بكثرة في المناطق الجنوبية من البلاد حيث الشيعة الذين يرفعونه في تجمعاتهم السياسية، والثاني علم النظام البعثي المنهار والذي يرفعه سنة العراق بكثرة في المناطق الغربية والشمالية الغربية نكاية بالحكومة المركزية وكرد فعل "لتهميشهم" وحنينا على ما يبدوا لايام النظام الدموي السابق.

ان يتظاهر " حق كفله الدستور" المرء ضد الحكومة من اجل توفير فرص العمل والخدمات المنهارة من ماء وكهرباء وشبكات الصرف الصحي، ومن اجل انهاء الطائفية في الحكم لنفاذ صلاحيتها - منذ يومها الاول - بعد ان اصبحت تهدد الوحدة الوطنية، ومن اجل حقوق الارامل والايتام والمتقاعدين والسجناء امر مقبول بل ووطني وسيضع الحكومة المركزية امام جملة من التساؤلات المشروعة كما سيساهم في تخفيف الاحتقان الطائفي. اما التظاهرات من اجل افراد حماية متهمون بالارهاب ولم يبت القضاء على الرغم من تسييسه بصحة التهم الموجهة اليهم لليوم حتى وان كان مقبولا، فان غير المقبول هو رفع الاعلام البعثية واعلام ما يسمى بالجيش "الحر" السوري ورفع صور اردوغان واطلاق  الشعارات الطائفية التي تنال من مكون واسع من مكونات شعبنا، حتى وان كان كرد فعل على رفع صور الخميني و الخامنئي واعلام حزب الله من قبل جمهور الاحزاب الشيعية الطائفية. لان بذلك تكون التظاهرات ذات صبغة طائفية سنية وتفقد الكثير من الانصار والمؤيدين لها في اوساط نسبة واسعة من الوسط الشيعي نفسه، والذي يعاني حاله حال بقية مكونات شعبنا من فقدان شبه كامل للخدمات، فالمياه التي دخلت بيوت الناس اثر غرق بغداد على سبيل المثال لم تدخل بيوت السنة دون الشيعة ولا الكرد دون العرب وكذلك عندما ينقطع التيار الكهربائي او عندما يفترشون التلاميذ الارض في "دولة" ميزانيتها تقدر ب 117 مليارد دولار.

ان المستفيد الاكبر من تظاهرات الانبار ذات الصبغة الطائفية للاسف الشديد هو رئيس الوزراء وحكومته الفاشلة والتي جاءتها هذه التظاهرات كهدية من السماء للهروب من الازمات العديدة التي تعيشها، ولتستفيد منها كورقة انتخابية في انتخابات مجالس المحافظات في نيسان القادم بعد ان تذّكر جماهير الشيعة بالشعارات الطائفية التي رفعت فيها والتي تصيب الكثيرين منهم بالرعب. علما ان طائفيي اليوم استنسخوا تجربة البعث الساقط الذي ادخلنا لعقود في مستنقع العروبة الآسن بادخال بلدنا في الوحل الايراني.

وعودة الى موضوع العلم "العراقي" بنسختيه الشيعية غير الدستورية والسنية البعثية اذكر هذه الطرفة: يقال ان سواديا دخل البصرة لاول مرة في حياته فتعجب من جلوس الناس في المقاهي ولم يكن قد رآها سابقا، ودفعه الفضول الى الجلوس في احداها طالبا "استكان چاي" واثناء جلوسه سمع صاحب المقهى يقول للعامل "جيب البيز لهنا" وبعد دقائق صاح مرة ثانية " ودّي البيز لهناك" وهكذا لعدة مرات، ما دفع السوادي لاشباع فضوله سائلا العامل " بويه ما تگلي شنهو هالبيز" فما كان من العامل الا ان يريه خرقة ينظف بها طاولات الزبائن، عندها قال السوادي " ودّي البيز جيب البيز ثاري البيز خرگه"، ايها السادة ان علم البعث ليس سوى "خرگه" حتى وان "قشمر" المجرم صدام حسين طائفيي العراق بعبارة الله اكبر.

زكي رضا
1/1/2013
الدنمارك 
     

 






458
كلكم مسخرة وكلكم مسؤول عن مسخرته

من سخرية القدر و مسخرته ان يحكم العراق ولاربعة عقود متتالية حزب دموي فاشي كحزب البعث، الذي كان نتيجة سياساته الحمقاء وحروبه الدونكيشوتية سببا رئيسيا في وصول اوضاع شعبنا الى ما هي عليه اليوم. ولكن الاكثر هزلا من الموقف الهزلي للدهر هو استمرار السخرية والمسخرة منذ عقد من الزمن الى يومنا هذا حيث حكم الطوائف الذي لم يكتفي بسرقة ثروات البلاد فقط، بل وصل الامر بسببه الى تهديد البلد بالتمزق والتشظي بعد ان فشل ساسته الجدد لطائفيتهم في لملة جراحه والسير به الى حيث الامن والسلام الذي فقدناه لعقود عدة.

وفي اعتراف واضح من قبل السيد المالكي في كلمته على هامش مهرجان المصالحة والسيادة الوطنية "لا ادري متى تتحققان" الذي عقد في بغداد يوم الجمعة 29/12/2012 " اشار الى ان العراق " للاسف الشديد" اصبح مسخرة بين دول العالم نتيجة الخلافات بين "سياسييه"، وقد اشار السيد المالكي - وهو على حق – الى الساسة الذين جعلوا العراق مسخرة قائلا ان (تبادل الاتهامات والتصريحات بين السياسيين في الأعلام جعلت العراق مسخرة بين دول العالم)، اذن فانتم ايها السيد رئيس الوزراء نتيجة اتهاماتكم لخصومكم "حلفائكم حتى الامس" احد الذين جعلوا العراق مسخرة بين دول العالم ، اليس كذلك؟ وحول تحميله مسؤولية ما جرى ويجري في البلد قال السيد رئيس الوزراء(الجميع مسؤول كل بموقعه وقدراته، ولا يمكن لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية)، وهذا يعني انكم ونتيجة رئاستكم للوزراء وقيادتكم للقوات المسلحة وهيمنتكم على وزارات سيادية امنية والعديد من اجهزة المخابرات والهيئات المرئية منها وغير المرئية والعشائر التي تتحرك بامرتكم عند الطلب تتحمل الوزر الاكبر في جعل العراق مسخرة امام دول العالم اليس كذلك؟ وحول محاولة البعض الهروب من المسؤولية على الرغم من دوره المناط اليه في حكومة المحاصصة وبرلمان المحاصصة قال السيد المالكي (الحكومة العراقية حكومة تضامن، لذا فأن إلقاء المسؤولية على طرف واحد هو تنصل"، مشددا أن "على المسؤولين تحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن)، قل لي بالله عليك ايها السيد رئيس الوزراء متى تتحمل والاخرين مسؤولياتكم تجاه الوطن المبتلى بكم؟ وقال السيد المالكي في جانب آخر من خطابه وحول غرق مدينة بغداد نتيجة هطول الامطار لساعات ان (المسؤولين لو ابتعدوا عن المماحكات السياسية وتحملوا مسؤولياتهم لما غرقت بغداد)، وسؤالي اليكم ايها السيد رئيس الوزراء هو ان لماذا تتركون الحبل على الغارب امام المقربين منكم في قائمة دولة "القانون" ليهاجموا جميع اطراف العملية السياسية، اليس الاجدر بكم وانتم على رأس الدولة ان تعملوا على تهدئة الاوضاع السياسية بلجم امثال هؤلاء.

ولكي نكون منصفين فان هذه الاسئلة وغيرها بالمئات ليست موجه الى السيد المالكي وقائمته فقط، بل الى "سياسيي" جميع الكتل البرلمانية المساهمة في حكومة المحاصصة الطائفية القومية من تلك التي لم يقدم وزرائهم حالهم حال وزراء قائمة المالكي اي شيء للوطن والمواطن منذ توزيرهم لليوم. وساهموا ويساهمون في عمليات الفساد والنهب العام وتعريض البلد ومستقبله الى كوارث ستكون احداث ما بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء نزهة اذا لم يعمل "ساسة" المحاصصة على لجم هذا الاستقطاب الطائفي اليوم قبل الغد.

السيد المالكي
السادة الوزراء
السيدات والسادة اعضاء "البرلمان العراقي"
هل تعرفون ما هي المسخرة التي جاء على ذكرها السيد المالكي؟

المسخرة ايتها السيدات والسادة هي ان يوعد احدكم شعبه بحل مشاكله خلال  يوم100 ويكذب في وعده.
المسخرة ان يقول احدكم ان العراق سيصدر الكهرباء الى دول الجوال ويكذب في ذلك.
المسخرة ان يمتلك احدكم معلومات حول افراد يقتلون ابناء "شعبه" ولا يشهرها الا عند حاجته الشخصية لها.
المسخرة ان يفشل عسكري في مهمته بفرض الامن ومكافئته بترقيته الى فريق ركن.
المسخرة ان ينتقل عضو برلماني منتخب بين عواصم العهر العربية مستقويا بها ضد عملية سياسية هو جزء منها.
المسخرة هي زج العشائر في الصراع السياسي الدائر بين اللصوص الكبار.
المسخرة عدم محاسبة عضو برلماني يدعوا الى الطائفية علنا.

هناك الالاف من الافعال في عراق اليوم من التي يمكن اطلاق تسمية مسخرة عليها، لكن تبقى غرق مدينة بغداد اكبر مسخرة في تاريخ دولة المحاصصة الطائفية القومية، وبهذه المناسبة اسمحوا لي ايها السيد رئيس الوزراء وشركائكم بالعملية السياسية، ان اقول لكم كلكم مسخرة وكلكم مسؤول عن مسخرته.

الزهايمر هي الصفة الوحيدة التي يمكن اطلاقها على من ينتخب الفاشلين.   

زكي رضا
الدنمارك
29/12/2012




459
لقد وفى السيد رئيس الوزراء بوعده

اليس من حقنا الان ان نقهقه عاليا من غباء اشباه السياسيين العراقيين الذين لا يرون من عالم السياسة ودهاليزها ابعد من ارنبة انوفهم. واليس من حقنا اليوم ونحن نرى العراق يعيد انتاج دكتاتور جديد يسير بالبلد منذ توليه السلطة بتوافق الفاشلين الذين لم يقدموا لشعبنا ووطننا منذ وصولهم على ظهر دبابة امريكية الى اليوم الا الخراب والدمار الذي طال كل مفاصل البلد، ان نقول بعلو صوتنا الذي قمعته حراب وعصي ابناء عشائر المالكي الذين جاء بهم لقمع التظاهرات التي اندلعت شباط 2010 التي طالبت باصلاح العملية السياسية في ساحة التحرير، ان لا للدكتاتورية التي تستمد قوتها وديمومتها من النظام العشائري المتخلف. واليس من حق شعبنا على " ساسته " ان يجتمعوا لينزعوا فتيل هذه الازمة التي ان اندلعت شرارتها الاولى فانها ستحرق اليابس والاخضر، معرضة شعبنا الى حرب اهلية يختلط فيها الحابل بالنابل والتي ستكون نتائجها المدمرة اكبر بكثير من نتائج حروب وقمع الطاغية الاول مجتمعة.

يا اشباه الساسة انتم وللاسف الشديد ووطننا وشعبنا الذي منحكم اصواته اليوم في مفترق طرق خطر بعد ان توسل السيد رئيس الوزراء بالعشائر العربية لتحشيدها مقابل ابناء وطنهم من الكرد، في حدث تاريخي لم يحدث في اي عهد من عهود العراق المختلفة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وليومنا هذا الا في عهد المالكي. فطيلة سنوات الصراع الكردي ضد المركز لم يكن الفرز القومي كما هو عليه اليوم، بل على العكس كان عرب العراق دوما الى جانب نضالات الكرد، وفشلت جميع الحكومات العراقية الا حكومة المالكي من تجييش هذا الحقد القومي الطائفي الذي نتمنى ان لا ينفلت من عقاله ليقود البلد الى دهاليز اكثر عتمة مما هي عليه اليوم. وفي الوقت نفسه لم تفشل القيادة الكردية طيلة فترة نضالها من اجل حقوق شعبها المشروعة في الحياة بكرامة كما فشلت اليوم في تضييق شقة الخلاف مع حكومة هم ليسوا جزءا منها فقط، بل ساهموا مساهمة فعالة وكبيرة في تشكيلها ليسلموا قيادة سفينة البلد الى قبطان اثبتت الاحداث من انه ورفاقه ليسوا سوى قراصنة يقودون البلد نحو المجهول. ناهيك عن ابتعادهم عن القوى الديموقراطية العراقية والتضييق على الحريات في الاقليم على الرغم من ان حالة الامن والاستقرار وحتى الفساد التي ساهمت بعملية البناء هناك لا يمكن مقارنتها ببقية مناطق العراق.  لقد علل الكرد ابتعادهم عن الوسط الديموقراطي العراقي بعدم فعالية وتأثير القوى الديموقراطية على الارض في نظرة قاصرة لا تفكر بالمستقبل !! وكأن الذين خرجوا مطالبين بالسلم في كردستان متحدين الاعتقال والفصل والتشريد بل وحتى القتل وهم انفسهم الذين بذروا مفاهيم الاخوة العربية الكردية والدفاع عن الشعب الكردي، ليسوا انفسهم الذين ادارت لهم الاحزاب الكردية ظهرها متنكرة لنضالاتهم "التي يحتاجها الكرد اليوم لمواجهة الطوفان البعثي الجديد" عندما كانت في زواج متعة مع احزاب الاسلام السياسي ومنها حزب الدعوة الحاكم.

ان اقحام العشائر العربية "كما عشائر كربلاء" في القتال ضد الشعب الكردي من قبل المالكي الذي سيحول العراق الى حديقة خلفية ليس لحزبه الذي سينقلب عليه بعد ان يشتد عوده اكثر، بل الى قائمته "دولة القانون" التي سيحولها مستقبلا الى حزب سياسي لا يختلف كثيرا عن اي حزب دكتاتوري قمعي كحزب البعث الفاشي. لبرهان على عقلية رئيس وزرائنا في تأزيم المواقف مع شركائه والاستفادة القصوى من اختلاف وجهات نظرهم تجاه العديد من القضايا العقدية، كلما اراد الهروب من اخفاقاته المستمرة وفشله  في ادارة الازمات الموجود او التي ينتجها ويستنسخها. ان شركاء المالكي في العملية السياسية اليوم سيدفعون ثمناً غالياً لتهاونهم وعدم تكاتفهم لمنعه من ان ينفرد بالقرار السياسي باكمله ، بعد ان ينهي صراعه مع الكرد ، الحلقة الاقوى من سلسلة معارضيه. ان اعتماد المالكي على العشائر ومجالس الاسناد واغداق الاموال الطائلة عليهم نتيجة المداخيل الخيالية لبيع النفط العراقي، تشير الى وفاء المالكي بالوعد الذي قطعه على نفسه امام مؤتمر للعشائر عندما قال فيه ردا على هوسه عشائرية لا تختلف عن هوسات العشائر للطاغية الاول في ان لا تنطيها "الحكم" ونحن جنودك قائلا "هو اكو واحد يكدر ياخذها حتى ننطيها بعد"*.

نعم ايها السيد رئيس الوزراء لقد وفيت بوعدك وها هم شيوخ العشائر يتهيأون لضخ الدماء في نهر الموت الذي لن يرتوي نتيجة عشقك للسلطة ويا ريتك لو كنت من خلالها قد قدمت شيئا لابناء شعبنا. وندعوك باسم فقراء "شعبك" للقيام بزيارات ميدانية لأية مدينة عراقية لتتعرّف من خلالها على احتياجاتهم. ولتفكر 1000 مرة قبل ان تهدد باشعال الحروب والحرائق ببناء "وطنك" ليعيش فيه الانسان العراقي بعز وكرامة.

http://www.youtube.com/watch?v=TAJDT3I7L0g رابط هوسة عشائرية للسيد رئيس الوزراء.

http://www.youtube.com/watch?v=9PstwDBeYUg رابط هوسة عشائرية للطاغية الاول.

في هوسات عشائر العراق بذّل للطغاة نستطيع القول .. ما اشبه اليوم بالبارحة..

زكي رضا
الدنمارك
12/12/2012




460
المالكي والدعاة وتقسيم العراق

اصبح عرفا ان تكون هناك صحف مقربة من الحكومات في جميع بلدان العالم، وتقوم هذه الصحف عادة باطلاق بعض الاخبار التي تتعلق بالسياسة الداخلية او الخارجية للبلد من تلك التي لا تستطيع تلك الحكومات من التصريح بها للوهلة الاولى بشكل علني. اذ تعتبر تصريحات هذه الصحف بمثابة بالون اختبار للرأي العام ومدى تجاوبه سلبا او ايجابا مع تلك الطروحات، كي تتخذ الحكومة على ضوئها الخطوات التي تراها مناسبة للسير قدما في ما تريد الاقدام عليه. وتعتبر افتتاحيات هذه الصحف وخصوصا ان كانت بقلم رئيس تحريرها هي مقدمة لما تريد الحكومة ان تتناوله من قضايا على الصعيد الداخلي او تلك التي تتعلق بالسياسة الخارجية للبلد. ولو اخدنا بعض الصحف كمثال على ذلك نرى ان الواشنطن بوست واللوفيجارو مقربتان من البيت الابيض والاليزيه – عند حكم اليمين –  وتلعبان دورا بارزا في رسم السياسة الداخلية والخارجية للبلدين، وكذلك كيهان الايرانية المقربة من ولي الفقيه على الصعيد الاقليمي، وفي العراق البعثي المنهار كانت صحيفة الثورة العراقية مقربة من الحكومة والحزب الحاكم وكانت افتتاحياتها تنطق بلسان رئيس ما يسمى بمجلس قيادة الثورة المنحل.

اما اليوم فان صحيفة الصباح البغدادية الممولة من الحكومة العراقية تعتبر من الصحف المقربة من المالكي ان لم تكن ناطقة باسمه، ويعتبر رئيس تحريرها السيد الشبوط وهو في نفس الوقت رئيس شبكة الاعلام العراقي الرسمية المقربة "المملوكة" من الاسلاميين، قريبا جدا من المالكي الذي منحه هذين المنصبين المهمين جدا. وعليه فان ما يفكر به المالكي وحزبه وتحالفه الشيعي والذي تترجمه جريدة الصباح الى مقال، ليس اكثر من بالون اختبار يطلق وسط هذا الضجيج الاعلامي الذي يترافق مع المشاكل الكبيرة وشبه المستعصية التي يمر بها العراق.

 من الممكن القول ان شهر العسل الشيعي – الكردي قد بدأ يلفظ انفاسه الاخيرة منذ موت اللجنة المكلفة بادارة المادة 140 التي ماطلت فيه الحكومة المركزية وعملت على تسويفه، ولتدخل العلاقات بين الطرفين انفاقا عديدة انتهت جميعها الى ما يريده المالكي من جهة وسلطات الاقليم من الجهة الاخرى وهو فض الشراكة بين الشعبين العربي والكردي في وطن لازال لليوم يحمل اسم العراق.

واذا كان الكرد يريدون تطوير الفدرالية الى انفصال او اتحاد كونفدرالي مع العراق او غيره على الرغم من عدم نضوج الظروف الموضوعية التي يجب ان تتوفر لانجاح مسعاهم هذا لليوم، نتيجة لعدم حل مشاكل الشعب الكردي القومية في ايران وتركيا - سوريا مرشحة لفدراليات او التقسيم بعد انهيار نظام الاسد- وعدم نضوج الدور الدولي او بصورة ادق الدور الامريكي تجاه حق الاكراد المشروع في بناء وطن خاص بهم ضمن خارطة جديدة للمنطقة. فعلى الحكومة العراقية ان تعمل المستحيل ان كانت حريصة على البلد من اجل تأخير هذا الانفصال بمنح الاكراد شعورا بالثقة بها "الحكومة" والبدء بحل المشاكل العالقة بين الطرفين كمقدمة لحل حزمة المشاكل التي تعصف بالبلد والتي فشل السيد المالكي وطاقمه من حلها لليوم، بدلا عن استخدام لغة التهديد باستخدام القوة لحل الخلافات وتأزيم الاوضاع السياسية. ومن نافل القول ايضا الاشارة الى تصريحات مقابلة من الجانب الكردي في تأزيم المواقف من الحكومة المركزية، وعدم التفاتهم مبكرا الى محاولة المالكي تحويل الصراع الطائفي الذي استفاد منه لليوم ببراعة الى صراع قومي هذه المرّة، نتيجة لفشله في ادارة الازمات العديدة التي يمر بها العراق وتحضيرا لانتخابات مجالس المحافظات العام القادم، واستخدام الصراع مع الاكراد ووحدة التراب العراقي!! كدعاية انتخابية.

ولنعود الان الى مقالة "الخطة باء كرديا" التي نشرتها صحيفة الصباح بتاريخ 4/12/2012 وبقلم رئيس تحريرها السيد الشبوط، الذي تناول فيها تاريخ الصراع الكردي مع الحكومات المركزية في العراق وفشل الطرفين في تجاوز المشاكل العالقة بينهما منذ زمن طويل وفشلهم في حلّها كذلك، على الرغم من جولات المفاوضات العديدة بينهما حسب وصفه. وكوصفة لعدم الاصطدام بين الطرفين ولابعاد شبح الحرب بينهما لم يتوصل الكاتب الاّ الى طرح وجهة نظره والتي هي وجهة نظر السيد المالكي وحزبه وكل التحالف الشيعي، الذي ينتقد المالكي ودولة قانونه ويتهمهما بالانفراد بالقرارات ويتحالفون معه وقائمته في قوائم انتخابية واحدة كما في صلاح الدين وديالى وغيرها "انتخابات مجالس المحافظات"، هذه الوصفة هي الخطة باء والتي تعني وفق ما جاء به الكاتب في مقالته، تقسيم العراق اولا الى دولتين قوميتين عربية وكردية وقد يكون ثانيا ولخجل المالكي من قولها اليوم هي فض الشراكة بين العرب الشيعة والعرب السنة.

وقد اقترح الشبوط المقرب من المالكي خطة من 5 نقاط لتشييع العراق الى مثواه الاخير بعد ان اكد ان هذه الخطة " تتطلب اجراء مفاوضات بين الكرد والعرب ليس لحل المشكلات العالقة، ولا لكيفية البقاء في اطار دولة واحدة، انما تستهدف بصريح القول البحث عن طريق ممكن للانفصال السلمي، لفض الشراكة العربية الكردية بطريقة سلمية وودية" ولم يوضح الكاتب هنا معنى العرب هل هم العرب الشيعة ام العرب السنة، ونحن نعرف جيدا ان المالكي لا يمتلك اي رصيد او شعبية وسط المناطق العربية السنية الا بعد ان لوح بالصراع العربي الكردي عاليا مستخدما اياها كورقة لدغدغة مشاعر القوميين العرب، الذي يبدو انه يلتقي معهم في اكثر من نقطة ان لم يكن قد تجاوزهم في حسّه العنصري كما الطائفي. ومن اعطاه الحق للتحدث باسم العرب السنة وهو الذي يعتبر اية مواقف سياسية صادرة من اي نائب سني حول اي موضوع، باعتبارها معادية للعملية السياسية اذا لم تكن تصب في مصلحته. ويضيف السيد الشبوط قائلا " اذا تعذر حل المشكلات الراهنة والبقاء معا، فلا داعي للاحتراب والانزلاق الى الحرب الاهلية، انما لا بأس من فض الشراكة وتمهيد الطريق لقيام الدولة الكردية الجديدة، التي لن تكون اول دولة تنبثق من رحم دولة ثانية، وأقرب مثال نسوقه الى ذلك دولة جنوب السودان، بغض النظر عن المشاعر الرومانسية حول مفهوم وحدة الدولة العراقية"، نعم ايها السيد الشبوط لا داعي للاحتراب وهدر طاقات الطرفين فلنجنح الى السلم في تشييع العراق، اما مثالكم حول انفصال السودان فهو المثال الافضل للبلدان التي يحكمها الاسلاميون وطريقتهم في ضياع بلدانهم فشكرا لكم على هذا المثال البائس، كبؤس سياسة الاسلاميين الذي بعد عقد على وصولهم للسلطة بواسطة " الشيطان الاكبر" الذي كنتم تدبجون المقالات ضده وانتم في ايران، اوصلوا البلد الى مفرق طرق احدهما يتجه الى الهاوية والاخر يتجه الى الهاوية!!

ويستمر السيد الشبوط في مقالته ليكتب " مثل هذه المفاوضات التي تدور حول الانفصال/ الاستقلال سوف تتمحور حول امور تختلف عن القضايا التي يجري بحثها حاليا في اطار حل المشاكل العالقة بين الطرفين. ومن هذه الامور الجديدة"

اولا، كيفية تحقيق الاستقلال او الانفصال،
ولم يعطينا جوابا عن طريقة التحقيق هل هي الحرب مثلما يهدد المالكي اليوم ام المفاوضات، علما انه قال في اول مقالته ان المفاوضات بين الطرفين ستكون في الوسيلة لفض الشراكة بينهما.

ثانيا، حدود الدولة الكردية الجديدة، واحسب انها حدود يوم 9 نيسان عام 2009 . اعتقد ان هناك سهوا او خطأ مطبعيا في هذه المعلومة التي قالها المالكي - وليس انتم - الذي تتحدث باسمه كرئيس لتحرير جريدة الصباح البغدادية في مؤتمر صحفي عقده في مجلس الوزراء حول الفساد الذي رافق صفقة الاسلحة الروسية "بأن حدود اقليم كردستان حددها مجلس الحكم ولم تختلف عما كانت عليه قبل العام 2003 " . واذا كانت حدود الاقليم مثلما تقولون فعلى ماذا تريدون التفاوض؟

ثالثا، مصير العرب الموجودين في كردستان المستقلة، ومصير الكرد الموجودين في دولة العراق العربية. السيد الشبوط ساختصر لكم التفكير بهذه المشكلة، عن طريق منح العرب والكرد في البلدين اللذين يقترحهما المالكي كمرحلة اولى لتقسيم العراق، مقاطعات على غرار" ناگورنا قرباخ" بين آذربيجان وارمينيا، ليستخدمهما المالكي كورقة في صراعه القادم ضد خصوم جدد قد يكونون من نفس حزبه ليطيح بهم كما اطاح بالجعفري والدباغ والقائمة ستطول.

رابعا، مصير المناطق المتنازع عليها (اي كركوك، المذكورة في الدستور) والمناطق المختلطة (التي لم يسمها القانون). وانا اقترح اللجوء الى الامم المتحدة لحل هذه المشكلة، حيث لا تبقى قيمة للمادة 140 من الدستور. السيد الشبوط اذا كان اقتراحك " اقتراح المالكي" هو عرض المشكلة على الامم المتخدة لحلها فلم تقسيم البلد اذا، دعونا ان نطلب مساعدة الامم المتحدة لتحديد عائدية كركوك والمناطق المتنازع عليها بعد تقديم الطرفين ضمانات مكتوبة " لانعدام الثقة بين الطرفين" في قبول ما ستحكم به الامم المتحدة. وسؤال آخر قبل الانتقال الى النقاط الاخرى هل بقت للمادة 140 قيمة لليوم!؟

خامسا، فك الترابط الاداري بين الدولتين، في وزارات ومؤسسات وسفارات وممثليات الدولة العراقية الراهنة. سوف اتجاوز هذه النقطة لانها من البديهيات.


سادسا، مستقبل العلاقات بين الدولتين. وانا اقترح ان يبادر العراق الى الاعتراف فورا بالدولة الكردية الجديدة، وتبادل السفراء فورا، واقامة علاقات طبيعية معها على مختلف الاصعدة، وان يساعدها على الانضمام الى الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي، ولا احسب ان الانضمام الى الجامعة العربية وارد.
شكرا على الاعتراف المبكر بالدولة الكردية ولكن اذا تم تقسيم العراق الى ثلاث بلدان، فهل ستطلقون اسم العراق على دولتكم الشيعية! وماذا عن سنة العراق ؟ اقترح عليكم وعودة على ضربكم للسودان كمثل يحتذى به!! ان تكون دولتكم باسم العراق الشرقي الجنوبي الشيعي ودولة السنة باسم العراق الغربي السني، ما رأيكم؟

وينهي السيد الشبوط مقالته قائلا " طبعا بعد اتمام الانفصال سوف يتعين على الدولة العراقية ان تلتفت الى نفسها وتجري التعديلات الضرورية في دستورها ومؤسساتها وممثلياتها تبعا لتغير طبيعتها وهويتها القومية"
السيد الشبوط هل الحكومة العراقية والسيد المالكي ينتظرون انفصال كردستان العراق اولا، كي تلتفت بعدها دولتكم الى نفسها!!!؟؟؟ اظنكم تريدون ذلك وليكون العراق – او اي اسم تختارونه – في دستوركم الذي تريدون تغييره، جمهورية اسلامية على غرار دولة الفقيه في الشقيقة ايران.


الى احد اصدقائي الشيعة اتمنى منك عند الاعياد ان تضع زهرة حمراء على قبر ابي في وادي السلام الذي لن استطيع زيارته بعد تقسيم العراق.


زكي رضا
الدنمارك
6/12/2012





 




461
بشرى سارة لشعب العراق

ايها العراقيون لقد انتهى الارهاب في وطنكم فشمّروا عن سواعدكم لمرحلة البناء.
ايها العراقيون لقد لفظ تنظيم القاعدة الارهابي انفاسه الاخيرة بفعل يقظة ابنائكم البررة.
ايها العراقيون سوف لن تسمعوا بعد اليوم اصوات انفجارات السيارات المفخخة في شوارع مدنكم وهي تحصد ارواح ابنائكم الابرياء.
ايها العراقيون لقد انتهى عهد بيانات تنظيم القاعدة الارهابي التي كانت تذاع شهريا لتضعف ثقتكم بحكومتكم الوطنية التي يتهمونها زورا بحكومة المحاصصة.
ايها العراقيون ها هي حكومة المالكي التي يثير حولها الخونة وعملاء الاجنبي الاقاويل بالفساد والرشوة وسرقة المال العام تقدم لكم اعظم خبر في ايامنا هذه الحبلى بالمشاكل.
ايها العراقيون نعاهدكم منذ هذه اللحظة بتوفير ما تحتاجونه من خدمات واهمها عدم السماح بعد اليوم بتحويل مدن العراق الى بندقيات " كمدينة البندقية الايطالية".
ايها العراقيون ....
ايها العراقيون ......
ايها العراقيون ........

ما جاء اعلاه ليست بديباجة لخطاب تعودنا على سماعه من مختلف الحكومات العراقية على مدى عقود. بل هو استنتاج توصلت اليه من خلال بيان صدر من جهاز مكافحة الارهاب مساء اليوم ونقلته فضائية السلطة " الفضائية العراقية"، حول اعتقال قوة خاصة من جهاز مكافحة الارهاب "الفرقة الذهبية" المرتبطة مباشرة بالسيد رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، على الارهابي ( ابو بكر البغدادي) زعيم تنظيم القاعدة في العراق في منطقة ما شمال بغداد.

وعلى الرغم من اهمية الخبر من الناحية الامنية خاصة والسياسية بشكل عام فان تصريح السيد مستشار رئيس الجهاز "المرتبط بمكتب المالكي مباشرة" من ان " عملية الاعتقال كشفت جميع الخطوط السرية للقاعدة في العراق" تبقى الاهم في هذا الصيد الثمين،  ولكن السيد المستشار ابى الا ان يدخل على قلوبنا الفرحة كاملة هذه المرّة  لنعيش من خلالها افراحا لم نذقها منذ ان ادخل الطغاة بلدنا في حروب لم تكن لنا ناقة فيها ولاجمل. عندما زفّ الينا اجمل بشرى حول عثور الجهاز على " قوائم اسماء عناصر التنظيم - القاعدة - الحركية والصحيحة واماكن وجودهم وتحركاتهم في العراق". وهذا يعني ان الحكومة باتت تعرف كل خفايا هذا التنظيم الارهابي وان مسألة مطاردة واعتقال عناصره تكون قد بدأت حتى قبل اذاعة البيان من خلال الاعلام.

السيد رئيس الوزراء بالله عليك وحقنا لدماء شعبنا لاتجعل من هذه الورقة التي بين يديك الان ورقة لمقايضة خصومك السياسيين وتهديدهم، لاننا تعودنا منك ان تحتفظ بملفات الاتهامات ضد الارهابيين والقتلة والفاسدين لسنوات قبل الاستفادة منها والتلويح بها  في المنعطفات السياسية الحادة التي قد تطيح بسلطتك. السيد رئيس الوزراء ببيان جهاز مكافحة الارهاب هذا تكون قد فقدتم كل الحجج في البدء بعملية الاعمار لتحججكم طيلة السنوات الماضية بنشاط القاعدة و كثرة العمليات الارهابية،  وها هو تنظيم القاعدة اليوم اصبح مكشوفا امامكم بجميع عناصره وباسمائهم الحركية والصحيحة.

السيد رئيس الوزراء نتمنى ان لانسمع في المستقبل القريب عودة هذا التنظيم الاجرامي الى الساحة مرة اخرى، لان عندها سوف يتم تفسير الامر على ان ما قاله مستشار جهازكم لمكافحة الارهاب ما هو الا كذبة، الغرض منها ابعاد شعبنا المتعطش للامن عما يجري من فساد حول مختلف الملفات الخدمية والنفطية والمالية والتسليحية ، تلك التي يتاجر بها ابناء الطبقة المخملية وامام ناظريك، السيد رئيس الوزراء هل سيبدأ الاعمار حقا؟

امشي وراء الكذّاب حتى باب الدار " مثل "

زكي رضا
الدنمارك
2/12/2012

 





462
ابهذه الاخلاق سنبني عراقا جديدا يا نواب "الشعب"؟

يعمل المسلمون دوما على ربط الاخلاق بالدين معتبرين وفق تفسيرات دينية للقرآن والاحاديث النبوية ولما قاله الائمة المعصومون من اقوال "عند الشيعة" والسلف الصالح عند "السنة"، ان الاخلاق ما هي الا نتاج لتربية دينية تستمد مفاهيمها وقيمها من الدين وتطبيقاته في المجتمع. متجاوزين على القيم والاخلاق في المجتمعات غير الاسلامية كالمجتمعات الغربية "المسيحية" والجنوب شرق اسيوية "البوذية" كاليابان مثلا وغيرها من تلك التي تعتبر الرشوة وسرقة المال العام وعدم ايفاء السياسي بوعوده الانتخابية والحوار غير العقلاني وغير المؤدب هي قمة سوء الاخلاق "لحدود بعيدة". ولو تركنا التعريف العام للاخلاق لاختلافها من مجتمع الى اخر تبعا للتطور العلمي والصناعي والزراعي والذي لانستطيع كعراقيين ان ننافس فيها الاخرون،  واتجهنا نحو تعريف نسبي للاخلاق تبعا لتطور فكري واخلاقي اذ ندّعي من اننا حملة فكر لايضاهيه اي فكر على الارض وهو الاسلام، واخلاق تعلمناها منه "الاسلام" ورجالاته وعلى رأسهم النبي محمد"ص" الذي يقول ( ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء).  لتوصلنا على الاقل الى تعريف مبسط جدا للاخلاق وهي التحدث بادب خصوصا عندما يكون الامر متعلقا بالشأن العام وصادرا من شخص لايمثل نفسه بل يمثل للاسف الشديد حزبا او تيارا حصد اصوات الناخبين لتعكزه على الدين والمذهب واخلاقهما وليس على الكفاءة وخدمة الناس! والا لكان لدينا الان وبعد ما يقارب العقد على زوال البعث الدموي شعبا يتمتع بابسط اشكال الخدمات ووطنا يحترمه جيرانه  .

والان هل يعتبر النائب عن دولة القانون والتحالف الشيعي عزت الشاه بندر مؤدبا وهو يقول " من يورد اسمي في شبهة الفساد والتحقيقات التي تجري بصفقة السلاح مع روسيا يخسأ هو وابوه والذين خلفوه، وكل الذين أوردوا اسمي فهم باسماء مستعارة لانهم غير شرفاء وجهلاء!". علما من انه احد عرّابي صفقة شراء الاسلحة الروسية ذات رائحة الفساد التي يشّمها الجميع الا حزب الدعوة ودولة لاقانونه!  ولا يعتبر تصريح الشاه بندر هذا هو الاول الذي يدل على سوء سلوكه وتعامله مع السياسيين الاخرين بهذه الاخلاق، فسبق له ان دخل في مشادّة كلامية تطورت الى تبادل للسباب واطلاق الشتائم والكلمات النابية بينه وبين كل من عبد الستار البياتي وجواد الشهيلي النائبين عن كتلة الاحرار، وكذلك تلك المشادّة التي وقعت بينه وبين علي عاصي النائب عن العراقية والتي وصلت الى حد السباب والشتائم السوقية داخل مقهى المقهى "كافتريا البرلمان". وقد سبق للشاه بندر وفي لقاء مسجل *التجاوز على القيادي في المؤتمر الوطني العراقي انتفاض قنبر بكلمة يخجل الانسان من قولها لخصم سياسي وبهذا الشكل العلني. وقد سبق لعضو اخر في دولة "القانون" وهو النائب محمد الحسن ان قال بكل عنجهيه وبعيدا عن الادب والكياسة اثناء النقاشات حول استحواب وزير التعليم العالي علي الاديب، وداخل المركز الاعلامي للبرلمان ان "الاديب لن يحضر الى البرلمان ولن يتم استجوابه حتى لو انطبقت السماء على الارض!". ولكل هذا اعتقد ان اليوم الذي سيستخدم فيه اعضاء حزب الدعوة ودولة "القانون" اسلوب منتظر الزيدي غير الاخلاقي وغير الحضاري في الحوار ليس ببعيد اذا كان لهم نواب بمستوى اخلاق الشاه بندر وزميله.

عزيزي القاريء ان اخلاق الشاه بندر هذا وزملائه تذكرني بمقولة للقمان الحكيم ذهبت مذهب الامثال في اللغة الفارسية وهي: أدب از كي آموختي، گفت از بي ادبان، ومعناها في اللغة العربية هو: ممّن تعلمت الادب، قال من عديمي الادب. واعتقد انه علينا كعراقيين ان نتعلم الادب من اعضاء دولة " القانون" والحزب الحاكم واعضاء برلماننا العتيد.


روى الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن أن أحسن الحسن الخلق الحسن .

http://www.youtube.com/watch?v=59PMFQKLlN0 رابط الفلم الذي يتهجم في الشاه بندر بكلمة نابية جدا على انتفاض قنبر.

زكي رضا
الدنمارك
1/12/2012



463
جيش العراق لحماية العراق ام لتمزيقه ؟


يعتبر الجيش عادة مؤسسة ذات مهمتين اساسيتين الأولى للدفاع عن البلد من اي عدوان خارجي او العدوان وشن الحرب على دولة او دول اخرى اثناء اندلاع الازمات التي تفشل الدبلوماسية في احتوائها وتجاوزها، والثانية أمنية والتي تشمل الحفاظ على السلم الاهلي وبالتالي كيان الدولة بالاضافة الى القيم التي تأسست عليها الدولة.

في الانظمة الديموقراطية التي تعتمد في حكمها على نظام المؤسسات يعتبر الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة كالبرلمان والقضاء والحكومة، وتتميز عن غيرها من مؤسسات الدولة الاخرى كونها محايدة ومستقلة وبعيدة كل البعد عن الشأن السياسي. لانها في ظل الانظمة الديموقراطية تعتبر جيشا محترفا ومن احدى اهم صفات الجيش المحترف هي بعده عن السياسة واتخاذه مسافة ثابتة من السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولكنه في حالة قيام حرب فان الجيش سيستلم أوامره من القيادة السياسية التي لها الحق وحدها في اصدار قرار الحرب، ولان الجيش في البلدان الديموقراطية محترف مثلما قلنا فانه سيكون بالضرورة بعيدا عن الولاءات القومية والدينية والمذهبية والطائفية. فهل الجيش العراقي في ظل النظام "الديموقراطي" اليوم بعيد عن الاصطفافات القومية والطائفية؟ خصوصا وان هذه الاصطفافات تشكل العمود الفقري لهذه السلطة التي علينا اطلاق تسمية الديموقراطية عليها مجبرين!!
 
احدى اهم المشاكل التي واجهت وتواجه العملية السياسية في البلد والتي قد تطيح بها (اي بالعملية السياسية)  وبه (الوطن) هي المشكلة الطائفية – القومية التي ولد منها نظاما سياسيا مشوها اعتمد في ولادته القيصرية  غير المكتملة لليوم على دستور كتب على عجالة، ادى الى ان يقوم كل طرف من اطراف المحاصصة بتفسيره وفق مصالحه الضيقة وليس وفق مصلحة الوطن. ويعتبر الجيش العراقي اليوم هو السمة الابرز والاخطر للتشوه الخلقي الذي انتجته المحاصصة ، بعد ان اصبح الجيش الذي عليه ان يكون عراقيا خالصا حتى وفق الدستور المريض، ثلاثة جيوش شيعية وسنية وكردية، وبالتالي فان ولاءات مثل هذا الجيش ستكون للطوائف والاثنيات وليس للوطن. وهذا ما نستطيع ان نلمسه من توزيع القطعات العسكرية العراقية في مناطق العراق المختلفة وقوامها، فعدم وجود جنود عراقيين عرب ضمن وحدات الجيش العراقي في كردستان، وعدم وجود جنود اكراد في وحدات الجيش العراقي خارج الاقليم "عدا المناطق المتنازع عليها"، وخلو الوحدات العسكرية في المناطق السنية من تواجد عسكري شيعي ملموس وبالعكس. ليس دليلا على ضعف الجيش العراقي "الضعيف تسليحا" فقط بل دليلا ايضا على ضعف او غياب ما يطلق عليه اسم القائد العام للقوات المسلحة. هذا القائد الذي يريد اليوم ومن اجل الهروب الى الامام من مشاكل البلد التي فشل خلال ما يقارب 7 أعوام من ايجاد حلول حقيقية لها ، ان يتوجه بجيشه " الشيعي" لقتال الكرد معرضا البلد ومستقبله لمخاطر كبيرة ستطيح بما تبقى من نظام "ديموقراطي" قبل ان تؤثر بشكل مباشر على مستقبل البلد وامن مواطنيه.

لا ادري ان كان القائد العام للقوات المسلحة العراقية قد قرأ تاريخ الصراع الكردي مع حكومات المركز المختلفة منذ بدايات الحركة الكردية لليوم ام لا؟ وهل يدري ان هذا الصراع كان سببا اساسيا في تبديد الكثير من الثروة الوطنية التي كان يجب استخدامها من اجل بناء الوطن ورفاه شعبه ناهيك عن خسائره البشرية ؟ وهل يعرف السيد رئيس الوزراء ان احد اسباب حرب الخليج الاولى كان اتفاقية الجزائر التي تنازل فيها قائدا عاما للقوات المسلحة مثله عن جزء من مياه واراضي البلد كعربون للقضاء على الحركة الكردية، والتي اثبت التاريخ فشله فيها بعد ان رسّخ الكرد مواقعهم بنضال شعبهم ومقاومته لأعتى آلة عسكرية في المنطقة .

السيد القائد العام للقوات المسلحة ان المنتصر الرئيسي في الحرب ان نشبت هو الموت الذي يجوب شبحه اليوم مناطق التماس بين الطرفين ، واعتقد انه بامكانكم و القيادة الكردية بالرجوع الى الدستور المريض الذي وافقتم عليه وتطبيق بنوده من اجل ابعاد شبح هذه الحرب العبثية، التي لن تنهي قضية الشعب الكردي مطلقا وتساهم في نفس الوقت بضياع المنجزات التي حققها شعبنا العراقي على قلتها.
السيد رئيس الوزراء لا تجعل من قراراتكم الارتجالية وغير المدروسة  سببا لتكالب اعداء العراق عليه اكثر من ذي قبل،  واعمل من اجل مصلحة الشعب الذي ائتمنك كي توفر له العيش الكريم، فكرامة العراقي لا تأتي بالحروب بل بالبدء بعملية الاعمار التي طال انتظارها.  والجيش الذي تقوده دستوريا يجب ان يكون من اجل حماية الوطن وليس تمزيقه، اعمل ايها السيد رئيس الوزراء على ان يكون الجيش الذي انت قائده الاعلى جيشا لكل العراقيين وليس لطائفة معينة ، فمعسكرات الجيش وساحات عرضاته ليست حسينية كي تستغل من طائفة معينة كما تؤكد المرجعية الدينية والتي ستثير حتما طوائف اخرى وتقلل من هيبة جيشك، استخدم صلاحيتك ضد طائفيي جيشك الذين يثيرون النعرات الطائفية فيه، ولا تتركهم كما تركت الفاسدين والمفسدين وسارقي قوت الشعب.
نحن في زمان رأى العقلاء قلّة منفعة العقل فتركوه، ورأى الجهلاء كثرة منفعة الجهل فلزموه، فَبطُلَ هؤلاء لما تركوا، وهؤلاء لما لزموا ، فلا ندري مع من نعيش. " الكتنجي في الفهرست".

رابطان يؤكدان انتشار وتشجيع الطائفية في اخطر مؤسسة في " الدولة " العراقية

http://www.youtube.com/watch?v=dYIwV5g8N5Y&feature=plcp

http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=YTkShY0GrkI

رابط الشيخ حسين آل ياسين معتمد المرجعية

http://www.youtube.com/watch?v=UgLbFjUrcKA

زكي رضا
الدنمارك
25/11/2012







464
السيد محمد عبد الجبار الشبوط .... ماذا لو؟


جاء في الباب الاول، المادة ثانيا من الدستور العراقي ان الاسلام دين الدولة الرسمي، وحسب فهمي البسيط للغة العربية فانني افهم هذه الجملة ومن دون الرجوع الى فقهاء الدستور او اساطين اللغة، من انها تعني الاسلام كدين بعيدا عن الطوائف والمذاهب. اما اذا كان هناك البعض ممن يريد تفضيل طائفة على اخرى من العراقيين لكثرة عددية ليس الا، فهذا الامر يعني ان هذا البعض طائفي ويريد تكريس الطائفية كحالة مستديمة في المجتمع ولاغراض سياسية وليست دينية.

ككل عام وفي مثل هذه الايام يبدأ الكثير من الكتّاب بكتابة عشرات المقالات التي تتناول واقعة كربلاء واستشهاد الامام الحسين (ع) على ارض الطف في العاشر من محرم. لينتصر حينها ولليوم الدم على السيف ولتبقى ذكرى الحسين طرية كما لو انها كانت في الامس القريب، وستظل هكذا ما دام هناك ظالم ومظلوم، والظالم هنا ليس بالضرورة ان يكونوا قتلة الامام الحسين (ع) فقط، بل جميع الظلمة في هذا العالم الواسع ومن بينهم شيعة بالتأكيد ايضا، والمظلوم هنا ايضا ليس شيعة الامام فقط بل جميع المظلومين في الارض ومن  بينهم سنّة ايضا ومن اديان وقوميات العالم اجمع.

ومن المقالات التي يجب علينا ان نتعلم منها الدروس التي نحن بامس الحاجة اليها اليوم هو مقال السيد محمد عبد الجبار الشبوط المنشور في العدد 2687 من صحيفة الصباح والصادرة اليوم 21/11/2012 بعنوان ( ماذا ... لو). اذ كتب الشبوط مقترحا ومن اجل زيادة اللحمة الوطنية بين العراقيين مقاله، مطالبا العراقيين جميعا المشاركة والمساهمة باحياء ذكرى سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي (ع). عن طريق اقامة مجالس التعزية، او تسيير المواكب، او اقامة حفلات خطابية تتناول الواقعة من اجل (بناء دولة واحدة لكل العراقيين) حسب تعبيره. ولان المقال واقعي ويدغدغ المشاعر الوطنية للعراقيين جميعا وسيكون سببا في بناء دولة العراق الواحدة، فانني آثرت ان استلهم ما جاء في المقالة لاكتب مقالة بنفس العنوان والفحوى وكأنها استنساخ لمقالته ومن اجل بناء دولة العراق الواحدة طبعا، معتذرا سلفا من السيد الشبوط متمنيا غفرانه لي تجاوزي هذا على ما جاء في مقالته القيمة.

ماذا ...لو؟

ماذا لو اقام رئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي مجلس عزاء في بيته او في مجلس الوزراء بمناسبة ذكرى استشهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) والتي تصادف ذكراها في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة؟
وماذا لو اقام حزب الدعوة الاسلامي نفس الشيء في مقره؟
وماذا لو اقام ديوان الوقف الشيعي مجلس عزاء مماثلا او حفلا خطابيا بمناسبة هذه الذكرى؟
وماذا لو اقام ديوان الوقف المسيحي حفلا مناسبا ايضا؟
وماذا لو خرجت مواكب عمرية في الكاظمية، او النجف او كربلاء، في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة من كل عام لاحياء ذكرى استشهاد الخليفة عمر بن الخطاب (رض)؟

لم يكن الامام الحسين (ع) شيعيا، ولا سنيا، بل كان صحابي مسلما، حفيدا لرسول الله (ص). ولم يكن الخليفة الثاني سنيا، او شيعيا، بل كان صحابيا من اصحاب الرسول وهو من العشرة المبشرين بالجنة مثلما جاء في احاديث اهل السنة على الاقل. ان مشاركة شيعة العراق لاخوتهم سنة العراق في هذه المناسبة سوف تشيع اجواء من الارتياح والتقارب في العراق. وسوف تصبح مراسم احياء استشهاد عمر (رض) كما مناسبة استشهاد الامام الحسين(ع) ظاهرة وطنية وليست ظاهرة مذهبية خاصة بطائفة دون اخرى. سوف يشعر العراقيون انهم يشتركون بمشاعر الفرح والحزن واحياء المناسبات الدينية . سوف يشعر العراقيون ان الخليفة عمر رمز ديني -كما الامام الحسين- يمكن ان يجمعهم، ويوحدهم، ولا يفرقهم. سوف لا يستفز الاحتفال بذكرى استشهاد الخليفة الثاني احدا من العراقيين، لانها سوف تصبح مناسبة تعنيهم كلهم.

سوف يساهم الاحتفال المشترك لذكرى استشهاد عمر بتنفيس الاحتقان الطائفي الذي تشهده المنطقة ويعاني منه العراق. يقال ان نسبة هذا الاحتقان وصلت الان الى درجة عالية تفوق ما كانت عليه في اعوام الحرب الاهلية الطائفية " شكرا لرجال دين وساسة الطائفتين" . سوف يقرب الاحياء المشترك لذكرى استشهاد هذا الصحابي قلوب العراقيين بعضها من البعض الاخر. وسوف يقلص المسافات التي تباعد بينهم. سوف يكون حب عمر- كما الامام الحسين-  واحياء ذكرى استشهاده احدى الركائز المتينة التي تقوم عليها وحدة العراقيين، سنة وشيعة ، كردا وعربا، بجد ادعو السيد نوري المالكي، والوقف الشيعي، وحزب الدعوة الاسلامية، وجامع براثا، الى المشاركة في مراسم استشهاد الخليفة عمر ، وبالطريقة التي تناسبهم ويحبون، بدون الحاجة الى تقليد اخوانهم السنة.

انها دعوة ليس فيها ضرر حتما، وفيها فائدة محتملة بدرجة كبيرة، فلماذا لا نجرب؟ السنا نريد بناء دولة واحدة للعراقيين؟ اليس توحيد المشاعر والعواطف  ركنا من اركان هذه الدولة المأمولة؟
لنفعلها اذن!    

اقولها بصدق من اننا بحاجة فعلا الى بناء دولة واحدة لكل العراقيين من خلال منع مظاهر الغلواء الطائفي لدى الطرفين.

http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=39362  رابط مقال السيد الشبوط

زكي رضا
الدنمارك
21/11/2012




 



465
المنحرفون في العوّامة الخضراء
زكي رضا
العوامّة ( قبل ان تنقرض اليوم تقريبا ) اسم يطلق في مصر على نوعين من البيوت احداهما ثابتة تقام على سطح الماء قريبا من ضفاف النيل، والثانية متنقلة تتحرك بواسطة المحركات. وللعوّامة تاريخ طويل وشهرة كبيرة حتى بداية سبعينات القرن الماضي، ولم تكن هذه العوامّات مكانا لسكن الطبقة الارستقراطية ولهوها ومجونها، ولا مكانا لبعض الفنانات والفنانين ولياليهم الحمراء فقط (واشهرها عوّامة منيرة المهدية التي كانت مقرا لاجتماعات غيرت مسار العديد من الاحداث في مصر حينها)، بل كانت وكرا لبعض اشهر الجواسيس وخصوصا اثناء الحرب العالمية الثانية. وقصة الراقصة الجاسوسة حكمت فهمي تعتبر من اشهر قصص الجاسوسية في مصر سنوات تلك الحرب. ومن وحي العوامّات كتب الروائي نجيب محفوظ روايته الشهيرة ثرثرة فوق النيل، والتي تدور احداثهاعن هروب البعض من الواقع المر للحياة، وفضاءات الخوف والرعب من السلطات التي تقرر كل شيء. باتخاذهم قرارهم السلبي تجاه تغيير واقع اكثر من مرّ في حياة مجتمعهم وبلدهم بهروبهم من تحمّل المسؤولية لان (السفينة تسير دون حاجة الى رأينا او معاونتنا، وان التفكير بعد ذلك لن يجدي شيئا *). وهذا النوع من التفكير مارسه الكثير من ابناء العراق في فترة طغيان القتلة البعثيين عن طريق جملة مستخدمة لليوم غيرت مسار الاحداث في العراق الى ما نحن عليه الان، والقادم من الايام سيكون اسوأ ان لم يتجاوزها ابناءه وهي جملة (آني شعليه)، التي استفاد منها البعثيون ويروج لها الطائفيون اليوم ان لم يكن في البلد بأكمله فبين طوائفهم وقومياتهم او مدنهم وقراهم على اقل تقدير .

وللعوامّات على ضفاف دجلة كما النيل تاريخ طويل انتهت تقريبا في سبعينيات القرن الماضي، اذ كانت في بغداد وعلى ضفاف دجلة ما يشبه العوّامات ويطلق عليها البغداديون (چراديغ ومفردها چرداغ) الذي هو عبارة عن عريشة من السعف والقصب والحبال كانت مأوى للهو والطرب والهروب من قيظ بغداد، قبل ان تنحسر تلك الشواطيء وتتحول تتدريجيا الى اماكن خاصة لعتاة المجرمين من ساقطي البعث. ومنذ دخول اول سادّي منهم الى القصر الجمهوري على ضفاف دجلة بعد نجاح ما تسمى بعاهرة " الثورات " وفق ادبيات هذا الحزب المنحرف ولليوم، حتى دارت الدوائر على دجلة الخير ليبكيها الشعراء والادباء والسياسيون الهاربون من جحيم الطاعون البعثي، او اولئك المناضلون الذين امتلأت بهم سجون ومعتقلات وملاعب العراق. ففي صبيحة ذلك اليوم المشؤوم من شباط 1963 تخلت دجلة عن خيرها عنوة لتكون وطيلة فترة حكم ابناء الازقة الخلفية عنوانا لنهر موت ورعب، ولتُختَصر من على ضفتيها مساحات الحياة البغدادية لصالح مساحات ابناء القرية القادمين من القرى المنسية المهملة او من عمق الصحراء، اولئك البدو المهووسون بثقافة القتل والسلب والنهب ، من الذين فرضوا الصمت والخوف على ابناء العراق ليثرثروا لوحدهم، بعد ان حولوا العراق الى عوّامة يمارسون من خلالها كل اشكال الخيانة والرذيلة. فمن ضفاف دجلة وبيوت الرعب المزروعة فيها انطلق قطار البعث الهمجي ليسحق الوطن والانسان العراقي، ليصل (القطار) بعد اربعة عقود تقريبا الى محطته الاخيرة والعراق حطام بلد ضاع في لجّة خيانة البعث والفكر العروبي ولم يبقى منه الا اطلال. ولتغيب من سماء العراق بوصول ذلك القطار الى محطته الاخيرة تلك الغيوم السوداء ليرى من خلالها الانسان العراقي او هكذا خيّل له، اوسع الفضاءات وليرسم زهرة الحرية بالوان زاهية وليحلم لاول مرة بعد نهاية عهد الكوابيس المرعبة، بغدّ افضل لابناءه ووطنه، حالما بدجلة بلا عوامات ولا رجال حالمون بالقتل والسلب والنهب. حالما برجال عاهدوا انفسهم وربهم وشعبهم عندما كانوا يقارعون سلطة الضباع البعثية، على اعادة العافية لوطنهم وبناءه ليكون وطنا لجميع العراقيين دون تمييز، كي يتمتعوا لاول مرة حالهم حال شعوب البلدان النفطية الاخرى بخيرات بلدهم، ومعاهدين جماهيرهم على الاقل بان لا عوّامات على ضفاف دجلة بعد الآن . فهل كان هؤلاء الرجال اوفياء لعهدهم الذي قطعوه على انفسهم بانهاء مواخير الخيانة والقتل وسرقة وتبديد الثروة الوطنية تلك التي مارسها فاشيو البعث طيلة فترة حكمهم للعراق؟ ام انهم ساروا على نهج البعث الساقط في عدائهم لوطنهم وحقدهم عليه، وسرقة ثروات شعبهم من خلال عمليات فساد تزكم الانوف، ليغتصبوا دجلة مرة اخرى ويجعلوا منها عوامة حيث العهر فيها هذه المرة شرعي. كشرعية المحاصصة وشرعية الاختلاسات وشرعية غياب الخدمات وشرعية سرقة قوت الفقراء وشرعية كاتم الصوت؟ وعلى عكس رواية محفوظ فان الذين هربوا الى العوّامات في عراق العجائب ليسوا من بسطاء الناس الذين اصابهم اليأس من تغيير واقعهم المعاش والحلم بتغييره، بل اولئك الرجال الذين ناضلوا و(جاهدوا) لسنوات طوال ضد اشرس نظام دكتاتوري عرفته بلادنا والمنطقة، ولتكن عوامتهم الخضراء هذه اشبه بماخور يُغتَصَب فيه البلد، وطاولة قمار يقامر فيه متحاصصوا السلطة بثرواته، واوكارا سرية لنشاطات مخابرات دول اجنبية يرتبطون بها.

ايها المتحاصصون من رواد العوامة الخضراء لقد ازكمت انوفنا روائح فسادكم الذي طال كل شيء، من مقاولات بناء المدارس والمستشفيات والملاعب وغيرها والتي تقودها مافياتكم، الى عقود وزارات التجارة والكهرباء والنفط والدفاع وغيرها، حتى وصل الامر بكم الى سرقة قوت الفقراء عن طريق الغاء البطاقة التموينية بحجة الفساد الذي يرافق توزيعها، وكأن الفساد غير مستشر في مفاصل البلد المختلفة. صدقوني ايتها السيدات والسادة من برلمانيين ووزراء ومسؤولي هذا البلد المبتلى بكم من انكم مفلسين، فهل من بينكم شخصا ما قادر على قول هذه الحقيقة التي نعرفها جميعا وهل لديكم الجرأة كي تعلنوا افلاسكم.

ان العراق وان الشام، مذ زمن .......... صفران، ما بهما للملك سلطان
ساس الانام شياطين مسلطة .......... في كل مصر، من الوالين شيطان
من ليس يحفل خمص الناس كلهم .......... ان بات يشرب خمرا، وهو مبطان **

 

* حوار من رواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ.

** اللزوميات لابي العلاء المعري.
 
13/11/2012
الدنمارك
 


466
السيد الاعرجي انكم تدعون من لا تعرفونه


هدد السيد الاعرجي امام جمعة الكاظمية وعلى خلاف الدستور والحياة البرلمانية الحكومة العراقية بالدعاء عليها خلال شهر محرم القادم اذا لم تلبي طلبه  باللاءات الاربعة " لا للتبرج، لا للغناء، لا للخمر، لا للقمار"، ويبدو ان الاعرجي وحتى قبل حلول شهر محرم وعلى الرغم من عدم وجود رد واضح من الحكومة العراقية لليوم قام مستقويا بتياره الصدري وميليشياته بتوجيه الانذار للباعة والكسبة في مدينة الكاظمية، عندما ذهب اليهم ل "ينهيهم" عن بيع الاقراص الغنائية والافلام وليفقد هؤلاء الكسبة مصدر رزقهم الوحيد. والمفارقة هو ان السلطات العراقية لم تحرك للان ساكنا تجاه خطوة الاعرجي هذه، والتي تعتبر بادرة خطرة جدا على الحياة المدنية في البلد، وتفسح المجال في حال عدم التصدي لها الباب واسعا امام رجال دين اخرين في تطبيق ما يشتهونه من قرارت  على الضد مما جاء به الدستور العراقي الذي كفل الحريات الشخصية للناس.

من المعروف ان الدعاء يسمى سهام الاسحار وهو على نوعين الاول الاوراد "مفردها وِرد" والاذكار " مفردها ذِكر" وهذه الادعية تكون في كل يوم وليلة والمراد منها بسط الرزق والمقاصد الاخرى وغيرها من الامور، والنوع الثاني هو المناجاة وتشمل التوبة والاستغفار والتضرع لله، ويحبذ وفق ما جاء به الادب الاسلامي من شروحات مختلفة للعديد من رجال الدين ان يكون وقت الدعاء في الثلث الاخير من الليل ولم يحددوا اياما او شهورا معينة للدعاء، عكس السيد الاعرجي الذي فضّل عدم الدعاء في هذه الايام مهددا الحكومة العراقية بالدعاء عليها في شهر محرم، فهل الله يستجيب للداعين اليه في هذا الشهر فقط؟ كما وينقل عن الامام علي (ع) ما معناه (ان الدعاء الذي وعد الله سبحانه باجابته قليل جدا) فهل السيد الاعرجي متأكد من الله سيستجيب لدعائه؟ ولماذا لم يقم السيد الاعرجي وغيره بالدعاء على المجرم صدام حسين وهو يدك العتبات المقدسة بالصواريخ ويذل شعبا باكمله، ام انه قد دعاه ولم يستجب الله لدعائه ولماذا؟ علما اننا متيقنين من اجرام صدام حسين وبطشه وتدميره الذي طال كل شيء في العراق.

كما وانني لا ادري لماذا لا يرفع رجل دين واثق من استجابة الله لدعائه يديه ونحن معه حتى يبان بياض ابطيه، متوسلا ومتضرعا للباري عز وجل في ان يلين قلوب سياسيي العراق عسى ان يكفوا عن سرقاتهم ويلتفتوا الى حاجات شعبنا من خدمات يفتقدونها. ام ان المدارس الطينية والاخرى الايلة للسقوط على رؤوس التلاميذ ونقص المستشفيات وعدم توفر مياه الشرب النظيفة ومشكلة الكهرباء المستديمة لليوم والولادات المشوهه للاطفال العراقيين وجفاف وتصحر الارض والرشوة والمحسوبية والفساد والبطالة، هي من الامور التي لا تحتاج الى ان نتوجه من اجلها الى الله طالبين اياه بكشف الغمة عنّا نحن عبّاده المساكين. او لان السيد الاعرجي يعتبر هذه الامور من الصغائر مقابل الكبائر مثل التبرج مثلا!!؟؟

يقال ان رجلا سأل الامام الصادق (ع) عن علة عدم استجابة الله لدعائهم بقوله "الامام الصادق" لانكم تدعون من لا تعرفونه، وانكم ايها السيد الاعرجي تدعون من لا تعرفونه، والا لكنت قد رفعت يديك بالدعاء من اجل الفقراء والارامل والايتام والمساكين وهم متواجدون حيث كنت في الامس تهدد الباعة البسطاء.

السيد الاعرجي متى تفتحون ابواب محاكم التفتيش؟



زكي رضا
الدنمارك
5/11/2012
 











467

ما يقوله المالكي قرآن كريم وما يقوله منتقدوه قول شيطان رجيم

شخصيا لا اظن ان السيد رئيس الوزراء نوري المالكي يدّعي ان كل ما يقوله حقيقة واقعة وعلى الاخرين تصديقها او القبول بها، كما وانني اعتقد رغم شيعيته بانه قرأ او سمع على الاقل بشعار الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب). والا فانه يثبت من انه دكتاتور لان الدكتاتور هو الشخص الوحيد الذي يعتقد انه بعيد جدا عن الخطأ والوقوع فيه. خصوصا ان كان هناك من يسبّح بحمده جاعلا منه ربّا علينا ان نعبده، كما كان حال الكتبة البؤساء اثناء حكم البعث النافق وصدامهم المجرم من الذين لم يفقدوا فقط شرف قلمهم بل حتى انسانيتهم وهم ساجدون في محراب عبودية الفرد القائد. عندما كانوا يدّبجون المقالات تلو الاخرى حول عظمة المجرم صدام حسين لانه الوحيد "بنظرهم" الذي يستطيع ان يقود العراق (في تلك الفترة) الى بر الامان كما المالكي اليوم في نظر البعض!!
 
ان مطالبة البعض للاخرين بالكف عن انتقاد العملية السياسية المتعثرة او انتقادها بعيدا عن المالكي " الرب، الاله" وتحميل الاخطاء لكل اطراف العملية السياسية الا اياه وحزبه وكتلته البرلمانية، لا تدل اذا كنّا حسني النية الا على شكل من اشكال التأليه "للمالكي" ودفعه نحو الدكتاتورية والتي يجب ان تكون دينية وطائفية. لان المالكي هو زعيم حزب ديني طائفي "شيعي" كما اياد السامرائي الذي هو الاخر زعيم حزب ديني طائفي "سني" ويكذب من يقول غير ذلك. والمفارقة تكمن في ان هذا البعض يصرخ عاليا من انه علماني ليبرالي الا انه لا يجرؤ على الاعتراض ولو همسا على " الرب، الاله" وهو يقف امام مؤتمر حزبه ليقول من انه ضد الالحاد، الماركسية، العلمانية، الحداثوية. واذا تجاوزنا سكوت هذا البعض عن مفردتي الالحاد ربّما لايمانه اليوم والماركسية لكفره بها على اعتبار ان القناعات من الممكن ان تتغير بين ليلة وضحاها لموقف فكري او سياسي معين، فاننا لا نستطيع ان نبرّيء الكاتب وصمته امام " الرب، الاله" وهو يصرخ من انه ضد العلمانية وضد الحداثوية، علما ان البعض هذا قد ملأ آذاننا بمفردتي العلمانية والليبرالية التي ينتمي اليها، وهل من الممكن التبشير بنظام علماني من قبل حزب ديني طائفي !!!؟؟؟ والانكى ان زعيم هذا الحزب يجاهر بمعاداته للعلمانية  مثلما قال واسلفنا. والان هل هناك شخصا ما في عراق اليوم يستطيع ان يرشدنا الى فك طلاسم هذه الاحجية (كاتب علماني ينشد بناء دولة مدنية ديموقراطية بقيادة حزب اسلامي وبزعامة تعادي العلمانية والحداثوية، وترفض مبدأ فصل الدين عن الدولة التي هي اساس العلمانية بل جوهرها!!) يا مرحى بهذه العلمانية ويا مرحى بهذه الليبرالية.
 
في ازمة البنك المركزي الاخيرة ورئيسها سنان الشبيبي طفت على سطح الخلافات بين الحكومة والبنك العديد من المواقف التي تؤيد هذه الجهة او تلك كلا حسب مصلحته ونظرته للمشكلة. وتبقى المسألة الاهم هي نسيان العديد من المتابعين لهذا الصراع وما سينتج عنه، محاولة السيد رئيس الوزراء الهيمنة على الهيئات المستقلة ومنها البنك المركزي والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي اتهم رئيسها بتهمة تضحك الثكلى (مقارنة بتهم وزراء من العيار الثقيل في حكومات المالكي والجعفري وعلاوي)، والتي قاتل في سبيلهم السيد المالكي البرلمان بلا هوادة قبل ان يسحب يديه منهم بعد شعوره بعقم محاولته حينها، ليس لانها خلاف الدستور فقط بل ولوقوف اطراف عديدة ضده ومنها من هم ضمن تحالفه الشيعي الواسع. والان دعونا ان نعود الى مقالة لكاتب (علماني ليبرالي يحلم ببناء عراق علماني ليبرالي على يد قوى دينية طائفية!!) كتبها كالعادة دفاعا عن المالكي وفق مبدأ دافع عن اخيك ظالما كان ام مظلوما وناسيا على ما يبدو ان ظالما هنا معناها الضرب على يد الظالم ليكف اذاه عن الناس، والمقالة بعنوان (من يحاكم المتّهم...القضاء ام الاعلام؟).
 
لا اريد ان اخوض هنا في تفاصيل المقالة باكملها، دوافعها، اسبابها، نتائجها، وهل هي مقالة تحريضية ام مقالة تبحث عن الحقيقة، وهل الحقيقة هي ملكا للكاتب ومن يدافع عنه فقط، ام ان هناك بعض الحق لان تكون الحقيقة ولو لمرات معدودة في الجانب المقابل لمكان جلوس (الرب، الاله) على عرشه. وكي لا اطيل الامر على القرّاء ولا على الكاتب (العلماني الليبرالي الحالم ببناء دولة علمانية بقيادة حزب الدعوة الاسلامية ودولة قانونه!!)،  فانني سأنقل نصا كاملا من مقالته لمناقشتها بهدوء ومن دون تشنج ولا اتهامات بالاسفاف وما الى ذلك من تلك التي ذكرها الكاتب في لقائه مع صحيفة الطيف (سنتناولها في مقالة قادمة). يقول الكاتب وانني استميح القراء عذرا لانني سأكتفي بالعلماني الليبرالي في وصفي للكاتب دون الحالم ببناء دولة علمانية ليبرالية بقيادة دينية طائفية، حول المشكلة ما يلي.

ماهي المشكلة؟

لتوضيح الصورة للقارئ الكريم، أرى من المفيد أن أذكر شيئاً عن المشكلة ولو بإيجاز شديد كما نشرتها وكالات الأنباء، وهي كما يلي:

أولاً، قبل أشهر تصاعدت وتيرة الاتهامات بشأن عمليات تهريب العملة التي أثرت على أسعار بيع الدولار في الأسواق المحلية وأدت إلى زيادة سعر صرفه، مما طالب نواب بضرورة أن تبادر الحكومة إلى إيقاف عمليات بيع العملة في مزادات البنك المركزي، لأن العراق يخسر أموالاً كبيرة جراء تهريبها يومياً إلى خارج الحدود.

 
وهنا اود ان اسأل الكاتب ان كان يعرف الجهات التي هربت اليها الاموال خلال الاشهر الاخيرة ولماذا؟ وهل علينا تذكير الكاتب عن اثر الحصار الامريكي الغربي على جارتي العراق ايران وسوريا وما يترتب عليه من صعوبات اقتصادية جعلت القوى الدينية وميليشياتها المافيوية ان تستنفر كل امكانياتها في افراغ البلد من العملة الصعبة لانعاش اقتصاد الدولتين "على حساب ابناء بلدنا". ولولا مطالبة البعض من النواب "وفق ما جاء به الكاتب" لكان من الممكن ان لا تبادر الحكومة الى ايقاف مزادات البنك المركزي، وسؤال بريء آخر حول اسماء البنوك التي تدخل المزادات ومن هم مدرائها والمتنفذين في مجالس اداراتها؟ 

ثانياً، طلب الدكتور سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، من رئيس الوزراء فصل 4 مدراء عامين في مؤسسته، ولم ينفذ الطلب.

 
ان لا يلتفت السيد رئيس الوزراء الى طلب الشبيبي بفصل 4 مدراء عامين امر مريب بل ومريب جدا، ولا يمكن تفسيره الا بنية المالكي على استمرار الفساد في البنك للاستفادة منه كورقة ضغط ضد الشبيبي واقالته.  وللمالكي مواقف سابقة كهذا الموقف عندما صرح من انه كان يمتلك ادلة كافية لادانة الهاشمي بالارهاب والقتل الا انه لم ينشرها حينها، مستهينا بدماء المئات من العراقيين الذين ذهبوا ضحايا الارهاب نتيجة مصلحة المالكي وتأجيل كشف اوراقه للوقت الذي يستقاد منه سياسيا واعلاميا، وحدث هذا ايضا مع الارهابي الفار ناصر الجنابي و كذلك مع الحكومة السورية التي كانت مأوى لبقايا البعث المجرم  و لعناصر القاعدة الارهابي وتدريبهم.

ثالثاً، كشف رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي في (7 تشرين الأول 2012)، عن وجود شبهة فساد في عمل البنك المركزي العراقي، مشيراً إلى أن المجلس باشر بتحقيق "معمق" في سياسة البنك المركزي منذ العام 2003، وتعهد بمتابعة التحقيق "شخصيا" لأهمية القضية.

 
هنا نرى ان النجيفي يشير الى شبهة فساد وليس فساد، علما ان الشبيبي يشير بشكل مباشر تقريبا الى وجود فساد في مؤسسته عندما طالب المالكي باقالة المدراء العامّون الاربعة والتي رفضها المالكي (لغاية في نفس يعقوب). كما وان وجود كلمتي معمق وشخصيا بين قويسات تشير الى عدم جدية مجلس النواب بالتحقيق في القضية وفق ما جاء به الكاتب او ما يكون قد نقله من وكالات الانباء.

رابعاً، كان عضو اللجنة التحقيقية بشأن عمل البنك المركزي هيثم الجبوري أكد في (14 تشرين الأول الحالي) صدور مذكرات اعتقال ومنع سفر بحق محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي ومسؤولين في البنك، وفيما اعتبر أن بقاء المحافظ في الخارج سيثبت تهم الفساد.
 
ما هذا يا رجل، اتريدنا حقا ان نصدّق مثلما صدّقت انت ما جاء به الجبوري (بأمر من سلطات اعلى منه) حول صدور مذكرات اعتقال ومنع سفر بحق الشبيبي وبعض مسؤولي البنك. وهل رأيت او قرأت او سمعت قبل اليوم عن سلطات قضائية في اي بلد في العالم شرط ان يكون على الخارطة تصدر امرا بمنع سفر متهم وهو خارج البلد!!!؟ ان اصدار مثل هذا الحكم ليس اكثر من ضحك على ذقون السذّج فهل تتوقع ان جميع العراقيين سذّج الى هذا الحد الكارثي؟ ولنفرض ان القرار سليم واتخذته "السلطة القضائية دون ضغط سياسي" والشبيبي مذنب وسارق فهل تتوقع عودته ؟ ان كان اجابتك بنعم فاين السامرئي وشعلان ووحيد وغيرهم العشرات من سراق مال الشعب؟ ولماذا لم ينتظر القضاء " المالكي" عودة الشبيبي من سفرته واصدار امر اعتقاله ومنعه من السفر.
 
وكما ذكرنا أعلاه، أن خصوم المالكي من الكتاب والسياسيين، يقتنصون كل فرصة لتوظيفها من أجل الطعن والهجوم عليه وتحميله مسؤولية الأزمة. لذلك طرحوا قضية البنك المركزي وكأنها مسألة خصومة وثأر بين رئيس الوزراء ومحافظ البنك، وتبين أن الأمر ليس كذلك.
 
اذن فالامر عند الكاتب العلماني الليبرالي ليس كذلك، لماذا؟ لان المالكي (كما يضيف الكاتب العلماني الليبرالي) نفى ذلك عندما كتب قائلا .....

ففي لقاء له مع الصحافة، أكد رئيس الحكومة نوري المالكي، الاربعاء، (24 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 السومرية نيوز، بغداد) – ["عدم صلة حكومته بمذكرة اعتقال محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي، موضحا أن الاضطراب الذي حدث بسعر العملة العراقية حفز العديد من الجهات الرقابية للتحقيق في نشاط البنك". وأضاف المالكي أن "اللجنة رفعت تقريرها الموقع من قبل رئيس البرلمان أسامة النجيفي، الى هيئة النزاهة مباشرة دون ان يمر على الحكومة"، مبينا أن"الهيئة رفعت هي الأخرى تقريرها مع تقرير اللجنة الى محكمة التحقيق الخاصة بقضايا النزاهة في مجلس القضاء الاعلى... وأن المحكمة أصدرت اوامر القبض بحق محافظ البنك سنان الشبيبي وعدد من موظفي البنك للتحقيق معهم"، مشيرا إلى أن "مجلس الوزراء صوَّت بالإجماع تقريبا بعد حصول هذه التطورات على تكليف عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية للقيام بمهام محافظ البنك حتى اشعار اخر".(1)

ومن كل ما تقدم، نفهم أن الهجوم الذي شنه مناصرو الدكتور الشبيبي على المالكي كان مخالفاً للواقع، وإنه كان بدوافع كيدية وليس الدفاع عن السيد الشبيبي. ومن هنا خسر هؤلاء السادة مصداقيتهم.

 
وبثقة عالية بالنفس ممزوجة بتأليه (الرب، الاله) يقطع الكاتب العلماني الليبرالي الشك باليقين بخسارة كل مناصري الشبيبي والذين هم بالضرورة اعداء المالكي "حسب اعتقاده" مصداقيتهم، وليخرج المالكي من هذه المعركة ايضا مرفوع الرأس والهامة وليلحق العار والخذلان مناوئيه. وانني ارى هنا ان الكاتب بكلمته الفصل حول بطلان جميع الحجج التي جاء بها مناصرو الشبيبي وهم يشنون حربهم على المالكي ليخسروا مصداقيتهم وانتصار المالكي في هذه المعركة الكيدية مثلما قال، يريد ان يقول لنا علنا من ان ....
 
كل ما يقوله المالكي قرآن كريم و كل ما يقوله مناوئيه ومنتقديه قول شيطان رجيم.
 
شر الناس من يبيع الناس "النبي محمد" 

زكي رضا

31/10/2012
الدنمارك

 


468
اشرار صندوق البندورا.... كمال الساعدي مثالا
زكي رضا
جاء في الاسطورة الاغريقية ان اله النار ايفيستيوس وبامر من الاله زيوس قام بخلق اول امرأة على وجه الارض باستخدامه الماء والتراب واسماها " بندورا"، وامر ايفيستيوس بقية الالهة ان تمنحها شيئا من مواهبها وقابلياتها فمنحتها ابولو صوت الموسيقى، ومنحتها اثينا الحكمة، ومنحتها ارتيميس العطف، ومنحها اريس حب الانتقام، ومنحتها افروديت الحب، ومنحها هيريميس الاقناع وهكذا مع بقية الالهة ومن هنا جاء اسمها ( بان- دورا) التي تعني ( التي منحت كل شيء). وعندما سرق بروميثيوس النار من الالهة واعطاها للانسان ليستفاد منها في حياته على الارض، قرر الاله زيوس الانتقام منه بارسال اول امرأة في العالم اليه – بندورا- التي رفضها "بروميثيوس" فتزوجها اخيه "ابيميثيوس" وبعد فترة ارسل الاله زيوس هديته الى العروسين وكانت عبارة عن صندوق مغلق، ففرحت به بندورا وتأهبت لفتحه قبل ان يمنعها زوجها الا انها استغلت وفق الاسطورة غيابه وفتحت الصندوق لتنطلق منه كل الشرور، وحاولت "بندورا" غلق الصندوق ولكن الشرور كانت قد انطلقت منه لتملأ اصقاع الارض ولم يبقى داخل الصندوق الا الامل الذي ظل في الصندوق وليُغلَق عليه الغطاء.
ويبدو ان العراقيين والذين لم يجدوا في اساطيرهم القديمة اسطورة كاسطورة "بندورا" وصندوقها استطاعوا بعد آلاف السنين من صناعة صندوق بندورا كما في الاسطورة اليونانية، ولكن ليس عن طريق الالهه هذه المرة بل عن طريق احزاب ولان هذه الاحزاب دينية ولان المرأة عندهم عورة فانهم بدَلوا اسمها من صندوق البندورا الى صندوق " حزب الدعوة ". الذي ما ان وصل الى السلطة في العراق بعد الاحتلال الامريكي حتى انطلقت من صندوقه – وصناديق احزاب السلطة الاخرى جميعا- كل الشرور التي ملأت العراق من اقصاه الى اقصاه. لينتشر الجهل والتخلف والسرقة والرشوة والخيانة والعمالة والكذب واهدار المال العام والاغتيال والتفجير وسوء الخدمات والمرض والموت المجاني، اضافة الى شر جديد لم يكن موجودا على ما يبدو حتى في الاسطورة اليونانية وهو انعدام الخجل. وكمثال على ذلك هو النائب عن التحالف الوطني " الشيعي" والقيادي في حزب "الدعوة" السيد كمال الساعدي الذي فقد على ما يبدو اخر قطرة منه "الخجل".
نعم، فالساعدي وهو قيادي في دولة القانون انتقد في بيان وزعه مكتبه اليوم، السيد اسامة النجيفي على خلفية دعوى رفعها (النجيفي) ضده بعد تصريحات سابقة للساعدي حول صفقات غير قانونية للنفط في محافظة الموصل، ويبدو ان القضاء قد ادان الساعدي وفرض عليه دفع تعويض مالي بقيمة عشرة مليارات دينار عراقي فقط، وان الساعدي حسب تصريح مكتبه قد دفع مبلغ التعويض قائلا ان قيمة التعويض تعادل ميزانية وزارة !!!!
وانني هنا اتوجه بالسؤال للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي وليس للساعدي متسائلا من سيادته عن راتب الساعدي السنوي؟ وهل راتبه من الضخامة بحيث يستطيع دفع ميزانية وزارة كتعويض؟ وهل السيد سنان الشبيبي المغضوب عليه من قبل حزب الدعوة القائد يستطيع دفع مثل هذا التعويض!!!!؟؟ وماذا عن بقية اعضاء حزبك ونوابه ووزراءه واعضاء دولة قانونه هل جميعهم يمتلكون مثل هذه الاموال الطائلة ومن اين جاءوا بها!!؟؟. كما واننا نعرف من انكم كنتم حتى العام 2003 حزبا معارضا كبقية الاحزاب العراقية، وكان معكم صندوقا كبيرا جدا قلتم من انكم سترفعون عنه الغطاء عند زوال نظام العهر البعثي لتملأوا العراق خيرا بعد ان تنطلق منه المشاريع الكبرى لعمران البلد وسعادة ورفاه شعبه، واذا بصندوقكم شرور لا تقل في بعض منها عن شرور البعث وابسطها هو كمال الساعدي وعبد الفلاح السوداني وغيرهم المئات، واذا كان الامل في الاسطورة اليونانية لازال قابعا في اسفل صندوق " بندورا" فانه اي الامل قُتِل في صندوقكم بكاتم صوت ايها السيد رئيس الوزراء.
في عراق دولة القانون لا يحاسب اللصوص الدعويون.
17/10/2012
الدنمارك


469
ايها الساسة الكرد لا فدرالية في ظل محاصصة طائفية قومية

يعتبر الشعب الكردي واحدا من اكبر الشعوب في العالم من تلك التي لم تستطع بناء دولتها الوطنية لليوم على الرغم من انه يمتلك كامل الحق في اقامة كيان سياسي خاص به على ارضه، هذا الحق الذي دفعه للقيام بعشرات الانتفاضات ضد السلطتين العثمانية والفارسية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. الا ان اول ظهور لقضيتهم خلال القرن الماضي بدأ اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى وتحديدا بعد معاهدتي سيفر (1920) ولوزان (1923) ليكونوا حينها ولليوم، مصدرا لقلق الانظمة في الدول الاربع التي يعيشون فيها (ايران - العراق - تركيا - سوريا) و ليشكلوا ارقا للقوميين الفرس والعرب والطورانيين وتوجهاتهم الشوفينية.
ولو تجاوزنا هنا تجربة جمهورية مهاباد والنضال الطويل للكرد وانتفاضاتهم العديدة من اجل الحصول على حقوقهم القومية، فاننا نستطيع الاشارة الى ان القضية الكردية المنسية وغير المعروفة عند الكثير من شعوب العالم لاسباب لسنا بصدد تناولها في هذه المقالة، لم تأخذ بعدا سياسيا دوليا الا بعد اصدار مجلس الامن الدولي قراره الرقم 688 في 5 نيسان من العام 1991 واقامة منطقة آمنة شمال خط العرض 38 لحماية الشعب الكردي من بطش السلطة المركزية في بغداد،التي استخدمت ابشع انواع القمع مرتكبة العديد من المجازر ضد الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي.
لقد نما الحس القومي عند العديد من القوميات التي كانت تعيش تحت نير الحكم العثماني منذ القرن التاسع عشر، واستمر هذا الحس بالتصاعد خلال وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بين العديد من الشعوب ومنهم العرب الذين اعلنوا الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين ضد الاحتلال العثماني الى جانب الحلفاء الذين نكثوا بعهوهم لاحقا. اما الكرد فانهم شعروا بعمق مأساتهم اثر توقيع معاهدة لوزان في سويسرا عام 1923 والتي الغت بضغط من "اتاتورك" معاهدة سيفر اثر انتصار الجيش التركي على الجيش اليوناني في المعارك التي اندلعت بينهم بين الاعوام 1919-1922 .
لقد كان المجتمع الكردي ولازال (لحدود كبيرة) عبارة عن مجتمع قبلي يلعب فيه الآغا ورجل الدين "الملّا" دورا محوريا حالهم حال المجتمع العربي، وكان لزعماء القبائل المدعومين من المؤسسة الدينية دورا كبيرا في الحياة السياسية لرعاياهم " قبائلهم" اثناء حكم الامارات الكردية التي كانت تتحالف مع الفرس تارة ومع الاتراك تارة اخرى قبل ان تحسم غالبية الامارات الكردية امرها بالاصطفاف الى جانب الاتراك نتيجة الخلاف المذهبي والقتال الى جانبهم في العديد من المعارك التي خاضتها الدولة العثمانية. وقد كانت احدى نتائج هذا الاصطفاف هو حماية العثمانيين للامارات الكردية وتمتعها بشكل من اشكال الحكم المحلي مقابل رسوم تدفعها تلك الامارات للباب العالي. الا ان اول انتكاسة للشعب الكردي لنيل حقوقه بدأت بعقد اتفاقية (اماسيا) لرسم الحدود بين الدولتين الفارسية والعثمانية والتي تم من جرّائها تقسيم الامارات الكردية "كردستان" بين الدولتين، ولتتوالى الاتفاقيات والمعاهدات بينهما كمعاهدة (زهاو) ومعاهدتي (ارضروم) الاولى والثانية واتفاقيتي (طهران والاستانة) لترسيم الحدود والتي انتهت ببروتوكول (الاستانة) في العام 1913 لتنتهي حقبة الاتفاقات والمعاهدات بين الدولتين بدخول العثمانيين الحرب العالمية الاولى والتي كانت احدى اهم ثمارها بعد خسارتهم تلك الحرب، هو تفتيت الامبراطورية العثمانية وانهيار حكم الخلافة الاسلامية بعد اعلان تركيا دولة علمانية ذات نظام جمهوري من قبل مؤسس الدولة "اتاتورك".
وبعد ان تنصل الحلفاء وخصوصا الانكليز والفرنسيين لانشغال الروس بثورة اكتوبر من اتفاقاتهم مع العرب تم تقسيم الولايات المجزأة من جسد الدولة العثمانية شرق المتوسط بينهم، وكانت سوريا ولبنان من نصيب الفرنسيين فيما كان العراق بحدوده اليوم "ولايات الموصل وبغداد والبصرة" وشرق الاردن وفلسطين وغيرها من نصيب البريطانيين، وبهذا تم تقسيم الاراضي التي يقطنها الكرد "كردستان" وعلى الضد من تطلعاتهم القومية بين سوريا والعراق وتركيا بعد رسم حدودها النهائية مع بقاء اكراد "ايران" ضمن الدولة الفارسية .
ان الحكم الوطني في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولسيطرة الضباط الشريفيون الذين جاؤوا مع الملك المنصب من سوريا على معظم مقاليد السلطة، ورث من العثمانيين سياسة التهميش والقمع ضد القوميات غير العربية بل وحتى العربية كشيعة العراق. وقمعت حكومات النظام الملكي بقسوة مفرطة انتفاضات الاكراد في كردستان العراق والايزيديين والاشوريين وعشائر الجنوب الشيعية، كما مارست سياسة التهميش ضد ابناء هذه الاثنيات والطوائف حيث كان البؤس يلف حياتها بعد ان اهملت الدولة عن عمد مناطقها واستثنتها من التطور العمراني والصناعي والزراعي في عهود لاحقة. ونتيجة لضعف الطبقة العاملة في كردستان العراق بشكل خاص والعراق بشكل عام وسيطرة الاغوات المدعومين من زعماء القبائل ورجال الدين فان الحس القومي كان رهنا للتزاوج بين سلطة القبيلة ورجل الدين والذي تجسد لاحقا بالزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني "وزير في حكومة مهاباد الكردية في ايران" مؤسس الحزب الديموقراطي الكردستاني "البارتي سابقا"، والذي قاد العديد من الحركات المسلحة المناوئة للسلطة المركزية التي تحولت منذ عام 1961 الى ما يطلق عليه الاكراد في ادبياتهم السياسية " ثورة ايلول". ولو تتبعنا مطالب الكرد من خلال صراعهم الطويل ضد سلطة المركز فاننا نرى انها لم تخرج بداية عن المطالبة بحقوق ثقافية والمساهمة في السلطة وبعض الحقوق الادارية، وعلى الرغم من بساطة هذه المطالب فانها لم تتحقق نتيجة للنظرة الشوفينية للسلطات المركزية في بغداد خلال مختلف العهود مما دفع ثمنه العراق والعراقيين غاليا نتيجة استمرار المعارك بين الطرفين لسنوات طويلة. وقد اثر الصراع هذا على التنمية والبناء لتتوجها السلطة المركزية لاحقا بتنازلها عن جزء من مياه واراضي البلد لصالح ايران اثر اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي الغت اتفاقية آذار 1970 التي طورت المطالب الكردية الى حكم ذاتي في المحافظات الكردية عدا كركوك "موضع خلاف لليوم"، وقد ادت تلك الاتفاقية في النهاية الى انهيار الثورة الكردية وبذا يكون العراق من الدول القلائل في العالم التي لم تجد طريقة لحل المسألة القومية في بلدانها على الرغم من تنازله عن اجزاء من اراضيه.

وهنا نرى ان ابعد ما ذهبت اليه القيادات القومية الكردية كان نظاما للحكم الذاتي والمشاركة في السلطة وتنمية المناطق الكردية وتوزيع عادل للثروات بما يتناسب ونفوس وحاجة المناطق الكردية للاعمار قبل ان تتطور الى مطالبتها بالفدرالية، وهذا ما تبنته القوى السياسية العراقية كنظام للحكم بعد انهيار حكومة بغداد اثر الاحتلال الامريكي سنة 2003، ولتتجه المطالب الكردية نتيجة تصاعد الاتهامات السياسية بين المركز والاقليم وانعدام الثقة بين اطراف السلطة الثلاث الى تهديدات بالانفصال تصدر من هذه الشخصية السياسية الكردية او تلك، كرد فعل وطريقة لرفع سقف المطالب نتيجة عدم استقرار الوضع السياسي في البلاد واستقواء اطراف الازمة بالمحيطين الاقليمي والدولي ضد بعضهم البعض مما يجعلنا ان نشك بنياتهم في احلال الامن والبدء في عملية اعادة الاعمار.
اعتقد انه من المهم جدا وقبل طرحنا لسؤال غاية في الاهمية حول حق الاكراد للعيش في ظل نظام فدرالي من عدمه، ونتيجة لضبابية مفهومي الفدرالية والكونفدرالية وتداخلهما عند غالبية ابناء العراق نتيجة لاصطفاف البعض من المثقفين العراقيين طائفيا وقوميا الى جانب المركز والاقليم "كردستان" وتأثرهم بالشد الطائفي والقومي الذي استثمرته اطراف الازمة لمصالحها الضيقة على حساب الوطن ومستقبل ابناءه. ان نتعرف عن الفرق بين الفدرالية والكونفدرالية بعد ان ذهب البعض بعيدا في تفسيرهما لصالح هذه الجهة او تلك استنادا لمواقف سياسية، نتيجة تحويل حكومة المركز الصراع السياسي حول صلاحية الحكومة ومشاركة الاطراف الاخرى فيها الى صراع قومي وتجييش للشارع العربي ضد الكرد ليس كسلطة فقط بل وحتى شعب، وهذا ما لاحظناه مؤخرا من تهديد فصائل "سياسية" مقربة من السلطة المركزية للكرد في مغادرة المناطق العربية تحت تهديد السلاح (لم تنجح ولكنها بادرة قد تشكل خطرا مستقبلا)، والغوص في عمق التراث والتاريخ للبحث عمّا يسيء للاكراد كشعب من خلال محاضرات دينية هدفها شحن الشارع العربي ضد الكرد في بادرة خطيرة لم تمارسها اية سلطة عراقية قبل اليوم. وكذلك ذهاب حكومة الاقليم بعيدا في اتخاذ قرارات لاتمت في بعض منها بصلة الى مفهوم الفدرالية وتعريفاتها مما جعلها ان تفقد بوصلتها وهي تلعب على وتر الخلاف الطائفي الشيعي السني، ناسية ان هذا الصراع قد ينتهي متى ما ارتفع قرع طبول القومية ووحدة الوطن من قبل ساسة الطائفتين وهذا ما شرعت به حكومة المركز بالفعل.
ولان الكونفدرالية ليست نظاما للحكم في العراق ومن السهل تفسير معناها القانوني لانها لاتحتاج في قيامها الى دستور بل الى بعض التعريفات من بنود القانون الدولي والتي تمنح الحق للدول المنضوية في اتحاد كونفدرالي الانسحاب منه متى ماشاءت عكس الدول الفدرالية. فاننا سوف لانتناول مفهوم الكونفدرالية والتي تتكون اساسا من دول ذات سيادة اي مستقلة، وهذا مايطلق عليه احيانا بالاتحاد الاستقلالي الذي لاينطبق على النموذج العراقي اليوم. ولكننا سنتناول النظام الفدرالي باعتباره نظاما توافق العراقيون عليه من خلال دستور (بل منذ مؤتمر لندن) شاركت غالبية الاحزاب السياسية في تدوينه واقراره على الرغم من ان هناك العديد من المآخذ عليه، اما ما يقال عن عرضه للاستفتاء الجماهيري فانه ليس اكثر من نكتة لعدم قراءة الجماهير لاسباب كثيرة مسودة الدستور هذا قبل اقراره واهم هذه الاسباب هي الأمية والأمية السياسية والفكرية عند الغالبية العظمى من ابناء شعبنا الذي ترك مصير بلده الى افراد او احزاب لاتملك لليوم اية برامج لبناء دولة.
ان الخلاف القومي والديني والطائفي بين ابناء شعب العراق وتركة البعث الثقيلة من الدمار الذي طال الانسان العراقي قبل الارض،  يتطلب اليوم ايجاد طرق ووسائل جديدة للحكم تسهل العيش المشترك بينهم على اساس عدم تفرد جهة ما قومية كانت ام دينية ام مذهبية على مقاليد الحكم والسلطة وما تشكله من خطر على النسيج الاجتماعي ووحدة البلد، بعد ان اثبتت تجربة الحكم الحالية كما سابقاتها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم، فشلها في بناء دولة تحترم مواطنيها على اساس احترام التنوع العرقي والديني والطائفي الذي يتميز به شعب العراق عن طريق زرع الثقة بين هذه "المكونات" من جهة وبينها وبين الدولة بمؤسساتها المختلفة من جهة ثانية. ومن هذه الوسائل هو شكل الحكم الفدرالي الذي ارتضاه العراقيون كما اشرنا قبل قليل اليه على انه الشكل الامثل لنظام الحكم في البلد، والمفارقة هنا هو ان الفدرالية في اللغة اللاتينية تعني (الثقة) التي اصبحت نتيجة العديد من العوامل مفقودة بين القوى السياسية المهيمنة على القرار السياسي والتي تنتمي بعضها الى نفس "المكون " القومي او الطائفي. وقبل ان ندخل في موضوعة الفدرالية كشكل لنظام الحكم في العراق "كما يقال!!" علينا ان نشير الى ان لافدرالية دون ديموقراطية حقيقية ولان الديموقراطية لا تتجزأ فان النظام السياسي الذي يعتمد على التوافق السياسي والذي يعتمد بدوره على التمثيل القومي والطائفي والديني هو ابعد ما يكون عن الديموقراطية، لاسباب عدة اهمها عدم وجود معارضة برلمانية للحكومة التي لاتتغير بنيتها الاساسية في الانتخابات بعد ان تقوم باستنساخ نفس اجنّتها المشوهه مقابل تجميد عمل الدولة. لان الدولة في العراق اليوم وعلى الرغم من عدم تكاملها فانها تستمد شرعيتها من حكم الطوائف والقوميات وهذا ما يفقدها ديناميكية العمل في بناء مؤسسات دستورية لاتتأثر بعد كل انتخابات بتغيير الطاقم الوزاري تبعا لتوزيع الوزارات بين القوى الطائفية والقومية نفسها. كما وان شكل الحكم اليوم في العراق يراد له ان يستمر بحالته "المريضة" التي يعيشها اليوم دون ادراك الغالبية العظمى من ابناء العراق وسياسييه ومثقفيه (نتيجة تخندقهم الطائفي والقومي والديني) لخطورة ان السلطة التي تتغير شكليا فقط بعد كل انتخابات كما هي عليه اليوم لاتصل الى اهمية الدولة الراسخة المنشودة بمؤسساتها ودورها في بناء البلد.

للنظام الفدرالي تعريفات قانونية عدة الا انها متداخلة مع بعضها البعض وقد حددت بعض التعريفات مفهوم الفدرالية واختياراتها المختلفة من خلال ورودها (في اربعة كتب تبحث في الفدرالية لكل من :زيبلات، ويبلس، دياز-كايروس وكيلمين تعريفات دقيقة للفدرالية رغم انها متشابكة الى حد ما. بالنسبة لكتاب زيبلات تتضمن الفدرالية "ثلاث ميزات دستورية مؤسساتية لاتتجزأ: (1) مشاركة رسمية او غير رسمية للحكومات المحلية في عملية صنع القرارعلى مستوى الحكومات الوطنية: (2) حرية التصرف بالمالية العامة على المستوى المحلي و: (3) الادارة الذاتية للحكومات المحلية". على العكس من هذا التعريف ذي الاجزاء الثلاثة يركز ويبلس ودياز-كايروس على شرطين ضروريين وكافيين فقط. بالنسبة لويبلس يكون البلد فدراليا اذا كانت مناطقه: (1) ممثلة في مجلس تشريعي وطني و: (2) تملك مجلسا تشريعيا خاصا بها. ويركز دياز- كايروس على شرطين مختلفين تماما: (1) يجب ان تنبثق السلطة التنفيذية للاقليم من خلال الانتخابات التي تجري بشكل مستقل عن السلطة الوطنية و: (2) يجب ان تتمتع الاقاليم بسلطة مالية اصيلة. ونظرا لتركيزه على الفاعل غير التابع لدولة، الاتحاد الاوربي، لا يعرف كيلمين ما الذي يجعل الدولة اتحادية، ففي الواقع واحدة من النقاط الرئيسية في انطلاق دراسته تشير بانه يجب علينا عدم "دمج مبدأ الفدرالية مع الدولة الفدرالية". بالقول بان الفدرالية تتطلب مجرد "توزيع عمودي للسلطة بين الحكومات المركزية والحكومات المحلية"، لذا يقدم كيلمين تعريفا اقل تحديدا بالنسبة للكتاب الاربعة) "1
تعتبر الفدرالية اتحادا طوعيا "للتحرر من هيمنة وسطوة الحكومة المركزية" تقسم فيه السلطات بين المركز والاقاليم "اثنين او اكثر" وتختلف النظم الفدرالية بعضها عن البعض الاخر وفقا للدستور الذي تتبناه كمرجع للفدرالية التي قامت عليه، ولا يستطيع اي طرف من الاطراف تغيير بنود الدستور دون موافقة الطرف الاخر ولا تعديله. وتعتبر الفدرالية ضامنة لعدم انفصال مجموعة سكانية من جسد الدولة نتيجة اضطهاد السلطة المركزية كما ويكون السكان امام التزامات ثنائية واحدة تجاه سلطات الاقليم واخرى تجاه السلطة المركزية. ومن اهم صلاحيات الحكومة الفدرالية هي الاشراف على الجيش والسياسة الخارجية واستثمار ما في باطن الارض وادارة المطارات والموانيء والمراكز الحدودية والكمارك والضرائب، فيما تكون صلاحيات حكومة الاقليم مماثلة لصلاحيات حكومة المركز تجاه مواطنيها الا في رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي وشؤون الجنسية واصدار العملة والدفاع الوطني وادارة المطارات والموانيء والمنافذ الحدودية ورسم السياسة الاقتصادية للبلد والامور الاخرى التي تخص سيادة البلد وموقعه في الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية كالامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية وغيرها، وعلى الرغم من صلاحيات الحكومتين تجاه القضايا المختلفة الا انهما عادة ما يتشاوران حول العديد من القضايا المصيرية التي تهم مستقبل البلد. والان، وبعيدا عن تعريف الفدرالية ان كانت نظاما قانونيا ام سياسيا، فاننا نستطيع القول من انها تعمل وفق خيارات المواطنين على ترسيخ مبدأ التعايش بين مكونات الوطن الواحد من خلال اصوات الناخبين الحرة ومن خلال نظام ديموقراطي حقيقي والذي يعتبر في حالة تطبيقه - بشكله الحقيقي- نصرا لكل العراقيين على مختلف انتمائاتهم القومية والدينية والمذهبية.
والان هل من حق الشعب الكردي في العراق ان يعيش في ظل نظام فدرالي؟ وهل الفدرالية التي يطمح اليه الشعب الكردي ممكن ترجمتها من خلال الصراع السياسي العبثي الموجود اليوم الى ديموقراطية حقيقية وغير توافقية كما يريدها البعض على غرار الحكومات التوافقية التي عطلت الحياة في البلد منذ انهيار نظام البعث ولليوم؟ اعتقد ان الاجابة على السؤال الاول يمكن الوصول اليها من خلال دراسة تاريخ الشعب الكردي ونضالاته لعقود عديدة والحيف الذي لحقه من مختلف الحكومات العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم بل وقبلها حتى. ام للاجابة على السؤال الثاني فنحن بحاجة الى العودة للوراء قليلا وتحديدا الى مؤتمر لندن الذي وافقت فيه قيادات الحركة الكردية حينها ومن اجل اقامة نظام فدرالي توافقي، ان تتعامل مع قيادات الاحزاب الشيعية دون النظر الى المستقبل وخطورة تلك التوافقات او التفاهمات على مستقبل العراق كبلد، بعد ان وافقت على ان تكون اهتماماتها منصبة على الاقليم - بقاء كركوك مؤجلة- وذلك من خلال موافقة الاسلاميين على فدرالية توافقية، مقابل غض الاكراد النظر على عملية اسلمة المجتمع وتهميش القوى الديموقراطية واليسارية التي دافعت عن الشعب الكردي كأمة وتطلعاته لعقود، بل كان لها في فترات عدة حلول اكثر نضجا من القيادات الكردية نفسها للمشكلة القومية في العراق ولازالت.
فعلى سبيل المثال فان الحزب الشيوعي العراقي كان قد حدد موقفه من القضية الكردية في الكونفرنس الثاني للحزب والمنعقد عام 1956 والذي اشار الى ان " الاستقلال الذاتي لكردستان العراق (الحكم الذاتي)، وفق اتحاد اختياري كفاحي اخوي، هو تدبير موقوت بظروفه، تقتضيه مصلحة الشعب الكردي نفسه. وهو بهذا المعنى ليس حلا نهائيا للمسألة القومية الكردية، ولايمكن ان يكون بديلا عن حق تقرير مصير الامة الكردية، وفي تحقيق وحدتها القومية،وفي تهيئة الظروف الملائمة لممارسة الامة الكردية حقها في تقرير المصير، بما في ذلك تكوين دولة مستقلة لكردستان كله 2) وجدد الحزب موقفه من الحكم الذاتي وحق الامة الكردية في تقرير مصيرها بنفسها بما فيه اقامة دولته المستقلة ثانية من خلال تقرير تحت عنوان " سياستنا وطريقنا لحل المسألة الكردية في العراق حلا ديموقراطيا عادلا"، "وكانت الوثيقة عبارة عن برنامج ديموقراطي واف لحل القضية الكردية، باعتبارها جزء لايتجزأ من قضية الديموقراطية في العراق. وفي عين الوقت فهي تعتبر القضية التي لايمكن من دون حلها انتصار الديموقراطية فيه. وكما جرى التأكيد على مطالبة الحزب بالحكم الذاتي لكردستان العراق، وعلى حق الامة الكردية في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك حقها في تكوين دولتها المستقلة 3).
وعلى الرغم من كل هذه المواقف التي اتخذها حزب سياسي كالحزب الشيوعي العراقي والديموقراطيين العراقيين في دفاعهم عن القضية الكردية لعقود مثلما قلنا، فاننا نرى اليوم النواب الكرد وبايعاز من قياداتهم تصوت الى جانب الاسلاميين والقوميين وبقايا البعث وايتامه في سرقة اصوات الناخبين – كما الانتخابات البرلمانية الاخيرة- من خلال تصويتهم اللصوصي على قانون انتخابات مجالس المحافظات. في طعنة غادرة لعموم الحركة الديموقراطية العراقية خدمة للاسلام السياسي الذي بدأ يكشر عن انيابه ليس من اجل اسلمة المجتمع في التجاوز على بنود الدستور الذي كفل الحريات الشخصية فقط ، بل وفي الوقوف ضد الشعب الكردي وشحن الشارع السياسي العربي ضده. ان تهميش التيار الديموقراطي سيمنح الاسلاميين الفرصة للانقضاض مستقبلا على ما حققه الشعب الكردي من منجزات بدماء ابنائه بعد ان تعمل كما تعمل اليوم على اضفاء العامل القومي للصراع ليكون الصراع مستقبلا كما الامس صراعا عربيا كرديا ، لكن نتائجه هذه المرة ستكون كارثية لان الصراع سابقا كان بمعزل عن نسبة كبيرة من ابناء شعبنا الذين منحوا اصواتهم لسياسيي اليوم بعد شحنهم طائفيا اضافة الى الشحن القومي، ولثقل اليسار والديموقراطيين سابقا عكس اليوم.
وخطأ الاكراد في تصويتهم لقانوني انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات وعدم اهتمامهم بما يجري في بقية العراق خارج سلطة الاقليم والابتعاد عن حلفائهم الطبيعيين واصرارهم على مبدأ المحاصصة في بناء " الدولة"، يضاف الى خطأهم الكبير بقبولهم الفدرالية على اساس مناطقي وليس على اساس قومي والذي يعتبر الشكل الامثل للفيدرالية، وقد صرح بعض الساسة الاكراد في وقت معين وبشكل علني عن استعدادهم لدعم مبادرة بعض القوى الاسلامية التي طالبت باقامة اقليم الجنوب مما ساهم في تخلي العديد من المتعاطفين مع القضية الكردية العادلة عنها. وقد اشار الاستاذ عادل حبه الى هذا الخطأ الجسيم اي خطأ القبول بالفدرالية المناطقية وليست القومية قائلا ( وجرى القبول في هذا الدستور المتناقض بالفدرالية ليس على الاساس القومي بل بالنفي الصريح له، كما يشير الى ذلك قانون ادارة الدولة المؤقت والذي انسحب على الدستور. وهذا مجافي لمبدأ حق تقرير المصير المسند من قبل الشرعية الدولية، واضعف هذا موقف الكرد امام القوى التي لاتؤمن اصلا بالمبدأ المذكور. وخلقت لنا هذه الوجهة الخطيرة مطالبة بعض المحافظات التماثل مع اقليم كردستان في الحقوق والصلاحيات والفدرالية... الخ) "4

 ختاما اود الاشارة الى ان لاخوف من الفدرالية الكردية في تقسيم البلد – على الرغم من تهديدات بعض السياسيين الكرد بين الاونة والاخرى- قدر خطورة فدرالية شيعية في الجنوب سيبتلعها جار نووي قوي كايران، او فدرالية سنية سيبتلعها المشروع الطائفي السعودي- القطري بعد رحيل النظم القومية العربية الى متاحف التاريخ.

تيار ديموقراطي قوي وفاعل هو ضمانة لفدرالية حقيقية ونظام ديموقراطي حقيقي فمتى يعي الساسة الكرد ذلك؟

1-الفدرالية: الفدرالية، المفاهيم والاسباب والنتائج "1" الحوار المتمدن العدد 2897 ، د. هاشم نعمة.
2- محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلوائي 179.
3- نفس المصدر ص 184.
4-  على النخب القومية في اقليم كردستان العراق اخذ العبر من دروس التاريخ (3-3) ، عادل حبه.
http://al-nnas.com/ARTICLE/AHaba/21v003.htm
زكي رضا
الدنمارك
27/9/2012


470
منين طلعت الشمس منّاك من جناجة

ما ان اذاع القتلة بيانهم الاول صبيحة الثامن من شباط 1963حتى كانت العلاقات المدينية التي بدأت ملامحها تظهر بالغاء قانون العشائر وقانون الاحوال الشخصية وغيرها من التي انصفت الفقراء والمعوزين والتي جاءت بها ثورة 14 تموز، بالانحسار لصالح العلاقات العشائرية والقبلية القادمة حينها من غرب البلاد ومناطق اعالي الفرات. بعد ان اصبح ابناء هذه المناطق وجلّهم من العسكريين قادة للبلد ليفتحوا ابواب الوظائف الحكومية على مصراعيها امام ابناء عشائرهم ومدنهم وقراهم. والذين نقلوا بدورهم اخلاق وعادات العشيرة ليزاحموا من خلالها العادات المدينية المترسخة والتي بدأت بالانحسار والضمور بشكل تدريجي، لتصل عهد حكم البعث الثاني 1968 الى ذروتها بعد ان اصبحت العوجة وهي احدى قرى مدينة تكريت ومسقط رأس اكثر الديكتاتوريين دموية في تاريخ العراق اي المجرم صدام حسين تفرض سطوتها على العراق باكمله، بعد ان حوّل الديكتاتور العراق الى اقطاعية يملكها وابناءه واولاد عمومته ومن يثق بهم من انصاره.

وعن طريق الاعلام البعثي دخلت هذه القرية التي لم يسمع باسمها الغالبية الساحقة من العراقيين كل بيت عراقي، بعد ان بدأ قاتل العراقيين السادي صدام حسين الحديث عنها متذكرا طفولته وسباحته في نهر دجلة الذي تقع القرية على ضفافه، ونضالاته ونضالات ابناء القرية ضد الانظمة العراقية المتعاقبة ليتوجها بهروبه الى سوريا من خلالها والذي حوّله عبيده الى فلم بعنوان "الايام الطويلة". وما ان بدأت الحرب العراقية - الايرانية حتى كثر العبيد واذا بأحدهم يكتب " منين طلعت الشمس منّاك من العوجه "، وبقيت "العوجه" تحكم العراق حتى جاء الاحتلال الامريكي الذي هرب من امامه بطل العوجه وانصاره ليقبض عليه في جحر تحت الارض وليسمى من حينها ولليوم بجرذ العوجة. ولا اعتقد ان هناك زعيما عراقيا "حتى الامس" غير المجرم صدام قد استغل التلفزيون الرسمي العراقي ليتحدث من خلاله عن بطولاته وعائلته وقريته وابنائها، وكنا نعتبر لقاءاته تلك بمثابة مهزلة ونتندر عليها في غربتنا القسرية.

وما ان رحل حكم القرية الفاسد الى حيث يجب ان يرحل حتى حلمنا بعراق جديد يعيد الينا العلاقات المدينية التي شوّهها البعث وازالها من الوجود، خصوصا بعد ان منح العشائر السطوة الاكبر على حساب القانون المدني وليستفيد منها في زج الاف الشبان العراقيين في محارقه ضد ايران والكويت. عراق خال من دكتاتور او مشروع دكتاتور يتغنى بأمجاده وامجاد قريته واهلها، عراق لا يعرف عبودية الفرد الواحد الصنم، عراق لا يعرف جيشا من "الكتبة" الساجدين لولي نعمتهم كما الذين سبقوهم، عراق تشرق فيه الشمس ولكن من مكانها الطبيعي وليس من قرية لتنير جباله وهضابه وصحاريه، عراق جديد فيه الانسان اثمن رأسمال وليس الحزب او الطائفة او العشيرة او العائلة. ولكن ليس كل ما يطلبه المرء يدركه ... قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فها هو التاريخ يعيد دورته وليقف العراقيين غير مصدقين عيونهم واذانهم وهم يشاهدون ويسمعون رئيس وزرائهم ومن على شاشة الفضائية العراقية "الاسبوع الماضي" وعلى غرار دكتاتور العوجة، يتحدث عن نفسه وعن بطولاته وكيف انه اراد ومجموعة "بطلة" من اطفال  قريته وهم في سن ال 12- 13 تأسيس حزبا سياسيا يقارع الحكومة حينها!!! ولم ينسى وهو يتحدث الينا من قناتنا الفضائية التي صادرها حزبه عن سباحته في النهر "كما صدام حسين" لمدة 4-5 ساعات يوميا مع بقية اقرانه من ابناء القرية. ومن البطولات الشخصية نقلنا الى بطولات ابناء قريته وضحكهم على سلطات البعث المجرمة بطريقة لا يصدقها اي ساذج خصوصا وان العراقيين جميعا يعرفون مدى سادية النظام البعثي وبطشه.   

لقد رحل صدام بعد ان كان مركزا لجميع القرارات ولم يكن عنده القانون الا "جزة قلم"، ليأتينا السيد المالكي "ديموقراطيا" ليكون رئيسا للوزراء وقائدا اعلى للقوات المسلحة وفق الدستور، ووزيرا للدفاع والداخلية والامن الوطني "قبل ترشيق الوزارات" وآمرا للفرقة الذهبية غير الدستورية ورئيسا لعدد غير معروف من الاجهزة والخطوط الامنية والاستخبارية وليخاصم حتى حلفائه في الائتلاف الشيعي، من اجل ضم المفوضية المستقلة للانتخابات والبنك المركزي وغيرها من المؤسسات الى صلاحياته. وليرسخ وعلى غرار دكتاتور العوجة ديكتاتورية دينية هذه المرة ولكن المضحك هو ان حكومة المالكي العاجزة عن توفير الامن والخدمات الضرورية كالكهرباء والماء والمستوى الصحي والتعليمي والتربوي اللائق بابناء شعبنا، نراها "بطلة" وهي تهاجم التظاهرات والتجمعات السلمية والاندية الثقافية والاجتماعية، ولتزحف المفاهيم والعلاقات العشائرية التي شجعها ويشجعها المالكي نحو ما تبقى من المدينة واخلاقها. وليستبدل العراقيون وللاسف الشديد في عهده الرفاق بالسادة والرفيقات بالعلويات والزيتوني بالمحبس والسبحة، وليتعرفوا على قرية جديدة ستكون كما العوجة مدخلا لمآس جديدة قد تطيح بالبلد وهي وللمصادفة قريبة "نغميا " من عوجة صدام وهي جناجة المالكي. ولننتظر شاعرا  يكتب لنا قصيدة بعنوان "منين طلعت الشمس منّاك من جناجه" وبدلا من ان يلحنها ويغنيها احد المطربين فانه سيقدمها " الشاعر" الى باسم الكربلائي لقراءتها بصوته ولحنه المميز.
اللهم ارحتنا من العوجة واهل العوجة  فالطف بنا من جناجة واهل جناجة

زكي رضا
13/9/2012 

   


471
ثوري دمشق لكن حذار من صفين جديدة


سلاما دمشق
سلاما يا اعتق المدن
سلاما يا اخت الشهداء
...........
زينوا المرجة.. والمرجة لنا.. وشامكم فرجة.. وهي مزينة
..................
زيّني شوارعك مثلما تشتهين، طرزي حاراتك مثلما تشتهين.
وتذكري دوما اطفالك الحلوين في داريا.

غنّي دمشق غنّي
 لغوطتك غنّي
لصالحيتك غنّي
لباب توما ولكنيستها واجراسها، غنّي للجامع الاموي ولسوق الحميدية.
واذرفي الدمع دمشق على رأس الحسين والطاهرة الزينبية.
 
غنّي بالله عليك غنّي فاننا نهفوا الى سمفونية نواعير حماه، الى الشهباء وقدودها الحلبية. ولا تسيئي الظن بنا يا صنو بغداد فانت تعرفين من هم ذوو الاصول الاجنبية.

حذاري دمشق من خيام البدو
من مضارب البدو، من قوّادين بثياب عربية، واحذري عواصم العهر دمشق
اولئك الذين يصدّرون لك كما صدّروا- ويصدّرون- لنا الموت الذي يتجول الان في احياؤك، ليقتلوا النساء والاطفال بروح الثأر البدوي، انهم رسل الموت فاوصدي ابوابك في وجوههم، ووجوه من نصب لثوارك المشانق في مرجتك. ان رسل الموت هؤلاء يخافون الفرح والغناء والزغاريد  فافرحي وغّني وزغردي.

ثوري دمشق
ثوري
وحذاري من كتاب الله مرفوعا، زوراًعلى رماح البغي
اذ لازلنا دمشق ندفع  الى اليوم ضريبة ليلة الهرير في صفّين ودهاء ابن العاص، حاذري السب من على المنابر ولا تحولي مساجدك الى مساجد ضرار فالقتل جاءنا من هذه المساجد. ففيها كنّا نذبح بعضنا بعضنا- ولازلنا- وفيها كنا نفخخ السيارات لتنفجر في اجساد الابرياء في الساحات والشوارع ومساطر العمال البسطاء - ولازلنا- ومنها خرج –ولايزال- من يريد ان يدخل الجنة بجواز سفر مداده دماء اطفالنا، ومنها نخرج نحمل صكوكا لبيع الوطن بعد ان تكالبنا عليه لنطعنه في مقتل ان لم يكن باسلحتنا/هم فبأصواتنا التي لاتصب لجهلنا الا في صالح اللصوص.

تذكري دمشق اننا لازلنا في بغداد ندفع الى اليوم ثمن دماء كارثة القادسية
لقد دافعنا بدماء شبابنا
عن مضارب البدو .. عن خيامهم.. عن نياقهم.. عن داحسهم وغبرائهم.. عن دشاديشهم
 وها نحن اليوم نعيش في عصر القبيلة  وثارات القبيلة
حذار من جملة"مطلوب عشائريا"على جدران بيوتك الجميلة
لاتبدلي جلادا بجلادين ولا لصا بلصوص ولا خائنا بخونة
سلينا فانّا لك ناصحون
ولاتفلسفي الظلم كما نفعل فالظلم ظلم يادمشق
ان كان بعثيا او قبليا او اسلاميا ... شيعيا كان ام سنيا، والجوع جوع يادمشق ان خرج من مقر لحزب الطغاة
او من خيمة او من جامع او من حسينية.

او من معتوه يضع في فمه السيجارويسوق لنرجسيته آلاف الشبان الى الموت
او من معمم لايعرف يا دمشق جمال الحياة، ويريد ان يعيدنا الى ما قبل عصر الخلافة
لنجلس في كتّابه نقرأ "جزء عم" ويعلمنا الابجدية، وليسرق كأي زنيم كل ما نملك ان لم يكن باسم الله وهو ظله!
فبيحلة شرعية.
 
لقد رهنّا لبؤسنا بغدادنا في طهران فهي مرجعيتنا التي نشد اليها الرحال ايام الازمات وما اكثرها ... من ولي الفقيه فيها نستلم الاوامر وبحضرته نشكل الحكومة وببركته نحلّ مشاكلنا التي لم تُحلّ لليوم .. هل تتوقعين بركة من الغرباء؟ .. ولا زلنا نوزع وزاراتانا على الشيعة والسنة والاكراد بعد ان حرقنا الوطن بنيران الطائفية ولازلنا في خصام ان من هو احق بالخلافة علي ام عمر؟ تاركين اطفالنا مشردين في تقاطعات المرور وشبابنا دون عمل وارضنا دون مياه وثرواتنا في جيوب الحكّام الفجرة.
 
فلا ترهني بالله عليك نفسك بين كثبان صحراء الرعاع ولاتجعلي من عواصم البدو لك مرجعية انهم كذّابون يا دمشق كما جيراننا، قتلة كما جيراننا ولن يصدروا لك الا الموت وان صدروا لك الحياة فستكون حياة "السلف الصالح" وستكون صباياك اللواتي يتهادين كالاقمار بغنج شامّي .. عورة.. ليعقد عليهم افّاقوا الارض الممسوخين ولتلدن اطفالا دون آباء بعد ان يقتلوا او يغادروك الى حيث يوجههم المال البدوي، وسيهاجر ابنائك من المسيحيين بعد ان تفجّر كنائسهم كما كنيسة سفينة النجاة وسيكون القتل على الهوية وسيتركونك لمصيرك تبكين وطنا مدمرا كما نحن اليوم. 

استيقظي دمشق وشمّي نسيم غوطتك بعمق واغسلي وجهك بمياه فيجتك وغني من اجل ابناؤك وادبكي

ويلي دلعونا ويلي دلعونا..... راحوا الحبايب ما ودعونا
يا ارض بلادي يا بعد روحي ..... عنك ما أتنازل والله وما بروح
ولو قطعوني وما داوو جروحي ..... ع ترابك باقي وما ارحل من هونا

نعم دمشق تشبثي بابنائك ولاترحّليهم او تدفعيهم الى الرحيل واركلي بقدمك البعث الى خارج الحياة
وبالاخرى اركلي ذوي الدشاديش القصيرة واللحى الكثّة الشيطانية.



زكي رضا
2/9/2012
الدنمارك


















472
عفوا ايها السيد احمد الصافي فعراق اليوم مرتع للاغبياء


امس الجمعة 3/8/2012 وكعادته الاسبوعية أمّ سماحة السيد احمد الصافي المصلين في مدينة كربلاء وليلقي على اسماعهم بعدها، خطبته السياسية التي تعبر عن رأي المرجعية الدينية الظاهري تجاه الازمات المختلفة التي تمر بالبلد والتي اثرت وتؤثر على حياة الناس بشكل مباشر. ولم يأتي السيد الصافي بشيء جديدعندما اشار الى فشل الدولة في بناء الانسان العراقي حيث قال في خطبته (ان الدولة فشلت في بناء الانسان من خلال الدورات التطويرية خارج البلد وكانت هذه الدورات مجرد صرف للاموال وهدر للوقت من دون الحصول على كفاءة جديدة ينتفع فيها البلد). ومن حقنا هنا ان نسأل السيد الصافي عن "الدولة" واين هي؟ وهل ما يجري في العراق اليوم يشير الى وجود دولة بمعناها المتعارف عليه؟ ام اننا حيال سلطة لاتقيم وزنا للقانون بل على العكس فانها تتجاوزه بعناد وامام جماهير "شعبها" كما حصل في تصويت مجلس نواب "الشعب" مؤخرا على قانون انتخابات مجالس المحافظات على الضد من قرار المحكمة الدستورية العليا ليكشف النواب هؤلاء ومن خلال اوامر رؤساء كتلهم عن الوجه القبيح للعملية السياسية "الديموقراطية" في البلد والتي وصلت الى الحضيض بفعل هؤلاء النواب وكتلهم نفسها.

اذن فالدولة لم تفشل في بناء الانسان كما قال السيد الصافي لعدم وجود دولة ذات مؤسسات حقيقية في العراق اليوم اساسا، انما الذي فشل في بناء الانسان العراقي هي السلطة التي وظّفت الطائفية والقومية كنهج للحكم والذي اثبت فشله الذريع ليس في بناء الانسان وهو الاهم بل حتى في بناء البلد الذي تشير كل الارقام والشواهد على تخلفه ودماره رغم الارقام الفلكية من الاموال التي تدخل خزينة السلطة. لتتحول الى مشاريع وهمية وسوء تصرف كبعض من تلك التي اشار اليها السيد الصافي في خطبته، او تدخل جيوب المتنفذين من رجالات السلطة وبطانتها بمختلف الطرق الغير شرعية طبعا ولتهرّب الى خارج البلد.

وفي مكان آخر من خطبته يتساءل السيد الصافي عن سبب هروب الشركات الاجنبية بعد فترة من مباشرتها العمل من دون انجاز ما تعاقدت عليه! وكأن الجواب على هذا السؤال هو من الصعوبة بحيث لايستطيع السيد الصافي الاجابة عليه امام المصلين، وهو فساد الجهاز "الحكومي" وغضّه النظر عن هذه الجرائم مقابل العمولات الضخمة التي يتقاضونها من خلال هذه التعاقدات الوهمية او تلك التي لاتمثل نسبة انجازها الا معدلات بسيطة جدا، كتعاقد وزارة التربية العراقية مع شركة ايرانية لبناء المدارس في العراق والتي تناقلتها الصحافة وقتها باسم فضيحة المدارس الهيكلية عندما كان خضير الخزاعي وزيرا للتربية، والذي وعوضا عن محاسبته لاهداره ملايين الدولارات كوفيء بمنصب نائب رئيس الجمهورية!! وليتساءل في نفس المكان من خطبته عن السر العجيب في هروب هذه الشركات ليقول ( لماذا يحصل هذا بنا اما ان تكون هناك ارادة اقليمية او دولية لتعطيل هذه المشاريع او هناك قوانين وضعها واضع يريد ان يعطل اعمار البلد او ان شخصا اراد ان يعطل امام مسمع ومرأى جميع المسؤولين ولا احد يريد ان يغير شيء). ولاادري لماذا لم يشر الصافي الى ان الامور التي ذكرها مجتمعة هي السبب الاساسي لمجمل مشاكلنا، واذا توخينا الدقة فانها نتائج وليست اسباب لان الاسباب الحقيقية هي المحاصصة الطائفية القومية والصراع الخفي والمعلن على احتكار السلطة للهيمنة على مقدرات البلد التي افرزت اغبياء لقيادة البلد وهذا ما اخطأ فيه السيد الصافي عندما قال (او ان هناك نفوسا كبرت على المرض وجبلت على خيانة هذه التربة واصبحت تتأذى من اسم البلد فلا بد من تحطيمه، او غباء مستفحلا وهذا غير مقبول نهائيا لان العراق لايقبل الاغبياء او هناك خلل في المسؤول).

ان تكون هناك نفوسا (من الطبقة المخملية الحاكمة) كبرت على المرض وجبلت على خيانة تربة الوطن فانها حقيقة لاتحتاج الى برهان وساطعة كسطوع شمس تموز وآب التي اذاقتنا الامرّين بغياب الطاقة الكهربائية ونقص امدادات المياه وغلاء اسعار المواد الاستهلاكية خصوصا في شهر رمضان. وان يكون هناك خللا في المسؤول، فان اعادة اعمار العراق الفاشلة رغم صرف مئات المليارات من الدولارات تؤكد هذا الخلل. ولكن القول ان العراق لايقبل الاغبياء "يحكموه"!!! تجعلنا ان ندخل مع السيد الصافي في حوار بسيط لنتساءل نحن المتضررين من كم الفشل الهائل للسلطة في توفير ابسط الخدمات الحياتية لنا، حول امكانية تقبّلنا كشعب في ان يقودنا الاغبياء، ولماذا؟

قبل الاجابة على السؤال اعلاه دعونا ان نشير الى بعض الامور التي تثبت غباء المسؤولين وخيانتهم لتربة البلد مثلما تساءل السيد الصافي عنهم في خطبته، ونتساءل عن السبب الذي جعل الحكومة ان تتقدم الى مجلس نواب "الشعب" وتحت ضغط بعض القوى السياسية المساهمة في العملية السياسية بمقترح قانون العفو عن مزوري الشهادات الدراسية، وهل هم انفسهم الذين اشار اليهم السيد الصافي في خطبته على انهم من اصحاب الدورات التطويرية التي كلفت "الدولة العراقية" المال والجهد والوقت؟ فان كانوا هم انفسهم وعادوا للبلد لاعماره فاننا لانحتاج الى البحث عن اي تفسير لكل التساؤلات التي اثارها السيد في خطبته ويشير اليها المئات من الحريصين على البلد منذ الاحتلال لليوم. وهل وجود فائض تجاري لصالح تركيا وايران بمليارات الدولارات وفتح ابواب العراق امام شركات الدولتين دون الجلوس اليهم لمناقشة مسألة المياه واسباب وقف ضخّها الى الانهر العراقية  ما ادى الى جفاف الانهر وقتل الارض الزراعية وتدمير عشرات الاف الهكتارات من الاراضي الزراعية، يعبر عن ذكاء الساسة العراقيين ووطنيتهم؟ وهل توقيع عقود ضخمة مع شركات وهمية وشراء لعب على انها اجهزة متطورة بملايين الدولارات دلالة على غباء ام خيانة ام كلاهما معا؟

 السيد الصافي انت تعرف جيدا من هم الاغبياء ومن هم الذين اوصلوهم للسلطة بعد ان روجّوا لهم قبل كل انتخابات جرت في البلد لاسباب طائفية؟ وهل تستطيع في خطبك القادمة ان تنتقد موقف المرجعية الدينية ذاك على اساس ان النقد خير وسيلة للبناء ؟ وهل تستطيع وانت تمثل مرجعية دينية ان تقول للناس ان هذه الحكومة فاشلة وانها اذا اعادت تشكيل نفسها بنفس الوجوه او بنفس النهج فان الفشل سيستمر وان المتضرر الوحيد من هذا الفشل هو الناخب العراقي الذي صوت وسيصوت لهم؟

السيد الصافي نحن كشعب لانقبل ان يحكمنا الاغبياء ولكن الذي فرض الاغبياء علينا هو الجهل والتخلف اللذان يلفان الغالبية العظمى من ابناء شعبنا، والذي لعب ويلعب فيهما بعض رجال الدين دورا كبيرا لترسيخهما في المجتمع كي تستفاد منهما الاحزاب الاسلامية الطائفية المهيمنة على مفاصل السلطة. السيد الصافي ان اول كلمة قيلت للنبي محمد هي كلمة (اقرأ) ورغم ذلك فان نسبة الأمية مرتفعة بشكل مخيف ومرعب وسط ابناء شعبنا، وآخر كلمة قالها النبي محمد بشكل رسمي هي كلمة (الاخلاق) عندما قال في خطبته المسماة خطبة الوداع ( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق). ولااظن ان الرشوة والتزوير والسرقة والخيانة ووضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب لاسباب طائفية او قومية هي جزء من الاخلاق او انها تمت بصلة الى الاخلاق اساسا. السيد الصافي هناك حديث للنبي محمد يقول فيه ( لايلدغ مؤمن من جحر مرتين)، فهل شعبنا مؤمن وقد لدغ لليوم عدة مرات من نفس الجحر؟ وصدقني ايها السيد الجليل من انهم سيلدغون مرات ومرات اخرى فاين ايمانهم يا ترى؟

يقول الامام علي (ولكن أسفا يعتريني وجزعا يريبني، من ان يليَ هذه الامة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذون مال الله دُوَلاً، وعباد الله خوَلاً، والصالحين حرباً، والقاسطين حزباً ).

ويقول النبي أشعيا (ويل للذين يشترعون شرائع الظلم والذين يكتبون كتابة الجور والزور ليحرّفوا حق الضعفاء ويصدّوهم عن الحكم ويسلبوا حق بائسي الشعب لتكون الارامل مغنما لهم وينهبوا اليتامى).


زكي رضا
4/8/2012
الدنمارك


 
 

473

حول اللقاء الاخير بين الحزب الشيوعي العراقي والسيد المالكي



لقد تناولت العديد من الاقلام خلال الاونة الاخيرة لقاء قيادة الحزب مع السيد رئيس الوزراء نوري المالكي، والذي بحث فيه الطرفان الازمة التي اصابت الحياة السياسية بالشلل بعد ان اقتصرت اعمال الكتل السياسية التي تشكل حكومة المحاصصة على توجيه الاتهامات لبعضها البعض مستخدمة كل الاساليب القانونية منها وغير القانونية والشرعية منها وغير الشرعية في هذا الصراع. فهل لهذه الاقلام الحق في تناول هذه المسألة المهمة؟ وهل لقيادة الحزب الحق في رفض "تدخل" هؤلاء الكتاب في هذا الشأن؟ 
 
دعونا هنا ان نتناول بشيء من التبسيط ومن دون المضي في متاهات النظريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفلسفية، موقف الحزب من امور هي في نظري غاية في الاهمية وتعتمد عليها في نهاية المطاف شكل الدولة ومساهمة الحزب مع بقية القوى الديموقراطية لبناء دولة عابرة للطائفية والقومية ،تلك التي دعا الحزب اليها مبكرا على عكس الاخرين، وما يتفرع منهما من ضيق افق قومي وحزبي وعشائرية ومناطقية والغاء للاخر. ولكي اكون اكثر دقة فانني سأتناول مشاركة الحزب في الانتخابات سواء تلك التي مضت وفشل فيها الحزب من ايجاد موطيء قدم له في السلطة التشريعية او تلك التي سيشارك فيها مستقبلا بعد ان انضم الحزب الى التيار الديموقراطي وساهم في تشكيله، والذي ان تم تفعيل عمله (التيار الديموقراطي) بالشكل الذي نتوخاه وفي ظل قانون انتخابي منصف وقانون احزاب عصري وادارة مهنية مستقلة لمفوضية الانتخابات واحصاء سكاني علمي، فان التيار ومعه الحزب سيكون لهما كلمتهما التي ستتطور بتطور العملية الديمقراطية وهذه ليست امنية قدر ما هي واقع ستفرزه الاحداث وتزكيه الحياة.

ان العلاقات المميزة بين الحزب والاكراد ولقاء الرفيق ابو داود بالسيد مسعود البارزاني بعد لقاءه وقيادة الحزب بالسيد نوري المالكي ترجمها الكثيرون ومنهم شيوعيون كثر، على انها شكل من اشكال الوساطة بين الطرفين لتقريب وجهات النظر بينهما على الرغم من نفي الحزب لهذه الامر في صحافته او من خلال لقاء الرفيق ابو داود مع صحيفة الاتحاد وسكوت الطرفين الاخرين.

ان تتحرك قيادة الحزب الشيوعي في مثل هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد من اجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين لتجاوز حالة الركود والشلل التي ضربت العملية السياسية برمتها واثرت بشكل مباشر على حياة الناس لتجاوزها واعادة العافية اليها يجب ان يكون من صلب اهتمامات الحزب، وليس هناك ما يدعو من وجهة نظري الى التملص من تبنيها امام وسائل الاعلام. فالحزب في النهاية حزب سياسي تهمه مصلحة شعبه  وله مصالحه ومصالح جماهيره التي عليه ان يدافع عنها ومن خلال دفاعه عن هذه المصالح عليه ان يكون مساهما في الحراك السياسي الجاري في البلد، ولقاء قيادة الحزب بالسيد المالكي هو جزء من هذا الحراك السياسي كباقي لقاءات الحزب مع العديد من القوى السياسية الاخرى. ولكن الذي اريد ان اشير اليه هنا هو امكانية انضمام الحزب الى تكتل كالذي اشار اليه وتناوله السيد المالكي في لقاءه الاخير مع قيادة الحزب.

ان الرفيق الجزائري رسم لنا صورة واضحة تقريبا عن موقف الحزب وامكانية دخوله ضمن ائتلاف عابر للطوائف بقيادة السيد المالكي الذي قال في لقاءه مع قيادة الحزب من ان نجاح تحرك العراق للامام مرهون بتشكيل تكتل غير طائفي عابر للطوائف يضم المتدين والعلماني، المسلم والمسيحي، العربي والكردي، المحجبة والسافرة دون ان يشير الى اهم عنصر في الصراع الذي ادى الى ما يمر به العراق اليوم اي الصراع السني الشيعي! كما ذكّر الرفيق الجزائري بتواجد الحزبين الشيوعي والدعوة في جبهة واحدة قبل سقوط النظام الدكتاتوري السابق ولجنة العمل المشترك.

قبل ان اتناول هذه القضية المهمة والحساسة والمفصلية ليس في سياسة الحزب فقط بل وفي حياته المستقبلية ومدى صموده امام المشاكل الكبيرة التي ستواجهه حال ان اقدم على خطوته هذه دون دراسة واقع الصراع السياسي العراقي وتقاطع مصالح القوى المهيمنة عليه (التي عادة ما تتفق في نهاية المطاف) ومحاولاتها المستمرة لاقصاء وتهميش الاخرين. فانني اود تذكير قيادة الحزب ببعض الامور التي نحن (جماهير الحزب) بحاجة الى ان يراجعها الحزب ليستفاد منها في اتخاذ موقف يتناغم مع مصالحه ومصالح جماهيره ومصالح شعبنا، ومن هذه المواقف كانت مشاركة الحزب في انتخابات عام 2005 ضمن القائمة العراقية التي طرحت نفسها حينها كقائمة وطنية عابرة للطوائف والقوميات، والتي دفع الحزب جراءها ثمنا كبيرا بتصويت العديد من رفاقه ومؤازريه الى قوائم طائفية وقومية او امتناعهم عن التصويت في احسن الحالات وما طرحته تلك  المشاركة غير الموفقة وغير محسوبة العواقب من عشرات الاسئلة حول تحالفات الحزب لتعيد الى اذهان الجماهير تحالفات الحزب السابقة وآثارها السلبية، و كذلك الى انتخابات عام 2010 ونتائجها التي افقدت الحزب مقعديه وجميع مقاعده تقريبا في انتخابات مجالس المحافظات. 

اعتقد كما اسلفت ان لقاء قيادة الحزب مع السيد رئيس الوزراء هو امر طبيعي بل وضروري لوضع اليد على المشاكل التي تمر بها العملية السياسية والمساهمة في ايجاد الحلول الكفيلة لتجاوز مفردات الازمة المستديمة منها والطارئة. ولانه جاء بطلب منه (المالكي) فهذا دليل على ثقة الحكومة واطرافها بالحزب واراءه الصائبة التي جسدها في بداية الازمة وقبلها ولليوم ومطالبته حينها بعقد مؤتمر وطني يضم جميع الكتل والاحزاب السياسية العراقية المؤمنة بالعملية السياسية تلك التي داخل البرلمان اوالتي خارجه، والتي رفعها الحزب  الى الرئاسات الثلاث ولم يرد عليها السيد رئيس الوزراء حينها، ومما يعزز من موقف الحزب امام الجماهير ان الدعوة الى اللقاء جاءت بعد ما يقارب الثلاثة اشهر من هجوم عنيف وغير مبرر من رئيس الحكومة نفسه على الماركسية والالحاد والعلمانية والحداثوية في خطاب القاه في ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر في مدينة النجف الاشرف. ولكل هذا فانا لا ارى سببا واحدا يجعل الرفيق ابو داود متشنجا في رده على بعض المقالات التي كتبت بعد الزيارة خصوصا وان كتابها ليسوا على خلاف مع الحزب بل وقفوا دوما الى جانبه في جميع المواقف التي واجهته وعلى الاخص تلك التي مارست فيها الحكومة ارهابا بحق مقرات الحزب وصحافته، كما وان هذه الاقلام نفسها وغيرها كانت محل ترحيب الحزب في مناقشتها لوثائق مؤتمري الحزب الاخيرين بعد الاحتلال على صفحات طريق الشعب وبطلب من الحزب، وهذا دليل على توجه الحزب في اشراك ليس الشيوعيين فقط بل والديمقراطيين والوطنيين في عملية البناء التي رسمها الحزب لنفسه منذ المؤتمر الثامن.

ان الحزب الشيوعي كان من المبادرين والمساهمين الفاعلين في بلورة وتأسيس التيار الديمقراطي، وصرف الكثير من الوقت والجهد لانجاح هذه التيار الذي سيكون في حالة نجاحه بتوفر شروط ذلك النجاح تلك التي ذكرناها في مقدمة المقالة رقما مهما في السياسة العراقية في قادم الايام. واعتقد حسب رأيي المتواضع ان احد
اسباب لقاء السيد المالكي بقيادة الحزب اضافة الى احساسه بكثرة اعدائه هو شعوره كما غيره ليس بقوة التيار الديمقراطي في الوقت الراهن، بل بامكانية مراهنة الجماهير عليه مستقبلا لتغيير شكل اللوحة السياسية بعد فشل الاحزاب الطائفية – القومية في ادارة السلطة وتشكيل الدولة نتيجة صراعاتها التي يبدو ان لا نهاية لها. لكل هذا فان تصريح الرفيق الجزائري حول امكانية دخول الحزب الشيوعي لتحالف عابر للطوائف بقيادة المالكي كان يجب ان يتأخر قليلا لمناقشته من قبل القاعدة الحزبية ومعرفة مزاج رفاقه، وشركاء الحزب في التيار الديمقراطي حول امكانية دخول التيار الديمقراطي كتيار وليس كاشخاص في مثل هذا التحالف، مما سيعزز من موقع الحزب وعموم الحركة الديمقراطية في البلد لان الحزب والتيار الديمقراطي لم يكونا لليوم جزءا من الازمة المستفحلة التي تضرب البلد ومجمل العملية السياسية بل كانا و سيكونان جزء من الحل والاصح هم جوهر الحل.

ختاما اود التأكيد انه على الرغم ان العديد من الشخصيات الديمقراطية آثرت الانحناء امام رياح الطائفية في وقت سابق وانتقلت الى المعسكر المقابل فان احداث اليوم تشير الى انها شعرت بجسامة خطأها مما دفعها لمراجعة حساباتها في العودة الى معسكرها، ويبقى على الحزب والقوى الاخرى في التيار الديمقراطي ان تتحمل ثقل المهمة في توحيد الجهود ورص الصفوف للمرحلة القادمة اما من خلال دخول الانتخابات القادمة بقائمة مستقلة، او ضمن تحالف واسع ببرنامج وطني ديمقراطي عابر للطوائف والقوميات لبناء دولة ديمقراطية مدنية ذات مؤسسات حقيقية تنهي الفساد المستشري في مختلف المجالات، وتحترم الانسان العراقي وفق ما جاء به الدستور العراقي وما كفلته له قوانين حقوق الانسان الدولية.


23/7/2012
الدنمارك

474
رمضان كريم ايها العراقيين ومبروك لكم عدسكم

ما مر عام والعراق ليس فيه جوع " السياب"

لقد تفنن البعثيون منذ وصولهم الثاني للسلطة في تموز من العام 1968 وحتى رحيلهم الذليل، في سياسة صنع الازمات مع "شعبهم" دوما ومع دول الجوار مرة ومع الدول العربية والمجتمع الدولي مرات اخرى. واذا كانت ازماتهم مع الدول الاخرى هي ازمات سياسية ناتجة عن محاولاتهم المستمرة للتمدد المخابراتي خصوصا في الدول العربية، التي كان البعث يريد من خلالها تأسيس احزاب بعثية او غير بعثية موالية كأذرع له للتأثير في سياسات تلك الدول والتي كلفت شعبنا ووطننا الكثير، فان ازماتهم الداخلية لم تكن بالضرورة سياسية دوما على الرغم من ان النتائج المتوخاة من صنع الازمات كانت سياسية ومن هذه الازمات كانت ازمات توفير المواد الاستهلاكية.

ففي سبعينيات القرن الماضي وخلال الفورة النفطية وارتفاع اسعار البترول بعد حرب عام 1973 كانت خزينة العراق متخمة بالعملة الصعبة على خلاف العهود العراقية السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. الا ان البعثيين ومن خلال سياساتهم الاجرامية بحق العراق وطنا وشعبا ومن اجل اذلال الشعب العراقي فانهم كانوا "مبدعين" في صنع الازمات الاستهلاكية، فمرة كان العراقيون يقفون بطوابير طويلة في عز الايام التموزية الحارة من اجل بضعة علب من معجون الطماطة، او من اجل بضع بيضات او علبتي سكائر، بل وصل الامر وقد كنت شاهدا على ذلك الى ان يقف العراقيون طوابير طويلة للحصول على شيء لا يعرفونه،  لعدم فتح ابواب فرع الشركة العامة لتجارة التجزئة في تلك الظهيرة الحارة حد اللعنة من شهر آب اللهاب، ليفاجأوا بحصتهم من ثروات بلدهم وهي علبتي سمك سردين يوغسلافي!! ونتيجة لحماقاتهم "البعثيين" المستمرة وحروبهم الداخلية والخارجية ومعاناة شعبنا لاقسى حصار اقتصادي بحق بلد بعد الحرب العالمية الثانية، فان اذلال العراقيين من قبل المجرم صدام حسين وحزبه الدموي وصل الى ان يتبغدد علينا راس النظام حينها وفي احدى شهور رمضان بدجاجة واحدة لكل عائلة عراقية، وكي يزيدنا اذلالا سمّاها مكرمة فتعسا لذلك "الكريم" وبؤسا لمكرمته.

وما ان انتهى النظام البعثي الى حيث يجب ان ينتهي حتى استبشرنا خيرا "هكذا حلمنا وسنموت دون ان يتحقق الحلم على ما يبدو" بساسة العراق الجدد، لاننا واياهم كنا جزءا من المعاناة التي لاحقتنا وشعبنا لعقود خصوصا بعد ان وصلت اسعار النفط الى ارقام قياسية. وبلغت ميزانية العراق للعام 2012 والتي اقرها البرلمان العراقي 110.5 ميليار دولار على اساس متوسط لسعر البرميل بقيمة 85 دولار ومتوسط للصادرات الخام ب 2.6 مليون برميل يوميا. وعلى الرغم من ان المبلغ اعلاه يعادل ما يقارب 30-33 % مما كان يدخل الخزينة العراقية اثناء الحصار، الا اننا نرى ممارسة  نفس سياسة الاذلال بحق المواطن الفقير بعد ان قلت مفردات الحصة التموينية التي تحتاجها العوائل الفقيرة بشدة الى الثلث، وسوء المواد المستوردة من قبل وزارة التجارة العراقية وسرقتها.

وعلى خطى المجرم صدام حسين وبمناسبة قرب حلول شهر رمضان فان اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس ممثلي الشعب!!! "مجلس النواب العراقي" ، كشفت عن توزيع وزارة التجارة لحصص اضافية قبل حلول شهر رمضان وستكون المواد واوزانها على الشكل التالي :

5 كيلوغرامات من مادة الطحين الصفر لكل عائلة اي 5000 غم، وفي ضوء متوسط عدد افراد الاسرة العراقية والبالغ حسب العديد من الخبراء 6.9 والتي سنجعلها 5 "مكرمة منا للحكومة العراقية" فان الفرد الواحد سيحصل على 1000 غم خلال شهر رمضان، وعند تقسيم 1000 غم على 30 يوما فان حصة الفرد الواحد ستكون 33.33 غم يوميا، اما حصة المواطن من الرز في نفس الشهر فستبلغ  1500 غم وبتقسيم الرقم على 30 يوما فان حصة المواطن من الرز ستكون 50 غم يوميا، اما العدس وهي المادة الثالثة من هبة وزارة التجارة الى الصائمين فانها ستكون 250 غم للفرد الواحد اي بواقع 8.33 غم يوميا.

والسؤال الملّح هنا هو توقيت حكومات البعث والاسلاميين لمنح عطاياهم وهباتهم ومكارمهم "من لحم ثورنا" لشعبنا في رمضان ومناسبات اسلامية اخرى، فهل شعبنا يكون فقيرا في رمضان وغنيا في الاشهر الاخرى مثلا، وهل من المعقول ان هذه العطايا الكبيرة والكثيرة!! ستقضي على نسبة الفقر التي اعترفت بها الحكومة العراقية والبالغة 23% وفق احصائيات المؤسسات الدولية ومسحها الميداني.

المفارقة انه قبل 6 عقود سعّرت حكومة " نوري" الدين محمود الشلغم واليوم تهب لنا حكومة "نوري" المالكي 250غم من العدس، ولا اعرف اين قول ابا ذر عند مسلمي العراق وشيعته خصوصا عندما قال لاعنا الجوع "عجبت لامريء لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه ! "والا يعرف اسلاميو العراق الذين صدعّوا رؤوسنا بالشرع والالتزام به ان المبدأ الشرعي يقول "إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد" وهذا يعني ان حق الملكية في حالة وجود جائع واحد في المجتمع الاسلامي لن يكون شرعيا.

ختاما نحن نعلم حرص المسؤول على صوت الفقير الانتخابي من خلال العدس اكثر من حرصه على وصول العدس الى معدة الفقير الخاوية.

زكي رضا
الدنمارك
3/5/2012




 

475
استنساخ المالكي بين الهزل والهزل



(كل نفس ذائقة الموت) "قرآن كريم"، عن الوحي

(كل نفس "الا المالكي" ذائقة الموت)  "قرآن حزب الدعوة الحاكم"، عن عباس البياتي

بداية اتمنى ان لا يكفرني اي رجل دين دون ان يعود الى الاسباب التي دعتني ان اتجاوز من وجهة نظره على الذات الالهية كتهمة اولى والى تحريف آية  قرآنية كتهمة اخرى، وثانيا اتمنى ان يكف كتبة المالكي وعبيده اقلامهم التي باعوها في سوق نخاسته وحزبه القائد عنّي، لانني هنا اكون قد تجاوزت على معبودهم "هبل" والذي لم تنجب وسوف لن تنجب نساء العراق على مر العصور، شخصية جمعت بين العلم والمعرفة والسياسة والدين وحب الوطن، والايثار والوفاء والبطولة والشجاعة والاقدام والاباء والغيرة على شعبه ووطنه، كما نوري المالكي دام ظله واطال الله في عمره!.

قبل ان اخوض في مقالتي هذه اود ان اذكر القاريء الكريم  بمسرحية عراقية عرضت في بغداد عام 1974 بعنوان "بغداد الازل بين الجد والهزل"اذ جاء في احدى حوارته "والعقل عيب"، وهذا يعني وجود العقل ولكن التصرف به عيب وهذا العيب  قد يكون خوفا من السلطان او من الكهنة او من الغوغاء او منهم مجتمعين كل هذا في العام 1974 . ولكن ماذا عن اليوم حيث غادرنا العقل ليتمتع باجازة مفتوحة بين بكاء وعويل وبين كذب وتدجيل وبين مسؤولين يرموننا بحجارة من سجيل، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات في بغداد الازل. وهل من حقنا ان نغير اسم المسرحية في ايامنا السود هذه الى "بغداد الازل بين الهزل والهزل"، بعد ان وصلت السخرية والعبث بحياتنا ووطننا الى حدود خطرة من قبل البعض الذي يريد عنوة ان يرسخ في عقولنا او ما تبقى منها، مفاهيم الدكتاتورية والقائد الاوحد ورجل المرحلة والناجي والمنقذ. واسد الشيعة بعد ان ذاب الشيعة في المالكي حسب قول حسن السنيد الذي قال اثناء احدى نقاشات التحالف الشيعي لمنح المالكي دورة انتخابية ثانية " ان المالكي هو الشيعة والشيعة هم المالكي" ،على وزن "ان صدام هو العراق والعراق هو صدام". وهل يريد اعضاء حزب الدعوة الحاكم وائتلاف دولة القانون كعبد المهدي الخفاجي وزبانيتهم وكتبتهم ان يذكروننا اضافة الى ماذكرناه، بشقي "من الشقاوات" كصدام حسين عندما قال "متأثرا بمسلسل تركي" ان المالكي هو "مراد علم دار العراق" الذي سيقوم بتصفية جميع المنظمات الارهابية، وهل نسى هذا النائب  نتيجة سجوده الطويل للمالكي ان "مراد علم دار" في المسلسل المعني هو زعيم مافيا يقوم بتصفية الاخرين لتتم السيطرة له ولاعضاء مافيته وعصابته، فهل المالكي زعيم مافيا وعصابة  يا عبد المهدي الخفاجي؟

والان لنعود الى عنوان المقالة والآية القرآنية التي حرّفناها مجبرين كي نفتح من خلالها بابا ندخل من خلاله الى ما نريد قوله، بعد ان خرج علينا عباس البياتي في ايامنا العجاف هذه باطرف واجمل والذ وارق تصريح صحفي. ابعدنا من خلاله بارك الله به عن وجع التفجيرات التي راح ضحيتها العشرات من الابرياء في دولة الامن والامان المالكية، وعن انقطاع التيار الكهربائي المزمن وعن الثقة وسحب الثقة التي اصابتنا بصداع اسمه ازمة ثقة. فما هو يا ترى هذا التصريح وما الذي جعلنا بسببه ان نفتح على انفسنا "بشكل مؤقت حتى نهاية المقالة" ابواب جهنم.

تصريح الفلتة "عباس البياتي " ايها القاريء الكريم في يوم الاثنين 18/6/2012 لبرنامج (بين قوسين)الذي بثته فضائية السومرية يقول "ان ائتلاف دولة القانون سيقوم باستنساخ رئيس الحكومة نوري المالكي في حال وفاته"، يا للهول ابهذه البساطة يتم اختزال وطن وشعب باكمله بشخص مهووس بالحكم كالمالكي؟ وهل جفّت ارحام العراقيات يا عباس مثلما جفّت ضمائر البعض؟ والا يتناقض الاستنساخ وهو نتاج علمي مع الدين، والم تسمع بالموقف الاخلاقي المعارض للاستنساخ من قبل الكنيسة؟ وماذا قدم مالكيّك هذا لشعبنا كي تقوموا باستنساخه؟ هل جعلنا ان نعيش بكرامة وميزانية دولته قاربت ال 117 مليارد دولار؟ اين الماء يا عباس واين الكهرباء والتعليم والصحة والزراعة والصناعة؟ اين الامان الذي تعتبرونه احدى اهم منجزات المالكي في الملف الامني !؟ واين ..... واين ..... واين .....؟

انني اقترح عليكم يا اعضاء حزب الدعوة الحاكم ولكي تظلوا في السلطة لفترات لايعرفها الا الله والراسخون في العلم، ان تقوموا باستنساخ شعبنا الذي ترككم تسرقونه وتنهبونه وتذلونه دون ان يرفع بوجهكم عصا بعد ان خدّرتموه بغيبياتكم، بدلا من استنساخ المالكي كي لا يصفونكم بالدكتاتورية.

ختاما اعتذر للذين قد اكون جرحت مشاعرهم الدينية في اول المقالة لانني ما كتبت  الاية بتحريفها الا لامر جلل، اليس استنساخ هبلنا الجديد "المالكي" بامر جلل؟ 


الدين زفرة المخلوقات المعذبة "كارل ماركس"

زكي رضا
الدنمارك
20/6/2012




476
الحائري نطق بلسان المالكي


لو امعنّا النظر في الدستور العراقي وقرأناه بشكل هاديء وبعيد عن اي موقف مسبق من بنوده التي لازال الغموض يكتنف العديد من موادّه من حيث التفسير الانتقائي لها من قبل مختلف الكتل السياسية والقفز على العديد من بنوده، ومطالبتها المحكمة الدستورية العليا  "خصوصا حزب الدعوة" بتفسير البنود "الغامضة" بما يتطابق واهوائها السياسية. فاننا نستطيع ان نلمس مسألة في غاية الاهمية وهي عدم وجود نص واضح وصريح يدعو الى ان يكون العراق دولة اسلامية، بل على العكس فلو راجعناه "الدستور" فاننا نراه يؤكد على ديموقراطية الدولة وهذا ما جاءت به المادة 1 الفقرة اولا والتي تنص على ان (ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﻌﺮاق دوﻟﺔٌ اﺗﺤﺎدﻳﺔٌ واﺣﺪةٌ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔٌ، ذات ﺳﻴﺎدة ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ جمهوري برلماني ديموقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).
اما حول مصادر التشريع فان الدستور لم يفرض ان تكون الشريعة مصدرا للتشريع بل وكما جاء في المادة 4 الفقرة اولا فان ( الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس للتشريع:
أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ب – لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية.
ج – لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور)


وطبقا لما جاء في المادتين الدستوريتين اعلاه والتي على العلمانيين القتال في سبيلهما اليوم والقتال بضراوة غدا لتعديلهما بما يتلائم ويتناغم  مع المبادئ الاساسية لحقوق الانسان وبناء المجتمع المدني العابر للطوائف والقوميات. فاننا لا نرى ان هناك خطرا يحيق بالديموقراطية كعنوان في الوقت الراهن ولكن الخطورة تكمن في المستقبل عندما تكون القوى الدينية الطائفية حينها قد رسّخت مجموعة من القيم "الاسلامية" بين الجماهير، نتيجة هيمنتها على مراكز اتخاذ القرار وسيطرتها على وسائل الاعلام وامتلاكها للمال السياسي واستخدامه في مواسم الانتخابات، والتي قد تتغير وستتغير مستقبلا لصالح قوى اخرى هي خارج حسابات الاسلاميين اليوم نتيجة فشلهم "الاسلاميين" لليوم في ادارة "الدولة" وعدم وفائهم بشعاراتهم الانتخابية (لعدم وجود برامج) في توفير ابسط  الخدمات لناخبيهم على الاقل ناهيك عن باقي ابناء شعبنا.

يعتبر الكثير من السياسيين والمثقفين والكتاب ان الخوف من اسلمة الدولة على المدى البعيد من قبل احزاب الاسلام السياسي هو خوف لا مبرر له نتيجة عدم تشريع او صدور قوانين تحد من حريات الناس، مراهنين في الوقت نفسه على المضي بالعملية الديموقراطية الى الامام اشواطا بعيدة بوجود هذه القوى. متناسين "عن عمد او عن سهو غير بريء" ان لهذه القوى سياستين مختلفتين ظاهرها هو ما جاء به الدستور وضرورة الالتزام به، وثانيهما وهذا ما يتغافله العديد "لغاية في نفس يعقوب" هو العمل على اسلمة المجتمع عن طريق محاربة الحريات الشخصية التي كفلها الدستور والتدخل في خصوصيات حياة الفرد العراقي. لذا نرى ان القوى الدينية تعمل في العديد من المحافظات وعن طريق مجالسها لترسيخ الاسلمة وان ببطء ومراوغة، عن طريق تحريمها للموسيقى ومحاربة السينما والمسرح والفنون الاخرى كالرسم والنحت والتضييق عليها، وتفجير العديد من محال بيع المشروبات الروحية وقتل اصحابها، وفرض الحجاب في المدارس والجامعات واماكن العمل عن طريق امتهان كرامة المرأة غير المحجبة ومحاولة الفصل بين الجنسين في الجامعات والمعاهد. بل وصل الامر الى منع سيرك للاطفال بحجج مضحكة كما حدث في البصرة قبل اعوام والتي كللتها بتحريم الغناء في صالات الاعراس ومنعها للمهرجانات الفنية كما حصل لمهرجان بابل. وفي تقليد لا يوجد الا في العراق فان المواطنين واثناء مراجعاتهم لدوائر الدولة اليوم يخاطبون الموظفين بكلمة "حجي" بدلا عن كلمة استاذ التي كانوا يستخدمونها، قبل ان يحل علينا الطاعون الاسلامي بعد البعثي كضيف ثقيل نهب البلاد والعباد وجعل العراق كعصف مأكول وليتبدل اللباس الزيتوني وكلمة سيدي الى "محبس" وكلمة مولاي.

ان اسلمة المجتمع هي الهدف الاسمى للاحزاب الاسلامية الطائفية في العراق ويكذب من يقول انها لا تسعى لذلك والا لم تكن احزابا اسلامية طائفية اطلاقا. والسعي للوصول الى هذه الغاية تتطلب من ضمن مطالب عديدة التضييق على الحريات الشخصية "حق يكفله الدستور" باسم الاسلام والعادات والتقاليد وتضييق مساحاتها "بقوة المليشيات المرئية وغير المرئية"، مقابل اطلاق العنان لجماهير هذه الاحزاب من مزاولة جميع طقوسهم "حق يكفله الدستور ايضا" بحماية الدولة بكل مؤسساتها الامنية والمالية والاعلامية وتسخيرها لهذا الغرض. حتى وصل الامر باعلان منع التجوال قبل قيام القوى العلمانية باية تظاهرة وقمعها عسكريا واعلاميا بعد ربطها بنشاطات البعث الفاشي والتضييق عليها بل ومنعها احيانا، مقابل منح القوى الاسلامية المدعومة من قبل الحكومة كامل الحرية في التظاهر في الوقت والمكان الذي يحددونه، واحيانا يصل الامر باستقدامهم "متظاهرين" من مناطق بعيدة ليفرقوا تظاهرة للعلمانيين بالاسلحة الباردة والعصي كالتي فعلها متظاهرون مدعومون من قبل حكومة المالكي والقادمون من مدينة كربلاء ومهاجمتهم للمتظاهرين في ساحة التحرير مما خلّف عشرات الجرحى.

ان مهاجمة المالكي للعلمانية والحداثوية خلال كلمته في احتفالية بمناسبة الذكرى ال32  لاستشهاد الصدر عقدت بمدينة النجف في نيسان الماضي، واعتبارهما اضافة للماركسية والالحاد من الاسس التي عمل ويعمل حزبه على المضي في محاربتها تعتبر ترجمة حرفية لهدفه "المالكي" وحزبه نحو بناء الدولة الدينية الثيوقراطية والتي لم يأتي بها الدستور، الذي يريد المالكي اليوم الرجوع اليه بعد تصاعد الاصوات التي تنادي بعزله واستبداله بآخر من تحالفه "على الرغم من فهمنا لعدائه للماركسية والالحاد آيديولوجيا". كما ويعتبر حديثه الآنف الذكر ترجمة لما يدور في رأس اي رجل دين بغض النظر عن طائفته، وهذا ما جاء به الحائري الذي دخل على خط الازمة العراقية من مقر اقامته في مدينة قم الايرانية  ليصدر فتوى تحرم سحب الثقة عن المالكي، ويا ليته لو توقف عند هذا الحد بل نراه يتمادى في محاربته لقوى سياسية عراقية "خدمة لاجندة ايرانية" عديدة مساهمة في العملية السياسية كالاكراد والقائمة العراقية وكل الديمقراطيين بتحريمه التحالف معهم من قبل القوى الاسلامية لانهم علمانيون. ناسيا او متناسيا من ان الحكومة التي يقودها الشيعة اليوم لم تكن بمقدورها ان تتشكل لولا اتفاقهم مع العلمانيين "الكفرة"هؤلاء الذين يدعو لمحاربتهم اليوم، ومتناسيا ايضا انه لولا العلمانيين المتمثلين بالحكومات الاوربية و "شيطان بزرگ "حسب الاعلام الايراني اي الولايات المتحدة الامريكية وحربهم واحتلالهم للعراق لما كانت هناك حكومة عراقية تدين بالولاء لنظام طهران وقم، ولا احزاب وكتل سياسية عراقية تدين بالولاء للرياض وانقرة والدوحة وغيرها من العواصم التي تعمل مجتمعة ومنفردة على اذلال العراق والعراقيين، ولكان المجرم صدام حسين وحزبه الدموي لازالوا في السلطة والمعارضة منقسمة على نفسها كما اليوم بعد ان بدأ الوطن يتلاشى ككيان مقابل طائفيتهم وقوميتهم. 

هل يعرف الحائري هذا اننا شعب لم نستفاد من اموال النفط التي وصلت عائداتها في عهد ابناءه الاسلاميين الى ما يتجاوز ال 500 مليار دولار لليوم، ولماذا لا يفتي بحرمة سرقتها وهي اموال الفقراء ومنهم ان لم تكن غالبيتهم بحكم الكثرة العددية من الشيعة؟ واين هو هذا الحائري من مسألة الخدمات ونقصها ومعاناة العراقيين اليومية بسببها؟ ولماذا لا يفتي الحائري هذا بتحريم الرشوة والتزوير والغش التي تمارسها السلطة في العراق؟ ولماذا لا يطالب الحائري هذا من ابناء جلدته بعدم قطع المياه عن الانهر العراقية وقتل الارض العراقية عطشا والتوقف عن ضخ المياه الثقيلة الى شط العرب وتحويله الى مبزل لدولة ولي الفقيه؟ اننا لا نملك ايها الحائري في عهد ابنائك الذين يحكمون البلد اليوم مدارس ومستشفيات ولا ماء ولا كهرباء، وانهارت الصناعة، والزراعة في طريقها الى الموت بعد ان اصبحنا نستورد حتى الخضار من دولتكم العليّة وليميل ميزان التبادل التجاري لصالحكم بمليارات الدولارات. وهنا قد يقف البعض من العبيد ليقول ان الحائري لاعلاقة له بتوفير الخدمات وغيرها من مطالب شعبنا لان الامر يعود للحكومة والسياسيين في البلد وهذا الكلام صحيح اذا لم يدسّ هذا الحائري انفه في شأن عراقي بحت، اللهم الا اذا كان يريد ترسيخ الطائفية ومباركتها وهذا ما تعمل الاحزاب الطائفية العراقية على تحقيقه على المدى البعيد كهدف استراتيجي.

ان فتوى الحائري وخطاب المالكي في النجف وتصرفات مجالس المحافظات المنافية للدستور ومحاربتها للحريات الفردية واطلاق العنان لرجال الدين في مصادرة الوعي وتكريس الجهل والتخلف والغيبيات في المجتمع وغيرها الكثير، هي التي عليها ان تجمع القوى الديموقراطية المؤمنة بالدولة المدنية التي ستأخذ على عاتقها بناء مجتمع سوي خال من امراض المحاصصة التي نعيشها اليوم. ان نمو وسعة التيار الديموقراطي للنهوض بدوره الحقيقي والمطلوب منه في هذه المرحلة التاريخية العصيبة من حياة الوطن لم تعد ترفا فكريا كي يتم الحوار والنقاش على اولوياته ومن الذي سيكون في الصدارة. ان سفينة العراق تتجه نحو المجهول بفضل قراصنتها من اقطاب المحاصصة اليوم، والربّان الوحيد القادر على اعادة السفية العراقية الى بر الامان هم الديموقراطيون بوحدتهم وصلابتهم وعملهم لان يكون لهم منبرا عاليا وعاليا جدا، لان التاريخ سيحاسب جميع القوى التي تدّعي الديموقراطية ويكللها بالعار ان لم تبحث عن صيغ جديدة وفعّالة للجلوس الى بعضها البعض من اجل انقاذ الوطن الذي اصبح مهددا بالتشظي اكثر من اي وقت مضى.


واخيرا اود ان اطرح سؤالا في غاية الاهمية على الكتاب الطائفيين او السائرين على خط الطائفية، وخصوصا اولئك الذين ملأوا صفحات الانترنت بمقالات تدافع عن طرف واحد من حكومة المحاصصة على انهم "الوطنيون" الوحيدون في العراق والاخرين ما هم الا عملاء لتركيا والسعودية وقطر وغيرها من دول البدو. ان لماذا يحق لرجل دين ايراني التدخل في الشأن الداخلي العراقي والوقوف الى جانب تيار سياسي ضد آخر، ولا يحق لرجل دين عربي او من اية دولة اخرى التدخل في الشأن السياسي العراقي لصالح تيار سياسي ضد آخر؟ وبكلمة اخرى لماذا يعتبر تدخل الايرانيين في الشأن السياسي العراقي "حلال است" وتدخل الدول الاخرى "حرام است". ان الوطني الحقيقي هو ذلك الذي يقف ضد الطرفين واتباعهما من السياسيين الذين ينفذون اجندة هذه الدول الرامية الى تفتيت العراق او اضعافه في احسن الحالات، معتبرا كل اشكال التدخل ومن اية جهة كانت "حرام است".

الوطنية ثوب فضفاض وواسع جدا على الاجسام القميئة.

زكي رضا
الدنمارك
6/6/2012




 



477
دليلة وسيف ديموقليس في لعبة اخلاقية قذرة موروثة من البعث


ان دليلة هنا هي ليست "دليلة الفاتنة" التي تحايلت على اكتشاف سر قوة عشيقها شمشون في الاسطورة التي تنتهي بموته عند هدمه المعبد قائلا "عليّ وعلى اعدائي"، وسيف ديموقليس ليس ذلك السيف الذي وضعه ديونيسيوس فوق رأس ديموقليس معلقا بشعرة حصان واحدة ليشعر بالرعب خوفا من سقوط السيف عليه في اية لحظة والفتك به. بل دليلة في مقالتنا هذه هي امرأة عراقية لم تعشق اي "شمشون عراقي" لانها بكل بساطة كانت ضحية هذا الشمشون نفسه، فالبعث العراقي استخدم اقذر الوسائل غير الاخلاقية خلال سبعينات القرن الماضي لتسقيط العشرات من بنات خيرة العوائل العراقية وتصويرهن في اوضاع جنسية شاذة، لتكون تلك الصور والافلام كسيف ديموقليس على رؤوسهن، واللاتي استخدمهن نفس النظام القذر في تسقيط العديد من السياسيين من اتباعه او من مخالفيه لتكون تلك الصور والافلام كما التي سبقتها سيف ديموقليس على رؤوسهم. وهذه الممارسة غير الاخلاقية كانت ترتكب بحق عائلات عراقية من مختلف القوميات والاديان والمذاهب خصوصا تلك التي ليست من تكريت على حد سواء من قبل نظام القرية البعثي (فالتكريتيون مشهورون أيام الحكم العثماني بالطريقة التي "يكسرون بها عين" أي حاكم غير تكريتي تفرضه عليهم الحكومة المركزية. كان الحاكم المعيّن حديثا يدعى مع زوجته وأولاده الى حفل استقبال في منزل الوجيه المحلّي. في طريق العودة، تتعرّض المجموعة لكمين أعدّته مجموعة من الرجال المقنعّين والمسلّحين. وكان الحاكم يجبر على مشاهدة زوجته وهي تتعرّض للاغتصاب من قبل رجال العصابة. بعد ذلك كان الرجال ينزعون أقنعتهم، ويظهرون للحاكم وجوههم، ثم يتوارون في الليل من غير ان يقتلوا احدا، لكن لا يعود بوسع ذلك الحاكم ان يدير شؤون تكريت)*. كل هذا في زمن البعث الفاشي الذي يعتبر من الانظمة القليلة في العالم التي باعت بنات "وطنها" للعمل كمومسات في الاندية الليلية لدول عربية اخرى.

ولكن ما بال حكام العراق الجدد اليوم ولماذ هذا الاصرار للسير بذات الطريق البعثية في تصوير غرماء بعضهم البعض في مواقف غير اخلاقية، خصوصا وانهم يستمدون ثقافتهم من جذور عربية تعود في مجملها الى البدواة التي لا تعرف شرفا للمرأة الا من خلال جسدها وبكارتها، واسلامية تبنت تلك الثقافة لتضيف عليها الحجاب كرمز لثقافة حماية المرأة امام المجتمع. ان الصراع بين الكتل السياسية المهيمنة على المشهد السياسي اليوم لا يبيح لها اخلاقيا – هذا اذا تجاوزنا عن عروبتهم واسلامهم – من استغلال المرأة جنسيا لاسقاط خصومهم عن طريق تصويرهم كما البعث ، ونشرها على مواقع الانترنت المختلفة (لم ينشر البعث اثناء حكمه الساقط مثل هذه الافلام).

ان ما حدث مع رئيس تحرير صحيفة النهار البغدادية القريبة من بعض الجهات المتنفذة في "الدولة" العراقية هو ذات "كسر العين" الذي كان البعثيون يمارسونه ضد خصومهم وحتى مقربيهم، من اجل ضمان ولائهم وشراء سكوتهم عن الكثير من الجرائم التي ارتكبوها ضد شعبنا ووطننا. ولكن المراهقين من ساسة اليوم تجاوزوا الكثير من اخلاقيات شعبنا وداسوا على ما تبقى عنده من كرامة وهم ينشرون غسيلهم القذر على الملئ لنصبح اضحوكة امام اعداء العراق الكثر، وليثبت هؤلاء المراهقون بفعلتهم غير الاخلاقية هذه ان وجودهم في السلطة لليوم دون ان تتحرك الجماهير حتى للمطالبة بتوفير ولو القليل من الخدمات في مظاهرات عارمة ، يعتبر وبحق من احدى عجائب الدنيا.

اتمنى ان لا يكون هذا الفلم الاباحي والذي ذهب ضحيته رئيس تحرير صحيفة النهار البغدادية ككبش فداء هو بداية لحل المشاكل العالقة والعصية على الحل بين اطراف الازمة السياسية، بتهديد بعضها للبعض الاخر بالعشرات وربما المئات منها بعد ان تكون هذه القوى قد امتلكتها خلال السنوات التسع الماضية واخفتها ليوم تحتاجه لتضرب فيه تحت الحزام. متناسين ان الضرب تحت الحزام وبهذا الاسلوب غير الاخلاقي مضرّ اكثر مما هو نافع لانهم بذلك سيفقدون آخر قطرة من الحياء والكرامة والاخلاق التي بقيت على جباههم، هذا ان كانت تلك القطرة لازالت باقية تحت حرارة المشهد السياسي الساخن كسخونة الفلم، الذي اخجل من وضع رابطه مع المقالة لما فيه من خدش للحياء العام. الذي نسى رجال دين العراق التثقيف به بعد ان اصطفوا الى جانب السلطة من اجل الفوز بملذّات الدنيا التي يطالبون الفقراء بتركها والتفكير بالاخرة فقط!! تلك السلطة التي مارست وتمارس كل اشكال الموبقات بحق "شعبها" و "وطنها".

المومس التي تبيع جسدها نتيجة ضيق ذات اليد اشرف بكثير من مومس "يبيع" شعبه ووطنه كالعديد من ساسة اليوم.



*القسوة والصمت ص 287 ، عدنان مكية


زكي رضا
الدنمارك
1/6/2012

 

478
العراق في مفرق طرق فأما المالكي وأما التقسيم!


"نحن جئنا لنبقى واذا تركنا العراق سنتركه ارضا بلا شعب ولا موارد" مقولة كان يرددها البعثيون عن لسان رجل مرحلتهم حينها المجرم "صدام حسين"، والتي اثبتوا علو كعبهم في تحقيقها حينما ادخلوا بلدنا في حروب مدمرة لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل ولتتوقف نتيجتها عجلة التنمية التي بدأت بارتفاع اسعار النفط اواسط سبعينيات القرن الماضي، بعد ان دُمّرت الكثير من البنى التحتية من خلال تلك الحروب الدونكيشوتية او نتائجها. واهمها الحصار الاقتصادي الذي ساهم بشكل كبير في تخلف ليس البلد فحسب بل وحتى الانسان العراقي، الذي حوله ذلك الحصار الى انسان عاجز وغيبي الى حدود بعيدة مقارنة بالانسان العراقي قبل بدء الحرب الصدامية الخمينية التي التهمت مئات الالاف من خيرة شباب العراق. وترسيخا لشعارهم ذاك ملأ البعثيون العراق بمئات المقابر الجماعية ليدفنوا فيها مئات الالاف من الابرياء من مختلف القوميات والاديان والمذاهب ومن اعضاء الاحزاب السياسية المناوئة لحكمهم الفاشي، ولتساهم سياسة رجل مرحلتهم بهجرة الملايين الى خارج البلد وليفرغ العراق من عقول الالاف من المبدعين في مختلف الاختصاصات.

واذا عدنا الى تلك الفترة السوداء من تاريخ العراق اي منذ العام 1979 والذي وصل فيه المجرم صدام حسين الى السلطة وطريقة بداية سطوته للمسنا ليس التبعية المطلقة لمقربيه له وتأليهه، بل انتقال هذه العدوى عن طريقهم وعن طريق الاعلام في تسويقهم له الى الجماهير، باعتباره القائد والملهم والمفكر والوحيد ليس من بين البعثيين فقط بل ومن بين جميع العراقيين لقيادة البلد باعتباره القائد الضرورة "ورجل المرحلة بل المراحل حينها"، حتى وصل الامر بالبعثيين ان يختزلوا العراق باكمله بصدام حسين. فاذا قال صدام قال العراق وهذا ما تقيأ به عبيد صدام الكثر ليختصروا بلدا كالعراق بتاريخه وحضارته الموغلة بالقدم بنكرة كسيدهم، جاعلين العراق في كفة ومجرم كصدام في الكفة الثانية، وحتى عند طلب ابعاد سيدهم عن السلطة ولو تكتيكيا من اجل انقاذ البلد من آثار حرب ضروس كما الحرب الصدامية الخمينية، عندما اشترط الخميني حينها كما تناقلته العديد من المصادر تخلي صدام حسين عن السلطة كشرط اساسي لوقف الحرب بينهما. وهذا ما رفضه صدام حسين وادى حينها كما يقال الى مقتل وزير الصحة العراقي وقتها "رياض ابراهيم حسين العاني"، ونستطيع ان نفسر هذا الفعل لغويا اليوم ب" ان بديل صدام حسين هو صدام حسين نفسه".

ولو كانت هذه الواقعة صحيحة فاننا امام شكل من اشكال النرجسية التي يرى فيها الحاكم او القائد او رجل المرحلة نفسه عملاقا مقارنة بالاخرين الاقزام الذين لم يخلقوا الا لعبادته والترتيل بحمده، ومن يضيف هالة الى هذه النرجسية ويكرسها في نفسية القائد المريض هذا هم جوقة المطبلين الذين حوله من الذين ينفخون فيه هذه الروح اما خوفا او تملقا للحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم حتى وان ادت الى تدمير البلد، كما وان "القائد او رجل المرحلة" النرجسي لا يهمه في سبيل بقاءه متربعا على سرير الحكم انهار الدماء التي قد تسيل او الثروات التي قد تهدر او الارض التي قد تضيع.

ومثلما ربط البعثيون العراق بمجرم كصدام حسين الذي كان بنظرهم صمام الامان في بقاء العراق موحدا، نرى حزب الدعوة الحاكم وائتلاف دولة "القانون" اليوم يكرسّون نفس النهج مع رجل المرحلة نوري المالكي الذي لم تنجب العملية السياسية بل العراق بأكمله وعلى خطى صدام حسين قائدا فذا مثله! فمثلما اختزل البعثيون العراق بصدامهم فان حزب الدعوة الحاكم ودولة قانونه يعملون على اختزال العملية السياسية برمتها بمالكيهم، حين يقول عبد السلام المالكي النائب عن دولة "القانون" ان (البديل عن المالكي هو المالكي نفسه ولا يمكن تغييره سيّما في هذا الوقت لما قدّمه من خدمات كبيرة ومتنوعة للبلاد "كذا" وهذا هو قرار لا رجوع عنه من قبل دولة القانون والتحالف الوطني، مشيرا أن من حق أئتلاف دولة "القانون" أن يعرف ما هي الاسباب الحقيقية وراء هذا الطلب). وليستمر المالكي النائب في دفاعه عن المالكي رئيس الوزراء قائلا (أن سحب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي هو اعلان عن آخر رئيس حكومة لعراق واحد موحد...)، والسبب كما يقول هو وجود اصوات عديدة داعمة للانفصال او لاقامة اقاليم بدون وجود ارضيات مناسبة لاقامتها. دون ان يفسر لنا السبب الذي دعا رجل المرحلة والقائد الفذ نوري المالكي وحزبه القائد وائتلاف دولة "قانونه" بالتصويت على قانون الاقاليم سوية مع العديد من القوى السياسية التي في السلطة اليوم او التي خارجها من الذين صوتوا لقانون يعتبر برميل بارود متى ما انفجر فانه سيحرق الجميع.

وفي عملية بلطجة واضحة وعلى الضد مما قاله المالكي النائب وهدد به متهما الاخرين باعلان اقاليم  دون وجود ارضيات مناسبة، وللضغط على الفرقاء السياسيين بالانحناء للمالكي ولو بالقوة صرح عضو حزب الدعوة الحاكم رئيس مجلس محافظة البصرة صباح حسن البزوني في مؤتمر صحفي (ان المجلس يعتزم تفعيل الاجراءات الخاصة بجعل المحافظة اقليما في حال سحب الثقة عن رئيس الوزراء نوري المالكي). وهذا التهديد يعتبر شكلا من اشكال الترويج للدكتاتورية التي يعمل حزب الدعوة القائد على ترسيخها في العراق الجديد " الديموقراطي" مما يتطلب توحيد المواقف من جميع القوى السياسية للوقوف ضد هذه النزعة الدعوية التي لا تفرق بشيء عن بلطجة البعثيين ونزعاتهم التسلطية تلك التي قادت البلد الى ما هو عليه اليوم.   


ان المالكي ليس صمام امان العراق "ولا يجب ان يكون كذلك" كما يقول المالكي النائب ولا رجل المرحلة كما يقول عبيده، لان صمام الامان هو الدستور الذي يجب مراجعته بشكل جدي ليحدد بصيغة دستورية جديدة تشكيل الاقاليم على اساس قومي فقط وليس طائفي او مناطقي. وليكن الكرد فقط هم من لهم الحق في تشكيل اقليم اذا ما اردنا ان نسلك طريق النظام الفدرالي، على ان تُحَدَد العلاقة بين المركز والاقليم عبر بنود دستورية بصياغات جديدة وواضحة وغير قابلة للتأويل لا في صياغاتها اللغوية ولا القانونية، اضافة الى تشريعات جديدة تمنح مجالس المحافظات الكثير من السلطات عبر لامركزية الحكم على ان لا تتعارض مع صلاحيات المركز.

 والان وفي عودة لما بدأنا به المقالة واستنادا لتصريحات طبّالي المالكي وحزبه القائد ودولة قانونه نستطيع القول ان لسان حالهم يقول " نحن جئنا لنبقى ولن نترك الحكم الا والعراق مقسما فاي الطريقين تختارون"

العراق اليوم ليس بحاجة الى رجال ذو أذرعة طوال بل الى رجال ذو عقول كبيرة.


زكي رضا
الدنمارك
28/5/2012
     


479
الحوار الوطني بدلا عن حوار المحاصصة هو الطريق لحل الازمة


عندما كانت الازمة السياسية العراقية  الجديدة والتي نعيشها الان في بداياتها وقبل شهور من اليوم، دعا الحزب الشيوعي العراقي القوى السياسية المتنفذة والعاجزة عن الخروج من الازمة في  رسائل وجهها "الحزب" الى كبار المسؤولين ومن خلال اللقاء ببعضهم، الى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والدعوة الى حوار سياسي عبر مؤتمر وطني يضم جميع الاحزاب السياسية المؤمنة بالعملية السياسية من تلك التي في السلطة او التي خارجها. لان الحوار الشامل وتناول جميع القضايا التي هي موضع خلاف بين القوى المهيمنة على المشهد السياسي، يعتبر المفتاح لتجاوز حالة الشلل التي تمر بها العملية السياسية وما تعكسه من تردي على مختلف مناحي الحياة، نتيجة صراع الديكة الذي تديره قوة سياسية تعمل على بسط الهيمنة والنفوذ على حساب شركائهم الذين اكتشفوا اخيرا من انهم سيكونون خارج اللعبة او على هامشها على اقل تقدير، اذا ما استمرت احدى الجهات السياسية المهيمنة على الحكومة بسياستها التي تعتمد على عاملين اساسين في اضعاف خصومها الذين هم شركائها في نفس الوقت. والعاملين هما عامل الوقت ومحاولة شق وحدة الكتل السياسية الاخرى، والتي نجحت فيها الحكومة خصوصا مع القائمة العراقية والمجلس الاسلامي الاعلى، ولازالت تحاول مع الكرد والتيار الصدري بعد ان مررت اخبارا عن رفض البارزاني توزير البعض من حركة التغيير وتقريبها لعصائب اهل الحق المتهمة بالارهاب.

وما ان اصبح الحوار الوطني وعقد مؤتمره مادة في الصحافة العراقية ليتحدث بها رجل الشارع العراقي قبل المسؤولين كاحد الحلول المنطقية للازمة وللحؤول دون مشاركة سياسية واسعة من قبل جميع القوى والشخصيات الوطنية، حتى خرجت علينا اصوات سياسية حكومية وحزبية بعد اضطرارها لتبني هذا الاقتراح تنادي بعقد لقاء وطني بدلا عن مؤتمر وطني لعدم وجود الوقت الكافي للتحضير والتهيئة لهذا المؤتمر، على ان يكون اللقاء بين نفس القوى المسببة للازمة! مستبعدين جميع القوى السياسية العراقية من خارج البرلمان وهذا يشير الى ضيق افق هذه القوى السياسية وتطيرها من التفكير الجماعي واثره الايجابي في حل الازمات متناسين ان اللوحة السياسية تتغير باستمرار وان ببطء لصالح قوى جديدة يفرزها واقع سياسي يبتعد قدر الامكان عن التحجر الطائفي لصالح الناس وتطلعاتهم.  ان اللقاء الوطني الذي يريده هؤلاء وبنفس الجهات المسببة للازمة اساسا تعني بدء الحوار بين نفس القوى ومن المربع الاول ثانية وكإن سنوات صراعها العقيم والذي قاد ويقود البلد الى كوارث ليست من عمر الوطن.

ان القوى السياسية التي تضع قدما في الحكومة و اخرى في معارضتها ولكي تثبت لناخبيها ولعموم جماهير شعبنا وللخروج من الازمة السياسية التي تخنق البلاد كما يخنق الغبار "مواطنيها"، وبدلا من اللقاء في اربيل والنجف وبيوت المسؤولين المترفة وكاحدى اهم الوسائل للضغط على الحكومة اليوم، عليها ان تعود الى مطلب الحزب الشيوعي لتدعو الى مؤتمر وطني عام بمشاركة جميع القوى السياسية المؤمنة ببناء عراق ديموقراطي تعددي فدرالي موحد. لتضع من يرفض مشاركة ابناء "شعبه" في ايجاد حل للازمة التي تقود البلد والعملية السياسية الى منزلقات خطرة، امام تساؤلات الشارع السياسي الباحث عن سكة سليمة ليعبر عليها قطار العملية السياسية المتعب والمثقل بعشرات الملفات الفاسدة والفاشلة الى حيث الاستقرار السياسي، الذي ان توصلنا اليه وبعيدا عن صيغ واساليب الحكم اليوم، فاننا وبلا ادنى شك سنخطو الخطوة الاولى لبناء البلد واستعادته لعافيته تدريجيا.

ان المشكلة الاساسية والاهم التي تعترض العملية السياسية اليوم ليست بالافراد ومواقعهم ولا بالأئتلافات والتحالفات التي قد تتغير بين ليلة وضحاها، وهذا ما لمسناه طيلة السنوات التسع الماضية من عمر العراق الذي يريدونه جديدا ولكن بحلّة قديمة خبرناها وخبرنا مساوئها التي تركت لنا بلدا محطما وشعبا منقسما. انما المشكلة الاساسية تكمن في نهج وطريقة الحكم التي يجب ان تتغير الى نهج جديد وطريقة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة البلد في الحد من السلبيات الكثيرة التي انتجتها المحاصصة وتعزيز الديموقراطية، بسن قوانين جديدة تضخ دماء جديدة في جثمان الديموقراطية التي يبدو انها ستدخل غرفة العناية المركزة لانقاذها من موت سريري محتوم. ونعود لنؤكد من جديد على ان حل الازمة يكون في بغداد وليس اربيل او النجف او غيرها من المدن، وبمشاركة جميع القوى السياسية المؤمنة بالعملية السياسية تلك التي تهمها مصلحة البلد والشعب للخروج من ازمتهما المستفحلة.

عندما تشعر من انك الوحيد الذي تفكر بشكل صحيح تكون عندها  قد خطوت الخطوة الاولى في طريق الدكتاتورية.

زكي رضا
الدنمارك
24/5/2012

       

480
لنوسع النقاش من اجل استنهاض اليسار

استضافة غرفة ينابيع العراق "غرفة انصار الحزب الشيوعي العراقي" على شبكة البالتوك والتي اتمنى ان تكون عرفا لاجراء اللقاءات مع اليساريين والشيوعيين والديموقراطيين والاسلاميين المتنورين، مساء السبت المصادف 5/5/2012 الرفيق رزكار عقراوي المنسق العام لموقع الحوار المتمدن في امسية حول العمل المشترك لليسار العراقي، والتي تطرق فيها الى فشل القوى الطائفية -القومية المهيمنة على السلطة اليوم في ترسيخ مباديء الديموقراطية وتقييدها للحريات وابتعادها عن تأمين مصالح الكادحين سواء من قبل الحكومة المركزية ام حكومة الاقليم.

وعرّج في مداخلته على قدرة اليسار في ظل الظروف الموضوعية التي يمر بها البلد على العمل بشكل اكبر وافضل مما هو عليه اليوم، وان تتعامل بشكل عقلاني مع فشل القوى الاسلامية والقومية في تلبية مصالح الجماهير. وهذا يعني وفق ما جاء به الرفيق عقراوي الاستفادة من العامل الذاتي لليسار (لتوفر العامل الموضوعي) وتجاوز مشاكله من اجل السير قدما في بناء الدولة المدنية الديموقراطية حسب وصفه.

وكنت قد استلمت منه مشكورا مداخلته القيّمة والتي تنم عن حرصه الشديد حاله حال الالاف من الشيوعيين واليساريين والليبراليين والعلمانيين على مختلف تنظيماتهم السياسية اضافة الى الاسلاميين المتنورين، على التفكير الجدي في كيفية اخراج العراق من ازمته المستفحلة والسير بالعملية الديموقراطية التي ولدت متعثرة ولازالت غير قادرة لليوم - نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية - والى امد غير محدود من تجاوز الاسباب التي تمنع تطورها. اقول غير محدود ليس لتقاطع مصالح القوى المهيمنة على المشهد السياسي فقط بل ولغياب القوى اليسارية والليبرالية او ضعفها وتشتتها، والذي يؤدي الى عجزها عن القيام بدورها التاريخي الذي يجب ان تلعبه نتيجة امور عديدة منها ذاتية ومنها موضوعية، تناولها الرفيق عقراوي بشيء من التفصيل في مداخلته الانفة الذكر. وقدم العديد من الحلول ليس لتجاوز حالة الخصام (ان لم يكن عداءا) بين القوى اليسارية على تعدد منابرها فقط بل باقتراحات عديدة لم تخرج للاسف الشديد وهذا ليس ذنب الرفيق عقراوي، عن ثقافة القوى اليسارية عامة في احتكار الحقيقة ومحاولة العديد منها ان لم تكن جميعها من ان تكون الوريث الوحيد للحزب الشيوعي العراقي. وكأن وراثة الحزب باسمه وتاريخه النضالي وبنجاحته واخفاقاته هو حجر الرحى في نضال شعبنا من اجل الانعتاق من شرور الطائفية، وما ورثناه من مخلفات البعث الفاشي الذي بسبب رعونته وصلت امور بلدنا الى ما هي عليها اليوم. متناسين ان الحزب الشيوعي العراقي ومن خرج من معطفه عليهم لعب دورا اكبر مما يلعبونه اليوم لتحريك الاوضاع السياسية والحراك الاجتماعي بما يخدم الانسان العراقي ورفاهيته. وذلك بالتركيز على تصدر نضالات شعبنا ليس من اجل بناء النظام الشيوعي! ولا حتى الاشتراكي في هذا المقطع التاريخي الحساس جدا، خصوصا بعد تبدل خارطة اليسار عالميا والتخلي عن العديد من (المفاهيم) الاهداف وتأجيلها الى مراحل تاريخية قادمة وغير منظورة على المدي القريب ولا حتى المتوسط،  بل من اجل مفاهيم العدالة الاجتماعية التي ان توفرت في العراق وتم استغلالها بشكل عقلاني فانها ستكون نقطة انطلاق صحيحة ومبنية على اسس مادية للانتقال بالعراق مستقبلا الى ما نصبوا اليه كشيوعيين ويساريين.

ان انكفاء اليسار وانحساره خلال العقدين الاخيرين جاءا كنتيجة منطقية لانهيار الاتحاد السوفيتي وكتلة البلدان الاشتراكية بعد ان نخرت البيروقراطية اجهزة الدولة والحزب فيهما، بعدما كانت غالبية الاحزاب اليسارية والشيوعية تحديدا تدور في فلك السياسة السوفيتية. ولكننا لو فكرنا بمستقبل اليسار في بلداننا بشكل جدي فاننا نستطيع القول من ان تراجع اليسار المنطقي هذا ليس بنهاية للتاريخ بل العكس هو الصحيح، فتحرر اليسار من الهيمنة وتأثير صراع المعسكرين في امريكا اللاتينية والجنوبية مثلا ( واعادة ترتيب موقعه في اوربا الشرقية)، كانا نقطة انطلاق لليسار للعمل بروح جديدة خلاقة ظلت حبيسة صراع دولي لعقود. والتي استطاعت بعدها ان تتقدم خطوات هائلة للامام لتستلم السلطة في العديد من البلدان وتقدم امثلة رائعة لفن الحكم في بلدان كانت حتى الامس القريب تعاني من الفقر والبطالة والمديونية بارقام فلكية. واعتقد انه لمن السذاجة اعتبار انتصار اليسار هناك يعود الى تحرره من آثار سياسة الحرب الباردة فقط، لان العامل الاهم بنظري في هذا الانتصار كان وحدة اليسار الذي وجد في نهاية المطاف ان بوحدته فقط تستطيع شعوب بلدانها ان تصل الى حيث الانعتاق من الفقر والبؤس لبناء الدولة الديموقراطية على اسس علمية.

من حق اي يساري او شيوعي عراقي ان يتساءل عن سبب عدم استطاعة اليسار في العراق على سبيل المثال من استعادة دوره على الساحة السياسية وخصوصا اثر انهيار فاشية البعث في نيسان 2003؟ واجابة على هذا السؤال فانني لااعتقد هنا من ان اليسار وخلافاته بشكل عام يتحمل كامل المسؤولية لوحده في ابتعاده عن الساحة، بل علينا ان نعود على الاقل الى نهاية العقد السابع من القرن الماضي واثر انهيار "الجبهة الوطنية" لنبحث عن اسباب اخرى ساهمت مع السبب السابق في تحجيم دور اليسار وتأثيره على المجتمع. ونستطيع ان نحدد بعض النقاط المهمة في هذا الصدد والتي جاء الرفيق عقراوي على ذكربعضها وهي:

1-   ابتعاد الشيوعيين العراقيين واليسار بشكل عام عن العمل الجماهيري بعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية، التي منحت آلة القمع البعثية "والايرانية في الجانب الاخر" فرصة تاريخية كانت تنتظرها لعقود في توجيه اقسى الضربات للشيوعيين واليساريين نتيجة انشغال المجتمع بالحرب، وانشغال قوى المعارضة بخلافاتها وصراعاتها.

2-   التدمير المبرمج للطبقة الوسطى وازدياد نسبة الفقر في المجتمع وما لهما من تأثير مباشر على الانكفاء السياسي عند غالبية افراد شعبنا، نتيجة صعوبة ظروف العيش والبحث المستمر لما يسد غائلة الجوع عن عوائلهم بسبب ازدياد البطالة وفشل النظام البعثي المنهار من توفير حاجات الناس اليومية، بسبب مغامراته العسكرية التي قضت على الحياة المدنية المتعارف عليها لصالح عسكرة المجتمع، واثر ذلك على انحسار القاعدة الاجتماعية لليسار.

3-   فقر اليسار خاصة "لليوم" واحزاب المعارضة الاخرى للمنابر الاعلامية "حينها" التي من الممكن ان تؤثر في مزاج الناس وتجعلهم مهيئين لتغيير قد يحصل ولو بعد وقت قد يطول، ساهم في زرع اليأس عند الكثير من المتعاطفين مع اليسار او من المحسوبين عليه او حتّى من اعضائه.

4-   الحصار الاقتصادي الذي وّسع مساحة الفقر الذي ساهم في تصّحر الاخلاق وتشويه العلاقات الاجتماعية لصالح علاقات جديدة وغريبة على مجتمعنا ومساهمة الدولة في انهيار المؤسسة التربوية والتعليمية، وبذلك عاد العراق الى الوراء لعقود ليزداد فيه الجهل والتخلف والامية التي ساهمت في ضياع اجيال عديدة، وما لهذه الاسباب من دور اساسي في تعميق الثقافة الغيبية التي روجت لها السلطة حينها عبر الحملة الايمانية. ان الجهل والتخلف والامية والغيبيات على علاقة طردية مع نمو الاحزاب الدينية، وعكسية مع نمو الاحزاب اليسارية التي تراجعت كثيرا لصالح الاحزاب الدينية لاحقا وهذا ما نلمسه اليوم. فكلما ازدادت نسبة الجهل والتخلف والامية ازدادت فرص الاحزاب الدينية من الهيمنة على المجتمع كما اليوم، والعكس صحيح فكلما ازدادت نسبة الجهل والامية قلّت فرص اليسار في التأثير على المجتمع.

5-   تبعثر قوى اليسار وتشتتها وصراعاتها غير المقبولة في ظل ظروف عراق اليوم وتاثيرات هذا الصراع على مجمل عمل اليسار بين الجماهير، والتي ادت وتؤدي الى ضعف تاثيرها على القرار السياسي ويبعدها عن اخذ دورها التاريخي المطلوب منها في تغيير واقع الصراع لصالح الكادحين.

6-   عدم امتلاك اليسار العراقي لتكتيكات العمل السياسي لليوم مما يجعلها تتخبط في تحالفاتها واصطفافاتها وهذا ما يؤثر سلبا ليس على الجماهير فقط بل وحتى على قواعدها، التي باتت تشعر بالضياع خصوصا وان اليسار اصبح ضمن حالتين لاغير. فاما نراه متحالفا مع قوى سياسية ينقلب عليها او تنقلب عليه بعد حين او ينكفيء ليكون شاهدا على حراك سياسي فقط دون المساهمة فيه، وفي كلا الحالتين تكون الجماهير هي من تدفع الثمن. كل هذا دون ان تعمل "قوى اليسار" على توسيع مساحة المشتركات الكثيرة التي تجمعها من خلال لقاءات حتى وان كانت غير رسمية، من اجل بلورة مواقف مشتركة تجاه العديد من القضايا التي يؤمنون بها!

7-   الضعف المالي لليسار مما يقيد حركته ونشاطه خصوصا اليوم لغياب قانون الاحزاب وتمويلها الذي تستغله القوى المهيمنة في شراء الذمم والاصوات. ولذا نرى فقر الدعاية الانتخابية لقوى اليسار مقارنة مع الاحزاب الدينية والقومية، تلك التي لم تكن (على الاقل بالنسبة للاحزاب الدينية) تمتلك قبل الاحتلال مثل هذه الاموال التي تستخدمها اليوم. 


           


لقد فعل الرفيق عقراوي حسنا بنشره مداخلته القيّمة في موقع " ينابيع العراق" الالكتروني على موقع "الحوار المتمدن"، ليستطيع الكثير ممن فاتتهم مداخلته او من الذين تابعوها في نهايتها من قراءة الافكار والحلول التي جاء بها نتيجة حرصه على وحدة اليسار وتفعيل دوره في المجتمع. كما وان فتح باب الحوار لتناول ما جاء به يضيف على عمل اليسار بشكل عام الكثير من الحراك والديناميكية، من خلال تبادل الافكار والرؤى التي لو نجحنا في توسيع مساحاتها في ظرف العراق السياسي الحرج اليوم، فانها تعتبر محطة هامة ونقطة انطلاق للحركة اليسارية خاصة والعلمانية عامة، لكبح جماح التطرف الديني والقومي الذي ان استمر بنفس الوتيرة فانه سيهدد النسيج الاجتماعي أو ما تبقى منه كمرحلة اولى قبل ان يتطور الى تمزيق البلد.

اعتقد ان علينا الاتفاق اولا من ان لاوجود للأمنيات في عالم السياسة الذي تحول في عراقنا "كمثال" الى صراع اقليمي ودولي بين قوى متباينة في مصالحها، وجدت في الاحزاب العراقية المهيمنة على المشهد السياسي "ولنسميها غيلان" ضالّتها في ابقاء العراق ضعيفا وبعيدا عن اخذ دوره الحقيقي كلاعب مهم واساسي في منطقة تعتبر الاهم والاخطر للرأسمال العالمي، حيث الطاقة التي جعلت من بلدنا ساحة يصفّي فيها الخصوم خلافاتهم.

والان فان ما اتفقنا عليه حول فشل الغيلان في ترتيب البيت العراقي والسير بالعملية "الديموقراطية" الى مراحل متقدمة نوعا ما عن تلك التي بدأتها بعد الاحتلال اثرانهيار فاشية البعث، هو امتداد لفشلها السابق عندما كانت في المعارضة ولم تستطيع حينها ان توحد من خطابها السياسي "لليوم" للاشتراك ولو بقاسم مشترك واحد وهو الوطن. الذي اثبتت سنوات العجاف التسعة الماضية من انه في آخر سلّم اهتمامات هذه القوى، التي لاترى العراق الا بقرة يجب عليهم حلبها باقصى ما عندهم من قدرات وليذهب شعبنا الى الجحيم.

يروى ان هارون الرشيد قال يوما مخاطبا غمامة ابت ان تمطر على بغداد في عصرها الذهبي ان امطري اينما شئت فخراجك عائد لي، وغيلان اليوم ونتيجة لغياب الوعي وتمتع العقل باجازة مفتوحة واستفحال الافكار الطائفية والقومية والامية والبطالة واليأس من تغيير الواقع المعاش والاهم من كل ذلك ضعف اليسار وتشتته. فانهم "الغيلان" يخاطبون ناخبيهم قبل الانتخابات بعد ان يكونوا قد هيئوا الاجواء للشحن الطائفي والقومي ونزولهم الى الانتخابات بعدد كبير من الاحزاب المختلفة ظاهريا والتي تصب في نفس المستنقع الطائفي، ان صوتوا اينما شئتم فاصواتكم لنا. ونتيجة لهذه الحالة والتي ستستمر الى عدة دورات انتخابية قادمة ولحين تحرر المواطن من هيمنة الدولة بالقضاء على البطالة وانحسار القاعدة الاجتماعية لهذه الاحزاب، وبناء دولة مؤسسات حقيقية قادرة على توفير مناخ صحي لاجراء الانتخابات وفق قوانين غير التي يعملون بها اليوم كقانون الانتخابات والاحزاب وغيرها. فاننا امام سؤال في غاية الاهمية طرحه الرفيق عقراوي في مداخلته، والسؤال المكون من كلمة واحدة لاغير كبير جدا وله من الاهمية ما يجعله اهم سؤال امام كل القوى الخيرة في هذا الوطن من شيوعيين على مختلف مواقفهم وليبراليين وقوميين تقدميين واسلامين متنورين ، هذا السؤال هو " ما العمل"؟

لقد ساعدت ظروف سياسية عديدة وفي محطات تاريخية مختلفة على تشتيت قوى اليسار وتبعثر جهودهم، بعض تلك الظروف كان ذاتيا والاخر فرضته صراعات دولية واقليمية لم يكن للشيوعيين القدرة على الوقوف بوجهها، بعد ان تحالفت كل قوى الشر لابعاد الشيوعيين عن المسرح السياسي او تحجيم دورهم على اقل تقدير. وقد كان البعث الفاشي سبّاقا في توجيه غالبية الضربات واقساها للشيوعيين العراقيين وحزبهم، اضافة الى قوى قومية اخرى ساهمت هي الاخرى في ضرب الشيوعيين العراقيين في مراحل لاحقة. ولكن يمكن القول ان كل هذه الضربات بدأت من قوى كانت على هامش الحياة السياسة قبل عقود لتتصدر المشهد السياسي اليوم اي القوى الطائفية الدينية، والتي روجت ولازالت لفتوى المؤسسة الدينية سيئة الصيت والتي جاءت نتائجها كارثية ليس على الشيوعيين واليساريين فحسب بل وعلى الوطن وشعبنا باكمله. بعد ان قدمت الوطن على طبق من ذهب الى مجرمي البعث ليعيثوا فيه فسادا قرابة اربعة عقود.

ان الوصول الى نتائج مثمرة على صعيد تقريب وجهات النظر وحصر الخلافات بين التنظيمات الشيوعية المختلفة ليست مستحيلة، لكنها صعبة في ظل تمترس كل فصيل منها بافكاره واحتكاره للحقيقة وهذا ما اشار اليه  الاستاذ عقراوي في مداخلته، وهذا ما يجعل الجلوس على طاولة واحد اليوم على الاقل امرا صعبا " لامستحيل في عالم السياسة". ولكن واقع اليسار والبلد بشكل عام يجعلنا ان نبحث كقاعدة وكجماهير وكمرحلة اولى عن صيغ اخرى للعمل بعيدا عن الاطر الحزبية، كالاستفادة من فضاء الانترنت في الدعوة للمساهمة في فعاليات مشتركة كالتظاهرات والاعتصامات بشعارات يتفق عليها بين الناشطين، واقامة الندوات الحوارية للبحث عن حلول حقيقية وباشراك واسع للشبيبة والمرأة، وفعاليات طلابية مشتركة في المدارس والجامعات للعمل بين صفوف الطلبة بروح الفريق الواحد، واقامة الحفلات والسفرات والمخيمات لتقوية الاواصر الاجتماعية وما لها من اهمية في توسيع جماهيرية اليسار، والعمل بجد وهمّة عاليتين على تكوين مجموعات شبابية لفتح حوارات مع العمال والشبيبة والطلبة والمرأة في اماكن العمل والملاعب والتجمعات الاخرى واينما وجدت الجماهير، واعتبار جميع وسائل النقل العامة مراكزا اعلامية لتعريف الجماهير بحقوقها ودفعها للمطالبة بها، ودق ابواب المواطنين لتعريفهم بحقوقهم من خلال زيادة وعيهم في اهمية صوتهم الانتخابي وضرورة وضعه في مكانه الصحيح، ان العمل الجماهيري ونجاحه من قبل هؤلاء الناشطين سيجعل العديد من القيادات الحزبية ان تعيد النظر في العديد من المواقف المسبقة. ان الشيوعيين واليساريين من مختلف التنظيمات يشتركون بامور كثيرة وجوهرية فبعيدا عن الخلاف التنظيمي  بل وحتى الشخصي احيانا والخلاف في تشخيص المشاكل وايجاد الحلول لها، هناك الموقف المشتركة من الطائفية وشرورها ومن المرأة وحريتها ومن العمال وحقهم في التنظيم النقابي ومن الطلبة والشبيبة وحقوقهم وتطلعاتهم، والاهم على اهمية الاسباب السابقة وغيرها هو شكل النظام السياسي الذي نطمح اليه جميعا. كما وانني لاارى هناك ضرورة من قبل اليساريين على مهاجمة الحزب الشيوعي العراقي وتخوين قيادته وتشويه نضالته لانها تصب في مجرى بعيد جدا عمّا نعمل من اجله اليوم، ولكن هذا لايمنع الحزب الشيوعي العراقي باعتباره اكبر تنظيم يساري فاعل على الساحة السياسية ان يأخذ دوره الحقيقي في فتح نوافذه مع حركات اليسار على صغرها مقارنة به، ولانه الاكبر والاوسع جماهيرية فانه يتحمل القسط الاوفر في تحمّل  النجاحات والاخفاقات. ان نضالات الشيوعيين دون النظر للوراء "حاليا" وتطوير عملهم  يعطي زخما اكبر لمئات الالاف من الاغلبية الصامتة من ابناء شعبنا وتزجه في حركة النضال اليومية والمعقدة التي يمر به شعبنا.

 ربما سيطرح البعض سؤالا مشروعا حول ان يكون الفشل حليف مثل هذه النشاطات، وجوابي هو ان الفشل ليس نهاية المطاف فكل ما جاء به العلم والذي سيجيء به مستقبلا نجح بعد عشرات التجارب الفاشلة. ليكن فشل اليسار في توحيد صفوفه عاملا للبحث المضني دون كلل و يأس ليس عن المعوقات وهي ظاهرة للعيان ومعروفة، بل عن الحلول التي من شأنها تضييق شقة الخلاف من اجل الجماهير التي هي بحاجة الى اليسار اليوم اكثر من اي وقت مضى.

اعود لأقول ان الامنيات شيء والواقع شيء آخر، دعونا ان لانكون متفائلين كثيرا ولا متشائمين كثيرا فلنكن كما قال اميل حبيبي متشائلين لنسير بهدوء الى الامام، فخطوة واحدة للامام وان كانت "سلحفاتية"هي افضل بكثير من خطوة للخلف خصوصا في ظل صراعات الغيلان فيما بينها وعجزها عن توفير ابسط الخدمات للناس، فهل نستطيع خلق فضاء مناسب للشروع بهذه الخطوة وكيف؟ ولنترك متى لان الوقت ليس في صالح شعبنا ووطننا الذي من المفروض ان نكون امينين عليهما اكثر من الاخرين ونحن فعلا كذلك.

ولسعة التيار الديموقراطي كحركة مجتمعية والدور الكبير لمنظمات المجتمع المدني فانني اقترح مناقشة ورقتها من قبل المهتمين بنجاحها خصوصا وان نجاحها يعتبر نجاحا لليسار، لانه حينها سيتنفس هواءا نقيا ويمارس مهامه على افضل وجه، فالاجواء الديموقراطية هي التي تمنح اليسار مفاتيح عديدة للوصول الى الجماهير.   

على اليسار اليوم ان يبتعد عن الجدل البيزنطي فالوطن في خطر.

زكي رضا
الدنمارك
15/5/2012
   

481
مغاوير حزب الدعوة الحاكم يحتلّون بغداد

في خطوة تفسراحتدام الصراع السياسي بين اقطاب السلطة في بغداد ولملىء اي فراغ سياسي قد يحدث نتيجة عدم اتفاق شركاء المحاصصة على مدى الصلاحيات الممنوحة للمالكي وكيفية ادارته للحكومة لحين اعادة ترتيبها كما يريد المالكي، وللضغط من اجل عدم تمرير مشروع قانون يحدد فترة رئاسة الوزراء بدورتين لاغير، وللحيلولة في عدم تفكير مناوئي المالكي في طرح حجب الثقة عنه في البرلمان اذا ما وصلت الازمة السياسية الراهنة الى طريق مسدود. وباستعراض واضح للقوة اصدرالمالكي باعتباره قائدا اعلى للقوات المسلحة امرا بانسحاب قطعات الجيش العراقي المتمركزة في بغداد، وهما الفرقتين السادسة والحادية عشر من مناطق تمركزهما الى اطراف المدينة. وليحل محلها بامر من وزير الداخلية بالنيابة "المالكي" قوات مغاوير الداخلية التي يديرها رجل حزب الدعوة القوي والوكيل الاقدم للوزارة عدنان الاسدي.   

ان هذه الخطوة التي تبدو وكانها في سياق تحركات روتينية للجيش للوهلة الاولى، الا انها تحمل بين ثناياها رسائل عديدة لخصوم المالكي من السياسيين الذين زاد عددهم خلال الفترة الاخيرة.  لتصل الى تخوم تحالفه الشيعي وان ببطء لليوم، فالولاء المطلق لوزارة الداخلية بكامل ادارتها لحزب الدعوة الحاكم وزعيمه، باعتبارها اقطاعية  وملك حزبي بعد ان سيطر الحزب على مفاصلها الاساسية ان لم يكن جميعها نتيجة احتكار الانتساب اليها بطيف حزبي وليس طائفي لحدود. يمنح المالكي الطمأنينة في تنفيذ اية اوامر صادرة منه او من مكتبه حتى ولو كان عبر الهاتف على عكس الجيش العراقي الذي يعتبر متعدد الولاءات، نتيجة شموله بالمحاصصة الطائفية الذي جعله ليكون من حصة مكون يعتبر لليوم "عدوا" بالنسبة للمالكي وحزبه طائفيا، وهذا ما اشار اليه مقتدى الصدر عندما اشار الى ان حزب الدعوة الاسلامية يلعب على وتر الطائفية. وان هذه الخطوة تشير كذلك الى توجه خطير يسير باتجاه الهيمنة على القرار السياسي واحتكاره وتقوية النفوذ على حساب شركاء المحاصصة الذين بدأوا يفقدون البعض من مواقعهم لصالح المالكي وحزبه تدريجيا، فالاكراد بعيدون جغرافيا عن المركز وللمالكي ورقة ضغط قوية حيالهم وهي نسبتهم من الميزانية العامة والتي باتت سيفا مسلطا على رقابهم، ومن الممكن طرحها كورقة للمساومة للوصول الى تفاهمات تمنح المالكي ضمانات للاستمرار في الحكم لدورة ثالثة، اضافة الى مقاطعة الحكومة المركزية للشركات النفطية التي تعمل في كردستان وما تسببه من قلق للقيادات الكردية. اما سنة العراق فانهم مشتتون واستطاع المالكي عبر المال والمناصب شراء العديد من قادتهم وشق صفوفهم، بعد ان بدل طريقة عزفه مع بعضهم من الطائفية الى القومية مؤقتا، للحفاظ على العراق الموحد الذي نسى المالكي وحدته عندما صمت كما ابو الهول امام تصريح الايرانيين بوحدة البلدين! واما حلفائه في البيت الشيعي فانه نجح في تهميش البعض منهم حتى قبل الانتخابات النيابية الاخيرة كالمجلس الاسلامي الاعلى ونجح بعدها في انشقاقه بعد خروج فيلق بدر من المجلس، ولعب نفس اللعبة مع اكبر مناوئيه في البيت الشيعي اي الصدريين عندما احتضن عصائب اهل الحق، اما بالنسبة لبقية التنظيمات الشيعية فانها لاتمثل شيئا امام سطوة وهيمنة المالكي وحزبه القائد.

ان احتلال قوات المغاوير لبغداد ومنها المنطقة الخضراء سوف تساهم بمراقبة تحركات القوى والشخصيات السياسية بشكل مباشر والتحرك لمنعها او التضييق عليها لمنعها من ممارسة نشاطاتها بالشكل المتعارف عليه دستوريا، كما وانها ستفتح باب الاعتقالات العشوائية ومصادرة الحريات وارهاب الشارع البغدادي كما كانت حال بغداد اثناء احتلالها بجهاز الامن الخاص، باوامر من الطاغية صدام حسين والمقربين منه من المجرمين امثال ابنه وزوج ابنته وغيرهم من افراد العائلة المالكة كلما كان النظام الدموي بحاجة الى ارهاب المواطنين. ان سكوت القوى السياسية لتحركات حزب الدعوة القائد اليوم ستمنح هذا الحزب مزيدا من القوة للتجاوز على الدستور او تفسيره على مقاييسه في اسوأ الاحوال، وسيكون الوقت متاخرا جدا اذا قلنا بعد حين من اننا اُكِلنا يوم اُكِل الثور الابيض.

ان الدكتاتورية عادة تبدأ بخطوة لتنتهي بكارثة

زكي رضا
الدنمارك
3/5/2012


 





482
السلطة الطائفية خطر على كيان الدولة


هناك سؤال اشكالي اثار الكثير من اللغط منذ انهيار نظام البعث الدموي وليومنا هذا حول شكل الحكومة  في العراق، ان كانت تمثل كل العراقيين ام انها حكومة محاصصة طائفية - قومية جاءت الى السلطة وفق توافقات سياسية كان مرسومة  لها حتى قبل انهيار النظام الدموي السابق؟ اي عندما كانت القوى المهيمنة على السلطة اليوم في صفوف معارضة ذلك النظام الذي حرم شعبنا لعقود من حياة كريمة، تلك السلطة التي مارست سياسة طائفية وعنصرية ضد مكونين عراقيين كبيرين كشيعة العراق وخصوصا بعد سحقها الهمجي للانتفاضة الآذارية، ودك المدن والمراقد الشيعية المقدسة بالصواريخ والاسلحة الثقيلة ليذهب ضحيتها عشرات الالاف من الابرياء ولتتناول صحافتهم واعلامهم العرب الشيعة باسوأ الاوصاف التي لم تتوانى عن استخدام العديد من الكلمات غير الاخلاقية  تلك التي هي جزء من ثقافة البعث الساقط، ولتتهمهم بانهم ليسوا عربا وما الى ذلك من اتهامات لا تقول بها الا عقول مريضة كعقول البعثيين. وكذلك الكرد الذين مارس البعث ضدهم اسوأ عمليات الابادة الجماعية خلال عمليات الانفال سيئة الصيت والسمعة التي ذهب ضحيتها ما يقارب ال 180000 أنسان بريء  وتدمير ما يقارب 5000 قرية  واستخدام الاسلحة الكيمياوية في قصفهم لمدينة حلبجة الشهيدة ليقتل فيها خلال دقائق ما يربو على ال 5000 مدني اعزل، في اول جريمة من نوعها يستخدم فيها نظام اسلحة كيميائية ضد جزء من ابناء "شعبه"، اضافة الى تهجيره لالاف الاسر الكردية الفيلية وتغييب الالاف من شبابهم ناهيك عن الفضاعات الكبيرة التي ارتكبها ضد المكونات الدينية والقومية الاخرى.

وكان المفروض من قوى المعارضة ان تتعلم الكثير من الاخطاء التي وقع فيها نظام القتلة قبل سقوطهم، واهم تلك الاخطاء هي ممارسة ذلك النظام الساقط للسياسة الطائفية والعنصرية  والتي ساهمت بتطبيقاتها في اجهزة الدولة وخصوصا في الحلقات الضيقة العليا المهيمنة على جميع القرارات المصيرية،  تلك القرارات التي كانت سببا في في جميع الجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا ووطننا.  تلك الجرائم دفعت المجتمع الدولي الى فرض حماية للمدنيين من شرور السلطة المنهارة واجرامها ولتنحسر سطوة الحكومة المركزية عن اجواء ومساحات واسعة من التراب الوطني ، ولتكون في نهاية المطاف ولرعونة ومغامرات الطائفيين البعثيين وعنصريتهم  سببا في احتلال البلد. ولكن الذي حدث للاسف الشديد وبعد سقوط نظام البعث الاجرامي هي عودة قوى المعارضة من تلك التي تهيمن على المشهد السياسي اليوم الى البلد مُحَمّلة بنفس الارث المقيت للبعث اي الطائفية،  ولتستخدمها كسياسة ثابتة على رغم معاناتها وشعبنا لعقود طويلة من شرورها. ولتجعلها (الطائفية) منهجا للحكم في بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب دون ان تعي اخطارها المستقبلية وما قد تسببه من مشاكل كبيرة وخطيرة،  اخطرها سيكون تقسيم البلد او اضعافه لسنوات طويلة قادمة بعد تحويله الى كانتونات متحاربة ليدفع ثمنها  في النهاية المواطن العراقي.  وما الحرب الطائفية التي اندلعت شراراتها اثر تفجير المرقدين الشيعيين في سامراء الا ثمرة اولية لنزاع طائفي قد يندلع في اي وقت،  اذا لم تسارع القوى السياسية ذات الشأن لتفاديه عبر حزمة من التشريعات الدستورية  لتقطع فيه الطريق عن المغامرين وصبيان السياسة  في ركوب موجتها. والتي من الممكن ان تتطور الى حرب داخلية قومية في ظل ما اشبه الفراغ السياسي في البلد اليوم وغياب الحكمة عند السواد الاعظم من المتصدين للشأن السياسي، والتي ستؤدي الى تشظي البلد خصوصا وانها ستجر اليها مكونات قومية ودينية ومذهبية اخرى قد تكون غير مساهمة بفعالية في الصراع الطائفي –القومي لليوم، الا انها ستصطف حسب مصالحها وموقعها الجغرافي الى جانب هذه القوة او تلك حال اندلاع هذا الصراع. هذا الصراع الذي تغذيه اليوم قوى اقليمية بدأت تعزف علنا اليوم لحن الطائفية النشاز، بالتحدث عن حمايتها لهذه الطائفة او تلك ولتتدخل بشكل سافر في شؤون البلد عبر تصريحات وقحة، لاتُفَسَر الا من انها اذكاء لنار الخلاف بين طبقة السياسيين الطائفيين الذين يعتبرونها في هذه اللحظة بالذات كهدية من السماء لتقوية وضعهم السياسي الذي يثير الكثير من الاسئلة على مستوى الشارع، بعد فشلهم خلال السنوات التسع الماضية في بناء دولة والبدأ باعمار البلد الذي ورث من عهد البعث الفاشي خرابا على مختلف الصعد.

ان "الدولة" العراقية اليوم تستمد "قوتها" وديمومتها ووجودها من هذا الصراع الطائفي الذي نشهده اليوم والذي تديره احزابا طائفية بامتياز. هذه الاحزاب التي لاتتحمل الديموقراطية التي تتنافس فيها احزابا سياسية ذات برامج وطنية  كنهج للحكم ولا الفدرالية الحقيقية كنموذج لان فيه مقتلها، ولذا نراها تعمل وفق سياسة اللعب على عامل الوقت لترسيخ سياساتها الطائفية ولزرع اليأس عند المواطن وارعابه،  من المخاطر التي سوف تتعرض له طائفته عند غلبة طائفة اخرى، او في حالة ان تملي "الطائفة" شروطها لأغلبية عددية كانت ام لدعم طائفي غير محدود من دول اقليمية عندما تكون أقلية عددية. ان هذه القوى الطائفية تعمل اليوم على ان تمسك بأزمّة السلطة لتسوّق من خلال ركام الخراب الذي عمّ الوطن شعارات "مركزية الدولة" وقوة المركز، اقول شعارات لان قوة المركز في  النظام الفدرالي كما العراق اليوم اذا كان وفق آليات دستورية هو قوة للدولة على كامل تراب وطنها، وهذا لايثير في هذه الحالة شعورا بالقلق من قبل اقليم او اقاليم تبنت الفدرالية والتعددية كنموذج للحكم. ولكن المشكلة الاساسية التي يقفز عليها متحاصصوا السلطة في بغداد من الباحثين عن قوة المركز،  هي ان هذه القوة كي تكون موجودة فانها بحاجة الى شرط اساسي وهو الغاء الطائفية.  فلا وجود لسلطة مركزية او مركز قوي في ظل نظام فدرالي بوجود نظام توافق سياسي او ما يسمى بالشراكة الوطنية اليوم في بغداد،  وبمعنى آخر فان وجود مركز قوي بحاجة الى نبذ الطائفية والعمل على ان تكون هناك اغلبية سياسية على اساس برنامج مدني لهذه الاغلبية وليس اعادة انتاج نفس المفاهيم الطائفية بلغة اخرى.

ان الطائفية في العراق اليوم لاتشكل خطرا على السلطة اطلاقا لانها بكل بساطة تمتلك السلطة وبكلمة ادق هي السلطة نفسها، ولكن خطرها الحقيقي يكمن في تهديد وجود الدولة وبقائها من عدمه.  ومن خلال مراقبة القوى الاجتماعية للطوائف ومساحة تحركها وتداخلها نستطيع القول ان الطائفية في العراق لايمكن الاشارة اليها كقضية دينية تحركها احزاب سياسية،  قدر ما هي قضية سياسية تحركها احزاب دينية على الضد من مصالح قوى اجتماعية متباينة في ولائتها الطائفية او المذهبية. وهذه القوى الاجتماعية  تستطيع ان تتعايش مع بعضها بعيدا عن الشد الطائفي عندما تمثلها احزاب سياسية علمانية تؤمن بالديموقراطية  لبناء مجتمع خال من الاضطهاد، وليس احزابا دينية تؤمن وتبشر بمعاداتها للتنوع الفكري والعقائدي في البلد، من التي فشلت لليوم حتى في توفير ما تحتاجه ابناء طوائفها ناهيك عن شعبنا باجمعه على الرغم من قيادتها للسلطة.     

يأتي على الناس زمان لا يُقرّب فيه الا الماحلُ ولا يُظَرّف فيه الا الفاجر ولا يُضَعّف فيه الا المُنِصف (الامام علي "ع").

زكي رضا
الدنمارك
27/4/2012



           

483
تحت راية العلم الايراني لتتحد ايران والعراق!

لا اظن ان التاريخ الحديث نقل لنا لليوم موقف سلبي لسياسيي دولة عن اهانات دبلوماسية توجه الى بلدانهم الذين يمثلونها علنا، كما اعضاء حزب الدعوة الاسلامية واعضاء دولة قانونهم واسلاميي العراق من الذين يقودون البلد اليوم بشكل عام. والملفت للنظر ان هذه الاهانات رغم توثيقها اعلاميا فان اعضاء هذا الحزب وقائمته الانتخابية يسارعون الى ايجاد مبررات واعذار لتبرير هذا الفعل غير الدبلوماسي والبعيد عن القيم والاخلاق.

ان زيارة المالكي الاخيرة لايران لمناقشة اوضاع العراق الداخلية والازمة التي يمر بها، تلك التي عجزت اقطاب المحاصصة حلها لتتجه كل منها الى مرجعيتها السياسية (فالمالكي في طهران والهاشمي في انقره واقطاب من العراقية في الرياض والدوحة والكورد في واشنطن وعواصم اوربية اخرى). افرزت امرا غاية في الخطورة تلك التي على المالكي توضيحها للعراقيين، لا ان يترك الباب في تأويلها وتفسيرها مفتوحا مما يزيد في تأزيم الوضع السياسي المتأزم اصلا نتيجة تقاطع مصالح شركاء السلطة على غنائمهم، وليؤكد في حالة عدم توضيحه بشكل منطقي وبعيدا عن الولاء الطائفي على تبعية الاحزاب الدينية (الشيعية) لايران على الضد من مصالح البلد بشكل اكثر. 

ان مسألة رفع علم الضيف من قبل مضيفيه اثناء الزيارات الرسمية بين مسؤولي الدول المختلفة تعتبر من بديهيات الاعراف الدبلوماسية، وهناك لجان خاصة عادة ما تهيئ العديد من الامور قبل وصول الضيف المعني الى بلدها، كمراسم الاستقبال والتوديع و عدد اللقاءات والبيان المشترك واللقاءات الصحفية ومحل الاقامة وتحضير النشيد الوطني لعزفه وعلم الضيف عند استقباله وتوديعه واثناء اللقاءات. ولكن الملاحظ هو عدم رفع العلم العراقي في اغلب الاحوال نتيجة "السهو" من قبل الجانب الايراني عند استقباله لوفود رسمية عراقية. والذي لا يقوم عادة بتوضيح هذا "السهو" غير المقصود!! تاركا توضيح "السهو" هذا للضيف وهذا لا يعبر عن عدم كياسة المضيف فقط بل وعن عدم احترامه ايضا لضيفه وبلده. وهذا ما حصل مرة عندما التقى السيد عادل عبد المهدي في ايلول/سبتمبر من العام 2008 كلاً من نجاد ومتقي في طهران وحينها فُسّر الامر على انه "سهو" غير مقصود!!

وتكرر "السهو" ثانية عند زيارة المالكي الاخيرة لايران قبل ايام واستقباله من قبل الرئيس الايراني والتي بررها النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود قائلا (ان عدم وضع العلم العراقي خلف رئيس الوزراء نوري المالكي خلال لقائه الرئيس الايراني احمدي نجاد ليس المقصود منه عدم الاعتراف بالسيادة العراقية، ولا يُنظر اليه بهكذا منظار). ولو تجاوزنا مسألة العلم العراقي الذي مُزّق مرة في ملعب "آزادي بعد فوز المنتخب الاولمبي العراقي على الاولمبي الايراني"، ولم يكن موجودا خلف المالكي اثناء زيارته الاخيرة للكويت والتي بررها حزب الدعوة الى انه كان مطويا (على الرغم من ان هذا العلم لا يمثل العراق بل يمثل نظاما مجرما ضحك على ذقون الاسلاميين بعبارة الله اكبر). فاننا لا نستطيع ان نتجاوز ما نقلته وكالة "مهر" الايرانية من  تصريح لمسؤول ايراني رفيع المستوى، بوزن محمد رضا رحيمي النائب الاول للرئيس الايراني احمدي نجاد خلال استقباله رئيس الوزراء نوري المالكي والذي قال فيه (ان العراق وايران اذا اتحدا بشكل تام  فانهما "سيشكلان قوة عالمية كبرى")، وليعبر في مكان آخر من حديثه على طائفية السلطة في العراق اذ قال ان (الشعبين يتعرضان لمؤامرات على المستوى الدولي بسبب معتقداتهما واهدافهما). اذ كان على المالكي كرئيس لوزراء العراق ان يؤكد للمسؤول الايراني على ان العراق يتعرض للمؤامرات على المستوى العربي والاقليمي وليس على المستوى الدولي، الذي تعمل العديد من الدول العربية والاقليمية على عرقلته نتيجة تدخلاتها المستمرة في شؤونه الداخلية وتصدير الارهاب اليه، كما وكان على المالكي ان يؤكد على تنوع المعتقدات في العراق لانه وكاكبر مسؤول في البلد لا يمثل طيفا واحدا بل هو جاء ناطقا بلسان جميع العراقيين بمختلف اطيافهم وعقائدهم.

وكالصيهود الذي برر عدم رفع العلم العراقي جاء النائب عن دولة القانون حسين الاسدي ليبرر حديث المسؤول الايراني قائلا (اعتقد ان دعوة نائب الرئيس الايراني الاخيرة لاتحاد تام بين العراق وايران، المقصود منها توحيد المواقف على المستوى السياسي وفيما يتعلق بامن المنطقة واستقرارها فضلا عن دور البلدين في التنسيق المشترك فيما يتعلق بالقضايا الاقليمية والدولية بما يخدم مصالح البلدين). وهل اذا اردنا ايها السيد الاسدي غدا ان نوحد مواقفنا مع اية دولة من جيراننا سنقوم بوضع اللبنات الاولى للوحدة معهم!؟ اعتقد انه من الافضل على الاسدي ورئيس حزبه وقائمة دولة قانونه ان يبحثوا عن ما يرفع الحيف عن ابناء شعبنا واسعاده وبما يعزز الوحدة الوطنية بينهم قبل الاتحاد مع ايران من منطلق طائفي او اي منطلق آخر.

السادة في حزب الدعوة ودولة القانون ، العراق ليس للبيع وان بعتوه وانتم فاعلون فلا تبيعوه بدريهمات.

زكي رضا
24/4/2012
الدنمارك

 








484
لمصلحة من هذا الهجوم على الحزب الشيوعي؟

2-2

زكي رضا
3 - في النقطة الرابعة من مقالته حول منجزات العهد القاسمي لنشر التعليم يقول (لقد ازداد عدد المدارس والمعاهد العلمية وعدد الطلبة والمدرسين خلال اربع سنوات ونصف السنة من عمر الثورة الى ضعف ما حققه النظام الملكي خلال 38 عاما. اضافة الى ارسال آلاف الطلبة الى الخارج في بعثات دراسية في مختلف المجالات العلمية اللازمة لبناء الركائز الاقتصادية وادارتها وادامتها وخاصة المرافق النفطية). هذا في عهد ثورة تموز ايها الكاتب فماذا عن العهد المالكي واسهاماته في هذا المجال الحيوي والهام جدا، على اساس ان التعليم في كل مراحله وخصوصا الاولى منها وانتشاره ورعايته  يعتبر سببا من اسباب رقي الامم وتقدمها. واذا كانت الثورة قد بنت من المدارس والمعاهد العلمية وخرّجت من المدرسين ضعف ما قدمته حكومات العهد الملكي مجتمعة فان حكومة المالكي لم تقدم شيئا تقريبا. فنسبة تسرب التلاميذ من المدارس نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة لعوائلهم قد ازدادت بشكل يهدد مستقبل العملية التربوبة والتعليمية بالبلد، وقد يشكل في حالة عدم ايجاد حلول سريعة وعلمية لها الى كارثة ستؤثر على مختلف مناحي الحياة خلال العقدين القادمين على الاقل. فحكومة المالكي لم تستطع لليوم من القضاء على المئات من المدارس الطينية التي تملأ البلد وخصوصا في المناطق الجنوبية حيث الشيعة الذين جاء المالكي لانصافهم!! اما عن نقص عدد المدارس في العراق فان المالكي قال شخصيا اثناء استقباله لوزير التربية الايراني ان العراق بحاجة الى 5000 مدرسة. اما حول مستوى التدريس في المراحل الدراسية كافة فانه وصل الى حالة مزرية، حيث بيع الاسئلة وتزوير الشهادات الدراسية لكبار المسؤولين في الدولة العراقية. اضافة الى احتلال الجامعات العراقية ادنى المستويات ضمن الجامعات في العالم في وقت كانت فيه هذه الجامعات تخرج خيرة الاختصاصات التي كان يحتاجها البلد ومنهم الكاتب نفسه، من الذين يعيشون اليوم في مختلف بلدان العالم اما لخوفهم من التصفية الجسدية كما المئات من زملائهم، او نتيجة سوء الوضع الامني وصعوبة الحياة نتيجة قلة الخدمات او انعدامها في بلد بات فيه الموت زائرا عاديا .
من المعروف عن الزعيم قاسم هو عدم تحزبه (انا فوق الميول والاتجاهات) وهذا ما يشاطرنا الكاتب الرأي فيه، وعليه فان الالاف من الطلبة الذي منحتهم ثورة تموز الفرصة للدراسة خارج البلد والعودة اليه للمساهمة في بناءه، لم يكونوا من حزب قاسم الذي لم يكن له حزبا بالاساس. اذن فمن هم هؤلاء الطلبة ومن اين جاءوا؟ هؤلاء الطلبة ايها السيد الكاتب كانوا خليطا من المستقلين وذوي الاتجاهات السياسية المختلفة، ومن ابناء العمال والفلاحين وابناء الطبقة الوسطى ومن مختلف مدن العراق وقومياته واديانه ومذاهبه. والان هل يستطيع الكاتب ان يرشدنا ليس الى الالاف بل الى المئات من الطلبة الذين ارسلهم المالكي للدراسة خارج البلد، وان كان قد ارسلهم فلأي قومية او دين او مذهب أو حزب ينتمون؟ السيد الكاتب ان المصيبة تكمن عندما تعمل الدولة على سن قانون يعفي مزوري الشهادات الدراسية كما حكومة المالكي ؟ وهل تعتقد ان هذا العمل كارثة ام لا ولماذا لاتدينه؟ وبالمناسبة هل يعرف المالكي وحزبه ان قاسم تنازل عن دار له ورثها من والديه لتحويلها الى مدرسة للاناث في الصويرة، ولم يسميها باسمه. والان هل يجوز لنا ايها الكاتب "الليبرالي العلماني" مقارنة واقع التعليم بين الزمنين؟   

4 - وفي النقطة الخامسة من نفس الفقرة يقول الكاتب (تبنت الثورة سياسة العدالة الاجتماعية على المستوى الطبقي والجغرافي حيث عمّت المشاريع كافة ميادين النشاط الاجتماعية). ان الكثير من الارقام والاحصائيات تشير الى اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء في عهد المالكي بعد ان انضمّت شرائح طفيلية جديدة الى طبقة الاغنياء، ومن هؤلاء الطفيليين ساسة ورجال دين ورؤساء عشائر اضافة الى سراق المال العام والمرتشين والحواسم. فعلى الرغم من موارد الدولة الهائلة الا ان نسبة الفقر في اتساع، وهذا ما اكده المدير القطري لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في العراق السيد "بيترو بتشيلور" بتاريخ 16/11/2011 اذ صرح قائلا ان (نسبة الفقر في العراق وبحسب الارقام المسجلة لدى الامم المتحدة تصل الى 23 %، مبينا ان "الامم المتحدة تعمل على خلق فرص عمل للمواطنين في قطاعي النفط والغاز). والسؤال هنا هو، اين دولة المالكي ذات الميزانية التي تجاوزت ال 100 مليارد دولار امريكي ودورها في مكافحة الفقر، ولماذا يستجدي المواطن مالا او عملا من قبل الدول المانحة، وهل العراق بلد فقير بموارده!؟ وهنا نعتقد ان المقارنة بين عهد قاسم الذي كان فيه نسبة فقر اقل مما هي عليه في حكومة المالكي "نسبيا" رغم الفارق الكبير في موارد الدولة، ينفي سببا آخرا من اسباب الكاتب للمقارنة بين الزمنين. 

5 - في النقطة السادسة من الفقرة ذاتها يقول الكاتب ان سلطة قاسم ( قللت من الفوارق بين المدينة والريف وتعزيز الصلة بينهم). ان حكومة الزعيم قاسم وفّرت للفلاح العراقي احتياجاته وادخلت الاساليب العصرية في الزراعة، وسمحت للفلاحين بتشكيل جمعياتهم الفلاحية التي لعبت دورا كبيرا في زيادة الوعي عند الفلاح، الذي ارتبط بارضه اكثر خصوصا بعد تطبيق قوانين الاصلاح الزراعي. واستطاعت حكومة قاسم من ان تصل بحدود كبيرة الى الاكتفاء الغذائي الذاتي للعديد من السلع الزراعية، في حين ان حكومة المالكي عاجزة حتى عن توفير صحن سلطة عراقي بالكامل، ناهيك عن انهيار الثروة الحيوانية والسمكية، ليتحول العراق من بلد مصدر عهد الثورة الى بلد مستورد حتى للخضار عهد المالكي. والان اين وجه الشبه بين الزمنين!!؟

اما في فقرة المنجزات الاقتصادية فان الكاتب يحدد منجزات ثورة تموز بما يلي:
1-   في النقطة الثانية يقول الكاتب ان حكومة تموز باشرت ب (الغاء الامتيازات البترولية في الاراضي العراقية ما عدا المناطق المستغلة فعلا. فاصدرت حكومة الثورة قانون رقم 80 لعام 1961 فحررت بموجبه 99.5 % من الاراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية العالمية). هذا القانون الذي كان احد اهم اسباب اغتيال ثورة تموز، لم يصل المالكي لليوم الى انجاز عشر معشاره، حيث النفط العراقي عرضة للنهب اليومي من قبل دول الجوار ومافيات السلطة التي اثرت على حساب ابناء شعبنا. ولم يستطع المالكي وحلفائه في البرلمان لليوم من تمرير اهم قانون يحمي ثروة شعبنا الآيلة للنضوب اي قانون النفط والغاز. وفي الوقت ذاته نرى المالكي يطرق ابواب جميع الشركات المتعددة الجنسية لاستغلال كل شبر من ارض العراق، كي يحصل على اموال اكثر لشراء ذمم اكثر وللاستمرار في السلطة فترة اطول. والان اين اوجه الشبه بين الزمنين؟ زمن الزعيم قاسم الذي كانت عينه ساهرة على ثروات شعبه وبين عين المالكي التي تغض النظر عن سرقة اموال شعبنا نتيجة محاصصة طائفية يأبى الكاتب وصفها كما هي؟

2-   في الفقرة الثالثة يتناول الكاتب انجازات ثورة تموز في بناء المعامل والمصانع اذ يكتب (ابرام التعاون الاقتصادي مع الاتحاد السوفيتي وبموجبه انشأ العراق الكثير من المؤسسات الاقتصادية، مثل مد الخط العريض بغداد- بصرة، معمل الزجاج في الرمادي، معمل الادوية في سامراء، معمل الجلود في الكوفة، معمل التعليب والالبان في كربلاء وغيره الكثير). هذه الانجازات وغيرها كانت زمن قاسم مثلما يقول الكاتب، فما هي منجزات المالكي واين هي المعامل والمصانع التي بناها؟ المشكلة ليست في عدم بناء اي معمل او مصنع في عهد المالكي الزاهر، بل اغلاق العديد من المصانع والمعامل وتسريح عمالها. وهنا علينا ان نعود الى سؤالنا اللجوج والممل عن اوجه الشبه بين الزمنين؟

3-   في النقطة الرابعة من مقالته يقول الكاتب ان ثورة 14 تموز قامت ب (بناء ميناء تجاري عميق في ام قصر، والميناء العميق لتصدير النفط في شمال الخليج ووسع من صادراتنا النفطية. ولم يسم قاسم اي من المينائين باسمه، ولما جاء البعثيون الى السلطة عام 1968، سمّوا الميناء العميق بميناء البكر ومدينة الثورة في بغداد والتي بناها قاسم ايضا بمدينة صدام). لا ادري ان كان الكاتب يدري ان الملاحة في شط العرب اليوم صعبة جدا لوجود العشرات من السفن الغارقة فيه والتي لم تعمل حكومة المالكي الاطول عمرا من بين حكومات ما بعد الاحتلال على تطهيره. وماذا عن مشروع مبارك الكبير وخنق العراق، هل فعل المالكي شيئا حياله ام سيكون هو الاخر ببنوده السرية سيفا مسلطا على وطننا خلال قادم السنوات. اما حول سرقة المجرمين البعثيين لاسم مدينة الثورة وتسميتها بمدينة المجرم صدام، فانني اتعجب من عدم تطرق الكاتب لاسمها الجديد " مدينة الصدر" هل السبب طائفي ام امرا آخر!؟. اعتقد ان المقارنة بين الزمنين في هذه النقطة لا تصب في صالح المالكي الذي فشل في تأمين حدودنا المائية والحفاظ على انهارنا من التلوث القادم من "اشقائنا" الايرانيين التي حولت شط العرب الى مبزل لمياهها الثقيلة.   

ويختتم الكاتب مقالته الانفة الذكر ليقول (وتحقق الكثير في الازدهار الاقتصادي في عهد الثورة وذلك لاعتماد الزعيم عبد الكريم قاسم على خيرة الكفاءات الوطنية المخلصة والمتحمسة لخدمة الوطن وتطبيقا لمبدأ: "الشخص المناسب في المكان المناسب" بدون اي تمييز. ويشهد بذلك باحثون اجانب مثل حنا بطاطو الذي يقول: "ومما له مغزى ان اصحاب المصانع لم يعرفوا ازدهارا كالذي عرفوه في عهد عبد الكريم قاسم "1958-1963"، الذي كانت سياساته الاقتصادية والمالية موحى بها - الى درجة غير قليلة - من الوطنيين الديموقراطيين، وبدقة اكبر، من محمد حديد الذي كان له في تلك السنوات نفوذه في الحكومة حتى عندما كان خارجها).
هنا اود ان اتساءل ببراءة عن امر واحد لا غير، وهو شعار الرجل المناسب في المكان المناسب ان كان  جزء من سياسة المالكي في قيادة الدولة كما في عهد الزعيم قاسم؟ اعتقد ان المالكي لو كان قد طبق هذا القرار مبتعدا عن الطائفية والحزبية والفئوية والمناطقية، في تعيين رجالات الدولة والمال والعلم والزراعة والاقتصاد لكان وضع العراق هو غير وضعه اليوم، ولكانت الطائفية قد تحجّمت لصالح التنوع الفكري والسياسي الذي يناصبها المالكي العداء.
والان دعونا ان نعود الى المقالة المعنية لنبحث من خلالها عن الدور "التآمري" المزعوم للحزب على ثورة 14 تموز من قبل كاتب المقالة.
فبعد مقدمة قصيرة حول السبب الذي دعاه لكتابة مقالته يقول الكاتب في معرض دفاعه الاعمى عن المالكي بابراز سمات ومحاسن قاسم لمقارنته به، ان قاسم (كان مثالا في الاخلاص الوطني والنزاهة ونظافة اليد،وعفة اللسان،وحبه للشعب وبالاخص الفقراء). وقد قمنا بايراد انجازات قاسم سابقا استنادا الى مقالة سابقة لكاتب المقال نفسه، ونتيجة لهذه الانجازات يقول كاتب المقال (ولهذا السبب صار قاسم رمزا للوطنية والنزاهة)، اذن فالانجازات الحقيقية الملموسة هي التي تحدد وطنية الزعيم السياسي ونزاهته وليس انتمائه الطائفي، الذي اصبح نقطة الانطلاق عند الكاتب في دفاعه المستميت عن المالكي، الذي لم نرى له اي منجز يقلل من بؤس الفقراء منذ استلامه السلطة ولليوم، فلا هو كما قاسم بنى مدن للفقراء كمدينة الثورة والالف دار وغيرها والعشرات من المنجزات الاخرى، ولا هو استطاع ان يوفر الخدمات بحدها الادنى. علما اننا نستطيع التعرف على نزاهة قاسم من نزاهة المحيطين به، فهل من يحيطون بالمالكي نزيهين ونظيفي اليد!؟ واين هي النزاهة واموال العراق بين مسروقة ومهدورة لعدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، الذي اعتبره الكاتب احد اهم اسباب نجاح قاسم في حكمه، والتي يفتقدها المالكي بالمطلق؟
المشكلة الاساسية عند الكاتب هو تأليه الفرد القائد او رجل المرحلة حسب وصفه، عندما يتناول الجهات السياسية التي ناصبت قاسم العداء يومها ومقارنتها مع مثيلاتها اليوم تلك التي "تعادي" المالكي، معتبرا ان اسقاط المالكي هو افشال للعملية السياسية. وهذا الاستنتاج الخطير ان كانت له مساحة واسعة في الشارع السياسي، فانه كفيل بان ينتج لنا دكتاتورية جديدة وقائد ضرورة جديد، عانينا من حكمه الدموي لما يقارب الاربعة عقود، تلك التي اوصلت بلدنا الى ما هو عليه من خراب اليوم على مختلف الصعد. خصوصا وان الكاتب يعتبر المالكي قائدا للشيعة والرافض لمحاولات القوى التي اخترعت عبارة (حكومة المحاصصة الطائفية) حسب ادعائه من اولئك الذين يريدون اعادة التاريخ الى ما قبل عام 2003 حسب وصفه.
 وفي معرض حديثه عن معاداة ثورة تموز من قبل الاحزاب السياسية العراقية بتهمة انحراف قاسم عن اهداف الثورة يقول بحق الشيوعيين ان (الانحراف بالنسبة للشيوعيين، ان قاسم رفض اعلان الشيوعية، وان يكون كاسترو العراق كما يتمنون). هنا نريد ان نقف مع الكاتب وقفة قصيرة لسؤاله عن هذه المعلومة الخطيرة ومصدرها وهل بامكانه اثباتها تاريخيا؟ خصوصا وان الكثير ممن عاصروا تلك الفترة العصيبة من حياة العراق احياء يرزقون، من شيوعيين الى قوميين كردا وعربا وبعثيين واسلاميين. ولماذا لم نسمع او نقرأ يوما عن فرية رفض اعلان قاسم للشيوعية من احد، سواء من القريبين على الحزب او من المحايدين او من اعداء الحزب وهم كثر، وقد انضم اليهم مؤخرا كتّابا تتجه بوصلتهم الى حيث الطائفية ومراكز السلطة والمال.  لقد دافع الحزب عن قاسم حتى الساعات الاخيرة بل وحتى بعد استشهاده على يد انقلابيي شباط الاسود في دار الاذاعة عندما تركته جميع الاحزاب العراقية بلا استثناء ومعها المؤسسات الدينية، لا بل وقفت الى جانب جلادي شباط للنيل منه ومن ثورة تموز والحزب الشيوعي. في وقت كان فيه الحزب قادرا على استلام السلطة في سنوات سابقة، لولا الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وتأثيراتهما على مجمل منطقة الشرق الاوسط وخصوصا العراق. تلك السنوات التي كان فيها للحزب قوة جماهيرية ضاربة على الارض ارعبت الرجعية في الداخل ومن كان يدور في فلكها، والدول الرجعية في المنطقة وبقية حلف السنتو كايران التي لا يرى الكاتب تدخلاتها الفظة في الشأن العراقي وتركيا، اضافة الى الولايات المتحدة وبريطانيا وشركات النفط المتعددة الجنسية. حينها كان للحزب خطا عسكريا متشعبا وواسعا وقريبا جدا من اكثر المراكز الحساسة في الجيش، ومنها الخطوط القريبة جدا من الزعيم قاسم نفسه. الا ان الحزب لم يستغل الفرص العديدة التي لاحت له للقفز على السلطة ومنها الفرصة التي تعرض فيها قاسم لمحاولة الاغتيال من قبل عصابات البعث سنة 1959 ، فهل مثل هذا الحزب يكون "متآمرا" على ثورة تموز؟ 
ان احتكار الحقيقة اصبحت سمة للكاتب يقولها في اكثر من مقالة متخيلا ان ما يقوله بحق المالكي هو الحقيقة التي لا جدال فيها، ومن يحاوره في هذا الشأن ما هو الا عدو للعراق والعملية السياسية التي لا يستطيع ادارة ملف ازماتها الا رجل مرحلة كالمالكي الذي يقول بحقه (يرى البعض ان مجرد قول الحقيقة هو انحياز للمالكي، وهذا اعتراف منهم على ان المالكي رجل واقعي وسياسته صحيحة، لذلك يعمدون الى التلفيق وكيل الاتهامات الباطلة ضده،وضد كل من يرفض التصديق بالاشاعات والاكاذيب. فقد اثبت الواقع ان المالكي هو رجل المرحلة واكثر من غيره استيعابا لشروطها، والاكثر حرصا من منافسيه على وحدة العراق، بشهادة السيد عدنان العليان، احد قياديي كتلة "العراقية". فالمالكي صهرته الظروف وتعلم كثيرا خلال السنوات الست الماضية التي ترأس خلالها الحكومة).
ويحصر الكاتب خصوم المالكي باربعة مجاميع هم البعثيون وفلول الارهاب الوهابي والشيوعيون والبارزانيون ( الاكراد) في محاولة منه كما المالكي لشق الصف الكردي. ولاننا نتفق مع الكاتب حول عداء البعث والارهاب الوهابي ليس للمالكي مثلما يريد تسويقه، بل للعراق بلدا وشعبا لاجهاض تجربته الديموقراطية الوليدة والتي يضع المالكي وغيره من ساسة المحاصصة العصا في دواليب تطورها، فاننا سنركز على العاملين الاخرين وهما البارزانيون (التحالف الكردستاني) وهم جزء من لعبة المحاصصة والشيوعيون.
يقول الكاتب في معرض هجومه على البارزانيين دون بقية مكونات التحالف الكردستاني كما المالكي، على ان عائلة البارزاني لم تعد تحتكر قيادة الشعب الكردي، فاليوم هناك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والتغيير واحزاب اسلامية كردية وهذا القول صحيح ولا يختلف فيه اثنان. ولكنا نرى في المعسكر المقابل (الشيعي) احزابا عديدة غير حزب الدعوة القائد، كالتيار الصدري والمجلس الاسلامي الاعلى والفضيلة وبدر وثار الله وجند الله وحزب الله العراقي و9 بدر الارهابية وجماعة الصرخي وغيرها الكثير، من التي لا يقوى الكاتب على التصريح بها ، واذا كان مسعود البارزاني وعائلته لم تعد تحتكر قيادة الشعب الكردي، فهل المالكي وحزبه يحتكرون قيادة شيعة العراق؟ واذا كان المالكي قد صهرته الظروف وتعلم كثيرا وهو سياسي مغمور مقارنة بالبارزاني والطالباني والحكيم وغيرهم من قادة المعارضة سابقا، فكيف لم تصهر الظروف البارزاني الذي مارس السياسة منذ نعومة اظفاره، ام ان  المالكي من بوتقة خاصة!؟
ولنعد الان الى الشيوعيين الركن الرابع في جبهة اعداء المالكي اذ يكتب قائلا (اما الشيوعيون وبعض التنظيمات اليسارية، فقد استدرجتهم بعض القوى السياسة المعادية للعملية السياسية، وجعلت منهم رأس حربة أو هراوة للصدام مع حكومة المالكي، وهم "الشيوعيون" في غنى عن ذلك). هنا نود القول للكاتب ان من يحرك الشيوعيين العراقيين هم الجماهير ومطالبها العادلة، كما ولم يعلن الشيوعيون يوما في صحافتهم على انهم ضد العملية السياسية في البلد. ولن يستطيع الكاتب اثبات هذه الفرية كسابقتها مهما فعل، لان الحزب الشيوعي جزء فاعل في العملية السياسية ولم يستخدم اي اساليب غير شرعية لا في نضاله السياسي ولا اثناء توجهه الى الانتخابات. واعتقد انه من المعيب جدا ان يهدد الكاتب الشيوعيين عندما يقول انهم في "غنى عن ذلك" الا اذا كان هذا التهديد عبارة عن رسالة يريد توجيهها للحزب الشيوعي نيابة عن آخرين، كما واعتقد ان على الحزب اخذ تهديد الكاتب القريب من اعلى السلطات في البلد على محمل الجد ولو كنصيحة منه "باعتباره من اهل الدار".
ويستمر الكاتب ليقول (فمشكلتهم "الشيوعيون" انهم اعتمدوا على شعارات اعتقدوا انها ستكسبهم شعبية واسعة، مثل شخصنة مشاكل العراق بشخص المالكي، وترديد عبارات: حكومة المحاصصة الطائفية، والبطالة، والفساد، ونقص الخدمات، وازمة الكهرباء... الخ، كل هذه الشعارات فقدت بريقها، واثبتت فشلها، اذ شعرت الجماهير بحسها الفطري ان هؤلاء يتاجرون بمأساتها...... ). يبدو اننا سنعود لتكرار نفس الحديث حول ضرورة الرجوع الى وثائق الحزب وصحافته ومراقبة سياسته، التي لا يراها الكاتب لغاية في نفس يعقوب. حول تشخيص السلبيات وطريقة تجاوزها، فالحزب لا يعتبر المالكي مسؤولا عن جميع الازمات بشخصه، انما يتحمل كل هذه الازمات بصفته الدستورية والقانونية والاخلاقية، باعتباره رئيسا لأعلى سلطة تنفيذية في البلد وعنده تنتهي جميع القرارات. اما حول الامن والبطالة والفساد ونقص الخدمات وازمة الكهرباء، وتخلف القطاعات الصحية والتعليمية والتربوية والزراعية والصناعية، وقطاعات الاسكان والنقل والمواصلات ومشاكل التلوث البيئي والجفاف وانهيار منظومة القيم بتفشي الرشوة والمحسوبية، وجرائم القتل بحق المئات من النسوة تحت يافطة جرائم الشرف وعدم تحرك الدولة لايجاد حلول لها وغيرها الكثير من المشاكل التي لا تحصى. التي يتظاهر الشيوعيون من اجل توفيرها للناس، فلا يراها الكاتب لسببين احدهما ان هذه الخدمات المفقودة او المتخلفة قد تم حلها من قبل الحكومة، وعليه فانه مصاب بالذهول للسبب الذي يدعو الشيوعيين للتظاهر لتحقيقها، او انه لا يراها لان هناك من البسها " كلاو الخناس" فاختفت عن ناظريه. و ان كانت التظاهرات التي يدعو لها الشيوعيون ليست ذات شأن مثلما يقول الكاتب فلم هذا الموقف المتشنج منها اذن، هل لانها ممكن ان تتطور في حالة فشل السلطة مستقبلا بتوفير الخدمات والامن، خصوصا اذا ابعدت السلطة قواتها الامنية التي تراقب المتظاهرين باستمرار. واذا كانت قوات سلطة اقليم كردستان قد استخدمت الرصاص الحي ضد المتظاهرين في مدينة السليمانية وهذا امر مرفوض بلا شك، فماذا عن سلطة المالكي واستخدامها للبلطجية لطعن المتظاهرين بالاسلحة الباردة واختطاف المتظاهرين بسيارات الاسعاف وتحليق طائرات الهليكوبتر على ارتفاعات منخفضة لارعابهم؟
في الختام اود القول ان لدى الكاتب تبرير جاهز لكل اخطاء الحكومة والعملية السياسية، وهو ان المالكي غير مطلق اليد للعمل على انجاز ما يطمح لانجازه كونه مكبّل اليدين من قبل شركاءه في العملية السياسية. وهذا التبرير يُفَسر من كل مهتم بالشأن السياسي على ان الحكومة الحالية كما سابقتها هي حكومة ....... ولانني لا اريد ان اغضب الكاتب واقول محاصصة، فسأطلق عليها اسم (الحكومة الشيعية السنية الكردية).

ما اتعس العبد عندما يكون عذره اقبح من ذنب سيده.



* العراق ،الكتاب الثالث ص 116 ، حنا بطاطو.


زكي رضا
الدنمارك
21/4/2012




485
للمالكي جنود من "عسل"


منذ ان انتهت المشاورات والمباحثات الماراثونية بين اقطاب المحاصصة الثلاث لتشكيل الحكومة بعد انتهاء الانتخابات الاخيرة لاخراج البلد من حالة الفراغ السياسي، والتي توجت بترشيح نوري المالكي من قبل التحالف الشيعي لرئاسة الوزراء. حتى بدأ المالكي العمل بهدوء وبصبر يحسب له بالعمل للسيطرة على اهم المراكز السياسية الحساسة في البلد، عن طريق قضم الاتفاقات التي عقدها مع شركاءه في العملية السياسية وخصوصا اتفاق اربيل، بعد ان اختلف مع الاخرين على تفسير بنوده وكأن هذا الاتفاق قرآن كريم ليكون حمال اوجه، هذا الاتفاق الذي لم يطلع عليه ابناء شعبنا بكل تفاصيله لليوم  وكأنه سرا من اسرار الكون!

ومما ساعد المالكي في هيمنته على مراكز القرار الاكثر حساسية في البلد، هو ابقاء وزارات سيادية مهمة كوزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني شاغرة او تدار بالوكالة من مقربين اليه. مما يجعله وهو رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة ان يتحكم في كل صغيرة وكبيرة فيها، هذا التحكم الذي يضاف الى منصبيه القانونيين وهيمنته على اجهزة مخابراتية واستخبارية عديدة اخرى، جعلت منه حاكم يشعر بالقوة المفرطة ليس لسيطرته على كل هذه المناصب فقط، بل ولضعف وتشرذم خصومه واعداءه سواء من القوائم المنافسة له ام من القائمة الشيعية.

ونتيجة لتمركز كل هذه السلطات بيده فانه كان يحدد ولا يزال ساعة مهاجمته لخصومه السياسيين لتأزيم الحياة السياسية المضطربة وغير المستقرة اساسا، مرة بنفسه ومرة عن طريق جهات اخرى قريبة منه او مرتبطة به كي لا توجه اليه اصابع الاتهام بشكل مباشر. لرمي كرة خصومه في ملاعب غير ملعب الحكومة التي يديرها بعقلية المنتصر لا بعقلية السياسي الذي تهمه مصلحة شعبه ووطنه، لذا نراه يفتح نيران مدافعه عن طريق وزراءه او نواب قائمته او قضاة المحكمة الاتحادية لاسقاط اولئك الخصوم ان امكن او التأثير عليهم لابعادهم قدر الامكان عن حدود مملكته.

ولو راقبنا بعض الاحداث السياسية المؤثرة في حياة البلد خلال الفترة الاخيرة، لرأينا عزل وتوجيه اتهام ومهاجمة وتصعيد من قبل المالكي واعضاء قائمته البرلمانية للعديد من الجهات السياسية سواء داخل الحكومة او خارجها. اضافة الى محاولاته الحثيثة للهيمنة على الهيئات المستقلة كالمفوضية المستقلة للانتخابات والبنك المركزي العراقي، مع ضغط غير محسوس على السلطة القضائية التي يجب ان تكون بعيدة عن المشاحنات والمساومات والمناكفات السياسية باعتبارها الملاذ والحصن الاخير لديمومة العملية الديموقراطية. التي يعمل المالكي اليوم لالغاء تنوعها الفكري على الاقل، وذلك بمهاجمته  ما اسماه بالالحاد والماركسية والعلمانية والحداثوية متوسلا بالجهل المتفشي بين قطاعات واسعة من الجماهير وللتأثير على المؤسسة الدينية، في خطابه امام اعضاء حزبه في مدينة النجف الاشرف في 9 نيسان الجاري.

واذا اردنا مقارنة المالكي مع اول من سنّ تصفية الخصوم السياسيين بين العرب المسلمين اي "معاوية بن ابي سفيان الاموي" يتوجب علينا قول الحق في ان المالكي ليس كمعاوية في تصفيته لخصومه في شربة عسل ليقول "لله جنود من عسل" اذ للماكي جنود من اجناس مختلفة غير العسل تختلف حسب الجهة التي يود مهاجمتها.

فمعرفته مثلا منذ اكثر من ثلاث سنوات على ممارسة الهاشمي الارهاب لم يمنعه (على الرغم من مقتل الكثير من الضحايا) ان ينتظر لكشفه امام الرأي العام الا بعد تأكده من انعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد، ليحرك جنوده من القضاة لاصدار امر اعتقاله ولم يكتفي بهذا الامر بل طلب اصداره (امر الاعتقال) بعد مغادرة الهاشمي بغداد الى كردستان، كي يخلط الاوراق السياسية نتيجة تأزم العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم حول استكشاف وتصدير النفط، وتطبيق المادة 140 والبيشمركة و عدم تنفيذ بعض النقاط السرية على ما يبدو في اتفاق اربيل.

وفي مكان آخر واثناء التهيؤ لانعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد، لم يتذكر المالكي بناية عالية ليقتحمها جنوده ويراقبوا من على سطحها، بغداد المقطعة الاوصال الا بناية جريدة طريق الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي. ليعيث جنوده من العسكر هذه المرة بمحتويات مقر الجريدة واعتقال حراسه دون امر قضائي نتيجة مشاركة الشيوعيين في تظاهرات ساحة التحرير التي تؤرق المالكي وحزبه وقائمته الانتخابية، وكأن بناية طريق الشعب هي البناية الوحيدة والاكثر ارتفاعا في بغداد! كما قاتل المالكي ويقاتل بمختلف اسلحته للاستحواذ على البنك المركزي في مخالفة صريحة لما جاء به الدستور العراقي، اضافة الى تدخلاته ومن يعملون بأمرته في انتخابات نقابة الصحفيين وهيئة الاعلام التي حوّلت الفضائية العراقية الى فضائية مالكية بامتياز.

ولان الحديث يدور بين الاوساط السياسية حول اجراء انتخابات برلمانية مبكرة اذا لم تنفرج الازمة السياسية خلال الفترة القريبة القادمة ولان انتخابات مجالس المحافظات على الابواب، فان المالكي وللسيطرة على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات او ليّ ذراعها على اقل تقدير، فانه وّجه اتهامات بالفساد وبمبالغ تافهة جدا وعن طريق جنوده "برلمانيين"، الى رئيس المفوضية و أحد كبار موظفيها في صراع يرتبط جزء منه بالخلاف مع حكومة الاقليم، ولا ندري لماذا لا يوّجه المالكي جنوده لمحاربة ملفات الفساد الضخمة في وزارات التجارة والكهرباء والتربية وامانة بغداد وغيرها الكثير.

ويبقى الخلاف مع حكومة الاقليم سببا لاطلاق نكتة الموسم بعد ان وجهت وزارة البيئة انذارا لراديو شفق الكردي الفيلي والذي يبث برامجه من بغداد، بوقف بثها نتيجة تأثير برجها المقام في منطقة الكرادة ببغداد على البيئة!!! الم اقل انها نكتة بل ونكتة من العيار الثقيل، واين المالكي ووزير بيئته من التلوث الذي يشمل كل شيء في العراق من انهاره الى سمائه الى تربته الى اطعمته بل ان التلوث وصل حتى الى داخل بيوت المواطنين، اذ ما ان تمطر السماء حتى تدخل المياه الثقيلة (مياه المجاري) بيوت المواطنين في المناطق الفقيرة كمدينة الثورة في العاصمة بغداد وغيرها من المناطق في مختلف مدن وبلدات العراق.

في ختام مقالتي هذه اود ان الفت نظر رئيس الوزراء ووزير بيئته لما قاله المفتش العام لانشطة الاعمار الامريكي في العراق (ستيوارت بوين): من "ان ما نسبته ثلثا المياه الثقيلة الخارجة من مناطق بغداد السكنية تنتهي دون معالجة لتصب في نهر دجلة والقنوات المائية الاخرى".

ويضيف (بوين) في تقريره الربع سنوي: " أن بعض مناطق بغداد، لاسيما بغداد الجديدة والبلديات، ليست محظوظة كغيرها من المناطق البغدادية، فمياه دجلة التي تصل الى تلك المناطق تعد ملوثة بمياه المجاري وباقي الملوثات الاخرى الى درجة ان محطات التصفية تبدو غير قادرة الا على القليل حيال هذا الموضوع".
ويوضح ان "مما فاقم الامر سوءا ان مياه المجاري الثقيلة تتسرب الى انابيب مياه الشرب" مبينا "ان ما بين مليون ومليون ونصف متر مكعب من المياه المبتذلة الناجمة عن سكان العاصمة تصب في نهر دجلة". وهناك دراسات بيئية اخرى نشرتها العديد من الصحف حول رمي ما يقارب 850 الف مترا مكعبا من النفايات يوميا في نهر دجلة. والان ايهما يشكل خطرا على البيئة التي تذكرها وزير البيئة ورئيسه اليوم، هذه الارقام المرعبة ام برج للبث الاذاعي لاذاعة كردية فيلية!!

ان مقتل هادي المهدي يشير الى ان جنود العسل قد تكون كواتم صوت فماذا يقول اولي الامر ببغداد؟


زكي رضا
16/4/2012
الدنمارك





 
 
 



صفحات: [1]