عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - حازم كويي

صفحات: [1]
1
أهمية المحيطات بالنسبة للمناخ وبقاء البشرية. والاستهانة بها بشكل خطير.
إعداد:حازم كويي
71 بالمئة من سطح الأرض تُغطيها البحار،بمساحة 362 مليون كيلومتر مربع،فيها 1.35 مليار كيلومتر مكعب من الماء. ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الناس، يُعتبر البحر مجرد خلفية لذكريات العطلات الرومانسية: الملح في شعرك، والرمل بين أصابع قدميك، ورائحة واقي الشمس على بشرتك. لكن البحر ليس بطاقة بريدية شاعرية. فهوالذي يقرر بقائنا.
إن الحقائق الصعبة معروفة، الأنهار الجليدية آخذة في الذوبان. تستمر مستويات سطح البحر في الارتفاع. أصبحت المحيطات أكثر حمضية، والنظم البيئية الحساسة تموت، والسلسلة الغذائية مُعرضة لخطر الانهيار. كان البحر الأبيض المتوسط أكثر دفئاً من أي وقت مضى، في يوليو/تموز،وصلت درجة الحرارة بمتوسط 28.7 درجة، وأصبحت غابات الأعشاب البحرية في بحر البلطيق صحاري فقيرة بالأوكسجين؛ الشِعاب المرجانية في البحار الاستوائية شاحبة وتموت. كما أن الدورة الانقلابية للمحيط الأطلسي، والتي تضمن تبادل كتل المياه الدافئة والباردة فيها وتحدد إلى حد كبير المناخ على الأرض، يُمكن أن تنهار في السنوات القليلة المقبلة.
فإما أن تصبح المحيطات التهديد الأعظم للبشرية في العقود المقبلة، أو سنجعلها أقوى حليف لنا في محاولتنا لوقف الإنحباس الحراري العالمي. فاللحظة المناسبة لتقرير ذلك هي الآن. إن محيطات العالم تقوم بالفعل بعمل هائل في تنظيم مناخ الأرض، فهي تمتص ربع ثاني أكسيد الكربون المُنبعث من البشر و93% من ظاهرة الاحتباس الحراري.
75% من المحيطات عبارة عن مياه ضحلة غير موصوفة.
ومع ذلك فإن أهمية محيطات العالم لنظام الأرض برمته - ولبقاء البشرية - تظل نقطة عمياء في وعينا الجماعي. قال عالم المحيطات في وكالة ناسا، جين فيلدمان منذ ما يقرب من عشرين عاماً "لدينا خرائط لسطح المريخ والقمر أفضل من خرائط قاع المحيط". لم يتغير سوى القليل. أكثر من 75% من المحيطات لا تزال عبارة عن مياه ضحلة غير موصوفة. وعلى الرغم من ضرورة حماية ثلث أعالي البحار على الأقل من الصيد الجائر والتلوث في المستقبل، فإن النظم البيئية الساحلية، كما ذكرنا سابقاً، تبدو قاتمة في العديد من الأماكن. وعلى الرغم من سنوات من المفاوضات، لا يزال قاع البحر غير محمي. ومن الممكن أن تقوم شركات التعدين بحفرهِ قريباً بحثاً عن المواد الخام.
إن إمكانات حماية المناخ التي توفرها المحيطات السليمة لا تقدر بثمن،لقد خلص تقرير صادر عن منتدى الموارد العالمي إلى أن تنفيذ الحلول القائمة على المحيطات يمكن أن يقلل من إنبعاثات غازات الدفيئة العالمية بأكثر من أحد عشر مليار طن في عام 2050 ، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لـ جميع محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في العالم.
ولابد من بذل الكثير من الجهود لتحقيق هذه الغاية، منها إزالة الكربون من حركة الشحن، وتسريع التوسع في طاقة الرياح البحرية، وجعل طاقة الأمواج في البحار قابلة للاستخدام أخيراً. ما ينقصنا هو الإرادة. بحلول عام 2030، يجب علينا خفض الانبعاثات العالمية إلى النصف لتحقيق هدف 1.5 درجة. لقد وصلنا بالفعل إلى 1.2 درجة من الاحتباس الحراري. ما يُعيقنا هو الأمل الكاذب بأن كل شئ سوف يسير على ما يرام دون مساعدتنا. لماذا يصعب علينا أن نقول وداعا؟
سكان المناطق الساحلية في الجنوب هم الأكثر تضرراً من أزمة المناخ،لأننا لا نتأثر جميعنا بالتساوي، فمعظم الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية المنخفضة، والذين يزيد عددهم عن 680 مليون نسمة، يعيشون في جنوب الكرة الأرضية. إنهم مُعرضون لخطر الموت بسبب الفيضانات والعواصف بنسبة 15 مرة أكثر مما هو عليه الحال في ألمانيا.
يمكن لأي شخص يعرف البحر فقط من خلال إجازته أن يتجاهل إرتفاع منسوب المياه بسهولة أكبر. ومن ناحية أخرى، يتعرض سكان المناطق الساحلية في الجنوب العالمي لضغوط خاصة. وهم أيضاً الذين يعملون بالفعل على إيجاد حلول لتحسين التعايش مع المحيطات.
في سلسلة Blue New Deal الخاصة بهم، تجري زيارات للأشخاص الأكثر تضرراً من أزمة المناخ. منها لقاءات بعمال غابات المنغروف في كينيا، والصيادين في هندوراس، والنقابيين في بنغلاديش. وكذلك يجري التحدث مع باحثين من جميع أنحاء العالم. فهم جميعاً يعملون بالفعل على إنقاذ المحيطات وإيجاد طريقة جديدة للتعامل معهم، من أجل حمايتهم ومن أجلنا.

2
من يصوت لليمين المتطرف في أمريكا اللاتينية؟
يوليا ألميدا*
ترجمة: حازم كويي


يشير تحليل أولي لسلوك التصويت في الأرجنتين والبرازيل إلى أن كلاً من خافيير ميلي وجائير بولسونارو، رغم الاختلافات الاجتماعية الواضحة في صورة الناخبين اليمينيين المتطرفين في بلديهما، فهما يُحشدان الغضب من حياة المواطنين،الذين يفقدون نوعية الحياة لأغراضهم الخاصة. واتسمت كلتا الحملتين بأجندة المحافظين الجُدد وخطاب الكراهية الذي تم تغذيته على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام أشكال رقمية مختلفة وانتشار الأخبار المُزيفة.
سنقارن في هذا المقال أولا بين ظاهرة نمو اليمين المتطرف في البرازيل والأرجنتين. ومن ثم يتم أستخلاص بعض الفرضيات منها. الجوانب الثلاثة التالية بمثابة الأساس:

ـ ملف الناخبين ل ميلي في الجولة الثانية في الأرجنتين عام 2023 ولبولسونارو في البرازيل عامي 2018 و2022.
ـ موافقة ناخبي كلا المرشحين على القيم المحافظة في عامي 2023 و2022، و
بيانات عن الملف الشخصي للداعمين الأكثر مشاركة الذين حضروا المظاهرات السياسية للمرشحين اعتباراً من عام 2023.
ـ وأخيراً، سيتم تحديد إتجاهات التنمية المحتملة لليمين المتطرف في حالة فشل سياسته الاقتصادية والاجتماعية في الارتقاء إلى مستوى التوقعات التي أثارها بين قاعدته.

الأغلبية الاجتماعية.
جلب المرشح الرئاسي الأرجنتيني خافيير ميلي أغلبية إجتماعية خلفه عام 2023 وفاز بدعم من( Juntos pela Mudança معاً من أجل التغيير) - أقوى تحالف معارض في البلاد، والذي جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى من التصويت. في المجمل، صوت حوالي 14.1 مليون ناخب لصالح ميلي وباتريشيا بولريتش (مرشحة الرئاسة عن مودانسا) في الجولة الأولى، وهو عدد قريب من عدد الناخبين الذين صوتوا لصالح ميلي في الجولة الثانية (14.4 مليون). وتُظهر الأرقام مدى قوة الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، التي أتسمت بالرغبة في التغيير ومدى رفض مرشح الحكومة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الأرجنتين.
وفي البرازيل، تمكن بولسونارو من إقناع أغلبية إجتماعية في عام 2018 عندما فاز على منافسه بهامش مماثل لميلي. ومع ذلك، في عام 2022، سيتضح إختلافان مهمان عن ميلي و2018 (سيتم تحليلهما أدناه)، في ذلك الوقت، كان بولسونارو رئيساً للحكومة وكان عليه التنافس ضد منافس يتمتع بشعبية كبيرة ولم يتم إستبعاده من الانتخابات هذه المرة. (كما في عام 2018).
ومن حيث الدخل، لم يخسر بولسونارو سوى في عام 2018 بين الناخبين ذوي الدخل الأدنى. ومع ذلك، من بين الناخبين الذين يتجاوز دخلهم عشرة آلاف ريال (الأعلى دخلاً)، كان متقدماً بفارق كبير ويُدين في نهاية المطاف بفوزه في المقام الأول لأصوات الطبقة الوسطى. في عام 2022، تغير الملف قليلاً مقارنة بعام 2018، وبعد أربع سنوات في الحكومة، فقد بولسونارو بعضاً من مؤيديه من ذوي الدخل المُنخفض والأعلى، لكنه حافظ على موقعه بين المجموعات ذات الدخل المتوسط. من ناحية أخرى، تم أختيار ميلي من قبل ما يقرب من 60 بالمائة من أصحاب الدخل المُنخفض الذين يصل دخلهم الشهري إلى مائة ألف بيزو. بالإضافة إلى ذلك، فقد فاز في جميع فئات الدخل المتوسط، وإن كان بقيم أقل، وخسر بين الأغنياء.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه في الدراسات الاستقصائية المذكورة، لم تجمع المعاهد بيانات عن العِرق (raça)، وهو ما قد يكون مثيراً للاهتمام لمختلف جوانب تحديد ملف الناخبين
عندما يتعلق الأمر بالملف العمري، يمكن رؤية إختلافات كبيرة. وترتكز ظاهرة ميلي في المقام الأول على الناخبين الشباب، خاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً. وفي المقابل، فهو يخسر بشكل متزايد بين جميع الفئات التي تزيد أعمارهم عن 35 عاماً. ويختلف نجاحه بين الشباب بشكل كبير عن حركة بولسونارو. وفي كل من عامي 2018 و2022، تم رفض مرشح اليمين المتطرف بقوة من قبل المجموعة التي تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً. ورغم أن جميع الفئات العمرية ساهمت في فوزه عام 2018، إلا أنه حصل على أقل نسبة دعم من الناخبين الشباب.
بالإضافة إلى ذلك، يُهيمن الناخبون الذكور لصالح بولسونارو، أكثر من ميلي. وقد يكون السبب في ذلك هو موقف بولسونارو الأكثر ميلا إلى المحافظين الجُدد، والذي يتضمن صورة عائلية تقليدية (بما في ذلك الدعوة إلى العنف وملكية الأسلحة).

السلاح والدين.
وفيما يتعلق بالجوانب الثقافية التي تم تحليلها هنا، ربما تختلف البرازيل والأرجنتين اليوم في مجال الدين.
الكنيسة الكاثوليكية هي الديانة الوحيدة التي تدعمها الدولة الأرجنتينية. ينتمي إليها حوالي 62.9 بالمائة من السكان. وعلى الرغم من إنخفاض عدد الكاثوليك بنحو عشرة في
المئة في السنوات الأخيرة وزيادة عدد الإنجيليين بنسبة من 9 في المئة إلى 15.3 في المئة بين عامي 2008 و2019، إلا أن الكاثوليك لا يزالون يشكلون أغلبية واضحة.
لا تقدم الدراسات الاستقصائية المذكورة هنا أي معلومات حول العلاقة بين الدين وسلوك التصويت في الأرجنتين. ومع ذلك، فإننا نعلم أن المؤيدين الإنجيليين في البرازيل يشكلون جزءاً أساسياً من القاعدة السياسية للبولسونارية حيث ساهموا في نجاحها الانتخابي. وفي الأرجنتين، لا يلعب عامل الدين دوراً في ترشيح ميلي، ربما باستثناء علاقة تشير أكثر إلى الاتجاه اليهودي الصوفي (بما في ذلك الدعم الكامل لموقف إسرائيل في الحرب الحالية ضد فلسطين). ومن الجدير بالذكر أيضاً أن ميلي هاجم لفظياً الفاتيكان والبابا فرانسيس.
ومع ذلك، هناك تشابه واضح في كلا البلدين عندما يتعلق الأمر بسلوك التصويت لأفراد الجيش. أظهر استطلاع للرأي نشرته بروميسا (2023) أن ما يقرب من 90 بالمائة من العسكريين أيدوا ترشيح ميلي. يتمتع بولسونارو أيضاً بجزء كبير من قاعدته السياسية هنا. فهو ليس ضابطاً سابقاً فحسب، بل قام أيضاً بتعيين مسؤولين عسكريين كمرشحين لمنصب نائب الرئيس في كلتا الحملتين الانتخابيتين (موراو في عام 2018 وبراجا نيتو في عام 2022). مع وجود أكثر من ستة آلاف ضابط عسكري في مناصب في الحكومة الفيدرالية البرازيلية والعديد من الضباط العسكريين بين وزرائه، شكل الحكومة الأكثر عسكرة منذ نهاية الدكتاتورية العسكرية، ناهيك عن المكانة التي يتمتع بها داخل الشرطة العسكرية.
ومن ناحية أخرى، في الأرجنتين، بعد انتهاء الدكتاتورية العسكرية هناك، تم إنشاء سيطرة مدنية على القوات المسلحة وكان تأثيرها على الشؤون الداخلية والشرطة محدوداً. علاوة على ذلك، فإن الشرطة ليست عسكرية بالقدر نفسه. ومع ذلك، يمكن ملاحظة إعادة تنظيم الأجزاء الأكثر محافظة في القوات المسلحة حول الرئيس الجديد، خاصة من خلال نائبته فيكتوريا فيلارويل، التي تنحدر هي نفسها من عائلة عسكرية وتدعم هذا المشروع. وليس من قبيل الصدفة الموقف التعديلي الذي أتخذه تحالف ميلي/فيلارويل فيما يتعلق بعدد القتلى والمختفين من ضحايا الدكتاتورية العسكرية. وخلف ذلك هناك محاولة لتقويض الذاكرة الجماعية، حتى أنها قد تؤدي إلى عفو محتمل أو مراجعة الأحكام في بعض المحاكمات ضد العسكريين.

الناخبين الأساسيين والقضايا الأساسية.
ومن المهم التأكيد على الرغم من الارتفاع الكمي لأصوات ميلي في الجولة الثانية مقارنة بالجولة الأولى، إلا أن الخصائص العامة لناخبيه لم تتغير بشكل جذري. فهو كمرشح، كان قادراً على إقناع معظم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 24 عاماً (مع وجود فجوة واضحة بين الفئات العمرية الأخرى) والذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 عاماً. كما حصل على أغلبية أكبر بين الناخبين الذكور منها بين الناخبات، خاصة في الجولة الأولى. وعلى نحو مماثل، يظل المرشح المفضل للقطاعات ذات الدخل المنخفض.
أما بالنسبة لناخبي بولسونارو، فيمكن ملاحظة الظاهرة نفسها عند المقارنة بين جولتي الانتخابات. وهنا أيضاً، لم يتغير تقريباً عمر الناخبين ودخلهم ونوع جنسهم. ومع ذلك، ظهرت خلافات بين العمليتين الانتخابيتين.
عند النظر إلى الناخبين الأساسيين لميلي - ما يقرب من 30% من سكان الأرجنتين الذين صوتوا له في الجولة الأولى - فإن أوجه التشابه مع بولسونارو وأجندته المحافظة الجديدة تصبح أكثر وضوحاً.
ومن الواضح أن ناخبي ميلي وبولسونارو، يشتركون في قِيمهم المُحافظة. يُعد المجتمع الأرجنتيني حالياً أقل تحفظاً من المجتمع البرازيلي (بطبيعة الحال، شكلت السنوات الأربع التي حكمت فيها حكومة يمينية متطرفة النقاش العام وقيمها)، وهو ما يمكن أن يفسر جزئياً الفارق في النسبة المئوية بين ناخبي ميلي وبولسونارو.
ودون الخوض في الأصول التاريخية والمعاصرة للتيار المحافظ في كلا المُجتمعين، يبدو أن الجانب الحاسم لسلوك اليمين المتطرف هو أنه، على جميع الأصعدة، يمثل ناخبو بولسونارو وميلي هذه القيم المحافظة بقوة أكبر من عامة السكان. من كلا البلدين.
وأخيراً، وفيما يتعلق بالأرجنتين، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار مدى إحتلال حقوق المرأة، وخاصة الحق في الإجهاض، في قلب المناقشة السياسية والحملة الانتخابية. وبعد تعبئة واسعة النطاق، تمكن الأرجنتينيون من تأمين تشريع الإجهاض في عام 2020. ورغم أن أغلبية المجتمع تؤيد هذه الخطوة، إلا أن ترشيح ميلي يظهر أنها توحد وتنظم المعارضين لهذه السياسة. وبعبارة أخرى، فهوأيضاً رد فعل مُحافظ على التقدم المُحرز في مجال حقوق المرأة.

الطليعة السياسية.
إستطلاعات الرأي التي أجرتها جامعة ساو باولو "Monitor do Debate Político no Meio Digital" (مراقبة المناقشات السياسية في القطاع الرقمي) بين الجمهور في آخر ظهور لميلي قبل الجولة الأولى من التصويت (25 أكتوبر) وفي التجمع الأخير لحزب اليمين المتطرف في البرازيل (26 نوفمبر) يكشف عن الاتفاق في المواقف المحافظة والليبرالية الجديدة (الأرقام متشابهة للغاية بالنسبة للقيم النيوليبرالية). وكما يشير بابلو أورتيلدو في مقالته في O Globo، فإن هذا قد يتغير على مدار فترة ولاية ميلي.
يحمل الناخبون الأساسيون لبولسونارو وميلي (الطليعة السياسية) قيماً مماثلة للمحافظين الجُدد وقيماً نيوليبرالية متشابهة جداً. ويشير أورتيلدو أيضاً إلى أن هذا السؤال قد يكون مرتبطاً أيضاً بالميل نحو التطرف بعد إنتخاب بولسونارو، وهو ما قد يحدث أيضاً بين ناخبي ميلي. وأخيراً، ينبغي التأكيد على أن تشكيل وتعبير اليمين المتطرف في الأرجنتين هو ظاهرة أحدث بكثير مما كانت عليه في البرازيل، ولهذا السبب تأخر تطوير بعض السمات.

الاستنتاجات.
لم يحدث صعود اليمين المتطرف في الأرجنتين والبرازيل على نفس الخلفية. قبل كل شئ، كانت هناك نقطة بداية سياسية مختلفة، تم إنتخاب بولسونارو في عام 2018 بعد إنقلاب برلماني (أطاح بالرئيسة ديلما روسيف من حزب العمال من منصبها) وسُجن لولا. ربما لم يتمكن بولسونارو من هزيمة منافسه لولا في إنتخابات 2018، لأنه كان متقدماً في جميع إستطلاعات الرأي. حدث نجاح بولسونارو الانتخابي في مناخ كانت فيه السياسة والمؤسسات ضعيفة بالفعل بسبب الإطار الاستبدادي وتأثرت الأغلبية الاجتماعية بسجن لولا.
من ناحية أخرى، فإن ترشيح ميلي، يتسم بالحيوية والشباب منذ البداية. لقد كان قادراً على إستغلال فشل حكومة ألبرتو فرنانديز وخليفته المُحتمل سيرجيو ماسا لأغراضه الخاصة. وبالتالي فإن ميلي هو نتاج الأزمة الحالية للكيرشنرية (التي هُزمت بالفعل في إنتخابات عام 2015 على يد النيوليبرالي المتطرف موريسيو ماكري، وهو رفيق حزب بولريتش).
ولكن ومن الناحية الأجتماعية هناك أختلافات مهمة. إن المؤيدين المُعبأين والمجموعات الاجتماعية الرئيسية حول ميلي وبولسونارو ليسوا متماثلين. وفي حين حشد ميلي القطاعات الأصغر سناً والأفقر للتصويت والنشاط السياسي، كانت الغلبة لبولسونارو بين الناخبين الأكبر سناً والطبقة المتوسطة. يتمتع كلاهما بشعبية لأنهما استحوذا على تأييد قطاعات كبيرة مهمة تمثل عامة السكان.
ومع ذلك، فإن الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بين الناخبين البرازيليين والأرجنتينيين لا يتم التعبير عنها في أجندات سياسية مختلفة. ويتفق كلاهما في دفاعهما عن أجندة المحافظين الجُدد والليبرالية الجديدة. والواقع أن المواقف السياسية للناخبين بشأن هذه القضايا تكاد تكون متطابقة (خاصة عند المقارنة بين أنصار اليمين المتطرف الأكثر التزاماً في كلا البلدين).
ويمكن إستخلاص الاستنتاجات، لتشكيلات اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.
أولاً، يبدو أنها تتمتع بمهارات مثيرة للإعجاب في التعبير السياسي وحركة متحدة حول العالم خلف أجندة موحدة.
ثانياً، على الرغم من أنها نتاج الأزمة الاقتصادية العالمية بعد عام 2008، إلا أن مصالحها الاقتصادية لا تتوافق بالضرورة مع توقعات المجموعات السكانية التي تدعم أجندتها. وهذا يعني أن هناك تناقضاً بين الخطاب الاقتصادي وسؤال، من سيستفيد منه في النهاية. قد تكون هذه لحظة مهمة. مَن المُستفيد ومَن الخاسر من صعود اليمين المتطرف؟
تم إنتخاب ميلي كمرشح شعبي، وصوتَ له غالبية الفقراء. لذا فهو مدين لناخبيه بالإستجابة. والمشكلة هي أن أجندته لا تتعلق بإعادة التوزيع، بل بالتركيز الاقتصادي. ويتلخص البديل الذي يقترحه في إنهاء آليات إعادة توزيع الدخل المختلفة في المجتمع الأرجنتيني من أجل السيطرة على التضخم. ولذلك، فإنه سيصل إلى نقطة، إما أن تتغير صورة ناخبيه أو أنه سيفشل هو نفسه.
وتعد قاعدتها الشابة للغاية أيضاً علامة على أزمة الأجيال في الأرجنتين. وهي تعمل على تعبئة القطاع الأكثر تضرراً من الأزمة، والذي يعاني من هشاشة العمل ولا يستطيع تصور أي مستقبل آخر. وتشكل أزمة الأجيال هذه أيضاً اتجاهاً في الرأسمالية العالمية في مواجهة عدم المساواة والهشاشة المتزايدة للعمل.
وهذه نقطة حساسة بالنسبة لحكومات اليمين المتطرف، حيث تميل أجندتها الاقتصادية إلى التركيز على تركيز الدخل (وتقف في طريق آليات إعادة التوزيع من خلال السياسات النيوليبرالية)؛ وتكمن قوتها بشكل رئيسي في كراهيتها لبعض القطاعات السياسية (العداء تجاه حزب العمال، ومناهضة الكيرشنرية، وما إلى ذلك)، وفي أجندة قيم المحافظين الجدد و/أو في أجندة التوتر المؤسسي الاستبدادي.
ولكن بمجرد وصولهم إلى الحكومة، يفقد السياسيون اليمينيون إحدى القوى الدافعة لهم، وهي القدرة على إستغلال غضب غالبية السكان. ولذلك، فإنهم يميلون إلى تكثيف الخطاب السياسي والأيديولوجي الراديكالي ويَجمعون حولهم نواة أكثر تحفظاً والتزاماً مما كانوا عليه وقت إنتخابهم. هكذا كان الأمر مع ترامب، وهكذا كان الأمر مع بولسونارو.
لن يَتبع ميلي بالضرورة نفس المسار الذي إتبعه أهم أسلافه، لكنه يواجه نفس التحديات ووضعاً أكثر حدة (قاعدة الدخل المنخفض، والاقتصاد في أزمة، والموارد الشحيحة). وإذا فعل كما فعل أسلافه، فلن يتم إعادة إنتخابه. هذه هي مشكلة اليمين المتطرف فيما يتعلق بديناميكيات الديمقراطية الليبرالية، من الصعب تكرار النجاحات الانتخابية الأولى. وهذا ما تدل عليه محاولات ترامب الانقلابية باقتحام مبنى الكابيتول ومحاولات بولسونارو باقتحام الكونغرس. ربما يدخل اليمين المتطرف في مختلف أنحاء العالم جولة ثانية مع تكثيف الأجندة المؤسسية الاستبدادية.

*يوليا ألميدا: باحثة قانونية، وهي مؤلفة كتاب” (“عسكرة السياسة في البرازيل الحالية”)، الذي نُشر عام 2023. وهي عضوة في مجموعة ("حقوق الإنسان ومركزية العمل والماركسية") وتقوم بالتدريس في جامعة أنهيمبي مورومبي في ساو باولو.

3
السحب الكونية المكونة من الغاز والغبار – هذه هي أماكن ولادة النجوم والكواكب الباردة

هيلموت هورنونغ
ترجمة:حازم كويي


علم الفلك والفيزياء الفلكية
قامت مجموعة سيلفيا سبيتسانو في معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج نطاق الأرض في "مركز غارشينك للأبحاث" حيث توجد مختبرات الكيمياء الفلكية، بمراقبة جزيئات مختلفة في السحب الباردة ومحاكاة الكيمياء الكونية في المختبر. والذي يوفر أدلة حول كيفية خلق الأنظمة الشمسية الظروف التي يمكن أن تتطور الحياة في ظلها.
تشرح سيلفيا سبيتسانو: "هنا نعيد خلق الظروف الموجودة في السحب بين النجوم". درست الكيمياء في بولونيا، والحاصلة على الدكتوراه في جامعة كولونيا بعد عام في جامعة هارفارد، وتجري أبحاثاً في مركز الدراسات الكيميائية الفلكية، التابع لمعهد ماكس بلانك تحت إشراف المديرة باولا كاسيلي منذ عام 2015.
ويمكن رؤية بعض الأجسام التي يدرسها مركز الدراسات في السماء بالعين المجردة. على سبيل المثال، في ليلة شتوية صافية في كوكبة أوريون، التي تقف عاليا في السماء الجنوبية بنجومها الثلاثة اللافتة للنظر. قطرياً في الأسفل، في "شماعة السيف"، يلمع ضباب منتشر. في هذا الهيكل، الذي يقع على بعد حوالي 1350 سنة ضوئية من الأرض، تتكتل سحب ضخمة من غاز الهيدروجين تحت جاذبيتها الخاصة وتشكل نجوماً جديدة. ما يحدث هنا على نطاق صغير، وكيف تتشكل النجوم حقاً، لا يمكن اكتشافه إلا من قبل أولئك - مثل سيلفيا سبيتسانو - الذين يتابعون عن كثب، في الصور الملتقطة بواسطة التلسكوبات الكبيرة، يتألق سديم جبار بشكل رائع باللون الأحمر، والسبب في ذلك هو النجوم الشابة الساخنة، والتي بسبب طاقتها الإشعاعية العالية، تسرق إلكتروناتها، على الأقل على المدى القصيرمن المجرة. ذرات الهيدروجين التي تسيطر على مناطق تكوين النجوم، عندما تعود الإلكترونات إلى نواة الذرة، ينبعث ضوء ذو لون محمر مميز.
هذا السديم، المرئي بالضوء البصري، موجود في مجمع أكبر بكثير يسمى OMC-1 ،هذه السحابة الجزيئية التي تهتم بها سبيتسانو وفريقها، تظهر فقط عند أطوال موجية أطول في ضوء الأشعة تحت الحمراء أو في نطاق الإشعاع الراديوي. مثل كل السحب الداكنة، يكون الجو بارداً للغاية، حيث تبلغ درجة الحرارة بضع درجات فوق الصفر المُطلق (ناقص 273.15 درجة مئوية). فهو يحتوي على حوالي واحد بالمائة من الغبار، والكثير من الهيدروجين، والكثير من الجزيئات الأخرى. تخبر الباحثين كثيراً عن العمليات التي تحدث في السحب. لكن الجزيئات هي أيضاً شرط أساسي لتطور الحياة في النظام الشمسي. تختلف الظروف في الكون تماماً عن تلك الموجودة على الأرض، وهذا ينطبق أيضاً على السحب الداكنة. تقول سبيتسانو: "يتعين على الباحثين في الكيمياء الفلكية أن يتخيلوا كيمياء جديدة تماماً".
توجد السحب الداكنة في جميع أنحاء مجرة درب التبانة. إنهم يجمعون كمية كبيرة نسبياً من المادة في مساحة صغيرة، وبالتالي يبتلعون الضوء القادم من النجوم خلفهم مثل ستارة سميكة. وقد ظهرت للباحثين في القرن التاسع عشر على شكل "ثقوب في السماء". تُظهر الصور التي التقطها ماكس وولف في مطلع القرن، العديد من هذه السحب الداكنة. وقد طور عالم الفلك في هايدلبيرغ  ورائد التصوير الفلكي، من بين أمور أخرى، أداة إحصائية لتحديد المسافات والأحجام.
في الستينيات، بدأت التلسكوبات الراديوية في البحث بعمق لمثل هذه السحب وعلى وجه التحديد عن الجزيئات هناك؛ إلى جانب الهيدروجين، الأكثر شيوعاً، هو أول أكسيد الكربون.
لأول مرة، كان من الممكن أن نلاحظ بشكل مباشر كيفية هيكلة السحب المظلمة وما هي العمليات التي تحدث فيها حتى يتم تشكيل نجم جديد.
من المعروف،اليوم أن حوالي 300 نوع آخر من الجزيئات موجودة في السحب، وأكثرها تعقيداً تشمل الفوليرين وثنائي ميثيل إيثر. سيلفيا سبيتسانو مفتونة بشكل خاص بحقيقة اكتشاف عدد كبير من الجزيئات العضوية - بما في ذلك الأحماض الأمينية والدهنية - في الكون. "هذه كلها مكونات الحياة. وهي بالفعل في السحاب الذي تولد منه النجوم والكواكب.
وللكشف عن الجزيئات، تستخدم العالمة التحليل الطيفي. يسمح لها بالتعرف على المواد الفردية باستخدام نوع من بصمات الأصابع في الإشعاع الكهرومغناطيسي للسحب الجزيئية. تهتم سيلفيا سبيتسانو بالضوء الراديوي عند الأطوال الموجية المليمترية القصيرة جداً وتدرسه باستخدام التلسكوبات مثل الهوائي الذي يبلغ قطره 30 متراً الموجود في بيكو ديل فيليتا في سييرا نيفادا الإسبانية أو مرصد نويما في هضبة دي بوري في جبال الألب الفرنسية. في الأطياف الراديوية، تكشف الجزيئات الفردية عن نفسها من خلال طاقات معينة تنبعث منها بسبب دورانها. ومن هذا، يُستنتج، من بين أمور أخرى، مدى سطوع السحابة الجزيئية الفلكية عند أي أطوال موجية. العديد من الخطوط الرفيعة الموجودة فيه هي سمة من سمات الجزيئات، التي يمكن التعرف عليها عبر الكتالوغ من خلال الإنترنت.
ويمكن استخدام الخطوط، أي بصمات الأصابع، لتحديد عدد الجزيئات من نوع واحد الموجودة في السحابة، وما هي درجة حرارة الغاز، ومدى كثافته، وكيف يتحرك.
إن عرض الخطوط الطيفية يخبر سيلفيا سبيتسانو، أن أجزاءاً مختلفة من السحابة تدور بسرعة بضعة كيلومترات في الثانية. توفر ديناميكيات الجزيئات معلومات، حول ما إذا كانت السحابة تنهار تحت تأثير جاذبيتها أم أنها تنجرف بعيداً. وهذا ما يقرر في النهاية ما إذا كان النجم سيتشكل في سحابة الغاز والغبار أم لا.
ومن أجل فهم ذلك، يجب على المرء أن يأخذ بعين الاعتبار العمليات التي تحدث بالتفصيل أثناء ولادة النجوم. في حين أن النماذج البسيطة تفترض وجود سحب ولادة كروية، يبدو أن المادة تتجمع في خيوط صغيرة من المادة التي تمر عبر الغاز مثل الأصابع الرفيعة. وقد رصد تلسكوب هيرشل الفضائي الأوروبي مثل هذه الخيوط قبل بضع سنوات. ويبدو أن هذه الهياكل هي غرف الولادة الفعلية للنجوم. وليس واضحاً بعد كيف حدث ذلك. في مرحلة مبكرة دون وجود نواة نجمية في المركز، تتوزع السحابة على نطاق واسع إلى حد ما. إذا تم تجاوز الكتلة الحرجة عند نقطة ما واكتسبت الجاذبية اليد العليا على الضغط الحراري الخارجي للجسيمات، فإنها تبدأ أخيراً في الانهيار تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، وتتسابق الجسيمات الآن نحو بعضها البعض.
كيف تتم عملية ولادة النجوم الآن؟ يستغرق الأمر حوالي مليون سنة فقط حتى تتشكل السحابة الجزيئية إلى نجم ناضج. ومقارنة بعمر نجم شبيه بالشمس يبلغ حوالي عشرة مليارات سنة، فإن هذه العمليات تحدث بسرعة. يبدأ كل شيء بسحب منتشرة من المواد بين النجوم. وبسبب درجات الحرارة والجاذبية المنخفضة للغاية، تنكمش هذه الجزيئات وتنقسم في النهاية إلى أجزاء أكثر كثافة تحتوي على حوالي مائة ألف جزئ في السنتيمتر المكعب. للمقارنة: مع وجود عشرة تريليونات جزئ في كل سنتيمتر مكعب، يكون الغلاف الجوي للأرض أكثر كثافة، ولكنه أيضاً أكثر دفئاً بشكل ملحوظ من الغاز بين النجوم. وفي النوى النجمية الناتجة، والتي يبلغ حجمها 0.3 سنة ضوئية، تصل درجات الحرارة إلى 263 درجة مئوية تحت الصفر. إذا أصبحت النوى غير مستقرة بسبب الجاذبية، فإنها تنهار مرة أخرى وتشكل النجوم الأولية.
وتكون هذه في البداية مغروسة بعمق في قشرة سميكة من الغاز والغبار. يتكون الغبار بشكل أساسي من جزيئات صغيرة من الغرافيت والسيليكات. هذه لا تحتوي إلا على جزء من عشرة آلاف من قطر حبيبات الغبار الموجودة على الأرض. تتشكل العديد من الجزيئات بالقرب من النجم الأولي. بالإضافة إلى ذلك، تتدفق المواد من السحابة الأم الباردة إلى مركز النواة، حيث تصبح المادة أكثر كثافة وتشكل قرصاً يغذي النجم الأولي الشاب في المركز. لاحظ الباحثون في معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج كوكب الأرض والمعهد الفرنسي لعلم الفلك الراديوي المليمتري، كيفية عمل ذلك منذ بعض الوقت. واستخدموا نظام هوائي Noema لفحص نظام ثنائي نجمي أولي في سحابة جزيئية في برشاوس - تتشكل النجوم غالباً في مجموعات - ولاحظوا جسراً مادياً مضيئاً يربط المنطقة الخارجية للغلاف بالمنطقة الداخلية. وبفضل هذا "الحزام الناقل"، يزداد جنين النجم بشكل مطرد من حيث الكتلة والكثافة ودرجة الحرارة. تقول باولا كاسيلي، مديرة ماكس بلانك: “إن الجزئ الذي أستخدمناه لاكتشاف الحزام الناقل الكوني له الصيغة الهيكلية  HCCCN، مما يعني أنه يحتوي على ثلاث ذرات كربون”.
غالباً ما يراقب علماء الفلك مناطق على شكل قرص حول النجوم الأولية، والتي توفر، وفقاً للنماذج النظرية، ظروفاً جيدة لولادة الكواكب. في الواقع، وفقاً لنتائج الأبحاث، يبدأ نموها بينما لا تزال الشمس المركزية نفسها في مرحلة النضج. "كنا نعتقد أن النجوم نشأت أولاً ثم كانت في الأساس أمهات للكواكب التي جاءت لاحقاً. يقول دومينيك سيغورا كوكس، الذي كان يعمل في معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج الأرض في ذلك الوقت: "إن النجوم الأولية والكواكب تتطور معاً مثل الأشقاء منذ الطفولة المبكرة". وفي مرصد ألما في جبال الأنديز التشيلية، تمكنت مجموعتها من الحصول على صورة تفصيلية تظهر قرصاً نجمياً أولياً فيه عدة فجوات وحلقات غبار حول النجم IRS 63، الذي يبلغ عمره أقل من 500 ألف عام. هذا لم ينته بعد - سيستمر في إمتصاص الكتلة. وبمجرد أن ترتفع درجة الحرارة في قلبه إلى حوالي عشرة ملايين درجة، يشتعل الاندماج النووي، ويُحول الهيدروجين إلى هيليوم. ثم تشرق شمس جديدة في الفضاء.
ومن أجل الحصول على صورة شاملة لتطور النجوم، تقوم المجموعة في غارشينك بدراسة عدة سحب في مراحل مختلفة وبشكل دائم. تمت ملاحظة العديد من هذه الأشياء وتصنيفها في الثمانينيات. تقول سبيتزانو: "في الفضاء، هناك، إذا جاز التعبير، غرف ولادة مع أطفال وبدونهم، أي سحب داكنة مع نجوم وبدونها". وفي كلتا الحالتين، سجل الباحثون بصمات عشرات الجزيئات المختلفة في الأطياف. ولكن هناك اختلافات: يمكن العثور على جزيئات في بعض السحب لا توجد في غيرها. يمكن أن تختلف كميات المادة أيضاً. السبب: كما ذكرنا سابقاً، حيث يلاحظ علماء الفلك السحب في مرحلة مختلفة من التطور.
  تستشهد سيلفيا سبيتسانو بالميثانول كمثال: في السحب التي لا تحتوي على نجم، تكون درجات الحرارة في المركز منخفضة، وتتم الكيمياء على الجليد، إذا جاز التعبير، ولا يوجد الميثانول الغازي إلا بكميات صغيرة. ومع ذلك، إذا تألق نجم في السحابة، فإن درجات الحرارة المركزية تكون أعلى بالمقابل. يذوب الجليد - يتم الآن إطلاق الميثانول المرتبط سابقاً ويصبح مرئياً وقابلاً للقياس بكميات كبيرة.
الجزيئات الواقعة بين النجوم في المختبر.
تقول سبيتزانو: "إننا نحاول جمع قطع العديد من الألغاز معاً لتكوين صورة شاملة". يؤدي هذا إلى اكتشاف مثير للاهتمام: "يشع النجم الأولي طاقة وبالتالي يؤثر على محيطه. قد يعتقد المرء في الواقع أن هذا من شأنه أن يدمر بالكامل المخزون الحالي من الجزيئات داخل السحابة. "ومع ذلك، هذا ليس هو الحال. بل إن العديد من الجزيئات تنجو من الإشعاع وتندمج في الكواكب النامية. "حدث ذلك منذ حوالي 4.6 مليار سنة عندما ولد نظامنا الكوكبي. في بعض الأحيان تظهر في الأطياف جزيئات غير مدرجة في أي كتالوك. تقول سبيتزانو: "لذلك فإننا نسمي هذه البصمات غير المعروفة في البداية بخطوط U، وتعني "u" غير معروف". في المختبرعلى العكس من ذلك، يمكن للباحثين إنشاء جزيئات غير معروفة سابقاً في ظل ظروف قاسية، وقياس توقيعها الطيفي وبالتالي تعيينها على خط U.
على سبيل المثال، اكتشف الباحثون في مركز البحوث، مع زملائهم من إيطاليا، البروبارغيلمين، في سحابة بالقرب من مركز المجرة. يحتوي الجزئ على الصيغة الكيميائية المعقدة HCCCHNH وهو غير مستقر للغاية، ومن الصعب عزله في الظروف العادية على الأرض. ومع ذلك، عند الكثافات ودرجات الحرارة المنخفضة جداً النموذجية للوسط بين النجوم، والذي يجريه فريق سيلفيا سبيتسانو أبحاثه في المختبر، يظل مستقراً تماماً. ويلعب هذا النوع الكيميائي دوراً أساسياً في تكوين الأحماض الأمينية، التي تعد من أهم مكونات الحياة. كما سجلت جوديت فيرير أسينسيو، وهي طالبة سبيتسانو، هدفاً. حيث اكتشفت الأسيتالديهيد المخفف (للكيميائيين: CHD2CHO) - أولاً في المختبر، ثم لاحقاً في سحابة جزيئية.
وهذا يوضح مدى أهمية العمل المخبري. وبالإضافة إلى الملاحظة النظرية، فهو الركيزة الثالثة للبحث في مركز الدراسات الكيميائية الفلكية. إن الأنبوب الزجاجي الذي يبلغ طوله ثلاثة أمتار هو قلب كاساك، وهو أحد أجهزة قياس الطيف المتعددة الموجودة في قبو المعهد. يقوم النظام بفحص البصمات الطيفية للجزيئات في الطور الغازي، والتي يمكن أيضاً توليدها في البلازما داخل الخلية الزجاجية. يسجل التحليل الطيفي نطاقاً موجياً يتراوح من 0.3 إلى 4 ملم. في غرفة أخرى توجد أداة تسمى Cas-Ice. هنا، تقوم آلة الآيس كريم المسماة "Coldfinger" برفع الجزيئات إلى درجة حرارة قصوى تصل إلى 268 درجة مئوية تحت الصفر. باستخدام Cas-Ice، يقوم الباحثون بفحص مخاليط مختلفة من المواد المجمدة في الجزء تحت الأحمر من الطيف. تسمح الأداة، من بين أمور أخرى، بإجراء مقارنة مباشرة مع ملاحظات الجليد الكوني التي يقدمها تلسكوب جيمس ويب.
في عام 2023، سجل هذا المرصد الفضائي أيضاً ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي للكوكب لأول مرة. تتسع الخطوط الطيفية للجزئ بمجرد زيادة الضغط - على سبيل المثال بسبب وجود جزيئات أخرى مثل الهيدروجين أو الماء أو النيتروجين أو الأوكسجين.
 في المختبر، يقوم فريق سبيتسانو بحقن هذه الجزيئات في جو إصطناعي ويقارن عرض الخط المتغير لثاني أوكسيد الكبريت مع قياسات تلسكوب جيمس ويب. تقول سيلفيا سبيتسانو: "في المستقبل، سنستخدم هذه الطريقة لإعادة إنشاء الأغلفة الجوية المعقدة للكواكب الصغيرة الشبيهة بالأرض". وتتناول مثل هذه التجارب أيضاً سؤالاً أساسياً لا يهم باحث ماكس بلانك فحسب، بل يوجه الكيمياء الفلكية في النهاية: كيف جاءت الحياة إلى العالم؟


4
تعريف الاشتراكية البيئية
سيمون بيراني*
ترجمة:حازم كويي


من الواضح أن تحقيق الاشتراكية البيئية مهمة ضخمة ومتعددة الأوجه وجماعية، وأود هنا أن أسلط الضوء على ثلاثة جوانب فقط:
أولاً، الطريقة التي أتبعتها الحرب في غزة، حيث أستحوذت على قدر كبير من إهتمامنا في الأسابيع الأخيرة،والتي لها صلة بذلك.
ثانياً، تأثير الرأسمالية على البيئة، وخاصة فيما يتعلق بالاحتباس الحراري.
وثالثاً، بعض النقاط حول كيفية تطوير الأفكار الاشتراكية البيئية.
1. الحرب وتغير المناخ.
إن الروابط بين الحرب وتغير المناخ معقدة وتصل إلى جوهر كيفية عمل مجتمعنا. إن التفكير في هذه الأمور مهمة جماعية، يجب أن نعمل عليها بشكل مستمر. وهنا أعرض بعض النقاط للمناقشة.
فقد قيل أن أحد الأسباب الرئيسية للحرب في غزة هو السيطرة على الوقود الأحفوري. لا أستطيع أن أتفق مع ذلك: أعتقد أنها مسألة ذات صلة ولكنها ثانوية. أحتلت إسرائيل قطاع غزة عام 1967، أي قبل أكثر من 30 عاماً من إكتشاف الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. وحتى في عام 2007، عندما أستولت حماس على السلطة في غزة وفرضت إسرائيل حصاراً على المنطقة، لم يتم تنفيذ أي عمل لتطوير حقول الغاز الكبيرة. وعلى الرغم من وجود حقل غير مطور في المياه الإقليمية لغزة، إلا أن الحقول المنتجة الأكبر تقع في المياه المصرية والإسرائيلية.
إن الحرب تدور حول الأرض والمياه أكثر من كونها تتعلق بالغاز أو النفط. وهي مدفوعة بعوامل سياسية: تصميم الحكومة الإسرائيلية على مواصلة التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين وتصميم القوى الغربية على أستخدام إسرائيل كحصن أستراتيجي في الشرق الأوسط.
إن الارتباط بتغير المناخ في رأيي، أعمق وأكثر تعقيداً من مجرد سرقة الموارد. أود أن أسلط الضوء على جانبين.
أحد الجوانب هو أن الحرب تظهر الواقع المخيف للأمم المتحدة وغيرها من مؤسسات ما يسمى "الحُكم العالمي". وجميع قرارات هذه المؤسسات وأتفاقيات السلام التي تم التوصل إليها في التسعينيات، التي أشارت إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني،قد تم ألغاؤها فعلياً في الشهرين الماضيين.
إن الحرب في غزة، مثلها في ذلك الحرب الروسية ضد أوكرانيا، تشكل عرضاً من أعراض الأزمة العميقة التي تعيشها الإدارة الدولية. وهذه هي نفس المؤسسات التي يفترض أنها تتولى تنسيق الجهود لمنع تغير المناخ الخطير.
بدأت هذه الجهود رسمياً بإعلان ريو عام 1992، ومنذ ذلك الحين، زاد معدل ضخ الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي بنحو 60%.
إن خطاب مؤتمرات المناخ السنوية، والذي يركز على الإصلاحات التكنولوجية، والمفهوم الاحتيالي لـ “النمو الأخضر” وإساءة استخدام فكرة “الصافي صفر”، يتم أستخدامه لتسهيل التدمير البيئي. وهذا فشل في أدارة الدولة على المستوى العالمي. وكانت النتيجة الفضيحة الأخيرة المتمثلة في إستغلال مفاوضات هذا العام في دولة الإمارات العربية المتحدة كفرصة للحديث عن مشاريع جديدة للتنقيب عن النفط والغاز، هي نتيجة لذلك.وكل هذا له آثار سياسية.
العديد من المنظمات التي تركز على المناخ تضع سياساتها في شكل مطالبات للأمم المتحدة والدول المشاركة في مؤتمرات المناخ. لهذا علينا أن نفكر في ذلك.
العلاقة الثانية بين الحرب وأزمة المناخ تتعلق بالشكل الحديث للإمبريالية. إن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين والدعم الغربي له هو جزء من مجموعة أوسع من العلاقات السياسية والاقتصادية التي تمارس من خلالها الدول الغنية في الشمال العالمي السيطرة على التجارة الدولية والاقتصاد.
إن الحرب في غزة هي بمثابة تذكير صادم بالعنف الذي يحتل مكانة مركزية في هذه العلاقات. إن تغير المناخ يعمل بالفعل على خلق الظروف التي تؤدي إلى تفاقم هذا العنف: فقد أدى إلى جعل الكوارث مثل فيضانات العام الماضي في باكستان، والفيضانات وموجات الجفاف الأخيرة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، أكثر احتمالاً بكثير.
كما أن لها عواقب سياسية. نحن بحاجة إلى التفكير في كيفية فهمنا لهذه العلاقات، وكيف تظهر في حياتنا، وكيف يمكننا نحن الذين نعيش في الشمال العالمي أن نقيم تحالفات مع أولئك الذين هم أكثر عرضة لهذه العلاقات بشكل مباشر.
2. الرأسمالية والبيئة: ظاهرة الاحتباس الحراري.
إن إنبعاث الغازات الدفيئة، الناتجة بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري، هو السبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري. إنها الطريقة الأكثر تهديداً، التي تدمر بها الرأسمالية علاقة البشرية بالعالم الطبيعي. ويدمر هذا التمزق أيضاً التنوع البيولوجي، ويخل بتوازن النيتروجين، ويسبب أضراراً أخرى، لايمكن تغطيتها في هذه المقالة القصيرة.
النقطة التي أود أن أطرحها بشأن الوقود الأحفوري، من انه يُمكننا، بل وينبغي لنا أن نُدين شركات النفط والغاز والفحم بسبب إنتاجها وجشعها المُقزز لتحقيق الربح، فإن جهودنا السياسية لمكافحة الانحباس الحراري العالمي يجب أن تركز أيضاً على إستهلاك الوقود الأحفوري.
ويتعين علينا أن نعمل على تطوير فهم للاستهلاك، يتعارض مع التحليلات السائدة التي تركز على الاستهلاك الفردي والأسري ــ وبالتالي تحويل الانتباه عن الأنظمة التي يتم من خلالها إستهلاك أغلب أنواع الوقود الأحفوري.
وهي أنظمة تكنولوجية - مثل الشبكات الكهربائية، والبيئات المبنية، وأنظمة النقل، والأنظمة الصناعية والزراعية والعسكرية - والتي بدورها،هي جزء لا يتجزأ من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية.
خذ أنظمة النقل، على سبيل المثال. وهنا من الصواب إستهداف النقل الجوي بشكل عام والطائرات الخاصة بشكل خاص، فهي مثال صارخ على الاستهلاك الفاخر الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تصنيفه على أنه يلبي إحتياجات الإنسان. لكن التحدي الأكبر يكمن في أنظمة النقل الحضري التي تركز على السيارات في الشمال العالمي. وهي أكثر حضوراً في حياتنا وتشكل نسبة أكبر بكثير من الانبعاثات.
نحن في حاجة إلى سياسة نقل تتصدى للإصلاح التكنولوجي للمركبات الكهربائية، وهو عنصر أساسي في سياسة المناخ المدمرة التي تدفع العالم نحو الكارثة. يتعلق الأمر بكيفية عيشنا في المدن وما تُستخدم فيه كل هذه الرحلات - غالباً إلى "وظائف تافهة".
نحن نناقش الآن توسيع حملتنا للمطالبة بوسائل النقل العام المجانية في لندن. وهذا هو النوع من العمل البعيد المدى الذي نحتاجه بشدة، سواءاً لمكافحة تغير المناخ أو معالجة أزمة تكاليف المعيشة.
ويقودنا هذا إلى مسألة الاستراتيجيات السياسية لمعالجة المشاكل المرتبطة بالمناخ. وأقترح ثلاث أولويات:
أولا، نحن في حاجة ماسة إلى تطوير السياسات التي تعمل على الحد من إنبعاثات الغازات الدفيئة ومعالجة قضايا العدالة الاجتماعية. ومن الأمثلة على ذلك وسائل النقل العام المجانية لتقليل حجم حركة المرور على الطرق. و"عزل بريطانيا"، الذي يهدف إلى خفض إستهلاك الغاز غير الضروري وفواتير الطاقة للناس، هو مثال آخر. أما الخيار الثالث، وهو على المدى الطويل، فيتمثل في تطوير شبكات الطاقة المتجددة التي يتم التحكم فيها أجتماعياً.
وفي جنوب شرق لندن، شاركتُ في حملة لمنع عمدة حزب العمال، الذي يُفترض أنه مُهتم بالمناخ، من بناء نفق كطريق جديد تحت نهر التايمز. هذا هو نوع المشروع الذي يجب حظره من قبل أي حكومة محلية أو وطنية تدعي أنها تهتم بتغير المناخ.
ولنتذكر حركة ذوي السترات الصفراء في فرنسا، والتي بدأت بزيادة ضريبة الديزل، حيث بررتها الحكومة باعتبارها إجراءاً مرتبطاً بالمناخ. في ذلك الوقت،تمت صياغة الشعار : “أنت تتحدث عن نهاية العالم، وأنا قلق من نهاية الشهر”. إن التدابير السياسية مثل وسائل النقل العام المجانية وبرنامج التحديث الضخم للعزل وتركيب المضخات الحرارية هي الحل.
وتتناقض هذه الاستراتيجيات مع الادعاءات الكاذبة (سواءاًمن أعضاء البرلمان من حزب المحافظين وحزب العمال) بأن سياسة المناخ سوف تكلف الناس العاديين أموالاً، والقصص حول حقوق السائقين الأفراد (التي حاول اليمين المتطرف حشدها.)
ثانياً، يجب علينا أن ندرك الدور الذي يلعبه العصيان المدني. لقد سمعت العديد من الانتقادات الموجهة إلى تكتيكات حملة "أوقفوا النفط" على سبيل المثال، وأعتقد أن العديد من هذه الانتقادات صحيحة. لكن العصيان المدني يلعب دوراً وسيستمر في القيام بذلك، فقد شهدناهُ في ألمانيا،الذي نُظم بشكل جماعي من قبل الآلاف من الأشخاص.
ثالثاً، نحن في الدول الغنية بحاجة إلى إقامة روابط حقيقية وعملية مع الحركات البيئية في الجنوب العالمي. كما هو الحال في الإكوادور، حيث أدت سنوات عديدة من النضال إلى الاستفتاء الأخير الذي أوقف إنتاج النفط في جزء من منطقة الأمازون الإكوادورية.
3. الاشتراكية البيئية.
فيما يلي أربعة أوجه للمناقشة، أعتقد أنه يمكننا منحها الأولوية لتحديد ما نعنيه فعلياً بالاشتراكية البيئية بشكل أكثر وضوحاً.
أولاً، يُجيد الاشتراكيون البيئيون وصف المستقبل الذي يريدونه، لكنهم أقل براعة في مناقشة الكيفية التي يمكننا بها تحقيق ذلك المستقبل ــ أي الانتقال من الرأسمالية. لقد تم توضيح هذه النقطة بشكل جيد للغاية في مقال نشره مؤخراً مايكل ألبرت (الباحث في إدنبرة، وهوليس الفوضوي الأمريكي الذي يحمل نفس الاسم) وأعتقد أنه يجب تناولها. فقد كتب ألبرت:
لقد نجح الماركسيون البيئيون في تطوير إنتقادات بيئية مقنعة للرأسمالية ومبادئ للاقتصادات السياسية الاشتراكية البيئية البديلة. ومع ذلك، فقد أولوا اهتماماً قليلاً نسبياً للمسائل الإستراتيجية مثل: كيف يمكن أن تحدث التحولات الاشتراكية البيئية؟ ما هي التحديات والتسويات والمخاطر التي من المحتمل أن يواجهوها؟ وكيف يمكن للاشتراكيين البيئيين والحركات المتحالفة معهم أن يتعاملوا بشكل أفضل مع ذلك؟
ثانياً، أرى تفاعلاً ضئيلاً من جانب الاشتراكيين البيئيين مع المناقشات السياسية الرئيسية بين علماء المناخ، على سبيل المثال المناقشة الحالية بين جيمس هانسن ومايكل مان وآخرين حول مدى أستمرار ظاهرة الاحتباس الحراري ومتى ستبدأ إنبعاثات الغازات الدفيئة في الانخفاض.
هنا في المملكة المتحدة يمكننا التواصل مع علماء المناخ الذين كان لهم تأثير سياسي. على سبيل المثال، كيفن أندرسون، أشد منتقدي عملية التفاوض والأحتيال في إساءة أستخدام مفهوم "الصافي الصفر". مقالته الأخيرة حول COP28 هي في رأيي،تستحق القراءة.
وهناك أيضاً باحثون في مجال أنظمة الطاقة، مثل المجموعة التي يقودها أرنالف غروبلر وتشارلي ويلسون، فقد وضعوا خريطة طريق للاقتصاد العالمي للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري بطريقة عادلة أجتماعياً.
ثالثا، نحن في حاجة ماسة إلى نقد إشتراكي للتكنولوجيا. ويجب أن يكون هذا ضمن التقليد الذي أسسه "اللوديون " قبل أكثر من 200 عام، مع برنامجهم "لإخماد كل الآلات التي تضر المجتمع".
العمل الذي قام به الباحثون الاشتراكيون في السبعينيات والثمانينيات تناولته مجلة ليفيدو على سبيل المثال.
لسوء الحظ، طغى على هذا العمل التركيز المفرط على المؤلفين الذين يدعمون الطاقة النووية، مثل مات هوبر، أو أندرياس مالم وهولي باك، اللذين يؤيدون الهندسة الجيولوجية. وأياً كانت الأشياء القيمة التي كتبها هؤلاء الأشخاص في الماضي، فإن سياسات "الحداثة التكنولوجية" التي يدافعون عنها الآن لا يمكن أن تكون جزءاً من مناقشة جادة.
رابعاً وأخيراً، يتعين علينا أن ندرك كيف يمكن إثراء الأفكار الاشتراكية من خلال تحليل الإنتاجية المادية غير المستدامة التي ميزت الرأسمالية المتأخرة والتي تركز عليها الكثير من أبحاث تراجع النمو.
وأقترح بدلاً من المزاح السطحي الذي هيمن على بعض المناقشات الأخيرة، أن نناقش المساهمات الجادة، مثل كتاب إيريك بينولت بعنوان "الإيكولوجيا الاجتماعية لرأس المال". ينطلق من منهج ماركسي يرى أن الاقتصاد هو إنتاج وتداول وتوزيع السلع، ويقدم استناداً إلى الأبحاث في مجال البيئة الصناعية، تحليلا للاقتصاد العالمي الذي يتكون على النحو التالي: الاستخراج: الإنتاج: الاستهلاك :ضياع.
هناك أعمال عن "أسلوب الحياة الإمبراطوري" بقلم أولريش براند وماركوس فيسن، والتي تحاول تحليل المزيج المُعقد من الاستهلاك المفرط للمواد وعدم المساواة الذي يتخلل إقتصادات البلدان الغنية. وهناك أعمال عملية للغاية بشأن الممارسات الاقتصادية غير المستدامة في مختلف القطاعات، مثل البحوث المتعلقة بالبيئة المبنية التي أجرتها ليندا كلارك وآخرون في جامعة وستمنستر.
هذه بعض المناقشات التي يمكن أن نجريها لتحديد ما تعنيه الاشتراكية البيئية بشكل أكثر وضوحاً.

سيمون بيراني*: كاتب بريطاني ومؤرخ وباحث في مجال الطاقة. وهو أستاذ فخري في كلية اللغات والثقافات الحديثة بجامعة دورهام. من عام 2007 إلى عام 2021 كان زميلًا بحثيًا أول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.

5
"شيوعية تراجع النمو تنقذ العالم"
أعداد:حازم كويي

حقق  الكاتب الماركسي الياباني كوهي سايتو شيئاً يبدو غير محتمل على الإطلاق، فقد نشر كتاباً ماركسياً من أكثر الكتب مبيعاً في اليابان، أحد معاقل الرأسمالية.
كوهي سايتو البالغ من العمر 36 عاماً نجح في اليابان. وصدر كتابه «رأس المال في الأنثروبوسين» باللغة اليابانية عام 2020 وبيع منه أكثر من نصف مليون نسخة. إذ كان العنوان الرئيسي يبدو في البداية مرهقاً وأكاديمياً بالنسبة لكتابٍ من أكثر الكتب مبيعاً، فإن العنوان الفرعي "نحو فكرة تراجع الشيوعية" يحتوي على مصطلحين يمثلان خلاصة الإجماع الليبرالي في اليابان والدول الرأسمالية الأخرى.
حجة سايتو الرئيسية في الكتاب، والتي لا تتوفر حالياً إلا باللغة اليابانية الأصلية، هي أن الرأسمالية، مع سعيها المستمر لتحقيق النمو، هي السبب الجذري لأزمة المناخ المتفاقمة. فهو ينكر إمكانية "النمو الأخضر" ويزعم بشكل مقنع أن "خفض النمو" ــ التخفيض المخطط لاستهلاك المواد ــ هو وحده القادر على ضمان مستقبل مستدام. يرفض سايتو فكرة بعض مؤيدي تراجع النمو القائلة بأن الرأسمالية يمكن جعلها متوافقة مع تراجع النمو. يقول سايتو إن محاولة إزالة حتمية النمو من الرأسمالية هي "مثل محاولة رسم مثلث دائري"   ولن يكون أي شيء أقل من تغيير النظام كافيا. يحدد سايتو الرأسمالية باعتبارها السبب الجذري لتغير المناخ ويشير بشكل لا لبس فيه إلى الخطر الذي تشكله علينا جميعا، محذراً: "إذا لم نتمكن من إيقافها [الرأسمالية] بمفردنا، فستكون نهاية تاريخ البشرية".
إذا نظرت فقط إلى إنتقادات الرأسمالية، فليس هناك الكثير مما يميز سايتو عن غيره من أنصار تراجع النمو. وفي الواقع فإن كتاب كوهي سايتو يشبه كتاب جيسون هيكيل "الأقل هو الأكثر: كيف سينقذ تراجع النمو العالم". طبعة 2022، والذي تم نشره في نفس وقت نشر كتاب سايتو. وباستخدام العديد من الأمثلة والإحصائيات نفسها، يوضح كلا المؤلفين أن الكارثة البيئية أمر لا مفر منه طالما أننا نلتزم بنظام رأسمالي قائم على النمو. ولذلك يرى كلاهما أن الانتقال إلى اقتصاد غير رأسمالي هو السبيل الوحيد لتحقيق تراجع النمو. ومع ذلك، هناك فرق واحد حاسم بين سايتو ومعظم مؤيدي خفض النمو الآخرين: يصف سايتو نفسه بدون خجل بأنه ماركسي. وهذا موقف غير عادي إلى حد ما في معسكر تراجع النمو، حيث من الشائع أن يلمح المؤلفون إلى ماركس وربما يستخدمون بعض المصطلحات الماركسية، ولكن لا يُعرّفون أنفسهم على أنهم ماركسيين. ربما يرجع هذا إلى انجذاب أنصار خفض النمو إلى انتقادات ماركس للرأسمالية، لكنهم يجدون صعوبة في التوفيق بين هوسه بالقوى المنتجة وبين رؤيتهم لتراجع النمو. هيكيل، على سبيل المثال، يعتمد بشكل واضح على ماركس في تحليله للرأسمالية،بإ ستخدامه صيغأ لماركس دون ذكره بشكل غريب، فمن الواضح أنه يحاول إخفاء هذا الارتباط الفكري.
من ناحية أخرى، يضع سايتو نفسه مباشرة في التقليد الماركسي. الهدف المعلن لكتابه هو "تقديم صورة جديدة لماركس في عصر الأنثروبوسين"  وهذا الأخير هو مصطلح شائع للعصر الجيولوجي الحالي الذي يؤثر فيه البشر بشكل كبير على النظم البيئية والجيولوجية للكوكب. بمعنى آخر، يريد سايتو أن يُظهر أن أفكار ماركس ذات صلة بمعالجة أزمة المناخ الحالية.
لا يزال سايتو مندهشاً من أن بيانه لمجتمع ما بعد النمو الشيوعي يجد جمهوراً كبيراً.
في مقابلة مع إحدى الصحف السويسرية، يشرح النجاح مع جائحة كورونا. وهذا ما جعل الأزمة الاجتماعية والبيئية مرئية. لقد صدم الناس ببساطة من مدى سوء عمل النظام.
وقال لصحيفة شبيغل الألمانية، التي أجرت مقابلة معه،كعنوان على صفحتها "هل كان ماركس على حق؟": إن أقرانه كانوا يعانون من عدم الاستقرار الاقتصادي و"تجاوزات العولمة" لفترة طويلة. إنهم منفتحون على "أسلوب حياة جديد" يختلف عن العمل وكسب المال والاستهلاك.
أضافة الى عامل آخر: في اليابان، يُعد النقاش حول تنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة موضوعاً ضخماً. وفي كتابه، ينتقد سايتو، الذي يعمل أستاذاً في جامعة طوكيو، أن هذه الأهداف لا تتعارض مع نموذج النمو.
فإن ما ظهر مؤخراً في سوق الكتب باللغة الإنجليزية هو نسخة أكاديمية مختلفة من العنوان الناجح الذي يحمل عنواناً مشابهاً بشكل ملفت للنظر «ماركس في الأنثروبوسين. نحو فكرة تراجع نمو الشيوعية«.
يعتمد سايتو على أطروحته بعنوان "الطبيعة مقابل رأس المال"، المكتوبة باللغة الألمانية. "إيكولوجيا ماركس في نقده غير المكتمل للرأسمالية" (2016). وقام بتقييم مقتطفات غير منشورة سابقاً من كارل ماركس وتوصل إلى نتيجة مفاجئة: لقد كان تفكير ماركس أكثر إيكولوجياً مما كان يفترض سابقاً. ومن خلال قراءة الكتابات الزراعية والعلمية، أدرك ماركس، على سبيل المثال، أن أستخدام الأسمدة والآلات يزيد من غلة التربة على المدى القصير، لكنه يؤدي إلى إنخفاضها على المدى الطويل. لقد أستخدم بشكل متزايد المفهوم الفسيولوجي "للاستقلاب" لمعالجة العلاقة بين البشر والطبيعة - وبدأ في إنتقاد اختلالها باعتباره تناقضاً مع الرأسمالية وحركة الاستغلال التي لا نهاية لها.
لقد أدرك ماركس أن أطروحته المتفائلة حول الإمكانية التحررية لتطوير القوى الإنتاجية لا يمكن التوفيق بينها وبين الحدود المادية والطبيعية للإنتاج البشري. يتم إنشاء صدع لا يمكن إصلاحه في عملية التمثيل الغذائي التي تتم بوساطة العمل بين البشر والطبيعة. ولهذا السبب يدعو ماركس، في المجلد الأول من كتاب رأس المال، إلى التنظيم الواعي لعملية التمثيل الغذائي بين البشر والطبيعة باعتبارها المهمة المركزية للاشتراكية.
نقد المؤلفين الحداثيين البيئيين.
وبذلك، أنضم سايتو إلى صفوف المؤلفين الماركسيين البيئيين مثل جون بيلامي فوستر وبول بوركيت، الذين ظلوا لفترة طويلة ينشرون قراءة بيئية لأعمال ماركس - ويتخذون موقفا ضد الأطروحات المركزية للماركسية الأرثوذكسية. على سبيل المثال، أن المرحلة الرأسمالية الصناعية يجب أن تنتقل إلى الاشتراكية/الشيوعية، وأن القوى الإنتاجية تقدمية بطبيعتها وأن أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية بدائية. ويكشف الأخير عن منظور أوروبي المركز، كما يوضح سايتو بالتفصيل في كتابه الجديد ماركس في الأنثروبوسين،وأصبحت مشاركة ماركس مكثفة منذ أواخر ستينيات القرن التاسع عشر مع المجتمعات الريفية غير الغربية بناءاً على الإنتاج الجماعي لقيم الاستخدام موضع التساؤل.
يناقش سايتو أيضاً المؤلفين الماركسيين الآخرين بالتفصيل. يتعلق الأمر بإنجلز وجورج لوكاش وإيستفان ميزاروس، وهو شخص غير معروف حتى بين الخبراء الماركسيين. ويتعلق الأمر أيضاً بانتقاد المؤلفين الحداثيين البيئيين الذين يرتدون الزي الماركسي مثل بول ماسون، أو نيك سرنيسك، أو آرون باستاني، الذين يعتمدون على تقنيات المعلومات الجديدة والروبوتات لتحقيق مجتمع ما بعد الرأسمالية أو حتى شيوعية فاخرة مؤتمتة بالكامل. يعارض سايتو مثل هذه اليوتوبيا المعاصرة التي “تركز فقط على الكفاءة ووفرة السلع والخدمات، دون مراعاة كافية للجوانب النوعية والمادية للإنتاج، أي استقلالية العمال واستدامة البيئة الطبيعية.
واضح بالنسبة لسايتو، خاصة في ظل تغير المناخ، أننا في "وضع تاريخي جديد". ومن السذاجة الاعتقاد بأن "تطور القوى الإنتاجية في الرأسمالية الغربية يمكن أن يكون بمثابة محرك تحرري للتاريخ في مواجهة الأزمة البيئية العالمية". وهو يرى أنه إذا قام المجتمع الاشتراكي بزيادة قواه الإنتاجية لتلبية جميع الاحتياجات البشرية، فسيكون ذلك بمثابة كارثة على البيئة.
ومع ذلك، عندما يشكك في نموذج النمو، فهو يضع الشمال العالمي في الاعتبار في المقام الأول. يجب أن تكون هناك قطيعة مع الإنتاجية غير المقبولة والمركزية العرقية .
يفسر سايتو ماركس على أنه شيوعي كان ينتقد النمو: "لقد تجاوزت رؤيته النهائية لما بعد الرأسمالية في ثمانينيات القرن التاسع عشر الاشتراكية البيئية ويمكن وصفها بشكل أكثر ملاءمة بأنها شيوعية تراجع النمو". في الواقع، هناك الكثير الذي يمكن كسبه من حجج سايتو. ويقدم الفصل الأخير من كتابه الجديد عن وفرة الثروة في "شيوعية تراجع النمو" منظوراً يسد الفجوة القائمة بين المعسكرين الأخضر والأحمر، بين الحركة البيئية والحركة العمالية، وبين الاشتراكية البيئية/الماركسية والحركة العمالية. كجسر لحركة تراجع النمو.
ويرى سايتو اتجاهاً نحو تحول مناهض للرأسمالية في حركة تراجع النمو في السنوات الأخيرة. ولكن هناك أيضاً ميول نحو أنتقاد النمو في المعسكر الاشتراكي البيئي. إن شيوعية سايتو الرامية إلى خفض النمو، والتي تتضمن الانفصال عن الرأسمالية كعناصر مركزية، وتقليص الإنتاج غير الضروري أجتماعيا وإعادة توزيعه بشكل عادل، توفر في الواقع الفرصة لزيادة هذه التقاطعات وتضييق الفجوة.
ومع ذلك، يبقى سايتو في الغالب على المستوى التجريدي في كتابه. من المؤكد أنه لا بد أن يكون هناك إنخفاض في النمو، ولكن ما الذي ينبغي أن يتقلص على وجه التحديد وكيف؟ لا توجد سوى إشارة إلى "الإنتاج غير الضروري" في صناعات مثل الإعلان والتسويق والاستشارات والتمويل. نعم، إن الصفقات الخضراء والرأسمالية الخضراء ورؤى الحداثة البيئية لا تنصف الوضع التاريخي الجديد للأنثروبوسين. لكن على الأقل لديهم أساس سياسي حقيقي، وإن كان ضعيفاً. أين مجتمع ما بعد النمو الشيوعي في سايتو؟ أين الفاعلون الاجتماعيون في هذه الثورة؟ وهو يشير ببساطة إلى الحاجة إلى «جبهة شعبية للدفاع عن الكوكب».
ومع ذلك يقدم كتاب سايتو على الأقل أساساً نظرياً للتقارب بين الاشتراكية البيئية وتراجع النمو، وهو أمر ضروري بلا شك. كتاب "ماركس في الأنثروبوسين" يفتح باباً للنقاش حول الاستنتاجات السياسية منه.

6
تسع أطروحات حول تراجع النمو الاشتراكي البيئي*

مايكل لوي
ترجمة :حازم كويي


1. إن الأزمة البيئية هي بالفعل أهم قضية اجتماعية وسياسية في القرن الحادي والعشرين، وسوف تصبح أكثر أهمية في الأشهر والسنوات المقبلة. وسوف يتقرر مستقبل الكوكب، وبالتالي البشرية، وفي العقود القليلة المقبلة. وكما توضح الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ((IPCC، هناك خطر حدوث تغير مناخي كارثي لا رجعة فيه إذا تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية مستويات ما قبل فترة الصناعة بمقدار 1.5 درجة مئوية. ماهي تلك العواقب؟ منهاعلى سبيل المثال لا الحصر: انتشار الحرائق الضخمة التي تدمر جزءاً كبيراً من الغابات؛ واختفاء الأنهار واستنزاف احتياطيات المياه الجوفية؛ وزيادة الجفاف والتصحر في التربة؛ ذوبان واختفاء الجليد القطبي وارتفاع مستوى سطح البحر، مما سيؤدي إلى غمر المدن الكبرى للحضارة الإنسانية - هونغ كونغ، كلكتا، البندقية، أمستردام، شنغهاي، لندن، نيويورك، ريو دي جانيرو. بعض هذه الأحداث قد بدأت تحدث بالفعل: فالجفاف يهدد الملايين من البشر في أفريقيا وآسيا بالجوع؛ وصل ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف إلى مستويات لا تطاق في بعض مناطق العالم؛ فالغابات تحترق في كل مكان، والمناطق التي تندلع فيها هذه الحرائق أصبحت واسعة النطاق على نحو متزايد. ويمكن الاستشهاد بالعديد من الأمثلة الأخرى. بمعنى ما، لقد بدأت الكارثة بالفعل، لكنها سوف تتفاقم خلال العقود القليلة المقبلة، أي قبل عام 2100 بفترة طويلة. إلى أي مدى يمكن أن ترتفع درجة الحرارة؟ في أي درجة حرارة ستكون حياة الإنسان على هذا الكوكب مهددة؟ لا أحد لديه إجابة على هذه الأسئلة. وهذه مخاطر هائلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. وسيكون عليك العودة إلى عصر البليوسين، لملايين سنين خلت، لتجد ظروف مناخية مشابهة لتلك التي يمكن أن تصبح حقيقة في المستقبل بسبب تغير المناخ.

2. على من وأين تقع المسؤولية عن هذا الوضع؟ يجيب العلماء: بالإجابة الصحيحة ولكنها مختصرة إلى حد ما: لقد عاش الإنسان على الأرض منذ مئات الآلاف من السنين، لكن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لم يبدأ في الزيادة إلا بعد الثورة الصناعية ولم يصبح خطراً على الحياة إلا بعد عام 1945. جوابنا بإعتبارنا ماركسيين، هو أن النظام الرأسمالي هو المذنب. إن المنطق السخيف وغير العقلاني للتوسع والتراكم اللانهائي، والإنتاجية، والهوس بالسعي وراء الربح بأي ثمن، هي المسؤولة عن دفع الإنسانية إلى حافة الهاوية.
إن مسؤولية النظام الرأسمالي عن الكارثة الوشيكة معروفة على نطاق واسع. في رسالته العامة [Laudato siʼ 2015]، تحدث البابا فرانسيس، دون استخدام كلمة "الرأسمالية"، ضد النظام المنحرف هيكلياً للعلاقات التجارية وعلاقات الملكية الذي يعتمد حصرياً على "مبدأ تعظيم الربح" والظلم الاجتماعي. وكذلك تدمير بيتنا المشترك، الطبيعة. إن الشعار الذي يُردد في المظاهرات البيئية في مختلف أنحاء العالم هو "تغيير النظام، وليس تغير المناخ". وموقف الممثلين الرئيسيين لهذا النظام، والمدافعين عن "العمل كالمعتاد" ــ الملياردية، والمصرفيين، ومن يُسمون بالخبراء: المطلعون على بواطن الأمور والأوليغارشيين والسياسيين - يمكن مقارنتها بلويس الخامس عشر، بالجملة المنسوبة إليه: “Après moi le déluge” (من بعدي الطوفان). إن الفشل الكامل للعشرات من مؤتمرات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في إتخاذ الحد الأدنى من التدابير اللازمة لوقف هذه العملية يوضح إستحالة حل الأزمة ضمن حدود النظام القائم.

3. هل يمكن أن تكون "الرأسمالية الخضراء" حلاً؟ قد تكون الشركات الرأسمالية والحكومات مهتمة بالتنمية (المربحة) لـ "الطاقات المستدامة"، لكن النظام كان يعتمد على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) لمدة ثلاثة قرون ولا يُظهر أي علامات الاستعداد للتخلي عنه. لا يمكن للرأسمالية أن توجد بدون النمو والتوسع وتراكم رأس المال والسلع والأرباح، ولا يمكن أن يستمر هذا النمو دون الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري.
لقد أثبتت الحلول الرأسمالية الخضراء الزائفة، مثل "تجارة انبعاثات الكربون"، و"آليات التعويض"، وغيرها من التلاعبات بما يسمى "اقتصاد السوق المُستدام" أنها عديمة الفائدة تماما. وبينما يتواصل"التخضير" زيادة الوعي البيئي؛ ومع استمرار التقدم في إدخال المكونات البيئية، تتزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير وتقترب الكارثة أكثر فأكثر. لا يوجد حل للأزمة البيئية في إطار الرأسمالية، وهو نظام ملتزم بالكامل بالإنتاجية والنزعة الاستهلاكية والنضال المرير من أجل الحصول على حصة في السوق. إن منطقها المنحرف بطبيعته يؤدي حتماً إلى انهيار التوازن البيئي وتدمير النظم البيئية. وقد عبرت غريتا تونبيرغ(ناشطة سويدية) عن الأمر بهذه الطريقة: "من المستحيل حسابياً حل الأزمة البيئية في ظل النظام الاقتصادي الحالي".
 وكان نظام الاتحاد السوفييتي ـ أياً كانت مزاياها أو عيوبها ـ يعتمد أيضاً على منطق النمو، معتمداً على نفس الموارد الأحفورية التي يعتمد عليها الغرب. وكان قسم كبير من اليسار في القرن الماضي يتبنى إيديولوجية النمو باسم "تنمية القوى الإنتاجية". إن الاشتراكية الإنتاجية التي تتجاهل الأزمة البيئية غير قادرة على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
4. إن انعكاس وحركة تراجع النمو التي ظهرت في العقود الأخيرة قد ساهمت بشكل كبير في البيئة الراديكالية من خلال معارضة أسطورة "النمو" غير المحدود على كوكب محدود. ولكن تراجع النمو في حد ذاته لا يشكل منظوراً اقتصادياً واجتماعياً بديلاً: فهو لا يحدد نوع المجتمع الذي ينبغي أن يحل محل النظام الحالي. ويريد بعض أنصار تراجع النمو تجاهل مشكلة الرأسمالية والتركيز فقط على الإنتاجية والاستهلاك، مع تعريف المذنب بأنه "الغرب"، أو "التنوير"، أو "البروميثيانية". ويحدد آخرون، الذين يمثلون الجانب اليساري من الحركة المناهضة للنمو، النظام الرأسمالي بوضوح باعتباره المسؤول عن الأزمة ويعترفون باستحالة "تراجع النمو الرأسمالي".
في السنوات الأخيرة، كان هناك تقارب متزايد بين الاشتراكية البيئية وتراجع النمو: حيث يتبنى كلا الجانبين حجج الطرف الآخر، وبالتدريج تم أعتماد أقتراح "تقليص النمو الاشتراكي البيئي" كأساس مشترك.
5. لقد تعلم الاشتراكيون البيئيون الكثير من حركة تراجع النمو. ولذلك فإن الاشتراكية البيئية تتبنى بشكل متزايد الحاجة إلى تراجع النمو في عملية الانتقال إلى مجتمع بيئي أشتراكي جديد. أحد الأسباب الواضحة لذلك، هو أن معظم الطاقات المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية (أ) تتطلب مواد خام غير متوفرة على نطاق غير محدود و (ب)تكون متقطعة وتعتمد على الظروف المناخية (طاقة الرياح والطاقة الشمسية). وبالتالي، لا يمكنها أن تحل محل الوقود الأحفوري بالكامل. ولذلك فمن الضروري إجراء تخفيض كبير في استهلاك الطاقة وهو أمر لامفر منه. ومع ذلك، فإن المشكلة ذات طبيعة أكثر عمومية: يعتمد إنتاج معظم السلع على استخراج المواد الخام، والتي أ) أصبحت محدودة بشكل متزايد و/أو ب) تتسبب بمشاكل بيئية خطيرة عند أستخراجها. وتشير كل هذه العناصر إلى الحاجة إلى خفض النمو.
يشمل تراجع النمو الاشتراكي البيئي الحاجة إلى تخفيض كبير في الإنتاج والاستهلاك، لكنه لا يقتصر على هذا البعد السلبي. يحتوي على برنامج إيجابي لمجتمع اشتراكي يقوم على التخطيط الديمقراطي والحكم الذاتي وإنتاج قيم الاستخدام بدلاً من السلع والخدمات الأساسية المجانية ووقت الفراغ لتنمية رغبات الإنسان وقدراته - مجتمع بلا استغلال وسيطرة طبقية والسلطة الأبوية وجميع أشكال الإقصاء الاجتماعي.
6. ليس لتراجع النمو الاشتراكي البيئي مفهوم كمي بحت لتراجع النمو باعتباره انخفاضاً في الإنتاج والاستهلاك. فهويقترح الفروق النوعية. ولا ينبغي لنا أن نخفض فحسب، بل ينبغي لنا أن نزيل بعض المنتجات ــ على سبيل المثال الوقود الأحفوري، والمبيدات الحشرية، والغواصات النووية، والإعلانات. أما البعض الآخر – مثل السيارات الخاصة وأستهلاك اللحوم والطائرات – فينبغي تخفيضها بشكل كبير. ولا يزال يتعين تطوير مشاريع أخرى ــ مثل الأغذية العضوية، ووسائل النقل العام، والإسكان الخالي من الكربون. لا تكمن المشكلة في "الاستهلاك المفرط" المجرد، بل في نمط الاستهلاك السائد القائم على الاستحواذ الواضح، والهدر الهائل، والاغتراب بسبب الحسابات التجارية، والتراكم القهري للسلع، والشراء القسري للروايات الزائفة المستوحاة من "الموضة". من الضروري وضع حد لإهدار الرأسمالية الوحشي للموارد، على أساس الإنتاج على نطاق واسع لمنتجات عديمة الفائدة ومضرة: وتشكل صناعة الأسلحة مثالاً جيداً، ولكن جزءاً كبيراً من "السلع" المنتجة في ظل الرأسمالية مع تقادمها، ليس لها أي فائدة أخرى سوى تحقيق الأرباح للشركات الكبيرة. إن المجتمع الجديد،من شأنه أن يوجه الإنتاج نحو تلبية الاحتياجات الحقيقية، بدءاً بما يمكن تسميته "بالكتاب المقدس" - الماء والغذاء والملبس والإسكان - ولكن أيضاً مع هذه الخدمات الأساسية: الرعاية الصحية والتعليم والنقل والثقافة.
كيف يمكننا التمييز بين الاحتياجات الحقيقية والاحتياجات الاصطناعية والخيالية والمؤقتة؟ وهذا الأخير ناتج من خلال التلاعب العقلي، الناجمة عن الإعلانات. ورغم أن الإعلان يشكل بُعداً لا غنى عنه في إقتصاد السوق الرأسمالي، فإنه لم يعد له مكان في مجتمع ينتقل إلى الاشتراكية البيئية، حيث سيتم استبداله بمعلومات حول السلع والخدمات التي تقدمها جمعيات المستهلكين. معيار التمييز بين الحاجة الحقيقية والمصطنعة هو أستمرارها بعد إلغاء الإعلانات (كوكا كولا!). وبالطبع ستستمر العادات الاستهلاكية القديمة لبعض الوقت، ولا يحق لأحد أن يقول للناس ما هي أحتياجاتهم. يعد تغيير أنماط الاستهلاك عملية تاريخية وتحدياً تعليمياً أيضاً.
7. إن الجهد الرئيسي في عملية خفض النمو العالمي يجب أن تبذله بلدان الشمال الصناعي (أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان)، وهي البلدان المسؤولة عن التراكم التأريخي لثاني أوكسيد الكربون منذ الثورة الصناعية. وهي أيضاً مناطق من العالم، حيث مستويات الاستهلاك وخاصة بين الطبقات المتميزة، غير مستدامة ومُهدرة بشكل واضح.
إن البلدان "المتخلفة" في الجنوب العالمي (آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية)، حيث الاحتياجات الأساسية بعيدة كل البعد عن تلبية احتياجاتها، تحتاج إلى "عملية تنمية" تشمل بناء السكك الحديدية وشبكات المياه والصرف الصحي والنقل العام وغيرها من البنية التحتية. . ومع ذلك، لا يوجد سبب يمنع تحقيق ذلك من خلال نظام إنتاج صديق للبيئة وقائم على الطاقة المتجددة. وسوف تحتاج هذه البلدان إلى زراعة كميات كبيرة من الغذاء لإطعام سكانها الجائعين، ولكن من الممكن القيام بذلك ــ كما زعمت حركات المزارعين المُنظمة في مختلف أنحاء العالم في شبكة(Vía Campesina ) لسنوات ــ من خلال الزراعة العضوية الفلاحية القائمة على الوحدات الأسرية، ويمكن تحقيق التعاونيات أو المزارع الجماعية بشكل أفضل. وهذا من شأنه أن يحل محل الأساليب المدمرة والمعادية للمجتمع التي تتبعها الزراعة الصناعية، والتي تعتمد على الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية والكائنات المُعدلة وراثيا. يركز الاقتصاد الرأسمالي لبلدان الجنوب العالمي حالياً على إنتاج السلع لماركاتها المميزة (السيارات والطائرات والسلع الفاخرة) والسلع المصدرة إلى السوق العالمية (فول الصويا واللحوم والزيت). إن التحول البيئي في الجنوب، الذي يدعو إليه الاشتراكيون البيئيون، من شأنه أن يقلل أو يزيل هذا النوع من الإنتاج ويهدف بدلاً من ذلك إلى تحقيق السيادة الغذائية وتطوير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، والتي تتطلب في المقام الأول العمالة البشرية بدلاً من السلع.
8. من الذي يُمكن أن يكونَ موضوعاً للنضال من أجل تراجع النمو الاشتراكي البيئي؟ إن الدوغمائية العمالية/الصناعية التي سادت القرن الماضي لم تعد قائمة. والقوى التي تقف الآن في طليعة النقاش الاجتماعي البيئي هي: الشباب والنساء والسكان الأصليون والمزارعون. إن مقاومة مجتمعات السكان الأصليين في كندا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية ونيجيريا وأماكن أخرى ضد حقول النفط وخطوط الأنابيب ومناجم الذهب الرأسمالية موثقة جيداً؛ فقد نشأت من تجربتهم المباشرة مع الديناميكيات المُدمرة لـ "التقدم" الرأسمالي والتناقض بين روحانيتهم وثقافتهم و"روح الرأسمالية".
إن النساء حاضرات بقوة في حركة المقاومة للسكان الأصليين، وكذلك في الانتفاضة الشبابية الضخمة التي أشعلتها دعوة غريتا تونبيرغ للعمل - وهي أحد مصادر الأمل العظيمة للمستقبل. إن المشاركة الجماعية للنساء في التعبئة، كما يوضح النسويون البيئيون، تنبع من حقيقة أنهن أول ضحايا التدمير البيئي للنظام.
كما بدأت النقابات العمالية بالمشاركة هنا وهناك. وهذا أمر مهم لأنه في نهاية المطاف لا يمكننا التغلب على النظام دون المشاركة النشطة للعاملين في المناطق الحضرية والريفية، الذين يشكلون غالبية السكان. الشرط الأول في أي حركة هو الجمع بين الأهداف البيئية (إغلاق مناجم الفحم، وآبار النفط، ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وما إلى ذلك) مع ضمان توظيف الموظفين المُتضررين. وقد زعم النقابيون ذوو التوجه البيئي أن هناك الملايين من "الوظائف الخضراء" التي سيتم إنشاؤها في عملية التحول البيئي.
9. إن تراجع النمو الاشتراكي البيئي هو مشروع للمستقبل وفي نفس الوقت أستراتيجية للنضال هنا، والآن. ولا يمكننا أن ننتظر حتى تصبح الظروف "ناضجة". من الضروري تحقيق التقارب بين النضالات الاجتماعية والبيئية ومكافحة مبادرات القوى الأكثر تدميراً في خدمة "النمو" الرأسمالي. وتشكل مقترحات مثل الصفقة الخضراء الجديدة، في أشكالها الأكثر تطرفاً، والتي تتطلب التخلي الفعلي عن الوقود الأحفوري، جزءا من هذه المعركة - ولكنها ليست مقترحات تقتصر على إعادة تدوير النظام.
ومن دون أي أوهام بشأن "الرأسمالية النظيفة"، يتعين على المرء أن يحاول كسب الوقت وفرض بعض التدابير الأولية على أولئك الذين يتولون السلطة لخفض النمو، بدءاً بتخفيض جذري في انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي. إن الجهود المبذولة لوقف خط أنابيب Keystone XL،(هو نظام خط أنابيب النفط في كندا والولايات المتحدة، صدر ترخيصه منذ 2010) أو منجم الذهب الملوث، أو محطة توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، هي جزء من حركة مقاومة أكبر أطلقت عليها الناشطة المعروفة Naomi Klein أسم Blockadia. (Naomi Klein، هي صحفية سياسية وكاتبة ومؤلفة أفلام تسجيلية كندية. تتميز بكتابتها المناهضة للسياسات النيوليبرالية، والتحليلية لسياسات الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية. تكتب عمود بصورة غير منتظمة بجريدة الغارديان The Guardian وThe Nation ومطبوعات آخرى. كانت في العراق مراسلة لجريدة   Harper's Magazin  )
ولا تقل أهمية عن ذلك التجارب المحلية في مجال الزراعة العضوية والطاقة الشمسية التعاونية وإدارة موارد المجتمع.
إن مثل هذه الصراعات حول مسائل محددة تتعلق بخفض النمو تشكل أهمية كبيرة، ليس فقط لأن الانتصارات الجزئية موضع ترحيب في حد ذاتها، بل لأنها تساعد أيضاً في رفع الوعي البيئي والاشتراكي، بينما تعمل في الوقت نفسه على تعزيز النشاط والتنظيم الذاتي من الأسفل. وهذه العوامل تعتبر متطلبات حاسمة وضرورية لإحداث تحول جذري في العالم، وهذا يعني، من أجل "انتقال عظيم" إلى مجتمع جديد ونمط جديد للحياة.

*كتب هذا المقال قبل أنعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ COP28 في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023 في مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة .

7
الأغنياء المُحسنون لن يحلوا أزمة الجوع في أفريقيا
يان أورهان*
ترجمة:حازم كويي


تروج مؤسسة بيل وميليندا غيتس(مؤسس شركة ميكروسوفت،يعتبر من أكبر أغنياء العالم والتي تقدر ثروته ب 118 مليار دولار.المترجم) لنموذج زراعي فاشل في أفريقيا. وبدلاً من تخفيف أزمة الجوع المستمرة، فإنه يقوض قدرة الأفارقة على حل مشاكلهم.
لقد أنتج الجوع المستمر في العالم بعض الحلول الخاطئة. ومن بين هذه التحالفات الأكثر تأثيراً، التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا (AGRA)، الذي أطلقته في عام 2006 مؤسسة بيل وميليندا غيتس بالتعاون مع مؤسسة روكفلر والعديد من المنظمات الدولية وحكومات بلدان الشمال العالمي وبعض الحكومات الأفريقية. . وتدعم الحكومة الفيدرالية الألمانية أيضاً التحالف من خلال وزارة التعاون والتنمية الاقتصادي الفيدرالي (BMZ) بحوالي 25 مليون يورو بين عامي 2017 و2025، خاصة من خلال مشاريع في بوركينا فاسو وغانا ونيجيريا.
تأسس تحالف AGRA المسجل في الولايات المتحدة للحد من الجوع في أفريقيا من خلال نهج "الثورة الخضراء" الذي تقوده الشركات.
وَعَدَ التحالف العالمي من أجل أفريقيا بمضاعفة الإنتاج الزراعي ودخول 30 مليون أسرة زراعية صغيرة الحجم بحلول عام 2020، وبالتالي خفض معدلات الجوع والفقر إلى النصف في البلدان ذات الأولوية في المبادرة. كانت الوعود كبيرة، لكن المزارعين الأفارقة ومنظمات المجتمع المدني في أفريقيا وشمال الكرة الأرضية أنتقدوا التحالف منذ البداية.
في يوليو 2020، نشرت خمس منظمات أفريقية وخمس منظمات ألمانية دراسة مشتركة بعنوان "الوعود الكاذبة". كانت هذه الدراسة الأولى، التي قامت بفحص تأثيرات AGRA علمياً وفحص ما إذا كان AGRA قد حقق أهدافه. وبدلاً من خفض معدلات الجوع إلى النصف، أصبح الوضع في البلدان الثلاثة عشر ذات الأولوية بالنسبة للمنظمة أسوأ في الواقع منذ إطلاق التحالف العالمي ضد الجوع. ارتفع عدد الجياع في بلدان التحالف الأفريقي بنسبة 30 في المائة من عام 2006 إلى عام 2020. وفي عام 2023، سيرتفع هذا العدد بنسبة 50% تقريباً، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة.
المزيد من الأدلة على عيوب التحالف جاءت من داخل التحالف نفسه، فبعد طلب قانون حرية المعلومات، اضطر التحالف إلى نشر تقييم مؤقت بشكل عام بالإضافة إلى تقييمات خاصة بكل بلد لأنشطته على موقعه على الإنترنت. قام ائتلاف من المنظمات الأفريقية والألمانية بتحليل تقييم AGRA والتقارير القطرية مع نتائج أكثر من واقعية.
علاقات التبعية.
الثورة الخضراء هي نهج سياسة التنمية الذي تم إتباعه بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم منذ الستينيات. وبمساعدة الشركات الزراعية، فإنها تعتزم إدخال أساليب زراعية تكنولوجية جديدة، وأسمدة صناعية وأصناف حديثة عالية الأداء، فضلا عن استخدام المبيدات الحشرية في بلدان الجنوب العالمي من أجل الحد من الجوع والفقر. ومع ذلك، فإن اعتماد بعض تقنيات الثورة الخضراء كان دائماً مثيراً للجدل، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، إستخدام البذور الهجينة أو الأسمدة الاصطناعية، والتي كانت تستخدم بالفعل في الزراعة في آسيا وأمريكا اللاتينية، وبدرجة أقل، في أفريقيا.
وينتقد العلماء أن حزمة التكنولوجيا غير مستدامة، وتؤدي إلى إنخفاض طويل الأمد في خصوبة التربة، وتسمم إمدادات المياه الجوفية، وتؤدي إلى إفقار العديد من صغار المزارعين غير القادرين على زيادة غلات محاصيلهم أو أرباحهم نظراً لارتفاع تكاليف هذه الممارسات الزراعية لتحقيق زيادة كافية.
ويفترض AGRA أن صغار المزارعين قادرون على مضاعفة إنتاجية محاصيلهم باستخدام المزيد من المدخلات الزراعية، وهو ما يؤدي بدوره إلى مضاعفة الدخل. ومع ذلك، حتى تقييم AGRA الخاص يُخلص إلى أن الدخل من بيع المحصول الرئيسي، الذرة  في مشاريع AGRA منخفض للغاية. ففي تنزانيا، يبلغ متوسط الإيرادات من مبيعات الذرة، والتي يتم توليدها بشكل إضافي من خلال المشاركة في مشروعات AGRA ، 77 دولاراً أمريكياً لكل أسرة سنوياً. ويبلغ خط الفقر الرسمي في تنزانيا 250 دولاراً للشخص الواحد سنوياً، أو حوالي 500 دولار لأسرة مكونة من شخصين بالغين. من خلال بيع "ذرة AGRA "، لا تنتج الأسرة الزراعية الصغيرة المتوسطة سوى حوالي 15 بالمائة مما تحتاجه من الدخل حتى يصل إلى خط الفقر في تنزانيا. في المتوسط، تضم الأسرة في تنزانيا خمسة أفراد من بينهم أطفال، وهو ما يوضح أيضاً مدى انخفاض الدخل الناتج عن AGRA في الواقع. لم يتم إدراج النفقات الإضافية لبذور AGRA الباهظة الثمن والأسمدة غير العضوية والمؤدية إلى خسارة الأعمال.
ظلت تكلفة الأسمدة غير العضوية في الإرتفاع منذ عدة سنوات، وغالباً ما تكون الأسعار في أفريقيا أعلى من متوسط سعر السوق العالمية. ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف النقل في أفريقيا. بلغ متوسط سعر السوق العالمية لنيتروجين اليوريا في مايو 2022، 549 دولاراً أمريكياً للطن، و1,233 دولاراً أمريكياً في كينيا، و1,216 دولاراً أمريكياً في غانا. وهذا يضع كلاً من الولايات والمزارعين تحت ضغوط هائلة عند شراء المواد اللازمة للزراعة الصناعية، والتي يعتمدون عليها في المقام الأول من خلال AGRA وغيرها من مبادرات الثورة الخضراء.
على الرغم من أن تحالف AGRA والجهات الفاعلة الأخرى مثل الحكومة الألمانية،الذين صرحوا علناً أنهم ليسوا على علم بأي حالات مديونية من قبل المزارعين الذين شاركوا في مشاريع AGRA، فقد تم تسليط الضوء على هذه المشكلة في تقييم مشاريع AGRA في غانا بتكليف من وزارة التنمية. ويعتبر المزارعون المشاركون في المشاريع، أن نهج AGRA محفوف بالمخاطر للغاية. وهناك أدلة كثيرة على أنهم يلجأون بانتظام إلى الديون عندما يكون الحصاد سيئاً. وذكروا أنه حتى مع وجود محاصيل جيدة، فقد اضطروا إلى استخدام أكثر من 80 في المائة من دخلهم من الحصاد لدفع ثمن البذور والأسمدة.
ويتلخص أحد العناصر الأساسية في نهج الزراعة في أفريقيا في بناء شبكات تجارية بحيث يتم تزويد المزارعين بالمواد الخام للثورة الخضراء، وخاصة الأسمدة غير العضوية والبذور الصناعية - على أوسع نطاق ممكن. ووفقا لـ AGRA، فإن هذا يفتح فرص المبيعات للشركات التي تنتج المواد الزراعية. ولهذا الغرض، يتم تدريب ما يسمى بالاستشاريين على مستوى القرية في العديد من مشاريع AGRA. يقومون بتعليم المزارعين كيفية أستخدام المدخلات الصناعية للثورة الخضراء. وتلعب المشاورات أيضاً دوراً رئيسياً في مفهوم AGRA، إذ من خلالها فقط يمكن تحقيق هدف الوصول إلى ملايين صغار المزارعين.
وإذا نفدت المشاريع وبالتالي نضب التمويل، فقد ينهار نظام الوصول إلى الموارد الصناعية الخارجية وتوزيعها. علاوة على ذلك، فإن استخدام AGRA للاستشاريين المحليين يعزز التبعيات المنهجية، بدءاً من حقيقة أن عملهم يعتمد على مدخلات صناعية خارجية. ويصبح المزارعون أيضاً معتمدين ليس فقط على المدخلات الموصى بها كجزء من المشاريع، ولكن أيضاً على الشركات التي تنتجها. وهذا يوضح مدى عدم استدامة نهج AGRA وتعرضه للأزمات.
مبيدات حشرية شديدة الخطورة.
توصلت التحليلات التي أجرتها مؤسسة روزا لوكسمبورغ، الخبز من أجل العالم، وFIAN، وINKOTA، ومنتدى البيئة والتنمية إلى إستنتاج مفاده، أن مشاريع AGRA في غانا تستخدم مبيدات حشرية محظورة أو مثيرة للجدل إلى حد كبير في الاتحاد الأوروبي. استخدام المبيدات الحشرية ينتهك أيضاً إرشادات الحكومة الفيدرالية. ووفقاً لتحليل المنظمات المذكورة، فإن استخدام المكونين النشطين، البروبانيل والبيرميثرين، غير المعتمدين في الاتحاد الأوروبي، ينتهك "الإطار المرجعي للشراكات الإنمائية في القطاع الزراعي والغذائي" الصادر عن الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية للبنك الدولي المعايير البيئية.
تم تصنيف العنصرين النشطين، البروبانيل والبيرميثرين، من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) على أنهما مكونان نشطان من الدرجة الثانية، وبالتالي يعتبران "خطرين إلى حد ما". بالنسبة للمبيدات الحشرية من هذه الفئة، يجب مراعاة احتياطات السلامة العالية بشكل خاص وفقاً للمعايير الأخرى المذكورة في الإطار المرجعي لـ BMZ. ووفقاً لوكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، يجب عدم دخول الحقول التي يتم فيها تطبيق المبيدات الحشرية التي تحتوي على البروبانيل أثناء الرش ولمدة 24 ساعة بعد الاستخدام. ويجب أن تشمل معدات حماية المزارعين، من بين أمور أخرى، قفازات مقاومة للماء وأحذية وجوارب مقاومة للمواد الكيميائية.
يجب تخزين البيرميثرين في مكان بارد وجاف وجيد التهوية، وخالي من المواد القابلة للاشتعال ومصادر الحرارة. لا يجوز إعادة استخدام الحاويات الفارغة. يجب أن يبقى المبيد مغلقا. وهذه كلها معايير استبعاد لاستخدام هذه المبيدات من قبل صغار المزارعين، كما ثبت في العديد من المنشورات العلمية حول استخدام المبيدات في أفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم المبيدات الحشرية التي تحتوي على المكونات النشطة غليفوسات وأوكسيفلورفين في مشاريع AGRA في غانا. لا يزال الغليفوسات معتمداً حالياً في الاتحاد الأوروبي، ولكن من المعروف أنه مثير للجدل إلى حد كبير. ووفقا للوكالة الدولية لأبحاث السرطان، وهي جزء من منظمة الصحة العالمية، فإن الغليفوسات "من المحتمل أن يكون مادة مسرطنة" للبشر. وأعلنت الحكومة الألمانية في إتفاقها الائتلافي، أنها ستزيل المنتجات التي تحتوي على الغليفوسات من السوق بحلول نهاية عام 2023. تمت الموافقة على أوكسيفلورفين في الاتحاد الأوروبي حتى عام 2024، ولكن لم تتم الموافقة عليه في ألمانيا. مثل البيرميثرين،الذي يتم تصنيفه على أنه "يحتمل أن يكون مادة مسرطنة".
تشكل العديد من المبيدات الحشرية تهديدا لصحة الإنسان أو البيئة. ووفقا لدراسة أجريت عام 2020، يعاني 385 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من التسمم الحاد بالمبيدات الحشرية كل عام، مقارنة بما يقدر بنحو 25 مليون حالة في عام 1990. وهذا يعني أن حوالي 44% من 860 مليون مزارع وعامل زراعي في جميع أنحاء العالم يعانون من التسمم كل عام. العديد من المبيدات الحشرية المستخدمة في الجنوب العالمي محظورة في الاتحاد الأوروبي لحماية الصحة أو البيئة، ولكن بفضل منظمات مثل AGRA وغيرها، تغمر هذه المواد الضارة السوق الأفريقية وتشكل تهديداً للمزارعين الأفارقة.
وتكشف التقييمات الخاصة المذكورة أعلاه أيضاً، كيف يمارس التحالف بشكل منهجي نفوذاً سياسياً على تشريعات الأسمدة والبذور في البلدان المتضررة - بما في ذلك عن طريق إرسال موظفين أو تقديم دعم مالي مباشر للوزارات أو الهيئات الاستشارية للحكومات الأفريقية. وبهذه الطريقة، يعمل التحالف نفسه على تعزيز إطار مؤسسي في عدد من البلدان ذات الأولوية، والذي يضفي الشرعية على مناهج الثورة الخضراء من خلال القوانين والشروط الإطارية، وبالتالي يحاول جعلها مُلزمة.
على سبيل المثال، يوضح تقرير التقييم الخاص بنيجيريا، كيف أن الضغط من أجل إدخال قوانين البذور التي يدعمها AGRA موجه في المقام الأول نحو مصالح الصناعة. وفي غانا، قام التحالف بتمويل الوكالات الحكومية التي تعمل على إصلاح السياسات بشكل مباشر - أربعة منها في مجالات البذور والأسمدة غير العضوية. وفي أوغندا، قام التحالف بدعم منصة وطنية مهدت الطريق للقطاع الخاص من خلال مراقبة جودة الأسمدة. إن تأثير ذلك للصناعة على الظروف السياسية يزيد من فرص المبيعات لمنتجات الثورة الخضراء وللشركات الدولية مثل شركة الأسمدة يارا، وهي شريك في مشروع AGRA. وقد ساعد تأثير AGRA على تشريعات البذور والأسمدة في البلدان ذات الأولوية الأفريقية على ترسيخ نموذج الزراعة الصناعية بعمق في العديد من الأطر والقوانين.
الثورة الفاشلة.
في خريف عام 2022، أعلنت AGRA عن تغيير صورتها في منتدى الثورة الخضراء الأفريقية السنوي (AGRF). منذ ذلك الحين، أسقطت AGRA عبارة "الثورة الخضراء" من اسمها. وفي الوقت نفسه، قدمت AGRA أستراتيجيتها الجديدة بشعار وعلامة تجارية جديدة. تعد أستراتيجية (2023 حتى2027) إلى حد كبير أستمراراً للبرامج والمبادرات التي تم تطويرها في بداية AGRA. التحالف من أجل السيادة الغذائية في أفريقيا، وهو أكبر حركة مجتمع مدني في القارة تجمع بين المزارعين ومربي الماشية والسكان الأصليين، أنتقد بشدة التحالف من أجل أفريقيا:أنَ  التغييرات كانت "تجميلية"، و"اعتراف بفشل" مشروع الثورة الخضراء و"الهاء ساخر" عن الحاجة الملحة إلى تغيير فعلي للمسار. ومنذ عام 2023، لم يعد المنتدى نفسه يسمى منتدى الثورة الخضراء الأفريقية، بل المنتدى الأفريقي للنظم الغذائية.
وفي المنتدى الأفريقي الأخير، عقدت منظمات المجتمع المدني الأفريقية مؤتمراً صحفياً دعت فيها إلى وضع حد للثورة الخضراء الفاشلة. وسلط المتحدثون الضوء على كيفية قيام التحالف بقيادة نموذج التنمية الذي يزيد الاعتماد على المدخلات الصناعية ويقوض قدرة النظم الغذائية في أفريقيا على الصمود. ودعوا إلى التحرك بشكل حاسم بعيداً عن الأسمدة غير العضوية المستوردة وغيرها من المواد الكيميائية، وبدلاً من ذلك نحو الزراعة الإيكولوجية، التي تعمل على تنشيط التربة وحماية النظم البيئية. » وقالت ليونيدا أودونغو، المؤسس المشارك لمنظمة(Haki Nawiri Africa)، وهي منظمة غير حكومية في شرق إفريقيا: “إن أفضل الأشخاص الذين يمكنهم حل مشاكل أفريقيا هم سكان القارة نفسها”.
ستكون الخطوة المهمة هي أن تقوم الحكومات المانحة في الشمال العالمي بإنهاء كل الدعم السياسي والمالي لـ AGRA. ومع ذلك، لا تزال العديد من الحكومات تلتزم بمبادئ الثورة الخضراء التي عفا عليها الزمن، على سبيل المثال من خلال دعم مبادرة إطعام أفريقيا، التي يدعمها بنك التنمية الأفريقي (AfDB)، من بين جهات أخرى، ومنظمة One Acre Fund أو التحالف العالمي من أجل التنمية. (التحالف العالمي للأمن الغذائي GAFS).
وبدلا من ذلك، ينبغي إعادة تنظيم السياسات الزراعية والغذائية العالمية - مع التركيز على الزراعة الإيكولوجية وإعمال الحق في الغذاء.
الزراعة الإيكولوجية هي ممارسة زراعية تقلل من الحاجة إلى المبيدات الحشرية والأسمدة غير العضوية، أو تستخدم العمليات البيولوجية بذكاء لزراعة الغذاء. هناك حركة أجتماعية تنمو حول الزراعة الإيكولوجية التي تعزز التبادل والأحترام مع المزارعين الذين ينتجون طعامنا. أحد الأهداف المهمة للزراعة الإيكولوجية هو تطوير حلول ملائمة محلياً لصغار المزارعين الذين يعملون بالموارد المتاحة دون تدمير البيئة.
والسؤال الحاسم هو ما إذا كانت عواقب الحرب في أوكرانيا، وآثار تغير المناخ، والعدد المتزايد من الجياع والعديد من الأزمات الأخرى في العالم تفتح أعيننا، وما إذا كان بإمكاننا دفع التحول الزراعي الضروري إلى الأمام. أم أن العالم سيتمسك بالثورة الخضراء الفاشلة ويتعثر أكثر في الكارثة؟

*يان أورهان: مدير برنامج السيادة الغذائية في مؤسسة روزا لوكسمبورغ.



8
الليبرالية الجديدة تلوح مرة أخرى في الأرجنتين
ترجمة وإعداد :حازم كويي

مع الفوز الانتخابي الذي حققه خافيير ميلي، الذي وصف نفسه بالرأسمالي الفوضوي، فإن اوقاتاً صعبة تنتظر الأرجنتين. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه إلى أي مدى سيتمكن الرئيس المستقبلي من تنفيذ سياساته المناهضة للدولة.
خلال الحملة الانتخابية كان يحب الظهورمع المنشار. وفاز بشكل مفاجئ في مرحلة الإعادة الثانية للرئاسة الأرجنتينية بنسبة 56 بالمئة تقريباً من الأصوات ضد وزير الاقتصاد الحالي سيرخيو ماسا.
خافيير ميلي يرغب في تقليص النظام الحالي بشكل جذري. وشبّه الدولة بعبارات واقتباسات جنسية مثيرة للإشمئزازأثناء حملته الأنتخابية، ما يكشف فيها عن أفكار رئيس الأرجنتين المستقبلي. وميله إلى نوبات الغضب غير المُنضبطة والمظاهر الغريبة، اذ يمكن بسهولة تصويره بالمريض النفسي المدفوع بالكراهية لكل ما هو يساري وجماعي وتقدمي، ليست مُناسبة على الإطلاق لتحمل المسؤولية السياسية والاقتصادية.
ومع ذلك، وعلى غرار دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية أو جايير بولسونارو في البرازيل، تم انتخاب ميلي وعلى وجه التحديد بسبب عدم احترامه المطلق للطبقة السياسية التي يرفضها الكثيرون - وخاصة الشباب - بشدة. ومن أجل فهم التأثيرات التي خلفها نجاح خافيير ميلي في الانتخابات، لا يكفي أن ننتقد أداءه. وبغض النظر عن الطريقة التي سيعتمدها، فإن المشكلة الرئيسية هي مقترحاته السياسية ومحتواها، والتي يريد تنفيذها بعد توليه منصبه في العاشر من كانون الأول (ديسمبر).
يعتبر ميلي الدولة منظمة إجرامية تُقيد الحرية الفردية من خلال تحصيل الضرائب القسري. هذه الحرية، التي يدافع عنها الليبراليون اليمينيون أو الذين يَدعون أنهم رأسماليون لاسلطويون، لا تفيد إلاّ الأغنياء وهي انتقائية للغاية في القضايا الاجتماعية. ميلي ونائبه المستقبلي فيكتوريا فيلارويل، يُقللان من شأن الدكتاتورية العسكرية الأرجنتينية (1976 إلى 1983) ويمثلان وجهة نظر الجناة الذين أدعوا أنهم أنقذوا البلاد من التهديد الشيوعي المفترض. وهو يرغب في تحرير تجارة الأعضاء لأن الجميع يمكنهم اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن أجسادهم. ومع ذلك، فهو يرفض بشدة عمليات الإجهاض، التي شرّعتها الأرجنتين في عام 2021 بعد نضالات نسوية طويلة.
أحد الأسباب الرئيسية لصعود ميلي السريع هو عدم قدرة حكومة يسار الوسط المنتهية ولايتها على إبطاء الانكماش الاقتصادي، الذي أثر بشكل خاص على الطبقات الدنيا. وبلغ التضخم 94 بالمئة في 2022، ويمكن أن يصل هذا العام الى الضعف تقريباً.
ويلقي العديد من الأرجنتينيين المسؤولية عن الوضع الاقتصادي على عاتق كل من طيف يسار الوسط من البيرونيين ومعسكر المحافظين النيوليبراليين المحيط بالرئيس السابق موريسيو ماكري. وفي أزمة التمثيل هذه، تمكن ميلي من الوقوف باعتباره دخيلاً مفترضاً ضد المعسكرات السياسية المتصلبة. وعلى الرغم من أن صعوده  يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة الاقتصادية في الأرجنتين، إلا أنه يمثل أيضاً رد فعل على التقدم الاجتماعي في مجالات حقوق الإنسان والسياسة الجنسانية والضمان الاجتماعي الذي حققته الأرجنتين في العقود الأخيرة. هذه المواضيع، التي تتغذى على الحروب الثقافية الشعبوية اليمينية، تشمل أيضاً إنكار ان تغير المناخ من صنع الإنسان، والذي يعتبره ميلي “اختراعاً اشتراكياً”.
وهو يريد تقليص الدولة إلى سبع وزارات. وما يتبقى هو وزارات الاقتصاد والأمن والعدل والداخلية والبنية التحتية والشؤون الخارجية والدفاع. ويريد خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتحرير الاقتصاد وخفض الإنفاق الحكومي بشكل كبير. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي إلغاء المزايا الاجتماعية والإعانات المقدمة للسلع العامة مثل الكهرباء أو الماء أو النقل المحلي. ميلي يريد أيضاً التخلي عن عملة الأرجنتين الوطنية، البيزو، لصالح الدولار الأمريكي وإلغاء البنك المركزي. وأكد في خطابه بعد فوزه في الانتخابات بأن سياسته الاقتصادية المستقبلية "لا مجال فيها لمقاربة تدريجية أو فاترة، ولا مجال لأنصاف التدابير". لم يسبق لأحد أن فاز في الانتخابات في الأرجنتين بمثل هذه المطالب الجذرية للعلاج بالصدمة. وهذا يعني بلا شك نقطة تحول سياسية لهذه الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية.
ومع ذلك، فإن هذه الوصفات الاقتصادية تُذكّر بنسخة مُبالغ فيها من التجارب النيوليبرالية الفاشلة في التسعينيات. ولإنهاء التضخم المفرط، سيطر الرئيس الأسبق كارلوس منعم على البلاد. ومنذ عام 1989 فصاعدا، وخلافا لوعوده الأصلية، انقلب رأسا على عقب تحت رعاية صندوق النقد الدولي (IMF) باتباع سياسة اقتصادية نيوليبرالية صارمة. وقام بتحرير تحركات رأس المال والقطاع المصرفي، وخصخص الشركات المملوكة للدولة بأقل من قيمتها، ونفذ سياسة نقدية موجهة نحو الاستقرار، وربط البيزو المحلي بشكل مصطنع بالدولار الأميركي. وانخفض التضخم بشكل ملحوظ نتيجة لذلك. وكان المُستثمرون غارقين في الحماس، وأشاد صندوق النقد الدولي بالأرجنتين على المستوى الدولي باعتبارها الطالب النموذجي. كانت البلاد غارقة في القروض، وكان ينظر إليها أيضاً على أنها "بنك آمن" من قبل الدائنين من القطاع الخاص. وبموجب القانون، كان البيزو مرتبطاً بالدولار بسعر ثابت، وكان الجميع على ثقة من أن صندوق النقد الدولي سيتدخل إذا حدثت مشاكل في الدفع مرة أخرى. ولم يكن أحد يريد الاعتراف بالفساد الهائل والمحسوبية التي ميزت النصف الثاني من التسعينيات على وجه الخصوص. كما أضر ربط الدولار بالبيزو المُبالغ في تقدير قيمته بالصناعة المحلية من خلال جعل الواردات أرخص. وحين أصبح الانحدار الاقتصادي في الأرجنتين واضحاً بالفعل، كان الفقر والتفاوت الاجتماعي قد تزايدا بشكل كبير بالفعل، واستمر صندوق النقد الدولي في ضخ أموال جديدة إلى البلاد. لم يكن الأمر كذلك بحلول نهاية عام 2001، عندما رفض تسديد القروض، مما أدى إلى التخلف عن السداد والانهيار الاقتصادي.
استقر الوضع الاقتصادي في ظل حكومات يسار الوسط في عهد الرئيس السابق نستور كيرشنر (من 2003 إلى 2007) وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر (من 2007 إلى 2015). واستفادت الأرجنتين من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والدعم من الحكومات الأخرى ذات الميول اليسارية. وتدخلت الدولة بقوة أكبر في الاقتصاد مرة أخرى، وحررت نفسها من براثن صندوق النقد الدولي ونفذت تخفيضاً شاملاً للديون. وانخفض الفقر وعدم المساواة الاجتماعية بشكل ملحوظ. وأعاد الرئيس النيوليبرالي موريسيو ماكري (من 2015 إلى 2019) البلاد إلى الأسواق المالية بعد فوزه في الانتخابات من خلال سداد ما يسمى بالصناديق الجشعة التي اشترت ديون الأرجنتين التي لا قيمة لها بأسعار غير مرغوب فيها. لكن البلاد انزلقت مرة أخرى إلى الأزمة الاقتصادية. وعندما رأى الرئيس أن إعادة انتخابه معرضة للخطر، حصل ماكري على قرض قياسي بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في ظل ظروف مشكوك فيها. ومع ذلك فقد خسر الانتخابات. ولو لم تتفق الحكومة المنتهية ولايتها تحت قيادة البيروني اليساري ألبرتو فرنانديز (غير المرتبط بكريستينا فرنانديز) على إعادة هيكلة الديون مع صندوق النقد الدولي في آذار 2022، لكانت الأرجنتين في حالة تعسر مرة أخرى.
لا يوجد ما يشير إلى أن الأمور يجب أن تكون مختلفة في عهد ميلي عما كانت عليه في الفترات النيوليبرالية السابقة. تمثل آراؤه السياسية شكلاً أكثر حدة من الصراع الطبقي من مما كان عليه في التسعينيات وستؤدي إلى تفاقم الوضع الاجتماعي للغالبية العظمى من السكان. ويبدو من المستحيل أن يتم تنفيذ برنامجه في الأرجنتين، في ظل حركاتها الاجتماعية ونقاباتها العمالية المنظمة تنظيماً جيداً، دون مقاومة هائلة في الشوارع. إن التوجه الاجتماعي الواضح الذي أعلنه ميلي سوف يؤدي إلى زيادة في الصراع والمقاومة، وهو الأمر الذي من المرجح أن يرد عليه الرئيس الجديد بطريقة قمعية. لكن يتعين على ميلي مجابهة رياح معاكسة شديدة ضده من المؤسسات. فهو يفتقد الى دعم رؤساء بلديات. ويشغل حزبه في مجلس النواب "لا ليبرتاد أفانزا" (الحرية تتقدم) 36 مقعداً فقط من أصل 257 مقعداً. وفي مجلس الشيوخ (البرلمان) لا يملك سوى ثمانية مقاعد من أصل 72 مقعداً. وقد دعم الرئيس السابق موريسيو ماكري، من بين كل الناس، ميلي في إنتخابات الإعادة. ومن المرجح أن يلعب دوراً أساسياً في ترسيخ القدرة على الحكم، وأن يتم تشكيل حكومة ائتلافية من نوع ما، حيث سيمارس تحالف ماكري "معاً من أجل التغيير"، الذي غابت مرشحته باتريشيا بولريتش عن جولة الإعادة، نفوذاً كبيراً. ويمثل هذا ثاني أقوى قوة بعد البيرونيين في مجلسي الكونغرس. ومع ذلك، فليس كل النواب يؤيدون هذا النهج تجاه ميلي.
ووفقا للتقديرات، سيقف مع ميلي في النهاية حوالي ثلث النواب في الكونغرس. لذا لن يكون بإستطاعته القطع بالمنشار لمسافة طويلة لوحده. وخلال الحملة الانتخابية، أشار ميلي أيضاً إلى أنه سيتم إجراء استفتاءات على قرارات معينة. ومع ذلك، وفقاً للقانون الحالي، يجب موافقة البرلمان على هذه التعديلات. ولذلك فهو يحتاج الى التفاوض مع المعارضين السياسيين. لكن هذا قد يؤدي بسرعة إلى عدم قدرة ميلي على الوفاء بوعده بتقليص حجم الدولة بشكل جذري وفقدان شعبيته. وحتى في غياب العوائق المؤسسية، لا يمكن تنفيذ دولرة الاقتصاد بما في ذلك إلغاء البنك المركزي. فالدولارات المتداولة في الاقتصاد الأرجنتيني حالياً قليلة جداً، ولم تقم أي دولة أعتمدت الدولار الأمريكي حتى الآن بإلغاء البنك المركزي.
خطاب ميلي المتوحش ضد الدولة والطبقة السياسية برمتها قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نسخة إعادة التفاوض بشأنها من السياسات النيوليبرالية، والتي فشلت بالفعل عدة مرات في الأرجنتين، ولكنها لا تذهب إلى حد "الليبرتارية اليمينية" المنتشرة التي تبناها ميلي. ومن أجل ترسيخ نفسه بشكل دائم في الحياة السياسية الأرجنتينية، يتعين عليه تعزيز نفوذه في المؤسسات وبناء قاعدة اجتماعية تتجاوز مجرد رفض السياسة الحالية.
وبالنسبة للقطاعات الأفقر من السكان، والحركات الاجتماعية، والساسة من يسار الوسط، فإن الخطوة الأولى تتلخص في منع الأسوأ وتطوير بديل يساري جدير بالثقة، ليصبح ميلي منسياً في التأريخ قريباً. ولكن حتى ذلك الوقت، ستواجه الأرجنتين أربع سنوات ضائعة على الأقل.

9
البرازيل: أصلاحات واسعة النطاق ضد الفساد.

أعداد: حازم كويي
تمكن الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا خلال 200 يوم بعد تولي منصبه من إلغاء الكثير من اللوائح التنظيمية للرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، بعد أن اعتبرت ضارة بالديمقراطية في البلاد.
في الوثيقة حول الإصلاح الكبير واستعادة الديمقراطية البرازيلية، تبين أن حكومة لولا تجاهلت 46% من الأحكام الأساسية. واستخدمت الحكومة السابقة القوة لعكس عمليات التراجع القانوني والتخفيضات الاجتماعية.
تؤكد ناتاليا سيرميتا، رئيسة مؤسسة لاورو كامبوس إي مارييل فرانكو، أن "توازن 200 يوم الأولى من الحكومة يُظهر تقدماً مهماً". تعتمد الميزانية العمومية على دراسة حول الإصلاحات الرئيسية والتراجع عن سياسات بولسونارو المُدمرة. تم تطوير الوثيقة من قبل المؤسسات في نهاية عام 2022. ويتضمن أكثر من 20 ألف بند - من المراسيم إلى اللوائح إلى التدابير المؤقتة - من عهدالرئيس السابق. وبعد فوز لولا في الانتخابات، تم تقديم الدراسة إلى فريقه الانتقالي.
ومن بين 97 لائحة ألغتها الحكومة الحالية، 45 منها تتعلق بالسلامة العامة. وفي المرتبة الثانية تأتي السياسات الاقتصادية، تليها الثقافة، والبيئة، ثم النفط والغاز والطاقة، والتعليم.
«من الواضح أن الحكومة الجديدة ملتزمة بتفكيك الهياكل البولسونية (نسبة لبولسونارو). ولكن التحدي الكبير الآن لا يتمثل في تفكيك الآليات اليمينية المتطرفة المدمرة فحسب، بل وأيضاً في اتخاذ تدابير ملموسة لمعالجة المشاكل الملحة التي تواجه الشعب البرازيلي. يقول خورخي بيريرا فيلهو، المنسق مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ في ساو باولو: "بدون المزيد من الخطوات الأساسية لمكافحة عدم المساواة الاجتماعية والعنصرية الهيكلية، فإن الإصلاح المنشود لن يكون فعالا".
تحتوي الوثيقة المنشورة مؤخراً حول الإصلاح الشامل على تحليل نوعي للدخول إلى الحكومة. ويسلط الضوء على أن اعتماد إطار الميزانية، على الرغم من القيود التي ينطوي عليها، يمكن أن يكون بداية لاستثمارات عامة جديدة. ومع ذلك، يجب تأكيد ذلك أولاً في الميزانية التي تقدمها الحكومة إلى الكونغرس لعام 2024، بعد هذا العام لم تتمكن الحكومة من العمل إلا بالأموال التي تمت الموافقة عليها في العام الأخير لبولسونارو في منصبه.
وعلى الرغم من المواجهة مع القوى اليمينية المتطرفة التي تهدد الديمقراطية - كما حدث في أعمال الشغب في الثامن من يناير - فإن النجاحات التي حققها حزب العمال يمكن رؤيتها ملموسة. "يجدر تسليط الضوء على استئناف برنامج الإسكان الاجتماعي (My House My Life) بيتي حياتي - وهي خطوة مهمة لمواجهة الوضع المزري الذي يعيش فيه ملايين الأشخاص في البرازيل بدون سكن لائق. وفيما يتعلق بأداء المهام العامة للدولة، هناك ترحيب بإلغاء الخصخصة واستئناف إجراءات المناقصات العمومية للوظيفة العمومية مع التقدير المتزايد لهذا القطاع".
ومع ذلك، يشير تحليل المؤسسات أيضاً إلى أن هناك مجالات لم يكن التقدم فيها ملحوظاً بعد، مثل إصلاح الأراضي أو سياسة الهجرة التمييزية التي خلقت مفهوم "الشخص الخطير".
تؤكد الدراسة أيضاً على أن التقدم في القدرة السياسية للدولة لتعزيز العدالة الاجتماعية والبيئية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الضغط السياسي من السكان والتفكيك المستمر للركائز السياسية لحكومة بولسونارو. «على المستوى الأيديولوجي، من المهم إنهاء 100 عام من السرية بشأن قضايا مثل الإنفاق،وكمثال منها بطاقات الائتمان الخاصة ببولسونارو، وإنهاء برنامج المدارس المدنية العسكرية، وإعادة إرساء سياسات مسؤولة للسيطرة على الأسلحة، وإغلاق جامعي الأسلحة والرماة والصيادين والأندية المرتبطة بها، لتكون خاضعة لرقابة أكثر دقة.
كما تُلفت الدراسة، الانتباه إلى وجود قوى يمينية متطرفة في المؤسسات البرازيلية، محذرةً من شكل الحكومة الذي يعتزم آرثر ليرا(المدعوم من بولسونارو)، رئيس مجلس النواب، فرضه. وهذا يمكن أن يُعرض للخطر مكافحة عدم المساواة في السياسة مرة أخرى.

10
عودة صعود الصين الى أحد المراكز العالمية
الفصل الحادي عشرمن كتاب"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
القسم الأول.
ميشائيل بري*
ترجمة :حازم كويي


يُحذر العديد من المراقبين من إندلاع حرب باردة جديدة، أولئك الذين أقسموا بشدة بأنهم لا ينوون شن هذه الحرب الباردة ضد الصين، وهم من بدأوها منذ فترة طويلة و تاريخ طويل في الحرب الباردة القديمة.
في 22 فبراير 1946، أرسل السفير الأمريكي، جورج ف. كينان، مذكرة طويلة من موسكو إلى وزارة الخارجية الأمريكية، "Long Telegram" الشهيرة. وتم نشرها في عام1947 بشكل مجهول ("X") تحت عنوان "مصادر السلوك السوفيتي" في الشؤون الخارجية. وشدد كينان على أن "أهم عنصر في أي سياسة أمريكية تجاه الاتحاد السوفيتي يجب أن يكون على المدى الطويل بالصبر، وفي الوقت نفسه بشكل حازم ويقظ للتوجهات التوسعية لروسيا.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن مثل هذه السياسة لا علاقة لها بالسلوك الخارجي: بالتهديدات أوالتباهي أو الإيماءات الزائدة عن الحاجة لـ "القسوة" الخارجية.على الرغم من مرونة  الكرملين بطبيعته في أستجابته للوقائع السياسية، فهو ليس منيعاً عن الأسئلة المتعلقة بالهيبة بأي حال من الأحوال.الوضع الداخلي ومسؤوليات القوة العالمية،والتي لديها حيوية روحية قادرة على التحرك في ظل التيارات الأيديولوجية العظيمة في ذلك الوقت "(كينان 1947: 581)، وفقاً لكينان، كان ميزان القوى واضحاً:" لدينا 50٪ من ثروة العالم، ولكن فقط 6.3 ٪ من السكان. هذا التفاوت كبير بشكل خاص بيننا وبين شعوب آسيا. في هذه الحالة، فنحن حتماً هدف الحسد والاستياء. مهمتنا الحقيقية في الفترة المقبلة هي تطوير بنية علاقة تمكننا من الحفاظ على هذا الموقف غير المتكافئ [...]. «(كينان 1948: 20).
بعد 75 عاماً، وقبل فترة وجيزة من تولي جو بايدن منصب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة ، » The Longer Telegramنحو استراتيجية أمريكية جديدة للصين>> ، نشره معهد عبر الأطلسي في واشنطن.وبشكل مجهول مرة أخرى. تصوغ هذه الوثيقة الاستراتيجية إجماعاً أساسياً جديداً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي تم تنفيذها باستمرار من قبل إدارة بايدن ودُعمت من قبل كلا الحزبين في الكونغرس ومجلس الشيوخ.
وتمت صياغة المقدمات الأولية على النحو التالي: "إن التحدي الأكثر أهمية الذي يواجه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين هو صعود الصين الاستبدادية بشكل متزايد في عهد الرئيس والأمين العام شي جين بينغ. […] إن شي قومي لا يمكن إصلاحه ويستخدم القومية العرقية لتوحيد بلاده ضد كل الهجمات الداخلية والخارجية على سلطته.   […] أصبحت الصين في عهد شي جين بينغ تشبه على نحو متزايد شكلاً جديداً من أشكال الدولة البوليسية الشمولية. وفي خروج كبير عن أسلافه الذين كانوا يكرهون المخاطرة في مرحلة ما بعد ماو، وأظهر بأنه يريد توسيع النظام الاستبدادي في الصين، والسياسة الخارجية القسرية والوجود العسكري إلى ما هو أبعد من حدود بلاده إلى العالم بأسره. وخلافاً لدينغ شياو بينغ، وجيانغ تسه مين، وهو جين تاو، فإن الصين في عهد شي جين بينغ لم تعد قوة الوضع الراهن. لقد أصبحت قوة تحريفية.« (2021: 6،مجهولون Anonymos ).
يصوغ المؤلفون أهم الأهداف بالترتيب التالي: »الحفاظ على التفوق الاقتصادي والتكنولوجي الجماعي [للولايات المتحدة الأمريكية، M.B.]؛ حماية المكانة العالمية للدولار الأمريكي؛ الحفاظ على قوة الردع العسكرية التقليدية الساحقة ومنع حدوث تحول غير مقبول في التوازن النووي الاستراتيجي؛ منع أي توسع إقليمي صيني، ولا سيما إعادة التوحيد العنيف مع تايوان […].« (Anonymos 2021: 9) وكانت النقطة الأخيرة التي أثيرت هي “معالجة التهديدات العالمية المشتركة المستمرة، بما في ذلك منع تغير المناخ الكارثي” (Anonymos 2021: 9).
هذا هو برنامج قوة إمبريالية مهيمنة تسعى إلى تأكيد هيمنتها ضد المنافس، وبالإضافة إلى روسيا في غرب القارة الأوراسية، تضع في اعتبارها الصين بشكل خاص في شرق هذه القارة. هذه حرب باردة لأنها تقوم على التأكيد على العداء الأساسي للقيم - العداء بين الحرية والعبودية، الديمقراطية والاستبداد، والنظام الدولي القائم على القواعد والمراجعة العدوانية لهذا النظام، والدفاع عن حقوق الإنسان والإصلاح. سياسة قمعية تسمى إبادة جماعية.
لقد نسي الغرب ما عانت منه الصين من القمع الإمبراطوري والتجاهل على يديها.
تهدف سياسة الولايات المتحدة الآن بشكل علني إلى تركيز كل الجهود للقضاء على الصين كمنافس أو على الأقل إبقائها في وضع أدنى بشكل دائم. ولا تزال هذه القاعدة شرعية بافتراض أن الولايات المتحدة محكوم عليها للحكم، لأن هذه القاعدة هي الشرط الحاسم للسلام والتنمية العالمية.
لقد تم دمج سعي الولايات المتحدة للحفاظ على هيمنتها العالمية مع إيديولوجية أصولية لنضال "الخير" ضد "الشر" في شكل "الديمقراطية" ضد "الأنظمة الاستبدادية".
يتحدث جيفري ساكس عن "حملة صليبية مقدسة" ضد الحزب الشيوعي الصيني (ساكس 2020) ويحذر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر: "إذا كان تفضيل إن إعلان الديمقراطية باعتبارها الهدف الرئيسي في العلاقات الدولية في عالم اليوم يؤدي إلى دافع تبشيري. وقد يؤدي ذلك إلى صراع عسكري آخر مثل حرب الثلاثين عاماً.» (Zand 2022: 50)
ماركو ديرامو على حق: "في 7 أكتوبر [2022، M.B.]تم إعلان الحرب العالمية. ولم تنشره أي قناة إخبارية، رغم أننا جميعا سنشعر بآثاره. في ذلك اليوم، شنت إدارة بايدن هجوماً تكنولوجياً ضد الصين، حيث حظرت ليس فقط تصدير الدوائر المتكاملة ولكن أيضاً تصميماتها، والآلات التي "تكتبها" على السيليكون، والأدوات التي تصنع تلك الآلات. قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو: "من [الصين]". "علينا أن نكون متقدمين عليهم بخطوة.وعلينا أن نحرمهم من التكنولوجيا التي يحتاجونها لتطوير جيشهم". (مقتبس في جاكسون 2023) وبهذا أصبحت الولايات المتحدة دولة هجومية مع سياسة منع نشاط الصين من الصعود كواحدة من القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين. وكما كتب غريغوري سي.ألين  من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "تظهر هذه الإجراءات مستوىً غير مسبوق من تدخل الحكومة الأمريكية ليس فقط للحفاظ على السيطرة على نقاط الاختناق، ولكن أيضاً سياسة أمريكية جديدة تتمثل في بدء خنق قطاعات كبيرة من صناعة التكنولوجيا الصينية – الخنق بنية القتل”.
Allen)2022) ظهور عالم تكنولوجي اقتصادي ما يعادل الولايات المتحدة الأمريكية قوة ينبغي منعها بكل الوسائل.وهكذا تتحول الولايات المتحدة من الوصي على التجارة العالمية الحرة إلى طرف فاعل في تدميرها (Yang Rong 2023).
إن التصعيد المتعمد للموقف حول تايوان، وإنشاء تحالف عسكري في غرب المحيط الهادئ، على عتبة بوابة الصين، أشبه بحلف شمال الأطلسي على عتبات أبواب الاتحاد السوفييتي أولاً ثم روسيا لاحقاً،الذي يشكل جزءاً من هذه الاستراتيجية. ما هو الإ تهديد سياسي وعسكري مباشر للصين.
أصبحت هذه الحرب الباردة الجديدة للولايات المتحدة وحلفائها أيديولوجية في كفاحها المعلن لـ "الديمقراطيات" ضد "الأنظمة الاستبدادية" باسم "حقوق الإنسان" و"النظام القائم على القواعد". إنها «قصة حرب» حقيقية (مولر 2022). مثل هذه السياسة لن تؤدي إلا إلى زيادة "الفوضى العالمية" (ماسالا 2022: 11) لأن كل شئ مصمم ليكون لعبة تكون   محصلتها صفر من النصر والهزيمة. يصبح تحالف القوى مستحيلاً.
إن تقديم الغرب نفسه،وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها معياراً لمجتمع جيد، أي ليبرالي، يقلل من قيمة المجتمعات الأخرى كما حدث خلال 500 عام من الهيمنة الإمبراطورية.
   وحسب قياسها بتنفيذ حقوق الإنسان السياسية الفردية، فإنها محرومة من الشرعية. حيث يتم تخفيض مرتبة الأبعاد الأخرى لحقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية والثقافية والبيئية والحق في التنمية أو التضامن إلى مستوى ثانوي.
ومن جانبها، عملت القيادة الصينية بشكل مكثف على مدى العقد الماضي لتطوير خطاب مضاد، مصحوباً بسلسلة كاملة من المبادرات الطموحة للغاية، والتي لم يظل أغلبها مجرد إعلانات نوايا. ويشير مارتن جاك بالترتيب الزمني إلى «الحلم الصيني، وطريق الحرير، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والمفهوم الجديد للعلاقات بين القوى العظمى، ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والدورة المزدوجة». [الاقتصاد المحلي والتجارة الخارجية،M.B.]« (Jack2022.(a
إن الاختلافات بين الولايات المتحدة والصين جوهرية. وهي تتعلق بـ (1) تقييم أهداف الصين، (2) رؤية نظام دولي جديد، (3) دور الصين كقوة عالمية ذات توجه إصلاحي والشحن الأيديولوجي للاختلافات باعتبارها مواجهة للنظام، و(4) موقف الصين،وهي تضع لنفسها أستراتيجية، كواحدة من مراكز التطور في عالم اليوم.
تقييم أهداف الصين.
هناك افتراض واسع الانتشار في الغرب بأن الصين، على غرار بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر والولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، تسعى جاهدة إلى الهيمنة العالمية وإلى تحقيق ذلك من خلال وسائل عدوانية وفي انتهاك للقانون الدولي، كما جاء في "تلغرام مطول " في حين يتم تعريف الهيمنة الأمريكية بالديمقراطية والحرية والتعاون من أجل المنفعة المتبادلة، فمن المفترض أن تكون الصين على العكس من ذلك. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لخص وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن استراتيجية الولايات المتحدة في أحد خطاباته الأولى:
«إن الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لخلق نظام مستقر،التحدي الجدي للنظام الدولي المستقر والأكثر أنفتاحاً ». كل القواعد والقيم والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريدها لأنها في النهاية تخدم مصالح وقيم الشعب الأمريكي. إن علاقتنا مع الصين سوف تكون تنافسية عندما ينبغي لها أن تكون، وتعاونية عندما يكون ذلك ممكناً، ومعادية عندما يجب أن تكون كذلك.
والقاسم المشترك هو الحاجة إلى مواجهة الصين من موقع القوة. للقيام بذلك، يجب علينا أن نعمل مع الحلفاء والشركاء وعدم تشويه سمعتهم، لأن وزننا المشترك يصعب على الصين تجاهله. « (بلينكن 2021) من هذا المنظور، فإن التفوق التكنولوجي والاقتصادي والسياسي والعسكري للولايات المتحدة، على أساس أوسع تحالف ممكن من الشركاء ونظام عالمي يصب في مصلحة الجميع. تظهر الولايات المتحدة كقوة مهيمنة تتوافق مصلحتها في هيمنتها على النظام الدولي مع مصلحة الجميع في "نظام قائم على القواعد" توفره وتؤمنه الولايات المتحدة كمشاعات عالمية (Menzel 2015: 1082–1084). ومن وجهة النظر هذه، فإن كل صعود لدولة أخرى إلى قوة متساوية يجب أن يظهر حتماً كتهديد لمصالحها الوجودية وتهديد للنظام الدولي الذي يستفيد منه الجميع. وإذا كان الأمر كذلك،فلا يوجد أي أمل للصين في ألا تتجاوز الولايات المتحدة ذلك من جانب واحد القواعد ذاتها التي تدافع عنها الولايات المتحدة في التعامل مع الصين لتبرير تفوقها.
مثل هذا الوضع التاريخي للمواجهة بين قوة صاعدة وقوة تدافع عن الوضع الراهن المناسب لها، وصفه لأول مرة المؤرخ اليوناني ثوسيديدس على خلفية الحرب التي دامت ما يقرب من ثلاثين عاماً بين أثينا والحلف البحري الديلي من ناحية (الحلف الديلي هو رابطة من دول المدن اليونانية تأسست في عام 478 قبل الميلاد.المترجم) و تم وصف الدور البيلوبونيزي بقيادة سبارطة (431 إلى 404 قبل الميلاد). وصعود أحدهما، يبدو للآخر رجوعاً حتمياً وتهديداً وجودياً. وتصبح المناسبات البسيطة نقطة البداية للمواجهة الشاملة، التي تتغذى أيضاً على شحن الخلافات نحو عداء القيم. وكما كتب ثوسيديدس في المقدمة: «إن السبب النهائي والحقيقي، والذي بالطبع لم يتم الحديث عنه كثيراً، أراه في زيادة قوة الأثينيين، مما زرع الخوف في نفوس اللاسيديمونيين [سبارطةM.B.] وأجبرهم على الحرب” (ثوكيديدس 2000: 25).
يعتبر فخ ثوسيديدس نموذجاً للعديد من الدراسات الحالية (انظر أليسون 2018 فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين). وهذا هو الفخ على وجه التحديد الذي تريد القيادة الصينية تجنبه بأي ثمن. في جنيف عام 2017، أعلن شي جين بينغ في خطاب بعنوان "البناء المشترك لمجتمع البشرية المستقبلي": "إذا تمتعت كل الدول بالسلام، فسوف يستفيد العالم أيضاً، إذا تقاتلت بعض الدول مع بعضها البعض، فإن العالم سيعاني أيضاً. فمن الحرب البيلوبونيسية (حرب يونانية بين أثينا وسبارطة) في القرن الخامس قبل الميلاد إلى الحربين العالميتين والحرب الباردة التي استمرت أكثر من 40 عاماً في القرن الماضي - هناك دروس مؤلمة وعميقة يمكن تعلمها من كل اضطرابات الحرب.« (شي جين بينغ 2018: 662). إن وجهة نظر القيادة الصينية في التعامل مع الوضع الجديد تختلف تماماً عن وجهة نظر الولايات المتحدة. ويوصف صعود الصين أيضاً بالصفر الثلاثي: لاحروب في الصين،لا فقر مدقع، ولا أحياء فقيرة في المدن.
الآن يمكن للمرء أن يرفض "القيود" أمام هدف إعادة ظهور الغرب كحضارة رائدة باعتباره مجرد خطاب بلاغي، تكمن خلفها محاولة إنشاء كتلة عالمية مناهضة للغرب تهدف إلى التفوق. لكن هذا يفترض أن القيادة الصينية لا تعرف أهم الحقائق: مشروع إمبريالي عالمي، كما اتبعته الولايات المتحدة بعد عام 1945 (في ذلك الوقت كانت حصة الولايات المتحدة من الناتج القومي العالمي 50 في المائة، وكانت الولايات المتحدة تمتلك 80 في المائة من العملة الاحتياطية)، من شأنه أن يسخر من الهدف ذاته، الذي تحاول الصين تحقيقه، من خلال إجبار غالبية الدول الأخرى على الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، حتى في ظل الظروف المواتية للغاية، لا يمكن للصين إلا أن تأمل في تطوير نفس القوة الاقتصادية تقريباً مثل الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها بشكل وثيق (بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها) بحلول عام 2040.
وفي الوقت نفسه، من المرجح تبوء الهند لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم1" يشير كريس أوغدن بحق إلى أنه في حالة الهند، كما في حالة الصين بعد عام 1972، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تجابه حالياً مرة أخرى خصماً لمنافسها الرئيسي، والذي بدوره سيتحدى القوة المتفوقة للولايات المتحدة الأمريكية على المدى الطويل. (أوغدن 2022)". وستكتسب الدول الأفريقية القوة ((PricewaterhouseCoopers 2017: 3–5). لقد كان بريجنسكي على حق عندما وصف الولايات المتحدة بأنها القوة العظمى العالمية الأخيرة والتي من المرجح أن تكون هيمنتها الأحادية قصيرة الأجل (بريجنسكي 1999: 298–307).
وعلى حد تعبير وانغ جونغوو من سنغافورة: "إن شي جين بينغ وزملاؤه ليسوا من الحماقة لدرجة أنهم يحاولون استبدال الولايات المتحدة كقوة مهيمنة. وفي أفضل الأحوال لا تملك القوى الناشئة مثل الصين والهند إلا أن تأمل في أن يوفر النظام المتعدد الأقطاب أساساً أفضل للسلام الدائم. وإذا تمكنوا من إقناع قوة أميركية عظمى أقل حزماً بأن التعددية القطبية من شأنها أن تؤمن مكانة أميركا في الشؤون العالمية، فلن تكون هناك حاجة للقلق.
ويلخص بيتر بي ولكر بشكل واقعي هدف الصين الطموح للغاية فيما يتعلق بالولايات المتحدة في ثلاث كلمات: "قوة.أختلاف. تساوي"  (Walker 2019). وأي محاولة لتشكيل كتلة خاصة بها، والتي أفلتت منها الصين بنجاح في الحرب الباردة القديمة، من شأنها أن تبطئ أو تمنع صعود الصين. نظام متعدد الأقطاب يقوم على علاقات المنفعة المتبادلة بين العديد من الدول.
إن الجهات الفاعلة هي الهدف الواقعي الوحيد الذي يمكن للصين أن تسعى إلى تحقيقه والذي تحقق منه أكبر فائدة. وبينما تنتهج الولايات المتحدة سياسة ترقى إلى مواجهة كتلة جديدة من أجل الحفاظ على هيمنتها، فإن استراتيجية القيادة الصينية تهدف إلى منع تشكيل مثل هذه الكتلة ووضع الصين في طليعة عالم متعدد الأقطاب. وهذا لا يتوافق مع تقاليد الفرد فحسب، بل يتوافق أيضاً مع المصلحة الذاتية المستنيرة.
إن السرد الأمريكي لنضال "الديمقراطيات" ضد "الأنظمة الاستبدادية" يتناقض مع رؤية "المصير المشترك للبشرية". في هذا السياق، يمكن للمرء أن يتحدث عن أولوية “التشكيل الناعم لقوة مضادة” (2022:82Masala). وبوسع المرء أن يصف استراتيجية السياسة الخارجية التي تتبناها الصين بأنها،
أولاً، تحاول الاستمرار في اغتنام الفرص التي لا يزال النظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة يعرضها، وليس نسفها بالعنف العلني، كما يعبر الهجوم الروسي على أوكرانيا. لكن من وجهة نظر الصين، تضاءلت احتمالات استخدام هذا النظام بشكل كبير وارتفع سعره.
ثانيا، مشروع طريق الحرير.
لقد قاموا ببناء شبكتهم المعقدة، وهي قوية بما يكفي لضمان استقلالهم في حالة حدوث اضطرابات وعقوبات (Naisbitt/Naisbitt 2019). وفي الوقت نفسه، أصبحت "مجالات إمكانية العولمة البديلة" متاحة (Turowski 2021a). وفي السنوات الأخيرة، تراجعت أيضاً أهمية مشاريع البنية التحتية الكبيرة لصالح أشكال أكثر استدامة من التعاون في الأوساط الأكاديمية والاتصالات والتجارة وما إلى ذلك (Schrader/Cole2023).
فمن ناحية، تحاول الصين استغلال الإمكانات التي يوفرها نظام منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومن ناحية أخرى، يتم إنشاء قنوات جديدة للتعاون المتعدد الأطراف والثنائي. وكانت القواعد الأقل عمومية من تلك التي يطبقها الجانب الصيني تستشهد مراراً وتكراراً بمبدأ المنفعة المتبادلة، والفوز للجانبين. وبوسع المرء أن يتحدث أيضاً عن عولمة غوانشي، حيث يشير غوانشي (باللغة الصينية 关系) إلى شبكات من الالتزامات المتبادلة التي تصب في مصلحة كافة الأطراف المعنية وتقوم على الثقة. كما كتب وانغ ييوي: «بشكل عام، مشروع OBOR طريق الحرير،[ M.B. ] ليس مقطوعة صينية منفردة، ولكنه سيمفونية تعزفها جميع الدول على طول الطريق». (وانغ 2022: 101) تتبع القيادة الصينية الاستراتيجية الموجودة للمؤسسات الدولية بطريقة يتم من خلالها التغلب تدريجياً على الهيمنة الغربية مع الحفاظ على الاستقرار النسبي.
وفي الوقت نفسه، تُبذل جهود مكثفة لإنشاء مؤسسات خاصة بها لا يهيمن عليها الغرب (كروم 2022). وتشمل هذه الدول مجموعة البريكس، التي سيتم توسيعها لتشمل دولاً أخرى، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وأكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم، الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
إن العقوبات الأمريكية، خاصة في القطاع التكنولوجي، وكذلك الحرب الاقتصادية الشاملة التي تشنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما ضد روسيا، تظهر في نظر الصين أن الاستقلال الواسع النطاق عن الغرب في مجالات التكنولوجيا والمواد الخام أمر ملح وضروري، فضلاً عن أن بيع سلعها الخاصة يجب أن ينتقل بشكل متزايد إلى البلدان غير الغربية، بل وأكثر من ذلك إلى الداخل. وينبغي أن يتحقق هذا الاستقلال (النسبي) بحلول نهاية العقد الحالي. وكما يشير إلسنر: «بينما حققت ألمانيا فائضاً في الصادرات (فائض الحساب الجاري) بنسبة 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، فقد شقت الصين طريقها بالفعل إلى الانخفاض إلى 0.9%، أي أنها تغلبت على أصعب مخدرات السياسة الأقتصادية. ولم يساهم فائض الصادرات إلا بنسبة ضئيلة قدرها 1.5 نقطة مئوية في نمو الناتج الوطني الصيني بنسبة 6.5% (2.2018).« [كان الباحث الإمبريالي البريطاني الكبيروالرصين جون أ.هوبسن قد تنبأ قبل120 عاماً، أن الصين يمكن أن تصل إلى مرحلة "في المستقبل غير البعيد" التي لم تعد بحاجة إلى الدعم "الحضاري" من بريطانيا العظمى والدول الغربية الأخرى، حيث يتم تطوير رأس المال والطاقة التنظيمية داخل البلاد بشكل كافٍ […]. وعندما تصبح دولة ما مجهزة تجهيزاً كاملاً بكل القوى الإنتاجية اللازمة للتنمية الداخلية المستقبلية، يمكنها دون رادع من الحاجة إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية، أن تنقلب على مُتحضرها وتقوضه في سوقه الخاصة، وتسرق منه أسواقه الخارجية الأخرى، وهي نفسها "لتوحيد ما تبقى من العمل فيما يتعلق بمزيد من أعمال التطوير في أجزاء أخرى غير متطورة من العالم." (هوبسون 1968: 263)]
ثالثا، اعتماد استراتيجية "الدورة المزدوجة".
تم تطوير التداول الداخلي وتكامل السوق العالمية. وينبغي أن تكون التنمية الاقتصادية الداخلية موجهة أكثر نحو الاستهلاك المحلي. وفي الوقت نفسه، يتم السعي إلى إتقان أهم التقنيات حتى لا نكون عرضة للابتزاز.
وعلى المستوى الخارجي، ينبغي تعزيز الانفتاح الاقتصادي والتعاون مع الشركات الأجنبية للاستفادة من كفاءاتها، وفي الوقت نفسه تسعى الصين الى تعزيز صعودها في سلاسل القيمة العالمية. (ساباوتزكي 2022: 21) بينما كانت حصة التجارة الخارجية قبل 20 عاماً تبلغ 60٪ من الناتج القومي الإجمالي، فقد أنخفضت الآن إلى 30٪ وبالتالي تقترب من حصص دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Kappel/Bonschab 2022: 3).
 في الوقت نفسه، مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب التكنولوجية واستراتيجية الاستجابة الصينية للاستقلال التكنولوجي، يتزايد خطر وجود عالم منقسم تكنولوجياً مع معايير تكنولوجية غير متوافقة (Rühlig 2022: 6f.).
رابعا، يجري بناء القوة العسكرية الصينية بسرعة عالية، والتي ينبغي أن تكون قادرة على مواجهة كافة المخاطر والأخطار العسكرية ما دامت ذات صلة مباشرة بالصين. ويخلص فولفغانغ مولر إلى الاستنتاج التالي: «يمكن وصف تصرفات الصين، وخاصة في آسيا، بأنها محاولة للسيطرة بشكل وقائي على البيئة الإقليمية من أجل حماية سلامة أراضيها وتنميتها الاقتصادية. وهو تأثير دفاعي إلى حد كبير، ويهدف إلى إقامة علاقات وثيقة مع الدول المجاورة. ولأن الصين أكبر بكثير من معظم البلدان المحيطة بها، وتتمتع الآن بقوة اقتصادية أعلى بكثير، فإن هذا النفوذ يجلب معه تبعيات - اقتصادية في المقام الأول، ولكنها سياسية أيضاً. إن بناء إمبريالية صينية عدوانية يخطئ الحقائق.» (مولر 2021: 6).
منذ بداية سياسة الإصلاح والانفتاح، كان المفهوم العسكري الصيني موجهاً نحو "الدفاع النشط"، على الرغم من أنه مع عولمة الاقتصاد الصيني، فإن هذا الدفاع يمتد حتماً إلى أبعد وأبعد من المياه الساحلية المباشرة (Fravel 2019). ويجب على المرء أن يدرك أن الوضع الجيوسياسي في الصين فريد من نوعه. […] لديها جيران أكثر من أي دولة أخرى على وجه الأرض: الصين لديها حدود برية مع 14 دولة وحدود بحرية مع ثماني دول (ومع دولتين، كوريا الشمالية وفيتنام،حيث تشترك الصين  في حدود برية وبحرية). إذا حسبت الدول التي لا تحد الصين مباشرة فهي متقاربة جغرافيا - سنغافورة وتايلاند وكمبوديا في جنوب شرق آسيا، وبنغلاديش وسيريلانكا وجزر المالديف في جنوب آسيا، وأوزبكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى - ولدى الصين حوالي 30 دولة مجاورة. ومن بينها قوى عظمى مثل روسيا واليابان والهند وحتى "الجار الخاص الولايات المتحدة الأمريكية"، والتي تمارس أيضاً نفوذاً كبيراً على الدول الحدودية. (تشانغ 2022: 127).
ويشكل الحصار المفروض على ممراتها البحرية أعظم تهديد أمني للصين. وتوجد في سلسلة الجزر الواقعة قبالة سواحل الصين قواعد عسكرية أميركية ضخمة ــ بدءاً باليابان وكوريا الجنوبية وبعيداً إلى الجنوب والشرق. جميع التجارة الخارجية يتم تقريباً مع أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأيضاً مع العديد من الدول الآسيوية عن طريق البحر. إن بحر الصين الجنوبي هو شريان الحياة الذي يربطها بالعالم. تهدف العديد من قواعد الولايات المتحدة وحلفائها المقربين إلى السيطرة على شريان الحياة هذا. ومن أجل تجنب التهديد بالحصار، لا تعمل الصين على تطوير الروابط البرية مع الخارج على نطاق واسع فحسب (طريق الحرير الأوراسي والطريق عبر باكستان)، ولكنها تبحث أيضاً عن طرق لبناء الإمكانات العسكرية اللازمة قبل أي محاولة للقيام بذلك. لردع الانسدادات ومنعها إذا لزم الأمر. وبما أن الصين أصبحت قوة تجارية عالمية، فلا يمكنها أن تترك حماية أهم طرقها البحرية للتفوق البحري للولايات المتحدة، حيث يجب عليها أن تفترض أنه في حالة نشوب صراع، لأي سبب كان، سيتم قطعه. من الموارد الحيوية وأسواق المبيعات.
ويصطدم هذا بالإضافة إلى حشد القوات البحرية الصينية بشكل مباشر مع مطالبة الولايات المتحدة بسيادتها العسكرية البحرية في منطقة المحيط الهادئ بأكملها، بما في ذلك بحر الصين الشرقي والمحيط الهندي. تعتبر الصين أن إنشاء التحالف العسكري AUKUS من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وأستراليا في سبتمبر 2021 يمثل تهديداً مباشراً. وفي الوقت نفسه، أعلن الناتو أنه سينسق أهدافه مع أهداف الولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ.
يُعد نشر الفرقاطة البحرية الألمانية بافاريا في المحيط الهادئ في 2021/22 جزءاً من سياسة تهدف إلى إظهار دعم ألمانيا لسياسة الولايات المتحدة تجاه الصين على المستوى العالمي وخارج الموانئ والطرق البحرية الصينية مباشرة.
كل هذا يساهم في إطلاق العنان لسباق تسلح جديد. ويلخص فان جاكسون، المعضلة الاستراتيجية التي تواجه الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ: "إركاع اقتصاد الصين، والانخراط في سباق تسلح لا نهاية له، والتحالف مع الأنظمة الاستبدادية المحلية وتطويق بكين وعزل الدول الصغيرة من خلال مطالبتها بالاختيار بين الصين والولايات المتحدة،الذي قد يمنح واشنطن المزيد من القوة في آسيا على المدى القصير. لكن هذه هي مكونات الانقسامات الإقليمية والحروب في نهاية المطاف، وليس الاستقرار.
لذا فإن سياسة الولايات المتحدة في آسيا تقف عند نقطة معينة وفي مفترق طرق غير معترف به، يمكن لواشنطن أن تفعل ذلك على المستوى الإقليمي في دعم السلام أو السعي إلى التفوق الإقليمي، لكنه لا يستطيع القيام بالأمرين معاً». (Jackson 2023).
المسار حالياً متجه نحو المواجهة والحرب، وهو ما يكاد يتم الحديث عنه (Linge 2023). إن الولايات المتحدة على وشك إغراق نفسها وحلفائها في "فخ الصين" الذي يضعف الولايات المتحدة نفسها ويخضع النظام الدولي برمته لمنطق لعبة محصلتها صفر يخسر فيها الجميع ويكون حل المشاكل العالمية المشتركة بشكل دائم مغلقاً (Weiss 2022).
رؤية النظام الدولي الجديد.
في حين ترى الولايات المتحدة أن تفوقها التكنولوجي والاقتصادي والسياسي والأيديولوجي والعسكري العالمي أمر لا غنى عنه لأمنها و"نظام دولي قائم على القواعد"، أي باعتباره خيراً عالمياً يستفيد منه الجميع إذا خضعوا للقواعد التي تحددها. ومع ذلك، ترى الصين على نحو متزايد أن هذا النظام بالذات يشكل تهديداً لصعودها. على مدار الثلاثين عاماً الماضية، توصلت القيادة الصينية إلى أن "النظام القائم على القواعد" ينتهك من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى عندما يتعارض مع أهدافها أومصالحها. ولا ننسى أن كل هؤلاء الذين تحركوا ضد الصين على مدى المائتين عام الماضية، كانوا يلجأون دائماً إلى القواعد لتحقيق المصلحة العامة ـ سواء كان ذلك التجارة الحرة أو سداد الديون الوطنية التي تكبدتها الصين نتيجة لهزائم الصين في الحروب الدفاعية، أو سواء كان ذلك في إطار "الكومنولث الآسيوي". "تحت سيطرة اليابان.
وبالنظر إلى حقيقة أن الولايات المتحدة ترى أن صعود الصين يمثل تهديداً مباشراً لموقفها، فإن القيادة الصينية تفترض أن أدوات "النظام القائم على القواعد" اليوم، سيتم استخدامها بشكل متزايد لأغراض تكنولوجية أو اقتصادية أو سياسية أو حتى السلاح عسكرياً. ويشير الفيلسوف الصيني تشاو تينغ يانغ إلى أن القوى الإمبريالية الغربية التي واجهتها الصين لأكثر من قرنين من الزمن لديها رؤية عالمية محددة للغاية: "تأمل هذه القوى في استمرار وجود عالم تهيمن عليه الإمبريالية". ويعتبرون كل ما لا يشارك في تقسيمهم هو "بقية العالم" المُسيطر.
لدى الإمبريالية “فهم خاطئ بشكل أساسي للشروط اللازمة لبناء نظام عالمي. وهو يؤكد على سوء الفهم القائل بأن العالمية تنشأ من العولمة, [لنموذج معين للمجتمع،M B]، وهو سوء فهم قاتل.
ويقارن تشاو تينغ يانغ النموذج الغربي بالمفهوم الصيني "كل شيء تحت السماء"، والذي يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام.
"إن فكرة "الشامل" تفهم العالم بداهة على أنه وجود شمولي داخلي تماماً دون مخرج، فهي تعترف بداهة بأن العالم يخدم المنفعة المشتركة وباعتباره مورداً مشتركاً لجميع الناس، فإنه يستبعد بداهة كل فكرة عن التنوع غير المتوافق، بينما في نفس الوقت يعترف بداهة بتنوع العالم وإمكانية العلاقات المتوافقة الواردة فيه. إنها ترفض العالمية الأحادية الجانب والإمبريالية الثقافية.« (تشاو تينغ يانغ 2020: 119 ).
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، عملت القيادة الصينية بقوة متزايدة على صياغة رؤية بديلة تقوم على فكرة التنوع في "الشمولية ". في موسكوعام 2013، قدم شي جين بينغ مفهوم "المجتمع الإنساني".الموجودة في وثائق الأمم المتحدة وفي دستور جمهورية الصين الشعبية.
قال شي جين بينغ، في خطابه أمام الأمم المتحدة في عام 2015: "يجب علينا تجديد التزامنا بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وإنشاء نوع جديد من العلاقات الدولية القائمة على التعاون من أجل المنفعة المتبادلة، وإنشاء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية". .« (مقتبس في ويكيبيديا 2022A ) لا ينصب تركيز هذا المفهوم على القواعد المجردة العالمية، بل على مصالح الدول، التي يجب أن ترتبط ببعضها البعض لتحقيق المنفعة المتبادلة من خلال شبكة من المؤسسات والاتفاقيات الدولية. تم تصميم طريق الحرير "بطريقة تجعله يعتمد على التعاون بين الدول المعنية على أساس تنسيق السياسات" (Hagemann/Scholz 2020: 27). في هذا النهج، يتم الفصل بين السياسة الخارجية والداخلية إلى حد كبير، وينبغي إعطاء أولوية عالية للغاية مرة أخرى لعدم التدخل في الشؤون الداخلية (Zhang 2016).
في 21 أبريل 2022، قدم الرئيس الصيني شي المبادئ الأساسية لمبادرة الأمن العالمي (GSI) في منتدى بواو الآسيوي: "من المهم أن نظل ملتزمين برؤية الأمن والعمل المشترك والشامل والتعاوني والمستدام". معاً لتحقيق ذلك صيانة للسلم والأمن الدوليين؛ أننا نظل ملتزمين باحترام سيادة جميع البلدان وسلامتها الإقليمية، والدعوة إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام القرارات المستقلة التي تتخذها شعوب مختلف البلدان بشأن مسارات التنمية واحترام النظم الاجتماعية؛ وأننا نظل ملتزمين بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ونرفض عقلية الحرب الباردة، ونرفض الأحادية ونرفض سياسة المواجهة بين الكتل؛ البقاء ملتزمين بالإجراءات الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد، والتمسك بمبدأ الأمن غير القابل للتجزئة، وبناء هيكل أمني متوازن وفعال ومستدام، ورفض السعي إلى تحقيق أمن الفرد على حساب أمن الآخرين؛ ويواصل الدعوة إلى التسوية السلمية للخلافات والنزاعات بين الدول باستخدام قنوات الحوار والتشاور، ودعم كافة الجهود التي تؤدي إلى الحل السلمي للأزمات، ورفض المعايير المزدوجة ومعارضة الاستخدام التعسفي للعقوبات الأحادية والسوابق القضائية المطولة؛ "مواصلة العمل للحفاظ على الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية والتعاون بشأن النزاعات الإقليمية والتحديات العالمية مثل الإرهاب وتغير المناخ والأمن السيبراني والأمن البيولوجي." دول البريكس والعديد من دول الجنوب العالمي (وزارة الخارجية) لجمهورية الصين الشعبية 2023).
من وجهة النظر الصينية، ترجع الحرب في أوكرانيا في المقام الأول إلى حقيقة أن المصالح الأمنية المشروعة لجميع الأطراف المعنية لم تؤخذ بعين الاعتبار في أوروبا على مدى العقود القليلة الماضية: »الدرس الأكبر الذي يمكن تعلمه من الحرب الروسية الأوكرانية هو أن "أمن أي بلد لا يتم بناؤه على حساب أمن الدول الأخرى، وأن الأمن الإقليمي لا يمكن ضمانه من خلال تعزيز التحالف العسكري وحتى توسيعه" (فكر شي جين بينغ في مركز الدراسات الدبلوماسية 2022: 15). تضع الصين في اعتبارها الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ لتعزيز تفوقها من خلال تحالفات عسكرية مختلفة ولزيادة توسيع نظام القواعد الأمريكية قبالة سواحل الصين وفي جميع أنحاء المنطقة.

11
نقاط القوة والضعف في النظام الاجتماعي في الصين
الفصل العاشر من كتاب"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

منذ 150 عاماً كان للنخب الصينية هدف واحد: إعادة ظهور البلاد كواحدة من الحضارات العظيمة على قدم المساواة مع القوى العالمية العظمى. كل الإصلاحات والثورات والحروب، والحروب الأهلية والتغييرات أو إعادة هيكلة الأنظمة السياسية والاقتصادية كانت وسائل لتحقيق هذا الهدف. ليس من دون سبب أن يرى Harro von Senger أن التخطيط الفائق هو المفتاح لفهم السياسة الصينية: »يعتبر التفكير الفائق وفقاً لذلك تفكيراً مرناً، طويلاً وبعيد المدى موجهاً نحو الهدف والذي يتأرجح باستمرار بين الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسية، السلوك الاستراتيجي. «(Senger 2008: 18)
يشير) (qiإلى اثنين من الأمثال الصينية العديدة:" إذا لم تكن تخطط للمنطقة بأكملها، فلا يمكنك التخطيط لمنطقة، أذا لم تكن تخطط على مدى 10000 جيل، لا يمكنك التخطيط لعصر ما. «-» قم بإجراء 10000 تغيير في الاتجاه، ولكن لا تغفل عن الهدف أبداً.
في وضع العمل الملموس"الحقبة" يتطلب مثل هذا النهج تعريفاً واضحاً: "منذ منتصف الثلاثينيات، حدد الحزب الشيوعي الصيني التناقضات الرئيسية الأربعة، وهي:
1. التناقض الرئيسي ›الشعب الصيني بأكمله بما في ذلك الكوماندانغ تشان شايجك وجميع الطبقات الاجتماعية التي يمثلونها ضد اليابان - مع المهمة الرئيسية هزيمة اليابان (1937-1945)
  2. التناقض الرئيسي "الحزب الشيوعي الصيني ضد الكومندانغ تشان كايجك " وسحقه في البر الرئيسي الصيني باعتبارها المهمة الرئيسية (1945-49)
3.التناقض الرئيسي "البروليتاريا / الفلاحون ضد البرجوازية / ملاك الأراضي" مع الصراع الطبقي باعتبارها المهمة الرئيسية (1949-1976 / 78)
4. [...] التناقض الرئيسي الساري منذ عام 1978 [التناقض بين الاحتياجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب وتخلف الإنتاج الاجتماعي، M.B.] ] مع الحد من الفقر والتخلف باعتباره المهمة الرئيسية  «(سنغر 2008: 111).
في ذروة الثورة الثقافية، صاغ ماو تسي تونغ هدفاً جذرياً للمجتمع الصيني: "لقد أراد تحويل قيم المجتمع الصيني من خلال " كل شيء عام ولا شئ خاص "(dagong wusi). كانت أداته هي التمرد (الزوفان).
في رسالته إلى الرفيقة جيانغ تشينغ (زوجته) بتاريخ 8 يوليو 1966، كتب ماو أن `` الفوضى العظيمة تحت السماء '' جيدة لأنها تسمح للفرد بفضح الأعداء وتعبئة الجماهير، وأخيراً الحفاظ على النظام(Mühlhahn 2022: 500) فقد كان برنامجاً شيوعياً أحادي الجانب. تناقض هذا بشكل مباشر مع الأفكار التي طورها ماوتسي تونغ في عام 1957، قبل القفزة العظيمة، عندما دعا إلى ربط الأضداد، كما أكد الحزب الشيوعي الصيني دائماً وفي وقت لاحق.التأكيد مرة أخرى (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 1981: 13f.).
كان على شيوعيي الصين أن يمروا بتجربة اكتسبها هيجل من الثورة الفرنسية الكبرى: «إن الحزب لا يثبت نفسه منتصراً إلا عندما ينقسم إلى حزبين؛ لأنه بهذا يظهر أن لديه في ذاته المبدأ الذي حاربه وأنه بذلك ألغى الأحادية التي ظهر فيها من قبل." (Hegel1986b: 425) لقد حاول الحزب الشيوعي الصيني في العقود الأخيرة مواجهة هذا التفكك من خلال دمج الاتجاهات الليبرالية في النظام الحزبي الشيوعي. وبطبيعة الحال، يظل السؤال قائماً حول ما إذا كان اقتصاد السوق المخطط والقيادة الشيوعية سوف يسيران جنباً إلى جنب في الأمد البعيد.
إنه أمر لا يمكن إنكاره: »من وجهة نظر تصنيفية، فإن جمهورية الصين الشعبية في القرن الحادي والعشرين هي حداثة تاريخية عالمية: مزيج من اقتصاد، هوبكل المعايير التقليدية يغلب عليه الطابع الرأسمالي مع دولة لا تزال شيوعية بلا شك. وبكل المعايير التقليدية - في كل حالة هو الأكثر ديناميكية من نوعه حتى الآن. "(Anderson 2010: 95) كما قيل، فإن الاقتصاد أقل رأسمالية بكثير مما يُفترض في كثير من الأحيان، وقد أدرجت الدولة أيضاً عناصر ديمقراطية وليبرالية.
النظام الاجتماعي في الصين متناقض بشدة. وفقاً للنظريات الماركسية والليبرالية الأرثوذكسية القياسية، لا ينبغي أن يوجد في الصين، يتذكر المرء ازدواجية موجة-جسيم معروفة: اعتماداً على الترتيب التجريبي، اعتماداً على النظرية المختارة، يبدو أنه شيوعي ولينيني، كرأسمالي وسلطوي، باعتباره تجسيداً للحضارة الصينية التقليدية. إمبراطورية، أو حداثة.
الأمر المميز الآن هو أن الحزب الشيوعي الصيني كان عليه أن يتعلم مواجهة التناقضات الحقيقية حتى خلال فترة كونه حزباً ثورياً في الحرب، والحرب الأهلية. ما تعلمه لينين والبلاشفة فقط بعد الثورة، مارسه الحزب الشيوعي الصيني خلال الحرب الأهلية الطويلة.
يلخص Koss مفارقات المجتمع الصيني على النحو التالي: "هذا مشابه للاتجاهات التي تبدو غير قابلة للتوفيق في المنظمة حيث يحتضن الحزب الشيوعي الصيني بالكامل قوى السوق مع الحفاظ على خلايا الحزب والإجراءات الأخرى التي كانت لا تزال مألوفة لدى لينين. والنتيجة هي شركات متطورة عالية التقنية تعمل بسرعة في الأسواق العالمية بينما تخضع نفسها لأجهزة الحزب التي تتبع المبادئ التنظيمية للطليعة الشيوعية التي صاغتها طليعة الحركة الشيوعية في أوائل القرن العشرين. في الوقت الحالي، لا يزال هذا التعايش يبدو متناقضاً، بالإمكان أن تنتشر أكثر خلال القرن الحادي والعشرين "(Koss 2021: 239)
إن مستقبل التجربة الصينية لاقتصاد السوق الاشتراكي في بلد يقوده الحزب الشيوعي، وكذلك التحرك في التناقضات الأساسية داخل عالم شكلته الرأسمالية والهيمنة الإمبريالية الأمريكية، مفتوح. فشلت الأشتراكية السوفيتية في القرن العشرين في المقام الأول لأنها لم تكن قادرة على مواجهة هذه التناقضات وجهاً لوجه. لفترة طويلة كان الحزب الشيوعي يخشى معالجة المشاكل المكبوتة من خلال تغيير جذري،حتى أفترض أبطال البيروسترويكا بغرور، أن الأصلاحات الموجهة نحو السوق والديمقراطية الليبرالية والأنفتاح ستؤشر الى أتجاه اشتراكي . (بري 1993).
في ظل ظروف التطور اللاحق، ولكن أيضاً في ضوء أهمية السياسة الاجتماعية والبيئية والأمنية وغيرها من المشاكل للمجتمع ككل، يمكن أن تكون أولوية الشيوعي ميزة في منافسة النظام، أو كما كتب بت شنايدر:
"إن إطلاق العنان وترويض الدولة للقوى الإنتاجية، والمنافسة والتخطيط طويل الأجل، والابتكار والتحكم، هو القوة العظيمة للتطور الصيني الحديث وفي نفس الوقت الميزة النظامية لجمهورية الصين الشعبية على دول الغرب الرأسمالي «(شنايدر 2022: 58). إنه يتعلق بالتنمية المُصممة على أساس الإجماع الاجتماعي الأساسي. ما يعتبر ما قبل الحداثة من وجهة نظر ليبرالية يمكن - ولكن بالطبع ليس بالضرورة - أن يكون معاصراً للغاية. إذا كان من المقبول أن المجتمعات المعقدة في العصر الحديث لا تتكون فقط من قبل فرد واحد - الليبرالي - ولكن من خلال مبدأين متعارضين، المبدأ الليبرالي والشيوعي، فإن أصولية الأضداد المطلقة تختفي وتختفي مساحة الاعتراف بالآخر. هذه أيضاً مساحة للنقد لا تنكر شرعية الآخر وبالتالي يمكن أن تكون بناءة أيضاً. يمكن للمرء أن يضعها على هذا النحو: "الصين مثل الطفل الذي يمر بعملية طويلة من التحررمن والديه، الشيوعية والرأسمالية ، ويستخدم القوة التي منحها لها كلا الجانبين للوقوف على قدميه". (Naisbitt / Naisbitt 2009: 41)
صعود الصين في خطر. النظام السياسي للحكم الشيوعي للحزب الواحد لديه نقاط ضعف لا يستطيع التغلب عليها من حيث المبدأ. إن أكبر نقطة ضعف هي أن أولئك الموجودين في الحكومة يعينون أنفسهم بالفعل. أي صعود داخل النظام السياسي تقرره السلطة العليا في نهاية المطاف. ومع ذلك، يمكن للجوانب الديمقراطية والجدارة أن تلعب دوراً مهماً.
نفس السلطة التي تتحكم في الترقية - جهاز الحزب - هي التي تقرر المعايير والإجراءات وتطبيقها. ومن ناحية يحد هذا من شرعية المواطنين، ففي ظل ظروف معينة، يفتح مجالاً واسعاً جداً للتعسف في القمة من ناحية أخرى، حيث لا يمكن أن يكون هناك عنف مضاد مستقل .
ستالين، ماو، وغورباتشوف هم أيضاً أمثلة تحذيرية  للنخبة السياسية في الصين. مع الإصلاحات التي حدثت في الأربعين عاماً الماضية، خاصة مع الإصلاحات السياسية، حاولوا مواجهة هذا الخطر وحققوا نجاحاً كبيراً حتى الآن. لكن لا يمكنك تجنب الخطر. ضعف إضفاء الطابع المؤسسي على تنظيم من يخلف على رأس الحزب والحكومة (Zheng Yongnian 2021: 29) هو كعب أخيل للنظام السياسي الصيني.
تم تنفيذ ثلاثة إصلاحات في عهد دنغ شياو بينغ التي غيرت النظام السياسي الصيني بشكل جذري.
أولاً، كانت هناك حرية واسعة في السفر لمواطني الجمهورية الشعبية. مع الفرص المحدودة لإسماع صوت المرء سياسياً، فإن خيار الهجرة، والخروج، هو ثاني أفضل طريقة (Hirschman 2004). من الواضح أن فتح مثل هذا المسار يغير ميزان القوى بين الدولة والمواطنين لصالح الأخير.
  ثانياً، زادت الإصلاحات الاقتصادية بشكل أساسي من احتمالات الاستقلال الاقتصادي عن الدولة واعتماد الدولة على الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهتم بالمصالح الذاتية لعدد كبير من القوى الاجتماعية. لا يمكن كسر هذا الاستقلال وهذه التبعية إلا على حساب التخلي عن صعود جديد في الصين.
  ثالثاً، دفع دنغ شياو بينغ خلال فترة محددة، خاصة في المستويات العليا للحزب. وبذلك أصبحت آلية مؤسسية للتجديد المستمر ودعم نظام الكادر بأكمله والنضال من أجله، من خلال تشكيل تحالفات متغيرة في الحزب وفي المجتمع، وإلزاماً للتمييز من خلال مناهج مبتكرة وفي نفس الوقت ضمان الاستقرار الراسخ. مع إلغاء هذا الحد الأقصى للولاية في أعلى النظام السياسي - منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني - فإن هذا المكافئ الوظيفي لنظام الانتخابات في تجديد القيادة السياسية في الديمقراطيات الليبرالية أصبح حالياً ضعيفاً أو حتى تم إلغاؤه تماماً . يمكن أن يصبح هذا تهديداً للنجاح العام لسياسة الإصلاح، لأنه بدون التجديد على القمة، يمكن أيضاً عرقلة عمليات التجديد على جميع المستويات الأخرى وتغيير ميزان القوى في مجموعة القيادة لصالح الأمين العام.
إن تعزيز العناصر الاستشارية، وإضفاء الطابع المؤسسي على قواعد إعداد القرارات، وزيادة الشفافية بشكل كبير أو المجال الضخم لمنظمات المجتمع المدني لا يغير من حقيقة أن نظام الحزب الواحد أكثر عرضة من الديمقراطيات الليبرالية لتركيز السلطة السياسية في مجموعة صغيرة أو حتى في شخص واحد فقط. هذا صحيح بشكل خاص عندما لا يكون هناك حد لمدة محددة. يتمثل كعب أخيل لمثل هذا النظام في عدم القدرة على إضفاء الطابع المؤسسي على قاعدة رسمية لخلافة شرعية في القمة. في مثل هذا النظام، لا نظير له للانتخابات الحرة يمكنه سد هذه الفجوة. وراء الكواليس، يتمتع نسيج النظام السياسي بأكمله بأساس غير رسمي مهتز في العلاقات الشخصية لمجموعة قيادية أصغر. نقطة ضعف أخيل الثانية هي حقيقة أنه في المواقف التي حدثت فيها أزمة سياسية كبيرة، تنقسم قيادة الحزب، والأقليات الكبيرة النشطة من السكان غير موالية للنظام، ولا توجد آلية رسمية لاستعادة الشرعية. الانتخابات الحرة لها هذه الوظيفة بالضبط. لكن يمكن ان تؤدي أيضاً إلى حرب أهلية إذا انقسموا ولم يتحدوا. لكلا السببين، يبذل الحزب الشيوعي الصيني كل ما في وسعه لمنع هذا النوع من الأزمة السياسية الأساسية، التي ظهرت في عام 1989 ولمنعها في المستقبل. مثلما الديمقراطيات الليبرالية، والأنظمة الشيوعية تعتمد في النهاية على الإجماع بين النخب والغالبية العظمى من المواطنين. لكن هذا الإجماع يجب إعادة تأسيسه باستمرار.
تتمثل نقطة الضعف الرئيسية في النظام السياسي الحزبي الشيوعي في أنه يفتقر إلى شرعية دورية ومؤسسية بشكل واضح. على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني يمكن أن يدعي أنه، مثل حزب لينين، انتصر في نهاية المطاف في الحرب الأهلية، إلا أنه يفتقر إلى فرصة إضفاء الشرعية على نفسه دائماً من خلال عملية تتكون من التعبير الحر المتزامن عن إرادة جميع المواطنات والمواطنين. يجب أن يؤمن بشرعية الأقليات النشطة الداعمة للدولة وولاء السكان بطريقة مختلفة عن طريق إجراء انتخابات حرة. وهذا يتطلب أن يتم السعي للحصول على أصوات المواطنين بشكل مكثف أكثر مما هو عليه في العديد من البلدان الديمقراطية الليبرالية.
من الخطأ تماماً افتراض أن النظام السياسي الصيني ليس له مدخلات شرعية. كما هو موضح، فإنه يعتمد بشكل أساسي على الاستشارة، والاستجواب، وحلقات ردود الفعل المكثفة في المشاريع المهمة وفقاً لـ "الخط الجماعي". وفي الوقت نفسه، تكتسب الشرعية من خلال أداء السلطات، من خلال مشاريع تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين ولصالح الوطن، أهمية خاصة. وكما أشار شي جين بينغ بعد انتخابه أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فإن "شعبنا لديه حماس كبير للحياة. إنهم يأملون في الحصول على تعليم أفضل، ووظائف أكثر استقراراً، ودخل لائق، وضمان اجتماعي أكثر ثقة، ورعاية طبية بمستويات أعلى، وظروف معيشية مريحة، وبيئة أكثر جمالاً. يتمنون أن يكبر الأطفال بشكل أفضل، ويعملوا بشكل أفضل، ويعيشون حياة أفضل. إن رغبة الناس في حياة أفضل وجهدنا هو لهذا الهدف الكامل. «(Xi Jinping 2012).
يمكن للممارسة فقط إثبات ما إذا كان يمكن الحفاظ على هذه الشرعية على المدى الطويل من خلال الأداء. النجاحات دائماً هي التي تتحول فجأة إلى تهديدات.
يحدث هذا عندما لا يُفهم أنه كلما زاد النجاح، يجب أن يكون التغيير في السياسة أكبر، لأن ظروف السياسة قد تغيرت بشكل أساسي مع النجاحات. نتجت الأخطاء الكبيرة في أواخر الخمسينيات أو الثورة الثقافية، ليس أقلها عن محاولة استخدام وسائل الماضي التي أدت إلى النجاحات لمواجهة التحديات التي ظهرت مع هذه النجاحات. حتى اليوم هناك هذا الإغراء. إنه خطير بشكل خاص لأن السياق الدولي قد تغير بشكل جذري، أيضاً بسبب صعود الصين تتراكم بوادر الحرب الباردة الجديدة والمواجهة. ما إذا كان الحزب الشيوعي الصيني  ينجح في ظل هذه الظروف، قادرعلى التجديد الذاتي والابتكار والتكيف وتشكيل ظروف داخلية وخارجية مفتوحة.
الضغط الاجتماعي وتوقعات الصينيين وتنوع اللاعبين هي شروط مسبقة جيدة لذلك. لقد فهم الحزب الشيوعي الصيني نفسه قبل كل شئ من العقود القليلة الماضية: إنه ليس له مستقبل كمنظمة سوى التعلم والتطور باستمرار. في الوقت نفسه، قدرته على القيادة هي الشرط الحاسم للغاية لاستمرار نهوض الصين.

*ميشائيل بري: فيلسوف ماركسي ألماني.





12
الأمة الصينية والسياسة في شين جيانغ
الفصل التاسع من كتاب " إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة: حازم كويي

(شين جيانغ منطقة واسعة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غرب الصين، وتتميز مناظرها الطبيعية بالصحاري والجبال. يعيش فيها العديد من الأقليات العرقية، بما في ذلك الأويغور الناطقين بالتركية. كما يمر طريق الحرير القديم - وهو طريق تجاري يربط بين الصين والشرق الأوسط - عبر شين جيانغ.
اليوم، بقيت البازارات التقليدية في الهواء الطلق في مدن الواحات في Hotan و Kaxgar من تلك الفترة).
بالإضافة إلى مسألة تايوان، أصبحت سياسة الأقلية الحكومية في شين جيانغ والتيبت، النقطة الرئيسية للهجوم على جمهورية الصين الشعبية في السنوات الأخيرة. الحقائق عن الوضع في كلا منطقتي الحكم الذاتي مُختلف عليها.
في ما يلي لن أحاول تقديم أنطباعي الخاص على أسس غير مؤكدة. شاغلي الوحيد هو تحديد إطار يمكن أن يساعد في إعادة المناقشة (إذا كان بإمكان المرء التحدث عن المناقشة على الإطلاق) إلى صيغة واقعية بعد إتهام الصين بارتكاب إبادة جماعية ضد الأويغور والتبتيين.
عند القيام بذلك، سأركز على شين جيانغ وسأعتمد على ثلاث وثائق على وجه الخصوص - بيان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والبيان المضاد من قبل الحكومة الصينية، وبيان صادر عن عالم الخطيئة (ميتشايلد ليوتنر) في لجنة حقوق الإنسان. والمساعدات الإنسانية، وكلها تشير بدورها إلى مصادر صينية داخلية واسعة النطاق وتستخدم مصادر أجنبية. علاوة على ذلك، أعتمد على كتاب »شين جيانغ. الصين والأويغور « بقلم بيورن ألبيرمان.
تتشكل النظرة الغربية لسياسة الأقلية في الصين بمقياس ليس أقلها حقيقة بمقياس دولة قومية أوروبية غربية مثالية.
بناء الدولة القومية كـ «منظمة قوة علمانية»(ويبر 1895: 19) يقوم على إفتراض أن هناك "أمة شعبية" "تدعي" "تدرك وتطور نفسها في دولتها" (Schulze 2004: 209). تستند مثل هذه الدولة على الهوية المؤكدة لشعب محدد عرقياً وثقافياً على أنه أمة مع الدولة كشكل من أشكال الحكم.
من الواضح تماماً:إذا أفترض المرءأن حدود أراضي الدولة وتلك الخاصة بمجتمع عرقي متجانس متداخلة وان جميع سكان الدولة ذو ثقافة متطابقة،فلن يكون لدينا أكثر من 10% من الولايات القائمة كمرشحين للحصول على لقب"دولة قومية".(Smith 1989: 229).
لاأحد من البلدان التسعة الأكثر إكتظاظاً بالسكان في العالم (الهند والصين والولايات المنحدة الأمريكية واندونيسيا والبرازيل وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا وروسيا)دولة قومية بهذا المعنى.
في العديد من الدول، يوجد فرق كبير إلى حد ما بين الدولة والهويات الجماعية التي تنبثق من الثقافة واللغة والتاريخ والتقاليد المشتركة. يتم تضخيم هذه الاتجاهات من خلال الهجرة العالمية. يجب على المرء دائماً أن يضع في إعتباره أطروحة نيكوس بولانتزاس: » الوحدة الوطنية، الأمة الحديثة،تصبح [...] الطابع التاريخي للإقليم وإضفاء الطابع الإقليمي على التاريخ، التقليد الوطني للإقليم الذي يتجسد في الأمة.تصبح علامات حدود الإقليم معالم التأريخ المرسومة في الدولة <<(بولانتزاس 1978: 147).
منذ حروب إنكلترا والقوى الاستعمارية الأخرى في منتصف القرن التاسع عشر، تكافح الصين من أجل هويتها كدولة وكحضارة. وقد أشتد هذا النضال مع إدخال الإصلاح والانفتاح. يشير مصطلح "جمهورية الصين الشعبية" إلى وحدة الدولة والحضارة: 中华人民共和国 (مترجم: Zhōnghuá Rénmín Gònghéguó). 中华 (Zhōnghuá) تعني دولة ذات حضارة وثقافة خاصة. في فهمها الذاتي التاريخي، يتشكل هذا البلد من خلال ثقافة "متفوقة" على الشعوب " الهامشية"، والتي تتجسد قبل كل شيء في الطقوس واللغة المكتوبة والطبقة الحاملة للثقافة والمتأثرة بالكونفوشيوسية. طبقة النبلاء.
من المفهوم أن Zhōngguórén، الصينية، هو كل من يعيش على أراضي جمهورية الصين الشعبية أو تايوان، بغض النظر عن المجموعة العرقية والثقافية التي ينتمون إليها، وأيضاً كل شخص من أصل صيني. تم التأكيد على هذه الهوية في وقت مبكر من أواخر عهد أسرة تشينغ (1644-1911)، تحت حكم المانشو الذي غزا الصين في القرن السابع عشر.
أتبع قادة الجمهورية بعد عام 1911 " صياغة تشينغ المتأخرة للصين باعتبارها الوئام العظيم  لخمسة شعوب 五 族 大同(كانت الصيغ الأخرى هي الشعوب الخمسة المتحدة 五 族 合一 وعائلة خمسة شعوب 五 族 一家).)
منذ أن دعا القادة القوميون إلى قيام جمهورية في عام 1911، قاموا بتغيير المصطلح وتحدثوا عن جمهورية الشعوب الخمسة 五 族 共和. ثم ذهبوا إلى أبعد من ذلك وحددوا الشعوب الخمسة كأعضاء أساسيين في (Zhōnghuá mínzú)، الأمة الصينية التي أنضم اليها العديد من الأشخاص الآخرين الذين يعيشون داخل حدود البلاد  >>بالإضافة إلى الصينيين ـالهان-، تضم "الشعوب الخمسة" المانشو والمغول والهوي كأعضاء في الشعوب المتأثرة بالإسلام في شمال شرق الصين والتبتيين كمجموعات عرقية وثقافية كبيرة. اليوم، بالإضافة إلى الهان الصينيين، هناك 55 مجموعة أخرى معترف بها كجنسيات في جمهورية الصين الشعبية<<.
عندما أعلن ماوتسي تونغ جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر عام 1949 في بكين، تحدث عن "الشعب الصيني" (中国 人民 أو Zhōngguó rénmín)، وكذلك عن الصين كدولة (مينزو). مع سياسة الإصلاح والانفتاح، أصبح مصطلح الأمة الصينية
( Zhōnghuá mínzú (中华民族) المصطلح الرسمي لشعب الدولة في جمهورية الصين الشعبية. أوضح هذا أنه في مفهوم الدولة، فإن المجموعات العرقية والثقافية المختلفة التي تعيش في الصين ليست فقط أعضاء في شعب بمعنى مواطني دولة واحدة ونفس الدولة، ولكنها أيضاً تشكل مجتمعاً وطنياً يرتبط بتاريخ الصين العظيم وحضارتها وثقافتها بمعنى واسع.
تؤكد الحكومة دوماً أن الصين هي "دولة موحدة متعددة الأعراق" (حكومة جمهورية الصين الشعبية 2000).
في الصين،أكتسب مفهوم الدولة الحضارية تأثيراً،يُفهم منه على أنه دولة "تربط القومية بالدولة المتحضرة وتجمع بين نقاط القوة في كليهما" (Zhang 2012: 64). يجب أن تدخل الحداثة والتقاليد الصينية في تركيب ديناميكي جديد.
في الصورة الذاتية للحكومة الصينية، يتم التأكيد على أن الحزب الشيوعي الصيني وتحت قيادته تحققت وحدة البلاد، وتم التغلب على إرث الاستعمار وبدأ نهوض الصين.
يُنظر إلى الحزب الشيوعي الصيني على أنه ضامن لعدم أمكانية  تدمير هذا الأرث.
على وجه الخصوص، أظهر أنهيار الاتحاد السوفيتي، الذي نتج عن الانقسام في الحزب الشيوعي السوفييتي، لكل من القيادة الصينية والسكان على حد سواء مدى هشاشة الدول. إحدى السمات المهمة التي يجب مراعاتها عند مناقشة القضايا الوطنية في الصين، هي أن تلك المجموعات العرقية الثقافية من غير الهان تشغل 50-60٪ من أراضي الصين. في الوقت نفسه، بعد ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن من التحديث والتصنيع والتحضر، فضلاً عن سياسات الدعم المستهدفة من قبل الحكومة المركزية، أنتقل العديد من الصينيين الهان إلى تلك المناطق التي تنتمي إلى المناطق الأساسية للمجموعات العرقية الثقافية الأخرى.
وهذا يستمرفي الاتجاهات التي يمكن ملاحظتها بالفعل في عهد أسرة تشينغ. في منطقة حضرية مثل عاصمة منطقة شين جيانغ، أورومكي،ذات الحكم الذاتي، حوالي ثلاثة أرباع السكان هم من الصينيين الهان (ويكيبيديا 2023B )، بينما في المنطقة ككل حوالي 40 في المائة (ويكيبيديا 2023D )
في منطقة التبت المتمتعة بالحكم الذاتي،من ناحية أخرى تقل نسبة الصينيين الهان من إجمالي السكان عن عشرة بالمائة (Wikipedia2023c)، وفي منطقة الحكم الذاتي في منغوليا الداخلية تبلغ 80 بالمائة (Wikipedia 2022d).
تواجه كل دولة في العالم تقريباً مشكلة العلاقة بين الأمة الاسمية أو المجموعات العرقية الأكثر أو المهيمنة والمجموعات العرقية الأخرى.
وهذا له أسباب تاريخية أو هو في نفس الوقت نتيجة لكثرة الهجرات التي نتجت عن عولمة المسألة الاجتماعية منذ القرن التاسع عشر على أبعد تقدير (فايست 2022).
بالإضافة إلى ذلك، فمن ناحية، تعتبر الدول هياكل مؤسسية عالية التجريد والتعقيد، من ناحية أخرى، “وفي نفس الوقت يتم تجربتها على أنها ترتكز على مستوى الاتصال الشخصي في ذاتيات العلاقة المتجسدة مع الآخرين ذوي الصلة وبالمكان” (جيمس 2006: 228)، مثل بطولة كأس العالم لكرة القدم سلمياً،ويُظهركل صراع عسكري عدوانياً.
يميز Harris Mylonas بين ثلاث أستراتيجيات للدولة تجاه المجموعات العرقية والثقافية التي لا تنتمي إلى الأمة الاسمية أو المهيمنة في الدولة (أي تلك المجموعات التي يسميها المجموعات غير الأساسية). هذه هي، أولاً، أستراتيجية الاستيعاب، وثانياً، الاستيعاب، وثالثًا، الاستبعاد: »تشير "سياسة الاستيعاب" إلى السياسات التعليمية والثقافية والمهنية والزوجية والديموغرافية والسياسية وغيرها من السياسات الحكومية التي تهدف إلى فرض ثقافة المجموعة الأساسية. وطريقة الحياة لتولي المجموعة غير الأساسية. […] يشير مصطلح "التكيف" إلى المواقف التي يتم فيها احترام "الاختلافات" لمجموعة غير أساسية بشكل أو بآخر ويتم إنشاء المؤسسات لتنظيم ودعم هذه الاختلافات.
تمنح الدولة هذه المجموعة غير الأساسية وضع حالة "الأقلية". [...] تشير "سياسة الاستبعاد" إلى التدابير التي تهدف إلى الإزالة الجسدية لمجموعة غير أساسية من الدولة المستقبلة (أو مناطق معينة منها). تشمل هذه الفئة تدابير مثل التبادل السكاني، والترحيل، والنزوح الداخلي، أوالمذابح وحتى القتل الجماعي. «(Mylonas 2013: 21f.)
وفقاً ل Mylonas، لا يمكن تفسير اختيار الاستراتيجية المعنية، عند مقارنة الدول المختلفة،وتفسيره في المقام الأول من السياق الداخلي، ولكن من السياقات الدولية.
ليست خصوصيات المجموعات غير الأساسية أو حتى المسافة الثقافية بينها وبين المجموعة الأساسية الإثنو ثقافية، ولكن علاقة القوى الخارجية بالمجموعات غير الأساسية ستحدد في النهاية اختيار الاستراتيجية.
إذا كانت الدول أوالمنظمات غير الحكومية المعادية، تدعم المجموعات غير الأساسية بهدف إلحاق الضرر بالدولة المعنية من خلال حركات من أجل الأستقلال، أوإطلاق العنان لعدم الاستقرار أو الإرهاب أو الحرب الأهلية، فإن الميل سيزداد قوة نحو سياسات الأستيعاب الصارمة أو عند التهديد بذلك .يكون الوضع الراهن مهدداً أو بهدف تغييره للانتقال نحو الأقصاء. لذلك فإن نصيحتها هي الاحترام الصارم لسيادة الدولة للدول الأخرى، والتركيز على التعاون، واحترام الحدود القائمة (Mylonas 2013: 188–197).
تواجه جمهورية الصين الشعبية حقيقة أن هناك قوى أجنبية كهذه لها مصلحة في إثارة التوترات العرقية، بما في ذلك الحركات الانفصالية.
وهذا ينطبق بشكل خاص على الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعتبرت الصين عدوها الرئيسي، والتي يجب صدها وإضعافها. في عام 1991 ذهب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى حد التوقيع على قانون صادرعن الكونغرس يصنف التيبت على أنها "دولة مُحتلة" والاعتراف ب الدالاي لاما وما يسمى بالحكومة في المنفى في دارامسالا الهندية باعتبارهما "الممثلين الحقيقيين للتبت". تتضمن القصة أيضاً تدريب متطوعي وكالة المخابرات المركزية لعمليات حرب العصابات في الصين في الستينيات. "المؤتمر العالمي للأويغور" ومقره ميونيخ، بتمويل مشترك من قبل"الوقف الوطني للديمقراطية"
ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استقلال شين جيانغ باسم "تركستان
الشرقية<<(ويكيبيدياf2023 ).
بعد عام 1990 تم تشكيل منظمة مسلحة "الحزب الأسلامي التركستاني" التي وضعت على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الأمم المتحدة في عام 2002، وهو لا ينشط فقط في الصين، ولكن بشكل خاص في باكستان وأفغانستان ومازالت نشطة في سوريا (ويكيبيديا 2023 هـ). في السنوات الثلاثين الماضية، كان هناك عدد من الهجمات الإرهابية في التبت وشين جيانغ وأجزاء أخرى من الصين. في الوقت نفسه، أدت سياسات الإصلاح والانفتاح إلى حدوث عمليات تحديث اقتصادية واجتماعية وثقافية غير متكافئة للغاية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الانقسامات في المجتمع الصيني. في بعض الحالات،كانت لها دلالات عرقيةـبالإضافة الى التغيرات الدولية ـ مما أدى الى إعادة الأسلمة في أجزاء من سكان الأويغور. وقد أستحوذ هذا حتى على أجزاء من الحزب الشيوعي الصيني وكوادره،وكذلك على المُدرسين.(هيبيرر 2010: 304f.)
في ضوء هذه الخلفية الدولية والتهديدات الداخلية وكذلك عمليات التحديث السريع وفي مواجهة الحركات المضادة لإعادة التقاليد، حولت الحكومة الصينية التركيز من سياسة التكيف إلى سياسة الاستيعاب الصارمة على مدى العقد الماضي، مع فرض سياسة أمنية صارمة في الوقت نفسه. يشير Mechthild Leutner إلى الأساليب الاستراتيجية التالية من قبل الحكومة الصينية في شين جيانغ.
 أولا، يتم التعامل بقسوة مع الإرهاب بجميع أشكاله والتحضير له. مستنداًإلى قانون مكافحة الإرهاب الصادر عن الحكومة المركزية لعام 2015 في شين جيانغ والقوانين الإقليمية من عام 2016.
»خلال الفترة من 2014 إلى 2019، تم تدمير حوالي 1588 مجموعة إرهابية، واعتقال 12995 إرهابياً، ومصادرة 2.052 قنبلة.وتغريم 30645 شخصاً بسبب "أنشطة دينية غير مشروعة" ومصادرة 345229 مواد دينية غير قانونية 2020: 2 Leutne) ).
وقد أدى ذلك الى ردود فعل عنيفة ساهمت في التطرف. تم توسيع جهاز الأمن بشكل شبه متفجر. ظهرت "شبكة تحكم متشابكة" (Alpermann 2021: 169).
وقد أرتفع عدد الأشخاص المدانين بشكل كبير وأعلى من المعدل الوطني.
ثانياً، تم إنشاء مراكز مكافحة التطرف "لأولئك الذين ثبت تورطهم في أنشطة إرهابية ومتطرفة دينية أو انفصالية، ولكن تم تصنيف جرائمهم على أنها جرائم جنائية لا يمكن مقاضاتها" (Leutner 2020: 2). يقال إنه تم حلهم مرة أخرى في عام 2019. لا تقدم السلطات الصينية أي معلومات عن عدد الأشخاص المتضررين، لكن رقم المليون الذي تم عرضه يبدو مبالغاً فيه تماماً، بحسب Leutner. من ناحية أخرى، يشير ألبيرمان إلى تقديرات أدريان زينز، الذي يتحدث عن "حد أقصى تخميني يبلغ 1.8 مليون" سجين (مقتبس في Alpermann2021: 172).
ومن ناحية ترفض الحكومة الإقليمية الادعاءات القائلة بأن ملايين الأشخاص قد تم نقلهم إلى المعسكرات، ولا تقدم أية أرقام عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين كانوا في مراكز مكافحة التطرف. التبرير - غير المقنع - المقدم هو أن "العدد الإجمالي لمراكز التدريب المهني والمتدربين في جميع أنحاء شين جيانغ كان ديناميكياً" (المكتب الإعلامي للحكومة الشعبية لمنطقة شين جيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي. 2022: 78)والذي كان في حالة تغير مستمرة.
ثالثا، تم اتخاذ تدابير فعالة للتغلب على الفقر والتحديث الاقتصادي والاندماج في سوق العمل الصيني.وتوسيع البنية التحتية. وأجريت استثمارات ضخمة في الاقتصاد، وكذلك من خلال الاستيطان المدعوم للشركات الأجنبية. وتم استهداف نقل العمالة من الزراعة إلى الصناعة وقطاع الخدمات. من ناحية أخرى، لم يتم حتى الآن إثبات العمل الأجباري المزعوم بشكل مقنع.
رابعا، تم اتخاذ تدابير شاملة لتعزيز الاندماج في مجتمع الهان ـ الصيني.
وهذا يشمل تعليماً مدرسياً ثنائي اللغة، والتعلم القسري الجزئي للغة الدولة، وتعزيز فرص العمل في شرق الصين، وإنشاء مناطق سكنية مختلطة الإثنيات، و "إضفاء الطابع الصيني" على الدين، وتجريم السلوك الذي يعتبرنفسه غير- صيني. و يشمل ذلك أيضاً رفض التليفزيون والراديو (انظر Alpermann 2021: 170f.).
وينص بيان أغسطس 2022 الصادر عن مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بقيادة ميشيل باشيليت، على أن الأمم المتحدة تدرك أن “التدابير الفعالة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف من ناحية وحماية حقوق الإنسان ليست متناقضة، بل يكملان ويعززان بعضهما البعض” (مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان 2022: 5). ولو إتبعنا هذه الأطروحة حرفياً، فلن يكون هناك صراع كبير بين مختلف حقوق الإنسان الاجتماعية والسياسية والثقافية، ولا في علاقتها بالإرهاب.
السياسة الحقيقية لجميع الدول المتضررة تتحدث ضد ذلك. في كل مكان يتم تنفيذ عمليات تحقيق الحماية، حيث يتضح أنه كلما تم تقييد حقوق الإنسان الفردية، كان من الأفضل إضفاء الشرعية على هذا التقييد.
 فيما يتعلق بسياسة الدولة في شين جيانغ، يشير البيان المذكور إلى تعريف( واسع جداً) للتطرف ومظاهره في اللوائح الصينية. فالحريات في مراكز نزع التطرف محدودة للغاية،ولاتوجد أجراءات واضحة للإستئناف ضده،وما الى ذلك. وشملت ادعاءات أدريان  زينز، رفض الأداء، من أن عُشرالى خُمس السكان البالغين في شين جيانغ تم احتجازهم بين عامي 2017-2018. إضافة إلى ذلك، حدث انخفاض كبير في معدل المواليد. وفرض العمل الأجباري. وجاء في نص البيان أن "مدى الاعتقال التعسفي والتمييزي لأعضاء الأويغور وغيرهم من الجماعات ذات الغالبية المسلمة، بموجب القانون والسياسة،وبما يتعلق في سياق القيود والحرمان من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الأفراد والجماعات، [...] يمكن أن تشكل جرائم دولية، ولا سيما الجرائم ضد الإنسانية "(مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان 2022: 44).ورد بيان حكومة شين جيانغ الإقليمية في سبتمبر 2022 على الموقف الموجز للمفوض السامي للأمم المتحدة. وتم إتباع نهج شمولي بناء على شدة الهجمات الإرهابية. سعت الحكومة إلى معالجة كل من أعراض الإرهاب وأسبابه بشكل شامل، ومنع ظهور التطرف في منبعه، وقمع جميع الأنشطة الإرهابية العنيفة التي تنتهك حقوق الإنسان، بما يتوافق مع القانون الذي يعرض السلامة العامة للخطر، تقويض الوحدة العرقية أو تهدف إلى تقسيم البلاد "(المكتب الإعلامي للحكومة الشعبية لمنطقة شين جيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي. 2022: 11). الموجهة ضد مجموعة عرقية أو دين معين.
إنه يتعلق باتخاذ إجراءات ضد الإرهابيين والمتطرفين، وليس حول "اضطهاد الأقليات العرقية". ويتعلق بالقضاء على أيديولوجية التطرف الديني وحماية حرية المعتقد، وليس "القضاء على الدين" أو "اضطهاد المسلمين". «(المكتب الإعلامي للحكومة الشعبية لمنطقة شين جيانغ الإيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي. 2022:16) ويتناول التقرير أيضاً مراكز مكافحة التطرف المذكورة: »تقدم مراكز التدريب المهني في شين جيانغ دورات في اللغة الصينية، كتابة ومحادثة، في الدراسات القانونية والمهارات المهنية، وفقاً للقانون، مع التركيز على مكافحة التطرف. «(المكتب الإعلامي للحكومة الشعبية لمنطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي. 2022: 66) من الواضح أنه تم استخدام أشكال من الإكراه لإعادة تثقيف الناس في هذه المراكز.
ليس هناك شك في أن سياسة تحديد النسل التي تنتهجها الحكومة المركزية، تؤثر أيضاً على الأقليات العرقية والثقافية في شكل متدرج، وتمثل الزيادة في سن الزواج والتدابير المستهدفة للتحديث والاندماج في نظام اقتصاد السوق تدخلات عميقة في طريقة الحياة التقليدية (Paech 2021: 8).
في الفترة بين عامي 2016 و 2018، أرتفع عدد عمليات وضع موانع الحمل بشكل كبير وانخفض معدل المواليد إلى النصف (Alpermann 2021: 192 ، 197).
إن إجراءات اكتساب لغة الدولة، والحصول على المؤهلات، وتبني أيديولوجية الدولة، وما إلى ذلك، في ظل ظروف الاعتقال القسري أحياناً، تمثل قيوداً خطيرة على الحريات الفردية، حتى لو كانت مؤقتة. ومع ذلك، فإن هذه السياسة لا تشكل بشكل موضوعي إبادة جماعية، ولا توجد نية مقابلة (Paech 2021: 11ff.). إذا كان التوسع في الالتحاق بمرحلة ما قبل المدرسة من قبل أطفال الأويغور، حيث يتعلمون ليس فقط لغتهم الأم ولكن أيضاً لغة الدولة، واستخدام الكلمة الرئيسية "التحول الثقافي" كجزء من "الإبادة الجماعية الثقافية" (Alpermann 2021: 198)، يتم تفسير مصطلح الإبادة الجماعية على نطاق واسع بحيث يتم وصف جميع عمليات التحديث والاندماج في شعب قومي على أنها إبادة جماعية. تجري حاليا مناقشة مكثفة في الصين ويتم طرح مطالب بالعودة الى سياسة التكيف مع الأقليات العرقية. تم تخفيف الإجراءات المذكورة أعلاه دون التخلي عن الهدف الرئيسي -هو منع ظهور قوى انفصالية في الصين.

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.



13
“البحر يحدد وتيرة ومدى التغير المناخي”
ترجمة وأعداد:حازم كويي   

البروفيسور والباحث في مجال المناخ مُجيب لطيف* هو أشهرعالم في مجال الأرصاد الجوية والمحيطات والبحث المناخي في ألمانيا منذ أربعة عقود.
وهنا يعرض لنا في هذا الشأن الدور الذي تلعبه محيطات العالم في النظام المناخي للأرض محذراً من الانقراض الجماعي في المحيطات - وما يتعين علينا القيام به للحفاظ على أنظمتها البيئية.
البحر يمنحنا الكثير. إنه بمثابة مكان للترفيه ومصدر للغذاء وطريق للنقل، لكننا لا نُقدر ذلك بشكل خاص. بدلاً من ذلك، نقوم بالتخلص من جميع أنواع النفايات، من البلاستيك إلى الأسمدة الزراعية إلى المياه المشعة والنفايات النووية . الذي يهدد بتغير المناخ الناتج عن النشاط البشري بشكل متزايد الحياة في المحيطات.
تغير المحيط حفرة لا قعر لها. في العقود القليلة الماضية، أمتصت المحيطات أكثر من 90 في المائة من الحرارة بسبب الانبعاثات البشرية للغازات الدفيئة. ترتفع درجة حرارة الماء تدريجياً إلى أعماق آلاف الأمتار. من ناحية، فهي تتوسع ومستويات سطح البحر آخذة في الارتفاع. ومن ناحية أخرى، يؤدي ذلك إلى الضغط على بعض الكائنات، ولهذا السبب يموت المرجان. ومع ذلك، يمكن للمياه الدافئة أيضاً أن تمتص كمية أقل من الأوكسجين. وهكذا تنتشر مناطق الموت التي لا يكاد يوجد فيها أوكسجين، والتي لم تعد النباتات والحيوانات قادرة على العيش فيها. بالإضافة إلى ذلك، تمتص المحيطات حالياً ربع كمية ثاني أكسيد الكربون التي تطلقها البشرية. والذي يعمل كسم بيئي.
لقد تعلمنا في المدرسة أن حامض الكاربونيك( H2CO3 ) يتكون عندما يلتقي ثاني أكسيد الكربون بـH2O(CO2 + H2O ⇌ H2CO3) أي الماء. ويؤدي ذلك إلى تحمض مياه البحر، الأمر الذي لا تستطيع الكائنات الحية الموجودة فيه تعويضه. الكائنات الحية التي تتكون أصدافها أو هياكلها العظمية من الجير، مثل المرجان أو بلح البحر أو السرطانات، معرضة للخطر بشكل خاص. ففي المياه القطبية، على سبيل المثال، يشكل السلطعون الصغير أساس السلسلة الغذائية. وإذا واصلنا على ما نحن عليه، فإننا نخاطر بالانقراض الجماعي في المحيطات.
المحيطات ستُحدد وتيرة ومدى تغير المناخ في القرون القادمة. في الوقت الحالي، يعمل المحيط كمنطقة عازلة عن طريق أمتصاص الحرارة وثاني أكسيد الكربون. وهذا لن يستمر إلى أجل غير مسمى. ونحن نلاحظ بالفعل أن نسبة أنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تمتصها المحيطات آخذة في التناقص. كلما أصبحت المحيطات أكثر دفئاً وأكثر حمضية، كلما حدث الاحتباس الحراري بشكل أسرع. ومن أجل تحقيق أهدافنا المناخية، سيتعين علينا تقليل أنبعاثات الغازات الدفيئة بشكل أكبر مما نفعله بالفعل.
منذ أبريل من هذا العام، تم قياس متوسط درجات الحرارة العالمية القياسية الجديدة على سطح الماء. لقد أرتفعت درجة حرارة بحر الشمال وبحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط وهي على عتبة أبوابنا. كلما كان الجو أكثر سخونة، كلما تبخر الماء وتراكم في الغلاف الجوي. وإذا كانت الظروف الجوية مناسبة، فهذا يعني المزيد من الأمطار.
لا يمكنك أنتقاء حدث واحد في مكان معين والقول: هذا هو بالضبط سبب حدوثه. ولكن يمكننا أن نعزو بوضوح تراكم حدوث الأمطار الغزيرة في أوروبا وبقية العالم، فضلاً عن هطول الأمطار القياسي في السنوات الأخيرة، إلى ارتفاع درجة حرارة البحار.
وهنا أيضا، ينصب التركيز على ما يراه الناس أنفسهم ــ أي الطقس القاسي وأرتفاع مستويات سطح البحر على السواحل. علاوة على ذلك، فإن المؤتمرات تدور في الواقع حول المال، ويبدو أن البيئة تعمل فقط كغطاء. ولسوء الحظ، فإن المحيطات ليست مرئية للعامة كما ينبغي. فهي تغطي ثلثي سطح الأرض وتشكل دعامة لا غنى عنها للتغذية العالمية. من الصعب أن نتخيل ماذا سيحدث إذا إنهارَ هذا العمود.وأنا لست من محبي سيناريوهات الرعب المستقبلية. كل ما عليك فعله حقاً هو توضيح ما حدث بالفعل. إن أساطيل الصيد الصناعي من أوروبا تنتقل بالفعل إلى أفريقيا لأنها لم تعد قادرة على العثور على ما يكفي من الأسماك في بحرنا. تتزايد النفايات البلاستيكية وتبقى في الماء لعدة قرون. وفي اليابان، تم تصريف مياه التبريد الملوثة من فوكوشيما إلى البحر. وتؤدي العناصر الغذائية من الأسمدة الزراعية بدورها إلى إزدهار الطحالب، أي النمو الهائل لأنواع معينة من الطحالب على سطح الماء، مما يعني أن النباتات والكائنات الحية الأخرى تفتقر إلى الأوكسجين بعد موتها. لا يمكننا التنبؤ بمدى سرعة أنهيار النظم البيئية. لكننا نعلم أن العملية تتسارع عندما تجتمع عوامل التوتر المختلفة معاً.
ولهذا فالأهمية في المقام الأول، أن نتوقف عن ارتكاب الأخطاء ـ على سبيل المثال، يتعين علينا أن نتوقف عن الصيد الجائر. نحن نعلم أن النظم البيئية داخل المناطق المحمية يمكن أن تتجدد بسرعة كبيرة. لذا، إذا أبطأت سرعتك قليلاً لبضع سنوات، فستتمكن من صيد المزيد من الأسماك بعد ذلك. وإلا فإن النظم البيئية سوف تنهار، ومعها تنهار الأرصدة السمكية تماماً، وسيزداد الجوع في العالم بشكل كبير. علينا أن نقول وداعاً للتفكير قصير المدى، التفكير أكثر وأكثر وبشكل أسرع.
أعتقد أنه يمكننا إجراء تغييرات في نظامنا الاقتصادي الحالي. حالياً يتم مكافأة التلوث. ويتعين علينا أن نخفض الدعم لطرق الإنتاج غير المستدامة، وعندها ستكتسب البدائل حصة في السوق بسرعة كبيرة. لكن البشرية تواجه مشكلة جديدة تماماً هنا لأن هذا التغيير يجب أن يحدث عالمياً. ويجب على جميع البلدان أن تعمل معاً لأن الجميع في نهاية المطاف يتقاسمون الغلاف الجوي والمحيطات. وقد تجلى ذلك في حالة سفينة حاويات تعرضت لمحنة في شمال المحيط الهادئ. وكانت مُحملة بآلاف من البط المطاطي الذي سقط في الماء. لذلك، مع مرور الوقت، تم رصد فراخ البط الصفراء في هونغ كونغ وأستراليا والساحل الشرقي لأمريكا. ووصلت إلى أوروبا عبر تيار الخليج وإلى الطرف الجنوبي لإنكلترا. نحن جميعاً في نفس القارب.


*مجيب لطيف: ولد عام 1954، درس الأرصاد الجوية وحصل على الدكتوراه في علم المحيطات. وهو أستاذ كبير في جامعة كريستيان ألبرختس في كييل، شليسفيغ هولشتاين، ويجري أبحاثاً في مركز جيومار هيلمهولتز لأبحاث المحيطات في كييل. صدر كتابه الأخير "العد التنازلي". إن وقتنا ينفد - ما الذي لا يزال بإمكاننا فعله لمكافحة الكارثة المناخية .


14
عضوة الكونغرس الأمريكي،ألكسندريا كورتيز ورحلتها الأخيرة إلى أمريكا اللاتينية.
ترجمة وأعداد:حازم كويي

تحدثت ألكسندريا أوكازيو كورتيز(الحزب الديمقراطي الأمريكي) حول جرائم الولايات المتحدة في المنطقة والنضال من أجل العدالة والديمقراطية في الأمريكيتين.
لقد أستمدت أجيال من اليساريين الإلهام من أميركا اللاتينية مُعبرة عن تضامنها: من الثورة المكسيكية إلى مشروع سلفادور الليندي الاشتراكي وإلى حكومات الإصلاح اليسارية في الأعوام الأخيرة. وأستمراراً لهذا التقليد، سافرت عضوة الكونغرس الأمريكي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز ومجموعة من ممثلي اليسار من الولايات المتحدة مؤخراً إلى كولومبيا والبرازيل وتشيلي للقاء بعض زملائها في أمريكا اللاتينية.
عشية الذكرى الخمسين للانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة ضد الليندي عام 1973، تحدثت أوكاسيو كورتيز في برنامج أذاعي The Dig podcast. تطرقت فيها، عن بناء التضامن في جميع أنحاء القارة الأمريكية، ونجاح وفدها لنشر الوثائق المتعلقة بالانقلاب التشيلي، العواقب المدمرة للتدخلات الأمريكية في المنطقة، وأسباب الهجرة من فنزويلا، والمزيج "المذهل" من التطرف الملتزم والبراغماتية الصارمة في الحركة البرازيلية. تقول أوكاسيو كورتيز: “كان الرفض المطلق للسخرية أمراً مذهلًا”.
وتعتقد أن التضامن مع أمريكا اللاتينية يتطلب علاقة حقيقية. عندما نتحدث عن الحركات التي فيها، يمكننا أن نفعل ذلك من منظور أكاديمي أو تأريخي، ولكن هناك الكثير من الحركات التي تقاتل في الوقت الحاضر. إن بناء علاقات حقيقية معهم هو أحد أفضل الطرق للتعبير عن تضامننا.
عندما جاء الرئيس [البرازيلي] لولا دي سيلفا إلى واشنطن في وقت سابق من هذا العام، كان من دواعي سروري الحديث معه وسألته عن رأيه، عما ينبغي على التقدميين أن يفعلوه الآن. وقال بصراحة إن التقدميين في أمريكا اللاتينية يجتمعون بانتظام، لكن التقدميين في الولايات المتحدة لا يمكن رؤيتهم في أي مكان. إنه لا يعرف أين نحن. لقد رأيت ذلك بمثابة تحدي وهو أحد الأسباب الرئيسية لزيارتنا إلى البرازيل وتشيلي وكولومبيا.
مواقفنا السياسية يجب أن تنبثق من بناء العلاقات، لأن الكثير من هذه المواقف ليست واضحة ولا يمكن إستخلاصها بسهولة من الدراسات. يجب تطويرها من خلال الحوار.
 من بين المواضيع التي كانت حاضرة بقوة في شيلي، وأثيرت أيضاً في البرازيل وكولومبيا، مدى عمق الاستقطاب، وخاصة فيما يتعلق بوسائل الإعلام، وكيف يؤثر ذلك على الديناميكيات السياسية الحالية.لقد بذلت الحركات اليمينية المتطرفة والفاشية في الولايات المتحدة جهداً كبيراً لتصدير العديد من تكتيكاتها وأهدافها إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. لقد رأينا ذلك في البرازيل مع بولسونارو والهجوم على العاصمة في الثامن من يناير. وهذا منتشر أيضاً في تشيلي. نرى ذلك، ومن بين أمور أخرى، الرغبة في محو التاريخ.
هناك حركة ضخمة تحاول أن تجعل الناس ينسون الأحداث التي أحاطت بالانقلاب على حكومة سلفادور الليندي. جرت محاولة لتصوير الانقلاب على أنه مُتعاطف معه تقريباً، كما لو كانت الدكتاتورية حكومة شرعية. ولهذا السبب فإن دعوتنا للحكومة الأمريكية للإفراج عن العديد من الوثائق حول تورطها في الانقلاب أمر في غاية الأهمية. إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على نشر هذه المعلومات والقول بأن هناك تورطاً خارجياً، وأن ذلك حدث بالفعل،كونه وبشكل لا يصدق غير عادل- فلا يمكنك المبالغة في تقدير مدى أهمية ذلك للشعب التشيلي، وكذلك لمئات الآلاف. إن لم يكن الملايين، من الأشخاص الذين فقدوا أحد أفراد أسرهم أو تعرضوا للتعذيب فترة حكم نظام بينوشيت. [ملاحظة: رفعت الولايات المتحدة السرية عن بعض هذه الوثائق في أواخر الشهر الماضي.]
تاريخياً، كانت كولومبيا أيضاً ضحية للعديد من أعمال العنف التي ترعاها الولايات المتحدة، وليس علينا العودة إلى خمسين عاماً مضت، فقط النظر إلى سجل خطة كولومبيا [البرنامج العسكري لمكافحة المخدرات]. ماذا تعلمت عن عملية السلام في البلاد وتاريخ العنف هناك - عملية السلام التي، بالمناسبة يقودها الآن غوستافو بيترو، أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا -
أعتقد أن لدينا دوراً نلعبه. إن فكرة أننا يمكن أن نصل، ونسبب الكثير من الفوضى ثم نغادر مرة أخرى،فذلك في رأيي، ليست الطريقة الصحيحة لتحمل المسؤولية لكي نكون شريكاً جيداً للمستقبل. وهذا ما تريده كولومبيا، بغض النظر عن الجانب السياسي الذي تنظر منه إلى الأمر.
لقد فهمت من زيارتي لكولومبيا هو مدى ضآلة ما يُحكى عن تاريخها وكيف يمنع ذلك الناس في الولايات المتحدة من دعم السياسات العادلة. على سبيل المثال، عندما تسمع كلمة "كولومبيا"، فإنك تفكر على الفور في تُجار المخدرات، والمُتمردين، ومختلف القوات شبه العسكرية والحرب. وهذا رسم كاريكاتوري لا يساعد على فهم جوهر هذا الصراع.
في رأيي أن القضية الرئيسية في كولومبيا هي شرعية الحكومات. ما لدينا هناك هو دولة هيمنت عليها تأريخياً مصالح النُخبة، والتي أعلنت بعد ذلك في منتصف القرن التاسع عشر أنها تريد أن تصبح ديمقراطية، والتي تحولت بعد ذلك على ما يبدو إلى تلك الديمقراطية - ولكن مرة ليبرالية أو يسارية. ثم بدأ القتل السياسي في الارتفاع. لديك في الأساس دولة يمينية ذات حزب واحد، وهذا ما جعل الكثير من الناس يقولون، حسناً، من الواضح أن هذه ليست حكومة شرعية، وإذا أردنا أن يحصل الفقراء والطبقة العاملة على فرصة في الحياة، إذاً علينا أن نقف حتى نشهد ثورة، وثورة عنيفة في ذلك الوقت.
هذه هي أصول الوضع الحالي في كولومبيا، حيث تواجدت تاريخياً حكومة يمينية وميليشيات يسارية، وذلك بسبب عدم وجود مساحة ديمقراطية لنظام حقيقي قائم على حزبين.
ومع ظهور تجارة الكوكايين والمخدرات، أصبح الوضع أكثر تعقيداً. ربما كان الوضع أيديولوجياً في الثمانينيات والتسعينيات، ولكن مع إدخال التعدين غير القانوني وتهريب المخدرات، بدأت الحوافز الاقتصادية في تعكير المياه. وهناك خطة كولومبيا، حيث تستثمر الولايات المتحدة مليارات الدولارات: فمنذ عام 2000 وحتى اليوم، دفعت الولايات المتحدة 14 مليار دولار للحكومة الكولومبية، أغلبها في هيئة مساعدات عسكرية، كان ذلك في عهد أوريبا، الذي كان مُستبداً. وكانت هناك فضيحة الكذبة الإيجابية، حيث قدمت الحكومة الكولومبية حوافز مالية لقتل مقاتلي حرب العصابات. قُتل فيها أشخاص أبرياء ووصفوا بأنهم مقاتلون في حرب العصابات. كل هذا خلق فجوة كبيرة.
كان أنتخاب غوستافو بيترو، كأول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا أمر بالغ الأهمية. وهي المرة الأولى التي يمتلك فيها الكولومبيون ولو قدراً ضئيلاً من الدليل على أن الديمقراطية من الممكن أن تؤدي إلى نتائج سياسية مختلفة. إن فوزه في الانتخابات لا يرتبط به كشخص بقدر ما يرتبط بحقيقة أن اليساري يمكن انتخابه رئيساً من دون أن يتعرض للاغتيال. وهذا يعطي الأمل بحد أدنى من السلام واللاعنف في هذا البلد.
ولهذا السبب الخطير للغاية أن يهاجم الجمهوريون الأمريكيون الحكومة الكولومبية محاولين قطع المساعدات أو منع وصول سفير أمريكي، لأن ذلك يؤدي إلى تعميق إنزلاق كولومبيا إلى حالة عدم الشرعية. وهناك أيضاً اختلافات في الرأي في أميركا اللاتينية حول كيفية التعامل مع القضايا الصعبة للغاية ـ على سبيل المثال، فنزويلا أو كيف تضع أميركا اللاتينية نفسها في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد. كل هذه المناقشات صحيحة ومهمة، لكن لا يجوز تقويض شرعية هذه الحكومة.
وسُئلت أكاسيو، عن سياسات النفط والتعدين المثيرة للجدل في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.وعن انتصار لولا على بولسونار، بمثابة انتصار ضد إزالة غابات الأمازون،إلا أنه تعرض لانتقادات من قبل دعاة حماية البيئة لاقتراحه أنه سيدعم التنقيب عن النفط الجديد في حوض الأمازون. ومن ناحية أخرى،عن وعد غوستافو بترو بإنهاء إنتاج النفط في كولومبيا، كما وافق الناخبون الإكوادوريون للتو على تصويت تأريخي لحظر إنتاج النفط في منطقة ياسوني، منطقة الأمازون النائية في البلاد. فما الذي يُمكن تعلمهُ من الحركات البيئية في أمريكا اللاتينية؟
أجابت أكاسيو،من أن هناك بعض النقاط التي يجب فحصها. الأول هو الجغرافية السياسية للوقود الأحفوري في المنطقة. على سبيل المثال، عندما نتحدث عن الرئيس لولا والتنقيب عن النفط، أو محاولة غابرييل بوريتش تأميم الليثيوم في تشيلي، فإن الأمر لا يتعلق بالطلب المحلي، بل بالطلب الدولي على الوقود الأحفوري والجغرافية السياسية. وكيف تحاول كل دولة أن تضع نفسها في مكانها.
ولا تعتمد البلدان الثلاثة ــ البرازيل وتشيلي وكولومبيا ــ على الوقود الأحفوري في تلبية معظم استهلاكها من الطاقة. تستخدم البرازيل الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية. وتمتلك البلدان الثلاثة حصة لا تقل عن 50 في المائة من الطاقة المُتجددة. لذلك عندما نتحدث عن سبب وجود هذا الضغط لتصدير المزيد من النفط، فالأمر مُتعلق بالأسواق العالمية. ويرتبط ذلك بحقيقة أن أمريكا اللاتينية لديها دوافع قوية لتكون مستقلة في هذا العالم المُتعدد الأقطاب.
كما أنها تعتمد على عائدات تصدير الوقود الأحفوري والعديد من الموارد الطبيعية الأخرى لتشغيل وتمويل العديد من البرامج الاجتماعية الهامة. لذلك عندما نتحدث عن التحول العادل إلى الطاقة المتجددة، فإن أحد الأسئلة الكبيرة هو كيفية استبدال عائدات الوقود الأحفوري لدعم برامج مهمة مثل العوائل في البرازيل أو البرامج الصحية المختلفة. ومن ناحية أخرى، فإن الإكوادور وكولومبيا والعديد من البلدان الأخرى تخطو خطوات كبيرة في تحركاتها المناخية وفي حماية منطقة الأمازون.
في بعض الأحيان تكون هناك حاجة إلى مزيد من الدقة، لأن العديد من هذه النضالات ليست يسارية بشكل واضح. على سبيل المثال، غالباً ما تدعي جماعات حرب العصابات، أن لها جذور يسارية أو ثورية مسؤولة عن التعدين غير القانوني وقتل مجموعات السكان الأصليين من أجل تأمين قاعدة مالية لمواصلة أنشطتها. ولذلك، فمن المهم، بالإضافة إلى الاستثمارات التكنولوجية لاستكشاف ومتابعة أشكال جديدة من الطاقة التي لا تسبب ضرراً كبيراً في إنتاجها، أن نركز أيضاً على التنظيم المباشر للمجموعات الأصلية والمجموعات الكولومبية الأفريقية وغيرها الكثير.
عندما تنظر إلى الولايات المتحدة التي أظهرت مقاومة غير عادية في المؤتمر السادس والعشرين والسابع والعشرين لمساعدة البلدان النامية على التحول – من أن الاقتصادات الأكثر تقدماً في العالم هي المسؤولة عن معظم الانبعاثات.
تعتبر دروس حركة العمال المُعدمين ( MST ) الذين التقيت بهم في البرازيل، هي من بين أهم الدروس التي تعلمتها في هذه الرحلة، على الأقل فيما يتعلق بالتنظيم الشعبي. ما وجدته ملحوظاً جداً في هذه الحركة ونظيرتها الحضرية، حركة MS ، هو عملهما المباشر، والذي يعد جزءاً من رؤية أيديولوجية وأستراتيجية أكبر، وقرارهما بالمشاركة في الانتخابات. كما أن برامجهم التعليمية الشعبية مهمة جداً.
في بيانهم وجدت الطريقة التي يوازنون بها كل هذه الأشياء - نوع من التطرف في العمل المباشر والواقعية ، وكان الرفض المطلق للسخرية مذهلا.
وهذا شيء نكافح معه في الولايات المتحدة. هذا النظام الثنائي: إما أن تكون ثورياً حقيقياً تؤمن بالعمل المباشر والاستقلالية، والنظام الانتخابي مزيف - وهذا يخلق هذه الدوامة الساخرة التي تبقيك صغيراً - أو تركز حصرياً على الانتخابات، مع حركات أكثر راديكالية ويتم رفض الإجراءات المتطرفة باعتبارها ساذجة. ومن الصعب جداً تشكيل تحالف على هذا الأساس.
لقد اختبرت هذا التوازن عدة مرات ومن المدهش كيف انني رأيت الناس في البرازيل، وخاصة في ظل نظام متعدد الأحزاب - لولا دي سيلفا ينتمي إلى حزب العمال، هناك حزب أشتراكي، PSOL، الذي تنتمي إليه حركة MST أيضاً؛ هناك أحزاب شيوعية والعديد من الأحزاب الأخرى – تضع برنامجاً قوياً جداً للتضامن. أعتقد أن هذا هو الأمر الذي تعاني منه تشيلي، على سبيل المثال، قليلاً.
وأعتقد أيضاً عما يميز القادة الثلاثة لهذه البلدان. فهم بالطبع شعبويون تقدميون، لكنهم أيضاً شخصيات مختلفة تماماً. ومن المهم دراسة هذه الاختلافات، ليس لترتيبها، ولكن لمعرفة ما يمكن تعلمه من كل واحد منهم.
 وتطرقت أوكاسيو بعد سؤالها عن الأزمات الاجتماعية والسياسية والبيئية التي تواجه أمريكا اللاتينية الناس وتدفعهم إلى ترك منازلهم، مما يؤدي إلى وصول أعداد كبيرة من الأشخاص إلى حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، ينتقل الكثير منهم إلى نيويورك.وعن كيفية الجمع بين سياسة التضامن مع المهاجرين ومع شعوب بلدان أمريكا اللاتينية التي طردوا منها؟ حيث ركزت على الأسباب الجذرية للهجرة، ومن المؤكد أن أزمة المناخ هي واحدة منها.
حين يرى المرء الصور على شاشة التلفزيون، هناك حقاً الكثير من العنصرية الضمنية. نرى هذه اللقطات التي تجعل الأمر وكأنها جحافل من الناس تصل إلى حدودنا ولا يُسأل أحد على الإطلاق من أين أتوا. كل ما تسمعه هو كلمة "المهاجرين"، وهي تشير ضمنياً إلى مجيئهم من جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، هذه البلدان فقيرة، و هم جميعاً يطرقون باب الولايات المتحدة. إن هذا التصوير ونقص التفاصيل في وسائل الإعلام لدينا، يلحق الضرر بجميع الأميركيين عندما يتعلق الأمر بمعرفة كيفية التعامل مع هذا الوضع.
هناك الهايتيين والنيكاراغويين والغواتيماليين، لكن غالبية المهاجرين يأتون من فنزويلا. اليميني في الولايات المتحدة يفعل ما يريد ويقول: أوه، هذا البلد اشتراكي، هذا البلد استبدادي، وكل هؤلاء الناس يفرون من هذا النظام، عمليا الجميع هنا هم لاجئون سياسيون.
لكنني أعتقد أن العديد من الأشخاص من اليسار يفشلون أيضاً في النظر إلى الوضع بطريقة مختلفة. إما أنهم لا يعرفون ما يحدث، وهي نقطة ضعفهم إذا جاز التعبير، أو أنهم يريدون الدفاع عما يحدث هناك بأي ثمن. وأعتقد أن هذا يمثل مشكلة أيضاً. لا أريد الخوض في الكثير من التفاصيل، لكن إذا نظرت إلى ما تعنيه الاشتراكية فعلياً وما حدث في فنزويلا مع مادورو، فستجد أن الوضع ليس واضحاً تماماً.
في رأيي، هناك عاملان رئيسيان يدفعان الهجرة من فنزويلا. الأول هو الوضع الاقتصادي. أما العامل الثاني فهو التدخلات والعقوبات الأمريكية التي ساهمت في زعزعة إستقرار الوضع.
سأبدأ بالعقوبات. في عام 2017، دعا عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو ــ الذي تحركه دوافع سياسية كبيرة بما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية ويدعم الحركات اليمينية ــ إلى توسيع كبير للعقوبات ضد فنزويلا.
في السابق، كانت لدينا عقوبات أضيق بكثير تستهدف النخب الفنزويلية. ولذلك اقترح روبيو عقوبات موسعة بشكل كبير، مما أدى إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الفنزويلي والتأثير على الفقراء والطبقتين العاملة والمتوسطة. تم فرض هذه العقوبات في عام 2017، على أثرها بدأت موجات من المهاجرين بمغادرة فنزويلا والوصول إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. ولهذا السبب أعتقد أنه من المهم للغاية أن نقول: من أجل إيقاف ذلك، علينا أن ننظر إلى سياسة العقوبات التي نتبعها في أمريكا اللاتينية وخاصة تجاه فنزويلا.
من المهم للعدالة أن تدرك أننا لا نريد تدفقات هائلة من الأشخاص القادمين إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. هذه عائلات لا تريد مغادرة منزلها. فهي مجبرة على القيام بذلك.
ومن المهم أن ندرك هذه الحقيقة. ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك بطريقة "دعونا نغلق الحدود ونبني جداراً"، ولكن يتعين علينا أن نعترف بأن هذه مشكلة بالفعل. وجزء من هذه المشكلة يرجع إلى سياسة الولايات المتحدة. ثانياً، بالإضافة إلى العقوبات، علينا أيضاً أن نتعامل مع حقيقة أن فنزويلا دولة نفطية. تميل الدول النفطية نحو الاستبداد وهذا يؤدي إلى مجموعة متنوعة من التعقيدات.وحتى عندما يتعلق الأمر بقصة مادورو، كما هو الحال في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، هناك فكرة تتمثل في حركة يسارية صاعدة، يعقبها التدخل الأميركي، الذي يؤدي بدوره إلى تطرف القارة. على سبيل المثال، في كولومبيا كان هناك الشعبوي اليبرالي غايتان. وحين أُغتيل عام 1948، خلص فيدل كاسترو إلى أن المسار الانتخابي لليسار كان ميئوسا منه.وكما نظر إلى غواتيمالا والانقلاب الذي دعمته وكالة المخابرات المركزية هناك عام 1954.
كانت سياسة التدخل الأميركية، سواء ضد الليندي أو غايتان، هي التي أدت إلى زيادة تطرف اليسار الناشئ. وهكذا نأتي إلى مثال الانتخابات في فنزويلا، حيث شعر نظام مادورو بوجود قدر هائل من التدخل، سواءاً من خلال العقوبات أو غيرها من الوسائل، والذي أراد بعد ذلك إيقافه. ولم يُسمح لبعض المرشحين بالترشح. وكانت هناك مزاعم عن القمع ضد الناخبين.
وقد تم تبريره كرد فعل على التدخل. لكن هذه الإجراءات ما زالت تحدث. ومن المهم بالنسبة لليسار في أمريكا الشمالية أن يعترف بذلك وأن يتعامل مع الفروق الدقيقة والتفاصيل الخاصة بما يحدث هناك.
علاوة على ذلك، وكما قلت، فنزويلا دولة نفطية. كما هو الحال في أية صناعة، هناك صعود وهبوط. وإذا انخفض سعر النفط وأصبح اقتصاد هذه الولاية يعتمد عليه بنسبة 94 إلى 96 في المائة، فستكون هناك معاناة هائلة. واليوم هدأت الأمور إلى حد ما في فنزويلا بسبب الحرب في أوكرانيا وأرتفاع أسعار النفط ونقل المهاجرين الفنزويليين من الولايات المتحدة إلى فنزويلا. لذلك نرى أن نصف هذه المعادلة يستقر، لكن نظام العقوبات لا يزال ساري المفعول.
ومن المقرر إجراء الانتخابات في فنزويلا العام المقبل. والمهم أن نلاحظ أن الرؤساء اليساريين الثلاثة الآخرين – لولا أو بوريتش أو بترو – لا يتخذون نفس الخط تجاه فنزويلا. لديهم وجهات نظر مختلفة ومواقف مختلفة تجاه البلاد. وينتقد بوريتش بشدة ما يصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في فنزويلا.لذا عند النظر إلى الأمر من منظور تاريخي، من المهم التعرف على الفروق الدقيقة والتعقيدات التي تنطوي عليها هذه القضية.
وعن سؤال وجه ل أكاسيو، من أن كاسترو أصبح مقتنعاً وأستناداً إلى ما رآه في غواتيمالا وكولومبيا، بأن الطريق الديمقراطي نحو الاشتراكية غير ممكن. وعندما تعرض الليندي لضغوط كبيرة في الفترة التي سبقت الانقلاب، حذر كاسترو، الليندي مما سيأتي، وذلك لسبب وجيه. لقد ساهمت الولايات المتحدة بشكل أساسي في تشكيل هذه الديناميكية برمتها.
فأجابت بصحة ذلك،وهذا هو النضال الذي يستخدمه العديد من اليمينيين في الولايات المتحدة كبعبع. وينطبق هذا أيضاً على الأميركيين المُعتدلين في الحياة اليومية، والذين في رأيي مهمون للغاية بالنسبة للتحالف اليساري. لقد أكدت رحلتنا إلى تشيلي ولقائنا مع لولا ذلك مرة أخرى. لقد نجح لولا في بناء إئتلاف سياسي حاكم معقد إلى حد لا يصدق. لقد فاز هؤلاء الزعماء الثلاثة كرؤساء منتخبون، لكن يتعين عليهم أيضاً أن يتعاملوا مع مؤتمرات محافظة للغاية. وأعتقد أن ذلك هوبعد إضافي يحتاج اليسار في أمريكا الشمالية بالتعامل معه، وهذه ليست قلعة بسيطة ثنائية الأبعاد في الهواء. أنت تتعامل مع ديناميكيات سياسية معقدة للغاية.
وخلافاً لتصوير "الحركات اليسارية المتطرفة" في أميركا اللاتينية المألوف لدى كل أميركي معتدل سياسياً، فمن المهم أن نتذكر أن قسماً كبيراً من النزعة القتالية كان راجعاً إلى التدخل الأميركي.
وتحدثت أوكازيو بعد سؤالها عن النظام الجيو سياسي متعدد الأقطاب،في زمن التنافس بين القوى العظمى،منها الحرب في أوكرانيا وما يسميه الكثيرون حرباً باردة جديدة مع الصين  وتاثير ذلك على أمريكا اللاتينية والجنوب العالمي بشكل عام،حيث تضع هذه الصراعات الحكومات التقدمية في موقف صعب؟ مُعتبرة  ذلك أحد الأسئلة الكبرى في عصرنا لتواصل الحديث عن.. بعض لقاءاتي في الداخل والخارج، حذرت أنا والعديد من التقدميين الآخرين، بما في ذلك السيناتور بيرني ساندرز، من تأطير الحرب الباردة هذه. الجمهوريون يريدون ذلك حقاً، ومنذ أن استولوا على الأغلبية في الكونغرس، كانت هناك التصويتات التصعيدية بلاتوقف تقريباً وإدانات وقرارات وتغييرات في التمويل من جانب الصين. لقد أمضينا عقوداً من الزمن في حرب باردة لم تنته إلا في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، لكن أشباحها لا تزال قائمة لفترة أطول بكثير. لدينا العديد من الهياكل المؤسسية والسياسية التي يمكن أن نرجع إليها على الفور إذا عدنا إلى إطار الحرب الباردة. وإذا واصلنا هذا النوع من التصعيد مع الصين، فلن ينتهي بنا الأمر إلى الظهور بشكل جيد.
 إن أميركا اللاتينية تتعرض لضغوط هائلة، لأن الناس لا يريدون أن يكون لأي من الطرفين تأثير غير مبرر على حياتهم ومصائرهم. لقد تصارعوا لعقود من التدخل الأميركي الذي أدى إلى قدر هائل من الشكوك كلما تورطت الولايات المتحدة، لكنهم أيضاً لا يريدون أن يعتمدوا على الصين أو أي قوة عالمية أخرى. إن ما يريدونه، وأعتقد أن ما أراده قسم كبير من أمريكا اللاتينية منذ الاستعمار، هو السيادة والاستقلال. لذا، هناك رغبة في تحقيق التوازن على نحو أو آخر في العلاقات مع الولايات المتحدة والصين.
عندما يتعلق الأمر بالسياسة الواقعية الأمريكية - دعنا نقول أنهم جاءوا للتو للدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة - أعتقد أن مصلحة الولايات المتحدة في المنطقة ربما تهدف أيضاً إلى إعادة بناء تلك العلاقات ووضع حد للموقف التدخلي. لا أعتقد أن التدخل سيفيد بلدنا. فهو يخلق حالة مستمرة من عدم الاستقرار وقدراً أعظم من الشكوك التي من شأنها أن تثني أياً من هذه البلدان عن التقرب من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي لا يزال يتعين بالدعوة إليه على أساس حقوق الإنسان، وعلى أسس بيئية، وفي بناء الإجماع العالمي.
نحن في سباق مع الزمن عندما يتعلق الأمر بأزمة المناخ، وكلما أسرعنا في بناء هذا الإجماع العالمي، كلما أصبحنا أكثر قدرة على تحقيق أهدافنا. وينطبق هذا على الصين أيضاً. إن تسمية دولة أخرى، ناهيك عن القوة العظمى بالعدو لها العديد من الآثار المختلفة. أعتقد أنه من المهم حقاً في هذا العالم متعدد الأقطاب فهم الحوافز المختلفة لكل جهة فاعلة. من المؤكد أن هناك الكثير ممن سيختلفون معي، لكنني أعتقد أن هذا موقف لا ينبغي تصعيده.
من المؤكد أيضاً أنه من غير المريح أن نعترف برغبة قارة بأكملها في التمتع بالسيادة. ولكن أعتقد أننا يجب أن نتعلم من الدمار الذي خلفه كيسنجر ونيكسون وخطة كولومبيا والعديد من الآخرين، أننا نلحق الضرر بأنفسنا بمثل هذا الالتزام. لدينا تهريب المخدرات، ولدينا قدر غير عادي من العنف. ومن أين أتت الأسلحة؟ والقوات شبه العسكرية؟ ويتعين علينا أن نفهم أن النهج المفرط في العسكرة هو نبوءة عن العنف تحقق فيها ذاتها.

15
الاشتراكية كاقتصاد مختلط مخطط.
الفصل الثامن من كتاب"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

حددَ الاقتصادي السياسي الماركسي الصيني جينغ إنفو، من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، الخصائص الأساسية للنظام الصيني بالإشارة إلى ماركس على النحو التالي: "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية = الملكية العامة باعتبارها الدعامة الأساسية والملكية غير العامة كمكمل + توزيع السوق الحر من خلال العمل باعتباره الدعامة الأساسية والتوزيع بواسطة رأس المال كمكمل [...] + اقتصاد السوق الذي يسترشد بالخطة أو الدولة." (Cheng Enfu 2021: 9) يمكن للمرء التحدث عن نظام له طابع هجين مصمم بشكل متعمد. يتم دمج العناصر المتباينة ويتم فحص آثارها باستمرار. لا يوجد أتجاه إنمائي نحو اقتصاد سوق خالص ولا يُفهم التوسع في التخطيط الاجتماعي على أنه تقييد أو حتى بديل لعمليات اقتصاد السوق.
في خطاب ل جين بينغ للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني الثامن عشرالمتعلق بالتعلم الجماعي،وتحت عنوان"اليد الخفية واليد المرئية" عبر عنها على النحو التالي: "في مسألة وظائف السوق والحكومة، يجب أن ننظر إلى هاتين الوظيفتين -" اليد الخفية "للسوق و" اليد المرئية "للحكومة - بطريقة جدلية والاستفادة منها بشكل جيد. يجب أن نسعى جاهدين لدمج وظائف السوق والحكومة في كيان عضوي واحد من أجل إنشاء كوكبة متكاملة، منسقة وتعزيزها. «(Xi Jinping 2014b: 141).
يتم الجمع بين عدد من الخصائص بهذه الصيغ:
أولاً، يخضع النظام الاقتصادي بأكمله لرقابة طويلة الأجل ومستهدفة. يؤكد الفاعلون المسؤولون عن الاقتصاد قبل كل شئ على هدف تجديد الصين كقوة حضارية عظيمة لتنمية احتياجات سكانها والمساهمة في حل المشكلات العالمية لـ «مجتمع إنساني».
ثانياً، إنه اقتصاد متعدد القطاعات، يحاول استغلال المزايا المحددة لكل قطاع والتأكد من أن القطاعات الأخرى تعوض مساوئها. لا يعني الانكماش الجذري لقطاع الدولة بأي حال تضاؤل أهميته في تنفيذ الاستراتيجية الشاملة. تم تعزيزه في هذه الوظيفة وفشلت موجة من الخصخصة الأخرى( Saratchand 2020  19) في السنوات الأخيرة، تم تقييد سلطة الشركات الخاصة.
ثالثاً، يتم عمل مكثف لفهم طبيعة الفاعلين الاقتصاديين كشركات تستخدم رأس المال بكفاءة وتتعرض لمنافسة وطنية ودولية قوية، لفرضها وصيانتها. إذا كنت تريد تصور هذه الخصائص المختلفة للنظام الاقتصادي الصيني باختصار، يمكن للمرء أن يتحدث عن اقتصاد مُدار متعدد القطاعات مع أساس ريادي قوي.
يتلخص المفهوم الأساسي على النحو التالي: "الابتكار هو القوة الدافعة للتنمية، في حين أن التنسيق هو الفن، والاعتبار البيئي هو الوضع، والانفتاح هو المساعد الضروري للتنمية. الهدف هو التنمية للجميع، وضمان هذا التطور هو الأمن. "(Hu Angang et al. 2021: 28).
راينرلاند، طور التمييز بين مفاهيم اقتصاد السوق، واقتصاد السوق المنظم والمُسيطر عليه. فبينما يهدف اقتصاد السوق المنظم قبل كل شئ إلى ضمان التوازن الاقتصادي، أو ضمان التوظيف الكامل أو السيطرة على التضخم، فإن اقتصاد السوق الخاضع للرقابة يدور حول "التصميم الموضوعي للتنمية الاقتصادية" "تتجاوز التنمية الاقتصادية الخاضعة للرقابة النمو المنظم، لأن اتجاهات التنمية المحددة مستهدفة من حيث المحتوى. [...] تتطلب التنمية الاقتصادية الخاضعة للرقابة أهدافاً مشتركة معينة من حيث المحتوى. « ومع ذلك، فإن تصميم المحتوى هذا بدون عملية تخطيط شاملة وتفاعل منظم من جهات فاعلة مختلفة جداً في إعداد الخطة والتنفيذ يكون مستحيلاَ لطالما كانت طبيعة النظام الاقتصادي الصيني محل نزاع على مدى عقود.
تتمثل إحدى الصعوبات في أن مصطلح الاقتصاد المخطط يمكن أن يكون مُضللاً. كما كتب هونغ جن يو "في نظام الاقتصاد المخطط، يكون المجتمع بأكمله منظمة اقتصادية موحدة. تتخذ الحكومة القرارات الخاصة بالعمليات الاقتصادية وتخصيص الموارد، وتنفذ الشركات توجيهات الحكومة، حيث أن وحدات الإنتاج و "ورش العمل" العاملين داخل "المصنع الكبير". وبدلاً من أن تكون مؤسسات اقتصادية، فإن الشركات هي في جزء صغير منها منظمات إدارية تقدم تقاريرها إلى الوكالات الحكومية العليا. ونتيجة لذلك، لا توجد حوافز وقيود مناسبة ودائمة لتشغيلها وإنتاجها. «(يو 2020: 415) سيطر هذا النظام من اقتصاد الإدارة المركزية المخطط، مع تعديلات قوية إلى حد ما، في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأوروبية وكذلك في الصين حتى عام 1978.ومع ذلك تميز هذا النظام قبل كل شيء بالإدارة المركزية للموارد الاقتصادية،مع تنفيذ التخطيط المفترض.
وكانت استقلالية ريادة الأعمال ثانوية، وتم تخصيص الموارد إلى حد كبير مركزياً، وظل توجيه الربح والطلب في السوق ثانوياً في أحسن الأحوال.
ومع ذلك، يمكن أن يَستخدم التخطيط أدوات مختلفة للغاية، جربتها الصين بنجاح كبير منذ عام 1978. "يمكن أن يؤدي الجمع بين الاقتصاد المخطط واقتصاد السوق إلى إطلاق القوى الإنتاجية وتسريع التنمية الاقتصادية." (Cao 2020: 8) يمكن أن يؤدي الارتباط باستقلال تنظيم المشاريع وتخصيص اقتصاد السوق إلى زيادة كبيرة في الطابع المخطط للتنمية مقارنة باقتصاد الإدارة المركزية. كان نظام التخطيط الاقتصادي الإداري المركزي في الصين بمستوى إقليمي عالٍ، قادراً على إظهار نجاح كبير في العقود الثلاثة الأولى بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية. كان من الممكن إنشاء نظام صناعي مستقل إلى حد كبير مع أساس هندسي مطابق. يمكن أن تبدأ فترة الإصلاح هكذا. ولكن، كما حدث في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، نشأت المشاكل: »عندما تحولت أولوية إنتاج"وسائل الإنتاج "إلى أولوية إشباع الحاجات المادية والثقافية للناس بشكل كامل، أصبح هيكل المعلومات المطلوب للإنتاج الاجتماعي أكثر تعقيداً. بالإضافة إلى ذلك، ازداد الطلب على المعلومات وأصبحت مصادر المعلومات أكثر تشتتاً. نتيجة لذلك، واجه نظام الاقتصاد المخطط بشكل متزايد مشكلة مواجهة معلومات كاملة، مما أدى إلى أقل كفاءة في الإنتاج. في الوقت نفسه، أنخفض تأثير الحافز للنظام الاشتراكي المُنشأ حديثاً بمرور الوقت. «(يو 2020: 416).
على هذا الأساس من نظام التخطيط القديم، لا يمكن أن يحدث الانتقال من التطوير المكثف إلى التنمية المكثفة القائمة على الابتكار والمعقدة والموجهة نحو الطلب كما كان في الاتحاد السوفيتي أو جمهورية ألمانيا الديمقراطية أو الصين. وبهذا، توصل يو، إلى إستنتاج مفاده أنه يجب الجمع بين التخطيط والسوق: »[...] يمكن لنظام الاقتصاد المخطط أن يعزز التنمية الشاملة للاقتصاد والمجتمع، ولا سيما التنمية الشاملة للأفراد. يمكنها أن تدرك بشكل أفضل تفوق النظام الاشتراكي. اقتصاد السوق يمكن أن يحفز بشكل أفضل المصلحة الذاتية والحيوية والإبداع لأفراد المجتمع، وبالتالي يُراكم بسرعة ويوسع الثروة الاجتماعية والاقتصادية "(يو 2020: 420).
  يمكن تفسير نجاح الصين من خلال حقيقة، أنه لم يتم اتباع أي مخطط نظري. بدلاً من ذلك، فهو عبارة عن bricolage مؤسسي(في ثقافة الشباب، يصف البريكولاج والذي يسمى أحياناً أيضاً أخذ العينات، أسلوب وضع الأشياء في سياق جديد ليس هو السياق الصحيح.المترجم).، كما وصفه كلود ليفي شتراوس كشكل من أشكال الفكر والعمل الذي لا يتبع نموذجاً مجرداً، ولكنه يستمد مما هو متاح ويحوله بشكل إبداعي. مثل هذا bricolage هو "نشاط متعمد، مجزئ، ومستمر للتحول التنظيمي الذي يعتمد بشكل خيالي على مجموعة من الأدوات التي تبدو متباينة، تحتوي على ممارسات جديدة إلى جانب ممارسات تبدو قديمة ومهملة مؤقتاً(" (Koss 2021: 2 وبذلك، أعتمد الحزب الشيوعي الصيني على خبراته من فترة الحرب الأهلية الطويلة (Heilmann / Perry 2011: 20-23) ولم يغفل حتى عن مناهج التعبئة للثورة الثقافية. وتمت صياغته بوضوح شديد على النحو التالي: إن دعم المرء لنفسه في الخطة والسوق يشبه المشي على قدمين وليس على واحدة فقط.   ذو القدمين هو أكثر استقراراً وأسرع وأكثر استدامة «في الطريق(Hu Angang et al. 2017: 132).
فيما يتعلق بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية تم تنفيذ إصلاحات شاملة، وتم فتح العديد من المجالات الاقتصادية، وأشتدت المنافسة الاقتصادية في الصين مع المنافسين الأجانب بشكل كبير. يخلص تقييم مستوى التوافق مع "الاقتصادات الليبرالية" المضمنة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى الاستنتاج التالي: "من ناحية، تشارك الصين بنجاح في تحرير التجارة الدولية وتحقق درجة من الانفتاح الاقتصادي تتوافق مع اقتصادات السوق الراسخة. من ناحية أخرى، حافظت الصين في نفس الوقت بتقديم نفسها على أنها جهة فاعلة مسؤولة في التجارة الدولية، وعلى نموذج المعاملة بالمثل المحدود من حيث الوصول إلى الأسواق والاستثمار وملكية الاقتصاد، الذي من المرجح أن يستمر [...]. وبالتالي، قد تؤدي مشاركة الصين في التجارة الدولية إلى إستراتيجية بديلة لتقييد الوصول إلى الأسواق والتجارة بشكل انتقائي للمبادئ الأساسية لتحرير السوق وأن يحل محلها تدخل الدولة في الاقتصاد. «(Stefanova / Zhelev 2022: 107)
أصبح الاقتصاد الصيني اليوم أكثر قدرة على التخطيط الحقيقي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية مما كان عليه الحال قبل 40 عاماً. اتخذت الحكومات على المستويين الوطني والإقليمي دور "رائد الأعمال" (Burlamaqui 2015) ، بينما أصبحت الشركات الكبيرة المملوكة للدولة في الداخل والخارج "رائدة" تنفذ أهداف الدولة في شكل مشاريع مركزية بطريقة ريادية (Jabbour et al. 2022). تدرك القيادة الصينية عدم إتساق مثل هذا النهج: "نحن نطلق على نظامنا أسم اقتصاد السوق الاشتراكي لأننا نهدف إلى الحفاظ على نقاط القوة في نظامنا وفي نفس الوقت نتجنب بشكل فعال أوجه القصور في إقتصاد السوق الرأسمالي. إدراكاً لوجهي العملة في نهج ديالكتيكي، يجب أن نستمر في العمل لدمج النظام الاشتراكي الأساسي في اقتصاد السوق، والتأكد من أن نقاط القوة لدى كل منهما، في الوقت نفسه علينا أن نعمل عمليا لمواجهة التحدي الاقتصادي العام لتصبح سوقاً عاملة وحكومة فعالة. "(Xi Jinping 2020: 6)
من ناحية، يتم التأكيد الدائم على ما يلي: "لقد عملنا بجد أكبر لتطوير المؤسسات الأساسية لنظام السوق ودفعنا قُدماً في الإصلاحات لضمان تخصيص السوق لعوامل الإنتاج." (Keqiang 2022: 5)  ومن ناحية أخرى، ينبغي تعزيز قدرة الدولة على تحديد اتجاه التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد صاغ الحزب الشيوعي الصيني أهدافاً إنمائية أكثر دقة تمتد حتى النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين. الهدف، وفقاً لـ Xi Jinping ، هو "جعل الصين دولة كبيرة وحديثة واشتراكية غنية وقوية وديمقراطية وثقافية ومتناغمة وجميلة" (Xi Jinping 2017: 30). الوسائل هي الخطط الخمسية، والخطط المنفصلة في المناطق المركزية للتطور التكنولوجي أو الاجتماعي أو البيئي، وهيكل أو تحويل الشركات الهامة المملوكة للدولة، وبرامج التنمية الإقليمية، وما إلى ذلك.
معدل تنفيذ الخطط الخمسية مرتفع للغاية. كما جاء ذلك من الباحثون الصينيون عام2013 وهم ينظرون إلى الفترة من عام 2003 حتى حلول عام 2012 وإلى نتيجة: "إتمام إكمال المهام الرئيسية بشكل أساسي بمعدل إنجاز 89.7٪ ومعدل عدم اكتمال 10.3٪ فقط." (Hu  Angang et al. 2017: 77)  ).
بشكل عام، ظهر نظام اتصال مرن للغاية ومعقد بين التخطيط والتفاعل الشبكي والتنسيق وكذلك السوق، وأشكال الملكية الحكومية والخاصة، وظهر التفاعل بين مختلف قطاعات المجتمع، والدولة المركزية، والمناطق والبلديات. تهدف التجربة إلى تشجيع الابتكار المؤسسي وتمكين تعميمه (بالنسبة لنماذج التنمية الإقليمية المختلفة في الصين، انظر Zhangيونيو / بيك 2014).
في نظرة عامة موجزة عن السؤال حول ما يشكل جوهر النظام الصيني، توصل ولفرام إلسنر، إلى استنتاج مفاده، أنه يمكن للمرء "التحدث عن نظام" مختلط ":" لقد ظهر نموذج أكثر فاعلية أمام أعيننا، سواء فيما يتعلق بتراجع الرأسمالية المالية النيوليبرالية ومشروع الاشتراكية القديم المتمحور حول اليورو [...] فالصين قادرة اليوم على تحطيم كل مذهب أجتماعي مدته عقود من تشويه المصداقية وفوق ذلك لم يعد نظاماً بيروقراطياً ثابتاً للفقر، بل يمكنه حتى تجاوز الرأسمالية القائمة في هذا الصدد وتوسيع وجهات النظر البشرية. (Elsner 2020: 325f.)
يتفوق النظام الصيني، ليس فقط في مجال أقتصاد يتميز بالقدرة على موائمة التطورات الاجتماعية مع الأهداف طويلة المدى والجمع بين التنظيم الذاتي والزخم. إذا تحدث داروين عن "الانتقاء الطبيعي" فيما يتعلق بالتطور الطبيعي على عكس الانتقاء الاصطناعي للإنسان في تدجين الحيوانات والنباتات (داروين 1980)، ففي العقود القليلة الماضية طور الحزب الشيوعي الصيني فن "الارتجال الموجه" الرفيع في النظام الصيني، حيث يرتبط "الاختلاف والاختيار والتكوين المتخصص": الأشكال الرئيسية وهي: "
1.   وضع حزم الإصلاح الوطنية وصياغة الولايات الرئيسية بطريقة توازن بين التنوع والاتساق في تنفيذ السياسة .
2.   هيكلة التقييم الإداري ونظام التعويضات بطريقة تحدد بوضوح وتكافئ النجاح داخل البيروقراطية.
3.   تعطي المناطق الفرصة لمزاياها النسبية الطبيعية ولكن أيضاً التدخل لربط اقتصادات الرواد والمتقاعسين "(Ang Yuen Yuen 2016: 49).
4.   النظام المالي تحت السيطرة والأقاليم المتنافسة.
يشير راينر لاند قبل كل شئ إلى الأدوات التالية للتوجيه الاقتصادي: توجيه الائتمان وبرامج البنية التحتية والأسواق المالية المحددة.
أظهر يوهانس بيتري مدى جدية الاختلافات بين سوق رأس المال الذي تسيطر عليه الدولة في الصين والنظام المالي العالمي الذي شكلته الولايات المتحدة، مما يجعل التخطيط الاقتصادي والتحكم فيه مستحيلاً: »تنظم البورصات الحكومية في الصين البنى التحتية للسوق التي تخلق قيوداً وحوافز للمشاركين فيها، حيث يحاولون موائمة نتائج السوق مع تدابير حكومية معينة.
نظرا لأهمية النظام المالي في الاقتصادات الحديثة، فليس من المستغرب، الى أي مدى يخضع للسيطرة السياسية في الصين ويستخدم لتوجيه مدخرات الأسر المرتفعة للغاية الى التنمية الأقتصادية.
في هذا السياق يؤكد سيباستيان هيلمان على الادوات التالية على وجه الخصوص:>>من ناحية، تهيمن البنوك المملوكة للدولة على النظام المالي، حيث يتم نشر موظفيها الأداريين في نظام كادر الحزب [...]. وهذا يُمكن قيادة الحزب والدولة من ممارسة التأثير المستهدف على الإقراض المصرفي. من ناحية أخرى، تضمن الدولة من خلال تحديد أسعار الفائدة إدارياً، تدفق المدخرات بشكل خاص إلى خارج القطاع المصرفي. حتى أسواق الأسهم والسندات في الصين تلبي بشكل أساسي الاحتياجات التمويلية لمؤسسات الدولة والشركات المملوكة لها. يتم تقريب هذا النظام من خلال الإدارة الصارمة لأسعار الصرف وضوابط رأس المال، والتي تهدف إلى منع المدخرات من التدفق إلى الخارج.
في تاريخها الطويل، كانت الصين قادرة دائماً على استعادة وحدة الدولة بعد مراحل التفكك. كان هذا ممكناً فقط، لأنها كانت قادرة على أن تكون دولة متعددة الجنسيات ومتعددة الأقاليم دون أن تتفكك بشكل دائم، ويرجع الفضل في ذلك في المقام الأول إلى قوة طبقة الدولة الكونفوشيوسية، التي كانت ملتزمة بثقافة وأخلاق واحدة. اليوم، تولى الحزب الشيوعي الصيني هذه الوظيفة. قدرة الدولة هي الشرط الحاسم للتطوروالنجاح.
أجرت جمهورية الصين الشعبية، منذ إنشائها، إصلاحات متكررة لتنظيم العلاقة بين الدولة المركزية والأقاليم والبلديات. في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، تم اتخاذ خطوات بعيدة المدى لتحقيق اللامركزية في السيطرة على الضرائب، كما تم إلغاء مسؤولية العديد من الشركات ونقلها إلى المناطق.
بعد عام 1978، تم اتخاذ خطوات لزيادة قدرة الحكومة المركزية على التحكم في التنمية الشاملة، وبالتالي إطلاق المنافسة والمصالح الذاتية للمناطق والسلطات المحلية: "عند إعداد خطط التنمية طويلة الأجل، يجب أن يؤخذ الوضع العام للصين في الاعتبار. تشير "خطة الإنعاش الكبيرة" إلى تولي الحكومة المركزية مسؤولية التخطيط الوطني على جميع المستويات. تعني "الحرية في الأمور الصغيرة" تمكين الحكومات المحلية من التكيف الذاتي، الحكم الذاتي، والتطوير الذاتي. "(Hu Angang et al. 2017: 165)
الضغوط التنافسية " في الصين غذت الإنجازات الاقتصادية المثيرة للإعجاب على مدى العقود الثلاثة الماضية" (Huang 2017: 196).
تنوع أشكال الملكية.
هناك أكثر من 150 مليون كيان اقتصادي مستقل في الصين (المكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية 2021: 30)، من أصحاب الأعمال الحرة الصغيرة إلى الشركات العالمية. مجموع موظفيها 700 مليون شخص.
وهناك تصنيف يأخذ في الاعتبار الظروف الصينية على وجه الخصوص، ويفترض تسعة قطاعات: »تتعلق القطاعات التسعة بما يلي: (1) اقتصاد الدولة (اقتصاد السلع الإنتاجية المملوكة للدولة) (2 )الاقتصاد الجماعي. (3) الاقتصاد المملوك للمجتمع. (4) الاقتصاد الفردي. (5) الاقتصاد المشترك. (6) شركات عامة. (7) الاقتصاد الممول من الخارج. (8) الاقتصاد باستثمارات من هونغ كونغ وماكاو وتايوان. (9) قطاعات الأقتصاد الأخرى .<< (Hu  125:2017.al etAngang ) .
تمنح الشركات الحكومية والخاصة الكبرى احياناً دعماً جزئياً بسبب قدرتها التنافسية العالمية،موجهة بشكل أساسي. معاً يفضلان بشكل خاص للإقراض وبرامج الدعم في إطار السياسة الصناعية والتصاريح وفي إطار المشتريات العامة (Heilmann 2016: 201).
 يثير مثل هذا النظام المختلط العديد من الأسئلة، خاصة من وجهة النظر الاشتراكية: إلى أي مدى يمكن للقطاع الخاص أن ينمو على الأكثر في بلد اشتراكي، وما الحجم الذي يجب أن يُسمح بها للشركات الخاصة بالوصول إليه؟ ما هو الفرق بين الشركات الكبيرة والصغيرة في العلاقات السياسية التي تقيمها داخل الاقتصاد غير العام؟ ما هي القيود التي يجب وضعها على خصخصة المؤسسات العامة في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية؟ هناك العديد من الأسئلة المهمة حول الصواب والخطأ، والتي لا ينبغي البت فيها بدون مناقشة. يجب فحصها بعناية ومناقشتها بإسهاب، حتى لو تعذر شرحها بوضوح. "(Cao 2020: 9)
كجزء من الإصلاحات الاقتصادية على مدى عدة عقود، نجحت الصين في إعادة هيكلة عدد من الشركات المملوكة للدولة بطريقة طورت فيها قدرة تنافسية قوية، في الصين نفسها وفي بعض الحالات أيضاً في الأسواق الدولية، وفي الوقت نفسه تلعب دوراً فاعلاً مركزياً في تنفيذ توجهات خطة الدولة الحزبية. لا يمكن الحديث عن توجه نيوليبرالي في السياسة الصينية، كما يُزعم كثيراً بعد أربعة عقود من بدء الإصلاحات، هناك قطاع عام تم تعزيزه حديثاً بوظائف أستراتيجية مركزية (Saratchand 2020: 119). ينطبق ما يلي على هذه الشركات على وجه التحديد:
»بالنسبة للشركات الاشتراكية، الهدف الأساسي هو لتقوية أنفسهم ولخدمة المجتمع بأسره، مع كل الفوائد الاجتماعية التي تنتج عنها. ويترتب على ذلك أن بعض الشركات تهدف إلى الربح فقط والبعض الآخر ليس كذلك، لكن الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تخلقها متوافقة بشكل أساسي. يجب على بعض الشركات أن تسعى جاهدة لتعظيم أرباحها من أجل زيادة قدرتها التنافسية في السوق وخدمة المجتمع بشكل أفضل، بينما يتعين على الشركات الأخرى أن تعمل بدون ربح أو بعجز وفي بعض الحالات تحتاج حتى إلى دعم حكومي لحماية مصالح الدولة والمجتمع. «(Cao 2020: 12).
يتم توظيف الموظفين الإداريين في الشركات المملوكة للدولة مباشرة في إطار نظام الدور القيادي للحزب. لكن تأثير الحزب الشيوعي الصيني يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير: »قامت حكومة شي بإضفاء الطابع المؤسسي على دور الحزب" القيادي "في إدارة الشركات المملوكة للدولة. لقد وجهت الشركات المملوكة للدولة لجعل الحزب "النواة السياسية" لحوكمة الشركات الخاصة بها، وإضفاء الطابع الرسمي على الممارسة القديمة للجان الحزب التي تناقش "القرارات الرئيسية" قبل تقديمها إلى مجالس الإدارة لاتخاذ القرار النهائي. كما أمرت الشركات المملوكة للدولة بمراجعة مواثيق الشركات الخاصة بها لتلبية متطلبات أعمال بناء الحزب ولإضفاء الشرعية على الدور القيادي للجنة الحزبية في إدارة الشركة. «(ليوتر / إيتون 2021: 213).
هناك العديد من تدرجات الملكية بين الشركات المملوكة للدولة: "
أولاً، قد يتخذ عدد صغير من الشركات المملوكة للدولة، وشركات الاستثمار الرأسمالي المملوكة للدولة، وشركات تشغيل رأس المال المملوكة للدولة والمتعلقة بالأمن القومي،حيث يأخذ شكل الملكية الحكومية الكاملة.
ثانياً، يمكن أن تظل الشركات المملوكة للدولة بأغلبية في الصناعات الرئيسية والمجالات الرئيسية المرتبطة بشريان الحياة للاقتصاد الصيني.
ثالثاً، يُسمح للشركات الرئيسية المملوكة للدولة في صناعات التكنولوجيا الرئيسية العالية والجديدة بالاحتفاظ بحيازات الدولة.
رابعاً، قد تواجه الشركات المملوكة للدولة التي لا تسيطرعلى رأس مال الدولة والتي تخضع لسيطرة رأس المال الاجتماعي انسحاباً جزئياً أو كلياً لرأس مال الدولة. "(Hu Angang et al. 2017: 126).
الفاعل المركزي الذي يتحكم في أصول الدولة في الشركات الرئيسية المملوكة لها هو لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة وإدارتها التابعة لمجلس الدولة (SASAC). وتأسست في عام 2003 بعد انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. اليوم، ما يقرب من مائة شركة لا تزال تابعة ل SASAC. التي تتحكم في ثروة كبيرة جداً:
"في عام 2021، كان إجمالي أصول الشركات 194 تريليون يوان (30 تريليون دولار أمريكي)، ومبيعات تزيد عن 30 تريليون يوان (4.6 تريليون دولار أمريكي) وقيمة أسهم تقديرية 65 تريليون يوان (10.06 تريليون دولار أمريكي)" (ويكيبيديا 2022 ب،هنا أيضاً نظرة عامة على المؤسسات). مدير SASAC هو كذلك رئيس مجلس إدارة لجنة الحزب وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.
في 30 ديسمبر 2021، أصدرت الحكومة الصينية أمراً يطالب 97 شركة مركزية مملوكة للدولة،حيث ينشط العديد منهم في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة بزيادة كفاءة الطاقة (الأستهلاك مقابل الإنتاج) بنسبة 18٪ وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 15٪ وبحلول عام 2025. تم التخطيط لمزيد من المتطلبات الصارمة حتى عام 2030. وأشارت لجنة الإشراف المسؤولة التابعة لمجلس الدولة عن هذه الشركات المملوكة للدولة إلى "نموذج يحتذى به" <<لهذه الشركات>> "في تحقيق أهداف المناخ"
في العقدين الماضيين، كانت هناك أشكال متنوعة من ربط الشركات الخاصة والمستثمرين الحكوميين: »زادت حصة الشركات الخاصة مع المستثمرين المُسيطرة من قبل الدولة من 14.1٪ من إجمالي رأس المال المسجل في الصين عام 2000 إلى 33.5٪ عام 2019. ووفقأً لدراسة أجراها Chong-En Bai من جامعة Tsinghua في بكين، و Chang-Tai Hsieh من كلية Booth للأعمال في شيكاغو وعالِمان آخران. في حين أن عددالمستثمرين الذين تسيطر عليهم الدولة لم يتغير بشكل ملحوظ، فقد قام كل منهم بعمل أكثر بكثير مع الشركات الخاصة [...]. ونتيجة لذلك، فإن أفضل وصف لمشهد الشركات الصينية اليوم هو أنه مجمع متنامٍ للتجارة الحكومية والخاصة. أقامت أكثر من 130 ألف شركة خاصة ورائدة أعمال، مشاريع مشتركة مع شركات مملوكة للدولة بحلول عام 2019، مقارنة بـ 45 ألفاً في عام 2000. «(The Economist 2021: 3).
بالإضافة إلى التشابك الوثيق بين رأس المال الحكومي والخاص، تغلغل الحزب الشيوعي الصيني في الشركات الخاصة أيضاً. كان كبار موظفي الشركات الحكومية ينتمون منذ فترة طويلة إلى الدائرة الداخلية للطبقة الحاكمة على مستوى الدولة. العديد من الرؤساء التنفيذيين للشركات الكبيرة المملوكة للدولة هم الآن أيضاً رؤساء اللجان الحزبية للشركات التي يديرونها. وهكذا تم إلغاء التمييز بين قيادة الدولة وقيادة الحزب التي كانت تمارس في الأنظمة السوفيتية. يتم الآن أيضاً بناء هيكل للحزب الشيوعي الصيني في الشركات الخاصة بشكل منهجي. هل هو إجراء مؤقت، أم هو من خلال التسجيل التنظيمي لأعضاء الحزب الذين لم يعودوا يعملون في الشركات المملوكة للدولة، أصبح الآن وسيلة لموائمة توجهات الشركات الخاصة وأساليب عملها بشكل أوثق مع متطلبات الدولة الحزبية. في عام 2018، كانت هناك منظمات حزبية في 1.6 مليون شركة خاصة (Koss 2021: 230). القطاع الخاص أيضا "مهيمن" عليه من قبل الحزب.

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي الماني.




16

هل الديمقراطية الليبرالية هي الديمقراطية الوحيدة؟
الفصل السابع من كتاب "إعادة أكتشاف الأشتراكية في الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

الجزء الثاني
حكم الشعب: ديمقراطية استشارية.
ولكن ماذا يعني أن الحزب الذي لا يتخلى عن موقعه القيادي أو أفراده في انتخابات عامة وسرية على أساس المنافسة الحزبية المفتوحة يعتبر نفسه ديمقراطياً؟ في ظل هذه الظروف، هل يمكن أن يكون هناك أي حديث مفيد عن الحكومة من قبل الناس؟ أو على حد تعبير صان ياتسن: بمجرد أن تكون لدينا حكومة فعالة وكفؤة، "كيف يمكن السيطرة عليها وتوجيهها من قبل الشعب" (صان ياتسن 1924: 97) وبالتالي يتم تحقيقها كحكومة من قبل الشعب؟
في محاضراته عام 1923، قدم صان ياتسن تمييزاً يبدو أنه مستمر في الصين حتى يومنا هذا. فقد افترض أنه، بينما يجب أن تكون السلطة الديمقراطية بيد الشعب، يجب أن تكون ممارسة السلطة الحكومية المختصة في أيدي مجموعة متميزة: "فقط القادر يجب أن يحكم! "(Sun Yatsen 1924: 100) ، كان أحد مطالبه. أو كما يلخص: "في بلادنا يجب أن يتحكم الشعب بالسلطة السياسية، لكن يجب أن يسلم الحرية لحكومة مؤلفة من خبراء في الإدارة". (Sun Yatsen 1924: 102) الدولة آلة إدارية، التعامل معها يجب أن تقع على عاتق مهندسي الدولة الأكفاء. الهدف هو نظام سياسي يتمتع فيه الناس بسلطة واسعة لتحديد الاتجاه، والحكومة لديها تطبيق واسع النطاق (Sun Yatsen 1924: 113). خاصة عندما يتعلق الأمر ببناء دولة فعالة، كانت الصين متقدمة على الغرب منذ آلاف السنين. فمن ناحية، كانت السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية منوطة بالإمبراطور، لكن حق الإشراف وحق الترقية على أساس الامتحانات كان مستقلاً نسبياً عن الإمبراطور. كما تم تطوير فصل السلطات في الصين قبل ذلك في الغرب.
حين يكون الحُكم الدائم بأن الصين لديها نظام أستبدادي،يُستنتج "منطقياً" أن المواطنين لا يؤثرون على سياسات حكومتهم، أو بدرجة أقل بكثير مما هي عليه في الديمقراطيات الليبرالية. في هذا السياق، يشير السياسيون الصينيون أنفسهم إلى أنه في الديمقراطيات الليبرالية، تؤثر الانتخابات على من يتخذ القرارات ومن يحكم في البرلمان، ولكن بعد ذلك يمنح هذا البرلمان والحكومة حرية التصرف إلى حد كبير لسنوات. في الصين، فإن الضغط على الحكومات دائم على جميع المستويات. كما لاحظت الباحثة الأمريكية آن لي "قادة الصين حساسون للغاية لحقيقة أنه يمكن إزاحتهم من السلطة إذا تم الطعن في شرعيتهم".
وبالنظر الى عشرات الملايين من العمال المهاجرين الذين يبحثون باستمرار عن عمل في المدن الرئيسية في الصين،فلم تطغى أعمال شغب لتغرق البلاد في فوضى وتقمع من قوات الأمن،الذي لن يستغرق وقتاً طويلاً.
 [...] يعتبر الصينيون في الواقع شكل حكومتهم أكثر ديمقراطية من الديمقراطية الغربية بالمعنى المثالي للخدمة العامة. إنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً، على الرغم من أنه الحزب الوحيد في السلطة، إلا أنه يمكن إزاحتهم في أي وقت من قبل جمهور غاضب إذا لم يخدموا مصالح الأمة على المدى الطويل. (Lee 2012: 88.
في الصين، تعتبر الاحتجاجات الشرارة الأولى للإصلاحات أو المنعطفات المفاجئة مثل نهاية سياسة كوفيد صفر. الإضرابات وأعمال الشغب أمام السلطات والعاصفة القذرة على وسائل التواصل الاجتماعي ونظام الالتماسات والشكاوى تخلق ضغوطاً مرغوبة ويتم التسامح معها باعتدال. يمكن لأولئك الذين وصموا كقادة أن يدفعوا ثمناً باهظاً. التسامح والقمع يسيران جنبا إلى جنب. يتم الحفاظ على إحتكار الاتحادات الرسمية على مستوى الدولة، ولكن هناك العديد من أشكال التنظيم العمالي خارج هذه النقابات، والتي تتعاون السلطات معها أيضأً. يعتمد أحدهما على التعاون مع الطبقة العاملة التي يمكن أن تكون مرنة للغاية وأحياناً متشددة جداً.
تضرب موجات الإضرابات بشكل متكرر مقاطعات وقطاعات فردية. كذلك اسئلة البيئة، مشكلة السكن، وتندلع النزاعات ذات الدلالات الثقافية، تشير إلى الحاجة للتغيير.
 كان التأثير الدراماتيكي الذي يمكن أن يحدثه المبدأ التصاعدي على صنع القرار واضحاً بالفعل في بداية عملية الإصلاح. في أكتوبر 1978، التقى 18 مزارعاً من قرية Xiaogang، من محافظة Fengyang،في مقاطعة Anhui،وأتخذوا قراراًمكتوباً. لقد أعادوا توزيع أراضي منطقتهم بين العائلات، قائلين: 'إذا نجحنا، فلن نطلب الأرض مقابل المال أو الحبوب. إذا لم ننجح، فنحن الكوادر مستعدون للمخاطرة بالسجن أو عقوبة الإعدام. «الوثيقة موجودة الآن في متحف بكين الوطني في الصين (انظر Shui / Veeck 2012.  ) منذ البداية، انطلقت عملية الإصلاح الصينية من أسفل ومن أعلى وبشكل متفاعل.
على المستوى المحلي على وجه الخصوص، تتقدم الحكومات الصينية على العديد من البلدان الأخرى عندما يتعلق الأمر بالتشاور مع السكان آخذين مخاوفهم في الاعتبار. أخيراً وليس آخراً، يتم استخدام الوسائط الحديثة لهذا الغرض. فالحوكمة الإلكترونية بمشاركة نشطة من السكان ليست مجرد عبارة. كما تمت مناقشة العديد من المشاريع التشريعية المركزية، مثل قانون العمل  بشكل مكثف.
في الصين، وبشكل متناقض، زادت الضغوط للتعامل مع الاهتمامات العامة والتحديات السياسية. أثارت الاحتجاجات الشعبية الحاشدة قلق الحكومة ودفعتها إلى إتخاذ إجراءات سريعة، بما في ذلك محاسبة المسؤولين وإعتقالهم ودفع التعويضات.
في حين أن الافتقار إلى الآليات الديمقراطية للتعبير عن الآراء وحل الاستياء الشعبي كان بالتأكيد سبباً رئيسياً لشدة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، فإن هذا العجز الديمقراطي نفسه أجبر الحكومة على إيجاد حلول سريعة وفعالة للفضائح والتوترات الاجتماعية "(Mühlhahn 2022 : 643) يضع الحزب الشيوعي الصيني الأمر على هذا النحو: "يجب على الحزب بأكمله أن يتذكر بحزم أن أولئك الذين يستعدون لحالات الطوارئ ينجون، وأولئك الذين لديهم شعور زائف بالأمان يموتون. من المهم الاستمرار في التخطيط للمستقبل والنظر الى المخاطر حتى في أوقات السلم. يجب علينا المُضي قدماً في المشروع الكبير لبناء الحزب في العصر الحديث،ودعم القيادة الصارمة والشاملة للحزب،والعمل بحزم على تعزيز بناء أسلوب عمل الحزب بحزم وحكومة نزيهة صادقة،ومحاربة الفساد". (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 2021: 67 ).
الصين دولة ذات درجة عالية من عدم التجانس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي حيث يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. تتمثل إحدى المهام الرئيسية في إتخاذ القرارات قدرالإمكان على أساس الاستماع إلى آراء جميع أصحاب المصلحة المعنيين ومراعاة المصالح الأساسية. يجب إعداد القرارات بطريقة تفيد أكبر عدد ممكن من المشاركين - أو كما يقول الصينيون، تتحول إلى قرارات مربحة للجانبين.وعلى أساس دولة الحزب الواحد، لا يوجد مخرج سوى الديمقراطية التشاورية، حيث يتم الجمع بين المشاركة الواسعة في المناقشة وإحتكار حق القرار النهائي من قبل أجهزة الحزب.
إن الديمقراطية التشاورية في إطار الدولة الشيوعية ذات الحزب الواحد تثقل كاهل كلا الجانبين بقدر كبير من المسؤولية: تأكيد المصالح والتعبير عن مواقف الفرد وتطوير التحليلات النقدية يجب ألا يشكك في احتكار الدولة. الحزب، وهذا الاحتكار بدوره يجب ألا يدمر الفضاء الذي يتم فيه التعبير عن المصالح وعن المواقف. يشير الحزب الشيوعي الصيني كل مرة إلى مبدأ تم تطويره في النضال الثوري المرتبط بماو تسي تونغ. ينص هذا المبدأ على "تركيز أفكار الجماهير وتحويلها إلى أفكار منهجية، ثم التوجه إلى الجماهير بحيث يتم الحفاظ على الأفكار وتطبيقها، وصحة هذه الأفكارعملياً في الممارسة للجماهير"”(اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى 1981 ، أطروحة 30 ).
ونتيجة لذلك،فهي ليست عملية من أعلى الى أسفل، بل هي دورة تشمل القطبين "الحزب" و "الجماهير" بكل تنوعهم في العلاقة المتبادلة المستمرة. لقد صاغت دوريس وجون نيسبيت، النتيجة على النحو التالي: "لقد تحول الحزب من نظام تعسفي أستبدادي يحكم من أعلى إلى أسفل إلى نظام فعال للحزب الواحد بمشاركة قوية من القاعدة وزيادة شفافية قراراتها وتنفيذها". (Naisbitt / Naisbitt 2009: 57f.) في العقود القليلة الماضية، تم تطوير نظام شامل لإنشاء قرارات قائمة على التشاورعلى مختلف المستويات. "يتم اتخاذ القرارات الرئيسية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بعناية كبيرة. وتناقش الخطط الرئيسية في مختلف الإدارات والمجموعات القيادية ذات الصلة باللجنة المركزية ومجلس الدولة قبل عرضها على إجتماعات اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وإجتماعات المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لمناقشتها. إذا لم يجري التوصل الى قرار، فسوف يجري إعادتها للمراجعة ومناقشتها مرة أخرى في إجتماعات لاحقة. هذه الإجراءات إلزامية ومحددة مؤسسياً. «(XinXiangyang 2020: 169)
يتم إعداد تقارير الأمين العام إلى مؤتمر الحزب من قبل مجموعات الدراسة، والتي تذهب إلى المقاطعات هناك للتشاور مع ممثلين لمجموعة واسعة من الفئات الاجتماعية والعلمية والمؤسسات السياسية (Kuhn 2005: 509-511). ومع ذلك، يتم تقييد هذه العمليات الاستشارية بإستمرار بمجرد إفتراض أنها قد تهدد احتكار الحزب للسلطة.
الديمقراطية للشعب:الحزب الشيوعي الصيني في خدمة الشعب.
صاغ صان ياتسن، إعتبار المبدأ الديمقراطي الثالث وهو رفاهية الشعب - الديمقراطية للشعب. كان على الحكومة أن تكرس نفسها للمسألة الاجتماعية، لأنها ستنشأ بطريقة جديدة تماماً في ظل ظروف التصنيع.
بالنسبة له، هذا المبدأ الثالث له نقاط اتصال مباشرة مع الاشتراكية أو الشيوعية: "يمكن للمرء أن يقول إن الشيوعية هي المثل الأعلى لرفاهية الشعب، وأن عقيدة رفاهية الشعب هي التطبيق العملي للشيوعية [... ]. فقط عندما يتم توفير مفردات الحياة المعيشية الأساسية موضع التنفيذ، سيتم حل المسألة الاجتماعية وستتمتع البشرية بأعظم النعم Yatsen1924): "(Sun
أنتقد صان ياتسن،من أن غالبية أتباع الكومينتانغ قد قبلوا فقط مبادئ الوعي القومي وحقوق الشعب، لكنهم لم يقبلوا عقيدة معيشة الشعب ورفاهيته .(Sun Yatsen1924: 133) وفي الوقت نفسه، حذر من تبني أفكار ماركسية أرثوذكسية: "يجب أن نكون واضحين أن مشكلة الصين هي الفقر، وليس التوزيع غير المتكافئ للثروة. في مجتمع يتم توزيع الثروة بشكل غير متساوٍ، فإن أفكار ماركس عن الصراع الطبقي والديكتاتورية توفر حلاً مناسباً،فالصناعة لم تتطور في الصين، لذلك يمكننا اليوم دراسة أفكار ماركس كمرجع، لكن يجب ألا نستخدم أساليبه. "(Sun Yatsen 1924: 138).
يكمن أساس أنتقاد النظام السياسي الصيني في الافتراض القائل بأن "الديمقراطيات تميل إلى تزويد مواطنيها بمنافع عامة أكثر من الأنظمة الاستبدادية" (Dickson 2016: 11) وأن الممثلين يريدون إعادة انتخابهم. إذا فهم المرء الحزب الشيوعي الصيني باعتباره تنظيماً لينينياً أمبراطوري وكفاعل مؤسسٍ لدولةٍ صينية ومحولٍ للمجتمع، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يجب أن يتبع مصالح الصين وشعبها وليس فقط الاهتمام بالبقاء في السلطة وإثراء قيادتها.لماذا يجب على الحزب الامتثال لالتزامه الذاتي المعلن مراراً وتكراراً بـ "خدمة الشعب"؟ في عام 1993، حاول مانكور أولسون أستخدام بنية عقلانية قائمة على الاختيار لإثبات مدى توافق المصلحة الذاتية للحكومة مع مصلحة المحكومين. الحاكم المستبد لن ينفق أموال دافعي الضرائب على السلع العامة،الا وبقدر ما يمكن أيضاً زيادة الحصة التي يمكنه تحقيقها من خلال الضرائب وأستخدامها لنفسه: سوف [...] ينفق الأموال على السلع العامة الى نقطة،حين يؤدي آخر دولار ينفقه على السلع العامة الى زيادة نصيبه من الدخل القومي .
على عكس الأنظمة الاستبدادية في الديمقراطيات الليبرالية، يتم تعيين الحكومة من قبل المحكومين، فلن يقارنوا فقط موافقتهم على الإنفاق على السلع العامة مع إمكانية زيادة الإيرادات الحكومية، ولكن أيضاً مع زيادة دخلهم. لذلك تميل الديمقراطيات إلى زيادة الإنفاق على السلع العامة وضرائب أقل من الأنظمة الاستبدادية. في المقابل، تزيد الصين باستمرار الإنفاق على السلع العامة بينما تحاول إبقاء الضرائب منخفضة. لذا فإن الحزب الشيوعي الصيني لا يتصرف مثل مُستبد ولمصلحته الخاصة فقط. كيف يكون هذا ممكنا؟
حتى إذا نظرنا إلى المجتمعات التي يهيمن عليها السوفييت في أوروبا الشرقية، فإن هذا يلقي بظلال من الشك على ذلك. ينطبق هذا بشكل أكبر على الصين اليوم: على وجه التحديد من الجمع بين الشرعية الشيوعية والوطنية من ناحية ومعرفة الحزب الشيوعي الصيني بالضعف الخاص لمكانته الرائدة من ناحية أخرى، وهو برنامج شامل لتوفير السلع العامة مثل التأمين الصحي والمعاشات التقاعدية، وتطوير أنظمة التعليم والصحة، والتحول البيئي، وما إلى ذلك. على النقيض تماماً من إفتراضات العلوم الاجتماعية الليبرالية، بأن الأنظمة "الاستبدادية" تقيد التعليم العالي (Dickson 2016: 186)، قامت الصين بذلك بسرعة على مدار العشرين عاماً الماضية. يمكن للمرء أيضاً أن يقول من ناحية أخرى، إن الحزب الشيوعي الصيني يتصرف في الواقع كحزب استبدادي، إذا فهمه المرء على أنه قوة تحمي إحتكاره للسلطة بكل ما لديه من قوة. من ناحية أخرى، فهي تعمل كقوة ديمقراطية من خلال السعي للحفاظ على وحدة الشعب، وقد شرعت في إصلاحات لزيادة تأثير المواطنين على السياسات الملموسة، وهي ملتزمة بشدة بالمنافع العامة وإ زدهار السكان. وكذلك صعود الصين في المجتمع العالمي.
الطبقة العاملة كعامل للتحول.
يبلغ عدد السكان العاملين في الصين اليوم حوالي 810 مليون شخص، 290 مليون منهم مسجلون كعمال فلاحة. ليست لديهم إقامة دائمة في أماكن عملهم (Green 2018)، مما يمنحهم الحقوق الكاملة في الخدمات الاجتماعية والثقافية المناسبة في المدينة وكذلك يؤمن الحقوق السياسية، يخضعون جزئياً لتحولات صعبة للغاية. ومع ذلك، سيكون من الخطأ أختزال هذه العملية إلى "سرد الضحية" بشكل نقدي Pringle / Fuchs 2015: 53).  )هنا تجري عمليات خسارة وتحرر وأستيلاء فرد جديد، ولكن أيضاً مساحات إبداعية جماعية. بين عامي 1978 و 2000، تم إنشاء أكبر سوق عمل وطني في العالم. تم تحطيم "وعاء الأرز الحديدي" الذي كان يحمي عمال الشركات المملوكة للدولة حتى عام 1978 (Fuchs  2015: 308). ) بين عامي 1998 و 2001 فقط ، تم تسريح 22.5 مليون عامل، أي ما مجموعه أكثر من 50 مليون (Pringle / Fuchs 2015: 56 ؛ Fuchs 2015: 312). )مع تفكك الكوميونات الزراعية، انجذب مئات الملايين من المزارعين إلى أسواق العمل الناشئة.
هذا الإفراج عن العمالة من الشركات المملوكة للدولة والكوميونات الزراعية أدى أيضاً إلى إنشاء >>العمل بأجر مضاعف مجاناً<<. كانت هذه الحرية مضاعفة محدودة: من ناحية أخرى بسبب عدم المساواة في الحقوق للعمال المهاجرين مقارنة بأولئك الذين تم تسجيلهم في المكان ذي الصلة ولديهم إمكانية الوصول الكامل إلى خدمات المدينة (الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي)؛ من ناحية أخرى، من خلال حقيقة أنهم لا يمكنهم تشكيل نقابات عمالية مستقلة عن الدولة والحزب. في البداية، لم يتم قبول العمال المهاجرين في النقابات العمالية الرسمية (ACFTU) بإعتبارهم مزارعين. كما استغرق الأمر وقتاً حتى تتولى النقابات الرسمية تنظيم العمال في القطاع الخاص.
يحدد برينغل وفوكس النقابات على النحو التالي: "مثلت قيادة الحزب سيفاً ذا حدين للاتحاد في عهد الإصلاح، فمن ناحية، أعطت التنظيم رأسمال سياسي كافٍ للتجديد ودور حيوي في صياغة التشريعات وداخل المؤسسات الجديدة لتنظيم ظروف العمل [...] من ناحية أخرى، تآكلت الثقة في قدرة الاتحاد على التمثيل بسبب خضوعه للحزب والامتثال المقابل للإرشادات السياسية.
في قاعدته التقليدية في القطاع العام، كان الاتحاد مقيداً سياسياً لمعارضة إعادة الهيكلة وفقدان الوظائف الهائل. [...] مع تقارب أسواق العمل في الدولة والقطاع الخاص من خلال انتشار علاقات العمل الرأسمالية، أصبحت النضالات الطبقية القوة الدافعة الحاسمة لإصلاحات النقابات العمالية. «(Pringle / Fuchs 2015: 58)
إن العلاقات الطبقية والاجتماعية في الصين اليوم في طورالإصلاح والانفتاح من فوق ومن الأسفل، دولة مركزية وإقليمية ومحلية، أنشأتها جهات حكومية وجماعية وخاصة. شكّل تحويل قوة العمل إلى سلعة وتقييد الطابع السلعي لقوة العمل إلى حد تقنين علاقات العمل وإصلاحات دولة الرفاهية حالة من دورات التحول. حركات الاحتجاج الجماعي للعمال وخاصة العمال المهاجرين، وكذلك الرغبة الفردية في البحث بسرعة عن وظيفة جديدة، وبالتالي وضع المناطق والشركات في منافسة على العمال الأكثر ندرة، تسببت في أزمات الدولة والشركات، ولكن أيضاً على العمال أنفسهم بأن يجدوا إجابات. هناك مئات الآلاف
المنازعات العمالية سنويا. لا يمكن أن يكون هناك سؤال حول العجز في وجه الدولة والشركات. بينما فشلت الطبقة العاملة في إنكلترا في تحقيق أي تحسن حقيقي في مستوى معيشتهم لما يقرب من سبعين عاماً بعد الثورة الصناعية، فإن سجل الطبقة العاملة الصينية منذ عام 1978 يختلف بشكل ملحوظ دون ظهور حركة عمالية مستقلة. تخلص الدراسات حول تصرفات العمال الصينيين إلى ما يلي: "من العدل أن نقول إن الإجراءات الجماعية للعمال الصينيين أصبحت ضغطاً خارجياً مستمراً يؤثرعلى سياسات العمل الحكومية على الصعيدين المحلي والوطني وعلى المستوى المركزي". (Leung 2014: 4)
في كل حالة بدت فيها العمليات وكأنها تخرج عن سيطرة الحزب، حيث اجتمع الاستياء والنقد والاستقلال عن هيمنة الحزب الشيوعي الصيني لتشكيل عقدة متفجرة من الأزمات، كان رد الفعل هو عمليات إعادة الهيكلة. لم يتم تأكيد توقع أن الصراعات الاجتماعية سوف تتصاعد إلى حد الصراع الطبقي المفتوح. وهي تُظهر أنه "عند الضرورة، أقامت الدولة الحزبية علاقات أوثق مع الجماعات المجتمعية التي قد تشكل بخلاف ذلك تحدياً للنظام" (Goodman 2014: 156). ضمن النظام السياسي والاجتماعي المحدد، تم العثور على مكافئات وظيفية تجعل من الممكن العثور على إجابات لمطالب العمال والموظفين للمشاركة والتمثيل.
في عام 1978، كانت الصين مجتمعاً عالي المساواة مع المعامل الجيني 0.2. ولكن كان هناك فقراً في المقابل. (Goodman 2014: 45) في الموجة الأولى من الإصلاحات، زادت مداخيل الفئات الدنيا، في الزراعة، ولكن أيضاً في الصناعة، "العاملون شغيلة الفكر،أي المجال العقلي " كانوا في البداية هم الخاسرون نسبياً.أعتبرها الباحثون الاجتماعيون الصينيون بظاهرة "الرأس والجسد مقلوباًعلى عقب"، حيث يبدو أن العاصمة الثقافية للتعليم قد انخفضت قيمتها (Chunling 2016: 66). في المرحلة الثانية من عام 1996، ازداد التمايز الاجتماعي بسرعة ونما عدم المساواة على قدم وساق، وفي عام 2010 وصل المعامل الجيني إلى قيمة 0.45. أصبح الاستقطاب الطبقي مرتفعاً جداً. اتسعت الفجوة بين الطبقة الوسطى والفئات الفقيرة بشكل ملحوظ. الى نظام الدولة للتسجيل السكني وامتيازات بعض الشركات والمنظمات ونظام اقتصاد السوق وهياكل التوزيع السياسي للسلطة وشكلت الملكية ثالوثاً من عدم المساواة. سياسي،أجتماعي،أقتصادي وثقافي )بورديو 2015(:
أصبحت الموارد التي تقرر وضع الطبقة وفرص التقدم أو خطر الهبوط. تم تعزيز أهمية رأس المال السياسي مرة أخرى مقارنة برأس المال الاقتصادي (Chunling 2016: 72).
كتب يان يي من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) في عام 2018 عن الفئات الاجتماعية في المجتمع: "تتميز الطبقة العليا بالرفاهية والابتذال. الوسط نشيط وخائف، والسفلى تعمل بجد وغضب. وفي السعي لتحقيق المصالح، أصبحت المنافسة شرسة بشكل متزايد في جميع نواحي المجتمع. «(مقتبس في Goodman 2014: 63) )حيث كان هناك رد فعل من قيادة الحزب الجديدة.من ناحية أخرى،هناك ميول تشير الى تراجع الاستقطاب الاجتماعي مرة أخرى، وبشكل ملحوظ. تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي إلى  حدود 0.38 نهاية 2010 (OECD 2022) والهدف هو تقليل المعامل الجيني إلى 0.30 بحلول عام 2040. الذي يتوافق مع مستوى المانيا الحالي.
كما أن التفاوتات الإقليمية وعدم المساواة فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين مرتفعة نسبياً، إلا أنه تم توسيع نطاق التدابير لمواجهة ذلك بشكل كبير. في العقدين الأولين، كان النمو في الناتج المحلي الإجمالي وتحسين الظروف المعيشية مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، هذا الارتباط ضعيف الآن. ولذلك يركز الحزب الشيوعي الصيني على مفهوم "التنمية التي تركزعلى المواطن".
في كل من الموجات الثلاث السابقة من حقبة الإصلاح والانفتاح، كانت الاحتجاجات المتنوعة والمحلية والمحدودة زمنياً والتدخلات السياسية والفكرية والأكاديمية،بالأضافة إلى عمليات التعلم في الحزب الشيوعي الصيني على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، هي المحفزات في بعض الأحيان لتغييرات قوية وواضحة في السياسة. إن الحزب الشيوعي الصيني ليست القوة الوحيدة التي تحدث فارقاً سياسياً، كما أن الطبقة العاملة أو الفلاحين أو الطبقة الوسطى ليست فاعلاً طبقياً منظماً. يحدث التحول مع الخصائص الصينية كتفاعل معقد للقوى السياسية والاجتماعية والثقافية تحت هيمنة الحزب الشيوعي الصيني، الذي كان حتى الآن يعيد تأسيس نفسه باستمرار، وفي الهياكل التي يسيطر عليها.أحد الافتراضات الكلاسيكية لنظرية التحديث الكلاسيكية هو أن الطبقات الوسطى في المجتمع تميل نحو المواقف الليبرالية. وهذا لم يتم تأكيده في المجتمعات الغربية وحسب، إلا أنها تنطبق على جمهورية الصين الشعبية في هذا البعد الواحد.
أن مستوى المعلومات لدى الطبقات الوسطى الصينية مرتفع، العديد منهم سافروا إلى الخارج وشكلوا آرائهم الخاصة.أنهم يقارنون باستمرار مزايا وعيوب نظامهم الخاص تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة أو الدول الأخرى بطريقة براغماتية للغاية من حيث أدائهم ، فيما يتعلق باحتياجاتهم الخاصة، ولكن أيضاً من حيث موقف الصين فى العالم.
إنهم يتوقعون أن ينفذ الحزب والدولة التوقعات التي صاغوها. وهذه الأمور بالغة الأهمية في العديد من المجالات عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية، وفرص إبداء الرأي،والبيئة، والخدمات العامة في مجالات التعليم والصحة، وأخيراً وليس آخراً في مجال الإسكان وملكية المنازل. وفي هذا الصدد، تظهر الدولة كوكالة للتحول وتقدم نفسها على هذا النحو. وطالما أثبت نفسه، فإن الترتيب سيصمد. واستناداً إلى الدراسات التجريبية في مدينة نينغبو بجنوب الصين، توصل يينغ مياو إلى إستنتاج مفاده أن «الطبقة المتوسطة [...] مقتنعة تماماً، بأن الحكومة وحدها هي القادرة على دفع التغيير بشكل كبير». (يينغ مياو 2016: الفصل 4.6) استناداً إلى تجاربهم في الصين وبالنظر إلى الظروف الدولية، طور أعضاء هذه الطبقة الوسطى مجموعة من وجهات النظر المترابطة والمتعارضة للوهلة الأولى فقط، والتي يفهمونها على أنها أقطاب تكميلية ومشروطة لكل من الين واليانغ. وليس كالعداوات. يعتمد ذلك على الظروف الملموسة لكيفية التعبير عن الأضداد. إن النهر الذي تسبح فيه دولة الحزب الشيوعي الصيني في حركة مستمرة ويمكن أن يخلق دائماً اضطرابات خطيرة، إذا لم تقم السفينة بإعادة تحديد مسارها باستمرار بطريقة تجعلها تأخذ مصالح وقيم مواطني الصين بعين الاعتبار ولايساهم في إنقسام الطاقم. قيادة الحزب تعرف ذلك.
مفارقات النظام السياسي الصيني.
  إن النظريات الليبرالية الحالية غير قادرة على تفسير الواقع السياسي في الصين. إنهم يفشلون بسبب التناقض بين الاقتصاد الديناميكي للغاية والمجتمع وافتراض وجود نظام قيادة سياسي صارم ذو سمات شمولية. ويُزعم دوماً أن إنجازات الصين قد تحققت رغماً على قيادة الحزب الشيوعي الصيني، ورغم وجود أدلة كثيرة تشير إلى عكس ذلك. وقد وقع عدد من الباحثين الماركسيين في فخ مماثل، حيث قاموا بتسوية  التناقض من خلال الإعلان ببساطة عن أن النظام اللينيني، ذو الخصائص الصينية، هو البنية الفوقية المثالية لرأسمالية الدولة الحديثة.
  كان ينبغي للوصف أعلاه أن يوضح أن الحزب الشيوعي الصيني يحاول مواجهة مشاكل الشرعية والهيمنة على مجتمع معقد عالمياً يتسم بارتفاع مستوى عدم المساواة والترابط من خلال البحث المستمر عن طرق جديدة لحل المشاكل والتناقضات المرتبطة بها مع الحفاظ على تماسكه وتعزيزه. هيمنتها الخاصة على المجتمع الصيني ودورها القيادي في النظام السياسي. إن التناقضات بين إرادة الكثيرين والإرادة المعقدة بشكل عام لا يتم قمعها، بل يتم نقلها بأشكال مختلفة للغاية. الشرط المصون: الحفاظ على الدور القيادي للحزب الشيوعي الصيني. إن ما حققته الصين يبدو متناقضا من وجهة نظر العديد من النظريات الغربية. وسيتم تلخيص عدد قليل من هذه المفارقات.
حريات كثيرة لكن لا حرية ضد الدولة:
*لم يحدث من قبل في تاريخ الصين أن يتمتع مواطنوه بهذا القدر من الحرية في تشكيل وتنظيم حياتهم، ولكن لا يوجد حق مطلق في الحرية يمكن فرضه ضد الدولة.
*هناك قدر كبير من التأثير الديمقراطي، ولكن لا يوجد قرار ديمقراطي بشأن الحزب الذي يحكم: هناك العديد من الطرق التي يمكن للمواطنين من خلالها التأثير على سياسة بلدهم، مقاطعاتهم، بلدياتهم، وجوارهم. صوتك مهم ومسموع. سيتم أخذ اهتماماتك في الاعتبار بالكامل. ولكن يتم ذلك بشكل إنتقائي.
يؤثر المواطنون على العديد من القرارات - الذين يتم استشارتهم من خلال الاحتجاجات، ومن خلال استطلاعات الرأي - ولكن ليس على أساس مسألة الحزب الشيوعي الصيني هو الذي يحكمهم.
*مجتمع مدني مزدهر، ولكن بشروط الحزب الحاكم: درجة التنظيم الذاتي الاجتماعي في الصين مرتفعة نسبيا.
  يتلقى المجتمع المدني دعماً شاملاً حيث يعالج المشكلات التي يعتبرها الحزب الشيوعي الصيني ذات صلة أو حيث يبدو أن التسامح هو أمر اليوم. وينتهي الأمر فجأة عند النقطة التي يتحدى فيها ممثلوا المجتمع المدني الاحتكار السياسي للحزب الشيوعي الصيني.
*توسيع النظام القانوني، لكن غياب سيادة القانون: قامت الصين بتوسيع وإعادة تنظيم نظامها القانوني في العقود الأخيرة. لقد قطعت حماية الأفراد وأسرهم وحقوق الملكية شوطاً كبيراً. لا توجد سيادة إلا بموجب القانون. وهذا لا يجعل من الصين دولة دستورية ليبرالية. ولكن ينبغي أن نأخذ في الاعتبار، أن الدولة غير القانونية ليست بالضرورة دولة غير قانونية بأي حال من الأحوال، تماماً كما لا ينبغي أن يكون غير الأنسان وحشياً. والدول الظالمة هي التي تجعل من ظلم القتل الجماعي وإبادة الأمم هدفاً للدولة.ولا يمكن أن يكون هذا هو الحال في الصين.
السبب الرئيسي وراء ضعف النظام السياسي الصيني هو أنه يتناقض مع المبدأ الأساسي للحداثة الليبرالية المتمثل في أن الإرادة الحرة للفرد هي نقطة البداية للشرعية السياسية. لكن صان ياتسن ومثله كثيرون في الصين يرون هذه الحقيقة اليوم: الحرية السياسية للفرد تجعل الكل ينهار إذا لم يتم إخضاعه للكل وتوجيهه نحو الكل. يحاول النظام الشيوعي في الصين،على الأقل في الصورة الذاتية للحزب الشيوعي الصيني، الاستجابة لتحدي هيغل، المتمثل في خلق موقف حيث "الحرية تريد الحرية" (Hegel 1981: 58).

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.





 

17
هل الديمقراطية الليبرالية هي الديمقراطية الوحيدة؟
الفصل السابع من كتاب "إعادة أكتشاف الأشتراكية في الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

الجزء الأول
من وجهة نظر ليبرالية غربية، يبدو من غير الممكن تفسير الكيفية التي تستطيع بها الغالبية العظمى من الناس في الصين رؤية بلادهم كدولة ديمقراطية في ظل عدم وجود أنتخابات حرة. ومن غير الممكن أيضاً تفسير سبب وجود مجتمع مدني غني دون الحرية الكاملة في تكوين الجمعيات، ولماذا يمكن أن تكون هناك أشكال عديدة للتأثير على سياسة الحكومة من قبل المواطنين، من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، دون ضمان الحق في حرية التعبير. لماذا يكون التغيير السياسي مرغوباً، ولكن في إطار ما يبدو أنه نظام استبدادي من وجهة نظر الليبرالية الغربية.
لماذا يتم توفير المنافع العامة إلى حد أكبر في حين أن "الأنظمة الاستبدادية" لايمكنها في الواقع سوى وضع مصالح مؤيديها المباشرين في ألإعتبار فقط .
وهي تتكرر تقريباً مثل التعاويذ المكتوبة، على الرغم من حدوث أضطراب أقتصادي جذري في الصين في السنوات الـ 45 الماضية، إلا أن النظام السياسي ظل دون تغيير.
في حالة نظرة الغرب إلى الصين، ينطبق ما يلي: المراقب الليبرالي لا يرى شيئاً أو يُعمي نفسه. وينطبق هذا حتى على الخبراء المثبتين في الصين مثل كلاوس موهلهان، عندما كتب: "في الفترة من 1990 إلى 2012، خلق الطموح الأقتصادي أصلاحات معجزة أقتصادية للعالم تُحسد عليها الصين. في الوقت نفسه، أمتنعت دولة الحزب عن جميع الإصلاحات السياسية. «(Mühlhahn 2022: 529) من وجهة نظر قيادة الحزب الشيوعي الصيني، تبدو الأمور مختلفة.
في خضم الأزمة السياسية لربيع 1989، أوضح دينغ شياو بينغ: "بالطبع، يفهم البعض" الإصلاح " على أنه يعني التحول نحو الليبرالية أو الرأسمالية. بالنسبة لهم، الرأسمالية هي جوهر الإصلاح، ولكن ليس بالنسبة لنا. ما نفهمه من خلال "الإصلاح" شئ آخر ولا يزال قيد المناقشة "(مقتبس من Anderson 2010: 89).
سبب هذا العمى عن التغييرات الرئيسية في النظام السياسي الصيني بسيط: إذا أفترضنا أن أي إصلاح حقيقي لنظام سياسي يجب أن يعني الانتقال إلى ديمقراطية ليبرالية بما يتناسب مع التقدم الاقتصادي، فإن كل تلك الإصلاحات التي لا تمثل الديمقراطية الليبرالية، ومع ذلك فهي ذات طابع أساسي تعتبر غير مهمة. لذلك، يتوصل المرء إلى إستنتاج مفاده أنه بدلاً من اقتصاد الدولة الاشتراكي والاستبداد الشيوعي،فقد ظهر الآن مزيج من هذا الأستبداد مع رأسمالية الدولة.
فيما يلي يتضح أن النظام الاقتصادي الصيني له خصائص أشتراكية أساسية.
ألا يمكن أن يكون للنظام السياسي أيضاً خصائص مهمة للديمقراطية؟ إذا كان هذا صحيحاً،فإن الأحتياجات الديمقراطية السياسية للمواطنين الصينين قد تحققت في أشكال مؤسساتية لاينظر أليها على انها ديمقراطية في الغرب.
كما كتب الباحث الأمريكي في شؤون الصين، بروس ج. ديكسون، هناك مفارقة ديمقراطية فيما يتعلق بالصين: "في المخيلة العامة، النظام السياسي الصيني هو نظام أستبدادي وحشي يقمع مُنتقديه، ويحكمهُ مسؤولون فاسدون مُهددون بالانهيار، إذا لم تحافظ على نموها الاقتصادي السريع. تحتوي هذه الصورة على الكثير مما هو حقيقي، لكنها تفتقد الصورة الأكثر أهمية لمعظم الناس في الصين: نظام تثير سياساته الاستياء والاحتجاجات، لكنه مع ذلك يتمتع بمستوى مدهش من الدعم الشعبي؛ نظام أنتقائي ولكن مجموعة واسعة من المهنيين وأصحاب المصلحة وعامة الناس تمت إستشارتهم، وعلى نطاق واسع؛ نظام ينمو ويتسامح مع المجتمع المدني، بل ويشجعه،جماعات منظمة يمكنها التصرف؛ ونظام تعتبره غالبية السكان ديمقراطياً بشكل متزايد، حتى لو لم يسمح بالمنافسة السياسية، وقادته غير خاضعين للمساءلة أمام الناخبين. قد يفضل السكان الصينيون التغيير، لكنهم يفضلون أن يتم ذلك ضمن الإطار السياسي القائم. «(Dickson 2016: 1f.)
الحالة التي وصفها ديكسون هي حالة توازن غير مستقر. من المعروف أن الموافقة على النظام السياسي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت مرتفعة ومستقرة نسبياً حتى أوائل الثمانينيات.ومع ذلك، أدى التغيير في الظروف الخارجية، وخاصة عملية الأصلاح في الاتحاد السوفيتي، وإستنفاذ فرص التنمية الداخلية والشلل السياسي إلى تغيير المواقف في جمهورية ألمانيا الديمقراطية وفي الدول الاشتراكية الأخرى في أوروبا الشرقية، وفي خلال فترة وجيزة لم يعد مطلب الأصلاح في الأشتراكية وأطارها السياسي،بل أدخال الديمقراطية الليبرالية والتغلب على الأشتراكية. وفي هذا الإطار الديمقراطي الليبرالي يمكن نزع فتيل الأزمة السياسية من خلال أنتخاب المواطنين لحكومة جديدة دون تشكيك النظام السياسي نفسه، دون تعريض نفسه للخطر،فإن نظام القيادة من قبل الحزب الشيوعي الذي يعود الى لينين ليس لديه هذا الصمام. يجب أيجاد طرقاً أخرى أو تفشل.
بالنسبة لقيادة جمهورية الصين الشعبية، أصبحت مسألة الديمقراطية وبالتالي شرعية النظام السياسي تحدياً جيوسياسياً صعباً. في الصين نفسها، تُبذل محاولات لصياغة حجج مضادة مع زيادة الثقة بالنفس وتقديم الصين كنظام سياسي مساوٍ لنظام الغرب أو حتى متفوق عليه. كتب العميد السابق لكلية بكين للغات الأجنبية المرموق، هان زين،عام 2014: "مثل مفاهيم القيمة" حقوق الإنسان "و" الحرية "، فإن" الديمقراطية "هي مفهوم ثنائي التفرع أو قيمة نوعية. بمجرد تسميته، يؤدي هذا إلى تقييمات أو أحكام للديمقراطية أو غيرالديمقراطية، الحرية أو عدم الحرية، احترام حقوق الإنسان أو عدم احترام حقوق الإنسان. يجب أن نتجنب التلاعب بالخطاب الغربي ونتجنب الوقوع في فخ خطابهم. لا يتعين علينا فقط قبول طبيعة الرضا عن الديمقراطية الغربية وانتقادها، ولكن أيضاً توضيح الطابع الديمقراطي لبلدنا، خذ على محمل الجد الحق في تسمية القيم الديمقراطية والكفاح من أجل الحق في مناقشتها. (Han Zhen 2015)
في الصين نفسها، كانت هناك محاولات مختلفة للربط بين الأفكار الغربية للديمقراطية وواقعها الصيني (Zhou Lian 2012). في فهم الديمقراطية اليوم في الصين، دخلت تقاليد إضافة إلى الأفكار الغربية الليبرالية. أحدهما هو اللينينية، التي تمثل في أنقى صورها أطروحة ضرورة وجود طليعة تمارس السلطة من خلال البصيرة الفائقة للمصالح الشاملة، من أجل تمكين التحول الاشتراكي للمجتمع. كما كتب روبرت دال: "البديل الأبدي للديمقراطية هو الحكومة عن طريق الوصاية. من وجهة النظر هذه، فإن الفكرة القائلة بأنه يمكن الاعتماد على الناس العاديين لفهم مصالحهم الخاصة والدفاع عنها - ناهيك عن مصالح المجتمع ككل - هي فكرة سخيفة. يشير هؤلاء النقاد إلى أن الأشخاص العاديين لا لبس فيهم غير قادرين على حكم أنفسهم. يجب إستبدال افتراض الديموقراطيين بأن الناس العاديين مؤهلين بتأكيد معاكس بأن الحكم يجب أن يُعهد إلى أقلية من الأشخاص الذين بحكم معرفتهم العالية وفضائلهم، مؤهلون بشكل خاص للحكم. '' (Dahl 1989: 52) تأخذ الديمقراطية التمثيلية ذلك في الاعتبار أيضاً، لكنها تنقل أختيار الوصي أو الوصاية على المواطنين من خلال إنتخابات حرة وسرية. المفهوم اللينيني هو مفهوم التمكين الذاتي للحزب، والذي لا يمكن تجريده من هذه السلطة إلا من خلال الإطاحة بالنظام السياسي.
يمكن للمفهوم اللينيني أن يرتبط بالتقاليد الصينية كما أشار اليه مينبن، كما يوضح شي تيان جين: "يشترك مبدأ مينبن والديمقراطية الليبرالية في ميزتين هامتين: كلاهما يضع رفاهية الشعب في الهدف المركزي للحكومة، و كلاهما ينقل النخب السياسية المسؤولة عن القرارات التي تخدم هذه الغاية. على عكس نظرية الديمقراطية الليبرالية، فإن مبدأ مينبن يمنح النخب السلطة الكاملة لممارسة أحكامهم الخاصة في صنع السياسات دون تدخل شعبي يحد من وظيفة المشاركة السياسية الشعبية لنقل المعلومات حول الظروف المحلية ويرفع مستوى المطالب بتغيير الحكومة. [...] منذ انتصار الحزب الشيوعي الصيني، أستند التعريف الرسمي للديمقراطية في جمهورية الصين الشعبية على التقاليد المزدوجة المتداخلة لمينبن واللينينية. «(شي 2015: 197) في التطور الحقيقي للنظام السياسي الصيني لعناصر قوية من المشاركة المباشرة أو غير المباشرة للمواطنين في عملية صنع القرار. سيكون من الخطأ ببساطة اختزال شكل الحكومة في الصين إلى "الدولة الحامية" (Henrich 1989).
في العقد الماضي، بذلت حكومة الصين جهوداً غير عادية لتعزيز الطابع الديمقراطي للنظام السياسي. في ضوء الحرب الأيديولوجية الجديدة المُعلنة من قبل الولايات المتحدة وعدد من حلفائها باسم الديمقراطية ضد "الأنظمة الاستبدادية"، وهي روسيا والصين، أعدت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في عام 2021 وثيقة شاملة حول مسألة الديمقراطية في الصين. . في 4 ديسمبر 2021، نشر المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني كتاباً أبيضاً شاملاً حول "ديمقراطية الشعب بكاملها". وهي تقول، من بين أمور أخرى: »إن الديمقراطية ليست إكسسواراً زخرفياً، بل أداة لمعالجة القضايا التي تهم الناس.
 لوكل بلد ديمقراطي يعتمد على ما إذا كان الناس حقاً سادة البلاد؛ ما إذا لهم الحق في التصويت، والأهم من ذلك، ما إذا كان لديهم الحق في المشاركة الكاملة؛ ما إذا كان قد حصل على وعود شفهية خلال الانتخابات، والأهم من ذلك، كم عدد تلك الوعود التي تم الوفاء بها بعد الانتخابات؛ وما إذا كانت هناك سياسات وقواعد ثابتة في الأنظمة والقوانين الحكومية، وما إذا كانت تلك الأنظمة والقوانين مطبقة بالفعل؛ قواعد وإجراءات ممارسة السلطة ديمقراطية، والأهم من ذلك، ما إذا كانت ممارسة السلطة تخضع بالفعل للتدقيق العام. تقول الوثيقة، إن النظام الصيني يجمع بين الانتخابات الديمقراطية والتشاور الديمقراطي. يتم اتخاذ موقف علني بشأن قمع المواقف السياسية المعارضة في الصين: يبدو أن الديمقراطية والديكتاتورية متناقضان من حيث المصطلحات، لكنهما يؤمنان معاً مكانة الشعب كحاكم للبلاد. أقلية صغيرة يتم إجازتها لصالح الأغلبية العظمى، و "الديكتاتورية" تخدم الديمقراطية. "(المكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية 2021: 9) أيضاً تم تحديد الأولويات بشكل واضح: »بصفتها دولة مكتظة بالسكان تعاني منذ فترة طويلة بقاعدة اقتصادية ضعيفة، تسعى الصين جاهدة لتحقيق توازن بين الديمقراطية والتنمية. الأولوية دائماً للتنمية [...]. «(المكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية 2021: 31)
في دراستهم القائمة على التجربة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يشير توماس هيبيرر وجونتر شوبرت إلى الأشكال المختلفة للمشاركة الاجتماعية "في تنظيم الشؤون الاجتماعية العامة للمجتمع أو مجموعاته الفرعية" (Heberer / Schubert 2007: 21)). وخلصوا إلى الاستنتاج التالي: "لا شك في أن فرص المشاركة قد زادت من خلال إجراءات منظمة وقانونية للانتخابات في الأحياء، والمشاركة في إجتماعات اللجان وأشكال جديدة من المشاركة الاجتماعية". (هيبيرر / شوبرت 2007: 194) هناك تصورأن تكون الصين "كنظام قيادة" كما الأتحاد السوفيتي.
كما يوضح لي جونز في تحليله الشامل، فإن القيادة المركزية "نادراً ما تتحكم في النتائج بشكل مباشر، ولكنها تستخدم في المقام الأول آليات" لتوجيه "الجهات الفاعلة الأخرى في الدولة الحزبية الأوسع في الاتجاه المطلوب" (جونز 2021: 13): "نحن نجادل بأن دولة تنظيمية ظهرت على النمط الصيني، حيث تستخدم القيادة العليا مجموعة متنوعة من الآليات لتحديد البرامج السياسية الواسعة وتوجيه مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة نحو أهداف غالباً ما تكون فضفاضة.
قد تستجيب هذه الجهات الفاعلة الأخرى بمحاولة التأثير أو تفسير أو تجاهل إطار السياسة. لذلك نرى أن صياغة السياسات وتنفيذها تتشكل من خلال التفاعلات التكميلية أو المنافسة المستمرة بين مختلف الجهات الفاعلة، والتي لا تنتهي أبداً بقرار ملزم أو إجراء فردي، ولكنها تستمر طوال العملية. "(جونز 2021: 46).
تُستخدم خمسة آليات تنسيق على وجه الخصوص: "عقيدة الحزب، البيانات السياسية العامة، والمؤسسات التنسيقية، والتنازلات المالية والسياسية، وصلاحيات التعيين والتقييم والتأديب التي يفرضها الحزب الشيوعي الصيني". (جونز 2021: 49) هذه طرق كلاسيكية لهيمنة الحزب على العملية السياسية.
وفقاً للصورة الذاتية للحزب الشيوعي الصيني، من الواضح أنه لايجعل حكمهُ يعتمد على انتخابات ديمقراطية ليبرالية ويقيد حرية الرأي والتعبير والتجمع عندما يهدد تعريض حكمه للخطر. أنتقاد روزا لوكسمبورغ للبلاشفة يؤثر أيضاً على الحزب الشيوعي الصيني »الحرية لأنصار الحكومة فقط، لأعضاء الحزب فقط- بغض النظر عن عددهم - ليست حرية. الحرية دائماً هي حرية أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف، ليس بسبب تعصب "العدالة"، ولكن لأن كل ما ينشط ويشفي وينقي الحرية السياسية يعتمد على هذا الكائن وتفقد تأثيرها عندما تصبح "الحرية" امتيازاً. «(لوكسمبورغ 1974: 359) ولكن لا ينبغي أن ننسى أن لوكسمبورغ طالبت في نفس الكتابات بخنق الحركات الانفصالية" لمختلف الشعوب في الإمبراطورية الروسية "في مهدها بيد من حديد، والتي كان استخدامها في هذه الحالة حقاً وبمعنى خنق روح دكتاتورية البروليتاريا في مهدها "(لوكسمبورغ 1974: 359).
لقد أرادوا كليهما: استخدام "اليد الحديدية" لـ "دكتاتورية البروليتاريا" عندما يتعلق الأمر بقمع جميع المصالح الخاصة التي لا تتوافق مباشرة مع مصالح الاشتراكية المفهومة بهذه الطريقة، و "الصحافة الحرة غير المقيدة"، "تكوين الجمعيات والتجمع دون عوائق" (لوكسمبورغ 1974: 358)، "الاضطرابات والقسوة" والديمقراطية غير المقيدة "(لوكسمبورغ 1974: 362f.). من خلال القيام بذلك، صاغت مشكلة العلاقة بين الديمقراطية والديكتاتورية والتحول الاشتراكي في أقصى درجات الحدة (انظر Brie 2011)، والتي فشل الاتحاد السوفيتي في حلها،في حين ظل الحزب الشيوعي الصيني يعمل عليها بطريقة جديدة لعقود.
يشير بروس جي ديكسون في تحليله للنظام السياسي الصيني والموقف من الشعب عام
 2016في مفارقة: في كثير من النواحي، لا تتبع حكومة الصين الافتراضات التي تتكون من أنظمة استبدادية. على سبيل المثال، السياسيون في الأنظمة الاستبدادية "مُعَينون وليسوا مُنتخبون". ويخلص إلى أنه `` لا يتعين عليهم مناشدة الناخبين من خلال توفير السلع العامة للحفاظ على وظائفهم. هم أكثر حرية في سعيهم وراء السلطة والامتياز والمكاسب الشخصية "(ديكسون 2021: 205) من أولئك في الديمقراطيات. ومع ذلك، يبدو الواقع في الصين مختلفاً عن منطق أبحاث الاستبداد الذي يشير إليه: »قيادة الصين لا تتبع هذا المنطق [...]. منذ التسعينيات وخاصة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، التزمت القيادة الصينية بالعمل للحكم بشكل أفضل وتوفير المزيد من المنافع العامة. «(ديكسون 2021: 206) معدلات الزيادة في الإنفاق في مجالات التعليم والرعاية الصحية وما إلى ذلك مرتفعة للغاية ورضا السكان يتزايد بشكل ملحوظ. إن فكرة،أن الحزب الشيوعي الصيني كنادٍ للخدمة الذاتية للحكام المستبدين مضللة. بغض النظر عن - أو ربما حتى بسبب - عدم وجود انتخابات ليبرالية، فإن السكان وليس فقط مجموعات الضغط القوية اقتصادياً لديهم قدر كبيرمن التأثير على السياسة. تعمل إرادة "العديد من الأشخاص الصغار" من خلال قنوات أخرى وليس من خلال أنتخاب ممثلي الحزب.
وهذا يحتاج إلى شرح. لماذا يتعارض الواقع الصيني حقيقة مع النظرية الديمقراطية الليبرالية؟ لا يستطيع الشعب الصيني أن يقرر بحرية أي مجموعة من السياسيين الذين يتنافسون على أصوات الناخبين سيحكمونهم خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يعتبر بالنسبة لجوزيف شومبيتر الحد الأدنى من تعريف "الطريقة الديمقراطية" (Schumpeter 1980: 428 ، 452)، ومع ذلك يؤثر الشعب الصيني على سياسات الحزب الحاكم أكثر من تأثير مواطني العديد من الديمقراطيات الليبرالية الغربية.
ماذا لو رجعت قليلاً وسألت إلى أي مدى تدخل المصالح الاجتماعية الشاملة والمصالح الجماعية ذات الصلة ومصالح الكثيرين وخاصة الأضعف أجتماعياً حيز التنفيذ في النظام السياسي؟ عندئذ تصبح الدرجة العالية من التأثير الحقيقي معياراً للديمقراطية، بغض النظر عن الأشكال التي يتخذ فيها هذا التأثير شكلاً ملموساً. وهذا يتطلب البحث عن "مكافئات وظيفية" تمكن المواطنين من التأثير في السياسة بشكل ديمقراطي يتجاوز الأشكال الليبرالية. وهو صحيح أيضاً في حالة النظام السياسي و'حكم الناس ".
في الغرب، يُعتقد على نطاق واسع، الأشكال الليبرالية فقط هي القادرة على ذلك. هذا يحجب مدى أستخدام الأشكال الليبرالية على وجه التحديد لحماية مصالح النخبة الثرية والأوليغارشية.
لمساعدة القطاعات الرئيسية في رأسمالية السوق المالية على إختراق (Piketty 2014: 514) أو لفرض "ديمقراطية متوافقة مع السوق" (Fisahn 2021). على العكس من ذلك، في الصين ودول أخرى، يُطرح السؤال بشكل متزايد حول كيفية تأكيد المصالح الشعبية دون أنتخابات حرة. كما كتب داني كواه: "للديمقراطية في النهاية معنى أنبل وأهم بكثير من الوصول إلى صندوق الاقتراع على سبيل المثال. بدلاً من ذلك، يجب أن يمثل ما يلي: أن تكون كل حكومة، كل حاكم غير مستقرعلى أساس يومي. يجب على كل حكومة وكل حاكم أن يدركوا كل يوم، أن سلطتهم تعتمد على تقلبات إرادة شعوبهم. وفقاً لهذا المقياس، أصبحت الحكومة في الصين وغيرها من الاقتصادات الاستبدادية رسمياً في جميع أنحاء آسيا بالفعل أكثر ديمقراطية مما يعتقده العديد من المراقبين. وفقاً لهذا المعيار، تفشل العديد من الديمقراطيات الانتخابية في صناديق الاقتراع. «(Quah 2015: 15)
ديمقراطية الشعب، من قبل الشعب، ولإجل الشعب.
في خطابه الشهير في غيتيسبيرغ في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1863، وفي منتصف الحرب الأهلية الأمريكية، صاغ أبراهام لينكولن الصورة الذاتية الديمقراطية باختصار: لقد كانت حول "حكومة الشعب، من قبل الشعب ومن أجل الشعب" ( نقلت في ويكيبيديا 2014). إذا أتبع المرء هذا الشرط، فيمكن للمرء أن يتساءل عما إذا كان يمكن أيضاً تلبية معايير مثل هذه الحكومة بدون المؤسسات الليبرالية وما إذا كان يمكن للأنظمة السياسية ذات المؤسسات الليبرالية أن تتوقف عن كونها ديمقراطيات في ظل ظروف معينة، على الرغم من وجود حرية التجمع والانتخابات الحرة. في إشارة مباشرة إلى لينكولن، حذر جوزيف ستيغليتز من ذلك في القوة السياسية الأمريكية "للواحد بالمائة، من خلال الواحد
النسبة المئوية التي يمارس فيها واحد بالمائة «(من 1٪، بنسبة 1٪، لـ1٪) ونتيجة لذلك فإن فرص التنمية للعديد من الناس مقيدة، والاقتصاد يعيق، والسلع الجماعية غير كافية تماماً (Stiglitz 2011 ).
سأحاول في ما يلي وضع إطار يمكن من خلاله فهم الديمقراطيات والأنظمة الليبرالية القائمة على حكم حزب الدولة الشيوعية، في ظل ظروف معينة، على حد سواء على أنها ديمقراطيات، وإن كانت ديمقراطيات من نوع خاص. في مثل هذا الإطار، يمكن أن يُعزى كلا الخيارين إلى الدمقرطة وكذلك إلى نزع الديمقراطية. وبفعل ذلك، فإنني أتعامل مع التفسيرات الواردة في كتاب "إعادة اكتشاف الاشتراكية". (راجع Brie 2022: 144 وما يليه). تم وصف أتجاهات الديمقراطيات الغربية بشكل حاد لتبني سمات البلوتوقراطية أو الأوليغارشية أو حتى القومية - völkisch أو حتى التحول إلى الفاشية عدة مرات. ويمكن أيضاً استخدام الأمثلة التاريخية لإظهار كيف يمكن أن يؤدي حكم حزب الدولة الشيوعية إلى حكم طبقة جديدة ذات مصالح جماعية ضيقة، وكيف يمكن للفرد تأمين سلطة مطلقة تقريباً، وكيف يتم إنشاء نظام شمولي. لذلك أقترح أنظمة الحزب الواحد الليبرالية والشيوعية
كنظامين سياسيين متكافئين تحليلياً. تختار الأنظمة الليبرالية الأفراد وحقوقهم السياسية ووضعهم كمالكين خاصين (لرأس المال أو الأرض أوقوة العمل) كنقطة أنطلاق للشرعية.
تميل هذه الأنظمة إلى وضع مصالح الفرد فوق مصالح المجتمع ككل، لإبطال حقوق الأفراد وتوقع أن تكون الإجراءات الليبرالية عقلانية للمجتمع ككل (Zhang 2016: 52-56).
من ناحية أخرى، تستمد الأنظمة الشيوعية الحزبية شرعيتها من أسبقية المصالح المجتمعية العامة التي يعبر عنها حزب الدولة.
بالنظر إلى ما إذا كانت مصالح الكثيرين أو القلائل هي محور التركيز، يمكن للمرء أن يميز الليبرالية الاجتماعية عن الليبرالية الاستبدادية .
الشكل: خصائص الأنظمة الليبرالية والحزبية الشيوعية
الرأسمالية الأوليغارشية،يمثل الأقلية   هيمنة الكادر،يمثل الأكثرية
الديمقراطية الاجتماعية الليبرالية   ديمقراطية الحزب الشيوعي

هنا نرى أسبقية المصالح الفردية، والأخرى أسبقية المصالح المشتركة، وتمييز الشيوعية الحزبية الديمقراطية عن الشيوعية الاستبدادية البيروقراطية.
على عكس الأنظمة الاستبدادية التقليدية، تتميز أنظمة الحزب الشيوعي بالاختراق الشامل للمجتمع والحزب. غالباً ما يُفترض أن هذا "شمولي". يبدو من المنطقي التحدث عن الطابع العضوي لمثل هذا المجتمع حيث تعمل أيديولوجية الدولة الشاملة، والحزب الرائد الذي يؤثر على جميع مجالات المجتمع، والاقتصاد متعدد القطاعات الموجه إيديولوجياً وسياسياً معاً دون أن يفقدوا منطقهم الخاص. تصبح مثل هذه المجتمعات شمولية عندما تضغط من أجل الاندماج الكامل للفرد مع المجتمع وتفرض ذلك بعنف لا يرحم.بينما تسعى الأنظمة الاستبدادية في المقام الأول إلى تأمين حكم مجموعة معينة مغلقة والديمقراطيات الاجتماعية الليبرالية تتوسط في حماية الملكية الخاصة للمجموعات ذات الامتيازات ذات المصالح الاجتماعية الأكثر عمومية، فإن أنظمة الحزب الشيوعي الواحد تمثل في رأيي، نوع المجتمع الخاص بها والنظام السياسي: تبحث هذه الأنظمة عن حلول، وهيمنة مصالح المجتمع ككل باستخدام الوسائل الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الحديثة. بينما تنتقل الأنظمة الليبرالية بين الديمقراطيات القائمة على الرأسمالية ذات التوجه الاجتماعي والمجتمعات ذات الهيمنة الواضحة التي تتراوح من الأوليغارشية الرأسمالية إلى حكم الأوليغارشية المالية الليبرالية أو حتى تتخذ أشكالاً فاشية،يمكن للأنظمة الشيوعية الحزبية أيضاً أن تأخذ في الاعتبار بشكل أكبر مصالح المواطنين وتسمح بفرص قوية للتأثير على السياسة أو تقديم أنفسهم على أنهم حكم بواسطة كوادر أو حتى دائرة صغيرة حول قائد. بناءاً على وصف لينكولن للديمقراطية، أريد صياغة ثلاثة معايير للديمقراطية:
(1) التشريع من خلال إنشاء والحفاظ على الوحدة السياسية لدولة الشعب: يقوم التنظيم السياسي للدولة على الإجماع العام للشعب، مما يعطي هذا النظام شرعية. لا يتم التشكيك في النظام داخل الدولة من قبل قطاعات كبيرة من المواطنين أو من قبل قطاعات كبيرة من النخبة. هناك وحدة سياسية أساسية. ستقترب الدولة من حالة الشعب.
(2) التشريع من خلال المداخل الديمقراطية: يتمتع المواطنون بفرصة التأثير الفعلي على سياسة الدولة من خلال أشكال مختلفة. يمكن القيام بذلك بطريقة ديمقراطية ليبرالية من خلال إنتخاب ممثلي الدولة، ولكن أيضاً من خلال أشكال أخرى من التأثير الديمقراطي.
لذا فإن السلطة يمارسها الشعب - أيضاً - وليس فقط المجموعات النخبوية. يتم تحديد سياسة الدولة من قبل الشعب.
(3) التشريع من خلال المخرجات الموجهة نحو مصالح أجزاء كبيرة من الناس: السياسة موجهة أساساً نحو تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والثقافي والأمني للغالبية العظمى من السكان، وضمان الحريات المدنية والضرورية. ولضمان الاستقرار والدرجة اللازمة من التجديد المستمر. لإتمام تنفيذ سياسة للشعب.
في رأيي، ليس من قبيل المصادفة أن نهج الديمقراطية، كما صاغه لينكولن، قد تم تناوله مرة أخرى في النضالات من أجل تأسيس الصين. ومن الأمثلة على ذلك المحاضرات التي ألقاها الثوري الصيني صان ياتسن (1866-1925)، رئيس الحكومة الوطنية في كوانغتشو من عام 1921، حيث بدأ عام 1923 بالترويج لإيديولوجية حزب الشعب الوطني الصيني (الكومينتانغ) - المذهب. من المبادئ الثلاثة (三民主義 / 三民主义Zhŭyì) -.
هذه المبادئ هي: (1) الوعي القومي والمجتمعي للشعب، (2) الديمقراطية وحقوق الشعب، (3) رفاهية الشعب. المبادئ الثلاثة التي تم تطويرها بهذه الطريقة، والتي تم تضمينها أيضاً في النشيد الوطني، تتوافق بشكل مباشر مع الأشكال الثلاثة لإضفاء الشرعية على الحكومة كحكومة للشعب، من قبل الشعب وللشعب. في الوقت الذي عمل فيه الكومينتانغ بشكل وثيق مع الحزب الشيوعي الصيني وكذلك الاتحاد السوفيتي، برز الارتباط الوثيق بين هذه المبادئ والأفكار الاشتراكية: "عقيدة سان مين تعني حكومة" الشعب، من قبل الشعب ومن أجل الشعب، أي الدولة ملك مشترك لكل الشعب، الكل يشارك في سياساتها، وأرباحها يتقاسمها الجميع.
عندئذ لن تكون هناك شيوعية في الملكية فحسب، بل في كل شيء آخر أيضاً. سيكون هذا هو الهدف النهائي لعقيدة المعيشة،وهي حالة يسميها كونفوشيوس تا تونغ، أو عصر "المجتمع العظيم". (صان ياتسن 1924: 139).
مثل هذا النهج من قبل الأب الفكري للجمهورية الصينية لا يمكن إختزاله في فهم ليبرالي للديمقراطية. كانت الديمقراطية تُفهم في الصين(ولا تزال) في المقام الأول على أنها شكل سياسي واجتماعي يتيح عودة الصين إلى الظهور بحياة كريمة وازدهار للصينيين. بينما كان مطلب الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بدفع هيمنة الدولة (الاستبدادية) إلى الوراء، كان الأمر في الصين يتعلق بالبحث عن شكل من أشكال الحكم القادر على إستعادة استقلال الصين في العصر الإمبريالي.
لذلك فإن الموقف السياسي لمفهوم الديمقراطية يختلف تماماً عن ذلك في السياق الأوروبي أو الأمريكي. وأوضح صان ياتسن أن "شعار الثورة الفرنسية كان" الحرية "وكان شعار الثورة الأمريكية" الاستقلال ". الاوضاع في الصين مختلفة عن الاوضاع في أمريكا او فرنسا وقت ثوراتهما وبالتالي لا ينبغي ان يكون شعار ثورتنا هي نفسها الخاصة بالأثنين الآخرين. شعارنا هو عقيدة سان مين. «(Sun Yatsen 1924: 67)
حذر صان ياتسن صراحة من تعريف الديمقراطية بالحرية: "بما أن الأوروبيين أضطروا إلى إراقة الكثير من الدماء لكسب حريتهم، فإنهم بطبيعة الحال يعتبرون الحرية مصونة. الآن وقد تم إدخال نظرية الحرية إلى الصين، يناقش علماءنا بفارغ الصبر طبيعتها وتطبيقها في الصين. نناقش أيضاً نظرية الديمقراطية، التي تم تقديمها مؤخراً من الغرب. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الحرية والديمقراطية شيئان مختلفان. مناقشة الحرية لها مكانها في مناقشتنا لنظرية الديمقراطية، لأن الديمقراطية نشأت من النضال من أجل الحرية. ومع ذلك، فمن الخطأ أن يتابع طلابنا الشباب الأوروبيين في نضالهم من أجل الحرية. '' (صان ياتسن 1924: 67) وأوضح أيضاً لماذا كان التركيز على الحرية في ظل الظروف الخاصة في أوائل القرن العشرين للصين. الخطأ: "لأننا تمتعنا بقدر كبير من الحرية الفردية، فإن أمتنا ضعيفة وحكومتنا ليست منظمة بشكل جيد. هذا الضعف سمح بالاستيلاء الاقتصادي والسياسي الأجنبي على بلدنا، ونحن لا نملك القوة لمقاومته. الطريقة الوحيدة لإنقاذ الصين من السيطرة الأجنبية هي توحيد الأربعمائة مليون شخص في مجموعة موحدة وتنمو بقوة في الوحدة. [...] مسموح لنا، للناس ليس للدعوة إلى الكفاح من أجل الحرية الشخصية، ولكن من أجل النضال من أجل حرية الأمة. «(صان ياتسن 1924: 70f.)
تتميز الديمقراطية الليبرالية بالتناقض مع التعبير الحر عن الإرادة من قبل العديد من الأفراد في الانتخابات، في الأماكن العامة، من خلال الشكاوى حول القرارات السياسية في المحاكم أو من خلال عمل الأندية والأحزاب والحركات الاجتماعية، وتوازن مصالح الكثيرين، والمصالح المشتركة للجميع. إن الانعكاس المحتمل إلى هيمنة مصالح قلة، والميل نحو هيمنة الاعتبارات قصيرة المدى ومصالح الضغط، وتفكك الدولة الديمقراطية بسبب ترسيخ الخصومات وحتى الحرب الأهلية معروفة جيداً. على العكس من ذلك، يتسم النظام الديمقراطي الشعبي، كما ترى الصين نفسها، بالتناقض القائل بأن تشكيل الإرادة في حزب الدولة الشيوعية يجب أن يخلق توازناً بين مصالح الصالح العام ومصالح الكثيرين. يتميز تاريخ الدول ذات النمط السوفيتي والصين بفترات من الانقلاب في ديكتاتورية الفرد، والإنكار الواسع لحقوق ومصالح الأفراد، وانهيار الدول.
تتجه الديمقراطيات الليبرالية والديمقراطيات الشعبية الشيوعية إلى الهاوية، إذا فشلت في نقل إرادة الكثيرين والمصالح المشتركة بنجاح كافٍ. هذا يثير التساؤل حول كيفية عمل جمهورية الصين الشعبية وكيفية معالجة الاعتراض المذكور أعلاه اليوم.
في الصين، ساد موقف "اللاءات الخمس"، على النحو الذي صاغه الرئيس السابق للمجلس الوطني لنواب الشعب، وو بانغاو، عام 2011: "بناءاً على الظروف الصينية، أصدرنا إعلاناً رسمياً،بأننا لن نستخدم نظام يضم العديد من الأحزاب يشغل مناصب بديلة،وإننا لن ننوع مبادئنا التوجيهية، أننا لن نفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية والسلطة القضائية ؛ أننا لن نعتمد نظام من مجلسين أو نظام فيدرالي؛ أننا لن نقوم بالخصخصة. [...] الدول المختلفة لديها أنظمة قانونية مختلفة، ونحن لا ننسخ الأنظمة القانونية لبعض الدول الغربية. «(مقتبس في Dickson 2016: 277f.)
بغض النظر عن هذه "اللاءات الخمسة"، تُظهر الدراسات الاستقصائية التجريبية التي أجريت بالاشتراك مع باحثين من الولايات المتحدة الأمريكية أن غالبية الشعب الصيني يفترض أنهم يعيشون في ظل نظام ديمقراطي، وأنهم يتوقعون مزيداً من التقدم الديمقراطي، ولا سيما أولئك الذين ينهضون بالصعود اقتصادياً. ولايرغبون بالتغيير إلى نظام ليبرالي.
أظهر استطلاع عام 2014 أن أكثر من 55٪ من المواطنين الصينيين يعتقدون أن مستوى الديمقراطية في الصين مرتفع إلى حد ما (51.7٪) أو مرتفع جداً (7.4٪). وزادت القيم بشكل طفيف مقارنة بعام 2010.
كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها ديمقراطية إلى حد كبير أو للغاية من قبل نفس الأشخاص 85٪. توقع المستطلعون أن يكون للصين هذا المستوى في حوالي عام 2020 (Dickson2016: 267). تشترك الغالبية العظمى من المستجيبين في التقييم القائل بأن الصين أصبحت أكثر ديمقراطية - فكلما ارتفع الدخل، كان هذا الموقف أكثر وضوحاً. كما أن الرضا عن الديمقراطية في الصين منتشر على نطاق واسع.
كما كتب ديكسون: "الإجابة الأكثر شيوعاً، التي قدمها 27.6٪ من المستطلعين، كانت حكومة يحكمها الشعب ومن أجل الشعب. تتضمن هذه الفئة إجابات مثل "الشعب والحكومة مترابطان"، و "الشعب سيد"، و "استمع إلى الشعب"، و "تعكس سياسات الحكومة الرأي العام"، بالإضافة إلى إشارات ل"المبادئ الثلاثة للشعب" ‹بقلم صان ياتسن، خاصة فيما يتعلق برفاهية الشعب. تؤكد هذه الفئة أن الحكومة تستجيب للرأي العام ومصالح الشعب أو سلطته.
يتعلق الأمر بما يجب أن يفعله القادة، وليس كيف يتم أختيارهم. والأهم من ذلك، أنه يفترض أن مصالح الجمهور ومصالح الدولة (أو على الأقل يجب أن تكون) مُتسقة بشكل أساسي ". (Dickson 2016: 287) يُظهر بحث مشابه أن المواطنات والمواطنين في الصين يشترك من حيث الديمقراطية، في قيم مماثلة لتلك الخاصة بشعب تايوان وأفضل من تلك الموجودة في كوريا الجنوبية ( (Chu et al. 2010: 18؛ Shi 2015: 196). )
إن المفاهيم الليبرالية للديمقراطية وتلك التي يجب على الحكومة إستشارة الناس وأخذ مصالح المواطنين في الاعتبار تسير جنباً إلى جنب مع مزيج يميز العديد من دول شرق آسيا (Shi 2015: 203). لا تزال ثقة الصينيين في حكومتهم عالية. ارتفع من 76٪ (2016) إلى 89٪ عام 2022  (Statista 2023). في مايو 2022، نشرت مجلة نيوزويك  نتائج استطلاع للرأي العام مقارن في 53 ولاية. تناقضت النتائج مع كل التوقعات والصور النمطية الشائعة. عندما سُئلوا عما إذا كانوا يرون أن بلادهم دولة ديمقراطية، كان الصينيون هم الذين تصدروا القائمة بنسبة 83٪. وضمت المجموعة الأولى سويسرا وفيتنام والهند والنرويج. تخلفت الولايات المتحدة عن الركب عند 49٪. وبينما قال 91٪ في الصين إنهم يهتمون بالديمقراطية، كانت النسبة في الولايات المتحدة 76٪. أبرزت مجلة نيوزويك أيضاً الأرقام التالية: "قال حوالي 63٪ في الولايات المتحدة إن حكومتهم تخدم بشكل أساسي مصالح أقلية، بينما قال 7٪ فقط في الصين الشئ نفسه. عند سؤالهم عما إذا كانت بلادهم قد أجرت أنتخابات حرة ونزيهة وما إذا كان لجميع المواطنين الحق في حرية التعبير، أجاب ما يقرب من ثلث المشاركين الأمريكيين، 32٪،و 31٪ أجابوا بالنفي، بينما 17٪ و 5٪ في الصين أجابوا على نفس الأسئلة بالنفي. وفي الصين، قال 5٪ فقط أنه لا يتمتع الجميع بنفس الحقوق في بلادهم، بينما قال 42٪ في الولايات المتحدة بتسلط الحكم  ". (O'Connor 2022)
حكم الشعب: تنظيم بقبضة حديدية لتحويل الرمل إلى حجر.
أستمر صان ياتسن في محاضراته بالعودة إلى حقيقة أن الصين في ذلك الوقت كانت موضع أنتقاد من قبل الغربيين من ناحيتين :
من ناحية، هناك إتهام بأن الصينيين ليس لديهم فهم للحرية وبالتالي هم شعب بدائي: "ومع ذلك، فإن هذا النقد يتناقض مع أنتقاد آخر، والذي يقول إن الشعب الصيني مجزء مثل الرمال المبعثرة. نحن نقارن بالرمال المتناثرة لأن مجموعتنا الوطنية ليس لديها منظمة قوية. عندما يتناثر الرمل، تكون كل حبة رمل مجانية، وتضيع هذه الحرية بمجرد أن يتشكل الرمل إلى صخور. بطريقة مماثلة حكيمة، يتمتع الفرد الصيني بمدى واسع من الحرية حيث لا توجد منظمة ذات قبضة حديدية تقيد تصرفات الفرد؛ ولكن نتيجة لذلك، فإن الصينيين، مثل الرمال المتناثرة، لا يشكلون وحدة متكاملة. «(Sun Yatsen 1924: 64).
رأى صان ياتسن المهمة الأولى والأكثر أهمية في تحقيق عودة ظهور الصين كقوة حضارية رائدة في ظهور الوعي الوطني: "توحيد الأربعمائة مليون [صيني ، MB] وإنقاذ الأمة من خلال الوعي الوطني!" (صان ياتسن) 1924: 6) على عكس القوميات، لم تنمو الأمم تاريخياً، بل نشأت من خلال النضال. إنه يتعلق بالدولة، على أساس الشعور بالتكاتف والدفاع عنه كمجتمع وطني. إن الديمقراطية مستحيلة بدون "شعب" يرى مواطنوه أنفسهم كمجتمع وينظمون أنفسهم كمجتمع.
لم ير صان ياتسن إنشاء مجتمع وطني على عكس المجتمع العالمي، ولكن كشرط وخطوة نحو ذلك. كان هذا يعني بالنسبة له »أنه يجب علينا أن نبشر بالوعي القومي قبل الكوزموبوليتانية. لأنه لا معنى للتبشير بالعالمية دون التبشير أولاً بالوعي القومي. القول صحيح: "لجعل العالم ينعم بالسلام والسعادة، يجب أولاً أن تُحكم الأمة جيداً!" (Sun Yatsen1924: 37) لا يمكن تجاهل هذا الإدراك إلا من قبل أولئك الذين يعيشون في دول محكومة جيداً ومستقرة حدودها. واضحة ومحددة ومعترف بها، ولا تتدخل أي قوة أجنبية في شؤونها الداخلية.
لأكثر من 20 عاماً، قبل صعود الحزب الشيوعي الصيني ليصبح "إمبراطوراً تنظيمياً" (Zheng Yongnian)كان على حد تعبير إسحاق دويتشر،وفي أشارة الى زعيم الفلاحين الروسي العظيم إميليان إيفانوفيتش بوكاتيف (1775ـ1742) "Super- Pugachev" Deutscher1964: 15"، عاش بين الفلاحين ونظم جيشاً منهم، وأثبتت المناطق الريفية المحررة الخاضعة لسيطرتها أنها حزب الشعب. لا يزال هذا التاريخ التأسيسي حياً حتى يومنا هذا ويتم تذكره بشكل متزايد في سياق "السياحة الحمراء" (Pieke 2021: 101).
في الصورة الذاتية للحزب الشيوعي الصيني، الذي قاد الشعب الصيني إلى الوحدة الوطنية في الحرب الأهلية، وفي الوقت نفسه كان الضامن لهذه الوحدة حتى يومنا هذا. يُنظر إلى الدور القيادي للحزب الشيوعي الصيني على أنه شرط حاسم لإنجاز نهوض الصين بنجاح. وفقاً لهذا الفهم، لها مهمة وطنية، وأي هجوم على الحزب الشيوعي الصيني يتم التعامل معه على أنه هجوم على الصين نفسها.
في الصين، ليست مؤسسات تقاسم السلطة للديمقراطية الليبرالية هي التي تجسد وحدة الدولة، ولكن الفاعل المركزي للنظام السياسي - الحزب الشيوعي الصيني. في رأيها، هي الأسمنت الذي يربط الشعب الصيني معاً. إن فشل أول جمهورية صينية، جمهورية برلمانية، أمام أعيننا وفقاً لصان ياتسن، يمثل الممثلون في المقام الأول مصالحهم الخاصة، وبالتالي مهدوا الطريق لدكتاتورية عسكرية، ولكن أيضاً تفكك الاتحاد السوفيتي نتيجة لليبرالية من خلال البيريسترويكا.
يدرك الحزب الشيوعي الصيني أنه يجب أن يكسب باستمرار تفويض الشعب الصيني للحكم. تمشياً مع التقليد الصيني المتمثل في التهديد المستمر للإطاحة بسلالة إمبراطورية، يمكن للناس سحب تفويض السماء من الحكومة في أعمال الشغب والانتفاضات وحتى الحروب الأهلية. أو كما يقول المثل الصيني القديم: «ترى السماء كما يرى شعبي؛ السماء تسمع كما يسمع شعبي «(مقتبس في Theobald 2019)
من وجهة نظر الحزب الشيوعي الصيني، فإن أهم شرط للحفاظ على سلطة الحكومة هو أن يثبت أنه لا غنى عنه لمزيد من الصعود، وللحفاظ على الوحدة والاستقرار، ولتنامي الازدهار الشامل للجميع.
كتبت باتريشيا إم ثورنتون: "إن الحجم الكبير للحزب الشيوعي الصيني، وسجله التاريخي الفريد، وقدرته على الحكم في مواجهة التحديات المتكررة تجعله أحد أنجح الأحزاب السياسية في التاريخ. […]
مفتاح بقاء الحزب هو القدرة على التكيف لمؤسساتها، ومرونة  الممارسة والقدرة على الابتكار. في الوقت نفسه، وفي تأريخه أعترف الحزب الشيوعي الصيني بإخفاقات كارثية في بعض الأحيان [...]. "(Thornton 2021: 1)

 *ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.

18

عمل الصيغتين العامتين للأشتراكية في الصين
الفصل السادس من كتاب " إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"

ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي


في كتاب "إعادة اكتشاف الاشتراكية" (Brie: 2022) كان الحديث عن الشيوعية والصيغة التحررية العامة للاشتراكية.
  الأول يرى أن تطوير الجسم الاجتماعي المشترك هو الهدف وتطور الفرد كوسيلة، والثاني على العكس من ذلك، هو تطورالفرد باعتباره غاية عليا وثروة مشتركة وتنمية الجسم الاجتماعي باعتبارها أداة لها. وبحسب أطروحة الكتاب المذكورة أعلاه،فإن تطور  الجسم الاجتماعي وتطور الفرد مرتبطان اشتراكياً قبل كل شئ عندما يفيد هذا الفئات المحرومة من السكان.
إذا نظرنا إلى الوراء وعلى مدى أكثر من 70 عاماً، فقد ركزت الصين على تهيئة الظروف الاجتماعية للتنمية.
من خلال الصيغة الشيوعية تكون الأولوية للأشتراكية.المتعلق بالتصنيع والتحضر، وإنشاء البنية التحتية المادية والاجتماعية والثقافية للتنمية.
كان معدل الأستثمار مرتفعاً جداًطوال الفترة باكملها.أن الحق في تنمية الصين كدولة ومجتمع له الأولوية على الحقوق الفردية حتى يومنا هذا،وهذا الحق يقوم على اساس سيادة الدولة التي كان على الصين ان تستعيدها في حروب طويلة والتي لاتزال تدافع عنها حتى اليوم.وتهدف منها "التخلص من إستغلال وإضطهاد رأس المال الدولي،وحماية صناعاتها وأسواقها،وتعزيز تنميتها الأقتصادية(" (Qiang Shigong 2021.
ورسخت الصين هذا الأمر دولياً مع دول آسيوية أخرى في الفترة التي سبقت مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان في "إعلان بانكوك".
 "تم أتخاذ الموقف بالإجماع، برفض حقوق الإنسان كشرط عند تقديم المساعدة الاقتصادية والدعوة الى أولوية الدولة القومية في وضع المفاهيم ومعالجة قضية حقوق الإنسان"(2005  (Cho
صن ياتسن، مؤسس جمهورية الصين، عبر عن ذلك بالفعل في عام 1912 بقوله بأن "حقوق الناس [...] تشمل حقوق الفرد وبالتالي حقوق الإنسان، ولكن قبل كل شيء حقوق الآخرين واتخاذ الصالح العام دليلاً" (مقتبس في Schmidt-Glintzer 2021).
توضح أرقام قليلة فقط نتيجة هذا التطور في الصين ككل: لقد أوجد التطور قبل عام 1978 أسساً مهمة يمكن استخدامها في إطار سياسة الإصلاح والانفتاح. في الأربعين عاماً الماضية، تمكنت الصين من مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي كل ثمان سنوات تقريباً. انخفضت معدلات النمو فقط في السنوات الأخيرة. من حيث القوة الشرائية الحقيقية، تفوقت الصين على الولايات المتحدة من الناتج القومي الإجمالي في عام 2014. الصين هي أكبر دولة تجارية في العالم وهي الآن أكبر حاصل على براءات الاختراع في العالم. مع وجود مناطق حول شنتشن / هونغ كونغ / قوانغ تشو وبكين.
الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها مجموعتان من أكبر خمس مجموعات علمية وتكنولوجية رائدة في العالم (ويكيبيديا 2022 ج).
تمتلك الصين أعلى نسبة من شبكات 5G  في العالم وأحدث وأكبر شبكة للسكك الحديدية عالية السرعة. يمكن أن تستمر القائمة لفترة طويلة. في الوقت نفسه، فان إنبعاثات الغازات الضارة بالمناخ هي الأعلى في الصين، وتتضرر التربة والمياه بشدة. تهدف الإجراءات التي تم تقديمها حتى الآن إلى عكس الاتجاه، لكن هذا سيستغرق عقوداً. إن الهدف المعلن للصين، وبحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، هو تحقيق مكانة اقتصادية عالمية رائدة واللحاق بالبلدان الأكثر تقدماً، أجتماعياً وثقافياً وبناء حضارة بيئية بكل المقاييس، فقد نشأ مجتمع حديث من أحد أفقر البلدان وأكثرها تخلفاً في العالم (انظر، على سبيل المثال، Sieren 2020 ، 2021)، والذي يتفوق على ألمانيا في كثير من النواحي. هذا يعني أيضاً أن الصين تواجه جميع المشكلات المرتبطة بنوع التنمية الاستخراجية والاستهلاكية الموروثة (انظر Huan Qingzhi 2014). رداً على ذلك، تم تطوير مفهوم "الحضارة البيئية". الأهداف البيئية هي الآن جزء من مواصفات التخطيط على جميع المستويات. لا ينفصل عن صعود الصين هو إنشاء قوة عسكرية حديثة، تهدف إلى تأمين التنمية الخارجية للصين (Fravel 2019) وجهاز أمن داخلي شامل، والذي يسعى إلى منع أي تشكيك في الدور القيادي للحزب الشيوعي الصيني (Heilmann 2016). : 124-133).
كان تطوير"الهيئة المجتمعية" في الصين من الأولويات، ومع ذلك فإن التقدم في نوعية الحياة في نفس الوقت مرتفع. متوسط العمرالمتوقع في الصين أرتفع من 35 عام عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية إلى 78 عام اليوم. وأرتفع مؤشر التنمية البشرية (HDI) من 0.499 عام 1990 إلى 0.761 عام 2019. والصين هي الدولة الوحيدة التي أنتقلت من فئة التنمية البشرية المنخفضة إلى فئة التنمية البشرية المرتفعة منذ أن أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام1990، تحليل اتجاهات دليل التنمية البشرية العالمية. بدأت «بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تقرير خاص عام 2019 (UNDP .
تتلخص النجاحات من جانب الدولة على النحو التالي: "أنشأت الصين أكبر نظام ضمان أجتماعي في العالم.لقد تجاوزعدد الأشخاص المشمولين بالتأمين الطبي الأساسي1.3 مليار شخص،وتجاوزعدد الأشخاص المشمولين بالتأمين على الشيخوخة الآن أكثر من مليار شخص. أكملت الصين بناء مجتمع يرغد بالازدهار إلى حد ما من جميع النواحي. لقد تحرر البلد بأكمله من الفقر المدقع وشرع في السير على طريق الرخاء المشترك.
أكتسب الناس إحساساً أكبر بالإنجاز والسعادة والأمن. إن حقوقهم المعيشية والتنمية والصحة محمية بالكامل، وتتوسع باستمرار حقوقهم الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والبيئية وغيرها. «(المكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية 2021: 36 ؛ تقرير شامل ومتباين تم تقديم التقرير في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2019)>>. في المؤتمر السابع عشر للحزب عام 2007، تقرر ضمان حصول جميع الصينيين إلى خمسة أساسيات. توسعت القائمة الآن لتشمل سبعة: رعاية الأطفال، والتعليم، والتوظيف، والخدمات الطبية، ورعاية المسنين، والإسكان، والمساعدة الاجتماعية (Hu Angang et al. 2021: 42).
لقد بذلت جمهورية الصين الشعبية جهوداً جبارة على مدار العشرين عاماً الماضية لبناء دولة رفاهية أكثر شمولاً من أي وقت مضى. بعد إلغاء الحماية الاجتماعية للعاملين بأجر من خلال الشركات الخاصة أو إفلاس العديد من الشركات المملوكة للدولة، كما أدت الإصلاحات في الزراعة إلى حل شبكة الأمان الاجتماعي، فقد تم أتخاذ تدابير في عدة خطوات للحماية من المخاطر الوجودية. يؤثر هذا بشكل رئيسي على الرعاية الصحية ونظام التقاعد وكذلك البطالة. إن الميل إلى تحويل قوة العمل إلى مجرد سلعة قد توقف وجرى عكسه تدريجياً (انظر على سبيل المثال Wang Shaoguang 2015).
تضاعفت حصة الإنفاق على الضمان الاجتماعي في الناتج القومي الإجمالي أربع مرات مقارنة بعام 2000 لتصل إلى حوالي 20٪. في الوقت نفسه، زاد الناتج القومي الإجمالي 6.6 أضعاف في نفس الفترة. تم التغلب على وضع مجتمع السوق المدمر ذاتياً: 102-110) 1978Polanyi (والذي هدد بالظهور في التسعينيات، بالتدخل السياسي المنهجي. كما يشير وانغ شاوغوانغ، "تُظهر هذه الحقيقة أن النظام السياسي الصيني قابل للتكيف بدرجة كبيرة مع البيئة المتغيرة ويستجيب بشكل كبير لاحتياجات الناس. «(Wang Shaoguang 2015: 232) .
تضاعفت حصة الإنفاق على الضمان الاجتماعي في الناتج القومي الإجمالي أربع مرات مقارنة بعام 2000 لتصل إلى حوالي 20٪. في الوقت نفسه، زاد الناتج القومي الإجمالي 6.6 أضعاف في نفس الفترة. تم التغلب على وضع مجتمع السوق المدمر ذاتياً Polanyi)) كما كتب Elsner: "عن المؤتمر الوطني الأول لنواب الشعب)" ‹في يونيو 2020 [...] بعد فترة طويلة من الإعداد مهدت الطريق لقانون مدني صيني يصل بعيداً إلى مجتمع القرن الحادي والعشرين. الهدف هو حضارة مزدهرة مع الحقوق الشخصية وحقوق الملكية وقانون العقود الحديث، [و] حضارة تكنولوجيا المعلومات مع الحق في المعلومات والرأي وحماية البيانات الشخصية، [ ] حضارة أجتماعية مع حماية ملموسة للحقوق الاجتماعية للشعب، قانوناً ملموساً للإسكان وحقوق الاستئناف، وأخيراً حضارة إيكولوجية تتمتع بحقوق حماية أستدامة بيئية ملموسة وقابلة للتنفيذ، وهو أمر قد يكون فريداً في العالم وفي دستوروطني  . «(Elsner 2021: 244f )>>.
أكبر نجاح في السنوات العشر الماضية هو بحق القضاء على الفقر المدقع، الذي أستخدمت من أجله أموال كبيرة (انظر على سبيل المثال Kun Yan 2016 ؛ Wang Xiaolin / Zhang Xiaoying 2021 ؛ Chen Chunjin 2022).
في مقارنة دولية، كانت النتائج ملحوظة، ليس أقلها عندما يتعلق الأمر بزيادة الدخل من الأجور: »ما فتئت الصين تسير على طريق التنمية السريع منذ فترة طويلة، ومنذ ذلك الحين زادت الأجور والمرتبات على الأقل بما يتماشى مع مكاسب الإنتاجية - وهو الشئ الذي يمكن للموظفين في الرأسمالية المالية الاستفادة منه مع الفجوة المتزايدة باستمرار بين تطوير الأجور وتطوير الإنتاجية التي لا يمكن أن يُحلم بها إلا لعقود. متوسط الأجر في الساعة للعمال الصينيين، على سبيل المثال، تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2006 و 2016، من 1.20 دولار أمريكي إلى 3.60 دولار أمريكي (المكسيك: 2.10 دولار أمريكي ، تايلاند: 2.20 دولار أمريكي، البرازيل: 2.70 دولار أمريكي، الهند: 0.70 دولار أمريكي) .
في الوقت نفسه، ركد دخل الأجور الحقيقي أو انخفض في الرأسمالية الغربية. تراوحت الزيادات الحقيقية في الأجور في الصين فقط بين عامي 2013 و 2016 من 6.3 إلى 8.8٪ كل عام. في غضون السنوات العشر للخطة الخمسية الثانية عشرة والثالثة عشرة ، أي بين عامي 2011 و 2020، تضاعفت المداخيل الحقيقية.
من الناحية الحسابية، قد يعني هذا زيادة في متوسط الأجر السنوي بنسبة جيدة تبلغ 6%. كما تم زيادة الحد الأدنى للأجور الصينية بشكل مطرد في سياق ذلك وهي الآن أعلى في بعض الحالات من الدول الأعضاء الفردية على أطراف الاتحاد الأوروبي. «(Elsner 2020: 164).
لكن هذه الزيادة في الأجور الحقيقية لا يمكن أن تخفي قطاع الأجور المنخفضة الضخم الذي يقسم الطبقتين المتوسطة والدنيا: "تنص اللوائح الصينية على أن تحدد كل منطقة الحد الأدنى للأجور عند 40 إلى 60٪ من متوسط الأجر المحلي، ولكن عدد قليل جداً وصلوا الى هذا الهدف يقول تقرير[نشرة العمل في الصين، إم بي]. لقد أتسعت الفجوة بين متوسط الأجر والحد الأدنى للأجور في الواقع خلال العقد الماضي، حيث أدت الأجور المرتفعة للقلة المتميزة إلى ارتفاع متوسط الأجور وركدت لأصحاب الأجورالأقل. في العديد من المدن مثل غوانغزهو وتشونغ تشينغ، أصبح الحد الأدنى للأجورالآن أقل من 24٪ من متوسط الأجر، بينما في بكين، حيث يعمل بعض العمال ذوي الأجورالأعلى في البلاد، هو أقل بقليل من 20٪. «(Dolack 2022) في الوقت نفسه، هناك ما يقرب من 1000 ملياردير في الصين. في مكافحة هذا التفاوت، تم تقديم عدد من المقترحات، مثل إدخال ضريبة الدخل التصاعدية التي تفرض ضرائب على الثروة بوجه الخصوص، وتنفيذ التعليم العالي لجميع الشباب وتوسيع النظم الاجتماعية (Lu / Ding2022: 485).
هذا يمس مباشرة قضية حقوق الإنسان. في السياق الصيني،فقد أشير على الدوام، إلى أن هناك "نظريتان" لحقوق الإنسان: "الأولى هي نظرية الجيل الأول لحقوق الإنسان، تستند إلى التجربة التاريخية للتجارة العالمية في بريطانيا، بينما الثانية تستند، إلى التجربة التاريخية للثورة الفرنسية وثورة 1848 والحركة الشيوعية الأوروبية والثورتان الروسية والصينية.
كانت القيمة المركزية للجيل الأول من نظرية حقوق الإنسان هي الحرية، مع التركيز على حرية الفرد من تدخل السلطة السياسية في المجال الاقتصادي. كتصحيح للجيل الأول من نظرية حقوق الإنسان، فإن القيمة الأساسية للجيل الثاني من نظرية حقوق الإنسان هي السعي لتحقيق المساواة - بين الناس، بين الدول، وحتى بين الحضارات في جميع المجالات. «(Qiang Shigong 2021 : 7) الجيل الثاني مع حق الثورة والتحرر الوطني والتنمية. النقطة هنا هي خلق الظروف الجماعية للوفاء بالمطالب الأساسية للناس بحياة يقررونها بأنفسهم في أمان - وهي شروط تؤخذ كأمر مسلم به عندما نركز على حقوق الأفراد. بدلاً من المعارضة الزائفة لحقوق الحرية الفردية للدولة (الحرية السلبية) والخلق الجماعي المشترك لظروف التنمية (الحرية الإيجابية)، يجب الجمع بين كلا النهجين التحرريين (انظر Brie 2019).
في السنوات الخمس عشرة الماضية، أنتقلت المسألة البيئية بشكل متزايد إلى مركز سياسات الدولة الصينية. في المؤتمر السابع عشر للحزب عام 2007، تم تناول مفهوم "الحضارة البيئية" لأول مرة. في عام 2015، أعتمد مجلس الدولة إطاراً وطنياً لحماية البيئة موجهاً نحو الحضارة البيئية (انظر Naisbitt / Naisbitt 2019: 160).)
تم دمج الأهداف البيئية في جميع المشاريع المركزية، مما يعني في الوقت نفسه، من ناحية، منافسة حادة بين أهداف مختلفة، مع أجهزة الدولة المختلفة لكل منها أولوياتها الخاصة. أطلق على النهج الذي اختارته الصين لقب "الاستبداد البيئي"
 (انظر Li Yifei / Shapiro 2020)، الذي يستحضر خطر رفض كل تدخل حاسم للدولة في تشكيل الظروف الطبيعية على أنها سلطوية من حيث المبدأ.
إذا أخذت صيغتي الاشتراكية كمعيار، يمكنك أن ترى وبإلقاء نظرة على الصين أن التركيز الأولي على التوجه نحو الظروف الاجتماعية للتنمية مع ركود نسبي في التقدم للأفراد، وفرص حياتهم وحرياتهم الشخصية قد تغيرت وضعفت بشكل ملحوظ على مدى العقدين الماضيين. تكتسب الصيغة التحررية قوة، حتى لو ظلت إمكانية مقاضاة الحقوق الفردية ضد الدولة من خلال المحاكم محدودة للغاية أو غير موجودة. وفي الوقت نفسه، تم أتخاذ تدابير شاملة للتغلب على الفقر المدقع والتنفيذ التدريجي للسياسات الموجهة نحو الإدماج. يغطي نظام التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي الآن جميع مواطني الصين تقريباً، ويحظى تحسين جودة الخدمات العامة للفئات الدنيا بأولوية عالية. تهدف السياسات على المستويات الوطنية والإقليمية والبلدية إلى تقليل الانقسامات الاجتماعية التي نشأت. العلاقة بين صيغتي الاشتراكية تصف بوضوح ساحة المعركة.

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.


19
تحول الصين من خلال هيمنة الحزب الشيوعي على المجتمع
الفصل الخامس من كتاب " إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

 
على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني قد نفذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة منذ عام 1978، إلا أنه يُزعم دوماً،من أنً النظام السياسي عملياً ظل دون تغيير. يؤدي هذا الافتراض أيضاً إلى إستنتاج مفادهُ أن النظام السياسي لابد وأن ينهار قريباً نسبياً، لأن التناقض بين القاعدة الجديدة، التي شكلتها الأسواق، والنظام الشيوعي الحزبي القديم سيصبح أكبر من اللازم. كما هو مبين أدناه، فإن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية تعتمد أيضاً على بعضها البعض في الصين. إجراء إصلاحات اقتصادية تتوافق مع النظام السياسي وتعززه. على العكس من ذلك، يتم تنفيذ تلك الإصلاحات السياسية التي تهدف إلى تمكين التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. الهدف من جهود الإصلاح الشامل في النظام السياسي الصيني منذ عام 1978 ليس التحول الديمقراطي الليبرالي.
تركز القيادة "على تعزيز الحزب الشيوعي الصيني من خلال إنشاء إجراءات داخلية أكثر تطوراً وفعالية تتعلق بالتشاور على جميع مستويات السلطة والتقييم المستمر والمساءلة - بما في ذلك المعايير الأخلاقية والفساد - واختيار وترقية كوادر وقادة إلى معايير مهنية عالية. تهدف مثل هذه الإصلاحات السياسية إلى تحسين فعالية الحزب الشيوعي الصيني في صنع القرار واستجابته لمطالب الشعب ". (Defraigne 2015: 75) أصبح حزب الثورة الدائمة حزباً للإصلاح الدائم (Wang Zhengxu 2015: 89) .
ينص قرار الحزب الشيوعي الصيني بشأن التجربة التاريخية لعام 2021 (القرار السابق يعود إلى 40 عاماً) على أن هناك "مهمتين خاصتين لهما أهمية تاريخية" ، "أحدهما هو زيادة مستوى القيادة - والحكومة للحزب، و من ناحية أخرى على، زيادة القدرة لمقاومة الفساد ومنع الانحطاط وتجنب المخاطر "(اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 2021: 19). على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية، أظهر الحزب الشيوعي الصيني للشعب بوضوح، أنه يمكن تلبية التوقعات الديمقراطية في إطار نظام الحكم الشيوعي للحزب الواحد، شريطة إجراء إصلاحات متوافقة مع النظام في الحوكمة تلبي احتياجات المشاركة والفرص المتاحة التأثير على القرارات السياسية. في قلب السياسة الحالية توجد علاقة بين تحديث المجتمع وتحديث الحزب والدولة (Hu Angang et al. 2017: 59).
في حالة حزب الدولة اللينيني، هناك ثلاث إجابات على سؤال لماذا يمكن لحزب غير خاضع لانتخابات حرة أن يلتزم في نفس الوقت بالمصالح العامة ومصالح قطاعات كبيرة من السكان. الجواب الأول هو: "إنها الأيديولوجية ،يا مغفل؟.
الأنظمة اللينينية، وهذا ينطبق أيضاً على الصين، لا يمكنها البقاء إلا إذا كان موظفوا حزب الدولة الشيوعية في النهاية ملتزمون - أيضاً -.
الجهد الهائل الذي ينطوي عليه التدريب الأيديولوجي للكوادر وتعليمهم ضروري في مثل هذا النظام، لأن طبقة الدولة الشيوعية لا يمكنها البقاء في السلطة، إلا إذا لم تصبح الأيديولوجيا مجرد صيغة (لمزيد من التفاصيل، انظر Pieke 2021). ) تدرك القيادة الصينية باستمرار هذا الخطر، لأنها تضع نهاية الاتحاد السوفيتي في الاعتبار. إلى جانب المصلحة الذاتية العقلانية، يجب تحفيز الكوادر للدفاع عن المصالح المشتركة وبالتالي الخضوع الصارم للحزب. في الوقت نفسه، ووفقاً للسياسة، يتم مراجعة الأسس الأيديولوجية للحزب باستمرار، مع الحفاظ بشكل إنتقائي على المقاربات السابقة وربطها بالمواقف الجديدة.
تطور كل قيادة حزبية جديدة مساهمتها في نظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية انظر Yu-shek Cheng 2020) )كأساس لتغيير السياسة. مباشرة في بداية فترة الإصلاح، أوضح دنغ شياو بينغ، أنه من بين المبادئ الأساسية الأربعة (قيادة الحزب الشيوعي الصيني، والتوجه نحو الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ، والدكتاتورية الديمقراطية للشعب، والتنمية الاشتراكية)، الدور القيادي لـ الحزب على وجه الخصوص لم يكن نسبياً أبداً.
والجواب الثاني: إنه يرتكز على سياسة كوادر الحزب،أن يخضع للصالح العام. ينصب التركيز على نظام الاختيار والرقابة والقيادة.
 تم تنفيذ إصلاحات شاملة بشكل خاص بعد عام 1978 في نظام مليْ بالوظائف في إطار نظام الدورالقيادي للحزب في الصين، يشمل هذا النظام جميع المجالات الحكومية والسياسية والعلوم والثقافة، فضلاً عن جميع الشركات المهمة المملوكة للدولة. وأيضاً في هذه الحالة، أولاً وقبل كل شئ، تقاليد الصين  في تطوير نظامها الرسمي على أساس نظام فحص شامل. تم إصلاح هذا النظام بإستمرارعلى مدى قرون عديدة. كان الأمر يتعلق بتحديث المحتوى، والأهمية العملية، والطابع التنافسي، والانفتاح بغض النظر عن ولادته، والحماية من الفساد. ثانياً، كانت المطالب اللينينية على الكوادر التي تتمتع بأولوية الولاء السياسي والاستعداد لإخضاع مصالحهم الخاصة لمصالح الحزب تتكيف باستمرار مع المتطلبات والتوجهات الجديدة للحزب. المبدأ الأساسي هو: "الحزب يدير الكوادر" (بيرنز 2007: 6).
ثالثاً، تم اختبار التجارب الدولية لإدارة الموظفين الحديثة وتقييمها وتعميمها أو حتى رفضها مع تلك الموجودة في الصين على أساس سلسلة كاملة من تلك التجارب. يتوصل كلاوس موهلاهن، إلى الاستنتاج التالي: "لقد طورت الصين أحد أكثر الأنظمة تنافسية في العالم لتوظيف وترقية موظفي الحكومة والدولة". أن تكون شرعيأً "(Meuschel 1992: 22) وبسبب بعض" التوجهات القيمية "تدافع بنشاط عن النظام السياسي وتكون أيضاً على استعداد لإخضاع المصالح الشخصية له. إذا لم تكن هناك مجموعات قابلة للحياة لديها مثل هذا الإيمان بشرعية النظام السياسي، فسوف ينهار مثل بيت من ورق عند العاصفة الأولى. لا تكفي المصلحة الذاتية لتفسير استقرار النظام؛ يتطلب أيضاً التزاماً معيارياً. يكون النظام السياسي مستقراً فقط إذا كانت فئة الخدمات النشطة القريبة من الدولة مستعدة لحمايته، وإذا لزم الأمر باستخدام القوة، حتى لو لم يكن ذلك في المصلحة المباشرة لأعضاء هذه الطبقة الخدمية كأفراد. يجب أن يكونوا مستعدين لتقديم تضحيات لأنهم يؤمنون بشرعية النظام الذي يدافعون عنه. في عام 1986، تم تطوير إجراء متعدد المراحل لاختيار الكوادر، بدءاً من "نظام التصويت السري". فقط أولئك الذين حصلوا على أغلبية الأصوات يجب أن يؤخذوا في الاعتبار في عملية الاختيار الإضافية التي يتم فيها فحص "قضايا الفضيلة (دي) والقدرة (نينغ) والاجتهاد (تشين) والإنجاز (جي) تاريخياً وبطريقة شاملة "(تاكاهارا 2020: 154).
لكن هذه كانت مجرد خطوة أولى. كما يشير بيرنز: "تضمنت إصلاحات عام 1993 وإجراءات لتحسين كفاءة الخدمة العامة وجعلها أكثر تنافسية. من حيث الجوهر،
أولاً، يجب اختيار جميع موظفي الخدمة المدنية المعينين حديثاً على أساس مسابقة مفتوحة، وعادةً من خلال إجراء امتحان، يقتصر إلى حد كبير على خريجي الجامعات.
ثانياً، ينبغي منح موظفي الخدمة المدنية هيكلاً وظيفياً وعمالة مستقرة.
ثالثاً، يجب أن تكون أنظمة إدارة الموارد البشرية قائمة على الأداء.
رابعاً، يجب أن تتنافس أجور الخدمة العامة مع الأسعار المدفوعة في السوق.
خامساً، توقع مستوى عالٍ من النزاهة من المسؤولين. «(بيرنز 2007: 9 ؛ راجع الوصف الشامل لهذه الإصلاحات في Hu Wei وآخرون. 2014) مزيد من الإصلاحات المتبعة في العقود اللاحقة (Chan / Suizhou 2007 ؛ Hu Wei et al 2014 ؛ تشان / جاو 2018 ؛ Li / Gore 2018 ؛ تاكاهارا 2020).
تتعرض الكوادر بالفعل لمستوى عالٍ من المنافسة عند تعيينهم، وهي منافسة تشتد في المستويات الأعلى: »المنافسة على الترقيات إلى المستويات الأعلى شرسة، لأن التسلسل الهرمي السياسي حاد: هناك حوالي ثلاثة آلاف مقاطعة في الصين، وحوالي ثلاثمائة مدينة على مستوى المحافظات وحوالي ثلاثين كياناً على مستوى المقاطعات، بما في ذلك مدن مثل بكين وشنغهاي وما يسمى بمناطق الحكم الذاتي مثل التبت وشين جيانغ.
 إذا لم تتم ترقيتك مبكراً وبشكل متكرر، فلن تحصل على درجة كبيرة من السلم الوظيفي. «(ديكسون 2021: 45) بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم حدود عمرية للفترة الزمنية التي يمكن فيها للفرد أن يشغل نفس المنصب لمرة واحدة. - مع استثناء ألإدارة العليا- يتم فرضها بصرامة. الإجابة الثالثة هي العلاقة العضوية بين التنمية الاجتماعية وتطور الحزب.
مرة أخرى وبالإشارة إلى دفاتر سجن أنطونيو غرامشي، يتحدث Zheng Yongnian عن الهيمنة (Zheng Yongnian 2010: 139). أشار ليبيتز إلى أن مجموعة أجتماعية تشكل كتلة مهيمنة عندما تنجح في "تقديم وتنفيذ مشروعها على أنه مشروع المجتمع ككل" (ليبيتز 1998: 160). للقيام بذلك، يجب أن يجسد مشروع تصميم شامل يتم فيه تعميم أهتمامات الفرد، يتم تقديمها وفقاً لمصالح قطاعات كبيرة من المجتمع ككل، ويتم النظر بشكل فعال في السياسات المناسبة الآن. للهيمنة ثلاث ركائز:
 أولاً، تقوم على تغلغل أيديولوجي - تربوي للمجتمع، وثانياً، على تعميم الدولة لمصالح المجتمع تحت سيطرة الفاعل المهيمن، وثالثاً، على تشكيل اجتماعي - اقتصادي لكل المجتمع. نمط وإعادة الأنتاج، الذي يدعم الهيمنة في البنى العميقة الراسخة في طريقة الإنتاج والحياة.
 الهيمنة ليست طريقاً ذا اتجاه واحد من الفاعل المهيمن على الآخرين، بل هي علاقة صيرورة متبادلة حية. لا يمكن للحزب الشيوعي الصيني أن يلعب دوره الريادي إلا إذا صمم الهيمنة على أنها عملية مستمرة ومُتجددة، تأخذ في الاعتبار التغيرات السريعة في المجتمع الصيني بأبعادها المتعددة والتعقيدات المتزايدة.
يؤكد تشنغ يونغنيان، "حقيقة أن الحزب الشيوعي الصيني قد وجه التنمية في الصين ويعني أولاً، أن الحفاظ على هيمنته على القوى الاجتماعية هو جزء لا يتجزأ من هذا التطور. وثانياً، تعني هذه الحقيقة أيضاً أن الحزب الشيوعي الصيني فاعل أستباقي، يستجيب للقوى الاجتماعية المتغيرة وبالتالي يُعيد إنتاج هيمنته على المجتمع. ثالثاً، عملية التكاثرهي أيضاً عملية تفاعل مستمر بين الحزب الشيوعي الصيني والمجتمع، ويتغير الحزب الشيوعي الصيني أثناء تغيير المجتمع. " عملية التحول في الصين بطريقة يتم فيها إعادة إنتاج دورها القيادي بشكل مختلف. وإلا فإنه سيتحول إلى مؤسسة قسرية بحتة وسيُحكم عليه بالفناء. بينما تفترض النظريات الليبرالية أن التحديث يولد حتماً منطقاً يتعارض مع دولة الحزب الشيوعي، فإن الهدف المعلن للحزب الشيوعي الصيني هو تشكيل تحديث "بخصائص صينية" لا يضعف فيها دوره القيادي بل على العكس يُقويه. يدرك الحزب الشيوعي الصيني أن مصيره يعتمد عليه، لأنه يتصور كيف إنهارَالحزب الشيوعي السوفييتي ومعه الاتحاد السوفيتي. الركيزة الأولى للهيمنة تربوية بمعنى أوسع. لكل مجتمع أجهزته الأيديولوجية، بعضها مرتبط مباشرة بالدولة، وبعضها بشكل غير مباشر أو بشكل مدني بحت، جماعي،أو خاص. لا يمكن لدولة الحزب الشيوعي أن تؤدي مهمة الهيمنة إلا إذا كانت قادرة على أداء وظيفة أيديولوجية وتعليمية. بالنسبة لغرامشي، كان الأمر واضحاً: "في الواقع، يجب فهم الدولة على أنها" مُعلِّم "على وجه التحديد بقدر ما تسعى جاهدة لخلق نوع أو مستوى جديد من الحضارة." (غرامشي 1996: 1548 ، العدد 13 ، § 11) هذه الوظيفة التعليمية الضرورية لحزب الدولة الشيوعي الصيني. 
على مدى العقد الماضي، بُذلت محاولات لصياغة الحلم الصيني كسرد يدمج أحتياجات ورغبات الأفراد وعائلاتهم والسلطات المحلية والإقليمية والفئات المختلفة، بهدف إحياء الصين مع تجديد الحزب الشيوعي الصيني.الترابط القيادي. الركيزة الثانية للوحدة العضوية للحزب والمجتمع في الصين هي هيمنة الدولة. في الأيام الأولى لسياسة الإصلاح والانفتاح، كانت هناك اتجاهات للحزب ليس فقط للانسحاب من أجزاء من الاقتصاد، ولكن أيضاً لعلامات على انفصال أكبر بين جهاز الحزب وجهاز الدولة. يجب تقليص دور الحزب إلى دور قيادي أكثر عمومية. كان التركيز في البداية على تقنين عمل الدولة، وإضفاء الطابع المهني على الموظفين وتوجيه الأداء، والحد من مجال المهام. انعكس هذا عندما تولى شي جين بينغ منصب الأمين العام. كانت الإشارة القوية هي دمج أكاديمية الإدارة المركزية التي تأسست في الثمانينيات مع مدرسة الحزب المركزية. في الوزارات وأجهزة الدولة الأخرى، تُشكل اللجان الحزبية من قبل الهيئات الحزبية العليا التي تمارس القيادة الحقيقية وليس القيادة السياسية فقط (انظر على سبيل المثال Cabestan 2020 ؛ Heilmann 2016: 27-140). النظام الصيني يتحرك باستمرار في تناقض. هناك حتماً حدود ضيقة لفصل الحزب عن الدولة، لأنه بخلاف ذلك، فإن منطق آلة الدولة المنفصلة عن الحزب الشيوعي سوف يكسر أسبقيتها. وعلى العكس من ذلك، فإن الدمج يعني أن منطق الحكم السياسي ينفي استقلالية عمل الدولة بعملياتها الرسمية وقراراتها المبررة واقعياً مما يؤدي إلى التعسف. فمن الممكن أن تندلع حركة مضادة مرة أخرى في المستقبل المنظور، الأمر الذي سيعكس الاندماج بعيد المدى. وفقاً لتعقيدات المجتمع، ظهر أيضاً مجتمع مدني معقد. تمثل هيمنتها الركيزة الثالثة. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تم تأسيس مجموعة كبيرة ومتنوعة من الجمعيات والمبادرات غير الحكومية التي تسعى إلى تحقيق مجموعة متنوعة من الأغراض الاجتماعية والثقافية والبيئية وما إلى ذلك. 55 هدف: »في نوفمبر 2021،كانت هناك أكثر من 900000 منظمة أجتماعية،مسجلة على جميع المستويات في وكالات الشؤون المدنية، منها2284 مع الشبكات الوطنية. «(المكتب الإعلامي لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية 2021: 31) هذا تغيير جذري لما قبل 1978 ،التي تعمل على تنظيم أنفسهم. وفي زيادة بشكل غيرعادي. في بعض الحالات، يتم دعم هذه المنظمات أيضاً من قبل الجهات الفاعلة المحلية أو الإقليمية مع الحزب، من أجل التمكن من التعامل مع المشكلات بشكل أفضل، أو الحصول على أشخاص اتصال، أو لتحرير موارد إضافية أو دعم ملاحظة نقدية لتنفيذ المبادئ التوجيهية المركزية. في عام 2004، أعلنت جلسة مكتملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أن الحزب "يعزز دور المؤسسات الاجتماعية، والمنظمات القطاعية، ومنظمات الوسطاء الاجتماعيين في تقديم الخدمات، وتقييم الاحتياجات وتنظيم السلوك، والقوة المشتركة للإدارة الاجتماعية والخدمات الاجتماعية. "(ورد في Dickson 2016: 138  ) انظر أيضاً Klabisch / Straube (2021).
لا تتسامح الدولة مع العديد من الجمعيات المستقلة فحسب، بل يتم دعمها بشكل مباشر بمجرد أن يتبين على مستوى البلديات أو الإقليمي أو حتى الوطني، أنها تؤدي وظيفة أساسية في التعبير عن المصالح، والالتزام بأهميتها الاجتماعية أو البيئية أو الثقافية أو حتى المخاوف الاقتصادية. »جميع أشكال منظمات المجتمع المدني في الصين متحدة في عدم التسامح عموماً مع الموقف العدائي تجاه الجهات والخطط الحكومية، وكذلك تجاه الحزب. فهوالحزب الذي يضع المعايير الاجتماعية والسياسية. وهذا يشمل أيضاً من يُسمح بالتعاون معه. وبالتالي، يؤدي التفاعل والتغلغل المتبادل بين الحزب والدولة والمجتمع في الصين إلى طابع مزدوج معقد للمجتمع المدني، مما يسمح بمشاركة المجتمع المدني من القاعدة إلى القمة والتنظيم من أعلى إلى أسفل من قبل الحزب والدولة كدفق إلى بعضهما البعض. (Klabisch / Straube 2021: 2)
 تم تقديم العناصر الديمقراطية، وتعزيز الشفافية، وإتاحة المشاركة، وتم منح التنظيم الذاتي، وتوسيع الحقوق، ومنح حرية واسعة في السفر، وتأمين استقلال ريادة الأعمال، وما إلى ذلك. تحصل الجهات الفاعلة الجديدة على إمكانية الوصول إلى مناصب القوة والفرص لتحقيق مصالحها الخاصة، ولكن مع الحفاظ على الدور القيادي للحزب الشيوعي الصيني وحتى تعزيزه. في هذه الحالة، يعمل النظام السياسي الصيني في تناقض.تم منح العديد من الفرص لمنظمات المجتمع المدني وهي تؤدي وظائف لا يمكن الاستغناء عنها. وهذا يتجاوز بكثير مقاربات المجتمع المدني التي ظهرت في المجتمعات التي شكلها الاتحاد السوفيتي. لكن الفرص الممنوحة تستند إلى التسامح وليس على الحقوق. في حالة حدوث نزاع، يمكن انتزاع هذه الحقوق من منظمات المجتمع المدني. درجة السيطرة تحد من المسؤولية الشخصية، بحيث أن هذه المنظمات،حسب مفهوم لينين،هي في الأساس"احزمة نقل"لدولة الحزب، التي تسرق منها إلى حد كبير منطقها الخاص.
الركيزة الرابعة للهيمنة، التي يُؤمن بها الحزب الشيوعي الصيني سلطته ويقود تحول الصين في نفس الوقت، هي إعادة هيكلة النظام الاقتصادي والاجتماعي. يشير مبدأ لينين الخاص بأولوية السياسة في فهم غرامشي إلى أن الفاعل المهيمن يحاول توجيه عمليات التغيير الاجتماعي بطريقة تجعل تفوقه الخاص راسخاً في الجسم الاجتماعي - في بنية الاقتصاد ونمط الإنتاج والحياة. والعلاقات الطبقية والنظام الاجتماعي والتعليمي.
هذه ليست بأي حال من الأحوال خصوصية سياسة الهيمنة الشيوعية، كما تظهر نظرة على عمليات إعادة الهيكلة النيوليبرالية في الخمسين سنة الماضية. سأعود إلى هذا السؤال عند تقديم عناصر النظام الاقتصادي الصيني. كما كتب سيباستيان هيلمان، "مع الازدهار الاقتصادي ومستوى التعليم الاجتماعي، نمت توقعات ومطالب السكان من الحكومة. أصبح المجتمع الصيني أكثر تنوعاً وتطوراً. أستجاب الحزب الشيوعي الصيني بمفهوم الإدارة الاجتماعية الفعالة الذي تمت صياغته لأول مرة في عام 1998. يجب ألا تعمل هيئات الدولة في المقام الأول كهيئات رقابة وتوزيع هرمي. بدلاً من ذلك، يجب عليهم إقامة علاقات جديدة مع المجتمع على أساس مفاهيم الإدارة الموجهة نحو الخدمة والحكم الذاتي وإعادة إضفاء الشرعية على حكم الحزب الشيوعي الصيني.تصبح الهيمنة مجرد قشرة خارجية يمكن التخلص منها بسهولة إذا كانت تدعم الهياكل والسلوكيات كعملية تشكيل نشطة،يتم إعادة أنتاج الهيمنة منها بواسطة الفاعلين المسيطرين أنفسهم.
عندما يتم الإبلاغ عن حزب الدولة الصيني في وسائل الإعلام، فإن الأمر كله يتعلق بقيادته. ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أنه في عام 2019، كان هناك في الصين 92 مليون عضو حزبي منظمين في 4.1 مليون مجموعة حزبية تجتمع بطريقة أو بأخرى عدة مرات في الشهر، بما في ذلك بمواضيع اجتماعات تتعامل مع مخاوف محددة للغاية في العمل و البيئة المعيشية (Mittelstaedt 2021: 245f.). أخيراً وليس آخراً، يقومون بنشاطات في المجتمع المدني، خاصة عندما تنشأ مشاكل أجتماعية. مطلوب من الحزب الشيوعي الصيني، على مستوى القاعدة الشعبية، أن يكون "حزباً راعياً" وأن يظهر نتائج ملموسة. أهم الفضائل المتوقعة من أعضاء الحزب هي الانضباط الحزبي، والقناعة الشيوعية، والكاريزما النشطة الملموسة في الحياة الواقعية (Pieke 2021: 100).
في جائحة كورونا، لعبت المجموعات الحزبية المحلية دوراً رئيسياً في تنفيذ سياسة كوفيد صفر(Mittelstaedt 2021: 262). توجد منظمات حزبية في 53٪ من الشركات الخاصة و 91٪ من الشركات المملوكة للدولة. ما يقرب من 100٪ من الكليات والجامعات ومعاهد البحوث، و 99.99٪ من القرى الصينية، و 99.53٪ من المجتمعات الحضرية و 41.9٪ من "المنظمات الاجتماعية" لديها خلايا حزبية مدمجة. أدركت قيادة الحزب في عام 1996 أن العديد من أعضاء الحزب لم يعودوا مُنظمين لأنهم يعملون في شركات خاصة، فبدأوا في تشكيل مجموعات حزبية في هذه الشركات. تم اعتماد ذلك في جميع أنحاء الصين (2021) وينطبق الآن أيضاً على 58 شركة أجنبية. وبهذه الطريقة، تلتقي في الشركة المناطق المختلفة للمتطلبات السياسية للدولة، وتثمين رأس المال، ومسؤولية الشركات، ومصالح الموظفين وأصحاب المصلحة الإقليميين أو المحليين. قد يختلف الدور الذي تلعبه هذه الخلايا الحزبية بشكل كبير اعتماداً على نوع الشركة وطبيعة المنطقة وما إلى ذلك.

* ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.


20
الحزب الشيوعي الصيني كإمبراطور شيوعي.
إعادة التأسيس والتحول الاشتراكي للصين
الفصل الرابع من كتاب " إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

لا شك في أن الحزب الشيوعي الصيني هو القوة السياسية المهيمنة في جمهوريةالصين الشعبية. علاوة على ذلك، فإن مسألة ما إذا كانت الصين رأسمالية أم اشتراكية، تعتمد على كيفية الحكم على الحزب الشيوعي الصيني: هل هو حزب شيوعي له هدف اشتراكي، يستخدم وسائل مختلفة تماماً، بما في ذلك رأسمالية الدولة؟ أو بعد ما يقرب من 45 عاماً من الإصلاح والانفتاح، حولت نفسها إلى الفاعل المركزي للرأسمالية الصينية، كما يَفترض توبياس تن برينك: يمكن أن يصغها بشكل مبالغ فيه، ثم للمفارقة في ظل حكم "شيوعي". «(برينك 2013: 279). هل الحزب الشيوعي الصيني، بأعضائه البالغ عددهم 95 مليون عضو، يخدمون في المقام الأول نهوض الصين على أساس اشتراكي، أم أنها الدولة التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني "الرأسمالي الكلي الحقيقي" (Wemheuer 2019: 214) وهي طبقة الدولة التي تهدف جميع الكوادر بشكل أساسي "الاستيلاء بشكل قانوني وغير قانوني على أجزاء من القيمة المضافة ودخل المعاش التقاعدي" (Wemheuer 2019: 227)؟ ما هي أسباب خدمةالحزب الشيوعي الصيني للشعب ؟ في الأدب الليبرالي، ما يبرره مصلحة مثل هذا الطرف في البقاء في السلطة. ومع ذلك، يمكن تحقيق هذا بطريقتين: سلبياً عن طريق القمع (انظر Hirschman 2004؛ Pollack 1990) أو بشكل إيجابي من خلال إرساء الشرعية والولاء (Meuschel 1992) .
شكل تعيين شي جين بينغ أميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني نقطة تحول عميقة، معه أصبح إصلاح الحزب محور التركيز. ركز دنغ شياو بينغ على التنمية الاقتصادية والانفتاح، ومعه كذلك جيانغ زيمين.
بعد ذلك، تحول التركيز إلى محاولات تحقيق علاقة أكثر توازناً بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة بمعنى التطور "العلمي" و "المتناغم". في المقابل، كان خطاب التنصيب القصير الذي ألقاه شي في 15 نوفمبر 2012 مكرساً بالكامل للحزب. "أصبح من الواضح أن شي كان رجل حزب - وأن مهمته المركزية كانت ضمان إستمراره في الاحتفاظ بالسلطة في يديه" (Brown 2018: 40). ومنذ ذلك الحين يجري أقتباس من خطابه مراراً الجملة التالية: «يجب أن يكون الحديد المصاغ صلباً أيضاً. تتمثل مسؤوليتنا في الإصرار على السيطرة داخل الحزب جنباً إلى جنب مع جميع الرفاق في الحزب، وبإجراءات صارمة، والحل الفعلي للمشكلات الأكثر أهمية في الحزب، وتحسين أسلوب العمل حقاً، والحفاظ على اتصال وثيق مع الناس بحيث يتمتع حزبنا دائماً بأقوى نواة قيادية في بناء الاشتراكية الصينية. "(Xi Jinping 2014a: 5)
أصبح الشعار" لقيادة الدولة جيداً، يجب أولاً أن نقود الحزب جيداً! "(Feng Liujian) 2014: 184)  ) وأصبح التوجه الأهم: بينما في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، تطورت الأحزاب على أساس الدول القائمة وضمن أنظمتها السياسية والاقتصادية، كان الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية مؤسسين لدول وأنظمة اجتماعية جديدة من قبل الحزب الشيوعي. خرجت الدول الحزبية من صراع طرف واحد في الحرب، والحرب الأهلية. من حيث الجوهر، فإن مثل هذه الدولة ليست دولة ليبرالية تقنن وتعمم العلاقات البرجوازية القائمة، ولكنها بالأحرى دولة تهدف إلى التحول الاشتراكي وتسعى إلى خلق علاقات جديدة. الحزب الشيوعي المكون من دولة له طابع مختلف تماماً عن الأحزاب في النظام الليبرالي، حيث يتنافسون على ممارسة السلطة الحكومية في هيكل الدولة المحدد. حتى بعد تأسيس الجمهورية الشعبية، لم تتوقف عملية تشكيل الصين من قبل الحزب، بل أصبحت عملية تحول دائم للحزب والدولة والمجتمع في علاقة متبادلة متجددة باستمرار. وفي الوقت نفسه، يقف الحزب الشيوعي الصيني في تقليد الدولة الصينية: فهو يواصل "التقليد الطويل لوحدة حكومية كونفوشيوسية موحدة تمثل أو تحاول تمثيل مصالح المجتمع بأكمله" (Zhang 2012: 60) ويجب أن تنظم نفسها وفقاً لذلك لتأكيد نفسها، وفي عملية تطوير مستهدفة. الحزب الشيوعي الصيني هو منظمة حديثة للغاية ومتأصلة في تقاليد الحضارة الصينية. التقت الأزمات التي عصفت بالاتحاد السوفييتي والصين ودول أشتراكية أخرى في أواخر السبعينيات بقادة مختلفين للغاية في موسكو وبكين.
أثناء وصول غورباتشوف الى قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي،من خلال ذوبان الجليد في الخمسينيات وماتلاهُ لمرحلة الركود، تبع ماو تسي تونغ في الصين ممثلو الحرس القديم للحرب الأهلية الثورية، الذين شكلوا أيضاً التقلبات والانعطافات المختلفة في تاريخ الجمهورية الشعبية بأنفسهم. كما كتب بيري أندرسون في مقارنته الرائعة للثورتين السوفييتية والصينية: "[...] على وشك إصلاحهما، ربما تكمن أهم الاختلافات بين روسيا والصين في طبيعة قيادتهما السياسية. على رأس الحزب الشيوعي الصيني، لم يكن مسؤولاً منعزلاً عديم الخبرة محاطاً بمساعدين ودعاة سذج، ولكن قدامى المحاربين في الثورة الأصلية، القادة الذين كانوا زملاء ماو وعانوا تحت قيادته، لكنهم لم يخسروا أياً من مهاراتهم الإستراتيجية أو ثقتهم بأنفسهم. [...] كان مزاجهم لينيني: راديكالي ومنضبط وخيالي - وفي نفس الوقت قادرة على الصبر التكتيكي والتجريب الحذر، فضلاً عن المبادرات الأكثر جرأة والتغييرات الأكثر دراماتيكية في الاتجاه. "(Anderson 2010: 77، 78) Zheng Yongnian، مدير الشرق من 2008 إلى 2020 ) المعهد الآسيوي التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، في تحليلاته للحزب الشيوعي الصيني، ركز على شخصيته كـ "إمبراطور تنظيمي" "يمارس الحكم على الدولة والمجتمع" (Zheng Yongnian 2010: 34): "الحزب الشيوعي الصيني كإمبراطور تنظيمي هو أستنساخ للثقافة الإمبراطورية الصينية. ومع ذلك، فهي إمبراطورية متحوّلة منفتحة على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية من أجل الحفاظ على هيمنتها. «(Zheng Yongnian 2010: xvi) كان يشير إلى إنعكاسات أنطونيو غرامشي في" دفاتر السجن ". في هذه المخطوطات، صاغ غرامشي فكرة "لكتاب يتطور من التعاليم الماركسية إلى نظام منظم للسياسة الحالية على طريقة الأمير مكيافيلي" (غرامشي 1991: 470 ، العدد 4، §10). في عدد لاحق، يشرح غرامشي هذه الفكرة: "الأمير الحديث، الأمير الأسطورة، لا يمكن أن يكون شخصاً حقيقياً، فرداً ملموساً، لا يمكن أن يكون إلا كائناً، عنصر أجتماعي معقد تبدأ فيه الإرادة الجماعية بالفعل في أن تصبح ملموسة، والتي يتم التعرف عليها وتأكيد نفسها جزئياً في العمل. هذا الكائن الحي مُعطى بالفعل من خلال التطور التاريخي وهو الحزب السياسي، الخلية الأولى التي تتجمع فيها الإرادة الجماعية، تميل إلى أن تصبح عالمية وشاملة. "(غرامشي 1996: 1537 ، العدد 13 ، الفقرة 1)" قال إن بطل الرواية للأمير الجديد في العصر الحديث لا يمكن أن يكون بطلاً شخصياً، ولكن الحزب السياسي، أي الحزب المحدد الذي ينوي إنشاء نوع جديد من الدولة وفقاً للظروف الداخلية المختلفة للدول المختلفة (عقلانياً وتاريخياً لهذا الغرض). يمكن ملاحظة كيف أنه في الأنظمة التي تعتبر نفسها شمولية، فإن الوظيفة التقليدية لمؤسسة التاج هي في الواقع تم الاستيلاء عليها من قبل حزب معين، وهو شمولي على وجه التحديد لأنه يؤدي هذه الوظيفة (Gramsci 1996: 1576f.، العدد 13 ، § 21) إن انفتاح الحزب الشيوعي الصيني لفئات رجال الأعمال من القطاع الخاص في عام 2002، وبالتالي لجميع طبقات المجتمع الصيني، هو تعبير عن الجهد المبذول لتشكيل ذاتية تؤثر على المجتمع ككل. لقد نشأ تقليد حزبي من خلال بابوف وبلانكي وماركس وإنجلز وكذلك لينين، والذي أعتمد عليه ممثلو الأممية الشيوعية بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة في حالة الصين، حيث تكيفوا مع ظروفهم الوطنية. يجب على المرء دائماً أن يضع في إعتباره أنه في نظر العديد من القوى السياسية في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، "جسد الحزب البلشفي أقوى نموذج للتنظيم الحزبي والتعبئة الاجتماعية" (افتتاحية المجلة الثقافية في بكين 2021: 89).
إن الخصائص الأساسية التي وضعها غرامشي في قلب كل هؤلاء "الأمراء المعاصرين" هي طابعهم كمنظمات معقدة تمثل طبقة وتخلق تحالفات طبقية تمتد إلى "مجموعات معارضة بشكل قاطع". الهدف هو إقامة دولة جديدة كعضو لخلق نوع جديد من التكوين الاجتماعي كالكلية والعالمية. يستحضر اللجوء إلى مفاهيم ما قبل الحداثة للأمير والإمبراطور فكرة تمثيل السياسي من خلال موضوع أحادي. في الوقت نفسه، يرتبط هذا بأشكال الحزب الحديثة والتنظيم الجماعي. أثناء وجود الأحزاب في الولايات المتحدة والعديد من المجتمعات الغربية الأخرى، تم تشكيل الأحزاب في الولايات التي تم تأسيسها بالفعل ولها نظام ثابت، كان الحزب في تقاليده، من بابوف إلى لينين وماو تسي تونغ،من أن الحزب يهدف ليكون فاعلاً مؤسساً للدولة. حدود نجاح مثل هذا التأييد، من الطبيعي أن يغير المشروع ظروف الحزب والدولة التي يشكلها بشكل جذري. لا يمكن تسمية مثل هذا المشروع بالشيوعي إلا إذا كان ينظم الطبقات التابعة، ويخلق دولة أنتقالية تبدأ في التحول الاشتراكي الشامل. في هذا السياق، يتحدث وانغ هوي أيضاً، بالإشارة إلى غرامشي، عن حزب فوقي على أنه "ذاتية سياسية تدعي أنها تمثل المستقبل" (Wang Hui 2021: 64). سيكون "أميراً" مع غرامشي أو "إمبراطوراً" مع زينج يونجنيان، الذي يستمد شرعيته للحكم من حقيقة أنه وحده القادر على تولي قيادة الدولة والمجتمع في عملية تحول موجهة. يحتل الحزب الشيوعي الصيني مكانة أعلى من الطبقات حتى أكثر من ذي قبل في ظل ظروف الإصلاح والانفتاح. إنه ليس تعبيراً عن مصالح هذه المجموعة الاجتماعية الكبيرة أو تلك في الاقتصاد والمجتمع، ولكن لا يمكنه تأكيد تفوقها إلا إذا كانت فوقها، في تشبيه تام مع البونابرتية بعد الثورة الفرنسية الكبرى، وتحاول تنظيمها. في العلاقات مع بعضها البعض، والتي تأخذ في نفس الوقت مصالحها وتقوي موقفها وتساهم في التنمية الشاملة للصين. باعتبارها جهة فاعلة خاصة وذات مصلحة ذاتية، فهي بحد ذاتها معقدة للغاية ولا يمكنها تأكيد نفسها إلا إذا أخذت في الاعتبار مصالح الجهات الفاعلة المتنوعة التي تم تعزيزها خلال فترة الإصلاح وما زالت قادرة على تأكيد المصلحة العامة.

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.

21
الأشتراكية أم رأسمالية الدولة.
الفصل الثالث من كتاب"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

عملية بحث الحزب الشيوعي الصيني منذ الخمسينيات.
يلخص إيفان كراستيف وستيفن هولمز وجهات النظر المختلفة للقيادة السوفيتية الأخيرة والقيادة الصينية في أواخر السبعينيات: »في نظر غورباتشوف، فشلت الشيوعية لأنها لم تنجح في بناء مجتمع اشتراكي. في نظر القيادة الصينية، نجح الحزب الشيوعي الصيني في توحيد الدولة والمجتمع الصيني ـ ضد المقاومة الكبيرة ـ  2019: 285) Holmes/Krastev)
لم تتخل القيادة الشيوعية الصينية عن النظام السياسي اللينيني في أواخر السبعينيات أو الثمانينيات،بل جرى التركيز على نظام طبيعي منظم اقتصادياً إلى حد كبير. التخطيط والمزيد من مواصفات الإنتاج المباشر للشركات.- على غرار ما قام به لينين أو بوخارين أو تروتسكي في الأزمة الوجودية للسلطة السوفيتية في عام 1921 - .
ويمكن أعتباره عودة واعية إلى السياسات التي أختارها لينين وتروتسكي، والتي أتبعها الحزب الشيوعي الصيني في المناطق المحررة خلال الحرب الأهلية الصينية - السياسات التي وعدت بجميع أشكالها بالنجاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي طالما لم يتم التشكيك في قيادة الحزب الشيوعي.
يمكن تلخيص "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" في صيغة: قيادة الحزب الشيوعي الصيني ونهوض الصين بكل الوسائل الضرورية.
لم تكن المناقشات لسياسة الإصلاح والانفتاح في الصين في زمن الحرب الأهلية فحسب، بل عادت أيضاً إلى تكرار هذه المناقشات للعقود اللاحقة، حيث تم البحث عن بدائل للنظام الاقتصادي السوفيتي »في مايو 1957، حدد ليو شاوكي فكرة أن الخطة الاقتصادية الاشتراكية يجب أن تكون أكثر تنوعاً ومرونة من الاقتصاد الرأسمالي. بالتخطيط الميكانيكي البحت، لن تكون الاشتراكية متفوقة. وأعرب عن إعتقاده بأن الصين يجب أن تضمن تنوع ومرونة الاقتصاد الاشتراكي متجاوزاً تنوع الاقتصاد الرأسمالي من أجل مصلحة الشعب. في عام 1958، قدم ماو تسي تونغ مفهوماً جديداً للإنتاج السلعي الاشتراكي. وأشار إلى أن الصين متخلفة في إنتاج السلع، متخلفة عن الهند والبرازيل. لقد رأى إنتاج السلع وتبادل السلع ونظام القيم كأداة مفيدة في خدمة الاشتراكية. غالباً ما يتم الخلط بين إنتاج السلع والخوف من الرأسمالية. قال ماو: لا تخف. يعتمد إنتاج السلع على إرتباطها بالنظام الاقتصادي. عندما يكون مرتبطاً بالنظام الرأسمالي، فهو إنتاج سلعي رأسمالي. عندما يتم ربطه بالنظام الاشتراكي، فهو إنتاج سلعي اشتراكي .(Hu Angang et al. 2017: 97, 98)  ".
تمت صياغة العناصر الأساسية لإستراتيجية جديدة بدءاً من فشل القفزة العظيمة في عام 1963، عندما أقترح زاو إنلاي، التركيز على "أربعة تحديثات" (الزراعة والصناعة والدفاع والعلوم والتكنولوجيا) (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 1981: 13). تعود محاولات إنشاء شركات كبيرة تحت سيطرة دولة الحزب،والتي تتمتعت بدرجة عالية من الاستقلالية أيضاً ذلك الوقت، ((Li Chen 2021: 229 
أستعارة  دين شياو بنغ الشهيرة للقطط ترجع أصولها إلى عام 1962 " في 7 يوليو 1962 ، قال دينغ للمندوبين في مؤتمر لرابطة الشبيبة الشيوعية الصينية: غالباً ما استخدم الرفيق ليو بوشنغ مصطلحاً من مقاطعة سيتشوان: `` سواء كانت القطة صفراء أو سوداء، إذا كان يصطادالفئران فقط، فهي قطة جيدة. ‹« (سنغر 2008: 71)".
 من المهم أيضاً معرفة أن النظام الاقتصادي الصيني لم يكن أبداً مركزياً مثل نظام الاتحاد السوفيتي، ولكنه كان منظماً إلى حد كبير بطريقة لامركزية على مستوى المقاطعات وما دونها. لذلك يمكن وصفه بأنه مثال على "الاقتصاد الموجه اللامركزي". حتى يومنا هذا، تجعل هذه اللامركزية من الممكن استخدام البلديات والمناطق الصينية كمختبرات للتجارب التي يتم فيها اتباع نهج جديدة بشأن الاقتصاد،المنطقة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية المتقدمة و يتم تنفيذها بناءاً على الخبرة المكتسبة، يمكن بعد ذلك اتخاذ القرارات بشأن توسعها والتعميم أو أيضاً حول هدمها. في هذا الصدد، تعد الصين مساحة كبيرة من
الاستكشاف والتعلم الانعكاسي. معيار النجاح يتم تعريفها دائماً مرتين:
هل يتم تحقيق نتائج عملية؟
وهل هذا يقوي هيمنة الحزب الشيوعي الصيني؟
الإستراتيجية المزدوجة للحزب الشيوعي الصيني.
بالاستراتيجية المزدوجة للحزب بعد عام 1978، تعززت من ناحية، بحزم سياسة الإصلاح والانفتاح، باستخدام أدوات اقتصاد السوق ورأس المال، وفي نفس الوقت التمسك بإستمرار بأركان أساسية للنظام السياسي، بـ "المبادئ الأساسية الأربعة "من المسار الاشتراكي، ديكتاتورية البروليتاريا، وقيادة الحزب الشيوعي وأخيراً الماركسية اللينينية وتعاليم ماو تسي تونغ وعدم السماح بإضعاف تفوق الحزب الشيوعي الصيني، يمكن أن تستهوي تحول لينين في عام 1921. وبالمثل، كان يدور في ذهن لينين دائماً - الإصلاحات وتأمين السلطة السياسية للبلاشفة (انظر إلى عملية التعلم الاستراتيجي في لينين بعد 1920 Brie) 2017:68ـ631.(
ولكن في حين فشلت عملية الإصلاح في روسيا السوفيتية في 1927/29 بسبب صراعات السلطة داخل قيادة الحزب الشيوعي الروسي وتم التخلي عنها لصالح أنعطاف جديد مفاجئ لشيوعية الحرب (والذي دخل في التاريخ الرسمي باسم التصنيع الاشتراكي و الجماعية)، كانت قيادة الحزب الشيوعي الصيني قادرة على متابعة الإصلاحات في أي أزمة.
دنغ شياو بينغ لخص روح النهج المُختار للإصلاح الاقتصادي، بافتراض قيادة مستقرة وكفؤة للحزب الشيوعي الصيني، في رحلته إلى الجنوب في أوائل عام 1992: "العلاقة بين التخطيط وقوى السوق ليست هي الاختلاف الأساسي بين الاشتراكية والرأسمالية.
إن الاقتصاد المخطط ليس مرادفاً للاشتراكية، لأنه يوجد أيضاً تخطيط في الرأسمالية؛ إن اقتصاد السوق ليست رأسمالية، لأن هناك أيضاً أسواق في الاشتراكية. كل من قوى التخطيط والسوق هي وسائل لتوجيه النشاط الاقتصادي. إن جوهر الاشتراكية هو تحرير القوى المنتجة وتطويرها، والقضاء على الاستغلال والاستقطاب، والوصول النهائي إلى
الازدهار للجميع. هذا المفهوم يحتاج إلى أن يكون واضحا للناس. هل الأوراق المالية وسوق الأسهم جيدة أم سيئة؟ هل تشكل أية مخاطر؟ هل هي خصوصية للرأسمالية؟ هل تستطيع الاشتراكية الاستفادة منها؟ نحن نسمح للناس بالاحتفاظ بحكمهم، لكن علينا تجربة هذه الأشياء.
إذا ثبت أنها قابلة للتطبيق بعد عام أو عامين من الاختبار، فيمكننا توسيعها. خلاف ذلك، يمكننا إيقافه وتحمل ذلك. يمكننا إلغاءها جميعاً دفعة واحدة أو تدريجياً، كلياً أو جزئياً.
ما الذي يجب أن تخاف منه؟ طالما حافظنا على هذا الموقف، فسيكون كل شيء على ما يرام ولن نرتكب أية أخطاء كبيرة. باختصار، إذا أردنا أن تتفوق الاشتراكية على الرأسمالية، فلا يجب أن نتردد في الاعتماد على إنجازات جميع الثقافات والتعلم من البلدان الأخرى، بما في ذلك البلدان الرأسمالية المتقدمة، جميع أساليب التشغيل المتقدمة وتقنيات الإدارة التي تتوافق مع القوانين ومع الإنتاج الاجتماعي الحديث. «(Deng Xiaoping 1992).
في مقال مخصص لمسألة ما إذا كانت الصين رأسمالية أم لا، كتب مايكل روبرتس: "الصين ليست رأسمالية. الرأسمالية محكومة بإنتاج السلع من أجل الربح، على أساس علاقات السوق العفوية. يحدد معدل الربح دورات الاستثمار ويؤدي إلى أزمات اقتصادية دورية. ليس هذا هو الحال في الصين. لا تزال الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتخطيط الدولة مهيمنة، وقاعدة سلطة الحزب الشيوعي متجذرة في الملكية العامة. «(روبرتس 2017) يشير بيت شنايدر إلى ثقافة الصين القائمة على" كلاهما ". الأضداد (شنايدر 2022: 43-45). فيما يتعلق بـ "قضية النظام" ، يقول: "إذا تم إدخال عناصر السوق في دولة أشتراكية مثل جمهورية الصين الشعبية في السبعينيات،ويسمح أيضاً للشركات الخاصة بالإضافة الى القطاع الحكومي والقطاع غير الربحي،حيث أذا تمت خصخصة سلب فائض القيمة وتم تحويل جزء من فائض القيمة الى الخارج،فلن يصبح "الكل" بأي حال من الأحوال نظاماً رأسمالياً طالما بقيت الأسبقية السياسية على الأقتصاد ويتم أستخدامه من قبل الحزب الشيوعي لتنفيذ التحول الأشتراكي.
من الواضح أن هذا هو الحال في الصين اليوم. من منطق نظامي، فإن جمهورية الصين الشعبية ليست دولة رأسمالية، ولا رأسمالية دولة، لأن الأخيرة ستظل رأسمالية كاملة. مفهوم رأسمالية الدولة هو تناقض في المصطلحات. من نفس المنطق النظامي، لا يوجد أيضاً "نظام هجين" رأسمالي وأشتراكي في نفس الوقت. "(شنايدر 2022: 221(
يحاول إلياس جبور وأليكسيس دانتاس وكارلوس إسبيندولا،  فهم النظام الصيني على أنه "تكوين اجتماعي اقتصادي جديد" يتوافق مع المرحلة الأولى من الاشتراكية. بالنسبة لهم، فإن السؤال المركزي هو "ما هي الطبقة و / أو القوة السياسية التي تتحكم في العوامل الاستراتيجية الموضوعية، سواء كانت سياسية (القوة السياسية التي تمثل الطبقة الاجتماعية التي تمارس السيطرة على سلطة الدولة) أو الاقتصادية". المسألة هي من يجب أن يكون له سيطرة حقيقية "على كل من الأدوات الأساسية لعملية التراكم - الفائدة وسعر الصرف والنظام المالي للدولة - وفي تعزيز نقل وتركيز القطاع الإنتاجي نفسه في الصناعات الرئيسية وتسهيل النمو والتنمية. من خلال إنتاج تأثيرات السلسلة الصناعية على أنماط الإنتاج الأخرى "(Jabbour et al. 2021: 25). لكن يمكن أن تكون هناك إجابة واحدة فقط: "الأساس الاشتراكي.
النظام الاقتصادي الصيني هو الهيمنة غير المشروطة للحزب الشيوعي الصيني. وفقاً للتقاليد الماركسية اللينينية، يوجه الحزب القانون. يتم تطبيق اللوائح والقوانين والقرارات الإدارية وفقاً لسياسات الحزب الحالية. مثلما يتوافق كل منصب رئيسي في الحكومة مع منصب في الحزب، كذلك يتوافق التسلسل الهرمي للحزب مع حوكمة الشركات في البنوك والشركات المملوكة للدولة والشركات المدرجة غير المملوكة للدولة والشركات المختلطة والمشاريع المشتركة والقطاع الخاص الكبير بما فيه الكفاية.
توفر الخلايا الحزبية في الشركات أنظمة مساءلة داخلية موازية للأنظمة التي أنشأتها الشركات نفسها، مع إبقاء سكرتير حزب الشركة والمجلس التنفيذي على اطلاع وقادر على تقديم المشورة في الوقت المناسب إلى الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة( "(Jabbour et al 2021: 25) في الصين، توجد أنماط مختلفة للإنتاج تتعايش، بدءاً من الاقتصاد الطبيعي، وأشكال الكفاف، وإنتاج السلع الصغيرة، ورأسمالية القطاع الخاص، ورأسمالية الدولة، والأشكال الاشتراكية الخاضعة للسيطرة المباشرة لدولة الحزب (Jabbour et al. 2021: 26-28).
من وجهة نظرة Jabbour  فهي صراحة اجتماعية واقتصادية جديدة، يتسم بمزيج من منطق عملي:
(1) لا تقتصر أنماط الإنتاج المختلفة على التعايش، بل تتعايش في" الوحدة الديالكتيكية للأضداد "؛
(2) إن قانون القيمة ليس جانباً يسهل التغلب عليه في "اشتراكية السوق"، حتى لو كان ينتمي إلى بداية العملية التاريخية لبناء الاشتراكية ؛
(3) يتطلب وجود قطاعين، الدولة والقطاع الخاص، إعادة تنظيم مستمرة للأنشطة بين هذه القطاعات. وهي تتم بوساطة الظهور الدوري للمؤسسات التي تحدد إعادة تنظيم مستمرة للأنشطة بين الدولة والقطاعات الاقتصادية الخاصة ؛
(4) هناك أنتظام في هذه العملية الدورية لإعادة تنظيم الأنشطة بين القطاعين.
إن نمو القطاع الخاص لا يأتي على حساب تناقص دور الدولة. يحدث تحول ملموس وأستراتيجي للدولة، حيث تقوم الدولة بترقية دورها من الناحية النوعية ؛
(5) التخطيط له تبريره كمنطق وظيفي أساسي في "اشتراكية السوق". "(جبور وآخرون. 2021: 32).
إن الحزب هو الذي يتحكم ويوجه هذاالمنطق التشغيلي المختلفة. ولكن للقيام بذلك، كان لا بد من اكتساب الثقة بالنفس إلى حد الإصلاحات الاقتصادية، التي لا تعني الملكية الخاصة بالضرورة إضعاف الاشتراكية: الملكية جزء مهم من اقتصاد السوق الاشتراكي. إنه يلعب دوراً مهماً في حشد مبادرة جميع شرائح المجتمع لتسريع تنمية القوى المنتجة. «(جيانغ زيمين 2002).
برمجياً، تمت ترقية دور السوق في العقد الماضي. في الجلسة الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 2013، لم يعد يُشار إليها باسم "الأساسية" ولكن إلى الدور »الحاسم« للأسواق، في عام 2017 أصبح هذا جزءاً من العقيدة الرسمية للحزب (Dolack 2022).
إذا كان الحزب الشيوعي الصيني لديه "إحتكار سليم للحكم" ويحتفظ "بالسيطرة على اقتصاد السوق الحر المتزايد" (Cho 2005: 11) ، فإن ذلك يعتمد على عمل هذا الحزب وقدرته على تأكيد نفسه بشكل دائم سواء كان التحول منذ عام 1978،التي يمكن وصفها حقاً بأنها "مسيرة طويلة نحو الرأسمالية" ، كما تلمح لها Hyekyung Cho في عنوان كتابها، أو تصبح بالأحرى مسيرة تتجاوز الرأسمالية. وهي محقة في لفت الانتباه إلى حقيقة أن إصلاحات اقتصاد السوق "ذات الخصائص الصينية" لم تضعف وظيفة الإدارة الاقتصادية للدولة المركزية، بل على العكس من ذلك عززتها بشكل كبير(. (Cho 2005: 22f(Adolphi 2010)).
لذا فالأمر يعتمد على الطرف المسيطر على الدولة. بينما يُنظر إلى الحزب الشيوعي الصيني غالباً على أنه عقبة أمام التقدم الحقيقي، يؤكد المؤلفون الصينيون، على العكس من ذلك، أن هذا الحزب هو "أعظم ميزة سياسية للصين"" (Hu Angang etal.2021:9). في نظر العديد من المراقبين، طورت دولة الحزب الصيني قدرة كبيرة على وضع القضايا المستقبلية لبلدها في قلب السياسة، ووضع خطط طويلة الأجل وتنفيذها على مختلف المستويات بنجاح مثير للإعجاب. هذا لا ينطبق فقط على التطور التكنولوجي والاقتصادي، ولكن أيضاً في مجالات البيئة أو العلوم أو التنمية الحضرية أو فيما يتعلق بطريق الحرير الجديد.
من يريد أن يفهم الصين ومستقبله، يجب أن يفهم الحزب الشيوعي الصيني. قبل كل شيء، يعتمد ما إذا كانت الصين تتخذ مساراً اشتراكياً أم لا. مثل سيف ديموقليس الذي يخيم على الحزب الشيوعي الصيني من ناحية، تجربة سلالات الصين التي أنهارت بسبب الفساد وانهيار سلطة الدولة، ومن  التحديث بخصائص صينية في العصر الجديد.
عندما أصبح شي جين بينغ الأمين العام الجديد للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني عام 2012، رأى البلاد عند مفترق طرق. إن نجاحات سياسة الإصلاح والانفتاح قد أطلقت العنان لقوى هددت بالخروج عن سيطرة الحزب. خطاب شي في المؤتمر العشرين للحزب بعد عشر سنوات بمثابة تذكير: "داخل الحزب، كانت هناك العديد من المشاكل للحفاظ على قيادة الحزب، بما في ذلك الافتقار إلى الفهم الواضح والعمل الفعال، والانزلاق نحو ضعف أجوف و قيادة الحزب المخففة في الممارسة العملية. والتردد لبعض أعضاء ومسؤولي الحزب في معتقداتهم السياسية. على الرغم من التحذيرات المتكررة، أستمرت الشكليات التي لا طائل من ورائها والبيروقراطية ونزعة اللذة والبذخ في بعض الأماكن والإدارات وكان السعي وراء الامتياز مشكلة خطيرة، تم الكشف عن بعض حالات الفساد المروعة". ( ". (Xi Jinping 2022a: 4) هذا يذكرنا بسقوط الحزب الشيوعي السوفيتي أو السلالات الصينية في دورات صعودها إلى السقوط.
في ظل هذه الظروف، كان من المنطقي فقط أن تحول تركيزأستراتيجية الحزب من الاقتصاد إلى تجديد الحزب. كان يجب تفادي الخطر من خلال "الإصلاح الذاتي" للحزب. كما هو مبين أدناه، فإن هذا لم يستبعد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل وجّهها أكثر نحو تأمين السلطة السياسية للحزب الشيوعي الصيني في نفس الوقت.
وُضعت الميول الليبرالية مرة أخرى بشكل متزايد تحت زمام الشيوعيين الحزبيين. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا يعني تراجعاً دائماً في المجال السياسي أو مجرد تبعية أكبر، والتي يمكن أن تفسح المجال أيضاً لمزيد من الحرية.
في تقدم النجاحات التي تحققت في السنوات العشر الماضية، ركز XiJinping على إنجازين. أولاً، تطوير نظرية جديدة، "فكر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد"، وثانياً، تعزيز قيادة الحزب.
وكرر أن "قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي السمة المميزة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية وأعظم قوة لنظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" (Xi Jinping 2022a:
كانت الفكرة المهيمنة في مؤتمر الحزب هي »الطريقة الصينية لحزب التحديث ”(Xi Jinping 2022a: 6).
لم يعد الشعور بالتلمس من حجر إلى حجر هو الصورة المميزة، بل بالأحرى "اختراق المياه المجهولة". قال الخطاب بثقة شديدة: "الاشتراكية العلمية تنفجر بحيوية جديدة في الصين في القرن الحادي والعشرين. يقدم التحديث الصيني للبشرية طريقة جديدة لتحقيق ذلك.
لقد منح الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني للبشرية المزيد من البصيرة الصينية، ومدخلات صينية أفضل، وقوة صينية أكبر للمساعدة في حل تحدياتهم المشتركة [...]. (Xi Jinping 2022a: 13))
تقدم الورقة أيضاً تعريفاً مفصلاً لما تفهمه قيادة الحزب الشيوعي الصيني الحالية من خلال مسار التحديث الصيني: "التحديث الصيني هو تحديث أشتراكي يتم تنفيذه تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني.
إنه يحتوي على عناصر مشتركة في عمليات التحديث في جميع البلدان، ولكنه يتميز أكثر بسمات فريدة للسياق الصيني. [...] المتطلبات الأساسية للتحديث الصيني هي كما يلي: التمسك بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والسعي لتحقيق التنمية عالية الجودة، وتطوير الديمقراطية الشعبية الشاملة، وإثراء الحياة الثقافية للشعب، وتحقيق الرخاء المشترك للجميع، تعزيز الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وبناء مجتمع بشري ذو مستقبل مشترك، وخلق شكل جديد من التقدم البشري. «(Xi Jinping 2022a: 18، 19 ؛
يشير جوستين ييفو لين، عميد معهد التنمية الوطنية في الصين، إلى أن المسار الغربي للتحديث لا يمكن نسخه لأن المتطلبات التاريخية تختلف تماماً اليوم بسبب الصعود المبكر للغرب، والذي ترافق صعودها مع الحرب والنهب الإمبراطوري لقارات بأكملها والاستقطاب الاجتماعي والدمار البيئي. كل أولئك الذين يحاولون نسخ هذا المسار "محكوم عليهم بالفشل" (لين 2023).
جان توروفسكي يضع النقطة على ذلك باختصار: »من ناحية، أخفى توحيد نموذج التحديث الغربي المتطلبات الأساسية لتطويره في شكل الاستغلال الاستعماري للموارد وأسواق المبيعات، الاستعباد ومصادرة الملكية، والتي لا تزال تتجلى اليوم ويجري تجاهلها. في الهيمنة الاقتصادية على الجنوب العالمي والعلاقات الاقتصادية غير المتكافئة من ناحية أخرى، أن رواد التحديث في المركز الرأسمالي قيدوا بشكل منهجي فرص التنمية والتطوير للمتأخرين. «(Turowski 2023)
مع هذا المفهوم، يتم تبني فكرة المسارات البديلة للتنمية في المجتمعات الحديثة عن عمد ودمجها مع فكرة المسار الاشتراكي الصيني المنفصل للقرن الحادي والعشرين. لا يشمل هذا فقط إدعاء تطوير نوع من الحداثة يتوافق مع الظروف الخاصة للصين في سياق شكل تخلفها السابق، وإرث القمع الإمبريالي والحروب، ولكنه يقدم أيضاً مساهمة بارزة في تطوير الحضارة الإنسانية ككل. . يتعارض هذا مع فكرة أن التحديث والتغريب متطابقان ويدعي أنهما نموذج يحتذى به لبلدان ومناطق أخرى (انظر Zhang Weiwei 2022).)
بعد مؤتمر الحزب، أشار مارتن جاك، الزميل الأول في معهد الصين بجامعة شنغهاي فودان، إلى خمس نقاط يمكن للغرب أن يتعلمها من الصين وهي:
1.إجماع أجتماعي أساسي،
2.المشاركة المستمرة للعديد من الممثلين في القرارات السياسية،
3.أفق العمل طويل المدى،
4.الخبرة كشرط للمهنة السياسية و
5.القدرة على "تقديم" كل مايتعلق بالخدمات التي يتم توفيرها للسكان.
يكتب جاك مستهزئاً: "إن الاختصاص الرئيسي للسياسيين الغربيين هو التحدث، و اختصاص نظرائهم الصينيين هو التعامل." (جاك 2022) .

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.





22
أَرق دنغ شياو بينغ والحلم الصيني
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

في 28 يناير 1979، بدأ نائب رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك دنغ شياو بينغ بزيارة إلى الولايات المتحدة أستغرقت تسعة أيام. والتي كانت أول رحلة رسمية إلى الولايات المتحدة يقوم بها سياسي صيني رفيع المستوى. تم إبرام إتفاقيات شاملة، كانت تأمل أن تدعم تحديث البلاد. يُذكر أن دنغ شياو بينغ قال بعد ذلك "إنه لم يستطع النوم لعدة ليال بالسؤال عن كيف يمكن للصين أن تصل إلى مثل هذا المستوى من التطور كما هو حاصل في الولايات المتحدة " (Mühlhahn 2022: 546). قبل سنوات، من عام 1969 حتى عام 1973، كان بينغ قد نُفي من بكين للعمل في مصنع للجرارات وكان عليه أن يعاني من الفقر بعد عقود من التطور الاشتراكي (Brown 2018: 10). في الوقت نفسه، قال زعيم آخر من مجموعة الإصلاح بعد وفاة ماوتسي تونغ، تشين يون، بمرارة: `` بعد ثلاثين عاماً من إنتصارنا الثوري، لا يزال هناك متسولون. يجب علينا تحسين الظروف المعيشية. [...] مسار النمو هذا لا يمكن أن يستمر. "(مقتبس في Mühlhahn 2022: 540) كما ذكرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 1981:" لقد أثبت تاريخ "الثورة الثقافية" أن أطروحات الرفيق ماو تسي تونغ الرئيسية لبدء ذلك لا تتوافق مع الماركسية ولا اللينينية ولا مع الواقع الصيني. إنها تمثل تقييماً خاطئاً تماماً لعلاقات الطبقة الحاكمة والوضع السياسي في الحزب والدولة. أدت هذه الأخطاء إلى أكبر مجاعة في القرن العشرين، وأُضطهد الملايين من الناس، ووصلت البلاد إلى شفا حرب أهلية جديدة. ،لكن اللجنة المركزية شددت في الوقت نفسه على أن "الاشتراكية والاشتراكية وحدها يُمكنها إنقاذ الصين". " (اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني 1981، الأطروحة 26-33) .
وبقدر ما تشبث دينغ شياو بينغ بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، فقد تمسك بالحاجة إلى الإصلاح والانفتاح حتى في أسوأ الظروف. بالنسبة له، كلاهما ينتميان معاً. في يناير 1992، بعد عشرين يوماً (!) من نهاية الأتحادالسوفيتي، شرع في رحلته الشهيرة جنوباً لإعطاء دفعة جديدة للإصلاحات الاقتصادية التي كانت راكدة منذ عام 1989.
كانت قيادة الحزب الشيوعي الصيني بعد ماو تسي تونغ تدرك أنها كانت تغامر بسياسة الإصلاح والانفتاح، كما أكد على ذلك دينغ شياو بينغ في عام 1987: لم تُذكر لا من ماركس ولا من أسلافنا من قبل ولم يتم التعامل معها من قبل أي دولة اشتراكية أخرى. لذلك لا توجد سوابق للتعلم منها. لا يمكننا أن نتعلم من الممارسة إلا من خلال التقدم بطريقتنا إلى الأمام شيئاً فشيئاً. نحاول تحويل الصين إلى دولة اشتراكية حديثة. أقتصادياً نريد أن نصل إلى مستوى الدول المتوسطة المتقدمة. سيستغرق الأمر من 50 إلى 60 عاماًأخرى، أي حوالي 100 عام منذ تأسيس الجمهورية الشعبية، ولكي نحقق ذلك سوف نتمسك بتقاليد الحزب في أفضل العقود القليلة الماضية - بالعمل الجاد والعمل الحكيم. '' (دنغ شياو بينغ 1994).
في عهد دنغ شياو بينغ، استندت سياسة الإصلاح والانفتاح التي أدخلتها القيادة الجديدة في عام 1978 على إشارة مزدوجة إلى الاشتراكية. فمن ناحية، رأوا في التوجه نحو الماركسية والاشتراكية السبب وراء تمكن الحزب الشيوعي الصيني من الانتصار في الحرب الأهلية وتوحيد الصين تحت القيادة الشيوعية.
في الوقت نفسه، واجهت هذه القيادة حقيقة أن الوعد بحياة أفضل للشعب وبعودة الصين إلى الظهور كقائدة عالمية لم يتم الوفاء به. يقول دنغ شياو بينغ مرة أخرى: ما هي الاشتراكية وما هي الماركسية؟ لم نكن واضحين تماماً بشأن ذلك في الماضي. تولي الماركسية الأهمية الكبرى لتنمية قوى الإنتاج. قلنا أن الاشتراكية هي المرحلة الأولى للشيوعية (27) وأنه في المرحلة المتقدمة سيطبق مبدأ "كل حسب قدرته، لكل حسب حاجاته". وهذا يتطلب قوى إنتاجية عالية التطور وثروة هائلة من السلع المادية. وبالتالي فإن المهمة الأساسية للمرحلة الاشتراكية هي تطوير القوى المنتجة. يظهر تفوق النظام الاشتراكي نفسه في نهاية المطاف في حقيقة أن هذه القوى تتطور أسرع وأقوى مما كانت عليه في النظام الرأسمالي. مع تطورهم، ستتحسن الحياة المادية والثقافية للشعب باستمرار. من أخطائنا بعد تأسيس الجمهورية الشعبية أننا لم نُعر الاهتمام الكافي لتنمية القوى المنتجة. الاشتراكية تعني القضاء على الفقر. الفقر ليس اشتراكية، ناهيك عن الشيوعية   ( Xiaoping 1984) منذ "المعاهدات غير المتكافئة" التي كان لابد من إبرامها مع بريطانيا العظمى ودول غربية أخرى ولاحقاً أيضاً مع اليابان بعد الهزائم الساحقة في حرب الأفيون الأولى عام 1842، واجهت كل حكومة صينية مسألة كيف من الممكن معاملة البلاد كدولة حضارية كبيرة على قدم المساواة مع الحضارات الكبيرة الأخرى، وخاصة القوى الغربية. إن وجهة نظر المرء عن تأريخه الخاص، لليابان أو أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي أو الهند، كانت تتشكل دائماً من خلال ما يمكن استخدامه لهذا الهدف الواحد. كانت المؤسسات من النخب الصينية على استعداد لتوليها،حيث تهدف في المقام الأول إلى خدمة غرض التغلب على التبعية الاستعمارية أو الاستعمار الجديد وتمكين عودة الصين، وعلى هذا الأساس،للعيش بكرامة. ينطبق هذا أيضاً على الإصلاحات التي بدأت في عام 1978. كان التحول الجذري في الإصلاح ممكناً فقط لأن القيادة الجديدة للحزب الشيوعي الصيني كانت قادرة على الانفصال جذرياً عن الثورة الثقافية الماوية وفي نفس الوقت إستعادة شرعية الحزب. أستند التعامل مع الجرائم خلال "الثورة الثقافية" إلى فرضية بدء سياسة جديدة لم تنزع الشرعية في نفس الوقت عن تاريخ الجمهورية الشعبية ككل.
فقط  في عام 1979 وحده، تم تكليف أكثر من 600000 مسؤول بالتعامل مع الظلم وإيجاد حلول ملموسة للمتضررين. في دراسة، توصل دانيال لييس إلى أستنتاج مفاده: "من الناحيتين التنظيمية والاقتصادية، أستثمر الحزب موارد هائلة للتعويض عن المظالم التي عانى منها بشكل فردي، ولتحديد الجناة وإعادة الأشياء التي يُعتبر نزع ملكيتها الآن غير قانوني". (Leese 2020: 482) في الوقت نفسه، كان الأمر يتعلق بتقديم ذلك باعتباره أستعادة للتوجه الاشتراكي للصين. على سبيل المثال، تم الاحتفاظ بـ Zhou Enlai كرمز للتوجه الإصلاحي، كما كان ماو تسي تونغ تجسيداً للمسار الاشتراكي.
كتبت صحيفة حائط بجامعة تشينغهوا: "إذا عارضت Zhou Enlai ، فإن الشعب سوف يثور. إذا انقلبت على ماو [تسي تونغ]، ستغرق البلاد في الفوضى. «علق دينغ شياو بينغ على هذا في ديسمبر 1978 بعبارة:" مستوى هذه السطور مرتفع للغاية. "(مقتبس في Leese 2020: 28  ؛على تاريخ الثورة الثقافية انظر، من بين أمور أخرى، MacFarquha  Schoenhals 2006 )
كانت التجارب الأكثر مرارة وخيبة الأمل في البداية من "القفزة العظيمة" ثم "الثورة الثقافية" قد زعزعت بشكل أساسي ثقة السكان في مؤسسات الجمهورية الشعبية. كان هناك استعداد واضح للاعتماد على قوته الخاصة قدر الإمكان - على قوة العائلات، وعلى الإمكانات الموجودة في القرى والمجتمعات والبلدات نفسها. كما كتب هيرمان بيلاث في أوائل التسعينيات: »من المفارقات أن السياسة الماوية أوجدت المتطلبات الاجتماعية لإعادة ولادة اقتصاد السوق بسرعة: الناس فقدت الثقة في حماية الدولة وأضطروا إلى إعتبار المساعدة الذاتية هي الأساس الوحيد الموثوق لكسب العيش ( قبول مبدأ التبعية)، ظهر `` الحد الأدنى من أخلاق السوق '' للأغلبية باعتباره خيار القيمة الوحيد الذي لا يزال قادراً على التوافق في الآراء [...] (قبول ريادة الأعمال والاختلافات في الدخل)، في نفس الوقت نتج عن الراديكالية الماوية في ظهور إجماع إجتماعي ضمني، على أن تجنب الاضطرابات الجديدة يمكن تحقيقه من خلال ضبط النفس في السلوك الفردي (الالتزام الذاتي بالنظام الاجتماعي [...]. «(Herrmann-Pillath 1994: 396) يمكن تقسيم الإجماع الأساسي لقيادة الحزب الشيوعي الصيني الذي ظهر خلال هذا الوقت إلى ثلاث نقاط:
(1) هدف الحزب هو إحياء الصين كحضارة عظيمة على قدم المساواة مع الحضارات العظيمة الأخرى. الولايات المتحدة هي المعيار هنا.
(2) المسار المختار هو الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تجمع بين الإصلاح والانفتاح والاستقرار السياسي.
(3) أهم وسيلة على هذا الطريق لتحقيق الهدف أعلاه هي قيادة الحزب الشيوعي الصيني. على وجه التحديد، لأن الجماعات الحاكمة في الصين لهاهدف مشترك، فقد كانوا على إستعداد لتجربة نماذج اقتصادية وسياسية مختلفة تماماً، شريطة أن يكونوا مقتنعين بأنها يمكن أن تخدم غرض إعادة الظهور ولن تقوض سلطة الحزب الشيوعي الصيني. وأظهروا شجاعة كبيرة.
يتميز مسار الحزب الشيوعي الصيني حتى الآن بقوة إبداعية مذهلة (Quah 2015). في الوقت نفسه، وهذا يعني أيضاً أن عدداً من الابتكارات تحول إلى طريق مسدود. أكثر من الدول الأخرى ذات النظام السياسي التي كانت أصولها مستوحاة من اللينينية، أثبتت الصين أنها قادرة على الجمع بين الحفاظ على حكم الحزب الواحد الشيوعي مع مستوى عالٍ من المرونة والتوافق. قد يكمن أحد الأسباب في عملية تشكيل الشيوعية الصينية نفسها، والتي تميزت بعملية استمرت أكثر من عشرين عاماً من التجارب المستمرة (Anderson 2010 ؛ Heilmann 2011).
لم تكن الاشتراكية بالنسبة لهم محفورة على الحجر، ولكن في ظل تغيرات مستمرة، وغير متوقعة في كثير من الأحيان. في نظر القيادة الصينية، ثبات الأهداف، وتأمين قدرة الحزب الشيوعي الصيني على القيادة كوسيلة حاسمة واستعداد كبير لتغيير الطرق والوسائل لتشكيل وحدة يجب إعادة إنشائها مراراً وتكراراً.
بعد فترة وجيزة من إنتخاب شي جين بينغ أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أدخل مصطلح الحلم الصيني إلى اللغة الرسمية للصين، في خطاب ألقاه في نوفمبر 2012. بعد عقود من النمو غير المسبوق والمتهور أحياناً والصعود لتصبح قوة عظمى عالمية، ظهرت الحاجة إلى سرد يربط بين تطور الدولة وآمال العائلات والأفراد في الصين. كان الحلم الأمريكي بصعود الفرد في مجتمع التنافس والنزوح متناقضاً مع الرؤية الصينية للصعود المشترك للجميع.
ورد في افتتاحية مارس 2013 بتصريح من مدرسة الحزب المركزية: "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي مشروع مئات الملايين من الناس أنفسهم، الحلم الصيني هو حلم الشعب في نهاية المطاف. الحلم الصيني يعتمد على الشعب، والحلم الصيني يخدم الشعب، والشعب هو موضوع الحلم الصيني. تضمن الاشتراكية أن يحصل كل فرد على فرصة لحياة إنسانية رائعة معاً، وأن يكون لكل فرد فرصة لتحقيق الأحلام معاً، ولدى الجميع فرصة للنمو والتقدم مع الوطن الأم وعصرنا. إذا كانت الدولة والأمة في حالة جيدة، فهذا يعني الجميع في حالة جيدة. «(مدرسة الحزب المركزية للحزب الشيوعي الصيني 2013) تمت صياغة الهدف المزدوج،على وجه التحديد، بحلول عام 2021،في الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، لاستكمال تأسيس مجتمع رغيد مزدهر، وبحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، في عام 2049، يكون قد حقق الارتقاء إلى مجتمع متناغم مع فرص تنموية غنية للجميع.
الفصل الثاني من كتاب (إعادة أكتشاف أشتراكية الصين)
*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.


23
الجانب الآخر من وجهة نظر الضفدعة
فصل من كتاب بعنوان"إعادة أكتشاف أشتراكية الصين"
ميشائيل بري*
ترجمة:حازم كويي

تروى في الصين حكاية الضفدع في البئر (井底之蛙). الذي كان سعيداً ومرتاحاً جداً ومتمتعاً بالحياة في البئر، حتى أنه حاول إقناع السلحفاة البحرية الموقرة بالعيش معه هناك في بئر عميق، كل شيء مثالي في سكونه وأنسجامه. شعرت سلحفاة البحر بالفضول وزارت الضفدع. لكنها عندما نظرت إلى البئر، تراجعت: كان العالم صغيراً جداً هنا، صغيراً جداً، السماء، التي كان يمكن للمرء أن يراها فقط كنقطة مضيئة من أسفل البئر. فقالت للضفدع: "حتى لو تخيلت مسافة ألف لي(0,5)كلم، فما زلتِ لا تعرفين مدى أتساع البحر. وحتى لو تخيلت ألف رين(1,50) متر،فليست لديك أي فكرة عن عمقها. «1 تتميز النظرة الغربية للصين، بما في ذلك وجهة نظر العديد من اليساريين، بمنظور الضفدع. - وليس فقط من وجهة نظر صينية - لم يقبل الغرب بعد الانفتاح الأساسي للعالم على نظام متعدد الأقطاب بمسارات تنمية مختلفة تماماً. من وجهة نظر العديد من الصينيين، فإن المعايير التي يطبقها الأوروبيون على العالم وقبل كل شيء على الصين تبدو غير ملائمة تماماً. أنت تعرف ما يشبه الجلوس في بئر مثل هذا، معزول عن بقية العالم. في الجلسة التاريخية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في ديسمبر 1978، عندما بدأت عملية الإصلاح والانفتاح التي من شأنها تحويل الصين والعالم، أعلن دنغ شياو بينغ: "ثلاثون عاماً من الاكتفاء الذاتي أجبرت عقولنا على العزلة. أكثر من عشر سنوات خَلفنا، كان أفقنا فيها محدوداً وتصرفنا بغرور شديد. جلسنا في بئر واعتقدنا أن السماء كانت بحجم فتحة البئر. ثم فتح الباب وتحمس الجميع. نشأ الاقتصاد كالحصان الجامح. «(مقتبس في (Stengl 2021: 85. التحيز الأول الذي يجب تبديده في أوروبا هو أن الصين كانت منذ فترة طويلة دولة متخلفة، معزولة عن العالم، والتي أستمرت في الركود والعودة بها لاحتفالات بين السلالات اللاحقة للأباطرة السماويين.عن هذا التحيز من إفتقار الصين الكامل للتاريخ وعدم قدرتها على التطور على النحو التالي عبر عنها هيغل: "يجب أن يبدأ التاريخ بإمبراطورية الصين، لأنها الأقدم تأريخياً وبما تحتويه أخبارها، ومبدأها جوهري لدرجة أنه هو في نفس الوقت الأقدم والأحدث لهذه المملكة. في وقت مبكر نرى الصين تنمو لتصبح الدولة التي هي عليها اليوم. وبما أن التناقض بين الوجود الموضوعي والحركة الذاتية تجاهه لا يزال مفقوداً، يتم استبعاد كل قابلية للتغيير، ويحل الثابت، الذي يظهر مرة أخرى إلى الأبد، محل ما نسميه التاريخي. "(هيغل 1986: 147) بدا الواقع مختلفاً تماماً: هناك سبب وجيه للحديث عن أول ثورة صناعية حدثت قبل ذلك بكثير في بريطانيا في نهاية القرن الثامن عشر - الثورة التكنولوجية والاقتصادية المعقدة خلال عهد أسرة سونغ (960-1279) في مجالات الحديد - وصناعة الصلب، النقل وصناعة الورق والطباعة والزراعة والملاحة البحرية والجيش (البارود والصواريخ) (انظر Needham 1956: 240-248 ؛( Hobson 2004: 50-61). كل هذا مرتبط بثورة تجارية في إدارة البضائع. الدولة الرسمية الصينية أقدم. كما يلاحظ فرانسيس فوكوياما، "العديد من عناصر ما نفهمه الآن على أنه دولة حديثة كانت موجودة بالفعل في الصين بحلول القرن الثالث الميلادي، قبل أن تظهر في أوروبا بحوالي ألف وثمانمائة عام" (Fukuyama2011.19) في القرن الثامن عشر، كانت إمبراطورية تشينغ »واحدة من أكبر الاقتصادات وأكثرها كفاءة في العالم. أظهرت حقبة تشينغ المبكرة قوة عسكرية كبيرة، وأزدهاراً مادياً، وأستقراراً أجتماعياً، ودعم التوسع الهائل للأراضي والسكان في إقتصاد تجاري بشكل متزايد ولكن زراعي في المقام الأول. أدت الروابط العالمية إلى ثورة تجارية جعلت الصين المركز الرائد للتجارة العالمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر وأحد أهم مراكز الاقتصاد العالمي. كانت بعض صناعاتها - المنسوجات والحديد والسيراميك، على سبيل المثال - من بين أكثر الصناعات تقدماً في العالم. وضعت سلسلة من المؤسسات عالية الكفاءة والمتطورة مثل الحكومة الإمبراطورية (منظمة إدارية شديدة التعقيد والفعالية) ونظام الامتحانات والرعاية الاجتماعية والأسواق الحرة الأساس لمجتمع مزدهر.
نظام حكم ذو كفاءة عالية، يقوم على نظام فريد من نوعه في القدرة وعلى الجدارة مع أرتباط وثيق بين سيطرة الدولة المركزية والمبادرة الفردية اللامركزية للمجتمعات المحلية الديناميكية.الذي فضل الهيكل الاقتصادي التجاري والتنمية الاقتصادية وكذلك النمو. ونظرة الدولة الإيجابية للمشاريع الخاصة. من وجهة نظر الخطاب الإمبراطوري الغربي الذي ينظر إلى الصين الإمبريالية في المقام الأول على أنها إمبراطورية أستبدادية متخلفة، فإنه يتجاهل الحداثة المحددة لهذه الإمبراطورية ودولتها الوطنية(Wang Hui 2014: 13 ؛ Zhang)  Yongle 2010). )
إن مدى ترشيد وإضفاء الطابع الرسمي على الظروف السياسية والاقتصادية، والروح المرتبطة بها، والدرجات العالية من الحرية وفرص التقدم والتنمية، ودرجة الفردية قد تقلصت جميعها بسبب "وجهة نظر أستشراقية" ترى المجتمعات غير الغربية فقط كمجتمعات كبيرة ومتخلفة تبقى في حالة تملق دائم للغرب، وغير معترف بها. تتضمن الأساطير حول "الصين القديمة" فكرة إمبراطورية محبوسة خلف أسوار عالية ومعزولة إلى حد كبير عن "العالم". لم تخدم "حربي الأفيون" في 1840-1842 و 1858-1860 "فتح" الصين، ولكن على العكس من ذلك، نتجت بشكل رئيسي عن العجز التجاري الكبير بين الغرب والصين. كانت الصين واحدة من المراكز الرائدة في الاقتصاد العالمي المتكامل للغاية. بين عامي 1719 و 1833، قيل إن أكثر من ستة آلاف طن من الفضة قد تدفقت إلى الصين (يتم تعدينها بشكل أساسي في أمريكا اللاتينية في ظل ظروف غير إنسانية) من أجل شراء البضائع الصينية التي اشتراها الغرب، وخاصة الحرير والشاي والسيراميك والتوابل، ورنيش، قطن ناعم (Leutner 2012: 122f.). تم تقليص العجز التجاري للغرب مع الصين من خلال تهريب الأفيون غير المشروع، والذي كانت الحكومة الصينية تحاول إيقافه. في عام 1838،حيث  قيل إن ما يقرب من 2000 طن من الأفيون تم تهريبها إلى الصين، من قبل "الشركات التجارية" البريطانية بشكل رئيسي . لمدة قرن كامل، تم إيقاع الصين إلى "مصيدة الأفيون" والقوى الإمبريالية الغربية، جنباً إلى جنب مع شركاتهم التجارية، عملت كعصابات مخدرات، كما يوضح Mechthild Leutner بالتفصيل في الدراسة التي أستشهد بها. من وجهة نظر الحكومة البريطانية، كان أحتكار قلة المخدرات الذي تنظمه الدولة ، والذي تم فرضه عسكرياً بالزوارق الحربية، ركيزة لا غنى عنها لإمبراطوريتها المشعة. حتى يومنا هذا، يتسم الأدب الغربي بـ "التقليل من شأن فعل جعل قطاعات كبيرة من السكان مدمنين لتحقيق أرباح اقتصادية كبيرة وسلطة سياسية هائلة، ليس من قبل المجرمين الأفراد، ولكن من خلال العمل المستهدف من قبل دول وحكومات بأكملها". (Leutner 2012: 122) وتشكلت المجتمعات الاحتكارية النشطة عالمياً. لم يكن المجتمع الصيني بأي حال من الأحوال مرتبطاً بالماضي فقط. كانت لديها أيضاً مسيانية كونفوشيوسية-طاوية متأصلة. كان الأمر يتعلق بالرؤية المستقبلية  للمقارنة فقط: »وفقاً لتقديرات إدارة الأدوية الأمريكية (DEA)، يتم تهريب ماقيمته 20 إلى 40 مليار دولار إلى الولايات المتحدة من المكسيك وكولومبيا كل عام. ووفقاً لوزارة العدل الأمريكية، يدخل 700 طن من الكوكايين و 4000 طن من الماريجوانا إلى الولايات المتحدة. بالنسبة إلى 20 مليون مستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية لم يتم أنشاء مجتمع مساواة كبيرة وتناغم مجتمعي بعد Bauer 1974: 11) ، (Bauer 1974: 11) ،.
انطلقت هذه الرؤية في ثورة تايبينغ الكبرى 1850-1864 (سبنس 1997)، والتي توقعت العديد من سمات التنمية في الصين على مدى المائة عام القادمة. كما تم تناوله مرة أخرى خلال أزمات سلالة تشينغ في نهاية القرن التاسع عشر، متأثراً بشكل خاص بعمل كانغ يويوي (1858-1927) "كتاب المجتمع العظيم". هذا الكتاب الذي شكل أجيالاً من الثوار الصينيين. كانغ يويوي فسرَ كونفوشيوس باعتباره مصلحاً، وأعاد صياغة رؤيته الإنسانية كمخطط للمستقبل وصاغ برنامجاً شاملاً حول كيفية "اتخاذ التدابير الأولى لتأسيس المجتمع العظيم في" عصر الفوضى "، والتي يمكن بعد ذلك الاستيلاء على "عصر توطيد السلام والمساواة" والذي سيتوج في النهاية بـ "عصر السلام الدائم والمساواة الكاملة في مرحلة اكتمال" المجتمع العظيم "(K'ang Yu-Wei 1974: 93). إن تراجع الصين وإستعمارها، الواضح منذ حروب الأفيون، يجب ألا يُفهم بعبارات مطلقة - فقد كان متعلقاً بالثورة العلمية والصناعية والسياسية والعسكرية في أوروبا الغربية، لكنه واجه مجتمعاً لديه إمكانات قوية للتنمية الداخلية. أعقب ذلك فترة من الهزائم وفي نفس الوقت تشكل الظروف الأساسية للابتكارات الراديكالية، والتي ظهرت بعد ذلك في بداية القرن العشرين. لا يمكن أبدا إخضاع الصين بالكامل من قبل القوى الغربية. وظلت ما يسمى بفريسة شبه مستعمرة للقوى العظمى الإمبريالية، بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا وهولندا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي أضيفت إليها ألمانيا واليابان. في العقود التي أعقبت نهاية عهد أسرة تشينغ (بعد عام 1911)، تمكنت الصين من تحقيق إنجازات مفاجئة في ظل ظروف الحرب الأهلية وحرب الغزو اليابانية. كما يكتب مولهان: »في عام 1911 كانت الصين رائدة في التغيير العالمي والتجديد والثورة. [...] أنشأت الصين أيضاً نظاماً ديناميكياً للتعليم العالي - وهو نظام مصمم لتثقيف العلماء والتكنوقراط من الأجيال اللاحقة. عززت جيشها، وأعادت بناء المؤسسات، وحشدت مواطنيها بالإنضباط، ودافعت بنجاح عن البلاد التي تختلف عن الشيوعية السوفيتية منذ البداية. يُقال إن الصين هي الدولة "التي يتطابق فيها تاريخ الحركات الشيوعية والمناهضة للاستعمار" (Losurdo 2017: 267). بالقياس إلى 3000 عام من القوة، كانت فترة الضعف الجيوسياسي النسبي والتخلف التكنولوجي والاقتصادي والعسكري والفقر قصيرنسبياً - 150 عاماً جيدة.
والآن، وفقاً لهدف الحزب الشيوعي الصيني، يجب ألا يمر 30 عاماً من الآن حتى يتم استعادة حالة العظمة الحضارية القديمة نتيجة "النهضة الرائعة للأمة الصينية" (Xi Jinping 2017). هذا هو الهدف الوحيد الذي حرك النخب الصينية وأجزاء كبيرة من سكانها عبر جميع أنظمة الحكم لأكثر من 150 عاماً. إذا كان هناك دين مدني في الصين متجذر بعمق في قلب الشعب الصيني ، فهو إذن سرد تاريخه ومهمة مواصلته بطريقة حديثة (Senger 2008: 36). إن النظرة الغربية للصين مشوهة ليس فقط بسبب تخلفها الكبير في وقت سابق، ولكن أيضاً من الناحية اللغوية، وليس فقط بالمعنى الدقيق لنظام الكتابة الذي يتكون من عشرات الآلاف من الأحرف. هناك ما لا يقل عن أربع لغات علمية وسياسية مختلفة إلى حد ما أو مختلفة تستخدم لوصف الصين. هذه هي لغة الحزب الشيوعي الصيني، لغة خطاب العلوم الاجتماعية الصينية الداخلية، بما في ذلك الخطاب الصيني الليبرالي والكونفوشيوسي واليساري الجديد (انظر Lu Jie / Wang Ban 2012) ، وخطاب العلوم الاجتماعية الليبرالية الغربية، وسؤال المثقفون الماركسيون الغربيون عن مدرسة الفكر السائدة في الصين: 38٪ استشهدوا بالقومية / الدولة، و 22٪ اشتراكية ذات خصائص صينية، و 14٪ اشتراكية ديمقراطية، و 13٪ ليبرالية، و 8٪ ماوية، و 4٪ كونفوشيوسية جديدة (Zhou Lian 2012: 6). يتميز الخطاب الغربي حول الصين بالتقارب الفضولي بين التيار الليبرالي السائد وقطاعات أكبر من اليسار الماركسي والمستقل. يتفق كلاهما على أن النظام الاقتصادي الصيني هو اقتصاد سوق رأسمالي، على الرغم من أن البعض يرحب بهذه الرأسمالية بينما يرفضها آخرون بشدة. كلا التيارين السياسيين الفكريين متفقون تماماً على رفضهم للنظام السياسي باعتباره نظاماً استبدادياً. بينما يحكم التيار الليبرالي السائد من منظور الرأسمالية الديمقراطية الليبرالية ، ينظر عدد من الماركسيين واليساريين إلى الصين من منظور الاشتراكية التحررية. في كلا الاتجاهين، تقوم الديمقراطية في المقام الأول على التكوين الحر للآراء والقرارات من قبل الأفراد ويتم إضفاء الشرعية عليها من هناك. الدور القيادي لحزب الدولة الشيوعية غير شرعي بنفس القدر لكل من المقاربات النظرية والأيديولوجية. يُشار بالإجماع إلى النظام الاقتصادي والسياسي في الصين باسم "رأسمالية الدولة"، أو "الرأسمالية البيروقراطية"، أو "رأسمالية الدولة" أو أيضاً "لينينية السوق" (انظر Boer / Ping Van 2021 ؛ Wemheuer 2020: 3). يجب على أي شخص يتجه إلى الصين من الغرب أن يسأل نفسه، على حد تعبير إدوارد سعيد، "كيف يمكن لقاء الثقافات والشعوب الأخرى بروح الحرية، أي دون نية القهر أو التلاعب" (سعيد) 2009: 35). بغض النظر عن مدى قدرة ممثلي الحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية، فضلاً عن العديد من مواطني جمهورية الصين الشعبية، على إلقاء نظرة على نجاحات الصين في الحد من الفقر، والتنمية الاقتصادية،الضمان الاجتماعي، والمشاركة السياسية الواسعة للسكان والعديد من مجموعاتها الثمانية عشر، فضلاً عن الطابع السلمي لصعود الصين إلى قوة عالمية والجهود المبذولة لتشكيل العلاقات الخارجية بشكل تعاوني بمعنى سياسة مربحة للجانبين يتم التباهي بها كثيراً.
من وجهة نظر الافتراضات المعيارية للتيار الغربي السائد، مع تعريفه لاقتصاد السوق والديمقراطية الليبرالية مع الحرية، وجناحه اليساري التحرري، فإن هذه النتائج، رغم أنها مثيرة للإعجاب في حد ذاتها، قد ظهرت بطريقة خاطئة بشكل أساسي. حتى الخير الذي تم تحقيقه لا يزال يبدو سيئاً. إن أساليب التيارات الليبرالية ليست اقتصاد سوق، بعبارة أخرى: رأسمالية، بما فيه الكفاية، بالنسبة للماركسيين فهي رأسمالية أكثر من اللازم. وكلاهما يتفق سياسياً: النظام الصيني هو نظام عبودية. يرفض الليبراليون قيادة الحزب الشيوعي الصيني لأنهم يرون أنها شيوعية أستبدادية ، بينما تُدينها أقسام كبيرة من اليسار لأنهم يرون أنها تعمل كعامل ديكتاتوري للرأسمالية. تشترك وجهة النظر الغربية في الصين في شيء واحد: لم يتم إعداد أي من التيارات للتطور السريع والمبتكر للصين بعد عام 1978، لأن الافتراضات الأساسية الغربية - على الأقل في الخمسة والأربعين عاماً الماضية - تم دحضها: على عكس كل الحقائق النظرية. في الغرب، كان اقتصاد السوق والحكم الشيوعي للحزب الواحد يسيران جنباً إلى جنب، والطبقة الوسطى تدعم النظام السياسي، والانقسامات الاجتماعية لا تزعزع الاستقرار، ولكنها متوازنة بشكل متزايد، وتبدي الدولة الصينية مرونة عالية وقدرة على التعلم والثقافة الصينية لا تقف في طريق الابتكار (Heilmann 2016: 12-15). حتى الآن، تم ربط الانفتاح على العالم وتأمين الوحدة السياسية والاستقرار. هناك صعوبة خاصة عند النظر إلى الصين، وهي أن العديد من التطورات في هذا البلد يتم تجاهلها ببساطة لأنه يُنظر إليها على أنها غير ذات صلة أو تبدو سلبية وفقاً للمعايير الغربية. وبالتالي، فإن أي تغييرات سياسية تحدث داخل النظام السياسي الصيني بقيادة حزب لينيني ماوي تبدو بلا معنى لأن "الإصلاحات السياسية الهادفة الوحيدة هي إصلاحات الدمقرطة" (Dickson 2016: 11). لا يُسأل على الإطلاق ما إذا كان من الممكن إجراء تعديلات مهمة وتم إجراؤها داخل نظام معين، مما قد يعزز أيضاً ميزاته الديمقراطية. يتم تجاهل أن نفس الاهتمامات والمهام في مختلف النظم الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضا السياسية يمكن أن تنفذ بنفس النجاح من قبل المؤسسات التي تختلف اختلافاً كبيراً عن بعضها البعض. هذه هي المؤسسات التي تؤدي وظائف متكافئة، على الأقل في جوانب معينة (انظر مثال المشاركة الاجتماعية والسياسية Heberer / Schubert 2007: 19)، على الرغم من أنها تختلف اختلافاً كبيراً عن بعضها البعض من حيث الشكل المؤسسي أو حتى عكس ذلك تماماً. إذا لم تنجح الصين في تطوير معادلات وظيفية تسمح لها بمواجهة تحديات المجتمعات الحديثة المعقدة في أوقات العولمة، وفقاً لوجهة النظر التالية، فإن النجاحات التي تحققت حتى الآن ستكون غير مفهومة بأي شكل من الأشكال. هناك حاجة ملحة لإظهار المزيد من تلك البراغماتية تجاه الصين التي تم الإشادة بها بحق دينغ شياو بينغ: الشيء الرئيسي هو أن القطة تصطاد الفئران. في الصين، يمثل القمع بلا شك الحواف الخارجية للإطار الذي تقوم الدولة بقمع الكلام والفعل خارجه. هذا إطار مختلف بشكل كبير عن الديمقراطيات الليبرالية. في الوقت نفسه، وهذا يعني ضمنياً أن هناك مجالاً كبيراً للمناورة ضمن هذا الإطار، وهو ما نحتاج الانتباه إليه بشكل عاجل. لا أحد يستطيع حالياً تحديد حجم مساحة الصين للمناورة في المستقبل. على أية حال، فقد تبين حتى الآن أنه أكبر بكثير مما كان يُفترض على خلفية التجربة السوفيتية. كما يظل مفتوحاً أيضاً ما إذا كانت هناك أي حدود للتطور السياسي الداخلي للنظام وما إذا كان النظام السياسي سيدخل بالفعل، كما يُزعم مراراً وتكراراً، في تناقضات غير قابلة للحل مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  في المستقبل المنظور. استناداً إلى الافتراضات النظرية للتحديث، تم التنبؤ بأن الصين سوف تنتقل إلى الديمقراطية الليبرالية بحلول عام 2020 على أبعد تقدير (Inglehart / Welzer 2005: 190f. ؛ Rowen 2007). حتى الآن على الأقل هذا لا يمكن التعرف عليه. في الوقت نفسه، تحدث التحولات إلى الليبرالية في الأنظمة السياسية الليبرالية سابقاً، والتي لم تُفهم حتى الآن إلا على أنها أمراض وليست عواقب جوهرية الليبرالية نفسها: من الواضح أن هناك حاجة إلى نموذج علم اجتماعي جديد ينصف كلا التطورين. مثل الاستشراق الكلاسيكي، فإن الخطاب الغربي حول الصين "يتخلل [...] تخيلات التفوق الأوروبي، وأشكال مختلفة من العنصرية، والإمبريالية والشوفينية، والآراء العقائدية لـ" الشرق "[اقرأ اليوم:" الصينيون "، محمد بن سلمان] على حد سواء تجريد مثالي وثابت "(سعيد 2009: 17). توصل تحليل أحدث لتقارير الصين في وسائل الإعلام الألمانية أثناء الوباء إلى الاستنتاج: »بشكل عام، هناك عدم توازن بين المصادر والجهات الفاعلة الصينية وغير الصينية على حساب الجانب الصيني. [...] بدلاً من مجرد الحديث عن الصين، ينبغي الحديث عن المزيد مع الصينيين ، وأيضاً لتفكيك طريقة المواجهة التي غالباً ما يتم تقديمها في التفكير "نحن ضد الآخرين". "(Changbao Jia et al. 2021: 8 ، 11) على الأقل من وجهة النظر الصينية، أنتهت أيام اختلال توازن القوى بين الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية من جهة وجمهورية الصين الشعبية من جهة أخرى. كان الاتحاد السوفيتي قادراً على تعويض هذا الخلل في ميزان القوى عسكرياً إلى حد كبير في المجال النووي، في بعض الأحيان سياسياً وأيديولوجياً أيضاً. من ناحية أخرى، أصبحت جمهورية الصين الشعبية مساوية للغرب في مجموعة واسعة من المجالات التي تهز جوهر الصورة الذاتية الغربية. خلال 40 عاماً فقط، "تحولت الصين من مجتمع يعاني من أكبر عدد من السكان الذين يعانون من الفقر في العالم إلى" مجتمع ثري إلى حد ما "يضم أكبر عدد من السكان من ذوي الدخل المتوسط إلى المرتفع في العالم" (Hu Angang et al. 2021 : 15). يمكن للبلدان الأخرى في جنوب الكرة الأرضية، وخاصة الهند، أن تتبعها بسرعة 21 دولة. يجب أن يغير هذا الخطابات أيضاً، وليس أقلها العلوم الاجتماعية. إذا كان هناك نظام اقتصادي واجتماعي وكذلك نظام سياسي يعمل في مجالات رئيسية بالمقارنة مع الأنظمة والأنظمة الأخرى المتكافئة إلى حد كبير، وأعلى في مناطق معينة أيضاً، فإن المفاهيم الاجتماعية العلمية تصل إلى حدودها، والتي تستند إلى الأساسيات. التفوق (المعياري والواقعي) للنظام الاجتماعي على الآخرين ينفذ. عندما يقوم المحللون الغربيون، مثل القضاة المعينين، بإعادة صياغة إيمانويل كانط (Kant 1968: 10)، اعرض الأسئلة على موضوع البحث في الصين بطريقة يجب أن تظهر دائماً إجابة واحدة - الجمهورية الشعبية لم تصل بعد إلى ذروتها من الغرب، لأنه لا توجد إنتخابات حرة، لأن اقتصاد السوق ليس خالياً من سيطرة الحزب الشيوعي الصيني، لأن الرأي العام لا يتشكل بشكل مستقل عن الحزب، إلخ، وما إلى ذلك، فلا خيار أمام الجمهورية الشعبية سوى الشعور بالذنب والاعتراف بالتهم الموجهة إليه وفي نفس الوقت رفض مواجهة مثل هذه المحكمة المتحيزة، والتي تحكم على الآخر من خلال ما إذا كان قد خضع لمعايير المحقق، أي "غربي". قبل الدينونة الأخيرة، من كان يعرف هذا أفضل من هيغل، أكثر ما يهم هو القوة، بناءاً على فكرة مؤثرة. السؤال هو ما إذا كانت جمهورية الصين الشعبية تستند أيضاً إلى مثل هذه الفكرة، بالإضافة إلى قوتها الواضحة. قد يفترض المرء، بالطبع، أن الصين، مثل الاتحاد السوفيتي، لا يمكنها تطوير قوة كبيرة إلا لفترة محدودة للغاية (في حالة الاتحاد السوفيتي كانت أكثر من 70 عام)، وفي النهاية يجب أن تتبع المسار الغربي حتماً. حتى لا تهلك. لكن هذا يصبح غير قابل للتصديق أكثر فأكثر مع كل عقد يمر. من ناحية، هناك مواقف مثل موقف ديفيد شامبو: "أعتقد أن نهاية لعبة الحكم الشيوعي في الصين قد بدأت، وهي أبعد مما يعتقد الكثير" (Shambaugh 2015). بدائل ومتغيرات الحداثة الغربية تتحدى الغرب المهيمن، المفاهيم الموجهة للحداثة والتحديث. «(Mühlhahn 2022: 13) حتى التأثير المؤقت للنظام الاجتماعي يجب أن يؤخذ على محمل الجد في نقاط قوته إذا كان له عواقب تاريخية عالمية. لكن ماذا لو ذهبت إلى أبعد من ذلك: ما هي الأسئلة التي يجب أن تطرحها على الصين كموضوع للتحليل إذا افترضت أن الغرب والصين متساويان في الفعالية والمساواة حالياً؟ هذا لا يعني أن فعاليتهم قوية بالتساوي في كل مجال وأن القيم التي يمثلونها لها نفس الكاريزما  في كل من العلاقات، ولكن فقط أن نقاط القوة والضعف الخاصة بهم متأصلة، والتي في نتائجهما مماثلة. درجة القوة الفعالة وخلق إشراق. إذا كان هذا صحيحاً، فإن تنافس النظام على مستوى العين الذي أعلنه الغرب يجب أن يؤخذ على محمل الجد من منظور علمي وأيديولوجي أجتماعي وليس فقط من منظور تكنولوجي وأقتصادي وسياسي. الشرط الأول لـ أي علاقة ذات مغزى مع الصين هي الاعتراف بأن قيادة الجمهورية الشعبية تدعم القيم التي لها قواسم مشتركة مع القيم المشتركة في العديد من المجتمعات الأخرى، بما في ذلك المجتمعات الغربية. يجب ألا تكون الاختلافات المعيارية مطلقة ولا يجب تحميلها بالخير والشر. إنها أختلافات في الطيف المشترك للحضارات. تجسد جميع الحضارات العظيمة بعض القيم الإنسانية المشتركة، كل بدرجة معينة. إن سياسات القيادة الصينية مبنية على القيم. يتم تفسير المصالح بناءاً على هذه القيم. من الافتراضات القاتلة في الغرب أن الحديث عن القيم في الصين هو مجرد واجهة لسياسات القوة الفجة. لذلك، سوف آخذ وثائق الحزب الشيوعي الصيني على محمل الجد كتعبير عن أيديولوجية قائمة على القيم بمعنى الوعي الجماعي المنظم. في كتاب "الاشتراكية الجديدة" جرت محاولة لفهم الاشتراكية على أنها شكل محدد قائم على التضامن للتوسط في تناقضات المجتمعات المعقدة. لقد قيل أن مثل هذه الوساطة لها نقطتان انطلاق معياريتان - نقطة انطلاق الفرد ونقطة انطلاق الجسم الاجتماعي الجماعي. أدى ذلك إلى طرح أطروحة صيغتي الاشتراكية، المالكين، وتنوع أشكال الملكية والتنظيم، والديمقراطية كتعبير عن إرادة العديد من الأفراد من جهة والإرادة الجماعية للجميع من جهة أخرى. (راجع بري 2022: 113 وما يليها). تاريخياً، عززت الليبرالية في المقام الأول الجانب الفردي، بينما أكدت الشيوعية على الجانب الجماعي للمجتمعات الحديثة. بناءاً على هذه النظرة للمجتمعات الحديثة، تجسد الصين طريق التنمية الذي يدمج العناصر الليبرالية القوية (وليس فقط في الاقتصاد) تحت أسبقية الشيوعيين. في رأيي، مثل هذا المنظور يجعل من الممكن أخذ التنافس النظامي المعلن حديثًا بين الغرب والصين على محمل الجد وعدم اختزاله في مجرد شعار، لمقارنة الصين على قدم المساواة مع المجتمعات الأخرى الناجحة نسبياً، ولكن أيضاً لإظهار أن جميع المجتمعات تواجه الحاجة إلى تحول كبير على نطاق عالمي ويجب أن تساهم في ذلك: البعض يتمتع بتوجه أكثر ليبرالية، والبعض الآخر ذو توجه أكثر شيوعية. في ما يلي، سأربط النهج المنهجي الذي تم تطويره في "إعادة اكتشاف الاشتراكية" بالصين. للقيام بذلك، أتبع نصيحة يان توروفسكي: »ومع ذلك، فإن الاشتراكية في الصين، وخاصة في الحزب الشيوعي، لا تُفهم وتُناقش على أنها حالة شائكة وأكثر كعملية تنمية مستهدفة من الناحية الاستراتيجية. نظراً للعدد الكبير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والقيود المفروضة على صنع السياسات اليومية وتنفيذها، فإن نقاش الاشتراكية الصينية هو في الأساس لحن الخلفية الذي يصاحب السياسة العملية، أحيانًا بصوت أعلى، وفي الغالب بهدوء وبالكاد يمكن إدراكه. إنه نقاش نظري في تفاعل مستمر مع التطورات العملية، وتضارب المصالح ومتطلبات السياسة، والتغييرات وفقاً لذلك، والتجارب، والتكيف، ومع ذلك هيكلة عملية السياسة في تحديد الاتجاه وبطريقة طويلة الأجل. أخيراً وليس آخراً، قدمت فهرساً معيارياً، وإن كان مجرداً، وهدفاً وفهرساً معقداً من المصطلحات والمراجع التاريخية.
في الغرب، من ناحية أخرى، غالباً ما يركز الجدل حول ما إذا كانت الصين أشتراكية أم لا بشكل غير منتج على الحالة، والتي تحتاج بعد ذلك إلى تصنيفها إلى فئات ثنائية: الاشتراكية أم لا؟

*ميشائيل بري:فيلسوف ماركسي ألماني.



24
في أصل مجرة درب التبانة

ماركوس بوسل*
ترجمة:حازم كويي


يُنظر الى المجرات كما نعرفها اليوم كونها متحركة،حصلت فيها تصادمات كاسحة، وتدفقات غازية قوية، ومراحل من تشكيل النجوم العنيف،كذلك في مجرتنا أيضاً. فريق بقيادة هانز فالتر ريكس،من  معهد (ماكس بلانك) في مجال علم الفلك يقوم بإعادة بناء تاريخ المجرات، بكتابة تاريخ مفصل لمجرة درب التبانة، وبطريقة مماثلة للمؤرخين المختصين لعلم الآثار.
مجرتنا درب التبانة قديمة قدم الكون ولها تاريخ مضطرب مماثل مثل معظم المجرات، وهي موجودة منذ حوالي 13 مليار سنة، تشكلت خلال المليار سنة الأولى بعد الانفجار العظيم.
يمكن مقارنة تطورها في كثير من النواحي بتاريخ العديد من المدن والدول. يعيدعلماء الفلك الآن بناء تفاصيل تاريخهم جيداً باستخدام بيانات المراقبة.
"عند القيام بذلك، لا نتعلم شيئاً عن بداية مجرتنا الأصلية والأيام الأولى لها فحسب، بل عن تطور الاصطدامات السابقة أيضاً. في تمثيل لمجرتنا درب التبانة، يمكن رؤية تيارات النجوم المتمثلة بأقواس عريضة من المجرة الحلزونية على شكل قرص وآثار إندماجات مع مجرات أخرى" حسب هانز فالتر ريكس.
عند إعادة بناء تاريخ المدينة، تحتوي بعض مبانيها على بيانات إنشائية واضحة. بالنسبة للآخرين، يشير أستخدام مواد بناء أكثر بدائية أو خصائص أنماط البناء القديمة كونها قد تم إنشاؤها في وقت سابق. كما أن حقيقة وجود بقايا مبانٍ تحت الهياكل الأحدث توفر أدلة مهمة.
أخيراً وليس آخراً، تعتبر الأنماط المكانية مهمة، ففي العديد من المدن توجد بلدة مركزية قديمة محاطة بأجزاء أحدث بكثير من المدينة.
وهذا لا يختلف كثيراً في مجرة درب التبانة والمجرات الأخرى. نجومها تشهد على ماضيهما،البعض منها يحدد بدقة تامة لعمرعلم الفلك.
إذا لم يكن ذلك ممكناً، فيمكن أستخدام تكوين النجوم لتحديد أسلوبها المعماري، والذي يسمح على الأقل باستخلاص استنتاجات تقريبية حول عمرها. ومثلما يمكن للمدن أن تمر بطفرات البناء أو فترات مكثفة من إعادة البناء، فإن تاريخ المجرات مليء بالتصادمات والاندماجات، وبكميات كبيرة من غاز الهيدروجين الطازج الذي يمكن أن يتدفق إلى المجرة من الخارج على مدى مليارات السنين، المادة الخام التي تتكون منها النجوم الجديدة.
في بداية تاريخ المجرة، توجد مجرات أولية أصغر وفي مناطق تشكلت فيها النجوم في وقت مبكر من المليار سنة الأولى بعد الانفجار العظيم. لقد شكلوا بذور المجرات التي نعرفها اليوم.
ربما بدأت مجرة درب التبانة عندما أندمجت ثلاث أو أربع مجرات أولية كانت على مقربة من بعضها البعض.
يستخدم علماء الفلك الملاحظات والمحاكاة لإعادة بناء تاريخ تكوين المجرة. يقول هانز فالتر ريكس "أستطلاعات السماء ساعدتنا كثيراً". "لقد قدموا لنا بشكل كبير بيانات أكثر شمولاً مما كانت متوفرة في السابق. "
أثناء الاستطلاعات، تقوم التلسكوبات بمسح أجزاء من سماء الليل وأستخدامها لجمع معلومات حول موقع النجوم وسطوعها،على سبيل المثال.
يمكن بالطبع فحص نجوم مجرة درب التبانة بشكل أفضل وبأكثر الطرق تفصيلاً.
بالنسبة للعمل الأثري في مجرة درب التبانة،أستخدم الفريق بقيادة هانز مسوحات القمر الصناعي ESA ومسبارGaia  وتلسكوب  Sloan Digital Sky  وكذلك التلسكوب الصيني Lamost حتى الآن.
 مسبار  Gaia حدد المواقع والمدارات والسطوع لما يقرب من ملياري نجم في مجرة درب التبانة، وهذا يتوافق مع حوالي واحد بالمائة من مجموع النجوم في مجرتنا الأصلية.
تلسكوب  Lamost قاسَ بدوره أطياف حوالي عشرة ملايين نجم عن طريق تقسيم ضوءها إلى ألوان قوس قزح.
وجرى بحث درجة حرارة السطح واللمعان والتركيب الكيميائي لـ 250.000 وما يسمى بالعميل الفرعي. وهي في مرحلة قصيرة نسبياً من تطور النجوم، حيث يمكن تحديد عمر النجوم بدقة شديدة باستخدام البيانات المتاحة.
من خلال النظرعن كثب إلى بيانات Gaia و Lamost، حصل الباحثون على صورة واضحة للتطور المبكر لمجرتنا الرئيسية.
في عمر بضعة مليارات من السنين، مرت مجرة درب التبانة بمرحلة مضطربة عندما أندمجت مع مجرة أخرى، وبالتحديد مجرة Gaia-Enceladus / Sausage.
حملت المجرتان كميات هائلة من الغاز، والتي أذيبت عند أندماجها، بحيث تشكلت النجوم الجديدة بأعداد كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة. تراكمت في منطقة من المجرة، معروفة في علم الفلك بالقرص السميك لمجرة درب التبانة. في وقت لاحق، كان تكوين النجوم أكثر هدوءاً "بعد الفترة المبكرة المضطربة، كانت هناك كمية أقل بكثير من غاز الهيدروجين في المجرة ،" كما يقول ماوشينغ شيانغ من معهد ماكس بلانك. "لقد تراكمت فيما نسميه الآن القرص الرقيق لمجرتنا".
لاحظ هانز وماوشينغ، عندما أعادا بناء دمج Gaia-Enceladus / Sausage ، أن النجوم القديمة نسبياً كانت متورطة أيضاً. لقد حددوا ذلك بناءاً على بنية هذه النجوم، لتتماشى مع الاستعارة الأثرية. المقياس التقريبي واحد على الأقل لعمرالنجم،هو معادنه، وهي كمية العناصر الكيميائية الموجودة في الغلاف الجوي للنجم والتي تكون أثقل من الهيليوم. هذه العناصر التي تسمى المعادن في علم الفلك، تتشكل في داخل النجم.
ففي خلال بضعة مليارات من السنين، أندمجت مجرة درب التبانة مع مجرة Gaia-Enceladus / Sausage  ثم مرت بعد ذلك بمرحلة من تكوين النجوم المكثف.
في قلب مجرة درب التبانة توجد نجوم يزيد عمرها عن 12.5 مليار سنة وتشكلت بعد وقت قصير من إندماج المجرات الأولية، أي أسلاف مجرتنا.
من خلال الأنفجار العظيم، أثرى الغاز الواقع بين النجوم بعناصر أثقل، ومن هذا الغاز تشكل الجيل التالي من النجوم، ثم مع النجوم الأعلى مع معادنها، وبالتالي فإن النجوم ذات المعادن العالية هي أصغر من تلك التي لديها نسبة معدنية أقل. بعض النجوم في فترة اندماج Gaia-Enceladus / Sausage تظهر معدناً يشير إلى أنها تشكلت من بقايا جيل سابق من النجوم.
يقول هانز فالتر ريكس "حقيقة وجود هذه الأجيال السابقة من النجوم لم تفاجئنا". "لقد أشارت عمليات المحاكاة المتقنة للتاريخ الكوني إلى وجودها بالفعل." وتتنبأ عمليات المحاكاة أيضاً بالمكان الذي لا يزال من الممكن العثور فيه على ممثلي الأجيال النجمية السابقة، في المنطقة الأساسية المُدمجة نسبياً لمجرة درب التبانة،التي قطرها بضعة آلاف من السنين الضوئية فقط. يُعتقد أن هذا اللب القديم في مركز مجرتنا قد تشكل من المجرات الأولية الأولى أثناء إندماجها في مجرة درب التبانة. وهذا هو المكان الذي لا يزال من الممكن العثور فيه على النجوم المبكرة اليوم.
"لذلك فكرنا في كيفية أكتشاف هذه النجوم من اللب القديم لمجرتنا"، كما يقول ريكس، الذي تناول هذا المشروع مع رينيه أندريه، الباحث في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، وفيدانت تشاندرا، طالب الدكتوراه الضيف في جامعة هارفارد. "كان من الواضح أننا لن نحقق المزيد من المعلومات حول النجوم الأصغر." لذلك ركز الباحثون على نوع آخر من النجوم - النجوم العملاقة* الحمراء النموذجية وأكثر إشراقاً بحوالي مائة مرة من العمالقة الفرعية.
وبالتالي من السهل أيضاً مراقبتها على مسافة من مركز المجرة والمناطق المجاورة لها. يمكن العثور على معلومات حول العديد من العمالقة الحمراء في قياسات Gaia منذ إصدار البيانات في صيف عام 2022 والأطياف المرتبطة بها. على الرغم من أنه من غير الممكن تحديد عمر العمالقة الحمر بدقة، كما هو الحال مع العمالقة الفرعية، فإن معدنهم، الذي يمكن تحديده باستخدام الأطياف، يسمح على الأقل بتقدير تقريبي لأعمارهم.
الذكاء الاصطناعي يحلل الأطياف.
ومع ذلك، فإن أطياف Gaia يتم حلها بشكل سيئ للغاية بحيث لا يمكن تحديد الخطوط الطيفية للعناصر المختلفة باستخدام طرق التحليل التقليدية. لهذا السبب، أعتمد فريق ريكس على الذكاء الاصطناعي، كونه يستطيع أكتشاف أختلافات دقيقة في البيانات أكثر من الطرق الأخرى. ومع ذلك، يجب أن تكون الخوارزمية المقابلة لكل من هذه المهام مدربة بشكل جيد.
بمساعدة بيانات التدريب هذه، تعلمت الخوارزمية قراءة المعادن من أطياف Gaia أيضاً. قام الباحثون بفحص ما إذا كان الذكاء الاصطناعي مناسباً للمهمة بعد التدريب باستخدام أطياف النجوم التي عُرِفت معادنها أيضاً ولكنها لم تُستخدم في التدريب. كما أتضح، كانت الخوارزمية قادرة على تحديد الفلزية من أطياف Gaia بدقة مذهلة.
وبهذه الطريقة، يمكن للفريق التأكد من أن الذكاء الاصطناعي سيوفر أيضاً قيماً معدنية موثوقة لمليوني أطياف Gaia من العمالقة الحمراء في المناطق الداخلية من مجرة درب التبانة.
من خلال هذا، كان الفريق قادراً بالفعل على تحديد مجموعة من النجوم ذات الفلزات المعدنية المناسبة التي تشكل النواة القديمة لمجرتنا. تُظهر المقارنة مع العمالقة الفرعية كما حددها ريكس وشيانغ في الدراسة السابقة، أن النواة القديمة لمجرة درب التبانة يجب أن تكون أقدم من حوالي 12.5 مليار سنة. تقع جميع النجوم على مسافة قصوى تبلغ حوالي 15000 سنة ضوئية من المركز – للمقارنة، تمتد مجرة درب التبانة بأكملها على ما يقرب من 200000 سنة ضوئية.
أستفاد الباحثون من حقيقة أن معدنية بعض النجوم التي سجل لها  Gaia،أطيافاً كانت معروفة بالفعل من مسح آخر للسماء. تُستخدم بيانات التدريب هذه في علم الفلك لوصف وفرة العناصر الكيميائية الأثقل من الهيدروجين والهيليوم. يمكن تحديده من طيف النجم وهو مقياس تقريبي لعمره.
يشير الطيف إلى توزيع شدة الضوء،على سبيل المثال،أعتماداً على طول الموجة. تتميز الخطوط الموجودة في طيف النجم بالعناصر الكيميائية الموجودة في غلافه الجوي.
نحن نبحث عن نجوم المجرات الأولية.
أظهر المزيد من التحليل للتركيب الكيميائي أنه على الرغم من عمرها الكبير، فمن المحتمل جداً أن تكون هذه النجوم قد تشكلت في مجرة درب التبانة بعد وقت قصير من إندماج المجرات الأولية. يقول هانز والتر ريكس "لقد أكدنا بالتالي ما تنبأت به المحاكاة الكونية حول التاريخ المبكر لمجرتنا الأصلية".
بعد ذلك، يأمل الباحثون في إستخدام أطياف عالية الدقة من استطلاعات السماء الإضافية لتحديد مواقع وحتى أنماط حركة النجوم في قلب مجرة درب التبانة بدقة. إذا سمح مثل هذا التحليل بتخصيص النجوم لمجموعات مختلفة، لكل منها نمط حركة مميز، فيمكن أن تتوافق هذه المجموعات مع المجرات الأولية التي تشكلت منها مجرة درب التبانة. لقد توصل علم الآثار الكوني من خلال هانس والتر ريكس وفريقه بالفعل إلى أصل مجرة درب التبانة.

*ماركوس بوسل فيزيائي وفلكي وصحفي ألماني.

*النجوم العملاقة هي نجوم شبيهة بالشمس نفد وقودها وبالتالي فهي تتوسع. علم الفلك يميز بين العمالقة الفرعية والعمالقة الحمراء. الكائنات الفرعية هي في مرحلة تطورية قصيرة نسبياً، لذلك يمكن تحديد عمرها بدقة. العمالقة الحمراء أكبر بما يصل إلى 100 مرة وأكثر سطوعاً بمقدار 1000 مرة من شمسنا ، لكنها باردة نسبياً وبالتالي تظهر ضاربة إلى الحمرة.


25
الحرب في أوكرانيا - لماذا تحتاج أوروبا إلى سياسة انفراج جديدة.
أعداد:حازم كويي
هذا هو عنوان الكتاب الصادر حديثاً  "لماذا تحتاج أوروبا إلى سياسة انفراج جديدة" من تأليف ساندرا كوستنر،الخبيرة في مجال التعليم،وستيفان لوفت،الخبير في قضايا التحليل السياسي.
كيف يجب أن تسير الأمور في أوروبا حتى تصمت البنادق في شرق القارة ولا ينتشر الصراع الدموي في أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي،رغم القتلى والجرحى وزرع الكراهية من جميع الجهات،كيف يتوقف هذا الصراع الدامي؟
الكتاب يحتوي على ثلاثة أقسام.
يتناول الجزء الأول خلفية الحرب. حيث تكتب ساندرا كوستنر عن الفرص التاريخية الضائعة. التي حدثت على وجه التحديد في فترة الاضطرابات السلمية في نصف الكرة من الأتحاد السوفيتي وفي شرق وجنوب شرق أوروبا الوسطى في الثمانينيات من القرن الماضي.
في بداية التسعينيات، كانت هناك نافذة زمنية سياسية حقيقية لتنفيذ مقترحات السوفيات وكذلك(أمل الملايين من الألمان في الشرق والغرب) من أجل بيت مشترك في أوروبا. وفقاً لذلك، كانت روسيا ستصبح جزءاً لا يتجزأ من عائلة الدول الأوروبية من لشبونة إلى فلاديفوستوك. يوضح كوستنر أنه بعد فترة وجيزة من إعادة التوحيد السلمي، لم تكن مصالح الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال متوافقة دائماً مع مصالح أوروبا. كما هو معروف، تحقق حلم بيت أوروبي مشترك. بالإضافة إلى المقالات الأخرى التي كتبت من كتاب آخرين التي تستحق القراءة، فالسياسي في الاتحاد الديمقراطي المسيحي والنائب السابق ووزير الدولة البرلماني السابق في وزارة الدفاع الفيدرالية فيلي فيمر،يحذر من أن السياسة الألمانية محصورة أعقاب المصالح الأمريكية . يتذكر فيمر أن أول وزير خارجية فيدرالي،والذي كان يحظى باحترام كبير في ألمانيا والعالم، هانز ديتريش غينشر (من الحزب الديمقراطي الليبرالي) قد أستقال لأنه لم يرغب في دعم سياسة خارجية ألمانية كانت موجهة فقط لمصالح الولايات المتحدة. كان وزير دفاع الاتحاد الديمقراطي المسيحي، جيرهارد ستولتنبرغ، أول وزير دفاع في ألمانيا، الذي تصرف وفقاً لما يمليه عليه ضميره. نتيجة لذلك، كانت هناك سياسة خارجية ألمانية بالكامل ألغت المصالح الأمنية الحيوية لروسيا. لكن حتى المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول لم يرغب في ذلك. بعد زياراته لواشنطن، أشتكى في كثير من الأحيان في المجموعة البرلمانية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد الاجتماعي المسيحي من هذه السياسة الخاصة بالولايات المتحدة. حيث أعرب المستشار كول مرات عديدة عن عدم فهمه، أن واشنطن ليس لديها مخاوف بشأن الاستفادة من حقيقة أن الولايات المتحدة قد أنتصرت في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي. كان كول يرى أنه لا ينبغي لأحد أن يتعامل مع شعب كبير - الروس - لأنه بخلاف ذلك يخاطر المرء بالدخول في الموقف العدائي التالي. وهو مُحق في ذلك. وحقيقة أنه مع ذلك تتماشى السياسة الألمانية مع المصالح الأمريكية هي تعبيرعن العجز السياسي فيما يتعلق بواشنطن. "ويحذر السياسي فيمر أيضاً من استمرار أحتراق برميل البارود في البلقان، حيث تلتقي المصالح الجيوسياسية للغرب وروسيا. كان "استبعاد صربيا من التنمية الأوروبية" في ذلك الوقت أحد أسباب هذا الخطر الشديد.
الجزء الثاني من الكتاب المعنون "ردود الفعل على حرب العدوان الروسية". يبحث عن مدى تحقيق العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا - خاصة في قطاعي الغاز والنفط - لأهدافها المرجوة. لا يمكن إجراء تقييم نهائي وجاد لهذا السؤال في الوقت الحالي. يوضح رولاند سبرينغر، الذي عمل، من بين أمور أخرى، لسنوات عديدة في منصب رفيع المستوى في مجلس إدارة شركة مرسيدس „Mercedes Benz AG“ (ومثلما لا تعترف أوكرانيا ببساطة بالهزيمة عسكرياً وتقاوم المعتدي الروسي بقوة، فإن روسيا من جانبها لا تعترف بأنها هُزمت اقتصادياً من قبل المعتدي الغربي ولا تبدِ أي مقاومة واضحة). ويتابع سبرينغر،من أن الطرف الثالث المقاوم بشدة في هذا السباق وحاجاتها بوصول السلع الأقتصادية اليها،التي اصبحت نادرة للغاية بسبب العقوبات،هي دول أوبك ودول أفريقيا،آسيا وأمريكا اللاتينية الغنية بالمواد الخام. من اللافت للنظر، من أجل الحفاظ على هذه البلدان كشركاء تجاريين، فأن السياسة الخارجية الألمانية لا تستند إلى أحترام القيم وتلتزم بحقوق الإنسان للأمم المتحدة، ولكن ينطبق عليها مسرحية بريشت البنسات الثلاث "يأتي الطعام أولاً، ثم تأتي بعد ذلك الأخلاق".
يتناول الجزء الثالث من الكتاب وجهات النظر والأفكار. "لا يمكن أن يكون هناك سلام إلا مع روسيا وليس ضد روسيا" ، كما يقول كلاوس فون دوناني، وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية، ووزير العلوم الاتحادي والعمدة الأول السابق لمدينة هامبورغ والمنظر الأوروبي من الحزب الديمقراطي الأجتماعي. فعلى سبيل المثال، لم تكن سياسة ألمانيا الغربية تجاه روسيا قبل عام 1990 قائمة على مبدأ التغيير من خلال التجارة، بل على التغيير من خلال التقارب. لم تكن هذه النظرة للسياسة آنذاك ولا الآن ساذجة. يوضح  دوناني "مهما كانت العلاقة مع جار كبير ويحتمل أن تكون خطرة، لا يوجد بديل لمحاولة صنع السلام، ولفهم مصالح المرء."
في الختام، خرج ستيفان لوفت باستنتاجه، لماذا إنهاء الصراع مع روسيا تصب لمصلحة ألمانيا الخاصة: هذه حرب تدور بالوكالة في أوكرانيا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا من جهة أخرى. من الناحية السياسية، ألمانيا هي بالفعل طرف في الحرب. كواحدة من أهم المراكز اللوجستية الغربية للحرب، هناك خطر جسيم على ألمانيا من أن الصراع يمكن أن ينتشر ويتصاعد إلى دول ثالثة. والمقصود بلغة واضحة هو توسيع منطقة القتال المميتة على الأراضي الألمانية. يتابع لوفت "غالباً ما يُطيل الدعم الخارجي مدة الحرب ويزيد من عدد القتلى وأحتمال إندلاع الصراع مرة أخرى في المستقبل". لكن "الجبهة الداخلية" أصبحت أيضاً دعائية وسياسية وقانونية " وكمثال على ذلك، يستخدم لوفت التشديد المثير للجدل للفقرة 130 من قانون العقوبات الألماني للتحريض على الكراهية. تم أعتبار جرائم الحرب الروسية المزعومة في نزاع أوكرانيا الحالي في الأصل جريمة لإنكار الجرائم الألمانية مثل الهولوكوست، وسيتم إدراجها الآن إذا أعرب أي شخص في ألمانيا عن شكوكه علناً بشأن وجودها. يشير لوفت إلى المخاطر التي ستنشأ من الآن فصاعداً فيما يتعلق بالحق الأساسي في حرية التعبير. وهو يشير هنا إلى الانتقادات التي وجهها خبير القانون الجنائي الألماني الشهير وعضو لجنة القانون الدستوري في نقابة المحامين الفيدرالية الألمانية غيرهارد ستراتي. وبناءاً على ذلك، فإن التغيير في الحقائق يؤدي إلى تجريم المعارضين السياسيين. أخيراً وليس آخراً، ملاحظات لوفت حول العواقب البيئية للحرب الأوكرانية على أوروبا كلها مهمة. تتخلف ألمانيا باستمرار عن الأهداف المناخية التي حددتها لنفسها. ومع ذلك، فإن كل "حرب حديثة" هي "قاتل للمناخ".


 


 



26
في الذكرى الـ 125 لميلاد العبقري الأندلسي فيديريكو غارسيا لوركا.
ينيس غراندت*
ترجمة:حازم كويي


بدأت الشهرة لأهم شاعر وكاتب مسرحي إسباني حديث بعد فترة من الأكتئاب. عثرَ فيها على مكانه بعد عدة محاولات فاشلة في عالم الفن والنقاشات الطويلة مع والديه حول أفعاله "غير العملية"
 كان فيديريكو غارسيا لوركا يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً عندما عُرضت دراما ماريانا بينيدا لأول مرة في برشلونة. لقد أعاد كتابته عدة مرات، وأستمرت المفاوضات مع مدير الإنتاج، ثم تأجلت من خلال رقابة ديكتاتورية ريفيرا، وأخيراً تجرأت الممثلة الشعبية مارغريتا زيرغو، التي تولت الجزء الرئيسي من الإنتاج، على الاختراق. . لقد أصبح نجاحاً كبيراً.
الفكرة التي أصبحت أسطورية، حركتهُ منذ الطفولة: الأرملة الشابة الجميلة ماريانا بينيداس، التي ساعدت في تحرير أبن عمها بيدرو،من السجن والذي كان يحبها، رغم أنها عهدت بقلبها إلى ضابط ليبرالي. من الواضح لها أن انهيار النظام الملكي المكروه والعودة إلى الديمقراطية فقط سيجعل الحياة السعيدة مع بيدرو ممكنة. قامت بتطريز العلم بالأحرف الأولى بكلمات "القانون"، "الحرية"، "المساواة" - بدافع الحب الخالص لبيدرو. ومع ذلك، كما اتضح، فقد كان يدوركثيراً حول الانتفاضة دون أن يفعل أي شئ. عندما تعثر الشرطة على القماش، من المفترض أن تكشف ماريانا أسماء المتواطئين معها. ولأنها رفضت ذلك، تم إعدامها علانية في Campo de Triunfo.حيث أقامت مدينة غرناطة من منزل بينيداس مكان عرض لـ "المناضل من أجل الحرية".
على الرغم من أن الحرية والمساواة موضوعان، إلا أن غارسيا لوركا لم يشرع في كتابة مأساة سياسية. كان مهتماً بالجانب النفسي، كان الحب والموت غير المحققين هما الموضوعات الأساسية التي أراد أن يعطيها شكلاً شعرياً. هذا هو الحال أيضاً في "رومانسية الغجر" المتعلقة بالغجر الإسبان.
كانت الصحافة قد تعرفت بالفعل على مجلدين من الشعر، لكن الرومانسية كانت إحساساً حقيقياً. وقد طُبعت ست مرات قبل انقلاب الجنرال فرانكو. "رومانسية الغجر" هو الشعر الأكثر مبيعاً في القرن العشرين.
هذه "الأغنية الأندلسية"، التي يوحد فيها غارسيا لوركا "جميع العناصر المحلية"، كما كتب، لن يكون من الممكن تصورها إذا لم تتأثر بالمشهد الثقافي القديم لفيغا، السهل الخصب.
ولد لوركا في 5 يونيو 1898 في قرية فوينتي فاكيروس الصغيرة، على بعد حوالي عشرين كيلومتراً من غرناطة، وقد تأثر بشدة بالبيئة الريفية والحياة المتواضعة للفلاحين وعمال المياومة وثقافتهم الفولكلورية المزروعة بقوة. عاش الغجر أيضاً في قريته وربما كانت والدة جد لوركا من الغجر. على أية حال، لا يجب أن يكون مؤلف كتاب "رومانسية الغجر" غير مبالٍ بحقيقة أنه ربما يكون قد أنحدر من طائفة الروما(تعني الغجر أيضاً)،حتى لو لم يكن في سلالة مباشرة.الذي كان يحظى بتقدير كبير لهم. بالنسبة له، أصبحوا حاملين رموزاً للسمات الأساسية للنفسية الأندلسية.
ينعكس كل هذا في "العلاقات الرومانسية مع شخصيات مختلفة ظاهرياً، ولكن في الواقع لها شخصية روحية واحدة: غرناطة ..." والعذاب ("بينا")، والشعور بالنذير والعذاب. ومع ذلك، فإن الرومانسية هي كتاب مناهض للفولكلورية. يسعى لوركا جاهداً لمزج المكونات الغنائية الحديثة في السرد التقليدي من أجل الوصول إلى توليفة جديدة. الأساطير ليست دائماً مفهومة على الفور، خاصة في الترجمات. إنهم يثيرون إعجابهم بالحيوية والاستعارات الجريئة.
فهي منارات في طريقها إلى المراتب العليا من الكُتاب الإسبان منها دراما لوركا:عرس الدم،قاحل،العازبة دونخا روزيتا وغيرها. وتم تأديتها مرة أخرى في أوروبا وأمريكا قبل الكارثة الفاشية وبعد الحرب. في ذروة إبداعه، مكث في نيويورك لبضعة أشهر، وهو ما انعكس في دورة »Poeta en New York«شاعر في نيويورك>>. وفي كوبا تم الاحتفال به بشكل عاصف. في الأرجنتين، أمضى العديد من الأمسيات مع بابلو نيرودا، في مدينة بوينس آيرس، لا يمكن للمرء أن يفتح صحيفة دون أن يسمع عن العبقرية الأندلسية.
مع كل هذا الانتصار، يجب ألا تغيب عن بالنا البداية الصعبة. كان فيديريكو غارسيا لوركا طالباً سيئاً في كليات الفلسفة والقانون في غرناطة، لم يُرضي مُعلميه،فقد كان يرغب بأن يصبح موسيقياً. كان عازف بيانو لامعاً، وكذلك الكيتار. بسبب وفاة مدرس الموسيقى الخاص به، رفضَ والد لوركا السماح له بالانتقال إلى باريس وأصر على إكمال دراسته ،حيث "وجّه دافعه الإبداعي (الدرامي) نحو الشعر"، كما كتب لاحقاً في مذكراته الشخصية.
في غرناطة يتواصل مع مجموعة من العاملين في مجال الثقافة والبوهيميين الذين يحتقرون الشعر الرومانسي لقصر الحمراء. دائرة المثقفين المحلفين التي بالكاد تكون ممكنة اليوم، في عصر العزلة الرقمية. كان جميعهم تقريباً موظفين أو مؤلفي مجلة شهرية حديثة التأسيس. ألتقيا كل مساء في مقهى "Alamed" خلف منصة الموسيقى في "rinconcillo"(ركن مريح)، ولهذا السبب أطلق على المجموعة، التي كانت نشطة لسنوات عديدة، اسم "Rinconcillo".
كان لوركا أصغر الأعضاء والمتحمس للمناقشات المحتدمة. حين أنتقاله إلى مدريد، وجد مقراً في السكن الدراسي "Residencia de Estudiantes"،هي نوع من الكليات مثل أكسفورد - المكان المثالي للمشاركة في الحياة الفكرية. أصبح صديقاً مقرباً لسلفادور دالي ولويس بونويل، اللذان كانا أصغر منه بقليل.
كانت المجموعة مفتونة بغارسيا لوركا وبحساسيته غير العادية ومزاجه وروح الدعابة والسحر. كان مركز الاهتمام أينما ذهب. ومع ذلك، سيطر عليه يأس مظلم لمرات عديدة حينما لم يحرز تقدماً في عمله الفني رغم إجتهاده من ناحية، وعندما لم تتحقق توقعاته الجنسية المثلية أو تفككت الشراكات من ناحية أخرى. وعانى كثيراً، خاصةً لأن شذوذه الجنسي كان يجب أن يظل مخفياً عن والديه.
في عام 1925، أشترى الأب بستاناً في"Huerta de San Vicente" في الضواحي الجنوبية لغرناطة. خصصها في زراعة بنجر السكر وأصبح ثرياً جداً. هويرتا تعني ملكية ريفية. كان المنزل الصغير محاطاً بالمروج والفواكه وأشجار الرمان، ولا يزال على حافة سهل فيخا. لوركا أقام هناك لفترات كثيرة. المكان الآن هو متحف. الأثاث وكل شيء في المنزل لم يُمس، وكأن هناك حركة في داخله، يتم تنظيفه بدقة مثل أي متحف، وتم تكييفه مع المعايير الدولية في التسعينيات.
كراسي هزازة وأريكة وطاولة رخامية في غرفة الانتظار. غرفة الطعام،هي أكبرها، ساحة، طاولة مغطاة، كراسي جلدية، كراسي بذراعين، مقابل الحائط خزانة ذات أدراج سوداء أنيقة مع قمة عاكسة، مقابل لوحة إيزابيل لوركا على البيانو، الشقيقة الصغرى للشاعر،التي كان يحبها كثيراً. ضوء ساطع من خلال النوافذ الطويلة. عند صعود الدرج، يقف المرء أمام البيانو الكبير الذي عزف عليه لوركا ديبوسي ومانويل دي فالا. غرفته بها سرير وغرامافون في الزاوية ومكتب كبير به الكثير من الأدراج. على هذه الطاولة، قام بتأليف آخر رومانسيات الغجر، وكتب "حوارات" فنية ورسائل شجاعة لا تشوبها شائبة حتى يتسنى عرض مسرحياته.
بعد سقوط بريمو دي ريفييرا والانتخابات المحلية التي حققت لفترة وجيزة حلم إسبانيا الديمقراطية، دعم لوركا الجمهورية بإخلاص. مع المسرح المتجول "لا باراكا" ، جاب البلاد كمخرج وممثل ومصمم مواقع وموسيقي. في عام 1934 وصل الوضع إلى ذروته. قوضت حكومة محافظة الآن الإصلاحات السابقة، مما أدى إلى الانتفاضة في أستورياس. الديموقراطيون يقاتلون الكتائبيون. سقط فيهاالكثير من القتلى.
مسرحية لوركا الجديدة "قاحل" لاقت إستحساناً، والتي أزعجت المتطرفون اليمينيون.بعد ذلك لم يعد لوركا واثقا من حياته.
لعقود من الزمان، كانت وفاة أشهر شاعر إسباني تعتبر من المحرمات - حتى أوضح الإسباني إيان جيبسون تلك الظروف بدراسات خاصة لسيرته الذاتية العظيمة. في 14 يوليو 1936، حين وصل لوركا إلى منزل والديه في هويرتا دي سان فيسنتي. تم تفتيش المنزل عدة مرات من أجل تعقب زملائه الجمهوريين. لوركا تعرض لسوء المعاملة. لجأ إلى منزل صديق شاعر بالقرب من مكتب المحافظ. تم اعتقاله وإطلاق النار عليه مع عدد من الجمهوريين بالقرب من غرناطة ودفن في الميدان. لم يتم العثور على الجثة حتى يومنا هذا.
*كاتب وصحفي ألماني.

27
 
  ولادة الأمبريالية
الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898. نقطة تحول في تأريخ الولايات المتحدة.
إنغار سولتي
ترجمة:حازم كويي


 قبل 125 عاماً بدأت الحرب الإسبانية الأمريكية. غالباً ما وَصَفت الأدبيات هذه الحرب، والتي أنتهت بهزيمة إسبانيا متنازلة عن ممتلكاتها الاستعمارية للولايات المتحدة، كونهاحرب غير مرغوب فيها. وروجت وسائل أعلام مثل هيرست، وبوليستر الى المزاج والحماس القومي المتطرف للحرب وتغذيته، والضغط من قبل الجماعات المتمردة الكوبية في الولايات المتحدة الذين كانوا يتكهنون بتدخل أمريكي، مع حملة ضد الرئيس ويليام ماكينلي، من أن حكومته ستجعل الحرب أخيراً من جانبها حتمية.حين دمر أنفجار غير مبرر في 15 فبراير 1898 البارجة الأمريكية "مين" في ميناء هافانا وأودى بحياة ضابطين و 258 من أفراد الطاقم، أتهمت البحرية الأمريكية إسبانيا بالهجوم الإرهابي. في نهاية الأمر واصل ماكينلي أيضاً إحتفاظه بالسلطة بإعلان الحرب.
ما ينقص هذه الحسابات هو الاقتصاد السياسي لهذه الحرب. في الواقع، يمثل هذا الانتقال التأريخي للسياسة الخارجية الأمريكية من التوسع المحلي إلى الإمبريالية الخارجية، ومرحلة وسيطة بين الاستعمار الرسمي الكلاسيكي في أوائل القرن العشرين والاستعمار الجديد غير الرسمي الذي سيميز النصف الثاني حتى الوقت الحاضر.
على هذا النحو، كانت الحرب هي الاختيار السياسي الواعي لحكومة جمهورية قائمة على الإجماع الإمبراطوري لأقوى فصائل رأس المال - الزراعية والصناعية والمالية.
الصورة الذاتية الإمبراطورية.
تتوافق الحقائق الآن مع حقيقة أن ماكينلي نفسه لم يكن إمبريالياً وجنرالاً متحمساً. لقد تم إدراج هذا المحارب المُخضرم في الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) برعب الحرب وإراقة الدماء والدمار. في اليوم السابق لانتخابه، ورد أن ماكينلي أخبر سلفه الديمقراطي، جروفر كليفلاند، أنه سيكون "أسعد رجل على قيد الحياة" إذا تمكن من تجنب "الكارثة المروعة" للحرب خلال فترة ولايته. كليفلاند مارس الضغط من أجل التخلي الطوعي لإسبانيا عن مطالبها الاستعمارية في كوبا. ووفقاً للمؤرخين الأمريكيين تشارلز وماري بيرد، فإن "ماكينلي" "روج لموقف متردد تجاه المغامرات الأجنبية".
في الواقع، حاول ماكينلي في البداية منع العسكري والإمبريالي المُتشدد ثيودور روزفلت من لعب دور في إدارته. كان روزفلت، الذي أتهمه من داخل إدارته بأنه يمتلك "عموداً فقرياً مثل الشوكولاتة المغلفة بالكريمة"، وتحت تأثير قوي من الجيوسياسي،والنقيب الأستراتيجي البحري ألفريد ثاير ماهان، أضطر ماكينلي أخيراً إلى الرضوخ للضغط السياسي وترشيح روزفلت لمنصب نائب وزير البحرية في 6 أبريل 1897. وعبر روزفلت في خطاب ألقاه في 2 يونيو في كلية الحرب البحرية عندما قال، "لا يوجد أنتصار للسلام يقترب من أعظم أنتصار للحرب." وفي رسالة إلى صديق له في نفس العام، كتب: "احتفظ بهذا الأمر بصرامة سرية، سأرحب بشكل أساسي بأي حرب لأنني أعتقد أن هذا البلد بحاجة إلى واحدة ".
بحلول هذا الوقت، كانت الصورة الذاتية الإمبراطورية قد تطورت منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة. لقد تم تطبيقه بالفعل في عملية غزو الإبادة الجماعية لقارة أمريكا الشمالية ضد السكان الأصليين وفي الدفاع العسكري ضد المصالح الاستعمارية لبريطانيا العظمى وفرنسا وإسبانيا. مع "مبدأ مونرو" لعام 1823، تمت صياغة إدعاء الولايات المتحدة للسلطة في البداية لنصف الكرة الغربي. حتى ذلك الحين، تم إعلان القارة الأمريكية بأكملها حتى باتاغونيا، ساحة خلفية للولايات المتحدة.
لكن ما يميز الإمبريالية الأمريكية كان ولا يزال خصوصيتها التاريخية. أعلنت الولايات المتحدة أستقلالها عام 1776 وفرضته في حرب ضد القوة الاستعمارية البريطانية.
على هذه الخلفية، تم التعبيرعن مطالبتهم بالتفوق باسم مناهضة الاستعمار. بين عامي 1810 و 1825، حصلت جميع المستعمرات الإسبانية والبرتغالية تقريباً في القارة الأمريكية على إستقلالها من خلال حروب التحرير طويلة الأمد (كولومبيا 1810، باراغواي 1813، الأرجنتين 1816، تشيلي 1818، الإكوادور 1820، المكسيك، كوستاريكا، غواتيمالا، هندوراس ونيكاراغوا 1821، البرازيل 1822، فنزويلا 1823، بيرو 1824، أوروغواي 1825).
أنفصلت هايتي عن فرنسا عام 1804. بصراحة، كانت عقيدة مونرو "نظام منطقة أكبر مع حظر على تدخل القوى الأجنبية" - على وجه التحديد لإسبانيا والبرتغال، ولكن أيضاً لفرنسا وبريطانيا العظمى، ولم تبدأ مطلقاً في الانفصال بشكل كامل عن الإمبراطورية البريطانية. قبل أقل من عقد من الزمان،غزا الجنود البريطانيون العاصمة واشنطن وأحرقوا البيت الأبيض ومبنى الكابيتول في "حرب 1812" (1812-1815)، ليس من منطلق مصلحتهم الخاصة في التوسع، ولكن بشكل غير أناني تماماً على أساس سياسة خارجية قائمة على القيم لمساعدة القوميين الكوبيين، الذين كانوا في حالة تمرد منذ عام 1895، في قتالهم ضد القوة الاستعمارية الإسبانية. لكن منذ البداية، لم تكن سياسة الولايات المتحدة تجاه أمريكا اللاتينية دفاعية. بدلاً من ذلك، كان مرتبطاً في الوقت نفسه بادعائه الخاص بفرض مصالح رأس المال الأمريكية عسكرياً في أمريكا. لذلك، أطلق المؤرخ الأمريكي ويليام أبلمان ويليامز أيضاً على مبدأ مونرو "بيان الإمبراطورية الأمريكية"،  وهو يوثق لـ خلال فترة الـ 75 عاماً بين نشر العقيدة وبداية الحرب الإسبانية الأمريكية، ما مجموعه 71 "تدخلاً" عسكرياً بدون إعلانات حرب بهدف حماية رأس المال الأمريكي في الخارج. من البارجة التي أنفجرت في هافانا، كان هدفها "تأمين المصالح الأمريكية". وبالتالي، فإن إبراز القوة العسكرية قد تم أختباره منذ فترة طويلة عشية الحرب الإسبانية الأمريكية. في الوقت نفسه، ذهب هذا النوع من التدخل الحربي لحماية الاستثمارات الرأسمالية والمواطنين الأمريكيين في الخارج بالفعل إلى ما هو أبعد من نصف الكرة الغربي وأمتد إلى الصين وحتى شرق البحر الأبيض المتوسط ليصبح قوة عالمية، كانت نفسها مُستعمرة في السابق، وقد أنتجوا تاريخياً نوعاً جديداً من الإمبريالية. الذي كان موجهاً نحو الشرق بطريقة إمبريالية كلاسيكية وأستعمارية أستيطانية، ومن خلاله تم تشكيل "نظام واسع النطاق مع حظر لنشوء تدخل قوى خارج المنطقة "، وقد أدرك فيه بعد نظر المستقبل الفعلي للسياسة الإمبريالية وتحدث وليامزعن" أشكال الإمبريالية الحديثة بموجب القانون الدولي ". وعن" مناهضة إمبريالية للاستعمار ". مع السياسة الإمبريالية التقليدية.
التوسع الخارجي.
خلال حرب الاستقلال الأمريكية، وصف توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة (1801-1809)،الهدف المستقبلي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة بصيغة "إمبراطورية واسعة النطاق وحكم ذاتي". ستكون الولايات المتحدة "إمبراطورية حرية". حتى ذلك الحين، كانت الحرية تعني "الحرية الفردية" لرأس المال في ممارسة الحكم الاقتصادي (على العمل) والحكم السياسي ("لا ضرائب بدون تمثيل") في نفس الوقت.
المنطقة الأكبر من "إمبراطورية الحرية" في البداية هي "المناطق الداخلية" لقارة أمريكا الشمالية نفسها ومع ذلك، بعد إغلاق الحدود والقمع العسكري النهائي بشكل أساسي على التمردات الأمريكية، توسع هذا المنظور الإمبراطوري ليشمل العالم بأسره .
في عام 1890، أعلن مكتب وكالة إحصاءات السكان الأمريكية، أنه لم يعد هناك بلد في الاتحاد بدون مستوطنين،والتبرع لهم بالأراضي،حسب قانون التبرع بالأرض لعام 1850 وقوانين الأستيطان.
 عام 1862 (في الولايات الشمالية) و 1866 (في الجنوب المهزوم)وضع الأساس للتوسع الداخلي. كانت قوانين المساكن سبباً رئيسياً للحرب الأهلية لأن أصحاب المزارع المالكة للعبيد في الولايات الجنوبية كانوا يخشون أن يغادر عمال المزارع البيض الفقراء، وفي الوقت نفسه أرادوا أقتصاد المزارع الموسع (بدلاً من اقتصاد المزارع الرأسمالي الزراعي القائم على أساس إنتاج سلعي صغير الحجم) أراد الغرب أن يرى توسعاً بعد ثلاث سنوات، وصف المؤرخ الأمريكي فريدريك جاكسون تورنر إغلاق "الحدود" في عام 1890 بأنه نقطة تحول في تاريخ الولايات المتحدة، وربط أطروحته بإحساس إمبراطوري بالمهمة بالنسبة للرأسمالية الأمريكية في الولايات المتحدة. تجلى ذلك في "ذعر 1893"، بأزمة عميقة من الإفراط في التراكم الرأسمالي، حيث إنهارَ خمسمائة بنك و 15000 شركة، وأرتفعت البطالة الجماعية، وتبع ذلك إنتشار الفقر. وبدأ إغلاق الحدود في الداخل كضرورة لتحويلها بالتوسع إلى الخارج. لأن الولايات المتحدة ظهرت الآن أكثر فأكثر كمصدر للسلع ورأس المال. بين عامي 1870 و 1900، أرتفعت حصتها من صادرات السلع العالمية من 7.9 إلى 14.1 في المائة. ومنذ تسعينيات القرن التاسع عشر،ظهرت في الولايات المتحدة الحركات الشعبوية العمالية وأصحاب الحيازات الصغيرة.
يكتب ويليامز أن "التداعيات الاقتصادية للكساد الاقتصادي وعقوبته على مخاوف حقيقية من الاضطرابات الاجتماعية الواسعة النطاق أو حتى الثورة"، أنهى التحول الطويل والتدريجي في النخب الحضرية إلى خط المزارعين التقليديين، الذي أعتبر التوسع في الأسواق الخارجية أمراً أستراتيجياً. حل "للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية الوطنية."
في عام 1894، تسبب إضراب عمال سكة حديد بولمان، الذي سحقه غروفر كليفلاند بالدماء، في خوف مروع من الثورة. ربما لا يمكن مقارنتها إلا بتأثير كومونة باريس عام 1871 على البرجوازية الأوروبية.
وفقاً للصحافي الاشتراكي والمؤرخ الأمريكي غوستافوس مايرز في كتابه الكلاسيكي "المال"، كان أنتخاب ماكينلي كرئيس "علامة واضحة" على أن الأثرياء أكتسبوا السلطة الكاملة "وأن" التروستات لم تكن معارضة للحكومة، ولم يكن لديها خوف من روزفلت، على الرغم من خطاباته العرضية المناهضة للاحتكار،فقد كان دائماً واثقاً من دعم البرجوازية الصناعية والمالية،ووفقاً للمؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستاتر كان دافعه "الخوف من الغوغاء".
سياسة الباب المفتوح.
وهكذا أتبعت الحرب الإسبانية الأمريكية والتحول إلى الإمبريالية المفتوحة منطقاً اقتصادياً لتصدير السلع الفائضة ورأس المال ومنطقاً سياسياً للإلهاء الأيديولوجي عن التناقضات الداخلية. كتب هوفستاتر أن "الكساد الذي حدث في تسعينيات القرن التاسع عشر" ولّدَ شعوراً بعدم الارتياح والقلق لدى الطبقات الوسطى الأمريكية. لقد رأوا صعود الشركات الكبرى من ناحية والحركات العمالية والشعبوية من ناحية أخرى.
بالنسبة لهم، كما هو الحال لـ (روزفلت)، كانت الحرب بمثابة تسريب.  إن ممارسة القوة الوطنية على المسرح العالمي جعلتهم يشعرون أن الأمة لم تفقد قدرتها على النمو والتنمية. "كانت تلك المشاعر هي التي" جعلت الجمهور يتقبل الحرب الإسبانية غير الضرورية ومزاج رجل مثل روزفلت.
ووجد هوارد زين على أن "إغلاق الحدود، والأزمة الاقتصادية العميقة التي بدأت في عام 1893، والصراعات الطبقية المتصاعدة من الأسفل، قد عززت الفهم بين النخب السياسية والمالية في البلاد بأن الأسواق الخارجية عبر البحاركانت مشكلة ونقص الاستهلاك في الداخل والأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى حرب طبقية في تسعينيات القرن التاسع عشر. وأستخدم ماكينلي سلطة الدولة الأميركية لإعادة النقود وتحقيق الدخل "حرروا كوبا وأعدوا تنظيم العالم وفقاً لمبادئ السوق الحرة".
من النتائج المهمة من كل ذلك، أن إمبريالية "الباب المفتوح" الجديدة في الولايات المتحدة كانت نتيجة لعملية سياسية كان عليها أيضاً التغلب على الميول الحمائية من جانب رؤوس الأموال الصناعية الموجهة محلياً أو غير التنافسية دولياً. لقد توصل ويليامز إلى أن المحرك الاجتماعي للوعي الإمبراطوري، الطبقة الدافعة، لم يكن في الأصل صناعياً ومالياً، بل رأسمالاً زراعياً أمريكياً. لقد أرسى الإنتاج الفائض للمزارعين، بعد كل ذلك الغالبية العظمى من سكان الولايات المتحدة، والحاجة المتأصلة للتوسع، الأساس لسياسة إمبريالية.
ومن المفارقات أن النقص المزمن في العمالة الناجمة عن وجود الحدود والأرض "الحرة" للاستعمار الاستيطاني وتكاليف الأجور المرتفعة المقابلة في الزراعة جعلت الولايات المتحدة شديدة المنافسة لأنها أجبرت المزارعين على الابتكارات التقنية واستبدال العمالة الحية بالآلات. نشأت القدرة على التوسع والحاجة إلى التوسع في نفس الوقت. "مهما بدا هذا متناقضاً، فإن جوهر الأمر بسيط: كان المزارع في أمريكا الشمالية رجل أعمال رأسمالي، مصدر رزقه يعتمد على حرية الوصول إلى السوق العالمية، وحث بشكل متزايد حكومة الولايات المتحدة على إستخدام سلطاتها لتأمين مثل هذه الحرية لفرص الربح "، كما يقول ويليامز.
التركيز العالمي تطور أيضاً لأن الطبقات الحاكمة في "أوروبا القديمة" ركزت على عولمة الأسواق الزراعية في سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما وصل القمح الأمريكي إلى أوروبا وفرضوا ضغوطاً عليها،فأستجابوا للحماية بسياسة التعريفات الوقائية، أي محاولة عزل أنفسهم عن المنافسة الأمريكية. وبناءاً على ذلك، أصبحت المناطق الجغرافية الأخرى مهمة لاستيعاب الحاجة المتأصلة للنمو والتوسع. بالإضافة إلى الأمريكيتين، اكتسب المحيط الهادئ، الذي يطل على هاواي والصين، أهمية خاصة. اتهم الأوروبيون بتعطيل نظام السوق الحرة.
في نفس الوقت، كان التحول الإمبريالي لما وراء البحار للولايات المتحدة في نهاية المطاف غير وارد بدون البرجوازية الصناعية والمالية. كما أوضح ويليامز، كان التشرذم الجغرافي للمزارعين الأمريكيين على وجه الخصوص هو الذي نتج عنه رأس مال صناعي ومالي، المُركّز في المناطق الحضرية، وشبكات جيدة وبالتالي أكثر قدرة سياسية على التصرف، وتحديد نمط التوسع العملي. كان "قادة المدن الكبرى" - جون دي روكفلر و "ستاندرد أويل" وأندرو كارنيجي وإمبراطوريته الصناعية، قد أدركوا "أن توسع الاقتصاد الرأسمالي كان ضرورياً - صناعياً ومالياً وكذلك زراعياً - وأستخدموا روافع قوتهم السياسية الأكثر تركيزاً وكفاءة لتحديد وإبقاء القراءة الجديدة لسياسات القوة العظمى الإمبريالية تحت سيطرتهم. أستمرت تلك الفصائل الانعزالية في رأس المال حتى القرن العشرين من القرن التاسع عشر. وفي كلا المجموعتين، "تطورت" الأغلبية، التي فضلت وقبلت المفهوم الجديد لسياسة القوة الإمبريالية ".
الشكل الجغرافي الاقتصادي.
ثم تجلى هذا التحول الإمبريالي في الخارج لأول مرة في الحرب الإسبانية الأمريكية. على النقيض من التوسعات الإقليمية السابقة، مثل شراء لويزيانا (اشترته فرنسا عام 1803) وضم تكساس (1845 باسم جمهورية الاتحاد الحرة المكسيكية السابقة)، أنضم إقليم أوريغون (المرفقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بعد معاهدة مع بريطانيا العظمى في عام 1846)، شمال المكسيك (التي ضمتها الولايات المتحدة نتيجة الحرب الأمريكية المكسيكية 1846-1848) وألاسكا (اشترتها الإمبراطورية القيصرية الروسية في عام 1867) "جميع الأراضي المأخوذة من إسبانيا في عام 1898 تحولت إلى شكل من أشكال الحيازة الاستعمارية ولم يتم إستيعابها بالكامل من قبل الدولة القومية، كما لاحظ الجغرافي الاسكتلندي الأمريكي نيل سميث. كانت الحرب الإسبانية الأمريكية "لحظة فاصلة في الجغرافيا التاريخية للتوسع الأمريكي" لأن "الحدود الوطنية وحدود الولايات للولايات المتحدة كانت في الواقع ثابتة (...) والمطالبات الجغرافية التي نتجت عن الحرب كانت أقل نتيجة من التوحيد الوطني أكثر من الاستعمار الدولي.
وبهذا المعنى، سرقت الولايات المتحدة مستعمرات إسبانيا في الفلبين وغوام وبورتوريكو وكوبا، والتي أشار إليها بأستمرار"التوسعيون من جميع المعتقدات" باسم "الكمثرى الناضجة" جنباً إلى جنب مع "الفاكهة اللذيذة" في هاواي (1899-1902). كوبا فقط منحت الاستقلال رسمياً في عام 1902، لكنها سيطرت عليها بالكامل حتى الثورة الكوبية عام 1959. ظلت بورتوريكو وغوام مستعمرات أمريكية حتى يومنا هذا.
ومع ذلك، وفقاً لسميث، كانت الحرب الإسبانية الأمريكية "أول وآخر غزوة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالاستعمار الخارجي (...) لأنه بعد هذا التوسع الأمريكي اتخذ شكلاً جغرافياً أقتصادياً وليس أستعمارياً". تعتبر الحرب "حالة شاذة" في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وتمثل الانتقال إلى شكل من أشكال العولمة "يختلف أختلافاً جوهرياً" عن الإمبريالية الكلاسيكية والاستعمار الرسمي للقوى الأوروبية الكبرى. في هذه المرحلة، يتجاهل سميث أهمية الاستعمار الرسمي في سياق بناء قناة بنما، حيث أنشأت الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع دولة مصطنعة تسيطر عليه بالكامل واشنطن، والتي أنتزعتها من كولومبيا المستقلة بالقوة العسكرية. لكن من حيث المبدأ، لا يزال يتعين الاتفاق مع سميث. جذور الدولة الأمريكية باعتبارها "نموذجاً أولياً لدولة عالمية"، صاغها أيضاً عالم السياسة الكندي والماركسي ليو بانيتش، الذي فرض الرأسمالية في جميع أنحاء العالم بعد الحرب العالمية الثانية لصالح سيطرته الخاصة، ولكن أيضاً لمصلحة العواصم الدولية. بمعنى، هذا هو المكان الذي تنبع منه سياسة "الباب المفتوح"، التي يتم الحفاظ عليها بكل الوسائل العسكرية وغير العسكرية للقوة. تشير الحرب الإسبانية الأمريكية إلى ولادة الإمبريالية الأمريكية، وتقف في نهاية المطاف في مهد "عولمة" الرأسمالية من قبل "الإمبراطورية الأمريكية".



28
حزب يساري جديد في ألبانيا.

أعداد:حازم كويي
يناضل (أرليند كوري) رئيس الحزب الجديد في ألبانيا Lëvizja Bashkë (الحركة معاً) من أجل العدالة الاجتماعية، بالعمل جنباً إلى جنب مع النقابات العمالية، وتقوية دورها.
ألبانيا بقعة لاترى على الخريطة السياسية لكثير من الناس في أوروبا،وتُعد أحد أفقر البلدان فيها. منذ أنهيار النظام الأشتراكي في ألبانيا عام 1991، هيمن على البلد تفشي عدم المساواة والبطالة المرتفعة. متوسط الراتب الشهري 500 يورو. لذلك يحاول العديد من الشباب الألبان العمل في الخارج.
اليسار التقليدي والحركة العمالية ضعيفة تنظيمياً وفاقدة للمصداقية علناً بسبب إرتباطها الوثيق بالديكتاتورية القديمة، وكانوا بالكاد قادرين على تحسين الظروف في البلاد في السنوات التي أعقبت إعادة التوحيد. ولكن منذ 2010  ظهر يسار جديد في ألبانيا، التي أنبثقت من الجامعات، وهي تهدف إلى إعادة تسييس المجتمع الألباني بأكمله. إنها تريد معالجة النزاعات الاجتماعية بنشاط من خلال تنظيم النقابات والحملات الانتخابية.
في كانون الأول (ديسمبر) 2022، أسس مؤيدوا مايسمى ب (التنظيم السياسي)، مع نشطاء آخرين خارج البرلمان، حزباً يسارياً جديداً  بإسم "الحركة معاً". هدفه بناء يسار ألباني جديد، راسخ داخل الطبقة العاملة مع تنشيط النقابات.يقول رئيس الحزب أرليند كوري:
كنا نشطين بنجاح في هذه المنظمة(التنظيم السياسي) لما يقرب من إثني عشر عاماً. طوال هذه السنوات، رفضنا السياسات الحزبية السابقة ورأينا قوتنا في صراعات أجتماعية أخرى. لقد نجحنا في حشد الطلاب في أكبر إحتجاجات جماهيرية ضد قانون التعليم العالي النيوليبرالي، تماماً كما ساعدنا عمال المناجم وعمال النفط وعمال النسيج وعمال مراكز الاتصال على التنظيم في نقابات ديمقراطية جديدة.
وأنتهج هذا التنظيم السياسي طريقاً يرفض تماماً تدخل مؤسسات وعمل الدولة،الذي يجب أن ينتهي. العمال والطلبة والشبيبة والمتقاعدون شجعونا وبإستمرار على العمل والمضي قدماً،مع إتاحة الفرصة للتصويت للحزب الجديد.الهدف هوأن نكون أكثر من مجرد حزب يركز على الأنتخابات فقط،الحزب بالنسبة لنا، هو المكان الذي لا يعبر فيه عن مصالح العمال فحسب، بل قيامه أيضاً بدور نشط في النضالات الاجتماعية. بهذا المعنى نريد إنشاء حزب ديمقراطي للجماهير، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعمال والطلاب والمنظمات النسوية ومنظمات المناخ وعلى مسار مشترك.
ويؤكد رئيس الحزب أريلند كوري، أن الحزب الجديد سيعمل على توحيد الفصائل الطبقية ،فقد أدت الأيديولوجية النيوليبرالية السائدة - مثل أي مكان آخر في العالم - إلى تجزئة وعزل وأستغلال العمال والمتقاعدين والطلاب وتلاميذ المدارس والعاطلين عن العمل والنساء والمهاجرين. نحن بحاجة إلى تحالفات موثوقة من أجل المستغَلين، والذين يتعرضون للتمييز والأضطهاد، الذين يشكلون 95 في المائة من السكان في ألبانيا. نحن بحاجة إلى قوة مضادة جديدة وموحدة تبني اليوم هياكل الغد الديمقراطية.
أعضاء الحزب ( Lëvizja Bashkë) هم أهم مورد لنا،لايمثله كعضو فقط بل كمشارك نشط. فالأعضاء ينتخبون كل سنتين رئيساً جديداً للحزب، تكون وظيفته رمزية الى حد ما، حيث يتم أتخاذ القرارات المهمة في لجان العمل. ينتخب الأعضاء أيضاً مجلساً تنسيقياً، وهو أعلى هيئة لصنع القرار بين مؤتمري الحزب.
ولتسهيل العمل التنظيمي ينتخب مجلس التنسيق، الإدارة وأمانة سر، مكونة من تسعة أعضاء.
الحزب أشتراكي ديمقراطي، مهمته جعل ألبانيا مكاناً عادلاً،نريد فيها صناعة قطاعات أقتصادية أستراتيجية مثل التعدين وإنتاج النفط ومعالجته، والحفاظ على الممتلكات العامة. يجب أن يكون التعليم والرعاية الصحية متاحاً للمواطنين مجاناً. نريد إنشاء إسكان اجتماعي ووسائل نقل عام محلية مجانية.
أحد أهتماماتنا المركزية هو الاستمرار في تقوية النقابات الجديدة وتحويلها إلى لاعبين أجتماعيين. نحن نؤمن إيماناً راسخاً بالمساواة بين الجنسين ومكافحة أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. كما نرى أن الدولة المسؤولة يجب أن تفعل كل ما في وسعها لمنع كارثة المناخ. وعلى الصعيد الدولي، ندافع عن حق الشعوب في تقرير المصير، والمساواة والتكافؤ بين الدول، والسلام بين الشعوب.
ألبانيا يحكمها سياسياً ومنذ ثلاثين عاماً حزبان، يسار الوسط الرسمي(الحزب الاشتراكي) ويمين الوسط (الحزب الديمقراطي). الفروق الأيديولوجية كانت منطقية في أوائل التسعينيات. سعى الحزب الاشتراكي، كخليفة لحزب العمال - الذي حكم بدوره على النمط الستاليني بين عامي 1944 و 1991 - إلى سياسات أشتراكية ديمقراطية معتدلة، في حين دفع الحزب الديمقراطي بالتشدد نحو الإصلاحات النيوليبرالية.ومع ذلك، وعلى مر السنين، أختفت الاختلافات البرنامجية بين هذين الحزبين تماماً. نفذ كلاهما مشاريع خصخصة عملاقة في السنوات الأخيرة ولم يقتصر الأمر على حرمان المجتمع الألباني من سلطة صنع القرار، ولكن أيضاً من مشاركته في المكاسب الاقتصادية. لقد أصبحوا الآن شركاء تابعين تماماً للأوليغارشية التجارية الألبانية، المكونة من حفنة من رجال الأعمال الأثرياء جداً.
واليوم، لا تحصل هذه الأحزاب الفاسدة تماماً التي تمولها الأوليغارشية على الأصوات إلا من خلال بناء شبكة زبائن واسعة، فهي توفر لبعض الفقراء فرصة العمل في إدارة الدولة. وتشتري الأصوات على نطاق واسع. وأغلبية من يحق لهم التصويت لم يعودوا يصوتون على الإطلاق. تم تسهيل هذه العملية بالطبع من خلال تفكك الطبقة العاملة.
النظام الستاليني الذي حكم ألبانيا لمدة 47 عاماً لايزال يضطهد اليسار اليوم، على الأقل أيديولوجياً. منذ الأيام الأولى بدأت الحملات ضدنا كناشطين علناً باعتبارنا "شيوعيين يريدون إستعادة الديكتاتورية والصعوبات الاقتصادية في هذا الوقت". ومع ذلك، أعتقد أننا سنكون قادرين على إقناع غالبية الناس بأننا قوة سياسية من اليسار الديمقراطي ويجب حماية الديمقراطية وتحسينها وتوسيعها.
أما بالنسبة لإرث النظام السابق، فنحن بحاجة إلى فهم السياق التاريخي لتشكيله وتطوره وفساده. جاء "الشيوعيون" إلى السلطة في ألبانيا المتخلفة للغاية بعد أن قادوا النضال من أجل التحرر من الاحتلال النازي. منذ البداية، أنشأوا حزباً هرمياً مع الانضباط العسكري وعبادة القيادة. قبل الحرب العالمية الثانية، كانت الطبقة العاملة في ألبانيا صغيرة وتفتقر إلى أي تنظيم حقيقي. من ناحية أخرى، ومنذ إعلان الاستقلال في عام 1912، لم يكن لألبانيا أي تقليد ديمقراطي تقريباً. لذلك كان الحزب الشيوعي متأثراً بالنموذج الستاليني، بنى نظاماً ديكتاتورياً يشبه بشكل متزايد ديكتاتورية على الطبقة العاملة.
حاول النظام تحديث البلاد بالمعنى الستاليني. بدأت في تصنيع ألبانيا جزئياً، حيث قامت باستثمارات مهمة في البنية التحتية وبناء العمود الفقري لدولة الرفاهية. لقد حاربت الأمية، وأنشأت مدارس عامة حتى في أكثر القرى النائية، وأسست أول جامعة في تاريخ ألبانيا. كما مهد الطريق لتحرير المرأة.
طغت على هذه الإنجازات طبيعة قمعية للطبقة المتسلطة، وهي رقابة أجتماعية خانقة،  على سبيل المثال، كان يُمنع الاستماع إلى الموسيقى الغربية المعاصرة أو مشاهدة أفلام معينة وقراءة بعض الكتب، ناهيك عن قواعد اللباس، وأبرزها الشباب المنفصل عنهم (النظام)، وأثناءالانهيار الاقتصادي في أواخر الثمانينيات وصل الحال، أن الناس لم يتمكنوا من العثور على الحليب المجفف.
ومع ذلك، كانت هناك مشاريع تقدمية مثل دعم المدارس العامة وتحرر المرأة. يجب ألا نتجاهلهاعندما ندين أنفسنا ونبتعد عن النظام القديم، ولكن يجب إعادة تفسيرها وإثرائها ووضعها في سياقها، في نضالنا من أجل مجتمع أفضل وأكثر عدلاً اليوم.


الاقتصاد الألباني يمثل هيكلاً لبلد هامشي في النظام الرأسمالي العالمي. ما يقرب من 40 في المائة من الطبقة العاملة يعملون في الزراعة. معظم هؤلاء هم من صغار المزارعين الذين ينتجون القليل جداً للسوق المحلي، بينما هناك عدد قليل من الشركات الكبيرة الموجهة للتصدير. ثاني أكبر جزء من الطبقة العاملة يعملون لحسابهم الخاص أو يعملون في الشركات العائلية في تجارة التجزئة، وفي وظائف الخدمات التي تتطلب مهارات منخفضة وجزء منه في السياحة. يوجد عمال صناعيون في قطاع النسيج، حيث تعمل الشركات المحلية كمقاولين للعلامات التجارية الأجنبية الكبرى، وفي الوقت نفسه، يتم توظيف الشباب المتعلمين بشكل متزايد في مراكز الاتصال.
الصناعات القديمة، مثل مصافي النفط والكيمياويات والهندسة والتعدين، إما تلاشت خلال الثلاثين عاماً الماضية من خلال الإصلاحات النيوليبرالية أو توفر وظائف بالكاد. وتعمل الغالبية العظمى من الطبقة العاملة الألبانية في شركات صغيرة جداً، معظمها لا يزيد عن خمسة إلى عشرةعمال. هيكل الاقتصاد الألباني والنفوذ المتزايد لحكم القلة وموقف الدولة المتكيف تجاه الطبقة الحاكمة، جسدهُ رئيس الوزراء (إيدي راما)، الذي حث المستثمرين الإيطاليين علناً على الاستثمار في ألبانيا لأنه "لحسن الحظ لا توجد نقابات عمالية في ألبانيا".  وحقيقة أن الطبقة العاملة غير منظمة. يشعر العمال بالعجز في مكان العمل وفي المجتمع ككل.
ومرة أخرى تدهورت الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من الناس في ألبانيا، نتيجة للأزمة الاقتصادية في أعقاب حرب أوكرانيا. وبلغ معدل التضخم الرسمي 7.4 في المائة، وأرتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 20 إلى 50 في المائة. وكانت ألبانيا حتى قبل الأزمة الحالية، من بين أفقر البلدان في أوروبا، حيث أحتلت المرتبة الرابعة أو الخامسة في قائمة البلدان ذات الحد الأدنى ومتوسط الأجور.
لهذا كانت أولويتنا السياسية لإكثر من عقدٍ هي مساعدة العمال على التنظيم في نقابات مستقلة وقوية. فالنقابات الصفراء، أي المؤيدة للشركات، هي القاعدة، إلى جانب النقابات الموروثة و "الوهمية". لطالما كان الأخيرون تابعين للأحزاب السائدة الفاسدة وليس لديهم قاعدة اجتماعية حقيقية. يتم أستخدامها لأغراض دعائية من قبل الحكومة أو بعض الشركات الكبرى.
بسبب الاستياء المتزايد بين العمال وأستراتيجيتنا في أخذ مخاوف العمال إلى مجاله العام، حدثت تطورات جديدة في السنوات الأخيرة. تم تشكيل أربع نقابات جديدة بين عمال المناجم وعمال حقول النفط وعمال النسيج ومراكز الاتصال. تغلبنا معاًعلى صعوبات هائلة. كان معظم العمال ولا يزالون خائفين جداً من الطرد إذا انضموا إلى نقابة. ومع ذلك هناك أيضاً نجاحات.
كان الإضراب الأخير، الذي نظمتهُ جميع العاملات في شركة نسيج في بيليشت، وهي بلدة في جنوب شرق ألبانيا ناجحاً. بعد أن فصلت الإدارة قادة النقابات، دخلت جميع العاملات في إضراب عنيف وبعد ثلاثة أيام أضطرت الشركة إلى الاستسلام وقبلت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جماعي. هذا نادر جدا في ألبانيا.
نحن نعمل وعن كثب منذ عام 2019 مع عمال المناجم في بلقيزة، في كفاحهم من أجل ظروف عمل أفضل. الأمر المميز هو أن خصمنا وصاحب المنجم سمير ماني، كان من أغنى وأقوى الرجال في ألبانيا، مباشرة وبعد تشكيل نقابة لعمال المنجم، تم فصل رئيسها، (إلتون دبريشي)، وثلاثة نقابيين آخرين بشكل غير قانوني. بدأ عمال المناجم إضراباً لمدة شهر تقريباً وقاموا ببعض الاحتجاجات. في النهاية، فازت الأوليغارشية، معتمدة لدعم الحكومة مع صمت وسائل الإعلام الرئيسية.
في عام 2021،أعلنا دعمنا، حين قررعمال المناجم أستغلال فرصة الانتخابات العامة للفت الانتباه إلى ظروف عملهم،حيث شجعوا (إلتون دبريشي) كمرشح مستقل عن منطقة ديبرا. من حيث الوعي العام، كانت الحملة ناجحة للغاية. لأنه للمرة الأولى تحدى عامل الأحزاب الرئيسية في واحدة من أفقر مناطق ألبانيا. حتى الشخصيات العامة والفكرية المهمة من العاصمة تيرانا أعلنت دعمها لترشيح دبريشي.
في ذلك الوقت كنا لا نزال نشطاء في منظمة Organizata Politike(التنظيم السياسي) وعملنا لعدة أشهر في مدينة بولغيزا وغيرها من القرى والبلدات في منطقة ديبرا، أبلغنا الناس عن مصير عمال المناجم وإقناعهم بالتصويت لصالح (إلتون دبريشي) ومع ذلك، كانت معركة غير متكافئة للغاية. أنفقت أحزاب التيار الرئيسي مبالغ طائلة لشراء الأصوات، مع إغتنام كل فرصة لتخويف الناخبين الذين لا يريدون اتباعها.
وعلى الرغم من تمتع دبريشي بدعم قوي خلال الحملة وتنظيم أحداث كبيرة حتى في القرى النائية، إلا أنه حصل على 1٪ فقط من الأصوات. من هذه الهزيمة تعلمنا أننا بحاجة إلى منظمة أقوى وأننا بحاجة للوصول إلى مجموعات أكثر في المجتمع من مجرد عمال المناجم والنفط التقليديين.
من ناحية أخرى فأن غالبية الناس العاديون تُشكك في الترشيحات المستقلة. إنهم بحاجة إلى وجود حزب سياسي حقيقي، له هياكل في كل مكان، لإبراز صورة القوة والسلطة. على سبيل المثال، أثناء الحملة الانتخابية واجهنا في كثير من الأحيان السؤال التالي: ما الذي يمكن أن يفعله نائب في البرلمان إذا لم يكن جزءاً من مجموعة برلمانية أو حزباً سياسياً وطنياً مناسباً؟
لقد فهمنا أنه في هيكل اقتصادي غير صناعي حيث تعمل الغالبية العظمى من الطبقة العاملة إما لحسابها الخاص أو يعملون في شركات صغيرة جداً،والتي غالباً ما تكون عائلية، لا يمكن للمرء أن يُكون مجرد منظمة للطبقة العاملة. هناك حاجة لبناء حركة اجتماعية وسياسية أكثر تنوعاً تشمل طبقات شعبية أخرى، من المرأة الفلاحة إلى المتقاعدة من الطبقة الوسطى، إلى سيدة الأعمال الصغيرة. في الأساس، الحاجة هي لحزب جماهيري يأخذ الاختلافات الاجتماعية في الاعتبار. هذا ما نريد تحقيقه مع Lëvizja Bashkë.
ليس هناك مجال للأوهام في السياسة. الواضح لنا، أننا نعمل في واحد من أكثر الأنظمة السياسية والاقتصادية فساداً في أوروبا، في بلد هامشي من النظام العالمي الرأسمالي، مع أقتصاد متخلف ومستوى مرتفع جداً من الهجرة، خاصة من الشباب.
لكن ألبانيا لديها أيضاً الموارد الاقتصادية والبشرية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة. لديها القدرة على بناء مؤسسات ديمقراطية وخاضعة للمساءلة، فضلاً عن القدرة على تحقيق التقدم. وهذا يتطلب توحيد وتنظيم الفصائل الطبقية. هذا هو المكان الذي أرى فيه مهمتنا كحزب، علينا الجمع بين النضالات المختلفة للمحرومين والموظفين وبناء قوة مضادة للنخب الفاسدة في البلاد.
ويجب ألا ننسى أن ألبانيا جزء من عالم مترابط، وإن كان ذلك بطريقة هرمية. بهذا المعنى، وبغض النظر عن أهدافنا وأعمالنا في البلد، لا يمكننا تحقيق كل شئ. فالبشرية تواجه اليوم تحديات وجودية، الحروب والكوارث المناخية وعدم المساواة الاجتماعية والفقر. لذلك لا يمكننا فهم أفعالنا إلا في إطار حركة ديمقراطية وتحررية عالمية لا تسعى فقط لإنقاذ البشرية من مخاطر الحاضر، ولكن أيضاً لبناء عالم غد عادل، تعيش فيه الشعوب في سلام وتضامن. تكون قادرة على العيش مع بعضها البعض. لا يمكن أن يكون التضامن اليوم عاطفياً فقط، لأن مصير كل منا يعتمد أكثر فأكثر على ما يحدث خارج حدود البلاد.
هناك نسبة كبيرة من الشباب الألبان إما عاطلون عن العمل أو يتقاضون رواتب متدنية ولا يرون أي مستقبلٍ في بلدهم. وهذا ما يدفعهم للهجرة إلى أوروبا الغربية بعشرات الآلاف كل عام، وخاصة الى بريطانيا وألمانيا. على سبيل المثال، إذا عمل شخص ما كنادل في مقهى في تيرانا، فإنهم لا يكسبون أكثر من 250-300 يورو شهرياً. مبلغ يكفي للأيجار فقط.
لقد دمر النموذج النيوليبرالي البلاد تماماً، مما أدى إلى نشوء زمرة من الأوليغارشية الذين يسيطرون على معظم الموارد الاقتصادية. إنهم يستثمرون في مناطق مضاربة وغير منتجة أو هم ببساطة المستفيدون من العقود العامة أو الشراكات الفاسدة بين القطاعين العام والخاص. ألبانيا بحاجة إلى تطوير زراعتها من خلال دعم التعاونيات وتحديث القوى المنتجة. نحتاج أيضاً إلى سياسة صناعية جديدة، وتوسع ذكي للسياحة، وأستثمار في العلوم والبحوث.ونحن لا نؤمن بالقصص الخيالية للسياسات التمثيلية البحتة. نحن مقتنعون بأن المشاركة في بناء مجتمع عادل لا يمكن نجاحه إلا مع الناس. ألتزامهم يعني تقوية المشترك، واللامبالاة تعني إضعاف المشترك. نحن لا نرى أنفسنا كقادة لطبقات تابعة.
نضع أنفسنا في الاعتبار،كوننا نريد بناء حركة سياسية قائمة على تقرير المصير ومع أولئك الذين يأخذون زمام المبادرة أولاً، ليكونوا الحافز لتنشيط الآخرين، والمساعدة في خلق تعددية قوية وديمقراطية، نحن بأمس الحاجة لها.

29

الفاشية الجديدة في أيطاليا.
حكومة ميلوني تريد السيطرة على المطاعم الأيطالية حول العالم
آنا مالديني
ترجمة:حازم كويي

تحاول إيطاليا ما بعد الفاشية الجديدة، إعادة كتابة تاريخها بهدف واضح يتمثل في التأكيد على "الطابع الإيطالي" المشكوك فيه للغاية، الذي لا يمكن في الواقع لأحد تحديده بدقة. بدأً بالطعام،مروراً بالأدب،ولاينتهي بما ذُكر،بل كذلك مع اللغة. والبداية تكون مع (فرانشيسكو لولوبريجيدا) البالغ من العمر 50 عاماً،وهو صهر السيدة جيورجيا ميلوني (رئيسة وزراء إيطاليا) والذي يشغل حالياً منصب وزير الزراعة و "السيادة الغذائية".الوزير شرح مؤخراً ما يعتقده أن هذا المصطلح الجديد يعني. أنه يريد من الآن فصاعدا السيطرة على المطاعم "الإيطالية" المنشرة في جميع أنحاء العالم. يجب على هذه المطاعم أن تتعامل فقط مع المنتجات الإيطالية التي أثبتت جدواها، وأن تلتزم بالوصفات الإيطالية المُعتمدة. وسيعاقب كل من يخالف هذه التعليمات. مثال على ذلك، إذا قام مطعم في بوتسدام(مدينة قرب برلين) يُطلق على نفسه مطعم"إيطالي" بإعداد طبق "باستا لا كاربونارا" الشهير بالكريمة، والذي كما هو معروف، لا يتم أنتاجه في إيطاليا، فعندئذ يأتي ضابط شرطة (إيطالي؟)لتنبيههِ بالألتزام بالمنتج الأيطالي. أو إذا كان مطعم بيتزا في بكين لا يستخدم جبن الموزاريلا الإيطالية، ولكن منتجاً مشابهاً له مصنوع في الصين، فسيتم إلغاء ترخيصه بحكم منصبه.وبالتأكيد فإن ذلك هو سخف وغير عملي.فوزير الغذائية ليس مهتماً بذلك. 
 الشيء الوحيد المهم هو أن تصنع لنفسك اسماً وأن تُظهر للناس أنك جاد في الدفاع عن إيطاليا في صحنك! لكن من الذي يفترض أن يُملي، ما هي صلصة اللحم "الصحيحة" للمعكرونة، في حين أنه من المعروف في أيطاليا، أن لكل منطقة لها وصفتها،كما لكل (جدة) وصفتها الخاصة بها؟ وإذا لم تكن هناك طريقة أخرى، فما عليك سوى إنشاء "مكتب أيطاليا للطعام".
دعونا الآن نلقي نظرة على وزير آخر للجمهورية الإيطالية،وزير الثقافة ( جينارو سانغيوليانو). فهو يريد من التلفزيون الإيطالي الحكومي، أن ينتج المزيد من البرامج الصاخبة عن "الأبطال الإيطاليين". ويهدف هذا إلى تعزيز التماسك الوطني "الإيطالية". ربما تكون إحداها مخصصة لدانتي أليغييري، شاعر "الكوميديا الإلهية" وأب اللغة الإيطالية، الذي ولد في فلورنسا عام 1265 وتوفي في رافينا عام 1321. وبحسب الوزير في مقابلة له، فهو "أب الأفكار اليمينية في إيطاليا". هذا يشبه إستدعاء (فالتر فون دير فوغل فايدة )رائد حزب البديل الألماني الفاشي، الذي عاش حوالي 100 عام قبل دانتي، وكان أحتجاج العاملين في المجال الثقافي والمؤرخين كبيراً لدرجة أن وزيراً آخر، وزير الأتحاد (جويدو كروسيتو)الذي تحدث، وربما لم يكن يتوقع أنه سيتعين عليه الدفاع ليس فقط عن الحدود الوطنية ولكن عن زملائه أولاً. وأوضح أن المرء يلاحظ أن "اليسار" لا يتمتع بروح الدعابة. من الواضح أن وزير الثقافة (سانغيوليانو) ألقى مُزحة. لكنه لم يجد ذلك مضحكاً على الإطلاق وأعلن أن "الهيمنة الثقافية لليسار يجب أن تحل محلها هيمنة أخرى" - هيمنة اليمين. هدفه هو "تحرير الثقافة".
دعونا ننتقل الآن إلى (فابيو رامبيلي)، وهو أيضاً صديق للسيدة ميلوني ونائب رئيس مجلس النواب الإيطالي حالياً. فقد وضع قانوناً يريد من خلاله الدفاع عن اللغة"الإيطالية". من بين أمور أخرى، ينص على أنه سيتم التحدث باللغة الإيطالية في إيطاليا. يجب ألا تستخدم الإدارة العامة "كلمات أجنبية". يجب على الشركات أيضاً التعبيرعن نفسها باللغة الوطنية ويجب السماح بمحاضرات اللغات الأجنبية في الجامعات فقط إذا كان هناك العديد من الطلاب الأجانب. ينص القانون المقترح على أنه إذا لم يمتثل شخص ما، فسيتعين عليه دفع غرامة تتراوح بين 5000 و 100000 يورو. يهدف القانون إلى "حماية الأمة والدفاع عن الهوية الإيطالية".
الغرامة الأولى ستكون أولاً من نصيب صديقه في الحزب (أدولفوأورسو) وزير المشاريع والصناعات،كون علامات الصنع كتب عليها "Made in Italy".



30
الرأسمالية الرقمية وكيفية كسب المال عبر الإنترنت.
ترجمة وأعداد:حازم كويي
يومياً يجري أستخدام خدمات  Amazon . Facebook & Co. Google،فهي من بين أغنى وأقوى الشركات في العالم. ولكن كيف تجني شركات التكنولوجيا الكبيرة المال بالفعل في حين أن معظم عروضها مجانية؟ ما هي نماذج الأعمال التي تتبعها هذه الشركات، وما هو الدور الذي يلعبه جمع البيانات فيها، وما هو التأثير العالمي لذلك؟
إن فهم عالم الأعمال الرقمي ليس بالأمر السهل دائماً، قبل كل شئ، ليس كل شخص محظوظاً بما يكفي لمقابلة (روبوت ودود). كما هو الحال في العالم غير المتصل بالإنترنت، فإن الرأسمالية الرقمية تدور حول شئ واحد هو، تعظيم الأرباح.
تسعى الشركات جاهدة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح من أجل الاستمرار في النمو والتنافس مع الشركات الأخرى. منذ تسعينيات القرن الماضي، كان هناك أرتفاع كبير في عدد الشركات التي تكسب أموالها من المنصات الرقمية والتي لها تأثير كبير على حياتنا. على سبيل المثال، نعرف منها الخمسة الكبار في صناعة التكنولوجيا الأمريكية( Google و Amazon و Apple و Meta Platforms (Facebook سابقاً و Microsoft.
لتعلم الأعمال من الصفر، عليك أولاً أن تتعلم الأساسيات، وأن تفهم ما الذي ستدخل فيه. لا تشكل قوة هذه الشركات عالم الإنترنت فحسب، بل تؤثر أيضاً على ظروف عمل الأشخاص خارج الإنترنت، وحالة البيئة، وأستخراج المواد الخام، والأحداث العالمية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يُطرح السؤال حول من يمكنه الوصول إلى هذه الخدمات عبر الإنترنت على الإطلاق، ومن لا يمكنه ذلك.
وقت الاختبار!
من خلال الاختبار القصير، ربما تكون قد تعرفت بالفعل على واحدة من أهم المواد الخام في الرأسمالية الرقمية "البيانات". وهي تنشأ،على سبيل المثال،عند تحميل الصور أو كتابة الرسائل أو الاستماع إلى الموسيقى أو استخدام الخدمات الأخرى التي تقدمها شركات التكنولوجيا مجاناً. هناك لافتات ملفات تعريف الارتباط وشروط وأحكام يجب أن توافق عليها، ولكن غالباً ما تظل البيانات التي يتم جمعها وما يحدث لها لغزاً، وهذا ليس بالأمر غير العملي لشركات التكنولوجيا.
ما هي البيانات؟
لا يمكن معالجة المعلومات إلا عن طريق أجهزة الكمبيوتر في شكل رقمي، وبالتالي يتم تسجيلها في شكل بيانات، أي يتم ترميزها كتسلسلات من الأرقام (عادةً ما تكون ثنائية) وتخزينها باستخدام الأجهزة الإلكترونية. البيانات هي أولاً وقبل كل شئ في الواقع "معلومات". يمكن للأجهزة الرقمية اليوم تخزين ومعالجة كميات هائلة من البيانات.
ما هي معالجة البيانات؟
يمكن استخدام البيانات ومعالجتها بطرق مختلفة جداً. خاصة عندما تكون متوفرة بأعداد كبيرة، فإنها توفر خيارات معالجة متنوعة مثل ما يسمى بالبيانات الضخمة. منه يشتق شيئاً عن مجموعات الأشخاص ،كيفية تصرفاتها وماذا يشترون وتنقلاتهم. يمكن أستخدام هذه المعلومات للكل، للرفاهية العامة،أغراضها تهدف إلى الربح.
كيف يمكن تمييز البيانات؟
يمكن معرفة كيف يعمل النشاط التجاري، وما هي البيانات وكيف تتم معالجتها، ولكن كيف يجري تسييلها؟ وبألقاء نظرة على إستراتيجيات الشركات الأربع: أمازون وغوغل ورولز رويس وأوبر.
غالباً ما لا تُحقق الشركات التقنية بالضرورة أكبر قدر من المال، عندما ينفق المستخدمون الأموال على خدماتهم - سواء كان ذلك في Amazon Prime أو Uber ليلاً. يصبح الأمر مثيراً بشكل خاص عندما تصبح الشركات الأخرى عملاء لك.
أمازون.
سابقاً تنافس مزودون مختلفون مع بعضهم البعض في السوق، تمثل اليوم المنصات الرقمية السوق نفسها جزئياً.الظروف التي تتم بموجبها التجارة على من يُسمح له بالمشاركة ومن لا يُسمح له - تحدد شركات مثل Amazon وهم غالباً وإلى حد كبير لهم تأثير سياسي لمثل هذه المنصات، على سبيل المثال،عندما تعتمد الولايات أو البلديات نفسها على خدماتها.
يتم استخدام البيانات التي تم جمعها حول تفضيلاتنا ورغباتنا ومخاوفنا واحتياجاتنا والتوجهات الجنسية والحالة الاجتماعية والمواقف السياسية، من بين أشياء أخرى، للتنبؤ بسلوكنا كمن يستخدم الكرة الزجاجية، هذه هي الطريقة التي تعرف بها شركات الإعلان المدفوعة متى وفي أي موقف يمكنها مساعدتنا بشكل أفضل وماتقترحه مناسباً لمحفظة نقودنا.
رولز رويس.
إذا تم،على سبيل المثال، تجنب التأخير في الحركة الجوية عن طريق تحليل البيانات التي تم جمعها، فإن شركات الطيران توفر الكثير من المال. من خلال مفهوم "Total Care" ،لا تهتم Rolls Royce بعناية فقط بأرباحها، ولكن أيضاً بأرباح عملائها.
أوبر.
تهدف البيانات التي تجمعها أوبر إلى تحديد ما يسمى ب "مخاطر السلامة" للسائقين. تعيد الخوارزميات دائماً إنتاج أشكال من التمييز مثل العنصرية، على سبيل المثال،عند التحدث بلكنة يتم تسجيلها على أنها "خدمة سيئة". نظراً لأنه من غير المفهوم في الحالات الفردية كيف تصل الخوارزمية إلى نتيجتها، فلا يمكن للسائقين أنتقاد ذلك.
ومع ذلك،لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن مناقشتها،مثل ماهي الفرص والصعوبات التي تنطوي عليها الرقمنة فيما يتعلق بالأزمة البيئية؟ كيف تساعد قوة شركات التكنولوجيا في ترسيخ العلاقات العالمية من التبعية والاستغلال؟ وهل هناك بدائل لها؟
مواصلة التعلم مهمة للمضي قدماً.

   


31
البنية التحتية للنيوليبرالية - آلية الحكم
ستيفان كاوفمان*
ترجمة:حازم كويي


يُقال في عواصم قوى الاقتصاد العالمية، أن الاعتماد منذ فترة زمنية على الموردين الأجانب يبعث على الرثاء والأسف،كونها فتحت لنفسها مجال الأبتزاز من دول كالصين أو روسيا. لذلك تعمل حكومة الولايات المتحدة على إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بها باسم "الأمن القومي". الاتحاد الأوروبي يفعل الشيء نفسه تحت شعار "السيادة الأوروبية". وراء هذا الخوف من أن الدول الأخرى يمكن أن تستخدم سلاسل التوريد المعولمة كأداة للقوة. رغم أن هذه السلاسل كانت دائماً أداة قوة، وقد تم تشكيلها على هذا النحو. وفقاً لعالم الاجتماع الدنماركي سورين ماو*في كتابه (إكراه صامت. تحليل ماركسي للقوة الأقتصادية الرأسمالية).
لم تكن الخدمات اللوجستية "مجرد مسألة خفض التكلفة"، "إنها سلاح وآلية للسيطرة" على العمل.
وعلى وجه الخصوص، فإن "الفرح بشأن ازدهار تجارة السلع مع الصين أصبح سياسياً بشكل متزايد في السنوات الأخيرة.لقد تلاشت خيبة الأمل وعدم اليقين الاقتصادي "، كما يقول المعهد الاقتصادي الألماني المرتبط بالأعمال التجارية(IW).
"الأقدام على المنافسة الدعائية يصبح منافساً للنظام" على خلفية الحرب في أوكرانيا وما يرتبط بها ستؤكد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا أيضاً على الأهمية الجيوسياسية للاعتماد الاقتصادي المتبادل ووضعها على المحك. ومع ذلك، كان هذا قد بدأ بالفعل قبل الغزو الروسي. وصرحت أحزاب، الديمقراطي الأجتماعي،الخضر، والديمقراطي الليبرالي، الألمانية، في أتفاقية التحالف الخاصة بهم، أنهم يريدون "زيادة السيادة الإستراتيجية لأوروبا". يتعلق الأمر صراحةً بـ "تنافس النظام مع الدول الاستبدادية".
لذلك تحاول أوروبا والولايات المتحدة وضع أسواق التوريد والمبيعات تحت سيطرتها السياسية - بالانتقال إلى البلدان الحليفة أو عن طريق إعادة الإنتاج الوطنية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجري وضع برامج دعم صناعي بمليارات الدولارات لتصنيع الرقائق والبطاريات وأستخراج المواد الخام، وآخرها قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة. على هذه الخلفية، يحذر صندوق النقد الدولي (IMF) من "تفتيت" السوق العالمية، و "فقدان الرخاء".
والتي يمكن سحبها. لأن إعادة تنظيم سلاسل التوريد وفقاً للمعايير السياسية بدلاً من المعايير الاقتصادية البحتة يؤدي إلى إرتفاع التكاليف وبالتالي إنخفاض الكفاءة. النتيجة: ارتفاع الأسعار وإنخفاض النمو.
ومن وجهة نظر صندوق النقد الدولي والعديد من الاقتصاديين، فإن صراعات القوة الجيوسياسية تهدد الآن الهيكل الذي تم تقديمه على أنه نما بشكل شبه طبيعي: "العولمة"، التي جلبت الرخاء والسلع الرخيصة والكفاءة للبشرية. هذه ليست الحقيقة الكاملة. إن التحذير من أن سلاسل التوريد المجزأة تؤدي إلى إرتفاع التكاليف، هو مؤشر على الغرض الذي تخدمه سلاسل التوريد هذه.
يكتب ماو " أن ميل رأس المال لتجاوز كل الحواجز المكانية لا يقتصر فقط على منافذ جديدة"مُضيفاً "بل من شأنه كبح سلطة البروليتاريا. عندما يصبح رأس المال أكثر قدرة على الحركة، فإنه يربط بين أسواق العمل المنفصلة سابقاً، مما يؤدي إلى تكثيف المنافسة بين العمال وجعلهم أسهل في الانضباط ".
بالإضافة إلى ذلك، فإن إمكانية الاستعانة بمصادر خارجية تضع الدول تحت الضغط، مما يجبرها على ضمان بيئة صديقة للأعمال. "باختصار: التنقل هو القوة".
تلقت هذه القوة وسائل تطورها الحر منذ حوالي 50 عاماً. في الخمسينيات من القرن الماضي، كان نقل البضائع عن طريق البحر "لا يزال مشروعاً معقداً، حيث كان يتعين تحميل البضائع العامة وتفريغها يدوياً بواسطة عمال الشحن والتفريغ النقابيين"،كما يوضح ماو.
بدأ الوضع يتغير في السبعينيات مع إنتهاء الازدهار الذي أعقب الحرب وأجتاحت الاضطرابات الاجتماعية البلدان الرأسمالية الرئيسية.
قدمت المنافسة المتزايدة، والتشدد العمالي، وأنخفاض معدلات الربح حوافز قوية للشركات للبحث عن طرق جديدة لتأديب العمال وخفض التكاليف.
كانت ما يسمى الثورة اللوجستية هي إحدى نتائج هذه الجهود. تلقت العولمة هيكلها التكنولوجي مع إدخال الحاوية(بمقاس 20 قدم) والنقل متعدد الوسائط. ومكنت من نقل البضائع من الباب إلى الباب، عن طريق السفن والشاحنات والقطارات، ببوليصة شحن واحدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أتمتة لمرافق الموانئ والسفن الأكبر حجماً، حيث تم بناء موانئ مياه عميقة خصيصاً لها.
وفقاً لماو، أدت سلسلة التوريد الحديثة إلى تحول في الطاقة من المنتجين إلى كبار تجار التجزئة. من ناحية أخرى، فقد أمنت هيمنتها على العمال، "ليس فقط على العاملين في قطاع الخدمات اللوجستية، ولكن على العاملين في جميع القطاعات. لأن سلاسل التوريد المتطورة والقابلة للتبادل مكنت رأس المال من تعقب أدنى الأجور في أي مكان في العالم والتلاعب على البروليتاريين ضد بعضهم البعض ".
كان سقوط الجدار يعني توسعاً هائلاً لهذه القوة. التي فتحت الحواجز الجغرافية لـ
اقتصاد السوق، وأصبح ملايين العمال من الدول الأشتراكية سابقاً موظفين تابعين لشركات خاصة. أدى انفتاح أوروبا الشرقية أولاً، ثم الصين والهند، إلى مضاعفة عدد العاملين المتاح لهم العمل عالمياً، وفق حسابات صندوق النقد الدولي.
وقد تضاعف ذلك بأربع مرات مقارنةً بعام 1980. لقد كانت "صدمة خارجية هائلة" غيرت بشكل دائم ميزان القوى بين رأس المال والعمل.
بالنسبة لأوروبا الشرقية على وجه الخصوص، كان الانتقال إلى اقتصاد السوق يعني تراجعاً هائلاً في التصنيع. تبين أن صناعات بأكملها غير مربحة قد إنهارت. كوسيلة للنمو، تعتمد الحكومات من وارسو إلى فلاديفوستوك على إستثمارات الشركات الغربية الناجحة. وقال الخبير الاقتصادي الأمريكي ريتشارد فريمان "نتيجة لذلك، يتنافس المزيد من العمال حول العالم على العمل برأس المال المُتاح".
بدأت الشركات في نقل إنتاجها إلى الخارج وإنشاء سلاسل قيمة عالمية. أقام مصنعوا السيارات الألمان مصانع لهم لأول مرة في أوروبا الشرقية ثم في الصين لاحقاً.وكتبت مجلة(ديرشبيغل)الألمانية عام 2004 عنواناً "ألمانيا بطل العالم في تصدير (الوظائف)".
 كانت الشركات عبر الوطنية مدعومة من قبل السياسيين، الذين حرروا حركة البضائع ورأس المال وأزالوا الحواجز الجمركية. النتيجة: بين سنوات الثمانينيات والتسعينيات، تضاعف الاستثمار العالمي المباشر عبر الحدود وتضاعف مرة أخرى بين عامي 2000 و 2007. كانت الشركات مدفوعة بمُموليها، الذين طالبوا بعوائد أكبر "الضغط المتزايد من الأسواق المالية"، وفقاً لصندوق النقد الدولي، أدى إلى تحويل فوائض الشركات الكبيرة إلى المُستثمرين "
قوضت المنافسة المعولمة على الاستثمار، الموقف التفاوضي للعمال في البلدان الصناعية القديمة. وأثبتت أنها أكثر قدرة على الحركة مما كانت عليه بفضل الخدمات اللوجستية المتطورة. لم تهاجر الشركات إلى المناطق ذات الأجور المنخفضة فقط.بل أنهم كانوا قادرين أيضاً "التهديد بشكل موثق بنقل الأنتاج والوظائف الى أوربا الشرقية"
قال يورغ كرامر، كبير الاقتصاديين في (كوميرتس بنك) الألماني. وفي الوقت نفسه، كثفت الواردات من المناطق الجديدة ذات الأجور المنخفضة المنافسة لتلك الشركات التي لم تكن تتوسع شرقاً.
رداً على ذلك، خفضت العديد من الدول الغربية حقوق حماية الموظفين من أجل الحفاظ على إنخفاض تكاليف الأجور. كتب جون بيترز من جامعة أونتاريو عام 2008 "تمثل سياسات تحرير سوق العمل قطيعة أساسية مع تطورات ما بعد الحرب وتمثل تقوية ملكية رأس المال على العمل المنظم في أمريكا الشمالية وأوروبا".
أدى كل هذا إلى تفاقم إعادة التوزيع الكبيرة التي بدأت بالفعل في أوائل الثمانينيات " العولمة المالية أدت إلى خفض حصة الأجور في الناتج الاقتصادي"، كما تشير منظمة العمل الدولية (ILO). تقلصت حصة الأجور في البلدان الصناعية من 75 في المائة تقريباً في منتصف السبعينيات إلى 64 في المائة، ووفقاً لما ذكره أقتصادي التنمية الهولندي رولف فان دير هوفن.
لقد زادت إنتاجية العاملين في دول نادي الدول الصناعية OECD بنسبة 35٪ منذ عام 1996 وحده،من ناحية أخرى فإن أجورهم الحقيقية، من ناحية أخرى لم تصل حتى إلى النصف. قابلتها زيادة حصص الأرباح المُتراكمة للشركات.
تم تعويض خسائر الأجور النسبية للموظفين جزئياً و بشكل زائد عن طريق تخفيض الأجور مما جعل السلع اليومية أرخص. وعلى وجه الخصوص، أسعار الملابس والأجهزة المنزلية والإلكترونيات الاستهلاكية بشكل حاد، مما أدى إلى عصر "تراجع التضخم" و "الاعتدال الكبير".
 يوضح البنك الفرنسي الرئيسي سوسيتيه جنرال "حدث هذا التخفيض في الأسعار بالتوازي مع تكامل خطوط الإنتاج من المناطق ذات الأجور المنخفضة، وخاصة أوروبا الشرقية والصين".
كان أنفتاح الشرق "نقطة تحول في التاريخ الاقتصادي"، بحسب الخبير الاقتصادي الأمريكي فريمان. لقد أدى إلى زيادة القوة التي تحركها الخدمات اللوجيستية للشركات، والتي تجلت على أنها قيد عملي للعمال "قوة رأس المال " كما يقول ماو، لم تنتج عن التهديد بالعنف الجسدي، ولكن ببساطة من القدرة لإدارة العلاقة الهشة بين الحياة البروليتارية ومقاطعة شروطها من خلال عمليات النقل والتسريح ".
تؤدي المرونة المكانية المتزايدة إلى اندماج الأسواق وتوسيعها وبالتالي إلى تكثيف المنافسة بين رؤوس الأموال الفردية وبين العمال. وهكذا تعمل اللوجيستيات كمضخم لشكل الهيمنة. تزداد القوة ليس فقط على العمال، بل على الجميع. لذلك يطلق ماو على الخدمات اللوجستية "واحدة من الأسلحة الرئيسية في هجوم عالمي أستمر لعقود ضد النساء العاملات ". يُطلق على هذا الهجوم أحياناً اسم "الليبرالية الجديدة".
من خلال سلاسل التوريد والبنية التحتية المصاحبة لها، "حُفِر منطق رأس المال في القشرة الأرضية" ، وفقاً لماو.
لم يكن لتأكيد ماركس على ضرورة إعتبار النقل جزءاً من عملية الإنتاج مثل هذه الأهمية في العصر الحديث حيث سيتم تصنيع البضائع عبر الفضاء اللوجستي بأكمله. هذا لا يضعف فقط موقف الأجُراء مقابل رأس المال. "التكامل الجغرافي المتزايد لشبكات الإنتاج يجعل الانفصال عن الرأسمالية أمراً صعباً للغاية، لأنه يزيد من النطاق الذي يجب أن يحدث فيه مثل هذا التحول.".

ستيفان كوفمان* صحفي ومؤلف ألماني. يعمل كمحرر في عدة صحف ألمانية.




32
الحرب ضد العراق غيرت العالم نحو الأسوأ.
إنغار سولتي*
ترجمة:حازم كويي


شكل الغزو غير القانوني القائم على الكذب سوابق جيوسياسية يتردد صداها حتى يومنا هذا.
وفقاً لريتشارد أي. كلارك، كبير مُستشاري مكافحة الإرهاب السابق للولايات المتحدة، وفي اليوم التالي لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، أقترب منه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وطلب منه إقامة صلة بين الهجمات مع دولةالعراق. كلارك عارض ذلك قائلا، إن العراق لا علاقة له بذلك. وفي وقت لاحق كتب في كتابه الذي صدر له عام 2004، أن بوش ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد أرادا إيجاد ذريعة لقصف العراق. الخطة فشلت مؤقتاً.
بعد وقت قصير من بدء الحرب بين الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان، أبتكرت حكومة الولايات المتحدة كذبة جديدة لتبرير غزو العراق، زعموا فيها إلى جانب حكومة توني بلير البريطانية، أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل يمكن أن تصل إلى مواقع الناتو في شرق البحر المتوسط في غضون 45 دقيقة. بدوره نشر وزير الخارجية الأمريكي كولن باول هذه الكذبة في الأمم المتحدة.
عندما حاولت الحكومة الروسية وفلاديمير بوتين العام الماضي تبرير حربهما في أوكرانيا من خلال الاحتجاج بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن النفس والادعاء بأن أوكرانيا لديها برنامج سري للأسلحة النووية أعطت سانت بطرسبرغ وموسكو تحذيرأً مسبقاً لمدة خمس دقائق، انتهى بهم الأمر باللجوء إلى هذه الترسانة الأيديولوجية والأكاذيب الرخيصة في زمن الحرب. ومثلما لم تحاول إدارة بوش إثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق في ذلك الوقت - نُقل عن بوش في وقت لاحق قوله إنه لم يكن حريصاً على العثور عليها - ولم تفعل الحكومة الروسية ذلك أيضاً. حتى عناء تقديم "أدلة" لادعاءاتهم.
لم ترغب كل دول الناتو في المشاركة في حرب العراق. في 2002-2003، رفض العديد من الحلفاء الرئيسيين في الناتو، وعلى الأخص فرنسا وألمانيا، إتباع أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، مما دفع الولايات المتحدة إلى تشكيل "تحالف الراغبين" الذي يضم دولاً مثل بريطانيا وبولندا والمجر وليتوانيا، وأنتمت لاتفيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وكذلك إسبانيا وإيطاليا وهولندا.
في ألمانيا ، اعتبر الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي، أن معارضة الحكومة الألمانية آنذاك(حزبا الديمقراطي الأجتماعي والخضر) للحرب الوشيكة في العراق كارثة دبلوماسية. أنغيلا ميركل، زعيمة المعارضة المحافظة في ذلك الوقت والتي أصبحت بعد ذلك بعامين مستشارة لمدة 16 عاماً، توجهت إلى الولايات المتحدة خصيصاً للاعتذار عن قرار المستشار غيرهارد شرودر وكتبت مقالاً في صحيفة واشنطن بوست بعنوان "غيرهارد شرودرلا يتحدث باسم جميع الألمان ".
ومع ذلك، لم يكن هذا صحيحاً، لأن مسار شرودر قد ساعده في الواقع على تحقيق ما كان غير واقعي في السابق: إعادة انتخابه. إلى جانب الفيضانات الكبيرة في ألمانيا الشرقية،الذي ساعدته من ناخبي ألمانيا الشرقية على تحديد الحزب الأجتماعي الديمقراطي وحزب الاشتراكية الديمقراطية (PDS) آنذاك، حيث قالوا في وقت سابق إنهم سيساعدون، إذا لزم الأمر، على إعادة إنتخاب شرودر كمستشار، خارج البرلمان للسنوات الثلاث القادمة.
على أي حال، ساعد الصدع في العلاقة عبر الأطلسي على ضمان أن أكاذيب الحرب الأمريكية أصبحت الآن في الاتجاه السائد وتتأرجح عبر شاشات التلفزيون في أوقات الذروة. كان التأثير محسوساً لفترة طويلة  في جميع أنحاء العالم. ففي استطلاعات الرأي العالمية التي أجرتها مجموعة بيو للأبحاث، تم تحديد عدم ثقة مستمرة وعميقة الجذور في الولايات المتحدة وسياستها الخارجية لاحقاً. هذا ينطبق أيضاً على ألمانيا. عندما أصبح الخلاف العميق بين النخبة والرأي العام حول أزمة أوكرانيا 2013-2014 وأنتقاد توجه الحكومة الألمانية القوي لسياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا واضحاً في 2013-2014، دفع هذا محلل السياسة الخارجية مايكل ثومان بكتابة مقالة في صحيفة (تسايت) الألمانية  متسائلاً عما إذا كانت ربما، الصحافة السائدة الليبرالية والمحافظة، في السنوات السابقة، قد نشرت تقاريرأنتقادية للغاية عن الحرب وجرائم الحرب الأمريكية - القتل خارج نطاق القانون، وسجون التعذيب السرية، وما إلى ذلك - أو المراقبة الأمريكية للمؤسسة السياسية الألمانية (فضيحة وكالة الأمن القومي).
وجدت الانتقادات الموجهة لاستعدادات الحرب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جمهوراً عريضاً خارج الصحافة اليسارية المعارضة في أوروبا الغربية وساعدت في ظهور أكبر حركة مناهضة للحرب منذ الحرب الأمريكية في فيتنام. في 15 فبراير 2003، نزل الملايين إلى الشوارع لمنع الحرب الوشيكة ضد العراق. احتج حوالي ثلاثة ملايين في روما وحوالي 1.5 مليون في مدريد. تشير التقديرات إلى أن حوالي 36 مليون شخص شاركوا في 3000 أحتجاج مناهض للحرب في جميع أنحاء العالم في ذلك اليوم.
لكن الحرب في العراق لا يمكن أن تتوقف. أعلن بوش أنه "سيتم الترحيب بذلك كإنسان محرر". لكن النتيجة كانت حرب أحتلال دموية. ساعدت إعادة التشكيل الطائفي للسياسة العراقية، التي أستبعدت المناصب الإدارية والمؤسسات السياسية القديمة، ومنها الجيش، وإلى حد كبير من الأقلية السنية، على إشعال حرب أهلية دامية. أسفرت الحرب عن مقتل مابين 28800 إلى 37400 جندي وعدد غير معروف من الجرحى والمشوهين من الجانب العراقي، فضلاً عن ما يقرب من 5000 قتيل وأكثر من 33000 جندي أمريكي جريح. سجل إحصاء الجثث في العراق (103.16 إلى 113.728 )وفاة من المدنيين بين أعوام2003 ـ2011. وتشير التقديرات الإحصائية إلى أن عدد الضحايا أعلى من ذلك بكثير: تقدر مجلة (The Lancet  )الطبية 654965 حالة وفاة بين المدنيين من مارس 2003 إلى يوليو 2006، وتقدر شركة Opinion Research Business أن 1.033 مليون حالة وفاة من مارس 2003 إلى أغسطس 2007، ودراسة PLOS Medicine تشيرإلى 405000 حالة وفاة من مارس 2003 إلى يونيو 2011.
كانت الحرب ضد العراق مجرد واحدة من عدة مناطق جغرافية "للحرب على الإرهاب" الأمريكية.
حتى الآن، تنفذ حكومة الولايات المتحدة "عمليات لمكافحة الإرهاب" في 85 دولة حول العالم. مشروع "تكاليف الحرب" ومقره جامعة براون الأمريكية،حيث قام بتحليل هذه التكاليف الإنسانية والمالية منذ عام 2010. ويقدر الباحثون أنه "في الحروب التي أعقبت 11 سبتمبر، مات فيهاأكثر من 929 ألف شخص نتيجة لأعمال عنف الحرب المباشرة"، بما في ذلك أكثر من 387 ألف مدني. بالإضافة إلى ذلك، يقال إن "عدة أضعاف" من البشر ماتوا من جراء "الآثار العكسية للحرب". تم تهجير 38 مليون شخص.
 للمقارنة: يقدر عدد الضحايا في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا بنحو 300 ألف قتيل من كلا الجانبين. تقدر الأمم المتحدة عدد القتلى المدنيين حتى 12 مارس 2023 بـ 8231.
يقدّر مشروع بحث تكاليف الحرب المالية لـ "الحرب على الإرهاب" بنحو 8 تريليونات دولار منذ عام 2001 (لا تشمل هذه الأرقام المساعدات العسكرية الأمريكية الحالية لأوكرانيا). وبالمقارنة،فهو أكثر من عشرة أضعاف قانون التعافي وإعادة الاستثمار الأمريكي، وحزمة التحفيز الهائلة لإدارة أوباما لمكافحة الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. كما أنه يتجاوز بشكل كبير خطط الإنفاق الأولية للرئيس جو بايدن لتحفيز الاقتصاد.
تمت الإطاحة بصدام حسين. في الوقت نفسه، خلقت الحرب بيئة مروعة من إنعدام الأمن والعنف، ودمرت البنية التحتية للبلاد إلى حد كبير، وأدت إلى بطالة جماعية كارثية (وصلت ذروتها بشكل غير رسمي بنسبة 60 في المائة بعد الغزو) وأزمة إنسانية.
اليوم، يعاني أربعة من كل عشرة عراقيين من صعوبات شراءالحاجات الغذائية، وفقاً لإستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة غالوب، لا تزال البطالة الجماعية مرتفعة، مما أدى إلى تأجيج الاحتجاجات الجماهيرية المتكررة مثل تلك التي حدثت في عام 2019. "في عام 2022، أفاد غالبية العراقيين بأن(61٪) يعانون من الأوجاع والآلام، و(59٪)من القلق والتوتر، (53٪)من ألإجهاد والتوتر معظم اليوم، ونصفهم تقريباً يعانون من الغضب (46٪) والحزن( 45٪) ».
يتذكر الكثيرون، الصحفي العراقي منتظر الزيدي، الذي ألقى حذائه على جورج دبليو بوش أحتجاجاً على الغزو - وهو عمل أحتفل به العراق اليوم بتمثال بطول مترين لحذاء عملاق. لكن الغزو ترك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين والبريطانيين مصدومين في أعقابه. أحدهم مايكل برايسنر، الذي قاطع في 19 سبتمبر 2021 خطاباً لجورج دبليو بوش في بيفرلي هيلز، كاليفورنيا، طالب فيه الرئيس السابق بالاعتذار عن أكاذيب إدارته حول أسلحة الدمار الشامل ومقتل مليون عراقي. قال: «أَرسلوني إلى العراق». "مات أصدقائي لأنك كذبت".
يجب أن نتذكر حرب العراق كحدث غيرَ تأريخ العالم إلى الأبد. في سجون العراق التي تديرها سلطات الاحتلال، أنضم أشخاص من جهاز الأمن السابق (لدولة علمانية سابقاً) إلى صفوف سجناء آخرين من "القاعدة في العراق". وشكلوا معاً داعش ("الدولة الإسلامية") وأستغلوا الفراغ الذي خلقته الحرب في سوريا، والتي تحول القمع الوحشي الذي مارسته حكومة الأسد للربيع العربي في سوريا إلى حرب بالوكالة مع العديد من القوى العالمية والإقليمية. بعبارة أخرى، لولا الحرب الأمريكية والبريطانية ضد العراق، لم يكن لداعش أن يظهر إلى الوجود. لولا حرب العراق، لما شهد الغرب سنوات من الهجمات الإرهابية الإسلامية الأصولية والسلفية التي تهدف إلى إخراج القوى "الغربية" من الشرق الأوسط، تماماً كما دفعت الهجمات الإرهابية على مترو أنفاق مدريد الحكومة الإسبانية إلى الانسحاب من تحالف الراغبين.
علاوة على ذلك، بدون داعش ومحاولة إنشاء "خلافة" جديدة، لم يكن المتعاطفون مع داعش في جميع أنحاء العالم ليشنوا حرباً غير متكافئة ضد السكان المدنيين في البلدان المشاركة في الحرب بالوكالة في سوريا. لولا هذه الهجمات ولولا النزوح الجماعي لملايين النازحين من سوريا والعراق وأفغانستان، فإن صعود القومية الاستبدادية اليمينية والقوى العنصرية المعادية للمسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية لم يكن سهلاً كما كان في ذلك الوقت واليوم. بعبارة أخرى، غيرت الحرب ضد العراق العالم وتاريخ العالم بشكل هائل - نحو الأسوأ.
ولكن على عكس فلاديمير بوتين، فإن أولئك الذين كذبوا على الأمم المتحدة والرأي العام العالمي وأمروا وشنوا حرباً أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين ما زالوا طُلقاء وغير مطلوبين بأوامرإعتقال من لاهاي. ويتم الترحيب بهم حتى بوصفهم "رجال دولة أكبر سناً" في الولايات المتحدة وأوروبا.
وحتى لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق مجرمي الحرب الأمريكيين، فقد هددت الولايات المتحدة مرارأً وتكراراً بغزو هولندا لمنع مقاضاتهم.

إنغار سولتي* مستشار للسياسة الخارجية والسلام والأمن في معهد التحليل الاجتماعي التابع لمؤسسة روزا لوكسمبورغ .

33
  أربع حقائق من المحرمات حول حرب أوكرانيا.
إنغار سولتي*
ترجمة:حازم كويي


أربع حقائق غير مريحة تميز الحرب في أوكرانيا. بادئ ذي بدء، مثل كل حرب في التاريخ، فإن حرب أوكرانيا لها أيضاً تاريخ لم يبدأ فقط مع الغزو الروسي للدولة المجاورة منذ عام، ولا حتى في عام 2014 بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
ثانيًا: للحرب إمكانات هائلة للتصعيد. داخل أوكرانيا وخارج حدودها، لأنها تصاعدت من غزو إلى حرب بالوكالة بمشاركة دولية من كلا الجانبين، حرب مع قوة نووية، ولأن هناك دلائل دون مشاركة مباشرة لقوات الناتو في أوكرانيا.بل تنفذ من جانب الجنود الأوكرانيين، الذين يمكنهم تشغيل الأسلحة الموردة من الولايات المتحدة وأيضاً من أوروبا. حقيقة أن هذه الحرب ترجع أصولها إلى الحرب الأهلية،التي تجعل الأمور أكثر صعوبة.
ثالثًا: لن تنتهي هذه الحرب بإنتصار السلام. لا توجد طريقة عسكرية في المقام الأول لإنهاء إراقة الدماء الرهيبة، ووضع حد للتدمير والتشويه والاضطراب النفسي والعنف الجنسي والتجنيد القسري والفرارمنه. أصبح هذا أكثر وضوحاً الآن بعد أن دخلت الحرب مرحلة حرب الخنادق والاستنزاف، حيث أقترب مجموع عدد القتلى الى (300000) وما يصل إلى 1000 ضحية من الجانبين كل يوم.
رابعاً: لن تنتهي حرب أوكرانيا دون التنازلات الإقليمية من الحكومة الأوكرانية، مهما كان الأمر لا يطاق.
إذا عالجت خطر تصعيد حرب أوكرانيا في البرامج الحوارية أو الصحف بالتحليل، فسوف يتم تهميشك. لأن صانعي الرأي في هذا البلد يساريون ليبراليون، فهم يهتمون بالأخلاق أكثر من الواقعية.
من اللافت للنظر أن هذه الحقائق الأربع لم تُسمع من اليساريين في المقام الأول،أو تحدثوا بها بصوت عالٍ، ولكن في أكثر الحالات من قبل الأكاديميين الليبراليين المحافظين الناقدين، والمسؤولين العسكريين رفيعي المستوى ومن أجهزة الدولة. في ألمانيا بالذات، على سبيل المثال، تطرق (ولفغانغ إيشينغر)والرئيس السابق ل"مؤتمر ميونخ للأمن"الذي تولاهُ  من عام 2008 حتى عام 2022، و(غونتر فيرهوغين، العضوالسابق في الحزب الديمقراطي الليبرالي، ثم أنتقل فيما بعد الى الحزب الأجتماعي الديمقراطي)والذي كان رئيس مفوضية الأتحاد الأوربي لتوسيع الشرق، التي مزقت في النهاية(أوكرانيا) عام 2014، وإلى أسباب مماثلة للصراع أشار لها مثلاً(هنري كيسنجر)، الذي ربما يكون أكثر رواد السياسة الخارجية نفوذاً في الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. وكذلك مُنظر العلاقات الدولية المحافظ وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو (جون مارشهايمر)، ومن المُحافظين الجُدد للولايات المتحدة الأمريكية والعقل المُدبر لحرب العراق روبرت كاغان.
تحالف وثيق جدا مع الولايات المتحدة.
في مقال نُشر في صحيفة "سوود دويتشه تسايتونغ" عشية الحرب، أكد إيشينغر أن المحاولات العدوانية من قبل حكومة جورج دبليو بوش الأمريكية لجذب أوكرانيا المنقسمة اقتصادياً وسياسياً وعرقياً ولغويإً الى حلف شمال الأطلسي هو ما أدى إلى عزل روسيا عنها. وإبعاد روسيا عن أوروبا وسياسة زعزعة الاستقرار في القوقاز وأوكرانيا، وكذلك السياسة الروسية تجاه سوريا. وكانت نقطة الأنطلاق في قمة الناتو في بوخارست (2008) للتجاذب الغربي بشأن أوكرانيا.
 لم يكن دخول البلاد في التحالف الدفاعي مخالفاً لدستور أوكرانيا في ذلك الوقت فحسب، بل لم يكن بأي حال من الأحوال يتوافق مع إرادة الأغلبية في أوكرانيا أو مصالح حلفاء الناتو في أوروبا الغربية.
وبالمثل، أنتقد فيرهويغن سياسات خلفه (رومانو برودي) رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي في عام 2002،الذي فشل لإنشاء "حلقة أصدقاء" للاتحاد الأوروبي، ولجهود روسيا لإقامة شراكة وثيقة على قدم المساواة، مع أحتمال إنضمام روسيا إلى الناتو أو، كما كان في ذلك الوقت إبتهاج الأوروبيين، الذي أقترحه بوتين بأنشاء المنطقة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية المشتركة "من لشبونة إلى فلاديفوستوك" التي لم يتم قبولها، لكن الأتحادالأوربي"أطلقت شراكة إتحاد أوربا الشرقية بعد عام 2007 دون مشاركة روسيا". والذي حذرت منه روسيا بصراحة من توسع الناتو نحو الشرق.
كان من الممكن أن يتصرف الأوروبيون بمراتب في التقارب مع الولايات المتحدة دون أن ينتهكوا في نهاية المطاف أهدافهم الاقتصادية والسياسية والمتعلقة بالسلام والأمن. الذي كان سيتطلب موقفاً أكثر استقلالية فيما يتعلق بالولايات المتحدة. قال فيرهويغن "كان من الضروري للغاية فهم وتصنيف تاريخ حرب أوكرانيا بالكامل". عندئذٍ "يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعداً أيضاً للعمل من خلال أخطائه". عند تحليل "تاريخ" الحرب، "يجب فحص سؤالين بعناية": "من تسبب في فشل اتفاقية مينسك، ومن أو ما الذي دفع الاتحاد الأوروبي للمشاركة في عملية تغيير النظام في أوكرانيا في عام 2013؟ "
تحدث فيرهويغن أيضاً ضد جعل ما قبل التاريخ لحرب أوكرانيا من المحرمات، ووصفها دائماً بأنها تفسر ذنب روسيا في الحرب. ومع ذلك، فإن الفشل في "العمل بجدية عبر التاريخ بأكمله (...)" يعني "تكرار نفس الأخطاء". ومن اللافت للنظر أن مكتبات بأكملها كتبت عن الأسباب والتطورات التي أدت إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية '، ولكن مجرد المطالبة بالتصالح مع "التاريخ الكامل (...) للحرب الكبرى الأولى في أوروبا في هذا القرن" يعتبر بالفعل "تهدئة".
إمكانات هائلة للتصعيد.
الحقيقة المزعجة الثانية، وهي أن هذه الحرب تنطوي على إمكانات هائلة للتصعيد، تم تسميتها من قبل شخصيات عسكرية سابقة رفيعة المستوى تم إعفاؤها من واجب الطاعة: ومن بينهم العميد المتقاعد (هيلموت كانسر).وكذلك المُستشار الأمني السابق للمُستشارة السابقة أنغيلا ميركل (إيريش فاد). و(هارالد كوجات) الجنرال المتقاعد في القوات الجوية، والمفتش العام السابق للقوات المسلحة الألمانية ورئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو. ولاعجب لماحدث لإكبر عسكري ألماني، (إيبرهارد زورن)، وكبير المفتشين العامين في الجيش الألماني، الذي تم تعيينه من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في عام 2018 ، فقد تم فصله مؤخراً من قبل وزير الدفاع الجديد (بوريس بيستوريوس، من الحزب الديمقراطي الأجتماعي) لأنه، وفقأ لـصحيفة (نويه زويريخ تسايتونغ)، وفي مقابلة في سبتمبر الماضي "تحدث ضد تسليم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا" وأعرب عن شكوكه "في أن أوكرانيا يمكن أن تربح الحرب".
على أية حال، فإن الحقيقة المزعجة الثانية هي أن الحرب لا تهدد فقط بالتصعيد في أوكرانيا نفسها، كما يتضح من جريمة الحرب الروسية المُتمثلة في تدمير إمدادات الطاقة والمياه في منتصف شتاء قاري وفي ظل تعرض السكان الضعفاءللغاية للأذى والتدمير. وكمن يتصور السير أثناء النوم في حرب عالمية ثالثة.
وحذر إيريش فاد، مرات عديدة، من أن روسيا لديها هيمنة متصاعدة، كما أنتقد هارالد كوجات، سياسة تسليم الأسلحة الهجومية باعتبارها تصعيدية للغاية وتم تنفيذها دون أية مناقشة واضحة للأهداف العسكرية الاستراتيجية المرتبطة بها. من ناحية أخرى، ظهر فاد، وهو ذو عقلية محافظة مؤخراً كممثل سياسي، في إطار "بيان السلام" الذي أطلقته (سارا فاغن كنشت)من حزب اليسار، والناشطة النسوية المخضرمة (أليس شفارزر) والذي وقع عليه بحدود أكثر من ربع مليون شخص في ألمانيا حتى الآن.
في غضون ذلك، رأى العميد المتقاعد كانسر "عدم مبالاة غير مفهومة" في سياسات الحكومة الفيدرالية والولايات المتحدة في التعامل مع الاحتمال الحقيقي لحرب نووية. من ناحية أخرى، أثار الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) ضجة عندما حذر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من تصعيد الحرب في أوكرانيا قبل شهر: "آفاق السلام تتضاءل أكثر من أي وقت مضى، وأحتمال حدوث مزيد من التصعيد وسفك الدماء يتزايد باستمرار. "لا يخشى أن العالم يسير نائماً نحو حرب أكبر. "أخشى أنها ستفعل ذلك وعيناها مفتوحتان على مصراعيها."
لن تنتهي الحرب عسكرياً، ولن تنتهي بـ "سلام منتصر"، كما أفترض السياسيون الحاكمون - من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (من حزب الخضر)ـ
لفترة طويلة جداً وما زلنا نناضل من أجله. بدلاً من ذلك، سيكون هناك حل تفاوضي. عن هذه الحقيقة،عبر عنها أشخاص مثل المؤرخ المحافظ من أوروبا الشرقية (يورغ بابروفسكي)، الذي حذر في الوقت نفسه أيضاً من تصعيد الحرب من خلال سياسة خارجية "غربية" مدفوعة أيديولوجياً وساذجة بشكل خطير. أو (يوهانس فاريك)، الواقعي في السياسة الخارجية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة هالة-فيتنبرغ الألمانية. وأيضاً كوجات، الذي حذرَ من أن الحرب قد دخلت في حالة من الجمود و "لا أحد يستطيع الفوز بها"، "لا روسيا (...) ولا الولايات المتحدة وبالتأكيد ليس أوكرانيا." تجاهل مبدأ بالغ الأهمية (...): أي أنه خلال الحرب، التي تُشن لأسباب سياسية، يجب عدم تعليق وترك السياسة ".
نعم، حتى أعلى رتبة في الجيش الأمريكي، رئيس أركان الولايات المتحدة (مارك أ. ميلي)، وهو واقعي في السياسات الخارجية،وقارئ جيد ويستشير في كتاباته العسكرية الأستراتيجية، إنجلز ولينين وماو، ففي مؤتمر صحفي للبنتاغون تشرين الثاني (نوفمبر)، برر شكوكه حول "أحتمالية تحقيق نصر عسكري أوكراني، وطرد الروس من جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي تدعي". "هذا الاحتمال"، من منظور عسكري، لايجري تقديره بشكل عالٍ. "وأضاف:" من وجهة نظر سياسية، يمكن أن يكون هناك حل سياسي ينسحب فيه الروس - سياسياً ". وهذا أمر يمكن تصوره.
وفي مقابلة في الفاينانشيال تايمز نُشرت في منتصف فبراير، قال ميلي: "من المستحيل أساساً أن تحقق روسيا أهدافها السياسية بالوسائل العسكرية". من غير المرجح أن تتغلب روسيا على أوكرانيا. هذا لن يحدث. "فقط وفي حالة عكسية أن يحدث إذا" أنهار الجيش الروسي بأكمله ". وعندما سُئل عما إذا كانت "لحظة الدبلوماسية بين موسكو وكييف" قد أنتهت، أجاب ميلي: "حتى بداية الربيع"، الهجمات المحتملة ل"أسابيع فقط" ولكن هناك "نافذة مرنة من الفرص. ". هناك "أحتمالات في أي وقت" لمفاوضات السلام، حتى لو كان كلا الجانبين "راسخين بعمق" فيما يتعلق "بأهداف الحرب وعدم الاستعداد للتفاوض".
جنون الحرب العالمية.
الحقيقة الرابعة، غير المريحة بشكل خاص، تأتي الآن من الرؤية الثاقبة التي مفادها، أن أهداف الحرب الأوكرانية والأمريكية السابقة المتمثلة في "إستعادة" دونباس بالكامل وشبه جزيرة القرم غير واقعية تماماً. البديل الوحيد لذلك، ولكون الحكومة الأوكرانية تنفد ببطء من جاهزية أفرادها للقتال كي يمكنها من تشغيل الأسلحة المُوردة، سيكون إشراك قوات الناتو مباشرة.
 لحسن الحظ، وبصرف النظر عن طموح فرديريك ميرز(رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي)وأنتظاره، كي يصبح مستشار المانيا القادم،وصحفيين عالميين مجانين،وكذلك السياسيين الأجانب أصحاب هواية الليبرالية الخضراء،هذا الجنون الذي لم يفكربه أحد بجدية، الذي يشبه الحرب العالمية. 
ومن المؤكد أن تصريح أنالينا بيربوك(وزيرة الخارجية الألماني من حزب الخضر)،التي قالت "نحن" الأوروبيين "نخوض حرباً ضد روسيا"، يعطي نظرة عميقة بالتأكيد، لكنها كانت زلة لسان، طائشة وخطيرة،. ولكن إذا كان الوضع العسكري على هذا النحو، فإنه يثير تساؤلاً عما إذا كان يتعين أولاً، في معارك الاستنزاف بالقرب من باخموت، التي تذكرنا ب(فيردان) والحرب العالمية الأولى(دارت معركة فيردان في الفترة من 21 فبراير حتى 18 ديسمبر عام 1916 على الجبهة الغربية في فرنسا. كانت هذه المعركة الأطول في الحرب العالمية الأولى ووقعت على التلال شمال فيردان سورالميز) وربما يتم تجنيد مئات الآلاف أو ربما الملايين من الجنود الأوكرانيين والروس، وإحراقهم قسراً حتى تصبح هذه الحقيقة معروفة لرؤساء الدول. أو ما إذا كانت مثل هذه المذبحة – كما تحدث وزير الدفاع البريطاني بن والاس أيضاً عن "مدى البلاء الذي يُذكرنا بالحرب العالمية الأولى" – والذي لا يزال بالإمكان منعه.
الحقيقة الرابعة، مع ذلك، أن الحرب لن تستمر دون التنازلات الإقليمية من الحكومة في كييف، لم يعبر عنها أحد، ولم يتم النطق بها من قبل أي شخص آخر وفي وقت مبكر من قبل، سوى (ينس ستولتنبيرغ) الأمين العام لحلف الناتو.في حين أستبعدت أنالينا بيربوك ذلك وعارضتها بشدة،أما ستولتنبيرغ قد أشار في يونيو من العام الماضي إلى الحرب السوفيتية الفنلندية (نوفمبر 1939 إلى مارس 1940) والتنازلات الإقليمية التي قدمتها الحكومات الفنلندية في ذلك الوقت، والتي، مع ذلك، كانت لا تزال الحل الأفضل بالنسبة للبلد: "السؤال"، بحسب ستولتنبرغ، "ما هو الثمن الذي أنت على إستعداد لدفعه مقابل السلام؟ كم المساحة؟ كم الاستقلال؟ مدى السيادة؟ " من خلال تصريحات ستولتنبيرغ، كانت مسألة التنازلات الإقليمية مطروحة بالتأكيد على الطاولة.
جرائم الحرب، على سبيل المثال، التي تُرتكب ضد "المتعاونين" إذا نجحت الحكومة في كييف في إستعادة المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم هي واحدة من أكثر الأسئلة المحرمة في هذا الصدد. على الرغم من حقيقة أن هناك بالفعل تجارب من تشيرسون وخاركيف، التي استعادت حكومة كييف السيطرة عليها، على هذا الجانب من خط المواجهة، حيث فرَ عدة آلاف من الأشخاص لاحقاً إلى روسيا خوفاً. وخضع آخرون لاستجوابات جذرية على أساس قانون مكافحة التعاون أعتباراً من مارس 2022. ومع ذلك، فإن المحامي المؤثر والأستاذ الحاصل على الشهادةالفخرية "راينهارد ميركل" قد حصد عاصفة شديدة من الأنتقادات في غابة الصحف الألمانية عندما تجرأ على التساؤل في صحيفة(فرانكفورتر ألغيماينة تسايتونغ)،أن سكان شبه جزيرة القرم يريدون "أستعادتها"عسكرياً. . ومن هذا المنطلق، أستنتج التزام أوكرانيا بالدخول في مفاوضات مع روسيا - وهو ما حظرته حكومة زيلينسكي بمرسوم في أكتوبر - وإذا كان من الممكن أيضاً حث روسيا على القيام بذلك.
لقد جذب البروفيسورميركل الانتباه بالفعل لما حدث عام 2014 في النزاع المسلح في منطقة شبه جزيرة القرم عندما حكم، "بالانفصال" بموجب القانون الدولي (نتيجة لتبعات تغيير نظام الحكم من قبل كييف) على أنه ليس ضم.
إن قول الحقائق الأربع المزعجة عن حرب أوكرانيا الآن، وعلى حد تعبير الكاتب ومؤلف الأغاني(فرانز جوزيف ديغنهاردت) "غير مرغوب فيه للغاية في هذا البلد" ، بل في كامل الجزء الغربي من العالم.
حتى يومنا هذا، هم يُشيرون إلى المحرمات التي إذا تم لمسها، تؤدي إلى نبذ وسائل الإعلام لعامة الطبقة الوسطى، أو عاصفة ليبرالية خضراء على وسائل التواصل الاجتماعي. (يوهانس فارفيك)، أحد النُقاد القلائل الذين يتمتعون بحضور منتظم في وسائل الإعلام، لاحظ مؤخراً أن أي شخص "يبتعد كثيراً عن التيار السائد" "يتم تهميشُه"، على الأقل خارج الممر الضيق للآراء الشرعية. في حين أن الحرب في أوكرانيا قد بلغت ذروتها الآن كونها حرب إستنزاف قاسية مع ما يصل إلى ألف جندي قتيل لكلا الجانبين كل يوم، وهم أنفسهم يتساءلون بشكل متزايد عن معنى هذه الحرب، هناك منتقدون في هذا البلد يوافقون على ذلك. مع غالبية السكان الذين يشككون في التركيز للجانب الأحادي على منطق الجيش والدعوة إلى المفاوضات، وقد تم التشهير بهم على أنهم "دعاة سلام خاضعين غير منطقيين" و "دعاة سلام متكتلين" و "دعاة سلام" وحتى - مستمدين من الترسانة الأيديولوجية للحرب الباردة - "طابور بوتين الخامس".
أثرت القوة الكاملة "لثقافة الإلغاء" الليبرالية المُهيمنة عليهم ولا تزال تؤثر عليهم حتى يومنا هذا. يمكن العثور عليها في مكاتب التحرير في الصحف والمجلات الكبيرة المُكونة للرأي والبرامج الحوارية التلفزيونية، حيث يظهر موقفها في أحسن الأحوال بحيث يمكن لثلاثة ضيوف آخرين مهاجمة خصم السياسة السائدة جنباً إلى جنب مع الوسيط.
توماس فيشر، الباحث القانوني والقاضي السابق لمجلس الشيوخ الجنائي لمحكمة العدل الفيدرالية (محافظ آخر) أشار مرات عديدة،إلى أن السياسة في الغرب ليست أقل دعايةٍ مستخدمةً معايير مزدوجة.
الآن يطرح السؤال حول كيف يمكن تفسير الحقائق الأربع غير المُريحة والمحظورة من وقت لآخر من قبل اليساريين، ولكن كما هو واضح من قبل الدوائر الليبرالية المحافظة، وجهاز الدولة والجيش.وبدلاً من سياسة خارجية مجردة خطيرة،الى سياسة واقعية ملموسة،يمكن ربطها بالطيف الليبرالي(اليساري)على وجه الخصوص،والتي نشأت فيها هناك.
الحقيقة أنه كلما أبتعد عدد السياسيين والصحفيين ونشطاء تويتر عن الجيش الحقيقي وأيضاًعن  خطاباتهم الخاصة، كلما ازدادت العبثية في مواجهة صور الموت والمعاناة والدمار المروع اليوم،ومن العبث للغاية البحث عن ملاذ بمنطق الجيش،بينما في الجيش على وجه الخصوص، يعرف المرء حدود الجيش - ليس أقله من التجارب في أفغانستان والعراق ومالي.
بلا شك،هذا ليس تفسيرا كافيا. التفسير الآخر لسبب دعم الطيف الليبرالي اليساري للسياسة الحاكمة بهذه الطريقة هو أنه غير مدعوم من قبل الحكومات المحافظة واليمينية، ولكن من قبل الديمقراطيين الأمريكيين والخضر. وفي المقابل، ما يزيد عدم اليقين لدى اليسار بشأن السياسة السائدة والانقسامات الداخلية الواضحة هو أن الغزو الروسي لأوكرانيا يستقطب ثلاث مشاعر يسارية عميقة الجذور: مناهضة الحرب ومعاداة الفاشية والرغبة في العمل مع الضعفاء، وكذلك ليكون تضامناً عالمياً. بهذه الطريقة، فإن حرب أوكرانيا هي أيضاً حرب "يسارية" أو حرب ليبرالية يسارية.
إن البحث عن إجابات حول كيفية إنهاء هذه الحرب الرهيبة وإراقة الدماء في أسرع وقت ممكن يجب أن يبدأ بالتعامل مع الظروف الحقيقية. وهذا يشمل الاعتراف بالمحرمات وإزالتها من حقائقها الأربعة المزعجة. نحن مدينون بذلك لأولئك الذين يعانون من هذه الحرب اليوم: السكان المدنيين الأوكرانيين، الذين أصيبوا بهذه الحرب من قبل روسيا، والفقراء، الشعب الذي أصيب بخيبة أمل في الحرب، وخاصة من الجانب الروسي، ولكن أيضاً من الأوكرانيين. والحريق المُتزايد ضد إرادتهم والذين اضطروا إلى الفرار من هذه الحرب،الذين يحتاجون المساعدة.الطبقات الدنيا في جنوب الكرة الأرضية، وخاصة في إفريقيا، المُتضررون تماماً من التضخم الناجم عن الحرب ودولهم في حالة خطر الانهيار نتيجة لذلك، وكذلك الطبقات العاملة في أوروبا والولايات المتحدة، الذين يدفعون ثمن هذه الحرب وإطالة أمدها بخسائر ضخمة في الدخل الحقيقي.

إنغار سولتي* هو مستشار للسياسة الخارجية والسلام والأمن في معهد التحليل الاجتماعي التابع لمؤسسة روزا لوكسمبورغ .






34
ينبغي عدم الاستهانة بمصالح وتأثير شركات الأسلحة.
بقلم إنغار سولتي*
ترجمة:حازم كويي


لاتقل لي أن السلام قد حلَّ!" تستدعي الأم الشجاعة هذه الجملة في إحدى مراحل مسرحية بيرتولت بريشت عن الحرب " الأم شجاعة وأطفالها"، والتي عُرضت لأول مرة في زيورخ عام 1941. بصفتها بائعة متنقلة، شجاعة عاشت حرب الثلاثين عاماً (1618-1648)، التي تدور أحداثها في المسرحية، لكنها في الوقت نفسه تفقد أطفالها تدريجياً بسبب بربرية الحرب.
من خلالها، أراد بريشت تحذير الطبقات الدنيا من الاعتقاد بأنهم يمكن أن يفوزوا بشيء ما في الحرب العالمية الثانية أو أن يتشوشوا بطريقة ما. "لا تقل لي أن هناك سلام" زلة فرويدية تؤكد، أنه في الحرب يوجد دائماً رابحون يجب الحذر منهم.
يتم التعرف بسرعة على المستفيدين من الحروب، شركات الأسلحة التي زودت جميع الدول المُتحاربة في الحرب العالمية الأولى بالأسلحة والتي أرتفعت أسعار حُصصها بشكل كبير. وكذلك المرتزقة الذين يكسبون من الحرب، إلخ.
وهذا يقود البعض إلى إفتراض أن قرارات إعادة التسلح أو حتى الحروب، مثل سباق التسلح العالمي الجديد منذ عام 2014 أو تعديل القانون الأساسي للديون الخاصة البالغة 100 مليار يورو، التي تم الإعلان عنها وإقرارها هذا العام، هي نتيجة مباشرة للضغط المسلح.
في حوالي عام 2000، وعندما أوضح السياسيون ورجال الأعمال والمفكرون في "مشروع القرن الأمريكي الجديد" لماذا يجب على الولايات المتحدة تعزيز دورها العسكري الإمبراطوري في العالم؟ 
كان هذا في الواقع مثل قائمة التسوق لشركات الأسلحة الأمريكية الكبيرة مثل Raytheon و Northrop Grumman و Lockheed Martin و Boeing. هذه الشركات تُديرعدداً لا يحصى من المنظمات الأيديولوجية التي تحاول إقناع السياسيين بوجود تهديدات خارجية جديدة، وثغرات أمنية، وما إلى ذلك، والتي يتعين الرد عليها من قبل السياسيين من خلال شراء المزيد والمزيد من أنظمة الأسلحة الجديدة. رافقت إعادة التسلح الكمي للقوات المسلحة الألمانية منذ عام 2014 بألعاب نارية أيديولوجية ضخمة، والتي بموجبها يمثل تنظيم الدولة الإسلامية وأوكرانيا والإيبولا "سيناريوهات تهديد جديدة" يتعين على المرء أن يتفاعل معها بإعادة التسلح.
في الوقت نفسه، يجب أن تتآكل أنظمة الأسلحة المُشتراة. إن تبادل حلقة السلاح وتآكل أنظمة الأسلحة من قبل القوات الغربية في أوكرانيا هي بلا شك هدية مرحب بها، مما يسمح بالتخلص من الأسلحة القديمة،وتجديد المخزون،ومن الخطأ التقليل من تزايد مصالح وتاثير شركات التسلح.
ومع ذلك، إذا كانت صناعة الأسلحة الألمانية - التي تُحسب بسخاء - توظف بالكاد 300 ألف شخص، فلا يمكن أن يكون تأثيرها بهذه الضخامة، وهو ليس كذلك. اعتماداً على مكان اندلاع الحرب، فإن الاهتمام بالحرب وتدمير الأسلحة يتعارض أيضاً مع تدمير الشركات عبر الوطنية للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
 تنشأ عملية التفاوض لإعادة التسلح من موقف معقد مع منطق مختلف، سياسي واقتصادي، لمصالح مختلفة وفاعلين مختلفين.
لذا فإن السؤال الذي يجب طرحه هو حول العلاقة المنهجية بين الحرب والاقتصاد، وحول منطق الحرب.
عليك أن تدرك أن صناعة الأسلحة هي محرك مهم للابتكار.على مدى أربعة قرون كانت  الأيديولوجية النيوليبرالية تحكي،عن حكاية الدولة غير الفاعلة،والسوق الديناميكي المبتكر والقطاع الخاص.
الخبيرة الاقتصادية ماريانا مازوكاتو أوضحت في كتابها الأكثر مبيعاً "عاصمة الدولة" أن ابتكارات الرقمنة في العقود الماضية لم تكن بإي حال موجودة في المرائب، فقد نشأت على ساحل المحيط الهادئ الأمريكي، والتي كانت من أبحاث الدولة الحكومية. عندها فقط تم الأستحواذ عليها وأستغلالها من قبل شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون وحصولها على براءة اختراع واستغلالها وتحويلها إلى مليارات من قبل شركات التكنولوجيا في هذا الوادي، وبأصول تبلغ قيمتها المليارات.
التجديد الألكتروني مع تطوير الابتكارات التقنية،ومنها على سبيل المثال جهاز(iPhon)،كانت كواجهات وما إلى ذلك - من خلال برامج البحث العامة، وبالتحديد في صناعة التسلح. من المفارقات أن صناعة التدمير هذه كانت دائماً محركاً للتقدم التكنولوجي، لأن موارد الدولة العملاقة تُستخدم هنا لإجراء أبحاث أساسية باهظة الثمن لن تقوم بها الشركات الرأسمالية الخاصة أبداً، ولأنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الاستثمارات ستؤتي ثمارها.
لذلك، في العلوم التقنية، يتحدث المرء أيضاً عن "الاستخدام المزدوج"، أي الاستخدام المزدوج للتكنولوجيات المطورة في أبحاث التسلح، الاستخدام العسكري والاستخدام المدني. بالطبع، يمكن أيضاً تخيل سياسة الابتكار الحكومية بدون أسلحة.
على أية حال، وفي ظل هذه الخلفية، فإن إعادة التسلح هي أيضاً في مصلحة الدولة. هذا صحيح بشكل خاص في يومنا هذا.
الليبرالية الجديدة في أزمة. على مدار العشرين عامًا الماضية، حولت الصين نفسها
عالمياً إلى منافس جاد في مجال التكنولوجيا الفائقة. تم تحقيق هذا العمل الفذ التاريخي (فقط) بواسطة تدخل الدولة القوي. أظهرت الأزمة المالية العالمية بعد عام 2007 أن مسار الصين كان متفوقاً بشكل كبير على أستراتيجيات الدول الرأسمالية الأساسية في "الغرب". وأعتمدت على سياسة موجهة نحو السوق تتمثل في "تخفيض قيمة العملة الداخلية" للتكاليف والأجور (سياسة التقشف)، وخططت الصين لتطوير شركاتها متعددة الجنسيات المملوكة للدولة على نطاق واسع.
كما زاد التسلح في الصين بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً الماضية، بدءاً من مستوى منخفض الى ستة أضعاف أو أكثر. في غضون ذلك، فإن الصين، الدولة النامية المُستعمَرة سابقاً، هي الآن على على قدم المساواة مع الدول الرأسمالية الأساسية في "الغرب"، إن لم يكن منذ فترة طويلة، وبمايتعلق الأمر بالتقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، الجيل الخامس من الاتصالات المتنقلة ( مع جميع التقنيات المشتقة مثل "المدينة الذكية"، "القيادة الذاتية"، وما إلى ذلك) وأيضاً التقنيات الخضراء الرائدة في السوق العالمية.
يتزايد الإدراك تدريجياً في الأتحاد الأوربي، بأن هناك حاجة الآن إلى سياسة صناعية أكثر نشاطاً ضد منافسها الصين. هناك أتجاه نحو "تعايش أقوى بين السياسة الصناعية والتسليح"
مع مشاكل سلسلة التوريد الناتجة عن الحرب الاقتصادية الأمريكية ضد الصين من ناحية ووباء كورونا من ناحيةأخرى،هناك أتجاه نحو إعادة تأميم السياسة الجديدة،وأصبح تعزيز الدولة للرأسمال الخاص، ومن خلال سياسة الإبتكار العسكري،وإنشاء(لاعبين عالميين)،والأمن السيبراني والدفاع ضد التجسس الصناعي أكثر اهمية،حيث تزامنت هذه الأستراتيجية الأوربية الجديدة مع وباء كورونا،أضافة الى ذلك،فإن التسلح في أوقات أنخفاض الأجور على الصعيد العالمي،والتراكم المفرط لرأس المال،وبالتالي إضعاف الطلب المحلي،يعد أيضاً محركاً للنمو.
ميزة التسلح هي،أمكانية التحكم في الحاجة الى الأسلحة مركزياً،فهو المكان الذي تطالب به الحكومة.ولأنه من السهل سياسياً وأيديولوجياً تبرير الحاجة الى أنظمة أسلحة جديدة من خلال سيناريوهات التهديد بدلاً من زيادة الطلب على السلع الأستهلاكية اللامركزية.
إذن، هناك أيضاً وظيفة اقتصادية كلية للتسلح،لكنها تتعارض مع السياسة النيوليبرالية للموازنة الوطنية. لأنه بدون مديونية الدولة أو القطاع الخاص، فإن الاقتصاد الرأسمالي لا يمكن تصوره. ما إذا كانت حرب أوكرانيا وعواقبها ستكسر بشكل دائم العقيدة النيوليبرالية لسياسة التقشف بإسم حالة الطوارئ ومااذا كانت قوى السوق الراديكالية الملتفة حول وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر (من الحزب الديمقراطي الليبرالي) ،ستخسر معركتها من أجل العودة الى "كبح الديون"
على أية حال، هناك شيء واحد واضح: الحرب، وهي أيضاً رسالة بيرتولت بريشت، هي بلاء الإنسانية، لكنها أيضاً، وفقاً لشجاعة الأم، "معيل جيد".

إنغار سولتي* هو مستشار لسياسة السلام والأمن في معهد التحليل الاجتماعي التابع لمؤسسة روزا لوكسمبورغ.

35
الحاجة إلى الديمقراطية المباشرة

الديمقراطية المباشرة هي الطريقة الحاسمة لحل الرأسمالية. كيف يمكن تنفيذه؟
ألفريد مولر*
ترجمة:حازم كويي

تواجه الديمقراطيات البرلمانية تحديات كبيرة بدت قبل سنوات قليلة غير واردة. إن نجاح القوى الشعبوية، وزيادة الاستقطاب في السياسة والمجتمع، والشعور بأن "السياسة" غير مُمثلة، والنداء الجديد للأنظمة الديمقراطية المباشرة يعني أن الديمقراطية البرلمانية تتعرض لانتقادات متزايدة.
الكثير من المواطنين لم يعودوا يشعرون بأنهم ممثلون من قبل السياسيين. يريدون أن يكون لهم رأي وبمساحة أكبر.
هذا النقد ليس جديدا بأي حال من الأحوال. لكن لم يعد من الممكن تجاهلهُ أيضاً، ولأنه لا يوجد شك، في أن الديمقراطية البرلمانية لا علاقة لها بالديمقراطية. إنها ديمقراطية زائفة، ديمقراطية للقِلة الحاكمة. ليس لدى غالبية السكان سوى دور سلبي، يتفاعلون فقط مع الإشارات التي يتم إعطاؤها لهم.
ويجب عدم نسيان أوجه القصور الكبيرة في الديمقراطية البرلمانية في النقاش حول الإصلاح الديمقراطي. بدون المشاركة السياسية وصنع القرار من قبل السكان، لا يمكن للديمقراطية أن تعمل بمعنى الحكم الشعبي. في الديمقراطية الحقيقية، ليست القلة التي تقررعن الآخرين، كما هو الحال في البرلمان، ولكن الناس يقررون معاً القواعد التي يريدون العيش بموجبها.
إذا كانت لدينا ديمقراطية شعبية ونريد حل المشكلات المتنوعة معاً، فإن مهمتنا المركزية هي تقديم الديمقراطية المباشرة وتوسيعها وتقويتها بشكل شامل.
من خلال المشاركة الواسعة للمواطنين، فإن الديمقراطية المباشرة هي الضامن لمجتمع حُر يقبل وجهات نظر مختلفة من السكان وبتنازلات تتشكل منهم. من ناحية أخرى، فإن النماذج البرلمانية للديمقراطية التي يفترض أنها تتبع إرادة الشعب، ليست لديها إجابات على أوجه القصور الموجودة. لذلك، يلزم إجراء تحليل نقدي وإجابات جديدة على السؤال المتعلق بكيفية إنشاء الديمقراطية المباشرة وتعميمها وجعلها إثباتاً للمستقبل.
للوهلة الأولى، لا يبدو أن الديمقراطية البرلمانية في ألمانيا في مثل هذا الوضع السيئ. كما كان في زيادة إقبال الناخبين وبشكل ملحوظ في الانتخابات الأخيرة. لكن منتقدي ومعارضي الديمقراطية البرلمانية يكتسبون النفوذ، يمكن ملاحظته في تحول أعمق عن المواطنة.
المواطنون يريدون الخروج من خيبة أملهم السياسية وشعورهم بالعجز فيما يتعلق بما يحدث في العالم الرأسمالي ودورهم الصامت. ويريدون أيضاً أن يلعبوا دوراً نشطاً في تشكيل وتحديد كيفية إنهاء الاستغلال، والحد من الفقر، والحد من الاحتباس الحراري، وإنهاء الظلم، والقضاء على قوة رأس المال. لم يعد الإجراء البرلماني المُعتاد لصنع القرار السياسي كافياً للمواطنين. لا تزال الأحزاب والبرلمانات هي الأماكن المركزية التي تعقد فيها النقاشات السياسية وتجتمع معاً. ومع ذلك، هناك شك متزايد في قدرة البرلمانات على تمثيل الشعب بشكل مناسب.
ويشعر المواطنون بعدم الرعاية والحرمان من قبل الحكومات والبرلمانات. مجرد التصويت في الانتخابات ووضع علامة في المربع كل بضع سنوات لم يعد كافياً بالنسبة لهم. حتى الكاتب والصحفي الألماني توخولسكي قال: الانتخابات لا تغير شيئاً، وإلا فسيتم حظرها.
يمكن للمواطنين عرض إهتماماتهم بشكل مباشر وسريع ومُحدّث جداً في الأماكن العامة، سواء كان ذلك في شكل مجموعات عمل أو مبادرات أو مظاهرات المواطنين. هذا جيد وسيحول السلبية القائمة إلى نشاط سياسي ملموس. لكن هذه مجرد مبادرات عفوية. يأتون ويذهبون. إنهم يفتقرون إلى منصة دائمة ومتكاملة ومنظور للتغلب على النظام. فما الذي يجب القيام به؟
على مستوى البلديات.
نحن بحاجة إلى مؤسسات عامة محلية للمناقشات والقرارات. يحتاج المجتمع إلى إيجاد مساحات يمكن من خلالها مناقشة الآراء المختلفة وتبادلها، حيث يمكن للناس المساهمة بمهاراتهم، والتحدث عن السياسة وتحديد كيفية حل المشاكل المختلفة.
ولتحقيق ذلك، يجب إنشاء مجالس المواطنين في المدن والمجتمعات. هذا هو المكان الذي يلتقي فيه المواطنون، ويشكلون رأياً حول القضايا والمشكلات السياسية والمحلية المهمة وتُمررإلى الهيئات المسؤولة (مثل المجالس المحلية، والمجالس الحضرية والمقاطعات) للحصول على قبول ملزم. وتصبح هكذا وبمرور الوقت تنتقل سلطات إتخاذ القرار البلدية تدريجياً من الأقلية إلى الأغلبية.
يتعلق الأمر بوضع الناس وإحتياجاتهم في المقام الأول. أينما يتم إنشاء مساحات جيدة وجذابة يمكن للناس فيها التفاعل واتخاذ القرارات، فإنهم ينجذبون ويشعرون بالراحة. تخلق مجالس المواطنين ثقافة سياسية تتسم بالشفافية والاحترام والتفاهم والمساءلة. وهذا يجعل البلديات أكثر حيوية، وأكثر جدارة بالعيش فيها، ويمكن أن يتقن الجميع معاً المهام الرئيسية، مثال بلدية صديقة للمناخ، مستدامة.
على المدى الطويل، يجب تطوير دستور بلدي ديمقراطي مباشر يتم فيه تسجيل فرص المشاركة البلدية والأشكال الديمقراطية الشعبية للتنظيم السكاني. من وجهة نظر الديمقراطية المباشرة،أي تفريغ السلطة كمبدأ تنظيم أجتماعي، الذي ينص على أن الوحدات البلدية تتولى مهام حلول القضايا الأجتماعية والسياسية على هذا المستوى الأكثر مباشرة(الأكثر محلية).
على الصعيد الاقتصادي.
يجب أن تتم عملية الدمقرطة البلدية المباشرة في الشركات في نفس الوقت الذي يتم فيه تقديم الحكم الذاتي للعمال. في الأعمال التجارية، يجب عكس التسلسلات الهرمية للسلطة الرأسمالية وقلبها رأساً على عقب. في الشركات ذات الديمقراطية المباشرة، لا يتم اتخاذ القرارات الرئيسية من قبل المالكين ومجلس الإدارة واجتماعات المساهمين، ولكن من خلال اجتماعات العمل. إنهم يحددون الإدارة والأسئلة الحاسمة (ماذا - كيف - أين - متى - من أين ومن) لكل شركة. إن السبيل إلى ذلك هو توسيع صلاحيات اتخاذ القرار في المجالس العمالية، حيث يصبح تقرير المصير مشتركاً.
الديمقراطية المباشرة لا تبدأ ولا تنتهي في الشركات. كما يشمل الترابط بين الشركات وبين الشركات والمستهلكين وبالتالي التنسيق الاقتصادي الشامل. يتم تنفيذ هذا التنسيق من قبل المجالس الاجتماعية، التي سيتم إنشاؤها على المستوى المحلي والفدرالي والأوروبي والتي تحدد تدريجياً الهيكل الاقتصادي المستدام والتنمية في منظمة مجلس أجتماعي شامل. ضعف ديمقراطية المجلس الألماني في عام 1918/1919،أنه لم يوضح المبادئ التنظيمية الأساسية، مثل تنسيق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الرئاسي للسلطات، وتوزيع الاختصاصات بين مختلف مستويات المجلس، وبالتالي قدم نظام مجلس فيه العديد من النواقص. هذه النواقص يجب معالجتها فى المستقبل.
على مستوى المؤسسات.
يجب أن تبدأ الديمقراطية المباشرة في دور الحضانة. و تستمر في المدارس والكليات، وتشمل الوحدات العسكرية، والخدمة المدنية، ووسائل الإعلام وتنتهي في دور رعاية المسنين. لا يمكن لمن يريد التغلب على الرأسمالية أن يتجنب إدخال شروط ديمقراطية مباشرة منذ سن مبكرة وفي جميع المؤسسات الاجتماعية. الديمقراطية هي عملية تعلم. فهوليس فطرياً ويجب تعلمه في مرحلة الطفولة من خلال العمل الديمقراطي .
ونظراً،أن وسائل الإعلام والوحدات العسكرية تمثل أدوات هيمنة رأس المال، يجب تضمينها في عملية التحول الديمقراطي وبالتالي إزالتها من هيمنة رأس المال.
دكتاتورية البروليتاريا كحكم غالبية السكان.
عملية الدمقرطة المباشرة هي عملية زيادة المشاركة الشعبية في عمليات صنع القرار. في هذه العملية التشاركية، يكتسب الناس مهارات وقدرات ديمقراطية ضرورية لمجتمع إنساني يقرر نفسه بنفسه. في الوقت نفسه، يتغلب العاملون بأجر وعائلاتهم على التبعية الرأسمالية من خلال المشاركة في عمليات صنع القرار، وتحرير أنفسهم من الأزمات المتنوعة لاقتصاد السوق الرأسمالي والتطور إلى أفراد واثقين من أنفسهم.
الديمقراطية المباشرة هي حكم الشعب ومن الشعب ومن أجل الشعب. إنه الطريق الحاسم لتفكيك الرأسمالية. مع تحقيقه، يتحول حكم رأس المال، حكم الأقلية، إلى حكم غالبية السكان. أطلق إنجلز وماركس على هذه القاعدة، دكتاتورية البروليتاريا. فقط على هذا الأساس يمكن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأولية وتأسيس حياة سلمية وصديقة للبيئة متضامن مع تقرير المصير.

ألفريد مولر* دكتور في الأقتصاد،والأقتصاد الزراعي.

 

36
حول محاولة تحديد سعر للنظم البيئية وحمايتها

ترجمة وأعداد:حازم كويي

تمثل أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر العالمي الخامس عشر،الذي أنعقد قبل فترة في مونتريال،كندا حول الطبيعة، بهدفها المعلن، الحفاظ على تنوع الأنواع والأنظمة البيئية.
لقد تم بالفعل تدمير هذا التنوع بشكل كبير، وفشلت جميع الاتفاقيات السابقة لحمايته. والسبب الرئيسي لذلك هو النظام الاقتصادي السائد الذي يستخدم الطبيعة كمورد مُربح. ومع ذلك، لا ينبغي أن يتعارض هذا مع حساب الأعمال. بدلاً من ذلك، يجب دمج الطبيعة في هذه الحسابات - بإعطائها ثمناً.
نهج السوق الحرة لرسملة الحيوانات والنباتات والكائنات البحرية له عواقب بعيدة المدى في حماية %30 على الأقل من مناطق العالم البرية والبحرية.
وفقاً للصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، فإن "الأنواع تنقرض بشكل ينذر بالخطر. لقد فقدنا بالفعل نصف الشعاب المرجانية والنظم البيئية للغابات في العالم بحجم 27 ملعباً لكرة القدم،التي يتم تدميرها كل دقيقة ".
الوقت جوهري: وفقاً للمجلس العالمي للتنوع البيولوجي (IPBES)، لا يزال هناك ما لا يقل عن ثمانية ملايين نوع. يمكن أن ينقرض،والى ما يصل مليون منها بحلول عام 2030. هناك نوع واحد يموت بالفعل كل عشر دقائق، وثلث جميع أنواع الحشرات معرضة لخطر الزوال إلى الأبد. التنوع البيولوجي آخذ في الانكماش.
يشمل التنوع البيولوجي والجيني الكامل لجميع الكائنات الحية والنظم البيئية على كوكبنا: الثدييات والنباتات والفطريات والكائنات الدقيقة والنظم البيئية مثل القارة القطبية الجنوبية والغابات الاستوائية المطيرة وغابات المانغروف(نباتات تعيش في البيئات الشاطئية المالحة). تنتج هذه الأنظمة الماء والغذاء والهواء النقي وكذلك الأدوية. تقوم الحشرات بتلقيح النباتات التي تعتمد عليها الكثير من الفواكه والخضروات. تحمي أشجار المانغروف المحاصيل الغذائية من الفيضانات. يعتمد الحفاظ على النظم البيئية، بدوره على تفاعل التنوع البيولوجي. مع انقراض الأنواع أصبحت العديد من وظائف النظام البيئي مهددة.
يعزو العلماء الأسباب الرئيسية لانقراض الأنواع إلى الزراعة، ولكن أيضاً إلى ضم الأراضي وأغلاقها بإنتشار المدن. وتشمل العوامل الأخرى إزالة الغابات، والصيد الجائر، وإدخال السموم في الطبيعة، وأنتشار أنواع الغازات من قبل البشر،الذي يلعب دوراً مهماً في تغير المناخ.
حتى الآن لم يكن هناك نقص في الأهداف، لكنها لم تتحقق منذ 20 عاماً. ووفقاً للصندوق العالمي للطبيعة، فإن "الخطة الإستراتيجية 2011-2020 لاتفاقية التنوع البيولوجي كانت شبه مفقودة تماماً". هذا يرجع أساساً إلى دور الطبيعة في النظام الاقتصادي السائد. إنه بمثابة مكب نفايات منخفض التكلفة، ومصدر مربح للموارد، أو ببساطة يقف في طريق الاستثمارات المجدية وبالتالي يتم تدميره. تقول فيكي سنس من منظمة(World   Benchmarking Alliance ) التي تعمل على الصعيد العالمي لتحقيق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية "إن سلاسل القيمة لمعظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية تساهم في فقدان التنوع البيولوجي".
بالنسبة للشركات والدول، فإن حماية التنوع البيولوجي تعني تكاليف إضافية من ناحية، وخسارة في الأرباح ومعدلات النمو من ناحية أخرى، وهذا هو السبب في أنها كانت تُعتبر مكلفة للغاية. ووفقاً للصندوق العالمي للطبيعة، فإن "نقص التمويل هو كعب أخيل في أي خطة طموحة للحفاظ على البيئة العالمية".
الرأسمالية تدمر الطبيعة ، لكن الاقتصاديين لا يقبلون هذا التعريف للمشكلة. وفقاً للخبير الاقتصادي الهندي بارثا داسجوبتا، الذي أعد دراسة "اقتصاديات التنوع البيولوجي" لوزارة المالية البريطانية ، فإن الجاني هو الافتقار إلى "اليقظة" تجاه البيئة. ووفقاً لـه "لقد أستنفذنا الموارد الطبيعية بشكل مفرط من خلال الأستخراج، وأستخدام الأراضي، والتخلص من النفايات". لقد حان الوقت لإدارة هذه "الأصول الطبيعية" بشكل أفضل. للقيام بذلك، يجب دمج الطبيعة في التفكير الاقتصادي، من خلال إعطائها سعراً مشابهاً لسعر إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
كيف تتحول الطبيعة إلى رأس مال؟
يحاول الاقتصاديون من جميع أنحاء العالم منذ سنوات منح النباتات وأنواع الحيوانات والنظم البيئية قيمة مالية قابلة للقياس. في عام 2021، وافقت الأمم المتحدة على إطار إحصائي يجب أن يأخذ في الاعتبار بشكل أفضل، مساهمات الأراضي الرطبة والغابات والمحيطات عند حساب الناتج الاقتصادي. تحقيقاً لهذه الغاية، يُنظر إلى إستخدام الطبيعة على أنه خدمة ولها ثمن.
وفقاً لهذا المنطق، حسبت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا والمسح الجيولوجي الأمريكي العام الماضي أن الشعاب المرجانية قبالة هاواي وفلوريدا تولد حوالي 1.8 مليار دولار من الإنتاج السنوي عن طريق منع الفيضانات والأضرار التي تلحق بالممتلكات البحرية. تقع أغلى الشعاب المرجانية قبالة هونولولو وتبلغ عائداتها 154.3 مليون دولار أمريكي. كل متر تخسره الشعاب المرجانية يعني ضرراً إضافياً للعقار بقيمة 5.3 تريليون دولار أمريكي.
أخذ باحثون بريطانيون غابة تشمل مستنقع بالقرب من بحيرة لوك نيس. باستخدام الطائرات بدون طيار والكاميرات والتسجيلات الصوتية والآت أخرى، يقومون بفحص المناظر الطبيعية، بما في ذلك مستوى المياه. وأستنتجوا كيف تؤثر تدابير إعادة التشبع على منع الفيضانات ونوعية المياه وتخزين الكربون. يتم بعد ذلك تحويل هذه العمليات في المستنقع إلى مزايا نقدية، بعد السنة الأولى، حَسَبَ الباحثون عائداً اقتصادياً قدره 20700 دولار أمريكي من تخزين الكربون و 8100 دولار أمريكي من تنظيم جودة الهواء.
ليست النظم البيئية متوازنة فحسب، بل الحيوانات أيضاً. تقدر قيمة التلقيح بواسطة الحشرات 500 مليار دولار أمريكي سنوياً في جميع أنحاء العالم. توفر أسماك القرش إيرادات سنوية تبلغ 940 مليون دولار لصناعة السياحة. لا تفيد الأفيال السياحة فحسب، بل تخزن أجسامها الكربون أيضاً، مما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري والأضرار الاقتصادية الناجمة عن تغير المناخ. هذا يساوي 1.8 مليار دولار سنوياً. وتتعلق حسابات أخرى بالمواد الوراثية للحيوانات والنباتات، والتي تَعِدُ بأرباح مستقبلية لصناعة الأدوية وبالتالي يجب الحفاظ عليها.
رغم أن كل هذه الحسابات مشوبه بقدر كبير من عدم اليقين، توصلت الدراسات إلى مجموعة متنوعة من النتائج التي تضع قيمة النظام البيئي في مكان ما بين 30 و 150 تريليون دولار أمريكي. ولكن، وفقاً للخبير الاقتصادي داسجوبتا، يتعلق الأمر كله بالمبدأ "من خلال وضع سعر لخدمات النظام البيئي، يمكننا ضمان أن الطبيعة - أو بالأحرى رأس المال الطبيعي - يلعب دوراً في مفاوضات صانعي القرار."
الهدف من التسعيرأولاً، جعل الضرر الذي يلحق بالطبيعة عامل تكلفة يستحق تجنبه. يقدر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أن 44 تريليون دولار أمريكي من القيمة الاقتصادية المضافة سنوياً تعتمد بشكل كبير على الطبيعة وخدماتها. وفقاً للصندوق العالمي للطبيعة "يمكن لكل يورو يُستثمر في استعادة الطبيعة أن يحشد ما يصل إلى 30 ضعفاً من الفوائد الاقتصادية. تشير التقديرات إلى أن تحويل الاقتصاد إلى مستدام دون تدمير الطبيعة يمكن أن يدر ما يصل إلى 10.1 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية سنوياً ".
الجناة يصبحون ضحايا.
من وجهة نظر الاقتصاديين، تم الجمع بين الرأسمالية والطبيعة بنجاح. ومع ذلك، فإن محاولة حماية الطبيعة من خلال الاستفادة منها لها عواقب بعيدة المدى. أولاً، بالنسبة لتعريف المشكلة، لم يعد يُنظر إلى تدمير الطبيعة على أنه نتيجة منطقية للإنتاج الرأسمالي ونموه الدائم، ولكن على أنه غير فعال فيما يتعلق باقتصاد السوق. من كونها سبباً لانقراض الأنواع، تصبح الشركات ضحايا لها - ثم تصبح منقذة البيئة الذين يحافظون على التنوع البيولوجي من خلال الاستثمارات. ويخلص ألكسندر نويباشر " إلى أن "النساء حاميات المناخ" لا يجب عليهن "التظاهر ضد الرأسمالية ".
بالإضافة إلى ذلك، فإن المحيطات والغابات والحيوانات ليست فقط "قابلة للحساب اقتصادياً" بتسعيرها، بل يتم دمجها في الحساب الرأسمالي مع التكاليف والعوائد والأرباح. لا تستحق البيئة الحماية إلا إذا تسبب تدميرها في التكاليف والإضرار بالنمو الاقتصادي. من هذا المنظور، تتبع ثلاثة شروط، متى وإلى أي مدى يتم حماية المناخ على الإطلاق.
 أولاً، حماية المحيط البيئي تكون منطقية فقط إذا تجاوزت تكاليف إتلافها تكاليف حمايته. يبقى أن نرى ما إذا كانت نتيجة هذا الحساب تتوافق دائماً مع احتياجات النظم البيئية.
ثانياً، من حيث المبدأ، فقط تلك الأجزاء من الطبيعة، هي التي تتمتع بالحماية التي يمكن استغلالها وبالتالي يكلف تلفها أموالاً. تعتمد التكلفة المقبولة لحماية البيئة على قيمة الأنواع والنظم البيئية المهددة بالتدهور البيئي. أو بعبارة أخرى، يواجه السياسيون مسألة مقدار الحماية المناخية التي يريدون تحملها. ويمكن أن يتقلب ذلك مع الاقتصاد. لذا فإن استهلاك الطبيعة قد يكون له ثمن. ولكن في أوقات الازدهار، قد يتم دفعها طواعية لأنها تستحق العناء. من ناحية أخرى، في أوقات الأزمات، يتعارض الحفاظ على الطبيعة بشكل مباشر مع النمو. حذرت غرفة الصناعة والتجارة الألمانية عام 2020 من أنه في ظل أزمة كورونا، يجب تجنب "الأعباء المالية الإضافية" بسبب أهداف أكثر صرامة لثاني أكسيد الكربون.
ثالثًا، بالنسبة لتلك النظم البيئية وسكانها الذين يُعترف، بأنهم يستحقون الحماية، فإن الحياة الجيدة والصحية لا تبدأ من هذا، لأنه يتم تقييمها وحمايتها فقط وفقاً للقيمة المنسوبة إليها - وهذا يميل إلى أن يكون أعلى في شمال العالم الغني منه في البلدان الفقيرة. تسببت الكوارث الطبيعية في أفغانستان في النصف الأول من عام 2022 في مقتل 1200 شخص، لكن الخسارة الاقتصادية كانت صغيرة. أما في الولايات المتحدة، فقد بلغت الأضرار 28 مليار دولار، أي ضعف الناتج الاقتصادي الأفغاني. لذلك تعتبر الطبيعة في الولايات المتحدة أكثر قيمة وتستحق الحماية.
كما هو الحال دائماً عندما يتعلق الأمر بالجوائز، فإن الأثرياء أفضل من الفقراء. لا يزال شراء حماية المحيط الحيوي من الجنوب العالمي امتيازاً للدول الغنية،  ففي هذه البلدان الغنية إمتياز للأثرياء. إجمالي الثروة العالمية أكثر من 460 تريليون دولار. يلاحظ الفيلسوف أوليفر شلاودت: "بالنسبة لأغنى واحد في المائة، الذين يمتلكون ما يقرب من نصف هذه الثروة، فإن النظام البيئي سيكون صفقة حقيقية". »لسوء الحظ، الأنظمة البيئية ليست للعرض حالياً.


37
جنون السرقة العالمية

كاترين كيرلوف*
ترجمة :حازم كويي

يمكن للمرء أن يصف أفعال الشركات عبر الوطنية بأنه نهب منهجي.
وصفها الصحفي والمؤلف توم بورغيس "آلة نهب" في كتابه The Curse of Wealth ، الذي كتب فيه عن "لعنة الثروة " التي أصابت بلدان القارة الأفريقية.وسلطة التصرف الأنتاجي بالعمالة الحية والموارد الطبيعية والبيانات الرقمية والثروة الوطنية والسياسية،على طول سلسلة القيمة العالمية، تحتل الشركات فيها كل ما يخدم دافع الربح وتترك إصلاح الضرر الذي تُسببه للمجتمع، ولكن قبل كل شيء الفقر والأكثر فقراً في المجتمع. ما يُسمونه ويدعونه هناك بالتقدم ليس إلا إقتران بالتدمير .
إن الفساد والعنف العرقي يخدمهم جيداً طالما أن الدول تقدم العطاءات وتحصل على تراخيص لاستغلال المواد الخام القَيمة بشكل مفرط. عندما يقومون بالغزومثل الجراد، فإنهم يبيعون أفعالهم على أنها عمل مفيد لانتعاش، لا يصل أبداً إلى أولئك الذين يصنعون الثروة.
ولرسم كل شيء باللون الأخضر وتفجيره مع التقدم. ففي نهاية هذه العملية، تم تدمير زراعة الكفاف لصالح الزراعة الاحادية، وأحتلت منطقة أخرى غير مُطورة وتعرضت للاستغلال المفرط، وتم تهجير الناس،لإجل نخبٍ فاسدة.
تمتلك أفريقيا 15 % من إحتياطيات النفط الخام العالمية.وكذلك الذهب، والقصدير، والتنغستن، والكولتان(مادة مهمة في صناعة الهواتف المحمولة)، وخام الحديد، واليورانيوم، والحجر الجيري، والماس – هذه القارة هي جنة للشركات المتواجدة في دول مثل أنغولا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، نيجيريا، النيجر، غينيا، السودان، موزمبيق، غانا، جنوب إفريقيا، وزيمباوي - بعد أن غادرها المُستعمرون الأوروبيون، أرسلوا فيما بعد آلة أستغلال أكثر كفاءة،الشركات المتعددة الجنسيات مع آلات نهب أكثر تحديثاً وأكثر تطوراً في عملية الأستغلال.
تم تحديث "محرك النهب". حيث سلبت المعاهدات الأفارقة أراضيهم وذهَبِهم وألماسهم،وفرضت جحافل من المُحامين الذين يُمثلون شركات النفط والتعدين بعائدات سنوية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، تفرض ظروفاً مروعة على الحكومات الأفريقية ثم يستخدمون الثغرات الضريبية لسرقة عائدات البلدان المُعدمة بالغش.

وحلت الشبكات الخفية للشركات متعددة الجنسيات والوسطاء والحكام الأفارقة محل الإمبراطوريات القديمة.

إنهم ليسوا مُلتزمين بأي أمة، لكنهم ينتمون إلى النخب عبر الوطنية التي أزدهرت مع عصر العولمة "، كما يشير بورغيس الى ذلك.

يتم إخفاء المواد الخام من جميع أنحاء العالم في تقارير أرباح أسياد سلاسل التوريد شبه الغامضة وغير القابلة للإدارة من الناحية القانونية. حين تظهر على أنها منتجات مُصنعة في مراكز التسوق في بلدان الشمال العالمي، وتتألق مثل وعد بالخلاص، ولا تُظهر معلومات المُنتج، مع مقدار الدماء التي أُريقت في مكان آخر، ومقدار البؤس الذي تم قبوله من أجلها،كم هوحجم إستغلال هؤلاء الأشخاص الذين لديهم ثروة في نوافذ المحلات التجارية.

لقد نجحت أوروبا في خدعة سحرية. في حين أن الحدود أصبحت أكثر صعوبة من أي وقت مضى بالنسبة لأولئك الفارين من عواقب هذا الاستغلال والإفقار، إلا أنها مفتوحة على مصراعيها، للذين يغمرون المحلات التجارية من مصانع الشركات من أجل الربح.

فقط التضامن والحلول الجيوسياسية يمكن أن تساعد في منع هذا العمل العالمي المُدمر للكوكب، رغم عدم توفر أفق لذلك.

المحاولات للدخول في أستغلال الإنسان والطبيعة عن طريق قانون فك هذه السلسلة هي بداية مؤقتة،لكنها لن تنهي ما ميز أفعال نشاطات الشركات العابرة الجنسية. الاستغلال الشديد وساعات العمل الطويلة، وضعف الأجور، ترهيب النقابات من خلال العنف والنهب لمناطق بأكملها، تدمير الطبيعة، الاستغلال الإيكولوجي المفرط.

إن الشركات عبر الوطنية ليست كلية القُدرة. لقد أُعطيت القدرة المطلقة ويمكن سحبها منهم. لكن هذا يتطلب الكفاح والتضامن، في جميع أنحاء العالم.

كاترين كيرلوف*:صحفية وكاتبة في عدة صحف ألمانية.

38
نسبة مشاركةالأصول المهاجرة في البرلمان الألماني.

إعداد:حازم كويي
يعتبر حزب اليسار والحزب الأجتماعي الديمقراطي من بين الكتل البرلمانية،التي تمتلك اعلى نسبة من الأعضاء من أصول مهاجرة في البرلمان الألماني(البوندستاغ)،في حين أن حزبا الديمقراطي المسيحي،والأجتماعي المسيحي لديهم الأقل،رغم التأريخ الطويل للهجرة.
لا تزال الحواجزأمام الأشخاص،الذين لايملكون الجنسية الألمانية، للمشاركة في القرار السياسي في ألمانيا مرتفعة.وهي بكل وضوح مُمثلة تمثيلاً ناقصاً.
بعد الحرب العالمية الثانية، تم إستبعاد الأشخاص من أصل غير ألماني من عملية صنع القرار السياسي، الذين تقطعت بهم السبل في ألمانيا نتيجة للحرب.
 عام 1951 تم إقرار قانون، لإولئك الذين هاجروا قسرياً من النازيين وفترة سنوات مابعد الحرب،أضافة إلى اللاجئين غير المرتبطين بالحرب الألمانية، الذين بقوا في جمهورية ألمانيا الاتحادية الفتية، بلقب قانوني جديد وتحت عنوان إقامة "أجنبي بلا مأوى". جاء معظمهم من شرق وجنوب شرق أوروبا.
وتم منحهم نفس الوضع القانوني مثل المواطنين الألمان في العديد من المجالات مع حق إقامة غير محدود في ألمانيا. ولكن على الرغم من أنه كان من المستحيل عليهم في كثير من الأحيان العودة إلى بلدهم الأصلي لأسباب سياسية أو خاصة، وأرادوا الاستقرار في ألمانيا على المدى الطويل، على عكس اللاجئين والمُهجرين الألمان، ولم يتم منحهم الحق في التصويت لا على المستوى الفيدرالي، أو مستوى الولاية أو المستوى المحلي. كما لم يُسمح لهم بتأسيس أحزابهم الخاصة كتأكيد لهويتهم ومصالحهم.
وأعتباراً من عام 1955 تطورت حقوق الأشخاص الذين يحملون جنسية أجنبية عندما تم تجنيد الملايين من العمال الضيوف في الشركات،والذي كان مقرراً دمجهم في المجتمع الألماني لفترة محدودة فقط،بقرار مشاركتهم وحق التصويت في الأنتخابات المباشرة لمجالس العمال.
في نهاية الستينيات، تزايدت أحتجاجات المهاجرين من أجل تحسين أوضاع العمل.وفرض المتظاهرون من مختلف الجنسيات،أن يُعاملوا(أي الأجانب) بالتساوي عندما يتعلق الأمر بأمتيازات الأطفال.
في عام 1972، منح البوندستاغ جميع العاملين الأجانب حقوق التصويت الإيجابي والسلبي الكاملة في انتخابات مجالس العمل.
بسبب فترات إقامة المهاجرين الطويلة، ظهرت مجموعات تمثل مصالح المهاجرين على مستوى البلديات. لعبت الجمعيات الخيرية والكنائس والنقابات دوراً متزايد الأهمية في تمثيل مصالح المهاجرين للإدارة المحلية. تمثل المجالس الاستشارية للأجانب والهجرة والاندماج مصالح المهاجرين منذ السبعينيات.
تم إنشاء أول هذه المجالس الاستشارية في نورنبرغ وميونيخ في أوائل السبعينيات. ومنذ التسعينيات، تم أنتخاب المزيد من المجالس الاستشارية مباشرة من قبل السكان المقيمين الأجانب. يمكن أيضاً للأشخاص المُتجنسين والأشخاص من جنسيات متعددة المشاركة في الانتخابات.
من خلال المجالس الاستشارية والهيئات المماثلة، يتمتع المهاجرون بفرصة المشاركة على مستوى البلديات في مجالات السياسة الحضرية ذات الصلة بهم. ومع ذلك، لديهم دور وظيفة استشاري فقط.
عام 1992تحسنت المشاركة السياسية للأجانب. وأعطي الحق في التصويت والترشيح لمواطني الاتحاد الأوروبي من خلال معاهدة ماستريخت. ومنذ ذلك الحين، سُمح لهم بالمشاركة والترشيح في الانتخابات على المستوى البلدي لمواطني الاتحاد الأوروبي المهاجرين منهم.
المواطنون من الأتحاد الأوربي،يمكنهم المشاركة في أنتخابات مجلس المدينة ورؤساء البلديات،وفي محل أقامتهم بعد ثلاثة اشهرفقط،وعدا ذلك لايسمح لمواطني خارج الأتحاد الأوربي،أن يكون لهم رأي في مُمثليهم السياسيين في أماكن إقامتهم،حتى لو كانوا مُستقرين لعقود فيها كعاملين ودافعي ضرائب.
رعايا البلدان الثالثة لهم الحق فقط في التصويت في المجالس الاستشارية للهجرة والاندماج. جنبا إلى جنب مع المنظمات الذاتية للمهاجرين، فهذه جهات فاعلة مهمة في التعبير عن مصالح الأعداد المتزايدة من المهاجرين في ألمانيا. ومع ذلك ، فهي ليست بديلاً عن المساواة القانونية في التمثيل السياسي للمواطنين الأجانب والألمان. حتى الآن، ينتمي جزء كبير من هؤلاءالسكان، الذين لا يحملون جواز سفر ألماني (عدا مواطني الاتحاد الأوروبي) بإستثناءهم من أية مشاركة ديمقراطية من خلال الانتخابات. والاندماج يحصل حيث يعيش الناس وبمصالح مشتركة مع الآخرين،طالب حزب اليسار وحزب الخضر في ألمانيا بحقوق التصويت المحلية  للمواطنين غير المنتمين إلى الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل منذ عقود عديدة. من شأن التجنيس الأسهل وقبول الجنسيات المتعددة وإدخال حقوق التصويت البلدية لجميع المواطنين بغض النظر عن جنسيتهم، أن يفتح فرصاً جديدة لكل من يعيش في ألمانيا للمشاركة في العملية الديمقراطية.
أعضاء البوندستاغ الألماني من أصول مهاجرة موزعة على الأحزاب،أستناداً الى الأنتخابات التي جرت في سبتمبر 2021.
*الحزب الأجتماعي الديمقراطي،35 من مجموع 206 مقعداً.
*الحزب الديمقراطي المسيحي وحليفه الحزب الأجتماعي المسيحي مجتمعين،8 من مجموع 196 مقعداً.
*حزب الخضر،17 من مجموع 118مقعداً.
*الحزب الديمقراطي الليبرالي، 5 من مجموع 92 مقعداً
*حزب البديل الألماني(حزب يميني)، 6من مجموع 83 مقعداً.
*حزب اليسار،11 من مجموع 39 مقعداً.
*حزب الأقلية الدانماركية SSW،حيث يتواجدون في مقاطعة شليسفيغ هولشتاين شمال ألمانياوالمقابلة للدنمارك،ولهم مقعد واحد في البرلمان الألماني.
 وأزدادت النسبة المئوية من أصول مهاجرة كالتالي:
عام 2013 بنسبة 5.9%.
عام 2017بنسبة 8.2%.
عام 2021 بنسبة 11.3%.




صفحات: [1]