ankawa

الاخبار و الاحداث => أخبار شعبنا => الموضوع حرر بواسطة: عنكاوا دوت كوم في 11:56 27/10/2019

العنوان: بعشيقة العراقية مدينة الأحزان والزيتون
أرسل بواسطة: عنكاوا دوت كوم في 11:56 27/10/2019
بعشيقة العراقية مدينة الأحزان والزيتون

(https://www.alquds.co.uk/wp-content/uploads/2019/10/temp-32.gif)
عنكاوا دوت كوم/صحيفة القدس العربي/صادق الطائي

مدينة غافية على سفح جبل، إذ تطل بعشيقة من مكانها المرتفع على سهل زراعي فسيح يمتد إلى سواحل نهر ‏دجلة‏، ‏ويمكننا القول إن بعشيقة في الواقع هي عبارة عن مدينتين ولدتا بصيغة توأم سيامي ملتصق، إذ تتكون المدينة من جزئين شرقي وغربي، وتعرفان ببعشيقة وبحزاني. وقد أصبحت المدينتان اليوم تعرفان وكأنهما مدينة واحدة. وربما حاول البعض توصيفهما على أساس الانتماء الديني أو العرقي للسكان، وفي هذا الأمر بعض الصحة، إلا إنهما مختلطتان بامتياز، وهنا سنتكلم عنهما بصفتهما مدينة واحدة وسنطلق الاسم الأكثر شهرة عليهما وهو بعشيقة.

ثقافات متنوعة

ربما تعد بعشيقة القضاء الأحدث إداريا بين أقضية المدن العراقية، إذ تم تعديل صيغتها الإدارية من ناحية إلى قضاء في أيلول/سبتمبر 2019. تقع على بعد 12 كم شمال شرق الموصل، مركز محافظة نينوى شمال العراق، ويبلغ تعداد سكانها حسب توقعات وزارة التخطيط العراقية المعتمدة على معطيات مختلفة حوالي 140 ألف نسمة. ‏بعشيقة مدينة غنية بالثقافات المتنوعة، وسكانها مختلطو الأعراق والأديان والمذاهب، حتى باتت تعرف بكونها عراق مصغر، إذ تضم المدينة ست ثقافات فرعية، ففيها أغلبية من الإيزيديين كما تضم بين سكانها المسيحيين من الكاثوليك ‏والأرثودكس، وتسكنها نسبة من طائفة الشبك، وكذلك من المسلمين المتوزعين عرقيا، بينهم العرب والكرد والتركمان، كذلك يتوزع مسلموها بين الطائفتين السنية والشيعية.

ويمكننا ملاحظة هذا التنوع بشكل أوضح في القرى التابعة لبعشيقة، إذ تشير الإحصائيات إلى وجود 47 قرية تحتوي على خمس ثقافات فرعية، فالعرب ‏في ست قرى بنسبة 10في المئة والشبك بنسبة 80 في المئة في خمس وعشرين قرية والتركمان بنسبة 8 في المئة ‏في قريتين والمسيحيون بنسبة 2 في المئة. وزائر بعشيقة يمكنه سماع خليط من اللغات المختلفة، ونتيجة تزاوج هذا الخليط اللغوي ولدت لهجة خاصة في المدينة يختلط فيها العربي بالكردي بالتركماني بالسرياني وحتى الفارسي وبعض المفردات الإنكليزية.

اقتصاد المدينة قائم بشكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي، وأهم منتجاتها الزراعية الزيتون بالإضافة إلى زراعة الحبوب، كما اشتهرت المدينة ببعض الصناعات التي شكلت جزءا مهما من هويتها، فبعشيقة معروفة تأريخيا بأنها المدينة العراقية الأشهر بمزارع الزيتون، لذلك أشتهرت المدينة بالصناعات القائمة على هامش زراعة الزيتون، ففيها مصانع صغيرة لإنتاج زيت الزيتون الفاخر الذي ينافس أشهر الماركات العالمية، وفيها ورش أو مصانع صغيرة لصناعة صابون الغار.

وكذلك توجد فيها محلات صناعة أنواع المخللات التي تشتهر بها مدينة بعشيقة. كما تزرع الحبوب في القرى المحيطة ببعشيقة وأهمها السمسم لذلك نجد في المدينة معاصر السمسم التي تنتج الزيوت وكذلك معاصر إنتاج الطحينة، وتعد طحينة بعشيقة التي تعرف محليا باسم الراشي الأشهر في العراق وكثيرا ما فازت معاصر بعشيقة بالجائزة الأولى عراقيا بين مختلف مصانع الطحينة في البلد. كذلك يمكننا الإشارة إلى بعض المصانع الأهلية الموجودة في المدينة والتي تقوم بتصنيع المشروبات الروحية وأهمها “عرق بعشيقة” الذي ينتج في بيوت الإيزيديين والمسيحيين من سكان بعشيقة وبحزاني.

كل ذلك جعل المدينة مكتفية ذاتيا اقتصاديا، يتعايش سكانها في حالة وفاق مميز من دون أن تحدث نزاعات عرقية أو دينية بينهم، لكن هذا الحال لم يصمد أمام موجة عصابات الدولة الإسلامية “داعش” التي اجتاحت المدينة عام 2014 وقتلت الأهالي المدنيين المسالمين، كما تم سبي النساء والأطفال وتم بيعهم في أسواق النخاسة، وهجر منهم عشرات الآلاف، ودمرت الكنائس والمعابد في واحدة من الكوارث الإنسانية التي شهدها العراق. لكن سرعان ما تم تحرير المدينة، وربما كانت بعشيقة واحدة من أسرع المدن التي عاد لها أهلها من بين المدن المحررة من احتلال “داعش” وبسرعة ملفتة باشروا إعمار ما تهدم من مساكنهم ومعابدهم وكنائسهم، لتعود الحياة إلى المدينة الحزينة بالرغم من الجراح الغائرة التي أحدثها الإرهابيون عميقا في نسيج المدينة الوادعة.

بيت المسحوقين

‏اسم المدينة كحال أي مدينة قديمة تختلف قصص وأسباب التسمية تبعا لجذر الكلمة، والتحويرات التي تدخل عليه، وتأثير اللغات الأخرى على المسمى الأصلي‎.‎ وقد عرفت المدينة تأريخيا بأسماء مختلفة منها “بعشقا وبحشيقا وبعشيقا وباشيقة” وجاء ذكرها عند بعض المؤرخين القدماء والمحدثين بإسم “باسحق” وربما هي مشتقة من بيت المسحوقين، كما أشار بعض الباحثين، ولعل أكثر اسم متداول بين عامة الناس حتى يومنا هذا هو “باعشيقا” و”بعشيقة” و”بحشيقة”.

ويعتقد أن اسم بعشيقة، التي يلفظها سكانها بصيغة “بحشيقة” وكذلك بحزاني من التسميات ذات الأصل الآرامي نتيجة وجود البادئة “با” في الاسم وهي دلالة على المكان في الآرامية. ويمكننا الإشارة إلى واحدة من أقدم الإشارات التي أوردت اسم المدينة، إذ ورد ذكرها في القرن الثالث عشر الميلادي في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي في الجزء الأول، فهو يشير لها بقوله ‏”باعشيقا: الشين معجمة مكسورة، وياء ساكنة وقاف مقصورة: من قرى الموصل، مدينة من نواحي نينوى في شرقي دجلة، لها نهر جار يسقي بساتينها، وتدار به عدة أرحاء، ولها دار إمارة، ويشق النهر ‏وسط البلد، والغالب على شجر بساتينها الزيتون والنخل والنارنج، ولها سوق كبير، وفيه حمامات ‏وقيسارية، يباع فيه البز، وفيه جامع كبير حسن له منارة، وبها قبر الشيخ ابا محمد الراذاني الزاهد، وبينها وبين الموصل أربعة فراسخ وإلى جنبها قرية كبيرة أخرى ذات أسواق وبساتين متصلة” ويبدو ان إشارة الحموي الأخيرة المقصود بها بحزاني.

ويرى الباحث سالم الرشيداني إن “باعشيقة” لفظة سريانية مكونة من مقطعين – الباء وتعني (البيت أو بيث) – عشيقا أو عشقا وتعني (العاشق) لتصبح التسمية بيت العاشق أو المعشوق. لكن المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني يشير في كتابه موجز تاريخ البلدان العراقية‏ الى إن “المصادر التأريخية تشير الى إن كلمة بعشيقة أو بحشيقة آرامية الأصل ومركبة من كلمتي بيث وشحيقي وتعني بيت المنكوبين أو بيت المسحوقين”.

كما يعتقد الباحث ممتاز حسين سليمان خلو إن اسم بعشيقة مشتق من “بيت العشاق” لحلاوة أجوائها ووفرة بساتينها المتنوعة. لكن باحثين آخرين يرون إن كلمة “البعشقة” تعني خروج الماء من غائل الحوض أو الخابية، أو خروج الماء من الحوض إذا انكسرت من ناحية مخرج منها، وتبعشق الماء من الحوض إذا انكسر من ناحية فخرج منه الماء، وربما كان سبب هذ التسمية كثرة العيون في محيط مدينة بعشيقة.

كما يحيل بعض الباحثين أصل تسمية المدينة إلى “با شيقا” المكونة من جزئين، “با” بمعنى عند أو قرب، وما زال أهالي سنجار الأكراد يستخدمون اللفظ بنفس المعنى، و”‏شيقا” وتعني الفتحة، مثل كلمة شق بالعربية، وعليه تصبح “باعشيقا” المدينة التي تقع عند الفتحة، والمقصود هنا فتحة الجبل حيث تقع عند ‏نهايته بعشيقة، وقد ورد اسم باشيك وبارزان في الموروث الغنائي الإيزيدي كما في أغنية إيزيدي ‏ميرزا‎.

‎بقايا المدنية القديمة

 

‏‎يذكر الباحث صباح كنجي في بحثه عن خصوصية بعشيقة ان سكان المدينة “خليط عجيب من عدة أقوام ولغات وبقايا شعوب سكنت العراق منذ العهود الغابرة، وفي مقدمتهم الإيزيديين والشبك والأرمن والأكراد والتركمان والآشوريين والكلدان والسريان، والنتيجة تكون محيطا غنيا ومتنوعا من العادات والطقوس والملابس واللغة والدين، ورغم هذا المحيط المنوع فإن اللغة تجمع بين الناس من مختلف الأديان والقوميات والأجناس في هذه المدينة” .

وتضم مدينة بعشيقة عددا من الآثار التاريخية المهمة التي تعود لحقب زمنية متنوعة، مثل سي دري التي تعني باللغة الكردية الأبواب ‏الثلاثة، ‏كما يحوي جبل مقلوب الذي يقع على أطراف مدينة بعشيقة معالم قصر ومنحوتات صخرية أيضا تسمى قصر ‏راست، ‏أي قصر العدالة، وكهف شيخو بكر. ويوجد حول المنطقة حوالي سبعة تلال، تم التنقيب في بعضها، ‏والباقي لم يتم التنقيب فيها بعد، وتحوي هذه المنطقة كهوفا تأريخية يعتقد ان عمرها يعود إلى أكثر من 700 سنة قبل الميلاد.‏

وقد أكد بعض الآثاريين أن المنطقة الأثرية القريبة من بعشيقة يرجع تاريخها إلى ‏أكثر من سبعه آلاف سنة قبل الميلاد، كما عثر في التلال المحيطة بها على اكتشاف أثري ‏مهم لمدينة تدعى مك نبو، التي بنيت على أنقاضها مدينة خورساباد العاصمة الآشورية التي بناها الملك ‏سرجون. كما يوجد بجوار بعشيقة تل آشوري يُعرف بتل بلا تختفي تحت ثراه مدينة قديمة تُعرف باسم “شيبانييا” وقد ‏نقبت في هذا التل بعثة أمريكية في مواسم امتدت بين سنة 1930 و 1933 فتوصلت إلى نتائج أولية ‏كشفت بعض الملامح من تاريخ هذه المدينة‎.‎

كما ان لأتباع الديانات الثلاث من الإزيديين والمسيحيين والمسلمين مزاراتهم ومعابدهم ومساجدهم وكنائسهم، في مدينة بعشيقة، مثال ذلك المعابد الإيزيدية التي تشتهر بقبابها البيضاء المخروطية، وأبرزها مزارات الشيخ مهمد (محمد) وملك ميران والشيخ شمس وناسردين وسجادين، ‏وهم من كبار المشايخ ورجال الدين التأريخيين في الديانة الإيزيدية‎.‎

ويذكر المطران أفرام نقاشة في كتابه “عناية الرحمن في هداية السريان” إن “في بعشيقة كنيستان ‏للسريان الكاثوليك على اسم مريم العذراء، إحداهما قديمة بنيت في مطلع القرن التاسع عشر والثانية ‏حديثة تمَّ إنشاؤها سنة 1924م. وكنيسة للسريان الأرثوذكس على اسم القديسة شموني‎”. كما تجدر الإشارة إلى واحد من أهم المواقع الدينية المسيحية في ‏المنطقة وهو “دير مار متى” في جبل مقلوب‎ القريب من بعشيقة. أما الآثار الإسلامية فيوجد في بعشيقة جامعان هما جامع الفاروق وجامع أبي بكر الصديق. كما تضم المدينة مقاما للإمام ‏علي الرضا ابن موسى الكاظم الذي يقصده شيعة المنطقة في أيام الأعياد والمناسبات الخاصة بهم‎