عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - ash19713839

صفحات: [1]
1
ينتسب الآشوريون لآشور الابن الثاني لسام بن نوح، وهم من القبائل السامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى شمال بلاد ما بين النهرين وكانت عاصمتها الأولى مدينة آشور ثم صارت نينوى، واندمجت ثقافياً مع البابليين ثم توسعت لتصبح امبراطورية خلال السنوات 1950 ـ 1750 ق.م.، لكنها انحدرت بعد ذلك حتى كان عام 1500 ق.م حين انتعشت ثانية لتبدأ مرحلة الجديدة من التوسع والفتوحات، فاحتلت مدينة بابل سنة 300 ق.م.، ثم تركزت هذه الفتوحات خلال السنوات 1116 ـ 1078 ق.م إبَّان عهد الملك تغلات فلاصر الأول الذي أوجد دولة بيروقراطية ذات قوانين صارمة، وأيضاً إبَّان عهود شلمنصر الثالث 858 ـ 824 ق.م. وتفلات فلاصر الثالث 746 ـ 728 ق.م. وفي عهد هذا الأخير شهدت آشور أوسع غزواتها عندما وصلت إلى أرمينيا سواحل المتوسط بما في ذلك سورية ومصر. وفي عهد صرغون الثاني (721 ـ 705 ق.م. وآشور بانيبال (68 ـ 633 ق.م.) وصل الفن والعمارة الآشوريين إلى ذروتهما، وبعد موت هذا الأخير سقطت الإمبراطورية الآشورية بأيدي الفرس الميديين.

ظهرت حضارة جديدة إلى شمال بابل وعلى بعد ثلاثمائة ميل منها. وأجبرت أهل البلاد التي نشأت فيها هذه الحضارة أن يحيوا حياة عسكرية شاقة أرغمتهم عليها القبائل الجبلية التي كانت لا تنفك تهددهم من جميع الجهات. وما لبثوا أن غلبوا هؤلاء المهاجمين واستولوا على المدن التي كانت مهدهم الأول في عيلام وسومر وأكاد وبابل؛ وتغلبوا على فينيقيا ومصر، وظلوا مائتي عام كاملة يسيطرون بقوتهم الوحشية على بلاد الشرق الأدنى. وكان موقف سومر من بابل وموقف بابل من آشور كموقف كريت من بلاد اليونان وموقف بلاد اليونان من روما. فقد أنشأت المدينة الأولى حضارة، وتعهدتها الثانية وأتمتها حتى بلغت ذروتها، وورثتها الثالثة، وأضافت إليها من عندها، وحمتها، وأسلمتها وهي تحتضر هدية منها إلى البرابرة الظافرين الذين كانوا يحيطون بها. ذلك أن البربرية تحيط على الدوام بالحضارة، وتستقر في وسطها ومن تحتها، متحفزة لأن تهاجمها بقوة السلاح، أو بالهجرة الجماعية، أو بالتوالد غير المحدود. وما أشبه البربرية بالغابة المتلبدة في البلاد الاستوائية تحاول أشجارها على الدوام أن تقضي على معالم الإنسان المتحضر وتقاوم جهوده، ولا تعترف قط بهزيمتها، بل تظل قروناً طوالاً صابرة تترقب حتى تتاح لها الفرصة لاستعادة ما فقدته من أرضين بفعل الإنسان المتحضر.

نشأت الدولة الجديدة حول أربع مدائن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي آشور ومحلها الآن قلعة شرغات، وأربلا وهي أربيل الحالية، والكلخ وهي الآن نمرود، ونينوى وهي قوير نجك، على الضفة المقابلة لمدينة الموصل مينة الزيت. وقد عثر المنقبون في أطلال آشورعلى شظايا من السبج ـالحجر الزجاجي الأسودـ وعلى سكاكين وقطع من الفخار الأسود عليها رسوم هندسية توحي بأنها من أصل آسيوي، وكل هذه من مخلفات عصر ما قبل التاريخ. وكشفت بعثة أثرية حديثة في تبي جورا، بالقرب من موقع نينوى عن بلدة يرد كاشفوها الفخورون تاريخها إلى عام 3700ق.م رغم ما فيها من هياكل وقبور كثيرة، وأختام أسطوانية متقنة النقش، وأمشاط وحلي، ورغم ما عثروا عليه فيها من نرد وهو أقدم نرد عرف في التاريخ. وتلك مسألة جديرة بتفكير المصلحين في هذه الأيام. وخلع الإله آشوراسمه على مدينة من مدنها «ثم على القطر كله آخر الأمر»؛ وفي هذه المدينة كان يسكن أقدم ملوك هذه الأمة، وظلوا يقيمون بها حتى اضطروا بسبب تعرضها لحر الصحراء اللافح ولهجمات جيرانهم البابليين إلى إنشاء عاصمة ثانية لهم في مكان أقل من العاصمة الأولى حرارة. وكانت هذه العاصمة الثانية هي نينوى؛ واسمها هي أيضاً مأخوذ من اسم إله من آلهتهم هو الإله نينا إشتار الأشورييّن. وكان ثلاثمائة ألف نسمة يسكنون فى نينوى أيام مجدها في عهد آشوربانيبال كما كان ملوكها ـملوك الأرض عادةـ يتلقون الجزية من جميع بلاد الشرق القريبة.

وكان سكان المنطقة عبارة عن خليط من من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة «أمثال بابل وأكاد»، ومن قبائل غير سامية جاءت من الغرب «ولعلهم من الحثيين أو من قبائل تمت بصلة إلى قبائل ميتاني»، ومن الكرد سكان الجبال الآتين من القفقاس، وأخذ هؤلاء كلهم لغتهم المشتركة وفنونهم من سومر، ولكنهم صاغوها فيما بعد صياغة جديدة جعلتها لا تكاد تفترق في شيء عن لغة أرض بابل وفنونها. بيد أن ظروفهم الخاصة باعدت بينهم وبين النعيم المخنث الذي انحدر إليه البابليون؛ ولذلك ظلوا طوال عهدهم شعباً محارباً مفتول العضلات، ثابت الجنان، غزير الشعر، كث اللحى، معتدل القامة، يبدو رجاله في آثارهم عابسين، ثقيلي الظل، يطئون بأقدامهم الضخمة عالم البحر المتوسط الشرقي. وتاريخهم هو تاريخ الملوك والرقيق، والحروب والفتوح، والانتصارات الدموية والهزائم المفاجئة. واغتنم ملوكهم -الكهنة الأوائل- وكانوا أقيالاً خاضعين لأهل الجنوب سيطرة الكاشيين على بابل فاستقلوا عنها، ولم يمض إلا القليل حتى ازدان أحدهم باللقب الذي ظل ملوك آشور يتباهون به طوال عهدهم وهو «الملك صاحب الحكم الشامل». ويبرز أمامنا من بين هؤلاء الأقيال أفراداً تهدينا أعمالهم إلى معرفة السبيل التي سلكتها بلادهم في نمائها وتطورها.

فبينما كانت بلاد بابل تتخبط في ظلمات حكم الكاشيين ضم -سلما نصر الأول- دويلات المدن الشمالية تحت حكمه، واتخذ الكلخ عاصمة له. على أن أول الأسماء العظيمة في تاريخ آشورهو اسم -تغلت فلاصر الأول-. كان هذا الملك صياداً ماهراً، وإذا كان من الحكمة أن نصدق أقوال الملوك فإنه قد قتل وهو راجل مائة وعشرين أسداً، وقتل وهو في عربته ثمانمائة، وجاء في نقش خطه كاتب أكثر ملكية من الملك نفسه -أنه كان يصيد الأمم والحيوانات على السواء-: «وسرت في بأسي الشديد على شعب قموة، وفتحت مدائنهم، وسقت منها الغنائم، واستولت على ما لا حصر له من بضائعهم وأملاكهم، وحرقت مدنهم بالنار، ودمرتها وخربتها... وخرج أهل ادنش من جبالهم واحتضنوا قذمى، وفرضت عليهم الجزية». وقد ساق هذا الملك جيوشه في كل اتجاه، فأخضع الحثيين والأرمن وأربعين أمة غيرهما، واستولى على بابل، وأرهب مصر فأرسلت له الهدايا وهي قلقة وجلة، «وكان منها تمساح ألانه كثيراً وخفف من غضبه». وبنى من الخراج الذي دخل خزائنه هياكل لآلهة الأشوريين وآلهاتهم، ولم تسأله هذه الآلهة عن مصدر هذه الثروة كلها كأنما كان همها كله أن تكون لها هياكل تقرب فيها القرابين. ثم خرجت بابل عليه، وهزمت جيوشه، ونهبت هياكله، وعادت إلى بابل تحمل معها آلهته أسرى. ومات تغلت فلاصر خزياً وغماً.

وكان حكمه رمزاً للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه: حرب وجزية فرضهما على جيران آشورثم فرضا على آشورنفسها. واستولى آشورناصر بال على اثنتي عشرة دولة صغيرة، وعاد من حروبه بمغانم كثيرة، وسمل بيده عيون خمسين من الأسرى، واستمتع بنسائه، ومات ميتة شريفة. ومد سلما نصر الثالث هذه الفتوح حتى دمشق، وحارب عدة وقائع تكبد فيها خسائر فادحة، وقَتَل في واقعة واحدة ستة عشر ألفاً من السوريين، وشيد الهياكل، وفرض الجزية على المغلوبين. ثم ثار عليه ابنه ثورة عنيفة وخلعه. وحكمت سمورامات أم الملك ثلاث سنين، وكان حكمها هو الأساس التاريخي الراهن لأسطورة سميراميس اليونانية، التي تجعل منها نصف إلهة ونصف ملكة، وقائدة باسلة، ومهندسة بارعة، وحاكمة محنكة مدبرة. وتلك الأسطورة هي كل ما نعرفه عن هذه الملكة. وقد وصفها تيودور الصقلي وصفاً مفصلاً بديعاً. وجيَّش تغلث فلاصر الثالث جيوشاً جديدة، واستعاد أرمينية، واجتاح سورية وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل. ومد ملك آشورمن جبال القفقاس إلى مصر. ولما مل الحرب وجه همه إلى شؤون الحكم، فأثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيراً من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهو في فراشه. وجلس على العرش سرجون الثاني، وهو ضابط من ضباط الجيش، على أثر «انقلاب سياسي نابليوني»، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في كل واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل. وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونان سكان قبرص، وحكم دولته حكماً صالحاً، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة، ومات في واقعة نال فيها النصر على أعدائه، ورد فيها عن آشورغارات الجحافل الكمرية المتوحشة التي كانت تتهددها بالغزو.

وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة للخليج الفارسي، وهاجم أورشليم ومصر دون أن يلقى نجاحاً، ونهب تسعاً وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغنم سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى وهي أرقام لم يستخف بها الكاتب الرسمي الذي كتب سيرته ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فهيا النار فدمرها تدميراً، ولم يكد يبقى على أحد من أهلها رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً، بل قتلهم عن آخرهم تقريباً، حتى سدَّت جثثهم مسالك المدينة، ونُهبت المعابد حتى لم يبق لديها شاقل واحد، وحُطِمت آلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردوخ الإله الأكبر خادماً ذليلاً للرب آشور. ولم ير من بقي حياً من البابليين أنهم كانوا مبالغين في تقدير قوة مردك وعظمته؛ بل قالوا لأنفسهم ما قاله الأسرى اليهود بعد مائة عام من ذلك الوقت، قالوا إن إلههم قد شاء له تواضعه أن ينهزم ليعاقب بذلك شعبه. واستخدم سنحريب غنائم نصره وما نهبه من البلاد المفتوحة في إعادة بناء نينوى، وحول مجرى النهرين لحمايتها من الاعتداء، وبذل في إصلاح الأرض البور من القوة والنشاط ما تبذله الدول التي تشكو عدم وجود فائض لديها من غلاتها الزراعية، ثم قتله أبناؤه وهو يتلو الصلوات.

وقام ابن له من غير القتلة وهو عسر هدن وانتزع العرش من إخوته السفاحين، وغزا مصر ليعاقبها على ما قدمته من المعونة للثوار السوريين، وضمها إلى أملاكه، وأدهش غربي آسية بسيره المظفر من منف إلى نينوى ومن خلفه ما لا يحصى من الغنائم؛ وجعل آشورسيدة بلاد الشرق الأدنى بأجمعها، وأفاء عليها من الرخاء ما لم يكن لها به عهد من قبل، واسترضى البابليين بإطلاق آلهتهم الأسيرة وتكريمها وإعادة بناء عاصمتهم المخربة، كما استرضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها الجياع. وكان ما قدمه من الإغاثة على هذا النحو عملاً لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله. ومات عسر هدن وهو سائر إلى مصر ليخمد فيها ثورة بعد أن حكم إمبراطوريته حكماً لم تر له في تاريخها شبه الهمجي مثيلاً في عدله ورحمته.

وجنى خلفه آشور بانيبال -وهو الذي يسميه اليونان سردنا بالوس- ثمرة هذه الأعمال، فوصلت آشور في خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها. ولكن بلاده بعد وفاته فقدت هذا العز، فوهنت قوتها وفسدت أمورها لطول عهدها بالحروب المنقطعة التي خاضت غمارها أربعين عاماً، وأدركها الفناء، ولما يمض على موت آشور بانيبال عشر سنين. وقد احتفظ لنا أحد الكتاب بسجل سنوي لأعماله، وهو سجل ممل ينتقل فيه من حرب إلى حرب، ومن حصار إلى حصار، ثم إلى مدن جائعة وأسرى تُسلخ جلودهم وهم أحياء. وينطق هذا الكاتب نفسه آشور بانيبال فيحدثنا عما خربه من بلاد عيلام ويقول: «لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله مسير شهر وخمسة وعشرين يوماً. ونشرت هناك الملح والحسك «لأجدب الأرض» وسقت من المغانم إلى آشور أبناء الملوك، وأخوات الملوك، وأعضاء الأسرة المالكة في عيلام صغيرهم وكبيرهم، كما سقت منها كل من كان فيها من الولاة والحكام، والأشراف والصناع، وجميع أهلها الذكور والإناث كباراً كانوا أو صغاراً، وما كان فيها من خيل وبغال وحمير وضأن وماشية تفوق في كثرتها أسراب الجراد، ونقلت إلى آشور تراب السوس، ومدكتو، وهلتماش وغيرها من مدائنهم. وأخضعت في مدة شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها؛ وأخمدت في حقولها صوت الآدميين، ووقع أقدام الضأن والماشية، وصراخ الفرح المنبعث من الأهلين. وتركت هذه الحقول مرتعاً للحمير والغزلان والحيوانات البرية على اختلاف أنواعها».

وجيء برأس ملك عيلام القتيل إلى آشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر، فأمر بأن يرفع الرأس على عمود بين الضيوف، وظل المرح يجري في مجراه، وعلق الرأس فيما بعد على باب نينوى، وظل معلقاً عليه حتى تعفن وتفتتَ. أما دنانو القائد العيلامي فقد سلخ جلده حياً، ثم ذُبح كما يُذبح الجمل، وضرب عنق أخيه، وقطع جسمه إرباً، ووزعه هدايا على أهل البلاد تذكاراً لهذا النصر المجيد.

ولم يخطر قط ببال آشور بانيبال أنه ورجاله وحوش كاسرة أو أشد قسوة من الوحوش، بل كانت جرائم التقتيل والتعذيب هذه في نظرهم عمليات جراحية لابد منها لمنع الثورات وتثبيت دعائم الأمن والنظام بين الشعوب المختلفة المشاكسة المنتشرة من حدود الحبشة إلى أرمينية، ومن سورية إلى ميديا، والتي أخضعها أسلافه لحكم آشور. لقد كانت هذه الوحشية في رأيه واجباً يفرضه عليه حرصه على أن يبقى التراث سليماً. وكان يتباهى بما وطده في ربوع إمبراطوريته من أمن وسلام، وبما ساد مدنها من نظام. والحق أن هذا التباهي لم يكن على غير أساس. على أن هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهِدَ ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب. فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعو المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما فعل بعض الحكام الرومان بعد أن استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عدداً كبيراً من الكتبة أن يجمعوا وينسخوا كل ما خلفه السومريون والبابليون من آداب، ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مكتبته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها علماء هذه الأيام سليمة أو تكاد بعد أن مرت عليها خمسة وعشرون قرناً من الزمان.

وكان مثل فردرك الأكبر يفخر بملكاته الأدبية كما يفخر بانتصاراته في الحرب والصيد. ويصفه تيودور الصقلي بأنه طاغية فاسق خنثى، ولكنا لا نجد في جميع الوثائق التي وصلت إلينا على كثرتها ما يؤيد هذا القول. وكان آشور بانيبال إذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد في اطمئنان الملوك وثقتهم بأنفسهم وليس معه من السلاح إلا سكين وحربة، فقابل الأسود وجهاً لوجه. وإذا جاز لنا أن نصدق ما كتبه عنه معاصروه فإنه لم يكن يتردد قط في أن يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه، وكثيراً ما سدد الضربة القاضية بيده. فلا عجب والحالة هذه إذا افتتن به الشاعر بيرن ونسج حول اسمه مسرحية نصفها أسطوري والنصف تاريخي، صوَّرَ فيها ما بلغته آشور في أيامه من الثروة والمجد، وما داهمها بعدئذ من خراب شامل، وما حل بملكها من قنوط.



2
العودة إلى لبنان

عاد الأمير فخر الدين إلى لبنان عام 1618، أي بعد غياب خمس سنين قضى منها سنتين في توسكانا، وثلاث سنوات في أراضي تابعة لإسبانيا، وكانت أقوى دول أوروبا في ذلك الحين. وخلال هذه المدة اتصل فخر الدين برجال فرنسا، بالمراسلة، واتصل بالكرسي الرسولي بواسطة رجال الدين الموارنة المقيمين في روما. كان ظهور فخر الدين في إيطاليا، كأمير للطائفة الدرزية غير المعروفة حتى ذلك الوقت، قد أثار فضول أوروبا، فانتشرت شائعة في الغرب تزعم بأن الدروز - الهائمين في الجبال - هم أحفاد الصليبيين، حتى أنهم نسبوا اسم الدروز إلى الكونت "درو" (بالفرنسية: Dreux‏)، ويبدو أن فخر الدين نفسه طرب لهذه التنغيمة التي جعلت منه موضع اهتمام كبير في الغرب. ما أن سرى نبأ عودة الأمير إلى لبنان حتى اهتزت البلاد، وعم السرور جميع الناس فتوافدوا افواجا لمشاهدته والسلام عليه، بعد أن ازدادت ثقتهم وكبر أملهم فيه بعد المصائب التي حلّت بلبنان أثناء غيابه.وبالرغم من جميع جهود فخر الدين، فإنه لم يستطع أن يحقق غايته الأولى من رحلته، وهي الاستعانة بقوى الدول الأوروبية لمقاومة الدولة العثمانية، ولكن هذه الإقامة في أوروبا كان لها تأثير كبير في سياسته الداخلية والخارجية فيما بعد، حيث أنها ساعدته على بناء دولته وتدريب جيشه وفق التنظيم الأوروبي.

إمارة فخر الدين في أقصى اتساعها
لم يحدّ النفي الطويل من مطامح الأمير فخر الدين الثاني في توسيع دولته، بل زاده هذا النفي تصميما على تحقيق فكرته، وخاصة أن توسيع دولته سيخلصه من بعض الأمراء الذين سرّوا بابتعاده عن إمارته، واضطهدوا أنصاره. وفي مقدمة هؤلاء يوسف سيفا أمير طرابلس وعكار. وكان آل سيفا قد أغاروا في غياب الأمير، على دير القمر مقر أسرة الأمير، وهدموا قصره، وأحرقوا مزارع أنصاره. فعزم الأمير، إثر عودته من أوروبا، على مهاجمة آل سيفا، فحشد الرجال وزحف إلى عكار، حيث قصور آل سيفا، فهدمها ونقل حجارتها الصفراء الجميلة، من عكار إلى ميناء طرابلس، ومنها نقلتها المراكب إلى الدامور، ومنها نُقلت إلى دير القمر فأعاد بناء قصره وقصور آل معن بها. ولا تزال الحجارة الصفراء موجودة في هذه القصور حتى اليوم. اضطر يوسف سيفا عندئذ أن يُصالح الأمير على مبلغ كبير من المال، بعد أن تنازل له عن مقاطعتي جبيل والبترون. وكان ابن سيفا يُماطل الدولة العثمانية في دفع الديون المطلوبة منه، فعينت الدولة على طرابلس واليا جديدا. ولكن هذا الوالي الجديد لم يتمكن من تسلّم المدينة إلا بعد أن استنجد بالأمير فخر الدين، فجهز الأمير حملة لمساعدة الوالي العثماني. وما كاد ابن سيفا يعلم بأنباء هذه الحملة حتى تخلّى عن طرابلس. واستغل الأمير ضعف ابن سيفا، فاستولى على منطقة بشري وضمها إلى إمارته، كما اغتنم عجز الوالي الجديد عن تحصيل الضرائب من أهالي عكار والضنية فتولى الأمير هذه المهمة وضمهما إلى إمارته. ولما توفي يوسف سيفا عام 1625 عرضت الدولة العثمانية ولاية طرابلس على الأمير فخر الدين، فنالها باسم ولده حسن من زوجته "علوة" بنت شقيق يوسف سيفا. وسعى الأمير إلى إنعاش الحياة التجارية والصناعية في طرابلس، فأوعز إلى تجار صيدا بالانتقال إلى طرابلس، فازدهرت أسواقها بعد أن كانت ضعيفة في عهد ابن سيفا. إن تصفية حكم آل سيفا في طرابلس لم تشغل الأمير فخر الدين عن البقاع وأمرائه من بني حرفوش، الذين كانوا حلفاءه قديما، ثم انقلبوا عليه في غيابه، ولما رجع من إيطاليا خافوا من انتقامه، فما كان منهم إلا أن وشوا به لدى مصطفى باشا والي دمشق، وبالغ يونس حرفوش أمام الوالي في تصوير الخطر المحدق بالوالي والدولة العثمانية من توسّع الأمير، ومن اتصاله بالدول الأوروبية. وما زال به حتى أقنعه بوجوب التخلص من الأمير، فوعده الوالي بأن يُساعده على خصمه. وما لبثت جموع آل حرفوش وقوات مصطفى باشا، أن احتشدت في البقاع، وكان عددها يبلغ 12 ألف مقاتل من أبناء ولاية دمشق والإنكشارية والتركمان والبدو، وكان فخر الدين يُراقب تحركات آل حرفوش وينتظر هذه الفرصة، فأسرع مع حلفائه آل شهاب، وتصدى لجموع خصومه في قرية عنجر بجيشه المؤلف من خمسة ألاف مقاتل لبناني، من جميع المناطق اللبنانية الواقعة تحت حكمه، ومن جميع الطوائف. بدأت المعركة عندما تقدم والي دمشق بجيشه مناوشا قوات الاستطلاع بقيادة الشهابيين، ولقد أثار ذلك القلق بن الشهابيين ولكن فخر الدين اصدر أمره للاستطلاع بالانكفاء إلى مجدل عنجر. فقامت معظم فرق الدمشقيين والانكشاريين باللحاق بهم إلى برج الخراب الواقع بالقرب من مجدل عنجر التي احتلوها. على الأثر بدأ فخر الدين بتنفيذ خطته حيث أرسل مئة خيّال للتحرش بخيالة مصطفى باشا والانكفاء أمامهم ليستدرج كل خيالة مصطفى باشا لتعقب خيالته بحيث ينكشف مشاة والي دمشق امامه في سهل عنجر. وهذا ما حصل بالضبط، لأن ما أن بدأ خيالة الأمير المئة بالانكفاء حتى تعقبهم الف من خيالة الوالي. وزاد من نجاح المناورة ارسال باقي الخيالة الدمشقيون إلى برج الخراب للقضاء على قوات الاستطلاع. وما أن انكشف مشاة الوالي في سهل عنجر بدون حماية الخيالة، حتى أرسل الامير كل جيشه الباقي من خيّالة ومشاة للقضاء على جيش الوالي وانهاء المعركة. فتقدمت مجموعة مدبر الأمير برجاله من جبل عامل من وراء التلال بمعية رجال الأمير علي ابن فخر الدين، مهاجمين جيش الوالي. أما رجال الامير يونس فاقفلوا خط الرجعة على جيش الشام. وما أن رأى جيش الوالي أنه أصبح مطوقا، حتى ولّوا الأدبار وأرغم الوالي على إعطاء الأوامر بالانسحاب، فتضعضع جيشه وسقط مئات القتلى وقتل أربعة من كبار قواد جيش الوالي وطورد المنهزمون حتى الزبداني على الحدود اللبنانية السورية الحالية. بعد هذه المعركة العنيفة بين الطرفين، وقع الوالي مصطفى باشا أسيرا بين يدي الأمير. ولكن الأمير أحاطه بالإكرام والحفاوة، فقابله الوالي بأن اعترف بجميل الأمير وولاّه على البقاع، وأباح له أملاك آل حرفوش. وهكذا تمّ لفخر الدين ما أراد، فبعد أن كان لبنان أربع عشرة مقاطعة، أصبح في عام 1623 دولة واحدة، لها أميرها الكبير، ويرفرف فوق شمالها وجنوبها وسواحلها وبقاعها علم المعنيين.

امتداد الإمارة نحو باقي بلاد الشام

أدرك فخر الدين تقلّب السياسة العثمانية واضطرابها، فحرص على أن تبقى علاقاته مع الدولة العثمانية متصلة، وقوّى مركزه في إسطنبول واعتمد على بعض الوزراء وذوي النفوذ، الذين أغدق عليهم الهدايا والأموال، فكان في الأعياد، وعند الترقيات والتعيينات في مناصب الدولة، يُسرع إلى إرضاء كل من يحتاج إليه أو يتعامل معه. وهكذا ضمن فخر الدين عواطف رجال الحكم في العاصمة. عندما اطمأن الأمير إلى متانة مركزه لدى الدولة، طمع بما وراء حدود لبنان، وشجعه على ذلك وجود ولاة ضعاف وأمراء عاجزين في المقاطعات المجاورة لإمارته. وكان والي دمشق، إثر معركة عنجر، قد جدّد له سنجقيات صفد والجليل ونابلس، وزاد عليها غزة وعكا والناصرة وطبريا وعجلون. وهذه مناطق غنية خصبة أفادت فخر الدين مالا وفيرا وأمدّت جيشه بالرجال. وبعد أن امتدت إمارة فخر الدين في الجنوب، انصرف الأمير إلى التوسع شمالا، فاستولى على سلمية وحمص وحماة، ثم بلغ نفوذه حلب وأنطاكية، فبنى قلعة قرب حلب، وقلعة في أنطاكية، وقلعة في تدمر ما تزال تعرف حتى اليوم باسم "قلعة ابن معن". وكان قد استولى قبل ذلك على حوران، وبنى في صلخد قلعة لحماية أراضي حوران الخصبة التي ضمها إلى إمارته وهكذا شملت إمارة فخر الدين لبنان كله، وسوريا وفلسطين وشرقي الأردن، واستطاع الأمير أن يتغلب على والي حلب ووالي دمشق بجرأته وذكائه، وأن يكسب في الوقت نفسه رضا الدولة العثمانية فينال عام 1624 لقب "سلطان البر" وهو نفس اللقب الذي ناله جده فخر الدين الأول، قبل أكثر من مائة سنة، من السلطان سليم الأول. وأطلق السلطان على فخر الدين لقبا كبيرا أخر هو "أمير عربستان" أي أمير بلاد العرب. غير أن فخر الدين كان يُفضل أن يُلقب بلقب عزيز على نفسه هو "أمير جبل لبنان وصيدا والجليل".

التنظيم العسكري

هذه المساحة الواسعة من الأرض التي استطاع فخر الدين أن يحكمها، لم يكن إخضاعها سهلا لو لم يكن فخر الدين يملك جيشا قويّا وافر العدد جيّد التدريب. ولم يكن الأمير يستطيع أن يُحافظ على البلاد التي ضمها إلى إمارته، لو لم يُنشئ شبكة من القلاع والحصون، في المواضع الحربية المناسبة. ولم يهمل فخر الدين السلاح، فجهّز جنوده بأفضل الأسلحة التي عرفها عصره، وزوّد قلاعه بأوفر الذخائر والعتاد. نظّم فخر الدين جيشه على أحدث الأساليب التي عرفها القرن السابع عشر، مستعينا بخبراء استدعاهم من فرنسا وتوسكانا، وزوّده بأسلحة جلبها من إسبانيا. كان جيش فخر الدين نوعين: وطني، ومرتزقة. وهذان النوعان هما عماد الجيش النظامي. أما الجيش الوطني فكان مؤلفا من اللبنانيين على اختلاف مناطقهم وأديانهم، من غير أن يشعروا تحت لوائه بأي فرق أو تمييز، ولم يكن يُعكر صفاء هذه الوحدة إلا الانقسام الحزبي بين القيسيين الذين هم أنصار الأمير، واليمنيين الذين كانوا يناصبونه العداء إلى جانب هذا الجيش الوطني، استأجر فخر الدين جنودا من السُكمان وغيرهم من المرتزقة، ومن هؤلاء المرتزقة كان بعض العاصين على الدولة العثمانية، فهؤلاء كانوا قد يئسوا من عفو السلطان، فأقبلوا على الأمير: يخدمونه، ويُهاجمون جيوش أعدائه من الولاة العثمانيين. وقد صمدت قوات السُكمان في القلاع صمودا رائعا، بعد سفر الأمير إلى أوروبا، ورفض رجالها وعود الحافظ وإغراءاته. وكان الأمير فخر الدين يعتمد أحيانا على قوات حلفائه من الأمراء كآل شهاب، وآل حرفوش عندما كانوا معه، وقبائل العرب في عجلون وحوران. وكان عدد الجنود في جيش فخر الدين، يتفاوت بين وقت وآخر، فعندما سافر إلى توسكانا كان جيشه لا يزيد على عشرين ألفا. أما في أيام مجده الأخيرة فقد بلغ نحوا من أربعين ألف جندي مدرّب، وكانوا يتناولون الرواتب بانتظام. وكان في وسع فخر الدين، زمن الحرب، أن يجهّز أكثر من سبعين ألفا. وإلى جانب هذا الاستعداد العسكري في عدد الجنود الوافر، وإلى الشجاعة التي اتصفوا بها في القتال، فقد كان لبسالة الأمير وعنفه في المعارك، أثر كبير في انتصاراته التي حققها.

كان جيش فخر الدين النظامي يتألف من مشاة وخيالة. أما المشاة فكانوا يلبسون أخف الثياب، ويحملون البنادق والسيوف ذات النصال العريضة. وأما الخيّالة، فكان الفارس منهم يلتف بعباءة واسعة ويحمل البدقية ذات القدّاحة، ويُعلق السيف على جنبه، ويمسك ترسا يقيه الضربات. وكان لدى الأمير عدد قليل من المدافع أحضرها من توسكانا، ونصبها في قلعة الشقيف كما كان لديه عدد أخر من المدافع الإسبانية جاءته هدية من ملك إسبانيا. وكان الأمير في مخابراته مع ملوك أوروبا وأمرائها يلح عليهم بأن يوفدوا إليه خبراء في صناعة الأسلحة وصب المدافع. والظاهر أن هذا الطلب لم يتحقق. ولم يكن الأمير يملك قوة بحرية يستطيع بها أن يُقاوم الأسطول العثماني، وكان لهذا النقص البحري أثر في تحديد مصير الإمارة فيما بعد. وقد حجز الأمير مرة مركبين حربيين لقراصنة مالطة لأنهم اعتدوا على شواطئ لبنان، فاستخدمهما في حماية جيشه البري عندما يسير على الطرق الساحلية، كما استخدمهما في نقل البضائع والذخائر والجنود بين الموانئ اللبنانية  لم يكن الأمير فخر الدين يُقدم على إعلان الحرب إلا بعد أن يبحث الأمر مع مستشاريه، ورجال إمارته، وزعماء الإقطاع المخلصين له. وكان يستدعيهم إلى قصره للمشورة، حتى إذا أجمعوا على إعلان الحرب أوفدوا إلى القرى رسلا، أو صعد المنادون إلى أعالي الجبال واستنهضوا أبناء القرى المجاورة للتجمع، أو أشعلوا النار على قمم الجبال، وهي إشارة تعني أن الناس مدعوون إلى التجمع في قصر الأمير. وكان الأمير فخر الدين هو القائد العام لجيشه، فإذا تغيّب عن المعركة، ناب عنه ابنه علي، أو أخوه يونس. وجعل فخر الدين للجيش النظامي قادة دائمين، أشهرهم أبو نادر الخازن، وكان كل إقطاعي من الأمراء والمقدمين والمشايخ قائدا على رجاله، تحت إمرة الأمير. وكان شعار الجيش المعني العلم الأحمر، وهو شعار القيسيين كلهم. حمى فخر الدين أراضي الإمارة بشبكة من الحصون والقلاع والأبراج والأسوار، ووزع جنوده في هذه الحصون والقلاع ودرّبهم على إطلاق المدافع وقذف المواد المتفجرة على المحاصرين. وقد بنى فخر الدين بعض هذه الحصون. أما بعضها الأخر فكان قد بناه الصليبيون أو من سبقهم، ورممه فخر الدين وجعله صالحا للتحصن داخله. ومن مهمة هذه القلاع والأبراج أن تحمي طرق المواصلات في بلاد الإمارة من اللصوص، وتكافح قطاع الطرق، وتؤمن راحة المسافرين والتجار. وأشهر قلاع فخر الدين هي








3
تحالف فخر الدين مع أوروبا

كانت الدول الأوروبية، في العقد الأول من القرن السابع عشر، راغبة في الاتصال بالشرق، لاستعادة نفوذها الذي زال بانتهاء الحروب الصليبية. وكان في مقدمة الأمراء الأوروبيين الذين كانوا يتابعون أحوال الدولة العثمانية وولاياتها: فرديناندو الأول دي ميديشي، دوق توسكانا، الذي أراد أن يوثق روابط تجارته بالشرق ويوطد فيه نفوذه. وكان التجار التوسكانيون منذ سنة 1602 يحاولون الإقامة في طرابلس، ولكن سوء سياسة ابن سيفا ومزاحمة تجار البندقية للتوسكانيين أرغماهم على الانسحاب منها. وكان فرديناندو الأول قد اتصل بوالي حلب علي جانبولاد وعقد معه معاهدة تجارية حربية، ولكن انهزام جانبولاد أمام الجيش العثماني لم يتح لهذه المعاهدة أن تُنفذ.

المحالفة مع توسكانا

أوفد فرديناندو الأول، سنة 1608، بعثة إلى الأمير فخر الدين برئاسة سفيره "هيبوليت ليونشيتي" تحمل إليه ألف بندقية. وبعد أن استقبل فخر الدين البعثة في قصره في صيدا، بحضور القنصل الفرنسي بصيدا، الذي كان يتولى الترجمة، تمّ الاتفاق بين الفريقين على التعاون ضد الدولة العثمانية. واشترط فخر الدين في هذه المعاهدة ما يأتي:

يضع فرديناندو الأول تحت تصرف فخر الدين خبراء في صب المدافع.
يفتدي فرديناندو الأول الأسرى التوسكانيين الثلاثة، من مراد باشا، الصدر الأعظم، وهؤلاء الأسرى كانوا قد حصّنوا بعض قلاع فخر الدين، وبقاؤهم لدى الدولة العثمانية يُشكل خطرا على فخر الدين لأنهم كانوا يعرفون أسرار حصونه.
يستحصل فرديناندو الأول من البابا على براءة يأمر فيها مسيحيي لبنان أن يقفوا مع فخر الدين في الحروب القادمة ضد العثمانيين.
يضع فرديناندو الأول تحت تصرف فخر الدين في ميناء صيدا مركبين، ليستخدمهما الأمير في تبادل الرسائل والوفود بينهما، ونقل أمواله إلى توسكانا إذا اضطر إلى ذلك.
يمنح فرديناندو الأول الأمير فخر الدين جواز سفر يخوّله دخول توسكانا متى شاء.
لبّى فرديناندو الأول مطالب فخر الدين بارتياح: فشرعت المراكب التوسكانية ترسو في مينائي صيدا وصور، حاملة إلى الأمير البنادق والمدافع، ثم كانت تبحر عائدة بالحرير والزيت والصابون. واستصدر فرديناندو الأول براءة من البابا بولس الخامس دعا فيها موارنة لبنان إلى المحاربة تحت لواء فخر الدين. أما الأمير فخر الدين فقد بدأ بإعداد جيش كبير، ليكون على استعداد لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع دوق توسكانة. وبعد شهور قليلة من توقيع المحالفة، مات فرديناندو الأول فخلفه ابنه كوزيمو الثاني الذي أعلن التزامه بسياسة أبيه تجاه فخر الدين، فأرسل إلى الأمير أسطولا محملا بالعتاد الحربي، من بنادق ومدافع ومتفجرات وغيرها.
وفي سنة 1611 أوفد الأمير فخر الدين المطران جرجس بن مارون الإهدني إلى كوزيمو الثاني وإلى البابا بولس الخامس، لتجديد معاهدة التحالف مع كل منهما. ولكي لا تثير علاقات فخر الدين بتوسكانة قلق الدولة العثمانية، فإنه كان يواصل دفع الضرائب المطلوبة منه في مواعيدها بل قبل مواعيدها أحيانا. ولكن هذه العلاقات لم تبق سرّا..فما لبثت الدولة العثمانية أن اطلعت على تفاصيلها، من جواسيسها، ومن بعض التجار الأوروبيين، ثم تأكدت منها بعد تكاثر المراكب التوسكانية في مينائيّ صيدا وصور. قلقت الدولة العثمانية من نشاط الأمير فخر الدين، وقررت أن تضع حدا لمطامحه. وكان آل سيفا من ناحيتهم، لا يستقرون على حال وهم يرون نفوذ الأمير المعني يتسع وعلاقاته تمتد إلى الخارج، فاتصلوا بأحمد الحافظ باشا، والي دمشق الجديد، وأوغروا صدره عليه، بسبب سياسته المعادية للسلطان ولاتصاله بالدول الأوروبية، التي ترسو سفنها في صيدا وصور من غير استئذان الباب العالي.

حملة الحافظ باشا

ولمّا حذّر الحافظ فخر الدين من استمراره في التعاون مع الدول الأوروبية، نشأت بينهما خصومة عنيفة، فلجأ الحافظ إلى أغاظة فخر الدين بأن عزل شيخيّ سنجقيّ حوران وعجلون، وهما من أنصار فخر الدين. ولكن فخر الدين أعادهما إلى منصبهما عنوة غضب الحافظ لهذا التحدي، وعزم على البطش بفخر الدين، ووافق نصوح باشا الصدر الأعظم على خطة والي دمشق، وأمده بجيش برّي، يدعمه الأسطول العثماني من البحر، وكذلك وافق 14 من الباشاوات الأخرين على هذا الأمر  وحاول الوسطاء من آل شهاب وبني حرفوش أن يصلحوا بين الأمير والباشا، فلم يفلحوا. وحاول الأمير أن يسترضي الوالي فأرسل إليه وفدا من أعيان صيدا وبيروت ومعهم رسالة وديّة من الأمير، ومبلغ من المال. ولكن الحافظ ردّهم ردّا قاسيا. وكان الأمير فخر الدين قد بدأ بتحصين كثير من القلاع وتزويدها بالجنود استعدادا لمثل هذا اليوم. غير أنه لم يكن يتوقع أن يأتي ذلك اليوم بسرعة. زحفت جيوش الحافظ من دمشق ومعها رجال حسين سيفا، ابن يوسف سيفا، نحو أراضي الأمير المعني. واستطاع الحافظ أن يسيطر على الموقف، وبدأ الجنود الإنكشارية يعتدون على القرى والحقول. وكان الأمير خلال ذلك، ينتقل مع جنوده من حصن إلى حصن، من غير أن يتمكن الحافظ من التغلب عليه. وأقبل الأسطول العثماني يفرض حصارا على المرافئ اللبنانية، ليمنع الإمدادات من الوصول إلى الأمير. وبدأ البحارة العثمانيون ينزلون إلى البر ويعتدون على أراضي الإمارة. عندئذ دعا الأمير فخر الدين أنصاره إلى اجتماع يُعقد في الدامور، فلبّى دعوته الأمراء المعنيون، والتنوخيون، ومشايخ المقاطعات، والمقدمون، وآل الخازن، وطلب إليهم أن يجددوا قواهم لقتال الحافظ، ولكن ما وصفوه من الأهوال التي نزلت بأتباعهم وممتلكاتهم، دفعه أن يقرر مغادرة البلاد، ويترك لابنه عليّ زمام الحكم، على أن يُعاونه عمه الأمير يونس، شقيق فخر الدين الأصغر. ومن صيدا أبحر الأمير فخر الدين، في سبتمبر 1613، على ثلاثة مراكب، اثنان منها فرنسيان، والثالث هولندي، ترافقه حاشيته المؤلفة من زوجته "خاصكية"، ومستشاره الحاج كيوان بن عبد الله، ومن نحو خمسين رجلا، بعد أن اغتنم فرصة انشغال الأسطول العثماني بملاحقة الأسطول الإسباني الذي أسر سبعة مراكب عثمانية. وكان قد أمر أخاه يونس بأن ينقل مقر إقامته إلى دير القمر من بعقلين التي كانت مركزا لأملاك المعنيين، فأصبحت دير القمر منذ ذلك الحين، عاصمة الإمارة اللبنانية. تابع الأمير علي بن فخر الدين، وعمه يونس، مقاومة الحافظ، بما لديهما من الحصون والرجال، وقد أنهكت هذه الحصون الحافظ وجنوده، واستعصت عليهم: فقد حاصر قلعة الشقيف 84 يوما وأصرّ على احتلالها متوهما أن أموال الأمير مودعة فيها، ثم تراجع عنها يائسا بعد أن صمدت حاميتها فيها. وحاصر الحافظ أيضا قلعة بانياس من غير جدوى أيضا. وعندئذ اشتد غيظه، فسكت عن رجاله وهم يتلفون الزرع ويحرقون القرى ويسفكون دماء الأبرياء، فتعرضت البلاد لمجزرة رهيبة، ضرب بها المثل فقيل "سنة الحافظ". ولما رأى أنصار الأمير فخر الدين ما حلّ بالبلاد، فكروا في إرضاء الحافظ: فتوجهت إليه السيدة نسب والدة الأمير، وقد بلغت السبعين من العمر، وعرضت عليه ثلاثمائة ألف قرش، لقاء انساحبه من البلاد. رضي الباشا بهذا العرض، فسلمته السيدة نسب مائة وخمسين ألفا، ودفع الأهالي مئة وثلاثين ألفا، وبقي من المبلغ عشرون ألفا، فصحب الباشا السيدة نسب معه رهينة إلى دمشق ريثما يسدد رجال الأمير المبلغ الباقي.

فخر الدين في أوروبا

توجهت مراكب فخر الدين إلى دوقية توسكانا الواقعة في القسم الشمالي من شبه الجزيرة الإيطالية، فدخلت ميناء ليفورنو في أكتوبر 1613. وبعد أن مكث فخر الدين في ليفورنو أسبوعا توجه إلى فلورنسا عاصمة توسكانا، فاستقبله كوزيمو الثاني استقبالا حافلا شهده الأمراء والأعيان، ثم أنزله وحاشيته في "القصر العتيق" (بالإيطالية: Palazzo Vecchio) وهو من أجمل قصور آل ميديشي أمراء توسكانا. طلب الأمير إلى كوزيمو الثاني قوة عسكرية يستعيد بها بلاده من أيدي العثمانيين، فكان جواب كوزيمو الثاني أن أوفد بعثة من الخبراء إلى لبنان ليستطلعوا أخباره، قبل أن يتخذ موقفا محددا من طلب الأمير. ولما عادت السفينة التي تحمل الخبراء إلى توسكانا في أبريل 1614 حملت معها عددا من رجال الأمير. وقدمت البعثة تقريرها إلى كوزيمو الثاني وأنبأته بمحبة الناس لفخر الدين، وقوة حصونه، فزاد ذلك من إكرام كوزيمو الثاني للأمير واهتمامه بمطالبه. أما رجال الأمير الذين جاءوا مع بعثة الخبراء فقد طالبوه بأن يعود إليهم، معلنين ندمهم على خذلانهم له، وأبدوا استعدادهم للدفاع عن بلادهم تحت رايته. وكان الأمير يفاوض كوزيمو الثاني على ضرورة تجهيز حملة تشترك فيها أكثر الدول الأوروبية ليُكتب لها النجاح. ولكن كوزيمو الثاني كان يُفضل أن يقوم بهذه الحملة العسكرية منفردا، ما دامت الدول الأوروبية متنازعة فيما بينها، وغير متحمسة لتحقيق رغبات الأمير. عندئذ يئس الأمير فخر الدين من المساعدة الحربيّة الفعّالة، وشعر بفتور حماسة كوزيمو الثاني نحوه، فأرسل مستشاره الحاج كيوان بن عبد الله إلى لبنان ليعقد صلحا مع الدولة العثمانية، مؤجلا تحقيق آماله إلى فرصة قادمة. وكانت الدولة العثمانية قلقة من وجود فخر الدين في توسكانا، ومن اتصاله بسفراء الدول الأوروبية المعادية للعثمانيين. من أجل ذلك، لم يكد كوزيمو الثاني يوفد رسولا إلى نصوح باشا، الصدر الأعظم، في إسطنبول، ليفاوضه في العفو عن فخر الدين، حتى أبدى نصوح باشا استعداد السلطان لأن يعفو عنه، شرط أن لا يعود إلى لبنان، بل يعود إلى إسطنبول فيجعله حاكما على إحدى ولايات بلاد اليونان. ولم يثق فخر الدين بهذا العرض؛ ولو وثق به فإنه لم يكن مستعدا لقبوله، فهو ليس طالب وظيفة حتى يُغرى بولاية من الولايات، ولكنه يُطالب باستقلال وطنه، وطن آبائه وأجداده وتحسن الجو بين الدولة العثمانية وبين المعنيين، فقد قُتل نصوح باشا بأمر من السلطان، وعُزل الحافظ عن ولاية دمشق، وكلاهما كان عدوّا لفخر الدين، وتولى ولاية دمشق محمد جركس باشا سنة 1615. وكانت بينه وبين فخر الدين مودة، فأطلق سراح السيدة نسب من سجن دمشق وسلّمها "فرمان" العفو أو "براءة العفو" عن فخر الدين. وهذا الفرمان يُخوله العودة إلى بلاده ومنصبه. أرسلت السيدة نسب براءة العفو إلى فخر الدين في توسكانا، ولكن الأمير كان قد غادرها إلى صقلية، ولو وصل إليه نبأ العفو عنه وهو في توسكانا لعاد إلى لبنان فورا، ولكن لجوءه إلى صقلية، وكانت تابعة لملك إسبانيا، عدوة الدولة العثمانية، اضطرّ فخر الدين إلى البقاء ثلاث سنوات أخرى في المنفى. كانت الأساطيل الإسبانية تقلق الدولة العثمانية بنشاطها المريب في البحر المتوسط، وباعتداءاتها على السفن التجارية والحربية العثمانية. فقررت الدولة العثمانية أن تهاجم سواحل صقلية ردا على هذه الاعتداءات.فلمّا وجه الدوق دسّونا نائب ملك إسبانيا في صقلية، دعوة إلى الأمير فخر الدين يستضيفه لديه، كان يرمي من ذلك إلى إيهام الدولة العثمانية أنه يُعد، مع فخر الدين، حملة عسكرية على شواطئ لبنان وفلسطين، فتضطر الدولة العثمانية إلى تحويل أسطولها عن سواحل صقلية إلى سواحل لبنان وفلسطين لمنع الخطر الموهوم.
لبّى فخر الدين دعوة الدوق دسّونا، وانتقل من توسكانا إلى صقلية في أغسطس 1615. وفي صقلية عاوده الحنين إلى وطنه، فأعد له الدوق دسّونا بضع سفن أقلته إلى صيدا حيث قابله أهله وأنصاره، ثم عاد مسرعا قبل أن ينتشر نبأ زيارته.وفي طريق عودته عرّج على جزيرة مالطة حيث أعد له فرسانها استقبالا حافلا. ولمّا وصل إلى مسينا عاصمة صقلية، كان الدوق دسّونا قد نُقل إلى نابولي، فدعاه إلى مرافقته، فانتقل فخر الدين معه إليها، ونزل في قصر جميل يطل على البحر. وحاول الدوق دسّونا أن يستميل فخر الدين إلى التعاون مع إسبانيا، وتسليمها صور وصيدا، ولكن الأمير كان يتخلص بلباقة ومرونة. وأخيرا عزم على العودة إلى وطنه، فأطلع الدوق على رسالة وردته من والدته السيدة نسب تحثه فيها على العودة. وكان ملك إسبانيا قد عرض على فخر الدين البقاء في إسبانيا وحكم مقاطعات اسبانية، ولكن فخر الدين ردّ عليه قائلا: "لم آت لحكم ولا لملك، انما اتيت لحماية لبنان".




4
الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير هو أحد أمراء لبنان من آل معن الدروز ، الذين حكموا إمارة الشوف من حوالي عام 1120 حتى عام 1623 . عندما وحد فخر الدين جميع الإمارات اللبنانية. يُعتبر فخر الدين الثاني أعظم وأشهر أمراء بلاد الشام عموما ولبنان خصوصا، إذ أنه حكم المناطق الممتدة بين يافا وطرابلس باعتراف ورضا الدولة العثمانية، وينظر إليه العديد من المؤرخين على أنه أعظم شخصية وطنية عرفها لبنان في ذلك العهد وأكبر ولاة الشرق العربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
يُعتبر فخر الدين الثاني الأمير الفعلي الأول للبنان، إذ أنه هو الذي ضمّ جميع المناطق التي تُشكل لبنان المعاصر تحت لوائه، بعد أن كان يحكمها قبل عهده أمراء متعددون، وبهذا، فإنه يُعتبر "مؤسس لبنان الحديث". كان فخر الدين سياسيّا داهية، فقد استطاع أن يمد إمارته لتشمل معظم سوريا الكبرى، ويحصل على اعتراف الدولة العثمانية بسيادته على كل هذه الأراضي، على الرغم من أن الدولة في ذلك الوقت كانت لا تزال في ذروة مجدها وقوتها ولم تكن لترضى بأي وال أو أمير ليُظهر أي محاولة توسع أو استقلال أو ما يُشابه ذلك. تحالف فخر الدين خلال عهده مع دوقية توسكانا ومع إسبانيا، وازدهرت البلاد طيلة أيامه وكثرت فيها أعمال التجارة مع أوروبا والدول المجاورة، وعاش الناس في رخاء وراحة، إلى أن عاد السلطان العثماني مراد الرابع ليرى بأن فخر الدين يُشكل خطرا على السلطنة بعد أن ازدادت سلطته وذاع صيته في أرجاء الدولة وتحالف مع أوروبا، فأرسل حملة عسكرية تمكنت من القبض على الأمير وإرساله إلى إسطنبول حيث أعدم .

هو فخر الدين بن قرقماز معن، يُعرف بالثاني لأن جده كان يُدعى فخر الدين أيضا، ويُقال له الكبير لأنه أعظم أمراء لبنان في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ولم يحصل أن كان هناك أمير لبناني أخر بعظمته من قبل، ولم يأتي أمير بعده مماثل له، إلا بعد 153 سنة، وكان هذا الأمير بشير الثاني الشهابي. يرى بعض المؤرخين أن "فخر الدين" ليس اسماً وإنما هو لقب للأمير المعني؛ مثل "صلاح الدين" و"نور الدين" وغيرهما من الألقاب التي كان الأمراء يتلقبون بها في القرن السادس عشر وما قبله، ويقول هؤلاء المؤرخون أن اسم فخر الدين الأول هو "عثمان"، وبالتالي فإن فخر الدين الثاني قد يكون اسمه عثمان أيضا تيمنا بجده. وليس ما يمنع أن يكون هذا الرأي صحيحا. وعلى كل حال فقد غلب لفظ فخر الدين على كلا الأميرين وأصبحا لا يُعرفا إلا به.
قُتل الأمير قرقماز، والد فخر الدين، على يد والي مصر إبراهيم باشا، عام 1584، بعد أن اتهمه أمير طرابلس وعكار يوسف سيفا، وأمير البقاع ابن فريخ، بحادثة سرقة قافلة تحمل خراج مصر وفلسطين إلى إسطنبول، بالقرب من جون عكار، ولاقت هذه التهمة قبولاً لدى الباب العالي، على الرغم من عدم صحتها. وعند وفاة الأمير قرقماز، لم يكن ابنه البكر فخر الدين قد جاوز الثانية عشرة من عمره، وفي ذلك الوقت أراد إبراهيم باشا أن يسلم حكم الشوف إلى أحد الزعماء اليمنيين، ولكن الأمير سيف الدين التنوخي، خال فخر الدين، استطاع بهداياه أن يسترضي إبراهيم باشا، وأن يُقنعه بجعل الشوف إقطاعا له، أي لسيف الدين.

وهكذا ناب سيف الدين التنوخي عن فخر الدين في حكم الشوف حتى بلغ سن الرشد وزال عنه خطر العثمانيين.

عاش فخر الدين في رعاية خاله الذي كان يقيم في بلدة عبيه، بعيداً عن عيون أعداء والده، وكان يتلقى دراسته، ويتدرب على طرق الحكم، ويطلع على أوضاع البلاد وميول الناس ويتعرف عن كثب على كل ما ينبغي له أن يعرف.

الصراع ضد اليمنيين وتوسيع الإمارة : وجد الأمير الشاب نفسه وسط أمراء متعددين، يحكم كل منهم مقاطعته على هواه. ورأى أن أقوى هؤلاء الإقطاعيين هما يوسف سيفا في طرابلس، ومنصور بن فريخ في البقاع، وقد تحالفا لابتلاع مقاطعات الزعماء الذين يُجاورونهما. فما كان من فخر الدين إلا أن جمع أشتات الحزب القيسي في حلف قوي يمنكه أن يقف في وجه الزعيمين اليمنيين: ابن سيفا، وابن فريخ. ومن هؤلاء الحلفاء آل شهاب أمراء وادي التيم، وآل حرفوش أمراء بعلبك. وجذب إلى صفه بعض مشايخ العرب في حوران، وعجلون في شرقي الأردن. وكان فخر الدين يستعين، لبلوغ أهدافه السياسية بثلاث وسائل: القوة والمال والمصاهرة. لقد جهّز الفرسان والمشاة ووجّه الحملات لإخضاع خصومه، وبذل المال والهدايا لاستمالة الولاة العثمانيين، وصاهر آل شهاب، بل رأى يوما أن من الخير له أن يُصاهر أسرة خصمه ابن سيفا.

القضاء على ابن فريخ
 
صيدا، منظر للمدينة القديمة التي اتخذها الأمير فخر الدين مقراً له.رأى فخر الدين أن يُزيح ابن فريخ من طريقه أولاً، فاغتنم مرور مراد باشا القبوجي بصيدا، في طريقه إلى دمشق لتسلم منصبه والياً جديداً عليها، وتوجّه للترحيب به وقدم إليه الهدايا، فاطمأن الوالي للأمير المعني واستمع إلى رأيه في ابن فريخ وسوء سياسته. ولم يلبث مراد باشا أن استدرج منصور بن فريخ إلى دمشق وقبض عليه وقتله، وكان هذا عام 1593. وعندما حاول ابنه أن يحل محله، أوعز مراد باشا إلى الأمير فخر الدين بأن يُهاجمه، فهاجمه وقضى عليه. وبذلك انتقلت أراضي بني فريخ إلى بني حرفوش حلفاء فخر الدين ولما رأى فخر الدين أنه اكتسب صداقة مراد باشا القبوجي، والي الشام، رغب إليه أن يُقطعه سنجق بيروت، وكان تابعا لابن سيفا، وسنجق صيدا، وكان العثمانيون قد انتزعوه من المعنيين إثر حادثة القافلة العثمانية في جون عكار عام 1584، فوافق مراد باشا على طلب فخر الدين. عادت صيدا إلى ظل المعنيين بعد تسع سنوات من انتزاعها منهم، وكانت أراضي السنجقين تمتد من نهر الكلب إلى عكا شاملة بلاد جبل عامل. ومنذ ذلك الوقت اتخذ فخر الدين صيدا مقراً له. محاربة ابن سيفا
كان ضم بيروت لإمارة فخر الدين تحدياً شديداً لوالي طرابلس يوسف سيفا، الذي كانت بيروت تابعة له من قبل. فظل ابن سيفا يترقب الفرص حتى أقصي مراد باشا القبوجي عن ولاية دمشق. عندئذ حاول ابن سيفا استرجاع بيروت، ولكن فخر الدين وحلفاؤه الشهابيين وبني حرفوش باغتوه في ممر نهر الكلب وهزموا جيشه وطاردوه حتى كسروان والفتوح واحتلوهما عام 1598. وبعد أن تدخل والي دمشق الجديد، وبعض المصلحين، أعاد فخر الدين كسروان والفتوح وبيروت إلى ابن سيفا، لقاء إخلائه إلى الهدوء، وامتناعه عن مناوأة فخر الدين، ففضل فخر الدين صداقة ابن سيفا على عداوته.
وعندما اطمأن فخر الدين إلى إمارته الشمالية، انصرف إلى التوسع جنوباً، فضمّ عام 1600 سنجق صفد، وكان يشمل قسما كبيرا من شمال فلسطين. غير أن ابن سيفا لم يُحافظ على عهده طويلاً، فقد هاجم قرى آل حرفوش حلفاء فخر الدين، وأحرق قرى بعلبك وسلبها. عندئذ عزم فخر الدين على أن يؤدب خصمه، فتوجه إليه بجيش كبير كان قد أعاد تنظيمه، وعززه بالرجال والسلاح، فاشتبكت قوى الفريقين في جونية عام 1605، في معركة شديدة انتهت بانهزام ابن سيفا واستعادة فخر الدين لكسروان والفتوح وبيروت. ولكي يُحافظ فخر الدين على مكاسبه الجديدة، أخذ يغمر والي دمشق بالهدايا، فاعترف الوالي بإمارة فخر الدين على المناطق التي استولى عليها.

محالفة فخر الدين وعلي جانبولاد
بالرغم من انتصار فخر الدين، فإن ابن سيفا ظل يسيطر على مقاطعات لبنان الشمالي وسوريا الوسطى، من جبيل إلى اللاذقية. فهو ما زال قويّا، وما زال يسيطر على مساحات واسعة من البلاد. ولما كان فخر الدين لا يستطيع وحده أن يتخلص من هذا الخصم الذي وقف في طريقه وفي وجه توسيع إمارته، فقد عقد محالفة مع الزعيم الكردي علي باشا جانبولاد الذي كان واليا على حلب من قبل العثمانيين ثم احتفظ بها لنفسه وثار على دولته التي كانت مشغولة في حروب البلقان وبلاد فارس. وكتب يوسف سيفا إلى الدولة العثمانية يطلب إليها أن تجعله أميرا على سوريا كلها، وهو يتعهد لقاء ذلك بالقضاء على علي جانبولاد والي حلب الثائر. فوافقت الدولة العثمانية على ذلك توجه يوسف سيفا بجيشه لمحاربة جانبولاد، فالتقى الفريقان في سهول حمص، وأسرع فخر الدين وحلفاؤه الشهابيون والحرافشة إلى نصرة حليفهم، فاحتلوا طرابلس وسدوا الطريق على ابن سيفا، الذي كان قد عاد منهزما من معركته مع جانبولاد. فلما وجد بلاده قد احتُلّت، أبحر إلى قبرص، ومن هناك، توجه إلى غزة، فدمشق آملا أن يُعد جيشاً جديداً ولكن علي باشا جانبولاد والأمير فخر الدين لحقا به إلى دمشق وحاصراها، فهرب ابن سيفا منها ولجأ إلى حصن الأكراد، فتعقبه علي جانبولاد وحده بعد أن رجع فخر الدين إلى مقر إمارته. حاصر جانبولاد حصن الأكراد، فاضطر ابن سيفا إلى استرضائه، فقدم له الهدايا وصالحه، ليتفرغ لمواجهة العثمانيين. ووافق فخر الدين على هذا الصلح، وتمت بينه وبين آل سيفا مصاهرة، فقد تزوج فخر الدين ابنة شقيقة يوسف سيفا. ولم تلبث الدولة العثمانية أن عقدت هدنة في البلقان وهدنة في بلاد فارس، وفرغت لشؤون سوريا، فوجهت جيشا بقيادة الوزير مراد باشا القبوجي الذي كان والياً على الشام لقتال جانبولاد. ولما شعر جانبولاد بضعفه، فرّ من حلب، فدخلها مراد باشا وأنهى بذلك ثورة جانبولاد على الدولة. كان الوزير يريد محاربة فخر الدين، ولكن فخر الدين الذي سبق له أن تعامل مع مراد باشا، كان يعرف مواطن ضعفه، فبعث له بهدية مالية ذهبية مغرية، حملها إليه ابنه الفتى علي، وبرفقة مستشار الأمير، الحاج كيوان بن عبد الله. وسرّ الوزير بالهدية، وسكت عن فخر الدين، وجدد له ولايته على صيدا وبيروت وكسروان عام 1607. استطاع فخر الدين في العهد الأول من حياته، أن يوطد أركان الإمارة المعنية، فتحالف مع أصدقائه الشهابيين وبني حرفوش، وتخلص من خصميه: ابن سيفا، وابن فريخ. ولم يعد في لبنان كله شخص قوي غير فخر الدين الثاني، الذي أصبح أمير معظم المقاطعات اللبنانية، بعد أن كان أمير الشوف. ولكنه رأى أن كل الوسائل التي سلكها للمحافظة على إمارته، أو لتوسيع رقعتها، لم تكن كافية لتحقيق مطامحه. فالحصون والقلاع التي أقامها، والجيش المعني القوي، ومحالفاته مع جانبولاد والأمراء، وصداقاته مع الولاة العثمانيين المتبدلين دائماً، كلها ساعدته على إنشاء إمارته، ولكنها لم تستطع أن تؤمن له الاستقلال عن الدولة العثمانية. وكان لا بد له من أن يتطلع إلى دولة قوية تزوّد جيشه بالعتاد الحربي الفعّال





5
شُّور ولا يعرف معنى الاسم بالضبط وقد ورد هذا الاسم في الكتاب المقدس للدلالة على: (1) اسم ثاني أبناء سام وأبي الآشوريين(تك 10: 22). (2) آشور ينطبق أيضاً على بلاد آشور(تك 2: 14) وعلى شعب آشور(أش 31: 8). وبلاد آشور الأصلية تقع على الجزء الأعلى من نهر الدجلة. وكان الآشوريون مزيجاً من أجناس عدة فقد قطن البلاد في حقب مختلفة، السومريون والحوريون والميتانيون. ولكن في النهاية سادت العناصر السامية وبخاصة الاكاديون والبابليون وامتلكوا البلاد. وأولى عواصم شور هي مدينة آشور نفسها(وهي اليوم قلعة شرقات) على الشاطئ الغربي لنهر الدجلة. وقد كشف التنقيب عن هيكل للآلهة ((أشتار)) مما يدل على وجود الأثر السومري في آشور، وقد بنى هذا الهيكل حوالي سنة 2900 ق. م. أما العواصم الأخرى التي صارت عواصم لآشور من بعد فكانت جميعها تقع شرقي الدجلة وتبعد كثيراً إلى الشمال. وهذه العواصم هي ((كلة)) (وهي اليوم نمرود) ودور شردكين(وهي اليوم خورسباد) ولكن أهم العواصم جميعاً هي نينوى(تل كوينجك الآن) وهذه العواصم كلها قد أصبحت خرباً. وقد ظلت آشور مشتبكة في حرب ضد البابليين في الجنوب، وضد الحثيين في الشمال الغربي لمدة أزمنة طويلة. وانتهت حروب آشور في سوريا إلى اتصالها بإسرائيل. وتشير السجلات التاريخية الآشورية إلى عدد من ملوك إسرائيل، والذين جاء ذكرهم هم : عموي وآخاب وياهو ومنحيم وفقح وهوشع، وبعض من ملوك يهوذا وهم عزيا وحزقيا ومنسى. وقد دفع معظم هؤلاء الملوك جزية لآشور. أما ملوك آشور الذين اتصل تاريخهم بتاريخ إسرائيل فهم: شلمناصر الثالث(859- 824 ق. م.) وقد حارب آخاب ملك إسرائيل وحارب الآراميين في معركة قرقر سنة 854 ق. م. وأخذ جزية من ياهو. وتغلاث فلاسر الثالث(745- 727 ق. م.) وقد افتتح الجليل وجلعاد وسبى شعبهما إلى آشور(2 ملو 15: 29) وشلمانصر الخامس(727- 722 ق. م.) وهو الذي بدأ حصار السامرة(2 ملو 17: 5) وسرجون الثاني(722- 705 ق. م.) وهو الذي أخذ السامرة نهائياً ونقل الإسرائيليين من بلادهم إلى أجزاء أخرى متفرقة في الامبراطورية الآشورية(2 ملو 17: 6). وسنحاريب(705- 681 ق. م.) وقد أخذ لخيش في يهوذا ولكنه لم يتمكن من أخذ أورشليم (2 ملو 18: 3- 19: 37). وأسرحدون(681- 669 ق. م.) وقد أتى بأناس من أجزاء متفرقة من امبراطورية آشور وأسكنهم السامرة(عزرا 4: 2). وآشور بانيبال وهو آخر الملوك العظام في آشور(669- 626 ق. م.) وقد نقل قوماً من أجزاء أخرى متفرقة وأسكنهم في السامرة أيضاً(عزرا 4: 10) ويذكر ناحوم في نبواته ص3: 8و10 ان أسرحدون أخرب (نو آمون) في مصر. وفي النهاية تحالف البابليون والماديون وحاربوا الآشوريين وأخذوا مدينة نينوى سنة 612 ق. م. فحلت بابل محل آشور كالدولة العظمى في الشرق الأوسط. ويشير كثيرون من أنبياء العهد القديم إلى آشور فيونان النبي وهو من إسرائيل وقام بعمله النبوي في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد، نادى في نينوى عاصمة آشور وأعلن قضاء الرب عليها ما لم تتب فتابت ورجعت عن شرها. وتتنبأ كل من عاموس (ص5: 27و6: 14) وهوشع(10: 6و11: 5) بأن آشور ستغزو إسرائيل وتأخذ شعبها من السبي وبأن هذا هو قضاء الله العادل على شر إسرائيل. وجاء الوعد لآحاز الملك على فم أشعياء النبي بأن الآشوريين سينقذون يهوذا من الآراميين والإسرائيليين الذين كانوا تحالفوا لعمل حرب ضد يهوذا في ذلك الحين(ص7: 1- 20) أي أنها الوسيلة التي يوقع بها الله العقاب على شعوب ذلك العصر، ولكنه يعلن بأن دور آشور لا بد آت وبأن العقاب سيحل بها لسبب كبريائها(ص 10: 21). ولما حاصر الآشوريون أورشليم جاء الوعد للملك حزقيا على فم أشعياء النبي بأن الله سيدافع عن المدينة. وفعلاً مات عدد كبير من جنود آشور وانسحب سنحاريب بقواته ونجت أورشليم(أش ص 36و37). وتعلن نبوة ناحوم مجيء الخراب الذي سيقع على نينوى حتماً بسبب قسوتها في نهب وسلب وتخريب بلاد كثيرة. وقد كان لآشور ثقافة ناهضة في كثير من النواحي المادية ولكنها كانت ناقصة كثيراً في النواحي الخلقية والمعنوية. واللغة الآشورية إحدى اللغات السامية، وهي قريبة الشبه جداً باللغة البابلية. وكان الآشوريون يكتبون على لوحات طينية أو حجرية وكانوا يكتبون أحرفاً تشبه المسامير في شكلها ولذا سمي خطهم بالخط المسماري Cuneiform وكانوا يشبهون البابليين في كتابتهم. وتثبت السجلات الآشورية التاريخية الدقيقة الكثير من الحقائق المذكورة في أسفار العهد القديم وتؤيدها. وتكمل التاريخ المدون فيها وبخاصة في سفري الملوك وفي الأسفار النبوية. وقد حفظ الكثير من الآداب السومرية والبابلية في المكتبة الآشورية التي كانت في نينوى. ومن ضمن هذه الآداب قصة للطوفان فيها أوجه شبه كثيرة مع قصة الطوفان في أيام نوح. أما في إقامة مبانيهم العامة فقد كان الآشوريون يستخدمون الحجارة واللبن، بينما كان البابليون يستخدمون اللبن فقط. وقد اتبع الآشوريون نهج البابليين في بناء منابر هياكلهم. زكانوا يزخرفون أبنيتهم كالبابليين وكانوا يستخدمون في هذه الزخرفة البلاط اللامع أو الحجر أو الرخام المنقوشين نقشاً بارزاً. وكانت هذه الزخارف ذات رونق وجمال فائقين وبخاصة في الآثار التي جاءت من عصر آشور بانيبال. وقد اكتشفت في كثير من المدن الآشورية تماثيل هائلة الحجم مصنوعة من الحجر، وكانت توضع على جانبي أبواب الهياكل والقصور. وكان الآشوريون يسمون هذه التماثيل ((شيدو)). وكانت تمثل حيوانات لها رؤوس بشرية وأجنحة وأما أجسامها فكانت أجسام أسود أو ثيران. ويرى بعض العلماء شبهاً كبيراً بين هذه التماثيل ((شيدو)) وبين وصف حزقيال للكروبيم(حز 1: 5- 14). وكان الآشوريون يعبدون آلهة كثيرة. أما إلههم الرئيسي فكان آشور وهو اله الحرب وكانوا يمثلونه في شكل رامٍ للسهام داخل دائرة تمثل قرص الشمس ولها أجنحة. وكانت أشتارا الآلهة العظيمة للحرب والخصب وكانت الآلهة الأخرى تمثل قوى الطبيعة. وكان ((أنو)) يمثل قوة السماء و(0بل)) يمثل الأرض و((ايا)) تمثل المياه و((سين)) يمثل القمر و((شماش)) تمثل الشمس و((رمان)) تمثل العاصفة، والخمسة الكواكب السيارة التي كانت معروفة حينئذٍ. وكان معظم هذه الآلهة يعبد في بابل فيما عدا الاله ((آشور)). ويفخر ملوك آشور في سجلاتهم بقوتهم الحربية ومعاملتهم الأمم المغلوبة على أمرها بكل صنوف القسوة. وكانوا كذلك يباهون بوسائل التعذيب التي كان يعذب بها الأسرى الذين يقعون في أيديهم وقد أدخلوا وسائل جديدة وآلات للحصار لم تكن معروفة من قبل، وكانوا أول من قام بترحيل شعوب الأمم المنهزمة على نطاق واسع من بلادهم إلى بلاد أخرى وإحلال شعب آخر محلهم كما فعلوا بإسرائيل.







6
ديانة الصابئة هي اول الاديان السماوية خلقاً ، واتباعها يتبعون نبي الله ورسولة آدم اب الذرية البشرية عليه السلام ، واتباع هذا الدين كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين ما قبل المسيحية ولا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق حيث أن مقر رئاسة الطائفة يقع في بغداد في العراق كما أن هناك تواجد للصابئة في إقليم الأحواز في ايران إلى الآن ويطلق عليهم في اللهجة العراقية "الصبّة" كما يسمون وكلمة الصابئة فهي مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ, غط أو غطس في الماء وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق .

بعض علماء اللغة اختلف في أصل كلمة الصابئة وأرجعها إلى الجذر العربي (صبأ) والذي يعني خرج وغير حالته في حين يدعم البعض نظرية الأصل الآرامي المندائي نظرا للعثور على آثار مندائية قديمة  تدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته ويسمى بالحي العظيم أو الحي الأزلي حيث جاء في كتاب المندائيين المقدس كنزا ربا أن الحي العظيم أنبعث من ذاته وبأمره وكلمته تكونت جميع المخلوقات والملائكة التي تمجده وتسبحه في عالمها النوراني كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال عارفين بتعاليم الدين المندائي وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.

يؤمن الصابئة بعدد من الأنبياء وأن الله قد أوحى لهم بتعاليم المندائية وهم :

آدم، شيت بن آدم (شيتل)، سام بن نوح، يحيى بن زكريا (يهيا يوهنا).

ولكن اسمهم ارتبط النبي إبراهيم الخليل الذي عاش في مدينة اور السومرية ـ مدينة الهة القمر إنانا ـ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد، وكان إبراهيم عليه السلام أول من نبذ الاصنام ودعا لرب واحد عظيم القدرة اطلق عليه السومريون اسم [ لوگـال ـ ديمير ـ آن ـ كي ـ آ ] ملك الهة ما هو فوق وما هو تحت [ رب السماوات والأرض]. آمن الصابئة المندائيون بتعاليم إبراهيم واحتفظوا بصحفه ومارسوا طقوس التعميد التي سنها لهم واستمروا عليها إلى يومنا هذا. وقد هاجر قسم منهم مع النبي إبراهيم إلى حران والقسم الآخر بقي في العراق، وقد عرفـوا فيما بعد بـ [ ناصورايي اد كوشطا ] اي حراس العهد الذين أسسوا بيوت النور والحكمة [أي ـ كاشونمال ] ـ بيت مندا أو (بيت المعرفة) فيما بعد ـ على ضفاف الأنهار في وادي الرافدين لعبادة مار اد ربوثا (الله ـ رب العظمة)، واتخذوا من الشمال (اباثر) الذي دعاه السومريون ((نيبورو)) قبلة لهم لوجود عالم النور (الجنة).

كما ارتبطت طقوسهم وبخاصة طقوس الصباغة المصبتا، بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها ادگـلات وپـورانون (دجلة والفرات) انهارا مقدسة تطهر الارواح والاجساد فاصطبغوا في مياهها كي تنال نفوسهم النقاء والبهاء الذي يغمر آلما د نهورا (عالم النور) الذي اليه يعودون.

ورد مفهوم الاغتسال والصباغة في العديد من النصوص المسمـارية حيث كتب الشاعر السومري في مرثية مدينة اور: ((شعب الرؤوس السوداء ما عادوا يغتسلون من أجل اعيادك، اناشيدك تحولت إلى أنين، مدينة اور مثل طفل في شارع مهدم، يفتش لنفسه عن مكان امامك)).

كتب الصابئة المقدسة :  للصابئة كتب مقدسة اهمها كتاب الله جنزاربا او كتاب گِنزاربا " مبارك اسمه " وكتاب دراشا اد يهيا مواعظ وتعاليم النبي يحيى بن زكريا .

كتاب كنزاربا : الكنز العظيم : كتاب گِنزاربا : هو الكتاب المقدس الرئيسي لطائفة الصابئة عربياً يكتب جنزاربا ويلفظ گِـنـزاربا ويعني اسمة الكنز العظيم ويسمى باللغة الصابئية ب ( صحف آدم ، الكنز العظيم ، الكتاب الاول ) ، وهو كتاب يجمع صحف آدم وسام وشيت ونوح وأدريس ويحيى مباركة اسمائهم ، ويقع في 600 صفحة وهو بقسمين يمين وشمال ، من جهة اليمين يتضمن اسفار التكوين ، وتعاليم الحي العظيم ، والصراع الدائر بين الخير والشر ، والنور والظلام ، و هبوط النفس في جسد آدم (م . أ ) وكذلك يتضمن تسبيحات للخالق وأحكام فقهية ودينية ، ويشمل الشمال قضايا النفس وما يحقها من عقاب وثواب واحكام اخرى ، الكتاب تم ترجمته من اللغة المندائية الى اللغة العربية عام 2000 نشر مؤخراً على شبكة الانترنت ترجمة هذا الكتاب على موقع نداء الحق الصابئي .

أركان الديانة : ترتكز الديانة الصابئية على خمسة أركان هي:

التوحيد (سهدوثا اد هيي) وهي الاعتراف بالحي العظيم (هيي ربي) خالق الكون.
حيث جاء في كتاب الصابئةالمقدس كنزا ربا { لا أب لك ولا مولود كائن قبلك ولا أخ يقاسمك الملكوت ولا توأم يشاركك الملكوت ولا تمتزج ولا تتجزأ ولا انفصام في موطنك جميل وقوي العالم الذي تسكنه}

الصباغة(مصبتا) يعتبر من أهم أركان الديانة الصابئية واسمهم مرتبط بهذا الطقس وهو فرض واجب على الصابئي ويرمز للارتباط الروحي بين العالم المادي والروحي والتقرب من الله.
و يجب أن يتم في المياه الجارية والحية لأنه يرمز للحياة والنور الرباني. وللإنسان حرية تكرار التعميد متى يشاء حيث يمارس في أيام الآحاد والمناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند تكريس رجل دين جديد. وقد استمد المسيحيون طقس الصباغة اي كما يسمونة التعميد من الصباغة الصابئية حين صبغ نبي الله يحيى بن زكريا عيسى في نهر الاردن .

و قد حافظ طقس الصباغة على أصوله القديمة حيث يعتقد بأنه هو نفسه الذي ناله عيسى بن مريم (المسيح) عند صباغتة من قبل يهانا الصابغ بالدين الصابئي ، يحيى بن زكريا باللغة العربية والاسلام و(يوحنا المعمدان بالدين المسيحي ).

الصلاة (ابراخا) وهي فرض واجب على كل فرد مؤمن يؤدى ثلاث مرات يوميا (صباحا وظهرا وعصرا) وغايته التقرب من الله. حيث ورد في كتابهم المقدس {و أمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون } ، ويختلف الصابئة عن غيرهم من الاديان بعدم وجود صلاة جماعية كما في الدين الاسلامي عندما يام الإمام بالمسلمين يوم الجمعة او عند المسيحيين عندما يرتل القس الصلاة ويرددها بعدة الحضور يوم الاحد .
و يسبق الصلاة نوع من طقوس الاغتسال يدعى (الرشما) وهو مشابه للوضوء عند المسلمين حيث يتم غسل أعضاء الجسم الرئيسية في الماء الجاري ويرافق ذلك ترتيل بعض المقاطع الدينية الصغيرة. فمثلا عند غسل الفم يتم ترتيل (ليمتلئ فمي بالصلوات والتسبيحات) أو عند غسل الأذنين (أذناي تصغيان لأقوال الحي).

الصيام وله نوعان
الصيام الكبير (صوما ربا) وهو الامتناع عن كل الفواحش والمحرمات وكل ما يسيء إلى علاقة الإنسان بربه ويدوم طوال حياة الإنسان. حيث جاء في كتابهم { صوموا الصوم العظيم ولا تقطعوه إلى أن تغادر أجسادكم، صوما صوما كثيرا لا عن مآكل ومشرب هذه الدنيا.. صوموا صوم العقل والقلب والضمير}.
الصيام الصغير وهو الامتناع عن تناول لحوم الحيوانات وذبحها خلال أيام محددة من السنة تصل إلى 36 يوما لاعتقادهم بأن أبواب الشر مفتوحة تكون عندها مفتوحة على مصراعيها فتقوى فيها الشياطين وقوى الشر لذلك يسمونها بالأيام المبطلة.
الصدقة (زدقا) ويشترط فيها السر وعدم الإعلان عنها لأن في ذلك إفساد لثوابها وهي من أخلاق المؤمن وواجباته اتجاه أخيه الإنسان. حيث جاء في كتابهم {أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمآن واكسوا العراة لان من يعطي يستلم ومن يقرض يرجع له القرض} كما جاء أيضا { إن وهبتم صدقة أيها المؤمنون، فلا تجاهروا إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وإن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم كل من وهبة صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له}.
يتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم ولدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار (الجنة) يقع في ذلك المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها, ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي.


المحرمات
•التجديف باسم الخالق (الكفر)
•عدم أداء الفروض الدينية
•القتل
•الزنا من الكبائر المؤدية إلى النار
•السرقة
•الكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل
•عبادة الشهوات
•الشعوذة والسحر
•الختان
•شرب الخمر
•الربا
•البكاء على الميت ولبس السواد
•تلويث الطبيعة والأنهار
•أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس
•الطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا)
•الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض
•تعذيب النفس وإيذاء الجسد




7
القديسه صوفيا وهي قديسه قبطية من مصر ،ذاع صيتها في العالم كله وتم بناء كاتدرائيه على اسمها قي عهد الامبراطور قسطنطين بالقسطنطينيه وتم نقل جسدها لتتبارك القسطنطينيه بهذه القديسه وظلت هذه الكاتدرائيه مقرا لبطريركيه القسطنطينيه إلا انه في ظل العهد العثماني خربت وتحولت إلي مسجد إسلامي ويطلق علي هذه الكاتدرئيه الآن آيا صوفيا في اسطنبول.

حياتها : ولدت القديسه صوفيا قي مدينة البدرشين بمصر وكانت في بداية حياتها تعبد الاوثان. وكان يوجد بجوارها جارات مسيحيات يعشن بروح المحبه والوداعه، مواظبات على الذهاب إلى الكنيسه وقد حركتهن مشاعرهن لتعليم صوفيا طريق الحياه الابديه والذهاب إلى الكنيسه ومبادئ الدين المسيحي فقبلت صوفيا هذا الايمان وبخاصة انها لمست فيهن روح المحبه فأمنت وأخذت تسير معهن حتى بعد ايام ليست بكثيره طلبت سر المعموديه وعمدها أسقف منف ونمت قي الفضيله ملازمه الصلاه والصوم ومحبة الفقراء.

وقد رامت أخبار إلى أقلوديوس الوالى بأن صوفيا الوثنيه صارت مسيحيه فأمر بأحضارها ومحاكمتها، فلما مثلت بين يديه سألها عن معتقدها، اجابته بأنها عمياء، وانها كانت تعبد الاوثان ثم أنها ابصرت وصارت مسيحيه. لقد أعطانها يسوع المسيح حياه من بعد موت. فرأي انها بذلك قد اغضبط الالهه بكلامها هذا وأمرها بالعوده إلى عبادة الاوثان لكى لا تجلب الغضب عليها، وأجابته صوفيا بأن هذه الالهه لا تزيد عن كونها حجاره لا تنفع ولكن تضر فكيف تأخذها لك إلهه فهى ليس بها مشاعر لكى تغضب كما تقول لى أما أنا فلن أغضب الاله يسوع المسيح.

عندما سمع الوالي ما قالته صوفيا أمر جنده بضربها بسياط من اعصاب البقر. ومع ذلك كانت صوفيا تصلى لكى يعطى ربها نعمة البصيره الروحيه للجميع كما نعمت بها هي ولم يكتفى هذا الوالي بضرب السياط بل تمادى في التعذيب وأمر بكى مفاصلها بالنار، ولكنها اصرت علي ديانتها المسيحيه وكانت تصرخ بأنها مسيحيه أثناء عذابها وتكرر في اعترافها بالديانة المسيحيه وأرسل أقلوديوس الوالى زوجته تلاطفها وتعدها بمواعيد كثيرة، فلم تمل إلى كلامها حتي أمر الوالي بقطع لسلنها، ثم حبسها قي سجن مظلم بينما كانت صوفيا تصلي لربها طابه غفران للذين عذبوها واضطهدوها.

أخيرا أمر الوالى أقلوديوس بقطع رأسها فصلت صوفيا صلاة طويلة وسألت ربها أن يسامح الملك وجنده بسببها. ثم أحنت عنقها للسياف فقطع رأسها. وأخذت أمراه قبطيه آخري كانت ترافقها جسدها بعد أن أعطت للجنود مالا كثيرا ولفته بلفائف ثمينة، ووضعته في منزلها، وكانت تظهر منه عجائب ومعجزات كثيرة. وكانوا يوم عيدها ينظرون نورا عظيما يشع من جسد القديسه صوفيا وتخرج منه روائح طيبة وتمت معجزات كثيرة من جسد القديسه.

سمع الملك قسطنطين وأمه الملكه هيلانه بالكثير من المعجزات التي تتم علي اسم القديسه وجسدها في مصر ،أمر بنقل جسد صوفيا القبطيه إلى مدينة القسطنطينية بعد أن بنى له كنيسة عظيمة ووضعوه فيها تكريما لها. تعيد الكنيسه القبطية المصرية بعيد أستشهادها قي السادس من شهر توت حسب التقويم القبطي.


كاتدرائيه آيا صوفيا : آيا صوفيا أو آجيا صوفيا بمعني القديسة صوفيا هي كاتدرائية سابقة ومسجد سابق وحاليا متحف يقع بمدينة إسطنبول ،بدأ الإمبراطور جستنيان في بناء هذه الكنيسة عام 532م، وأستغرق بنائها حوالي خمس سنوات حيث تم أفتتاحها رسمياً عام 537م، ولم يشأ جستتيان أن يبني كنيسة على الطراز المألوف بل كان دائما يميل إلى ابتكار الجديد. فكلف المهندسين المعماريين Miletus of Isidoros وAthemius of Tracies ببناء هذا الصرح الدينى الضخم وكلاهما من آسيا الصغرى ويعد ذلك دليلا واضحا على مدى تقدم دارسي البناء في آسيا الصغرى في عهد جستنيان بحيث لم يعد هناك ما يدعو إلى استدعاء مهندسين من روما لإقامة المباني البيزنطية.

الكنيسة بنيت على أنقاض كنيسة أقدم أقامها الأمبراطور قسطنطين العظيم لجسد القديسة صوفيا القبطية. وقد احترقت الكنيسة القديمة في شغب، مما جعل الإمبراطور جستنيان يبدأ في إقامة هذه الكنيسة الرائعة.

كان بناء كنيسة أيا صوفيا على الطراز البازيليكى المقبب أو الـdomed Basilica ويبلغ طول هذا المبنى الضخم 100 متر وارتفاع القبة 55 متر أي انها أعلى من قبة معبد البانثيون، ويبلغ قطر القبة 30 متر. وقد جمعت كنيسة أيا صوفيا العديد من الافكار المعمارية التي كانت موجودة في ذلك الوقت بل هي تعتبر قمة المعمار البيزنطى في مجال البازيليكات. فالكنيسة مستطيلة الشكل على الطراز البازيليكى بالإضافة إلى وجود القبة في المنتصف على جزء مربع ،و يتقدم المبنى الـ Atrium الضخم الامامى المحاط بالـ Porticus من الثلاثة جوانب ثم الـ Natthex والـ Esonarthex ثم الصالة الرئيسية Nave والصالات الجانبية Aisles، ترسو فوق الصالة الرئيسية القبة الضخمة التي تستند على المبنى مربع سفلى، أو كانه عبارة عن دعامات ضخمة تحمل فوقها عقود كبيرة تحصر بينهما المقرنصات أو الـ Pendentives التي تحمل قاعدة القبة. وتستند القبة من الشرق والغرب على انصاف قباب ضخمة وترسو بدورها على عقود ودعامات سفلية تخفف الضغط على الحوائط, القبة من الداخل مغطاه بطبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية، وكما سبق ان وضحنا تفتح في اسفلها النوافذ للاضاءة. تقع الحلية في الشرق أيضا وهي مضلعة الشكل في حين ان المعمودية في الجنوب.

ويوجد بالفناء درج يؤدى إلى الطابق العلوى المخصص للسيدات اضيف لهذا المركز الدينى بعد ذلك مجموعة من المبانى الدينية الملحقة به والتي كانت تتصل بطريقة ما بالمبنى الرئيسى، فنجد مجموعة من الكنائس الصغيرة أو Chapelsالتي تحيط بالمبنى والعديد من الحجرات سواء كانت لرجال الدين أو لخدمة أغراض الصلاة.





8
أحداث مجمع خلقيدونية : بدأ مجمع خلقيدونية أعماله في الثامن من تشرين الأول سنة 451 في خلقيدونية. وتكون من عدد كبير من الاساقفة في مختلف ارجاء سوريا وما حولها.
الوفد الأنطاكي: وتألف الوفد الأنطاكي السوري من مئة وثلاثين أسقفاً وذلك على الوجه التالي:

أساقفة سورية الأولى: مكسيموس أسقف أنطاكية وماراس أسقف خناصير (جنوب شرق حلب على بعد ستين كيلومتراً عنها) وثيوكتيستوس أسقف حلب ورومولوس أسقف قنسرين وبوليكاريوس أسقف جبلة وبطرس أسقف الجبّول ومكاريوس أسقف اللاذقية وسابا أسقف بلدة وجيرونتيوس أسقف سلفكية.
أساقفة سورية الثانية: دومنوس أسقف أبامية ومرقس أسقف الرستن وتثموثاوس أسقف بلنياس وافتيخيانوس أسقف حماه وملاتيوس أسقف شيزر وبولس أسقف مريمين إلى شرقي المشتى ولمباذيوس أسقف رفنية وافسابيوس أسقف جسر شغور.
أساقفة أسورية: وهم اثنان وعشرون أولهم باسيليوس أسقف سفلكية الساحلية ويأتي بعده يعقوب أسقف أنيموريون واكاكيوس أسقف أنطاكية.
أساقفة قيليقية الأولى: ثيودوروس أسقف طرسوس وفيليبوس أسقف ادنه وثيودوروس أسقف أوغسطة وخمسة آخرون.
أساقفة قيليقية الثانية: كيروس أسقف عين زربة ويوليانوس أسقف الإسكندرية وباسيانوس أسقف موبسوستي ويوليانوس أسقف أرسوز وخمسة آخرون.
أساقفة الفرات: اسطفانوس اسقف منبج وقوزمة قورش وتيموثاوس أسقف دولك وداود أسقف جرابلس ويوحنا أسقف مرعش وبتريقيوس أسقف صفين وماراس أسقف روم قلعة واثناثيوس أسقف بيرين ومايانوس أسقف الرصافة وروفينوس أسقف سيمساط واوراتيوس أسقف سوريه وسوره على الفرات وايفولغيوس أسقف بلقيس.
أساقفة الرها: نونوس أسقف مدينة الرها ودانيال أسقف بيرة جك ودميانوس أسقف الرقة وإبراهيم أسقف كيراسيوم ولعلها قرقيسيون بالقرب من الرقة عند مصب الخابور في الفرات وصفرونيوس أسقف قسطنطينية ويوحنا أسقف حران اعالي الجزيرة السورية وقيومة أسقف مركوبوليس ويوحنا أسقف العرب.
أساقفة ما بين النهرين: سمعان أسقف أمد وماراس أسقف غزى (وهي مجهولة الموقع) وقيومة أسقف آنجل ونوح أسقف كيفا وزبنوس أسقف ميافارقين وافسابيوس أسقف صوفانة.
أساقفة العربية جنوب سوريا : قسطنطين أسقف بصرى وبروكلوس أسقفة درعا ومالك أسقف مسمية، وثيودوسيوس أسقف القنوات وسُليم أسقف قسطنطينة اللجا منطقة اللجا جنوب سوريا في السويداء، وماراس أسقف السويداء ويوحنا أسقف الصنمين وزوسيس أسقف حسبان واناستاسيوس أسقف حران وبلانكوس أسقف جرش وغيانوس أسقف مادبا وسويروس أسقف نوى وغوطوس أسقف مشنّف مشنف في السويداء وافلوجيوس أسقف عمان وهورميداس أسقف شهبا ونونوس اسقف اذرع.
أساقفة فينيقية الأولى والساحلية: فوطيوس أسقف صور والكسندروس أسقف طرطوس وبولس أسقف أرواد (جزيرة أرواد مقابل طرطوس) وايراقليطس أسقف عرقة وافستاثيوس أسقف بيروت ويورفيريوس أسقف بترون وبطرس أسقف جبيل وفوسفوروس أسقف عرطوز واوليمبوس أسقفبانياس وتوما أسقف النبي يونس Porphyreon وبولس أسقف عكا ودميانوس أسقف صيداوثيودوروس أسقف طرابلس.

أساقفة فينيقية الثانية : ثيودوروس أسقف دمشق ويردانوس أسقف سوق وادي بردى (في الغوطة) وثيودوروس أسقف مهين وأورانيوس أسقف حمص وتوما أسقف جوارين ويوسف أسقف بعلبكبعلبك وافسابيوس أسقف يبرود وفاليريوس أسقف قطيبة ويوحنا أسقف تدمر وافستاثيوس أسقف العرب.
الوفود الأخرى: وتألف الوفد الروماني من الأسقفين باسكاسينوس ولوشنتيوس والقسين بونيفاتيوس وباسيليوس وانضم إليهما يوليانوس أسقف جزيرة كوس للمرة الثانية. وجاء ديوسقوروس ووراءه سبعة عشر أسقفاً. وانضم إلى هؤلاء أساقفة آسية وتراقية واليونان واليرية وأفريقيا. ومثل الدولة الرومانية أناتوليوس القائد الكبير وبلاذيوس برايفكتوس الشرق وتاتيانوس برايفكتوس العاصمة وخمسة عشر موظفاً.

الجلسة الأولى
افتتحت أعمال المجمع في الثامن من تشرين الأول في كنيسة القديسة افيمية في خلقيدونية بحضور هذا العدد الكبير من الأساقفة (وصل عدد الآباء في هذا المجمع لـ 600) ووجود عدد من وجهاء الدولة والاساقفة السوريون في صدر المجمع أمام الباب الملوكي وعن يسارهم نواب رومة القديمة وأناتوليوس أسقف رومة الجديدة فمكسيموس أسقف أنطاكية وعن يمينهم ديوسقوروس أسقف الإسكندرية يوبيناليوس أسقف أورشليم ثم سائر الأساقفة من الجهتين.

وبعد الافتتاح قام باسكاسينوس ووقف في وسط المجمع وقال لعظماء الدولة: "إن أسقف مدينة الرومانيين الرسولي الجزيل الغبطة رأس جميع الكنائس أمرنا أن نخاطبكم بأن لا يجلس معنا ديوسقوروس أسقف الإسكندرية. فإما أن يخرج هو وإما أن نخرج نحن". فرأى ممثلو السلطة أن يجلس ديوسقوريوس في وسط المجمع فجلس. ثم وقف افسابيوس أسقف دورلة ودفع كتاباً مضمونه ملخص ما جرى من التلصص في أفسس. وبعد أخذ ورود اقترح ممثلو السلطة قطع كل من ديوسقوروس الإسكندرية ويوبيناليوس أورشليم وثلاثيوس قيصرية وافسابيوس أنقيرة وافستاثيوس بيروت وباسيليوس سلفكية باعتبارهم زعماء التلصص في أفسس. ثم ارتفعت الجلسة فخرج الآباء يرددون: "قدوس الله قدوس القوي قدوس الذي لايموت ارحمنا" وهي أول مرة يرد فيها ذكر التريصاجيون في تاريخ الكنيسة. وهتفوا بعد ذلك قائلين: "لتكن سنو الأمبراطور عديدة! المسيح أسقط ديوسقورس القاتل! قدوس الله قدوس القوي قدوس الذي لا يموت ارحمنا".

الجلسة الثانية
في العاشر من تشرين الأول وظل ديوسقوروس ويوبيناليوس وسائر المتهمين بأعمال التلصص في أفسس خارج المجمع. فطلب ممثلو السلطة من الآباء المجتمعين أن ينظروا في أمر الإيمان وأن يتفقوا على صيغة نصبح هي المعول عليها. فذكر الآباء أن المجمع المسكوني الثالث حرم أي تعديل في قانون الإيمان النيقاوي. ولكن نظراً لإلحاح السلطة فإن الآباء أصغوا إلى نصوص رسائل كيرلس إلى نسطوريوس ويوحنا وإلى "الطوموس" رسالة لاون إلى فلابيانوس الشهيد. فهتف معظم الآباء هذا هو إيمان الآباء هذا إيمان الرسل. جميعنا هكذا نؤمن. الأرثوذكسيون هكذا يؤمنون. محروم من لا يؤمن هكذا. بطرس نادى بهذا التعليم بواسطة لاون. كيرلس هكذا علم. محروم من لا يؤمن هكذا. وتردد أساقفة فلسطين وطلبوا شرح الطوموس ولم يتخذ أساقفة مصر موقفاً معيناً نظراً لتغيب رئيس وفدهم ديوسقوروس. وقبيل ارفضاض الجلسة هتف بعض الاليريين للأساقفة المتهمين.

الجلسة الثالثة
التأم المجمع في جلسته الثالثة في الثالث عشر من تشرين الأول وفي كنيسة مجاورة لكنيسة القديسة افيمية تضم رفاة بعض الشهداء. وتغيب ممثلو السلطة. ونهض افسابيوس أسقف دورلة وقرأ مذكرة جديدة يبين فيها هفوات ديوسقوروس وذنوبه. ثم تلاه أربعة اكليريكيين اسكندريين انتقدوا ديوسقوروس من حيث موقفه من أسرة سلفه كيرلس وقساوته وظلمه ومن حيث طمعه بالمال وجشعه في جمعه. فدعا المجمع ديوسقوروس ثلاث مرات فلم يحضر فقال باسكاسينوس -مترأس المجمع- لقد دعي ديوسقوروس ثلاث مرات ولم يحضر فماذا يستحق هذا الذي يزدري بالمجمع؟ فقال المجمع: يستحق جزاء العصاة. ثم قال لوقيانوس أسقف بيزا ونائب أسقف هرقلية: لقد أجرى المجمع المسكوني السابق أعمالاً ضد نسطوريوس فلنقف على إجراءاته ولنعمل بموجبها. فقال باسكاسينوس: أتأمرون أن نطبق في حقه عقوبات كنسية؟ فقال المجمع: "إننا نوافق على ما هو حسن". وخاطب الأسقف يوليانوس وفد رومة وطلب إلى رئيسه باسكاسينوس أن يبين القصاص المعين في القوانين. فقال باسكاسينوس: إني أكرر ماذا تستحسنون؟ فقال مكسيموس أسقف أنطاكية العظمى: "كل ما يستحسنه برّكم نوافق عليه". فاقترح باسكاسينوس قطع ديوسقورس لأنه برَّأ أوطيخة وقبله في الشركة قبل اجتماع افسس ولأنه لم يسمح بقراءة رسالة لاون إلى المجمع ولأنه أصرّ على قطع العلاقة مع الأرثوذكسيين. فقال أناتوليوس أسقف رومة الجديدة: إني أعتقد في كل شيء مثل الكرسي الرسولي أوافق على قطع ديوسقوروس. وقال مكسيموس أسقف أنطاكية: إني أضع ديوسقوروس تحت العقاب الكنسي الذي فاه به لاون أسقف رومة القديمة وأناتوليوس أسقف رومة الجديدة. ووافق كثيرون آخرون فحكم على ديوسقوروس بالقطع. أما الأساقفة الباقون من المتهمين فإنهم قدموا ندامة ونالوا الصفح.

الجلسة الرابعة والخامسة
بحث الآباء في الجلستين الرابعة والخامسة أمر العقيدة. فنظروا في طوموس لاون على ضوء دستور الإيمان الذي سُنَّ في المجمعين المسكونين الأول والثاني وعلى ضوء تحديدات القديس كيرلس كما جاءت في أعمال المجمع المسكوني الثالث.وحاول برصوم أن يدافع عن ديوسقوريوس ولكنه لم يُفلح. فإنه ما كاد يطل على الآباء المجتمعين حتى تعالت الأصوات بوجوب خروجه. فقال البعض: "إلى الخارج أيها القاتل إلى المرسح المدرج إلى الوحوش الضارية". فخرج برصوم والوفد الذي كان يرافقه.

وأُلِّفت تمثل جميع الآراء في المجمع لتعد صورة اعتراف يبت في قضية الطبيعة الواحدة التي أثارها أوطيخة. فقامت هذه اللجنة بالمهمة الموكولة إليها خير قيام وتقدمت من المجمع في جلسته الخامسة بمشروع اعتراف هذا نصه:

إننا نعلّم جميعنا تعليماً واحداً تابعين الآباء القديسين. ونعترف بابن واحد هو نفسه ربنا يسوع المسيح. وهو نفسه كامل بحسب اللاهوت وهو نفسه كامل بحسب الناسوت. إله حقيقي وإنسان حقيقي. وهو نفسه من نفس واحدة وجسد واحد. مساوٍ للآب في جوهر اللاهوت. وهو نفسه مساوٍ لنا في جوهر الناسوت مماثل لنا في كل شيء ماعدا الخطيئة. مولود من الآب قبل الدهور بحسب اللاهوت. وهو نفسه في آخر الأيام مولود من مريم العذراء والدة الإله بحسب الناسوت لأجلنا ولأجل خلاصنا. ومعروف هو نفسه مسيحاً وابناً وربّاً ووحيداً واحداً بطبيعتين بلا اختلاط ولا تغيير ولا انقسام ولا انفصال من غير أن يُنفى فرق الطبائع بسبب الاتحاد بل إن خاصة كل واحدة من الطبيعتين ما زالت محفوظة تؤلفان كلتاهما شخصاً واحداً واقنوماً واحداً لا مقسوماً ولا مجزّءاً إلى شخصين بل هو ابن ووحيد واحد هو نفسه الله الكلمة الرب يسوع المسيح كما تنبأ عنه الأنبياء منذ البدء وكما علّمنا الرب يسوع المسيح نفسه وكما سلّمنا دستور الآباء.

الجلسة السادسة
في الخامس والعشرين من تشرين الأول حضر الأمبراطور بشخصه وخطب في الآباء فحضهم على استقامة الرأي والسلام. وتلي تحديد المجمع فأمضى عليه الآباء وصدق الأمبراطور على القرارات والنتائج.
نتائج مجمع خلقيدونية
نفي البابا ديوسقورس فجعل اقامته جبرية في كنغريس افلاغونية
انفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وسوريا وأرمينيا قسمت الكنيسة إلى شطرين :

- الكنائس الغير خلقيدونية: وتضم الكنيسة القبطية (ومعها الحبشية)، وكنيسة أنطاكية ،وكنيسة أورشليم، وكنائس آسيا الصغرى -عدا القسطنطينية التي كنائس آسيا الصغرى- ظلت متمسكة بقرارات المجامع الأولى ومعتقدات أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس في طبيعة واحدة للمسيح أي اتحاد اللاهوت بالناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. (وحالياً الكنائس الشقيقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي الكنيسة الحبشية والإريترية والسريانية والهندية والأرمنية).

2- الكنائس الخلقيدونية: تضم كنيسة رومية، وكنيسة القسطنطينية - اللتين اعتنقتا المعتقَد القائل بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين.



صور وبيروت: ونظر الآباء في الجلسة الرابعة في الدعوة التي أقامها فوطيوس أسقف صور على افستاثيوس أسقف بيروت. وخلاصة هذه الدعوة أن أناتوليوس أسقف القسطنطينية وهب افستاثيوس أسقف بيروت لمناسبة ارتقائه إلى رتبة متروبوليت الرئاسة على أسقفيات جبيل والبترون وطرابلس وعرطوز وعكار وطرطوس وذلك بعد أن كانت هذه جميعها خاضعة لمتروبوليت صور. فلام المجمع أناتوليوس على هذا التعدي وحكم بإرجاع هذه الأسقفيات إلى متروبوليت صور.
ثيودوريطس وإيبا: وفي الجلسة الثامنة فاه ثيودوريطس أسقف قورش لأول مرة بقطع نسطوريوس "وكل من لا يدعو مريم العذراء والدة الإله يجعل من الابن الوحيد اثنين". وحذا حذوه كل من صفرونيوس أسقف قسطنطينة الرها ويوحنا أسقف مرعش. فعرف المجمع جميع هؤلاء أرثوذكسيين. وفي الجلسة العاشرة تبرأ إيبا.
كنيسة أورشليم: وكان الآباء القديسون المجتمعون في نيقية في المجمع المسكوني الأول قد خصوا أسقف أورشليم بامتيازات معينة نجهلها وحافظوا في الوقت نفسه على حقوق متروبوليت الأبرشية أسقف قيصرية. وكان يوبيناليوس منذ أن تسلّم عكاز الرعاية قد بدأ يمارس صلاحيات أوسع بكثير مما سمح به العرف والتقليد. فإنه تشوّف إلى ممارسة السلطة في العربية وفي فينيقية فساك الأساقفة في هاتين الأبرشيتين. وزوَّر الوثائق وأبرزها في أفسس ليثبت حقاً لم يعرف به أحد. واعترض كيرلس سبيله وكشف أمره فسكت وبات ينتظر فرصة موآتية. فلما تعكّر الجو واجتمع الآباء لينظروا في أمر أوطيخة عاد إلى سابق مطلبه. وفي الجلسة السابعة من جلسات المجمع الخلقيدوني المنعقدة في السادس والعشرين من تشرين الأول سنة 451 تفاهم الأسقفان الأنطاكي والأورشليمي فاعترف مكسيموس بسلطة يوبيناليوس على أمهات المدن ببسان وقيصرية والبتراء. وامتنع يوبيناليوس عن المطالبة بأية صلاحية في فينيقية والعربية.
أسقف رومة الجديدة: وفي الجلسات الحادية عشرة إلى الرابعة عشرة حلَّت مسائل تتعلق بأساقفة آسية. وفي الجلسة الخامسة عشرة سنَّ المجمع ثلاثين قانوناً لا تزال سارية المفعول. وجاء في القانون التاسع أنه إذا وقع خلاف بين اكليريكي وبين متروبوليت الأبرشية يرفع إلى اكسرهوس الولاية وإلى الجالس على كرسي القسطنطينية. وجاء مثل هذا في القانون السابع عشر. ونص القانون الثامن والعشرون بالمساواة في الكرامة بين أسقفي رومة الجديدة ورومة القديمة. فاعترض الوفد الروماني على هذه المساواة.





اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com


9
انعقد سنة 451م يُعتبر من أهمّ المجامع، إذ نجم عن هذا المجمع انشقاقٌ أدّى إلى ابتعاد الكنائس الشرقيّة (: القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة) عن الشركة مع الكنيستين الرومانيّة والبيزنطيّة الذين يرون أن مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع.
الكنائس الشرقيّة رفضوا اصطلاح "طبيعتين" الذي كان يوازي عندهم لفظة (شخصين). وكانوا يفضلون عليها تعابير أخرى وردت عند البابا كيرلّس مثل عبارة "طبيعة واحدة" في قولته الشهيرة: "طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد"..
الخلقيدونيين يقولون إنه إن كان مجمع خلقيدونية سنة 451م قد سبب شقاقًا في الكنيسة، فإنهم يرون أن ما حدث كان رد فعل لمجمع أفسس الثاني عام 449م، الذي دعاه لاون أسقف روما بالمجمع اللصوصي، ويتهم المؤرخون واللاهوتيون القديس ديوسقورس بالعنف.

لسنة 449م إذ اقتنع الامبراطور الروماني ثيؤدوسيوس الثاني بعقد مجمع طلب من ديسقورس أن يمارس سلطته في المجمع كرئيس، وطلب من يوبيناليوس أسقف أورشليم وتلاسيوس أسقف قيصرية كبادوكية أن يكونا رئيسين شريكين معه.

إعاد مجمع أفسس الثاني اعتبار أوطيخا عقد المجمع الجلسة الأولى في 8 أغسطس عام 449م، وحضره 150 أسقف برئاسة البابا ديسقوروس وبحضور الأسقف يوليوس ممثل بابا روما، وجيوفينال أسقف أورشليم، ودمنوس أسقف أنطاكيا وفلافيان بطريرك القسطنطينية. وبعد استعراض وقائع مجمع أفسس الأول 431م، ومجمع القسطنطينية المكانى 448م، وقراءة اعتراف مكتوب لأوطيخا بالإيمان الأرثوذكسى قدّمه إلى المجمع مخادعاً. وبعد الاستماع إلى آراء الحاضرين؛ حكم المجمع بإدانة وعزل فلافيان بطريرك القسطنطينية ويوسابيوس أسقف دوروليم وبتبرئة أوطيخا وإعادته إلى رتبته الكهنوتية. كما حكم المجمع بحرم وعزل كل من هيباس أسقف الرها وثيئودوريت أسقف قورش وآخرين. حكم علي البابا ديسقورس فيما بعد ظلما في مجمع خلقيدونية سـنة 451م ومات في المنفي.

1.لم يعقد المجمع (أفسس الثاني) بناء على طلب البابا ديسقورس، ولم توجد بينه وبين الأباطرة رسائل مسبقة في هذا الشأن. هذا يعنى أن القديس ديوسقورس لم يكن يبغي نفعًا شخصيًا خطط له.
2.لم يصف الخطاب الإمبراطوري القديس ديسقورس بألقاب تكريم أكثر من غيره. هذا يعنى عدم وجود اتفاقات مسبقة بين الإمبراطور والقديس ديسقورس.
3.تكشف الرسائل الملوكية عن وجود اضطرابات لاهوتية متزايدة في إيبارشية القسطنطينية. كان طلب الإمبراطور من القديس ديسقورس هو الإسراع لوضع حد للمتاعب اللاهوتية. هذا ومما يجب مراعاته أن ديسقورس لم يعلن عن صيغة إيمان جديدة، بل كان يسعى للمحافظة على الصيغة التقليدية للإيمان الكنسي.
4.أُخذت القرارات بالتصويت، ولم نسمع أن أسقفًا من الحاضرين احتج أو انسحب من المجمع (غير فلابيانوس ويوسابيوس عند إصدار الحكم).
5.في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها يوبيناليوس الأورشليمي، وصف لاون أسقف روما بـ "القديس"، "محب الله"، وأعطى لدومنوس أسقف إنطاكية لقب "محب الله"...هذه الألقاب تكشف عن روح المجمع.
6.عندما سأل لاون أسقف روما إمبراطور الغرب فالنتينوس وأمه وأخته بولشاريا للتوسط لدى ثيؤدوسيوس الثاني ليعقد مجمعًا آخر أرسل الأخير رسالة يمتدح فيها مجمع أفسس بأن خوف الرب كان يحكمه، وأن أعضاءه تمسكوا بالإيمان الحق وقوانين الآباء، وأنه قد فحص الأمر بنفسه وهو راضٍ.
7.في الرسالة الملوكية في افتتاح المجمع أعلن الإمبراطور منعه ثيؤدورت أسقف قورش من الحضور بسبب الآلام التي يعانيها المؤمنون، حتى الذين في القرى، من النساطرة. في الواقع لم يكن ديسقورس عنيفًا بل النساطرة كما شهد الإمبراطور نفسه بذلك.
8.لم ينطق القديس ديسقورس حتى اللحظة الأخيرة من انعقاد المجمع بكلمة ضد روما، بينما لاون في رسائله يشير إلى القديس ديسقورس بأنه "السفاح المصري" و"معلم أخطاء الشيطان" والباذل بقوة جهده لبث التجاديف وسط اخوته. وسنرى كيف أن أناطوليوس أسقف القسطنطينية وغيره قد رفضوا نَسْب الهرطقة للبابا الإسكندري.
9.من الطبيعي أن ينسب النساطرة العنف للبابا الإسكندري ليخفوا سلوكهم العنيف في مجمع القسطنطينية كما شهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني وأيضًا سلوكهم القاسي مع أوطيخا وأعوانه، وقد كتب أوطيخا في التماسه للأساقفة أنه [أكد أثناء محاكمته رغبته في إتباعه ما قد صمموا عليه، ولكن فلابيانوس رفض الالتماس، كما اعترض على العنف الذي استخدم ضده في المجمع وما بعد المجمع بواسطة العامة]. ونحن نعلم أن فلابيانوس قد حرم كثيرًا من قادة الرهبان لأنهم سندوا أوطيخا ضد الثنائية النسطورية.
10.إعادة اعتبار أوطيخا لم يكن خطأ ديسقورس أن المجمع أعاد اعتبار أوطيخا، وذلك للأسباب الآتية: أ. كتب لاون أسقف روما إلى بولشاريا قائلاً بأن أوطيخا انزلق في الهرطقة عن جهل منه، إن تاب فليعامل حسنًا. ب. أعلن أوطيخا عبارات أرثوذكسية مثل قوله: [فإنه هو نفسه، كلمة الله، نزل من السماء بلا جسد، صار جسدًا من ذات جسد العذراء دون أن يتغير أو يتحول، بطريقة هو نفسه يعلمها ويريدها. وهو الإله الكامل قبل الدهور هو بعينه صار إنسانًا كامل .

الخلاف العقيدى :
البحث الدقيق يبرهن أن البابا ديسقوروس لم يكن أوطاخياً، ولهذا لم يحكم عليه مجمع خلقيدونية لأسباب عقائدية، كما ذكر أناتوليوس بطريرك القسطنطينية رئيس المجمع في جلسة 22 أكتوبر عام 451م. كما أن البطريرك فلافيان والأسقف يوسابيوس لم يكونا نسطوريين. بعد وفاة البابا ديسقوروس انتخب في 16 مارس 457م البابا تيموثاوس الثاني (الشهير بأوريلُّوس) خليفة وتمكن في عهد الإمبراطور "باسيليسكوس" من عقد مجمع عام آخر في أفسس سنة 475م (يلقبه البعض مجمع أفسس الثالث) حضره 500 أسقف من سوريا واسيا الصغرى وغيرها. هذا المجمع حرم تعاليم أوطيخا وتعاليم نسطور ورفض مجمع خلقيدونية. وقد وقّع على قرار هذا المجمع 700 أسقف شرقى. لذين اتحدوا مع باباوات الإسكندرية جهاراً من بطاركة القسطنطينية هم: أكاكيوس 481م، وأفراويطاس 491م، وتيموثاوس الأول 511م، وأنتيموس 535م، وسرجيوس 608م، وثيوذوروس 666م، ويوحنا 721م.. وخلاف ذلك تقّر كنيسة القسطنطينية بالمذهب الخلقيدوني.

ثمّة مساعٍ بين هذه الكنائس كافّة لإعادة الوحدة فيما بينها نتج عنها تحقيق بعض الخطوات في هذا النحو. بعد قانون الوحدة -الذي وضعه لاهوتيّون من أنطاكية والإسكندرية- حصل اختلاف حول بعض التعابير الواردة فيه حسم البابا شنودة الثالث الخلاف العقيدى بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبين الكاثوليك في هذه النقطة مع الكاثولـيك وتم الأتفاق بـأن المسـيح طبيـعة واحدة متحدة من الـلاهوت والناسوت بغير اختلاط ولا امتـزاج ولا تغيير لم تؤمن الكنيسة المصرية بالصورة التي وُصِفَت في مجمع خلقيدونية. وكانت ذلك يعني في المجمع، الإيمان بطبيعة واحدة. أما الأقباط فيؤمنون أن السيد المسيح كامِلاً في لاهوته، وكامِلاً في ناسوته، وهذان الطبيعتان مُتَّحِدَتان في طبيعة واحدة هي "طبيعة تَجَسُّد الكلمة"، والتي أوضحا البابا كيرلس السكندري. الأقباط إذن، يؤمنون بطبيعتان: "لاهوتية" و"ناسوتية"، وهما مُتَّحِدَتان بغير إختلاطٍ ولا إمتزاجٍ، ولا تغيير وهذا من الاختلافات التي حسبت ضد الكنيسة القبطية.

أسباب عقد مجمع خلقيدونية

تم رفض قرارات مجمع أفسس الثاني من قبل بابا روما واعداد كبيرة من الاساقفة ودعى الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد مجمع خلقيدونية بناء على طلب أسقف روما فتم عقد مجمع خلقيدونية في مدينة خلقيدونية سنة 451 وحضره 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في روايةأخرى.
ويعتبر مجمع خلقدونية أكبر المجمعات، واتخذ قرارت هامة وذهب البعض إلى ان أوطاخي قد "دلّس به وخدع آباء المجمع الذين أقرّوا بأرثوذكسيته، وهذه الكنائس هي التي رفضت لاحقاً مجمع خلقيدونية وإن كان آباؤها قد قاموا في ذلك المجمع (خلقيدونية) بالحكم بهرطقة أوطاخي، أما الكنائس التي اعترفت بخلقيدونية فتطلق على مجمع إفسس الثاني المجمع اللصوصي  وترفض نتائجه. اعلن لاون (أسقف روما) طومسه قبل المجمع، وقام الإمبراطور مرقيون والإمبراطورة بوليخاريا بجمع التوقيعات عليه منذ عام 450 م - بغرض إعداد ورقة أساسية ضد اللاهوتيين الإسكندريين وإتهامهم بأن الأقباط اعتنقا البدعة الأوطاخية الذي سقط في الهرطقة أثناء مقاومته للنساطرة (ظن أوطاخى أن لاهوت المسيح (كلمة الرب الإله) أبتلع ناسوته أوجسده، أو أن جسده ذاب في لاهوته)، وحاول لاون أسقف روما تشوية صورة الكنيسة المصرية بنسب الأوطاخية لآبائها.

ويرى بعض المؤرخين ان مجمع خلقيدونية لعب دوراً هاماً في التأثير على الكنيسة أو أن رؤساء بعض الكنائس وجهت السياسة لصالحها على أى حال يقول Aloys Grillemeier الألمانى تحت الضغط المستمر من جانب الإمبراطور مرقيون وافق آباء خلقيدونية على وضع صيغة جديدة إيمانية.

البابا ديوسقورس ومجمع خلقيدونية

لم يقبل البابا لاون الأول نتائج مجمع أفسس الثاني 449م ومنح الحل الكنسى لثيئودوريت أسقف قورش وأعاده إلى الشركة. () وحدث أن الإمبراطور ثيئودوسيوس قد سقط من على ظهر جواده، مما أدى إلى وفاته في 28 يوليو عام 450م وتولت أخته بولكاريا السلطة وتزوجت من القائد مركيان، وأعلنت مركيان إمبراطوراً في 28 أغسطس من نفس العام. وفى 15 مايو عام 451م صدر المرسوم الإمبراطورى بعقد مجمع عام في نيقية. وبحلول أول سبتمبر وصل الأساقفة إلى نيقية ولكنهم أمروا أن يتجهوا إلى خلقيدونية القريبة من القسطنطينية. فاجتمع حوالي 500 أسقف في كنيسة القديسة أوفيمية، وعقدت الجلسة الأولى للمجمع في 8 أكتوبر عام 451م.

في تلك الجلسة نُوقش البابا ديسقوروس بشأن عقيدة أوطاخى الذي برأه مجمع أفسس الثاني 449م ؛ فقال "إذا كان أوطاخى يتمسك بمفاهيم ترفضها عقائد الكنيسة، فهو يستحق ليس العقاب فقط بل حتى النار (أى جهنم) أيضاً. ولكن اهتمامى إنما هو بالإيمان الجامع الرسولى وليس بأى إنسان أياً كان".

وقال أيضاً في نفس الجلسة من المجمع الخلقيدونى: "أنا أقبل عبارة من طبيعتين بعد الاتحاد  وهو في تأكيده على الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة أراد أن يثبت عدم التقسيم بين الطبيعتين من بعد الاتحاد، وفى قبوله لعبارة "من طبيعتين بعد الاتحاد" أراد أن يؤكّد ما أكّده القديس كيرلس الكبير عن استمرار وجود الطبيعتين في الاتحاد وعدم امتزاجهما أو إختلاطهما.

وقد عبَّر ر. ف. سيلرز عن أن بطريرك الأسكندرية "أعلن إيمانه الأرثوذكسى، بأنه لا يعلِّم بأى اختلاط للاهوت بالناسوت في المسيح"  وذكر صأمويل نفس الحقيقة بأن القديس ديسقوروس قال "إننا لا نتكلم عن اختلاط ولا تقسيم ولا تغيير، فليكن محروماً من يقول بإختلاط أو تغيير أو مزج".

فمن الواضح أن القديس ديسقوروس أعلن حرماً ضد الهرطقة الأوطاخية في وقائع مجمع خلقيدونية، وإن كان قد سُمح له بإكمال خدمته الرسولية كمدافع عن الإيمان وإن كان قد تم الأخذ بصيغه الإيمانية وضمنت، لما حدث انقسام في الكنيسة بعد مجمع خلقيدونية، وكان هذا سوف يعد دفاعاً تضامنياً عظيماً ضد الهرطقة الأوطاخية يقف إلى جانب المجمع المسكونى الثالث في أفسس 431م. كان يمكن للمجمع أن يوفق بين بابا روما وبابا الأسكندرية بواسطة حل مشكلة ثيئودوريت أسقف قورش وتعليمه ضد القديس كيرلس السكندرى. لكن المحزن هو أن البابا ديسقوروس قد تم عزله ونفيه.

وكان أناطوليوس أسقف القسطنطينية قد أعلن في الجلسة الخامسة للمجمع أن "ديسقوروس لم يتم عزله بسبب عقيدته، إنما بسبب أنه قد حرم لاون".

الجدير بالذكر ان أسباب مجمع خلقيدونية المعلنة لعزل البابا ديوسقورس أسباب عقائدية لاهوتية وأسباب إدارية تتعلق بموقفه في مجمع أفسس الثاني حيث اعاد اوطاخي للشركة وتمت الاساءة لفلافيان. وكان لابد من مجمع خلقدونية.



اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com


10
ظهر البرج الجنوبي في تسجيل شريط فيديو صورا للجهة الشمال الشرقية للمبنى فظهرت صفوف من التفجيرات على الواجهة الشرقية في مستوى الإنهيار الأول. وأخذ المبنى يسقط على الأرض وبميل 30 طابقا علويا ناحية الجنوب حيث فقد تقريبا نصفه العلوي قبل أن ينهار بقية الهيكل أسفله – وأصاب المباني المجاورة. وكان واضحا أن التفجيرات كانت تلقي بعنف الغبار والشظايا من سقف لسقف وكانت تتحرك بسرعة لأسفل المبنى. وكان البرج الشمالي قد إنهار من الناحية الشمالية الشرقية للمبنى. ويجب الملاحظة أن الصلب الإنشائي عند درجة حرارة 550 مئوية تكون قساوته وصلابته 60% من صلابته ويفقد جزءا من مرونته، وهو في درجة الحرارة العادية وهذا الضعف للصلب يفترض أنه السبب في انهيار برجي مبنى التجارة العالمي. لكن الخبراء يقولون أن الصلب لو بلغت صلابته 60% فانه يظل قادرا على تحمل ثلاثة أضعاف الحمولة المفترضة ولكي ينهار هيكل من الصلب لابد وأن يصل معدل الصلابة (معامل المرونة) 20% من قوته وهو بارد وهذا المعدل ليصله لابد وأن تصل درجة الحرارة أعلى من 720 درجة مئوية ليفقد الفولاذ مرونته ويتداعى هيكل المبنى الفولاذي. فلقد قام الخبراء في أوروبا وأمريكا واليابان بإسلوب المحاكاة إجراء حريق مماثل في ثلاث بنايات متعددة الطوابق ومصنوعة من هياكل الصلب كان الحريق في سيارات بها مواد بترولية سريعة الإشتعال وكان بجوارها عدة سيارات وأقصى درجة حرارة بلغها الحريق 360 درجة مئوية، وظل الصلب محتفظا بصلابته ومرونته، ومقاومته للحرائق طالما أن الحريق كان لمدد محدودة وكان الصلب بالبنايات ليس معزولا عن الحرارة كما في صلب مركز التجارة العالمي وكان البرج الشمالي قد إرتطمت به الطائرة من ناحية الشمال في الدور 93 الساعة8,45 صباحا والبرج الجنوبي إرتطمت به طائرة ثانية الساعة 9,03 صباحا في الدور 80.

الذين خططوا للعملية استخدموا وقود الطائرات في صهر الصلب بدلا من استخدام نيران لحام الأوكسجين والأستيلين ولحام الكهرباء أو أفران الكهرباء العالية الحرارة. فأول طائرة إرتطمت بالبرج الشمالي. ولما إرتطمت الطائرة الأولى بكل حمولتها من الكيروسين بالبرج الشمالي الذي إشتعل وكان اللهب متوهجا يتصاعد منه الدخان الأسود الذي تحول لدخان أبيض تصاعد من النوافذ كما بدا في الصور. والبرج الجنوبي الذي إرتطمت به الطائرة الثانية إختفى اللهب منه وتصاعد دخان أسود. وهذا يبين أن الحريق الثاني خمد لكن شيئا ما، ما زال يحترق جزئيا ليترك الهباب الأسود يتصاعد بالدخان وهذا الدخان القاتم (السخامي) sooty smoke سببه قلة الحرارة أو الأوكسجين. لكن الساعة 10:29 كانت النيران بالبرج الشمالي قد أتت على الصلب الذي يدعم البناية الضخمة فصهرته الحرارة في سلسلة تفاعلات بالمبني جعلته ينهار على الأرض. وبأقل وقود إنهار البرج الجنوبي تماما بعد47 دقيقة من ارتطام الطائرة الثانية. وهذه نصف المدة التي استغرقها انهيار البرج الشمالي. وكان الصلب بالمبنى يعادل 200 الف طن.

وصمد أحد البرجين لمدة 55 دقيقة قبل أن ينهار، بينما صمد البرج الثاني ساعة وأربعين دقيقة. فمن المعروف أنه ينصهر عند درجة 1535مئوية (2795 فرنهيت). فدرجة 800-900 مئوية تلائم لتسخين ولتشكيل الحديد العادي بكير الحداد وليس لصنع فولاذ ناطحة سحاب skyscraper. لكن البروفسور ادواردو كوسل Eduardo Kausel أستاذ الهندسة المدنية والبيئية مقتنع بأن نيران الكيروسين يمكنها صهر الصلب لكنه لم يبين الدرجة التي عندها ينصهر الصلب، والوقت الكافي لصهر آلاف الأطنان. وكان خبراء الطب الشرعي قد تعرفوا على 1585 من بين رفات 2749 ضحية من ضحايا كارثة مركز التجارة عن طريق الأحماض الأمينية DNA للأشلاء البشرية في موقع الكارثة. وقال العلماء في مؤتمر لجمعية الكيمياء الأمريكية، أن أدخنة كلورية سامة ظلت لشهرين تنبعث من بين ركام الحطام للبرجين بسبب التفاعلات الكيماوية بين أطنان من الأسمنت والزجاج والأثاث والسجاد ومواد العزل والحاسبات والأوراق والمعادن السامة والأحماض والأوراق والبلاستيك في مساحة الميل المربع لمبنى برجي مركز التجارة.


مبنى البنتاكون  في 11 سبتمبر كانت طائرتان قد أقلعتا من مطار بوسطن في طريقهما إلى لوس أنجيلوس.لكن إحداهما إرتطمت بالبرج الشمالي لمبنى مركز التجارة العالمي، والثانية بعدها ب 18دقيقة إرتطمت بالبرج الجنوبي للمركز وبعد حوالي ساعة إرتطمت طائرة بالجانب الغربي لمبنى البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) وسقطت الطائرة الرابعة قرب بيتسبرج ببنسلفانيا ولم تلتقط صورة واحدة للطائرة التي أدعت أمريكا أنها سقطت ونشرت صورة حفرة دائرية مخلفة عن صاروخ مجهول ولم يعثر على حطامها وكانت السلطات الأمريكية قد أعلنت أنها كانت في طريقها لضرب البيت الأبيض في واشنطن. وطبقا للسرية التي أحيطت بأحداث 11 سبتمبر وقلة الشواهد التي تدل على أن مبنى البنتاجون إرتطمت به طائرة ركاب نفاثة بالجدار الحجري المقوى بالأسمنت المسلح. وكل الصور التي التقطها المصورون بالمباحث الفيدرالية لموقع الإرتطام بالبنتاجون أظهرت بوضوح أن ثمة قطعة من مروحة توربينية صغيرة القطر أمكن التعرف عليها بسهولة. ويعتقد البعض أن البنتاجون لم يدمر جانبه بطائرة بوينج 757 ويرى المؤمنون بنظرية المؤامرة أن الهجوم ربما كان من طائرة حربية.

ومن خلال الصور شوهدت أن تفجيرات البنتاجون كانت من داخل المبنى لحظة ارتطام الطائرة. من على بعد 77قدما من الحائط الذي ارتطمت به الطائرة ولم يكن هناك في موقع الاصطدام بمبنى البنتاجون أي أثر لإرتطام طائرة من طراز بوينج 575. وكانت المخابرات الأمريكية فد سحبت كاميرات التصوير من فوق المباني المواجهة لمبنى البنتاجون والكاميرات حول مبنى البنتاجون لم تصور أي طائرة قادمة باتجاهه. حتى الصور التي بثتها الصحافة وشرائط الفيديو بينت أن فتحة الإرتطام كانت 65 قدم وجناحي الطائرة بوينج 757 طول عرضهما 160 قدم من الجناح إلى الجناح وفوق هذه الفتحة كان سقف البنتاجون لا يزال قائما لم ينهار حتى وصول رجال الإطفاء الذين أبدوا دهشتهم ولاسيما وأن الحديقة حول المبنى ظلت كما هي منسقة لم تمس ووجدت قطعة مستديرة قطرها أقل من 3 قدم بجوار ما يبدو أنها قطعة من موقع بناء المكان الذي سكنت فيه ماكينة الطائرة وقطع سميكة من مادة عازلة. لكن طائرة البوينج 757 لها ماكينتان كبيرتان، كل واحدة قطرها 9قدم وطولها 12قدم ومقدمة (رأس)المروحة قطره 78,5 بوصة. وهذه القياسات لم تر في صور المبنى. لهذا فإن الناس لم يصدقوا الرواية الرسمية من أن طائرة بوينج 757 بماكينتيها الضخمتين وكابحها عند الهبوط landing gear طارت قرب مستوى سطح الأرض وإرتطمت بجدار البنتاجون الضخم.

لم ير أحد عجلات الهبوط في مكان الحادث. وثمة 5 صور فصلت من فيلم فيديو التقطته الكاميرات الأرضية المثبتة بمبنى البنتاجون بينت أن ثمة جسم أبيض صغير يقترب من مبنى البنتاجون وأحدث انفجارا مدويا عند الإرتطام به. ولم تر طائرة في الصور ولاسيما وأن طائرة البوينج وزنها 60 طن ولم تظهر في شرائط الفيديو التي التقطتها كاميرات البنتاجون والتقطت صورة هذا الجسم الصغير. وكان أحد الذين شاهدوا الواقعة قد صرح لصحيفة الواشنطن بوست أن الطائرة كانت صغيرة وصوتها أشبه بصوت طائرة مقاتلة نفاثة لايمكن أن تحمل أكثر من 12 راكب بأي حال من الأحوال. والذين قالوا أنها طائرة صغيرة أو طائرة بدون طيار من طراز جلوبال هوك Global Hawk التي تسببت في الهجوم على البنتاجون من خلالها يمكن التعرف على القطعة التي ظهرت في الصور وتحدبد نوع الطائرة التي هاجمت البنتاجون. فطائرة جلوبال هوك لها ماكينة واحدة قطرها 43.5 بوصة وتطير بدون طيار وتوجهها الأقمار الصناعية.

وقد كانت الجهة التي تحطمت بها الطائرة تخضع للتصليح وإعادة الإنشاء لذا كانت معظم مكاتبها فارغة. ويجدر بالذكر أنه لم يوجد بعد الحادث أي حطام للطائرة ما عدا أجزاء صغيرة جدا ومحرك واحد فقط.
وزد على ذلك أن هناك بعض النوافذ الزجاجية في مبنى البنتاجون القريبه من موقع الأرتطام لم تتهشم أو تصاب بضرر.



اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com


11
أحداث 11 سبتمبر 2001 هي مجموعة من الأحداث الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001 م. تم تحويل اتجاه أربع طائرات نقل مدني تجارية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة نجحت في ذلك ثلاث منها. الأهداف تمثلت في برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). سقط نتيجة لهذه الأحداث 2973 ضحية 24مفقودا، بالإضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.

يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001 م قام بتنفيذها 19 شخصا على صلة بتنظيم القاعدة، حسب الرواية الرسمية للحكومة الأمريكية. انقسم منفذو العملية إلى أربعة مجاميع ضمت كل منها شخصا تلقى دروسا في معاهد الملاحة الجوية الأمريكية. وتم تنفيذ الهجوم عن طريق اختطاف طائرات نقل مدني تجارية، ومن ثم توجيهها لتصطدم بأهداف محددة. وتمت أول هجمة في حوالي الساعة 8:46 صباحا بتوقيت نيويورك، حيث أصطدمت إحدى الطائرات المخطوفة بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي. وبعدها بدقائق، في حوالي الساعة 9:03، اصطدمت طائرة أخرى بالبرج الجنوبي. وبعد ما يزيد عن نصف الساعة، أصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاجون. الطائرة الرابعة كان من المفترض أن تصطدم بهدف رابع، لكنها تحطمت قبل الوصول للهدف.
أحدثت تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية عقب هذه الأحداث، والتي بدأت مع إعلانها الحرب على الإرهاب، وأدت هذه التغييرات لحرب في أفغانستان وسقوط نظام الحكم طالبان فيها، والحرب على العراق، وإسقاط نظام الحكم هناك أيضا.
وبعد أقل من 24 ساعة على الأحداث، أعلن حلف شمال الأطلسي أن الهجمة على أية دولة عضوة في الحلف هو بمثابة هجوم على كافة الدول التسع عشرة الأعضاء. وكان لهول العملية أثرا على حشد الدعم الحكومي لمعظم دول العالم للولايات المتحدة ونسي الحزبين الرئيسيين في الكونغرس ومجلس الشيوخ خلافاتهما الداخلية. أما في الدول العربية والإسلامية، فقد كان هناك تباين شاسع في المواقف الرسمية الحكومية مع الرأي العام السائد على الشارع الذي كان أما لا مباليا أو على قناعة أن الضربة كانت نتيجة ما وصفه البعض «بالتدخل الأمريكي في شؤون العالم».
بعد ساعات من أحداث 11 سبتمبر، وجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.

ومن الجدير بالذكر أن القوات الأمريكية إدعت أنها عثرت فيما بعد على شريط في بيت مهدم جراء القصف في جلال آباد في نوفمبر 2001 يظهر بن لادن وهو يتحدث إلى خالد بن عودة بن محمد الحربي عن التخطيط للعملية. وقد قوبل هذا الشريط بموجة من الشكوك حول مدى صحته .و لكن بن لادن -في عام 2004 م- وفي تسجيل مصور تم بثه قبيل الانتخابات الأمريكية في 29 أكتوبر 2004 م، أعلن مسؤولية تنظيم القاعدة عن الهجوم  وتبعا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن محمد عطا -والذي يسمى أيضا محمد عطا السيد- هو الشخص المسؤول عن ارتطام الطائرة الأولى ببناية مركز برج التجارة العالمي. كما اعتبر عطا المخطط الرئيسى للعمليات الأخرى التي حدثت ضمن ما أصبح يعرف بأحداث 11 سبتمبر أو ما يطلق عليه بعض الكتّاب غزوة منهاتن.

مركز التجارة العالمي :  تركيبة برجا مركز التجارة العالمي من حيث طريقة البناء كانت من تراكيب المباني الحديثة، وقُلد بناؤهما في أماكن عديدة من العالم. وبلغ ارتفاع البرجين في نيويورك 417 و 415 مترا. وهما أعلى بنايتين في العالم وقت الشروع في بنائهما عام 1970. وهندسة مركز التجارة العالمي رغم حجم الكارثة أنقذت أرواح الآلاف لأن البرجين التوأم ظلا منتصبين وصمدا لأكثر من ساعة بعد اختراق الطائرتين لهما مما أتاح الفرصة لخروج ونجاة الآلاف الذين كانوا في الطوابق السفلية، كانت البنية المعمارية لمبنى كل برج مكونة من قاعدة فولاذية تربط بعمود قوي (الجذع المركزي) من الفولاذ والاسمنت وسط هيكل كل برج وكل عمود توجد فيه المصاعد والسلالم وتتفرع عنه قضبان فولاذية كعوارض خفيفة أفقية ترتبط بأعمدة فولاذية عمودية الشكل ومتقاربة ويتكون منها الجدار الخارجي للمبنى في شكل إطار فولاذي يشكل محيطه. وتحمل هذه الأعمدة الأفقية السقف الاسمنتي لكل طابق وتربط الأعمدة المحيطية بالجذع المركزي مما يمنع هذه الأعمدة من الانبعاج للخارج. وأرضيات الطوابق كانت من الاسمنت وقد غطى كل الفولاذ بالاسمنت لإعطاء رجال الإطفاء فرصة تتراوح بين ساعة وساعتين ليستطيعوا القيام بعملهم. ولاسيما وأن خبراء شركة (تاهمدسو) المعمارية والإنشائية يؤكدون على إن أي بناء هيكلي من الصلب أو غيره لابد وان يصمم ليتحمل ثلاثة أضعاف حمولته وأنه يخضع لمعاملات السلامة للمواد المختلفة (Safety Factors of Various Materials)، فكل سقف لابد وأن يتحمل وزنه ووزن الأسقف التي فوقه.

يرى البعض أن الطائرتان اللتان هاجمتا البرجين بلا نوافذ مما يجعل البعض معتقدا بفرضية أن الطائرتين كانتا طائرتين حربيتين وكان في أسفل كل منهما ما يشبه الصاروخ وهذا الشكل لايرى في الطائرات المدنية، كما شوهد في شريط الفيديو للحادث أن ثمة وهجا تم قبل لحظات من الارتطام الطائرتين الارهابي، وهذا يبين حدوث انفجار قبل الإرتطام ،وكان ارتطام الطائرة الأولى، قد دمر عددا من الأعمدة المحيطة لطوابق عدة من البناية، حول نقطة الارتطام مما أضعف هيكل المبنى أو تسببت الصدمة في انهيار جزء من الجذع المركزي. فيكفي انهيار طابق واحد لتسقط كل الكتل التي فوقه من الطوابق العليا وتضرب بقية أجزاء البناء الذي تحتها بقوة صدمات مع كل انهيار لأحد الطوابق، مما أدى إلى انهيار البرج بكامله طبقة تلو الأخرى وبسرعة كبيرة جدا على شكل ضربات وصدمات متتالية. والبرج الجنوبي الذي أصطدمت به الطائرة الثانية مال وإنهار أولا ،ليعقبه البرج الشمالي الذي أرتطمت به الطائرة الأولى في الإنهيار عموديا بعد عشرين دقيقة يوم 11 سبتمبر.

من خلال تحليلات تسجيلات الفيديو لارتطام الطائرتين أظهر الدكتور إدواردو كاوسل، أستاذ الهندسة المدنية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأمريكا أن سرعة الطائرة الثانية لحظة أرتطامها بالبرج الجنوبي كانت 865 كم/ساعة، وسرعة الطائرة الأولى كانت 705 كم/ساعة. ومن المعروف أنه توجد علاقة مباشرة بين كل من سرعة الطائرة لحظة الارتطام وقوة الصدمة، والزمن الفاصل بين الإرتطام والإنهيار. ومستوى الإرتطام في البرج الشمالي كان يعلو مستوى الإرتطام في البرج الجنوبي ب 15 طابق. ورغم كل الفرضيات والحدسيات لا يعرف ما إذا كان الإنهيار قد بدأ بالأعمدة المحيطية أم بالجذع المركزي، وربما إجتمع أكثر من عامل من هذه العوامل. وقد يكون انهيار سقوف أحد الطوابق هو الذي أدى إلى انبعاج الأعمدة المحيطية به بالخارج. ولكن هذا التدمير وحده ليس كافيا لتبرير انهيار البرجين بهذه الطريقة. وكذلك انتشار النار بالطوابق العليا، جعل الفولاذ أقل قساوة وغير قابل لتحمل الثقل الذي فوقه عند درجات هذه الحرارة العالية فانثني وقل تحمله للثقل. وهذه الرواية تبدو لأول وهلة منطقية وتعليلية لكن الخبراء لهم نظرتهم الفاحصة والمنطقية المتفحصة لكل شيء في مسرح الكارثة. وقال مهندسوا البناء والمعماريون إن استخدام مواد بناء أقوى كان سيسمح للأشخاص المحاصرين في الطوابق العليا أن يغادروا البرجين، أو ربما منع إنهيارهما كليا. ولكن المهندس لزلي روبرتسون الذي صمم برجي مركز التجارة العالمي ليقاوما ارتطام الطائرة من نوع بوينج 707 وكانت أكبر طائرة موجودة وقتها، قال: لم يضع في حساباته ثقل الوقود الذي تحمله فما بال الوقود الذي كانت تحمله طائرتا البوينج 767 التي طالت البرجين، وأدى للحرائق التي كانت سببا في انهيار البرجين وكان يوجد حريق في الأدوار الوسطى وليست العليا للمباني المجاورة للبرجين قبل أن يسقطا عليها، ولايعرف سبب هذه الحرائق.

شوهدت كميات ضخمة من المعادن المصهورة فوق الأرض بين أنقاض الهياكل المعدنية للبرجين ومركز التجارة العالمي للمباني الثلاثة المنهارة بعد إنهيارهم، ولقد نشرت عدة ملاحظات على هذه المعادن، ونشرها بعد عام من الكارثة دكتور كيث ايتون في مجلة الهندسة الإنشائية The Structural Engineer فلقد شاهد صورا لهذه المعادن المنصهرة. فظهر منها ما هو ما زال متوقد أحمرا بعد أسابيع من الحادثة. وكونت المصهورات وقتها بحيرة معدنية منصهرة لأن الأرض تحتها كانت ملتهبة، وشوهدت ألواح من الصلب سمكها أربعة بوصات وقد انتزعت وألتوت بسبب الإنهيار للمباني الضخمة. وبعد ستة أشهر من يوم 11 سبتمبر ظلت الأرض هناك تتراوح درجة حرارتها بين 600 – 1500 فرنهيت. وخلال الأسابيع الأولى كان العمال ينتزعون عوارض الصلب وأطرافها تقطر صلبا منصهرا وما زال لونها برتقاليا محمرا بعد ستة أسابيع من 11 سبتمبر. فهي أشبه بالحمم البركانية في قلب بركان والتي تظل ساخنة ومنصهرة لزمن طويل طالما أنها معزولة تحت الأرض والصلب ينصهر فوق 2000درجة مئوية. لكن كانت تقارير الحكومة تبين أن حرائق المباني لم تكن كافية لصهر دعامات الصلب، فكل التقارير الرسمية لم تجب على هذا الغموض مما جعل هذا لغزا محيرا حول كيفية انهيار المباني الشاهقة. وهذا ما أكده البروفيسور توماس ايجر Prof. Thomas Eagar من أن حريق مركز التجارة العالمي لا يصهر الصلب ولم يتسبب في انهيار المبنى رغم أن وسائل الإعلام وكثير من العلماء يعتقدون أن الصلب إنصهر. لأن وقود الطائرات يشتعل عند درجة 1000درجة مئوية والصلب ينصهر عند درجة 1500درجة مئوية.

كان حطام الصلب يزن 185101 طن وقد أرسل ليعاد تصنيعه من دون فحصه وكان 80% منه جيدا ولم يعط فرصة للخبراء لفحصه للتعرف على أسباب الإنهيار للبرجين التوأمين وأكتفت سلطات المدينة المنكوبة في التحقيق بالصور وشرائط الفيديو وروايات شهود العيان. وصور قليلة ما زالت تبين أن ثمة مواد متفجرة قذفت من البرجين وأسمنت مجروش وقطع من صلب الأعمدة كان يلقي بها في المراحل الأولى من الإنهيار. فصور البرج الجنوبي أظهرت حلقات واضحة للتفجيرات وخروج الحمم حول المبنى وتحت مكان نقطة الإنهيار تماما وكأن التفجيرات أشبه بتفجيرات للبراكين. وكانت المقذوفات من الكثرة مما يبين أن هذا التفجير تم داخل المبنى. ومما كان ملفتا للنظر غير انهيار البرجين الحجم الهائل للمواد التي قذفت أثناء المراحل الأولى للإنهيار وكميات قطع الصلب التي سقطت وسط سحب الغبار من بينها أعمدة طوابق كاملة وهذه الأعمدة كانت ملتحمة بعمق في ألواح بطول كل سقف لكنها تحطمت بطريقة ما في نفس الوقت وألقي بها بالهواء بسرعة عالية. فهذا التوافق بين قذف الحطام والغبار والدخان المتصاعد بسرعة كلها تبين أن ثمة تفجيرات أسفرت عن هذا كله. فالصور التي التقطها بيجرت Biggert تبين أن المبنى تحول إلى تراب قبل أن ينهار لأن كميات هائلة من الغبار تصاعدت بالجو وبسرعة مكونة سحابة سوداء هائلة في سماء نيويورك.

اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com

12
لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية والعملية التي تجعل منه مؤرخاً حقيقياً - رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة بمادة التاريخ - ذلك أنه لم يراقب الأحداث والوقائع عن بعد كبقية المؤرخين، بل ساهم إلى حد بعيد ومن موقع المسؤولية في صنع تلك الأحداث والوقائع خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، وضمن بوتقة جغرافية امتدت من الاندلس وحتى بلاد الشام. فقد استطاع، ولأول مرة، (اذا استثنينا بعض المحاولات البسيطة هنا وهناك) أن يوضح أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو (في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت.

يقول: فالقانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران ونميز ما يلحقه لذاته وبمقتضى طبعه وما يكون عارضا لا يعتد به وما لايمكن أن يعرض له، وإذا فعلنا ذلك، كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحق من الباطل في الأخبار، والصدق من الكذب بوجه برهان لا مدخل للشك فيه، وحينئذ فاذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، وكان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه.

وهكذا فهو وان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما ووضع لها فلسفة ومنهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي والسرد غير المعلل إلى عالم التحليل العقلاني والأحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق عليه الآن بالحتمية التاريخية، وذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة المجتمعات الإنسانية وفي كل العصور، وهذا ما جعل منه أيضا وبحق أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.إني أدخل الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية، وعندئذ أفهم تاريخ الجنس البشري في إطار شامل...اني ابحث عن الأسباب والأصول للحوادث السياسية. كذلك قولهداخلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا...وأعطي الحوادث علة أسبابا.


أصبح من المسلم به تقريبا في مشارق الأرض ومغاربها، أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري كما يسميه. وقد تفطن هو نفسه لهذه الحقيقة عندما قال في مقدمته التي خصصها في الواقع لهذا العلم الجديد وهو علم مستقل بنفسه موضوعه العمران البشري والاجتماع وأصبح الإنساني، كما أنه علم يهدف إلى بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أم عقليا واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث وأدى اليه الغوص... وكأنه علم مستبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة .

ويبدو واضحا ان اكتشاف ابن خلدون لهذا العلم قاده اليه منهجه التاريخي العلمي الذي ينطلق من أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة وأنها ترتبط ببعضها ارتباط العلة بالمعلول، فكل ظاهرة لها سبب وهي في ذات الوقت سبب لللظاهرة التي تليها. لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواء كانت سكانية أو ديمغرافية،اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو ثقافية. فهو يقول في ذلك :فهو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن الكسب والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال. المقدمة،وهنا يلامس أيضا نظرية النشوء والارتقاء لدى داروين وان لم يغص فيها. ثم أخذ في تفصيل كل تلك الظواهر مبينا أسبابها وتنائجها، مبتدئا بأن بإيضاح أن الإنسان لا يستطيع العيش بمعزل عن أبناء جنسه حيث: ان الاجتماع الإنساني ضروري فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية... وهو معنى العمران.

ثم تعرض للعمران البشري على العموم مبينا أثر البيئة في الكائنات البشرية وهو مايدخل حاليا في علم الاتنولوجيا والانثروبولوجيا. ثم بعد ذلك تطرق لأنواع العمران البشري تبعا لنمط حياة البشر وأساليبهم الإنتاجية قائلا: ان اختلاف الأجيال في أحوالهم انما هو باختلاف نحلتهم في المعاش. مبتدئا بالعمران البدوي باعتباره أسلوب الإنتاج الأولي الذي لا يرمي إلى الكثير من تحقيق ما هو ضروري للحياة ...ان اهل البدو المنتحلون للمعاش الطبيعي... وانهم مقتصرون على الضروري الاقوات والملابس والمساكن وسائر الأحوال والعوائد.

ثم يخصص الفصل الثالث من المقدمة للدول والملك والخلافة ومراتبها وأسباب وكيفية نشوئها وسقوطها، مؤكدا أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية. والعصبية عنده أصبحت مقولة اجتماعية احتلت مكانة بارزة في مقدمته حتى اعتبرها العديد من المؤرخين مقولة خلدونية بحتة، وهم محقون في ذلك لأن ابن خلدون اهتم بها اهتماما بالغا إلى درجة أنه ربط كل الأحداث الهامة والتغييرات الجذرية التي تطرأ على العمران البدوي أو العمران الحضري بوجود أو فقدان العصبية. كما أنها في رأيه المحور الأساسي في حياة الدول والممالك. ويطنب ابن خلدون في شرح مقولته تلك، مبينا أن العصبية نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا، ذلك أنها تتولد من النسب والقرابة وتتوقف درجة قوتها أو ضعفها على درجة قرب النسب أو بعده. ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة في العائلة ويبين أن درجة النسب قد تكون في الولاء للقبيلة وهي العصبية القبلية ... ومن هذا الباب الولاء والحلف إذ نصرة كل أحد من أحد على أهل ولائه وحلفه للألفة التي تلحق النفس في اهتضام جارها أو قريبها أو نسيبها بوجه من وجوه النسب، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء. أما إذا أصبح النسب مجهولا غامضا ولم يعد واضحا في أذهان الناس، فإن العصبية تضيع وتختفي هي أيضا. ... بمعنى أن النسب إذا خرج عن الوضوح انتفت النعرة التي تحمل هذه العصبية، فلا منفعة فيه حينئذ. هذا ولا يمكن للنسب أن يختفي ويختلط في العمران البدوي، وذلك أن قساوة الحياة في البادية تجعل القبيلة تعيش حياة عزلة وتوحش، بحيث لا تطمح الأمم في الاختلاط بها ومشاركتها في طريقة عيشها النكداء، وبذلك يحافظ البدو على نقاوة أنسابهم، ومن ثم على عصبيتهم.

... الصريح من النسب انما يوجد للمتوحشين في القفر... وذلك لما اختصوا به من نكد العيش وشظف الأحوال وسوء الموطن، حملتهم عليها الضرورة التي عينت لهم تلك القسمة... فصار لهم ألفا وعادة، وربيت فيهم أجيالهم... فلا ينزع اليهم أحدا من الأمم أن يساهم في حالهم، ولا يأنس بهم أحد من الأجيال... فيؤمن عليهم لأجل ذلك منت اختلاط انسابهم وفسادها. أما إذا تطورت حياتهم وأصبحوا في رغد العيش بانضمامهم إلى الأرياف والمدن، فإن نسبهم يضيع حتما بسبب كثرة الاختلاط ويفقدون بذلك عصبيتهم. ... ثم يقع الاختلاط في الحواضر مع العجم وغيرهم وفسدت الانساب بالجملة ثمرتها من العصبية فاطرحت ثم تلاشت القبائل ودثرت فدثرت العصبية مدثورها وبقي ذلك في البدو كما كان. وهكذا نخلص للقول في هذا الصدد بأن العصبية تكون في العمران البدوي وتفقد في العمران الحضري.

العصبية والسلطة في مرحلة العمران البدوي

بعد أن تعرض ابن خلدون لمفهوم العصبية وأسبا وجودها أو فقدانها، انتقل إلى موضوع حساس وهام، مبينا دور العصبية فيه، ألا وهو موضوع ((الرئاسة)) الذي سيتطور في ((العمران الحضري)) إلى مفهوم الدولة. فأثناء مرحلة ((العمران البدوي)) يوجد صراع بين مختلف العصبيات على الرئاسة ضمن القبيلة الواحدة، أي ضمن العصبية العامة حيث: ((..ان كل حي أو بطن من القبائل، وان كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام، ففيهم أيضا عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التحاما من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت واحد أو أخوة بني أب واحد، لا مثل بني العم الأقربين أو الأبعدين، فهؤلاء أقعد بنسبهم المخصوص، ويشاركون من سواهم من العصائب في النسب العام، والنعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص ومن أهل النسب العام، ألا أنها في النسب الخاص أشد لقرب اللحمة)). ومن هنا ينجم التنافس بين مختلف العصبيات الخاصة على الرئاسة، تفوز فيه بطبيعة الحال العصبة الخاصة الأقوى التي تحافظ على الرئاسة إلى أن تغلبها عصبة خاصة أخرى وهكذا.((...ولما كانت الرئاسة انما تكون بالغلب، وجب أن تكون عصبة ذلك النصاب (أي أهل العصبية الخاصة) أقوى من سائر العصبيات ليقع الغلب بها وتتم الرئاسة لأهلها... فهذا هو سر اشتراط الغلب في العصبة، ومنه تعين استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص)).

يحدد ابن خلدون مدة وراثة الرئاسة ضمن العصبية القوية بأربعة أجيال على العموم، أي بحوالي 120 سنة في تقديره.((ذلك بأن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي سبب كونه وبقائه، وبعده ابن مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذ عنه، ألا أنه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشئ عن المعاين له ثم إذى جاء الثالث كان حظه في الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن أمر ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولاتكلف، وإنما هو أمر واجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصبية... واعتبار الأربعة من الأجيال الأربعة بان ومباشر ومقلد وهادم)).وبذلك ينهي ابن خلدون نظريته المتعلقة باسلطة أثناء مرحلة ((العمران البدوي)) ويخلص إلى نتيجة أن السلطة في تلم المرحلة مبنية أساسا على العصبية بحيث لا يمكن أن تكون لها قائمة بدونها.

العصبية والسلطة في العمران الحضري

انطلاقا من نظريته السابقة المتعلقة بدور العصبية في الوصول إلى الرئاسة في المجتمع البدوي، واصل ابن خلدون تحليله على نفس النسق فيما يتعلق بالسلطة في المجتمع الحضري مبينا أن العصبية الخاصة بعد استيلائها على الرئاسة تطمح إلى ما هو أكثر، أي إلى فرض سيادتها على قبائل أخرى بالقوة، وعن طريق الحروب والتغلب للوصول إلى مرحلة الملك ((... وهذا التغلب هو الملك، وهو أمر زائد على الرئاسة... فهو التغلب والحكم بالقهر، وصاحبالعصبية إذا بلغ رتبة طلب ما فوقها)). معتمدا في تحقيق ذلك أساسا وبالدرجة الأولى على العصبية حيث إن ((الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك)). فهذه اذن المرحلة الأولى في تأسيس الملك أو الدولة، وهي مرحلة لا تتم إلا من خلال العصبية.

بالوصول إلى تلك المرحلة يبدأ ((العمران الحضري)) شيئا فشيئا وتصبح السلطة الجديدة تفكر في تدعيم وضعها آخذة بعين الاعتبار جميع العصبيات التابعة لها، وبذلك فانها لم تعد تعتمد على عامل النسب بل على عوامل اجتماعية وأخلاقية جديدة، يسميها اب خلدون ((الخلال)). هنا تدخل الدولة في صراع مع عصبيتها، لأن وجودها أصبح يتنافى عمليا مع وجود تلك العصبية التي كانت في بداية الأمر سببا في قيامها،(يتراءى لنا مبدأ نفي النفي في المادية الجدلية<إضافة رابط المادية الجدلية ان وجد>). ومع نشوء يتخطى الملك عصبيته الخاصة، ويعتمد على مختلف العصبيات. وبذلك تتوسع قاعدة الملك ويصبح الحاكم أغنى وأقوى من ذي قبل، بفضل توسع قاعدة الضرائب من ناحية، والأموال التي التي تدرها الصناعات الحرفية التي التي تنتعش وتزدهر في مرحلة ((العمران الحضري)) من ناحية أخرى.

لتدعيم ملكه يلجأ إلى تعويض القوة العسكرية التي كانت تقدمها له العصبية الخاصة أو العامة(القبيلة) بإنشاء جيش من خارج عصبيته، وحتى من عناصر أجنبية عن قومه، وإلى اغراق رؤساء قبائل البادية بالأموال، وبمنح الإقطاعات كتعويض عن الامتيازات السياسية التي فقدوها. وهكذا تبلغ الدولة الجديدة قمة مجدها في تلك المرحلة، ثم تأخذ في الانحدار حيث أن المال يبدأ في النفاذ شيئا فشيئا بسبب كثرة الانفاق على ملذات الحياة والترف والدعة. وعلى الجيوش ومختلف الموظفين الذين يعتمد عليهم الحكم. فيزيد في فرض الضرائب بشكل مجحف، الشئ الذي يؤدي إلى إضعاف المنتجين، فتتراجع الزراعة وتنقص حركة التجارة، وتقل الصناعات، وتزداد النقمة وبذلك يكون الحكم قد دخل مرحلة بداية النهاية، أي مرحلة الهرم التي ستنتهي حتما بزواله وقيام ملك جديد يمر بنفس الأطوار السابقة اغلتي يجملها اب خلدون في خمسة أطوار. ((... وحالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار. -الطور الأول طور الظفر بالبغية، وغلب المدافع والممانع، والاستيلاء على الملك وانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها.فيكون صاحب الدولة في هذا الطور أسوة بقومه في اكتساب المجد وجباية المال والمدافعة عن الحوزة والحماية لا ينفرد دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب، وهي لم تزل بعد بحالها.

الطور الثاني طور الاستبداد على قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة.ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا باصطناع الرجال واتخاذ الموالي والصنائع والاستكثار من ذلك، لجدع أنوف أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبه، الضاربين في الملك بمثل سهمه.فهو يدافعهم عن الأمر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم أن بخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه

الطور الثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر اليه من تحصيل المال وتخليد الآثار وبعد الصيت، فسيتفرغ وسعه في الجباية وضبط الدخل والخرج، وإحصاء النفقات والقصد فيها، وتشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة، والامصار المتسعة، والهياكل المرتفعة، واجازة الوفود من أشرف الأمم ووجوه القبائل وبث المعروف في أهله. هذا مع التوسعة على صنائعه وحاشيته في أحوالهم بالمال والجاه، واعتراض جنوده وادرار ارزاقهم وانصافهم في اعطياتهم لكل هلال، حتى يظهر أثر ذلك عليهم ذلك في ملابسهم وشكتهم وشاراتهم يوم الزينة...وهذا الطور آخر أطوار الاستبداد

الطور الرابع طور القنوع والمسالمة ويكون صاحب الدولة في هذا قانعا بما أولوه سلما لأنظاره من الملوك واقتاله مقلدا للماضين من سلفه... ويرى أن الخروج عن تقليده فساد أمره وأنهم أبصر بما بنوا من مجده.

الطور الخامس طور الاسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانته وفي مجالسه، واصطناع أخدان السوء وخضراء الدمن، وتقليدهم عظيمات الامور التي لا يستقلون بحملها، ولايعرفون ما يأتون ويذرون منها، مستفسدا لكبار الأولياء من قومه وصنائع سلفه، حتى يضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته، مضيعا من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواتهم... وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم، ويستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تخلص منه..أي أن تنقرض)).(المقدمة) واذن فان تحليل ابن خلدون بولادة ونمو وهرم الدولة هو ذو أهمية بالغة، لأنه ينطلق من دراسة الحركة الداخلية للدولة المتمثلة في العصبية، تلك المقولة الاجتماعية والسياسية التي تعتبر محور كل المقولات والمفاهيم الخلدونية. فقد اعتمد عليها اعتمادا أساسيا في دراسته الجدلية لتطور المجتمعات الإنسانية((العمران البشري)) وكأنه يبشر منذ القرن الرابع عشر بما اصطلح على تسميته في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بـ ((المادية الجدلية)). وفي غمرة انطلاقت العلمية الرائعة الرائدة وضع إصبعة على العصب الحساس والرئيسي ،وان لم يكن الوحيد في تطور العمران البشري







اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com

13
بالسريانية: ܒܪ ܥܒܪܝܐ ، لاهوتي وفيلسوف وعالم سرياني ولد عام 1226 م في مدينة ملاطية، ولقب بابن العبري لأن جده أو والده قدم من قرية (عبرى) الواقعة قرب نهر الفرات، بينما يذهب البعض للاعتقاد بأنه عبراني (يهودي) الأصل، ولكن ابن العبري نفسه ينفي ذلك في بيت شعر يقول (بعد تعريبه) : إذا كان ربنا (المسيح) سمي نفسه سامرياً فلا غضاضة عليك إذا دعوك بابن العبري لأن مصدر هذه التسمية نهر الفرات .

حياته : عام 1243 م انتقل مع أسرته إلى أنطاكية ومن ثم إلى طرابلس الشام، وهناك درس علم الطب والبيان والمنطق. كما أنه درس كذلك لغات عدة فكان ملماً بالسريانية والعربية والأرمنية والفارسية. عام 1246 م نال رسامته الكهنوتية على يد بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية آنذاك إغناطيوس داود الثاني ثم أصبح أسقفاً لبلدة جوباس، وهو شاب يافع في العشرين من العمر. ثم أسقف لبلدة لاقبين، وبعد خمس سنوات نصب مطراناً على حلب.

عام 1264 عين مفرياناً (كاثوليكوس) للكنيسة السريانية في المشرق، وفي عهد مفريانيته اهتم بشؤون أتباعه متنقلاً بين مناطقهم في نينوى ودير مار متي وبغداد والموصل ومراغة وتبريز. كما أنه قام خلال حياته بسيامة إثني عشر أسقفاً وأفتتح كنيستين وديراً. كما أنه مر على غربي أرمينيا مرتين وعلى بغداد كذلك، وزار تكريت عام 1277 في الوقت الذي لم يزرها مفريان أو أسقف منذ ستين سنة. توفي في مراغة بأذربيجان بتاريخ 30 يوليو/تموز 1286 وهو في الستين من عمره.


أعماله : وضع ابن العبري الكثير من الكتب والمؤلفات معظمها باللغة السريانية ضاع بعض منها. وفيما يلي ذكر لكتبه الباقية حتى يومنا هذا:

كتب لاهوتية: "مخزن الأسرار" و"منارة الأقداس" الذي اختصره في كتاب "الأشعة".
كتب تاريخية: "تاريخ شامل" منذ بدء الخليقة حتى أيامه وقسم الكتاب إلى التاريخ السرياني والتاريخ الكنسي؛ ثمَّ ترجم التاريخ السرياني بنفسه إلى اللغة العربية بتصرف وذلك قبل وفاته بفترة قصيرة.
كتب علمية: "كتاب الصعود العقلي في شكل الرقيع والأرض"، وشَرَحَ كتاب المجسطي لبطليموس القلوذي في علم النجوم وحركات الأفلاك، "كتاب الزيج الكبير" أي معرفة حركات الكواكب لاستخلاص التقويم السنوي وتعيين الأعياد المتنقلة، "كتاب المفردات الطبية"، "منتخب كتاب جامع المفردات أي الأدوية المفردة"، "كتاب منافع أعضاء الجسد".
كتب فلسفية: "زبدة الحكمة"، وأوجزه في "تجارة الفوائد"، و"حديث الحكمة"، و"الأحداق" ورسالتان في النفس البشرية.
كتب أخلاقية ونسكية: "الإيثيقون" و"الحمامة".
كتب في القانون الكنسي: "الهدايات".
كتب في الصرف والنحو: "الأضواء أو اللمع"، و"الغراماطيق"، و"الشّرار" (لم يتمه).
كتب أدبية: "القصص المُضحكة" وهذا الكتاب كما هو مبين من عنوانه يتناول أخبار وقصص طريفة.


اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com

14
تحتفل كنيستنا الأشورية بالصليب المقدس ويسمى عيد اكتشاف الصليب على يد الملكة هيلانة في القرن الرابع . وبدأ الاحتفال بهذا العيد في كل سنة منذ ذلك الوقت، وسبب ذلك أن في القرن السابع في عهد الإمبراطور هيراكليوس الذي استطاع أن يطرد الفرس من مصر، وفي ربيع 614 هم عائدون مرّوا على كنيسة القيامة بالقدس وأحرقوها وسرق أميرهم (خسرو الثاني) الصليب المقدس كرهينة فاهتزت أركان مملكة الروم لهذا الحدث، وذهب به إلى بلاد فارس، ودفنه في فناء قصره الملكي الكائن في مدينة هيرابوليس لكي يخفيه، وعندما سمع هيراكليوس بذلك ذهب بجيشه إلى بلاد فارس وهزم الفرس مرة أخرى، وذهب يبحث عن الصليب، وعلى حسب ما دونه التاريخ أن فتاة شابة أخبرت الإمبراطور هيراكليوس عن المكان الذي دفن فيه خسرو الثاني ملك الفرس الصليب المقدس إلى أن وجده، فحمله وسار به إلى مدينة ببرية حلب، ثمّ إلى حمص فدمشق، ومنها إلى طبرية فالقدس التي دخلها من الأرجح في 21 مارس 630، وبعد إنهاء الترميمات في كنيسة القيامة التي سببها هجوم الفرس هذا، عاد الصليب المقدس إلى موضعه في المكان الذي رُفع عليه لأول مرة على يد الملكة هيلانة، فارتدى الإمبراطور هيراكليوس الملابس الملوكية وتاجه وحلله العظيمة، وأراد أن يرفعه بنفسه كنوع من أنواع تكريم الصليب المقدس، فحدث أمر غريب أنه لم يستطع الدخول به إلى الكنيسة، لأنه شعر بثقل الصليب المقدس عليه، فتعجب جمهور الحاضرين من هذا المشهد العظيم .


أولاً:- معني الصليب:

في الحقيقة توجد كلمتان مستعملتان للتعبير عن آلة التعذيب التي نُفّذ بها حكم الموت على مخلّصنا يسوع المسيح: اكسيلونxylon   ومعناها خشبة أو شجرة؛ استاوروس stauros ومعناها الصليب. واكسيلون وردت في العهد الجديد عادة للتعبير عن الشجرة كمادة. وهي الكلمة التي وردت في سفر التثنية " فلا تَبِتْ جُثَّتُه على الشَّجَرَة، بل في ذلك اليَومِ تَدفِنُه، لأَنَّ المُعَلَّقَ لَعنَةٌ مِنَ الله، فلا تُنَجِّسْ أَرضَكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبَّ إِلهُكَ إِيَّاها ميراثًا " (تث21/23)، وهي التي اقتبسها بولس الرسول إِنَّ المسيحَ افتَدانا مِن لَعنَةِ الشَّريعة إِذ صارَ لَعنَةً لأَجْلِنا، فقَد وَرَدَ في الكِتاب: مَلْعونٌ مَن عُلِّقَ على الخَشَبَة" (غل 3/13). وفي تلك الحالات فإن كلمة اكسيلون في العهد الجديد هي مرادفة لكلمة استاوروس، التي استخدمت في الأناجيل أثناء حكم الموت على مخلصنا الصالح، وفي رسائل بولس الرسول للتعبير عن آلام وموت المسيح.

ويقول القديس بطرس الرسول في المجلس أمام رئيس الكهنة: "إِنَّ إِلهَ آبائِنا أَقامَ يسوعَ الَّذي قَتَلتُموه إِذ علَّقتُموه على خَشَبَة"(أع 5/30)، وأيضًا في بيت كرنيليوس يقول: ونَحنُ شُهودٌ على جَميعِ أَعمالِهِ في بِلادِ اليَهودِ وفي أورَشَليم. والَّذي قَتَلوه إِذ عَلَّقوه على خَشَبة" (أع10/39). ففي الحقيقة كلمة اكسيلون تقودنا للتفكير في شجرة الحياة الكائنة في وسط الجنة: " وأَنبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرضِ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَةِ المَنظَر وطَيِّبَةِ المأكَل وشَجَرَةَ الحَياةِ في وَسَطِ الجَنَّة وشَجَرَةَ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ " (تك2/9)، وهذه الشجرة لها مفهوم آخر إذ سطر القديس يوحنّا الإنجيلي في سفر الرؤيا: " مَن كانَ لَه أُذُنان، فلْيَسمَعْ ما يَقولُ الرُّوحُ للكَنائِس: الغالِب سأُطعِمُه مِن شَجَرةِ الحَياةِ الَّتي في فِردَوسِ الله" (رؤ2/7)، ويسطر يوحنا الرائي عن أورشليم الجديدة" وفي وَسَطِ السَّاحَةِ وبَينَ شُعبَتَيِ النَّهرِ شَجَرَةُ حَياةٍ تُثمِرُ اثنَتَي عَشرَةَ مَرَّة، في كُلِّ شَهرٍ تُعْطي ثَمَرَها، ووَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفاءِ الأمَم" (22/2) والأبرار وحدهم لهم سلطان على هذه الشجرة: " طوبى لِلَّذينَ يَغسِلونَ حُلَلَهم لِيَنالوا السُّلْطانَ على شَجَرَةِ الحَياة ويَدخُلوا المَدينَةَ مِنَ الأَبْواب" (22/14).

 

ثانيًّا: الصليب في الكتاب المقدس:

على حسب نص الكتاب المقدس الطبعة البيروتية وردت كلمة "صليب" لأول مرة  في سفر حزقيال النبي: "أُقتُلوا الشَّيخَ والشَّابَّ والعَذراءَ والطِّفلَ والنساءَ حَتَّى الفَناء، ولكن كُلُّ مَن عَليه الصَّليبُ لا تَدْنوا مِنه. إِبتَدِئوا مِن مَقدِسي. فابتَدَأَوا مِنَ الرِّجالِ الشُّيوخِ الَّذينَ أَمامَ البَيت" (9/6). ثم توالت على صفحات العهد الجديد مرتين لدي بشارة القديس متى(27/40 و42)، ثلاث مرات لدي بشارة مرقس (15/ 30 و 32 و46)، وثلاث مرات لدي بشارة لوقا (23/ 26، 39، 53)، ومرتين لدي بشارة يوحنا(19/ 19 و31)، وست مرات في رسائل بولس الرسول( 1 كو 1/ 18، غل 5/ 11، أفسس 2/ 11، فيلبي 2/ 16، كولوسي 2/ 14، عب 12/2).  

 

ثالثًا: ظهور الصليب المقدّس:

على حسب ما سطّره يوسابيوس القيصري أبو التاريخ الكنسي أن الملك قسطنطين الكبير كان يحارب في مدينة روما، وفي سنة 312 انطلق الإمبراطور مكسانس وسأل الله النصر. وعند ظلمة أول الليل، ظهر فوق النجم الأول صليب من نور وعبارة: "بهذه العلامة تنتصر" فاستولى الدهش على قسطنطين وجنوده، ولكنهم لم يفهموا معنى ذلك. وفي الليل، ظهر المسيح للإمبراطور في الحلم مع العلامة نفسها، وأمره بأن يجعلها شعاره العسكري، وأن يحملها في معاركه فينال منها الحماية. وفي 27 أكتوبر312، انتصر قسطنطين على عدوّه ودخل روما ظافرًا. وأمر بأن يوضع الصليب في كلّ مكان، وتحته عبارة تذكر الرومانيين بأنهم تحرروا من نير الطغيان بهذه العلامة. ولمّا عَمَّ السلام في المسكونة كلّها، ينقل لنا التقليد الكنسي أن الملك قسطنطين اتفق مع والدته الملكة هيلانة، أن تذهب إلى الأراضي المقدسة، وتبني هناك كنائس لعبادة يسوع المسيح. وقد وهب الأموال الوفيرة لهذا العمل. وعندما وصلت إلى القدس، هدمت الهياكل الوثنية. ثم أخذت تسأل عن مكان صليب يسوع المسيح، وأين هو؟ فأرشدها مكاريوس أسقف أورشليم يومذاك، بمساعدة شيخ يهودي اسمه يهوذا، إلى مكان الصليب، وكان مكانه مقلب مزبلة هائلة، ويشهد بذلك المؤرخ الكنسي سقراط(380-450)  إذ يسطر: أنّ اليهود تعمدوا إخفاء معالم هذا المكان بعد أن كان يحج إليه مسيحيون كثيرون، فكانوا يلقون الأتربة والقاذورات حتى تكون فوقه ما يشبه الهضبة المرتفعة، وأقيم فوقها معبد للإله فينوس إمعانا في إخفاء مصدر إيمان وعزاء المسيحيين. وعلاوة على ذلك يسطر غريغوريوس أسقف لاطور(+594) أن الذي دلّ على مكان الصّليب هو يهوذا الذي سُميّ بعد المعمودية كرياكوس. وأيضًا يضيف المؤرخ الكنسي روفينوس(345-410): أن تمّ اكتشاف خشبة الصليب المقدس عن يد الملكة هيلانة في البطريرك مكاريوس الأورشليمي(313-334)   فأمرت الملكة هيلانة برفع  هذه المزبلة والأتربة، فوجدوا ثلاثة صلبان، ولوح الكتابة:« هذا ملك اليهود»وأدوات الصلب، فاحتار الرئيس والمرؤوس لا بل كل الحاضرين قائلين:« أيّ  خشبة لمخلصنا الصالح في الثلاثة صلبان» وفيما هم محتارون قدموا أشخاص يحملون ميتًا فقال مكاريوس بطريرك أورشليم:« لنضع جثة هذا الميت على أيّ صليب والصليب الذي يُقيم الميت هو صليب الرب يسوع!»، وبهذه الطريقة عُرفت خشبة الصليب المجيد!، فكان ذلك اليوم عيدًا، ويشهد بذلك الأحداث المؤرخ الكنسي سوزمين في إرهاصات القرن الخامس. تُعيِّد في كل سنة بعيد ظهور صليب مخلصنا يسوع المسيح في يوم 17 توت. وعلى حسب ما سطرته الراهبة إيجيريا الأسبانية في القرن الرابع أثناء زيارتها للأراضي المقدسة في زمن أسبوع البسخة المقدسة قالت الآتي:« أن في الساعة الثامنة صباحًا كل مؤمن يلمس خشبة الصليب المقدّسة، لأنها نافعة للخلاص، وكانت تُوضع خشبة الصليب واللافتة المنقوش عليها: " هذا هو ملك اليهود" في صندوق فضيًّا مطليًّا من الذهب، ويوضع على منضدة لكي كل الحاضرين يأخذون منه البركة المقدسة، وخلفه أسقف مدينة أورشليم، وهو ممسك بأطراف الخشبة المقدسة، ومن حوله الشمامسة حارسين حراسة مشددة على الخشبة المقدسة، وسبب ذلك أن أحد الأشخاص وهو يأخذ البركة من الخشبة قطع قطعة من الخشبة وسرقها، فكان طقس البركة من الخشبة المقدسة أن المؤمن يحنى برأسه ويلمس الخشبة المقدسة واللافتة أولاً بجبهته، ثم بعينيه، ثم يُقبّل خشبة الصليب، ثم يجدون بجواره شمّاسًا ممسك بخاتم سليمان والقرن الذي كان يُمسح به الملوك فيُقبِّلون الخاتم والقرن، فكان الدخول من باب والخروج من باب آخر». وبدأ الآباء الكنسيون يشيرون في عظاتهم عن اكتشاف خشبة الصليب وفي مقدمتهم القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو (339-397) الذي ألقى هذه العظة في سنة 395، ويعتبر أول من ربط بين البحث عن الصليب وبين الملكة هيلانة، والقديس يوحنّا ذهبي الفم(347-407)، وبولينوس الأسقف من نولا بفرنسا(353-431)، كما أخذت نصيب الأسد في عظات الصليب المقدس القديس كيرلس الأورشليمي (315-386) عن اكتشاف خشبة الصليب، بالإضافة إلى ما سطر من المؤرخين سقراط(380-450)، وتيودوريت(393-458) والذي ذكر أن هيلانة وجدت في القبر المقدس المسامير التي سمرت بها يدا المخلّص ورجلاه وأرسلتهما إلى قسطنطين الذي ثبت مسمارًا منها على الخوذة الملكية التي كان يلبسها وهو خارج لخوض المعارك الحربية. وألغى قسطنطين الإعدام بالصلب، ولن يُعِده ملك آخر بعده.  وحاليًا خشبة الصليب في روما وذلك على حسب الخطابيين المحررين عام 599 من الطيب الذكر الحبر الروماني غريغوريوس الكبير(540-604)، الأول: إلى ريتشارد ملك أسبانيا، والثاني: للملكة ثيئودوليندا ملكة لمباردز. وقطعتان من خشب عود الصليب المقدس الذي صلب عليه يسوع المسيح

رابعًا: الصليب ورشمه في فكر آباء الكنيسة:

1- القديس ترتليانوس (155-220):

"في جميع أعمالنا، حين ندخل أو نخرج، حين نلبس، أو نذهب إلى الحمّامات، أو نجلس إلى المائدة، أو نستلقي على السرير، أو نأخذ كرسيًّا أو مصباحًا، نرسم إشارة الصليب على جباهنا. لم تأمر الكتب المقدسة بممارسة هذه العادة، لكن التقليد يعلّمها، والعادة تثبتها، والإيمان يحفظها".

2- العلاّمة أوريجانوس لونيدس السكندري (185-245):

"إنها العلامة التي يصنعها المسيحيون على جباههم سواء قبل الصلاة أو قبل قراءة الأسفار المقدسة".

3- القديس أنطونيوس الكبير(251-356):

" إن الشياطين توجه هجماتها المنظورة إلى الجبناء. فارسموا أنفسكم بعلامة الصليب بشجاعة ودعوا هؤلاء يسخرون من ذواتهم. أما أنتم فتحصّنوا بعلامة الصليب".

4- القديس أثناسيوس الرسول( 279- 358):

"بعلامة الصليب يقف كل سحر، وكل عرافة تفقد قوتها... وكل شهوة باطلة تنصد، وعلامة الصليب تذكار الانتصار فوق الموت وفوق فساده"

5- القديس أفرام السرياني:( 306-373)

"بدلاً من أن تحمل سلاحًا أو شيئًا يحميك، احمل صليبك وأطبع صورته على أعضائك وقلبك، وارسم به ذاتك لا بتحريك اليد فقط بل ليكن برسم الذهن والفكر أيضًا. ارسمه في كل مناسبة: في دخولك وخروجك، في جلوسك وقيامك، في نومك وفي عملك، ارسمه باسم الآب والابن والروح القدس".

6- القديس كيرلس الأورشليمي (315-386):

"لا نخز إذًا أن نعترف بالمسيح مصلوبًا بل ليت إشارة الصليب تكون ختماً نصنعه بشجاعة بأصابعنا على جبهتنا، وعلى كل شيء، وعلى الخبز وعلى كأس الشرب،  وفى البيت، لا تحتقروا الختم من أجل مجانية العطية، بل بالحري كرّموا صاحب الفضل".

7- القديس باسيليوس الكبير(330- 379):

"تعلمنا من التقليد أن نرسم الصليب على جبهتنا وعلى سائر الأمكنة"


اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com

15
بعد ما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الشمال الأطلنطي حربها على الإرهاب، شهدت أفغانستان وصول موجة عارمة من المنصرين تدفقوا من كل حدب وصوب "لينقذوا شعبا يقف على عتبة الموت من دون المسيح"، ومجتمعا "لا توجد فيه كنيسة واحدة"، وأرضا "بحاجة إلى أن تحاصر بالصلوات المسيحية"!.

إذا تصفحنا أدبيات مؤسسات التنصير في أفغانستان فسنجدها تتغذى من السياسة، وهي ليست إلا تكتيكا لتحقيق إستراتيجية الاحتلال والهيمنة. بعد مرور أربعين سنة على تشييد أول كنيسة للبروتستانت في أفغانستان ثم تخريبها بالجرارات، تجدد حديث التنصير مرة أخرى في تلك البلاد التي لم تكن لها تجربة مع المسيحية على امتداد تاريخها الطويل.

لم يكن الدين دافعا وراء بناء الكنيسة التي شيدت على مرمى حجر من سفارة الاتحاد السوفياتي بطلب من الرئيس إيزنهاور الذي زار البلاد في أواخر ستينيات القرن المنصرم، بل كان الهدف منها كما ذكرته المخابرات الأفغانية في حكومة الملك محمد ظاهر شاه نصب أجهزة التنصت للتجسس على أنشطة السوفيات ومراقبة تحركاتهم عن قرب.

فكما كان لبناء أول كنيسة في كابل العاصمة علاقة بالسياسة والصراعات الدولية، فكذلك حقيقة التنصير السياسي الذي يقومون به اليوم لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءتنا لكتاب الهيمنة والاحتلال.


إن ما قاله القسيس الملاوي تشارلز دومينغو قبل مائة سنة في حق الاستعمار يتكرر اليوم مرة أخرى على أرض أفغانستان. دومينغو كان يقول إن ثالوث الاحتلال يتكون من الواجهات الثلاث: القوات العسكرية، الشركات التجارية، وإرساليات التبشير المسيحي. إن التنصير ليس إلا عملية تنويم للشعوب حتى يتسنى للمحتل سحب الأرض من تحت أقدامها.

كان الرئيس الكيني الأسبق جوموكينياتا يقول: "عندما جاء الإنسان الأبيض إلى بلادنا كانت الأرض بيدنا والإنجيل بيدهم. ثم قال لنا: تعالوا لنصلي معا، نحن صدقناه وأغمضنا أعيننا لكي نصلي. وعندما فتحنا أعيننا وجدنا الأرض بيدهم والإنجيل بيدنا".


الاصطياد في الماء العكر
الاحتلال السوفياتي لأفغانستان لم يساعد فقط على نشر الفكر الشيوعي، بل إنه فتح أبواب التنصير في البلاد، وذلك بدفع ملايين الأفغان إلى باكستان والهند والدول الغربية ليتحولوا إلى لقمة سائغة للمنظمات النصرانية ذات الإمكانيات الهائلة.

إن مراكز التبشير في إسلام آباد كانت بمثابة النواة الأولى لتنصير الأفغان الذين كانوا يئنون بين شقي الرحى؛ المد الشيوعي الزاحف من الشمال والموجة التنصيرية القادمة من الجنوب.

فباكستان كانت تحتضن حركة الجهاد الأفغاني من جهة والهيئات التنصيرية الغربية من جهة أخرى. فالإنسان الأفغاني كان يعاني من كارثة الاحتلال والشيوعية من جهة والفقر والأمية والحروب والمرض والقبلية والمخدرات والتخلف من جهة أخرى، بالإضافة إلى انعدام الدولة التي يمكن أن تتولى الدفاع عن مقومات المجتمع.

لقد مر الشعب الأفغاني بخمس مراحل وهي: صناعة الكوارث على يد القوى الدولية المهيمنة واختلال نظام المجتمع وتوازنه أولا، ثم التدخل بحجة تأمين الأوضاع ثانيا، وبعد ذلك فتح أبواب التنصير لقطع علاقة الشعب بمحيطه الإسلامي وجذوره الحضارية ثالثا، ويليه التجسس الذي غطى كل زوايا المجتمع رابعا، وفي النهاية استخدام شعار حقوق الإنسان لحماية (الأصدقاء) ودعمهم خامسا.


حقيبة الاحتلال
الاحتلال الأميركي لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل إنه يحمل معه حقيبة متكاملة تتكون من خطط عمل سياسية وقانونية وثقافية وإعلامية ودينية. فعندما احتلت القوات الأميركية كوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية جاءت الكنيسة الأميركية لتنصر ربع سكان كوريا كما حدث مع سكان الفلبين.

وفي مقابلة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية وليام مكنلي أيام احتلال الفلبين أجريت سنة 1903 قال: "وفي وقت متأخر من إحدى الليالي تلقيت إلهاما ربانيا يقول لي: لا يمكن أن نرد الفلبينيين إلى الإسبان لأن ذلك سلوك مشين، ولا يمكن أن نسلمهم إلى فرنسا وألمانيا اللتين تنافسان الولايات المتحدة في تجارة الشرق لأنه عمل مخز، ولا يمكن أن نتركهم ليحكموا أنفسهم بأنفسهم لأنهم لا يصلحون للحكم الذاتي الذي سيؤدي إلى الفوضى وسوء الإدارة وسيكون ذلك أسوأ من حروب الإسبان عليهم، ومن ثم لم يبق لنا خيار إلا أن نأخذ جميع الفلبينيين ونثقفهم ونرفع من مستواهم ونجعلهم متحضرين ونحولهم مسيحيين، وبفضل الرب نقدم لهم كل ما نستطيع أن نقدمه لإخواننا في الإنسانية الذين مات المسيح من أجلهم".


الصليب والسلاح
ثمة أدلة تؤكد لنا التناغم بين مؤسسات الدولة والكنيسة البروتستانتية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. وزارة الدفاع مثلا وهي مؤسسة حساسة لم تكن في مأمن من هذه العلاقة المتبادلة. فنائب وكيل وزارة الدفاع اللواء وليام بويكن في خطاب ألقاه في اليوم العاشر من شهر أبريل/نيسان عام 2008، قال: "أريد أن أقابل المسيح عند أبواب الجنة والدماء تسيل من يدي وركبتي والرمح بيدي وأقول له: انظر! أنا جئت من المعركة، أنا كنت أقاتل من أجلك.."، ثم هتف الجنرال على مسامع الحضور قائلا: "أيها السيدات والسادة! خذوا دروعكم وخوضوا غمار الحرب".

وذات يوم وقف في كنيسة بولاية أوريغن وهو يرتدي الزي العسكري وقال: "نحن في جيش الرب وبيت الرب ومملكة الرب ترعرعنا لمثل هذه المرحلة، العدو ليس قادة الإرهاب فقط، بل العدو هو الديانة نفسها"، وفي مناسبة أخرى قال بالحرف الواحد إن إلهه أقوى من إله المسلمين.

لم تكن العلاقة الوطيدة بين الصليب والسلاح من ميزات فترة حكم الجمهوريين، بل في ظل إدارة الرئيس أوباما وفي الأسابيع الأولى من العام الجاري 2010 كشفت قناتا "سي أن أن" و"أي بي سي" الأميركيتين أن شركة تريجيكان التي تعتبر من الشركات الأساسية لتزويد الجيش الأميركي بالسلاح والعتاد، تصنع أسلحة سماها البعض ببندقية المسيح، حيث طبعت عليها إشارات من آيات الإنجيل. وعرضت القناتان صورة بندقية مكتوب عليها الآية رقم 12 من الإصحاح الثامن لإنجيل يوحنا التي تقول: "ثم كلمهم يسوع قائلا أنا نور العالم"، كما أنها عرضت منظارا للقوات الخاصة في أفغانستان طبعت عليه الآية السادسة من الإصحاح الرابع لرسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس والتي تقول: "لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح".

وقبل هذا بسنتين عرضت الجزيرة وبعض القنوات الأميركية مشاهد لموعظة حماسية كان يلقيها رئيس أساقفة الجيش الأميركي في أفغانستان هينسلي وهو يخاطب الجنود في قاعدة بغرام الجوية قائلا: "إن القوات العسكرية الخاصة تصطاد الرجال، ونحن كمسيحيين نفعل الشيءَ نفسَه، نحن نصطاد الرجال للمسيح.. أجل، إننا نلاحقهم ونقتنصهم، نوجه إليهم سهام الهداية كي يقعوا في شباك مملكة المسيح، هذا ما سنفعله وهذه قضيتنا".

وفضيحة تورط الجنود الأميركيين في توزيع نسخ من الإنجيل باللغتين الفارسية والبشتونية على السكان المحليين في أفغانستان ربما تكون حاضرة في أذهان الكثيرين.


التنصير ولعبة الغميضة
نشاط التنصير في أفغانستان بدأ على يد قسيس إيراني المولد وأميركي الجنسية اسمه الدكتور وليام ويلسون حيث دخل أفغانستان سنة 1951 وطرد منها بعد 22 سنة. وقد قام هذا القسيس ببناء مستشفى النور للعيون ومؤسسة للمكفوفين، بالإضافة لتدريسه اللغة الإنجليزية لولي العهد الأفغاني آنذاك.

لقد أخبرني مندوب أفغانستان السابق في الأمم المتحدة الدكتور فرهادي أن رائدة الفضاء السوفياتية ترشكوفا قد زارت أفغانستان سنة 1969، ولكنها رفضت أن تدخل جناح مدرسة المكفوفين في معرض كابل الدولي، لأن تلك المدرسة في نظر السوفيات كانت لها علاقة بالمخططات السرية للولايات المتحدة الأميركية.

ففي مجتمع مغلق كالمجتمع الأفغاني -الذي يجد فيه المنصر الرسمي نفسه أمام أبواب مغلقة- فكرت الكنيسة في خطة تساعدها على الدخول عبر النوافذ والأبواب الخلفية، ومن ثم تبنت منهج "صناع الخيام" الذي ساعد المنصرين على إخفاء هوياتهم في أفغانستان.

والمصطلح مأخوذ من العهد الجديد (آية 3، إصحاح 18، سفر أعمال الرسل)، ويشير إلى حكاية من بولس الرسول الذي كان يدعو إلى المسيحية في مدينة كورنث اليونانية ويعيش من "صنع الخيام". ويقصد بهذا المصطلح اليوم المهنيون الذين يقومون بمهام تنصيرية إلى جانب عملهم الرسمي كالطب والهندسة والتعليم والتجارة وغيرها، ولا يتلقون أي دعم من المنظمات الكنسية.

بالإضافة إلى نشاط "صناع الخيام" الذين يتواجدون في أفغانستان منذ عشرات السنين، قام الاحتلال الأميركي بفتح أبواب ونوافذ كثيرة أمام المنصرين الرسميين وغير الرسميين الذين أتوا من كل حدب وصوب مثل بعثة المساعدة الدولية، والرؤية العالمية، ومجلس البعثة الدولية، ومجتمع كنيسة أنطاكية، والعلاج الدولي، والعناية الدولية، والمأوى العاجل، ومنظمة الخدمات، وإنجيل السلام، وأوكسام، وسماريتن، والمعمدانية الجنوبية لتكساس، وغيرها الكثير.

قناة الجزيزة

16
القله القليله من المعارضات الوطنيه العراقيه لها تاريخ وباع طويل في مقارعة الانظمه السابقه والدكتاتوريه والتفرد بالسلطه والمهام والقرارات في العراق منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي .

بعد الحرب العراقيه - الكويتيه والحصار الذي فرض على الشعب العراقي في بداية التسعينات تشكلت وقامت وانطلقت العديد من المعارضات البعض منها كانت معروفة وواضحة البرامج والنهج السياسي لها , والقسم الاخر من المعارضات الغير معروفه التي دخلت الساحة باسماء وعناوين الى ان وصل عددها الى اكثر من 80 اسما وعنوانا وكيانا وفصيلا وتجمعا . . .

لندن وبعض العواصم العربيه كانت الحاضنه الاولى للمعارضات المعروفه بتاريخها النضالي كما عرفناها وعرفها المواطن العراقي والعالم بوجود لديها خط واضح ومعلن الا وهو خدمة العراق وشعبه ومستقبله والنهوض به الى الامام والتقدم والديمقراطيه واحترام الانسان والمواطنه . . .

هذه المعارضه التي قارعت النظام السابق لاكثر من 3 عقود من الزمن التي ضحت بكوادرها وعناصرها واعطت تضحيات جسيمه وماديه على الساحه العراقيه بعملها السري والعلني وفي مقدمة ذلك كان الدكتور اياد علاوي الذي تعرض الى عدة محاولات قتل واغتيال وتصفيه جسديه الى ان مكث لاكثر من عام في احدى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم .

ايران واجهزة مخابراتها احتضنت وتبنت العديد من المعارضه العراقيه ممن هم اليوم في السلطه والحكومه الجديده , ودعمت ايران ايضا بعض العناصر والمنظمات الارهابيه واحزاب طائفيه في المنطقه .
استغل النظام الايراني هؤلاء جميعا قبل سقوط النظام السابق في العراق , كما استغلت عملائها في افغانستان لاسقاط نظام طالبان وبالتعاون ايضا سرا مع الولايات المتحده الامريكية وتعاونها كذلك في اسقاط نظام صدام حسين في العراق . . .

اوصل النظام الايراني المتعاونين معه في انتخابات 2005 الى سدة الحكم في العراق بواسطة الدعم اللوجستي والمالي والامني والمخابراتي وبمباركة بعض الشخصيات والمراجع الدينيه في كل من ايران والعراق .

منذ عشرات الاعوام شاهدنا وقرانا وسمعنا الاف البرامج التلفزيونيه والاذاعيه والمقابلات والمقالات والندوات والمؤتمرات ومؤتمرات المعارضه العراقيه التي انعقدت في لندن وصلاح الدين - شمال العراق ودول اخرى ومئات الشخصيات السياسيه ولن نسمع باسم السيد نوري المالكي اوانه كممثل لاحد الاحزاب والتجمعات او قادة او اعضاء لحزب الدعوة الذي سمعنا به قبل سقوط النظام السابق بعشرات السنين . . .

لو فرضنا جدلا ان السيد المالكي كان احد رموز واعضاء الحزب الذي انطلق من ايران منذ قيام الثورة الاسلاميه عام 1979 , فهذا يعني ويدل على وجود تنسيق وتفاهم قوي وسري وعلني ما بين اجهزة النظام الايراني مع المعارضه التي ترعرعت في احضان قادة التنسيق والعمليات الخارجيه قبل وبعد عام 2003 .

عرابوا الطائفيه والمذهبيه في العراق لا يستطيعون الخروج من الغطاء والهيمنه والنفوذ والسيطره والاوامر الايرانيه وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي بالرغم من ادعائه بدولة القانون وخلافاته مع الائتلاف العراقي وخاصة الصدريين . . .

قال البعض ان السيد المالكي تخلص من تلك الهيمنه والسيطره الايرانيه عليه بدليل دخوله الانتخابات بمعزل عن الائتلاف والاحزاب الدينيه الاخرى ! نقول هنا - انها مغالطة وحاله غير صحيحه لانه لا يزال هو ومن معه وغيره تحت المطرقه وتوجهات اجهزة النظام الايراني وما هو مخطط ومرسوم تنفيذه .

لا يقرا لا يشاهد لا يسمع :
.............................
* السيد المالكي , لا يقرا ولا يشاهد ولا يسمع عن ما يقال في الشارع العراقي والاقليمي والدولي , السنوات الاربعه التي مرت من حكم عرابوا الطائفيه في العراق كانت من اسوا واقسى وابشع سنوات الحكم التي مرت على العراقيين منذ انشاء الدولة العراقيه الحديثه في العشرينات من القرن الماضي .

* السيد المالكي , لا يشاهد ولا يقرا ولا يسمع عن المليارات التي نهبت وسرقت وضاعت من خزينة العراق وبنوكه التي تتعرض يوميا الى الاقتحامات والسرقات بمساعدة اجهزة الحكومة المخترقه , وهذه الاموال التي كانت ضحية الفساد هي اموال الشعب العراقي وليست لهذا الشخص او ذاك , او لهذا الحزب او ذلك , ولا لهذه الطائفه وتلك والخ . . .

* السيد المالكي , لا يسمع ولا يشاهد ولا يقرا عن ما حل بباقي مكونات الشعب العراقي الاصيل من الصابئه والايزيديين والشبك والمسيحيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بهذا الصراع الدموي للسيطرة والهيمنه على مقدرات العراق وهذا الهجوم الوحشي لافتراس العراق وتحويله الى غابه وغنائم .

* السيد المالكي , لا يشاهد ولا يسمع ولا يقرا عن ما تقوم به اجهزته الخاصه التي وصل عددها الى العشرات وتحت اشرافه وسيطرته وقيادته وهي بعيدة كل البعد عن رقابة وصلاحيات وزارة الداخليه والعدل ودوائر الرقابه والمحاسبة والبرلمان . . . , اليست هذه صفه وحاله من الدكتاتوريه المعروفه كما كانت في ايام النظام السابق والانظمه الاستبداديه التي تقوم على سياسة الحزب الواحد والقائد الملهم وما الى ذلك من الممارسات القمعيه ? .

* السيد المالكي , لا يقرا ولا يشاهد ولا يسمع بما حل بالجيش والشرطه ووزارة الداخليه والدفاع والاختراقات والولاءات التي اصبحت للاحزاب والطائفه والمذهب وليس للانتماء الوطني وخدمة العراق والعراقيين والحفاظ على امنهم وممتلكاتهم وعرضهم وكرامتهم . . .

* السيد المالكي , لا يسمع ولا يقرا ولا يشاهد عن ما يقوله المواطن العراقي يوميا الذي يلعن ويسب ويشتم من كان السبب لمعاناته وتردي اوضاعه وفقدان حتى بطاقته التموينيه وخدمات الصحه والتعليم والسكن وهذا الارهاب والقتل والتهجير والبطاله وغيرها من السلبيات التي اصبحت لا تعد ولا تحصى بحيث صار يعرف العراق / بالبلد الغير امن / .

* السيد المالكي , لا يشاهد ولا يقرا ولا يسمع عن السجون السريه التابعه لاجهزته ورئاسته ورقابته وما يجري فيها وبداخلها من عمليات اغتصاب وتعذيب وابتزاز اموال وهذا باعتراف العديد من بلدان العالم والمنظمات الحقوقيه وغيرها .

* السيد المالكي , لا يسمع ولا يقرا ولا يشاهد بان العراق اصبح مقسما طائفيا وقوميا وعرقيا وشمال العراق خارج السيطرة الحكومية وحزبه القائد الذي يصول ويسرح ويمرح ويجول من الفاو الى الموصل ماعدا وباستثناء شمال العراق الذي لايستطيع تحريك او ادخال شرطي او جندي واحد الى تلك المحافظات المعزوله . . .

* السيد المالكي , لا يقرا ولا يشاهد ولا يسمع بان من دول القضيه العراقيه كانت حكومة الاربع سنوات المالكيه وبسبب عدم الدخول في مباحثات ومفاوضات حقيقيه لا مع الامم المتحده ولا مع مجلس الامن ولا مع اميركا او اية دوله ومنظمه لها علاقه بالفصل السابع لكي يتخلص العراق منه ونتائجه الكارثيه وما حصل مؤخرا للطيران العراقي واعلان افلاسها والكويت والتعويضات وتلك التصرفات الغير مسؤوله وقتل الصيادين في المياه العراقيه من قبل ايران والكويت وبعض التجاوزات والاستهتار الحدودي وابار النفط / الفكه / التي لازالت تحت النفوذ والسيطره الايرانيه وانتهاءا بمشكلة الاكراد وكركوك والاراضي / المتنازع !! عليها وغيرها من الاشكالات التي اوجدتها حكومة الفساد والسرقات والتجاوزات وعرابوا الطائفيه . . .

* السيد المالكي , لا يسمع ولا يشاهد ولا يقرا بانه يريد ايصال العراق الى الهاويه والكارثه خاصة بعد انتخابات 2010 وخسارته فيها وهو يحاول بشتى الوسائل والطرق عرقلة تشكيل الحكومة وتكليف القائمه العراقيه واستخدامه الطرق الملتويه والغير مسؤوله للنيل من العراقيه التي فازت باصوات الملايين من الشعب العراقي من الجنوب الى الشمال واتت برقم 91 مقعد في البرلمان القادم , وتلك الممارسات والضغط على المحكمه وعلى هيئة المساءله والعداله السيئة السيط والسمعه والمشبوهه وارتباطها بايران , بالرغم من كل المحاولات التي باءت بالفشل ونتوقع هذه الايام بمصادقة محكمة التمييز على نتائج الانتخابات وان تبقى العراقيه شامخة ومرفوعة الراس برقم 91 دون تغيير وتبديل . . .

* اخيرا / ربما السيد المالكي قد يشاهد ويقرا ويسمع عاجلا ام اجلا بان هناك عراق حر جديد قادم وحكومة وطنيه ومستقبل زاهر للعراقيين , وستكون هناك محاسبة ومعاقبة لكل من سرق وعبث فسادا واجرم ومن كان السبب بهذا التدهور في العراق وقتل وتهجير مئات الالوف من العراقيين داخل وخارج العراق وفتح الملفات التي اخفيت سرا , ولن يكون هناك من هو فوق القانون والدستور والمحاكم ولجان التحقيق والعداله التي تنتظر كل مجرم وارهابي على ارض العراق الشامخ



17
لقد كنتُ مفتوناً بفكرة السلام العالمي ، إنها فكرة عظيمة وعندما بدأت بالسفر حول العالم و لقاء الناس وجدت أنه لا يوجد شيء مادي ملموس يمكن أن يُطلَق عليه اسم (سلام )، ليس العالم هو الذي يحتاج لأن يكون مستقراً وثابتاً بل الناس .
عندما يكون الناس في سلام داخلي سيكون هناك سلام عالمي . في الوقت الحاضر لا يزال الناس ميالين للحرب .

تبدأ الحرب بالرفض و الاستنكار ، فريق يقرر أن أسبابه أعظم و الفريق الآخر أسبابه غير موجودة  و تتعاظم الأسباب بينما يتضاءل الإنسان ليصبح لاشيء . يحارب الناس لأنهم يعطون لأسبابهم شرعيّة أكثر من حياة الناس . و في تبريراتهم يقلّلون من قيمة حياة الإنسان . و عندما ظهرت فكرة أن الحرب أهم من حياة الإنسان انقلب الميزان  و مازال الأمر مستمراً نحو الأسوأ .
يحارب الناس عندما يعجزون عن إدراك غاية الحياة ، لأننا في الحرب نبدد الحياة ، الحرب لا توجد فقط في ساحة المعركة ، في البيت و بدون حرب نحن نبدد الحياة ، وتبدو الحرب الخارجية أليفة بالمقارنة مع ثورة المعركة في داخل الإنسان ، في هذه المعركة تُهدَر الأعمار و يُضَحّى بأثمن اللحظات . المعركة الداخلية هي المعركة الكبرى . نحن بحاجة لأن نكون في سلام مع أنفسنا لأن قسماً كبيراً من الإنسان دُمِّر في ساحة معركته الخاصة .

 القلق الداخلي يبعدنا عن الوصول للسلام الحقيقي ، و ستبقى دائماً الحرب الخارجية طالما لا يوجد سلام في داخل النفس . التعب الجسدي بالتأكيد سيجلب البؤس و الألم ، لكن التعاسة التي تأتي من تعب القلب أسوأ بكثير ، إنها من الأشياء الأكثر تعاسة ولا زال القلب يتحملها منذ زمن طويل.  كل واحد منا لديه سارق خفي يتبعنا أينما ذهبنا ، ماذا يفعل هذا السارق ؟ إنه يسرقنا ، لا يمنعه شيء لا الأقفال و لا الأبواب و لا أجراس الإنذار . هذا السارق لا يأخذ المال أو الملابس ، إنه يسلبنا أثمن ذُخرٍ نملكه ، إنه يسرق الفرح و السلام و الرضا . يسرق إدراكنا و يسلبنا ما هو أهم بكثير من أي شيء آخر.

 عندما نقول " أريد السلام في حياتي ..لكني سأعمل على تحقيق ذلك فيما بعد " نعطي الإذن لذلك السارق الخفي أن يدخل، هذه هي الإشارة التي يريدها ، كل ما يريد سماعه " ليس الآن " و يقول السارق عندها " يوجد من يمكنني أن أسرقه لأنه لا يحمي جوهرته الثمينة ، إنه يبددها ، يرميها " .
وفي تلك اللحظة نكون قد سُلِبنا أهم شيء بالنسبة لنا.

داخل كلٍّ منا شيء ما يتوق للسلام . في أوقات الفوضى و الاختلال هناك شوق للسلام . عند وجود الشك هناك شوق للثقة ،عند الألم شيء داخلي يبحث عن ومضة أمل .

الإنسان يحتاج للحب لأنه يشعر بالحب ، و السؤال : ما الذي يمكن أن يكون مصدر هذا الحب ؟

 الإنسان يحتاج للثقة،  لكن ما الذي سيكون مصدراً لهذه الثقة ؟ وهل هو أهل للثقة يمكن أن يوثَق به ،هذا يعطي الدعم الذي يحتاجه المرء في حياته ، بشكل مماثل .

 لا شك أن الإنسان يحتاج للسلام . في الحقيقة ما يمكن للمرء أن يفعله في هذا الأمر قليل جداً . إنه العطش الفطري المتأصل في كل إنسان . السؤال : ما الذي سيكون مصدراً لهذا السلام ؟

السلام ليس ضرورياً في الفكر إنه ضروري في القلب ، العقل و الإدراك لا يمكنهم انتزاع السلام ، إن لهما دوراً مختلفاً .

السلام و الفرح  والسعادة الحقيقية ، ليست موضوعات خاضعة للتفكير ، إنها أمورٌ تُحَسّ .

هناك شعور خلف وجودك على قيد الحياة ليس له أي تفسير . إنه الشعور الذي يجب على الإنسان أن يصل إليه حيث توجد الراحة ، هناك حيث الفرح و حيث يوجد الرضا .

إنه ذلك الشعور الذي نحتاجه لنعيش حياتنا . نعتقد أننا بحاجة لشرح ما هو السلام ، لكن السلام لا يمكن أن يُشرَح ، إنه فقط يُحَسّ .

الرضا شعور، عندما نرضى شيء ما بداخلنا يقول " نعم أنا راضٍ ، مُكتَفٍ " . بالنسبة للعطشان ، حتى لو رأى ألف شخص يشربون الماء لن ينفعه ذلك بشيء ، لن ينفعه إلاّ أن يشرب الماء بنفسه .

أين نجد السلام ؟

إنه بداخل كل فرد " أريد السلام في حياتي المجتمع لا يملك السلام ، المجتمع غير موجود , لا يوجد سوى الناس ، السلام بسيط يشعره الفرد و لا يحتاج لأخذ وصفات جاهزة أو صيغ لإيجاده .

ما أتحدث عنه هو السلام الداخلي ، سلامي ، و ليس السلام في الخارج . يعتقد كثير من الناس أن السلام سيأتي عندما يسيطرون على كل عنصر من عناصر حياتهم ، هذا لن يحدث ، إنه ليس في متناول يديهم ، ليس في متناول أي شخص أن يدرك وأن يتحكم بكل شيء ، كل ما أستطيع أن أفعله هو أن أفهم نفسي .

ابحث عن السلام في الداخل ، حتى لو انتهت كل الحروب ، طالما أن الحرب بداخلنا ما تزال مستمرة فلن نكون في سلام . إذا كنا في سلام مع أنفسنا عندها لن يعنينا إذا كانت الحرب في الخارج مستمرة .

السلام الداخلي ليس شيئاً يمكن اختلاقه أو اختراعه ، إنها عملية كشف و إظهار للسلام الموجود فينا أصلاً . كل إنسان يملك شيئاً رائعاً في الداخل ، بداخل كل إنسان جمالٌ عظيم ، بداخل كل إنسان سلام و فرح وشعور في القلب . الحياة هبة و نعمة و علينا أن نفتح نوافذ الفهم لنصل إلى الاكتفاء، كلُّ إنسانٍ
كاملٌ بذاته ، وداخل كل واحد منا تُشِعُّ شمسٌ مشرقة .


اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com

صفحات: [1]