عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - يحيى غازي

صفحات: [1]
1
إبداع في فضاءات اللون الأزرق

يَحيَى غَازِي الأَميرِي

من خزين ذاكرتها الذهني، التأملي، تتوهج الأفكار لتتبلور الصور الساحرة.

يغطي اللون الأزرق معظم مساحات فضاءات لوحاتها ... تعتمد بعناصر تكوين لوحاتها على (الكتلة والضوء واللون الأزرق) لتنسج من هذا الخليط عبر خيالها المتوهج الشكل المثالي لجمال لوحتها 

ففي اللون الأزرق تمتزج الفلسفة بالأساطير والسحر بالجمال والهدوء بالمتعة والرفاه حيث سحر البحر، والمحيطات والشفق، وأفاق السماء الشاسعة في الليالي الصافية المرصعة بملايين النجوم المتلألئة والتي يهيم فيها القمر سابحاً مترفعاً مزهواً.

هكذا وجدت ابداع الفنانة الإيطالية (لاورا بولاتي) المقيمة في مالمو، والتي تقيم معرضها الفني على قاعة (كاليري أور) في (مالمو) والتي يديرها الفنان التشكيلي المبدع (جعفر طاعون).

في صالة العرض وعلى إحدى الجدران التي علقت عليها لوحتها الفنية كانت معظمها تصور أشكال وحالات وأوضاع ومنازل القمر (الهلال، البدر، المحاق) وهو بدورانه الأبدي الذي لا يهدأ حول محوره وحول الأرض.

 

يبرز مع كل لوحة (كأس أو أكثر) مترعة بعصير العنب الإيطالي أكسير اللذة والحياة، تبدعها من الواقع 

والخيال، ومن خزين ذاكرتها حيت الأفق البعيد وهو يحفز الخيال للانطلاق والإبداع.

 

في لوحتها التي تستمد معظم صورها من مكان أقامتها السابق حيث تعيش في شمال (إيطاليا) قريبة على سماء جباب الألب، ومن صيف (إيطاليا) التي تحيط بها من كل الجهات سواحل الخلجان والبحار، ونوافذ وشرفات البيوتات الإيطالية المحاطة باللبلاب والزهور والورود والقصص المفعمة بالحب والغرام!

في مدخل قاعة العرض (علقت) مقالة طويلة مطبوعة على ورقة كبيرة (باللغة الإنكليزية) تتحدث المقالة عن انطباع كاتبها وأعجابه بلوحات وإبداعات الفنانة (لاورا بولاتي) المقالة بقلم (ماريو فانيلي) يقول في مقدمة المقال (يبرز اللون الأزرق، مثقل بذكريات لا تنسى، مطرزة بالنجوم، وإلهام القمر).

 

أثناء تجوالي في المعرض تبادر الى ذهني (الحديقة الغناء و البيت الأزرق في مراكش) والتي تعد من ابرز الأماكن السياحية في المدينة، والتي زرتها في (مراكش/المغرب ) في خريف عام (1919) أنها التحفة الفنية (المحمية النباتية) القصر والمنشأة العديدة التي تحتويها الحديقة المتنوعة النباتات النادرة، والتي تعود ملكيتها للرسام الفرنسي (جاك ماجوريل 1886- ت1962) الذي أسسها عام (1924)، المنشأة والحديقة تقع على مساحة تقدر بـ (10000) متر مربع، وأقد ابتكر من إبداعاته اللون (الأزرق) المتميز الخاص به وقد لون به هذه التحفة الجميلة ( القصر والبنايات والتحف الفنية التي يحتويها)

فذهب للفنانة (لاورا بولاتي) المنهمكة بتلوين احدى المنحوتات باللون الأزرق، وسلمت عليها وسألتها عن سر اللون الأزرق الذي اختارته لجميع لوحاتها وهل له علاقة بحديقة الرسام الفرنسي (جاك ما جوريل) في مدينة مراكش/ المغرب؟

تمهت قليلاً وأجابتني: 

أنا لا أعرف أي شيء عن هذه الحديقة ولا عن الرسام (جاك ماجوريل) ولم أزر مراكش. - 

سريعاً تداركت الموقف وذهبت الى الاستعانة بالعم (كوكل) وكتبت حديقة (جاك ماجوريل) واخترت لها فيلم قصير عن الحديقة وبناياتها المطلية باللون (الأزرق) ونباتاتها الساحرة هي الأخرى، عندما شاهدتْ الفيلم، اعجبتْ به جداً.

وعند التحدث مع صديقي الفنان (جعفر طاعون) الذي كان بالقرب مني وهو يرصد المشهد، أخبرني أن هنالك فنان مشهور (ألماني) أختار اللون (الأزرق) لجميع لوحات إحدى معارضه، لا بل كان قد عمل شراب خاص (باللون الأزرق) وقدمه لضيوف المعرض لتكون المفاجئة الأكبر عندما أي شخص تناول من هذا الشراب (الأزرق) ويذهب الى التواليت للتبول يكون (الإدرار) قد تلون باللون الأزرق، أنه رسام الكرافيك والنحاة والمنظّر الفني الشهير (جوزيف بويس 1921- ت1986).

كان يرافق جولتنا في المعرض عزف موسيقي شجيّ جميل لفنان (موسيقار) أنهمك يداعب بأنامله مفاتيح آلة البيانو، فيما كانت شابة تقف بجانبه تقرأ باللغة السويدية مقاطع من أشعار الشاعر العربي الكبير(أدونيس) تختارها من كتاب أنجز حديثاً باللغة السويدية ديوان (حلم الألوان) لوحات الفنية في الديوان شارك فيها الفنان (جعفر طاعون) مع الشاعر القدير (أودنيس).

رغم الجو البار جداً خارج القاعة لكن الحضور للمعرض كان جيداً ومتنوع الجنسيات.

 

مالمو/2023

 

2
قِراءة في رواية: كدتُ أتزَّوجُ ملكاً فِرعونياً

يَحيَى غَازِي الأَميرِي

بَعد عِدَّةِ أيام، مِنْ قِراءةٍ عَمِيقةٍ دَقِيقةٍ مُتأنِّيةٍ للروايةِ، والتِي عِشتُ أجوائِها وَشُخُوصُها وَتَفاصِيلُها...
بدأتُ أفكرت بالشروع لكتابة مداخلة تقييمية عن الرواية؛ دونتُ على ورقةٍ أمامي، خارطة العمل، وفتحت صفحة الكتابة في الكومبيوتر، فجأة تملكتني رهبة وهواجس عديدة متنوعة، جعلتني أتردد كثيراً وأجفل من العمل، هذا الشعور انتابني لعدة أيام، كلما حاولت فتح صفحة في الكومبيوتر والبدء بالكتابة... وأول هذه الهواجس كان السؤال الكبير الذي ينتصب أمامي ...
-   كم مِنْ السنِين وَالجَهد بَذَلتْ وهيَ تَرصدُ وَتُدونُ في تلافيف ذاكِرَتها هذا الهولِ الكبيرِ من الأحداثِ والمواقفِ والصدماتِ والخَيباتِ وَالمُعاناة، لِتكتُب هذهِ الروايةّ؟
فَرِوَايَتهَا سَرْدٌ عَمِيقٌ طَوِيلٌ لِحَيَاةِ إِنسَانَةٍ وَاعِيَةٍ مُثَقَّفَةٍ، سردٌ لمجوعةٍ من القصص والحكايا المليئة بالأحاسيس والعواطف وِالمشاعر والمواقف المتنوعة عاشتها بحلوِها وَمَرِّها بشكلٍ فعليٍّ ولسنونَ طوال.
أذن كيف ليّ أن أختصر هذه السيرة الذاتية الطويلة وتجربتها الأدبية الإبداعية الواقعية في الرصد والتدوين والسرد، ببعض الصفحات، هل فعلاً أستطيع أن أعطيها حقها؟
 -أمْ سَوفَ أبخَسُ جُهدُها؟
  لقد استمتعت بقراءتها وأنا أتابع الأحداث والتغيرات المتتالية السريعة لبنيةِ المُجمعِ والعلاقات وطرق الاتصالات بين الناس من خلال حديث الراوي لقصص شخصيات الرواية العديدة المختلفة في المهن والاعمار والتحصيل الدراسي، فقد كنتُ مشدوداً مستمتعاً حتى أخر صفحة من روايتها الطويلة بطبعتها الأولى 2023 وَالتي تتكون من (295) صفحة من القطع الوسط. بل أزداد استمتاعي بها وَشدتني كثراً إليها وانا أقلب صفحاتها الواحدة بعد الأخرى، لكون أحداثها واماكنها وأزمنتها، أكاد أَنْ أكونَ اعرف ادقَ تَفاصِيلها، فهيَ تُدونُ لفترةٍ زمنةٍ عِشتُها، واعرف ظروفها وَمُلابَساتِها، وكذلكَ لِمَا أبدعَتهُ أَنَامها بتَدوينهِ بِلغةٍ شَفيفةٍ حَريصةٍ راصدة، وهي تستحضر من ذاكرتها الموجعة بالفواجع والهموم والوحدة وَهِيَ تَرصدُ الأحداث بِعينينِ مَفتُوحتين، وبدِرايةٍ مُسبقَةٍ للمُهمةِ التي تُريدُ ايصالَها بأفضلِ الصُّوَرِ؛ لصُّورٍ عاينتها وعاصرتها بل عاشتها بأدق تفاصيلها بنفسها، وجاءت بعد تجربة طويلة ونضج فكري لتعبر عنها بعمل أدبي (روائي) وهيَ تَدخلُ بِعَقدِها الرَّابع، لِتَستَحضِرها مِنْ خَزينِ الذاكِرةِ لِتُسجلها للأجيالِ كوثِيقةٍ (اِجتماعِيَّة ثَقافيَّة) لِحِقبةٍ زَمَنيَّةٍ مَرتْ ببلادِها التي وَلدتْ وَتَرَعرَعَتْ وَعاشَتْ فيها.
هذهِ التجربَةِ التي أَثَرتْ بِشَكلٍ كَبيرٍ وَعَمِيقٍ فِي تَكوِين شَخصِيتها وبلوَرةِ أفكارِها. 
تعرف الرواية كما جاء تعريفها في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا): {الرواية هي سلسلة من الأحداث تُسرد بسرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً على شكل(قصة) متسلسلة، كما انها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، وقد ظهرت في (أوربا) بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً في القرن الثامن عشر، والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذية الأحداث.}
وفي فن الرواية تدخل عناصر بناء الرواية ومقومات الرواية فنية وهنالك عدة أنواع من الروايات ومنها (الرواية الغرامية أو الرومانسية، الرواية الاجتماعية أو الواقعية، الرواية التاريخية، الرواية السياسية، الرواية البوليسية، الرواية الخيالية أو الفنتازيا، ورواية السيرة الذاتية وغيرها من التسميات.)
ويمكنني أن اضع روايتنا موضوع البحث الموسومة (كدتُ أتزوج ملكاً فرعونياً)، أنها رواية سيرة ذاتية ممزوجة بالرواية الواقعية...
وقد وجدت أن كاتبة الرواية قد أتبعت بنهج كتابتها بشكل سليم دقيق توظيف كل عناصر بناء الرواية (الشخصيات/ البطل والخصم، الشخصيات المساعدة أو الثانوية ودورها في العمل الروائي، الحبكة - سير أحداث القصة نحو الحل- الموضوع او القيمة التي تقدمها في الرواية ويدور حولها مضمون الرواية بأكمله، زمان ومكان الرواية، العقدة ويُطلق على العقدة «الحبكة الأولى» { وهي بدء الصراع الذي يخلق الحركة وتقدم أحداث القصة، وهو المشهد أو الحدث الذي يغير من حياة البطل/البطلة وترسله في رحلة لكي يحل هذه العقدة أو الصراع وبدون وجود العقدة وحدوث التغير في شخصية البطل وظهور عنصر التشويق والإثارة فستظل القصة «ساكنة بلا حراك»}.
كتبَ الدكتور الكاتب والناقد (حسين الأنصاري) مقدمة تعريفة للرواية بلغة أدبية متقنة عالية، لكاتب وناقد محترف.
 من اول صفحة بالرواية ستشدك بقوة إليها، فقد جاء بكلمات الإهداء:
(إلى روح والدي شاكر الجاكري، كل ما أكتبه هو امتداد لحروفك، فقد أيقنتُ أنَّ حبر قلمك قد انتقل جينياً إلى قلمي، وصار يكملُ ما بدأتهُ أنت. إليك أُهدي روايتي الأولى، وسيبقى قلمك يكتب بقلمي. أرقد بسلام فرسالتك ستستمر.)
وهذا ما يعطي انطباع إيجابي إلى ان كاتبة الرواية هي امتداد لسيرة مسيرة كاتب مثقف متعلم...
تقسم روايتها إلى فصلين:
 الفصل الأول بعنوان (قلم حبر) وهو فصل قصير من صفحة (11-76) قياساً بعدد صفحات الرواية، تدور أحداثه في فترة مهمة من حيات بطلة الرواية الراوية (مريم) والتي تنشأ في عائلة بغدادية تسكن في أحد الأحياء القريبة من حي المنصور الراقي في العاصمة بغداد، لعائلة تتكون من الوالدان وثلاثة أولاد (ولد وبنتان).. الأب كاتب مثقف متعلم يتوفاه الله وهي بعمر الزهور...الأم ربة بيت تنحدر من عائلة بغدادية محافظة على عاداتها وتقاليدها. تدور احداث الفصل على العلاقات الأسرية العراقية البغدادية الحميمية المحافظة، وحياتها المدرسة الابتدائية، فترة الدراسة الثانوية وهي في فترة المراهقة قصة حبها الشفيف الأول من الضابط الشاب الوسيم (زيد) حتى تخرجها من الثانوية في فترة الحرب العراقية الإيرانية ودخولها كلية الإعلام.   
 تبدأ بسردِ وصفٍ جميل لسيرتها الذاتية من الصفحة الأولى ص11 استل منه: (تمشي بخطوات واسعة وهي تمسك بيدي، أحاولُ أنّ ألحق بها فأتعثر بحجارة الطريق، تلتوي قدماي توقفني، تمسد على قدمي ونكمل سيرنا أصبحت أكثر انشغالا بي، تنتبه لحركتي وتستعد لاحتضاني كلما أكاد أسقط على الأرض، تتداركني قبل أن أتهاوى أرضاً، أحياناً تفلت يدي من يدها فأحاول الجري خلفها لألحق بظلها أينما يكون، أدوس عليه وأضحك بشدة، لأنّه يفلت دائماً من تحت قدمي فأحاول الكرة مرة أخرى لألحق به وأدوسه وأشهق ضحكاً، فأنته لصوتها وهي تصرخ بي:
-هيا بسرعة   
اتشبث بطرف ثوبها وامسك يدها مرة أخرى، تمسك يدي بقوة وهي تشدني اليها ونحن نعبر الشارع، أخاف من ضجيج السيارات فالتصق بها نتوقف قليلاً عند الإشارة الحمراء، تستغل ذلك فتعيد ربط شرائط ظفيرتي التي تهدلت أثناء الجري خلفها، وترتب ثوبي الذي مال قليلاً هو الأخر من طرف كتفي الأيمن. أخيراً نصل، العائلة كلها تتجمع في بيت جدتي، في اول أيام العيد، الحديقة الواسعة تمتلئ بأصواتهم وصراخهم، وملابس العيد الملونة ملطخة ببقع العصير وبقايا الكعك العالق بالثياب والوجوه.
ومن الصفحة (38) أستل مقطعاً تقول فيه (راقت ليّ فكرة تدوين أفكاري وكل ما أشعر به من خواطر على وريقات دفتري الصغير، وكنت في اليوم التالي أقرأه لصديقاتي وأحياناً لأمي التي كانت تقول لي: فرخ البط عوام.
وتقصد أنني قد ورثت الكتابة من جينات أبي. كانت تشجعني للاستمرار، بل أنها تدخر لي بعض النقود لاقتناء قصة أو رواية او كتاب أحبه، كنت أهتم بقراءة الروايات أكثر من اهتمامي بكتب المدرسة)
وفي صفحة (69) وهي تصف استلامها نتيجة امتحان البكلوريا للصف السادس الاعدادي:
(ظهرت مديرة المدرسة وتحركت نحو وسط الساحة وبمعيتها المعاونة وهي تنادي اقتربوا هنا (ساد المكان صمت رهيب)
سنعلن لكم النتائج وفق تسلسل الحروف الابجدية، أسمي يبدأ بحرف الميم معنى ذلك أنني سوف انتظر آخر القائمة، وهذا ما يجعلني أكثر اضطراباً. هذه اللحظات لم أمرُّ بها من قبل حتى أثناء غياب (زيد) وقلقي عليه إنها معركتي الكبرى.
يا رب اجعلها انتصاراً كما أتمنى، وأقترب الدور لي مازال أسماء حروف الام قبلي يكاد قلبي يتوقف، لحظات وتنادي المعاونة: مريم يوسف، ناجحة، صرخت نعم قد انتصرت.
سعادتي لا توصف حينها، كنت أريدُ أن أرسل خبر نجاحي إلى (زيد) بأسرع وقت ليكون أو شخص يعرف ذلك.
واخترت الصفحة الأخيرة من هذا الفصل (جاءت جارتنا تفيض عينيها بالدموع.
... ما الخبر، ماذا بك؟ قالت أمي.
... أيهاب أستشهد، (قالت)
لطمت امي على وجهها لطمة وجلست على الكرسي تصيح
... لا إله الا الله، لا إله الا الله.
كنت واقفة بجانب الباب، أطبق الصمت عليّ، لم أكن أجيد تعبير الحزن، ولكني شعرتُ بغضب أكثر من الحزن الذي انتابني أيهاب جارنا رجل متزوج وله ولدان مازالا صغيرين، كان رجلاً دمث الأخلاق وهادئ الصوت وشهماً في المواقف مع الجميع، لكننا لم نسمع اطلاقات نارية في الزقاق (قالت أمي لجارتنا)
... لم يأت به بعد، سيتم تشيعه غداً. (قالت جارتنا)
كان ذلك تقليداً ثابتاً أثناء الحرب، عندما يحملون شهيد لأهله يحمله رفاقه وبعض من القطعات العسكرية، ويطلقون العيارات النارية بموكب مهيب لذلك الشهيد.
(سألت امي جارتنا): هل ستذهبين إليهم؟
... أكيد وجئت لأخذك معي، (قالت جارتنا)
دخلت أمي مسرعة إلى غرفتها واستبدلت ثياب البيت بملابس سوداء، وخرجت مع جارتنا ألى بيت أيهاب جارنا.الذي أكتظ بالجيران من رجال ونساء ليكونوا مع عائلته في الموقف العصيب.
في صبيحة اليوم التالي عند الساعة العاشرة صباحاً كنت أكوي تنورة جديدة أشتريتها قبل مدة ، وإذا بصوت اطلاقات نارية تقترب من اسماعي وكأنها تخترقها وكأنّ الجبهة تحولت هنا، عملتُ انّهم جاءوا بجثمان الشهيد أيهاب.
دخلت أختي سارة تلهث إلى الغرفة وأغلقت الباب.
(قلتُ لها بصوتٍ يشوبه الأسى والحزن)
هل جاءوا بجثمان أيهاب؟
قالت: لا، إنهُ شهيد آخر.
(نظرت إليها باستغراب)
... شهيد أخر.
... من!
(صمتت لحظة وقالت)
... زيد
أتذكر أخر صوت زار مسامعي صوتُ الرصاص الذي يحمل نعش زيد وصوت أختي سارة وهي تصرخ...
... مريم، مريم، مرييييييم
بعد أكثر من عام على استشهاد زيد انتهت الحرب.
   
 فيما يأتي الفصل الثاني الموسوم (كيبورد) من صفحة (77- 295) والذي جاء بعد التغيير الذي حل بالعراق مع دخول الدبابة الامريكية والذي تزداد فيه تسارع الأحداث ومفاجأة التغيرات في مناحي الحياة المختلفة، ومنها بروز صراع الأفكار بين القديم والجديد، وتفرد صفحات عديدة تتابع وتناقش فيها العقلية الذكورية والتسلط والعسف الذي تمارسه السلطة الذكورية للرجل الشرقي عند بعض الأزواج في علاقتهم المتسلطة مع نصفهم الثاني، وهي ترصد العديد من الزيجات القريبة منها عن تجربة معاشه فعلاً عن قرب والتي كان مصيرها الفشل بسبب طريقة تعارفهم السريعة الجديدة والتي تمت عن بعد عن طريق الإنترنيت.
 تصف بلغة أدبية فلسفية الصراع النفسي والقلق والحيرة والخوف الذي يرافقها بحياة الوحدة التي تعيشها وحيدة مع قطها المدلل مشمش. بعد وفاة والدتها وهجرة شقيقها(نبيل) وشقيقتها (سارة) مع عائلاتهم الى خارج الوطن.
ودور الحروب المتتالية في تدمير النفوس قبل دمار الأرض، وأسباب تسارع الهجرة ومغادرة الوطن..
 وبلغة شفيفة كالقصائد النثرية تكتب مناجاة ورسائل حب وغرام وحوارات أدبية فلسفية مع الذات الرقيبة التي تلاصقها وترصد خلجات قلبها، وما يدور في تفكيرها.  تبعثها كرسائل مشفرة تريد ايصالها للقارئ عبر روايتها والتي تدور حول عن التغيير الذي حصل بسلوك الناس (المجتمع) وتغير أنماط الحياة والعلاقات والتوجهات.
تصف في صفحة (97) كيف أصبح حال شورع العاصمة بغداد بعد سنوات من الاحتلال:
(أسفلت الشوارع كان مشوهاً بعد ذلك الاجتياح البربري للعاصمة بغداد (2003) بالدبابات الامريكية التي احتلت العراق ودمرت كل الشوارع والأبنية، وحتى بعد مرور سنين على ذلك الاحتلال، وما زالت الشوارع والحياة عبثية بشكل يثير الحزن على العاصمة بغداد، التي كانت داراً للسلام أصبحت عليها السلام.
تقول في صفحة (144):
(قررت أن يكون مقالي في صحيفة أرض الوطن، هذا الأسبوع عن (كوثر) وان أخفي أسمها، ولكني سأترك السوط بيدها لتجلد به، هذا المجتمع العاق.
كتبت العنوان ... يا نساء الأرض.. احملوا شهاداتكم واستقلالكم المادي بيدكم اليسرى والسوط بيدكم اليمنى...
لأني كنت على يقين أن كل امرأة قوتها باستقلالها المادي وغير ذلك ستبقى رهينة بيد من يملكها أب أو أخ أو زوج.
بذات الليلة التي كتبت فيها مقالتها، يراودها للمرة الثانية ذات الحلم المفزع ص 145:
(لقد راودني الحلم ذاته وجدت نفسي أقفُ عارية أمام أحد مللوك الفراعنة ممسك بيده رقعة من جلد الغزال بشكل أسطواني قدمها لي دون أن ينبس ببنت شفة، وكأنه لا يبالي وقوفي عارية أمامه، وعندما أخذت الرقعة منه وأمستها بيدي وفجأة تحولت الرقعة إلى نار مشتعلة كادت ان تُحرق يدي ففزعتُ وحاولتُ التخلص منها، وعندما ألتفتُ إليه، وجدتُ ذلك الملك الفرعوني قد اختفى.
وتف العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة بين الناس واهل الحي قبل هذه المتغيرات المتسارعة فتقول عن التعزية التي صارت تقام ليوم واحد وللرجال في احد المساجد القريبة للحي ، أو يكتفون بالتعزية عبر الهاتف أنه عص التكنلوجيا التي غيرت العلاقات الاجتماعية بين الناس ففي صفحة (152) تقول : تذكرتُ حينها وفاة أبي، ومجلس عزاءه وأهل الحي الذين لم يبرحوا بيتنا لأكثر من شهر لم يتركوا أمي وحيدة ولم يدعوها تقف بالمطبخ، بل كانت سيدات الحي يطبخن الطعام ويرسلن القدور بيد أولادهن الى بيتنا، وبعضهن يقفن لإعداد الطعام للمعزين الذين يتوافدون علينا من كل مكان، لقد كانت عادات تتربع على رأس السمات الاجتماعية العريقة، حتى المشاعر كانت تتوحد بين أهل الحي بالفرح والحزن، آه لهذه المدينة التي كانت تعيش العراقة بكل تفاصيلها.
-   قلت لكوثر وأنا أشعر بالحزن:
-   هل كنّا مزيفين والتكنولوجيا أسقطت اقنعتنا، أم تغيرنا بمرور الزمن، ولم تعد المشاعر لها موقف بيننا.     
وفي ص166 تقول: في صبيحة اليوم التالي، وجدتُ رسالة من رئيس تحرير صحيفة (أرض الوطن) يطلب مني أن أكتب مقالاً طويلاً عن هجرة العقول والعلماء من أوطانهم ليقيموا في المهجر، ثم يكتبون عن الحنين إلى الوطن، ولماذا يصبح الإنسان أكثر شغفاً على وطنه عندما يبتعد عنه، ثم لماذا يبدع البعض بعلمه وفكره أكثر مما كان يقدم من ابداع وهو في وطنه الحقيقي.
تحمستُ لتك المقالة، فقد كنتُ اريد ان أصبّ جام غضبي على الظروف والحكومات التي تهمل عقول مبدعيها، وما ان يهاجروا إلى أرض أخرى تنهال عليهم التهم بالجبن
 
وفي صفحة (190) وهي تروي محادثة جرت بينها وبين صديقتها الحميمة (حنان):
(حنان كانت تعرف تلك الحكاية، فقد فتحت كتاب أيامي لها يوماً، وقصصت لها، حكايتي مع زيد: قالت:
-   زيدٌ لم يرحل من عقلك الباطن، ربما غفى على عتبة السنين الماضية، ولكنه لم يرحل عنها، أحياناً يا صديقتي نطوي حكايات كثيرة عن الماضي، وتغيبُ عنّا، ولكن فجأة نجدها حضرة امامنا وكأنها حدثت بالأمس القريب، الوجع يا مريم لا يموت، بل يستكين ويهدأ، واي كلمة تدور في فلكه تجعله يستيقظ من سكونه، ويعود أنينه من جديد، ما الذي جدّ لكي توقظي وجع زيد في داخلك.
وعن الرسائل المتبادلة بين بطلتنا مريم وحبيبها الخفي الجديد (أدهم) الذي دخل عليها عن طريق الانترنيت أيضاً الذي لا تعرف هل هو حقيقة أم وهم وخيال، صفحة (196):
-عزيزي أدهم-
إن شيئاً مرعباً كان يعيش بداخلي يتلاشى، حل محله شعور بالأمان رغم المسافة التي تفصلني عنك، إلا أنني كثيراً ما أشعر بوجودك بجانبي أحياناً تربت على كتفيّ وأحياناً تمسكُ بيديّ، دفئُ يديك يسري بين شراييني، فتحولني بلحظات إلى عالم أثيري أراك من خلاله. مريم

-غاليتي مريم-
الحب هدية مغلفة يبعث بها الله للإنسان، كل حسب لون قلبه، لان القلوب لها ألوان. أدهم
فتقول بذات الصفحة:
إن للكلمات سحرٌ تحول الإنسان من الشعور بالهزيمة إلى أعلى درجات النصر، وذلك الأدهم حولني بسحر أحاديثه إلى قائد منتصر لا أخشى أي معركة بالحياة فقد ألبسني درع الأمان، وأمسكني رمحاً لا ينكسر، صار قلبي لونه أبيض مزينٌ بكرات مزهرة بلون الروز.
الصوفية يعيشون بأرواحهم ويتنقلون في ارجاء الكون كله وتبقى أجسادهم في أماكنها هم يطوفون الكون بنور الروح، أنا طفتُ الكون بالنور الذي حول كلمات أدهم إلى هالة تأخذني إلى معبد الروح، وهنك تركت ذاكرتي، وتركتُ ثورتي على حواف بركان خامد، تعلمتُ لغة الصمت ولغة الخيال، ولانتقال من عالم إلى آخر بعيداً جداً، وأسلمت نفسي للحلم.

 
تقول في صفحة (266) وهي تصف محادثة بينا وبين صديقتها حنان: عما الت إليه علاقة صديقتهم (إيناس) التي أحبت رجل متزوج تعرفت عليه عن طريق الانترنيت.
(في عصر اليوم التالي، تذكرت قصة ذلك الرجل الذي رأته حنان يوم أمس بتلك الأمسية، وقادني الفضول لأتصل بها، لأعرف منها ما آل اليه الوضع.
قالت لي إنها اتصلت بصديقتها (ايناس) ونقلت لها كل القصة، وقامت (إيناس) بكتابة رسالة أهانته بها، وعملت له حظر عن كل مواقعها في السوشيال ميديا.
قلت لها: وهل تنتهي العلاقات بهذه السهولة.
أجابتها (حنان)
-   العلاقات أصبحت زر في الكيبورد لإنشاء علاقة يقابله زر آخر للحضر إذا تعثرت العلاقة.
-   قلت (والمشاعر)
-   اجابتها (حنان) كل شيء يأتي بالصناعة لا يحمل مشاعر يا صديقتي، إننا أصبحنا الة تتحكم بها أجهزة وأزرار وحروف، يا مريم علاقات الحب ورجفةُ القلب، ورسائل معطرة، ونظرات مليئة بالمشاعر، انتهت وأصبحت ماضي كقصص الأميرة النائمة وسندريلا.
الخلاصة:
 تجد في الرواية شهادات حية عن حياة شرائح من المجتمع وعن حوادث جسيمة مريرة مرت خلال تلك الفترة على البلاد والعباد، وتجد فيها قصص غرامية مشوقة أمتزج فيها الواقع بالخيال.
وقد كتبتْ الرواية بلغة سردية نثرية سلسة حرصت فيها على ابراز الاحداث والمواقف والمعالجات بأفكار ناضجة. بأسلوب ممتع ينساب كشلال ماء عذب، بأسلوب شفاف شائق غير مبتذل، تشدك بسردها تسافر مع ما دون بَنانها، في الرواية الكثير من عناصر التشويق، والمفاجأة التي تحبس خلالها الأنفاس.
 أنها تمسك خيوط شخصياتها بمهارة تعشق الواحدة بالأخرى لتنسج منها قطعة أدبية جميلة متقنة لقصص مشوقة هادفة.
في الختام يمكنني وبكل ثقة أن أعتبر الرواية من وجهة نظري عمل أدبي متقن رائع.
مالمو/ مملكة السويد في تشرين الأول/أكتوبر 2023
 

 

3

النائب المستقل (محمد عنوز) في حديث عن البرلمان العراقي بمقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو

يَحيَى غَازِي الأَميرِي
بتواضعه وصراحته المعهودة وعلى مدى أكثر من ساعتين لم تتخللها أي استراحة، نقلنا الأستاذ النائب (محمد عنوز) الى عالم ومتاهات البرلمان العراقي، وبلغته الأدبية الرصينة وأسلوبه الناقد الساخر في أدراج الطرفة والنكتة وعلامة الاستفهام والتعجب، و(الحسجة) الفراتية الممزوجة بحنكة بين الجد والهزل، وباختيار أدق العبارات وأكثرها اختصاراً للتعبير بحذق عن الهموم والمنغصات التي تلف العمل البرلماني متخذاً من (أسلوب السجع) في طرح الفكرة والمعضلة، مفتاح للجذب وجلب الانتباه لحديثه أو لعنوان مقالاته او مدخل لمداخلته؛ والمتابع لما يكتبه وكتبه الكاتب والمحامي والقانوني والناشط في منظمات المجتمع المدني الأستاذ (محمد عنوز) ومنذ سنوات والمنشورة في العديد من المواقع الصحفية ومنها ( الحوار المتمدن) و(موقع الناس) وغيرها بأماكنه ملاحظة ذلك بيسر. كما في الأمثلة التالية لعناوين مقالاته:
(عار العار في سنجار) وَ (نحنُ أمةٌ تجيدُ الاِمتعاض ولا تُجيدُ الاتعاض) وَ (الوزارة الخامسة وزارة عمل أم حصة من جمل)
في حديثٍ رشيقٍ جادٍ شيق (متخم بالهموم) نقل إلينا النائب المستقل المنتخب عن مدينة النجف (محمد عنوز) عضو اللجنة القانونية، وبشكل مكثف أهم ما يدور في البرلمان العراق، جلساته، توزيع رئاسات اللجان فيه، تأثير استقالة كتلة التيار الصدري وخروجها من البرلمان، تأثير النواب المستقلين بالمجلس واللجان التي يعملون، الضغوط بين الترهيب والترغيب التي يحصل وحصل عليها النواب المستقلين، دور الكتل بتمرير القرارات، عمل بعض النواب كمعقبين للمعاملات ولمنافعهم الشخصية، الحضور والغياب في جلسات البرلمان وهموم اكتمال النصاب، والتي يعلق عليها بقوله (نصابٌ أم مصاب) لكثرة الغيابات ولعدة أسباب ومسببات، تحدث عن اللجنة القانونية والتي كان في البداية النائب (محمد عنوز) رئيسها قبل أن تذهب رئاستها الحالية الى النائب(ريبوار هادي) كحصة لاحد الكتل الكردية (الحزب الديمقراطي الكردستاني) حسب نظام المحاصصة.
يقول النائب (محمد عنوز) كان عدد أعضاء اللجة القانونية (18) نحدد موعد للاجتماع لكن باستمرار لم يكن يحصل العدد المطلوب لاكتمال النصاب القانوني، فتؤجل الجلسة، وعندما يحصل نصاب للجنة نقول (الله ومصلي على محمد) كفرحة لهذا الحدث.
ومن خلال عمله في المجلس يقول النائب (عنوز): (نتعامل مع الجميع ولم نكون جزءاً منه) وعن دوره في القرارات يقول كشخص مستقل ومدى فاعليته وهو يعمل بجد ومثابرة فيلخص مجمل نشاطه بعبارة دورنا في المجلس (تأثير وليس قرار) فالقرار بيد الكتل المؤتلفة!
بعد اكتمال حديثة عن البرلمان، أتيحت فرصة لمشاركات الحضور، أنصت (عنوز) بعناية مدوناً لجميع مداخلات وأسئلة واستفسارات وهموم من حضر الأمسية من الجالية العراقية المقيمة في مالمو، ثم أجاب عليها بعد ان شكر مداخلاتهم وملاحظاتهم وحضورهم.
في ختام الأمسية أكد على أهمية المشاركة الفعالة في الانتخابات القادمة باختيار المراد انتخابه بعناية ودراية ووعي، مؤكداً عبارته التي يرددها (الخلاص بالإخلاص) لإنقاذ البلاد والعباد وأزاحه شلل الفساد والسراق.   
الخميس المصادف 29.06.2023


4
جَولَة فِي قاعَتِي (ألفريد نُوبِل) الذَّهبِيَّةَ وَالزَّرقاء

يَحيَى غَازِي الأَميرِي
جائزة (نوُبل) أشهر جوائز العالم، فرصة ثمينة أن تتاح ليّ زيارة المبنى الذي يَضم القاعات الفارهة التي يقام فيها الاحتفال السنوي الكبير المبهر للفائزين مِن العلماء والأدباء عَلَى جوائز (ألفريد نُوبل) في (العاشر من ديسمبر من كل عام) تمَ اخيار هذا اليوم لكونه يصادف تاريخ وفاة صاحب الجائزة (ألفريد نُوبل 1833-1896) رجل الأعمال الثري الصناعي السويدي والمخترع (355) اختراعاً وَيأتي أشهرها اختراعه الذائع الصيت لـ (الديناميت). والذي جمع من خلال مخترعاته وأعماله ثروة طائلة.
وَرَدَ في موسوعة (ويكيبيديا) حول جائزة نوُبل، نستل منها هذه الفقرة {كتبَ نُوبِل عدة وصايا خلال حياته. أخر وصية له كان قد كتبها قبل وفاته بحوالي أكثر من سنة، ووقعها في النادي السويد النروجي في باريس في 27 نوفمبر 1895 حددت وصية نوبل الأخيرة أن ثروته ستستخدم لإنشاء سلسلة من الجوائز لمن يمنحون (أعظم فائدة للبشرية) في الفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب والأدب والسلام}.
وقد استحدثت جائزة اضافية أخرى باسم (الجائزة التذكارية في العلوم السياسية) ومنحت أول جائزة بهذا الاسم عام (1969) ولم تستحدث أي جائزة أخرى بعدها.
تمنح جميع الجوائز للفائزين في العاصمة السويدية (ستوكهولم) ويقام الاحتفال في هذه البناية (Stockholms stadshuset/ مبنى بلدية ستوكهولم) باستثناء جائزة (نُوبل للسلام) تمنح في مملكة النرويج.
أول جائزة منحت عام (1901) في العاصمة ستوكهولم. ومنذ العام (1901) لغاية اليوم استمر تقليد منح الجائزة لمستحقيها، باستثناء سنوات (الحرب العالمية الثانية) احتجب فيها منح الجائزة.
وجائزة (ألفريد نُوبل) هي عبارة عن شهادة (دبلومة نوبل) وميدالية ذهبية ومبلغ مالي، وبين فترة وأخرى يجرى تحديد المبلغ المالي للجائزة ففي عام (2022) تم تحديد المبلغ بـ (10) مليون كرون سويدي ما يعادل (968) ألف دولار أمريكي، والهدف من الجائزة النقدية تمكين وتشجيع للفائز لمواصلة ابحاثه دون الحاجة للبحث عن ممول. 
نعود إلى البناية العريقة والتي تقام فيها احتفالات جوائز (نوُبل) والتي تسمى (Stockholms stadshuset/ بلدية ستوكهولم) أعرف أن المكان مهم ويشكل علامة متميزة في العمران وتاريخ مدينة ستوكهولم، والذي يرغب بزيارته يحتاج لموعدٍ محددٍ بحجزٍ مسبق لزيارته.
الآن بالصدفة أتحيت ليّ فرصة زيارتها والاطلاع على معالمها، فقد أعتدت أن أتابع أخبار (السويد) من خلال ما يبثه التلفاز باللغة السويدية وكذلك وهو الأغلب متابعة المواقع الصحفية (السويدية) التي تنشر باللغة العربية أخبار متنوعة عن السويد ومنها (الكومبسalkompis ، Swed24، أكترAktarr، المركز السويدي للمعلومات SCI) وغيرها من المواقع الصحفية
وفيما كنت اطالع الاخبار والحوادث في السويد ليوم السبت المصادف (17.06.2023) لفت انتباهي خبر على صحيفة (الكومبس) بعنوان (أحد معالم السويد السياحية 100 عام على تأسيس مبنى بلدية ستوكهولم ) قرأت الخبر للأخير ، مفاد الخبر أن البناية سوف تكون مفتوحة للزوار للفترة من (16 لغاية 23) من الشهر الحالي للجميع ومجاناً، بمناسبة مرور (100) عام على فتح هذا الصرح المعماري الجميل، فعلاً أنه موقع متميز ضخم البناء قديم لمعلم مهم وسط العاصمة (ستوكهولم) وفيها تقام الاحتفالية السنوية لتوزيع جوائز(ألفريد نوبل) وطالما أنا متواجد في زيارة إلى (ستوكهولم) قررتُ أن أزور المبنى غداً، رحتُ أستشير محرك (كوكل) عن الموقع (أرشدني) بتحديده بالضبط موقع مكانة، ووسائط النقل المتاحة للوصول أليه من مكان السكن الذي أقيم فيه، طالعتُ اخبار الطقس أنه (غائم ممطر ودرجة الحرارة سوف تهبط غداً من 25 إلى 18م).
أخبرت زوجتي التي قرأتْ تفاصيل الخبر، وافقتْ بسرعةٍ على الذهاب للموقع، في صباح اليوم التالي الأحد (18.06.2023) بعد الفطور اصطحبت زوجتي وخريطة لحركة القطارات ولموقع البناية، أخذنا مقاعدنا بالقطار المتجه صوب هدفنا، بعد ساعة تقريباً وصنا الى (محطة قطار ستوكهولم الرئيسية) في محطة القطار الكبيرة المتعددة المسارات والطوابق والمخارج، أرشدتنا أحد الموظفات بعد الاستفسار منها الى أقرب (باب/مخرج) يمكن الخروج منها وتقع قريبة عن موقع المكان المقصود؛ وضعت أسم البناية في هاتفي النقال بـ (كوكل/ GBS ) حدد ليّ موقع المبنى وطريق الذهاب إليها المسافة بحدود (10) دقائق سيراً على الأقدام، خارج المحطة الجو ممطر، المطر خفيف، في منتصف الطريق وعند تقاطع فيه العديد من الجسور والتقاطعات، سألنا أحدى السيدات (سويدية)عن المكان، ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة وقالت سيروا معنا فأنا وعائلتي ذاهبين أيضاً للمكان، كان معها زوجها وصبيان.
بعد حوالي (50) خطوة بان (المبنى) الضخم ببرجه العالي المطل على البحر ... المبنى يقع في الطرف الشرقي لجزيرة (Kungsholmen) فالأجزاء الرئيسية من عاصمة (ستوكهولم) تحتوي على (14) جزيرة، والتي هي جزء من أرخبيل ستوكهولم. تربطها ببعضها مجموعة كبيرة من الجسور والانفاق التي تزيد على (50) جسراً بتصاميمها الهندسية الرائعة.
 وأثناء سيرنا مع رذاذ المطر صورت (فديو) قصير للمكان وحركة السير، الجسور، السابلة بمظلاتهم المطرية، مسارات الدرجات الهوائية، طرق السيارات... العديد من الناس يقفون على الرصيف المجاور للمبنى والملاصق للبحر (بسناراتهم الطويلة) يمارسون هواية صيد السمك!
برج المبنى الشاهق والذي صممت أسسه في قاع البحر، والبرج بارتفاع (106) م ويزن (24000) طن، تعلو البرج قبة ذهبية ترتفع فوقها التيجان الثلاثة الذهبية ترمز للشعار الوطني لمملكة السويد، فيما توجد في احد اركان المبنى برج صغير ترتفع على قمته نصب للهلال.
ومن الطريف الذي قرأته في إحدى النشرات المعدة للأطفال برسم بياني مقارنة تشبيه عن (البرج) أن ارتفاعه ما يشابه ارتفاع (35) فيل أفريقي، لو وضع الواحد فوق الأخر، فيما وزنه يعادل وزن (4000) فيل أفريقي.
تحيط بالمبنى حدائق غناء اندلفنا سريعاً مع عشرات من الزوار من البوابة الرئيسية الكبيرة المؤدية للفناء الداخلي للمبني، المكان يعج بحركة الزوار ،الفناء واسع فيه مدرج كبير يوصلك حيث القاعات الرئيسية (الزرقاء والذهبة) البناية عالية تزيدها جمالاً أقواس معمارية شاهقة على امتداد ارتفاع البناء تعلو الأقواس وبجانبها نوافذ القاعات بشرفاتها الحديدية وبينهما ثبتت (نصب /تماثيل) بأحجام كبيرة، بعض الجدران الشاهقة غطتها النباتات الخضراء المتسلقة، والتي راحت تعطي للمكان جمال أخاذ ، وفي الجانب الملاصق للمكان على جانبه مداخل عديدة بأقواسها الهندسية الجميلة توصلك للحديقة والرصيف الذي نصبت فيه مجموعة من السرادق (الخِيام) والذي يطل مباشرة على البحر ، تنطلق من (الخيام) أصوات لفعاليات فنية وموسيقى...  منظر البحر مدهش مبهر، العديد من البواخر والزوارق تمخر فيه وأخرى راسية بمراسلها.
اخذنا طريقنا الى مدخل البناية بعد المدخل البهو الكبير، دخلنا للقاعة (الزرقاء) مئات من الناس من مختلف الجنسيات والاعمار تتجول في القاعة وتلتقط الصور وأفلام الفديو...
الصالة بمساحة (1500م2) وتتسع إلى (1300) من المدعوين، الموائد والمقاعد تحسب بالسنتمترات، في يوم الاحتفال السنوي لحفلة (نوبل) بالمناسبة تسليم جائزة (ألفريد نوبل) للفائزين بها يكون في بناية أخرى في قاعة (ستوكهولم للاحتفالات) وبحضور ملك السويد، في هذه البناية (قاعة بلدية ستوكهولم) تقام حفلة (العشاء) في القاعة الزرقاء والتي يتخللها (الشراب المعتق) الخاص بهذه المناسبة فقط!
وبعد العشاء يصعد المدعون (السلم المرمري) الذي في طرف القاعة الأخر ليوصلك (للقاعة الذهبية) المكان الذي تكتمل فيه فقرات سهرة الأمسية بعد وليمة العشاء حيث الرقص وحين تصدح الموسيقى والغناء فيحل الطرب، ويقوم التلفزيون السويدي ببث مباشر عبر الأثير لجميع ساعات الاحتفال.
قرب السلم المرمري الجميل المؤدي للقاعة الذهبية نصب (أورغن) وآلة (الأُرغن) من الآلات الموسيقة القديمة جداً في التاريخ البشري، تشير المعلومات المثبتة بجانبه أن صناعته تمت بتكليف لشركة ( E.FWalcker&Cie) في (لودفيغسبورغ الألمانية) بصناعته بمواصفات خاصة، وفي عام (1925م) تم نصبه بالصالة بعد إتمام صناعته ودشن مباشرة العمل به، والذي يحتوى على ما يقارب (138) جزءاً و(10000) أنبوب على حامل تحت سقف القاعة الزرقاء، ويعد الأورغن الأكبر في البلدان الإسكندنافية.
القاعة الذهبة (الفسيفساء) غاية بالجمال والروعة أنها بحق تحفة فنية بديعة، الذهب ببريقه الأخاذ يغطي جدران الصالة الشاهقة، تزين احد جدران القاعة المطلة على الصالة الزرقاء (سبعة أقواس هندسية ) بداخلها الأبواب زينت الجدران بمجموعة بديعة من اللوحات الفنية التي تجسد أحداث ورموز مهمة بالتاريخ السويدي مع لوحات لملوك السويد موزعة كذلك على جدران القاعة التقطت صورة لأبرز ملوك السويد مؤسسها الملك (غوستاف فاسا 1496-1560م) فقد صادف قبل أيام من كتابة هذه المقالة في العيد الوطني السويدي (06 حزيران2023) ذكرى مرور (500) عاماً على تأسيس مملكة السويد المستقلة وتنصيب الملك (غوستاف فاسا) ملكاً عليها وخروج السويد من اتحاد كالمار.
اثناء جولتنا بالقاعة (الزرقاء) كانت باب كبيرة مفتوحة الى صالة بجانبيها اندلفنا فيها، الصالة كبيرة كانت تعج بالأطفال المنهمكين بأقلامهم الملونة على كراريس وأوراق للرسم التي وضعوها فوق المنضد التي يجلسون امامها، أنها قاعة تم تخصيصها لفعاليات الرسم والتلوين للأطفال، الذين حضروا الى هنا مع عوائلهم بهذه المناسبة، اخذت أحد الكراسات بعد تصفحه انه يحتوي على لوحات ومعلومات تخص المبنى والاحتفال أعدت بشكل مبسط للأطفال.
في القاعة الذهبية، هنالك لوحة ذهبية كبيرة جداً تغطي كامل الجدار ملفتة للنظر تمثل امرأة تجلس على كرسي العرش وبيدها صولجان وباليد الأخرى تاج ملكي، بعينين واسعتين بسعة العيون في التماثيل (السومرية)وعلى جانبيها رسمت لوحات عديدة متداخلة مبهرة تجسد حوادث ومباني وحيوانات ونصب ومياه تنساب تحت كرسي العرش!
 مئات الناس تتجول بالقاعة التي هيأت فيها مقاعد (مصاطب خشبية) لاستراحة قصيرة للزوار، ولتأمل اللوحات والرسومات.
أخترت أحد المصاطب وجلست عليها للاستراحة، أثناء الاستراحة وأنا أتأمل بعمق باللوحة التي أمامي الكبيرة جداً، دارت برأسي العديد من الأفكار والأخيلة، أخذت أقلب بصفحات الكراس الذي التقطته من صالة رسم الأطفال ها أنا أجد ضالتي في أحد صفحاته، صورة المرأة التي تجلس على العرش التي أمامي في الصالة... وجدت سؤال يسأل فيه معد الكراس للأطفال والسؤال هو:
-   هنالك العديد من افراد العائلة المالكة في القاعة الذهبية، ولكن من هي التي تجلس على العرش؟
وتحت السؤال تم تدوين الجواب:
أنها ملكة ما لار، هي ستوكهولم في شكل بشري، أستخدمها الفنان (إينار فورسيت 1892-1988م) كمصدر للإلهام عند رسمه للوحة.
عندما طالعت المعلومات الكثيرة عن الفنان (إينار فورسيت) والذي زين برسومات لوحاته وأفكاره الرائعة القاعة الذهبية أو كما تسمى أيضاً (الفسيفساء) فهو رسام ومصور ومصمم ورسام على الزجاج وأستاذ جامعي.
تشير المعلومات التي توضع لمحتويات الصالة باللغة السويدية أنه (يوجد بالفعل ذهب حقيقي على الجدران بالإضافة الى الزجاج الملون، وأن الألوان الذهبية على ثلاث طبقات، طبقة زجاجية بسمك سنتمتر، وفوقها طبقة رقيقة من أوراق الذهب، وفوقها طبقة رقيقة من الزجاج تحمي الذهب، ويجعلها أكثر لمعاناً وقد أستخدم ما يقارب (11) كغم من الذهب لتغليف الجدران)
بالإضافة الى هاتين (الصالتين) (الزرقاء والذهبية) توجد الصالة (الحمراء) وهي الأخرى عبارة عن تحفة معمارية رائعة وهي مخصصة لاجتماعات للمجلس البلدي (لأعضاء مجلس كومون العاصمة ستوكهولم) والتي تتسع الى (101) كرسي، والذي هو عدد أعضاء المجلس.
وكذلك يوجد فيها (المقصورة البيضوية) والمخصصة لعقد مراسيم عقد الزواج، وهي متاحة مجاناً لجميع السويديين، الراغبين في الحضور، يوم السبت من كل أسبوع لغرض عمل عقد الزواج هنا لكنها تحتاج الى حجز موعد والانتظار لحين الموعد وقد يمتد لبضعة أشهر.
وكذلك يحتوي المبنى على العديد من قاعات المؤتمرات والاجتماعات والفعاليات الأخرى، وكذلك المرافق الصحية المخصصة للصالات.
بتاريخ (23.06.1923) تم أنجاز بناء هذا الصرح العمراني الجميل والذي يعد أحد المعالم السياحية المهمة في العاصمة السويدية (ستوكهولم)صمم وأشرف على أنشاء هذا المبنى المهندس المعماري السويدي (راجنار أوستبرغ 1866-1945م)، وهو عضو في الأكاديمية السويدية للفنون، وحائز على جائزة (ريبا) أو الميدالية الذهبية الملكية البريطانية للهندسة المعمارية عام 1926).
تجد في المبنى تأثيرات وأفكار عمرانية (شرقية وأندلسية وأوربية) والعديد من الأفكار الفنية المعمارية، أدخلت في تصميم المبنى، أنه فعلاً تحفة معمارية تستحق الزيارة.
عند خروجنا من قاعات (المبنى) للفناء الخارجي قررنا أن نقوم بجولة للتمشي على الرصيف والحدائق المحاذية للبحر ، مع نسمات الهواء المنعش العليل والوجوه النظرة الجميلة، تثير أنتباهك أصوات الغناء والموسيقى وهي تصدح في الفضاء من مسرح أعد في هذا المكان ، فيما تتجمهر وتتمشى هنا وهناك مئات من الناس التي جاءت لزيارة المبنى والاستمتاع بالفعاليات المتنوعة المعدة لهذا الاحتفال (مرور 100) عام على بناء مبنى بلدية ستوكهولم، رغم هطول المطر استمرينا بجولتنا الممتعة مع هذه الجموع، مطلقين العنان للخيال، وللراحة والاستجمام؛ منظر بديع أمام أعيننا مئات من الزوارق والسفن الصغيرة وهي تمخر في البحر وتنشر أشرعتها الملونة الزاهية، أو توقفت عن الحركة في الموانئ التي أعدت لذلك ، فيما تطل علينا من الضفة الأخرى البنايات الشاهقة بعمارتها البديعة، من بين رؤوس صفوف وكتل الأشجار الخضراء الباسقة، يطل علينا أحياناً قوس قزح عندما تنطلق أشعة الشمس في السماء من بين السحب، تصاحب هذا المشهد أصوات موسيقى وصياح وقهقهات الأطفال فيما عشرات من الناس تسير على مهلٍ وهي تحمل مظلاتها المطرية الملونة على ساحل نظيف بممرات مرصوفة بالحجر والمرمر ، وعشرات النصب والتماثيل، المبثوثة في الطريق والساحات، في مكان متميز على ساحل التمشي مطعم وكافتيريا يمكنك الحصول منها على الطعام أو الحلوى أو المرطبات والقهوة والشاي وبالقرب منها نصبت العشرات من السرادق (الخِيام) قبالة الساحل لتقي الناس من المطر.
بعد ساعة من التجوال، عدنا أدراجنا سيراً على الأقدام باتجاه (المحطة الرئيسية لقطارات ستوكهولم) طول الطريق كنت أفكر مع نفسي كيف نسيت المظلة المطرية (الشمسية) في باب البيت (بس زين الحمد لله المطر خفيف) وقبل الذهاب للمحطة اندلفنا في أحد المطاعم الكثيرة المنتشرة بالقرب منها أخترنا مطعم (ماكدونالد) تناولنا فيه (الغداء) مع القهوة وعدنا (بالقطار) من حيث أتينا.

كتبتْ في السويد حزيران 2023





5
د. يوُسُف سَلامَة عَلَى دَربِ الكبير طه حُسين يَحثُّ الخُطى
(بورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ) طه حُسين

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
مِنْ حَافظةِ الذاكرةِ المُتوقِّدةِ المُتوهِّجة وَبصوتٍ وَاثقٍ خَفيضٍ يَستلُّ سَيلَ كلماته المُتَّزنة، وَهو يَروِي للحضورِ الذِي حَضَرَ لقاعةِ الأمسيَّةِ، كانَ حديثهُ المُسترسِل السَّلِس بالضَّبطِ متطابقٍ كما جاء في وصفِ الإعلان التعريفي بالأمسية (لقاء مع البرفسور د. يوسف سلامة في حوارٍ من القلبِ، حديث وجداني عَنْ الإنسان الداخلي وبعض من ذاكرة وحنين وحكايا نسمعها أول مرة)
بكلماتٍ شَفيفةٍ رَقيقةٍ رَشِيقةٍ رَحبتْ، مديرة أدارة الجلسة وَالحوار الأستاذة (ندى العلي) بالحضور الكريم وبالمحتفى به البرفسور الدكتور (يُوسف سَلامة) معلنة عن بدأ الأمسية ومحاورها، معرفة بالضيف المحتفى به: كاتب فلسطيني/ سوري / أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق من عام (1998 حتى 2011). رئيس تحرير مجلة (قلمون)المحكمة، له عدد كبير من الدراسات والبحوث والمؤلفات والمحاضرات المنشورة.
ثم تم عرض فيلم وثائقي عن حياته، تخللته شهادات حية لبعض من طلابه به وبأسلوبه في طريقة التدريس، وأخر محطات حياته حيث يحط فيه الرحال والترحال لاجئ في (مملكة السويد) مقيم في (مدينة مالمو) مع زوجته الكاتبة والناشطة الست (وفاء أحمد سليمان) وعائلته.
 بودٍ طلبَ منها الدكتور (يُوسف سَلامة) الحديث للتوضيح أن حديثه هذه الأمسية سيكون بعيداً عن الفلسفة ومحاضراتها، سيكون حديثاً أخوياً عفوياً عَنْ بعضٍ مِنْ مَراحلِ حياته.
كانَ السؤالُ الأول الذي طلبت مديرة الجلسة الست (ندى العلي) أن يحدثنا عنه ضيف الأمسية، الولادة والنشأة ...
من مواليد (فلسطين / قرية أم الزينات/حيفا/ التي تقع على سفح جبل الكرمل) بعمر حوالي (3) سنوات بدأت رحلة حياته مع عائلته في مخيمات للاجئين في سوريا.... حدثنا بألمٍ وأسى عَنْ حياةِ المخيماتِ معرفاً اياهُ (المُخيمُ لا وجود) وَ (المُخيمُ بؤس عظيم) أو واصفاً المُخيم كما يقولُ المفكر الأستاذ (إدورد سعيد 1935- ت 2003م): (جرحٌ فِي القلبِ، جرحٌ فِي الذاكرةِ).
ثمَ استطرد يحدثنا بألمٍ من لغةِ الذاكرة البعيدة: (لَمْ أذهبْ مع الأولاد الذين بعمري للمدرسة عندما كبرت وأصبحت بعمر المدرسة، كنت أشعر بالعذاب والألم جميع الأطفال في المدرسة وأنا قعيد الدار أعمى) ...حدثنا كيف كان يلعب أحياناً مع الأطفال الذين بعمره بالشارع.
وفي البيت كنت استيقظ مع (والدي) مبكراً من الصباح وأسمعه وهو يقرأ (القرآن) وكذلك أسمعه عند عودته من العمل وهو يقرأ (القرآن)في المساء من خلال هذه الفترة حفظت أجزاء كبيرة من (القرآن)...
عندما أدخلوا طريقة (برايل) لتعليم المكفوفين في سوريا، دخلت مدرسة المكفوفين للتعلم وأنا بعمر حوالي (14/15) عاماً... خلال فترة قصيرة جداً تعلمت؛ خلال سنتين أكملت الصف (التاسع) وأدركت زملائي والتحقت بالثانوية!
  أخذت البكلوريا بشكل نظامي، (أمي) كانت تشجعني وتدعمني على إتمام دراستي الجامعية، فيما كان أبي يفضل أن أصبح (شيخاً) أو أذهب للتعلم بالأزهر، سمعت كلام (أمي) وتشجيعها!
وسألته مرة أخرى الست (ندى العلي) عن المرحلة الأخرى من مراحل حياته الدراسة الجامعية، فحدثنا عن كثيرٍ من المواقفِ والمحطات فيها ... ومنها:
(بليتُ بلاءً حسناً في الجامعةِ وحصلتُ عَلَى المرتبةِ الأولى ... وحصلتُ عَلَى بعثةٍ دراسيةٍ للدكتوراه!
حَدثنا عن طريقةِ تعلمه في الجامعة والصعوبات الكبيرة والكثيرة التي كانتْ تقفُ امامه، لكن صبره وطموحه وإيجابية تفكيره ابتكر لنفسه عدة طرق ليتعلم.
كان خيار الدراسة العليا أما الموسيقى أو الفلسفة.
(أبليتُ بلاءً حسناً في دراسةِ الموسيقى... دَرستُ ما استطعت عن الموسيقى، درستُ الموسيقى الشرقية والغربية، وأطلعت على تاريخ الموسيقى، فحصلت في (السبعينات) على منحة دراسية لدراسة الفلسفة في (القاهرة / جمهورية مصر العربية) فتركت الموسيقى وذهبت لدراسة الفلسفة، والتي تتطلب ضمن دراستها دراسة اللغات الأجنبية فدرستُ اللغة الفرنسية والإنكليزية والألمانية ...)

خلالَ حديثه الشيق والمتميز، سَرحتُ محلقاً بعيداً جداً رحتُ أقارن بين هذا الرجل الوقور الجالس أمامنا وهو يحدثنا عن تجربته الفريدة المثيرة.
طفلٌ صَغيرٌ مُهجرٌ نازحٌ معَ عائلتهِ مِنْ قرية (أم الزينات) الفلسطينية لتتلقفهُ أهوال العيش في المخيماتِ وَمعها تصيبهُ مصيبةٌ (آفة العمى).
كنتُ أصغي بكلِ جوارحي لحديثه لكنْ معها كانتْ صورة الكبير عميد الأدب العربي (طه حسين 1889- ت1973م) ترافقني، وسيرته في كتابه الشهير (الأيام) وموسوعته الأدبية الكبيرة (حديث الأربعاء) ورحلاته وجولاته في الحديث وطلب العلم، ومعها صور الشاعر الجهبذ المفكر الفيلسوف الزاهد (أبي العَلاء المَعري 973- ت1057م) (رهين المَحبسين) فهو أيضاً فقد بصره وهو طفل صغير بعمر (4) سنوات عَلَى أثر أصابته بمرضِ(الجدري) وكذلك لهُ الكثير من الجولاتِ والرحلاتِ في بقاعِ الأرضِ لطلبِ المعرفةِ وِالعلم؛ (أبو العلاء المعري) الذي أحبِ بلده (الشام) وكلما بَعِدَ عنها يشتاقُ ويحن لها ففي كل رحلاته لمْ يطلْ البعاد عن (معرَّة النُعمان) التي ولدَ وماتَ فيها.
وها هو يتحدثُ أمامي بثقةٍ الدكتور (يُوسُف سَلامة) عن الأملِ والعملِ وعن الفلسفة ومدارسها وهو في ديار الغربة مختاراً أقصى شمال أوربا (السويد) موطناً جديداً له كلاجئ ...
إنَّهُ بِحقّ إنسانٍ مُكافِحٍ عَنيد، لَمْ يَفقدْ الأمَل؛ وَآفةُ العَمَى تَنالُ مِنهُ وَهُوَ طَفلٌ صَغير، فِي مُخَيَّمٍ بائسٍ للاجئِين...
وَعَنْ مرحلةِ التدريس في الكليةِ وهو أستاذاً للفلسفةِ المعاصرة في جامعةِ دمشق... قال كنتُ أُومن بطريقةِ(الحوار) مع طلبتي وَليس بطريقةِ المحاضرة المسترسلة...
وتحدثَ عن الحرية والديمقراطية... وأهمية الحوار، واحترام الأخر، والإقناع بالحجة، فهنالك احتمالات كثيرة مفتوحة للحقائق...
وَفِيما يَخصُ المَعرفةَ فقالَ عَنها إنها مَفتُوحة إلى ما لانِهاية ...

قَبلَ نهاية اللِقاء، السِتُّ(نَدى) مُديرة الجلسة تُفجر للحضور مفاجئة جميلة معلنة أنَّ ضَيفنا يُجيد الغناء وَيحِب أغاني الفَنان المُطرب (مُحمد عَبدِ الوَهاب) وبصحةِ عازفِ العودِ القادمِ من الدنمارك الموسيقار (محمد عبد الوهاب) أشنف أذاننا بصوتٍ شجيٍ عذب ببعضِ المقاطع من أغاني الفَنان (مُحمد عَبدِ الوَهاب).
وَقد أخبرنا د. (سَلامة) بسعادته أنه أتيحتْ إليه فرصة وهو في (السويد) بهذا العمر بزيارة البلدة التي ولد فيها (أم الزينات/ حيفا) وحقق الزيارة وهي المرة الأولى له يزورها منذ غادرها قبل أكثر من (70) سنة.
في نهاية اللقاء كانتْ هنالك فقرة لبعض الأسئلة والاستفسار من الحضور للضيف المحتفى به (يُوسُف سَلامة) أجابِ عليها جميعاً بروح شفافة.
فيما كانَ مسكُ الختام فقرة جميلة (شعرية طربية) قدمها الشاعر المتألق صاحب الصوت الشجي الصديق العزيز (خضير كريم الرميثي) يصاحبه العزف على آلة العود الموسيقار (مُحمد عَبدِ الوَهاب) فقرأ العديد من القصائدِ الغزليةِ وغناها بذاتِ الوقت، أستمتعنا بها ... والتي نالتْ أستحسان وحرارة تصفيق الحضور.
في الختامِ كانتْ هنالك فسحة للحديث بين الحضور وتناول القهوة والمعجنات، والتقاط بعض الصور للذكرى.
كانتْ سَاعدتي كبيرة جداً بهذهِ الأمسيةِ الثقافية الفنية المتميزة والتي دعوتُ إليها من جمعية (إيد بإيد) في مالمو، فشكراً لها.
مالمو / السويد
الجمعة 2023.05.26



6
مَندِي ولِيشيا الحلمُ الذي تَحَقَق

 
يَحيَى غَازِي الأَميريّ
{أصبغوا أنفسكم بالصباغة الحية التي جاءتكم من عوالم النور}كنزا ربا/اليمين
اليوم هو الأحد (2023-01-22) استيقظت مبكراً هذا الصباح، السماء ملبدة بالغيوم، أمطار غزيرة هطلت ليلة أمس، تصفحت أخبار (الطقس) تشير المعلومات المثبتة على (الانترنيت) إنه يوم ممطر في عموم مدينة (سيدني) وضواحيها.
سريعاً حلقتُ ذقني وأخذتُ (دوش) حمام من الماء الدافئ، وانتقيت بعض الملابس التي تتلائم مع أجواء سفرة هذا اليوم، مع مظلة -شمسية - تقيني من مطرِ وشمسِ صيف (سيدني) فأنا على موعدٍ لزيارة مكان عزيز على قلبي، وأود بشوق زيارته والتجوال فيه، فقد تهاتفت ليلة أمس مع صديقي العزيز الدكتور(كارم ورد عنبر) وعلمت منه إنه هو الذي سيقلني مشكوراً بسيارته الخاصة للمكان وأخبرني ببعض الأسماء التي سوف نلتقيها معاً في المنطقة فرحت لذلك.
  غادرت الشقة بحذر خوفاً من أيقاظ من يسكن معنا ... فزوجتي (ام مخلد) رفيقة سفرتي، اعتذرت أن ترافقني سفرة اليوم بسب اجهاد وتعب يلازمها من سفرة يوم أمس للبحر .
ذهبت سيراً على الأقدام قاطعاً جسر حديث جميل مشيد على نهر (براماتا Parramatta) يربط الجانب الذي أسكن فيه Wentworth point)) حتى محطة القطار في منطقة ( (Rhodesالجسر فقط لعبور المشاة طريق خاص ذهاب وإياب وكذلك يسمح بالمرور (لباصات) نقل الركاب، وهنالك (باص) نقل للركاب في الأيام العادية عدا أيام العطل ينقل أهالي المنطقة من وإلى محطة قطار ( (Rhodesمجاناً، الوقت لم يتجاوز مدة عشر دقائق سيراً على الأقدام وصلت الى محطة القطار، ببطاقة –كارت- إلكترونه أحملها معي أشرت ببوابات الدخول للمحطة وقت دخولي، أنها تذاكر المواصلات - للقطار والباصات - المستعملة الآن، أخذت القطار المتوجه لمحطة (ليفربول) في محطة (Strathfaild) نزلت من القطار للتبديل لقطارٍ أخرٍ أستقله والمتجه صوب محطة (ليفربول) انتظرت قليلاً بعض الدقائق مستريحاً على أحدى المصاطب التي في المحطة متأملاً حركة الناس وسحنات أشكالهم المتنوعة الأعراق والأجناس والتي تسكن (سيدني) توقف القطار أمامي، تأكدت من أتجاه سيره على ضوء شاشة إلكترونية معلقة في مسقف رصيف محطة الانتظار دلفتُ من بوابةِ القطار بجوفه، أخذتُ مكاني في أحدى مقاعد القطار (المبرد) في الطابق الثاني فالقطار ذو طابقين، فمن الطابق الثاني تتاح ليً فرصة أوسع وأفضل وأمتع للمشاهدة، ارقبُ دائماً الشاشة الإلكترونية،المثبتة أمامي في العربة  فهي تنبهك وتدلك إلى المحطات القادمة.
وصلت محطة قطار (ليفربول)أستغرق وقت كامل الرحلة ساعة كاملة، وصلت قبل الموعد المحدد الساعة التاسعة صباحاً بحوالي (20) دقيقة، من البوابة الإلكترونية أشرت مرة أخرى البطاقة الإلكترونية لإنهاء ركوب القطار.
أنظر من النوافذ الزجاجة للمحطة نحو السماء الملبدة بالغيوم، والمطر الخفيف المستمر، اتصلت هاتفياً بصديقي الدكتور(كارم) أخبرته بوصولي الى محطة (ليفربول) أخبرني أنه (في الطريق) سوف يكون في الموعد وبذات المكان، وأخبرني أنه تأخر قليلاً في البيت بسبب بحثه عن المظلة - الشمسية- والتي لم يعثر عليها، أخبرته أنني بالانتظار ومعي (شمسية) وأخبرته أني سوف اخذ له معي كوب قهوة مع بعض الفطائر فطور من أحد أكشاك المحطة، أجابني شاكراً  أنه تناول فطوره وقهوته قبل قليل.
اشتريت من احد حوانيت المحطة فطوراً ليّ (قطعة كيك بعجينة الموز وكوب قهوة وقنينة ماء للشرب) تناولت الفطور وأخذت معها وجبة(الأدوية الصباحية).
بالموعد المحدد الساعة التاسعة صباحاً وصل صديقي، انزلقتُ سريعاً بجوف سيارته، هطول المطر مستمر، بعد التحية أنطلق متجهاً صوب منطقة (ولِيشيا) كنا نسير وسط مطر كثيف، ماسحات زجاج السيارة الأمامية أوتوماتيكيا تعمل بأقصى سرعتها، دليل كثافة المطر.
كنت أرقب الطريق بعيون مفتوحة، الشوارع، البيوت، الحدائق، حركة السيارات، العمارات الشاهقة المتراصفة، التقاطعات المزودة بإشارات المرور الضوئية تعمل على مدار الساعة  لوحات المرور وهي تحدد الاتجاهات للاماكن والمدن وتحديد السرعة منتشرة على طول الطريق، صديقي الدكتور (كارم) لم يستعمل (جي بي أس الذي في السيارة أو الهاتف النقال) لمعرفة اتجاه الطريق، اخبرني أنه يعرف الطريق، فقد زار المنطقة سابقاً لعدة مرات.
المسافة من محطة (ليفربول) إلى مندي (ولِيشيا) تستغرق من الوقت بين (30 -35) دقيقة بالأيام والأجواء العادية أذن اليوم سيكون الوقت أطول اليوم بسبب المطر الكثيف ... في الطريق ساحة (فلكة) دائرية واسعة جداً قرب طريق (المطار) الجديد، يظهر على صديقي الدكتور (كارم) التردد من الاستمرار بالسير لمْ يكنْ متأكداً من الطريق الذي أختاره بعد ان سرنا به لمسافة قصيرة، أوقف سيارته على جانب الطريق، أخرج العنوان من (الموبايل) وأدار السيارة من المكان المخصص للاستدارة وفي نفس (الفلكة ) أخذ طريق أخر، بعد فترة من الزمن من السير، أخبرني صاحبي (د. كارم) أن كثير من المعالم تغيرت في الطريق، فقد مضت فترة عدة سنوات لَمْ يَزر المنطقة، فهناك تغيرات عمرانية كبيرة جرت بالمنطقة أذ بوشر بتشييد (مطار جديد) قريب من المنطقة فازدادت بشكل كبير حركة البناء والأعمار، والشوارع الجديدة الحديثة في المنطقة، حتى أسعار أراضي وَ بيوت المنطقة بدأت بالارتفاع.
كنتُ أراقب الشوارع الحديثة والقصور والقلاع والمزارع والبساتين والغابات المليئة بأنواع عديدة من أشجار (اليوكاليبتوس) الدائمة الخضرة، وترى على مد البصر الحقول الخضراء المنتشرة على جانبي الطريق.
وسط المطر الكثيف توقف صديقي في مكان مخصص للوقوف وهو يهاتف صديق يستعين به ويتأكد من أسم الطريق والعنوان الذي أرسله له يوم أمس ... جاء الجواب سريعاً انه نفس العنوان ويسير بالاتجاه الصحيح .
دخلنا منطقة زراعية كثيفة التشجير منخفضة انحدرت بنا السيارة  لأقصى نقطة في المنحدر حيث (الجسر) لم اتمكن من مشاهدة النهر جيداً ونحن نعبر الجسر، ثم بدأت سيارتنا تتجه متسلقة تقضم الطريق متجهة نحو الأعلى عندما استوى الشارع وبان كل شيء مكشوفاً، اخبرني (صاحبي) أننا في المكان المقصود الآن.
انعطف الى جهة اليسار في طريق فرعي زراعي وبعد مسافة ليست بالقصيرة على جانبي الطريق حقول خضراء على مد البصر مزارع وبيوت قديمة وحديثة وقصور ومنشآت والعديد قطعان الابقار ترعى بهدوء .
 اندلف صديق بسيارته الى جهة اليسار دخل بوابة لمزرعة مسورة بأسلاك شائكة  ...  قال ليّ صديقي (د. كارم) بعد أن سحب نفس عميق :
-   أخيراً وصلنا بسلام!
أذن نحن دخلنا إلى المساحة المخصصة (لمندي ولِيشيا) سارت بنا السيارة مسافة قصيرة هنالك توقفنا في ساحة مخصصة لوقوف السيارات بلطت (بالإسفلت) وعلمت بالمسافات المحددة لوقوف السيارات، خلفها بناية صغيرة طليت باللون  الأبيض.
ركن سيارته في احد الأماكن المخصصة لوقوف السيارات، ترجلنا من السيارة الجو غائم خفَ المطر لكن السماء لم تزل تنث رذاذاً متواصلاً بشكل خفيف.
سرنا على ممر مخصص للمشاة من (الكونكريت ) يرتفع قليلاً عن سطح الأرض عرض الممر حوالي (متر ونصف) على جانبي الممر بنايتان صغيرتان انعطفنا داخل أحداهما والتي تحتوي  على عدة غرف نظيفة حديثة أنها مقسمة الى عدة أجزاء قسم مخصص للحمامات الرجالية وَالنسائية وَمغاسل، متوفر فيه الماء، وغرف لتبديل الملابس وغيرها من المستلزمات الضرورية في طقوس التعميد المندائي
عند مشاهدتي لحدود أرض (مندي وليشيا) كانت كبيرة  متموجة، غير مستوية ، لكنها تبدو عبارة عن حقل أخضر فيه الأعشاب والأشجار والشجيرات، تابعنا سيرنا على ممر المشاة الكونكريتي، ونحن ننحدر قليلاً قليلاً نحو الأسفل باتجاه النهر، حتى وصلنا الى مكان ينبع وينبثق منه (الماء) لينحدر بانسياب رائق بمجرى قناة مائية أو كما تسمى (ساقية) رصفت بعناية بالمرمر والحجر، على جانبيّ االقناة او الساقية المنحدرة وعلى جانبيها ممر من (الكونكريت) مخصص للمشاة ينتهي بحوض ماء واسع دائري كبير تحيط به عَلَى شكل (هلال) أو نصف دائرة مدرجاتٌ كونكريتية، غلفتْ بالحجر والمرمر وكذلك يُحيط بالحوض والمدرجات سياج من الحجر يفصله ويحميه من تسرب التربة المنجرفة بفعل الامطار للحوض ومقترباته.
ها هو حوض (التعميد/الصباغة ) المندائي الواسع الجديد أمامي، سريعاً إلتقطت له صورة، أنه بالمواصفات المطلوبة التي اتفق عليها جميع رجال الدين المندائيين في استراليا، فالماء يجري فيه باستمرار، يسحب الماء من نهر( نيبين) بمضخة (ماطور غطاس) وينحدر بالمجري المخصص - القناة - خلال انسيابه يتفلتر من كثير من الشوائب ، الماء المنساب يزود الحوض الكبير المخصص للتعميد- الصباغة-  وإجراء الطقوس والمراسيم الدينية المندائية التي تشترط عند أجرأها الماء الجاري، وهكذا باستمرار يخرج الماء الزائد بعد تنقيته ليصب في نهر (نيبين) مرة أخرى. 
في هذا المكان كان في استقبالنا بترحيب كبير اخوة أحبة لنا من السادة الأفاضل المشرفين على المكان وهم ( خسرو ناصر/ مدير المشروع ، وفيصل عنيسي ورياض الخميسي)بعد التحية والسلام، والسؤال عن الأحوال، بدأنا الحديث عن (مندي ولِيشيا) أو (حلم الأجيال) كما وصفته بيانات ونشرات التجمعات المندائية في أستراليا.
 يقع (مندي ولِيشيا) في وسط أرض زراعية، ومساحته الكلية (10) أوكر  - وحدة قياس للأراضي الزراعة في أستراليا - والتي تعادل بمجملها ( 40000) متر مربع ، تعود ملكية الأرض (الطابو) باسم (جمعية الصابئة المندائيين في استراليا) وهي نفس الجمعية التي تمتلك (المجمع المندائي في ليفربول).ويقع (مندي وليشيا) مباشرة على ضفة نهر (نيبيان Nepean River) في المنطقة الساحلية من ولاية (نيو ساوث ويلز)...
مضت سنوات عديدة ونحن نسمع سنباشر العمل بمشروع (مندي وليشيا) فقد كنت في زيارة الى استراليا عام (2015)علمت وقتها انه قد تشكلت لجنة كبيرة للمباشرة بالتنفيذ ... لكن تأخر العمل بالتنفيذ طوياً ولا أريد هنا أن أخوض بالأسباب والمسببات ... لكني كنت اتابع اخبار (مندي وليشيا) فبتاريخ (07-05-2019) قرأت خبراً مفرحاً منشور في صفحة (جمعية الصابئة المندائيين في استراليا) على (الفيسبوك) مذيل الخبر أو البيان باسم :
(أخوكم في الكشطا الريش أمة صلاح جبوري
 رئيس طائفة الصابئة المندائيين في أستراليا
 والذي يبشر فيه المندائيين في كافة أنحاء المعمورة بهذا الخبر السار.
أستل من الخبر  هذه الفقرة :
({أحبتي أذ نعلن لحضراتكم عن هذه البشرى، سيباشر العمل بالقريب العاجل، ونبتهل إلى رب العظمة (ماري أد ربوثا)أن يمدنا بعونه ويزيدنا إيمانا لما فيه خيراً لأبناء أمتنا.
وقد أحيل بناء تنفيذ المشروع - مندي وليشيا - إلى عهدة إبن الطائفة البار (السيد خسرو ناصر) وتم تشكيل لجنة مشرفة لمتابعة العروض المقدمة من قبل الشركات وتدقيقها.
نتذرع جميعاً (للهي قدماي) لتسهيل إنجاز المشروع بأبهى صورة وخير المعين}}
فعلاً فرحت لذلك الخبر ورحت أتابع أخبار سير تنفيذ المشروع والتي تنشرها على صفحتها جمعية الصابئة المندائيين ... وأخرها قرأت وأنا في زيارتي لاستراليا خبراً نشر بعد ظهر يوم الأحد (15-01-2023) قرأته بفرح وسرور، خبرٌ طالما انتظرته بشغف وأنتظره مثلي الكثير يقول مانشيت الخبر:
(التشغيل التجريبي لمندي الأجيال في ولِيشيا)
الخبر منشور في العديد من المواقع الصحفية والشخصية على نافذة التواصل الاجتماعي على (الفيس بوك) مع مجموعة كبيرة من الصور لفرح المندائيين وهم يمارسون طقوس التعميد.
قررت أن أذهب إلى (مندي  وليشيا) اتصلت بصديقي العزيز الأستاذ (صلاح معيوف السهيلي/ابو سامر) وأخبرته برغبتي الذهاب للموقع، بأقرب فرصة، فهو خير من يرتب الأمور لمثل هذه الزيارة، عند اتصالي به هاتفياً رحب بالفكرة وأبدى كامل استعداده بتنفيذها، فاتصل بصديقي العزيز الدكتور (كارم ورد عنبر) واتفق معه على ذلك، من حسن الصدف ان يكون الموعد (يوم الأحد التالي المصادف (22-01-2023) وفيه وبذات المكان هنالك تقام مراسيم (عقد مهر) لبعض المعارف من الأصدقاء وهكذا أتفق مع الأستاذ (صلاح معيوف والدكتور كارم ورد) العديد من الأصدقاء للحضور للمكان في الأحد القادم.
صيف (سيدني) لا يؤتمن ففيه تقلبات المناح سريعة أفادتني كثيراً المظلة –الشمسية- احتميت فيها وأنا اتجول في المكان الفسيح المريح – مندي وليشيا- الذي يفتح النفس، الهدوء والسكون والهواء النقي العليل والمناظر الجميلة الخلابة التي تحيط بالمكان، حول الحوض الكبير نصبت عدة سرادق (خيام) للعوائل مندائية العديدة التي كانت قد وصلت قبل وصولنا والتي تروم التعميد أو (اجراء مراسيم عقد المهر أو الصباغة) على ضفة الحوض وجدت صديقي العزيز الكنزبرا (وليد عبد الرزاق خشان) ومعه صديقي الكاتب المجد(بشار عزيز ياسر) والتقيت بصديقيَّ العزيزين فضيلة الترميذا (سليم كاطع ) وصديقي الغالي (رغيد ضامن ورسن) سررت بتواجدهم ولقائهم، بعد التحيات والسلام التقطنا بعض الصور معاً لتوثيق الزيارة واللقاء.
عدت إلى صديقي دكتور( كارم) ومجموعة الأخوة الأحبة الذين التقيتهم ساعة دخولنا الأفاضل (خسرو وفيصل ورياض) وتحدثنا عن همومنا (المندائية) المشتركة حيث التشتت في العديد من بقاع المعمورة.
سألت الأستاذ (خسرو ناصر/ مدير المشروع) عن أهم المعوقات التي واجهتهم خلال الفترة الماضية بعد المباشرة بالتنفيذ بالمشروع؟
-   بلطف أجابني :
كان العام الماضي عاماً شديد القسوة علينا وعلى ما أنجزناه فبعد اكتمال معظم الأبنية والطرق والحوض والتي تشاهدها أمامك ضرب المنطقة (فيضان مدمر كبير) أمطار غزيرة جداً مع فيضان نهر(نيبين) الذي تقع على ضفته مباشرة أرض (مندي وليشيا )، وتبعه بعد مدة قصيرة بذات العام فيضان مدمر اخر ؛ وأكمل قائلاً: وهذا لا يحدث إلا في أوقات متباعدة جداً قد تستغرق أكثر من (25) عاماً!
-   فسألته عن الأضرار التي حدثت  من جراء ذلك الفيضان المتكرر وغزارة الامطار؟
أجابني : لم تتضرر الأبنية والطرقات والحوض والمدرجات كثيراً ، وكان أكثر المتضررين هي المناطق التي تم تشجيرها، وباشرنا مرة أخرى أعادة التشجير.
بابتسامة صادقة وبفرح كبير هنأتهم من كل قلبي وتمنيت أن يتم أنجاز المرحلة الثانية من (مندي وليشيا) بأسرع وقت.
أشار اليّ صديقي الدكتور (كارم) الآن علينا أكمال المرحلة الثانية من الزيارة التوجه للذهاب لمزرعة الدكتور (ماهر مهاوش السبتي) لحضور إجراء طقوس(عقد مهر)لأبن صديقنا العزيز الأستاذ (أبو همام /عبد الكريم سالم العكيلي ) ولده الشاب المهذب الوسيم (ليث عبد الكريم العكيلي) على الآنسة الجميلة (سمارة صفاء زامل دشر) وهنالك سنلتقي بكثير من الأحبة و الأصدقاء.
تقع مزرعة الدكتور (ماهر السبتي) قريبة جداً من (مندي وليشيا )وعلى نفس الاتجاه وعلى نفس النهر، خلال دقائق قليلة دخلنا من بوابة المزرعة، ركنت السيارة في المكان المخصص لوقوف السيارات جنب العديد من السيارات، وترجلنا من السيارة ، أستقبلنا صوت زعاريد النسوة  وأغاني المناسبات المفرحة الذي يصدح في الفضاء.
توجهنا للسلام على أحبتنا وأصدقائنا الموزعين داخل سرادق (خيام) مؤقتة، نصبت كي تقي المحتفلين من الشمس والمطر، نصبت أمام قاعة بناية كبيرة تجاور النهر .
 الخيمة التي في الوسط أعدت (لمراسيم المهر) ففيها نصبت (الأندرونا) وهي بيت من القصب تجرى فيه قسم من مراسم المهر، فيما السرادق الأخرى مدت بداخلها موائد نضدت عليها انواع الأطعمة والفاكهة والقهوة والشاي، التي وفرها والد العريس الصديق العزيز (أبو همام) لجميع الحضور بلا استثناء للفطور والغداء!
كان في استقبالنا بكلمات الف هله ومرحبة بوجوه مشرقة باسمة فرحة والديّ العريسين (ليث وسارة) والعديد من أفراد اسرتيهما، سلمنا عليهم جميعاً وتمنينا لهم وللعريسين حياة زوجة سعيدة، ووجدت اصدقائي الأعزاء (صلاح معيوف السهيلي وَرياض ناصر المهنا /أبو أريج وَأمين حلبوص المهنا) وذهبت للسلام على فضيلة الريشما (صلاح الكنزبرا جبوري الكحيلي) رئيس الطائفة المندائية في أستراليا والذي يقوم بنفسه بإجراء طقوس (المهر) للعرسان ومعه مساعدين من رجال الدين ومنهم فضيلة الترميذا (بيام جيزاني) .
رغم زخات المطر التي تهب علينا من حين لآخر، لكن كانت اجواء البهجة والفرح والحبور تطغي على المكان، تهاني وَتبريكات وَزغاريد وَأغاني فلكلورية تشيد بجمال ومزايا العروسة وأخلاق وطيبة العريس.
تجولت في داخل البناية الكبيرة التي يقام فيها أيضاً جزء مهم من مراسيم (المهر) التعميد في الحوض،  وخدر العروسة، الذي تكتمل به مراسيم قطع المهر!
 أعجبني جداً تنظيم وعمل ما قام به الكريم المعطاء الدكتور (ماهر مهاوش خفي السبتي) فقد هيأ وخصص هذه البناية والمكان (البناية والمزرعة) والتي تقع على ضفة نهر (نيبين) مباشرة، والتي تحتوي بداخلها على (حوض للتعميد) بحجم جيد يفي بالغرض وغرف لتبديل الملابس ومطبخ وعدة حمامات للنساء والرجال، وغرف للاستعمالات الأخرى ... تجدر الإشارة والإشادة بأن(د.ماهر السبتي) شيد كل هذا البناء ومنذ اكثر من عشر سنوات على نفقته الخاصة، ويستقبل فيه جميع أبناء الطائفة المندائية في (سيدني) لإجراء الطقوس الدينية المندائية في المناسبات الدينية والتي تحتاج لمثل هذا المكان الواسع مع ماء النهر الجاري كأيام البنجة –البرونايا- والأعياد والآحاد وَ أيام طراسة رجال الدين المندائي والتي تستمر لمدة سبعة أيام متتالية؛ تشاركه كرم الضيافة والترحيب رفيقة دربه المهذبة زوجته السيدة الفاضلة (هدى الجيزاني).
فأنا ومنذ سنوات عديدة اتابع بإعجاب شديد العديد من الفعاليات الكبيرة التي تجرى داخل مزرعة الدكتور (ماهر السبتي) وينشر الحدث مرفق بصور له عبر العديد من منافذ التواصل الاجتماعي وهي تشيد بسخاء كرمه وبأخلاقه العالية.
بعد انتهاء مراسيم قطع المهر، ودعنا أهالي العروسين، متمنين لهم التوفيق والسعادة ، عدنا بعدها مرة أخرى (لمندي ولِيشيا )لبعض الوقت ثم توجهنا في سيارة صديقي الدكتور (كارم) إلى مدينة (ليفربول) حيث محطة قطار (ليفربول) نقطة أنطلاقنا، عندها ودعت صديقي العزيز الاستاذ (كارم ورد) الورد بأجمل عبارات الأمتنان.
في طريق عودتي وأنا أجلس في مقعدي في القطار، سرحت أعيد شريط فيلم أحداث هذا اليوم، وأنا بغاية السعادة فقد قضيت يوماً سعيداً جميلاً.
كتبت في سيدني يوم الخميس المصادف 16 شباط 2023
 

7
نِيرانٌ حاقِدةٌ بَغِيضَةٌ تَلتَهِمُ أَمالَ وَعَقلَ سَلمان


       
يَحيَى غَازِي الأَميريّ
كانت السَّاعة تُقاربُ العاشِرةَ صباحاً، وصل الضيوف بالوقت المحدد لمكان اللقاءِ في(مَقهى الأيمان) حيث كان(سَلام) يقف أَمام واجهة المقهى بانتظارهم ، بناءاً عَلَى طلبهم، أجلسَ(سَلام) ضيوفه(الثلاثة) في أحد أركان المقهى الشَّعبي، وطلبَ لهم ما يودون تناوله من المشروبات، الحارة أو الباردة، والمعلوم أن في مثل هذا الوقتِ تقل فيها حركة رواد المَقهى، الضيوف (مجموعة من المدونين) المهتمة بتوثيق بعض من مآسٍ ومعاناة لا حصر لها لأكبر مدينة في (بغداد) والتي يرافقها منذ تأسيسها الجور والفقر والخراب، المدينة التي أطلق عليها في بداية أنشاؤها (مدينة الثورة) والتي بنيت في فترة العهد الجمهوري الأول (1958- 1963م) لإسكان آلاف العوائل العراقية النازحة من مختلف مناطق جنوب العراق للعاصمة بغداد والتي كانت تعيش في مجمعات عشوائية كبيرة جداً في(صرائف) بيوت بدائية تشيد من القصب وسعف النخيل والطين.   
عدلَ(سَلام) من جلسته عندما طلب منه أحد(المدونين) أن يلتقط لهم صورة جماعيَّة، قبل بدأ الحديث.
وَابتدأ حديثه مرحباً بضيوفه: أصدقائي الأعزاء ألف أهلاً وسهلاً بكم دعوتكم في هذا اليوم بالذات لمرور سبعة أيام فقط على  مأساة عائلة (سَلمان) صديقي وزميلي وَ جاري وَ ورفيق عمري لقرابةِ نصف قرن؛ سأقص لكم شيئاً عن أهم محطات ومعاناة هذه العائلة التي مزقتها و شردتها وأحرقتها السنون العجاف، الحروب والحصار وفوضى الانتصار.
 بُرهَةَ صمتٍ ثُمَّ  باشر (سَلام) حديثه مُجدداً: بيت عائلة صديقي (سَلمان) يبعد عن هذا المكان حوالي (50) متراً، بعد انتهاء جلستنا، سآخذكم بجولة لمشاهدة الدار التي أصبحت(حطاماً وَركاماً).
 هذه(المقهى الشعبية) التي نجلس فيها قديمة الآن عمرها أكثر من سنين عمري تعد من أشهر مقاهي الحي الذي نسكنه، كنا أنا وَ(سَلمان) نتردد عليها بأستمرار ، فنحن قد ولدنا معاً بهذا الحي.
أخرجَ (سَلام) صورة قديمة من محفظته تجمعه بصديقه (سَلمان) بحركةٍ توحي بأهمية الصورة وضع بعناية الصورة أمامهم على الطاولة، في الصورة (شابان اسمران رشيقان) بطول متوسط وملابس انيقة بشعرهما الطويل الأسود، وبابتسامة مرحة راح يحدثهم : هذه الصورة عندما كُنا في سن المراهقة، في الصورة (سَلمان يحمل بيده مجموعة من الكتب المدرسيَّة) كنا في مرحلة الدراسة الثانوية التي لم يتمكن (سَلمان) من اتمامها، لكنه تميز بمجموعة من الصفات كان ودوداً، كريماً، هادئ الطباع، قليل الكلام، متزن اللسان محباً كثيراً للمطالعة وخصوصاً للأدب مولع بقصص وروايات (نَجيب مَحفوظ). 
وأستطرد بحديثه: بَعْدَ أن أنهى(سَلمان) خدمته العسكريَّة الإلزاميَّة والتي امتدتْ لما يقارب مِن عشر سنوات، مشاركاً رغم أنفه بالحروبِ المدمرةِ التي خاضها سُلطان البلاد، ليتلقفه بعدها حصار اقتصادي ثقافي اجتماعي سياسي، لا تقل وطأته وقسوته ومدته من سنوات الحروب الماضية.

عندما بلغ سن (الأربعين) من العمر كان (أباه وأمه) يلحان عليه كثيراً بضرورة الزواج، فهو أبنهما الوحيد المتبقي إذ قتل أو فقد أو وقع بالأسر، شقيقه الأكبر(قاسم) خلال سنوات الحرب المنسية  كما كانت تسميها وسائل الإعلام العالمية، في أحدى المعارك الطاحنة من عام (1987) بمنطقة (نهر جاسم). لِمْ يتم العثور  عَلَى جثته، أو عَلَى أي دليل يوثق أسره أو وفاته، حتى بعد انتهاء الحرب، لَمْ تحسمْ قضية الأسرى،ولمْ يعرفْ بشكل صحيح أعدادهم وأسماؤهم، وكذلك لم تتمكن السلطات من دخول المنطقة - التي دار بها القتال- المليئة بآلاف من جثث القتلى من الطرفين المتقاتلين، لكون المنطقة مزروعة بآلاف الألغام، رغم أن السلطات آنذاك أخبرتهم انه (شهيد) في إحدى ساحاتِ القتال، لكن بقيت العائلة تتأمل عودته، بعد أن علموا علم اليقين أن عدة (آلاف) من الجنود قد وقعوا بالأسر.

عام(2000) رتب حاله ورمم داره وتزوج، كان عمره (أربعين) عاماً، بقيَّ يعمل عامل بناء، مهنة شاقة وتتطلب منه قوة بدنية، لكنه كان صبوراً لم يفت اليأس عضده، يعيش مع أهله في بيتهم المتواضع المتكون من غرفتين ومطبخ وحمام ومرافق صحية، وباحة صغيرة فيها التنور وقن للدجاج. رغم صغر الدار وقدمها لكنه كان فخوراً (بوالديه) فقد تمكّنا من تشييد هذه الدار، في هذه المدينة العجيبة، وسط العاصمة.
يضحك(سلام) ويتوقف لحظة من الحديث، ويعدل نظارته الطبية، ثم يعاود حديثه :
نعم أنها حقاً مدينة (عجيبة) كما كان يحلو لرفيق عمري(سَلمان) أن يسميها، فالمدينة يتبدل اسمها وكثير من معالمها كلما تغير نظام للحكم في البلد، المدينة مترامية الأطراف مهملة بائسة مكتظة بالبناءِ وَالسكان، لكنها كثيرة العطاء و منبع لا ينضب للطاقات والمبدعين،يالها من مدينة!

ثم يعاود الحديث عن صديقة وعائلته:
 رزق(سلمان) بطفلين الأول بنت والأخر ولد، الولد يشبه أباه كثيراً ، عندما سمع أن الله رزقه بولد، طار من الفرح، ونقل البشرى بلهفة إلى (والده) وهو مسرور فرحان سعيد، في الحال أطلق عليه جده (أبو قاسم) أسم (فرحان) والدته وهي بمنتهى الغبطة وزعت الحلوى على الجيران.
ولادة الطفل (فرحان) زادت من متاعبه وهمومه، جاء الطفل إلى الدنيا وهو عليل، لفَ فيه الأطباء والمستشفيات، كان الجواب دائماً أملاً ضعيفاً في شفائه؛ فيما نصحه بعض الأطباء بعد كثرة مراجعات وتوسلات بأن ابنه الصغير، لا يوجد له علاج يشفيه من مرضه في الوطن؛ لكن يمكن معالجته في خارج العراق، فالبلاد تمر بحصار دولي، وعلى مضض أقتنع بذلك.
كان يردد مع نفسه وكلما التقيتُ به:
-  من أين ليَّ المال؟
- كيفَ أجمعه؟
- كمْ أحتاج من المال للسفر والعلاج؟
- من يعيل عائلتي عندما أسافر؟
 أصبح هذا الهم الجديد شغله الشاغل واخذ كل تفكيره.

عام (2003) سقط نظام الحكم، في قمة الاضطرابات و الفوضى التي تجتاح البلد و بعد السقوط المدوي بشهر واحد، توفي والده (أبو قاسم) وهو بعمر يتجاوز الـ (70) عاماً تقريباً بعد أن أعياه المرض وهم التفكير بعودة أبنه المفقود( قاسم)!

زاد صديقي (سَلمان) من عزيمته وساعات عمله، بعد أن طور من مهنته فقد أصبح (بناء) أَو كما يقال في اللغة الدارجة (خَلفة) أَو (أسطة) وليس عامل بناء، كي يحاول جاهداً أن يجمع مبلغاً من المال ليعالج به طفله؛ زوجته هي الأخرى قررت أن تعمل كي تساعده و تجمع معه المال؛ حيث أفتتحت من سياج الدار باباً أخرى على الشارع وعملتْ منها شيئاً يشبه الدكان تبيع منه الخضار وما يحتاجه الصغار مِنْ الأطفال من حلوى.
الجدة والدته(أم قاسم) رغم كبر سنها تكبت أوجاعها و تحاول مساعدتهم في رعاية الأطفال والطبخ.
(سَلمان) لا يهدأ يعمل ويجمع التقارير ويحاول إنجاز معاملات السفر ويتصل بالمنظمات الإنسانية والطبية، العراقيل والمعوقات والمراجعات اصبح عددها كثير جداً بعد سقوط النظام ، ألتجأ إلى الوساطات بين المعارف والأقارب علها تعينه على بلواه، لكن دون جدوى؛ لكنه لمْ ييأسْ، وَلَمْ يفقد الأمل.
بَعْدَ مُراجعات مضنية قاربتْ السنة تمكن من الحصول عَلَى جواز السفر الجديد، له ولطفله العليل، إحدى المنظمات تكفلتْ بتزويده بمجموعة من التقارير الطبية، ووعدته بمساعدته بعلاج طفله خارج القطر، لكنْ يتطلب الأمر ان يكون في الدَّور" الطابور" فقبله مجاميع كثيرة تشبه حالة (ابنه) وقد راجعتْ وتنتظر دورها هي الأخرى؛ طلبوا منه أن يعطيهم رقم هاتفه، أعطاهم رقم هاتفه النقال" الموبايل"، أخبروه أنهم سوف يتصلون به عندما يحين موعده، بعد أن أكملوا له الفحوصات والتقارير الطبية.
وَما هيَّ إلا أشهر قلائل حتى دَخلتْ البلاد في أتون حرب أهلية دمويَّة طاحنة، مستعرة يغذيها عديمو الضمير بالمال والسلاح والخداع والكذب والنفاق، من مافيات الأحقاد والانتقام والتصفيات، أريقتْ فيها الدماء بالشوارع، وشلتْ الحياة بالبلاد وخصوصا في(العاصمة بغداد).

 ذات صباح من خريف عام (2006) رنَ هاتفه النقال، نظر إلى الرقم وفتح الموبايل بلهفة هيَّ نفسها المنظمة الإنسانية التي سوف تنقذ فلذة كبده، كان ينتظر هذه المكالمة على نارٍ أحرِ من الجمرِ فهيَّ أمل العائلة الوحيد:
-   ألو، نَعَمْ أنا سَلمان
-   حدثوه بلطفٍ وطلبوا منه التريث والانتظار إلى أن تنفرج الأَزمة التي تعصف في البلاد.
-   عندما أخبرني (سَلمان) بذلك كانتْ عيناه تغرقان بالدموع.
-   واخبرني كذلك أن (زوجته) قد أغميَّ عليها ونقلتْ إلى المستشفى، عند سماعها ما دار بالمكالمةِ، وضرورة التريث.

في ربيع عام (2008) لمْ يَزَلْ البلد يغلي والاضطرابات مستمرة كما المد والجزر تهدأ ساعة و تزداد ساعات أخرى، المعاناة والمشاكل والفوضى تعم البلد، تتراكم الهموم عَلَى الهموم، أعلن الإنذار في المدينة، المدينة محاصرة، أصوات المدفعيَّة وأزيز الرصاص يسمع ليل نهار، قصف عشوائي، وقتل عشوائي، الطيران يجوب السماء القصف لا عَلَى التعين، الجميع في حالةِ هلعٍ وَ خوفٍ، أحدى المنازل التي بالقرب مِنْ دارهم وفي نفسِ شارعهم، في أحدى زخات القصف سقطتْ عَلَى دارهم قذيفة مدفع، هدمت الدار على مَنْ فيها، كانوا (خمسة) ضحايا جميع افراد الأسرة الزوج وزوجته وثلاثة أطفال، أخرجتْ أشلاؤهم من تحت الأنقاض.

كنت شاهد (عيان) عما حدث بهذا اليوم الدموي، في مساء ذات اليوم زرت بيت صديقي (سَلمان)، للاطمئنان عليهم، والحديث معه عن أخر الأخبار، أستقبلتني ( (أم قاسم) بأبتسامتها وكلماتها المعهودة (هله يمه، كل الهلا بسلام)، كركرات الأطفال وصخبهم يبدد الخوف المحيط بالمكان.
كانت في الدار ثلاثة (فوانيس) نفطية موزعة في البيت، تبدد عتمة الظلام وَتخفف من الرعب الرعب، يجلسون كالمذعورين بالقرب من طباخٍ نفطيٍّ صغير، ينفثُ (القدر) الذي فوقه بخار حساء العشاء؛ في هذه اللحظة رن الهاتف النقال ألتقط(سَلمان) التلفون وفتح ( مكبر الصوت الجميع في البيت يسمع ما يدور من حديث) المكالمة من قريب له في طرف المدينة الأخر، من أبن عمه (جبار) أخبره أن حريقاً هائلاً يضرب الأسواق والمخازن وأسواق الجملة قرب منطقتهم التجارية، فيما هو يهاتف قريبه؛ صوت انفجار مدوي هائل يقتلع الأبواب والشبابيك، تتهاوى أجزاءٌ من البيت، تعيق الحركة، حاول عبثاً إنقاذ(زوجته وأمه) بعد ان تمكن من إنقاذ طفليه، الحريق أمتد ليلتهم عدة أجزاء من الدار، تجمهرت الناس في محاولة لإنقاذ العائلة المنكوبة مثل ما يحدث في مثل هذه الظروف التي تحتاج الغيرة والنخوة العراقية، وما هي إلا دقائق حتى أخرجوا (زوجته) وهي تصرخ بهستريا وأثار الحروق على وجهها... لكن للأسف الشديد رغم المحاولات التي بذلها الجيران لإخماد الحرائق والإتصال بسيارات الإطفاء لكن دون جدوى فخط مديرية الدفاع المدني/ الاطفاء(مغلق) فالمدينة ساحة حرب محاصرة منذ ثلاثة أيام والقصف على أشده عليها.

(أم قاسم) بقيت محاصرة داخل البيت تصرخ وتتوسل وتستغيث لنجدتها؛ فقد حاصرتها النيران، وَالجدران المتهاوية التي راحت تضيق الخناق عَلَى تلك المرأة المنكوبة سلفاً، رويداً رويداً خفتَ صوتُ استغاثتها وَتوسلاتها، ثمَ تلاشى صوتها الخارج من تحت ركام الغرفة المتهاوية المحترقة، بعد ساعتين من محاولات نجدتها، أخرجت من تحت الانقاض جثة هامدة تشوهها الحروق المتفحّمة، صراخ وبكاء وعويل الجمهرة الكبيرة من رجال الحي وشبابها وأطفالها ونسوتها يشق عنان السماء، وهو يختلط مع أصوات الإنفجارات و أزيز الرصاص ونباح الكلاب المذعورة هي الأخرى.
وقف(سَلمان) مذهولِاً، مذعوراً، عيناه تذرفان دماً بدل الدموع، وأحتبس لسانه فأصبح لا يجيب الناس عن استفساراتها وأسئلتها الكثيرة، كأنه يَعيش في عالمٍ أخر لكنه لا ينقطع عن الحديثِ بصوتٍ مسموعٍ يناجي به ربه، يداه وساعداه مفتوحتان مرفوعتان في الهواء بتجاه السَّماء وهو يردد نفس العبارات:

{رَباه لِمَ كلُّ هذا  العذاب
 أيّ ذنب اقترفناه
اِحترق البيت
اِحترق كلُّ ما في البيتِ أحلامنا، أمالنا،
المال الذي جمعناه
جوازات السَّفر الأوراق الثبوتيَّة
التَّقارير الطبيَّة
زَوجتي،
 حَتى أُمي
رَباه ما هذا البلاء،
رَباه ماذا أبقيتَ لَنا}
لَمْ نستطعْ تهدئته، بقيَّ يُردد نفس العبارات كأنها ترانيم درويش صوفيّ في محراب، يحفظها عَلَى ظهرِ قلب، إلى ان بزغتْ أول أنوار الفجر، فَبانَ وجهه شاحباً معفراً بالتُّرابِ وَالسُّخام وَبشعرٍ أشعثٍ مَشُوبٍ بالشَّيب، وهو يترنَح ذات اليمين وذات الشمال كمن أثمله الإسراف في شربِ الخَمر؛ حتى سَقط أرضاً مغمياً عليه...
سادَ الصمت، ورانَ الحزن والألم عَلَى الجميع، وَبصوتٍ خافتٍ متهدجٍ حزينٍ أختتم (سَلام) حديثه: لقد أنظمَ(سَلمان) إلى قافلةِ الضحايا الطويلة ... لَقَدْ أحترقتْ أَحلامَهُ، وَلَمْ يَعد يشعر بشيء.


كتبتْ في نيسان/أبريل  2008
مالمو ــ مملكة السويد

8
المنبر الحر / بَوحٌ بِصَوتٍ عالٍ
« في: 11:21 31/07/2022  »
بَوحٌ بِصَوتٍ عالٍ

يَحيَى غَازِي الأَميريّ

لنقرأ معاً ما كتبه ونشره الأستاذ (إبراهيم ميزر الخميسي) مدير دار ميزر للنشر والتوزيع ،مشكوراً في صفحته في الفيسبوك ساعة الإعلان عن صدور (مجموعتي الشعرية الثانية / بَوحٌ بِصَوتٍ عالٍ) يوم السبت 23 تموز 2022.

{ صدرت في مالمو/ السويد عن (دار ميزر) للنشر والتوزيع  يوم 23يوليو/تموز 2022 المجموعة الشعريّة الثانية للكاتب (يَحيَى غَازِي الأَميريّ) والموسومة (بَوحٌ بِصَوتٍ عالٍ)
 
تضم المجموعة (28) نصاً متوزعة بين :
الحب والوجد والغرام، وشبيبة تشرين ونضالهم وتضحياتهم من أجل عراق أفضل وأجمل، وسِير
لشخصيات وطنية مضحية بارزة تركت بصماتها في البلد المجتمع، وتوثيق العديد من الأحداث البارزة في العراق، تعكس النصوص ترابطاً ممتعاً ومهماً بين الأدب ، الأمثال، الحكمة والذكريات.
كما في كتابه الأول، تمتاز نصوص (الأميري) برقةِ وجمال أسلوبها، جزالتها، وسلاستها. يشعر القارئ أن ما يكتبه المؤلف نابع من شغاف قلبه ويُعبر عن تجربة حياتية ثرّة وعن معاناة في ظروف صعبة في داخل الوطن (العراق) أو في زمن الاغتراب والهجرة.
ويختتم (مجموعته الشعرية ) هذه في نصٍ طويلٍ تحت عنوان (بانوراما  من تراجيديا الحرب والحصار) يوثق (الأميري) في هذا النص أهم الأحداث التي أصابت المجتمع والبلاد في (عقدين) من الزمن .
وهنا يربط المؤلف من خلال أسلوبه المتميز بين خبرته بالأدب، تجاربه الذاتية، الوثائق التاريخية و المشاهدات العينية المرعبة والذكريات الموجعة الأليمة .
يضم الكتاب ( 178) صفحة من القطع الوسط، صمم الغلاف (غيث سلمان) لوحة الغلاف للفنانة التشكيلية (ريام يحيى الأميري) .من يرغب في اقتناء الكتاب يرجى الاتصال بالمؤلف مباشرة أو بدار ميزر للنشر على الايميل التالي:
maizarbooks@gmail.com

إبراهيم ميزر الخميسي: مدير دار ميزر للنشر والتوزيع}

على الرابط أدناه التعليقات التي جاءت بعد نشر صدور مجموعتي الثانية (بَوحٌ بِصَوتٍ عالٍ)على صفحتي في الفيسبوك.
https://www.facebook.com/yahya.g.alamiri/posts/pfbid032y13Cx7LyUx2psF8oSzVeuwKqc7bTha6s9FQJiFGN2MEhrKTMaCeLyV6d4LkK5akl?notif_id=1658674524750071&notif_t=feedback_reaction_generic&ref=notif





9
أدب / غُصَّةٌ فِي القَلبِ*
« في: 02:27 16/07/2022  »
غُصَّةٌ فِي القَلبِ*
 
يَحيَى غَازِي الأَميريّ
دَيَاجيرُ البُؤسِ طَالَ مُكُوثُها
وَلَفَّ ديَّارَنا الخَراب
وَتَمادى البغُاةُ بِغَيِّهم
بالسَّلبِّ وَالنَّهبِ
لِخَزائنِ الشَّعب
بِنَهَمٍ وَبِلا ذِمَمٍ
وَبِسُلطَةِ الكُرسِيِّ الدَّوارِ
بَالغُوا بالبَغيِّ
بِجورٍ وَطُغيان
لَمْ يَتركَ لَهم السُّحت **
فِي الفُؤادِ ذرةَ وَجدان
         * * *
تَصحرٌ وَجَفَافٌ
يَجتاحُ أرضَ السَّوادِ
وَمَملَكةَ القَصَب
تَشكو مِنْ وَجعِ العَطش
البِطالَةُ تَتَصاعَد
الأَزماتُ تَتَناسل
تَفتكُ بالحَرثِ وَالنَّسل
أفواجٌ مِنْ أفواهِ
الثَّكالى وَالمُعوزين وَالأَيتامِ والمَساكِين
أَنهَكَهُم السَغَب وَالوَصَب
تَصرُخُ وَتَستَجِير
{ الجُوع كَافِر
مَنْ يَدفَعُنا للمِحنةِ وَالشَّقاء
أشَد كفراً مِنَ الكافِر
مَنْ يَسرقُ أَموالُنا ظالِمٌ سافِلٌ فاجِر}
عَوزٌ وَفَقرٌ وَذِلٌ وَغَلاء
أَوبئة وَأمراض
وتَرَدٍ بالخَدمات
وَنَقص فِي الدَّواء
وَمِنْ أسقمَهُ الدّاءَ ببلواه
نَهارَهُ آهات وَجَع
 وَلَيلهُ أَنِين ألم
        * * *
أصوَّاتُ (سَبايَا) نِساءً وَصَبايا
حَرائر لَمْ يعشن الذل
وصار الذل وَالهوان يَتًلَبَّسهُنَّ
يَستَغِثنَ
 بِعيونٍ طافحةٌ  بالدموعِ
رَبَّاه:
{ لِمَ لا تَمِدُ لنا يَد العَون؟
ألم تخبرنا
-   إن ظلم الباغي المُستبِدّ عَلَى الضَّعيفِ البريء هُو أَرذلُ أَنواعِ الاِنحِطاط.
-   أَلَيسَتْ نصرةُ المَظلُومِ وَاجِباً دِينياً وَإِنسانياً؟}

        * * *
مَنْ أَشَاعَ الأَفيُون؟
عصَّارةَ الخَشخاش
الفاتِك المُريع
القاتل السريع
الغُول المُنفَلِت
مافيات المُخَدّرات
تَجُوبُ الطُّرقات
تَتَوغلُ وَتتغلل
تَبسطُ سَطوتَها
بتوسّعٍ هائِل
لا تَهاب أحَداً
وَلمْ تؤمنْ بالنَّصحِ وَالوَعظ
وَلا بسيادةِ القانون
يُقالُ : {إنَّ عُيونَ أمَراء الحُروب ِوَالخَرابِ تَرعاها.}
        * * *
قَيظٌ لافِحٌ
فِي الأُفُقِ يَلُوح
شُحَّة ًفِي المِياه
لِسان مِلحٍ يمتدُ مِنَ البَحر
يَلتهِمُ فَم شَطّ العرب
الأزبال تزكم الأنوف.
***
مَناسِكُ وَأضاحي وَصدقات الحَجِيج وَالطواف وَالعِيد
أَتَمتْ أَيامها
مَعَ صوتِ صَلاةِ العِيدِ وَتَكبير المُؤذِّن
كانتْ مَلايِين مِنْ أفواهِ الجِياع
وَمِنْ أَدمى العَوز وَالداء قلوبهم
تتأوَّهُ بحسرةٍ وَغُصَّةٍ وَإلتياع
فِيمَا
التَّصرِيحات بالإصلاح
عَلَى مَدارِ الَّساعَة
لَمْ تَنقَطِعْ
بَلْ كانتْ تَزدادُ جِدَّة وَحِدة
بالإثارة وَالحَماس
وَاللفِّ وَالدَّوران
          * * *
خَلفَ الأَبوابِ المُوصدةِ
فِي الظَّلامِ
تعقِدُ جَلساتُ
الزُّعماء الكِبار
اللاعِبُون الأَساس
المُتَوافِقون المُتحارِبُون
المتحاصصون، المُتخاصِمُون
عَلَى تَقاسمِ السُّلطةِ وَالمَغانِم
يَشدونَّ الهِمَم
وَيحشِدونَ الحِشود
وَيعدون العُدد
وَيتبادلون الأَدوار
لإنتاجِ وَإخراجِ
أَقوى أَفلامِ الأَكشن
بِخُططٍ ماكِرةٍ مُبتكرةٍ
حَدِيثة قَدِيمة
عبر الفَضاء
بعشراتٍ مِنْ قنواتِ التَّلفزةِ،
المَدفوعةَ الثَمن
تُبثُّ تَصرِيحاتٌ وَأخبارٌ
مُتناقضَة مُشوشَة مُتضارِبة
تَلوك الحَديث
عَنْ الاِنسِدادِ وَالاِنفِراجِ وَعَدمِ الإنفراد
فِيهِ الكثير الكثير
مِنَ اللَّغوِ وَالإفكِ
وللدماء السفك
وَالتَشوِيق وَالخداع وَالترويع
وَالغموض وَعدم الوضوح
واللَّبس والتَّدليس
والإبهام والاِتهام
وَسيول مِنَ الشَّتائمِ
المُقذعة البَذيئة المُتبادلة
تَتَطايَرُ عَلَى الهَواءِ
بِدُونِ رادعٍ وَوازع
مِنْ يُتابِعها يُصابُ بخيبةِ الأَملِ وَالغَثيان
لِكثرةِ الاِفتراءِ وَالقَذفِ وَالتَّضليلِ وَالبُهتان
        * * *
بترَقُّبٍ حَذرٍ وَإرتياب
لقادمٍ مُرعبٍ
لنزيفِ خَرابٍ جَديد
مَلايين مِنَ النَّاسِ المُمتَحنةِ الحَائِرَة
تَنوءُ تَحتَ نيَّرِ الهمومِ وَالرَّزايا
بِصبرٍ وَجَلدٍ تَكتُمُ غَيظَها
وَتَحسبُ السَّاعات
للنِّزالِ المُرتقب
لا يُرهِبُها المَنُون
عندما يَحتم الوَطِيس
وَلا تُرعِبُها
كَواتمُ الصَّوت وَالطَّرف الثَّالث
العُيون تَرصدُ مَيدان الوَغَى
وَسَاعَة الخَلاص وَالحِساب
فَفِي القلُوبِ مُنذُ زَمَنٍ
غُصَّة وَألم
وَلوعَة حُزن دَفِين
وَقراحَ جِراحٍ لَنْ تَندَمِل بَعدُ

كتبت في مالمو / مملكة السويد في 13 تموز 2022
هوامش متعلقة بالنص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الغُصَّةُ : ألمٌ وحُزنٌ وهمٌ وغمّ شديد متواصل
** السُّحتُ: ما خبث وقبح من المكاسب، فلزم عنه العار، كالرِّشوة ونحوها.

10
رُقعةٌ جديدة عَلَى ثَوبٍ بالٍ

 
يَحيَى غَازِي الأَميريّ
أَيّها السَّاعيّ
 بِهمَّةٍ للإنعتاقِ
مِنَ جَورِ الأغلالِ وَالإملاق.
احذر، لا تُخدع
بجديدِ خطابِ
 الرتاق
وَلا تثق دَوماً بمعسولِ الكلام
فكمْ مِنْ الوعودِ برغيدِ العيش
سيقتْ إلينا ...
النتائجُ جاءت
كوارثٌ مُخيبة للآمال
محض أفك وَلغو وَهراء
وَأوهام وَأغلال وَسراب
وحصدنا منها المزيد
مِنَ التشرد وَالضياع
وَالهجرة وَالتهجير
وَالسجون وَالقتل وَالإذلال
وَالأوبئة وَالأمراض وَالمخدرات
وَالفقر وَالدموع وَالبكاء وَالفرقة
وَالاِغتراب وَالاِحتراب
وَمافيات مِنَ السُّراقِ بِسَكاكِين مَشحُوذة.
         *  *  *
وعُودٌ وَعُهُودٌ وَخِطاباتٌ وَمَواثيق
مُبطَّنة بأحابيلِ التَدلِيسِ وَالخِداع
 كمائن مُحكمة
 متتالية متنوعة
أعدتْ بإتقانِ
شريرٍ نذلٍ لعين
بليلٍ بهِيم.

أُدركتْ
وَبانتْ كعين الشمس
لكنْ
بَعْدَ فوات الأَوان
      *  *  *
أيّها الثائر عَلَى الضيمِ وَالظلمِ وَالظلام
أيّها السَّاعيَّ للمجدِ التليد
أكيد
سيستجيب لكَ القدر
يا صاحب العقل والإدراك
الجوهرة الفريدة
أصغي إلى قلبِ أُمك الرءوم المعطاء الحنون
وَكمْ جارتْ عليها نوائب الخَوَّان*
ووَجع عقوق الأَبناء الخُوّن**
وَدَهاقِنة بَيع الكلام
وأقرأ  بوعيٍّ واِهتِمامٍ
وَتمعنٍ وَحرصٍ دَقيق
كُل التفاصيل
لصفقاتِ العصر
قبلَ أنْ تقذف إلى ما وراءِ الشَّمس
 حيث حتفك الجديد
وَعَلم عِلم اليقين
أنَ الشَّرَ وَالشَّيطان
فِيها يكمنان
كتبت في مالمو الجمعة 17 - حزيران-2022
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الخَوَّانُ : الدَّهرُ
** خُوّن: جمع خائِن   

11


مَسرحة القَصائد عَلَى خشبةِ محراب فرقة يالادا / مالمو

بقلم :يحيى غازي الأميري

بعملٍ ثقافي أدبي فني متقن رائع، أمضينا أمسية ثقافية مبهرة ممتعة، تحت عنوان (تحولات) مضى فيها الوقت سريعاً  تشارك فيها (الشعر والموسيقى والغناء والتمثيل).
الشاعر القدير (عدنان الصائغ ) القادم من مدينة الضباب ،بصوته الشفيف أنشد للحضور نصوص دافئة تنبض بالحنين واللوعة والآهات والوجع، من ديوانه (هذيان الذاكرة المرة) ومقاطع أخرى من ديوانه (نشيد أوروك)وديوان ( تأبطَ مَنفى).رافق قراءة (الصائغ) لقصائده، صوت (ناي) حديث( فلوت) لفانة سويدية جميلة أحد أعضاء الفرقة المسرحية، كانت بزفير مقنن من فمها وأناملها الرقيقة تداعب نايها الفضي لتٍسحر الحضور الذي غصت بهم قاعة المسرح الصغيرة.
فيما كان الحضور ينصت مبهوراً مشدوداً لصوت المبدع الفنان (علاء رشيد) وهو يطوف بنا بعوالم الغناء والشعر الصوفي الساحر عالم (مولانا جلال الدين الرومي والحسين بن منصور الحلاج ورابعة العدوية) والحان الموسيقار الملا عثمان الموصلي، وعلى نغم (نقرات الدف / الرق ) وجلجلة صنوجه المعدنيّة، وهو يطرق نوافذ العشق والفراق، يرافقهم صوت سحر (الناي/الفلوت) الذي يخرج من أعماق الروح فيبث الحنين وأوجاع الشجن.
الفنان (علاء رشيد) شد الجمهور إليه، وهو ينشد قصيدة (ياعذولي لا تلمني) :
يا عذولي لا تلمني ما على العاشق ملام
ادنُ مِنّي وأروي عنّي أنا في العشق إِمام
خمرةُ الأحباب تجلى هيَ حلٌّ لا حرام
من دموع العين تملى مائها البر السلام
وقد تألقت الفنانة (ريام الجزائري) وهي (تمسرح) قصائد (عدنان الصائغ) قراءة وتمثيلاً باللغة العربية، ترافقها قراءة لنفس النص فنانة أخرى تقرأ النص (باللغة السويدية وتارة أخرى باللغة الإنكليزية).
في مشهد (مشترك)  تشارك فيه (الموسيقى والغناء والشعر) لمقطع من ديوان الشاعر عدنان الصائغ الموسوم (تأبطَ مَنفى) :
صوت (الناي المشحون بالشجن) لعازفة سويدية، وصوت  غنائي شجيّ يبث شكواه إلى (الرب) من هول المحن ، صوت الفنان (علاء رشيد) وهو يغني مقطع من القصيدة؛  وبقراءة موجعة كحزن روح (النص) قرأ الشاعر ( عدنان الصائغ) مقاطع من قصيده؛  تلك القصيدة التي أقصت وحرمت الشاعر (عدنان الصائغ) من المشاركة في مهرجان (للشعر) كانت قد تمت دعوته إليه في (عمان / الأردن) أدناه مقطع من القصيدة :
(سأقذفُ جواربي إلى السماءِ
تضامناً مع من لا يملكون الأحذيةَ
وأمشي حافياً
أُلامسُ وحولَ الشوارعِ
بباطنِ قدميَّ
محدقاً في وجُوهِ المتخمين وراءَ زجاجِ مكاتبهم
آه ...
لو كانت الأمعاءُ البشريةُ من زجاجٍ
لرأينا  كمْ سرقوا من رغيفنا
أيّها الربُّ.)
وقبل ختام الأمسية، أدارت الفنانة (ريام الجزائري) بروح مرحة حواراً صريحاً ممتعاً  مع الشاعر المحتفى به (عدنان الصائغ) والذي تحدث فيه عن أبرز محطات حياته (الكوفة مكان الولادة (1955) والنجف ونهر الفرات وبغداد والحروب العبثية)، و أبرز محطات تنقلاته في هجرته (الأردن وسوريا ولبنان والسويد وأخيراً استقراره في لندن) وتحدث عن ظروف كتابته لديوانه (نشيد أوروك) الذي عجل بهجرته من العراق عام(1993) وكذلك حدثنا عن ديوانه الشعري الأخير (الضخم ) الموسوم (نردُ النصِّ)  والتي تعد أطول قصيدة بالشعر العربي أذ تبلغ عدد صفحات الديوان (1380) صفحة.
بشفافيته العذبة أجاب الشاعر (عدنان الصائغ) على أسئلة واستفسارات الحضور.
تخلل الأمسية استراحة قصيرة لمدة ربع ساعة كانت فسحة جميلة للتحدث مع الاصدقاء وتناول كوب من القهوة والتقاط بعض الصور التذكارية.
تحية كبيرة لفرقة مسرح (يالادا )لنشاطاتها المتميزة الجادة.
كتبت في مالمو الجمعة 06 /أيار ــــ مايس 2022


12
خَطُّ الحُبِّ فِي الكَفِّ

بقلم:يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

فِي جَلسةِ ودٍ عائليةٍ، وَنحنُ فِي غمرةِ حديثٍ عميقٍ عَنْ المَشاعرِ وَالأحاسِيس الوجدانيَّة، أنبعثَ مِنْ التلفاز، صَوت مَلائكي سَاحر، بموسيقى تَخلبُ الأَلباب، لِمشهدٍ مِنْ فيلم (قَلبِي دَليلي) إنها الفنانة الفاتنة  - ليلى مُراد - بأغنية (أَنا قَلبِي دَليلي قال لِي هتحبي) التَزَمنا الصَّمت، محدقين بالتلفاز.
صَوتٌ فِي داخليّ يَتحدث: يَا لهذا الصَّوت المُبهر وَيا لروعةِ الكلماتِ المشحُونةِ بالعاطفةِ وَالمَشهد الراقص البَديع الذي جاء مُتزامناً مع حَديثِ جلستنا.
 مَعِ كلماتِ الأغنيةِ العذبةِ، أبحرتُ فِي بحرِعَينيها، جاءنِي الرَّدُّ صَاعقاً كما البَرق، ألتمعتْ وَأَبرقتْ بوَمضَةٍ خَاطِفةٍ عيوننا مَعاً بِمراسيلِ الودِّ وَالهوى، طوالَ اللقاء كانتْ عيوننا تتراسل بسهامِ اللوعة، وَبالهَمسِ وَالإيحاءِ أَحياناً، فقد جاءتْ الأغنية كضَربةِ حظٍ لتوقظ الوَجدِ.
طالتْ الجلسة العاصفة بتبادلِ سهامِ الغرام ، أستاذنتُ الاِنصراف، رافقتني مودعة لبابِ الدارِ، صافحتها مودعاً هامساً بإذنها سألتقيك قريباً، اِحمرتْ وَجنتاها، وإزدادت بهاءً وأنا ارقبهما عَنْ قربٍ عَلَى نورِ القَمرِ المُنير ، فيما أرتجفَ فؤادي بنشوةٍ، أقشعرَ لَها البدن.
إنها ليست المرة الأَولى التي أزورهم فيها، فهم أَقاربي وَعلاقة حَميمية ودودة شفافة تربطنا معاً، وباستمرار، كنتُ أزورهم وأتحدث معها، لكنْ هذه المرة حدث شيء أخر!
أيقن القلب سريعاً وأشار ليّ إنها تبادلك نفس الود وذات الهوى، شعرتُ وقتذاك كأنما اطاحتْ بي الريح ببحرِ هواها.   
بَعْدَ بِضعَةِ أَيامٍ مِنْ هذا اللِّقاءِ العاصِفِ بنظراتِ الوَجدِ، كنتُ أجلسُ وحيداً فِي مَحلِ (والدي) للصياغة - صياغة الذهب والفضة -  فقد غادر (والدي) للتو المحل متوجها للبيت ، كانَ صوتُ مؤذنُ الجامع مِنْ مكبراتِ الصوتِ يملأ المكانَ فاليومَ هو ظُهرُ الجمعة، بابُ المَحلِّ مفتوحاً نصف فتحة، الجَو ربيعي، كنتُ مهموماً شارِدَ الذِّهن، رأسِي يَضجُ حدّ الوَجَعِ بِصِراعِ الضِّدانِ (الحَرب وَالحُب) أفكاري مُضطربة مُشَتتة فِي مَتاهاتٍ عَديدةٍ، فالخوف من رجال الأمن (عسس السلطان) وكتبة التقارير الوشات، يغرسُ أَنيابه الذئبية عميقاً ببدنِي لا يفارقني لحظة ، وَنيران الحَرب مستعرة عَلِى أشدها فتكاً بالأرواح، وَإحتمال نقلي لأحدى جبهاتِ القتالِ غداً، فِيما كانتْ لقطات اللِّقاء البَهيج الأَخير لَمْ تبارَحْ تَفكيريّ.
 
 حَدَثٌ مفاجيء غَير مُتوقَّع كَمَا الحُلم، امرأة كحيلة العَينينِ، مَمشوقةَ القوامِ وَالقَدِ، تَدخلَ المَحل...
تُباغتني بكلامٍ ناعِسٍ مَعسولٍ، لَمْ أعتد سَماعه سابقاً مُطلقاً.
- طابَ يَومُك، أَيها العاشِق المَهمُوم!
- هَلْ أقرأ لكَ طالعك؟
فقتُ مَذهولاً لصِيغةِ سَلامها وَغرابةِ طَلَبها... 
أطلتُ النَّظرَ مسحوراً مفتوناً بقوامِها المَمشُوقِ وَغَنجِ صَوتِها، وَعِطرها الزَّكيّ الذي فاحَ وَمَلأ المَكان.
   لَمْ أكنْ اؤمن بالعرافين وَقرّاء الطالع بالكفِ أو الفنجان أوبخطوطِ ضَربِ الرَّمل.
- وَكَيفَ ستقرأين طالعي؟سألتها.
- بثقةٍ أَجابتْ : بخطوطِ كفكَ أو بخطوطِ الرمل.
 - سَأقرأُ ما خَبَّأ الحَظُّ لكَ، أَكشف المَجهول وَخفايا القدر!
بَعْدَ بُرهةٍ مِنْ الاِرتباكِ وَالتَرددِ وَالحَيرة... وَأنا مَفتُون بحدِيثها المَلِيح الفَصِّيح، أشرتُ لها برأسي علامة الموافقة وَالرضا.
عَدَّلتُ مِنْ جَلستِي، جَلستُ فِي مَكانٍ مُناسبٍ، وَجَلَستْ هي قريبة أمَامِي.
بصوتٍ واثقٍ طلبتْ مني أَن أبسطَ  كَف يدي اليَمين.
بسطتُ كف يدي اليمين سريعاً، كأني أسير صوتها
بَعْدَ لَحظاتٍ مِن التَدقيقِ وَالتَمحَيص بكفِ يدي، تحدثتْ بصيغةٍ مرحةٍ آمرةٍ:
- أبسط كف يدك اليسار، وأضافتْ :
- أبسطها ففيها كل أسرار الرجال!
كَالمَسحُور بَسطتُ لَها كَف يَدي اليَسار، وَأنا أعِب مِنْ عطرها الفواح الذي مَلء المَحل.
أطالتْ النَظر وَهي صَامتة لبضعٍ من الدقائقِ تتأمل وَتدقق راصدة خطوط الكف، رَفعتْ رأسها وِنَظرتْ بعيني .
- اِسمعْ جيداً وأَحفظ ما أقُول:
- قلبكُ مَوجوع مَهمومٌ خائِفٌ، لكِنك مولعٌ بالجَمال، سارحاً بعيداً بالخيال.
وأردفتْ قائلة عَلَى مَهلٍ:
-اياك أن تبوحَ بسرك لمن حولك!
-أكتم أسرارك، ففيها نَجاحك وَنَجاتك وَوقارك.
عندك أعدد غفيرة مِنْ المحبين الأوفياء من الأصدقاءِ وَالأقاربِ والمَعارفِ، يساعدونك وَ يدعون لكَ بالخير، سِرّ نجاحُك طيبة قَلبك.
لكنْ؛هنالك (قريبون) منكَ مِنْ المَعارف وَالأقاربِ وبعض الأصدقاء فِي السِّر يناصبونك البغضاء وَالغيرة وَالعداء، نجاحكَ وَحب الناس لكَ يغيظهم، ستنصدم وَستتألم لسلوكِ البعض منهم عندما تعرف وَتَكتشف مواقفهم؛ أتركهم واِبتعد عنهم أَفضل لكَ.
عَدلتْ مِنْ جَلستِها وَصمتت برهة وبوجهٍ فيه كثير مِن الرهبةِ وَالجدِ ابتدأت حديثها مجدداً: 
- كُنّ هادئاً لِما سأَقُول:
 - لا تَخفْ وَلا تَجزَعْ، سيسير بِجانبكَ المَوت لصيقاً، تَحِيطُ بِك أَهوال وَمِحن كثيرة.
 - لكِنك تَتَغلبُ عَلَيها رغم صِعابُها، سترافقك السَّلامة.
كانَ حَدِيثها زلزالاً يضربُ بدني؛ فأنتابتنِي مَوجة مِنْ الهلع، ارتعدتْ فرائصي، وَبانت اِرتجافة واضحة بكفِ يَدي.
تَوقفتْ عِنْ الحديث، وَهيَّ تلحظ ارتجافة واضحة بيَدي، ابتسمتْ وَهي تَمسك أسفل أصبع خنصر يدي، وأطالتْ النظر بكفِ يَدي، رَفعتْ رأسَها ونظرتْ بعينيّ، وابتدأتْ الحديث مرة ثانية وفِي محياها علامات فرح وسرور وبشر:
- فِي خطِ يدكُ أخبارٌ سَعِيدة جَدِيدة
- مَفتوحةٌ لكَ العديد مِنْ النوافذ
- هذه يَمامة تَحطُ لكَ رِسَالَة، فِيها خَبرٌ سَعِيد وَبِشارة
- قَرِيباً فِي صَباحِ يَومٍ مُشمسٍ سَتشبك يَدُكَ بيد مِنْ تَهواها وَتَهواك
- سَتُسعدان، وَيكون لِكما مَجموعة مِنْ الأَولاد
- سَتجوبان العَدِيدَ مِنْ البُلدان، وَتبحران بعيداً جداً فِي الأَفاق.
هَممتُ أَن اقاطعها لأحدثها مُستفسراً عِنْ شكلها هيئتها... أشارت ليّ أَن أَصمت وَأقطع الكلام، واضعةً اصبع سبابتها عَلَى فمها، كإشارةٍ للصمتِ وَالسكون.وأضافتْ:
- فِي اسمَيكُما حَرفٌ واحدٌ يَتشابهُ وَيَتطابقُ بالموقِع يَرمزُ- الحرف- للتَّفاعلِ للعلاقةِ بَيْنَ طَرفين.
وَأكدتْ قائلة بِحَزمٍ:
- اسمع أنا عِنْ بعدٍ أسمع دقات قلبكَ تَخفق باسمها.
- صورتها فِي مرآة قلبك.
- دَعْ قلبكَ يَكون دليلك وَاتبعه.
أثناء حديثها، فعلاً كنتُ أشعرُ بإحساسٍ عَجيبٍ، كانت صورٌ وَمواقفٌ متسارعة متتالية تَهبطُ هبوط المَطر عليّ ، وكل شيء كانَ بداخلِي يتجهُ إليها، الجَلسة الأخيرة، لمسةِ يدها، النظرات، تَوهج وجنتيها؛ كأن قارئة الكف تقرأ ما يدور بقلبِي وأَفكاري وَلا تَقرأ ما بخطوطِ الكف...
ثم أضافتْ بصيغةٍ مُحببةٍ آمرةٍ :
- لا تَخجلْ وَلا تَتَرددْ إِذهبْ سَريعاً وَأطلب وِدها، فَهيَّ بانتظارك...
وأشارتْ بِيدها وَهي تقول أَنتهى الآن الكلام.
وَوَقفتْ مُتأهبة للانصراف.
مددتُ يدِي إلَى جَيبِي وَبابتسامةِ رضا عريضة دَليل الارتياح نَقدتها مَبلغاً مِنْ المال.
وَدعتنِي بتحيةِ شكرٍ وَدعاء بالسَّلامةِ وَراحةِ البال وَتحقيق الأَمانِي.
وَغابتْ سَريعاً عِنْ نظري فِي لجةِ الشّارع.
أقفلتُ المحل، بَعْدَ أَنّ أودعتُ (المصيوغات الذهبية ) فِي خزانةِ المَحل، وَذهبتُ للبيت سيراً عَلَى الأقدامِ، فالبيت يقع قريباً جداً عَنْ المحل، عَلَى مائِدةِ الغَداء، كنتُ شاردَ البال (أُمي) تنظرُ إليَّ وَفمها يرددُ الدُعاء: (مندا أدهيي يَريّح كلبك)...أُحبُ كثيراً دعاؤها.
لَمْ أَخرج هذا المساء لأيِّ مكان، وحيداً جَلستُ بغرفتِي بالبيت، السهاد أَصابنِي طوال الليل، حَدِيثها فيما يَخص (الحب) وَلقاء الحبيبة طرقَ بعنفٍ باب قلبي...
طوال ساعات الليل كنتُ فَرحاً وَجِلاً بذات الوقت غارقاً بالتفكِير، متعجباً مِنْ دقةِ تَشخِيص وَحدس تحليل وَحديث قارئة الكَف....َ
لِمتُ نفسِي لماذا اخرسَ لسانِي؟
لماذا لَمْ أطلب منها أَنّ تُحدثنِي أكثر عِنْ شكلِ وَوَصف الحبيبة ؟ لون عينيها، شعرها، أَو بعض الصفات التي تقرب الصورة أكثر لديَّ؟
 يأَتِي الجواب مِنْ داخلِي سَرِيعاً (ألمْ تقلْ لكَ صُورتها فِي مرآة قلبك). 
سَرحتُ مُشتت الأفكار أَدورُ فِي عدةِ دواماتٍ، الحبيبة ، الجيش والنقل لجبهات المعارك الطاحنة، الأَصدقاء الأَعداء.
أتوقفُ أَحياناً لِأسأل نَفسِي : ماذا دَهاني، هَلْ أَبنِيّ الآمال وَالأَحلام عَلَى هذهِ الأَوهام؟
هَلْ أَبني مُستقبلي عَلَى كلامٍ مُنَمَقٍ لقارئةِ الكفِ أَو الفنجان؟
طوال الليل تتناسل الأفكار وَالتوقعات؛ لتوّلد أَفكاراً أَقرب إلَى الواقعِ، الأَحلام لا تكفُ عَنْ التوقف.
قَبلَ أَنّ يَنبلجَ فَجرُ الصباح بساعةٍ كنتُ قَد نهضتُ مِنْ فراش نومِي، حَلقتُ ذقني وارتديتُ مَلابسي العسكريَّة ، وَأستقليت أول سَّيارة (تكسي نفرات) مِنْ (سوق المدينة) التي اسكنها المتجهةِ (لكراج النهضة ببغداد) ثمَ ركبت بسيارة أخرى (باص) لنقل الركاب متجهة إلَى المعسكر( الثكنة العسكريَّة)، طوال الطريق الطويل الموصل (للمعسكر) كنتُ هائماً بحزمةٍ مِنْ الأَفكار المتنافرة المتصارعة.
فِي سَاحةِ التدريبِ أتحركُ (كما الروبرت ) لتنفيذ الأَوامر، أَنتظر بهلعِ كتاب نقلِي، لا أعرف إلى أية جبهة قتال ستكون وجهتِي، فحدود جبهات القتال وَالموت واسعة شاسعة مِع جارتنا الشرقية اللصيقة لنا، طويلة تَزيدُ عَلَى (1200) كلم مِنْ (زاخو) فِي الشمال بأَعالِي الجبال لحدود جنوب (الفاو) عَلَى فَمِ الخليج العربي ...
فيما أنا فِي هذه الدوامة، كنت أسمع صوتاً عالٍ لأحد الجنود ينادي باسمي أَنّ أخرجَ مَعهُ؛ انخلع قلبي مِنْ مكانه سرتُ معه وَيكاد قلبي يَسقطُ بَيْنَ قَدمَيَّ ... أَخبرنِي الجندي أن (أَمر الوحدة) أرسله بطلبي، وشاهدتُ الورقة الصغيرة التي فيها أسمي الكامل يمسك بها بيده...
ذهبتُ بِصحبةِ الجندي مُسرعاً لمقر(الأَمر) دخلتُ الغرفة أَديتُ التحية العسكريَّة (الأَمر) بِنجماتهِ الذهبية المتلألئة فَوق كتفيه، يجلسُ خَلفَ طاولته الفَخمة المصنوعة مِنْ خَشبِ الصاج اللماع، يَرتشف (أستكان) الشاي، أَشار إليَّ بيده أن أقتربَ وَهو يقول:
 - خذ هذه أَوراق نقلك اتصلوا بيَّ مِنْ المديريَّة، حَولَ نَقلك.
 - لا (تفزع) أَن وحدتك الجديدة ضمن حدود العاصمة (بغداد) أَحسن مكان، من أفضل الوحدات العسكريَّة، خذ كتابك هذا وأذهب لها غداً.
أستلمتُ كتاب نقلي بفرحٍ غامرٍ، أَيقنتُ أنَّ صديقي الشّهم النبيل (يوسف) قد نَفَذَ وَعده بالتوسط بنقلي.
تَشَتَتْ مِنْ جديد أَفكاري، إلَى أَين أذهب الآن؟
هَلْ أكمل مشوارهذا اليوم بهذا الفأل (الحَسن) وَأذهب للقاء مِنْ يهواها قلبي وأَطب ودها، أصارحها بحبي واخبرها بمكان نقلي الجديد؟
أم اذهب الى بيتنا، لأخبر أهلي بهذه البشرى؟
قررتُ أَن أذهب لسوقِ (الصاغة) لتناول الغداء وَلقاء بَعض الأصدقاء وبعدها أقرر إلَى أَين أذهب... فِي سوق الصاغة شاهدتُ (والدي) وَهو يتبضع مِنْ أحدِ متاجر(صاغة الجملة) بعض احتياجات من المصيوغات الذهبية لمحله، طارَ قلبي مِنْ الفرح حقاً اليوم يوم (حظ سَعيد) أخبرته عَلِى الفورِ بخبرِ( نقلي) فِي حدود (بغداد) بمكانٍ قريبٍ أَمين، تألق وجههُ بالفرحِ وَقبلنِي مهنئاً. أَخبرتهُ عَلَى الفور، أَنني قررتُ اليوم أنّ ابقى فِي بغداد.
رغبة كبيرة تدفعني أَن ألتقيها هذا المَساء، لأُخبرها بلواعج الفؤاد، قَبلَ الغروب كنتُ أقف أمام باب ( قلبي) يَدي تضغط ضغطة صغيرة عَلَى الجرس، والأَخرى تَطرق طرقاً خفيفاً عَلَى الباب، سَمعتُ صَوتها هو الأخر يدقُ بقلبي، تسأل عِنْ الطارق، جاء الجواب (أنا).
مِنْ خلف الباب الخارجي الواطئ كنتُ أرقب مِنْ سيفتح ليَّ باب الدار، ما هي إلا لحظات حَتى أطلت بثوبٍ زهريّ زاهٍ ، وَثغر لوزيّ باسم، وَهي تعدّل وَتداعب بيديها خصلات شعرها، وَترددُ بصوتٍ شفيفٍ وَدودٍ (ألف هَله) سُرَّ القلب برؤيتها وَخفقَ وَطَربَ وَضطرب.
 فِي مَدخلِ البيتِ فِي فضاءِ المَسافة القصيرة - الكراج الصغير- وَقبل الولوج لصالةِ الدار، بلهفةٍ حَييتها، ثم أخبرتها بفرحٍ بمكان نقلي الجديد ...
لَمْ أطلْ بالحديث، وَلِمْ أنتظر مِنها تعليق أَو تعقيب، أخبرتها فِي الحال:
- أني قد جئت خصيصاً إليك هذا المَساء لأصارحك أَنِي أُحبك!
وَرحتُ بشوقٍ وَخَوفٍ وَلَهفةٍ أرقبُ ردة الفعل، وَالتي جاءت سَريعة، فَقَد بانَتْ عَلَى مُحَيَّاها عَلاماتِ الفًرحِ وَالحبورِ وَالسَّعادة؛ اِحمرَّ وَجهها وَتَلألأت عَيناها وَتَعثرتْ الكلام  بَيْنَ شفتيها، فإشاراتِ الجَسَّدِ جاءتني بخيرِ جَواب.
زَادَ خفقان قَلبي وَأشتد بيَّ الاِضطراب وَالخَجل، اِستَجمَعتُ كُلَّ قوايّ وَبِحركةٍ سَريعةٍ لَففتُ ذِراعِي حَولَ عُنقها، قَبلتها مِنْ وَجنتيها هَامساً بأُذنِها أَنَّ هذا اليوم هَو يوم سَعدِنا!
بِصَوتٍ خَفِيضٍ كالهَمسِ، جَاءَ جَوابُها بِغنجٍ وَحَياء: نَعَمْ، هذا يَومِ سَعدِنا، أنا ألبي دَليلي إلي هتحبي!
 كتبتْ فِي مالمو/ مَمَلكة السّويد - آذار 2022 


13
أدب / هَلَعُ التَّشاؤُل*
« في: 18:38 23/02/2022  »


هَلَعُ التَّشاؤُل*

 
يَحيَى غَازِي الأَميرِي
جَزَّعَ الفُؤادُ مِنْ هَوسِ جَورِ الحُكَّامِ
وَمِنْ تَفاقمِ نَكث الوعود
وَمِنْ ذُعرِ انتشارِ السَّرِقَةِ
وَالخِيانَةِ وَالغَدر وَالتدليس

فِي قَلقٍ مزمنٍ
مضطربٍ يعيش
الزَّمكان **
وَهو فِي حالةِ
التَّشاؤُل
جِيلٌ بَعدَ جِيل
وَ هوَ
بَيْنَ المِطرقة والسِّندان
يَستَغيثُ وَيئنُّ
بَيْنَ أَمَلِ الحُلمِ
بالريضانِ وَالنَعِيم
مَع الأهل وَالأحباب؛
وَبؤس مآسِ العَيش
القريبُ مِنْ الجَحِيم
حَيثُ الفاقةِ وَالبِطالةِ وَالجهل
والاِحتراب وَجزّ الرقاب
والثَّأر وَالإنتقام وَالخراب
يَعومُ فٍي يَمٍ هائجٍ
للخلاصِ مِنْ وَجَلِ الحَتفِ.

بَعْدَ أَن سَأَمَ وَمَلَّ
مِنْ ذلِّ سنين صبرِ الانتظار
بغَصَةٍ مَريرةٍ
وَجراح نازفةٍ
بلُجَّةٍ الظَّلامِ
حَزَمَ للمَجهول
عدة السفر
يَرومُ أَن يدفن
فِي المَهجرِ
جبال الهموم
وَأضغاث الأَحلام
وَأوجاع المِحن الأَحزان.

فهَلْ يوفقُ بمَسعَاه؟

كتبت في مالمو / مملكة السويد 17 شباط/ فبراير2022
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* التَّشاؤُل : الكلمة مركبة من كلميتن ( التّفاؤُل والتَشاؤُم)  للتعبير عن حالة وسطى بينهما ، أو للتعبير عن حالة الاضطراب بينهما.أول من أوجد الكلمة - المتشاؤل- في العمل الأدبي الأديب والصحفي الفلسطيني (إميل حبيبي 1929-1996)في روايته الشهيرة (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابو النحس المتشائل)الصادرة عام 1974
وكذلك تستخدم في الكتابة كلمة (التَّفاؤُم) المركبة من كلمتي ( التّفاؤُل والتَشاؤُم) لنفس الغرض أعلاه .
** الزَّمكان : الكلمة مركبة من كلمتين ( الزّمان والمَكان) تستعمل لاختصار الاقتران.




14
أدب / تَسابِيحُ ناسِك
« في: 21:55 23/01/2022  »
تَسابِيحُ ناسِك
 
يَحيَى غَازِي الأَميرِي

بوَجهٍ صبوحٍ مُشرقٍ
فِي كُلِ صباحٍ باكرٍ
مِنْ مُعظَمِ أَيَّامِ
المُناسبات الدِينيَّة وَالأَعياد
بالصَّيفِ أَو الشِّتاء
مِع تَباشِيرِ الضِّياءِ
يَطلُّ أَبِي
باسمِ الثَغرِ
سَعِيداً مزهواً
بحُلَةِ كِساءِ النّور
النّاصعةِ البيضاء
يَتوسَّطَها
الهِميانْ *
المعقودُ بحرصٍ
وَدرايَّةٍ وإِتقان
 صَوبَ
الشَّمالِ القَصِيّ
 عَيناهُ تَنظران
حَيثُ (أَباثر)**
صاحِبُ المِيزَّان
حارسُ بَوابة النُور البَهيّ
المَلاك الطيَّبُ
العادِلُ النَّقيّ
يَداهُ مَبسوطتانِ مَفتُوحَتان للسَّماء
فَمُهُ مُعطّرٌ بالماءِ الحَيِّ الزَّكي
مِنْ جَوفِ القَلبِ
بِخشوعٍ يَبرقُ
عبرِ الأثِير
تَسابيحُ الدُّعاء
فَتَصدَحُ فِي باحَةِ الدارِ
زَقزقَةُ العَصافِير
وَهَديلُ الحَمّائم
 وَابتِهالُ تَراتيلَ
الرّشامَةُ وَالصَّلاة
الممزوجَةُ بمُوسِيقى
خَرير شَّلالِ
ماءِ صنبورٍ
يَنسابُ بعنفٍ مرةً
و رائقٍ هادئ
تارةً أخرى
فَيفِيضُ فِي الفَضاءِ
أسم (هَيّي)***
الحَيّ الأزلِي
العارِفُ الحَكيمُ 
البَهيّ البَصير
العِطرُ الزَّكيّ
فَتَسرِي فِي الأَفئِدةِ وَالأَبدانِ
السَّكينةُ وَالرّضَا وَالاِطمِئنان.
  مالمو/ السويد يناير/ كانون الأول 2022
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الهميان : وتعني الزنار أو الحزام، وهو أحد أجزاء الرستا . والرستا البيضاء : هي الحلة الدينية  - ملابس دينية بيضاء-  يجب ان يرتديها (الصابئي المندائي) قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني.
** أباثر : كائن (ملاك) نوراني، له موقع بارز ومهم في العقيدة المندائية ، ينعت بعدة صفات (العالي، المرتفع، المحروس، المصان) صاحب الميزان، يزن الأنفس المندائية عند معراجها؛ القبلة في العقيدة المندائية.
*** هَيّي  :  تعني (الحَيّ) أو الرَّب الواحد، الخالق. 
والدي ( غَازي رَمضان عَبد الأَمير الأَميريِّ مِنْ مواليد ناحية الكحلاء - أمسعيدة- لواء العمارة عام (1907) توفي في قضاء العزيزية - محافظة واسط بتاريخ (01 / أكتوبر- تشرين الأول 1987)


15
الظّلمُ ظَلامٌ حالكٌ مُخِيف
 
يَحيَى غَازِي الأَميرِي
الظُّلمُ ظَلامٌ مُخِيف
الظّلمُ قَبيح
سَيء بَغيض
شائِن رَزيل رَذيل
فَكيفَ إذا مكثَ طوِيلا
وَباتَ مشرعناً وَمُصانا
باسم الشَّرع وَالقانون
وممهورٍ بختمِ السّلطان
وَمفروضٍ عَلى الرِّقاب
تَحتَ مُسمى (الدستور)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظالِمُ روحٌ شريرةٌ لمجرمٍ
يعشعشُ فِيها الظَلام
لا يهدأ مِنْ تأجيج دورات العُنف
لا تَردعهُ تَهديدات وَتَحذيرات
العَارِفُ
القَدِيرُ البَصِير
يَزهُو بجِنُونِ العَظَمَةِ *
يَتبخترُ أَميرُ الحَربِ
بَينَ الضِّياع وَالقِّلاعِ وَالحصون.
قَلِقُ الاِتِّزان
مُشَتتُ الأفكار
متوجساً وَجلاً مِنْ الجَمِيع
يدهُ عَلَى الزِنَاد
مَهموماً بحركةِ أرصدةِ أموال السُّحت
محاطاً بسورٍ مَتين
بمئاتِ المُنتفعين
مِنْ فقهاءٍ وَوعاظِ السّلاطين
مَحروساً
بحشدٍ مِنْ العَسَسِ المأجورِين
المُدججين بالحقدِ وَالحرابِ
وبكواتمِ صَّوتٍ
للموتِ الزؤام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن منفايَ الاضطراريّ
فِي أقصى شمال الأَرضِ
مذهولاً أحدقُ بالتلفاز
لمَشاهدِ الموتِ وَالعَسفِ
وَأنا أصغِي بألمٍ وحزنٍ
لأخبارِ تَغول النَهبِ
لأُمَراءِ أحزاب الطوائف
تجار أزمات الفوضى وَالحَرب
وَفرضهم بالنّارِ وَالتدليس وَالبَطش
لنَهج الذلِّ
وَالجورِ وَالحِرمانِ
عَلَى عَوامِّ الشَّعب **
تحزنُ عَيناي
وهيَّ تخزن الدموع
فاهرعُ إلى النافذةِ
المُشرعةِ للسَّماء
وَقلبي المفجوع يُردِد:
أيُّها الظّالِمُ
أيُّها الغارقُ
بالانتقام وَالسبيّ وَالدم
ألمْ تَعلمْ؟
إنَّ الظلمَ مَكروه
وإنَّ الظالِمَ مَذمومٌ مَخذول
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين) ***
فكيفَ تطلبُ رَحمَته
وأنتَ تشرعن
الظّلم والغِشّ وَالفَساد وَالقَتل بقانون
لِمَ الإصرار عَلَى دَربِ الظلم؟
(إلا تخافَ العذاب الأليم) ****
وَطريقُ الصراط المستقيم !
أَيُّها القابِع فِي ظُلماتِ
العالَمَ السُّفليّ
أفتَّح بَابَ قَلبك وأنظر
للحُسن وَالجَمال
لبهجة النّجُوم المُتلألئة
السابحة بالهيام
بسّدِيمِ الفَضاء*****
أمّا يُبهرك
بَهاء الضِّياء السَّاطع
وَسِحرِ النُورِ البَهيّ
وَتَغرِيد العَنادل عِندَ السَّحَر.
ايّها السّادِرُ فِي قُبحِ غَيه
عاجلاً أَم آجلاً
سَيثور الشَّعب
وَستدُورُ الدَّوائرُ
عَلَى رأسِ كُلِّ فاسِدٍ
ظالمٍ مُخادعٍ باغِ
وَنَبقى نُرَدِّد
مَهمَا طَالَ الظَّلام
فَبعدهُ سَيكُون النُّور
البَاهِر
كتبت في مملكة السويد  كانون الأول 2021
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جنون العَظَمة: خلل عقليّ يجعل المرءَ يشعر بقوّة وعظمة غير عاديّة فيخترع وقائع خياليَّة تتَّسق مع هذه المشاعر للهروب من الواقع الفعلي الذي يعيشه الشخص.
**عَوامّ: جُمهورُ العَوامِّ: عامَّةَ النَّاسِ
*** (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين) آية قرآنية من سور آل عمران
**** (إلا تخافَ العذاب الأليم) : آية قرآنية من سورة يونس
***** السّدِيم : تَكاثُفُ أو تَجَمُّعُ نُجومٍ بَعيدةٍ تَظهرُ وَكأَنَّها سَحابَةٌ خَفيفةٌ ، أو بُقعٌ ضَعِيفةُ النُّور،ِكَما يَتَكونُ السَّدِيمُ مِنْ غازاتٍ مُضيئَةٍ شَديدةِ الحَرارةِ ، تَدورُ حَوَل نَفسِها.


16

سِيَاسِيّو صَفقَة أَبرامز وَ بريمر*

 
يَحيَى غَازِي الأَميرِي

إياك أنْ تَثِق
بِمَنْ بالثَلاثِ طَلًق
دَربَ الزُّهدِ وَالصّدقِ وَالحَقِ
وَجَرى يَتسلق
طريقِ
الأُفّكِ والتَّدليسِ وَالفِسق**
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحذرْ
فَمِنْ العَيبِ أَن تُخدع
بنَزقٍ، صَفِيق، سَارقٍ
صارَ بلا حَياءٍ وَوَجَل
لا يَطيق
سَماع صوت
عَويل اليتامى
وَ أَنين الثكالى وَالجياع
وَما أصاب الناس
مِنْ ذلٍ وَبُؤسٍ وَهوان وَاِلتياع
فقد أضحى يُطربُهُ وَتُبهجه
بَهرجة الأضواءِ
وَدويّ الهُتاف بالتَمجِيدِ
وَصَدى التّصفِيق
لصَكِّ تَوقيع صَفقَات العقود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتعالٍ وَخيلاء
جَلسَ
أسِير الغُرور
مزهواً
ببدلته النفيسة الجديدة 
بصدرِ قاعَةِ عَرشه البَهيّ
عَلَى كُرسيّ ذَهبيّ
كالإمبراطور
يَحُفُ بمَجلسِهِ
جمعٌ مِنْ الحُمقِ
يُمجدون بحَمده
بتوددٍ وَمَلِق
يَنصتون خاشعين
لحديثه النزق
وَهم
يَتَلقفون التَوجِيهات
وَالعَطايا وَالهِبات.

 غير أَبِه بما هو آت
مِن الغَيثِ
كأنهُ لمْ يدركْ
( إِنَّ سَاعةَ الحِسابِ
آتِيةَ لا رَيب فيِها) ***
وَكيفَ زَالَ وَ إِندرسَ وَهَلكَ وَنَفق
 أباطرة وَملوك وَجبابرة
البطش وَ السُّوء الاِستبداد؟!

كتبت في مالمو/مملكة السويد
بتاريخ 14 ديسمبر / كانون الثاني 2021

معاني بعض الكلمات التي وردت بالنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أَبرامز :دَبابة قتال رئيسية أَمريكة شارك بها الجيش الأَمريكي  بحرب احتلال العراق وكانت تجوب شوارع العاصمة بغداد بعد سقوط النظام( في 9 نيسان 2003)
بريمر : بول بريمر دبلوماسي أَمريكي مواليد (1941) عَينهُ الرئيس الأَمريكي (جُورج بوش) رئيساً لسلطة الائتلاف المؤقتة في العراق للفترة من (12 أيار / مايو  لغاية 28 حزيران/  يونيو2004 )
**الزُّهد: ترك ما في الدنيا ابتغاء ما عند الله من ثواب.
فاسِق: أي الفاجر الذي لا يتورعُ عِنْ ارتكابِ المُوبقاتِ وَالفواحش.
نَزق:الخِفَّة وَالطَيش في كلِّ أمر ، العجلة فِي جهلٍ وَحمق. 
صَفِيق:وَقِحٌ لا حَياءَ لهُ
أَحمَق:قليل العَقل، فاسِد الرأي / جَمعها حُمق أو حَمقى
*** إِنَّ سَاعةَ الحِسابِ آتِيةَ لا رَيب فيِها: إشارة إلى الآية القرآنية (إنَّ السَّاعةَ لآتيَةَ لا رَيبَ فيها وَلكن أكثرَ الناَّسَ لا يؤمنون ) مِنْ (سورة غافر)   


17
بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج 3 الأخير
 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
عِندَ غِيابِ ضَوءِ الشَّمس
تتقاسمُ بيوت الحارّاتِ
بِنظامٍ صَارمٍ الظَّلامِ الدّامس
لا يكادُ يفارقها ذُعر الخَوف
المتربّصَ خَلفَ الدّارِ وَالأسوار
 الليل يطولُ فيه السُّهاد
فَتَتَناسلُ فيهِ الآمالَ وَالأوهام َوَالأَحلام 
بَيْنَ الحقُولِ الخَضراءِ وَالمَناجِلِ وَالسَّنابل
وَقطف ما نضج من الأثمار.
وَبَيْنَ ذلِ الفاقةِ وَأنينِ الشَّجن والحِرمَان
وَزغاريد وأغاني الأفراح بأعياد الصمود والنصر المبين
وأجملها وأكثرها طرباً وموسيقى فِي شهرِ نيسان
بمولديّ القائد وَالحزب القائد
تَمضِي سِّنينِ العُمر الواحدةَ تِلوَ الأخرى
مُسرعةً وَنَحنُ نَنحدرُ مِن حالٍ بائِسٍ يائِسٍ
إلى حالٍ أكثر يأساً وَأشد بؤساً وعوزاً
فيما الناس بهذهِ الصَّدماتِ المُروعة والمآسي المُستمرة 
كانتْ فرق التفتيش الدوليَّة
تجوبُ مَصانع وَقصور وَحصون القائد
 السريَّة والعلنيَّة
فالبلاد عَلَى لائحةِ الارهاب
فلا يجوزُ أنْ يكونَ أمام اللجان
عوارض حاجزة أو أبواب موصدة
أعيننا بقلقٍ ترقبُ
كل شارة وواردة تصدر من
السَّفير السويدي الوسيم (رولف إيكيوس) (9)
بجولاته المكوكية التفتيشيَّة المستمرة
لنحلل حركات الجَسد المختال
هَلْ أبتسم ؟
هَلْ أقطبَ حاجبيه وَزَعل؟
هلْ صرحَ للصحافة أَم أمتنع عَنْ الكلام؟
فعليها تتحد في الأسواق
قِيمة الدِينار العراقي  بالدولار
مثلاً: إنْ زَعلَ وَ اقطبَ حاجبيه وَنسحب
فهذا دليل قاطع، إن قيمةَ الدينار ستهبطُ للحضيض.
في تلك الأوقات
منذ منتصف النصف الأول من التسعينات والحصار الجائر
يشددُ مِنْ طوقِ جوره
بدأ القائدُ بتنفيذ خطة جديدة
لفك الحصار للتخفيفِ مِنْ معاناةِ الشَّعب
فباشر بفريقِ كبير العددِ وَمتعددِ الخطط
لحملتهِ الإيمانيَّة
مبتداً بشعاراتٍ إيمانية
وَبمعاهدٍ دينيَّةٍ للقيادةِ الحزبيَّة
وَبمسابقاتٍ لمختلفِ التخصصات الفنيَّة وَالهندسية َوالمعمارية
لهندسةِ وَتصميم عددٍ مِنْ الجوامع الفاخرِة الكبيرة
وَفق أدق المعايير العلمية   
لم يمر وقت قصير على الحملة المباركة 
حتى زادت ألقاب القائد القباً جديدة
أبرزها 
 (عبد الله المُؤمن)
 (قائِدُ الجَمعِ المُؤمِن)
كنتُ في أشدِ حالات الاستغراب والشك
مَنْ حملة الرئيس الإيمانية
لماذا في مثل هذا التوقيت يعلن الرئيس حملته؟
فَهيَّ مخالفة صريحة واضحة
لأيدلوجية حزب البعث العلمانية المعلنة في مناهجه وكتبه
ودروس التربية الدينية وتحفيظ القرآن موجود وتدرس
فِي عمومِ مدارس البلاد
كنتُ أرصد تغيرات كبيرة طرأت على (أزياء) الناس
بدأ انتشار سريع للزَيّ الإسلامي النسائي
 فِي الشارعِ والجامعات والمدارس والدوائر الحكومية
وانتشار أسرع لحجابِ الرأس (النسائي )
ارتداء الزَيّ الإسلامي (الوهابي) الدشداشة القصيرة وَالسروال الأبيض واللِحية
دورات إلزامية لدراسةِ القرآن وَالسنة النبوية لقادة حزب البعث
حملة نشطة كبيرة سخية
لبناءِ المراقدِ والمَسّاجد السِّنية
إدخال عقوبات شرعيَّة ( الحدود) كقطع اليد بالنصوص القانونية.
أسلمة العلم العراقي
إشهار إسلام قائد ومؤسس حزب  البعث (ميشيل عفلق) المسيحي الأرثوذكسي
وإبدال أسمه بـ (أحمد ميشيل عفلق).

بدعمٍ سخيّ تم إعادة الحياة
للتيارات الصوفية وأوكلت المهمة
لنائبه الأول (عزة إبراهيم الدوري)
فازدهرت أيما ازدهار التكايا والمدارس والمعاهد الصوفية   
فيما أُغلقتْ مَقاصِف الأكل والشرب واللَّهو
وأوصدت أبواب الخمارات
وزادت القيود على المراكز الإجتماعية الترفيهية   
وَوَضعت تَحتَ عُيونِ العَسسِ الخاص
وَ نخبة خاصة مِنْ فدائيي صَّدام (10)
مَتاجر وَمَنافذ بَيع الخُمور
وَمنازل وَمواخير الدَّعارة
أقسى القصاص طالَ بائعات الهوى
فعُقوبَتُها باللحظةِ بضربِ الأَعناق(بحَدِّ السَّيفِ)
بدلَ الرَّجمِ بالحجارة.
كانَ هذا يتناقض مع وضع السّلطان (عبد الله المؤمن)
 فهو في حالة حرب مستعرة
وللحروب قوانينها التي تَبتعدُ عن التقوى وَالرحمة والشفقة وَالصدق والعدل
ففيها الكثير من العنف وَالقسوة وَالتعسف وَالغطرسة
وَالنهب وَنكث العهود والمواثيق وَالمعاهدات
وَفيها الغدر وَالاستبداد
وَالمناورة وَالحيلة وَالخداع وَالدهاء وَالكذب وَغيرها
كانتْ مجموعة كبيرة مِن الأسئلة تكبر برأسي بدون أن أهتدي لجواب له
مِنْ أين جاءت للرئيس هذه الفكرة العبقريّة لقائد حركة سياسية علمانية ؟
 
هلْ يريد التكفير عمّا مرَ بالشعب والبلاد من أهول ودمار خلال فترة حكمه؟
هلْ يريد تخليد أسمه (كسَلاطين المُسلمين) بتشييد أبنية (مقدسة) شامخة مبهرة تبقى على مدى التاريخ ؟
هلْ الرئيس بحملته الايمانية يُمهد لأسلمةِ قوانين الدولة وَلو بَعْدَ حِين؟
هلْ هو تمهيد لتحويل البلدِ عَلَى المَدى البعيد وبالتدريج ليتقبل  نظام ثيوقراطي؟
هلْ أنتهى دور الأَحزاب القوميَّة العربيَّة في الساحة السياسيَّة ؟
لقد بانت نتائج الجرعة الكبيرة المكثفة من ( الدين)
في جسد الحزب سريعاً
وجاءت بتغيرات هائلة في عموم كيان النظام العراقي   
وَنَحنُ فَي خضمِّ أجواء الحَملة الإيمانيَّة
والحصار والبرد والظلام على أشدِ وَتيرة ضغطه
حكومَةُ بغداد ، تُعرقلُ وَتَعيقُ عَمل لِجانِ التفتيش الدوليَّة
هكذا جاء بتقرير رئِيسها (ريتشارد باتلر)
تَلبدتْ الأجواء بالتصعيد
تنذر بعدوانٍ (أمريكيّ بريطانيّ) جديد
فِي ليلةِ ممطرةٍ شديدة البرد غاب فيها القمر
فِي السادس عشر مِنْ ديسمبر 1998
دُكَتْ مُدن العراق
بصواريخٍ ذكية مِنْ قاذفات (بي 52) الإستراتيجية 
وبـ (400) صاروخ (توما هوك) ذات القدرة التدميريَّة الهائلة
استمرَ القَصف (4 أيام) متتالية
إنها عَملية (ثَعلب الصَحراء) التأديبيَّة .
طَويلة ثقيلة موجعة تمرُّ سنين الحِصار 
وَالنّاس فِي دوامتِها كالناعُورِ تَدور
بَيْنَ الفاقةِ وَالجورِ وَعَلَى المَكروه تَتَصَبر
وَتَرقب مُفاجآت القَدر
وَها هِيَ أحداها تَحلُ علينا
 فِي أيلول 2000
باحتفالٍ مُهيبٍ مفاجيء
لتلفزيون جمهوريَّة العراق وقناة الشباب الفضائيَّة
(الأخ الأكبر) وهو يطيل النظر
بنسّخةٍ مبهرةٍ منْ كتاب (القرآن الكريم) بحجمٍ كبيٍر فَريد
خطتْ بأناملِ أمهر الخَطاطين
بِعدةِ (لترات)ٍ مِنْ دمِ القائد
وَوضعت كألواحٍ ماسّية
فِي مُتحف حَصين خصص لهذا الغرض
فِي مسجدِ (أُم المَعارك) الحَديث بعمارته
فيما البلاد والعباد كانت تغرق فِي لجةِ بحر
الفاقةِ وَالعوزِ وَالحرمان وَالضنك مِنْ شظف العيش 
كانَ يقالُ فِي الهَمسِ وِبِيْنَ المقربين
أنَّ القائد (مُنعكف فِي مخدعه) عَلَى كتابة
الروايات الدراميَّة، لا يعنيه أمر الرعيَّة.
ويشاع كذلك بين الناس أخبار أن (الأخ الأكبر)
منذ عام 1991 تجنب الاتصال بالهاتف
خوفاً من تمكين الأمريكان رصد المَكان المتواجد فيه واغتياله
وازداد وجله وذعره أكثر بعد إغتيال الرئيس (جوهر دادايف) عام 1996
بصاروخ مقاتلة روسية عَنْ بُعدٍ
بَعدَ رصد مكالمته الهاتفية.
فِي غيابِ القائد عَنْ التلفازِ بالخطاباتِ وَالتصريحات
كانَ عَرابُ الإعلام وَالدبلوماسية
(الصَحاف سَّعيد) يطلُ مِنْ الشاشة بوجههِ العابس 
وَهوَ يتلو خِطاباته المُتلفزة
بلغةٍ عربيَّة سَّليمة فَصيحة
 لا ينفك فيها مِنْ الأفك وَالزَيف وَالتخدير وَالتحذير
وَهوَ يؤكدُ حًتميّة النَصر المؤزر للقائد
وَاندحار (العلوج) إنْ حَدثتْ المُنازلة.
كانت مئات الدعوات توزع في الخارج
لكل من يناصر صمود حكومة (بغداد) ضد الحصار
للأفرادِ وَالشركاتِ وِالأحزاب العربية والأجنبية
وللإطلاع عن كثبٍ على الأوضاع
كانت الوفود تتقاطر لزيارة البلد
ومن كلا الجنسين.
للعلم
كانتْ جميع نفقات الزيارة عَلَى خزائِن مال الشعب
ويأخذ الزائر الكريم معه
ملايين الدولارات هدايا وهبات
أطلق عليها فِي الإعلام أسم (الكابونات)
أقيام لملايين مِنْ براميلِ النفط
الصحف فِي (عَمان) تفضح احدى البرلمانيات
الاردنيات بعد أن تسربت اخبار
 انتفاخ رصيد حسابها بالبنوك
بملايين الدولارات من هبات الكابونات
اضحك بمرارة وأنا اشاهدُ في التلفاز
الآلف مِنْ (المغتربين العراقيين)
وَهم بأبهى أناقتهم
بعطورهم الباريسيَّة الأخاذة
قد جاؤوا بمحضِ أرادتهم
لزيارةِ وتفقد أهوال نتائج ضغط الحصار
وإلى أيّ مدى وَصل الصبر وَالدمار
بالطبع كانتْ بطاقات السَّفر وَالإقامة
فِي فنادق الخمسة نجوم
والحفلات الراقصة
وزيارة المراقد الدينيَّة والأماكن الأثريَّة
كجنائن بابل وزقورتي (أور) و(عكركوف)
حسابها مدفوع لهم من خزائِن العراق
كانت أعداد  المدعوين تزداد بشكل ملحوظ
 أيام المهرجانات الثقافية والفنية
مثل مهرجان بابل الدولي للفنون
لكن للأمانة والإنصاف
أحد المغتربين العراقيين مِنْ الصحفيين
وكذلك أحد السياسيين العرب
 دونا بمذكراتهم الشخصية أثناء الزيارة وقائع حقيقية عنْ أحول بغداد أقتطع منها:
- الشوارعُ وَالأزقة فِي (بغداد) تغرقُ بالأزبال وَالأوحال وَتعاني مِنْ الإهمال.
- لَمْ تزلْ الناس وَالصحف تتحدث بفخرٍ عَنْ قصفِ العراق لـ (تل أبيب) وَمفاعل (ديمونا النووي) بصواريخ (سكود) نوع ( الحسين والحجارة السجيل).
- سَّماعُ سُعال الأطفال فِي الأزقة القديمة الرطبة لمدينة (بغداد) مؤلم يعصر القلوب.
- كثيراً مِنْ عمالِ (المساطر) يتناولون لفات (الفلافل) مِنْ عربات تبيع عَلَى قارعةِ الطريق.
- ازدحامٌ وَتدافع فِي (المستشفيات الحكومية) وكثرة بالأمراض وَشحة بالدواء.
- الخدمة الفندقية فِي فندق (ميليا منصور) جيدة جداً
- أسواقُ (الشورجة) مزدحمة صاخبة تعجُ بحركةِ الناس، عامرة ببضاعتها خصوصاً (الكرزات، البهارات، الحناء، الخريط ، الشموع، القناديل النفطية - الفوانيس واللمبات - علكة الماء،عطر ماء الورد، وليف الغسيل للحمام)
- الحِصةُ الغذائيَّة التي توزعها الدولة (شبه مجاناً) لجميع العوائل العراقيَّة كانتْ متنوعة وممتازة جداً.
- ( عَرق العصريَّة ) الانتاج العراقي الأصيل لَمْ يزلْ نوعيَّة فاخرة وَسعره رخيص.
- حصلت على نسخة من رواية (زبيبة والملك / لكاتبها ) هدية من مسؤول عراقي كبير
- التقطت صورة بجانب تمثال كبير الحجم للقائد (صدام حسين) في نفس مكان (الجندي المجهول) القديم بساحة الفردوس.
- فيما كتب كاتب وَفنان بمذكراته ( زرتُ أبن أُختي بدارهِ ببغداد فاستقبلني أبن أختي وزوجته وَطفلته بالأحضان و أقام ليَّ عزيمة باذخة، ويسكي نوعية فاخرة و(بط)- وز- عراقي محمص، وَلمْ ينسَ أن يدون فرحَ وَسعادة طفلتهم البكر الصغيرة عندما قَدمَ لها (هَديّة) عشرة دولارات أميركية كادت أن تطيرَ مِن الفرِح، بَعْدَ السهرة عدتُ لغرفتِي فِي فندق منصور ميليا.
خِلال سنين الحصار
نَفَذَتْ السُّلطة القابضة عَلَى الرِّقاب
 حُكم الموت عَلَى آلاف العراقيين
مِنْ العسكريَّين وَالمَدَنيّين
اللِيبراليين وَالمُتدينين
مِنْ كِلا الجِنسيَّين
بالجُملةِ وَالمفرق
بحبَّالِ الشَّنقِ
أَو الرمِّي بالرَّصّاص
أَو تقديمهم كوَجبات طعامٍ طازجٍ نابضٍ بالحياة
لفِرقِ الكلابِ المَسعورة
أَو يُبعثُونَ لأِهلِهم (جُثَثٌ) بصنادِيقٍ مُقفلة
وَالسبب تهمة التفكير أو التخطيط لإنقلاب عسكري
أو التحريض ضد رأس النظام
فيما غصتْ السجون بآلاف أُخرى مِنْ المعتقلين العراقيين
خلال هذه السنين العجاف
كانتْ ( ظاهرة عُديّ) الابن البكر للقائد
قد أصبحتْ  كالنارِ عَلَى عَلم
فِي السّطوةِ وَالبَطشِ وَالقتل والتنكيل
أنه كيان لدولة مستقلة ذات سلطات مطلقة
في إطار دولتنا البولسيَّة الإيمانيَّة
فله مطلق اليد  بإدارة العديد من مفاصل الدولة وإعلامها وأمنها
له واردات التجارة من (السجائر والخمور وتهريب النفط)
وَهو رئيساً اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية
رئيساً لاتحاد الكرة العراقي
رئساً لنقابة الصحفيين العراقيين
المسؤول عن منظمة (فدائيي صدام) المرعبة
أسس جريدة (بابل) الناطقة بسياسته
أسس مجموعة قنوات  الشباب التلفزيونية والتي تعمل على مدار اليوم
أسس العدد من السجون في الرضوانية واللجنة الأولمبية
باتت أسم (عدي) لنْ يقل رعباً عن اسم (ناظم كزار) 
وسجونه لا تقل وحشية عن (قصر النهاية) سيء الصيت.

بسرية تامة بالخفاء وأغلبها بالهمس
تتناقلُ أفواه الناس وَهي تَرتعدُ مِنْ الهلع
أَخبار الحصار والجوع والوجع
وَما يدور مِنْ كلامٍ لمفسرين الأحلام
والعرافين بطالع النجوم والأبراج فِي الفضاء
عن ماذا ينبأ قادم الزمن
كثيراً من التنبؤات المقربة من دهاليز المؤتمرات والمؤامرات
التي تعقد برعاية (العم سام وشريكه أبو ناجي)
بالسِّر وَالعلن كانتْ تتنبأ
بعاصفةٍ مُرعبةٍ ستنطلق
مِنْ البحرِ وَالصحراءِ وَالسَّماء
فيها: الفَرج القريب
سيصاحبها هرج أكيد
وَاضطراب بالأمن
فيما نبوءة أخرى
كشفَ النقاب عَنْ حساب طالعها
أكدت إنَّ هجوماً كبيراً وَشِيك
كأنها تعلم بالقدر والمصير
وباتت كلما تتقدم إلى الأمام الأيام
يكون الطالع أسوأ
رغم كنوز الخير الوفير، التي تزخر بها البلاد
لكن الخوف من الفوضى الخلاقة
 أن عمَ  انتشارها (ستشرعن)  بقانون مضطرب
وهي أُسٌ يؤسس للفساد وَالخراب
والكثير منهم حذر بالعلن والاحتجاج
وبالتلميح بالغمز واللمز
لاختلافهم  فِي تفسِير مَعنى الهجوم المُرتقب
هَلِ هوِ تَحرير أَم غَزو أَم احتلال؟
والخوف من احتمال إنه
سيكثر المَوت وتنصب المأتم  بالمفرقِ وَالجملة
وتتفاقم الأزمات والأحزان
وينتشر الانتقام و الجهل والإملاق والجريمة والسراق
فيما كانت تنتشر كالنار في الهشيم
أغنية (قاسم السلطان)
(ألما عنده مين يجيب يا خلك الله)
كلمات الشاعر الغنائي الجريء المتمرد الصعلوك النبيل( طالب السوداني)
معبرة عَنْ حالِ الشَّعب المغلوب عَلَى أمره
بعد أن اضحى الراتب الشهري للموظف (3000) دينار، يعادل دولاراً واحداً في السوق
 ويعادل طبقة بيض واحدة فقط
والراتب الشهري للموظف المتقاعد (500) دينار، ربع دولار
يشتري بقيمته علبة واحدة من (السجائر) نوع أسبين   
في خريف أيلول /  2001
بَعْدِ أكثر مِنْ (عشرة سنوات) مِنْ ذلِ حصارٍ جائرٍ مرعبٍ
عشتُ كل وَيلات وأوجاع مآسيه
وتَحتَ سطوة سيف جور واستبداد سّلطة غاشمة دمويَّة ظالمة
 قررت الهجرة لخارج البلاد بلا رجعة
لا أريدُ أنْ تَستمر كل حياتي بهذا الوَضع المقلق المزري
حبيس بسجن بسورين محكمين (سور صدام والحصار الأممي)
ولا احبُ  لأولادي أن يبقى دليلهم للمستقبل فِي يدِ ذات (الغراب)
الذي حولَ أجمل ما مَوجود فِي البلادِ إلى يَباب.
أحرقتُ كل مراكبي 
فَبعتُ كل ما أملك بأبخسِ الأَثمان
دارُ سَكننا، أثاث بيتنا، سيارتي
متجري بما أحتوى مِنْ اثاثٍ وَذهب وَفضة.
بعيونٍ باكيةٍ وقلوبٍ كسيرةٍ يعصرها الألم
وَدَعنا الأَهل وَالأحباب مغادرين (بغداد) إلى المَجهول
أنَا وَعائلتي وَحقائبنا حَشرنا أنفسنا جَميعاً بسيارةِ أجرة نوع (جمسي)
وَأَنَا أُغادِرُ بغصةِ ألمٍ كبيرةٍ
حَملتُ بسويداءِ قَلبِي أَجمل نَّهرين
وَبيدي غصن آس ألوح به
لِعينيّ أُمِّي الغارقتين بالدَمع
فيما راحتْ روحي تَنشدُ
طوالَ الطَّريق البَعيد المُقفرِ 
أعذّبُ مواويلِ الآسى
مَحطتنا الأولى كانتْ عاصِمة الأَرن/عَمان
كنا نَسير فِي طرقاتها
كسربِ يمامٍ مهيض الأجنحة
لا صحب وَلا أهل وَلا خلان
لا نَعرفُ بأي مَكان فِي المعمورة
ستقذفنا السَّماء.
فَي العاصِمَةِ (عَمان) فَتحتُ فَمِيّ وَعَينايَّ مُندهشاً
عَلَى عالمِ الهاتِف النَّقال وَالإنتريت وَ القنوات الفضائيَّة
وَمحلات بيع الكتب والصحف
 ومكتبة (عَبد الحَمِيد شُومان)
وَهيَ تَضمُ بطوابقها المُتعددة وَقاعاتها الفارهة
 آلاف الكتب وَالمراجع وَالمجلات وَالجَرائد والدوريات
وَالحاسبات الإلكترونية.
وتُقامُ فيها عَلَى مدارِ العامِ
الندوات الفكريَّة وَالثقافيَّة وَالسياسيَّة
سررتُ بِها غايّة السّرور
كالظمآنِ وَالجائِع النَّهم رُحتُ أترددُ عَليها
ألتهم الكتب وَالمقالات وَالتقارير وَالدراسات
وَهي تعيدني للحياةِ وَالأمل
 بشحنةٍ متدفقةٍ مِنْ المَعرفة
التي حُجبتْ كلياً عَنا فِي العراق   
وَأدوِّن فِي دفترِ مذكراتِي شيئاً عِنْ مآسِ ما مضى
وعن ما سوفَ يحلُ فِي قادمِ الأيام.
فِي مكتبةِ (عبد الحميد شومان) اتقيت صديقاً حميماً ليَّ
وَتكرَّر اللقاء عدة مَراتٍ
كانَ أغلبُ حديثنا فِي تلك اللقاءات عِنْ حدثٍ صادمٍ ساخِن 
تداعيات تَفجيرات (الحادي عَشر مِنْ سبتمبر 2001 )
ونظريَّة المؤامرة فِي صنعِ مثل هكذا حدث
قال لي صديقي:
(قرأت الكثير عَنْ نظريات المؤامرة أنواعها وانماطها
والتي بدأت تُسيطر عَلَى مُعظم خارطة عقلي
وَبتُ عَلَى يقين لا يُخالطه الشك
إنه نَفس قطار (العم سام)
الذي جاءَ بـ علي صالح السعدي وشلته في 8 شباط 1963
رُكب مجدداً
لكن هذه المرة لغزوِ الكويت
نفس القطار الذي قَصمَ ظهر العراق فِي الثامن مِنْ شباط
سيقصمُ ظهرَ (أمة الضاد) بغزوة الكويت
وَبشرعنةِ دخولِ القوات الأجنبية وهيمنة وجودها
وأضاف بانفعالٍ وبدنه يَرتجف:
{لردحٍ مِنْ الزمنِ سيبقى سر حقيقة فِيلم غزو وَتحرير الكويت
مُبهماً مُحيراً دَفيناً يثير الريبة وَالشك}

مئاتٌ مِنْ الصحفِ وَوكالات الأَنباء وَالفضائيات
تبثُ عَلَى مَدارِ اليوم
اخبار مقلقة مفزعة
وهي ترسم صوراً لسيناريوهات قاتمة
لحشودِ جيوشٍ مدمرةٍ هائلة
محملة بالشرِ تحكم طوقها
مِنْ البرِ وَالبَحرِ وَالسَّماء
لإسقاطِ حكومةِ بَغداد
لكونها أضحتْ ابرزُ دول محور الشر
 {جورج بوش و توني بلير يُبلغان صدام حسين أن وقته أنتهى }
 {فِي 17 آذار 2003 الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بخطاب للشعب الأمريكي والعالم
يوجه إنذارا نهائياً للرئيس العراقي صدام حسين يأمره بالتنحي عن الحكم ومغادرة بغداد هو ونجليه
 في غضون 48 ساعة أو إعلان الحرب}
وزير خارجية العراق (ناجي صبري) سارع برفض الإنذار الأمريكي وقال {إن أي طفل في العراق يعرف أن الإنذار الذي وجهه بوش لن يجدي نفعاَ}
لا أَحد يعرف ماذا تخبأ الأحداث القادمة
وَلا ما يحتويه البرنامج الجديد للغزاة
فجميع الخطط  والأهداف والأغراض
فِي (جعبة العَم سام وشَريكه أبو ناجي)
يسير منقاداً تَحتَ أمرتهم فَريق كبير مِنْ عراقيي الخارج
يضمُ مجاميع متنوعة أحزاب علمانيَّة وَإسلاميَّة وَقوميَّة
وشخصيات مِنْ السياسيين الجدد وَالمخضرمين
 مِنْ الدهاقنة وَالطارئين
وجوق كبير العدد
مِنْ المطبلين وَوعاظ السَّلاطين مِنْ الأفنديَّة والمعممين
الخاتمة :
كرةُ الثلجِ تَتَدَحرَجُ وَتَكبر
 بشكلٍ مخيفٍ
بِغايّةِ الحُزنِ
كنتْ أَرقبُ المَشهد
كضحيةٍ وَشاهد
لفترةِ طويلةٍ مِنْ حُكمٍ مُرعبٍ أشبه بحمامِ دمٍ
ذَات مساء بَسَطتُ عَلَى منضدةٍ أَمامي
رقعةٌ حَمراء كدمِ الحَمامِ المُراق فِي ربوع العراق
وبدأتُ أنقش  قولاً أو حكمةً
يقالُ إنها للعلامةِ الذائع الصيت أبن خَلدون
وَبخطِ الثلثِ دَونتها
تَقولُ الحكمةُ : {الطُغاة يَجلبون الغُزاة}
كَتبتَها وَأَنا اردد مِعَ نَفسي بِصوتٍ مَسموع
القول المأثور
 {دَوامُ الحالِ مِنْ المُحالِّ}
لَمْ تزلْ قروح الجروح تَنبِضُ بالوَجَع
وَغَزيرُ الدَّمعِ تَسكُبهُ العُيونُ
كأَنَّ دائِراتِ المَنون
قَدْ خطت عَليك يا عراق
أَن تَبقى بَيْن شقَّي الرَّحَى تَدور

كتبت في مالمو /مملكة السويد 2021
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) كارل رولف اكيوس : من مواليد 1935 دبلوماسي سويدي، عمل للفترة (1991 -1997) رئيساً  للجنة الأمم المتحدة الخاصة المعينة بالعراق، بعد حرب الخليج الثانية لمراقبة نزع اسلحة العراق وتدميرها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (687).
خلفه بالمنصب كرئيس الدبلوماسي الأسترالي ريتشارد باتلر من مواليد 1942.
 (10) فدائيو صدام: هي قوة عسكرية تابعة لحزب البعث والرئيس العراقي السابق صدام حسين ، لم تكن جزءاً من الجيش العراقي، بل ترتبط برئاسة الجمهورية مباشرة، وكانت قيادتها يتبعون أوامر من الرئيس صدام حسين بواسطة أبنه عُديّ صدام حسين المشرف على هذه القوات، ولم تكن بحوزتهم أسلحة ثقيلة، ولكن كانوا يعتبرون أنهم موالون بشدة للرئيس العراقي، وقد تطوع فيها الكثير من العراقيين والعرب،وكانت تتمتع هذه الفرقة بتدريب عالي.
تأسس فدائيو صدام باقتراح من عُديّ صدام حسين وبإشرافه بتاريخ( 7 تشرين االأول 1994م ) وكان عددها انذاك يقارب من (10000)إلى (25000) فرد.
الجزء الأول على الرابط ادناه
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=6301128366626261&id=100001874801825
الجزء الثاني على الرابط ادناه
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=6335859053153192&id=100001874801825





18
بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج 2

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
باتَ النَّاسُ فِي حَيْصِ بَيْص (4)
يلفهمُ الهَم وَالغَم وَالإرباك وَ الهَلع
وَيُعشعشُ فِي رؤوسِهم القَلق
الجميعُ يرقبُ ساعة دَويَّها
وَهول مصابها
ألاف مؤلفة مِنْ العوائلِ العراقيَّةِ وَالعربيَّة وَالأَجنبيَّة
غادرتْ مَرعوبة العاصِمة - دار السَّلام- بغداد
للمحافظاتِ وَالقرى وَالأَرياف العراقيَّة
تلوذُ بالأمان
يَلُفها الذعر وَالفزع
وَهَيَ تُتابعُ صور التِلفاز وأخبار المذياع
للتحشيدِ الهائِل
لجيوشِ وأَساطيلِ قوّاتِ التَّحالُفِ الدّولي
التي تتموضعُ وتتحصنُ عَلَى تخومِ البَلدِ
وَتتهيأ للانقضاضِ عَلَى العراق.
فيما راحتْ (القضية) تدور فِي أروقة المحافل الدوليَّة
وتتصدر نشرات الأنباء فِي جميع أنحاء العالم
وهي تصدر ببيانات التأييد للتحالف الدولي
وَشجب وَاِستنكار لما أقدمت عليه حكومة بغداد
 استنفذت كُل الوساطات العَربيَّة والدَّوليَّة 
لثني (القائد الأوحد) عَنْ هذا العَملِ الجنونيِّ
التَمسكُ باحتلالِ الكويت
القائِدُ وبحكم حنكته الفَذة
وَسَّطوته وَسلطته المُطلقة
بكلِّ اقتدار رفض رفضاً قاطعاً جميعَ الوَساطات
بل أجابَ العديد مِنْ قادةِ العَربِ الناصحين له بالانسحاب
بسيل جارف من الشتائم المقذعة.
الأَخُ الأَكبَر كابتنُ الرِّحلةِ
مُصممٌ أن يبحرَ بالشعبِ بسفينةِ البعثِ
فِي هذا اليَم الغارقِ بالهيجان.
القيادة - العسكريَّة وَالحزبيَّة- بالإجماع تُؤيدُ القائِد
مطلقة العنان لشعارها الكبير
(إذا قالَ صدام قالَ العراق)
عِندما اقتربتْ السّاعة
وَأيقنتُ كما أيقن ملايين مِنْ الناسِ
إن الخطرَ أضحى فِي مرمى البصر
وَضعتُ كل ما غَلت قيمتهُ وَخَفَّ حَملهُ
بسيّارة أَخي الكبير - بيك أب -  وَغادرتُ بغداد
بمعيةِ عائلتي زوجتي وَثلاثة أطفال
لبيت - والدي  رحمه الله - فِي قضاء العزيزيَّة
أُمي وكذلك عائلة شقيقي الأَكبر(فيصل) الذي يجاور بيتهم العامر بيت أَبي، استقبلونا بالأحضان
كانَ يسكنُ الدار مَع والدتي بذات البيت (أثنان) من أشقائي مع زوجاتهم وأطفالهم!
فلنا بذات المكان بيتان كبيران متجاوران متلاصقان.
بتنا يَومين فِي العزيزيَّة منهمكين نُحصن البيت مِنْ العدوان
وَنَحنُ نرقب بالعيون الخائفة
حركة الأقمار الصناعية تجوب فِي السَّماء
وِهيَ فِي حركةٍ لا تهدأ
خلال هذين اليومين توافد إلى بيت (أَبي) قادمين مِنْ بغداد ( بيت عمي) وَعائلته وَمعهُ عوائل ابنائه وأنسابه (21 ) نسمة جميعهم شاركونا السكن في الدار(5)
وقريباً من هذا العدد من الأقاربِ المُقربين حلوا ضيوفاً عَلَى بيت شقيقي الأكبر(فيصل).
وأكثرُ مِنْ هذا العدد منْ الأقاربِ أيضاً حلوا ضيوفاً عَلَى بيت (شقيقتي وزوجها أبن عمي أبو نوار)
فِي الليلةِ الثالثة
وبَعْدَ مُنتصفِ الليلِ
ليلةٍ شتائيَّةٍ
مِنْ ليالِي (كانون الثاني - يناير 1991)
الحالكة الظلام القاسيَّةِ البرد
صعقتْ البِلاد بمن فيها
بهجومٍ مُدوٍ (دوليٍّ عَربيٍّ) ماحق
فِي بيت (أبي) ودار أخي المجاور لنا المكتظين بالأرواح
اشتد الهلع لدرجة الذعر
يرافقه صراخ الأطفال وعويل النساء وارتباك الرجال
مع اهتزاز لا يهدأ لجدران وأبواب وشبابيك البيت
من هول صوت القصف والعصف وهدير القاصفات
وسط هذا الجو المشحون بالرعب والظلام
بِيدٍ تَرتَّجفُ وبخافِقٍ وَجلِّ أضاءتْ (أُمِيَّ) قِنديلَ النَفط
فَتَحصنَّ كُل منا مَعَ (أفرادَ أسرتهُ) يضمهم إلى صدرهِ في أحدى زوايا غُرف البيت!
فالهجوم (الأممي) يفوقُ تَصورَ الخَيال
قاصِفاتٌ مُدمِرةٌ
وَصَواريخ (كروز) المُبرمجة الذكيَّة
بواسطةِ الأقمار الاصطناعية
وبأعدادٍ لا تُحصى من القَنابل العُنقوديَّة
دُكتْ الحُصون والجُسور والموانيء والمَطارات
وَالمعامل وَالملاجئ المَدنيَّة والمُنشآت العَسكريَّة والمدنيَّة الحَيويَّة
بعمومِ مُدنِ وسط وجنوب العراق
حَلَّ زلزال المَوت وَالخَراب
مخلفاً للأعين
النيرانُ وَالجُثثُ وَالأشلاء والحُطام والرُّكام.
كانَ نَصيبُ (مَدينة العزيزيَّة)
عَشراتِ الغاراتِ الجويَّة
وَسَيل مِنْ قذائِفها الصَّاروخيَّة
أَشتعلتْ النيران فِي قلبِ
مُستودعات البِترول الاستراتيجية
بَقى لهيب النار الهائل مستعراً متقداً لثلاثة ليالٍ
أخبارُ جَريمة ملجأ العامريَّة المُفزعة ، بجُثثها المُتفحمة
تتناقلُها الأخبار ، بَعْدَ توثيقها مِنْ وكالاتِ الأَنباءِ العالميَّة

عِندَما بان الخَيط ُالبيضَ مِنْ الأَسودِ
 بَعدَ اَن كانتْ قد غَطَتْ سُحب دخانيَّة كثيفة سَوداء قاتِمة
مُحملة بالسمومِ وَالسخام
مَساحات شاسِعة مِنْ العراق وَجَميع دولِ الخَليج
وَيقالُ وَصلت (سموم السخام) وأضراره إلَى اليونان غرباً
والصين واليابان شرقاً
بسبب تدمير وَاحراقِ (العراق)
لأكثر مِنْ (1000) بِئرٍ نَفطي
عند الانسحاب مِنْ أرضِ الفَرع.

بصفقة سرية ووساطة سوفيتية
القائدُ الهمام يذعن للسلام والانسحاب
فيما (شوارسكوف ) قائد الجيوش الأمميَّة
بغطرسةِ المنتصر
يشترطُ أن يقرأ (بيان انسحاب)
القوات العراقية مِنْ كلِّ أَرضِ الكويت
وبدون قيد أو شرط
بصوت (السَّلطان) شخصياً
القائد مِنْ مخبئهِ السّري الحَصِين
يمتثلُ للأمرِ وَيسجل عَلَى قرصٍ مدمج
(بيان الانسحاب)
بثُ عبر الأثير مِنْ اذاعة بَغداد.
بدأ الانسحاب بعد البيان
عبر الطريق (80) الرابط بين الكويت وصفوان والبصرة
أرتال القوات العراقية 
تَقضِمُ طَّرِيق العودة
براياتِ الانكسارِ وَالاستسلامِ المرفوعة
تحثُ الخطى
للخلاصِ مِنْ رعبِ الموت الزؤام
وَطوق الحصار العسكري الدولي الخانق
تتطلعُ بِوجلٍ لهدير طائرات التحالف الدولي
التي تتسيد بهدير غاراتها المتواصل السَّماء
بمئات مِنْ الطائرات
تَصبُ كل حممها بحقدٍ همجي
على حشودِ وآليات الجُند المنسحب
تبادُ، نعم تُباد وَتُستباح
بأبشعِ لُعبِ خداع
الاستسلام فِي الحرب.
بَعْدَ أنجلاء الغُمَّةِ
أبرزتْ اَنباء العالم أَهم خبران
الأول : عادَ (الفَرعُ ) إلى حالتهِ الأَولى وَهوَ مَرفوعُ الرَّأَسِ
وَغادرَ مَدار الأَصل
وَهوَ يشعرُ بزهوِ النصِر
عودة حكومة المنفى الكويتية
برئاسة أميرها من الطائف الى ديارهم بالكويت.
العراق هو الطرف المعتدي
ويتحمل كافة مصاريف الحرب
 وبدولاراتٍ من خزائن الأصل
يعوض تعويضاً مجزياً
كل من أصابه الضرر في (الفرع )
شركات وأفراد ودول
وبذات الأموال تنهى وَتُدمير
كافة البرامج العسكرية
البيلوجية والكيمياوية والنووية فِي العراق
وَالخبر الثانِي :
بمُعجزةٍ عَجيبةٍ نَجا (القائدُ)
مِنْ الهُجومِ العاصِفِ
وَكَذلِكَ سَلمتْ مِنْ هذهِ الضَّرباتِ السّاحِقةِ
وَهذا الدَّمارُ الهائِل
 مُعظم قُصور القائِد
وَمُعسكراتِ ألويَتهِ القِتاليَّةِ الخاصَّةِ
بقادتِها ومعداتِها وَجندِها 
إحتارتْ الناس أشدُ الحيرة
بهذهِ المُعجزة
وانشَغلتْ بالبحثِ عَنْ جَوابٍ شافٍ
يفكُ أَسرارَ وَخفايا هذهِ المُعجزة المُحيرة
وَباتتْ عَلَى كُلَّ لسانٍ الأَسئلةِ تَدور
كَيفَ نَجا (القائِد) ولمْ يَمَسهُ وَعائلتهُ الأَذى؟
كَيفَ حَدثت وَكُلّ الأَساطيل وَالأَقمار كَانتْ عَليه تَحُوم؟
هلْ كانُوا مختَبِئينَ فِي جَوفِ جَبلٍ؟
هلْ هوَ سليلُ نَبيّ؟
هلْ حَمام الزّاجلِ سّاعدَ (القائدَ) بالاِختباء؟
هلْ كانُوا يَلبسون طاقيّة الإخفاء فلَمْ ترصدهُم الأَقمار؟
فيما كان سؤال على كل الأَفواه يدور:
هَلْ يعملُ (القائِدُ) عَميلاً للأمريكان أَم وَطَنيٌ غَيور؟
بَعْدَ هذهِ العاصِفَةِ الصَّحراويَّة المُدمِّرة
كانتْ قَد غَطَّت البِلاد
سحابةً مِنْ الغَضَبِ العارم
 بعدَ أَنْ لَحقَ بالشَّعبِ الدَمارِ وَعارِ الانكسار
وحلت بِقواتِ الجَيشِ بكل صنوفه والجيش الشعبي هَزيِمة جَسيمة مُشينة
كانت صور مروعة قد بثت لـ {طريق الموت}(6)
وراحت كالنار في الهشيم تتناقلها الأفواه
هاجتْ الناس وماجتْ وهي تتناقل وَتصغي لإخبار {طريق الموت}
ألاف من العربات والعجلات للأرتال العسكريَّة العراقيَّة المنسحبة
محترقة ومدمرة
وبجانبها فِي العراء عَلِى امتدادِ البصر
مشاهد مروعة، لا عداد لا تحصى
لأرواح مذبوحة تنوح 
وعيون جاحظة تنظر بعطفٍ للسماء
ان تمنحها قطرة ماء
وأصواتٌ بشرية مَبحوحة بهستريا الموت تستغيث
من وابلٍ حممِ القنابلِ الصاروخية والعنقودية
التي تتساقط عليهم متوهجة كشرار الغضب
فوق الناقلات وعلى جانبي الطريق
كتل لأجساد متفحمة سوداء
جثث ممزقة إلى أشلاء
متناثرة في البيداء
 لجنود ولمواطنين عراقيين
تتناهشها العقبان والغربان
وأنياب الضواري والكلاب السائبة .
فِي مًطلعِ شهر آذار (6)
(أبو الهزاهز وَالأمطار)
جاءتْ الأَخبار
إنَّ سحابة غاضِبة عاصِفة
 مُتمردة عَلَى الاِستسلامِ للموتِ
وَحياة الحروب وَالاستعباد وَالذل
مِنْ (ساحة سَّعد) البصرة الفيحاء
 بدأ هبوبها،معلنة التمرد
وهي تَحملُ كلَّ احزانِنا وَمآسينا
هَلَلَّتْ لَها ملايين الحَناجر المثخنة بالحزن والآسى والإقدام
رافعة لها رايات (هَيهات منّا الذلّة)
وَساندها وسار معها من (أور) و(ميسان) 
أحفاد البطل كلكامش
وبَقايا ثوار سُلالات (القَرامطة) مِن الباقينَ مِنهم بالديار
وَهَبَ لِنُصرتها بكلِ عزمٍ
دُعاة الاِستقلال وَالتَحرُّر وَالدَّولة المُستقلة
وَفِي مقدمتهم اتباع افكار(مَحمود الحَفيد)
وَوَقفَ مَعَها بِكلِّ حَزمٍ
أبناء واسط والفرات الأوسط
أحفاد (شَّعلان أبو الجون) وَأبطال (الرارنجيَّة )
حَملةَ أَفكار الشّاعر الصُّعلوك الثائر
(عُروة بن الوَرد)
(رُوبن هُود) العَرب
فَفِي السحابةِ مِنْ الغَيثِ ما يَغسلُ الأَدران وَيُعيدُ الأَمَل
من أصلِ ثمانية عشر محافظة عراقيَّة
أربعة عشر منها أضحت بيد الشَّعب المنتفض
فيما اصحاب السلطة والصوت والسوط
قادة (الحزب القائد) ورجال الأمن والعَسس
فروا منها مذعورين.
كَادَتْ أَنْ تغسل الأدران والأحزان بغيثها
لكنْ تَشَتَّتْ وَتَلاشَتْ بَعدِ سيطرة المنتفضين بحدود الشهر!
يُقالُ: عاكستها مَصالحُ الرياح
فانقَضتْ عَلَيها كالوُحوشِ الكاسِرة
قواتُ (القائِد) الناجية (بِمُعجزةٍ) مِنْ الدَّمار
وبألوية الحرس الجمهوري وبمساندة أسراب من طائرات (الهليكوبتر الأمريكية ) والتي يقال اهديت للعراق بموجب اتفاق( مع قوات الحلفاء) لنقل الجنود العراقيين الجرحى من ارض المعارك. 
بحقدِ ريحٍ صَفراء عاتيةٍ صاخِبةٍ مُزمجرة
تمَزقَت السحابة المحملة بأرواحنا إلى اشلاء
نزحت أَجزاءٌ مِنْ الغيومِ لمُدنِ الصَّحراء
وأجزاءٌ أُخرى استقرت بجوف وادِي السَّلام
وأخرى تمَ دفنهم بحفرٍ جماعية وهم أحياء
وَلاذَ مذعوراً مِنْ البَطش 
قِسمٌ كبيرٌ إلى الأهوارِ وَالوديانِ وَبَيْنَ صُخورِ الجِبال
 فِيما قِسمٌ منها أُجبر أَنْ يغادرَ الحدود
وَفِي قلوبهم الف حَسرة
وَارتَفَعتْ ألاف مِنْ الأَرواحِ العَذبةِ
مُحلِقةً كالفراشاتِ الوَدِيعةِ بالسَّماءِ
وَخَلَفَ بَعدَهُم وحُوش القائِد
جُروحاً ماثِلَةً أَمامَ الأعيُن
أَفواجاً ضَخمةً مِنْ الثَّكالى وَالأَراملِ وَالأيتامِ
وَمَلايينَ من القلوبِ المَكلومةِ وَالنُّفوسِ المأزومَة
شَاعَ بَيْنَ الناسِ إنَّ ما جَرى مِنْ أَحداث دامية
تَشيبُ لَها رُؤوسُ الولدان
كانتْ (مُؤامرة كبرى) دوليَّة أقليمة دَنيئة
 حِيكَت خُيوطها بِمهارةٍ وَسريةٍ فائقة
خصوصاً بعد إعلان الموافقة العلنية التامة 
للاستسلام والانسحاب من جانب القائد الأوحد
ودون قيد أو شرط لتنفيذ كل الشروط
التي وضعها (العم سام) وحلفاؤه
سميت باتفاقية خيمة صفوان
فيما اطلق عليها الشارع العراقي اتفاقية العار والاستسلام
إذاعة بغداد تعلم الشَّعب الانتباه لخطاب القائد المفدى
مِنْ مَلجَأه أومَخبئه السري
من مَكانٍ مجهول
وبعد غيابٍ طويل
عادَ صوت الرئيس
بخطابٍ صادمٍ مخادعٍ بائس
جاءَ الخطابُ مقتضباً محيراً
 أَعلنَ فيه
انتهاء منازلة (أم المعارك) بالنصر المؤزر
رغم الخسائرِ الجَسيمةِ وَالانتكاسات المريرة
لكننا حققنا هذا النَصرٍ المبين
وستبقى أم المعارك خالدة
منهياً الخطاب بشعار جديد
(يا محلا النصر بعون الله، وليخسأ الخاسؤن)
بخطابه كان بحلته العسكريَّة
بوجهٍ يلبس قناع الخداع بالإقناع
من جديد بدأ (السَّلطان) يظهر فِي الإعلام والاحتفالات
بشكلٍ كثيف
مستعيناً بأفكار الوزير النازي (يوزِف غوبلز)
بفنِ الكذبِ وَتكريِر الخطاب
رافِعاً بزهوِ المُنتصِرين شِعاراً جديداً
 (يعمرُ الأَخيارُ ما دَمَّرهُ الأَشرار)
 لِيلملمَ وَيُضمدُ الجراح
وباتت تظهر مَعَ الشعار 
أحدث الصور المبهرة للقائد المهيب
وهو يَحملُ عَلَى كتفهِ
طاسة بناء (نبوخذ نصر) العظيم
وصورة أخرى منهمكاً يرصد العدو بالمنظار
وصورة وهو (يُصلي) خاشعاً بالمسدس وببدلة القتال العسكرية
 أَو وَهوَ رافِعاً يَدهُ لِتَحيَّةِ كَراديسِ القطعاتِ العَسكريَّة
أو هو بعربتهِ الأسطوريَّة التي تجرها ستة جياد عربيَّة
أو يسبحُ بالنهرِ أَو يَتناولُ أَكلةً شهيَّة
وأكثرها انتشاراً صورة وهو ينفث بلذة دخان السيجار الكوبي الفاخر
لَمْ يَبق مكان لمْ تُعلقْ فيه صورة أنيقة
للأًخ الأَكبر
شرط أن تكون (واضحة بهية) وفي أفضل مكان بارز
فتجدها فِي كافةِ غرف دوائر الدولة
وَالمَعابد وَالمَصانع وَالمَتاجر
وَالفنادق وَالمطاعم وَالمَدارس وَقاعات الأَفراح وَالأتراح
وَصالات الدور وَمحلات بيع الخمور
 باشرتْ مَحطات الإذاعة والتلفزة
تعد وتعيد مآثر امجاد أجدادنا العظام قادة الصحراء
تتخللها  أغاني الصمود والجهاد
وأصبح يوم عيد ميلاد القائد في 28 نيسان
من كل عام عيداً وطنياً مباركاً.
وَكانت احتفالات أيام (البيعة)
 كرنفالات للبهجة والسعادة
بإيقاعات التطريب الصادحة
للفرق الموسيقية الشعبيَّة
فأغنية (بايعناك) ذائعة الصيت
كانَ بثها عَلِى مدارِ الساعةِ لا يهدأ
 أستل مقطعاً منها :
( بايعناك يا صدام مو بالورق والله
أحنا قلوب بالصندوق خلينا،
بايعناك مو هاليوم كبل سنين تدرينا
ضمائرنا الأجت بصدام ما جابتها رجلينا)
 فهي تعد أفضل درس بليغ
للصمود والتضحية والجهاد لجيل الشباب الواعد
لإدامة روح النصر والشموخ والإباء.

منذ أول يومٍ للقرار الأممي للحصار
بدأ انهيار مُبرمج
مُروع مُتسارع مُتلاحق
يضربُ قيِمة (الدِينارالعراقي)
أمامَ المَعدن الأصفر وَالدولار وبقية سلة العملات
متذبذب لا يستقر عَلَى حال ثابت
كأنه اصيب بإسهالٍ دائم
أو أصابه مسٌ مِنْ الجنون
رغم صورة (الأخ الأكبر) المضروبة عليه.

رعبٌ يصيبُ تجار العراق
بعد إعدام أربعين منهم (5)
وتحذيرٌ شديد اللهجة والعواقب
لكلِّ من يتعامل وَيتعاطى بالدولار الأمريكي
يعاقبُ بعقوبةٍ مرعبةٍ (قطع اليد) من مفصل الرسغ (بالمنشار)

مَلايين الناس أصابها القلق والهلع والاضطراب والإفلاس
فهرع الآف من المصدومين يطرقون كل الابواب
صوامع الدراويش، حوانيت المنجمين،
أفواه المجانين ، تفسير أبن سيرين
لكشف اسرار هذا الانهيار لقيمةِ الدينار
والى متى يبقى فوق الصدور جاثم
فتعود الجموع (بخفي حنين)
أفواه الجياع بحزنها الغائر بالأعماق
تسير في الشوارع
جنباً لجنب المتعلم والجاهل
الموظف والكاسب
الشجاع والجبان، العاقل والمجنون
الجميع هجروا ضفاف الأنهار
وَالمعامل وَالتعليم وَالمطالعة وَالفنون
وَأهملتْ الحقول وَالبساتين
وَاغلب النساء تجاهلت الزينة وَالمكياج
الجميع يجوبون الحارات والأسواق
كعصافير (ماو) المَذعورة
أيام الثورة الثقافيَّة بجمهوريَّة الصين الشعبيَّة
مشدوهين مشردين بوجوههم الصفراء
وثيابهم الرثة وأحذيتهم الباليَّة
التي أَكلها اليأس والضياع
 تلهثُ باحثةٍ عَنْ الأمل
يلقمها رغيف تجار حصار البطاقة التموينيَّة 
خبز مخلوط بعناية
مِنْ دقيِقِ الحنطة وَالشعير
والذرة وَنوى التمر وَالتراب.

بسريّةٍ وَحذرٍ وَكلما سنحت لها الفرصة 
باتَتْ الأعناق تتطاول
بنظراتها المتوسلة للسماء
منذ اول خيط لانبلاج الفجر
حتى تغرقها دموع عبرات الفاقة فِي المَّساء
تتوسل الغمام أن يرفق بالأنام
السّحاب لا يبالي
 أسّرع مِنْ الرِيح  يجري
رغم الدعاء وَصلاة الاستسقاء
وآلاف من مجاميع الأفواه الحائرة الخائرة المتوجهة  له بالنداء
كأنه هو الأخر مرعوب مذعور
مطلقاً لساقيه العنان
حتى ظن البعض
أن أذنيه قَدْ صُبَّ فيها الرصاص المذاب
أو أصابها الصمم
كثرتْ احلامنا بالعواصف القادمة مِنْ الصحراء
لطول مكوثها وغرابة أساميها
درع الصــحراء
عاصفة الصحراء
ثعلب الصـحراء
اصبحنا نعتاد العيش فيها
فالصحاري منبع للأوصياء والأنبياء وأساطير الأولين
بات تطربنا اسماء قديمة فيها
(كعروة بن الورد)
الشاعر النبيل،
الفارس العبسي
الصعلوك الثوري المقدام
ويفزعنا ويثير الخوف فينا
كل القادم الجديد من الصحراء
سَّماع صَليل السّيوف
وَصَهيل الخيل
وَنقر الدفوف 
وَبتنا نعرف شعابها وكل دروبها
مِنْ استنشاقِ عطرِ ذرات رمالها
ونَعرف مِنْ خلالها مَدى صَدى عَويل بكائنا
وَنِحن نبكي بلوعة وآسى بداخلنا
كل يوم كَربلاء.
إلى للقاء مع الجزء الثالث / الأخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) فِي حَيْصِ بَيْص: فِي ضِيق وَشّدة فِي حيرة،وَفِي اختلاط فِي أمرهم ، لا مَخرج لهم منه.

(5)عوائل الأقارب التي جاءت (من بغداد للسكن في العزيزية) قبل بدأ الهجوم المرتقب في ليلة 16 كانون الثاني/ يناير  1991هي كما مبين أدماه:
أولاً - عوائل الأقارب التي سكنت معنا في بيت والدي رحمه الله، وتتكون من (21) فرداً وَهي : (عائلة بيت عمي وأبنائه) وتضم :
 (3) أفراد عمي (عودة رمضان أبو مهدي وَزوجته وأحدى بناته)وَعائلة ولده (مهدي/ أبو وليد ) تتكون من (5) أفراد وعائلة نسيبه زوج أبنه (رتاب خلف) تتكون من (5) أفراد وعائلة أبنته (أمل/ أم نورس) تتكون من ثلاثة أفراد.
كذلك عائلة شقيق زوجة أخي فريد/ أبو فراس ( عائلة صباح داخل علاوي ) تتكون من (5) أفراد.
ثانياً. العوائل التي سكنت في بيت شقيقي الكبير فيصل غازي/ أبو بسام هي :
عائلة (أبو أسامة/ عبد الرزاق كلاص حالوب وزوجته وأولاده وزوجاتهم وأبنائهم ) وتتكون من (14) نسمه. وعائلة (مجبل حمد فلت  وزوجته وأبناءه وتتكون من (6) أفراد.
ثالثاً- العوائل التي سكنت في بيت أبن عمي (عزيز خلف رمضان وزوجته شقيقتي حياة غازي/ أم نوار)
عائلة لعيبي خلف رمضان/ أبو عادل  تتكون من (8) أفراد
عائلة سعيد خلف رمضان/ أبو ثائر  وتتكون من (9) أفراد
عائلة عبد خلف رمضان/ أبو غادة وتتكون من (4) أفراد
عائلة داود سلمان عاصي / أبو وصفي  وتتكون من (8) أفراد من ضمنهم والدته وشقيقه سلام
عائلة باسم طالب الكيلاني / أبو هديل وتتكون من (4) أفراد
رابعاً - عوائل الأقارب التي أسكنها شقيقي (فريد غازي) في (ورشة عمله/ مهندس كهرباء) مبنية في قطعة أرض سكنية تقع على بعد أمتار من بيت والدي وهم:
عائلة خالي (جلوب شنان رسريس / أبو وليد)
 وعائلة (مجيد كلاص حالوب / أبو قيصر)
(6) طريق الموت :اسم يرمز الى الطريق السريع رقم 80 الذي يربط مدينة الكويت بمنفذ العبدلي الحدودي على الحدود الكويتية العراقية ومن هناك في صفوان الطريق الرابط من صفوان الى البصرة .
أطلق على الطريق هذا الاسم بعد أن دمرت فيه قوات التحالف أكثر من 1400 ألية تابعة للجيش العراقي
كانت في طريقها إلى البصرة منسحبة من الكويت .حيث تحول الطريق من طريق سريع يؤدي الى البصرة الى طريق للموت ، وكانت القوات الأمريكية قد رصدت تحرك القوات العراقية في هذا الطريق في ليلة 26 شباط / فبراير 1991 فشنت هجوماً جوياً على الأليات والمركبات العراقية المنسحبة نتج عن الهجوم مقتل عدة مئات من الجنود حيث تخلى الكثير منهم عن مركباتهم تجنباً لتدميرها أثناء القصف.
فيما تشير تقارير صحفية عديدة اخرى إلى أن عدد الآليات التي دمرت في (طريق الموت) تزيد على (2000) آلية وأكثر من (10000) قتيل من القوات العراقية والمدنية المنسحبة بينهم نساء وأطفال وسيارات مدنية . ( التعريف كما ورد في ويكيبيديا ، الموسعة الحرة)
 (7) في مطلع آذار: جاءت انتفاضة  1991م  أو الاِنتفاضة الشعبانية : إندلعت في مناطق جنوب، وشمال العراق، وقعت مباشرة بعد حرب الخليج الثانية وبدأت  من البصرة بتاريخ الثالث من آذار لعام 1991م، سمّتها الحكومة العراقية صفحة الغدر والخيانة، والغَوغاء، وتسمى بالشعبانية لقيامها في شهر شعبان من العام الهجري وسميت من قبل الأكراد الانتفاضة الوطنية / قمعت الانتفاضة بقوة وحشية مفرطة من قبل السلطة الحاكمة.
آذار أبو الهزاهز والأمطار: أحد الأَمثال الشعبيَّة العراقيَّة، أحد أَشهر فصل الربيع، وهو الشهر الذي يكثر فيه الرعد والبرق والأمطار وتتفتح فيه براعم الأشجار والأزهار .شهرٌ معروف بكثرة أمطاره التي تبشرُ بالخَيرات.
 (8) إعدام التجار: صدام حسين، أصدر توجيهاته يوم 25 من تموز/ يوليو 1992 الى وزير الداخلية ومدير الأمن العامة للقيام بحملة كبيرة لاِعتقال تجار المواد الغذائية في سوقي الشورجة وسوق جميلة ببغداد، وهو ما اسفر عن اعتقال اكثر من مائتي تاجر، انتقي منهم 40 تاجراً ارسلوا عصر نفس اليوم الى المحكمة الخاصة في وزارة الداخلية انذاك واستمرت المحكمة حتى بعد منتصف الليل.. وانتهت بإصدار أَحكام الإعدام على جميع المتهمين وتنفيذ الحكم في اليوم التالي مباشرة دون منحهم فرصة مقابلة ذويهم او توديعهم وبدون حضور الادعاء العام او رجل دين. ( التعريف كما ورد في ويكيبيديا ، الموسعة الحرة)


19


بانُوراما مِنْ تراجيديا الحَربِ وَالحِصار/ج1


يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ

قِتالٌ عَنِيفٌ مُتواصلٌ
لِحربٍ ضَروسٍ سِجَال
عَلَى خَطِّ نارٍ مُستَعرٍ
بِطولِ وَعرضِ البِلاد
مفتوحٌ فيه زمنُ الليل عَلَى النهار
بَعدَ ثَماني سَنوات (1)
تَوقَفَ القِتال
لِيستَرِيحَ رأس المُقاتِلِ
مِنْ أزيزِ الرَّصاصِ
وَأخبار حوار المدافع
وَخِطابات النّار وَالثَّار
وَالإنتقام وَالقِصاص
وَمن تَراب السواتِر
وَرُعب اجتياز حقول الألغام
وَعَفَن الملاجئ والخنادق
وَظلمة مَخادع الجنود الرطبة
المتخمة بالرائحةِ النتنةِ
مِنْ جواريبَ الصوفِ وَبساطيل الجلد
وَالمليئة بمختلفِ أنواعِ الحشرات
وَالعقارب وَجيوش الفِئران والجِرذان
وبَعْدَ طوفانٍ مِنْ الدَّمِ المُراق
عَلَى أرضِ العراق
حَلَ السَّلام
فِيما النّاسُ تَتَداولُ وَتَجتَرُ مَا مَرَّ
بأيامِ تِلكَ السِّنِينَ الصِّعابِ مِنْ شَجنٍ وَمِحَنٍ
دُهِشتُ لحكمةٍ تَقول:
 {دَوامُ الحالِ مِنْ المُحالِّ}
لنْ أَعرِفَ قائِلها
لكنني حَفِظتها عَلَى ظَهرِ قَلب
ورحتُ أرددها كُلما ألَمَ بيّ خَطَب.
بَيْنَ الصِدقِ وَالكذبِ
كُرَةُ الثلجِ تَنقلُ الأَخبارَ عَنْ نَهضةٍ وَشيكةٍ
 الإعدادُ لَها جارٍ عَلَى قَدمٍ وَسَاقٍ
 (مَشروع مارشال)
ابشري أيتها الجموع الصابرة 
بِوَقتٍ قَصير
مَشروع الخَلاص
سَينقذنا مِنْ الضَّياع
بإنعاشِ الاِقتصادِ وَ اعِّمار البِلاد
كَما تمَ إنقاذ (أوربا) به
مِنْ دَمارِ الحَربِ الكَونِيَّةِ الثانية
الشارع يسأل:
- هل هذا الحديث حقيقة أم تخيلات؟
- من يمول مشروع المارشال؟
لا جواب يشفي الغليل
 ويريح البال العليل
لكن جموعاً كثيرةً 
فرحتْ وهللتْ للخبر
 وراحتْ تحلقُ بعيداً بالأخيلة
وَباتَ كالحلم يطوف علَى الناسِ فِي صيفِ قيظ تموز
يخففُ مِنْ لهيبِ الحرِ ومآسي دمارِ الحرب
وَيبعثُ فِي النفوسِ بصيصً مِن الأَمل.
لَمْ يُكمِلْ المقاتلِونَ عامَهم الثانِي مِنْ الإستراحَةِ القلقة
فِي تَموز/ يوليو مِن عام 1990
بدأ اللَّغط ُبالشارعِ يَدور
إنَّ الحَربَ قادِمة ٌعَلَى الأبوابِ
مع جارٍ صديقٍ لصيقٍ أخر
نناصبهُ العداء وَيناصبنا البغضاء
خطابُ رئيس جمهورية العراق
(بذكرى 17 تموز )
جدَدَ فيه اتهام الكويت بالضلوع
بـ (مؤامرة نفطية) عَلَى العراق
بخطابهِ المَزيد مِنْ التَهدِيد وَالوَعِيد،
الكويت تَنفي ذلك، وَتطالب حكومة بغداد
 بتسديدِ ديونٍ هائلةٍ مستحقة
بملياراتِ الدولارات
دُفِعت لمساعدة حكومةِ بغداد
 بحربِ السنوات الثمان.
فِي (24 من تموز 1990) الرئيس المصري
يزور(بغداد) ويلتقى (صدام)
لتهدئةِ الوَضعِ ورأب الصَّدع
وَتنقية الأَجواء بَيْنَ الشَّقيقين الجاريين
بما شابها مِنْ شوائب
داعياً لاجتماع عاجل (بجدة)
تتواتر الأنباء أن اجتماع وَساطة الإجماع العربي
فِي (جدة) أنتهى بالفشل،
مصر وَالسعودية تعيد الكرة لاجتماع
لاجتماعٍ سريعٍ آخر
فِي يومِ الثاني من آب/ أغسطس ببغداد
العالم يترقب بحذر ما سيفضي إليه 
لمْ يَطلْ الحَديث والتكهن كثيراً
حَتى جاءَ النَبأُ الصّاعِقة
فِي صباحِ الثاني مِنْ (آب/ أغسطس)
أُعلن مِنْ مِذياعِ جمهورية العراق
(بَيان رَقم واحد)
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
بَعْدَ الاتكال عَلَى الله
فتيَّةٌ عاهدُوا الله
أَنْ يُعيدُوا الفَرعَ إلى الأَصلِ
 (السُّلطانُ) بابتسامةٍ مُحيرة موناليزية
غامضة واجمة ظافرة ساخرة 
وهو يُثني بكَلِمةِ (عَفيه)عَلَى شَجاعةِ الفِتيان
كان سعيداً مختالاً منتشياً
مُرحباً بلَهفةٍ بهذهِ العَودةِ المَيمونَةِ 
لحضنِ الأَمِ الدافيء
محققاً الخطوةُ الأولى مِن أَهداف الحِزبِ القائدِ الإستراتيجية
بمشروعيَّةِ اجتياحِ دَولةٍ شَقيقةٍ
بالقُوةِ أو بالحيلةِ وَالدَهاءِ
وَضمَّها تحتَ سطوةِ جناحيه
لِلمِ شملِ (أُمَّة الضَّاد) مِنْ التشرذمِ وَالضياع.
مَحطاتِ وَإذاعاتِ العالم
ضُجت بهذا الحدثِ المُفاجئ الصادم المُذهل
وَهي ترددُ بضربةٍ خاطفةٍ ساحقةٍ
العراق يغزو ويحتل الكويت.
أَمِيرُ البلاد والأسرة الحاكمة
بتوجيهٍ وإلحاحٍ شديدٍ مِنْ ولي العهد
تحت جنح الظلام
وقبل أن ينبلجَ فجرُ الصباح
بسيارتهِ المحصنةِ السَّوداء
يغادر مذهولاً قصر (دسمان)
بدون ارتال سيارات الحماية الحمراء
الى مركز (نويصيب) الحدودي
يغادرها على عجل الى مركز الخفجي المتخام لحدودها مع العربية السعودية
بإيعازٍ مِنْ خادم الحَرمين
يَستقرُ(الأمير) وعائلتهُ بقصرِ الضيافةِ (بالدمام)
خلال يومين الغزو يبسط سيطرته
على كاملِ أرض دولة الكويت
مستبيحاً مُمتلكاتها وَثَرواتها
بنوكها، متاجر أسّواقها، دَوائرها، مَتاحفها وَناسها.
بفُرمانٍ مفاجئ فِي الرابع مِنْ آب منحَ السُّلطان
العقيد الكويتي (علاء) (2)
منصب رئيس جمهورية الكويت الجديدة الفتية
باسماً متبختراً ظهر الرئيس(عَلاء) بالتلفاز
بالزيّ العَربي الكوفيَّة والعقال
بجانبِ الرئيس صَدام وهما يَتهامسان
عَلَى أريكةٍ واحدةٍ.
كما الحلم، لم يدمْ طويلاً
أربعة أيام فقط
بفرمانٍ آخر مفاجئ عاجل
يُقصى الرئيس (عَلاء) وَتُلغى الجمهورية الوليدة
وبذات الفرمان
يأمر السُّلطان
بمنحِ الفرعِ أسماً جديداً رَفيع المَقام
 ( الدُّرة التاِسعة عَشر)
كمحافظة عراقية، وَيهبها إلى (أبن عمه/ علي حَسن المَجيد)
لإدارةِ حكمها.
وَببَيانٍ لاحقٍ أعلن فيه رفع بيارق النصر
وإقامة الأَفراح وَالليالي المِلاح لِمُدَّةِ سَبعةِ أَيام
وَمُنبهاً عَلَى اليَقظةِ وَالحَذرِ مِنْ غَدرِ الغادرين.
الكويت تشكل (حكومة منفى) وتديرها من الأراضي السعودية.
 بذات اليوم  الثاني من آب / أغسطس
مجلس الأمن الدولي (بِيان اُمَّميّ)
يدين الغزو ويطالب بالانسحاب الفوري
(في القاهرة رئيس الوفد العراقي (طه ياسين رمضان)
يؤكد للرئيس ( حسني مبارك) بعد نقاش عقيم ممل طويل:
(أن ضم الكويت للعراق هو إجراء نهائي لا رجعة فيه)
في العاشر من آب /اغسطس،
اجتماع رئاسي عاجل لجامعة الدول العربية
بحضور الخَصمين- الأَخوة الأعداء-
 يصدر بياناً
بموافقةِ أكثر مِنْ النصف
يدين فيه الغزو والعدوان
ويطالب حكومة بغداد بالانسحاب.
القائد الأوحد مِنْ عًرينهُ فِي بغداد
بمشاعرِ قاتلٍ غازٍ سفاح
بوجهٍ صارمٍ
ينهال بسليطِ اللسان
بأقذعِ الكلام 
عَلَى قادةِ العرب لإدانتهم الاِجتياح
غير مبالٍ أو مهتم
لأعداد الضَحايا التي ستلتهم
بِمطاحن الحَربِ مِنْ الأرواح.

بِقرارٍ دوليٍّ لاحق
تمَّ وضعُ البلادِ وَالعِبادِ عَلَى رأسِ
 القائِمةِ السَّوداء للإرهاب
عادَتْ الحَربُ ثانيةً
لكنْ بعصفٍ جَديدٍ
وَبطَوقِ نارٍ مِنْ حَديد،
بقراراتٍ (لحصارٍ) مرعبٍ شديد.
حَرب الخليجِ الثانية- هكذا أسماها الإعلام الغربي ـ (3)
منذ أول يَومٍ لعودة الفرعِ للأصل
انهالت الدعوات للمواليد
للالتحاق بالخدمةِ العَسكريَّة الاحتياط
للمرةِ الثانية، دفعة مواليدي 1953
أول وجبة مواليد لخدمة الاحتياط تُساق.
عند سماعي لنبأ أحتلال العراق للكويت
للمرةٍ الأولى وأنا أفتح قفل محل عملي (متجر للصياغة)
لمْ أصدقْ اذناي، كنتُ اتصور إنَّ مثل هذا الشيء لا يحدثْ أبداً
شاهدتُ الناس فِي هرجٍ وَمَرجٍ
وهي تردد نبأ احتلال العراق للكويت
بضربةٍ خاطفةٍ صاعقةٍ
أعدتُ دورة المفتاح فِي القفل
ورحتُ انصت لحديثِ الأخبار
من أفواهِ الأصدقاءِ وَالناس
كانتْ موجةً مِنْ الخوفِ واضحةٍ
تضربُ وجوهَ الناس
انتابني الذهول وَالدهشة والحيرة والهلع
على خط التلفون الأرضي
 اخبرتُ زوجتي بالنازلةِ التي حَلت
 ذهلتْ هي الأخرى للحدث
بَعْدَ جولة فِي السّوق بَيْنَ الناسِ وَالأصدقاء
عدتُ لداري
مُحملاً بقنينةِ (ببطلٍ) مِنْ (عَرق العَصريَّة)
وَمجموعة كبيرة مِنْ تصورات وآراء الناس
فِي المَساء قررت أن اشربَ مِنْ (بطلِ) عَرق العَصريَّة
عَلَى راحتي هذه الليلة
بهذهِ المصيبة العصيبة
 التي هبطتْ كالصاعقة
عَلَى رؤوسنا
طوالَ جلسة السّكر
كنتُ أدور مذعوراً بمؤشر المذياع بلا انقطاع
بَينَ محطاتِ اخبار العالم
وَهي تنقل أخبار زلزال الاحتلال
وعندما أكملتُ كرع الكأس الثالثة
بدفعةٍ واحدةٍ
مَفعول (الصهباء) راح يدور بالرأس
وَهو يثير الأَخيلة وَالتساؤلات
سَحبتُ ورقة وَقلم و بخطٍ أنيقٍ كتبت :
 (لِماذا هَذهِ الصَّفعةِ العَنيفَةِ الجديدةِ للشَّعبِ مَرةً أُخرى؟)
زوجتي تنظر للورقةِ وأليَّ
وأنا أمعن النظر بقصاصة الورق
سريعاً وبفزعٍ
مزقت الورقة إلى أجزاءٍ متناهية بالصغر
وأبدلتها بورقة أخرى وكتبتُ فيها:
(صفعة عنيفة كبيرة جديدة )
مِنْ شدة خوفِي
أخرجتُ الشَّعبَ مِنْ الموضوع
رغم أنه هو المقصود
وأضفت بعد تمهل بذات الورقة :
النفط ُهو المقصود
منابع الذهب الأسود أثمن شيء فِي ربوعِ منطقتنا
فهو بيت الداء، وَمصدر الشقاء
وَمع هذيانِ نشوة السكر كنتُ أسألُ نفسي:
هل النفط  نقمة أم نعمة، لشعوب منطقتنا؟

فِي اليومِ التالي
كنتُ أقف مبكراً في طابورِ بابِ التجنيد
لتأشير اِلتحاقي للخدمةِ العسكريَّة
بَعْدَ أن أغلقتُ - متجري مَحل لصياغة الذهب وَالفضة - الذي أفتتحته قبل عام
بعدَ تسريحي مِنْ الخدمة العسكريَّة الاحتياط والتي أمضيتُ فِيها ثمانيَّة سنوات متواصلة فِي جبهات قتال قادسية صدام.
خلالها كانَ (ملاك الموت) رقيباً لصيقاً ليَّ يحصي أنفاسي.
ـ أَيُّها السّادَة:
إِلى اليومِ وأنا أَحملُ عَلَى كاهلي فِي الحلِّ وَالترحالِ أنين مزمن
 من هَولِ وَجَعٍ وَألَمِ لا يطاق لمأساةِ  ثمانيةِ سنوات ثقيلة الوقع
 إِنها سنِين الحَرب المُتخمة بالرعبِ والقسوةِ وَالعَسفِ
 وَجَورِ قوانينِ الذلِ وَالعبوديَّةِ العسكريَّةِ الصارمة
 مَع ملاحقةِ عُيون عَسَسِ أَمن السّلطان السريَّة والعلنيَّة
وَمشاهِدٍ حيةٍ من المَوت الجَماعِي المَجاني
 مع كل شهيق وزفير لمْ يزلْ يرافقني رعب كلّ هذه السنين
وَكلما أتحسسها، أَبثُ إلى الله آهات وَجعي وشكواي مِنْ منفاي!

مَكرمَة مِنْ رأسِ القيادةِ العَسكريَّة تَشملُ موالدي
مِن المساقين لخدمةِ الاِحتياط
أَنْ يكونَ مكانُ تَواجدهم فِي مَقراتِ الوحدات العسكريَّة
وليس عَلَى خطِ التَماس مع العَدو
لكونِهم أَصبحوا كباراً في السّنِّ!
تَوالَتْ فِي النَشَّراتِ السِّريَّةِ وَالعلنيَّةِ
الأَوامِّرِ وَالتَّوجيهات وَالأَحكام
مِنْ (الأَخ الأَكبر)
الحاكِمُ المُطلقُ اليَدِ فِي إدارةِ الدولة
وَالحزب الوحيد في السَّاحةِ وَالبلاد
مهتدياً بنَهجِ ونصائح ما خَطهُ قلم العبقري
(مكيافيلي) بكتابهِ الشَّهير (الأَمير)
بِمَسكِ رأسِ السُّلطةِ وَمقالِيدِ الحُكم
مقتدياً بسيرة قادة حروب الدم الطويلة
 بالعصر الحديث كـ (بينيتو موسوليني)
وَ(أودلف هتلر) و(جوزيف ستالين)
اختارَ (القائِد) أسماً يَليقُ بهذهِ المُنازلة
فِيه مِنْ التَحدي والإبهار الكَثير
(أُم المَعارك)
مُتوعداً الأَعداء بالموتِ وَالفَناء
قرعتْ طُبولُ الاِستعدادِ للحَرب
وَعَادَ الشِّعارُ العَتيد
 (نَمُوتُ نَمُوتُ وَيَحيا الوَطَن)
حُصِّنتْ الحُدود بمزيدٍ مِنْ السَواتر وَالقيود
وَبُثت عَلَى الثغُور المَراصدِ وَأفواج الجنود
التَّعليماتُ صَدرتْ
مَمنُوع السَّفرِ لخارجِ البلاد
إلا بفرمان وَلِسببٍ قاهر
وَأَن حَصلت عَلَى فرمانِ السَّفرِ
فَعليكَ رُسومٌ باهِظَةٌ القيمة
واجبةُ الدَّفع 
مَع رشوةٍ لا تَقلُّ عَنها للعَسَس
وَعِندَ المَنفذِ الوحِيدِ للحدودِ (طرَبيل)
سَتخضعُ لِلرشوةِ والاِبتزاز مِنْ جَديد
ولتفتيشٍ دَقيقٍ حَتى تَحتَ السّراويل
فممنوعٌ منعاً باتاً أَن تخرجَ مَعك
أَكثرَ مِنْ مبلغِ (خَمسون دُولارٍ) أمريكي
وَخَمسةُ غراماتٍ مِنْ الذَّهبِ
سَريعاً صدرَ قراراً أَخر شَديد التحذير:
يمنعُ بَث محطاتِ الأَخبار
وتوزيعِ المَجلاتِ وَالصُّحفِ الصَّفراء
 غير مسموحٍ بتناقُلِ الشائِعاتِ وتَداولِ الأنباء
فَعقوبتُها الحَتفُ بَينَ المَقاصلِ
أَو الطَمرِ فِي المَقابرِ الجَماعيَّة
 أو المكوثِ فِي أقبيَّةِ المَنون
تَوالَتْ تَصدُرُ كُلَّ يَومٍ
المَزيدَ مِنْ التَّوجِيهاتِ والتَّعلِيمات
للتوعِيةِ وَالاِنتباه وَمنها
الاعتماد عَلَى السُعاة
بنقلِ الرسائلِ الأمنيةِ والأسرارِ العسكريَّة
وَعَلَى الحَمامِ الزاجل عند اشتداد النزال.
فِي اللَّيلِ كُلما مَرَّ فِي السَّماءِ
شَبحٌ طائر أو قِطارٌ سريع أو نَجمٌ سَيار
أو تَسمعُ صَوتَ صفارةِ إنذار
عَليك أَنْ تَحكمَ غَلقَ السَّتائرِ
للنَّوافذ والأَبواب
وَتَتَمَوضع أَنت وَالعيال
بِرُكنٍ حَصينٍ أَمَين مِنْ الدار
تَحتَ السَّلالمِ أَو فِي الحمام
أَو تَنزلَ لأقربِ قَبوٍ أَو سِرداب
وَلا تَنسى أَنْ تُطفيء قَناديل الضِّياء.
فِي السِّرِّ يُشاع إِنَّ (السُّلطانَ) لا يَنام
فِي عيونهِ ملحٌ
يَصولُ وَيَجولُ مُحتدماً عَلَى مَدارِ السّاعةِ
يتطايرُ منها الشرر
وَباتت تقاطيع وجهه تثير الرعب بالنفوس
بتَوجيهاتهِ المتلاحقة المُشددة الشَّديدةِ الحدةِ
أَعادَ (العَسكرة) عَلَى جَميع فئات الشعب
مُشدداً عَلَى شِعار
(التَّدريب ثُمَّ التَّدريب ثُمَّ التَّدريب)
ومعه عاد سوط العبودية والعَسفِ أكثر فتكاً وبطشاً
ثَبتت لائحةُ تَوزيعِ المناصب والمُهمات وَعُدد القِتالِ
قِيادةُ مَفاصلِ الدَّولةِ المُهمَّةِ بَيد عائلة (المَجيد) وَالمُوالين لَها مِنْ المُخلصِين المُجربين
البَنادق الأُوتوماتيكيَّة للجُندِ وَالأَعوان
السّيوفُ وَالقاماتُ وَالراياتُ للمهووسِينَ وَالفِدائيين وَأَشباه المَجانيين
وَالسياطُ للثقاةِ مِنْ الجَلادين
وَفِي كُلِّ مُنعطفٍ زُرعتْ لِلحجاج عَينٍ
تُحصي الأَنفاس
وَتَرصدُ أَبوابَ بيوتِ الله وحركة الناس
فِي مَداخلِ وَمَخارجِ المُدن والأَزِقَّةِ وَالحاراتِ.
أَعادَ (السُّلطانُ) الحَياةَ
لعجلةِ خُطوطِ مَصانعِ مَعاركِ العِزَّةِ والكَرامة
للتَّهيؤِ للنزالِ وَلمراسِيم وَداعِ الشهداء
سَريعاً أعادَتْ هَيئةُ التَصنيع العَسكريّ
اِنتاجها مِنْ ذخائرِ العتادِ والأَسلحةِ الخَفيفةِ وَالمُتوسِّطة
وَالصَّواريخِ وَالمَدافعِ والقنابلِ وَالألغام
والعَرباتِ المُدرعةِ وَغاز الموتِ الجماعيَ الغَازَ المُزدوج...
وَبِذاتِ الوَقتِ انتجتْ ألاف مِنْ النياشينِ وَالأَوسِمةِ
وَالتَّوابيتِ وَالأَعلام وَشَواهد القبور.
 
بِالقُربِ مِنْ مَداخلِ المُدنِ
وَفِي ساحاتِ الشَّوارعِ الرئيسيَّةِ
وبمباركة الآلاف مِنْ وعاظ السلاطين وشيوخ الدجل والإفتاء
نُصِبتْ النصبُ والتَماثيلُ وَجدارياتُ الصورِ العِملاقة
زينتها عدسات وَ ريش عباقرة المُصورينَ وَالفَنانين
صورٌ ورسومٌ تَلِيقُ (بـالأَخِ الأَكبر)
القائِدُ الأَوحَدُ الفَذّ الوَسِيم
وَهوَ بالبدلةِ العَسكريَّةِ أَو بِكاملِ قيافَته المَدنيَّة
حاصر الرأسَ أَو بالعقالِ وَالكوفيَّة والعَباءة العَربيَّة
بالمِنجَلِ أَو بالمُسدَّسِ أَو البُندقيَّة
أُعيدَ اِفتتاحُ مهرجاناتِ الشِّعر والخَطابة والأَغاني
فتحت لها محطات الإذاعة والتلفزة
وَزينتْ لها أَفخرُ القاعاتِ وأَرفعُ المَنابر
واغذقتْ عَليهم الهِباتُ والعَطايا السَّخيَّة 
فَصَدحتْ بأَعذبِ الأَلحان
آلافٌ من القَصائدِ والخطابات وَالأَغانِي
وَهيَ تحدو بالقطيع وتَتَغنى بِحبِ وَمَآثرِ
بانِي الوَطَن
   وَحارسُ بوابتهِ الشَّرقيَّة
ساعةُ الصِّفر للهجومِ عَلَى العراق حددتْ وأُعلنتْ


 الجزء الأول
كتبت في مالمو/ مملكة السويد
هوامش متعلقة بالموضوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) حرب الثمانية سنوات : هي الحرب العراقية الإيرانية والتي تسمى حرب الخليج الأولى من (سبتمر/أيلول 1980 لغاية 08-08- 1988) أطلقت عليها الحكومة العراقية اسم (قادسية صدام ) فيما أطلقت عليها جمهورية إيران الإسلامية (الدفاع المقدس)
 (2)الرئيس الكويتي علاء: هو رئيس (حكومة الكويت الحرة المؤقتة ) والتي شكلتها الحكومة العراقية في 4 اب / اغسطس 1990 أي بعد ثلاثة أيام من غزو الكويت، وقد كانت حكومة صورية تابعة للعراق، تشكلت من تسعة أعضاء بقيادة (علاء حسين الخفاجي) وجميعهم يحملون رتب متوسطة بالجيش الكويتي، وحُلَّت في الثامن من الشهر نفسه بعد عن إعلان بغداد ضم الكويت واعتبارها محافظة عراقية.
(3) حرب الخليج الثانية أو أم المعارك أو حرب تحرير الكويت وأطلق عليها عسكرياً أسم (عملية درع الصحراء للمرحلة من 7 أيلول / أغسطس 1990 وحتى 17 كانون الثاني / يناير1991)
وثم عملية عاصفة الصحراء للمرحلة من 17 كانون الثاني /يناير حتى 28 شباط / فبراير 1991)
هي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق.
بعد أن منح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفويضاً لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
رافق حرب الخليج الثانية عدة قرارات دولية وعربية تطالب العراق بالانسحاب ثم جاءت عقوبات (الحصار) الدولي على العراق : بعد ساعات من الاجتياح العراقي للكويت طالبت الكويت والولايات المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن وتم تمرير قرار لمجلس الأمن الدولي (رقم 660 ) والتي شجبت فيها الاجتياح وطالبت بانسحاب العراق من الكويت، وفي( 3 آب / أغسطس) عقدت جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً وقامت بنفس الإجراء.
هو الحصار الذي نتج عن قرار الأمم المتحدة رقم(661) و الذي صدر يوم 6 / آب / أغسطسس 1990 نتيجة إلى الغزو العراقي للكويت وَنص عَلَى اقرار عقوبات اقتصادية خانقة على العراق ،لتجبر قيادته انذاك على الانسحاب الفوري من الكويت.
وقد تلى ذلك عشر قرارات متتالية تقريباً ،تحذره من عواقب بقائه بالكويت وتحديه المجتمع الدولي.


20
هَذَيان حُمَّى الاِنتِخابات

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
مَشاهِد انتِخابيَّة فِي بلَدٍ تتقاذفهُ الأعاصير
مَشهد رَقم (1)
جمع مِنْ الناسِ فِي حَلقاتٍ، خطابات وَحوارات بَينهُم تَدور.
صوتُ رَجُل أربعينيٍّ يتَحدثُ بإنفِعال:
كيفَ سَتردُّ حقوقُ المظلوم
وَالظالِمُ هو رأسُ النِّظام
 وَهوَ الحارسُ وَالقاضِي وَالمُشرعُ وَالحاكِمُ وَالقانون
كالكابوس يَجثمُ عَلَى الصدرِ
بالبطشِ وَالخداعِ واَلتَّزويرِ .

رَجلٌ أجشُّ الصوتِ حديثهُ كالهتافِ يدويِّ بَيْنَ الجموع ؛ أَيها الناس :
رائِحةُ النتانَة أَضحتْ تزكمُ الأنوف
منذُ سنواتٍ خلت طَفحتْ 
فوقَ السَّطوح
فصخرةُ الجَميل (عَبعُوب)
الذائعة الصيت
تَستقر بالعمقِ
تُغلقُ مجاري الصَّرف

امرأةٌ تَتَوشحُ السَّواد تحملُ عَلَى كتفِها طِفلةً صَغيرةً ،تَنبري بالحَديثِ بصوتٍ مُرتفع:
كيفَ تَكون الانتخابات نَزِيهةً وَشَفافةً،
ودمُ أبني وَ (800) شهيد ضحايا اِنتفاضة الوطن
 لَمْ تَجف بَعد
السلاحِ المُنفلت
 بكل أنواعه 
كاتِم الصوتِ
بنادقِ الموتِ المُؤجَّرةَ
العُبواتِ اللاصِقةِ النّاسِفَةِ
تَجوب الطرُقات
بيدِ المافياتِ وَالعصابات.
مَشهد رَقم (2)  قاعةٌ فارهةٌ لأحدى مَقراتِ حِزبٍ سياسيّ (يجلسُ عَلَى المَنصة فوقَ كرسي ذهبي قائدُ الحزب ببدلتهِ السوداءِ الفاخرةِ وربطةُ عنق ارجوانية اللون، وهو يداعبُ بسبابة كفه اليمين أرنَبة أنفه) والذي يُمثل كتلةً سياسيَّة كبيرة الثقل بالعمليَّةِ السياسيَّةِ ، تُحيطُ بهِ ثلة من الرجال المُكلفين بِحمايته وَهم بأقصى دَرجات اليقظة وَالحذر..
صَوت (مهوال بعقال فوقَ رأسه)  يَقطعُ خطاب القائد ...بصوتٍ جَهوري يهز أرجاء القاعة:
(قائدنا أبو القانون
أبو الكلفات
ياسيف المجرب بالشدايد
رُوح بفالك وأحنا رجالك
بزود أنزامط بيك)
القاعة تَضج بالهتافِ (عَلي وَياك عَلي)
مَشهد رَقم (3) تجمعٌ انتخابيّ لقائمةٍ تُمثلُ شيخَ قبيلةٍ وَقائدٍ كبيرٍ بالسُّلطةِ وَالدولة ، يتَرجلُ القائِدُ وَحمايتهُ مِنْ سياراتِهم المُصفحةِ الفاخِرة، أمامَ حشدٍ كبيرٍ من الرجالِ والنساءِ واِلأطفال ،  فِيما (رَجلٌ تجاوز الستّيِن مِنْ العُمر) بانَ عَلَى مُحياه جور السِّنين،ينتصبُ كالتمثال الحجري واقفاً وَعَلَى جانبيه وَخلفه عِدة مئاتٍ من عوائِل النازحين وَ المهجرين من ديارههم، يَرومُ أن يُخاطبَ حشدَ المسؤولينَ القادميِنَ اليهم.
جابَ الوجوه التي أمامه بثقةٍ بعينيه
أَيُّها القادة،
باسمِ جموع النازحين خولت أن أُخاطِبكم:
نَحنُ - مَعشر المهجرين والنازحين- ضَحايا {أخوَّةُ يوسف}
سَبعِ سنواتٍ عجافٍ شديدةُ الوجَعِ مضتْ
وَنَحنُ بَيْنَ العراءِ وَالجوعِ وَالذلِّ
 نَعيشُ بالقبور
وأنتُم أيُّها القادة مِنْ أبهى القاعاتِ الفارهةِ
وأفخَمِ القصور
تزفونَ لنا فِي كلِّ مناسبةٍ حُلو الوُعود
نُتابعها كَمن يركضُ وراءَ سّراب الصحراء
نَصيبنا منها التَعب
ولهِيب حَر القَيظ
وَزمهرير الشِّتاء
وأَوحال المَطر
وَعواصف الرمل وَالتراب
عام بَعدَ عام يرافِقُنا الجَهل وَالمَرض وَفقدان الأَمان.
أيُّها السّادةُ القادَة يا أصحاب الفَخامة والسّيادة :
كَفى مِنْ مَعسولِ الكلام
أما يكفي مِنْ الضحكِ عَلَى الذقون باسم القانون؟
أما كفاكم ما جمعتم مِنْ ثروةٍ هائلةٍ مِنْ السحتِ الحَرام؟
كَفى وعوداً لَقد فُقتُم (سَجاح)* فِي الكَذِبِ وَالخِداع!
الشَيخ القائد يَركب (الجسكارة) وهو في قمةِ الانزعاج
رجالُ الحِماية تَستلمُ الإشارةَ وتَضعُ حداً لرأسِ المُتحدِث
الذِي تَهاوى صَريعاً
مضرجاً بدمه
صُراخ وَعَويلُ الصبيَّةِ وَالنِسّوة
تَعالى إلى كَبدِ السَّماء

مَشهد رَقم (4)  تَجمعٌ كبير (لمجموعةٍ مِنْ الشبابِ المتظاهرين / مِنْ البنيِن وَالبنات)
أصواتٌ هادِرة مِنْ الجموعِ تَتَغنى بشكلٍ جماعيٍّ بمَقطَعٍ مِنْ أغنية :
- {ما نسكت نسكت ليش}**
- على الباطل نرضى شلون يكذب ونصدك،
خلينا اِيد بايد هم شفنا الوحدة تصفك...)
يأخذ الحماس بمجموعة أخرى وهي تردد بصوت مهيب:
- {هيهات منا الذلة}
أحَدُ الشَّباب يَسألُ الجموع:ماذا تَتَوقعُون مِنْ نَتائجِ بَعْدَ الاِنتخابات:
هَلْ مُعافاةٌ وَشفاءٌ وَبِناء
أَمْ
المَزيد الجديد مِنْ الكربِ وِالبَلاءِ والشَقاء؟
فَلنا ايها الشَّبابُ نتائج (كارثية مُدمرة )  لتجاربِ أربعةِ دوراتٍ انتخابيَّةٍ ديمُقراطيَّة مُزيفة مُتتالية ، لَمْ نَزلْ نعيشُ هَولَ مآسيها.
يَنبري مِنْ بَين الحشدِ شابٌ لَفَحتْ الشمسُ وَجههُ يقاطعُ المُتحدثُ بصوتٍ رخيمٍ وهو يُلوحُ بيدهِ، يَسود المَكان الهدوء :
-  أَنا غَيرُ مُتفائلٍ بهذهِ الاِنتخاباتِ وَنتائِجها
سأوجزُ لَكمْ أبرزُ الأَسباب:
(هُنالِكَ تَدخلاتٌ كبيرةٌ فِي مراكزِ الاِنتخاباتِ وَالمحطات
اخبارٌ تُشير إِلى شِراءِ اعدادٍ كبيرةِ مِنْ بطاقاتِ النّاخبِين
القُوى السّياسيَّة الماسكة بزمامِ الأمور، تَمتلكُ سِلاحاً يُوازي ما تمتلكهُ الدولة بَل يَفوقُها،
وَلديها السَّطوةُ فِي سَلطةِ التَّعيينِ والتَّغييرِ بعمومِ المَناصب.
لِلأسف لَمْ نَتَوصَّلْ إلى قانون جديد يَحمي نَزاهة وشفافيَّة الِانتخابات، عدا دور مراقبة (القُضاة) للانتخابات.
اَلَّذِي يَحسِمُ النتائجَ هوَ المَال السياسيّ،وَ المالُ بيدِ الكُتل السياسية الحاكِمة،ففيه تُشترى الذمم.
لا تَتَوقعوا هُنالكَ دَورٌ كبيرٌ (للأممِ المُتحدة) فِي العمليَّةِ الاِنتخابيَّةِ فدورُها وفق القانون لا يزيدُ عَنْ دورِ المُراقب.

مَشهد رقم (5) شابٌ أنيقُ المَظهرِ يفتحُ محفظةً جلديَّة  سَّوداء كانَ قد انتشلها بخفةٍ مِنِ رجلٍ كهلٍ فِي شارع (المكتبات) كان قد خرج للتوِ من بناية البنك، يَجد اللص فيها مبلغاً مِنْ المالِ ، وورقةً مكتوبةً بخطِ اليد (قطعة أدبية) بعنوان ((مَهمومٌ بقطارِ العمِّ سَام )): ، اللصُّ بارعٌ بالسَّرقةِ وَ(التهكير) تعجبه القصيدة َيقرر نشرها ، يَدخلُ أكثر مِنْ موقعٍ فِي المنافذِ الإعلاميَّة (ويهكرها) وينشرُ بها نَص القصيدة بذاتِ العنوان وكامل النَّص.
كَثُرتْ وَكَبرَّت الهُمومُ وَالظنون
وَزادتْ المَظالِمُ وَالمِحَن
 وانتشرَ عبر الأثير وَباء الفِتَن
 كَيفَ سَتزُولُ أَوجاعُنا ؟
والداءُ مُنتشرٌ يَنخَرُ بالعَظمِ
 مَريرة كالحنظلِّ تَجاربُنا
مَنذُ مُنتصفِ رَمَضان 1963 إلى الآن
كثيرٌ مِنْ الناسِ رَغمَ كُلِّ هذهِ التجارب
يَخدعها جَديد خطاب
أزلام قِطارِ العَمِّ سام
 فَتجدد السَّير بالسرِ والبعض منها بالعلن
وَراءَ سراب الوعود .
تملكتني الحيرة، هَلْ اذهب للاِنتخاب؟
رَبّاه مَا هذا الاِمتِحان
هل ألتبس الأمر لهذا الحد
وأضحيت لا افرق بين الصالح والطالح؟
 فَفِي كلِّ دورةٍ اِنتخابية يقال جاءَ الخلاص
وكُلَّ ما نحصلُ عَليه يَباب فِي يَباب***

كتبت في مملكة السويد /مالمو السادس من تشرين الأول 2021
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سَجاح : امرأةٌ تميميةٌ أدَّعت النبوّة ؛ وهي صاحبة مسيلمة الكذاب.
** أغنية ما نسكت نست ليش: غناء أحمد المصلاوي، كلمات قصي عيس، الحان :علي صابر .
*** اليباب : الخراب ، اليباب الخالي لاشيء فيه


21
8 شُباط مُؤامَرة دَمَويَّة لتَدمِيرِ العِراق

بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
مُنذُ سِنينَ خَلتْ
كنتُ تلميذاً في الصفِ الرابع الاِبتدائيِّ
عُمري عشرة سنوات
كُّنا نَسكنُ قَلبَ العِراق
فِي دارِ السَّلامِ
فَفِيها الحَياةُ كانتْ
تَسيرُ بيُمنٍ وَيِسرٍ وأًمان
نَحوَ السَّعادةِ والإِزدِهارِ؛
لَكِنْ،
صَباحَ يَومِ جُمعةٍ مِنْ شِتاءِ شُباط
منتصف رمضان ،والبدرُ في التمام
وفِيما الناسُ بَينَ صِيامٍ وَنيامٍ
دوّتْ فِي السَّماءِ مَع ضياءِ الفَجر
صَفَّاراتُ قِطار العَمِّ سَام
وَهوَ يَسِيرُ فِي وَضحِ النَّهارِ
محملاً بِشلَلٍ مِن السَّفاحِينَ
المُدَجَّجِينَ بالحقدِ
وَبِغدارات بُورسَعيد المصريّة
وبإشارات خضراء عَلَى الأذرع
 متميزة بالرمز (ح . ق)
مُعلِنينَ بالعديدِ مِن الإذاعاتِ
عَنْ بَدءِ عُرسِ الدَّم
طوال ساعات نهار الجمعة
تتناوب بين فرادٍ أو أزواج طائرات (الميغ و الهوكر هنتر)
 في التحليقِ مُنخفضةٍ فوقَ بغداد ،
 وهي تدك بحممها ثكنات وزارة الدفاع
و مقر الزعيم في البابِ المعظم
التلفزيون يذيع بيان للزعيم
 يحث فيه الشعب أَن يقاوم
قصف الطائرات يخرس بث محطة تلفزيون بغداد
وَ تَحوِيلها إلى حطام
كَتِيبةُ دَبَّاباتِ مُعَسكر الوَشَّاش
تَعلنُ تَمَرُّدها عَلَى القائِدِ العام
وَتأييدها المُطلق للاِنقلاب
دَباباتها تَجوبُ حارات بَغداد
الناسُ تَهرع للشوارعِ وَهم فِي صدمةٍ مروعةٍ
تَتناقل الشائِعات وَالأَخبار
وهي بينَ مَرعوبٍ وَخائفٍ وَمذعورٍ وَحائر
 كيف وَبأَيّ سِلاح نقاوم
بِيْنَ لَيلةٍ وَضُحاها
فَي التاسعِ مِنْ شِباط، وقَبيلَ مَوعِدِ الإفطارِ
وبصَليةِ رَصاصَ رشاشات الغدر
سقطَ رأَسُ حُكومةِ العاصمةِ بَغداد
مضرجاً بدمهِ الطهور
لتأكيد صحة خَبر
تَنفيذ إعدام الزَعيم
فِي المَساءِ وَالعراق في اقصَى الهَلع
وَخلال بثّ التلفزيون لفلمِ كارتون أَمريكي
قطعَ البث ونشرت مَقاطع مُرعبة مُصورة
لإعدامِ الزَّعيمِ وثلاثة مِنْ رفاقهِ المَيامين
وبجانبهم الآت لفرقةِ مُوسيقا إذاعةِ بَغداد
نَجَحَ الإنقلابُ
بإصدار بَيان مُرعب يحملُ الرقم المَشؤوم (13)
البيان يبيحُ لعصاباتِ الاِنقلابِ
القتل وَالتنكيل والاِعتقال للناس بدونِ سبب.
حَلَّتْ لُغةُ الزَجرِ وَالرَصاصِ وَالقَصاص
فَنُصبتْ فِي الشَّوارعِ وَالحاراتِ
المِئاتُ مِن متاريسِ التَفتِيشِ
تُطاردُ وُتلتهمُ القوانينَ وَالنظامَ والسُّكان
كَما النارُ في الهَشِيم
زلزالٌ مُخيفٌ ضَربَ البلاد
فَحلَ في النفوسِ الإنكسار وَ الاضطراب
وَأطبقَ رُعبُ الرَدى طَوقـهُ عَلى البلاد و العِباد
فَغصتْ المَقابرُ وَالسجون بالضحايا الأبرياء،
الناس تَذهب لمتاجرها وأَعمالها
وَهي في مُنتهى الرعبِ وَالفزع
أَحدى مفارز الموتِ - الحرس القومي-
التي تَنتشرُ في كلِّ مَكان
تَعتقلُ أَبي بلا سببٍ ، وهو في طريقهِ للعمل
لقد كان يلبس يشماغاً أحمر
وتغطّـي وجهه لحيةُ الوقار
التِي لَمْ تَعجُّبْ شِلَّة الأشرار
تحجزهُ، تجلدهُ،  تُدمي عَينيه،
فِي منتصفِ الليلِ تطلقُ سَراحه
بَعدَ أَنْ تسلبَ كلَّ ما يملك
مِنْ حليٍ ذَهبية، رَأس مَال مَتجره
طوال اللَّيل جَلستْ عائِلتنا بدائرةٍ حَمِيميةٍ
حَولَ أَبي
 تُشاركنا بجلستِنا مدفأة نفطيَّة
تَنشرُ الدِفء وَتبددُ زَمهرير البرد وَالخوف
أُمي بَينَ فينةٍ وأخرى بِنَشيجٍ وَسيلٍ مِنْ الدموع
تَبكي مولولة حَال أَبي
وَلِفقدانِ مَصدر عَيشنا رأس مال المَحل.
انتشرَ عَلَى طولِ وَعرضِ أرضِ النَهرين
الذلُّ وَالأَسى وَالخَراب
فامتدَ العويلُ والنحيب وَالبكاء
يطرقُ أبواب السماء
لكن بلا رجاء
وَضربَ الكساد بشدةٍ الاِقتصاد
وباتَ يجثمُ الذعرُ والفقرُ
عَلَى الصدور
فأيقنَ الناسُ إن دورةَ التاريخ تُعاد
وَبرهانها عودة المَغول الجَدد.
عَشراتٌ مِنْ الأقاربِ مِنْ أصحابِ المِهن
قرروا الهجرةَ مِنْ العاصمةِ بَغداد
بعد أن أصبحَ الرزقُ فيها شحيحا
وخصوصاً (الصِّياغة)
فهيَ رديفُ الفرحِ والمسراتِ والأعياد
أَبي أمامَ تَحدٍّ كبيرٍ جديد
البحثُ عن مكانٍ للعمل
يَقينا من براثنِ البطشِ وذلِّ ضنكِ العيش
سريعاً جابَ (أَبي) العديدَ من القصبات
فاختارَ (أبن سومر) الخبيرُ بشِعابها
مدينة (الزبيديَّة ) الريفيَّة الصغيرة الوادعة
من نواحي الكوت. وألقـى تعبه فيها ، ولقي الترحابَ من أهلها
مالمو / مملكة السويد  في 8 شباط 2021
تعاريف توضيحية لبعض الكلمات التي وردت بالنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غدارات بورسعيد : هو رشاش ألي أنتجتها مصر في أوائل (عام 1950) بعد أن حصلت مصر على ترخيص لإنتاج الرشاش بور سعيد  في الخمسينات كنسخة من الرشاش السويدي كارل كوستاف م/45 ..جهزت بها عصابات الحرس القومي (ح.ق) قبل موعد الانقلاب،من جهات أجنبية وعربية.
الزعيم : اللواء عبد الكريم قاسم ، من مواليد بغداد في محلة المهدية (عام 1914) ، قام مع عدد من الضباط الأحرار بثورة (14 تموز  1958) التي أطاحت بالحكم الملكي ، وأعلنت الجمهورية العراقية.
أصبح رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع وكالة والقائد العالم للقوات المسلحة ، حصل على رتبة لواء عام 1959.
 إعدم بيد الانقلابيين بصليات من مدفع رشاش بمقر دار الإذاعة ببغداد في غرفة فرقة الموسيقى مع ثلاثة من رفاقه بدون محاكمة في (9 من شباط 1963) 

22


كَلبٌ أَسوَدُ يَتَعقَّبُ خطّاي



بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ


كَمْ كانتْ لهفتِي كبيرة،أَن أَسمعَ حِكايَة صَديقنا (سَمير) وَمأساة ما جَرى لَهُ مَع الكَلبِ الأَسودِ، وَكيفَ حدثَ لهُ ذلك، لَبيت الدَعوة بِكُلِّ سُرور، وَذهبتُ لشقتهِ عَلَى جناحِ السُّرعَةِ، عندما دَعاني صديقي (جَميل) ليقصَّ لِي الحكاية كما سَمِعَها عَنْ لسانِ (سَمير) عندما زارهُ فِي المستشفى، وَاستمعَ لَهُ وَهوَ يحكيها له بأدق تفاصيلها، يَضحكُ (جَميل) وَهوَ يَدعوني للتَفضلِ بالجلوسِ حولَ طاولةٍ اعدت لنا فقط فِي شُرفةِ شقته المُطلة عَلَى البَحر.
- سَأَرويها لكَ يا صَديقي وَأَنا فِي دهشةٍ لما جرى لهُ، سَأَرويها كَأنَنِي ظلَّهُ أرافِقُهُ، إنها بحق فلم سينمائيِّ مِنْ افلامِ الخَيال.
- أغلقتُ الهاتف (النَقال) كما طلبَ منِي مُضيفي(جَميل) وَرحتُ أَنصتُ لِما سوفَ يرويه بكلِّ جَوارحي وَهوَ يبدأ حديثه عَنْ كلّ ما جَرى لـ (سَمير):

لَمْ يكن يَعرفُ (سَمير) مِنْ أَينَ جاءَ اليه دُفعةً واحدةً كُلّ هذا القلقُ وَالاِضطِرابُ، انَّها ليست المَرَّةَ الأَولى التي يَعيشُ فيها لوحده فِي الشقةِ لعدةِ أسابيع بلْ حتَّى لأَكثر مِنْ شَهر.
مَضَى أُسبُوعٌ واحدٌ مذ سافرتْ زوجتهُ لدولةٍ مجاورةٍ لهم؛ للاِطمئنانِ عَلَى حالِ أَبنتهما وحفيدهما بَعدَ أزمةٍ صِحيَّةِ ألمتْ بهما، وَطلبت من أُمها اَن تأتي لمساعدتها، عَليه اَن يعيش وحده فِي شقتهِ الفارهة، وَالتي تَحتوي عَلَى غُرفتينِ للنومِ وَصالةٍ واسعةٍ وَمطبخٍ حَديثٍ، وَجهازي تلفازٍ أحدهما فِي الصالةِ والأخر فِي غرفةِ المَكتبِ ذات المكتبة العامرة بمختلفِ أنواعِ الكتب.
 
فمُنذُ الليلةِ الأُولى لِسفرِ زوجته، حدثَ له ما لمْ يكن فِي الحسبان، فكُلما أَطبقَ عَينيه وأَرادَ أَن يخلِّدَ للنَّومِ يَطوفُ عَليه فِي المَنامِ (كلبٌ أسوَد اللون) ضَخمُ الجُثةِ، يُحاول الهجوم عليه، بَلْ قال لِي: أنه هَجم عليه ذات ليلةٍ فِعلاً، فَفُزَّ مِنْ غفوتهِ القصيرةِ وهو بأشدِ حالاتِ الخَوفِ والذعرِ.

كانَ الحُلمُ يتكرَّرُ يعود اليه كُلما حاولَ النَّومُ مجدداً، فَخاصمَ جفونهُ النوم، وحل محله السهر والاِضطراب، هكذا يَبقى طوالَ الليلِ وهو يتقلبُ فِي فراشه يُلازمهُ الأَرقُ لا يُفارقه القلقُ، حَتى مطلَعِ الفَجرِ.

طوالَ النَّهار يَبقى مُتعباً مُتكدرَ المَزاج، منهك القوى وَهو يَدورُ فِي دوامةِ كابوسِ الحلمِ، يزيدُ مِنْ رعبهِ حدثٌ قديمٌ لا يريد أَن يفارق تفكيرهُ وَيبرح ذاكرته مُنذُ كانَ يافعاً، حادِثُ الكلب الذي (عَقَرَ) (الفَلاح) وَهُو يَزرعُ في الحقلِ المجاوِر لمدرستهِ، وَأنتشر الخبر وقتها بينَ أبناءِ الحي، وَكيفَ هرع الناسُ لقتلِ الكلب، وأرداه اَحدهم ميتاً ببندقيَّةِ الصيدِ، وبقيت الناس تتابع بقلقٍ أخبار الرجل وهو يرقدُ في بيته محموماً، وفارق الحياة بعد (أسبوعيين) وهو يهذي من الحُمى، قالوا أنه ماتَ (بداءِ الكَلَبِ) أثر عضَّة (الكلب المسعور) بقيَ الحدثُ يُلازمهُ مُنذُ ذلكَ الحينِ، رغمَ مُرور ما يقاربُ خمسةَ عقودٍ مِنْ السنين، عادَ ليتزامنَ مَع  كابوسِ الحلمِ، لقد كانَ فِي المرةِ الأُولى الكلب الذي (عضَّ) الفلاحُ (كلباً) واسع العينين أسودُ اللونِ ايضاً كأنهُ نفس الكلب، أخبرني أنه كانَ مرعوباً من هذه المصادفةِ العجيبةِ.

صَباحَ يَومِ الجُمعةِ، نهضَ من فراشِ النومِ متعباً، أعدَ لنفسهِ الفطور(بيضتان) سلقٌ كامل، وقطعة خبز، وطبق فيه قطع من الطماطم والخيار والزيتون، بَعدَ تناولِ الفطور،عملَ قدحاً من الشاي، ثمَ أتجه لصوبِ مكتبتهِ العامرةِ، وَبدأَ يَبحثُ بالكتبِ التِي تَبحثُ فِي تَفسير الأَحلامِ، فالمكتبة عامرة بكتبِ تَفسير الرُّؤيا والأَحلام ، اختارَ مِنها ثلاثةَ كُتبٍ:
الأَحلام بَينَ العلمِ وَالعقيدة للـدكتور عَلي الوَري
تَفسير الأَحلام / لسيجمود فرويد
وَكتاب  تَفسير الأَحلام / لإبن سيرين
 
 بَدَأَ بِتَصفُّحِ كِتاب (عَلي الوَرديِّ) استوقفتهُ فقرةً كتبها (الوردي) عَنْ الأُستاذِ (كويه) الباحثُ الفرنسي والتي تُعرفُ بـ (قانون كويه ) يقولُ فيها :
(إذا سيطرت فكرة على إنسانٍ بحيث صارت متغلغلة في اغوارِ عَقله الباطن فإن كلّ الجهود الواعية الذي يبذلها الإنسان في مكافحة تلك الفكرة تؤدي إلى عكس النتيجة التي كانَ يبتغيها منهُ.)

دَقَقَ بالعبارةِ وَأَعادَ قراءتها أَكثر مِنْ مرةٍ، استل دَفتر مُلاحظاتهِ ودَون العبارة فِيه، وَهوَيسأَلُ نَفسهُ بصوتٍ مَسموعٍ:

- هَلْ يَا ترى بَدأَتْ الفكرةُ تتغلغلُ فِي أغوارِ عقليّ؟
فَزِع مِنْ هذا الإستِنتاج، أَغلقَ كِتابُ (الورديّ) وَوَضعهُ جانباً، فَمعظم الشروحات فِيها فَلسفة وَالعديد من وَجهاتِ النَظَرِ وَالجدلِ وَالتأَويل.
 
وَتَجَنّبَ الخَوض بِمُطالعةِ كِتاب (فرويد) يعرفُ كِتابته الفلسفيَّة أكثر عمقاً وذاتَ صبغةٍ فلسفيَّةٍ كثيرة التَعقيد والتَّهويل والتَّأويل مقارنةً بكتاباتِ الدكتور(عَلي الورديّ) بهذا التَّخصُّص.

بَدأَ البَحثُ فِي كتابِ ( تفسير الأَحلام/ لأبن سيرين)  فـَـ (ابنُ سِيرين) أَشهر مِنْ نارٍ عَلَى عَلم بِهذا الضَّربِ مِنْ التَّخصُّص، بَعدَ تَصفحه بالكِتابِ لدقائقٍ، وَجَدَ مُبتغاه وَهو يَشرحُ (الحلم) المتتكر بـ (الكلبِ الأَسودِّ فِي المَنام ) ازدادَ رُعباً وَهو يقلبُ رُؤيا (الكلب الأَسود في المنام). الموضوع مُتشعب الجَوانب، فيشرحُ ويفسرُ بالتفصيلِ للعديدِ مِنْ الاِحتمالاتِ وَالحالاتِ، فالكلبُ الأسّود إذا هاجمَ (رجُلاً) يُفسرُ بشكلٍ يختلفُ عَنْ مهاجمةِ أمرأةٍ أو شابٍ أو فتاةٍ باكرٍ، أو امرأةٍ حاملٍ، وَكذلك يتطرقُ لكلِّ حالةٍ من حالاتِ الحُلمِ:
- هَلْ هاجَمك؟
- كيفَ كانَ ينظرُ أليك؟
- هلْ عضك فِي الحلم أو مزق ثيابك؟
- هلْ كانَ ينتظركِ ببابِ الدارِ، وهلْ أستمرَ يتعقبك؟

جميعُها تدلُ عَلَى شَخصٍّ يتعقبُ خطاك يراقبك يريدُ بك شراً وَهَو حاقدٌ وحسود. سَرحَ فِي خَياله وبدأَتْ تتواترُ الأًسئلة المُحيرة فِي رأَسهِ: 
- منْ يكون هذا الكلبُ الأسودُ الذي يتتبعُ خطاي؟
- وماذا يُريدُ مِنِّي؟
- أيُّ حِقدٍ وَغِلِ يحملُ قلبهُ الأسودَ هذا؟

تَناولَ دَفتر المُلاحظاتِ وَالقلم، وَهو فِي مُنتهى الشرودِ، وَضَعَ يديه عَلَى وجههِ وأَغمضَ عينيه وهو يحاولُ التَّركيز، لتدوين بَعض أسماءِ الذين يتوقعُ السّوء مِنهم. بدأَ يفكرُ وهو يستذكرُ الحِكمة المُتداولة القائلة (سُوء الظَّنِّ مِنْ حُسنِ الفطن) وَيسالُ نَفسه:
- من تظنُ هذا الشخص الذي يَتعقبني؟
- هَلْ هو مِنْ الأَقاربِ أم مِنْ الأَصدقاءِ أم مِنْ مجموعةٍ أو جهةٍ أخرى لا اتوافقَ مَعها بالأفكارِ وَالآراء والمواقف؟
 
كشريطٍ سينمائيٍّ بدأت تترادفُ أمامَ ناظِريه العَديد مِنْ الصوَرِ وَالأَسماءِ والمَواقفِ، وَبرزَ سؤالٌ أخَر يَلحُّ ويتقدمُ الصور والأسماء، احتمال ان تكون (إمرأةٌ) هِيَ التي تَتَعقبي فأنا لا أَعرف بالضبطِ:
- هَلْ هوَ كلبٌ أَسود أم كلبةٌ سوداء؟

تَشتتتْ أفكاره، وإزدادت الإحتمالات، ابتدَأَ بتدوينِ أربعةَ أسماءٍ مِنْ الأقاربِ، ثم تبعها بثلاثةٍ من أسماءِ الأَصدقاء، وأَضاف أَخر اليهم، إذن أصبحوا أَربعةً مِنْ الأصدقاءِ الذين يتوقع السوءُ منهم، وَعندما بدأ بقائمةِ الأشخاص الذين لا يتوافق معهم فِي الآراءِ والمواقف ويتوقع منهم كُل السوءِ أكتفى بتدوين أربعةِ أسماءٍ منم أيضاً.

وَعندما بدأ بقائمةِ النساء برزتْ أمامهُ صور (أَربعة نساء) خليطٌ بين الأقاربِ والأَباعد!
يضحكُ وَهو يَفرغ مِنْ تدونِ الأسماءِ، مُتذكراً الشاعر وَالروائي اليوناني الشهير(نيكوس كازانتزاكيس) وروايته الشهيرة (الإخوة الأعداء).
تشظتْ أَفكارُه، وراحَ يسبحُ فِي تيهٍ واسعٍ عَميق، فيما برزَ أمامهُ قَولُ الله تعالى (إِنَّ بَعضَ الظنِّ إِثمٌ) لتزيدَ مِنْ ارتيابه، بدخول صراعٍ جديدٍ لحلبة (سُوء الظنَّ وحُسنِ الفطنِ) فسوءُ الظنِّ بالأقاربِ والأَصدقاءِ يدفعُ للجفاءِ ويزيدُ العداءَ وَالبغضاءَ وَيهدمُ جسورَ المَودةِ وَالوصال.
 أَغمَض عينيه باسترخاءٍ وهو يتأملُ… بدأتْ الأفكارَ والأَسماءَ وَالحكم والأَمثال تنهالُ عليه تتزاحمُ وتنشطرُ برأسهِ كورمِ السَّرطان.
قَرَّرَ أن يُغلقَ هذا الباب، نَهضَ مِنْ مَكانه، أَعادَ الكُتب للمكتبةِ، ودسَ القائمة التي دونَ فيها الأسماء بكتاب (أبن سيرين) وَذهَب للمطبخِ يُعدُّ لنفسه (كوباً من القهوة) وَهو يفكرُ فِي إعداد وجبةٍ لطعامِ الغداء.
وَفِيما هو يَتناولُ طعام الغداء عَلَى أَنغامِ موسِيقى هادئةٍ، حضرت على باله فكرة مدهشة جديدة، قرَّرَ أَنْ يذهبَ في جولةٍ قبل حلول المساء وبدأَ مباشرة يُسلسلُ برنامجَ السهرةِ:
(أأخذ باص النقل العام، وأذهبُ للتجولِ فِي وسطِ المدينة، وَمِنْ ثُمَ أَختار(حانة) - بار ومطعم- أسهرُ فيها هذه الليلة ، أتناولُ (الجُعة) مع وجبةِ طعامِ العَشاءِ، أستمتعُ بمشاهدٍ حيةٍ مِنْ الموسيقى وَالرَّقصِ الطَّربِ، وأخرج مِنْ هذا الرأسِ كُل هذه الأَفكار فشراب (الجعة) فِي (الخمارة) أفضل ألف مرةٍ مِنْ التَّفكيرِ بهذا الكَلبِ اللعين).

وَفِيما هو في خِضمِّ هذا المِضمارِ، رَنَّ الهاتِفُ (النَّقال) يَنظرُ للمُتَّصلِ رقم وأسم زوجتهُ على الشاشةِ، يَفتحُ الأتصال:
ألو،أَلو، ألف أهلاً
 جاءَ الجواب:  أهلاً حَبيبي، كيفَ حالك؟ أَن شاءَ الله بخير؟
 - نَعمْ ،أَكيد بخير، سألها عَنْ أَخبار أبنتهما وَطفلها وَزوجها؟
- جميعهم الآن بخير، لَمْ يَبقَ لعودتي سوى ثلاثة أيام.
وهو يَصغِي لحديثها لكنهُ فِي حيرةٍ وَترددٍ هلْ يُخبِرُها عَنِ مُعاناته وَوَضعِهِ وَقصة (الكلبِ الأَسود) الذي يطوفُ عليه فِي المنام أم يُبقي المَوضوع طَي الكتمان لحِين عَودتِها؟
يَهتَدِي اَن يُؤجل إخبارَها لِحينِ عَودتِها، لَكنه يُخبرها عَلَى ما عَزَمَ عَلَيه هذا الَمساء، تَدعو لهُ بنُزهةٍ جَميلةٍ وَسهرة أجمل.
يَغلقُ الهاتِف (النقال) عَلَى أَمَلِ الاِتِّصال مَساء اليومِ التالي.

قبلَ أن يخرج مِنْ شقته راجع من خلالِ( الهاتف النقال) حالة الطقس لهذا اليوم:
(الجَوُّ باردٌ مَع رياحٍ شماليةٍ باردةٍ، السَّماءُ ملبدةٌ بالغيومِ، مع احتمال زخات مطر في المساء)
كان يعلمُ جيداً إن الشتاء داهمَ المدينة مُبكراً هذهِ السَّنة، وبعضُ المدن المجاورة لمدينته سقطَ فيها( الثلجُ) منذ عدةِ اسابيعٍ.سريعاً ارتدى المِعطف (الجُوخ الأَسود) الجديد فوق البدلةِ الشتويَّةِ، وَغطاء للرأس ولفاف للرقبةِ يقيه مِنْ زمهريرِ البردِ، وأخذ بيده (مَظَلَّة) مَطريَّة.
 
استقل باص النَّقل العام الذاهب لمركز المَدينة، واتَّخذَ لنفسه مقعداً جنب امرأةٍ كبيرةٍ بالسنِ تَجاوزت الثمانين لكنها أَنيقة، كانَ عِطرُها أخاذ، سريعاً وصلَ الباص لمركز المدينة.
 
أزدادتْ بهجته وهو يشاهد حركة الناس وهي تَعجُ بالحياةِ الليليَّةِ فِي الشَّوارعِ والمتاجرِ التي تَتَلألَأ بِمظاهر الزِّينةِ لقربِ موعدِ الاِحتفال بأَعيادِ الميلادِ والسنَّةِ الجَديدة، نَشَراتِ الأَضويَةِ المُلونةِ، وأَشجار عِيد المِيلاد، فِي كلِّ مَكان، تجولَ بحيويةٍ فِي شَوارعِ (سنتر) المدينةِ المُخَصصَّةِ للمشاة، وَبعض أَسواق الملابس والعُطور والهَدايا، اندلف فِي مَتجرٍ كَبيرٍ لبيعِ (المشرُوبات الكحوليَّة) وهو يعرض بضاعته بعنايةٍ وهندسةٍ جميلةٍ فقد رُصفت وَصُففت وَرُتبت وصنفت بشكلٍ يُبهرُ النظر أنواعاً وأشكالاً وأحجاماً لقناني وعُلب المشروبات الكحوليَّة فيه، أمتدت يَده عَلَى (قنينة ويسكي) (جُوني وايكر - دوبل بلاك ليبل) ذات العُلبةِ السَّوداء، وبسعة (واحد لتر) عَليها تَخفيض خاص لهذا اليوم فقط ، مِقداره(نصف السعر) وَكتبت بِجنبها ملاحظة : (يَحقُّ لكلِّ (زبون) أَنْ يأخذَ قنينةً واحدة).

 لَمْ يعرفْ بِالضَّبطِ مَا هِي المناسبةُ الَّتي دَعتهم لِهذا العرض والتخفيض المُغري، اخذَ مَعها (قِنينتانِ صغيرتانِ مِنْ الويسكي) كُل واحدةٍ بسعةِ (50 مل) جاء له فكرة أن يشربها فِي الحديقةِ الواسعةِ المُجاورةِ لشارعِ التَمشي، كثيرٌ مِنْ الناسِ تَشربُ هكذا، وَضعَ (مشترياته) فِي (كيسٍ) على شكلِ حقيبةٍ صغيرةٍ ملونةٍ مِنْ الورقِ، تباعُ بمتجرِ بيعِ المشروباتِ الكحوليَّةِ، بَعدَ أَنْ سددَ ثمنها.

اندَلفَ سَرِيعاً إلَى الحديقةِ المجاورة لشارع التمشي، جَلسَ عَلَى أَول (مَسطبةٍ) فارغةٍ لا يوجدُ أيُّ شَخصٍ يجلسُ عَليها، سَحبَ بتأَنِي مِن (الحَقيبةِ الورقيَّةِ) الَّتي يحمِلها أَول قنينة ويسكي صغيرة وفتحها وَدَلقَ كل محتوياتها دفعةً واحدةً فِي فَمه، بَعدَ برهةٍ من الزمنِ دَبَّ دَبيبها المُنعش، سَحبَ القنينة الصغيرة الثانية وشربها هذه المرة عَلَى مهلٍ، تخلصَ مِنْ (القنينتين)الفارغتين فِي صندوقِ للقمامةِ كانِ يبعدُ بِحدودِ ثلاثةِ امتارٍ مِنْ (المَسطبةِ) الَّتي كانَ يجلسُ عليها، عادَ مجدداً لشارعِ التَّمشي الرَّئيسي.

رغمَ البردِ فِي شَارعِ التَّمشي المُكتظِّ بالمارةِ كانَ يسيرُ مُنتشياً سَعيداً، خُصوصاً بَعدَ أَنْ حَصلَ عَلَى (قَنينة الويسكي) وجرعات منعشة من الويسكي والتي تناولها للتو، اختار مَقهى فِيه طاولة فارغة تطلُّ علَى الشارعِ العام للاستراحةِ ولتناولِ فنجان مِنْ القهوةِ، خلالَ الاِستراحةِ كانَ يتصفحُ أخبارِ العالم مِنْ خلالِ هاتفه (النقال) ويراقبُ حركة الناس فِي الشارع، وهي تزادُ سُرعةً وكثافةً وَمَعهما كانَ رَذاذُ المَطر يزدادُ هطولاً كذلك.

حَزمِ أَمرِه أَن يذهبَ إلى (الحانة) إعتادَ الذهابَ أليها وَخصوصاً فِي مثلِ هذا اليومِ (مساء الجمعة) فهو يعرفُ جيدأَ أنَ غداً (يوم عطلة) تكون أماكنَ السَّهرِ وَالسَّمَرِ( المطاعم والمقاهي والبارات وكلّ أَماكن اللهو) مكتظة بالناسِ، وَضاجة بالمُوسيقى والرَّقصِ وَالضَّحك.
بَعْدَ استراحةٍ لأِكثرَ مِنْ ساعةٍ، أرتدى مِعطفِه مجدداً وَغطاءَ الرأسِ، وَاللفاف، وسارَ مُحتمياً بمظلته باتجاهِ (حانته) المُفضلة، شعرَ أن البردَ قَد زادَ فيما بدأَ رذاذ المطر يزدادُ كثافة بهطوله، اندلفَ فِي (الحانة) جالتْ نظراته تتفحصُ طاولاتِ الجلوسِ اختارَ أحدى الطاولات المطلة عَلَى الشارعِ وتشرفُ عَلَى صالة (البار) أيضاً، وضعَ مِعطفه واللفاف وغِطاء الرأسِ وحقيبة (الويسكي) عَلَى الكرسيِّ الذي بِجوارِه.

نادِلُ الطاوِلةِ الَّتِي أختارها لجلسته تُديرها (فَتاةٌ) كانت رشيقة طَويلةَ القامَةِ، ناهدةَ الصَّدرِ، حَسناءُ الوَجهِ، بعينينِ ساحِرتين بزرقتها، ناوَلته ( قائمةُ المشروباتِ وَالطعام) تَمعنَ بِها كالمسحور، وَبعدَ فترةٍ طلبَ منها أَنْ تأَتيه بِعلبتين مِنْ (بيرة كورونا) اعتادَ أَنْ يشربها فِي هذه (الحانة) أَنها مِنْ المنتجاتِ (المكسيكية) اللذيذة، واختار مَعَها بَعضَ المُقبلات مَع وجبةِ عشاء (ستيك لحم بقر) سجلتْ (النادِلةُ الفاتنةُ) الطلبات في دفترٍ صغيرٍ، اخبرها أنَّ مَعه فِي هذه (الحقيبة الورقية) وَوَضعها عَلَى الطاولةِ أَمامِه، عُلبة ويسكي اشتراها للتَّوِ، وأخبرها أنه سيأخذها مَعِه للبيت، لا أَيشربُها هنا.
ابتسمتْ.. وَقالتْ له لا تُوجَد أَي مُشكِلة بِذلك.

بَعدَ بُرهةٍ مِنْ الزمنِ جاءت (النادلةُ) بِعُلبتي البيرة (كورونا) وَطبقاً فيه (جبس وَفستق حَلبي) وأَخبرته إن العشاء يتأخر بحدودِ الساعةِ ويكون جاهزاً. طلبَ مِنْ (النادلةِ) الجميلةِ قائمة الحساب، وأخرجَ مِنْ محفظته، الكارت الخاص لدفعِ قيمةِ فاتورةِ الحساب، وسددَ الحساب لها..
شَربَ (قنينة الجعة الكورونا ) الأَولى، وَقبل أَن يكمل الثانية جاءت وجبة الطعام.
أتمَ تناولَ (العَشاء) وارتشفَ أخر كأسٍ مِنْ (الجعة) بلذةٍ وهوَ مندمجاً مَع صوتِ الموسيقى وأَغاني لاحتفالٍ بعيدِ ميلادِ زواجٍ (لامرأةٍ وزوجها) يَجلسان لوحدهما على مائدةٍ منفردة صغيرة تتوسطها (شمعة متوهجة) يجلسان عَلَى مقربةٍ مِنْ طاولته، طوال الوقت كانَ يتلصص بحذرٍ لِهمسات الحبِ وصوتِ القبلِ التي يتبادلانها، وقد صفقَ مع مَن صفق وَغنى مع مَن فِي الصالةِ مع المقطوعةِ الموسيقيةِ الصادحةِ الراقصةِ التي عزفت خصيصاً لهما.

نَظرَ إلى ساعته فِي هاتفه (النقال) الساعة تشير إلى الحاديةِ عشر ليلاً (يكفي لهذا الوقت هكذا جاءَ قرارهُ) شعرَ إن مثانتهُ مليئة، نهضَ وذهبَ إلى (المغاسل ودورة المياه) عادَ لمكانه بَعدَ أفراغِ لتراتِ (الجعة) مِنْ مَثانته
فيما هوَ في هذه النشوةِ بَعدَ أَن شعرَ أن هماً ثقيلاً قد زال عَنْ صدره، في نفس هذه اللحظة شاهدَ مفاجئة كادت أن توقف قلبه.
سيارة (البُوليس) وهِي تقفُ مقابلَ الواجهةِ الزجاجةِ بالقربِ مِنْ المكان الذي يجلسُ فيه، يَفصِله عَنها فقط اللوحُ الزجاجي، تَسمرتْ عَيناه عَلَى أربعةِ افرادٍ مِن (البوليس) المدجيينَ بسلاحِهم وَبعُصيهم الكهربائيةِ وهُم يترجلون مِنْ السَّيارةِ، فِيما يَفتحُ أحدهُم الباب الخلفِيَّ للسيارةِ، يَقفزُ منها (كلبٌ ضخمٌ أَسود)، يَتَقَدمُهم (الكلبُ الأسودُ) يتوجهونَ للدخولِ من بابِ الحانة.
بصوتٍ - مَسموعٍ- كأنه يخرج مِنْ داخلِ رأسه يهتفُ:
- يا للحظِّ التَّعيس الكَلبُ الأَسود يَتَتَبعُ خطاي؟

أَصابته نَوبة مِنْ الهلعِ والإرتباكِ، أزدادت ضرباتُ قلبِه، عيناه تُلاحقُ (الكَلب) وَالشرطة وهُم يهمون بالدخولِ مِنْ بوابةِ المطعمِ، اندفعتْ يداه سريعاً تَجمعُ أغراضِه.
وضعَ مِعطفِه على ساعد يديه وحملَ (حقيبة قنينة الويسكي) وَغِطاءُ الرأسِ وَاللفاف، وَسارَ فِي خُطى حَذرةٍ في ممرٍ أَخر يُوصله لبابِ الخروج، دونَ أن يلتَّقِي بالكلبِ وَجهاً لوجه ، كادَ أَن يخرجَ مِنْ البابِ، تذكرَ أنهُ قد نسى (مظلته) استدار بغيرِ وعيٍ كيْ يجلبها ،عادَ عَلَى عجلٍ بذات الممرِّ، فِي أوَّلِ استدارته، وَهوَ يهم بألتقاطِ المظلة، حافة المِعطف الذي يحمله على يده، يرتطمُ بكأسٍ مليءٍ بنبيذٍ أَحمرٍ، وهو بيدِ ذات (السيدة) المحتفلة بعيد ميلاد زواجها والتي كانَ التصفيقُ ببهجةٍ يهز ارجاء الصالة لها، سقطُ الكأس من يَدها على الطاولةِ وغمرَ (النبيذ الأحمر) مَلابِسها.
بِغيرِ وَعيٍ اتجه مندفعاً صوبها لغرضِ الاِعتذارِ ماداً يده ليمسكَ الكأَس الذي يَتدحرجُ أمامَ (السيدة) فوقَ الطاولةِ، جَفَلتْ المرأةُ منه وبدأت تصرخُ فزعةً متذمرة، تنزلقُ (الحقيبة الورقية) من يدِه عَلَى أرضِ البلاط المرمري اللامعِ ،سمعَ الارتطام بالأرضِ وصوت تهشم قنينة (الويسكي) بجانب كرسيها، رائحة (الويسكي) تنبعث سريعاً بالمكان، تملكه الذعر وازدادَ ارتباكاً، حاولَ أَنْ ينحني ليلتقط (الحقيبة الورقية) الذي استقرَّ سقوطها بجوارِ كرسيِ السيدة المحتفلة، راحتْ (المرأة) تصرخُ بصوتٍ عالٍ غاضبٍ، وَهِي تحاولُ مَنعه من التقرب إليها بحركة من يديها كدفاع عن النفسِ، زوجها يَصرخُ معها، بكلمات لمْ يفهم منها شيئاً.
أحسَ أن جميع الانظار التي فِي الصالةِ تلتفتُ وتحدقُ بتوجسٍ واندهاشٍ إليهم، دارتْ به الدُّنيا، وزدادَ هلعاً وحيرة حاولَ أَن يكلمها تَعثرت الكلماتُ بتمتمةٍ بفَمه لا يعرفُ سبب ذلك:

 - هَل مِنْ الخَوفِ أم بسبِ حالة الارتباك أم من تأثير الخمر؟
شعرَ إنَّ كلَّ من فِي صالةِ (الخمارة) يصوبُ عيونهُ نَحوه، بفزعِ ورعبٍ عيناه تراقبُ نظرات (عيون الكلب الأسود) وهو يتقدمُ بإتجاهه، يحدثُ هرجٌ يتداخلُ مَع صوتِ الموسيقا الصاخبِ فِي المَطعم، شعرَ إن رأسه بدأَ يدورُ بَيْنَ صراخِ المَرأةِ وَعُيونِ الناسِ فِي الصالةِ وَالشرطةِ والكلبِ والموسيقا وتأثير الخمر، لا يعرفُ ماذا حدثَ لهُ بَعدَ ذلِك.
 
أَحَسَّ إنَّ يداً حنونةً فوقَ جبهتهِ تتحسسُها، وَهِيَ تُزيلُ برفقٍ قطراتٍ مِنْ العرقِ المتصببِ مِنها، فيما صوتٌ ناعمٌ خافتٌ ينسابُ إلى أذنيه وهو يرددُ إن صحتهُ اليومَ أَفضل وَنبضات قلبه وتنفسه مُستقرتان.
يَفتَحُ عينيهُ بتثاقُلٍ، أربعةُ نسوةٍ بملابسٍ بَيضاء حولهُ يتناوبنَ الحديث فِيما بينهن، صَوتٌ مَلائكي فِيه كثيراً مِنْ الرقةِ وَالحنانِ يتحدثُ باتَ يسمعهُ بِضوحٍ أكثر وَهو يرددُ:

ـ فِي الأَيامِ الأَولى كانَ يَتصبَّبُ عَرقاً، وهو يَهذي بكلماتٍ مُحدَّدَةٍ (المَعذرة، المَعذرة، العفو، أَسف، كَلبٌ أَسود) هذه الكلِماتُ كانتْ لا تفارقُ لسانه. 
يُجيبها صوتٌ أخرُ هامساً:
- إنها الحُمَّى التي لازمتهُ للأيامِ الثلاثةِ الماضيةِ، لكن وضعهُ الآن مُستقر وزالَ عنهُ الخَطر، سيتحسنُ سريعاً، ونعرفُ ماذا جرى لهُ وَما هو سِرُّهُ.
صوتٌ نسائيّ رقيق النبرات يخبرُ الجميع: إنَّ زَوجتهُ تنتظرُ بلهفةٍ سماعَ خبر تَحَسن حالتهِ فَهي مُنذُ ثلاثةِ ساعاتٍ تنتظرُ بفارغِ الصبرِ فِي غرفةِ الاِستِعلامات.

كُتِبَتْ فِي مالمو مَملَكةِ السّويد 2020


       


23
الصابِئةُ فِي مَدينةِ واسِط خلالَ العَصرِ العَباسيِّ
للفترة 324ـ 656 هـ أو 953ـ 1258 م

يَحيَى غَازِي الأَمِيريّ
لموقعِ مَدينة (واسِط) الجغرافي المتميز وَسط (العراق) ولخصوبة أراضيها الزراعية، ووفرة المياه فيها، أصبح لها شأن بارز ودور مُهم في تأريخ العراق منذ تأسيسها على يدِ (الحجاج بن يوسف الثقفي)عام (83هـ) واختيارها مركز للعراق خلال فترة العصر الأَموي.

وَرَدَ في كتاب (الدرهم الأَموي المُعرب) تأليف (ناصر محمود النقشبندي ومهاب درويش البكري) في صفحة (43) في تعريف واسط :(هي المدينة العربية الثالثة التي أسسها العرب في العراق، أما المدينتان فهما الكوفة والبصرة وقد أسس الحجاج بن يوسف الثقفي واسطاً لتوسطها بين الكوفة والبصرة والأهواز، وبقيت واسط طوال عهد الخلافة الأموية من اشهر مدن العراق. وقد وصلتنا مجموعة من الدراهم والفلوس ضربت في هذه المدينة الخالدة وأن الدارهم الأموية التي وصلت كاملة منذ تأسيس هذه المدينة حتى نهاية الدولة الأموية سنة 132هـ).
 
وتقول باحثة الآثار (جنان خضير منصور) في مقالتها الموسومة (تاريخ واسط) المنشورة في مجلة ميزوبوتاميا ( بلاد النهرين ) العدد (5 و6) والمنشورة على صفحات الانترنيت تقول:عن تاريخ بناء المدينة :
(أما عن تاريخ بناء المدينة فقد اختلفت المصادر في تحديده، إلا ان معظمها يجمع على إن عملية البناء تمت بين الأعوام (83هـ ــ 86هـ/ 702 ــ 705م) أي في أواخر حكم الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استأذنه الحجاج في انشاء المدينة. وأنى أرجح بناء مدينة واسط سنة (83هـ/702م) معززين الرأي بما وصلنا من مسكوكات فضية (دراهم)، مضروبة بهذه المدينة حيث تعتبر المسكوكات وثائق أساسية ومهمة جداً يعتمد عليها في تتبع مسيرة التأريخ وفك الاشكالات والتداخلات التي يقع فيها كتابه. ويحتفظ المتحف العراقي بدرهم فضي مضروب بواسط سنة 83هـ، كما ويحتفظ بدرهم اخر من ضرب سنة 84هـ. وهذا يقدم لنا دليلا علي ان بناء المدينة كان قبيل عام 83هـ وأخذت تستكمل بعد ذلك مرافق المدينة حتى عام 86هـ. لقد وصفت واسط بناء وتخطيطاً بأنها كانت تقع علي الجانب الغربي لنهر دجلة يقابلها علي الجانب الشرقي مدينة قديمة تسمي كسكر. وقد ربط المدينتين جسر من السفن على كل جانب من جانبي النهر جامع، وكان يحيط بالمدينة سور وخندقان، إلا ان( بحشل)1 يذكر انه كان للمدينة سوران وخندق ).

وبعد سقوط الحكم الأموي وانتقال الخلافة للعباسيين وبناء بغداد على يد (أبو جعفر المنصور)عام 145هـ ، واختيارها عاصمة للدولة العباسية، بقيت واسط من الأقاليم المهمة في العراق، وخلال القرن الرابع الهجري حدثت تقسيمات إدارية مهمة في العراق أصبحت واسط، إحدى الولايات المهمة والمرموقة حيث ضمت مدنا ًعديدة وقرى وقصبات كثيرة.

ويشير الأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه الموسوم (واسط في العصر العباسي)2 وكان يسكنها خليط من العرب والفرس والأتراك والديلم والنبط * والزط **، وقد تعايشت فيها طوائف دينية إلى جانب المسلمين، إذ كان هناك نصارى ويهود وصابئة مندائيون .

ويوضح الأستاذ المعاضيدي : لقد كانت مناطق وجودهم ( الصابئة المندائيين) تمتد من واسط إلى خوزستان في منطقة (الطيب ماثا ) بعد هجرتهم ونزوحهم من مدينة حران وقبلها من فلسطين ، كما ورد ذلك في أحد كتب المندائيين كتاب (حران كويتا)3 المدون باللغة المندائية .

أشار الأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه (واسط في العصر العباسي) بصفحة (202) :
 (وقد سكن الصابئة هذه المنطقة قبل الفتح الإسلامي، وعندما جاء الفتح الإسلامي ذهب وفد من الصابئة لمقابلة القائد العربي المسلم وعرضوا عليه أمرهم فأقرهم على دينهم فأكسبهم ذلك التسامح الديني كأصحاب كتاب وبقوا بين المسلمين يؤدون الجزية.) مما زادهم قوة ومنعة.

ويضيف (المعاضيدي) في نفس الصفحة (ويبدوا أن سبب اقامتهم في هذه المنطقة يعود إلى ما في ديانتهم من فريضة الاغتسال والتغطيس في المياه الجارية، حتى اطلق عليهم بعض المؤرخين العرب أسم (المغتسلة) وأطلق عليهم البعض الأخر أسم (الصابئة البطائحية).
وفي صفحة (204) من كتاب الأستاذ المعاضيدي (واسط في العصر العباسي) يقول: (غير ان سرية ديانتهم، وقلة من يعرف لغة كتبهم الدينية، وكتمانهم لها أدت إلى اختلاف رأي الفقهاء فيهم، فالفقيه أبو يوسف (صاحب كتاب الخراج) اعتبرهم من أهل الذمة ،وتؤخذ منهم الجزية، إلا أن الخليقة القاهر بالله (320 - 322 هـ / 932- 933 م) عندما استفتى الفقيه أبا سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الأصطخري في حقهم أفتاه بقتلهم، (لأنه تبين له أنهم يخالفون اليهود والنصارى) وأن لا تؤخذ منهم الجزية.)

فقد كتب الأستاذ عزيز سباهي ***في كتابه الموسوم (جذور الصابئة المندائيين) صفحة (193) ما نصه (ونحن تعرف ومن كتاب حران كويتا أن(أنش بر دنقا) وكان يشغل أعلى المراكز الدينية عند المندائيين، قد ذهب وبصحبته مجموعة من وجهاء المندائيين إلى قائد الجيش الإسلامي وأوضح له طبيعة دينهم وعرض عليهم كتابهم الديني (الكنزا)4 لكي يضمن لقومه التسامح الذي خص به القرآن أهل الكتاب، وقد تم له ذلك).
 
وفي صفحة (180) من كتاب الأستاذ عزيز سباهي يقول : (ورد في كتابهم (حرّان كويتا) أنهم كانوا جماعة كبيرة، وأن في الأيام الأولى من وجودهم في بلاد ما بين النهرين وليس في ميسان وحدها، كان هناك أربعمئة مشكينا (أي مندي، وهو المعبد المندائي) .

وعن دور الصابئة في المساهمة في بناء الحضارة في بلاد الرافدين يشير الأستاذ (عزيز سباهي) في صفحة (9) من كتابه (جذور الصابئة المندائيين) ( لعب الصابئة، رغم كونهم طائفة دينية صغيرة، دورا ً ملحوظا ً في تطور الحياة الروحية والفكرية في بلاد مابين النهرين خلال ظهور المسيحية وانتشارها أو بعد ظهور الإسلام، ولاسيما بعد ازدهار الحضارة العربية ــ الإسلامية أيام العباسيين، ولمعت من بينهم شخصيات علمية أسهمت بقسط وافر في إعلاء شأن الحضارة العربية ـــ الإسلامية ) .

يشير الأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي في كتابه ( واسط في العصر العباسي ) في صفحة (203) لقد سكن الصابئة المندائيون في الجانب الغربي من مدينة واسط وكان لهم درب خاص بهم سمي ( درب الصاغة) لانهم كما يشير المؤرخ (الخطيب البغدادي) اشتهروا بمزاولة الصياغة كحرفة خاصة بهم. وأن بعضهم دخل في الإسلام. وليست لدينا معلومات عن تعدادهم وأحوالهم في هذه المدينة.)
ويشير الأستاذ عبد القادر المعاضيدي في بحثه لقد ساعد وجود (الصابئة) في واسط على ظهور(علم الفلك) فيها لمعرفتهم الواسعة في علم الفلك والرياضيات تلك المعرفة التي نقلوها معهم من مدينة حران المشهورة في علم الفلك. ويشير الى وجود (البيت المندائي) الذي يعد من أهم البيوتات التي ساهمت في بناء وتطوير الحياة الفكرية والثقافية في واسط ، فيقول ( إذ اشتهرت في واسط عائلة عريقة في القضاء والعلم والرواية وهي من اصل (مندائي) ساهمت في تطور الحياة العلمية فيها.

ومن أبناء هذه العائلة المندائية كما ورد في كتاب الأستاذ عبد القادر المعاضيدي :

1 ـــ القاضي أبو العباس أحمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 552 هـ 1157 م وهو قاض ٍ وكاتب .
2 ـــ أخوه أبو السعادات علي بن بختيار أبن المندائي وكان أديبا ً وشاعرا ً وكاتبا ً وقد تولى القضاء في واسط .
3ـــ أبو الفتح محمد بن بختيار أبن المندائي توفي سنة 605هـ ــ 1208 م وقد تولى القضاء في واسط .
4 ــ أبو حامد محمد بن محمد أبن المندائي فقيه توفي سنة 602 تولى القضاء في واسط .
5 ــ أبو العباس أحمد بن محمد أبن المندائي وكان من رجال العلم والحديث توفي عام 642 هــ

كتبت في مالمو/ السويد

الهوامش 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) بحشل : هو (أسلم بن سهل الواسطي) توفي في (292) ألف كتاب ( تاريخ واسط ) وقد كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط ، وقد حقق الكتاب كوركيس عواد.

( 2 ) كتاب (واسط في العصر العباسي) للأستاذ عبد القادر سلمان المعاضيدي ، أستاذ العلوم الإسلامية، والكتاب دراسة تاريخية قيمة عن أحوال واسط الإدارية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكذلك عن الحياة السياسية وطوائفها الدينية خلال العصر العباسي لفترة من ( 324 هـ لغاية 656هـ ) أو (953 لغاية 1258م) .أصدار الجمهورية العراقية /وزارة الثقافة ولإعلام في 1983
* النبط : هم من الآراميين سكان العراق القدماء وكان هؤلاء يسكنون البطائح ويشتغلون بالزراعة وقد أطلق المسلمون بعد فتح العراق على سكان السواد اسم النبط . المصدر السابق
 
** الزط : أصلهم من بلاد السند وهم مربو الجاموس وقد تحولوا أخيرا ً إلى قطاع طرق حتى قضى عليهم الخليفة المعتصم وكان يقدر عددهم قرابة ( ألـ ) 27 ألف . المصدر السابق
وكذلك تشير عديد من المصادر ان الزط هي إحدى أسماء الغجر . فقد ورد في كتاب ( الغجر الظرفاء المنبوذيين ) الطباع والدكتور منذر الحايك : يعدد الكتاب بعض التسميات العربية القديمة للغجر كالزط والسبابجة، وتجمع المصادر العربية على أن الزط قوم من بلاد الهند وبالتحديد من حوض نهر السند، ويعتقد أن (زط) عرّبت عن أصلها (جت) وهي باللغة الهندية اسم هؤلاء القوم الذين كانوا يعرفون بـ(زنوج الهند) بسبب بشرتهم السمراء .

*** الأستاذ عزيز سباهي : كاتب وباحث له العديد من الإصدارات والدراسات والبحوث، وكتابه ( (أصول الصابئة المندائيين ) الناشر دار المدى للثقافة والنشر / الطبعة العربية الأولى 1996 . يعد من الدراسات القيمة التي أضيفت للمكتبة العربية فيما يخص الديانة المندائية لما احتواه من مصادر غزيرة متنوعة بالإضافة إلى تحليلاته وشروحاته الوافية.
 
( 3 ) كتاب ( ديوان حران كويتا )أو( ديوان حران كويته ) وهو محاولة لعرض تأريخ الطائفة المندائية منذ أيام يحيى. وقد وضع الكتاب ودون في بداية العهد الإسلامي الأول.وقد ترجمته السيدة دراور ونشرته سوية مع كتاب ( تعميد هيبل زيوا ) في الفاتيكان عام 1953.المصدر:عزيز سباهي ( أصول الصابئة المندائيين) ص15

( 4 ) كتاب الـ ( كنزا ) هو كتاب ( كنزا ربا ) أو الكنز العظيم ، أو السيدرا، هي جميعها أسماء لكتاب واحد ألا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف. المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في ( كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي.




24


بَيْنَ نَشوَةِ الجَذلِ وَذُعر الوَجَلِ

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيريّ


أُحَدِّقُ بِغبطةٍ
بِخيوطِ الشَّمسِ
المُتداخلةِ مَع سحابِ روحِي
المُحلقةِ فِي اعَاصيرِ
 بحورِ الخَيال
أَجلِسُ وَحِيداً
 بِغُرفتي فِي المُنتجعِ
بشمالِ القُطب
ناظراً مِنْ كوةٍ زجاجيَّةٍ كبيرةٍ
للسَّماء
 أَهِيمُ مُحلقاً
بَعيداً فِي الفَضاء
فَتَتَواتَرُ متتاليةً الأَخيلَةُ
أَحثُ الخُطى مَعَها سارِحاً حذراً
يَغصُ المَكانُ
بلوحاتٍ ساحرةٍ لفِردَوسٍ
غايَةٍ بالإتقان
لِمروجٍ شاسِعَةٍ
مِنْ أَزاهيرِ شَقائقِ النُّعمانِ
مُتَنَوِّعةِ الأَلوان
عَلِى مَدِّ البَصرِ رِياضٌ غَناء
وَحقولٌ تلتحفُ بزهُورِ الياسَمِين
تَنتَشِي النَّفسُ
بِعَبَقِ عِطرٍ
أَخاذٌ زاكي
يُذكيه نَسيمٌ عَلِيل.
تُحفَةٌ أُخرى تشدني للمنظر أكثر،
   لقطيعٍ مِن الغِزلانِ
يَمرَحُ وَيَنهلُ مِنْ الماءِ الزَلال
المنسابِ مِنْ الشَّلّال
المُنحَدِرِ لجَوفِ النَّهرِ وَالغِدران 
جَلَستُ مُحتَرِساً خَلفَ كُتلَةٍ مِنْ الصُّخور
   أرقُبُها خِلسةً مِنْ بَيْنَ الأَشجارِ    
وَهالاتِ الرذاذِ المُتطايِرة
هَدِيلُ الحَّمامِ
يَشنَفُ الأَذان
يُبهُركَ فِي سِربِ الغزان
رَشَاقةُ القِوامِ
وَخِفَّةِ وَسرعة الوَثب
 وَسِعَةِ وَجَمال العيون
وَهِيَ تَرصدُ ما حولَها بِحترازٍ وَإمعان.
أسرابُ الطيُورِ المُحلقةِ
تَسبحُ بصفوفٍ مُنتظمةٍ بَيْنَ الأَرضِ وَالسَّماء
يَنسابُ مِنْ بَيْنَ أفانِين التين
شدوٌّ ساحِرٌ مليحٌ
لكوكَبَةٍ مِنْ العَنادِل
تُخالِطُهُ بِبَهجةٍ
زَقزقةِ العَصافِيرِ وَهِيَ فِي لُجَّةِ حَفلِها الصاخِب
مَا هذا المَشهدُ المُهيب
مُوسيقا تُنَغِم
 ( لَحن الخُلود)*
قيثارةُ قلبي تَتَرنَّمُ بالشدوِ
(كل ما يدق قلبي بنادي عليك)
اتنفسُ رائِحة خُبزٍ
 يَنبَعثُ مِنْ تَنورٍ مَسجورٍ
بجريدِ سَّعفِ النَّخِيل
طارَتْ روحِي مِنْ مَكمنِها
تَطوفُ فِي الفِردَوس
يا لِسِحرِ الجَمالِ
كتلةٌ لضِياءٍ مِنْ بَلورٍ وَنُور
أَمامَ هالَةِ النّورِ
 تقفُ واثِقةُ الجِنان
امرَأَةٌ 
كَشطبِ رَيحان
مَا هَذا، أهيَّ؟
ملاك أَمْ عشتار؟**
تُخفي شُعاع العُيون
 بأغصانِ الآسِ وَالزَيتون
إنَّها تَطِيرُ
 مُتَنقِلةٌ بِغَنجٍ
فَوقَ الأَزهارِ تَسير
مِنْ خَلفِها تَنبعِثُ حُزمَةٌ ضَوئيَّةٌ
 لِشُعاعِ نُورٍ سنيٍّ بَهيّ
يُبهرُ الأَبصار
وَيَأَسِرُ الأَلباب
بدهشَّةٍ سَألتُ نفسي
بَعدَ أَنْ حرتُ بأَمرها
مَاذا أَرى؟
أَخالَها لَوحةً سِرياليَّةً ساحِرَةً
أَبدَعَها خَيالُ فَنان
بِغِبطَةٍ وَابتِهاجٍ أَطبَقتُ أَهدابَ عَينيّ
لِبُرهَةٍ
عَلَى المَشهَدِ المُدهِش
رُوحِي تَتبَعُ عِطرها
وَأَنا أَحَبو مُتخفياً مِنْ مَكمَنِي
بمُحاذاةِ النَّهرِ
أَنظرُ مَرة أَخرى للمشهدِ
تَختَفي - الملاكُ، عشتار - بِالنّور السّنِي
إلَى أَينَ ذهبتْ؟
لمَ أِعد أرها؟
كيفَ اختفى الضِياءُ بالنّور؟
أَصابني الذهول
أَتبعُ بأناةٍ رائِحَةِ الشَواء
اسمَعُ مِنْ بَعِيد صَوت نايٍّ
يَعزفُ بلَوعةٍ حزنٍ بَليغِ النَّغَم
أصَختُ لهُ السَّمع
أَقتربُ إليه اكثر
ألوذُ بِحذرٍ
 بَيْنَ الصخورِ وَأَجمَةٍ مُتشابِكَةِ الأَغصان
مَا هَذا الأَنِينُ المَعجون بالشَجن
اعرفُ هذا النّاي
مَصنوعاً مِنْ شموخِ القصَب
يبثُ نَجواه وَشَكواه كُلَّما جَارَ عَليه الوَصَب
صوتٌ مُدوي لِطَلقةِ صَيادٍ
أَو قَناص
يُعِيدُ صَداها الوادِي بدويٍ وَصَخَب
مِنْ أَعشاشِها - اوكارَها-
 تَفرُ الطيورُ فزعةً
مِنْ السَّماءِ تَتَساقط أَمامي
عَشراتُ الطيورِ مُضرجةً بالدَّمِ
بُلبلٌ يَهوي فِي حضني
وَاهن القوى
مُهَيَّضُ الجَناح
فِي عَينيه تَتَلَبَّدُ دُموع الأَلم   
المَكان يَضجُ بالاِضطرابِ مِنْ الهَلع
تَتداخلُ اصواتُ الطيورِ وَالحيواناتِ
بِهستريا مِن الفَزع
أَرَى مِنْ بَعيد عَلَى التُّخومِ
سُحب دُخان
وَعدةِ مجاميعٍ مِن الغَّربانِ تَحُوم
جَفَلَ خَافي وَارتَعب
 النَفسُ انقَبض
وَدَبَ فِي الأَوصالِ الوَجل
تَمزقتْ وَتَشوشَتْ أَفكارِي
وَأَنا استرجعُ كالمَذعور
رائحةُ العَفَن
فِي الثَكناتِ وَالخَنادق
وَأَصواتُ هُطولِ حمَمِ مَطرِ القَنابلِ عَلَى السَواتر
وَقَرعُ طبولِ الحَربِ
وأناشيدِ الرُّعب
تَبثُ مُزمجرةً صارخةً
مَع أَزيزِ رَصاصِ البَنادق
وَعَسف عُيونِ السُّلطان
وَقسوةُ ذلِّ سنِينَ الحِصار
أَفِيقُ مِنْ خَيالي السارحِ المَصدوم
مُترنحاً
كالثَملِ
- أضغطُ بِكلتا يَدايّ عَلَى صدغي -
صُداعٌ رَهِيب
بصعوبةٍ تَتَحركُ عَيناي
تَجولُ فِي المَكان
يَدي سَريعاً تَذهبُ
لِغَلقِ صَوتِ هَذيانِ الزَّيفِ
لِنَشرةِ أَخبارِ التِلفاز
وَهوَ يَسردُ كعادتهِ
الاِنجازاتِ وَالإصلاحاتِ والانتِصاراتِ
فِي نَشراتِ الأَفِكِ اليَوميَّة.
صَمتٌ موحشٌ
يُطبقُ عَلَى المَكانِ
اسحبُ نَفساً عَمِيقاً
أنظرُ بالمرآة
صورةٌ لِصنوٍ لِي
لَمْ يَزَلْ يَتَعقَّبُ خطاي يُلاحِقُني
عَيناهُ الجَاحِظَتانِ الثاِبتتانِ المُفزُوعتان
تُحدقان بوَجهي
أَزدادُ هلعاً
بصوتٍ عالٍ
احدثُ المِرآة
رافعاً إلَى السَّماءِ يدايّ:
رَبّاه، رَبّاه
 حَتى فِي تِيهِ الخَيالِ يَتبَعُني هَذا المَوّال!
حَتامَ أَبقى أَحمِلُ مَعِي
فِي الحلِّ وَالتَّرحَالِ
 كُلُّ هذا الأَسَى؟

مالمو تشرين الأول / أكتوبر 2020
   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة الفنية : بريشة الفنانة التشكيلية (ريام يَحيى الأَميري) عنوان اللوحة ( لُعبَة الغميضَة ) أبعادها (90×120) سم؛ المواد المستعملة في اللوحة ( دهان بخاخ على القماش، حبر، أكريلك، ورق من الذهب الخالص)
* لَحن الخلود : فلم موسيقي رومانسي درامي مصري أنتج عام(1952)، بطولة (فريد الأطرش وفاتن حمامة، ماجدة، ومديحة يسرى) وفيه أغنية (شهيرة) تحمل نفس الاسم (لحن الخلود) غناها ولحنها المطرب الموسيقار (فريد الأطرش) كلمات الأغنية للشاعر (مأمون الشناوي)
** عشتار: هي آله الحب والحرب والجمال والتضحية في الحروب في حضارات وادي الرافدين، وكان معبدها يقع في مدينة أوروك (الوركاء) عاصمة بلاد سومر، وهي نجمة الصباح والمساء( كوكب الزهرة) رمزها نجمة ذات ثماني أشعة منتصبة على ظهر أسد، وبيدها باقة زهور.ويقابلها لدى السومريين (إنانا) أطلق عيها السومريون أسم ملكة الجنة.



25

لِرُوحِ مَهدي الخَزرَجيِّ أَلف سَلام *

 
بقلم : يَحيَى غَازِي الأَمِيريِّ
لَمْ يذعَنْ وَلَمْ يَنقاد
رغمَ كُلِّ أعاصِيرِ القَمعِ
وَ بَشاعة أساليِب التَعذِيبِ وَ الرعبِ
كالأشباح تحَومُ حول الأعناقِ
لمْ تَستطعْ
أنْ تخمدَ ضوءَ قِنديلِ
التحدِّي وَالإباءِ مَهدي.....
مَهدي ، يَا نَقيَّ الضَّمير
 أَيُّها المُتفاني حُبَّاً صَادِقاً
لِنُصرَةِ الحَقِّ
أَيُّها الدؤوب
التائِقُ بشغفٍ للحُريَّةِ
وَالمُساواةِ وَالعَدلِ
لَمْ تَزَلْ قُلوبنا
إِلى اليَومِ يَا صَدِيقي
تَبحثُ في أضابيرِ المَوتِ
وَدهاليزِ أَقبيةِ المَنُون
وَمقابرِ المجازرِ السِّريةِ
فِي جَوفِ الأَرض
وَأَحواضِ إذابةِ الأَجَساد البشريّة
لكن لَمِ  نَعثُر عَلَى رمسٍ
يَحمِلُ اسمَك
لِنذرفَ دَمعَةٍ
وَنَضعُ وَردةَ ودٍّ حمراء
كُلَّما اشتاقتْ النَفسُ
لِصَديحِ صَوتك،
أَو لإشراقهِ رَسمك.
فَقَطْ وَرَقةً مَمهورَةً
بإمضاءِ شُركاءِ الجَبهةِ **
- وَالتي كانَتْ فِريَةً وَ خدعَةً كَبيرَة -
تَلاها ـــ ضابطٌ بالأَمْنِ ـــ عَلَى شَقِيقك نَاجي-
نصاً مشؤوماً مُدون فِيه:
بأَمرٍ رئاسِيّ
بِمقاصِلِ المَوت
كَما صُلبَ السَّيدُ المَسيحُ
قَد تَمَ صلبك!
مَع تحذيرٍ (شَفويّ) شَديدِ اللَهَجة
بـ { ِمَنعِ البُكاء بالعَلنِ،
أَو إِقامة مأتم للعزاءِ بالسرِّ}
أَكتُبُ إِليكَ يَا صاحِبي
بِمدادِ  قَلبِي
لِذا سَتَراهُ مَمزوجاً
بَيْنَ الحُبِ وَالحَنينِ
وَ الوَجَع ، والأَنين
فَقَد غَادرتُ بلادَنا مُجبراً
مُنذُ عَقدينِ مِنْ الزَمَن
أَعِيشُ مُتَغَرِباً غَرِيباً
فِي أَقصَى شَمال الأَرضِ
فِيما تَركتُ رُوحي هائِمةً
تُرفرفُ وَتَحومُ
فَوقَ بَساتين النَخِيلِ
وَهامات قَصب بلادِ النَهرينِ
بَعْدَ أَن رَفَضَتْ أَن تَبرح المَكان
وَتُفارق الخلان
يَا صاحِبي :
لَمْ يَزَلْ وَطننا إِلى الآن
 مُضطَرِبَ الجِنان
نازفاً حَدَّ الهَلعِ
مِنْ هَولِ ما أَصابهُ مِنْ كثرِ القروح
أضحتْ نـُدوبـاً نازفـةً،
وَأصوات مكتومة
أضحى وطننا يا مهــــــدي
تُعشعشُ فِيه الحُروب
وتفتكُ في ربوعهِ أَفةُ الخَراب
وَ تَقاسمَ ثَرواته سلباً وَنَهبِاً  ونَصباً
شِلَلٌ جاءتْ مَع دبابات العِمِ سام
وَجُلهم مِن اللصُوصِ المحترفين
تَصَور فَي ليلةٍ وَضَحاها
مَقامُ نَبيّ الله (يُونس) وَالمنارةُ الحَدباء
أَصبَحتا أَثراً بَعْدَ عَين
وَأَكثرَ مِنْ أَلفي طالبٍ أَسيرٍ
لمدرسةٍ عسكريةٍ
تَمَّ تَقسيمُ طَريقةِ قَتلهم
 بدمٍ باردٍ
توزعَ بَيْنَ الذَّبحِ مِن الوَرِيدِ للوَريدِ
وَ القتل برَصاصةٍ بالرَّأسِ 
أو الدفن بشكلٍ جماعيّ
بحفرٍ كبيرةٍ وَهم أَحياء
لا تَندهشْ،  وَبذاتِ الوَقتِ
أُخذتْ عَنوةً مِنْ قِلاع أَشور
سِتة آلافِ امرأة وَطفلة سَبايا
إلى اليومِ لَمْ يَزلْ نِصفُ عَدَدِهُنَ
يُباعُ في سوقِ النِخاسة
لكِنْ
رغمَ المَوتِ المُحدِقِ فِي كُلِّ لحظةٍ
 لَمْ يَرضخْ أو يَهجع أو يَستكين غَضَبُ الشَّعبِ
فِفِي تَشريِن ***
هَبَّ عُمومُ الشَّعبِ
باِنتفاضةٍ عارِمةٍ
دفعَ فِيها بِسَبعمائَةِ شَهِيد
وَأَكثرُ مِنْ عِشرين أَلفِ جَريح
سَيَبقى وَهجُ سِراجِ صُمودِكَ
حَدّ الجُودِ بالنَّفسِ
دَرساً بَليغاً
بالإيثارِ
يُضيءُ دُروبَ الجموعِ
الثائِرةِ لِلتحرُّرِ
مِنْ الذّلِّ وَالهَوانِ
وَالصادحة بِغَضبٍ
وَعزمٍ صادق
وَالساعيةِ
لِتَحطيمِ القيودِ
وَ كشف زَيفِ الوعودِ
 لاِنعِتاقِ الإنسان
مِنْ تَسلطِ سَطوةِ
 الجَهلِ وَ الحِرمانِ
وَ العَسفِ وَ الطُّغيان.
كتبت في مالمو / السويد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2020
هوامش توضيحية متعلقة بالنص المنشور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في عام (2004) كنت قد كتبت عن صديقي وزميلي ورفيقي (مهدي حمد الخزرجي) مقالة من ثلاثة حلقات بعنوان ( أكتب إلى مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي ) ونشرتها مع مجموعة من الصور، التي تجمعنا مع بعض في العديد من المنافذ الإعلامية.
مَهدي حَمد حسين الخزرجيّ : مِن مَواليد مَدينة العزيزية/ واسط (1951) خريج المَعهد الزراعي الفني بغداد / أبو غريب عام (1973) ، عضو فِي تنظيم ( الحزب الشيوعي العراقي) عَمل موظفاً فِي (وزارة الزراعة)، غَير مُتزوج، حَصل على قبولٍ لتكملةِ دراسته العليا من (جمهورية رومانيا) (عام 1976) وسافر، إلى (رومانيا) وأكمل السنة الدراسية الأولى، وفي عطلة السنة الدراسية الثانية عام (1978) عاد لزيارة أهله ومعارفه في العراق، ومعه مجموعة أخرى من (الشيوعيين) الدارسين في الخارج؛ لَمْ تَسمحْ لهم (السلطات الأمنية العراقية ) بالسفر، شَمل المَنع (جميع الطلبة العائدين من الخارج والمنتمين للحزب الشيوعي العراقي ) (إلا أن يوقع) كل واحد منهم على استمارة انتماء إلى (حزب البعث) إذ تم سحب جوازات سفرهم، من مديرية الجوازات، وأودعت في (مديرية الأمن العامة)، فحاول (الحزب الشيوعي العراقي)، وكان حليفاً (لحزب البعث) في (جبهة وطنية) مساعدتهم وندخل لدى السلطات الحاكمة، فَلَمْ يَفلحْ، مما أضطر قسم من الطلبة (الشيوعيين) الإذعان وتوقيع انتماء إلى تنظيم حزب البعث، فسمحَ لهم بالسفر!. وبقي صديقي (مهدي) ولا أعرف من بقيَّ معه صامداً رافضاً للتوقيع والانتماء (لحزب البعث)، بعد فترة من الزمن، كان فيها يعيش متخفياً، أُلقيَّ القبض عليه، وبقي عدة سنوات في سجون (الأَمن العامة)، إلى أن أُبلغ عن إعدامه (شقيقه ناجي) في مدينة (العزيزية) - أَعتقد - عام (1983) لمٍ تسلمِ (جثته) ومنع من أقامة أي مأتم عزاء حتى في داخل الدار؛ في هذه الفترة الزمنية كانت (طاحونة الموت) تدور رحاها على طول جبهة بحدود (1200)كم أنها سنوات (الحرب العراقية - الإيرانية) التي امتدت إلى ثمانية أعوام من 1980- 1988. 
** الجَبهةِ: تلكَ الفِريَة وَالخدعَة الكَبيرة، وَالتي راحَ ضَحيتها ألاف الأبرياء مِن الشيوعيين وَمناصريهم؛ وَالمقصود بالجَبهة : (الجَبهة الوطنية والقومية التقدمية) وهو التحالف الذي أُعلن عنه رسمياً (ببغداد) في ( 16 تموز 1973) بَيْنَ (حزب البعث العربي الاشتراكي) الماسك بقوة بمقاليد السلطة والحكم و(الحزب الشيوعي العراقي) وكانَ واضحاً قد بدء الانهيار (لتحالف الجبهة) بالتسارع في عام (1978) ففيه بداية انقضاض التنظيمات الحزبية والمؤسسات الأمنية لـ (حزب البعث) بشكل عنيف جداً على أعضاء ومؤيدين (الحزب الشيوعي العراقي) حليفه في الجَبهةِ!
*** أنتفاضة تشرين : انتفضت تسعة محافظات عراقية بانتفاضة عارمة في( تشرين الأول / أكتوبر 2019 ) وشملت المحافظات ( بغداد، بابل، كربلاء، النجف ، القادسية، المثنى ، واسط، ذي قار ،البصرة) أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي. 

26
أدب / منديلٌ مُطرزٌ بالوَجد
« في: 21:56 14/10/2020  »
منديلٌ مُطرزٌ بالوَجد
 
بقلم: يحيى غازي الأميري
أُديرُ قُرص الأُغنِيَةِ مِنْ جَدِيد
 يَتَسلَّلُ صَوتُ النَغمِ وَاللَحنِ وَالكَلام
لِدَقاتِ قَلِبي
يَنتظِمُ الِاثنانِ مَعاً
بالغِناءِ وَالطَرَب
{منديل الحلو يا منديله ، على دقة قلبي بغنيله
آه يا سيد المناديل ،محياك يا جميل}
أَعودُ مُنتَشِياً
لِانهمكَ مُجَدداً
بِتَمريرِ النَّول
كَالنَّساجِ الماهِر
لِأُعَشق خُيوطَ الودِّ
(السِّدَى باللُّحمَة)
لأطرزَ مِنْ خَيالي المُتوهِّج
فِي وسطِ نَسيجِ حَريرِ القَزِّ
الحَرفُ الأَولُ
مِن اسمينا
الأَلفِ وَالياء،
دَورَةُ حَياةِ لُغة الضَّادِ
فَفِيها تَبدَأَ وَتَكتَمِل
وَأَجعَلُهُما
مُتَشابِكينِ مُتَلازمينِ
مُتَلاصِقينِ مُتَناغِمينِ
يَدُورانِ فِي أَفلاكٍ
سَرمَديَّة
مُستَخدِماً أجمَلَ اسالِيبِ الإبداعِ
فِي الخَطِّ
وَأَبهى ألوانِ الزُّهورِ الزاهيَةِ
للخَيطِ
هَدية للصِيقة نَبَضاتِ القلبِ
شَريكَتِي بالحَياةِ وَالوَجد
بعيدِ مِيلادِها المَيمون
لِيَستَرِيحَ بَيْنَ يَدَيها
أَجَمَل المَناديل
- مَنديل الحلو-
مَصنوعٌ
مِنْ بَتلاتِ رُوحي
وَنول قَلبِي
مالمو في 12 تشرين الأول / أكتوبر 2020
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* منديل الحلو: أغنية مصرية قديمة مشهورة، غناء المطرب (عبد العزيز محمود ) و كلمات الشاعر (مرسي جميل عزيز)
تقول كلمات الأغنية : (منديل الحلو يا منديله ، على دقة قلب بغنيله، آه يا سيد المناديل، محلاك يا جميل، على خصر نحيل، يخطر ويميل، ولا غصن البان، يا سلام سلم ... )
النَولُ: المِنوالُ يُحاك عليه الثوب، وَهو أنبوب فولاذيّ أو أسطوانة خشبيَّة تُلفّ حَول آلة الغزل. ودولاب النَّول: ماكنة لغزل الخيوط لها عجلة تُدار باليد أو القدم ومغزل واحد.
سَرمَديّ : الدائم الذي لا ينقطع، لا أول له ولا أخر، خارج من مقولة الزّمان، موجود بلا بدء ولا نهاية











27

رَبّاه :
القيظُ سَعيرَ نَارٍ بلا دُخان

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ



أُسقطَ حُكمُ المُداهِنِ
فَيلَسوف الاِقتصاد
حامِي اللِّصِّ والقَنّاص،
باِنتفاضةٍ عارِمَةٍ
أُريقتْ فِيها أَنهاراً
مِنْ دِماءِ الشهداء
وَذُرفتْ فِيها سيولاً
 مِنْ دموعِ الأبرياء
2
بَيْنَ أخذٍ وَردٍّ
لعدةٍ مِنْ الشُّهُورِ
تَمَّتْ الموافقة
 بمهرِ الفرمان
مِنْ أغلبِ كُتلِ البرلَمان،
بتنصيبِ السُّلطان
عَلَى الكرسيِّ الدَّوارِ المُنهار،
المُكبلِ وَالمحملِ
بإرثٍ ثِقيلٍ
بَلْ بِجبلٍ مِن المَصائِبِ وَالصِّعاب؛
يَسودُ الشارِعَ،
الرُّعبُ وَالفَقرُ والاِضطراب
وَدَولةٌ عميقةٌ
بِيدها زِمامَ
الجَاه والسُّلطةِ وَالسَّطوةِ
عَلَى الإماراتِ والدويلاتِ،
المُنتشرةِ عَلَى طولِ وَعرضِ
ربُوعِ البِلاد
فَيما وُجِدَ
عصَبُ الحياةِ بأَتعَسِ حال
 الهواءُ فاسِدٌ
الأَرضُ تَأَن مِنْ نَهشِ الضِّباع
الماءُ مُلوثٌ شَحيح،
البيئةُ خَرابٌ،
وَعَلَى رُكامِ المَزابِلِ
تعشعش الأَوبئةُ والأَمراض،
الكَهرباءُ أَزمةٌ قائِمةٌ لا حَلَّ لَها،
 أَما المالُ ؛ فَلمْ تَزلْ تَتَقاسمهُ ذاتُ الشِلَل
بالتبديدِ وَالنَّهبِ وَالاِختلاس
خَزائنُ الدولةِ خاويةٌ
وَالبنوكُ مُكبَّلةٌ بالديون،
وَفِي الأَدراجِ تَتَكدَّسُ
آلافٌ مِنْ أَضابيرِ الفَساد
والسطوُ عَلَى أَملاكِ
وَأموال الشَّعب. 
وَلمْ تزلْ نتائِجُ لجانِ التحقيقِ عَنْ الجُناة،
المُخيبةُ للآمالِ،
هيَ الأُخرى حَبيسةُ الأَدراجِ
وإِنَّ المَجلسَ الأَعلى لمُحاربةِ الفَساد
هَواءٌ فِي شبك.
3
رَباه إلَى أَين ننفذُ
هلْ يٌنجِدُنا القَضاء
أمْ هو الأَخرُ
بخازنِ بَيتِ المالِ
مُحاط
وُمُتقاسم السّطوِّ 
مَع اللصوصِ
وَشِذاذِ الافاق،
ليُدارَ كالخاتَمِ
عندَ القرار
4
حَلَّ فَصلُ الصَّيفِ
صَديقُ الجياع
- كَما يُشاع -
 الشارعُ سَريعاً
رَاحَ كَالمِرجَلِ يَغلي
يَتقاذفهُ لهيبُ القيظِ
وَصراخُ الغَضب
يَترددُ صَداه فِي الأفاقِ
- لَولا استِمرارُ فَسادِ الحاكمِ
لما دامَ هذا الظُّلمُ
عَلَى العِبادِ إلى اليومِ قائِم -
كُلَّما ثارَ
صُراخُ الاِنفعالِ
وَالحنقِ وَ الغَيظِ، 
تَستيقظُ مِنْ مَهاجِعِها
أَسرابُ
الدَّولةُ العميقَّةُ
لتَزيدَ مِنْ تَسلط القيظِ
عَلَى رِقابِ الشَّعبِ
مطلقتاً العِنان
لرَصاصِ الكاتِم
وَمفارزِ الخَطفِ والتَّنكيلِ
وَلشَبكاتِ الكِريستالِ وَالأفيون
أَنْ تَجوب فِي البلادِ،
فِيما تَبثُّ مَحطاتُ التَلفزةِ
 سيولاً حُلوةَ المذاق
 يَسيلُ لها اللعابُ
مِنْ وُعودِ (سَوفَ)
لكبحِ جِماحِ كُلِّ صَوتٍ مُغايرٍ
لتَغييِر المَسارِ.
5
جَورُ الحُكامِ وَ سَعِيرِ القَيظِ
يُفاقمُ بالنفوسِ الهموم
وَيُلهبُ الرؤوسُ بالحماسِ
بِتجديدِ الحَزمِ عَلَى الخلاصِ
 رغمَ وَباءِ - فِيرُوس كورونا - اللَّعين
 الجموعُ لَمْ تَستسلمْ أو تَستكين
للخداعِ وِالخِنوعْ
عازِمةً عَلَى التَّغييِر
بِسخطٍ عارمٍ
وَهتافٍ مُزمجرٍ
بِصوتٍ مُلتاع
يَلهبُ كبدَ السماء
مِن الصباحِ حَتى المَساء
رَبّاه : القيظُ سعيرَ نارٍ بلا دُخان
فَحَتّامَ نَبقى بِهذا الزَّمانِ...


28
أدب / هَلْ بالأُفُقِ هُدهُد؟
« في: 19:13 01/07/2020  »

هَلْ بالأُفُقِ هُدهُد؟

 
يَحيَى غَازي الأَميريّ
كَصَبر أَيوب
قَدَّري وَزادي
مُكبَّلٌ بالهمومِ
أَسيرُ  يَومي،
سِياطَ الذِّكريات
لَسعٌ يَسري بِدَمِي
يُدمِي جُرحِي
كُلَّما دَاعبَ
لَهيبُ الشَّوقِ
صَبرِي،
تَنتفضُ رُوحِي،
مَعَ كُلِّ نفسٍ
لأَّلَم حزنِ عِشقٍ عَميقٍ
وآهِ وجعٍ،
وَألف حَسرة أسفٍ
تَقضُ مواجعي
لِضَيمِ ليلٍ بَهيمٍ
قَدْ طالَ مُكوثاً
فَحَلَّ بالرَوضِ
الرَّدى وَ اليَباب،
فَخَزائِنُ المَالِ خَاوِيةٌ
وَالعَوَزُ وَ الأَوبئَة وَالذئاب
بِعُنفٍ
تَطرقَ عَلَى الأَبوابِ،
فَباتَ القَومُ فَيهِ حَيرى،
بَيْنَ دَهشَةٍ وَ كَدَرٍ وَارتِباك
يَنتابهُم حدُّ الاِختِناق،
حُزنٌ وَغضبٌ
مِنْ وَجعِ الخُطوبِ
وَسَماسِرةِ الحروبِ
 وَهول فواجعِ السُّراقِ.     
وَنَحنُ فِي النَّزعِ الأَخِيرِ
 مِنْ سِنين العُمرِ
تُقضمُ أَجَملَ أًيامِنا
بترياقِ القَلَقِ
فِيما جَهابِذَةِ الخِداعِ وَ الفِتَنِ
تَزيدُ مِنْ إحكامِ قَبضَتِها 
وَ هيَ تَلُفُنا بِمعطفِها
المُهَلهَلِ الرَثِّ
الواسِعِ الثقُّوبِ،
الكثِيرُ الشلَّلِ
بِخيوطِ الرّياءِ وَالدَجَلِ
مُبحِّرةٌ بِنا
بلجة البَحرِ
بتابوتِ المَوتِ
بلَيلٍ زَّمهريرٍ عاصِفٍ
لِفردوس الذلِّ
التِّيهِ وَالأَجَلِ.
فَلا تَباشيرَ بالأفقِ تَلوح 
لِهُدهُدٍ
سَوفَ يأتِي بالخبرِ اليقين!
 وَلا ثَورةٌ عارمةٌ
 تُطيحُ برؤُوسِ
الفَسادِ وَ الدَجلِ
فَتشفِي الغَلِيلَ
وَتُبرِّئ
سُقمَ العَلِيلِ
كُتبتْ في مالمو/ مملكة السويد، بتاريخ الأَول من تَمُّوز/يوليو  2020


29

هَلْ بالغَ العَرَّافُ بِخُطُوطِ الكَفِّ


 

بقلم: يَحيَى غَازي الأَمِيريّ

 
بِتمعُّنٍ قَرأَ العَرَّافُ
مَا وَجَدَ مِنْ أَخباري
فِي خارِطَةِ خطوطِ الكَفِّ
وَبَعْدَ أَن هَزَ رَأسهُ، وأَطبق عَينيَّه،
يتأمل ما خفي وما علم
ولزمَ الصَّمتُ برهةً،
ثُمُّ فَتَحَ عَينيه وَقالَ:
سَأَكونُ مَعَكَ صَريحاً
اِستَعدْ وَلا تجفِلْ،
فَقادمُ الأَيامِ مُخيفٌ
سَيكون المَوتُ
للجَميعِ لصيق
سَتستمرُّ الريحُ عاصفةً
وَسَتتغَّيرُ الفصُولُ سَريعاً
وَتَخلعُ الأَفاعِي جلودها
وَإلى جحورها تَعود.

سَتُطِيحُ الريحُ بأَبراجٍ عَاتيةٍ، تُسقِطُها
كَما سَقَطت فِي مَكَّة الأَصنام
سَيتهاوى عَهدُ رؤوسِ اللصوصِ،
وَسراقُ خَزائن بيتِ المالِ، وَمالُ الأَيتام،
وسَتَلعَنهُمْ إِلى يَومِ الدِّين
أَرواحُ الضَّحايا وَ بُكاءُ الثَّكالى وَ دُموعُ السَّبايا
اِحذرْ مِنْ ركوبِ المَوجِ،
فجَوفُ الليلِ سَيبتَلعُ القَمر
وَهَذا نَذِيرُ وَشُؤمٌ
وَفيه الكَثيرُ مِنْ الضَّرر،
سَتأتي أَيامٌ سَودٌ
يَشحُ فِيها المالُ والجُـود
وَيَزدادُ فِيها القَلقُ وَالإملاق،
تَوَقفْ عَنْ الجريِّ  وَراء السَّراب،
فَهو فِي النِّهايةِ سَرابٌ
وليس هناك من شيءٍ وراء الباب
لا تُصدقْ حَتَّى لَوْ ذَرَّفَ
أَلفُ تِمساح دَمعَــه
فَقَد أَزكَموا الأُنُوفَ
بِقًبحِ روائحِهم
وَنَفَّرتهم النُّفوس
لِتقديسهم الفلوس.

قنديلُ قَلبِكَ يُرشدكَ للخلَّاصِ.
فَهوَ يَعرفُ جيداً الحَق مِن الباطِل.
سَيَستَمرُّ حديثُ الزُّورِ وَالزَّيفِ
وَتَقاذف التُّهم، وبالنفاق ملفوف
وَفَرض القيود حَدَّ النزاعِ وَالاختناق.
كُلُ شيءٍ بالمخاطرِ مَحفُوف
هُنالكَ بَصيصُ ضَوءٍ فِي نِهايةِ النَّفَق.
كَثيرةٌ هِي الأَلغامُ فِي الطَّرِيق
الذِئابُ حَول الثُّغورِ تَطوف
سَيعلو صَوتُ قَرعِ الطُّبولِ،
وَالصُنوجِ وَالدُّفوف
وَصَليلِ السّيوف،
فَبابُ الحربِ مَفتوح
لنزيفِ دَمِ ضَحايا جُدُد.

اِحتَرِس ؛ وَلَكِنْ
مِنَ العَيبِ أَنْ تَبقى سَاكِناً
أَو عَلَى الرَصيفِ نائماً
تَنتظِرُ مَكرمةً أو فُرصةً
مِمَّنْ لا مَكارمَ عِندَه
إِيَّاكَ أَنْ يَتَلبَّسكَ الخَوف
وتبقى تتعثر خَلفَ الرَّكبِ خائرا أو حَائرا
أَو مزرُوعاً بالحَقلِ  كَخَيالِ مآتـة 
فِي حقلٍ لا حَياةَ فِيه
مَنزُوعَاً  مِنَ الوِجدانِ،
كَقَادَةِ دُولِ بَعضِ البُلدان
سَتَدُوسكَ سَنابَكُ الخَيلِ
أَو يَقطعُ رأسَكَ حَدُّ سَّيفٍ
بيد سيّاف مجذوم
أَو يتهشَّمُ رأسُكَ
بِطلقَةٍ  والصوتُ مكتوم
أَو مِن بندقيةِ قَناصٍ أَجِـره
مَعلــوم

انكفأتُ عَلَى نَفسِي
وَضَمَمتُ كَفِّـيَّ إِلى صَدرِي
مَذهولاً  حَزنان
بَعْدَ أَنْ سَمِعت
مِا أنبئني بهِ العَرَّافُ


كتبت فجر الأربعاء 10 حزيران / يونيو 2020


30
أدب / مَرَّ سَرِيعاً كاَلخَيال
« في: 22:10 05/06/2020  »
مَرَّ سَرِيعاً كاَلخَيال
 
بقلم : يَحيَى غَازي الأَمِيريّ
 
يَأْسَرُنِي التيه
فأَسيرُ طَوع بَنانهِ
سَعيداً وَجلا
أَتوجَّسُ الخُطى المُقبلة
فِي تَلافيفِ الذاكرةِ وَ دَهاليز الخَيال.
فِي أَوَّلِ مُنحدرٍ
هَوَتْ قَدَماي
أَغمضتُ عَينيَّ
وَأنا اسقِطُ طَليقاً
فِي هـوَّةِ فَضاءٍ، فَضاؤه شاسعٌ
عميقٌ كوادٍ سَحيق
أَفتحُ عَينـيّ، مُتعبـاً
مَأسوراً مَأخُوذاً بالدَهشةِ وَالخَوفِ
لأنوارِ قَناديلَ كالأَقمارِ
تشعُ بالضياءِ وَالنّور
تَسبحُ فِي هالاتِ سحابٍ مِنْ عِطرِ بخورٍ بَهيج؛
فتبهرُ الأَبصارَ، بَساتينٌ مُثمرةٌ
وَفراشاتٌ تَمرحُ بمروجٍ خَضراء
مطرزةٍ  ببديعِ ألوانِ الأَزهار،
شَلّالاتُ ماءٍ رَقراقٍ
تنثرُ رَذاذَها البلوريّ عَلَى الجَنادِلِ
مُتَناغِماً مَع هَديلِ الحَمائمِ
وَعَزف اَلحان العَنادل
وَهيَ تَصدحُ  بَينَ افانينِ الشَّجَر
فَتطربُ النَفسُ وَتَهنأ
مِنْ عَبَـقِ الزهورِ وَالترانيمِ الشَجيَّة،
مَنظَرٌ يَبهجُ القَلبَ، وَيُسرُ النَظَر
لِعسلية العَينينِ، وَهّـاجَةِ الخَدين
ذَهبيَّةِ الجدائلِ باسمةِ الثّغـرِ،
يَضُوعُ مِنْ خِـدها شَذا المِسكِ
وَعَبيرُ البَخورِ والعُطور
تَجلسُ فِي عَرشِها لـؤلـؤةً
فِي صدفةِ مَحار بحرينية
من أوَّلِ نظرةٍ، ومِنْ طَرفِ عَينِيها
رَعشةٌ اصابتْ العَقل وَالبَدن؛
فتَهاوى الفؤادُ صَريعاً
بِسهامِ نَشوةِ سِحرها
وَلهاناً دَنا مِنْ مَخـدَعِها
وَبيَدهِ مِنْ الربيعِ وَردةً؛
فارتَمى مَسحوراً  بَيْنَ نهديها،
ظَمآناً  لنبعِ كَوثَرِها،
فَمَسَّهُ وَهجُ شَفتيها؛
احترق وما درى إنه يحترقُ
فـفـَزَّ مرعـوبـاً  مَحمومـاً  كمَجنونِ
 ليلى يَبحثُ عَنْ ليلاه
فاتحاً عَينيَــه،
يَتَصبَّبُ عَرقا
مُتسارعَ الانفاسِ،
يَنهضُ مِنْ السَّريرِ

- وَمنْ فِي غُرفَةِ المَشفى حَولهُ -

وَهَوَ يَهذِي :
رَبّاه ، رَبّاه
شَمَمَتُ عِطرَها
كدتُ اَن أَلثَمَّ ثَغرَها
وأَرتوي بِجُرعَةٍ مِنْ الكَوثَرِ



كُتبتْ فِي مَدينةِ مالمو/ السّويد  يَوم الجُمُعة  5 حُزيران 2020
وَنَحنُ نَعيشُ فِي حِصارِ جائِحةِ فيروس كُورُونا




31
الصّياغَةُ مِهنَةُ أَبِي فِي الحَربِ وَالسَّلام 

بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
بَغداد فِي اربعيناتِ القرنِ المَاضِي!
مُنذُ زَمَنٍ بَعيدٍ وَأَنا أُفَكرُ بِجدٍ لتدوينِ الفتراتِ الزمنيَّة، وَالأَماكنِ وَالمُدنِ التي عَمَلَ فِيها والدي (غَازي رَمَضان عَبد الأَمِير الأَميريّ 1907 - ت 1987) صائِغٌ مُحترفٌ لِمهنةِ صياغَةِ الذَّهبِ وَالفِضَّةِ، فَفِيها تَجربةٌ قاسيةٌ فِي الصراعِ مِنْ أَجلِ البقاءِ، تَستَحِقُ التَّدوين.
 كَما البَرقُ مَضَتْ بِنا مُسرعةً سِنِينَ العُمرِ، وَأنا أسمَعُ مِنْ (أَبِي وَأُمِّي) وَمِنْ هَذا وَذاك وأَدوِّنَ عَلَى قصاصاتِ الوَرَقِ بَعضَ المُلاحظات.
أحرصُ أَشدَّ الحِرصِ أَن أحفظ مَا طبعَ بذاكرتِي مِنْ صورٍ وَلقطاتٍ لأَزمِنَةٍ وأَماكن كنت قَد شاهدتهُ يَعملُ فِيها، فَتَتزايدُ مُتباعدةً؛ لِمشاغِلِ وَمَشاكِلِ الحياةِ وَهَولِ الأَحداثِ الجِسام التي عشتها المَليئَةِ بالخوفِ وَالعُنفِ وَسِنيِنِ الرُّعبِ وَالجَدبِ وَالمصائِبِ وَالحربِ وَاضطهادِ السّياسةِ وَمأسِي الهِجرة، فَأخشى أنْ يَلفها الضَّياع أوَ تَلتهِمها أَفةُ النِّسيان أو تَختل وَتَتَشوش صُور البَعض مِنها. 
صَباحَ يَومِ الجُمُعةِ المُصادف (05 - تَمُّوز- 2019) وَأنا عَلَى مَائدةِ الفطورِ، عَزَمتُ عَلَى أن أباشرَ بتدوينِ شيئاً عَنْ فترةِ عَمَل والدي فِي (شارع النَّهر- شارع المُستَنصِر-  ببَغدادَ) (1) ومِن ثم أتابعُ محطةً أخرى فأخرى؛ تناولتُ فطوري ، وَارتديت بدلة الخروج وَرسمتُ مخططاً لما عَزمتُ عَليه.
سيراً عَلَى الأقدامِ ذَهبتُ إِلَى - كافتريا وَمَطعم (كيلاس) الذي يَقعُ فِي سنتَر ضاحية (رُوزنكورد فِي مَدينةِ مالمو /السويد) المكانُ لا يَبعدُ اكثرَ مِنْ عَشرة دقائق عَن سَكني، فِي مثلِ هذا الوقتِ بالذات يومِ (الجُمُعة) يضجُ المكان بحركةِ الناسِ بشكلٍ غَيرِ مألوفٍ أكثر كثيراً مِن بقيةِ أيامِ الأَسبوعِ ، اِذ أفتتحَ قَبلَ عدةِ أشهرٍ مكانٌ داخلِ السواقِ (سنتر السوق) خصصَ كـ (مُصَلّى للمُسلِمِين).
عِندَ وصولي (كافتريا كِيلاس) شاهَدتُ المَكان مُكتظاً بالروادِ مِنْ مُختلفِ الجِنسياتِ وَالأَجناسِ القاطنةِ فِي (مالمو) مِن ( العربِ، الكردِ، الصومال، الإيرنيين، البوسنيين، وَالسويديين وَغَيرهم) مَكانٌ تَسمعُ فِيه الحديثُ بالعَديدِ من اللغاتِ.
فِي (الكافتريا) هُنالكَ طاوِلةٌ بشكلٍ مُستمرٍ مُخصَّصةٍ لمجموعةٍ مِنْ (العِراقِيِّين) الذينَ حَطَ بهم الرحالُ هُنا في هذهِ المدينة الاِسكندنافية، وَأحياناً يجلسُ معهم اصدقاء مِن الجالية الإيرانيَّةِ أو العربيَّة؛ وأنا أقتربُ مِنْ (الطاولة) شاهدتُ من أودَّ لقاؤهُ وَالتحدثُ اليه بما عزمتُ عَليه؛ أنه أَبنَ عَمي (لعيبي خَلف رَمضان / أبو عادل) مِن مَواليد (1930) وَصل السويد وَهو(معلمٌ مُتقاعد) فَلَهُ ذاكرةٌ نابِهةٌ نشطةٌ  فِيها من الوصفِ الدقيقِ المُسترسلِ ما يشجعُ وَيطمأن لهُ عَلَى التّوثيقِ والتّدوينِ الرَّصين.
 بَعدَ التَّحية عَلَى مِنْ ضَمَّ مَجلسهم، جَلبتُ مِن المقهى (كُوبَين) مِن القهوةِ أحدهما لهُ والأخرُ ليّ ، بَعدَ أَن وافقَ أن أجلبَ لهُ القهوةَ وَقدحاً مِنْ الماءِ، وَجلستُ بجوارهِ، واستأذنتُ الآخرين بما وددتُ أنْ اسأَلهُ وَأُسجلهُ، وَأخرجتُ عُدت التَّوثيق الأَولية (الورقة والقلم) وَطلبتُ منه أن يشحذَ ذاكرتهُ وَيرجعُ بنا إِلى الفترةِ الزمنيَّةِ التي كانَ يعملُ بها (عَمهُ) والدي (غَازي رَمضان) فِي (شارع النَهر ببغداد) كانَ يُشاركنا بجلستنا أَبنَ عَمي الأَخر(سَعيد خَلف رَمضان / مَواليد 1934) وَهوَ ايضاً (صائغٌ ماهرٌ) قَديم فِي أسواق بغداد، ويعرفُ كثيراً عن عَملِ والدي فِي (سُوق خان الشابندر) فِي فترةِ خَمسيناتِ وَستيناتِ القرن الماضي.
سَألتُ أَبنَ عَمي (أبو عادل/ لعيبي خَلف رَمضان):
 أَوَدُ أَنْ تَرويَ لي بِالضَّبطِ :
1- أَينَ كانَ مَحلَّ عَمَل والدي (أبو فَيصل) فِي شارع النَّهر ببغداد؟
2- الفَترَة الزمنيَّة التي عَمِلَ بها صائغاً للذهبِ وَالفضةِ فِي شارع النَّهر؟
3- مَنْ كانِ يِعملُ مِعهُ فِي المَحَلِّ (الدُّكان)؟
4- وَمَنْ هم جيرانهُ وَبالقربِ مِنهُ مِن الصاغةِ المَندائيين وَغَيرهم؟
ابتَسمَ، وَعَدَلَ مِنْ جَلستِهِ وَأَخَذَ رَشفةً مِنْ قَدَحِ الماءِ وَتَناولَ رَشفةً اخرى مِن (القهوةِ) وَبدأَ حديثهُ:
- سَأُحَدِثُكَ بالتَفضيل، لِكونِ تَلكَ الفَترةِ تَرتَبطُ مَعي بإحداثٍ كبيرةٍ بحياتِي، لا تُمحى مِنْ ذاكرتِي، فِي صَيفِ عَام (1942) كُنت للتوِ قَد أنهيت دراستي الاِبتدائيَّة مِنْ مدرسةِ (أمسعيدة الاِبتدائيَّة للبنين/ لواء العِمارة). بَعدَ مُداولات مَعَ عائلتي قررنا أَن أذهبَ للتسجيل (بمدرسةِ دارِ المُعلمين الريفيَّة ببغداد) كَيْ أتخرج مِنها مُعلماً، جِئتُ إِلى (بَغداد) قاصداً بَيت عَمي (أَبو فَيصل /غَازي رمضان) لِغَرضِ أنْ يُساعدني وَيُسجلني فِي( المَدرسة الريفيَّة أي دار المُعلمين الريفيَّة) وَالتي كانَ القَبولُ فِيها بعدَ الدراسةِ الاِبتدائيَّة، وَهذهِ هِيَ المَرة الأَولى بحَياتي الِتي أسافِرُ فِيها مِنْ العمارة إِلى بَغداد.
وَصلتُ إلَى بَيتِ عَمي (ببغداد/ مَحَلة الكريمات ) أستقبلني عَمي (أبو فَيصل) وَزوجتهُ عَمتي (أُم فَيصل) بالأحضانِ، كانَ أبنُهم البكر(فَيصل) طفلاً صَغيراً تَحمله أُمه بَينَ يَديها..
أخبَرتُ (عَمي) برغبَةِ أَهلي وَرَغبتي أن أُسجل فِي (مَدرسةِ دار المُعلمين الريفيَّة)؛ رَحبا بيَّ أَجمل تَرحيب وَخصصا لِي مَكاناً للمَبيت عِندهم فِي البَيتِ، فِي اليومِ التالي اصطَحبنِي (عَمي) مَعهُ إِلى مَحلِ عَمله فِي (شارع النَهر)؛ كنتُ مَبهوراً بِما أشاهِدهُ وَأنا أَسيرُ بجانبهِ، مِنْ بيتهم فِي (مَحَلة الكريمات) بالقربِ مِنْ (السفارة البريطانية)، ونَعبر جِسر(مُود أو المَلك فَيصل الأَول) - جِسر الأَحرار- حالياً (2)
وَنَنعطف بَعدَ عبورنا الجِسر مباشرةً إِلى شارعِ النَّهر؛ بَقِيتُ عِدَّةَ أيامٍ بَعدها أَذهَبُ كُلَّ صَباحٍ بصحبته لمحلِ عَملهِ وعندما يَغلقُ المَحلَّ أرافِقهُ للبَيتِ.
- يأخذُ (لعيبي - أَبو عادل) نَفساً عَميقاً؛ وَيُواصلُ الحَديثَ ثانيةً:
- مَرسومةً أَمَامِي صورةُ مَدخل شارع النَّهر وَأنا أَدخلُ اليه  قادِماً مِنْ (مَحَلة الكريَمات) باتجاهِ ساحةِ الصالحيَّة وَالِتي يَنتصبُ فِيها تِمثالٌ للمَلكِ (فَيصل الأَول) وَهَو عَلَى صَهوةِ جَوادهِ، نَسيرُ عَلَى الجَهَة اليُسرى من الجسرِ.
يَبقى تِمثالُ (المَلك فَيصل الأَول) خَلفنا نعبرُ الجِسر سيراً عَلَى الأقدامِ وننعطف مباشرةً عندَ نهايةِ الجِسر لمدخلِ شارع النَّهر، قَبلَ أن نَصِلَ إلى ساحةِ (حافظ القاضي وشارع الرشيد).
 فِي بِدايَةِ مَدخَلِ (شارع النَّهر) وَفِي الرُّكنِ (الأيمن) مِنهُ يَقعُ (مَقهى شَريف حَداد) وَيُقابلها فِي نَفسِ المَدخلِ مِن الجِهة اليُسرى القَريبَةِ مِنْ (نَهر دِجلة) مجموعة مِن الفنادق، تَتَخطى (مَقهى شَريف حَداد) يأتي (فرع) شارع ضَيق يَمتد مِن (شارع النَهر) حَتى شارعِ الرشيد، بعدَ (الفرع) مباشرةً يأتي صَفٌ مِنْ المَحلاتِ (دَكاكين) لِصاغةِ الذَّهبِ وَالفِضَّة..
المَحَلُّ الأَول للصَّائِغ المَرحوم ( رَحيم صادق الخَميسي) ثُمَ يَليه مَحَل المَرحوم الصّائِغ ( ضامِن حويزاوي/ أبو زُهير ) وَالمَحلُ الثالث مَحَلُّ عَمي (غَازي رَمضان الأَميريِّ / أبو فَيصل) وَكانَ يَعملُ مَعهُ فِي نَفسِ المَحلِّ شُركاؤُهُ فِي المَحلِ وَالعَملِ كلٌ مِنْ الصائغ (إبراهيم شاوِي شفيف) وَالصّائِغ (زامل غافل الخلف/ أبو شهاب) رَحِمهم الله جَميعاً.
يُقابلُ مَحَلاتهمْ مُباشرةً مَحلات مِنْ الصّاغة وَهُم المَرحوم الصّائِغ ( جَودة سَهر المسودني) ، ثُمَ مَحل المَرحوم الصّائِغ (صادق حاجم الخميسي/ أَبو مَنيع) وَكانَ يَعملُ معهُ شريكٌ فِي نفسِ المحل هو المَرحوم (حَمد فَلت البركاوي أبو مجبل)، ثُمَ يأتي مَحل المَرحوم الصّائِغ (جاني سهر المسودني) وَثمَ الصّائِغ الشَّهير المَرحوم الشَّيخ (عنيسي فياض مران/ أبو بشير).
الفَترةُ الِتي عَملَ فِيها (عَمي، أبو فَيصل) فِي (شارع النَّهر) كانت منذُ عام (1941) وَأستمر عَمله لغايةِ نهايةِ عام(1943) أي ما يقاربُ مِنْ ثَلاثةِ سَنوات، أيْ فِي قِمة الأَحداث المُهمّةِ بتاريخِ العراق سنين مصائب ومصاعب وحروب ففيها الحرب العالميَّة الثانية (1939-1945)، وأحداث (حركة مايس 1941) وَما رافقها مِنْ اضطراباتٍ أمنيَّةٍ وَاقتصاديَّة.
وَيُواصلُ حَديثهُ :
- ثُمَّ أَستَقل مِنْ شُركائه فِي المَحَلِّ وَالعَمَلِ واِختارَ مَنطقةً قريبةً أُخرى حَيث اِنتَقلَ إلى مَحَلٍّ جَديدٍ فِي (شارع الرشيد فِي فُندق النَّعمان) كان يعمل فيه (صائغ ) بعدَ الظهر أي فِي المساء ،حيث كانتْ هذه المنطقة تَعجُّ بالحركةِ بَعدَ الظهر بَعدَ اِنتهاءِ الدوامِ - كانَ الجنودُ البريطانيين وَالهنود وَغيرهم مَنْ قوّاتِ الحُلفاء - يَترددونَ عَليها فَي تلك الأَوقات ففيها وبالقربِ منها مَحلاتٌ عامرةٌ بالبضائعِ وأماكنِ أخرى للهوِ وَالتَرفِيه.
فَفِي النَّهارِ كانَ يَعملُ فِي محل صياغةٍ فِي منطقةِ (الكرخ) فِي محلةِ (الفحامة) القريبةِ مِنْ (ساحةِ الشهداء) الآن، فِفي محلةِ (الفحامة)، سوق عامر بأصحاب الحرف اليدوية ( منهم النجارون والحدادون الذين يصنعون أدوات الفلاحة، وَمحلات للعديدِ مِنْ الصّاغة المندائيين.
- سَألتُ (أَبو عادل) حَدثنا الآن كيفَ سَجلكَ عَمُّكَ (أبو فَيصل) فِي (مَدرسةِ دارِ المُعلمين الريفيَّة) ؟
- يَضحَك أبو عادل، وَهو يَقول إِنَّ لِذلِكَ قِصةً (طَريفةً عَجيبةً) قد حَدثت لِي كادتْ أنْ تُغيّرَ مِنْ مَجرى حياتِي العَمليَّةِ وَالمِهنيَّة !
وَيَستطردُ فِي حَديثهِ:
- خِلالَ الأَيامِ الأَولى التي كُنت أترددُ فيها بصحبةِ (عَمي أبو فيصل) لمحلهِ قَبلَ أن يذهبَ بِي ليسجلني وَيُقدم أوراقي (لمَدرسةِ دار المُعلمين الريفيَّة)، وَبعدَ أنْ علِمَ كثيرُ من الصّاغةِ المجاورين لمَحلِ عَمي بذلك، وَمعظمهم من معارفنا وأقرباء لنا،  أَشاروا على (عَمي) بالنصيحةِ أن يسجلني فِي (المَدرسة الثانويَّة) بَدل (مَدرسة دار المُعلمين الريفيَّة) مُبدين ملاحظاتهم بأنني شابٌ صغيرٌ يافعٌ وفِي مُقتبلِ العُمرِ، وَيمكن أن يشقَّ طريقهُ وَمستقبلهُ باختصاصٍ كبيرٍ وَمُهِـمٍ، كأن يكونَ طبيباً أو مُهندساً أو مُحامي، أفضلَ مِنْ أن يتخرجَ (مُعلم)، وأكثر من تحدثَ فِي النصح وَتكلمَ مَع (عَمي أبو فَيصل ) هو الصّائِغ الوجيه - الله يرحمه - ( جُودة سهر المسودني). أَقتنعَ (عمي/ أبو فيصل) بذلكَ وَاقتنعتُ أنا معهم، وأَخذنِي (عمي) وأكمل أوراقِي وَسجلني فِي (ثانوية الكرخ للبنين)، وَباشرتُ أدرس فيها، وأسكنُ فِي (بَيتِ عَمي) فالمدرسة قريبة من سكناهم  وَمِنْ مَحلِ عَمي.
أُكتَمَلتْ جَلستُنا لِهذا اليومِ إِلى هذا القدرِ مِنْ التَفاصيلِ، وَفضَّتْ جَلستنا،عَلَى أملِ اللقاءِ فِي وقتٍ أخرٍ لتكملةِ المَوضوع.
عُدتُ للبيتِ (وَأَنا بغايةِ الانشراح والإرتياح) وَعلى وَجه السرعةِ دونتُ كافة المعلومات الِتي تَحدث فيها،  وَعندَ مُراجعتها، اِستوقَفتنِي بَعضُ الفقراتِ والتي تَحتاجُ إِلى تَوضيحٍ أَكثر؟
مِنها : أَنا أَعرفُ إِن إبنَ عَمي (أَبو عادل) قَد اكملَ (مَدرسة دار المُعلمين الريفيَّة ) وَتَعينَ (مُعلم)، إذن كيفَ يقولُ (أنِّي دَرستُ فِي ثانويَّة الكرخ للبنين)؟
وَالإِستِفسار الأَخر الذي وَدِدتُ أَنْ يوضِّحَه لِي أَينَ بالضبطِ  موقع الدار الذي سكن فِيه (والدي) فِي محلة (الكريمات)؛ (فوالدتي) رَحِمها الله كانَتْ تُحدثنا كثيراً عَنْ تِلكَ الدارِ الكبيرةِ وَمَنْ كانَ يُقاسمهم السَكن فِيها، والأماكنُ المُهمة القريبة مِنها؟.
فَي ظُهرِ يوم الخميس (11- تموز- 2019)  التقيتُ (أبوعادل/ لعيبي خلف) فِي نفس (كافتريا كيلاس)  وَطلبتُ مِنهُ أَنْ نُكملَ حَدِيثنا، إِنْ كانَ يَرغبُ بِذلك، فَوافقَ..
سَألتهُ السُّؤال الأَول:
 قُلتُ لَهُ انِّي فِي التِباسٍ وَتَشويشٍ فِيما يَخصُ دراستك، أَعرف بأَنكَ تَخَرجت مِنْ (مَدرسة دار المُعلمين الريفيَّة) وَتَعينت مُعلماً، بَينما أنتَ باشرتَ بدراستكَ فِي ثانويَّة الكرخ للبنين؟
- ابتَسم أَبو عادل، وَبَدأَ حَديثهُ :( نَعَمْ، دَرستُ فِي (ثانويَّة الكرخ للبنين) وَأَكملتُ الصَّف الأَول المُتوسط ، وَالصَّف الثاني المُتوسط ، وَخلال العطلة الصيفية وأنا اتهيأ وَأستعد للمباشرةِ للدراسةِ فِي الصف الثالث المتوسط، حَدث أن تَمت قناعتي لأَسباب كثيرة، وَأهمها انتقال (بَيت عَمي أبو فيصل) إِلى سَكن أخر بَعيد عَن مَدرستي، وَلضيقِ ذاتِ اليد، فَصارت قَناعتي وَقناعة أَهلي أَنْ أَتوجه للتسجيل فِي (مَدرسة دار المُعلمين الريفيّة) فَهي خير ضَمان لمستقبلي، وَتَختصر لِي الطريق، فَفِيها أَقسامٌ داخليَّةٌ وَوَجباتُ طعام للطلاب، فَذهبتُ وَسَجلت وَقَبلوني طالباً فِي (الصَّفِ الأَول) وَباشرتُ الدراسةِ فيها، فَتركتُ (ثانويَّة الكرخ للبنين) وَراحت عليَّ (سنتين دراسيَّة) وَبقيت فِيها حتى تَخرَّجتُ مِنها.) ..
وَيَستطرِدُ فِي سردهِ :
 - كانتْ (مَدرسة دار المُعلمين الريفيَّة) تقعُ فِي (بغداد) في منطقةِ (الرستِميَّة ) للمدرسةِ بناية ممتازة وفيها أَقسام داخلية لإيواء الطلبة، وَخلال فترة دراستي فِيها، صَدر (قَرار حكوميّ ) أَن تَتحولَ بناية (دار المعلمين الريفيَّة ) وَكل المِنطقة المُحيطة بها إِلى (وزارة الدفاع ، لتكون مَقر للكلية العَسكرية العراقية )، وَنقلت (مَدرسة دار المُعلمين الريفيَّة) إِلى مِنطقة (الكرادة) مُقابل بناية (القصرالجمهوري) فأنتقلنا للمكانِ الجديدِ حتى تَخرجي مِنها..
وَطلبتُ منهُ أَن يوضحَ لِي أَينَ كانَ يَقعُ (بيت والدي) فِي تلك الفترة التي سكنَ مَعهمْ فِيها، وَهل يتمكن مِنْ وَصفِ الدار، وَمَنْ كانَ يُشاركهُم السكنُ فِيها؟
أَجابَ أَبو عَادل :
- نَعَمْ، بِكِلِّ تأكيدٍ لَمْ أَزلْ اتَذكرُ ذلِكَ جيداً، لكوني قَد سَكَنت من مرةٍ أخرى مَعَ أهلي عند انتقالنا من (أمسعيدة / العمارة إلى بغداد) سكنا في نفس المنطقة في (الستينات).
كانَ مَوقع البيت فِي المِنطقةِ القريبةِ مِن بناية السفارةِ (البريطانية)وَفِي الجهةِ المقابلةِ لها كانتْ مَجموعة مِن (بيُوتات) حَديثةٍ ذاتِ طرازٍ معماريٍ جَميلٍ متميزٍ، لَمِ تَزلْ لغاية اليومِ قِسمٌ منها باقية وَمِنها بيت (عبد الله الشاوي) وبيت (شاكر الوادي).
كانَ البيتُ الذي سكنَت فِيه عائلة (عَمي أَبو فيصل) فِي المِنطقة التي قبل بناية السفارة (لبريطانية) بقليلِ وأنتَ قادم مِنْ جهةِ جِسر (مود) سابقاً - الأَحرار-  البيتُ مبني من الطابوق وكانَ كبيرٌ جداً وَيحتوي على غرفٍ عديدةٍ  كانَ يُسمى البيت (الناصي) لكونه أَوطأَ مِنْ الشارع الذي فيه ، البيت (أيجار) بيت تسكنه عدة عوائل جميعهم من (الصابئة المندائيين) عندَ الدخولِ للبيتِ مِن البابِ الرئيسية يُوجد ممر عريض مسقف وَعلى جانبي الممر مُشتملان كلُّ واحد منهما فِيه غُرفتان مٌتجاورتان وَمَعها (حمام وتواليت) هذا على جهةِ اليمين وَكذلك مثله عَلَى جهةِ اليسارِ غرفتان وحمام وتواليت، وَبعدَ اتمامِ الممر تَدخل إلى (الحَوش) وَفيه مَساحةٌ واسعةٌ فِي الوسطِ (فَضاء مَكشوف) تُحيطها العديد مِن الغُرفِ وَلها حَمامها وَتواليتها الخاص؛ الحوش وَجميع غُرفه تَسكنها عائِلة المَرحوم ( نَاهي الخفاجي - الشيشتري- أَبو طالب وغالب) وَهو المُؤجر الرئيسي من صَاحبِ الملك الرئيسي، وهو الذي يؤجر (المشتملين) وَيَستلم إيجارها من الساكنين، وَيمكن للعائلة أن تؤجرغرفة واحدة مِنْ المشتمل، وَمن العوائِل التي كانت تسكن معهم في نفسِ (البيت)عائِلة المَرحوم (ياسر صكر الحيدر/ أَبو جبار)، وَعائلة المَرحوم (عَبد الواحد مران، والدُ الشاعِر المَشهور(عَبد الرزاق عَبد الواحد)،والمرحوم (حازم مشعل الخميسي). 
ثُمَّ سَألتهُ سُؤالاً أَخر: قلتُ لهُ كانتْ (أُمي) تَتَحدثُ كثيراً عَنْ البيت الناصي ـ وتذكر دائماً بالخير المرحمومة (زوجة ناهي  الخفاجي / أم طالب) وتحدثنا كذلك عن حديقةٍ قريبةٍ من موقعِ البيت في (الكريمات) يَتوسطها نصب (تمثال) كبير عالي للجنرال البريطاني (مُود) وهو عَلى ظَهر الحِصان، وَتَقول (أمي) كنتُ كلما اذهبُ للتسوق (الفاكهة وَالخضروات وَالسمك) مِنْ سوق (الشواكة) القريب جداً منا كنتُ أَمرُ مِن أمامِ (التمثال) فِي الذهاب والإياب؟
- أجابَنِي نَعَمْ ، كانَ فِي تَلكَ الفترةِ تِمثال (للجنرال ستانسلي مُود) وَسط حديقة أَمامَ السفارة البريطانيَّة يبعدُ عنْ البيتِ عدةِ خطوات، وَقدْ أُزيلَ التَمثال أَيام (ثورة 14 تموز 1958)مِنْ قبلِ المُتظاهرين الغاضبين المُؤيدين لثورةِ تموز!
دَوَنتُ اليَومَ هذهِ الصَّفَحاتُ مِنْ الذاكرةِ لِجزءٍ مِنْ سِيرةِ حياة أّبي الزاخرةِ بالعَطاءِ وَالكِفاحِ المَريرِالعنيدِ المُثابرِ النزيهِ فِي الحَياةِ وَالعَملِ؛ فَكمْ توالتْ عليكَ الرَزايا والخطوب وَالمِحن وَأَنتَ تَطوف بالبلاد، تَتَخَطى الأهوالَ وَالصِّعاب، بعزيمةٍ لا تَلين، بصبرٍ وَجَلدٍ، لتنتزع رَغيف الخُبزِ بكرامةٍ وَعزة نفسٍ وشَرف، هَنيئاً لصمودكَ الذي أفلحَ وَظَفر، لتبقى سِيرتكَ وَساماً وَنِبراساً حَياً يَتناقلهُ مُحبيكَ جيلاً بَعْدَ جِيل لمواقفٍ وذكرياتٍ لا تُمحى وَلا يطويها النِسيانُ وَعادياتُ الزَّمَن.
أتمتُ كتابتها في مالمو/ السويد يوم الجُمعة 22 مايس/ مايو 2020
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدي ( غَازي رَمضان عَبد الأَمير الأَميريِّ مِنْ مواليد ناحية الكحلاء - أمسعيدة- لواء العمارة عام ( 1907) توفي في قضاء العزيزية - محافظة واسط بتاريخ (01 تشرين الأول 1987)
(1) شارِعُ النَّهر: يَقَعُ فِي جانبِ الرصافة مِن العاصمةِ بَغداد ، وَهو مِن اقدمِ شوارع (بغداد) وأعرَقها، فهو امتداد لسوقِ (الخَفافين العباسي) القريب مِن (المدرسة المستنصريَّة) التي بناها الخليفة العباسي (المستنصر بالله عام 1233 م )، ويسمى الشارع فِي السجلاتِ العراقيَّة الرسميَّة (شارع المستنصر) يمتد الشارع بمحاذاةِ (نهر دجلة) لغايةِ (جِسر الأحرار)، يوازيه مِنْ جهة الشرق (شارع الرشيد) وَيرتبط الشارعان (النهر والرشيد) بالعديد من الشوارعِ الفرعيَّةِ؛ أطلقتْ العديد من التسمياتِ عَلَى شارعِ النَّهرِ، فهو شارع الذهب، شارع البَنات، شارع الأَفراح، وَشارع العَرائِس.
(2) الجنرال مُود : هو (فريدريك ستانسلي مُود 1864- ت 1917 )، جنرالٌ بريطاني أُشتهر بقيادتهِ لحملةِ بلادِ الرافدين ، وَكانَ هو القائد للقواتِ البريطانيَّة التي احتلتْ بَغداد فِي (18- أذار- 1917) وبعدَ عدَّةِ أشهر فِي (11- تشرين الثاني 1917) توفي ببغداد بمرضِ الكُوليرا.
 جِسرُ الأَحرار: فِي عامِ (1918) شيدَ الجيش البريطاني جسراً مِن الحديدِ عَلَى القواربِ، سُمي الجِسر باسم (الجنرال مُود) يربطُ بين جهةِ (الكرخ - الصالحية) وَجهة (الرصافة- ساحة حافظ القاضي) وَفِي عام (1941) تمَ انشاء جِسر حديث مِن الخرسانةِ وَالحديدِ عَلَى أعتابِ جسر (الجنرال مُود ) وَسُميَ بجِسرِ (المَلك فيصل الأَول) وَبَعدَ (ثورة 14تموز 1958) تَمَ تَغيرُ الاسم إِلى (جِسرِ الأَحرار)..
 

32
أدب / القصاصُ مِنْ القَناص
« في: 22:58 11/05/2020  »
القصاصُ مِنْ القَناص
يَحيَى غَازي الأَميرِيِّ
افَّلِتْ دَولةُ القَناص
ذَليلٌ صاغِرٌ
مُقيدٌ مُهان
جَلا مَرعوباً
دَولةُ القَّناص.
طَليقٌ أَسيرٌ
مُكَبلٌ بأَصفادِ
العَارِ وَالشَّنارِ،
وَمُحملٌ بالآثام.
سيطارِدكمْ حَتَّى حَتفكُمْ
نَوْح الثَّكالى،
أَرواحُ الضَّحايا
وَدِماءُ الأَبرياء.
أَلَمْ تَقرأ؟
ما جَاءَ فِي النَذير
(الجُروحَ قِصاصٌ)*
كُتبتْ في مالمو / السويد في يوم الخميس 07 - مايس/أيار- 2020
وَنَحنُ فِي أَيامِ حصارِ جائِحةِ فيروس كورونا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(الجُروحَ قِصاصٌ): سورة المائدة الآية 45



33
مِنْ أَرضِ مَيسان جَاءَ الأَبِــيُّ أَبـِي

 
يَحيى غَازي الأَميريِّ
1   
مِنْ أقصى جَنُوبِ بِلادِ النهرين
 مِنْ ضِفافِ أَهوار مَيسان
مِنْ مُسَطَّحاتِ مِياهِها المُمتَدَّةِ عَلَى طُولِ البَصَرِ
مِنْ بَينِ غاباتِ القَصَبِ بِهامَاتِهِ الباسِقَةِ
المتشابكةِ المُتَراقِصَة عَلَى أّنغامِ الرِّياحِ
بِمَشاحِيفَها الرَشِيقَةَ،
وَهي تَمخرُ بِمَتاهاتِ دُرُوبِها الخَفِيَّةِ
وَهِيَ مُحَملَةً بِأَنواعِ السَّمَكِ الكَطّـان وَالبُنيّ وَالزُورِيّ،
مِنْ بَيْن صياح الدِيكَةِ،
الَّتِي تَتَعالَى مَعَ كُـلَّ فَجرٍ،
المُتداخلةِ بنداءآتِ أسرابِ الطيُورِ المُهاجرةِ
وَهي تَجوبُ السَّماءَ بحركةٍ لا تَهدأ.
مِنْ صَفاءِ لَيـالها المُرصعةِ بالنَّجومِ المُتلألئَةِ
وَقَمرها الذي يُبهرُ البَصر
وَحَيـّرَ بأسرارهِ البَشر
مِنْ بيوتِ العَوزِ وَالجودِ
وَالقصَبِ وَالبردي وَالطين
بِدَواوينها وَمَجالِسِها العامِرةِ
بالقصَصِ وَالحَكايات
وبالأساطيرِ والأسرار
وَهي تُحكى بسردٍ متقنٍ مَعجونٍ
بدموعِ الإملاقِ
وَالوَجعِ وَالحِرمان
بصبرٍ وأَنـاةٍ
وَوَرَعٍ وَإيمان
فِي هذهِ الأجواءِ
سُمـعَ صَوتُ صَرخةِ الوِلادةِ
مُعلناً مَجيء غـازي
لَقـد غـزا القلوب
طِفلٌ جَميلٌ
واسِعُ العينينِ
باسمُ الثغرِ
أبيضُ البشرةِ
ليترعرع الصَّـبيُ مُتشبعاً
بروحِ الطَّبيعةِ والطَّيبةِ ،
مُبكراً لبسَ - الرستا - كِساءَ النور *
وَتَعمدَ القلبُ الصَّغيرُ بمياهِ يَردنا **
وباتَ يَنهلُ الحُبَ
وَفضائلَ الأَخلاقِ
وَأصولَ وَفنونَ العَملِ
لأبرزِ المِهَنِ وأنقـاها
ومِنْ يَنابيعِها العَذبَةِ الصَّافيَة
أتقنَ  ، وبِجدارةٍ عـدةَ مهـنٍ
حدادةٍ وَنجارةً وَصياغَة!
وَاختارَ  وبرغبتهِ مِنْ بَينها
(الصياغة)
صياغة الحُليِّ الذَّهبيَّةِ وَالفضيَّةِ
فانغرست فنونها بدمهِ
وعاشَ فِي حُبِها
وَأبدعَ فِي صَنعَتِه
وَصَنَعَ بمهارةٍ وَ إتقان
مِن الإِبريزِ وَ اللُّـجَينِ ***
آلافـاً  لا تُعـدُّ مِنْ الحُليِّ البَهيَّةِ
خَواتمَ وَأقراطٍ وسلاسل
خَلاخِلَ وَحجولٍ ذهبيّـة
خزامةٍ ووَردة  وجلّاب
أساورَ ومَلاوي وَقَلائـِد ،غايةً في الإتقان
عناقيـد وأفنان، 
وَ الَآلاف مِن التُّحفِ الفُضيَّةِ الفَنيَّةِ
المَنقوشةِ برسوماتٍ دقيقةٍ بديعة
وَالمُطعمةِ بالميناءِ الزرقاءِ أو السوداء

2
فِي بَواكيرَ شبابـه،
 قَررَ البحثَ عَن أَمَلٍ وَعَنْ عَمـل
للخلاصِ مِن براثـنِ الفاقةِ وَالجهل
شَدَّ الرحالَ،
وَركبَ الصِعابَ
كالفارسِ الباسلِ
بَعدَ أن أَيقنَ أنهُ
أتقَنَ فَنَّ المِهنةِ
وَ أَفانينِ وقوانين العَمل،
فَالمِهنَةُ بيدِ الفَنان
كالصَّولجانِ بيدِ السَّلطان،
هبَ ساعياً بِجدٍ بَينَ المُدنِ
يَنشدُ الأملَ
بأرضٍ خِصبةٍ للعمل
طافَ فِي أرضِ السَّواد
لِطلبِ الرزقِ الحَلال
تُرافقهُ ثِقتهُ بنفسهِ
وَخِبرتهُ وَعدةُ العَملِ
- المِطرقةُ وَالسِّندان-
بَغداد - دار السلام -
كانَتْ أول المَحطاتِ، أجمـل المحطّـات؛
افتتحَ لهُ مَحلاً - دكاناً- للعملِ.
وَتَنقل بَينَ  أَبرزِ  وأَهمِ الأسواقِ
- باب الشيخ ، سُوق الفحامة شارع النهر ، شارع الرشيد ، خَان الشابندر -
وَكُلَّما حَلَّتْ نائبةٌ فِي البلاد
وَحَلَّ الركودِ وَ سادَ الكَساد
وَ ماجَتْ وَ اضطربتْ العِباد
فَتش للعيشِ عَنْ عُشٍ جَديد
عَنْ عيشٍ رَغيـد....
مِعطاءٌ واسِعةٌ أرضُ السوادِ
كالمَيدانِ  للفارسِ الصَّندِيد.
تعَلمَ بنفسهِ - فك الخط -
القراءةَ والكتابة؛
فأجادَ الرسمَ عَلَى المَعادن
وَتَطعيمها بالمِيناء الملّـونـة
فِي حافظةِ رأسِهِ ،عَدَدٌ لا يُحصى
مِن قَصصِ النوائبِ، الطرائفِ وَالمواقف
عَنْ حياةِ الناسِ وَالأسواق
وَعنْ تَاريخِ حَوادثِ وَمَآسي العراق،
فِيها الكثيرُ مِن الدروسِ وَالعِبـَرِ،
كانَ يجيدُ فَنَّ السَّردِ
وَبعينِ البَصيرِ الفَطن
يَستحضرُ الحَدثَ
لربطهِ بالواقعِ الجديد!

3
كَما اللَّيلُ وَالنَّهارُ
بَينَ مدٍ وجزرٍ
تَقلبتْ بهِ الأَحوال
فَذاقَ وَتَنعمَ بِحَلوها
وَتَجلدَ بالحلمِ وَرباطةِ الجأشِ
في مرّها ومرارتها
وَمِنْ قَسوةِ سِنِينَ شَظفَ العَيشِ
وَأهوالِ الحروبِ والكوارثِ
لمْ يَسرقْ بَريقُ التِّبرِ
وَمَباهِجِ الحَياةِ المُغريَةِ
وَهَجِ الإِيمان مِنْ قَلبهِ،
وَلـمْ  يَتَزَعزَعْ عَهدُ - الكشطا- فِي خافقهِ
مُذْ - أصطبغَ - وتَعمدَ بمياه يردنا
وَهو صَبي.
أَحَبَ زوجتهُ وأخلصَ لها
فَبادلتهُ الحُبَّ وَالوفاء وَمَنحتـهُ 
أولاداً وبنات؛ فكان بهم فَخورا،
وَكانوا لـهُ عونا
بَقـى ذلكَ القَلبُ المُفعمُ بالنُبلِ وَالودِّ
وَذات اليدِ المَبسوطة للعَطاءِ
وَالجودِ والسخاءِ والإِخاء.
حَتى استقرَّ بهِ المقامُ
عام  1968 فِي مَدينة العزيزيَّة،
فطابَ لهُ العيش فيها
وَبَقيَ يَعملُ بنفسِ الهِمةِ، وبذاتِ المِهنةِ
حَتى وافَتهُ المَنيَّة،
وهوَ بَينَ اَهلهِ وأحبته
لِيودِّعَ الحَياةَ الدُّنيا
بقلبٍ مُفعمٍ بالورعِ وَالتقوى
تُضيءُ مُحَياه ابتسامةُ رضـا
وَينـيـرُ قلبـه إيمانٌ بأن ليسَ
هناك مِنْ مُخلّـد؛
وَيُلبّسُ الجَسدُ الطاهِرُ
رداءَ النورِ الأبيض؛ حيثُ
يَعلو هامتـهُ أكليل السَرمَدِ وَالخلود،
إكليلٌ مِنْ  شُجيرةِ  الآس ****
التي غَرسَها بيديه
فِي حَديقةِ دارهِ.
غادرتنا نَفسهُ الزكيَّة
عائدةً إلى جوار الحياةِ الأزلية
إلى عالمِ النورِ - آلما  أد نهورا -
مُشيعاً بدعواتِ الأَهلِ وَالأحبـةِ
شُيّعَ مِن دارهِ العامرةِ فِي - مَدينة العزيزيَّة -
إلى مثـواه حيثُ يَرقـد (الصابئة المندائيين) رَقدتهم الأبديّة فِي{أبو غريب}.
ولـدَ أَبـي غَازي رَمضان عَبد الأَمير الأَميريِّ في ريفِ - الكحلاء/ العمارة - عام (1907)
وَ توفي بتاريخ الأَول مِنْ تشرين الأَول/ اكتوبر(1987)
لِروحهِ العَذبةِ الرَّحمة والسَّلام فِي عالمِ الأَنوار،
وَلَنا مِنـهُ أَجمل الذِّكريات وَأَطيب الأَوقات

كُتبت في مالمو/ مَملكة السويد بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2020
وَنَحنُ فِي أَيامِ حصارِ جائحة فيروس كورونا.

تعريف لبعض المفردات التي وردت في النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الرستا: هي اللباس أَو الحلية الدينية (البيضاء)التي يلبسها جَميع (الصابئة المندائيين) أثناء إجراء الطقوس الدينية. 
** يردنا: الماء الجاري
*** الإِبريزِ وَ اللُّـجَينِ : الذَهب وَالفُضة
**** إكليلٌ مِنْ  شُجيرةِ  الآس: غُص أخضر طري مِن شجيرةِ (الآس) يعمل منه (إكليل)يُعد في معتقداتِ (الصابئة المندائيين) رمزاً للنور، فيعتمدونه بعددٍ من طقوسهم الدينية.

إ



34
المَشاعِرُ الإِنسانِيَّةُ فِي أدَبِ الرَّسائِلِ الإِخوانيَّة

 
يحيى غازي الأميري
الأستاذ الفاضل الباحث القدير والأدِيب اللبيب الدكتور عَلاء الجوادي المحترم
أخي وَصديقي الأدِيب البَليغ الوَدود فَاروق عبد الجبار عبد الإمام المحترم
الناسُ صِنفان ( فإنِّهم إمّا أَخٌ لكَ فِي الدِينِ، أو نَظير لكَ بالخلقِ) الإمام عَلي بن أبي طالب/ نهج البلاغة
بِسعادةٍ كبيرةٍ  قَرأتُ كامِل المقالة الطويلة جداً - المُمتعة - المَوسومةِ (مِن ذاكرةِ الموحد المندائي فاروق البغدادي إلى الغالي أبن الدوحة الهاشميَّة)(1) وَالمنشورة فِي مَوقعِ (مُؤسسة النور للثقافةِ وَالإعلام) بتاريخ (06 - نيسان/أبريل - 2020) عَلَى صفحةِ الدكتور عَلاء الجوادي، وَالمقالة بقلمِ : فاروق عبد الجبار عبد الإمام.
سُررتُ بِمُحتواها وَنُبل ما سطر فيِها مِنْ مشاعِر إنسانيَّة وجدانيَّةٍ حَميميَّةٍ وَسردٍ مُمتعٍ وَمَعلوماتٍ تاريخيَّةٍ وثقافيَّةٍ قَيمةٍ تَستحق القراءة وَالبحث فيها.
واضِحٌ جداً الجُهدُ الكبيرُ المَبذولُ بجمعِ مُحتوياتِ المَقالةِ لغايةِ نشرها بهذا الشكلِ الرائع؛ يَشكرُ عليه سَعادة السَّفير الأَديب البروفسور (عَلاء الجوادي) فَقد وَضَعَ بَينَ ايدينا عَملاً متميزاً بامتياز، فهو كِتابٌ فِي مقال؛  ففيه الأدب والفن والسياسة وعلم الاجتماع!
أوَّلُ مَا يَلفتُ نظركَ فِي المَقالةِ هو الأسلوب الأدبي الذي كتُبتْ فيه أنه (أدَب الرسائل الإِخوانيَّة) فَفِي الرسائلِ المتبادلةِ بَيْنَ الأديبين (عَلاء الجَوادي وَفَاروق عبدِ الجبار) تَشدكِ اليها اللغةَ الأدبيَّةَ الراقيَّة الفَصيحة المليحة، وَكذلكَ تفصح لك المقالة عَن المواهبِ الأدبيَّةِ والمعرفيَّةِ والثقافيَّةِ الرائِعةِ التي يَتمتعُ فيها (الزَميلانِ / الصَّديقانِ) فِي تَبادلِ التحايا والسُّؤالِ عَن الأحوالِ، وَفِي النَظمِ وَالنَثرِ وَالسَّردِ وَالتَّدوين.
المَقالُ وَثيقةٌ (أدبيَّةٌ، ثقافيَّةٌ، اجتماعيَّةٌ، سياسيَّةٌ) تَبحثُ فِي سَردٍ ممتعٍ  للعلاقاتِ الاجتماعيَّةِ وكيفَ كانتْ قبل أكثر مِن نصفِ قرنٍ من الزمنِ تجري في المحلاتِ العريقة (للعاصمةِ بغداد)، وابرز التطورات السياسيَّة والاجتماعيَّة التي ترعرع فيها فِي تلك الفترةِ الزمنيَّة مِن تاريخ بغداد وبالتحديدِ فِي بقعةٍ جغرافيَّةٍ مهمةٍ جداً فِي مدينةِ بغداد مَحلة (قَنبر عَلي) وَما جَاورها (سُوق حَنون) والتي تقعُ فِي قلبِ العاصمةِ / جانب الرصافة، فمن المنطقةِ ومن مدرستها (المدرسة المهديَّة الابتدائيَّة للبنين) تَخرج وَساهم مِئات الآلاف مِنْ الشخصياتِ التي اصبحَ لها دورٌ واضحٌ وكبيرٌ ومتميز في كافةِ مجالاتِ الحياة ( الفكريَّة وَالاقتصاديَّة والسياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة ) في العراق والمعمورة، انها كانت ولَمْ تزلْ قلب بغداد النابض!
احتَوتْ المقالةُ عَلَى قصصٍ أدبيَّةٍ شيقةٍ، ونُصوصٍ شعريَّةٍ بديعةٍ، وَمَقالاتٍ وَخَواطر فكريَّة متنوعة.
 فَقد جاءتْ القصةُ الأدبيَّة القصيرة الجميلة ( تداعياتُ قـِرد) بقلم الأديب (فاروق عبد الجبار) والتي كُتبت بلغةٍ أدبيةٍ رشيقةِ شيقةٍ، سلسلة، وَبعمقِ مدلولها السياسي الناقد لما يمرُ به العراق مِن محنة كبيرة مُستمرةٍ تضربُ بكلِّ عنفها لتدميرهِ أسماها ( المحاصصة) أنها بحقٍ جذوةٍ لشرٍ خطير.
القِصةُ الثانيةُ أسمها ( الأوتجي) وَهِي قصص استذكارية من واقع المحلة حقيقية الأشخاص، جاءت كعملٍ مشتركٍ يروى مدوناً على لساني زميلي مقاعد الدراسة الابتدائية  (الصديقين الحميمين) وهي قصص عن أهلِ المنطقة التي سكنا و اكملا دراسة اول مرحلة دراسية - أبتدائية- فيها محلة (قنبر علي).
 فَفِي سردِ قصةِ ( الأوتجي) تَبرز للقاريءِ الروابط الإنسانيَّة السائدة فِي الحياةِ الاجتماعية الموجودةِ فعلاً فِي تلك الفترةِ وَالتي يغلبُ عَليها (الصِدقُ والمَودةُ والطيبةُ والبَساطةُ والألفةُ والإنسانيَّةُ وَ الاِحترام) فسكان المحلة مِن مختلفِ القومياتِ وَالأديان، كما يرد في المقالة وعلى أرضِ الواقع.
وَأَنَا أقرأ فِي المَقالةِ كانَ حَنينٌ كبير يَشدني للمكانِ الذي تَتحدثُ عَنه المَقالة : فَأنا مِنْ مَواليدِ مَحلةِ ( قَنبر عَلي ) بالتحديد (تَحت التكية فِي بنايةِ التَّورات ) سنة (1953) لكنني لَمْ أدرس فِي مدارسها؛ فَقد انتقلنا إلى منطقةِ (الدورة المهدية الأولى/ في جانب الكرخ من بغداد) في (عام 1959) بعد أن أتم والدي أنشاء (دارسكن) جديد حديث فيها،وذلك قبل الدخول للمدرسة؛ وهي السنة التي كما مثبت في الرسائل المتبادلة وصورة الوثيقة المدرسية المنشورة في المقال والتي تعود لصديقي (فاروق) تخرجه من الصف الأول الأبتدائي للسنة الدراسية 1958-1959.
وَقَد حزنتُ أشد الحُزن عَلَى تهديمِ بناية ( التَّوارت) هذا المعلم البغدادي المهم، وَالتي وردَ ذكرها فِي أكثر مِن مكانٍ فِي مقالكم الكريم.
تَفردُ المَقالة فَصلاً مُخصصاً (للمَقامة المندائيَّة) أنَها بحقٍّ عمل أدبي كبير مُتفرد للأديب المُبدع (فاروق عبد الجبار)  سيبقى هذا الأثرُ الأدبي الفني من الأعمال (الخالدة) المتميزة، لِما أمتازت به (المقامة) مِنْ أسلوب أدبي ليسَ بالسهلِ الولوج فيه، لقد كتبت (المقامة المندائية ) ببراعَةِ الأديبِ الرَصين المُلم بأدواته ، جارى فيها جهابذة نتاج أُدباء فَن المقامات.
أَنتهزُ هذهِ الفُرصة لاسَّجل شُكري وامتناني اليكما استاذي الفاضلان (الدكتور الأديب علاء الجوادي والأديب فاروق عبد الجبار) لاختياركما أكثرُ مِن مقطعٍ من مقالتي المنشورة في عدةِ منافذ إعلامية ومنها موقع ( مؤسسة النور للثقافة والإعلام) كنت قد قراءته أثناءَ تشرفي بتقديم صديقي وأخي الحَميم الأَديب (فاروق عبد الجبار عبد الإمام) فِي مُحاضرتهِ الأدبيَّةِ الرائعةِ، واستميحكم عذراً لاستل من مقالكم الكريم  مَقطع مما نشر بخصوص( المَقامة المندائيَّة) وَالأمسيَّة الثقافيَّة والتي جاء فيها:
{ اقامت جمعية مالمو المندائية أمسية ثقافية للمقامة المندائية التي دبجتها يراع اخي فاروق عبد الجبار، وبهذه المناسبة كتب الاستاذ (يحيى غازي الأميري)  بتاريخ: 15/10/2014،  تعريفا جاء فيه: اغتنمت الجمعية الثقافية المندائية في مدينة مالمو، فرصة تواجد الأديب الباحث الأستاذ فاروق عبد الجبار عبد الإمام، المقيم في استراليا منذ عام (2006) زيارته إلى أوربا، لتستضيفه مساء يوم السبت 04-10-2014 في صالة مقرها الجديد، في محاضرة ثقافية أدبية تاريخية حول الشخصية المندائية الفذة الرِّ يشمّا (أدم أبو الفرج)؛...
يقول كاتب المقالة المحترم: لنُحلّقَ معاً عِبرَ الأثير، ونحن نستعيدُ قِصّةَ شخصيّة مندائيّة نعتزُّ جميعاً بها، شخصيّةً ضَربتْ في تأريخِها أعماقَ التاريخ، شخصيّةً نُسجت حولَها العديدُ من الحكايات التي تكادُ أن تُكّونَ إسطورةً مندائيّة حفظتها الصدورُ على مدى العصور، ولم نزل نتناقلها بكل سرور وحبور، فوثَقَناها بأحرف ٍ من نور. بيننا الآن الأستاذ الأديب الصديق القديم القادم من أستراليا (فاروق عبد الجبار عبد الإمام) والذي أعادَ صياغةَ القِصّةَ الأسطورة، بأسلوبٍ أدبيّ متميّز جزلِ المعاني سهلِ الألفاظِ في سرده القَصصي، فجاءت سهلةً واضحةً بعيدةً عن التكلّفِ وغريبِ الكلام متناسقةِ الألفاظِ والمعاني.لقد استخدم ضيفُنا طريقةَ السَّجع لبناءِ مقامتهِ الموسومة (المقامة المندائيّة قصّة آدم أبو الفرج) والتي وردت قِصتهُ ويترددُ اسمه على لسانِ الصابئة المندائيين في الدعاءِ عند السّرّاءِ والضرّاء على حـدٍ سواء.) وبعد هذا المقطع تحدثت عن علاقتي بالأستاذ الأديب فاروق عبد الجبار والتي تمتد لأكثر من عقدين ونيف من السنين... واستشهدت ببعض المقاطع من مقالة كنت قد كتبتها بتاريخ( 22/12/2004) ... في تلك الفترة كان فاروق قد حط به الترحال في (اليمن السعيد صنعاء) ينتظر أن يلتحق مع عائلته معاملة لم الشمل إلى (استراليا) حيث سبقته عائلته إلى أستراليا، أخبرني أنه منهمكاً بين البحث والكتابة لموضوع أدبي لم يطلعني في حينها على أسمه، لكنه كان بلسمه في تلك الغربة والتغرب عن الوطن والأهل، وقد بقي في( صنعاء) بالانتظار ثلاثة سنوات ونصف، وبعد وصوله استراليا بعدة سنوات عرفت أن جهوده كانت منصبة بكتابة (المقامة المندائية)... أخي العزيز فاروق  قرأت مقالتكم التي أرسلت لي نسخة منها وزادت من هموم قلبي المطعون بآلاف الخناجر،  أعرف يا عزيزي طيبة قلبك المملوء حبا ً ووفاء للناس والأهل والوطن. أستمتع الحضور (بالمقامة المندائية) وأسلوب كتابها، وطريقة سردها، دامت المحاضرة زهاء الساعتين، وحضرها جمهور غفير وشرفنا بالحضور العديد من أصدقاء الطائفة المندائية.}

  تُحلقُ بك العديدُ مِنْ فُصولِ المَقالةِ إلى عوالمِ الأدبِ الجَميل، فهذا مَقطع (مستل) مِن قصيدةٍ  شعريَّةٍ عنوانها (الترانيم) المقطع المنشور كتب باسلوب أخاذٍ ساحر، بمدادِ الأديب (علاء الجوادي) يُخاطبُ بهِ صديقه الأديب (فاروق) وهو يُهيأ نَفسهُ لإجراءِ عمليةٍ جراحيةٍ كبيرةٍ لتبديلِ بعض من شرايين القلب؛ ستجرى له باليوم التالي ، فِي مقطعِ القصيدة ترد مفردات (مندائيَّة وسريانيَّة وعبريَّة) انها كُتبت بمشاعرٍ وأحاسيسٍ إنسانيَّةٍ أمميَّة،  يَقولُ فيها :
فهرعت لاتلو مزموري
فيرفرف نحوي عصفوري
ليبارك حزني العاشوري
وتلوت بمعبد إسْكِلّا
أوراد المندائيين على ماء الذكرى
وبهاء الآلما د نهورا
الواحا بلسان الاراميين، اراها اليوم ببرطلا
وفي تلكيف وتل اسقف ومعلولا مَرْتقلا
انا من زهريرا د بهرا
اقرأ زوهار القابالا
اورادا تتشعشع نورا
واراها في ميسان بمندي
واراها في تورات مهدوم ملؤوها اوساخا زبلا
واراها في معبد يعقوب كمحرقَةٍ توقدها روما
واراها في اضرحة لبني احمد صلبوها هدما
واراها في قبر صحابي منبوش ظلما
واعزي فيها يحيى
واعزي من دمه ثوارا جيلا جيلا
حتى يبقى مزمور الزقورة يُتلا
في بابل او في كَرْبِلّا
في مغتسل طهره يحيى زكريّا
ويحيا الانسان
ويحيا الناس
ويحيا مندللا
واذا سامحنا الحيوان الافعى
فالموت لانسان افعى
لِمَنْ يَودُ أَن يُتابع المفردات الدقيقة البليغة الوصف والمعنى والتي جاءت في مقطع قصيدة (ترانيم) يَجدها ضمنَ شروحات المفردات في المقالة.
 وَتَستمرُ المقالة بمواضيعٍ متنوعةٍ اخرى،وفيها صورة وأحداث كثيرة مهمة ترافقُ حياة (الصديقين الكريمين) وكذلك تطورات وتغيرات متسارعة حدثت وتحدث في محلة (قنبر علي) وعموم العراق؛ ورغم كل هذا يبقى (المكان ثابت)  فيما العيون والقلوب شاخصة ترنوا اليه بحبٍ وحَنينٍ جامح مهما ابتعدنا عنه وتغيرت الأحوال، ففي هذه (البقعة) نقشت فِي اعمقِ تلافيف المُخ ، أجمل الذكريات والمواقف والأحداث والتي من المستحيل أن تبرح من الذاكرةِ؛ بل ستبقى سجلاً وسفراً لاجيالٍ قادمة، لربما تستفيد مما جاء في هذه المقال وَ السجل التاريخي.
لَقد امضيتُ ساعات اقلب في هذهِ لمَقالةِ الشيقةِ والعلاقَةِ الحَميمةِ ؛ فوجدتُ أنها صادقة حقاً لكونها منذ البداية أبتعدت وتخطت (التَعصب الديني) رغمَ اختلاف توجهاتهم وتطلعاتهم الفكرية والسياسية والدراسة الجامعية ونتاجاتهم الأدبية والفكرية والأهم الانتماء الديني، وَهو الذي دَفعنا إِلى الاِستشهاد بقول ( مشهور) بمقدمةِ مقالتنا مُقتبسٌ من رسالةِ الإمام (علي بن أبي طالب) وردت في (نهج البلاغة) من رسالة (عهد) ارسَلها (الإمام) إلى (مالك بن الأشتر النخعي) عِندما (وَلاه) الحُكم على (مصر) .
أن الذي أدامَ وعززَ أواصر هذه المودة والصداقة هي المباديء الانسانيَّة النبيلة فهي كانت وَلمْ تزلْ التوجه الأول والأخير فِي نهجهما وحياتهما التي أبتهل أن تدوم وتتأصل.
 لَكُما مِنا أيُّها الفاضلان (الأديب الدكتور عَلاء الجوادي وَالأديب فَاروق عَبدِ الجبار) كُلّ التَّقديرِ والإحترام والدعاء بدوامِ المَحبةِ والأخوَّةِ.
مالمو- مملكة السويد
في زمن حصار( جائحة الكورونا) المصادف السبت 12- نيسان / أبريل - 2020
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقالة كاملة علي الرابط أدناه
http://www.alnoor.se/article.asp?id=363900



35
أدب / نُصوصٌ مِنْ فُصولٍ داميَة
« في: 18:47 03/04/2020  »
نُصوصٌ مِنْ فُصولٍ داميَة

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيريّ


فصولٌ داميةٌ
مَرَّتْ ثَقيلةُ الوَقعِ
مِن هَولِ مَا سَاد فِيها
مِنْ بَطشِ رجالِ الاَمن
وَذُعرِ عُيونِ ذِئابِ العَسَسِ،
وَعَفَنِ الزَّنازِينِ. قَملُ السجُونِ،
وَرُعبُ التَّصفياتِ؛
وَمِنْ أزيزِ الرَّصاصِ، دَمارُ الحُروبِ
وَبُؤسُ الإملاقِ، وَذُلُّ الخُنوعِ؛
وَنَحنُ فِي خِضَمِّ هذا المَشهَدِ
لَفَتْ البِلادَ وَالعِبادَ
سَحائِبُ دُخانِ سِيجارِ
الأَخ الأَكبر*
وَسورِ نارِ الحِصار
فَسَقطَ صَرِيعاً الدّينارُ
أَمامَ هِراوَةِ الدّولارِ **
وَمَعَهُ تَقهقرٌ
مُريعٌ بالقيمِ وَالأَفكارِ
وَأستَمَرَّ الاِنهيارُ
يَسيرُ أسيرُ هذا الاِنحِدارِ
2

فيما بَدا فِي عالمِ
القُطبِ الأَوحَدِ
يُراوِدُ (العمُّ سَام) ***
فِي اليقظةِ والمنام
حلمٌ قديمٌ 
بَعدَ أن أَمسَكَ بِكفَّتي يَديه،
المِصباحَ المَسحورِ ****
كُتلةٌ عِملاقةٌ مِن الدُّخان
خرجَ لهُ الماردُ الجَبارُ
وَهو يُرددُ:
(شبيك لبيك، عبدك بين يديك)
بِزهوٍ يأمرُ(العمُّ سَام)
مارِدُ المِصباح
 أَنْ يُنفذَ كُلُّ الخُطَطِ 
لرحلَةِ عَمليَّةِ التَغييرِ وَالسَّيطرةِ
عَلَى أَرضِ السَّوادِ *****
بِلادُ حكايات الوجُودُ والخُلودَ؛
ويُحددُ مَعها كيفَ يكونُ النَصرُ وَالمَصير!
لينطلقَ فَي مَوكِبٍ جَرّار
عبرَ الفَيافِي وَالمحِيطاتِ وَالبِحار
مُمتَطياً ظَهرَ الفِيل
 مُرتدياً جُبَّةَ القِتال
ناثِراً للأموالِ
وَبركبِهِ تَسيرُ
 مَجاميعٌ مِن الشِّللِ
فِيها المُحتارُ وَفِيها المُنهارُ
وَالمَسطولُ وَالمَخبولُ
 وَالمَذهولُ والمُحتالُ
اِنذَهلَ الجَميعُ
بدُعابَةِ الصَّدمَةِ وَالتَّرويع ******
كاَلبرقِ بِيُسرٍ اِجتازوا الثغُورَ وَالحُصون!
وَحَطَّ الماردُ الرِّحالَ
فَي قَلبِ البلادِ البَعيدة.
بَيْنَ الناسِ اِلتَبَسَ الحَدسُ ،
وَتوالتْ تَتَرادفُ عَلَيهُم الرُّؤى *******
وَنَشراتُ الأخبارِ
 تَهطلُ كالمَطر؛
 وَشط َبالجموعِ
الخَيالُ وَالجِدالُ
وَاِنهالتْ البَراهِينُ
بَيْنَ التشكِيكِ وَالرِّيبةِ وَالحَذَرِ
وَعَدَمُ اليَقِينِ؛
وَبَيْنَ التَصدِيقِ وَالوثوقِ بالوعُودِ
وَضَرورةُ الإستقبالِ بالتَصفيقِ
بالزهُورِ وَالبَخورِ والرَّصاصِ
للفاتحِ الجَديدِ.
اِختلَطَ الحابِلُ بِالنابلِ ********
وَفَقدَ الكثيرُ بوصلَةَ
التَّوازنُ وَ الاِتزان.
3
مُرعِبةٌ جَاءتْ نَتائِجُ الظنونِ،
بِأدعياءِ التَّمدُّنِ وَالدينِ
كَالكابوسِ بالأحلامِ
أَو ما يَحدثُ فِي (أكشن) الأفلامِ
سَرِيعاً كَالأشباحِ
تَناسلتْ المِحنُ وَالسُّراقُ ؛
ليحُلَ وَيلَ وباء (الموت الأسود) *********
لاِنقلابِ المَوازينِ
واِختلالُ أغلب
المَقاييسِ وَالنَواميسِ
مُبكراً تمَّ وَأَدُ الأمانِ
وَإجهاضُ الأفراحِ
وَسادَ فِي الفضاءِ
قَرعُ الطبولِ
وَصليلُ الحَديدِ
وَشُؤمَ نَذيرِ
صَوتُ البُومِ
تَمترَسَتْ الناسُ
خَلفَ التُروسِ وَالمَتاريسِ
وَهُمْ فِي هَلَعٍ مُـبِينٍ **********
عَلَى عَجَلٍ
استوطَنَتْ الأَتراحُ،
وَنَسجَ الحُزنُ
أرديُّةُ الحِدادِ فِي النفوسِ
وتبدلتْ حِساباتُ زَمنِ
التطورِ وَالسَرَّاءِ والعُمرانِ
إِلَى تَوثيقِ المأتَمِ لأيامِ
المَوتِ والضَرَّاءِ والخَرابِ
وَالسَّبي وَمخيمات النزوح
وَباتَ
العقلُ فِــــــي تِيهٍ
مُغترباً عَنْ البَدنِ
وَأسرعَ العُمرُ يطوي رحلتهُ
عَليلاً واهِن الخطى
 يَقتربُ  مِن المَنونِ
وَهوَ يَنوءُ
 مِنْ هَولِ اثقالِ
أَشجانِ السنون
التي أَدمتْ الفُؤادَ
وأَربكَتْ رَصدَ العيونِ
بَعْدَ أَن حَولَتْ
جَذوةُ الشرِ
(ديمقراطيَّةُ المُحاصصة التوافقية)
الوزاراتِ إلى إِماراتٍ
وَالبلادَ إلى ضَيعاتٍ وَ دوَيلاتٍ
فَأضحى الجَميعُ 
تَحتَ قَبضةِ أَغوالٍ مِنْ المافياتِ
4
رَغمَ مَا أَغدَقَ
القلبُ الكَلِيمُ
مِنْ سَيلِ الدَّموعِ
وَنَزيفُ الضُّلوعِ
مِنْ نِّصالِ حرابِ الخِداعِ
وَأَنينِ جراحِ النَّدَمِ
وَفَواجعِ السَّبايا
وَهُمومِ مِنْ سَكن الشَّتات
وآلامِ  ضَحايا الفِتَن؛
لَكِنْ لَمْ يَزلْ صَوتُ الهاتِفِ البَعيد
يُصارعُ الاِستِسلامَ وَالهزيمةَ
و يَبعثُ فِي النفوسِ الهِممَ والعزيمة
للعَملِ وَالأمَلِ
وَللنَّظرِ بحَذرٍ وَبعَينِ البَصيرِ للبَعيد
لِلظفَرِ بِنَسمَةِ الحُريَّةِ
وَلنَيلِ الغَدِ المُشرقِ السَّعيد

مالمو / مملكة السويد في 02 نيسان/ أبريل  2020
هوامش تعريفية وتوضيحية ورد في النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأخ الأكبر: رواية الكاتب البريطاني (جورج أورويل 1903- ت 1950) الشهيرة (1984) والتي تصف (الأخ الأكبر) الذي يرد فيها، بالدكتاتور المستبد وكيف يتحكم بمصير الجميع في ظل حكم الدولة الشمولية التي يسودها طغيان السلطة واستبداد قوانينها.
** الهِراوَةُ: عصا ضخمة ذات رأس مُدَبّب تستخدم كسلاح.
*** (العمُّ سَام) : هو رمز ولقب شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأمريكية ؛ جاء في موسوعة (الويكيبيديا) يعود أسم العم سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة (1812) الاسم مأخوذ من أسم (جزار) محلي أمريكي يدعي (صموئيل ويلسون) كان هذا الجزار يزود القوات الأمريكية المتواجدة بقاعدة عسكرية بمدينة (تروي) الواقعة في ولاية (نيويورك) وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفيّ (يو- أس) باللغة الإنكليزية اشارة الى انها ملك الدولة فأطلقوا لقب العم سام على التاجر.
**** المصباح المسحور أو الفانوس السحري: قصة خيالية شرقية مشهورة في كل أرجاء العالم ، بطلها علاء الدين/ الشاب البغدادي الفقير، الذي يحصل على المصباح السحري والمسجون بداخله (المارد أو الجني) وما أن يدعك بيديه ( علاء الدين) أو أي شخص يمتلك الفانوس السحري فسيخرج له (المارد) على شكل دخان، ويقول له العبارة المشهورة (شبيك لبيك، عبدك بين يديك) وينفذ له أي طلب يأمره ويطلبه منه. القصة حولت الى عشرات الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية وبمختلف اللغات.
***** أرض السواد: جاء في الموسوعة الحرة (الويكيبيديا) هو اسم أطلقه (الفاتحون المسلمون) هلى الأراضي الزراعية التي تقع جنوب (بلاد النهرين) على أطراف (دجلة والفرات) وما بينهما. وجاء في (معجم البلدان لياقوت الحموي 1179- ت 1229م) أن سواد العراق يراد به رستاق العراق وضياعها التي أفتتحها المسلمون عهد عمر بن الخطاب (رض) وعلل سبب تسميتها بالسواد قائلاً : (سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنه حين تاخم جزيرة العرب، التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أراضيهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فيسمونه سواداً، كما إذا رأيت شيئاً من بُعد قلت : ما ذلك السواد؟ وهم يسمون الأَخضر سواداً والسواد أَخضر.)
****** الصَّدمَةِ وَالتَّرويع: أسم العملية العسكرية التي غزت فيها العراق، والتي شنتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وشاركت فيها العديد من دول الحلفاء، والتي بدأت في(20 آذار 2003)، وانتهت باحتلال بغداد في (09 نيسان/ أبريل 2003)
 ******* الرؤًى: ما يُرى في المنام؛ مفردها رُّؤيا
******** اِختلط الحابلُ بالنابلِ: مثل شعبي، متداول في العراق والعديد من البلاد العربية ، يضرب للفوضى عندما تعم القوم، أو عندَ اِختلاط الآراء وتضاربها وعدم وضوحها. والحابل: صاحب الحبل؛ والنابل: صاحب النبل.
********* (الموت السود): ورد في موسوعة ويكيبيديا: يستخدم مصطلح الطاعون الأسود أو( الموت الأسود أو الموت العظيم) للإشارة إلى (وباء الطاعون) الذي اجتاح (أوربا) بين عامي (1347-1352) وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة.
 ********** مُـبِين: واضح بليغ، بيِّن ظاهر


36
أدب / رُهابُ الاِنزلاق
« في: 02:25 06/01/2020  »

رُهابُ الاِنزلاق

بقلم : يَحيَى غَازي الأَميريّ
بجَريمةِ اغتيال*
 رَحلَ الجنرال.
عَلَى عَجلٍ،
حَلَّ البديل.
لمْ يزلْ،
الاِحتلالُ ماثِلٌ،
 بلْ زادَ سوءاً الحال،
وَأَتَسعَ الخَللُ وَ التَّدَخل
بالاستِقلالِ وَالسِّيادةِ
وَقراراتِ القيادة.
2
اِضطِرابٌ وَانفِلاتٌ
والخوفُ مِنْ الانزلاقِ
للمُستَقبلِ المَجهولِ!
لاِستمرارِ التَّدهورِ و الاِنحدارِ
بزيادةِ الاِستنزافِ
بالنَّصبِ والنَّهبِ
وِبحروبِ الاِنابةِ
وَالقَتلِ وَالتَّدميرِ
وَ الاِبادةِ 
وَعِبادةِ القِيادة.
3
تَوقُ الشَّعبِ للاِنعِتاقِ
 فِي خَطرٍ مُحدِقٍ؛***
إِرتِعابٌ وَقَلقٌ ****
فِي القَلبِ وَالعيون
عَلَى اِنتِفاضةِ تشرين،
طَوقُ نَجاةَ العِراق
 مِن الغَرق.
مالمو/السويد فِي 4 كانون ثاني 2020
معاني بعض الكلمات التي وردت بالنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جَريمة اغتيال: عملية الاغتيال التي حدثت فجر يوم (3 كانون الأول /جنوري 2020) قرب (مطار بغداد الدولي) بعدة صواريخ أطلقت من قبل طائرة (أمريكية) مسيرة،على موكب يضم الجنرال الإيراني (قاسم سليماني، 62 عاماً ) قائد فيلق القدس في الجيش الثوري الإيراني، ومجموعة من قادة الحشد الشعبي العراقي ومنهم (أبو مهدي المهندس، وأسمه الكامل جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم ، مواليد البصرة عام 1954) يشغل منصب نائب قائد هيأة الحشد الشعبي العراقي.
** الاِنعتاق: التحرر من العبودية والقيود
*** مُحدق: وَشيك، قَريب الوقوع
**** إِرتِعاب: خَوف، رُعب






37
بشديد الغَضَب؛ اِنتفض الشعب
 
يحيى غازي الأميري
يَا قَياصَرَة قَصر السَّلامِ
وَيا سَلاطين تقاسم
المغانم والأَحلام
أَيُّها القابِعون فِي الحصُونِ
أَيُّها القابِضون عَلَى الزِّمام
أمَّا حانَ وَقتُ الرَّحيل؟
 لقد آن الأَوان؛
فَهيّا قَبلَ أَن يرفع الأَذان
وَقَبلَ فَوات الزَمان.
سَلا القَلب حُبّكُمُ
وَ أَدركَ بشاعةِ الأَفكِ *
 لنهجِ سِنِينِ حُكمكم
2
يَا دَهاقِنَةُ سياسَةِ المداهنةِ **
وَالتَزويرِ وَالتَدوير،
دار السَّلام تَستَغيث.
طَفَحَ الكَيلُ،
وسأًم الناس
من عذابِ تَعذيبِ
حُكمُ التَغريث ***
وسياسة البُهتان ****
 وبان لأعين الشَّعب
هَول مآس
خراب الحروب
 وَوَيْلات الإرهاب
وَتَنوع دروب النهب
وإِدمان حروب مصالح
 الأَحزاب.
هاهو ذا الشَّعب، بسلمٍ اِنتفض
فَرَحيلكَ أيُّها
المُوارب الوَزَّاب *****
 وَجَب. ******
مالمو / السويد في  15 كانون الثاني 2019
بعض معاني الكلمات التي وردت بالنص
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أَفِكَ: كَذَبَ
** دَهاقنة السَّياسَةِ: كبارُ السَّاسةِ؛ مُداهن: يُضر ب للكذاب الذي يَعد ولا يَفي
*** التَغريث: التَجويع
**** بُهتان:الافتراء ، و اِختلاق الكذب
***** المُوارب : المُخادع المُخاتل فِي كلامهِ؛ الوَزَّابُ : اللصُ الحاذق
****** وجب: ثبت ولَزم 


38

إِرحَلْ، اِنتَفض الشَّبابُ


 لا يَهابُ سَيل اليَم *
وَلا المَوج العُباب **
 إذا أصطخب
مُمتطياً لكلِّ الصِعابِ
جيل الشَّباب اِنتفض
***
 سَريعاً سَرتْ بأَوصالِ
الطغاة رعشة الوجلِ
وَاضحَى مِن المُحالِ
لمرعوبٍ من الوصولِ
لقامةِ الثائِرِ الأَعزَلِ.
***
رغمَ الرَّصاصِ الحَيّ
بآلةِ القَتلِ
تراه شامخاً شموخ الجَبَلِ
جيلٌ مِن الأَبطالِ
لا يَخافُ الأجل.
***
يَا حاكِمُ الدّار
ألا تخاف الله
وَأَنتَ بنهجِ القُرآنِ
مُهتدياً؟
أَلمْ تَقرَأ كَلام الله
وَما جاءَ بِمُحكَمِهِ
 (عَلَى الَّذِين يَظلِمُونَ الناسَ
وَيَبغونَ فِي الأَرضِ
بِغَيرِ الحَقِّ أَولَئِكَ لَهمْ عذابٌ ألِيم ٌ)*
***
أَما خَشيت الله
وَأَنتَ عَن بُعدٍ توعز
بسلاحِ قنص المَوت
قتل الشباب العُزل
وَتَغمض الطرف عَنْ القاتل!
أما تسمع صراخ الملايين
منذ عقد ونصف مِنَ الزمن
وَهي تَجهر بالصوتِ وبالعلنِ
أنَ البلادَ صريعة تأن
تحتَ قبضة حفنة مِن الشِلَلِ
وَقد أَصاب مفاصلها الخَراب والشَلَل
وأن حكمكم الدَمويّ
امتاز كأقرانك بميزةِ الفَشَلِ
المْ تعلمْ
إِنَ كل من فوقَ كرسي الحُكم
فِي حُكمِ الزائلِ
منذ الأَزل
كتبت في مالمو / السويد الجمعة 29 تشرين الثاني 2019
تعريف بعض الكلمات والعبارات التي وردت بالنص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اليمَّ: البحرُ؛ مُتسع من الأَرض، أصغر من المحيط مغمور بالماء المِلْح أو العَذب
** العُباب:صوت أمواج البحر ترتفع بصخب
*** النص بين حاصرتين {عَلَى الَّذِين يَظلِمُونَ الناسَ وَيَبغونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أَولَئِكَ لَهمْ عذابٌ ألِيمٌ}: هي نص مستل من سورة الشورى/ الآية 42 { إِنَّما السَّبيلُ عَلَى الَّذِين يَظلِمُونَ الناسَ وَيَبغونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ أَولَئِكَ لَهمْ عذابٌ ألِيم ٌ}





 





39

اِنتِفاضَةُ تِشرِين سَتُعِيدُ الوَطن

بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
بَينَ حَربٍ وَ حربٍ وَجَدبٍ
سنون مِنَ الذُعرِ وَالهَلَعِ
مَرَّتْ ثَقِيلة كالوَجَع 
عَلَى شَعبِ العراق.
السُّحبُ المحملة بالنَّماءِ وَالمَطرِ
عَلَى ظهرِ دَبابةِ العَم سام *
جاءتْ بالأَمَلِ وَالوعود
كَثُرتْ مَعَهَا
وَعُودَ العَيشِ الرَّغيد
فَجَمَحَ بِالنَّاسِ الخَيالُ
وَذَهَبَ الحُلم 
إلَى اقصى مَداه
إلَى جمهوريَّةِ أَفلاطون **
وَاِستقر عَلَى أَبوابِ
مَدينتَهُ الفاضِلة !
بِغَفلَةٍ مِنَ الزَّمنِ
تَسَّيَدَ المَشهد
 شلَّة مِنَ الافاقين وَالنَصابِين
مِنَ المُتَخَصِّصِّين
بَالتَّدلِيسِ وَالتَّضليلِ
وَتَسييسِ الدِين
بِخُبثٍ وَمُكرٍ
سَنُّوا القَوانِين
وَنهبوا الخَزائن
تَقاسَموها
هذا أَلك هذا إليِّ
حامِيها حَرامِيها ***
سَرَقُوا كُلَّ شَيء
2
سَرِيعاً
خابَ الظَّن بالمُتَصدرِين
لِدَفَّةِ القِيادَةِ
عَادَ الخَرابُ بالبلادِ
 مِنْ جَدِيد، لكن أَشَدُّ فتكاً
الشَّعبُ لَمْ يَستَكين
يَجهَرُ بالصَّوت والراية
مُطالِباً بحقه يَستغيثُ
وَمَعَهُم بحت أَصوات أَعلى المَنابِر ****
مِنَ كثرةِ النَّصحِ وَالتَوجِيهِ وَ التَحذير
رَكَبَتهم المَعصِية
 فَهم مُنحَدرين
فِي ضَلالٍ مُّبينٍ *****
صُمَّتْ أذانُهم
 لِصراخِ أَفواه
مَلايينُ المُعوزِين.
 تَفاقمتْ المَظالم وَالهموم
فِي النفُّوسِ وَ الرؤُوسِ
أَضحَتْ العِبادُ وَالبلاد
فِي ضياعٍ مريعٍ رَهِيبٍ
فَاِرتَفَعت الأَكُفُّ بِالدُّعاءِ
تَتَضرَّعُ لِرَبِّ السَّماءِ
أَن يَعِينُها عَلَى طُغيانِ
السُّلطان وَالحاشِيةِ وَ الأَعوان؛
فَاستجاب رَبُّ الأَكوان
وَجعلها ثورةً فِي تشرين
لَمْ نشهدْ مثلها مِنْ سنين
3
سُحُبٌ رَماديَّةٌ مُخِيفةٌ،
مُزَمجِرَة  مُنذرة تَحُوم
تَحجبُ النَّظَرُ
عَنِ الشَّمسِ وَالنجُوم
 وَبانَتْ للأَعيُنِ رَحى الفَاقة ِ
وَطاحونة الدَّمارِ
فِي البِلادِ تَدُور
4
لَمْ تلحقْ بالشَّعبِ الهَزيمة
فَقَد أَفاقَ الشَّعبُ مِنْ غَفوتهِ.
بوعي وَإدراكٍ وَعَزيمةٍ
هَبَّ الشَّبابُ فِي تَشرِين
كسيلِ لموجٍ عاتٍ اِندَفع
بالسَّاحاتِ وَالموانئ
والطُّرقاتِ وَعَلَى الجسورِ.
فِي البِناياتِ العالِيةِ المَهجورةِ
وَتَحتَ النُّصبِ
 مُغردةً قَد جاءت المَلايينُ
 مِنْ كلِّ أَصنافِ الطيورِ
تَبنى أَعشاشها
وَتَضربُ فِي العَراءِ خِيامَ أَوتادِها
وَتشيدُ مِنَ السكرابِ وَأكياسِ الجُنفاص
 عَلَى نَهرِ الخَيرِ مَتاريسها
غطاؤها السَّماء وَالنجوم
تَنشدُ الخَلاص مِنَ اللصوص
وتنسجُ بصَبرٍ وَجَلدٍ
نَشَّيدَ النَّصرِ
خَفاقةً بأَيدِيهم تخفقُ بيارقُ الحَق
5
فَوقَ بُرجيّ
 (جَبَلِ أُحُد، وَجَبلَ شُهداءُ تشرين
وَفَوقَ الجسورِ وساحاتِ التحرير والخلاني والحَبوبيِّ وَالتربيَّةِ
وَالسَّاعة وَعشتار
وَعَلَى بَوابةِ مِيناءِ أُم قَصر) ******
بأرديةٍ بَيضاء
وأجنحة اليَمام 
تَطوفُ كُلُّ لَيلَةٍ
أَروَاح الشَّباب اليافِعين
تضيءُ هامات رؤُوسِهم
هالاتُ القدِسِيين
وَهي تُنادي:
-  أَيها النَّاس
أَيَّها المُحبُّون للخَيرِ وَالكَرامَةِ وَالعَدل
 أَيتها الجموع المُنتفضة الباسِلة
أَيها الثائِرُون ضدَ الظُّلمِ وَالضَّيمِ
يَا اخوة الحِرمان وَالدموع
حذارِي مِنَ الغَفلةِ وَالوَسِنِ
ومِنْ وعودِ اللصُوص
فَعادةُ اللَّئامِ وَ السراقِ
الكَذبَ وَالغدر
6
وَعود شلَّة النَّصابِين
 تمطرهم ليل نهار
بِسمومِ قَنابلِ الدُّخانِ
وَ زخاتٍ لا تَهدأ
مِنْ رَصاصِ المَوتِ
فِيما الجموعُ الثائرة 
 بوجهِ الجلادين تَنشدُ
بصوتٍ واحدٍ يضربُ بعمقِ السَّماء:
أَيَّها المرعوبون وَأَنتم فِي الحصون
بصمودنا سَنعيدُ منكم الوَطن
المَسروق وَالمَنهوب وَالمَسلوب
نَحنُ الشباب:
- يَمٌ مِن الغَضبِ
لا نعرفُ الوَهن والتَّعَب
لا نَخافُ رَصاص القَناص
وَلا نَهابُ المَنُون أو رَهبة السجون
مِن أَجلِ عز البِلاد
بأرواحنا نَجود
رَمينا الذلَ والقيود
سَنربحُ المَجدَ والخلود.
بِقامَتِها السَّامِقَةِ
 تَقفُ السومريَّة
عشتار *******
فِي شموخٍ بَينَ الجموعِ الهادِرةِ 
وَبيدها يخفقُ علمُ العراق
منشدة وَملوحة بقبضةِ كَفِها:
- أَحملُ مَعِي دموع أُمي
وَعيون أخي الشَّهِيد.
- المتظاهرون بصوتٍ واحدٍ  مدوٍ آسر
وَأَمـام الموت والقَمع تَهتفَ
(نموت عَشرة نموت ميه أَني قافل على القضية) ********

كتبت في مدينة مالمو/ السويد، الأثنين 25 تشرين الثاني 2019
هوامش وتعاريف لبعض ما ورد في النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*  العم سام : هو رمز ولقب شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأمريكية ؛ جاء في موسوعة (الويكيبيديا) يعود أسم العم سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة (1812) الاسم مأخوذ من أسم (جزار) محلي أمريكي يدعي (صموئيل ويلسون) كان هذا الجزار يزود القوات الأمريكية المتواجدة بقاعدة عسكرية بمدينة (تروي) الواقعة في ولاية (نيويورك) وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفيّ (يو- أس) باللغة الإنكليزية اشارة الى انها ملك الدولة فأطلقوا لقب العم سام على التاجر.
**  جمهورية أفلاطون :هو حوار سقراطي ألفهُ الفيلسوف اليوناني (أفلاطون) حوالي عام (380) قبل الميلاد، يتحدث عن تعريف العدالة والنظام وطبيعة الدولة العادلة والإنسان و(الجمهورية) هو المؤلف السياسي الرئيسي للفيلسوف افلاطون،وسمها (كاليبوس) أي الدولة المثالية.
 المدينة الفاضلة :هي أحد أحلام الفيلسوف (أفلاطون) وهي مدينة تمنى أن يحكمها الفلاسفة، وذلك ظناً منه انهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شيء في  هذه المدينة معيارياً وبناءً عليه ستكون فاضلة.
***  حامِيها حرامِيها : مثل شعبي قديم يضرب في الشخص الذي توضع فيه الثقة ويؤتمن على شيٍ ما، فيستغل هذه الثقة ويجيرها لمصلحته.
****  بحت أَصوات أَعلى المَنابِر: أشارة إلى أحدى خطب ممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله (السيد علي السيستاني) والتي تلقى في كل يوم (جمعة) في مدينة (كربلاء) في (الصحن الحسيني الشريف) وتبث مباشرة في العديد من قنوات التلفزة . 
*****   فِي ضَلالٍ مُّبين: أشارة إِلَى (سورة الأعراف 60) {قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ}
******  (جَبَلِ أُحُد، وَجَبل شُهداءُ تشرين، وَفَوقَ الجسورِ وَساحاتِ التحرير وَ الخلاني وَالحَبوبيِّ وَالتربيَّةِ ، وَالسَّاعة وَعشتار، وَعَلَى بَوابةِ مِيناءِ أُم قَصر): اشارة لبعض الأَمكان التي أصبحت مراكز مهمة لتجمعات المنتفضين.
*******  عشتار : يأتي تعريفها في (ويكيبيديا) عشتارهي آلهة الحب والحرب والجمال والتضحية في الحروب في حضارات بلاد ما بين النهرين، أطلق عيها (السومريون) أسم ملكة الجنة، وهي عند السومريين أعظم الآلة وأسماهن منزلة، وكان معبدها يقع في مدينة (أوروك)، وهي نجمة الصباح والمساء (كوكب الزهرة).
******** نموت عَشرة نموت ميه أَني قافل على القضية: أحد شعارات انتفاضة تشرين وتردد في جميع المحافظات التسعة المنتفضة .

 

40
وعُود عُرْقُوب وَ اِنتفاضَة الكَرامَة
   
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
1
ملَ الشَعبُ
مِنْ وعُودِ عُرْقُوب*
وَبَعدَ أَن بَلَغَ السَّيلُ الزُّبى
لَملَمَ  روحه،
وَرتَقَ الجراحات العميقة
فَدَبَّتْ فِي العروقِ
عَزيمة الشباب
فَنَهَضَ وَاِنتَفَض
2
صدورٌ عارية ٌ
 بعمرِ الزهورِ،
عامرة بالحبِ والحياةِ،
لكنها لا تهاب الأَجَل.
رَمَت الأَصفاد،
بِوَجهِ الجلاد،
وَهِي تنشدُ مُزَمجِرة:
 نُريدُ خُبزاً بِكَرامَةٍ!
نُرِيدُ وَطن!؟
لَمْ تعر لَها الأذانُ بال
بَعْدَ حينٍ مِنَ الزَّمنِ 
بانَ للأَعيُنِ سنا أَورِها
اِرتعدتْ فَرائصُ الحاشية والسُّلطان
وَباشرَ بإصدارِ الأَوامرِ للأركان:
تَبثُ العيون فِي كُلِّ مكان
وتهيأ الأقبية السرية وَالسجون
لِلِاختِطافِ وَالاِعتقال،
وَتجز الرؤس،
وتزهق النفوس،
ليحصدها رصاص المنون.
3
غَزيرة سالت،
دِماء شباب التحرير،
بِأجنحةِ اليمامِ حَلَّقَت الأَرواحُ
ترفرفُ
وَهِي تَضجَّ بالصُّراخِ
- بِدمائِنا نَسقِي مَرُوج
العِراق.
4
صَوتُ الملايينِ
مُستمرٌ يَصدحُ:
- سَنُعِيدُ البلادَ،
وَداعاً للاِستعبادِ،
وَحروب الخرابِ،
النَّصر قريب
عَلَى الأَبوابِ.
نَعَمْ ، نَعَمْ 
للسلام والأَمان
5
يُسَانِدُها صَوتُ الشَّعب المَقمُوع المَوجُوع المَفجُوع **
 يُنادِي بالتياعٍ:
أَيها الثائر الشجاع
حذاري مِنَ الوثوقِ
بوعودِ عُرقُوب!
بِصمُودكَ سَيَستَجِيبُ القَدر
وسَيُسعَدُ العبادُ فِي البلاد
ويَتحققُ الأَمل المَنشُود
بغدٍ مُشرقٍ سَعِيد 
فِيه،
 الحُب والغِناء،
وَالعَمل وَالبِناء.
وَتَستكين روح الشَّهيد
بِالطُّمأنِينَةِ وَالسلام
مالمو في 5 تشرين الثاني 2019
معاني بعض الكلمات التي وردت بالنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*وعودُ عُرْقُوب: من الأمثال العربية القديمة (يضرب بعدم الوفاء بالوعد ) وله قصة طريفة ذكرها (ابن الكلبي عن أبيه) يقول فيها: (كان عُرقُوبٌ رجلاً من العماليق، فأتاه أخ له يسأله شيئاً، فقال له عُرقُوب :
اذا طلع نخلي، فلما طلع أتاه قال له : إذا بلح، فلما بلح أتاه، فقال له : إذا زهى ، فلما زهى أتاه ، فقال إذا رطب، فلما رطب أتاه ، فقال إذا ثمر، فلما ثمر جذَه ليلاً، ولم يعطيه شيئاً. فضربت به العرب المثل في خلف الموعد.) 
** صَوتُ الشَّعب المَقمُوع المَوجُوع المَفجُوع:  أصوات (السَّبايا، الثَّكالى، الأَرامل، الأَيتام، الجِياع، المعوزين، المُشردين، المهجرين، المُهاجرين، المُهمَّشِين، وَجيوش العاطلين عن العمل، والأَحياء من النَّاس بلا أمل والخائفين عَلَى ضياعِ الوطَنِ)

41
أدب / دَقَّتْ سَاعَةُ الأَمل
« في: 21:42 06/11/2019  »
دَقَّتْ سَاعَةُ الأَمل
بقلم: يحيى غازي الأميري
هُتافُ الجموع الهادر
مِن سِقامِ*
الجُوع وَالأَوجاع
يَقضُ مضاجع
البُغاة **
2
بِوَجهِ رَصاصِ الغَدرِ
صوت واسعَ الشَّدقَينِ***
 واللَّبوَة والشِّبل
فِي سُوحِ الوغى 
زَئِيرها
كالبُركان
يَتَحدَّى الرَّدى
فَتَعلو جِباهُم
عَزِيمَة الشجعان،
لتَجلو عَنْ سماءِ الوطنِ
سَحائِب الظلم
وَرُعب رَصاص قَنَّاص السلطان
وَسمُوم قَنابِل الدُخان
وَلِتزيح عَنْ الصدورِ
هموم دَمعة
الأَحزان
مالمو في 2 تشرين الثاني 2019
معاني بعض المفردات التي وردت في النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سِقَام: جمع سَّقيم ، المَرض
** البُغاة : الطُغاة، الجائر، المستبد
*** واسعَ الشَّدقَينِ: أحد أسماء الأسد
 




42


الظَّفَرُ لِنسَاءِ العِراق

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

اِمتَزجَ، الدمُ والتراب
بِكحلِ العيون،
وأنتنَّ تشاركنَّ
بنداءِ الوطنِ
بصبرٍ وحَزمٍ وَعَزمٍ
وَبسالةٍ لا تلين
بانتفاضةِ  الخامس والعشرين مِنْ تشرين 
انتفاضة الكرامة والتغيير
انتفاضة التحرير وَالتنوير   
مِنْ أجلِ تَحطيمِ
قيود الذلِ 
والاستعباد الاستبداد
وَاجتثاث
 سطوة سلطة
سلاطين الفساد،
وَالخلاص
مِنْ نيرِ الفقرِ وَالجورِ
وَالعسفِ وَالقهر؛
المَجدُ والظَّفرُ
للسومريَّةِ الأبيَّةِ
 
مالمو / السويد  31- 10-2019 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : الصورة المنشورة مع النص من المتداولة على شبكة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي .
 


43
صدور المجموعة الشعرية (هَذَيانٌ مَع الفَجْر) مع حفل التوقيع
يحيى غازي الأميري
كتبَ صديقي د. إبراهيم ميزر ،مدير دار ميزر للنشر والتوزيع ، وهو يعلن صدور مجموعتي الشعرية (هذيان مع الفجر ) مستعرضاً من وجهة نظره أبرز ما سطر بالمجوعة الشعرية، أدعوكم للإطلاع عما جاد به قلمه. 
((صدر اليوم 6 أغسطس (آب) 2019 عن (دار ميزر) للنشر والتوزيع ديوان الشعر "هذيان مع الفجر" للكاتب الأديب يحيى غازي الأميري. والكتاب هو باكورة نتاج الأميري، يضم بين دفتيه اثنتين وأربعين قصيدة، تتنوع في أشكالها ومضامينها. فبإسلوبه السلس وعباراته الجميلة المتناسقة وخبرته في صياغة الجملة ينتقل بنا المؤلف إلى أجواء متنوعة في فضاء الزمان والمكان، يصف لنا مشاعره وأحاسيسه، يحكي لنا عن أحداث، بعضها مروع وقاسِ، ويوحي لنا في نفس الوقت بمستقبل أفضل وأبهى!

ولدت معظم أشعاره في بغداد والعزيزية (واسط) وبلد الهجرة (السويد)، بيد انها تناولت فترات زمنية مختلفة، وجوانب حياتية يكتنفها الفرح أحياناً والحزن والألم أحياناً أخرى. تقرأ في ديوانه عن مشاعر الحب السامية والغزل البديع، كما تجد أيضاً ذكريات عن أصدقاء ورفاق وأقرباء غيَّبهم الطغاة، فتتألم كثيراً، تروي أشعاره عن الإخلاص والوفاء، كما تتحدث أخرى عن الخيانة والذل.
 
الهاجس الأعظم خلال "هذيان مع الفجر" هو الوطن والناس وما يُعانيانه من ظلم وقساوة وإهمال، فهنالك الشهداء الأماجد والرموز الوطنية، ومنهم شهداء سبايكر الشباب المغدورين، ومنهم أقارب وأصدقاء الشاعر، الذين يُكرّس لهم الأميري أهم قصائده ويمنحهم أسمى آيات الحب والإمتنان!
الكتاب من القطع المتوسط، يحتوي على 177 صفحة، صمم الغلاف سعد مهدي حبيب والرسوم الداخلية بريشة الفنانة ريام يحيى الأميري.
لمن يود اقتناء الديوان يُرجى الإتصال بدار ميزر للنشر والتوزيع على الأيميل ibrahimmaizer@hotmail.com

ولنقرأ معاً ما كتبه صديقي الجميل الفنان سعد مهدي حبيب ،عن حفل توقيع مجموعتنا الشعرية الأولى/ هذيان مع الفجر مساء 24/08/2019 والتي أقيمت على قاعة الجمعية الثقافية المندائية في مالمو.
 
يقول الفنان سعد: ( بمنتهى السعادة والحبور حضرنا مساء هذا اليوم حفل توقيع وعرض باكورة اعمال الأديب العراقي المرهف الأستاذ يحيى الأميري (هذيان مع الفجر) مجموعة شعرية.
كتاب مهم ودسم وجميل!
قام بإدارة حفل العرض وبنجاح كبير الأستاذ (باسم طالب) مستهلاً به حياة الأديب وكتاباته وذكرياته ومعاناته في رحلته المضنية مابين العراق والمهج.
حضور كبير من مثقفين وأصدقاء الأديب شاركوا حفلة التوقيع والذي كان لي كل الشرف ان أشارك في تصميم غلاف مقدمة الكتاب وتصميم غلاف النهاية.
اشكر ثقة الأديب بطلبه مني تصميم الكتاب والتي كانت مسؤولية حقيقية… احساس بالنجاح والتفوق منحني إياه مشكوراً صديقي الأديب الجميل يحيى الأميري.
اعتمدت بالتصميم على مقدمة الكتاب (بالابتعاد عن التصميمات التجريدية الجاهزة والخالية احياناً من المعاني والمعتمدة في الكتب مؤخراً) بإظهار وجه الكاتب وبدون أي انفعال كدلالة رمزية توضح هذيانه هو شخصياً، محاولاً إظهار حالة التيه التي تنتاب الأديب مابين الليل والفجر.
وعملت ايضاً على إظهاره شخصياً في مؤخرة الكتاب بشكل وكأنه يغادر هذا العمل متجهاً لعمل آخر قادم تاركاً خلفه نصوصه الشعرية والمستوحاة من الكتاب نفسه.
انصح باقتناء الكتاب فوراً لما يحتويه من لغة رفيعة وقريبة من القلب ولفخامة المحتوى ولاختلاف الذائقة فيه، خصوصاً ان الكتاب غني برسومات فانتازيه جميلة من ريشة الفنانة الرائعة ريام يحيى الأميري.)
مالمو في 30-08-2019


44
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

مَساء يوم الجمعة وفي تمامِ الساعةِ السابعةِ وبتاريخِ (27 /04/ 2018) كانَ موعدنا مَعَ محاضرةٍ قيمةٍ للشاعرِ والباحثِ (د. خزعل الماجدي) وَالموسومة (نَظريات أصلِ المندائيين) لقد كانت بحق فعاليّة ثقافيَّة تاريخية أدبيّة رائعة والتي سيبقى صَداها طويلاً ، لما طرح فيها مِنْ أراءٍ وتحليلاتٍ عميقةٍ دقيقةٍ جديدةٍ رصينةٍ ... والتِي اُلقيتْ فِي مقرِ الجمعيَّةِ الثقافيَّةِ المندائيَّةِ فِي مالمو.
حضرَ الأَمسية جمهورٌ مِنْ أبناءِ الديانةِ المندائيةِ ونخبةٍ مِنْ الضيوفِ الأكارمِ مِنْ أهالِي مدينةِ (مالمو) مِنْ المهتمينَ بالثقافةِ وتاريخِ الأديان.
وكانَ لكاتبِ هذهِ السطورِ ( يَحيىَ غَازي الأَميرِيّ) شرف أدارة الجلسة وتقديم الدكتور( خزعل الماجدي) فِي هذهِ الأمسيةِ.
أدناه نص الكلمة التي ألقيتها في بداية الأمسية:
  سَيِّدَاتِي ، آنِسَاتِي ، سَادَتِي الحضُورُ الكِرَامُ : ضيُوفُنَا الأَكَارِمُ، طَالَبَ مَسَاؤُكُمْ
أرَحِبُّ بالجميعِ أجملِ تَرحِيبْ فِي أمسِيتنا الثقافِيّةِ المَوسُومةِ (نَظريات أصل المندائيين) لِضَيفِنا الكَريِم الأستاذ الشاعر والكاتب والباحث الجهبذ الدكتور(خزعل الماجدي).
الماجدي:
 عَلمٌ مُبرَزٌ
 نَبعُ مَاءٍ نمير
نِبرَاسٌ مُنِيرٌ
مُحَلِّقٌ بِفَضَاءِ المَعرِفَةِ
ثَاقِبُ النَّظَرِ،
 ذُو عِلمٍ وَفِير
رَصِينُ الكَلِمَةِ،
وَدِيعٌ كَالنَّسَمَةِ
عِرَاقِيُّ الهَوَى،
سومريُّ الأَصلِ وَالمَنبَع،
رافدينيّ المنشَأ،
إِنسَانِيُّ الأَخلَاقِ وَالمَبدَأ.
قَبلَ أَنْ نَبدَأَ مُحَاضَرَةَ هَذَا المَسَاءِ مَعَ ضَيفِنا الغَالِي الدُّكتور(خزعل) أَبنِ العِرَاق الحَبِيب، أَوَدُّ أَنْ أُعرّج عَلَى مُقَدِّمَةٍ لابدَّ مِنهَا : حَولَ الدِيانةِ المندائِيَّةِ
المَندائِيَّةُ دِيَانَةً مُوَحَّدَةً ضَارِبَةً بِالقِدمِ، عَلَى مَدَى تَارِيخِهَا الغَائِرِ فِي عُمقِ الزَّمَنِ لِغَايَةِ يَومِنَا هَذَا، نَالَهَا الكَثِيرُ مِنْ الضَّيمِ وَالظُّلمِ، وَالذُّعرِ وَالخَوفِ، وَالقَتلِ بِأَبشَعِ الطُّرُقِ وَالوَسَائِلِ، وَطالهم التَّهجِيرِ وَالسَّبيِ، وَاحتِوَاءِ لُغَتِهِم وَالإِجبَارِ عَلَى تَغييرِ دِيَانَتِهِمْ تَحتَ سَطوَةِ سُلطَةِ التَّرغِيبِ وَالتَّهدِيدِ وَالبَطشِ؛ فيما بَسطَ أَحكَامهُ وَشَرَائِعهُ مِنْ تَوَلَّى حُكمُهُمْ أَوْ سَيطَرَ عَلَى الدِّيَارِ الَّتِي سَكَنُوهَا.
تُخبِرُنَا المدونات التي سَلَّمَتْ ووصلتنا مِنْ كُتُبِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَمَا دُونَ فِي حَوَاشِيهَا وَمَا بَقِيَ يَتَنَاقَلُ شَفَاهَاً مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيل وَكَذَلِكَ بَعض الكُتُبِ وَالوَثَائِقِ الشَّحِيحَةِ وَالَّتِي بَدَأَتْ تَتَكَشَّفُ مُنذُ بِدَايَةِ القَرنِ المُنصَرِمِ أَثَر اهتِمَامِ المُستَشرِقِينَ بِهِمْ، عَن هَول النَّكَبَاتِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَيهِمْ.
مَعلُومٌ لِلجَمِيعِ أَنَّ الأَديَانَ التَّوحِيدِيَّةَ (اليَهُودِيَّة وَالمَسِيحِيَّة وَالإِسلَامِيَّة) وَعَلَى مَرِّ العُصُورِ هِيَ نَفسُهَا فِي صِرَاعٍ مَرِيرٍ مُستَمِرّ، كُلِّ دِينٍ مِنهُا يُكفرُ الآخر بِالإِضَافَةِ لِذَلِكَ تَرَى كُلِّ دِينٍ مِنها مُنقَسِماً عَلَى نَفسِهِ إِلَى فِرقٍ و طَوَائِفٍ عَدِيدَةٍ تكفرُ بَعضَهَا البَعضُ وَتَقتَص مِنْ بَعضِهَا بِأَبشَعِ الطرقِ
لِنَتَصَوَّرَ مَعاً مَاذَا يَكُونُ حَال (الديانية المندَائِيَّة المُسَالِمَة) وَحَالَ مُعتَنِقِيهَا فِي هَكَذَا أَوضَاعٍ وَصِرَاع ؛ وَخَيرُ مِثَالٍ حَزِينٍ مُؤلِمٍ مُرعِبٍ مَا حَدَثَ أَخِيراً فِي العِرَاقِ مِنْ استِبَاحَةٍ لِلشَّعبِ (الإيزيدي) وَ(للمَسِيحِيِّينَ) فِي مُحافظةِ (نينوى) عام (2014)؛ نَعَمْ أَنَّ مَا مَرَّ عَلَى المندَائِيِّينَ مِنْ وَيلَاتٍ على مرِ العصورِ لَا تَقِلُّ بَشَاعَةً عَنْ هَذِهِ الوَيلَاتِ.
تُشِيرُ المَعلومَاتُ إِلَى هِجرَةِ أَكثَرَ مِنْ (80%) مِن المندائِيِّينَ إلى الخارِج.
فِي بِدَايَةِ القَرنِ المَاضِي بَدَأَ الِاهتِمَامُ  بِشَكلٍ جِدِّيٍّ بِدِرَاسَةِ المندَائِيَّةِ كَدِيَانَةٍ، فَقَد أَنكَب العَدِيد مِنْ المُستَشرِقِينَ فِي تَرجَمَةِ كُتُبِهِمْ وَتَتَبُّعِ أُصُولِهِمْ وَتَسمِيَتِهِمْ وَبُنِيَتْ عَلَى ذَلِكَ العَدِيدِ مِنْ الآرَاءِ وَالنَّظَرِيَّاتِ ؛ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الكَاتِبِ وَالبَاحِثِ (عَزِيز سباهي) فِي كِتَابِهِ القَيِّمِ المَوسُومِ (أُصُول الصَّابِئَةِ المندائِيِّين وَمُعتَقَداتِهِم الدِّينِيَّةِ ) وَالصَّادِر عَام (1996)
ضَيفُنَا الكَرِيمُ لِهَذِهِ الأُمسِيَّةِ الدكتُور(خَزعل الماجدي) اَلغَنِيُّ عَنْ التَّعرِيفِ صَاحِبَ المَسِيرَةِ الحَافِلَةِ بِالعَطَاءِ السَّخِيِّ الرَّصِينِ؛ لَهُ مِنْ المُؤَلَّفَاتِ (84) كِتَاباً وَ(23) مَجمُوعَة شِعْرِيَّة وَ (7) مُجَلَّدَات لِإِعمَالِهِ الشَّعرِيَّة ، وَمُؤَلَّفَاتِهِ لِلمَسرَحِ (35) مَسرَحِيَّة فِي مُجَلِّدِينَ الأَوَّلُ يَتَضَمَّن (14) مَسرَحِيَّةً وَالثَّانِي (21) مَسرحِيَّة، مُسرحت مِنهَا عَلَى خَشَبَاتِ المَسَارِحِ (22) مَسرَحِيَّة فِي العَدِيدِ مِنْ البُلدَانِ العَرَبِيَّةِ
وَحِصَّةُ المندائِيَّةِ مِنْ مُؤَلّفَاتِهِ ثَلَاثَةِ كُتُبٍ هِيَ : 1 - (جُذُورِ الدِّيانَةِ المندائِيَّة عام 1997)  2 - (المثولوجيا المندَائِيَّةِ عَام 2010) 3 - (أُصُولِ الناصورائية المندائِيَّةِ فِي أريدو وَسُومَر عَام 2014)  سِينَاريو فِلم تِلِفِزيُونِيّ بِعنوَان (الصَّابِئَةِ المندَائِيُّون) إِنتَاجِ فَضَائِيَّةِ الشَّرقِيَّةِ مُدَّةَ الفِلمِ (45) دَقِيقَة عَام 2005 ؛ بِالإِضَافَةِ إِلَى (7) مُحَاضَرَات طَوِيلَة عَنْ المندَائِيَّةِ تم القائها فِي (13) جَمعِيَّةِ ثقافية.
فِي هَذِهِ الأُمسِيَّةِ سَوفَ يَغُورُ بِنَا ضَيْفِنَا الغَالِي الدُّكتُورِ(الماجدي) فِي عُمقِ هَذَا التَّارِيخِ المُرعِبِ، وَمِنْ وَسطِ هَذَا الرُّكَامِ وَالحُطَام، ومنْ سَاحَاتِ الحرُوبِ وَالخَرَابِ وَالِاستِبدَادِ - مِنطَقَةِ جَنُوبِ العِرَاق وَالَّتِي تُجَاوِرُهَا مِنْ جِهَةِ إِيرَان - وَبِنَظرَةِ البَاحِثِ العِلمِيِّ الفَاحِصِ المُتَبَصِّرِ (الحِيَادِيِّ) سَيَفرِزُ لَنَا الصَّالِحُ مِنْ الطَّالِحِ، المُنحَازُ مِنهُ وَ المَدسُوسَ وَالمُزَيَّفَ للحَقائقِ، مُستَعرِضاً بِشَكلٍ دَقِيقِ( نَظَرِيَّاتِ أَصْل المندَائِيِّين ) وَكَذَلِكَ رَأْيَهُ الشَّخصِيَّ حَولَ أَصلِهِمْ الَّذِي بَنَاهُ عَنْ جُهدٍ وَبَحثٍ وَتَقَصِّي وَتَفكِيكٍ وَتَحلِيلٍ مُستَنَداً عَلَى تَحلِيلَاتٍ عِلمِيَّةٍ وَوَثَائِقَ مَادِّيَّةٍ.
لَستُ مُبَالغاً وَأَنَا أُعلِنُ أَمَامَ الجَمِيعِ وَعَلَى الهَوَاءِ، أَنِي كُلَّمَا استَمَعُ لِمُحَاضَرَةٍ أَوْ أَقرَأُ شَيئاً مِنْ كِتَابَاتِ ( د.خزعل الماجدي) أُصابُ بِالدَّهشَةِ وَالِانبِهَارِ، وَيُضِيفُ لِي أﺷﻴاءَ نَافِعَةٍ جَدِيدَةٍ وَيَفتَحُ لِي أَبوَاباً عَدِيدَةً مِنْ أَبوابِ الْمَعرِفَةِ؛ وَمُنذُ مُحَاضَرَتِهِ القَيِّمَةِ (جذُور الدِّيَانَةِ المندائِيَّة) الَّتِي استَمَعَتْ لَهَا فِي قَاعَةِ (نَادِي التَّعَارُفِ) بِتَارِيخ 16 - 09 - 1997 وَأَنَا أُتَابِعُ بِشَغَفٍ كِتَابَاتِهِ وَنَشَاطَاتِهِ المُتَمَيِّزَةِ.
تَحِيَّةٌ بِحَجمِ المَحَبَّةِ لَهُ، فليتفضل مشكوراً، وكلِّ الحديثِ لهُ
رَحب د. (خزعل الماجدي) بالحضور،وتمنى أن نستمتع بأمسية تضيف الجديد من المعلومات بهذا المبحث الشائك.من المباحث المهمة التي تناولها بالشرح والسلايدات التوضيحية على شاشة كبيرة، كان المبحث الأول (المندائيون : أصلهم وتاريخهم)
والذي جاء بتعريفة (لايمكننا معرفة المندائيين على حقيقتهم ما لم نميز بين ثلاثة مصطلحات تكاد تسبب، من فرط ترابطها وتداخلها، التباساً كبيراً ، والمصطلحات هي (الناصورائيون ، المندائيون، الصابئة) وقد تعمدنا وضعها بهذا الترتيب بسبب تسلسل ظهورها التاريخي)، وقد تناول التعاريف بشكل مفصل.   
بعدها تطرق الى (نظريات أصل المندائيين) والتي شرحها كذلك بشكل مفصل كما وردت في العديد من المصادر وهي:
1-النظرية المندائية : تعتمد على كتاب (الكنزا ربا) وكتاب (حران كويثا)
2-النظرية الإسلامية :وتعتمد على أراء الفقهاء والمؤرخين المسلمين بين القرن (7-12)الميلادي
3- النظرية الغربية ، وتعتمد على:
 1-نظرية الأصل الغربي
2-نظرية الأصل الشرقي
4- نظرية الأصل والتاريخ الرافديني ، من أريدو حتى التاريخ المعاصر
 
وفي ختام المباحث تناولها بالتفصيل المبحث الخامس من محاضرته (أصل وتاريخ المندائيين من وجهة نظره) وقد شرح فيه تاريخ مرورهم بالعديد من العصور وجميعها تدل على أن أصل الديانة المندائية رافدينية عريقة نشأت وترعرعت في  بلاد الرافدين.
وأدرج أناه العصور التي تناولها (د. الماجدي) في محاضرته حسب تسلسلها التاريخي ...
1- عصور ما قبل التاريخ
2- العصر السومري
3- العصر الأكدي
4- العصر البابلي (القديم والحديث)
5-العصر الفارسي الأخميني
6- العصر الهيلنستي
7- العصر الفرثي
8- العصر الساساني
9- العصر العربي الإسلامي
10- العصر الحديث
11- التاريخ المعاصر
بعدَ انتهاء المحاضرة التي اِستمرتْ أكثر مِنْ ساعتين ونصف متواصلة ،فُتحتْ بابُ المداخلات والتي أَغنتْ الموضوع وزادتْ مِنْ حَيويةِ وفائدةِ المُحاضرةِ ، ولِضيقِ الوقتِ سمح بمشاركةِ (5) مداخلات فقط، أربعة منها كانت حصة ضيوفنا الأفاضل وَالمشارك الخامس مِنْ ابناءِ الديانةِ المندائيةِ، المشاركين فِي المداخلاتِ همْ السادة (الأَديب والقاضي زهير كاظم عبود، الشاعر فائق الربيعي، الناقد خضير اللامي، الفنان المسرحي كريم رشيد، وَالأستاذ ضياء شاهين) استمرت المحاضرة أكثر مِنْ ثلاثةِ ساعاتٍ تخللتها استراحة قصيرة لمدةِ خمسة عشر دقيقة لتناولِ القهوةِ والشايّ؛رغم طول المحاضرة لكن الحضور بقيّ متفاعلاَ حَتى نهاية المحاضرة.
مالمو/ السويد

45
أدب / لِقَاءٌ لا يُنسَى
« في: 18:44 20/06/2019  »


لِقَاءٌ لا يُنسَى

 

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ


بَضَّةٌ غضّة، صُبَّ البَدَنِ
مِنْ نارٍ وَصُلصالِ،
أَرَقُ مِنْ بَتَلاتِ* الياسَمِين
وَهِيَّ تَتَمايَلُ بِدلعٍ ودَلالِ
 بِقامَتِها الهَيفاءِ
بَريقُ ألقِ العُيُونِ أَغوانِي؛
وَهِي تَدعوُنِي،
 لتَناولِ قَهوَةً فِي مَخدَعِها؛
العِطرُ يَضُوعُ بالمَخدَعِ،
بِتَرَدُّدٍ وَتَوَدُّدٍ،
أَهدَيتُها وَردَةً حَمراء،
بلَهفَةٍ قَبِلَتها وَقَبَّلَتها.
 الفَرَحُ أَطارَ لُبُّي،
 وَالعَقلُ منِي تاه
عَلَى حافَّةِ سَرِيَرِها أَشارَتْ إِلَيّ بالجلوسِ،
وَجَلَسَتْ بِغُنجٍ أَمامَ المِرآةِ تَتَبَتَّلُ**
بِخَجَلٍ استَرقُ النَّظَرَ مَبهوراً
بالصَدرِ الناهِدِ
وَبِوَجهِها المُتَوَرِّدِ
سَحَّرتنِي ضَحكاتُها؛
آسرَةٌ بِجَمالها وَبِفِتنَةِ سَطوَتها؛
 بِرقَةٍ سَاحِرةٍ
 تَجذِبُني إِليها
إِمتَثَلَ الفُؤَاد مَذهولاً
 لِتَضُمُّنِي بلطفٍ
بَيْنَ ذِراعَيّها لِنَهدَيها
تَعَطَّرَتْ الرُوح بِعِطرِها
عَلَى مَهلٍ نَهلتُ العطرَ همساً
فباتَتْ تَسرِي كالصَّهباءِ*** فِي الشَّرايينِ؛
فألقَمَتنِي رَشفَةٌ،
مِنٍ شَهدِ شَفَتَيها،
ضَجَّ قَلبِي بِالهيام
وَسَرَتْ بِالبَدَنِ
نَشوَةُ لَذَةٍ،
وَثَورَةٌ كالبُركان
تَرِكتُ جناحَيّ
فِي سَرِيرِ الغَرامِ
وَحَلَّقتُ فَوقَ السَّحابِ
هائِماً فِي سّدِيم**** الفَضاءِ
لا أُريدُ أَنْ أَفِيقَ،
مِنْ رُؤيا المَنام


معاني بعض الكلمات التي وردت بالنص :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بَتَلة: (النبات) ورقة من تُويج الزهرة
** تَتَبَّتَل: تَبتَلت المَرأَةُ : تَزَيَّنت
***الصَّهباءُ : الخمرُ
**** السّدِيم: تَكاتفُ أو تَجمعُ نُجومٍ بَعيدةٍ تَظهرُ وَكأَنَّها سَحابةٌ خَفيفةٌ، أو بُقع ٌضَعيفةُ النُّورِ، كَما يَتكوَّنُ السّدِيمُ مِنْ غازاتٍ مُضيئةٍ
شَديدةِ الحَرارةِ، تَدورُ حَولَ نَفسِها.




46
سَتار الحَيدر ثائرٌ مِنْ كَحلاءِ مَيسان *
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
 
وُلِدَ سَتار، بِبَيتٍ مَصنُوعٍ
مِنْ طِينِ وَقَصَبِ مَيسان
يُغازِلُ بِودٍ نَهرَ الكَحلاءِ
عامِرٌ بالجُودِ وَالطِيبِ
وَالإِيمانِ وَالكَرَمِ.
أَدرَكَ الصَّبِيُّ مُبكراً
فَدَاحة الجَورَ وَالمَظالم المُرعِبَةَ،
الَّتِي يُعِيشُها النَّاسُ بالمُحِيطِ الذِي فِيهِ نَشأْ
بَعْدَ دخُولِهِ المَدارسَ، تَفَتَحَتْ أفاقهُ أَكثر
فَزادتْ مِنْ تَنويرهِ علُومَها وَعَالمَها
وَعَندَما شَبَّ
اِختارَ طَريقَ الكِفاحِ الموصلِ للحريَّةِ
وَلنصرَةِ العَدلِ وَالإنسانِ
مُهتدِياً  بمبادئِ الإِنسانيَّةِ
مُتَوسِّماً بِنبلِ أَفكارِها وَقِيَمِها الخَلاصِ
مِنْ واقِعٍ مُزرٍ يَفتكُ فِيهِ الفَقرُ وَالمَرَضُ وَالجَهلُ.
بِعُنفُوانِ شَّبابِ النور، سَارَ بِدَربِ الحِزبِ
مُنغمِساً مُتَحَمِساً؛ لنشر ما آمن به
يَعمَلُ وَيُحَشِدُ وَيُنشِدُ لِلغَدِ السَّعيدِ،
فَداهَمَتهُ عَلَى عَجَلٍ سِياطِ الجَلادِين،
وَتَلقفتهُ السِجونُ وَقبع فِي مَنافِي الإبعاد السِّياسي،
وقَضى فِيها مِنْ زَهرَةِ شَبابهِ سِنِينَ طوال
وَمتى ما أُطلقَ سراحهُ يعاود النضال؛ فلَمْ يَهدأ، وَلَمْ يَستكينْ،
يُعاودُ الكرّةَ مِنْ جَدِيد،
بعودٍ أَصلبٍ، وَعَزيمةٍ لا تقهرها السجون؛ فَهو السجين الذي لا يَلِين
فَقد اِختارَ طريقهُ المُبِين
مُتفرغاً لعملهِ الذِي بهِ رَهين
بإدراكٍ ودرايةٍ وَيَقين
فَباتَ يتَنقلُ مُتخفياً بَينَ المُدن
وَأوكارِ النِضالِ السريَّة،
يَرصُ الصفوفَ وَيَشحذُ الهِمَم
مُثابراً بالعَملِ مُجدداً للأَمل
فَأصبحَ كادراً مُتقدمَ المَقام،
فَزادهُ عَملهُ المَزِيدِ
مِنْ الاتزانِ والالتزام
يَدورُ بِهذا المَدارِ مُوصلاً اللَّيلِ بالنهار.
حافِظَةُ رأسهِ باتَتْ تَختزنُ أَخطرَ الأَسرار
يَحفَظَها وَيَصونها بأمانٍ وإتقانٍ.
بحذقٍ يغورُ بَينَ الصعابِ،
رغمَ ما يحفُ بِهِا مِنْ المَخاطرِ،
لكنهُ لا يُبالي.
قلبٌ جريءٌ كتومٌ مقدام، لا يَعرِفُ الوَجلَ،
وَهوَ يعومُ بلُجَّةِ بَحرٍ مُضطربٍ
هائِجِ الأَمَواجِ، لا قَرارَ لهُ.
(2)
فِي الخَفَاءِ وَمِنْ دَهَالِيزِ عِصابَةِ المَوُتِ السِّريَّة
بُثتْ العيون،
تجَمعُ عَنهُ وَعَنْ مَنْ مَعَهُ أَدقُ المَعلُومات
كانَ مِنْ ضِمنِها وشايَّةٌ مِنْ رَفِيقٍ خَوّان،
سُلمتْ عَلَى وَجهِ السرعةِ التقارير
لجهازِ بَطشٍ سرِيٍ خاص، يُدارُ بغايَّةِ السرِّ
عَلَى قمةِ هَرَمِها نُصِبَ أَخَطرِ مُجرمٍ شِرير سفاح،
يُرسمُ فِيها لِكُلِّ ثَورِي مَصير
بَعْدَ حينٍ مِن الزَمَنِ
كالريحِ الصفراءِ جاءَ القَرار مِنْ رأس (حُنَين)
أجهزوا عَلَى القادةِ أدناه :
(ستار، محمد ، شاكر)**
لتغييرِ الموازين بموقفِ حزبِ الكادحين.
حاصرُوهم وَارصدُوهم بالعيونِ
وَالحدِيدِ وَالدمِ والنار.
(ستار) أولُ مَنْ تابعتهُ عيون
صديقٍ مخادعٍ غادر
لتستلمهُ عيون عَسَس(حُنَين)
وَعِندَما جاءهُ خبرُ التحذيرِ إِنَ حَياتهُ فِي خَطرٍ
وَعليه: أن يُحاذر مِنْ اللقاءِ أو الإتصالِ بـرفيقٍ (خَوّان)
يُشَكلُ عَلَى حياتهِ بَلِيغَ الضَرَر
وأن يَحترسَ للحَيطةِ وَالأَمان...
أصغى للنَصيحةِ بقلبٍ غير مضطربٍ لمْ يتملكهُ الفزع
وَبدأتْ الأَفكارُ فِي رأسِهِ تَدور :
(كَيفَ يَكونُ الحَذرُ وَكلُ عَملي وَسطَ الخَطَر؟
وَمِنْ أَينَ يأتِي الأَمان وَعُيونُ المُخبِرِينَ تَتَعَقَّبُنِي بإمعان؟)
بفؤادٍ لَمْ يَتملكهُ الهلع،
ذَهَبَ اللقاءِ الخَطِير،
واضِعاً رُوحهُ عَلَى كَفِّهِ
أَنهى الاِجتماعَ الذِي عُدَ بإتقانٍ ليُوصِلهُ إلَى الكَمِين،
وَفِي طَريقِ العَودةِ للبَيتِ،
تابعتهُ ذِئابُ حُنَين،
وَعَلَى بُعدِ 150 مترِ مِنْ مكانِ الاِجتماعِ الكَمِين
هاجمتهُ لاِختِطافهِ ذات العيون؛
برباطةِ جَأشٍ
وَبِقلبٍ شُجاعٍ غَيرِ مُرتابٍ
قاوَمَها بِضراوتهِ المَعهودةُ
لِينهالوا عَليهِ بكلِّ جنون،
برصاصاتٍ قاتلةٍ متتاليةٍ
مدفوعةِ الثمنِ
وجهتْ للمغوارِ الأَعزَلِ،
بَينَ رَشقةِ الرَّصاص الأَولى وَالثانية
صَدَحَ صَوتهُ بصرخةِ الأَلَمِ وَالصَدمَةِ
مُعّرِّفاً باسمهِ وَصفتهِ :
(أَنا سَتار خضير الحَيدر
أَنا عضو اللجنة المركزية للحزبِ الشيوعي)
فِيما الدمَ يَنزفُ كانت يَداهُ تقاوم
وَتضمدُ الجراحَ النازفة.
عَلَى قارعةِ الطريقِ
تَركوهُ القتلة مُضرجاً بدمهِ الطهور
وَوَلوا هاربين مَذعُورين.
فِي المستشفى ،بَعدَ يوم أو أكثر  يَفيقُ مِنْ المخدر
أَمُ مَي ماسكةً يديه
ببطءٍ يَفتحُ عينه،
يُحدّقُ بالنورِ
يَنظرُ للحضور
يَبتسمُ وَيفتحُ عينه عَلَى مَداها
- صوته هامساً
(أمُ مَي عينايّ ؛
ما أَسعدني بكِ
رفيقة عمري ودربي.
- سأشفى ؛ لَمْ أزلْ عندَ وَعدي
سنذهبُ إلى ارشاك
لنأخذ صورةً للذكرى أنا وأنت وزهراتنا فراشاتنا الأَربعة)
يَغمضُ عينيه.
فِي المستشفى بقيَّ ستة أيام
يُصارعُ الموتَ.
ليسجل التاريخ؛
ببنادقٍ مؤجُرةٍ طويتْ
مسيرةُ سبعةٍ وَعشرين عاماً
حافلةً بالعملِ الثورِي المُثابر
لوطنيٍّ شهمٍ غيور.
لَمْ يَكنْ (ستار) يَحلمُ بكنوزِ سُليمان
أَو بقصورِ كُسرى أَو الرَشيد هارون
كانَ يناضلُ مِنْ أَجلِ تأَمينِ سريرِ طفلِ
ينامُ تحتَ سقفٍ أمن،
وَفَلاحٍ يَجني حاصلَ ما تزرعُ يداه
وَعاملٍ يَحصلُ عَلَى أَجرِهِ قَبلَ أَنْ يَجفَ عرقهُ
وَمِنْ أَجلِ قوانين تَحمى كرامةَ المرأة.
أَمَنَ (ستار) بما يَحمل وَعَملَ بكلِّ عزيمتهِ
مِنْ أَجلِ إرساءِ قوانين العدل والمساواة
بَينَ الإنسانِ وأخيهِ الانسان ...
لكن دَعني أَروِي لَكَ أَيُّها الرَّفِيق المقدام،أيُّها الرَفِيق الغائب جسداً، الحاضر فكراً ووجوداً
شيئاً عَنْ واقع العراق:
(لَمْ تَزلْ بِلادِنا تَغَطُ  بِحًزنٍ عَمِيق،
تَأنُ مِنْ وَجَعِ المَوتِ
وَسَطوَةِ سياطِ الجَلادِين
وَفَسَادِ المُتَسلطين،
يَعمُ البِلادَ الجَهلُ وَالنَّهبُ وَالخَراب؛
المُستَقبَلُ فِي تِيه خَطير.)
فِي 28 مِنْ حزيران عام 1969
يومٌ قائظ بحرهِ الخانق
قصر النهاية يبث عسسه
مِنْ مَكان التَشيع حَتَّى المَقبرة
تَرصد وَتسجل:
(بتشيعٍ مهيب وَبدموعٍ غزار،
وَعويل جموع النساء
وارَى جثمانه الثرى
فِي مَقبرةِ الصابئة المندائيين فِي أبو غريب)
كانَ وَسيبقى قبرهُ رمزاً وَمزاراً
لعشاقِ الحريَّةِ وَالعدلِ وَالمساواة
مالمو 28 أيار 2019
هوامش وملاحظات تخص النص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*  كتبتُ هذا النص الأدبي الموسوم ( سَتار الحَيدر ثائرٌ مِنْ كَحلاءِ ميسان) وفاءً للشهيد المقدام؛ وذلك بمناسبة احتفالية الذكرى الخمسين لاستشهاده، والتي تقام في مدينة (لوند/ السويد) يوم 29 /حزيران/ 2019 على قاعة polhemskolan, Trollebrgsvägen   2222 Lund                               
**  ستار: هوَ الشَهيد (سَتارخضير صكر الحَيدر) مِنْ مواليدِ (1930)  ناحية الكحلاء / محافظة ميسان - العمارةسابقاً - وهو بعمرِ(أربعة عشر عاماً) تَشكل وَعيه السِياسي، لينخرط بعدها بتنظيماتِ (الحزب الشيوعي العراقي)، بعدَ تخرجه مِنْ الثانوية عَملَ (مُعلم) فِي قرى ناحية (الكحلاء) لمدةِ عام وبعدها نُقل إِلى مدرسةِ ( الحاجب في أَبو غريب)، ليعود مجدداً إلى (العمارة) وَيلتحق فِي( مَعهد العالي للمعلمين فِي العمارة).
 خلال فترة عَمله سُجن عدة مرات ولعدة سَنوات منها سَنة وَنِصف فِي (سِجن الكوت عام 1952) وَذلك أَثر مشاركته فِي انتفاضة عام (1952).
وَحكمَ عليه مرة أخرى عام (1954) ثلاث سنوات سِجن وأرسل إلى (سِجن بعقوبة). ونفيَّ مُبعداً سياسياً لمدة ستة أشهر في مدينة (بدرة) بَينَ عامي (1957- 1958).
خلال عمله الدؤوب المتواصل فِي الحزبِ تَقلد عدة مسؤوليات جسام وَفِي عدة مناطق مِنْ (العراق) مثل العاصمة (بغداد) والموصل وكركوك و السليمانية وأربيل، وجبال كردستان العراق؛ أنتخب عضو للجنة مركزية للحزب الشيوعي عام (1967) وَتَحمل مَسؤولية غاية بالخطورةِ والسريَّةِ مَسؤوليَّة تنظيم الخَط العسكري .
يوم 23/6/1969 تَعرض لمحاولةِ اغتيال قرب (الجامعة المستنصرية في بغداد ) وذلكَ بعدَ خروجه من لقاء حزبي، حيث نقل بعدَ تعرضه لعدةِ اطلاقاتٍ نارية في بطنهِ وَساقيهِ إلى مستشفى الطوارئ فِي شارع (الشيخ عمر/ بغداد) للعلاج، وفِي صباح يوم 28/6/1969 فارق الحياة في نفس المستشفى.
محمد : هوَ الشَهيد (محمد الخضري) مِنْ مَواليد الثلاثينيات فِي (ناحية الخضر/ محافظة الديوانية) خريج دار المعلمين فِي (بعقوبة) عُين مُعلم (عام 1953) ، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، جرى اِختطافه فِي (بَغداد) بتاريخ (20 أذار 1970) فِي اليومِ التالي لاِختطافهِ وجد جثة هامدة على  الطريق العام بِينَ (بَغداد وسامراء).
شاكر: هوَ الشَهيد(شاكر محمود البصري) : عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي؛ بتاريخ (11/11/ 1972) اغتيل دَهساً بسيارةِ نَوع (فوكس واكن) قرب (مستشفى اليرموك ببغداد).
 

 

 
 

 
 
 
 

-
 
 
 



 
 
 



 

 

 
 



   

47

(بدرية & حميد شلتاغ ) رُوحَانِ فِي جَسَدٍ

 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

 

يَا غارَسَا الطيِّبَ وَالرَّيحان
لِلناسِ وَللوَطَنِ بإيثارٍ وَوجدانِ
دَونَما كَلَل
يَا صافِيا القَلب
مِن الحِقْدِ وَالدَّنَسِ
أَيُّهَا القِدِيسان المُعذبان ظُلما
أَيُّهَا الوَدِيعان الرقراقا السَيل العَذب
أيُّهَا السامِقان شموخاً وَ ضياءً
لِدَياجيرِ الظلماتِ.
وَأَنتما فِي غَياهبِ الحَبسِ
كانَ البَطشُ يحيطُ الوطنَ
لِيستَوطن الخوفُ أَجوافَ البدنِ
فَأَضحى سمِّاً يَسري مَعَ النَّفسِ.
ثَقِيلَةٌ، قَاسِيةٌ، مَرِيرَةٌ مَضَتْ الأَزمان؛
بَعدَ عَقدَينِ وَنَيَّفَ
مِنِ أعوامِ الاِعتِقالِ
أَنجلى اللَّبسِ وَ الاِبهام
وَ سنين الجَدَبِ؛
فَبانَ النَّبأُ الحَزين:
بِفِرمانٍ مِنَ السُّلطانِ
تَمَّ الإِعدام.
رَبَّاه ، رَبَّاه،
أيُعدمُ مَنْ يجاهرُ بحبِ الناسِ
ويدافعُ بسلامٍ وإخاءٍ عَن فكرهِ؟
هَذا هَوُ بَغَيَّ
الطُّغاةُ بلاءاً وآفَةَ الآفات،
إذ لَمْ يَدعْ حَتى لرُفاتِ قَتلاه
فِي البريةِ أَجداثِ.
فِي كلِّ ذِكرٍ لَكُما
شغافُ القَلبِ يَنتَحبُ؛
فَنُعطرُ الأَفواهَ بِذكراكُم
قُبَلاً يا نَجيبيّ الأَصلِ والحَسَبِ
قَريرا العَينِ نَامـــا
يَا قَبساً مِنْ ضوءٍ لنْ يَزولَ
زَالَ قاتلكما وَاِنعدَمَ وَ أَنتما
أبداً مِنْ وجودكما لَنْ نُعدمَ
مالمو في 20-12-2018
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهيد: أبو مجيد/ حميد شلتاغ حالوب مواليد الكحلاء/ العمارة 1921
الشهيدة : أم مجيد/ بدرية داخل علاوي، مواليد الكحلاء/ العمارة 1930
أخبرني صديقي (د. وليد حميد شلتاغ )إِن والداه الشهيدين( بدرية  داخل & حميد شلتاغ) قد تم اعتقالهم من منزلهم في (كرادة مريم) بتاريخ (14- 08-1980). وقد حصل بعد سقوط نظام الحكم في العراق في (2003) على وثيقة صادرة من محكمة الثورة (سيئة الصيت) وبتوقيع (عواد البندر) الحكم بإعدامهما (شنقاً حتى الموت) في عام (1983) وقد وردت أسماؤهم من ضمن قائمة مع عدة أسماء من (بيت الحكيم) تم أحالتهم وبالأسماء لمحكمة الثورة بأمر من رأس السلطة (صدام حسين) لمحاكمتهم كمجرمين.


   

48
سَلاماً لِرُوحكم الشَفِيفَة مُعلِّمنا حَميد شلتاغ
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ

 

صَبُورٌ جَلدٌ رغمَ القَهرِ لَمْ يتعبْ
حاصره المَوتُ مِراراً  فَلَنْ يَرهبْ
وَعِندَما أشتد النزال فِي المَيدانِ
وأطبق عليه عسسُ السلطانِ
أبواب زنازنين السجون
وَبَينَ أنين المساجين
وَشتائم الســــــــــــــجانين
وَسطوة سياط الجلادين
حاصَرَهُ رُعب المَنون
وبانَ للأعيُنِ سَنا ضِرامُها
لَم يَجزعْ وَلَمْ يَهرب
لَبِثَ ثابِتَ الجَنَان
لِحدِ الموتِ؛ بحزمٍ يقاوم
وهو يردد لَمْ أهزمْ!

مالمو في 20-12-2018
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   التقطت الصورة في دار والدي رحمه الله  بقضاء العزيزية(محلة السعدونية) / محافظة واسط صيف عام (1979) بكامرتي الخاصة، والتي كنت قد جلبتها معي عند زيارتي إلى (اليونان عام 1979) كانت أول سفرة ليَّ خارج العراق.
يظهرُ في الصورة والدي (غازي رمضان الأَميري مواليد الكحلاء/ العمارة 1907- ت 1987) وَاِبن خال والدي( حميد شلتاغ حالوب مواليد الكحلاء/ العمارة 1921)
أخبرني صديقي (د. وليد حميد شلتاغ )إِن والداه الشهيدين ( بدرية  داخل & حميد شلتاغ) قد تم اعتقالهم من منزلهم في (كرادة مريم) بتاريخ (14- 08-1980). وقد حصل بعد سقوط نظام الحكم في العراق في (2003) على وثيقة صادرة من محكمة الثورة (سيئة الصيت) وبتوقيع (عواد البندر) الحكم بإعدامهما (شنقاً حتى الموت) في عام (1983) وقد وردت أسماؤهم من ضمن قائمة مع عدة أسماء من (بيت الحكيم) تم أحالتهم وبالأسماء لمحكمة الثورة بأمر من رأس السلطة (صدام حسين) لمحاكمتهم كمجرمين.
كان بيت (والدي في العزيزية) ملاذاً أمناً للعم الشفيف الوقور(أبو مجيد) وَزوجته حمامة السلام والمحبة ( أم مجيد/ بدرية داخل علاوي، مواليد الكحلاء/ العمارة 1930 أعدمت في غياهب السجون عام 1983). وَالشهيدة( بدرية) هيَ الابنة البكر لشقيقة والدي،ابنة عمتنا (مدلولة) رحمها الله.
كانا رحمهما الله كلما زادت عليهم المراقبة الأمنية، أو حملات الإعتقالات، أو اشتدت عليهم الملاحقة والمتابعة وَالمطاردة، يأتيان كضيوف من الرحمن ويحلان في دارنا، يسكنان معنا؛ (والله) لقد كنا جميعاً في البيت وطوال فترة أقامتهما مهما امتدت لا نمل أبدا ً من معشرهما ؛ فهما من الوداعة والرقة والعذوبة أرق وأطيب من نسيم العطر الزكي.
كان (أبي وَ أمي ) يطيران بهم من شدة الفرح عندما يحلان ضيوفاً عندنا وَأول شيء يقدمه(أبي)لأبن خاله أبو مجيد (ثوب) أبيض جديد ويقول له مداعباً:
-  تفضل بَدل أبو مجيد هاي دشداشتك الجديدة!


49
أدب / عُيُونُ الحُبِّ
« في: 18:56 21/11/2018  »

عُيُونُ الحُبِّ
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
مُغريَةٌ هِيَّ أَزَليَّةٌ بِسحرِها
 لا مَفَرَ مِنْ سَطوَتِها
إِنَّها سِرُّ الاِحتِدامِ بينِ النُّورِ وَالظَّلامِ
سِهَامُها، حَرَارَةَ قُبلَتِها بِاللَّحظِ فاعِلةً،
تَغزُو تُغرِي وَتُخِيفُ النُّفوس،
تُلِجُ الأَفئِدةَ فَتَمرَّقها.
تَرتَعِشُ الشِفاهُ بِنَبِيذِ لَذتِها
وَتَهِيمُ نافِذَةً بِعَبِيرِ عِطرِها
 رَوضَةَ الأحلامِ وَالأيامِ؛
مازِجَةٌ الجَسَدَ بالنَّسمَةِ،
فَيَنبَثقُ الفَجرُ جَدِيداً
مَصحوباً بالصَّرخَةِ وَالبَسمَةِ...
رُغمَ مُتعَتِها وبَهجَةِ سِرِّها 
لكِنَّها بِذات الوَقتِ
كَالسَّيفِ ذِي الحَدَّينِ
مُرعِبَةٌ مُخِيفةٌ 
فَكَمْ مِنَ الأَدمُعِ بِنَشوةٍ تَراقَصَتْ
سَكرَى تَختالُ طَرَبا 
مَسحُورَةً بِترانيمِ زَقزَقَةِ الطيُورِ
وَتَمايلَ الرَياحِين والزهور...
وَغَفَتْ مَبهورةً بَينَ الغدرانِ والثغور
وَكَمْ مِنَ العيونِ تَرقرَقَتْ بالشَجَن
وأَهرقَتْ يِنابِيعُها بالآهاتِ المُقل
بِلَوعَةٍ وَوَجَلٍ مِنْ رَيبِ المَنون،
وَطول النَّوَى.
وكُلَّما نَسمعُ أنَينَ نايٍ حَزِين
يَنكأُ مَكامِنَ ما اِندَملَ مِنْ كُرُوبِ المِحَن.
وَعَلى عَجلٍ تَعُودُ بهِ عَجلةُ الزَّمانِ تَدورُ
 وَصوتُ العِباب* يَثور
لِتبقى مَعَها العيونُ فِي مَحاجرها قَلقة تَجوُل   
بَينَ أيامِ الوئامِ وَالوِدادِ وَنَعيمِ القُبَل؛
وَكَيفَ عَصَفَ الخِصامُ بالوَجدِ،
فَحلَّ الزعلُ
وَاِستَسلَمَ للجَفاءِ وَالبَغضاءِ الوِد
مالمو في 20-11-2018
* العِباب: صوت أمواج البحر ترتفعُ بصخبٍ


50

مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ/ج 5

 

بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
 
اَلسَّاعَةُ التالِيَةُ مِنْ جَولَتِنَا فِي ( قَلعَةِ صَلَاح الدين الأَيوبِيّ) سَتكونُ إِلَى ( سِجنِ القَلعَة)
وللوهلة الأولــى انتابني شعورٌ غريبٌ مزيجٌ متناقضٌ بين الحاضر والتاريخ الذي ترويه أماكن هذا المكان والذي كان يوماً ما  { سجنــــاً }
فبَينما كنتُ أَقِفُ امام ( سِجن القَلعَة) وَانظر إِلَى زَنازِينِه الحَجريَّة ، كَانَ صَوتُ ( الشَّيخ إِمَام) وَأُغنِيَتهُ الذائِعَةُ الصِّيتَ ( أَنا رحت القَلعَة) تَتَرَدَّدُ عَلَى لِسَانِي وتنبش في ذاكرتي :

( أنا رحت القلعة وشفت ياسين
حوليه العسكر والزنازين
والشوم والبوم وكلاب الروم
يخسارة يا أزهار البساتين
عيطّي  يا بهية على القوانين
انا شفت شباب الجامعة الزين
احمد وبهاء والكردي وزين
حارميهم حتى الشوف بالعين
و ف عز الظهر مغميين
عيطّي يا بهية على القوانين .)

وَقفتُ باسِما ًوَاجِماً أَمَامَ بَوابةِ سِجنِ القَلعَةِ وَزنازِينها ؛ وَتَحركَ كَالبرقِ فِي ذاكرتِي شَرِيطَ الذكرياتِ.

 فَلسجن القلعَةَ حَيّزٌ لَمْ يَزَلْ يَكمنُ فِي أَعمَاقِ تَلافِيفَ رَأْسِي
 مَغرُوساً كنصلِ السِّكِّينِ فِي نَفسِي
 مُنذُ سَبعِينِيَّاتِ القرنِ المَاضِي، وَأَنا أُنصِتُ مَسحُوراً
 بِصَوتِ المُلَحِّنِ المُطرِبِ (الشَّيخ إِمام)
وَمُحَلقاً بِنَشوَةٍ مَعَ ضَرباتِ رِيشَةِ عُودِهِ
وَكَلِمَاتِ أَغَانِيهِ فتنثرُ فِي رُوحِيّ
 أزهاراً وَرَيَاحِين وانهاراً وَغدراناً
 مِنْ الأَمَلِ وَالفَرحِ
وَالتطلعِ للغَدِ الأَجمَلِ
وَبالعَيشِ الرغِيدِ في مستقبلٍ سعيد
وَعِندما أَسمَعها وَأُرَددها الآن
أَصَاب بِدوارٍ لِمصابِ الْوَطَنِ
فَتزِيدُ مِنْ الوَجَعِ وَالشَّجَنِ
لَمَّا جَنِينا مِنْ حصادِ نِضَالِ السنِين
سيلاً رهيباً مِن الدَّمَار والانحطاط 
وَكَمّـاً هَائِلاً مِنْ الخَرابِ وَالمِحَن
وَخَيبَةً وَيَأْساً وَتَشرداً وَانكِسار
وَمَجامِيعَ لا تُعدُّ مِنْ اللُّصُوصِ وَالسُّراقِ
تَصُولُ وَتَجُولُ وَتَعبَثُ فِي طولِ وَعرضِ ربُوعِ العراق...

لَقد شكلَ الفنانُ الملحنَ وَالمُطرِبَ البَصِيرَ(الشَّيخ إِمام 1918- ت 1995) وَالشاعرِ الشعبي الكبير( أَحمد فؤَاد نَجم 1929 - ت 2013) ظاهِرةٌ فَنيةٌ ثورِيَّةٌ تَقدميَّةٌ تَحَررِيَّةٌ ، لَيسَ فِي مِصر فقط بَلْ امـتدَّ صَداها واتسع ، واكتسحت َشَعبِيَّتَها عُمُومَ المنطقةِ العَربيَّةِ ، بلـى إنها ظاهرَةً يُشادُ لَها بِالبنانِ وَمِنْ الصعوبَةِ تكرارَ مَثِيلٍ لَها. 
إِلَى الآنِ أَحفظُ وعن ظهرِ قَلبٍ عَشراتٍ مِنْ تِلكَ الأَغَانِي ، أُرددها بِاستِمرَارٍ مَعَ نَفسِي،  وَأَطربُ اشدَّ
الطربَ مَأْخُوذاً مبهوراً  بَيْنَ الحُزنِ وَالفَرحِ عِندَ سَماعِهَا ؛ كانتْ (كاسيتات) أَغَانِيهما يَتداولها وَيستَمع إِلَيها كما النشراتِ السِّريَّة مُعظم اليسار العراقِيّ ، كُنَّا نَستَلهِمُ مِنهَا جُرعَات إلهامٍ  للصمُودِ وَالعَزِيمَةِ وَالتَّضحِيَةِ وَالإِيثارِ فِي مُوَاجَهةِ السُّلطَةِ الحَاكِمَةِ.
لِرُوحَيهما الرَّحمَةِ وَالسَّكينَةِ وَالسَّلام.
تَجولنا فِي السجنِ، وَدققتُ النظرَ مِنْ فَتحاتِ بواباتِ الزنازين الحديديَّة الموصدة لغرفِ السجنِ، ومتحف سجنِ القَلعَة؛ وَالتقطنا صورة جماعيَّة وعشرات الصور الشخصيَّة، كثيرٌ مِنْ الناسِ تلتقطُ الصور التذكاريَّة فِي المَكان.
أَكمَلنا جَولَتنا فِي مرفقٍ آخرٍ مُهِمٍّ مِنْ أَقْسامِ القَلعَةِ ( المتحف الحربِي القومي) وَالذِي يُعَد مِنْ المتاحفِ المُتميزةِ فِي العالمِ بمحتوياتهِ وَمساحتهِ وَطريقةِ تنظيمهِ ...
والمتحفُ مقامٌ عَلَى( قصر الحرملك وقصر الأيتام )عَلَى ساحةٍ مكشوفةٍ وسطَ حدائق غناء معروض فِيها أنواع مُختلفة مِنْ الأسلحةِ القديمةِ والحديثةِ ،ففيه نماذج متنوعة مِن (المدافع الحربية ، الدبابات،والصواريخ، الطائرات) بما فيها الطائرة الحربية ( ميخ 21) ويَحتوي المتحفُ عَلَى أكثرِ مِنْ (10) قاعاتٍ تَكتظُ بالمعروضاتِ مِنها :
قَاعةُ المجدِ: وَتَحتوي عَلَى مُعظمِ تاريخِ وحروبِ مِصر مِنْ العَصر الفِرعونِي لغايةِ حربِ(1973)
جَناحُ الأزياءِ العسكريَّةِ والنياشينِ عبرَ جميعِ العصورِ التِي مرَّتْ بِها مِصر
 قَاعةُ المدفعيَّةِ : وفيها نماذجُ مِنْ المدفعيَّةِ القديمةِ مُنذُ زَمنِ (محمد علي باشا) وَحَتَّى العَصر الحديثِ.
قَاعَةُ لِلأسلحةِ : وَفِيها نَماذجُ لمختلفِ أنواعِ الأسلحةِ الحربيَّةِ عَلَى مَرّ العصورِ أيضاً
وَغَيرُها مِنْ القاعاتِ..
جَولَتنا الأَخيرةُ فِي القَلعَةِ صَعدنا سَيراً عَلَى الأَقدامِ إِلى أعلى قمةِ القلعَةِ ؛ فَتُشاهِدُ مِنْ هُناك مَنظر غايةٍ بالروعةِ والجَمالِ وَتُصابُ بالدهشةِ والأنبهارِ وَأنتَ تُحدقُ بِنظركَ وتُطيلَ النظرَ إِلى مَنظرِ(القاهِرَة) مِنْ هذا الإرتفاعِ الشاهقِ، فتتجولُ ببصركَ وتلتقطُ عدسةُ عينيكَ منظراً مهيباً جليلاً  فأَمامكَ وحَولكَ مِئاتِ المآذنِ وَالقِبابِ والبناياتِ الشاهقةِ، والشوارعِ والبيوتاتِ والأَحياءِ والحاراتِ المُتداخلةِ المُتشابكةِ المُتزاحمةِ المُتراميةِ الأَطرافِ، فَفِي المَشهَدِ مُتعةً حَقيقيةً.
بَعْدَ جَولَةٍ دَامَتْ حَوالَي الثَلاث سَاعَاتٍ كَانَتْ سَيَّارَةَ (عبدو) تَنتَظرنا لِتَنطلقَ بِنا وَسطَ احياء القَاهِرَة باتجاهِ (خَان الخليلي وسيدنا الحُسين)

إلى القاء مع الجزء السادس /مع أرق التحايا


51
مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ/ج 4
 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
إلى قلعةِ صلاح الدين الأيوبي
30- 10- 2015
فِي الصَباحِ وَ بَعدَ (دوش) فِي حَمامِ الغرفةِ الفاخر وَبالماءِ الساخنِ، اِرتَدَينَا مَلَابِس صَيفِيَّةً، فَالطقسُ فِي القَاهِرَةِ  فِي مِثلِ هَذَا الوَقت مُنعِش رائِع.
نَزلنا إِلَى الطابقِ الثانِي الذي يقعُ فِيهِ مَطعم الفندق، وَجبة اَلفطور عبارة عَنْ بُوفيه مَفتُوح، فَفِيهِ أَنوَاع عَدِيدَة مما تَحتويه مَائِدَةِ الإفطار كَالأَجبَانِ البَيضاء وَالصَفراء وَالبَيضِ وَالبَطَاطَا وَالسلطاتِ والقشطة وَاللحُومِ البَارِدَةِ وَالنَقانِقِ المُحمرة والمقلية وَالفُولِ وَالمُعَجَّنَاتِ وَالحَلوِيَّاتِ ، انَّهَا بِحَقّ كَانَتْ مَائِدَة شَهِيَّة عَامِرَة، اِختَرنَا أحدى الطَّاولَاتِ جَنبَ إِحدَى النَّوَافِذِ الَّتِي تَشرِفُ عَلَى الشَّارِعِ المُكتَظِّ بِحَرَكَةِ النَّاسِ وَالسَّيَّارَاتِ...
  بَعدَ إِتمامِ الفَطورِ عُدنا للغرفةِ للراحةِ وَالاِستمتاع بمَنظرِ الِنيلِ مِنْ الشرفةِ والتهيّوء لِمَوعِدِنا مَعَ صَديقي  (زُهَير وَ زَوجتهِ أمِّ سَارة) فِي الساعةِ (الحَادية عَشَرَ) رَنَّ هاتفُ الغرفةِ وأخبرنا مُوظف الاِستعلامات فِي الفُندقِ ان ضيوفاً فِي انتظاركم ، أَخذنا المصعد عَلَى وجهِ السرعةِ ، التقينا (زُهَير وَزوجتهِ أمِّ سارة) بَعدَ التحيةِ اخبرنا انهُ أَعدَ لنا برنامجاً حافلاً لهذا اليومِ، لكن وَقبل المباشرة ببرنامجنا سَنتناولُ فنجان قهوة فِي (الكافتريا) التِي تقعُ عندَ مدخل( فُندق وبُرج أم كلثوم ) والتِي تبعدُ عَنْ فندقنا (فركة كعب) أَو(شمرة عَصا) كَما نَتداولها بالهجةِ العراقيَّة، اخترنا طاولة عَلَى الشارعِ العام مُقابل( نَهر النِيل)، ونحنُ تناولُ القهوةِ طلبنا مِنْ عاملِ( الكافتريا) الذِي جَلَبَ لنا القهوة أن يَلتقط لنا بَعض الصورِ الجماعيَّةِ!
بَعدَ استِراحَةٍ قَصِيرَةٍ أُخبرنا (زُهَير) انهُ قَد جَلَبَ مَعَهُ (سَيارة تَكسِي) وَسَوفَ تُقلنا إِلَى (القَلعَةِ) أَيَّ قَلعَةِ (صَلَاحِ الدِّين الأَيُّوبِيّ) وَتسمى كَذلِكَ ( قَلعَة الجَبَل) فَهِيَ مِنْ الأَمَاكِنِ السِّياحيةِ العَرَبِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ القَدِيمَةِ المُهِمَّةِ فِي القَاهِرَة؛ أَتَّصلَ بالهاتفِ النقال (زُهَير) بِسائقِ (التكسي) الّذي كَانَ يَقِفُ عَلَى بُعدِ أَمتَارٍ مِنا أَنَّهُ (عَبدو) السَّائِق الذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مَعَ (زُهَيرِ) يَومَ أَمسِ وَجَاءَ بِنَا مِنْ المَطَارِ إِلَى فندقِنا.
رَكِبنا السَّيارةَ؛ السَّيارَةُ تَسِيرُ فِيمَا مُضيفِنا صَدِيقِي(زُهَير) يُوَضِّحُ لَنا أَبرز المَعالم الَّتِي نَجتازُهَا ، بَعدَ فَترةٍ قَصِيرةٍ وَصلنا ( كُوبرِي قَصر النِّيل ) وَهُوَ أَحَدُ الجسُورِ الَّتِي تعَبرُ (نهر النِّيل) وَالَّتِي تربِطُ جَزِيرَة (الزَّمَالِك) بِمَيدانِ التَّحرِير؛ يُبهِركَ مَنظر تَمَاثِيل (الأُسُود) البرُونزِيَّةِ (الأَربَعَةَ) الرابِضَة فَوقَ قَاعَدةٍ مِنْ الحَجَرِ المَرمَرِ عِندَ مَدخَلِ (الكوبرِي) مِنْ الجِهَتَينِ فِي كُلِّ جِهَةٍ اثنَانِ مِنها فِي مَدخَلِ الجِسرِ...
وَفِيمَا السَّيارَةُ تَسِيرُ عَلَى الجِسرِ قلتُ لِصَدِيقِي (زُهَير) هَلْ نَستَطِيع ان نَقِف فِي أَقرَب مَكَانٍ وَنَلتَقِطُ صُورَة قُربِ الأُسُودِ الرابِضَةِ ! أَجَابَنِي ( زُهَير وَمعهُ السَّائِقُ عَبدو ) :
 - نَعَمْ مِنْ المُمكن.
ركنا السَّيارَة وَالتَقطنا بَعضَ الصورِ فِي مَدخَلِ الجِسرِ أَمَامَ الأَسَدِ البرونزِيّ المهيبِ الرابِضِ مِنْ جِهَةِ مَيدانِ التَّحرِيرِ . . .
ثُمَّ انطلقنا صَوبَ ( مَيدان التَّحرِير) كنتُ بِشَوقٍ كَبِيرٍ ان أَزُورَ هذا (المَيدان)؛ فَبَعدَ احداث (الرَبيع العَربي) ثَورة(2011) فِي مصر، أَصْبَحَ ( مَيْدَانِ التَّحْرِيرِ ) مِنْ الأَمَاكِنِ المَعرُوفَةِ وَالمَشهُورَةِ فِي كُلِّ الدُّنيا؛ فَقَدْ كَانَ حَدِيثُ السَّاعَةِ فِي الأَخبارِ وَالأَفلامِ فِي مُعظَمِ قَنَواتِ وَمَحَطَّاتِ التَّلفَزَةِ وَالإِذاعَاتِ والصحافةِ فِي العالَمِ وَهِيَ تَنقلُ تَظَاهُرات المَلايِين وَاعتِصاماتِهِمْ ، وَشعاراتهم الهادِرةِ بإسقاطِ النظامِ القائمِ ؛ وَشِعارهمْ الشَهِير :
أَرحلْ !
وَكَانَ العالَم بِأَسرِهِ وَعَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ يُتابعُ ذَلِكَ الحَدَث الكَبير بقلقٍ وتَرقبٍ عَما سَوفَ تفضي إليه سَاعة المخاض العَسيرهذا ، والمُنطلق مِنْ أفواهِ مَلايين الجموع الغاضبة مِنْ (مَيدَان التَّحرِير) .
اِلتَقَطَتُ لِلمَكَانِ أَكثر مِنْ صُورَةٍ وَأَنا اجلِسُ فِي السَّيارةِ ؛ التَقَطتُ أكثر مِنْ صُورةٍ لِلمَبنى الضَّخمِ الكَبِيرِ (مُجَمَّع التَّحرير الحكومِيّ) وَلِلتِّمثالِ الّذِي أَمَامَهُ ، عَلَى أَمَلِ العَودةِ لِلمَكَانِ وَالتَّمَعُّنِ بِهِ عَنْ قُربٍ فِي وقتٍ أخر. . .
 وَمِنْ ثَمَّ اجتزنا ساحَة (طَلعت حَرب) بِتمثالِهَا المهيبِ ، حَتَّى وَصَلنا جَبَل(المقطم) حَيثُ القَلعَةُ المُشيدةُ عَلَيهِ؛ تَرجلنا مِنْ السَّيارةِ وَتَركنا السائق (عَبدو) وَالسَّيارة فِي الكراج المُجَاوِرِ لِلقَلعَةِ ، يَنتَظِرُنا لِحِينِ انتِهَاءِ الزِّيارةِ ؛ قَطَعَ لَنا مُضيفنا (أَبُو سَارَّة) تَذاكر الدخولِ - أَعتَقِدُ( 5) جُنَيهاتٍ مصريَّة لِلفَردِ الواحدِ لِلمواطنِ المِصرِيّ وَكَذلِكَ للمواطنين العَرَب ؛ وَبَدأنا مَسِيرَنا صعُوداً صَوبَ القَلعَة ، الطقسُ خَرِيفِيٌّ جَمِيلٌ ، حشُود مِنْ النَّاسِ تَسِيرُ مَعَنا ، بِنَفَسِ الِاتِّجَاهِ ، فَاليوم هُوَ (الجُمعَةَ) عطلةً رَسمِيَّةً فِي مِصر.
تُشيرُ مَوسُوعَة المَعرفة (ويكيبيديا)  أَنَّ صَلاح الدِّين الأَيُّوبِيِّ : ( شَرَعَ فِي تَشيِيدِ القَلعَةِ فَوقَ جَبَلِ المقطم فِي مَوضِعٍ كَانَ يعرِف بقبةِ الهَواءِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُتِمَّها فِي حَيَاتِهِ ، وَإِنَّما أَتَمُّهَا السُّلطان الكامِل أَبَنَّ العَادِل فَكَانَ أَول من سَكنها هُوَ المَلِكُ الكامِلُ وَاستمرتْ كَذلِكَ حَتَّى عَهدِ مُحَمد عَلِيّ)
 وَكانتْ بِداية بناء القَلعة عَام ( 572 هـ) أي ( 1176 م) وَالِانتهاء منها عَام ( 578 هـ) أي ( 1183 م ) وَصممتْ عَلَى الطرازِ الإِسلامِيّ.
تَجولنا فِي شَوارع القَلعَةِ وَالَّتِي تَضم العَديد مِنْ الأَبنيَةِ وَالقصُورِ وَالدَّواوِينِ وَالمَسَاجِدِ، انَها قَلعَةٌ حَصِينَةٌ مُحَصنَةٌ بِالأَسوارِ وَالعَدِيدِ مِنْ الأَبوَابِ الكَبِيرةِ؛ مِنْ هَذَا المَكَانِ الحَصِينِ المُرتَفعِ تشرِفُ القَلعَةُ عَلَى مَدِينَةِ القَاهِرَة . . .
فِي القَلعَةِ شَيَّدَ ( مُحَمَّد عَلِيّ باشا بَيْنَ عَامِ 1830- 1848 م ) مَسجِدا ًعُرِفَ بِاسمِ ( مَسجِدُ مُحَمَّد عَلِي باشا أَوْ مَسجِدِ الألبستر أَوْ مَسجِدِ المَرمَر) وَالذي يُعتَبَرُ أَحَدَ التُّحَفِ المِعمَارِيَّةِ الاثرية الجَمِيلَةِ وَقَد بناهُ عَلَى الطِّرَازِ العثمَانِيّ ، عَلَى غِرَارِ مَسجدِ (السُّلطان أَحمَد) فِي إِسطَنبُول ؛ وَقَدْ شَيدَ المَسجِدُ عَلَى قِسمٍ مِنْ ( قَصر الأبلق).
عندما شَاهَدَتُ مَنظر طراز البِناء المِعمَارِيّ الجَمِيل لِمَسجِدِ (مُحَمَّد عَلِيّ باشا) مِنْ الخَارِجِ  قَررتُ الدخُول لِقَاعَةِ المَسجِدِ ، عِندَ البَاحَةِ الوَاسِعَةِ المُقابِلَةِ لِقَاعَةِ المَسجدِ ، فُسحَةً وَاسِعَةً تَتَوَسطُها بِناية دَائِرِيَّة الشَّكلِ ذَاتَ قبابٍ مُتداخِلَةٍ تَحمِلها أَعمِدَة رُخامِيَّة وَهُوَ مَكَان مُخصص لِلوضُوءِ وَعَلَى مَقرُبَةٍ مِنهُ تَجَمعَتْ بَعض (الصبيَّة) وَهُمْ يَحمِلُونَ بِأَيدِيهِمْ - أَكياس مِنْ النَّايلون - كَواقِياتٍ للأحذيةِ - كَمَا الَّتِي تستعمل فِي المُستَشفَياتِ ، تستَعملُ استِعمالاً واحِداً؛ إِذ أَخبَرونا انهُ لا يسمح بِالدخولِ لِلمَسجِدِ بِأَحذِيتنا وَتَحتاج إِلَى شِرَاءِ مِثلِ هَذِهِ الواقِياتِ وَ(تلبس) تستَعمل الواقِيَة فَوقَ الجواريب.
فَطَلَبتُ مِنهُ وَاحِدَةً لِيّ وَأُخرى لِصَدِيقِي (زُهَير) وَالذِي وَافَقَنِي بِالدخولِ لِقَاعَةِ المَسجِدِ، أَعطَى(الصَّبِيّ) لِكُلِّ وَاحدٍ مِنَّا زَوجاً مِنْ (الواقِياتِ) ، كانتْ حِصَّتِي زَوج مِنْ (الواقِياتِ) المُستَعمَلَةِ ، طَلَبَتُ مِنهُ إِبدالِهِمَا بِواقِياتٍ أخرى عَلَى شرط أن تكون جَدِيدَة ، أَمتَعض وَقالَ ليّ: :
- مالها يا سيدي دي كويسه .
وَعندما لاحَظَ إصراري. بَعدَ أن قلتُ لهُ:
- هلْ تبدلها؟ أَمْ أذهب وأشتري من غَيرك؟
وَافَقَ بإِبدالِها بِأُخرى غَير مُستَعمَلَةٍ لَكِن عَلَى مَضَضٍ، وَعِندَما سَأَلتهُ عَنْ سِعرَيهِمَا قَالَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ( بِخَمسَة جنهات ) ضَحِكَ صَدِيقِي (زُهَيرِ) وَأَخبَرَهُ إِنَّ سِعرَ (الشبشب) الجَدِيد فِي الأَسواقِ بِـ (خَمسَة جنيهات) ؛ ضَحِكتُ أَنَا أَيضاً وَأُعطيته (10) جنيهات.
دَخَلنا مِنْ أَحَدِ أَبوابِ المَسجِدِ العالِية الكَبِيرَة ، جَمِيع أَرضِيَّة قاعة المَسجِد مَفرُوشَة بِالسجادِ ، وفِي أَحَدِ أَركَانِ قاعةِ المَسجِدِ يُوجَد ضَرِيح ( محَمَّد عَلِيّ باشا) تُحِيطُ بِالقَبرِ مَقصُورَة برونزِيَّة ذات زخرفِيَّة بَدِيعَة الطرازِ، قَاعَةِ المَسجِدِ كَبِيرةٍ ، تَتَوسَّطُهَا قُبَّة شَاهِقة وَاسِعَة ، تَتَدَلَّى مِنهَا العَدِيدُ مِنْ الثَّرِيَّاتِ البلورِيَّةِ المُتلأْلِئَةِ الكَبِيرَةِ الحَجمِ البَدِيعَةُ المَنظر، يَتَوَاجَدُ العَدِيدُ مِنْ النَّاسِ - مِنْ النِّساءِ وَالرجالِ وَمِنْ مختَلفِ الأَعمَارِ- فِي داخلِ الْقَاعَةِ، البَعضُ يُصَلِّي وَآخَرِونَ جَالِسِينَ بِشَكلِ حَلَقَاتٍ أَو مُنفَرِدِينَ ، فِيمَا رَاحَ الْبَعضُ يَلتَقِطُ الصُّوَرَ، وَعَدَدٌ آخَر مِنْ الناسِ يَقِفُونَ أَمَامَ وَبِالقُربِ مِنْ مَقصُورَةِ القَبرِ.
وتشير الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) أن (محَمَّد عَلِيّ باشا) والملقب بالعزيز أو عزيز مصر، هو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي (1805 إلى 1849م) والذي توفي عن عمر يناهز (80) عاماً، ويوصف بأنه (مؤسس مصر الحديثة)
الجزء القادم من جولتنا في (قلعة صلاح الدين الأيوبي) ستكون الى (سجن القلعة) والمتحف  الحربي القومي في القلعة.


52

لِقَاءُ الأَحباب فِي رِحَاب مَعرِضِ الكِتَاب

بِقلَم : يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
فِي قاعةِ (أميرالن) الفارهَة الواسِعة الفَضاءات المُتعددةَ الاجنحةِ والقاعاتِ، اِحتضنتْ مَدينةُ (مالمو) للعامِ الثانِي عَلَى التوالِي وَعَلَى مَدَى ثلاثةِ أيامٍ متتاليةٍ (مهرجان وفعاليات الدورة الثانية لمعرضِ الكتابِ العربِي فِي إسكندِنافيا ) للفترةِ (20 - 22 نيسان/ أبريل 2018) والذي كانِ برعايةِ (مؤسسةِ أبن رشد التعليمة وبالتعاونِ مَعَ المكتبةِ المركزيَّةِ لمدينةِ مالمو)
اِفتتاح المَعرض كَانَ كُلَّ يَومٍ مِنْ الساعةِ العاشرةِ صَباحاً حَتَّى الساعَةِ السابِعةِ مساءً، فِيما كانَ الافتتاحُ الرسمِي للمعرضِ مساءَ يوم (20 نيسان 2018) باحتفاليةٍ خطابيَّةٍ ثقافيَّةٍ فنيَّةٍ ، قدمتْ فيِها (فرقة آرام) رقصات ودبكات فلكلوريَّة عربيَّة، وَخِلالَ الِاستراحةِ والَّتِي أعقبتْ الِافتتاح وزعتْ العديدَ مِنْ أنواعِ المرطباتِ والحلوياتِ والأكلاتِ الشعبيَّةِ العربيَّةِ مِثلِ ( الفَلافل، والبَقلاوة) وعَصير(شَربتْ) حلو المذاق بطعمِ ماءِ الوردِ يُسمى {جَلابْ}.
اِمتازَ المَعرضُ لِهذا العامِ بتقديمِ فعالياتٍ ثَقافيَّةٍ فَنيَّةٍ حِواريَّةٍ عَديدةٍ مُتنوعةٍ، وَوِرشِ عملٍ وَتوقيعِ كُتبٍ، تَوزعتْ الفعالياتُ بشكلٍ مكثفٍ طوالَ أَيامِ المَعرضِ إِذ دعيتْ لِذلكَ العديد مِنْ الشخصياتِ مِنْ الشعراءِ وَالأدباءِ وَالكتابِ وَالباحثينَ وَالصحفيينَ والناشرينَ،مِنْ مُختلفِ الجنسياتِ العربيَّةِ وَالأجنبيَّةِ.
علماً، كَانَتْ هُنَالِكَ مُشاركَةٌ لِلعدِيدِ مِنْ دَورِ النَّشرِ بِعَرضِ مَطبوعاتِها وَمَنها ( ديورن رت/ حقوق الحيوان/ سويدية )، (المكتبة العربية)، (أنترناشينول ببليوتيك)، ( مؤمنون بلا حدود)، (دار سندباد للنشر )، (دار الأقصى)، (وقف الرسالة )، (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، (دار المتوسط)، (دار ميزر للنشر)، (شبكة الكومبس)، (دار الفكر)، (مركز نيو دايمنشن)، (دار الفكر)، (دار ربيع / متخصصة للاطفال) وَ(مكتبة أبن رشد) وغيرها، والتي فاتني أن أَذكر أسماءها.
مِنْ خِلالِ تَجوالنا فِي أروقةِ المَعرضِ وإطلاعنا عَلَى أراءِ البعض مِنْ الزائرين، أشادَ عددٌ مِنهم بفعالياتِ المعرِض الثقافيَّةِ وَالحواريَّةِ وَالفكريَّةِ وَأَعتبرها البعض (كَرنفالاً) جَميلاً لتلاقحِ وَتلاقِي الثقافاتِ وَ الحضاراتِ، وَفرصةٍ طيبةٍ لمتابعةِ الإصداراتِ الجَديدةِ والنَشاطاتِ الفكريَّةِ وَالإبداعيَّةِ المُتنوعةِ.
فِيما انتقدها آخرون لِكونِها كانتْ مُكتظة بِبَرامِجها وَالتي لَمْ تَدعْ مَجالاً كافٍ لمتابعةِ النشاطاتِ بشكلٍ مُريحٍ، وأنتقد اخرون طريقة تقديم المحاضرات الفكريَّة والثقافة فِي أجواءٍ مفتوحةٍ مِما يُشتت التركيزَ وَيُربكُ المحاضرُ والمستمع.
اَلكثيرُ مِنْ العاملينَ فِي النشاطاتِ الثقافيَّةِ والفِكريَّةِ والفَنيَّةِ والاِجتماعيَّةِ مِنْ الفاعلينَ فِي الجَمعياتِ والمؤسساتِ الثقافيَّةِ فِي مدينةِ (مالمو) وَخُصوصاً (العراقيَّة) مِنها كانَ عَتبهمْ كَبير عَلَى المؤسسةِ الراعيةِ للمعرضِ لِعدمِ التنسيقِ مَعهم وَمُحاولةِ اشراكهم فِي هكذا تظاهرة ثقافيَّة عربيَّة رغمَ انهم يُمثلونَ الثقل الأكبر مِنْ الجاليةِ العربيَّةِ فِي المدينةِ!
أَغلَبُ الذينَ التقيتهمْ فِي المَعرضِ كانَ انطِباعهم عَنْ مَعروضاتِ الكتبِ للعامِ الماضِي كانتْ أفضل وَأكثر تَنوعاً وكانتْ مِنْ مختلفِ الِاتجاهاتِ الفكريَّةِ والسياسيَّةِ ولبتْ حاجاتُ العديد مِنْ الزائرين، فِيما أكدَ العديدُ منهم أنَّ الكثير مِنْ الكتبِ المعروضةِ لهذا العامِ بما فيها كتبُ الأَطفالِ وكذلكَ دور النشرِ هِيَ ذات اِتجاهٍ فكريٍّ دينيٍّ (إسلاميّ) بَينما يتنوعُ الناطقينَ باللغةِ العربيَّةِ مِنْ عدةِ أديانٍ غير إسلاميَّة ومِنْ مختلفِ الِاتجاهاتِ والتوجهاتِ الفكريَّةِ  ...
وَعَلَى الرغمِ مما تمَ تداوله مِنْ أفكارٍ وطروحاتٍ أغنت القائمين على هذه الفعاليّة الثقافيَّة بمعلوماتٍ فإنها تفيدُ فِي تَطويرِ وتلافِي الأخطاءِ والهفواتِ غير المقصودة عَلَى (ما أظن)
وَعَلَى كلِّ حال يَبقى المَعرضُ تَظاهرةً ثَقافيَّة فَنيَّة فِكريَّة فَعالة مُتميزة مِنْ أَجلِ زيادةِ التفاعلِ بينَ الثقافاتِ وإيصالِ الكتابِ العربِيّ بِيسرٍ للجاليةِ العربيَّةِ فِي السويد والتِي تُعد وتُعتبر أكبر جالية فِي السويد.
مالمو/السويد


53
أدب / إِلَى دَارِ البَقَاءِ
« في: 23:19 03/05/2018  »

إِلَى دَارِ البَقَاءِ

 
بقلم: يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
نَعَبَ الغُرابُ
كَئِيباً حَلَ المَغيبْ
تَجرِي مُسرِعَةً كُتَلُ السَّحَابْ
اَلرِّيحُ تَعصِفُ فِي الأَبوَابْ
غَابَ تَغريدُ العَندَلِيبْ
وإذا بصوتٍ يهتفُ
مِنْ قَريبْ
رَحَلَ الحَبِيبْ
ضَجَّ القَلبُ بِالنَّحِيبْ
صَرَخَ مِنْ فِي الدَّارِ
- عَلَى عَجَلٍ لبَّى النِّدَاءَ، قَبلَ أَنْ يُوَدِّعَ الأَصحَاب
يَا للعَجَبِ ، فَأَقرَبُ الأَحِبَّةَ لا يَعرِفُ ما السَّبَبُ.
فِي لجَّةٍ مِنْ الصَّرَاخِ وَالنّوَاحِ وَالصَّخَب
أَلبسوا الجَسَدَ المُسَجَّى قماشاً أَبيَضَ مِنْ الثياب
تَلَبسَ القلبُ الهَلعَ وَالكَرب
مَعَ وَجَعِ الخطَبِ
حَشدٌ مِنْ الأحبابِ
سارُوا بِهِ بِمَوكِبٍ مَهيب
وَضَعُوهُ فِي قَعرِ اللَّحدِ
وَأَغلَقُوا فَمَهُ بِحَفنَةٍ مِنْ تُرَابٍ وَطِين
وَأَحكَمُوا إِطبَاقَ الجُفُونِ عَلَى الأحداق
وَسَرِيعاً هَالُوا عَلَيهِ تَلاً مِنْ التراب
وَقَالُوا :
- الحَمدُ لِلَّهِ ، اصطَفَاهُ الرَّبُّ  فِي عَلَّينَ ، بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ
وَأَنَا أَنظرُ إِلَى هَذَا المَشهَدِ الغَريبِ الرَّهِيب
 تَمَلكنِي الفَزَعُ وَالغَضَب
صَرَخَتُ بِذُعرٍ وَالبَدَن يَرتَجِفُ بِارتِعَاب :
- هَذَا عَذَابٌ ، هَذَا عِقَابٌ!
رَمَقَنِي الحضُورُ بِنَظرَةٍ يَتَطَايَرُ مِنهَا الشَّرَرُ
وَفيها كَثيراً مِنْ الزعلِ والعَتبْ
وَجَاءَ مِنْ الجُمُوعِ الجَوَابَ :
- لا تَقل هَذَا الكَلام ، هَذَا كَلَامٌ مَعِيب؛ فَإِكرَامُ المَيِّتِ دَفنُهُ!
ثُمَّ قَالُوا :
- لَقَد غَادَرَ دَارَ الفَنَاءِ إِلَى دَارِ البَقَاءِ؛
أَهدَأُ وَأَقرَأَ لَهُ هَذَا الدُّعَاءِ.
سَكَنَتُ وَاجِماً وَأَنا اردد الدُّعَاءَ وَاطلُبُ مِنْ الرَّبِّ
أَن يشمل بلطفه وعَطْفِهِ الحَبِيب
وبيدٍ تَرتَعِشُ وَمَعَ سَيلِ الدمُوع
أوقَدَتُ الشمُوع
وَمَواقِدَ البَخورِ
فَفَاحَ مِنْ المَباخِرِ مَعَ النّسِيمِ شَذَا العطورِ
وَبِرَهبَةٍ وَتَوجَّسٍ رَحتُ أدورُ حَولَ الرمسِ 
وَأنا انثرُ فِي خشوعٍ الزهور
أَفَقتُ مِنْ حُلمي أَرتَعِدُ باِرتِياب
ظَلَامٌ دَامِسٌ يَلُفُّ المَكَانَ
فَقَد تَلَاشَى ضَوءُ النّهارِ
وَاختَفَى نورُ القَمَرِ
وأنا بِأَقصَى حَالاتِ الِاضطِرَاب
كَمَنْ فَقَدَ الصَّوَاب
مِنْ هَولِ رُؤيا المَشهَدِ وَجَلَّلَ المَصابْ

 هَذَيَانٌ مَعَ الفَجرِ/ مالمو

 





54
أدب / عِطرُ الهَوَى
« في: 20:32 19/04/2018  »

عِطرُ الهَوَى
 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
1
وَلَهَّاناً أَرنُو بِشَغَفٍ وَحيرةٍ وَحَذر
جُلَّنارُ الشَفَتَينِ لِباسِمَةِ الثَّغرِ*
وَهِيَ تَتَحَدَّثُ بِرِقةٍ وَسرُور
عَنْ بُركَانِ الشُّعُورِ
لِلوِصَالِ بَيْنَ الثُّغُورِ
وَالتَّوَاصلُ بَيْنَ طَرَفَي المَعَابِرِ وَالجسُور
اِنه كَمَا شَوقُ اللِّقَاءِ بَعدَ الفِرَاقِ
وَشتّان الهيَامُ وَالهِجرَانُ فِي الغَرَامِ
فَارتَسَمَتْ عَلَى مُحَيَّاهَا حُمرَةُ الخَجَلِ
وَتَكَوَّرَتْ غمازتان فِي وَسطِ الوَجنَتَينِ
تَتَرَاقَصان وَ لي تَبتَسِمُ
امتَزَجَ فِيهِمَا لَهِيبُ الشَّوقِ وَلَهفَةُ الوَجدِ
فجُنَّ الفُؤادُ بِهَا وَهُوَ يَتَلَقَّى بالحشى
نِبَالَ هَمَسَاتِ الجفون؛
بِسُرعَةٍ وَمِن البَرقِ أسرعُ
رَفَعَتُ مِرسَاتِي وَطَويتُ اشرعتي
وَهَمَّتُ مَجنوناً
أغوصُ فِي يَمِّ العيونِ
 أسبرُ بتوقٍ أَغوارَ وديانِ الأَحداقِ
كشوقِ العاشقِ للقُبلةِ و العناقِ
حَتَّى غابَ مِني السَّمعُ وَالبَصَرُ
2
وَأفاقَ خَافِقَي مِنْ رِحلَتِهِ مَبهُوراً مَسحُوراً
مِنْ رَوضِ الجَنانِ وَعِطرِ المَطر
وَمِنْ تَدَفقِ نَمير النَّبع فِي المنحدر **
وَسَرَّحَ يُنصِتُ بِفَرحٍ وَاضطِرابٍ
لِلكَلِمَاتِ وَهِيَ تَتَنغَمُ تَتَزاحَمُ تئنُّ وتتوجعُ في المَبسمِ
وَسَكَنَ يُصغِي لَهَا مُستَسلِماً، بلا كَلمِ
وَهِيَ تَتَرَدَدُ وَتَنسَابُ وَتَتَلَعثَمُ
مِنْ مَبسمِهَا الوَلْهَانِ المُتَبَسِّمِ
فَسَمِعتُ صَوتِ الهيامِ بِعَينَيهَا يَرتَسِمُ
وَعَنْ بعدٍ لَمَستُ عِطرَهُ
وَبِنَشوَةٍ خَفَقَ القَلبُ لَهُ
      وَطَارَ يَرقُصُ فَرحاً وَيَهتِفُ مَرحاً
مَرحى بِنَسِيمِ الرُّوحِ وَرِياحِ الهَوَى
وَهِيَ تَسرِي برفقٍ وَ ودٍ فِي الشَّرايِينِ



ستوكهولم في نيسان 2018
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معاني بعض المفردات التي جاءت بالنص:
*جُلَّنار: زهر الرُّمان
 ** نَمير: ماءٌ نَميرٌ : ماءٌ نافعٌ عذبٌ ،طيبٌ، حلو المَذاق؛ وَ يقال لهُ حَسبٌ نَميرٌ: زاكٍ



55

الإرهابُ وَالسُّراقُ صِنوانِ



 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
صَوتُ دَوِيٍّ رَهِيب
تلاهُ مَوتٌ جَدِيد
دُخانٌ يَتَصاعدُ مِنْ السياراتِ والأَكشاكِ وَالمَصاطِبِ والمَتاجِرِ
سَعِيرُ النارِ يُحَوِّلهَا إِلَى مَجامر
أَجنِحَةٌ مُتَطايِرَةٌ
أَشلاءٌ مُتَناثِرةٌ
وَأَحلامٌ مُدَمرة
قلوبٌ تَعتَصِرُ وَمُهَجٌ تَحتَضرُ،
صَخَبٌ وَعَوِيلٌ .
وجُموعٌ مَرعُوبةٌ تُهَروِلُ وَتُوَلوِلُ
عَباءَآتٌ مُتَناثِرةٌ بَيْنَ الأَوحالِ والأزبال
جُثَثُ أطفالٍ مُقَطعةِ الأَوصَالِ
دُخانٌ أَسود ، وَتُرابٌ أحمر وَسعِيرُ نارٍ
بلونِ الرَّدَى
رِيشُ دَجَاج وَعصافِيرٍ وَحمام
يَملأُ الفَضَاءَ وَيَحجبُ السَّمَاءَ
إمتزج دُجَى الليلِ بِضِيَاءِ النَّهارِ.
وَمِئاتٌ مِنْ الأَفواهِ مَفتُوحَةً عَلَى مَداها؛
وَهِيَ تَصرخُ وَتَستَجِيرُ مِنْ عُمقِ الحَناجِرِ
(نُرِيدُ نَسمَةَ هَواءٍ ،  نُرِيدُ قَطرَةَ مَاء...)
عَشراتُ الحنَاجِرِ تَصرخُ كَما العاصِفَةَ :
( اَلنجدَةُ، النجدَةَ...أَيُّها الغيارى أَنقِذونا)
جنُونُ النَّاسِ يُسابِقُ الصُّراخُ،
جموعٌ مِنْ البَشَرِ
أَطلَقَتْ سِيقَانَها لِلرِّيحِ
مَذعُورَةً تَركُضُ عَلَى غَيرِ هُدى
مَعجونَةٌ بِالدَّمِ المُراقِ
فِيمَا مَجَامِيعُ أُخرى
هَرِعَتْ لِلمَكانِ
تَجرِي كَالوحوشِ عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ
بَيْنَ أَنقاضِ الأَزِقةِ وَ بَقايا المَتاجِرِ
جَنباً لِجَنبٍ مَعَ يَنَابِيع الدَّمِ المُتَدَفِّق مِنْ مَنَابِع المَحاجِرِ .
2
صَوتٌ مِنْ مُكَبِّرَاتِ الصَّوتِ؛
مُنطَلقٌ فِي الفَضاءِ
يَشُقُّ عَنانَ السَّماءِ
- بِصَوتِ الشاعِرِ(إِبراهِيم طوقان)2 وَهُوَ يَنشدُ مَعَ المُوسِيقى-
( مَوطنِي . . . مَوطنِي . . .
اَلجَلالُ وَالجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ فِي رباك،
وَالحَياةُ وَالنَّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ  فِي هَوَاكَ . . . )
رَأسٌ مُضرجٌ بِالدِّماءِ مِنْ بَيْنِ الرُّكَامِ
يَنهضُ كَالبُركَانِ
يَعتَلِي دِكَّةً مِنْ بَقايا دُكَّانٍ
وَهُوَ يَهتِفُ كَشَلَّالِ نارٍ
هَذَا هُوَ العِراق فِي كُلِّ يَومٍ دَمنا مُراق...
- ثُلةٌ مِنْ النِّسوَةِ مُعَفَّرَاتِ الوجوهِ يَتَجمعنَ بِجَانِبِهِ وَخَلَفِهِ-
اَلرَّأسُ يَهتِفُ مِنْ جَدِيد
أَيُّها النَّاسُ :
لَقَدْ ضَاعَ الوَطَنُ وَالمُوَاطِنُ وَالأَمَانُ
بَيْنَ الإِرْهَابِ وَالسُّرَّاقِ
أَيُّها النَّاسُ :
هُنَا سَوفَ نَصُوغُ الكَلِمَاتِ وَنَرفَعَ الرَّايَاتِ
وَنُثبِتُ فِي سطورِها
هُنَا مِئَاتٌ مِنْ الآمالِ السَّعِيدَةِ
خَطَفَتهَا المَنايَا
وَمِئَاتٍ مِنْ الأَروَاحِ البَرِيئَةِ
انتَزعَتها الرَّزايا
وَمِئَاتٌ أُخرى مِنْ الأَعناقِ المُتَطَلِّعَةِ لِلغَدِ المُشرِقِ
نَحَرَتها الشَّظايا
هُنَا قُتلَ مِنْ غَيرِ ذَنبٍ
أُلُوف الضَّحايا

- جَمعُ النِّسوَةِ المُعَفَّراتِ الوجوهِ مِنْ وَسطِ الحُطَامِ -
يَرفَعنَ كفوفهنَّ لِلسَّمَاءِ
وَبِعيونٍ جاحِظةٍ تُحَدِّقُ
فِي هَولِ المصابِ وَرُعبِ الخَراب
وَهُنّ يَصرُخنَ بِصَوتٍ يُشبِهُ النَّوَّاحَ
(رَبَّاه مَا هَذَا البَلاء
المَوتُ المَجنون مَاثِلٌ أَمَامَ العيون
يُلاحقُنا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكان
حَتَّى فِي المَنَامِ وَالأَحلَامِ ؛
حَياتُنَا ضيمٌ وجَحِيم ، وَحُزننا قَائِم سَقِيم)

- ثَلَاثَةُ شُبَّانٍ مُضَرَّجِينَ بِالدِّمَاءِ
يُوقِفونَ عَرَّبتهم الَّتِي يَجُرُّهَا حِمَارٌ
وَسطَ الأَنقَاضِ
وَهُم يَحمِلُونَ الجُثَثَ وَالأَشلاء -
يَصرُخُ أَحَدُهُمْ:
أَيُّها النَّاسُ؛ أَننا نَقبعُ فِي سَجنٍ كَبِيرٍ مُخِيفٍ
القَمعُ وَالِاستِعبادُ وَالِاستِبدادُ بَاتَ قَدَرُنا
عيُونُ المُفَخَّخَاتِ وَالعُبُوَّاتِ وَالأَحزِمَةَ النَّاسِفَةَ وَالمُخَدِّرَاتِ وَكَواتمِ الصَوتِ
تُلاحِقُنا تُحِيطُ بِنَا تُراقِبَنا
فِي بِلَادِنَا استَبَاحَ السَّفاحُونَ النَّخِيلِ وَالزيتُونِ
وَأَرْعَبَ رَيبُ الْمَنُونِ حَمَّامَ السَّلَامِ لِمُغَادرةِ الأوكار والمَكان 3
اَلشَّعبُ مَذعُورٌ يَبحَثُ عَنْ الأَمَانِ
الأَلافٌ مِثْلِنَا تَعِيشُ فِي الحَضِيضِ كَالمُتَسَوِّلِينَ!

- النِّسوَةُ يَهدأْنَ قَلِيلاً ثُمَّ يُعَاوِدنَ الشَّدو بِأَسى وَ بِصوتٍ وَاحِدٍ -
للتاريخِ والأجيال سَوفَ نَروِي وَنُدَوِّنُ
فِي دَفَاترِ الذِّكرَياتِ وَفِي المَقابرِ وعَلَى الحَجَرِ وَالجُدرانِ
مَلَايِينُ الحكايا وَالخَبايا وَالمِحَن
مِنْ قصَصِ المَوتِ وَالوَجَعِ وَالعَذابِ وَالخَرابِ
وَالحُزن والشجن وَ دمُوعِ اللَّوعَةِ وَ الفِراقِ
وَعَنْ عَودَةِ الجَهلِ وَالسَّقَمِ والإملاق 4
وَكَيفَ فَرَّقَ وَ مَزَّقَ وَدَمَّرَ الإِرهَابُ وَالسُّراقُ وَ شُذاذُ الأَفاقُ العِراق 5

مالمو/ السويد
نيسان/أبريل 2018
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريفات توضيحية لهوامش، ولكلمات كما ورد تعريفها في قاموس المعاني

1 الصَّنوُ : النَّظِيرُ، والمثل، والأخُ الشقيقُ؛ وَالصَّنوُ: الفَسيلةَ المتفرعةَ مَعَ غيرها من أصل شجرةٍ واحدة

2 إبرهيم طوقان:شاعر فلسطيني ولد في نابلس (1905) شقيق الشاعرة (فدوى طوقان) وكذلك شقيق (أحمد طوقان) رئيس وزراء (الأردن) في بداية سبعينيات القرن المنصرم.
حاصل على الشهادة الجامعية من كلية الآداب/ الجامعة الامريكية في بيروت عام(1929) وفي عام (1940) أنتقل للعراق وعمل مدرساً في دار المعلمين العالية ثم عاجله المرض فعاد سريعاً الى وطنه فلسطين وتوفي فيها عام (1941).
كتب(إبراهيم طوقان) قصيدة (موطني) عام (1934) ولحنها بنفس العام الموسيقار اللبناني (محمد فليفل ) فأصبحت النشيد الرسمي الفلسطيني منذ ذلك الحين ،حتى تم اعتماد نشيد (فدائي) إبان بداية الثورة الفلسطينية إلا انه لا يزال قطاع واسع من الشعب الفلسطيني يعتبر نشيد (موطني) نشيداً رسمياً له. أعتُمد نشيد موطني كنشيد وطني في العراق بعد سقوط نظام (صدام حسين) عام (2003) وتم استخدامه بدلاً من نشيد (أرض الفراتين) لشفيق الكمالي.(مصدر المعلومات الموسوعة الحرة ويكيبيديا)
   
3 ريبُ المَنُون: حوادث الدَّهر وأوجاعه مما يقلق النّفوسَ. الوَكرُ: عُشُّ الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ، سواء كان في جبلٍ أَم  شجرٍ أَم غيرهما؛ وَكر:الجمع وُكُورٌ، و أوكارٌ ، و أوكر

4 السَّقمُ : المُرضُ المُزمنُ. الإملاق: الإفتِقار، الفَقر، الإعواز

5 شُذاذ الآفاق: الغُرباءُ الذينَ لا وطنَ لَهمْ، الأَفاق: مِنْ لَا يثبتُ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ، مختل الذِّمة، كذّاب رجلٌ أفاق

56

الإرهابُ وَالسُّراقُ صِنوانِ


 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
صَوتُ دَوِيٍّ رَهِيب
تلاهُ مَوتٌ جَدِيد
دُخانٌ يَتَصاعدُ مِنْ السياراتِ والأَكشاكِ وَالمَصاطِبِ والمَتاجِرِ
سَعِيرُ النارِ يُحَوِّلهَا إِلَى مَجامر
أَجنِحَةٌ مُتَطايِرَةٌ
أَشلاءٌ مُتَناثِرةٌ
وَأَحلامٌ مُدَمرة
قلوبٌ تَعتَصِرُ وَمُهَجٌ تَحتَضرُ،
صَخَبٌ وَعَوِيلٌ .
وجُموعٌ مَرعُوبةٌ تُهَروِلُ وَتُوَلوِلُ
عَباءَآتٌ مُتَناثِرةٌ بَيْنَ الأَوحالِ والأزبال
جُثَثُ أطفالٍ مُقَطعةِ الأَوصَالِ
دُخانٌ أَسود ، وَتُرابٌ أحمر وَسعِيرُ نارٍ
بلونِ الرَّدَى
رِيشُ دَجَاج وَعصافِيرٍ وَحمام
يَملأُ الفَضَاءَ وَيَحجبُ السَّمَاءَ
إمتزج دُجَى الليلِ بِضِيَاءِ النَّهارِ.
وَمِئاتٌ مِنْ الأَفواهِ مَفتُوحَةً عَلَى مَداها؛
وَهِيَ تَصرخُ وَتَستَجِيرُ مِنْ عُمقِ الحَناجِرِ
(نُرِيدُ نَسمَةَ هَواءٍ ،  نُرِيدُ قَطرَةَ مَاء...)
عَشراتُ الحنَاجِرِ تَصرخُ كَما العاصِفَةَ :
( اَلنجدَةُ، النجدَةَ...أَيُّها الغيارى أَنقِذونا)
جنُونُ النَّاسِ يُسابِقُ الصُّراخُ،
جموعٌ مِنْ البَشَرِ
أَطلَقَتْ سِيقَانَها لِلرِّيحِ
مَذعُورَةً تَركُضُ عَلَى غَيرِ هُدى
مَعجونَةٌ بِالدَّمِ المُراقِ
فِيمَا مَجَامِيعُ أُخرى
هَرِعَتْ لِلمَكانِ
تَجرِي كَالوحوشِ عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ
بَيْنَ أَنقاضِ الأَزِقةِ وَ بَقايا المَتاجِرِ
جَنباً لِجَنبٍ مَعَ يَنَابِيع الدَّمِ المُتَدَفِّق مِنْ مَنَابِع المَحاجِرِ .
2
صَوتٌ مِنْ مُكَبِّرَاتِ الصَّوتِ؛
مُنطَلقٌ فِي الفَضاءِ
يَشُقُّ عَنانَ السَّماءِ
- بِصَوتِ الشاعِرِ(إِبراهِيم طوقان)2 وَهُوَ يَنشدُ مَعَ المُوسِيقى-
( مَوطنِي . . . مَوطنِي . . .
اَلجَلالُ وَالجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ فِي رباك،
وَالحَياةُ وَالنَّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ  فِي هَوَاكَ . . . )
رَأسٌ مُضرجٌ بِالدِّماءِ مِنْ بَيْنِ الرُّكَامِ
يَنهضُ كَالبُركَانِ
يَعتَلِي دِكَّةً مِنْ بَقايا دُكَّانٍ
وَهُوَ يَهتِفُ كَشَلَّالِ نارٍ
هَذَا هُوَ العِراق فِي كُلِّ يَومٍ دَمنا مُراق...
- ثُلةٌ مِنْ النِّسوَةِ مُعَفَّرَاتِ الوجوهِ يَتَجمعنَ بِجَانِبِهِ وَخَلَفِهِ-
اَلرَّأسُ يَهتِفُ مِنْ جَدِيد
أَيُّها النَّاسُ :
لَقَدْ ضَاعَ الوَطَنُ وَالمُوَاطِنُ وَالأَمَانُ
بَيْنَ الإِرْهَابِ وَالسُّرَّاقِ
أَيُّها النَّاسُ :
هُنَا سَوفَ نَصُوغُ الكَلِمَاتِ وَنَرفَعَ الرَّايَاتِ
وَنُثبِتُ فِي سطورِها
هُنَا مِئَاتٌ مِنْ الآمالِ السَّعِيدَةِ
خَطَفَتهَا المَنايَا
وَمِئَاتٍ مِنْ الأَروَاحِ البَرِيئَةِ
انتَزعَتها الرَّزايا
وَمِئَاتٌ أُخرى مِنْ الأَعناقِ المُتَطَلِّعَةِ لِلغَدِ المُشرِقِ
نَحَرَتها الشَّظايا
هُنَا قُتلَ مِنْ غَيرِ ذَنبٍ
أُلُوف الضَّحايا

- جَمعُ النِّسوَةِ المُعَفَّراتِ الوجوهِ مِنْ وَسطِ الحُطَامِ -
يَرفَعنَ كفوفهنَّ لِلسَّمَاءِ
وَبِعيونٍ جاحِظةٍ تُحَدِّقُ
فِي هَولِ المصابِ وَرُعبِ الخَراب
وَهُنّ يَصرُخنَ بِصَوتٍ يُشبِهُ النَّوَّاحَ
(رَبَّاه مَا هَذَا البَلاء
المَوتُ المَجنون مَاثِلٌ أَمَامَ العيون
يُلاحقُنا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكان
حَتَّى فِي المَنَامِ وَالأَحلَامِ ؛
حَياتُنَا ضيمٌ وجَحِيم ، وَحُزننا قَائِم سَقِيم)

- ثَلَاثَةُ شُبَّانٍ مُضَرَّجِينَ بِالدِّمَاءِ
يُوقِفونَ عَرَّبتهم الَّتِي يَجُرُّهَا حِمَارٌ
وَسطَ الأَنقَاضِ
وَهُم يَحمِلُونَ الجُثَثَ وَالأَشلاء -
يَصرُخُ أَحَدُهُمْ:
أَيُّها النَّاسُ؛ أَننا نَقبعُ فِي سَجنٍ كَبِيرٍ مُخِيفٍ
القَمعُ وَالِاستِعبادُ وَالِاستِبدادُ بَاتَ قَدَرُنا
عيُونُ المُفَخَّخَاتِ وَالعُبُوَّاتِ وَالأَحزِمَةَ النَّاسِفَةَ وَالمُخَدِّرَاتِ وَكَواتمِ الصَوتِ
تُلاحِقُنا تُحِيطُ بِنَا تُراقِبَنا
فِي بِلَادِنَا استَبَاحَ السَّفاحُونَ النَّخِيلِ وَالزيتُونِ
وَأَرْعَبَ رَيبُ الْمَنُونِ حَمَّامَ السَّلَامِ لِمُغَادرةِ الأوكار والمَكان 3
اَلشَّعبُ مَذعُورٌ يَبحَثُ عَنْ الأَمَانِ
الأَلافٌ مِثْلِنَا تَعِيشُ فِي الحَضِيضِ كَالمُتَسَوِّلِينَ!

- النِّسوَةُ يَهدأْنَ قَلِيلاً ثُمَّ يُعَاوِدنَ الشَّدو بِأَسى وَ بِصوتٍ وَاحِدٍ -
للتاريخِ والأجيال سَوفَ نَروِي وَنُدَوِّنُ
فِي دَفَاترِ الذِّكرَياتِ وَفِي المَقابرِ وعَلَى الحَجَرِ وَالجُدرانِ
مَلَايِينُ الحكايا وَالخَبايا وَالمِحَن
مِنْ قصَصِ المَوتِ وَالوَجَعِ وَالعَذابِ وَالخَرابِ
وَالحُزن والشجن وَ دمُوعِ اللَّوعَةِ وَ الفِراقِ
وَعَنْ عَودَةِ الجَهلِ وَالسَّقَمِ والإملاق 4
وَكَيفَ فَرَّقَ وَ مَزَّقَ وَدَمَّرَ الإِرهَابُ وَالسُّراقُ وَ شُذاذُ الأَفاقُ العِراق 5

مالمو/ السويد
نيسان/أبريل 2018
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريفات توضيحية لهوامش، ولكلمات كما ورد تعريفها في قاموس المعاني

1 الصَّنوُ : النَّظِيرُ، والمثل، والأخُ الشقيقُ؛ وَالصَّنوُ: الفَسيلةَ المتفرعةَ مَعَ غيرها من أصل شجرةٍ واحدة

2 إبرهيم طوقان:شاعر فلسطيني ولد في نابلس (1905) شقيق الشاعرة (فدوى طوقان) وكذلك شقيق (أحمد طوقان) رئيس وزراء (الأردن) في بداية سبعينيات القرن المنصرم.
حاصل على الشهادة الجامعية من كلية الآداب/ الجامعة الامريكية في بيروت عام(1929) وفي عام (1940) أنتقل للعراق وعمل مدرساً في دار المعلمين العالية ثم عاجله المرض فعاد سريعاً الى وطنه فلسطين وتوفي فيها عام (1941).
كتب(إبراهيم طوقان) قصيدة (موطني) عام (1934) ولحنها بنفس العام الموسيقار اللبناني (محمد فليفل ) فأصبحت النشيد الرسمي الفلسطيني منذ ذلك الحين ،حتى تم اعتماد نشيد (فدائي) إبان بداية الثورة الفلسطينية إلا انه لا يزال قطاع واسع من الشعب الفلسطيني يعتبر نشيد (موطني) نشيداً رسمياً له. أعتُمد نشيد موطني كنشيد وطني في العراق بعد سقوط نظام (صدام حسين) عام (2003) وتم استخدامه بدلاً من نشيد (أرض الفراتين) لشفيق الكمالي.(مصدر المعلومات الموسوعة الحرة ويكيبيديا)
   
3 ريبُ المَنُون: حوادث الدَّهر وأوجاعه مما يقلق النّفوسَ. الوَكرُ: عُشُّ الطائر الذي يبيض فيه ويفرخ، سواء كان في جبلٍ أَم  شجرٍ أَم غيرهما؛ وَكر:الجمع وُكُورٌ، و أوكارٌ ، و أوكر

4 السَّقمُ : المُرضُ المُزمنُ. الإملاق: الإفتِقار، الفَقر، الإعواز

5 شُذاذ الآفاق: الغُرباءُ الذينَ لا وطنَ لَهمْ، الأَفاق: مِنْ لَا يثبتُ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ، مختل الذِّمة، كذّاب رجلٌ أفاق

57

مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ /ج3

يحيى غازي الأميري
القَاهِرَة فِي 29-10-2015
نَحنُ الآن فِي مِينَاء اَلقَاهِرَة الجَويّ أَو مَطَار القَاهِرَةِ الدَّولِيّ ، هكَذَا هِيَ تَسمِيَتهُ الرسمِيَّة، يَعتَبرُ المَطَارُ ثانِيَ أَكبَرَ مَطَارٍ فِي قَارَّةِ أَفرِيقيا ، مِنْ حَيثُ الِازدِحَام وَكَثَافَةِ المُسَافِرِينَ
المَطارُ كبيرٌ جداً يُبهرُ النَظر، يَظهرُ أَننا وَصَلنَا فِي ذَروَةِ نَشَاطِ حَرَكةِ المَطار، إِذ كَانَ الِازدِحَامُ فِي كلِّ مكانٍ عَلى أَشدهِ.
 يعتَبِرُ مَطَارُ القَاهِرَة الدَّولِيّ مَطَار مَدَنِيّ وَعَسكَرِيّ ، كَمَا تُشِيرُ لذلكَ المَوسُوعَة الحُرَّة ويكيبيديا.
عَملنا فِيزا سَريعة عَلَى جَواز السَفر(السويدي) فِي المَكتب المخصص لعملِ فيزا الدخول للسياح بمبلغ (25) دولار للفرد الواحد وعندَ هبوطنا بالسلمِ الكهربائي للصالةِ الكبيرةِ داخل المَطار قرب السوق الحُرة للركاب القادمين للقاهِرة ، شاهدتُ حَبيب قَلبِي صَديقي المُهذب المُثقف المَوسوعي(زُهَير) يَقفُ فِي أحدى أبواب المَطار الرئيسية وهوَ يلوح ليّ بيديه، وَيحدثُ أحد افراد(الشرطة) المكلفين بحراسةِ البوابةِ ، ما أن سمحَ لهُ بالدخول حتى جاءني  بسرعةٍ فاتحاً ذراعَيه عَلَى أقصاها وهو يَهتفُ (أهلاً يَحيَى) تَعانقنا بحرارةٍ ... لَمْ أَستَطعْ إِيقَافَ دَمعَتَانِ رَاحَتْ تَنحَدِرُ عَلَى وَجهِي وَنَحنُ نُطِيلُ العِنَاقَ!
عندما تفحصتُ وَجه صَديقي ونظرتُ إلى شَعر رأسه وقَد غَزاه الشَيب وَجَدته قَد بانَ عَليه الكبر وَتَعب السنين..
قلتُ لهُ مازحاً :
ــ زُهَير شَيبنا وفَرقَ الزمن مِنْ شَملنا .
 ــ غادَرنا الشَباب بسرعةٍ و بَينْ عَلينا الكبر!
ضَحكَ( زُهَير) ضحكته المجلجلة التي عهدتها، وهَو يحرك رأسه علامة الموافقة ؛ والتفت إِلى (زوجتي أمّ مُخلَّد) وسَلمَ عَليها بحرارةٍ وبترحيبٍ كبير.
لَقد مَضى أكثر مِنْ (14) عاماً منذ افترقنا فِي( بَغداد) حَيث سَافرتُ أَنا وعائلتي فِي عامِ (2001) لغرضِ الهجرةِ إِلَى خارجِ العراق وبقيّ صديقي وعائلته فِي بغداد ...
ذَهبنا معاً للسوقِ الحرةِ تَبضعنا بَعض الأنواع مِنْ المشروباتِ الكحولية والسجائر الأجنبية، وأخذنا حقائبنا إِلَى خارج المطار إِلَى كراج وقوف السيارات، إذ كانَ صديقي(زُهَير) قَدْ أحضرَ معه سيارة أجرة (تكسي) جلبها معه، لتقلنا إلى وسط اَلقَاهِرَة ، سائق سيارة الأجرة يَعرفهُ صديقي؛ عَرفنا عَليه أسمهُ (عَبدو) بخفةٍ ومرحٍ سَاعدنا (عَبدو) بتحميلِ الحقائبِ وترتيبها فَوق السيارة وفِي صندوق السيارة!
انطلقتْ بنا السيارة باتجاهِ مركز العاصمة (اَلقَاهِرَة) التي تَبعد عَنْ المطار حوالي (22) كم فيما السيارة كانت تسير بنا وسط أحياء اَلقَاهِرَة ، كنت منشداً بَينَ لقاء صديقي(زُهَير) ومتابعة أخباره وبَينَ النظرِ للناسِ وشوارعِ القَاهِرةِ التي تَعج بالحركةِ والنشاطِ ورقي البناء.
وصلنا حَي (الزَّمالِك)الشهير فِي القاهِرةِ!
هَمَسَ بأذني صَديقي (زُهَير) لقد اخترتُ لكم فندق مجاور للنيل فِي (حَي الزَّمالِك) ، توقفتْ السيارة أمام فندق (فلامنكو) بوابة الفندق تقع فِي شارع فرعي تزدحم أمامه حركة السيارات والناس؛ ما أنْ تَوقفتْ السيارة حتى جاء عمال الفندق وحملوا الحقائب للفندق.
طلبَ منا مدير الاستعلامات جوازات السفر ودونَ المعلومات المطلوبة، أخبرنا أن سعر الغرفة هو (85) دولار لليلةِ الواحدةِ مَعَ وجبة الفطور. وناولنا مفتاح الغرفة المرقمة(606) وأوعز للعمال بإرسال الحقائب للغرفة.. ودعنا صديقنا (زُهَير) بَعدَ استراحة قصيرة فِي استعلامات الفندق،عَلَى أملِ للقاءِ في المساءِ، وأخبرنا (زُهَير) سوف تأتي معهُ زوجته (أم سارة)كي تسلم علينا.
أخذنا المصعد للطابق السادس حيث تقع الغرفة (606) عندَ دخولنا الغرفة ، لَمْ تعجبنا ، فمساحتها صغيرة، شباكها مقابل الشارع الفرعي، تقابل النافذة بناية شاهقة على بعد عدة أمتار تحجب عنا أي مشهد أو منظر، وما أن فتحت النافذة حتى جاءت متعالية الأصوات ومزامير السيارات، الشارع الفرعي ، مزدحم ويعجُ بالحركةِ والضَجيج؛ كذلك الغرفة بدون بالكونة، نظرتُ لزوجتي التي بادلتني نفس الشعور بعدم ارتياحها للغرفة، أغلقتُ النافذة، وأخذنا المصعد النازل للاستعلامات ...
أخبرتُ مدير الاستعلامات عَدم رغبتنا بهذه الغرفة ونود تبديلها بغرفةٍ مساحتها أكبر وفيها (بالكونة) وتطل عَلَى (نهر النيل) الوجه (البحري/ الشمال) بدل هذه الغرفة الصغيرة والتي تطل عَلَى هذا الشارع الكئيب أو عَلَى جهة (القبلي)...
 أخبرنا:
- نَعمْ، تُوجد عندنا لكن يجب أن تدفع مبلغ أضافي (10) دولارات عن كلِّ ليلةٍ.
وَناولني المفتاح الالكتروني للغرفة الجديدة لغرض مشاهدتها ...
أَخذنا المصعد للغرفةِ الجديدةِ كانتْ الغرفة ممتازة جداً واسعة إنها ليس غرفة انها (سويت) أزحتُ الستارة، دخلتْ الشمس تنير الغرفة وتبعث الدفء والحرارة، خَلف الستارة بابٍ يوصلك إلى (برندة/ بالكونة) كبيرة بمنضدةٍ وكراسي تَطل عَلَى نهرِالنِيل ، حمامات الغرفة فاخر جداً ...
اتصلتُ بالهاتف الذي فِي الغرفة أخبرتُ موظف الاستعلامات أني موافق على هذهِ الغرفةِ وبالزيادةِ التي طلبها يعني الغرفة تكون بـ (95) دولار لليلة الواحدة معَ الفطور، وطلبتُ منهُ أَن يبعث لنا الحقائب عَلَى هذهِ الغرفة ..
فِي المساءِ رنَ هاتف الغرفة ليخبرنِي موظف الاستعلامات أَنَ ضيوف يودون مقابلتكم ، لقد كانَ صديقنا (زُهَير وزوجته أم سارة)
التقينا ضَيفينا فِي صالة ِالاستعلامات كانَ اللقاءُ حميماً، تجاذبنا فيه أطراف (الهموم) التي فرقتنا وشتتتنا، وتطورات الأحداث الدراماتيكية التي حدثت سريعاً فِي العراق بعد التغيير في (2003) والتي هَجرتْ ضيفينا، ليحط بهم الرحال والاستقرار عَلَى مضضٍ فِي ( القَاهِرَة/ مصر) بعدَ أَنْ ضاقتْ بهم الدنيا!
  أثناء الأستراحة وتناول القهوة فِي استعلامات الفندق، أخبرت (زهير) بما حدث بشأن تبديل غرفة الفندق والسعر الجديد الذي ترتب على الغرفة ؛ أبتسم (زُهَير) وقال ليّ وهو ينهض مِنْ جلسته:
- سوف احاول تسوية الأمر مع إدارة الفندق.
لحظات وعاد لنا وهو يبتسم؛ قلت له :
- بشرنا ماذا حدث (حمامة غراب)؟
 أجاب وابتسامة كبيرة على محياه :
-أكيد (حمامة) يبقى السعر كما اتفقنا أول مرة معهم (85) دولار مع الفطور.
 أهدينا الى أحبتنا (أبو سارة وزوجته) ما جلبناه لهما من هدايا تذكارية، قدما شكرهما الجزيل عَلَى ذلك ؛ وكذلك ناولته هدية إلى ابنتيهما الشابتان اليافعتان ( سارة وَ مروة) والتي كانت عبارة عَنْ مداليات فضية و بسلاسل فضية لخريطة(العراق) كانَ قد اوصاني عليهما صديقي (زُهَير) عندما طلبتُ منه أي شيء يرغب أَنْ أجلبهُ لهما مِنْ العراق، رفض فِي البداية وبعدَ إلحاحي الشديد عليه قال:
 ـ ابنتاي (سارة وَمرة ) ترغبان بمداليات فضية لخارطة العراق!
أخبرنا صديقي (زُهَير) انهما سوف يتركانا هذا المساء للاستراحة والتهيؤ لصباحِ يومِ غدٍ ، وأطلعنا عَلَى ما أعده لنا مِنْ برنامج للأيام القادمة لزيارة بعض مِنْ معالمِ القاهرة ...
قبل أن يغادر صديقي قال لي:
ـ هل معك فلوس بالعملة المصرية (جنيه)؟
- أخبرته لا توجد عندي ، إذ أني لمْ اصرف لحد الآن.
 أخرج صديقي(زُهَير) مبلغ (1000) جنيه مصري ،وناولني إياها وهو يقول :
- خذ هذا المبلغ لغاية ما تصرف فلوس مصرية غداً ...
شكرته عَلَى ذلك ، وأخذتُ المبلغ، وَوَدعناهم عَلَى أملِ اللقاء صباح اليوم التالي...
طلبتُ مِن استعلامات الفندق رقم شفرة الأنترنيت (الكود) اعطاني أكثر من رقم أي اكثر من شبكة ، ذهبت مباشرة إِلى الغرفة وأخرجت جهاز الكومبيوتر، وكتبتُ في شبكة (كوكل) موقع الفندق الذي نسكنه(فلامنكو) فِي الزَّمالِكِ/ اَلقَاهِرَة ...
سررتُ جداً أنْ يكون سكننا فِي (حَيّ الزَّمَالِك) فَهو مِنْ الأحياءِ المصريَّة المحفورةِ فِي أعماقِ الذاكرة ففي (حَيّ الزَّمَالِك ) أقام اغلب الفنانين المصريين وصورت الكثير مِنْ الأفلام في قصورها وفللها وشوارعها،  وفيها (فيلا أمّ كلثوم) ومقر (فريق الزَّمَالِك) و(برج اَلقَاهِرَة)، وَمَقرات العديد مِن سفاراتِ دولِ العالم؛وكذلك فِيها (مَبنى دار الأوبرا المصرية )والتي افتتحت عام (1988) وللعلم (مبنى دار الأوبرا المصرية) هي منحة مِن (الحكومة اليابانية) إلى مصر، ويعد (حَيّ الزَّمَالِك) سابقاً مِن الأماكن الأرستقراطيّة الراقيّة فِي مصر!

الفندق يُقيَّم بـ (أربعة نجوم) يَقع وسَط (جَزيرة الزَّمالِك) فِي القاهرة،عَلَى شارعِ (أبو الفدا) ؛ حَي الزَّمالِك فِي اَلقَاهِرَة عبارة عَنْ (جزيرة) أو كَما نسميها (جَزرة) كبيرة المَساحة تَقع فِي وسَط ( نَهر النِيل) تحيط بها المياه مِنْ جَميعِ الجهاتِ!
 تَرتبطُ  جَزيرة الزَّمالِك بالقَاهِرةِ بأربعةِ جسور، أو (كٌوبري) كما هو الدارج فِي اللغةِ  الدارجةِ المَصريَّة وَهيَ:
1-كُوبري 15 مايو، محور 26 يوليو
2-كُوبري 6 أكتوبر
3- كُوبري قَصر النِيل
4- كُوبري الجَلاء
فِي المَسَاءِ وَبَعدَ استِراحَةٍ وَ( قَيلُولَةٍ ) قَصِيرةٍ ، وَ حَمَّامٍ سَاخِنٍ ، زَالَ عَنَّا كَثِيراً مِن التَّعَبِ وَقَلَقِ وَخَوفِ اليَومِ وَلَيلَةِ الأَمَسِّ؛ كُنَّا بِلَهفَةٍ لِلخروجِ وَمُشَاهدَةِ مَا يُحِيطُ بِنَا فِي ( حَيّ الزَّمَالِكِ ) ؛ الطَّقسُ فِي القَاهِرَةِ رَبِيعِي دَرَجَةِ الحَرَارَةِ بِحدُودِ 22 م أَو أَكثَر قَلِيلاً . نَزَلنَا مِنْ الفندُقِ إِلَى شَارِعِ ( أَبُو الفدا ) ؛ الشَّارِعُ يُحَاذِي نَهر النِّيل ، رحنَا نُمَتعُ نَظَرنا بِمُشاهدَةِ انسِيَابِ مِيَاهِ النِّيل؛ الشَمسُ لمْ تزلْ تنير الفضاء، قَرَّرنَا أَنْ نَذهَبَ بِاتِّجَاهِ ( بُرج فُندُقِ أُمِّ كلثوم ) وَالذِي لا يَبعدُ عَنْ فُندُقِنَا إِلا بِضعَةِ أَمتَارٍ ، كَمَا أُخبِرنَا مُوَظَّفِ استِعلَامَاتِ الفُندُقِ عِندَ الِاستِفسَارِ مِنهُ عَنْ مَوقِعِ ( فُندُق وَبُرج أُمِّ كلثوم وَكَذَلِكَ نصبَ كَوُكَب الشَرق أُمِّ كلثوم ) .
فِي سَاحَةِ - دَوَّارِ- صَغِيرَة وَعَلَى قَاعِدَةٍ مُرتَفِعَةٍ مِنْ المَرمَرِ وَقَفَ مُنتَصِباً تِمثَال مَهِيب لِسَيِّدَةِ الغِنَاءِ العَرَبِيّ كَوكَبُ الشَّرقِ ( أُمِّ كلثوم 1889-ت 1975 ) ، دَرَّتْ حَولَ التِّمثَال تَفَحَّصتُ بَرِيقَ عَينَيهَا شمُوخ انتِصَاب قَامَتِهَا ، وَأَطَلَّتُ النَّظَرَ عَلَى قَبضَةِ يَدِهَا وَهِيَ تَحكُمُ الإِمسَاكَ بِمَندِيلِهَا.
تَمَّ  إِنشَاءُ التمثَال كَمَا مُثبت عَلَيهِ بِمُنَاسَبَةِ / العِيد القَومِي الرابِع لِمحَافَظَةِ القَاهِرَةِ فِي 7 / 7 / 2003  إِهدَاء مِنْ الدكتُور نَبِيل لُوقَا بباوي وَأُخوَّتِهِ  التَقَطنَا بِالقُربِ مِنْ النصبِ بَعضَ الصُّوَرِ ، أَخبَرَتُ زَوجَتِي:
ـ سَوفَ تَكُونُ لَنَا عَودَة ثَانِيَة لِنَصبِ السَّيِّدَة وَبُرجِ فُندُقِهَا !
 لِنَذهَب الآنَ فِي جَولَتِنَا؛ قَرَأَتُ لافِتَة تُشِير إِلَى صَالَةِ السَّاقِيَة، انها ساقية عَبد المُنعِم الصَّاوِي، فَجَمِيعُ أَبنَاءِ جِيلِنَا نتذكر المسلسل التلِفِزيُونِيّ لِلخُمَاسِيَّةِ الشَّهِيرَةِ ( السَّاقِيَة ) فَقَرَّرنَا السَّيرَ بِاتِّجَاهِهَا ؛ عَلَى بُعدِ خُطوَاتٍ كَانَتْ عِمَارَة بَيضَاءُ شَاهِقَة بِطِرَازٍ مِعمَارِيٍّ جَمِيل مُثبَت عَلَى وَاجِهَتِهَا (عِمَارَةِ أَبُو الفدا) يَقِفُ شُرطِيٌّ لِلحِرَاسَةِ، تَقَدَّمَتُ مِنهُ وَسَأَلَتهُ عَنْ المَسَافَةِ التِي تَبعدُ مِنْ هُنَا عَنْ صَالَةِ السَّاقِيَةِ ؟
رَدَ التَّحِيَّة مَعَ ابتِسَامَةٍ وَكَلِمَاتِ تَّرحِيبٍ غريبةٍ عَلينا (أَهلاً يَا باشَا) المسافة (دي أكريبه) - قَرِيبَة - تَبعُدُ مَسَافَة (فركة كَعب) .
مَا ان سَمِعَتُ جَوَابُهُ وَعِبَارَةُ (فركة كَعب) وَ أَهلاً يَا باشَا، حَتَّى شَكَرَتهُ كثيراً، مَعَ ابتِسَامَةٍ عَرِيضَةٍ اِرتَسَمَتْ عَلى وَجهَينَا أَنا وَزَوجَتِي .
 وَرحنَا َنتحاور بهذه العِبَارَة، فَهِيَ المَرةُ الأُولَى التِي أَسمَعُ فِيهَا هَذِهِ العِبَارَةُ (فركة كَعب) تَتَدَاوَلُ فِي الشَّارِعِ ، فَقَطْ كُنتُ أَسمَعُهَا فِي الأَفلَامِ وَالمُسَلسَلَاتِ الْمِصرِيَّةِ ؛ وَكَذَلِكَ فِي الأغنِيَةِ الشَّهِيرَةِ(بُشرَة خَير) لِلمُطرِبِ الإِمَارَاتِيّ (حُسَين الجِسمِيِّ) وَالَّتِي تَقُولُ كَلِمَاتِهَا :
(فركة كَعب وهتعملها قصاد الدُّنيَا هتقولها وَخَد بَقي عَهد تَعدِلهَا سَكَتَتْ كتير)
فِعلاً عَلَى بَعْدِ أَمتَارٍ يَقَعُ المَركَزُ الثَقَافِيُّ الفَنيُّ لِـ (صَالَةِ السَّاقِيَة) فِي نِهَايَةِ ( شَارِعِ 26 يُوليُو) أَسفَلَ ( كُوبرِي 15 مايُو) ، اندلفنا فِي أَحَدِ ابوابة وَ تَجَوَّلنَا فِي المَركَزِ وَاستَعلَمَنَا عَنْ نَشَاطَاتِهِ ، فَهوَ مَركَزٌ ثَقَافِيّ فَنِّي أَسَّسَهُ نَجلُ الكَاتِبِ وَالصَّحَفِيِّ وَالأَدِيب الراحِل (عَبد المُنعِمِ الصَّاوِي 1918 - ت 1934) فِي عَامِ ( 2003) عَلَى مِسَاحَةِ (5) أَلفِ مِترٍ مُرَبَّعٍ تَحتَوِي عَلَى خَمسَةِ قَاعَاتٍ، وَتقَدَّم فِيهَا العرُوضُ المَسرَحِيَّة وَالمَعَارِضِ الفَنيَّةِ وَالنَّدَوَاتِ وَالْمِهرَجَانَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالفَنيَّةِ وَفِيهَا مَكتَبَةٌ وَقَاعَةً لِعَرضِ الأَفلامِ.
غَادَرنَا (صَالَة السَّاقِيَة) وَاتجَهنَا سَيراً عَلَى الأَقدَامِ بِمَهلٍ عَلَى جسر( 15 مايو) حَتى دَخلنا (شَارع جَمال عَبد الناصر) وَسرنا مَعَ امتدادِ كُورنِيشِ النِّيل؛ أَمَامَنا بِنَايَةُ مَسرَحِ البالون ، وَعَلَى جِهَةِ كُورنِيشِ النِّيلِ نادِي نِقابَةِ المُحَامِينَ النَّهرِيِّ وَبِجوارهِ نَادِي وِزَارَةِ المَالِيَّةِ.
عَلَى امتِدَادِ ضفَتيّ سَاحِلِ نَهر النِيل افتتَحَتْ عَشَرَات الكازينهات وَالنَوادي أَبوَابَهَا لِاستِقبَالِ النَّاسِ مِنْ مُختَلِفِ المَشَارِبِ؛ الأَضوَاء تَتَلَأْلَأُ وَسطَ النَّهرِ، عَلَى السَّاحِلِ كَانَ الهَواءُ خَرِيفيٌ مُنعِشٌ. . .
 بَعدَ نَصِّ سَاعَةٍ مِنْ التَّجوَالِ، عدنَا أَدراجَنَا بِنَفسِ المَسَارِ، اشتَرَينا طَعَامَ العَشَاء (سَفَرِي) مِنْ مَطعَمِ (ماكدونالد) القريبُ مِنْ الفندقِ الذِي نَسكنُ فِيهِ، تَنَاوَلنَا طَعَامَنَا فِي غُرفَتِنا بِالفُندُقِ، وَنَحنُ نُقَلبُ قَنَوَات التلفَاز المِصرِيّ، مَا بَيْنَ قَنَاةِ القَاهِرَةِ وَالنَّاس وَالقَنَاةُ المِصرِيَّةُ الأولى وَالثانِيَة، وَرحنَا نَغط ُ فِي نَومٍ عَمِيق!
إلى القاء مع الجزء الربع /مع التحيات

58

جَبر مِنْ الحُلمِ إلَى القَبرِ

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
يَقولُ الرَّاوِي وَهُوَ يَصِفُ حَيَاةَ وَحُلم العَمّ جَبر:
 جَاءَ جَبرٌ إِلَى الدُّنيا فِي يَومٍ قَائِظٍ مِنْ أَيَّامِ شهرِ تَمُّوز
  بَعدَ مَخَاضٍ عَسِيرٍ، وَعَيشِ لَيسَ بِاليَسِيرِ
فَفَرِحَ بِهِ الأَهلُ وَالأَصحَابُ المُحِبون
فِيمَا اغتَاظَ لِمقدمِهِ البَعضُ مِنْ الأقاربِ والجيرانِ الحَاقِدِين
وَمُنذ الصِغَرِ رَاحَ يَتَعَلّمُ - جَبر- فِي المَدرَسَةِ وَيَعمَلُ
  فِي شَتَّى الأعمالِ بِجِدٍّ وَهِمَّةٍ وَإِتْقَانٍ
وَفِي فَترَةِ زَهوِ الفتوةِ وَالشَّبَابِ
أهتدى - جَبر-  لحِزبٍ ينتصرُ لكرامةِ الإنسان...
ويُكمِلُ الرَّاوِي حديثهُ نقلاً عَنْ لِسَانِ جَبر:
كَانَتْ الِاجتِمَاعات تعقدُ فِي السِّرِّ
لَكِنَّهُا كَانَتْ تَطُولُ سَاعَاتٍ وَسَاعَاتٍ
 وَنَحنُ نَتَلَقَّى الدُّرُوسَ وَنَتَدَارَسَ فِيها بعمقٍ واهتِمَام
 وَنُنَاقِشُ الأَفكَارَ وَالخُطَطَ بِكُلِّ ثِقَةٍ وَإِمعَان
 لِبِنَاءِ الوَطَنِ وَنُصْرَةِ الإِنسَانِ
مُهتَدين
بِأَفكارِ أَسَاطِينَ* المُنَظِّرِينَ الِاشتِرَاكَين
مَعَ شَيءٍ مِنْ قَوَانِينَ الدَّولَةِ وَالدِّين
 مثلنا بِالتنفِيذِ فولاذٍ لا يلين
  وَيُكمِلُ الرَّاوِي، قالَ لي جَبر:
نَحنُ أَصبَحنا الأَغلَبِيَّة عُمال وَفَلاحِين وَمَعَنَا جمع مِنْ المُثَقفِين وَالمؤيدين،
وَكَادَ الفرح أن يحلقَ بيَّ  مَعَ الطُّيُورِ وَالْعَصَافِيرِ،
وكنتُ مَعَ رِفَاقِي كُلّ يَومٍ نحلمُ بِحُلمٍ جَدِيدٍ،
 نتخيلُّ وَنحَدِّدُّ وَنرسُمُ مَلَامِحَ الوَطَن؛ وكأنها
 مَدِينَةٌ مِنْ مُدُنِ أَسَاطِيرِ أفلاطون؛ فَهيَ
فَاضِلَةٌ عَادِلَةٌ، لا مِسكِينَ فِيهَا،لا جَوعَانَ، وَلا عُريان؛
وَحَتَّى اليَتِيمُ وَالعَاجِزُ وَالمُعاقُ يكون فِي سعادةٍ وَأَمَان،
أَمَّا التَّعلِيمُ وَالعِلَاجُ فَلِجَمِيعِ سُكَّانَ الوَطَنِ بِالمَجَّانِ؛   
لا بَلْ لا فَرقَ فِيهَا بَيْنَ الخَادِمِ وَالسُّلطَان.
 وَيَستطردُ الرَّاوِي وَعَنْ لِسَانِ جَبر يَقول:
كَانَتْ أَحلامُنا تَكبرُ وأمالنا تَزدَهِرُ
 رغمَ مَا نَمُرُّ بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَعَوَزٍ وَاستِبدَادٍ وَبَطشٍ وَفَقرٍ
وَبَاتَ الحُلم قَريباً؛ بل هوَ قَاب قَوسَين أو أقرب مِنْ أن يَكُون حلماً فِي
أَنَّ يَكُون الوَطَن
 يَتَّسِعُ للجَمِيعِ وَمُخضَرٍّ كالرَّبِيع
 فِيهِ الشَّعبُ حُرٌّ سَعِيدٌ وَالعَيشُ كرِيمٌ رَغِيدٌ
وَيَتَحَقَّقُ الشِّعَارُ العَتِيدُ . . .
عِندَمَا أَفَقتُ مِنْ غَفوَتِي ، واأَسَفاه ؛ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنَّ امْسِك شَيئاً مِنهُ ، فَقَد تَلاشَى سَرِيعاً كَمَا السَّرَاب؛ كَالمَاءِ فِي الغِربَال...
 وَيَختتمُ الرَّاوِي حديثهُ ذا الشجون حَيث يَقُول: هَذَا مَا أَخبَرَنِي بِهِ العَمُّ جَبر
 وَهُوَ يُوَدِّعُ الدُّنيا  قبل ان يدفِنَ وَهُوَ حَيٌّ فِي قَبرٍ مجهول...
وَيَقولُ الرَّاوِي : بَعدَ زمنٍ، مِنْ تَنفِيذِ الإِعدَامِ
مَرَّرَتُ بِالديارِ الَّتِي قَضَى حَيَاتَهُ فِيهَا العَمُّ جَبر؛
 شَاهَدَتُ جَمعاً مِنْ خَمسَةِ رِجَال،
فَقرَّرَتُ السُّؤَالَ عَنْ حَيَاتِهِ وَرَأيِ النَّاسِ عَنهُ وَمَكانِ قَبرِهِ.
  قَالَ لِي أَحَدُهُمْ :
- لَمْ يَتَزَوجْ جَبر، وَعَايَشَ الحرُوبَ وَالحِصارَ،
وَمَسَّهُ العَوَز وَالفَقر.
 وَرَغمَ مَا لقى مِنْ السَّجنِ وَالتَّهدِيدِ وَالبَطشِ،
لكنه بَقِيَ صَابِر وَلِلعَمَلِ مُثَابِر.
لَمْ يُفَكِرْ لِخَارِجِ البَلَدِ أَنْ يُهَاجِرَ أَو يُسَافِر،
وَرَفَعَ شِعَار الهُرُوب مِنْ الدِّيَارِ عار.
فِيمَا قَالَ شَخصٌ أَخَّرَ بِصَوتٍ جَهوَرِيّ:
- جَبر يَستَحِقُّ المَوت؛ أَنَّهُ زِندِيقٌ مَارِقٌ كَافِرٌ
 وَبِعَصَبِيَّةٍ أَضَافَ رَجُلٌ أَخَّرَ وَبسبابةِ يَده يُحذر:
- أَنَّ نَهجَ مَبادِئِهِ لِلقِيَمِ وَالثَّوَابِتِ مُدَمِّر.
رَدَّ عَليهما شَيخ كَهل يتكأ عَلَى عَصاه:
- لَا تَظلم جَبرٍاً، فهوَ للكفرِ غير مُجاهِرٍ وَلِلحَقِّ وَالصدق صَدِيق مُنَاصِر.
 وَبِعصبةٍ وَحدةٍ قَالَ كَهلٌ آخِرٌ :
- لا يَستَحِق الإِعدَامَ جَبر، وَهُوَ لَيسَ بفاسقٍ أَو سارق، جَبر رَجلٌ ضد الفقر وَالظلم ثائر؛
وَأرَدفَ يَقول :
- وَكَانَ لِجَبر حُلمٌ جَمِيلٌ وَعَقلٌ رَصِين.
وَعندما سأَلتُ الحضور
عَنْ مَوضِعِ قَبرِ جَبر قَالَ الجمِيعُ :
- لا نَعرِفُ فِي أَيِّ مَكَانٍ دفن.
اِمرَأَةٌ تَلتَحِفُ السَّوَادَ، وَتَحمِلُ طِفلَهَا الصَّغِير عَلَى كَتِفِها ، كَانَتْ تَسمَعُ الحدِيثَ؛
تَرفعُ يَدها وَتَطلبُ الاذن بالحَدِيثِ ، وَبِصَوتٍ حَزِينٍ قَالَتْ:
- جَبر مَا مَاتَ ؛ جَبر لَمْ يَزَلْ حَيٌّ يُرزَقُ عِندَ أَصحَابِ الضمائِر؛ فَهوَ هنا، وأشارتْ... لقَلبها...
هَذيان مَعَ الفجرِ / مالمو فِي 8 شباط 2018
مُلاحظة : هُنالِكَ قِصَّةٌ طرِيفَةٌ تَدورُ حَول مثلٍ شعبيّ مشهور وَهوَ:
 (جَبر مِنْ بَطنِ أُمِّهِ لِلقبرِ)
 استوحيتُ هذا النص مِنها ، فَهنالِكَ عِدة آلَافٍ عاشت وتعيش معنا إلى الآن مثل العَم جَبرٍ، لَمْ تذق طعم السَّعَادة فِي حَيَاتِها؛ فَقطْ عَاشَت لَحظَة حُلمٍ، كَمَا عَاشَ الحُلم العَم جَبر.
* أَسَاطِين : أَسَاطِين العِلمِ وَالأَدبِ تَعنِي الثقَاتُ المبرزِينَ فِيهِ ، وَأَسَاطِينَ الزَّمَانِ : حُكَمَاؤُهُ

59
مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ /ج2

 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِي
أَخرَجَتُ كامرتي وَالتقطتُ بَعض الصوَرِ لِمنَظرٍ مؤسفٍ غَرِيبٍ طَالَمَا أُشَاهِدهُ فَي طريقِ الذهابِ والأيابِ مِنْ (العَزِيزِيَّةِ إلى بغداد) عَلَى طَرِيقِ قَنَاةِ الجَيشِ - طَرِيق محَمد القَاسم - بالقربِ من نقطَةِ تفتِيشِ جِسرِ ديالى، مِنطَقَة ( مُعَسكَرِ الرستمية ) وهَوَ عبارة عَن مَجاميع عديدةٍ مِنْ الأَكشَاكِ المُؤَقَّتَةِ تَعمَلُ كَمَحَلاتٍ وأسواقِ ( للقصابة ) لِبَاعَةِ أَغنَامٍ وَمَاعِزٍ وَحَتَّى أَبقَارِ وَعجُولٍ، جَمِيعُهَا افتَتَحَتْ وَتَعمَلُ تَجَاوزاً عَلَى الشَّارِعِ العَامِّ وَعَلَى القَانُونِ وَبدُون أَيّ رَقَابَةٍ صِحِّيَّةٍ ، نَعم تعملُ كأسواقٍ ومَحَلَّاتٍ لبيعِ الحيواناتِ المذكورة، وَكذلكَ لبيعِ لحوم ما تذبحها أيّ ( تذبح وتسلخ ) وَتَبيعُ اللحُوم فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ، وفِي مختلفِ الأجواءِ المغبرةِ والمتربةِ والممطرةِ والمشمسة، وعَلَى مدارِ السنة!
 طَوابيرالسَّيارَات أمامنا وبِجانبنا تَسِيرُ بتأنِي؛ وكُلَّمَا كُنَّا نَقتَرِبُ مِنْ نُقطَةِ التَّقَاطُعِ كَانَتْ (برَكَةُ) المِيَاهِ التِي أمامَنا فِي المِنطَقَةِ يَزدَاد حَجمُها وَتَنكَشِفُ المِسَاحَةُ وَالمَسَافَةُ التِي تُغَطِّيهَا ؛فِيما قَسّم مِنْ السَّيارَاتِ ركنَتْ عَلَى جَانِبَي الشَّارِعِ لا تَوَدُّ الخَوضَ فِي تِلْكَ (البَرَكَةِ) مِنْ المِيَاهِ وَمُعظَمِهَا مِنْ السَّيارَاتِ الصَّغِيرَةِ الحَجمِ ، بَعضِ السَّيارَاتِ يَتَرجل مِنهَا رُكَّابِهَا يَدفَعُونَ بِسَياراتِهِم ، بَعدَ أَنْ تَعَطَّلَتْ مُحَرِّكَاتِهَا عَنْ الدَّوَرَانِ لِإِخرَاجِهَا مِنْ هَذِهِ البُحَيرَةِ الَّتِي تَكَوَّنَتْ بِسُرعَةٍ بَعدَ سَاعَاتٍ مِنْ الأَمطَارِ المُتَوَاصِلَةِ ، مَجمُوعَةً مِنْ (الصَّبِيَّةِ) وَقَفَتْ تَتَفَرَّجُ عَلَى السَّيارَاتِ وَهِيَ تُغَامِرُ بِدُخُولِهَا لِهَذِهِ الْبُحَيرَةِ، غَير مُبَالِيَةٍ بالأمطارِ المُتَسَاقِطَةِ ، وَهِيَ تُصَفِّرُ وَتُصَفِّقُ وَتُطْلِقُ أَصوَاتُ التَّشجِيعِ وَالسُّخرِيَةِ معاً...

كنتُ أُلاحظ ان مُعظم السَّيارَاتِ الَّتِي تُغَامِرُ وَتعبرُ البركَة المَائِيَّة مِنْ الشَّاحِنَاتِ الكَبِيرة( لورِي)؛ فِيمَا سَيارَتُنَا تَتَقَدمُ عَلَى مَهلٍ أَمَامَنَا بِعَشَرَةِ أَمتَار تَقرِيباً تَسيرُ سَيَّارَة صَغِيرَة الحَجمِ ( تَكسِي ) مِنْ نَوعٍ ( سايبة ) صِنَاعَة ( الجمهورِيَّةُ الإِيرَانِيَّةُ الإِسلَامِيَّةُ ) وَهِيَ مِنْ المركباتِ الَّتِي دَخَلَتْ إِلَى الأَسوَاقِ الْعِراقِيَّةِ بَعدَ التغيِيرِ الَّذِي حَدَثَ بِالْعِرَاقِ بَعدَ عَامِ 2003 ، السَّيارَةُ تَتَقَدَّمُ فِيمَا بَدَأَتْ المِيَاهُ تَبتَلِعُ إِطَارَات السَّيارَة وَترتَفِع حَتَّى تصِلَ إِلَى حَافَّةِ زُجَاجٍ ( جَامُ ) أَبوَابِ السَّيَّارَةِ ، السَّيَّارَةُ تَتَقَدَّمُ وَأَصوَاتُ مَجمُوعَةٍ مِنْ الصَّبِيَّةِ تَصرُخُ مُشَجِّعَةً سَائِقَ السَّيارَةِ عَلَى المُضِيِّ قُدُماً ، فعلاً السَّيارَة اجتَازَتْ البُحَيرَة بِنَجَاحٍ ؛ ازدَادَ صَوتُ الصَّبِيَّةِ بِالصَّفِيرِ وَالتَّصفِيقِ مَعَ التَّزمِيرِ مِنْ أَبوَاقِ العَدِيدِ مِنْ السَّيارَاتِ لِلمُشَارَكَةِ فِي فَرحَةِ نَجَاحِ هَذِهِ المُغَامَرَةِ؛ ضَحكَ (عائد) سائق السيارة التي تقلنا وقالَ :
ـ أَكِيد سَّيارتُنا سَتجتاز البُحيرة بيسرٍ فسَيارتنا مُرتفعة وَلَمْ تَصِلْ المياه إلَى ذلِكَ المُستوى الذِي شَهدناهُ أَمَامَنا!
سَيارتنا المغامرة وَهيَ تَسيرُ عَلَى مَهلٍ وَبحذرٍشديدٍ فِي البُحيرةِ المطريةِ حَبسنا أنفاسنا؛انَّها مُغامرةٌ فِعلاً ، لَقَد كَانَتْ اَلثوانِي تَمضِي ثَقِيلة، كَأَنما تَوقَّفَتْ عَقاربُ السَّاعةِ؛ فِي تلكَ اللحظاتِ كنتُ أحدثَ نَفسِي :
ـ مَاذا نَفعلُ لَو تَعَطلتْ السَّيارة؟
- هَلْ سَنَنزِل وَنَدفَعَهَا كَمَا حَدَثَ لِلسَّيارَاتِ التِي تَعَطَّلَتْ مُحَرِّكَاتِهَا قَبلنا؟
 ـ وَمَاذا نَعمَلُ بِحَقائِبِنَا الأَرْبَعَة وَكَيفَ نَحمِلُهَا وَنَحنُ فِي وَسطِ هذا الوَحلِ؟ 
ـ هَلْ نَحنُ فِي حُلمٍ يَا تُرَى؟
 بَدَأَتْ مُقَدمة السيارة فِي الِارتِفَاعِ فَتَنَفَّسنَا الصُّعَدَاءِ،بَعدَ أَن بَاتَ الطَّرِيقُ مُمَهِّداً لَنَا بِالوُصُولِ لِهَدَفِنَا المَنشُود...
 عندما بدأنا نسيرُ فِي الطَّرِيقِ السَّرِيعِ ضَاعَفَ السَّائِقُ مِنْ سُرعَتِهِ ، لَمْ تمضِ أكثر مِن (20) دَقيقة حتى وصلنا إِلَى (ساحة عباس بن فرناس) وهيَ اخر مَحطة مَسموح للسيارةِ التي تقلنا أن تَصل إليها، هكذا حددتها السلطات العراقية؛ ومنها يَجب أن تَستأجر حافلة أخرى تقلك للمَطار وهيَ عبارة عَنْ سيارات مخصصة لهذا الغرض، انزلنا حقائبنا، وَودعنا صديقنا (عائد)، وحَجزنا سَريعاً مكاناً (نفرات) فِي احدى السياراتِ المخصصةِ لنقلِ المسافرين للمَطار؛ أجرة (النفر) الواحد(10) آلاف مِنْ الدنانيِر العراقية أَيّ ما يعادل (8) دولار أمريكي.
هنالك تغيرات عمرانية وإدارية مرتبة ومنظمة بشكلٍ أفضل للمرافق الخدمية في ساحة (عباس بن فرناس) ؛ وكذلك للسياراتِ الناقلةِ مِنْ وَإلَى المطارِ واضحةً فِي المكان مقارنةً مَعَ الأعوامِ الماضية ويمكن ملاحظتها بسهولة ؛ فَقَبلَ عامٍ تَقريباً كانَتْ السَّاحة تَخلو مِنْ أًيِّ كافتريَا أَو مرفق خدميٍّ أوحتى مِن سَقيفةٍ يَحتمي فِيها الناس - المُسافرِينَ والمُستقبلِينَ والمُودعِينَ -  كانَتْ السَّاحة غَير(مُبلطة) - مُعبدةٍ - فَقَد كانَتْ مُعاناةُ المواطِنِ فِي هذه السَّاحةِ كبيرة، فالطينُ والوحل فِي فَصلِ الشتاء؛ ما أشدها مِن معاناةٍ وأنتَ تحاولُ سَحبَ الحقائبِ مِنْ مَكانٍ لآخر في وسط هكذا مكان، فيما تتلقفك الأتربة ولَهيب الشمس الحارقة فِي فصلِ الصيفِ، لَقَد ذقتُ مرارتها بنفسِي عدةِ مرات!
 المَسافة المتبقية لغاية المطار بحدود (5) كيلومتر؛ أَعرفُ الإجراءات التفتيشية المتشددة فِي هذا الطريقِ، فَسوفَ نَجتاز عدة انواع ونقاط  مِن التفتيش منها اليدوي بواسطةِ رجال ونساء أمن متخصصين بذلك، وَتفتيش إلكتروني وتفتيش (السونار) وتفتيش بواسطة الكلاب البوليسة عَلَى مرحلتين قبل الوصول إِلَى بوابة المَطار، فالوضع العام بالبلدِ والخوف مِنْ الخروقات الأمنية، يتطلب مثل هذه الاجراءآت الصارمة والحازمة والمتعددة؛ لذلك يتطلب حضورنا قبلَ ثلاث ساعات أو اكثر إِلَى المطار مِن موعدِ اقلاع الطائرة قبل أن تتحرك السيارة أكد علينا السائق وهوَ يَجمعُ أجرة النقل:
ـ هَلْ الجَمِيع مُتَأَكِّد مِنْ أَنَّهُ يَحمِل مَعَهُ جَوَاز السَّفَرِ وَبِطَاقَةِ السَّفَرِ!؟
- أَجَابَ مُعظَمُ الرُّكَّابِ بِنَعَم.
سَارَتْ بِنَا السَّيارَة، وَبَدأنا نَجتاز نقاط التفتيش المتعددة الممتدة من ساحة (عباس بن فرناس)حتى المطار الواحدة تلو الاخرى بيسرٍ وسهولةٍ، وصلنا أخر نقطة تفتيش تَستوجب أنزال الحقائب (مرة ثانية ) ووضعها مَعَ أَي شيء تحملهُ بجانبها وَالإنتظار فِي الطرفِ الثاني، إنهُ تفتيش آخر يعتمد عَلَى ( الكلاب بوليسية) والتي تسمى (كَي ناين) إذ سبق وأَن فتشتنا فرقة الكلاب البوليسية فِي ثاني نقطة تفتيش.
أنزلنا الحقائب؛ ناديتُ عَلَى أحد الشباب مِنْ العاملين لمساعدةِ المسافرين ونَقل حَقائبهم وَ أغراضهم، جاءَ ومعهُ عربة مِنْ عرباتِ المطار المخصصة لحملِ الحقائبِ؛ حمل الحقائب سريعاً في العربة ، ورصفها بالطابور، وترك العربة بجانبي وراح يراقب الحقائب والتفتيش ؛ طابور الحقائب يزداد وشاحنات متعددة وصلت المكان وهي محملة بعشرات الركاب، واضح انها رحلة سياحية جماعية (سياحة دينية) رصفت حقائبهم بالطابور ، كانَ الازدحام يزداد وعدد المسافرين يكثر فِي نقطة التفتيش معظم المسافرين مِنْ (الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) واضح من حديثهم وملابسهم يظهر عليهم أنهم كانوا في زيارة للعتبات المقدسة في العراق؛ فيما كنت اراقب الطابور جاء أحد المسافرين عمرة بحدود (50) عاماً (من كروب الزوار) واخذ عربة الحقائب التي بجواري واتكأ عليها دون اي اِستئذان قلت له :
ـ هذه العربة لي .
أخذها وَسَار بها، ذَهبتُ مُسرعاً خَلفه ، وأخبرتهُ أنَ العربة تعود ليَّ!
لَمْ يبالِ بحديثي، أخبرتهُ باللغةِ الإنكليزية أنَ العربة تعود ليَّ، كذلك لَمْ يبالِ أو يَكترث وأخذَ ينظر ليَّ ويهز رأسه كأنه لا يفهم حديثي ومقصدي.
أمسكتُ بالعربةِ وسحبتها بالقوةِ منه وأخبرته أنها تعود لي، وعدتُ بها أدراجي إِلى مكاني الأول ، تركني وهو يتلفت فِي كلِّ الاتجاهات عسى أنْ يَحصل عَلَى عربة جديدة.
أكتملَ التفتيش، وحَمَلَ الشاب-عامل الخدمة- الحقائب فِي العربةِ وسار بنا إِلَى بوابةِ مدخل صالة المطار ،أكملنا إجراءآت التفتيش فِي البوابةِ الأولى ووضعنا الحقائب مرة أخرى في عربة نقل الحقائب، إِلَى بوابة ثانية وأجراء تفتيش آخر يشبه الأول، وَلَمْ يزلْ الشاب معنا لمساعدتنا
 
أصبحنا فِي الصالة المؤدية إِلَى (كاونتر) الطائرة لغرضِ شَحنِ الحقائب واستلام (البوردنك باس) أوصلنا الشاب لغاية ( الكاونتر)، نقدته أجور خدمة تَحميل الحقائب وَدفعَ العربانة (10) ألف دينار عراقي وشكرته، وناديتُ عليه مرة اخرى وأعطيته ألف دينار عراقي إضافية ابتسم بمرحٍ وشكرنا !
 ذَهبتْ الحقائبُ إِلَى الطائرةِ وذهبنا لنقطةِ تفتيش اخرى (كاونتر) لضباطٍ مِن وزارة ِالداخلية ، لختمِ جوازاتِ سفرنا بـ (طمغة) المغادرة وبعدها نقطة تفتيش أخرى للحقيبة اليدوية المسموح لك ادخالها في الطائرة قبل أَن تصل قاعة الترانزيت؛ أخيراً ها نحنُ فِي (صالة الترانزيت) نتنفس الصعداء، بَعدَ هذا القَلقِ والإرهاقِ وَالتعَبِ والعَناءِ!     
فِي صالةِ الترانزيت جلسنا فِي أحدى (الكافتريات) واخترنا بعض أنواع الشَطائر(السندويش) المعروضة كفطور مَعَ القهوة وعلبتين مِن الماء، وَفِيما نَحنُ نَتناولُ الفطور التقطنا بعض الصور، وتلفنتُ إِلَى أبن أخي (بَسام ) أخبرته أننا وصلنا فِي وقتٍ مبكرٍ وممتاز جداً إِلَى صالةِ (الترانزيت) بسلامٍ وسهولة وكذلك اتصلتُ بالأصدقاء( سَيد سَعد الصُمَيدعي، وحَسن الزَماخ) في مدينة (العَزِيزِيَّة) أطمأنهم عَلَى سلامةِ وصولنا المَطار، وَبعثتُ برسالةٍ (للسويد) عَلَى خدمةِ ( الفايبر) إِلَى وَلَدي (مُخلّد) وأبنتي(ريام) وأخبرتهم بِوصُولِنا للمطارِ بِسَلام ، لِكونِ الجَميعَ كانُوا يتابعونَ مَعنا بقلقٍ غَزارةِ أمَطارِ ليلةِ أمسِ، وَما سوفَ يَحصلُ لَنا مِنْ جَرائها!
وَأَنا أرتشفُ القهوة بَعثتُ برسالةٍ إِلَى صديقي فِي القَاهِرة (أبو سارة / زُهير رَضوان) أخبرهُ بموعدِ وصولنا (مَطار القاهِرة الدولِي) ورقم الرحلة، بَعدَ لحظات جاءني الجَواب مِن صديقي (أبو سارة) أنهُ سوفَ يكون بالانتظار قبل هبوط الطائرة فِي بوابةِ الخروج!
ثمَ فَتَحتُ الهاتف النَقالَ، وأَدرتُ مُحركَ البحثِ (كوكل) وكَتبتُ (عَباس بْن فرناس) فَكل من يُسافر مِن وَإِلى بَغداد عَن طريقِ مَطار بغدادَ الدوليِّ ، لا بدَّ أن يَمر عَلَى تِمثالِ وسَاحةِ (عَباس بن فرناس):
 - فَمَنْ هُوَ يَا تُرى؟
-ومِن أيّ بلدٍ وأينَ ولدَ ومَتى توفيَّ؟
 - وَماذا كانَ يَعمل؟
 فالمعلومات التِي نَعرفها عَنهُ إِنه أَول من حاولَ الطَيران فِي الفضاءِ، وَماتَ بسببِ تلك المحاولة!
وَجاءَ الجَواب سريعاً مِنْ كوكل : ( هو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني (810-887 م) وهو عالم مخترع موسوعي، مسلم أندلسي،ولد في رندة في إسبانيا،في زمن الدولة الأموية في الأندلس،أشتهر بمحاولة الطيران، إضافة إلى كونه شاعراً وعالماً في الفلك والرياضيات والكيمياء)
ولد ومات في الاندلس(أسبانيا) ويرجع أصله إلى الأمازيغ، وللعلمِ لمْ يمتْ كما يُشاع عنهُ فِي محاولةِ الطيران!
وبالنسبة للنصب- التمثال- المقام لهُ فِي الشارع المؤدي لِمَطار بغدادَ الدولِيّ ؛ هو مِنْ عَملِ الفَنان العراقي (بدري السامرائي) فِي عام 1973...     
نَهضتُ مِنْ مَكانِي وأخذتُ جولة فِي صالةِ المَطار؛ فَقَد تَعرضَ المَطار إِلَى دَمار كَبير أَثناء احتلال العراق مِنْ قبلِ قواتِ التحالفِ الدولِي (عام 2003) ؛ رغم إعادة تأهيله بَعدَ التغيير لكن مساحة صالات المطار ومرافقه الخدمية الأخرى لَمْ تَزلْ تراوح فِي مكانها كما كانتْ منذ زمن بعيد، إلا تغيير طَفيف جرى عليها؛ السوق الحرة فِي صالة المطار مساحتها صغيرة وبضاعتها المعروضة محدودة جداً، المشروبات الكحولية أصبحت فِي خَبرِ كانَ!
وَ(مَطار بغدادَ الدولِي) قَبل تَغيير النظام السياسي الذي حَدث فِي العراق (نيسان 2003)كانَ يسمى (مَطار صَدام الدولِي) وَيعود تاريخ إنشاء المطار بَينَ الأعوام ( 1979- 1982) وهوُ مُصمم للاستخدام المدني والعسكري.
فِيما ذَهبتْ زَوجتي تَتَفرج عَلَى العطوِرِ في السوقِ الحرةِ؛عدتُ إِلَى (كافتريا) المَطار وأخرجتُ كتاباً مِنْ حقيبتي كنتُ قَد هيئته للمطالعةِ أَثناءِ هذهِ الرحلة، فقد كنتُ بشوقِ لقراءته ، إذ اشتريه مَعَ مجموعةٍ مِنْ الكتبِ مِن شارعِ المتنبي، خلال زيارتي للشارعِ والتِي أَحرص عَلى زيارتهِ كلِّ مرةٍ أزور العراق، أنهُ أحد الكتب التي تتحدثُ عَنْ الشاعر والأديب السوري ( محمد الماغوط 1934-ت 2006) عنوان الكتاب ( رسائل الجوع والخوف) تأليف (عيسى الماغوط) إصدار (دار المدى)، ورحتُ التهم صفحاته، مَعَ فنجانِ جديد من القهوة!
وللكاتب والشاعر ( محمد الماغوط) كتب العديد من المسرحيات ومنها المسرحية السياسية الاجتماعية الهزلية الشهيرة (كأسك يا وَطَن).
 
اعلنَ نداء مكبر الصوت التوجه إِلَى بوابة المغادرة للطائرة المتوجه إِلَى مطار القاهرة الدولي، توجهنا بسرعةٍ للبوابةِ ، كانتْ الاجراءآت التفتيشية روتينية بين اليدوية (الجواز والبطاقة) وأجهزة السونار وَجهاز (أكس راي) للحقائب المهم كانتْ سهلة وسريعة ، بعدَ أستراحة قصيرة تم السماح لنا لدخول الطائرة؛ وأخيراً حَلقت بِنا الطائِرة فوقَ (بَغداد) فَرحنا وَرحنا نحدق النظر بشوارع وأبنية (بغداد) وما يحيطها من بساتين النخيل والحقول، بعد أَن حلقت بعيداً بينَ وداع العراق ورهبة التحليق في الفضاء والخوف الذي تملكني وأنا أستمع لصوت من جوفِ الطائرةِ يتلو برهبةٍ (( دعاء السفر)) وكأني فِي رحلةِ للموتِ!
وزعتْ عَلينا الصحف المصرية فِي الطائرةِ (أخذتُ صَحيفة الأخبار والأهرام وأخذتْ زَوجتي صَحيفة رُوز اليُوسف) ورحنا نَتصفح صَفحاتها وأخبارها المتنوعة، وتناولنا وجبة غداء فِي الطائرةِ مَعَ القهوةِ والشاي.
  فِي الموعدِ المحدد لهبوط ِالطائرةِ الساعة الواحدة وخمسون دقيقة ظهراً مِنْ يومِ 29-10-2015 حَطتْ الطائرة بمطار القاهرة الدولي بسلام.
إلى اللقاء فِي الجزءِ الثالث/ مَعَ التحيات

60


مِنْ العَزِيزِيَّةِ إِلَى ربُوعِ بَلدِ الكِنَانَةِ /ج1

يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيِّ
28-10-2015
هذه اللَّيْلَةُ هِيَ لَّيْلَتُنا الأَخِيرة مِنْ أيامِ سَفرتنا مِنْ مَملَكةِ السويِد للعراق، لكن قبلَ أنْ يودعَ النهار أنفاسه، تَلَبَّدَتْ السَّمَاءُ بِالغيُومِ، وَبدأتْ تهطلُ علينا بزخاتٍ كثيفةٍ مِن المطرِ غَير المتقطع، مصحوبةً بالزوابعِ الرّعديّة المدويّة، ويرافقها وَمِيضٌ ساطعٌ مِن البرقِ الوهّاج الذي يَجعل القلوب تطرب لمشاهدته وتهلع لِمَا يُصَاحِبُهُ مِنْ حَرَائِق وَأَحدَاثٍ غَيرُ مُتَوَقَّعَةٍ.
 مَعَ حلولِ المساءِ وَعَلَى أصواتِ الرعدِ المزمجرةِ وزخاتِ المطرِ المنهمرة ِ، بدأنا بِتهيئة ورَزم حقائب السفر استعداداً لرحلةِ صباح اليوم التالي، مِنْ بغدادِ للقاهِرةِ؛ أعددنا وجبة العشاء (اسياخ) مِنْ لحمِ الدَجاجِ ( تكة دجاج بالتوابل) مَعَ الطماطمِ المشويّة عَلَى الفحمِ فِي كراجِ البيتِ مَعَ الطُرشيّ وخبز التنور العراقي؛ ودعنا شقيقي( أبو بسام) وعائلته وكذلك أبن أخي(بسام وعائلته) وذهب كل إِلَى دارهِ، فبيتيهما بالجوار من(البيت الكبير، البيت هو إرثٌ للعائلة جمعاء ).
يَوم أمس كنتُ قَدْ اخبَرتُ زوجتي وأبن أخي (بسام) عَنْ توقعات الأنواء الجويّة ،وتَحذيراتها مِنْ المنخفضِ الجويّ الذي سَوفَ يَضربُ البلاد والمصحوب بِهطولِ الأمطارِ الغزيرةِ؛ كذلك سيصحبه انخفاضٌ قليلاً بدرجاتِ الحرارةِ!
مَعَ هطول أول زخات المطر، توقف تيار الكهرباء الوطنية- كما يسميها العراقيون- عَن تجهيزنا بالكهرباء، تحولت الطاقة الكهربائية  بشكل تلقائي عَلَى (المولدة الكهربائية ) المشتركون بها في الحارة بأجور شهرية، بقيتُ افكر وجلاً طوال فترة تساقط الأمطار الغزيرة التي لَمْ تتوقفْ؛ هل يتمكن سائق السيارة الذي اتفقنا مَعهُ أن يصل إلينا صباح الغد؟
وَهَلْ يتمكن مِنْ اخراجنا مِن البيت فِي(  قضاء العزيزيّة/ محافظة واسط ) ويصل بنا بسلام إِلَى مطار بغداد الدولي فِي غرب بغداد ( أبو غريب)؟
 المسافة تقدر بحدود (130 كم )؛ وبهذا الجو المشحون بزمجرةِ رعيده وبريقه، وأمطاره المدرارة الوفيرة المستمرة !؟
 مِنْ حينٍ لحين أُتابع نشرات الأخبار، فَفِي إِحدَى الفَضَائِيَّاتِ العِرَاقِيَّةِ تُعلِنُ ان يَومَ غَدٍ (عطلة رسمية) فِي (العاصمة بغداد) بسببِ استمراِر هطولِ الأمطارِ الغزيرة!
الخبرُ زادَ من قلقي أكثر؛ أذن عَلى ضوء معلوماتي وتجاربي السابقة العديد مِن مناطق بغداد وشوارعها سوف تَغرق وتُغلق مِنْ جراءِ هطولِ الامطارِ!
لَمْ أنمْ ساعة واحدة طوال ليلة أمس، فزخات المطر ووميض البرق وصوت الرعد ،وموسيقى خرير المياه من المزاريب، وهي تعزف لحن انشودة المطر، وصوت تدفق انسيابها تعيد بيَّ الذاكرة لأيامٍ خلت!
كنت أفكر بالحقائب الكبيرة الثقيلة التي معنا، كيف سوف ننقلها في حالة عدم تمكن السيارة صباحاً من الوصول الى باب الدار، هل سوف سنحمل كل هذه الحقائب - حقيبتان كبيرة واثنتان أخرى صغيرة -   الى الشارع العام على رؤوسنا (علماً إن الشارع ليس بالقريب)!
كُلَّ هَذِهِ الأَسبَابِ مجتمعةً ساعدتْ فِي طردِ النومِ مِن عيني، فزادَ فِي النفسِ القلق، فصاحبني طوال الليل الأرق.
 
كنتُ قَد اتفقتُ مَعَ صديقي(أبو حَوراء) سائق السيارة(التكسي)أنْ يأتي بسيارتهِ فِي الساعةِ السابعةِ صباحاً، فَموعد إقلاع الطائرة (المصرية) فِي الساعةِ (الثانية عشر وعشرين دقيقة).
29-10-2015
 فِي الساعةِ السادسةِ صباحاً اتصلت بابن أخي( بَسام، أبو أمير)، أَيقظته مِنْ النَّومِ ، طلبتُ منهُ الحضور لتدارسِ الموقف الجديد، عَلى ضوء كميات الأمطار التي هطلت وَلَمْ تزلْ تنذرنا بالمزيد، يقع بيت أبن أخي (بسام) مقابل بيتنا، تفصل بيننا ساحة ( مساحة فارغة شاغرة) يستغلها صبية الحي أحياناً كملعبٍ لكرةِ القدمِ!
كانَ مِن المفترض أن تكون هذهِ الساحة حديقة( متنزه) للحي الذي نسكنه منذ أول أنشاء هذا الحي عام (1983)، كَما مثبت فِي خريطة التخطيط العمراني الأساسي للحي، لكن الحمد لله لغايةِ تدويننا لهذه المدونة لَمْ تصادرها أو تتقاسمها شلة متنفذة، كَما حَدثَ ويَحدثُ فِي الحدائق العامة فِي عراق ما بَعدَ 2003؛ فالمتنزه كَما مثبت فِي المخطط العمراني الأساسي - مُسقط عَلَى الخارطِة -محفوظاً في الأدراجِ الرسمية لبلدية المدينة والدولة، ويُرحلُ مِنْ خطةٍ إِلَى خطةٍ وَمِنْ سنةٍ إِلَى سنةٍ أخرى!
 فَسَرَّحَتْ فِي تَفْكِيرِي بَعِيداً
 رُبَاهُ
كَمْ مِنْ التَّغَيُّيرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ حَصَلَ
( 34 ) عَامًا مَضَتْ
 مُذْ سَكَنًا هُنَا فِي هَذَا الْبَيْتِ
 كَمْ مِنْ الْأَنْظِمَةِ شُرعَتْ وتَبَدَّلَتْ
 وَمِنْ الْحُكُومَاتِ تَعَاقَبَتْ
 وَمِنْ أمْوَالِ الشَّعْبِ بُدَّدَتْ ونُهبت
 وَ كم مِنْ الْحُرُوبِ نَشِبَتْ وَتَوَقَّفَتْ
 وَمِنْ النَّاسِ وُلِدَتْ وَمَاتَتْ
 أَوْ هَاجَرَتْ وَتَشَتَّتَتْ
لَكِنَّ مُتَنَزَّهَ سَاحَتِنَا وَشَوَارِعَ حَارَتِنَا
 عَلَى حَالِهَا لَا تَعْرِفُ التَّغَيُّيرَ،
 ثَابِتَةً عَلَى الْخَرَائِطِ كَمَا رُسَمَتْ .
  كَالْمَذْعُورِ صَرَخْتُ
 يَا إِلَهِي
  وَبِدَهْشَةٍ نَظَرْتُ إِلَى ارْتِفَاعِ النَّخَلَاتِ الْبَاسِقَاتِ
الَّتِي تَتَطَاوَلُ بِجُذُوعِهَا لِتُعَانِقَ السَّمَاءُ وسرعان ما
 رَجَعَتْ بِي الذَّاكِرَةُ مُسْرِعَةً
 إِلَى مَا قَبْلَ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثُينَ عَامًا مَضَتْ
 فَهَذِهِ النَّخَلَاتُ الثَّلَاثُ الشَّاهِقَاتُ
أَبِي هُوَ مِنْ
 اشْتَرَاهَا وَزَرْعهَا هُنَا
 وَبَعْدَ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ رحل من رعاها وأقامها ؛ فلقد مَاتَ
كمداً مِنْ هَوْل مَصَائِب الْحَرْبِ وَوَيْلَاتِهَا،
وَلَمْ تَتْرُكْهُ أُمِّي (أَمْ فَيْصَلٍ) وَحِيدًا فِي رِعَايَتِهَا بَلْ وَ شَارَكَتْهُ غَرْسَهَا وَسَقْيَهَا
وَاسْتَمَرَّتْ تَرْعَاهَا بُعْدٌ رحيله الأبدي بِعِشْرِينَ عَام .....
وَمَاتَتْ أُمِّي . . .
 وَبَقِيَتْ نَخَلَاتُ أَبِي وَأُمِّي تَحْكِي لِمَنْ بَقِيَ تَارِيخُهَا
وَتَساءلتُ مَعَ نَفسِي تُــرى ...
خِلَالَ هَذَا الزَّمَنِ
كَمْ مِنْ الْأَحْيَاءِ الْجَدِيدَةِ فِي الْمَدِينَةِ أُنْشَئتْ وإندرست؟
وَأَنَا أَسْتَفْهِمُ مِنْ نَفْسِي
هَلْ تَوَقَّفَ الزَّمَنُ كُلَّ هَذَا الْوَقْتِ فِي حَارَتِنَا؟
يَا إِلَهِي ؛ كُلُّ هَذَا التَّغْيِيرِ وَالتَّطَوُّرِ
الَّذِي فِي الْكَوْنِ حَدَثَ وَ جَرى
وشوارعُ ومتنزه محلتنا كَمَا تَصَامِيمَهُ  وُضَعَتْ
عَلَى الْخَرِيطَةِ كحَالُةٍ ثَابِتةٍ لا تغيير فيها؛ يَظْهَرُ هِيَ بَاقِيَةٌ مَا دَامَ الْوَضْعُ بَاقٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ...
أيقضني مِنْ أحلامي صوت أبن أخي (بَسام) وهو يبتسم:
ـ صَبَاحُ الخَيرِ عمو
 طمأنني وهوَ يبتسم
ــ لَا تَقلَق، أن السيارة يمكنها الدخول والوصول إِلَى بابِ البيتِ بسهولةٍ ويسر، فأن أرض الساحة  لغاية الآن لمْ تزلْ قوية ،إذ لمْ يمضِ وقت طويل عَلَى مكوثِ مياه الامطار فيها؛ وكذلك مفروشة أيضاً بمادة - السبيس- وهي خليط من الرمل والحصى، تفرش بها الأرض لتزيد مِن صلابتها،وتسهل مرور العجلات عليها فِي مواسمِ الأمطار.   
أخبرته :
- بأنني قررتُ أن أَتصلَ الآن بصديقي صَاحب السيارةِ المتفق مَعهُ أن يأتي الآن تحسباً للطوارئ، التي يمكن أن تصادفنا فِي الطريق.
 باشرتُ بطلبِ رقم هاتف صديقي (أبو حَوراء) وطلبتُ منهُ الحضور الآن بدل الساعة السابعة، وعدني أن يأتي فِي الحال، خلال دقائق وبسرعةٍ هيئنا الحقائب وكل مستلزمات السفر، وباشرت بالتقاط بعض الصور لحديقةِ المنزلِ وقد غطتْ مَرجها الأخضر ومَصاطب الأشجار والشجيرات مياهُ الأمطار الهاطلة؛ وكذلك التقطتُ بعض الصورة (للمتنزه الموعود) والذي تحول إِلَى بحيرةٍ تتلاطم فيها الامواج!
 وأنا التقطُ بالصور، أتصل بيَّ صديقي (أبو حوراء) وأخبرني أن السيارة قادمة خلال دقائق ويقودها شقيقه (عائد)وهو شاب مهذب، وسائق ماهر أيضاً.
 الساعة السادسة وخمسة وعشرون دقيقة بانَتْ السيارة فِي الطرفِ الأخر مِن البحيرة التي تكونت أمام دارنا، وَبحذرٍ وترقب وسياقة متمهلة وتوجيهات باليدِ وجهازِ الهاتف النقال مِن أبن اخي (بَسام) وصَلتْ السيارة لبابِ الدارِ بمشقةٍ ، لكنْ بسلام!
مَعَ وصولِ السيارةِ جاءت( أم بسام) زوجة أخي الكبير ومعها أبن أخي(رافد) الذي وصل منذ عدة أيام زيارة سريعة لأهله قادماً من السويد، شاركونا في إيداع الحقائب في صندوق السيارة ، وودعناهم بالقبلات عَلَى أملِ العودةِ مجدداً للعراق بأقرب فرصة أن شاء الله!
المطر لَمْ يَنقطع ، لكن خَفتْ كثيراً غزارة تساقطه، أنطلقتْ بنا السيارة بتمهـل؛ فجميع شوارع المدينة مغطاة بالمياه وكأنَ مجاري المياه متوقفة منذ زمن!
كانَتْ السيارة تسير بحذرٍ وتمهل شديدين، انطلقت السيارة بسرعة اكثر بَعدَ أَن دخلت الشارع العام الطريق الدولي الذي يربط المدينة بالعاصمة بغداد، الشارع خالٍ من الازدحام فالسير بهذا الوقت المبكر يؤمن وصولنا بشكل أسلم وأيسر.
السيارة تقضمُ الطريق بمسيرها للوصول للهدف؛ المطر يتساقط بشكل متقطع، وأحياناً يهطلُ بزخات شديدة الكثافة. كلما كنا نقترب مِنْ العاصمةِ كانتْ حركة السيارات في الشارع تزداد كثافة. لَمْ يكن الازدحام  شديداً ككلِّ مرة بالقرب من نقطة التفتيش خلف جسر ديالى- مدخل بغداد- يظهر أن ليوم العطلة أثر كبير في كثافة الازدحام اجتزنا نقطة التفتيش بسهولة وسرعة.
مَا أَنْ وَصَلنَا إِلَى التَّقَاطُعِ المُهِمِّ بِالقُربِ مِنْ مَدينةِ( بَغداد الجَدِيدة) والطريق المؤدي إِلَى ( مدينة الدورة) وهو الطريق الذي يوصلنا إِلَى مطار بغداد الدولي حتى بان الازدحام على أشدهِ.
إلى اللقاء في الجزء الثاني/ مع التحيات


61
أدب / طَعنَةُ الغَدرِ
« في: 19:42 28/12/2017  »

طَعنَةُ الغَدرِ
يَحيَى غَازِي الأَمِيري
بَعدَ أَنْ
نَكَثَ الخَلِيلُ
العَهدَ
بلا
أَدْنَى ذَنْبٍ أَو سَبَبٍ 
مُرتَكب
وَنَفَثَ السُّمَّ
الزُّعَافَ
بِوَقَاحَةٍ دُونَ
 وَجَلٍ
وَ
 انسَلَّ كالنَشَّالِ
وَ رَحَلْ ...
بَاتَ
الفُّؤَادُ المطعُونُ
بلَدَغاتِ أَفاعٍ
وَضِيعَةٍ ماكرة؛
شَـــــــــارِدَ الـــــذِّهْنِ
أَسِـــــــيرَ الحِيرَةِ
نَدِيمَ الوَحدَةِ
حَبِيسَ الشَجَن 
و
جَفَّا العَينين الكَرَى
  فَصارَ
 الجِسْمُ سَقِيماً
والعقلُ مَذهولاً
مِنْ
هَولِ
مُكرِ رَفِيقِ الدَربِ
وَخُبثِ
 طَعنَةِ
 خَنجَرِ الغَدرِ
وخِيانةِ المَلحِ بلا
خَجَل
وَ مِنْ
رُعبِ
 صَدمةِ
الجحودِ بالودِ
وَ الوَجدِ
فَزِعَتُ
وَلَمْ أَجِدْ
 مَنْ يُبْعدُ عَنِّي
  ذَاكَ
الْأَرَق
وَيُعِيدُ لِلجَسَدِ
المُسَجَّى
 النَّسَمَةَ
 وَ الألَق ...
فِيمَا
 صَوَّتٌ بِدَاخِلِيٍّ
 يَتَرَدَّدُ قلّ لَهُ
 وَ
 اسْتَرِحْ :
 إِذْهَبْ
 أَيُّهَا المُحتالُ المُخْتالُ
المُختَلّ
وَ
  أَعْلَمْ أَنَّكَ
  بِهَذَا الفِعْلِ
 الدَّنِيءِ الْغَادِرِ
 قَدْ قَتَلَتَ
  فِي ذَاتكَ
  الحُبَّ وَالوَفَاءَ وَالوَقَارَ
 بِذَاتِ الطَّعْن
وأعلمْ أني
قَد ايقَنتُ
إِنَ وقارُكَ
ما كانَ إلا زَيفاً فِي المُقلِ
إِذْهَبْ
فَقَدْ
أَفَاقَ الفُؤادُ مِنْ غَفلَتهِ
 وَ تَعَافَى المَكلومُ
مِنْ النَّازِلَةِ وَالعِلَلِ
وراحَ يَبرئَ
مِنْ سُمُومِ
رُضَابُ القُبَلِ
الخَادِعَةُ
وَ
سَعِيرُ أَهات الغَرَامِ
 الزائِفَة
وَ بصَبرٍ وَعَزمٍ
رَتَقَ
الجِرَّاحُ النَّازِفَة.
غَادِر أَيُّهَا الغَادِر
وَ أَنْتَ
بالخِذْلَانِ
مُحَاط
 وَ بالخَيْبَةِ وَ اللَّعْنَةِ
وَ بكلِّ
 الآثَامِ
  مُحَمَّلْ
هذيانٌ مَعَ الفَجرِ ، مالمو/ السويد في  28-12-2017
نَكثَ: نَكثَ العَهدَ أو اليَمينَ نقضَهُ ونبذهُ
الكَرى: النَومُ،النُّعاسُ
السَقم : المَرض
الوِدُّ : المحبُّ، الكثير الحبّ
جحود : إنكار، لم يتعرف به
الوَجد : الحبُ
المُختال: المتكبر، اِختالَ الشَّخصُ تصرَّف بطريقةٍ تدل على التَّباهي
مَكْلُومٌ : مَجرُوحٌ ، كَلَّمُ اللِّسَانُ أَشَدَّ مِنْ كَلَّم السِّنَان
النَّازلَةُ : اَلمُصِيبَةُ الشَّدِيدَةُ


62
أدب / خَلَجَاتُ الرَّحِيلِ
« في: 20:45 20/12/2017  »
خَلَجَاتُ الرَّحِيلِ
 
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِي
غَادَرنَا الأَمَلُ
وَانْحَسَرَ العَمَلُ
وَأَصْبَحَ  العَيْشُ
يَسِيرُ أَسِيراً
مَحْصُوراً
مَا بَيْنَ بَيِّنَيْنِ
الذُّلِ وَالوَجَلِ؛
وفـِي الفَضَاءِ سَادَ
عَزْفُ مِزْمَارِ الهِجْرَةِ
معلناً
مُغَادَرَةُ الْوَطَن؛
فقَرَّرَتُ الرَّحِيلَ
بعتُ كُلَّ مَا أَمْلِكْ
مَحَلَّ عَمَلِيّ،
سَيَّارَتَيْ ،
مَصُوغَاتَ زَوْجَتِي
مَعَ أَعَزِّ الممتلكاتِ
بَيْتِي
حِضْنِ أُسْرَتِي
وَ مَلاذِي
2
قَدَمَايَ تَسَمَّرَتـا
أَمَامَ عَتَبَةِ الدَّارِ
عَيْنَايَ مَفْتُوحَتَانِ
مُغلقتانِ
لكنَهما
مَشْدُودَتَانِ
تُصَوِّبَانِ النَّظَرَ
لِهَامَاتِ سَعَفِ نَخْلَةِ ( التبرزل ) (1)
وَأَغصَانِ الليمُونِ
البارِزَةِ
فَوْقَ سُورِ قَلبي
المتوجّع
تَتَدَاخَلُ أَصْوَاتُ التَّوْدِيعِ والدُّعَــاءِ
وَنشِيجٌ فِي رَأسِي وَوجداني؛
وَبَدأ
قَلْبِي يَرْتَجِفُ
وَهُوَ يُهَاتِفُ
عَيْنَيَّ بِخَوفٍ
إبْصري
فَهَذَا
الْوَدَاعُ الْأَخِيرُ
لِلدَّارِ
3
مِنْ مُسْتَوْدَعِ الْحُزْنِ
سَرِيعاً بَدَأَتْ تَنْحَدِرُ
قَطَرَاتٌ مِنْ الدَّمْعِ
تَرَقرَقَتْ
فِي مآقي
العَيُون ...
أَوْصَدَتُ الْبَابَ
وَسَلَّمَتُ لمالِكِها الجَديدِ
المِفْتَاحَ
وَأَضفَتُ
 غَمَّ هَذَا اليَومِ
  فِي سِجِلِّ قَتام (2)
أَيَّامِي
4
وَ تَغَرَّبتُ
وَفِي صَدْرِيَّ غُصَّةٌ (3) 
وَ صَوْتٌ
لَمْ يَزَلْ
يَصْرخُ  في كُلِّ لَحْظَةٍ
لِمَاذَا...
 لِماذا هَشَمتمْ 
قَلْبَ البُلبُلِ
بإزمِيلِ الرَّحيلِ (4)
لِمَاذا...

هَذَيانٌ مَعَ الفَجرِ،  كُتبتْ فِي مالمو 20-12-2017

 (1) التبرزل : أحد أصناف أشجار النخيل العراقية الممتازة ،ومن أبرز ميزات نخيل (التبرزل) إنَ القمة غالباً ما تنشطر الى قسمين لتكون رأسين أو اكثر في النخلة الواحدة.

 (2) قَتام: ظَلام، سَواد ، الظلامُ كثيفُ السوادِ

(3) الغُصَّةُ: أَلمٌ وحُزنٌ وهمٌ وغمّ شديد متواصل

 (4) الإِزميل :آلة من الحديد أحدُ طَرفَيها حادٌ ينقر بها الحجر والخشب،أو لقطع الحجارة والخشب أو المعدن،وهي شفرة الحَذَّاء - صانع الأحذية-






63
أدب / رُهَــابُ المَطَـرُ
« في: 19:48 20/11/2017  »

رُهَــابُ المَطَـرُ
 
يحيى غازي الأميري
أنتَصَفَ اللَّيْلُ
جَدَدتُ كأساً مِنْ النبيذِ الأحمَرِ
أَجْلِسُ وَحِيداً فِي صَالَةِ شَقَّتِنَا
عَيْنَايَ مُتَسَمِّرَتَانِ
  لِلنَّافِذَةِ الْوَاسِعَةِ
تَرْنُو بِوَجَلٍ لمَنظَرِ
 إِنْهِمَار المَطَرِ
خَلفَ لَّوْحُها الزُجاجِي الشَفّافْ
وأَنا مُنهَمكٌ أستمعُ إلى أغنيّةٍ
شَجيّةٍ :
(بَيّنْ عليه الكبر... والحَيل راح الحَيل
 بالغربة ضاع العمر... وامساهر أويه الليل)
يُخَالِطَها صَوْتُ زَمجَرة المَطَر
وهَزِيْزُ الرِّيحِ
يُطيحُ بأوراقِ الشَجَرِ
ويَعْصِفُ بشباكِ نافذتِي
ويُخفِي ضَوْءُ القَمَر.
 سُحُبٌ رمادِيةٌ غامقةٌ
تَجرِي مُسرعةً
محملةً بمياهِ البَحَر.
يَومٌ مَطِر
ها قَدْ
مَضَتْ ثمانيّة ساعاتٍ متتاليةٍ
وَلَمْ يَنْقَطِعْ صَوْتُ الرَّعْدِ
 وَوَمِيضَ الْبَرْقِ
 وَخَرِيرِ الْمَطَرِ
أَيَّتُهَا السَّحْبُ الْغَاضِبَةُ
مُهِمّا تُبْرِقِينَ وَ تَسْكُبِينَ مِنْ الأمَطارِ
لَنْ أَخَافَكْ
إِنَّ الْبَيْتَ هُنا حَصِينْ،
والطُرقاتُ والشَوَارِعُ
والحَدائِقُ
فِرْدَوْسٌ أَمينْ.
رَحلتُ بَعيداً..بعيداً
بِذاكرَتِي
أَستذكرُ أشياءً مِنْ لَيالِي الخَوفِ
 الحَزينةِ.
 رُعْبٌ مُزْمِنٌ
مُسْتَقٌر
فِي أعماقِ صَدرِي
مِنْ أَشْيَاءٍ عَدِيدَةٍ 
أَوْرَثَتْنِي الْخَوْف وَالْهَلَع
مِنْهَا هُطُولِ
المَطَر
تَذَكَّرَت القَلَقَ الّذِي يُرَافِقُ 
أُمِّي
وهيَّ تُغَالِبُ الحُزْنَ وَالدُّمُوعَ
الَّتي تَكَورَتْ خَلفَ رمُوش
عَينَيها
وَهِيَ تَرتَعِدُ
تَوجساً
أنْ ينهارَ الجِدَارُ أو سقَّف الدَّار
أو يَتَهاوَى التَنُورُ
أو قُنُّ الدَّجاج
المُسْتَكِين فِي أَخَّرِ المَمَرّ
أو أنْ تغمرَ
المِياه
مَوضَعَ حَرز غلة الحُبوب
مِنْ كثرةِ تَساقُطِ المَطَرِ.
وكُلَّما اِشْتَدَّ المَطَر
ونَحْنُ نَجلسُ القُرْفُصاءَ
عَلَى ضَوءِ سِّراجٍ خافتٍ
حَولَ مَوْقِدُ الجَمرِ
تَتَحَدثُ أُمِّي
 بِصَوتٍ خَفيضٍ
عَنْ مأساةِ
بِرَكِ الماءِ
فِي شَوارعِ المَدِينَةِ
وتَخَبط ِ
 الأطفالِ فِي الأَوحالِ
 الَّتي سَوفَ يخلفها المَطَر.
خَلَّفَ بَابُ غُرْفَتِنَا الْمُغْلَقِ
 وَشُبَّاكِهَا الْمُوصَدِ
ظَلَامٌ دَامِسٌ
وَرِيَاحٌ عَاصِفَةٌ  تَزْأرُ
وكِلابٌ تَعْوي
مَعَ كُلٍّ
  وَمْضَة بَرْقٍ
وَصَوتِ رَعدٍ
أَبي يَبتَسِمُ ضاحكاً
 وَهوَ يُدَاعِبُ خَرَزَاتِ مَسبَحَتِهِ
وَ يُرَدِّدُ
بِصَوْتِهِ الوَقُورِ
- إِنَّ أَفْضَلَ أنْوَاعِ الخَيَرِ
 هوَ خَيْرُ المَطَر.
أَيُّهَا الْمَطَرُ، أَيُّهَا الْقَادِمُ مِنْ السَّمَاءِ
كَمْ أَرْعَبَتْنِي فِي لَيَالِي الصِّغَرِ
وَأنتَ تَحجِّبُ عَنْ عينيَّ
لَمَعانِ تَلألؤِ النجُومِ
ووَجهِ القَمَر.
يَا أيُّهَا المَطَر
يَا مانح المياهَ
 للحَياةِ
ومُدِيمِ عُنْفُوانِ الشَجَر 
كمْ أحُبّكَ
رَغمَ الذُعْر
المُستَتَر.
هَذَيَانٌ  مَعَ الْفَجْرِ ، مالمو فِي  20-11-2017
الرُهَابُ: وهوَ الخَوفُ مِنْ مُسَبِّباتِ الهَلَعِ المُختلفة
 بَيّنْ عليه الكبر: أغنية عراقية غناها المطرب حسين نعمة من كلمات الشاعر الشعبي فاضل لفته ، والحان الفنان عباس ضاري
هَزِيْزُ : صَوْت حادّ يُشبه الصَّفير، هَزِيْزُ الرِّيحِ: دَويُّهُا
عٌنْفُوان: زهْوه وغَطْرَسَته


64

مُخيمٌ للنازحِين فِي فَصلِ الخَريفِ
 
يحيى غازي الأميري
بَردٌ  و وَحَلٌ
وجُوعٌ و رِيح
هُوَ حَـالُ
لَيالِينا الغارِقَةِ بالجنونِ .
فَصْلُ الخَرِيفُ،
يَلسَعُنا  كسياطِ
الجَلادِين.
الآمالُ تَتَساقَطُ
مِنْ
سنِينِ العمرِ
مَثلِ
حَبّاتِ المَطرِ
فِي جَوفِ
رمالٍ قاحِلة.
مُستقبل أطفالنا
كأحلامِ الشَحاذِين
سَتَتَلَقَفها {إنْ عاشتْ}
المَنافِي
والأرصفةُ الخاويّةُ
إِنَها سنينٌ متناثرةٌ
متطايرة الأحزانِ
تَطايرَ أوراقِ شجرٍ
فِي مَهَبِّ ريحِ
الخَريفِ العاتِيّة،
أما حَياتنا ...!
فالمَوت هُنا  يَتَرَصَدُنا
فِي كلِّ حين،
والخَوفِ يُرافقنا
كالحِدادِ فِي
 مَقابرِ النازحِين.
سَلوى لِمَنْ لا سَلوى لهُ
سوى
الحُزْنُ يَسكننا
ويُؤَوّينا
بَعْدَ ما
  غَرَزَ العَوزُ و الإمْلاقُ
أَنْيابَ
الذُلَّ والفاقَةَ
و الحِرْمان فِينا
و
جَفَتْ
ضَمَائِرُ قُوَّادِ
رَكْبَ* الحَربِ
فِي سُوحِ المَيْادِين**
هذيانٌ مَعَ الفَجرِ ، مالمو في 15-11-2017
بعض معاني الكلمات التي وردت بالنص
* رَكْب: مَوكِب، قَافِلَة ، رَهْط
**مَيْدانُ الحَربُ : ساحَته


65
أدب / مُبْعَدٌ في البَردِ
« في: 20:15 05/11/2017  »

مُبْعَدٌ في البَردِ


 
يحيى غازي الأميري

هجومُ حَشْودِ الرزايا
يفجّرُ براكينَ الشَجنْ
ليةَ أمسِ أستقرَّ
فِي رأسي الأرقْ
عينايَّ حزينتانِ
وهما تُنصتان،
وتنظرانِ بقلقٍ
إلى زمجرةِ الريحِ العاتيّةِ
والمطرُ المجنونُ
 يُطيحُ بالرطبِ النضيدِ
من نخلاتِ أُمّي الغافيّة
فوقَ بساتين الحُبِّ  والحنين
طارتْ روحي بلَهْفَةٍ لتُمسِك
حَبّةً من التمرِ
ولتقبّلَّ عيونَ
حماماتٍ تلوذُ خائفة ً
بينَ سَعَفِ النخلِ.
أدركني الوقت مسرعاً.
شَهْرٌ ونُصف قَد مَضَّى
وعَصفَ بي شَوق و هَمٌ لما
يَنتظرني  فِي  غُربَتي
بعدَ ساعات سأغادر
دارَنا، كي أعود
لدارِ مَهجَري الجَديد،
فِي أقصى حدودِ البردِ،
قَلبي يعصرهُ الغَضب
كمنْ أَلمَّ بهِ الخَطْب
ولمْ أستطعْ أن اخمدَ ناراً
 امتدتْ بينَ الحَطب
فزادَ موقدُ أحزاني غضبا
*****
كنتُ أرنو برَهْبَة ٍ في عُمقِ عَينيها
 العسليتين وقَد غشاهما الهمُّ و التعب ؛
فما عادتْ ترى مما تعاني من وَصَبْ
 وامتَدتْ يديَ
  ألمسُ
 يَديها الواهنتين وما أصابهما
من عطبْ
وأهمُ بتقبيلِ وجنتيها ورأسها
لكن تكورتْ دمعتان كبيرتان
في مقلتي،
وأخرسَّ صوتي.
فجاءني صوتُ أُمّي
متهدجاً باكياً مستغيثاً
 ( تَمهلْ يا ولدي لا تودعني، تَمهلْ يابني
 لا تقبلني، لا لا تَبعدْ
وتَسحبُ من تجاويفِ القلبِ نفساً عميقاً
وبصوتٍ واهنٍ تحدثني:
أني بحاجةٍ إليك يا يحيى ، أبْقَ مَعِيّ ، هذهِ أخرُ أنفاسي
فما عهدتُ قلبكَ حجراً قاسياً)
 وغَطتْ دموعها رأسي.
لكمْ خجلتُ من نفسيِ
بكيتُ، واِنهارتْ دموعي
كاندفاع المياهِ من السـَّـــدِ
ففقتُ من صدمَتي
بعدما الدمعُ
نضبْ
فخرجتُ من الدارِ مكسورَ الفؤادِ.
حزيناً، مهموماً، مخذولاً
أتَعثرُ بخُطايّ
لا أعرفُ هلْ أحثُ الخُطى أمْ أَسيرُ على مهلِ؛
 لأبحث عن جوابٍ شافٍ؟
هلْ أعود لحضنها الدافي
أَمْ الغربةُ باتَتْ قَدَري
وبها قَدْ يَموتُ إحساسي؟

كتبت في مالمو 04-11-2017

معاني بعض المفردات التي جاءت بالنص:

خَطْب: مكروه؛ الجمع :خُطُوبٌ
الوَصَب: الوجع والمرض ، التعب والفتور في البدن؛ الجمع: أَوصابٌ



66
لُغة الفايكنج* (الرونيّة) في أُمسيةٍ ثقافيةٍ في مكتبةِ روزنكورد/مالمو

يحيى غازي الأميري
 (اللُّغَةُ هي نسقٌ من الإشاراتِ والرموزِ، تشكّل أداةً من أدواتِ المعرفةِ، تعتبر اللُغَة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجمتع في جميع ميادين الحياة، وبدون اللغة يتعذر نشاط الناس المعرفي). هكذا جاء تعريف اللغة في موسعة المعرفة (ويكيبيديا )العربية.
 لم أكنْ على معرفةٍ بموعدٍ مسبقٍ للأُمسيةِ الثقافيةِ، الساعةُ الرابعة والنصف مساءً دَلفتُ لمكتبةِ( روزنكورد) قبلَ موعد إغلاقها بنصفِ ساعةٍ، لغرضِ أغادةِ استعارة (رواية) كنتُ قد استعرتها من المكتبةِ قبل عامٍ تقريباً، وارغبُ بإعادةِ مراجعتها لما تحويه الرواية من أحداثٍ وأسماءٍ وأماكنٍ ومعلومات مهمة عن الوضع السياسي العراقي لفترة مفصلية بتاريخِ اليسار العراقي، الرواية طويلة جداً أسمها (ليلة الهدهد) للكاتبِ العراقي المقيمُ بالسويد (إبراهيم أحمد)، صدرت عام 2013. 
عند دخولي مدخل المكتبة شاهدتُ إعلاناً بارزاً باللغةِ السويديةِ وضعَ في منتصفِ صالةِ المدخل، يعلنُ عن أمسية ثقافية هذا المساء. دنوتُ من الإعلانِ وبدأتُ بقراءةِ محتواه (هذا اليوم، مؤلفٌ في زيارةٍ لمكتبةِ روزنكورد ، خريف 2017 وصورة متميزة للكاتب ( قريب الشبه إلى صورة ِطرزان)رجل يناهز الستين من العمرِ، بشعرٍ طويلٍ مسترسلٍ ترك على طبيعتهِ، وذقن غير حليق؛ مدون اسمه الكامل:
Lars Magnar Enoksen
ومن ثم يوم الأمسية الثلاثاء 24-10-2017 الساعة 1700
وشرحٌ مختصرٌ عن الكتاب ِومؤلفاتهِ التي تشير إلى (26) كتاباً عن اللغةِ الرونيّة والحياة الأجتماعيّة التي زامنتها....
فتحتُ جهاز (الموبايل) ودونتُ اسم الكاتب في المنقذِ ( كوكل) أنه كاتبٌ سويدي من مواليد السويد/ مالمو(1960) يُقيمُ في مدينةِ (مالمو) مهتم باللغة (الرونيّة )، وبتفاصيل الحياة الاجتماعيّة والطبيعة في تلك الفترة التي انتشرتْ فيها هذه اللغة؛ قلتُ لنفسي أنها فرصة طيبة أن أدخل هذا العالم ، دخلتُ المكتبة كانت للتوِ قد اكتملتْ الاستعدادات من قبلِ موظفي المكتبة لتهيئة مكان المحاضرة (رُصفت مجموعة من الكراسي في وسط الصالة الرئيسة للمكتبة بحدود (20 ) كرسياً وأمامها وعلى بعدِ حوالي مترين في الجانبِ الأيمنِ وضعَ لوح للكتابة لغرضِ التوضيح ِوالشرح ِوالى جانبها الاخر وضعتْ منضدة رصفت عليها مجموعة من مؤلفاتِ الكاتبِ. 
المقاعد معظمها غير مشغولة، الجمهور بدأ للتو بالتوافدِ اخترتُ احد المقاعد في الصف الثاني، أحد موظفي المكتبه يحاول مساعدة المؤلف الضيف (لارس) في تثبيت لاقطة الصوت على رأسه، أخرجتُ هاتفي النقال و التقطتُ لهُ صورة  وهو يحاولُ وضعَ اللاقطة ؛ دونتُ أسم أول كتاب أمامي على المنضدة وأسم المؤلف:
Runor/ Lars Magnar Enoksen
وبدأتُ أقرأ شيئاً عن المؤلفِ وحول اللُغَةِ (الرونيّة)، وأتابع الصور على اغلفةِ الكتبِ التي اصدرها وكذلك اللوحات والشواخص والأحرف المكتوبة فيها.... 
 في الساعةِ الخامسةِ وقفَ إلى جانبهِ موظف المكتبة وقدمهُ بتعريفٍ مختصرٍ للحضورِ، موضحاً إنَ هذا النشاط من ضمنِ نشاطات فصل خريف 2017 في مكتبةِ روزنكورد/ مالمو، متمنياً للحضورِ أوقات طيبة.
عدد الحضور لا يتجاوز (15) فرداً من كلا الجنسين،الجميع سويديون.
بابتسامةِ غير متكلفة رحبَ ( لارس) بالحضور وبدأ يتحدث عما سوف يقدمه هذا المساء، ثم بدأ يسأل الحضور الواحد تلو الأخر عن مدى معرفتهم بالموضوع ، وعندما وجه سؤاله ليَّ:
ــ أجبتهُ أني لا أعرف أي شيء عن موضوعِ المحاضرةِ، قرأتُ الإعلان الآن وأنا أدخل المكتبة ورحبت بالفكرة ان اسمع وأشاهد.
فيما كان معظم الحضور من المهتمين في الموضوع هذا ما لاحظته إذ كثير منهم كان مهتمين بتدوين ما كان يشرحه في حديثه في دفاتر ملاحظاتهم.
اللُغَةُ (الرونيّة)هي احدى أسماء الأبجديات للغة الجرمانيّة القديمة والتي تعود الى العائلة اللغوية الهندية الأوربية وتكتب كمصطلح (اللغات الهندو أوربية).وتعتبر الابجديّة (الرونيّة) من اقدمِ الحروفِ الأبجديّةِ التي استعملتها القبائل الجرمانيّة القديمة وخاصة الدول الاسكندينافية، وأقدم المدونات لها تعود بعد ميلاد المسيح بـ ( 100) عام.
تحتوي اللُّغة الرونيّة الجرمانية القديمة على (24) حرفاً
وفي احدى الفترات اختصرها الفايكنج إلى(16) حرفاً وأطلقَ عليها اسم( فوثارك) بعد أن جمعوا الأحرف (الرونيّة) السبعة الأولى كما مبين في اناه الأحرف (الرونيّة ) وما يقابلها بالأحرف الانكليزية
 
Futhark
وأعطوا لكلِ حرفٍ من الحروفِ اسم لأحدِ أيام الأسبوع ، وكانوا يحسبونَ السنة على عدد الأسابيع( 52) أسبوعاً، يبدأ الأسبوع من يومِ الاثنينِ وينتهي في يومِ الأحد ثم يعاد حساب الأسبوع الذي يليه...
وعندما تناول فنون عَصْر الفايكنج كانتْ الفقرة المفاجئة التي فيها الغناء، عندما قررَ أنْ ينشدُ لنا مقاطعاً من الغناءِ في اللُغةِ الرونيّة ، عدّلَ من وقفتهِ ، وقفَ بشكلٍ مستقيمٍ ، مبرزا ً قليلاً إلى الأمامِ صدره للأعلى، وعلى مهلٍ أخذَ نفساً عميقاً وهو في حالةِ استرخاءٍ تام، وبدأ غناؤه بصوتٍ جهوريٍّ، أنهُ غناء أشبه بالصراخِ بلحنٍ متميزٍ، كانَ يُغني من أعماقٍ بعيدةٍ ، يسحبُ انفاساً متتالية عميقة خلال الغناء، كان الصوت الجهوري العالي، لا ينقطع لكن اللحن يتغير بشكلٍ واضحٍ من وقفةٍ إلى أخرى، كانت طبقات صوته من الطبقات العالية في أصوات الغناء الرجالي(التينور والباريتون).
كانَ صوتهُ رخيماً قوياً عميقاً ممتداً يشقُ عنان السماء، صوت الصراخ الفطري البدائي، كشخص يريد الاستغاثة أو النجدة أو التوسل بمسك ِشيء بعيد قصيّ لايريد أن يرحل عنه، أو أنهُ يريد اثارة الرعب في صفوفِ من يناديهم كنتُ اتصور إنهُ يريد بصوتهِ هذا أن يعبرَ المحيطات والبحار والجبال عبر الغابات الممتدة على مد البصرِ؟ أو أنه يحاكي السماء يتوسلها وينذرها ..
 كيف لا وهو الإنسان البدائي الطليق الذي يعيشُ في الشمالِ الاسكندنافي، الذي تحيطه البحار وتتقاسم تضاريسه الغابات والوديان الجبال ...
انشدَ لصوته الحضور و صفقوا  لهُ بحرارةٍ بعد الانتهاء من مقاطعِ الغناءِ.
عندما سألتٌ عن أسم الأغنية التي غناها كان عنوان ترجمتها الى اللغة السويدية :
Ett minne för livet
أنه فعلاً كانَ يناجي ذكرى من الحياةِ لا يريد أنْ ينساها
خلالَ المحاضرة تحدثَ المحاضر بشكلٍ عامٍ حول اللُغَة( الرونيّة) والتغيرات التي رافقتها بينَ مدينةٍ أو مقاطعةٍ ومدينةٍ أخرى، وكذلك تحدثَ المحاضر عن المرحلِ الثلاثة التي مرت بها الأبجديّة (الرونيّة) ،حيث أختلفتْ فيها أعداد الحروف المستعملة، وكذلك اختلفت اللهجات معها، وأوضحَ أن معظم مدونات اللغة (لرونيّة) وكذلك النقوشات التي عثر عليها كانت مدونة على الصخورِ والأشجارِ وشواهد القبورِ الحجريّةِ، خصوصاً في فترةِ عَصْرِ الفايكنج.
خلال فترة ساعة وربع كان قد نقلنا الى عالمٍ سحريِّ أخر، كانتْ محاضرة غنيّة بالمعلومات الجديدة المفيدة.
في ختامِ الأُمسيةِ قدمتْ للمحاضر هَديّة (كتابين) باسم موظفي مكتبة (روزنكورد في مالمو).
التقطتُ بعضَ الصور للمحاضرِ(لارس) وهو يدون على كتبهِ ـ المعروضة للبيع ـ التي اقتنى منها بعض الحضور، توقيعه واسمه واسم المقتني باللغَةِ (الرونيّة)، وكذلك طلبتُ من أحدِ موظفي المكتبة أنْ يلتقطَ ليَّ مع الضيفِ المحاضرِ صورة، ووعدته أنْ أكتبَ مقالة باللغةِ العربيةِ عن هذهِ الأمسيةِ الممتعة. 
أبرز المواضيع التي كتبَ فيها المؤرخ والباحث(لارس) كتبه الـ (26) والتي اصدرها :
اللغَة الرونيّة
عَصْر الفايكنج والأساطير القديمة
الدليل في قراءة وكتابة وتفسير الرونيّة
الحيوانات والطبيعة في الاساطير القديمة

مالمو في 28-10-2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 عَصْرُ الفايكنج:  وهيَ الفترة الزمنيّة التي تمتدُ من أواخرِ القرنِ الثامنِ حتى منتصفِ القرنِ الحاديِ عشر،ويُعتبر عَصر الفايكنج كفترة غير حضاريّة من تاريخِ بلدان ِالشمالِ والتاريخ الاسكندنافي، فقد سادت فيها الوحشيّة و كثرت فيها الغزوات والحروب وأريقت فيها أنهار من الدماء،ويعد شعب(الفايكنج) من الشعوبِ العنيفةِ،وقد عرفوا وذاع صيتهم بركوب البحر والقرصنة.
 


67
المَملَحة والكَافوُرُ

يحيى غازي الأميري
اِضطرابٌ وفوضى لكتلٍ بشريّة، يعجُ فيها المكان، صَخَب الباعة المتجولين وتدافع الجنود ومكبرات الصوت تزداد حدة، بينما الشمسُ بدأتْ تجرُ أذيالها متجهة نحو الغرب، كانت أضواء أعمدة الكهرباء العالية تحاول أن تأخذ مكان الشمس الآفلة!.
ضجيج ٌوأصواتٌ تتعالى وتتداخل وتتقاطع،الحشود تكبر في المنطقة.
اكتظت الساحة والأرصفة والشوارع بهم، ألف، ألفان ... الأصوات تتعالى أكثر، على بعد خطوات صوت جندي بملابس (مرقطة) يصرخ بهستريا:
ـ لا توجد سيارات، من الصباح لحد الآن لم تأتِ أيّ سيارة متجهةٍ للبصرة !
العديد من مجاميع صغيرة من الجنود، بوجوهٍ حائرةٍ غاضبةٍ، تتسارعُ باندفاعها تتقافزُ راكضةً باتجاهاتٍ مختلفةٍ، وهي تحملُ على ظهـرها أو بيدها حقيبةً أو كيسَ ملابس أو أكثر، وقع أصوات (بساطيلهم) ـ أحذيتهم العسكريةـ  يشدُّ إليه الانتباه فهي توحي بالقوةِ والصلابةِ والصرامةِ.
أزدادَ تجهم وجه (مُظَفَّر) وهو يسمع أخبار الحرب ويشاهد الفوضى العارمة التي أمامه، بنظرات حزينة وخطوات متكاسلة راح يرصد ما حوله.
 المكان يغصُ بمئاتِ العربات التي تبيع أنواع متعددة من المأكولاتِ، فيما عشرات من النسوةِ يفترشنَّ أرض المكان، و يشاركنَّ الرجال إعداد وبيع المأكولات والشاي؛ دخان وألسنة نار اللهب تتصاعد من(مواقدَ) عدةٍ أُعدتْ لعملِ أباريق الشاي.
في هذا المكان تباع أغلب انواع المأكولات والمشروبات الساخنة والباردة، بعربات منتشرة بدون نظام على جانبي الطريق وتغص بها الساحة الرئيسة لمَرْآبِ ( ساحة النهضة) وكلما ازداد حلكة الظلام يزدادُ توهج الاضاءة حول العربات من الفوانيس (اللوكسات)التي علقت بمواضع عالية نسبياً؛ فتبدد عتمة الليل وما حول العربة وما تحتويه من أنواع الأكلِ، في هذه المطاعم المتنقلة كل ما يخطر ببالك من أنواع المأكولات؛ فكل عربة متخصصة بنوع أو أكثر من الطعام ( التكة والكباب ومعلاك، والمخلمة والجلفراي، والبيض المقلي والمسلوق والشوربة والهريسة، والباقلاء بالدهن، والقيمر والعسل أو الدبس، والجبن وللبن والفلافل والعمبة والطرشي والصمون والشربت إضافة لبائعي الباجة)؛ فيما أصوات بائعي( السكائر والعلكة والحب) تصدحُ في كلِّ مكانٍ لتجلِب الانتباه إلى بضاعتها!
(أم جاسم) إمرأة قاربتْ الخمسين من العمرِ تفترشُ الأرض، وحولها ألتفت حلقة من الجنودِ، بين جالسِ القُرفصاءِ وواقفٍ، يرتشفون الشاي، في هذهِ الأثناءِ وقفَ(مظفر) بالقربِ منها وحياها بودٍ :
كيفَ صحتك خالة أم جاسم (هكذا يناديها معظم الجنود)
ألف هلا بيك ، ربي يسلمك من كل شر، ردتْ عليه (أم جاسم).
 أختار(مُظَفَّر) أحد المقاعد الأربعة بقرب (أم جاسم) والذي فرغ للتو، و بسرعةٍ عدلَ (الصفيحة المعدنية) وجلسَ عليها  واضعاً حقيبته على ركبتيه ضاماً لها لصدره، بدت المرأة الخمسينية التي يلفها السواد فيما يعلو وجهها ابتسامة مغلفة بحزنٍ عميق، وكأنها لا تتوقف عن الحديث والترحيبِ بمن يجلس ويقف حولها وهي تقدم لهم أقداح الشاي.
ـ تفضل وليدي، أشربْ بالعافية.
برشفاتٍ متأنية من (استكان الشاي) راحت عينا (مُظَفَّر) تسرحُ وتتجول في المكان، وتحلّق بعيداً... ؛ فلقد أنقضى أسبوع الأجازة سريعاً، بينما الهجوم على قاطع البصرة الفيلق السابع (الفاوـ المملحة)* لم يزلْ على أشدِ ما يكون ضراوةً. صوتُ المذياع من أحدى عرباتِ بيعِ المأكولات التي بجانبهِ يصدحُ عالياً بأغنية**:
( يا كاع ترابج كافوري،علساتر هلهل شاجوري).
 (مُظَفَّر) يقشعرُ بدنه عند سماع هذه الأغنية، يتخيل نفسه جثة هامدة عارية ملقاة في (المغيسل)، إذ كان والده قد قصَ عليه كيفية تغسيل جثث الموتى بـ (الكافورِ)*** قبل تكفينهم.
كلما زادَ إيقاع صوت الأغنية صادحاً كانَ يسري رعب مخيف في بدنه ويتسلل لقلبه، نهضَ من مكانه فزعاً مرعوباً وراحَ يحثُ الخطى بين الجموعِ، وهو يحدثُ نفسه:
(ست سنوات مضتْ يا(مُظَفَّر) وأنتَ جندي مشاة أحتياط، ست سنوات وأنتَ تجوب جبهات الحروب متنقلاً ما بين موضعٍ موحلٍ رطبٍ وملجـأٍ مظلمٍ نتنٍ، تطوفُ السهول والوديان والجبال وأنت مسلوب الإرادة والرأي، تُسيّركَ وتقودكَ الى حتفِك الأوامر والتوجيهات والقوانين الصارمة،ها أنتَ تلفُ البلادَ طولاً وعرضاً أينما أشتد سعير القتال، تقذفُ بكَ إليها الاقدار والأوامر! ... إلى متى تبقى هكذا بلا زوجة بلا بيت بلا أولاد بلا رأي بلا هدف لحياتك، قلْ ليَّ بأيّ شيء نفعك بكالوريوس الفلسفة، وتعلقك بهذيانها.)
يقهقهُ (مُظَفَّر) مع نفسه: ويرددُ فَلْسَفة تعني(حب الحكمة)و(طلب المعرفة) أو(البحث عن الحقيقة)،ها قد مضتْ(عشر) سنوات على تخرجك؛ فهل جمعت خيوط البحث عن الحقيقةِ لفلسفةِ البطشِ والحروبِ والدمارِ وآخرها القتال في (المملحةِ)، يظهر يا (مُظَفَّر) إن حقيقةَ نهايتك وكافورك ستكون المملحة وملحها!
الساعاتُ تمضي مسرعة الواحدة تلو الاخرى، وهو يَركْضُ مع الحشودِ الهائجة ذات اليمين وذات اليسار، كانت كلُّ حافلة كبيرة لنقلِ الركابِ حين تقتربُ من (ساحةِ النهضةِ) ومع وصولها، تبدأ حشود غاضبة من العسكرِ، سباق الوصول اليها، والجري بِجانِبها وخَلفها،وهي تصرخُ وتضربُ بأيدها على بدنِ السيارةِ، تحاولُ جاهدةً أنْ تحاصرها وتوقفها؛ ولقد حوصرتْ أكثر من سيارةٍ، رغم الشجار والصراخ وسيول الشتائم التي يطلقها العسكر الغاضب، لكن معظم السائقين لم يفتحوا ابواب سياراتهم.
عادَ(مُظَفَّر) ليجلس على ذات (الصفيحة المعدنيّة ) المحاذية لـ (أم جاسم) ، سلمَ عليها بمودةٍ ، فهو يعرفها من كثرةِ تردده على كراجِ النهضةِ لسنواتٍ عديدةٍ ، فـ (أم جاسم) منذ بداية الحرب وهي تبيع الشاي بذات المكان ، وبمثل هذا الوقت من المساءِ حتى صباحِ اليومِ التالي!
ناولته (استكان شاي) وهي تسأله:
ـ تزوجت بعدك، ما شفتلك بت حلال؟
أجابها على الفور :
ـ يظهر القسمة بعدها ما تريد تصير!
ـ ألله كريم ولدي لا تّكُول هِيج، كل ساعة وإلها فرج.
يصمت لحظة وهو يدور بالملعقة في (استكان) الشاي:
ـ الله كريم والله يستر.
عيّنا (مُظَفَّر) تراقب منظر الجنود المتزاحمة في حركتها وهرجها ، لكنه يسرح بعيداً بتفكيرهِ، وهو يرتشفُ الشاي؛ فيعيد الموقف الصادم الذي واجهه قبل اسبوع ساعة وصوله البيت في هذه الاجازة من جبهة الحرب، والذي كاد أن يلقي فيها حتفه  قبل أن يتسلم اجازته هذه بثلاثة أيام، فقد بوغتت وحدته العسكرية بهجوم صاعقٍ ساحق، راح فيها معظم منتسبيها بين أسيرٍ وشهيدٍ وجريحٍ و مفقود، لم ينجُ من هذه المأساة إلا بضعة جنود ، ومجموعة صغيرة اُخرى فقط (عشرة جنود) و(مُظَفَّر) معهم إذ كانوا في مهمة خارج المنطقة في نفس الساعة التي حدث فيها ذلك الهجوم المشؤوم.
يحدث نفسه رباه... ماذا حدث لي آنذاك ؛فما أن وصلت عتبة الباب، أحسست أو هكذا كان شعوراً بداخلي، أن شيء ما قد حدث في البيت أو حوله، الشارع فارغ، والوقت ليلاً الساعة قاربت السابعة مساءً ، والشتاء والبرد والظلام والسكون يُخيّـم على المكان، وحين فتحت باب الحديقة، واندفعت متجهاً للبيت أخذتُ اقطع على عجل ٍبخطوات متسرعة الممر حتى باب المطبخ؛ فطرقتها طرقاً خفيفاً، كانت (أمي) متشحة بالسوادِ، وماهي إلا لحظات حتى تفتح الباب بسرعةٍ وتهجم عليَّ وتحتضنني وهي تقبلني عدة قبلات في رأسي و وجهي، ولم تنقطع من الكلامِ وهي تقبلني :
ـ الحمدُ الله على وصولِكَ سالماً، محروساً بالله ، الرحمن يحرسك ويرعاك.
قبلتُ رأسها ويديها ونظرتُ الى وجهها كانتْ الدموع تسيلُ على خديها، وهي تنشج بالبكاء، وقفتُ كالمذهولِ أحدق بها،قلبي يخفقُ بقوةٍ ووجلٍ، فيما دارت عيناي في البيت تبحث عما يوجد فيه من الأهل، لا صوت ولا حركة في البيت زاد خوفي أكثر.
ـ ماما خير أَشو ولا واحد بالبيت، أين أبي أختي سعاد، أخي راضي؟
عاجلتني بالجواب: أسمعْ أبني( خطوبتك ما راح تصير بهذه الاجازة)
كدتُ أسقط من هولِ ما سمعت، لكني تمالكت نفسي لأستمع حتى نهايةِ الخبرِ.
 وأردفت قائلة:
ـ صديقكَ(حسان) أخو خطيبتك (هناء) قبل ساعتين(شيعوه) إلى جوارِ ربه؛ وأبوك وأخوك (راحوا وياهم  للنجف)، وأختك (سعاد) عندهم الان في البيت.وتصمت لحظة وتردف بتأفف وهي تهز برأسها بحسرة وألم :
ـ يظهر مَملحمة الفاو راح تصيرعلينا مقبرة الفاو!
أصوات من جموع الجنود تتصاعد بالقرب منه وحوله.
سلمَ (استكان) الشاي بيد (أم جاسم) وهو يردد معه نفسه:
 ـ (مَملحة وكافُور) يبين قربت نهايتك (مُظَفَّر).
أنتصفَ الليل، رغم الملابس العسكرية الشتوية الثقيلة التي يلبسها (مُظَفَّر) لكن برد شهر(شباط) قد بدأ يدب في أطرافه؛ وخصوصاً قدميه، الكتل البشرية لحشودِ الجنودِ أزداد عددها بشكل كبير باتتْ عدة آلاف ضاقتْ بهم الساحة والأرصفة ، وبدأت تنزل إلى الشارع الرئيسي ذي الاتجاهين؛ فانقطعتْ تماماً حركة السيارات في الشارع، لكن لم تنقطعْ الأناشيد والأغاني الحماسية وهي تنطلق من عربات الباعة.
 نهض (مُظَفَّر) من مقعده، عدل ملابسه ، وأحكم شدَّ (النطاق) ـ الحزام العسكري ـ على خصره ، وحمل حقيبته على ذراعة ، وغاص بين جموع الجنود الباحثة عن حافلةٍ تقلهم؛ فعليه أن يصل بالوقتِ المحددِ الى مقرِ(الفيلق السابع) في (البصرة) ومن هناك سوف يعرف اين سوف يصبح مقر ما تبقى من وحدته العسكرية، هكذا كانت التعليمات عندما سلمت له الاجازة الدورية.   
على بعدِ مئات ٍمن الامتارِ من مَرْأب (ساحة النهضة) وفي شارعٍ جانبي تقف عدة حافلات كبيرة لنقل الركاب، موصدة الأبواب يدور حول كل واحدة منها مئات من الجنودِ الحانقةِ.
توقف برهة أمام لافتة كتب عليها (دورة مياه عامة) شعر بحاجة شديدة للتبول، رائحة (اليوريا) المنبعثة من المكان تُزكم الانوف لكن عليه ان يدخل المكان، إذ لا يوجد في المنطقة غير هذا المكان، ربع ساعة بقي يراوح في مكانه حتى جاء دوره للدخول، و دلف داخل التواليت، وأحكم اغلاق الباب خلفه، المكان قذر والرائحة فيه مقرفة ، وعلى عجلٍ فتحَ (سحاب) سرواله، و أفرغ مثانته وخرج مسرعاً ،وليجد الازدحام على أشده على (مغسلة التنظيف) الوحيدة في دورة المياه، فتح صنبور الماء جاء الماء المتدفق بارداً وهو يدعك (بالصابونة)بين كفيه، شعر أن يديه كادت أن تتجمدا؛ غادر دورة المياه، بعد ان نقد الرجل الذي يجلس في الباب على كرسي متهالك، عملة معدنية صغيرة ، ثمن دخوله، غادر المكان بخطوات سريعة وراح يتنفس بقوة هواءً منعشاً جديداً باردً؛ فشعر براحة تسري ببدنه.       
نشراتُ الأخبار لم تزلْ تؤكد استمرار القتال الضاري لصدِ الهجوم في قاطع ِ(الفاوـ المملحة)؛ فيما نداءآت  تحث المواطنين (للتبرع بالدم) لم تنقطعْ منذ عدة أيام؛ صوت مسجل معلق بأحدى عربات بيع الأكل يبثُ أغنية (أحنا مشينا للحربْ) يصدح ُبأعلى قوته، يطغى على نداءآتِ التبرع بالدم!
صوتٌ مُحْتد يُلقي خطاباً على رهطٍ من الجنود التي تلتف حوله، والتي بدأت دائرتها سريعا ًتتوسع ،بينما(مظفر) يحاول الدخول وسط هذا الرهط لسماع ما يدور؛ فيما صوت هائج حانق يتوعد في دائرةٍ اخرى تكونتْ سريعاً بالقربِ منه.
مع اقتراب ضوء فجر الصباح، بدأت زخاتٌ كثيفة من الرصاصِ تهز المنطقة، وتفزع الحشود، لكن لم يُعرف مصدرها، ولم يأبه أحدٌ بها.
بلبلةٌ وهيجانٌ كبير ينتاب المجامع المنفعلة من الجنودِ التي بدأتْ تركل بأرجلها وقبضات ايديها الساخطة أحدى الشاحنات الكبيرة الواقفة؛ فيما مجموعة كبيرة أخرى من الجنودِ وهي تطلق العنان لهستيريا صراخها تحاول أن تقلب الشاحنة الأخرى التي تقف بجانبها.الأصوات الغاضبة تتعالى أكثر، تزداد الحشود التي تلتف حول الشاحنات وهي تحاول قلبها،العسكر الهائج يقلب الشاحنة (السائق ومساعده) داخل الشاحنة المقلوبة يستغيثان ويحاولان الخروج من شبابيك الشاحنة.
جَمْهَرة أخرى من الجنود تقلب السيارة الثانية وآلاف من الجنود تتجه مزمجرة هادرة نحو السيارات الأخرى ، أصوات وقع كعوب اقدامها وهي تضرب في اسفلت الشوارع تزيد الموقف اكثر هيجاناً واندفعاً، الشارع الرئيسي(هائج مائج) بالجنود المنفعلة والتي بدأ يعلو أكثر صُخب صراخها وهتافها. فوضى عارمة تطغي على هدير اصوات أغاني المعارك، الحشود الساخطة تقلب سيارات أخرى وتهشم زجاجها، وعلى غفلة إحدى الشاحنات تشب فيها النار، وتبدأ النار تلتهمها بسرعة أصوات هائجة تحذر من الاقتراب من السيارات خوفاً من انفجارها نتيجة الحريق.
زخات متقطعة من الرصاص تنطلق من جديد، حشود الجنود تتشتت تركض بمختلف الاتجاهات، كما الأمواج المتلاطمة ، تتداخل اصوات أزيز الرصاص والصراخ والعويل والصياح وصخب الأغاني والموسيقى والنداءآت والهتافات ،حالة من الفوضى المجنونه تضرب المكان.
أصوات تنادي : {المكان مطوق أينما تذهبون،هنالك قوات من الحرس الخاص، ولواء من الحرس الجمهوري المدرع والانضباط العسكري والاستخبارات العسكرية تطوق المكان}.
يعود (مُظَفَّر) مسرعاً الى موقد (أم جاسم) ويقف بالقرب منها يراقب المشهد، أحد المقاعد فارغ يحوله بالقرب منها ويقف ممسكاً بالمقعد بين رجليه واضعاً الحقيبة فوقه.
تلتف (أم جاسم )إلى (مُظَفَّر) وتسأله بصوت مرتجف:
ـ شكو يمه، شنو إلي صار؟
(مُظَفَّر) يدنو برأسه بالقرب منها وبصوتٍ خافتٍ حذرٍ، يهمسُ بإذنها :
ـ الحكومة تطوق المكانْ.
حركة الجنود تزداد سرعة وعنفاً، ركضٌ وتدافعٌ وصراخٌ هستيري في عدةِ أماكن ، عشرات من الجنودِ تتحدثُ في وقتِ واحد وهي تصرخُ بشكلٍ منفعلٍ تحاولُ أنْ تهدَأ الجنود الغاضبة.
صوتُ أزيز الرصاص يهدرُ من جديدٍ وبكثافةٍ ودويٍ أشد، أصوات مدافع رشاشة تطلق زخاتٍ متتاليةً من الرصاصِ الكثيفِ من عدة ِأماكن، تُطغي على كلِّ الأصواتِ، أنها كأصوات مدافع الرشاشات المدرعة في جبهات القتال، مجاميع عديدة من الجنودِ تتراكض من جهةٍ إلى أخرى، اضطراب وفوضى عارمة تعم المكان، يقتحمُ لفيف من الجنودِ المتدافعين مواقد الشاي، أصوات تكسر الاواني والأقداح المرتطمة بالجنودِ والأرضِ، تسمع مع  صوتِ الرصاصِ الذي ينطلقُ مدوياً من كلِّ الجهاتِ، يسقطُ أحد الجنود على موقدِ وأواني الشاي التي أمام (أم جاسم) ووجهه مضرج بالدماء، تطلقُ (أم جاسم) صرخة مدوية وهي تحاول جاهدة أن تنهض من مكانها لمساعدتهِ؛ لكنها تسقط  بـ (صلية) من الرصاص الذي يخترق ظهرها، لينبثق الدم كالنافورة من خلفِ عباءتها، فتسقط على وجهها جثة هامدة.
انحنى(مُظَفَّر) صارخاً بهستريا كمن فقد عقله خالة (أم جاسم) محاولاً مساعدتها؛ فيما قبضة ككماشة من الفولاذِ تمسك برقبته وأخرى بذراعيه وتطرحه أرضاً، وصوت يصرخ بأذنه أي حركة سوف أضرب رأسك بالرصاص.
 مُكبِرات الصوت للقوات المهاجمة تطغي على كلِّ الأصوات ِ وهي تحذر الجميع من الحركةِ، و تكرر:
ـ تَحْذير، على الجميع أنْ يبقى ثابتاً في مكانهِ.
 
قصة قصيرة من خزين الذاكرة
مالمو/ السويد
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المَملَحة : ( ممالح الفاو) وهي عبارة عن أحواض متعددة تصب الواحدة بالأخرى، وهي أراضي عراقية وقعت فيها معارك دامية خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية للفترة 1980ـ1988  .
وورد في الموسوعة الحرة (ويكيبيديا ) تعريف ممالح الفاو : هي قنوات مائية غير مبطنة تسبب رشح المياه المستمر فيها إلى باطن الارض إلى ارتفاعها المستر حيث بدأت تتجمع على سطح الأرض وبسبب شدة التبخر من سطح المياه المكشوفة إلى (2,5)متر في السنة مما يؤدي الى تركيز الأملاح وتحويل المياه المكشوفة الى ممالح، تقع وسط شبه جزيرة الفاو جف الماء فيها بمرور الزمن وتحولت الى مناطق تجمع الملح.

**نشيد ( اغنية ) حماسية، أو تعرف بالأغاني الوطنية:  أنتشر هذا النوع من الأغاني  بشكل سريع اثناء فترة الحرب العراقية الإيرانيّة( 1980ـ1988 ) ؛ لحث الجنود على القتال بعزم وحماسة واندفاع حد الشهادة، وكلماتها تعبر عن حب الوطن أو الحاكم ، وتكون قصيرة وقليلة الابيات وتغنى بشكل فردي او جماعي.
*** الكِافُور: نوع من أنواع الاشجار المعمرة الدائمة الخضرة تعود للفصيلة الغارية، تحتوي أورق الكافور و ازهاره وقشرته على زيت عطري،يستعمل في العلاجات الطبية، ومن سنن تغسيل الميت عند (المسلمين) يستعمل الكافُور لتطيب رائحة بدن (الميت) و يمنع روائح الجسد الميت من الانتشار بسرعة.

   

68
أدب / حزنٌ و ضجرٌ
« في: 22:31 12/06/2017  »


حزنٌ و ضجرٌ


يحيى غازي الأميري

 (1)
ضجرٌ
اِحتارَ(سمير) وهو يقلبُ قنوات التلفاز                                   
أيّ قناةٍ يختار
بعد َأنْ ترادفَتْ عليه الأخبار
بينَ موتٍ وانفجارٍ
وسرقاتٍ وخيانةٍ وانهيار.
ضُجَّ رأسُهُ بالأفكار
وخيّمَ عليهِ القلقُ والضجر
لأيِّ مكانٍ يتجه
لقتلِ هذا النهار
هل، يبقى يتابع نشرات الأنباء؟
أم يذهب للتجوال في الأخطار
حتى موعدِ الإفطار؟
فحكمَ عقله أن يذهبَ الى الاْستِخارةِ !
 فجاءَ الجواب
 أن يبقى ملازماً للدارِ ومتابعٍ للأخبار.
(2)
نشرة الأخبار قبل  مائدة الإفطار
في أرضٍ جرداء
بيتٌ من الطينِ،
تلاصقُ جدارهِ المتهالك
نخلةٌ واحدةٌ عالية الجذع.
الريحُ ساكنةً ، في حرِّ صيف العراق، قرصُ الشمس
يميلُ للغروب.
امرأةٌ عجوز تسجرُ التنور
من فوهةِ التنورِ
تتصاعدُ مسرعة ً كتلة من
دخانِ كثيف، يتبعها وهجُ  نارٍ مستعر
 بجانبِ العجوزِ
 تقفُ صبيةٌ متيقظة، بشعرِ أشعثَ
لوحتْ وجنتيها الشمسُ، فزادتها حمرةً وسُمرة،
 تمدَّ الجدةَ بالحطب
وشابةٌ يافعةٌ، تتسربلُ بالأسودِ
ووجه يلبسه الآسى
 تقفُ بالقربِ من دكةِ التنور
 تقتطعُ على مهللٍ أجزاءً صغيرةً من كتلةِ العجين.
وتدورها وترصفها جنبَ بعضها بعنايةٍ ودقة .
امرأةٌ أخرى على مرمى امتارٍ
تفترشُ الأرضَ
تجلسُ على عجزها وهي تحلبّ بقرة ،
الدجاجُ منتشرٌ حولهما

وتحتَ ظلِّ النخلةِ والحائطِ الطيني،
بُسط سماطٌ وبساطٌ يفترشه كهلٌ
ضريرٌ وصهره،
يسمعان من المذياعِ
موجز النشرة.
وأطفال عشرة
تدور حول البساط والتنور والبقرة.
(3)
(سبايكر) مجزرة العاشر من حزيران 2014.
في كلِّ مكانٍ من أرضِ الوطنِ
من الفاوِ حتى مقبرةِ وادي السلام
منذْ أنبلجَ فجرُ الصباح
افواج ٌ من الرجالِ توشحهم الحزنُ والشجن
جموع ٌ من الثَكالى
من أعينهن تنهمرُ سيول الدموع،
مُجللاتٍ بالسَّواد وبأيدهن الشموع.

أعياهنَ الضَّيمُ والظلم
يتجرعنَ على مضضٍ
مرارةِ الصَّبرِ، وجورِ الدهور
و ألاف من الأطفالِ اليتامى
تتجمعُ بحلقاتٍ قرب محلاتِ سكناهم   
 بوجوهٍ باكية ٍ
حائرةٍ، لفحها وهج الشمس
وهم يحملونَ صور ابائهم
يسألون المارة في الشوارعِ
والخارجين من ابوابِ الجوامعِ
فيما مجاميع منهم،
يقرعون شبابيك القابعين في الصوامع
وجميعهم يكررون ذات السؤال :
هل يوقدون الشموع؟
أمْ يبقون، سنة أخرى
بانتظارِ نتائج التحقيق،
لكشف ملابسات المسؤول
عن المجزرة ؟!
(4)
مارش النصر
قيظُ الصيف ، يلهبُ الابدان
موسيقى مارش عسكري يصدح 
القائدُ متبختراً بالنصرِ يسير
 في قريةٍ مهجورةٍ
خلفتها الحرب يبابْ
مئات الجنود
 تحث الخطى خلف القائد
ومجاميعُ أخرى تلتفُ حوله
 تحرسهُ بفوهاتِ البنادقِ
وحدقاتِ العيون.
يجلسُ (سمير) محدقاً بشاشةِ التلفاز
وصوته بدا خفيضاً يهتف
_ نعم هذا هو وضع العراق
ومع موسيقى المارش العسكري
زادَ صوتهُ حدة ً
 حتى صاح
بهياجٍ شديد
(عاش العراقْ. يصمت قليلاً ، ويسحبُ النفس العميق
ثم يبدأ بالهتاف:
 عاشَ العراقْ
عراقُ الضحايا
عراقُ السبايا
عراقُ الرزايا
عراقُ المنايا
عراقُ المحن)
(5)
فطور رئاسي
في المساءِ
وباحتفالٍ رئاسيٍ مهيب
في صالةِ أكبرِ فندقِ في البلادِ
 يقفُ القائدُ مخاطباً
ضيوفَ مأدبته الرمضانية الباذخة
{اليوم أيها الأكارم، أقمت على شرفكم هذه المأدبة.
لنحتفل معاً
 بانتصار الديمقراطية
وبنصرنا المؤزر.}
 ـ لحظة من الصمت  ـ
يرتفع صوت القائد : اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ،فتقبله منا.
وهو يرفعُ بيمينهِ قدح اللبن وبيسارهِ شوكة ثبتَ في طرفها
 حبةً من تمرِ التبرزلْ
(6)
حـرب ترمبْ
الحَـربُ خـطرٌ
الإرهابُ خطرٌ
قطرٌ في خطر
الإرهابُ يأتي منَ الجزيرةِ وقطرْ
 الخطرُ يحدقُ في قطر.
الحربُ والإرهابُ
 يخلفان
 العذابَ والخرابَ
 والحرمانْ.


مالمو في 10 حزيران 2017
معاني بعض المفردات التي جاءت بالنص كما وردت في قاموس المعاني:
اِحتار:ظلَّ سبيلَه ولم يهتدي للصواب، تردَّد وشكَّ
العَجزُ: مؤخر الشيء؛ الشطر الأخير من بيت الشعر
السِّماطُ: ما يُمَدُّ لِيوضَعَ عليه الطعامُ في المآدبِ ونحوها.
ثكلَى:الجمع ثَكالى، اِمرأةٌ ثَكْلَى،فَقَدَتْ أبنِها، أيْ مَفجُوعةٌ بهِ.







69
اختتام الدورة الصحفية التطويرية في مالمو
   
يحيى غازي الأميري
(أن يعض كلب إنساناً فهذا حدث عابر، أما أن يعض إنسان كلباً فهذا سبق صحفي)*

اختتمت يوم أمس الدورة الصحفية العربية التطويرية في مدينة مالمو، والتي نظمتها شبكة بيدر، بالتنسيق مع مؤسسة بيدر للإنتاج الإعلامي ومؤسسة( أن بي في).
وزع برنامج الدورة المكثف، على مدى أربعة أسابيع متتالية ، وبمعدل ثلاثة أيام من كل أسبوع، أشتمل البرنامج على ومواضيع أكاديمية في علم الصحافة، و دروس عملية تدريبيه تطبيقية، للمواضيع التي تم تناولها.
من أبرز المواضيع التي تم دراستها في الدورةِ: الخبر الصحفي، مصادر الخبر، التقرير الصحفي والتحقيق الصحفي والفرق بينهما، الصحافة الاستقصائية، نشرات الأخبار وطريقة تحريرها وتقديمها، فن الإلقاء الصحفي، إدارة اللقاء الصحفي، برامج المنوعات وطريقة إعدادها وتقديمها، المراسل الصحفي.
وفي أولِ لقاءٍ لمدير شبكة بيدر (محمد السعدي) أكدَ فيه (أن الهدف الرئيسي من الدورة هو تزويد المشاركين فيها بالقواعد الأساسية الصحيحة الحديثة للعاملين في مجال الفن الصحفي. وأضاف لقد أنتظم بالدورة (11) مشاركاً من مختلف الأعمار؛ وعبر( محمد السعدي) عن سعادته بقوله (أن المشاركين في الدورة من مختلف جنسيات الجالية العربية( العراقي ، المصري، السوري، الفلسطيني) انها إحدى وسائل التعارف والاندماج وزيادة المعرفة والإطلاع على التجارب الثقافية التي يحملونها من بلدانهم.)
فيما أبدت الإعلامية (وسام حمود) عن سعادتها وهي تنقل خبرتها وتجربتها الصحفية للمشاركين في الدورة، لرفع كفاءة المشاركين بضخ ما لديها من معلومات صحفية، من اجل المساهمة في خلق جيل قادر على المواكبة والإبداع.
وقد اثنى الإعلامي (أحمد الصائغ) مدير مؤسسة النور، على أهمية مثل هذه الدورات للجالية العربية في مالمو(أنها تساعد بتطوير عمل ومهارة المشاركين وتدفعهم للمساهمة الفاعلة في مجتمعنا الجديد في المهجر.) جاء ذلك أثناء حضوره في اليوم الأول لافتتاح الدورة مع مجموعة من الإعلاميين والفنانين والناشطين في مؤسسات المجتمع المدني.
همس بأني احد المشاركين في الدورة (أنها دورة ممتازة) في مواضيعها وجديتها، وطريقة تدريسها السلسة للمواضع ، لكن كنت أتمنى أن ترافق مواضع الدورة وسائل إيضاح بتقنيات تطبيقه عملية وخصوصاً مع الاجهزة والمعدات الحديثة.
وأعرب زميل أخر في الدورة عن( تمنياته أقامة المزيد من هذه الدورات مستقبلاً بمشاركة محاضرين صحفيين وإعلاميين (سويديين) من أجل معرفة تجاربهم وخبرتهم وطريقة عملهم.)
وأنا أنهي الدورة الصحفية وكتابة  تقريري هذا: أيقنت أكثر أن عالم الصحافة علم متغير متجدد الأساليب والطرق يسير بخطى متسارعة الى جانب التطور التكنولوجي في نقل الاخبار والأحداث والمعرفة والفنون والعلوم، ومن يريد أن يولج هذا المعترك الصعب والمهم (الصحافة) عليه أن يجتهد ويسعى جاهداً للإلمام بمختلف مجالات الفنون الصحفية، وأن يَعلَّمْ ويتعلم كيف يفرق بينها، ويجدُ أكثر وبشكلٍ مستمر بتطويرِ ثقافته العامة بالقراءةِ والمتابعةِ والإطلاع على مختلفِ العلوم والتجارب الصحفية.
مالمو/ السويد في 2017-06-08
الهوامش
ــــــــــــــ
(*) جاء في مقالة الكاتب أحمد إسماعيل الموسومة ( خدعة الرجل والكلب) المنشورة في موقع (الصوت الحر)الشبكة العربية لدعم الإعلام .
البحث عن مصدر هذا التعريف سيقودك إلى ثلاثة صحفيين يُعتقد أن أحدهم هو من صاغ هذا القول المأثور لتعريف الخبر، وهم:
ألفريد هارمسورث (1865- 1922)، وجون بوجارت (1848- 1921)، وتشارلز دانا (1819-1897)


70
إشادة بمعرض الكتاب العربي الأول في اسكندنافيا

يحيى غازي الأميري
الكتاب نافذة تتطلع من خلالها إلى العالم (مثل صيني)

تعد فرص إقامة معارض الكتاب في جميع بلدان العالم، أحد أبرز النوافذ الواسعة الحقيقية في نشر الثقافة وتلاقي وتلاقح الأفكار، و طريقة ميسرة بعرض وتسويق نتاجها.وهي وسيلة ناجعة للقاء العديد من الكتاب والمفكرين والمثقفين والمهتمين بالأدب والفن والثقافة  ودور النشر والمؤسسات المهتمة بالإنتاج الثقافي فيما بينهم ومع جمهورهم.
وبذلك تخلق مناخاً فيه من المنفعة الفكرية والثقافية والفنية والترفيهية والمادية لجميع المشاركين في المعرض.ويلامس رواد المعرض عن قرب جميع الابداعات الثقافية والأدبية والعلمية الفكرية والسياسية ، و في المعرض تشاهد النتاجات القديمة للكتاب والمفكرين والأدباء الرواد مع نتاجات الجيل الصاعد في مختلف مجالات الابداع متجاورة متقاربة .
وقد دأبت اللجان المنظمة لمعارض الكتاب في جميع البلدان الاوربية وحتى في البلدان العربية ،أن تجعل أيام العرض مهرجان ثقافي واسع من خلال ما يقدم  فيه من نشاطات وفعاليات متنوعة.
وهذا ما حدث في معرض الكتاب العربي الأول في اسكندنافيا، والتي اختتمت بنجاح  قبل أيام دورته الأولى؛ أقيم المعرض على مدار أربعة أيام متواصلة للفترة من( 20- 23 نيسان/ أبريل 2017) في قاعة (باتيسكا هالمن ) في مدينة مالمو السويدية، وأشرفت على تنظيمه مؤسسة أبن رشد التعليمة ، وبرعاية مؤسسة مناهج العالمية، وذلك بمشاركة حوالي (عشرين) دار للنشر من مختلف الدول العربية والأوربية، ومن دور النشر المشاركة (الشبكة العربية للدراسات والنشر، دار المتوسط، دار مدارات، دار المشرق، المركز العربي للدراسات والأبحاث السياسية ، دار الفكر، جسور للترجمة والنشر ، دار سندباد، المكتبة العربية في مالمو، منتدى العلاقات العربية والدولية، وشركة هيغاس، وشركة نيبون، وشركة فيرست إديوكيشن، وغيرها .)
وعن فكرة اقامة المعرض ووفقاً لبيان صحفي أصدرته إدارة المعرض ونشرت مقاطع منه شبكة (الكومبس) في احدى تغطياتها الصحفية نستل منه بعض المقاطع( قال (علاء القط) المدير التنفيذي لمؤسسة ابن رشد التعليمية جنوبي السويد، إن فكرة المعرض جاءت بعد اقتراح قدمه عدد من المتطوعين الشباب من القادمين الجدد إلى السويد، حيث تم تشكيل فريق العمل للمعرض والذي بدأ يتشاور فيما بينه للانطلاق  بالمعرض الذي يعد الأول من نوعه، ليس في السويد فقط إنما في الدول الإسكندنافية.
ويؤكد القط أنّ مؤسسة ابن رشد، كجهة منظمة، سعت إلى تقديم كل الإمكانيات المتاحة لأن يحقق المعرض أهدافه المتمثلة بتمهيد الطريق نحو تهيئة بنية مؤسساتية واجتماعية، من شأنها تعزيز الثقافة لتحقيق حرية التعبير، وتعزيز ثقافة الاندماج في المجتمعات الإسكندنافية.)
وقد ترافق مع أيام المعرض برنامج ثقافي متنوع ، حيث أقيمت فيه العديد من الفعاليات والنشاطات الفنية والثقافية والأدبية وقد شاركت فيه فرق فنية عربية برقصات ولوحات فلكلورية عربية، نالت استحسان الحضور وأقيمت ورش عمل ثقافية، وندوات ثقافية وقراءات شعرية وتوقيع كتب جديدة.
وقد أحتوى المعرض على مختلف أنواع الكتب، الفكرية والأدبية والعلمية والسياسية والفنية، وكذلك أجنحة متخصصة بالطفل والعديد من السلاسل التعليمة المدرسية المتخصصة بتعليم اللغة العربية. 
ورغم الجو البارد والممطر على مدى الأيام الاربعة لكن حضور زوار المعرض كان جيد، ومن مختلف شرائح المجتمع من الصغار والكبار وخصوصاً من الجالية العربية والعديد من السويديين، وحضركذلك العديد من المهتمين من خارج السويد وخصوصاً المناطق المجاورة والقريبة من مالمو؛ تفاعل جمهور الحضور مع العديد من النشاطات والفعاليات الثقافية والأديبة التي أقيمت خلاله.
وخلال تجوالي بالمعرض كان اكثر من (زائر)  يشكو  متذمراً من عدم وجود أسعار مثبتة على الكتب المعروضة ، في بعض أجنحة دور النشر، مما يستدعي(الزائر) سؤال البائع عن كل كتاب يرغب في شرائه.
فيما أكد (شخص أخر) أن أسعار بعض كتب تعليم اللغة العربية التعليمة المدرسية باهظة الثمن مقارنة بأسعارها في بلدانهم العربية !
 وقد اسعدني وأنا أجد ضمن المعروضات مجموعة من الروايات العربية لمجموعة من الأدباء العرب معروضة بأسعار مخفضة( زهيدة )سعر الكتاب الواحد (20) كرون سويدي ما يعادل دولاران ونصف فاقتنيت (خمسة) كتب منها. 
وقد أعرب العديد من زوار المعرض عن إشادتهم و فرحتهم وسرورهم بالمعرض، والذي يقام لأول مرة في مدينة ( مالمو) بمثل هذا التنظيم والسعة والمعروضات والفعاليات؛ متمنين أعادة أقامته في السنة القادمة وبفعاليات وكتب أكثر.
مالمو في أيار 2017

 



71
أدب / نَشْوَةُ الأملِ
« في: 22:16 27/04/2017  »
نَشْوَةُ الأملِ
 


يحيى غازي الأميري



بعدَ ترددٍ وحيرةٍ
وبينَ
خجلٍ ووجلْ
بعثَ لها بمرسالِ
حُبهِ
وفيه كَلاَمٌ مُختزلْ
بثَ بهِ لوعةَ الحُبِ
وأنتقى
جملاً رقيقةً
من
أدبِ الغرامِ والغزلْ
وحددَ لها
موعداً بذاتِ المكان
الذي التقتْ فيه نظراتُهم
لأولِ مرةٍ
فارتجف لها قلبُه
وعجّل مُبكراً
لموعدِ اللقاء
اتخذ نفسَ الطاولةِ  التي جلست عليها
وأحتسى بقلقٍ
ثلاثةَ كؤوسٍ
من نبيذِ العسلْ
وراحَ يعومُ
بوجلٍ في يمِّ
الشكِّ واليأسِ والغرامْ
فدنتْ من خلفِ رأسهِ
نسمةُ عطرٍ
آسرةٍ ساحرة
هامسة بالآذنِ
أُحبُكَ
أدارَ الرأسَ والقلبَ 
بكلِّ توقٍ ولهفة
فتلاقتْ المُقلِ
وبشوقٍ وعلى عجلٍ
تعانقتْ الشفاهُ بحميمٍ مِن القُبل
وبنشوةِ الظفرِ بالنصِرِ
ارتشفَ مِن شهدِ عناقِ القبلْ
فرقصَ الفؤادُ
وغنى مواويلَ
العشقِ والطرب
وتراقصتْ ثَمِلةً
الخمرةُ
في
الرأسِ والكأسِ
مالمو في 28 نيسان/أبريل  2017
معاني بعض المفردات التي جاءت بالنص كما وردت في قاموس المعاني:


نبيذ العسل: شراب كحوليّ يحصل مِن تخمُّر العسل.
اليَمَّ:البحرُ ؛ مُتَّسع من الأرض أصغر مِن المحيط  مغمور بالماء المِلْح أو العَذب
نَشْوَةُ النَّصْرِ:الابتهاجُ والتهللُ؛ النَشْوَةُ :أُولُ السُكر



72
يومٌ في ضاحيةِ روزنكورد/ مالمو.. مِنْ دَفترِ يومياتي

 
يحيى غازي الأميري
استيقظتُ هذا الصباح في الساعةِ الرابعة صباحاً، ولم يزل القمرُ يتوسطُ سماءً صافية، أنهُ الفَجرُ يناغي السَّحَر، النجوم تتلألأ وأضواءٌ متوهجةٌ في الشوارع الفرعيّة المحيطة بشقتنا، وكذلك يومضُ بريقٌ للأضويةِ ونشراتِ عيدِ الميلاد في البنايات المقابلة لنا، الهدوء والسكينة تلف الأماكنَ المحيطةَ بالعمارة التي نسكنها، درجة الحرارة كما يشيرُ المقياسُ المثبّتُ في شرفة الشقة المزججة التي نعيشُ فيها إلى درجةٍ مئويةٍ واحدة!
ألمٌ خفيفٌ في رقبتي وكتفي الأيسر وصداعٌ ينبضُ بوجعٍ في جبهةِ الرأس، تناولتُ قرصاً من الحبوب المُسكنة للآلام (الفيدون) واحد غرام. فتحت التلفاز وطفت ابحثُ في القنوات الفضائية العربية،عثرت على برنامج ( بورتيريه ) تبثه قناة (روتانا / زمان) وهي تعرض حلقة عن الفنانة (زبيدة ثروت ) صاحبة أجمل عينين في السينما المصرية، لا أعرف هل هي مصادفةٌ أن يتزامن عرض الحلقة مع وفاتِها يومَ أمس عن عمراً يناهز(76) عاماً، شاهدتُ جزءً من الحلقة.
 
 أغلقت جهاز التلفاز وقررتُ الذهاب الى غرفة المكتبة لتكملة الرواية التي تركتها منتصفَ ليلة أمس وشدتني القراءة إليها وحلمتُ أكثر من حلمٍ في أجوائها و شخوصها، أنها رواية ( مُذكراتي في سِجْن النِّسَاء) للكاتبة المصرية المناضلة الدكتورة (نوال السعداوي)، وكنت قد بدأت القراءة فيها منذ الساعة التاسعة من مساء يوم أمس، حتى منتصف الليل، كنت قد تركت الرواية في الصفحة (80) الرواية تتكون من (303) صفحة من القطع المتوسط. غسلت وجهي وفرشت أسناني، وحلقت ذقني، وعدت ألتهم صفحات الرواية وأغور في عنابر سجن النساء في القناطر( المصريّة).
في الساعة (السابعة) صباحاً استيقظت زوجتي، وبدأت تعد مائدة الفطور فلديها دوام (عمل)هذا اليوم، حييتها بتحية الصباح، فدعتني لمشاركتها مائدة الفطور التي بدأت بترتيبها على مائدة الطعام (الجبن الأبيض الطري والزبد والعسل والخبر المحمص والشاي) شكرتها، وأخبرتها أن لديَّ هذا الصباح موعد في مختبر العيادة الطبية في منطقة (ياكرسرو) من الساعة (8-10) صباحاً لإجراء تحليل(الدم)، ويتوجب عليَّ عدم تناول الفطور، حسب تعليمات الطبيب.
 
قررت الذهاب مبكراً لمختبر العيادة الطبية، ذهبتُ الى جهاز الكومبيوتر، حيث كان الإنترنيت جاهزاً للبوح بما كمن فيه من أخبار ، ودخلت صفحة الفيس بوك ، صادفتني أول صفحة مقالة لصديقي الشاعر والأديب المقتدر( صباح الجاسم )استوقفني عنوان مقالته (سنوات من الآن – الشاعر شِل سلفرستاين) فقررت أن أقرأها قبل الذهاب للموعد ،  كانت المقالة رائعة كالعادة ؛ ففيها المفيد والجديد ، تتحدث المقالة عن أديبٍ ورسامٍ وشاعرٍ وكاتبٍ مسرحي ومؤلفِ أغاني ومغني شعبي وداعيةِ للسلام (أمريكي الجنسية) متعدد المواهب والإبداعات؛وفي المقالة كذلك نصوصٌ من قصائده المختارة بعناية من مجاميعه الشعرية مترجمة للعربية بقلم المبدع الأديب (صباح الجاسم)؛ قرأتها واستمتعت بها ودونت على عجلة كلماتٍ مقتضبات كتعليق على صفحته (رائع كما الصباح، يا صاحبي).
 
 وأسرعت أبدلُ ملابسي وأتهيأ لمقابلة الطقس البارد خارج الشقة المُدفئة، وزدت تحصيني ضدِّ البرد بالقفازات وغطاء الرأس، ولفاف الرقبة ،ووضعت الموبايل، والنظارات الطبية في جيبي؛ وباشرت السير، العيادة الطبية تبعد بحدود (15إلى 20 ) دقيقة سيراً على الأقدام، سرتُ عدةَ خطواتِ لفحت وجهي لمساتٌ خفيفةٌ من هواءٍ باردٍ منعش، الرؤية جيدة هذا الصباح، لا أثرَ للضباب،على مسافة عدة خطوات تقع مدرسةٌ ابتدائية مختلطة طبعاً ، أعدادٌ من الاطفال تحملُ حقائبَها على ظهرها وتسير باتجاه المدرسة، بعضُ أهالي الاطفال يُوصلون أطفالهم الصغار الى باب المدرسة أو فنائها ، قررت أن أسلك طريقاً مختصراً يقع بين العمارات، الممتدة من بيتنا حتى العيادة الطبية، طوال الطريق المعبد والمُعلّم بإشارات مرورية مرسومة على الارض أو لوحات مرورية إرشادية - شواخص-  ترشدك للطريق المخصص للمشاة والطريق المخصص للدراجات الهوائية ، وعلامات واضحة تمنع سير كافة انواع المركبات، تحيط بهذه الطرق وعلى جهتيها الاشجارُ الباسقة والشجيرات المتنوعة الأحجام المختلفة الأصناف والألوان ، ودروبٌ متعرجة بين الأشجار والمروج، وساحات هندسية رائعة المنظر من المروج الخضراء، والتي تحتوي العديد من المساطب الخشبية المخصصة للجلوس،وعشرات من الاراجيح وملاعب للاطفال،والتماثيل والنصب؛ تسير بجانبي أو تقابلني دراجات هوائية تعتلوها مختلفُ الاجناس والأعمار، اجتزتُ امرأةً  تبدو سبعينيّة  وهي تتمشى و كلبُها الابيض يسير أمامها، ابتسمتُ لها وقلت لها باللغة السويدية: -
 ـ أن كلبكَ جميلٌ ، ابتسمت وشكرتني
- قلت لها : هل هو ذكر أو أنثى؟
- قالت ذكر ( روكي)
- سألتها: كم عمره؟
- أجابت وابتسامة خفيفة في طرف فمها : ثلاثة سنوات، وأكملتُ مسيري .
 
 أصواتُ بعض الطيور تزقزق وتضرب بأجنحتها؛ ركزّت انتباهي لعلي اسمع -ولو من بعيد - صوت منبه للسيارات، طوال الطريق لم تلتقط أذناي أي صوت لمزامير السيارات والتي يتفنن سائقو المركبات في بعض البلدان بتقسيم موسيقاها ونغماتها، وكذلك لم تلتقط عينايّ أيَّ أكداسٍ للأزبال او للأوحال رغم أن ليلة أمس كانت السماء قد هطلت امطاراً غزيرة، لم ألحظ ايَّ قطرةِ ماءٍ راكدة في الشوارع والحدائق!
 في الساعة الثامنة وعشر دقائق كنت قد دخلت البناية التي تقع فيها العيادة الطبية أخذت المصعد للطابق الثاني، فتحت باب العيادة وادلفت في جوف العيادة ، قرب الباب مكانٌ مخصصٌ لتعليق الملابس، خلعت (القمصلة) الشتوية والقفازات وغطاء الرأس ولفاف الرقبة ووضعتها في المكان المخصص للملابس، وذهبت الى موظفةِ الاستعلامات، وصبحتُ عليها وأخبرتها أن لديَّ موعداً لفحص الدم في المختبر طلبت مني رقمي الشخصي؛  فيما أنا اُسمعها الرقم على مهلٍ هي تضربُ الرقم  بالكومبوتر الذي امامها ،مرت لحظاتٌ  ؛فجاءني صوتُ الموظفة وهو يتهجّى بصوتٍ أسمعه ، أسمي واللقب، فأجبتها بالإيجاب، ناولتني رقم خاص للفحص، ودعتني للأنتظار.
 
رحتُ أنظر في صالة الانتظار معظم الكراسي في الصالة فارغة، اخترت أحد الأماكن جنبَ إمرأةٍ مسنة ، منهمكةً تطالعُ في احدى المجلات ،واستليت من المنضدة التي امامي احدى المجلات السويدية، وبدأت أقلب في صفحاتها، بحدود (10) دقائق نُوديَّ على رقمي ذهبت للمختبر، استقبلتني موظفة المختبر بابتسامة ودودة، حييتها بتحية الصباح، أشارت إليَّ بأن أستريح على الكرسي المخصص لأخذ عينة الدم، فيما ذهبتْ هي الى (الكومبيوتر)و طلبت أسمي والرقم الشخصي للتأكد من هويتي، وبعدها سألتني متى تم تحويلك من قبل الطبيب اجبتها قبل اسبوع.
 
 بعد أن قرأت ما مطلوب فحصه من عينة الدم، أعدت ثلاثة قنانٍ - تيوب- صغيرة، بألوان سدادات مختلفة ومثبت عليها شريط من المعلومات، بعد تعقيم المكان الذي حددته وبغرسةٍ واحدةٍ في وريد مرفقي خرجت متدفقةٌ كمياتِ الدم المطلوبة، سحبت (النيدل)الإبرة برفق ووضعت قطعة من الشاش،على المكان الذي سحبت منه عينة الدم، وثبتتها بلاصق شفاف، شكرتها لخفة يدها، أعدت الكرة بارتداء ملابسي وغادرت العيادة.
 
عدت للبيت، ابدلت ملابسي، وأعددت لنفسي الفطور، طبق من البيض المقلي،مع السلطة ونصف رغيف من الخبز العراقي المحمص، ومن ثم أعددت قدح من (شاي أحمد بالهيل) !
وأنا ارتشف الرشفة الاولى من قدح الشاي كانت الشمس قد نورت فلقد بزغت تواً  وراحت تخترق اشعتها الذهبية شبابيكَ الشقة .أزحت الستائر المعدنية ،التي تحجب الشمس، ورحت اروي وأتفقد نباتات الظل في أصصها الموزعة في شبابيك المطبخ والصالة ، وجلست كاستراحة قصيرة امام جهاز التلفاز، وبدأت ابحث عن نشرات الأخبار فيما امسكت يداي الكومبيوتر المحمول (لابتوب) وراحت تتابع اخبار الانترنيت ايضاً.
تابعت في الانترنيت أخبار الطقس لهذا اليوم ، الطقس مشمس، ووقت شروق الشمس الساعة الثامنة والنص فيما غروبها الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر!
 
ورحت اتابع الاخبار في التلفاز:
ــ تحذيرات جديدة من انهيار سد الموصل، وان انهياره يوازي قوة دمار انفجار ودمار قنبلة نووية، أطلقت هذه التحذيرات على لسان مهندسي شركة (تريفي) وهي الشركة الايطالية التي تعمل منذ (11) شهراً لصيانة السد.
ــ وكالة رويتر: مؤسسة ابحاث تؤكد أن تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ينتج أسلحة متطورة، تضاهي مستوى تسليح الجيوش الوطنية، بعد زيارة مصانعه في الاراضي المحررة في الموصل.
 
ـ البنتاغون:  يؤكد ان القوات العراقية حررت 20 % من اراضي مركز الموصل
 
ـ الناطق الرسمي للحكومة العراقية يؤكد أن القوات العراقية حررت (40) مدينة من الجانب الأيسر لمركز مدينة الموصل
 
ـ تفاقم أوضاع النازحين والفارين من الموت في الموصل والحويجة.
 
ـ تركيا/ الرئيس التركي (أردوغان) يعلن التعبئة العامة ضد التنظيمات الارهابية!
 
ـ المفوضية العليا للانتخابات العراقية تعلن اليوم عن تسجل (212) حزباً سياسياً قديماً وجديدا لديها لخوض الانتخابات المحلية أواخر العام المقبل
 
ـ الجيش السوري( الحكومي) يسيطر على معظم مدينة (حلب السورية)، وأخبار عن أتفاق وشيك لإخراج المدنين والمسلحين من الجانب الشرقي لمدينة (حلب.
 
فنلندا: بدأت يوم امس (13 كانون الاول 2016) محاكمة توأمٍ عراقيين بتهمة المشاركة في مجزرة( سبايكر) والتي راح فيها مئات المجندين الشباب في الجيش العراقي وغالبيتهم من الشيعة،والتي ارتكبها تنظيم داعش في العراق عام 2014
وبدأت أقرأ الاخبار في الانترنيت :
رئيس وزراء السويد( ستيفان لوفين) في لقاء في مدينة (أوربرو) في 13-12-2016 تحدث:  تعتقد الحكومة بزيادة الحصول على  فرص العمل في السنوات القادمة ، ويتوقع انخفاض نسبة البطالة في السويد في السنوات القادمة الى نسبة 6%
راديو السويد باللغة العربية:13-12-2016 علقت وزيرة الخارجية السويدية ( مارغوت فالستورم) على تعيين الرئيس الاميركي القادم( دونالد ترامب) ل( ركس تيلرسن وزيرا للخارجية) الأميركية أنه شخص يفتقد للخبرة السياسية.
 
راديو السويد باللغة العربية:صرح رئيس الوزراء السويدي (ستيفان لوفين ) لراديو (السويد) في أول تعقيب له على نتائج الانتخابات الأميركية، أن السويد تحرص على استمرار العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية بغض النظر عن اسم الرئيس والحزب الذي يمثله، مضيفاً بأن الحكومة السويدية قد أعدت نفسها لكل السيناريوهات، وإن النتائج لا تصدمه لأنه كان يتوقع أن جميع النتائج ستكون متوقعة.
أشتد بيَّ التعب والنعاس فقررتُ أن أنام، وعند دخولي غرفة النوم كانت تأتني اصوات أناشيد اطفال من (رياض الأطفال)والتي تشغل الطابق الأرضي الذي يقع تحت الشقة التي أسكنها مباشرة، وهي تردد اناشيد احتفالات (لوسيا) وتسمى (حاملة النور) وهي احدى التقاليد المهمة والرئيسة التي يُحتفل فيها في مملكة السويد، يُحتفل بـمناسبة ( لوسيا) يوم (13 كانون الأول / ديسمبر) من كل عام ن وهذا اليوم يعتبر اكثر يوم مظلم في السنة، حسب التقويم القديم الذي كان ساري سابقاً في السويد ، وفيما كنت اسمع صوت الاطفال، وهي تردد اغاني( لوسيا)؛ رحتُ في نوم عميق .
 
استيقظت في الساعة الثانية عشر والنصف على صوت الهاتف النقال يرن، كانت زوجتي تتصل بي من مكان عملها وخلال الوقت المخصص لاستراحتها في العمل أخبرتها بذهابي للمختبر وعودتي واستيقاظي من النوم الآن، أوصتني بشراء بعض الاشياء للبيت في حالة ذهابي ووعدتها بذلك.
 
أستلقيت مسترخياً على مقعد وثير في الصالة قرب الشباك كي اخذ قسطاً من اشعة الشمس، وفيما انا  في غاية الاسترخاء وإذا الهاتف المحمول يرن الساعة الواحدة والربع بعد الظهر، نظرت في شاشة الهاتف النقال المتحدث رقم أبنتي(ريام) من (ستوكهولم ) فتحت الهاتف: جاءني صوتُها العذب وهي في غاية السعادة:
 
- ( ابشّرك بابا حصلت الآن على نتيجة الدراسة من الجامعة، ناجحة وحصلت على شهادة الماجستير).
 
 كدتُ أطير من الفرح معها، بعثت لها قبلاتي الحارة وتمنياتي بالمستقبل السعيد والنجاح الدائم.
 
ذهبت للحمام، وغسلت وجهي وفرشت أسناني وبدأت أغير ملابسي استعدادا للخروج وأنا بغاية السعادة.
 
 بعثت فوراً رسالة نصيّة الى زوجتي أخبرها ان (ريام) قد اتصلت بيَّ للتو وأخبرتني بنجاحها وحصولها على شهادة التخرج الماجستير في الطب الرياضي.
 
فتحت الكوميوتر، وتصفحت( الفيس بوك) فوجدت ابنتي (ريام) قد نشرت على صفحتها صورة حديثة  لها وهي تكاد ان تطير من الفرح وهي تحمل بيدها شهادة التخرج وخلفها في الصورة لوحة كتب عليها (معهد كارولنيسكا) وشعار الجامعة، وقد كتبتْ - سطرت-  باللغة ( الإنكليزية والعربية) مشاعرها وهي تنشر خبر حصولها على شهادة (الماجستير) في (الطب الرياضي)، فشاركتها فرحتها ومدونتها على صفحتي وكتبت لها :
 
(مباركٌ للفنانة القديرة (ريام ) وهي تتقدم للأمام في سلم الرقي والنجاح ، وتحقيق الأحلام .
بفرح غامر تلقينا اليوم خبر حصول عزيزتنا الغالية الفنانة ريام الأميري، شهادة الماجستير في الطب الرياضي من جامعة كارولينسكا الطبية في ستوكهولم / السويد، أن شاء الله تحصلين على الدكتوراه!
أبنتنا الغالية ريام : السنة القادمة أن شاء الله تزفين لنا خبر حصولك على ماجستير أكاديمية الفنون الجميلة .... )
محبتنا وقبلاتنا مع باقات من الورود العطرة
 
( بابا وماما)
 
مالمو في 14-12-2016
 
ملاحظة: ريام حاصلة كذلك على شهادة (بكالوريوس) أخرى من أكاديمية الفنون الجميلة من جامعة كالمر / السويد عام 2014، ومستمرة تدرس في المراسلة على الماجستير في نفس الاختصاص.
 
في باب الشقة وأنا أهم بالمغادرة تذكرت أن عليَّ أن اخذ معي كتاب ( اعترافات القادة العرب) أسرار وحقائق مثيرة ؛ تأليف (عادل الجوجري). كنت قد استعرته قبل فترة من المكتبة العامة في مالمو؛ وانتهيت من مطالعته قبل عدة أيام، الكتاب فيه معلومات صادمة عن القادة (الرؤساء) العرب. صورتُ قسماً من صفحات الكتاب وحفظتها في ملف خاص في جهازالكومبيوتر الذي بحوزتي!
مثال ذلك انقل أدناه نص مما ورد في كتاب( اعترافات القادة العرب) ص (42):
 
((الكتاب الأخضر في اللغة الكردية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة تاريخ علاقة جلال الطالباني بالعقيد القذافي تمثل نوعاً من الازدواجية والتناقض - بل النفاق - فبالنسبة لجلال الطالباني في الثمانينيات وفي محاولة منه لاستدراج القذافي قام الطلباني بترجمة ((الكتاب الأخضر)) إلى اللغة الكردية، وتم طباعة مليون نسخة وجرى اهداء طالباني للقذافي لنسخة من الكتاب في احتفال كبير في دمشق، وحصل وقتها الأكراد على اتفاق بأسلحة وأموال سرية، والكتاب كما هو معلوم ، يمثل خلاصة مشاعر العقيد وتجربته الشخصية في الدولة وآراءه، وتصوراته إزاء ليبيا والتطلع لأهداف محلية واخرى تتعلق بما يسميه القذافي بالفضاء الافريقي
وفي إحدى زياراته لليبيا، قدَّم جلال الطالباني النسخة الكردية للكتاب الأخضر للعقيد القذافي وقال له بالحرف الواحد : ((سيدي القائد ... لم امنع نفسي ولم أمتنع عن إقرار حقيقة شغف الشعب الكردي بالكتاب الأخضر، ونظريات العقيد في التطوير والتنمية والدفاع عن الأقليات القومية والدينية في العالم العربي، وصناعة الدولة الوطنية الحديثة، لهذا قمت بواجب ترجمة الكتاب الأخضر شخصياً من اللغة العربية إلى اللغة الكردية، وها هو الشعب الكردي من أول جبل إلى آخر قمة جبل في شمال العراق يتوجه إليك بالتحية والإكبار والاحترام والتبجيل والتقدير العالي ويهدي إليك هذه النسخة الكردية الخضراء، ويتوجه إليك بأن تترك بصمة أبوية على هذا الشعب من خلال دعم وإسناد الحركة الكردية .)) فما كان من العقيد القذافي إلا أن قدم مبلغ خمسة مليون دولار للرفيق جلال الطالباني على تلك الخدمة ومنذ ذلك التاريخ نشأت علاقة قوية بين الطالباني ومعمر القذافي!.))
 
أنتهى نص الأقتباس كما ورد في الكتاب ولا أعرف لغاية اليوم مدى صحة ذلك.
 
   أخذت الكتاب بيميني وسرت الى ( سنتر روزنكورد) في الطريق وعلى بعد عدة امتار من البناية التي تقع فيها الشقة التي اسكنها كنت انظر إلى صف الملاعب العديدة المتجاورة المخصصة لكرة القدم والمسيجة  بسياج من( البي ار سي )  فيما تغطى ارضية كل هذه الملاعب بساط أخضر، أنها مروج طبيعة من الثيل الزاهي المنظر الممتد لمسافات شاسعة؛ سرت بمحاذاتها في طريق مخصص ( للسابلة ) مرصوفة بـ (الشتايكر)، وبجواره شارع معبد بـ ( الا سفلت)، مخصص للدراجات الهوائية، على أحدى جوانب سياج الملاعب القريب من شقتنا صفٌ من أشجار(الزعرور) والتي نفضت كلَّ أوراقِها؛ اقطف من ثمارها احياناً في فصل الصيف، وفي مقدمة السياج صفٌ طويل من اشجار باسقة يزيد ارتفاعها على العشرين متراً نفضت اوراقها هي الاخرى وبقيت اغصانُها تحتضن بودٍ وحنان اعشاش الطيور. في الطريق كانت بعض المجاميع من طيور( النورس) او (الغربان) منهمكة بفطورها وهي تلتقط طعامها من المروج الخضراء أومن بين الاوراق والأغصان الصغيرة المتجمعة بالقرب من الاشجار والشجيرات.

 أمامي وعلى مرمى حجر عشرات العمارات بنيت
بأَبْهى الصور
وقفت سارحاً ... مشدوهاً
وأنا
أُطيل النظر
عشبٌ أخضر
على مد البصر
أعشاش طيور
بُنيت
بين افانين الشجر
في عزِّ الظهيرة
شوارع
خالية من البشر
أفيق من حلمي
مقارناً بين ما جمعت عينايّ
هذا اليوم
من جميل الصور
وخزين ما حملته معي
من بلدي
من رعب الصور
وراحت بي
الدنيا مسرعة
تدور
 
وصلت الى ( مركز مدينة روزنكورد) الذي يحتوي على مجمع تجاري خدمي كبير، البناية أُنشئت حديثاً، المكانُ يعجُّ بالناس المتبضعين والمتسكعين ففيه العديد من المتاجر والأسواق التجارية ففيه (ثلاثة أسواق كبيرة سوبر ماركت متنوعة البضائع، ومحلات للصيرفة - تبديل العملة- واخرى للعطور والهدايا و صيدلية ومحل لبيع الزهور ومكتب للبريد وبطاقات اليانصيب ومحل للمصوغات الذهبية والفضية وعدة محلات للحلاقة وتصفيف الشعر للرجال والنساء ومحل لبيع لعب الاطفال وأخر للوازم وعربات الأطفال وعدة محلات لبيع الملابس، وكذلك للمواد المنزلية والسجاد، ومحلات لبيع الموبايلات واجهزة الكومبيوتروالستلايت، وثلاثة كافتريات تتوزع في السوق، ومدخل رئيسي لبوابة أكثر من مدرسة سويدية لتعليم (الكبار) اغلب الدارسين فيها من المهاجرين القادمين للسويد، وكذلك بناية المكتبة العامة في (روزنكورد) وغيرها من المحلات المتنوعة .
 
 في وسط السوق يوجد مطعم وكافتريا (كيلاس) اعتدت الجلوس فيها، والتقي فيها أصدقائي ومعارفي، وجدت صديقي (كريم الاسدي) يجلس لوحده على طاولة في( الكافتريا) المكان جميل وحيوي فهو يقع وسط المجمع الكبير( لسنتر روزنكورد) يحتوي المطعم على مختلف انواع الاطعمة العراقية و الشرقية، وفيه ايضاً بوفيه مفتوح للطعام، وكذلك انواع متعددة من الحلويات والمعجنات والمرطبات والشاي والقهوة والمشروبات كالبيرة والواين، أسعاره معتدلة، المكان يعج بالحركة والنشاط طوال اليوم، تجتمع فيه مختلف الجنسيات التي ترتاد المكان والتي يقطن قسم منهم (روزنكورد والمناطق المجاورة لها) ومن جميع الجاليات فتشاهد الجالية ( العربية- السوريين والفلسطينيين وأخرى للعراقيين للعرب أو للكرد أو مختلطة - وبجنبها للبوسنيين وأخرى للإيرانيين وللأفغان والهنود وعدة طاولات للصوماليين فلهم على العموم اكثر من طاولة في المكان، وغيرها من الجنسيات، فتسمع في المكان مختلف اللغات وهي تتحاور وتتهامس و تتداخل اصواتها ولهجاتها مع بعضها!
 جلبت لنفسي فنجاناً من القهوة وكأساً من الماء البارد الزلال، سعر كوب القهوة (12) كرون سويدي يعادل دولار ونصف أمريكي. اخترت كرسيّاً شاغراً على طاولة صديقي (كريم الأسدي/ أبو وسام ) حييته مرة أخرى، وجلست بجواره وبدأنا نتجاذب اطراف الحديث، أدرت محور الحديث هذه المرة عن( الدكتورة نوال السعداوي) فصديقي(أبو وسام ) من المعجبين بشخصيتها والمتابعين لنشاطاتها.
 
 خلال جلستنا اتصلت بولدي (مخلد ) وعلمت منه أنه يعرف بتخرج ( ريام) وكذلك هاتفت أبن اخي( أبو أمير، بسام فيصل الأميري) على (الفايبر) فهو يسكن في (العراق/ قضاء العزيزية) وتحدثت معه، واستفسرت منه عن أخبار وأحوال عائلته وأهله وأخبار المدينة والأصدقاء ، وأخبرته بتخرج (ريام) ففرح لها فرحاً كبيراً، وبعد انتهاء مكالمتي ألتفتَ أليَّ صديقي(كريم) مهنئاً بتخرج (ريام) متمنياً لها كل الخير والتوفيق.
فيما كنت وصديقي نهم بالمغادرة جاء صديقي (أبو أمين) ايراني الأصل يجيد التحدث بالعربية ، اعرفه منذ مدة تزيد على (12) عاماً التقينا ودرسنا سوية في احدى مدارس تعليم اللغة السويدية، إلتقيه هنا في (الكافتريا) باستمرار فهو شخصية لطيفة المعشر ذو ثقافة واسعة؛ حياني وسلمني كتاب (لُغزُ أمّ كلثوم ) للكاتب ( رجَاء نقاش) إذ كنت قد اعرته الكتاب قبل (10) أيام فهو يحب المطربة كوكب الشرق (ام كلثوم)ويحفظ الكثير من أغانيها ولديه اطلاع عن الشعراء الذين كتبوا اغانيها وملحنيها و معجب جداً بالموسيقار (رياض السنباطي) والشاعر( أحمد رامي)، إذ كنت قبل فترة حدثته عن الكتاب وفيه فصل مطول يوضح ويشرح العلاقة الحميمية (الحب الأفلاطوني) بين( أم كلثوم و احمد رامي ) فطلب مني استعارته!
 
 في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر، قررنا أنا وصديقي (كريم الأسدي) مغادرة (الكافتريا)، غادر صديقي للبيت، فيما أخبرته بأني أود الذهاب للمكتبة - المكتبة العامة في روزنكورد- والتي تقع في نفس المجمع - سنتر روزنكورد- على بعد عدة امتار من المكان الذي نجلس فيه.
 طالعت على عجلٍ  في مدخل المكتبة الفسيح الاعلانات ومعرض للصور، واستلت يدايَّ أحدى الصحف العربية ( الكومبيس) واخرى(نبض الأوريسُند) والتي رصفت في حافظة من الحديد المشبك مخصصة لكل واحدة من هذه الصحف والتي توزع مجاناً.( الصحيفتان تصدران باللغة العربية والسويدية).
 
ولجت المكتبة من بوابتها الثانية المحصنة بنظام ألكتروني، ينشر صفارة إنذار منبهة عند خروجك مع أي كتاب تأخذه من المكتبة ما لم يتم تأشيره من قبل أمين المكتبة أو من الحاسبة الإلكترونية المخصصة لذلك والتي بإمكان أي شخص استعمالها والاستعارة بواسطتها دون الرجوع الى امين المكتبة شرط ان يكون يحمل معه هوية المكتبة العامة. 
في بداية بوابة مدخل المكتبة وعلى جانبها الايمن يقع القسم المخصص للأطفال، ويسار المدخل تقع مجوعة من الكراسي المريحة الوفيرة ،رتبت الكراسي(الستة) حول طاولة وضعت عليها بعضُ الصحف اليومية ، فيما شغل جميع الكراسي مجموعة تتحدث فيما بينها - تتحاور - دون أن يطالع اي منهم في صحيفة او كتاب،لهجتهم تدل انهم من الجالية العربية  لكنهم ليس بالعراقيين!
 
 أستليتُ العدد الأخير من جريدة (العربي) من الادراج المخصصة للصحف والمجلات، والموجودة بترتيب جميل وفي معظم اللغات التي يرتاد روادها المكتبة ( السويدية ،الإنكليزية ، العربية ، الفارسية ، البوسنية ، والصربية والبولونية ...)
وسرتُ عدة خطوات وسط صالة المكتبة كانت طاولة مربعة بعدة طوابق تتوسط الصالة عرضت عليها الكتب - الاصدارات الجديدة - بالعديد من اللغات ، طريقة عرضها تُلفت الانتباه ، فقد وُضعت قصاصاتٌ من الورق الملون باللون الأخضر على واجهة كل كتاب تدل أن الكتاب إصدار جديد، أخذت كتاب (المهاجرون) للكاتب السويدي ( فيلهلم موبيرغ ) الكتاب مترجم من اللغة السويدية إلى اللغة العربية،عن (دار المنى ) ترجمة (علاء الدين أبو زينة ) كنت في شوق كبير لمطالعته، إذ كنت قد شاهدت فلم ـ المهاجرين- الطويل جداً - بحدود سبعة ساعات - الذي يتحدث عن هذه الرواية المهمة جداً في التاريخ السويدي.
 
جلتُ بنظري في المقاعد المريحة الاخرى التي تتوسط صالة المكتبة والتي تقع وسط الصالة مابين مكتب الاستعلامات والحاسبات الالكترونية المخصصة لرواد المكتبة، اخذت مكاني في زاوية احدى (القنفات) التي تتسع لشخصين او ثلاثة، وضعت الصحف على الطاولة التي أمامي، وبدأت اطالع عناوين صحيفة (العربي) وهي صحيفة باللغة العربية وتصدر من(لندن)، لم اتمكن من التركيز وفهم المواضيع وعناوينها ؛ فصوتٌ من (القنفة) التي تلاصقني من الخلف، لا ينقطع عن الحديث، أدرت رقبتي للخلف، شابٌ في العشرين من عمره يتحدث بـ ( هاتفه النقال ) بصوتٍ عالٍ وبعصبيةٍ وباللغةِ (الصوماليّة) الصوت يرن في رأسي وهو يقتحم أذنيّ؛ وضعت الصحيفة على الطاولة وانتظرت انتهاء مكالمته، وما ان أنهى مكالمته، وههمت ان أخذ الصحيفة من أمامي،  حتى بدأ رجل ٌ اخر بعمر (40 ) عاماً كان يتحدث باللغة (الفارسية) - احتمال من الجالية الأفغانية أو الايرانية - بالتلفون وبصوت مرتفع وفتح الحاكية (السبيكر)؛ أعدت نفسي لوضع الجلوس والراحة والتجوال في نظري عما يجري في المكتبه وقررت أن اخذ اغراضي وصحفي وأبحث عن مكان أخر تركت الصحف والأغراض وتجولت في المكتبة وجدت احدى الطاولات المستطيلة تحيط بها (خمسة) كراسٍي، جلسَ في صدرها (شاب في الثلاثين) يحدق منهمكاً في(حاسوبه) الشخصي وبجانبه على المنضدة رُصفت (ثلاثة) كتب، وفي الجانب الاخر (رجل ٌ في الخمسين) من العمر يطالع صحيفة( فارسية)، وأمامة على المنضدة أكثر من صحيفة بنفس اللغة، عدتُ مُسرعاً وجلبت أغراضي والصحف وأخذت مكاناً في الطرف الآخر من المنضدة الكبيرة المستطيلة، فالمنضدة مخصصة للقراءة والكتابة؛ وبدأت مجدداً بمتابعة عناوين الصحيفة ؛ نهض (الرجل الخمسيني) من مكانه بعد دقائق؛ فيما عينايّ تجولان في المكان الذي حولي شدني منظرٌ غريبٌ فعلى مقربة خطوتين من مكاني (شاب في الثلاثين) من العمر يجلس على ركبتيه على البلاط ووجهه متجه على درجِ الكتب العربية المرصوفة في رفوفها، حدقت النظر به مستغرباً فرأسه يتطلع الى ابعيد من صف الكتب المرصوفة أمامه، نظره شارد للبعيد ـ بشرته توحي انه ليس (عربي )فلون بشرته داكنة السمار وشعر رأسه مجعد حالك السواد، وهيئته توحي للناظر انه من (الصومال)، لحظات مرت ونظري مسمر له وشدني أليه أكثر حركاته فهو يجلس في هذا الوضع كأنه (يصلي) لحظات تيقنت أنه فعلاً  يصلي، فقد حرك يديه وأدار رأسه الى الجانبين أشارة تدل أنه اكمل الصلاة.
 
وفيما نظري يجول في المكتبة لاحظت (رجلاً) أخر أسمر البشرة، في أحدى الغرف التي تقع خلف الاستعلامات ، متجهاً بوجهه الى الشباك وفي نفس اتجاه (الرجل الصومالي) -اتجاه القبلة - وهو يضعُ كفي يديه على اذنيه  بشكل يوحي بالصلاة ايضاً! 
رجعت الى صحيفتي ، فيما أقلّبُ الصفحة الأولى، جاء صوت مذياع ينبثق من (الهاتف الخلوي) للشاب الذي يقاسمني الطاولة نغمة رنين هاتفه تعلن الآذان ويدعو للصلاة باللغة العربية، أخفض الشاب الصوت على مهلٍ وهو يرمقني بنظرة فيها نوعٌ من الود .
قررت أن أغادر المكتبة مكتفياً بهذا القدر من المطالعة في المكتبة لهذا اليوم!
 
حملت أغراضي وأعدت الصحف التي استعرتها الى مكانها، لم يزل مكان مطالعة الصحف تشغله  نفس المجموعة وهم محتدون ومنهمكون في نقاشاتهم.
ذهبت الى الجهة المقابلة للاستعلامات لغرض تسليم كتاب (اعترافات القادة العرب) يسلم الكتاب الى  حاسبة الالكترونية ، ما ان تضع الكتاب على المكان المخصص لذلك حتى تتم قراءة الشريحة الالكترونية المثبتة على الكتاب ، يأشر الجهاز أنه استلم الكتاب، فتستلم ايصال بشكل( اوتماتيكي)عن الكتاب المستعار !
 
 ذهبت الى موظفة الاستعلامات كي أستعير كتاب (المهاجرون) اخرجت هويتي من محفظتي، ودفعت بالكتاب والهوية لموظفة الاستعلامات ،موظفة الاستعلامات إمرأة ودودة لطيفة متوسطة القامة شعرها قصير  تبدو في الخمسين من العمر، حييتها باللغة السويدية وأخبرتها أني أود استعارة هذا الكتاب. أستلمت الموظفة الهوية وبدأت تضرب على الكومبيوتر الذي امامها، وإذا أصواتُ اطفال - خمسة بنات- بعمر من (8- 10) سنوات قهقهاتهن تملئ المكان وهنَّ يجرينَّ بحركةٍ ودربكةٍ عبثيةٍ فوضوية، وهنَّ يلفنَّ ويدورن حول الكراسي والطاولات، تسمرتْ الموظفة في مكانها، وفغرتْ فاها، وبصوت خفيض حاولتْ الموظفة تنبيههن على خطأ هذا التصرف ولا يجوز ذلك، توارت الفتياتُ مسرعاتٍ بعيداً في جريهن بين ادراج المكتبة، ودخلن مسرعات الى غرفة في الجانب الأخر مخصصة كسينما للأطفال فيها شاشة تلفزيون تعرض فيها انواع متعددة من افلام الاطفال!
سلمتني هويتي والكتاب المستعار مع وصلٍ مثبت فيه تاريخ الاستعارة و موعد التسليم، وذهبتْ الموظفة مسرعةً خلف الفتيات إلى غرفةِ السينما!
 
 ارتديت كامل ملابسي (القمصلة، غطاء الرأس، اللفاف، القفازات) ووضعت الكتابين( لغز أو كلثوم والمهاجرون) بين صحيفتي( الكوبيس ونبض الأوريسُند) الساعة تشير الى الرابعة مساءً، قررت الخروج من الباب الذي يتوسط سوق (سنترروزنكورد) قرب الباب وقفت أحكم سحاب (القمصلة) واللفاف حول رقبتي، وضعت أغراضي على( مصطبة) قرب الباب، كانت تجلس عليها(امرأة) في العقد الخامس او اكثر، قصيرة بدينة، تجلس في هذا المكان بشكل شبه دائم ( تتسول) من الداخل أو الخارج من السوق!
خرجت من السوق لفحة من الهواء البارد تضرب وجهي، لم تزل بقايا من الشمس تُضيء المكان ،لون السماء رمادياً، عشرات من الناس تغادر السوق محملة بالأكياس التي رسمت عليها علامات (السوبر ماركت الخاصة بالسوق) ،أو يسحبون عرباتِ التبضع، فيما عشرات اخرين يدخلون للتبضع، مئات من السيارات وبمختلف الالوان والموديلات تقف أمام الاسواق، فالكراج الكبير الواسع ذو الطابقين الذي يقابل الاسواق والطابق الذي تحته، وقوف المركبات فيه مجاني لمدة ساعتين، وبإمكان المرء تجديد الساعتين مرة أخرى.   
 
الطقس بارد، مع رياح باردة خفيفة،اعتقد درجة الحرارة بحدود (الصفر) سرت عدة خطوات، أمامي يجلس(رجلٌ) في العقد الثالث من العمر يفترش الأرض بالقرب من بوابة أكبر سوبر ماركت في  روزنكورد(ستي كروز) يلف سيقانه  ببطانية باسطاً يده للتسول، وقفت قرب الرجل ووضعت في الوعاء الذي امامة قطعة نقدية معدنية (خمسة كرون سويدي) الرجل بلحيةٍ كثةٍ سوداء، وجلبابٍ شتويٍّ رث، وسرت متجهاً نحو شقتي وبحدود عشرة دقائق كنت قد وصلت الشقة  اتصلت بي زوجتي(أم مخلد) تُخبرني انها قد استقلت الباص رقم (5) المتجه الى البيت وإنها سوف تمر في السوق لتشتري بعض الخضار قبل ان تصل البيت، بعد أن أخبرتها أني لم اشترِ الخضار الذي اتفقنا عليه وأخبرتها أني سوف اقوم بتهيئة مائدة الغداء، وفعلاً بدأت بعمل السلطة ( الخس والخيار والطماطة والليمون وقليل من زيت الزيتون)، وأعددت طبقاً صغيراً من الطرشي المخلل، أخرجتُ من الثلاجة طبقاً معداً سلفاً من ليلة أمس( أفخاذ من الدجاج  المحمرة مع مجموعة من الخضار معدة في فرن الطباخ) وضعتها في فرن الطباخ لغرض تسخينها، ووضعت رغيفاً من الخبز العراقي بعد ان قطعته أربع اجزاء الى جنبها في الفرن.
تناولنا الغداء معاً، بعد تناول الغداء  أعدت (أم مخلد) الشاي  ؛فارتشفنا الشاي ونحن نتابع نشرات الاخبار من خلال الفضائيات العربية ، قتالٌ دامٍ في (الموصل) اندحار(داعش)، القوات العراقية تحاول أن تُحكم سيطرتها على الجانب الايسر لمدينة( الموصل)، وقتالٌ عنيفٌ في (سوريا واليمن وليبيا)، الجنيه (المصري) مستمرٌ في الانهيار ويسجل (18,5) جنيه مصري مقابل واحد دولار!   
 
أخبرتني (أم مخلد ) أنها سوف تباشر البدء في عمل (أبو الهريس) والتي كانت قد هيأت مواده الأولية منذ الصباح. وهي مناسبة تراثية مندائية ضاربة بالقدم متناقلة عبر الأجيال جيلاً عن جيل كموروث ديني طقسي أعتاد (الصابئة المندائيون) على أحيائها سنوياً و تسمى بـ ( أبو الهريس)؛ إذ يعمل المندائيون في هذا اليوم وجبة طعام تتكون من( سبعة) أنواع من البذور (الرز، الحنطة، الحمص، العدس، الباقلاء، الماش، اللوبياء) وتسمى (الوجبة المقدسة) وتقام في ذكرى استشهاد (365) رجل دين مندائي بدرجة (ترميذي) قتلهم اليهود في (أورشليم ) بعد وفاة النبي - يهيى يهانا- أو(يحيى بن زكريا )، وهنالك روايتان أخريان حول هذه المناسبة، الأولى انها تعمل كذكرى على ارواح جنود الفرعون الذين ماتوا غرقاً وهم يتبعون اليهود،عند عبورهم البحر الأحمر. والأخرى تقول أنها بمناسبة نجاة النبي نوح وذويه من الطوفان.
 
عدت الى الكومبيوتر أتابع (الفيس بوك)، عشرات من الاصدقاء الأحبة يسجلون اعجابهم ويسطرون تهانيهم الكريمة بمناسبة تخرج ابنتنا (ريام الأميري) فبواسطة الجسور الجديدةـ مواقع التواصل الاجتماعي ـ والتي تجمع الأحبة والأصدقاء في الأفراح والأتراح، والتي خففت علينا جميعاً الغربة والتشرد والتشرذم الذي نعيشه ونحن مشتتون في شتى بقاع الارض، إذ بتنا نتابع اخبار بعضنا البعض بهذه الوسائل السريعة، كنتُ فرِحاً وسعيداً جداً وأنا أرى مئات من الأهل والأصدقاء والأحبة وهم يشاركونا فرحتنا ويسجلون تهانيهم ويضعون بصمات إعجابهم فلهم منا جزيل الشكر وباقات من الورود العطرة!
 
 الساعة الثامنة مساءً نادت عليّ (أم مخلد)  لتناول فنجان من القهوة العربية ! فسررت للفكرة، فأعددتُ  فنجاني القهوة هذه المرة بنفسي، وطلبت من (أم مخلد) ان تلتقط لي صورة وأنا أعمل القهوة وأشارك في هرس وتدوير محتويات (أبو الهريس) وهي في قِدْرها إذ كانت (أم مخلد) قد وضعت المواد الخاصة (بالهريسة) في الوعاءـ القِدْرالكبيرـ المخصص لها على الطبّاخ وبدأت بعد مدة وجيزة بالغليان!
ونحن نرتشف القهوة ، كان حديثنا يدور حول نجاح ابنتنا (ريام) ورغبتها إكمال دراستها في الطب الرياضي وكذلك في مجال الفن وأنا اقرأ وأعد لها اسماء الأهل والأصدقاء وهم يشاركونا فرحتنا!
 
وأخبرتها أني قد قرأت عدة مقالات خلال هذا المساء عن مناسبة (ابو الهريس) قد كتبت بأقلام مثقفين (مندائيين) في (الكروبات المندائية على الفيس بوك وغيرها) من وسائل التواصل الاجتماعي وهي تحلل هذه القصة المتوارثة، وترجح هذا الاعتقاد أو ذاك بناءاً على الدراسة والتحليل والاستنتاج والاستنباط والمقارنة مع ما ورد في الكتب المندائية المقدسة وغيرها ، وهذا الشيء يدل على اهتمام رائع بالتراث(المندائي) ومتابعة جادة بالتقصي والتحليل والاستنتاج.ومن هذه المقالات كانت مقالة للباحث الشاب المجتهد (أسامة قيس مغشغش)، والتي جاءت تحت عنوان (قراءة في معاني( ابو الهريس) بين الدين والمعتقدات).
وبقيت اتابع التلفاز وأخباره وبرامجه المتنوعة على قناة (أوربا نيوز) والجزيرة الوثائقية؛ وكذلك أراقب مع (أم مخلد) قِدر (الهريسة) وهو ينفث بخاره وصوت فقاقيع (أبو الهريس) وهي تفقأ الواحدة تلو الاخرى سريعاً!
 
وكانت من  أبرز الأخبار منح (البرلمان الأوربي) خلال اجتماعه، الإيزيديتين الناجيتين من وحوش(داعش) كلٍّ من( نادية مراد 23عاماً) و (لمياء حجي بشار 18 عاماً) جائزة (ساخاروف) لحرية الفكر؛ وقد تسارعت تترقرق الدموع في عيني وأنا أسمع الفتاتين وهما تتوسلان بصوت متهدج تخنقه العبرات المجتمع الدولي والبرلمان الاوربي وتطلبان الحماية والمساعدة الإنسانية (للطائفة الإيزيدية) في العراق وسوريا من الاعتداءات المدمرة والاستباحة الفاشية التي طالتهم والمستمرة في تهديدهم!
 حولّت قناة  التلفاز مسرعاً الى برامج الجزيرة الوثائقيّة رحلت مع رحلة (لؤي العتبي) واستكشافاته في برنامجه الممتع (أثيوبيا على الأقدام ) وهو يتجول مع بعثته الاعلاميّة  في ربوع (أثيوبيا ).
حتى حان موعد تناولُ العشاء، بحدود (الساعة العاشرة  والنصف) وكان قدحاً من اللبن الرائب وقطعة ًمن الخبز المُحمّص وتفاحةً حمراءَ، وعدةَ حباتٍ ( فردات) من التمر العراقي نوع (بريم)جلبتها من نخلاتِ حديقة بيتنا في مدينة العزيزية/ العراق من العام الماضي وكانت محفوظة بعناية في المجمدة؛إذ نتناول منها بعض حبات التمر في المناسبات، وبعدها تناولتُ وجبة ًمن (حبوب) الدواء المفروض عليّ تناولها كل يوم بناءاً على توجيهات الطبيب!
 
اتصلنا بابنتنا (روز وزوجها سنان ) في سدني/ استراليا وتبادلنا معهم التحيات في هذه المناسبة.
 
بعد عدة محاولات من التذوق لما في القدر الذي يغلي ؛ قررنا أن ( الهريسة )قد تم طبخها بالشكل وأن التذوق وصل للدرجة المطلوبة، اخرجت قدر (أبو الهريس) ووضعته في (البالكون) فدرجة البرودة هناك وخصوصاً في الليل أبرد من ثلاجة البيت،على أمل تناول طبق من (أبو الهريس) صباح اليوم التالي ونقرأ معها الفاتحة (رواد هيي) على أرواح موتانا أجمعين، وندعو بالصحة والسلامة للجميع؛ وسجلنا بعض الاسماء من الأهل والأقارب والأصدقاء كي نوزع عليهم غداً بعض الأطباق من (أبو الهريس) كما اعتددنا أن نعمل كل عام. 
 
كان هذا اليوم هو يوم الأربعاء 14- كانون الأول/ ديسمبر ـ 2016
مالمو / السويد
 


73
أدب / هَمسُ الوسواس
« في: 21:42 21/12/2016  »
هَمسُ الوسواس

 

بقلم : يحيى غازي الأميري

همسٌ خفيٌ،

نرجسيٌ خفيضٌ

وسوسَ بالرأسِ.

لأيامٍ متكررةٍ

ودبيبُ الوسواسِ

يدورُ ويدورُ ويدور

وبالرأسِ يثور

فراحتْ على مهللٍ تساورُها

شكوكُ الهمسِ
و
بهدوءٍ، راحَ

السُّكونُ و الإتزانُ

ينسلُّ من العقلِ

فأخذَ يُرافقُها

تسارعُ الأفكارِ حدَّ الضيقِ والانبهار.

وباتَ العقلُ في تيهٍ

وذبلتْ الجفونُ

رغمَ كُحلِ العيونْ

زاملها رفيقٌ لصيقٌ

كظلِها، يسقي بإغوائه

جذورَ

التمردِ والنفورِ والغرور

فحطَّ كالملح بالعيونِ الأرقُ

وتضاعف الهمسُ

وإغواءُ خفقان الشبقِ


وركب الرأسُ البحرَ...

من كبَدِ السَّماءِ، كالشِّهابِ الأبلقِ ،

سهمٌ هوى

أبرقَ وصعقْ

فأيقظَ ما أهملَ الفؤادُ من

شهواتِ

غطّاها النوى

البعيد ُ في المدن الناعسةِ

المنسيّة

لكن حنَ لها القلبُ وهام

لتندفعَ متدفقةً الهواجسُ

والأحاسيسُ و المشاعر

وتنهمرُ

الأخيلةُ والنوازعُ والدوافعُ والمنافع

محتدمةً بنيرانِها، فزعةً غاضبة

وأحياناً متسارعةً

متصارعةً متنازعة

فيتضاعف التَّوجسُ

فينتفضُ متدفقاً

إيقاعُ صوتِ الهمسِ

فيسودُ الإضطرابُ والإنفعالُ والقلق

والسلوكُ النزق

وطغَتْ شهوةُ الهوى

فاحتوتها رياحُ الغرور

فَزادتْ الأنا

في الأحاسيسِ والجوى

وأخيراً

وبعدَ ترددٌ محيرٌ مثير

اهتدتْ أن ْ

تَغرس النَّصْل فِي الضَمِير!
....

بعدَ حين من الزمنِ

حصدتْ ما غرستْ

من همساتِ الوساوس

خصاماً  ففراقاً

و رأساً سقيماً

ووجهاً يملأه عبوسٌ

و

خيبةَ في النفسِ

ممزوجةً باليَأْس

وكلاماً مُخيفاً

تلوكهُ الألسنُ

ويتناقلُ بينَ الناسِ

بالسرِّ و الهمسِ

ودوامةً لا تنتهي

ترن

بالرأْسِ

و

عينان قلقتان

لا تهدأن

تبحثُان وتقارنان

بين عريس اليوم والأمسِ

.......

فأفقتُ من نومي فزعاً

وأنا اتحسسُ زبدَ الهذيان

على طرفيّ فمي

فأمسكتُ نفسي

وسألتُ رأسي

هلْ ما مرَ عليَّ

واقع ٌ أم خيالْ

فيأتي الجوابُ:

رغمَ انَّ ما حدثَ

أشبهُ بالمحال

لكنْ لا تجزعْ

فذا واقعُ الحال.


هذيان مع الفجر، مالمو في 21-12- 2016

معاني بعض الكلمات التي وردت في النص ، كما يوضحها قاموس المعاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوسواس: الشيطان، جُنُون، لَوْثَة، خَبَل، هَوَس، هُرَاء، هَذَيان، وَسْوَسَة، هَاجس.
نَرْجِس : إعجاب المرء بنفسه وافتتانه بها، وفي علوم النفس يعرف النَّرجِسِيُّة ُ: شذوذ جنسيٌّ يشتهي المرء فيه ذاته: الفتاة النرجسيّة. المصدرقاموس المعجم الوسيط
هوس : طَرَفٌ من الجُنون.
هاجس: شاغل، همْ، قلق، وسواس، والتَوجس التَّسَمُّع إلى الصوت الخفي.
الشهاب: الشُّعْلَة السَّاطعة من النارِ، ما يرى كأنه نجم مضيء ينقض من السماء.

 أبلقُ: في لَوْنهِ سَوَادٌ وَ بَيَاضٌ
الجوى: شدة الوجد والاحتراق من عشق او حزن

غُرُور : انخداع المرء بنفسه وإعجابه بها ورضاه عنها، أباطيل، تكبّر وأختيال.
النَصْلُ: حديد الرُّمح والسَّهم والسكِين
واقعُ الّحَالِ: الوَضْعُ الحَقيقيُّ

74
أدب / رُؤْيَـا
« في: 21:26 08/12/2016  »
رُؤْيَـا
 
يحيى غازي الأميري


مذهولاً يقفُ أمامي
بوجههِ الوسيم
وعينيه النرجستين
الواسعتين الحالمتين
وهي
تتلبدُ بحزنٍ شفيف،
وهو يسألني:
أتظنُ
بهذه السرعةِ المفتعلةِ سيتحققُ
لها
وسواسَ حلمٌ جديد
أغواها؟
أتعقل ُ
وبهذهِ العجالة أنها ستنسى
سنابك خيلي التي
وطأتْ أكثر من ألفِ مرةٍ
مداخلَ مروجِها،
ونهلتُ من غدرانِ شفتيها
وقطفتُ أينع ثمارها.
أتعلم ْ، أقسمُ لكَ
أني قد طبعتُ ذات ليلةٍ
وعلى ضوءِ القمرِ
ألفَ قبلةٍ
على كِلْتَا وجنتيها!
فبادلتني على مهلٍ
بفراشِ الغرام
كلَّ ليلة
ذات القبلِ
فتعاهدنا
و
أقسمنا برب القُبلِ
إنْ تخاصمنا
أو
شطَّ بنا الزعل
أن نعودَ بلهفةٍ نتصالح بذاتِ
القبل
لا
لا
حتماً  ستبقى تتذكر
كلَّ ليلةٍ
كم
من
المناديلِ التي ثملتْ
من
دموعٍ
سالتْ
من مفرق
نهديها.
ووثبتُ من نومي
فزِعاً وجلاً
وأنا بأشدِ حالات الضيق والضَجَر
على صوتِ عصف رياح عاتية تنذرُ بالشرر
ترافقها أصواتٌ تصرخُ من بين الجدران والشجر
نَعمْ
صدقَت الرؤى
فحبيبتك حنثت باليميِن والوعد
ومزقت أوصال العهد
فيما
صوتُ هاتفٍ من بعيد
كأنه صدى طَرقِ الحديد على الحديد
قـُم يا ولد
وأرمِ عن هذه العيونِ
الحزنَ والهموم
وأنظر للبعيد
وابدأ حياتك بيومٍ سعيد جديد
و ظلَ الصدى يدوي من بعيد
وهو يرد
مدد
مدد
مدد
هذيان مع الفجر/ مالمو في 08-12-2016


معاني بعض المفردات التي جاءت بالنص كما وردت في قاموس المعاني:
الوسواس: الشيطان، جُنُون، لَوْثَة، خَبَل، هَوَس، هُرَاء، هَذَيان، وَسْوَسَة،هَاجس.
الضَّجَرُ: الضَّيْقُ، القلقُ، المَلَلُ، السأَمُ.
حَنِثَ في يمينه : لم يبرّ في قَسَمِه وأثم ، حَنِثَ بوعده،أخلفه أو نقضه. 


75
ملتقط العلب الفارغة

يحيى غازي الأميري
الساعة تقارب الخامسة مساء ً، لم تزلْ الشمسُ تتوسط السماء درجة الحرارة لهذا النهار قاربت أن تصل إلى الثلاثين مئوية، هكذا درجة حرارة تعتبر من الأيام الحرارة جداً في أجواء مملكة السويد، أنه أحد أيام صيف السويد الطويلة؛ مغيب الشمس في مثل هذه الأيام يكون بحدود الساعة الحادية عشر ليلاً.
حزمنا أمتعتنا في حقيبة يد صغيرة، بعد أن قضينا نهار يوم طويل مشمس، على ساحلِ البحرِ، ساعات ممتعة هادئة هانئة ،بين الماء والخضراء والوجوه الحسان، والهواء النقي العليل والرمال الساحلية النظيفة الساخنة، بعيداً عن (القيل والقال) وعن نشرات أخبار رجال الأعمال وغسيل الأموال ومفتعلي القتال وقادة الدجل والاحتيال وسراق أموال اليتامى والعيال( الأطفال).
كان من المقرر أن نبقى حتى الساعة الثامنة مساءً، لكن اتصال هاتفي على الهاتف النقال( الموبايل)، يخبرُ زوجتي أن قريب ٌ لنا يود زيارتنا مع عائلته هذا المساء، استقلينا الحافلة ـ الباص ـ رقم (32) الذي يوصلنا الى مركز محطة قطارات مالمو، وهي المنطقة التي سوف نقوم بتبديل الحافلة برقم (5) التي تقلنا إلى البيتِ في منطقة (روزنكورد)!
على حافةِ الرصيف في موقفِ توقف الحافة أخذنا مكان وقوفنا، عشرات من الناس تتجمهر خلفنا؛ موقف الباصات أمام محطة القطارات في(مالمو) مزدحم بالركاب دائماً، فهو مركز مهم للقادمين والمغادرين ومحطة لتبديل مسار الحافلات لاتجاهات مختلفة؛ لم تتأخر الحافلة (الباص) كثيراً حوالي أربعة دقائق طوال فترة انتظارنا؛ أن الوقوف والتفرج في منطقة الانتظار أمام محطة القطار والنظر لحشود الناس وهي تمر من إمامك مسرعةً تارةً ، متأنية ، متسامرة، مودعة أو مستقبلة ، بحد ذاتها غاية المتعة، ورائعة وقد لا تتكرر!
مرت بجانبنا مجموعة من الفتيات الشقراوات بملابس الصيف الساحرة الزاهية تزين رؤؤسهن أكاليل بديعة من الزهور البرية، ضحكاتهن وقهقهاتهن المرحة تملأ المكان بهجة وحبوراً.
توقفت الحافة أمامنا، دخلنا مسرعين، أخذنا مقعدين متجاورين قرب الباب الذي يتوسط الشاحنة ، أمامي في جوف الحافة المكان المخصص لكبار السن وأصحاب الاحتياجات الخاصة ، ولكراسيهم ،وكذلك لعربات الأطفال.
في ذروة التزاحم والصعود والنزول يدخل رجل وهو يرفع بكلتا يدية كيس كبير مليء بالعلب الفارغة، يضعه على عجلةٍ في المكان المخصص لعربات الاطفال، ويخرج مسرعاً ليلتقط من مقابل الباب كيساً اخراً اكبر حجماً من الأول، أصوات القناني الفارغة ترن وهو يدخله ليضعه بجانب شقيقه - الكيس الأول- ؛ ينهمك بحركات متسارعة وهو يحاول ضم ورصف(الكيسين) على بعضهما بكلتا يديه وساقيه.
الكيسان اخذا مساحة واسعة تجاوزت على جميع المكان المخصص لجلوس المعوقين وكبار السن وعربات الأطفال، حجمها كبيرٌ جداً بالقياس لمساحةِ المكان، كل كيسٌ يزيد ارتفاعه على المتر والربع وقطره كذلك!
يذهب الرجل مسرعاً الى المكان المخصص لقطع التذاكر قرب سائق الحافة ،يأشر بطاقة دخوله ويعود مسرعاً ليقف جنبَ أكياسهِ المنتفخة، وهو يحاول مرة ثانية ان يلمهما الى بعضهما أكثر كيلا تأخذ حيزاً كبيراً، ولكي يستطيع السيطرة عليها.

وقف رجل الأكياس وهو يرمق المكان والركاب بنظراتٍ قلقة متفحصة، كان ظاهراً عليه التعب والإرهاق، أخذ نفساً عميقاً فيما راحت يداه تحاول أن تعدل من وضع نظارته الطبية، أنه شاب تجاوز الثلاثين من العمر ،متوسط القامة يميل للسمنة ، شعر رأسه قصير بلحية  سوداء تركها تنبت لعدة أيام، صيف الشمس قد بانت على وجهه الأسمر فزادته أكثر حمرةً وسمرة، كانت ملابسه غير متناسقة الألوان البلوزـ التي شيرت - أحمر وعلامة كبيرة بيضاء شعار للشركة الرياضية الشهيرة (اديداس) مطبوعة على الصدر، (الشورت) بني - قهوائي - داكن ويحتذي (صندلاً) أسود!
شابة بملابس الصيف الجذابة، ونظارات شمسيّة، تدفع عربة طفل، تدخل العربة بصعوبة بجوف الحافلة لم تجد مكاناً لها في المكان المخصص لعربات الاطفال، ترمق رجل الأكياس بنظرة مستفسرة حائرة، يرمقها بنفس النظرة ويدير لها ظهره، عيون الجميع تراقب المشهد، امرأة في المكان المقابل للأكياس ، مخصص جانب منه ايضاً لعربات الاطفال والمعوقين وأصحاب الاحتياجات الخاصة تنادي عليها أن تأخذ محلها، تستجيب لطلبها بابتسامة رقيقة وهي تومئ برأسها علامة على الموافقةِ والشكر!
رجل الأكياس يقف متاملاً جوف الحافلة، فيما رائحةُ عرق ٍ نفاثةٍ تنبعثُ من جسمهِ وملابسهِ، تخالطها رائحة ( البيرة) التي تفوح من العلبِ ( القواطي) الفارغة تنتشر في محيطِ المكان.
 رجل الأكياس يدور برأسه ويسمّر نظراته من خلف نظارته الطبية إلى مقعد فارغ واحد، قريباً منه، جنبَ أمرآةٍ طاعنة بالسن ِ بشعر اشيب قصير وملابس فضفاضة ملونة زاهية، بلمحةِ بصرٍ وبخطوةٍ سريعة يجلس بالمكان، فيما بقيت عيناه مشدودة إلى الاكياس،المرأة العجور التي بجواره تكوّر نفسها مبتعدة ً في اقصى الكرسي وهي ترمق الرجل بنظرة فيها كثير من الحيرة والحذر.
 تتحرك الحافلة، يُخرج رجل الأكياس هاتفه النقال من جيبهِ، يفتح (الموبايل) ويختار أحد الأرقام، ويبدأ بالحديث:
ـ ألو ، ألو، ألو
ـ نعم.
 ـ أنا (جمال) معاك، أسمعني أني الآن في الباص رقم (5)  أتحرك الباص، بحدود ربع ساعة سوف اكون في موقف الباص في (راملز فيك) اريدك تنتظرني هناك، أعاد اسم المنطقة ( راملز فيك) مرة ثانية بصوتٍ أعلى.
توقفت الحافلة في المنطقة الثالثة بعد المحطة بجانبِ بناية ( كونشرت هوست)، شابة شقراء فارعة الطول بعيون زرقاء ،تنزل من الحافلة . 
عينا (جمال) تجول المكان وتتسمر على علبة (كوكا كولا) فارغة متروكة على حافة الرصيف، يقطع مكالمته الهاتفية وينادي على الشابة التي غادرت الحافة:
 - ( هلو ، هلو ، هلو )
ما أن ألتفتت الشابة حتى بادرها باللغة العربية ( ناوليني العلبة ) وهو يشير بيده الى العلبة المركونة الفارغة على حافةِ الرصيف.
وقفت المرأةُ مفزوعة ًوهي تتلفت ذات اليمين والشمال، على مصدرِ الصوت وإشارة محدثها، وهو( يأمرها) بصوتٍ مرتفع وباللغة العربيّة أن تناوله العلبة الفارغة، لم تفهم حديثه وإشارته، بدأت عينها ورأسها يدور في المكان والوجوه، بان عليها الانزعاج والاستغراب وصوت (جمال) يُلاحقها وإشارة يده تتجه الى العلبة الفارغة، تركت المكان مقطبةَ الحاجبين وذهبت مسرعةَ الخطى وهي تتلفت مستغربة فاغِرَة فاها.
أغلق الباص أبوابه، وبدأت السيارة تهم بالحركة، ضغط (جمال) على زر المنبه بالتوقف، و بصوتٍ عالٍ قوي نادى على السائقِ، للتوقف وفتح الباب، باللغة السويدية:
stanna öppna dörren -   
توقف السائق، وفتح باب الحافة نزل (جمال) من الحافة وإلتقط علبة ( الكوكا كولا) الفارغة، عاد للحافلة مسرعاً ليجدها قد أغلقت أبوابها، طرقَ الباب مراتٍ متتاليةً بقوة وهو يصرخ :
 öppna dörren -   
الحافلة تحركت و(جمال) يجري بجانبها وهو يطرق بابها بقوة بأحدى يديه، فيما يده الاخرى تقبض بقوة على علبةِ ( الكوكا كولا) الفارغة وتضمها الى صدرهِ، وهو يصرخ:
öppna dörren  ،öppna dörren -   
 الحافلة تسير وبجانبها (جمال) يجري، واصل جريه بسرعة حتى وصل لباب الحافلة المجاور للسائق وهو يصرخ:
 öppna dörren -
توقفت الحافلة في منطقة (أشارة المرور الضوئية ) ـ ترفك لايت ـ  حمراء، بعد ان قطعت مسافة بحدود (30) متراً،(جمال) يقبض بيده على العلبة وهو يتوسل بالسائق أن يفتح الباب، السائق ينظر اليه باستغراب ولم يستجيب لصراخه !
 تطوع أحد الركاب ونادى على السائق أن يفتح له الباب بعد ان شرح له باللغة السويدية ما جرى، فتح السائق الباب.
أندفع ( جمال) بجوف الحافلة وهو يرمق السائق بنظرة عتاب، وعلامات الغضب والتعب مرسومة على وجهه الذي لوحته الشمس والتعب، سار عدة خطوات سريعة بين الركاب، وبسرعة يفتح احد الأكياس ويضع فيه علبة (الكوكا كولا) الفارغة، وابتسامة الظفر والارتياح قد ارتسمت على شفتيه؛ فيما كانت عيون معظم ركاب الحافلة تلاحق وتراقب(جمال) وتتهامس فيما بينها!
مالمو / السويد
3 تشرين الثاني 2016
العلب الفارغة : في مملكة السويد وكذلك في العديد من البلدان الاوربية، توجد علامات على العلب الفارغة، وكذلك القناني الفارغة، التي يمكن ارجاعها واستلام اثمانها، جميع العلب تستحصل قيمتها مقدماً من الزبون المتبضع، ويعاد ارجاعها في اماكن عديدة مخصصة - ماكنة -  توجد في معظم الاسواق التجارية، بالإمكان وضع العلب فيها واستلام وصل بقيمتها، كان سعر العلبة الفارغة وقت تدوين الحكاية صيف عام (2007) نصف كرون سويدي، الآن وانا انشر الحكاية عام(2016) قيمتها ( كرون سويدي واحد) وقناني (الكوكا كولا) وبقية المشروبات الغازية الكبيرة بقيمة (2) كرون سويدي.


76
أدب / ما مرَ عيدٌ والعراقُ سعيدُ
« في: 21:09 10/07/2016  »
ما مرَ عيدٌ والعراقُ سعيدُ
 
ِيحيى غازي الأميري


أنظرُ الى وجوهِ الناسِ والحزنُ يسكنُها
موشحةً بالوجعِ والسوادِ
وقلوبُها تطفحُ
ملبدةً بالهمومِ
تنشجُ بلوعةٍ زفراتِ بؤسِ حظِها
وتشتمُ كلَّ من حنثَ بالوعودِ
وخان العهودِ
يُزيدُ ألمَها شجنُ الروحِ
وأنينُ الفؤادِ
بعد أن هَجَرَ الجفونَ الرقادُ
وحلَ السهادُ
و
رحلَ الفرحُ وحطتْ
متواترة ًالنكباتُ و الويلاتُ على البلادِ

في كلِّ لحظةٍ
وفي كلِّ مدينةٍ شبحُ الموتِ
يطاردُ أهلَها
بفعلِ مجازرِ الأوْغادِ
بعد كلِّ مجزرةٍ يقفُ مُنتشياً
مجرمٌ وخلفه عن قربٍ وغدٌ وجلادُ
كنتُ أتابعُ بألمٍ من التلفازِ
أخباراً وتقاريرَ عن مآسي العراقِ
شاهدتُ
مشاهدَ فزعٍ ، أرتعدَ لهولِها مرعوباً خافقي
جموعٌ من الناسِ
تصرخُ وتستغيثُ بجنونٍ
وهي تتقافزُ وتركضُ
ذاتَ اليمينِ وذات الشِّمال
تلاحقُها أصواتُ الإنفجاراتِ
و ألسنةُ النيران وأعمدةُ الدُّخانِ
والأشلاءُ والأشياءُ
تتصاعدُ شظايا متطايرةً متناثرةً
بين فضاءِ المكانِ وكـبدِ السَّماءِ
مشاهدٌ
تُدمي القلوبَ، وتُنطقُ الحجر
فزعٌ لا مثيل له
ثلاثةُ رجالٍ يحاولون سحبَ إمرأةٍ من جوف سيارة
حوتها النيرانُ
وهي تحتضنُ طفلَها الرضيعَ
تستغيثُ بصراخٍ والنارُ تلتهمُ
ثيابهَا
فتحيلُها بلحظةٍ  لكتلةٍ من نارٍ و رماد
أمٌ تصرخُ بهياجٍ شديد
وهي تلوحُ بيدٍ وتتضرعُ باخرى
فرشت عباءتها على قارعةِ الطَّريقِ ؛
لتجمع أشلاءَ ولديها بين الحُطامِ
وأُخرى تلطمُ رأسَها وهي
تُقبّلُ  شلواً من الأشلاء
وشابٌ مضرج ٌ بالدماءِ
يحملُ نصف َ جسدِ ابيه وهو ينتحبُ
ويصرخُ هذا ( أبي)
وعلى جانبيه ثلاثةُ رؤوسٍ
تسبح بالدم المُراقِ في العراق
نحرتها الشظايا الشيطان
صوتٌ نسائيٌّ ملتاعٌ يرددُ دون انقطاع
(يمه أوليداتنا)
لم أنمْ ليلتي
فقد اغرقتُ وسادتي بالدموعِ
في الصباحِ شاهدتُ
في كلِّ شارعٍ
الخيامَ ضُربتْ أوتادُها
ولافتاتٍ لا حصرَ لها ولا عـد
تنعى بمرارةٍ فلذاتِ الأكباد
وتلعن الفساد
كتبت في 8 تموز 2016
مالمو / السويد

ملاحظات متعلقة بالنص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عدد شهداء العراق (ضحايا التفجيرات والأعمال الارهابية) بلغ ( 251000) مواطن عراقي خلال الفترة منذ التغير الذي حدث في العراق( 9 نيسان 2003) لغاية تموز 2016 كما ورد في برنامج( البشير شو) في حلقة (عيد - شهيد) بتاريخ( 8 تموز 2016) والذي بثته القناة الفضائية (أن أر تي ) حسب ما جاء في إحصائية منظمة :
( IRAQI BODY ACCOUNT )
*عدد شهداء(ضحايا) تفجير الكرادة /بغداد الذي حدث يوم (3 تموز2016 ) وصل الى ( 292) شهيداً و(200) مصاب، تقرير وزارة الصحة العراقية في( 7 تموز 2016)



77
حقوق المكونات في الدستور العراقي/ محاضرة ثقافية في الجمعية المندائية في مالمو

يحيى غازي الأميري
استضافت الجمعية الثقافية المندائية في مدينة مالمو،على صالة قاعتها مساء يوم الجمعية المصادف 29 أبريل / نيسان 2016 الصديق الحميم لجميع مكونات المجتمع العراقي الأستاذ الباحث القدير الكاتب القاضي (زهير كاظم عبود)
كلفَ كاتب السطور ( يحيى غازي الأميري) من قبل الجمعية  الثقافية المندائية في مالمو بإدارة امسية المحاضرة والتقديم لها.
 بعد الساعة السابعة مساءً بعشر دقائق ابتدأت أمسيتنا بكلمةِ ترحيب بالحضورِ الكريم وضيفنا العزيز؛ أدون ادناه نص من كلمة الترحيب والتعريف بالأستاذ الفاضل (زهير كاظم عبود) التي قرأتها.

 (سيداتي آنساتي سادتي الحضور الكريم
أسعدتم مساء ً وأهلا ً وسهلا ً بكم في أمسيتنا الثقافية هذه، والتي تستضيف فيها الجمعية الثقافية المندائية في مالمو، الأستاذ الباحث الأديب القاضي ( زهير كاظم عبود) في محاضرته الموسومة ( حقوق المكونات في الدستور العراقي) .
يتمتع ضيفنا الكريم الأستاذ (زهير كاظم عبود ) بسيرة عطرة مفعمة  بالعطاء والإبداع والنضال. وبمسيرة حافلة بالإعمال الجليلة والموقف الإنسانية المشرفة.
المتتبع لسيرة الأستاذ (زهير) يجدها تزخر بالعطاء المتواصل من أجل نصرة الحق، والدفاع عن  حقوق الشعب العراقي وثرواته، بجميع مكوناته وأطيافه، ومدافع لا يلين ولن يضعفْ أو يستكين في الدفاع عن حقوق ـ الأقليات ـ مكونات الشعب العراقي الأصيلة بشكلٍ خاص.
فتراه في كتاباته الزاخرة ومحاضراته ومؤتمراته ومداخلاته، وحيثما يكون مدافع بالحق بلاد حدود عن حقوقهم ومناصر لتطلعاتهم المشروعة.
فالمتابع له يجد في كتاباته وطروحاته الغَيْرة الوطنية والشهامة والجرأة المفعمة بالطيبة الصادقة، يكتب بوجدان ينبض بالإنسانية.
فتراه يكتب ببصيرة رجل القانون المطلع الواعي عن:
تاريخ وحقوق الأيزدية ومآسيها والجور والحيف والظلم الذي أصابها وألم بها والذي لم يزل يفتك فيها.
وبنفس الشهامة يكتب عن حقوق الصابئة المندائيين و تطلعاتهم للغد الأفضل، بعد التشتت في بلاد المهجر الذي اصابهم.
وكذلك عن الحقوق المستلبة وعقوق القوانين التي لا تريد أن تنصف الكورد الفيليين وتضمد جراحاتهم النازفة
ويكتب بنفس الشهامة عن حقوق المسحيين وهجرتهم الجماعية، ومأساتهم في نينوى وسهولها!
ويكتب بحزن عن هجرة  اليهود ومبدعيها.
وعن ويلات و تطلعات الشبك وحقوقهم.
وبنفس الهمة والمثابرة يكتب ويتحدث عن حقوق شعب العراق وتطلعاته،ويتألم بحرقة ومرارة ولوعة عن الدمار والنهب والخراب الذي ضرب اطنابه في ربوع الرافدين.
انها سيرة زاخرة  بالإنتاج الغزير بالكتابة التنويرية (الثورية التقدمية).
له من الكتب المطبوعة الصادرة اكثر من 28 كتاباً في مختلف المواضيع ومئات المقالات والدراسات والبحوث منشورة  في الصحافة الورقية وبقية المنافذ الاعلامية مثل صحافة الانترنيت.
بعدها قرأت شيئاً من سيرته الذاتية وبعضٍ من عناوين كتبه الصادرة وأبرز محطات حياته.
لأترك (المايكرفون) لضيفنا الفاضل ليحدثنا عن حقوق المكونات في الدستور العراقي.
ابتدأ الأستاذ الباحث زهير كاظم عبود حديثه بالترحيب بالحضور الكريم ، مستعرضاً بتسلسل تاريخي كيفية انبثاق اول دستورعراقي تم العمل بموجبه في عام 1925 ،في العهد الملكي و ابرز المواد التي ذكرت فيها حقوق المكونات العراقية، وبعدها استعرض التغيرات التي حدثت على الدستور العراقي بعد ثورة 14 تموز 1958 وتغير نظام الحكم من ملكي الى جمهوري، وكيفية الغاء الدستور الاول وأصدر دستور مؤقت على امل اصدار دستور دائم لجمهورية العراق، مستعرضاً كذلك المواد التي ذكرت حقوق المكونات العراقية في الدستور المؤقت،واستعرض في حديثه قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة  1959 وكذلك التغيرات التي حدثت بعد انقلاب عام 1963 و1968 والتغيرات والتعديلات التي طرأت على الدستور بخصوص المواد التي تخص المكونات العراقية، وكذلك التعديلات التي جاءت على قانون الاحوال الشخصية ،مكملاً حديثة الى الدستور الاخير الذي جاء بعد التغير الذي حدث بعد 9 نيسان 2003،والذي يتم حكم العراق بموجبه  في الوقت الحاضر، وهو الدستور الذي تمت الموافقة عليه في الاستفتاء العام الذي جرى بتاريخ 15 تشرين الأول 2005 ودخل حيز التنفيذ في عام 2006.
وبعد هذا الاستعراض الشيق المعزز بالأمثلة للوقائع والأحداث والذي استمر لساعة كاملة ، شكرنا ضيفنا وجمهورنا لحسن اصغائهم وتفاعلهم ، أخذنا استراحة لمدة عشر دقائق لتناول القهوة والشاي ، وخلال فترة الاستراحة عرضنا احدث نتاجات ضيفنا الفاضل من الاصدرات كتابه الموسوم (حركة جند السماء) والذي يبحث في أحداث ما يسمى ( واقعة الزركة) والتي وقعت احداثها المثيرة للجدل في محافظة النجف عام 2007؛ يقع الكتاب بـ 244 صفحة من القطع المتوسط.وقد اقتنا العديد من الحضور نسخة من الكتاب.
بعدها طلبنا من الحضور الكريم من الراغبين منهم بالمداخلات أو الاستفسارات أو الاسئلة تسجل اسمائهم، فكانت أسئلة واستفسارات ومداخلات عديدة شارك فيها أكثر(15) من الحضور،أجاب الاستاذ (زهير كاظم عبود)على جميع الاسئلة والاستفسارات والمداخلات، والتي أغنت المحاضرة بالجديد من الايضاحات والمعلومات المفيدة وزادت من تفاعل الحضور معها.
وقبل ان يختم الاستاذ المحاضر محاضرته القيمة، أوضح للحضور الكريم (أن الدولة العراقية مقبلة على تعديل دستور العراق) وأستطرد بقولة (لذلك أطلب من الجميع بالتحرك المباشر والمستمر بالضغط على الكتل والكيانات السياسية التي تقود البلاد ، بضرورة ان تنصف حقوق المكونات العراقية بالدستور القادم ، وعلى الجميع التحرك بالكتابة وإقامة الفعاليات المتنوعة المختلفة ومن مختلف المنابر الاعلامية لأهمية ذلك من أجل التعديل).
في الختام شكرنا ضيفنا الكريم مقدمين له بأسم الجمعية الثقافية المندائية في مالمو وأعضائها باقة من الورود العطرة، على محاضرته القيمة، واستجابته الكريمة لدعوتنا.وشكرنا حضورنا الأفاضل على حضورهم ومشاركتهم الفاعلة في الأمسية والتي دامت ساعتين وعشر دقائق، بعدها كانت هنالك فسحة قصيرة لالتقاط بعض الصور الجماعية.
ملاحظة:على مدى السنوات العشر الماضية كان ليّ الشرف أن أقدم الاستاذ الفاضل (زهير كاظم عبود) في ثلاثة نشاطات ثقافية متنوعة وهي:
1. في المؤتمر الرابع لاتحاد الجمعيات المندائية في المهجر والذي عقد في مدينة مالمو بتاريخ 18-08- 2006  وقد كانت له مشاركة بكلمة قيمة باسم( اللجنة العليا لمناصرة الشعب المندائي العظيم).
2. في أمسية ثقافية في مقرالجمعية الثقافية العراقية في مالمو والتي كانت بعنوان(القضاء في العراق) بتاريخ 17- حزيران- 2011
3.حقوق المكونات في الدستور العراقي/ محاضرة ثقافية في قاعة الجمعية الثقافية المندائية في مالمو بتاريخ 29- نيسان- 2016 .
كتبت في مالمو 27 أيار 2016

 

78
أدب / صراخٌ بين الضلوع
« في: 21:47 22/12/2015  »


صراخٌ بين الضلوع

 
يحيى غازي الأميري


أما يكفيكَ هذا الفرار
وهذا الذل والانكسار
صعلوكٌ* مُشَّردٌ، مشتتُ الأفكار
لا أهلَ لا وِلْدَان، لا صحبةً لا دارُ ولا خلّان
أما مللتَ من التَّشرّدِ
فما عرفتك تحب التسكع والخنوع
وحياة الضنكِ والضياعِ والجوع.
فكم تقاذفتك حياةُ المَنون**، وسياط السجونِ
ولاحقتك العيونْ؟!
وتحملّتَ بجَلدٍ آلاف الإهاناتِ وزفرتَ دماً بدل الآهات
ومن أجلِ قوت الجياع والمشردين لسعتكَ 
سياطُ الظلم مزقتك
دون أن تقول آه
فأنتَ الرجل ُالوَعِيُّ لعمقِ الجراح
وأسباب النواح.
 أمنِ البردِ والليلِ وصوتِ الرعد والمطر تهرب
أم من المفخخاتِ وكاتمِ الأصواتِ
تخافْ
لمَ يرتجفْ قلبكُ مذعوراً من نداء الحرية
في وضحِ شمسِ النهار
وها أنت ومن بعيد 
تنشد النجاة بالأشعار
أما كفاك طوافاً؛ فحتّام*** تعيش القهر والدموع والأحزان
وتلوذ مذعوراً بمنعطفِ شارعِ مهجور
صاحبت النجباءَ الثقات، وساعدت الأيتامَ والمشردين،
 ورأيت الفقراءَ يفرون مذعورين
من شلالات دمٍ نازفةٍ بيد الطغاة،
 والآن البغاة والبغي
غزتْ البلاد
وأذاقوا العباد كاسات البؤس والشقاء
ملايينٌ من صحبك مشردين في العراء والخيام،
 وكهوف الجبال
 والأزقة النائية المظلمة المحاطة بالأوحال والازبال
لقد غابت منذ زمنٍ وعودُ العدلِ والحرية والإنصاف.
وغريمك
امتلك ناصية الأمر
وبيده المال والسلطان.
عــد الى وطنك
فقد أصبحَ أكبرُ مرتعاً
مُشرع الابواب
للسراق.......
      ووثب من غفوته مذعوراً؛ فقد علا       
صراخُ وعويلُ زوجته وأمه والصِبْيَة،
 فقد شبت نارٌ في خيمته أو ما يسمى 
دارٌ في زمنِ المحنة.
   
هذيان مع الفجر/ مالمو الثلاثاء في 22-12-2015

معاني بعض الكلمات في النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الصُعلوكُ: فقير لا يملك شيئاً، يعيش على الهامش؛ مشرِّد
**مَنون: الموت
***حتّامَ: كلمةٌ مركبة ٌأصلها من (حتى) وَ (ما) ما الاستفهامية حذفتْ الألف فيها؛ معناها (إلى مَتى) 

79
من الكأسِ إلى الحبسِ ودبيب القمل في الرأسِ
 
بقلم: يحيى غازي الأميري
(1)
نظرَ إلى ساعتهِ، وبسرعةٍ
على غيرِ عادتهِ، أرتشفَ الكأسَ الأخير
من نصفِ قنينةِ العرقِ، التي دفعَ ثمنها للنادل،
وهو يبتسمُ بفرحٍ ومرحٍ وانشراح،
لإكمالهِ تخطيط َلوحته الأميرة العارية.
صب نظراته على لوحته العارية
وبنشوةِ دبيبِ الخمرِ بالرأس
تنهّد وانفرجت أساريرُ وجههِ،
وهو يُبرزُ بعناية ٍودقةٍ واضحةٍ رسمِ
الحلمتين ِالنافرتينِ
على النهدينِ الناهدين؛ فتبدوان كرمانتين ناضجتين.
تأبطَ جريدته ُودفترَ الرسم والرواية
التي اشتراها عصر هذا اليوم
(شرقْ المتوسط) * الرواية التي

حدّثه أصحابُه عنها كثيراً،
بعد أن أتم قراءة رواية (القلعة الخامسة)**.
صوتُ امُّ كلثوم (هل رأى الحب سكارى مثلنا)
يهزُ أرجاءَ القاعة، وما أن هو
يهمُ بمغادرةِ الخمارة؛ فإذا
بقوةٍ مدججةٍ بالسلاحِ تقتحمُ الحانةَ، وتنتشرُ على عجلٍ
في جميع ِأرجاء المكان.
تسمّر(سمير) في جلسته،
لم يستطع تمّيزَ أصواتِ التحذيرات،
التي اختلطتْ مع الضوضاءِ وصوت الغناء الصادح،
مسحت عيناه المكان بتمهّل لكنه
لم يتمكنْ من إحصاءِ أعداد القوات المداهمة.
  وأحسَّ بأن
أحدَهم يُمسكُ به من معصمهِ بقوة،
ويهمسُ بأذنهِ: لا تتحركْ... اجلس في مكانك ولا تتحرك. وسمع
الشرطي الذي يقبضُ على معصمه
منادياً: سيدي عثرنا عليه.
يتقدم الضابطُ نحوه بلمحةِ بصر
يُحدّق به
وبصوتٍ مبحوحٍ وعينين يتطايرُ منهما الشرر
يصرخُ بوجهه:
أخيرا ً وقعتَ في قبضتِنا، وفي نفس الوقت
يضعُ قيدَ الحديد بمعصميه
اقتادوه وهو يترنّحُ بينهم من الصّدمةِ والخمر.
(2)
في الحبسِ الانفرادي
ذاقَ
أَصنافاً مريرةً
من الذُّلِّ والتَّعذيب، والرَّكلِ والجلد
والعديد من الأساليبِ المبتكرة بسياسة المساومة
بين الترغيبِ والتَّرهيب والوعيد، لكن
لم تطاوعه نفسُه أن يجمعَ {نعم ولا} في وقتٍ واحد.
يقول سمير:
(كان امتحان الامتهان والذُّل عسيراً؛ فلقد
رفضت التواطؤ على نفسي)
(3)
بعد أربعةِ أشهرٍ
من معاناةِ الذُّلِّ في الحبس
اُقتيد سمير
مُهاناً كسيراً أسيراً بتهمة لم يعرفها،
ألبسوا قدميّهِ خُفّين
وساروا به
معصوبَ العينين،
مُكبّـل المِعصمين،
خائرَ النَّفس والعزيمة
تلاحقه بالهمسِ تارةً وبالزجر ثانية
إرشاداتُ وتحذيراتُ السّجانين المفتولي العضلات ـ وكثيراً ما تسائل - (كيف يتم اختيار مثل هؤلاءِ الغلاظ) وانتبه وهو يسمع:
قِف مكانك، لا تتلم
فتحوا عينيه المعصوبتين
صعق، وأرتعدَ بدنه، وزاد وجيفُ*** قلبه، بل كاد ينخلع
وهو يرى
أمامه
خمسةَ رؤوسٍ منتفخةِ الأوداجِ تحملقُ به
وهي تجلسُ بأجسامها البدينة المكتنزةَ محشورةً
على كراسٍ حمراءَ مذهّبةٍ وثيرة
فوق منصةٍ عاليةٍ وخلفهم لوحةٌ مذهّبة مُعلقة
كُتبَ عليها بخطٍّ كوفيٍّ مزخرف
(العدلُ أساسُ المُلك)
وفوقها صورة ٌ بما يعرف (ميزان العدالة)
دارت عيناهُ بسرعةٍ في الصّالة الواسعةِ الفاخرة
صورةُ رئيس الدولةِ بحجمٍ كبير، ثبُتت فوقَ الرّؤوسِ الخمسة،
تحيطها هالة من الأضواءِ، وهي تتصدر القاعة.
مجاميعٌ من
الحرّاسِ ببنادقَ
تصوّب فوهاتها ونظراتهم اليه
تسمّرت عيناه
على قدميه اللتين كانتا عاريتين قبل قليل، وهي تقف
مرتجفةٍ
فوق النعلين
على البلاط المرمري
الأبيض
ارتعد بدنُه وهو يتنفسُ رائحةً عفِنةً
تنبعثُ من ملابسه المهلهلةِ
ركّز كلَّ انتباهه الى الصوت القادم
من الوجه المنتفخِ الذي يتوسط الجلسة وفي نفس الوقت
يقلُّبُ ملفاً ضخماً أمامه، وبدأ يتحدث بصوتٍ راعدٍ:
ـــ لا ينفعنك
أيُّ انكار بعد الآن يا سمير!
لقد سجلّنا كلَّ كلمةٍ قلتها
وأنت تتأمل وتحلم وتهذي بزنزانتك.
وبصوتٍ أعلى نبرةٍ بدأ الرأسُ الكبيرُ يسأل:
لماذا الإصرارُ عـى تحريض النّـــــاس؟
لماذا الاستمرارُ بالسّير بطريقِ الفُسقِ والمُجون؟
ألم نحذرك مـــــــــــــــــن بثِّ الأفكارِ الهدامة!
ألم نقل لك منذ زمـــــــــــــــــــــــــــن كفــــى؟
توقّف الرأسُ الكبيرُ عن الكلام.
ومال بوجهه هامساً قليلاً نحو اليمين والشمال
صوتٌ جهوري
يهزُّ أركانّ القاعة ؛ ألا وهو
ـ صوت المدعي العام ـ وهو
يقرأ لائحة الاتهام
ويطالب بإنزالِ عقوبةِ الإعدام شنقاً حتى الموت ...
أُصبتُ بالدُّوارِ وضربَ الرعبُ قلبي بسياطٍ غير مرئيّة
وجفَّ فمي، وسمعتُ صريرَ أسناني تصطكُّ بشدةٍ
وبألمٍ شديدٍ يعصرُ معدتي
تاهت وتداخلت أفكاري والأصواتُ
القادمةُ من قاعة المحكمة
كان صوتُ الادعاء العام
ومحامي الدفاع
يتداخلُ ويمتزجُ برأسي مع
أصواتِ الشَّتائمِ والسِّباب ووجع السياط
ورعب لعبة المساومة وصرير باب الحبس الحديدي.
فيما بدأت سحابةُ أحزانٍ قاتمةٍ تدنو من وجهي
إعتدل الرَّأسُ الكبير بجِلسته
وصوب عينيه نحوي
وهو يُمسك بمطرقةٍ من خشبِ الصّاج اللماع
ويتحدث بصوت قوي قاسٍ:
أجب بكلمة واحدة :
{ هل أنت مذنبٌ أم بريء }؟
صوتُ الشرطي الذي
بجانبه من الشمال يهمس بأذنه
قلتُ لك: لا تتكلم!
لم يستطع سمير التركيز
فدبيب القملُ برأسه بدأ ينهش بعنف.
الرأس المنتفخ كرر السؤال عليه مرةً ثانية:
هل أنت مذنبٌ أم بريء؟
صوتُ الشرطي من اليمين يهمس بأذنه الأخرى أخرس لا تتكلم!
القمل ينهشُ برأسه وبدنه
يمنعه من الحديث والتركيز
الرأسُ الكبيرُ بعصبيةٍ وصوتٍ قويٍّ،
أسألكَ للمرةِ الأخيرة
وأن لم تتحدث سوف نضاعفُ عليك العقوبة
الشرطيان يهمسان بأذنيه
أخرس لا تتكلم.
تململ قليلاً بقفصه
الهمسُ يصلُ مرةً أخرى
اخرس لا تتكلم
الرأس المنتفخ الكبير يميلُ بوجهه
ذات اليمين وذاتَ الشمال
الصمتُ يُخّيمُ على القاعة، الوجوه المنتفخةُ متجهمةً
المطرقةُ تهوي بعنف وبضرباتٍ متتاليةٍ على الطاولة،
وبدأ الرأسُ المنتفخُ الكبيرُ يُحدّق بي وابتدأ يقرأ :
حكمت المحكمة حضورياً على المتهم
بالسجن عشر سنوات
صُدم (سمير) ولم يتمكن من
سماع بقية الاحكام
إذ تزاحمت وتداخلت برأسه الأصوات
والأفكار وتنقلات دبيب اسراب القمل.
فجأةً
خرج صوتٌ كالرعدِ الهادر
من جوف سمير
(هذا منتهى الجور والضيم، هذا كفرٌ وظلم)
ولسعةٌ كالصاعقةِ تضربُ بدن سمير
تُسقطه أرضاً، بين الأقدام
فتح عينيه لا شيء يظهر
غير جدران رماديّة اسمنتية تحيط به من كلِّ الجهات
لم يعرف كم مضى عليه وهو بهذه الزنزانة النتنة.
تحسس بحذر ملابسه الرطبة الممزقة التي تلتصق بجسمه.
رائحة بول تزكم انفه
وهي تنبعث بقوةٍ
من صفيحة ٍمعدنية بجواره بإحدى زوايا الزنزانة
وضوءٌ خافتٌ ينبعثُ من كوّة ٍصغيرةٍ
تتقاطعُ عليها قضيبانٌ من الحديد
في أعلى جدار الغرفة
فيما بدأت تلتقط أذناه صوتَ السَّجّان
وهو يهتفُ من خلف القضبان
(أفاق سمير)
هذيان مع الفجر
مالمو في 12-12-2015
هوامش توضيحية مكملة للنص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شرق المتوسط: رواية للكاتب (عبد الرحمن منيف) نشرت الطبعة الأولى منها عام (1975) تنتمي الرواية الى أدب السجون، تدور احداثها في السجون العربية ومعاناتها المريرة وكذلك تسلط الضوء على قسوة السلطة وعلى الواقع السياسي في الوطن العربي دون تحديد المكان والزمان.
** القلعة الخامسة: رواية تدور أحداثها داخل السجون والمعتقلات العراقية، صدرت الطبعة الأولى منها عام (1972) للكاتب (فاضل العزاوي).
*** وجيف: أسم مصدر وجَفَ، وجف َالقلبُ: خفَق وخاف.


80
أدب / ضياعٌ وجياعٌ
« في: 19:30 09/09/2015  »


ضياعٌ وجياعٌ

 
يحيى غازي الأميري

أتابعُ الأوضاع
بقلبٍ ملتاع
بعد أن أشتدَ الصراع
بين الشعبِ والسُّراق
مرضتْ عينايَّ
وتمزقَ كبدي
بعدَ أن زادَ الحزنُ وكثرَ البكاء
وطالَ السهاد
من هولِ أهوالِ
ما جرى ويجرى
من قسوةٍ
من مآسٍ
وكثرةِ المحنِ،
ورَزَايَا
تضربُ بكلِ عُنفِها
شعبَ
العراقْ
ففيها زيادةٌ  في الجورِ والفجورِ
وإفراطٌ بالظلمِ والضيم ِ تجاوزت الحدود
بسبي النساءِ وانتهاك الاعراض
والتهجير والاحتلال
واستمرارٌ في السِّرقةِ والنهبِ
من أموالِ الجياع
وإمعانٌ في النصبِ والاحتيالِ
وإغراقُ البلادِ بمزيدِ من أنهرِ الدماءِ
و المشاريع المغلفة بالكذب والنهب و الرياء
نفـذَ صبرُ الناس
(فوصلَ السيلُ الزُّبَى)
وأغرق القاع وغطّى الرُّبى
وضربَ بكلِّ عنفه فهدّم السدَّ
سـدَ الخوفِ الأوحد
ولم يعد للخوف من مرقد
هاجَ الشعبُ و أرعد
فخرجَ وعزمه للعتق يتجدد
ولسارقي قوت الجياع يتوعّد
هادراً : الأمان ، الخبز ، الكرامة
لم تخيفه سطوة وبنادق السراق
ولا لهيب قيظ صيف العراق
منتفضاً
وهو
يهتفُ
بالإجماع وعلى رؤوس الاشهاد
باسم الجياع
باسم خبز وماء العراق
معا
ثورة
الإصلاح
ضدَ الفساد والسراق
و
عودته من التيه والتخدير و الضياع
نهضتُ من سريري.
مع خيوطِ الفجرِ
بعد أن خاصم عينيَّ المنام
فصوتُ الشعب من جمعة ِالأمس
لم يزلْ
يدوّي برأسي وهو يهتف
إرحل إرحل
يا نصاب
كفى
ضحكاً على الناسِ
كفى
كذباً وخداع
يساندهم صوتٌ ثائرٌ هادر
أعلنَ للشعب
ظهر يوم الامس من اعلا المنابر
(أضربْ بيدٍ من حديد )
رأس كل سارقٍ مارق،
و فاسدٍ فاسق

 8 أب 2015
العراق



مِحَن: أسم مفردها (محنه) تعني بلاء وشدة ، تجربة شديدة مؤلمة، ما يُمتحن الإنسانُ به من بليَّة ( قاموس المعني)
رَزَايَا: أسم ،مفردها ( رَزيَّةٌ) وتعني مُصيبةٌ عَظيمةٌ ، المصيبة العظيمة الشديدة الوطأةِ ( قاموس المعاني)
وصلَ السيلُ الزبى: من الامثال العربية القديمة ، التي تقال في الأوقات التي تصل  فيها الأمور الى حد لا يمكن السكوت عليه ،بعد ان تصل الى الأمور والأحوال حد يفوق التوقعات والحسابات.
إنّ معنى (الزُّبَى) : (جمع زُبْيَة) وهي الرابية التي لا يعلوها الماء، كما ورد في قاموس لسان العرب
(أضربْ بيدٍ من حديد ) مقطع من خطبة السيد( أحمد الصافي)



81
أدب / كابوس الكرسي
« في: 14:36 28/08/2015  »

كابوس الكرسي

 


يحيى غازي الأميري


 دويُّ الحناجر يهدر
ارحل
فاسد
سارق
خائن
كذاب
 لم يعرفْ كم مضى عليه
من الأيامِ وهو بهذا الحال
مشدوه البال
محصورٌ بين القلقِ والأرق
وهو ينظر بعينه الى الكرسي
المسحوب
هديرُ الأصواتِ
الغاضبةِ الثائرةِ
لم تزلْ تهتف
فاسق، سارق، مارق
ارحل
وصلَ الهتافُ إلى  قلبهِ
تشرّب في بدنهِ
انخلع لبُه
داخَ هلعاً
اصابهُ دوارُ اليأس
 فبعد عقدٍ من الزمنِ
دارتْ به الدنيا
دورتها
 أيقنَ
على مضضٍ
أنهُ قد غادرَ
 مجلسَ الكُرسي
وجبروتَ سلطة الأمس
فأمسى على عجلٍ
خائرَ القوى
هزيلاً
واهنَ العزيمة
ذليلَ النفس
من صدحِ هتافات الجياع
ارتعدَ
بلَعَ صوتَه
وباتَ
 يتحدثُ بالهمسِ
عيناه  تدورُ بقلقٍ وخوفٍ وحسرة
وهي تنظرُ بهلعٍ
إلى
 الكرسي بعد أن أبدله هتافُ الشعب
 بالرمس
 
هذيان مع الفجر؛ الجمعة في 28 -8- 2015
مالمو

الرَّمْسُ: القبرُ مستوياً مع وجه الأرضِ





82
كــــــلابُ نقطــــة التفتيش
 
بقلم : يحيى غازي الأميري

ترجّل (شاكر) من سيارة الأجرة  التي أستقلها من كراج (النهضة ) بعد أكثر من نصف ساعة من توقفها في مكانها أمام نقطة التفتيش، ليُلقي نظرة على طابور السيارات التي بدأت تتوقف وتصطف خلفهم بأربع مسارات، قدّر عددها بأكثر من( 500 ) سيارة، أحد رجال حماية نقطة التفتيش أشار إلى (شاكر) بأطراف أصابع يده وحركة من رأسه فيها الصرامة والجد أن يدخل سيارته.
عاد  شاكر حالاً لمقعده في السيارة بجوار السائق، وجلس وهو يحملقُ بعينيه، و يُصغي بانتباه  لصوت ضابط الشرطة الذي نزل تواً من سيارته وهو يحمل على كتف بدلته العسكرية المرقطة رتبة ًعالية تتوهجُ نجماتهُا الفضيّة تحت اشعة الشمس، فيما وقف خلفه ( خمسةُ عشرَ ) من المراتب وهم مدججون بالسلاح والعتاد لحمايته، متخذين وضع التأهب الحذر؛ أعتدل الضابط  ذو الرتبة العالية بوقفته وهو يتأبط عصى التبختر فيما اصطف أمامه مجموعة من أفراد سريّة الحراسة احصاهم السائق بـ ( 24 ) فرداً يتقدمهم ضابط برتبة (نقيب)، وهم بحالة الاستعداد التام.
إلتفت السائقُ الى جانبه الأيمن حيثُ يجلس (شاكر) وقال هامساً وبشيءٍ من التهكم:
ــ أعتقد أنك حين  نزلت من السيارة لم تشاهد عميدَ الشرطة والحماية التي خلفه، اعتقد عنده تفتيش؟
أجابه (شاكر) وفي حديثه نوع ٌمن السخرية:
ــ ولله صحيح اليوم أني جداً تعبان وجوعان، من الفجر طالع من البيت، مللتُ من المراجعات والروتين بالدوائر،أ من سبوع  أراجع على هذا المعدل، رايح جاي، والمعاملة تراوح بمكانها.!
وصمت لحظات ثم أكمل حديثه :
ــ لم أشاهد رتبته، صحيح ولله (عميد ) ثلاث نجمات وتاج.
أنزل (شاكر) زجاج باب السيارة الذي بجانبه ونادى على أحد الصِّبية الذي يملأون المكان وهم يحملون بأيديهم قناني الماء البارد وقال له:
ــ اعطني واحدة وناوله قيمتها 250 دينارا.
علا صوت (العميد) وهو يصدر الأوامر مبتدأً بالوعيد والتهديد بين النقل أو قطع الراتب أو السجن أو بجميع العقوبات!
صوت (العميد) بدأ يهدر منذراً بعد أن انتزع عصاه من تحت إبطه  الأيسر ورفعها ملوحاً بها بالوعيد:
ــ أعيدها عليكم للمرة الألف
وأردف بصوت أكثر صرامة:
ــ لا أريد أن تمر أو تتسلل في غفلةٍ منكم سيارةٌ ملغومة ، أو حزام ٌ ناسف، واحذروا من هجماتهم المباغتة عليكم.
بعد أن اكمل الضابط الكبير خطابه التوجيهي أذن للتجمع بالانصراف، تحركت حمايته بكل الإتجاهات على سياراتهم، أستقل (العميد) سيارته المظللة المدرعة وحال انطلاقها، انطلق بعدها رتل سيارات الحماية بأقصى سرعة .
كانت سيارتُنا تقف في أول طابور التفتيش، عند مدخل (جملون) واسع ٍكبير الحجم، على جانبيه العديدُ من كامرات المراقبة. بعد لحظات صدر الإيعاز بإشارة من يد النقيب أن نتقدم للتفتيش، لف السائق حزام الأمان حول بطنه، وأدار محرك السيارة، وسار على مهلٍ، خطى الشرطي بجانب السيارة  خطوات رتيبة وهو بوضع منتصب القامة ، و يحمل بأحدى يديه جهازاً صغيراً يُشبه المسدس للكشف عن المتفجرات والأسلحة، وبلا مقدمات اشارت عتلة  الجهاز على جهتنا !
الشرطي الأخر الذي يقف قرب نافذة السائق، أخفض هامته، ودار بنظره بوجوه ركاب السيارة وبادر بالسؤال:
ــ هل يوجد من يحمل معه سلاح ؟
ــ أجابه جميع من في حوض سيارة التاكسي بالنفي.
أردف الشرطي سؤالاً أخر :
هل يوجد من في أسنانه حشوة أسنان ؟
تعالت الإجابة بنعم من ثلاثة ركاب.
أشار بيده للسائق أن نتحرك على جهة أخرى للتفتيش.
انطلقت السيارة مرة أخرى تسير على مهل، ادخلنا السائق وسط شارع محاط ٍمن الجهتين بكتل كونكريتية يزيد ارتفاعها عن ثلاتة أمتار.
كنت أفكر مع نفسي هل سيفحص أسناننا؟
استقبلنا في النقطة الثانية اثنان من مراتب الشرطة، من المكلفين بتفتيش سيارتنا.
سأل الشرطي السائق:
ــ هل السيارة مسجلة باسمك؟
أجاب السائق بثقة :
ــ نعم.
أعطني اوراق السيارة؟
أنهمك السائق بالبحث عنها  في صندوق اوراق السيارة، لحظات أخرج له الاوراق المطلوبة.
ــ تفضل، وهو يسلمها للشرطي.
حدق الشرطي بالأوراق وهوية السائق، ودار بنظره على ركاب السيارة الأربعة ثم  أشار بيده الى أحد الركاب شاب في العشرين من العمر ، أسمر البشرة يضع فوق أنفه الطويل نظارة شمسية معتمة.
ــ أعطني هويتك؟
 ــ  تفضل ، وسلّم الشاب هويته.
 شرطي التفتيش موجهاً كلامه الى الشاب بعد ان دقق النظر في هويته :
ــ أخلع نظارتك!
أمتثل الشاب فوراً لأمر الشرطي.
أمسك الشرطي بجميع الأوراق، وهو يحدق بالسائق:
ــ أفتح صندوق السيارة و(البنيد) ــ غطاء محرك السيارة ــ؟
ثم دعا الجميع الى الترجل من السيارة والوقوف الى مكان يبعد عدة خطوات عن السيارة،أشارة بيده للمكان.
وأكمل كلماته للجميع:
ــ اتركوا أبواب السيارة مفتوحة؟
نبهنا السائق إلى ضرورة الانتباه والحذر من ( كلب الشرطة ) فهو احياناً يهجم ويعض بشكل مباغت.
فيما أنهمك احد أفراد الشرطة بتفتيش السيارة ومحتويات صندوقها ومحرك السيارة ، وحال إكماله التفتيش، جاء دور (الكلب البوليسي) المربوط من رقبته بحزام جلدي  يُمسك بطرف الحزام  أحد افراد الشرطة المدرب على ذلك، يربت المدرب على ظهر الكلب بلطفٍ وتودد، بدأ الكلب يلف حول السيارة وهو يشم كل شيء في داخل السيارة ومحتويات الصندوق. ما ان أكمل كلب التفتيش واجبه، قاده مدربه متوجهاً الى السيارة التالية التي تقف خلفنا في الطابور، أشار لنا شرطي التفتيش التوجه والركوب في السيارة.
أخذنا موقعنا في داخل السيارة، تقدم شرطي التفتيش وهو يحمل بيده أوراق السيارة وهوية الشاب، سلمها جميعاً للسائق وأشار بيده أن نتحرك وننطلق، وهو يتحدث بصوت هامس مع السلامة.
انطلقت السيارة على مهلها، وبعد عدة  أمتار فتح السائق الاشارة الجانبية  اليمنى  للسيارة مُنبهاً من خلفه أنه  يروم أن يدخل الشارع العام.
أنطلقت السيارة بسرعة جديدة ، تنهب الأرض  مخلفة ً سحب  التراب ، وسرعان ما سحب السائق نفساً عميقاً؛ دلالة على الارتياح
نظر (شاكر) الى ساعته وهو يتمتم :
ــ   نكاد ُ نموتُ من الحر والجوع ، ساعةً كاملة فترة هذا التفتيش وياله من تفتيش!
ما أن اكمل (شاكر) عبارته حتى  دبَّ الرعب  بين الركاب؛ فقد  صُعق الجميع لصوتِ صفيرٍ و دوي إنفجارِ هائل، سارع سائق السيارة مرتبكاً بتوجيه سيارته الى جانب الطريق، ومن ثم أوقف السيارة على جانب الطريق الترابي.
ترجل الجميع من السيارة موجهين أنظارهم الى نقطة التفتيش التي كانت تغطيها عاصفة من الدخان والأتربة وألسنة النيران ، فيما بدأت السيارات تطلق العنان لأبواق مزاميرها ،  تريد الهروب من هذا الموقف غير المعروف النتائج ، ترافقها لعلعة لأصوات اطلاقات نارية متتالية متقطعة.
بينما كنا نراقب المشهد المرعب كانت (الكلاب البوليسية ) تنبح هائجةً و هي تركض من أمامنا بأقصى سرعتها هاربة مذعورة، بعد ان افلتت من الانفجار!
في المساء أشارت نشرات الأخبار في العديد من المحطات الفضائية الى حدوث انفجار كبير في نقطة التفتيش بشاحنة صهريج مفخخة يقودها انتحاري، راح ضحيته (44 )  بين شهيد وجريح من ضمنهم (10) أفراد من حماية نقطة  التفتيش بالإضافة إلى خسائر مادية جسيمة.
هكذا انهى (شاكر) حديثه لأصدقائه في المقهى بانفعال وخوف وهو يردد بصوت عالي:
 ــ الله أنقذنا اليوم
وأردف يقول
ــ الله وحده من أنقذنا من موتٍ محقق.

كتبت في أيار 2015 قضاء العزيزية / جمهورية العراق


83
أنينٌ موجع من صقيعِ السويد إلى روح صديقي 
فهد العزيزية صالح




 يحيى غازي الأميري



(1)
لم تبرحْ حافظةُ رأسيِ
 صورةَ صاحبي رفيقِ الأمس
صالحٍ
أتحسسُ صالحاً في نفسي
فأسألُ نفسي
كمْ
قسى عليكَ عسسُ السلطانِ في الحبسِ.
(2)
عندما أقرأُ أمراً رئاسياً
بإعدام  سياسيٍّ
رمياً بالرصاصِ
أو
 في مَقْاصِل الرؤوس

تجهشُ الذاكرةُ
بالبكاءِ
 ويظلُّ معها السؤالُ المريرُ
 يدورُ.
لماذا هذا القصاصُ؟
لماذا أُعدمَ الرجلُ الصالحُ،
صالحٌ بالرصاصِ؟
(3)
في هذه الليلةِ وليلةِ الأمسِ
زارني  صديقي صالحٌ
في المنامِ
ببدلتهِ الزرقاءِ الأنيقةِ
ترتسم ُعلى محياهُ ابتسامةٌ ناعسةٌ
كأنها ضحكةٌ وديعةٌ غافيةٌ بين جفونِ العينينِ،
وتزينُ صدرهُ
ربطةُ عنقٍ أرجوانيةُ اللونِ
سررتُ عندما رأيتُ صالحاً بالمنام ِ،
في زيارةِ الليلةِ الأولى
فقد اشتقتُ إليهِ كثيراً
فكم كنتُ أستأنسُ بصحبتِه
وفزعتُ في منامِ الليلة ِالثانيةِ
عندما همسَ في أذني
وهو يصافحُني ويدسُّ في يدي
ورقةً صغيرةً
وهو يهمسُ
أمسكْ هذه
(كلمةُ السرِّ)
ـ شفرةُ الترحيلِ الحزبي ـ
 نهضتُ بفزعٍ من نومِي
ورحتُ
أبحثُ وسطَ الظلامِ في جيبي وتحتَ الوسادةِ
عن كلمةِ السرِّ
وبينَ الحلم ِ وخدرِ النومِ والخوفِ والشوقِ
نسيتُ
كلمةَ السرِّ
(4)
غادرتُ سريري على عجلٍ
وعاد بي شريطُ الذكرياتِ
سريعاً إلى سبعينياتِ
القرنِ المنصرمِ
يصاحبُ شريطَ الذكرياتِ صوتٌ قاسٍ
 لصريرِ عجلاتِ قطارٍ مدويةٍ
بصخبها
يتأوهُ فزعا ًمتوجعاً متذكراً متسائلاً
كم من السنينَ الموجعةِ مضتْ؟
سنونَ محفورةٌ بالذاكرةِ بكلِّ جورِها وقسوتِها
وبطشِها وحروبِها وموتِها
أحملها معي كالمرضِ العضالِ
من هولِ وطأتِها يئنُّ مرعوباً لها جسدي.
 
(5)
أدرتُ محركَ شبكةِ الانترنيت( كوكل)
بعدَ أن كتبتُ فيه
الاسمَ الثلاثيَّ لصديقي
(صالحُ عزيزٍ حمزةَ)*
على الشبكة
لم أجدْ  له إلا خبرا واحدا
يوثقُ موتَه
تألمتٌ لكَ بعمقٍ يا صالحُ؛
 هل يعقلُ يا صاحبي أن يكونَ كلُ تأريخك وتضحياتك فقط هذا الخبرَ،
الذي يطوي صفحةَ حياتِك ويختمُها؟
انتابتني موجة ٌمن الشجنِ، فأطلقتُ عينايَ
سيلَ دموعِها
أشحتُ بوجهي نحو لوحِ النافذةِ الواسعةِ
كانتْ السماءُ
تقذفُ بذراتٍ متطايرة ٍمن الثلجِ
ترتطمُ متحطمةً
على جدارِ النافذةِ.
كان جو البيت بارداً، اطرافي بدأت تبردُ.
عادتْ صورةُ المخبرينَ وعسسِ السلطانِ تلاحقُني
وعادَ الخوفُ يمطرُ جسدي
كم كنتُ أتمنى أن أتحدثَ عبرَ هذا الطيفِ معك يا صالحُ
وأقصَّ عليك
بعض القَصصِ عما جرى
في غيابِك
وأخبرك كيفَ دمرتْ الحروبُ البلادَ
وكيف َعمَّ الخرابُ.
 وقفزتْ دفعةً واحدةً ، مرةً أخرى مجموعةٌ من الأسئلةِ تدورُ في مخيلتي
كم كنتُ أودُّ أن أسمعَ منك أجوبةً لأسئلتي:
أخبرني يا صالحُ
كم من أنينِ الوجعِ والعذابِ،
تحمَّلَ  ظهرُك وجسدُك،
المثقلُ بهمومِ وحبِّ الناسِ؟
هل غابت عن محياك الابتسامةُ الناعِسة،
 أثناءَ التعذيبِ يا صالحُ؟
كيف قاومتَ كل تلك الهراواتِ الثقيلةِ،
التي انهالتْ عليك؟
كيف تحملتَ تلك الاقبيةَ العفنةَ الرطبةَ؛ وأنت المجبولُ على أزاهيرِ البراري والرياحين؟
كم كان معك من المحبوسينَ في الزنزانةِ؟
كم من الشتائمِ المقذعةِ أسمعوك؟
كم كان عددُ الجلادينَ الذين يتناوبونَ على ضربِك بسياطِهم؟
كنتُ أودُّ أن تخبرني ياصالحُ!
كم بقيتَ من الزمنِ مُطاردا تجوبُ الشوارعَ،
والطرقاتِ، والأزقةِ الملتويةِ المتعرجةِ،
متخفياً، متنكراً، مهموماً حزيناً.
كيف كنتَ تلوذُ ساعاتٍ طويلةٍ بالصمتِ في الفنادقِ الرثةِ ـ فندقِ الفردوسِ ـ
أو غرفِ بابِ الشيخِ
أو البتاوينِ الرطبةِ الكئيبةِ!
فيما
تتعقبُك عيونُ المخبرينَ والوشاةِ
ورجالُ أمنِ السلطانِ والتقاريرُ والبنادقُ والبيادقُ.
(6) 
أهدأُ قليلاً
من نشيجِ البكاءِ
لأسألَ نفسي بحيرةٍ  وخوفٍ واندهاشٍ؛
 أين ذهبَ كلُّ هؤلاءِ الجلادينَ والمخبرينَ والوشاةِ وجحافلُ عسسِ السلطانِ؟
أيَّةَ نفوسٍ بشعةٍ يحملونَ؟
كيف وأين يعيشونَ الآنَ؟
 كيف يعيشونَ بأحاسيسَ منزوعةٍ من الضمائر؟
 وكم من أطنانِ الخسةِ والنذالةِ يحملونَ؟
أيّةَ ارواحٍ شريرةٍ يحملونَ، كيف يطعمونَ  ويعلمونَ أولادَهم ؟
وكيف يقربونُ إلى الصلاةِ، وهم مثقلون بكلِّ هذهِ الأثامِ؟
(7)
سنونَ طويلةٌ مرتْ
الحديثُ همساً فيها يدورُ
هل تمَّ القبضُ فعلاً على صالحٍ؟
أم لم يزلْ حراً طليقاً يتخفى ؟
لا أحدَ يعلمُ هل أعدمَ صالحٌ أم لم يزلْ في زنازينِ الحبسِ؟
بعد السقوطِ
لم يُعثرْ لكَ على رفاتٍ
لا نعشَ لك  يا صاحبي
كي يتبعَه
عويلُ نسوةِ القريةِ والمدينةِ
لا قبرَ لك يزارُ يا صالحُ
 كي نوقدَ بقربِه الشموعَ
ونذرفَ الدموعَ
فقط أمُّك (1)لازمتْ الحدادَ منذُ غيابِكم؛
 هكذا أخبرني والدي(2) عندما كانت( أمُّك  يا صالحُ ) تزورُ محلَّ صياغتِه
في سوقِ المدينةِ
 قال لي مرةً :( إن أمَّ صديقِك صالحٍ
 
تحتضرُ حزناً على ولدها،أعانها اللهُ على مصيبتِها)
كان أنينُ أمِّك المفجوعةِ
يجوبُ الحقولَ والمزارعَ والبساتينَ
فيواسيها لتفجِّعها نوحُ الحمامِ.
  في كلِّ ليلةٍ
عند سكونِ الليلِ كانَ
 صوتُ نحيبها وأنينها الممزوجِ بالتوسلِ والدعاءِ والابتهالِ
  يعبرُ شطَّ العزيزيةِ، قادماً من بساتينِ( برينج) فيملأ فضاءَ المدينة
حزناً
وعندما توفيت
بقي
صدى صوتِ أنينِها
يسبحُ  محلقاً في الفضاءِ
يردِّدُه الحمامُ.
 
عيونُ والدِك(3) يا صالحُ أدركَها التعبُ
من طولِ السهادِ
وهو يدقُّ القهوةَ، ويعد بقلقٍ خرزاتِ مسبحتهِ،
طوالَ الليلِ البهيم، وحيداً مهموماً
 
رحلَ بعدَ عدة سنواتٍ من السقوط ِ المدوي للنظامِ الدمويِ
غيرَ مصدقٍ الورقةَ التي عثرَ عليها في إضبارتكم، 
 بداخلِ دهاليزِ الأمنِ العامةِ وفيها
قرارُ القصاصِ، الرميُ بالرصاصِ
بقي
إلى أن فاضتْ روحُهُ إلى باريها
وهو
يترقَّبُ الطريقَ
مُنتظراً، مُستعيناً بالصبرِ
والدموعِ
طَيفكَ يا صالح قد  أنَكَأَ جراحات أحزاني
فزادَ من أشجاني وأبكاني
هذيان مع الفجر/  كتبت في مالمو  الساعة الخامسة من فجر يوم 9 شباط 2015[/size]

هوامش تعريفية و توضيحية متعلقة بالنص والصورة المرفقة والتي تم أضافتها بعد كتابة النص:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرفت صديقي وزميل دراستي (صالح عزيز حمزة المعموري) ، منذ بواكير الشباب، عرفته حيث كنا نجلس على مقاعد الدراسة في الصف الثالث المتوسط في (ثانوية العزيزية للبنين) عام ( 1968) ، واستمرت علاقتنا وطيدة حميمية، وطدها أكثر تطلعاتنا المشتركة في ايماننا بالمدينة الفاضلة،وقيمها، وطريقة عيش من فيها؛ اشتركنا معاً في العمل اليساري( اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق ومن ثم الحزب الشيوعي العراقي، كان صديقي (صالح) أقدم مني في العمل السياسي، ويتبوأ موقعاً قيادياً في تنظيم الحزب، بقيت علاقة صداقتنا وتطلعاتنا متلاصقة حميمة،رغم ابتعاد احدنا عن الاخر في اماكن العمل السياسي ودرجاتنا الحزبية ؛ لحين انفراط عقد الجبهة الوطنية أثر الهجمة الشرسة التي بدأ بها قادة حزب البعث الهجوم على شريكهم في الجبهة الوطنية بالوقت الذي كان يثقف وينشد  ويمجد لمسارها شريكهم الثاني؛  حدث ذلك في عام (1978) فعم الرعب والخوف والهلع  عموم اليسار العراقي فانقطعت الأخبار والاتصالات بين الرفاق والأصدقاء وبين الاخ وأخيه والأب وآسرته،وأصبح يتوجس خيفة الصديق من صديقه والرفيق من رفيقه، وبات جميع اليساريين (الشيوعيين وأصدقاؤهم) تحت طائلة ورحمة جهاز أمن البعث وعيون مخبريه، مطاردين وتحت المراقبة تتبعهم العيون والوشاة والمخبرين وهم مذعورون مرعوبون من الاعتقال  والتحقيق والتغييب والموت.
 
من أبرز صفات صديقي العزيز (صالح عزيز حمزة) أو كما يطيب لي أن ألقبه ( فهد العزيزية) وهي الصفة والاسم الأنسب للعزيز الشهم (صالح ) إذ كان يشارك الشهيد (فهد، يوسف سلمان يوسف)** في  مظهره وسلوكه وصبره وشجاعته وحلمه وحكمته وتأمله.
 يمتلك  صديقي (صالح) باقة كبيرة عطرة من الصفات النبيلة فهو : دمث الأخلاق هادئ الطباع، شفاف ودود، قليل الحديث، جميل الإصغاء يستمع لك وأنت تحدثه بكل جوارحه، متقد الهمة، شجاع، لا يهاب الردى، دؤوب في عمله الحزبي لا يعرف الكلل والملل، لا شيء يشغل باله غير عمله المتواصل بكل همة ونشاط للحزب الشيوعي.
 
غادر( صالح عزيز حمزة المعموري ــ فهد العزيزية ــ قضاء العزيزية في عام( 1972) الى العاصمة بغداد .
 واستمرت علاقتنا تتعمق وصداقتنا تتعززت ؛عندما كنت التقيه في( بغداد ) أو عندما يزورنا في( العزيزية) كان يؤكد  لي أنه قد تفرغ كلياً للعمل الحزبي ( تنظيم الحزب الشيوعي في بغداد) منذ مغادرته ـ قضاءالعزيزية ـ عام ( 1972) واستمر فيه الى أخر يوم في حياته.
 
في أرشيفي الخاص عثرت على صورة واحدة تجمعني بـ صاحبي (فهد العزيزية، صالح عزيز حمزة ) مدون خلف الصورة تاريخ الصورة يوم ( العيد ) المصادف يوم 12 من تشرين الثاني 1974 ،الصورة التقطت امام دار بيتنا في (العزيزية /محلة السعدونية) كنت وقتها قد أكملت دراستي الجامعية الأولى في المعهد الزراعي الفني/ أبو غريب عام( 1974) وبدأت في اداء الخدمة العسكرية الإلزامية ، وكان من عادة صديقي (صالح) أن يزور أقرب اصدقائه عند زيارته إلى أهله  في منطقة (برينج) والتي تقع في الضفة اليمنى لنهر دجلة من( قضاء العزيزية)، منطقة تشتهر بكثرة بساتينها العامرة وأراضيها الزراعية الخصبة.
 
كان قد مر صديقنا (صالح)  في بداية جولته الصباحية على بيت صديقنا وزميلنا ورفيقنا المشترك ( صلاح مهدي إبراهيم البولوني) والذي أصطحبه لبيتنا، إذ يبعد بيت (صلاح) عن بيتنا بحدود مائة متر.
عندما رن هاتف الدار، وقبل ان افتح الباب، كنت أسمع صوت صديقي (صالح) وهو يردد (أيامك سعيدة) ففتحت الباب على عجلٍ؛ وفيما كنا نتبادل التحيات، وأنا أهم بدعوتهم للتفضل لمشاركتي فطور الصباح وحلوى العيد ، كانت صدفة عابرة وثقت لنا هذا الحدث وهذه الزيارة، إذ مر من أمام دارنا  المصور حسن الشمري، وهو يحمل كامرة التصوير على كتفه، متوجهاً الى محلِ عملهِ،  فسارعتُ بالإشارة أليه أن يلتقط لنا هذه الصورة .
 
 
الصفحة التي وجدتها على شبكة الانترنيت وقد نشرت عن صديقي صالح عزيز حمزة هي :
 
جمهورية العراق ـ رئاسة الوزراء
مؤسسة الشهداء
الجهة الرسمية الوحيدة التي تعني بعوائل الشهداء وضحايا البعث البائد
المعلومات المدونة عنه اسجلها أدناه، مع صورة صغيرة منشورة له على الجانب الأيسر للصفحة.
 
صالح عزيز حمزة ( 31 سنة)
 
رقم القرار311/7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
تاريخ الميلاد :               1952       
تاريخ الاستشهاد :            1983 
الجنس :                   ذكر
الحالة الاجتماعية :        أعزب
العنوان :                   واسط /الكوت 
الوظيفة :                      كاسب
سبب الاعتقال :                الانتماء للحزب الشيوعي
الجهة التي تسببت بالاستشهاد :     جهاز الأمن
الأضرار :                             مضايقات أمنية 
تاريخ النشر: 2012/07/25             
 
   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* صالح عزيز حمزة:ورد اسمه في احدى وثائق وزارة الداخلية العراقية / مديرية الأمن العامة / مديرية أمن بغداد تحت العدد المرقم( 64876) في 6/12كانون الأول /1983  التسلسل رقم( 17 ) من قائمة تتضمن( 44) ضحية، تم تنفيذ حكم الاعدام بهم جميعاً لكونهم  عناصر تنتمي للحزب الشيوعي العراقي، وقد ورد بالوثيقة أن عنوانه بغداد / فندق الفردوس، وعند لقائي بشقيقه الأستاذ ( فالح عزيز حمزة ) في  دار (والدي)  بـ (قضاء العزيزية / الجمعية الأولى بتاريخ 20 نيسان 2015) أخبرني أنه كان قبل إعتقاله يسكن متخفياً في (فندق الفردوس) وانه التقى شقيقه في( فندق الفردوس) الذي  يقع في (جانب الكرخ من بغداد قرب جسر الشهداء)، وبات عنده ليلة واحدة وذلك في (مايس عام 1980) وبعد فترة  قصيرة أبلغه سراً جارهم في منطقة (برينج )الوجيه الاجتماعي اليساري التقدمي السيد (عبد الأمير طاهر أبو العيس أبو سيد طه و الملقب سيد عمار ) أن (صالح) قد اعتقل، ولم يعرف بعدها مصيره وما حل به.
 أحتفظ بأرشيفي الخاص بنسخة مصورة من الوثيقة أعلاه حصلت عليها عام (2012).
** فهد: الأسم الحركي للشهيد يوسف سلمان يوسف تولد 1901 سكرتير الحزب الشيوعي العراقي اعتقل في محلة الصالحية / كرخ بغداد في 17 -1-1947 ونفذ فيه حكم الإعدام بتاريخ 14شباط 1949
 (1) والدة الشهيد (صالح عزيز حمزة)  توفيت عام(1999) كما أخبرني ولدها الأستاذ (فالح عزيز)  بتاريخ 20 نيسان 2015.
(2) والدي (غازي رمضان الأميري) كان يمتلك محل لصياغة الذهب في سوق العزيزية توفي عام( 1987)
(3) والد الشهيد (صالح عزيز حمزة) توفاه الله في عام( 2006) كما أخبرني ولده الأستاذ (فالح عزيز) بتاريخ 20 نيسان 2015.
 ورد أسمه الثلاثي كامل ( صالح عزيز حمزة) وصورته الشخصية في وثيقة مؤسسة الشهداء و المثبت نصها اعلاه وأنه من مواليد عام (1952) والصحيح كما أخبرني شقيقه أنه من مواليد(1953 ) ، وكذلك عنوانه واسط / الكوت والصحيح هو واسط / العزيزية منطقة برينج .



84
أدب / قالَ السُرّاقُ
« في: 10:31 06/04/2015  »

قالَ السُرّاقُ

 
بقلم: يحيى غازي الأميري

قالَ السُرّاقُ
لقد حلَّتْ الديمقراطيةُ في العراقِ،
هنيئاً لكم الحريةُ!
فَشاعتْ الفوضى
وعَمَّ الاضطراب.
 بعدَ حينٍ من الزمنِ
أصبحَ
العراقُ مرتعاً خصباً للسُرَّاقِ ونِهَّابِ
 المالِ العامّ،
وملاذاً آمناً لمافيا القتلِ والفسادِ،
ومنجماً لإنتاجِ عتاةِ الطغاةِ وملايينِ الحفاةِ؛
فعمَّ الظلامُ ،
و سادتْ سياسةُ الحِصَصِ و الخصامِ والانتقام
فهاجَ وماجَ بالأرضِ الفساد
فختلَّ التوازنُ
فحلَّ الرحيلُ
وانتشرَ الجهلُ
وسرى الانحطاطُ
فضربَ أطنابَهُ
 في البلادِ
الخرابُ
 
نيسان/2015
هذيان مع الفجر


85
أدب / هوس الأبراج
« في: 15:21 21/03/2015  »

 هوس الأبراج



يحيى غازي الأميري


استيقظَ في الساعةِ السادسةِ
كعادته مع إشراقه كلِّ صباحٍ
جلسَ
مُتثائباً وهو يسندُ ظهرَهُ
على حافةِ السريرِ
كأن النعاسَ لم يغادرْ عينيهِ
أطالَ المكوثَ في جلستهِ وتثاؤبهِ؛
نهضَ وسارَ متثاقلاً
عدةَ خطواتٍ باتجاهِ النافذة ِ
أزاح بتكاسلٍ الستارةَ السميكةَ
حزمةٌ من سهامِ الشمسِ هاجمتهُ
أغمضَ عينيه من شدةِ وهجِها
تنهدَ وسحبَ نفساً عميقاً،
وابتسم
وارتسمتْ على أساريرهِ
علاماتُ الظفر والفرحِ
إلى زوجتهِ
أسرعَ مسروراً يحثُّ الخطى
وانحنى
يهمسُ بمرح ٍ وسرورٍ بقربِ رأسِها:
انهضي... انهضي
أشرقتْ الشمسُ
وشمسُ اليومِ
تبشرُ بالخيرِ
وهي
أفضلُ من غيمةِ الأمسِ.
وزادَ من انحناءتهِ
وهو يقبِّلُ بتودّد الوجنتينِ المتوردتينِ
و يهمسُ من جديدٍ:
انهضي يا حبيبتي
ستغادرنا دائرةُ النحسِ
وسيحطُّ علينا الحظُّ السَّعدُ
هكذا تقولُ
أَسانيدُ برجِ القوسِ
إننا
قد غادرنا فلكَ زحلَ ودخلنا
المشتري


هذيان مع الفجر/ مالمو 19 آذار 2015


بعض معاني الكلمات كما وردت في قواميس اللغة العربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوس: طرف من الجنون وخِفةٌ العقل/ قاموس معجم المعاني الجامع
الوَجْنَة ُ: ما ارتفع من الخَدَّيْنِ / قاموس معجم المعاني الجامع
الحظ السَّعد: يُمن وخير وبركة نقيض النحس والشقي/ قاموس معجم المعاني الجامع
إسناد  أسم صيغة الجمع أَسانيدُ،الإسنادُ في الحديثِ:هُوَ عِلْمُ نِسْبَتهِ، سند الشيء جعل له عماداً يُعتمد عليه/ قاموس معجم المعاني الجامع

      




86

ريشة الفنانة ريام الأميري تبحر بنا في أعماق الأحلام

بقلم : يحيى غازي الأميري
ضربات فرشاتها الفنية  فيها كثير من التحدي الممزوج باستمرارية الحركة، هكذا تحدد مسارات لوحاتها، بعد أن تجسد شيئاً مما يدور برأسها من أفكار متأججة جامحة.لتحوله إلى شكل جمالي فني، يدعوك للتفكيرِ مجبر التمعن في محتواها ومقاصدها. وفك الألغاز والغموض الكامن داخل اللوحة.
بأعمالها الفنية تمزج الأشكال الواقعية أو المتخيلة بالألوان والأفكار المتأججة ، وبضربات فرشاتها وخطوط قلمها، تثبتها على لوحتها وهي تنبض بالحركة والأفكار غير المحدودة الأفق، فيها من التوافق الموسيقي الشاعري الممزوج بالخيال الجامح، مما يعطي للوحة التجريدية صورة جمالية فنية؛ أنها عاكسة و معبرة عن أحاسيس داخلية.
 تقتنص( ريام الأميري) مواضيعها من موضوعات الحياة المتنوعة، مواضيع تشغل حياتها وتفكيرها.لتحولها إلى أعمال فنية من أجل تسليط الضوء عليها.
رغم الحداثة الموجود في لوحاتها لكنها واضحة صريحة تطرح أفكارها بجرأة وحركة وتتابع لواقع الحياة.
تدهشك اللوحة بما تحتويه  بين المرئي و اللامرئي، تدهشك بما يكمن فيها من إسرار وغموض داخل الدوائر والخطوط، وكذلك بما تحتويه  من تمازج وانصهار بين الأفكار والألوان والأشكال المتخيلة والإبداع الفني، والحركة الدءوبة التي لا تهدأ في اللوحة ، والتي هي امتداد وانعكاس لحركتها المتواصلة والتي تدور دون فتور في حياتها العملية والدراسية، فبقدر حرصها على الاستمرار في دراستها الجامعية عالم الرياضة وعلوم الطب الرياضي ( Sport medicin)  تخصصها الدراسي الجامعي، بالوقت نفسه شغفها بالرسم ومتابعته عبر الدراسة الشخصية و الدراسة الأكاديمية الجامعية للفنون التشكيلية، والاحتكاك بمعارض الفنانين الحديثة والكلاسيكية، كذلك ولعها بفن التصوير وما تلتقطه عين الكاميرا التي ترافقها دائماً، كذلك تجد جديتها ومواظبتها بنفس الهمة والروحية في العمل المهني!..
أن النشأة والخلفية الفكرية والثقافية والبيئية التي تختزنها من الوطن الأم (جمهورية العراق ) والفترة اللاحقة التي عاشتها في (عمان / الأردن) مع أسرتها بكل معاناتها وأجواؤها المضطربة، ممزوجة مع ما تعيشه الآن في( مملكة السويد )والتي فيها فسحة كبيرة من الحرية والأمان وكسب المعرفة والنهل من منابعها ومصادرها الصحيحة، تتيح لها تطوير إمكانياتها الفنية وصقلها بالتعليم الأكاديمي ومتابعة إعمال الفنانين ومدارسهم في مختلف بقاع الأرض،بيسر وسهولة، كل هذه فتحت لها أبواب مشرعة لتدوين أفكارها بلوحاتها الفنية! 
المتابع لمعارضها الثلاثة السابقة ومقارنتها بمعرضها الحالي يرى بوضوح لوحاتها المعروضة تأخذ أبعاد فنية متجددة ، متفردة ومتقدمة عن نتاجاتها السابقة، أنها في حركة راصدة ، متطورة، مستمرة..
 أن اغلب أفكار لوحاتها مستمدة من التمازج بين الماضي والحاضر، من الواقع والخيال فتجد بعض أعمالها مغلفة بروح الماضي وكذلك تجسيد ما يدور في الوطن (الأم) من دمار وموت وحرب لا تهدأ؛ وعند متابعتها للتلفاز، وهو يبث على مدار الساعة  مشاهد طقوس الموت المجاني الذي يلف أهلها وناسها ووطنها ( الأم ) الذي ابتعدت عنه مجبرة بعد هجرتها القسرية مع عائلتها منذ عام 2001؛ وهي بعمر عشرة سنوات تقريباً، لذلك تجد العديد من أعمالها رغم البعد الشاسع بين (السويد) ووطنها الأم (العراق ) البعد بكل المقاييس (جغرافية ومناخ وأمان وتعليم) وغيرها، تجدها تستنبط لوحاتها من المواضيع المأساوية الكبيرة التي تشغل بال الناس( الحرب، الخراب، القتل).فيما تجد في لوحات أخرى البحر وأفاقة الواسعة الرحبة و فضاءات الحرية والإبداع والانطلاق نحو الأفق البعيد. 
في معرضها الحالي الذي افتتح في مدينة (مالمو) يوم الجمعة 21 تشرين الثاني 2014 على قاعة:
(Norra Grängesbergsgatan 19, Malmö)
  عرضت الفنانة التشكيلية ( ريام يحيى غازي الأميري أو كما تكتب أسمها على معرضها باللغة الانكليزيةReam Ghazi  ) واختارت له عنوان باللغة الانكليزية :
(They can't order me to stop dreaming)
وتعني: لا احد يستطيع أن يأمر بإيقافي من أحلامي
عرضت فيه (14) عمل فني يمتد إنتاجها من عام 2012 لغاية 2014، متنوعة الأحجام، والمواد المستعملة فيها.
منها (5 ) لوحات مختلفة القياسات و منوعة المواضيع، أستعمل في رسمها الألوان الزيتية على قماش الجنفاس أو  الكنفاس (Canvas )

و( 7 ) لوحات على ورق الرسم بأقلام التحبير المتنوعة وألوان الأكريلك وسبراي بنت(Spray paint) 
وهنالك لوحة لصورة فوتوغرافية مع التحبير.
وشاركتها قاعة العرض زميلة لها الفنانة الشابة السويدية ( Karin Petrusson ) بعرض لوحتان جميلتان مختلفتان في الحجم والقياس أحداهما انطباعه زيتية على قماش الجنفاص(Canvas )، والثانية تخطيط بالزيت( لوجه إنسان ) باللون الأسود وتدريجاته ,,
فيما شاركتهم القاعة زميلة  أخرى فنانة سويدية( Nina johanna chrisetanse) بعمل فني مصنوع من (الزجاج) وضع على منضدة وسط قاعة العرض.
 حضر قاعة العرض جمهور كبير من السويديين والجالية العراقية... إثناء حضور الأستاذ ( احمد الصائغ) رئيس مؤسسة النور للمعرض قدم للفنانة (ريام ) تحياته وتهانيه مع دعوة للمشاركة في معرض الفنون التشكيلية الذي سوف تقيمه مؤسسة النور الصيف القادم 2015 في مدينة مالمو/ السويد.
وكذلك قدم الأستاذ (فلاح الحيدر) عضو سكرتارية اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر تهانيه ودعوة للفنانة (ريام ) للمشاركة في المعرض الفني المزمع أقامته صيف 2015 في مدينة لوند/ السويد .
المعارض الثلاثة السابقة التي أقامتها ريام الأميري :
1.   في هولندا / المشاركة في الكرنفال السنوي للفدرالية المندائية في هولندا/ المهرجان الرابع بمناسبة عيد التعميد الذهبي المندائي  (دهوا ديمانة) 20 / أيار/ 2013
2.   في جامعة كريخان ستاد / قسم الفنون التشكيلية في 1 حزيران 2013
3.   في مدينة مالمو معرض مشترك مع مجموعة من الفانين السويديين في 4 /تشرين الثاني /2013 

أترككم مع قائمة بأسماء للوحات وأحجامها المشاركة في المرض، و باقة من الصور الفوتوغرافية  للمعرض والزوار والتي التقطت بكامرة ريام الأميري ...
Ream Ghazi

"Girl in the jungle" 150 X 100 cm. Olja på duk 2014
" I have got war in my mind" 29 X 42 cm akryl tuschpenna på matt papper 2014
”My mind just exploded" 29 X 42 cm akryl tuschpenna på matt papper 2013
" Madness" 50 X 70 cm akryl tuschpenna på matt papper - 2013
" The girl who lived in the ocean" 120X 90 cm  Olja på duk  2014
"Million brave souls" 150 X 150 cm Akryl, sprayfärg och akryltuschpenna på duk 2014
"Its on my face now” 21 X 29 cm akryl tuschpenna på litografi (Självporträtt) 2014
"What does my art says?" Tuschpenna på matt papper
"Madame Souza in hurry" Tuschpenna på matt papper
"Old man and a Red shoe" Tuschpenna på matt papper
"Whats goes in my mind" Tuschpenna på matt papper
"Mental balance" Akvarell på matt papper
“Mother of earth” Olja på duk 40 X50
“The life circle” Olja på duk 40X50

كتبت في مالمو بتاريخ  2014-11-27



87
على قناة العربية - (بيشمركة .. مرة أخرى) فلم عن الحركة الأنصارية

تعرض قناة (العربية) مساء يوم الجمعة القادم ، المصادف 28 / 11 / 2014 ، وفي تمام الساعة الحادية عشر مساء (بتوقيت بغداد) ، فلماً عن الحركة الأنصارية بعنوان (بيشمركة .. مرة أخرى) وهو من إخراج السيدة داليا الكوري ، يشترك في الفلم الرفاق الأنصار (شهلة - د. جمانه القروي) (ملازم ابو ميسون - وردة البيلاتي) (أبو نهران - داود أمين) و(شفان - شيرزاد مختار) .

88
أدب / خِتان على مائدةِ الفَطُور
« في: 14:07 20/11/2014  »

خِتان على مائدةِ الفَطُور

بقلم : يحيى غازي الأميري

في صباحِ اليومِ التالي هبَّ الحضورُ
استعداداً لحفلِ فطورِ ابنهم الصغيرِ
في البيتِ مظاهرُ البهجة ِوالنعمةِ والترفِ
واضحةٌ على الوجوهِ، والزينةُ على الجدارانِ
استَقْبَلَتهم إحدى النِسْوَة وهي تَرُشُّ الحضورَ
برذاذِ ماءِ الوردِ المعطَّرِ
فيما
عُطِّرَ المكانُ منذُ الفجرِ
 بالبخورِ
ورُتِّبَتْ الورودُ والزهورُ
على مائدةِ
 الفَطُور
ووضِعتْ أجملُ الأطباقِ 
بخفةٍ وزهوٍ وسرورٍ،
 مُزينة بما لذَّ وطابَ من أصنافِ وأنواعِ الطعامِ،
 كالبيضِ والجبنِ والفاكهةِ والخضارِ
يتوسطُ المائدةَ
طبقٌ كبيرٌ مَمْلوءٌ بشرائحَ
من لحمِ الضأنِ المُحمَّصِ
المشوي بالتنورِ
 وبجنبها مجاميعُ
من النقانقِ الممشوقةِ المسلوقةِ
مزينةٍ بالعديدِ من الخضارِ
كيفَ لا واليومُ هو أولُ فطورٍ
يَمُرُّ
 على ختانِ
هِبَةِ الحَنَّان المَنَّان،   
الذي جاءَ بعدَ ولادةٍ لأربعٍ من
الإناثِ.
وَسَطَ زغاريدِ الأهلِ والحضور
اِسْتَلَّ الصغيرُ بحذرٍ
من أواني الطعامِ طبقاً صغيراً
 واختارَ على مهلٍ
قطعةً من اللحمِ المحمَّصِ الأحمرِ
 وشيئا من النقانقِ والخضار
وأمسكَ بكفيهِ الغضتين الصغيرتين
الشوكةَ والسكينَ؛
فيما كانت تَحُفُّ به العيون،
وهو يغرسُ أسنانَ الشوكةَ
في قطعةِ النقانقِ الحمراءِ،
 ويَهمُّ بتقطيعها بالسكين.
فُتحَ جهازُ التسجيلِ، فانبعثتْ ترافقهُ في صخبِ
أصواتٌ لمزاميرَ وغناءٌ وصراخُ صبيةٍ وزغاريدُ نسوة،ٍ
ممزوجةٌ بقهقهةِ وهمهمةِ مجاميعَ من الرجالِ،   
الذين تحلقوا حولَ المائدةِ
زغردتْ أمُّهُ بفرحٍ وحبورٍ،
وبدأتْ
تسكبُ قطراتٍ من صلصةِ الطماطمِ الحمراءِ
في الماعون.
حركَ السكينَ بعصبيةٍ وانفعالٍ،
ودار عينيه وهو يحدِّقُ بالعيونِ التي تحيطُ به
وأَمعَنَ الصغيرُ النظرَ 
بالحضورِ والماعونِ
ارتجفَ كالمذعورِ
انتابهُ على الفورِ
ألم عمليةِ الطهور
بالشوكةِ والسكين
دفعَ بعنفٍ
الماعون
صارخاً كالمجنونِ
بالحضورِ
لا
لا أحب ُّ الفطورَ
ولا
أريدُ مَرَّةّ
أخْرى
 حفلةَ الطهور
 
هذيان مع الفجر
مالمو في 20 تشرين ثاني 2014

 
بعض معاني الكلمات كما وردت في قواميس اللغة العربية وتعريفها كما وردت في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الختان تعني الطهور في كثير من الدول الناطقة باللغة العربية.
خِتان: مصدر ختَنَ
والختان :موضع القطع من الذكر والأنثى، ختَن الصَبيَ: قطع قُلْفَته؛ خِتانُ الأنثى : خِفاض (قطع قلفة البظر)
وقد ورد تعريف عملية الختان في موسوعة ويكيبيديا، الموسوعة الحرة (الخِتان هي عملية خَتن قُلفَة الذَّكر أي إزالته ، والعادة منتشرة بين كثير من الأجناس والشعوب ومنهم الفراعنة واليهود وبعض الطوائف المسيحية والعرب قبل الإسلام وفي العهد القديم أمر إبراهيم بالختان وختن أبنائه ووصاهم به. وعلى ذلك سار المسلمون الآن حيث أن الإسلام أوصاهم  به.
حمَّص الشَّيءَ : شواه :- حمَّص اللّحمَ على النار
صَلصة طماطم: مادةٌ كثيفةٌ مبهَرة من الطَماطم
الحَنَّان : هو اللهُ الحنَّانُ، من أسماءِ الله الحُسنًى بمَعنى الرَّحيم
المنَّان:أسم من أسماءِ الله الحُسنى ،ومعناه: العظيم الهبات، الوافر العطايا
الضأْنُ : ذو الصُّوف من الغنم ، وهو حيوان مجترّ ، داجن ، يربَّى للحمه ولبنه.
نقانق: ويسمى أيضا السُجُق وهي مقددات من اللحم المبهر المثروم الموضوع في الأمعاء الدقيقة ( للأغنام أو الأبقار ) بعد تنظيفها بعناية، مضاف لها التوابل والثوم والبصل والملح وغيرها ودقيق الذرة للمساعدة على التماسك ولإكسابها المذاق المطلوب.التعريف من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.


89
أدب / أقراط ٌ ذهبية ٌمهيبةٌ
« في: 20:05 04/11/2014  »

أقراط ٌ ذهبية ٌمهيبةٌ
 
بقلم: يحيى غازي الأميري

استأذنتْ الجلوسَ
وأطرقتْ بكلِّ جوارِحها تَسْتَمع
و
بحدقتي عينينِ مفتوحتينِ
بدأتْ تُشاهد
كيفَ على الطاولةِ انكبَّ
 يصنعُ السبيكةَ
أفردتْ شفتَيها
 مُطرِقة رأسَها تُصْغي
لإيقاعِ
    ضرباتٍ متتاليةٍ سريعةٍ
تشبهُ ضرباتِ قلبِها
ساعَتها
لطرقِ مطرقةِ
الصائِغِ
الدقيقةِ الرتيبة
 وهو يطوِّعُ
 السبيكةَ
وزادَ اندهاشَها
وهي ترى
كيفَ حوَّلها بسرعةٍ
 إلى إشكالٍ و أحجام ٍمختلفةٍ عجيبةٍ
وبعد ساعةٍ 
من السحبِ والطرقِ واللفِ
والتقطيعِ والتلميعِ
 ومن بين لهيبِ الدخانِ والنارِ
من ذهبٍ  صاغَ لها
قُرْطينِ
مثلَ قرصِ شمسٍ
منتصفَ النهارِ
أواخرَ تمُّوزَ
تركتْ في المكانِ
طبعاتِ شفتيها
هدأ السندانُ
ونامتْ المطرقة
 
هذيان مع الفجر/مالمو في 2014-11-04
 
ورد في قواميس اللغة العربية تعريف الكلمات التالية:
القرطُ: الذي يعلقُ في شحمة الأُذن، والجمعُ: أقراط/ قاموس (لسان العرب)
صاغَ : الشيءَ هَيَّأَهُ على مِثَالٍ مُسْتَقِيمٍ/ قاموس (القاموس المحيط)
طاعَ يَطاعُ وأَطاعَ  بمعنى : لانَ وانْقادَ/ قاموس( لسان العرب)

90
لقاء عمل على هامش زيارة رئيس طائفة الصابئة المندائيين الريشما ستار جبار الحلو لمدينة مالمو




بقلم: يحيى غازي الأميري
بتكليف من المؤسسة المندائية لمدينة مالمو، شكل وفد رسمي لزيارة فضيلة الريشما (ستار جبار حلو) والوفد المرافق له السادة (أكرم ناصر سلمان) مدير مكتب رئيس الطائفة و (رحيم لعيبي ثامر) رئيس مجلس الشؤون العام  للصابئة المندائيين في السويد في مقر أقامته في دار فضيلة الترميذا ( قيس عيدان علك ) في منطقة (ستفان ستورب Stafanstorp) التي تبعد بحدود 20 دقيقة عن مدينة مالمو.
 تكون الوفد من السادة الترميذا (قيس عيدان علك) رئيس مجلس الشؤون المندائية لمدينة مالمو و( باسم طالب الكيلاني ) سكرتير مجلس الشؤون المندائية في مالمو و(يحيى غازي الأميري) رئيس الهيئة الاستشارية المندائية لمدينة مالمو.
اطلع الوفد رئيس الطائفة على تشكيلات المؤسسة المندائية وابرز المنجزات التي حققتها الجالية المندائية في مالمو من أجل جمع شمل المندائيين وتوحيد جهودهم ونشاطاتهم، ودار في اللقاء التباحث بالعديد من الأمور التنظيمية التي تخص المؤسسة المندائية في مملكة السويد و مالمو وسبل الارتقاء بها؛ كذلك أستعرض الوفد المراحل التي وصلت أليها المؤسسة المندائية في مالمو من اجل إكمال جمع المبالغ المتبقية اللازمة لإكمال ( مشروع المندي) والذي بدأت بها منذ سنة ونصف تقريباً، والتي وصلت إلى مراحل متقدمة إذ تم جمع ما يقارب ( 65 %) من المبلغ التخميني، إذ تم جمع ما يقارب ( 2,500,000)  مليونان وخمسمائة ألف كرونة سويدي ؛ وأستعرض خلال اللقاء أهم المعوقات التي ترافق المشروع، داعين فضيلة الريشما (ستار جبار حلو) لمساندتنا  ومؤزرتنا لإكمال انجاز مشروعنا هذا. مستعرضين لفضيلته الأسباب التي دعت أهالي مالمو التفكير بأهمية بناء (مشروع المندي ) ليكون كمؤسسة مندائية يجمع تحت مضلته مقرات التجمعات المندائية في مالمو وقاعة للمناسبات الاجتماعية ومدرسة مندائية، ومركز ثقافي؛ موضحين لفضيلته أن تعداد (الصابئة المندائون) في مدينة مالمو تجاوز( 1200) نسمة.     
تم للقاء مساء يوم السبت المصادف 18- 10- 2014 والذي دام زهاء  الساعة والنصف تقريباُ.وودعنا ضيفنا رئيس الطائفة والوفد المرافق له على أمل اللقاء في الساعة السابعة مساءً  من نفس اليوم في صالة الجمعية المندائية الثقافية في مالمو للقاء أهله وإخوته من أبناء الجالية المندائية في مالمو .
مالمو في2014-10-22
 صورة  التقطت أثناء اللقاء.
التقطت الصورة بتاريخ 18- 10- 2014 يظهر في الصورة من اليمين السادة الأفاضل(رحييم لعيبي ثامر ،الريشما ستار جبار حلو، يحيى غازي الأميري،،الترميذا قيس عيدان علك،باسم طالب الكيلاني، فلاح الحيدر)


91
زيارة فضيلة الرِّيشمّا ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين لمدينة مالمو
   
بقلم: يحيى غازي الأميري
استقبلت الجالية المندائية في مدينة مالمو/ السويدية مساء يوم السبت المصادف 18 تشرين اول 2014 في مقر الجمعية الثقافية المندائية في مالمو،  بباقات من الورود والود والفرح والسرور والحبور فضيلة الريشما ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم والوفد المرافق له والذي ضم كل من السادة  (أكرم ناصر سلمان خشن ) مدير مكتب رئيس الطائفة، والسيد (رحيم لعيبي ثامر) رئيس مجلس الشؤون العام  للصابئة في السويد؛ وكان على رئس مستقبليه فضيلة الترميذا (قيس عيدان علك ) رئيس مجلس الشؤون المندائية في مالمو وأعضاء المجلس، وكذلك رئيس وأعضاء الهيئة الاستشارية لمدينة مالمو ورئيس وأعضاء الهيئة الإدارية للجمعية الثقافية في مالو، والجمعية النسائية  المندائية في مالمو جمعية (يونا) وجمعية يردنا المندائية للشباب في مالمو..
ولغرض استثمار الزيارة بشكل أمثل، أعدت المؤسسة المندائية في مدينة مالمو برنامج للقاء موسع للفضيلة الريشما ستار الحلو والوفد المرافق له مع أبناء الجالية المندائية في مدينة مالو،وقد كلفت المؤسسة  المندائية في مالمو السيدين (يحيى غازي الأميري وباسم طالب الكيلاني) لإدارة اللقاء .
بعد كلمات الترحيب بفضيلة رئيس الطائفة الريشما ستار الحلو والوفد المرافق له، والوفود التي حضرت من بعض المدن القريبة من مدينة مالمو فقد حضر وفد من مدينة( لوند وكريخان ستاد ولاندسكونا وأوسبي)، والتي أوكلت لكاتب السطور( يحيى الأميري ).
بدأ برنامج اللقاء بالوقوف بدقيقة حداد على أرواح شهداء الطائفة المندائية والعراق.وبعدها تحدث فضيلة الترميذا (قيس عيدان) مرحباً بفضيلة الرِّيشما (ستار الحلو ) والوفد المرافق له وبالحضور الأكارم ،مستعرضاً بشكل مختصر أبرز نشاطات مجالسنا في مالمو.
ثم أستعرض (كاتب السطور)لأبرز النقاط التي سوف يتم تطرق رئيس الطائفة والوفد المرافق له استعراضها، وهي.
1.   استعراض عام لوضع ومعاناة الطائفة المندائية في العراق وهي تمر بمحنة كبيرة وخطيرة تهدد مصيرها ووجودها في وطننا الأم، خصوصاً بعد الحدث المدوي سقوط (الموصل ) في ( 10حزيران2014)؛ وكذلك توضيح أهمية ونتائج وأهداف مؤتمر رجال الدين المندائيين الذي عقد في  (بغداد / العراق) صيف 2014. 
2.   استعراض لمعاناة أهلنا المندائيين في دول النزوح (سوريا ، الأردن، تركيا).
3.   استعراض لقاءات رئيس الطائفة والوفد المرافق له خلال زيارته للبرلمان السويدي ولقائه بالنائب السويدي (روبرت حبيب) وزيارته لدائرة الهجرة السويدية في مدينة (يتوبوري) ومقابلة المسؤول عن قسم القرار بخصوص ملفات اللاجئين ((Asylprövning  .
4.   استعراض لقاء رئيس الطائفة مع أهلنا في ستوكهولم ومساعيه من أجل توحيد العمل المندائي وتقريب وجهات النظر في المؤسسة  المندائية في ستوكهولم.
5.   فتح باب المداخلات والاستفسارات والتي أوكلت إدارتها للسيد (باسم طالب الكيلاني) سكرتير مجلس الشؤون المندائية في مالو.
 وبعدها تفضل رئيس الطائفة الريشما (ستار الحلو) بالشرح والتوضيح لجميع الفقرات التي تضمنها برنامج اللقاء؛ ثم جاء دور الحضور الكريم والذي شارك في العديد من المداخلات والاستفسار، والتي تنوعت بين المعاناة والتطلعات والاستفسارات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتنظيمية والتي أضافت فائدة كبيرة للقاء، بعدها أجاب رئيس الطائفة والوفد المرافق له والمؤسسة المندائية في مالمو على جميع المداخلات والاستفسارات. والتي أزاحت الغموض عن العديد من علامات الاستفهام. 
دام اللقاء زهاء ثلاثة ساعات تخلله استراحة قصيرة لمدة خمسة عشر دقيقة لتناول القهوة والشاي، وحلويات ( الفل) لمصادفة ( عيد أبو الفِل) والتي تتكون من التمر والسمسم، هي احد المناسبات الدينية المندائية والتي صادفت يوم الجمعة 17 تشرين أول 2014.
بعد نهاية اللقاء كانت فسحة جميلة لتداول الأحاديث والالتقاط الصور التذكارية.

مالمو في 2014-10-20

 

92
استقبال رئيس طائفة الصابئة المندائيين في مطار العاصمة كوبنهاجن/ الدنمارك

يحيى غازيالأميري
قبل الموعد المحدد لوصول الطائرة  القادمة من برلين / المانيا في الساعة العاشرة وعشر دقائق من صباح يوم 2014-10-18، التي تقل فضيلة الريشما ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم، ومدير مكتبه المهندس( أكرم ناصر سلمان )، تجمع العديد من وفود المؤسسات المندائية لمدينة مالمو/ السويد و الدنمارك وفد (الجمعية الثقافية المندائية في الدنمارك)؛ ضم وفد  مدينة مالمو كل من الأفاضل( الترميذا قيس عيدان علك، عبد خلف الأميري، باسم طالب الكيلاني، أسامة عبد الرزاق كلاص حالوب، يحيى غازي الأميري ). فكانت فرصة طيبة أن تتأخر الطائرة زهاء النصف ساعة كي نتجاذب أطراف التحديث مع إخوتنا وأحبتنا  وأصدقائنا مندائيي الدنمارك ونلتقط معهم بعض الصور الجماعية.
وحال وصولهم رئيس الطائفة ومرافقه استقبلتهم باقات الورود والأحضان، وتبادل الأحاديث الودية والتقاط بعض الصورة للذكرى. وبعدها توجه رئيس الطائفة ومدير مكتبه عبر جسر(أوريسند Öresundsbron) العملاق الذي يربط بين العاصمة الدنماركية (كوبنهاجن ) وجنوب السويد (مالمو) ثم  توجه بعدها إلى  مدينة (ستفان ستورب Stafanstorp) برفقة مضيفهم الترميذا قيس عيدان علك.
مالمو في 2014-10-20
مرفق رسالتنا 4 من الصور التي التقطت خلال فترة الاستقبال.



93
جمعية مالمو المندائية في أمسية ثقافية للمقامة المندائية

 
يحيى غازي الأميري
اغتنمت الجمعية الثقافية المندائية في مدينة مالمو،فرصة تواجد الأديب الباحث الأستاذ فاروق عبد الجبار عبد الإمام، المقيم في استراليا منذ عام (2006) زيارته إلى أوربا، لتستضيفه مساء يوم السبت 04-10-2014 في صالة مقرها الجديد، في محاضرة ثقافية أدبية تاريخية حول الشخصية المندائية الفذة الرِّ يشمّا ( أدم أبو الفرج).
كلف كاتب السطور من قبل الهيئة الإدارية للجمعية الثقافية المندائية في مالمو بالتقديم للأمسية وإدارتها؛ أستل بعض المقاطع من كلمة الترحيب و التقديم لضيف الأمسية ومقامته.
سيداتي ، آنساتي ، سادتي الحضور الكرام :ضيوفنا الأكارم  طاب مَساؤكم :
 ارحبُّ بالجميع  أجملِ ترحيب، في اُمستِنا الثقافيّة الأدبيّة هذه والتي تتزامنُ مع أولِ أيامِ عيدِ الأضحـى المباركْ.
أعزائي : لنُحلّقَ معاً عِبرَ الأثير ، ونحن نستعيدُ قِصّةَ شخصيّة مندائيّة نعتزُّ جميعاً بها ،شخصيّةً ضَربتْ في تأريخِها أعماقَ التاريخ ، شخصيّةًَ نُسجت حولَها العديدُ من الحكايات التي تكادُ أن تُكّونَ إسطورةً مندائيّة حفظتها الصدورُ على مدى العصور ، ولم نزل نتناقلها بكل سرور وحبور، فوثَقَناها بأحرف ٍ من نور.
بيننا الآن الأستاذ الأديب الصديق القديم القادم من أستراليا (فاروق عبد الجبار عبد الإمام) والذي أعادَ صياغةَ القِصّةَ الأسطورة ، بأسلوبٍ أدبيّ متميّز جزلِ المعاني سهلِ الألفاظِ في سرده القَصصي ؛ فجاءت سهلةً واضحةً بعيدةً عن التكلّفِ وغريبِ الكلام متناسقةِ الألفاظِ والمعاني .لقد استخدم ضيفُنا طريقةَ السَّجع لبناءِ مقامتهِ الموسومة ( المقامة المندائيّة قصّة آدم أبو الفرج) والتي وردت قِصتهُ ويترددُ اسمه على لسانِ الصابئة المندائيين في الدعاءِ عند السّرّاءِ والضرّاء على حـدٍ سواء .
وبعد هذا المقطع تحدثت عن علاقتي بالأستاذ الأديب فاروق عبد الجبار والتي تمتد لأكثر من عقدين ونيف من السنين.
واستشهدت ببعض المقاطع من مقالة كنت قد كتبتها بتاريخ  22/12/2004 ونشرتها في وقتها في العديد من المواقع الصحفية ومنها البديل والحوار المتمدن وموقع اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر وصوت العراق، وكان تحت عنوان ( من يضمِدُ جِراحُنا؟ من يوقِفُ مآسينا؟)، في تلك الفترة كان (فاروق)  قد حط به الترحال في اليمن السعيد (صنعاء)  ينتظر أن يلتحق مع عائلته معاملة لم الشمل  إلى استراليا حيث سبقته عائلته إلى أستراليا، أخبرني أنه منهمكاً بين البحث والكتابة لموضوع أدبي لم يطلعني في حينها على أسمه، لكنه كان بلسمه في تلك الغربة والتغرب عن الوطن والأهل،وقد بقي في صنعاء بالانتظار ثلاثة سنوات ونصف،  وبعد وصوله استراليا بعدة سنوات عرفت أن جهوده كانت منصبة بكتابة ( المقامة المندائية).
فقرأت للحضور بعض مقاطع من تلك المقالة والتي كانت  تتضمن شيئاً تعريفي عن معاناته و عن سيرة  صديقي الباحث( فاروق). وسوف اكتفي بتدوين المقطع الأول من المقالة و التعريف الذي كتبته آنذاك وتم قراءته في هذه الجلسة.
(أخي العزيز فاروق* قرأت مقالتكم التي أرسلت لي نسخة منها وزادت من هموم قلبي المطعون بآلاف الخناجر؛  أعرف يا عزيزي طيبة قلبك المملوء حبا ً ووفاء للناس والأهل والوطن .
أعرف إن لوعة فراق الوطن والأحبة والأهل بدأت تسري في عروقك؛ قرأت كلماتك النازفة من الفجيعة التي ألمت بالعراق وشعبه، أعرف إن من رسم لدمار الوطن وخرابه لا يريد للنزيف والفواجع والخراب والتشرد إلا أن يستمر ويزيد.
إذ لا يطيب له أن يهدأ خراب الروح والوطن الذي بدأه وجند له المئات بل ألاف من عديمي الإنسانية والدين والشرف. غريب يا صاحبي ومفجوع بآلاف الأحبة وتذرف دموعك وحيدا ً. غريب يا صاحبي في صنعاء التي
يقال كانت موطن للصابئة قبل أن تأكل الجرذان والفئران سدها.
*الأديب فاروق عبد الجبار معلم جامعي خريج كلية الآداب اللغة العربية أحيل على التقاعد مبكرا ً، عمل في سوق الصاغة في خان الشابندر / بغداد ينقش الأسماء على المداليات الذهبية والفضية ويجيد فن التخريم على القطع المعدنية، باع كل ما يملك من دار سكن ومحل عمل و... و.. لكي يهرب مع عائلته إلى المجهول في سبيل الخلاص من جحيم الرعب والهلع الذي خيم على العراق؛ لم تهاجر عائلة فاروق فحسب بل هاجرت قبله كل عوائل أشقائه وشقيقاته والتي توزعت على أرجاء المعمورة فهذا في لندن والآخر في هولندا وذاك في أمريكا وألمانيا واستراليا ولازال فاروق يقبع في صنعاء ينتظر لم شمله مع أسرته في استراليا منذ أكثر من ثلاث سنوات.)
أستمتع الحضور (بالمقامة المندائية) وأسلوب كتابها، وطريقة سردها، دامت المحاضرة زهاء الساعتين،  وحضرها جمهور غفير وشرفنا بالحضور العديد من أصدقاء الطائفة المندائية ومنهم حضور وفد من اتحاد الكتاب العراقيين بصحبة الصديق الأستاذ عصام الخميسي وهم ( السادة الأفاضل علي فواز ،توفيق التميمي،المخرج طالب السيد )، والذي تزامن تواجدهم في مدينة مالمو مع المحاضرة، وكذلك شاركنا الأمسية صديقنا الشاعر حسن رحيم  الخرساني، بعد انتهاء الأديب (فاروق) من قراءة  الأجزاء المهمة من المقامة ، كانت استراحة قصيرة للالتقاط الصور التذكرية ولتناول الشاي والقهوة والمعجنات التي هيئتها الجمعية للحضور، بعدها جاء دور المداخلات والاستفسارات وقد شارك العديد من الحضور الكرام بمداخلاتهم والتي أضافت متعة وفائدة طيبة لأجواء المحاضرة.
مالمو / السويد في 14/10/2014
هوامش متعلقة بالمقالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة رقم (1) يظهر في الصورة من اليسار كاتب السطور يحيى الأميري،بجانب الأديب فاروق عبد الجبار/ من الامسية الموسومة (جمعية مالمو المندائية في أمسية ثقافية للمقامة المندائية)
صورة رقم (2) جانب من الحضور للأمسية الموسومة (جمعية مالمو المندائية في أمسية ثقافية للمقامة المندائية)
صورة رقم(3) صورة مع وفد اتحاد الادباء والكتاب العراقيين/ يظهر في الصورمن اليسار كاتب السطور (يحيى الأميري، تفوفيق التميمي، طالب السيد، علي الفواز، الشاعر حسن الخرساني) من الأمسية  الموسومة (جمعية مالمو المندائية في أمسية ثقافية للمقامة المندائية).
     

94
أدب / خفقان
« في: 19:47 22/09/2014  »
خفقان
 
يحيى غازي الأميري



عندما لامسَ عطرُ شفتيها
رمشَ عينيَّ
ارتعدَتْ فرائصي
وأسرعَ يخفقُ
ما بين الضلوعِ
أمسكتْ بيدي
هَمَستْ في أذني
اهدأ
وهدِّئ من روعِك
ما هذا
الخفقانْ
 الى صدرِها ضمَّتني
أردفتْ قائلةً
ربَّاهُ
أهذا قلبٌ أم بركان؟

لامسَ فمي شفتيها
فتبادلنا القبلَ
ورشفتُ منه  كؤوساً
ألذَّ من العسلِ
حتى ثملتُ
من سعيرِ القبلِ

وعندما أفقتُ
خاطبتني على عجلٍ
اكتبْ
هذا
درسُنا الأولُّ
في
 الحبِّ والغزلِ
 
هذيان مع الفجر
 في 21أيلول2014
 

95
 
صدورٌ مثخنة بالجراح تئن ، من مسلسل إعصار لا يهدأ 6

 
 
يحيى غازي الأميري

بوجوهٍ متجهمةٍ وعيونٍ باكية ٍحزينة
جَلستْ مجموعة من النسوةِ
في إحدى خيامِ معسكرِ النازحينَ
أغلبهنَّ توشحنَ بالسواد
مُطلِقاتٍ العنانَ للطمِ الصدورِ،
ولمواويلِ النواحِ
ولسيولِ الدموعِ تحفرُ أخاديدَها
بعدَ تَوالي النَكباتِ والفواجع
صمتٌ يقطعُ النواحَ
إحداهنَّ يُغمى عليها
تشيرُ إحدى النسوةِ الواقفاتِ بيدِها
التزمنَ الصمتَ و الهدوءَ
لتستنشقَ المزيدَ من الهواء
 مسحتْ الأخرى وجهَها بالماءِ
وأحضرتْ أخرى علبة عطرِ
علَّهُ يفيقها من الإغماء
بعدَ ساعةٍ من الوقتِ، فاقتْ من غَيبوبتها
ناولتها إحدى زميلاتها التي تتحزمُ بعباءتها السوداء،
قدحاً من الماء ِشربتْ منهُ جرعةً وجرعةً ثانيةً
وأعادتْ القدحَ إليها
أدارتْ وجهَها في المجلسِ
وتسمرتْ عيناها على ملابسَ ملونةٍ لطفلَتيها
اللتين انتزعتهما منها بقوةِ السلاحِ
جحافلُ من الكلابِ السودِ المسعورةِ
المدججةِ بالحقد ِالأعمى
الذي أفقدهم البصرَ والبصيرة
 مولعينَ متلذذينَ بالقتلِ الهمجي البربري
تلك التي كانت قد هاجمتْ المدينة
مع خيوطِ الفجرِ الأولى
أغمضتْ عينيها،
وبدأتْ تنوحُ بصوتٍ خافتٍ ممزوجٍ بشجنٍ
وهي تلطمُ صَدرها ووجهها بإحدى يديها ،
فيما
تحتضنُ بالأخرى صُرَّة الملابس:
ــ هذه الدنيا أرتنا العجب
و كل أنواع القتل بلا ذنبٍ ولا سبب،
 وأرجعتنا مجدداً
إلى عصورِ
غنائمِ الحربِ
و النهبِ
والجلدِ
والسبي (1)
يُغمى عليها مَرة ثانية، فتعاودُ النسوةُ الكرة
لمُساعدتها ونجدتها!
إحدى النسوةِ تعيدُ على الأخرياتِ قص حكايتها،
ـ لقد أنقذناها أنا وأختي، تشيرُ إلى أختها التي تجلسُ بجانبها: 
هَربت معنا، كانتْ تركضُ كالمجنونةِ
حافية القدمين مع طفلتيها،
هربت مع مجموعة كبيرة من أهلِ المدينةِ الهاربين
كانتْ صُرَّة صغيرة من الملابس فوق رأسها،
وكانت تقبضُ بقوةٍ بكلتا يَديها على معصمي طفلتيها
 فتعقبتها مجموعة من تلك الكلابِ السوداء
أوقفتها
لم يشفع لها بكاؤها وتوسلها،
 وقتل زوجها وجدُ أطفالها.
كلبٌ أسودُ بهيم، انتزعَ من يديها طفلتيها،
وكلبٌ أسودُ بهيم أخر
 يقفُ بجانبهِ ذو شعرٍ طويلٍ أسودَ
ولحيةٍ شعثاءَ غبراءَ،
وملابسَ حالكةِ السواد
 ضَربها بعُنفٍ
على رأسها بأخمصِ بندقيتهِ
طرحها أرضاً  تتضرجُ بدمائها
وهو يصرخُ بها بصوتٍ مُخيفٍ
كافِرَة.. كافِرَة
تساندهُ أصوات مجموعته
وهي  تصرخُ
بالجموعِ  المذعورةِ الهاربةِ
كُفَّار.. كُفَّار..
كَفَرَة.. كَفَرَة..
 
هذيان مع الفجر/ مالمو – مملكة السويد
آب 2014
 
(1) ورد في قاموس لسان العرب تعريف
السَّبيُ: النَّهبُ وأخذُ الناسٍ عبيداً وإماءً
والسَّبِيَّة: المرأَة المنْهوبة


96

على أبوابِ الخيام الجديدة، من مسلسل إعصار لا يهدأ5

يحيى غازي الأميري

بمحاذاةِ المدنِ
ضربت أوتادَها في الرمالِ أو التراب
 أو في المزابلِ والأوحال
خيمٌ حديثةٌ، على امتدادِ البصر
ذات ألوان موحدةٍ
مرصوفةٍ بصفوفٍ هندسيةٍ
إنها مضاربُ الوجعِ الحديثة
هي جزءٌ من هباتِ ما وعدوا به العباد!
بعد سنينَ طويلةٍ رافقتهم فيها سطوةُ الموتِ
ممزوجةً برائحةِ الدمِ والبارود.
إنه الفصلُ الدمويُّ الجديدُ
من دروسِ
 المحنِ والشجنِ والخرابِ والاحتراب
التي لم تزلْ تلازمُ المكان
إنه  درسٌ من دروسِ التهجيرِ القسريِّ، والتشريد
والفرارِ الجماعي من الموتِ الأكيد.
أمام مدخلِ بوابةِ المخيمِ
وقف رجلٌ تجاوز الخمسينَ يتصببُ عرقاً
وهو يحملُ أمهُ ذاتَ الثمانينَ على ظهرهِ
بعدَ مسيرة يومينِ في طرقٍ وعرةٍ
وهو ينشدُ بصوتٍ عالٍ
ـ أيها السادةُ
إنهُ درسٌ كبيرٌ في الخيانةِ والخذلان
قد لحق بنا في يومٍ ماحقٍ.
فيجيبهُ صوتُ أمهِ واهناً مرتجفاً يرددُ
ــ ليمحق اللهُ من كان السبب
وليلحق به وبذريته العارُ والشنار.
بلمحةِ بصرٍ تجمع حولهما مجموعةٌ من صبيةِ المخيم.
يقدمون لهما قطعاً من أرغفةِ الخبزِ، وأكواباً من الماء
يستقبله صوتُ شيخ كهل يقف على ساقٍ واحدةٍ ،مستنداً على عكاز:
ـ أهلاً وسهلاً بكما في مضاربنا الجديدة ؛ لكن أعلم يا بني
هنا يرافقنا كظلنا الرعبُ و الخوفُ
والحرمانُ والامتهانُ لقيمِ وحقوقِ الإنسان!
يسودُ الصمتُ لحظاتٍ
فيرتفعُ  من بابِ إحدى الخيامِ
صوتُ نايٍ حزين.
فيكملُ الشيخُ الكهلُ حديثه مع صوت الناي:
ــ وهنا يتمتع أخوانك واهلك بعهدٍ جديدٍ من الذلِّ والأحزان
للكرامةِ والوجدان.
ويصمتُ لحظةً
ثم يكمل بصوت أنهكه التعبُ
ــ لقد مضى على وجودنا هنا أكثرُ من شهرين
ونحن نجهلُ أين سوف يرسو بنا المصير
واعلم يا بنيَّ
لقد طار منا الأملُ وضاعت الأحلام
وحل اليأس في النفوس
وتضاعفت الأشجان
بعد أن أعلنت أخرُ الأخبار أن
الذئابَ على الأبواب.
 
هذيان مع الفجر/  مالمو ـ مملكة السويد
1-أيلول- 2014



97


عالمُ الحرية لألعابِ الأطفال الالكترونية، من مسلسل إعصار لا يهدأ 4

يحيى غازي الأميري
 
رغمَ أن الفصلَ حارٌ وحرارتُهُ آخذةٌ بالارتفاعِ مسببةً للإرهاقِ
ومعكرةً للمزاجِ
 المساءَ هذا السماءَ لكِنَّ
كانت ملبدةً بغيومٍ رماديّةٍ داكنةٍ لا تكفُّ عن الحركةِ والدورانِ،
مصحوبةً برطوبةٍ خانقةٍ.
هنالك إشاعاتٌ تسري بين الناسِ، لا يُعرفُ مصدرُها.
 تقولُ:
إن هذا الفصلَ سيكونُ ساخناٌ جداً وإن السماءَ في مثلِ هذهِ الأجواءِ
سوف تمطرُ أحياناً شهباً و نيازكَ، وتحذرُ من شظاياها المتطايرة
فهي تحزُّ الرؤوسِ وتقطعُ الأبدانَ إن إصابتها،
وإنَّ إصابَتها قاتلةٌ مميتة.
هذه الأقاويلُ تُثيرُ الرَّعبَ ،وترسّخُ الخوفَ حدَّ الموتِ في النفوسِ
لكنَ الغريبَ أن أغلبَ الناسِ لا تبالي لذلك
شاهدُ عيانٍ يروي ما شاهدهُ في هذا المساءِ:
_ اصطحبتُ طفلي ( محموداً ) ذا الثامنة لغرضِ التبضعِ لعيدِ ميلادهِ.
اشتريتُ له بدلةً رصاصيةً وحذاءً وقميصاً وربطةَ عُنقٍ حمراءَ
كان ( محمود ) فرحاٌ بها أشدَّ الفرحِ
عند خروجِنا كان متجرُ الحريةِ للعبِ الأطفالِ الالكترونيةِ
ينتصبُ أمامَ أنظارِنا في الجهةِ الثانيةِ من الشارعِ
ولا يبعدُ عنا أكثرَ من 30 متراٌ
تسمَّرت عينا ولدي على واجهةِ المتجرِ
حيثُ يقفُ أمام بابِ المتجرِ عددٌ يزيدُ على عشرةٍ  من الأطفالِ مع ذويِهم
أمسكَ (محمودٌ) بيدي وبصوتٍ فيه كثيرٌ من التوسلِ طلبَ مني العبورَ إلى المتجرِ
نظرتُ له بعينين فيهما كثيرٌ من الحنيةِ و المحبةِ
وقلتُ لنفسي لأكملنَّ فرحتهُ وأشتري له ما يودُّ
حملتُ بدلته بيدي اليسرى، وأمسكتُ بيدهِ اليسرى ،
فيما حملَ (محمودٌ) بيمينهِ الحقيبة التي تحتوي القميصَ والحذاءَ
وبدأنا نرقبُ السياراتِ لنتهيأ لعبورِ الشارعِ ؛ وبلا مقدماتٍ ارتفع 
صوتُ دويًّ هائلٍ
صمَّ أذناي، وقذفني عدة أمتارٍ،
كادَ أن يفقدني رشدي
بعدَ لحظاتٍ فقتُ من هولِ الصدمةِ،و شاهدتُ ولدي محموداً
 مرميّاً على الأرضِ
والدماءُ تنزفُ من نحرهِ
انقبض قلبي، ذعرتُ لمنظره، وهو ينزفُ دماً حاراً
 انحنيتُ عليه وجدتُ قطعةً من الحديدِ بحجمِ كف اليد
مستقرةً في أسفلِ عنقه،
كانت عيناه مفتوحتان على أشدهما،
شفتاه تتحركان ببطءٍ شديدٍ ، وحاولَ أن يقولَ لي وبـدأ
يحدثني بهمسٍ
والدموعُ تترقرقُ في عينيه البريئتين
 _ بابا أنقذني، بعدها
أغمضَ عينيه ساعة هممتُ أن أقبِّلهُ
حملتهُ على ذراعيَّ، أحسستُ أن يدي اليمنى لا تعينني على حملهِ،
فقد كانت شظية أخرى
قد استقرت في كتفي.
حملتهُ بكل قواي وصرختُ بأعلى صوتي كالمجنونِ: أيُّها  الناسُ أنقذونا
لكن ولدي محموداً
لفظَ أنفاسه قبل أن اقبلهُ
رباه، كان يتوسلني أن أساعدهُ!
كانَ منظرُ أشلاءِ الأطفالِ ولعبهم قد تناثرت لتملأ الشارعَ والأرصفةَ!
أحسستُ أن قوايَّ تخورُ وصوتي بدأ يخفتْ
وتقهقرت ركبتاي، وأضحتا لا تقويان على حملنا،
ضممتُ ولدي إلى صدري
 وجلستُ على الأرضِ واضعاً جسمه في حضنى ومطوقاً ( محموداً ) بذراعيَّ
قبلتهُ بين عينيه، أحسستُ ببرودة مفزعة بجبنهِ
فسرت هي الأخرى كالبرقِ بجسمي
تجمهرَ بعضُ الناسِ حولي، فغبتُ ساعتها عن الوعيِ.
توفيَ شاهدُ العيان بعدَ ثلاثة أيام من وفاةِ ابنهِ متأثراً بجراحهِ المزدوجة!
 
هذيان مع الفجر، جمهورية العراق
آب-2014

 



98


حزنٌ يُشبه الموتَ يخيمُ على المكانِ ، من مسلسلِ إعصارٌ لا يهدأُ 3

يحيى غازي الأميري

عاصفةٌ مدويةٌ غريبةٌ عن أرضِ السواد
تصاحبُها رياحٌ مزمجرةٌ
ممزوجةٌ ببريقٍ ورعدٍ غاضبٍ، عاصفٍ
بدأت منذُ زمنٍ تضربُ من كلِّ الاتجاهات في عمقِ البلاد
لا يهمُّها جفافُ الضرعِ أو موتُ الزرعِ، ولا إلى أينَ سيؤولُ مصيرُ العباد
العديدُ من المراصدِ حذَّرتْ من ساعةِ قدومِها ولحظةِ انفجارِها، ودعتْ إلى الحيطةِ والحذر
فيما قالَ عنها المتبحرونَ بشؤونِ العواصفِ إنها كارثةٌ حقيقيةٌ
وإن خرابَها سيضربُ بالأعماق
لكونِها كما تشيرُ المصادرُ تحتوي على شحناتٍ متراكمةٍ انتقاميةٍ تدميرية
البعضُ تجاهلَ التحذيرَ ،من دونِ
الإكثارِ بالإيضاحِ أو التبرير
لكنْ على العكسِ من ذلكَ
استبشرَ البعضُ الأخرُ خيراً بقدومِها
فأعدُّوا المباخرَ ابتهاجاً من أجلِ وصولِها، وذبحوا القرابينَ ووزَّعوا النذور
واعتبرَها البعضُ إحدى عطايا السماء
الربيعُ قادمٌ والخيرُ سوفَ يأتي وافراً، هكذا صرَّحَ الرعاةُ لقطعانِهم
حتى أن بعضَ قطعانِ الخرافِ أعلنتْ رسمياً: مرحى بالخيرِ القادمِ
لا سكونَ يسبقُ العاصفةَ، فصوت زمجرتِها كانَ يُسمعُ هنا وهنا
تحتَ جنحِ الظلامِ، فرَّ رعاةُ القطعان مع كلابِ حراستِهم، وهُم يلوحونَ من بعيدٍ بعصي القطيع
تاركينَ القطعانَ والمبانيَ والسكانَ مكشوفينَ في العراء
أعلنت المراصدُ ساعةَ بدايتِها
أثارتْ بكعبِ حوافرِها غبارَ الصحارى،
فغطتْ بسرعةٍ خاطفةٍ ثلثَ البلاد، بسحابةٍ رماديةٍ داكنةٍ ممزوجةٍ بغبارٍ ودخانٍ أسودَ ورماد
كان هديرُها يصمُّ الآذانَ
وصوتُ صفيرِها يُشبهُ عواءَ ذئابِ الصحراء
يقبضُ الأنفاسَ
بدأتْ على الفورِ
تمطرُ خرقاً باليةً ، وحديداً ونار
زلزلتْ المعابدُ
وهدَّتْ كبرياتِ القبور
ولم يسلمْ من عصفِها حتى مَنْ لاذَ
بالرمسِ، أو تشبَّثَ في الكرسي
منذرةً متوعدةً بالويلِ والثبور
قاصمةً  للرؤوسِ
عابثةً ومبعثرةً ما أحرزَ من نفائسَ وودائعَ وكؤوسٍ وكنوز
هدَّتْ النواقيسَ وهي تقرع صلواتِها
وباشرتْ بتكميمِ الأفواهِ
وأطلقت للَّحى العنان
وسمحتْ بعودةِ الألعابِ البدائيةِ للأطفالِ والصبيان
وعمدت بقلعِ أجملِ أصولِ أصنافِ الإشجارِ المثمرةِ
الضاربةِ بالقدمِ
و بدأت ترميها خارجَ حدودِ بيئتِها أو خارجَ البلاد
عصفت في أقدمِ المباني وأكثرِها قوةً وأحالتها إلى ركامٍ وحطامٍ ورماد
ناثرةً في الأزقةِ والمدنِ والحارات التي تضربُها رائحةً  مخدرةً تسميها العطرَ الموعودَ، له رائحةٌ تزكمُ الأنوف،
هكذا أفاد العارفونَ والمطلعونَ
انتشرَالعطرُ سريعاً في الهواء، تسممت منه بعضُ الأبدانِ
وأخذت تنشرُ نفسَ العطر!
بل اعتبرَهُ البعضُ ماركةً عالميةً ذاتَ أصولٍ بدائية
 تستحقُّ التقليدَ والاقتناءَ، فيما اكتفى فريقٌ آخرُ بالمبايعةِ للعطرِ من بعيد
حجبت الاتصالاتُ والمراسلاتُ بعد تأينِ الأجواء
إحدى كبرياتِ المدنِ استجارت بمن ينجدُها من براثنِ الهلاك
وتبعتها العديدُ من البلداتِ والقصبات
حيثُ راحت تستغيثُ هلعاً بعد أن
سرى في ازقتِها الخراب
أسرابُ الغربانِ المسعورة  تتعقبُ
أفواجَ النازحينَ، والمشردينَ بعد أن نعقت بديارِهم
آلأفُ النازحينَ،تفترشُ العراء،وتلتحفُ السماء
فيما جموعٌ مفجوعةٌ اخرى تحتمي هلعاً في كهوفِ الجبال، أو هائمة في الوديان
أرتعبَ الحجرُ والبشرُ من هولِ المصاب
انذهلت الصبايا من فظاعةِ جبروتِه وقسوةِ سطوتِه وحدةِ عصفِه
وضربت النسوةُ النقابَ فوقَ الحجاب
اختفى من الشوارعِ رجالُ المرور
وتضاعفت أعدادُ حفارةِ القبور
لم تزلْ العاصفةُ تدورُ  وتفور
من كل حدبٍ وصوب
بعد شهرٍ أو يزيدُ أعلنت بعضُ القطعانِ المخذولةِ والمهزومةِ : إن الخيانةَ عارٌ، والهزيمةُ انكسار،
والاختباءُ من المواجهةِ الفاعلةِ ذلةٌ ومهانة
فيما يستمرُّ
حزنٌ يشبهُ الموتَ يخيمُ على المكان
يرافقُه جدلٌ مثيرٌ لتحليلِ مصادرِالعاصفةِ ،وأمدِ استمرارِ بقائها

هذيان مع الفجر، جمهورية العراق
آب 2014

99

القبضُ ريح/ من مسلسل إعصار لا يهدأ /2


يحيى غازي الأميري

خريفٌ يخلفُ خريفْ
ومحن تتناسلْ فيما بينها
 لتولدَ محنٌ أكبر
بعضُها
يلتحفُ العواصف
وأخرى
لا تهدأ من التصريحِ والتجريح
وثالثةٌ
تمتطي الرمالَ الزاحفة من الصحراء
فيما يتوسطَ فريقُ المترفينَ المصايفَ والمنتجعات
تحرسُ الجميع َ المصفحاتُ والمجنزرات
تصريحاتَهم وأخبارُهم تلهبُ الصدورَ
كاشفة أحياناً عما خبأ فيها من المحظور!
أمٌ تجلسُ القرفصاءَ في ركنِ خيمتِها الجديدة
تقصُّ على جاراتِها
ما يدورُ في السرِّ من الأخبار
 ـ أنّهم يكترونَ من الوعودِ، واليومَ الموعود!
لكنَهم يحذرونَ منَ الفرهود!
وتكملُ حديثَها
ـ يتقاسمُ ملايينُ من الأبرياءِ 
السماءَ والعراء
ويكثرُ الحديثُ عن حظرٍ متنوع للتجوال
وحظرٍ خاصٍّ للنساء.
تقاطُعها زميلتُها المثخنة بالسمنةِ والتي تفترشُ البساط
ـ الحمدُ للهِ درجاتُ الحرارةِ لهذا الأسبوع
لم تصلْ الخمسين
سوفَ تستمرُّ ثمانيةً وأربعين، مصحوبةً برياحٍ شماليةٍ غربية.
تصرخُ بصوتٍ مبحوح إحدى جياع الخيامْ
مِن مضربها الجديد
وهي تشدُّ وثاقَ الخيمةِ في الهواء
ـ لقد تأملنا خيراً بوعودِهم
وصدقنا بعضَها وترقبنا مجيءَ شتاءٍ أو ربيع   
لكنْ في  النتيجةِ
لم نقبضْ
سوى الرياح

هذيان مع الفجر
مالمو في 4 تموز 2014





100
انهيار في وضح النهار/ من مسلسل إعصار لا يهدأ 1

 
بقلم: يحيى غازي الأميري

تتواترُ الأخبارُ
إنَّ
نوائبَ الدنيا تدورُ
وسطَ الذهولِ والانبهار
تقهقرٌ وانكسار
يلحقُه
سعيرُ الفرار
في وضح النهار
ماذا حدثَ؟
بدأ التقرير
الوضعُ خطير
غدرٌ وتآمرٌ
تدميرٌ مرير
تحتَ وابلٍ من الشرِّ والنارِ
تم تفجيرُ الجسور
واحتلالُ الثغور
في لمحةٍ من البصرِ
طارَ الدينارُ والدولارُ من البنوك والمتاجر
تبعَهُ
فرارُ الطيور
وانتحارُ الشجر
بدأتْ مجازرُ
التهجير
استعارَ الصراخُ
الموتُ انتشر
الانتحارُ كثر
نيرانٌ ودخان
بكاءٌ ودموع
عيونُ المشردينَ، والمهجرين
مرعوبةٌ مغلوبةٌ
فاقدةٌ للبصيرةِ والبصر
حزينةٌ لبؤسِ المصير
هدوءٌ حذر
صوت هادرٌ
يعلنُ النفير
الغدرُ عارٌ
والمتآمرُ قذرٌ
والتآمرُ يعني الغدر
الحذرَ الحذرَ من
التمادي بالضرر
قادمٌ تغييرُ المسار
لا
نبدِّلُ الوزيرَ بالأمير
فيما يقفُ في أهبةِ الاستعدادِ والإصرار
منكرٌ ونكيرٌ وهم يمسكونَ بسجلِّ المصير


هذيان مع الفجر، جمهورية العراق
حزيران2014

101
أدب / التفكير في المهجر
« في: 21:16 04/06/2014  »
التفكير في المهجر
 
يحيى غازي الأميري
 
 
لم يزلْ
الصراعُ والنزاعُ على أشدِّهِ
في البيتِ
والشارعِ والمتجر
يساندُهُ
القيظُ
وأتربةُ الشوارعِ الخانقةِ
وتوقفُ مكيفاتِ الهواء
لوقوعِها تحتَ قبضةِ   
انقطاعِ تيارِ الكهرباء
بمباغتاتِهِ المستمرةِ
في السراءِ والضراء
لتزيدَ من توترِهِ
أصواتُ عبثِ طفليهِ،
وبكاءُ رضيعٍ لا يهدأ
فيختلُّ معها قياسُ
هبوطٍ وارتفاعِ الضغط
فيما يرتفعُ صوتٌ بداخلهِ
لم يتوقفْ  يوماً عن هذيانهِ
ألم أخبرْكَ
أنْ ترحل
فما عادَ للسكونِ
والسكينةِ
مسكنٌ
 ارحل
توقفْ عن حركةِ الذهابِ والإيابِ
في ممرِ البيتِ
جلسَ متهالكاً على الأريكةِ،
متأهباً
مشدودَ الأعصاب
ينظرُ  بقلقٍ في ساعتهِ
منتظراً
بلهفةٍ
قربَ
مولدةِ الكهرباء.
بدأتْ دويَّها المعتادَ
فيما راحَ يسرحُ بأفكارهِ
يعيدُ التفكيرَ
للمرةِ الألفِ
بالهجرةِ
والعيشِ
في المهجر
يوقظهُ  من غفوتهِ
صوتٌ كالرعدِ هادر
لدوي انفجارٍ
هائلْ
قادم من جهةِ
 المتجر
 
هذيان مع الفجر/جمهورية العراق في 2 حزيران 2014
 

 

102
أدب / بيتٌ من الشعرِ
« في: 23:04 08/05/2014  »





بيتٌ من الشعر



يحيى غازي الأميري


للمسةِ يَدِهِ خفقَ القلبُ
واضطرب
فانطـلقتْ
 العينانِ تحكيانِ
بحياءٍ وطرب
ومن باطنِ العقلِ
صوتٌ مُرتجفاً بوجلٍ هتفَ
ربَّاهُ
مالكُ القلبِ وصل
مرحباً
النورُ طل
وبلسمُ الجراحِ حل
فبادرتْ العينانِ تسألانِ
 أتذكرُ
حبيبي
 أولَ لقاءٍ
عند
مرسى السفن
بطرفِ عينكَ
 أرسلتَ لي بيتاً من الشعـر
مثلَ البرقِ
بسرعتِهِ
بطرفةِ عينٍ
نامَ بقلبي
 وحبستُهُ
فحطَّ الغرامُ
على مهلٍ
فغفوتُ
لحظتَها
من نشوةِ الخدر
و صحوتُ مذعوراً على عجلٍ عندما
هتفَ العقل
رحل
هامَ الفؤادُ
 به
وحلَّ بالعقلِ
الخلل
فتاه َ شارداً بين الهمومِ والعلل
سنونَ
مرَّتْ
ضاعَ من كثرتِها العدد
آهِ
 حبيبي
من يومِ حبُّك وصل
لقلبي ودفنتُه
حطَّ الخصامُ بين النومِ والمقل
آهِ
حبيبي
تعالَ و اسقني
خمرَ الوصالِ
تَعال
واخمد لظى الحبِّ
 فقد طال الانتظار
تعالَ
فقد
أضناني طولُ الهجرِ و سنونَ البعاد
تعالَ
 حبيبي
لنرتشف معاً كأس الغرام
فقد
جفاني المنام
وهدني الهيام

هذيان مع الفجر/ مالمو في 8 أيار 2014


103
المنبر الحر / من انتصرَ؟
« في: 18:59 06/05/2014  »

من انتصرَ؟

يحيى غازي الأميري
 
كنت قد حضرت أمسية لمحاضرة سياسية أقامتها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، بتأريخ 04-10-2003 لشخصية مناضلة سياسية عراقية قادمة من بغداد، محملة بجديد التغيير الذي حدث في العراق في 9 نيسان-2003 عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الأستاذ (محمد جاسم اللبان)؛ بعد ما يقارب عشرة أعوام عاد الأستاذ (محمد جاسم اللبان) في31-05-2013 لأستمع إليه في الندوة السياسية الأخرى التي أدارها وقدم لها الأستاذ (صادق الجواهري) في صالة مقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، وقد تحدث فيها الأستاذ (محمد اللبان) بكثير من الصراحة والوضوح عن الوطن المثقل بالهموم والمحن، في نهاية الأمسية التقطت بعض الصورة مع الأستاذ (محمد جاسم اللبان)، بعد أن عرَّفته على نفسي، وتحدثنا قليلا عن ذكريات تنظيم مدينتي (العزيزية والصويرة من محافظة واسط ) للحزب الشيوعي العراقي أيام زمان قبل أحداث 1978!   
بعد عودتي من ذلك اللقاء إلى البيت سيراً على الأقدام، وحال وصولي البيت أبدلت الملابس الرسمية التي كنت قد حضرت بها تلك الأمسية، بملابس فيها كثير من الراحة وتساعد على الاسترخاء، وأخرجت من الثلاجة قنينة من الجعة (البيرة) وجلست أفكر، وعلى مهل أحتسي من القدح، سارحاً بما دار في الأمسية؛ تناولت قلمي لأخط ما كان يدور بخلدي من خواطر، رافقتني خلال الأمسية ومسافة الطريق فيما راح القلم يخط :
 
يكادُ القلبُ ينشطر
والدمعُ يسبقُهُ ممتطر
وصدى عويلِ الجياعِ
يُرعبُ الراقصينَ حتى الفجر
من انتصر؟
وهذه أكوامُ الرفاتِ
والأطفالُ الحفاةُ
 وصراخُ ملايينِ الأيتامِ والأراملِ والجياعِ
والمشردينَ والمرعوبينَ
من جموعِ سكانِ بلادِ الرافدينِ الأغر
كانَ
قدحُ البيرةِ بيدي يدور 
وثمةَ صوتٌ برأسي يفور
كيف انتصر؟
أهو هذيانُ السهر؟
ليفاجئَني
صوتٌ بداخلي يهدرُ ويثور
(جياعٌ عراةٌ نحنُ أخوةٌ لكم، نحنُ بشر،
قد قسا علينا أخوةٌ لنا من جنسِ البشر،
الفقرُ انتشر،
والريحُ لم تزلْ تعصفُ بالشجر)
من هولِ الصوتِ
قلبيَ انفطر
الدمعُ انهمر
ومع نخبِ الجعةِ برزَ السؤالُ
من انتصر؟
وكيف أنصهر؟
 هذا الذي يُعدُّ أصلدَ من الصخر؟
ضجَّ رأسي بين السؤالِ والجواب
 وغشت عينيَّ موجاتٌ من الضبابِ من هولِ المصاب
تهتُ ليلتها بأفكاري
وتحرَّرتُ من قيودي
وطرتُ بعيداً بفضائِها
 تلاحقُني أصواتُ استغاثةٍ
ممزوجةٍ بين نباحٍ وصياحٍ
في الفضاءِ
 تنفستُ البارودَ ممزوجاً برائحةِ الموتِ
عادت بي الذكرياتُ
دويُّ المدافعِ
أزيزُ الرصاص
الإعدامُ أسهلُ أنواعِ القصاص
ينتشرُ في الأزقةِ والشوارعِ رجال بلا رؤوس
تحملُ الفؤوس
نخيلٌ بلا رؤوس
منثورةٌ في زوايا الشوارعِ  والحاراتِ مئاتُ الرؤوس
جرادٌ يلتهمُ المباني وينهبُ الثمر
 أمٌّ تكوَّرتْ على أطفالِها مدفونةً بين الصخر
الكواتمُ خاتمةُ الأيام 
مزارع ُشاسعةٌ من الألغام
وأفواهُ ملايينَ من الأيتام
تنشدُ: بلادي، بلادي، بلادي،
 أنتِ عزِّي وجهادي
تردُّ عليهم مجموعةٌ أخرى قد عفَّرَ جبينَها الغبار
هذا هو ما نريد،
هذا وطنُنا السعيد
مجموعةٌ من النساءِ من بيوتِ الصفيح
تبتهلُ إلى اللهِ أن يمرَّ السحابُ
عن ديارِهُنَّ دونَ ضرر
فيما يحتشدُ أطفالُهنَّ أنصافَ عراةٍ
يلعبونَ ويُنشدون
( مطر، مطر، حيل، حيل)
نشراتُ الأخبارِ تشير
فقدانُ 17مليارِ دولارٍ
من فلوسِ النصرِ و الإعمار
ليبرزَ في الشاشةِ إعلانٌ فيه كثيرٌ من التحذير
من خطورةِ انتشارِ داءِ
 فسادِ الضمير     
ارتعدتْ أوصالي من هولِ الفضائحِ
التي روَّعتْ وأذلَّتْ وقسَّمتْ البلادَ
والعباد
دارَ رأسي بين الجعةِ والسؤالِ والجواب
بعد جهدٍ جهيد
جمعتُ شتاتَ أفكاري
بين معاناةٍ وأحلامٍ وأمل
وكثيرٍ من الهمِّ والغمِّ والألم
وشيءٍ من الندم
بين نعاسٍ وسهادٍ وضجر
واحتدامٍ وسكونٍ وجدل
معللاً كيف انتصر!
لم اهتدِ لحلٍّ مُرضٍ ومقنعٍ
لجوابِ كيفَ انتصر!
بقيتُ هكذا حتى أنبلجَ فجرُ الصباح
وشعاعٌ من النافذةِ لاح 
وأنشدتْ الطيورُ ألحانَها الملاح
فتزاحمتْ وتخاصمتْ في رأسي الأفكارُ والألحان
فقلت لنفسي: مالكِ؟
يكفيكِ هذا فقد طالَ بكِ السهادُ وأرهقك السهر
يكفي، اكتمي، واهدئي من الشكوى واللوعةِ
والقلقِ والحيرةِ والضجر
فجاءَ الجوابُ مع خيوطِ الفجر
 كما البرقِ
مدد.. مدد
إنه سرابُ حلمٍ طالَ به الأمد
فيه كثيرٌ من الحيلةِ البعيدةِ الأمد
مدد ...  مدد
 
 
هذيان مع الفجر /مالمو في صباح يوم 2013-06-10


104
شكد حلو طالع اليوم

يحيى غازي الأميري


شكد حلو طالع اليوم
مبهور كلمن
شافه
طابع على الشفة خال
وبهيدَه
يمشي ويختال

مسحور
كلمن شافه

 بثوبه الحرير الشفاف
يسبي العقل من يلتاف
شكد حلوه مصْة اشفافة 

راسم على الشفه عشك
وسهامه ترمينا ابتفك
 بعيونه
 الهدافه

ومن ضحكته الرقة تشع
ياويلي جن ركص هجع
مسرور
 كلمن شافه
منثور عطره اويَ الشَعَر
 خدارنَ منه أهدابه
وكاف ويرقص الترف
 يا محلا هزْة اجتافه

شكد حلو طالع اليوم
هنيال
 كلمن شافه


هذيان مع الفجر/ مالمو في صباح يوم
2014-1-1
بعد حفلة رأس السنة




105
أدب / خواص الطين
« في: 18:39 16/04/2014  »




 خواص الطين



يحيى غازي



من منبع النور النقي
أخذ ماءه العذب
قطرة
  قطرة
حلله ورشحه وقطّره
وبقنينة بلور كالثلج جمعه  
وبدأ يعمل
قطرة
إثر
قطرة
صبه
 وعجنه
مع الطين الحرِّ الأصيل،
وبدقةٍ وحرصٍ و بأدقِ المقاييس
اشتغل
وركز كلَّ موهبةٍ بيده
أبدع بصنعته
 وتعب
وصاغ منه أبهى شكل، واليوم العوز راده،
 لقلبه  الهدَ التعب
بدا مبهر
جميلٌ وحلوٌّ
 ويسرُّ النظر
ومن أكتمل وبنشوة الفارس المنتصر
وبكل سعادة وفرح
صاح بأعلى الصوت
كلُّ شيءٍ  أكتمل
نعم
أكتمل
راق له ،ونعجب به أشد العجب
و بقربة جلس حابسَ كلَّ النفس
 يُوقد شموعُ الفرح
بعد مدة
من الزمن  
دبت بالجسدِ الروح
ومن عينه ألق كالبرق لمع
وبضياء النورِ توهجت وجنتاه
طار فرحاً  وعلمه كل الإسرار
خرج عدة مرات للدنيا و رجع، شاهد الإسراء وحللها بتأني وعمق
وذات يوم من الصبح
 عند
عتبة الباب
بحقد وغضب
بطرف عينه، بكل صلافة
نظر إليه
و
عافه
مذهول
وطلع
تركه مع أول هواء لامس أطراف شفاه
أنذهل
من شافه
صاح
أتوسل
وتذرع له بكل ذريعة
بس ارجع حبيبي
وبأعلى صوته المخنوق بسيل الدمع صاح يتوسل
ارجع حبيبي
أنا لك وأنت لي
وكأنه ما سمع
بطرف أصابعه أشّر له من يده اليسار،
ارجع  كلُّ شيءٍ انتهى
كلُّ واحدٍ منا وطريقه!
انْهارت ركبتاه ، وبسرعة سقط مذهولاً ،
مندهش الحواس
و بكل جنون الحب
بدا
يصرخ
و
يضرب الراح بالراح.
وأخيراً فهم
إنه
بلا
 قطرة ملح
صاغه
ومن صدمته
عاف {الأكو والماكو}
وسرحان ظل لليوم يعزف على الوتر، وينشد
خواص الطين

هذيان مع الفجر الساعة السادسة صباحاً-مالمو في
2014-01-15



106
الكاتب والشاعر والموسيقار السويدي جاك توري ويروب في ضيافة مكتبة روزنكورد /مالمو

يحيى غازي الأميري

استضافت إدارة مكتبة روزنكورد  العامة في مدينة مالمو الشاعر والموسيقار والكاتب السويدي (جاك توري ويروب Jacques Tore Werup)، يصاحبة الموسيقار (يوهان بيرجستروم  Johan Bergström) وذلك  ضمن البرنامج الثقافي السنوي لمنظمة (أي بي أف ABF) في كومون مالمو.
 في الباحة المخصصة للأمسية كانت أباريق القهوة والشاي وبعض المعجنات، قد وضعت على إحدى المناضد، ترافقها الابتسامة والترحيب من قبل موظفي المكتبة ودعوتهم لنا لتناول أقداح القوة والشاي.

إحدى الموظفات من العاملات في المكتبة رحبت بالحضور وضيفا الأمسية وتمنت للجميع أسعد الأوقات.

استمتع وتفاعل الجمهور الذي حضر الأمسية الثقافية مساء يوم الأربعاء (19 آذار 2014) ، بالقراءات الشعرية، والمقاطع الغنائية  التي انشدها الشاعر Jacques Werup فيما كان الشاعر ينشد أشعاره وبعض من أغانيه العذبة الإلحان كانت موسيقى ساحرة عذبة تنساب مع تلك القراءات من قبل رفيقه الموسيقار يوهان بيرجستروم، والذي عزف على العديد من الآلات الموسيقية الهوائية، خلال فترة العرض وفي نهاية الأمسية صفق لهما الجهور بحرارة.
 
الشاعر و الموسيقار والكاتب Jacques Werup من مواليد  مالمو (14 كانون ثاني/جنوري1945)،له العديد من الألبومات والكتب المنشورة، حائز على العديد من الجوائز والمداليات، وأخرها عام (2006)  جائزة الثقافة البلدية لكومون مدينة (يستاد) والتي يقيم فيها حاليا، بالقرب من مدينة مالمو.

عند نهاية الأمسية عرض الشاعر Jacques Werup بعض كتبه، للراغبين بالشراء، وبينما كان يضع توقيعه والإهداء علي الكتب التي رغب بعض الحضور باقتنائها، اقتربت منه وعرفته بنفسي وطلبت منه أن نلتقط صورة تذكارية، ننشرها مع ما كتبناه عن هذه الساعة الجميلة.
 
التقطت الصور بكامرتي الخاصة.

مالمو / السويد





107
في قلعة مالمو أقيمت احتفالات أعياد الميلاد 2014

بقلم يحيى غازي الأميري
انه يوم الأحد الأول من شهر ديسمبر ـ كانون الأول ـ 2013، موعدنا السنوي مع احتفالات أعياد الميلاد في قلعة مالمو،أنها السنة الأولى التي اذهب فيها لمشاهدة الاحتفالات في القلعة ، فقد ذهبت عائلتي أكثر من مرة في السنوات السابقة بهذه المناسبة، وكانت الاحتفالات قد نال إعجابهم.
تشير النشرة التي أصدرتها الجهة المنظمة للمهرجان أنه لمدة يوم واحد فقط يبدأ من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساءً.بعد انتصاف النهار بساعة واحدة استقليت مع زوجتي الباص رقم( 5) من منطقة (روزنكورد ) المتوجهة إلى محطة قطار مالمو، قرب ساحة ( الكوستاف) والتي تعد مركز مدينة مالمو، ترجلت من الباص وسرت باتجاه القلعة، في هذه الأيام تبهرك ساحة (الكوستاف) بنشرات الزينة وأشجار أعياد الميلاد التي غطت واجهات المحلات والشوارع المحيطة بالساحة.
ساحة (الكوستاف ) تعج بالحركة و مظاهر التهيؤ لأعياد الميلاد ، اجتزت الساحة و المقبرة الملكية التي تقع بجانبها، وصلت للحديقة الموصلة بين ساحة الكوستاف والقلعة ، الممرات المتعرجة التي تحف بجانيها الأشجار والعرائش، عشرات التماثيل تنتشر هنا وهناك، مررت  بتماثيل لسرب من البط وأخرى لقطيع من الغزلان غاية بالروعة والجمال، تبهر ناظريك حدائق الورود والأزهار والنافورات بتصاميمها ودقة هندستها وهي تداعب المياه من حولها بحركات انسيابية أو راقصة، أسراب من الطيور والبط والوز تسرح على مهلها، متعايشة ومتآلفة مع المكان ورواده ،عشرات من النساء والرجال تصطحب معها،عربات أطفالها ، كلابها، قططها،أنه مكان رائع للراحة والاستمتاع؛  قرب البحيرة المحيطة بالقلعة التقطت بعض الصور،كان الجو بارد قليلاً فدرجة الحرارة تشير إلى 6 مئوية رغم الشمس الساطعة، لكن رياح باردة تدعوك إلى الإسراع والاحتماء في داخل القلعة.
في باحة القلعة كانت مجموعة من العوائل مع أطفالها تستمع لتعليمات المرشدة السياحيةـ احد العاملات في القلعةـ  وهي تشرح للمجموعة شيء عن القلعة ، انضممت مع زوجتي للمجموعة أخذتنا المرشدة إلى رحلة ، في باطن احد أسوار القلعة ، فتحت أحد أبواب الجدار أندلف الجميع في الدهليز، إنها المرة الأولى التي أدخل فيها مثل هذا المكان، الدهليز بعرض متر واحد تقريبا محاط بجدران سميكة من الجانبين عرض الجدار بحدود متر تقريباً، مبنية من الحجارة ، تتخلله فتحات للمراقبة، وأخرى على شكل مقوسات لغرض الإنارة، للعناكب بيوت منتشرة في أكثر من مكان، في نهاية الدهليز وصلنا إلى باحة دائرية واسعة عالية السقف أرضها رملية،إنها احد أركان سور القلعة، تطل على الباحة أربعة أقبية كبيرة مقوسة البناء وضعت فيها مدافع كبيرة قديمة،في الجزء العلوي من الباحة ، فتحات مقوسة البناء للإضاءة والمراقبة، رصت في الباحة مجموعة من الكراسي، توزعت عليها المجموعة التي دخلنا معها، فيما راحت المرشدة السياحية تشرح للحضور شيئا ً عن المكان وتاريخه، وبعدها بدأت بسرد حكاية قديمة، تقطع المرشدة حديثها لتسأل الأطفال عن العديد من المعلومات المتعلقة بالموضوع الذي تتحدث عنه فيجيبها الأطفال بثقة وتلقائية على أسألتها، كان يتصدر الأطفال بالإجابة طفلان بعمر 6أو 7 سنوات تقريباً، قبل إكمال المرشدة الحكاية غادرت المكان، بعد أن التقطت له عدة صور، أنه فعلاً سور حصين ضد هجمات الأعداء، يحمى القلعة التي تلتف حول أسوارها من الخارج بحيرة أعدت لهذا الغرض.
قرب البوابة الرئيسية للقلعة خرج من باب أحد دهاليز السور مجموعة من الحرس بملابسهم الفلكلورية القديمة، يعتمرون قبعات برتقالية كبيرة الحجم، مزينة بريش ملون، مدججين بالأسلحة التقليدية القديمة السيوف والرماح الطويلة ذات الفؤوس الذهبية اللامعة تثير فيك الرهبة والأبهة، ها هم يستعدون لبدء استعراضهم، يتقدم احدهم وهو بعلق بكتفه طبل كبير، ممسكاً بيده آلة قرع الطبل، وقبل أن يبدأ استعراضهم اقتربت منهم وحييتهم وطلبت أن نأخذ صورة معاً، بكل سرور أجابني احدهم فيما سحبني الأخر إلى وسطهم ووضع يده على كتفي ونحن نلتقط الصورة، أنهم مجموعة من الرجال السويديين الأشداء، طوال القامة  ـ كأنهم رجال (الفايكنج ) كما يوصفهم التاريخ والصور القديمة ـ كانوا كبار السن قد تجاوزت أعمارهم سن التقاعد هذا ما يوحي به مظهرهم، لكنه الفلكلور الجميل  يدفعهم للمشاركة والاحتفاء بهذا التقليد المهيب!
من الضروري أن أشرح شيء  مختصر يتعلق بالمكان الذي نزوره الآن(قلعة مالمو) تقع وسط مدينة مالمو، في حديقة واسعة غناء، بدا تشييد القلعة عام 1434م إلى أن أخذت القلعة شكلها الحالي في القرن السادس عشر، كانت القلعة حصن المدينة ومقر قادتها وأصبح في فترة من الزمن سجن دخله العديد من المشاهير قبل أن يصبح( متحف مالمو).
 يعد(متحف مالمو) أو كما يسمى (مالمو هوست)  المتحف الرئيسي في مدينة مالمو ويحتوي على عدة  متاحف، متحف لتاريخ المدينة و متحف لتاريخ العصور القديمة و متحف للتاريخ الطبيعي ومتحف للفن القديم والمعاصر، والفلكلور وكذلك تمتد بالقرب منه والتي تحتفل معه في هذه المناسبة متحفي التكنولوجيا والنقل البحري"
تركنا القلعة ومتحفها، لكوننا قد شاهدناها عدة مرات سابقاً، توجهنا إلى مبنى متحف التكنولوجيا والنقل البحري والذي يبعد، بحدود 100 متر عن القلعة، في الجهة الثانية من الشارع. قبل الدخول لمتحف التكنولوجيا والنقل البحري شاهدت بالقرب منها على حدود البحيرة المحيطة بالقلعة، مجموعة من العوائل مع أطفالها، وبالقرب منهم مجموعة من الخيول" خيول من النوع القزم" أصغر حجماً من الخيول العادية ، يمتطي الصبية على ظهورها بعناية ومراقبة من قبل مرشدين خاصين على ذلك، فتلف بهم لمنطقة محددة بذات العناية ، فيما ينتظر الآخرون من الصبية دورهم.
في الجهة الثانية من الشارع كانت امرأة وزوجها يشاركون في الاحتفال وهما يمسكان بعنان حبل لخروفين كبيرين وقد زينت قرونها بشرائط حمراء، فيما تتجمع حولهما الناس والصبية، العديد من الصبية والمارة يحاول تلمس احد الخروفين!
في الباب الرئيسي لمتحف التكنولوجيا والنقل البحري كانت تقف أحد العاملات في المتحف توزع نشرة توضح شيء عن المناسبة المحتفى بها، دخلنا المتحف كانت موسيقى فلكلورية تشنف الآذان تنبعث من القاعة التي على جهة اليمين، جلبتنا الموسيقى أليها أنها قاعة واسعة ،تحتوي العديد من المعروضات المتنوعة كأنك وسط سوق شعبي لصناعات يدوية وفلكلورية أطعمة أنواع من الخبز، العسل،  ملابس ،أدوات مطيح وغيرها من الآلات والأدوات القديمة.فيما كانت تملاْ الجو القاعة إيقاعات موسيقى صادحة لرقصة فلكلورية، ترقص على أنغامها ثلاثة نساء بملابس فلكلورية زاهية. حلقت بعيداً مع أنغام الموسيقى وإيقاع حلقة الرقص المتقنة والتي تبعث في النفس الارتياح والانشراح والسرور والحبور، وكلما انتهت أحدى الرقصات كانت اكف المتفرجين المشجعين تصفق بحرارة تنم عن تفاعلها وإعجابها.
  في الجهة المقابلة لهذه القاعة كانت قاعة مخصصة لعرض نماذج من الطائرات ومحركاتها من الصناعة السويدية ، وقفت بجانب احد محركات الطائرات والتقطت صورة معها، فهي المرة الأولى التي ألمس فيها محرك طائرة، تجولنا بين العديد من نماذج الطائرات والعجلات المختلفة كالسيارات والدراجات الهوائية، والدراجات البخارية وخصوصاً القديمة منها.
دخلت في جوف إحدى الغواصات السويدية الصنع، والتي صنعت في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي التي أحيلت على التقاعد، منذ أكثر من 40 عاماً واتخذت من مبنى متحف التكنولوجيا مكاناً ومستقراً دائماً لها.
ثم زرنا العديد من الأقسام المتعلقة بالمواصلات القطارات والعربات وقسم الفيزياء والذرة والقبة الفلكية وغيرها من أقسام العلوم التكنولوجيا الأخرى والأسواق المتخصصة بزينة أعياد الميلاد والإكسسوارات التي أعدت ضمن الاحتفال بهذه المناسبة.
كان هنالك قاعة كاملة مخصصة ومتهيئة للأطفال للاستمتاع واللعب، للعلم في جميع القاعات كانت هنالك أماكن مخصصة للعب الأطفال والاستمتاع بزيارتهم.
كان لنا وقفة طويلة في قسم العلوم الطبيعية، فقد شاهدت عن بعد تمثال بحجم قريب للحجم الطبيعي، يجلس على كرسي، وضع فوق فراء أحد الحيوانات، وهو يرتدي ملابسه الأنيقة، وشعرة الأشيب الطويل المصفف بعناية وهو منهمك بتقليب صفحات كتاب وضعه بين يديه، فيما يقف بين ساقيه متأهبا أحد أنواع الثعالب"أبن أوى" في الحال همست في أذن زوجتي أني أعرف هذا العالم فقد درست عنه قبل عدة أعوام في كتاب منهاج العلوم الطبيعية في المدرسة السويدية، أنه العالم السويدي المشهور(كارل لينيوس) وبالإضافة لذلك فأن صورته مطبوعة على العملة النقدية السويدية فئة 100 كرونة ، تكريماً لجهوده العلمية ومنجزاته.فبادرت في الحال وأستليت من حافظة نقودي إحدى ورقات العملة النقدية ذات 100 كرونه ، وطلبت من زوجتي أن تلتقط لي صورة وأنا أقف خلفه وبيدي العملة النقدية.
بعض المعلومات المختصرة عن العالم كارل لينيوس، المدونة عنه في الموسعة الحرة ويكيبيديا:
(كارل لينيوس أو كارلو سلينيوس،عالم نبات سويدي الجنسية ،ولد في 23 مايو/ أيار 1707،  توفي في  10/يناير/كانون الثاني1778 عن عمر يناهز 70 عاماً؛ صنفه ملك السويد عام1757 كأحد النبلاء (كارل فون لينيه) وكان طبيباً وجيولوجياً ومربٍ وعالم حيوان وعالم نبات.
رائد علم التصنيف الحديث، ألف كتاب علم التصنيف "النظام الطبيعي" الذي وضع فيه أسس التصنيف العلمي الحديث، فهو أول من وضع نظام التسمية الثنائية أي" الجنس واسم النوع" ).
  
خلال جولتنا تسوقنا بعض من المطرزات الفلكلورية، وتذوقنا بعض أنواع الخبر السويدي وفي إحدى الكافيتريات داخل المتحف تناولنا فيها قدح من القهوة، كانت رحلة ممتعة جداً.
عند مغادرتنا البوابة الرئيسية لمتحف التكنولوجيا والنقل البحري كانت الشمس تهم مسرعة بمغادرة البلاد، فيما كانت الريح الباردة تلفح وجهنا بلسعاتها ونحن نحث الخطى إلى موقف باص نقل الركاب.!

مالمو / السويد
8 كانون الأول 2013
هوامش لصور التقطت بكامرتي الخاصة ، متعلقة بالمقالة
ــــــــــــــــــــــــــــــ


صورة رقم 1 قلعة مالمو/ مالمو هوست  


صورة رقم 2 داخل احد أسوار قلعة مالمو


صورة رقم 3 داخل احد أسوار قلعة مالمو


صورة رقم 4 فرقة الحرس بملابسهم الفلكلورية / قلعة مالمو


صورة رقم 5   فرقة الحرس بملابسهم الفلكلورية  / قلعة مالمو وكاتب السطور يحيى الأميري يلتقط صورة معهم


صورة رقم 6 مجموعة من العوائل السويدية  مع أطفالها تقف لغرض امتطاء الخيول ذات الأحجام الصغيرة المخصصة للأطفال/بالقرب من  قلعة مالمو


صورة رقم 7  صورة للخراف المزينة بالأشرطة ، أمام متحف التكنولوجيا والنقل البحري في مالمو


صورة رقم 8 إحدى قاعات متحف التكنولوجيا والنقل البحري في مالمو


صورة رقم 9 سويديات يؤدين رقصة فلكلورية / قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري في مالمو


صورة رقم 10 كاتب السطور يحيى الأميري يقف بجانب محرك إحدى الطائرات السويدية/ قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري  في مالمو


صورة رقم 11  كاتب السطور يحيى الأميري يقف بجانب سيارة سويدية قديمة الصنع موديل1957 / قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري

 
 صورة رقم 12 كاتب السطور يحيى الأميري يقف بجانب عجلة سويدية قديمة الصنع/ قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري


صورة رقم 13 كاتب السطور يحيى الأميري يقف داخل جوف غواصة سويدية قديمة الصنع/ قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري


صورة رقم 14 كاتب السطور يحيى الأميري يقف بجوار تمثال العالم السويدي كارل لينيوس/ قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري


 صورة رقم 15 كاتب السطور يحيى الأميري أقف خلف تمثال العالم السويدي كارل لينيوس، حاملاً بيدي الورقة النقدية السويدية فئة 100 كرونة / قاعة متحف التكنولوجيا والنقل البحري.


صورة رقم 16  بناية  متحف التكنولوجيا والنقل البحري  في مالمو

108
يوم نيساني من أيام زيارتي للعراق 2013 .. بغداد تحتضن الكتاب/ ج3

 
يحيى غازي الأميري

سعادة وفرح غامر يسيطر على قلمي وأنا اكتب عبارة بغداد تحتضن الكتاب، نعم أنها نافذة جديدة واسعة تهب منها رياح التغيير الطيبة، لإزاحة شيئاً من الغبار والدمار الذي يغلف وجه بغداد!
يأتي المعرض في وقت بالغ الخطورة، كثير الرعب، واسع الانفلات،شديد الانحدار نحو منزلق الانهيار، تسرح وتمرح  وتصول وتجول فيه المفخخات وكاتمات الأنفاس، فيما تنتفخ فيه أرصدة العديد من القادة السياسيين بالسحت الحرام،وتتكدس فيه المزيد ملفات الفساد؛ وفي الجانب الأخر تزداد فيه أفواج المشردين والعاطلين والأيتام والأرامل والضحايا.

 


التقطت الصورة في معرض الكتاب الدولي الثاني،بغداد في 26نيسان2013 من اليسار الأستاذ عبد الحسين حبيب، الدكتور نوفل أبو رغيف، كاتب السطور يحيى غازي الأميري


نعود لساحر الألباب!  
الكتاب
فهو جامع الأفكار، الصديق الودود الناطق الأخرس، الذي يكلمك بود دون ضوضاء وضجر؛ دافعاً عنك الملل والجهل، يقربك إلى الحقائق، وينقل لك تجارب الشعوب والأمم على امتداد العصور والدهور، يمنحك الدفء والبصر، ويزيح عن صدرك الهم والكدر، مليء بالتجارب والأحاسيس والمشاعر، فيه الغث والسمين مما دون في الثقافة والعلوم والأدب، فيه سحر الشعر والنثر وفيه مدونات تسحر الألباب من صور الهيام والغزل والفرح والمرح، وفيه تجسد لصور مؤلمة للهموم والحزن والشجن. انه كنز ثمين رغم خفة وزنه مليء بمكارم القيم والأخلاق.
دونت فيه الحكمة والموعظة والعبر، فيه الحب ولوعة العشاق وبعد الفراق، يصور لك الرعب والخوف والموت ومذلة الفقر، يسطر في صفحاته البؤس والمعاناة وهول الحروب في أبشع صور، مدون فيه لوعة الحرمان ومناجاة الليل وطول السهر وجور وظلم البشر على أخيه البشر.
 يفضح أسرار البؤس والشقاء والقهر ويدلك على من يروج للكذب والخداع وأين يكمن الخطر؛ فيه الخير والشر منشور بعدة أشكال وصور.  
 أنه رفيق السفر في الليل والنهار، الجليس الأنيس في الوحدة ضد الضجر، أفضل الأصدقاء والجيران، منصف للأصحاب والخلان فلا تبديل في بيانه أو نسيان، جامع المنافع والجواهر والدرر، يطير بك إلى الفضاء الواسع، يرشدك إلى عوالم النور ، يطلعك على ما دون في الكون من علوم ومعارف وأسرار تبهر الأنظار وتنير الأبصار، فيه كل ما يخطر ببالك عن أسرار الإنسان والحيوان و الشجر والحجر؛  يسطر لك الأخبار ويفك لك ما غمض من الأسرار وتبهرك فيه إبداعات نوتات الموسيقار وإبداعات  ريشة الفنان، وكيف جسدوا بخفة وروعة ما تبصره العين وينتجه الفكر إلى ألوان ونغم في أجمل الصور، ويدهشك دائماً بالعجائب والغرائب وما خفي من أسرار الطبيعة والبشر!

قرب مكتب الاستعلامات في مدخل قاعة المعرض رتبت العديد من الفولدرات والصحف المتعلقة بالمعرض ودور العرض والبرنامج الثقافية المرافقة لأيام المعرض، التقطت عدة فولدرات وعددين من جريدة المعرفة -جريدة يومية  تعني بفعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب، الدورة الثانية- وفيما كنت اقلبهما على وجه السرعة كنت اسمع صوت صديقي(عبد الحسين حبيب) يسأل احد موظفي الاستعلامات عن الأستاذ (نوفل أبو رغيف)، دون موظف الاستعلامات أسم صاحبي في دفتر ملاحظاته واخبره انه سوف يخبره عند حضوره.
ها هي دور العرض مشرعة الأبواب، كل دار عرض تعرض بضاعتها بتنسيق وتبويب،يتيح فرصة أفضل للزائر لمشاهدة المعروضات. كانت فرحة كبيرة تسري في بدني وأنا أشاهد هذا الكم الكبير من الكتب ودور العرض وحركة الناس وهي منشغلة في تقليب صفحات من الكتب المعروضة.يشير (كشاف) المعرض الذي أقلب صفحاته وأنا أتجول في المعرض إلى أن هنالك 61 داراً عراقية مشاركة و184 داراً عربية وأجنبية.  
من أول معرض دخلته " دار وكتبة الهلال"اشتريت منه كتابين عن فن الرسم والتلوين، واشتريت كتباً أخرى، كنت أقتنيها في مكتبتي الخاصة بالعراق، قبل هجرتي إلى خارج الوطن عام 2001 وزعتها إلى المعارف والأصدقاء فاشتريت ( الملل والنحل لـ أبو فتح الشهرستاني، ورواية 1984 الشهيرة للكاتب البريطاني جورج أورويل، وكتاب الأحلام بين العلم والعقيدة للدكتور علي الوردي)..
وبينما كنت أقف أمام مكتبة دار لشؤون الثقافية العامة العامرة بمعروضاتها المتنوعة، اخترت مجموعة منها،
وقبل أن أسدد ثمنها، جاء أحد موظفي المعرض ليبلغ صديقي الأستاذ (عبد الحسين حبيب ) بان الدكتور (نوفل أبو رغيف) في انتظارنا بمكتبه المجاور للاستعلامات معرض الكتاب،تركت الكتب التي اخترتها، بعد أن أخبرت الموظف المسؤول عن المكتبة أني سوف أعود أيها.

 في باب المكتب وقف الدكتور (نوفل أبو رغيف) مرحباً بقدومنا، فيما كانت ترتسم ابتسامة واسعة على وجهه وهو يصافحنا بحرارة ومودة، وأنا أصافح الدكتور( نوفل ) كان صديقي الأستاذ (عبد الحسن حبيب) مسترسلاً بحديثه التعريفي لشخصي للأستاذ نوفل ؛ رغم أننا من مدينة واحدة ( قضاء العزيزية) لكننا لم نلتقي من قبل، تعارفنا سريعاً على بعضنا، فمعظم أولاد جده المغفور له عبد المطلب أبو رغيف الموسوي تربطني بهم علاقات صداقة ومودة، وبالأخص منهم المغفور له عمه (عبد المنعم أبو رغيف) كان صديقي وزميلي في مرحلة الدارسة المتوسطة والثانوية.
دعانا مضيفنا إلى الاستراحة في مكتبه، وأثناء تناول المرطبات، دارت أحاديث متنوعة تخص الهم العراقي والشأن الثقافي، وبعد استراحة قصيرة دعانا مضيفنا إلى التفضل بحضور الأمسية الثقافية، اصطحبنا مضيفنا إلى القاعة المخصصة لفعاليات المنهاج الثقافي الواسع الذي أعد بهذه المناسبة، وأثناء تصفحي للفولدرات التي حملتها معي من الاستعلامات وجدت أن هنالك برنامج حافل بالنشاطات الثقافية يغطي كل أيام معرض بغداد الدولي الثاني الكتاب، مقسمة إلى نشاطين في اليوم نشاط صباحي تحت عنوان(منتدى جسور) ومسائي يحمل عنوان (المقهى الثقافي).
استمتعت جداً بالمحاضرة القيمة التي كانت ضمن منهاج هذا اليوم الموسومة ( النشر الالكتروني" الصحف الالكترونية" للقاص محمد حياوي) قدم وأدار الأمسية الشاعر والكاتب( منذر عبد الحر)، وتخللت الجلسة مشاركة فعالة بمداخلات قيمة  من العديد من الحضور الأفاضل.
عند انتهاء الأمسية كانت فرصة وفسحة طيبة للتعارف مع بعض الحضور والتقاط بعض الصور التذكارية.وسرني أن التقي الأستاذ المخرج السينمائي والكاتب( قاسم حول)، نتداول أطراف الحديث ونلتقط بعض الصورة التذكارية.        

 

التقطت الصورة في معرض الكتاب الدولي الثاني ، بغداد  26نيسان2013/ جانب من حضور الأمسية الثقافية


 

التقطت الصورة في معرض الكتاب الدولي الثاني، بغداد 26نيسان2013/ كاتب السطور يحيى الأميري مع المخرج السينمائي قاسم حول

 وبعدها عدت أدرجي إلى معرض مكتبة دار الشؤون الثقافية، وأخذت الكتب التي اخترتها، فأكرمنا الدكتور الفاضل نوفل أبو رغيف تلك المجموعة من الكتب.أنه حقاً هدية ثمينة، كانت فرحتي كبيرة وأنا أحمل مع تلك المجموعة من الكتب كتابين قيمين من الكتب التي أبحث عنها أولها (القابض على الجمر للأديب والناقد الفقيد الشهيد قاسم عبد الأمير عجام ) والكتاب الثاني (الأعمال الكاملة للشاعر الأديب الراحل حسين مردان).

مالمو/ السويد





109
يوم  نيساني من أيام زيارتي للعراق 2013

بصحبة الأصدقاء زيارة لمعرض بغداد للكتاب /ج2

 
يحيى غازي الأميري
قبل الساعة الثالثة ببضعة دقائق رن هاتفي النقال، كان المتحدث صديقي الحاج عبد الحسين الربيعي يطلب مني التهيؤ والاستعداد، ارتديت ملابسي على جناح السرعة، ورحت أنتظرهم على بعد عدة خطوات من بيتنا. فتحت باب السيارة الخلفي واندفعت بتأني داخل حوض السيارة، بعد أن حييتهم وشكرتهم على هذه الفرصة الثمينة زيارة معرض الكتاب وبصحبة أصدقاء أحبة.
مدخل معرض بغداد الدولي 26 نيسان 2013 من اليمين الحاج عبد الحسين حبيب، يحيى الأميري، حسام حمزة حبيب
الجو خارج السيارة كان في أوج حرارة شهر نيسان، كانت السيارة تلتهم شارع الإسفلت متجه إلى بغداد، أغمضت عينّي منتعشاً ببرودة التكيف الذي ملء حوض السيارة الخلفي، سرحت بعيداً، مع سلسلة أفكاري التي بدأتها قبل أن أركب معهم في السيارة { شهر نيسان} ورحت أسرح مقلباً مناسبات هذا الشهر بين النشوة والألم، ماذا في أيام هذا الشهر العجيب؟ كم من المفارقات والأشياء فيه؟ ففيه حدثت وتحدث تغيرات كثيرة وكبيرة كتغيرات الطقس والأمزجة والألوان والمواقف، الاحتفالات والاتجاهات، والفيضانات، لنتصور شهر بدايته كذبه{كذبة نيسان} تتناقلها أفواه الناس من جيل لجيل بنوع من المزاح والمرح.
ورحت أستحضر بجهد كبير كلمات أغنية وطنية، انتشرت بعد إقامة الجبهة الوطنية لــم أتذكر منها إلا المقطع الأول [ نيسان أخو آذار والجبهة أمهم ] ضحكت بمرارة وألم وأنا استرجع ذكريات السبعينات ونحن نردد هذه الأغنية في احتفالاتنا؛ ضحكت من ألمي وسألت نفسي كيف كانت تنطلي علينا هذه الحكايات الحالمة. أفقت من حلمي على صوت صديقي الأستاذ عبد الحسين حبيب الربيعي الذي يجلس في المقعد الأمامي جنب صديقنا الأستاذ حسام حمزة حبيب الذي يقود السيارة، وهو يكرر تسأله لي:
ـ أبو مخلد نايم؟
وأردف يقول:
ـ  شنو أشو بسرعة نمت!؟
تنحنحت وسحبت نفس، وأجبته :
ـ لا
ولذت بعدها بالصمت، فماذا أقول لهم هل كنت أسرح في أخيلتي في (نيسان) بهذا الشهر العجيب، هل أبدأ أذكرهم بأعياد ميلاد 28 نيسان، وكيف كان تقام في عموم العراق، وتمتد إلى سفاراتنا ورجالها في الخارج، وكيف كانت تقطع آلاف من أطباق الكيك المزينة بالشموع، فيما كانت قد تحولت ملايين من الشعب تحت خط الفقر، وآلاف تصطف جنب آلاف من الأيتام والثكالى ينهشها الجوع والفقر والعوز والمرض، أم أذكرهم باحتفالات وطنية هطلت علينا كالصواعق في هذا الشهر وامتدت لسنوات طوال!
 فأولها نهاية أسبوع نيسان الأول ( 7 نيسان) لتضاف بجوارها هدية جديدة هبة من هبات هيئة الأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم (1483) ليتوج في 9  نيسان 2003 بسقوط حكومة صدام واحتلال العراق، من قبل قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة ما يسمى "ائتلاف الراغبين" ليدخلنا العهد الجديد بدهليز نيساني جديد فيه مزيداً من الاحتفالات و كثيراً من المتاهات والاحتقانات والرعب والفلتان!
لم يكرر صديقي الأستاذ عبد الحسين استفساره أو سؤاله لي مرة أخرى ودخل في حديث مع الأستاذ حسام؛ فرجعت أغفو مع أحلام اليقظة من جديد على هواء التبريد مقلباً مع نفسي مناسبات وحوادث مفجعة وفيضانات وسيول شهر نيسان العجيبة في العراق!
لا أعرف كيف جاء الربط بين تاريخ هذا اليوم 26 نيسان على بالي  مع أحد أعمال  الفنان العالمي  (بيكاسو) رحت أسترجع مع ذاكرتي معلومات قرأتها من ضمن ما قرأت أشياء عن أعمال الفنان العالمي (بيكاسو)  وتذكرت هذا اليوم 26 نيسان فقد رسم الفنان بيكاسو لوحته التي تعد الأشهر في لوحاته، أنها  لوحة ( جورنيكا) والتي رسمها بعد ان دكت طائرات ألمانيا النازية أحدى القرى الواقعة شمال أسبانيا  قرية (جورنيكا) بتاريخ 26 نيسان من عام 1937 وراح ضحية عدوانها 1600ضحية.
 تعد اليوم لوحة( الجورنيكا) رمزاً عالمياً لدمار وخراب الحروب.
 آه يا بلدي الذبيح
آه يا عراق
كم
وكم مئة جورنيكا ذبيحة تغرق في بحر الخراب الذي أصابك ؟!


لوحة الجورنيكا للفنان بابلو بيكاسو
عند أول انعطافنا من شارع قناة الجيش إلى  الطريق السريع المؤدي إلى وسط بغداد، استفقت من أحلامي وأكدت على صديقنا الأستاذ حسام حمزة حبيب الذي يجلس خلف مقود السيارة، أن أفضل طريق لنا هو أن يكون طريقنا من مدخل الباب الشرقي، بعد وصولنا إلى ساحة التحرير طلبت منه أن يتجه صوب جسر السنك، كان كل شيء ملفتاً للنظر مركز العاصمة خالٍ من الازدحام، اليوم مساء الجمعة كنت أتوقع أن يكون الازدحام على أشده في مثل هذا الوقت، أنه شيء ملفت للنظر حقاً، بسهولة عبرنا جسر السنك باتجاه (حي 28 نيسان )  - لا أعرف ماذا يسـمّى الآن - متجهين إلى ساحة المتحف - كراج علاوي الحلة - في الجهة الثانية  لكراج علاوي الحلة، من جهة اليمين كانت بنايات حديثة ذات طابع معماري مميز أبرزها بناية (محافظة بغداد ) بأعمدتها الشاهقة، وشبابيكها التي أخذت طابعـاً من الريازة الإسلامية والعربية، فيما نُقشت على جانبي البناية النخلة العراقية {السومرية } عبرنا جسراً تم إنشاؤه حديثاً ؛ ينقلك إلى الجانب الأخر من الشارع بسهولة وانسيابية دون اللف والدوران، ويخفف كثيراً من شدة الازدحام، سرنا باتجاه الطريق المؤدي للمنصور، قرب معرض بغداد ركنا السيارة في أحد كراجات السيارات في المدخل المودي إلى حي المنصور المجاورة للمعرض، دفع صديقنا الأستاذ حسام مبلغ وقوف السيارة ثلاثة ألاف دينار، دخلنا من بوابة أعدت للتفتيش، بجوار مدخل  البوابة الرئيسية من جهة شارع الكندي- منطقة الحارثية-  ينتشر مجموعة من الجند المدججين بالسلاح على جانبيها، وفي أماكن متفرقة أخرى لحراسة مدخل معرض بغداد.
 دخلنا بوابة المعرض التي رحت أحدق فيها بلهفة وشوق، فقد مضت سنوات طويلة لم أدخل من برج بوابته، كانت الشمس قد خففت من لهيب حرارتها، بدأت تتجه نحو الغروب، فيما كانت تنسل خيوطها الذهبية بخدر من بين سعفات النخيل، كان منظر صف النخيل وحركة الناس وهم بملابسهم الجميلة الأنيقة ينسابون في شارع نظيف تحيط به حدائق بمروج وورود نظرة مرتبة بهندسة ماهرة، كان شيء يُبهج النفس؛ شجعتني روعة المكان أن التقط صور لأصدقائي، فيما طلبت بلطف من مجموعة من الشباب الذين صادفونا أن يلتقطوا لنا صورة - بكامرتي طبعاً- وطلبت منهم أن يظهرون لنا فيها بوابة معرض بغداد، تبرع أحدهم  كنت أشاهد كل لقطة يلتقطها، بعد عدة صور، شكرته على الصورة الأخيرة؛ فقد كانت هي المطلوبة.
الشارع المؤدي إلى معرض الكتاب كان شارعاً - يفتح النفس -، هادئ نظيف تصطف على جانبيه صفوف من النخيل الباسقات والمروج الخضراء، وتُضفي عليه النافورات والأبنية الحديثة النظيفة رونقاً بديع المظهر، كنت أقارنه بالشوارع الأوربية وشوارع  مالمو السويد، تمنيت مع نفسي أن تكون شوارع كل بلادنا هكذا ولم لا؛ أليس جميع شوارع مديني ( مالمو السويدية) مثل هذا الشارع نظافة وجمالاً وهندسة.
 
أمام بوابة قاعة معرض بغداد الدولي الثاني للكتاب من اليسار د. فالح القريشي، يحيى الأميري، عبد الحسين الربيعي
تزين مدخل قاعة المعرض نشرة ضوئية مدون على شريطها الضوئي (بغداد عاصمة الثقافة2013 العربية؛ تقيم دائرة الشؤون الثقافية العراقية، معرض بغداد الدولي الثاني للكتاب للفترة من 25 نيسان لغاية 5 أيار2013 ) عند مدخل القاعة التقطت بكامرتي بعض الصورة... البقية في الجزء الثالث !
مالمو /السويد 2013-08-08

110
يوم  نيساني من أيام زيارتي للعراق 2013
 
خيبة أمل في أول فرصة عمل /ج1

 
بقلم: يحيى غازي الأميري

 للقاء بعض الأصدقاء الحميمين والحديث معهم متعة شيقة، ومودة  فيها تقارب محبب للنفس؛ هكذا أجد اللقاء ممتعاً والحديث شيقاً مع صديقي القديم الباحث والأديب الحاج عبد الحسين حبيب؛ رغم تباعد لقاءاتنا في السنوات الأخيرة لكن التواصل بقيَّ مستمراً، تربطني علاقة حميمية مع الرائع الوجيه الاجتماعي والثقافي المبرز في مدينة العزيزية{عبد الحسين حبيب الربيعي} منذ أكثر من 45 عاماً مضت ولغاية كتابة هذه السطور، قد نختلف في بعض توجهاتنا الفكرية والسياسية وحتى الدينية لكن هنالك روابط عديدة أخرى تسكننا نتقاسمها ونتشارك فيها معا.

 


صورة رقم (1)  يظهر بالصورة الحاج عبد الحسين حبيب الربيعي و يحيى غازي الأميري

خلال زياراتي المتباعدة للعزيزية، بسبب إقامتي منذ سنوات خارج العراق، أخصص بعض من أيامها للقاء أصدقائي الأحبة؛ نتقاسم الهموم ونتابع التغيرات، ونناقش ما تبقى من الأحلام، و أخر ما يمر علينا من الأفلام، ونشخّصُ  الكم الهائل من الشعارات والتصريحات والتي تهطل على المواطن العراقي الكريم من أصحاب القرار وهي محملة بكثير من الزيف والأوهام، ونتداول أخر التطورات والتوقعات والتطلعات، ونستعرض أبرز قراءاتنا الثقافية والفكرية والسياسية، ونسترجع بعض ذكرياتنا؛ ولصديقي الأديب عبد الحسين حبيب حصة كبيرة في مثل هذه اللقاءات.
هذه الجمعة 26 /نيسان /2013 وأنا أتناول قدح القهوة بعد فطور الصباح قررت أن أزور صديقي {عبد الحسين حبيب الربيعي} في متجره؛  فالكثير من الأحاديث لم نتمكن من أتمامها في لقاءاتنا السابقة.  يُديرُ الحاج عبد الحسين الآن متجراً متخصصاً ببيع المواد الغذائية، فقد أبدل صديقي بيع المواد الإنشائية إلى غذائية هكذا وجدت المحل بعد إنقطاع فترة من الزمن.
استقبلني كعادته بلطفه ومودته المعهودة، وأشار لي على مكان للجلوس مع كلمات الترحيب والتبجيل، أخذت مكاني، وابتدأ حديثنا عن  انتخابات مجالس المحافظات وتوقعاتنا حول رسم سياسة المحافظات وضرورة تخليص المواطن من المعاناة الكبيرة المتعددة الأوجه التي لم تزل تلاحقه رغم التغيرات الكبيرة التي حدثت في البلد بعد 9 نيسان2003 والمبالغ الهائلة التي تُرصد سنوياً لتحسين وضعه. ومع قدح الشاي الذي جلبه أحد عماله من المقهى القريبة منه، حضر صديقنا العزيز الشاعر الشعبي المبدع{ محمد حسن السمين} صاحب النكتة البديهية اللاذعة، ومؤرخ مدينة العزيزية المتميز. ليُضفي على اللقاء متعة ونكهة لا تخلو من النكتة الممزوجة بالذكريات، وخلال اللقاء دارت بنا الأحاديث وحلّق بنا الزمن سريعاً إلى سنين الماضي التي تقاسمنا حلوها ومرها معاً!
ونحن نستعرض الماضي وبعضاً من أوجاعه المؤلمة، وسلوكية البعض من الذين مارسوا أفعالاً وأعمالاً مشينةً  بحق إخوانهم وأبناء مدينتهم، وبني جلدتهم، حيثُ إمتدت إلى قطع الأرزاق وكيف كان يتلذذ البعض ممن وظف ونصب نفسه وكيلا للأمن، وكيف كان يزهو هذا البعض متغطرساً متلذذا بأفعاله المشينة!
فأثارت بي ذكرى قديمة لكن مكانها لم يبرح حافظة راسي فقد حفرت لها موقع فيه، رغم مرور عشرات السنين عليها مع أهوال من المآسي، إذ بقيت هذه الحادثة  تدور في فضاء حافظتها، إلى جانب أطنان من الذكريات الموجعة التي مرت بنا، أنها تدور كما دارت بنا الأيام.
  بينما كنت أستمع لصديقي الحاج عبد الحسين حبيب وهو يتحدث بألم ومرارة عن دور كتبة التقارير ومن جنّـد نفسه كوكيل للأمن ومراقبة الناس على أفكارهم وأرائهم، مستعيناً ببطش الدولة وأجهزتها الإرهابية المرعبة.  كان شيء بداخلي يحرضني أن أحدثهم عن هذه الحادثة القديمة، وكيف كانت فرحتي في أول يوم حصولي على فرصة عمل.
فحدثتهم عن أول فرصة عمل حصلت عليها [ وظيفة مؤقتة  ] بصفة - مراقب عمل - في شركة للطرق في مدينة العزيزية  كان ذلك في نيسان من عام (1976) بعد تخرجي من المعهد الزراعي الفني/ بغداد 1974 وإكمال الخدمة العسكرية الإجبارية.
 كم كنت محتاجاً للعمل، وكم سررت بفرصة العمل هذه، إذ حصلت عليها فيما كنت أقدم أوراقي إلى العديد مؤسسات وزارة الزراعة بانتظار نتائج التعين؛ ذات مساء نيساني همس بأذني صديق عزيز: (حصلت لك على عمل مؤقت) هكذا أخبرني(المسّاح) صديقي الفاضل (فيصل باني) بعد أن توسط لي لدى مدير الشركة التي كان يعمل فيها، الرجل الطيب (محمد الكروي) على ما أتذكر كان  ذلك اسمه ورحت أستذكر لهم كيف قابلني المدير بعد أن قدمت له طلب التعين، كما أرشدني صديقي فيصل المساح بتقديم طلب - عريضة - .
 أوضح لي المدير بلطف طبيعة عملي في الشركة وكتب بقلمه الأخضر موافقته على الطلب؛ بعد المقابلة طرت من الفرح وذهبت بسرعة إلى محل والدي الذي كان منشغل مع إحدى زبائنه القرويات في استعراض مجموعة من الأقراط الذهبية ( التراجي)، وبعد ذهاب الزبونة أخبرت والدي عن حصولي على عمل مؤقت سر الوالد وابتهج جدا للخبر وهنأني مع إبتسامة كبيرة ارتسمت على محياه، وبعدها ذهبت للبيت وأخبرت والدتي التي زغردت لي.
 داومت في العمل يومين  فقط وفي صباح اليوم الثالث وقبل الذهاب إلى موقع العمل، طلب مني المدير أن أبقى في الدائرة، وبعد ساعة أرسل بطلبي وأشار لي أن أغلق الباب ورائي، وبدأ يحدثني بصوت خفيض:
ــ أني محرج من أخبارك، فقد أبلغي اليوم مسؤول النقابة في الشركة( ع.ك) أنه يحمل أمر من جهة سياسية {حزب البعث} ومن النقابة بضرورة الإستغناء عن خدماتي فوراً.
وعندما سألته هل ذكر لك السبب؟
قال لي بعد آن بدأ الإحراج على قسمات وجهه الدائري المكتنز، الذي أحمره الحرج:
ـ  نعم؛ يقول عنك أنك من العناصر الناشطة المرتبطة بالحزب الشيوعي ومن المروجين لسياسته.
ثم أردف في حديثه:
ـ  {أني أسف بعد ما أكَدر أشغلك في الشركة،  سوف أصرف لك راتب ثلاثة أيام من ضمنها هذا اليوم.}
ـ لذت ساعتها بالصمت؛ وخرجت من الدائرة مكسور الخاطر، ذهبت مباشرة للبيت وأنا أجر معي أول خيبة عمل في أول فرصة عمل والتي سوف تبقى ترافقني احملها في حافظة رأسي، تُثير بي الشجون كلما تذكرتها!
بعد هذه الحكاية أرجعنا صديقنا الشاعر محمد حسن السمين بعد أن كان يستمع بكل جوارحه لها، أرجعنا إلى أيام بداية
السبعينات من القرن المنصرم وكيف كان يستقبلني كل خميس وجمعة ببيت شعر شعبي من قصيدة نظمها عليّ، عندما أتي من بغداد والتي كنت أدرس فيها في المعهد الزراعي الفني بين السنوات 1972/1972 بعد أن لاحظ [رجال الأمن ووكلائهم] كيف يتابعونا ويرصدون كل حركاتنا وأحاديثنا، في هذه الأيام ( الخميس والجمعة) [ عطلة نهاية  الأسبوع ]  في الأماكن التي نلتقي فيها وأبرزها مقهى صديقنا طيب الله ثراه {جابر عبد علي} والساحة [الفلكة]  المقابلة للسوق العصري ومحل رفيقنا طيب الذكر، المرحوم الحاج ناجي حمد الخزرجي.
مطلع قصيدته:
{ حرت بأمر الصابئي وزلوفه ريت لا جمعة وخميس أنشوفه }
كان الموديل في تلك الفترة الزلوف الطويلة والشعر الطويل، وبنطلون الشارلستون ... وكنت أنا كذلك سائر مع الموديل جنبا إلى جنب.
 


صورة رقم 2 الشاعر محمد حسن السمين التقطت له الصورة بتاريخ 26 نيسان 2013 في محل الحاج عبد الحسين حبيب

أخبرنا صديقي الشاعر محمد حسن السمين كيف كان أول سؤال لرجال الأمن له عند استدعائه الذي تكرر أكثر من مرة:
   {شنو علاقتك بـ يحيى غازي الصبي} 
  { شنو علاقتك بالشيوعيين}
أرجعني بذكرياته إلى حادثة أخرى رويتها لهم باختصار والتي سوف أكتبها لاحقاً في إحدى مذكراتي مختصر الحكاية  في { تلك الفترة وبالتحديد عام 1973 حصلت مشاجرة بيني وبين [ ح ] وبعدها كيف ذهب واشتكاني في مركز الشرطة وعند معرفة رجال الأمن الذين يقاسمون الشرطة نفس البناية أشاروا إليه أن يبدل الدعوة من مشاجرة إلى أدعاء يتضمن (أني أريد أن  أنضمه إلى الحزب الشيوعي بالقوة، وكيف تحرك بعدها رجال الأمن لاعتقالي.)
غادرنا صديقي محمد حسن السمين وهو يرد بيت الشعر{حرت بأمر الصابئي وزلوفه   ريت لا جمعة وخميس أنشوفه}
فيما كنت أعيد أنفاسي من سرد تلك الحكاية، وما تثيره مثل هذه الذكريات من ألم و شجن في القلب؛ كان صوت مكبرات الصوت يأتي من الجوامع القريبة لمتجر صديقي يشير إلى قرب موعد صلاة الجمعة؛ في تلك اللحظات رن تلفون [ الموبيل] الحاج عبد الحسين الربيعي ، فتح هاتفه، وراح يؤكد خلال حديثة على موعد انتظاره الساعة الثالثة بعد الظهر، للذهاب إلى بغداد، عندما انتهاء المكالمة  أخبرني أنه أكد موعد ذهابه  إلى معرض الكتاب الثاني في معرض بغداد. دفعني فضول حب الكتاب ومعرضه للاستفسار عن هذا الموعد، وعمّن سيذهب معهم، أخبرني انه أتفق مع صديقنا الأستاذ حسام حمزة حبيب على الذهاب لمعرض الكتاب الساعة الثالثة بعد ظهر هذا اليوم، كانت فرصة جيدة أن أعرض عليهم فكرة مرافقتي لهم أن كانت لا تحرجهم، بعد أن عرفت أنهم فقط من سيذهب بهذه الزيارة، أخبرني بالموافقة المبدئية وانه سوف يخابرني قبل انطلاقهم لغرض التهيؤ، ودعته على أمل اللقاء في الساعة الثالثة!

يتبع الجزء الثاني

مالمو في 27حزيران 2013

111
جامعة كريخان ستاد السويدية  أقامت معرضاً للرسم، لطلاب قسم الفنون الجميلة

يحيى غازي الأميري
أفتتح  يوم السبت 1/حزيران/2013 معرضاً خاصة بالرسم لقسم الفنون الجميلة التابع لجامعة كريخان ستاد السويدية، ويستمر المعرض بعرض اللوحات المشاركة لغاية 15 حزيران 2013 يومياً من الساعة الحادية عشر صباحاً لغالية الرابعة مساءاً.
شارك في المعرض 17 رساماً، وكل واحد منهم شارك بثلاثة لوحات.
دعتنا ابنتي الفنانة الشابة ريام يحيى الأميري لحضور افتتاح المعرض، فهي احد الرسامين المشاركين فيه  بثلاثة لوحات زيتية أيضاً، لبينا دعوتها بكل سرور أنا ووالدتها وشقيقها مخلد، اصطحبنا ولدي مخلد بسيارته، وعند أول انطلاقنا أدار مخلد المذياع على إحدى المحطات الإذاعية السويدية والتي بدأت تبث موسيقاها الهادئة؛ راحت إبصارنا تحدق وتحدق على جمال الطبيعة الأخاذ وهو يشرح النفوس، ويزيد البهجة والحبور؛ وعلى طول الطريق الذي يربط مدينة مالمو بـ كريخان ستاد، كانت تمتد مشاهد مناظر غاية بالروعة والجمال، فقد كانت المناظر الخلابة وسحر حقول القمح، والمروج الخضراء، وطواحين الهواء ـ المراوح المولدة للطاقة الكهربائيةـ وصفوف الأشجار الباسقة  المرصوفة، وجريان السحاب في السماء، وهي تحتضن ألاف من الطيور المحلقة، مناظر خلابة تبهر الإبصار، وتسر القلوب.
   وصلت سيارتنا إلى مكان أقامة المعرض قبل موعد الافتتاح بحدود ساعة، بعد أن وضع ولدي مخلد العنوان في جهاز الأيفون!
البناية تتألف من ثلاثة بنايات قديمة على شكل حرف (U  ) باللغة الإنكليزية، أحدى البنايات الثلاثة مخصصة للعرض، مكان ساحر تحيط به الحدائق الغناء والأشجار الباسقة والمروج الخضراء، ركنا السيارة في الكراج المخصص لوقوف السيارات؛ التقطنا بعض الصور للمكان، واندلفنا بسرعة وسط صالة العرض، فقد بدأت السماء تشاركنا بهجتنا بنثر رذاذ إمطارها، كان حضورنا مبكر، يظهر أننا من أوائل الحاضرين، تجولنا في المعرض، والذي كانت تتنوع المدارس التي برعت فيها فرشاة الرسامين من انتقاء الأسلوب واختيار الألوان والموضوع، وانتهزنا الفرصة فالتقطنا صور للمعرض وهو خالي من الحضور، اشتريت لنفسي قدح من القهوة، ومع قدح القهوة ضفرت بابتسامة رقيقة جميلة مع كلمة (varsågod) والتي تعني "تفضل" عذبة جميلة كعذوبة بائعة القهوة ورقتها.
وزعت اللوحات المشاركة بعناية فزاد تسلط الأضواء عليها أكثر بروزاً وجمالاً، رتبت بعناية مناضد ومصاطب كثيرة تملأ صالة العرض، صفت عليها عشرات من الشموع والتحفيات ـ العنتيكات ـ القديمة ، يجلبك الإنارة بترتيبها الرائع وهي تشارك عشرات الثريات والقناديل المتدلية التي تنشر نورها الخافت البهي، جميعها توحي انك في مكان قديم رغم أن كل شيء أعيد تأثيثه وتصليحه بمواد جديدة  القناديل، والأرضية بألواحها الخشبية المصقولة والأعمدة والسقوف الخشبية، لكنها بنفس الموصفات القديمة، كان مشهد بديع أن تجلس في مكان يعود بك إلى قبل( 100) عاماً تقريباً وهو بهذه الأبهة والنظافة والترتيب والكمال.
في وقت الافتتاح المحدد كانت الصالة الكبيرة قد غصت بالحضور، ألقت الأستاذة " كاثرين" المشرفة على المعرض كلمة ترحيب، مع شرح مختصر عن المعرض والمشاركين فيه،وأشارت إلى انه توجد فايلات مجموعة من الفولدرات" الفايلات" فيها شرح مفصل عن المشاركين وأعمالهم المشاركة مع صور للوحات المشاركة في المعرض مع قائمة مرفقة بالقيمة التقديرية لكل لوحة يرغب الرسام ببيعها.في ختام كلمتها أهدت باقة جميلة من الورد باسم جامعة  كريحان ستاد إلى الطلبة المشاركين في لوحاتهم بهذا المعرض..المشرفين على المعرض وضعوا على طاولات في إحدى جوانب القاعة القهوة ونوع من العصير الطبيعي مع بعض أنواع من اللحم المقدد ورقائق البطاطس المقلية المقرمشة " الجبس" وغيرها.
تجولنا في المعرض، وشاهدنا إبداعات المشاركين والتقطنا عدد من الصور وشاركنا أبنتنا فرحتها وسعادتها وهي تشاهد مشاركتها الثانية في عرض لوحاتها إذ شاركت المرة الأولى في كرنفال أقيم بمناسبة عيد الصابئة المندائيين في أيار2013 في منطقة( أوترخت في هولندا ) ( Hollanda Utrecht/) وقد شاركت بـ 10 لوحات زيتية.

مالمو في 2013-06-06

    



112
الفنان ستار الساعدي وفرقة الأندلس أحيوا أمسية ثقافية غنائية رائعة في مالمو

 
بقلم: يحيى غازي الأميري
تلبية لدعوة وجهتها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو مساء يوم الجمعة 17 أيار 2013 أحيت (فرقة الأندلس) بقيادة الموسيقار (ستار الساعدي) حفلا ثقافياً فنياً رائعاً.
قبل موعد بدأ الأمسية وفي صالة واسعة Studiefrämjandet Malmö في مدينة مالمو/ السويد أحتشد عشرات من الحضور منتظرين أن تفتح باب القاعة المخصصة لإقامة الأمسية ، فيما كانت الفرقة تجري استعداداتها الفنية وتضع اللمسات الأخيرة داخل القاعة المخصصة للاحتفال.
لحظات بعد الموعد المحدد السابعة مساءً فتحت القاعة أبوابها وبكل هدوء اخذ الجمهور مكانه في القاعة التي اكتظت بهم، جمهور الحضور كان متنوع الجنسيات والأجناس والأعمار.
أتخذ مقدم الاحتفالية الزميل (عصام الخميسي) رئيس الجمعية العراقية في مالمو وضيفة  الفنان ( ستار الساعدي) موقعهم خلف طاولة فوق خشبة المسرح، قدم الزميل "الخميسي" للأمسية و شيء عن تعريفي عن  نشاطات الموسيقار (ستار الساعدي) وعن (فرقة الأندلس) ضيوف أمسيتنا القادمين من هولندا... وبعدها بدأ الضيف الأستاذ الفنان ( الساعدي) أمسيته الثقافية معرفاً بنفسه ومسترسلا ً في حديث شيق ممتع عن بدايات تاريخ الموسيقى في بلاد الرافدين. مركزاً عن أولويات الموسيقى الصوت والإيقاع ، معرفاً كل منهم موسيقياً وأهميته للعمل الموسيقى .ثم أستعرض (ستار الساعدي) العديد من الآلات الموسيقية وخصوصاً الإيقاعية والتي يجيد العزف عليها كالطبل والدف " الرق" وغيرها.
مؤكداً في حديثة على أهمية دور الإيقاع في الموسيقى، مؤكداً في حديثه أن الموسيقى انطلقت من المعابد، موضحاً أن الطبل كان موجود في بلاد وادي الرافدين قبل( 6000 ) سنة قبل ميلاد (السيد المسيح)؛ إذ كان ذو أهمية كبيرة في معابد السومريين والبابليين، وكيف كان قديماً يخصص حارس خاص برتبة (كاهن)  لحراسة ( الطبل الكبير) ، موضحاً أن القرع على الطبل يكون في إيقاع معين في حالة الفرح أو عند الخطر وغيره ذلك من الحالات.. أوضح العديد من الإيقاعات الموسيقية بشكل عملي وتوضيحي، إذ راح بحركة الفنان يدون رسم " النوطات "على لوحة وضعت أمام المشاهدين على جانب من المسرح؛ فيما كان يضرب على الطبل إيقاع كل حركة منها، طالباً من الجمهور مشاركته ترديد بعضها معه.
كان عنوان محاضرة الأستاذ ( ستار الساعدي) الموسيقية (فضاءات ومسرحة الإيقاعات) بعد أكمال محاضرته طلب من طالباته الدانماركية والسويدية- يشرف على دراستهن التخصصية الموسيقىية في هولندا، اللواتي يشاركنهم العمل ضمن فرقة الأندلس بتقديم بعض الأغاني  والمعزوفات الموسيقية العراقية فيما كان الساعدي يعزف الناي بشجن كان صوت إيقاع " الرق " بيد العازفة الدنماركية (ماريانة مكنس) متناغماً معه.
بعده جاء دور فرقة الأندلس بقيادة الفنان( ستار الساعدي) والذي تنوعت إبداعاته  في العزف على العديد من الآلات الموسيقية " الإيقاع ، الرق، الناي" شاركهم بإبداعه المتميز عازف القانون( سهاد نجم ) فيما كان صوت قارئ المقام السبعيني (علي الجدة ) يشد الحضور إليه، فتلتهب الأكف في التصفيق محييتاً له طالبة المزيد من المقامات، لقد انشد القارئ الهاوي القدير(الباش مهندس) (علي الجدة) أعذب المقامات بحب الوطن المثخن بالجراح، فأنسجم وتفاعل الجمهور معه بحميمية.
خلال الأمسية عزف الفنان (سهاد نجم )على آلة القانون معزوفة رائعة للموسيقار الراحل (روحي الخماش) نالت استحسان الحضور، وقد أتحفنا الفنان (ستار الساعدي) بمؤثرات إيقاعية متنوعة بديعة على آلة الإيقاع " الطبلة"
 خلال الأمسية كانت المواويل الغنائية الرائعة المؤثرة بكلماتها الشجية تطرب جمهور الحضور والتي تتراقص إيقاعاتها البهية بخشوع مع النقر والضرب على الدفوف والطبول ترافقهم سلطنة القانون وشجن الناي الحزين.
مالمو 28 أيار 2013

مجموعة من الصور التي تخص الأمسية الثقافية الغنائية التقطتها بكامرتي الخاصة .
 صورة رقم 1 كاتب السطور يحيى الأميري مع الفنان ستار الساعدي، أمسية الجمعية  الثقافية العراقية في مالمو
صورة رقم 2 الفنان ستار الساعدي مع فنانتين دانمركية وسويدية  من فرقة الأندلس، في وصلة غنائية 
صورة رقم 3  فرقة الأندلس / أمسية الجمعية الثقافية العراقية  في مالمو
صورة رقم 4 جانب من أعضاء فرقة الأندلس وجمهور الحضور بعد انتهاء الأمسية / مالمو
صورة رقم 5 من اليمين الفنان عازف القانون فيصل غازي وكاتب السطور يحيى الأميري والفنان عازف القانون سهاد نجم


113
على هامش مهرجان الأفلام السينمائية العربية الثاني في مالمو

 
بقلم: يحيى غازي الأميري
احتضنت مدينة مالمو السويدية للفترة من 28 سبتمبر لغالية 5 أكتوبر من عام  2012 المهرجان السينمائي الثاني للأفلام العربية والذي يعد من الاحداث الثقافية العربية المميزة في مدينة مالمو.
كان لحضور عدد من نجوم السينما العربية كضيوف في المهرجان صداً واسعاً بين الجمهور العربي والمهتمين بالنشاطات الثقافية والسينمائية و كان من أبرزهم ( ليلى علوي، ويسرا، ومحمد هنيدي وجمال سليمان)، بالإضافة الى مشاركة واسعة من فنانين ونقاد ولجان تحكيم وممثلين معروفين بين الاوساط الثقافية والفنية والمهرجانات العربية والعالمية بإبداعاتهم ومشاركاتهم الناجحة.
عرضت في المهرجان ثلاثة انواع من الأفلام.  
1.   الأفلام الروائية الطويلة
2.   الأفلام الوثائقية
3.   الأفلام القصيرة
 شاركت الأفلام الخليجية بعدد كبير من الأفلام المتنوعة فقد شاركت في 37 فلماً بدعم مباشر من مهرجان الخليج السينمائي؛ فيما شارك فنانون عراقيون واغلبهم من فنانين الخارج بمشاركات تنافسية متنوعة متميزة تدور معظمها حول الوضع في العراق وتنقل صور عن مأساة ما خلفته الحروب العبثية التي دارت رحاها على  أرضه وشعبه فراح ضحاياها الملايين من أبناء الشعب،وتبددت من جرائها خيراته وثرواته وشردت في كل بقاع الأرض الملايين منهم.
وعلى هامش المؤتمر سعت الجمعية الثقافية العراقية في مالمو إلى توجيه دعوة (عشاء وعمل وحوار) لعدد من الفنانين العراقيين المشاركين في المؤتمر، فاستجاب مشكوراً لدعوتهم  مساء 2 / أكتوبر/ 2012 مجموعة منهم...بعد ان استقطعوا ساعات محدودة من برنامجهم اليومي المكتظ.
وهم الأساتذة الأفاضل :
1.   الفنان قتيبة الجنابي/ مخرج عراقي مقيم في لندن
2.   الفنان محمد توفيق/ مخرج عراقي مقيم في الدنمارك
3.   الفنانة الشابة رانيا محمد توفيق/ مخرجة مقيمة في الدنمارك
4.   الفنان محمد زيدان / مخرج عراقي مقيم في النرويج
5.   الفنان جمال محمد امين  الحسيني / مخرج عراقي مقيم في الدنمارك
حضر تلك الامسية  عدد من أعضاء الهيئة الادارية للجمعية الثقافية العراقية في مالمو وعدد من اعضاء هيئتها العامة وبعض اصدقاء الجمعية العراقية من المهتمين بالنشاطات الثقافية والفنية من الذين تمكنت من توجيه الدعوة لهم بهذه السرعة.
وهم السيدات والسادة الأفاضل:
د.حسين الأنصاري، صادق الجواهري، تحسين المنذري، د.حسن السوداني، د. اسيل رشيد العامري، فلاح الحيدر، كريم رشيد، أبو نهار، قاسم حربي، عدوية جوبان و(السيد علاء ، ضيف من الدنمارك) فيما حضر من الهيئة الإدارية للجمعية الثقافية : عصام الخميسي، كريم عدواني، وكاتب السطور يحيى الأميري.

خلال الأمسية دارت حوارات صريحة حميمية " عراقية "  تمحورت اغلبها حول هموم الثقافة والفن- العراقي- وسبل مد الجسور لزيادة التعاون بين الجميع.
أترككم مع بعض الصور التي التقطتها بكامرتي الخاصة لتلك ألأمسية :

وخلال اللقاء تم الاتفاق مع الفنان الممثل والمخرج السينمائي المعروف (جمال محمد امين الحسيني ) على تحديد موعد لعرض أحد افلامه على قاعة الجمعية الثقافية العراقية، وفي يوم 6 /أكتوبر / 2012 تحقق ذلك في أمسية رائعة  تحت عنوان ( السينما العراقية الى أين) وعرض في بداية الأمسية أحد افلامه القصيرة الذي كان بعنوان( فايروس) وبعدها دار خلال الأمسية حوار مطول مع الفنان والمخرج المتألق (جمال محمد امين الحسيني ) بعد أن استعرض فيها أبرز محطات حياته الفنية وكذلك تحث عن نتاجاته ومشاركاته الفنية، وهموم السينما العراقية مركزاً على الإخراج والتمثيل في المهجر، وموقف ودعم وتعاون المعنيين بالثقافة العراقية في الخارج وكذلك دور وموقف الحكومة العراقية من الهم الثقافي في المهجر.
ادار الأمسية وقدم لها الصديق الكاتب الأستاذ الباحث (د. حسن السوداني) حضر الأمسية وشارك في الحوار والمداخلات جمهور غفير اكتظت بهم القاعة الرئيسية في الجمعية.  


مالمو / السويد
هوامش مكملة لمقالتنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة رقم (1) يظهر في الصورة من اليمين المخرج السينمائي محمد توفيق، وكاتب السطور يحيى الأميري والمخرج سمير زيدان، والممثل والمخرج جمال محمد امين الحسيني
الصور رقم (2+3+4 +5) جانب من حضور الأمسية/ الجمعية الثقافية العراقية في مالمو  
صورة رقم (6) يظهر في الصورة المخرجة الشابة المبدعة رانيا محمد توفيق وكاتب السطور يحيى الأميري
صورة رقم (7) يظهر في الصورة الصديق العزيز الأستاذ (أبو نهار) مع كاتب السطور الكاتب يحيى الأميري / الجمعية الثقافية العراقية في مالمو  
صورة رقم (8) يظهر في الصورة السادة الأفاضل من اليمين فلاح الحيدر، المخرج قتيبة الجنابي ، أبو نهار
صورة رقم (9) يظهر في الصورة المخرج السينمائي جمال امين الحسيني و د. حسن السوداني











114
التركمان حقوقهم ومعاناتهم في ندوة سياسية مطولة في مالمو

يحيى غازي الأميري

بدعوة من ممثلية مركز حقوق الإنسان في العراق – المقر العام السويد/ مالمو عقدت في مدينة مالمو السويدية ندوة بحثية ( سيمنار) تحت عنوان (ماضي وحاضر حقوق التركمان وأخر الأحداث والتطورات السياسية في العراق) وذلك يوم السبت المصادف 27/اكتوبر– تشرين الأول/ 2012  
حضر الندوة جمع غفير من الجالية التركمانية في السويد والدنمارك و تركيا وثلة من الجالية العراقية من المهتمين بالشأن العراقي ومتابعة اخبار أطيافه القومية والدينية وتطورات الأحداث فيه وكذلك حضر الندوة القنصل التركي في مالمو
  

جانب من الحضور في ندوة  " التركمان" التي اقامها مركز حقوق الانسان في العراق / مالمو

 

جانب من الحضور في ندوة  " التركمان" التي اقامها مركز حقوق الانسان في العراق / مالمو

قبل ذهابي الى الندوة بساعات كنت قد شاهد محطات التلفزة ( الفضائيات) وهي تنقل وتبث اخبار وصور لمأساة يوم دامي جديد يضرب فيه الإرهاب بقسوة مدن عراقية عديدة منذ صبيحة اليوم الثاني من أيام ( عيد الضحى ) وخصوصاً العاصمة  بغداد ومحافظة الموصل والتي استهدفوا فيها تجمعات أحدى أطياف الشعب العراق (الشبك)؛ فحضرت الندوة وأنا محمل بهموم ثقيلة عن خراب حقيقي مرعب مخيف يضرب بكل عنفه وبلا هوادة وطننا الجريح وأطياف شعبه.  
اعود الى أجواء الندوة... افتتح الندوة بكلمة ارتجالية الإعلامي والناشط السياسي (محمد خورشيد صمانجي) مدير مركز حقوق الإنسان في السويد، مرحباً بالسيدات والسادة الحضور الأفاضل، وموضحاً أهمية عقد مثل هكذا ندوات، ومعرفاً بالسادة المحاضرين الذين سوف يتحدثون في هذه الأمسية ومعرباً عن اسفه بسبب عدم حضور البعض منهم موضحاً الاسباب التي حالت دون حضورهم؛ وهم السادة كل من:
1. الأستاذ فوزي أكرم ترزي / نائب في البرلمان العراقي، عضو التحالف الوطني عن كتلة الأحرار / التيار الصدري.
2. الباحث والسياسي الأستاذ غانم عثمان رئيس منظمة حقوق الإنسان لتركمان العراق في ألمانيا.

المتحدث الأول في الأمسية كان احد ضيوف الأمسية الأستاذ ( مهمت  قبلان ) النائب في البرلمان السويدي عن حزب البيئة والخضر السويدي.
 

يظهر في الصورة من اليسار  النائب السويدي عن حزب البيئة  والخضر/ مهمت قبلان وبجانبه الإعلامي محمود خورشيد

والأستاذ مهمت تقبلان من مواليد تركيا عام 1971. وهو من الناشطين السياسيين المدافعين عن حقوق الأقليات وحرية الشعوب المضطهدة، وتعد من ابرز نشاطاته السياسية والإعلامية سفرته مع أسطول الحرية عام 2010  لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007.
تحدث النائب (مهمت قابلان) باللغة التركية ومن ثم باللغة السويدية بحدود 10 دقائق معرفاً بنفسه وابرز نشاطاته، وتضامنه ودفاعه عن حقوق الأقليات المضطهدة.
بعدها غادر النائب (مهمت تقبلان) منصة الجلسة؛ فقدم مدير الجلسة الإعلامي (محمد خورشيد) شكره وامتنانه للنائب السويدي لتلبيته دعوة الحضور والمشاركة في التحدث. وقبل أن يعلن مدير الجلسة عن أسم المتحدث الثاني " باللغة التركية طبعاً " طلب من السادة الحضور من يجيد منهم الترجمة من التركية للعربية كي يساعدني وزميلان اخران مثلي لا نفقه اي شيء في اللغة التركية فتطوع مشكوراً الأستاذ (مقداد شاهين) ليجلس بيني وبين زميلي الاخران وهما الأستاذ (احمد الصائغ) مدير مركز النور الإعلامي والأستاذ (عصام الخميسي) رئيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو.
ثم أعلن مدير الجلسة باللغة التركية عن أسم المتحدث الثاني الأستاذ الباحث البروفسور د. صبحي ساعتجي، الأستاذ في جامعة المعمار سنان التركية.


 

يظهر في الصورة من اليسار الأستاذ عبد الله بوكسور وبجانبه البروفسور صبحي ساعتجي ومدير الجلسة محمد خورشيد


أدناه معلومات مختصرة عن الباحث الأستاذ البروفسور (د. صبحي ساعتجي) استعنت بالحصول عليها من شبكة الانترنيت  :
الدكتور صبحي  ساعتجي من مواليد العراق/ كركوك عام 1946 والتي اكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها ثم غادرها الى تركيا ليحصل من هناك على البكالوريوس سنة 1974 ومن ثم الدكتوراه في فن العمارة من اكاديمية الفنون الجميلة في اسطنبول. والتي أبدل أسمها  حالياً الى جامعة المعمار سنان للفنون الجميلة والذي يعمل فيها الآن البروفسور صبحي استاذاً منذ عام 1994.
للأستاذ البروفسور د. صبحي ساعتجي حوالي( 15) مؤلفاً منشوراً عن كركوك والتركمان ومن ابرزها كتابه الموسوم    (كركوك وهويتها العمرانية)..
في بداية حديثه أعرب البروفسور( د. صبحي ساعتجي) عن شكره لهذه الدعوة وعن سعادته للقاء احبة له، ثم بدأ حديثاً مطولاً عن وضع التركمان في العراق وابرز محطات اضطهادهم متذكراً بألم احداث 14 تموز 1959 في كركوك.
ثم استعرض موقف التركمان من تركيا معتبراً أن التركمان العراقيين في بلدان المهجر مهاجرين لكنهم في تركيا ليس مهاجرين بل هم في بلدهم، بل في بلدهم الأم؛ وأضاف ان هنالك حوالي 120 تركماني عراقي بدرجة بروفسور يعملون في جامعات تركيا.
وقد استعرض في حديثة سياسة الحكومة التركية منتقداً موقفها ونظرتها وتعاملها بازدواجية من الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق؛ وأردف قائلاً نطلب من الحكومة التركية أن تكون أكثر اعتدالاً في سياستها مع حكومة العراق المركزية، محملاً الحكومة التركية تبعية توقف الكثير من الأعمال والمشاريع بسبب سياستها الغير معتدلة مع الحكومة العراقية.
وكذلك اعرب عن اسفه لعدم زيارة رئيس الوزراء التركي ( رجب طيب أردوغان) لمدينة كركوك خلال زيارته للعراق وذلك  بسبب امني كما ادعوا  لم يدخل ( أردوغان ) كركوك، وأضاف الدكتور صبحي قائلاً ( نحن نعتقد ان السبب كان من مستشاريه - ويقصد رئيس الوزراء التركي- لم يزودوه بمعلومات صحيحة ودقيقة عن الوضع في كركوك مما أدى الى عدم زيارته لها.
وتحدث عن الظلم الجائر الذي ناله  التركمان من الحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق وكذلك تحدث عن انتقاده لموقف الحكومة العراقية الحالية من عدم اعطاء حقوق التركمان.
 وقد ابدى دعمه وارتياحه من قرار تدريس اللغة التركمانية في العراق، وتحدث عن اهميتها في الحفاظ على الخصوصية القومية للتركمان.  
وقد تحدث عن موقف التركمان من الدولة الكردية؛ وعن موقف التركمان من ذلك فقال نحن نبقى تركمان ونود العيش بسلام وأمان في العراق وكذلك تطرق في حديثه عن العلاقة بين تركمان العراق وتركيا والعالم التركماني.معتبراً تركيا هي الحاضنة الأم للتركمان ومعتقداً ان تركيا أكبر دولة ضمن محيطها.
 وبعدها سمح للراغبين من الحضور بإبداء مداخلاتهم واستفساراتهم للسيد المحاضر، وقد كانت من نصيبنا المداخلة الأولى فاعربت عن جزيل شكرنا وامتناننا في مقدمتها للدعوة الكريمة التي وجهت لنا وكذلك الفرصة الثمينة أن نكون  وسط هذا الحشد الكبير ونستمع عن كثب عن معاناة وتطلعات ثالث أكبر طيف عراقي اصيل.
 كانت مداخلتنا من عدة نقاط مستفسرين فيها عن العدد التقريبي للتركمان في العراق، وعن حقوق التركمان بعد التغير الذي حصل في العراق بعد 9 نيسان 2003 وهل اسعفهم الدستور وعوضهم عما لحق بهم من تهميش وإقصاء وغبن، وكذلك استفسرنا عن سياسة تركيا مع العراق وتأثير ذلك على حقوق التركمان وموقف الحكومة العراقية من التركمان بسبب هذه السياسة. واستفسرنا عن موقف تركيا وتدخلها في الشأن السوري ومدى تأثير ذلك على حقوق ووضع التركمان في سوريا والعراق.واستفسرنا عن أخبار تناقلتها الصحافة عن مطالبة التركمان بالمقعد التاسع لمفوضية الانتخابات والمخصص اصلاً للأقليات، وهل فعلاً كان مخصص للأقليات؟
اجابنا مشكوراً الاستاذ الباحث البروفسور( صبحي ساعتجي) بشكل مفصل عن كل استفساراتنا، فيما استأذن احد الحضور وأجاب عن الاستفسار الأخير والذي كان حول المقعد (التاسع) الأخير في تشكيلة مفوضية الانتخابات الجديدة والذي أصبح من حصة التركمان.
بعدها كانت هنالك عدة مداخلات لعدد من الحضور اجاب عنها المحاضر.
بعدها اعلن مدير الجلسة عن اسم المتحدث الثالث في الندوة وطلب منه التفضل للجلوس على المنصة ، المتحدث كان الأستاذ (عبد الله بوكسور) الخبير في شؤون حقوق الإنسان من العاصمة التركية أنقرة.وقد تطرق في حديثه عن حقوق التركمان في العراق وكذلك في مختلف اماكن تواجدهم في إيران وأذربيجان.
وبعدها كانت استراحة لتناول وجبة عشاء لذيذ ( برياني دجاج ) مع السلطة الطازجة والمشروبات الغازية المتنوعة والقهوة والشاي، وخلالها كانت فرصة جميلة للتعارف مع البعض مما سنحت لنا الفرصة بلقائهم والتحدث معهم.
 

يظهر في الصورة الاستاذ البروفسور صبحي ساعتجي وكاتب السطور يحيى غازي الأميري

 
من اليمين الدكتور جواد / من تركمان اذربيجان والإعلامي محمد خورشيد والأستاذ عبد الله بوكسور


يظهر في الصورة كاتب السطور يحيى الأميري مع د. مصطفى محمد رافع رؤوف

بعد الاستراحة تكرم احد الحضور ممن التقيتهم وتعرفت عليهم أثناء الاستراحة متطوعا لغرض مساعدتي في الترجمة من التركية الى العربية، وهو الدكتور الطبيب المهذب (مصطفى محمد رافع رؤوف) وخلال استراحة تناول الطعام والقهوة كنت قد تجاذبت  أطراف الحديث معه ، وقد عرفت انه جاء اليوم خصيصاً لحضور هذه الندوة " السيمنار"  من منطقة بعيدة عن مدينة مالمو من مدينة ( أوروبرو) والتي تبعد حوالي 400 كم عن مدينة مالمو.  
  وعرفت منه ان الجالية العراقية في مدينته السويدية( أورو برو) قد نجحوا في تأسيس جمعية عراقية تضم جميع ابناء الجالية العراقية.
   بدأت الجلسة في استكمال مداخلات واستفسارات الحضور، والتي تناوب في الإجابة عليها السادة المحاضرين، وقد شارك أحد الحضور( الدكتور جواد / الناشط في الدفاع عن حقوق الانسان /من القومية  التركمانية في اذربيجان) بمداخلة مطولة بعد ان دعي الى طاولة ادارة الجلسة واخذ مكانه بجوار مدير الجلسة.
 وكذلك كانت هنالك مداخلة من صديقي العزيز الفنان (علي ريسان) والتي تحدث فيها عن ضرورة دعم النشاطات الفنية والثقافية التي توثق الى تاريخ الحركة الثقافية والفنية التركمانية، وتحدث بشكل مختصر عن فلمه الجديد الذي سوف ينتجه عن قلعة كركوك.
 

الفنان علي ريسان يقدم مداخلته ندوة " التركمان" التي اقامها مركز حقوق الانسان في العراق/ مالمو

 وبالإضافة لمداخلته القيمة قام الصديق الفنان (علي ريسان) بتوثيق الندوة بكامرة فيديو وسوف يقوم مركز حقوق الانسان بنشرها في بعض المنافذ الإعلامية .

 

يظهر في الصورة كاتب السطور يحيى غازي الأميري  مع الأستاذ عبد الله بوكسور الخبير في حقوق الانسان/ تركيا
لقد طرحت في الأمسية التي استغرقت أكثر من اربعة ساعات العديد من المطروحات والآراء والتصريحات والاستفسارات التي تستحق الوقوف عندها ودراستها بجدية، والتي تمحورت حول تطور الاحداث والعلاقات والتحالفات الاقليمية والدولية في المنطقة وكذلك حول سياسة تركيا في المنطقة؛ ووضع التركمان وحقوقهم بشكل عام و وضع التركمان في العراق وحقوقهم وقضية كركوك المثيرة للجدل والصراع الذي يدور حولها.  
وقبل انتهاء الأمسية اعلن مدير الجلسة الإعلامي (محمد خورشيد) أن الفقرة الأخيرة في هذه الأمسية الطيبة هو تكريم عدد من السادة الذوات بـ (درع) مركز حقوق الانسان في العراق اعتزازا وتكريماً لجهودهم ونشاطاتهم المتميزة في الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية ومساندة الاقليات المضطهدة في دفاعها عن حقوقها.وقد تم توزيع ( الدروع) على المكرمين في اجواء احتفالية جميلة كانت الايادي تصفق بحرارة للمكرمين بينما راحت تلتقط فيها عدسات الكامرات لتوثق الصور التذكارية.  
ادناه اسماء السادة الأفاضل المكرمين بـ (درع) مركز حقوق الإنسان في العراق  :  
 1.  البرفسور د. صبحي ساعتجي/ كاتب وباحث/ وأستاذ في جامعة المعمار سنان التركية/مقيم في تركيا
2.  الأستاذ عبد الله بوكسور/ الخبير في حقوق الإنسان / تركيا
3.  الاستاذ مهمت قبلان / عضو البرلمان السويدي عن حزب البيئة والخضر السويدي  / تركي الأصل
4.  الأستاذ شكران هياجي / ناشط في الدفاع  عن حقوق الانسان/ يدير مؤسسة لرعاية الايتام / مقيم في الدنمارك
5.  الأستاذ حجي يورتان البياتي/ ناشط في الدفاع  عن حقوق الانسان/ يدير مؤسسة لرعاية الايتام / مقيم في الدنمارك  
6. الأستاذ محمد خورشيد صمانجي/ إعلامي وناشط في الدفاع عن حقوق الانسان/ السويد
7.  الأستاذ يحيى غازي الأميري / كاتب عراقي مستقل / وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان/ السويد  


 

يظهر في الصورة البروفسور صبحي ساعتجي وهو يستلم ( درع  ) مركز حقوق الانسان في العراق من قبل الاستاذ محمد خورشيد مدير المركز في السويد


يظهر في الصورة الأستاذ شكران هياجي وهو يستلم ( درع  ) مركز حقوق الانسان في العراق من قبل الاستاذ محمد خورشيد مدير المركز في السويد


يظهر في الصورة كاتب السطور يحيى غازي الأميري وهو يستلم ( درع  ) مركز حقوق الانسان في العراق من قبل الاستاذ محمد خورشيد مدير المركز في السويد


وبهذه المناسبة أسجل جزيل شكري وامتناني لمركز حقوق الانسان في العراق على ثقتهم بنا ومنحهم لنا (درع) المركز وعلى تفضلهم بدرج اسمنا مع هذه النخبة الكريمة.
 
   كتبت في 30 أكتوبر – تشرين أول 2012  السويد/  مالمو

 


115
قراءات شعرية عراقية في مالمو/السويد


يحيى غازي الأميري

استضافت يوم أمس الجمعة 21/9/2012 الساعة السادسة مساءً  الجمعية الثقافية العراقية في مالمو/ السويد، والتيار الديمقراطي في جنوب السويد في مقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو السيدات والسادة الأفاضل وفد اتحاد الأدباء العراقيين في قراءات شعرية لمجموعة من الشعراء العراقيين، وبعدها كانت ندوة مفتوحة للحوار عن الهموم الثقافية العراقية ومعاناتها وأفضل الوسائل والطرق للنهوض فيها وأهمية مد جسور الثقافية والتعاون بين ادباء العراق ومنظماته ومثقفي الخارج وتجمعاتهم الثقافية .. 
في بداية الأمسية القى الزميل عصام الخميسي كلمة الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، والتي رحب فيها بالحضور الكريم ووفد اتحاد الادباء العراقيين الذي شرفنا بهذه الزيارة الكريمة، ومن ثم القى صديقنا العزيز الدكتور حسن السوداني كلمة قصيرة قيمة باسم التيار الديمقراطي في جنوب السويد اشاد و رحب فيها بالوفد الزائر والحضور الكريم...
 
 قدم للأمسية وللشعراء المشاركين في الأمسية الكاتب والإعلامي اللامع توفيق التميمي وكذلك ادار ندوة الحوار وشاركه في الاجابة على اسئلة واستفسارات ومداخلات السادة حضور الأمسية الشاعر والقاص علي الفواز . ألقى كلمة اتحاد الادباء الاستاذ الفاضل القاص حنون مجيد.
   
وكانت أول المشاركات الشعرية للشاعرة المبدعة أمنة عبد العزيز

وبعدها جاء دور السادة الشعراء الأفاضل:

عمر السراي

احمد عبد السادة

ابراهيم الخياط

علي الفواز

اختتم الامسية الأديب خيون التميمي بكلمات الشكر والثناء باسمه وباسم وفد الادباء للحضور الكريم وللجمعية الثقافية العراقية في مالمو والتيار الديمقراطي في جنوب السويد على حفاوة وحرارة الاستقبال.
كانت امسية رائعة،تفاعل فيها الحضور الكريم من القراءات الشعرية الجميلة وصفق للجميع بحرارة  وتفاعل؛ والتقطت عشرات الصور التذكارية خلال الأمسية وبعدها؛ التقطت بكامرتي الخاصة مجموعة من الصورة ننشر قسم منها في الفيس بوك وبعض المنافذ الإعلامية ونبعث البعض منها إلى أحبتنا وفد الشعراء والأصدقاء الذين شاركونا أمسيتنا الرائعة.


اترككم مع باقة من صور امسية  القراءات الشعرية العراقية في مالمو

116
لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو

بقلم: يحيى غازي الأميري

استضافت الجمعية الثقافية العراقية في مالمو والجمعية الثقافية المندائية في لوند، في الساعة السابعة من مساء يوم السبت المصادف 21- كانون الثاني- 2012 وفد من وزارة الثقافة العراقية الذي جاء لزيارة السويد، لغرض فتح مركز ثقافي عراقي في العاصمة السويدية (ستوكهولم) ضم الوفد الذي حضر الأمسية- اللقاء- السيدات والسادة الأفاضل (الأستاذ عقيل إبراهيم المندلاوي مدير عام العلاقات الثقافية العامة بوزارة الثقافة العراقية، (د.بتول الموسوي) الملحق الثقافي في السفارة العراقية في السويد، و(ليلى خزعل السوداني)، و(أبو عمر) مدير البيوت الثقافية في وزارة الثقافة، والأستاذ (أحمد) مدير مكتب السيد وزير الثقافة العراقية، والشاعر والروائي (منعم الفقير)، والأستاذ(حكمت حسين) سكرتير اتحاد الجمعيات العراقية في السويد، و(د. أسعد راشد) المستشار في وزارة الثقافة العراقية والذي صادف تواجده خلال فترة تمتعه بإجازته المرضية في مقر أقامته في مالمو.)
حضر للأمسية - اللقاء- جمهور غفير اكتظت بهم قاعة الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، أغلب الحضور من الناشطين والمهتمين بالثقافة، إذ ضم الحضور نخبة كبيرة من مثقفي الجالية العراقية في مالمو ولوند، تنوعت بين الأديب، والكاتب، والإعلامي، والشاعر، والفنان، والأكاديمي، وأعداد أخرى من الناشطين في منظمات المجتمع المدني.
قدم للأمسية الزميل عصام ميزر الخميسي رئيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، واستل المقطع ادنغه من نص كلمته:
 ((السادة الضيوف الكرام
السادة الحضور
مساء الخير ومرحبا بكم في بيتكم العراقي الصغير الدافئ رغم وجوده لأكثر من عقدين من الزمن في برد الشمال القارص.
نحن جمعيتان عراقيتان تكادا أن تكونا توأمان ولدنا في الغربة حاملين هموم الوطن بكل تشعباتها ففي الشأن الثقافي حرصنا منذ البدايات على التواصل مع مبدعينا في كل أصقاع المنافي ومع جمهورنا في جنوب السويد لغرض إدامة صلة المحبة والتواصل مع وطننا العزيز فكان للجمعيتين دورا بارزا في التضامن مع شعبنا ومناسباته أيام الدكتاتورية البغيضة وقدمنا ما استطعنا من الدعم والمساعدة لكل الوافدين الجدد من العراقيين الذين اكتووا بنار الدكتاتورية ومن ثم هروبا من الحرب الطائفية وكل من تضرر من الانقسام الداخلي الذي كاد أن يودي بالوطن.))
ومن ثم استعرض في كلمته بشكل موجز أهمية تعزيز وتطوير العلاقة بين وزارة الثقافة العراقية مع جاليتنا العراقية الكبيرة في منطقة جنوب السويد من خلال دعمها ومتابعتها لنشاطاتها وفعالياتها.
وبعدها قدم ضيفه الكريم الأستاذ عقيل المندلاوي للتحدث للحضور حول الهدف من زيارته وهذا اللقاء...
 أستهل الأستاذ (عقيل إبراهيم المندلاوي) حديثة بالتحية والشكر لهذا الحضور ولحفاوة الاستقبال، ثم تناول في حديثة أسباب زيارته والأماكن التي التقى فيها الجالية العراقية في السويد، وتطرق إلى الرغبة والنية الجادة في وزارة الثقافة العراقية في مد جسور التعاون والتفاهم، من اجل تطوير أساليب تفعيل وتعزيز العلاقة والتعاون بين المؤسسات الثقافية في الداخل والخارج وكذلك شرح وأوضح دور المركز الثقافي العراقي الذي جاء موفداً مع الوفد المرافق له من أجل تكملة إجراءات افتتاحه في عاصمة السويد " ستوكهولم". 
بعدها تحدثت الدكتورة بتول الموسوي عن أهداف ونشاطات و توجهات دائرتها، وأكدت على رغبتها الجادة في العمل المثابر والمستمر بتفعيل دور تطلعات وسياسة دائرة "الملحق الثقافي العراقي في السويد" من اجل خدمة الجالية العراقية وإبراز وجهها المشرق.
وبعدها فتح باب المداخلات والاستفسارات فسجلت أسماء السيدات والسادة الراغبين بتقديم مداخلاتهم ومشاركاتهم، وقد شارك نخبة طيبة من الحضور في إبداء وجهات نظرهم وتطلعاتهم بما يخص اللقاء والأهداف المرجوة منه. والتي استمع إليها رئيس وأعضاء الوفد وسجلوها كملاحظات لغرض تفعيلها في المستقبل.
وأدناه أسماء السيدات والسادة الأفاضل الذين قدموا مداخلاتهم:
الأستاذ ضياء الحسيني، الفنان المسرحي علي ريسان، الكاتب والناقد د.حسين الأنصاري، والشاعر حسن الخرساني، والكاتب د.مؤيد عبد الستار، والكاتب و الفنان فلاح صبار، والباحث د.إبراهيم ميزر، والباحث والكاتب د.حسن السوداني، والناشط في منظمات المجتمع المدني"أبوهاني"، و الكاتب والإعلامي تحسين المنذري، والفنان المسرحي سلام الصكر، والفنان جعفر طاعون، و" كاتب السطور يحيى غازي الأميري"، والناشطة في منظمات المجتمع المدني د. زلفا، والكاتب والفنان المسرحي د.أسعد راشد، والكاتب والفنان المسرحي صلاح الصكر. 
 وبعدها أجاب الأستاذ (عقيل المندلاوي) و( الدكتورة بتول الموسوي) على استفسارات وأسئلة السادة المشاركين في الحوار.
بعد انتهاء الأمسية والتي دامت "أكثر من ساعتين ونصف" شكر رئيس الجمعية ضيوفه والحضور الكريم، وبعدها كانت هنالك فسحة من الوقت بين الوفد الضيف والحضور للتعارف وتسجل بعض الملاحظات والاستفسارات وكذلك فسحة  لتناول القهوة والشاي والتقاط بعض الصور التذكارية، ومن ثم دعي الوفد إلى مائدة عشاء في أحد المطاعم العراقية في مالمو، وقد شاركهم مائدة العشاء بعض من أعضاء الجمعية الثقافية العراقية في مالمو وبعض من أصدقاء وأعضاء الهيئة العامة للجمعية من الجالية العراقية، وقد كانت هي الأخرى فسحة ثمينة جرى خلالها تناول العديد من المواضيع التي تهم الهم الثقافي العراقي وأهم الوسائل التي تساهم في تفعيل التعاون بين الداخل والخارج، بعد إنهاء مائدة العشاء ودع الوفد إلى" محطة القطار في مالمو " حيث أستكمل الوفد رحلته إلى مدينة "كوبنهاكن" عاصمة الدنمارك والتي كان قد قدم منا لغرض تحقيق هذه الأمسية التحاورية.
ملاحظة: كانت الدعوة للأمسية عامة للجميع، وقد وجهت عبر العديد من منافذ الاتصال الإعلامية.

أترككم مع باقة من الصور التي التقطت خلال هذه الأمسية والتي تم تصويرها بكامرتي الخاصة.   



السيد عصام الخميسي يلقى كلمته في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


الأستاذ عقيل المندلاوي يتحدث في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


د.بتول الموسوي وهي تتحدث في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


صورة لمجموعة من الوفد الذي حضر في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


جانب من الحضور في قاعة الجمعية في أمسية لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


 
في الصورة يظهر من اليمين احمد الصائغ، د.بتول الموسوي، د.أسعد راشد،عقيل المندلاوي، حكمت، "أبو تمار، طارق حرب "


من اليمين د.أسعد راشد، عقيل المندلاوي، أحمد الصائغ، فائق الربيعي


يظهر في الصورة الأستاذ عقيل المندلاوي وكاتب السطور "يحيى الأميري"
 

صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو



صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو

 
صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو

 
صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو

 
صورة لجانب من الحضور لوليمة العشاء في أمسية لقاء لغرض التحاور بين وفد وزارة الثقافة العراقية والجالية العراقية في مالمو


يظهر في الصورة من اليمين أحمد الصائغ، منعم الفقير، يحيى الأميري

 
يظهر في الصورة من اليمين الشاعر والروائي منعم الفقير، يحيى الأميري

كتبت في مالمو بتاريخ 22-كانون الثاني- 2012

117
ومضات من خزين الذاكرة... نقطة تفتيش، و زوجين قنادر، و 6 دجاجات
أهدي مقالتي هذه إلى الصديق العزيز الكاتب محمود داود برغل، الذي طلب مني أن اكتب يوم من حياتي.
بقلم: يحيى غازي الأميري
 في مركز تخزين الذكريات نحتفظ بأعداد لا تعد ولا تحصى منها، نحملها معنا تركن ساكنة رغم تجوالنا وتغير نمط حياتنا، في أحيان كثيرة نسترجع البعض منها، حلوها أو مرها، رغم  مرور فترة زمنية طويلة عليها نعيدها مع أنفسنا أو نقص البعض منها في محافل الأهل والأصدقاء كحدث أو حكاية أو طرفة وبعضنا يدونها على الورق لنشرها لتبقى كوثائق تحكي قصة فترة زمنية معينة.
سوف أدون هذه الحادثة التي مرت بي في ذات يوم عادي من أيام حياتي، لكنها بقيت متميزة عن بقية الأيام، لما تحمله من أبعاد غير عادية. فقد مر على الحدث أكثر من عشر سنوات، وكان ذلك الحدث قد صادف في يوم من أيام عام (2001) رغم المتغيرات الهائلة التي حدثت لي وللعالم أجمع منذ ذلك اليوم لغاية تدونه الآن، لكن الحدث لم يبرح مكانه من مستودع الذاكرة.
سحبت من مركز تخزين الذكريات ملفاً  من أحدى الملفات القديمة، وانفضت عنه غبار السنين الماضية، بعض الكلمات أو العبارات المدونة فيه كادت أن تختفي أو تمحى من الملف، أدرت تدوينها بعد بذل جهد كبير أخيرا إستطعت استرجاعها.    
 في تلك الفترة كنت أسكن في بغداد/ الكرخ / السيدية /حي الإعلام / ومحل عملي في الجانب الثاني من بغداد في منطقة الرصافة/ محلة جديد حسن باشا في سوق الصاغة(خان الياهو دنكَور) المقابل لــ (خان الشابندر) ويلفظ  كذلك (الشاهبندر) القريب أو المجاور لشارع المتنبي وسوق السراي والمتحف البغدادي، أمتلك هنالك محلاً لصياغة الذهب أبيع وأشتري فيه المصوغات الذهبية أوالفضية، اعتدت أن أذهب بسيارتي الخاصة يومياً إلي محلي؛ متجنباً دائما المرور في الشوارع والأماكن التي تقع فيها بعض مؤسسات الدولة وخصوصا الأمنية منها؛ إذ احمل في داخلي خوفاً رهيباً منها، أحمد الله أننا نمتلك من التجربة المريرة ما يكفي لمعرفة أهمية الخوف والحذر والابتعاد عنها كما يقول المثل (إلي عاضته الحية يخاف من جرة الحبل) أركن سيارتي في ساحة القشلة القريبة من )سوق الهرج) ــ إذ يوجد كراج في الساحة لوقوف السيارات ــ أو اركنها في كراج لموقف السيارات بالقرب من ساحة الشهداء يقع خلف مستشفي الكرخ للولادة يحاذي شاطئ نهر دجله.
في تلك الفترة كنت قد حسمت أمر سفري مع عائلتي إلى خارج الوطن، بعد أن ضجرت من طول فترة سنين الانتظار، لدرجة سئمت فيه الانتظار وأخبار المراهنة على احتمال تغير الوضع المزري الذي يعشيه البلد؛ إذ كانت وتيرة الحصار الدولي على البلد تتصاعد، بينما الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية  تتراجع وتنحدر بشكل سريع نحو الأسوأ، يوماً بعد يوم، وتنذر بشكل مرعب لما سوف يؤول عليه مستقبل البلد، ورغم تجربتي المرعبة المريرة السابقة بالهجرة خارج البلد، قررت مرة ثانية خوض التجربة من الجديد؛ فعرضت بيتي والذي هو دار سكني وكذلك عرضت سيارتي ومحل عملي بكل محتوياته للبيع.
في تلك الأيام كنت أفضل أن اركن سيارتي في الكراج الذي يقع خلف مستشفى (الكرخ للولادة)، على كراج القشلة بسبب تحول ساحة القشلة بعد الظهر بقليل إلى ساحة لتدريب للجيش الشعبي، فالسلطة بدأت بالتصعيد الإعلامي و بعسكره البلد من جديد، وبشكل مكثف استعداداً لمواجهة أمريكا وحلفائها، فطبول الحرب الجاهزة، بدأت تقرع من جديد؛ لذلك كنا نضطر إلى إخراج  سياراتنا من الكراج بعد الظهر بقليل وذلك قبل بدأ موعد تدريب فصائل الجيش الشعبي وتحول الساحة إلى معسكر للتدريب.
في ذلك اليوم، غادرت البيت مصطحبا ًمعي قائمة التسوق والتي تتضمن بعض الاحتياجات اليومية لمطبخ البيت، وكان أولها الدجاج والسمك والبيض والخضروات والفاكهة، ودونت في القائمة بعض احتياجاتي على أمل أنجزها في هذا اليوم، ذهبت كالمعتاد لركن السيارة في موقف السيارات خلف مستشفى الكرخ للولادة، في المدخل الوحيد المؤدي إلى مستشفى الكرخ للولادة وساحة الكراج من جهة ساحة الطلائع كانت قد نُصبت سيطرة للتفتيش في الطريق، تمنع السيارات من مواصلة السير إلى المستشفى والمناطق المحيطة بها، فحولت اتجاهي إلى كراج ساحة القشلة، بعد أن عرفت سبب هذا المنع المفاجئ؛ فقد عرفت أن تشيع كبير رسمي وشعبي يجري لقافلة من للأطفال الرضع المتوفين بسب الحصار الدولي المفروض على البلد، إذ كان يجرى بين فترة وأخرى مثل هذا التشيع بعد أن تقوم المؤسسات الصحية بجمع إعداد كبيرة من الأطفال المتوفين وتنطلق بمسيرة احتجاجية ضد الحصار وأمريكا منطلقة من مستشفى الكرخ للولادة.
في كراج القشلة لم أجد مكانـأً شاغراً اركن سيارتي فيه، لكون الكراج في مثل هذه الساعة  المتأخرة قليلاً بعد الصباح يكون الازدحام على أشده، ركنت السيارة في وسط الكراج في مكان مخصص لمرور السيارات وناولت مفتاح السيارة(السويج) إلى حارس الكراج (أحمد) فقد كنت أعرفه جيدا شاب أمين ومؤدب وكلفته أن يركن هو السيارة على معرفته عندما يجد لها المكان المناسب، وكذلك كلفته أن يجلب السيارة قبل أن يبدأ موعد تدريب الجيش الشعبي، يجلبها إلى مكان قريب من شارع المتنبي مقابل محكمة الرصافة المقابلة لبناية القشلة، لكون المكان يكون شاغراً  دائماً في المساء. ووعدته أن أكافئه على ذلك.
وكبقية الأيام فتحت بوابة المحل ( كبنك) ونظفت ورتبت المحل وصففت بضاعتي (المصوغات الذهبية في جامخانة العرض)، وناديت على قدح من الشاي ( أستكان) فمحل (عزيز الجايجي) أشهر محل لبيع الشاي في خان الشابندر، مجاور تماماً لمحلي، جاءني عامل المحل  المهذب ( أحمد ) بقدح الشاي ... تناولت قدح الشاي على مهل، ومن ثم أعلقت (أقفلت)  باب المحل الزجاجي، وسرت عدة خطوات لساحة تعتبر المركز الرئيسي لتجمع صاغة خان الشابندر حيث نطلق أسم (الجوبة) على تلك الساحة.
 الساحة صغيرة المساحة لكنها مركز لتجمع الأسواق الفرعية التي بتكون منها خان الشابندر فهي تقع بين خان الشابندر وقصدي السوق المسقف القديم وخان الياهو دنكور والذي يكون مقابل له وفيه يقع محلي، وكذلك تطل عليها محلات عمارة (القشطيني) و(سوق الآلوسي) ففي تلك الساحة تخرج مبكرة قائمة البورصة اليومية ( أسعار البيع والشراء للذهب والفضة والدولار) وفيها كذلك تجرى العديد من صفقات البيع والشراء بالذهب والفضة والدولار وهي ساحة تباع فيها بعض الأكلات الخفيفة  وأشهرها (عربانة  غفوري) ففيها الفلافل والبيض وسندويج الدجاج والطرشي والعنبة واللوبياء، وفي الساحة كذلك تعرض بضاعة يحبذها الصاغة كثيراً (البطوط والبشوش والسمك). وقفت لحظات محيياً زملائي وأصدقائي الصاغة والعاملين في السوق، كان اللغط ولإشارات والتلميحات واضحة على وجوه من يتعاملون في بورصة السوق ،تدل على أن هنالك شيء في أسعار السوق أو كبسة من الأمن الاقتصادي،  بعد لحظات عرفت أن سعر الذهب والدولار في نزول سريع هذا اليوم، في مقابل العملة العراقية!
في هذه الأثناء ولمعرفتي بحركة السوق (صاعد نازل) نتيجة الأزمات اليومية التي تضرب البلد والسوق؛ المفتعلة منها والغير مفتعلة ، المرتبطة بسياسة الدولة وأجهزتها التي تدير العملية الاقتصادية وسوق المضاربات بالعملة وكذلك تأثير الأزمات العالمية على أسعار بورصة الذهب وبقية المعادن،والتي تحدد سعر تداوله اليومي...
 في هذه الأثناء قررت أن أبيع كمية من الذهب و بعد اخذ ورد على سعر معين للبيع اتفقت على البيع، والسبب الذي دفعني للبيع تحسبا ً لتدهور سعر سوق الذهب ولكي اغتنم فرصة هبوطه سعره أكثر ولكي أعوض الكمية التي أبعتها ويبقي لي فرق يكون هو الربح بين البيع والشراء، وبعد اخذ العربون عن الصفقة ،عدت أدراجي للمحل وأخرجت من القاصة كمية من الذهب وأعدت التأكد من وزنها، وبعد مدة قصيرة من جلوسي في المحل أتصل بي هاتفياً التاجر الذي اتفقت معه وأخبرني أن النقود سوف تصل بيد الدلال، جاءني الدلال ــ يعمل في السوق العديد من الدلالين كوسطاء بين التاجر أو الصائغ الذي يبيع الذهب والتاجر أو الصائغ  الأخر الذي يشتري الذهب ــ المكلف  بتسليمي النقود وهو يصطحب معه حمال يسحب عربة محملة بكيس كبير بحجم كيس الطحين ( 100 كغم) وكيس أخر أقل قليل من حجم الأول وفيهما المبلغ المتفق عليه ((كواني من الدنانير العراقية كانت قيمة 150 غرام ذهب خالص عيار 24 )) أخرجنا رزم  النقود (البلوكات) من الكواني، وتأكدت من أجمالي المبلغ انه مطابق، وبقيت المهمة التالية أن أوزن  في ميزان الذهب كل رزمة على جهة للتأكد من كونها مقاربة لوزن معلوم نعرفه يطابق العدد الصحيح لقيمة كل رزمة.
ونتيجة للثقة المتبادلة في السوق تركني (الدلال) أن أقوم لوحدي في المهمة (التأكد من حساب النقود) على مهلي وأخبرهم بعد ذلك بالنتيجة، في نفس الوقت أخرجت من القاصة كمية الذهب المتفق علي بيعها ووزنتها أمامه وسلمتها له.
في السوق وعندما تكون قيمة سعر الذهب وكذلك الدولار غير مستقرة مقابل الدينار العراقي وخصوصاً عند الهبوط الحاد أو الصعود السريع المفاجئ تتوقف(تنشل) بشكل كبير حركة البيع والشراء في السوق، ويبقى الجميع في السوق في حالة استنفار واستفسار دائم عن سعر الذهب!
 في هذه الفترة كان التيار الكهربائي في السوق يعمل على ضوء القطع المبرمج الذي تشرفه عليه الحكومة، وعندما ينقطع التيار الكهربائي ( الوطنية ) هنالك مولدة لتوليد الطاقة الكهربائية لتجهز السوق بموجب عقد لشراء( الامبيرات) الكهربائية بين مالك المولدة وأصحاب محلات الصياغة ، وكل محل يشري ما يحتاجه من أمبيرات، والجميع يأخذ دائما  ما يحتاجه للإنارة وتشغيل مروحة وجهاز التلفزيون والثلاجة ، معظم أسواق الصاغة في منطقة خان الشابندر مبنية على شكل قيصريات مغلقة ومحلاتها صغيرة متقابلة ولا توجد إنارة جيدة في اغلب ممراتها إذ تعتمد على أنارتها من الكهرباء الوطنية، لذلك تكون الأسواق (القيصريات) شبه مظلمة، كئيبة، تقل فيها الحركة.
في منتصف النهار أنقطع التيار الكهربائي (الوطنية) تناولت الغداء صينية مشكل من عربانة المرحوم غفوري- لقد سمعت انه توفي رحمه الله بعد سقوط النظام بفترة بحادث انفجار سيارة مفخخة- وبعد الغداء جمعت ما عرضته من مصيوغات وأودعتها في قاصة المحل.
أعتدت من بعض الأصدقاء من الصياغ في السوق، في فترة بعد الظهر بعد تناول وجبة الغداء وخصوصا في الأوقات التي ينقطع فيها تيار كهرباء الوطنية، أن نتناوب اللقاء في محلاتنا ( نجتمع) نتحدث خلال اللقاءات بشتى المواضيع وكان أحيانا نلعب) الطاولي ) ــ لعبة النرد ــ ونبدأ بشبه مسابقة وكان من أفضل محلات لقائنا محل الصديق العزيز زاهر شيخ جوار ( أبو شهد) فمحلة واسع وفيه الإضاءة الطبيعية جيدة  لموقعه  في الطريق العام المؤدي إلى خان الشابندر أي خارج (قيصريات) سوق الشاهبندر ، قصدت محله فوجدت هنالك العديد من الأصدقاء، وأثناء للعب أخبرت الحضور أني سوف أذهب إلى منطقة الكرادة خارج هذا المساء مباشرة بعد (التعزيلة) وسوف أقصد بذهابي  قبل الذهاب كالعادة للبيت اذهب للتسوق من معرض الشركة العامة للجلود بعض الأحذية الرجالية ، وكذلك هنالك  بالقرب من الشركة العامة للجلود محل كبير لبيع الدجاج المجمد وبسعر أقل بكثير من السعر السائد في السوق، وافق ثلاثة من الأصدقاء المجيء معي ممن يسكنون في المناطق القريبة من سكني، لكوني سوف أقوم بإيصالهم إلى أماكن قريبة من منطقة سكانهم وهم كلاً من الأصدقاء  (زاههر شيخ جوار ،رائد سامي حسب، أبو صفاء)،جميعهم أصحاب محلات صياغة في مجمع  سوق خان الشاهبندر.
 جاء أحمد حارس كراج السيارات مبكراً وناولني سويج السيارة، نقدته لمكافئة كما وعدته، وبعد ذلك بفترة قصيرة، أغلقنا محلاتنا، وركب أصدقائي الثلاثة في سيارتي وانطلقت بهم في رحلة مسائية إلى الكرادة خارج، ركنت السيارة أما معرض الشركة العامة للجلود، وتسوقت الأحذية التي عزمت على شرائها، وذهبنا الى الجهة المقابلة للمعرض حيث يقع مخزن بيع الدجاج المجمد، كان طابور الوقوف(السره) ليس كبيراً، طلبت من أصدقائي الذين ليس لهم الرغبة في التسوق من الدجاج أن يقف معنا ويعطيني الحصة التي نحصل عليها , وبعد التسوق. وضعنا أكياس الدجاج المجمد( ستة دجاجات) في صندوق السيارة الخلفي بجوار علب الأحذية، وانطلقت بهم نروم العبور من جسر الجارية،وبعد أن اجتزنا (مطعم البحر الأبيض المتوسط) و(مثلجات الفقمة) الشهيرة، كانت المفاجئة وجدنا الطريق مقطوعـأً حيث وضعت قطع من بلوكات الكونكريت والبراميل الملونة والعلامات المرورية وهنالك لافتة كبيرة تشير إلى أن الطريق مقطوع، ركنا السيارة على جهة وكانت توجد (تخسفات) كبيرة الحجم جداً قد حصلت في الشارع وفي أكثر من مكان، وكانت توجد الى جانبها آليات (مكائن) منتشرة تدل على أن هنالك أعمال صيانة في الشارع.
اقترحت عليهم أن أخذهم في نزهة إلى المسبح ومن ثم أخذ طريقاً  مختصراً من المسبح يقع بمحاذاة  نهر دجلة يوصلنا إلى الطريق المؤدي إلى دائرة التقيس والسيطرة النوعية ومن ثم يمكن أن نأخذ طريقنا إلى الجسر، والعبور بيسر إلى السيدية، وافق الجميع على الفكرة.
 انطلقت بالسيارة قاصداً طريقي، كنت أسير على مهل نتفرج على الطريق فالمنطقة في المساء تكون مكتظة بالناس والمحلات عامرة زاهية بتنوع بضاعتها المعروضة حتى قسم من المحلات يعرض بضاعته خارج المحل، عبرنا منطقة المسبح سرت بالطريق الذي اعرفه، كنت مفاجئة جديدة حيت وضعت إشارات مرورية تحذرك من السرعة وترشدك على التمهل، وتنبهك أن نقطة تفتيش أمامك ، خففت السرعة كثيراً فقد كان على بعد عدة خطوات مطب صناعي يقطع الشارع، توقفت بسرعة وأدرت مغير السرعة ـ كير السيارة ـ  إلى الخلف (على البك) وهممت بالرجوع وبلحظات خرج ثلاثة  من الرجال؛ كانوا يرتدون ملابس شرطة المرور وخلال لحظات انتصبوا في وسط الشارع أمامي وهم يلوحون أن اتجه إليهم، احدهم يحمل بيده لوح المرور يلوح بها كانت الإشارة واضحة فيما كان زميلان له  يقفان الى جانبه يحملان بأيدهم البنادق ، أدرت مغير السرعة (الكير) مرة ثانية  وسرت باتجاههم كنت أسير بحذر شديد وعلى مهل وأنا اتجه صوبهم، فيما كان الخوف يسري سريعاً في جسمي، أصدقائي بدأت عليهم الحيرة والقلق، وكانت همساتهم تعليقات لاذعة مرعبة فاحدهم يهمس وين تريد بينا اليوم، الأخر يقول خوش نزهة ماخذنا اليوم!
توقفت إمام نقطة التفتيش جاءني احد شرطة المرور طلب مني أجازة السياقة وسنوية السيارة ناولته بسرعة أجازة السياقة وسنوية السيارة، وبعد لحظات من تفحصها طلب من الآخرين الجالسين في السيارة إبراز هوياتهم، فيما هو يدقق بالهويات ويلاحظ  بتفحص أوجه أصحابها .. سألني وهو يحملق عليّ بنظرات فاحصة .
ــ ما تعرف هذا الطريق خاص؟
أجبته:
ــ والله ما أعرف .
أمطرني بلهجة حادة بعدة أسئلة:
ــ  لعد شلون (جيت) منا ؟ وين  تريد تروح؟ ومنو جابك (أرشدك) إلى هذا الطريق؟
استجمعت قواي وأجبته بخوف:
ــ أولاً الذي (جابني )على هذا الطريق فكري إي  (حظي العاثر).
وأستمريت في الحديث:
ــ ثانيا كنت قبل عدة سنوات أمر بسيارتي من هذا الطريق.. ولكون طريق الجادرية مقطوع لوجود إعمال صيانة فيه جئت إلى هذا الطريق الذي اعرفه منذ زمن.
استمرت بالحديث موضحا له: أننا جميعا أقارب وأصدقاء ونعمل صياغ ذهب في سوق خان الشابندر، وبالمناسبة جميعنا صابئة مندائيين، وقد جئنا للتسوق من معرض الشركة العامة للجلود وكذلك تسوق دجاج بسعر مناسب من الكرادة خارج وأسميت له أسم المحل ـ للأسف تخونني الذاكرة الآن بتذكر أسم المحل.
وبلهجة أمرة قال لي:
ـــ انزل أفتح صندوق السيارة.
فتحت صندوق السيارة من زر يقع بجانبي، وترجلت على السريع وفتحت له الصندوق وشاهد أكياس الدجاج المجمد وتأكد من محتويات علب الأحذية.
أشار أليّ أن أغلق صندوق السيارة وامرني أن اذهب إلى مكاني في السيارة.
عدت إدراجي سريعا وجلست خلف مقود السيارة، فيما ذهب شرطي المرور إلى نقطة التفتيش والتي لم يزل يقف الشرطيان بجانبها وهم في حالة تأهب واستعداد وبنادقهم موجهة صوبنا، ذهب وهو يحمل بيده أجازة السوق وسنوية السيارة والهويات العائدة إلى أصدقائي.
خلال هذه اللحظات القلقة كنت أحدق بنظري برهبة وخوف إلى منظر البوابة العمالقة الماثل إمامي والذي يقف على جانبيه مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح، فالبوابة الشاهقة تقع على مسافة عدة أمتار من نقطة التفتيش التي استوقفتني.
وبعد لحظات من الترقب عاد لنا شرطي المرور، ارجع إلى أصدقائي هوياتهم، فيما بقي ممسكاً بسنوية السيارة وأجازة السياقه العائدة لي، فتح باب السيارة الأمامي الذي بجانبي وطلب من الجالس في مقعد السيارة الأمامي (رائد سامي حسب) أن يتحول إلى الخلف. وجلس بجانبي وأمرني أن اتجه بسيارتي إلى (منطقة الحارثية)، فأمتثلت إلى أمره وسرت بسيارتي في طريق يوجهني هو أن أسير فيه.
 وفي الطريق استفسرت منه بلطف وتودد عن سبب عدم إعطائي إجازة السياقة والسنوية، ولماذا يريدني أن أذهب إلى منطقة الحارثية ؟
أجابني بلطف:
ــ أجازة السياقة والسنوية والسيارة سوف تحجز في دائرة خاصة بالمرور في الحارثية، ويمكننا أن نذهب من هناك إلى بيوتنا وبعد ذلك يمكنني أن أراجع على أوراقي وسيارتي في دائرة مرور الحارثية ــ كان رجل المرور يتحدث بلطف ومودة تشجع الطرف الأخر للاستماع له ولتبادل الحديث معه ــ في هذه الأثناء كان احد زملائي يهمس بإذني أن أعطيه مبلغ من المال، استجبت للفكرة وبدأت بتنفيذها على الفور، دسست يدي بجيب سروالي ــ البنطلون ــ واستليت من جيبي رزمة من المال، وبلطف وتودد، وقبل أن ننعطف في الشارع العام، عرضت عليه  المبلغ،عرضه أمامه بيدي، وقلت له :
ــ أخي العزيز أرجو أن تقبل مني هذا المبلغ المتواضع واجعـله قيمة عشاء لك والى زملائك في نقطة التفتيش.
 وبحركة تنم عن رد فعل منزعج أدار رجل المرور وجهه لي وهو يرمقني بنظرة تنم عن عدم الرضا...
 وبعد لحظات قال :
ــ رجع فلوسك بجيبك... نحن هنا في خدمة الدولة، والقيادة تكافئنا برواتب تجعلنا فيها غير محتاجين إلى الإكراميات والمساعدات وغير ذلك ،والقيادة لم تبخل علينا ؛ فرواتبنا جيدة والدائرة توفر لنا كل أنواع الطعام.
انتابتني حالة من الإرباك والخوف، تسمرت يدي لم اعرف ماذا أفعل هل اسحب يدي أم أبقيها ممدودة أمامه، وبسرعة أجبته:
ـــ أرجو أن لا تعتبر هذا المبلغ رشوة أو مساعدة.
 سحبت يدي ودسست المبلغ بجيبي، ولذت بالصمت، لم أحرك ساكناّ ،وتسمرت عينايّ على الطريق.
كنت أسير على مهل، أمرني بالتوقف عن السير، وبسرعة ركنت السيارة بجانب الرصيف. صمت رهيب ولحظات من الخوف خيمت علينا...
أدار جسمه بحيث يستطيع الحديث مع جميع من في السيارة... وبهدوء ورزانة بدأ يتحدث:
أولا لا تخافون مني ولا تتصورون أني راح اعمل لكم شيء يؤذيكم أو يسيء لكم، وثقوا أني وباقي زملائي في نقطة التفتيش صدقنا حكايتكم حول مجيئكم إلى هنا.لكن لدينا تعليمات مشددة بذلك.
وبعد لحظات من الصمت قال لي:
ــ أرجعني إلى نقطة التفتيش، ولا تخاف، سوف أحاول مساعدتكم.
أدرت السيارة باتجاه نقطة النفتيش، وبدأت أسير على مهل،شريط من الأفكار يدور في رأسي، وأفكر مع نفسي هل أصدق حديثه أم انه سوف...كنت بداخلي مرعوب و خائف و نص مصدق لحديثه.
انهالت عليه من جميع زملائي في السيارة كلمات الشكر والثناء والمديح.
أشار لي أن أتوقف قرب نقطة التفتيش، وحال توقفي ترجل رجل المرور من السيارة، وذهب إلى نقطة التفتيش وبعد فترة قصيرة عاد لنا، فيما هو يتحدث ناولني أجازة السوق:
ــ هاك هاي الإجازة مال السياقة وسوف تبقى عندنا فقط السنوية ونحن نرسلها إلى دائرة المرور في الحارثية، يمكنك أن تأخذ سيارتك وتوصل جماعتك.  
 والتف إلى جهتي وبدأ يرشدني ـ يصف لي ـ على طريق أخر في وسط هذه المدينة المغلقة، يوصلني إلى الشارع العام، ومن ثم اخذ الطريق المؤدي إلى جسر الجادرية.
وودعنا بكلمات لطيفة ... في الحال بادرنا بكلمات كبيرة في شكرها له على موقفه الشهم هذا  ( ألله يستر عليك ، ربي يحفظك ويحفظ عائلتك...).
وعندها تجرأت أن أستفسر عن موعد مراجعتي لدائرة مرور الحارثية حول موعد وصول سنويتي هناك.
أجابني سريعا وبلطف:  (بلهجة بغدادية محببة)
ــ ( تستطيع) تكَدر تروح تراجع دائرة مرور الحارثية على سنوية السيارة بعد يومين أو ثلاثة  أيام، سوف تجدها هناك.
في هذه اللحظات انتابني شعور ممزوج بين الفرح والخوف، فيما كانت نظري يتلصص على منظر البوابة العالية وفصيل الجنود المنتشرين حولها!
أستعاد زميلنا (رائد حسب) مكانة بجانبي، وعلى ضوء إرشادات رجل المرور وصلت بسهولة إلى الطريق المؤدي إلى جسر الجادرية.
أوصلت أصدقائي إلى( مقهي الأفندي) القريب من السوق الشعبي البياع ( سوق الفاكهة والخضار ) في نهاية شارع عشرين القريب من كراج السيارات وتابعت السير إلى دار سكني في منطقة الإعلام. ركنت سيارتي في كراج البيت (مدخل البيت) وأخرجت بضاعتي ((الدجاج والأحذية)) وقصصت على زوجتي ما حدث. فيما أنا منشغل بين الحديث والتفكير بما حدث لي، كانت زوجتي تصغي إليّ وهي منهمكة تعد إحدى الدجاجات مع طبق الخضار والبطاطا لإدخالها فرن الطباخ، لتخرجها لنا بعد فترة محمصة على مائدة العشاء!
في اليوم التالي وعند ذهابي لمحل عملي وفيما أتابع أخبار سعر بورصة الذهب  الذي بدا يستقر بفارق أقل بقليل من سعر يوم أمس، قصصت بحذر ما حدث ليّ لبعض من أصدقائي مستفسراً عن أسم المكان و(القصر ذو البوابة العالية ) اتضحت لي أشياء جديدة، فقد عرفت أن هناك قصر كبير يقع في هذه المنطقةــ أحد القصور الرئاسيةــ  مشغول من قبل (عدي صدام حسين) وان شرطة المرور هم يتبعون إلى أحدى الدوائر الأمنية المهمة بالدولة؛ إذ تم أعداد أحدى دورات المرور لتعمل ضمن دوائر الدولة الأمنية والتي كان يطلق عليها " دورة 6 " ، إذ يعمل أفرادها في الأماكن والشوارع المهمة التي تقع فيها مؤسسات الدولة الحكومية والأمنية وقصورها الرئاسية.
بعد أربعة أيام راجعت بحذر مصحوب بخوف وقلق لدائرة مرور الحارثية، في غرفة الاستعلامات استفسرت منهم عن سنوية سيارتي المحجوزة لديهم، سألني احد موظفي الاستعلامات (احد رجالات المرور) عن أسمي وعن المكان والزمان الذي حجزت فيه سنوية سيارتي، فأخبرته بذلك، أشار عليّ أن اذهب إلى إحدى الغرف حيث ترد إليها من تلك الجهة. ذهبت للغرفة التي أشار إليها وعند الاستفسار منهم أخرج مجموعة من القوائم واخبرني أنها غير موجودة، لم ترد أليهم، واخبرني يمكنني مراجعتهم في يوم أخر...
بعد عدة أيام أعدت الكرة مرة أخرى بمراجعة دائرة مرور الحارثية، لم احصل على السنوية إذ كان جوابهم كما السابق عليّ بمراجعتهم مرة أخرى بعد عدة أيام.
توجهت إلى محل عملي، سعر بورصة الذهب هو الأخر قلق مثلي؛ إذ لم يزل يراوح بين الصعود والنزول، لكنه أقل من السعر الذي بعت فيه، بعد لحظات من الاستراحة داخل محلي، لكنها استراحة ممزوجة بمزيد من القلق والتوجس، توجهت إلى محل  صباغة أحد الأصدقاء المقربين، من الذين التقي بهم يوميا في خان الشابندر الصديق العزيز( ر.ع. ص )، والذي كنت قد قصصت عليه (الحتوته ) بكل تفاصيلها، وهو الذي كان قد اخبرني في حالة تعذر الحصول عليها- سنوية السيارة-  يمكنه مساعدتي وذلك لمعرفته بأحد إفراد المرور من العاملين ضمن تلك المجموعة (دورة 6).
توجهت إليه قائلاً :
ـ يظهر ما راح أكدر أحصل على سنوية السيارة بدون مساعدة صديقك ـ وقصدي رجل المرورـ
فكر صديقي ( ر.ج. ص) لحظات ثم قال لي:
ــ أني لم أعرف بالضبط مكان إقامته؛ لكني أعرف محل عمله أنه في المنطقة المحصورة بين القصر الجمهوري وساحة الاحتفالات، ويمكن أن نصل له رسالة بواسطة احد رجال مرور نفس المنطقة في حالة تعذر مشاهدته أو الوصول له.
حددت مع صديقي( ر.ج. ص) ساعة الذهاب لمحل عمله في اليوم التالي وبحدود الساعة التاسعة صباحا، ذهبت مع صديقي(ر.ج. ص) بسيارتي سالكاً الطريق الذي يعمل به رجل المرور، نترصد نقاط المرور بحذر. وأثناء وقوف السيارة في تقاطع الإشارة الضوئية، وصادف وجود احد رجال المرور بقربنا بادر صديقي بسؤله عن رجل المرور، فاخبرنا أنه موجود في إحدى النقاط القريبة منهم، فأخبره صاحبي ممكن أن يوصل له هذه الرسالة - مكتوب فيها اسم  صاحبي ورقم هاتفه- فأجابه بالموافقة.
مر اليوم الأول ولم يتصل في اليوم التالي وبعد الظهر جاءني صديقي إلى محلي وفتح الباب، فيما كانت ابتسامة عريضة على وجهة فبادرته بالسؤل بشرنا فرجت!؟
وبابتسامة مرحة أجابني:
ــ نعم فرجت.
وأردف قائلاً :
ــ اتصل بي صديقي للتو ــ رجل المرور ـ وأخبرته بما أود أن يساعدنا به، وشرحت له ما حدث ، وبعد أن عرف المنطقة التي وقع بها الحادث، طلب أسمك، وأعطيته له، ووعدني بأنه سوف يتكفل بجلبها.
 و أكمل  صديقي( ر.ج. ص) حديثه:
ــ احتمال كبير غداً يتصل بنا، وتعهد أول استلامها سوف يجلبها بنفسه لنا.
قبل أن ينتصف نهار اليوم التالي رن هاتف المحل ليخبرني صديقي ( ر.ج. ص) أن صديقة رجل المرور، وصل قبل لحظات ومعه سنوية السيارة وطلب مني أن أتي إلى محله كي نشرب الشاي معاً.
و بعد التحية والسلام وبينما نحن تناولنا الشاي سلمني الرجل ـ رجل المرور ـ سنوية السيارة، فبادرت فوراً بدعوتهم على وجبة غداء. وافق الجميع بعد تكرار الدعوة عدة مرات.كان رجل المرور يصطحب معه ضيف أخر ــ رجل مرور أيضا ــ يعملان معاً في نفس المكان.
بعد الغداء وتناول الشاي ودعنا  انا وصديقي ( ر.ج. ص) ضيفنا ــ رجل المرور وصاحبه ــ بعد عن سلمته هديه نقدية رفض في البداية أن يأخذها، شكرته جداً على نخوته ومساعدته لنا، وأخيراً وضعت سنوية السيارة في جيبي بعد عشرة أيام من القلق!
 بعد عودتي لمحلي استفسرت عن سعر بورصة الذهب فوجدته لم يزل يراوح في مكانه منذ عشرة أيام مضت. قررت أن حالة القلق الثانية ؛ ققرت أن اشتري كمية الذهب التي بعتها، وبعد شرائها بالتمام والكمال (150 غرام ذهب خالص عيار 24)، كانت إرباحي من هذه الصفقة  كثيراً من القلق وقليل المال؛ فبعد أن أحصيت إرباحي وجدتها تقريبا بقدر سعر (زوجين القنادر) التي اشتريتها من الشركة العامة للجلود و معها عدد (الدجاجات) التي اشتريتها في نفس ذلك اليوم.
كتبت في مالمو 11 كانون الثاني2012




  

118
بكثير من الحنين واللهفة زرت مندي بغداد

بقلم يحيى غازي الأميري 
في البدء نسجل أسفنا الشديد لتأخرنا بنشر شيء عن زياراتنا لبيتنا الكبير"مندي الصابئة " في بغداد، وعن لقائنا بأصدقاء وأحبة أبعدتنا عنهم ظروف قاهرة مرت على البلد وأجبرتنا على الهجرة والتغرب، وكذلك نسجّل شيئاً عما شهدناه خلال زيارتنا من نشاطات مثمرة كبيرة جرت في حياة المؤسسة المندائية تسجّل بكل فخر واعتزاز لإخوتنا العاملين في مجالسها بالعراق عموماً وفي بغداد خصوصاً؛ نسجّلها بكلِّ فخر لجميع أخوتنا وأهلنا من استمر منهم بالعمل المثابر المكمل لما بدأته الدورات السابقة.
 

كاتب السطور " يحيى غازي الأميري " أمام القاعة الرئيسية لمندي الصابئة المندائيين / بغداد في 13أب 2010


نكتب تقديرنا وامتناننا لجهودهم المتميزة التي بذلوها ونسجلها مع باقات من المحبة لكل من ساهم بهذه الجهود والنشاطات الخلاقة، فقد عملوا في ظروف استثنائية متحدين المخاطر والصعاب الجسيمة والأوضاع المأساوية المرعبة التي مرت ولم تزل تدور وتدور فيها البلاد.
  لقد دونتُ  إثناء زياراتي لمندي الطائفة " مندي القادسية " في بغداد، والتي تكررت أكثر من مرة ، بعض الملاحظات، والتقطتُ العديد من الصور وحضرت البعض من نشاطات ونقاشات المؤسسة المندائية والعاملين فيها ومن المهتمين في شأنها.
ونقولها للأمانة أنها نشاطات وإعمال مثمرة وشجاعة ومتميزة قد حدثت خلال الفترة المنصرمة منذ توديعي العراق في 30/أيلول /2001 لغاية زيارتي لمندي بغداد في شهر آب  2010 وجدتها أعمالاً ونشاطات تـُـفـرح وتُسر المتابع لأحوال الطائفة في بغداد، رغم نزيف الهجرة الكبير الذي أصابها، والذي اقتلع الأغلبية من أبناء الطائفة المندائية ،اقتلعها من جذورها الضاربة بالقدم في بلاد مابين النهرين، فقد فروا مرغمين تاركين وطنهم وأرثهم وتاريخهم الطويل؛ لتتلقفهم المنافي والشتات، كنت أتابع  ولم أزل نشاطات طائفتي المندائية وهمومها ومآسيها من خلال ما ينشر عنها في المواقع المندائية أو ما تنشره الصحافة وما تبثه محطات التلفزة الفضائية عنهم.
أتابع ما ينشر بحرص وشغف، أفرح لفرحهم واحزن وأتألم لويلاتهم، وأساهم مشاركاً في الكتابة والنشر في مختلف المنافذ الإعلامية عن أفراحهم وأتراحهم ومدافعا ًعن حقوقهم واستحقاقاتهم في الدولة العراقية بكل ما يسعفني به قلمي .
 ومن خلال رصدنا ومتابعتنا لذلك [ بالتأكيد ليس الجميع متفق على كل شيء] فقد تكون هنالك بعض الاختلافات والخلافات والصراعات على هذا الموقف وذلك البرنامج وتلك الفكرة لكن على العموم هنالك أعمال وأفعال تفرح لها النفس، سُجلت على أرض الواقع تستحق منا كل التقدير والإعجاب.
وخلال زياراتي الأولى والتي كانت في يوم الجمعة 6/أب/2010 وبالحقيقة كانت زيارتي للمندي بدون علم إي شخص وبدون ترتيب موعد مسبق كما يقال لقد كانت زيارة مفاجئة، كنت قد وصلت قضاء  العزيزية /واسط  بتاريخ 11/تموز/2010 بسبب تردي الحالة الصحية لوالدتي؛ كانت درجة الحرارة في العراق قد وصلت في هذا اليوم  " يوم وصولي  مطار بغداد " درجتان فوق نصف درجة الغليان كما كانت تعلنها الأنواء الجوية، لكنها كانت بالحقيقة 10 درجات فوق نصف درجة الغليان.
 بعد أن بدء الوضع الصحي لوالدتي بالاستقرار والتحسن، قررت زيارة مندي بغداد واخترت يوم الجمعة 6/أب/2010 لمعرفتي بان كل يوم جمعة يكون المندي مكتظ  بالحضور، حيث اللقاءات والاجتماعات لمؤسسة الطائفة، استأجرت سيارة تاكسي من العزيزية، واتفقت مع سائقها أن يوصلني إلى مندي الصابئة في بغداد /القادسية، كانت السيارة من الموديلات الحديثة مكيفة، فتح سائق السيارة التبريد، بعد لحظات كان الجو داخل السيارة منعش ببرودته نقلني إلى جو صيف السويد الرائع، أحسست بقشعريرة البرد تسري في جسمي، فيما كانت درجات الحرارة خارج السيارة تأخذ بسرعة تصاعدية  كلما تقدم الوقت نحو الظهيرة، وأنا اجلس في السيارة كانت عيناي تتنقل بسرعة إلى مشاهدة جانبيّ الطريق، أقارن مع كل مشهد جديد أشاهده بما بقي بخزين الذاكرة عن تلك الصورة التي كانت قد رسمتها له وأودعتها في إحدى دروب خزانته القصية؛ فهذا المصنع كنت قد عملت فيه وهذه الدائرة كانت محطة عملي الأولي بعد التخرج، وتلك القرية" قرية طُليحة"  معظم سكانها كانوا عمالاً في دائرتي الأولى في مزرعة الصويرة ،عشرات المحطات ارصدها المزارع المصانع الأنهار، القرى، بستان الدفتري بستان حامد السيد، مرقد الإمام تاج الدين** التاج** ، وفي نفس الوقت كنت أشاهد ما جرى من تغيرات خلال فترة العشر سنوات التي فارقتها.
 بعض المشاهدات السريعة التي علقت بالذاكرة  والتي استذكرتها وأنا ادون مقالتي هذه ، زيادة كبيرة في الأراضي القاحلة، عشرات القرى والتجمعات الصغيرة المتناثرة تم إنشاؤها حديثاً، مئات من الدور الحديثة الطراز، وبموديلات مبهره تشد الناظر لها، عشرات من الكراجات الكبيرة المتخصصة للسكراب، وأخرى لتصليح السيارات، أطفال بإعداد كبيرة تبيع وقود السيارات وكارتات التلفونات وعلب السكائر وقناني الماء البارد على قارعة الطريق هنا وهناك، زيادة ملحوظة في عدد نقاط التفتيش العسكرية التي توزعت على طول الطريق، فيما تنتصب بناية بوابة كبيرة حديثة لم تكتمل بعد تشير إلى الحدود الفاصلة بين محافظة بغداد ومحافظة واسط ، ألاف من بلوكات الكونكريت الضخمة زُرعت في أماكن عديدة على جانبي العديد من الشوارع، عشرات الكلاب السائبة تتجول على شكل قطعان، نساء وأطفال يقودون قطعان ماشيتهم وأغنامهم، بساتين النخيل تنتصب زاهية ؛ كانت بعض المشاهد مفزعة، أعادت لي صورة ما كانت قد بثته الفضائيات والصحافة عن أيام النهب والتخريب التي ضربت البلد مثال ذلك كنت قد تركت منشآت كبيرة منتجة عامرة  قبل مغادرتي العراق، كنت أتوقع أن أشاهدها بعد عشر سنوات أكبر وأجمل لكن السراق حولها في حملة الفرهود التي ضربت البلد في نيسان  2003  إلى خرائب وأنقاض، مثال ذلك معمل إنتاج العلف الحيواني في مزرعة الصويرة الذي يتوسط المسافة بين بغداد والعزيزية ،على الطريق الدولي السريع الذي يربط بغداد بمحافظات الجنوب العراق، فقد بقيَّت من هذه المنشآت أنقاض بائسة قابعة في الركن المجاور لمدخل الطريق المؤدي لقضاء الصويرة.
 بعد أن أنتصف النهار وصلت المندي، شكرت السائق الذي أوصلني وودعته، تقدمت بخطــوات حــذرة إلى نقطة الحراسة و التّـي تتحصن خـلـف سياج ضخم عالٍ من الخرسانة( بلوكات كونكريتية ) حييتهم وسألتهم عن مكان تواجد أعضاء مجلس الشؤون و مقر إدارة المندي، كان بعض الشباب يقف بالقرب من الحرس يتهامسون فيما بينهم، فيما نظراتهم تحدق بي، لحظات أخبرني أحدهم وابتسامة عريضة على محياه أنه يعرفني، عندها أخبرني أحد افرد نقطة الحراسة، أنهم في اجتماع في قاعة الشيخ دخيل في البناية الجديدة وأشار لي بيده ، قدمت لهم الشكر.                                                       
 سرت عدة خطوات كان نظري مشدود إلى منظر البناية الجديدة، التي تم بناؤها حديثاً ،كانت سعادة غامرة قد تغلغلت بشدة ودخلت قلبي بلا استئذان؛ بناية أنيقة جميلة مغلفة بالحجر الوردي، لون الشبابيك وبعض الأحزمة التي تجمّل البناية كان متناسقاً جدا مع لون الحجر الذي غُـلفت فيه البناية، سرت عدة خطوات متجهاً مباشرة نحو القاعة الجديدة، على الجانب الأيسر من مدخل القاعة قطعة خطت بحروف ذهبية بارزة  {{" قاعة الشيخ دخيل الشيخ عيدان}} و قبل أن افتح باب القاعة وقـفت لحظات متأملاً البسملة المندائية المثبتة  فوق الدرفش الحجري المثبت هو الأخر داخل البناء فوق الباب مباشرة قرأت البسملة  المثبتة *** بسم الحي العظيم *** عندها، أحسست بنشوة جميلة سرت بجسمي، نشوة فيها كثير من الحبور والفرح، كانت لفحات من التبريد المنعشة ترتطم بوجهي؛ لتزيل عني بعض الحرارة التي بدأت تدب في جسدي؛ حرارة اللقاء المنتظر، وحرارة الجو البغدادي في شهر آب؛ عند فتحي باب القاعة، القاعة كبيرة مكتظة بالحضور، سرت بضع خطوات وأديت التحية بصوت مرتفع قليلاً جعلت الجميع يسمعه، كنت اسمع رد التحية يأتي من أماكن مختلفة من داخل القاعة، جلت بنظري في القاعة، كانت عدة أماكن بالقرب من مكان وقوفي فارغة، اخترت أحدها وجلست فيه، لحظات وهب واقفاً مرحباً ومحيياً قدومي صديقي العزيز داخل يوسف عمارة سكرتير مجلس العموم، واتجه نحوي تاركاً مكانه والذي كان فيه يدير جلسة الاجتماع، وعند وصوله بالقرب مني حياني معانقاً وسحبني من يدي وأشار إلى كرسي بالقرب منه، أستأذن من الحضور وقدمني  للحضور معرفاً بشخصي لمن لم يعرفني من السادة الحضور في القاعة ،استأذنت من صديقي العزيز الأستاذ داخل يوسف، وتحدثت مع الجميع عن أسفي الشديد لدخولي القاعة بغير موعد مسبق ومقاطعتي للاجتماع.
 

صورة للبناية الجديدة ضمن مندي بغداد في 13 / آب/ 2010

 أخذنا فسحة قصيرة جميلة لتبادلت التحيات والقبلات مع أحبتي وأخوتي وأهلي من الحضور، الذين فارقتهم مجبرا من عشر سنوات ،بعدها استأنفت الجلسة تكملة برنامجها ونقاشاتها، أصغيت لحواراتهم ودونت بعض ملاحظاتي عليها، أثناء الجلسة اقترح رئيس الجلسة**الأستاذ داخل يوسف عمارة **على الحضور، أن أشاركهم الجلسة بالتحدث بشيء من الإيجاز عن أوضاع الطائفة في الخارج، فتحدثت عن ابرز ما حققته الطائفة وشيء عن معاناتها معبراً بذلك عن وجهة نظري الخاصة من خلال قراآتي لما يدور في حياتنا الجديدة وبعدها وجه لنا بعض الأخوة الحضور بعض الأسئلة والاستفسارات بخصوص ما تحدثت به.
بعد انتهاء الاجتماع كانت هنالك لقاءات شوق ولهفة ومعانقة للعديد من الأصدقاء والأحبة، والاستفسار عن أحوالهم.                                                                         
أمطرنا العديد من الأصدقاء بدعواتهم الكريمة للذهاب معهم وتناول الغداء بضيافتهم فالساعة كانت قد قاربت الثالثة بعد الظهر، استقر الرأي أخيرا أن أذهب مع الدكتور وليد شلتاغ وشقيقة خالد لتناول الغداء ؛ فـصديقي خالد حميد شلتاغ لم ألتقيه منذ أخر لقاء جمعنا في صيف عام 1978 عندما كنت موفداً إلى شمال العراق من قبل دائرتي (وزارة الزراعة / الشركة العامة الإنتاج الحيواني )  وقد شرّفني بزيارته  في ذلك الوقت مع صديقنا العزيز رتاب الأميري وبقيا في ضيافتي عدة أيام في مصيف صلاح الدين / أربيل.             
كانت وليمة غداء لذيذة ** بط محمص مع الرز ** جمعتنا مع الأهل والأحبة في بيت صديقنا عضيد شلتاغ، والذي أيضا فارقته منذ عام 1978  سرحنا في جلستنا بأحاديث في مختلف المواضيع، قبل حلول المساء عدت أدراجي إلى كراج النهضة ومن ثم إلى مدينة العزيزية.
 في اليوم الثاني السبت  7/آب/ 2010 هاتفني صديقي العزيز رعد جبار صالح معيلو { أبو لينا } يخبرني أن إخوانه في مجلس شؤون الطائفة/ المندائية ، سوف يعدون وليمة غداء على شرفي ويطلب مني تحديد اليوم الذي يمكني الحضور فيه، فشكرته على هذه الدعوة الكريمة وحددنا الجمعة القادمة، أن نلتقي في البداية في بيتنا الكبير " مندي القادسية { ثم نذهب إلى وليمة الغداء }  واخبرني صديقي العزيز انه يمكنني دعـوة من ارغب من أصدقائي أن يشركنا الوليمة؛ استفسرت من صديقي أبا لينا عن بعض الأسماء فاخبرني إنهم من ضمن المدعوين، فأخبرته أني سوف أدعو شخصين أو ثلاثة أشخاص معي.
لم أوفق في اتصالاتي المتعددة بهاتف صديقي الحميم *أبي أوس *{{ حسني مبارك مال الله }}*من التحدث إليه ، فقد كنت أود دعوته لوليمة الغداء وهي فرصة سعيدة أن ألتقيه، فقد كان رد هاتفه كل مرة يُعلن( نأسف لكون الرقم المطلوب خارج التغطية.)                   
 لكني ، وفقت بالاتصال بالصديق العزيز دكتور أسعد جبار الناشئ ووجهت له الدعـوة والذي قبلها متشكراً، واتفقت معه أن يكون موعدنا في المندي صباح يوم الجمعة 13/ أب وكذلك دعـوت لوليمة الغداء أبن أخي بسام فيصل الأميري والذي يسكن على بعد عـدة خطوات عن بيت والدتي في العزيزية، وقد رحب بالدعوة واعتبرها زيارة للمندي ووليمة غداء معاً.     
استيقظت صباح هذه الجمعة13/ أب مبكراً فالكهرباء الوطنية قد انقطعت في الساعة السادسة صباحاً، استيقظت والدتي أيضا أعددت لها طعام الفطور، كأس من اللبن وصمون حار، جلبته من فرن الصمون الذي يقع على بعد عدة خطوات من دار والدتي، وجمعت بصحن صغير قليل من حبات "الرطب" التمر من نخلات حديقتنا، ومع قدح من الشاي، شاركت  أُمـــي طعام فطورها.
استأجرنا أنا وأبن أخي بسّام سيارة أجرة أقلتنا إلى المندي  في القادسية وصلنا حواليّ الساعة العاشرة صباحاً،تجولت في أروقة المندي، لم أتمكّن من دخول مكتبة المندي فقد كانت الباب موصدة ، في أحدى الغرف المجاورة للمكتبة شاهدت الشابة الأنيقة المهذبة المثابرة الأستاذة أشواق نصرت الشاوي تتأبط دفاترها حييتها بحرارة، فردت التحية بابتسامة مشرقة، تجاذبنا أطرف الحديث، أخبرتني أنها أكملت دراسة الماجستير من جامعة بغداد عن المندائية وأنها لم تزل مستمرة في تدريس أبناء الطائفة اللغة والدين المندائي بنفس الهمة العالية التي رأيتها فيها في أوقاتٍ سابقة .           
التقطت بعض الصور لبناية المندي القديمة والجديدة ،ومن ثم ذهبت لبناية المندي الجديدة والتي تضم مجموعة من الغرف والتي اُستغلت مقراتٍ لمجالس الطائفة ومجلة أفاق مندائية وإدارة المندي مع قاطع للحمامات، جميع الغرف مؤثثه أثاثاً جديداً أنيقاً، بالإضافة لقاعة كبيرة منفصلة عن البناية مخصصة للاجتماعات والمؤتمرات، كما يوجد  للقاعة مدخل خاص بها.
وخلال تجوالي في البناية التقيت بالعديد من الأحبة والأصدقاء وتجاذبنا الحديث مع العديد منهم، ومنهم الأستاذ والصديق الأديب ياسين الناشيء ** أبو حيان** والذي اخبرني عن تأسفه لعدم تمكنه من الحضور لدعــوة الغداء ؛ لارتباطه بموعد مسبق.
  سألت عن فضيلة رئيس الطائفة  الكنزفرا ستار جبار حلو وعن بقيّة الأخوة في مجالس الطائفة ،فأخبرت أنهم قد ذهبوا في وفد كبير لزيارة صديقنا العزيز ** أبي علاء **حسين راضي زبون الزهيري والذي يمر بظروف صحية صعبة يصارع فيها مرض عضال ألم به، حضر صديقنا دكتور اسعد الناشيء على الموعد المتفق عليه، فاتخذنا من احد غرف المجالس أعتقد غرفة مجلس الشؤون مكاناً للانتظار فكانت فرصة طيبة تجاذبنا فيها الحديث مع العديد من الأصدقاء.
بعد أكثر من ساعتين من الانتظار أطلّ علينا رئيسُ الطائفة والوفد الذي رافقه، فحييتهم بحميمية  وشوق وبعدها دارت بعض الحوارات الحيوية التي تهم الطائفة،في جلسة اكتظت معها  الغرفة بالحضور، التقطنا بعض الصور التذكارية، اعتذر رئيس الطائفة من الحضور معنا لوليمة الغداء لارتباطه بموعد ضروري مسبّق. توجهنا إلى الدار التي أعدت لنا دعوة الغداء، في دار احد أخوتنا وأحبتنا الصديق المفضال جمال عزيز خصاف، في منطقة اليرموك.                     
استقبلتنا العائلة الكريمة بطيبة ومودة،خلال تناول المرطبات وبعض المقبلات دارت أحاديث ودية حميمية أغلبها كان فيما يخص الهم المندائي والهم العراقي الذي يرافقنا كظلنا في كل مكان وزمان.                                                                 
ومن خلال زيارتي الأولى والثانية استمعت للعديد من وجهات النظر لأصدقاء وأحبة من العاملين في مؤسسات الطائفة، ووجدت هنالك خطوطاً عريضة طموحة  للتطوير والإبداع  والمحافظة على كيان الطائفة وصيانتها؛ فسياسة الطائفة تُرسم بالتحاور والتشاور في مؤتمرات و مؤسسات الطائفة ؛ فعلى الرغم اختلاف البعض في طرح وجهات نظرهم [وقد تكون قسم منها لا تتفق بشكل أو أخر مع البعض ] من خطوط السياسة العامة للطائفة التي تقرها مؤسساتها، لكنها لم تشكّل تقاطعـاً أو صراعـاً حاد غير قابل للحل. وقد وجدت هناك  نقاشات جدية في متابعة أعمال المؤسسة المندائية ونشاطاتها فيه مجال واسع لحرية التعبير والمناقشة وإبداء الرأي والرأي الآخر، ومقارعة الحجة بالحجة ... وقد وجدت هنالك العديد من الشخصيات المقتدرة على تذليل التقاطعات والعقبات وابتكار العديد من الحلول الجديدة الناضجة للملمة الشمل وتوحيد الجهود، من اجل خير ورفعة المندائية.
 فتحية لجميع أحبتي الذين تشرفت بلقائهم ومنهم السادة الأفاضل علي حسين، طارق الرومي، كامل كريم، عايد مهاوي الزهيري، خالد أمين الرومي، د.وليد شلتاغ، سعدي ثجيل، خالد حميد شلتاغ، ياسين الناشئ، داخل يوسف عمارة،نوري سبتي سهر، وشكوري فرحان، وفضيلة الترميذا علاء عزيز، رعد جبار صالح، جمال عزيز خصاف، د. أسعد الناشئ، صباح الدهيسي و بدر بعيو والذي أهدانا مشكوراً أربعة أعداد من العدد الجديد من مجلة أفاق مندائية وكذلك للجنة الشباب المندائي و لمدير الأداة الغالي أبو جميل والذي وجدته على نفس نشاطه وحيويته المعهودة منه!
في الختام نقول كلمة شكر لمن تكـرّم وضيفنا في داره العامرة... لقد كانت وليمة الغداء، عامرة كبيرة متنوعة نسجًل امتناننا وجزيل شكرنا ممزوجة بمحبتنا لتلك الأيادي الكريمة لسيدة البيت وأسرتها التي أعدت هذا الطعام الشهي والسخي واستقبلتنا وودعتنا بطيب كرمها، وفائق شكري وامتناني لتلك المبادرة الكريمة بإقامة هذه الوليمة من قبل أحبتي وأصدقائي في مجلس شؤون الطائفة المندائية في بغداد/ العراق.               
أناه مجموعة من الصور لزيارتنا الأولى للمندي بتاريخ 6 / آب/ 2010
 

مندي بغداد 6/آب/2010   من اليسار السادة الأفاضل الترميذا علاء عزيز ، رعد جبار صالح ، خالد حميد شلتاغ، علي حسين أثناء حضوري لإحدى اجتماعات مجلس عموم الطائفة


قاعة البناية الجديد في مندي بغداد  بتاريخ 6/8 / 2010  أثناء حضوري لإحدى اجتماعات مجلس عموم الطائفة و يظهر في الصورة الأصدقاء الأعزاء الأفاضل من اليسار خالد أمين الرومي ،جمال عزيز خصاف د.وليد شلتاغ ، رعد جبار صالح ، يحيى الأميري 




 
مجموعة من صور زيارتنا الثانية للمندي بتاريخ 13/آب/ 2010

التقطت الصورة أثناء زيارتي لمندي الصابئة المندائيين في بغداد بتاريخ 13 أب 2010 يظهر في الصورة من اليسار الأساتذة الأفاضل الصديق العزيز داخل يوسف عمارة ومن ثم كاتب السطور يحيى الأميري ، ومن ثم الصديق العزيز النائب خالد أمين الرومي ، فضيلة رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الكنزبرا ستار جبار حلو، الدكتور وليد حميد شلتاغ، الدكتور اسعد الناشيء ، والصديق الحبيب رعد جبار معيلو الخميسي

 
مندي بغداد 13/ أب /2011 من اليسار د.أسعد الناشئ، بسام الأميري،فضيلة الكنزبرا ستار جبار حلو ، يحيى الأميري ، داخل يوسف عمارة


احدى غرف البناية الجديدة لمندي بغداد غرفة مجلس الشؤون في 13/ آب/ 2010 من اليسار الدكتور أسعد الناشيء كاتب السطور يحيى الأميري ، رعد جبار صالح
بعض الصور في ضيافة دار أخينا وصديقنا جمال عزيز خصاف  في 13/ آب/ 2010


 

مالمو في19 كانون الأول 2011



119
بطلقات كاتم الصوت تّكتم حياة الصوت المدوي المبدع هادي المهدي
 
يحيى غازي الأميري
في فوضى العراق المرعبة، بات كاتم الصوت المجهول أسهل الطريق لتصفية الخصوم ولتحجيم دور المعارضة ولتكميم الأفواه.
أي هلع وفوضى يريد أعداء الوطن بثها في روحك يا عراق!؟
أي رعب اسود يريدون أن يلفك أيهــا البلد الذي أضحى فيه هدير الصوت طلقات تخيف الذين يعيثون فسـاداً في أرض السواد؟
أتعلم يا عراق
 أي موت مخيف وأي خراب كبير وعذاب مرير انتشر فيك؟
أتعلم يا عراق
كم من الخطط المفزعة يعد لك أعداؤك في الخفاء؟
أتعلم يا ساكن الأحداق
كم ألف رطل من الدم البريء في كل يوم على ترابك يراق؟
 أنهض يا عراق!
رغم جراحاتكم النازفة
 أنهض يا عراق!
فهل باتت لا توقظك كل لوعات الحزن وأنواع الشقاء
أتسمع يا عراق ... نشيج ملايين الجياع
أتسمع  يا عراق ... ففي بكاء ملايين الضحايا والثكالى والأيتام ألف وجع يصرخ ويناديك أنهض يا عراق!
انهض واجبر بخاطرها وحررها من سطوة الجور والظلم وآفات الفساد
أنهض وارمي عنك القيود والأغلال والأصفاد!


التهميش والإبعاد والإقصاء ورصاص الغدر الكاتم  للحريات، يلاحق مبدعي ومثقفي وثوريّ  العراق من جديد، مثال ذلك كامل شياع، علي اللامي،هادي المهدي... بزخات من الرصاص غير المسموع يهطل على رؤوس وصدور أبنائـه النجباء، هكذا تسير الأمور الجديدة  لتطرز خارطة حديثة للعراق الديمقراطي الجديد.
قبل فترة، كان الرصاص القاتل الكاتم يجول في شوارع البلد وهو يوزع وروده الملتهبة في عز صيف العراق الذي تتجاوز حرارته 50 درجة مئوية، إلى صدور ورؤوس رجال المرور وهم يحاولون إصلاح وتنظيم جزء من خراب فوضى شوارع الوطن.
كاتم الصوت مستمر يعمل دون كلل وملل بمسلسلات فرعية أخرى وهي تحاول في جهدها المتواصل أن تصل الليل بالنهار وذلك بملاحقة فرائسها من التجار وحراس البنوك الحكومية والأهلية وصاغة الذهب وسائقي سيارات الأجرة والأطباء وأساتذة الجامعات وحراس الوطن وحتى الحلاقون لم يسلموا ... وتطول قائمة من تشملهم ملاحقة حامل كاتم الصوت المجهول.
 السفاحون والذباحون يسرحون عابثين في البلاد مرعبين العباد وهم يشحذون سكاكينهم لينحروا بها رقاب أبناء الشعب جملة ومفرق تساندهم المفخخات والمفرقعات ومئات من مجاميع لحملة الأحزمة الناسفة ولاصقي العبوات الناسفة وفوق كل هذا وذاك ترى زيادة مضطردة بالأزمات وانحدار واضح بقلة الخدمات.
 أنها دورة الديمقراطية والعدالة والقانون التي طالمـــا أنتظرها شعب العراق المسكين بعد عناء مدمر مرير، فريد من نوعه في الصبر والتحمل؛ أنها إحدى دورات التطور التي حدثنا عنها العالم العربي أبن خلدون بقراءته لتطور المجتمع العربي والإسلامي في مقدمته الشهيرة.

في دورتنا هذه برز دور القاتل المجهول والذي سوف يبقى يصول ويجول، وبيده الكاتم المهبول، أنه سيناريو معلوم لكاتب ليس بالمجهول، هذا السيناريو المقزز لمسلسل طويل ممل في حلقاته ففيه من القتل والتهجير والاختطاف والسلب والنهب والرعب والفزع والجزع والخوف والهلع ما يحبس أنفاس مشاهديه ويكمم أفواههم، ويجفف مداد أقلامهم، وينهي أحلامهم، ويديم أحزانهم ويكثر من شجونهم وهمومهم، أنه قمة بالتراجيديا والدراما العراقية المبتكرة الحديثة والمستوردة من وراء الحدود، القاتل المجهول ذو القفازات الحريرية البيضاء، رصاصاته الكاتمة لن تخطأ الرأس أو القلب، القاتل المجهول سوف ينتشر من جديد متربصاً كالظل في كل الشوارع أنه بانتظار المبدعين من متعددي المواهب والمهن والحرف وأصحاب المواقف الوطنية الشريفة، والحالمين بغدٍ أفضل.

من أخر كلمات الشهيد هادي المهدي
*** لقد سئمت مشاهدة أمهاتنا يشحذن في الشوارع ***
لنرى ما هو موقف الدولة من اغتيالات الكاتم المجهول ولنأخذ واحد فقط من عشرات التصريحات الرسمية العراقية، سوف أستل مقطعـاً  صغيراً من تصريح مكتب رئيس مجلس النواب العراقي "أسامة النجيفي" والذي نشرته العديد من المنافذ الإعلامية يقول فيه((  مقتل الإعلامي هادي المهدي له بعد سياسي خطير وسيتم متابعة التحقيق في اغتياله وفضح كل المتورطين)) انتهى النص المستل؛
ترى هل نبقى وراء كل جريمة نسمع فقط بالتصريحات المقرونة بالقصاص العادل من القاتل المجهول.
الشهيد هادي المهدي فنان مسرحي قدير وكاتب وإعلامي غزير الإنتاج وناشط سياسي مستقل اغتيل غدراً في داخل شقته في منطقة الكرادة الشرقية وسط العاصمة بغداد برصاصات كاتم الصوت المجهول بتاريخ 8/أيلول/20011 ...
 
كتبت في مالمو بتاريخ 22 / أيلـــول 2011
 


120
حفل تأبيني مهيب في مدينة مالمو للفقيد المبدع هادي المهدي




بقلم يحيى غازي الأميري
مساء يوم الأحد 18/أيلول /2011 توافد جمهور غفير من النساء والرجال من أبناء الجالية العراقية المقيمة في مالمو وضواحيها إلى مقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو/ السويد ، وقبل بدأ الاحتفالية  في موعدها المحدد كانت قاعة الجمعية قد غصت بالحضور، وذلك تلبية لدعوة وجهها التيار الديمقراطي العراقي والجمعية الثقافية العراقية في مالمو لإقامة حفل تأبيني لفقيد الثقافة والوطن المناضل والفنان المسرحي والكاتب والإعلامي الشهيد هادي المهدي ، والذي اغتيل غدراً في شقته بمنطقة الكرادة الشرقية وسط العاصمة بغداد بتاريخ 8/أيلول/2011بطلقات كاتم الصوت المجهول.
 
صور الإعلامي تحسين المذري أثناء تقديمه لاحتفالية الفقيد هادي المهدي
كان الحزن والشجن والألم يعتصر قلوب الجمهور الغفير الذي جاء للمشاركة بهذا الحفل التأبيني، الحزن واضح على سحنات الوجوه، ابتدأ عريف الحفل الأمسية الزميل الكاتب والإعلامي القدير تحسين المنذري "مرحباً بالحضور الكريم، معلناً أن أمسيتنا بضيافة التيار الديمقراطي العراقي والجمعية الثقافية العراقية في مالمو، حيث جئنا جميعا مؤبنين أحد مناهضي زمن الظلام ،واحداً ممن تصدوا لرموز الزمن المشوه هذا؛ ليس بالكلمة فقط بل بالفعل اليومي، بالتحشيد المستمر والمساهمة الفاعلة والحضور القوي اليومي في أيام ساحة التحرير، أنه الإعلامي والفنان هادي المهدي ،حيث تزامن استشهاده مع الذكرى الثالثة لاستشهاد المفكر والإنسان الشهيد كامل شياع؛ وبعدها طلب من الحضور الكرام الوقوف دقيقة صمت حداداً واستنكاراً."
وبعدها قرأ الأستاذ تحسين المنذري بعض من أخر العبارات التي كتبها الشهيد هادي المهدي قبل اختياله بساعات وذلك  على صفحته في الفيسبوك يقول في البعض منه:
" سأشارك في التظاهرات واني من مؤيديها... لقد سئمت مشاهدة أمهاتنا يشحذن في الشوارع... ومللت من أخبار تخمة ونهب السياسيين لثروات العراق"
وأردف المنذري قائلاً " تلك باختصار هي خلاصة ما يريد وهي بذات الوقت بعض مما يسعى ويعمل من أجله الأخيار من أبناء شعبنا وفي طليعتهم التيار الديمقراطي ."
ثم طلب من
1-   السيد الفاضل العزيز صادق الجواهري " أبو إبراهيم" بالتفضل لإلقاء كلمة التيار الديمقراطي العراقي في جنوب السويد وبعد كلمة التيار الديمقراطي  العراقي قدم الزميل تحسين المنذري للفقرات التالية لحفل التأبين وخلالها كان يقدم العديد من الفقرات التي تتحدث عن أبرز منجزات وإبداعات ومساهمات الشهيد المحتفى به هادي المهدي, وكذلك معرفاً بالسادة الأفاضل من المشاركين بتقديم مداخلاتهم ومساهماتهم الواحد تلو الأخر.
وكانت فقرات الحفل التالية كما يلي :
2-   كلمة الجمعية الثقافية العراقية في مالمو /ألقاها الزميل العزيز عصام الخميسي، وقد تضمنت موقف الجمعية الثقافية مما يجري بحق المثقفين والثقافة العراقية من عسف وقتل وإبعاد.
3-   مساهمة الأستاذ الدكتور المسرحي حميد الجمالي/ والذي قدم مداخلة قيمة مسلطاً فيها الضوء عن شيء من إبداعات الفقيد.

4-   مساهمة الزميل العزيز الفنان المسرحي علي ريسان/ قدم مداخلة متميزة وكانت قراءة شعرية مسرحية
5-   مساهمة الزميل والصديق الشاعر المبدع حسن الخرساني / وكانت قصيدة شعرية رصينة بليغة بحق الفقيد هادي المهدي.

6-   مساهمة الفنان المسرحي العزيز فاضل حجازي/ وقد تحدث عن ابرز نشاطات ومواقف وأراء صديقة وزميله الشهيد هادي المهدي

وقبل أن يقدم الزميل تحسين المنذري صاحب المداخلة الأخيرة في الأمسية  بدأ حديثة " يبقى الوطن مجللا بالظلام وتبقى أمهاتنا متلفعات بالسواد؛ ثكلى بنا ، أن لم نقل لا... لا... كبيرة بوجه أعداء الحرية والوطن." وبعدها طلب من الحضور وضع تواقيعهم على وثيقة احتجاج  موضوعة على إحدى الطاولات والتي سوف ترفع إلى السلطات العراقية .
ثم قدم الزميل تحسن المنذي تعريفا ً عن :
7-   مساهمة الصديق الكاتب الدكتور حسن السوداني ،ولتي كانت كلمته  بليغة العبارات،في رثاء المبدعين، ومن ثم استمعنا إلى رسالة حوارية أعدها الدكتور حسن السوداني كرسالة حوارية بينه وبين الشهيد هادي المهدي فكان يقرأ الدكتور السوداني أسألته المحاورة على الفقيد هادي المهدي وكان يأتينا الجواب من خلال تسجيل مسجل كان الفقيد قد بثه من ضمن نشاطاته الإذاعية التي كانت تبث من خلال راديو" دي موزي" من خلال برنامجه الإذاعي " يا سمعين الصوت" ومن خلال المحاورة يتبين عمق التصاق وتفاني الشهيد هادي المهدي ومدى حبه للوطن واستعداده لتقديم روحه فداء للوطن والشعب.كان يرافق الدكتور حسن السوداني في تقنية الصوت والكومبيوتر عقيلته السيدة الفاضلة أسيل العامري.
تميزت الأمسية بحضور متميز لنخبة من الكتاب والأدباء والإعلاميين والفنانين العراقيين القاطنين في مدينة مالمو.

كتبت في مالمو بتاريخ 20/أيلول/2011


 

121
القضاء في العراق، أمسية ثقافية في مالمو


بقلم : يحيى غازي الأميري

حققت الجمعية الثقافية العراقية في مالمو أمسية ثقافية ناجحة شيقة باستضافتها الكاتب والقاضي الأستاذ زهير كاظم عبود، مساء يوم الجمعة 17/حزيران /2011  في مقر الجمعية كان عنوان محاضرته الثقافية  "القضاء في العراق" .
اغتنمت الجمعية الثقافية  فرصة عودة الأستاذ زهير كاظم عبود من العراق إلى مدينته مالمو/ السويد، والذي عاد إليها قبل بضعة أيام، والتي يقيم فيها منذ عام 1999 لتحقق أمسية ثقافية قيمة تحدث فيه الكاتب والقاضي والإعلامي المتميز الأستاذ زهير كاظم عبود عن القضاء في العراق.


مالمو / 1 أثناء تقدمي لأمسية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود

كلف كاتب السطور من قبل الهيئة الإدارية للجمعية الثقافية  في مالمو بالتقديم للأمسية وإدارتها؛ في الموعد المحدد الساعة السابعة والنصف ابتدأت الأمسية، مرحباً بالحضور الكريم الذي اكتظت بهم قاعة الجمعية، وكذلك بضيفنا العزيز، متمنياً  للجميع قضاء وقت سعيد فيه الفائدة و المتعة، وبعدها تحدثت وقرأت شيء من سيرة الأستاذ القاضي زهير كاظم وأبرز نشاطاته، المتعددة الجوانب فالأستاذ زهير بالإضافة لإصداره 26 كتاباً في مختلف حقول الكتابة، فهو ناشط غزير الإنتاج في كتابة المقالة الرصينة، وكذلك له نشاط متميز وحضور فاعل مشهوداً له في الساحة الثقافية والإعلامية.


مالمو / 2صورة لجانب من الحضور من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود


بعدها جاء دور ضيف الأمسية، الذي بدأ حديثه مرحباً بالحضور، والذي تربطه مع أغلبهم علاقات صداقة حميمة، ثم ابتدأ الأستاذ القاضي في حديثه عن القضاء في العراق، مستعرضا ً في جولة سريعة  من السرد التاريخي عن بداية نشأت تشكيل الحكومة العراقية، مروراً بأول دستور عراقي وضع في عشرينيات القرن الماضي مستعرضاً القضاء العراقي وتطور قوانينه.
ليدخل في حديثه الشيق المتسلسل في سرده عن " القضاء في العراق" بعد التغيير الذي حدث في 9/4 /2003.موضحاً هيكلية تشكيلاته الجديدة ، على ضوء التطورات والتغيرات التي حدثت في مختلف إنحاء المعمورة ، متوخين من خلالها نشأت مجتمع قوي سليم، تتحقق فيه العدالة، وتصان فيه مبادئ حقوق الإنسان، وكذلك استعرض أهمية استقلالية القضاء و شروط استقلاليته، و دور مجلس النواب في تشريع القوانين، اللجنة القانونية في مجلس النواب، كيفية إعداد القضاة،و دور معهد التطوير القضائي في ذلك.
 وكذلك استعرض موضحاً دور المؤسسات القضائية العراقية الجديدة ومهام عملها وابرز المعوقات التي تواجهها، ومن المؤسسات التي استعرضها في حديثه، المحكمة الدستورية، المحكمة الاتحادية العليا، مجلس القضاء الأعلى، محاكم الاستئناف، الجنايات، التحقيق. خلال استعراضه نقل صور عديدة من واقع القضاء في العراق، وكيف يعيش حالة الصراع والمخاض، من اجل إرساء أسس ودعائم سليمة قوية لتأسيس قضاء عراقي نزيه مستقل.
وبعد هذا الاستعراض القيم والذي دام زهاء ساعة كاملة والذي شد الحضور إلية ، لما يتمتع به الأديب القاضي زهير كاظم عبود من طريقة جميلة  شيقة في التحدث والمخاطبة والسرد والتوضيح. و بعدها شكرت ضيفنا الكريم لهذا السرد القيم الممتع ، لننتقل بعدها إلى الفقرة الثانية من الأمسية، لنفتح باب الأسئلة، المداخلات والاستفسار، وطلبنا من السيدات والسادة الحضور الراغبين في المداخلات والأسئلة تسجيل أسمائهم.
فكانت مداخلات واستفسارات وأسئلة متعددة متنوعة أغنت الأمسية بالمفيد من المعلومات وزاد من حيويتها شارك فيها السيدات والسادة الأفاضل من الكتاب والأدباء والفنانين والزملاء التالية أسمائهم " كاظم الداخل ، أبو هيثم ، إلهام زكي خابط ، أم ظافر ، محمد الشبيبي، باسم طالب الكيلاني،  فهد محمود "أبو مازن "، أبو ناتاشا، طالب محمود "أبو هشام"،  باقر غيلان الساعدي، فلاح صبار.
أجاب الأستاذ زهير كاظم عبود علي جميع الأسئلة ولاستفسارات والمداخلات، وكانت الفقرة الثانية من الأمسية إضافة جديدة  لتوضيح كل ما يدور في الأذهان عن "القضاء  في العراق" واقعه  دوره وأفاق مستقبله.     
 في ختام الأمسية  شكرنا حضورنا الكريم و قدمنا شكرنا وامتناننا باسم الجمعية الثقافية العراقية في مالمو مع باقة ورد عطرة   
لضيفنا العزيز الأستاذ زهير كاظم عبود.
أدناه باقة من صور الأمسية :



مالمو /3 صورة لجانب من الحضور من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود


 
مالمو /4 صورة لجانب من الحضور من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود



 
مالمو / 5 صورة لجانب من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود


 
مالمو /6  صورة لجانب من الحضور من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود


 
مالمو /7  صور من الأمسية الثقافية القضاء في العراق للأستاذ زهير كاظم عبود

ملاحظة : صور الأمسية ألتقطها بكامرته الخاصة الزميل والصديق العزيز فاضل زاير وبعثها لنا مشكوراً.

كتبت في مالمو 19/حزيران/ 2011
     
 


122
مدينة لوند السويدية تحتضن المئوية الأولى للعالم الفذ عبد الجبار عبد الله

بقلم: يحيى غازي الأميري

قبل الموعد المحدد لبداية الاحتفال والذي كان مقرر البدء فيه الساعة الخامسة مساءً من يوم 29 نيسان أحتشد عدة مئات من الحضور أمام مبنى أحدى مدارس لوند  ”Svaneskolan”فيما توزع القسم الأخر في أروقة المدخل المؤدي إلى القاعة ، كان هنالك معرض تشكيلي و بعض الصور الفوتوغرافية للعالم عبد الجبار للصور علقت بعناية على جدران المدخل، فيما صفت بعض المناضد ورصفت فوقها مجاميع من الكتب والمجلات التي أعدت للمناسبة، في تلك الأجواء كانت عشرات الكامرات تلتقط الصور، وعشرات من الحضور موزعين في حلقات صغيرة وكبيرة يعانق ويصافح بعضهم البعض فيما يتجاذب آخرون أطراف الحديث ؛ أنه لقاء فريد من نوعه ، العديد منهم لم يرَ أخاه  أو قريبه أو صديقه أو زميله منذ عشرات السنين، عشرات الوفود جاءت من مختلف إنحاء العالم لتعيد إحياء  ذكرى غالية على قلوب الجميع الا وهي احتفالية العالم العراقي المندائي الفذ الدكتور عبد الجبار عبد الله  .



لوند / اليوم الأول من احتفالية مئوية العالم عبد الجبار عبد الله
اللجنة المشرفة على الاحتفالية الجمعية الثقافية المندائية في لوند، كانت موزعة بعناية في جميع مداخل الاستقبال، ترحب بالحضور بود وتوزع مع ابتسامتها كراسات تتضمن منهاج الاحتفالية وكراساً يحتوي على شيء تعريفي عن الشخصيات التي سوف تشارك بمداخلاتها في برنامج الاحتفالية مع " باج " صغير يحتوي صورة للعالم المحتفى به.
 في الموعد المحدد افتتحت الباب المؤدية  إلى صالة الاحتفال.
بانت القاعة واسعة فارهة، وقفت على جنب أرقب الحضور، ما هي إلا لحظات حتى اكتظت  القاعة بالحضور الذيين  توزعوا  بانسيابية سريعة على الكراسي التي تحتويها صالة القاعة، فتحت الستارة عن

صورة كبيرة للعالم عبد الجبار عبد الله تتصدر الجدار الخلفي لمسرح القاعة، لوحة كبيرة رسمت بإتقان بريشة الفنان المبدع كاظم الداخل، بحجم 2,00م X2,10م رسمت بمادة الأكلير على الكانفس.


لوند/صورة لي بالقرب من المسرح وخلفية الصورة لوحة للعالم عبد الجبار عبد الله
صوت جهوري رخيم وبلغة عربية سليمة كان صوت عريف الحفل الفنان الأديب المسرحي صلاح الصكر يعلن افتتاح الاحتفالية المئوية للعالم عبد الجبار عبد الله  1911-2011  في لوند السويدية ( بعيداً عن أرض الوطن الأم العراق ) وبحركة مسرحية وبلطف يطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء العراق ومن ثم عزف بعدها النشيد الوطني العراقي " نشيد موطني" أنصت الحضور إليه  وقوفاً بكل خشوع ، فيما كان العديد منهم يرددون النشيد، وحال انتهاء النشيد دوت عاصفة من التصفيق هزت أرجاء القاعة.
         
نظام الحكم في العراق تغييّر، وذلك منذ ثمان سنوات ونيف من الأشهر، ومنذ أول أيام التغيير والذي أتحفتنا به الديمقراطية العالمية الجديدة وراعيته الأولى أمريكا وشركائها في عملية التغيير والتي لم تتحقق حتى هذه اللحظة، كانت الوعود والبيانات والخطابات والتصريحات الثورية العراقية والعالمية  تنهال على العراقيين ببشرى تغيير الحال نحو الأفضل والأحسن والأرقى، وسوف ينتهي زمن القهر والبطش والتمييز والتفرقة والإقصاء والإبعاد والموت والجوع والخراب والفساد، وسوف تعاد الحقوق إلى أصحابها وسوف يكرم العلماء والمضحين بما يناسب حجم تضحياتهم وعطائهم للوطن والشعب، وتمضي السنون، مرعبة ثقيلة على الشعب والوطن، ومن سنة إلى أخرى والبلد يدخل مترنحاً في أتون دوامات مريرة، وصراعات شرسة جديدة مبتكرة ؛ تزخ أمطارها الكارثية كالبيانات النارية التي وعدونا بها، لكن هذه المرة بكوابيس حقيقية هائلة في رعبها وبشاعتها، منذ الأيام الأولى للتغيير والبلد مسرح مفتوح على مصا ريعه لتدخلات وتجاذبات وصراعات داخلية وإقليمية وعالمية، قوى عديدة تخطط وتنفذ مخططاتها و برامج مصالحها وتصفي حساباتها على حساب الوطن وناسه ومستقبلة . وتضع ألاف من المعوقات والعصي أمام أي خطوة يحاول البلد أن يخطوها نحو الاستقرار والخروج من الكوابيس المرعبة التي تلفه.
  ومنذ الأيام الأولى بعد التغيير كُتبت مئات المقالات ورُفعت العديد من النداءات، من مختلف القوى السياسية والوطنية العراقية ومن أبناء الصابئة المندائيين، عن ضرورة رد اعتبار وتكريم العالم الفيزيائي العراقي الفذ " عبد الجبار عبد الله"  فهو شخصية وطنية تقدمية يحضى بحب  شرائح واسعة من العراقيين على مختلف قومياتهم ومعتقداتهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية ؛ فخلال فترة عمره القصير قدم  العالم " عبد الجبار عبد الله" عصارة فكره ، وطيبة روحه وأقصى جهوده بكل تواضع لبلده وشعبة، ورفع أسم بلده عالياً في مختلف المحافل الدولية، فيما ناله بنفس الوقت الكثير من الظلم والإجحاف والإذلال ؛ وخصوصاً بعد انقلاب 8 شباط 1963 ؛ حيث أودع السجن، ونكل به بشكل متعمد، وبعد إطلاق سراحه من باستيل البعث غادر العراق كسير القلب والجناح، لكن قلبه وعقله بقيا متعلقين بتراب الرافدين، يهيم حباً وشوقاً بأنهاره ، شطآنه ،اهواره، عواصفه الترابية، تقلبات طقسه، مشاريعه العلمية، مظلته المطرية بقرب والده الكنزفرا عبد الله الشيخ سام، شريعة التعميد في الكريمات، جامعته وكلياتها، بحوثه، طلابه، أصدقاءه، قلعة صالح، العمارة، الكريمات، فقراء وطنه، حديقة بيته، أماله تطلعاته، مشاريع الطاقة الذرية، هناك في الغربة في أمريكا استقر فيه المطاف والعمل وهو في قمة عطائه العلمي، كان وعند حضوره مشاركاً في المؤتمرات والمحافل الدولية  العلمية التي كان يحضرها مندوباً  عن المؤسسات التي يعمل فيها، وفي تلك المؤتمرات التي لم يرفع فيها علم بلده العراق بجانبه، كما يرفع علم المندوبين الآخرين، كان الألم يعصر قلبه فيما كانت عيناه تذرف الدموع بحزن وهو يقدم مداخلاته وبحوثه.
شيء من  مفردات وردت عن صفات "أبي سنان " العالم عبد الجبار عبد الله " كما تناولته الأقلام المنصفة في سردها بعض من سيرته " قديس، تقي، ورع، طاهر، نزيه ،عفيف، شريف، كريم النفس،
غيور، عالم، محب  للعلم والأدب والشعر والحياة، وقور، وديع، عادل، شديد الذكاء، المتفوق الأول دائماً، موسوعي المعارف، رقيق، متواضع، منصف، رصين، مخلص لبلده، دقيق في عمله ومواعيده، مجد ومجتهد، يجيد العديد من اللغات، يحب العراق وشعبه،رمز مهم من رموز العراق الوطنية والعلمية، مدافع عن القيم الإنسانية ويحملها بحنان مع أنفاسه.
 في المهجر وعند اقتراب منيته كانت وصيته أن يدفن جثمانه في أرض وطنه في العراق كان ذلك عام 1969 حيث عاد جثمانه في تابوت من الخشب الفاخر المفرغ من الهواء، إلى دار والده المرحوم [  رئيس الطائفة آنذاك ]"الكنزفرا" الشيخ عبد الله الشيخ سام في بغداد / محلة الكريمات فيسري خبر وصول جثمانه كما البرق بين أبناء جلدته ومحبيه ؛في ذلك الوقت كنا نسكن قضاء العزيزية / واسط ، عاد والدي مسرعا من محل عمله أبدل ملابسه وغادر البيت على وجه السرعة إلى بغداد لحضور تشيع جنازة العالم عبد الجبار عبد الله، لم أعرف كيف وصل الخبر إلى والدي ومن ابرق له خبر وصول جثمانه ؛ ليشيعه أهله ومحبوه  في موكب مهيب ذرفت فيه انهار من الدموع ، ليستقر جسده الطاهر في أرض الرافدين في مقبرة  {أبو غريب  } الخاصة بالصابئة المندائيين بعد أن ارتفعت روحه الطاهرة إلى عليين حيث الصالحين الكاملين .
سنوات عديدة متتالية كانت فيها أحدى مؤسسات طائفة الصابئة المندائيين" الهيئة الإدارية لنادي التعارف" ببغداد تقيم احتفالية سنوية متميزة للعالم الجليل عبد الجبار عبد الله في بناية " نادي التعارف الخاص بالصابئة المندائيين " وتُمنح فيها جوائز تقديرية للمتفوقين الأوائل من المندائيين، وتمنح الجائزة السنوية الخاصة باسمه للمتفوق الأول في الدراسة الإعدادية. كان ذلك في زمن النظام السابق لحين الاستيلاء على النادي من قبل السلطة البائدة!
كنت أعتبر تلك الاحتفالية السنوية في ظل حكومة البعث البوليسية تحدي كبير للسلطة في عقر دارها فبمجرد أن تذكر أعماله وخدماته الجليلة ودوره الريادي في تأسيس الصروح العلمية في البلد هي شتيمة علنية موجعة لمضطهديه ؛ فحكومة بعث 1968هي التي تقود السلطة وهي امتداد لحكومة انقلاب شباط الأسود عام 1963 التي أذلته وحاربته وسجنته وشردته من وطنه عند استلامها السلطة.
في تلك الاحتفاليات المهيبة كانت تلقى البحوث والدراسات وتنشد القصائد وتستذكر انجازاته وشيء من سيرته الحافلة بالنقاء والعطاء.

الصورة " يحيى الأميري " بغداد 1997 نادي التعارف احتفالية العالم عبد الجبار عبد الله

 وقد كان لي الشرف أن شاركت في الاحتفالية السنوية للعالم الفذ عبد الجبار عبد الله عام 1997 بتقديم بحث عن احد علماء الصابئة في الفترة العباسية عن العالم الرياضي المندائي  "ثابت بن قرة "وما له من دور مشرف في المساهمة الكبيرة ببناء الحضارة العربية.

في خضم كل الصرعات التي تلف البلد، صدرت مبادرة كريمة من  قبل دولة رئيس وزراء العراق نوري المالكي بتكريم العالم العراقي  المرحوم " عبد الجبار عبد الله 1911- ت1969" كما تناقلتها وكالات الإنباء والعديد من المنافذ الإعلامية بتاريخ 29/07/2009 وذلك " بإطلاق أسمه على أحد شوارع عاصمتنا الحبيبة بغداد و تسمية إحدى قاعات جامعة بغداد باسمه، وإعادة أملاكه إلى أصحابها
الشرعيين، والذي جاء كما ورد في التصريح " اكراما لدوره العلمي الكبير على المستويين العالمي   والعراقي ، وتثمين لدور العلم والعلماء "
وقد كتبت عن هذا التكريم مقالة نشرتها في حينها في العديد من المواقع الصحفية والموسومة" تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, من قبل رئيس وزراء العراق"

 أستل منها هذا المقطع  { {  رغم مجيء هذا التكريم الكبير متأخرا ً لكنه بداية موفقة حسنة وطيبة  لرد اعتبار هذا الطود الشامخ، العالم العراقي البار لوطنه وشعبة، أن هذا التكريم نصر كبير للصابئة المندائيين ولكل القوى الوطنية العراقية الشريفة الخيرة، أنه نصر جديد ومكسب لكل قوى الخير ولكل النجباء المدافعين بصدق عن شعب العراق، أنه ثمرة نضال لكل صوت دافع وساهم في الدفاع عن حقوق واستحقاقات عالم العراق الكبير " أبو سنان " سواء كان من الصابئة المندائيين أو القوى الوطنية العراقية والعالمية الشريفة، أن هذا التكريم شوكة بعيون أعداء الإنسانية والتقدم وأعداء العراق، وصفعة  قوية جديدة لكل من تطاول على قامته الشامخة، وعلى أبناء العراق النجباء }}.
لكن في المئوية الأولى وبعد التغيير، لم تحتضن أرض الرافدين، مئوية الطود الشامخ عبد الجبار عبد الله، والتي نذر لها كل عمره وأحب شعبها بكل جوارحه، وقدم لها خلاصة بحوثه وتطلعاته، أنه سؤال كبير يطرح نفسه من جديد لماذا ؟
 وهل هو تقصير؟
 وفي حالة كونه تقصير نطرح السؤال مرة أخرى .
من المسؤول عن هذا التقصير؟
أعود إلى أجواء احتفالية لوند/ السويدية ،كانت مبادرة جريئة وشجاعة من الجمعية الثقافية المندائية في لوند بتنظيم هذه الاحتفالية وبهذا الحجم، وبالشكل الباهر الذي ظهرت فيه الاحتفالية المئوية من دقة التنظيم وتوقيتاته، وبرنامج الاحتفالية الضخم في فقراته المتنوعة، وكذلك كانت موفقة في اختيار المشاركين في مداخلاتهم، فقد تنوعت تشكيلة المشاركين بتشكيلة رائعة من الأكاديميين والباحثين والفنانين والأدباء والشعراء وشخصيات مرموقة ذات نشاط ملحوظ في منظمات المجتمع المدني ، وكذلك اختيار قاعة الاحتفال الكبيرة وملحقاتها، واني أسجل تقديري الكبير لهذا الجهد الرائع الذي بذل من الجمعية الثقافية المندائية في لوند؛ وفي الحقيقة كنت أتوقع لهذه الاحتفالية النجاح الباهر منذ الساعات الأولى التي رافقت الإعلان عنه في مختلف وسائل الإعلام لما تتمتع به كوادر الجمعية من طاقات أبداعية كبيرة متنوعة وكذلك لها خبرة متراكمة لتجربة فعلية لسنوات طويلة في تنظيم المهرجانات
والنشاطات الثقافية والاجتماعية وكذلك تتمتع بعلاقات شفافة واسعة مع مختلف الأوساط الثقافية ، كل هذه مؤهلات عوامل مشجعة أهلتها لتبني أقامة هكذا نشاط كبير متميز.

سوف أحاول أدناه نقل صورة مختصرة عن المشاركات التي جرت خلال يومي الاحتفالية 29-30 نيسان2011 والتي كانت تبدأ من الساعة الخامسة مساء حتى الساعة الحادية عشر ليلاً.
كان للحكومة العراقية مشاركة فعالة بثلاثة فقرات في برنامج الاحتفالية والتي تحدثوا فيها عن جوانب عديدة للراحل العبقري عبد الجبار عبد الله ، وكذلك جاء في حديثهم أنهم سوف يرفعون مذكرات رسمية للحكومة العراقية لتخليد العالم الجليل عبد الجبار عبد الله لكونه احد الرموز الوطنية والعلمية العراقية  التي ساهمت بشكل جدي في بناء الصروح العلمية العراقية،وأدناه أسماء المشاركين في الاحتفالية ومقتطف من أقوالهم.   
1  .الأستاذ فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية ، أستل مقطع من كلمته القيمة في الاحتفالية "  {{ أنها المئوية الخضراء لميلاد هذا العالم الكبير الذي نشكو جميعاً أننا كعراقيين مازلنا مدينين له بالكثير؛الكثير الكثير لأن عطاءه العلمي ورصانته وجديته في العقود الأولى من تأسيس الدولة العراقية كان لها الفضل الكبير مع عمالقة آخرين في التأسيس لواقع أكاديمي هيأ الأرضية لتنمية العراق ،هذه التنمية التي بكل أسف مازلنا نفتقدها.}}
2. الدكتور حسين العامري السفير العراقي في ستوكهولم ، والذي تناول في كلمته العديد من محطات حياة العالم الجليل عبد الجبار عبد الله وأشار إليها بالإعجاب والثناء، وكذلك أشاد بدوره الريادي في بناء صروح المؤسسات العلمية العراقية، وأكد على أهمية تكريم العالم عبد الجبار من الحكومة المركزية  لكونه رمز مهم من الرموز العراقية.   
3. الدكتورة بتول الموسوي ، الملحق الثقافي في السويد، أستل فقرات من خطابها  {{  نستذكر اليوم رمزاً من أهم الرموز العراقية عامة والمندائيين خاصة }}  وفي مقطع أخرمن كلمتها  تقول عن العالم عبد الجبار عبد الله {{  رجل وضع العراق وسمعته في قمة الهرم}} .
وأكدت في كلمتها أنها سوف ترفع توصية بأن يجعلوا له تمثال فتقول{{  سوف أنقل هذه التوصية بأن يجعلوا له تمثالاً أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكي يكون رمزاً لكل أكاديمي وعالم عراقي ومثقف}} 
 وفي حديث مسجل لها أثناء حضورها الاحتفالية  بث على اليوتوب تقول د. بتول الموسوي{{  هذا الاحتفال أفرحنا وادخل السرور لقلوبنا جميعاً لأنه أعاد الثقة بالمكانة الاعتبارية للأستاذ والأكاديمي والمثقف العراقي باعتبار عبد الجبار عبد الله يمثل رمزاً عراقياً لا رمزاً مندائياً فقط ، ورمزاً مهماُ من رموز العراق؛ كنت أتمنى أن يكون مثل هذا الاحتفال في بغداد وان ترعاه الحكومة المركزية متمثلتاً بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، رغم أننا هنا نمثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية ،لكن الاحتفال الشعبي وحده لا يكفي أن لم يكن مسنوداً باحتفالات رسمية توثق لهذه الذكرى
العظيمة ذكرى مولد عالم كبير استطاع أن يشع بضياء نوره في مختلف إرجاء المعمورة، وان يكون رمزاً حين يذكر؛ يذكر معه العراق}} 
وسوف أسجل أدناه أسماء السيدات والسادة الذين قدموا مشاركاتهم القيمة الفكرية والفنية والعلمية والترفيهية،على مدى يومي الاحتفالية.
1.   اليوم الأول من الاحتفالية 29/نيسان/2011:
1.   الأستاذ فوزي الأتروشي، وكيل وزارة الثقافة العراقية .
2.   كلمة دائرة الثقافة السويدية في مدينة لوند.
3.   كلمة الأستاذ عبد الواحد  الموسوي رئيس اتحاد الجمعيات العراقية في السويد.
4.   كلمة الدكتور حسين العامري سفير جمهورية العراق في ستوكهولم
5    كلمة الدكتورة بتول الموسوي الملحق الثقافي في السويد
6   عرض مسرحي ؛ قدمت مسرحية وكانت بعنوان "مسرحية العارف" من تأليف وإخراج وتمثيل الفنان القدير الصديق سلام الصكر .وقد وزعت مع برنامج الاحتفالية ،بطاقة تعريفية عن المسرحية والتي جاء قيها : ( المسرحية هي سيرة ذاتية لعالم كبير قدم لبلده العراق والإنسانية الكثير مما يقدمها ويطورها.قناعتنا لا تبنى البلدان بغير مبدعيها وعلمائها. بدفاعنا عنه وكشف معاناته ندافع عن كل المثقفين والفنانين والعلماء الذين طاردتهم الحكومات الدكتاتورية ، وأملنا أن لا يمروا  بما مر به العالم عبد الجبار عبد الله . فإطلاق حرياتهم للإبداع  بناء للوطن وسعادة للشعب. )  وكانت المسرحية عمل فني جميل متكامل أداه الفنان المسرحي المتألق "سلام الصكر" ونال عليه استحسان الحضور بعاصفة من التصفيق.
7   مداخلة الدكتور قيس السعدي، الموسومة "بين ثابت بن قرة وعبد الجبار عبد الله المشتركات والمنجزات  .
8   مداخلة الدكتور إبراهيم إسماعيل الموسومة " التعليم العالي في العراق بين انجازات عبد الجبار عبد الله  والواقع الراهن"
9   مداخلة ارتجالية قيمة للدكتور الباحث عقيل الناصري، وكانت حول العلاقة وأوجه التشابه بين عبد الكريم قاسم وعبد الجبار عبد الله.
10.عزف منفرد على العود للفنان العازف المتألق أحمد المختار، قدم باقة من المعزوفات الموسيقية، ومنها معزوفة عن طور الصبي! 
بعد انتهاء العازف احمد المختار من عزف مقطوعاته الجميلة والتي انشد إليها الجمهور واستمتع بها وقابلها بالتصفيق كانت فترة استراحة دعي فيها الحضور إلى قاعة مجاورة لقاعة الاحتفال وذلك من أجل تناول الشاي والقهوة مع وجبات سريعة من الطعام **
السندوتشات**  وكانت فرصة أخرى للتعارف ولتبادل الأحاديث الودية والتقاط الصور التذكارية بين الحضور. 

 
لوند / مئوية العالم عبد الجبار عبد الله/  من اليمين ضامن الفارس ،مانع السعودي، عصام العثماني، يحيى الأميري، إلهام زكي
     

11. بعد الاستراحة بدأت الاحتفالية من جديد مع قصائد الشاعر الشعبي المندائي  المبدع  قيس السهيلي ومجموعة من قصائده ومن ضمنها قصيدة ** شيخ العلم ** قد أنشدها  خصيصاً للعالم المحتفى بذكرى مئوية ولادته.
12.مشاركة الشاعر الغنائي والإعلامي المتألق فالح حسون الدراجي بقصيدة جديدة كُتبت مساهمة في الذكرى المئوية للعالم عبد الجبار عبد الله.
بعدها جاء دور الحفل الترفيهي والذي قدمت فيه باقات جميلة من الأغاني التراثية العراقية  قدمتها " فرقة المحارة " انسجم الحضور معها ورقص طرباً على أنغامها العديد من الحضور.
اليوم الثاني من الاحتفالية 30/نيسان/2011
تزامن هذا اليوم أخر يوم من شهر نيسان/ أبريل مع احتفالات شعبية تقام في كافة المدن السويدية تسمى أمسية القديسة فالبورجا Valborgsmässoafton” " وهو من الأعياد الشعبية السويدية المهمة .
كانت مظاهر التجمعات السويدية واضحة فالعديد من السيارات تنقل العوائل والشباب إلى مناطق تجمعات    أقامة الاحتفال في هذه المناسبة، حيث توقد شعلة نار كبيرة تسمى شعلة مايو وبالسويدية ”majbål”  إذ يتم خلال  الاحتفال الترحيب بالربيع ، وفي كل تجمع يقام يقوم شخص بإلقاء خطاب الربيع، وتصحب الاحتفالات العديد من أغاني الربيع مصحوبة بجوقات موسيقية غالباً  ما تكون  تلك الجوقات الموسيقية من الرجال، ويعد هذا العيد كذلك أكبر عيد للجوقات الرجالية الموسيقية في مملكة السويد

الصورة تبين احتفال شعبي في السويد بمناسبة أمسية القديسة فالبورجا

وصلت مبكراً لمكان الاحتفالية مع مجموعة من الأصدقاء **د. إبراهيم ميزر وعمران موسى وزوجتي ** من مالمو والتي تبعد عن مدينة لوند حوالي 20 دقيقة بالسيارة، كنا نشاهد تجمعات السويديين في عيد القديسة فالبورجا كان ربيع السويد بشمسه المشرقة هذا اليوم  يغدق أمطاره بلطف، كانت درجات
الحرارة تميل للاعتدال، فيما الناس تلبس ملابس الربيع وقسم أخر ملابس مطرية وشتوية،مع مظلاتهم المطرية، فهذا ربيع السويد، وتقلبات مناخه اليومية المستمرة .
كان الحضور كبيراً أيضا هذا اليوم،الذي احتشد أمام المدخل مدخل وفي أروقة البناية، وداخل قاعة الاحتفال، على أحدى المنضد وضعت أباريق من القهوة والشاي، كان العديد من الحضور يحتسى منها، في الموعد المحدد الخامسة مساء ً بدأ الاحتفال توزعت فقرات احتفالية هذا اليوم كما مبين أدناه:
1. كلمة رئاسة الطائفة الصابئة المندائيين ألقاها نيابة الأستاذ توما زهرون ،رئيس مجلس الشؤون الطائفة العام، القادم من بغداد للمشاركة في الاحتفالية.
2. فضيلة الكنزبرا سلوان شاكر، رئيس المجلس الصابئي المندائي في السويد ألقى كلمة المجلس.
3. كلمة اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ألقاها د.صهيب الناشيء
4. كلمة جمعية المرأة المندائية ألقتها د. ليلى الرومي
5.مشاركة بكلمة فيها كثير من الذكريات ألقاها الدكتور محمد زاير .
6.كلمة لعائلة العالم عبد الجبار عبد الله ، ألقاها ولده البكر د.سنان عبد الجبار   
8.الدكتور صلاح زهرون وهام شارك بقصيدة عمودية جميلة عن العالم عبد الجبار عبد الله.
9.عرض فلم أعاصير الغربة والحنين إلى الوطن، والفلم من إنتاج نادي التعارف في بغداد.  استراحة لمدة 30 دقيقة ، لتناول السندويشات مع القهوة والشاي، وهي متعة أخرى للتعارف واللقاءات والأحاديث الجانبية .
10. مداخلة قيمة ارتجالية للدكتور الباحث رشيد الخيون. وكانت مداخلته بعنوان" عبد الجبار عبد الله وارث العلم"
11.مداخلة للدكتور إبراهيم ميزر  الموسومة " عين الإعصار" والذي استعرض فيها بشكل سريع ما احتواه كتابه القيم الجديد والذي أصدره متزامناً مع الذكرى المئوية للعالم عبد الجبار عبد الله، والكتاب يبحث في حياة وإعمال العالم عبد الجبار عبد الله.
12. مداخلة ارتجالية قدمها المهندس علي بداي، وقد استعرض فيها شيء عن مبادرته الجريئة بمفاتحة الجهات الرسمية العراقية منذ وقت مبكر عن أهمية الاحتفال بمئوية العالم عبد الجبار عبد الله في العراق.
13.مداخلة بديعة للشاب المندائي الواعد رامز سلام دخيل والموسومة "بحوث عبد الجبار عبد الله"
14. قصيدة للشاعرة سوسن سيف، قرأت بالنيابة عنها، بسب وعكة صحة ألمت بها ومنعتها من المشاركة.
15.أخر المشاركات كانت قصائد من الشعر الشعبي ألقها الشاعر المبدع كامل الركابي.
16. وأخيراً جاء دور الجمعية الثقافية المندائية في لوند بشخص رئيسها الأستاذ الصديق فلاح الصكر بتقديمها شهادات شكر وتقدير عرفانا بالجميل لجهود المشاركين والداعمين للاحتفالية.   
مسك الختام لهذه الاحتفالية الكبيرة ، كانت سهرة فنية رائعة مع الأغاني الجميلة والتي أدتها المطربتان المبدعتان ، الدكتورتان  شروق وشقيقتها سفانة جاسم الحلوائي.
كانت هنالك العديد من وسائل الإعلام التي غطت جوانب عديدة من الاحتفالية ومنها القنوات الفضائية العربية والسومرية ،والبغدادية، وتلفزيون لوند المحلي.
وكانت جهود فردية كبيرة قد بذلت من قبل الفنان والمخرج السينمائي الإعلامي بهجت صبري، وقد أسعدت جداً عندما اطلعت على ما نشر بجهوده الكبيرة في توثيق الكلمات والمداخلات وبثها على موقع اليوتيب، وكذلك قيامة بالإضافة إلى توثيق الاحتفالية كانت له لقاءات مسجلة رائعة في تسجيلها مع العديد  من المشاركين في الاحتفالية؛ كانت قد سجلت معظمها في دار سكن الصديق فلاح الصكر مع كرم الضيافة العراقية، بث قسم من اللقاءات على شبكة اليوتيب.
بالمناسبة كنت أراقب الأستاذ بهجت صبري بدن ولكني لم أكن اعرفه، ولم اعرف مع أي جهة أو قناة يعمل، فقد كان منهمك في التسجيل، يتابع بشكل دقيق كل ما يدور في القاعة وفي أخر الاحتفالية أعلن عن اسمه ضمن أسماء الذين منحوا الشهادة التقديرية، وأنه يعمل بشكل مستقل، غير مرتبط بأي قناة، الاسم كان قريباً  لذاكرتي فقد كنت  أعرف عن عائلته شيئاً  غير قليل منذ فترة تزيد على  الـ 30 عاماً فقد كان شقيقه الدكتور البيطري نبيه صبري بدن صديقي وزميلي فقد عملنا لسنوات عديدة في أحد مشاريع  وزارة الزراعة [ الشركة العامة للإنتاج الحيواني في مزرعة الصويرة] عندها ذهبت للسلام عليه والاستفسار منه هل أنه شقيق الدكتور نبيه وعندها كان جوابه بالإيجاب فحملته تحياتي للعزيز نبيه واخبرني شيء عن نشاطاته وإبداعاته
     
في الختام نقول من صميم قلبنا سلام مربع " كما يقول أشقاؤنا  في مصر"  للجهود الكريمة للجمعية الثقافية المندائية في لوند ولكل من ساهم  وساعد في إنجاح هذه الاحتفالية الرائعة.
بعض الصور من الاحتفالية


لوند /مئوية العالم عبد الجبار عبد الله ، يحيى الأميري و الكاتب والروائي سلام إبراهيم



 
لوند / مئوية العالم عبد الجبار عبد الله / د.حسن السوداني,الفنان أحمد المختار ,السيدة أسيل،,علي حسين ، الإعلامي أحمد الصائغ


 
لوند /مئوية العالم عبد الجبار عبد الله الفنان العازف أحمد المختار ، يحيى الأميري
مالمو/ السويد في 6 /6/2011   



123
الإعلامي والشاعر المتألق فالح حسون الدراجي في قراءات شعرية وأحاديث شجية في مالمو


 
بقلم : يحيى غازي الأميري

استضافت الجمعية الثقافية العراقية في مالمو ومؤسسة النور للثقافة والإعلام ، الإعلامي والصحفي والشاعر المتألق فالح حسون الدراجي على قاعة الجمعية الثقافية العراقية في أمسية ثقافية رائعة تخللتها قراءات شعرية جميلة وأحاديث منوعة شجية وهو أول عمل ثقافي مشترك بينهما.


(1) ألتقط الصور بكامرتي الخاصة للشاعر فالح حسون الدراجي / أمسية مالمو 4/5 /2011

 ويعود الفضل باستضافة الشاعر المبدع فالح الدراجي إلى الاحتفالية المئوية لولادة للعالم الفيزيائي العراقي المندائي البروفسور عبد الجبار عبد الله (1911- ت1969) والتي نضمتها الجمعية الثقافية المندائية في لوند، ليومي 29- 30/ نيسان/2011 وكانت قد وجهت دعوة رسمية  للشاعر للمشاركة وحضور الاحتفالية ،وقد حضر الاحتفالية وشارك بقصيدة جميلة لاقت استحسانا كبير من قبل الحضور.
 كان من ضمن الحضور للأمسية ضيف عزيز علينا قدم مع الشاعر من أمريكا الأستاذ الإعلامي والكاتب خيون التميمي، والذي كان قد حضر أيضا الاحتفالية المئوية للعالم عبد الجبار عبد الله. وكان من ضمن الحضور عدد كبير من الجمعية الثقافية المندائية في لوند جاءوا للأمسية مصطحبين معهما ضيفيهما الكريمين " الشاعر فالح الدراجي والأستاذ خيون التميمي ".    
كانت مبادرة رائعة من الجمعية الثقافية العراقية / مالمو ومؤسسة النور للثقافة والإعلام أن تنظم هذه الأمسية بهذه السرعة وبهذا الحضور الرائع... إذ كان الإعلان والاتفاق قد تم قبل يوم واحد فقط من موعد الأمسية والتي صادفت مساء يوم الأربعاء 4/5/2011
 ساعة ونصف كان الوقت المحدد للأمسية الثقافية، كلما كان الوقت يقترب من نهايته كان التفاعل يزداد في ذروته ، كنت بداخلي أتمنى أن يمتد وقت الأمسية لفترة أطول، كنت أراقب عقارب الساعة  كانت تسير بأقصى سرعتها، انتهت الساعة والنصف كما لو كانت لحظات قصيرة مرت، خلالها شد الحضور بنشوة للصوت المغرد العذب وهو ينشد قصائده أو يدلي بأحاديثه الشيقة الصريحة والتي تتخللها العديد من المفارقات والمداعبات وأفضل ما في أحاديثه كانت التلقائية التي تحدث فيها، بدون تكلف أو ورقة معدة مسبقاً.
حلق بنا على جناح السرعة إلى جنوب العراق إلى العمارة، وطاف بنا في مدينة كميت مسقط رأسه حيث الطبيعة الوادعة ،ومنظر نهر  دجلة وهو يخترق المدينة ليشطرها إلى نصفين غاية بالروعة والجمال، وسرنا معه  في مروج حقول القمح والشعير التي تحيط في المدينة وتلفها بسياج اخضر بديع، متأثرا بطيبة ناسها وبساطتهم ، وعاد بنا مسرعاً إلى منجم بغداد الكبير منجم المعادن الثمينة، مدينة الثورة؛ المدينة الغنية بطيبة وشهامة ناسها والمتخمة حد الوجع  بالحزن والفقر والمآسي والحرمان والاضطهاد والإهمال، المدينة التي تزخر بشكل مستمر بطاقات هائلة من المبدعين والموهوبين وفي مختلف الميادين الإبداعية. لقد مكث فيها أجمل سنون شبابه وطاف كالمسحور في أزقتها وأسواقها وحاراتها ودرابينها وملاعبها وكثرة ناسها، وصاحب بعشق ناسها وشوارعها وهمومها، فقد كانت أحدى أكبر المحطات الكبيرة والمهمة في حياته التي نهل وتزود منها.
 تبرز موهبة الشاعر المتألق الطموح الجريء فالح  حسون الدراجي الشعرية باختياره للمفردات المتداولة المؤثرة والنسج عليها ببراعته وموهبته وكأنه يطوع الكلمات ويشذبها ليدخلها عذبة، شفافة، رقيقة، متناغمة الإيقاع في بساط نسيجه الجميل المتناسق في هندسة ألوانه، ليخرجها قطعة أدبية نفيسة!...
 يلتقط  فالح مفرداته الشعرية الجميلة بآذان مرهفة السمع وبعيون يقظة راصدة ذات خبرة وتجربة ومعاناة طويلة مريرة يلتقط معها صورة للمأساة، فيزاوجهن" الصوت والصورة" بعضهن مع البعض زواجاً كاثوليكياً ! فيخرجها من محرابه بعد فترة قصيدة منسوجة بلغة شفيفة رومانسية تحاكي الوجدان وتدغدغ المشاعر

"حبيتك حب لهفه بلهفه حبيتك حب روح بروح
وخيرتك واليهوى بكيفه تريد تظل تريد تروح
يامرافق صغري وأيامي ومعاشر صحوي وأحلامي
شلون الحاجب ينسى العين
وشيفارك ولفين اثنين
لو جانو فد نيه وروح
تريد تظل تريد تروح
الحبك والراد أشواكك يهواك بوصلك وفراكك
حبيناك شكد منحب وشكد بهالعالم حب
يا سمر ياغالي ومملوح تريد تظل تريد تروح
حبيتك حب لهفه  بلهفه
حبيتك حب روح لروح
خيرتك وليهوى بكيفه تريد تظل تريد تروح
لا شوكك ينساه البال
لا حبك غير هالحال
ولا تكدر تنساه الروح
و خيرتك وليهوى بكيفه تريد تظل تريد تروح"
أو يكتب قصائد ثورية تثير الشجون وتقلب المواجع وتحفز الذكريات الأليمة وتثير الحماس...
( يلوموني بمحبتك عده وصحبان..... وأنياب الملامة تلوچني أكبالك

وحك مايك، كًضيت العمر عطشان..... ولامدّيت چفي لغير مايك

وحًك نعمة خبزتك مآني جوعان.....وبحلكًي العسل خبزك وچايك

وإذا مليون ناي يعزفن ألحان..... فلا تطرب أجروح لغير نايك)


 أو يحبكها فيجعلها بعد ساعات تسطع على واجهات المواقع الصحفية الالكترونية مقالة مدوية ثورية نارية أو ثأرية تأديبية لاذعة !.
والحديث عن كتابات الإعلامي المبدع فالح حسون الدراجي في باب فن كتابة القصيدة والمقالة، لا تسعه مقالة فهو متنوع متشعب يحتاج إلى العديد من الدراسات والبحوث المطولة، فنتاجه غزير ومتنوع في الكتابة يمتد لفترة زمنية طويلة ومر بمراحل متعددة متنوعة في قسوتها ولوعتها وشدة مآسيها.
بالإضافة إلى ذلك فالشاعر المبدع شخصية إعلامية لها حضور متميز في أعداد البرامج الإذاعية والمقابلات الحوارية الإذاعية المتميزة وقد تابعت أغلب التي بثت من إذاعة العراق الحر والتي نشرها الشاعر فالح الدراجي في موقع النور" في موقعه الفرعي في موقع النور الثقافي"  والتي سجلها لكوكبة من المبدعين العراقيين، والتي تعد كتوثيق مهم لمحطات من تاريخ سيرة كوكبة  ثقافية إعلامية عراقية مهمة ساهمت بشكل جدي في الساحة الإبداعية العراقية وسجلت لها حضور أبداعي فيها، وأتوقع لهذه اللقاءات الحوارية الجميلة أن تكون مرجع مهم في المستقبل، تفيد العديد من الدارسين والباحثين والمهتمين في دراسة الثقافة العراقية وتطورها.
وأدناه رابط الموقع الشخصي للشاعر فالح حسون الدراجي في موقع النور، وفي الرابط مجموعة من الحوارات الإعلامية وبعض من مقالاته .
  http://www.alnoor.se/author.asp?id=41
المبدع فالح حسون الدراجي مسكون بحب العراق وشعبه، فمن خلال متابعتي المستمرة لمقالاته وقصائده والمنشورة في العديد من المواقع الصحفية الالكترونية أرى انه متابع دقيق للوضع العراقي وإحداثه وتداعياته المحزنة، غزير الإنتاج،متنوع الكتابة يكتب في الأدب والفن والسياسة والرياضة، موسوعي المعلومات، واسع العلاقات والصداقات، يدافع عن نفسه بقوة وتحدي، ذو حراك مستمر، طموح جدا، مثابر، له أسلوبه الخاص في الكتابة وتناول الإحداث والتعليق والتعقيب عليها، قد لا أتفق مع بعض مما يكتبه من العبارات " وخصوصا اللغة  التي تحتوي كلمات من "العيار الثقيل" والتي يكتب فيها بعض من مقالاته في حالة الهجوم أو الدفاع أو التعقيب " لكني أتابع معظم كتاباته ومعاركه الجانبية وأقرئها بشغف!


(2) التقطت الصورة بكامرتي الخاصة الدكتور حسن السوداني يقدم لأمسية الشاعر فالح الدراجي / أمسية مالمو 4/5/2011

نعود إلى أجواء الأمسية والتي أدارها وقدم لها الصديق العزيز الدكتور حسن السوداني، فبعد كلمة الترحيب الدافئة بالجمهور والشاعر؛ قدم بعدها الدكتور السوداني قراءة جميلة عن سيرة حياة ضيف الأمسية وكانت قراءة جميلة وجديدة وغير تقليدية في طريقة تناول سيرة المبدع الضيف. وكانت قراءته تحت عنوان" أوراق غير منشورة من سيرة الشاعر فالح حسون الدراجي بعنوان (ولكن) وقد نالت استحسان الحضور، وأدناه مقطع منها " فالح حسون الدراجي علماني جدا يكره الزواج المتعدد ولكن تزوج اربع مرات.!!. زوجته الاولى كانت كثيرة الخداع والتقلب والتلون.. كانت كثيرة اللعب على الحبال وغالبا ما " تخرج الحية من الزاغور" .. رغم ذلك احبها وتلوع بها رغم خياناتها اللامحدودة .. كانت زوجته الاولى اسمها " سياسة"
اما زوجته الثانية فقد احبها حد الوله وركض خلفها حتى ادمت قدماه وتعثر في درب اللحاق بها مرات ومرات وتحمل من اجلها ركلات ودفعات وجروح  وكسور .. ولكن على حين فجأة تركها رغم اخلاصها وودها وحبها له .. زوجته الثانية كان اسمها " رياضة"
ولم يرغب متابعتها يجدها  منشورة كاملة على موقع النور الرابط أدناه :
http://www.alnoor.se/article.asp?id=113405
بعدها فسح المجال للشاعر الضيف للحديث ابتدأ بتوجه الشكر لمقدمه والشكر والامتنان الجمهور الذي حضر للأمسية، وشكره لكل من سعى لترتيب هذا للقاء ثم  تحدث بتلقائية وشفافية ودون تكلف ورتوش عن ابرز المحطات المهمة في سيرة حياته.
بعدها اقترح مقدم الأمسية الدكتور حسن السوداني أن تكون طريقة التقديم لفقرات الأمسية هي أن يسأل الضيف الشاعر عن بعض الكلمات أو الأسماء أو  والأحداث أو المفردات " أي ماذا تعني له"  وتكون إجابة الشاعر الضيف عنها بقصائد شعرية بعد أن أوضح الدكتور حسن السوداني أنه لم يتفق مقدماً مع الشاعر الدراجي سلفا على طريقة إدارة الأمسية بهذه الطريقة، فكانت قراءات شعرية متنوعة جميلة وأحاديث شيقة شجية!
وكانت من الكلمات التي أختارها
الليل
الغربة
الحبيبة
مدينة الثورة
الأصدقاء
أول قصيدة غزل
حسون الأب
الإمام الحسين
المقابر الجماعية
المسيحيون في العراق
سيمفونية المقابر الجماعية
أجاب الشاعر عن هذه المفردات الكبيرة، بين قراءة قصيدة موجعة حزينة وأخرى كانت قد كتبت بلغة عذبة غزلية رقيقة غنائية أو يجيب عن المفردات بالشرح والحديث.
فمن القصائد التي قرائها للحبية،" كان قصيدة " سبحان من غيرك سبحان من دارك" وأوضح أنه يقصد بها  زوجته  " أم حسون ". واستطرد بعدها يتهيأ  ليقرأ لحبيبة أخرى ! فيقول:
ــ أما إلى وحدة أخرى "حبيبة "ولكن قبل أن أتزوج حب استمر حوالي سبع سنوات، وانتهى نهاية مأساوية .
فقال "كتبت نص أسميته " الهدايا " وقد أعطيته إلى الفنان "كاظم الساهر" في قتها  فلحنه لحن جميل جداً وأسمعني شيء منه في عمان بعد التلحين، ولكن لم يسجله لحدوث خلاف بيني وبينه بسبب موقف من العراق ،ولم يتطرق أي شيء عن ذلك الموقف، وقد تحدث بنوع من الاعتزاز بصداقة بالمطرب الفنان "كاظم الساهر" وشرح قصة فضل الفنان "كاظم الساهر" عليه في مساعدته بالخروج من العراق .
 وقد قرأ النص الشعري والذي كان مطلعه " يا أغلى الأحباب واعز الناس إليّ وصلتني هديتك وشكراً على الهدية"
وبعدها قرأ قصيدة "جكليت " والتي أهداها بذلك الوقت إلى أحلى وحدة بالقاعة  كانت توزع "جكليت " في تلك الاحتفالية التي دعي أليها وكانت القاعة مكتنزة بالنسوان على حد قوله وكانت فيها " وحدة جميلة جداً "، ويسترسل في حديثه وعندما قلت اهدي هذه القصيدة  إلى أجمل وحدة بالقاعة دون ذكر أي أسم ألتفت الجميع إليها!
وأدناه مقطع منها:
كونچ تتعرفين بأمي ..... وكونچ تندلين البيت
من حين الشفتچ يحليوة .... وعدَّوني من اعداد المِيَت
أشگد سويت أبها الدنية .... وشگد سويت وسويت
وشگد شفت أبهاي الدنية ... وشگد عديت وعديت
بس ماشفت بعمري والله :
چكليت يوزع چكليت

وعندما سأله د. حسن السوداني عن علاقته بالإمام الحسين (ع)
كانت أول أجابته : بكلمة ألله وكأنها تخرج من قلبه!
وسترسل بالحديث عن حبه لوالده "رحمه الله" بشغف كبير، وقال عن حبه لوالده بالنص " أحب أبوي بشكل خرافي"  وأكد " أن الفضل بحبهم للإمام علي ابن أبي طالب والحسين  "عليهم السلام" يعود الفضل الأول فيه لوالده الذي زرع في نفوس عائلته ذلك الحب منذ الصغر، رغم أن البيت كله يساري ".
واسترسل يشرح الظروف التي كتب فيها قصيدة قوية جريئة بمناسبة عيد ميلاد الإمام الحسين(ع)  وكان ذلك في منتصف تسعينات القرن الماضي، وصادف وقت المناسبة في نهاية شهر نيسان وكان شهر" رمضان" يتزامن مع ميلاد صدام حسين تقريبا أقل من أربعة أيام وشرح كيف طلب منه قريب له " ابن أخته "  أن يكتب قصيدة عن ميلاد الإمام الحسين(ع)   لقراءتها في جامع الزهراء في سوق مريدي في مدينة الثورة مع نخبة من الأدباء والشعراء المشاركين وعدد له أبن أخته بعض من أسمائهم ومنهم " عريان، وحمزة، وصباح اللامي،وطالب الدراجي والفقيد  رحيم المالكي".
ويقول : وعندما جاء دوره للقراءة واعتلائه للمنبر في الجامع كيف شاهد رجال الأمن في الصف الأول الأمامي، وعند قراءة القصيدة كيف أثيرت ضجة كبيرة في الحفل وأختتم الحفل وقالها بلهجة شعبية  " خرب المهرجان  " وأردف قائلا "صارت هوسه وحجي ولغط، وجاء واحد اخذ مني القصيدة ، بعدين عرفت أن القصيدة وصلت للسيد الشهيد " محمد صادق الصدر"  وقال عنها الشهيد الصدر كما ذكر للشاعر " حتماً الذي قرأ مثل هذه القصيدة مجنون" .
 أستدعي الشاعر إلى الأمن بعد تلك الاحتفالية  لكن المسألة مرت على خير، وبعدها بعدة  أيام شعر بتزايد الضغوطات الأمنية عليه، مما أضطره إلى طلب المساعدة من الفنان كاظم الساهر للخروج من العراق مع وفد كان مهيأ للسفر مع الفنان كاظم الساهر وقد نجح الفنان كاظم الساهر بإدراج اسمه مع الوفد فخرج من العراق.  
وقرأ مقاطع من القصيدة والتي مطلعها:
الليلة عيد وخلَي كلنه نحتفي ... أسنين ماشفنه الفرح وأعياده
إذا مو بحسين بيمن نحتفي  ... وياهو بسوَه النحتفي بميلاده
 حسين كَمرة ، والكَمر ما ينطفي .. وشعلته لآخر زمن وكَاده
حُبَه ثابت بالكَلب مايختفي ... وجمره يلسع غصباً اعله أرماده
ويوم طاح حسين في أرض الطف ... ألله مَد ايدَه لحسين أوساده
الرسول اغتاظ واحتد النبي ... وبالسماء أتعطلت العبادة
حتى جبريل اختنكَ من البجي ... يالهواشم طاح عين كَلاده
دمعة طفرت من أبو اليمَّه علي .. وضلع من الزهرة شكَ أضماده
القضية اتهون لو بس ياعلي ... عالحسين الطاهر وأولاده
لاتزال اسيوف تذبح ياعلي ... بالحسين وشيعته وأحفاده
كانت قصيدة مؤثرة جداً تفاعل معها الحضور وأعاد قراءة بعض المقاطع أكثر من مرة.
وعندما  سأله د.  حسن السوداني عن  "المسيحيون في العراق"
أجابه انه كتب لكل العراق بجميع أطيافه كتبت عن الصابئة المندائيين "عشق مندائي" وعن الأيزيديين وللمسحيين كتبت "يا مسيحيين العراق  يا ولد اشرف نبع" والقصيدة حولت إلى عمل فني غنائي.
وقد اعتذر عن قراءتها لكونه لم يحفظها وقد اخترت هذا المقطع منها والذي وجدته منشور في العديد من المواقع الصحفية على شبكة الانترنيت.
 ( يا مسيحيين العراقي
 
أريد احلفك بالمآسي وبالسجون والقمع
 
واريد احلفك بالليالي واشكثر حركن شمع
 
وأريد احلفك بالمآقي شكثر شالن دمع
 
لاتغادر شجرة أمك مهما يتردى الوضع
 
بير جدك وأنت من اشرف نبع
 
اثبت وكلهم عراقي وأسالوا الحق والشرع
 
أنت مثل الجبل باقي والجبل ابد ما يندفع )

وكذلك اخترت المقطع أدناه من قصيدة "عشگ مندائي" التي كتبها الشاعر فالح الدراجي من احد المواقع من على شبكة الانترنيت.والذي يقول فيه:

بترابك أطيب وأَبرَه من دائي
لأن حبك شفائي، وعلتِّي ودائي
عراقي، ومستحيل أگدر بدونَّك
ألف موته أموت وما أخونك
هَم شايف عشگ بيه خان مندائي؟


وتحدث بفخر واعتزاز عن عمله الكبير قصيدته الشهيرة (وين تروح يا ظالم) أو سيمفونية "المقابر الجماعية" وشرح الظروف التي كتب فيها العمل أثناء تواجده في الكويت بعد سقوط النظام الغاشم مباشرة واكتشاف المقابر الجماعية، وقامت ببثها العديد من الفضائيات في كل إنحاء العالم،والتي كانت ولم تزل من المناظر الفظيعة في قسوتها ورعبها.وتحدث كيف انتشر العمل  (وين تروح ياظالم)   في العراق، وكيف تم الاتفاق على إعطاء العمل لأدائه  بصوت القارئ الحسيني المعروف المبدع " باسم الكربلائي" وأخرجها الفنان "علاء يحيى فائق" . وتحدث بزهو أن تكون "جزء" مقطع صغير جداً من عمله الفني الكبير هذا، كان يظهر مع محاكمة صدام حسين مع الموسيقى وهي تعزف (وين تروح يا ظالم)
وقرأ منها المقطع التالي
أرقام .. أرقام
أرقام عنده البشر .. وأكياس يم أكياس
حتى الدفن مو دفن .. جم كَبر ما بيه راس
وكَبور ماتنعرف .. تمشي عليها الناس
هم أنت شايف كَبر حَدِر الرجل ينداس؟
أرقام تالي البشر .. وأجياس يم أجياس
محَد يعَرف الرقم ... بس الله والحراس!
لقد عادت بي الذاكرة وأنا أكتب هذا المقطع من قصيدة(وين تروح يا ظالم)  لتلك المناظر الرهيبة وأنا أتابع القنوات الفضائية في تلك الأيام، أكوام من الجماجم والعظام ولعب أطفال، نساء ورجال مدفونين بملابسهم، وأحذيتهم ،أكوام من العظام، أفواه لجماجم مفتوحة تستغيث، فيما كان يعلوا عويل نساء ورجال وشيوخ وأطفال وهي تنبش وتبكي وتصرخ وتلطم وهي تلملم الجماجم والعظام في مشهد دراماتيكي رهيب ،أنها من أقسى الصور المفزعة!
كنت وقتها في بداية وصولي السويد أجلس أمام التلفاز مشدود مرعوب ودموعي تنهمر مع كل صرخة " أم " فقدت ضناها أو "طفل" يجمع عظام أبيه أو جده أو" آب " يلملم أشلاء ابنه الوحيد وهو ينوح بألم مرير أو "زوجة " ثكلى تنثر التراب على رأسها لفقدانها رفيق حياتها وتوأم روحها أنها مأساة جماعية مرعبة !
ومن ثم  قرأ قصيدة موجعة جداً في رثاء صديقه " قاسم "، وذلك عندما تناول مفردة الأصدقاء وكم كنت أتمنى أن يقرأ شيء بحق الشاعر المبدع الفقيد رحيم المالكي، وفد سألت الصديق الشاعر فالح الدراجي  بعد انتهاء الأمسية.
ـ هل كتبت قصيدة عن  الشاعر الفقيد رحيم المالكي؟
ـ أجاب انه كتب مقالة طويلة عن الفقيد، ولم يكتب عنه قصيدة، وكنت قد قرأت في وقتها مقالة الأستاذ الشاعر فالح الدراجي بحق الفقيد الشاعر رحيم المالكي وبعثت له بطاقة تعزية ومواساة !
وأثناء قراءة الشاعر فالح الدراجي لقصيدة " حبيتك حب لهفة بلهفة حبيتك حب روح بروح" كان صوت نسائي ينساب بعذوبة يأتي من وسط القاعة يرافق صوت قراءة الشاعر ويتداخل معه، لفت انتباه الحضور لعذوبته، وشد الحضور له، كان الصوت يتناغم ويمتزج بمودة وشفافية مع صوت الشاعر رغم صوته القوي والمليء بالأحاسيس الدافئة والمتفاعل بنشوة مع القراءة.



(3)التقطت الصورة بكامرتي الخاصة المبدعة نور جبار الشطري تنشد مقطع من الأغنية " أمسية الشاعر فالح الدراجي / مالمو بتاريخ 4/5/2011


لتكون مفاجئة جميلة أن يقدم الإعلامي احمد الصائغ  رئيس مؤسسة النور صاحبة الصوت الواعد " نور جبار الشطري" ورغبتها في أن تغني مقطع من الأغنية، وقد غنت مقطع من القصيدة، فتفاعل معها الحضور وصفق لها بحرارة، علماً أن القصيدة كانت قد تحولت إلى أغنية مشهورة غناها المطرب المبدع الفنان سعدون جابر.
والشاعر المبدع فالح الدراجي كتب العيد من القصائد الغنائية والتي قام بأدائها العديد من كبار المطربين العراقيين مثل" كاظم الساهر،رياض احمد، فؤاد سالم،صلاح عبد الغفور، فاروق هلال، سعدي الحلي، مهند محسن،هيثم يوسف، كريم منصور، حاتم العراق، ماجد كاكا ،عبد فلك، عارف محسن ، حكمت السبتي، رعد بركات، وسيدة المقام فريدة وحسن بريسم، وغيرهم العديد من المطربين "
وقبل أن تقدم نور الأغنية كانت إحدى قفشات الشاعر فالح الدراجي السريعة واللاذعة حول القصيدة فقال:
 ـ  أني أحب هذه القصيدة جداً ولو أن زوجتي ما تحبها!
 لكنه لم يعلمنا لماذا لا تحبها زوجته؟!
 المبدع فالح حسون الدراجي كتب ما يزيد على 150 قصيدة غنائية بين عاطفية و وطنية وسياسية والوطنية منها تتغنى بحب العراق وتمجد سيرة مناضليه الأبطال وعلى مختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والدينية والقومية وقد حولت أغلبها إلى أغاني بأصوات العديد من المطربين العراقيين المبدعين،وكتب كذلك  قصائد غنائية طويلة حولت إلى أعمال فنية غنائية  " أوبريت " ومنها" بغداد أم الدنيا" وكذلك كتب أوبريت " الشمس تشرق من هناك" :الذي شاركه بكتابة كلماته المرحوم الشاعر جبار الشدود.
المبدع فالح حسون الدراجي في كل أنواع كتاباته قريب جداً من نبض الشارع العراق لا بل يعيش مع نبضه لحظة بلحظة ،يعيش معاناته وويلاته وأوجاعه المأساوية المستمرة،فهو يتنفس محنة الوطن ، رغم بعده ألاف الكيلومترات عنه لكن قلبه وعقله وروحه في العراق!، وتعيش معه أمانيه وتطلعاته إلى غد مشرق يوقف الخراب و ينير طريق العراق وينزع عنه رداء الموت و الحزن والبكاء.
وقبل أن انهي مقالتي عن المبدع الصديق فالح الدراجي اخترت هذا المقاطع من أحدى قصائده والذي يبين مدى تعلقه بالعراق وشعبه :
إحنه برَّه ، وأنتوا جوَّه
لا تكَولون الزمن بيكم أشسوَّه
وهيَّ نفس النار بيها الكل تجوَّه
أحنه وأنتوا أثنيَّنه بنفس العذاب
وفرق واحد ... إحنه بره وأنتوا جوه

كلما نسمع خبر عنكم نحتركَ
والشفايف تيبس وتصبح زركَ
الأصابع تغدي سعفة من القلق
والعيون تصير جمرة من الأرق
وللصبح نبقه نتكَلب ونتجوَّه

ماكو بالدنيا وطن مثل العراق
ولاشعب عانى مثل شعب العراق
من مصيبة كربلا لهسَّه المصاب
ورغم كل الموت والدم والخراب
العراق يكَوم وبجرحه يتكَوَّه
وقبل انتهاء الأمسية قدم الشاعر فالح الدراجي باقة  جميلة أخرى متنوعة من قصائده، تفاعل معها الحضور فخفقت معها القلوب لتصفق لها الأكف بحرارة، وقبل نهاية الأمسية أعلن الدكتور السوداني أن الشاعر فالح الدراجي سوف يبقى في الجمعية ليكمل سهرته بينكم ، ولمن يود محاورته والتحدث واللقاء به  فهو سوف يكون بينكم، لتنتهي الأمسية بكلمات ثناء ومودة وباقة ورد عطرة، وفعلاً خلال تلك الفسحة التي بقي فيها الشاعر دارت العديد من الأحاديث الودية والتقطت معها العديد من الصور التذكارية، ولكنها كانت فسحة بوقت قصير.
أترككم مع باقة من الصور التي التقطت بكامرتي الخاصة في أمسية الأديب الشاعر المتألق فالح حسون الدراجي / في مقر الجمعية الثقافية العراقية في مدينة مالمو/ السويد  بتاريخ 4/5/2011
      

(4) جانب من حضور في أمسية مالمو  للشاعر المبدع فالح الدراجي بتاريخ 4/5/2011


 
(5) جانب من حضور في أمسية مالمو  للشاعر المبدع فالح الدراجي بتاريخ 4/5/2011



(6) الشاعر المتألق فالح الدراجي مع الأستاذ احمد الصائع رئيس مؤسسة النور/ أمسية مالمو بتاريخ 4/5/2011




 
(7) من اليسار الشاعر نصيف الناصري، الشاعر فالح الدراجي وكاتب سطور المقالة يحيى الأميري أمسية مالمو4/5/2011


 
(8) من اليمين المبدعة نور جبار الشطري ،الأستاذ أحمد الصائغ، يحيى الأميري، ضيفنا الكريم الأستاذ خيون التميمي، أحلام الأميري/ أمسية مالمو4/5/2011


 
(9) أحلام الأميري ، الشاعر فالح حسون الدراجي ، يحيى الأميري / أمسية مالمو 4/5/2011



 
(10) أحمد الصائغ ،فالح الدراجي ،حسن السوداني،السيدة  أسيل ، يحيى الأميري أمسية مالمو 4/5/2011


 
(11) الشاعر فالح حسون الدراجي في حوار جانبي مع مجموعة من الحضور / أمسية مالمو 4/5/2011


 
(12) كاتب سطور المقالة يحيى الأميري مع الشاعر فالح حسون الدراجي / أمسية مالمو4/5/2011

كتبت في مالمو/السويد بتاريخ 11/5/2011

124
أمسية جميلة للروائي د. لميس كاظم في الجمعية الثقافية العراقية في مالمو/ السويد

 
بقلم يحيى غازي الأميري
استضافت الجمعية الثقافية العراقية مساء أمس الجمعة 8/ نيسان/ 2011 بمناسبة صدور روايته الجديدة " قناديل مطفأة " والتي صدرت حديثاً من دار الكتاب العربي بيروت /لبنان، الرواية تقع بحدود 500 صفحة من القطع المتوسط، والتي تدور أحدثها في العراق خلال سبعينيات القرن المنصرم.


الأديب خضير اللامي وبجانبه د.لميس كاظم

في بداية الأمسية رحب الزميل عصام الخميسي رئيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو بالحضور والمحتفى به الدكتور لميس كاظم، متمنيا للحضور أمسية جميلة وقضاء أوقات سعيدة.
أدار الأمسية وقدم لها الأديب والمترجم خضير اللامي، استعرض الأديب اللامي السيرة الذاتية للكاتب وقدم مداخلة شيقة عن الفن الروائي وقرأ بعض المقاطع القصيرة من الرواية ، داعيا الحضور للمشاركة بالحوار وجهاً لوجه من كاتب الرواية ، وقبل أن يطلب من الدكتور لميس التحدث قدم له مجموعة من الأسئلة والاستفسارات حول تجربته الروائية وروايته الجديدة " قناديل مطفأة ". تحدث بعدها الدكتور لميس عن تجربته ومسيرته في فن الكتابة وتطورها.
 


من اليمين د.حميد الجمالي ،الأديب خضير اللامي ، د.لميس كاظم

بعدها فسح المجال للمداخلات فكانت المشاركة الأولى مداخلة مطولة ممتعة للدكتور الفنان حميد الجمالي، تحدث فيها عن الجوانب الإبداعية في رواية " قناديل مطفأة " وقرأ بعض من المقاطع من الرواية معقباً عليها بملاحظاته. وقد شارك مجموعة من الزملاء الحضور في مداخلات واستفسارات وأسئلة متنوعة حول فن كتابة الرواية ،وكذلك  حول رواية قناديل مطفأة. ومن السادة الحضور اللين شاركوا في المداخلات ، الشاعر حسن الخرساني،الشاعر فائق الربيعي ،الكاتب مؤيد عبد الستار، والزملاء/ عصام الخميسي عامر، و عباس أدم .
اختتمت الأمسية بباقة من الزهور الجميلة قدمت من الجمعية الثقافية العراقية للدكتور لميس كاظم .لتكون بعدها فسحة مفتوحة للحوارات والتعارف في سهرة الجمعة الترفيهية في الجمعية.
في الختام نقول لصديقنا العزيز للدكتور لميس كاظم مبروك لكم روايتكم الجديدة " قناديل مطفأة "
مالمو في 9/ نيسان/2011
 

125
لقاء حواري بين بلدية مالمو ومجموعة من المهتمين بالشأن الثقافي للجالية العراقية والعربية  


بقلم : يحيى غازي الأميري
 
4/4/2011 مبنى بلدية مالمو من اليمين بشار القزاز، فائق الربيعي، Peter Österlin، يحيى الأميري ، Stefan Lindhe، Mohammad Mohammad ، علي القطبي الموسوي، عزيز البصري
بمبادرة مشكورة من اللجنة الثقافية في بلدية مالمو جرى بعد ظهر يوم 4/4 /2011  لقاء في مبنى بلدية مالمو" Malmö stad "  بين بعض من المسؤلين عن النشاط الثقافي في بلدية مالمو ومجموعة من الكتاب والأدباء المهتمين بالنشاطات الثقافية من الجالية العراقية والعربية، وكانت قد جرت قبل ذلك لقاءات تشاوريه تمهيدية لهذا اللقاء والتي كانت بمبادرة من " حزب Moderaterna" وذلك لغرض تفعيل وتنشيط التعاون بين الجالية العراقية والعربية ودائرة بلدية مالمو والدوائر المهتمة بالنشاط الثقافي بمختلف أنواعه،كان على رئس المستقبلين لنا في دائرة بلدية مالمو السيد Stefan Lindhe   المسؤول عن إدارة اللقاء والتحاور وكذلك حضر معه من الجانب السويدي:
 السيدPeter Österlin   العضو الناشط في حزبModeraterna والعضو في Kulturnämnden
 والسيد Mohammad Mohammad من الجالية العربية وهو عضو ناشط في المجلس البلدي لمدينة مالمو، والذي كان له الفضل بالتمهيد لذا اللقاء، وكذلك أحدى السيدات من الموظفات في المجلس البلدي والتي دونت ما دار في اللقاء.
 فيما حضر من جانب المهتمين بالشأن الثقافي كل من السادة :
1.   الشاعر فائق الربيعي
2.   الكاتب عزيز  عبد الواحد البصري
3.   الكاتب علي القطبي الموسوي
4.   الكاتب يحيى غازي الأميري
5.   والسيد بشار القزاز ممثل عن شبكة بيدر الإعلامية
وأعتذر زملاء آخرين عن حضور تم دعوتهم إلى الاجتماع بسب ارتباطاتهم بمواعيد ضرورية أخرى .  
دعانا السيد Lindhe Stefan  الشخصية الناشطة في المؤسسات الثقافية في مالو، بابتسامة ولطف إلى أحدى طاولات الاجتماعات وبعد الترحيب بنا دعانا إلى تناول القهوة ،ثم أستطرد بشرح توضيحي لطريقة العمل الإداري للمؤسسات الثقافية العاملة في كومون مالمو، وبعدها دعانا للتعريف بأشخاصنا وطرح ما نود مناقشته من أفكار وتصورات لغرض تطوير التفاعل والدعم من جانب المجلس المحلي لسلطة كومون مالمو للجمعيات والتجمعات الثقافية وخصوصا الناطقة بالعربية منها، عرف السادة الحضور جميعا ً بأشخاصهم ودار بعدها شرح شارك فيه جميع الحضور بطرح ابرز المعوقات التي تعيق تطور عمل تجمعات الجالية العراقية والعربية وتحجم من نشاطاتها وذلك من خلال معايشتهم لها بشكل فعلي.
وطلبوا من السادة المسؤلين عن النشاطات الثقافية في بلدية مالمو ضرورة مد يد العون والمساعدة الجادة في الدعم المادي والمعنوي لتجمعاتهم من أجل تطوير العمل والتفاعل والمساهمة الايجابية بالاندماج والتكامل وكذلك من أجل تقديم الأفضل من الفعاليات والنشاطات الثقافية والاجتماعية والمساهمة في إظهار الوجه المشرق للثقافات الكبيرة والطاقات الهائلة والمتنوعة التي تحتويها التجمعات والجمعيات العراقية والعربية في مالمو.
في نهاية الاجتماع وعدنا خيراً السيد  Stefan Lindhe بأنه سوف يتابع بشكل جدي ما دار في الاجتماع من طروحات وتصورات، وودعنا على أمل لقاءات أوسع في المستقبل ودعم أفضل للتجمعات الثقافية العراقية والعربية في سبيل النهوض بواقعها الثقافي وتحقيق أهدافها وتطلعاتها وتخفيف معاناتها ومن أجل أن تساهم بشكل أكثر فعالية في الحياة الثقافية لمدينة مالمو.  

مالمو بتاريخ 8/4/20011


126
في وداع أمي ... كان صوت بداخلي يبكي لم أستطع أن أكتم صراخه

طوباكِ أيتها النفس .. أيتها النفس التي خرجت من العالمِ .. طوباكِ لقد خرجتِ من هذهِ الدار، دار الخطايا والأشرار
تركتِ عالم الظلام، عالم الكرهِ والحسد والآثام فارقتِ عالم الأوجاع .. عالم الزيفِ والخداع.
اصعدي أيتها النفس .. اصعدي إلى داركِ الأولى ، دار الأثريين .. دار أهلكِ الطيبين
إلبسي بدلة الضياء والأريج، وأمسكي إكليلكِ البهيج .. واجلسي فوق عرشكِ الوقور ، الذي ثبته الحي في بلدِ النور .
" كنزا ربا ـ كتاب الصابئة المندائيين  "*


بقلم : يحيى غازي الأميري
بألم وشجن عميق ودموع تدفقت من سويداء قلبي ودعت ُ النفس الأخير لأمي، لترحل نفسها الطاهرة إلى بلد النور، دارها الأبدية، دارها الأولى.
 ثلاثة أيام بلياليها مثقلة بالحزن، كانت هي المدة الأخيرة التي أسعفني فيها الرب وحالفني معها الحظ والوقت أن أشاهد فيها أمي، وأحضر توديعها وأكون قد أوفيت لها بوعدي بأني سوف أكون بالقرب منها، واحضر قبل وفاتها وأشارك في حمل جنازتها.
 فقد قدمت موعد حجز تذكرة السفر من السويد حال سماعي خبر تدهور صحتها،طوال الطريق كانت تدور برأسي عشرات المواقف والذكريات وكلما أقترب تفكيري إلى لحظات لقاء أمي كانت تحاصرني الدموع، وتتقاطر عليّ صور تكرب القلب للوداع والموت...

 

العزيزية 15/تموز/2010 يظهر في الصورة د.جميل الزبيدي وهو يسجل ملاحظاته بعد أجراء فحوصاته لوالدتي،وبجاني يجلس صديقي سيد سعد الصميدعي.
كنت قد عزمت أمري وأكملت حجز تذكرة السفر للعراق كي أكون بالقرب من والدتي وتقديم ما يمكنني تقديمه لها من رعاية وعناية، كما وعدتها في الصيف الماضي الذي كنت قد قضيت بقربها 43 يوماً، كان صيف قائظ الحرارة ،كان حر الصيف فيها كسوط جلاد جائر، ثقيل،شديد في وجع آلمه ،بينما الجلاد يتلذذ بصراخ واستغاثة ضحيته، لم ننعم بتيار الكهرباء الوطنية إلا بحدود أربعة ساعات متقطعة خلال اليوم الواحد أي 4 من ساعات من 24 ساعة، في صيف قائظ لم تنزل فيه درجات الحرارة عن50 م، الكهرباء الوطنية حولت بحق إلى نقمة وطنية !
رغم طمأنتي من قبل الدكتور الفاضل الشهم جميل الزبيدي الذي زارها في البيت وفحصها وسجل ملاحظاته الطبية مشكوراً، وكذلك صديقي الحميم الدكتور سعد مجيد الياس الذي زارها أيضا ًوقدم خدماته الطبية لها ومنذ عودتي للسويد 22/8/2010 بعد أن قضيت 43 يوما كما أسلفت، بقيت قلقاً جداً عليها.
في الصيف وقبل موعد انتهاء فترة إجازتي كنت قد قررت أن اخبر أمي بموعد سفري، وانتهاء أجازتي، وأني سوف أسافر بعد غد، حزنت، تساقطت الدموع من عينيها، وتكدر مزاجها، وبعد سفري بقي صوت استغاثتها وهي تناديني أن أبقى بقربها ، حتى تتعافى أو يأخذ الرب أمانته.

 
العزيزية 21/8/2010 أجلس قرب والدتي قبل يوم من موعد عودتي إلى السويد

-   يمه يحيى لا تسافر أبقى جم يوم بعد.
وتصمت قليلاً وهي ترمقني بنظرة حزينة متوسلة ثم تكمل :

   - يمه إبقالك جم يوم ... لو أصير زينة لو ألله يأخذ أمانته.
صوتها لم يبرح ذاكرتي، بقيت قلقاً أتابع أخبارها هاتفياً يوميا ً، رتبت وضعي أن أسافر لها مجدداً وأبقى بقربها لمدة 40 يوماً إذ كانت صحتها تستدعي المزيد من الرعاية والعناية والوقوف بقربها إذ كانت قد  تجاوزت الثمانين ونيف من السنين القاسية المريرة والمرعبة التي مرت على عموم من بقى في ارض العراق ، وكأنه خلق كي يبقى يعيش طوال حياته في رعب ووجع وآسى وأحزان وفي صراع أزلي مع الفواجع والأهوال ...
 فحجزت بتاريخ 28 /11/ 2010 على أمل السفر يوم 8/12/ 2010 وعلى الخطوط الجوية  التركية.لم يبقى لسفري إلا عدة أيام ،وعند اتصالي اليومي كي أطمأن على صحتها، هاتفت أبن أخي في العزيزية صباح يوم 2 /12 /2010، أخبرني أن صحة والدتي منذ مساء أمس بدأت تتدهور، ويفضل أن أعجل بالمجيء، جاءني الخبر كالصاعقة .
في مالمو منذ يوم أمس بدأ الثلج يهطل كالمطر بدون انقطاع، أسرعت إلى مكتب الحجز وبشق الأنفس قربت موعد السفر بعد إن دفعت مبلغ أضافي على بطاقة السفر، حصلت على مقعد ليوم 5/12 /2010 كان ذلك أقرب موعد تمكنت من الحصول عليه، حزمت حقائبي الساعة 12 ظهراً من يوم 5/12 فموعد أقلاع الطائرة الساعة الثالثة بعد الظهر، حملت حقائبي إلى محطة مالمو وأخذت القطار المتجه إلى مطار كوبنهاكن، السفر من مطار كوبنهاكن إلى تركيا  ثم الانتظار بحدود 6 ساعات في الترانزيت بمطار"أتاتورك" في اسطنبول.
أكملت إجراءات الدخول بمطار بغداد بيسر، وحملت حقائبي إلى ساحة عباس بن فرناس، فوجدت على الموعد من ينتظرني بسيارته، إذ كنت قد اتصلتُ هاتفياً بصديقي النبيل محمود داود برغل في العزيزية  قبل يوم من وصولي وطلبت منه أن يبعث لي بسيارة أجرة "تكسي"  في موعد وصولي الذي حددته له،  قبل انتصاف النهار ليوم 6/12/2010 وصلت العزيزية، دخلت غرفتها، أمي طريحة الفراش، هدوء وسكون رهيب يخيم على أجواء غرفتها، جثمت على ركبتي قبلت يديها جبينها وجنتيها فيما راحت الدموع كزخات من المطر تذرفها عيناي، يرافقها صوت نشيج يشق صدري.


 
العزيزية في 6/12/2010 صورة وأنا اقبل جبين أمي
جلست بجانبها وهي مسجية على فراش الموت وادعة  كطيبة روحها تراقب كل شيء بعينها بصعوبة، عيناها ترقبني، عيناها كانت الوسيلة الوحيدة التي تعينها على الكلام، حيث سكت الكلام، تحدثت معها عدة مرات، حدثتها بكلمات تخالجها العبرات، أنزلت دمعتان من طرف عينيها وراحت تنحدر ببطء على خديها، سحبت منديل ورقي من علبة بجانبي وجففت لها دموعها، كنت أحبس دموعي التي لا تريد أن تتوقف، فيما كان صوت بداخلي يبكي لم أستطع أن أكتم صراخه، فخرجت إلى فضاء الحديقة لعلي أخرج شيئاً منه.
في المساء جاء الدكتور الصديق الطيب إبراهيم الوائلي، فحوصات الدكتور أكدت أن وضعها  صعب ودخلت مرحلة متقدمة بالخطر وعلينا التجلد بالصبر...
 

العزيزية مساء 6/12/2010 الدكتور إبراهيم الوائلي يجري فحوصات على والدتي.

 ثلاثة أيام أمتزج فيها الليل بالنهار في كل لحظة منها كان لي موعد مع توديع نفسها الأخير، كنت أحبس أنفاسي مرعوباً وأنا احسب أنفاسها وأراقب شهيقها وزفيرها، عيونها تدور ترقبنا لا تفارقنا، عند نفسها الأخير بكيت كطفل صغير...
قبل أن ينبلج الفجر، جففت دموعي، أحضرت من حديقة الدار باقات من أغصان شجرة الآس وغصن من شجرة الزيتون وقناديل من الشموع، أوقدت الشموع، وذهبت لغرفتها وجلبت أحد الصور المعلقة على أحد جدرانها، منذ سنين طويلة وهي تضعها مع صور عديدة أخرى، في الجهة المقابلة  لسريرها ،انتزعت الصورة من الحائط ووضعتها قرب الشموع وأغصان الآس وغص الزيتون أمام جسدها المسجى في صالة البيت، الصورة التي جلبتها التقطت في بغداد تعود إلى عام 1955 يظهر في الصورة " والدتي " هيلة شنان الزهيري" تحمل أخي فريد مواليد 1954 تقف بجانها أختي حياة، أنا أجلس على ساق خالي " جلوب شنان، أبو وليد " رحمه الله ، وهو يرتدي بدله عسكرية "جندي مطوع صنف الطبابة العسكرية "


 
الصورة يعود تاريخها إلى عام  1955في بغداد/ والدتي تحمل بيدها أخي فريد غازي الأميري مواليد 1954وتقف بجانبها شقيقتي حياة واجلس أنا على ساق خالي جلوب شنان الزهيري

وقفت كالمصعوق وأنا أشاهد المواقف الأخيرة في التوديع لجثمانها الطاهر، وجع يحز بكبدي، وقفت كالمذهول، شريط سريع من الذكريات يدور برأسي لا يهدأ يرجع بي سريعا إلى عشرات المحطات إلى الماضي لصور نقشت عميقا بحافظة رأسي صور كثيرة لأمي، يسترجعها، ها أنا الآن استرجعها بسرعة صورة وهي تحمل جرة ماء تحملها على كتفها تجلبها من النهر، أمي ترتب وتنضد أفرشتها بعناية، مساءات عديدة أمي تغزل في خيوط الصوف، شتاءات قارصة عديدة مرت وهي تعد لنا الدفء من مواقد النار وتدثرنا بحنانها، هاهي أمي تزرع الحديقة بالريحان والورد تسقي نخلاتها أشجار رماناتها وشجيرات صغيرة من الآس فألتقط لها صورة فوتوغرافية، حبها للطيور والحيوانات الداجنه، قطتها الملونة الجميلة وهي تدللها  بتحبب وتطلق عليها أسم " ريمه  واحياناً رويمه " ، صور وهي تطعم أفراخ دجاجها ، إوزاتها " البط"  ، صورة لنار التنور تلفح وجهها في صيف تموز العراق لتقدم لنا رغيف خبز معجون بمحبتها.
 

العزيزية 1/8/2010  في حديقة منزلنا والدتي تحدثني عن قطتها وأفراخها الجدد
وصور أخرى كثيرة  للفزع والخوف الذي يتملكها من عسس الدولة وعيون رجالها كلما جمعنا اجتماع في البيت، أو اعتقل صديق أو قريب، صور وهي يتملكها الهلع عندما نخبئ الكتب والمجلات الثقافية اثر تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية للبلد، لوعتها وعميق حزنها وهي تودعنا كل مرة لجبهات القتال في حروب ظالمة مرعبة عبثية فرضت علينا، تزاحمت الصور في رأسي صور كثير مرعبة مرت بها فكم أنتابها فيها الهلع ويتوقف قلبها كلما جاء طلب استدعاء من دائرة الأمن لأحد أبنائها أو قريب لها. صور صراخها وعويلها بصوتها الجنوبي المتهدج على أحبة غيبتهم السلطات الغاشمة في دهاليزها وأقبيتها السرية أو حروبها المدمرة الخائبة ،أو عبث العابثين عند سقوط عرش طاغية الطغاة وانفلات الأمن والأمان وغياب سلطة السلطة الجديدة وطغيان السلب والنهب والإرهاب! 
 
العزيزية 1/8/2010 اجلس قرب والدتي  في حديقة بيتها فالحر لا يطاق داخل المنزل
صور لفرحتها وسعادتها عند قدوم قريب ومحب لزيارتها، عطور ملابسها بخورها المتنوع، أعدادها للبن يومياً بواسطة قربة مصنوعة من أحد ثمار نبات الخضروات"الشجر" نوع من " القرع " أعدادها لبهارات الصبة ورائحته العبقة، زهدها، ورعها، حبها للجميع وتفقدها لأحوالهم، حبها لاغاني رياض أحمد ودموعها تنهال عند سماعها مواويله  الجنوبية الحزينة، وهي تحتفظ بكل تسجيلات أغانيه،في خزانتها الخشبية، صورة لحزنها سبعة أيام على وفاته.
 صورة أمي وهي تودع والدي وحزنها وحدادها الطويل والعميق عليه، وصورتها أخيرا عندما ودعتها في الصيف الماضي وهي تمسك بيدي وتتوسلني أن لا اتركها وأسافر، صور كثيرة التقطتها لها وأنا أستمع لقصصها وشكواها، وأخرى وأنا أقاسمها حر قيظ العراق صيف 2010 مع انعدام الكهرباء الوطنية وكأننا نعيش في بداية القرن العشرين.



العزيزية صباح 1/8/ 2010 أنا ووالدتي وأبن حفيد والدتي البكر أمير بسام، نتقاسم حر الصيف والذي يبدأ  دورته اليومية من الصباح حتى صباح اليوم التالي

 صورٌ كثيرة مرت بسرعة البرق، ملابسها ، صبرها، بكائها،طيبة قلبها، الصور تدور وتدور في رأسي وغشاوة من الدموع تريد أن تحجب مشهد رؤيا التوديع الأخير لجسدها المسجى في النعش بجانب القبر، قبل أن ينهال التراب على جسدها النحيل الرقيق الذي لفه رداء النور الأبيض والذي أعدته وهيأته بمعرفتها منذ زمن طويل، ويلف الاثنين معاً لفائف من القصب والبردي والذي تم أعداده منذ الصباح الباكر حسب الطقوس الدينية المندائية.

 
العزيزية 9/12/2010 في صالة بيت والدتي، يظهر في الصورة يقف أمام جثمان والدتي المكفن بالبياض أربعة رجال دين مندائيين"حلالية " هم المكلفين بحمل الجنازة وأجراء مراسيم الدفن.


 
الاستعدادات الأخيرة، للدفن والوداع، وصلنا إلى المقبرة الخاصة بالصابئة كان قد سبقنا أولاد أعمامنا " نصرت جاسم الشاوي وجواد ساهي جبر " لتهيئة المكان وتكليف من يحفر القبر، كانوا بانتظارنا هناك ، عند وصولنا إلى مقبرة الصابئة المندائيين في أبو غريب/ بغداد، كان النهار ليوم 9/12/2010  قد أنتصف، وجدنا  كل شيء جاهز، أنزلت الجنازة من فوق السيارة، ووضعت قرب القبر، بعدها أخرجت من التابوت الخشبي الذي نقلت بداخله، من  دار المرحوم والدي في قضاء العزيزية / واسط.
 

هاهم الرجال الأربعة من الصابئة المندائيين " حلالية" ** المكلفين بحمل الجنازة وإتمام مراسيم دفنها، وهم في كامل ملابسهم الدينية البيضاء"الرستة" والذين حملواها ورافقوا الجنازة من العزيزية حتى مقرها الأخير. الرجال الأربعة " ثلاثة منهم أولاد خالنا المرحوم " جلوب شنان الزهيري" وهم  كلاً من " خالد ، نبيل، صابر " والحلالي الرابع أبن أبنت عمتنا "سمير كعيد شذر"
وقف الرجال الأربعة وهم ملثمين يرتدون بدلات النور البيضاء" الرسته" *** ،ها هم يرفعون الجسد المسجى في النعش ،المصنوع من البردي والقصب وجريد سعف النخيل، النعش يلف والدتي التي اكتست بردائها النوراني الأبيض ومتزين جبينها بإكليل الآس" الإكليلة"  البهيج ، ليودعوه في مستقره الأخير...



 لحظات وسوف يواري جسد أمي الثرى أمسكت بكفي حفنة من التراب الطري من أحدى جوانب القبر رفعتها إلى فمي و لثمتها بحرارة من صميم قلبي ونثرتها بخشوع في القبر. لحظات ووقف الجميع وهم يرددون بصوت واحد صلاة المغفرة والرحمة " رواها إد هيي " على روحها الطاهرة.

 
 

بشميهون ادهيي ربي

لوفا ورواها إد هيي وشابق هطايي نهويلا إلهازا نشمثا الديلا ( الملواشة) (شارت بث شارت سيمت) اد هازا مسقثا وشابق هطايي نهويلا
وترجمتها للعربية :

بسم الحي العظيم
المغفرة والرضا وغفران الخطايا تهدى لهذه النفس المقصودة ( الاسم الديني) (شارت بث شارت سيمت) صاحبة هذا الثواب الذي أرجو له غفران الخطايا .


الصورة في مقبرة أبو غريب"الخاصة بالصابئة المندائيين" بتاريخ 9/12/2010 ويظهر في الصورة الرجال "الحلالية "الأربعة بكامل بملابسهم الدينية، المكلفين بمراسم  حمل الجنازة وإجراءات الدفن لوالدتي "هيلة شنان الزهيري، شارت سيمث بث سيمت " وهم يقرؤون صورة الفاتحة بعد أتمام مراسيم الدفن ويقف بجانبهم ،وليد جلوب الزهيري، نصرت جاسم شاوي،كريم جلاب جوري.

 
الصورة في مقبرة أبو غريب الخاصة بالصابئة المندائيين،بعد أتمام مراسم دفن والدتي  بتاريخ 9/12/2010 من اليسار حسن حسين الزماخ ,خالد جلوب الزهيري ،سمير كعيد الكلمشي، يحيى الأميري، نبيل و شقيقه صابر جلوب الزهيري ،سعد إسماعيل الصميدعي.

يحيى غازي الأميري
مالمو / السويد كتبت بتاريخ 26/ شباط /2011


 
هوامش وتعاريف ضرورية مكملة لمقالنا
* الكنزا ربا : هو كتاب ( الكنزا )، أو الكنز العظيم، أو السيدرا، هي جميعها أسماء لكتاب واحد ألا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في  كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي
** الحلالية  : (مفردها " الحلالي " وهو شخص من عامة الصابئين طاهر طقسيا ًومؤهل لحمل جثمان الميت وإجراء مراسيم الذبح والقيام بوظيفة المساعد ( شكنده ) ويمكن أن يحل محل " رجل الدين " الأصغر  الترميذه في عقد الزواج إذا لم يتيسر وجود العدد الكافي من رجال الدين .) المصدر كتاب الصابئة المندائيون ط2 هامش الصفحة 78. علما ً لقد كتبت في التعريف أعلاه كلمة "رجال الدين" بدل من كاهن كما وردت في الكتاب أصلا ً لكونها أكثر دقة حسب اعتقادنا.
*** الرستة : ملابس دينية بيضاء يجب أن يرتديها الصابئي المندائي قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني. وورد تعريفها في كتاب من تأليف الترميذا الدكتور عصام خلف الزهيري، الموسوم ( الدين الأول ) أو مدخل إلى الدين المندائي، والصادر في سنة 2007 في الجزء الأول الصفحة 52  ما نصه :
 (( الرستة : والكلمة تعني "رداء الحق ".هو الرداء الديني الذي يستعمله المندائيين في جميع الفعاليات الدينية . إن كلمة الرستة تعني الرداء النوراني الذي بدونه لا يجوز للمندائي الدخول لعالم النور بعد الوفاة. يكون قماش الرستة من القطن 89 النقي (الخالص ) الأبيض وهناك نصوص 90 عديدة حول هذا الموضوع .
كان هذا الرداء هو الرسمي في الماضي، بمعنى إن المندائي كان يلبسه في جميع الأوقات. إن الرستة (وطريقة خياطتها وطريقة لبسها )مهمة للغاية طبقا ً للمفاهيم المندائية ))



127
ثلاثة ندوات ثقافية متميزة للمرأة في مدينة مالمو خلال شهر أيلول 2010

 
بقلم: يحيى غازي الأميري
تأتي مدينة مالمو بالمرتبة الثالثة في تسلسلها في مملكة السويد، فهي من المدن العريقة في تاريخ السويد، يزيد من أهميتها موقعها الجغرافي المتميز ودفء مناخها  قياساً بجو السويد القارض البرودة، وكذلك سعة أراضيها الزراعية وضخامة موانئها, وجمالية أبنيتها القديمة الفخمة المتميزة بطرازها المعماري الرائع، ومهرجاناتها الفلكلورية والثقافية الرائعة والتي تقاوم على مدار السنة، وفي مالمو تشاهد النصب والتماثيل الفنية التي تملأ ساحاتها وحدائقها وشوارعها وفيها حركة لا تهدا من العمران والبناء، وهي بوابة السويد لدول أوربا والتي تربط معها بجسر عملاق " جسر أوريسند Öresundsbron " بدا العمل به 1995وأفتتح في تموز عام 2000، ومن الشواخص البارزة الحديثة فيها البرج العملاق " تورنك تورسو  Turning Torso " البديع والمدهش بتصميمه والذي يطل على البحر وتجاوره وتحيط فيه مدينة حديثة بديعة رائعة بجمال هندسة مبانيها العديدة المتنوعة وكذلك تصاميم مرفقاتها السياحية الترفيهية الرائعة.


نصب في إحدى ساحات مالمو المشهورة Mollevangstorget

 تتميز مدينة مالمو بشوارع فارهة واسعة جميلة الهندسة، وتنتشر في مناطق مالمو الإدارية العشرة حدائق غناء كثيرة بديعة  التخطيط  شاسعة المساحات، وتظم ملاعب رياضية متنوعة تنتشر في جميع أنحاء مالمو، ناسها خليط من كل جنسيات العالم، فيها العديد من المكتبات العامرة بمختلف أنواع الكتب واللغات. تتمازج بفسحة ديمقراطيتها الحضارات والثقافات المتعايشة فيها، وتعد الجالية العراقية من أكبر الجاليات الأجنبية فيها.
سوف أحاول في مقالتي هذه أن أتناول بشكل مختصر ثلاثة أمسيات ثقافية متنوعة في أهدافها ومواضيعها ففيها الجانب الاجتماعي الذي يهم معاناة المهاجرين وتجمعاتهم، أو تسلط الضوء على إبداع ثقافي كاد أن يلفه الضياع والنسيان، أو بعرض معاناة المرأة العربية والدفاع عن حقوقها في الوطن العربي والعالم الإسلامي، أنها محاضرات متنوعة في طروحاتها ومواضيعها ومضامينها، لكنها تشترك في قاسم مشترك واحد وهو أنها جميعا كانت أمسيات محاضريها كانوا جميعاً من للجنس اللطيف، وحضورها أغلبه من الرجال عدى محاضرة الدكتورة نوال السعداوي فقد كانت حصة المرأة بالحضور هي الغالبة، وكان للجالية العراقية حضور متميز وكبير فيها، جرت جميعها في شهر أيلول 2010 في مدينة مالمو، كنت قد حضرت جميع هذه الأماسي وصورت بكامرتي بعض من جوانبها. 
الأمسية الأولى : استضافت الجمعية الثقافية العراقية في مقرها ليوم الجمعة 3/9/2010 الأخصائية الاجتماعية الباحثة  السيدة الفاضلة " إيمان الحيدر" في ندوة حوارية مفتوحة، كانت الأمسية  تحت عنوان " تمركز الجالية العراقية بمدينة مالمو في السنوات الأخيرة، أسبابه ونتائجه " قدم للأمسية وكذلك شيء عن السيرة الذاتية للضيفة الكريمة الدكتور إبراهيم ميزر،وجرى  بعد انتهاء الباحثة لطروحاتها حوار ومداخلات بين المحاضرة والحضور اغني الأمسية وزاد من فائدة الندوة، في نهاية الأمسية قدمت مع الشكر الجزيل باقة من الورود العطرة للباحة الفاضلة باسم الجمعية.
 

  د.إبراهيم ميزر يقدم لندوة الباحثة أيمان الحيدر 

                                         
الأمسية الثانية: استجابة لدعوة وجهتها الجمعية الثقافية العراقية للمؤرخة والفنانة العراقية المعروفة د.أمل بورتر، والمقيمة في لندن، أقيمت الأمسية الثقافية في قاعة الجمعية بتاريخ 18/9/2010 الساعة السابعة مساءً .
 تحدثت الفنانة الأديبة الفاضلة وعلى مدى أكثر من ساعتين عن قصة حياة وكفاح ومغامرات أديبة عراقية فذة، والتي تعد أول رائدة تؤرخ لثقافة تاريخ العراق عاشت في القرن التاسع عشر، تحدثت عن الأديبة المغامرة ماري تيريز أسمر " الأميرة البابلية" كما سميت نفسها في الكتاب الذي كتبته في القرن التاسع عشر والمودع في أحدى المكتبات البريطانية. تطرقت في محاضرتها قصة الكتاب وكيف تعرفت عليه،وسردت متابعتها المستمرة في البحث عما دون في كتاباتها من أسماء أعلام ومناطق وإحداث، كانت تحكي بعض مما احتواه الكتاب من قصص ومعلومات غاية في المتعة والغرابة والإثارة.

 
يحيى الأميري يقدم للدكتورة أمل بورتر، الجمعية الثقافية العراقية / مالمو

أدار الندوة وقدم للأديبة الفاضلة  "أمل بورتر"  كاتب كلمات هذه المقالة " يحيى غزي الأميري"؛ في نهاية الأمسية قدمت للضيفة باقة ورد ومجموعة من مجلة تموز التي تصدرها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، ووزعت خلال الأمسية المرطبات والشاي والقهوة وخلال الاستراحة كانت هنالك فسحة للتحاور والتعارف والتقاط بعض الصور التذكارية بين الحضور،وقد عرضت خلال الندوة بعض الكتب من إصدارتها للراغبين بالشراء وقد اشتريت إحدى تلك الكتب" رواية دعبول البلام " والتي كنت بشوق كبير لاقتنائها والإطلاع عليها.
 

جانب من الحضور لندوة الدكتورة أمل بورتر، في مقر الجمعية الثقافية العراقية / مالمو


الأستاذ أحمد الصائغ مدير مركز النور أثناء الاستراحة  يقدم  مجلة النور هدية  للدكتورة أمل بورتر


وكانت الأمسية الثالثة للدكتورة المفكرة  "نوال السعداوي " والتي أقيمت مساء الاثنين بتاريخ 27 / أيلول / 2010 في أحدى قاعات بناية المكتبة الرئيسية في مالمو، تلبية لدعوة كانت قد وجهتها لها المكتبة الرئيسية في مالمو.
في مدخل باب المكتبة الدوار كتبت كلمة " مكتبة " باللغة العربية وكذلك كتبت نفس الكلمة بعدد كبير من الغات الحية المتداولة في العالم؛ ما أن ترتقي السلم للطابق الأول في القسم الحديث من بناية المكتبة، حتى تطالعك القاعة التي أعدت للمحاضرة، كانت قد صفت فيها عدة مئات من الكراسي الأنيقة أمام منصة نصبت للتو لغرض الندوة، كلما كان موعد الندوة يقترب كانت تتقاطر معه جموع غفيرة من الجمهور، القاعة الفارهة بدأت تخص بالحضور مما أضطر اللجنة المشرفة إلى جلب المزيد من الكراسي الأنيقة ومتابعة رصفها بصفوف متراصة متناسقة جديدة، جمهور من مختلف الجنسيات ومن كلا الجنسين لكن حصة النساء من الحضور كانت هي الغالبة، جمهور يربوا عدده بين350الى 400 شخص، كيف لا والضيف المحاضر من المدافعين الأشداء عن حقوق المرأة والديمقراطية ، وصل صدى نضالها لكل أرجاء المعمورة ، وترجمت أغلب مؤلفاتها التي تربوا على 45 كتاب إلى35 لغة، بالإضافة إلى مقالاتها وحضورها المستمر في مختلف وسائل الإعلام، وما تطرحه خلالها من  أفكار ومشاريع ومطاليب بحقوق المرأة ومعاناتها المريرة في المجتمعات العربية والإسلامية، وتحليلاتها وأرائها المثيرة للجدل والتي لم تزل تطرحها من خلال  كتاباتها ولقاءاتها الإعلامية رغم التهديدات المستمرة التي تلاحقها، بالإضافة إلى أرائها السياسية التقدمية المناهضة لكل أشكال التسلط والهيمنة والتميز ونضالها ضد التبعية والظلم والاستبداد وسلب خيرات ومقدرات الشعوب وضد الاستعمار بمختلف إشكاله وأرديته. لقد كسبت شعبة واسعة كبيرة من خلال نضالها النزيه الدائم.
ما أن اعتلت المنصة حتى رحب بها الجمهور بعاصفة من التصفيق، شكرت الحضور وسط انبهارها بتصميم قاعة المكتبة وحشد الجمهور الذي جاء إلى لقائها، معربة عن ارتياحها عند أول دخولها المكتبة وقراءة كلمة مكتبة باللغة العربية جنب اللغات الحية المتداولة في العالم. هكذا بدأت مشوار ندوتها التي استمرت بحدود ساعة ونصف شد جمهور الحضور لها ولحيويتها وهي في عمر يناهز الثمانين عاماً، الكل منبهر بطريقة تناولها الموضوع الذي تود طرحه ولحيويتها ونشاطها وهي ترص كلماتها بانسيابية وبذاكرة متقدة وجرأة متميزة في الدفاع عن أفكارها وأرائها، وقبل نهاية الندوة فتحت باب الأسئلة والمداخلات فكانت مكملة لحيوية ومتعة الأمسية.
وبعدها ترجلت عن المنصة وكان في استقبلها الجمهور الذي حبس أنفاسه خلال الساعة والنصف من عمر الندوة قابلها بلقاء حميم ، وكان للجالية العراقية حضور كبير متميز في الندوة، وقد حمل العديد من ممثلي التجمعات والجمعيات العراقية باقات من الورود وبعض من إصدارات أنشطتهم الثقافية، وقد قدم الزميل عصام الخميسي باسم الجمعية الثقافية العراقية في مالمو باقة من الورد فيما قدم لها الزميل قاسم حربي باسم الجمعية أيضا مجموعة من الأعداد  من مجلة تموز التي تصدرها الجمعية الثقافية العراقية، ووجهت لها دعوة لاستضافتها في الجمعية الثقافية العراقية،لكنها اعتذرت بسب انتهاء مدة سفرتها، وكذلك قدمت باقة من الورود باسم رابطة المرأة العراقية قدمتها الزميلة أم ريما وأم روان. وبعدها اتخذت من احد الطاولات مكان لجلستها لغرض التوقيع على كتبها التي بيعت خلال الندوة والمترجمة للغة السويدية ، وخلال هذه الفترة كانت هناك فرصة للتعارف و للأحاديث الجانبية والتقاط الصور التذكارية.
وأدناه باقة من الصور مع الدكتورة نوال السعداوي في صالة المكتبة الرئيسية / مالمو
 
يظهر في الصورة يحيى الأميري في حديث قصير مع الدكتورة نوال السعداوي /المكتبة الرئيسية مالمو

 
صورة تذكارية أحلام الأميري تجلس بجانب د.نوال السعداوي ويقف خلفها يحيى الأميري وعبد خلف الأميري وحياة ناهي الأميري/ مالمو

 
 
عبد خلف الأميري يحاور د.نوال السعداوي / فيما يلتف حولها مجموعة من الحضور، الزميلات أم روان ،أم مخلد، روان
 

 
الزميل عصام الخميسي  يصافح د. نوال السعداوي ويقدم لها باقة ورد باسم الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، وبجانبه الزميلات أم روان وخلفها الزميلة روان
 


 
الزميل قاسم حربي في حديث مع الدكتورة نوال السعداوي ويقف بجانبه الزميل محمد ناجي

كتبت في مالمو بتاريخ 12/10/2010



128
أبرز نشاطات الجمعية الثقافية العراقية في مالمو/السويد للفترة من 1/ 1/ 2010 لغاية 1/ 10/2010

بقلم: يحيى غازي الأميري

هذه الدورة هي الحادية والعشرون للجمعية الثقافية العراقية ،تنوعت النشاطات والمشاركات فيها استمرارا لسياسة الجمعية  السابقة، أبواب مقر الجمعية مفتوحة  طوال أيام الأسبوع لكل أبناء الجالية العراقية والعربية وأصدقائهم، تقدم خدماتها ومساعداتها للجميع، في مقر الجمعية هنالك صالة واسعة  مزودة بتلفزيون حديث، وشاشة وعارضة، وهنالك قاعة فيها مجموعة حديثة من الكومبيوترات,وضعت بخدمة أعضاء الجمعية وأصدقائهم، وهنالك قاعة أخرى لألعاب التسلية مثل الدومينو والنرد "الطاولي" وفي الجمعية حانوت يقدم أنواع المرطبات والشاي والقهوة بأسعار مناسبة جدا .و بالإضافة لنشاطاتها الثقافية والاجتماعية الترفيهية في مقر الجمعية ، هنالك نشاط مثابر للجمعية بحضورها المتميز في مختلف المحافل والنشاطات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تقام في مدينة مالمو وغيرها من المدن والتجمعات.
نود الإشارة إلى أنه خلال المؤتمر الحادي والعشرون للجمعية الذي عقد في شهر كانون الثاني 2009 جرت مناقشة كافة جدول إعمال المؤتمر وكان هنالك توجه من الهيئة العامة للمؤتمر لغرض مشاركة وتفاعل وتعاون أوسع من أعضاء الهيئة العامة للجمعية مع الهيئة الإدارية، فقدم اقتراح لتشكيل لجنة لمساندة الهيئة الإدارية لمتابعة نشاطات " الطاولة المستديرة " وهي طاولة مفتوحة للحوارات التي تقام مساء كل  يوم جمعة ، تناقش فيه مختلف المواضيع المقترحة ومواضيع الساعة، وهو تقليد حرصت الجمعية على ديمومته واستمراره بمشاركة أوسع، تتناول خلاله مختلف المواضيع الثقافية والسياسية وغيرها. ويكون عملها بالتنسيق المباشر مع الهيئة الإدارية للجمعية نال الاقتراح بعد المناقشة المستفيضة موافقة المؤتمر ، فتطوع مشكورا بالمساعدة بهذه المهمة كل من الزملاء الأفاضل " طالب كاظم - أبو هشام - وصادق الجواهري - أبو إبراهيم- ودكتور إبراهيم ميزر و قاسم حربي ومنذر صكبان ".ونسجل هنا باسم الهيئة الإدارية للجمعية شكرنا وامتنانا لدورهم الايجابي والفاعل خلال الأشهر الماضية لهذه الدورة .
سوف أتناول بشكل موجز أبرز نشاطات الجمعية للفترة من 1/ 1/ 2010 لغاية 1/ 10/2010.
1.خاتمة نشاطات العام المنصرم حفلة خاصة للأطفال أقيمت بتاريخ 24/12/2009 بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة.عرض خلالها فلم يخص المناسبة ووزعت أثناء الاحتفالية الهدايا والمرطبات والحلويات.

صورة لجانب من حفلة الأطفال في أعياد الميلاد

2. الجمعة 15/1/2010 أقيمت أمسية حوارية " الطاولة المستديرة " والتي كانت بعنوان " ورقة معلومات عن نظام جديد لتدريب الباحثين عن عمل في السويد للأستاذ ضياء حجازي، جرى بعد انتهاء المحاضر حوار مفتوح مع الحضور.
3. بتاريخ 26/شباط /2010 أقيمت أمسية حوارية عن الانتخابات العراقية  التي تجرى لانتخاب البرلمان العراقي الجديد وأهمية مشاركة الجالية العراقية فيها.
4.  الجمعة 2/4/ 2010 أمسية حوارية ” الطاولة المستديرة " نوقشت خلالها نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت بتاريخ 7/3/2010، وأفاق تشكيل الحكومة الجديدة.
5. 16/4/2010 أقامة الجمعية أمسية حوارية  حول كيفية مساعدة الأخوات والأخوة العراقيين الجدد" القادمين بشكل غير شرعي للسويد"  ومن غير الحاصلين على أقامة في السويد أو من المرفوضة إقامتهم  المؤقتة ومهددين بالترحيل، وبعدها أقيمت لعبة "الدمبلة الترفيهية " .
6. الجمعة 30 /4/ 2010 أقيمت في صالة الجمعية أمسية لحوار مفتوح لمواضيع مختلفة , أدار الأمسية الزميل أبو هشام وبعدها أقيمت لعبة "الدمبلة".
7. الجمعة 7/5/ 2010 أقيمت  ندوة حوارية مفتوحة أدار جلستها الزميلان " أبو إبراهيم وأبو سنديان " وبعدها أقيمت لعبة الدمبلة.
8. بتاريخ 13/5/2010 وعلى قاعة الكنيسة العالمية في منطقة صوفيا لوند /المجاورة للجمعية الثقافية العراقية  أقيمت أمسية ثقافية  وبالتعاون مع الجمعية الاسكندينافية في مالمو، تم خلالها عرض فلمين سينمائيين تعالج فيهما مشكلة اللاجئين في السويد،وخلال الأمسية وزعت خلالها المرطبات والقهوة والشاي ووجبات خفيفة من المأكولات.
9. أقيمت بتاريخ 14/5/2010 أمسية حوارية  مفتوحة بعنوان " حوارات حول مستقبل الجمعيات العراقية في مالمو وأفاق تعاونها في العمل والنشاطات المختلفة. أدار الندوة الزميل د.إبراهيم ميزر،وأعقبتها لعبة الدمبلة.
10. أقامت الجمعية أمسية يوم 21 /5/2010 أمسية حوار مفتوح وذلك بمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو . وكانت الأمسية بعنوان " بعد عشرين عاماً الجمعية الثقافية العراقية في مالمو إلى أين"
11.  بتاريخ 27/5 /2010 أقامت الجمعية  وبالتعاون مع الجمعية الثقافية المندائية في مالمو أمسية ثقافية للفنان الدكتور "أياد حامد" تحدث فيها عن المسرح والدراما التلفزيونية وأساليب تطويرها، أدار الندوة وقدم للضيف المحاضر الزميل الفنان المسرحي علي ريسان.


 
الزميل علي ريسان بقدم لندوة الدكتور أياد حامد                     
 

 
جانب من الحضور على ريسان،د.أياد حامد، الملحن جعفر الحفاف، يحيى الأميري

12.الجمعة 28 /5/2010 أقامت الجمعية ندوة حوارية مفتوحة "الطاولة المستديرة" للزميل قاسم حربي والتي كانت بعنوان " الأغنية الريفية في جنوب العراق وتأثرها بالبيئة " وابعد انتهاء الأمسية الحوارية بدأت بعدها سهرة جميلة غنائية ترفيهية ، سهرة مع الطرب العراقي الأصيل، أتحفنا فيها مجموعة من الزملاء " العراقيين" بباقة من الأغاني والبستات العراقية الريفية بألحانها العذبة الخلابة وكلماتها الرصينة.


الزميل قاسم حربي / مقر الجمعية الثقافية العراقية مالمو
13. أقامت الجمعية بتاريخ 4/6/2010 ندوة حوارية مفتوحة للدكتور الفنان المسرحي أسعد راشد والتي كانت بعنوان " الثقافة والسياسة في العراق/ مشاهدات عينية "
14. بتاريخ 8/6/ 2010 أقامت الجمعية الثقافية العراقية في مقرها  احتفالية نسائية " للأمهات الفاضلات "وقدمت خلالها محاضرتان طبية أحداهما للدكتورة زلفة والأخرى للدكتورة تغريد لعيبي , ووزع خلالها الوجبات السريعة والمرطبات والقهوة والشاي. حضر الأمسية  30 سيدة فاضلة. 
15. بتاريخ 17/6/2010 وبمناسبة انتهاء السنة الدراسة وبداية العطلة الصيفية أقامت الجمعية احتفالية للأطفال ،عرض خلالها أحد الأفلام السينمائية الحديثة  فلم " أفتار" وقدمت خلالها وجبة من الغداء والمرطبات، وخلال الاحتفالية مارس الأطفال الأحبة الرسم إذ تم توفير مستلزمات وأدوات التلوين والرسم المتنوعة وكذلك لون أحد الفنانين وجوه الأطفال الراغبين بذلك .
 

صورة  تبين جانب من نشاطات الأطفال/ الجمعية الثقافية العراقية مالمو

 
صورة أخرى تبين جانب من نشاطات الأطفال/ الجمعية الثقافية العراقية مالمو

16. بتاريخ 27/6/2010  أقامت الجمعية الثقافية العراقية وبالتعاون مع جمعية المرأة العراقية سفرة عائلية ترفيهية إلى مدينة الألعاب المائية " توسي ليلا "
17. بتاريخ 18/تموز/ 2010 وبمناسبة ثورة 14 تموز 1958 المجيدة  أقامت الجمعية سفرة عائلية وبالاشتراك مع عديد من الجمعيات العراقية في جنوب السويد إلى عاصمة الدانمرك " كوبنهاكن" ومدينة الألعاب فيها.
 



صورة من سفرة  الجمعية للدنمرك
 


صورة من سفرة  الجمعية للدنمرك

18.الجمعة 13/8/ 2010 أقامت الجمعية أمسية حوارية " الطاولة المستديرة" للدكتور مؤيد عبد الستار وكانت محاضرته بعنوان تشكيل الحكومة العراقية...المستقبل...والأفاق". أدار الندوة وقدم للضيف المحاضر الدكتور إبراهيم ميزر.
 

الزميل د.إبراهيم ميز بقدم لندوة د.مؤيد عبد الستار / الجمعية الثقافية العراقية مالمو
 

19. استضافت الجمعية في مقرها لأمسية حوار الطاولة المستديرة  ليوم الجمعة 3/9/2010 الأخصائية الاجتماعية  السيدة الفاضلة "إيمان الحيدر" في ندوة حوارية  مفتوحة ، كانت الأمسية  تحت عنوان " تمركز الجالية العراقية بمدينة مالمو في السنوات الأخيرة، أسبابه ونتائجه " قدم للأمسية وكذلك شيء عن السيرة الذاتية للضيفة الكريمة الدكتور إبراهيم ميزر.
 

  د.إبراهيم ميزر يقدم لندوة الباحثة أيمان الحيدر                                           


 

جانب من الحضور في أمسية الباحثة إيمان الحيدر

20. أقامت الجمعية بتاريخ 18/9/ أمسية ثقافية للمؤرخة والفنانة العراقية المعروفة د.أمل بورتر. وقد تحدثت فيها وعلى مدى أكثر من ساعتين عن قصة حياة وكفاح ومغامرت أديبة عراقية فذة، والتي تعد أول رائدة تؤرخ لثقافة تاريخ العراق عاشت في القرن التاسع عشر، تحدثت عن الأديبة المغامرة ماري تيريز أسمر " الأميرة البابلية" كما سميت نفسها في الكتاب الذي كتبته في القرن التاسع عشر والمودع في أحدى المكتبات البريطانية. تطرقت في محاضرتها قصة الكتاب وسردت متابعتها الدءوبة في البحث عما دون في كتاباتها من أسماء أعلام ومناطق وإحداث.أدار الندوة وقدم للأديبة الفاضلة  أمل بورتر الزميل يحيى غازي الأميري. في نهاية الأمسية قدمت للضيفة باقة ورد ومجموعة من مجلة تموز التي تصدرها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، ووزعت خلال الأمسية المرطبات والشاي والقهوة وخلال الاستراحة كانت هنالك فسحة للتحاور والتعارف والتقاط بعض الصور التذكارية بين الحضور.


الزميل يحيى الأميري يقدم للدكتورة أمل بورتر، الجمعية الثقافية العراقية / مالمو


   
جانب من الحضور لندوة الدكتورة أمل بورتر، في مقر الجمعية الثقافية العراقية / مالمو

21. الجمعة 1/10/2010 أمسية حوارية "الطاولة مستديرة " كان ضيف هذه الأمسية الفنان العازف "علي الوكيل " وقدم الفنان الوكيل خلال أمسيته التي كانت تحت عنوان " حوار حول آلة العود نظريات وعزف منفرد" العديد من المعزوفات الموسيقية الجميلة. وكان مسك ختام الأمسية مشاركة بأغنية من أغاني الفنان الراحل داخل حسن من  مقام البيات طور الأبوذية  أداها  الزميل  الفنان المطرب "شاكر زويد "وعزف على العود من قبل الزميل الأستاذ الموسيقار فلاح صبار.



الفنان العازف علي الوكيل / الجمعية الثقافية العراقية مالمو                       

 
 
في الصورة الفنان أبو نجيب ،الفنان شاكر زويد ,إبراهيم السيفي،خلف صياح



  
الفنان القدير فلاح صبار                                     
   
 


جانب من السادة الحضور لأمسية الفنان علي الوكيل

أعضاء الهيئة الإدارية لهذه الدورة الزملاء التالية أسمائهم:
عصام ميزر الخميسي, رتاب خلف الأميري ,باقر عيلان الساعدي, جمعة فاضل الخميسي, علي ريسان, منذر صكبان, يحيى غازي الأميري   

كتبت في مالمو بتاريخ 5 /10/ 2010



129
ذكريات في الذاكرة راسخة، من العزيزية إلى أربيل

يحيى غازي الأميري
بتدوين بعض الذكريات، أستعيد لقطات من شريط الزمن القديم، فهي تتنقل معي، تدور وتدور في راسي، لا تريد أن تفارقني، فقد غرست مرساتها عميقاً في حافظة الذكريات، وأعود مرة أخرى لبعض الذكريات التي جمعتني مع أصدقاء وأحبة أدونها، ذكريات تجمعنا الآن على الورق، كما كنا نجتمع ونلتقي، ونتحاور، ونتأمل، ونتألم، ونحلم، ونمرح ونخاف، ونحزن، أنها تثير الشجون، أدونها بعد أن مرت علينا سنون طوال عجاف مرعبة، مخيفة، ذقنا فيها طعم الموت والبؤس والمرارة والذل، قطفت منا أجمل سنين العمر، وقطفت معها اعز الأحبة، وفرقتنا في مشارق الأرض ومغاربها وزادت من مآسينا.
 


قضاء العزيزية/الشارع الرئيسي للمدينة، التقطت بكامرتي في كانون ثاني 2010

  في سبعينيات القرن الماضي كنا شباباً، كانت هنالك فسحة من الحرية والديمقراطية، وخصوصاً في زمن الجبهة الوطنية؛ لكنها فسحة ملغومة بالترصد والمتابعة الأمنية والبوليسية، ومنهج سلطة لم يتوقف أو يهدأ عن بث الرعب والبطش والخوف، تسري مناهجها البوليسية المرعبة المتلبسة زيفاً بالتقدمية الإنسانية على كل المجالات وتحشر انفها في جميع النشاطات الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية.
 لم يكن وقتي يمضي بشكل رتيب خلال ذلك العقد من الزمن، كبقية العديد من أقراني الذين يشاركونني بنفس التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية،  فهنالك متسع لملء الفراغ رغم كل المنغصات والتهديدات، إذ  كانت توجد نشاطات متعددة؛ العمل في المنظمات المهنية، الوظيفة، الدراسة، العمل السياسي، القراءة، الحوارات الفكرية والثقافية، السفر تفقد أخبار وأحوال الأحبة والأصدقاء بحميمية صادقة، متابعة النشاطات الثقافية والأفلام السينمائية والمسرحية وغيرها من النشاطات.
دائرة المعارف والأصدقاء كانت قد اتسعت فقد أصبح عندي أصدقاء أحبة في العديد من المدن، وفي مدينة العزيزية خصوصاً إعداد كبيرة منهم، فأصدقاء الصبا والشباب، وأيام مقاعد الدراسة، صداقتهم أكثر مودة وألفة وانسجام وعلاقات حميمية، ففي العزيزية  كانت اللقاءات مع العديد منهم لا تنقطع نلتقي كل مساء تقريبا، خصوصاً أيام العطل، كنا نختار بعض المقاهي تكون مقراً لتلك التجمعات، هنالك العديد من المقاهي التي كنت أتردد عليها وتختلف هذه التجمعات من مقهى لأخر حسب الرواد وتوجهاتهم، إحدى تلك المقاهي كانت مطعم ومقهى طالب " رحمه الله"  المرحوم طالب من أهالي العزيزية القدماء من عائلة كريمة طيبة، وهو في الأصل من القومية الكردية، في تلك اللقاءات كنا نتحاور نتناقش في مختلف المجالات الفكرية والسياسية والدينية، وما يدور في الساحة، أخبار الساعة كما يقال، وكان للحوارات الفكرية حصة الأسد منها، ومن خلالها يتفقد احدنا الأخر، ونشارك بعضنا البعض الأفراح والأتراح، وخلال تلك اللقاءات ننظم بعض السفرات السريعة وجلسات السمر، ونتبادل الكتب والمجلات.لم تكن تجمعاتنا  محصورة على فئة سياسية أو قومية أو دينية أو طائفية معينة، فقد كانت خليط، ففينا اليساري و الشيوعي والقومي والبعثي وذو الاتجاه الديني" السني والشيعي"  والمستقل، من الكرد والعرب وغيرهم. لقد تعرض صاحب المقهى " طالب" رحمه الله إلى العديد من التهديدات والاستفزازات والاستجوابات بسبب تجمع اليساريين " الشيوعيين" بشكل خاص في مقهاه، لقد تحمل الكثير بسببنا، كانت علاقته طيبة وحميمة بنا جميعا ً، كان البعث قد زرع عيون عسسه في كل مكان,لا يهدأ من المراقبة والمتابعة لكل شاردة وواردة، فقد بدأ منذ عودته الثانية تموز 1968 بدق أسافين الفرقة وزرع بذور الشقاق والنفاق، وإتباع أساليب الترغيب والترهيب والرعب والتسلط والتقسيط في عموم البلد.
في إحدى تلك الجلسات " في مطعم ومقهى طالب" الذي يقع  وسط المدينة مجاور محلات " حسين الجميل" مقابل محلات الحاج عاشور القرة غولي ،  كان الحديث يدور عن شمال العراق والسياحة في مصايفه الرائعة، طرح أحدنا فكرة القيام بسفرة لشمال العراق ،  وتحديدا إلى مصايف أربيل، كانت الاستجابة جيدة، خصوصا ًبعد إن وافق صديقنا "صادق خلف العلي " أن يذهب معنا، فهو الوحيد بيننا يمتلك سيارة، وسيارته ممتازة في السفرات فهي واسعة ومريحة ومتينة, وبالتالي هي من دولة اشتراكية أنها سيارة " فولكا " من الموديلات التي دخلت حديثا ً للبلد، وكذلك يمتاز" صادق "بكونه لطيف المعشر، مريحاً  في السفر.
لقد وافق كل من صلاح مهدي البولوني, دعدوش عليوي القرة غولي، وعيدان هلال سلمان وكاتب السطور "يحيى الأميري" ، وصاحب السيارة صديقنا صادق خلف، في تلك الفترة كنا جميعا موظفين بمختلف دوائر الدولة .
كنا متوجسين بعض الشيء من " التشكيلة " في هذه السفرة، فقد تسبب لنا بعد عودتنا إشكالات وعواقب غير متوقعة، فجميع الأسماء التي وافقت وتحاورت هم من الشيوعيين المراقبين والمعروفين في المدينة، وتقارير الأمن وعيونه  تلاحقنا في كل صغيرة وكبيرة.
تحاورنا فيما بيننا أن نزج بيننا أحد أصدقائنا من المستقلين أو المرتبطين بشكل شكلي في حزب البعث، من الذين اجبروا بالترغيب والترهيب في الانضمام لحزب البعث،  سخن الحوار قلبناه يميناُ وشمالاً من مختلف الجوانب، وانتهى الحوار نسافر بنفس تشكيلتنا,دون أن نفاتح أي واحد، وقد كان من أحد أسباب عدم إشراك صديق مرتبط بحزب البعث  أو مستقل فقد نكون قد نحرجه ونضعه في موقف لا تحمد عقباه بعد عودته، أي نضعه تحت طائلة السين والجيم، وكما يقال تحت " الحكة" تحت طائلة القانون!
كنت وقتها أعمل موظفاً  في مزرعة الصويرة / الشركة العامة للإنتاج الحيواني.اتفقنا أن يكون سفرنا في المساء،عدت من الدوام بعد الظهر، وصلت البيت ما هي ألا لحظات وعلى الموعد جاء "صادق" بسيارته ومعه مجموعة الأصدقاء، أخبرني إنهم جاهزون وكنت قبل وصولهم قد أعددت حقيبة السفر على عجل، وأخبرت أهلي بسفرتي ووجهتها وأسماء أصدقائي الذين سوف أسافر معهم.  
انطلقت السيارة في اتجاه رحلتنا أول محطة ستكون بغداد ومن هنالك نواصل الرحلة إلى أربيل، عند أول انطلاقنا أخبرت أصدقائي أني يجب أن أمر على مدير دائرتي والذي يسكن في الدور الخاصة بموظفي مزرعة الصويرة،  [ وتقع مزرعة الصويرة الحكومية على الطريق العام الذي يربط بين العزيزية وبغداد، تبعد  حوالي أكثر من 35 كم عن قضاء العزيزية  ] كي أطلب منه منحي أجازة من الدوام، وقد أعددت مع نفسي قصة مقبولة، كي يوافق على أجازتي بسرعة، انعطفنا على دور الموظفين ترجلت من السيارة على بعد مسافة من بيوت الموظفين، كان مدير دائرتي " د.  إبراهيم الربيعي " ومعاون المدير "  المرحوم كريم  احمد البدر" يسكن في البيت المجاور له، طرقت الباب على المدير لم يكن احد في البيت, استدرت بسرعة إلى بيت معاون المدير "المرحوم كريم البدر " ضغطت على الجرس لحظات خرج لي "أبو ميادة, كريم البدر  " وبعد التحية، سألني وكانت علامات الاستفهام والدهشة مرتسمة على وجهه.
ــ خير يحيى، خوما اكو شيء ؟
ــ أخبرته أن خالي في الموصل قد تعرضت سيارته إلى حادث اصطدام وهو الآن يرقد في المستشفى وحالته خطرة، وسوف اذهب الآن إلى الموصل.
وافق الرجل بسرعة، وحملني تحياته وتمنياته بالشفاء العاجل، فهو يعرف أن لي خالاً يسكن في الموصل.
عدت إلى أصدقائي، وانطلقنا بسرعة، أخبرتهم بالعذر الذي أعددته، ضحكنا، لقد منحت إجازة مفتوحة لعدة أيام، السيارة تقطع الأميال تلو الأميال، السائق الوحيد بيننا هو صادق فقط، نتوقف هنا وهناك للراحة وتناول الشاي والمرطبات والطعام، في الطريق نكات وحوارات على راحتنا.
وصلنا أربيل, قضينا فيها يوما ً واحدا ً، وانطلقنا بعدها إلى مصيف شقلاوة، وصلنا إلى محطتنا بعد أن استمتعنا بالمناظر الخلابة على طول الطريق المؤدي إلى مصيف شقلاوة، فقد حبسنا أنفاسنا ونحن نلف بالسيارة اللفات الأربعة عشر للوصول إلى قمة مصيف صلاح الدين, تناولنا في أحد مطاعمه غدائنا.
 في شقلاوة استأجرنا مكان للمبيت، أنزلنا حقائبنا، وسرحنا في جولة نطوف فيها شوارع شقلاوة، نستنشق من عذب نسيمها، ولسعات برده، نراقب حركة الناس، المقاهي والكازينهات التي تمتد على جاني الشارع الرئيسي والعديد من الشوارع الفرعية المجاورة له، تصدح منها الموسيقى والأغاني الكردية بألحانها العذبة التي تدخل السرور والبهجة للنفس، سهرنا سهرة جميلة مستمتعين بمناظر جديدة علىينا في اليوم التالي قررنا أن نذهب باتجاه شلال كلي علي بيك، ومنطقة جنديان والعين السحرية، وراوندوز، وشلالات بيخال.
 أكملنا استعدادنا لمواصلة السفرة، قررنا أن نتناول وجبة طعام دسمة قبل السفر واخترنا أحد المطاعم الجميلة مطعم يقع وسط المدينة يطل على الشارع العام وبجواره نهر سريع الجريان، اخترنا احد الأماكن الجميلة تحت ظلال الأشجار الباسقة.كانت رائحة الشواء تملأ  المكان، بعد المداولات، طلبنا كباب ولبن وخبر حار، فيما نحن نتجاذب إطراف الحديث، صُفت المقبلات واللبن على المائدة، بعد فترة قليلة جاء أحد العمال يحمل صينية وضعها على المائدة التي نجلس حولها، صينية دولمة، فهمنا من حديثه أنها لمائدتنا من الشخص الذي كان يجلس في مقدمة المطعم,واشار بيده عليه اعتقدنا أنها هدية, انهالت عليها الأيادي, بعد فترة قصيرة جاءت وجبة الكباب، والخبز الحار، فيما نحن بين المزاح والدهشة من صينية الدولمة، جاء صاحب المطعم وسلم علينا، باللغة العربية رددنا عليه التحية كانت عيناه تنظر لصينية الدولمة، وابتسامة على فمه، وبكلمات ودودة يرددها بالعربية ألف عافية، ألف عافية، صينية الدولمة قد جاءت على مائدتكم عن طريق الخطأ، كان موقفاً محرجاً  لنا، لم نعرف ماذا نتحدث معه، اخبره أحدنا أننا اعتقدنا أنها هدية من المطعم، ضحك الرجل كانت ابتسامة عريضة على وجهه، وبلكنة عربية قال مرة أخرى ألف عافية اعتبروها هدية من المطعم,، أكملنا وجبة الطعام وشربنا الشاي، حاولنا إن ندفع له قيمة صينية الدولمة رفض ذلك، دفعنا قيمة وجبة الكباب، كانت كلمات الترحيب والمودة لن تفارق حديثه، شكرناه وانصرفنا كي نكمل سيرنا.
أدار صادق محرك السيارة صوت المحرك يدور، لكن السيارة لم تشتغل، حاول ثانية وثالثة، وكرر المحاولة مرة أخرى السيارة لا تريد إن تشتغل، لم تكن لدينا أي معلومات ميكانيكية عن السيارات، فتحنا "بنيد السيارة " غطاء السيارة الأمامي، اتجهت عيون الجميع  للمحرك فحصنا الماء والزيت لا توجد مشكلة فيه، حركنا " الوايرات" الأسلاك المرتبطة بالبطارية، وحركنا الأسلاك التي في أعلى  المحرك، دار صادق مفتاح السيارة أخخخخخخ, وراح المحرك يعمل كما الساعة، حمدنا الله، وأغلقنا البنيد، ركبنا السيارة بسرعة وانطلقنا.
اجتزنا سهل حرير وخليفان واسترحنا قليلاً بقرب شلال كلي علي بيك، منظر الجبال الشاهقة وصوت شلال الماء وهو يهبط بدوي من ارتفاعه الشاهق، ودوي وارتطامه في قعر الحوض الكبير، رذاذ الماء يتطاير، منظر مدهش. وصلنا سيرنا في نهاية الكلي من جهة جنديان، كانت تنتصب مفرزة عسكرية للتفتيش، معززة بالحواجز والجنود المدججين بالسلاح، احد جنود الحراسة صرخ من بعيد مرحّباً بنا وهو يلوح بيديه، أهلاً بأهل العزيزية، هرع ألينا مرحباً، طلب منا الوقوف على جهة أشار بيده لها كي يبقى الطريق، مفتوحاً  لحركة السيارات، ترجلنا من السيارة، ورحنا نتصافح معه بحرارة وشوق، أنه الصديق حمودي ناجي ـ جندي أو نائب عريف احتياط مواليد 1951ـ  من أهالي العزيزية، تجاذبنا معه الأحاديث.اخبرنا أن هنالك  مجموعة من أهالي العزيزية  من الجنود الاحتياط  مواليد 1951 معه  في نفس الوحدة العسكرية لكنهم في مقر اللواء.
أخبرناه بسفرتنا ووجهتها، استأذننا بعض الوقت، أخذ الأذن " الترخيص" من الضابط  المسؤول عنه وجاء كي يرافقنا، أكملنا جولتنا حتى شلالات بيخال الخلابة، وعدنا بعد الظهر,أقترح علينا صديقنا "حمودي"  إلى ضرورة مشاهدة أحدى القرى الجميلة التي تقع في المنطقة القريبة من مدخل الكلي، لم اعد أتذكر أسمها، أرشدنا إلى احد المطاعم فيها، اخترنا مائدة بجوار النهر، تظللها الأشجار الباسقة، كانت المنطقة والمطعم غاية بالجمال والروعة، بمناظرها الخلابة، وهوائها العليل، ومياه نهرها الباردة العذبة. بعد تناول الطعام، حزمنا امرنا للعودة إلى شقلاوة، كان المساء قد بدا يداهمنا وصلنا لنقطة التفتيش في الكلي، ترجلنا لتوديع صديقنا حمودي كانت الشمس قدغادرتنا، أقترحعلينا صديقنا حمودي بعد أن دخل بنقاش مع بقية جنود مفرزة التفتيش، أن لا نكمل سيرنا، يجب أن نتوقف، فالمنطقة خطرة، غير مأمونة في مثل هذا الوقت، وقد نتعرض فيها لحادث، فجميع القوات العسكرية التي تنتشر  لتأمين الطريق تنسحب إلى مقراتها في مثل هذا الوقت, بعد محادثة قصيرة  بين صديقنا حمودي وجنود المفرزة أتصل بالضابط المسئول عنهم وأخذ الموافقة منه أن نقضي تلك الليلة  في إحدى غرف جنود المفرزة, لم يمانع الضابط ، رحب بنا جنود المفرزة أجمل ترحيب، كنا قد اشترينا بعض الأمتعة والمشروبات، أنزلناها من صندوق السيارة, وقضينا ليلتنا بسهرة رائعة، في منتصف الليل استيقضت أكثر من مرة لأفرغ ما بمعدتي بعد أن أصبت بتسمم نتيجة تناولي كمية من الشراب" النبيذ الأحمر" الذي اشترينا كمية منه من أحد بيوت شقلاوة !

في الصباح تحدثنا مع ضابط المفرزة وطلبنا أجازة لصديقنا العزيز حمودي لعدة أيام، وافق الضابط، واتصل بالجهة الأعلى منه، لتزويده بنموذح أجازة، استلم إجازته، شكرنا الضابط و جنود المفرزة واصطحبنا حمودي معنا في السيارة.
عند وصولنا قرب "خليفان " وسهل حرير اخبرنا صديقنا حمودي أن في مقر اللواء في خليفان او سهل حرير " لم تسعفني الذاكرة لتحديد المكان بالضبط , يوجد  جنود مكلفين احتياط أصدقاء لنا من العزيزية، عبد العزيز عبد الحسوني، وجودت حمزة حبيب ـ إذ في ذلك الوقت كانت دعوة مواليد 1951  لخدمة الاحتياط ـ  انعطفنا على مقر اللواء ودخلنا على أمر الوحدة العسكرية و استحصلنا منه أجازة لهما لعدة أيام, واصطحبناهم معنا في نفس السيارة  إلى شقلاوة, فالسيارة كما قلت في المقدمة "فولكا"  اشتراكية، صناعة روسيا" واسعة وتتحمل، في شقلاوة بعد استراحة قصيرة، ودعنا صديقينا " عبد العزيز عبيد الحسوني وجودت حمزة حبيب" ليستقلا سيارة أخرى للذهاب إلى بغداد فالعزيزية ، فيما بقى صديقنا حمودي يكمل معنا بقية أيام السفرة ورحلة العودة.
بعد وصولي البيت أخذت استراحة يوم أخر فقد كنت قد حصلت على أجازة مفتوحة غير محددة الأيام، للعذر المحكم الذي قدمته، عند مباشرتي في اليوم التالي الدوام، وقد وصلت للدائرة مع بداية الدوام، سلمت على زملائي الموظفين، وكذلك دخلت على غرفة معاون المدير "المرحوم كريم البدر" لشكره، والسلام عليه، فقد قدر الموقف ومنحني موافقة الإجازة، صافحني بحرارة وطلب مني بنوع من الود أن أتفضل بالجلوس، سلمت على بقية الموظفين الذين كانوا في الغرفة، ضغط على الجرس أكثر من مرة ,وطلب من "الفراش" أن يجلب للجميع صينية شاي وطلب منه أن يستدعي بعض الموظفين الآخرين. فيما بدأ يتجمع بقية الموظفين في الغرفة كان المرحوم " كريم البدر " وبعض الموظفين ينهال عليّ في أسألتهم  لغرض الاستفسار والاطمئنان على حالة خالي الذي يرقد في المستشفى، أثر حادث السيارة، أجبت على معظم الأسئلة، بشكل جدي، وطمأنتهم على حالته، فيما راحت تمطرني الاستفسارات مرة أخرى من كل جهة وزادت الأسئلة، كانت الأسئلة فيها كثير من اللهفة، لسماع ما أجاوبهم به وأنا ارتشف استكان الشاي بهدوء كانت عيناي، تدوران على وجوه زملائي، تقرأ كأن شيء ما في عيون الجميع، تسرب الشك بداخلي، لذت بالصمت و بتأني رحت ارتشف الشاي، وألتفت إلى زميلي الذي يجلس بجانبي محاولاً فتح حديث جانبي معه، كي أحاول الهروب من كثرة الأسئلة والاستفسارات، لتغير الموضوع؛ جاء صوت "كريم البدر " مرة أخرى مستفهماً عن الموصل وخالي، ويطلب مني أن أوضح لهم أكثر أن أمكن، أيقنت أن شكي في محله لذت بالصمت لحظات، وبدأت حديثي مرة أخرى :
ـ يظهر أنكم غير مقتنعين من حديثي وإجابتي !
 ضحك الجميع بصوت عالي، وكان جوابهم:
 ـ نعم غير مقتنعين.
ضحكت معهم، وأخبرتهم بالحقيقة، ضحك الجميع مرة أخرى، وتحدث المرحوم "كريم البدر" كيف أكتشف العذر الوهمي الذي قدمته له .المرحوم"  كريم البدر  " يسكن في مزرعة الصويرة لكنه من أهل العزيزية من عائلة معروفة في المدينة  من وجهاء أهالي العزيزية ومشايخها، وكانت زوجة كريم البدر " أم ميادة"  ابنة المرحوم أبو نجاة عبد الله الباش كاتب " له الرحمة والذكر الطيب" عائلة والدها " أبو نجاة " تسكن في العزيزية  في منطقة السعدونية تجاور بيتنا "الحايط على الحايط" وتربط العائلتين علاقة جيرة مثال طيب في المحبة والاحترام والألفة، وفي أغلب أيام الأسبوع تأتي" أم ميادة " مع زوجها لزيارة بيت أهلها، وعندما أخبرت المرحوم "كريم البدر" بالخبر أخبر زوجته  بذلك, ولعلاقة الجيرة الطيبة التي بنيت، كلفت والدتها الاتصال بوالدتي مباشرة كي تطمأن على سلامة خالي، وعند استفسارهم من والدتي هل اتصل بهم " يحيى " عند وصوله الموصل وكيف حال خاله، فأخبرتهم والدتي بصدق، وبطيبتها المعروفة، أن "يحيى"  لم يذهب إلى الموصل انه ذهب مع أصدقائه في سفرة إلى شمال العراق.
مالمو في 6/تموز/2010






130

طاب يومك أخي محمود داود برغل ويوم أهل مدينتنا العزيزة العزيزية

 
يحيى غازي الأميري

باقات من الورود العطرة, أرسلها مع المودة والأماني السعيدة, تسعدني رسائل الأحبة, وسؤال الأصدقاء, وكم أكون سعيداً عند مشاركتهم ومقاسمتهم همومهم وكم تزاد مسرتي لفرحهم ونجاحاتهم.


العزيزية في 28-12-2009 صورة للشارع الرئيسي في وسط مدينة
أخي الغالي محمود قرأت ما سطر قلمكم الكريم ,بمقالتكم  الموسومة (إبن بار من أبناء عزيزية الكوت يحيى الأميري .... قلبك وطن ) الجميلة بطريقة سردها, والكريمة بثنائها, والمتميزة بفكرتها وأسلوب طرحها, واختيار الأماكن العريقة والشخصيات الطيبة المتعددة التي وردت فيها, وتحية لبديع مفرداتها المنتقاة, بدقة وإتقان,المعبرة عن براعة وإبداع كاتبها وطيبة قلبه وحميمية ودفء مشاعره, مقالة جميلة بمحتواها سلسلة متسلسلة بترابط فقراتها, لا أخفيك سرا لقد عقد لساني وجف مداد قلمي عن مجاراتك بثنائكم الكريم لشخصي وعائلتي ولكتاباتي المتواضعة.لقد فاجأتني بهذا الكرم النبيل ,فقد سررت بمقالتكم وفرحت بها, ومن شدة فرحي وبلا شعور أطلقت عيناي العنان للدموع.
المقطع أدناه مستل من مقالة, الكاتب محمود داود برغل , المنشورة في موقع النور والموسوعة(إبن بار من أبناء عزيزية الكوت يحيى الأميري .... قلبك وطن )   

)بعملك المتفاني أنت أكثر قلم بارع كتب عن مدينته من مثقفيها حتى قدمتها بالكتابة عن خصوصياتك, لقد كان يراعُك الرشيق يكتب بذات البراعة والإبداع التي كانت يد والدكم الكريمة تصوغ بعبقريته أجمل المخشلات الذهبية . إن وفاءك من أخلاقك الكريمة
وخصالك الحميدة صفة من صفات نفسك الشريفة
عظمت في العيون
وصدقت بالظنون
 ودمت سالما أن كنت في العزيزية أو في مالمو
فأنت الأصيل الذي يعشق أهله
 ومكانك الضمير والوجدان
إن كنت في القطبِ أو في القمرْ
فأنت تنبض  في الشريان الأبهر.(

 

العزيزية 24/12/2009 وجلسة مع مجموعة من الأصدقاء الأحبة ودعوة لتناول المرطبات,مقابل السوق العصري
أخي العزيز محمود برغل, العزيزية وناسها تستحق منا كل الخير والمحبة والوفاء والعرفان. فقد عشت فيها أجمل سنين العمر, ولي فيها أجمل وأطيب الذكريات واصدق العلاقات. وما أكتبه عنها وعن ناسها هو جزء من هذا الدين الجميل الكريم الذي أسدده لها بكتاباتي المتواضعة, بعد أن مرت عليها وعلى أهلها سنون طوال عجاف, كممت فيها الأفواه وصودرت الحريات,وامتهنت كرامة الإنسان وهدرت فيها الحقوق, فترة ثقيلة بضيمها وظلمها,ضحاياها وخسائرها أرقام مفزعة, وخلفت من جراءها في كل بيت نائبة ومصيبة, وأعداد مخيفة كبيرة من الثكالى والأيتام والأرامل, والمعوقين, وتفشي للأمراض وانتشار متزايد للأمية والفقر, ونال البلد من تسلطها وتعسفها فقدان وتشرد وتغيب أعز الأحبة والأصدقاء, وتفكيك للنسيج الاجتماعي,لقد حان الوقت لنفض غبار الخوف والرعب عنها, وجاء دور طليعتها الواعية وأبنائها النجباء لتضميد جراحها النازفة, وترميم  شيء من أثار الإهمال والدمار والخراب الهائل الذي أصابها,يزال كل ذلك الظلم والرعب بهمم وعزيمة الخيرين والشرفاء والنجباء من أبنائها.
كم ينشرح صدري وتزداد سعادتي عندما أقرأ أو اسمع آو أشاهد في إحدى وسائل الإعلام, أو عبر أخبار الأصدقاء والأحبة أن مبدع جديد يضاف لسجل مدينتنا الطيبة العزيزية, واضعا في أوليات عمله ونشاطه وكتاباته وطننا الغالي العراق الذي لم يزل مثخن بجراحاته النازفة, وكذلك أولوياته هموم شعبنا المسكين المرعوب, بالإرهاب والفساد المالي والإداري والسياسي, وتقيده قوانين وقيود واتفاقيات دولية مجحفة بحق العراق وشعبة, خلقها الاحتلال والهيئات الدولية الموجهة لسياستها, بلدنا المنكوب الذي أضحى مسرحا ً مفتوحاً للتدخلات الدولية والأقليمة, تعبث بمقدراته وثرواته,وتزعزع استقراره وأمنه. وانتشرت بشكل مخيف المافيات المنظمة الظاهرة والمستترة والتي غرست مخالبها في العديد من مفاصل البلد الحيوية, وكذلك عينه وقلبه بنفس الوقت على مدينته وأهلها.

العزيزية 26-12-2009 نهر دجلة, تظهر بقايا طوافات جسر العزيزية القديم وخلفه جسر عائم نصب بعد التغير في 2003

أسترجع شريط الذكريات القديم,عن مدينتي العزيزة ,تتزاحم الصور والذكريات, صور وذكريات متراكمة لا تعد ولا تحصى قد جمعتها حافظة الذاكرة, شوارعها ,مدارسها,  حاراتها ناسها أنهارها, ضحاياها, دجلتها المعطاء, سدتها,مواسم الفواكه والخضار, الثريمة , جسرها العتيق,العمل السياسي, مطاردات العسس وكتبة التقارير, جلسات السمر ,مقاهيها, طيبة أهلها, وتأتي أحداها عبر شريط الذكريات ,صورة للعزيز محمود داود أمامي بتسريحته المتميزة بطريقة تصفيفه لشعره, وهندامه الأنيق, وقوامه الرشيق, وضحكته الطيبة النابعة من أعماق قلبه الطيب.وحديثه المهذب, صورة منذ أكثر من ثلاثين عاما ً لكنها لم تبرح الذاكرة. لقد شاهدت صورة حديثة له الآن منشورة في عدة مواقع صحفية على شبكة الإنترنيت تكاد لا تتطابق صورته, مع الصورة المخزونة في خزانة رأسي عند مقارنتها بالصورة الحالية. فقد كبر صديقي محمود وزاد وزنه وتغيرت بعضاً من ملامحه,واختلفت تسريحة شعرة لكنه بقي ذلك المحمود الطيب النبيل المهذب المعطاء!

صورة للصديق العزيز الكاتب  محمود داود برغل
وتأتي معها كذلك صورة والده المرحوم داود برغل ,بقامته الطويلة وجسمه الضخم وصوته الرخيم ,الرجل الطيب الوديع, وهو يوزع ابتسامته وتحياته بطيبة ومودة , فهو المحبوب من الجميع.
المرحوم " الأسطة  داود برغل", هكذا كن يلقب فهو البناء الفنان الماهر بعمله, الذي ساهم بكل طاقته وطيبته, في تشيد أجمل بيوتات المدينة القديمة وشارك بنقش أجمل زخارفها البغدادية , ليضيف أسمه لسجل المدينة بمشاركته بفأس بناءه وبراعة فنه وطيبة قلبه ببناء تاريخ المدينة, رحمة الله على روحه الطاهرة الطيبة, والرحمة والمغفرة  لكل من غادرنا منهم من أهل المدينة الطيبين,الذين ساهموا وشاركوا في بناء تاريخها وعلو مجدها.

العزيزية في 1/1/2010 صورة تجمعني بالأعزاء من اليمين رعد فالح, يحيى الأميري و حامد جاسم فياض,علاء وجهي,حسيب شاكر

نعم صديقي العزيز محمود لقد زادت سعادتي عندما وجدت العديد من ابناها النجباء, قد تبوء العديد منهم المراكز المهمة في المدينة والمحافظة  وباتت المدينة ودوائرها المهمة والأساسية تدار من قبل أبنائها!


بعض أعضاء المجلس المحلي في مدينة العزيزية,13/12/2009 والذين استقبلوني بحفاوة  كبيرة أثناء زيارتي لدائرتهم وهم الأفاضل من اليمين زكريا يحيى البطيخ , يحيى الأميري , فالح عزيز حمزة, علي جمعة

سوف أستشهد في مقالتي هذه بعض من تلك المشاهد التي أسعدتني وأفرحتني, وأحسست أن ما قدمناه من حب ومودة وتفاني وإخلاص وتضحيات صادقة لأبناء مدينتي وأهلها وشعبي ووطني لم تذهب إدراج الرياح  كما يقال, فتقيم الكرام وتثمينهم وإنصافهم المشرف, الذي قوبلت به تثلج الصدور, وهي نياشين فخر واعتزاز كبيرة جدا ً نحصل عليها, واوسمة نفتخر بها, فحب الناس واعتزازهم وتقديرهم وتثمينهم, ورضاهم عنا, شيء كبير وثمين,لا يقدر بثمن, نحمد الحي العظيم  رب العزة والجلال على هذه النعمة الكريمة, ونتمنى أن يمنحنا من بركاته القوة والعزيمة لتقديم المزيد مما نستطيع تقديمه وبكل ممنونية وتواضع.
كتب الكاتب المبدع الصديق رفعت نافع الكناني  تعليقا ًعلى أحدى مقالتي المنشور في موقع النور والموسومة " للعباس (ع) وروضته البهية محبة وسلام وتحية "  أستل منه مقطع صغير يقول فيه:
"عرفتك إنسان ذو قلب أبيض , لقد كسبت حب الناس في كل مكان"



العزيزية و الشارع العام للمدينة  في 11-12-2009 من اليمين عيدان هلال سلمان, يحيى الأميري و رفعت نافع الكناني

 سوف أروي من باب الشكر والعرفان  والتذكر بعض من تلك المشاهد, التي صادفتني في زيارتي الأولى للوطن بعد ما يقارب تسعة سنوات .
عند وصولي مدينة العزيزية أخبرني صديقي الأستاذ "صلاح مهدي البولوني" أن صديقنا وزميلنا العزيز الدكتور "علي هليل الشمري" كنت أعرف أخر أخباره أنه قد هاجر منذ زمن بعيد إلى كندا وانقطعت أخباره عني, قد أستلم مسؤولية قائمقامية  قضاء العزيزية , وانه سمع بقدومي, ويود زيارتي ولقائي, وبدون موعد مسبق ذهبت مع صديقي "صلاح البولوني"  لزيارته في دائرته,وعند وصولي الدائرة أخبرت الحرس المكلف بحراسة الدائرة أني أود زيارته, واني صديقه وأعطيتهم أسمي, وقفت لحظات في صالة الانتظار, ليهرع ألينا العزيز" د. علي هليل" ويفتح لنا الباب بنفسه, مرحبا ً بصوت عالي, ويحضنني بحرارة ومودة ,ويدخلني غرفته الكبيرة الفارهة.


بتاريخ 10/12/ 2009أثناء زيارتي لقئمقام قضاء العزيزية  صديقي وزميلي العزيز الأستاذ على هليل الشمري

 كانت الغرفة مكتظة بالرجال,يتنوع ملبسهم ما بين الزي الفرنجي الحديث والزي العربي العقال والكوفية   وعند دخولي قدمني للحضور بعبارات ثناء ومودة كريمة, تنم عن تقدير واعتزاز كبير يكنه لي, ومن ضمن عبارته  " أقدم لكم أحد أبناء العزيزية النجباء, الأستاذ يحيى غازي رمضان, صديقي وزميلي في الدراسة , مناضل شهم ,يساري تقدمي, مخلص ومحب لشعبه ومدينته عمل بكل إخلاص وتفاني وناضل بكل قوته و طاقته ,ضد النظام السابق" وبعد أن سلمت مصافحا ً الحضور الكرام , أجلسني بجانبه وأردف عبارة كريمة تقيمية أخرى للحضور"الأستاذ يحيى لم ينصفه احد بعد التغير ولم يحصل على إي استحقاق لتضحياته ونضاله" ومن لم يعرفه منكم فهو " من عائلة كريمة معروفة بالمدينة أنه احد أبناء صائغ الذهب المرحوم أبو فيصل,وانه يعيش خارج الوطن الآن"
أسفت للسادة الحضور على هذه الزيارة المفاجئة, والتي قد قطعت فيها اجتماعهم , وطلبت من العزيز الأستاذ علي هليل, أن انتظر  في الغرفة المجاورة ريثما يكمل لقائه من السادة المراجعين أو الزائرين, فأوضح  بمودة ولباقة أن لقائه معهم قد انتهى بالصدفة قبل لحظات أيضا,عرفت من خلال الحديث الموجز الذي استمر بحضوري أنهم وفد من الوجهاء لمجموعة من القرى الريفية المجاورة للمدينة ويرومون بزيارتهم شمولهم بتحسينات خدمات الكهرباء, لعلاقتها الكبيرة في تنظيم سقي مزروعاتهم, وكذلك يرومون تزويدهم بمولد كهرباء أكبر قدرة من الموجود في منطقتهم,غادر الوفد بعد أن وعدهم القائمقام خيرا ً, بقيت مع صديقي الأستاذ صلاح البولوني زهاء الساعة في ضيافته,تجاذبنا فيها بعض الشجون والذكريات, وإثناء حديثنا اخبرني صديقي العزيز د. علي هليل أنه يتابع كتاباتي وقد تألم كثيرا عند قراءته لمقالتي عن صديقنا الفقيد الشهيد الشيوعي مهدي حمد الخزرجي, وتواعدنا على موعد ولقاء أخر!

المشهد الثاني, عندما هاتفني صديقي حسن حسين الزماخ, كنت في وسط سوق المدينة, في أحد الأيام العشرة من شهر محرم وفيما  النهار كان قد شارف على الانتصاف,  بعد أن تأخرت قليلا ً عند موعد اتفقت معه على زمانه ومكانه إذ كان قد دعاني إلى وليمة غداء, تمن وقيمة أقامها صديقي حسن الزماخ مع مجموعة من أصدقائه ,مكان الوليمة في الطرف الشمالي من سوق المدينة, أقاموها ثواب على حب أبى عبد الله الحسين(ع), بعد المكالمة أسرعت لموعد اللقاء, وفيما أنا أسرع  في خطوات السير استوقفني صوتا ً منادياً عليّ بأسمى, الصوت فيه نبرة موده ولهفة, مقدماً صفة الأستاذ قبل اسمي,أدرت نظري لجهة الصوت, شاب طويل اسمر الملامح , أنيق المظهر و الملابس, خرج  مسرعا من محله يمد يده لي للمصافحة والسلام, وكانت معها ابتسامة جميلة بطرفي عينه تدل على المودة, سلم عليّ بحرارة ورددت له السلام بنفس الشوق والحرارة, وكان يقف بجانبه شاب أخر حياني بذات الحرارة, فصافحته بالمثل, وبلطف ولباقة لم يترك لي المجال للتخمين والإحراج, بادر مسترسلا بحديثه قائلا ً:
 ــ احتمال أستاذ انك لا تعرفني, لكني أعرفك جيدا.


العزيزية 25-12-2009 صورة تجمعني مع المهندس حميد خليفة على سكرتير تحرير مجلة صوت المثقفين بداخل محله 

ودعاني للدخول إلى محله, المحل متخصص ببيع الكهربائية المنزلية والالكترونية, فيما راحت يداه تتناول رزمة من المجلات منضدة فوق رف بجانبه, أخرج عدة إعداد منها, وأردف  بشفافة ولباقة :
ــ انظر هذه المجلات .
 كانت جميعها , باسم  مجلة صوت المثقفين , وأردف مكملا ً حديثه :
ــ أني سكرتير تحرير هذه المجلة وأنا أعرفك من خلال كتباتك وصورك المنشورة معها ونحن في مجلة صوت المثقفين, نشرنا لجنابكم العديد من المقالات في مجلتنا الشهرية, نأخذها من المواقع الصحفية من الانترنيت.
واستل قلمه وخط على مجموعة من الإعداد المتنوعة, إهداء للمجلة بأسمى, مختارا أعداد من المجلات التي فيها  مقالاتي, بقيت بعض الوقت معهم واستأذنتهم بالذهاب إلى موعدي, وأصدقائي, والقيمة والتمن , وشرحت لهم سبب استئذاني بهذه السرعة, وقد شكرته وصديقه من كل قلبي على هذه المبادرة, وهذا اللقاء والتعارف الجميل السريع الغير متوقع ,وأخبرته إن لكم الحرية باختيار أي مقالة تودون نشرها مع حبي وتحياتي وباقة ورد, وأخبرته أن العزيز الأستاذ حسن منصور الصباغ صديقي وزميلكم في تحرير المجلة, كان قد راسلني واخبري عن مجلتكم الغراء والتي أسعدني صدورها واستمرارها على مدى ستة سنوات بجهودكم الكريمة, رغم الإمكانيات الشحيحة التي تحصل عليها المجلة من بعض المتبرعين, وبدون أي دعم مادي من المؤسسات الحكومية والثقافية لغرض ديمومتها وتطويرها.
لقد سررت جدا أن تكون في العزيزية مجلة شهرية ثقافية متنوعة تعنى وتهتم بتاريخ المدينة وأحوالها وناسها. 
 وعند قراءتي للعديد من إعدادها وجدتها مجلة ثقافية أدبية تاريخية رصينة متنوعة, بمواضيعها وطروحاتها, تستحق الدعم والمساندة, والتشجيع .
   عزيزي محمود لقد بعثت مقالتكم الكريمة عند أول نشرها في موقع الناس وينابيع العراق والتي كانت تحت عنوان " الأميري ... يحيى غازي رمضان "  قبل نشرها في موقع النور وغيره من المواقع الصحفية الإلكترونية الغراء, بعنوانها الجميل الجديد (إبن بار من أبناء عزيزية الكوت يحيى الأميري .... قلبك وطن ), بعثتها إلى " كروبات " مجاميع على موقع البريد الالكتروني "الياهو"  يبلغ تعدادها بحدود 2000مشترك جميعهم صابئة, وقد وردت عليها تعقيبات وتعليقات جميلة,في نفس الموقع , وكذلك قد وردتني رسائل وتلفونات من أصدقاء أحبة كثر¸بخصوص مقالتكم, أشكركم لهذه المقالة الكريمة, والتي أعدها شهادة طيبة كريمة من أحد النجباء والمتميزين بحسن سلوكهم وتاريخهم المشرف, من نجباء أبناء مدينتي الحبيبة العزيزية, وأتمنى أن نكون عند حسن ضنكم.
سررت لكونكم بدأت النشر في موقع النور إذ اطلعت على أول مقالة جميلة لكم عن الخطيب الحسيني طيب الذكر ( أحمد الوائلي ) رحمه الله, والموسومة " تجربة الشيخ مع المنبر"  والذي كم شدني لحديثه كلما سنحت لي فرصة الاستماع له, وكذلك  طريقة تحدثه الرصينة الشفافة, المستندة للأدلة والبراهين لغزارة معلوماته المتنوعة.
في الختام
شكري الجزيل وتحياتي الصادقة لكل أخوتي وأحبتي الأفاضل من أرسل تعليق أو تعقيب آو هاتفنا على هذه المقالة, فقد غمرنا بلطف مودته ومشاعره الأخوية الكريمة.وأنشر مع مقالتي هذه بعض الصور, التي التقطتها بكامرتي, لمدينة العزيزية أثناء زيارتي لها بعد أكثر من تسعة سنوات من توديعها,وكيف استقبلني أصدقائي وأحبتي وأهل المدينة, بالمودة مقرونة بفيض من المشاعر الحميمية.



العزيزية 31/12/2009 محل العزيز جاسم محمد, وصورة تجمعني بالأصدقاء من اليمين حافظ عذيب, سيد سعد الصميدعي, يحيى الأميري

 
العزيزية 25-12-2009 من اليمين يحيى الأميري, حسن الزماخ ,عبد العزيز عبيد الحسوني- صاحب الصيدلية - ,كامل صالح

 
العزيزية 16/12/2009 جلسة مع مجموعة من الأصدقاء من اليمين بسام الأميري , صلاح مهدي, يحيى الأميري, حسن الزماخ, فحري كريم رغيف, مصلح عزيز الزبيدي
 
وأجدد لكم امتناني وشكري الكبير بما دونته عني وعن عائلتي من ثناء وتقيم, وهو دين كبير وأطواق كريمة طوقت عنقي بها.
دعائي للوالدة الطيبة بطول العمر والصحة والعافية وأطيب تحياتي لعائلتكم الكريمة ولجميع أخوتي الأحبة وأخواتي الفاضلات,أشقائكم وشقيقاتكم, سلامي إلى كل أحبتي في مدينة الطيب العزيزية, تقبل مودتي وتحياتي الأخوية الصادقة. ودمتم لنا أخ وصديق عزيز.

كتبت في مالمو بتاريخ 17/ 5/ 2010 



131
للعباس (ع) وروضته البهية محبة وسلام وتحية

 
بقلم يحيى غازي الأميري

(باسم أبي الفضل وباسم الحسين
نحو العلا سيري صدى الروضتين)*

الأديب الشاعر الكريم علي حسين الخباز رئيس تحرير جريدة صدى الروضتين المحترم

تحية وسلام وبعد

لقد أسعدني جدا ًوصول رسالتكم الكريمة, عند قراءتها فرحت بما طلبت غاية الفرح, فهي دليل طيبة ونبل أخلاقكم وجدية توجهاتكم وانفتاحكم, وهي رسالة كبيرة بمعانيها وأهدافها فهي رسالة للمحبة والتسامح والوئام والتعايش السلمي الأخوي, وهي ترجمان لأيمانكم العميق الحقيقي بما تحمل من مضامين نبيلة في بعدها الإنساني.

الأستاذ الفاضل
بعد أن قرأت رسالتكم وما تضمنتها من نيتكم إطلاق مسابقة شعرية عالمية /قصيدة عمودي عن الإمام الشهيد أبى الفضل العباس, في جريدة صدى الروضتين , ودعوتي للمشاركة فيها, لقد سررت لمبادرتكم وطلبكم, فثورة الطف ورموزها وأفكارها ومبادئها النبيلة تستحق على الدوام التكريم والتبجيل والبحث والتحليل, إنها مدرسة للتضحية والفداء والتثوير والتنوير , أنها أحد الرموز البارزة في تأريخ مقاومة الظلم والاستبداد والتسلط. سطر فيها الإمام الحسين(ع) وأصحابه الميامين ملحمة في التضحية والصمود والإيثار.
 أخي الكريم لا أعرف كيف أجيب طلبكم وبأي لغة أكتب لجنابكم بها اعتذاري, فكم  كنت سوف أكون سعيدا ً لو كنت أمتلك مقومات كتابة الشعر العمودي, وأوزان بحوره المتعددة, وأشارك بملف صدى الروضتين عن الإمام الشهيد العباس, صاحب المآثر والمواقف الخالدة, والذي تختزن له حافظة رئسي منذ عشرات السنين عشرات الصور والمواقف, كف العباس, خبز العباس, أحلفك بالعباس أبو فاضل, قمر بني هاشم, صاحب لواء الحسين بمعركة الطف في كربلاء .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
لا أخفيك سرا ً أني لست بشاعر,لكني أقرأ بشغفٍ الشعر والنثر وميادين الفنون الأدبية الأخرى, قد أكتب أحيانا شيء قريب للنثر منه للشعر, وعند مراجعة وإعادة قراءة ما كتبت وارى فيه موسيقى وإيقاع جميل يفرحني كثيرا ًذلك.

الحضرة العباسية  الشريفة في كربلاء

فبعد أن قرأت رسالتكم الكريمة درت محرك البحث ( كوكل) وخطيت كلمة أبى الفضل العباس وسرحت بسفره الخالد, ومآثره الكبيرة,وشيء عما قيل بحقه, وعن واقعة الطف ودور الأمام العباس الكبير فيها, العطش, استغاثة الأطفال من العطش قربة الماء التي يروم ملؤها وجلبها للعيال والأطفال وهم محاصرون في ساحة النزال, السهام المتطايرة ,الأكف المقطوعة, صاحب الألقاب المتعددة , فمن سفره الخالد  يستلهم الجميع الدروس والعبر بالشجاعة والصبر والتضحية والشهادة والدفاع عن المبادئ والقيم النبيلة.

)يا شهيد الإخلاص كم من شهيد فجّر النور من ظلام القبور
يا نبي الجهاد في كل قلب أنت جريح مخضب بالنور
أنت حادي الأقوام إن غام مرقاها وتاهت في عتمة الديجور) **


التقطت هذه الصورة بكامرتي في العزيزية يوم  العاشر من شهر محرم(  التشابيه ) 27/12/2009

 ومن ثم درت محرك البحث (كوكل) مرة أخرى على جريدة صدى الروضتين, وهي تدخل عامها السابع بنجاح, وقد أبحرت في الروضتين الطاهرتين, وبقدر فرحي واستمتاعي بما كنت أقرأ تألمت لصور كانت قد نشرت على صفحات الانترنيت عن حجم الدمار الذي أصاب الروضتين والفضاء المحيط بهما بعد قمع الانتفاضة الشعبانية العارمة عام 1991, وعادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام الرهيبة التي مرت على البلد.

 ودارت بي الذكريات ورحت استرجع ذكرى مضت عليها سنون طوال لكنها لم تبرح الذاكرة, استعدتها وبدأت أجمع بعض صورها المنقوشة في صندوق رأسي ,قبل ثلاثين عاما ًونيف من السنين سنحت لي ذات مرة زيارة الروضتين الطاهرتين في ذكرى العاشر من محرم أقصد ليلة العاشر من محرم, كما نسميها (الطبك) بصحبة مجوعة من زملائي الطلاب عندما كنت طالب في المعهد الزراعي الفني في أبو غريب عام 1973, لم تكن هذه الزيارة  لكربلاء الوحيدة لكنها كانت الأولى,  كان معي في تلك الزيارة – أتمنى أن تسعفني الذاكرة بذكر أسمائهم الصحيحة –  الأصدقاء الأحبة  (طالب شمران ) من أهالي سدة الهندية والعزيز( أنيس)من أهالي بغداد والصديق (محمد العبودي) من أهالي البصرة, والشهيد العزيز ( مهدي حمد الخزرجي)1, وصديقي الشهيد الطيب( يشوع مجيد بهنام)2 من أهالي مدينة  قرقوش من سهل نينوى , تصور مدى الآلفة والأخوة والمحبة والوئام والتسامح والانسجام التي جمعتنا, فالذي جمعنا,حب العراق وتربته الطاهرة, العراق موطن الأنبياء والأولياء, العراق صاحب الحضارة والمدن الضاربة بالقدم , السومريون , والاكاديون , اور, الوركا, بابل, أشور, طيب ماثا, نينوى, كربلاء, الطف, الكتابة المسمارية, القبب الذهبية, أكاليل الآس, النخلة المباركة ( السندركا)3,  الشلالات, الجبال الشاهقة, الأهوار, المشاحيف4, حي على خير العمل, طيور الماء, البلابل, حمام الكاظم, نواقيس الكنائس, فرات زيوا ومياه المقدسة, بابا كركر5, بلاد ما بين النهرين وأطيافه الرائعة, فأنا صابئي ديني غرس التوحيد الأول في بلاد الرافدين, والفقيد يشوع مسيحي يحمل غصن الزيتون و الطيبة والمحبة والتسامح ,وبقية الأخوة  جميعهم مسلمين موحدين, يؤمنون بكل الأنبياء والرسل, ثق أني لم أكن أعرف إلى أي مذهب ينتمون عدى صديقي الشهيد مهدي حمد الخزرجي لكونه أبن مدينتي ونسكن متجاورين  في حارة واحدة.

في تلك الزيارة وصلنا قبل الظهر , بعد تناول الغداء في أحد مطاعم كربلاء قرب الروضتين, حجزنا غرفتين مكان لمبيتنا في أحد الفنادق القريبة من الفسحة التي تقع بالقرب الروضتين, في تلك الليلة طفنا في شوارع المدينة وسرنا جنب المواكب ,ازدحام شديد, حشود من النسوة , صوت طبول , إيقاع موسيقي لارتطام الأكف بالصدور, تجولنا في باحة الروضتين المقدستين,الأضوية تبهر الأبصار, القبب الذهبية المهيبة, قاعات مزججة, ثريات عملاقة, قاعات فارهة مفروشة بالسجاد الراقي, زوار من شتى بقاع الأرض, جموع تطوف حول أضرحة الإمامين,وأخرى تفترش الباحات,أصوات استغاثة تختلط بأصوات البكاء, بقينا نتجول حتى انبلج الصباح, في الصباح كانت الهريسة والقيمة والتمن والشاي توزع مجانا ً في كل مكان.
 بعد أن غادرنا الفندق أصر صديقنا طالب شمران على أن يستضيفنا في بيت والده العامر في سدة الهندية ليلة أخرى, وقد لبينا دعوته, وحال وصولنا بيتهم  ضيفونا واستقبلونا بكرم وسخاء فكان نعم الاستقبال والضيافة من عائلته الكريمة .     

 
رسالتكم الكريمة أيها الأديب العزيز حفزتني أن اكتب لجريدة صدى الروضتين هذه الرسالة وفيها بعض الذكريات وشيء عن  زيارتي للعراق وهي الزيارة  الأولى منذ مغادرتي للوطن قبل حوالي  تسعة سنوات,والتي صادفت في نهاية كانون الثاني من العام الماضي 2009 وتزامنت بالصدفة  مع فعاليات مهرجان النور الثقافي في العراق, وبالحقيقة كانت أسباب  زيارتي بالدرجة الأولى اشتياقي الكبير إلى زيارة والدتي, كانت تبكيني كلما هاتفتها, للاطمئنان على صحتها وتفقد بعض احتياجاتها,بعد أن غادرها أكثر أولادها وأحفادها بسبب ما مر ويمر على عراقنا الحبيب الجريح من رعب وموت وبلاء وفقدان للخدمات, طوال أيام مكوثي بقربها كانت الدموع لا تفارقني, لقد بكيت كثيرا بقربها. لقد صدمت عند رأيتها وكأنها بلغت من العمر عتيا, لكن كبر حجم مأساة العراق وقلة الخدمات من أبرز الأسباب التي  سرعت من تدهور صحتها وعجلت بشيخوختها,مساكين أهل بلدي الطيبين, سنين ثقيلة طوال والمآسي تلف وتدور فوق رؤوسهم.
 
العزيزية مع والدتي صباح يوم 07/01/2010

 أغلب الوقت أمي ترقد بسريرها,وجليسة غرفتها, فقد قلت حركتها,  لم تزل أمي تضيء غرفتها في الليل بمصباح كهربائي صغير ( كلوب نمرة صفر), كما كانت منذ عشرات سنين خلت, خلال زيارتي كنت عندما تنام أمي في الليل وفي بعض الأيام  وفي شبه الظلام , فالضوء خافت ,كنت انسل إلى غرفتها بحذر كنت أتقرب إلى وجهها واذرف ما تسعفني به عيناي من الدموع الساخنة, في الصباح , أيقضها , أفطر معها وفي أغلب الأيام كانت تقص علي بعض الأحلام التي مرت عليها في الليلة السابقة, كنت أستمع بشغف لها وأستمتع بذلك,أو تشكي لي هموم اعتلال صحتها, كانت أمي نحلة رشيقة نظيفة, مملكتها بيتها, في بيتها لا تكف عن الحركة والعمل والتنظيف والترتيب وأعداد الطعام, هكذا كنت أشاهدها منذ فتحت عيني عليها, في أوقات فراغها تغزل خيط رفيع من الصوف لتعمل منه عباءة رجالية لوالدي, أو تغزل خيوط  صوفية ترسلها للحائك لعمل السجاد والبسط لتزيد بها مخزون البيت من المفروشات, وتنسج من خوص السعف والحلفاء أجمل الأطباق , تلونها, وتجيد التحكم بأحجامها وأشكالها, تعمل من حين لحين تنور الطين, ومن أهم هواياتها وأفضلها واحبها إلى نفسها  تربية ورعاية عدد من الدجاجات وأفراخها, كانت قد عملت لهن (بيت) قن جميل واسع نظيف في الفناء الخارجي خلف الدار, كانت تحدثهن يوميا ً, كنت أسمعها, تطعمهن تكبرهن وتسمنهن وعندما تذبحهن نادرا ما تأكل لحمهن!


خلال زيارتي كنت لا أنفك من الدوران حول تنور الطين الذي عملته يدها, وهو يرقد تحت سقيفته الكبيرة, وكم أطلت النظر لقن دجاجها المهجور, وكل صباح  كنت أتلمس أغصان شجرات الرمان والآس التي زرعتها ورعتها وكم كنت أفرح بداخلي وأنا أرى نخلاتها الباسقات التي شاركت بغرسها وريها وهي تشهق بهذا الارتفاع, عمر نخلاتها الآن حوالي 26 عاما ً, لم يعد في البيت نقيق6 دجاج ولا خبز تنور من صنع أمي.
 
بيتنا في العزيزية والذي شيد في 1983وثلاثة نخلات باسقات عمرها حوالي 26 عاما بتاريخ 4/1/ 2010
 
  والسبب الثاني لزيارتي طوق الحنين الغليظ الذي يطوقني ويشدني بقوته وعنفه للعراق والأحبة والأصدقاء,أنه شوق وحنين وحب كبير اعجز عن وصفه, أنه  صوت يدور ويكبر صداه في رأسي أسمه عراق, فجسمي في مملكة السويد هذا البلد الرائع برفاهيته ونظامه وطبيعته الخلابة, وبيئته الخالية من الأوبئة والأمراض والتلوث والألغام , لكن روحي وعقلي تلهج وتدور بالعراق.

الصورة بكامرتي السويد / مالمو بمناسبة عيد منتصف الصيف في 25حزيران 2009 وهو من الأعياد الشعبة لمعظم السويديين, وكذلك كعيد ديني مسيحي تخليداً لذكرى النبي يوحنا المعمدان(ع), تقدم فيه أجمل الرقصات الفلكلورية الشعبية المرحة.وتقدم فيه أنواع خاصة من الأطعمة والمشروبات.     

  كانت في شوق كبير لزيارة العديد من محافظات العراق وبضمنها العتبات المقدسة في كربلاء, من خلال حضور أيام مهرجان النور الثقافي, فهنالك يوم مخصص لمهرجان النور في كربلاء المقدسة , كنت بشوق للقاء أصدقاء وأحبة  كتاب وأدباء وشعراء تعرفت على البعض منهم من خلال موقع النور ,لكن الرياح لا تسير كما تشتهي السفن كما يقول المثل,فلم أتمكن من حضور أيام المهرجان ,رغم تقديم عروض مغرية من صديقي العزيز أبن مدينتي العزيزية الكاتب ( رفعت نافع الكناني ) بنقلي بسيارته الخاصة والذي حضر مهرجان بغداد والحلة, وكذلك الدعوات الهاتفية المتكررة في العراق من العزيز فلاح النور النبيل( أحمد الصائغ )  بضرورة الحضور في أيام المهرجان وكذلك من أبن الحلة العزيز( أبو أيلوار الأديب المبدع صباح محسن جاسم ).
 

سوق العزيزية 24/12/ 2009  مع مجموعة من الأحبة من اليسار جبار مهدي الشلال,العزيز الشيخ مجيد أبو لطيف, يحيى الأميري, لطيف جاسم 

مع هذا كنت خلال زيارتي وسط الأجواء الحسينية في مدينتي العزيزية التي عوضتني بعض الشيء عن زيارة العديد من المحافظات والعتبات المقدسة, كانت المدينة ومنذ وصولي تستعد بالاحتفاء بمقدم شهر عاشوراء, فقد دبت بالمدينة وضواحيها حركة غير طبيعة, أعادت بي الذاكرة إلى أجواء السبعينات من القرن المنصرم, وكيف كانت المدينة  تستقبل تلك الأجواء واحتفالاتها, والتي نقشت بذاكرتي, زينت الأعلام واللافتات الشوارع وواجهات الأسواق والمحلات فيما اعتلت سطوح الدور السكنية أعلام أخرى ترفرف زاهية بمختلف الألوان والأحجام , صور الأئمة تطل عليك في كل مكان, الجرادغ والخيم نصبت في كل حارة ,تنطلق منها المواكب وتوزيع فيها المرطبات والشاي والفواكه, وملتقى لتبادل الأحاديث. أقام الناس على مختلف طبقاتهم الموائد العامرة بسخاء عراقي حقيقي, الموائد العامرة  تقديم فيها الأطعمة

 
العزيزية ليلة العاشر من محرم 26/12/2009 من اليسار صاحب الدار والموكب الشاعر الصديق محمد حسن السمين و يحيى الأميري و الصديق محمود عبيد

 
العزيزية ليلة عشرة محرم الطبك 26/12/2009, مقابل دار الصديق الشاعر محمد حسن السمين, مجموعة من الأحبة , من اليسار بسام فيصل الأميري  , ..., يحيى الأميري,مالك /أبو أنس , علي ولي , حسن حسين الزماخ ,وجدي محمود

والمشروبات بسخاء, ويعلن القائم فيها بنوع من الود في دعواه للناس إنها ثواب لأهل البيت إنها ثواب للحسين الشهيد, أنها موائد تعد حبا بالحسين (ع) وصحبه الميامين و ترحما وتقربا من الحسين الشهيد وأهل بيته الأبرار, التمن والقيمة واللحوم بأنواعها, الهريسة,وأنواع عديدة من الأكل الشهي, تقدم معها الفواكه والمرطبات والشاي والحلويات, وهي بالإضافة لذلك ملتقى للأحبة والأصدقاء و للمصالحات وتنقية الأجواء, ودعوات للمحبة والرحمة والوئام والسلام.


العزيزية 4 /1/ 2010  ديوانية الصديق الحاج عبد الحسين حبيب , في إحدى الأماسي الحسينية , نتداول فيها مختلف المواضيع الثقافية والفكرية والسياسية .من اليمين حسن الزماخ , يحيى الأميري , الحاج عبد الحسين حبيب, و مالك علي عبيد عضو المجلس المحلي لمحافظة واسط 


 
العزيزية في 26 /12/ 2009 / دار الشيخ سلوم أبو زيدون إحدى الولائم  العامرة التي تقام بذكرى عاشوراء, على حب أبا عبد الله(ع)
 

 
العزيزية في 26 /12/2009 / دار الشيخ سلوم أبو زيدون أحدى الولائم التي تقام بذكرى عاشوراء, ومجموعة من وجهاء المدينة   

خلال الأيام العشرة كانت تنهال علي دعوات الأصدقاء والمعارف للولائم التي تقام في هذه المناسبة,وقد لبيت الكثير منها,كنت سعيد جدا وأنا ألتقي عشرات من أصدقائي ومعارفي في تلك الأيام, وأغلب أحاديثنا كانت تدور حول العراق وهموم شعبه.

 
في ليلة العاشر من محرم 26/12/2009 أمام دار الصديق عامر حيدر,حيث تبقى الاحتفالات حتى الفجر , من اليسار يحيى الأميري, سرمد عبد الله , ناجي علي الفارس , عامر حيدر,حسام حمزة حبيب  وضيوف أصدقاء الأخ عامر
في ختام مقالنا هذا نتوجه بالشكر مرة ثانية, لأستاذ الأديب على حسين الخباز, رئيس تحرير صدى الروضتين والمسؤول الإعلامي للعتبة العباسية الطاهرة , لهذه المبادرة والدعوة الكريمة التي أتاحت لنا الفرصة بكتابة مقلتنا المتواضعة هذه , كمشاركة لبث ونشر ثقافة التسامح والمحبة والأخوة بين أبناء شعبنا العراقي الواحد بكل أطيافه وألوانه الجميلة, والتي تأتي في وقت أحوج ما يكون فيه بلدنا وشعبنا والعالم أجمع, لنشر وبث الدعوة لسياسة التسامح والمحبة والوئام والسلام ونبذ سياسة العنف والموت والتفرقة والتمييز بكل أشكاله.
فسياسة التسامح بكل أنواعه وخصوصا ً التسامح الديني7 منه هو خير من يمهد الطريق للسلام والمحبة والتعاون والإبداع والعيش بكرامة ورخاء ووئام,الطريق للعدالة والقانون والديمقراطية أن تسود وتأخذ مجراها ,  وبالوقت نفسه تقلل من الاحتقان والتعصب , ليوقف الفواجع , ويرتق النسيج الممزق , ويضمد الجراح النازفه, ويغلق الأبواب بوجه مروجي سياسة الاقتتال والموت والفساد والتفرقة الطائفية والعرقية والتمييز والانتقام والسلب والنهب والخراب,الذي يضرب ببلدنا الحبيب ويمزق وحدته ويفتت قوته ويمهد الطريق لزيادة استمرار نهب ثرواته وإذلال شعبه والتحكم بمصيره.
   
 أن كل الرسالات السماوية والتي عمل وسعى من أجلها الرسل والأنبياء والأوصياء والأتقياء وأصحاب الضمائر الحية الشريفة والقيم الإنسانية النبيلة, هي رسالات للخير والمحبة والسلام والتعاون,والعدل والإنصاف, تبث وتنشر عطر التسامح والأخوة العبق الفواح, وما يسطر بالدراسات والبحوث والكتب وفي مختلف وسائل الإعلام والمحافل وما تجود به قرائح الشعراء ومنابر القراء هو خير دليل على إحيائنا و استذكارنا ومن مختلف الملل والنحل, في كل يوم وعام ومنذ أكثر من 1400عام لواقعة الطف ( ثورة الحسين الشهيد ) وصحبه الميامين, لتستلهم منها الدروس والعبر في الشجاعة والبطولة والصمود والتضحية والفداء, والغور في بحور ميزات  قادتها الأفذاذ, ودورها كثورة في مقارعة التسلط والتمييز والجور والظلم والاستبداد, من اجل الخير والحرية والمحبة والوئام والسلام.


كتبت في السويد بتاريخ  31/ 3/ 2010

هوامش وتعاريف مكملة لمقالتنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقطع الشعري , من مقالة بعنوان  جريدة صدى الروضتين تتألق زهوا بميلادها من جديد, بقلم جواد المنتفجي والمنشورة في موقع النور 7/4/2009
** المقطع الشعري, من قصيدة للشاعر رشيد ياسين,بعنوان ثورة الحسين , استليت المقطع الشعري من مقالة للكاتب القدير جاسم المطير , الموسومة  (عن الشعر والشيوعيين وذكرى الحسين الشهيد ), منشورة في عدة مواقع على الانترنيت ومنها موقع الطريق السيمر والأخبار في01/02/2010 , ألقيت القصيدة في حزيران عام 1950 أو حزيران نهاية الأربعينات كما يذكر الأستاذ جاسم المطير في مقالته.
(1) الشهيد مهدي حمد حسين  الخزرجي :  صديقي ورفيقي وأبن مدينتي من أهالي قضاء العزيزية/ واسط  أعتقل في بداية الثمانينات, أثناء حملة البعث ضد القوى التقدمية والوطنية العراقية, وغيب في سجون السلطة الفاشية, سلمت إلى أهله من النظام الغاشم ورقة بإعدامه.
(2) الشهيد يشوع مجيد بهنام (هدايا) :  صديق حميم, من أهالي سهل نينوى, مدينة قرقوش, اغتيل غدارا ً أمام مقر حزبه, رئيس حركة تجمع السريان المستقل, من قبل مسلحين مجهولين, بتاريخ 22/11/ 2006.
(3) السندركا :  أسم النخلة باللغة المندائية .
(4) المشاحيف : نوع من( البلام) الزوارق وهو الواسطة الرئيسة للتنقل في الاهوار, سريع الحركة,ومنه عدة أنواع وأسماء حسب السعة والحجم, أشتهر الصابئة في صناعتها.
(5) بابا كركر : كما ورد تعريفها في الويكيبيديا وهي عبارة عن حقل نفطي كبير بالقرب من مدينة كركوك في العراق كان النفط يستخرج منها بطرق بدائية أثناء عهد العثمانيين. تفجر النفط منها بغزارة عام 1927 مما حدى بالإنكليز إلى البدا بإنشاء البني التحتية للحقل النفطي. بدأ عملية استخراج النفط من الحقل بصورة منظمة عام 1934. كانت بابا كركر تعتبر من أكبر حقول النفط بالعالم إلى حين اكتشاف النفط في حقول المملكة العربية السعودية
(6) النقيق : ورد تعريفها في مختار الصحاح : نَقَّ الضِفدعُ والعقربُ والدجاجةُ، يَنِقُّ نقيقاً أي صوَّتَ
(7)  التسامح الديني وأهميته ودعوتنا له, مقالة لنا بهذا الخصوص و الموسومة -  آل ( قره ) وآل ( الصابي ) من النتائج الرائعة لثقافة التسامح الديني -  والمنشورة في عام 2006 في عدة صحف وكذلك على عدة مواقع صحفية على صفحات الانترنيت ومنها موقع صوت العراق, الحوار المتمدن, النور, اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر والبديل الديمقراطي, عنكاوا, بحزاني, الكوت ,الناس, عراق الكلمة,  وغيرها.

132
الحكومة البولونية تمنح السفير العراقي المندائي د. وليد حميد شلتاغ وساما ًرفيعا ً



بقلم يحيى غازي الأميري


من الأخبار المشرفة والمفرحة  أن يكافئ المجد والمثابر على نشاطه وإخلاصه, وتعد المكافئات والأوسمة براهين وإثباتات وشهادات معلومة جميلة, شيء مسر ومفرح حقا ً ويتباهى به كل وطني عندما يسمع أو يشاهد  أن تترجم الأهداف والبرامج والمبادئ  بشكل فعلي إلى أرض الواقع , فيزكون الأمانات التي تحملونها بترجمتها إلى شهادات شرف وأوسمة ومنافع وأعمال جليلة, من أجل خدمة  بلدهم وشعبهم والإنسانية والعلاقات المتكافئة بالتعاون والتعايش السلمي بين الشعوب.


سعادة السفير د. وليد شلتاغ يتسلم وسام الشرف من الحكومة البولونية/سنة  2010  

للدكتور وليد حميد شلتاغ مسيرة حافلة بالعمل المثمر والتضحية, والعمل النضالي المثابر الدؤوب ,وأخرها في مجال العمل الدبلوماسي كسفير للدولة العراقية في الجمهورية البولونية, والذي تسنمه بعد مدة قصيرة من سقوط النظام في 9/4/ 2003  وتقديرا لكفاءته ولجهوده المتميزة بتوثيق وتطوير العلاقات والتعاون وتقريب وجهات النظر بين دولته العراق وجمهورية بولونيا وفق المرتكزات الرئيسية لسياسة  للحكومة العراقية والمواثيق والمعاهدات الدولية, وذلك على مدى خمس سنوات متتالية من عمله الناجح كسفير للعراق في جمهورية بولونيا , قررت الحكومة البولونية منح السفير العراقي المندائي الشيوعي د. وليد حميد شلتاغ وسام الشرف, أنها شهادة جديدة  تضاف لسجله الحافل بالنشاط والعطاء.
 
 الدكتور وليد شلتاغ حاصل على شهادة دكتوراه في القانون الدولي من إحدى جامعات الاتحاد السوفيتي, وسياسي ناشط , وهو أحد الأبناء البررة لعائلة عراقية صابئية مندائية  شيوعية مناضلة قدمت الغالي والنفيس من أجل العراق وشعبه, فقد أعدم النظام الغاشم في حملته سيئة الصيت بتصفية القوى الوطنية اليسارية حلفاء الجبهة الوطنية, الذين فتحوا قلوبهم بثقة واخلاص  للشريك الغادر, فكان جزاء العراقيين الوطنيين النجباء الموت والتغيب والتعذيب والتسقيط والترهيب, ودوامات من الخوف, فقد اعدم ثلاثة من عائلته بعد اعتقالهم وتعذيبهم في زنازين الرعب والموت الرهيبة,  وهم والده المعطاء صاحب الابتسامة الرقيقة والعاطفة الحميمة الرجل الوقور صاحب التعليم الجامعي الشهيد حميد شلتاغ, ووالدته صاحبة القلب الرحيم واليد المعطاء, والعمل النضالي المثابر الخلاق ,والمواقف الإنسانية المتميزة, الشهيدة  بدرية داخل علاوي, وشقيقه ذو الوجه الجميل , الشاب الأنيق, الذي أعدم وهو في ريعان شبابه الشهيد كريم حميد شلتاغ , فقد اقتيد إلى غياهب السجون وهو طالب في مرحلة الدراسة الثانوية, وقد نال جميع إفراد عائلته الكثير من المعاناة والظلم والمطاردة والتشرد, وفي الوقت نفسه سجل الدكتور وليد شلتاغ وأشقاءه صفحات مشرفة  الصبر والمطاولة في حب الوطن والدفاع عن الشعب وتصدوا بكل إمكانياتها للنظام الغاشم.
عندما أكتب عن عطاء هذه العائلة وتضحياتها ليس من باب التخمين والسمع فقد عرفتهم فردا ً فردا ًعن كثب, وتربطنا كفرد وكعائلة بالشهيد حميد شلتاغ والشهيد بدرية داخل علاوي صلة رحم وقرابة متينة قوية, وعشرة صادقة أخوية, وكذلك علاقة صداقة حميمية  بالعزيز الفقيد كريم  حميد .وكانت ولم تزل تربطنا بجميع أفراد عائلتهم صلات مودة وزيارات متبادلة جميلة صادقة لغاية اليوم. فالعزيزة الشهيدة  أم مجيد( بدرية داخل علاوي ) أبنت عمتي وأبو مجيد(حميد شلتاغ) ابن خال والدي. سوف أتناول هذه العائلة المناضلة وبالذات الشهداء الثلاثة الأبرار بمقالة منفردة بعون الله.لدورهم النضالي المشرف ولمحبتي العميقة الحميمة لهم.

 
2004 / مالمو صورة عائلية تجمعني د.وليد حميد شلتاغ

لقد عرفت الدكتور وليد حميد شلتاغ منذ زمن بعيد, ولمست عن قرب صفات بارزة به, صفات إنسانية ودودة, وصفات الرجل القيادي, فمن صفاته, التواضع , الطيبة ,الصدق,  الهدوء والرزانة والكياسة والشفافية , حسن الإصغاء و المحاورة, وسرعة البديهية, الوضوح وعدم المراوغة , محب لعمل الخير بجد وإخلاص, يحترم الرأي والرأي الأخر, مدافع مبدئي عن الحق, وغيرها من الصفات الحميدة في الإنسان والقائد, سوف أروي هذه الحادثة التي حدثت أمامي ,أخر مرة جمعتني بالدكتور وليد شلتاغ كانت صيف عام 2009 في مؤتمر اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر والذي عقد في السويد / ستوكهولم ,كنت أحد المندوبين للمؤتمر. كان المندوبون قد حضروا للمؤتمر من مختلف إنحاء العالم, طلب من المندوبين والمشاركين بالمؤتمر الترشيح لرئاسة جلسة  المؤتمر, رئاسة  المؤتمر تتكون من ثلاثة أشخاص, رشح ستة أشخاص من  المؤتمرين, وثبتت أسمائهم على اللوحة,  كان عدد الذين يحق لهم التصويت في المؤتمر 44 صوت, على أن لا يزيد اختيار الناخب على ثلاثة أسماء من المرشحين فقط, ويحق له اختيار عدد أقل من الثلاثة , لكن تهمل الورقة إذا زاد عدد من يتم اختيارهم على ثلاثة أشخاص, جاءت نتيجة الدكتور وليد  شلتاغ بعد فرز الأصوات , الأول بتسلسله بحصوله على 44 صوت من مجوع 44. فقد صوت وصفق الجميع له على هذه النتيجة !
 
ستوكهولم 2009 د.وليد شلتاغ , يدير جلسة المؤتمر الخامس لاتحاد الجمعيات المندائية


تهنئة حارة للعزيز الصديق الدكتور وليد شلتاغ والى مزيد من النجاح والأوسمة لخدمة بلدنا العزيز العراق وشعبه, ومن اجل المزيد من العطاء والدفاع عن حقوق بني جلدتك إخوانك الصابئة المندائيين والذين عرفوك أبنا ً باراً لهم, والى نجاح ووسام أخر أيها العراقي المندائي الشيوعي الشهم.



كتبت في السويد بتاريخ 3/4/2010

133

وأخيرا ً الصابئة في البرلمان العراقي


بقلم: يحيى غازي الأميري

فضيلة الكنزبرا ستار جبار الحلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم المحترم
الأخ العزيز الأستاذ  خالد أمين الرومي المحترم.

بالبداية نستهل مقالتنا هذه بالتهنئة لفضيلة جنابكم العزيز, ولكافة أبناء طائفتنا المندائية في عموم المعمورة, ولشعبنا العراقي الأبي, على فوز مرشح الصابئة المندائيين الرسمي الأخ العزيز خالد أمين رومي, لدورة البرلمان القادم 2010, وهو من المكاسب المهمة جدا ً في حياة الصابئة في العراق في العصر الحديث.

 
الصورة ببغداد 10/1/ 2010 من اليسار  يحيى غازي الأميري , خالد أمين رومي , مالك باني , جمال عزيز خصاف


هذا المكسب جاء بعد سبعة سنوات  تقريبا ً من سقوط  النظام الغاشم  جاء بعزيمة ومثابرة  أبناء الصابئة المندائيين - أفرادا ً ومؤسسات - المستمر في طرح مطاليبهم واستحقاقاتهم, والدفاع عنها في مختلف المحافل العراقية والدولية, والتعريف بحقوقهم واستحقاقاتهم المهضومة في بلدهم وقد شاركتهم مشكورة بالإسناد والمطالبة القوى الوطنية والتقدمية العراقية الشريفة والعديد من الشخصيات السياسية والدينية ومن مختلف مكونات المجتمع العراقي, وكذلك كان لأقلام الكتاب والإعلاميين المندائيين والعراقيين التقدميين النجباء الدور المشرف بدعمهم المثابر لمطاليب واستحقاقات الصابئة  المندائيين في بلدهم وموطنهم الأول,وكذلك لعبت الدور نفسه بقية الاقليات الدينية والاثنية العراقية في الدفاع عن حقوقها واستحقاقاتها,  كانت هذه من أهم الأسباب التي ولدت الضغط المستمر على القوى صاحبة القرار والفاعلة في الساحة السياسية العراقية, فأجبرتها على تشريع قانون الكوتا للاقليات العراقية والموافقة عليه. والذي خصص بموجبه عدة  مقاعد للأقليات الدينية والاثنية العراقية, وكانت حصة الصابئة المندائيين مقعد واحد ضمن حصة محافظة بغداد.

 وكانت حصة بقية الأقليات من مقاعد الكوتا في مجلس النواب العراقي كما يلي:
خمسة مقاعد/ كوتا للمسيحيين, وبعد أجراء الانتخابات حصلت قائمة الرافدين على ثلاثة مقاعد ومقعدين حصل عليها المجلس الشعبي الكلداني الآشوري. 
مقعد واحد/ كوتا  للايزيديين,  وبعد أجراء الانتخابات حصلت عليه الحركة الايزيدية لأجل الإصلاح والتقدم. 
مقعد واحد / كوتا للشبك,  وبعد أجراء الانتخابات حصل عليه المهندس محمد جمشيد الشبكي 

وبخصوص من يحق لهم التصويت من أبناء طائفة الصابئة المندائيين للقوائم المتنافسة على الكوتا المندائية, حددت المفوضية العليا  المستقلة للانتخابات  في العراق شروط مجحفة اشترطت فيها فقط على الساكنين من الصابئة في بغداد فقط  من يحق لهم التصويت على القوائم المتنافسة على الكوتا المندائية مما حرمت آلاف من الأصوات من سكن المحافظات الأخرى التي يقطن فيها الصابئة, وكذلك في خارج العراق  كانت التعليمات مجحفة إذ سمحت فقط للصابئة من  للذين يحملون إثباتات رسمية كونهم من مواليد بغداد حصراً . وقد جاهدت رئاسة طائفة الصابئة المندائيين في بغداد من أجل تغير القانون الذي شرعه مجلس النواب, والذي ألزم المفوضية بإصدار مثل هذه التعليمات المجحفة, عملت رئاسة طائفة الصابئة  بضرورة اعتبار الكوتا التي تخص المندائيين دائرة انتخابية واحدة في عموم القطر أسوة بالاخوة المسيحيين, ولكن للأسف الشديد لم  تفلح جهودها ومساعيها ومذكراتها واتصالاتها بهذا الخصوص, مما اضطر رئاسة الصابئة المندائيين على أقامة دعوى قضائية لدى المحاكم المختصة ( المحكمة الاتحادية العليا) فقد أقيمت دعوى أعتراضا على قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لعام 2005 لغرض تديل الفقرة التي تخص حق التصويت للصابئة باعتبار الكوتا المندائية دائرة انتخابية واحدة أسوة بالاخوة المسيحيين. 
  وقد كسبت الدعوى بالتعديل, لكنها سوف تطبق في لدورة القادمة للانتخابات البرلمانية, إذ لم يبقى وقت عند صدور قرار المحكمة يسمح بإجراء تعديلات جديدة على نظام الانتخابات وطريقة التصويت التي أصدرتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لذلك أقتصر حق التصويت لأبناء الصابئة ممن يحق لهم التصويت  فقط على الساكنين في محافظة بغداد وفي خارج العراق على المهاجرين والمهجرين و اللاجئين من مواليد بغداد والذين توزعوا على عدة بلدان جرى فيها التصويت,وذلك حسب التعليمات التي أصدرتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات, وكان لهذه الأصوات الدور المهم بحسم فوز المرشح خالد الرومي في المنافسة التي جرت على مقعد الكوتا بين الكيانات المندائية المتنافسة عليه.إذ شاركت قائمة المؤسسة المندائية الرسمية ببغداد بالرقم 381 ممثلة بالمرشح الوحيد بالقائمة خالد أمين رومي, شاركتها ثلاثة كيانات مندائية أخرى في هذه المنافسة دخلت كل منها بقائمة مستقلة, والحق يقال كان لرئاسة الطائفة, ولمجالس ومؤسسات الصابئة المندائيين في العراق والخارج الدور الكبير في تحشيد الجهود وتوجيهها بالاتجاه الصائب.والتي تكللت أخيراً بهذا الفوز الثمين.وسط تكهنات و تجاذبات وتكتلات وصراعات وتجاوزات واتهامات كبيرة وكثيرة وخطيرة رافقت عموم مسيرة ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي جرت في7 / آذار / 2010 
أدناه القوائم والكيانات التي دخلت متنافسة على مقعد الكوتا /  للصابئة المندائيين في البرلمان العراقي كما نشرت في الصحافة .
 1. رقم القائمة أو الكيان  381 المحافظة بغداد/ خالد أمين رومي / تحوي القائمة مرشح واحد يحمل التسلسل 1 
2. رقم القائمة أو الكيان   382  المحافظة بغداد/ نديم فزع ضيدان الخميسي / تحوي القائمة مرشح واحد يحمل التسلسل 1 
3. رقم القائمة أو الكيان   383 المحافظة بغداد/نوري سبتي سهر عاتي/ تحوي القائمة القائمة مرشح واحد يحمل التسلسل1
4. رقم القائمة أو الكيان   384 المحافظة بغداد / الهام عمارة نفيل ارديني* /عن مجلس أعيان طائفة الصابئة المندائيين رقم التسلسل بالقائمة1
5. رقم القائمة أو الكيان  385 المحافظة بغداد / جليل إبراهيم  زغير حرز/  عن مجلس أعيان طائفة الصابئة المندائيين رقم التسلسل بالقائمة2
 
واخيرا ًوبعد جهود مضنية, دخل البرلمان العراقي ممثل رسمي عن الصابئة المندائيين للبرلمان العراقي,سكان بلاد الرافدين الأوائل .
 وبهذه المناسبة نقدم تهانينا القلبية الصادقة للأخ والصديق العزيز الأستاذ  خالد أمين الرومي بهذا الفوز وهذا الكرسي الذي سوف يمثل فيه الصابئة  المندائيين في البرلمان العراقي وهي أكبر مؤسسة دستورية رسمية عراقية , وهي المرة الأولى بتاريخ طائفة الصابئة التي يتسنم فيها أحد أبنائها مثل هذا المنصب والموقع الرفيع. ويكون ممثلا ً لها بشكل رسمي في البرلمان العراقي, منذ تشكيل أول برلمان عراقي في العهد الملكي عام 1953.

دعائنا وتمنياتنا أن يوفقه الحي العظيم في عمله  بترجمة سياسية وأهداف ومطاليب واستحقاقات الصابئة المندائيين, التي أوصلته وحملته هذه الأمانة الكبيرة, هذه الطائفة التي شارك أبنائها ومنذ انبثاق تشكيل الحكومة العراقية في بداية القرن الماضي إلى يومنا هذا بكل تواضع ومحبة بجهودهم وعلمهم وعملهم وحياتهم بكل جدٍ واخلاص وعزيمة وتفاني, فقدمت خلال مسيرتها الطيبة المشرفة  تلك مئات الشهداء من أبنائها وزج بعدة آلاف من خيرة أبنائها النجباء في السجون والمعتقلات ونالهم الشيء الكبير من البطش والمطاردات والغبن والتميز كل ذلك من أجل  بناء العراق ورفاهية شعبه, ورغم ما نالها على مر العصور من ظلم وحيف كبير بقيت طائفة الصابئية المندائيين أمينة على حبها لشعبها بكل أطيافه و لبلدها وموطنها الأصلي بلاد الرافدين, وبقي أبنائها  يستمدون حبهم وعزيمتهم وتضحياتهم لشعبهم وبلدهم من أيمانهم بالقيم والتعاليم المندائية الإنسانية النبيلة التي يؤمنون بها, وتعمدوا بها, تلك المبادئ والقيم الفضيلة التي يحملها غرس التوحيد الأول الدين المندائي .دين المحبة والسلام والتآخي. 
 
وأخيرا ً دعائنا  لرب العزة والجلال أن يوفق العزيز خالد أمين رومي بخدمة بلدنا وعراقنا الحبيب الجريح, وأن يصون ويدافع عن حقوق أهله الصابئة المندائيين حقوقهم السياسية والإنسانية والدينية والثقافية, من خلال موقعة في هذه المؤسسة الدستورية المهمة.

*ملاحظة /من خلال متابعتنا لنتائج التصويت التي كانت تعلنها المفوضية العليا  المستقلة للانتخابات لم نلاحظ إعلان أي رقم أو نتيجة  للمرشحة الهام عمارة نفيل ارديني.


السويد في 28  آذار 2010



134
الأسبوع الثاني من أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو/الجزء الرابع


الشعر هو فن جمع المتعة بالحقيقة
صمويل جونسون/ مؤلف إنكليزي

يحيى غازي الأميري


اليوم هو السبت 14 /11 اليوم الثاني من الأسبوع الثاني من أيام الثقافية العربية السويدية , يشارك فيه نخبة من الشعراء المبدعين
( كارين لينتز, عدنان الصائغ, فرهاد شاكلي, أرنه زارينغ, ماريا ليندبيرغ, الفنان الموسيقار  فلاح صبار).

كلفت من قبل اللجنة المنظمة لمهرجان الأيام الثقافية بالتقديم للأمسية وكذلك بالتقديم للشعراء الخمسة المشاركين في هذه  الأمسية وكذلك التقديم للفنان الموسيقار فلاح صبار .

اختير مكان الأمسية قاعة الكنيسة العالمية في منطقة صوفيا لوند في مالمو, المجاورة لمقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، قاعة جميلة, تقاطر الحضور من المهتمين بالأدب والشعر, في الموعد المحدد بدأت فعاليات هذا المساء .

تتصدر الصالة شاشة كبيرة في مقدمة القاعة تعرض النصوص المشاركة وفقرات برنامج الأمسية, كان قد شارك بإعدادها وتقديمها مشكوراً الدكتور الأديب إبراهيم إسماعيل.

توجهت إلى المنصة,لأعلن بدأ الأمسية, استهليت الاحتفالية بكلمات ترحيب بالحضور الكريم باللغة السويدية ببضعة  أسطر*, لوجود شعراء مشاركين وضيوف سويديين يشاركوننا بهذه الأمسية لا يعرفون اللغة العربية.


صورة لـيحيى غازي الأميري يقدم للأمسية, من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

وبعدها قدمت كلمة ترحيب بالحضور والمشاركين في الأمسية باللغة العربية وكذلك كلمة تقديم للأمسية أدناه نصها.

 أيها الحفل الكريم  طاب مسائكم

أهلا وسهلا ً بكم في أمسيتنا هذه والتي تأتى استكمالاً لمهرجان أيام الثقافة العربية السويدية, وأمسية يومنا هذا مخصصة للقراءات الشعرية, ويشاركنا فيها نخبة طيبة من الشعراء المبدعين, فيشاركنا من العراق الشاعران المبدعان عدنان الصائغ, وفرهاد شاكلي, وثلاثة شعراء مبدعين من السويد, كارين لينتز, ماريا ليندبرغ, وارنه زارينغ, ويشاركنا عازفا على العود الفنان المبدع فلاح صبار في وصلات موسيقية, ويشاركنا الفنان المسرحي علي ريسان بقراءة النصوص الشعرية المترجمة للعربية, للشعراء السويديين وكذلك قصائد الشاعر فرهاد شاكلي والتي يقرئها الشاعر باللغة الكردية، وذلك بعد قراءة كل شاعر لقصائده.
لقد تم ترجمة جميع القصائد المشاركة في هذه الأمسية من اللغة السويدية إلى اللغة العربية بقلم الفنانة التشكيلية المبدعة ملاك مظلوم.

 سيداتي سادتي الحضور الأفاضل
 
اجمل ما في الشعر عندما يؤثر في النفوس فتراه يهز القلوب, ويداعب الأحاسيس ويهيج العواطف, فتتفاعل وتتناغم معه.

لم يقتصر الشعر على مدرسة واحدة فله مدارس متعددة ومجالات وأساليب وفنون وأهداف واسعة كثيرة متنوعة (السياسي والاجتماعي والوجداني )

سوف أقتطع مقطع من, مقدمة كتبت بقلم العلامة المرحوم منير القاضي رئيس المجمع العلمي العراقي في العهد الملكي العراقي , كتبت تقديما ً لديوان شعر( نبض الوجدان ) (1) للشاعر العراقي المرحوم حافظ جميل, وقد اخترتها لجمالية وصفها لما فيها من تمازج جميل بين إبداع الفنان والشعر والطبيعة فكتب يقول فيها ( الشعر وليد الطبيعة، وترجمان بهائها ، ولسانها المفصح عما حوته من العجائب الباهرة، التي دفعت المصور إلى محاكاة ما أبدعته من الصور الجميلة ،وساقت الموسيقار إلى تقليد ما نطقت به من الأصوات الرخيمة ، فضل يحرك أوتار قيثارته حامدا ً أو شاكيا، ضاحكا أو باكيا . وأشغل الشاعر بنظم ما اوحته إليه من شعور واحساس وما كتبته في صحائف ذهنه من فلسفة وحكمة، فنطق يهيم في ربوعها الفسيحة مسبحا بحمدها ومقدسا عظم شانها، يردد صداه تكرر العصور ومر الدهور، وحركت النحات إلى تقليد ما سوته يدها ونقشه إزميلها.فسبحان من أبدع الطبيعة وذرأ الخليقة.      
نعم .أن الشاعر والمصور والموسيقار والنحات أناس اختلفت مظاهرهم، واتحدت ضمائرهم ،كلهم عاشق للطبيعة ،وامق بها، شغف ببداعتها، متحير في إدراك كننها، كل منهم يمثل للناس حسنها الباهر، ويشرح أمرها العجيب).

الحضور الكريم
 نبدأ احتفالنا هذا بمشاركة الفنان المبدع فلاح صبار يشاركنا أمسيتنا هذه بمعزوفة موسيقية شجية على أوتار العود. وقرأت شيء من البطاقة التعريفية للفنان فلاح صبار والتي تضمنت التالي :


صورة للفنان فلاح صبار يفتتح الأمسية بقطعة موسيقية عزفاً على العود

الفنان المبدع فلاح صبار
موسيقي عراقي ولد عام 1950
حصل على الشهادة الجامعية في الحقوق
درس الموسيقى وكان عضوا في الفرقة القومية العراقية عام 1971-1972 وأسس مع عدد من الفنانين فرقة بابل الفنية في دمشق.
ساهم في العديد من المهرجانات الفنية العربية والأجنبية.
عمل كموسيقي في المسرح
لحن العديد من القصائد والأغاني .
حصل على الجائزة الأولى في مهرجان دمشق للموسيقى عام 1977.

قدم بعدها الفنان فلاح صبار معزوفة موسيقية جميلة نالت إعجاب الحضور وتفاعلوا معها, فصفقوا له بحرارة , أعطت القطعة الموسيقية لجو الأمسية رونق ودفيء.

جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو
 
جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

جاءت بعدها الفقرة التالية الشاعرة السويدية كارين لينتز وكانت المشاركة الأولى, قرأت بتمهل البطاقة التعريفية لها, والتي تضمنت المعلومات التالية :

الشاعرة السويدية كارين لينتز


شاعرة وكاتبة وصحفية سويدية مشهورة.
ولدت في مدينة كارلسكرونا ، وتقيم حاليا في أوكارب
حصلت على الماجستير في علم اللغات الحديثة من جامعة لوند
عملت رئيسة للمقهى الثقافي ، ورئيسة لأتحاد كتاب جنوب السويد ، ومدرسة لغات و مراسلة صحفية ومديرة مكتبة
صدرت لها عدة كتب ودواوين منها :
عندما كنا صباح ما
رحيل الساحرات
حصلت على العديد من الجوائز منها :
الجائزة الثقافية الكبرى لكتاب سكونا
الجائزة الثقافية لمحافظة مالمو
الجائزة الثقافية لمدينة بورلوف

وقبل أن أدعوها للتفضل لقراءاتها الشعرية , قرأت لها قصيدة مترجمة من السويدية للعربية ومنشورة في العديد من المواقع ومنها موقع الورشة الفنية, موقع النور,وقبل قراءة النص كنت قد كلفت الصديق الأديب طارق حرب بالتحدث للشاعرة كارين بذلك والتي رحبت بالفكرة . القصيدة بعنوان : ملعقتان من نسيم عليل , ترجمة الأستاذ طارق حرب.

ملعقتان من نسيم عليل

في رحلات معينة اصطحب معي وصفاتي السرية
نأخذ ليلة فاترة
وقمراً اصفراً في كبد السماء
وحزمة من النجوم
ونأخذ قطعة منتقاة من ساحل
وملعقتين من نسيم عليل
ونضع الكل في رمل مسخن جيداً
نمزجهم بحذر
نحضر صلصة من كلمة حنان
ونضع فيها جزءاً من القلب
وقليلاً من الحب
ونطيبها بقليل من الألم
ثم نرش عليها عسل التمر
وتقدم ساخنة
وهي مُعَدَّة لشخصين
مع قليل من الروم حسب الرغبة


صورة للشاعرة السويدية كارين لينتز, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو


بعدها دعيت الشاعرة لقراءة نصوصها الشعرية, وبعد انتهائها من القراءة, قام بعدها الفنان على ريسان بقراءة قصائدها المترجمة  للعربية التي شاركت فيها. وأدناه نص إحدى قصائدها باللغة العربية من ترجمة الفنانة ملاك مظلوم

أقيس الغرفة جيئة وذهابا
أفتح الشرفة
أدع الغيمة تدخل
وتنقب
تحرر المكان الخانق و
تحلق أنت نحو الداخل و الخارج
تأخذ معك الغرفة حين تطير
تتوازن وتترك العتبة
حيث تزهر ثانية جميع زهور الياقوت
وتحفز على الهمهات الخافتة .
تبقى أنت في العلية طويلاً

المشارك الثاني في الأمسية الشاعر العراقي الكوردي, فرهاد شاكلي قدمت البطاقة التعريفة له والتي تضمنت المعلومات التالية :
 
الشاعر فرهاد شاكلي

ولد الشاعر،المترجم،والباحث فرهاد شاكلي عام 1951 في قرية شاكه ل/ قضاء كفري/محافظة كركوك،وقد اكمل مرحلة دراسته الابتدائية في قريته ،ومرحلتي دراسته المتوسطة والثانوية في كفري،واستكمل دراسته الجامعية ببغداد،ثم نال درجة الماجستير في السويد،حيث يقيم هنالك قرابة ثلاثة عقود، ويدرّس في جامعة اوبسالا منذ سنوات عديدة...
يعد فرهاد شاكلي مع لطيف هلمت من أوائل المجددين في حركة الشعر الكردي الحديث بعد (المرحلة الكورانية)منذ أواخر ستينات القرن الماضي...ولقد أصدر منذ 1973 باللّغتين الكردية والسويدية ست مجموعات شعرية،وحظيت العشرات من قصائده  بالترجمة إلى عدة لغات :الإنكليزية،السويدية،العربية،الفارسية،والتركية...وهو مترجم بين اللغات:الكردية،السويدية،الإنكليزية،العربية،والفارسية،وقد ترجم خمسة كتب،كما أنه صحفي أيضا،فضلاً عن كونه باحثاً؛إذ نشر العديد من بحوثه ودراساته الأدبية باللغات:الكردية،الإنكليزية،والسويدية،منها كتاباه (الكوردايتي في مم وزين خاني)و ( النثر الفني الكردي)اللذان ترجما إلى اللغتين السويدية والتركية.
ولقد جرّب شاكلي قلمه في مضمار كتابة القصة القصيرة؛فحالفه النّجاح في بضع منها،وهي مجموعته(رائحة الظّلام )باللغة الكردية،والتي صدرت طبعتها الأولى عام1977-في ستوكهولم،وطبعتها الثانية في 1999 بأربيل .


صورة للشاعر فرهاد شاكلي, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

قرأ الشاعر فرهاد قصائده باللغة الكردية وبعد انتهائه من قراءة نصوصه , قرأ الفنان علي ريسان قصائده باللغة العربية ,علماً أن الترجمة للعربية كانت من قبل الشاعر فرهاد شاركلي, لكونه يكتب الشعر بالعربية والسويدية أيضاً .


جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو


 
جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

بعدها جاء دور الشاعرة السويدية ماريا  ليندبرغ , قدمت شيء عن بطاقتها التعريفية أدناه نصه :

الشاعرة السويدية ماريا ليندبرغ
ولدت عام 1970 في مدينة يوتوبوري وترعرعت في سمولاند بين البحيرات والأسماك والسراخس والرحلات اليومية على طول مجرى الغابات وفي السهوب المغطاة بالثلج. كتبت الشعر مبكراً ونشرت في العديد من المجلات.. بدأت مشروع الصورة ـ القصيدة مع شريك عمرها وأقامت العديد من المعارض في المدن السويدية.

صورة للشاعرة السويدية ماريا ليندبرغ, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

قرأت مجموعة من قصائدها بصوت عذب,كانت نصوص قصائدها تظهر على الشاشة باللغة السويدية, بعد انتهاء قراءتها من نصوصها الشعرية صفق لها الحضور بحرارة,  ثم  قرأ بعدها الفنان علي ريسان قصائدها المشاركة باللغة العربية . وأدناه  إحدى قصائدها من ترجمة الفنانة التشكيلة ملاك مظلوم.
الرماد

حين أدلف عبر الباب إلى الداخل..
أدق الأرض بقدمي ..
ناثرة بقايا الثلج .
يجفف مالك الحانة يديه ..
أرى قبالتي ساعة الحائط ..
أومئ برأسي
وأنا أخطو نحو الطاولة
المطلة على الحانة كلها ..
وأتهاوى بحذر في حضن المقعد ..

لم يضع يديه على كتفي ..
لم يسأل عن أحوالي ..
أو عن خاصتي وأحبتي ..
ظل فقط واقفاً إلى يميني ..
يجفف بنظرة منكسرة
الشريحة الخشبية المتغضة الرقيقة
الخالية من الرماد

جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو
 
 
جانب من الحضور, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

المشاركة الرابعة من حصة  الشاعر المبدع عدنان الصائغ, ابتدأت التقديم له والتعريف ببطاقته التعريفية, أنه شاعر كثير العطاء وكثير المشاركات أيضا ً.
 بعدها قرأت شيء من بطاقته التعريفية وقد تضمنت المعلومات التالية :



الشاعر العراقي عدنان الصائغ, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

ولد في مدينة الكوفة في العراق عام 1955. عمل في الصحف والمجلات العراقية والعربية في الوطن والمنفى.  غادر العراق صيف 1993 نتيجة للمضايقات الفكرية والسياسية التي تعرض لها. وتنقل في بلدان عديدة، منها عمان وبيروت، حتى وصوله إلى السويد خريف 1996 ثم استقراره في لندن منذ منتصف 2004.. شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في السويد ولندن وهولندا وألمانيا والنرويج والدنمرك وبغداد وعمان وبيروت ودمشق والقاهرة وصنعاء وعدن والخرطوم والدوحة.
صدرت له المجاميع الشعرية التالية:
انتظريني تحت نصب الحرية 1984، أغنيات على جسر الكوفة، العصافير لا تحب الرصاص، سماء في خوذة، مرايا لشعرها الطويل، غيمة الصمغ، تحت سماء غريبة ، خرجتٌ من الحرب سهواً ، نشيد اوروك ، صراخ بحجم وطن ، تأبط منفى.
تُرجم الكثير من شعره إلى: الإنجليزية والهولندية والإيرانية والكردية والأسبانية والالمانية والرومانية والدنماركية والنرويجية والفرنسية والسويدية. وصدرت له بعض الترجمات في كتب .
  
حصل على جائزة هيلمان هاميت العالمية Hellman Hammett للإبداع وحرية التعبير، عام 1996 في نيويورك.
حصل على جائزة مهرجان الشعر العالمي في روتردام عام 1997 Poetry International Award.
حصل على الجائزة السنوية لإتحاد الكتاب السويدين - فرع الجنوب, للعام 2005 في مالمو.
•    عضو اتحاد الأدباء العراقيين.
•   عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.
•   عضو اتحاد الصحفيين العراقيين.
•   عضو اتحاد الصحفيين العرب.
•   عضو منظمة الصحفيين العالميين.
•   عضو اتحاد الأدباء السويديين
•   عضو نادي القلم الدولي في السويد.
وأضفت على بطاقته التعريفية مقطع صغير  منشور في موقع الشاعر الخاص على الانترنيت, تحت فصل سيرة ذاتيه من إعداد د. حسن السوداني , أدناه نص المقطع "  أول قصيدة كتبها في عمر العاشرة عن والده الذي كان يرقد في مستشفى الكوفة مصاباً بمرض السل والسكري وقد بكت والدته حين وقعت القصيدة بين يديها صدفة وعبر عن دموعها فيما بعد بأنها الشهادة الأولى في حياتي الشعرية... "
وبعد أن قرأت بطاقته التعريفية قرأت له نص منشور أحفظه وأردده مع نفسي أحيانا, رغم صغر النص, لكن فيه حلاوة وإبداع في الفكرة والسبك. وانقل النص كما مدون في الموقع الشخصي له.
(......)

قال أبي:
لا تقصصْ رؤياكَ على أحدٍ
فالشارعُ ملغومٌ بالآذانْ
كلُّ أذنٍ
يربطها سلكٌ سرّيٌ بالأخرى
حتى تصلَ السلطانْ
أعلن الشاعر أن قصائده التي سوف يقراها بهذه الاحتفالية يقدمها هدية إلى ذكرى صديقه الشاعر السويدي ستافان ويسلاندرStaffan Wieslander الذي توفي قبل بضعة اشهر , أثر مرض عضال لم يمهله طويلاً.
بعدها قرا الصائغ مجموعة من قصائده والتي أستمتع وتفاعل معه الحضور وقاطعه بالتصفيق أكثر من مرة. ومن القصائد التي قرأها:
أبواب , العراق, الحلاج , حنين وغيرها. وقد اخترت قصيدة الحلاج في تغطيتي الأخبارية لهذه الأمسية .
الحلاج

أصعدني الحلاجُ إلى أعلى طابق
في بغداد
وأراني كلَّ مآذنها
ومعابدها
وكنائسها ذات الأجراسْ
وأشار إلي:
- أحصِ
كم دعوات حرّى تتصاعد يومياً من أعماقِ الناسْ
لكن لا أحداً
حاولَ أن يصعدَ
في معناهُ إلى رؤياهُ
كي يوقظَهُ
ويريهِ..
ما عاثَ طغاةُ الأرضِ
وما اشتطَّ الفقهاءُ
وما فعلَ الحراسْ

صورة التقطت من الشاشة المعروضة لقصيدة الحلاج مترجمة من العربية للسويدية

والمشاركة التالية والتي كانت خاتمة القراءات الشعرية لهذه الأمسية هي للشاعر السويدي أرنة زارينغ , وقبل أن يتفضل بالقراءة , قرأت مقطع من قصيدة  " الكتابة على كُــل البحور "(2)  والقصيدة للشاعر اللبناني المبدع د. خريستو نجم , ومعروف عنه أنه يكتب الكثير من شعر الحب الغزل, فاخترت المقطع أدناه من القصيدة وقرأته على الحضور والذي يقول فيه :
الكتابة على كُــل البحور
حينما صــافَـحتني بينَ الحضورْ        خـِلــتُ أنَّ الشمسَ في كفِّـي تدورْ
وكأن السبعةَ الشهْـبَ مَعـــــــي         كُلَّــما أومَــــأْتِ رشتْــني بـنــــورْ
حينما صافحتني صــارتْ يَـدي        تَـكْتبُ الشعرَ علــــــى كل البحورْ
والقوافي أمطرتْ مـنْ ساعدي        لتغنيكِ علــــــــــــى مَـر العصورْ
 
الشاعر السويدي أرنه زارينغ, أيام الثقافة العربية السويدية / من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

ثم قرأت شيء عن البطاقة الشخصية التعريفية بالشاعر السويدي أرنه زارينغ والتي جاءت كما أدناه :
ولد عام 1935 في فيرملاند قريبا ً من الحدود النرويجية ،  موظف في الشؤون الاجتماعية وصحفي، وهو يميل إلى التساؤل والتفكير بترو فيما يخص المسائل الحياتية. وهو لا يميل إلى اللغة الغير مفهومة والغير ضرورية في كتابة الشعر.
لكنه أيضا ضد متطلبات البساطة والسطحية المباشرة والتي نعتقد بأنها تقودنا إلى جعل الثقافة متاحة للجميع لو اننا جعلنا شعرنا يفتقر إلى ظلال الأشياء وليست الأشياء نفسها. ولكي نجعل شعرنا مفهوماً أو قابل للفهم فيجب أن يعكس ويحتوي صعوبات الحياة. وإذا لم يحتوي الشعر على هذه الصعوبات فسوف لا يتعرف القارئ على نفسه فيه.
متزوج وله ابنان . والقول الذي يؤمن به هو :
(الأشياء الأكثر أهمية في الحياة تقال بأقل الكلمات)
كاتبه المفضل البير كامو ، تاديوس روزيفيتش شاعر بولوني وستيج كليسون مؤلف سويدي .
يحب التزلج تحت ضوء القمر والتجوال مشياً لمسافات طويلة ، والمعكرونة.
قرأ  الشاعر أرنه زارينغ مجموعة من قصائده بصوت هادئ,وابتسامة جميلة, صفق له الحضور بعد الإنتهاء من قراءاته الشعرية .
وكانت خاتمة الفنان علي ريسان قراءته  ثلاثة قصائد للشاعر أرنه مترجمة للعربية , تفاعل مع القراءة بصوته المسرحي الجميل !
لقد كان الفنان علي ريسان موفق في قراءاته الشعرية فقد شد الحضور له أثناء القراءات.

مسك ختام الأمسية  الشعرية العربية السويدية كانت للفنان المبدع فلاح صبار قدم للحضور أغنية وطنية عن العراق جميلة الكلمات واللحن, تفاعل الحضور بكل جوارحهم مع نغمات عوده وصوته الشجي, وقاطعه الحضور  بالتصفيق أكثر من مرة .  
  

الفنان القدير فلاح صبار, أيام الثقافة العربية السويدية / من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

بعد انتهاء الفنان فلاح صبار من مشاركته الرائعة , كانت باقات الورد قد أعدت للمشاركين , فأعلنت بالتسلسل كما بدأنا مبتدئين بالفنان فلاح صبار وختمناها بالشاعر السويدي أرنه زارينغ وقد استقبلها الفنان فلاح صبار والشعراء المشاركين بفرح وابتسامة, فشكرت الحضور الكريم والمشاركين باسم للجنة المنظمة للمهرجان, ولجود متسع من الوقت, دعونا الحضور لتبادل التحيات والأحاديث الودية والتقاط الصور التذكارية فخرجت منها بمساعدة ولدي مخلد بهذه الصور الجميلة التي أضعها في نهاية التقرير مع خالص الود واصدق التحيات, ونتمنى أن نكون قد نقلنا شيء مفيد عن هذه الأمسية .


من اليسار علي ريسان, يحيى الأميري, جابر الأسدي, عدنان الصائغ, فائق الربيعي والأستاذ ....
, من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

 
من اليسار يحيى الأميري, جابر الأسدي, عدنان الصائغ, فائق الربيعي وفي الخلف الكاتب محمد الكوفي من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو






  
صورة تذكارية  تجمع مجموعة من الأدباء والحضور في الأمسية, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو
 
صورة تذكارية  تجمع مجموعة من الأدباء والحضور في الأمسية, من أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

من اليسار الزميل أبو ريما والفنان المسرحي رياض محمد  , يحيى الأميري والفنان فلاح صبار, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو
 
 
من اليسار أحمد الصائغ وبجانبه شقيقه الشاعر عدنان واثنان من ضيوف الأمسية  وفي أقصى اليمين الشاعر فرهاد شاكلي, أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو  

 
 
مخلد الأميري عبد خلف الأميري وزوجته, وبجانبهم مجموعة من الأدباء / أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو



  
من اليسار يحيى الأميري والشاعر فرهاد شاكلي,أيام الثقافة العربية السويدية / مالمو

في الختام اقدم جزيل الشكر للدكتور الأديب إبراهيم إسماعيل والأديب طارق حرب لمساعدتنا في تهيئة المعلومات التعريفية للمشاركين في الأمسية.

يحيى غازي الأميري
كتبت في مالمو 26/11/2009
  
هوامش وتعاريف مكملة لمقالتنا  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد المقطع في صفحة رقم 1 من ديوان نبض الوجدان للشاعر حافظ جميل / الطبعة الأولى مطبعة الرابطة  ببغداد عام  1957  
(2) وردت القصيدة في كتاب أروع ما قيل في الحب والغزل, ص161 والكتاب من تأليف أميل ناصيف, منشورات دار الجرس, طرابلس ـ لبنان.

* أدناه نص الكلمة الترحيبية القصيرة التي قرأتها في الأمسية باللغة السويدية:

God kvall och valkomna till vara svenska arabiska kulturkvallar.
Ikvall har vi poseikvall vi ska lyssna pa fem kanda poeter tva irakiska poeter Adnan Al-Sayegh och Farhan Shakely, och tre svenskar poeter Karin Lentz, Maria Lindberg och Arne Zaring


135
الأسبوع الثاني من أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو/الجزء الثالث


يحيى غازي الأميري


كان هذا الأسبوع حافل بالنشاطات الثقافية المتنوعة, موزعة على ثلاثة أيام, اليوم الأول منها المصادف الجمعة  13 /11 فهو أمسية للاحتفاء بالفنان التشكيلي العراقي قاسم الساعدي,أما اليوم الثاني 14 /11  فهو أمسية شعرية موسيقية شارك فيها خمسة شعراء ( كارين لينتز, عدنان الصائغ, فرهاد شاكلي, أرنه زارينغ, ماريا ليندبيرغ, الفنان فلاح صبار).
أما اليوم الثالث 15 /11 فهو حفل غنائي موسيقي شاركت في إحيائه الفنانتين الشقيقتين شروق وسفانة الحلوائي, وفرقة مسرح الشرق للأطفال الفلسطينية.
سوف أقسم نشاطات هذا الأسبوع إلى ثلاثة حلقات في كل حلقة أتناول نشاط أحد أيام المهرجان الثقافي من أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو مع بعض الصور التي التقطتها بكامرتي الخاصة.
أمسية الاحتفاء بالفنان التشكيلي قاسم الساعدي *
 الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات
 بابلو بيكاسو/ رسام ونحات اسباني

 لازم الفن الإنسان منذ الأزل , حيث أبدعت أنامله في شتى الفنون النحت والرسم والنقش والعديد من الفنون الحرفية الأخرى , فحفر ونقش ورسم  أفكاره على جدران الكهوف والصخور وحول الحديد إلى أشكال فنية رائعة يحاكي فيها الطبيعة والواقع , فصور لنا أبدع الصور عما يدور بفكره وخياله وما يراه بالواقع أمامه ,مصورا ً لنا ما يود أن ينقله للأجيال اللاحقة يخلد الأشياء التي يحبها أو يكرهها أو يخافها ,أظهرها لنا بصور غاية بالجمال والصنعة والدقة , جسدها بعد أن تفاعلت أفكاره وامتزجت مع أحاسيسه ليخرجها بأشكال جمالية فنية متنوعة, فحول الحجر والطين والمعادن إلى لوحات وأشكال بديعة, جسد فيها معاناته وأفراحه ببراعة فنية. فصور لنا الحب والخوف والصراخ والألم والجوع والقتال  والفرح والعمل  والنصر والانكسار والحيوانات والطيور بأجمل صور, هكذا تدلنا أثار التاريخ على التصاق الفن بروح الإنسان من الأزل!
هذا المساء كان المطر على موعد مع الأمسية, فالمطر هنا في بلدنا الجديدة  كثير غزير لكن هنا لا شوارع تفيض, ولا برك ماء وأوحال تزيد , ولا ترتبك حركة المرور,  ولا كهرباء تنقطع عن الحضور, مطر ينساب كما الهواء العليل, مطر محسوب له منذ زمن طويل أقصى التصاريف.
قبل بدء الاحتفال كان مشهد لقاء الأحبة وتبادل التحيات والقبلات والتقاط الصور التذكارية منظراً ممتعاً  لمن يراقبه في صالة القاعة الفسيحة (الكراج قاعة تابعة إلى كومون مالمو) التي اختيرت لاحتفالية هذا المساء, يطلب مني أبن عمي رتاب الأميري أن ألتقط له صورة مع الفنان قاسم السعدي, فكثرا ما حدثني صديقي رتاب الأميري عن العلاقة الودية القديمة التي تربطه بالفنان قاسم الساعدي, فلبيت طلبه فورا ً.

رتاب الأميري والفنان قاسم الساعدي


أستهل الزميل الفنان المسرحي علي ريسان الاحتفالية بكلمة ترحيب بالحضور الكريم ,والضيف العزيز المحتفى به الفنان قاسم الساعدي, وأعلن عن الفقرات التي تتضمنها الاحتفالية, والتي تابعها بالتقديم لمن يقدمها فقرة بعد أخرى, وكانت البداية عرض إنطولوجيا من الصور الفوتوغرافية  تمثل سيرة حياة الفنان الساعدي من إعداد الفاضلة أسيل العامري, عرضت بطريقة فنية جميلة على شاشة كبيرة تتصدر القاعة .


الفنان المسرحي علي ريسان يقدم للامسية

الفقرة التالية كانت قراءة لشهادة من الدكتور الأديب  إبراهيم إسماعيل بحق رفيقه وصديقه الفنان قاسم الساعدي, وكانت بعنوان شكرا ًصديقي والتي جاء في مقدمتها ( لم تكن تمض على تعارفنا سوى سويعات قليلة حتى صار لصيق القلب،دافئاً وحميماً عراقياً متدفقاً ..كنت قد شاهدت بعض أعماله التي تركت في ذاكرتي إشراقة إبداع متميز ..حدثته عنها .. سرح ببصره في مسالك الجبال الوعرة المحيطة بنا، وغلالة حزن اليتم والفقدان تكسو ملامحه، التي كلما حاول أن يعطيها صرامة المقاتل ،فضحته براءة الطفل الذي يسكن الأعماق.. ومضت سنوات،وحدث الانفجار العظيم وصار كل منا في قارة .. لكنا بقينا على الضفة نفسها..)

الدكتور الأديب  إبراهيم إسماعيل يقدم مداخلته

 
 وفي مقطع أخر منها يقول الدكتور إبراهيم إسماعيل( وبين وجد صوفي وتصوف اجتماعي ،حيث المسيح والحسين والحلاج، وعلى نور تحرر الشهيد من قفص المدركات المقننة إلى فضاء محسوس لا يدركه البصر، حيث قافلة الأصدقاء الذين لم يسمح له الطغاة بوداعهم، فكك قاسم أدواته وتنقل بين الأساليب والألوان وبين معبد الماضي وعوالم الحداثة في مسار تجريبي مبدع، منحه الإقامة الدائمة في التاريخ والأرض.)

 
جانب من حضور أمسية الفنان قاسم الساعدي / مالمو/1
 
جانب من حضور أمسية الفنان قاسم الساعدي / مالمو/ 2
 

دعي بعدها الدكتور الناقد حسن السوداني لتقيم مداخلته والتي كانت دراسة نقدية  بعنوان (سدود القنادس وحقول الشوفان قراءة في جدلية الغائر وسهول الصورة لدى الفنان قاسم الساعدي) عن إبداعات الفنان الساعدي, وكانت غنية بالمعلومات وتفكيك الرموز والأدوات والمواد التي يستخدمها  الفنان الساعدي وجاء في مقطع منها

 
الدكتور الناقد حسن السوداني يقم دراسته النقدية في أمسية الفنان قاسم الساعدي

 ( إناء الرؤية  الهش للساعدي ظل أنيقا يدلق المحبة من بغداد إلى ديالى إلى كردستان إلى طرابلس إلى المحرس إلى هولندا إلى برلين وعشرات العواصم   بينما ظل إناء مطارديه  يبحث عن ثقب أمرد في ارض صحراوية يغتسل برمله آلاف المرات دون أن ينزع عنه سخام السنوات العجاف .... إناء الرؤية للساعدي يهبنا زادا من الرحيل ووجوها من الغائبين وشواهد قبور غطتها الليالي وحجبت عنها استدارة القمر  ولفافات من كتب التعاويذ ونبوءات نوترداموس ورقصات المطر على نغمات مزامير داوود وبضعة خبز من تلامذة المسيح قبل ان تقبلهم عينيه المورقة بخوف الانشوطة.. وبعض حصى من وادي الموت كلي كوماته يرشق بها المشهد ..  لتسيل انهارا في سهول الصورة.)
كانت دراسته النقدية  ممتعة غزيرة بمعلوماتها تفاعل الحضور كثيرا ًمعها.
 

جانب من الحضور أمسية الفنان قاسم الساعدي /مالمو/ 4

   
جانب من الحضور أمسية الفنان قاسم الساعدي /مالمو/5

جانب من الحضور أمسية الفنان قاسم الساعدي /مالمو/6

  
جانب من الحضور أمسية الفنان قاسم الساعدي /مالمو/7
ثم جاء دور الفنان الساعدي ليقدم لنا بالإضافة إلى شروحات عن سيرته الذاتية مستذكرا لتك المواقف من خلال عرض  صورا ً عن حياته على شاشة كبيرة في صالة القاعة متوقفا ً عند ابرز محطات حياته لينقلنا إلى أماكن وأجواء حميمية كان قد عاشها وحفرت ذكرياتها وصورها في عمق ذاكرته...


الفنان قاسم الساعدي يتحدث في الأمسية

وعند عودتي للبيت دونت ابرز ما تمكنت ذاكرتي أن تختزنه, عن محاضرة الفنان الساعدي, إذ كانت صور كثيرة قد تطرق لها بحديثة, أماكن متعددة وصور وشوارع وألوان ومواقف وأسماء أشخاص ومدن , ازدحمت الصور برأسي , كانت إحدى الصور قد أثارت عواطفه ومحبته لأستاذه (الأستاذ كاظم حيدر) في أكاديمية الفنون الجميلة  ببغداد فتحدث عن طيبة أستاذه بعرفان ومودة إذ قال عنه لقد  تعلمت منه الكثير, كان مدرسي في الصباح وكنت اعمل عاملاً عنده في تصميم الديكور في مسرح الفن الحديث في المساء , كان ودود طيب كنت أكل وأشرب معه في أوقات الاستراحة من العمل, أحببت وتفاعلت على طريقة طرحه لهذه العلاقة وبهذه الصورة البديعة ففيها خصال إنسانية نبيلة كبيرة في العرفان برد الجميل.
وعند عرض صورة تجمعه مع أستاذا أخر من أساتذته الفنان الكبير فائق حسن , قال تعلمت منه الكثير أيضا و روى لنا حادث طريف اثر به يبن من خلاله نباهة أستاذه وقوة حدسه وهو يتابع أدق التفاصيل وأهميتها في تكوين الصورة  (في يوم كان الأستاذ فائق حسن يتابع رسومات الطلبة وعندما شاهدت أحد اللوحات صاح بالطالب الذي يرسم للوحة أين اللون الأزرق على شعرها ) يقول عن أستاذه فائق حسن  كان يمتلك حساسية كبيرة في ايجاد اللون.
توقف برهة عند صورة فيما راحت أسارير وجهه تنشرح معها أنها صورة أول معرض يقيمه وقد ذكر مكان المعرض أنه نادي التعارف, فضحكت فرحا ً في سري وسررت عندما سمعت ذلك!؟
جاب فينا الفنان قاسم الساعدي برحلة جميلة مع معارضه الفنية, متذكراً اعتقاله من قبل السلطة الغاشمة في أول يوم عرض من أحد معارضه ببغداد , وصورة أخرى لمعرض في لبنان في1979  
وتحدث عن العلاقة بين الفن والرفقة وعن تجربة رسوماته ومعرضه في شمال العراق أيام التحاقه مع فرق الأنصار, متذكرا ً وشاكرا ً دعم وتشجيع رفاقه ومخصصا ً أجمل تحية منها إلى رفيق عزيز عليه أبو كريم !
وقد توقف كثيراً مسلطاً الضوء على تجربته الفنية في رسم الجداريات وخصوصا خلال فترة عمله أستاذا في كلية الفنون الجميلة في طرابلس/ليبيا , معلقا ً على جدارية رسمت على إحدى البنايات,  ففي اللوحة طيور تحلق وهنالك دائرة ملونة بالون البرتقالي, أبتسم وهو يروي حكاية اللوحة التي سببت له الفصل" إنهاء خدماته الوظيفية"  من العمل بعد أن حدثه عميد الكلية أن هذا اللون الأحمر في اللوحة أحمر وهو يمثل الشيوعيين يجب تغيره فيقول الساعدي أجبته أن اللون ليس أحمر بل برتقالي ولم أغيره , ففصلني من الجامعة !
 
صورة للوحة الجدارية التي رسمها الفنان الساعدي والتي سببت له الفصل من وظيفته في طرابلس / ليبيا

وراح يتنقل بنا هنا معرض في تونس على البحر وهذا في هولندا وهذا في ألمانيا ... متذكرا الحمام في أوربا  وحبه للحمام وكيف تبعث هذه الطيور البهجة وتحسسك بالأمان والسلام وكيف في أوربا كما في مراقد الأئمة لا أحد يؤذي الحمام , لقد صورها بأسلوب لطيف كما منظر رومانسي.

يمتك الفنان الساعدي بالإضافة لموهبة الفن, فهو كاتب جميل في كتاباته الأدبية , فقد قرأ قسم منها فكانت تدل بشكل واضح عن موهبة أدبية  كبيرة في تصوير ما يود أن يتحدث به وينقله بكلماته كما في فرشاته وأعماله الفنية الأخرى.
كانت الصور الأدبية بشكل جميل تتوالى علينا, في طريقة السرد والتقاط الون, فتحدث عن طفولته وعلاقة الأمطار وأوحال الشوارع, والطين الذي يخلفه المطر, متذكراً مدرسه الأديب شاكر حسن أل سعيد في المرحلة المتوسطة في بمنطقة البتاوين ببغداد, ماراً برمز قد شاهده ووقف كثيرا أمامه منطقة" شطيط "  التي تقع في قلب بغداد ,أعاد لي ذاكرة الطفولة إذ كنا نسكن وقتها في مدينة الوشاش وحافات مدينة الوشاش تلاصق منطقة نهر " شطيط " وتجاور أحد أحياء صرائف الفقراء في جانب الكرخ, كنت في الصف الثاني الابتدائي عام 1961في مدرسة الأقلام قرب شارع البريد والتي تقع قريبة من نهر "شطيط."  
وقص علينا بأسلوبه الأدبي الشيق صور عمل" الخريط وبائعة الخريط  " ولونه الذهبي الجميل بكتلته البراقة الزاهية البديعة التكوين و "الخريط" هو منتوج نباتي لذيذ الطعم ينتج من  ثمار نبات البردي بعد عملية تصنيعه!
اللون يمثل أشياء كثيرة ومهمة ويدخل في أعلب أعمال الفنان الساعدي, كما للمواد الأخرى مكان مهم في أعماله حبه للطين تراه واضح في أعمال السيراميك فترى حبه للسيراميك والعمل فيه.
 
إحدى لوحات الفنان الساعدي / وتظهر فيها مسامير آلامه /1


يستعمل كثيرا ً المسامير في أعماله و يعلق الساعدي على ذلك بقوله " المسمار عندي رمز للألم " ومن يتابع أعماله الفنية يرى كم من الألم يحمل الفنان الساعدي فبمجرد حساب مساميره التي يهوي عليها بمطرقته ليغرسها بأعماله الفنية عندها يمكن أن يقدر حجم آلامه !

إحدى لوحات الفنان الساعدي / وتظهرفيها مسامير آلامه /2



أستمتع الحضور بهذه الأمسية الفنية الأدبية و الجميلة, وبعد انتهاء محاضرته أهدى له باقة ورد ومدالية تمثل خريطة العراق أستقبلها الفنان بفرح غامر .

عصام الخميسي يقدم باقة من الورد ومدالية( خريطة العراق) للفنان الساعدي
 
الفنان قاسم الساعدي يلوح للحضور بفرح غامر وهو يحمل المدالية  .
بعدها طلب الفنان علي ريسان  الحضور الكريم  إلى استراحة قصيرة  لتناول المرطبات والفطائر, فكانت فسحة أخرى جميلة لتجاذب أطراف الحديث بين الحضور والتقاط الصور التذكارية. التي صورت قسم منها بكامرتي الخاصة وانشر قسم منها مع هذا التقرير الأخباري.



يظهر في الصورة من اليسار  رتاب الأميري , أحلام الأميري , الفنان الساعدي , يحيى الأميري, وأم غادة وزوجها عبد خلف الأميري/  أمسية تكريم  الفنان الساعدي/ مالمو

 
صورة تجمع من اليسار الشخصية الوطنية التقدمية( أبو حسام / عبد الواحد كرم ) و علي ريسان و قاسم  الساعدي والملحن سامي كمال وعدنان محمد/ /مسية قاسم الساعدي/ مالمو
   
صورة تجمع يحيى الأميري والفنان قاسم الساعدي والفنان الكاتب محمد الكوفي
 
 
من اليسار الاستاذ ..... والشاعر فرهاد شاكلي والشاعر عدنان الصائغ وجمعة الخميسي / أمسية الفنان الساعدي
 
صورة تجمع يحيى الأميري الشاعر عدنان الصائغ والشاعر السويدي أرنه زارينغ / أمسية الفنان الساعدي
   
صورة تجمع الشاعر السويدي أرنه زارينغ في حديث ودي مع الأديب طارق حرب / أمسية الفنان الساعدي

   
جانب من الحضور أثناء فترة تناول المرطبات / أمسية الاحتفاء بالفنان الساعدي/  قاعة الكراج مالمو


ومسك الختام لهذه الأمسية  كانت للفنان عازف العود علي الوكيل ومجموعة معه من الفنانين ليشنفوا الحضور بالألحان العذبة الجميلة .

  
عازف العود الفنان علي الوكيل مع مجموعة من الفنانين في أمسية الفنان الساعدي / مالمو
 

  
السويد / مالمو
كتبت بتاريخ 19 /11/ 2009
ملاحظة : الجهات المنظمة للمهرجان الجمعية الثقافية العراقية في مالمو / الجمعية الفلسطينية في مالمو / مؤسسة الكراج السويدية ومؤسسة آ بي أف السويدية  
الهوامش
 ـــــــــــــــــــ
* ولد قاسم الساعدي عام 1949 في بغداد وأكمل دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة ـ بغداد 1974 وأقام العديد من المعارض منذ عام 1974 في العراق وخارجه،
أقام اكثر من ستة عشر معرضا ً في بغداد ودمشق وطرابلس وألمانيا وهولندا وإنكلترا، ويبقى لمعرضه الشخصي الذي أقامه في جبال كردستان وادي كومانه بكردستان العراق، أبان اشتراكه في الكفاح ضد الفاشية ، نكهته المتميزة .
شارك في أكثر من خمسين معرضاً تشكيليا ً في مختلف مدن العالم . المصدر مقطع من فولدر وزع بهذه المناسبة , مناسبة الاحتفاء بالفنان الساعدي حمل عنوان (قاسم الساعدي فنان البروق العاشقة)
  
** الوشاش : حي سكني يقع في قلب العاصمة بغداد في جانب الكرخ, وقد تم تسميته فيما بعد ذلك حي المعري


136
الأسبوع الأول من أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو

  يحيى غازي الأميري
 
الجزء الثاني



 
أمسية  اليوم الثاني السبت 7/11/2009 من الأسبوع الأول من أيام المهرجان الثقافي مخصصة للفنون الفلسطينية, قراءات شعرية وعرض فلمي الخارطة والساحل والتي  تتحدث عن الجريمة ضد غزة, اختيرت قاعة الكراج التابعة إلى (كمون مالمو ) مكان  للقراءات الشعرية ولعرض الفلمين.



في الموعد المقرر بدأت الأمسية, بتقديم فعالياتها  بتقديم من الأستاذ محمد قدورة, والذي استهل كلمته بالترحيب بالحضور الكريم واستعرض بلغة أدبية جميلة دور الأدب في كل مجالات الحياة العامة والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية و أدب المقومة, موضحا الدور المتميز الكبير لفعل الشعر فيه.


 الأستاذ محمد قدورة
بعدها أبتدأ بتقديم استعراض تعريفي للمشارك الأول في الأمسية, فكان الشاعر والكاتب سعيد الشيخ, وهذا  شيء من بطاقته التعريفية والتي تفضل بتناولها الأستاذ محمد قدورة :  يشرف ويحرر الجريدة الإلكترونية ( ألوان عربية) وهي صحيفة سياسية ثقافية مستقلة, أبن مخيم عين الحلوة في لبنان , والذي هو أكبر المخيمات, يقيم في السويد حالياً  له ديوان شعر بعنوان  (أقصى الحب أقصى الموت) له مجموعتين أخرى إحداها بعنوان ( كما تفكر صحراء).
دعي الشاعر سعيد الشيخ للمنصة يرافقه الفنان العازف طارق الحاج تداعب أنامله أوتار عوده بإيقاع متناغم مع القصائد التي ينشدها الشاعر .


الشاعر سعيد الشيخ يصاحبه عازف العود طارق الحاج


 فقرأ عدة نصوص, ومنها نصوص من ضباب, صفوري , وهو أسم قريته في فلسطين, و قصيدة  كينونة , وقرأ من أحد دواوينه قصيدة الذين بلطوا البحر وغيرها , تفاعل الحضور مع قصائده وصفقوا له أكثر من مرة بحرارة.

صورة لجانب من الحضور


بعدها جاء دور الشاعر الفلسطيني سليمان نزال والذي قدم له الأستاذ محمد قدورة أيضا ً ,فقدم شيء مختصر عن بطاقته التعريفية ومساهماته وإنتاجياته الشعرية ومنها : سليمان نزال شاعر ومناضل, له إصدارات ومنها ديوانين من الشعر وهما:  بدون فيزا باللغة الدنمركية وديوان إيقاعات, له مساهمات عديدة مع الأدباء الدنمركيين , وهو من مؤسسي نادي الشعر الدنمركي.
صاحب الشاعر سليمان نزال عازف العود الفنان طارق الحاج أثناء قراءته لقصائده, ومن قصائده التي قرأها كانت : قصيدة النهر والقصيدة , كَبر, نغالب الفجر عشقا وقصيدة مرحى التي تفاعل معها الحضور كثيرا.استمتع الحضور بقصائده.


صورة للشاعر سليمان نزال بصحبة عازف العود طارق الحاج

بعدها قدم الأستاذ محمد قدورة الفقرة التالية وكانت لمواطنة أمريكية حضرت الاحتفالية , وهي متابعة و مهتمة  بنضال الشعب الفلسطيني ومساندة لحقوقه المغتصبة. لتكون هذه الفقرة بدلا ًمن الفقرات الأخرى في برنامج الاحتفالية.
عرفنا الأستاذ قدورة  بالبطاقة التعريفية  للسيدة الأمريكية وأسمها ( بان رازمكسن ) وابرز نشاطاتها ,ثم دعيت بعدها  للتحدث في الأمسية وقد تبرع أحد الاخوة الفلسطينيين بمهمة الترجمة من الإنكليزية للعربية . فتحدثت عن مشاهداتها عن المعاناة الكبيرة لمواطنين غزة وابرز مشاكلهم البطالة والسكن وطوق الحصار المفروض عليها, فأوضحت إنها تعمل مشروع لدعم غزة وتعمل من أجل فتح الحدود / المعابر.

 

صورة للسيدة الأمريكية المشاركة في الأمسية بصحبة المترجم

وزعت بعدها باقات من الورود للمشاركين في الامسية , ودعي الحضور لتناول بعض المرطبات والتقاط بعض الصور التذكارية وتجاذب أطراف الحديث والتعارف,  وبعدها قدم الفنان طارق الحاج عزف جميل على العود مع باقة من الأغاني الجميلة .


صورة تجمع الشاعر فائق الربيعي , يحيى الأميري , الأديب جابر الأسدي

فيما كان الأستاذ قدورة والشاعران الفلسطينيان يستعرضوا دور الأدب الفلسطيني ويربطاه بالنضال اليومي للشعب الفلسطيني ومعاناته ومعاناة الشعب العراقي وحقوق المضطهدين والجياع في مختلف بقاع  العالم, راحت تدور برأسي أسماء لامعة وقامات عالية شامخة من الأدباء الفلسطينيين ودورهم الكبير في الساحة الثقافية والفكرية العربية والعالمية, فشردت بأفكاري بعيداً عن أجواء القاعة وبدأت معها سريعا ً تتقاطر قائمة أسماء كبار الأدباء الفلسطينيين في رأسي ... محمود درويش, سميح القاسم , توفيق زياد, فدوى طوقان, غسان كنفاني, إبراهيم طوقان, معين بسيسو .... وازدحم رأسي بعشرات الأسماء المبدعة اللامعة الأخرى, وراحت معها مقاطع من  قصيدة ( عن إنسان ) للراحل محمود درويش تتردد على شفتي وحدها بدون شعور, وكأنه شعور داخلي ناتج عن معاناة كبيرة نحملها, حفزها بسرعة جو القراءات الشعرية , وحديث السيدة الأمريكية عن معاناة غزة في هذه الأمسية, وكأن ما دار في هذه الأمسية أوصلنا إلى ما نحن به الآن من تشرد ومعاناة يرتبط برباط وثيق مع قصيدة الراحل محمود درويش.
في ختام هذه المقالة(  التغطية الإخبارية ) أهدي قصيدة الفقيد الشاعر الكبير محمود درويش ( عن إنسان )

 
الشاعر الراحل محمود درويش
 قصيدة
عن إنسان


وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى ،
و قالوا : أنت قاتل !
***
أخذوا طعامه و الملابس و البيارق
ورموه في زنزانة الموتى ،
وقالوا : أنت سارق !
***
طردوه من كل المرافيء
أخذوا حبيبته الصغيرة ،
ثم قالوا : أنت لاجيء !
***
يا دامي العينين و الكفين !
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
و لا زرد السلاسل !
نيرون مات ، ولم تمت روما ...
بعينيها تقاتل !
وحبوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل ..!

 

السويد / مالمو في 11/11/2009

137
الأسبوع الأول من أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو

 
يحيى غازي الأميري



 
الجزء الأول


تولى السلطات السويدية أهمية كبيرة وتخصص مساعدات مالية سخية من أجل تسهيل و تسريع سياسة الاندماج الإيجابي بين الوافدين إلى السويد والمجتمع السويدي. وتدعم السلطات السويدية الجمعيات والاتحادات والتجمعات الثقافية والاجتماعية وغيرها من منظمات المجتمع المدني من أجل توسيع سياسة الاندماج والتعايش بمحبة وسلام .
وتولي كذلك الدعم لغرض إبراز ثقافات وعادات الجاليات الوافدة المتعددة الأصول والتي اتخذت من السويد بلدا ًجديدا ً يعيشون فيه. مع مراعاتها الكبيرة واحترامها لهذه الثقافات والعادات والتقاليد, الفكرية والثقافية والدينية والسياسية, والتي لا تتعارض مع القوانين والأنظمة السويدية والمجتمع الدولي و لوائح حقوق الإنسان.
وخير دليل على هذا الدعم هذا المهرجان الثقافي والذي تم الاتفاق على تسميته ( الأيام الثقافية العربية السويدية في مالمو ) والذي شاركت فيه الجمعية الثقافية العراقية في مالمو والجمعية الفلسطينية في مالمو ومؤسسة الكراج السويدية ( كومون مالمو) وكذلك مؤسسة أ بي أف السويدية
سوف أحاول في تقريري هذا نقل صورة عن نشاطات الأسبوع الأول من المهرجان, ونستعين ببعض الصور التي التقطت في هذه المناسبة من داخل المهرجان للتعريف والتوضيح , والتي تشمل يومي 6 و 7 /11/ 2009 من تلك الأيام.
اليوم الأول كان مساء يوم 6/11 شمل حفل افتتاح معرض الفنان التشكيلي العراقي على النجار* , المكان على قاعة الكراج, وهي قاعة كبيرة أقتطع جزء منها لهذه الفعالية.
في بداية الحفل رحب الفنان المسرحي علي ريسان, عضو الهيئة الإدارية للجمعية الثقافية العراقية في مالمو, مرحبا بالحضور متمنيا لهم قضاء أوقات طيبة في هذه الاحتفالية, وتناول بشكل مختصر فقرات برامج الأيام الثقافية العربية السويدية في مالمو وأهم الأهداف والغاية منه.
 

الفنان على ريسان يقدم للاحتفالية

 
دعي بعدها رئيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو, الزميل عصام الخميسي لإلقاء كلمة الجمعية في هذه المناسبة.
وأدناه مقطع مستل من كلمته: ( الحضور الكريم .... يسرني أن أرحب بكم أجمل ترحيب وأشكركم على حضوركم وتلبيتكم دعوة الجمعيتين الثقافيتين العراقية والفلسطينية في مالمو ومؤسسة الكراج (كومون مالمو) ومؤسسة أ بي أف السويدية , للمشاركة في مهرجان الأيام الثقافية العربية السويدية ,وتعتز الجمعية الثقافية العراقية في مالمو بأن يكون معرض الفنان التشكيلي العراقي المعروف علي النجار يشكل افتتاح لهذه الأيام الثقافية.
فعلي النجار فنان معروف وإنسان رائع , وعن فنه وأصالته اترك الحديث لاحقا للدكتور حسن السوداني , وأما عنه كإنسان فلدى الجالية صورة جلية حول مواقفه التضامنية مع الشعب العراقي في كفاحه ضد الدكتاتورية المقيتة وكذلك وقف مع الشعب الفلسطيني أبان انتفاضة الحجارة وكان عضو في لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني ....
 

الزميل عصام الخميسي أثناء إلقاءه كلمة الجمعية الثقافية العراقية 
 
 
نتمنى لكم جميعا أوقاتا طيبة وممتعة في هذه الأجواء الثقافية العربية السويدية , شكرا ً للفنان الأصيل على النجار , شكرا ً للحضور الكرام , وشكرا ً للزملاء اللذين قدموا مساعدات قيمة في الإعداد لهذه الأيام الثقافية وكانوا خير سند للجالية وللجمعية وشكرا للزملاء من الجمعية الثقافية الفلسطينية للتعاون الوثيق والمشاورات المستمرة للإعداد لهذه الأماسي.)
 

الأستاذ محمد قدورة أثناء إلقاء كلمته 


بعدها طلب الفنان علي ريسان من الأستاذ محمد قدورة رئيس الجمعية الفلسطينية في مالمو للتفضل لقراءة كلمة الجمعية الفلسطينية , وقد تناول الأستاذ قدورة في كلمته مبتدءا بنقل تحيات جمعيته و شكره وثناءه للحضور الكريم, وشرح بشكل مختصر أهداف المهرجان.


 

جانب من الحضور في أول يوم افتتاح أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو
 
 
 

جانب من الحضور في أول يوم افتتاح أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو

 
جانب من الحضور في أول يوم افتتاح أيام الثقافة العربية السويدية في مالمو



 

الدكتور حسن السوداني أثناء تقديم مداخلته

 
جاء بعدها دور الدكتور حسن السوداني والذي قدم مداخلة أكاديمية تحليلية نقدية شيقة عن تزاوج الأفكار والأعمال الفنية , ومدلولاتها, للفنان التشكيلي علي النجار.




الفنان التشكيلي علي النجار
 

جاء بعدها دور الفنان علي النجار , والذي ابتدأ حديثه بالشكر والامتنان الكبير للحضور الكريم ولهذه الالتفاتة باختيار معرضه للاحتفال به في أول يوم من أيام المهرجان , وبعدها أبدى توضيحاته للعمل الفني الذي قدمه خلال هذا المهرجان , والذي كان مقسم إلى قسمين الأول كان يحمل عنوان ( واحد, اثنين , ثلاثة, لماذا ) والتي ترمز إلى الحروب الثلاثة التي ضربت العراق الحرب العراقية الإيرانية الأولى ومن ثم حرب اجتياح الكويت وما جرى بعدها والثالثة الحرب التي اجتاحت فيها القوات الأمريكية وقوى التحالف الدولي العراق و أسقطت فيها سلطة النظام البعث الغاشم في 9 نيسان 2003 وما يعانيه العراق وشعبه من جراء هذه الحروب المرعبة من خراب ورعب وموت ودمار وأوبئة وأمراض وقتل وتشريد.

والقسم الثاني من معرضه مجوعة من اللوحات التشكيلية وضعت على شكل لوحة كبيرة ثبتت على أحد الجدران وهي تحمل عنوان ( جيران العراق) وما يعانيه العراق من تدخلاتهم من مآسي مروعة !

بعدها دعي الحضور للتجول في المعرض, وتناول المرطبات.
وأدناه بعض لقطات مصورة للمعرض وللجمهور والتي التقطت لهم بكامرتي الخاصة بعض الصور القسم الأول (  واحد, اثنين , ثلاثة, لماذا )

 

القسم الأول من معرض الفنان علي النجار (  واحد, اثنين , ثلاثة, لماذا )

 

القسم الأول من معرض الفنان علي النجار (  واحد, اثنين , ثلاثة, لماذا )


 
 
 



 

 
يظهر في الصورة أمام العمل الفني من اليسار يحيى الأميري والكاتب فهد محمود, معلقا على مأساة العراق وشعبه, وما حل به من خراب ودمار

 
القسم الأول من معرض الفنان علي النجار ( واحد, اثنين , ثلاثة, لماذ) يحيى الأميري يقف أمام اللوحة الفنية من الجهة الثانية

 

 

القسم الأول من معرض الفنان علي النجار (  واحد, اثنين , ثلاثة, لماذا )


 
أدناه صورتان للعمل الثاني الذي جاء تحت عنوان(  جيران العراق )

 
الصورة الأولى للوحة الفنان على النجار جيران العراق15

 

 
 
 
يظهر في الصورة جانب من الجمهور وخلفها العمل الفني للوحة جيران العراق 
 
 
 

 
 

 
هذه مجموعة متنوعة من الصور للحضور وخاتمة الصور هذه بأسم منظمي المهرجان قدمت باقة ورد للفنان على النجار



 
يظهر في الصورة الفنان على النجار يتسلم باقة الورد من رئيس الجمعية الثقافية العراقية عصام الخميسي وسط ترحيب الجميع
.

انتهى الجزء الأول من الأسبوع الأول يليه الجزء الثاني ليوم احتفالية 7/11/ 2009

مالمو/ السويد في 8 /11/ 2009
الهوامش
ــــــــــــــ
*على النجار : (فنان تشكيلي عراقي مواليد عام 1940 حاصل على دبلوم معهد الفنون الجميلة وعمل أستاذا للفن ويقيم في السويد منذ عشر سنوات في مدينة مالمو.

في عالم يتخبط في فوضى من اللامعقول تكون السريالية هي الأداة المناسبة لصرخة الرفض ولتخليص الحلم من سلاسل الوهم .
على النجار الفنان التشكيلي العراقي أختار هذه الأداة منذ ستينيات القرن الماضي ليسجل رفضه لواقع متخم بالقسوة، وليرسم حلمه بسطوع مبهر عبر سريالية تجريبية احتوت بداخلها العديد من أساليب الفن التشكيلي كالتعبيرية والرمزية والتجريبية بل حتى الرومانسية.) 
المصدر مقطع مستل من المقالة الإخبارية الموسومة تكريم الفنان العراقي التشكيلي العراقي علي  النجار , من مجلة تواصل العدد 30 في فبراير 2009 التي تصدر عن اتحاد الجمعيات العراقية في السويد. وكذلك وردت المقالة في الموقع الإلكتروني التابع إلى الإذاعة السويدية العالمية في ستوكهولم علماً إن المقالة المشار إليه هي  بقلم الإعلامية المبدعة إخلاص كاظم فرج.   

 
 


138
صديقي القاص والناقد العزيز سلام إبراهيم في قناة الفيحاء


يحيى غازي الأميري


لقاء ممتع على قناة الفيحاء لهذا المساء 2 من تشرين الثاني2009
بدون أي عناء من إتيان المفردة الأدبية المناسبة, وبلغة أدبية متينة, وانتقاء مفردات جميلة في تأثيرها, وبطريقة سلسلة مقتدرة بسرد الأحداث وتسلسلها, وبنظرة فاحصة دقيقة بسرد الأحداث المتتالية التي عاشها, وببراعة القاص الراصد للصور ومسبباتها, وبتحليل دقيق لأحوال العراق ومآسيه المروعة , قبل وبعد التغير الذي حصل بالعراق عام 2003 , تناول العزيز سلام إبراهيم  بشكل مختصر ومركز ابرز محطات تجربته الأدبية والثقافية والسياسية والاجتماعية, وكيف كانت بداياتها وكيف طور من أدواته, وشيء عن معاناته والويلات التي عاشها.
 
 
نادي المعهد الزراعي الفني/بغداد /  أبو غريب 1973من اليسار الصديق حميد من أهالي الناصرية, سلام إبراهيم, يحيى الأميري  


تربطني علاقة صداقة حميمة مع الأديب سلام إبراهيم منذ التقينا عام 1973 في المعهد الزراعي الفني في أبو غريب , لقد عرفت سلام قارئ نهم للكتب الأدبية, يساري النهج الفكري , جريء  في طرح أفكاره , ذو علاقات واسعة في الوسط الثقافي , صديق حميم شفاف, لطيف المعشر ,  يبكي بحرقة  لبكاء المظلوم, ويتأثر لما يصيبهم بعنف, ويحمل هذه المآسي والمعاناة على قوى الاستبداد والخراب ورجالها وأفكارها التي حكمت العراق وأذلته ومزقته,  لقد تعرض صديقي سلام إبراهيم إلى العديد من المضايقات والاستفزازات, لقد فقد شقيقه كفاح وأبن خالته صلاح وهم  في بداية ريعان شبابهم كما فقدنا صديقنا ورفيقنا مهدي حمد الخزرجي فقدهم في غياهب سجون البعث وتحت رحمة سياط  جلاوزة جلاديهم الثقيلة.
 


صورة جمعتنا عام 2007 في الدانمارك من اليسار سلام إبراهيم, يحيى الأميري , مخلد يحيى الأميري والعزيز صادق خلف العلي



لقد استمعت لحديثه الشيق وقد أعاد لي شريط الذكريات إلى سبعينات القرن الماضي, تحدث عن العديد من الأسماء والأماكن والناس والتي شاهدتها في مدينته الديوانية عندما دعاني لزيارتها, وزرتها وقضيت أجمل الأوقات في ضيافته أكثر من مرة .
كم أسعدني الآن عندما أراه  وبهمة عالية يحول كل هذا الكم الهائل من المعاناة القاسية, المرعبة , إلى صور أدبية جميلة,مسبوكة , متينة, رغم ما تحويه  تلك الصور القلمية البديعة من عذاب وألم ومرارة, وتجربة كبيرة, صور أدبية تتحدث عن تأريخ العراق ودور القوى الوطنية, ودور المثقف اليساري ومعاناته وأمانيه وتطلعاته ¸تتحدث بنفس الوقت عن الحب والغدر, والتسقيط السياسي والاجتماعي والأخلاقي, والكراهية والحسد, وصراع الإنسان مع نفسه ومع المحيط الذي يعيش فيه . .

فتحية قلبية لكم يا سلام .... 

 
مالمو/ السويد 2 تشرين الثاني 2009
   





139
ردا ًعلى تعليق الدكتور " يوسف الهر"  والذي ورد على مقالنا الموسومة " تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, من قبل رئيس وزراء العراق"

بقلم يحيى غازي الأميري
الدكتور الفاضل يوسف الهر المحترم
تحية وبعد :
ورد تعليق لجنابكم الكريم على المقالة التي نشرتها في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 1آب 2009,في العدد 2725 والموسومة (تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, من قبل رئيس وزراء العراق ) والتعليق بقلم الدكتور يوسف الهر وتحت عنوان تصحيح في التسلسل رقم 8 والذي نصه "
(مع احترامنا للاخوه المعلقين ومع اعتزازنا الكبير بالدكتور كمناضل ومربي وعالم جليل الا اننا يجب ان نكون واقعيين على الاقل امام الناطقين بالعربيه. . هناك بعض المغالطات وردت في احد التعليقات بان المرحوم د. عبد الله قد تتلمذ على يد العالم اينشتين وهذا غير صحيح . اينشتين كان يشغل كرسى الفيزياء النظريه في معهد برنستون حتى وفاته عام 1955. في حين اكمل د. عبد الله في جامعه اخرى متخصصا في الارصاد الجويه ولم يكن له علاقه بالفيزياء النظريه. وضع الدكتور عبد الله نماذج رياضيه لحركة الكتل الهوائيه في طبقة التروبوسفير. الذي يتميز به الدكتور عبد الله انه نشر اباحاثا كثيره في مجلات مرموقه منذ ان كان طالب دراسات عليا واستمر ينشر حتى الفتره التي تولى بها رئاسة  جامعة بغداد ) انتهى نص التعليق.
في الحقيقة أن علاقة العالم العراقي الراحل عبد الجبار عبد الله  بالعالم الكبير (البيرت اينشتاين). لم ترد كتعليق  كما ذكر الدكتور الفاضل " يوسف الهر " وإنما جاءت  كنص ورد في بيان التكريم وكما مبين في النص أدناه والذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام , وقد اقتبست نصه ووضعته بين قوسين في أصل مقالتي الموسومة  (تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, من قبل رئيس وزراء العراق )  وأشرت للمصادر التي تناقلته وسوف أنقل نصه كما ورد في العديد من وسائل الإعلام ومنها صحيفة المدى العراقية.    
نص التكريم الذي تناقلته الصحافة :
((الأخبار المحلية :  رئيس الوزراء يأمر بتكريم العالم الكبير الدكتور عبد الجبار عبد الله
  
بغداد / المدى
أمر رئيس الوزراء نوري كامل المالكي بتكريم العالم الراحل عبد الجبار عبد الله. وذلك بإطلاق اسم العالم  على احد شوارع العاصمة بغداد، فضلا عن تسمية احدى قاعات جامعة بغداد باسمه. كما أمر رئيس الوزراء بحسب "المركز الوطني للاعلام " بمتابعة قضية املاك الراحل التي كان  النظام السابق قد استولى عليها واعادتها الى الورثة الشرعيين، وذلك اكراما لدوره العلمي الكبير على المستويين العالمي والعراقي، وتثمينا لدور العلم والعلماء.
 ويعد الدكتور عبد الجبار عبد الله من ابرز الشخصيات العراقية التي كانت قدمت اسهامات علمية رائدة في مجال الفيزياء والطبيعيات.

وهو من بين أربعة أشخاص حصرا تتلمذوا على يد العالم الكبير (البيرت اينشتاين). كما تولى رئاسة جامعة بغداد للمدة من العام 1959 ولغاية 1963. وتعرض الراحل العام 1963 الى الاعتقال على ايدي عناصر النظام السابق بتهمة الانتماء الى حزب سياسي محظور،  (الحزب الشيوعي العراقي) وجرى فصله من رئاسة جامعة بغداد وايداعه السجن، والعالم الراحل ولد عام 1911 بمدينة العمارة جنوب العراق، وتوفي في ستينيات القرن الماضي.
وتذكر الموسوعات العلمية ان العالم عبد الجبار عبد الله هو واضع نظرية التنبؤ بالاعاصير واتجاهاتها، بعد ان تمكن قبل سواه من اكتشاف طريقة رياضية تمكن الارصاد الجوي من التنبؤ بأوقات هبوب العواصف واتجاهاتها وسرعة حركتها، ما اتاح المجال امام عملية أخذ الحذر والاحتياط لتجنب الكوارث الطبيعية. وكانت جامعة نيويورك الاميركية قد رشحت في حينها العالم العراقي الكبير للعمل فيها بصفة باحث مرموق، كما كتبت كبرى الصحف الاميركية عن انجازات الدكتور عبد الجبار عبد الله، مؤكدة ان الناس مدينون لهذا العالم الكبير الذي مكنهم من التنبؤ بأوقات العواصف وتجنب مخاطرها.))
  
المقالة المنشورة في موقع الحوار المتمدن على الربط أدناه ونص التعليق عليها
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=179826

وسوف  أحاول في هذا الرد ان أوضح بعض المعلومات المنشورة بمختلف وسائل الإعلام عن العلاقة بين العالم العراقي المرحوم د. (عبد الجبار عبد الله) والعالم العبقري الكبير (البيرت اينشتاين). ومنها :
ورد في موقع شبكة العراق الأخضر وبتاريخ 26 نوفمبر وفي حقل أدب وفن , موضوع مطول عن حياة العالم الفذ د. "عبد الجبار عبد الله " وفي المقالة معلومات غزيرة عن حياته, وتأكيد واضح عن العلاقة والتلمذة بين العالم العراقي  د. عبد الجبار عبد الله بالعالم الكبير البرت انشتاين, واستل منها  نص المعلومة كما مدونة بالمقالة ( وهو من تلاميذ العالم الكبير ألبرت آينشتاين)

وكذلك ورد في نفس المقالة :

( وهناك رسالة بخط يد آينشتاين يمتدح فيها تلميذه ويقول عنه بأنه من أذكى تلاميذته)
والمقالة كاملة على الرابط أدناه

http://www.iraqgreen.net/modules.php?name=News&file=article&sid=10937

وقد وردت في مقالة مطولة  بقلم المهندس الاستشاري صباح عبد الستار الجنابي والموسومة (  الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد من شخصيات عهد عبد الكريم قاسم) والمنشورة بعدة مواقع على صفحات الانترنيت ومنها المواقع الصحفية التالية : تلازقيبا ــ تللسقف, شبكة العراق الأخضر, الشبكة المندائية.

سوف أقتطع منها نص إحدى القصص التي وردت في مقالة المهندس الاستشاري صباح عبد الستار الجنابي المشار إليها أعلاه, لكونها توضح بعض ما يؤكد هذه العلاقة, وسوف أضع رابط  كذلك المقالة التي وردت عليها .  

( القصة الثانية.
 
حدثني استاذي في الرياضيات في الجامعة الاستاذ الفاضل طالب محمود علي ( خريج جامعة لندن بمرتبة الشرف في الرياضيات ), و كان الاستاذ طالب احد الذين اعتقلوا اثناء انقلاب 8 شباط 1963 الدموي , و قد حشر في احدي الزنزانات الصغيرة التي ملائت بالمعتقلين من شتى المستويات .
 
 عرفت الدكتور عبد الجبار عبد الله كاحد المعتقلين في هذة الزنزانة. و كنا في الزنزانة و احد بجانب الاخر و ضهورنا مستندة الى الحائط و بهذة الوضعية كنا ننام يوميا و لا مجال للحركة فيها نهائيا.
 
يقول الاستاذ طالب " كنت لا استطيع ان ارفع عيني في مواجهة عين الدكتور عبد الجبار عبد الله لما لة من مكانة علمية و شهرة عالمية و كنت اختلس النظرات واشاهده يغوص في تفكير عميع ثم تنهمر الدموع من عينية , في احد الايام استغليت فترة اخراجنا لدورة المياة و جلست بجانبة . القيت علية التحية و عرفتة بنفسي و انا اخجل من كل كلمة اتحدث بها اليه . بعد ان توصدت الصداقة , بيننا سالته يوما عن سبب انهما الدموع من عينيه قال " كان في قسم الفيزياء الذي ادرس به طالبا فاشلا , حاولت عدة مرات مساعدته لكي يعدل من مستواة و لم يتعدل و مع ذلك عاونته. في يوم 14 رمضان 1963 , جائت مجموعة من الحرس القومي لاعتقالي من بيتي, ميزت منهم طالبي الفاشل بسهولة , و طلبت منهم امهالي عدة دقائق لكي ابدل ملابسي و اذهب معهم و انا اعرف انه ليس لدي ما احاسب علية .
 
بدلت ملابسي و خرجت لهم , و فجاه ضربني تلميذي راشدي قوي افقدني توازني, و كدت اسقط على الارض مع عباره " اطلع دمغ سز " و لم يكتفي تلميذي و هو الان الحارس القومي بهذا و انما مد يدة بجيب سترتي و اخذ من قلم الحبر الذي اعتز بة و لم يفارقني ابدا. هذا القلم الحبر هو من الياقوت الاحمر هدية من العلامة المشهور البرت انشتاين , استخدمة لتوقيع شهادات الدكتوراة فقط .و هذا هو سبب حزني و انهمار دموعي كلما اتذكر هذا الحادث.
 
تصور عزيزي القاري ان الدكتور عبد الجبار عبد الله و في بلدة يضرب راشدي قوي و يقال لة( اطلع دماغ سز ) و اكبر الجامعات في العالم تتمنى ان تدوس قدماه حرمها. واليوم و بعد ثلاثة و اربعين سنة لا نستغرب هذا الحادث لان النظام البعثي عامل جميع العلماء و المفكرين العراقيين بهذة الطريقة و هو ما اوصلنا لهذة الحالة التي فيها العراق الان . ان الوضع الحالي امتداد لنظام البعث حيث ان العالم و المهندس و الطبيب هو المستهدف الاول للقتل المبرمج .)

المقالة كاملة والقصة على الروابط أدناه :

http://www.telskuf.com/articles.asp?article_id=4587

http://www.mandaee.com/index.php?option=com_content&view=article&id=420:---&catid=69:--&Itemid=6


مع خالص تحياتي , للدكتور الفاضل يوسف الهر على تعليقة الذي أتاح لنا فرصة نسلط فيها بصيص من الضوء على بعض الصفحات المهمة من حياة العالم الفذ الجبل الشامخ عبد الجبار عبد الله رحمه الله.

السويد 2 آب 2009



140

تكريم العالم العراقي المندائي الفذ د. عبد الجبار عبد الله, من قبل رئيس وزراء العراق

بقلم يحيى غازي الأميري

بغداد الملف برس ...  أخبار عاجلة - 29/07/2009
بغداد / جريدة المدى , قناة الفيحاء الفضائية , عراق الغد والعديد من وسائل الإعلام نشرت خبر

( رئيس الوزراء يأمر بتكريم العالم الكبير الراحل الدكتور عبد الجبار عبد الله)

لقد سرني وأفرحني غاية الفرح ما نشر من أخبار طيبة في مختلف وسائل الإعلام العراقية ,عن أمر رئيس الوزراء العراقي الموقر الأستاذ " نوري المالكي " وذلك بتكريم عالمنا الكبيرالعراقي الصابئي المندائي المرحوم الدكتور" عبد الجبار عبد الله"( 1911ـ ت 1969م ) بإطلاق أسمه على أحد شوارع عاصمتنا الحبيبة بغداد و تسمية إحدى قاعات جامعة بغداد باسمه, وإعادة أملاكه إلى أصحابها الشرعيين, والذي جاء كما ورد في التصريح " اكراما لدوره العلمي الكبير على المستويين العالمي والعراقي , وتثمين لدور العلم والعلماء "

 
العالم عبد الجبار عبد الله أول رئيس لجامعة بغداد

 رغم مجيء هذا التكرم الكبير متأخرا ً لكنه بداية موفقة حسنة وطيبة  لرد اعتبار هذا الطود الشامخ ,العالم العراقي البار لوطنه وشعبة, أن هذا التكريم نصر كبير للصابئة المندائيين ولكل القوى الوطنية العراقية الشريفة الخيرة, أنه نصر جديد ومكسب لكل قوى الخير ولكل النجباء المدافعين بصدق عن شعب العراق, أنه ثمرة نضال لكل صوت دافع وساهم في الدفاع عن حقوق واستحقاقات عالم العراق الكبير " أبو سنان " سواء كان من الصابئة المندائيين أو القوى الوطنية العراقية والعالمية الشريفة, أن هذا التكريم شوكة بعيون أعداء الإنسانية والتقدم وأعداء العراق, وصفعة  قوية جديدة لكل من تطاول على قامته الشامخة, وعلى أبناء العراق النجباء.
لقد ورد في نص تصريح  التكريم ما يفتخر به كل عراقي غيور  " ويعد الدكتور عبد الجبار عبد الله من ابرز الشخصيات العراقية التي كانت قدمت اسهامات علمية رائدة في مجال الفيزياء والطبيعيات. وهو من بين أربعة أشخاص حصرا تتلمذوا على يد العالم الكبير (البيرت اينشتاين) . كما تولى رئاسة جامعة بغداد للمدة من العام 1959 ولغاية 1963. وتعرض الراحل العام 1963 إلى الاعتقال على أيدي عناصر النظام السابق بتهمة الانتماء الى حزب سياسي محظور، وجرى فصله من رئاسة جامعة بغداد وايداعه السجن.)
وكذلك ورد في التصريح  (كما كتبت كبرى الصحف الامريكية عن انجازات الدكتور عبد الجبار عبد الله، مؤكدة ان الناس مدينون لهذا العالم الكبير الذي مكنهم من التنبؤ باوقات العواصف وتجنب مخاطرها.)


أن تناول سيرة  العالم الراحل عبد الجبار عبد الله لا تكفيها مقالات مطولة أو كتاب أنه جبل شامخ ,ومسيرة حافلة بالإنجازات المشرفة , وهوعلم بارز ومتميز من أعلام العراق الميامين, ورغم ما ناله من غبن وحيف وظلم واضطهاد, لكن قوى الخير وبهمم العراقيين النجباء انتصرت إليه, إكراما ً لعلمه وإنجازاته وعبقريته وتضحياته ودماثة خلقه وطيبته ونزاهته, ليتوج نضالها وسعيها الحميم هذا اليوم بهذا التكريم الكريم .
   
وبهذه المناسبة السعيدة سوف أقتطع مقطع صغير من مقالة نشرت في جريدة الصباح بقلم " كاظم حسوني"  والمقالة  قراءة لكتاب من تأليف الدكتور" ستار نوري العبيدي" والذي يقع بحدود 200صفحة من الحجم المتوسط, والموسوم (د. عبد الجبار عبد الله سفير العراق العلمي..سيرة حافلة بالإنجازات والمواقف الوطنية ) والذي صدر حديثاً عن دار المرتضى ,الكتاب يدرس السيرة العلمية والإنسانية للعالم العراقي عبد الجبار عبد الله.
 
حيث ورد فيها (هذا ما يبينه المؤلف في الفصل الثالث، وهو نقل رسالة الدكتور متي عقراوي رئيس الجامعة السابق الى الدكتور عبد الجبار عبد الله يعبر له فيها عن امتنانه، حيث اعفي من منصبه بعد الثورة، جاء فيها: ( انا مطمئن ان جامعة بغداد الان في ايد امينة تسهر عليها، لقد وجدت الحكومة الشخص المناسب والاحسن في العراق، الذي يستطيع المضي بمشروع الجامعة على اسس سليمة) اجل فلم يكن الدكتور عبد الجبار، عالماً فيزيائياً وفلكياً فحسب، بل اثبت انه كان ايضاً رجلاً تربوياً له فلسفته الخاصة التي تقوم على اسس ومبادئ جوهرها الايمان بدور العلم في تطور الحياة البشرية مؤكد اهمية مواكبة التطورات العلمية المختلفة في جميع بقاع العالم، فالشعوب انما تتفاوت في مراتب رقيها على قدر تعاونها في الاخذ باساليب العلم واسبابه، وبناءً على هذا كله، فهو يرى ان فكرة استقلال الجامعة كصرح علمي مسألة لابد منها،

إلى جانب ذلك عمل الدكتور بجد ومثابرة من اجل امتلاك العراق لمصادر الطاقة الذرية للاغراض السلمية، حيث بدأ العراق بتشكيل أول لجنة، علمية للاهتمام بشؤون الطاقة الذرية عام 1957 كان الدكتور عبد الجبار من بين اعضاء هذه اللجنة، وبعد قيام ثورة 1958، تم اعادة تشكيل هذه اللجنة مجدداً فاختير مرة أخرى إلى عضويتها ليشغل منصب نائب رئيس.)


المجد والخلود للعالم الكبير الأمين التقي الورع , الغيور على بلده وشعبة, العالم الفذ  الراحل "عبد الجبار عبد الله  " له الرحمة والذكر الطيب , والرحمة والذكر الطيب بهذا الحدث الكبير لكل الطيبين المضحين من أجل خير العراق والقيم الإنسانية النبيلة .

ألف مبروك لكل العراقيين الشرفاء بتكرم أبن الشعب البار العالم المرحوم " عبد الجبار عبد الله " الذي نذر نفسه وعلمه للعراق وشعبه وللإنسانية جمعاء ونال حبها ورضاها, ألف مبروك للصابئة المندائيين, والى مزيد من المطالبة بحقوقنا واستحقاقاتنا المستلبة.


السويد في 30 تموز 2009


141
أحد ضحايا صدام وحرب تصفية الحسابات إعدام نصب الجندي المجهول لرفعت الجادرجي



بقلم يحيى غازي الأميري

 
(بغداد: شيرزاد شيخاني
هنا في هذا المكان كان نصب الجندي المجهول يشمخ عاليا حتى منتصف الثمانينات قبل ان يزيحه صدام حسين ويقيم على انقاضه احد اكبر تماثيله الموزعة في جميع ارجاء العراق) 1


             
          
صورة النصب قبل  عملية الهدم..   صورة النصب أثناء  عملية الهدم ..   صورة النصب بعد عملية الهدم !

 كتبت هذا المقال تلبية لطلب أحد أصدقائي الأعزاء حول مشاركته بالرأي حول موضوع نصب الجندي المجهول القديم، لمصممه الأستاذ المعماري القدير الفنان "رفعت كامل الجادرجي"2
حفز الموضوع الذاكرة لاسترجاع الصورة التي كانت قد خزنت في إحدى زوايا تجاويف رأسي،حول هذا الموضوع فراحت تنهال آلاف الصور والأحداث، فالعراق بلد الأحداث المرعبة الكثيرة، وعشت زمناً طويلاً في وسطها، فبقيت ساعات طوال استرجع في ذلك الشريط المسجل، توقفت أمام صورة كثيرة ومواقف ترتبط بهذا الحدث تهديم وتخريب وقتل وإعدام الرموز والشواهد والمعالم التاريخية، وبعدها ذهبت إلى المعين الكبير شبكة الانترنيت وأدرت المحرك (كوكل) أستنجد به، عن محفزات تعيد المزيد للذاكرة من مواقف وصور، فوجدت الموضوع شيقاً رغم مرارته، فرحت أطوف العالم، في كوكل طبعا ًمع نصب الجندي المجهول أو قبر الجندي المجهول أو ضريح الجندي المجهول،فكانت جولة طويلة شملت عدة نصب معمارية رائعة التصميم والهندسة قد ُشّيدت للجندي المجهول في تلك الدول ومنها ، قبر الجندي المجهول في موسكو، إيطاليا ،فينا، باريس ،بولونيا ،سوريا،فلسطين، مصر،وتطول القائمة، في مصر يوجد للجندي المجهول نصبان أحدهما في القاهرة و الأخر في الإسكندرية.
 وخلال جولتي قرأت وشاهدت عشرات المقالات والصور وكيف تهتم تلك الدول بمعظم نصبها ورموزها المعمارية، لقد  أضاف لي الموضوع  معلومات نافعة جديدة ممتعة،ومؤلمة بنفس الوقت .
أحضر بشكل مستمر أغلب الندوات الثقافية والسياسية التي تقيمها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، لما فيها من فوائد كثيرة ومتعة، ذات مرة كنت ضمن الحضور لندوة ثقافية سياسية، محور الندوة يتحدث عن تاريخ الصحافة العراقية، كانت محاضرة رائعة بغزارة معلوماتها وشيقة بطريقة إلقائها، وقد وصل الحديث عن دور الصحافة في محاربة  ومهاجمة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم ( 1914- ت 1963) خلال فترة حكمه، قصدي وهو على رأس السلطة، وعندما سمح للحضور بالمداخلات والملاحظات،وأثناء محاضرته كانت قد تشكلت في رأسي صورة لكتابين صغيرين في الحجم والقطع، كنت قد قرأتهما في منتصف التسعينات من القرن المنصرم، قد أعارهما لي مشكورا ً صديق يعمل في إحدى مكتبات شارع المتنبي  وهما عبارة عن مجموعة من المقالات كانت قد نشرت في الجرائد الصادرة في تلك الفترة، ومنها جريدة الحرية  كما ورد في أحد تلك الكتب والكتابان ، الأول أسمه ( من يوميات قومي متآمر ) والثاني ( الإعصار الأحمر ) من تأليف الدكتور شاكر مصطفى سليم، وكان آنذاك عند كتابتهما يحمل شهادة دكتوراه في الانثروبولوجيا من لندن، وكتاباته ودراساته مشهورة ومعروفة عن أهوار العراق وأحوال أهلها .
المهم قدمت مداخلتي في تلك الأمسية الثقافية، موضحا ً أنه في تلك الفترة كانت الكثير من الصحف تشتم  وتهاجم الصابئة بشكل علني وليس الزعيم عبد الكريم قاسم، ومن المقالات  على سبيل المثال من التي تمكنت الاطلاع عليها كتابين، تم طبعهما ونشرهما  في الأسواق في تلك الفترة إذ كانت قد نشرت  محتوياتهما في أول الأمر على شكل مقالات صحفية يومية وصدرت  بعدها في كتابين ولو أن معظم الهجوم كان ينصب على علم عراقي صابئي مندائي بارز وهو الدكتور "عبد الجبار عبد الله " (1911ت 1969م) لكونه كان رئيس لجامعة بغداد وشملت شتائم ولعنات الأستاذ  الدكتور" شاكر مصطفى سليم "  كل أفراد عائلة الدكتور المرحوم **عبد الجبار عبد الله** محاولا ً تحريض الشارع القومي " العروبي والبعثي " والحركات الرجعية المتحالفة معها من الذين تضررت مصالحهم من ثورة 14 تموز 1958، ضد الدكتور العالم الفذ " عبد الجبار عبد الله " باتهامه بالشيوعية وترويج أفكارها وإدخال عناصرها  بالعمل في الجامعة والمؤسسات العلمية حتى وصل امتداد  تلك الشتائم والتهجم والتشهير والتحريض إلى أهله ومعارفه وأقاربه وديانته واذكر منهم الأستاذ المفكر والأديب الراحل" نعيم بدوي " (1911ت2002م ) وغيره من الذوات الذين ورد ذكرهم في كتاباته، وطالتهم شتائمه وتهجماته التحريضية، حتى من استعان بهم المرحوم د. عبد الجبار الدكتور من الأساتذة الأفذاذ ومنهم الدكتور الأديب العالم اللغوي مهدي المخزومي(1910 ت1993م )، وهو الذي عهدت إليه عمادة كلية الآداب والعلوم في جامعة بغداد، وبالتأكيد كان لهذه الكتابات التحريضية وغيرها التأثير الكبير في إسقاط ثورة 14 تموز1958 في انقلاب 8 شباط الأسود 1963 والهجوم الكبير الدامي الذي حدث بعدها على اليسار العراقي والقوة الوطنية التقدمية ورموزها بل أصاب الخراب والدمار العراق وعموم شعبه، وقد أصاب أبناء الصابئة المندائيين على أيادي الانقلابين ومن تبعهم ولف لفهم من قتل وسجون واعتقالات مغرضة وبطش وتنكيل جائر الشيء المهول، إذ كان لتلك الكتابات التحريضية السافرة وغيرها التأثير السلبي على الصابئة !

العالم عبد الجبار عبد الله أول رئيس لجامعة بغداد

فأجابني الأستاذ المحاضر بعبارة تدل على الفطنة والذكاء وسعة الإطلاع، رسخت كلماته برأسي قال "طبيعي يهاجم الدكتور**عبد الجبار عبد الله ** لكونه يعد أحد الرموز المهمة في حكومة "عبد الكريم قاسم "
لقد سقت هذه المقدمة وما سوف يليها أدناه من ذكر حوادث التاريخ لتبين أن محاربة الرموز وإعدامها "تهديمها " وتبديلها واستحداث غيرها موجودة في معظم حقب التاريخ في مختلف أنحاء العالم القديم والحديث، ولكنها تتخذ أشكال متعددة من الطرق والوسائل المختلفة في التنفيذ، فمثال لذلك العملة النقدية "المسكوكة " قديما ً هي رمز لتك الدولة فيكتب على وجهيها الشعارات واسم الخليفة أو الملك أو السلطان وتاريخ السك ومدينة الضرب وسوف نأخذ أحد الأمثلة على ذلك " الدولة العباسية "  كان الخليفة" أمير المؤمنين"  في الدولة العباسية عند أول اعتلائه للخلافة  يبدأ بجمع العملة الذهبية والفضية المضروبة بأسماء الخلفاء الذين سبقوه، ويدخلها إلى دار السك من جديد ليصهرها ويضرب اسمه وصفاته وما يريد كتابته على العملة الجديدة وبالتالي يبدأ بإزالة أول واهم معالم الشهرة للذين سبقوه ليبقى هو الاسم الأكثر تداولاً.
تهديم القديم وتشيد القصور والقلاع واستحداث المدن وابراز الرموز والشعارات والكتب الجديدة هي أمثلة كثيرة لصور أخرى لقادة بلدان أو حركات فكرية أو سياسية أو دينية، مورست عند استلامها السلطة وتمتعها بالجاه والسطوة والنفوذ.
وقد مر العراق على مدى العصور بتدمير كثير لعديد من المعالم والرموز والصروح حتى الرموز والأضرحة والمعابد الدينية لم تسلم من ذلك ، وخير مثال لذلك من يطلع على ما أصاب الأماكن والمراقد والرموز الدينية خلال الفترة التي سيطرت فيها الدولة البويهية "بني بويه"  والتي دامت ما يزيد على المائة عام وما نال أماكن ورموز المسلمين السنة خلالها، وكذلك ما أصاب الرموز والصروح للمسلمين الشيعة خلال فترة حكم الدولة السلجوقية " السلاجقة" " بني سلجوق" والتي استمرت أكثر من مائة عام أيضا ً و من المعلوم أن الدولة السلجوقية هي التي أسقطت الدولة البويهية ..وكذلك ما قام به الخليفة العباسي "المتوكل على الله "3 الذي إذ أمر بإزالة ضريح الإمام الحسين (عليه السلام ) كما تشير إلى ذلك كتب التاريخ وورد في  موسوعة ويكيبيديا، في صفحة الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المتوكل، أستل منها النص التالي كما ورد في المصدر : فقد( أمر بهدم قبر "الحسين بن علي" بكربلاء سنة (237هـ = 851م)، وهدم ما حوله من الدور والمنازل، وحوَّل مكانه إلى حديقة كبيرة، ومنع الناس من زيارته، وتوعَّد من يخالفه بالسجن )4 لكونها تضم رفات رموز تحبها وتزورها وتقتدي بنهجها كثير من الناس فناصبها الخليفة الحقد والعداء !
لقد أحب أغلب الشعب العراقي الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم، وكان لمشهد مقتله الدرامي الذي عرض في التلفزيون في 9 شباط 1963 التأثير الكبير في زيادة حب الناس وتعاطفها معه، وبدأت تلك الصورة المحزنة لمشهد قتل الزعيم تتناقلها الناس، في أحاديثها اليومية، كان المشاهد المؤلمة المحزنة ، وهي تصور مقتل زعيم أحبته جماهير واسعة من أبناء الشعب العراقي، مشهد لم يبرح الذاكرة قتل الزعيم عبد الكريم قاسم في محكمة صورية قوامها عدد من الجلادين استغرقت دقائق، وصورة الدم الذي يغطي وجهه ويقف أحد جلادي البعث بجانبه وهو يرفع رأسه بسحبه من شعر رأسه، وفي يوم  من أحد أيام شهر" رمضان " وهو صائم، مات بهذا الشكل المحزن، مفجر ثورة14 تموز، نصير الفقراء ومحرر الفلاحين ومصدر قانون رقم 80 وقانون الأحوال المدنية، مات الأمين الذي لم يختلس أو يسرق شيء من العراق !
 وما أصاب البلد من بعدة من دمار وخراب حيث اكتظت السجون والمعتقلات بأبناء الشعب الأبرياء وسالت انهار من دماء آلاف من الضحايا الأبرياء، وتشردت وترملت وتيتمت وسبيت آلاف وآلاف العوائل، زاد حب وتعلق الكثير بعبد الكريم قاسم والرموز التي تركها، هذا المشهد مرتبط بمشهد محاولة اغتياله عام 1959 ومن حاول اغتياله! 
لو عدنا إلى بداية العداء الذي يكنه صدام  حسين للزعيم عبد الكريم قاسم، كان حادث مشاركة صدام حسين في اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1959 بتوجيه وتخطيط من حزب البعث  ...  فقد بقيت صورة صدام  حسين غير محبوبة من الشعب العراقي،عاد البعث ثانية عام 1968 وبدأ معها صدام يبسط هيمنته ويمد نفوذه للسيطرة بشكل تدريجي على كافة السلطات بمختلف الأساليب الفاشية  إلى أن استلمها بصورة مطلقة .
لم يكن تهديم بناية الجندي المجهول هي المحاولة الأولى ولا الأخيرة في فترة حكم حزب البعث المتتالي وعراب تنفيذ مخططاته الفاشية صدام حسين، فقد جرت محاولات مستمرة في طمس صورة الزعيم عبد الكريم قاسم، ومنجزات ورموز ثورة 14تموز1958، وإبدالها بأشياء تمجد شعارات البعث واجندته أو بشخص صدام حسين بعد أن استحوذ على كل شيء، مسلسل طويل،غير العلم العراقي وشعار الدولة، ألغى النشيد الوطني والسلام الجمهوري وأبدلوها بغيرها، غيروا كل الأسماء والكتب والمناهج التي تتحدث عن عبد الكريم قاسم والرموز التقدمية الأخرى، وحاول جاهدا ً صدام حسين  إلصاق العديد من الصفات غير الصحيحة بالزعيم  ونعته بنعوت كثيرة غير صحيحة وكاذبة، بقي طول فترة حكمه التأكيد المستمر على بث تلك السموم  بماكينته الإعلامية الضخمة، من اجل زعزعة الصورة المحبوبة التي رسمها الشعب  في مخيلته له، وقد حاول جاهدا ًأن يقلد نفس أسلوب الزعيم عبد الكريم قاسم أن يكون خطيبا ومتحدثا وزائرا ومتفقدا ً وراعيا للشعب واكثر من حضوره في المؤتمرات والمهرجانات والندوات واللقاءات الرسمية والجماهيرية  كما كان يفعل الزعيم عبد الكريم قاسم وزاد عليها صدام هو في ترأسه للقاءات والاجتماعات الحزبية والأمنية وعطاياه ومنحه السخية لمن أيده ووالاه. أبدل اسم مدينة الثورة باسمه، أدخل صوره الشخصية وتصريحاته" أقواله " كما أقوال الزعيم  في معظم الكتب والمناهج الدراسية والصحف والمجلات الصادرة في عموم الوطن، لبس الملابس العسكرية وأعطى نفسه أعلى الرتب العسكرية، واصبح القائد العام ورئيس الجمهورية وحتى رئيس الوزراء، كان أكثر ما أراد أن يقلد به عبد الكريم قاسم هو ملابسه العسكرية !
                                                     
الزعيم عبد الكريم قاسم /اعدم   شعار الجمهورية العراقية  الأول /أبدل   علم الجمهورية العراقية  الأول /أبدل

خطوة بعدة خطوة ألغى و أبدل رسومات العملة العراقية وحطم قيمتها وأذلها وأذل شعبها معها، بعد ان كانت من أقوى العملات النقدية بقيمتها مقابل الذهب والعملات الأجنبية  في المنطقة والعالم فبعد أن كان الدينار الواحد يعادل ثلاث دولارات أوصله إلى الدرك الأسفل حيث أوصله إلى أن تبدل كل 3000 دينار بما يعادل دولار واحد  وتساوي قيمتها الشرائية في السوق طبقة بيض واحدة، فيما كان راتب الموظف العراقي كله أيضا 3000دينار أي دولار واحد في الشهر ...  لقد غيرها وأصدر بدل عنها عملة لاقيمة نقدية  لها ممزوجة بعملة مزيفة ألصق على أغلبها صوره الشخصية .
 
صورة تبين ملايين الدنانير العراقية التي طبعت وهي تحمل صور صدام حسين

يتذكر العراقيون الأهزوجة أو " الهوسة " الشعبية  العراقية المشهورة بداية حكم الزعيم عبد الكريم قاسم " عاش الزعيم الذي زود العانة فلس "5 لم يبق أي قيمة شرائية تستعمل فيها العملة المعدنية الفلس والخمسة والعشرة فلوس وبقية العملات  النقدية المعدنية والتي تحمل شعار الجمهورية  العراقية القديم لقد كانت عملة  20 فلسا ً والدرهم أي 50 فلسا ً وأبو الميه أي فئة مائة فلس مصنوعة من أحد المعادن الثمينة "الفضة "بنسبة 50% فحولها إلى معدن رخيص من أنواع " الستيل "!
بعد تأميم النفط وارتفاع أسعار النفط عالميا ً، ارتفعت ميزانية البلد بشكل كبير جدا ً ومفاجئ، لقد أهدرت خزينة العراق الضخمة جدا ً، لشراء السلاح والحروب والسرقات والنهب، وبناء القصور الخاصة به وتوزيع الهبات على مواليه، لقد أهدرت مئات المليارات من الدولارات صرفت  لشراء الأسلحة الحربية المختلفة والعدد والمعدات العسكرية والمصانع المتعلقة بالإنتاج الحربي، لتفتح باب الحروب على البلد على مصراعيها، لتلتهم بنيرانها الأرواح والمال والسلاح،مخلفة الموت والخراب والدمار والفقر والتخلف، لقد كانت فرصة سانحة كبيرة بيد صدام حسين وحزبه لو استغلت لخدمة الشعب والبلد لكان العراق الآن في مصاف الدول المتقدمة المترفة التي تنعم بالرفاهية والتقدم !
 استغل قسم من تلك الثروة الهائلة بتغير العديد من معالم مدينة بغداد على مزاجه ورغباته، فحدث في بغداد وقسم من المحافظات التي تخصه وخصوصا في فترة نهاية السبعينات والثمانينات رغم دخول العراق في حرب طويلة ضروس مع الجارة إيران  حدث جوانب "مناطق" وترك أخرى ترزح تحت الفقر والإهمال المتعمد، ومثال ذلك محافظة  بغداد وهي موضوع حديثنا  فقد شيد القصور الفخمة والعمارات الحديثة وشق الشوارع الفارهة وعوض أهاليها "مالكيها"  تعويضات مجزية كبيرة وخصوصا ً المناطق التي ساندت حكومة البعث الأولى والثانية والتي عاش هو وأقاربه فيها، فيما كان الإهمال المتعمد حصة المدن التي خرجت لنصرة الزعيم والتي لم تساند البعث والتي ضمت القوى اليسارية والشغيلة " العمال والفلاحين " والفقراء والمظلومين وأغلب سكانها من النازحين من مناطق الجنوب العراقي والفرات الأوسط .
لقد دُمر الكثير من الأبنية التراثية المعمارية القديمة والحديثة والعديد من المواقع الأثرية، خلال فترة حكم البعث وخصوصا ً فترة البعث الثانية وأكثرها فترة حكم صدام حسين، كان للحروب دوراً كبير في التدمير وفي هذا الخراب والتهديم والنهب، لقد طالت الحروب التدميرية التي شنتها القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبموافقة الأمم المتحدة عشرات الأبنية العمرانية البارزة القديمة والحديثة والجسور والمواقع الأثرية ابتداءً من حرب الخليج الثانية عام 1991 حتى حربها الأخيرة عام 2003 التي أسقطت فيه النظام الغاشم! لتكمل ما أصاب البلد من تدمير وخراب في  حرب الخليج الأولى " قادسية صدام "

 وبعد سقوط النظام الغاشم في 9 نيسان  2009 ساد البلد فلتان أمني كبير وفوضى عارمة وبرزت نزعة النهب والسلب والسرقات والتخريب وتصفية الحسابات والانتقام، ونالت النصب والمباني والمنشآت ودور العبادة والمراقد الدينية والآثار، حصتها من هذه الفوضى المدمرة وجميعها  تعد رموز ومعالم ثقافية ودينية وتاريخية .
ففي مقابلة صحفية مع وزير الثقافة، الأستاذ مفيد الجزائري،في جريدة الحياة،  بعنوان ،حرب التماثيل تمنع عودة أبي جعفر المنصور وصراع سياسي لإزالة قوس النصر، بتاريخ 21/5/ 2007 والتي نشرت في جريدة الحياة وشبكة الزوراء الإعلامية ، ومرافئ الموقع الخاص بالمجلس العراقي  للسلم والتضامن، وغيرها ،بقلم ستار عمر ،يقول وزير الثقافة العراقي الأسبق مفيد الجزائري : «هناك صعوبات أمنية وفنية كبيرة تعيق إعادة بناء تمثال أبو جعفر المنصور، وغيره من التماثيل التي هدمت، كما توجد صعوبات أكبر في المحافظة على ما تبقى من آثار ونصب أخرى»، معتبراً ما حدث لآثار بغداد وأماكنها التراثية «خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها ابداً».
                                
الجسر الحديدي " الصرافية" بعد تدميره     المتحف العراقي أول قذيفة فوق بوابته         تمثال أبو جعفر المنصور بعد تفجيره
 
وفي نفس المقالة يقول النحات العراقي كريم موسى لـ «الحياة» ان «التماثيل التي سرقت أو تحطمت في العاصمة كثيرة جداً ولاسباب عدة أهمها: السرقة للحصول على مادة البرونز التي تتكون منها، إضافة إلى بعض الانفعالات الشعبية التي تقف وراءها تفسيرات تاريخية». ويضيف: «ان ما فقده العراق من تماثيل وآثار لا تقدر بثمن، منها أعمال خالد الرحال وإسماعيل الترك وجواد سليم، وبغداد ستفقد معالمها المميزة إذا استمرت أعمال العنف التي تستهدف التماثيل».

ويؤكد كاتب المقالة في نهاية هذا اللقاء على أن الفوضى بدأت مع دخول القوات الأمريكية للعراق فكتب يقول : « وكانت القوات الأميركية هي التي بدأت هذه الحماقة عندما حطمت دباباتها البـــــوابة الــــــتاريخية ذات الطراز الآشوري للمتحف العراقي عام 2003».
حتى وزارة الدفاع، لم تسلم بناياتها من التحديث والتغير والتهديم.
خلال فترة حكم البعث الثانية أعلن في مختلف وسائل الأعلام عن العديد من المسابقات لتنفيذ النصب الفنية الكبيرة والمشيدات الضخمة الحديثة الطراز والموديلات، وقد شاركت أعداد كبيرة من فناني ومعماريي العراق من المتواجدين آنذاك في تلك المسابقات وكذلك فنانون ومصممون واستشاريون  ومهندسون معماريون وشركات من مختلف أنحاء العالم، وقد أجزى لهم العطايا والمنح والامتيازات وكان لنصب الجندي المجهول للفنان المرحوم "خالد الرحال" في ساحة الاحتفالات المجاور لنصب " قوس النصر " العملاق، البذخ الطائل من ملايين الدولارات وحضي كذلك تنفذها برعاية كبيرة، وتمت أغلب مرحل تنفيذها تحت توجيه مباشر من صدام حسين .وكذلك حصل على نصيب كبير من البذخ والرعاية "نصب الشهيد" الضخم المشيد على مساحة واسعة في جانب الرصافة من بغداد، النصب المتميز بقبته المشطورة، للفنان المرحوم إسماعيل فتاح الترك.
              
نصب الجندي المجهول الجديد في ساحة الاحتفالات الكرخ/بغداد     نصب الشهيد في جانب الرصافة / بغداد
وبعد اكتمال النصب الحديث للجندي المجهول جاء اليوم الذي أقتلع فيه نصب الجندي المجهول القديم، بعد ان طوقه، أحاطه ببنايات عملاقة حديثة، فندقى المريديان والشيراتون !


 هذا النصب الذي أرتبط ارتباط وثيق بالذاكرة العراقية، فقد طبع على كارتات  التهاني "المعايدات" كما تسمى في اللغة الشعبية العراقية  وبعض الكتب المدرسية الرسمية والذي أرتبط  بتضحيات الجندي العراقي الباسل في ساحات الدفاع عن أرض الوطن وبعبد الكريم قاسم إذ كان قد شيد في زمنه.
أن اقتلاع وإعدام نصب الجندي المجهول القديم هو لغرض إزالته من الأذهان بإبعاده عن المسرح، وعدم ترك أي صورة وأي أثر كبير بارز تركه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، يمكن أن يذكر به، خصوصا وهو مكان زارته و يزوره الرؤساء والملوك والسلاطين والوفود والمنظمات الجماهيرية والسياسية في المناسبات الرسمية وغير الرسمية لذا كان تخطيط مسبق ومدروس إعدام هذا النصب وتشيد نصب عملاق أخر حديث، يلبي فيه رغباته الشوفينية والتسلطية والقمعية .
لقد قرأت العديد من المقالات التي تخص موضوع إعادة بناء الجندي المجهول القديم، وقد أعدت عدة مرات  قراءة تصريحات المهندس المعماري العراقي حميد عبد الذي يقيم في بريطانيا،  لـ"نيوزماتيك" والمنشور في العديد من الصحف العراقية والمواقع الصحفية الإلكترونية العراقية والمتضمن إن "رئاسة الوزراء كلفت المهندس المعماري رفعت الجادرجي بإعادة تنفيذ نصب الجندي المجهول القديم، الذي نفذه الفنان الجادرجي عام 1959، وقام النظام السابق بهدمه عام 1981، وبناء نصب آخر بدله في حي التشريع بجانب الكرخ من بغداد".
واستقطع المقطع أدناه من تصريحه لأهميته وكونه يعطي ملخصاً مختصراً جيد لهذه المبادرة المهمة.

(أوضح المهندس العراقي أن الفنان الجادرجي كان كلفه بمساعدته في تنفيذ النصب كونهما زملاء ويسكنان في نفس المدينة لندن"، مضيفا أن "فكرة إحياء صرح الجندي المجهول، كانت فكرة مثيرة بالنسبة لي ، لأنه صرح تاريخي يرتبط بذاكرة كل العراقيين" حسب تعبيره.
ولفت عبد إلى أن "التصميم سيكون هو نفس التصميم القديم، وبنفس القياسات والفضاءات والزوايا والانحدارات، التي كانت ولا تزال مبنية على أسس علمية ترجع جذورها إلى الحضارتين السومرية والرومانية "، مبينا ً أن هناك  بعض التعديلات مثل إدخال التكنولوجيا عليه كالإضاءة الليزرية والألوان".
وقال المهندس المعماري العراقي حميد عبد إن "نصب الجندي المجهول سيكون موقعه بنفس المكان القديم في ساحة الفردوس، وعلى نفس الأساسات، إن وجدت، ونفس القياسات والارتفاعات" مبينا أنه "النصب صرح تاريخي ويجب إعادته كما تتم إعادة كنيسة أو جامع تاريخي" حسب تعبيره.
وأوضح عبد أنه "سيشرف على بناء النصب في بغداد، بينما يقوم الجادرجي بزيارة موقع العمل في أوقات محددة، وحسب ما تسمح به صحته، لأنه كبير بالسن ولا تسمح صحته بالسفر الكثير".
ولفت المهندس عبد إلى إن "العمل ينصب حاليا على إعداد ماكيتات جديدة للنصب"،مبينا أن مكتبة المهندس الجادرجي لا تحوي ماكيتات تصميم نصب الجندي المجهول، لأنه بناه بشكل ارتجالي ولم يكن قد وضع له التصاميم الهندسية وقتها".
يذكر أن المعماري الفنان رفعت الجادرجي كان قد نفذ نصب الجندي المجهول عام 1959 بتكليف من الزعيم العراقي السابق)

ملاحظة مهمة : وردت في مقابلة الأستاذ المهندس المعماري حميد عبد  لـ"نيوزماتيك" أن العام الذي هدم فيه نصب الجندي المجهول القديم هو عام 1981، فيما أكد لي أحد الأصدقاء أن التاريخ الصحيح هو يوم 4 تشرين أول 1982 وفي ذلك اليوم أذيع بيان وفاة الرئيس أحمد حسن البكر. وكذلك أكد الأستاذ المهندس نصير الجادرجي في مقابلته مع جريدة "الشرق الأوسط "في عددها 9330الصادر بتاريخ 14 يونيو 2004 أن سنة هدم البناء هي في أواخر عام  1982 .
لقد أفرحني وأسعدني جداً أن تبادر السلطة العراقية على هكذا مبادرات مهمة وصحيحة من أجل أعاده بناء ما تم تدميره بشكل متعمد من معالم ورموز وطنية، ونصب الجندي المجهول القديم أحد هذه المعالم وأهم شيء فيه أن يعاد البناء في نفس المكان السابق، وبذات الحجم  والشكل والقياسات والأبعاد، وتوثق معه كل التغيرات الفنية التي سوف تجرى، وما صرح به المهندس المعماري العراقي حميد عبد  من بعض الإضافات الحديثة للنصب التي سوف يتم اعتماد البناء الجديد عليها، وكما مثبت في المقابلة التي نشر قسما ً منها أعلاه، أنها أفكار ممتازة جدا ً وتفي بالغرض. أن النصب والمعالم المعمارية الفخمة الحديثة والقديمة منها هي ملك للشعب وهي تمثل حقبة زمنية من تاريخه، نتمنى أن تحافظ الحكومات على ممتلكات الشعب، ومثال ذلك سجن أبو غريب، والذي نسمع من حين لحين أنه يراد تهديمه،أو كما صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش بذلك، فسجن أبو غريب الرهيب رغم كل ما مر به من امتهان كبير لكرامة الإنسان العراقي، فهو يمثل رمز كبير وشاهد حي  في الذاكرة العراقية للظلم والجور والاستبداد.
وكذلك حال كثير من النصب والمباني الضخمة الأخرى التي شيدت سواء في زمن البعث أو صدام أو غيرهم ، فيمكن استغلالها والاستفادة منها في مجالات أخرى وتبقى شواهد تاريخية بارزة عن تلك الفترة وما مر بها. لقد دونت وجهة نظري المتواضعة حول نصب الجندي المجهول القديم، من الناحية التاريخية المرتبطة بالتغيرات السياسية ،أتمنى ان أكون قد أضفت شيء يغني للموضوع.


يحيى غازي الأميري
السويد 2009

هوامش  مهمة ذات علاقة بالمقالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
(1) مقطع من مقالة في جريدة الشرق الأوسط الخميـس 18 صفـر 1425 هـ 8 ابريل 2004 العدد 9263
عنوان المقالة "ساحة الفردوس.. صدام طرد الجندي المجهول منها والأميركيون أطاحوا صنمه.. والحياة حولها تغيرت كثيرا"

(2) رفعت  كامل الجادرجي : هذا مقطع من مقابلة جرت مع الأستاذ المهندس المعماري القدير رفعت كامل  الجادرجي نشرت المقابلة  في جريدة في جريدة الشرق الأوسط ، في عددها 9330الصادرة بتاريخ 14 يونيو 2004  وعديد من الصحف على مواقع الانترنيت  حول موضوع فكرة تشيد نصب الجندي المجهول، وهدمه .

(* كنت المهندس الذي صمم أول نصب للجندي المجهول في بغداد، أيام الزعيم عبد الكريم قاسم. كيف تعرفت عليه؟ وكيف جرى تكليفك بذلك التصميم؟

ـ كنت آنذاك، أي في عام 1958، مديراً للإسكان، وبحكم وظيفتي كان لي اتصال مباشر مع عبد الكريم قاسم. وقد سجلت تفاصيل تشييد نصب الجندي المجهول في كتابي «الاخيضر والقصر البلوري». لقد تم تكليفي، هاتفياً، بتصميم ثلاثة أنصبة في بغداد، هي: الجندي المجهول، النصب التذكاري لثورة 14 تموز، ونصب الحرية، الذي أبدع منحوتاته الفنان جواد سليم. وأنجزت تصميمين في المساء ذاته، وفي العاشرة من صباح اليوم التالي قدمتهما إلى عبد الكريم قاسم، ووافق عليهما بصفته رئيساً للوزراء.
* هل كان للزعيم هذا الميل نحو الفنون أم أن هناك من شجعه على إقامة أنصاب فنية في بغداد؟
ـ كان ذلك قراراً شخصياً منه فقط، لقد كان عبد الكريم قاسم رجلاً عسكرياً، وغالبية العسكر العراقي، والعربي عامة، لا تعير للفنون اهتماماً.
* وصدام حسين؟
ـ صدام لديه حس غير مهذب للفن، لذا ادخل إلى العراق نوعاً من المعالم والتأثيث الذي كان السبب في تشويه العمارة في البلد. أما تدخلات عبد الكريم قاسم فكانت على السطح، ولم تترك تأثيراً عميقاً. ولهذا في رأيي هناك سببان، أولهما أن النهضة الفكرية التي كانت قائمة قبل الثورة واصلت تأثيرها، والثاني أنه سعى إلى أن يكون رجل دولة، أو هكذا كانت سلوكياته، فلم يتدخل في الشؤون الفنية.
* كان قاسم صاحب فكرة تشييد نصب الجندي المجهول، فمن كان صاحب فكرة هدمه؟)
  ـ هذه قضية أعرف بعض تفاصيلها واجهل بعضها الآخر، فقد كنت، أوائل الثمانينات، مستشاراً في أمانة العاصمة العراقية، وكانت جميع المشاريع ذات العلاقة بالبناء تمر عن طريقي، وأنا الذي يضع عنها تقارير إلى أمانة العاصمة أو القصر الجمهوري. وكان صدام هو الذي يبت شخصياً في المشاريع ذات البعد السياسي، أو التي تحتاج ميزانيات كبيرة.
وإذا لم تخني الذاكرة، فإن أمين العاصمة آنذاك كان عبد الحسين شيخ علي، وقد أبلغني ذات يوم أن أمراً جاء من القصر، أي من صدام، بهدم الجندي المجهول، وقال لي بأنه سيماطل في تنفيذ الأمر إلى أن تُنسى القضية.

* في تلك الفترة كان نصب جديد للجندي المجهول قد أقيم في جانب الكرخ.

ـ هذا صحيح، لكن فكرة النصب الثاني جاءت من الرئيس أحمد حسن البكر، وليس من صدام حسين، وقد اقترح الفكرة على البكر الفنان خالد الرحال.
بعد شهرين من الأمر الأول، جاء أمر ثان من القصر بهدم النصب الذي كنت قد صممته، وأعاد أمين العاصمة قوله بأنه سيماطل في التنفيذ لأن الجندي المجهول أصبح من معالم بغداد والناس تعودت عليه، وكان ردي عليه ألا يتحرج بسببي، وقلت له إن هناك من أعمالي ما ظل قائماً ومنها ما هدم، وقلت إن الأعمال الكبرى التي قمت بتصميمها لم تنفذ، بل أهملت لسبب أو لآخر، ولم يتحقق من أعمالي التي اعتقد بأنها كانت تسعى لتؤلف مبادئ لعمارة عراقية، إلا القليل، ومنه اتحاد الصناعات العراقي ومبنى البريد المركزي ومجلس الوزراء، وقد أحرقت دائرة البريد في الحرب الأخيرة، وحصل إهمال شديد لبناية مجلس الوزراء، كما أحرقت بناية اتحاد الصناعات.
وعودة إلى الجندي المجهول، فبعد حوالي الشهر من تلك المحادثة، أي في أواخر 1982، جاء أمين العاصمة ومعه مدير الدائرة الفنية، وكان الوجوم بادياً على وجهيهما، وقالا لي إنهما آسفان ولم يودّا إزعاجي، ولهذا تأخرا في إبلاغي بالخبر، وهو أن الجندي المجهول قد جرى هدمه.
تناولت فوراً كامرتي الفوتوغرافية، وذهبت إلى موقع النصب في ساحة الفردوس، وشاهدت المراحل الأخيرة من الهدم، وصورت نفسي بالقرب من الأنقاض)
 
(3)   الخليفة العباسي المتوكل بالله هو: أبو الفضل جعفر المتوكل على الله بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي (205ـ247هـ ) أمه تركية اسمها شجاع. يُعَد عهد الخليفة المتوكل هو بداية عصر ضعف الدولة العباسية وانحلالها، والذي انتهى بسقوطها على يد التتار سنة (656هـ /1258 م ). وهو الخليفة العباسي العاشر. المصدر موسوعة ويكيبيديا في صفحة الخليفة العباسي أبو الفضل جعفر المتوكل على الله.
(4 )وورد في موسوعة ويكيبيديا في صفحة الروضة الحسينية نستل نصه " أورد الطبري في حوادث سنة 236 هـ أن المتوكل آمر بهدم قبر الحسين عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقي موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه )

(5) كانت في العهد الملكي العراقي قبل ثورة 14 تموز عملة نقدية تسمى "العانة" وقيمتها أربعة فلوس وعند تغير العملة العراقية بعد  ثورة 14 تموز 1958 وحل ارتباطها من الجنيه الاسترليني أضيف فلس واحد  لعملة (العانة ) المعدنية فأصبحت خمسة فلوس، وعلى أثرها  جاءت هذه الهوسة المشهورة !


   

142
قديس أسمر من الناصرية أسمه سلمان منسي

يحيى غازي الأميري

في أي سفح ٍ؟
على أي رابية ٍ؟
أقرب نبع ماء أم في غابة ٍمهجورة ٍ نائية ٍ؟
أم في جبل مجهول الهوية؟
ارقد بسلام فحيثما تكون هو وطنـــــــــــــــــــــــــــــــــك .

منذ ان افترقنا مضى زمن زاد على ربع قرن من السنيين،زمن متخم بمآس ِ لا تحصى ولا تعد وبعد مخاض عسير ولدت في زمن ٍجديد من نفس رحم العراق الطيب المعطاء.

 قبل أيام سمعت خبر شهادتك أيها الزميل والرفيق العزيز (سلمان)

لم يحدثني صديقنا وزميلنا القاص والروائي والناقد( سلام إبراهيم) في أول لقاء لنا في كوبنهاكن قبل فترة وجيزة بعد فراق زاد على الربع قرن أيضا عن استشهادك، حدثني عن استشهاد شقيقة كفاح وابن خالته صلاح تحت التعذيب،أو كما يسميها الأستاذ الفاضل رشيد الخيون ( مطاحن البعث) واسميها أنا ماكنات فرم لحوم البشر البعثية .
 
إذ كنت قد قضيت أيام جميلة مليئه بالنقاشات السياسية والأدبية والقراءات الشعرية بصحبتهم عند زيارتي لمدينة الديوانية عام 1974 كانا شابين يافعين رائعين بعمر الزهور( كفاح وصلاح ).فلهم مني الذكر الجميل .
 
وتحدثنا عن استشهاد صديقي ورفيقي العزيز مهدي حمد حسين الخزرجي من سكنة( قضاء العزيزية/محافظة واسط)ـ إذ كنت قد عرفت صديقي سلام إبراهيم عليه واصبحا أصدقاء أيضا ـ  حدثني سلام ابراهيم ،كيف التقى بالجبل بابن أخت المناضل النبيل مهدي حمد حسين. والذي اسمه أيضا سلام

والذي هجرته حكومة البعث مع عائلته من (قضاء بدرة / محافظة واسط )إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية هذه العائلة العراقية المناضلة (عائلة أبو سلام).
لم يهدأ بال ابنه البكر سلام حتى غادر إيران ليلتحق برفاقه الشيوعين بالجبل في شمال كردستان العراق، كيف لا وهو أبن العراق.
 
أخبرني بعد فترة من لقائنا عن طريق الانترنيت،كتب لي هل تتذكر الشاب الأسمر الجميل سلمان منسي ؟
فاستغربت لكونه يكتب لي هل تتذكر؟
فكان جوابي له وكيف لا وهو القديس الأسمر القادم من الناصرية !

فكتب لي مباشرة بعدها أنه قد استشهد في إحدى المعارك بجبال كردستان وهو يحمل السلاح مع رفاقه الشيوعين في عام 1983.

أوقع الخبر آلم حز في قلبي وارتجفت أوصال جسمي له ..... كتبت لسلام أنى لا أستطيع مواصلة الكتابة الآن، ان كل شيء بي يرتجف!

تركته وعدت إلى أيام جميلة جمعتني مع سلمان عند أول وصولنا إلى المعهد الزراعي في أبو غريب الذي كان يقع ضمن بناية كلية الزراعة في  جامعة بغداد عام 1972 جمعنا العمل التنظيمي الطلابي ( اتحاد الطلبة العام) ،وبعد فترة قصيرة التقينا في تنظيم الحزب الشيوعي، لندخل صومعة الحزب ومحرابه!
 قبل أن نبلغ العشرين من العمر.
 
كان سلمان وديعاً هادئ الطبع، يحمل معه ابتسامة جميلة حزينة ! يملأ الحب قلبه، كان يعمل بهدوء وصمت وعزيمة.
 
سلمان يا قديساً يحمل طيب الهور وسكونه، يحمل حلم الجياع ولوعتهم بين عيونه، بعد ان عايشت وشاهدت كل أنواع الحرمان والفقر، وأصناف الذل والقهر، أتيت حالماً مؤمناً، ان تشعل كل أصابيعك لتـنير لهم ولرفاقك الدرب!

هكذا تعارفنا ورحنا نعمل بكل جوارحنا، لا نهدأ كالنحــــــل، ونذرنا كل شيء فينا من أجل الحب والخير و كافحنا ضد الظلم والجور والقهر.

فسلاماً لك يا سلمان يا قديساً يا من بين الأضلع والثلج والنرجس لك مرقد.

يحيى غازي الأميري
كتبت في كانون الأول 2004
مالمو/ الســــويد


143
المنبر الحر / يا لقلب أمك يا ناجي
« في: 19:05 09/01/2009  »
يا لقلب أمك يا ناجي


يحيى غازي الأميري
أي أنين يجيش فــــي صدرك ِيا أم ناجي؟
أي صبر مــــطلوب منكِ ان تتحمليــــــه؟
 كم مـن فواجع الدهر إصابتك بمصائبها؟
 أي أخبار تقطّـّع نياط القلب و تنوء الجبال عن حملها، تفجعكِ أيتها الأم الحنون، يا لمصيبة الأم بفقدان أولادها !
 لكن أم ناجي * أم عراقية في كل يوم ٍ لها مع الفواجع والنوائب موعد.
أتعلم يا صديقي العزيز " ناجي" عندما تلقيت خبر أصابتكم بالمرض العضال أحسست لحظتها أنه قد سرت بجسمي بسرعة رعشات متتالية من الرعب والفزع.
 منذ تلك اللحظة عشعش الخوف في قلبي جزعـاً عليك، بت أترقب أخبارك بحذر وخوف وقلق، بات لا يطاوعني قلبي الاتصال بك كعادتنا بين يوم وأخر أو لقاؤنا الأسبوعي المرتقب على شبكة الانترنيت، رحت أتسمع أخبارك من صديقنا صادق خلف العلي أو من صلاح مهدي إبراهيم ، أسأل أحدهم بينما أكون قد وضعت يدي على قلبي مغمضا ً عينّي لهول مفاجأة التوقعات.
 
صورة للفقيد ناجي كاظم ذياب وهو يتوسط أثنين من أولاده  في بيته/ مونتريال /كندا
كم كنت سعيدا ًوفرحا ًبعد أن عادت علاقاتنا كعهدها السابق ـــ بعد سقوط النظام الغاشم في 9 ـ 4 ـ 2003 بفترة زمنيةـــ وهي مليئة بالحب والمودة والشوق، بعد أن أجبرنا على الافتراق الذي زادت مدته على ربع قرن؛ لقد فر صديقي ناجي بجلده من العراق بعد ان بدأت الوحوش الكاسرة هجماتها اليومية تنهش بأنيابها ومخالبها بشركاء الجبهة الوطنية  والقومية التقدمية أو بالعراقيين الطيبين، فر مرعوبا ًتاركا ً مدينته وأهله وتلاميذه وأصدقاءه ورفاقه هاربا ً إلى المغرب ومن ثم إلى كندا.
انقطاع العلاقات بين الأصدقاء والأحبة كنا مجبرين عليه بقوة السلاح الغاشم وبإرادة وأدارة قائد ظالم جائر وحزب تحول رويدً رويداً إلى حزب فاشي سافر، ماركته المسجلة الحروب والخراب والاستبداد والمقابر، كانت سنيناً طويلة، مثقلة، متخمة، بالضيم والموت، وحروب وخوف قد مرت علينا واكتوينا وتلوعنا بظلمها وجورها ورعبها. 
لقد جددت من خلال عودة علاقتنا فسحة كبيرة أينعت وغدت مرجاً مخضـراً، بعد ان كانت قد جفت وتصحرت كما جفف الطاغية  أهوار العراق من مياهها وخضرتها، وما أن عاد إليها الماء مرة ثانية حتى انطلقت الجذور العميقة  تشق الأرض بأذرع طويلة باسقة تهتز طربا مع نسمات الهواء العليل، متحدية  الموت والظلام.
كانت قد بدأت تنتظم لقاءاتنا في غرفة البالتاك كل أسبوع مرة أنا من السويد وصادق خلف من أسبانيا  وصلاح مهدي من هنكاريا  والفقيد ناجي كاظم من كندا، وينظم إلينا من حين لحين سيد سعد المعطي من العراق /العزيزية مصطحبا ً معه  ثلة من الأصدقاء الأحبة من العزيزية(1) حسن حسين الزماخ وكامل صالح وعيدان هلال وعيسى الخياط وياس خضير ودعدوش عليوي، كنت ارقب تلك اللقاءات بشوق كبير نتناقل فيها أخر الأخبار والمستجدات الثقافية والسياسية ونعرج على أيامنا السابقة الجميلة رغم مرارة ولوعة مطاردة ومتابعة المجندين البعثيين لهذه المهمات ؛ إذ" شُـكلت لجان حزبية بعثية مهمتها مكافحة الشيوعية والشيوعيين شكلت بداية عام 1978 من أيام الجبهة الوطنية " رغم أن أساليبهم الاستبدادية والفاشية المتنوعة والتي لم تهدأ بمحاربة ومطاردة اليساريين والشيوعيين منذ بداية عودتهم الثانية عام 1968 رغم كثرة وعودهم وعهودهم وإعلامهم بالديمقراطية والحرية، لكنها بدأت تتصاعد بوتيرة عالية بشكل مرعب وسافر بعد تشكيل تلك اللجان في عموم القطر وامتدت حتى خارجه فكانت مهماتها تشديد الخناق على الشيوعيين واليساريين، حيث  كانوا يمطرونا ويحاصرونا بشكل مستمر بالشتائم والتوعدات ومختلف أنواع الاستفزازات،ليستمر تصعيد الضغط  بشكل مبرمج تصاعديا ً ليتحول إلى أعلى درجات الرعب حيث الإعتقالات والبطش والقتل والتغيب!
كنا في لقائتنا الجديدة نتفقد أخبار الوطن المنكوب ومدينة العزيزية ورفاق الأمس و الأصدقاء والأحبة واحداً واحداً ونتصل بهذا ونبعث بتحياتنا وترحمنا لذاك، لقد كان لأحاديث وذكريات نادي الموظفين في العزيزية حصة كبيرة من أحاديثنا فخلال تلك اللقاءات "الكعدات " كنا نقضي اجمل وأسعد الأوقات، رغم أجواء الرعب و المراقبة والاستفزاز التي كانت تصدر من عيون السلطة وكتبة التقارير، ونعيد معها كذلك شريط ذكريات المطاردات والمضايقات والاستفزازات اليومية التي طالتنا، ونستعرض ما مر بالبلد من خراب ودمار وموت نتيجة الحروب والحصار والاستبداد.
أستعيد الآن  العديد من أسماء الأحبة والأصدقاء التي طرحنا  في لقائتنا على غرفة البالتاك فكانت أسماء ضحايا القمع الاستبداد والظلم والحروب وما أنتجته معها من أوبئة وأمراض، كانت في مقدمة أسماء من نتذكرهم ... جميعهم كانوا أحبة وأصدقاء لنا رغم الاختلاف السياسي و الفكري مع البعض منهم ، كيف ننساهم وهم جزء من تاريخنا فقد كان كل لقاء  حاضر في أحاديثنا ضحايا النظام السابق والذي تنوع بين معدوم بالرصاص أو تحت التعذيب أو مغيّـب أو قتيل في حرب أو بسبب الأمراض والمعاناة المتنوعة  التي انتشرت من جراء الحصار والحروب والهلع والرعب وناهيك عن ما نال عوائلهم وأقرباءهم من استجواب وضيم وإهانة واستفزاز، ومن تلك الأسماء الضحايا الأحبة : الدكتور هاشم رشيد وشقيقه د.عاصم ، وعبد الكاظم مديح وشقيقه عبد الرضا ، ومهدي حمد الخزرجي وصالح عزيز الصالحي، وسيد عز الدين الخطيب، وعبد الكريم كاظم ذياب ( شقيق الفقيد ناجي ) وعمار عبد حسكه ومحمد حبيب النصر وزاهر عمار أبو العيس ويحيى ظاهر حسن ومحمد حاتم البطيخ ومحمد حسن الزماخ  وصباح عليوي وعادل شمران وعايد لفته القره غولي وابن أخته (شاب شيوعي غيب منذ بداية الثمانينات ) وأركان رشيد الجلوب وفرحان الجيزاني، وكاكه طالب "صاحب المطعم " ، وأياد كاظم وحميد شيحان وشاكر جواد القره غولي وشقيقيه فرج وعايد، وسيد هلال عبد المطلب أبو رغيف  وأحمد عبيد  المصور ولطفي حمزة حبيب ...  وتطول قائمة، لهم جميعا ًالرحمة والذكر الطيب. 
لقد كان ناجي معجباً بشخصية رفيق شيوعي عمل معه يردد أسمه باستمرار لا يعرف غير أسمه الحزبي أسمه  " أبو مهدي " لقد أشاد به كثيراً الفقيد ناجي. كما أشاد بشجاعة وتفاني شهيد شيوعي أخر من أبناء مدينة العزيزية، منطقة برينج  صديقنا العزيز المناضل " صالح  عزيز الصالحي " وأثناء أحاديثنا " أنا وصلاح مهدي وصادق خلف والفقيد ناجي"  كنت قد وعدت الفقيد ناجي أن أكتب شيئاً عن صديقنا ورفيقنا الشهيد صالح عزيز الصالحي  في أقرب فرصة تتاح لي .
لقد روى ليَّ الفقيد  ناجي العديد من المواقف والصور التي يخزنها بذاكرته، وإحدى هذه الصور تتعلق بحادث طريف حدث معي، وفي أول لقاء لي معه بعد هذا الانقطاع الطويل الذي زاد عن ربع قرن من الزمن  كان أول شيء حدثني عنه الفقيد ناجي عن طبق اللحم المشوي اللذيذ وخبز التنور العراقي الحار ،وذلك المشهد الذي لم يبرح ذاكرته صورة والدي بملابسة الدينية البيضاء ولحيته الطويلة وطريقة الذبح المندائية.
 سوف أحاول توضيح هذا المشهد الآن : بسب انتمائي الديني إلى الديانة المندائية والذي أعتز به، وللنقص الكبير بالمعلومات العامة  في الشارع العراقي عن الديانة المندائية وطقوسها وعاداتها وتقاليدها لاسباب عديدة لست بصدد شرحها في مقالنا هذا، ولذلك يتعرض معتنقي هذه الديانة إلى العديد من الأسئلة وطلب الإيضاحات وتعديل المعلومات المشوشة والملفقة والشائعات والتي تصل قسم منها إلى التكفير و إلى الاستفزازات والشتائم أحيانا ً، قسم من هذه الشائعات التي تتناقل عن معتنقي هذه  الديانة أنهم لا يذبحون الحيوانات ( الطيور كالدواجن والبط والوز أو الحيوانات الأخرى مثل الأغنام ) التي يتناولون لحومها  بل يقومون بخنقها وغيرها من الشائعات الملفقة التافهة، ذات مرة  من عام 1977 كنت أجلس مع مجموعة من الأصدقاء  في مدينة العزيزية جميعهم من المسلمين  ،خليط من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، كنا نتجاذب أطراف الحديث، وطرح موضوع ( الذباحة عند الصابئة) أجبتهم بطريقة الذبح التي نتبعها في طقوسنا المندائية وأنها من اكثر الطرق التي شاهدتها في حياتي فيها سمات كثيرة تدلل على الإنسانية والرأفة والرحمة والنظافة والطاهرة ، ترافق مراسيم الذبح ... فطلب مني الفقيد ناجي مشاهدتها أن أمكن .
وبعد فترة قصيرة وفي إحدى مناسباتنا الدينية لبيت طلبه ودعوته لمشاهدة عملية الذباحة ، وعندها شاهد الفقيد ناجي كيف ارتدى" والدي "رحمه الله الملابس الدينية البيضاء( الرسته )(2) الخاصة بهذا الطقس وعملية تعقيمه للسكين وشحذها وتطهير يديه وكيف نظف وطهر "طمش "الحيوان المراد ذبحة والمكان الذي وضع فيه الحيوان ساعة ذبحه وكذلك شاهد الشاهد على عملية الذبح ويسمى بالمندائية ( الشكنده )(3) وسمع بأذنيه وشاهد بعينيه كل الأدعية التي تتلى عند عملية الذبح وبعده، أصيب ( ناجي) بصدمة عنيفة وكاد ان لا يصدق ما شاهدث عيناه مقارنةً بما كان يسمعه في الشارع العراقي من تهجم وتلفيق غير صحيح على طريقة الذبح المندائية .
 بعدها تناول الغداء الذي دعي إليه  وقد تناوله رحمه الله برغبة وشهية كبيرة ، وكان طبق غداء من اللحم المشوي الذي أعددناه له  ـ لحم خروف لكونه الحيوان اللبني الوحيد الذي يجوز ذبحة  لغرض تناول لحمه في تعالم الديانة المندائية ـ ومعه خبز عراقي من التنور، وبعد تلك المشاهدة بدأ  ناجي يتحدث في أكثر من مكان عما شاهده من صورة يكاد لا يصدقها العقل عن النظافة والطهارة والرأفة في طقوس الصابئة المندائيين عند الذباحة.

في أخر اللقاءات مع ناجي بعد أن بدأ يأخذ الجرعات الكيماوية كعلاج لمرض السرطان الذي ابتلى به و أثناء تلك الفترة  كان ناجي يعيش في صراع عنيف؛ طرفه الأول الرعب الحقيقي من خطورة مرض السرطان وبين تطمينات الطبيب المعالج  باحتواء المرض ومعالجته وفق أخر التطورات العلمية مضيفا ً إليها قوة عزيمته  التي عـُرف بها، كان  يحدثني بصوت مرتجف متعب لكن فيه حب وشوق قوي للتشبث بالحياة ، في هذه الفترة أنصب همه وتفكيره كله على زيارة العراق، كان يقول لي: " لازم أشوف العراق، أتمنى اليوم أسافر، أكدر أروح عن طريق إيران، ومن قصر شيرين أروح للعزيزية عن طريق بدرة ، يمكن لو أوصل أهناك بس أشوف العراق وأهلي وأصحابي أطيب من المرض"
في الفترة التي مرض فيها الفقيد  ناجي كان العراق يمر بأعنف فترة من هيجان العنف والاقتتال الطائفي الذي افتعلته أيادٍ خبيثة ، بعد الحادث الإرهابي الإجرامي الدنيء بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، فقد تحول العراق بعد هذا الحادث المخيف إلى بركان ثائر يقذف الموت والرعب على العراقيين في كل لحظة.
لقد أشتكى لي ناجي وهو يتوجع بحديثه عن فضاعة وقسوة الألم الذي يلازمه ، كان في كل لقاء لي معه وهو على فراش المرض ينقلني إلى صور لم ترد هي الأخرى أن تبرح ذاكرتي  كنت قد شاهدتها  بعيني  صورة "والدي "رحمه الله عام 1987 وهو  يعاني من تلك الآلام الجسدية والنفسية  أثناء أصابته بالمرض العضال المفاجئ الذي ضربه نتيجة صدمة عنيفة تلقاها أثناء الحرب العراقية الإيرانية  نتيجة مآسيها اليومية المرعبة، رغم  ما كان يتمتع به والدي من قوة جلد وصبر فقد عاش فترة  عصيبة وقاسية  يصارع فيها الآلام المبرحة بالمكابرة والمسكنات ويكافح الداء بالعزيمة والعلاج... كان منظر صديقي ناجي يعيد ليّ ذلك الشريط المرعب وكذلك يذكرني بأحبة نال منهم المرض العضال وقسي عليهم في آلامه.
مع أنينك يا صديقي العزيز ناجي كان يبرز أمامي من الذاكرة مقطع شعري ، كنت قد حفظته على ظهر قلب من قصيدة (سفر أيوب)  للشاعر الكبير بدر شاكر السياب، هذه القصيدة التي صور فيها الشاعر بشكل بليغ، فضاعة وقسوة الألم،والصراع المرير مع المرض الذي كان يعاني منه،  إذ كان قد كتبها  الشاعر الراحل عن تجربة قاسية موجعة ألمت به، كتبها وهو يئن من الوجع راقدا ًعلى فراش المرض. وأدناه مقطع منها :
شهور طوال، وهذي الجراح
تمزّق جنبيَّ، مثل المدى!
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح الليل أوجاعه بالرّدى

وهو على فراش المرض كنت كل الوقت الذي أهاتفه فيه سواء في التلفون أو على شبكة الانترنيت والتي تكون أفضل إذ كانت بالصوت وبالصورة ،كنت  أشحذ من همته وأقوي من عزيمته  وأزيد من صبره . بعثت  له  بأكثر من رسالة وفيها تمنياتي مشفوعة بالدعاء بالسلامة  من رب العـزة والجلال، كان يخبرني بعد قراءتها أنها تدخل الأمل والبهجة في نفسه... وبعث له مرة بمقالة كتبها المناضل الكاتب الدكتور"  كاظم حبيب "عن صديق له أصابه ذات المرض وكيف بدأ هذا الشخص" الفنان " يقاوم  ويتحدى الألم والمرض بمزيد من الإبداع في مرسمه وافتتاح معرض لرسوماته .
ناجي صديقي ورفيقي وقد أخبرني ناجي وهو على فراش المرض أنه انظم إلى صفوف الحزب الشيوعي العراقي منذ كان في الكلية في عام 1968أو 1969 والذي قام بتنظيمه أحد أبناء العزيزية الأستاذ صادق حمد الخزرجي. وحدثني عن مشاركته في الحركة الطلابية وإضرابات الطلبة الشيوعيين في تلك الفترة في جامعة بغداد.
أثناء إحدى المحادثات سألني أتذكر اللافتات التي علقت باسم الحزب الشيوعي العراقي  في مدينة العزيزية عند إعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973 ، فأجبته بالإيجاب فاخبرني أنه هو "الذي قام بتهيئتها وتعليقها  في شوارع المدينة في منتصف الليل مع صديقنا ورفيقنا صادق خلف العلي " والكلام للفقيد ناجي "وقد نفذنا تلك العملية بنجاح  ـ الحديث لناجي ـ ولم تتمكن أجهزة  الأمن وأجهزة حزب البعث رغم تحريهم من معرفة  أسماء الأشخاص الذين قاموا بهذه المهمة "
ومن المعروف أن الفقيد ناجي كان من الرفاق الشيوعيين المكشوفين في المنطقة  إذ بعد تعليق تلك اللافتات  بشوارع المدينة بأيام صدرت توجيهات من الحزب الشيوعي بكشف بعض الرفاق الحزبيين في بعض المناطق فكان الخيار قد وقع على اسم ناجي كاظم في مدينة العزيزية، لما للفقيد ناجي من صفات عديدة حميدة تأهله لذلك لسعة ثقافته وكونه متحدثاً جيد جدا ً وذو أخلاق عالية ومن عائلة مرموقة  معروفة بالمدينة ، وهو مدرس في ثانوية العزيزية للبنين ،مدرس ناجح و محبوب من طلابه وزملائه فقد كانت له شعبية واسعة في المدينة . ونقصد بكلمة من الشيوعيين المكشوفين أي أنه كان ممثل رسمي يعمل  بشكل علني للحزب في المنطقة، ومعروف انه بقيت تنظيمات الحزب الشيوعي تعمل بشكل سري، رغم التحالف " الأخوي المصيري " في الجبهة الوطنية وفتح مقرات تابعة للحزب الشيوعي في العديد من مدن العراق.                   
 بعد مغادرة ناجي للعراق بفترة  أصدرت السلطات الحكومية أوامر بمصادرة حصة ناجي من ارث ورثه عن قطعة ارض كبيرة مشيد عليها دار سكن ومحلات تجارية و كذلك حصته من بستان عامر عند بيع عائلتهم لتلك الممتلكات فأسمه كان قد ادرج ضمن قوائم الأسماء التي أعدتها السلطة بالأشخاص المشمولين بمصادرة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة.
حدثني الفقيد كثيرا ً عن مدينة وجدة المغربية التي يعتبرها محطته الجميلة في المغرب، والتي مكث فيها  مدرسا ً فترة من الزمن وغادرها مهاجرا ً عام 1987 إلى محطته الأخيرة كندا بدأ ناجي التكيف على ترتيب وتكيف نفسه وعائلته  في هذا المجتمع الجديد، فوجد فرصة للعمل كسائق سيارة تاكسي و بعد فترة زمنية اشترى سيارة تكسي جديدة وأشترى دار سكن بعد أن أستلف من أحد البنوك مبلغا ً يستطيع من خلال عمله وعمل زوجته ان يسدد التزاماته. وأقام علاقات طيبة جديدة مع الجالية العراقية والعربية وتجمعاتها، هذا ما كان قد اخبرنا به الفقيد ناجي بنفسه
 بتاريخ 24 شباط 2008 ظهرا ًهاتفني على شبكة الانترنيت من نفس أميل صديقي ناجي الذي اعتدنا التحدث عليه شخص قال لي بعد التحية ...
 جنابك يحيى؟
ــ فقلت له نعم.
بدأ يحدثني معرفا ً بنفسه قائلا ً :
" أنا نسيب ناجي كاظم أني شقيق زوجته " حفيظة " أني "سعيد " أتحدث معاك من بيت ناجي في كندا... وقبل أن أقول له تفضل ماذا تريد، أستمر هو مكملا ً حديثه قائلا ً :
" أنت أول شخص من أصدقائه وأقاربه وأهله  أنقل لك خبر محزن " صمت هو  لحظة ، ارتجفت أوصالي بخوف وشخصت عيناي على شاشة الكومبيوتر وراحت أذناي تسترق بحذر وقلق سماع الخبر المحزن، فيما راح شريط الذكريات ينفلت من بكرته بسرعة، أعرف أن الفقيد ناجي في الفترة الأخيرة من مرضه، كان المرض قد نال منه  فلقد  كان يعاني من انتكاسة حادة تدهورت حالته الصحية معها  بشكل سريع وخطير جدا ًوأصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت.
جاءني  الخبر بعد تلك  اللحظة سريعاَ  مرعباً كصوت الرعد . قال : أنقل إليك خبر وفاة صديقك ناجي، لقد توفي صديقكم  ناجي هذا اليوم .
بعد سماعي الخبر بلحظات أتصلت هاتفيا ً بصديقي صلاح  مهدي إبراهيم الذي كان ساعتها في زيارة لمدينة العزيزية ، لغرض أخبار أهله وأصدقاءه، بهذا الخبر الأليم وفاة العزيز ناجي، فحال سماعهم الخبر أقاموا له أهله وعائلته يتقدمهم أشقاءه وولديه حيدر وفراس وأصدقاءه ومحبيه، في مدينة العزيزية "مجلس عزاء " في جامع العزيزية لمدة ثلاثة أيام.   
مسكين أنت  يا صديقي الحبيب ناجي، فلقد غادرتنا وفي قلبك غصة كبيرة لأحلام وأمنيات كثيرة حرمت منها، لقد طوى الموت أحلامك وأمانيك بسرعة وبشكل مفاجئ.
رحل عنا ناجي عن عمر ناهز58 عاما ً قضاه بين ظلم واضطهاد وجور سلطة البعث،ومتغرب يحن وينوح على وطنه وأهله ، لقد بكيت خبر وفاتك بلوعة وحرارة، وهل لي غير ذرف الدموع شيئا ً ألوذ واستكين له، لمن أشتكي والأخبار تتواتر من سيئ إلى أسوء،يكاد لا يمر يوم  إلا وخبر أليم حزين يحل عبر الأثير ثقيلا ً مفروضا ً علينا.
رحلَ ناجي عنا والذي نجا من البعث لكنه لم ينج ُ من مرضٍ أورثه له البعث .
يحيى غازي الأميري
كتبت في كانون الأول 2008
هوامش وتعاريف ضرورية مكملة لمقالنا 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لقد سبق لام ناجي أن فقدت ولدها الأصغر من ناجي في تسعينيات القرن الماضي الفقيد (عبد الكريم كاظم ذياب )وترك  خلفه زوجة وأولاد.
(1) مدينة العزيزية: قضاء العزيزية التابع إلى محافظة واسط جنوب العاصمة بغداد بحوالي 88 كم، تقع على نهر دجلة.

(2) الرستة : ملابس دينية بيضاء يجب ان يرتديها الصابئي المندائي قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني.

(3) الشكندة : وهو الشخص الحلالي الشاهد على صحة أجراء مراسيم الذباحة، بشكل سليم وفق الشريعة المندائية وطقوسها إذ لا يمكن إجراء عملية الذبح وفق الشريعة المندائية  بدونه، ويتوجب على الحلالي أو رجل الدين الذي يقوم بعملية الذبح أن يرتدي الملابس الدينية المندائية (الرستة )،ويقوم بعملية الرشامة ( الوضوء ) التطهر بالماء الجاري قبل الذبح ،ويطهر معها  السكين وقطعة من الخشب تمسك مع مقبض السكين أثناء عملية الذبح، ويجب أن ينظف الطير أو الحيوان جيدا ً ثم يطمش ، ويجب أن يكون سليما ًصحيا ًوغير ناقص أو مشوه، وبعدها يتم الذبح وترافق العملية قراءة بوثة خاصة بالذبح على كل طير أو حيوان تجرى له عملية النحر ، ويكون الشخص الذي يقوم بعملية الذبح باتجاه القبلة المندائية والتي هي صوب الشمال، ويكون رأس الطير أو الحيوان عند النحر متجها ًنحو جهة الشرق .

ويجب ان تكون السكين حادة جدا ً،فيما يقف الشكندة خلف ظهر الحلالي الذي يقوم بعملية الذبح ملامسا ًبكف يده اليمنى كتف الحلالي ويردد كلمة مندائية ( أنا سهدخ ) بمعنى أنا شاهد على أجراء عملية الذبح ، بعدها يقوم الشخص الذي أتم عملية الذبح بالذهاب إلى النهر أو أي ماء جاري (الحنفية ) إجراء عملية التهليل من خطيئة الذبح، بقراءة دعاء استغفار، طالبا ً فيه من الحي العظيم رب العزة والجلال أن يغفر له هذه الخطيئة، وأنه ذبح الطير أو الحيوان هذا لحاجته للغذاء ، وترجمة دعاء استغفار التهليل من الخطيئة للغة  العربية كما وردت في كتاب الصابئة المندائيون ط2 ص354 ما نصه ( بسم الحي العظيم وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ،ذبحت بالحديد وغسلت بالماء الجاري أنا الخاطيء، والهي الغافر، اغفر لي خطاياي وحوباتي واغلاطي وذنوبي، ومساوئي، أنا ( الاسم الديني ) أسم الحي وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ .)

ملاحظة ( لكل فرد مندائي اسم ديني يختلف عن اسمه المتعارف عليه  ويكون باسم الأم وليس باسم الأب فمثلا ً اسم والدي رحمه الله " سام بر أنهر " لكن في اللغة العربية  اسمه غازي رمضان .)







144
إلى الكاتب مهدي قاسم مع التحية ، حول مقالتكم هل بقي شيء من عراقيتنا لنفتخر به ؟

يحيى غازي الأميري

منذ زمن والمجتمع العراقي يمر بأزمات وفواجع كبيرة وكثيرة ،لم تزل مستمرة تضرب به بكل عنفها وقواتها ، وقد أثرت فيه بشكل واضح وجلي وعلى كافة الأصعدة والأوضاع (الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية .... ) و التي قد أدت إلى تقهقر العراق بخطوات متسارعة مستمرة  إلى الخراب والدمار الذي يعتصر الأفئدة ويدميها .

وتشير كل البيانات والمقالات والتقارير إلى أضرار جسيمة وكبيرة  ومؤلمة أصابت الكيانات العراقية الأصيلة الصغيرة ، وأوجعت فيها ، وكان أخرها إلغاء المادة 50 وما تلاه من هجوم بربري على الأخوة العراقيين الأصلاء أحبتنا  المسيحيين في الموصل ، المحزن والمبكي أن ذلك يحدث على مسمع ومرأى الأمم المتحدة والبرلمان العراقي  ومعه الحكومة العراقية  المنتخبة و تحت سيطرة قوات  أمريكية وبريطانية وقوات متعددة الجنسية  احتلت العراق ولم تزل تديره بقرارات دولية !
لقد وردتني مجموعة من المكالمات الهاتفية بعد عرض برنامج في القناة الفضائية  العربية حول الصابئة ومعه لقاء بفضيلة رئيس ( الطائفة ) الكنزبرا ستار جبار حلو ـ لا أفضل كتابة أسم " طائفة " عن الصابئة المندائيين ـ والذي ألصق بقوة بنا .
للأسف الشديد لم أتمكن من مشاهدة البرنامج لكني من خلال ما سمعت من أصدقائي أنه كان لقاء مؤثر ومؤلم  لعرض شيء  وليس كل  شيء عن مأساة الصابئة المندائيين وما أصابهم من ظلم ضيم  ورعب واضطهاد .
وقد قرأت اليوم مقالة بقلم الكاتب المبدع والجريء (جدا ) الأستاذ مهدي قاسم ويظهر  من مقالته الموسومة(هل بقي شيء من عراقيتنا لنفتخر به ؟  انه قد شاهد البرنامج  وتأثر به و هو ما يؤكد تطابق وجهة نظر أصدقائي من الذين هاتفوني بعد مشاهدتهم البرنامج.

مقالة الأستاذ مهدي قاسم منشورة في موقع صوت العراق على الربط أدناه

http://www.sotaliraq.com/articlesiraq.php?id=25082


أتمنى من الأخوة ( المندائيين ) الذين يتمكنون من تسجيل البرنامج توزيع نسخ منه إلى الجمعيات والمؤسسات والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات ،لتكون مضاف جديد للوثائق الإعلامية  الدامغة عن ما يجري في العراق وما أصاب الكيانات الأصيلة الصغيرة فيه ومن ضمنها الصابئة المندائيين.

تحياتي للجميع وللأستاذ الكاتب التقدمي مهدي قاسم .



145
بيان ادانة وستنكار وستهجان
لعمليات التهجير المرعبة للأخوة المسيحيين في الموصل

 
يتابع العراقيون النجباء في مختلف أرجاء المعمورة ، بقلق وألم ما تتعرض له المكونات الأصيلة بعراقيتها والصغيرة بعددها والكبيرة بتضحياتها وحبها لبلدها وشعبها  من اضطهاد وتمييز وتهجير وقتل وسلب وتخويف وترهيب في ظل فلتان آمني مرعب ، جاءت به قرارات الأمم المتحدة،  لتعطي الضوء الأخضر إلى أمريكا وحلفائها باحتلال العراق تحت ذرائع و أسباب مهدت لها منذ زمن ، وملابسات وخلط للأوراق تبرر الاحتلال والاستعمار والتبعية ، لقد نجحت طريقة خلط للأوراق حتى أصبح من الصعب فرزها وتحديد نواياها وأهدافها ومراميها  بعد ان تم شراء آلاف من الذمم، أنها إحدى الطرق والأساليب  الكثيرة التي تستخدم للهيمنة والتسلط على مقدرات الشعوب والأمم !
 هاهي الحملة المسعورة الجديدة تستهدف الأخوة المسيحيين في وضح النار ، فيما تتبادل الاتهامات لهذا الطرف أو ذاك أنها لعبة خلط الوراق ،من اجل تمرير الأهداف المرسومة منذ زمن بعيد بعناية ودقة !
 نطالب الحكومة العراقية والأمم المتحدة وكافة القوى الدولية لوقف هذه الهجمة البربرية ، وتحديد الجناة وتقديمهم للمحكمة لينالوا جزائهم العادل .
نثمن الموقف المبدئي المشرف لبيان استنكار واستهجان رئاسة طائفة الصابئة المندائيين لما يتعرض له الأخوة المسيحيين في الموصل من حملة مرعبة دنيئة قذرة الأهداف وبعيدة عن أبسط  القيم الإنسانية والوطنية والدينية .
   
البرنامج المندائي 


146
من خزين الذاكرة .. أبي يهدينا  بفرح غامر كتاباً مندائياً

" يا أيها المختارون تدرعوا بأسلحة غير مصنوعة من حديد أو فولاذ، لتكن أسلحتكم  الناصورائية المعرفة ووصايا
مقام النور الطاهرة
" ( الكنزا ربا ،الكتاب المقدس للصابئة المندائيين) *



بقلم  يحيى غازي الأميري

كنا نسكن في مدينة العزيزية/ لواء الكوت 1 ، والدي يمتلك محلاً للصياغة في المدينة يزاول فيه إحدى مهن الصابئة الشهيرة والضاربة في القدم والتي عرفوا واشتهروا بها ( الصياغة )  يبيع ويشتري في محله المصوغات الذهبية والفضية بالإضافة لتصنيعها وتصليحها، بين فترة وأخرى، تعّود يذهب والدي إلى العاصمة ( بغداد ) فهي مركز العراق التجاري، للتبضع  من إحدى الأسواق التجارية لسوق الجملة للصاغة ، هناك يشتري ما يحتاجه ويعوض أو يوصي على عمل ما نفذ من بضاعته أو ما أوصاه به زبائنه ويتزود بمتطلبات السوق من البضاعة الجديدة أو التي لم يتمكن من صياغتها في محله، ويبيع ما فاض عن حاجته من الذهب أو الفضة، في يوم من إحدى مساءات عام 1970 ،عاد أبى بعد رحلة تبضع فيها من سوق الصاغة ( خان الشابندر ) المجاور لسوق السراي، أحد أهم أسواق الصاغة الرئيسية في بغداد، والذي يعد من أكثر الأسواق التي يتردد عليها الصاغة من مختلف أنحاء العراق لعراقة السوق ولكونه يحتوي مختلف البضائع (الموديلات أو التصاميم )  التي تلائم طبيعة احتياجات مدنهم التي يعملون فيها، وخصوصا ً الموديلات التي تلائم المناطق الريفية العراقية  فهو متخصص ويزخر بها ، ففيه أنواع متعددة من المصوغات الذهبية والفضية  كالمحابس والقلائد والأساور والتراجي .... الخ  .
 
عاد والدي من سفرته التبضعية تلك، وعند دخوله البيت كانت ابتسامة كبيرة مرتسمة على وجهه، تعبر عن فرح واضح، بعد التحية، وقف وسط الهول ـ عبارة عن فسحة واسعة كما صالة الاستقبال ـ و اخبرنا أنه يحمل معه هذه المرة هدية ثمينة سوف يفرح الجميع فيها ؛ أشار بيده إلى الكيس الذي يحمله، كان يتأبط تحت عباءته الرجالية كيس ورقي يغلف بداخله شيء ما، استلقى بهدوء على الأريكة،  فيما هو يتناول قدح ماء قدم إليه، بسرعة ألتف من كان بالبيت حوله، مطالبينه بالإفصاح سريعا عما بداخل الكيس ولكثرة إلحاحنا أخرج سريعا ما ضمه الكيس، كان كتابا ً سميكا ً كبيرا ً بعض الشيء  بلون اخضر فاتح( فستقي )،عرض الكتاب بين يديه بان أسم الكتاب الآن واضحا ً(الصابئة المندائيون )2 !
امتدت الأيادي لأخذ الكتاب وتصفحه، سحب والدي الكتاب وضمه لصدره، وبدأ يحدثنا عنه ((قبل فترة  زمنية صدر هذا الكتاب للسوق ،العديد من الصاغة" الصابئة " تطوع  لتوزيع "بيع " الكتاب في محلاتهم،بيعه على  المندائيين طبعا ً، هذا أول كتاب يتحدث عن الصابئة باللغة العربية كتبته الإنكليزية (الليدي دراوور ) وشارك بإصداره اثنان  من رجال الصابئة. ))
 وبدأ والدي يحكي لنا عن طيّبي الذكر ( نعيم بدوي وغضبان رومي ) مترجمي الكتاب وكاتبي مقدمته، لمعرفته
الشخصية بهم ، فوالدي رحمه الله في عمر مقارب لهم  فهو من مواليد العمارة/ الكحلاء ( 1907 ـ ت 1987م) ـ تاريخ ميلاده كما مدون في شهادة الميلاد أو هوية الأحوال المدنية  ـ جميعهم ولادة وأبناء منطقة واحدة ( لواء العمارة ) ونزحوا إلى بغداد 3 من وقت مبكر.

 
             
                                نعيم بدوي وغضبان رومي رحمهم الله

وتحدث لنا عن مؤلفة الكتاب المستشرقة الإنكليزية الباحثة الفذة ( الليدي دراوور) والتي ذاع صيتها فأصبحت من الشخصيات المشهورة والمعروفة في الوسط المندائي، يعرفها القاصي والداني من الصابئة، والتي تركت ذكريات كثيرة في نفوس المندائيين خلال فترة تقصيها وبحثها ودراستها لأحوال وعادات وطقوس وشعائر المندائيين.
 
لم نمهله طويلا ً أن يحتفظ بالكتاب، تناولت الأيادي الكتاب لتصفحه، فصول كثيرة في الكتاب لم يتم فتحها،كانت الأوراق متلاصقة بسبب عدم فتحها بشكل صحيح من المطبعة ، جلبنا عدة أدوات كالمسطرة والسكين تعيننا على فتح صفحات الكتاب دون ان تسبب لصفحات الكتاب الضرر أو التلف، قلبنا مجتمعين أهم عناوين وفصول الكتاب، بعد ساعات من التصفح والقراءة، تصفحنا خلالها مجتمعين أهم عناوين وفصول الكتاب، كل منا  تحفز وتحدث عن الفصل الأهم من وجهة نظره، فقد كانت فعلا ً فرحة كبيرة وغامرة قد سادت جو البيت،  قد يستغرب الآن من يقرأ ما دونته بقصتي هذه، عن فرحة غامرة وهدية ثمينة  وو ... ، لنرى معا ًحتى نهاية الحكاية هل يستحق هذا الكتاب هذه الأهمية والفرحة ؟

في تلك الفترة كانت المكتبة العراقية (العربية ) تفتقر بشكل كبير إلى الكتب  العربية الحديثة المهتمة" المتخصصة " بدراسة الديانة المندائية، كان عندنا في البيت كتاب واحد فقط مختص بالديانة المندائية باللغة العربية، وكتيب أو نشرة مندائية ،وبعض مقالات نشرت في مجلات عراقية وعربية تتحدث عن الصابئة المندائيين، الكتاب كان من تأليف المرحوم المؤرخ العراقي ( عبد الرزاق الحسني )4 صدر الكتاب عام 1931 الموسوم (الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) وكان يعد الكتاب في ذلك الوقت من اشهر الكتب الحديثة الموجودة والمتوفرة في السوق والمكتبات الرسمية والحكومية في العراق والعديد من الدول العربية التي تبحث في الديانة المندائية.
 
لكن العديد من أبناء الصابئة المندائيين لا يرغبون في اقتناء الكتاب أو مطالعته ! فلديهم على الكتاب وكاتبه ملاحظات عديدة إذ سبب وأثار مشاكل و إشكالات كثيرة للصابئة منذ إصدار طبعته الأولى.

لكن كنا مضطرين لشراء هذا الكتاب فلم يكن في السوق كتاب غيره عن الصابئة المندائيين باللغة العربية بهذه المحتويات والتفاصيل،كذلك كان معظم الصابئة المندائيين لا يعرفون قراءة كتبهم المدونة باللغة المندائية وهي اللغة التي كتبت وحفظت بها كتبهم المقدسة، وكذلك لم تترجم هذه الكتب ( المندائية ) للغة العربية لأسباب عديدة، لست بصددها شرحها الآن.
 
لم تبرح الذاكرة المندائية قصة الطبعة الأولى لكتاب(الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) وموقف الصابئة المندائيين من الكاتب وكتابه وكيف اشتكته الطائفة المندائية إلى وزارة العدل / محكمة الجزاء بواسطة رئيسها الروحاني المرحوم الكنزفرا الشيخ (دخيل الشيخ عيدان ) (1881 ـ ت1964 ) وكسبت حكما ً بإدانته لما ورد في الكتاب من افتراءات ودس ومغالطات وكذلك ألزمته المحكمة بسحب الكتاب وتقديم اعتذار.


                     
   المرحوم المؤرخ عبد الرزاق الحسني          المرحوم الشيخ دخيل الشيخ عيدان

 لقد سمعت من والدي رحمه الله مرات عديدة وهو يصف تلك ( المحكمة ) وكيف أحتشد رجال الصابئة المندائيون داخل قاعة المحكمة وأمام بابها في يوم مرافعتها، فيما كانت تعتلي وجوههم سمات الغضب والحنق على ما سببه لهم الكتاب من تجريح وافتراء وإهانة، مساندين شيخهم الجليل ورئيسهم الروحاني بدعواه بكل قواهم وإمكانياتهم، يقول والدي:
 
 (كانت هنالك حشود كبيرة من المندائيين تقف أمام باب المحكمة منذ الصباح الباكر بعد أن غصت القاعة بهم )
 
 ويقول (كان زينا في تلك الفترة الزي العربي العقال واليشماغ الأحمر والعباءة الرجالة وما يميزنا عن الآخرين لحانا الطويلة المنسرحه على صدورنا)
 يصف حشودهم والدي بعبارة يكررها دائما عند ذكر الحدث ذاكرا ًالمثل العراقي( تذب الدخن يوكع على رؤوس الزلم)  أي عندما ترمي الدخن ـ نوع من البذور النباتية الصغيرة ـ يتساقط على رؤوس الناس المحتشدة لكثرة عددها ووقوفها كتلة واحدة .
أعيد طبع الكتاب بعد المحكمة بسنوات طبعة الثانية وتبعتها طبعات لاحقة عديدة جديدة  كل مرة بتنقيحات وإضافات جديدة، لكن بقي الكتاب يحمل في طياته كثيرا ًمن النواقص والمغالطات، حتى أنني اقتنيت في عام 2000 الطبعة التاسعة منه بالإضافة إلى طبعة أخرى قديمة ــ لم تسعفني الذاكرة بتذكر رقم طبعتها ــ كنت أحتفظ بها، قبل مغادرتي العراق.
 
لم تزل هذه القصة( مقاضاة  المرحوم عبد الرزاق الحسني ) يتناقلها الصابئة المندائيون في كل مناسبة إلى يومنا هذا! وكذلك تتناولها أقلام الباحثين5 والدارسين للتاريخ المندائي الحديث، ومن الطريف أن المؤرخ العراقي المرحوم ( عبد الرزاق الحسني ) بعد المحاكمة تلك ارتبط بعلاقة بالشيخ الجليل المرحوم الكنزفرا (دخيل الشيخ عيدان )  فيها نوع من الودية وذلك من خلال الرسائل المتبادلة والتي استشار فيها الشيخ الجليل المرحوم ( دخيل الشيخ عيدان ) عن العديد من الأمور المتعلقة بالمندائية.

 
نعود الآن إلى كتابنا الجديد ( الصابئة المندائيون ) تأليف (الليدي دراوور) يعد هذا الكتاب الذي جلبه والدي لنا كهدية كبيرة، وهو تغمره الفرحة  بصيده الثمين الجديد في ذلك المساء، فهو أول كتاب يصدر عن المندائية، باللغة العربية بأيادي مندائية، وتتصدر الكتاب مقدمة طويلة  توضيحية قيمة كتبت بقلم الأستاذين المرحومين ( نعيم بدوي وغضبان رومي ) وهم من الشخصيات التي كان ولم يزل لها  تقديرها واحترامها ومكانتها بين الصابئة المندائيين، ويحتوي فصول عن الطقوس والشعائر الدينية المندائية  التي نحتاجها بشكل ضروري جدا ً في الحياة  اليومية والمناسبات، ففيها فصل عن اللغة المندائية ومدون فيه ( البراخة والرشامة) أي (الوضوء والصلاة ) و(النخاسة ) أي النحر أو الذباحة باللغة المندائية وترجمتها إلى اللغة العربية وكذلك يحتوي على شروحات وتوضيحات وافية عن طقوس وشعائر الزواج والتعميد والأعياد والطراسة وطعام الغفران( اللوفاني ) ومراسيم تكفين ودفن الموتى،والملابس الدينية المندائية (الرستة ) **، ومواضيع مهمة عن تأريخهم وابرز معاناتهم، وأهم الكتب والكتاب الذين تناولوهم بالإضافة إلى العديد من الصور والرسومات التوضيحية أنه بحق كان هدية كبيرة وثمينة وضرورية للجميع!
 
 لقد عوضنا الكتاب عن أشياء عديدة كنا نجهلها بشكلها الدقيق عن ديننا وطقوسه وشعائره إذ كانت قد خالطتها بعض التشويهات سواء من النواقص أو الإضافات التي جاءت نتيجة النقل الشفاهي للتعليمات والمعلومات والموروثات  الدينية، أي إنها في معظم الأوقات كانت تأتينا عن طريق السماع المتكرر إذ كانت  تحكى وتشرح  في  مختلف المناسبات و اللقاءات المندائية  ، لقد شذب وصحح لنا الكتاب التفسيرات الخاطئة التي نحملها وزودنا بما احتواه بمعلومات جديدة ومفيدة كنا نجهل العديد منها  ونحتاجها في حياتنا العامة وخصوصا عندما نسأل عن ديننا وتفسير طقوسه وشعائره من عموم الناس في الشارع أو المدرسة أو العمل وهم يغمروننا بوابل أسئلتهم واستفساراتهم أينما نلتقي بهم بمجرد أنهم يعرفوا أننا تنتمي لديانة الصابئة المندائيين. بالرغم من أن والدي رحمه الله كان يحفظ معظم الشعائر والطقوس والفروض المندائية عن ظهر قلب وكان يؤديها بشكل يومي أو عندما تتطلب وتحين مناسباتها، وكذلك يحفظ على ظهر قلب مئات من الحكايات العامة  والقصص والحكايات المندائية،والتي كان يحكيها بأسلوب شيق جميل في طريقة سردها،يشد المستمع إليه، فهو يتمتع بقابلية جميلة بطريقة التحدث، لم يبخل أو يتوانى رحمه الله  لحظة واحدة من تعليمنا أيها وشرحها في كل مناسبة دينية التي تتعلق بكل حكاية أو عندما نطلب استفسار أو توضح منه. فوالدي ينحدر من أسرة مندائية جميع أفرادها ( حلالية )6 ملتزمة بشكل دقيق في أداء طقوسها وفروض دينها،

  
 
الصورة عام 1984في بغداد تضم والدي وأخويه ، من اليمين ( عودة ، خلف ، غازي رمضان الأميري ) رحمهم الله


بالمناسبة لقد عملت ( شكندة )7  أي شاهد لوالدي لفترة تزيد على ثمانية سنوات منذ كان عمري ثمانية سنوات تقريبا ً،وذلك عند أجراءه عملية ( النخاسة ) أي عند أجراء عملية  الذباحة( النحر ) للدواجن والأغنام ـ الذكور منها فقط ـ حسب الطريقة المندائية.

لقد كانت سعادة والدي كبيرة جدا ً لكون رجال الصابئة المندائيين وطليعتها المثقفة بدأت تهتم بدراسة دينها وإصدار كتب عنها، كان يؤكد لنا أن هذه المبادرة سوف تشجع العديد من المندائيين لإصدارات لاحقة، لقد كانت أسباب كثيرة وعديدة أبعدت مثقفي الصابئة المندائيين في تلك الفترة والزمنية عن التوجه للبحث والدراسة والترجمة لكتبهم الدينية  والطقسية لست بصدد إيرادها وشرحها الآن.
بعد فترة من اطلاعنا على الكتاب وما دون فيه كان أبي رحمه الله يقول لنا :( الآن يمكنكم أن ترشدوا من يسألكم عن الديانة المندائية أن يقرأ هذا الكتاب)
 لقد  كانت سعادة والدي اكثر منا وهو يرد على بعض ملاحظاتنا وابتسامة الظفر قد ارتسمت على وجهه وهو يقول أن ما في الكتاب سوف يساعدكم ويعينكم، بعد قراءتكم له، بفهم ديننا، والإجابة بشكل دقيق لمن يستفسر منكم عن ديننا.
 
أفادنا الكتاب بمعلوماته كثيرا ً إذ كان لنا معين ومرجع ممتاز نتناول العديد من فصوله وخصوصا في المناسبات التي تصادفنا والمدونة  فيه بشروحاتها وتوضيحاتها، وكان خير معين لنا توضيحات وشروحات والدي لها  بشكل عملي أحيانا ً لمحتويات العديد من فصول الكتاب، وخصوصا ً التي تتناول الجوانب الطقسية والشعائر الدينية، فتزيد من سرعة تقريب ما غمض علينا.

 
( أن أهمية كتاب الليدي دراوور تكمن في كونها اتصلت شخصيا وبصورة مباشرة بالصابئين في العراق وفي إيران،وقد استمرت هذه الصلة حوالي اربعة عشر عاما قضتها دراسة ومشاهدة بل وحتى ممارسة في بعض الأحيان لبعض المراسيم لإتقانها وتسجيلها تسجيلا دقيقا )8  ورغم ما صدر من كتب عديدة بعد ذلك الكتاب لكن كتاب (الصابئة المندائيون)  يبقى من الكتب المهمة والقيمة والضرورية للدارسين والباحثين والراغبين بالاطلاع عن الديانة المندائية. ففيه شروحات دقيقة جدا ً للعديد من الطقوس والشعائر الدينية المندائية، سجلت بعناية فائقة وعين ثاقبة من الباحثة الرائعة ( الليدي دراوور) رحمها الله ،وترجم وعلق عليه بدقة ودراية من قبل المترجمين( مقابلين بين ما ورد فيه وبين ما هو موجود فعلا لديهم موضحين ومصححين ومعلقين حسب ما تقره الحقيقة.) 9وقد جلبت معي من بغداد إلى مملكة السويد (بشق الأنفس ) أي بصعوبة بالغة مجموعة من الكتب المهتمة بالديانة المندائية وبضمنها، الطبعة الثانية من الكتاب انف الذكر والصادرة من مطبعة الديواني ببغداد عام 1987 والذي يقع بـ 397 صفحة من القطع الكبير . وقد صدرت حديثا ًطبعة جديدة ثالثة للكتاب من مؤسسة دار المدى.

 وبعد سنوات من صدور الكتاب ( الصابئة المندائيون )صدرت في اللغة العربية عشرات الكتب والدراسات والبحوث حول الديانة المندائية،كان لأبناء الصابئة المندائيين حصة كبيرة فيها رغم اعتمادهم على إمكانيتهم الذاتية دون دعم من أية جهة حكومية أو ثقافية عراقية أو عالمية ، وكذلك ترجمت العديد من الكتب المندائية للغة العربية بأيادي مندائية ، هكذا برزت كوكبة تلو كوكبة من أبناء الصابئة المندائيين بين أقلام تكتب ورجال تهتم بتنظيم الأمور الإدارية لهذه الشريحة الأصيلة في عراقيتها الرافدينية الضاربة بالقدم معتمدة على إمكانيتها الذاتية متسلحة بأيمانها بعقيدتها التوحيدية الإنسانية المسالمة السمحاء، فقد أقيمت وألقيت العديد من  الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والمهرجانات والتجمعات المهتمة بالمندائية كدين وطقوس وشعائر وكذلك لغرض تنظيم أمورها وتكيفها مع التطورات السريعة التي تمر بها، وقد أثمرت تلك الجهود  عن تشكيل مؤسسات دينية وإدارية مندائية في العراق وفي مختلف بقاء العالم ، واضعة نصب أعينها دفاعها عن هويتها الدينية المندائية وتراثها الثري الكبير من الاندثار والتلاشي، مؤمنة بالسلام والتعايش السلمي غير متعصبة في نهجها وتوجهاتها منفتحة محبة مضحية لشعبها بكل أطيافه ولبلدها العراق رغم ما لحق ويلحق بها لغاية كتابة هذه المقالة من ظلم وضيم وتمييز وغبن وتهميش.
لم تزل نسخة الكتاب تلك محفوظة بعناية في بيت والدي في مدينة العزيزية، رحم الله والدي وكل الناس الطيبين.

وللحديث صلة
 
السويد 
حزيران/2008

هوامش وتعاريف ضرورية مكملة لمقالنا 

(1)   مدينة العزيزية : قضاء العزيزية التابع إلى محافظة واسط جنوب العاصمة بغداد بحوالي 88 كم ،تقع على نهر دجلة، كانت محافظة واسط تسمى لواء الكوت وسميت بعدها بمحافظة واسط بعد أن  أبدلت تسمية الوحدات الإدارية من تسمية  لواء إلى محافظة. كانت مدينة العزيزية بتلك الفترة الزمنية ناحية و أصبحت عام 2000 قضاء، تتبع له الآن إداريا ً ناحية الحفرية وناحية الدبوني ( الخلفاء ). أقام ولم يزل يقيم في مدينة العزيزية العديد من العوائل المندائية ، لما تمتاز به المدينة من سمة الآلفة والمودة الاجتماعية، بالإضافة إلى ميزاتها الأخرى الكثيرة . وأول عائلة من الصابئة المندائيين سكنتها منذ  وقت مبكر من النصف الأول من القرن الماضي كانت عائلة المغفور له طيب الذكر( جبار شغى الناشيء) (أبو عايد) وكان يمتلك في المدينة محل للصياغة أيضا ً، والتي تربطنا مع عائلتهم علاقة صداقة حميمة لغاية اليوم .

 
(2)   كتاب( الصابئة المندائيون) القسم الأول ، من تأليف  المستشرقة الباحثة الإنكليزية (الليدي دراوور ) ( 1879 ـ ت 1972 ) ترجمه وكتب مقدمة طويلة قيمة له الأستاذان المرحومان نعيم بدوي(1911ـ ت 2002) وغضبان رومي(1905 ـ ت1989 ) صدرت الطبعة الأولى منه في بغداد عام 1969، علما ً أن أسم الكتاب الأصلي للباحثة " الليدي داوور "  كما ورد في صفحة (6) من مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب أنف الذكر ما نصه (الكتاب المترجم وعنوانه "المندائيون في العراق وإيران " في قسمين قمنا بترجمة القسم الأول منه وهو يعالج تاريخ الصابئين وتسميتهم وعاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم الدينية ولغتهم بالتفصيل . أما القسم الثاني منه وهو خاص ببعض الأساطير والقصص الدينية.) وللعلم ان كتاب المستشرقة الليدي دراورر "المندائيون في العراق وإيران " كان قد طبع عام 1937.

(3)   نزحوا إلى بغداد : لقد نزحت بوقت مبكر عشرات من العوائل المندائية من لواء العمارة إلى بغداد والى غيرها من مدن العراق الرئيسية في النصف الأول من القرن الماضي، بحثا ً عن فرص للعمل وحياة معيشية أفضل. لقد عمل والدي منذ صغره بالصياغة ، فمنذ بداية القرن الماضي وبسبب الظروف المعيشية القاسية التي كانوا يعيشونها  أخذ قسم من الصاغة يتنقلون في أماكن عملهم ،يجوبون المدن الكبيرة والأرياف  لغرض العمل ( عزاب بدون عوائلهم )، يقضون فترة في هذه المدينة أو تلك، ثم يرحلون عنها إلى مدينة ثانية، يحملون عدة عملهم اليدوية( العدد والمعدات اليدوية الخاصة بالصياغة ) حتى أن العديد منهم وصلوا في ترحالهم وعملهم إلى العديد من مدن الجارة إيران، ، يقضون موسم كامل أو اكثر في ترحالهم ثم يعودون إلى أهلهم ومدينتهم العمارة، وكانت دائما ًعودتهم تكون قبل حلول الأعياد الدينية المندائية وخصوصا ًعيد دهوا ربا( الكرصة ) أي عيد رأس السنة المندائية و كذلك عيد البرونايا (البنجة ) لتبدأ بعدها بأيام رحلتهم من جديد، قسم منهم استقر في بغداد من عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

حتى ان بعض من الصاغة ليس من لواء العمارة فقط ، امتدت رحلاتهم إلى بعض البلدان العربية والأوربية وأمريكا بعد أن برعوا في فن الصياغة ، وردت في مقالة جميلة  بالموقع الشخصي الأستاذ ثائر صالح عايش على شبكة الإنترنت  بعنوان( الصائغ صالح عايش 1880-1952) يتحدث المقال عن حياة هذا الصائغ الفنان المبدع ، ويتناول في مقاله من سافروا منهم للبلدان الأوربية من الذين أجادوا و أبدعوا في فن الصياغة  ومنم ( صالح عايش وعباس عمارة و أسمر هرمز ملا خضر ويعرف باسم ( زهرون )و جاني سهر ونوري خنجر وسبع فياض وشوكت غالب  ) لهم الرحمة والذكر الطيب جميعا ً.

وقد اطلعت  في بغداد عام 1997على كتاب ضخم ،الموسوم  (دليل العراق الرسمي لعام 1936 ) ووجدت فيه العديد من أسماء أصحاب محلات الصياغة في بغداد من الأقارب والأعمام والمعارف من العمارة وقد علق بعض  من تلك الأسماء   بذاكرتي ــ أتمنى أن لا تخونني الذاكرة الآن وأنا أدون أسمائهم ــ ومنهم  أعمامي ( عودة أرميض الأميري1900ـ ت 2001) و (ناهي جبر الأميري 1900ــ ت 1972) وجاسم الشاوي ( أبو نصرت ) والصائغ الشهير الشيخ عنيسي الفياض وغيرهم، ومعذرة من عدم ذكر أسماء العديد من الصاغة الآخرين ( لهم جميعا ًالدعاء بالرحمة والذكر الطيب ).
وتشير الباحثة الإنكليزية  ( الليدي دراوور ) إلى وجود الصابئة في بغداد وبقية المدن العراقية  وهم يمارسون مهنة الصياغة  في كتابها الموسوم ( في بلاد الرافدين ) والذي دونت أحداثه منذ سنة1919 والصادر عام 1923 وترجمه للعربية المرحوم الأستاذ ( فؤاد جميل )عام 1961 ففي صفحة 227 تقول ( وعلى جانب الدكان ( لافتة ) سوداء كتب عليها ما ترجمته للعربية ( من أتباع يوحنا المعمدان ) صائغ الفضة العماري ، وعلى مقربة منه دكاكين أخرى، عليهم سيماء الجد ومظاهر الوسامة، وهناك طائفة من هذه الدكاكين في كل مدينة من مدن العراق تقريبا ً، والقليل من يرحل من البلاد و لا يصطحب معه نماذج من مصاغات الفضة والتي صنعها أبناء هذه الطائفة الغريبة ) . 


(4)    المؤرخ عبد الرزاق الحسني : (1903ــ1997) مؤرخ عراقي مشهور له العديد من المؤلفات وأشهرها كتاب تأريخ الوزارات العراقية ،لكونه يعد من أهم المصادر لتأريخ العراق الحديث ،وله مؤلفات عديدة ومنها : الأسرار الخفية في حركة سنة 1941 التحررية ، كتاب بغداد ، رحلة في العراق ، العراق قديما ً وحديثا ً، أحداث عاصرتها ، تاريخ العراق السياسي الحديث ،البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم، اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، الصابئون في حاضرهم وماضيهم وغيرها العديد من المؤلفات.
وبالإضافة لما نشره من دس وافتراءات على الديانة المندائية في كتابه (الصابئون في حاضرهم وماضيهم ) فقد أطلعني في عام 1996 صديقي العزيز (حسني مبارك مال الله) ـ كان محله مجاور لمحلي في سوق الصاغة في خان الشابندر ببغداد  ـ على مقالة طويلة كتبها المؤرخ المرحوم عبد الرزاق الحسني  عام 1932في مجلة ( الهلال ) المصرية وقد  عجبت اشد العجب، عند قراءتي لها لما تحتويه تلك المقالة  من تلفيقات مدسوسة وغير صحيحة، وكلما أقرأ كتابا ً من كتبه الأخرى يتملكني العجب والحيرة .. فالرجل رحمه الله يكتب على ضوء الوثائق والوقائع فلماذا كتب عن الصابئة كل هذه الافتراءات (بدون وثائق ووقائع ) من بداية عنوان المقالة تشويه وافتراء على الديانة المندائية ومعتنقيها عنوانها (عبدة الكواكب والنجوم لازالوا يعيشون في العراق ) ؟

(5) وعن تلك المحكمة وكتابات المؤرخ المرحوم عبد الرزاق الحسني حول الصابئة سوف أستشهد بمقطع مما كتبه الباحث  الدكتور (رشيد الخيُّون ) في مقالته الموسومة( المندائيون في الذاكرة الإسلامية ) والمنشورة في موقع اتحاد الجمعيات في المهجر ، وأدناه نص المقطع :
( خرق الشيخ دخّيل صمت المندائيين عن تجاوزات الآخرين فيما يخص الشأن الديني، يوم تقدم لمقاضاة المؤرخ عبد الرزاق الحسني بسبب ما جاء في كتابه "الصابئون في ماضيهم وحاضرهم".  ففي (11 كانون الثاني  من عام 1931م)، فتح الشيخ كتاب "الكنزا ربا" وقرأ أمام هيئة المحكمة ببغداد، باللسان المندائي (الآرامي الشرقي) وكان الأب انستاس الكرملي يترجم إلى العربية، وقد اقتنعت المحكمة أن المندائيين ليسوا عبدة كواكب ونجوم بل يعبدون الحي الأزلي، قرأ الشيخ بوثات (آيات) من الكتاب الأول، تسبيح التوحيد. تحقق ذلك بتعاطف من قبل متصرف بغداد آنذاك الأستاذ أمين الخالص والحاكم الأول لمحكمة الجزاء شهاب الدين الكيلاني مع قضية المندائيين.
وحصل أن اعتذر الحسني من الشيخ ووعده أن لا يعيد نشر الكتاب إلا بعد أخذ ملاحظات وتوصيات الشيخ، لكنه طبعه عدة طبعات، وحتى السبعينيات كتب في مجلة "التراث الشعبي" مقالاً بعنوان "إذا مات الصَّبي "( [4])، واضعاً فيه ما يدور بين العامة حول المندائيين، من أنهم يخنقون المحتضر، بينما الصحيح هم يلبسونه الثياب الدينية وهي الرسته، ويطهرون بدنه قبل الوفاة، والعامة التي لم تكشف لها طقوس الدين المندائي لم تحسب حساب خطورة اعتقادها بمواطنيها المندائيين، فما اشاعته عنهم هو القتل بعينه، والسؤال إذا كان المندائيون يقتلون أو يخنقون المحتضر فكيف لا يتعرضون للعقوبة الجنائية، وكيف جرى المؤرخ الحسني خلف هذا الادعاء الباطل؟ ومعلوم أن قتل الرحمة لم يجز إلا في بعض الدول الأوروبية وبعد نقاشات وصراعات حامية في البرلمانات، وهذا لا يجاز إلا بطلب المريض الشخصي، وفي حالة معاناته من قسوة الألم مع اليأس التام من شفائه، فأين ومتى مارسه المندائيون، وهم كما أسلفنا يعتذرون عن ذبح الحيوان والطير!)

وقد قرأت بتاريخ 11 /11 /2007 بموقع الياهو كروب المندائي مقالة، بقلم المهندس ( رياض الشيخ دخيل ) أحد أبناء الشيخ دخيل عيدان تحوي المقالة على  معلومات قيمة عن تلك القضية ( مقاضاة عبد الرزاق الحسني ) على ضوء ما دونه المرحوم والده في مذكراته وأوراقه.
6) الحلالية  : (مفردها " الحلالي " وهو شخص من عامة الصابئين طاهر طقسيا ًومؤهل لحمل جثمان الميت وإجراء مراسيم الذبح والقيام بوظيفة المساعد ( شكنده ) ويمكن أن يحل محل " رجل الدين " الأصغر  الترميذه في عقد الزواج إذا لم يتيسر وجود العدد الكافي من رجال الدين .) المصدر كتاب الصابئة المندائيون ط2 هامش الصفحة 78. علما ً لقد كتبت في التعريف أعلاه كلمة "رجال الدين" بدل من كاهن كما وردت في الكتاب أصلا ً لكونها أكثر دقة حسب اعتقادنا.

(7) الشكندة : وهو الشخص الحلالي الشاهد على صحة أجراء مراسيم الذباحة، بشكل سليم وفق الشريعة المندائية وطقوسها إذ لا يمكن إجراء عملية الذبح بدونه، ويتوجب على الحلالي أو رجل الدين الذي يقوم بعملية الذبح أن يرتدي الملابس الدينية المندائية (الرستة )،ويقوم بعملية الرشامة ( الوضوء ) التطهر بالماء الجاري قبل الذبح ،ويطهر معها  السكين وقطعة من الخشب تمسك مع مقبض السكين أثناء عملية الذبح، ويجب أن ينظف الطير أو الحيوان جيدا ً ثم يطمش ، ويجب أن يكون سليما ًصحيا ًوغير ناقص أو مشوه، وبعدها يتم الذبح وترافق العملية قراءة بوثة خاصة بالذبح على كل طير أو حيوان تجرى له عملية النحر ، ويكون الشخص الذي يقوم بعملية الذبح باتجاه القبلة المندائية والتي هي صوب الشمال، ويكون رأس الطير أو الحيوان عند النحر متجها ًنحو جهة الشرق .

     ويجب ان تكون السكين حادة جدا ً،فيما يقف الشكندة خلف ظهر الحلالي الذي يقوم بعملية الذبح ملامسا ًبكف يده اليمنى كتف الحلالي ويردد كلمة مندائية ( أنا سهدخ ) بمعنى أنا شاهد على أجراء عملية الذبح ، بعدها يقوم الشخص الذي أتم عملية الذبح بالذهاب إلى النهر أو أي ماء جاري (الحنفية ) إجراء عملية التهليل من خطيئة الذبح، بقراءة دعاء استغفار، طالبا ً فيه من الحي العظيم رب العزة والجلال أن يغفر له هذه الخطيئة ، وأنه ذبح الطير أو الحيوان هذا لحاجته للغذاء ، وترجمة دعاء استغفار التهليل من الخطيئة للغة  العربية كما وردت في كتاب الصابئة المندائيون ط2 ص354 ما نصه ( بسم الحي العظيم وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ،ذبحت بالحديد وغسلت بالماء الجاري أنا الخاطيء، والهي الغافر، اغفر لي خطاياي وحوباتي واغلاطي وذنوبي، ومساوئي، أنا ( الاسم الديني ) أسم الحي وأسم مندا ادهي منطوقان عليّ .)     

 
(8) المصدر كتاب الصابئة المندائيون، ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي   ط2 ص 7
(9) المصدر السابق ط 2 ص 6
  البوثة( الآية ) 1/1/الفقرة 177 في كتاب الكنزا ربا ،الترجمة العربية للأستاذ كارلوس كلبرت ؛ كما وردت في كتاب (الدين الأول )أو مدخل للدين المندائي  للدكتور الترميذا عصام خلف الزهيري  ص9 .
 و الكنزا ربا ، هو كتاب ( الكنزا )، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد ألا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في  كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي
** الرستة : ملابس دينية بيضاء يجب ان يرتديها الصابئي المندائي قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني. وورد تعريفها في كتاب من تأليف الترميذا الدكتور عصام خلف الزهيري ،الموسوم ( الدين الأول )أو مدخل إلى الدين المندائي، والصادر في سنة 2007 في الجزء الأول الصفحة 52  ما نصه : (( الرستة :والكلمة تعني "رداء الحق ".هو الرداء الديني الذي يستعمله المندائيين في جميع الفعاليات الدينية . إن كلمة الرستة تعني الرداء النوراني الذي بدونه لا يجوز للمندائي الدخول لعالم النور بعد الوفاة. يكون قماش الرستة من القطن 89 النقي (الخالص ) الأبيض وهناك نصوص 90 عديدة حول هذا الموضوع .
كان هذا الرداء هو الرسمي في الماضي،بمعنى إن المندائي كان يلبسه في جميع الأوقات. إن الرستة (وطريقة خياطتها وطريقة لبسها )مهمة للغاية طبقا ً للمفاهيم المندائية ))


147
المنبر الحر / الأحلام المحترقة
« في: 15:00 06/06/2008  »
الأحلام المحترقة

يحيى غازي الأميري


بعد ان أنهى خدمته العسكرية الإلزامية والتي امتدت  قرابة من عشر سنوات ، مشاركا ً بالحروب المدمرة  التي خاضها بلده، رغم أنفه ، ليتلقفه بعدها حصار اقتصادي ثقافي اجتماعي سياسي ، لا تقل وطأته وقسوته ومدته  من سنوات الحروب الماضية.

أنه في الأربعين من عمره ، أباه وأمه يلحان عليه بالزواج ، فهو أبنهم الوحيد المتبقي إذ قتل أو فقد  أخاه الأكبر في إحدى سنوات الحرب ، لم يعثروا على جثته ، لكن السلطات أخبرتهم انه شهيد في إحدى ساحات القتال!

عام  2000 رتب حاله ورمم الدار وتزوج ،عمره أربعون عاما ً، يعمل عامل بناء، مهنة شاقة وتتطلب منه قوة بدنية ،  لم يكمل دراسته ، يعيش مع أهله في بيت متواضع بغرفتين في مدينة مهملة بائسة مكتظة  بالبناء والسكان.
 
يرزق بطفلين الأول بنت والأخر ولد، الولد يشبهه كثرا ً ، ولادة الطفل الثاني زادت من متاعبه وهمومه ، جاء الطفل إلى الدنيا وهو عليل، لف فيه الأطباء والمستشفيات ، أمل ضعيف في شفاءه ، نصحه الأطباء بعد كثرة مراجعات وتوسلات بان ابنه الصغير، لا يوجد له علاج يشفيه من مرضه في الوطن، لكن يمكن معالجته في خارج العراق.

  من أين له المال ؟ كيف يجمعه ؟ كم يحتاج من المال للسفر والعلاج ؟ أصبح هذا الهم الجديد شغله واخذ كل تفكيره .

  2003سقط النظام ، في قمة الفوضى التي تجتاح البلد و بعد السقوط بشهر،  توفي والده " الجد " وهو بعمر 68 عاما ً بعد أن أعياه المرض.
زاد من ساعات عمله كي يحاول أن يجمع مبلغ من المال يعالج به طفله ، زوجته قررت أن تعمل كي تساعده و تجمع معه المال  فتحت من بيتها باب أخرى على الشارع تبيع منها الخضار. الجدة رغم كبر سنها تحاول مساعدتهم في رعاية الأطفال والطبخ .
الرجل لا يهدأ يعمل ويجمع التقارير ويحاول إنجاز معاملات السفر ويتصل بالمنظمات الإنسانية والطبية ،فقد اصبح عددها كثير جدا ًبعد سقوط النظام ،علها تعينه في بلواه ، لكن دون جدوى ، لكنه لم يفقد الأمل.

بعد مراجعات  مضنية قاربت السنة تمكن من الحصول على جواز السفر الجديد، له ولطفله العليل ، إحدى المنظمات تكفلت بتزويده بمجموعة من التقارير الطبية، ووعدته بمساعدته  بعلاج طفله خارج القطر، لكن يتطلب الأمر ان يكون في الدور" السرة " فقبله مجاميع كثيرة تشبه حالة ابنه قد راجعت وتنتظر دورها . طلبوا منه أن يعطيهم رقم هاتفه، أعطاهم رقم هاتفه النقال" الموبايل"، أخبروه أنهم سوف يتصلوا به عندما يحين موعده !

2008 لم يزل البلد يغلي والاضطرابات تزداد ، المعاناة والمشاكل والفوضى تعم البلد ، هموم على هموم ، أعلن الإنذار في المدينة ، المدينة محاصرة ، أصوات المدفعية وأزيز الرصاص يسمع ليل نهار، قصف عشوائي، وقتل عشوائي، الطيران يجوب السماء قصف على الدور التي جنبهم، أمس سقط خمسة ضحايا من شارعهم.
 
ثلاثة مصابيح نفطية موزعة في البيت ، تبدد عتمة الظلام والرعب ، يجلسون مذعورين حول طباخ نفطي صغير، رن الهاتف النقال ألتقط التلفون،  المكالمة من قريب له  في طرف المدينة الأخر ، يخبره أن حريق هائل يضرب الأسواق والمخازن قرب منطقتهم ، فيما هو يهاتف  قريبه، صوت انفجار مدوي  يقتلع الأبواب والشبابيك، تتهاوى أجزاء من البيت، تعيق الحركة ، يحاول عبثا ً إنقاذ  زوجته وأمه  بعد ان تمكن من إنقاذ طفليه، حريق ينشب في الدار، تجمهرت الناس أخرجوا  زوجته وهي تصرخ بهستريا أثار، الحروق على وجهها ، رويدا ً رويدا ً خفت صوت  استغاثة و توسلات أمه وهي تصرخ لنجدتها ، تلاشى صوتها الخارج من تحت ركام الغرفة المتهاوية المحترقة، بعد ساعتان من محاولات نجدتها ، أخرجت من تحت الأنقاض جثة هامدة  تشوهها الحروق، يقف كالمذهول ، كأنه يعيش في عالم أخر، عيناه تذرف الدموع ، لا يجيب الناس عن استفساراتها وأسئلتها الكثيرة ، لكنه لا ينقطع من الحديث مع نفسه، بصوت مسموع ، وهو يردد نفس العبارات  " احترق البيت ، أحترق  كل ما في البيت حتى المال الذي جمعته ، جوازات السفر الأوراق الثبوتية ،التقارير، أمي !"




السويد في نيسان 2008





148
تعزية ومواساة واستنكار

 

تلقى أبناء طائفة الصابئة المندائيين في مدينة مالمو /السويدية خبر سقوط صاروخ غادر على عائلة مندائية " متكونة من عائلتين مندائيتين  تسكن في بيت واحد " في مركز مدينة الكوت" اثر الانفلات الأمني والمعارك الدائرة في وسط وجنوب العراق "  والذي راح ضحيته لغاية الساعة مقتل  "10 " ضحايا أبرياء أغلبهم من النساء والأطفال في يوم 26 آذار 2008 .

 باسم الجمعية الثقافية المندائية في مالمو وباسم الهيئة الاستشارية للصابئة المندائين في مالمو،  نبعث بتعازينا ومواساتنا إلى أهل وأقرباء الضحايا الأبرياء والى كل المندائيين.

 ونعرب عن استنكارنا و أدانتنا الشديدة لهذه الجريمة البشعة ، والتي هي امتداد لجرائم كبيرة وخطيرة تصيب إخوانا و أهلنا  المندائيين المسالمين في العراق.

 ونحمل الحكومة العراقية، ومؤسسات الدولة الأمنية والسياسية ،وقوات التحالف الدولية والمنظمات الدولية المحافظة على أرواح وممتلكات الصابئة المندائيين في العراق .

وبالوقت نفسه نناشد المنظمات والهيئات الإنسانية والاجتماعية والسياسية، والأحزاب والشخصيات الدينية والسياسية  التي تهتم بحقوق الإنسان والاقليات الدينية الصغيرة، ان تمارس دورها الأخلاقي والإنساني بالمحافظة على أرواح وممتلكات الصابئة المندائيين.

 دعائنا من الحي العظيم أن يتغمد أرواح الضحايا الأبرياء بواسع رحمته. وان ينقذ الشعب العراقي والوطن  من هذه المحنة الكبيرة .

 

الجمعية الثقافية المندائية في مالمو /السويد

الهيئة الاستشارية للصابئة المندائيين في مالمو /السويد

السويد في 3 نيسان 2008

 

149
                                                 
مأتم عراقي مندائي من الذاكرة المهمومة

" يا صاح دمعي نشف ما ضل دمع بالعين فراك الاحبهم صعب شك الكلب نصين"
"البيت لأحد الشعراء"
يحيى غازي الأميري

تحفظ ذاكرة العراقيين بشكل عام صورا ً ومواقف مرعبة ومفزعة ومحزنة وأليمة كثيرة ومتنوعة، فقد نالهم على مدى سنين طويلة حيف وظلم وضيم كبير فالاستبداد والاضطهاد والعنف، والمطاردات والسجون والتعذيب، والقتل والاغتيالات  والجور والبؤس والفقر والتخلف، والتمييز بكل أشكاله ومصادرة الحريات الخاصة والعامة وأهوال الحروب وجرائمها وضحاياها ومعاناة أسراها، والمقابر الجماعية، والترويع والتركيع والتجويع هذا الثلاثي المرافق لحياة العراقيين، بالإضافة إلى الأحكام والقوانين والتعليمات الاستبدادية المؤقتة والطارئة والاستثنائية والدائمة والدكتاتورية ! هذه التعاريف جزءا ً من قائمة طويلة مؤلمة وموجعة من المنغصات والويلات، سمات واضحة وممارسات يومية دائمة، فقد أثرت فينا " بالعراقيين  طبعا ً و أنا واحد منهم "، وطبعت لا بل حفرت هذه الحوادث والمعاناة والهموم والمآسي في نفوس وقلوب وعقول الشعب العراقي صورا ً ومواقف قاسية حزينة لا  ولن تستطيع الذاكرة نسيانها أو إسقاطها أو إهمالها والتغاضي عنها.
 أسترجع أحيانا ً صورة من تلك الصور، التي كنت قد حفظتها بخوف وحذر في زاوية من تلافيف ذاكرتي المهمومة و المكتظة  بالوجع العراقي الذي عشت فيه بكل أهواله.
في بعض الأحيان، لا بل في اغلب الأحيان يأتي استرجاع بعض الصورة من خلال مشاهدة أو سماع أو قراءة لحدث مماثل أو قريب من ذلك الحدث رغم البعد الزمني والمكاني بالإضافة إلى تراكم آلاف الصورة المأساوية والمرعبة فوق تلك الصورة ، إذ لم يزل مستمرا ً بسيره مسلسل الموت والخراب إلى يومنا هذا،وهو يفتك بلا رحمة في العباد والبلاد،وتزداد وتتنوع وتتراكم معه الصور المأساوية الواحدة تلو الأخرى.

سوف أروي مشاهد من بعض تلك الصور، هذه الصور قديمة لكنها لم تزل ترافقني، قد تكون صورة مشابهة لها أو قريبة منها، ترافق عدة آلاف لا بل ولست مستكثرا ً أن قلت عدة ملايين من العراقيين .
 الصورة الأولى :
سنة الحدث1965 " كان الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلد بشكل عام يمر بفترة كارثة عصيبة مرعبة  في ظل سلطة بوليسية عسكرية امتداد لفترة سلطة انقلاب 8شباط 1963 الدموية، حيث آلاف من العراقيين بين قتيل ومفقود وسجين ومفصول من العمل وبين هارب ومتخفي من البطش والاعتقال، فيما يعاني عموم الشعب من الجوع والفاقة والبطالة والخوف والحذر!
 

الصورة للفقيد المرحوم نعيم خلف رمضان الأميري

أطلق سراح نعيم (1) من الاعتقال بعد ان عذب بشكل مؤلم  في أقبية نازية حكومة 8شباط 1963 الدموية، والتي تتشابه تقريبا ًفي معظم دهاليزها وسجونها ومعتقلاتها وفي طرق وأساليب تعذيبها ففي جميع أماكن التعذيب والاستجواب يوجد التعليق بالمروحة السقفية، غرف مبردة تغطي أرضيتها المياه، سياط جلد تلهب الأبدان،يرافقها سيل من الشتائم والسباب وبذيء من الكلام.
قبل هذا الحدث ببضعة أيام كنا في آخر زيارة له في بيت عمي، كان" نعيم "يئن كثيرا ًمن أوجاع المرض الذي ابتلى بحمله، ومن لهيب سياط تعذيب الجلادين وما تركته في بدنه ونفسيته، حالته كانت ميؤوس منها، حسب ما أخبرهم الأطباء،هكذا كانت تدور الأحاديث بالهمس بين الأهل والأقارب، عاد أبي للبيت من محل عمله وهو يحمل برقية مختصرة  " أحضر حالا ً" نعيم " يحتضر وهو في ساعاته الأخيرة "  لقد مر أبي على دائرة البريد والبرق قبل أن يفتح محله لقد كان يتوقع أن تصله بين لحظة وأخرى هذه البرقية، كان قد أخبر مسؤول البريد قبل يومين بذلك، كنا نسكن في بلدة  صغيرة"ناحية الزبيدية ــ لواء الكوت" والناس يعرف بعضهم بعض في مثل هذه المدن، فبين محل عمل والدي وبيتنا ودائرة البريد مسافة لا تزيد عن عدة مئات من الخطوات،جمعنا أغراضنا وغادرنا البيت بسرعة.

سيارة التاكسي تقل عائلتنا، قطعت شوارع وأماكن مختلفة، دخلت منطقة فارهة  شوارعها عريضة نظيفة، هادئة، بيوتها محاطة بحدائق  تدل على ان ساكنيها افضل حياة من بقية المناطق، منطقة مترفة، طوال الطريق الجميع يجلس صامتا ًفي السيارة، أمي تبكي بصمت، أبى يكظم غيظه، كان الوقت قبل الظهر،أبي يجول بنظره يتطلع المنطقة، وصلنا قرب "جامع الكبيسي" أبي يطلب من السائق السير على مهل، أشار والدي بيده إلى محل يقع في ركن من أحد الشوارع(2 ) وبصوت حزين طلب من السائق أن يتوقف بالقرب منه، ثم ناوله الأجرة !

ترجل الجميع من السيارة، بيت عمي يقع على بعد مسافة  غير قليلة من مكان توقف التاكسي، أشار والدي بيده إلى موقع بيتهم في الفرع الأخر، كنت أعرف موقع بيتهم، فقد كنت أذهب إلى هذا المحل لشراء بعض الحلوى أو المرطبات عندما كنت اذهب لزيارتهم، كان قرب المحل الذي توقنا عنده تقف مجموعة من أقاربنا أخبروا والدي أن" نعيم " قد توفي .

 بحركة سريعة عدل والدي من هيئته " ملابسه " وضع عباءته الرجالية على كتفيه، وجهه أصبح أكثر حدة وصرامة، عيناه تشع حزنا ً، والدي حث الخطى، نحن نتبعه. ما هي إلا بضع خطوات حتى بدأت أمي بموجة من صراخ متتال ٍ ممزوج بعويل حاد، صوت حزين طويل يخرج مع الصراخ والنحيب  "يبوُ...يبوُ.. يبوُ".... "يماي ...يماي ...يماي " صرخاتها بدأت تشق سكون وصمت الشوارع الهادئة، البيوت توصد أبواب حدائقها، تكاد تكون الشوارع خالية لا حركة للناس فيها.

أمي تحث الخطى أسرع ، تركت نعليها خلفها،  هي الآن تسير حافية، التقطت نعليها، كلما كانت تقترب أكثر من البيت المقصود كان صراخها وعويلها يزداد حدة وصلابة، فهي نموذج لصوت عراقي، جنوبي، حزين، مهموم، ذاق،وعرف اللوعات والفواجع!

صوت ينبعث من بيت عمي بدء يقابل بكائها وصرخاتها، بالبكاء والعويل، كأنه صدى الصوت في الجبال، أمام البيت يحتشد العديد من الرجال والنساء، يتحول الاستقبال إلى لطم وعويل، يتدخل مجموعة من الرجال لتهدئة الموقف وحث النساء المفجوعات الدخول داخل سياج حديقة البيت.
داخل حديقة البيت جموع غفيرة من الرجال والنساء والأولاد، البيت مزدحم بالناس، أمي تواصل عويلها و تشق طريقها ، تدلف داخل البيت، هنالك يعلو الصراخ الممزوج بالنواح والعويل واللطم الجماعي ، كتلة متراصة من النساء على شكل حلقات متتالية، صوت اللطم، يهز جداران وشبابيك المنزل، أمي غابت بين جموع النساء، كنت أراقب اللطم والعويل دموعي تنحدر مع شلال الأصوات المتهدجة النائحة، كان اللطم جماعيا ً، قسم من النسوة يضربن براحة اليد على الوجه والجبين، وقسم يضربن بعنف بيديهن المتعاقدتين على صدورهن، لطم وبكاء ونواح و نواعي حزينة حتى تخور القوى !

الصورة الثانية :

في الممر الموصل بين الحديقة وطارمة البيت، كانت أعواد صغيرة متناثرة من القصب والبردي وخوص من سعف النخيل، فيما كانت عدة حزم من البردي والقصب وسعف النخيل قد ركنت جانبا  على سياج الحائط  القريب من الممر المؤدي من الطارمة والهول إلى المطبخ .

كان الرجال قد اكملوا مراسيم عمل " النعش "(3)  التابوت المصنوع من القصب والبردي وجريد سعف النخيل وعملت له حبال من خوص سعف النخيل، وعملوا  معه المستلزمات الأخرى، يدخل مجموعة من الرجال إلى داخل البيت "صالة  الاستقبال " يشتد العويل والصراخ ... الصراخ يزداد قوة وعنفا ً، صراخ هستيري !

يخرج بعد لحظات من باب صالة الاستقبال أربعة رجال وهم يرتدون جميعهم زيا ًموحدا ً،ملابس بيضاء "الرستة البيضاء" ويعتمرون عمامة بيضاء،ملثمين الوجوه،لا تشاهد شيء من وجوههم فقط العيون القلقلة الحزينة المضطربة!

أربعة من الرجال(4) يحملون نعش " نعيم " على أكتافهم، حفاة الأقدام، تدافع بين الجموع، همهمة وضجيج تختلط مع العويل وصراخ النسوة و الأطفال والرجال، وهم يقطعون المسافة " الممر" بين الطارمة حتى باب الحديقة الخارجي، بعد ان عبروا" المندلته" التي وضعت أمام باب صالة الاستقبال، في الشارع مقابل باب البيت  تقف سيارة صغيرة تعتليها شبكة "سيباية " توضع الجنازة فوقها وبحركات سريعة تلف حولها الحبال وتوثق جيدا ً!

 في هذه اللحظات تتحول السيارة إلى مركز تلتف حوله مجاميع من الدوائر من الجموع المحتشدة، نشيج صوت الرجال المتهدج يضيع في عاصفة الصراخ واللطم والعويل النسائي، فأصواتهن بدأت أكثر إيلاما ًوتفجعا ً، العويل والصراخ يصل ذروته " يبوُ..يبو ُ..يبوُ .. يماي .. يماي .. يماي"
يتوزع المشيعون على السيارات الواقفة التي تنطلق بهم إلى مقبرة أبو غريب!

في البيت بقيت مجموعة من النساء والرجال والشباب، توزعوا سريعا ً على واجبات ضرورية كانوا قد وزعت مهماتها عليهم، وترتب عليهم  إنجازها، بالسرعة والوقت الذي خصص لها، ما هي إلا ساعات حتى نصبت خيمة كبيرة في حديقة البيت الأمامية، وخيمة أكبر منها في الشارع مقابل البيت، فيما تولت مجموعة أخرى توزيع الكراسى والقنفات والمناضد الصغيرة "الطبلات" بصفوف وتنسيق داخل الخيمتين، التي اكتملت أنارتهما بنشرة ضوئية .

مجموعة أخرى جلبت أغطية و افرشه و أواني للطعام أدخلت البيت ووضعت قسم من الأواني "أواني الطعام والطبخ " في الحديقة الخلفية للبيت ، فيما باشرت مجموعة أخرى بإعداد القهوة والشاي والطعام !

اكتملت مهمات نصب خيمة الفاتحة ، تستمر الفاتحة سبعة أيام بلياليها، كان هذا هو العرف السائد والمتعارف عليه، والتي يستمر فيها استقبال المعزين القادمين من مختلف الأماكن، ويستمر معها النواح والبكاء واللطم، مكثت مع عائلتي في بيت عمي سبعة أيام " الفاتحة " متدثرين بالحزن والفاجعة !

في اليوم الثالث يكون قد وصل عدد المعزين والمواسين من النساء والرجال أعلى الأرقام أي في ذروته، يكون بعد يومين من تاريخ الدفن.
غص البيت بالنساء المعزيات، النواح واللطم على اشده، كان صوت " الشاعرة " أو "الكوّالة " التي جلبت منذ اليوم الأول، صوتها لا يهدأ، وأشعارها لا تنقطع، كانت تتخذ لها موقعاً تتوسط فيه جموع النساء، تنوح بصوت حزين يكرب القلوب.
صوتها يعلو فوق صوت الأصوات الباكية النائحة، وهو ينطلق حزينا ً شجيا ً، يؤجج العواطف، ويثير الشجون، يتزامن مع إيقاع حزن ثقيل مع ضربات الأيادي على الصدور، ومعه أصوات النساء وهن يرددن " احو.. احو .. احا.. احا "، ومن حين لحين كان يرتفع صوت إيقاع اللطم ومعه يرتفع صراخ النائحات "يبوُ .. يبو ُ" ... "يماي .. يماي " فتثار معها اكثر غريزة النحيب ،فتنزل الدموع متفجرة من المآقي.

أطفال يقفون خلف شبابيك البيت ، يمسكون الشبابيك بأيديهم ، يشاهدون  ما يجري وهم يبكون ويصرخون !

صورة لم تفارق مخيلتي أبدا ًسوف أدونها مع تلك الصور الحزينة ، الصورة في اليوم الثالث للفاتحة ، صوت اللطم والبكاء والنواح قد ارتفع بشكل قوي و مفاجئ ، كانت إحدى النسوة قد  قامت بإخراج الملابس العسكرية " البدلات العسكرية "من درجها " الكنتور " وأتت  بها إلى داخل الهول المزدحم بحلقات النساء وتضع الملابس " البدلات العسكرية "في وسط دائرة اللطم، فتثار العواطف والشجون، تتوسط حلقة النساء أم الفقيد " أم لعيبي " المفجوعة المهضومة المسكينة "رحمها الله "  التي كانت قد قصت جدائلها الفضية، بعد لحظات من وفاته بسكين من المطبخ،وغطت شعر رئسها بطين من حديقة الدار، دلالة على قوة الفاجعة الحالة بالعائلة جميعاً تحتضن الملابس بعنف وحرقة لتضمها إلى صدرها. يطلب مجموعة من الرجال الجالسين في الخيمة بضرورة تدخل أحد الرجال ليقوم بإخراج "البدلات العسكرية " لتهدئة هذا الهيجان!
يقع الاختيار على والدي" رحمه الله" الذي يتصف بالجلد وقوة التحمل والصبر ورباطة الجأش، يدخل داخل البيت ويخرج من وسط حلقات النساء، وهو يحتضن الملابس بين يديه، إحدى البدلات  كانت تتلألأ عليها نياشين ذهبية، و أخرى زرقاء وعليها أشرطة حمراء، وفوقها عصى التبختر التي يحملها الضباط، و سدارة الرأس تتقاطع على مقدمتها صورة بندقيتين متقاطعتين، في الطارمة وقف "والدي " وهو يحتضن الملابس بين يديه جال في نظراته ما بين الملابس والخيمة والوجوه المحملقة به، وبحركة مفاجئة،  يجلس والدي مفترش الأرض من تحته واضعا ً "البدلات العسكرية "التي يحملها بين يديه أمامه، فاتحا  ًذراعيه بعد ان وصل به الأسى والجزع والحزن واللوعة حد الاختناق والغصة  فيصرخ بصوت شجي " يا بويه يا نعيم ..  يا بويه  يا نعيم " لتأخذه بعدها نوبة من البكاء بصوت مبحوح حزين .
 

الصورة الثالثة : في صيف 1999

سوف اروي هذه الحادثة  قد تكون المكملة للمقالة، في مساء صيف عام 1999 كنت بصحبة عائلتي المتكونة من" زوجتي و أبنائنا الثلاث " بعد أن ركنت سيارتي الخاصة قرب "محلات ومرطبات الخاصكي " في شارع المنصور/ ببغداد، قمنا بجولة للتبضع من المحلات القريبة منه دخلنا محل لبيع العطور و الشامبوات،وبينما نحن نتبضع وننتقي هذه العلبة أو تلك، سقطت إحدى علب الشامبو على أرضية المحل وانكسرت، كانت الأرضية مرمر مصقول لماع، ساحت محتويات العلبة على الأرض ، كان الموقف محرجاً، بدأنا بالاعتذار، تدخل صاحب المحل وبأسلوب مهذب لبق لطيف مخففا ً من إحراجنا وخجلنا، وبحركات رشيقة وسريعة منه، أزال العلبة المكسورة ونظف المكان .
اشترينا مجموعة من علب الشامبو وعلبة من العطور، ودفعنا له ثمنتها ، ونحن نكرر من أسفنا واعتذارنا، فيما راح هو يحملق فينا وابتسامة ترتسم على محياه.
وفيما نحن نخطو الخطوة الأولى خارج المحل، وإذا بصوت صاحب المحل يطلب منا برجاء فيه مودة ولطف التوقف، ويدعونا مجدداً الدخول للمحل،كان الرجل يوحي مظهره أنه قد شارف على نهاية الخمسينات من العمر،ضخم الجثة،أنيق المظهر، وقور لبق في حديثه .
وسألنا بشكل سريع "أني أريد أسألكم عن شخص أشبهكم به كثيرا " وألتفت إلى زوجتي وسألها هل أنت قريبة أو شقيقة "المرحوم "نعيم خلف " ؟
 فبعد برهة من الذهول أجابته بالإيجاب نعم المرحوم " نعيم  "شقيقي !
بدا الرجل حديثه:" أني شبهت بيكم على الشكل والدم ، أني أسمي "قاسم السماوي" كان المرحوم "نعيم "صديقي وآخي وحبيبي ،كان المرحوم "نعيم " زميلي وصديقي منذ الدراسة المتوسطة ، كان إنسان رائع ،شجاع ، قوي،كان مثال للشهامة والأخلاق ،استمرت علاقتنا حميمية حتى وفاته".

وخلال حديثه اخبرنا أنه كان ضابط  في الجيش العراقي ،عسكري أيضا وأنه أحيل على التقاعد منذ زمن برتبة عقيد أو عميد " لا تذكر جيدا ً".
 أخبرنا أن درجة التشابه" بيننا قوية  جدا ً" واخبرنا أنه قد التقى أكثر من مرة بأشقاء المرحوم "نعيم " كل من"عزيز ورتاب " فأخبرته أنهم أولاد عمي أكيد الدم والشكل متقارب!
وبحركة سريعة فتح أحد أدراج المنضدة التي أمامه واخرج منها صورة فوتوغرافية قديمة، بالأسود والأبيض، ووضعها أمامنا، الصورة كانت تضم ثلاث شباب يجلسون حول مائدة، أشار بيده على أحد صور الجالسين الثلاثة موجها ً كلامه إلى زوجتي هل تعرفين هذا الشخص ؟
ما هي إلا لحظات وراحت عيناها تطلق الدموع فقد كانت أسرع إجابة من صوتها المتهدج نعم أعرفه أنه شقيقي" نعيم"

أخبرنا انه يحتفظ بهذه الصورة منذ اكثر من 37 سنة، واضعها دائما ً في مكان قريب مني،كان في الصورة المرحوم "نعيم "وصاحب المحل "قاسم السماوي "وشخص ثالث صديقهم.
كانت كلماته الأخيرة ونحن نودعه (لن أنسى أخي وصديقي العزيز " نعيم " فقد أخذ له مكان كبير في قلبي)!

كتبت  في 8أذار 2008 السويد


يحيى غازي الأميري


هوامش وتعاريف ضرورية مكملة لمقالنا 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيد الشهيد "نعيم خلف رمضان الأميري " هو أحد ضحايا التعذيب الفاشي، من مواليد عام 1943 كان يعمل ضابط في الجيش العراقي، كان الفقيد قد أنهى قبل انقلاب 8 شباط 1963 دورة خاصة في الكلية العسكرية ،تخرج منها برتبة "نائب ضابط تلميذ حربي"  ومنح شارة ذهبية  تعلق على الكتف خُط عيها عبارة "ن ض ت ح "والتي يرقى حاملها  بعد خدمة محدودة إلى رتبة ملازم ثاني، وقد اخبرني شقيق الفقيد الأستاذ "عزيز خلف " أن صديق المرحوم "نعيم " "قاسم السماوي "كان قد تخرج من دورة مشابهة لدورة المرحوم "نعيم " ومنح نفس الرتبة " ن ض ت ح " بعد تخرجه واستمر "قاسم السماوي" بعدها بالتدرج بالرتب العسكرية حتى أحيل على التقاعد وهو برتبة "عقيد أو عميد "كما أسلفت ، أعتقل الفقيد "نعيم " بعد انقلاب 8 شباط 1963  مباشرة وهو في داخل وحدته العسكرية، وناله صنوف وأساليب قاسية من التعذيب، والاستجواب بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي، أطلق سراحه بعد فترة، لعدم إثبات شيء عليه، وأعيد لوظيفته العسكرية، لكنه بقى تحت المراقبة، ولم تمضي فترة قصيرة على ذلك، ظهر عليه آثار المرض العضال "مرض السرطان" في منطقة الكتف، من جراء سياط التعذيب والتعليق" التعليك" في المروحة السقفية في المعتقل، توفي بعد صراع مرير مع المرض والمعاناة النفسية التي نالها خلال فترة الاعتقال والاستجواب، وكانت وفاته بتاريخ 24/10/1965 وهو في ريعان شبابه، كان وسيما ًجسيما ً،غير متزوج . وقد سمعت من العديد من الذين عرفوه وزاملوه أنه كان مهذب مؤدب شجاع، مقدام .

 ينتمي"نعيم " إلى عائلة وطنية تقدمية يسارية، كان قد أعتقل وأستجوب وسجن قبل وبعد انقلاب 8شباط  1963 معظم أشقائه والعديد من أقاربه، بالإضافة لتعرض بيتهم لمرات متعددة للمداهمات والتفتيش البوليسي، نتيجة انتمائهم وتبنيهم الأفكار اليسارية التقدمية.
 أخبرني شقيقه الكبير الأستاذ " لعيبي خلف" وكذلك  أكد لي شقيقه الأستاذ "عزيز خلف " أن الفقيد المرحوم "نعيم "كان رفيق شيوعي، عضو في الحزب الشيوعي، ملتزم، نشيط، ضمن تنظيمات الخط العسكري للحزب الشيوعي العراقي، وأستمر في ارتباطه بالحزب الشيوعي بعد إطلاق سراحه من الاعتقال والاستجواب حتى وفاته.
 
(2) كان يقع بيت عمي في منطقة "الداوودي "ببغداد/الكرخ في شارع 47 ويقع المحل الذي توقفنا قربه في شارع 46 اسمه "محل موحان" لبيع التجهزات المنزلية  "كان يجاور بيتهم طيب الذكر بيت الأستاذ"أبو سعد" عائلة كريمة طيبة، وكان في شارعهم عدة بيوتات من الصابئة المندائيين بحدود عشرة بيوتات، ومن البيوتات التي أتذكرها ،طيبي الذكر، أمام  بيتهم كان يقع بيت المرحوم "خيري يوسف الحيدرــ أبو حازم " وبيت المرحوم "نصرت باحور ــ أبو عائد"  ويجاورهم بيت الأستاذ"حليم كثير الحيدر ــ أبو كريم "وفي طرف الشارع بيت الأستاذ "عبد الفتاح الزهيري ــ أبو زهير".

(3) من التقاليد الدينية المندائية،يجب أن يكون النعش أو التابوت الذي يوضع فيه المتوفي مصنوع من القصب والبردي وجريد سعف النخيل وتصنع الحبال من خوص سعف النخيل.

(4) ومن التقاليد المندائية الدينية يجب ان يكون من يحملون الجنازة، أربعة رجال"حلالية " وهي درجة دينية مندائية، يرتدون الملابس الدينية البيضاء "الرستة " عند حملهم الجنازة على الأكتاف، وهم ملثمو الفم والأنف وتسمى هذه اللثامة بالمندائية "بندامه "  وهم حفاة، وقد شاهدت في السنوات الأخيرة في عدة أماكن ومناسبات "السويد مثلا ً" أن " الحلالية  " او رجال الدين يلبسون جواريب بيضاء وينتعلون القبقاب وخصوصا ً في فصل الشتاء عند الدفن أو أجراء بعض الطقوس الدينية، وقد استفسرت من رجال الدين المندائيين عن هذه الظاهرة فأجابوني أنه يجوز ذلك، فحمدت الله على ذلك، فقد كنت قد شاركت أكثر  من مرة في حمل الجنائز المندائية وذات مرة كانت في بغداد في 12/1 /1989 يوم  قارص البرد، من  ذلك الشتاء ،كانت الجنازة تعود إلى عمي رحمة الله (خلف رمضان الأميري) وكان الجو بارد جدا ً،ممطرا ً،وأرض المقبرة رطبة "طين " رغم توقف المطر أثناء تواجدنا في المقبرة، وقتها كنت أكاد أموت "أصطك" من شدة البرد الذي ضرب قدميي العاريتين، خلال فترة أجرائنا مراسيم الدفن وشعائرها ،إذ كنا حفاة الأقدام، ورغم ذلك البرد القارص كان قد تنافس أكثر من عشرة من الرجال "الحلالية "على حمل جثمان طيب الذكر العم  " أبو لعيبي " لكونه كان محط احترام وتقدير وذا مقام كبير لدى أهله ومحبيه.
وكان قد شارك معي في حمل الجنازة طيبي الذكر المرحوم "عزت داخل علاوي ــ أبو ضياء " و " سعيد مسَّلم " و "نصرت يوسف عمارة ـ أبو مازن".

 يكون أحد الرجال "الحلالية " الأربعة قائد للمجموعة ويذهبون برفقة الجنازة إلى المقبرة ويقومون بإنزال المتوفي في القبر و إكمال المراسيم الدينية المندائية الخاصة بالدفن، وعمل طعام الغفران الخاص بالمتوفى "اللوفاني " يقومون  بعدها بالطماشة ومن ثم تبديل ملابسهم، ويتطلب بعد كذلك من الشخص الذي يحمل جنازة متوفي أي من "الحلالية " التعميد أي الصباغة على يد أحد رجال الدين.

ملاحظة مهمة : من خلال ما سمعته مرارا ً من رجال الدين المندائيين وقراءتي للعديد من الكتب التي تتحدث عن ديانة الصابئة المندائيين وعاداتها وشعائرها ،فقد وجدت في أكثر من مكان أنها تحرم وتنهي عن البكاء والنواح واللطم و تمزيق "شق" الملابس وقص الشعر أو الضفائر على الميت وأثناء الفاتحة. وكنت وأنا أكتب هذه السطور أقرأ ما يدور في البلد من ويلات وفواجع ونوائب وما يصيبنا فيها من ألم ولوعة وأسى  بفقدان الأحبة وضياع الأمل، ومن ضمن ما قرأت عدة قصائد وأبيات من الشعر الدارمي والبوذية و أدناه بيت مما قرأت من الشعر"الدارمي" لم اعرف قائله،يقول فيه:
" يا صاح دمعي نشف ما ضل دمع بالعين فراك الاحبهم صعب شك الكلب نصين"

وبرد فعل مني كتبت ولو أني لا أجيد الكتابة في هذا النوع من الفن "معذرة " لكن هذا ما كتبت :

يا صاح أريد  أخبرك على الوكت و ما جرى، زادت هموم الناس و كلوبه  موجره .
ويا صاح أخبرك تره عيوني بعدها ما بطلت لبجاي، من حيث كل  يوم ليمر انكس منه الجاي !
في الختام اعتقد ان أبسط ردود الفعل عند الإنسان هو البكاء والنواح  كتعبير ضد الجور والظلم والضيم والطغيان والحرمان.

150
محمد عنوز في كتاب من منشورات تموز

يحيى غازي الأميري

اكثر ما يجلب انتباهي  في تصفح الكتب أو المقالات في الصحف والمجلات، كاتب الكتاب أو المقال أو عنوانه، وخصوصا ً إذا كان عنوان المقال أو الكتاب مثيرا ً أو بليغ العبارة أو طريف الفكرة والطرح، وينساب بوقع موسيقي عند قراءته، وعندما يحس القارئ أن فيه نغم وتطريب، فعندها نراه يشد النظر والفكر له في نفس الوقت، ويقع موقع حسن في النفس، فتتلهف عند ذلك  لقراءته واستكشاف ما يّخبؤه !
كتبت هذه المقدمة القصيرة  وأعتقد أنها الضرورية، كما أعتقد لكثرة ما شاهدته من عناوين لمقالات ومحاضرات الأستاذ " محمد عنوز " والتي وجدت في عناوينها سجع يتناغم في جديته أو سخريته للموضوع ممزوجة بموسيقى تشدني للتمعن أكثر بالنظر بعمق به، ولتدفعني بعدها الرغبة والفضول  لمتابعة المقال كي أدخل وأرى ما يحتويه!

 


 مضت خمس سنوات تقريبا ً على أول ندوة حضرتها للأستاذ  الحقوقي "محمد عنوز " والتي أقيمت في مقر الجمعية الثقافية المندائية في مالمو/ السويد، وكانت قبل سقوط النظام العراقي في 7/4 /2003 وقد تحدث فيها عن (الهم ّالعراقي) ومنذ تلك الفترة وأنا أتابع ما يتناوله ويطرحه من مواضيع، سواء في قراءتي لكتاباته المنشورة أو بحضوري لمحاضراته التي تقام في مدينة مالمو ، أو في لقاءات وحوارات نلتقي فيها، أو ما يسعفني الحظ  فيه لمتابعة ندوات تلفزيونية " على القنوات الفضائية " التي استضافته وتحدث فيها.

ومن خلال تلك المتابعة وجدت في إصدار كتاب جديد للأستاذ "محمد عنوز "من  إصدارات مجلة "تموز " أن معظم ما يود ان يسجله الأستاذ عنوز في عناوين مقالاته هو استعماله أسلوب السجع ! ولحبي لهذا اللون من الأدب تراني لست أتابع فقط الأستاذ العزيز  "محمد عنوز " بل أغلب العناوين والكتابات التي تكتب بهذا النوع من الكتابة .

فترى هنالك عشرات من أمهات الكتب *، وفي مختلف الأزمنة و العصور، كتبت عناوينها بهذه الطريقة اللغوية الأدبية الجميلة، الرشيقة البليغة، العذبة الموسيقى، وسوف أورد بعض أسماء تلك الكتب و أسماء كتابها وتاريخ وفاتهم مثالاً لذلك، ونقول البعض من الكتب، لكون هذه القائمة تطول ولن تكفيها مقالة !
 
1.   عيون الأنباء في طبقات الأطباء                  ......  أبن أبي أصيبعة ( ت 668 هـ)
2.   بدائع الزهور في وقائع الــدهور                 ......  أبن أياس ، محمد بن أحمد ( ت930 هـ ) 
3.   النجوم الزاخرة في ملوك مصر والقاهرة       ......  أبن تغري بردي ، يوسف الأتابكي ( ت873 هـ )
4.   أسد الغابة في معرفة الصحابة                    ......   أبن الأثير ، عز الدين علي بن محمد ( ت630 هـ)
5.   وفيات الأعيان وأبناء الزمان                      ......  أبن خلكان ، أحمد بن محمد  ( ت 681 هـ)
6.   أخبار العلماء بأخبار الحكماء                     ......  القفطي ، أبو الحسن يوسف (ت 646 هـ )
7.   الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة .... أبن الفوطي ،أبو الفضل عبد الرزاق ( ت723 هـ )


أكتفي بهذا القدر من العناوين من الكتب ، فكما قلت القائمة تطول ولا تقصر ولا تسعها مقالة واحدة، وقد كتب آلاف من الكتّاب عناوين لمقالاتهم ودواوين أشعارهم وروايتهم وقصصهم بهذه الصيغة الأدبية الجميلة " السجع "، ومن الروايات المشهورة في أدبنا العربي الحديث والتي وردت عناوينها مسجوعة مثلا ً رواية ( زقاق المدق ) و( حكاية بلا بداية ولا نهاية ) للروائي العملاق " نجيب محفوظ  "(ت 2006 م) .
ومن المسرحيات العراقية الجميلة التي لا تنسى  وكان عنوانها مسجوعا ً  مسرحية " بغداد الأزل بين الجد والهزل "  والتي هي  من أعداد و إخراج الأستاذ  "قاسم محمد ".
 
وسوف أنتقي تعريف مختصر للسجع كما ورد في قلم الأستاذ "عبد اللطيف المصدق" قبل الدخول في موضوع مقالنا هذا؟
(دافع ابن الأثير عن السجع دفاعا مستميتا، وانحاز إليه كثيرا في كتاباته النثرية الإنشائية التي ملأ بها كتبه النقدية والبلاغية، ورسائله الديوانية والخاصة. وهذا رغم اعتراضات المعترضين الكثيرة على ظاهرة السجع ؛ بسبب ما شابها من وهم وخلط، وخاصة عند من التبس عليهم الأمر، وخلطوا بين نهي الرسول الكريم لبعض صحابته عن استعمال (السجع النوعي ) أي: ( سجع الكهان) وبين (السجع  الفني ) كمصطلح بلاغي وظاهرة فنية صرفة.

السجع الفني، لإعتباره حلية بلاغية جمالية مطلوبة، وظاهرة فنية خالصة مرغوبة، ولا يمكن أن تـُجَب أو تُحصر في زمان أو مكان .)**

لقد أشتهر عدد كبير من الكتاب والعلماء والأدباء في كل الأزمنة  بهذا اللون من الأدب العربي ، وأكثرهم شهرة العلماء الأجلاء  : عبد الحميد الكاتب ، أبن العميد ، أبن الأثير ، الصاحب بن عباد ، والوزير المهلبي ، صبح الأعشى ،  أبو إسحاق الصابي ،هلال أبن المحسن الصابي .

(واشتهر في هذا الفن: الصاحب بن عباد ، وأجاد فيه شعراً ونثراً، حتى ذاعت توقيعاته في العالم الإسلامي، واشتهرت رسائله لحسنها وإيجازها .
 ذكر ياقوت  الحموي  في موسوعته القيّمة:( معجم البلدان ) في معرض حديثه عن مدينة قم ، توقيعاً لطيفاً من الشعر، حفظته الأجيال وروته، كتبه الصاحب بن عباد على رقعة وجهها إلى قاضي قم:
أيها القاضي بقم     قد عزلناك فقم
 فكان القاضي يقول إذا سئل عن سبب عزله: أنا معزول السجع من غير جرم ولا سبب)***

والحديث يطول ويتشعب عن" السجع "  وما كتب به وعنه ،وأعود أدراجي إلى موضوع مقالتي ،حول كتاب الأستاذ الحقوقي محمد عنوز والذي بعنوان (الهم ّالعراقي ) أو ( موضوعة الجدل وحقيقة الأمل )****.
وهو ثمرة طيبة من الجهود الثقافية المبذولة الكبيرة والمستمرة التي تقوم بها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، السويد بالإضافة إلى نشاطاتها المتنوعة الأخرى !

وقد حضرت الندوة  الثقافية التي أقامتها الجمعية الثقافية العراقية في مالمو في 11 كانون الثاني 2008 للأستاذ  "محمد عنوز " للتحدث عن كتابه أنف الذكر، وقد كانت من الندوات الثقافية الجميلة.
   
 يكتب  الحقوقي "محمد عنوز "معظم كتاباته من وجهة نظر قانونية والتي يدخل ضمنها ( القوانين والمعاهدات والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية وغيرها ) فهو مشبع بالقانون ومتخصص الدراسة  فيه،ولست مبالغا ّ إذا قلت قد تتطابق كثير من طروحاته وأراءه وكتاباته مع ما يدور في رأسي وفي الشارع العراقي المحزون، وما يتمحور في الساحة السياسية، من قضايا ومعاناة وهموم عراقية !

واخترت أدناه بعض من عناوين مقالاته والتي تضمنها كتابه أنف الذكر وفيها أسلوب السجع المحبب له ولي ّ وهي :

1.   لهيب الرياح وجريمة الاجتياح
2.   الهم العراقي بين موضوعة الجدل وحقيقة الأمل
3.   مفارقة أو مسابقة
4.   التأسيس والتيئيس وعقدة الرئيس
5.   خسارة على أرض الحضارة
6.   لغة بريمر ليست على الميمر

فالأستاذ  "عنوز "يكتب عن أحداث وتطورات وتوقعات عاش كل تجاربها  ولوعتها ومعاناتها فهو منغمس في الهموم العراقية ومشارك فعلي في الدفاع عنها ، بكل الوسائل والطرق التي أتيحت وتتاح له !

ومعلوم أن الكتابات التي تتناول الجوانب القانونية تكون في معظمها جامدة  في نصوصها و طروحاتها فلذاك فهي لا تشجع ولا تجلب ولا تستهوي على متابعة قراءتها ، لكن الأستاذ  (محمد عنوز ) يبعث في كتاباته ومحاضراته الحياة والحركة ويخرجها من النصوص الجامدة بأسلوب شيق فيه السؤل والإجابة والطرفة والحكاية  والمثل والحكمة ، والسجع ، ويسند كتاباته دائما ًبالرأي المقرون بالتجربة والمحاجة والقانون !

في ختام مقالنا هذا سوف استل بعض المقاطع من أحد مقالات الأستاذ " محمد عنوز " والتي وردت ضمن كتابه المقصود في مقالنا،وقد اخترت المقالة الموسمة " لغة بريمر ليست على الميمر ، والتي نشرت بوقتها بتاريخ 1 أكتوبر 2003 في العديد من المواقع الصحفية، وذلك أثناء تولي السفير "بول بريمر" الحكم وأدارة شؤون العراق، والمقالة كتبت بأربعة حلقات وقد اخترت بعض المقاطع من ثلاث حلقات،أتمنى أن أكون قد وفقت في اختياري لهذه المقالة والمقاطع، لكون كتابات أي " مقالات " الأستاذ عنوز، جميعها تصب وتبحث في ( الهمّ العراقي )، وكتبت بأسلوب جميل في تناول الموضوع وفي المعالجة والمحاجة، واضحة صريحة الأهداف والمقاصد والغايات، بعيد عن الإطالة والتكرار، وعذرا ً من القارىء الكريم خوفا ً من كون المقال قد طال، لذا سوف أكتفي في تنصيص النصوص المستلة من المقال وترقيم صفحاتها كما وردت في الكتاب دون التعليق أو التعقيب، ونترك حرية الحكم والتعليق للقارئ اللبيب على ما حل بالبلاد والعباد بعد قراءة ما ورد في هذه المقاطع المستلة المختصرة !
  مقاطع من الحلقة الأولى من المقالة :     
( منذ أن تسلم باول بريمر مهامه في العراق كحاكم مدني للعراق، بعد الجنرال غارنر، الذي بشخصه تتجسد السلطة العليا، وتحت تصرفه كل القدرات، وأمامه عدد من المخططات، ويعتمد على العديد من الإستشارات، ورغم كل ذلك فإن لغته لا نرى فيها إنسجاماً مع طبيعة المجتمع العراقي، ولا تلبي حاجاته، كما إنها تحمل دلالة عدم تفهم للرأى العام العراقي، ومتطلباته وعدم إستجابة له.
فقد تجلت لغة بريمر في إجراءاته التي لم تعالج الأوضاع بقدر ما زادتها تعقيد، وبتقديرنا سوف تزداد الحالة تعقيداً بسبب تغيّب دور القوى والأحزاب والتجمعات العراقية في إدارة البلاد والمشاركة في إتخاذ القرارات كحل وزارتي الدفاع والإعلام وجهازالشرطة وغيرها من المؤسسات، الأمر الذي خلق حالة البطالة لقطاعات واسعة، وما تعنيه البطالة من مشكلة إقتصادية وإجتماعية، تكون أثارها أشد وطأة في بلد كالعراق في هذه الظروف التي هذ إستمرار لظروف الحروب والحصار الإقتصادي الدولي والصدامي في آن واحد .
إن اللغة التي يستخدمها باول بريمر غريبة عن مستلزمات عملية التغيير وإعادة البناء، وفي كل الأحوال، فهي نتاج نزعة الإنفراد وإحتكار القرار، ذلك القرار الذي لا همَّ له سوى تأكيد الإنفراد و الإحتكار، بمعزل عن الضرورة والقدرة على إداء المهام، وإلا بماذا نفسر إتخاذ قرارات معينة وإلغائها أو إنتقادها ؟ )ص134

( المطلوب معرفة طبيعة المجتمع وعاداته وأسباب معاناته التي تقف في مقدمتها تغيّب أبنائه ورادتهم عن مصدر القرار، وضرورة التعامل معه على هذه الأسس، لا بالغرور والعنجهية ولغة الوعود .
المطلوب تلبية حاجات المجتمع الأساسية المحروم منها لسنين طويلة، من خلال زج أبنائه في العمل، وليس من خلال توزيع الدولارات العشرون أو الأربعون أو الستون أو .. أو .
ومن لغة بريمر الغريبة تلك التي نطق بها في الإردن في المؤتمر الإقتصادي بشكل مقترح لتوزيع عائدات نفط العراق بذات الطريقة المتبعة في ألاسكا الولاية الأمريكية ، هذه اللغة الرومانسية التي تُغري ولا تُثري المواطن والوطن ، فالإمكانية مستحيلة في ظل إنهيار البنية التحتية للبلاد والتي بحاجة لإعادة البناء أولاً وقبل كل شيء ، وبعد ذلك ممكن أن تصبح لغة بريمر أقرب إلى الميمر ) ص 136
ــــــ
 مقاطع من الحلقة الثانية :
(تصور الكثير من العراقيين وبأن الحرب كان هدفها مجرد إسقاط نظام صدام، وهذا كان تجريد لا يحمل ما يفيد على إدراك الأبعاد الحقيقية للمشروع الأمريكي الذي يمكننا تأشيره من كيفية التعامل مع إنتفاضة شعب العراق عام 1991 ، وإستمرار عملية إعداد وتطوير المشروع من خلال تشكيل تجمعات ودعم مجموعات، حتى إعلان الحرب من دون مشاركة عراقية عملية فيها، بل بُلغت كل الأطراف التي كانت تتعامل مع الولايات المتحدة بأن لا علاقة لها بخطة الحرب والبدء بها وإيقافها وما سيحصل بعدها، والدليل تأكد في مؤتمر لندن ولغة المطالبة والمناشدة التي سادت في بيانه الختامي، إلى جانب تصريحات المسؤولين العراقيين قبل ذلك بأشهر عديدة حول طبيعة الدور العراقي في المشروع الأمريكي) ص 136

(أن الفرق واضح وصارخ بين أن نكون أمام مشروع أمريكي يبحث عن مقبولية عراقية ، ومشروع عراقي يبحث عن دعم ومساندة دولية، وإذا كان الأمر تلاقي مصالح، فأن المشروع الثاني هوالذي ممكن أن يضمن مصالح الأطراف، أما المشروع الأول نجزم أنه غير قادرعلى تأمين تلك المصالح إذا كان الحديث يدور حولها، لأن المشروعين متعاكسين من حيث الإدوات واللأولويات، والشواهد على ما نذهب كثيرة وليس أدل من تلك التي شكلت صدمة للكثيرين والتي تجلت بارتضاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كونها دول إحتلال في حين كان هؤلاء يتكلمون بلغة التحرير عكس لغة بريمر .
بعد إلغاء عقد المؤتمر الوطني العام، وجراء إستمرار حالة إنعدام الأمن، خصوصاً أمن القوات الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة ، عاد باول بريمر إلى لغة الوعود مرة أخرى، حيث وعد في الأيام الأخيرة بأن إدارته ستعمل على تشكيل مجلس سياسي وإدارة / وزارة عراقيةإنتقالية تحت إشرافه وفي إطار سلطته، وهذا الأمر لا جديد فيه وهو تكرار وإستمرار لذات الأسلوب بصيغة أخرى، يساورنا القلق بكل جدية أن تقع القوى العراقية في شرنقة الأوهام وتقبل بأنصاف الحلول، علماً أن هذا التكرار وإستمرار المناورة يشير بكل وضوح بإن بريمر لم يستفد من تجربة التدخل في تشكيل الإدارات في المحافظات التي رفضها العراقيين وقاوموا هذا التدخل بالتظاهر وتقديم المذكرات وتشكيل لجان التنسيق وغيرها من الأساليب التي تؤكد رغبة العراقيين في تحقيق الإستقرار وقدرتهم على إدارة شؤونهم بإنفسهم من دون فرض شكل هذه الإدارة أو الأشخاص العاملين فيها، ولا يريد التسليم بحق الشعب العراقي بحرية إختياره لشكل إدارة نفسه)ص137

(أن الأمور لم تعد خافية، أو موضع تخمين، فالوقائع اليومية تدلل من دون أدنى شك وجود صعوبات جدية وبحاجة لجهود وطنية لإعادة الأوضاع إلى نصابها وليس تسويق المشروع الأمريكي وتسويغ مفاهيمه وتبرير تجاوزاته بطريقة فجة في كثيراً من الأحيان من خلال مقارنتها بحجم وطبيعة جرائم النظام، وكأن هدر الحقوق والتجاوز على الكرامات وهو قدرنا ويجب أن نرضى الإستمرار بما يحصل الآن على أنه أهون مما كان قبل الإحتلال .
فهذه ليست لغة الميمر يا " سيادة " باول بريمر !!! ) ص 138
ــــــــــ
مقاطع من الحلقة الثالثة :

(إن الحاكم المدني الأمريكي في العراق هو دبلوماسي محترف كما عرّفته وسائل الإعلام، وكان سفيراً لبلاده عدة سنوات، وهذا التعريف وضعنا في حالة تغريب ، بحيث أصبحنا لا نفقه شيئاً ، ولم يعد بإمكاننا تصديق أشياء، جراء لغة بول بريمر التي لا تفعل مفعول الدواء ، بل تزيد ألم الداء حدةً وهذا عين البلاء .
فمن المعروف أن الدبلوماسية علم وفن، ومن ضمن العلوم الأساسية للدبلوماسي التي عليه دراستها والعمل في ضوء قواعدها ومبادئها علم القانون، وبالأخص القانون الدولي العام ، والقانون الدولي الإنساني ، إلى جانب علوم أخرى يتطلبها طبيعة العمل الدبلوماسي ، كالعلوم السياسية وبقية العلوم الإجتماعية الأخرى.
لا ندري بماذا نفسر قرار بول بريمر القاضي بمنع المحاكم قبول الدعاوي ضد أفراد قوات الإحتلال ؟! وعلى ماذا أستند في أصداره مثل هذا القرار ؟! وهل خروقات قوات الإحتلال للمواثيق الدولية مباحة ؟! هل هذه القوات غير خاضعة للمحاسبة ؟! سيما والخروقات تعددت وتنوعت وأعترفت قيادة القوات المحتلة بالكثير منها في وسائل الإعلام ، كالقتل العشوائي ، والتفتيش بصورة مُهينة ، وتفتيش النساء من قبل الرجال ، وسرقة الأموال ، وقد تم تقديم الكثير من الشكاوي للمحاكم العراقية ضد الفاعلين، وهذا حق مشروع ومكفول بالتشريعات الوطنية والمواثيق الدولية.) ص138

( فالقرار1483 نص في الفقرة 4 على أن مجلس الأمن ( يطلب من السلطة ـ سلطة الإحتلال ـ أن تعمل ، بما يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية الأخرى ذات الصلة ….. )، ولا نعتقد أن بول بريمر لا يعرف أن إتفاقيات جنيف هي ضمن المواثيق والعهود الدولية وهي جزء من القانون الدولي ، ومع ذلك جاءت الفقرة 5 من القرار المذكور لتؤكد على التقيد بها حيث نصت على أن مجلس الأمن ( يطلب من جميع المعنيين أن يتقيدوا تقيداً تاماً بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بما في ذلك إتفاقيات جنيف لعام 1949 وقواعد لاهاي لعام 1907 ) ، وهذه الإتفاقيات تتضمن نصوص تلزم فرض العقوبات على كل من يخالف هذه الإتفاقيات ، أو يأتي بأفعال مناقضة لها ، لا بل تؤكد على تقديمهم للمحاكمة، فالمادة 146 من إتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب تنص : ) ص 139


يحيى غازي الأميري
مالمو في شباط 2008


ــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش

•   (*) أسم الكتب والكتاب كما وردت في كتاب (الأديان و المذاهب في العراق ) للأستاذ الكاتب الدكتور رشيد الخيون .في باب المصادر والمراجع
•   (**) مقطع مستل من مقالة بعنوان : مستويات التناسب وعناصر بلاغة الكتابة النثرية والمنشورة على الانترنيت  بقلم الأستاذ والباحث الجامعي عبد اللطيف المصدق، كلية الآداب ، مراكش ، المغرب .
•   (***)  مقطع مستل من مقالة بعنوان:التوقيعات الديوانية ( حضارة الإسلام ) المنشورة على الإنترنت : بقلم محمد علي شاهين
•   (****)  الكتاب (الهم ّالعراقي ) أو ( موضوعة الجدل وحقيقة الأمل ) من منشورات " تموز " الجمعية الثقافية العراقية  في مالمو ، للكاتب والحقوقي محمد عنوز ، طبع في ـ فيشون ميديا السويد  ـ سنة 2008 ، يقع الكتاب بـ 155 صفحة من القطع المتوسط ، ولوحة الغلاف بريشة الفنانة ملاك مظلوم . وكتبت مقدمة قيمة للكتاب بقلم الدكتور إبراهيم إسماعيل ، المشرف على تحرير مجلة تموز.
•   الصورة التي في المقالة ، من الندوة التي أقيمت للأستاذ محمد عنوز في الجمعية الثقافية العراقية في مالمو في 11 كانون الثاني 2008

151
أحداث من الماضي الأليم .... محفورة في الذاكرة


يحيى غازي الأميري

ما انفكيت من مطالعة كتاب* يتحدث عن( حركة حسن السريع )وما تضمنه الكتاب من شرح وتوضيح لأحداث مرت بالعراق خلال فترة انقلاب 8شباط الأسود عام 1963 حتى هاجمتني على الفور تلك الصورة المفزعة .... التي رافقتني طوال هذه السنين التي مرت .... أغمضت عيني انهالت آلاف الصور أبت الذاكرة أن تسقطها من حافضتها، بدأت الصورة تتضح أمامي....أبي متورم الوجه .... متحجر الدمع بمقلتيه ....أمي تولول !
 
لبست ملابس القطب الجليدي وخرجت وسط الثلج والبرد ... سالكا ً طريقا ً يقودني إلى مقبرة كبيرة تقع على مقربة خطوات من سكني ....رحت أحث الخطى وصلت إحدى أبواب المقبرة اندلفت فيها ،المقبرة كبيرة جدا ً شوارعها عريضة تحيطها من الجانبين أشجار متناسقة عالية.... المقبرة جميلة الهندسة ، كثيرة الزهور ، رخامية الشواخص ، رحت أسرع الخطى ، دمعت عيناي من الحزن والبرد !
جففت دموعي بدأت تذرف أكثر لا تريد أن تكف أطلقت لها العنان لعلي اخرج شيء من هذا الحزن الذي يأسرني !

آه يا عيناي إلى متى تذرفين الدموع .... يكاد الصوت يخرج من حنجرتي ..... متوسلا ً أليها أن لا تكف من الجريان ! لعل هذا يزيل شيئا ً بسيطا ً من الحزن والكآبة التي حطت علي ّ هذا المساء . 
 
بدأ الظلام يهبط مخيم على المقبرة ، الضوء بدأ ينسحب متلاشيا ً، توقفت عن السير قرب بناية كبيرة وسط المقبرة ، محاورا نفسي ، هل استمر وسط هذا الظلام والدموع !! أغمضت عيناي ورحت أتنفس بعمق.
أحسست أن نفسي بدأت تهدأ رويدا ً رويدا رفعت ذراعي ّ إلى الله وبصوت تخالطه الدموع والآهات قرأت سورة الفاتـحـــــة (بالمندائية ) إلى روح أبي وأحبتي وكل الموتى المحبين للخير والصادقين الطاهرين وتوسلت إلى الله أن يلتفت بعطفه ورأفته وشفقته إلى المظلومين والمساكين والضعفاء وأن يصب غضبه على رؤوس الأنذال والمارقين والقتلة والمستبدين والسراق وجامعي المال الحرام والانتهازيين و الكذابين وعلى كل المتسترين باسمه ويعملون عكس ما يقولون !
 
وعدت أدراج طريقي كي أخط هذه السطور .

الأخبار تتناقل بسرعة، اختلطت الشائعات بالحقائق، تضاربت الأنباء حول الزعيم، ممنوع التجول في بغداد، المقاومة عنيفة وقوية في الكاظمية، أهالي الثورة مع الزعيم، أصوات الرصاص تسمع متقطعة طوال الليل، البعثيون هم نفسهم الحرس القومي، جميعهم يحملون رشاشات بور سعيد يجوبون الشوارع ويداهمون البيوت، الحزن والقلق يخيم على الناس.
بعد عدة أيام من انقلاب 8 شباط اللعين بدأت الناس تذهب إلى مزاولة أعمالها في محلاتها ومتاجرها إذ بدأت الأسواق تمارس نشاطها التجاري لكن بحذر وريبة وخوف !!
 
كنا نسمع بالبيت أن الحرس القومي يسجنون ويقتلون ويضربون الناس جميعا ً،  بدون رحمة ، وبدون ذنب !!.... ذهب أبى ليزاول عمله اليومي بعد أن ودعته أمي بدعواتها و تبريكاتها أن يحفظه الله ويرزقه ويعود لبيته سالما ً.... قبل الغروب طرق متواصل على الباب هرعت أمي فتحت الباب.... أبى متورم الوجه ، زائغ العينين، ملابسه توحي انه تعرض إلى شيء كبير من العنف.... دخل البيت وهو ينقل خطواته بصعوبة .... راحت أمي تمطره بوابل من الأسئلة أبى لا يجيب !
 
تسمرت عيوني وعيون اخوتي إلى وجهه المتورم....سار بخطوات قصيرة وبطيئة حتى دخل غرفته.

 كانت تفصل بين الباب الرئيسي وغرف البيت مسافة ليست بالقصيرة فهي عبارة عن دربونة صغيرة حتى تدخل باحة البيت التي تتقابل فيها نخلتان باسقتان، وتطل على الباحة الغرف بأبوابها وشبابيكها.
 
لم نعتد على مثل هذا المنظر لأبي.... كان أبى طويل القامة، ملابسه نظيفة مرتبة، جميل الوجه، باسم الثغر، له عينان كبيرتان ترسل أشعتها فنحس من خلالها بالدفء والآمان .

دخل أبي غرفته، أمي أدخلتنا غرفتنا وتحدثت بعصبية معنا، وتركتنا وذهبت للغرفة التي دخلها أبى .... بعد فترة قصيرة جاء أبى وتتبعه أمي ليجلس معنا .... جلسنا جميعنا ً حول مدفأة نفطية.... جميعنا صامتين .... أمي تقطع سكون الصمت بالولولة والنحيب المتقطع .... أبى هالة زرقاء تحيط بعينيه .... شفتاه متورمتان.... عيناه الكبيرتان العسليتان مفتوحتان وقد تحجرت فيا الدموع !!!
 
بين حين و أخر تذهب أمي إلى المطبخ هناك كان يعلو صوت بكاء ونحيب .... لم نكن نعرف تفاصيل ما حدث لأبى .
كان أبى يتحدث بصوت منخفض:
((إحدى سِيطرات الحرس القومي )) ((سيطراتهم في كل مكان )) ((كلاب ليس بشر ))
((لا ذنب عندي )) ((لم يدعوني أتكلم )) ((ضربوني كثيرا ً ))
((احتجزوني من الصباح حتى الغروب مع العشرات بعد أن أنزلوني من سيارة الأجرة ، قذفونا بكل أنواع الشتائم والسباب))
(( أخذوا كل ذهبي الذي احمله معي )) .

بقينا تلك الليلة متحلقين حول المدفأة وعيوننا باكية وقلوبنا يملؤها الحزن والخوف والرعب ....بقينا هكذا حتى غلبنا النوم .

وفي الصباح شاهدت أبى يقف منتصب القامة، بملابسه الدينية البيضاء، ووجهه تعلوه إشراقته المعهودة، وهو متوجه ٌ إلى الشمال، ويداه إلى الأعلى، حافي القدمين، الماء ينسكب بكل قوته من الحنفية أمامه ....  وهو يردد دعاء بكلمات مندائية كنت أحفظ معظمها لكن لا افهمها ....راحت صلواته تملأ الدار اختلطت، تداخلت مع زقزقة العصافير وهدير الحمام على النخيل، وخرير الماء .
 
 
يحيى غازي الأميري
مالمو السويد / في آذار ....2005

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب : البير ّية المسلحة ( حركة حسن السريع وقطار الموت عام 1963 ) تأليف الدكتور(علي كريم سعيد)
المقبرة : تقع في مدينة مالمو أسمها (أوسترا شيرك كوردن )
البيت : كان بيتنا يقع في مدينة بغداد ( حي الوشاش ) سمي بعدها (حي المعري ) ...كنت في سن العاشرة آنذاك



152
   
    احتفالية لبعث الأمل  بـ ( طراسة ) * رجل دين مندائي جديد في سوريا

 


                        (كن كالسراج المنير الذي ينير اليسار إلى اليمين بالحق والأيمان) 

                              (كن كالمائدة المملؤة التي تقدم للجياع وهي مبتهجة)

 

                                                                             من أقوال النبي يحيى بن زكريا ( ع)


 

يحيى غازي الأميري
 
 

قبل أيام توالت الرسائل عبر الكروب الخاص بالمندائيين ( ياهو ) على شبكة الانترنيت حول النية والاستعدادات  لطراسة أحد أبناء الطائفة المندائية ليصبح رجل دين بدرجة( ترميذا ) وسوف أقتطع جزءاً من أحد تلك الأخبار وأدناه النص المقتطع :
 (( بشميهون ادهيي ربي
بمشيئة الحي العظيم وبعون من ماري مندادهيي تم تتويج الشوليا رعد هاني عبد شندي حبيب شيخ زبد تولد بغداد 5/4/1963 يحمل شهادة  الدراسة الاعداديه.

 

 الموافق 17/11/2007 المصادف يوم السبت

 

تحت رعايه الربي الكنزبرا الشيخ ستار جبار حلو وبمشاركة عدد من رجال الدين .))
 

لقد كانت سعادتي كبيرة جدا ًوأنا أقرأ منذ فترة الاستعدادات الجارية في سوريا لطراسة رجل دين مندائي كي يدخل ضمن تشكيلة رجال الدين المندائية، أني إذ أبارك من كل قلبي لهذه الاحتفالية الكبيرة وأثمن كل الجهود الخيرة الطيبة النبيلة التي توجت عملها بهذا العرس المندائي الجديد والكبير بطراسة الشوليا 1 ( رعد هاني عبد ) في سوريا والذي يعبر بحق عن قدرة الطائفة على التحدي والعمل الجدي والمثابر والتكيف لكل الظروف المؤلمة والقاسية التي تمر بها طائفتنا المندائية ودينها، وهو خير عمل لديمومة الطائفة برفدها برجال الدين بعد ان زاد تباعد أبنائها في المنافي الجديدة، التي فرضت عليهم، بقوة البطش والترويع والموت والاستبداد .

 في السنوات الماضية ،خصوصا ً في العقديين الماضيين الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي ،كانت توجهات معظم المهتمين بشؤون الطائفة المندائية وديمومة دينها على تشجيع  طراسة عدد كبير من أبنائها ليصبحوا رجال دين كي يساهموا في استمرارية وديمومة المندائية وعقيدتها ، وقد كان للطليعة المثقفة  الواعية من رجال الدين ورجالات الطائفة  وشبابها  المؤمنين بدينهم من النساء والرجال الدور الكبير في حث أبنائها في الانخراط في المدرسة المندائية ودوراتها والتجمعات المندائية خصوصا ً، وقد أثمرت تلك الجهود بتعليم وإطلاع كوكبة تلو الأخرى من أبناء وبنات الطائفة، على العديد من الامور الدينية واللغة المندائية ، والتي ساعدت وساهمت في انخراط  عدد ليس بالقليل منهم في سلك رجال الدين والقسم الأخر اصبح من المهتمين والباحثين والدارسين في الشأن المندائي.

 رغم الظروف الصعبة والقاسية التي مر بها العراق وما نال الطائفة المندائية منها من ويلات ونكبات ومعاناة ، لكن بهمم أبنائها النجباء ، وحبهم لدينهم وعقيدتهم وتراثهم وهويتهم دفع العديد من أبنائها إلى العمل الطوعي وبتفاني و إخلاص كبير من أجل بث الآلفة والمحبة ونشر التوعية الدينية والثقافية وبناء المؤسسات المندائية الجديدة ، ولم تقتصر أعمال أبناء الطائفة المندائية فقط لبني جلدتم ودينهم فتاريخ العراق يرشدنا ويدلنا إلى تضحياتهم الكبيرة والغالية من اجل خير العراق وشعبة ، أنها أعمال كبيرة وجليلة نقشت بحروف من ذهب  في سجل تاريخ العراق  الحديث.

 لقد كانت أيام الطراسة أعراسا ًحقيقة لأبناء الطائفة المندائية على مدى أيامها السبعة فلقد كان حضور مئات العوائل يوميا من عموم العراق  إلى مندي الطائفة  ببغداد إذ لم تقتصر هذه التجمعات على أهالي بغداد فقط ،يتوافد الحضور من باقي المحافظات منذ ساعات الفجر الأول حتى الفجر الثاني / ولمدة أسبوع كامل !

 لقد  حضرت وشاركت في العديد من تلك الاحتفالات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في مندي الطائفة في القادسية ـ بغداد.

فخلال هذه الأيام التي تضاهي أيام الأعياد المقدسة للصابئة،فبين الطقوس الدينية ومراسيمها المتنوعة والكثيرة والمعقدة ،التي تقام بهذه المناسبة ، وبين زغاريد الفرح والسرور، وأناشيد المحبة وضربات الدفوف وتغريد الحناجر بما تجود من شجي الألحان، وأغصان الزيتون وأكاليل الآس وبيت القصب المغطى  بالقماش الأبيض والآس والزهور، الآندرونا ـ بيت القصب ـ  وطراين الأكل  وأرغفة الخبز الديني الخاص، والطبوثة 2 ، وقوارير الماء المقدس، وراية الدرفش،وجلجلة رجال الدين، وقهقهات الصغار، والرساتي البيضاء3  ونسمات العطور والبخور وهي تنبعث من كل جانب ومكان، والنشرات الضوئية، والهدايا والنذور،وتراتيل رجال الدين، ودموع الفرح،وسط هذا الجو البهيج  كانت تقام المهرجانات الخطابية والشعرية والندوات الثقافية والمحاضرات الدينية، وشروح للتعاليم الدينية وحوارات ومسابقات جميلة، يشارك في أعدادها و إلقائها   فيها  العديد من رجال الدين والعشرات من المثقفين المندائيين وللجان الشباب الدور المتميز في هذه النشاطات وتلبية المتطلبات ، فما أن تنتهي إحدى المحاضرات حتى ترى عشرات الحلقات ( التجمعات ) تنتشر هنا وهناك للشباب أو النساء أو للرجال فأيام الطراسة فرصة كبيرة وسعيدة وثمينة للتواصل والتلاقي والتجمع والتعارف والتحاور.

 ومعلوم للجميع ان الطائفة لا تمتلك موارد مالية داعمة لها( لا عراقية ولا عربية ولا دولية ) لكن عطاء أبنائها وتبرعاتهم ومساهماتهم وخصوصا ً في هذه المناسبات  كانت كبيرة، فبالإضافة للتبرعات النقدية والتي كان يساهم فيها معظم الزائرين المندائيين سواءاً كانوا أفرادا ً بأسمائهم الخاصة أو بأسماء عوائلهم وعشائرهم  فالجميع يساهم  بالتبرع الفقراء منهم  والميسورون لا بل حتى الأطفال والشبية يشاركون بالإضافة لحضورهم وما يضيفونه من بهجة وحبور كانت مشاركتهم بالتبرعات واضحة وسخية، فالتبرعات كانت تذهب أما لدعم نفقات الاحتفال ( الطراسة )  أو كهدية لرجل الدين المنتظر، وهنالك تبرعات أخرى تشمل الأكل والشرب العصائر والمرطبات والشاي ، فقد كانت تقام على مدى أيام الطراسة ،موائد ووجبات دسمة وشهية في النهار، ولم تخلُ ليلة أو أمسية من  موائد الطعام ، وسلال الفواكه الممتلئة بمختلف الأنواع والأصناف، وصواني الحلويات وهي تحمل ما لذ وطاب، أنها حقا ً أيام مليئة بالعمل والعطاء والغناء والكرم والآلفة والمحبة  والتعارف ترافق كل طراسة لرجل دين .

 وخلال الفترة التي أشرت إليها  كانت قد جرت طراسة أكثر من رجل دين في نفس أسبوع الطراسة ،مثلا ً جرت طراسة طيبي الذكر (علاء النشمي و مثنى مجيد كلاص) في مندي بغداد  ليرتقيا إلى درجة ( الترميذا ) في نفس الزمان  والمكان من عام 1997 . ( شيخ علاء الآن في استراليا وشيخ مثنى في السويد كلاهما قد طوتهما الهجرة التي لا يعرف لها نهاية )

 كل هذه الاحتفالات والكرنفالات كانت تجرى في الفترة الأخيرة من القرن الماضي في بغداد، بغداد الحزينة الآن التي احتفلت قبل أيام بعيدها، بغداد التي احتضنت طراسة العديد ان لم يكن معظم رجال الدين المندائيين الحاليين، عدى الترميذا الدكتور (عصام الزهيري) إذ جرت طراسته خارج العراق، لا بل حتى كان لها شرف احتضان الشيخ الكنزفرا   (صلاح  الشيخ جبوري ) من إيران عند طراسته في منتصف سبعينيات القرن الماضي في مندي الطائفة القديم في منطقة ( الدورة )  ومن الطريف أنه ما أن سألت زوجتي( أم مخلد ) عن أيام طراسة شيخ ( صلاح جبوري) و أنا أكتب مقالتي هذه،حتى بدأت تسرد جميل الذكريات التي لم تبرح ذاكرتها لذلك المهرجان المندائي، كم أتمنى أن ينشر أحد الأخوة شيء عن ذلك العرس الجميل.

 بغداد التي تلفها بذراعها الحنون دجلة الخير والتي بمياه دجلتها الجارية المقدسة كانت تجرى كل المراسيم الطقسية ( الطماشة والصباغة وأعداد أطعمتها المقدسة ) لغرض الطراسة  كانت أيام  بهية جميلة تعطينا الأمل، اليوم وكما تشير المعلومات هرب منها معظم أبنائها ( المندائيين ) إلى المجهول، نتيجة الرعب والموت والحقد والتميز والطائفية والمافيات والاحتلال الذي زرع و أنتشر في كل شبر في بغداد  لا بل في  كل أنحاء العراق، هاهم الآن يهربون مرعوبين من بلاد الرافدين، البلاد المتخمة بالثروة و بالمعان الثمينة والنفط ، بلاد الخصب والقصب والآس والزيتون، والسمك و الأهوار، وخبز التنور، والبط والبشوش، و الخضيري و الحذاف ، وطيب ماثه ،وديار سومر و اور وأشور، والسندركة المقدسة( النخلة ) بلاد النماء والعطاء والحضارة بلاد النهرين المقدسين، بلاد الأنبياء والأولياء والقديسين، تاركين مياهها المقدسة ومعها تاركين احرازهم  وأوانيهم وألواح رصاص كنزتهم المقدسة ( الكنزا ربا ) 4 ودواوين كتبهم المقدسة وكل أثارهم وتراثهم، تاركين حتى قبور موتاهم وذكرياتهم، صفوف مدارسهم ،اصدقاءهم وقسم من أهلهم و محلاتهم، ومهنة أجدادهم وأهلهم (الصياغة ) و دور سكناهم تركوا كل هذا للنهب والسلب والطمر والتهريب والتخريب والتزوير هاربين بجلودهم، فليس هنالك من  يحميهم في ظل هذا الانفلات المروع .

  بلاد النهرين التي احتضنتهم جنب ضفاف أنهارها واهوارها على  مدى آلاف السنين، ورغم الويلات والفواجع الكبيرة والكثيرة التي أصابتهم خلالها  لكن ترى بكل وضوح مدى حبهم لبلدهم وشعبهم  من خلال عيونهم الدامعة وقلوبهم الحزينة وعقولهم المأسورة بحبها  فكل حواسهم باستمرار شاخصة ترنو وترف وتشير إلى ربوع بلدهم في كل لحظة و دقيقة وساعة ، وكأن حالهم الآن ينشد ( مثل أم ولد غركان وأبرة َ الشرايع ).

 المندائيين أبناء الرافدين الأصلاء ، أبناء النور والسلام وعقيدتهم التوحيدية الطاهرة السمحاء الداعية للمحبة والسلام و للخير والعطاء، هجروا ديارهم ، اليوم يقيمون طراستهم في المنافي لبث روح الأمل بين أهلهم و أبنائهم.

 اليوم بعيدا ً عن بغداد... بعيدا عن أرضهم وأهلهم وأحبتهم ووطنهم، بعيدا ً عن العراق يقيمون طراسة جديدة، غرباء يتقاسمون الهموم والفراق، غرباء عن ديارهم العزيزة يتشبثون مرة أخرى بمواصلة الحياة !

 

 
يحيى غازي الأميري

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

*  الطراسة :  وفي ما يخص موضوعنا ، وهي مجموعة من المراسيم الدينية  الخاصة التي تجرى لغرض ترقية أحد المندائيين من درجة دينية إلى  درجة أعلى منها يرقى من درجة شكندا الى ترميذا . وتكون لمدة سبعة أيام تبدأ في يوم السبت من الأسبوع وتنتهي في يوم الأحد. القادم، وهنالك إجراءات وطقوس دينية أخرى متممة لها  بعد هذه الأيام السبعة على الترميذا الجديد إنجازها .

** الكنزفرا أو كنزفره : إحدى الدرجات الدينية في سلم درجات رجال الدين المندائيين وهي تلي درجة الترميذا أو الترميده ويرتقي لها بعد حصوله على الشروط الأزمة  لهذه الدرجة وبعد أجراء طقوس وتعاليم وشعائر طقسية خاصة بهذه الدرجة .

 

1 ـ الشوليا :وهو الشخص المرشح ليصبح رجل دين مندائي بدرجة ترميذا بعد أجراء مراسيم الطراسة علية.

 

وهذه بعض المعلومات عن المرشح للعمل كرجل دين مندائي ، أي رجل الدين بدرجة ( ترميذا ) كما وردت في كتاب الصابئة المندائيون تاليف الليدي دراوور وترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي الطبعة الثانية 1987 بغداد ملاحظة ضرورية يجب تثبيتها وردت كلمة (كهانة أو كاهن ) في مكان رجل الدين في  بعض أماكن ترجمة الأستاذان نعيم بدوي وغضبان رومي رحمهما الله ، ولكونها غير دقيقة في ما تعنيه، فقد استبدلتها بكلمة رجل دين بدل عنها في المواقع التي أشرت إلى مصدرها أي الكتاب انف الذكر ، للعلم ..

ورد في صفحة ص226 من كتاب الصابئة المندائيون  ( العمل كرجل دين ، متيسرة أمام كل فرد مندائي مستوف للشروط المطلوبة دينيا وليس وراثيا ً) ويقصد العمل كرجل دين ليس وراثية في الديانية المندائية .. 

ومن أهم الشروط  كما وردت في نفس المصدر السابق

( أن يكون سالم  الأعضاء البدنية تماما ً ، ولا يمكن أن يصبح  رجل دين من كان مختونا ً أو غير منجب أو خصيا ، فالجسم يجب ان يكون " سليما نقيا كاملا ")224

وفي نفس الصفحة 224

( وليس بدن رجل الدين فقط هو ما يجب ان يكون سليما ، بل وسلالته أيضا، إذ عليه ان يكون منحدر من دم مندائي نفي وأن تكون أسرته طاهرة جسميا وطقسيا لعدة أجيال ومن جهتي الأم والأب وتاريخ الاسر معروف لدى الصابئين.)

 

وفي صفحة 225 من نفس المصدر
( وحين يكون الصبي قد حفظ ما فيه الكفاية من الطقوس والصلوات ويكون قد اعتاد على القيام بالعمل (كشكندا أو يسمى الحلالي، مساعد لرجل الدين ) ودرس الكتب المقدسة تحت إرشاد رجل دين أو أستاذ " كنزفره" يكون بهذا جديرا بتسلم أولى درجات رجل دين ليصبح " ترميده " . والسن الأعتيادي لاكتساب هذه الدرجة بعد سن البلوغ عادة )

 وفي الصفحة   من نفس المصدر السابق225 يرد  ( وعندما يزكي " الكنزفره " الشولية كما يسمون المرشح ليكون رجل دين ، ويجده على درجة من المعرفة بالطقوس والعقائد والكتب المقدسة تبدأ  احتفالات التدشين في السبت من الأسبوع ) .

 

 

 

 

2ـ الطبوثة : وهي الزبيب والسفرجل وحب الرمان وقطع من جوز الهند وشيء من اللوز المقشور وبعض لحم الحمامة المشوي . المصدر كتاب الصابئة المندائيون ص 236

 

3 ـ  الرسته البيضاء : ملابس دينية بيضاء يجب ان يرتديها (الصابئي المندائي) قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني.

 

4 ـ الكنزا ربا ، هو كتاب ( الكنزا )  ، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد الا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في ( كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي

153
الشاعر السوداني الكبير محجوب شريف يكتب كي يوقظ الضمير الإنساني !

(نغني ونحن في أسرك              وترجف وأنت في قصرك) من أشعار محجوب شريف


يحيى غازي الأميري
أيلول 2007

رب صدفة خير من ألف ميعاد ، أحد الأمثال التراثية  المتداوله في عموم منطقتنا العربية نتداوله  فيما بيننا بشكل تلقائي عندما يكون لقاءك وعن طريق الصدفة جميل ومثمر ولطيف وناجح عندما يكون بدون مواعيد مسبقة ومعدة لهذا اللقاء ،هكذا جاء  لقاء الشاعر السوداني الكبير محجوب شريف بإخوانه العراقيين في مقر الجمعية الثقافية في مالمو ، مساء الجمعة 21/9 / 2007
 
صورة رقم 1


 
حيث أتحفنا الشاعر المعلم القدير محجوب شريف بحديث شيق نقل خلاله ما يحمله من حب وطيبة وصدق وتضحية  لشعبه و أبناء بلده والى الإنسانية في كل مكان، مطرزا ً حديثه بقصائد شعبية  غنائية جميلة نابضة بالحب والحياة والعزيمة لمواصلة الدرب مسلطا ً الضوء على مأساة شعبه ومعاناة أهل بلده أنها بحق أشعار تتحدث عن الهموم الكبيرة والمعاناة المستمرة المريرة التي يعيشها شعب السودان .
لم تكن الجمعية الثقافية العراقية في مالمو على موعد مسبق مع الشاعر !
هكذا عرفت أنها الصدفة التي جاءت به إلى السويد ومالمو ، إذ ألمت بالشاعر الأستاذ محجوب شريف وعكة صحية تطلبت منه أجراء فحوصات وعلاج خارج السودان فساهم أصحاب المروءة والشهامة بتوفير فرصة لعلاجه في لندن .. وبعد إتمامه مشوار العلاج  جاء لزيارة السويد وعندما سمع الأستاذ هادي المالكي رئيس الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، بوجود الشاعر الكبير  في مدينة  (مالمو ) بذل جهود كبيرة أثمرت بترتيب لقاء مع الشاعر  ليحقق لنا أمسية رمضانية جميلة شرفنا وأسعدنا و أطربنا الأستاذ محجوب وكريمته(  مي ) بها !
وقد شكر الشاعر المناضل محجوب  شريف اخوته العراقيين الذين  بعثوا له رسائل لغرض المساهمة والمشاركة بدفع مبالغ مالية  بتكلفة علاجه معلل رفضه للمساعدة بقوله لهم بعد شكرهم أن إخوانكم و أهلكم في العراق  أكثر حاجة ً للمساعدة مني في هذا الوقت الصعب والعصيب الذي يمر به الشعب العراقي . 

في بداية الأمسية قدم الأستاذ هادي المالكي ضيفة للحضور مرحبا ُ ومعرفا ً به بكلمة قيمة أشار و أشاد فيها إلى المسيرة الطويلة الطيبة والحافلة بالعطاء والنضال التي خاضها دون كلل أو ملل  الشاعر الكبير محجوب شريف من اجل الخير و الأخوة والمحبة والسلام  لشعب السودان و من أجل القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة !

سنين طويلة حرم العراقيون من التعرف بآلاف من أدباء وكتاب وشعراء وعلماء ومناضلين ووووو  إخوانهم في اللغة و(الوطن الكبير)كما يسمونه أو كما يقال عنه ! وذلك  لاسباب عديدة كثيرة لست بصدد تعدادها ، وفي الحقيقة ليس العراقيون هم  فقط  الذين حرموا من التعرف على مبدعين وطنهم الكبير  بل عموم شعب هذا الوطن الكبير،حرمهم من ذلك جور الحكام والسلاطين وظلمهم واستبدادهم !
لقد حرم العراقيين من مبدعييهم وعلمائهم ومناضليهم  فكيف بمدعين الوطن العربي الكبير ولكن وللحق كانت الشعارات والأناشيد التي وصلتنا عن الوطن العربي كثيرة وأهمها بلاد العرب أوطاني ! وأمة عربية واحدة ! ونفط العرب للعرب! وغيرها العديد من الشعارات والهتافات  فحفظناها  والحمد لله على ظهر قلب!؟
 
سنين عديدة وطويلة محملة بالظلم والضيم  والجور والخراب ضربت العراق أبعدتنا مجبرين عن مواكبة  الفنون والآداب والعلوم وما تنشره الطليعة المثقفة في العالم والتي  سارت بخطوات سريعة وكبيرة بينما كنا نصيبنا الحروب والموت والخراب والحصار الذي تعددت أشكاله وكثرت غاياته وأهدافه!
 
رغم قصائده التي تتحدث عن الويلات والمآسي التي تضرب السودان بشكل متواصل و بغير رحمة لكن الجو المرح والفرح ساد القاعة ومن فيها !
 فقد كان الشاعر محجوب شريف  كثير النكتة ظريفا ً بشوشا ً ، رغم ما تحمله قصائده من  الأدب الثوري والتنويري المشبع بالمثل الإنسانية النبيلة  التي تحاكي الوجدان والضمير، كانت أحاديثه وقصائده  تدخل القلب بلا استئذان أجل فهو يكتب عن الهموم الحقيقة للشعب  وينسج من مشاهداته اليومية  صورا ً فنية أدبية رائعة حقيقية  دون تكلف وتزويق ،فهو يكتب للناس التي أحبها وعمل ويعمل بكل قواه وطاقته من اجلها .

 كان من ضمن حديث الشاعر محجوب شريف انه تلقى عدة دعوات للحضور إلى مهرجانات العراق الشعرية أيام مهرجانات المربد السنوية لكنه رفض المشاركة لقناعته بان سبب المأساة والأسى  العراقي يكمن في رأس سلطتها وقيادتها التي ترعى هذه المهرجانات وأن دوافعها وأغراضها لغايات وأهداف بعيدة عن أهدافه ومبادئه .


 
ببساطة الكبار وبتواضع غاية في الأدب وحسن المنطق أحيا  الشاعر والمناضل سهرة امتدت إلى أكثر من ساعتين وسط انبهار و انشداد الحضور لقصائده وحلاوة حديثه ولصوت ساحر خلاب رافقه  في أمسيته صوت أبنته الشابة الجميلة السمراء ( مي ) وهي تغني بصوت عذب قوي يداعب الأحاسيس ويلامس شغاف القلب، شد الحضور له وسحر بسماعه وقاطعه لمرات عديدة بحرارة التصفيق !
 
صورة رقم 2



 بلغة شعبية  سودانية وعلى إيقاع موسيقي وبلحن غنائي نسج ونظم الشاعر السوداني القدير قصائده ، كل قصيدة منها تحكي حكاية من الواقع ، وتسلط الضوء عليها وعن آثارها و أسبابها ، وأنا أستمع وأستمتع أحسست ان الشاعر المناضل قريب جدا ً من أسلوب الشاعر المصري  الكبير عبد الرحمن الأبنودي و كذلك الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم  ، فكما يتحفنا الشاعر الكبير عبد الرحمن  الابنودي بقصائده الرائعة جاءت قصائد شاعر السودان محجوب شريف .
 أنه ابنودي السودان أنه ينقل صوره من الواقع بكلمات رشيقة منتقاة يطوع فيها اللغة الدارجة ، والتي  تنم عن خيال واسع و مقدرة وتجربة كبيرة وغنية  يتمتع بها  الشاعر ، صانعا ً منها قلائده الرائعة الجمال الثمينة القيمة !
لقد  جعلني الشاعر محجوب اسرح بخيالي على مدى اكثر من ساعتين بين سهول السودان وسنابل حقولها وفيضان نيلها  سارحا ً في مدنها وأشعارها وجوع أهلها وصراع جنوبها ومآسيهم ، بعدها رجعت إلى البيت و رحت  استرجع صور عن السودان طبعت بذاكرتي !
 
معظم أهلنا في العراق ومن جيلي يعرفون ويحفظون أسماء من السودان قد كثر ترددها في وسائل الأعلام العراقية المتاحة وابرز هذه الأسماء  سواء كان من  المطربين أو الكتاب أو الشعراء  أو المناضلين الأشداء التي ترسخت  بذاكرتي ... كيف ننسى المطرب الكبير سيد خليفة الذي أتحفنا بصوته المتميز الجميل والحان أغانيه المرحة الخفيفة بإيقاعها الموسيقى السريع  وحركاته الرشيقة التي يؤديها مع أغانيه  ومن أشهر أغانيه  التي لم تغادر ذاكرتي أغنية ( الممبو سوداني ) وأغنية ( ازيكم أنا لي زمان ما شفتكم ... ازيكم ).

والكاتب الروائي الكبير الطيب صالح صاحب العديد من  الروايات الشهيرة التي رسم فيها صورة معبرة حية  عن الواقع السوداني ومن أبرزها وأكثرها شهرة رواياته
1ـ  عرس الزين
2ـ موسم الهجرة إلى الشمال
3ـ  مريود
4ـ دوامة ود حامد
5ـ  ضو البيت
لقد قرأت الرواية الأولى والثانية خلال سبعينات القرن الماضي وسنحت لي فرصة إعادة قراءتهما مرة ثانية و كذلك قراءة الروايتين الأخيرتين ( دوامة ود حامد وضو البيت ) في عمان عام 2002 .

ولن يغيب  عن ذاكرتي  اسم الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري رغم مساندته السلطة الغاشمة ومشاركته و حضوره المستمر لمهرجاناتها ، سامحه الله وهداه ....  فهو  شاعر كبير مشهور وقامة شعرية عالية وله مكان مرموق في مجال الشعر الحر وأحد رواده .

لقد انشد وكتب الجميل والرائع من الأشعار للشعب الافريقي والسوداني والوطن العربي والمثل الإنسانية وحارب بدون هوادة الظلم والاستبداد ، لقد أثارت  قصائده بحق  الشهيد عبد الخالق محجوب ورفاقه غضب وغيظ  بعض الطغاة !
وأدناه مقاطع صغيرة من أشعاره 

في حضرة من اهوي عصفت بي الأشواق
فحدقت بلا عين ورقصت بلا ساق

 عشقي يفني عشقي وفنائي اســــــــــــتغراق
مملوكك لكني ســــــــلطان العشاق
..............

أمس قد مر طاغية من هنا
نافخا بوقه تحت أقواسها
وانتهى حيث مر

قرأت في مقالة أو دراسة نقدية منشورة على صفحات الانترنيت كتبت كمقدمة لديوان الشاعر محجوب  شريف ( الأطفال والعساكر ) المقدمة بقلم الأستاذ المرحوم الدكتور جيلي عبد الرحمن وهي شهادة رائعة بحق الشاعر المناضل محجوب فيقول فيها ( يعتبر الديوان وأشعاره بعض من أشعار صاحبه وأنه قمة للفن الثوري الأصيل !
ويستشهد بالعديد من المقاطع الشعرية موضحا ً أبعادها والمناسبات  التي كتبت فيها ! واخترت بعض المقاطع الشعرية من قصائد الشاعر محجوب شريف التي وردت في مقالة الدكتور الأديب المرحوم جيلي  عبد الرحمن مع تعقيباته عليها
 
(( فينشد هذه القصيدة وهو يعاهد قمر ليلة !

وحياة أمنا الخرطوم
أشيل شيلي وأشد حيلي
و أموت واقف على حيلي
وأقولك يا أعز الناس
على الوعد القديم جايين
وبين الثورة والسكين
شيوعيين
حتى الموت شيوعيين ))

 وفي مقطع أخر من مقالة المرحوم  د. جيلي عبد الرحمن يقول (( ويغوص الشاعر في عواطف إنسانية  خالصة ... تكشف فجأة عن بطولة الصمود ... ليس صمودا ً بلا ثمن أو رحلة في الخلاء ، ليس بطولة زائفة ... وإنما آلام حتى النخاع ... دون أن يستسلم أو تخور قواه ... ما يمنحه لمريم هو ذلك القلب الكبير الذي أفعم بأحزان شعبه وأشواقه .
طوال النهار و الليل
في عيني شايلك شيل
لكني شادى الحيل
 والخوف علي داهم
هاك قلبي ليك منديل
الدمعة لما تسيل
قشيها يا مريم

ويتداخل تحدي السجان مع رفض الموت فيصيران تحديا ً واحداً مزلزلاً

ولسه ولسة عبد الخالق المغوار
يقود الصف
ونحن وراه كف فوق كف
وهاشم قاطع الحدين
لسه و لسه يملا العين )).



لقد كانت القصائد الجميلة التي قرأها الشاعر محجوب  في أمسيته  في مالمو قد قربت للحضور كثيرا ً صورة التشابه الكبير في المحنة والمعاناة  والفواجع  والحروب التي تضرب الشعبيين السوداني والعراقي كان و كأنه يقرأ قصائده ويتحدث عن هموم الشعب العراقي ومعاناته !

وعندما ذكر بحديثه الهوس الديني و التعصب الديني والتطرف والاستبداد والاستعباد  ومروجين أفكارها  قال ( هؤلاء خصومي وأني عدوهم اللدود )
ليقرا لنا قصيدة من قصائده الكثير ة التي كتبها عن مريم و بالمناسبة فأسم مريم أسم أمه وأسم أبنته الكبرى وكذلك يعتبرها رمز إلى  الأم بكل معانيها الرائعة !

وأدناه مقاطع من قصيدة يا والدة يا مريم والتي يقول فيها :

يا والدة يا مريم ... يا عامرة حنية
أنا عندي زيك كم ... يا طيبة النية
بشتاق وما بندم ... اتصبري شوية

يا والدة يا مريم

ما ني الوليد العاق ... لا خنتّ لا سراق
والعسكري الفراق ... بين قلبك الساساق
وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم
 
يا والدة يا مريم

عارف حنانك ليّ راجيك تلوليني
دايماً تقيليني وفى العين تشيليني
ألقاه عز الليل قلبك يدفيني
ضلك عليَّ مشرور قيلت فى سنيني
أنا لو تعرفيني لو تعرفي الفيني
أنا كم بحبك كم
والعسكري الفراق بين قلبك الساساق
وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم
يا والدة يا مريم

طول النهار والليل فى عيني شايلك شيل
لكني شادّي الحيل لا خوف عليَّ لا هم
هاك قلبي ليك منديل الدمعة لما تسيل
قشيها يا مريم
والعسكري الفراق بين قلبك الساساق
وبيني هو البندم ... والدايرو ما بنتم
يا والدة يا مريم

لتكمل جمالية القصيدة وتزيدها تقربا ً للقلب والأحاسيس من  بعده  أبنته ( مي ) بغنائها  للقصيدة  بصوت ساحر عذب ،
كان صوت (مي ) ينقلني إلى (الأم العراقية ) وكم من الفواجع التي ألمت بها وكم من أنهار الدموع سالت على وجناتهن !  لقد سالت دموعي مع نغمات صوتها وأمتلئ صدري بالعبرات ،حيث نقلني صوتها إلى صوت بكاء أمي كلما خابرتها من غربتي فهي تعيش الآن بوطنها العراق غريبة هي الأخرى مهمومة حزينة تحيط  بها الأهوال والمصائب وفوق كل هذا لا كهرباء و شحة  في الماء والدواء كذلك فر عنها من الهلع ورعب البلاء الأبناء والأصدقاء ؟

 
صورة رقم 3



من الذكريات المؤلمة التي لم تبرح ذاكرتي الصورة المأساوية التي انتهى بها قادة انتفاضة تموز 1971 في السودان وما حل بالسودان بعدها من تدهور كبير متسارع .
لقد كتب  الشاعر محجوب شريف قصائد عديدة لرفاقه والى انتفاضتهم الباسلة التي حدثت في تموز عام 1971 بقيادة هاشم عطا التي تكالبت عليها قوى الشر والحقد والعمالة لتحبط ثورتهم بالمهد بعد ثلاثة أيام  إذ شهدت في وقتها تلك الأيام  تطورات دراماتيكية  كبيرة من دول عديدة شاركت بإخماد الانتفاضة ورجوع النميري للسلطة مرة ثانية وما أن تسلم  جعفر نميري السلطة حتى نصب المشانق وملء السجون بالشيوعيين وبحكم دكتاتوري سار بالبلد بخطى متسارعة إلى الوراء، ومن أبرز من طالهم الإعدام  الشهداء عبد الخالق محجوب ، الشفيع أحمد الشيخ ، هاشم العطا ، بابكر النور،
وهذا مقطع من إحدى قصائده يصف به الشهيد عبد الخالق محجوب فيقول فيها :

إسمو عبد الخالق
ختاي المزالق
أب قلبا حجر
يا أرض الوطن
يا أمو العزيزة
ختالك ركيزة
دائما باقية ليك
في الحزب الشيوعي
طيري يا يمامة
وغني يا حمامة
وبلغي اليتامى
والخائفين ظلاما
عبد الخالق حي
وبالسلامة

وفي مقطع من قصيدة أخرى يصف الشهيد عبد الخالق محجوب فيقول :
رجل نكتة
عميق مهذب
...
قاطعني ..... يعني الإعدام
الشعب يقرر من الحي ومين الميت

 أعود إلى جو الأمسية فالحديث عن السودان يثير الشجون  ... لقد قرأ  لنا الأستاذ محجوب قصيدة أعتقد ان اسمها كان  ( السنبلة )وفيها  تحدث عن العلاقة الاجتماعية المفعمة بالحب والإنسانية التي تسود الزوجين !
 
وتبعها بقصيدة ( الحرامي ) وهي تحكي حكاية شخص حرامي  ألتقى به  في السجن الذي كان معتقل به الشاعر  محجوب شريف . وتبعها بقصيدة تصف حدث مر به ليخلد ذكراه بقصيدة تصور السلطة التي تدعي حراسة الشعب وتحافظ على ممتلكاته كيف سرقت ( الغويشه ) ــ الغويشة سوار من الذهب ـ  الخاصة بابنتيه ( مي و مريم )  المخبأة  بعناية وسرية في البيت(  مضمومة لأيام الحاجة والعوز كما نقول بلغتنا العراقية ) عندما داهمه العسكر وهو في بيته  بأمر استدعاء و تحري وتفتش البيت وكيف امتدت أيديهم لتسرق الغويشه من مخبئها ! وقد كانت قصيدة مؤثرة بديعة خلدت الحدث و أدانت الجناة !

يقص قصة الغويشة وهو فرح مبتسم يعرفها ( الغويشة ... الغويشاية )
ويبدأ قراءة قصيدته بتعريف لها والقصيدة طويلة فهي تحكي قصة كاملة  الفصول ،اخترت المقطع أدناه من القصيدة :
 
 هجين الدبله و الخاتم
سلالة كم وكم حاجه
متل الستره وهاجه
بحتم الدوله لا حوله
باوراقا الثبوتيه
صبحت في خبر كان
للي كانت ليها محتاجه
المسيكينه
ما تسألني كم تمن الغويشايه
بل جاوبني كم تمن الطمأنينة

غويشة مي و مريومه
تماما زي حمامايه

وقد نقلنا إلى الصراع الدائر في السودان في دار فور المنكوبة التي يعيش شعبها  أقسى أنواع الظلم والإبادة والتعسف والفاقة والحرمان ، طلب الشاعر محجوب  من أحد الشباب الجالسين في القاعة ان يتفضل بالجلوس بجانيه وطلب منه ان يقدم نفسه فجلس على  جانبه شاب وسيم أسمر البشرة وبلغة عربية سليمة عرف نفسه :

أنا جبرائيل ابن أدم من السودان من دار فور أهلي يتعرضون بشكل مستمر للإبادة الجماعية ! و أضاف  يقولون لنا  ان الصراع عندكم بين الرعاع و الزراع ! و شرح للحضور جزء مختصر من مأساتهم الكبيرة !
ليكمل بعده الشاعر محجوب بكلام جميل ماذا يختلف عنا هذا الشاب  فلغته تشبه لغتنا وشكله كذلك  وأسمه أسم الملاك جبرائيل و اسم والده أسم أول أنبياء البشر !

ليحلق بنا الشاعر محجوب بقصيدة غنائية راقصة فيبادر إلى الرقص مع رفيقة الشاب الأسمر وبحركات عن رقصة  فلكلورية خاصة راح يدور بين الحضور !
 
صورة رقم 4




لقد أتحفنا بعدها بقصيدة غنائية أخرى راحت بعده الجميلة ( مي ) تغنيها بلحن جميل ،تبدأ  مقدمة  القصيدة 
 
تبتبا تبتبا تبتبا تبتب
باكر تعرف تقرا وتكتب
وياما ترتب
نحنا بنحلم وكم نتمنى
هي تحقق كل ما تحب
تبني حياتا الند بالند
اي مكانة وخانة تسد
هدهدا هدهد كل الورد ينوم ويفرهد
زي عصفورة تطير وترك
تحبا وتمسك وتاني تفك
سيبا تفكفك سيبا تلكلك عايزة تنطط
بكرة حترسم و ياما تخطط
بكرة حا يبنوا مدائن ضو
ما بيعكر صفو الجو صفارة حرب
تشطب من قاموس الدنيا
الضرب الشك الخوف
ينعموا كم بالشم والشوف واغاني الحب

وقد قرا قصيدة رائعة سريعة الإيقاع تقول مقدمتها :

هم هم ..
هم هم ..
غم غم آخرتها دمدم
..هم..غم..دم

عتمة وكتمة وزنقة وذم

وكم كنت أتمنى أن يصل الشاعر محجوب  إلى مقطع  من إحدى قصائده  (( قصيدة مساجينك )التي يقول فيها :

مساجينك مساجينك
نغرد فى زنازينك
عصافيرا مجرحه بى سكاكينك
نغني ونحن في أسرك
وترجف وأنت في قصرك
سماواتك دخاخينك

برغمك نحن ما زلنا
بنعشق فى سلاسلنا
بنسخر من زنازنا
وبنسخر من زنازينك

للسودان مواقفنا
وللسودان عواطفنا
ولما تهب عواصفنا
فما حيلة قوانينك

لكنه للأسف لم ينشد هذا المقطع، نعم أيها الشاعر الكبير محجوب نعم كل الطغاة ترتجف في قصورها وتعيش الفزع وهي تسمع صوت أنين  معذبيها وأسراها وضحاياها !!
لقد كانت من الاماسي الرائعة التي سوف يبقى لذكرها طعم ومذاق جميل فالشاعر الكبير محجوب شريف دون صفحات مشرقة خالدة عطرة لمسيرة ونضال وكفاح ومعاناة الشعب السوداني .
   
صورة رقم 5
 

لقد كانت أمسية رائعة وجميلة جمعت فيها العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين العراقيين والسودانيين وكان ضمن الحضور زوجة الشاعر الكبير مححوب شريف وزوج أبنته ( مي ) وهو فنان أشاد الشاعر محجوب بإعماله الفنية  ودماثة أخلاقه وقد أخبرنا الشاعر أن مهر (مي ) كان خمسة لوحات رسمتها ريشة زوجها الفنان قدمت كمهر لها ، وقد كان من ضمن الحضور  من الوجوه النسائية  السودانية المعروفة في مدينة مالمو الأستاذة العزيزة ( ثريا ) ذات الحضور المتميز في المحافل السياسية والثقافية والاجتماعية في مدينة  مالمو، بعد انتهاء الأمسية كانت فرصة جميلة لالتقاط الصور بين الجميع احتفاء بالشاعر وضيوف الجمعية الثقافية العراقية في مالمو ! 

يحيى غازي الأميري
مالمو في أيلول 2007

ملاحظة : اعتمدت المقاطع الشعرية من مواقع  صحفية  إلكترونية  عديدة على  شبكة الانترنيت والتي تتحدث عن  نضال وأدب وشعر الشاعر السوداني الكبير محجوب شريف .
 
صورة رقم 1 الأستاذ هادي المالكي أثناء تقديمه الشاعر الكبير محجوب شريف
صورة رقم 2 الفنانة ( مي محجوب ) تنشد بصوتها الساحر وهي تقف جنب والدها الشاعر الكبير محجوب شريف
صورة رقم 3  يحيى غازي الأميري  كاتب سطور هذه المقالة مع الشاعر الكبير محجوب شريف
صورة رقم 4  الأستاذ أبو إبراهيم الجواهري مع الشاعر الكبير  محجوب شريف والأستاذ هادي المالكي
صورة رقم 5 يجلس الشاعر السوداني محجوب شريف وتحيط به مجموعة من المثقفات العراقيات و كذلك من السودانيات كل من زوجة الشاعر وكريمته  مي والأستاذة ثريا .

154
    أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي/الحلقة الثالثة/الأخيرة



يحيى غازي الأميري
 أب 2007

 
من اغتال حلمك وعمرك يامهدي؟؟
 
في منتصف السبعينات من القرن الماضي بعد أن  تخرج مهدي من المعهد الزراعي العالي عام 1973  و إكماله الخدمة العسكرية الإلزامية   وبعد عام واحد عُين مهدي موظفاً في محطة البستنة في مركز مدينة الكوت /محافظة  واسط  خلال تلك الفترة زرت مهدي عدة مرات إذ كان يقيم في فندق (جبهة النهر)  الذي يقع  في مركز الكوت يطل الفندق على نهر دجلة وكورنيشها  وكذلك على ( سدة الكوت )*، والتي تعد  من الأماكن الجميلة في المدينة ، يسكن مهدي  مع مجموعة من أصدقائه وأصدقائي أيضا ً كانوا من أهل العزيزية وتم تعيينهم في الكوت ، إذ كانت تلك الفترة تعد من الفترات الذهبية في كثرة الحصول على فرص العمل والتعين بيسر وسهولة  لقد حصل العديد من أصدقائنا على وظائفهم في الكوت وأذكر منهم الأعزاء ( دعدوش عليوي وإدريس ثامر البطيخ وغازي عليوي القره غولي وعيدان هلال والمرحوم الدكتور رجاء أبو العيس  وناصر مهدي الشلال والمرحوم  عبد الكريم كاظم ذياب ، و أسماء لم أعد أتذكرها ) لقد كانت أياماً جميلة اقضيها معهم  خلال زيارتي ، كنت أذهب في الدوام مع مهدي إلى محطة البستنة مستمتعا ً بمشاهدة مشاتلها ومسقفاتها وزهورها وطريقة تكاثر أشجار الفاكهة والزينة فيها.  وكنا بعد الدوام نذهب إلى العديد من الأماكن الجميلة في الكوت مع العديد من الأصدقاء الذين ذكرتهم أبرزها السوق المسكف وسوق العبايجية والعكل وساحة العامل، شارع معمل النسيج وغيرها من أحياء المدينة ،أو الذهاب إلي جانب المدينة الثاني الذي تظهر عليه واضحة علامات  الفاقة والفقر والإهمال  (مدينة العزة )  بعد ان نقطع سدة الكوت سيرا ً على الأقدام مستمتعين بمشاهدة آلاف الأسماك وبمختلف الأحجام والأنواع  وهي تصطف على شكل مجاميع متناسقة كل نوع منها يصطف جنب شبيهه كل الأسماك تكون في إحدى جهات السدة حيث تمنع السدة  عبورها للجهة الثانية.
 
 
كان مهدي يمتلك علاقة صداقة جميلة مع جميع زملاء عمله من عمال وموظفين . لقد اخبرني وهو في غاية الفرح أنه قد كسب أصدقاء ً للحزب( الحزب الشيوعي )   في موقع عمله وأنهم يتبرعون بشكل شهري ويشترون أدبيات الحزب ومجلته الشهرية ( الثقافة الجديدة ) ، كان مهدي يؤمن بالعمل بين الجماهير و أهمية التنوير الثوري لها، ويعلق أهمية كبيرة على ذلك وكان يؤمن بضرورة الاستفادة القصوى من حالة الديمقراطية الممنوحة للحزب ومناصريه من خلال الجبهة الوطنية والقومية التقدمية  للتحرك بين الجماهير رغم عيون ومتابعات الأجهزة القمعية المنتشرة في كل مكان والمتنوعة في أساليبها القمعية المرعبة والماكرة وترصداتها وصلاحياتها في إيقاف أي نشاط ترصده!
 
 كنت أتفق معه على العديد من طروحاته في هذه المسائل الحيوية من العمل بين صفوف الجماهير فبناء قاعدة بين الجماهير والتحسس بمعاناتهم ومشاكلهم وتبني مطاليبهم وحاجاتهم والدفاع عنها  بصدق ،هي الأساس في اجتذابهم وكسب مساندهم ودعمهم .
 قبل ستة اشهر من كتابة هذه المقالة وبفضل عالم الانترنيت الذي بدء ينتشر في كافة أنحاء العراق بعد انهيار السلطة الغاشمة في نيسان 2003 و تلك السلطة التي حرمت العراق ليس من الإنترنت فقط لا بل حتى من مشاهدة المحطات الفضائية إذ منعت استعمال الديجتال وتنصيبه، ومن ينصبه في محل سكنه أو عمله يعاقب بغرامة مالية والحبس لمدة ستة اشهر ومصادرة الجهاز.
 فقبل الأشهر الست من كتابة مقالنا هذا تم الاتصال بوقت واحد بيني من( السويد ) وبين صادق خلف  الدبي من أسبانيا ،و الدكتور صلاح مهدي إبراهيم من هنكاريا وناجي كاظم من كندا وبين مجموعة من أصدقائنا في مدينة  قضاء العزيزية وكان ضمن الحضور من العزيزية الأصدقاء الأعزاء دعدوش عليوي وحسن حسين الزماخ   وسيد سعد الصميدعي وعيسى الخياط وياس خضير وكامل صالح وعيدان هلال، ودارت بيننا أحاديث شتى وقلّبنا ذكريات عديدة وقد سألت صديقنا العزيز أبو أحمد ( دعدوش عليوي ) عن ذكرياته وعن زيارتي لهم في الكوت  بتلك الفترة أخبرته بنيتي كتابة مقالة عن رفيقنا العزيز مهدي،  صمت دعدوش لحظات ومعروف عنه سرعة النكتة وقوة ربطها بالحدث، فالعزيز دعدوش ، موظف زراعي لكنه  ممثل مسرحي قدير مشهود له إبداعاته ونشاطاته المسرحية  ، لكن الحظ لم يحالفه  للشهرة والإبداع أسوة بحظوظ الآخرين ، تحدث دعدوش بحزن عن فقدان مهدي المأساوي المبكر و اخبرنا انه في تلك الفترة كان عدد كبير من نزلاء فندق جبهة النهر غير منتمين لحزب البعث وكانت عيون الأمن ترصد كل شاردة وواردة، وقد اخبرنا انهم يأتون عدة مرات ( الأمن ) إلى الفندق بعد خروج النزلاء للعمل أو للسهر ويفتشون الغرف وينثرون محتويات الغرفة بشكل متعمد، وكنا (والحديث لدعدوش) في بادئ الأمر كنا نغضب و نحتج على صاحب الفندق طبعا ً لكننا بعد فترة اعتدنا ذلك! وأخبرني انهم عبثوا بمحتويات الغرف جميعها عند زيارتي لهم واستفسروا من أكثر من واحد عن أسباب زيارتي لهم، وهل جلب معه كتب أو أشياء أخرى رغم قضاء معظم وقتنا في السهرات الترفيهية وبمشاركة جميع أصدقائنا الذين ذكرت أسماءهم أعلاه وبمختلف اتجاهاتهم السياسية فقد كنا أصدقاء أحبة قبل كل شيء أو كما يقول المصريون بلدياتي، و أثنى في حديثه على طيبه أهل الكوت ودماثة أخلاقهم وسهولة الاندماج والتعايش معهم .
       
بعد فترة من عمله في محطة بستنه الكوت انتقل مهدي إلى بغداد،وحصل على زمالة دراسية خارج القطر إلى ( رومانيا )  ليس من زمالات الدولة طبعا ً بل كانت عن طريق زمالات الحزب الشيوعي العراقي ترك الوظيفة و سافر وبدء  الدراسة هناك وبعد اكثر من عام جاء لـزيارة العراق لحنينه لوطنه وأصدقائه وأهله ، كان الوضع السياسي في العراق أيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية لم يزل يعيش بعض أيام ازدهارها  رغم الرعب اليومي المتواصل والذي كان يرافق مسيرة هذه الجبهة التي خلت من محتواها الاصلي !! 
 كان الوضع يسمح ان يأتي الطلبة الشيوعيون من الخارج لزيارة بلدهم و أهلهم وأصدقائهم ، وجاء مهدي مع عدد غير قليل من الطلبة  الشيوعيين من مختلف البلدان التي يدرسون فيها .
قضى مهدي أجازته بين أهله وأصدقائه وقد حدتني كثيرا ً عن وضعه ودراسته ونشاطه وطبيعة البلد وناسه وعلاقاتهم ومن الأشياء التي لا زلت أتذكرها والتي كان يوصفها لنا حادثة كبيرة حدثت في رومانيا في تلك الفترة ( ضرب زلزال قوي رومانيا ) وكيف انهارت مئات الأبنية وهربت آلاف العوائل إلى خارج المدن في مخيمات أعدت لهم على السريع ،وكيف تطوع مهدي للعمل مع فرق الشبيبة الرومانية لمساعدة المواطنين، وكان يحدثني عن فندق ضخم حديث ذي  طراز معماري جميل يشبه (الكتاب المفتوح ) يعد من الأبنية المشهورة في العاصمة( بوخارست ) أخبرني ان الناس هناك كانت تتناقل أخباره إذ  ان الفندق العالي مال ذات اليمين و ذات الشمال ولم يتأثر أو ينهار عندما ضرب الزلزال المدمر ( بوخارست ) !!
أكمل مهدي أجازته  وحزم أمتعته للعودة لجامعته ودراسته كانت أحلامه وتطلعاته كبيرة كعزيمته ، أودع جوازه إلى مديرية الجوازات لغرض تأشيرة السفر !
بعد عدة ساعات من الانتظار أخبرته دائرة الجوازات أن عليه مراجعة مديرية الأمن العامة ! اخبره ضابط الجوازات انهم أرسلوا جوازه إلى مديرية الأمن بناءا ً على أوامر جديدة صدرت لهم . وأن بإمكانه اخذ الجواز منهم !
كان وقع الكلمات ثقيلا ً على مهدي؛ مراجعة إلى الأمن العامة تعني الكثير من الرعب والخوف والهلع ، لا بد ان هنالك أشياء جديدة تنتظره ، لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى جاءت الأخبار أن مديرية الأمن العامة أعدت قوائم بأسماء الطلبة الشيوعيين تمنع منحهم موافقة  السفر إلى الخارج ، وتبلغ مديرية الجوازات بتحويل جوازاتهم لها وبإمكان طالب التأشيرة مراجعتهم بذلك ؟
أخبر مهدي وبقية الطلبة الحزب الشيوعي بما حدث لهم كانت تعليمات الحزب بأن يذهب ويستفسر عن سبب ذلك ! 
ذهب مهدي وبقية رفاقه كل على انفراد إلى الأمن العامة كانت تعليماتهم ـ الأمن العامة  ـ  واضحة وصريحة ومختصرة  إذا لم توقع في صفوف حزب البعث لم تحصل على جوازك ؟
 وأنت حر في الاختيار ؟
هذا ما اخبرني به مهدي بعد مقابلته السريعة في مديرية المن العامة . 
تبنى الحزب الشيوعي موضوعهم وبدء مراجعاته عبر قنواته الرسمية هكذا اخبرني مهدي .
بعد عدة أيام من مراجعته دعاني مهدي بصحبته إلى زيارة أحد البيوت في منطقة ( ......... ) من أحياء بغداد ، لأحد الطلبة من الذين تعرض لنفس مشكلة مهدي عند وصولنا إلى دار صديقه استقبلنا بلطف ودعانا للجلوس كانت مجموعة من الشباب قد جلست حول مائدة في حديقة الدار الأمامية ، كان مهدي قد عرفني على أحدهم قبل فترة إذ كان معه يدرس في رومانيا ،بينما عرفت أحد الأشخاص الجالسين(............) كانت تربطني به علاقة صداقة أخوية قديمة ! تباحثا فيما بينهم على مدى ساعتين تقريبا ً بقلق واضطراب حول مستقبلهم بعد هذه المفاجئة الكبيرة ، لم تفلح مراجعات ووساطات وتأثيرات الحزب الشيوعي بحل المشكلة، أخبرني مهدي ان قسم من الطلبة قد حصل على جوازه وتأشيرة السفر معه وسافر .... بينما ترك مهدي جواز سفره لدى مديرية الأمن العامة ، لم يتمكن مهدي من الرجوع إلى وظيفته التي تركها وسافر قبل عام ، خلال تلك الفترة بدأت هجمات هنا وهناك تنال منظمات الحزب الشيوعي وكوادره في عموم القطر. مما اضطر مهدي إلى التخفي وعدم الظهور في الأماكن التي كان معروفاً في تردده عليها وخصوصا ً مدينته العزيزية وبيت شقيقته في بغداد . لقد فرضت عليه حياة جديدة بعد ان بددت أحلامه وطموحاته وتطلعاته ، لكن علاقة مهدي ونشاطه لم ينقطع مع الحزب بل زاد ارتباطه به ؛ لقد اخبرني بعد فتره أنه بدء يعمل في إحدى مؤسسات الحزب الشيوعي وقد كيف نفسه وسكنه مع العمل الجديد والوضع الجديد .
زارني مهدي في بداية النصف الثاني من عام 1978 وأنا موفد بعمل من قبل وزارة الزراعة في المنطقة الشمالية ( أربيل ) وبقي بضيافتي عدة أيام ،اصطحبته إلى مدينة مدينة (عينكاوة ) حيث يسكن صديقنا العزيز( اكرم كليانه وعائلته إذ أن زوجته( ماجدولين ) كانت زميلتنا في المعهد الزراعي أيضا ً) وزرنا العديد من مناطق و مصايف أربيل الجميلة، اخبرني مهدي خلالها  أخبار غير سارة ومحزنة إذ أن هجمة قوية جدا ً وعلى درجة عالية من البرمجة والتنظيم والاستعداد بدأت تضرب  تنظيمات الحزب الشيوعي  وخصوصا في المحافظات وان من أول المحافظات التي طالتها هذه الهجمة الشرسة تنظيمات الحزب الشيوعي محافظة واسط والمدن التابعة لها.
     
             صورة رقم 7 **
 
لم تمض إلا أشهر قليلة حتى اتسعت الهجمة وموجة الاعتقالات والمطاردات وتدخل السلطة الغاشمة بكل ثقلها وقوة بطش ضرباتها تنظيمات الحزب الشيوعي لبغداد !
لف الذعر والهلع الشارع السياسي العراقي، تتناقل الناس الأخبار والإشاعات، الاعتقالات بالجملة المطاردات والتهديد والضرب في الشوارع،أغلقت مقرات الحزب في معظم المحافظات بشكل متسارع،الشيوعيون وأنصارهم ومؤازروهم بصدورهم العارية تحت رحمة من لا رحمة بقلوبهم، تمزقت العلاقات والاتصالات بين الأصدقاء والأحبة والرفاق،خيم الرعب والهلع على الشيوعيين وعموم اليساريين، لم تعد تصلني أخبار مهدي والعديد من أصدقائي . دخلت البلاد في منعطف جديد من الرعب والخوف والتقلبات السياسية المتسارعة  "صدام حسين " يستلم رأس السلطة العراقية، يبطش برفاق دربه عند أول استلامه السلطة، يدخل الحرب مع إيران بعد إلغاء معاهدة 1975 ،الحزب الشيوعي يغادر ما تبقى من مقراته تحت جنح الظلام !
في الثمانينات بينما كانت رحى الحرب تطحن وتدور،بدأت السلطة بواسطة جهاز الأمن بقوانه جديدة ( اسطوانة جديدة ) على الشعب العراقي إذ تقوم بتبليغ أهالي بعض من اعتقلتهم من الشيوعيين بإبلاغ ذويهم بأن ابنكم أو رب أسرتكم أو ابنتكم قد صدر أمرا  بإعدامه وهذا تبليغ الإعدام وممنوع عليكم إقامة أي مظاهر للعزاء. كان لوقع الخبر الذي سمعته صدمة عنيفة لي ولكل أصدقاء مهدي! لقد اخبرني شقيقه ناجي بذلك أنهم قد ابلغوه إعدامه وان عليه عدم إقامة أي مراسيم عزاء ولم تسلّم أي جثه مع كتاب التبليغ  فمقابر الأمن العامة ومفارم لحوم البشر وأحواض التيزاب متوفرة وكثيرة .
وأنا اكتب مقالتي هذه عنك يا صديقي الحبيب رجعت لقراءة رواية (القلعة الخامسة) للكاتب الكبير الفنان ( فاضل العزاوي) إذ وجدت نسخة منها على إحدى رفوف مكتبة ( روزنكورد في مدينة مالمو السويدية ) ما ان أبصرتها حتى أسرعت باستعارتها وعدت للبيت وحبست أنفاسي مع صفحاته  الـ 166  ورجعت أسترجع أحلامنا وأمانينا وتطلعاتنا ، كانت صورتك وصورة العديد من أحبتي وأصدقائي ترتسم أمامي مع كل صفحة وكلمة  ! كنت قد قرأت الرواية تلك ورواية أخرى للكاتب عبد الرحمن منيف ( الشرق المتوسط ) مع مهدي وقد تناقشنا عدة مرات بما احتوت الروايتان من أفكار ومواقف مرعبة !
في صيف عام 2002 كنت في عمان أعدت قراءة رواية( الشرق المتوسط ) لـ (عبد الرحمن منيف) ، أن الرواية تصف مأساة الوطنين والشرفاء في شرقنا المتوسط وأي مأساة يتحمل مناضلو شعوب المتوسط  من سلطاتهم القمعية الفاشية!
فالكاتب الروائي الكبير والقدير ( عبد الرحمن منيف ) قد أبدع قلمه بوصف صورة أحوال المناضلين ومعاناتهم على أيدي السلطات المستبدة وخير من يصف عن كثب أساليبهم القذرة وبطشهم غير الإنساني والذي يفوق الخيال ، وبالوقت نفسه يصف  كيف كانت  حياة الوطنيين ومعاناتهم النفسية والجسدية على أيدي سلطات تدعي في إعلامها الماكر التقدمية والإنسانية والقيم والأخلاق،بينما تتلذذ  بوحشية بالبطش و زهق الأرواح ! فالكاتب عبد الرحمن منيف كان في قلب المؤسسة البعثية ولديه الصورة الحقيقة لذلك الواقع !
لقد انتابتني وأنا أقرأ رواية  ( شرق المتوسط ) موجة عنيفة من الحزن والألم والأسى، لقد أجهشت بالبكاء عدة مرات وأنا أقرأ صفحاتها كانت ذكراك وذكرى العديد من أصدقائي ورفاقي وأحبتي وأقاربي ومعارفي لم تفارقني مع كل سطر خط فيها، أتساءل دوما ً مع نفسي كيف يتحول الإنسان بهذا الشكل المقرف ماسخا ً إنسانيته كيف يتحول إلى حيوان مفترس فتراه بشكل وجسم إنسان لكنه يحمل صفات مرعبة  سادي وقاتل وجلاد وظالم وعاهر .
أكيد يا مهدي كان الجلادون يستفزهم صمودك وقوة عزيمتك ، أكيد كانوا كلما شاهدوا مقاومتك يزدادون بذاءة في اللسان وخسة بالوجدان وبشاعة في استخدام أساليب التعذيب والبطش ، كم قاسيت من الألم والرعب وأنت تصمد تحت هراواتهم الثقيلة ، هل كمموا فمك أعرف أنك سوف تبصق على وجوههم الممسوخة أعرف مقدر شجاعتك وعزيمتك أعرف إنها أقوى من أن يرهبها بطش الجلادين وسياط رعبهم !
سوف أكتب لك يامهدي كيف كان وقع خبر إعدامك على أمك وأهلك وأصدقائك
لقد أخبرتني أمي بعد زياراتها إلى والدتك للتعزية :

( يمه هذولي موبس عدموا مهدي عدموا أمه وياه)
( يمه راح تموت من البجي "البكاء " واللطم .... يمه هاي لاتكل ولا تشرب)

أمك يامهدي لم تغمض عينيها إلا  للبكاء والدعاء إذ حتى في الصلاة كان سلواها !
الحزن لم يفارق عينيها و محياها ، لقد ماتت أمك يامهدي وفـي قلبها حسرة كبيرة على رؤياك !
لقد ماتت "رحمها الله" بعد أن قتلها الحزن والأسى الذي جلبه إليها جلادين وقاتلين الإنسـانية !
لقد توفي شقيقك ناجي " رحمه الله " وعيناه كانت تراقب الطريق حالما ً يوما ً بعودتـك ولقائك!
لقد كنت أشاهد شقيقتك ( أم هويدا ) عندما كانت تأتي إلى زيارة اهلك في العزيزية موشحه بالسواد حزينة باكية لفراقك !
لقد حزن عليك والدي "رحمه الله " حزنا ً شديدا ً !

وتمر السنون وأذهب في زيارة إلى رومانيا وحديث مهدي محفوظ في ثنايا الذاكرة لم يبرحها، زرت رومانيا ( وتجولت في عاصمتها  بوخارست )  وشاهدت العديد من البنايات المتصدعة الجدران أثر الزلزال الذي حدثني عنه كثيرا ً ووقفت أمام الفندق الضخم العالي الذي حدثني عنه وحزنت لرحيل  مهدي حزنا ً عميقا ً. وحدثت نفسي كم كنت تحمل من أحلام وتطلعات  ومشاريع يا مهدي.

 لكني أعود لأتساءل من اغتال أحلامك وعمرك يامهدي؟
 
يحيى غازي الأميري
 أب 2007
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
*سدة الكوت ، تشير العديد من المعلومات المنشورة على شبكة الانترنيت أن سدة الكوت  بدأ العمل بإنشائها سنة 1934 واستمر العمل بها عدة سنوات لحين إنجازها  ، تعد سدة الكوت من الجسور الحديثة وكذلك هي سدة للأغراض الاروائية ومكان سياحي هندسي جميل ،تتكون السدة من 56 بوابة كبيرة تعمل بشكل هيدروليكي .

** صورة رقم 7 في صيف 1978 في إحدى مناطق اربيل ، الواقف الشهيد مهدي الخزرجي ، ثم الجلوس صديقي العزيز وكان معي في الإيفاد المنهدس الزراعي (ورتان دكران دكروف)، ثم العزيز ( كاكه تحسين من أهالي أربيل ) صاحب سيارة أجرة كنا قد استأجرنا سيارته طوال فترة الإيفاد ، ثم يحيى غازي .

155

أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي

يحيى غازي الأميري

الحلقة الثانية

منذ القدم  ولغاية اليوم لم تنقطع رغبة الإنسان بتخليد الذكريات وتوثيقها سواء كانت مفرحة أو أليمة ، فتراه  قد نقشها على الجدار أو الحجر أو الشجر وكتب معها عبارات تنم عن رغبة جامحة لغرض تخليدها للتواصل والمودة وعدم النسيان مهما اشتدت قسوة  وجور الزمان، وهاهي الرسوم تعيد الجسوم وتنشط الذاكرة وتعين على تدوين الأحداث بعد استرجاع صورتها الحقيقة ، فللصورة  سحر خاص باسترجاع الحدث !   
 
لقد قضيت مع مهدي أياماً وأوقات جميلة، ولي مع مهدي صور ( صور فوتوغرافية عديدة ) وصور أخرى منقوشة بالذاكرة أحتفظ بالاثنين معا ً أقلبهما دائما ً معا . ففيها ذكريات كثيرة متنوعة، فقد عملنا معا ً في " اتحاد الطلبة العام " ومن ثم في " اتحاد الشبيبة الديمقراطية "  سافرنا سوية ً إلى العديد من محافظات العراق والتقينا هناك بأصدقاء وأحبة عديدين ، فقد سافرنا إلى البصرة ، والكوت ، والديوانية، والنجف، وكربلاء، وأربيل ومصا يفها، أنها أيام جميلة لا تنسى كان لنا من المعارف والأصدقاء في كل مكان نحل فيه .


 
صورة رقم 4 البصرة في 23 / 3 /  1973 قرب نصب الشاعر السياب ، الوقوف من جهة اليسار رعد كريم ، مهدي حمد ،محسن لفتة ، يشوع مجيد ، ..... ، الجلوس من اليسار يحيى غازي ، صلاح مهدي ، على عبد الله ، ....... .
 
إحدى السفرات كانت إلى البصرة عام 1973 كان ثالثنا في السفرة صديقنا ( الشهيد  يشوع مجيد بهنام ، من أهالي الموصل كان طالباً معي في المعهد الزراعي ، لقد أستشهد قبل فترة في منطقة بخديدا بالموصل بعد أن امتدت له يد المجرمين القتلة بتاريخ 22/11/2006 وهو يخرج من مقر الحزب (رئيس حركة  تجمع السريان المستقل )   الذي أسسه بعد سقوط النظام  ، كنا قد اتفقنا مع صديقنا من أهل العزيزية ( صلاح مهدي إبراهيم ) على زيارة البصرة خلال أعياد نوروز إذ  كان يدرس في معهد المعلمين في البصرة ، فلقد وعدنا بتوفير مكان الإقامة وبرنامج جميل للسفرة ، إذ كان معه أيضا ً بعض أصدقائنا في نفس المعهد من أهالي قضاء العزيزية ومنهم  الأعزاء ( مهدي من منطقة شظيف الغربي إحدى قصبات قضاء العزيزية  ، وعلي عبد الله ) وصلنا قبل  يوم من الاحتفال بعيد نوروز، كان الربيع والأصدقاء في انتظارنا في محطة قطار البصرة ( المعقل )، لقد مكثنا في البصرة خمسة أيام ( أيام سفرتنا )  كانت مليئة بالمرح والتعارف والحوارات والسهرات والزيارات، كانت حلقة الأصدقاء تتوسع ويزداد عددها، البصرة كانت تتألق في جو ٍ ربيعي ممزوجا ً باحتفالات نوروز، الدبكات في الغابات والأثل والسندباد ، سوق الهنود وهو يعبق برائحة العطور والبخور،البصرة العتيقة ، الشارع الوطني ، ساحة أم البروم ، حي الطرب ، الزبير وازقتها العتيقة وزي  رجالها المتميز اليسشماغ الأحمر والدشداشة البيضاء ، شط العرب،انتصاب السياب ، عباراتها إلى التنومة ، جزيرة السندباد، لقد استأجر لنا مضيفينا أصدقائنا  مجموعة من الزوارق ( ابلام ) ومخرت مع فرحنا في مياه شط العرب تتخللها الصفكات البصرية ممزوجة بالبستات الغنائية العراقية، كانت أجمل الاماسي نقضيها في العشار ،روح الدعابة المرحة والنكتة السياسية اللاذعة كان الشهيد مهدي متواصل بمرح إتيانها
 



صورة رقم 5 البصرة ربيع 1973


حملت مع إلى السويد مجموعة من الصور من ضمنها (سفرة البصرة ) الصور فيها العديد من الأصدقاء الجدد الذين تعارفنا عليهم ، وقتها  وجه لنا العديد منهم دعوات لزيارة مناطقهم ، وقد لبينا زيارة أحدهم( أنا وصديقي مهدي ) والصديق الذي زرناه كان من أهالي الحلة ( الصديق رعد كريم ) و خلال تلك الزيارة كان تعارف أخر بأصدقاء جدد من أهل الحلة الطيبين المثقفين ، وقد كان في انتظارنا في الحلة  كذلك أصدقائنا من المعهد شاكر فاضل،  وسامي متي ، وعباس عجام والعديد غيرهم . سنين من العلاقة الأخوية الصادقة كيف أكتب عنها وأي موقف أصف منها، تتزاحم الأماكن والمواقف والصور ، ولكل واحدة منها نكهتها وحلاوتها .
 
هذه إحدى الصور قد التقطت في  قاعة ومطعم نادي المعهد الزراعي الصورة تعيد لي شريط الحدث ومناسبته ،  مثبت خلف الصورة  تأريخ 31 آذار 1973 انه تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، يظهر في الصورة مهدي ومجموعة من الزملاء بعد أن جاء مبكراً هذا الصباح وهو أكثر تأنقا ً وسعادة وفرح، يحتضن كيس كبير من الحلوى ( الجكليت ) ليوزع "  مهدي "  على رفاقه وأصدقاءه وزملاءه في اتحاد الطلبة العام، وقد حرص أن يلف مع كل قطعة حلوى شعار من شعارات الحزب كان  قد خطه بيده في هذه المناسبة!
 
 

صورة رقم 6 نادي الطلبة في المعهد الزرعي، أبو غريب  مثبت خلف الصورة 31 /3 / 1973  الوقوف من اليسار يحيى غازي ، محمد العبودي من البصرة  / طالب شمران من سدة الهندية /هاشم خيون من الناصرية ، عبد الرضا كمير من الكوت ، مهدي حمد ، عباس عجام من الحلة 

لقد قضينا أيام جميلة مع أصدقائنا في مدينة العزيزية، ففي متجرهم المقابل للسوق العصري كان مركز لقائتنا قبل أن ننطلق إلى أحد المشاوير  كأن يكون في إحدى مقاهيها المتعددة الجميلة " ومنها مقهى بربن، أو مقهى فالح مهدي الشلال، أو مقهى جابر عبد علي، " أو على شاطئ نهر دجلتها الجميل وقت الغروب أو الذهاب إلى قضاء ليلة مع عشرات الأصدقاء في نادي موظفين العزيزية وحدائقه الغناء،هناك في هذه الأماكن المتعددة  كانت تسود وتدور الحوارات والنقاشات وتطرح الآراء وما استجد من الكتب والصراعات والنزاعات في الساحة السياسية  وكان " لمهدي " دور متميز بذلك ، لثقافته الواسعة وشفافية طرحه وحواره !

وفي بغداد الحبيبة  كنا نحضر العديد من المهرجانات السينمائية والمسرحيات الجميلة الرصينة والمعارض الفنية ومهرجانات الشعر وتجمعاتها .  كانت أماسي وليالي (شارع أبو نؤاس ) ومقاهيه و باراته ونسمات هوائه المنعشة ، ملتقانا مع الزملاء والأصدقاء والرفاق، وعشرات الأماكن العديدة الأخرى، أتذكر مسرح الفن الحديث وكيف نلتقي الأحبة والأصدقاء فيه، المركز الثقافي السوفيتي ونشاطاته ، سينما النصر وأفلامها يحضرني الآن فلم العصفور، وفلم(  زد ) الذي عرض في سينما سميراميس وقتها ، مهرجانات الأغنية السياسية وأذكر منها مهرجان نقابة الفنانين التشكيليين ، مهرجانات الشعر الجميل في حدائق نادي التعارف الخاص بالصابئة المندائيين ، تجوالنا في شارع السعدون وهو يغص بالحركة والأضواء، شارع المتنبي ومكتباته، مكتبة التقدم ، كازينو ( كيت كات ) و كازينو( الموعد  ) مقر مواعيدنا مع المرطبات !!
كان الشهيد مهدي من رواد مكتبة دار التقدم  والتي تقع خلف الشارع الخيام  (سينما الخيام ) كنا بعد كل رأس شهر من استلام الراتب نفرد ( من راتبنا )  مبلغ دسم للتبضع من كتبها فقد كانت متخصصة بالأدب الروسي والمؤلفات الماركسية اللينينية وتبيع بأسعار مناسبة !

مهدي من أهالي العزيزية، ولكنه بشكل مستمر يسكن في بغداد ، في منطقة البتاوين قرب ـ ساحة النصر ـ قريبا ً من ( تمثال عبد المحسن السعدون ) يسكن في بيت زوج أخته ( محمد أمين ) كان رجلاً ٌ كريم النفس والأخلاق ؛ هاهي ( نجية ـ أم هويدا  زوجة محمد أمين  ) شقيقته و صورتها  لا تبارح مخيلتي ، كيف كانت تستقبلني بترحيبها
اللطيف بعد أن أطرق باب بيتهم مستفسرا ً عن صديقي ( مهدي ) إذ لم تكن لدينا في تلك الفترة الوسائل الحديثة بالاتصال كما  الآن الهاتف الأرضي والنقال ورسائل الانترنيت. 

أنها ذكريات تثير الحزن والأسى (يا مهدي) من أناجي وماذا عساني أن أفعل ، قبل أيام يا صديقي عاد الاتصال بيني وبين أصدقاء ورفاق قدماء هربوا من جحيم الوطن الذي نذرنا أرواحنا له ، هربوا قبل أكثر من ربع قرن من الزمن ، هربوا طالبين اللجوء من بطش الطغاة ، (الآن لكل واحد منهم مائة قصة وقصة ) أول محادثتي معهم سألوني عن ( مهدي ) هم أصدقائه أيضا ً ، فهذا ( صلاح مهدي إبراهيم يسكن هنكاريا ) و (صادق خلف الدبي في أسبانيا ) و( ناجي كاظم ذياب / كندا ) و( سلام إبراهيم / الدنمارك ) كل واحد منا يبعد عن الأخر مئات الآلاف من الأميال وتفصلنا عن بعضنا العديد من البحار والجبال ، لكن صداقتنا وذكرياتنا الجميلة لا زالت طرية ندية ، تبعث فينا الأمل ( للغد المشرق ) !!
هاهو ابن عمي "  رتاب الأميري " يسكن قريباً مني  يتذكر الشهيد  " مهدي حمد  " وجلسات السمر والثقافة والمهرجانات الثقافية  إذ كنت قد عرفت بعضهم على بعض في تلك الفترة .   
كل هؤلاء الأصدقاء ( صلاح وصادق و ناجي وسلام ورتاب وسيد سعد ودعدوش عليوي وياس خضير وعيدان هلال وعيسى الخياط  ) والعديد غيرهم  يحثونني أن أكتب شيء عنك ..... إن قلبي وقلمي لا يطاوعاني يا صاحبي ، لقد جربت اكثر من مرة ، فبمجرد العودة لتك الأيام وذكراها ، تنهمر دموعي وأبقى أسير الحزن والدموع .

ماذا أكتب هل أكتب عن جلادين قتلوا حتى الأحلام ؟
واغتالوا اجمل سنين العمر بالإرهاب والظلم والاستبداد؟ 
أم أكتب عن وطن مزقته الحروب والنهب والفساد والأحقاد؟
أم أكتب عن وطن دفع كل هذا الدم والشهداء والأبرياء ، ولم تهدأ يد الإجرام والمجرمين منه !
أم أكتب عن مئات الانتهازيين والمتلونين والوصوليين وهم يتبادلون أدوارهم ؟
أم اكتب عن وطن يعيش في دوامة جديدة قاسية مرعبة يتقاسمها ثلاثي جديد الموت والنهب والتمزيق بعد أن سقوط النظام الغاشم منذ أربعة أعوام ونيف  !
لكن سأكتب عن كل طيب ومضحي وشريف سأكتب يا صديقي العزيز( مهدي )عن قيم نبيلة حملنها وحب وطن وشعب أقسمنا الولاء له والدفاع عنه.
سأكتب يا مهدي عهدا ً سأكتب كلما اسعفتني أوقاتي مدافعا ً عن شعبي ووطني بضمير ووجدان إنساني،ولن يثني من عزيمتنا نباح الكلاب المسعورة وأبواقهم المأجورة.
وسأكتب عن شجاعة مهدي ولعيون مهدي وضحكات مهدي التي لم تزل كالنواقيس تضرب في رأسي وأذني !!
 

لقد نشأ مهدي وترعرع في وسط محيط من الجيران والأصدقاء  والأقارب المسالمين الطيبين والتقدميين وحملة القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية النبيلة ومن عائلة  يسارية المبادئ فشقيقه الأكبر  ( صادق ) كان من  الشخصيات المعروفة بنهجه التقدمي اليساري  في المنطقة وكذلك زوج أخته ( أبو ضرغام ) المناضل  العراقي النبيل والأصيل كان يسكن في منطقة قضاء بدرة في محافظة واسط والذي سفرَ مع عائلته إلى إيران في حملة التسفيرات بحجة التبعية الإيرانية  ظلما ً وبهتانا ً .

مهدي شجاع لا يرهبه الخوف ، لديه الاستعداد دائما ً للتضحية ، يحب أصدقائه وأهله دون أن ينتظر منهم مقابل، سوف اروي هذه الحادثة حصلت أمامي : 
مهدي من عائلة ميسورة الحال بالنسبة للأهل مدينة العزيزية  إذ كان عندهم أكثر من عقار في العزيزية وعدة سيارات حمل ( شاحنة أو ( لوري)  كما تسمى بلغتنا الدارجة ) واكثر من سيارة صالون ، ومحل تجاري في سوق المدينة ، كانت العقارات مسجلة باسم والده لم يتم توزيعها على الورثة ، بعد أن تعين مهدي موظف في الدولة ( وزارة الزراعة ، مديرية البستنة )  ، وقبل أن يسافر إلى خارج القطر ، كان يرفض ان يأخذ  من إخوانه حصته من الأرباح من المحل أو وارد الشاحنات ، وعندما أراد السفر خارج القطر أخبرني أنه قرر ان يسجل كل ماله من حصته بالإرث بأسم إخوانه معللا ً ذلك لكونهم لم يضمنوا مستقبلهم بوظيفة أو راتب ثابت يحميهم قسوة وتقلبات الحياة والأيام ، وعندما حاججته بأن لك حصة يقرها الشرع والقانون أبتسم وأجابني أني الآن أتمكن من  أن اشق طريقي وابني مستقبلي ، لم اعرف بشكل دقيق  بعدها هل حقق مهدي أمنيته بتحويل العقارات أم صادرتها السلطة الغاشمة بعد تنفيذ جريمتهم النكراء بإعدامه !!

 تتبع الحلقة الثالثة



156
                           
أكتب إلى مهدي و ذكريات مهدي وعيون مهدي وضحكات مهدي
الحلقة الأولى

 يحيى غازي الأميري
حزيران
2007

الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان
تفنى الجسوم وتبقى الرسوم
رب أخ لك لم تلده أمك

 
آلاف من الأمثال والأقوال والحكم  نتعلمها ونحفظها على ظهر قلب منذ الصغر ، وتبقى ترافق حياتنا ، نتحدث بها بكل تلقائية دون تكلـّف من إتيانها عند الحاجة إليها  ،  قسم منها لا نعرف مصدرها و لا الأسباب التي قيلت فيها ومن أجلها، لكنها معين لنا في الحديث والعبر والتذكر ، عند إتيانها تثير فينا الفرح و الحبور والسعادة حينا ً والحزن والأسى واللوعة أحيانا ً أخرى، يرد في معجم الصحاح عن  تعريف الذكرى والناقوس و النقس ( التذكر مقاومة ضد النسيان، ويكون الذِكر باللسان أو بالقلب ، و الذكرة نقيض النسيان ، والذاكِرة مؤنث ذاكر وهي قوة نفسية تحفظ الأشياء في الذهن وتُحضرها للعقل عند الاقتضاء ، و الذكرَة نقيض النسيان وتذكر الشيءَ بمعنى ذكره والناقوس قطعة ٌ طويلة ٌ من حديد أو خشب يضربون فيها لأوقات الصلاة وربما استعملوا كلمة الناقوس للجرس وجمعها نواقيس ، والناقوس ُ صوِّت و النَـقس ضرب من النواقيس ).


 والذكريات قسم منها حلو وقسم منها  مـرّ ، فكتابة الذكريات وتدوينها  يقينا من آفة النسيان ، إذ كلما تقادم الزمن تضعف الذكريات وتتداخل معها  الحكايات والإضافات وفي أحيان كثيرة يأتي من  يشوه صورتها الحقيقية  من  الحاقدين والمغرضين من  حثالات النظام البائد الذين أعـدهم و سخـرّهم لهذه المهمات القذرة ، خصوصا عندما يتعلق الأمر أو الحكاية بالمناضلين والوطنيين الشرفاء . 
 
وحتى لا تضيع الذكريات والمواقف الشجاعة، على  أثر الكم الهائل من الضغوط  والماسي اليومية التي تحط  فوق رؤوسنا كالصواعق ، قاتلة فينا الأمل والتأمل، فالكتابة عن هذه الذكريات والأحداث والسنين العجاف بالإضافة إلى انه واجب أخلاقي وإنساني ووطني لنقل صورة حقيقية عن فترة زمنية وما مرت به من أحداث وتطورات، وكذلك  نكتب  كي نفرغ شيء بسيط من أحزاننا وأيام لا بل سنين طوال من الضيم والظلم والموت والرعب دارت رحاها علينا وحطت  فوق رؤسنا ورؤوس من بقي معنا عشناها بحذافيرها بكل تفاصيلها ومآسيها وهموم حربها وتجويع حصارها وسياسة قمع جلاديها. أنها هموم وويلات لا حصر لها وهذه نتائجها المرعبة تحل الآن على العراق وشعبه أيام أثقل رعبا وأكثر موتا ً  واشد قسوة ومرارة .
 
من المفارقات في حياتنا أن الذكريات تثير الفرح والحزن فينا في ذات الوقت ، لكن نصيب الوطنيين والتقدميين الثوريين والطيبين والمخلصين للقيم النبيلة من الذكريات الحزينة والأليمة الحصة الأكبر أي كما يقال " حصة الأسد "!

فمتى وأين ومن يكتب ويفضح ويضع إصبعه على الجرح ؟
 ومتى نكرم المضحين وننصفهم !
وكيف نطهر الأماكن الجميلة والمؤسسات النزيه الجديدة التي نذرنا أنفسنا لها من الانتهازيين و الوصوليين ؟ لا أعرف كلما أشاهدهم أو أسمع بهم " الإنتهازيين والوصوليين ومن لف لفهم "  أتذكر دائما ً صورة خنازير " جورج أورويل " الكاتب البريطاني الشهير بروايته الرائعة  " مزرعة  حيوان " !!!!  التي كتبها عام 1944 .........  أنهم فعلا ً خنازير "جورج أورويل " السافلة !   
ومتى يكتب البعض بصدق ونكران ذات دون التميز على حساب المصالح والغايات والمنافع  !
أعود إلى موضوعي فالحديث يطول والشجون تزيد فكل يوم يظهر لنا شيء  مرعب جديد  ؟!

عند كل شعوب الأرض تشاهد ،  أناس تحتفل بأفراحها ..... وأناس تحتفل بأحزانها .....  هكذا هي سنة الحياة ، لكن الناس في بلادي ما أكثر احتفالات أحزانهم ومآسيهم . فصانعي أحزان ومآسي  بلادي كثر ٌ . 
 وكل شعوب الأرض تكرم شجعانها و مناضليها وتكتب في فترات لاحقة حول مآسيها والويلات التي مرت عليها وتكتب عن المضحين الشجعان من قدموا أموالهم وحياتهم و أرواحهم في سبيل الحرية وإرساء أسس العدالة ونصرة المظلومين والمضطهدين.

كيف ننسى ذكريات الأحبة والأصدقاء والأهل والنجباء والمناضلين  وخصوصا ً الشجعان والمضحين منهم !!
الذين سجلوا أروع صور البطولة والصمود والتضحية بوجه الطغاة والجلادين، الذين قدموا أرواحهم وشبابهم في سبيل إسعاد الآخرين من أجل الوطن والحرية ، أنهم نصبوا أجسادهم وأرواحهم الطاهرة ألوا دعة بكل صدق وعزيمة ، نصبوها جسورا ً ليمر فوقها موكب العابرين إلى دروب الحرية والتقدم . بعد أن آمنوا بمبادئ الحب والعدالة والمساواة والإنسانية والخير .
ولم يهادنوا أو يساوموا حتى في أصعب المواقف وأشدها ، أنهم بحق (( أبطال أشداء )) و (( مضحين أفذاذ )) أنهم ناقوس يدق في عالم النسيان ....... إنها أصوات مدوية .......  أنها نواقيس تدق بغير استئذان في  قلوبنا وعقولنا ، فذكراهم  وتخليدهم وأنصافهم  واجب أخلاقي و إنساني علينا.
 
لقد كتبت في كتاباتي السابقة عن  شخصيات مختلفة اكن لها كل التقدير والثناء والإعجاب و سوف أتناول بكتاباتي  كلما سمحت لي الظروف بالكتابة عن أحد هؤلاء الأبطال أو البطلات ضحايا الإرهاب الفكري والعنف والاضطهاد السياسي وويلات الحروب وقسوة ظروف العيش من الذين عايشتهم وصادقتهم وزاملتهم أو من الذين استفدنا من أفكارهم و دماثة أخلاقهم وتفانيهم وحبهم للناس وعمل الخير سواء كانوا من الأقارب أو المعارف  ومنهم أبي العزيز معلمي الأول(المرحوم  غازي رمضان الأميري ) والمناضل المعلم الشهيد (حميد شلتاغ  أبو مجيد  ) والغالية الشهيدة (  بدرية داخل علاوي أم مجيد ) والشهيد (عبد الرزاق سهيم علاوي) و الشهيد ( كريم حميد شلتاغ ) والشهيد ( نعيم خلف الأميري ) و الشهيد ( نبيل علوان شلتاغ )  والأحبة الأصدقاء الشهداء صالح عزيز الصالحي  ويحيى ظاهر حسين  ويشوع مجيد هدايا و محمد حاتم البطيخ وعاصم وهاشم رشيد الكرادي وجبار عبود طعمة  ( أبو صبا )  محمد حبيب النصر والسيد عز الدين الخطيب، والأصدقاء الأحبة الذين رحلوا عنا مبكرين بسبب الحروب المدمرة وويلاتها ومأسيها ومنهم ( عبد الحسن يوسف ( أبو عذراء ) و الأستاذ محمد حسين الزماخ ( أبو فراس )  و حميد شيحان و ثامر نذير الربيعي و عبد الكريم كاظم ذياب واحمد عبيد "المصور "  وأياد كاظم  وفرحان الجيزاني  لهم منا الذكر الطيب والدعاء بالرحمة والغفران  ) و عشرات العشرات غيرهم من الطيبين والأصدقاء من الشهداء والضحايا والوطنيين النجباء وهذه المقالة أخصصها لصديقي العزيز الشهيد  " مهدي حمد الخزرجي  " إكراما ً لتضحياته وحبي وتقديري له ولها ! .


"مهدي الحاج حمد  الخزرجي " واحدا ًمنهم ، مهدي أخ وصديق وزميل ورفيق ، أن أعز الأصدقاء أقربهم للنفس من تتعرف عليهم خلال فترة بواكير الشباب ، وتمتد علاقتك معهم بصدق ومودة ، يتخللها التنافس الشريف في الدراسة والعمل والتضحية وفعل الخير ، لا يفسدها الحسد والغيرة والمكر والطمع والمال والمناصب . تعارفنا منذ بواكير الشباب ، يسبقني مهدي بالمدرسة بصف دراسي واحد ، مدرستنا واحدة. نسكن متقاربين في  نفس الشارع في محلة السعدونية / العزيزية ،  في حارة واحدة تجاورنا في حارتنا عدد من بيوتات الجيران الطيبين .

 
هذه الصورة ( رقم  1 )  في مدينة العزيزية  صيف عام 1973 الوقوف من اليمن محمد علي ، الشهيد مهدي حمد ، حمودي ناجي ، صلاح مهدي ، يحيى غازي .

كان يجاور  بيتنا بيت ( سيد أحمد الصميدعي ) وسكن بعد انتقاله إلى بغداد  بيت ( أبو نجاة ، عبد الله الباش كاتب ) ثم يأتي بجواره بيت  ( محمد علي ) و بعده بيت ( حامد إسماعيل الزوبعي أبو منعم  ) وبيت( عبد الحسين حبيب الربيعي) وبيت ( سلمان عبد على أبو جابر ) وبيت(  مهدي الشلال أبو فالح  ) ثم بيتان متجاوران يعودان إلى( أهل مهدي  بيت الحاج حمد حسين ) و من الجهة المقابلة  بيت ( إسماعيل المعطي وبيت يحيى إسماعيل المعطي  ) و بيت (احمد المسيكي ) وبيت (  الحاج هارون الدوري أبو رعد   ) وبيت ( الحاج حنطة ) وبيت( عبد الله الدوري أبو نشأت  ) ثم  بيت (الحاج إسماعيل) وبيت (عبد الرضا مهدي أبو صفاء ) ويجاورنا من الجهة الثانية بيت ( الحاج علوان ) والذين تم تسفيرهم إلى إيران في منتصف السبعينات في( حملة التبعية الإيرانية ) وقد سكن في مسكنهم ( طاهر حبيب الربيعي أبو مشتاق ) إذ كان متزوج من إحدى بنات الحاج علوان ، ثم يله بيت (الحاج عيسى هاشم  البدري أو الحاج  عيسى الكاتب كما كان يلقب ) دعائنا بالرحمة والمغفرة لكل من رحل منهم والدعاء بالصحة والسلامة للأحياء منهم .

 كان شارع  حارتنا من  الشوارع النظيفة ، والهادئة في المدينة فهو مبلط  بشكل جيد وفيه شبكة تصريف للمجاري ومياه الأمطار وكانت تشمله خدمات جيدة  في التنظيف من بلدية المدينة، ترتبط معظم بيوتات هذه الحارة بعلاقات صداقة حميمة جميلة.
 كان  مهدي يتمتع  بعديد من الخصال اللطيفة الجميلة هي التي جذبتني إليه ووثقت صداقتنا ، إذ كان مهدي شغوفاً بالمطالعة وحب القراءة ، للكتب والدراسات والقصص و الروايات ، منذ فترة الدراسة في الإعدادية  ، كنت ُ أجد فيه شيئاً يشبه تطلعاتي وقريباً جدا ً من أفكاري ، كنا نتناوب بقراءة الكتاب أو القصة الواحد بعد الأخر وبعدها نتناقش ونتحاور بمحتواها !!

كنت سعيداً جدا ً بصداقتي به ، فمهدي طيب القلب ، صادق ، أكثر ما يكره الكذب والنميمة ، مهذب ، أنيق المظهر ، شجاع في طرح آرائه  والدفاع عنها ، غير مراوغ ، وأنا أخط كلماتي كانت صورة عيناه الزرق بنظراتها الذكية وهي ترصد الأحداث وتحركات الذئاب ترتسم من جديد أمامي .   

بعد أن اكمل الدراسة الإعدادية  قبل في المعهد الزراعي العالي في بغداد / أبو غريب  في عام 1971 قبلي بعام واحد إذ  أني في عام 1972 التحقت به للدراسة في نفس المعهد . في تلك الفترة كان المعهد الزراعي العالي يتبع إلى جامعة بغداد ثم غير أسمه إلى اسم المعهد الزراعي الفني بعد تحويله إلى مؤسسة المعاهد الفنية . 
منذ اليوم الأول لوصولي للمعهد عرفني ( مهدي ) على أصدقائه وزملائه من طلبة المعهد وطلبة كلية الزراعة ، إذ كان المعهد الزراعي يقع ضمن نفس بناية كلية الزراعة .


 
صورة رقم 2 ، سنة 1973  في إحدى كازينهات شارع أبو نؤاس من اليمين الشهيد  مهدي حمد، أحمد مسير ، يحيى غازي ، عباس عجام ، عزت عبد الله ، محمد الأحمر، ومحمد عجام  شقيق عباس عجام وكان طالب في كلية الهندسة بجامعة بغداد .
   
كان ( لمهدي ) العديد من الأصدقاء وزملاء الدراسة ( في المعهد الزراعي ) من مختلف الأطياف(  القومية والدينية والسياسية ) ومن الأصدقاء الذين استمرت علاقتنا بهم أتذكر (  أكرم كليانه /من عينكاوة  ، أحمد مسير /بغداد ، عباس عجام /الحلة  ، حنا المصلاوي ، محمد الحلاوي ( محمد الأحمر إذ كان شعر رأسه أحمر هكذا كنا نسميه )  و جمال بيون/ بغداد وهاشم خيون /الناصرية  والعديد من الزملاء الذين لم أعد أتذكر أسمائهم ، بالإضافة إلى قسم  من الطلاب من  أهالي العزيزية  كانوا مع دورة مهدي في المعهد منهم ياسين حسن راضي وغازي عليوي القره غولي وحافظ صكبان ، وبالمقابل عرفته على أصدقائي وزملائي وزميلاتي  ومعارفي ومنهم الشهيد يشوع مجيد بهنام( هدايا )، والشهيد سلمان منسي، والشهيد يحيى ظاهر حسين ، وسليم فليح الزبون ورحم صاحب وجواد كاظم ايدام و سمير عيسى هاشم ، وحلو غالي ، وطوكان عكلة  وطالب شمرن ، شاكر فاضل وسامي متي، وعبد الرضا كمير الشمري ومحمد العبودي وسلام إبراهيم ، وعبد الهادي جميل، وسمير صنكور ، ومنذر عطوان الزهيري ، وحميد ، وصلاح عودة من أهالي الناصرية  والعديد من الأحبة الطيبين .


 صورة رقم (3 ) سنة 1974 في إحدى  حدائق كلية الزراعة والمعهد الزراعي  أبو غريب ، في الصورة الشخص الواقف الأول لم اعد أتذكر اسمه من كلية الزراعة  الجلوس يحيى غازي ، عبد الهادي جميل من كلية الزراعة  ، منذ عطوان الزهيري ، والذي بعده  لم اعد أتذكر اسمه ، والواقف خلفنا طالب شمران .
 
كنت والشهيد الصديق( مهدي ) نعمل سوية منذ أيام الدراسة  الإعدادية في مدينة  العزيزية بـ ( اتحاد الطلبة العام ) وعند أول يوم  لوصولي المعهد عرفني ( مهدي ) على زملائه في تنظيم ( اتحاد الطلبة العام ) فباشرت عملي معهم  بكل همة ونشاط .
كان(  مهدي ) من الطلبة المتميزين في حسن سلوكه وكثرة نشاطه التنظيمي بين صفوف الطلبة .
 
لقد تعرضنا خلال تلك الفترة إلى العديد من المضايقات والاستفزازات والاعتداءات في المعهد الزراعي من قبل عناصر الاتحاد الوطني لطلبة العراق وجلاوزة أجهزتهم الأمنية ، حتى وصلت في أحيان كثيرة إلى الشتائم والضرب والعراك ، وأتذكر واحدة من هذه المشاجرات العنيفة حدثت في عام 1973 ، إذ حدث ( شجار ) بين مجموعة من الطلبة في ( نادي ومطعم  كلية الزراعة) لينتقل إلى معارك قوية بين مجموعة من أعضاء اتحاد الطلبة العام مقابل عدة مجاميع من الطلبة من الاتحاد الوطني ، وقد استمرت المشاجرات والعراك  عدة أيام  متتالية بعد أن انتقلت معظم المشاجرات والعراك إلى ساحة المعهد الزراعي أيضا ً إذ كانت تنظيمات ( اتحاد الطلبة العام ) في المعهد الزراعي  وكلية الزراعة من المعاقل القوية في تلك الفترة و كانت بنايات وحدائق المعهد الزراعي وكلية الزراعة  متداخلة لا يوجد بينها فواصل أو حواجز أو أسوار  ، لقد نال عدد غير قليل من أعضاء  " اتحاد الطلبة العام  " ومعظمهم من طلبة المعهد الزراعي، أذى جسدي كبير ، بعد أن تم تحشيد أعداداً كبيرة من ( البعثيين والاتحاد الوطني ) يقودهم ويوجههم  معاون العميد آنذاك (:::::::::) إذ كان يتم الاعتداء على ( نشطاء اتحاد الطلبة ) بشكل مخطط  له إذ وضعت أسماؤهم في قوائم وكل واحد حشد ضده مجموعة كبيرة من عناصر الاتحاد الوطني ، فكان يتم الهجوم و الاعتداء على من تم  أدرج اسمه في قوائمهم ، كان هجماتهم  بشكل جماعي وفي مختلف الأماكن حيثما  ينفردون به  مثل ( نادي ومطعم الكلية أو المعهد أو في القاعات الدراسية أو في حدائق الكلية ) كان الاعتداء يتم أمام جموع الطلبة.
 
لقد أرادوا من هذه العملية زرع الرعب والخوف في صفوف الطلبة غير المنتمين لتنظيماتهم ! أثر هذه الاعتداءات تم نقل العديد من الطلبة المعتدى عليهم ( جميعهم من اتحاد الطلبة ومن الشيوعيين) إلى المستشفى، واضطر آخرون إلى ترك الدراسة عدة أيام إلى أن هدأت الأمور ، وقد كنت وصديقي الشهيد مهدي من ضمن من تركوا الدراسة خلال تلك الفترة، كان للشهيد " سلمان منسي " الفضل الأول بإنقاذي وتخليصي من هذا الاعتداء إذ أخبرني  بعد علمه بهذا التحشيد إن أسمي قد ادرج ضمن القوائم التي أعدت، وقتها كنت في القسم الداخلي للمعهد والذي يقع في نفس بناية كلية الزراعة  وقد غادرت المعهد والقسم الداخلي بعد لحظات من أخباري ، وذهبت متوجها ً إلى بيت الشهيد ( مهدي ) وكان يسكن في بيت شقيقته في منطقة (البتاوين ) وأخبرته بالتفاصيل، إذ كان أسمه قد ادرج في نفس القائمة ومن أصدقائنا الذين أتذكر أسماؤهم من وقع الاعتداء عليهم ( عباس عجام من الحلة  ) من أهالي الحلة و ( احمد مسير من بغداد ) و( محمد الأحمر من الحلة) و(هاشم  خيون من الناصرية ) لم تسعفني الذاكرة بتذكر الآخرين في هذه اللحظات .
أغلب الأيام نقضيها بصحبة العديد من الأصدقاء بعد الدوام في الأماكن والمنتديات الثقافية والمسارح والأفلام السينمائية الهادفة والحوارات الأدبية والفكرية الجميلة .

استمرت علاقتنا وصداقتنا بعد تخرجنا وأصبحت أكثر تفاهما ً ومودة ، كانت المطالعة لا تغادرنا  بل أصبحت شيئاً ملاصقاً لحياتنا تماما ً لقد جمعتنا هذه الخصلة بالعديد من الأصدقاء من محبي المطالعة والقراءة المستمرة وكان من أبرز الطلبة الذين شاركونا في هذه الهواية ( المطالعة )من طلبة المعهد الأعزاء  الشهيد يشوع مجيد هدايا/ رئيس حركة تجمع السريان المستقل والشهيد سلمان منسي الذي استشهد في إحدى معارك الأنصار في شمال كردستان و صديقي العزيز سلام إبراهيم الذي اصبح الآن كاتباً وناقداً وقاص ٍ متميز والذي يعيش لاجئ في الدانمارك .

يتبع الحلقة  الثانية

حزيران 2007






157
                             
     خاطرة  وحكاية .... بعنوان تهديدات ودعاء

 

 

                 مهداه  إلى العزيزة أمي المتغربة بوطنها !! ...... بمناسبة عيد ميلادها80


 

يحيى غازي الأميري

مايس 2007   

 

 لقد مرت فترة طويلة  من السنين العجاف كانت الأزمات والمضايقات والاعتداءات من أبرز سماتها ، تنهال علينا هذه المآسي  بغير مواعيد و أسباب  كنت كلما احتجت إلى ركن هادئ  ألوذ  به  بعد أزمة مرعبة وجهد وعناء  وللتخفيف من التوتر وضغط هذه الأزمات وخصوصا التي تأتي بشكل مفاجئ  وحتى قسم منها تأتي من الأصدقاء أو الأقرباء أو المعارف  أو كلما ضايقني أو شتمني  أحد ٌ بلا سبب .

 

كنت قد استقليت عن أهلي وكونت  بيتا ً وأسرة لكني كنت دائما ً أذهب  حيث مكان  الصدر الحنون أبث  له شكواي ونجواي كلما عصفت بي النائبات  ، أذهب إلى بيت أمي واجلس جنبها ، وبعد أن أقص عليها كل الحكاية ، تقاطعني أحيانا ً مستفسرة أو لغرض أن أوضح لها شيئا ً ما ، وفي اغلب الأحيان كانت تتركني استرسل بالحديث وكلها أذان صاغية ! فبعد أن أهدأ . ترسل نظراتها في صمت عبر زجاج النافذة  إلى السماء  ومن ثم تسترسل بمتمتمة و دعاء !

 

 واضعة يدها فوق رأسي ومنشدة  بصوتها المهموم والمحزون" دللول دللول يالولد يبني دللول عدوك عليل وساكن الجول"

 

كانت هذه الكلمات تزيح عن كاهلي اثقل الهموم، وترد لي الهدوء والسكينة فاشعر أن قلبا ً رحيما ًيشاركني الهم ويدعو لي ودعاه المؤمن مستجاب واجمل ما يكون من قلب الأم!

 

 قبل أيام شتمني وهددني وتوعدني محذرا ً ومنذرا ً   " شخص ما " إذ تكرم وأمطرني  بعدة رسائل إلكترونية  وابرز ما في رسائله  بالإضافة إلى السب والشتم لغة كنت قد فارقتها منذ سنوات خلت لغة التهديد والوعيد التي مزقتنا ودمرت وطننا وشعبنا  لغة السلطة الغاشمة المقبورة ، أنها نفس اللغة الوقحة الخالية من اللياقة ، أنها لغة الإرهاب والعقاب .... ففيها يتوعدني و يحذرني و يأمرني !!

 لم أتمكن من معرفة دوافعه ومن يقف وراءه  ؟

ويطالبني كأنه ولي نعمتي أن أكف وأتوقف عن الكتابة عن مأساة وويلات  الوطن وأهله بكل أطيافه وخصوصا ً أقلياته  وإلا فقد وضع لي جزائي الويل والثبور.....

 

أن الأستاذ صاحب الرسائل لم تربطني به علاقة قديمة  والغريب انه قبل  ان يمطرني برسائله القادحة كان قد بعث لي قبل  سبعة اشهر تقريبا ً رسالة مفاجئة لغرض التعارف لكنها  كانت والحق يقال رسالة مادحة ، واستمر يغمرني برسائله  وهي تحمل المديح والثناء  والتأييد  لكتاباتي وأرائي وما اطرحه فيها وكنت أرد على رسائله بتحيات مماثلة أو تزيد من كل قلبي .....  إلى أن فاجئني مرة أخرى برسائله القادحة !

وهكذا تحولت رسائل  صديقي  الجديد من طور المديح  و المساندة والثناء إلى طور جديد إلى القدح و الانتقام  والهجاء !

فالتزمت جانب الصمت وعدم الرد احتراماً لنفسي وصوناً لها  من الانزلاق في مهاترات لست بصددها ولم أعرف مراميها ومقصدها !؟

 

 

  وبعد عدة أيام  من ورود تلك الرسائل  هاتفت أمي شاكيا ً لها هذه الرسائل شارحا ً لها تفاصيلها ، وأغلقت الهاتف وتركتها قرابة  أربعة أيام وعاودت الاتصال هاتفيا ً مرة ثانية بها.....  وكنت قد هيأت لها كلمات جميلة وددت أن تسمعها بمناسبة  عيد ميلادها 80

 

ألو  ألو......

هلو يمة  بادرتها كل عام وأنت بألف خير .......  و أدعو لك بطولة العمر والصحة والسلامة !

 وبكلمات كانت تخالطها العبرات والاستفهامات أجابتني :

 

يمه أشكرك بس أطيني مجال أحجيلك ؟

أسمعني يمه !

تفضلى يمه ... أجبتها وتركت لها الحديث !

فبدأت حديثها :

 

((  " يمه لعد  لهناك  وهم  لاحكينك "

" يمه كلبي وياك "

" أتركه يمه أتركه خلي دائما عقلك اكبر منه، خلي عينك بعين الله "

 

" يمه  بس خبر اخوتك وأصدقائك باسمه أصله فصله إذا عرفته ، خاف أيصير عليك عليهم  شيء ، يمه  تره  الوضع مو أمان ، والقتل صاير بالمجان  على أي حجاية  أو وشاية "

" يمه يحيى  تره الناس بعد ما  تنحزر ، الوكت أتبدل  "

" يمه أسمعني زين يمه  هواي  أكو ناس متعافية  هذا هم واحد منهم "

 

"يمه أيجوز هذا ما شايف وما عايش الظلم والضيم والحروب والحصار وما عنده أهل وأم و أصدقاء  أهنا باقين ، ميخالف يمه تحمل أحنه هم أهنا أشكال نتحمل تهديد وحجي "

أولـَدي  دير بالك أتسب أو تشتم أو تجرح  بالكلام  تره كلش عيب الشتايم والسباب !

 

"ويمه عزيزي يحيى  أنت بكيفك تريد تكتب ما تكتب بس وضعنا أنت جاي تشوفه وتقره عليه "

 

وسحبت  نفسا ً عميقا ً وراحت تنشد بصوت تخالجه العبرات : دللول دللول  يا لولد يبني دللول عدوك عليل وساكن الجول ))

 

تركت أمي تولول وكتبت هذه السطور بعد أن فوضت أمري إلى الله !

 وابتهلت إلى الله أن يطيل من عمرها ويمنحها الصحة والعافية !

 

 

 

يحيى غازي الأميري

مايس 2007   





158
                                             
تأملات وأحلام قبل وبعد سقوط النظام


 

 

يحيى غازي الأميري

أيار 2007

 

الحكاية الأولى

 

قرأ آلاف من المقالات و الكتب المتنوعة بمحتوياتها  وآرائها  واستمع لمثلها من الحكايات ، ينتقي أجود أفكارها يخزنها في حافظة  رأسه ، متأملا ً ساعة الفرج كي يبدأ ببث ما حفظته الذاكرة المرعوبة ، ورصدته التجربة المريرة الطويلة ، متأملا ً أن يحقق ما تبقى من الأحلام والآمال المسلوبة.

كان يحلم أن يسود العدل ويعم الرخاء والأمن والسلام وترجع قصص الحب والأخوة والوئام  والتفاهم والانسجام ، ويسود التسامح والصدق ونكران الذات من جديد ، واهم شيء كان يحلم به أن يأخذ كل ذي حق حقه ! كان لا يؤمن بمبدأ من أين لك هذا إذ كان يقول كلمن يأخذ حقه هو نفس المبدأ تقريبا ً إذ يوجد فيه نفس الحساب والكتاب ؟

 

وبعد معاناة وقسوة سنين طويلة من  الانتظار الملفوفة بالذل والإهانة  والقهر والفقر والتجويع والترويع  والحرب والحصار، سقط النظام .

هبت رياح الحرية والتغير لتحقيق الأحلام ، صدحت البيانات والبلاغات والتصريحات ، وهبت معها الجموع الجائعة  الزاحفة للحرية والبناء بعد طول عناء ؟مطلقة ً العنان للطبول والزغاريد والهوسات والطلقات ، لا شيء يعلو فوق صوت الحرية .....  كان هذا من أبرز الشعارات.

تيمنا ً بشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة  "  العربي الأصيل " ! 

ولم يقف أخونا العزيز متفرجا ً بعد هذا الحدث بل خرج إلى الشارع بصحبة أمه المريضة الكبيرة بالسن وجميع أفراد عائلته وهو يتقدم الجموع بالهتاف وقد ركز في هتافه على شعار ( هذا اليوم لجنه أنريده ) أي هذا هو اليوم الذي ننتظره وكنا نتمناه .

 ثلاثة أيام بلياليها لم يهدأ من ترديد الهتاف حتى في المنام والحمام !

 

وهرب من هرب واختفى من اختفى من أركان النظام، ما هي إلا أيام رباه ما هذا؟

ماذا حدت ويحدث في البلاد ؟

 ماذا جرى للعباد ما هذه ، هذه كوابيس مرعبة من الأحلام والأيام ، استقبال لقوات المارنيز، عصابات تعمل شركات متحدة مع المافيات ، حيتان تظهر للأعيان حيتان  تسند حيتان ، فرهود يضرب طول البلاد بعرضها ، طائرات وجمال وسيارات وحمير و قشامر من البشر تحمل " تسرق "  النفائس والمجوهرات والذهب والآثار والدولار، فككت المصانع والطائرات والمنشأة لتباع خردة بالأطنان ، ضاعت خزائن  الكتب والمكتبات، ولم تسلم حتى خزان الأئمة ومراقدها !  أحرقت الأضابير والمستندات والوثائق والاتفاقيات!

فرهود يا عباد الله صاحت الناس بالناس ! أما تصدير البترول أو كما يسمى النفط فهذا حديثه ذو شجون ، أما بلدان الجوار فهي تسرح وتمرح على راحتها والحمد والشكر لله على هذه الأخوة الفاضلة وهذه النخوة الأخوية العربية وغير العربية ،وفد قلت أنواع المسكرات وزادت محلها المخدرات، اختلط الحابل بالنابل وضاعت الأرقام والأوزان ، بعد أن ضرط الوزان فتاه الحساب والعرفان وفلت الأمان !

وحل الآن مسلسل طويل الأمد يسمى مسلسل إشاعة الانتقام والخصام ، كاتبه قدير ومفكر كبير ومعتمد على مخرجين كبار وممثلين ذوي  تحصيل علمي وتجربة وخبرة طويلة وكبيرة ؟

والمسلسل يعمل في كل مكان وكاتب السيناريو لم يزل يكتب والحبل على الجرار !

 بالمناسبة كثير من العوائل العراقية التي ترغب بمتابعة المسلسل عبر الفضائيات المتعددة الأطياف والأهداف لم تتمكن من ذلك بسب الظلام الدامس نتيجة انعدام الكهرباء و الأمان ، لكن والحمد لله المسلسل موجود في كل أرجاء العراق فقد دخل في كل مدينة وحارة وشارع على ارض الواقع !

 

الحكاية الثانية

ها هي تمضي السنوات الأربع  الوحدة تلو الأخرى  أربع سنوات ونيف من الأشهر والأيام والمسلسل مستمر وزادت معه نسب الخراب والانحطاط ! وقسم منها وصلت إلى اسفل السافلين !

 

نرجع إلى صاحبنا المسكين والذي اعتكف لفترة طويلة جديدة في منزله اثر الصدمة النفسية التي ضربته و أفقدته رشده ، وخلال هذه المدة ونتيجة ملحة و تدخل الأهل والأقارب والأصدقاء ونفاذ ذخيرته من المال وقلة مساعدات الأخوان من الخارج ، أضطر إلى أن يعيد النظر بوضعه  الاقتصادي ونشاطه التجاري أو الوظيفي أن رغب !

ويخرج من رعبه وحلمه ويعمل حاله حال العباد ، فليس هو بأول مثقف وثوري ونبيل ونزيه يتعرض لهذه الصدمة غير المتوقعة ،ولا أخر واحد فقد شملت المصيبة ملايين غيره ، لذا قالوا له أنظر المصيبة عامة " موعبالك بس أنت " !

وقد اخبرنا الصديق العزيز أن الوضع ليس جميعه سيئ بهذا الشكل فقد كانت خلال هذه الفترة أيضا ً إيجابيات وإنجازات وعلى رأسها أو كما يقال أبرزها و أهمها :

حرية الانتخابات، رغم انتشار المفخخات !

وتعدد أنواع الانتخابات ، وكثرة القوائم الداخلة فيها وهذا مكسب كبير بحق ذاته .

 

وقدت مورست إحدى العمليات الانتخابية  الديمقراطية على أعلى المستويات لغرض اختيار رئيس للوزراء وجاءت النتائج بعد فرز الأصوات وسط "جو مشحون بالهمسات "  وجاءت النتائج  بفارق صوت واحد بين المتنافسين ، ولكن للأسف الشديد لم يستلم أي من المتنافسين  منصب رئيس الوزراء بعد طول نقاش و عنف جدال استمر لعدة شهور!

 

ذهب الحزب الواحد وكذلك معه القائد الأوحد ووزعت مقراته  ودور الرئاسة أو كما كانت تسمى قصور الشعب للشعب لغرض إسكان المواطنين والمشردين !

اختفى الزيتوني ورجاله ، وتعددت دور النشر والإعلام، إذ هنالك الآن مئات من الصحف والمجلات والفضائيات ليس حكرا ً على جهة واحدة فقط كما كان الوضع قبل  سقوط النظام !

وكذلك تشكلت عدة مئات من الأحزاب وعدة مئات أخرى من المنظمات الجماهيرية الدينية والثقافية والإنسانية والنقابية مختلفة الأهداف والارتباطات وحتى شكلت في العراق أكبر تشكيلة وزارية  في المنطقة وظهرت للوجود وزارة لحقوق الإنسان

وللحق أن الشيء الملفت للنظر بعد ما كو عيب من التبعية الطائفية أو القومية وكل شيء اصبح على المحاصصات ابتداء ً من البرلمان إلى كرسي الرئاسة والوزارة !

وتوجد هيئة للنزاهة  لمحاسبة سراق المال العام ، تشير التقارير  إلى  أن مبلغ السرقات  يقدر بين 8 إلى 11 مليار دولار خلال هذه الفترة .

وكذلك مبادرة المصارحة والمصالحة وخطة فرض النظام و إعادة الأمان !

ولو تشير المصادر والتقارير  إلى وجود ما يقرب أربعة ملايين عراقي بين مهاجر أو مهجر أو هارب أو لاجئ خلال هذه الفترة. 

اكتفى صديقنا بإيجاز هذا القدر من ابرز المنجزات رغم وجود كم هائل منها!

 

لم تكن خيبة الأمل وعدم تحقيق الأحلام هي السبب في عدم اشتغاله وبحثه عن عمل جديدة ومفيد، إذ أن في داخله خوف من الموت بعد أن بات يترصد الجميع وفي كل اللحظات  أو كما يقال "واقف بالمرصاد "

 

كان التفكير قد أجهده كثيرا ً فالوضع مخيف ومقلق ومتعب ، فالنهار للمفخمات والليل للظلام و للهاونات  ، أمه لا تكف عن الأنين والشكوى فالمرض والهم  وكبر السن أخذ يؤرقها، لم يزل الحزن باديا ً عليه رغم مرور عدة أشهر على فقدان أخيه  بسيارة مفخخة في مسطر العمال بساحة الطيران ، الذي زاد من الهم الكبير الذي يحمله خصوصا بعد أقتلع عنف طائفية الصبيان عين ابنه البكر قبل عام .

هندم نفسه وصفف شعره وارتدى البلدة الرصاصي مع القميص الأسود ، لم يستعمل ربطة العنق هذه المرة وذهب إلى موعد المقابلة !

كانت تلاحقه كلمات دعاء زوجته له بالتوفيق ، وهو يغلق الباب الخارجي ! محروس بالله أخر كلمة سمعها !

 

 ما أن فتحت له  زوجته باب البيت حتى قذف بجسده المتعب على الأريكة التي تتناثر فوقها  قمصان من ملابس الأولاد ودمية من لعب الأطفال ، طردت الزوجة الأولاد والذباب إلى باحة البيت وأغلقت الباب ، وفتحت جزءا ً  من الشباك، وراح هو يجول بنظره كانت عيناه لا تستطيع التركيز ، الوجه مغبر ، يداه لا تقوى حتى على نش الذباب!

ناولته زوجته قدحا ً من الماء .....   مد يده وشرب القدح بتمهل .

 

ماذا جرى لك ؟ 

هل قبلوا تعينك عندهم فهم يعرفون إمكانياتك الأدبية والثقافية ويحتاجونك هم اتصلوا بك ؟

ـ كان يلملم أفكاره وزوجته تزيد من استفساراتها !

 حدثني ؟ بنبرة إلحاح تحدثت الزوجة . 

أمه تسترق السمع ، وهي تجلس في طرف القاعة البعيد ، وتنشد من حين إلى حين نشيدها اليومي بصوت يخالطه الأسى والحزن ( دللول  دللول يا لولد يبني ... دللول ... عدوك عليل وساكن الجول )

 

حدثني ؟ كررتها عليه مرة ثانية !

 

 ـ  كنت أسيرو متمهلا ً ... كان كل شيء في الشارع هادئا ً...  كنت اجمع أفكاري و أعيد ترتيب المواضيع التي يجب أن أتحدث بها في المقابلة ، حب الوطن ، الصدق ، الإخلاص ، لا للعنف ، الإرهاب والاحتلال عدونا ، الطائفية مقيتة وبغيضة ، العدل أساس الملك ...  صوت وابل من الرصاص قطع تفكيري وجعلني أتلفت مذعورا ً ...  أزيز الرصاص من كل الجهات ، لم استطع معرفة مصدره صوت يصرخ بي أركض ...... أركض بسرعة!

وصوت أخر يصرخ انبطح ...  أركض !

،وتعالت الأصوات أركض ...  أنبطح  !

 صوت أخر قوي يصيح  " حمار "  أشطلعك بهذا اليوم وين عايش أنت مجاي تشوف الدنيا مكلوبه !

انسحبت الزوجة بهدوء وتركته يغفوا على راحته ...

 

يفز مرعوبا  على صوت انفجار مدوي كانت غفوة قصيرة بين حر قيظ بغداد ودوامة الخوف والقلق ، يتناول القلم ويخط على الورقة 

أحلامنا أبلام  من الورق في بحر من القلق ، لقد مات الحلم و انِسرق !

 

 

 

 

 

يحيى غازي الأميري

أيار 2007

 

159
الشيخ الجليل وصديق الحق و المدافع عن حقوق المظلومين علي القطبي (رعاك الله )

       

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) القرآن الكريم  سورة المائدة / الآية 69

 

أخوكم

يحيى غازي الأميري

أحد أبناء الصابئة المندائيين

 

السلام عليكم .. ( أسوثه نهويلخون ) .. تحية عراقية طيبة..

 تحية واحترام :

جوابا ً على رسالتكم حول مؤتمر زيورخ

الشيخ  الجليل علي القطبي في البدء أتوجه إليكم بالشكر والثناء والتقدير لما تتناوله في كتاباتكم من طروحات ومعالجات ومواقف جادة وشجاعة وجريئة مستمدة من عزيمتكم وارشادكم وقوتكم ومن أيمانكم بالله ورسله وأنبيائه ورسالات السماء والقيم والأفكار الإنسانية النبيلة .

 

ليس غريبا ً عليّ أن أقرأ ما تناولته من تضامن أخوي أنساني في دفاعكم ومناشداتكم ودعائكم لإخوانك بالله والوطن والإنسانية  الصابئة المندائيين في أكثر من مناسبة  ومحفل ومقالة .

كيف لا وأنت الذي تردد في المحافل ومن على المنابر قول أمير المؤمنين الإمام (علي بن أبي طالب) ( رض ) البشر على مستوى واحد منهم (  صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق )

 

أيها الصديق الطيب لقد قرأت ردكم الكريم بمقالتكم القيمة (  الصديق المندائي ..غازي الأميري.. ومؤتمر زيورخ ) وكذلك قرأت  تعقيب الأخ المندائي الدكتور العزيز ( جبار ياسر الحيدر) على رسالتكم الكريمة  في موقع البيت العراقي  وكروب ياهو المندائي وما تناوله مشكورا ً في توضيح حب المندائيين للعراق وشعبه وتضحيات طائفتنا ودورها المشرف في العراق قديما ً وحديثاً ومأساتها والظلم والضيم الذي أصابها قديماً ويضربها الآن بكل قوة وعنف.

 

جزيل شكري لتقيمكم الجميل وإطرائكم اللطيف لما تناولته في بحثي المقدم في مؤتمر زيورخ وقد ورد في مقالكم أكثر من  موضع إطراء جميل وكذلك استفسار وفي بدايته الرسالة كان عتاب اخوي وسوف أحاول أن أجيب جنابكم الكريم على ما تناولته في رسالتكم  . 

 ورد في رسالتكم  إطراء ومديح  جميل لأسماء مندائية  أعتز بهم أنا أيضا ً معكم ، مشهود لهم في ساحات  العمل الثقافي وهم الأستاذ العزيز المعلم (عربي فرحان ) و الأستاذة العزيزة الأديبة(  راهبة الخميسى ) وبالمناسبة تضمني معهم الآن زمالة عمل ثقافي في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانين للصابئة  المندائيين أسست حديثا ً

 وكذلك شكركم  اللطيف على مساهمات العديد من المندائيين في الساحة الثقافة.

 

وشكركم الجميل  للقائمتين على دعوتكم للمؤتمر الرابع لاتحاد الجمعيات المندائية في المهجر الذي عقد في مالمو / 2006 والذي نشكركم نحن بدورنا مرة أخرى جزيل الشكر  لتلبيتكم دعوتنا وكذلك مشاركتكم لنا  في حملتنا التضامنية التي أطلقنا فيها صرخة استغاثتنا تحت عنوان (نداء استغاثة إنساني عالمي ، حماية الصابئة المندائيين وارثهم مسؤولية إنسانية  )والمنشور على موقع الحوار المتمدن وموقع اتحاد الجمعيات المندائية والبيت العراقي والناصرية نيت، والذي زاد عدد المتضامنين الموقعين لغاية الآن اكثر من 1700 من مختلف أنحاء العالم من  أحزاب سياسية ومنظمات دولية وإنسانية وشخصيات فكر وسياسة ورجال دين ونساء وأطفال وسوف أضع رابط النداء اسفل مقالتنا وندعها دعوة أخرى جديدة للتضامن والأخوة مع الصابئة المندائيين في محنتهم هذه ونشكركم  عما كتبته من مقالات رائعة  ومشاركة في صحيفة الأستاذ البر فسور عبد لآله الصائغ .. وكذلك مساهمتكم بمداخلتكم الرائعة  القيمة التي ألقيتها في مؤتمر مالمو  .

 

الشيخ الجليل تعتب علينا بأسم الأخوة  و أنى إذ أكون في غاية السعادة  وبكل ممنونية أن أجيبكم على عتابكم الأخوي والذي اعتقد أنها فرصة ثمينة لي سوف أحاول  بعون الله  أن  أنصف فيها  نفسي وانصف  مداخلتي التي قدمتها في المؤتمر، تقول جنابكم العزيز في مقدمة مقالكم  (  قرأت مداخلتكم في مؤتمر الأقليات في زيورخ / سويسرا / وكانت كلمة قيمة ومليئة بالمعلومات المهمة , وإني لأثمن جهودك بالدفاع عن أبناء دينك وطائفتك الأصلاء ,  إلا إنه ومن باب تبيان الحقيقة كاملة رأيت أن كلمتكم قد خلت تماماً من الإشارات طيبة لإخوانكم المسلمين والمسيحيين وباقي الديانات في العراق والمنطقة ...  وأنت تعلم يا صديقي أكثر مني أن الصابئة المندائيين عاشوا آلاف السنين بأمن وأمان وسلام ومحبة مع أهلهم العراقيين ,  ولديكم الكثير من الأصدقاء منذ زمن المرحوم العلامة والمرجع الإسلامي الشيعي الكبير الشريف الرضي وصداقته الخالدة مع العالم والعلم الصابئي الكبير أبو أسحاق الصابي ( رحمها الله جميعاً ) .

الشيخ الجليل أبو حسن القطبي  لقد ذكرت في مقدمة الكلمة التي ألقيتها إن الوقت المخصص لكل متحدث 15 دقيقة ولكون كلمتي تتجاوز35 دقيقة فأني قد بذلت كل جهدي في سبيل قراءة ما اعتقدته مهما ً  في مداخلتي خصوصا ً أني في محفل تبث على الهواء و قد لا يعرف أو لم يسمع  قسم من المؤتمرين أو المستمعين بالصابئة المندائيين  وتركت باقي مداخلتي  كوثيقة للمؤتمر ونشرت المداخلة كاملة بعد ذلك .

لقد قرأت الصفحة الأولى والثانية من مداخلتي كاملة وفيها الشيء الكثير عما تطرقت جنابكم العزيز في عتابكم فقد ذكرت فيها العديد من المواضيع التي اشرت إليها برسالتكم مبتدءا في بدايتها شكري للدعوة الموجهة لي ومن ثم الهدف من حضوري المؤتمر والذي نصه 

((جئنا إلى المؤتمر التأسيسي هذا لنضع أيدينا وقلوبنا مع كل الأيادي الخيرة المحبة للخير والسلام والمحبة والمدافعة عن العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته وعن حقوق الأقليات على اختلاف أنواعها .

جئنا ويشرفنا أن نكون بين هذه الصفوة الخيرة المناضلة التي سوف ترسي بمؤتمرها الـتأسيسي أسس النضال المشترك من أجل نصرة الأقليات المضطهدة والمستعبدة والمسلوبة الحقوق في هذه المنطقة التي تشهد صراعا" وقتالا" وعنفا" وإرهابا" مرعبا" مدمرا" ،ينالها بشكل مستمر ويأخذ منحنيات و انعطافات خطيرة في ظلمه وهمجيته و وحشيته وبربريته وعدائه لها و لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية.

سنعمل جنبا" لجنب من أجل أن نضع أول أولويات أهدافنا أننا نناضل من أجل المساواة والعدالة والحرية والديمقراطية للجميع دون تميز وأفضلية ومحصصات  لهذه الفئة أو تلك على حساب الأقليات وحرية وكرامة الإنسان  . وسنعمل من اجل ضمان حقوق الأقليات أولا ً  فهي صمام الأمان لضمان مستقبل آمن  للجميع .

سنعمل من اجل طرق كلِّ الأبواب مطالبين المجتمع الدولي وحكوماته وأحزابه واتحاداته ومنظماته وهيئاته الدولية بضرورة الالتفات إلى مآسي ومعاناة أوضاع الأقليات الدينية و الاثنية  وإنصافها من الظلم والجور والاستعباد والاستبداد  والاستبعاد ومن التطرف والإرهاب والتمييز والإقصاء . مسترشدين بمبادئ حقوق الإنسان ورسالات السماء والرسل والأنبياء والمعاهدات والمواثيق الدولية. )

وفيما يخص الوضع في العراق والمنطقة فتقول شيخنا الكريم في مقطع من رسالتكم ما نصه (يا صديقي الفاضل ..  لم تشيروا إلى أن الوضع العراق الحالي هو فتنة عمياء أحرقت الأخضر واليابس لم تستثني أحد , وأكثر العراقيين مظلومين وفي حالة فرار من العراق , فكيف يحمى المظلوم مظلوم مثله..)

 

  شيخنا الكريم فلقد ذكرتها بشكل مفصل، لقناعتي بأنها هي السبب الأول في هذا البلاء كما تعتقد أنت يا شيخنا الجليل أيضا ً، وجمعت فيها كل القوى التي تعمل و تحاول خراب ودمار العراق والمنطقة وذكرت دول المنطقة والدول المحيطة بها  التي تسود فيها التوترات والفوضى و الصراع بالأسماء ولو بدرجات مختلفة واليك يا  شيخنا الجليل المقطع الأول والثاني أدناه الذي قرأته في قاعة المؤتمر، المقطع الأول (( أن الوضع الخطير والمأساوي الذي تمر به منطقتنا ( الشرق الأوسط ) والمناطق المجاورة لها من ويلات وفواجع وقتال وتطرف وقسوة و وحشية وخراب ونهب للثروات وانتشار الفساد المالي والإداري والفلتان الأمني وتهديد لمصائر شعوب المنطقة واقلياتها خصوصا ً والذي ينتشر بشكل مخيف أسرع من انتشار الأمراض الفتاكة والطوفان في العصور الغابرة. ويقف على رأس الأخطار كلها الإرهاب والتطرف والتفرقة والتمييز  فقد أصبحت ظواهر معاشه يومية تهدد حياة المواطن وتزيد من رعبه وقلقه ))

 وأليكم يا شيخنا الجليل المقطع الثاني

 ((سادتي الحضور الكرام

نعم الكل يعلم أن قوى عديدة تقف وراء هذه الأفعال والأعمال تدفعها وتدعمها وتنظمها وتساندها وتروج أفكارها، أنها دول كبيرة وصغيرة وشركات رأسمالية عملاقة و مافيات لا تقل قوة  وشراسة عن تلك الدول مجندين معهم أحزابا" ومنظمات عديدة مختلفة الأهداف والتوجهات ولها مؤسسات دينية وثقافية واجتماعية وجامعات ومؤسسات ومدارس تربوية ومحطات إعلامية متنوعة  ( تعمل كل هذه  تحت مختلف المسميات )، أنها معارك كبيرة طاحنة من أجل النفوذ والهيمنة ونهب الثروات، و إدامة المصالح  وتصفية الحساب ، أنها تعمل بسرعة كبيرة دون كلل أو ملل من اجل مصالحها أولا ً فتراها تعمل من أجل استمرار دوامة  العنف وتأجيجه تحت مختلف الذرائع والبدع سواءا" الدينية أو المذهبية أو القومية أو الطائفية أو العرقية أو الجنسية و إثارة  النزاعات والانقسامات وخلق بؤر للتوتر وخلط الأوراق وإشاعة الاضطراب والبلبلة ،أنها سلسلة مبرمجة لا تنتهي ولا يمكن الانتظار والتفرج عليها إنها أفكار وخطط  روجت لها دوائر متعددة الأهداف والمصالح والنيات وذلك  منذ أزمنة ليست بالقريبة فشراء الذمم وخلق البدائل وسياسة التوريط  ونظرية المؤامرة ونظرية صراع الحضارات وحوار الأديان وسباق التسلح وأفلامه التي لا تنتهي، أنه حديث طويل متشعب خطير ومخيف ومفزع ....  لكن هل نستكين ونشاهد ما يصيبنا .... وما حل بنا وينتظرنا  وما سيؤول إليه المصير المجهول الذي يقف بانتظارنا كأنه السيف المسلط على رقابنا  ، أن الخاسر الأول والمتضرر الأكبر من كل هذا هم الأقليات الدينية والقومية والطائفية والعرقية في هذه المعارك والصراعات والمناحرات التي لن تنهي أبدا" مادام هناك حساب ربح وخسارة.

أن ما تشهده دول المنطقة وعلى سبيل المثال ( الصومال ، والسودان وجنوبه و غربه وقضية دارفور ، وأثيوبيا وإرتريا ومصر وحقوق الأقباط وتطلعاتهم  وليبيا والجزائر والمغرب و الصحراويين وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا وإيران واليمن والسعودية والعراق ودول الخليج وأفغانستان وباكستان وكشمير وغيرها من الدول التي أصبحت بؤرا" للتوتر في آسيا وأفريقيا مزروعة ببراكين موقوتة للانفجار في كل الأوقات، فشعوب هذه المناطق تلفها  دوامات صراع التعصب والعنف والإرهاب والقتال والخراب وانقسامات وتكتلات قومية و طائفية ودينية وتوتر وتخلف وتسلح وتبديد ثروات ومصادرة الحقوق والحريات والديمقراطية والكيل بعدة مكايل حسب الولاء و المصالح والأهواء ونبقى نحن من أهل ( الاقليات ) نتحمل الخسارة الكبرى بنزيف لا ينقطع ودم لا يرقأ.))

 

و أكدت على العراق والوضع الخطير الذي يمر به الآن بلدي العزيز العراق المثخن بجراحاته النازفة وطلقت فيه صرختي المستغيثة وتحذيري كما مبين أدناه

 (  أخوتي الحضور الكرام

أن ما يمر به العراق اليوم هو إنذار كبير مدوي لكل المنطقة وخصوصا ً ( للأقليات ) فحذار منه  !!

أنه إنذار يستحق الوقوف عنده ودراسته ووضع الخطط المستقبلية من أجل المساعدة والمساهمة  بإيقافه وتحجيمه بفضح مخططاته ومراميه وأهدافه البعيدة إن ترك له الحبل وبهذا الدعم والإسناد والتأجيج المتعدد الأوجه والأشكال فسوف يسري إلى كل المنطقة ويدمرها. )

 

وفيما يخص تطرقي في بحثي عن الديانة الإسلامية فقد ذكرت في قراءتي ورود ذكر الصابئة  في ثلاث مواضع في القرآن الكريم  فذكرت الآيات والسور التي ورد ذكرهم فيها وتقصدت أن أقراها بعلو صوتي لأهميتها الكبيرة و لكونها تعطينا القوة والحماية وتوضح حقيقتنا وهذا نصها(( فأولها في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئيين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف ٌ عليم ولا هم يحزنون ) سورة البقرة / الآية 62 ، والثاني في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئيين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) سورة الحج   /الآية 17  ، والثالث في قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) سورة المائدة / الآية 69. ))

 

وذكرت دور التسامح الديني عندما يسود الدولة والبلاد ماذا نتيجة لذلك .وذكرت المقطع أدناه الذي يشير إلى دورهم خلال الفترة العباسية والتي أشرت أليها جنابكم الكريم بصورة تفصيلية في مداخلتكم القيمة في مؤتمر اتحاد الجمعيات المندائية في مالمو2006.

 فقرأت هذا المقطع التالي :

  ((  تشير كتب التاريخ أن الصابئة المندائيين قد شاركوا بفاعلية كبيرة في بناء الحضارة العربية الإسلامية عندما فسح لهم المجال وساد التسامح الديني وخصوصا ً في الفترة العباسية ومن ابرز علمائنا بتلك الفترة ( ثابت بن قره ، والبتاني وسنان بن ثابت وأبو إسحاق الصابي وهلال أبن المحسـِّن الصابي والعديد من الأسماء التي تركت بصماتها الكبيرة في بناء الحضارة العباسية ))

وكذلك أشرت إلى دورهم المشرف في المشاركة الفاعلة في بناء الحياة السياسية والاجتماعية والأقتصدية والسياسية  في التاريخ الحديث للعراق بعد العصور المظلمة التي ضربت البلاد ونال الصابئة خلالها ظلم وحيف مؤلم ومحزن والذي ترشدنا إليه كتب التأريخ  وهذا نص من مداخلتي

(( وفي بداية القرن العشرين وبعد صحوة العراق من عصوره المظلمة التي جثمت عليه أكثر من أربعة قرون، فقد هب َ الصابئة المندائيين في بناء الحياة الجديدة للدولة العراقية الفتية بعد أن عاشوا عزلة طويلة قاسية كانوا مجبرين عليها لقد باشروا في بناء المجتمع والحياة  الجديد مشاركين مع بقية نسيج الأسرة العراقية الكبيرة التي تألف الشعب العراقي ، بكل همة وعزيمة  ونشاط وإخلاص ومثابرة وتضحية وحب للوطن وشعبه بصدق لا مثيل له، أن تضحياتهم ومساهماتهم رغم قلة عددهم لكنها أخذت حيز كبير في سجل البناء والتضحية ، ويشهد بذلك لهم القاصي والداني والعدو قبل الصديق . وما حب الطيبون والشرفاء ونجباء شعب العراق لهم وعلى مختلف أطيافهم إلا دليل ساطع على ذلك من خلال ما تدونه أقلامهم وتصريحاتهم وتضامنهم مع محنة المندائيين الحالية.))

 

وقد ذكرت كل مكونات شعبنا العراقي بكل أطيافه وألوانه ودعوت إلى أن يسود بيننا العدل والمساواة في الحقوق وان ينصفنا الدستور وتبنى علاقاتنا الجديدة على أسس الشراكة لكون الوطن ملك للجميع  ومصيرنا واحد وهذا نصها (( أن نسيج الأسرة العراقية الكبيرة التي يتألف منها الشعب العراقي متعددة الأطياف الدينية والقومية وأن الأقليات الدينية غير المسلمة (المسيحيين والصابئة واليزيدين واليهود)والأقليات القومية الرئيسية ( العرب والكرد والتركمان بمختلف طوائفهم ومذاهبهم )  والأقليات  القومية غير الرئيسية ( الأكراد الفيليين والشبك والأرمن والكلدواشوريين والسريان  والفرس)  هم من مكونات هذا الشعب ولهم نفس الحقوق في كتابة دستوره وتقاسم خيراته وبناء مؤسساته وإعادة الأمان والاستقرار له و أن مصيرهم مرتبط بمصير وطنهم وشعبهم .))

وتركت الوقت الباقي لشرح معاناة قومي وبني جلدتي ( والتي أثنيت جنابكم الكريم عليها وتضامنت بكل قواك معنا ) فقد ركزت على هول المصيبة في المقطع الأخير الذي يشير إلى بقاء ما يقارب خمسة آلاف منهم في العراق وهم موزعون الآن بين دول النزوح واللجوء ولا توجد دولة أو مؤسسة أو منظمة عالمية داعمة لهم لإبعادهم عن هذا التشرذم والضياع وتركت الحكم لكل منصف وغيور وشريف ، ونص المقطع أدناه

 ((  وهذا مقطع صغير من أخر  مقالة ولقاء نشر على شبكة بي بي سي حول الصابئة ومعاناتهم ولكم الحكم في تقدير معاناتنا ومأساتنا ومستقبلنا.  ((الصابئة في العراق على وشك الانقراض )) بقلم ( كروفورد انجس ) بي بي سي نيوز ـ دمشق الأحد 4 مارس 2007 وقد تناقل التقرير العديد من الصحف والمواقع الإعلامية.

 


 (( أجبر أكثر من 80 في المئة من أفراد الطائفة على مغادرة العراق واللجوء إلى سوريا والأردن، مع أنهم لا يحسون بالأمن حتى في هذين البلدين، ولكن ليست لديهم خيارات كثيرة، حيث لا يرحب الغرب بهم.

يعتقد أن عدد أفراد طائفة الصابئة لا يتجاوز 70 ألفا، يقيم خمسة آلاف فقط منهم في العراق.

يقول كنزفرا ستار، وهو واحد من خمسة رجال دين من الصابئة في العالم( رئس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم ):"لا ينظر إلينا على أننا طائفة دينية، بل على أننا كفار، ولذلك فدمنا مباح".

وأضاف ان وضعهم اليوم يعتبر محكاً للعراق الجديد  ، ففي بلد علماني من المفروض أن تزدهر حياة المهندسين والأطباء والصاغة بصرف النظر عن دينهم وطائفتهم .

أما والوضع على ما هو عليه في العراق الحالي، والغرب لا يرحب بهم كلاجئين، فيخشى ستار أن تندثر الصابئة في وقت ليس ببعيد..))

 

الشيخ الجليل علي القطبي

أود ان أخبر شيخنا العزيز  أني قد استمعت في إحدى جلسات المؤتمر إلى بحث قيم كبير عن الطائفة الشيعية بعنوان (الطائفة الشيعية بين التهميش والعداء والقتل )  قدمه أحد أبناء العراق النجباء الدكتور العزيز( ناظم غالب الجواهري ) وقد قرأت البحث مرة ثانية بعد أن نشره الدكتور ناظم الجواهري في موقع صوت العراق وموقع إيلاف ،

ولم اسمع وخلال تواجدي في قاعة المؤتمر أن ألقيت كلمات متحاملة على (الدين الإسلامي ) بل كانت هنالك طروحات على من يسخّرون الدين الإسلامي لإشاعة الإرهاب والعداء والتفرقة والتكفير وللأمانة فلقد كانت افتتاحية المؤتمر باسم الله من قبل رئيس المؤتمر الأستاذ ( شاكر النابلسي) .

وفيما يخص الدعوات الموجهة وضرورة إشراك القوى الإسلامية المعتدلة والمتنورة والتي هي أيضا تحارب الإرهاب والتكفيريين ومن لف لفهم فأني معكم في ضرورة توجيه الدعوات لهم وسوف ابعث نص رسالتكم و رسالتي إلى لجنة المؤتمر ومن الله التوفيق.

 

الشيخ الجليل أبو حسن القطبي

لقد امضيت من عمري 47 عاما ً في العراق بين أهله وناسه وتشبعت بعاداته وتقاليده وذقت حلوه ومره وخيره وشره وعشت مع كل أطيافه وعملت مع مختلف شرائحه في العديد من النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها وخلال سني غربتي التي أعيشها  الآن لا يوجد شيء اعز علي ّ من العراق وأهله . وأكتب عنه وعن مأساته بكل جوارحي و أخر مقالة كانت لي عن أحوال العراق كتبتها وبكيت بوجع مع كل حرف ومع كل كلمة وكانت المقالة بعنوان (عام جديد وملايين شعبي تبكي على مأساة الحسين ومأساة الوطن )

وهذا مقطع  من المقالة مهداة لجنابكم الكريم ولكل محبي العراق وشعبه ووحدته:

 ((لم يزل صراخ بلدي يشق عنان السماء وحزننا وصل حدا ً لا يطاق وبؤسنا ودموعنا وألمنا وآهاتنا تتشابك وتتضاعف وتتفاقم .

لطم أهلنا على مصاب ( أبي عبد الله  الحسين) وعلى فقدانهم  أحبتهم وأهلهم وضناهم وخراب وطنهم ومستقبلهم و مستقبل بلدهم المسلوب والمنهوب والمصلوب ! حتى ضاقت من صراخهم وبكائهم وتضرعاتهم واستجارتهم أبواب السماء ودوت صرخاتهم وتضرعاتهم  بمراقد الأئمة والأتقياء والأولياء.))

 

في الختام أرجو قبول خالص تحياتي ومودتي الأخوية الصادقة واجدد جزيل شكري وامتناني لرسالتكم الكريمة والكبيرة في معانيها وأهدافها .

وخير ما أختتم به رسالتي كما بدأتها  قوله سبحانه و تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) صدق الله العظيم

   

أخوكم

يحيى غازي الأميري

أحد أبناء الصابئة المندائيين

ـــــــــــــــــــــ

وعلى الرابط أدناه لمن يود المشاركة في التوقيع أو الإطلاع على نداء الاستغاثة الذي أطلقه اتحاد الجمعيات المندائية في مؤتمر مالمو ومن الله التوفيق .

 http://www.rezgar.com/camp/i.asp?id=68

160
في مؤتمر زيورخ ... دونت شهادة الصابئة ومعاناتهم  بأمانة  للتأريخ والأجيال القادمة



يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين من بلاد الرافدين 


     
 قضية الدفاع عن حقوق الإنسان و الاقليات و التي أؤمن بعدالتها وأعمل جاهدا ً في إيصال صوت معاناتها وخصوصا ً في منطقتنا الملتهبة بصراعاتها  والجائرة بقوانينها ودساتيرها، تبلور ت اكثر ونضجت خصوصا ً  بعد مشاركتي الأخيرة بمؤتمر زيورخ الذي دعت إليه مشكورة منظمة مناضلة جريئة المسمات ( أقباط متحدون ) وبرعاية المهندس الأستاذ عدلي ابادير، للفترة من 24 ـ 29 من مارت / أذار الماضي .
 لقد  احتضنت  منظمة ( أقباط متحدون ) شخصيات فكر وسياسة وباحثين وعدد من ممثلي أقليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤتمر تأسيسي  يعد الأول من نوعه في منطقة البحر المتوسط وشمال أفريقيا  لتوحيد جهود هذه الأقليات  من أجل وقف استلاب حقوقها والدفاع متحدين يداً بيد من أجل المساواة  والعدالة والحرية  في الحقوق وتكافؤ الفرص وبالنضال من اجل إجبار حكومات المنطقة بتثبيت ذلك في دساتيرها ومناهجها التعليمية والإعلامية  وإلزامها باحترام مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية  وحقوق الأقليات والمرأة التي أقرها المجتمع الدولي.

 لقد كان دور اللجنة التحضيرية واللجنة الأستشارية  للمؤتمر دورا ً فعالاً وكبيراً في توجيه الدعوات ومتابعة المدعوين رغم قلة الفترة وأتساع المنطقة وكثرة عدد الأقليات وتنوعها التي تزخر بها منطقتنا . تألفت اللجنة الاستشارية  من السادة الأفاضل (  برئاسة الأستاذ المهندس عدلي أبادير يوسف، و الدكتور شاكر النابلسي والأستاذ مجدي خليل والدكتور أحمد أبو مطر والأستاذ مدحت قلادة والمهندس عزت بولس ) .
 
  أنها مبادرة جريئة وكبيرة من أجل لملمة صفوف الأقليات ورص جهودها من أجل العمل  الجماعي المستقبلي وسماع الشهادات من أهل القضية وفضح الانتهاكات والمظالم  المستمرة التي تنالها ومن أجل نشر أهدافها ومطاليبها  وخططها ولفت أنظار  العالم أجمع لحجم المعاناة والاضطهاد والتهميش الذي يلفها ..... فألف شكر لمنظمة ( أقباط متحدون )  ولراعي المؤتمر الأستاذ عدلي  أبادير ولجنته التحضيرية  وسيسجل لهم تاريخ نضال الأقليات  هذه المبادرة بحروف من ذهب بصفحاته المناضلة وألف شكر لكل المناضلين الأبطال  من مختلف القوميات والأديان من الأغلبية والأقلية الذين أدلوا  بدلوهم وببحوثهم ومداخلاتهم القيمة ذات الأهداف الإنسانية  المناهضة للاضطهاد والتهميش والإقصاء والتمييز و المساندة لحقوق الإنسان وكرامته والمدافعة عن حقوق المرأة والأقليات.
 لقد كان لحضور أساتذة أجلاّء ورجال فكر  مشهود لهم بالعطاء الثر أثراُ  في إغناء مداخلات المؤتمر  و إعطائه الزخم والدعم  الذي يستحق فهؤلاءِ الرجال الكبار لهم باع طويل في النضال الجماهيري  مما زاد في نجاح المؤتمر والذي أتمنى أن تلحقه مؤتمرات مماثلة من أجل أن تنال  الاقليات الدينية  والعرقية ما تستحق مما يعزز مكانتها بين شعوب المنطقة.
 لقد كانت لمشاركة هذه  الصفوة المناضلة من الأساتذة الباحثين والصحفيين والإعلاميين والكتاب والساسة و النشطاء في منظمات حقوق الإنسان ببحوثهم ودراساتهم  وما طرح و دار من نقاشات حامية وجادة  الأثر الكبير في بلورة وإيضاح الصورة المأساوية والقاتمة التي تعيشها إلى يومنا هذا  المرأة والأقليات في هذه المجتمعات  والتي تسمي نفسها بالمجتمعات الديمقراطية ..  لقد أصغيت بكل انتباه للطروحات والمناقشات القيمة التي دارت في أيام المؤتمر واستمعت بحزن وألم إلى مآسي  وانتهاكات لا تقل بؤس وظلم وجور عن مأساة أقليات العراق ومعاناتها ، وشاركت في لقاءات جانبية كثيرة لتعريف العديد من المؤتمرين بحجم مأساة الصابئة المندائيين وتأريخهم ومعتقدهم.

لقد كانت رئاسة المؤتمر من قبل الأستاذ المفكر الدكتور شاكر النابلسي وهو أردني الجنسية مقيم في أمريكا , والذي قرأ مداخلة الأستاذ المفكر العفيف الأخضر نيابة عنه لعدم حضوره المؤتمر وكذلك قدم مداخلة قيمة خاصة به وقد شارك بفعالية كبيرة في الحوارات والنقاشات خلال أيام المؤتمر.
للمرأة في المؤتمر كانت مساهمات متعددة فعالة وحضور كبير واضح إذ قدمت العديد من البحوث والدراسات والمشاركات المتنوعة من قبل المشاركات في المؤتمر ومنهن  الدكتورة وفاء سلطان وأمال قرامي وماري تيريز كرياكي وكاثرين بورتر ونادية عيلبوني ونادية غالي وإلهام مانع  وصحفية من جريدة الأهالي وغيرهن من السيدات .

   
   لقد شرفني أن أتلقى دعوتهم الكريمة وأسعدني أن اقف في ذلك المنبر وأقدم مداخلتي على مدى 15 دقيقة المخصصة لكل متحدث وفيها شيء عن معاناة الاقليات في مجتمعنا وعن مأساة شعبي ووطني العراق العزيز وهو يئن مثخن في جراحاته النازفة....  ومعاناة الصابئة المندائيين المسالمين ذوي التاريخ الضارب بعراقته وارثه الثر الغزير وكذلك عن  قسوة الأزمة التي تمر بنا ونحن لم نزل  دون رعاية واهتمام جدي من منظمات المجتمع الدولي ذات العلاقة .

 وكانت سعادتي أكثر كون بحثي المقدم و الموسوم {{الصابئة المندائيون .. مصير مجهول يلفه الضياع والتشرد والتشرذم والاندثار }} * اعتبر أحد وثائق المؤتمر، أنها شهادة ندونها بأمانة  للتأريخ والأجيال القادمة عن ثقل المعاناة والحيف والظلم والمآسي التي لحقت بنا.
 
لقد صرح لي العديد من السادة المؤتمرين خلال لقاءاتي الجانبية بهم، بعدم معرفتهم أو سماعهم  بالصابئة المندائيين في بلدانهم ولم يتطرق لهم دارسون أو باحثون أو محطات إعلامية أو مناهج دراسية في بلدانهم ولم يفاجئني ما سمعت نعم لم يفاجئني ما سمعت ، نحن نتوقع هذا ؛ فمناهجنا الدراسية والإعلامية  أيضا ً لم تسلط الضوء بالتعريف بتأريخ  العديد من أقليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأن ذلك هو  أول علامات الإقصاء والتهميش واستلاب الحقوق
 
  مثلا ً عن أقليات العراق وطوائفه الدينية و أقباط مصر والنوبيين أو الأمازيغيين في شمال أفريقيا، الصحراويين ،  و مسيحيي السودان، و مسيحيي شمال أفريقيا، قبائل الدار فور ، معاناة المسيحيين في فلسطين أكراد سوريا وأقلياتها الدينة والقومية الأخرى  ، مآسي أقليات شعب  لبنان ، الشيعة في دول الخليج والسعودية واليمن، السنة في إيران والعديد من الأقليات الدينية والقومية التي تنتشر في هذه الرقعة الجغرافية الكبيرة والتي تعاني مأساة مزدوجة مأساة سياسة الحكومات التي تحكمها  وسياسة الاضطهاد والتهميش والإقصاء التي تعانيها الأقلية من جانب حكم ( الأغلبية ) لها . لقد كانت ثلاثة أيام حافلة بالنشاطات والطروحات  المتعلقة بالمواضيع التي عقد من أجلها المؤتمر.

لقد غادرت قاعة المؤتمر مضطرا ً قبل انتهاء الجلسة الأخيرة للمؤتمر أنا وبعض أخوتي المؤتمرين بسبب قرب موعد  طائرة ( عودتي ) وكذلك فعل بعض زملائي لنفس السبب، لذا أوكلت أحد زملائي في التوقيع على البيان الختامي نيابة عني ، عدت بعد انتهاء المؤتمر بحصيلة كبيرة وجديدة من الأفاق والمعلومات الجديدة ولم أزل أتابع بشغف كبير كل الكتابات والتعليقات والتعقيبات التي تصدر بخصوص مؤتمر زيورخ ....  وقد نويت أكتب عن العديد من المواضيع التي تخص حقوق الأقليات ومؤتمر زيورخ  كلما سنحت لي الفرصة بذلك.

 
 

يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين من بلاد الرافدين
نيسان 2007

ــــــــــــــــــــــــــــــ
*  نص البحث الذي قدمته في مؤتمر زيورخ  ونشر في العديد من الصحف والمواقع ومنها إيلاف ،أقباط متحدون، الناصرية نيت ، مركز النور ، البديل الديمقراطي ، البيت العراقي ، كلكامش ، صوت العراق ، الحوار المتمدن ، زهريرا ، شبكة عراقنا الأخبارية ، عراق الغد ، كردستان ،رابطة بابل للكتاب والفنانين ، و موقع مندائيون على الرابط أدناه
http://www.geetan.nl/yahya10.html

161
مات المندائي العراقي ( أبو نبيل  ) بعيدا عن أرض الرافدين موطننا الضارب بالقدم

( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) القرآن الكريم


يحيى غازي الأميري
السويد/ مالمو   نيسان  2007


أركان الدين المندائي خمسة  ( التوحيد ، التعميد ، والصلاة ، والصوم، والصدقة المباركة )   أذن إحدى هذه الأركان الأساسية الصدقة المباركة ( زدقا بريخا ) ترى هل فقط الصدقة بالمال وهل من يمتلك المال و يدفعه هو من يدخل بهذه الباب ويلبي هذا الركن ومن لا يملك المال أو حتى الذي يدفعه أو لا يعرف أن يدفعه هل لا ينفذ هذه الشعيرة كثيرون يشاركون في أداء وإسداء المعروف والخير والثناء والنصح والعطاء العلمي والأدبي وووووو وتصل إلى  التضحية بالنفس اعتقد  أن كل هؤلاء يقدمون و يسدون صدقة مباركة كبيرة وثمينة جدا ً أيضا ً ...  أن كلمة الصدقة المباركة لم تدخل من باب دفع المال والمساهمة به فقط هكذا أعتقد أنا   ... وفي أحاديث الرسل والأنبياء ورسالات السماء يكثر التأكيد على أن الكلمة الطيبة صدقة وأنا أعتقد  وأؤمن إن الكلمة الطيبة هي اكبر صدقة ان كانت صادقة وفي محلها ولمن يستحقها هكذا أنا أفهمها بالإضافة بالطبع إلى دفع المعونات المادية ( المال ) والعينية، فالصدقة والكلمة الطيبة صنوان وهما ضد البخل و ضد الأنانية وحب الذات وضد الحقد والكراهية وغيرها من الصفات الذميمة أنها العطاء والتضحية والنصيحة والمحبة والرحمة. 
لقد كتبت ذات مرة مقالة بعد انتهاء أعمال المؤتمر المندائي الرابع لاتحاد الجمعيات في المهجر الذي عقد في مالمو 2006 / كتبت بعد انتهاء أعماله مقالة شكرت فيها كل من ساهم ودعم وشجع وازر أعمال المؤتمر ، وكان يفترض بي ومن كل الأبواب أن اكتب الشكر أولا ً للجميع ثم الثناء على أسماء الذوات بعدها ...  لكني قد خالفت الأصول المتبعة وكتبتها أي كتب عنوان  المقالة بكلمات صادقة من كل قلبي مهداه  أولا ً  إلى
الأستاذ الكريم العم الطيب فرج عربي (  أبو نبيل)  المحترم *
 وأكملت بعدها  إلى كل أخوتي وأخواتي وأحبتي وأصدقائنا مقدما ً أسم فرج عريبي على المجموع بعد أن قرأت ما كتبه عن المؤتمر  (  المقال انف الذكر منشور على العديد من المواقع ( الحوار المتمدن و صوت العراق وناصرية. نيت والبيت العراقي وغيرها ) لقد كتب أسم أبو نبيل في المقدمة فعلا ً من كل قلبي ، ليس فقط لأنه كتب عن المؤتمر وأثنى عليه وعلى اللجنة التحضيرية التي ساهمت بإنجاحه ، إذ كنت أتابع ما يكتبه ( الفقيد الطيب أبو نبيل ) في موقع خاص بمراسلات الصابئة المندائيين ( الياهو كروب ) والذي يزيد عدد المشتركين فيه على(  650  )  شخص مندائي كان يكتب فيه  كلمات تشجيع وثناء وشكر يعجز اللسان عن ذكرها و يبعثها إلى كل عمل نافع ومفيد ...فالكلمة الطيبة تبعث في النفس السرور والبهجة والطمأنينة وتديم المودة والحب والوئام وتطفئ نار الحقد والبغضاء والضغينة والعداء فالكلمة الطيبة تبقى راسخة بالنفوس والقلوب  !

  أيقنت ولمرات عديدة إن (  أبو نبيل ) وهو بعمر تجاوز الثمانين عاما ً  و يمتلك من الكرم ما يفوق به كثيرين أن كرم الثناء والمعروف والتثمين لم يمتلكه إلا أصحاب القلوب الرقيقة والطيبين والصادقين والمحبين لعمل الخير والمعروف بالإضافة إلى كرمه المادي وتبرعاته ومساهمته الجميلة والكبيرة والمتنوعة  فلقد تميز الفقيد العزيز بأسلوب جميل محبب في كتاباته وقصصه وضرب الأمثلة اللطيفة ونقل الحكايات والمفارقات بأسلوب ساخر جميل وأخرها قبل وفاته بأسبوع بعث إلى الكروب بمقالة طريفة بعنوان ( عركة  جريوة ) الحادثة الظريفة الحقيقية التي نقلها عن ذاكرته بعد مضى أكثر من نصف قرن على حدوثها وهنالك عشرات الحكايات والمساهمات والمداخلات التي كان يشارك فيها ، لم تكن تمر حادثة وفاة لأحد المندائيين إلا وكان الفقيد فرج عريبي السباق بإرسال برقيات  المواساة والتعزية أو المفعمة  بالتحيات والسلامة والشكر والعرفان إلى الشخص المعني بواسطة  الكروب المندائي  ياهو.
 لقد كان كل المندائيين وطيبين العراق أهله وأصدقائك أحبته فقد كان يواسي هذا ويناشد ذاك ويثني على الأعمال التي تخدم القضية المندائية ووطنه العراق وشعبه، لقد قرأت له رسالة في الكروب المندائي ياهو فيها  ذكريات و مواساة حزينة بحق صديقة المرحوم الفنان القدير  خليل الرفاعي  ( أبو فارس ) بعد وفاته العام الماضي .
  لقد كنت ارصد  هذه المراسلات  من خلال متابعاتي لكتابات فقيدنا الغالي في إحدى المرات بعث الراحل (  أبو نبيل  ) برسالة أشاد فيها اشادة  قوية جداً إلى كاتب وأديب  يستحقها عن جدارة  بعثها إلى الأديب العزيز (  نعيم عبد مهلهل )  عبر الكروب المندائي ياهو متصورا ً أن الأستاذ (  نعيم عبد مهلهل ) صابئي مندائي لكثرة ما يكتبه الأديب نعيم عن المندائية مدخلاً بكتاباته الرموز والكلمات والبوث المندائية أي ( الآيات المندائية ) تحسن من  كتاباته أنه مشبع  بالمندائية  ( متصوف مندائي )  وقد أجابه (  نعيم عبد مهلهل ) بعد ان قرأ كلمات الطيبة والثناء التي بعثها  المرحوم (  فرج عريبي )  أليه أجابه ، برسالة وأي رسالة  قطعة أو تحفة أدبية جميلة جدا ًعنوانها ( بيتك المندائي أشعل قلب الوردة بالحب ) **  والتي نشرت في العديد من المواقع الصحفية وهذا مقطع صغير من مقدمتها < إلى العم الطيب ..وزهرة المندائيين الدائمة فرج عريبي خويطر الساكن بعيدا عن ضفاف دجلة في كندا ..زيوا سيرحم عاطفتك بالورد وسبجعل رقاد حلمك الأخير في بيت ولدت فيه المندائية الأولى ..>
 المقالة الأدبية للأديب ( نعيم عبد مهلهل ) منشورة في موقع كتابات وموقع انحاد الجمعيات المندائية . وهذا المقطع الأخير من مقالة الأستاذ (  نعيم عبد مهلهل) 
(المجد لهم لأنهم بقوا في البيت متواصلين من الطائفة والذكريات ..
يسعون لتبريك البركة بالمباركة وهو ما يدعيه المتصوفة بتلوين العشق بسماء التكوين وتسخين البارد بالتنجيم عاطفتهم شدة ضوء وورد وأدعية نبارك فيهم صحوة البقاء ونغسل ثيابنا بمحنة السفر وعندهم سنجتمع ذات يوم من أوتاوا حتى قرى الكحلاء من مالمو حتى شمس سوق الشيوخ من ديترويت حتى معطف السياب ستظل روح الوطن المندائي تلبس جنوب الله عشقا نورانيا أزليا وسيظل عطر سومر يوقظ إحساس المندي بشهقة الآس والقرطاس..
به سنكتب رسالة عودة إلى وطن مبارك وروح رائعة ..
بيتك المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
وأنت أشعلتني بفراقك
أمي قالت ذلك
وأغمضت عينيها إلى ما شاء الله ..)

 لقد أفنى الفقيد كل حياته وبذل كل طاقاته في سبيل وطنه و مندائيته التي ولد منها ونهل من عذب عقيدتها ،هذا ما لمسته في شخصية الفقيد وسمعته من أهلي ومعارفي وأصدقائي عن طيب الذكر ( أبو نبيل )  ,,, مع اعتذاري من الجميع كنت أحس أن العم الطيب أبو نبيل يمتلك كثير من الصفات الجميلة لذا كان يوزع كلمات الطيبة بصدق وبغزارة ودفء لمستحقيها ...
لقد أحزنني وفاة المربي والشخصية المندائية الطيبة والمثابرة في عطائها للجميع دون تمييز الفقيد العزيز أبو نبيل ولقد ضاعف من حزني عليه قسوة الدهر والهجرة  القسرية التي أبعدتنا و مزقتنا  وشتتنا عن أحبتنا وأصدقائنا و أهلنا وعراقنا. مات المندائي العراقي ( أبو نبيل  )  في كندا بعيدا ً عن أرض الرافدين موطننا الضارب بالقدم الذي أحبه (  أبو نبيل  ) ونذر له العمر كله .
 
أرجو من عائلة العم الطيب (  أبو نبيل  )  وكل محبيه قبول خالص تعازينا الصادقة بهذا المصاب الكبير وأن يلهمهم الصبر والسلوان ودعائي  للحي العظيم أن يتغمده  برحمته الواسعة وأن ينصف كل مظلوم .

ملاحظة : الأستاذ الفقيد ( فرج عريبي مخيطر ) عضو في رابطة الكتاب والصحفيين الصابئة المندائيين ، والفقيد غني عن التعريف في مجال الإبداع الفني والصحفي  فهو كاتب ومحرر صحفي ومعد برامج تلفزيونية .


 

يحيى غازي الأميري
السويد / مالمو / نيسان  2007
عضو الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الصابئة المندائيين
 
ــــــــــــــ

* المقالة التي نشرتها بعنوان  (الأستاذ الكريم العم الطيب فرج عربي (  أبو نبيل)  المحترم ) ...  على الرابط أدناه

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=73998

** مقالة الأستاذ نعيم عبد مهلهل والموسومة (  بيتك المندائي أشعل قلب الوردة بالحب )  ...  على الرابط أدناه
http://www.mandaeanunion.net/Art/AR_Art_035.htm

162
الصابئة المندائيون في مؤتمر زيورخ  الأول الخاص بأقليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

كتبت البحث أدناه  خصيصا ً إلى "مؤتمر أقليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " المنعقد في مدينة زيورخ الخاص بالأقليات والذي دعت إلية منظمة ( أقباط متحدون  )  للفترة24 ـ 26 ـ مارس ـ 2007 وقد قرأت ما أسعفني به الوقت من بحثي هذا  في إحدى جلسات المؤتمر إذ خصص 15 دقيقة لكل متحدث وقد أسعدني أن اسمع صوت شعب مسالم عراقي رافديني أصيل ضارب بعمق التأريخ صوت يحمل هموم القهر والاضطهاد والتميز منذ آلاف السنين ( صوت الصابئة المندائيين )  وحاولت بكل  جهدي  أن انقل صورة مأساتهم وأزمتهم الحالية التي يمرون بها ، وكذلك من خلال لقاءاتي الجانبية على هامش المؤتمر وقد شاركني بذلك عراقيين اصلاء  كتبوا عن هم العراق ومعاناة أقلياته  د.  سيار الجميل د . عبد الخالق حسين  و د. ناظم الجواهري.
   
       
  عنوان البحث :  الصابئة المندائيون .. مصير مجهول يلفه الضياع والتشرد والتشرذم
والاندثار                     
 
وأنتم يامنْ أ ُضطهدتُم في الدنيا وأنتم صامتون سألبسكم نورا ً و أ ُلبسَ مضطهديكم الخزيَ والهوانَ فأين يذهبون .  ((كنزا ربا ، الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ))

يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين من بلاد الرافدين

 
أسوثه نهويلخون ,,,, السلام عليكم

 
سيداتي آنساتي سادتي
في البدء أرجو قبول خالص شكرنا وامتناننا لدعوتكم الكريمة الصادقة لمشاركتنا بمؤتمركم الموقر .
جئنا إلى المؤتمر التأسيسي هذا لنضع أيدينا وقلوبنا مع كل الأيادي الخيرة المحبة للخير والسلام والمحبة والمدافعة عن العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته وعن حقوق الأقليات على اختلاف أنواعها .
جئنا ويشرفنا أن نكون بين هذه الصفوة الخيرة المناضلة التي سوف ترسي بمؤتمرها الـتأسيسي أسس النضال المشترك من أجل نصرة الأقليات المضطهدة والمستعبدة والمسلوبة الحقوق في هذه المنطقة التي تشهد صراعا" وقتالا" وعنفا" وإرهابا" مرعبا" مدمرا" ،ينالها بشكل مستمر ويأخذ منحنيات و انعطافات خطيرة في ظلمه وهمجيته و وحشيته وبربريته وعدائه لها و لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية.
سنعمل جنبا" لجنب من أجل أن نضع أول أولويات أهدافنا أننا نناضل من أجل المساواة والعدالة والحرية والديمقراطية للجميع دون تميز وأفضلية ومحصصات  لهذه الفئة أو تلك على حساب الأقليات وحرية وكرامة الإنسان  . وسنعمل من اجل ضمان حقوق الأقليات أولا ً  فهي صمام الأمان لضمان مستقبل آمن  للجميع .
سنعمل من اجل طرق كلِّ الأبواب مطالبين المجتمع الدولي وحكوماته وأحزابه واتحاداته ومنظماته وهيئاته الدولية بضرورة الالتفات إلى مآسي ومعاناة أوضاع الأقليات الدينية و الاثنية  وإنصافها من الظلم والجور والاستعباد والاستبداد  والاستبعاد ومن التطرف والإرهاب والتمييز والإقصاء . مسترشدين بمبادئ حقوق الإنسان ورسالات السماء والرسل والأنبياء والمعاهدات والمواثيق الدولية.
أن الوضع الخطير والمأساوي الذي تمر به منطقتنا ( الشرق الأوسط ) والمناطق المجاورة لها من ويلات وفواجع وقتال وتطرف وقسوة و وحشية وخراب ونهب للثروات وانتشار الفساد المالي والإداري والفلتان الأمني وتهديد لمصائر شعوب المنطقة واقلياتها خصوصا ً والذي ينتشر بشكل مخيف أسرع من انتشار الأمراض الفتاكة والطوفان في العصور الغابرة. ويقف على رأس الأخطار كلها الإرهاب والتطرف والتفرقة والتمييز  فقد أصبحت ظواهر معاشه يومية تهدد حياة المواطن وتزيد من رعبه وقلقه .   
سادتي الحضور الكرام
نعم الكل يعلم أن قوى عديدة تقف وراء هذه الأفعال والأعمال تدفعها وتدعمها وتنظمها وتساندها وتروج أفكارها ، أنها دول كبيرة وصغيرة وشركات رأسمالية عملاقة و مافيات لا تقل قوة  وشراسة عن تلك الدول مجندين معهم أحزابا" ومنظمات عديدة مختلفة الأهداف والتوجهات ولها مؤسسات دينية وثقافية واجتماعية وجامعات ومؤسسات ومدارس تربوية ومحطات إعلامية متنوعة  ( تعمل كل هذه  تحت مختلف المسميات )  ، أنها معارك كبيرة طاحنة من أجل النفوذ والهيمنة ونهب الثروات، و إدامة المصالح  وتصفية الحساب ، أنها تعمل بسرعة كبيرة دون كلل أو ملل من اجل مصالحها أولا ً فتراها تعمل من أجل استمرار دوامة  العنف وتأجيجه تحت مختلف الذرائع والبدع سواءا" الدينية أو المذهبية أو القومية أو الطائفية أو العرقية أو الجنسية و إثارة  النزاعات والانقسامات وخلق بؤر للتوتر وخلط الأوراق وإشاعة الاضطراب والبلبلة ،أنها سلسلة مبرمجة لا تنتهي ولا يمكن الانتظار والتفرج عليها إنها أفكار وخطط  روجت لها دوائر متعددة الأهداف والمصالح والنيات وذلك  منذ أزمنة ليست بالقريبة فشراء الذمم وخلق البدائل وسياسة التوريط  ونظرية المؤامرة ونظرية صراع الحضارات وحوار الأديان وسباق التسلح وأفلامه التي لا تنتهي، أنه حديث طويل متشعب خطير ومخيف ومفزع ....  لكن هل نستكين ونشاهد ما يصيبنا .... وما حل بنا وينتظرنا  وما سيؤول إليه المصير المجهول الذي يقف بانتظارنا كأنه السيف المسلط على رقابنا  ، أن الخاسر الأول والمتضرر الأكبر من كل هذا هم الأقليات الدينية والقومية والطائفية والعرقية في هذه المعارك والصراعات والمناحرات التي لن تنهي أبدا" مادام هناك حساب ربح وخسارة.
أن ما تشهده دول المنطقة وعلى سبيل المثال ( الصومال ، والسودان وجنوبه و غربه وقضية دارفور ، وأثيوبيا وإرتريا ومصر وحقوق الأقباط وتطلعاتهم  وليبيا والجزائر والمغرب و الصحراويين وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا وإيران واليمن والسعودية والعراق ودول الخليج وأفغانستان وباكستان وكشمير وغيرها من الدول التي أصبحت بؤرا" للتوتر في آسيا وأفريقيا مزروعة ببراكين موقوتة للانفجار في كل الأوقات، فشعوب هذه المناطق تلفها  دوامات صراع التعصب والعنف والإرهاب والقتال والخراب وانقسامات وتكتلات قومية و طائفية ودينية وتوتر وتخلف وتسلح وتبديد ثروات ومصادرة الحقوق والحريات والديمقراطية والكيل بعدة مكايل حسب الولاء و المصالح والأهواء ونبقى نحن من أهل ( الاقليات ) نتحمل الخسارة الكبرى بنزيف لا ينقطع ودم لا يرقأ.
 
أخوتي الحضور الكرام
 
أن ما يمر به العراق اليوم هو إنذار كبير مدوي لكل المنطقة وخصوصا ً ( للأقليات ) فحذار منه  !!
أنه إنذار يستحق الوقوف عنده ودراسته ووضع الخطط المستقبلية من أجل المساعدة والمساهمة  بإيقافه وتحجيمه بفضح مخططاته ومراميه وأهدافه البعيدة إن ترك له الحبل وبهذا الدعم والإسناد والتأجيج المتعدد الأوجه والأشكال فسوف يسري إلى كل المنطقة ويدمرها.

سادتي
جئنا لمؤتمركم ونحن نحمل هموما" وأحزانا" وأشجان تنوء الجبالً عن حملها، جئنا نحمل تراث شعب ودين موحد مسالم عريق بتأريخه الضارب في عمق التأريخ .
نحن الصابئة المندائيين :  حملة تراث الإنسانية وتأريخها، جئنا نستنجد بكل شريف وخير ومناضل ومؤمن وعالم وامرأة وشيخ وشاب وطفل، جئنا نطلب عونكم ووقفتكم الإنسانية والأخلاقية والتاريخية، أن قوى الظلام والإرهاب والتعصب والتطرف والنعرات الطائفية ومحاصصاتها والمصالح الدولية والإقليمية والمحلية والأنانية وضيق الأفق وقصر النظر وسياسة الهيمنة والاحتلال قلعتنا من جذورنا الضاربة في عمقها وامتدادها وبعدها الذي يمتد آلاف السنين، نعم لقد قطعت أوصالنا و أضحينا أشلاء ً متناثرة في كل بقعة من بقاع الأرض لقد شتت معتنقي هذه الديانة المسالمة  ودمر تراثنا وآثارنا كل هذا من اجل طمسه وزواله ، أنها ضريبة الأقليات الباهضة الثمن التي دفعناها و لا زلنا ندفعها وكأنها الدين الذي لا ينتهي إلا بموت صاحبه ولربما سيمتد الأمر حتى يطال أبناء أبنائنا أن بقي واحد منهم يقول أنا صابئي مندائيي، نعم فلقد ضربنا الزلزال المدمر والذي هو بأقصى درجاته ولا من معين لنا من هذه المصيبة إلا الله  وحسبي الله ونعم الوكيل  .


سادتي الحضور الكرام

أنتهز هذه الفرصة الكبيرة وأضع بين أيديكم واتلوا على مسامعكم الكريمة شيئا ً  عن الصابئة المندائيين تسميتهم منشئهم لغتهم وعقيدتهم وكتبهم وتقاليدهم ، ثم أستعرض باختصار ابرز ما مروا به من مآس ٍ وأحداث وما وصل إليه وضعهم الآن .
منذ زمن قديم في تأريخه  تناول موضوع الصابئة المندائيين كدين وتسمية أصلهم ومعتقداتهم ولغتهم  كثير من الباحثين والدارسين والمؤرخين من مستشرقين وعرب مسلمين وغير مسلمين وقد اختلفوا في اصل الدين الصابئي المندائي وجذوره وبتسميتهم ومعتقدهم وتأريخهم لأسباب عديدة جدا ً لست هنا بصد طرحها ، وقد انقسم  المؤرخون والباحثون والدارسون في أصلنا  إلى مدرستين أضيفت لها رأي ثالث أخر ، فالقسم الأول يعتقد بان أصلهم من منطقة البحر المتوسط (  والذي  يشمل  الأردن وفلسطين وحران القديمة  ومصر ) والمدرسة الثانية ترجعنا  إلى الأصل الشرقي الفارسى الهندي وهنالك رأي ثالث وهو الأصل الرافديني الآرمي البابلي السومري  .كما أختلفوا في الأصل اختلفوا في التسمية ، وسوف أحاول توضيح تسميتنا  وعقيدتنا ولغتنا  كما وردت في العديد من البحوث والدراسات والأديان .
كلمة الصابئة مشتقة من الفعل الآرامي-المندائي ( صبـا ) ويعني اصطبغ، تعمد، ارتمس في الماء أما كلمة "المندائيين" فمشتقة من كلمة ( مندا ) والتي تعني في المندائية المعرفة أو العلم، وكلمة مندايى باللغة الآرامية تعني ( العارف ) من الفعل ( مد ّعا ) أي عرف وعلم ،  وبذلك يكون معنى عبارة الصابئة المندائيين: المصطبغين (المتعمدين ) العارفين بدين الحق.

( وأسم (الصابئين ) كاسم لهذه الطائفة غير معروف عندنا لا  دينيا ً ولا تأريحيا ً لاننا نعرف أنفسنا  ( مندايي ) فلا بد إذا ً من ان تكون تسميتنا بالصابئين قد جاءت من الأقوام التي حولنا ، فإذا علمنا أن الشعار الديني الرئيسي لدينا هو الارتماس في الماء الجاري وان طهارتنا اليومية تمارس كذلك عن طريق الاغتسال في الماء وان هذه الممارسة تسمى عندنا ( مصبته ) أي التعميد ترجح لدينا أن التسمية ( صابئي ) مأخوذة من فعل ( صبا ) *الآرامي ومعناه يرتمس ويتعمد ونحن نقول  في صيغة الأذان عندنا ( انش صابى بمصبته شلمى ) أي كل من يتعمد بالمعمودية يسلم . كما نقول  في التعميد ( صبينا ابمصبته اد بهرام ربه ) أي تعمدت بعماد إبراهيم الكبير ،  و لا بد هنا الاشارة الى ان اللغة المندائية  تخلو من التنقيط ومن بعض الحروف الموجودة في اللغة العربية ومنها  حروف ع غ ض ظ   ويستعاض عنها في بعض الأحيان بحرف الهاء  لانه أسهل في اللفظ علما" ان حرف العين موجود الا انه مهمل عمليا" ومن هنا بدأت أول مشكلات النطق فتحول الفعل [ اصطبغ ] إلى [ اصطبأ ]وبمرور الوقت تحول اللفظ الى [ صبأ] ومنه بدأت أول المشاكل مع إخواننا المسلمين حيث نتذكر جميعا" أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يلقب بالصابئ لانه خرج عن دين آبائه لكنها تعني في اللغة المندائية  تعمد، ارتمس في الماء .   ولدينا الكثير من العبارات التي تذكر كلمة ( المصبته ) كثيرا ً في طقوسنا. فمن المعقول أن يكون الأقوام المجاورون لنا ، وكثير منهم آراميون ويعرفون اللغة الآرامية ، قد أطلقوا علينا اسم ( الصابئين ) أي المغتسلة بالآرامية .

وقد أيد هذا الرأي كثير من الباحثين منهم  نولدكه و الأب الكرملي و الليدي دراوروالبرفسور اوليري وكثيرون غيرهم .
اللغة المندائية : وهي إحدى لهجات اللغة الآرامية الشرقية ، تكتب اللغة المندائية من اليمين إلى  اليسار مثلما بقية اللغات الآرامية ، تحتوي اللغة المندائية على أربعة وعشرين حرفا ً مرتبا ً ترتيبا ً ابجديا ً وهي تبدأ بحرف الألف وتنتهي به،  وباللغة المندائية  دون الصابئة المندائيين كتبهم ومارسوا فيها شعائرهم وطقوسهم إلى يومنا هذا . ) من كتاب الصابئة المندائون ص 8 و 9   

أركان الديانة المندائية : ترتكز الديانة المندائية على خمسة أركان هي
1ـ التوحيد 2ـ التعميد 3 ـ الصلاة 4 ـ الصوم 5 ـ الصدقة المباركة ( زدقة بريخا )
 
المعتقد والأنبياء
يؤمن الصابئة المندائيون بالله ووحدانيتــه  ويسمى في كتابنا المقدس والكتب الدينية المندائية  الأخرى "الحي العظيم" أو "الحي الأزلي"كما نؤمن بأن آدم (ع) الرجل الأول، هو أول أنبيائنا ومعلمنا والنبي الثاني شيت (ع) ويسمى شيتل في المندائية وسام بن نوح (ع) وكان أخر أنبيائنا  يحيى بن زكريا (ع) وكذلك يؤمن الصابئة باليوم الآخر .
لقد ورد ذكر الصابئة بثلاث مواضع  في القرآن الكريم : فأولها في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئيين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف ٌ عليم ولا هم يحزنون ) سورة البقرة / الآية 62 ، والثاني في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئيين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) سورة الحج   /الآية 17  ، والثالث في قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) سورة المائدة / الآية 69.       
ويقول العقاد في كتابه ( أبو الأنبياء ) ص108 ( أن الدين الصابئي دين  قديم ، والمحقق من أمرهم أنهم يرجعون إلى اصل قديم لان استقلالهم باللغة والكتابة الأبجدية لم ينشأ في عصر حديث ) وفي ص109 يقول ( ولا يعرف دين من الأديان تخلو عقيدة الصابئة من مشابهة له في إحدى الشعائر )

الكتب الدينيـــــــة: للصابئة المندائيين العديد من الكتب المقدسة ، في السابق كانت الكتب المندائية جميعها مخطوطات ، ولم تكن مطبوعة ، وقد قام بنسخها باليد،  رجال الدين أو الكتاب الكهنوتيون ، طيلة قرون عديدة. وللصابئة المندائيين العديد من الكتب الدينية التي تداولوها ويهتدون بها منذ نشأتنا  إلى يومنا هذا .
لقد قدم لنا الأستاذ الباحث عزيز سباهي في الصفحات ( 13 ، 14 ، 15 ، 16 ) من كتابه القيم  ( أصول الصابئة المندائيين ) كشفا ً مفصلا ً عن الأدب المندائي (( بستة مجاميع )) حسب تقسيم الليدي دراور له إذ يقول الأستاذ (  عزيز )  في كتابه انف الذكر (( ولعل دراسة السيدة أ. س . دراور هي وحدها التي استطاعت أن تحصي كل ما دوّن من الأدب المندائي ).
 
ومن أهم كتبنا : 
1 ـ كتاب الـ ( كنزا ) هو كتاب ( كنزا ربا ) ، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد ألا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين.
 وهو يجمع صحف آدم وشيت وسام (ع) ويقع في ستمئة صفحة وهو بقسمين :
القسم الأول: من جهة اليمين ويتضمن سفر التكوين وتعاليم "الحي العظيم" والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلام وكذلك هبوط "النفس" في جسد آدم (ع) ويتضمن كذلك تسبيحات للخالق وأحكام فقهية ودينية
القسم الثاني: من جهة اليسار ويتناول قضايا "النفس" وما يلحقها من عقاب وثواب.
 وأدناه النص المترجم للعربية مما جاء في افتتاحية الكتاب المقدس (كنزا ربا):
(سبحانك ربي العظيم، أسبحك ربي بقلب طاهر، رب العوالم كلها، مسبح ومبارك ومعظم ذو الوقار والجلال الله الرب سبحانه ملك النور السامي ذو الحول الشامل، الذي لا حدود لقدرته النور البهي والضياء الساطع الذي لا ينضب الرؤوف التواب الغفور الرحيم مخلص كل المؤمنين وناصر كل الطيبين العزيز الحكيم، العلي البصير العارف الذي على كل شئ قدير رب عوالم النور جميعها، العليا والوسطى والسفلى ذو السيماء العظيم الموقر الذي لا  يرى  ولا يحد لا شريك له بملكه ولا كفء له بسلطانه من يتكل عليه لا يذل رب الملائكة جميعا، لا وجود بدونه وما من شئ لوله أزلي ليس له بداية، وأبدي ليس له نهاية)


2 ـ كتاب ( دراشة أد يهيا )  ويضم تعاليم وحكم ومواعظ النبي يحيى بن زكريا (ع)
3 ـ كتاب ( سيدرا اد نـِشماثا )  ( الأنفس )والذي يتضمن التعميد ( المـَصبتا )والأرتقاء ( المـَسقثا ).   
4 ـ كتاب ( ديوان حرن كويتا ) أو ( ديوان حران كويته ) وهو محاولة لعرض تاريخ الطائفة المندائية وقد وضع الكتاب ودون في العهد الإسلامي الأول
5 ـ كتـاب (  أدم بغرة ) وهو شرح لجسد الإنسان
6 ـ كتاب (  النياني )   وهو كتاب الصلاة و الأدعية
7 ـ كتاب ( القلستا )    وهو تراتيل طقوس الزواج ، وهنالك العديد من الكتب الدينية الأخرى . 

الرمز او الشعار
الدرفش أو العلم والدرفش هو رمز المندائيين وهو قطعة من القماش الأبيض و ( الدرفش ) أو العلم يرمز إلى عالم النور ويستخدم في العديد من الطقوس الدينية ومنها التعميد ويعتبر كذلك رمزا ً للضياء والنور السماوي
الطقوس والشعائر
التعميد أي المَصـبتا : يعتبر التعميد عمدة الدين المندائي وركن أساسي من أركان بناء الدين المندائي  وواجب على كل مندائي ، حيث يمثل ولادة ثانية من خلال الارتماس في الماء الجاري ( يــَردنا ) الذي يغطس فيه . وخلال التعميد تقرأ مجموعة من النصوص من كتاب الأنفس ( سيدرا اد نشماثا )وبهذا التعميد عمد نبينا ( يهيا يــُهانا ) أي النبي (  يحيى بن زكريا ) ( ع ) عمد ( السيد المسيح) ( ع )  في نهر الأردن قبل ألفي عام . وبهذا التعميد يتعمد المندائيون منذ طفولتهم أي بعد شهر من ولادتهم ، والتعميد ( المـَصبتا )  عدة أنواع منها التعميد  المفرد والجماعي وتعميد يوم الأحد وغيرها . وخلال التعميد يلبس المتعمد ورجل الدين الذي يقوم بأجراء التعميد الملابس الدينية البيضاء ( الرستة ) والتي تلبس أيضا ً في العديد من الطقوس الدينية .   

يتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم وفي ممارسة الشعائر الدينية الأخرى نحو جهة الشمال وذلك لكون عالم الأنوار (الجنة) في هذا المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها, ونستدل على اتجاه الشمال بالنجم القطبي جغرافيا، وتوصي الديانة الصابئية المندائية  بالصدقة (المادية والمعنوية) كما إنها توصي بالصوم الأكبر وهو الامتناع عن نحر الحيوانات والامتناع عن تناول اللحوم في أيام معدودة من السنة وعددها ست و ثلاثون يوما وتؤكد على الزواج (بما في ذلك رجال الدين) الذي يتم خلال سلسلة من الطقوس الدينية يقوم بها رجال الدين وبحضور شهود وجمع من الناس في احتفالية يسودها الفرح والطقوس التي تجرى تؤكد قدسية الزواج وثباته وصيانة العهد بين العروسين والدعاء لهما بحياة مثمرة ومستمرة .
لكل فرد  مندائي بالإضافة إلى اسمه المتداول ( المدني)  له اسم ديني ( الملواشة ) يتداوله المندائي في العديد من المراسيم الطقسية .   

المحرمات في الديانة المندائية
تشترك الديانة الصابئية المندائية مع الديانات السماوية الأخرى في تشخيص وتحديد الكثير من المحرمات وهي في تشخيصها تأخذ بعدا علميا وإنسانيا وإجتماعيا ً ومنها 
التجديف باسم الخالق (الكفر) ، القتل ، الزنى ، السرقة ، الكذب ، شهادة الزور ، خيانة الأمانة والعهد ، عبادة الشهوات ، الشعوذة والسحر ، الختان ، شرب الخمر ،البكاء على الميت ، الطلاق ( إلا في ظروف خاصة ) ، أكل الميت والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس ، الانتحار و إنهاء الحياة والإجهاض ، تعذيب النفس وإيذائها.
شيء عن تأريخنا ومساهماتنا  ومعاناتنا :
تشير كتب التاريخ أن الصابئة المندائيين قد شاركوا بفاعلية كبيرة في بناء الحضارة العربية الإسلامية عندما فسح لهم المجال وساد التسامح الديني وخصوصا ً في الفترة العباسية ومن ابرز علمائنا بتلك الفترة ( ثابت بن قره ، والبتاني وسنان بن ثابت وأبو إسحاق الصابي وهلال أبن المحسـِّن الصابي والعديد من الأسماء التي تركت بصماتها الكبيرة في بناء الحضارة العباسية.تشير المصادر التأريخية القديمة أن أهم مناطق سكناهم وتواجدهم  هي من شمال مدينة ديالى العراقية وما يقابلها من الجاني الإيراني تمتد إلى الجنوب العراقي  حيث طيب ماثا والاهواز وكذلك وسط العراق وجنوبه ولم يزل قسم من الصابئة المندائيين يسكن في إيران ولا تقل معاناتهم عن صابئة العراق . 
ومن أبرز المهن التي اشتهروا بها الصابئة  صياغة الحلي الذهبية والفضية والنقش عليها وتطعيمها بالميناء ، وكذلك بالنجارة والحدادة والتي من خلالها كانت لهم  مساهمة كبيرة في توفير مختلف وسائل الإنتاج القديمة للزراعة ووسائط النقل في أهوار العراق.   
وفي بداية القرن العشرين وبعد صحوة العراق من عصوره المظلمة التي جثمت عليه أكثر من أربعة قرون، فقد هب َ الصابئة المندائيين في بناء الحياة الجديدة للدولة العراقية الفتية بعد عاشوا عزلة طويلة قاسية كانوا مجبرين عليها لقد باشروا في بناء المجتمع والحياة  الجديد مشاركين مع بقية نسيج الأسرة العراقية الكبيرة التي تألف الشعب العراقي ، بكل همة وعزيمة  ونشاط وإخلاص ومثابرة وتضحية وحب للوطن وشعبه بصدق لا مثيل له، أن تضحياتهم ومساهماتهم رغم قلة عددهم لكنها أخذت حيز كبير في سجل البناء والتضحية ، ويشهد بذلك لهم القاص ِ والداني والعدو قبل الصديق وما حب طيبون وشرفاء ونجباء شعب العراق لهم وعلى مختلف أطيافهم إلا دليل ساطع على ذلك من خلال ما تدونه أقلامهم وتصريحاتهم وتضامنهم مع محنة المندائيين الحالية.

أن نسيج الأسرة العراقية الكبيرة التي يتألف منها الشعب العراقي متعددة الأطياف الدينية والقومية وأن الأقليات الدينية غير المسلمة (المسيحيين والصابئة واليزيدين واليهود ) والأقليات القومية الرئيسية ( العرب والكرد والتركمان بمختلف طوائفهم ومذاهبهم )  والأقليات  القومية غير الرئيسية ( الأكراد الفيليين والشبك والأرمن والكلدواشوريين والسريان  والفرس)  هم من مكونات هذا الشعب ولهم نفس الحقوق في كتابة دستوره وتقاسم خيراته وبناء مؤسساته وإعادة الأمان والاستقرار له و أن مصيرهم مرتبط بمصير وطنهم وشعبهم .
تشير كافة التقاريرالدولية  المهتمة بشؤون الاقليات في العراق على تزايد وتسارع انخفاض اعدادهم في العراق بشكل مخيف ويدعو للحزن والأسف . 
أهملت الدساتير العراقية القديمة بشكل متعمد  العديد من  هذه الأقليات  العراقية الأصيلة في عراقيتها وهمشتها وحرمتها من العديد من الحقوق وفرضت عليها قوانين تعسفية مخالفة لمبادئها الدينية ولتراثها ولغتها وثقافتها وأثارها ومعابدها ونال معتنقيها كثير من التفرقة والامتهان والذل لكرامتهم ولحرياتهم في العبادة ولم تعطيهم حقوقهم في النشر والتعريف بثقافاتهم وتراثهم في العديد من وسائل الإعلام و المؤسسات التربوية وعدم دعم الدولة في مساعدتهم بذلك وعدم تقليدهم المناصب الرئيسية في مؤسسات الدولة وإهمال كبير في تطوير وبناء معابدهم ونشر تراثهم والمحافظة عليه .

 وفيما يخص الصابئة المندائيين : نال الصابئة منذ بدأ ظهور الأديان السماوية ليومنا هذا أنواع شتى من الاضطهاد الفكري والديني والسياسي والاجتماعي .... ولست هنا بصدد سرد لتأريخ طائفة الصابئة ومعاناتها لكني سوف أتناول بعض أهم الأحداث الكبيرة والمشهورة في تأريخ الطائفة بهذا الخصوص والتي أثرت سلبيا ً بمسارها ! ....فأولها قبل آلاف السنين تعرض الصابئة إلى اضطهاد اليهود لهم ومحاولة إبادتهم وقتل 360 من علماء دينهم !! وقد هجروا ديارهم من بقوا منهم أحياء والتي دونها الصابئة ضمن إحدى مخطوطاتهم القديمة (حران كويثا ) باللغة المندائية . ومن ثم صراع الصابئة مع المسيحية منذ بداية نشأتها واضطهاد الأخيرة لهم واتهامها لهم بالهرطقة والثنوية وبالتالي محاربتها كل من ينطق بالآرامية واتهامها إياه بالمندائية إذ كانت تعتبر كل من يتحدث الآرامية صابئي أو مندائي .
وكذلك حالها مع الإسلام وقد عانوا من فترات عصيبة أكبرها فتوى الأمام أبو سعيد الاصطخري الذي حرض على عدم اخذ الجزية منهم واعتبرهم ليسوا أصحاب دين أو كتاب!! وقد نالهم من جراء فتواه أقسى أنواع الاضطهاد والذل .
والذي يريد الاطلاع بإمكانه أن يبدأ من كتاب( الخراج ) الذي ألفه أبو يوسف للخليفة هارون الرشيد ويحكم بنفسه على الواقع الذي كانت تعيشه الاقليات الدينية غير المسلمة .... والكتاب يعد من أول كتب القانون في الجزية والخراج في الإسلام.
كل هذه الأسباب وغيرها جعل طائفة الصابئة تتمحور حول نفسها وتتخذ من الاهوار وحافات المياه والأماكن القصية والبعيدة عن مراكز الحضارة أماكن لسكناها في ذلك الزمن .
وحتى في هذه المناطق النائية والقصية وعند بداية حملات التبشير المسيحية في القرن السادس عشر الميلادي نالهم من الاضطهاد ومن التحريض عليه من قبل البعثات التبشيرية المسيحية والتي عمدت إلى تحريض الوالي العثماني في ولاية البصرة آنذاك على إجبارهم على اعتناق الإسلام بحجة كونهم ليسوا أصحاب دين وليس من اتباع المسيحية كما كانوا يدعون !!!
وذلك بعد أن تيقنت (البعثات التبشيرية ) بأنهم لا يدخلون المسيحية  وبعد أن تفاجئ المبشرون بوجودهم بهذه الأعداد وتزمتهم والتزامهم بدينهم !!!
وفي التأريخ الحديث نال الصابئة الكثير من الظلم والحيف والاضطهاد رغم تفانيهم وحبهم وتضحيتهم في سبيل وطنهم سواء أكان ذلك في العهد الملكي أو العهد الجمهوري وقد تجلى الحقد الكبير والواضح بعد ( انقلاب 8 شباط الدموي الأسود عام 1963) ، وكانت حصة الصابئة من الاضطهاد شيء يفوق تحملها وحجمها فراح ضحيته العديد من الشهداء وزج بآلاف من أبنائها (من النساء والرجال والشيوخ) بالسجون والمعتقلات لسبب سياسي أو غير سياسي إذ اعتبر كل من تحدث بالديمقراطية والتقدمية والحرية والمساواة هو شيوعي وملحد وراح كل الحاقدين من الرجعية الدينية و من حملة الأفكار القومية العربية الشوفينية يمارس ابشع أنواع الاضطهاد والإذلال لنا وقد لحقت بالطائفة مآسي كبيرة من جراء ذلك ، وخير دليل هو ما صدر منذ اليوم الأول( لهيئة انقلاب 8 شباط) بحق أحد أبنائها النجباء العالم الجليل( عبد الجبار عبد الله) البيان الذي يحمل الرقم (6) وقد ناله من التعذيب والإذلال والتحقير الشيء الكثير، لا لذنب اقترفه ألا لكونه صابئيا ً  أولا ولكونه يحب العراق ويعمل وعمل بإخلاص له ...... ( تصور بيان رقم ( 6 ) وفي اليوم الأول بأسم شخص و كان كل عمله رئيس جامعة بغداد !!!!
((( والذي لم تستلم طائفة الصابئة أي مركز مثله أو اقل منه أو مشابه له من مؤسسات العراق التي زاد عددها اكثر من آلف مؤسسه ووزارة بعد هذا المنصب إلى يومنا هذا ))) .
وقد امتد الاضطهاد والتعسف والغبن على طوال فترة الحكم العارفي للأخوين( عبد السلام وعبد الرحمن ).

وفي حقبة حكم البعث وصدام وجلاوزته التي امتدت اكثر من خمسة وثلاثين عاما ً نالنا الشيء الأكثر من الاضطهاد الفكري والديني والسياسي و الاجتماعي .

أخذنا حصتنا من حروبه التدميرية القذرة التي لا يوجد لها راس ولا أساس والتي راح ضحيتها شعب العراق وخيراته.. لقد زج الصابئة بالجيش وفي محرقة الحروب  مرغمين مجبرين رغم تحريم ديانتهم القتل والقتال بكل أنواعه وأشكاله .
سوف أكتفي ببعض الأمثلة والتي لازالت تتكرر عن ما كتبته أعلاه من تجاوزات بحق أبناء الصابئة المندائيين :

لقد نالنا صنوف شتى من الذل والتميز وطالتنا أنواع لا حصر لها من الشتائم والسباب (يكفي انه ما من صابئي لم يشتم ويعير انه ((صبي نكس ))أي ((صبي نجس)) أو تضعيف أسم الصابئي إلى أسم الصّبي وتصغيره إلى ( الصبيبي ) إمعانا ً بالتحقير والسخرية يحدث هذا في الشارع أو في المدرسة ، بدون استثناء صغير وكبير شتم بها وأكثر منها في حالة حدوث أي خلاف أو بدونه مع إخواننا في الوطن والأيمان بالله ، لقد ذقنا شتى أنواع الذل والتميز طبقت ( قوانين الأحوال الشخصية) لدين الدولة علينا بينما كان للطائفة المسيحية والموسوية قانونها الخاص بها . (بالوقت الذي كان يوجد لدينا مبادىء وقوانين دينية ومدنية خاصة بنا لم يأخذ بها )لم نأخذ استحقاقنا من المناصب العليا والمهمة في مؤسسات الدولة.

كنا ومنذ آلاف السنين (نصرخ ونستجير) بأننا(( نعبد الله ولنا كتاب ونبي )) ولكن يظهر لنا من حين لحين من يروج علينا عكس ذلك مستغلا ً ضعف إمكانيات الصابئة وخوفها وعدم امتلاكها وسائل إعلامية أو قوة تردع من يسئ لها متهمين الصابئة المندائيين ( عبدة كواكب ونجوم ) وأخرها في عصرنا الحديث ((مثال ذلك )) مقالات و كتاب ( المؤرخ عبد الرزاق الحسني ) * وقد امتدت هذه الافتراءات المشينة في منتصف التسعينات من القرن الماضي إلى المناهج الدراسية في المدارس المتوسطة والثانوية مثال ذلك ما دون في شرح  كلمة الصابئة في كتاب ( القرآن الكريم )** للصف الثاني المتوسط والخامس الثانوي ، فيكتب تفسير الصابئة عند ورود ذكرهم في آياته بأنهم ( قوم عبدة كواكب ونجوم ) بدل أن يكتب عنهم ويعلم ويفهم الدارسين وتترسخ بأذهانهم أنهم قوم من أوائل الموحدين بالله ولهم كتاب ونبي وأنهم شركاء في الوطن ! وقد أمتد هذا التعريف المدسوس إلى البلدان العربية المجاورة نتيجة تبادل الخبرات بين الدول العربية في المناهج الدراسية !

بعد معرفة الطائفة ما ورد من تفسير في كتاب( القرآن الكريم) في المناهج الدراسية انفة الذكر راجعت الطائفة وزير التربية والمسؤولين عن المناهج ولكن لم يجدوا الآذان الصاغية لطلبهم !!! وأستمر هذا التعريف في المناهج الدراسية لسنوات عديدة إلى ان راجع وفد كبير من الطائفة رئيس النظام آنذاك وكان أول مطلب لهم تغير ذلك التفسير !!!! .

وقد مورست اشكال عديدة من أساليب الترغيب والترهيب على أبناء طائفة الصابئة لإجبارهم على تغير دينهم.

ناهيك عن استغلال بعض أئمة الجوامع (بيوت الله ) في الترويج للعداء للصابئة ، والتي زادت هذه الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة من حكم الطغاة ، (في خطب الجمعة وبمكبرات الصوت وعلى الهواء مباشرة )وبدون أي حياء أخلاقي ، متسترين بأسم الدين (والدين منهم ومن أعمالهم القذرة براء ) مستغلين دعم السلطات أن لم يكن بتوجيهها نافثين سموما ً فتاكة في محاربة الديانة المندائية و الحط من كرامة معتنقيها ، وقد كانوا بأفعالهم هذه يعطون الضوء الأخضر ويشجعون أصحاب النفوس المريضة والحاقدة من الجهلة وذوي الاتجاهات التكفيرية وحملة الأفكار الهدامة من الأجهار بعدائهم وإيذائهم لأبناء الصابئة . . 
ويعلم الجميع ان ( بيوت الله) هي ليس فقط للعبادة و إنما هي البيئة الصالحة للتربية على الأيمان الصحيح المبني على المحبة والعدالة و الإنسانية والسلام والتسامح وهي ايضا ً المكان المناسب لبث الوعي والتربية الثقافية التي بشرت فيها الأديان لخير المجتمعات والبشرية !!!

لم تنصفنا وسائل الإعلام العراقية المتنوعة ( الصحافة أو التلفزيون أو الإذاعات ) بتعريف الشعب بديانتنا ومعتقداتنا وثقافتنا بل راحت من حين لحين تثور تصريح يسيء لنا هنا وهناك .
في السنوات الأخيرة وبعد اشتداد الحاجة إلى إصدار مجلة دورية للصابئة تعني بشؤونهم وافقت السلطة المقبورة على ذلك لكن ألزمت الطائفة على اعتبارها نشرة داخلية تصدر فقط للصابئة وتوزع بين أبنائها في المندي !!! وقد كانت تصدر أعدادها من (مجلة أو نشرة أفاق مندائية ) بعد موافقة الجهات الأمنية. وكذلك أصدرت الطائفة نشرة (هيمنوثا ) أي الأيمان تهتم بالديانة و الثقافة المندائية ( توزع فقط بين ابناء الصابئة ولا يسمح بتوزيعها خارج ذلك  بناءا ًعلى توجيهات السلطات الأمنية) وقد أغلقت الأخيرة بسب نشرها رد على أحد الأساتذة ( أستاذ جامعي والمتحدث الديني الدائم لبرنامج تلفزيوني مشهور في عراق صدام )  لتجاوزه على الصابئة في إحدى البرامج التي بثتها محطات التلفزيون العراقية وعبر الأقمار الفضائية ، أغلقت النشرة الداخلية وتم استدعاء ومحاسبة كاتب المقالة من قبل الجهات الأمنية بينما تم تكريم الأستاذ الجامعي وبث اللقاء التلفزيوني عدة مرات ؟؟
هذه بعض التجاوزات التي قد تركت الأثر السلبي على نفسية وشخصية الفرد المندائي . هنالك العديد من التجاوزات والمآسي والكوارث التي مرت بها الصابئة المندائيين ومن يود الإطلاع فيمكننا مساعدته وتزويده بذلك أن رغب الاتصال بنا.   

 
لقد غادر ولازال يغادر آلاف من أبناء الصابئة وعوائلهم العراق إلى شتى بلدان العالم هربا ً من الظلم والبطش والاضطهاد والتميز والتفرقة وأضيف إليها الآن الاحتلال و المحاصصات والمفخخات و الإرهاب وغياب القانون  انهم متناثرون الآن في شتى بقاع الأرض ، لا توجد معلومات دقيقة عن عددهم سابقا بشكل دقيق   وتشير العديد من المصادر ان عددهم وصل حوالي 70 إلى 100 ألف وبسبب الظروف القاهرة التي يمرون بها غادروا موطنهم إلى المجهول ويقدر عددهم في العراق عندما سقط نظام صدام عام 2003  حوالي 35  ألف إنسان .

وهذا مقاطع صغيرة  من أخر  مقالة ولقاء نشر على شبكة بي بي سي حول الصابئة ومعاناتهم ولكم الحكم في تقدير معاناتنا ومأساتنا ومستقبلنا.  ((الصابئة في العراق على وشك الانقراض )) بقلم ( كروفورد انجس ) بي بي سي نيوز ـ دمشق الأحد 4 مارس 2007 وقد تناقل التقرير العديد من الصحف والمواقع الإعلامية.


))  أجبر أكثر من 80 في المئة من أفراد الطائفة على مغادرة العراق واللجوء إلى سوريا والأردن، مع أنهم لا يحسون بالأمن حتى في هذين البلدين، ولكن ليست لديهم خيارات كثيرة، حيث لا يرحب الغرب بهم.
يعتقد أن عدد أفراد طائفة الصابئة لا يتجاوز 70 ألفا، يقيم خمسة آلاف فقط منهم في العراق.
يقول كنزفرا ستار، وهو واحد من خمسة رجال دين من الصابئة في العالم( رئس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم ):"لا ينظر إلينا على أننا طائفة دينية، بل على أننا كفار، ولذلك فدمنا مباح".
وأضاف ان وضعهم اليوم يعتبر محكاً للعراق الجديد  ، ففي بلد علماني من المفروض أن تزدهر حياة المهندسين والأطباء والصاغة بصرف النظر عن دينهم وطائفتهم .
أما والوضع على ما هو عليه في العراق الحالي، والغرب لا يرحب بهم كلاجئين، فيخشى ستار أن تندثر الصابئة في وقت ليس ببعيد..))


والسلام عليكم

يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين
عضو الهيئة الإدارية المؤقتة لرابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين المندائيين
عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد
ممثل مكتب البرنامج المندائي في الخارج ، أحد منظمات المجتمع المدني
ممثل جمعية مالمو الثقافية المندائية في اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر
باحث وناشط سياسي في الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق المندائيين
 
كتبت البحث خصيصا ً الى "مؤتمر أقليات الشرق الأوسط" المنعقد في مدينة زيورخ الخاص بالأقليات والذي دعت إلية منظمة أقباط متحدون  للفترة24 ـ 26 ـ مارس ـ 2007
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
*المؤرخ عبد الرزاق الحسني : (1903ــ1997) مؤرخ عراقي مشهور له العديد من المؤلفات وأشهرها كتاب ( تأريخ الوزارات العراقية ) لكونه يعد من أهم المصادر لتأريخ العراق الحديث ، نشر كتاب حول الصابئة المندائيين عام 1931عنوانه (الصابئة المندائيون ...في حاضرهم وماضيهم ) فيه العديد من الافتراءات والدس على الديانة المندائية وقد تصدت له الطائفة ورئيسها الروحاني آنذاك المرحوم الشيخ دخيل عيدان و أحالته للمحكمة التي قررت إدانته .
نشر عدة مقالات بعدها عن الصابئة وقد أطلعت على مقالة طويلة كتبها عام 1932في مجلة ( الهلال ) المصرية وقد ( عجبت اشد العجب ) عند قراءتي لها لما تحتويه من تلفيقات مدسوسة وغير صحيحة ، وكلما أقرأ كتابا ً من كتبه الأخرى يتملكني العجب والحيرة ... فالرجل رحمه الله يكتب على ضوء الوثائق والوقائع فلماذا كتب عن الصابئة كل هذه الافتراءات (بدون وثائق ووقائع ) من بداية عنوان المقالة تشويه وافتراء على الديانة المندائية ومعتنقيها عنوانها (عبدة الكواكب والنجوم لازالوا يعيشون في العراق )؟؟

163

مؤتمر زيورخ : صوت من أصوات المضطهدين والمهمشين على مدى العصور..من سيكون معه؟ ومن سيقف ضده؟ 
 (  ويل لعالم لايمنح من علمه وويل لجاهل منغلق على جهله ) (الكنزا ربا،الكتاب المقدس للصابئة المندائيين)
يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين من بلاد الرافدين / أذار2007

 
 
بفضل انتشار واتساع طرق الاتصالات والمواصلات ونقل المعلومات والأخبار بات كل إنسان في هذا العالم الفسيح الواسع يقرأ ويشاهد ويسمع بين لحظة وأخرى تبث على مدار الساعة  أخبار جديدة ومعلومات أحدث وابتكارات افضل وأخر الكوراث الطبيعة والمصطنعة وأخبار الحروب والإرهاب والاضطهاد والاستعباد   وأخبار وأفلام وتقارير وبحوث ودراسات لا حصر لها وبمختلف اللغات أنها ثورة حقيقة في نقل المعلومات بيسر وسرعة للجميع ، و أكيد تختلف طريقة طرح ونقل وإيصال هذه المعلومات حسب المصالح والأهواء وما أكثرها تنوعا ً في عالمنا هذا وكما يقال (  كل يبكي على ليلاه ) ..
من اكثر الإخبار التي تتناقلها العديد من وسائل الاتصالات وتخصص لها المحطات الفضائية العديد من ساعاتها أخبار الحروب والاضطهاد والإرهاب والتمييز بكافة أشكاله والديمقراطية ولاعبيها وملاعبها  والحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات ومعاناتها.وسوف اركز على موضوع الأقليات ومعاناتها لكونه يتعلق بالعديدة من المواضيع التي تهم حياة المجتمعات وحقوقها ويهم موضوع مقالتنا هذه .
والذي أود إيصاله من هذه المقدمة المتواضعة هي كيف تستطيع القوى الضعيفة و المظلومة والمضطهدة من تجميع قواها المتعبة والمرهقة والخائفة والمتقطعة الأوصال والمتباعدة والمتشرذمة في بقاع عديدة والتي لا تكاد تستفيق من ضربة حتى تأتي الثانية أقوى وأحدث منها وخصوصا في عالمنا الثالث الذي تعاني الأقليات فيه من ويلات ومآس ِ وأزمات ونكبات وخوف ورعب واستبداد واضطهاد وتهميش وامتهان لحقوقها وكرامتها  يضاف إليه الفقر والجهل والتخلف والتميز والتعصب والإرهاب والحروب التي تلف وتعصف في المجتمعات المتواجدين فيها.
لقد قرأت عن العديد من تجمعات الأقليات التي تشاركها منظمات وأحزاب بعقد المؤتمرات العالمية والاقليمية والمحلية التي تناصر وتسند وتدعم هذه الأقليات المغلوبة على أمرها والمضطهدة والتي يفتك بها الإرهاب وملحقاته وبالوقت نفسه تحاول طليعة هذه الاقليات جاهدة تجميع قواها المتشتتة وبلورة أهدافها وحشد ناسها ومناصريها من أجل الدفاع عن حقوقها التي سلبت رغم صراخها و نضالها المرير وتضحياتهم الجسيمة من أجل أثبات أنها موجودة وانها حية وما تزال تتنفس الهواء رغم كل محاولات الخنق المستمرة  لؤدها !ا .ولم ألحظ أي دعم يقدم من حكومات هذه الأقليات المضطهدة لتلك المؤتمرات ولم تأخذ هذه الحكومات بعين الجد معاناة أقلياتها والحلول والمقترحات والنداءات والصرخات والاستغاثات التي تقدمها وتطلقها هذه المؤتمرات لتك الحكومات ! هكذا تشير الوقائع والحقائق .
أقرأ بشكل مستمر عن معاناة الأقليات في منطقة البحر المتوسط وأفريقيا واسيا والتي تتفاوت في قسوتها وعنفها من دولة إلى أخرى لكنها في كل الأحوال هي مآسي مستمرة ومتجددة تصل أحيانا ً إلى الإبادة الجماعية في بعض تلك الدول !!!
     
لقد أطلعت على معاناة إخواننا الأقباط في مصر وكفاحهم ونضالهم المستمر من أجل نيل الحقوق الطبيعة في بلدهم و قد تعالت أصواتهم في السنوات الأخيرة نتيجة اشتداد هجمات الإرهاب والتطرف التي تلف المنطقة وذلك من خلال ما تتناقله الأخبار والتقارير وقد قرأت عن مؤتمر تخطط له منظمة  ( أقباط متحدون ) ودعوتها إلى ان يشاركها تجمعها هذا العديد من الأقليات الأخرى في منطقة البحر المتوسط واسيا التي تعاني من مآس ِ الاضطهاد والاستعباد والتطرف والإرهاب والتميز بشكل بات يهدد المنطقة برمتها بكارثة كبيرة .

أن ما تشهده المنطقة هذه من ويلات وفواجع وكوارث وتسليح وتناحر وحروب ونهب للثروات وتدخلات عالمية متعددة الأهداف والمصالح وكذلك اصطفافات لقوى متعددة منها دينية وسياسية وقومية وطائفية وعنصرية وشوفينية ومصالحية ولها تجمعاتها وأحزابها ومنظماتها الإرهابية وقواها العسكرية والقتالية السرية منها والعلنية التي  تصول وتجول ولها مؤسساتها الإعلامية المتعددة انه وضع مضطرب ومرعب وخطير لكل هذه الأسباب وغيرها نلاحظ العديد من الأقليات بدأت بالتسارع بالرحيل من المنطقة منذ وقت ليس بقريب وقد زادت هجرتها من أوطانها بشكل متسارع في السنوات الأخيرة .
لقد قرأت بإمعان ما تناوله الأستاذ د.  أحمد أبو مطر في مقالته الموسومة ( مؤتمر زيورخ : المضطهدون والمهمشون يوحدون جهودهم ) وفيها شرح عن الجهة الداعمة للمؤتمر وأهدافه وهيئته الاستشارية واعرف العديد منهم من خلال متابعتي لكتاباتهم ، وعرفت كذلك بعض من المدعوين للمؤتمر وهي شخصيات تقدمية مرموقة ولها حضور فاعل في ساحات النضال والإبداع ، كذلك سررت على تضمين بيانهم رسالة الأستاذ المناضل ( العفيف الأخضر ) وخصوصا ً فيما يتعلق  بضرورة وأهمية توسيع قاعدة المشاركة للعديد من الأقليات المضطهدة بالمنطقة وهذا دليل انفتاح محمود لتوجه جديد في توحيد صوت النضال لهذه الأقليات !؟  وهذا مقطع من البيان بعد اجتماع الهيئة الاستشارية ودراسة رسالة الأستاذ العفيف الأخضر وما مطروح على جدول أعمالهم.
(اجتمعت الهيئة الاستشارية لـ (الأقباط متحدون) في مدينة زيورخ يومي 28، 29 من شهر نوفمبر لعام 2006، برئاسة الأستاذ المهندس عدلي أبادير يوسف، وضمت كل من:
الدكتور شاكر النابلسي والأستاذ مجدي خليل والدكتور أحمد أبو مطر والأستاذ مدحت قلادة والمهندس عزت بولس. وقد درست الهيئة بعمق ووضوح جدول الأعمال المقدم لها وقررت التالي:
أولاً: مضمون رسالة الأستاذ العفيف الأخضر
توافق الهيئة على الفكرة الأساسية الواردة في الرسالة، حول توسيع اهتمام (الأقباط متحدون) لتكون صوت كل المضطهدين والمُهَمَّشين في الأقطار العربية من كافة الطوائف والأعراق، مثل كافة المسيحيين في تلك الأقطار، والسُّنة في إيران، والشيعة في بعض الأقطار العربية، والأكراد في كردستان وسورية وتركيا وإيران وغيرها من الدول ) وقد قرأت كذلك  مقالة الأستاذ د. احمد مطر والمنشورة في موقع صوت العراق الإلكتروني الموسومة ( لماذا سوف أشارك في مؤتمر زيوريخ؟ ) والمتضمنة رده على الدكتور سلمان مصالحة الذي كتب اعتذاره عن المشاركة في مثل هذه المؤتمرات والمنشورة في إيلاف بتاريخ 16 فبراير. وكذلك قرأت العديد من الآراء والطروحات حول المؤتمر وأهدافه وتطلعاته .
 
أنها مبادرة كبيرة تستحق الوقوف معها ومساندها من كل مناضل ومدافع عن حقوق المضطهدين والمهمشين والمظلومين وكل دعاة المحافظة على الأقليلت ومساندة نضالهم ودعم تطلعاتهم والتقليل من معاناتهم، وإنها دعوة مفتوحة لكل دعاة حقوق الإنسان ومنظماته ومؤسساته إن تبارك وتساند هذا التجمع وأي تجمع بهذا الاتجاه وبهذه التوجهات والأهداف.
كل القوى الفاعلة والمسيطرة ( الأغلبية )  في هذه المنطقة حكومات أو المؤسسات المدعومة من تلك الحكومات وعلى اختلاف أنواعها،نسمع أخبار اجتماعاتها ومؤتمراتها وخططها وبرامجها المعلن منها طبعا ً وغير المعلن فالعلم عند الله والراسخون بالعلم والمخططون له. أنها مؤتمرات واجتماعات متعددة تدور جميعها لصالح قوى الأكثرية أو الأغلبية في المنطقة فهي مسموح لها بنشر أهدافها وبرامجها وتطلعاتها بكافة الطرق والوسائل وكذلك الدفاع عنها مسخرة كافة الإمكانيات  المادية والمعنوية والبشرية والعسكرية لبلدانها لخدمة هذه المخططات وأهدافها ، لكن لم نسمع عن جهات حكومية أو مؤسسات رسمية كبيرة ترعى وتصرف على  مؤتمرات الأقليات في المنطقة وتدافع عن حقوقها وتطلعاتها رغم صراخ تلك الأقليات وبياناتهم ونداءاتهم وتضحياتهم التي لم تتوقف لحظة واحدة . وابسط مثال على ذلك ما سوف أكتبه عن أقلية أنتمي أليها كي أكون شاهد عيان أو كما يقال شهد شاهد من أهلها !! فأنا أنتمي إلى العراق أولا ً وأخيرا ً .
و حبي للعراق وشعبة قبل كل شيء ، لكني انتمي إلى أقلية دينية عراقية لا بل هي أصل العراق وبلاد الرافدين ، نحن أبناء طائفة الصابئة المندائيين ويقدر عددنا في العراق 70 أو  100 ألف نسمة ( لعدم وجود إحصائية دقيقة ومعتمدة ) وهي ديانة موحدة بالله عز وجل وتتبع النبي يحيى بن زكريا ( ع ) وهي من الديانات المسالمة ! ولنا أخوة ً من نفس الديانة في إيران وهم يسكنون غرب ( إيران ) في المنطقة المتاخمة للحدود الشرقية لوسط وجنوب العراق منذ اقدم العصور إذ سكن الصابئة بشقيهم الذين في إيران أو في العراق في نفس الوقت منذ القديم أيام كانت اللغة الآرامية هي السائدة في المنطقة وهنالك بعض الآراء والمصادر ترجح قدمهم ابعد من ذلك  !!!!!
 
يربطنا نحن الصابئة المندائيين سواء في العراق أو في إيران ديانة واحدة ولغة واحدة ( اللغة المندائية )  وتأريخ واحد ودم واحد وأسم واحد , ونحن دين مسالم غير تبشيري منذ زمن قديم جدا ً ويهمنا أن نتواصل ونلتقي فيما بيننا فلا يحق لنا الزواج من خارج ديننا، وديانتنا تحتم على معتنقيها التزاوج فيما بيننا فقط والذي يتزوج أو تتزوج من خارج ديانتها المندائية يعتبر أو تعتبر خارج عن الدين المندائي بشكل تلقائي هو ونسله وديانتنا  تحرم الرهبنة وعدم الإنجاب ولنا معتقدات وشعائر وطقوس نختلف فيها عن المحيطين بنا من الأقوام والأديان وديننا يحرم القتل والقتال وهي ديانة مسالمة تتخذ من التعميد بالماء الجاري أهم شعائرها . لنرى ماذا حل بنا وأي مساعدة قدمت لنا على مدى الدهور والعصور فالتأريخ يقول لم يقدم لنا غير الذل والهوان والفاقة والحرمان والاضطهاد والاستعباد والقتل والتنكيل والترغيب والترهيب لترك ديانتنا وهنالك مآسي دونت وكتبت عن شدة أزمات و اضطهاد مفزعة مرعبة اجبر فيها أعداد  كبيرة من  الصابئة المندائيين على تغير دينهم بالقوة والبطش !!  وووووووووووووووووو والى أخر القائمة من اللوعات والمآسي والأحزان التي تشيب لها الرؤوس وتنقبض من أحزانها الأنفس وقد دونت قسم من هذه المآسي والويلات على حافات وهوامش كتبنا المقدسة وبعض ما كتبه ثقاة المؤرخين والكتاب وما تناقلته إلينا حكايات الأجداد إلى الأحفاد ، رغم هروبهم وانزوائهم وتقهقرهم وسكنهم آلاف السنين بين القصب والبردي والماء في أقاصي المستنقعات والأهوار و قرب حافات الأنهار قاهرين الطبيعة القاسية النائية منتزعين منها لقمة عيشهم وعيش أبنائهم لغرض استمرار الحياة لا يعرفون غير ممارسة طقوسهم وتعالمهم الدينية، ومقدمين خدماتهم وخبراتهم الحرفية والفنية المتوارثة في الصياغة والنجارة والحدادة بصناعة ما يحتاجه الأقوام التي تجاورهم في أعمالها من منتجات هذه الصناعات ولدماثة خلقهم وتواضعهم ومبادئهم الدينية المسالمة تعايشوا بشكل أو آخر مع الأقوام المجاورة لهم رغم كل أنواع التمييز التي تمارس فوق رؤوسهم .
   
     
  وهم صاغرون فلا توجد لهم قوة أو جيش يدافعون فيها عن أنفسهم ولم يسجل لنا التأريخ ان كفلت لهم سلطات الحكومات التي تعاقبت على حكمهم آلاف السنين أي رعاية أو حماية عدى فترة ازدهار أيام الانفتاح والتسامح الديني الذي ساد العصر العباسي الأول وقسم من العصر العباسي الثاني والذي شارك الصابئة فيه إلى جنب أبناء الاقليات الأخرى المسيحيين واليهود والمجوس في بناء الحضارة الإسلامية وكانت بداية ذلك منذ عصر الرشيد وبعض الخلفاء الذين ساروا على نهجه إذ بعد هذه الفترة الذهبية (بدأت موجات التميز والاضطهاد والظلم تنالهم بسبب انتمائهم الديني ) فهرب المتواجدون من الصابئة من حواضر المدن ملتحقين بإخوانهم في المناطق القصية النائية و في الأهوار وللأنصاف نقل لنا آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا ان الذي ساعدهم وحماهم من القتل والاضطهاد وخصوصا ً في الفترة التي سبقت تكوين و تشكيل الحكومة العراقية في 1920 وبعدها لسنوات طويلة فالذي ساعدهم وحماهم وأجارهم العشائر المجاورة لهم  إذ كان الصابئة  يستنجدون بشيوخها ورجالها المتنفذين ويعقدون معهم الأحلاف والمواثيق والتعهدات من أجل المحافظة عليهم ورعايتهم من الاعتداءات والسلابة والنهابة وكثير من شيوخ ورجال تلك العشائر يذكرونهم الصابئة المندائيين إلى يومنا هذا  بالذكر الطيب والترحم لمن توفي منهم وكذلك تذكرهم وتبادلهم تلك العشائر ورجالها بنفس الطيبة والمحبة   ....  ولست مبالغا ً أن أكتب أنه لم يزل قسم من تلك العشائر ترعاهم وتدافع عنهم إلى يومنا هذا حتى بعد انتقال قسم منهم إلى العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى وأني إذ أكتب ذلك  ليس من باء تملق أو إشادة أحاول إرضاء طرف ما لكني اكتبها كما سمعتها من أفواه أهلنا وكذلك كشاهد عيان ؟؟؟ !!

وبعد تكوين الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي شارك الصابئة المندائيين بفعالية وعزيمة وهمة في بناء أسسها ومؤسساتها وأحزابها ومنظماتها السياسية والنقابية  منذ السنوات الأولى فقد انخرط عدد كبير منهم في المدارس التي فتحت وتخرجوا ليشاركوا مع رعيل العراقيين الأوائل في البناء ، وغادرت أعداد كبيرة منهم الأهوار والقرى الجنوبية منذ ثلاثينيات و أربعينيات القرن الماضي متوجهين  إلى العاصمة و المدن الكبيرة وانخرطوا بحركة دؤبة وفاعلة في الحياة الجديدة ونهلوا بشغف ولهفة وقوة واندفاع من العلم والمعرفة وقدموا كل طاقاتهم وإمكانياتهم الحرفية والعلمية والمعرفية التي اكتسبوها من دراستهم ومن الحياة العامة من أجل المساهمة في بناء حاضر العراق وكذلك ساهموا بتقديم التضحيات الكبيرة بالأرواح والجهد قبل المال في سبيل الحرية والديمقراطية والتقدم ورفع اسم بلدهم ورغم قلة عددهم لكن لا يكاد أي عراقي يغفل مساهمتهم ومشاركتهم بصدق ونزاهة وإخلاص وتفاني وحب كبير للشعب والوطن فقد تركت مساهماتهم هذه ذكريات طيبة في نفوس كل من عاشرهم وجاورهم.
لنرى ما حل بالصابئة المندائيين الآن بعد تدهور وضع العراق السياسي ودخول البلد بدوامات الحروب وويلاتها وسياسة البطش والموت والفلتان الامني والنهب والقتل والإرهاب ، فما ان وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها حتى بدأت هجرة الصابئة للخارج ، فلم تهدأ دائرة العنف والقتل والموت والخراب في البلد بعد توقف الخرب بن العراق وإيران إذ دخل البلد بحرب أخرى وتبعها بأخرى ليزيد وضع الحصار من مأساتنا ومأساة الشعب  وبالمقابل لم تهدأ استمرارية وزيادة أبناء الصابئة المندائيين وبقية الاقليات من الهجرة السريعة إلى المجهول خوفا ً من الموت والقتل بعد إن زجوا بالخدمة العسكرية الإلزامية( والتي وصلت من سنتين إلى  ثمانية أو عشر سنوات متصلة )  لتتلقفهم طاحونة الحروب والحصار لتحصد منهم آلاف الشباب ، وبعد سقوط نظام صدام ازدادت الهجرة بشكل تكاد البلد تفرغ من الأقليات وعلى رأسهم الصابئة إذ تشير أخر التقارير إن عددهم بقي بحدود خمسة آلاف أو زيادة قليلة على ذلك ومن بقي منهم في العراق يعيش أقسى حالات الهلع والرعب والخوف وأما من خرج من العراق  فهم الآن قسمين قسم دفع كل ما يملك من أموال حملها معه بعد ان باع كل ما يملك ( عقار أو محل أو تحويشة العمر )  وسلمها إلى المهربين كي يصل لاجئ في  إحدى دول اللجوء ومن وصل منهم  ينتشرون متبعثرين متباعدين موزعين على حوالي 20 بلدا ً وهنالك القسم الآخر المتبقي من الذين فروا من الإرهاب والعنف في العراق وهم  بحدود 12ـ 13 ألف نسمة  أو أكثر موزعين  في بلدان الجوار أو النزوح كما تسمى الأردن وسوريا ومصر واليمن وإندونيسيا ينتظرون من ينقذهم من مأساة التشرد والضياع والفاقة والعوز.
 
هذا مختصر لحالة إحدى أعرق وأقدم أقلية دينية عراقية مسالمة بذلت كل شيء في سبيل وطنها وشعبها فماذا حل بها ومن يدافع عنها والصراع والتعصب والعنف والإرهاب والخراب قد وصل إلى أعلى درجة في مقياس رختر و لم يزل يضرب باستمرار إذ ما ان يهدأ قليل من الوقت ليضرب مجددا ً . وليس بقية الاقليات الأخرى من نسيج مجتمع العراق ( المسيحيين واليزيدين والشبك والكرد الفليين والكرد واليهود وغيرها من مكونات المجتمع العراقي )  بأفضل حال من الصابئة فلكل أقلية من هذه الأقليات العراقية مآسيها وفواجعها ومظلوميتها، لكن قلة تعداد نفوسنا ووضعنا الديني الخاص هو المختلف عن الآخرين لذا تكون مأساتنا أشد وجعاً وأقسى آلما ً وحزنا ً لقد غادر الصابئة المندائيون حملة ارث وتأريخ وحضارة العراق بعد ان دمرت الحروب وويلاتها آثارنا وتاريخنا وتراثنا ونفسيتنا وآمالنا وأحلامنا فمن يرحمنا؟؟ أليس وضع يدنا مع أخوة ً لنا في المآسي والفواجع ارحم ؟؟
 ولنا ان نتساءل كم مؤتمر عالمي ساعدتنا الحكومات العراقية على عقده للملمة شملنا ودراسة أحوالنا ومساعدتنا في أحياء لغتنا وتراثنا وكم معبد تفضلت الحكومات المتعاقبة ببناءه لنا أو ساعدتنا ببنائه وهي بيوت الله للعبادة والتقوى وتعليم القيم النبيلة ؟؟  وكم دار للبحوث والدراسات الثقافية بنت وساعدتنا لبنائها ، كم مدرسة فتحن لنا واعدت لنا مناهجها لدراسة لغتنا وتراثنا وديانتنا  ؟؟ هل فكرت إحدى الجهات الحكومية وليس فقط حكوماتنا حتى المنظمات الإنسانية الدولية هل فكرت فينا ولو مرة واحدة بمساعدتنا لعقد مؤتمر محلي أو اقليمي أو دولي لتدارس معاناتنا ومآسينا ولغتنا وتراثنا وطقوسنا وهجرتنا وتشردنا والضياع الذي يلفنا  ؟؟ أو تسهيل زيارات متبادلة بيننا وبين إخواننا الصابئة في إيران هل فكرت حكوماتنا بتنظيم زيارات حج لمرقد نبينا يحيى بن زكريا ( ع ) في الجامع الأموي في دمشق ! أو زيارة الموقع الذي عمد فيه النبي يحيى بن زكريا ( ع ) سيدنا عيسى ابن مريم على ضفة نهر الأردن والذي أصبح رمزا ً ومزارا ً للحجيج  ؟؟؟
تصرف مليارات من الدولارات على الحروب والفرهود وسماسرة السلاح وكابونات النفط والهبات والصدقات وتبذير مال الدولة على أشياء لا حصر لأنواعها ومسمياتها وقسم آخر على القصور والضيعات والسفارات والقنصليات وأقبيتها ؟  فهذه لها باب خاص ؟ وقمسيونات العقود مع الشركات ،وفرهود عقود النفط مقابل الغذاء والدواء، والتبرعات لدول وحركات ومنظمات لا نعرف حتى أسماءها قسم منها تأخذ رواتبها بالدولار وتجهز بالسلاح وقسم أخر منها  تسرح وتمرح في العراق وقسم تدفع لها شيكات و كابونات نفط ،ولكن من ساعدنا وتصدق علينا  ( بمليون برميل نفط  ) مثلا ً حالنا من حال العبرية ( مثل عراقي يضرب على المسافر أو الراكب عندما يكون مع مجموعة كبيرة من المسافرين أو الركاب يكون حاله من حالهم أي مايصيبه يصيبهم ) ولم تزل ينابيع نفط بلادي تصدر ملايين البراميل يوميا ً وحصتنا منها نحن الصابئة المندائين مزيد الرعب والموت والفاقة والحرمان والتشرد والضياع و  ......... ؟؟؟
لقد طرقنا كل أبواب الحكومات السابقة واللاحقة وناشدنا كل المتنفذين فيها من ساسة ورجال دين ان تساعدنا وترعانا فنحن أبناء هذا الوطن الأصليين مسالمين ولا قوة لنا تحمينا وتصد الظلم عنا، فماذا جنينا لم تنصفنا حتى الدساتير والتشريعات ووسائل الإعلام السابقة وقسم من اللاحقة، أنها قائمة طويلة من المعاناة والمآسى والويلات والظلم، وجاء الذي الآن الذي لا يرحم ولا ينصف الجميع ليسيطر على الساحة بالتمام والكمال والذي يتفق الجميع أن لا دين له جاء ( الإرهاب وملحقاته  ) ليزيد الطين بلة .فهنا نسأل السادة المنصفين هل نسند اخوتنا من الأقليات المضطهدة و المهمشة ونضع همومنا ومصيبتنا سوية ( فجميعنا في الهوى سوى ) ونعمل لمساعدة بعضنا البعض ونوحد صوتنا وصراخنا كي يكون اكثر دويا ً حتى يسمعه المستبد والجائر ؟ أو الذي بالسلطة والمال حائر؟ أو الذي بالتجويع والترويع والبطش سائر ؟ أو الذي لا يريد أن يسمعه للعديد من الأسباب الأخرى ؟ أليس من حقنا ان نوحد صوتنا نحن المساكين والمهمشين ؟ ونطرق به مجددا ً أبواب السماء قبل أبواب الحكومات والمنظمات الدولية وأكيد أبواب السماء ورب العباد لمآسينا وصراخنا أرحم فبه نستجير واليه نرفع عيوننا واليه تهفو أفئدتنا .  
 . 
أم الأفضل نبقى نستمع إلى الوعود والعهود التي لم نقبض منها سوى الوعود كما يقال (( القبض ريح ))
  ومن مؤتمر زيورخ للأقليات المضطهدة والمهمشة والمتشردة سنطلق صرختها الموحدة ( باسم أقليات مضطهدة ومهمشة متحدون ) وستتبعها صرخات موحدة أعلى صراخا ً وأشد قوة وعزيمة . وأننا على ثقة سوف تكون معنا ومع صرخاتنا المستغيثة أصوات الملايين من المدافعين عن كرامة الإنسان وحقوقه والمؤيدين والمناصرين لحقوق الأقليات ومعاناتها من شتى أرجاء المعمورة !
وللحديث صلة !!
يحيى غازي الأميري
أحد أبناء الصابئة المندائيين من بلاد الرافدين 
آذار 2207

164
المتنبي والشطري يتناغمان

 يحيى غازي الأميري
السويد أذار2007

 ((    بغداد وكالات 5 /3 / 2007:  وقال نعيم الشطري, مسؤول مزاد الكتب في سوق الجمعة إن "هذا العمل جرى فقط في زمن هولاكو واليوم يحدث مجددا من قبل المجرمين القتلة الذين استرخصوا حياة الأبرياء
وأضاف الشطري الستيني وهو يبكي أن "قتل الكتاب أخطر من قتل الإنسان لأن الإنسان له عمر أما الكتاب فيبقى خالدا وقد حرقوه". وأكد أن "الإرهابيين يحاولون قتل المعرفة في هذا البلد وهم يقتلون الطلبة في الجامعات واليوم يقتلون الكتاب في اعرق شوارع بغداد التاريخية". ))

     

                           
 نبكي لبكائك أيها الشطري العزيز !
شلت أيادي قتلة الإنسانية والحضارة !
لم يتركوا لنا غير الأحزان والدموع والآهات !
يرعبهم النور والضياء، يرعبهم الحب والوئام والسلام!
من أي كهوف خرجوا لنا ؟
من أي جحور ظهروا ؟
من  زرع بهم كل هذا الحقد والبغضاء والكراهية و الخبث و القتل والوحشية ؟
أي قلوب سود و مبادئ يحملون !
ها هي نار الحقد تلتهم مداد القلب والفؤاد، ماذا يريدون منك يا قلب بغداد، لم يكفيهم ظلمة الكهرباء وما نشروا من موت وخراب ، يعرفون الأوغاد أن ضياء المعرفة مسطر في الكتاب فصبوا حقدهم بحرقه وتفجيره وتحويله إلى دخان ورماد ... آه  يا وجع القلب والفؤاد ... أي حقد أسود يضمرون لك يا قلب بغداد !
لكن هيهات أن تموت بغداد أو تموت المعرفة وحب الكتاب وسيخرج من جديد مليار فوق مليار كتاب.
     
إلى الشطري العزيز ( بلال المتنبي) والى كل أحبتي في شارعي الحبيب ،إلى ضحايا الشارع الجميل، شارع المتنبي، شارع المعرفة والثقافة، أعيد نشر مقالتي التي نشرتها منذ عامين. 

                                           المتنبي والشطري يتناغمان

يحيى غازي الأميري
السويد شباط 2005


بلال المتنبي يقرع أجراسه... يؤذن فينا ... منشدا ً أبياته... مبتدأ بتمجيد الكتاب... ناصحا  ًبقراءته...
وحامدا ً لمقتنيه... ومتشفعا ً على تاركه.
عند سماع أسم شارع المتنبي يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى الشعر والأدب وكيف لا فالمتنبي رمز الشعراء والأدباء !!
ملء الدنيا وشغل الناس في حياته ومماته إلى يومنا هذا !!

قرأت ذات مرة أن أحد الخلفاء في الفترة العباسية أمر بقتل (أحد الشخصيات البارزة من العاملين بديوانه ) وكان أديبا ً جليلا ً وعالما ً فاضلا ً!
وكان قد أمر بأن يصلب ويترك مشنوقا ً معلقا ًفي إحدى الساحات العامة !! أراد بعمله هذا إرهاب الناس والتشنيع بالقتيل و التقليل من منزلته .
فوقف أحد الشعراء مع جمع الناس المتجمهرة أمام القتيل المعلق !! في إحدى ساحات بغداد آنذاك وقال بيت من الشعر في القتيل لمعرفته بصفاته وعلمه !!!
علوا ً في الحياة و الممات       لحق أنت إحدى المعجزات 

فلما وصل الخبر للخليفة أمر بإنزال الجثة ودفنها بسرعة !!! حقا ً أيها المتنبي أنت أيضا ً إحدى المعجزات.... مر أكثر من  1000  عام على مقتلك وأسمك كالشمس لا تحجب و لا يستغني عنها .
ينهل من نبعك كل ذي حاجة ، كل نفس وما تشتهي !!!
 هذا الشارع لكل معارف الدنيا جمع... زرت العديد من البلدان لم أجد شارعا ً متخصصا ً بالأدب والثقافة والعلوم المعرفية بمثل هذه السعة والشعبية كشارع المتنبي .
احتل الشارع مكان جميلا ً في قلب بغداد وكأنه القلب في البدن يضخ الدم بعد استلامه من جديد لديمومة الحياة ! كم كنت أفرح وأنا أرى هذا النشاط اليومي في الشارع وخصوصا ً في كرنفال الجمعة فرغم الفقر والعوز والظلم والاضطهاد الفكري والسياسي وانتشار رجا ل الأمن ووكلائهم  كان الشارع مزدحم بالمثقفين الذين كان باديا ً على سحنات معظمهم التعب الجسدي والمادي !!!!
شارع المتنبي أحد الشوارع الفرعية العديدة المرتبطة بالشارع الرئيسي (شارع الرشيد) في المنطقة الواقعة في (محلة جديد حسن باشا ) بين ساحة الرصافي ومقهى الزهاوي مقابل لجامع الحيدرخانة .
أن أردت الدخول إليه من جهة شارع الرشيد فقرب مدخل المتنبي على بعد عدة أمتار يقف تمثال شاعر العراق (أمير شعراء عصره) الرصافي الذي انشد اجمل أشعاره للشعب والوطن ، منتصب بقامته البدينة وهو يرتدي بدلته العصرية، سترتها بلا أزرار ظاهرة عليها تركها  الفنان الكبير المبدع المرحوم ( إسماعيل الترك ) .
يقال الآن يلتف حول ناصيته للاستراحة أثناء النهار جمع من الكسبة و من الحمالين ودافعي العربات التي تنقل البضائع وتجوب المكان لم لا فهو نصيرهم انشد لهم اجل أشعاره ، ويقال أيضا ما أن يحل المساء حتى يتحول المكان لمرتع للعصابات وقطاع الطرق والشقاوات !!
ومن الجهة الثانية لمدخل شارع المتنبي وكأنك قادم من ساحة الميدان تطل عليك مقهى الزهاوي الشاعر الفيلسوف الشاعر الجريء نصير المرأة وصاحب(  ثورة الجحيم ) !! وبموقعه في هذا المكان كأنه لا يريد أن يفارق غريمه وصديقه الرصافي !!.... ( اردد مع نفسي اجل خير حارسين يقفان على مدخل بوابة المتنبي هذان الشاعران الكبيران ).
 
اجمل ما يعجبني .... ويشنف أذاني ويزيد بي ّ البهجة ويقربني الى محتويات الشارع صوت( نعيم الشطري) وهو يردد بشكل مستمر بين فينة وأخرى وبنغمات وصوت رخيم جميل قول المتنبي :

   خير صديق في كل زمان كتاب

هكذا يبدأ مؤذن المتنبي عمله يوم الجمعة حيث للشارع نكهة خاصة بهذا اليوم ... كل جمعة للشارع كرنفال يبدأ مع الصباح إذ يمنع دخول المركبات فيه ويكون فقط للسابلة الذين يكتظ بهم الشارع !!!
آلاف من الكتب والمجلدات والصحف والمجلات القديمة والحديثة وبمختلف اللغات ،رغم أن المطبوعات  الحديثة في تلك الفترة كانت شحيحة ،إذ معلوم انه لا يدخل البلد الصحف والمجلات والكتب الحديثة ألا الشيء القليل !! الذي لا يشبع من جوع ولا يقي من برد !
لكن لبعض الكتب والمجلات والجرائد الممنوعة  القديمة منها أو الحديثة رغم منع تداولها أو بيعها في العراق كان لها سوقها وناسها الخاصين في هذا الشارع !!! يعرفها ويأخذ منها حاجته بحذر وخوف يصل حد الهلع !!من المترددين على السوق وعشاق المعرفة والحرية والأخبار الجديدة ، رغم قلتها كما أشرنا . 
ويوجد سعران لمثل هذه الكتب والمجلات فتباع النسخ الأصلية بسعر والمستنسخة بسعر أخر.. حتى تأجير الصحف والمجلات وبمختلف اتجاهاتها الفكرية السياسية لها أماكنها وناسها .
رغم كل المخاطر الجسيمة التي تصيب من يعثر لديه على شيء من هذه الكتب والمجلات والصحف (يا للهول كتب تتحدث بالسياسة والفكر ) لكن الطلب عليها ليس بقليل.
فمثلا كتب هادي العلوي ، صادق جلال العظم ، كاظم حبيب ، حسين مروّة ، السيد القمني ، كمال صليبي، إبراهيم محمود، وحيدر حيدر، وحنا بطاطا، وسعد البزا، وحسن العلوي، ومذكرات طالب شبيب، وكتاب كنت ابنا ً للرئيس ...... وتطول القائمة .
وأما الصحف والمجلات  فحتى الصحف التي ترتبط دولها بعلاقات جيدة مع السلطة فلا مكان لوجودها إلا  التي يكون الحصول عليها بالطرق الأنفة الذكر وهذه الصحف والمجلات مثل الدستور ، الرأي ، الأخبار،الأهرام ، الأسبوع العربي وغيرها  ، حتى المجلات المتخصصة في المرأة ،  أما الصحف الأخرى مثل الحياة  فكانت صعبة المنال كثيرا ً .... وبالمناسبة لا توجد لدينا أية علاقة أو معرفة بصحف الانترنيت !!! فهذه كانت في عالم أخر ليس له علاقة بعالمنا إذ كنا نعيش في كوكب أخر .
الشارع ليس بالطويل فهو ينحصر من مدخله من جهة شارع الرشيد حتى مقهى الأدباء ( الشابندر) ومدخل سوق السراي( المتخصص بالقرطاسية ) من الجهة الخلفية .
كان الشارع في السابق متخصصا ً بالمكتبات و المطبوعات بمختلف أنواعها أما ألان فهو السوق المركزي أو( الرئيسي لبيع الجملة ) للقرطاسية ومستلزماتها أيضا ً.
ترتبط بالشارع مجموعة من الدرابين والأزقة و قد تحولت جميع  البيوت والمحلات  في هذه المنطقة إلى أماكن  وورش عمل لمهنة المطابع والقرطاسية ولوازمها.   
توجد في الشارع بنايات قديمة وحديثة البناء تحتوي عدة طوابق كل طابق يشتمل على العديد من الغرف وقد استغل معظمها كمخازن لبائعي الكتب الذين يفترشون الشارع كل يوم ببضاعتهم ! واتخذت قسم منها  كمكاتب تجارية  أو مخازن لبائعي القرطاسية أيضا َ.
فتشاهد على امتداد جانبي شارع المتنبي في الأيام العادية يفترش الرصيف بالكتب والمجلات وقد رتبت بأشكال عديدة فقسم منها وضع على بسطات بشكل مدرج أنيق لطيف في طريقة عرضه ، وقسم افترش الأرض بها ! أما الرخيصة الثمن فقد وضعت بشكل أكوام .       
ويوجد قسم من هؤلاء  الباعة متخصص في مجال أو اكثر في مثل هذا النوع من البضاعة فترى قسم قد تخصص بكتب الفن مثل الصديق العزيز محمد وأخر في كتب التأريخ كأستاذ صباح ( كنت كلما مررت من جانبه أراه وبيده كتاب  منكب على مطالعته) أو الكتب الدينية  أو الكتب العلمية كل فرد من هؤلاء قد ألم ببضاعته ( بمعروضاته)وعرف ببواطنها ، وأي سؤال له يجيبك بمنتهى الدقة ! !
فالعديد منهم مراجع ثقافية متخصصة !
يحتوي الشارع على العديد من المكتبات ذات التأريخ العريق والتي ساهم العاملين فيها في نشر الثقافة والعلوم في المجتمع ، ومن أهم مكتباتها مكتبة المثنى ( لصاحبها المرحوم الحاج قاسم الرجب ) الذي ساهم بشكل فعال في النهضة الثقافية في العراق من خلال دار المثنى !
وكم آلمنا و أحزننا عندما جئنا ذات صباح إلي محلاتنا وسمعنا خبر مشؤوم ( احتراق المكتبة ) . وبعد أن أخمدت نيران الحرائق بساعات ذهبت برفقة صديقي( أبو آوس)  وزهير(أبو سارة )، وكم كانت المأساة وأنت تشاهد آلاف الكتب والمخطوطات والدورات وقد التهمتها ألسنة النيران وحولتها إلى أكوام من الرماد ومن نجى من هذه المأساة قد غمرته مياه الإطفاء ! هذه المكتبة التي زارها على مدى عمرها الطويل  آلاف من طلاب المعرفة والثقافة والمهتمين بالكتاب ! سمعت  أن ابنه قد صرح للصحافة أن الحريق كان بفعل فاعل وان قيمة هذه المكتبة بما تحتويه من كتب ومخطوطات نادرة ونفيسة لا تقدر بثمن !
وكان أيضا ً من معالم الشارع الجميلة ( مطعم كص الإخلاص ) وقد سمعت ان  مالك  البناية قد اجبر صاحب المطعم على الانتقال وقد انتقل إلي قرب ساحة الرصافي، مطعم ذو أكل لذيذ لا ينساه من تذوقه
تربطني علاقة حميمة مع هذا الشارع فأول كتاب لي اشتريته كان من شارع المتنبي عام 1968 كان أحد
مؤلفات نجيب محفوظ ( همس الجنون ) . وقد زادت علاقتي به عند انتقال محل عملي بجواره في سوق الصاغة في خان الشابندر عام1991 ، وفي الفترة الأخيرة كنت اقضي ساعات عديدة في ربوعه !! كنت كلما انقطع التيار الكهربائي وهو في برنامجه اليومي الذي أنعمت به علينا حكومتنا الرشيدة !! وكانت في أحيان كثيرة تضبطه بالدقائق !!  اذهب إلى شارعي المفضل بمفردي أوبصحبة أحد الأصدقاء من الصاغة ومنهم الأعزاء  فاروق عبد الجبار ، وأستاذي (  أبو آوس  المدمن على  شارع المتنبي ومكتباته )، أبو داليا (صبحي مبارك )، صباح علي ما هود، رعد جبار معيلو،  وزهير غصاب المهناوي  وغيرهم من الأحبة ،كنت أعتبرها نوع من المطالعة الإجبارية الجميلة..... وكلما زارني صديقي العزيز زهير رضوان في زياراته الأسبوعية كنا نستكمل حديثنا الثقافي في أحــــد مقاهي شارع المتنبي أو عنــد ( الصديق العزيز محمد) أحد المتخصصين في بيع الكتب الفنية  بعد أن أكون قد أغلقت محلي بشكل مؤقت أعود بعدها لمزاولة عملي .
 ليصدح صوتك أيها الشطري العزيز فالحياة بدأت تدب من جديد في  عراقنا وعروقنا وتحتاج لصوتك ليوقظ العقول التي نامت ... والقلوب التي ماتت .
 ذكرياتي عن الشارع لغاية منتصف عام 2001 

 
السويد/ شباط 2005[/b][/font][/size]

165
الذكريات والأحداث وأهمية تدوينا،، نعيم بدوي ، يشوع مجيد في ومضات من خزين ذاكرتي / الجزء الأول

يحيى غازي الأميري
السويد/ كانون الثاني2007




الذكريات وبريق وميضها وأهمية تدوينا، أفكار وهواجس ومشاريع وأمنيات وأحلام تراود الجميع بتسجيلها وتدوينا على حقيقتها خوفا ً من ضياع حقيقتها وزوال بريقها وطمس معالمها
جميعنا نمتلك من الذكريات المختلفة آلاف وآلاف من الصور نسترجعها من حافضتها نحس بسعادتها، أو تعاستها تثير  فينا النشوة أو الانزعاج والرعب والهلع أحيانا ً، تأتينا مرات دون مواعيد مسبقة واضحة كأنها مسجلة على شريط مصور وفي أحيان أخرى تأتي مشوشة لا تستطيع الذاكرة إرجاع صورتها بشكلها الحقيقي، نحزن عندما تبدأ آفة النسيان بالتهامها وتفكيك صورتها المتماسكة .
وكلما تتقادم الذكريات غير المدونة المنقولة شفاها ً، يتغير جوهرها ومحتواها ودقتها ،إذ تضعف الذاكرة بإعادة صورتها بشكلها الصحيح ،وكلما تتباعد عنها السنين وتتناقلها الألسن تضاف عليها كلمات أو تتغير الكلمات بمرادفات قريبة  أو مشابهة  لها وبالتالي يصل إليك الموضوع أو الحدث و فيه نوع من التضخيم أو التضعيف أو التشويه للأسباب عديدة ، منها موقف الشخص الناقل للفكرة أو الحدث أو الموضوع وما هي مراميه وغاياته وأهدافه، فترى البعض ينقلها كما يحلو له بقصد أو بغير قصد ؟؟
أن الذي قادني إلى هذا الموضوع هو الكم الهائل من الذكريات التي نحملها على مدى سنين العمر،وترافقني رغبة قديمة ملتصقة بي حد العشق،هي رغبة تدوين الأحداث التي مررت بها أو التي صادفتني.
وبسبب الوضع السابق أيام الحكم البائد الذي كنا نعيشة لم أتمكن من تدوين الأحداث والمواقف والذكريات وخصوصا ً التي تتعلق بكل  شكل من الأشكال في السياسة أو حتى توحي إلى موقف سياسي أو أمني وغيرها من المواقف ولو جميعها ممنوعة وتقع تحت طائلة القانون الذي لا يرحم  !!لهذا كان لعدم تدوين الذكريات والأحداث ألف سبب وسبب ويكفي سبب واحد من الألف سبب أن يصل بك إلى السجن والتعذيب والجلد و الإهانة والى المشنقة أو الإعدام بالرصاص  بدون رحمة أو شفقة .
وما تبقى من الألف سبب فقسم من الأسباب يندرج تحت الوضع الذي كان سائد في العراق إذ كان الرعب والمطاردة والحروب المتعددة والمتنوعة  والأزمات الاقتصادية والقلق والخوف والمداهمة والدعاوى الكيدية والاستدعاءات والاستجوابات الدورية والمراقبة واستفزازات وكتبة التقارير واستمارات طلب المعلومات وطول الخدمة العسكرية والتطوع بالجيش الشعبي وجيش القدس والبطالة وووووو إلى أخر الويلات والآهات تشغل بال من يريد التدوين والتوثيق . 
  وقبل  تغير نظام الحكم الغاشم بفترة قصيرة وخصوصاً بعد وصولي المملكة الأردنية ـ عمان في خريف 2001 بت اقضي معظم وقتي بين مؤسسة المرحوم (عبد الحميد شومان ) والمكتبة العامة للأمانة عمان وبين مكتبات عمان لبيع الكتب والمجلات والصحف  وهي تبهرني بمعروضاتها  الحديثة بدأت أول خطوات تدوين ذكريات عزيزة عليّ ، ثم وصولي  المملكة السويدية  بلد الأمان والاستقرار والحرية والعدالة والقيم الإنسانية  ، بدأت أدون وانشر بعض الأحداث والذكريات كلما أسعفتني بها الذاكرة ، لكن تسارع الأحداث المرعبة والمأساوية هناك  في بلدي العراق حيث يعيش أهلي وأخوتي وأحبتي وقومي  وأبناء بلدي وما يحيق بهم من مسلسل رهيب من الموت والدمار حيث وصل الخراب حد اللامعقول بأحداثه الخارجة عن كل التوقعات والحسابات، وكذلك متطلبات الحياة الجديدة التي أعيشها وضرورة التفاعل معها، اللغة الجديدة ، والعادات والتقاليد الجديدة ،ونظام الحياة والعمل ومتابعة الأولاد وشؤون البيت، والمستجدات الكثيرة والعديدة التي ظهرت وتظهر بشكل يومي،كلها معوقات جديدة تضاف لمنع تحقيق ما اصبوا أليه وأرغب فيه.
ولكن الذي يزيد من إصراري للكتابة وتدون الأحداث الآن  خوفي من آفة النسيان وغياب العديد من المرتبطين بالأحداث و الذكريات التي أود تدوينها والخوف من وقوع أي حادث خارج الحسبان!؟ فتموت معه الحقيقة والذكرى و البيان فيلفها الضياع والتأويل والنسيان !
في أوليات كتاباتي أضع تدوين الحقائق والأحداث جهد الإمكان بكل دقة وأمان و إحقاق الحق وإلحاقه بأصحابه ونقل الخبر بأمان وأعتبرها من أول أخلاقيات الكاتب المنصف والنزيه  الذي يريد تدون الأحداث والذكريات والكتابة عنها، ومما يعيق إكمال صورة الذكرى المدونة بشكل دقيق وجودنا الآن في بلاد الغربة بعيدا ً عن مواقع وقوع الأحداث والذكريات وتباعد ورحيل العيد من الأشخاص المشتركين في هذه الذكريات  وعدم توفر المصادر والمراجع  التاريخية المتعلقة بالمواضيع المراد تدوينها . 
وكي ادخل في الموضوع الذي دفعني لكتابه هذه المقدمة عنه بالإضافة إلى ما ذكرته أعلاه ،هو ما تناوله الأستاذ الكاتب والقاضي ( زهير كاظم عبود )  في كتابه (لمحات عن سعيد قزاز ) وبالمناسبة كنت قد قرأت الكتاب الذي نشر عن محاكمة وحياة  ( سعيد قزاز) لم تسعفني الذاكرة بتحديد عنوانه الآن بالضبط  كان ذلك  في صيف عام 2001 في بغداد وكنت قد حصلت عليه من المبيعات غير العلنية( السرية بالخفية ) ( حصلت على نسخة مستنسخة من الكتاب إذ كانت هنالك سوق لبيع الكتب( الأصلية أو الاستنساخ )  بالخفية ،إذ كانت قد صدرت خارج العراق العديد من الكتب التي تتناول السيرة الذاتية لرجالات الحكم الملكي والعهد الجمهوري ، ووصلت لباعة سوق السراي  وقد كتبت عن ذلك بمقالة لي سابقة عنوانها (( المتنبي والشطري يتناغمان ))أشرت فيها إلى هؤلاء الباعة الأبطال وظروف وطريقة  عملهم.
وقبل أيام كتب الأستاذ البروفسور (  كاظم حبيب) مقالته النقدية الموسومة( سعيد قزاز وإعادة كتابة التاريخ في العراق)  حول كتاب الأستاذ الكاتب  (  زهير كاظم عبود) أنف الذكر وعقب عليه الأستاذ ( زهير كاظم عبود   )  بمقالة جوابية فرد عليه الأستاذ ( كاظم حبيب ) بمقالة جوابية أيضا ًوالموسومة (تعقيب على تعقيب الأستاذ القاضي زهير كاظم عبود حول مقالي النقدي لكتابه الموسوم "لمحات عن سعيد قزاز" )
 وتدخل الأستاذ الأديب ( جاسم المطير )  ( صاحب المسامير ) بمقالة مسمارية وأردفها بمقالة أخرى توضيحية وفيها تدوين لأحداث تاريخية والمقالتين تقع ضمن الرقمين1238 و 1239 من مساميره المباركة،جميع المقالات أعلاه منشورة على موقع صوت العراق وموقع الحوار المتمدن والعديد من المواقع الأخرى.
 
  وكذلك قرأت المقالة التوثيقية الرائعة للأستاذ البرو فسور عبد الإله الصائغ والموسومة (البروفسور عبد الهادي الخليلي بين تِرْبِه الصائغ واستاذه حسين علي محفوظ ) والمنشورة في صوت العراق العديد من المواقع وقرأتها في موقع صوت العراق والتي كانت ردا ً على مقالة الكاتب( بدر عبد الحسن ) والمنشورة في موقع كتابات، وقد ذكر الأستاذ الصائغ الأديب الراحل عبد الغني  الخليلي في سياق حديثه عن أصل عائلة ( الخليلي ) وكنت قد قرأت للراحل (عبد الغني الخليلي ) قبل فترة كتاب عنوانه( سلاما ً يا غريب ) تضم صفحاته كتابات رائعة وتنم عن أديب عراقي بليغ مرهف الحس محبا ً للعراق وشعبه حد العبادة ، وكذلك قرأت العديد من المقالات التي كتبت عن الراحل عبد الغني الخليلي وهذا مقطع من مقالة نشرها الكاتب ثائر صالح بمقالته الموسومة ( ذكرياتي عن الأديب عبد الغني الخليلي ) والمنشورة في موقع ( الكاتب العراقي ، نصوص عراقية )  وفيها رسائل بقلم المرحوم عبد الغني الخليلي وهذه أحد تلك الرسائل المنشوره تحكي حبه وحنينه للعراق وشعبه!
 (ستوكهولم  10/1/1991
...
ولدي الحبيب ثائر
كيف حالك يا عزيزي؟ لم أتلق منك أية رسالة منذ فترة طويلة. كما لم أتلق منك تهنئة بهذا العام الجديد كما عودتني. فقد كانت تمنياتك لي تحمل الفرح والأمل. لا أدري ما الذي شغلك عني. أتمنى أن تكون بخير..
أمس مررت - وأنا في طريقي الى البريد - بحي قديم مهجور، يسرح الحمام على أرضه، مطمئناً. فترامى إليَّ صوت عجلات مطبعة تدور. وكنت قد ألفت هذا الصوت منذ صغري. فوقفت أستزيد منه، ففي صداه تسكن طفولتي، وذكريات مجلات نجفية، كانت تطبع في مثل هذه المطبعة، وكنت مولعاً بقراءتها.
كم تمنيت، لو يتيح ليَ صاحب هذه المطبعة فرصة العمل عنده مجاناً، ولو لساعات قليلة، لأعيش تلك الأيام التي قضيتها عاملاً في احدى مطابع النجف، وأنا في الثانية عشرة من عمري.
وفي هذا المنفى البعيد صرت أحلم بذكريات ذلك العمر، وإن كنت قد شقيت به.
أنتظر منك رسالة طويلة، لأطمئن على حالك.
أتمنى أن يبتعد شبح الحرب الكريه البغيض، الذي راح يهدد أخوتنا في الوطن، بالموت والدمار، وأن نعود من هذه المنافي الى أهلنا.

قبلاتي/ أبوفارس )
ملاحظة : علما ًأن الأستاذ ثائر صالح عراقي صابئي مندائي، لكن القيم الإنسانية النبيلة والعراق وطدت صداقتهم !

لقد قرأت كل المقالات التي أشرت إليها أعلاه واستمتعت بها وزادتني معلومات قيمة عن أهمية التدوين والتوثيق والنقل وكذلك في طريقة الكتابة والتحليل والنقد.
 
وقبل قراءتي لتلك المقالات النقدية والتوثيقية  كنت قد بدأت بتدون العديد من الذكريات ( حدث ، مشكلة ، خبر ، طريفة ، ندوة،حفل فرح أو عزاء ، مواقف انتهازية لرجال كنت اعتقد يمتلكون أخلاق نبيلة،خراب النفوس ، اعتقالات ، منافقون ، حروب مرعبة ،  شخصيات تركت أثر حسن في نفسي، عشاق للسلطة والوجاهة ، مؤامرات دنيئة قذرة ، طمس حقائق، أناس فقراء لكنهم  طيبون أحببت طيبتهم ونبل أخلاقهم، مضحين لم ينصفهم التاريخ  ، تشويه سيرة أناس  بدوافع دنيئة  ، شخصيات مبطنه ( تقول عكس ما تضمر!!) مدن وشوارع أحببتها ، وغيرها من المواضيع المتنوعة ، مما يستدعيني الآن إعادة النظر فيها  عدة مرات قبل نشر كتاباتي ،واختتم مقالتي ببعض من تلك  الذكريات التوثيقية التي كتبتها .
الذكريات والأحداث وأهمية تدوينا،، نعيم بدوي ، يشوع مجيد في ومضات من خزين ذاكرتي / الجزء الثاني


 
الذكرى الأولى ... ومضة من لقاء مع الأستاذ المفكر الراحل نعيم بدوي

في عام 1997 قررت طائفة الصابئة المندائيين تكريم أبنائها المبدعين من الذين ساهموا بخدمات ونشاطات جليلة للصابئة المندائيين والقضية المندائية وقد اختيرت ثلاث أسماء من المكرمين للوجبة الأولى على ان يتم تكريمهم في احتفال مهيب واحد،وهم السادة الذوات
1 ـ الريشما عبد الله الكنزابرا نجم
2 ـ الأستاذ  نعيم بدوي  قبل وفاته رحمه الله (1911ـ 2002 )
3 ـ الأستاذة ناجية المراني
وقد كلفت من قبل مجلس شؤون الصابئة المندائيين بكتابة كلمة تكريمية وإلقائها في الاحتفال عن اثنين من المكرمين، كل كلمة على حدة طبعا ًوكان التكليف ان اكتب عن الذوات الأستاذ المرحوم (  نعيم بدوي  ) والأستاذة  (ناجية المراني)  .
لقد أفرحني جدا ً هذا التكليف، وكنت في غاية السعادة وأنا أقوم بالاستعداد له .فالشخصان اللذان كلفت الكتابة عنهم ذوا  مقام وتاريخ كبير، وسيرتهما الطويلة حافلة بالمنجزات والأعمال الجليلة المقدمة  للصابئة والوطن والشعب كبيرة وكثيرة بالإضافة  إلى حسن سجاياهما في النبل والشهامة والتضحية والصدق والتواضع وحب الناس وعمل الخير وتميزا بثبات على مبادئ ثورية تقدمية إنسانية  ودماثة خلقهما وطيب معشرهما  و رجاحة عقلهما  والعديد من الصفات الكريمة النبيلة  التي جبلا عليها / إنهما بحق من أروع مدارس الفضيلة الإنسانية ونموذج رائع  للمندائي الذي يحتذى به ، فالأستاذ الراحل نعيم بدوي والأستاذة المبدعة ناجية المراني يتمتعان بجماهيرية مندائية واسعة.
أول خطوة بدأتها باشرت  بجمع الكتابات التي صدرت لهم أو كتبت عنهم ،وبدأت بمطالعتها حتى التي كنت قد قرأتها لهم أو عنهم في السابق ، ورتبت زيارة لكل واحد منهما على حدة  .
ولست أريد بموضوعي هذا سرد كل تفاصيل الاستعدادات لحفل التكريم وما دار به لكون الموضوع طويل بعض الشيء وفيه أشياء جميلة سوف أتناولها في مقالة قادمة ان شاء الله .وسوف أكتفي بذكر اللقاء الأول وما ذكره الأستاذ المرحوم نعيم بدوي وودت تدوينه في مقالتي هذه .
كانت خطوتي الثانية مفاتحة بعض الأقرباء من المعارف المقربين للأستاذ الراحل نعيم بدوي كي اصطحبهم معي لزيارته وقد فاتحت الصديقين العزيزين الأديب ( سميع داود ) والذي كان وقتها يتواجد يوميا ً في المندي لكونه يشرف على مكتبه المندي وسكرتير لتحرير مجلة (  أفاق مندائية )  وكذلك فاتحت الأستاذ( سامي شدود ) حيث كان يعمل مدير إدارة  المندي وقتها، كذلك فاتحت الشاب  الإعلامي المبدع والنشيط  ( عدي أسعد خماس  )ليصطحبنا مع آلة تصويره ( الكامرة ) لتصوير اللقاء،  فرحبا كل الترحيب بهذه الدعوة و الزيارة . حددنا موعد إلى اللقاء بعد أن بعثت بخبر إلى عائلة المرحوم ( أبي رياض ) عن رغبتنا زيارته ، التقينا جميعا ًقي مكتب إدارة المندي في بغداد منطقة القادسية ، اصطحبتهم بسيارتي الخاصة وانطلقنا حيث يقيم المرحوم ( أبو رياض ) في منطقة قرب ( حي الجهاد) في جانب الكرخ من بغداد، وبعد دقائق من استراحتنا في صالة بيتهم ، أطل علينا المرحوم ( أبو رياض )  مبتسما ً فرحا ً محييا ً ومرحبا ً.
كانت سعادته كبيرة وهو يسمع ان مجالس الصابئة المندائيين اجتمعت وقررت تكريمه في الوجبة الأولى وذكرنا له الأسماء التي معه وأننا جئنا لزيارته والترتيب معه لبعض الأمور المتعلقة بيوم الاحتفال والتكريم.علما ً أنه كان على علم بتكريمه لكون مجموعة من أعضاء المجالس  كلفت بنقل الخبر إليه قبل عدة أيام من زيارتنا له . 
كنت قد هيأت عدة أسئلة ببالي أستفسر فيها منه مباشرة أن سنحت لي فرصة الحديث معه وحسب وضعه الصحي و طول وقت اللقاء،أو حسب جو الجلسة على أن أسائله الأسئلة المهمة الضرورية المتعلقة بالموضوع وأن سنحت الفرصة بغيرها من الأسئلة فهذا شيء ممتاز، وأثناء تناول الشاي وخلال الحديث ، سألت المرحوم ( نعيم بدوي )
أستاذ أبو رياض .. ممكن أعرف من جنابكم الكريم هل تتمكن من إلقاء كلمة في حفل التكريم
وبعد أن صمت برهة من الزمن أجابني وابتسامة جميلة في عينه (( لندعها لساعتها .. فاحتمال أكتب الكلمة أو ارتجلها أن سمحت لي صحتي بالحضور))
أستاذ( أبو رياض) ممكن أعرف من حضرتكم كيف تحول اهتمامكم للقضية المندائية والكتابة عنها
أجابني بدون تردد وبجدية (( أن الفضل يعود للأستاذ المرحوم ( غضبان رومي الناشيء  ) (توفي عام 1989 ) فهو الذي طرح علي ّ فكرة ترجمة كتب الباحثة ( الليدي دراور ) والكتابة عن المندائية وحثني لذلك كثيرا ً، كان ذلك بعد خروجي من المعتقل وإحالتي على التقاعد بعد انقلاب 8 شباط 1963.
وقد ترجمنا معا ً كتاب الليدي دراور ( الصابئة المندائيون ) وكتبنا مقدمة له . وترجمنا معا ً كتاب ثاني للكاتبة ( لليدي دراور)  كتاب ( أساطير مندائية ) .
 
أني إذ أسجل هذه الملاحظة عن هذه  الذكرى وأتمنى أن لا يبخل أحدنا على الأخر بكلمة ثناء يستحقها  ونتمنى أيضا ً أن لا تغمط حقوق الآخرين ومبادراتهم في أي فكرة وقضية وأن لا يحاول البعض متعمدا ً تقليل دورهم أو حتى عدم ذك أسمائهم وتثمين جهودهم عند الحديث أو الكتابة عنهم أو عن موضوع يخصهم  ...
ونتمنى أن يكف البعض من الالتفاف بمختلف طرق وأساليب الغش والخداع والتآمر والمناورة على جهود الآخرين وتضحياتهم ومبادراتهم و محاولة إبعادهم وتقليل دورهم لغرض( تجييرها ) بتسجيلها لنفسه ومن أيده  ووالاه أو أخذ الصدارة عندما تسنح له الفرصة وكما نسميها مصادرة جهود الآخرين ( إذ توجد مثل هذه النماذج في كل زمان ومكان والحمد لله ) ، بل يتعمد البعض حذفها وعدم الإشارة أليها حتى عندما يكتب مقال أو يتحدث عن فكرة أو مشروع مماثل. لا بل نسمع ونقرأ عشرات الحكايات عن تشويه صورة أصحاب المبادرات والأفكار النيرة والتقليل من إبداعاتهم وإمكانياتهم وجهودهم ومحاولة طمسها وتشويهها والطعن بمكانتهم العلمية والأدبية والاجتماعية وتصل بالبعض حتى الطعن بشرفه وأخلاقه ووطنيته وكيل العديد من الاتهامات الأخرى  جزافا ًبدوافع كأن تكون الاختلاف معه في التفكير أو بطريقة العمل أو الاتجاه السياسي أو بدافع الغيرة والحسد والأنانية والمصالح الشخصية . فيا سادتي ( فالدنيا دار فناء ) ( والدنيا دواره )( والدهر يومان)، ولن  يدوم الا وجه الحي العظيم والعمل الصالح المثمر أنه درس جميل في ذكر المبدعين وأصحاب الأفكار والمقترحات والمبادرات شكرا ً لك أيها المعلم الكبير( أبو رياض ) فالذهب الصافي(الخالص ) لا يصدأ .
 ورباط الحجي ( الحر تكفيه الإشارة ) !!؟؟
 رحم الله مبدعينا ولهم منا الذكر الطيب والدعاء بالرحمة والمغفرة لمن رحل عنا، وأمنياتنا بالصحة والسلامة للأحياء منهم.

الذكريات والأحداث وأهمية تدوينا،، نعيم بدوي ، يشوع مجيد في ومضات من خزين ذاكرتي / الجزء الثالث




الذكرى الثانية .... اعتقال صديقي الفقيد  يشوع مجيد عام 1974 من قبل الأمن العامة

الصورة صالة نادي المعهد الزراعي في 19/12 /1972 الجالس الأول من جهة اليسار رامز ،يقف الى جانبه جمال بيون ،الشهيد مهدي حمد ،الزميل الذي وسط الصور لم أعد أتذكر أسمه ،ثم الجلوس الفقيد يشوع مجيد ،يحيى غازي ،توما منصور.
 ملاحظة :
العزيز الفقيد  يشوع مجيد ( رئيس حركة  تجمع السريان المستقل )  الذي امتدت إليه يد الحقد والجريمة فقد اغتيل غدرا ً وظلما ً في مدينة  بغديدا( قرقوش )  في محافظة نينوى مساء يوم الأربعاء 22 / 11 /  2006 عند  مغادرته مقر الحركة.
الحدث الذي أتحدث عنه كان في عام 1974
كنت أجلس في الصالة الكبيرة لمطعم الطلبة في المعهد الزراعي في أبو غريب وبناية المعهد تقع ضمن بنايات كلية الزراعة، بعد إكمال دروس الحصص الصباحية إذ تكون بعدها فترة استراحة طويلة نتناول خلالها الغداء وفيها متسع من الوقت للقاء الأصدقاء والزملاء والدردشة والقيام ببعض النشاطات الخاصة بتنظيمات اتحاد الطلبة العام ، كنت أجلس مع مجموعة من الزملاء وقد همس بأذني أحد زملائي  أعتقد ( طالب شمران أو شاكر فاضل ) إذ كنت جالسا ً منهمكا ً بتناول طعام الغداء أقترب مني ووقف بجانبي  وبحركة سريعة همس بأذني ..... هل سمعت ما حدث ليشوع ؟؟ 
توقفت عن الطعام .. جفل قلبي ..  احجي  شكو ... ماذا حدث له ؟
أجابني بصوت حذر خافت آخذوه الأمن!
يعني تقصد اعتقلوه ؟
 أجابني نعم .
لم أكمل تناول طعامي،غادرت المكان فورا ً، تحركت هنا وهناك مستفسرا ً عن الخبر  تأكدت من صحة خبر اعتقاله ، لكن لم أتمكن من معرفة السبب الذي دفعهم إلى اعتقاله،كانت الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بأوج عظمتها وفورانها !!
كان(  يشوع ) من الوجوه الطلابية المعروفة ( المكشوفة ) في المعهد من تنظيم اتحاد الطلبة العام، إذ كان في نهاية العام الدراسي السابق 1973 قد أقام اتحاد الطلبة العام في المعهد  سفرة طلابية  لكافة أعضاء التنظيم وأصدقائهم إلى مدينة بابل الأثرية، ان عدد المشاركين في السفرة كبير جدا ً،وبعد أجراء العديد من الفعاليات الترفيهية والفنية في موقع الاحتفال وبينما كنت أجلس مع مجموعة من الزملاء تقدم نحوي ( الزميل حنا المصلاوي ) بهذا الاسم عرفته وبقت لغاية هذه الساعة أعرفه بهذا الاسم ،  كان من الدورة التي تسبقنا ومعه الزميل الشهيد ( مهدي حمد حسين ) والزميل ( محمد الأحمر ) من  مدينة الحلة نلقبه ( بمحمد الأحمر ) لكون شعر رأسه  أحمر والزميل ( أحمد مسير ) جميعهم من الدورة التي قبلنا  وطلبوا مني  إلقاء كلمة باسم الاتحاد تتضمن توديع الدفعة الطلابية التي سوف تتخرج و نعاهدهم على مواصلة الدرب ... الخ، أحرجت كثيرا ً واعتذرت منهم فوقع الاختيار على الراحل (  يشوع مجيد) الذي لم يمانع فأرتجل كلمة جميلة بالمناسبة ، وبعدها كلمته و أثناء وقفتنا  علق أحد زملائنا بمزحة سريعة ( لم اعد أتذكر أسمه ) على الحدث قاصدا ً (يشوع وحنا )   إذ كان الزميل (  حنا المصلاوي )  مسيحي من أهل الموصل ويشوع مسيحي من أهل الموصل فقال لهم (( شكو عليكم ما خذين التنظيم كبالة واحد يسلم إلى الثاني ).
بالإضافة إلى هذا السبب كان الفقيد ( يشوع ) من العناصر النشطة في تنظيم اتحاد الطلبة  وكان محاورا" ممتازا" و جريئا"  في طرح أفكاره و مبادئه بشكل علني  تؤهله لذلك ثقافته الواسعة، ووجهة نظري هذه اكتبها لمعرفتي الكبيرة به  لكوني تربطني  وإياه علاقة صداقة حميمة    لقد  كان  يشوع بالإضافة إلى عملنا في اتحاد الطلبة العام ونشاطات سياسية أخرى، كذلك تربطنا صداقة شخصية وطيدة.
 
بعد خروج( يشوع ) من المعتقل، طلبت منه أن يحدثني عن جو المعتقل و أسباب الاعتقال و ما جرى له أثناء فترة الاعتقال ؟؟
أخبرني أن سبب الاعتقال هو ( قراءته لمنشور سري كان قد وصله بواسطة أحد أصدقائه لم يخبرني باسمه، المنشور باسم تنظيم الكفاح المسلح ( القيادة المركزية للحزب الشيوع العراقي )ولم يخبرني تاريخ قراءته للمنشور.
وعن تعذيبه في المعتقل أخبرني أنه كان في كل بداية أسبوع  يوم السبت يأتي أحد أفراد الأمن يخرجه من غرفة الاعتقال التي كان فيها مع مجموعة من المعتقلين لا يعرفهم قبل اعتقاله ، يأخذه إلى إحدى غرف الإدارة كان يجلس في الغرفة شخص واحد وراء مكتبه يرتدي زي مدني،وعند أول وصولي الغرفة كان شرطي الأمن  المكلف بإحضاري يقوم بأداء التحية ويقف بجانبي كانت أسئلة المسؤول عن استجوابي محدودة :
أسمك الكامل ، محل وتاريخ ولادتك، عملك ، بأي مرحلة دراسية ،اتجاهك السياسي، وكنت أجيبه على أسئلته  بكل دقة وحذر، وبعد الانتهاء من الأسئلة يأمر الحرس المكلف بإحضاري  بإرجاعي إلى غرفة الاعتقال ، تكرر هذا المشهد كل يوم سبت من بداية الأسبوع نفس الأسئلة ونفس المسؤول وفي سبت الأسبوع السادس أيضا ً نفس الأسئلة ونفس المسؤول عن استجوابي وعند انتهاء الأسئلة أشار إلى الشخص المكلف بمرافقي وبحركة من يده وكلمة ( رجعه إلى مكانه ) وقبل ان استدير مع الحرس الذي يرافقني كنت قد عزمت مسبقا ً على محادثة المسؤول عند استجوابي فاستجمعت قواي وبادرته:
 أستاذ .. سيدي ممكن أسألك ؟
أجابني تفضل
أني طالب وعندي امتحان نهاية الكورس وهذا الأسبوع راح يبدأ الامتحان وراح تفوتني السنة الدراسية وصار لي ستة أسابيع وجاوبتكم على كل أسئلتكم وقبل ان انهي حديثي مع المسؤول الذي اعتقدته وهو يصغي ألي أنه متعاطف معي. 
((وإذا بضربة مباغته كالصاعقة  من الشخص المكلف بإحضاري والذي يقف بجانبي ترديني طريحا ً على الأرض وينهضني نفس الشخص بنترة( سحبة )  قوية من ياخة قميصي ( تنصبني) تعيدني واقفا ً مصعوق من الصدمة وقوة الضربة التي أصابت نصف وجهي وأطرشت أذني !! ولم اسمع الا صوت المسؤول يصرخ بعصبية رجعه .. رجعه .. رجعه إلى مكانه ، للغرفة و أشارت يده تشير إلى الباب ، لم أعرف كيف كانت إشارة المسؤول لشرطي الأمن كي يفاجئني بهذه الضربة الصاعقة ، فالمسؤول لم يتفوه بكلمة ولم ألاحظ أي حركة منه)) !!!
 
بعد تلك القصة كنا كلما نريد ان نتمازح أو نتلاطف مع الفقيد العزيز ( يشوع )  نقول له (( عندي امتحان نهاية الكورس )) إذ كان نظام الدراسة في المعهد الزراعي مقسمة السنة الدراسية فيه إلى كورسين دراسية والكورس الثالث عملي .   
أخبرني وقتها ( يشوع )  أنه كان في المعتقل شخص صابئي ليس في غرفتهم بل في غرفة اعتقال انفرادي قريب منهم .. كان مصاب بضيق في التنفس أعتقد ربو ويصاب بين فتره وأخرى بنوبة ويخرجوه من زنزانته  إلى باحة المعتقل وكان عندما يكون في زنزانته لا يكف عن الغناء كان يغني بصوت قوي ولحن حزين شجي ، بعد فترة أخبرت (صديقي يشوع )  بعد أن تأكدت من الشخص المعتقل أخبرته أني أعرفه وأعرف عائلته من سكنة(  مدينة بغداد/ البياع ) ولي معهم علاقة ودية جيدة ، وهو طبيب بيطري ويعمل مدرس في( إعدادية زراعة العزيزية) وأسمه ( يحيى عبد الجبار سرحان ) ومعتقل بنفس تهمتك وهي الكفاح المسلح ، إذ كان قد أعتقل بنفس التهمة أكثر من مرة ، وهو يجيد بالإضافة للغناء كتابة الشعر ويلقيه بشكل جميل أيضا ًوقبل فترة وجيزة أخبرني صديقي العزيز الأستاذ ( ناجي كاظم ذياب) من أهالي( مدينة العزيزية ) ومنذ 20 عام يقطن في كندا ، أخبرني  بأنه التقى الدكتور( يحيى عبد الجبار) في المغرب في ثمانينات القرن الماضي والآن هو في أمريكا/ نيويورك ولم تزل علاقتهم متواصلة .
عندما استرجع تلك الفترة وما تحتويه من ذكريات أكون في غمرة من السعادة عند تذكرها رغم ما حدث و أصاب العديد من زملائنا وأصدقائنا ومعارفنا  من مآسي ومصائب و مصاعب بعد افتراقنا.
لصديقي العزيز( يشوع ) اكتب هذه الذكرى ولم يزل ألم موته وفراق الأحبة والأصدقاء يحزنني و يؤلمني.
 
يحيى غازي الأميري
السويد/ كانون الثاني 2007  [/b] [/font] [/size]

166
               
  عام جديد وملايين شعبي تبكي على مأساة الحسين ومأساة  الوطن
[/color]


يحيى غازي الأميري
شباط 2007

 عام بأي بؤس عدت يا عام !!
ما الذي سيحمل لنا هذا العام ؟ خطة جديدة  أم خبطة جديدة ؟ سمعنا أن هنالك خطة ستعيد الأمن والعمران والسلام والطمأنينة والمحبة والرحمة والوئام هذا ما وعدنا به السادة الحكام الكرام ، وأصحاب الخطط والتوصيات والقرار !
فعجلة العنف والإرهاب والفساد الإداري تدور يوما ً بعد يوم بسرعة أكبر،  وتنتشر في العراق  كما حبات الرمل في الصحراء . فهل ستلجم حقا ً كما سمعنا من وعود عن الخطط  الأمنية الجديدة ؟؟
ويدور في الأفق أن هذه السنة( حبلى ) بالأحداث الجسام ، بعموم المنطقة المجاورة للعراق،  وأن العراق يتجه إلى تدهور أمني كبير، وينذر بالحرب الأهلية والتكتلات والانقسام وبمزيد من تغذية الثقافة الطائفية والقومية والعشائرية بكافة أشكال التمييز والعنصرية  بواسطة حقن الحقد والغدر والانتقام، وتوسيع وإدامة الفلتان من أجل اتساع النهب والسلب والنصب والغش والخداع والتضليل والتدليس على المواطن الكريم بسيناريوهات ليس لها انقطاع، معدة  بأيدي مخرجين كبارالخبرة والتجربة بالفتنة والتخريب والدهاء خصوصا ً بعد ان فتحت علينا عشرات الفضائيات ودور النشر والبحث و الدراسات والمدارس والجامعات والمواقع الإلكترونية والإذاعات والصحف والمجلات وهي تروج لكل أنواع التفرقة والطائفية والشقاق والنفاق وتمارس بدهاء سياسة التضليل وخلط الأوراق ، التي تديرها جهات ومؤسسات ((كبيرة الرؤوس واسعة النفوذ ))لا يهمها سوى مصالحها  بالسيطرة والتوسع وبسط الهيمنة والنفوذ وجنى المزيد من الأرباح  وذلك على المدى القريب والبعيد..
وفي الجهة المقابلة يصطف المظلوميين على مدى الدهور والعصور والجياع والفقراء والمساكين والمسالمين الأبرياء والطيبين والمؤمنين والأتقياء يساندهم أصحاب الأقلام الشريفة  والجيوب النظيفة وحمله الأفكار والمبادئ الإنسانية وأفكار الحركات الثورية التي تبحث و تدافع عن حرية وكرامة الإنسان وتساند وتسعى لتحقيق العدالة و المساواة وتناضل ضد كافة أشكال التبعية والاضطهاد والاستبداد. يقف هذا الصف وهو يحاول جاهدا ً رص صفوفه المقطعة الأوصال منذ زمن بعيد ، يقفون بصدورهم المكشوفة المحملة بالإنسانية ومبادئها والأخلاق ومكارمها ورسالات السماء ومناهجها وسننها ، يحاولون جهد الإمكان صد هذا الإعصار المدمر الهائج ..
فيمكن وصف العراق اليوم (( كأنه سفينة شراعية فقد الربان السيطرة عليها تتقاذفها أمواج بحر هاج في ريح عاصفة عاتية )) لقد زرع لنا الحكم المباد الرياح العاتية وهاهي ثمارها المباركة العاصفة الهائجة تعصف بالبلد.
انتهى العام الماضي بصورة مروعة من العنف والموت والخوف والقسوة والرعب الذي يقف في كل زاوية وفي كلِّ منعطف .عام كانت فيه الديمقراطية تتقاذفها القنادر الراقية، عام دخنا بمبادرات مصارحاته ومصالحاته،عام أفقدنا حتى نشوة  تحقيق العدالة على اعتى الطغاة .
عام تحولت فيه بضعة آلاف جديدة إلى خانة  المافيات وملاك  العقارات والشركات و ملايين الدولارات وبالمقابل تحول ملايين المواطنين إلى خانة  التشرد وتحت خط الفقر.
عام مضى يضاف إلى أخواته الأعوام السابقة وهو يحتل مراتب متقدمة بالموت والخراب والفساد والتجويع والتشرد والتخلف .
و يطل علينا العام الجديد وهو يحمل معه رياح العصف والتدمير والتجويع والإذلال والنصب والاحتيال، فقد مضى شهره  الأول بين رعب وبطش واغتيال وهروب جماعي وقتل (بلا وجع قلب ولا رحمة ولا وجدان )  وكما يقال قتل بدم بارد  لانه خارج عن كل الشرائع والسنن والأديان !
سفك دماء آلاف الأبرياء بمزيد المفخخات والأحزمة الناسفة والعبوات والهاونات ، وطائرات المحررين  تجوب سماء الوطن قاذفة ًحممها لتزيد من الخراب ورعب العباد . 
وميزانية الدولة وهذا هو الأهم والذي تدور عليه المصائب والصراعات (( الفلوس )) (( التصديق على الميزانية )) لتقاسم الطبخة الكبيرة اللذيذة حيث يسيل على مائدة ( صينية )  ميزانية العراق لعاب كل المافيات والنهاب من شتى مشارق الأرض ومغاربها !
فلم يعد يكفي  ما أصاب البلاد من نهب ودمار،وما عليها من ديون وقيود وقوانين جائرة ،لغاية اليوم لم تزل الديون المفروضة على العراق تزيد على( 370  ) مليار دولار تستقطع من عائدات النفط مبلغ 5 %توزع على المتضررين من العهد المباد (بالطبع لا تشمل العراقيين فالعراقيين غير متضررين حسب الأعراف والقوانين التي سكها صناع القرار ).
عام جديد و فيه لم تزل الحكومة وعلى كل المستويات تزيد وتكثر  من عهودها ووعودها وتصريحاتها بتحسين الوضع وبسط سلطة القانون !
دول الجوار واذرعها ومن يرعاها والدول الإقليمية والدول صاحبة القرار لم تزل تتشاور وتناور وتتحاور وتخطط ، كيف تحفظ مصالحها وأطماعها في العراق !وكيف تبعد الصراع والنزاع وتصفية الحسابات عن أراضيها وتديمها بالعراق !
أما قادة العالم الجديد فهم يتناقشون في مسألة جوهرية ( كما المد والجزر ) بين خفض القوات أو زيادتها ؟؟؟
والمواطن العراقي الكريم ( الأطفال والشيوخ  والنساء والرجال )لم يزل مرعوبا ً  مغلوبا ً  على أمره حائر ( عمت عيني عليه ) (حاير ودايخ ) في كل لحظة ينتظره الموت والاختطاف والتهجير والتفجير والأزمات.
واخوتنا من الفئة  العراقية الجديدة (( المهاجرين والمهجرين )) فلم يزل يلفهم البؤس والشقاء وعدم الاكتراث والاهتمام والتضييق والتعسف من مضيفيهم في داخل الوطن ودول الجوار واللجوء، لتضاف إليها الآن( وأنا أكتب المقال) تعليمات جديدة  مجحفة  تحدد الإقامة في سوريا للعراقيين .
أما الحديث عن الأزمات والسلب والنهب للمال العام فحدث ولا يوجد أي حرج فقصصه فاقت الخيال ، وحصلنا على مستويات متقدمة في هذا السلم في التصنيف العالمي وحطمنا العديد من الأرقام القياسية العالمية وتسلقنا المراتب الأولى عن جدارة نادرة وبسرعة فائقة .
أحداث شهر واحد مرت على السنة الجديدة مرعبة وقاسية ومدمرة للنفوس ومحطمة للأحلام ومخيبة للآمال، أحداث عديدة في بغداد والمحافظات فقد شملت التفجيرات ( مدينة المضطهدين والفقراء مدينة الثورة ( الصدر) ،الكاظمية، سوق الغزل، البياع وحي العامل والأعظمية والكاظمية و الصليخ والكريعات والمنصور وسبع البور و الكرادة وشارع حيفا ، حي الفرات والدورة والللطيفية و تفجيرات  جامعة المستنصرية، مندلي، بعقوبة، الموصل، كركوك، البصرة، السماوة، الديوانية، الكوت، الرمادي، بغداد الجديدة ، العمارة،  قصف المدارس بالقاذفات تهديم دور عبادة (بصواريخ الكاتوشا على المداس ودور العبادة الله أكبر ) ، تهجير واختطاف و تسليب وشنق في الشوارع العامة وتعليق الجثث على أعمدة الكهرباء ، آلاف من جثث  المغدورين تملأ الشوارع والأنهار والبراري ، ومن أبرز أحداث هذا الشهر حدث من نوع جديد  ما حدث في مدينة ( الزركة في النجف) في يوم العاشر من شهر محرم ( عاشوراء ) و و ووو تطول قائمة الويلات والمآسي و الاغتيالات والتفجيرات  وضحاياها حتى غصت بها ثلاجات حفظ الموتى و المقابر..
لم يزل صراخ بلدي يشق عنان السماء وحزننا وصل حدا ً لا يطاق وبؤسنا ودموعنا وألمنا وآهاتنا تتشابك وتتضاعف وتتفاقم .
لطم أهلنا على مصاب ( أبي عبد الله  الحسين) وعلى فقدانهم  أحبتهم وأهلهم وضناهم وخراب وطنهم ومستقبلهم و مستقبل بلدهم المسلوب والمنهوب والمصلوب ! حتى ضاقت من صراخهم وبكائهم وتضرعاتهم واستجارتهم أبواب السماء ودوت صرخاتهم وتضرعاتهم  بمراقد الأئمة والأتقياء والأولياء.
في ذكرى يوم العاشر من عاشوراء ( الطبك ) كما نسميه نحن العراقيين ، خرج ملايين المظلومين من شعوب الأرض على اختلاف قومياتهم وأديانهم ليس في العراق وشيعته فقط فقد شاركت فيه كل أطياف شعب العراق ( مسيحيو العراق  بكوا ضحاياهم و بيوتهم وكنائسهم و أديرتهم ومحلاتهم المهجورة قسرا ً وخوفا ً  والصابئة المندائيين تضرعوا وشاركوا البكاء على مأساة وطنهم وضحاياهم كيف لا تبكي الصابئة فراتها المقدس ( فرات زيوا ) وشواطئ أنهارها وأهوارها موطن الأجداد الضارب في عمق التأريخ ، ملايين شعبي خرجت وهي تلطم وتستجير وتصرخ وتبكي بدموع القلب وهي تنفث الحسرات والآهات وتطيل البكاء والدعاء مناشدة الحسين ( عليه السلام )  وأهل بيته أن يوصل شكواهم  ونجواهم وتضرعاتهم وتوسلاتهم واستغاثتهم إلى رب العزة والجلال إلى (  الله )  أن يلتفت إلى هذا البلد المسكين وأهله  بعين الرحمة والشفقة ويساعدهم لصد شر الضباع الهائجة ومن شر الطامعين ونوازعهم ومراميهم ومن شر الطائفية ومروجي أفكارها وحاملي راياتها ومن شرور النهّابة والسّلابة على كل المستويات والمسؤولين عنها، ويصد عن هذا البلد المسكين شر الإرهاب والإرهابيين  والظلاميين و التكفريين ومن جلبهم و أرسلهم، ومن شر الإمبريالية وراعيها فهو الذي جلب لنا كل هذا الحزن والبؤس والشقاء والبلاء .
 ختاما ً هل أستطيع هنا أن أتساءل لماذا كل هذا الحقد على العراق والعراقيين  ؟؟؟؟؟
ملاحظة : العام الجديد قصدي منه يشمل التقويم الميلادي والهجري حيث تقاربا هذا العام في بدايتهما فمعلوم ان السنة الهجرية تكون بدايتها في الأول من شهر محرم.

يحيى غازي الأميري
شباط 2007 [/b] [/font] [/size]

167
لليدي دراور* .. من كاتبة قصص خيالية وخواطر قلميه إلى أكبر مستشرقة في البحوث
                                         والدراسات المندائية
[/color]
يحيى غازي الأميري

                           
                 
الكثير منا سمع بـ ( الليدي دراور )  والكثير من حاول معرفة من هذه السيدة الإنكليزية التي كان لها الفضل في اطلاع العالم بشكل واسع عن الديانة المندائية ومعتنقيها .
إذ تعد كتابات ودراسات هذه الباحثة الأوربية عن الديانة المندائية والمندائيين من المراجع الدقيقة المعتمدة لما امتازت به من طول التأني والدأب المتواصل والمشاهدة الميدانية والممارسة العملية الفعلية للعديد من الطقوس الدينية ( إذ كانت تلبس الملابس الدينية المندائية ( الرسته ) وتمارس العديد من المراسيم الطقسية بشكل عملي ) لذا جاءت بحوثها ودراساتها واضحة وافية دقيقة ، لما بذلته من جهود مضنية بالبحث والمتابعة والدراسة والتحليل .
 
يقول عنها الأستاذ (  جميس بروفيس ) من (  كلية كونكتيت )  في تقرير عن (  الليدي دراور ) منشور في مجلة ( دراسات الشرق الأدنى ) التي تصدرها جامعة شيكاغو العدد (  XX1V  )  ((أن المعرفة الشخصية التي تمتلكها دراور تجاه الصابئة المندائيين في العراق وإيران مكنها من الحصول على نصوص ليست متوفرة للعامة )) .
ويستطرد قائلا ً ( وهبت الليدي دراور حياتها لهذه النصوص الغامضة بشكل جنوني  لاقتناعها بأن هذه النصوص تحفظ ديانة قديمة ) ويؤكد الكاتب فيقول ( أن ترجمة هذه النصوص هو عمل رائع قامت به دراور التي نجحت في إزالة الكثير من الغموض الذي يكتنف هذه النصوص وقد اعترفت دراور بأن المعنى هو ضمني وغير مباشر )
 
سوف أحاول في مقالتي هذه أن أسلط الضوء على بداية كتابات هذه الباحثة الرائعة في العراق ، وما هي نوع كتاباتها عند وصولها العراق وكيف تحولت لدراسة الديانة المندائية  وأحوال معتنقيها من مختلف النواحي، لتصبح من أشهر من بحث وترجم عن المندائية وطقوسها وعادات وتقاليد أهلها من الصابئة المندائيين في العراق وإيران  إلى اللغة الإنكليزية ، سأتناول هنا شيء من أول كتاب لها أصدرته عن العراق ، قبل غورها في بحر المندائية ، أنه كتاب ( في بلاد الرافدين ) .
 
في بداية حياتها عند مجيئها إلى العراق عام 1919 كانت الليدي دراور قد بدأت بكتابة خواطر قلميه ونشرت قسما ً منها في العديد من الصحف والمجلات الإنكليزية بعد ذلك بفترة قصيرة جمعتها وأضافت عليها لتخرجها عام 1923 بكتابها الأول عن العراق تحت عنوان ( في بلاد الرافدين ) ، وقد ترجم الكتاب للعربية ، والكتاب المترجم للعربية يقع في ( 368 ) صفحة من الحجم الكبير وقد قام بترجمته الأستاذ ( فؤاد جميل ) عام 1961 ، بأروع صورة أدبية ، بلغة عربية متينة في بنائها سهلة في قراءتها دقيقة بوصفها ومعانيها ، ليضيفه إلى المكتبة العربية كتحفة أدبية بحثية وصفية رائعة ، الكتاب آنف الذكر عبارة عن مجموعة من الفصول تصف أحوال العراق من مختلف النواحي الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية والجغرافية بأسلوب شيق مسجلة أروع الصور القلميه عن تلك الحقبة الزمنية .
 
تقول الباحثة في مقدمة كتابها ( لقد شغفت بيتي العراقي حبا ً ، شغفت بالعراقيين حبا ً جما ً ، و استميح قرائي عذرا ً أن رأوني أسير وراء خيالي المنسرح فلقد اعتدت على كتابة القصص الخيالية ) ص 6
 
تبدأ كتابها من بغداد صعودا ً إلى شمال العراق واصفةًً المناطق والطرق والحياة المعيشية والعادات والتقاليد الاجتماعية المختلفة المتنوعة ، فكتبت عن عادات العرب والكرد و اليهود والأيزيديين وغيرهم ثم تنحدر مرة أخرى إلى ( بغداد ) التي تعطيها جزا ً كبيرا ً بوصف حياتها الاجتماعية والعمرانية وتقاليد أهلها وقد كتبت اجمل وصف عن ( أيام عاشوراء ) والمسيرات والمنابر الحسينية في تلك الفترة ، عند قراءتي لتلك المشاهد أحس أن صورة المشهد قد رسمت بهندسة بارعة في صفحات كتابها ، حقا ً وصفا ً غاية في الجمال والروعة .
 
ثم تواصل رحلتها إلى جنوب العراق سالكة ً طريقا ً يمر بالكوفة والنجف وكربلاء ، ثم تذهب جنوبا ً إلى أقصى الأهوار ، تفرد فصلا ً عن حياة الأهوار وطبيعتها الخلابة الساحرة وتكتب عن سكانها وعلاقاتهم وتنقلاتهم فتحس من خلالها مأساة حياتهم القاسية المؤلمة المليئة بالفاقة والحرمان ، منحدرة إلى البصرة غائرة في عمق التأريخ العراقي متحدثة بأسلوبها الشيق عن مناطق العراق الأثرية في جنوبنا العراقي ، ملتقطة بعدسة عينها ذات النظرات الثاقبة مشاهداتها لترسمها بقلمها  صورة معبرة عن الفلكلور والمباني والأسواق والجوامع والجسور والتقاليد والعادات .
وتنشر بحدود 20 صفحة عن( الصابئة المندائيين ) ، ولقرب الفترة الزمنية التي كتبت الكاتبة كتابها وأهميتها التوثيقية عن العراق عموما ً والصابئة المندائيين خصوصا ً ، ولكون قسم من الأسماء التي ذكرتها ومناطق سكناهم لم تزل عالقة بأذهان جيلنا والجيل الذي يكبرنا ولم يزل يعيش معنا ، سأحاول نقل بعض المقاطع مما كتبته هذه الباحثة عن ( الصابئة ) تقول في الصفحة 226 من كتابها ( أنه منكب على عمله في دكان صغير وهذه نار تتوهج بين الفينة والفينة يذكيها بمنفاخ من جلد الماعز طفل صغير ، رجل له لحية سوداء وملساء ، وعينان سوداوان ترتفع إليك بين حين وأخر فتنبعث منها نظرات عميقة أسرة نظرات الفاحص المتعمق ، وقسمات وجهه لطيفة متناسبة وبشرته البيضاء ) .
وفي صفحة 227 تقول ( وعلى جانب الدكان ( لافتة ) سوداء كتب عليها ما ترجمته للعربية ( من أتباع يوحنا المعمدان ) صائغ الفضة العماري ، وعلى مقربة منه دكاكين أخرى ، عليهم سيماء الجد ومظاهر الوسامة ، وهناك طائفة من هذه الدكاكين في كل مدينة من مدن العراق تقريبا ً ، والقليل من يرحل من البلاد و لا يصطحب معه نماذج من مصاغات الفضة والتي صنعها أبناء هذه الطائفة الغريبة ) . 
وفي نفس الصفحة تستطرد قائلة ( أنه يرفع إبريق القهوة الفني من فوق منضدة صغيرة صفت عليها بضاعته فيعرضه عليك ، و الإبريق منقوش بالميناء ، وعلى جوانبه صور من خطوط ، هذا مسجد وهذه سفينة وقد أرسلت أشرعتها لتسير باسم الله مجراها ومرساها ، وهنا خروف وهناك ابل وهنالك نخل باسقات لها طلع نضيد ) ثم تضيف  مكملة  الصورة الفنية الأدبية فتقول  ( وأنك لتلمس في هذه الصور جميعها روح الفنان ، فيخيل إليك أن السفينة تجري حقا ً ، وأن الإبل تباري الريح في سيرها حثيثا ً ، وأن النهر يتدفق بمائه غدقا ً ..... ) 227     
وفي نفس الصفحة تقول ( فمن هم هؤلاء الصابئة يا ترى ؟؟ أن العرب تسميهم ( صبة ) وهم يسمون أنفسهم ( المنداي ) ولقد نجوا من الاضطهاد إلى حد ما بسبب أن المسلمين يعتبرونهم من (  أهل الكتاب ) ، الصابئة الذين ورد ذكرهم في ( القرآن الكريم  ) وهم من عبدة الله الحق وهم يقولون أن صلة روحية تقوم بين عقائدهم وبين المسيحية ) .
 
ثم تقول أنهم يعيشون في شبه عزلة ولهم لغة خاصة بهم و لا يتزاوجون من الأجناس و أهل الأديان الأخرى ، ولما كانت الطهارة تلي القدسية في المرتبة فلابد وان الصابئة هؤلاء اقرب مجاوري من في السماء !!!!!!! ) 228
وتستطرد قائلة ( ( لقد عنيت طويلا ً بهذا الشعب العجيب وعولت على أن أكتشف قبل رحيلي من بلاد النهرين شيئا ً أصيلا ً عما يتصل بحياتهم الخاصة ، يقال أن أبناء هذه الطائفة يحرصون على أسرار دينهم وطقوسهم ويجعلونها في حرز أمين ، وقد تبين ان لا سبيل للوقوف على شيء من ذلك من خلال محادثتي مع من اتصلت بهم في بغداد ) 228  الا إنها تقول وفي نفس الصفحة 228 ( ولما سمح لي بالسفر إلى  ( العمارة ) وجدت من هو اقرب اليّ من حبل الوريد ! ودار بيني وبين الشيخ ( جودة ) أحاديث شتى عديدة انه حبر الصابئة ومن أظرف والطف الشيوخ الذين اتصلت بهم أبان إقامتي في العراق أنه لم يتردد في الإجابة على أي سؤال وجهته إليه ، ولو لم يكن وقتي ضيقا ً لتسنى لي الوقوف على اكبر قسط مما كنت أتوق أليه من المعلومات ) .
ثم تصف لنا الكاتبة الباحثة في نهاية الصفحة 288  رجل الدين الصابئي فتقول ( يشترط فيه أن يكون في منجاة من الشوائب الخلقية وسالما ً من الأمراض والعاهات البدنية ، والشيخ جودة كآبائه القدماء من رجال الدين الصابئة لذا نجده حسن الشكل ظريفا ً ومتوددا ً وعلى الرغم من أنه جاوز الستين من عمره المديد إلا ان مظهره المريح يذكرك ( بالبطارقة ) ولعله خير نموذج لمن يشاء من الرسامين ، ثم تنتقل في وصف أحد الصاغة وهو ( زهرون ) هو رجل لطيف منتصب القامة ، صبوح الوجه ، تعلوه ابتسامة ساخرة ، أنه اليوم ثري لا يعمل الا إذا صادف العمل هوى نفسه ، وهو يسخر لعمله طائفة من الصناع الماهرين والمستجدين ، وهو اليوم ابعد صاغة الذهب والفضة من الصابئة صيتا ً ولو وضع أسمه على أي مصاغ لارتفعت في الحال قيمته أضعافا ً مضاعفة )
تم تتطرق إلى إيمان الصابئة المندائيين في الصفحة 233 فتقول ( وتؤمن الصابئة إيمان المسلمين والمسيحيين بالله الواحد الحق ولا يعبدون غيره ) .
وفي نهاية فصلها هذا تقول السيدة الجليلة  ( ان الصابئة من المتألهين وليسوا ممن يؤمنون بالخرافات ) ص 246
 
ويستشهد مترجم الكتاب الأستاذ ( فؤاد جميل ) بتعريف الصابئة المندائيين برأي الدكتور العالم العراقي المندائي ( عبد الجبار عبد الله ) رئيس جامعة بغداد وقت صدور الكتاب بالعربية فيقول الدكتور ( عبد الحبار عبد الله ) : يؤمن الصابئة المندائيون بتعاليم أدم وبكتاب ( الكنزا ربا ) أي صحف أدم غير أن تقادم العهد على الرسول الأول للدين  ونشوء بعض المذاهب الزائفة والأديان الوثنية ، كل هذه أدخلت تعاليم غريبة في الدين ، فجاء النبي ( يحيى ) ليخلص الدين من هذه المذاهب الدخيلة ولم يكن رسولا ً بل نبيا ًخاصا ً بهم ) ص 246
 
لقد استمتعت جدا ً عند قراءتي للكتاب ، وأعتقد من وجه نظري أن كتاب الليدي دراور ( في بلاد الرافدين ) رغم ما يرد  به من بعض الآراء و التحليلات التي تخص الكاتبة ومن وجهة نظرها ، قد لا تتفق وتتطابق مع أراء وتحليلات الآخرين ، لكن الكتاب يعتبر مرجعا ً وصفيا ً واقعيا ً  لحقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق من وجهة نظر كاتب غربي .       
وبعد كتابها هذا انكبت على دراسة المجتمع المندائي واللغة المندائية والكتب المندائية وكل ما يتعلق بالمندائية من بحوث ودراسات ، وقد أتقنت الباحثة  ( الليدي دراور) اللغة العربية والمندائية والسريانية مما سهل عليها بحوثها ودراساتها وجاءت اكثر دقة وموثوقية  ، وقامت بزيارات ميدانية  عديدة للإطلاع على أحوال وأوضاع الصابئة المندائيين في إيران ، وحاولت إيجاد صلة لتقريب العلاقات وزيادة أواصرها بين الصابئة المندائيين في العراق وإيران . وما هي الا سنوات من العمل الدؤوب المتواصل  (( 14 عاما ً )) حتى تصدر كتابها الأول عن الصابئة الموسوم ( المندائيون في العراق وإيران عام1937 وقد  ترجم هذا الكتاب وكتب مقدمه له الأستاذان المرحومان ( نعيم بدوي وغضبان رومي )  عام 1969 وصدر تحت عنوان ( الصابئة المندائيون ).
وقد كتب في مقدمة كتاب (  الصابئة المندائيون ) المترجم عن كتاب الليدي دراور( المندائيون في العراق وإيران ) ما نصه ((وتعتبر المؤلفة في الوقت الحاضر المرجع الأجنبي الرئيسي في الدين الصابئين وفي لغتهم ،وقد استمر بحثها عنهم مدة ربع قرن تقريبا ً بعد انتهائها من كتابها هذا المطبوع عام 1937 ميلادية ونتج عن تتبعها ودراستها لدينهم وللغتهم ان قامت بالتعاون مع الدكتور ( رودلف ماتسوخ  ) بتأليف قاموس في لغتهم أسمه ( قاموس اللغة المندائية ) وهو قاموس مندائي إنكليزي طبع عام 1963 في اكسفورد . ) ص 7
 
وقد كتب الأستاذ الباحث القدير ( عزيز سباهي ) في كتابه القيم ( أصول  الصابئة المندائيين ) في صفحة ( 13  ) كشفا" في الأدب المندائي ، جاء فيه (( يتميز الأدب المندائي بتنوعه وكثرة نصوصه حتى ليصعب على رجال الدين المندائيين ذاتهم  ، ناهيك عن عامة المندائيين أن يحصوا هذا الأدب ) ثم يقول في نفس الصفحة (( ولعل دراسة السيدة أ. س . دراور هي وحدها التي استطاعت أن تحصي كل ما دوّن من الأدب المندائي )
ثم يقدم الأستاذ ( عزيز سباهي ) في الصفحات (  13 ، 14 ،  15 ، 16  ) من كتابه ( أصول الصابئة المندائيين ) كشفا ً مفصلا ً عن الأدب المندائي (( بستة مجاميع ))  حسب تقسم الليدي دراور له .
 أن هذه الجليلة ( الليدي دراور ) قد عاشت حياة مليئة بالحيوية  والنشاط  والدراسة والبحث والكتابة والتحليل فجاء عطاؤها متميزا" بإثرائه الكبير للثقافة والحضارة الإنسانية .
وبذلك أصبحت هذه السيدة الباحثة الفذة مشعلا ً أنار الطريق لجميع الدارسين والباحثين والمهتمين بمعتقدات الصابئة المندائيين في شتى بقاع المعمورة .
   
يحيى غازي الأميري
تشرين الثاني   2006



* الليدي دراور ، من مواليد عام  ( 1897م )  في لندن  وتوفيت في سنة  ( 1972 م )  في المملكة البريطانية عن عمر يناهز اثنان وتسعون عاما ً .[/b][/font][/size]
 

168
لليدي دراور* .. من كاتبة قصص خيالية وخواطر قلميه إلى أكبر مستشرقة في البحوث
                                         والدراسات المندائية
[/color]





يحيى غازي الأميري

                           
                 
الكثير منا سمع بـ ( الليدي دراور )  والكثير من حاول معرفة من هذه السيدة الإنكليزية التي كان لها الفضل في اطلاع العالم بشكل واسع عن الديانة المندائية ومعتنقيها .
إذ تعد كتابات ودراسات هذه الباحثة الأوربية عن الديانة المندائية والمندائيين من المراجع الدقيقة المعتمدة لما امتازت به من طول التأني والدأب المتواصل والمشاهدة الميدانية والممارسة العملية الفعلية للعديد من الطقوس الدينية ( إذ كانت تلبس الملابس الدينية المندائية ( الرسته ) وتمارس العديد من المراسيم الطقسية بشكل عملي ) لذا جاءت بحوثها ودراساتها واضحة وافية دقيقة ، لما بذلته من جهود مضنية بالبحث والمتابعة والدراسة والتحليل .
 
يقول عنها الأستاذ (  جميس بروفيس ) من (  كلية كونكتيت )  في تقرير عن (  الليدي دراور ) منشور في مجلة ( دراسات الشرق الأدنى ) التي تصدرها جامعة شيكاغو العدد (  XX1V  )  ((أن المعرفة الشخصية التي تمتلكها دراور تجاه الصابئة المندائيين في العراق وإيران مكنها من الحصول على نصوص ليست متوفرة للعامة )) .
ويستطرد قائلا ً ( وهبت الليدي دراور حياتها لهذه النصوص الغامضة بشكل جنوني  لاقتناعها بأن هذه النصوص تحفظ ديانة قديمة ) ويؤكد الكاتب فيقول ( أن ترجمة هذه النصوص هو عمل رائع قامت به دراور التي نجحت في إزالة الكثير من الغموض الذي يكتنف هذه النصوص وقد اعترفت دراور بأن المعنى هو ضمني وغير مباشر )
 
سوف أحاول في مقالتي هذه أن أسلط الضوء على بداية كتابات هذه الباحثة الرائعة في العراق ، وما هي نوع كتاباتها عند وصولها العراق وكيف تحولت لدراسة الديانة المندائية  وأحوال معتنقيها من مختلف النواحي، لتصبح من أشهر من بحث وترجم عن المندائية وطقوسها وعادات وتقاليد أهلها من الصابئة المندائيين في العراق وإيران  إلى اللغة الإنكليزية ، سأتناول هنا شيء من أول كتاب لها أصدرته عن العراق ، قبل غورها في بحر المندائية ، أنه كتاب ( في بلاد الرافدين ) .
 
في بداية حياتها عند مجيئها إلى العراق عام 1919 كانت الليدي دراور قد بدأت بكتابة خواطر قلميه ونشرت قسما ً منها في العديد من الصحف والمجلات الإنكليزية بعد ذلك بفترة قصيرة جمعتها وأضافت عليها لتخرجها عام 1923 بكتابها الأول عن العراق تحت عنوان ( في بلاد الرافدين ) ، وقد ترجم الكتاب للعربية ، والكتاب المترجم للعربية يقع في ( 368 ) صفحة من الحجم الكبير وقد قام بترجمته الأستاذ ( فؤاد جميل ) عام 1961 ، بأروع صورة أدبية ، بلغة عربية متينة في بنائها سهلة في قراءتها دقيقة بوصفها ومعانيها ، ليضيفه إلى المكتبة العربية كتحفة أدبية بحثية وصفية رائعة ، الكتاب آنف الذكر عبارة عن مجموعة من الفصول تصف أحوال العراق من مختلف النواحي الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية والجغرافية بأسلوب شيق مسجلة أروع الصور القلميه عن تلك الحقبة الزمنية .
 
تقول العالمة الباحثة في مقدمة كتابها ( لقد شغفت بيتي العراقي حبا ً ، شغفت بالعراقيين حبا ً جما ً ، و استميح قرائي عذرا ً أن رأوني أسير وراء خيالي المنسرح فلقد اعتدت على كتابة القصص الخيالية ) ص 6
 
تبدأ كتابها من بغداد صعودا ً إلى شمال العراق واصفةًً المناطق والطرق والحياة المعيشية والعادات والتقاليد الاجتماعية المختلفة المتنوعة ، فكتبت عن عادات العرب والكرد و اليهود والأيزيديين وغيرهم ثم تنحدر مرة أخرى إلى ( بغداد ) التي تعطيها جزا ً كبيرا ً بوصف حياتها الاجتماعية والعمرانية وتقاليد أهلها وقد كتبت اجمل وصف عن ( أيام عاشوراء ) والمسيرات والمنابر الحسينية في تلك الفترة ، عند قراءتي لتلك المشاهد أحس أن صورة المشهد قد رسمت بهندسة بارعة في صفحات كتابها ، حقا ً وصفا ً غاية في الجمال والروعة .
 
ثم تواصل رحلتها إلى جنوب العراق سالكة ً طريقا ً يمر بالكوفة والنجف وكربلاء ، ثم تذهب جنوبا ً إلى أقصى الأهوار ، تفرد فصلا ً عن حياة الأهوار وطبيعتها الخلابة الساحرة وتكتب عن سكانها وعلاقاتهم وتنقلاتهم فتحس من خلالها مأساة حياتهم القاسية المؤلمة المليئة بالفاقة والحرمان ، منحدرة إلى البصرة غائرة في عمق التأريخ العراقي متحدثة بأسلوبها الشيق عن مناطق العراق الأثرية في جنوبنا العراقي ، ملتقطة بعدسة عينها ذات النظرات الثاقبة مشاهداتها لترسمها بقلمها  صورة معبرة عن الفلكلور والمباني والأسواق والجوامع والجسور والتقاليد والعادات .
وتنشر بحدود 20 صفحة عن( الصابئة المندائيين ) ، ولقرب الفترة الزمنية التي كتبت الكاتبة كتابها وأهميتها التوثيقية عن العراق عموما ً والصابئة المندائيين خصوصا ً ، ولكون قسم من الأسماء التي ذكرتها ومناطق سكناهم لم تزل عالقة بأذهان جيلنا والجيل الذي يكبرنا ولم يزل يعيش معنا ، سأحاول نقل بعض المقاطع مما كتبته هذه الباحثة عن ( الصابئة ) تقول في الصفحة 226 من كتابها ( أنه منكب على عمله في دكان صغير وهذه نار تتوهج بين الفينة والفينة يذكيها بمنفاخ من جلد الماعز طفل صغير ، رجل له لحية سوداء وملساء ، وعينان سوداوان ترتفع إليك بين حين وأخر فتنبعث منها نظرات عميقة أسرة نظرات الفاحص المتعمق ، وقسمات وجهه لطيفة متناسبة وبشرته البيضاء ) .
وفي صفحة 227 تقول ( وعلى جانب الدكان ( لافتة ) سوداء كتب عليها ما ترجمته للعربية ( من أتباع يوحنا المعمدان ) صائغ الفضة العماري ، وعلى مقربة منه دكاكين أخرى ، عليهم سيماء الجد ومظاهر الوسامة ، وهناك طائفة من هذه الدكاكين في كل مدينة من مدن العراق تقريبا ً ، والقليل من يرحل من البلاد و لا يصطحب معه نماذج من مصاغات الفضة والتي صنعها أبناء هذه الطائفة الغريبة ) . 
وفي نفس الصفحة تستطرد قائلة ( أنه يرفع إبريق القهوة الفني من فوق منضدة صغيرة صفت عليها بضاعته فيعرضه عليك ، و الإبريق منقوش بالميناء ، وعلى جوانبه صور من خطوط ، هذا مسجد وهذه سفينة وقد أرسلت أشرعتها لتسير باسم الله مجراها ومرساها ، وهنا خروف وهناك ابل وهنالك نخل باسقات لها طلع نضيد ) ثم تضيف  مكملة  الصورة الفنية الأدبية فتقول  ( وأنك لتلمس في هذه الصور جميعها روح الفنان ، فيخيل إليك أن السفينة تجري حقا ً ، وأن الإبل تباري الريح في سيرها حثيثا ً ، وأن النهر يتدفق بمائه غدقا ً ..... ) 227     
وفي نفس الصفحة تقول ( فمن هم هؤلاء الصابئة يا ترى ؟؟ أن العرب تسميهم ( صبة ) وهم يسمون أنفسهم ( المنداي ) ولقد نجوا من الاضطهاد إلى حد ما بسبب أن المسلمين يعتبرونهم من (  أهل الكتاب ) ، الصابئة الذين ورد ذكرهم في ( القرآن الكريم  ) وهم من عبدة الله الحق وهم يقولون أن صلة روحية تقوم بين عقائدهم وبين المسيحية ) .
 
ثم تقول أنهم يعيشون في شبه عزلة ولهم لغة خاصة بهم و لا يتزاوجون من الأجناس و أهل الأديان الأخرى ، ولما كانت الطهارة تلي القدسية في المرتبة فلابد وان الصابئة هؤلاء اقرب مجاوري من في السماء !!!!!!! ) 228
وتستطرد قائلة ( ( لقد عنيت طويلا ً بهذا الشعب العجيب وعولت على أن أكتشف قبل رحيلي من بلاد النهرين شيئا ً أصيلا ً عما يتصل بحياتهم الخاصة ، يقال أن أبناء هذه الطائفة يحرصون على أسرار دينهم وطقوسهم ويجعلونها في حرز أمين ، وقد تبين ان لا سبيل للوقوف على شيء من ذلك من خلال محادثتي مع من اتصلت بهم في بغداد ) 228  الا إنها تقول وفي نفس الصفحة 228 ( ولما سمح لي بالسفر إلى  ( العمارة ) وجدت من هو اقرب اليّ من حبل الوريد ! ودار بيني وبين الشيخ ( جودة ) أحاديث شتى عديدة انه حبر الصابئة ومن أظرف والطف الشيوخ الذين اتصلت بهم أبان إقامتي في العراق أنه لم يتردد في الإجابة على أي سؤال وجهته إليه ، ولو لم يكن وقتي ضيقا ً لتسنى لي الوقوف على اكبر قسط مما كنت أتوق أليه من المعلومات ) .
ثم تصف لنا العالمة الباحثة في نهاية الصفحة 288  رجل الدين الصابئي فتقول ( يشترط فيه أن يكون في منجاة من الشوائب الخلقية وسالما ً من الأمراض والعاهات البدنية ، والشيخ جودة كآبائه القدماء من رجال الدين الصابئة لذا نجده حسن الشكل ظريفا ً ومتوددا ً وعلى الرغم من أنه جاوز الستين من عمره المديد إلا ان مظهره المريح يذكرك ( بالبطارقة ) ولعله خير نموذج لمن يشاء من الرسامين ، ثم تنتقل في وصف أحد الصاغة وهو ( زهرون ) هو رجل لطيف منتصب القامة ، صبوح الوجه ، تعلوه ابتسامة ساخرة ، أنه اليوم ثري لا يعمل الا إذا صادف العمل هوى نفسه ، وهو يسخر لعمله طائفة من الصناع الماهرين والمستجدين ، وهو اليوم ابعد صاغة الذهب والفضة من الصابئة صيتا ً ولو وضع أسمه على أي مصاغ لارتفعت في الحال قيمته أضعافا ً مضاعفة )
تم تتطرق إلى إيمان الصابئة المندائيين في الصفحة 233 فتقول ( وتؤمن الصابئة إيمان المسلمين والمسيحيين بالله الواحد الحق ولا يعبدون غيره ) .
وفي نهاية فصلها هذا تقول عالمتنا الجليلة  ( ان الصابئة من المتألهين وليسوا ممن يؤمنون بالخرافات ) ص 246
 
ويستشهد مترجم الكتاب الأستاذ ( فؤاد جميل ) بتعريف الصابئة المندائيين برأي الدكتور العالم العراقي المندائي ( عبد الجبار عبد الله ) رئيس جامعة بغداد وقت صدور الكتاب بالعربية فيقول الدكتور ( عبد الحبار عبد الله ) : يؤمن الصابئة المندائيون بتعاليم أدم وبكتاب ( الكنزا ربا ) أي صحف أدم غير أن تقادم العهد على الرسول الأول للدين  ونشوء بعض المذاهب الزائفة والأديان الوثنية ، كل هذه أدخلت تعاليم غريبة في الدين ، فجاء النبي ( يحيى ) ليخلص الدين من هذه المذاهب الدخيلة ولم يكن رسولا ً بل نبيا ًخاصا ً بهم ) ص 246
 
لقد استمتعت جدا ً عند قراءتي للكتاب ، وأعتقد من وجه نظري أن كتاب الليدي دراور ( في بلاد الرافدين ) رغم ما يرد  به من بعض الآراء و التحليلات التي تخص الكاتبة ومن وجهة نظرها ، قد لا تتفق وتتطابق مع أراء وتحليلات الآخرين ، لكن الكتاب يعتبر مرجعا ً وصفيا ً واقعيا ً  لحقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق من وجهة نظر كاتب غربي .       
وبعد كتابها هذا انكبت على دراسة المجتمع المندائي واللغة المندائية والكتب المندائية وكل ما يتعلق بالمندائية من بحوث ودراسات ، وقد أتقنت العالمة ( الليدي دراور) اللغة العربية والمندائية والسريانية مما سهل عليها بحوثها ودراساتها وجاءت اكثر دقة وموثوقية  ، وقامت بزيارات ميدانية  عديدة للإطلاع على أحوال وأوضاع الصابئة المندائيين في إيران ، وحاولت إيجاد صلة لتقريب العلاقات وزيادة أواصرها بين الصابئة المندائيين في العراق وإيران . وما هي الا سنوات من العمل الدؤوب المتواصل  (( 14 عاما ً )) حتى تصدر كتابها الأول عن الصابئة الموسوم ( المندائيون في العراق وإيران عام1937 وقد  ترجم هذا الكتاب وكتب مقدمه له الأستاذان المرحومان ( نعيم بدوي وغضبان رومي )  عام 1969 وصدر تحت عنوان ( الصابئة المندائيون ).
وقد كتب في مقدمة كتاب (  الصابئة المندائيون ) المترجم عن كتاب الليدي دراور( المندائيون في العراق وإيران ) ما نصه ((وتعتبر المؤلفة في الوقت الحاضر المرجع الأجنبي الرئيسي في الدين الصابئين وفي لغتهم ،وقد استمر بحثها عنهم مدة ربع قرن تقريبا ً بعد انتهائها من كتابها هذا المطبوع عام 1937 ميلادية ونتج عن تتبعها ودراستها لدينهم وللغتهم ان قامت بالتعاون مع الدكتور ( رودلف ماتسوخ  ) بتأليف قاموس في لغتهم أسمه ( قاموس اللغة المندائية ) وهو قاموس مندائي إنكليزي طبع عام 1963 في اكسفورد . ) ص 7
 
وقد كتب الأستاذ الباحث القدير ( عزيز سباهي ) في كتابه القيم ( أصول  الصابئة المندائيين ) في صفحة ( 13  ) كشفا" في الأدب المندائي ، جاء فيه (( يتميز الأدب المندائي بتنوعه وكثرة نصوصه حتى ليصعب على رجال الدين المندائيين ذاتهم  ، ناهيك عن عامة المندائيين أن يحصوا هذا الأدب ) ثم يقول في نفس الصفحة (( ولعل دراسة السيدة أ. س . دراور هي وحدها التي استطاعت أن تحصي كل ما دوّن من الأدب المندائي )
ثم يقدم الأستاذ ( عزيز سباهي ) في الصفحات (  13 ، 14 ،  15 ، 16  ) من كتابه ( أصول الصابئة المندائيين ) كشفا ً مفصلا ً عن الأدب المندائي (( بستة مجاميع ))  حسب تقسم الليدي دراور له .
 أن العالمة الجليلة ( الليدي دراور ) قد عاشت حياة مليئة بالحيوية  والنشاط  والدراسة والبحث والكتابة والتحليل فجاء عطاؤها متميزا" بإثرائه الكبير للثقافة والحضارة الإنسانية .
وبذلك أصبحت هذه العالمة الفذة مشعلا ً أنار الطريق لجميع الدارسين والباحثين والمهتمين بمعتقدات الصابئة المندائيين في شتى بقاع المعمورة .
   
يحيى غازي الأميري
تشرين الثاني   2006




* الليدي دراور ، من مواليد عام  ( 1897م )  في لندن  وتوفيت في سنة  ( 1972 م )  في المملكة البريطانية عن عمر يناهز اثنان وتسعون عاما ً .[/b][/font][/size]

صفحات: [1]