عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - وردااسحاق

صفحات: [1]
1

أسرار القيامة والفصح تفتح أبواب الفردوس
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال يسوع للمصلوب ( الحق أقول لك : ستكون اليوم معي في الفردوس ) " لو 43:23"
  تجسد إبن الله في العذراء مريم ليأخذ منها جسداً بشرياً ، وبذلك الجسد يحمل كل خطايا العالم ليصلبها على صليب الجلجثة ويغفرها بدمه الكريم الذي يريقه من أجل دفع الصك إلى أبيهِ السماوي فتتم المصالحة .
 في السنوات الثلاث الأخيرة نشر يسوع كلمة الإنجيل وأنذر الناس قائلاً ( توبوا فقد إقترب ملكوت الله ) وفي يوم خميس الأسرار ( فصح الرب ) جاء الملكوت ، وأسست الكنيسة على وجه كامل ، وقد أوضحه لنا البشير متى في الإصحاحات ( 24-28 ) .
   حكم على يسوع بالموت في المجمع اليهودي ، ومن ثم تم تسليمه إلى أيدي الوثنيين ليصلب ، علماً بان الله إختار هؤلاء الأحبار ليجلسوا على كرسي موسى فكان عليهم أن يميزوا زمن مجىء " المشيح " . لم يصدقوا عندما رد على سؤال قيافا الذي قال ليسوع ( هل أنت المسيح إبن الله ؟ ) فقال له ( هو ما تقول ) " مت 64:26 " .
 أما عبارة ( أنا هو ) فهي إسم الله في العهد القديم . وفي العهد الجديد كررها يسوع مراراً أمام تلاميذه . وبسبب هذه الحقيقة التي أقّر بها يسوع ، إعتبروه مجدفاً ويستحق الموت . مات المسيح أمام أنظارهم ، وبموته تجلت حقيقة كونه إبن الإنسان الذي صلب والذي هو إبن الله ( مر 40:15 ) مات بعد أن أطلق صرخة شديدة ولفظ الروح . صلب اليهود ملكهم الحقيقي الذي هو مسيحهم المنتظر ، وقام في فجر يوم الأحد ، وبقيامته حدث زلزال عندما دحرج الملاك الحجر ، وزلزال سبقه عندما مات على الصليب .  إرتعد الحراس خوفاً من الملاك الظاهر أمامهم فصاروا كالأموات . الزلزال هنا يرمز إلى إنتصار الله على الموت بعد قيامته ، فسقط إعداؤه كالأموات بسبب هيئة الملاك المرعب ومنظره الذي كان كالبرق ، وثوبه الأبيض كالثلج ( إنه يمثل الله ) . الزلزال والبرق الذي أعدهُ يسوع هي رموز لمجيئه الثاني . حيث ستحدث مجاعات وزلازل في أماكن كثيرة . وتلك ستكون بدء المخاض لبني البشر ، ومجىء المسيح سيكون كالبرق أيضاً يخرج من المشرق ويلمعُ حتى المغرب ، هكذا سيكون مجىء المسيح القائم من بين الأموات مرعباً للجميع ( مت 27:24 ) .
  صار اليوم الذي قام به يسوع ( الأحد ) يوم الرب ليفتح زمن جديد وعهد جديد لينتهي القديم . في ذلك اليوم ظهرأولاً لمريم المجدلية ، ولتلاميذهِ العشرة بغياب توما وذلك في مساء اليوم عينهِ . وموضوع بحث المجدلية عن يسوع في البستان يقارنه موضوع بحث العروس عن عريسها ( طالع نش 3: 1-4 ) فوجدتهُ . ظهر يسوع للتلاميذ وأظهر لهم الجراحات على الجسد القائم من الأموات . إلا أن ذكر الجرح في الجنب الذي إنفرد في كتابته يوحنا البشير والذي يصّر على إقامة الصلة بين حادثة الطعن بالحربة ، وحدث العلية ، ليؤكد أنه الحمل الفصحي المذبوح على الجلجثة . أجل عاد إلى ذويه حاملاً ثمار الذبيحة ويؤكد لنا سفر الرؤيا بأن الحمل يبدو ذبيحاً ( رؤ 6:5 ) أي حاملاً على جسمه الممجد سِمات ذبيحته الخلاصية . فيسوع القائم من بين الأموات هو نفسه ، إلا أنه من عالم آخر غير خاضع لقوانين هذا العالم ، هذا الذي خرج من القبر والقبر مقفل بحجر كبير ومختوم بالختم الروماني . وبعد قيامته جاء الملاك ليزيح الحجر لنا لندخل إلى القبر ونؤمن كما آمن التلميذين . كذلك دخل يسوع بجسده الممجد إلى العلية وأبوابها مغلقة . كما دخل إلى قلب توما الرسول الذي أقفله ، لكنه تنازل من شروطه وإعترف بقيامة سيده وبلاهوته .
 عندما ظهريسوع لتلاميذه استولى عليهم الفرح لمشاهدتهم له . وقد سبق وإن كلمهم عن هذا اللقاء في العشاء الأخير عندما قال لهم ( سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم ) " يو 22:16 " وفي أثناء ذلك الفرح أعطاهم السلام ، فقال لهم مرتين متتاليتين ( السلام عليكم ! ) وهذا السلام كان ثمرة قيامته فتبدد كل إضطراب أحدثه لهم رحيلهِ ، إنه السلام الذي لا يستطيع العالم أن يمنحهُ لهم ( يو 27:14 ، 33:16 ) .
   مرحلة إرسالهم إلى العالم هي رسالة مهمة لا تقل عن رسالة إرسال الآب له إلى العالم ليخلصه ، لهذا قال لهم ( كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ) " يو 21:20" .
 قال أحد الشراح البروتستانت : لا يوجد إلا رسالة واحدة من السماء إلى الأرض ، وهي رسالة يسوع ... ورسالته لتلاميذه هي متضمنة في رسالة يسوع ، وتُكمِلها للعالم .
كما نفهم من النصوص الكتابية بأن الإرسال أعطاه يسوع لتلاميذه عندما أعطى لهم الروح القدس بالنفخ وليس بوضع اليد ( أع 17:8 ) ولا بالدهن . نفخته كانت الحياة التي نفخها الله في أنف الإنسان الأول في بدء الخليقة ( تك 7:2 ) . كما علينا أن نتذكر نبؤة حزقيال عن عطاء روح الله من أجل خلق عهد جديد ، وشعب مطهر من الخطايا ومتجدداً في القداسة ( حز 36: 25-27 ) وهذه النبؤة تحققت في يوم الفصح الجديد . والفصح هو نقطة إنطلاق لعالم جديد . وبالروح أعطاهم سلطان لغفران الخطايا . هذا هو عطاء المسيح القائم من الموت إلى كنيسته التي اشتراها بدمه ، ووهبها بواسطة روحه القدوس سلطاناً مذهلاً يغفر الخطايا ، ويقود البشر بواسطة التوبة إلى ملء الإهتداء ، فيؤلفوا شعب الله القدوس  .
قام المسيح ... حقاً قام
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"

2

أحداث قبل وخلال يوم جمعة الآلام
بقلم / وردا إسحاق قلّو
 ( وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل آثامنا . تأديب سلامنا عليهِ ، وبحبره شفينا ) " إش 5:53 "
   تجسد إبن الله في الإنسان لكي يقدم نفسه ذبيحة مُرضية لله الآب كإنسان طاهر من أجل إتمام مخطط الله الخلاصي . ففي أيام الأسبوع الأخير من حياة يسوع الأرضية  كان يسوع يتهيأ للصعود على مذبح الصليب بإرادته لكي يموت عن جميع البشر . والميّت بحسب عادات اليهود كان جسدهُ يُمسَح بالطيب قبل وضعهِ في القبر ، وهذا العمل قد سبق موته ، فخبرمسحهِ بالطيب من قبل إمرأة في بيت عنيا لم يفهمه جميع الحاضرين عدا يسوع . هناك تفسيرات ثلاثة لهذا العمل . تفسير التلاميذ الذين يرون فيه تبذيراً وخاصةً الأسخريوطي . والثاني تفسيرالمرأة صاحبة قارورة الناردين الغالي الثمن ( مر 3:13 ) فعملها يدل على عظم إحترامها ليسوع ، ويثبت للحاضرين على إنها إعترفت بأن الذي تمسحهُ هو المسيح . حين صَبَّت على رأسه الزيت الملوكي . أما التفسير الثالث والأخير فهو ليسوع الذي قال ( طَيّبَت جسدي مسبقاً للدفن ) " مر 8:14 " . ففكرة المرأة من هذا العمل كان لتكريم المسيح كملك ، أما هو ففكر بموته ولأجل عمل المرأة العظيم خَلّدَ يسوع ذكراها في الإنجيل .
   الجلسة الثانية مع تلاميذهِ كانت في العليّة لتناول العشاء الأخير وهناك أنبأ بخيانة واحداً منهم . ، بعدها إنطلقوا إلى بستان الزيتون ، أما الخائن يهوذا فقد كان في تلك اللحظات عند قادة اليهود .
في البستان نال النعاس من التلاميذ فناموا غير واعين لما قاله لهم يسوع ( إحذروا وإسهروا لأنكم لا تعرفون متى تكون الساعة .. ) " مر 13: 33-37 " وها الساعة قد أتت والإنسان الضعيف تجذبه قوتان متعارضتان ، الأولى هي قوة الله الذي جعل روحه في الإنسان لكي يتوجه نحو عمل الخير ، وجسد الإنسان الضعيف الخاضع لسلطان الخطيئة . كانت ساعة يسوع الأخيرة قبل القبض عليه ساعة إمتحان حاسم لتلاميذه الذين لا يستطيعون المواجهة والتحدي بدون قدرته ، لكن رغم ذلك ناموا ليبقى يسوع يصارع في تلك الساعة لوحدهِ . لام بطرس وقال له ( هل أنت نائم يا سمعان ؟ الام تقدر أن تسهر ساعة واحدة ؟ ) " مر 37:14 " .
  في مشهد الجسمانية قال يسوع ( نفسي حزينة حتى الموت ) فطلب في صلاته من الآب قائلاً ( أبا ، يا أبتِ ، إنك على كل شىء قدير فإصرف عني هذه الكأس ) " مر 36:14" . إنها صورة كأس فيها خمر سخط الله المسكوبة في كأس غضب الله . إنها توحي إلى حجم الخطيئة التي سيتحملها المسيح . إنها خطيئة الإنسان من آدم إلى آخر إنسان في الحياة عند مجىء المسيح ، يشبه حجمها كحجم مليارات الأجرام السماوية لو جمعت على شكل هرم هائل مقلوب ، ماذل ستكون قوة الضغط الذي تتعرض له نقطة الإرتكاز ، فخطايا البشر كلها ليست أقل حجماً من هذا الكون المادي ، فكان يسوع يتحمل في الجسيماني ثقل خطيئة العالم كله وأزالها ( يو 29:1 ) . والصليب الحقيقي الذي حمله على كتفيه حتى قمة الجلجثة وعليه سُمِرَ ، إنما كانت الخطيئة التي سمرت معهُ . وفي كل تلك اللحظات قال : نفسي حزينة حتى الموت ! سال منه عرق ودم لأنه كان يعيش الوضع الأقصى بالمعنى المطلق بسبب ثقل خطيئة العالم المرتكزة عليه فقط
جاءت الساعة وفرالتلاميذ ولم يبقى هناك إلا شاباً لا يلبس غير إزرارعلى عريهِ ، فأمسكوه ، فترك الأزرار وهرب منهم عرياناً ( يعتقد بأنه كان البشير مرقس الذي إنفرد بإنجيله كتابة هذا الخبر ) الذي حاول أن يتبع يسوع ، لكنه هو أيضاً فرَّ ليترك يسوع وحيداً بيد تلك العصابة .
   وصل يسوع أمام قضاة المحكمة اليهودية التي لم تَطولَ كثيراً لأن يسوع إعترف سريعاً وبوضوح أنه المسيح إبن الله الحي . وينسب لنفسهِ صفاة إبن الإنسان الذي رأى فيه النبي دانيال كائناً سماوياً آتياً على الغمام . ويلمح يسوع إلى (مز 110 ) أي إلى عرشه الملكي السماوي عندما يجلس الرب الإبن إلى يمين الرب الآب ، وهذا العرش لا يمكن أن يكون على الأرض كما كانوا اليهود ينتظرون المسيح ليجلس على عرش داود ليحررهم من عبودية الرومان ، بل عرش يسوع سماوي .
  كان هناك نزاع بين يسوع ورؤساء اليهود ، لم يكن مجرد حدث تاريخي إذ يرى فيه البشير يوحنا أوج المعركة الطاحنة التي يتجابه فيها النور والظلام في قلب إنسان ، إما الحكم عليه من قبل معاصريه فيتخطى مسؤليتهم ليشمل واقعة الخطيئة بأسرها لأن بموته تتم دينونة العالم كله .
   حكموا عليه بأنه مجذف ويستحق الموت فلا حاجة إلى شهادات الشهود . سيق إلى بيلاطس البنطي ، كذلك أمام الرومان أكد يسوع بأنه المسيح وهو إبن الله ، ومملكته ليست من هذا العالم وذلك عندما سأله بيلاطس وقال ( هل أنت ملك اليهود ؟ ) فأجابه ( أنت قلت ) ، فأعتبرت تهمة لصلبه ،  لهذا سماه بيلاطس ملك اليهود وكما أراد يسوع ، وكتبت تلك العبارة بثلاث لغات وعلقت على الصليب .
    حمل يسوع صليبه وسار في درب الصليب نحو الجلجثة . ساعده في حمله سمعان القيرويني بدلاً عن التلاميذ ليشارك في الآلام لمدة ثلاث ساعات على الصليب .هذه المدة التي تحددها الصلاة اليهودية ثم المسيحية ، تمثل مدة الأحداث . تمثل أيضاً مدة تأمل الجماعة التي دونت هذه الأحداث على ضوء الكتب المقدسة ، رفض يسوع العطشان على الصليب أن يشرب الخل الذي كان يفعل فعل المخدر لكي يتحمل الآلام ، لأنه أراد أن يتحملها بكل صبركل الآلام كما هي ، فرأى الرسول متى في ( 34:27 ) كان تلميحاً إلى (مز 21:69  ) . ثقبت اليدين والرجلين ، وتم الإقتراع على ملابس المصلوب بين لصين لتتم نبؤة المزمور ( 22) . شتم يسوع أولاً ، وإنفرد متى بكتابة ( جعل قصبة بيده اليمنى ) كالملك المهان . كما إنفرد بذكر تهكم يضاف إلى التهكمات التي رمي بها يسوع . كقولهم ( إتكل على الله ، فلينقذه الآن .. ) لأنه قال ( أنا إبن الله ) .

  بعد موته على الصليب نتوقف عند خبرين مهمين ، الأول يتعلق بستار الهيكل الذي انشق من أعلى إلى أسفل والذي كان يغلق الهيكل أو ذلك الذي يغلق قدس الأقداس . يبدو الحدث هو تسبيق لدمار الهيكل الذي أنبأ به يسوع قبل قبل أيام قليلة ، فموت المسيح ملك اليهود هو نهاية لهيكل أورشليم ، ونهاية العهد القديم والديانة اليهودية.
  الخبر الثاني هو شهادة قائد المائة الوثني لما رأى كيف مات المسيح ، فأعلن قائلاً ( كان هذا الرجل إبن الله حقاً ) وكلامه هذا قد سبق إيمانه ..
 بعد موت المسيح أيضاً حدث زلزال ففتحت القبور وقام القديسون وإنتظروا قيامة المسيح للدخول معه إلى المدينة المقدسة . في هذا الأنشاء الرؤيوي ، يلفت حتى نظرنا إلى أن حدث الفصح هو آخر الأزمنة ، وأن القديسين يستطيعون أخيراً أن يدخلوا مع القائم من الموت إلى أورشليم السماوية . وهذا ما حدث فعلاً لأن يسوع نزل إلى الهاوية وأخذ الآرواح البارة من آدم إلى من مات في ذلك اليوم إلى السماء بموكب نصر عظيم .
ليتمجد أسم المصلوب إبن الله
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"


3

المحتوى الروحي واللاهوتي لغسل الأرجل
بقلم / وردا إسحاق قلّو
   قال يسوع لبطرس ( إذا لم أغسلك فلا نصيب لك معي ) " يو 8:13 "
   بعد أن غسل الرب يسوع أرجل تلاميذه قال لهم ( إن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ) " يو 14:13 " .
  بعد العشاء الأخير ، وبعد تأسيس سر الأفخارستيا من قبل الرب يسوع بحضور التلاميذ في علية صهيون . قام يسوع من العشاء ليغسل أرجل التلاميذ والشيطان وسوَسَ إلى يهوذا بن سمعان الأسخريوطي ليسلمه ، فعمل يسوع كان يرتبط إرتباطاً وثيقاً بخيانة يهوذا . عندما إنحنى يسوع إلى أرجل تلاميذه ، أضمر يهوذا الخيانة في قلبهِ . فالحفلة تلك كانت ترتدي طابع الحبك المؤلم بين أقصى الحب وأقصى الدناء ، بين النور والظلمة ، وهذه الفكرة أقلقت يسوع ، فقال ( ألحق الحق أقول لكم ، أن واحداً منكم سيسلمني ) " يو 21:13 " . ففي حفلة غسل الأرجل ، كما في قصة الآلام كلها ، يوحنا البشير يتألم لرؤية حب المعلم يبادل بالرفض والخيانة . والعالم غير المنظور متورط مع يهوذا ، يلوح وجه القوى الشيطانية . فالشيطان هو الذي دفع يهوذا لكي يسَّلِم سَيده . فقاعة العشاء السري أصبحت ساحة ليتصارع ويخطط فيها يهوذا لكي يسَّلِم سيده ،
 إنما هو الأبليس كان يعمل في يهوذا ضد المسيح . ويسوع تحدى ، وإستعد لقهر ما يخطط له يهوذا ، لهذا قال له ( إسرع في ما نويت أن تعمله ) " يو 28:13 " . لم يفهم التلاميذ ما قصده المعلم .
   بدأ يسوع بغسل الأرجل بعد أن خلع رداءه ، أخذ منديلاً فإئتزر به ، ثم صب ماء مطهرة وأخذ يغسل أقدام الحضور ، ويمسحها بالمنديل الذي إئتزر به . كل شىء يبدو غامضاً ، لأن هذا العمل يقوم به الخدم لغسل أرجل الضيوف قبل الطعام ( طالع تك 4:18 ) فغسل الأرجل لضيف قادم من بعيد وأقدامه المتعبة من السير والمتسخة ، كانت خدمة هامة ومطلوب فيها الترحيب والإحترام ( لو 44:7) ، والغريب أن المعلم هو الذي كَلّفَ نفسه بهذه الخدمة المحفوظة للعبيد فقط ( 1 صم 41:25 ) والتي كانوا يتحاشون أن يطلبوها من عند اليهود لأنها مذلة .
  يسوع إذاً فعل ما يفعل العبد ، فإنحنائه كرب ومعلم ( يو 13:13 ) ، وهذا ما جعل التلاميذ يترجمون عمله إلى حب لا محدود منذ الساعات الأولى لتضحيته على الصليب والتي بدأت من هناك .
   إننا نرى المسيح في صورة عبد الله في سفر إشعياء ( طالع 52: 13-53 ) مزدرياً ومهاناً يمضي في الخدمة حتى الموت لأجل خاصتهِ .
   شكلت حفلة غسل الأرجل صراعاً حقيقياً ليسوع مع قساوة قلب يهوذا ، وقوة إبليس ، وعناد بطرس الذي رفض أولاً أن يغسل قدميه رغم كون تصرفه يدل على التوقير والإحترام ، وحب نقي لسيده ، لهذا رأيناه مضطرب ومحرج . أعذره يسوع أولاً لقلة فهمه وكما عذر نيقوديمس لتعجبه من موضوع الولادة الجديدة . ففي الحالتين هناك سر يفوق إدراك البشر . لهذا قال لبطرس ( أنت الآن لا تفهم ما أنا فاعل ، ولكنك ستدركه بعد حين ). وبطرس يستمر في عناده متكلاً على ما يملك من معلومات وحكمة . لهذا ساءت الأمور وتعقدت فهدده يسوع بكلام قاس ، فقال ( إذا لم أغسلهما لك ، فلا حظ لك معي ) أي النصيب في خيرات الحياة الأبدية ( يو 47:6 ) . لم يبطىء بطرس في الرد فتنازل ليعبر عن حبه العميق ولأنه لا يريد أن يخسر نصيبه معه ، لهذا صرخ قائلاً ( يا رب ، لا قدميَّ فقط ، بل يدي ورأسي أيضاً ) " يو 9:13 " وهنا رأي بطرس نابع من تفسير مادي معتقداً بأنه كلما زاد الغسل زاد حظه مع معلمه . إنه لم يفهم التطهير الذي يرمز إليه عمل المسيح . يسوع سيضحي من أجله ليغسله لا بالماء ، بل بالدم الذي سيطهره من دنس الخطيئة . ( 1 يو 7:1 ، عبر 22:10 ) فالهدف من عمل الغسل هو تتميم هذا الإيمان ، وربطه بالساعة ، وتنقيته أيضاً من الأوهام التي ماتزال تشوشه . ورغم كل هذا تهرب واحد من الذين غسل الرب قدميه ، وذلك بعد أن قال يسوع  ( وأنتم أيضاُ أطهار ، ولكن ليس كلكم ) لأنه يعلم بإبن الهلاك الذي سيسلمه للموت .
   بعد أن أنهى يسوع خدمته ، لبس رداءه وعاد إلى المائدة . وسأل تلاميذه قائلاً ( أتفهمون ما صنعتُ إليكم ؟ ) . عمل المسيح كان كشفاً لمعنى التجسد ، ولكنه أيضاً هو قدوة ، لهذا قال ( أنتم تدعوني معلماً ، ورباً ، وأصبتم فيما تقولون ، فهكذا أنا ) وهكذا إتخذت سلطة يسوع بهذه الخدمة أبعاداً كبيرة ، وهكذا وضع يسوع الأسس الجديدة لمفهوم السلطة . لقد شجب مسبقاً كل سلطة لا تكون في خدمة الأخوة .
  رأوا آباء الكنيسة في غسل الأرجل رمزاً للأسرار ، فمنهم من رأى فيه رمزاً لسر الإفخارستيا ، ومنهم من رأى رمزاً للعماد . وآخرون رمزاً لسر التوبة . وفي الواقع صلتها بالآلام ضعيفة . والمقارنة بين رواية يوحنا ، ونص مار بولس في رسالته إلى أفسس ، تفرض نفسها ، إذ أننا متفوقون على أنها تلميح إلى العماد . ( أيها الرجال ، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وضحى بنفسهِ من أجلها ليقدسها ويطهرها بماء الإستحمام وبما يُتلى من الكلام ) "  أف 25:5 "  والعماد يخَلِّد المسيح في غسل الأرجل ، فهل المسيح في ذلك اليوم عمد تلاميذه ليعدهم للإنطلاق لنشر رسالة الإنجيل ؟  وبواسطة هذا العماد يجعل المسيح حبه الذي دفعه إلى التضحية بنفسه حتى النهاية   
   توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"


4

إقامة يسوع للعازر هي رمز لقيامة الأجساد

بقلم / وردا إسحاق قلّو
   قال الرب يسوع لتلاميذه ( قد مات لعازر ، ويسرني من أجلكم كي تؤمنوا ، إني لم أكن هناك ... ) " يو 11: 14-15"
   عندما إقترب الفصح وفي عيد التجديد وتطهير الهيكل اليهودي . أحدق رؤساء اليهود بيسوع عندما كان يتمشى في الهيكل تحت رواق سليمان ، أحرجوه بإلحاحهم ليكشف لهم عن حقيقته ، هل هو المسيح ؟ ( يو 24:10 ) . أختار يسوع الإنسحاب من بينهم  والعودة إلى عبرالأردن لإنتظار ساعته ، وهناك وصلت إليه رسالة من الأختين أبلغوه فيها بمرض أخيهم لعازر .
   مريم أخت لعازر هي التي دهنت يسوع بالطيب في بيت الفريسي . كانت مع أختها مرتا ولعازر في صداقة مع يسوع ، وكان يسوع يحب هذه العائلة ويتردد إلى بيتهم في قرية بيت عنيا . وصلت الرسالة إلى يسوع لكنه لم يحضرليشفى صديقه ، بل عبَّرَ عن مرض صديقه ، قائلاً ( ليس هذا المرض مرض الموت ) فلن تكون الكلمة الأخيرة للموت ، إنما لأكثر من ذلك . ذلك المرض سيكون سبب في إندحار الموت لأجل مجد الله ، ولإظهار قِدرتهِ الساطعة ، لأن الله سيمجد الإبن ( يو 31:13 ) فعلاً إحياء لعازر سيكون من أسطع أعمال يسوع ، سيتعجبون رؤساء الكهنة وقادة اليهود من هذا العمل ، ويهابون يسوع جداً .
  لماذا مكث يسوع في مكانة يومين ، ليصل في اليوم الرابع بعد وفاة لعازر ؟
الجواب لأنه أراد أن ينال منه الموت ويقبر لينتن . ومن ثم يأتي لأحيائه ، بل لخلقه وإعادته كما كان . وليدحض ما كان يؤمنون به اليهود في ذلك الزمن بأن الروح تحوم حول الجسد لمدة ثلاثة أيام ، وقد تعود إليه في أي لحظة ، لهذا قرر الحضور في اليوم الرابع . فعندما أعلن لتلاميذه للعودة إلى اليهودية ، دب الذعر في التلاميذ لأن اليهود قد هددوه بالرجم على أثر خطبتهِ في عيد المظال ( يو 59:8 ) وكذلك في عيد تطهير الهيكل ( يو 31:10 ) . فكرة عودتهم إلى اليهودية مخيفة جداً للتلاميذ ، ففي إعتقادهم كان يسوع يسير نحو الموت ، لذلك إحتجوا قائلين ( رابي ، أتعود إلى هناك ، وقد أراد اليهود رجمك منذ قريب ؟ ) فقال يسوع ( أن الإنسان يمشي بلا خوف في النهار فلا يعثر ... أما في الليل يعثر لأنه ليس فيه النور ) كان يقصد بهذا الكلام بأن ساعته لم تأتِ بعد . فمتى جاء الليل سيصبح في خطر كما حصل له فعلاً في البستان عندما إلقي القبض عليه .
  إنتقل يسوع من كلام اللغز إلى قول الحقيقة بوضوح ، فقال ( أن صديقنا لعازر قد مات ) ويسرني رحمةً لكم ، كي تؤمنوا إني لم أكن هناك . وهكذا كشف يسوع عن الهدف من تأخرهِ ، أي لموت لعازر ضرورة مهمة لكي يستنير إيمان تلاميذه والأختين . أحياء لعازر سيشدد إيمان التلاميذ فيما بعد في إيمان يسوع القائم من الموت . لكن التلاميذ ما زالوا مرعبين ، فقال توما ( فلمنض نحن أيضاً ونمت معه ! ) بدأت الرحلة نحو الهدف . فلما وصل يسوع ووقف على مدخل بيت عنيا ، لم يدخل إلى بيت الأختين ليعزيهما ، بل إنتظر لتأتي مرتا ومريم إلى لقائه ، وهنا يجري الحوار ليظهر موقف كل من الأختين ودرجة إيمانهم . كانت مرتا أول المستقبلين له ، وهي التي وجهت إليه عتاباً خفيفاً  لعدم حضوره في الوقت المناسب ، فقالت ( لو كنت ههنا لما مات أخي ! ) وأكبت على قدميه تبكي لأنها منسحقة ، ومتوسلة ، فلم يتمالك يسوع نفسه أمام مشهد هذا الألم فإرتعشت نفسه ، كما سيحصل له أثناء العشاء الأخير ( يو 21:13 ) كما أرتعشت نفس يسوع ثانيةً فطلب أن يرشدوه إلى القبر .
قال لها : أن أخاك سيقوم ! فأجابت ، أعلم بأنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير . فقال لها : ( أنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا .. ) " يو 25:11 " فأي موت يقصد يسوع ، الجسدي أم الروحي ؟ الإثنان على الأرجح ، والمقصود هنا موت الجسد أولاً ، فيسوع سيقيم جسد لعازر ، وهكذا أعلن نفسهُ مبدأ القيامة المقبلة للأجساد ، ولكن فوق ذلك يقصد الموت الروحي أيضاً . وإلا فلا يفهم معنى الآية ( من آمن بي يحيا وأن مات ) فمنذ الآن أصبح يسوع مبدأ الحياة التي لا تزول بعد موت الجسد ، بل ينتقل الإنسان بفضل الإيمان من الموت إلى الحياة  " راجع يو 24:5 " . ولفظة ( أنا هو ) في عبارة ( أنا هو القيامة ) فيسوع هو الإله الذي يأمر الموت ، ويعطي الحياة ، أنه القيامة والحياة ، والدخول في علاقة معه ، هو الدخول مع الحياة الجديدة . فقيامة لعازر هي رمز لقيامة البشر الأخيرة . فكما صاح قائلاً بأعلى صوته ( هلم لعازر فإخرج ! ) " يو 43:11 " في يوم القيامة ( تأتي ساعة فيها يسمع صوته جميع الذين في القبور فيخرجوأ منها ) " يو 28:5 ) . قال أحد الأباء لو لم يذكر الرب يسوع إسم لعازر عندما صاح إليهِ لقام كل الموتى ، وهكذا سيصيح في اليوم الأخير . فقيامة لعازر هي رمز لقيامة البشر في اليوم الأخير تلبية لصوت المسيح وهي رمز للحياة الأبدية التي يملكها منذ الآن أولئك الذين يؤمنون به ... يجب أن نضيف أيضاً أنها رمز نبوي لقيامة المسيح ذاته لأن سيد الموت لا يقهر بالموت . فالموت يغلب بمن هو الحياة ، كما قال ( أنا الطريق والحق والحياة ) " يو 6:14 " .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"


5

معجزتان متداخلتان للرب يسوع
بقلم / وردا إسحاق قلّو
   بدأ يسوع حياته التبشيرية في السنين الأخيرة بتعليم الشعب بالأمثال فتميز تعليمه وتفسيره لما جاء في الكتب ، وكان الناس يبحثون عنه ويزحمونه لأجل سماع وعظاته وتعليمه الجديد الذي كان يلقيه كمن له سلطان . فبالإضافة إلى التعليم إجترح أمام تلاميذه وأمام الشعب سلسلة معجزات خارقة منها تم تدوينها للأجيال ، ومنها لم تسطرها أنامل التلاميذ في الكتب . ومن هذه الآيات نتناول معجزتين عظيمتين وهي شفاء إمرأة نازفة الدم ، وإقامة إبنة يائير , نتوقف عند كل معجزة ثم نبحث عن سبب التداخل بين المعجزتين في يوم واحد .
   في المعجزة الأولى دار حوار بين يسوع والمرأة وتفاصيل شفائها . قصتها تعبّر عن إيمانها القوي وعن القّوة التي  يتمتع به صانع المعجزات  ، تلك القوة التي خرجت منه لتشفي دائها . لكن من الصعب أن نتصوَّر يسوع حاملاً قوة عجائبية تنبعث من شخصه أو من ثيابه ، إنه لأمر مدهش حقاً . فإيمان المرأة التي إكتفت فقط بلمس ثوب السيد بالخفية سيكون كفيلاً لشفائها . لكننا نقول ، لماذا لم تأتي إليه وتطلب منه الشفاء علناً فيعطيها كما أعطى لكل من طلب منه ؟ قد يكون السبب الخجل من نوع المرض المعيب والذي كان يعتبر نجاسة بحسب شريعة اليهود لهذا لا يجوز أن تلمس أحداً عندما تتسلل بين الجمع لتصل إليه ، لهذا أخفت سرها وهي مؤمنة بأن لمس ثوب رداءه يكفي لشفائها .
   أطباء كثيرين جردوها من أموالها دون إفادتها ، وهنا يسوع أفشل قدرة الأطباء وعِلمهم . ما قامت به هذه المرأة هو سرقة الشفاء بالإيمان دون أن يعرف حتى المسيح بحسب قرارها الشخصي . لكنه عرف بأن قوة خرجت منه لشفائها وأعلن ذلك قبل أن تنطق المرأة . كما أن يسوع لا يريد لهذه المرأة المؤمنة به أن تبقى في الخفاء والخجل ، لهذا أخرجها من مخبأها وأرغمها إلى الإعتراف أمام الجميع . بدت المرأة خائفة ومضطربة فإرتمت على قدميه كأنها أخطأت بحسب قوانين الشريعة ( طالع لا 45:15 ) . إعترفت بالتفصيل عن حالتها وكيف نالت الشفاء بالخفاء ، وهذه الطريقة ليست من روح تعليم المسيح ، فهل ستخسر صحتها ، لأن الشفاء يجب أن يعطى لها عطاء إنطلاقاً من مسيرة إيمانها . لكن عندما سمعت الرد من يسوع وهو يقول لها ( تعافي من علتك ) بل كرمها عندما أعطى لها شفاء ثاني وهو تثبيت إيمانها به . ، أي شفاء النفس أيضاً وهو أعظم من شفاء الجسد . الكلمة التي قالها يسوع ( إيمانك شفاك ) سيقولها أيضاً لأعمى أريحا ( مر 52:10 ) . وهكذا نالت المرأة أكثر مما تطلب فربحت أكثر مما خسرته من المال التي دفعته للأطباء . ويسوع في هذه الحالة كان معه يائير رئيس المجمع الذي أرتمى على قدمي يسوع يطلب منه بإلحاح قائلاً ( إبنتي الصغيرة مشرفة على الموت ، فتعال وضع يدك عليها لتبرأ وتحيا ) وكانت السرعة مطلوبة قبل أن تفقد حياتها لكن المرأة زاحمته في طلبها فتأخر ، فكم كان هذا الرجل يتألم بسبب تلك المرأة التي كانت السبب . لكن يسوع لا يهمه الأمر وحتى وإن فارقت البنت الحياة . هذه القصة تشبه أيضاً قصة أختي لعازر اللتان أرسلتا رسالة إلى يسوع ليحضر بسرعة لأن لعازر مريض ، لكنه إنتظر إلى أن مات وأنتن ، وبعد ذلك حضر وعمل المعجزة . إذاً لا ضير إن ماتت الصبية .
   وصل خبر وفاتها فقيل لوالدها ( ماتت إبنتك ) فلِمَ تزعج المعلم ! ويسوع قال لرئيس المجمع ( لا تخف آمن فقط ) القائد لا يعلم بأن المسيح هو خالق الكون كله ، وله القدرة بأن يقتل الموت ، وينهض الموتى من رقادهم . والخبر في مجملهِ كرازة عن الإيمان بالموت والقيامة . وبما أن الإيمان مطلوب ، لا من الفتاة الراقدة ، بل من الوالد الذي طلب شفائها . أي الإيمان أولاً . عندما وصل يسوع ومن معه إلى البيت ، قال للحشود ( لم تمت الصبية ) غايته من الكلام هو وضع الحجاب على المعجزة التي ستحدث ، وهو يريدها أن تكون خفية لهذا لم يقبل الدخول معه إلى الغرفة غير تلاميذه الثلاثة والوالدين .
   مجترح المعجزة يعمل بمعزل عن الجمع الذي يبكي في الخارج لكي يكون بعيداً عن الفضوليين . نلاحظ أيضاً خبر إقامة إمرأة في يافا من قبل القديس بطرس هو أيضاً أخرج الجمع ، ثم جثا وصلى فحدثت المعجزة .
  يسوع اخذ بيد الصبية وقال لها باللغة الآرامية ( طليثا قوم! ) أي صبية قومي . فقامت لوقتها ، وأخذت تمشي إبنة أثني عشر سنة ، فدهشوا أشد الدهش ، وأوصاهم مشدداً عليهم ألا يعلم أحد بذلك ، وأمرهم أن يطعموها ( مر 42:5 ) .
   ختاماً نقول : لماذا أقحم كاتب الأنجيل معجزة النازفة داخل خبر إقامة إبنة يائير ؟
الجواب : ليوجه إيمان القارىء لأنه هو أيضاً مدعو لأن يؤمن بقدرة يسوع في إقامة الموتى . الذي سمع خبر شفاء النازفة ، فهو صار أحد الفاعلين في ما سيتم حين قال يسوع ليائير : ( لا تخف ، آمن فقط ) نشعر بالقارىء وكأنه يقول ليائير : تأكد إنك إذا آمنت أيضاً يتنال طلبك . هنا يائير تخلى عن كل أمل بشري فوثق بيسوع ، ووثق أيضاً من إيمان النازفة البدائي ، الباحثة عن منفعة خاصة إلى إيمان ثانٍ عند هذه المرأة التي طبعها لقاء شخصي بيسوع . وأخيراً إلى إيمان يائير الكامل بذلك الذي يقيم الموتى . فالإيمان هو محور هذين الحدثين .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1" [/size]


6

علاقة لعن التينة بهدم الهيكل

بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب يسوع ( لن يبقى حجر على حجر بل يهدم كله ) " مر 2:13 "
    في الأسبوع الأخير كان التلاميذ مع المسيح صاعدين من الجليل إلى أورشليم ، والخوف يستولى عليهم منذ أن إتجهوا صوب أورشليم لإقامة لعازر، وهذا واضح من كلام توما ، ويسوع نبههم بما سيحدث له بصراحة . قال ( إنا صاعدون إلى أورشليم وسيسلم إبن الإنسان ... ) " مر 10: 32-33" . هنا سنذكر عن ما حدث خلال ثلاثة أيام ما بين إنتقاله وزيارته للهيكل وعودته إلى بيت عنيا . ففي اليوم الأول : جاء من بيت عنيا ( مر 1:11 ) ودخل أورشليم وولج الهيكل . وبعد أن تفحص عاد إلى بيت عنيا . اليوم الثاني : أي في اليوم التالي خرج من بيت عنيا  ( مر 12:11 ) ووصل إلى أورشليم ، فدخل الهيكل ( مر 15:11 ) وعند المساء ترك المدينة . في اليوم الثالث : رجع في الصباح من بيت عنيا ( مر 20:11 ) ليعود إلى أورشليم وسار في الهيكل ( مر 23:11 ) وبعد جولات عديدة قلبَ مناضد الصيارفة ومقاعد باعة الحمام ثم ترك ساحة الهيكل وذهب إلى جبل الزيتون ( مر 3:13 ) وهناك أعلن دمار الهيكل المقدس ، ثم عاد إلى بيت عنيا ( مر 3:14 ) . يربط بمعنى تطهير يسوع للهيكل من الباعة حدثان مهمان هما لعنة التينة ومصير الهيكل .
   لما خرج مع التلاميذ من بيت عنيا نحو الهيكل أحس بالجوع . ورأى تينة مورقة عن بعد ، فقصدها راجياً أن يجد عليها ثمراً . فلما وصل إليها ،  لم يجد عليها غير الورق لأن وقت التين لم يكن قد حان ، لكن رغم ذلك لعنها على مسمع التلاميذ ( مر 11: 12-13 ) وبينما هم راجعون في الصباح رأوا التينة قد يبست من أصلها . فقال بطرس ليسوع ( رابي ، أنظر ، أن التينة التي لعنتها قد يبست ) . فقال يسوع ( آمنوا بالله . الحق أقول لكم : من قال لهذا الجبل قم وإهبط في البحر ، وهو لا يشك في قلبه، بل يؤمن بأن ما يقوله سيكون ، كان له هذا ) .
   التينة المورقة تمثل الشعب اليهودي الذي إختاره الله لكن كانت رسالتهم إلى العالم عقيمة بدون ثمر كالتينة ، فقصد يسوع هو لعن تلك الأمة التي كانت بدون ثمر ، فمصيرها سيكون قريباً كالتينة ، والشعب اليهودي الذي كان عند الله شعبه المختار أصبح كرماً عائقاً ( إبن زنا ) لأنه عبد آلهة أخرى فلم يعطي عنباً للرب الكرمة ، بل حصرماً ( طالع أر21:2 و حز 17: 3-8 ، 10:19 ) وهكذا تغير حب الله لشعبه إلى غضب . فالحب الخائب ينتقم من الكرمة الخائنة . وفي ( مز 67 ) يصرح إلى الله مستعيذاً به من الضيق الذي تعانيه الكرمة التي كانت مزدهرة وهي الآن متروكة للخراب والنار والدينونة والإنتقام من لحظة موت المسيح على الصليب فحجاب الهيكل أنشق لينتهي عمله إلى الأبد ، ومن بعد ذلك تم هدم الهيكل سنة 70 م. فالتينة التي لم تحمل الثمر هي رمز الهيكل الذي جاء إليه يسوع يبحث فيه عن ثمار روحية تفيد البشرية لكنه لم يجد . وهنا نتذكر مثل الإبن الوحيد المرسل ليطلب ثمراً من الكرم لكنهم قتلوا إبن مالك الكرم ( مر 12: 1-11 ) الإبن الوحيد الذي أرسله الله إلى العالم قتل صلباً خارج أورشليم , فالله الآب أخذ الكرم من اليهود وسلّمهُ إلى الأمم لكي يأتوا بثمر ، وهذا ما حدث بعد هدم الهيكل الذي تنبأ يسوع بإزالته قائلاً ( لن يبقى حجر على حجر بل يهدم كله ) " مر 2:13 " وسبق وأن هاجم يسوع قادة اليهود الذين كانوا يجلسون في مقاعد الشرف أو أن صلواتهم المطولة تعطيهم حقوقاً على أموال الفقراء ، أولئك الذين كلنوا يسيرون بملابس فضاضة ، رأى يسوع بعظماء كهنة اليهود والكتبة والشيوخ بأنهم الكرامون القتلى الذين سيدفعون إبن الله إلى القتل خارج أسوار أورشليم . فالكرمة هي شعب إسرائيل والكرامون هم المسؤلين عنهم من قادتهم الدينيين .
  يسوع رفع الستار السري كانوا يجهلونه أولئك القادة العميان عن هوية يسوع المنتظر فأفهمهم في بيت قيافا بأنه ( إبن الله ) لقد تجلى السر بعد أن زال كل إلتباس عن الشكل الذي ستتم به رسالة إبن الله إلى العالم .
   أخيراً ترك يسوع الهيكل وأنبأ بخرابهِ النهائي فلا حاجة إلى التأمل بمشروع إعادة مملكة داود . فالمسيح سيموت على الصليب بإرادة ذلك الشعب المرفوض من قبل السماء . إنها ساعة الخطر على إيمانهم بسبب الالام الآتية ، وخاصةً بعد موت يسوع تتوقف عند ملاحظتين مهمتين في مصير الهيكل . الأولى : تتعلق بستار الهيكل الذي أنشق من الأعلى إلى الأسفل ، والذي كان يغلق الهيكل . أو ذاك الذي يغلق قدس الإقداس . يبدو هذا الحدث تسبيقاً وتحذيراً لدمار الهيكل . يدل موت ملك اليهود على نهاية إمتيازات الهيكل ونهاية العبادة التي تقام فيه . والثانية : كل من يؤمن بالمصلوب وبعمل الصليب سيتحرر من العهد القديم لينتقل إلى العهد الجديد عهد النعمة والخلاص . وعليه أن يدخل معركة الإيمان ليحمل الصليب ، ومن يصبر إلى المنتهى فذاك ينال الخلاص .
 توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"


7
تجارب الشيطان ضد المسيح والمؤمنين
بقلم / وردا أسحاق قاّو
  إصْحُوا وَاسْهَرُوا. · فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِ
  التجارب التي يعدها الشيطان لإسقاط الإنسان رهيبة ومخيفة لإسقاط الكثيرين ، لكنه لا يمتلك السلطة على الإرادة . الله يحدد له التجربة . بدأ الشيطان صراعه مع الله في السماء ، ومن ثم نقل المعركة  إلى قلب الإنسان مستخدماً سلاح جديد ومؤثر كسيف ذو حدين وهو الحرية ، فالحرية تساعده في الخداع والنيل من فريسته . الشيطان لا يستطيع أن يحقق الفوز بدون تواطؤ قلب الإنسان . إنه يحاول في كل تجربة أن يغوي الإنسان لكي يجره إلى منحدر جديد لينزلق أولاً ثم يسقط .

   كان للشيطان معلومات كافية عن يسوع بأنه هو إبن الله فعلاً ، لهذا إستفزهُ بالسؤال ( إن كنت إبن الله ... ؟ ) هكذا الإنسان معرض لتجارب خطرة . الملائكة تخدم الإنسان المجرب كما خدمت يسوع بعد التجارب الثلاثة . أنهم أرواح مكلفون للخدمة والحراسة . يرسلون من أجل الذين يرثون الخلاص ( طالع عب 14:1 ) وإكراماً للمخلص يجعلون أنفسهم خدام الذين يصومون معه في البرية . والذين يحبون الصلاة والخلوة ، والذين يتقاطعون مع كل ما في الطبيعة ، ولا يشغفون به البتة .
   الشيطان يجرب الإنسان خاصةً في موضوع الرذائل الثلاث التي جرب بها يسوع . وهي الشراهة في الأكل ، لهذا قال له يسوع ( ليس بالخبز يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) " مت 4:4 " . وفي التجربة الثانية جربه بالمجد الباطل ( مت 6:4 ) أما في التجربة الأخيرة فجرب يسوع بموضوع الطمع مقابل أن يسجد له " مت 9:4 " . فكان رد يسوع له ، مكتوب : ( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) أي عليك أنت أن تسجد لي .
   لقد قبل يسوع بهذه التجارب لكي يعلمنا من خلال مثاله كيف ينبغي أن نتغلب على مكائد المجرب إذا تعرضنا الى تجارب مماثلة .
  إستطاع الشيطان أن ينال من آدم الأول ، لكنه لم يستطيع أن ينجح مع آدم الثاني الذي هو إبن الله الذي صار بشراً ليخلص الإنسان الذي خطأ بسبب خشبة العصيان التي كانت في جنة عدن . فأصلح يسوع صورة الله الأصلية في الإنسان الذي خلقه كصورته ومثاله عندما مات على خشبة الشجرة التي إختارها مذبحاً له لخلاصنا .
   النفس العاقلة التي تنمو بكلمة الله ومخافته لا بد أن تنمو روحياً وتتغذى من خبز الروح ( جسد يسوع السري ) ومن غذاء العقل ( كلمة الله ) " طالع مز 15:103" . عندما ينمو الإنسان في الروح لا يجد أي صعوبة في مقاومة التجارب مهما كانت ، والله لا يسمح للشيطان أن يجرب الإنسان أكثر من طاقتهِ . الشيطان مخادع بارع ، لكن خدعته يكشفها المؤمن المحارب بقوة إيمانه . فينتصر على كل فخ شيطاني ، لأن حسابات الشيطان مطبوعة باللامنطق مقارنة بتجاربه مع يسوع ، فمثلاً قال ليسوع ( أعطيك هذا كله إن جثوت لي ساجداً ) إنه وعد كاذب لا معنى له ، لأنه لا يمكنه أن يقدم كل شىء لشخص واحد إلا إذا إنتزع كل شىء من الجميع ، وإن حصل ذلك فعلاً فسيفقد الجميع ممتلكاتهم من أجل الواحد . ، لهذا سماه المسيح ( كذاب وأبو الكذاب ) .

قال يوحنا ذهبي الفم : أن الشيطان منتحل يحاول في إسترسال عروض مبرمجة لإيقاع الإنسان ، لكنه لا يستطيع الصمود أمام من يصمد أمامه بقوة إيمانه وأفكار. كما أن الشيطان ينقصه المثابرة ، إذ يكفي أن تتم مقاومته وردعه بسهولة وكما فعل المسيح فيتخلى من مكانه . المطلوب من المؤمن أن لا يستسلم لليأس أمام التجربة ، بل أن يكون مستعداً لردع العدو بكل ثقة .
  كل مسيحي مدعو إلى إستخدام ما يملك من أسلحة ضد التجارب خاصة سلاح الصلاة والصوم والسهر لكي يبرهن على صبره وتواضعه وإيمانه المقاوم . وأن يتجنب كل أنواع التهور بالإعتماد على قوته الذاتية .
    الأقوياء في الإيمان هم أبناء الله وإخوة يسوع القوي ، وهم وحدهم قادرون على الذهاب إلى البرية مثل المسيح ليجربوا مثله ( مت 1:4 ) لهذا آلاف الرهبان والنساك تركوا العالم وتوجهوا إلى البرية لمجابهة تلك الأرواح النجسة والتغلب على كل التجارب التي ينسجها الأبليس لأسقاط أولئك القديسين . إنهم كالمسيح الذي خرج هو بعد المعمودية إلى ساحة القتال ليدع الشيطان ليجربه . هكذا فعلوا ويفعلون المؤمنين الأقوياء
المتسلحين بكلمات المسيح ليتحَدّوا تجارب الشيطان .
مجداً ليسوع المنتصر

توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو16:1


8

صوم الأربعين يوماً ودلالاته
بقلم / وردا إسحاق قلّو

( ليس بالخبز وحدهُ يحيا الإنسان ) " لو 4:4 "

   الصوم أول فريضة فرضها الله على الإنسان في جنة عدن فأمر آدم وحواء بأن يصوما من تناول ثمرة شجرة معرفة الخير والشر . لكن الإنسان سقط في التجربة فطرد . إستمر الصوم مع الإنسان في العهد القديم وإلى أن دخل في العهد الجديد ليستمر بالصوم وبحسب وصايا الكنيسة إلى جانب الصلاة .
  للصوم حسناته ، ففي فترة الصوم يتسلح المؤمن بسلاح قوي يتحدى به تجارب الإبليس ، فعليه أن لا يستسلم لحياة رخوة ليبالغ في الطعام والشراب ، إنما عليه أن يلتزم بالصوم كما صام المسيح الذي صار قدوة للمؤمنين به فعلمهم عبادة الله أولاً أكثر من عبودية البطن وشهوات الجسد . لهذا أسس الصوم كنظام إيماني ليعمل به الجميع .
  يسوع المسيح صام أربعين يوماً علماً بأنه لم يكن بحاجة إلى الصوم ، صام ليصبح مثالاً للإنسان ، فتنازل لأجل البشرية وصام ليعلمنا كيف نقاوم التجربة بعد الإيمان والمعمودية وكما حصل له بعد عماده . نحن البشر سنتعرض للتجارب وملاحقات الشيطان كما تعرض يسوع بعد المعمودية . صام يسوع اربعين يوماً وأربعين ليلة في البرية لم يتناول شيئاً طوال تلك الأيام ، وذلك لكي يميت رغبة الجسد بمثابرته في الصوم وإستمراريته . صام يسوع نفس المدة التي صامها النبيين موسى وإيايا اللذان لم يذكر الكتاب عنهما بأنهما قد جاعا عكس يسوع الذي كتب عنه بأنه جاع . فهل جاع فعلاً إلى الطعام ، أم جاع لخلاص البشر ؟
علماً أنه إعترف بأنه جاع جسدياً إذاً جوع الرب يسوع كان حيلة تقية ضد الإبليس ، فإخضاع يسوع جسده للجوع أعطى لعدوه فرصة وحجة لمهاجمته ليقاومهُ كإنسان كامل دون أن يلجأ إلى إستخدام لاهوته المتحد بناسوته . عندما رآه الشيطان جائعاً إنتهز الفرصة لتجربته كإنسان وكما فعل مع الأبوين . فتظاهر بأنه مهتم بصحة يسوع الجائع فطلب منه أن يحول الحجر إلى خبز ومن ثم يتناولها فيقضي على جوعه . حيلته كانت لإغضاع يسوع إلى آرائه وأوامره لكنه فشل .
  ماهو رمز الصيام لأربعين يوماً ؟

 رقم الأربعين عدد بارز مستمر مع تاريخ الإنسان . يبدأ من مياه الغمر التي سالت لمدة أربعين يوماً فأغرقت الأرض كلها ( تك 4:7 ) . وهكذا جاء صوم موسى لعدد مماثل فأعطي نعمة وإستحق أن يتلقى الشريعة ( خر 28:34 ) ، كما أن هذا العدد هو لسنين التي عاشها الشعب العبري في البرية بعد خروجهم من أرض العبودية . فتناولوا هناك خبز الملائكة ، وحسنات السماء ، وبعد ما أكتمل هذ العدد بالسنين ، إستحقوا الدخول إلى أرض الميعاد ( يش 6:5 ) . وبعد موسى جاء إيليا النبي في جبل حوريب مشدداً بالطعام الملائكي ، ومن ثم جاء العهد الجديد ليصوم فيه يسوع نفس الفترة ، لا أكثر لكي لا يتهم بأنه قد إستخدم قدراته اللاهوتية لأجل المقاومة . كما أنه لم يتلق اي معونة خارجية ، لا من السماء ولا من الأرض .
   قال القديس غريغوريوس الكبير عن العدد أربعين يرمز إلى فعالية الوصايا العشر إلى ملئها في كتب الأنجيل المقدس الأربعة . فنتيجة حاصل ضربها هو الرقم أربعون .
  نحن نتمم تعاليم الوصايا العشرة بكاملها عندما نلتزم بتعاليم الأنجيل المقدس الأربعة . كما أن العدد أربعين يشير إلى مجمل الحياة الحاضرة ، وعلى البشر في كل صقاع العالم الأربعة أن يتسلحوا بالوصايا العشرة ضد التجارب ، أو يعني العدد أربعة كل حركة غير جائزة للجسد وعلى الوصايا العشر أن تعارض تلك الحركات . والعدد عشرة هو مجموع ثلاثة وسبعة . ثلاثة وصايا تخص الله ، وسبعة تخص القريب .
   عبَّرَ ( جان دولاروستيل ) ليشرح الإصحاح الرابع من إنجيل متى عن الصوم ، فقال : بخصوص السر في الصوم الأربعيني ، فهو بالفعل علاقة على غفران الخطايا . وإتمام مدة الحكم ، وتحقيق العدالة . غفران الخطايا ، لأن مجموع قواسم العدد أربعين يؤدي إلى الخمسين ، رقم اليوبيل وصورة الغفران ، لأن الرقم أربعين هو حاصل ضرب أربعة في عشرة . الصوم أربعين يوماً يعني إكمال مدة الحكم لكل من خالفوا الشريعة والآناجيل . تحقيق العدالة لأننا بهذا العدد نوفي ديوننا من العشور وبواكير الزمن .
  في الختام نقول : فترة الصوم هي أقدس أيام السنة لأن الإنسان يلجأ للإقتراب من الله من أجل غفران ذنوبه ولكي يتطهر ويشبع لا من خبز الجسد ، لأن ( ليس بالخبز يحيا الإنسان ) ، بل هنا خبزاً للروح موجود في كلمة الله المدوَّنة لنا في الكتاب المقدس ، فأثناء الصوم يلجأ الإنسان إلى تناول كلام الله من خلال القراءة ، أو السماع . وبكلمة الله يرتبط وجوده وقيمته الغذائية . الإنسان الذي يتغذى بالخبز فقط لا يعيش بواسطة الخبر ، بل بكل كلمة من الله ( لو 4:4 ) وهذا يدل على ثلاث أشياء :
 أولاً : كلمة الله غير المخلوقة ، وهي مسبب الواقع الذي نعتبرهُ .
 ثانياً : الكلمة التي هي علّة هذا الواقع المخلوق بالكلمة الإلهية وبحسب الفكر الإلهي . الإنسان يعيش من كل هذا . أن مادة الخبز لن تغذي إن لم يكن الغذاء في الفكر الإلهي الخاص بالخبز . وما كان هذا الفكر ليوجد لو لم تكن هناك كلمة الله التي هي علّة إستمرار كل حقيقة خلقها وسبب هذا الإستمرار .
   الجسد يتطلب الغذاء المادي . أما الجزء الآخر من الإنسان فهو روح يتغذى من الخبز السماوي ، والله هو خبز الملائكة والبشر المؤمنين الذين يتناولوه في الخبز السري ومن كلامه الجوهري ووصاياه فيحيوا به ويقودهم إليه إلى حياة لا جوع فيها ولا ألم ولا حزن ، بل فرحٍ دائم .
 توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " 16:1 ".


9

أهمية الكتاب المقدس في صلاتنا

بقلم / وردا إسحاق قلّو
  القوة التي تربطنا في صلة مشتركة مع الله هي الصلاة ،  نشكر بها الله ونسبحهُ ، لكن بعض الناس لا يحبون الصلاة ، والبعض يملّون منها علماً بأن الكتاب المقدس يحثنا على الصلاة بإستمرار ويقول ( صلّوا ولا تمِلّوا ) لأن الصلاة هي الوسيلة التي تحفظ الله فينا ونحن فيه ، وهي القوة التي نجابه بها عدو الخير . ونصلي لأعدائنا وللمحتاجين والمرضى ... إلخ . الصلاة تجعل الله حاضراً في أنفسنا ، ينزل إلينا أثناء قرائتنا لكلامه المقدس في كتابه الموحى لنا من الروح القدس . وكلمته إلينا كما كان في زمن بعد الخلقة في حوار مع آدم الذي خلقهُ . لكن عندما سقط الإنسان تألم الله من أجله وكما يقول الكتاب ( هكذا أحب الله العالم حتى بذل غبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ) فالله إذاً بسبب محبته بات مضحياً في سبيل الإنسان الخاطىْ لكي يعود إليه . فتخلى عن عرشه السماوي لكي يأتينا باللطف ، فتجسد لكي بجسده البشري يصلب ويصلب معه صك خطائانا الذي دفعه للآب بدمه الثمين  فردنا إلى الله  بعد نزوله إلى مستوانا بجسده الإنساني ، وإستعمل لغتنا البشرية ، وبها كتب لنا وصاياه على صفحات كتابه المقدس . كما كلمنا بالقصص والأمثال والشعر والحكم التي يميل إليها الإنسان ويحبها ، فيلتقطها ويحفظها ويكتبها للأجيال .
   في يوم الفداء كان هناك حواراً بين الخالق والمخلوق دوّنَت في أسفار العهد الجديد والتي تحترم الإنسان وتقيّمهُ لينمو على قاعدة الروح وخلاصه ، لا على قاعدة الجسد الزائل وأنانيته . فكلمة الله في الكتاب هي التي تبقي الإنسان في الحياة الروحية النقية , فكلمة الله في الكتاب هي المد الإلهي لكي تحفظ القارىء في حوار مع ربه . وعندما يصل الإنسان إلى حقيقة أن الله يحبه ويفتقده وينصحهُ من خلال الآيات سيعرف بأن الله موجود وقريب ، فعلى الإنسان أن يتحرك ليقترب منه أكثر ، والله سيبادله بنفس الفعل . أما الذي يبتعد فسيفقد العريس الذي مات من أجله . تم إكتشاف أنجيل منحول في مصر يسمى بأنجيل فيليب ، في هذا الإنجيل آية مهمة جداً عن هذا الموضوع ، يقول فيها الله لكل إنسان ( الذي يقترب مني يقترب من نار ، والذي يبتعد عني يبتعد عن الملكوت ) . هذه هي فعلاً غاية الكتاب المقدس في حياتنا الأرضية ، أي الكتاب ليس مجرد قصص تاريخية مرَّ بها الشعب العبري ، بل كلامه حياة وروح للإنسان الذي يقرأهُ بإيمان . وسفر المزامير ليست نبؤات وأقول بل هي صلاة لمن يرددها كل يوم . وحتى المسيح على الصليب ردد مقدمة المزمور 22 وقال ( إلهي إلهي لماذا تركتني ؟ ) وهذه العبارة كانت صلاة أبينا داود إلى الله الذي كان يظن بأنه صار بعيداً عنه وعن سماع صوته ، فهل نطلب نحن الله في صلاتنا ونتحدث معه كما فعل أبينا داود ؟
   الله خلق الكون بكلمة ، والكلمة هو الإبن الوحيد ، وبروحهِ القدوس ، وبقوة الروح القدس تكوّنَ يسوع في أحشاء البتول الطاهرة ، والروح يقود الإنسان إلى جمع الحق ويحضر المسيح في كل نفس ويدخل في كل أسرار الكنيسة ، ويكبت الإنسان على خطيئته ، كما أنهُ يشفع فينا بأنات لا توصف . فعندما نقرأ الكتاب يحركنا الروح القدس ويمثل المسيح فينا ، وينقل المسيح الذي في الكتاب إلى عقولنا البشرية ليكشف لنا أسرار الملكوت ، إنما يكشف لنا حتى ما في أعماق الله كما قال الرسول بولس . والروح أيضاً يوبخنا لنشعر بأخطائنا فيؤدبنا لنسلك بحسب الوصايا . إذاً قبل الصلاة علينا أن نطلب حضور الروح القدس لكي ينور أفكارنا في وقت الصلاة .
 الكتاب المقدس هو مرشدنا الروحي ، ينبغي أن يقرأه المؤمن بإتضاع وإنكسار وإحترام لأنه كلام الله الذي يرشدنا وينور طريقنا إلى باب الخلاص ، لهذا يقول لنا أباء الكنيسة أن الإنسان الذي ليس عنده مرشد روحي ( كاهن ) يستطيع أن يسترشد بالكلمة المدونة في الكتاب . يمكن للإنسان أن يستغني عن الكاهن في معرفة ما هو غامض لديه ، بينما لا يستطيع أن يستغني عن مرشده الأكبر الذي هو الكتاب المقدس . فإذا قرأت الكلمة بروحية الإنسان المصلي والمتواضع والذي يريد أن يتطهر بمقابلة أعماله وخطاياه بهذه الكلمة المطهرة سيتكون له فكر المسيح ( ليكن فيكم هذا الفكر الذي كان في المسيح يسوع أيضاً ) " في 4:2" .  وفكر المسيح يقوِّم أفكارنا . لا يبين لنا خطايانا فحسب ، بل أفكارنا الفاسدة التي نزلنا إليها ، التي إعتنقناها . قال الله لقايين إين أخوك ؟ فأجابه ( من جعلني حارساً لأخي ) فهذه الكلمة موجهة إلى كل إنسان ، لأن كل منا هو في آنٍ معاً قايين وهابيل . كل إنسان هو قاتل للخير الذي فيهِ . من أجل أنانيته وكما قال الرسول ( الخير الذي أريدهُ لا أعملهُ ، والشر الذي لا أريده أياهُ أعمل ) " رو 19:7" .
   من الطبيعي أن الإنسان لما سُلِطَ نور الله على فكرهِ وعملهِ يأتي الله إليه ويتمثل فيه المسيح ويحضر فيه . ومن أجل ذلك هناك ضرورة للإستمرار في قراءة الكتاب المقدس لكي يمر الإنسان بالأطوار التي مر بها الشعب العبري بعد عبوره البحر الأحمر وقبل وصوله إلى أرض الميعاد . وهذا يعني أن كل إنسان منا لا يمكن أن يحيا في الروح ما لم يعبر بحره الأحمر ، أي ما لم يتحرر من عبودية فرعون ، وبالنسبة لنا فرعون هو ( الخطيئة ) حتى يأتي إلى الخلاص . فلكل إنسان فرعونهِ العقلي . أما الذي يعيش مع الله ويتم وصاياه وكلامهِ المقدس فسيشعر بأنه مع الله رغم وجودهِ في صحراء هذا العالم . فالإنعتاق من عبودية الخطيئة يدفعنا إلى حنين الوصول إلى أرض الميعاد السماوية وهذا يأتي من الخبرة التي نكتسبها من قراءة الكتاب المقدس الذي هو أعظم صلاة وخاصةً عندما تستدعي الروح القدس للحضور قبل قراءة الكلمة بتعبد ، وفي الكتاب نُفَتِش عن أسرار الله وكلامهِ الذي هو نور لطريقنا . وتؤكد الكلمة هذا الأمر ( فتشوا الكتاب أن نلتم أن لكم فيها حياة أبدية ) فالتفتيش في الكتاب واجب مستمر .
  أخيراً نقول : أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر فكراً سماوياً ، كما لا يستطيع أن يصلي بالحقيقة ما لم يأتهِ الروح ، وهذا كله يفرض الإستمرار في المطالعة وخاصةً في الكتاب المقدس الذي يساعدنا في صلواتنا للعبور من معلوماتنا وإيماننا البسيط إلى إيمان واعٍ وعميق ، نطبقهُ في حياتنا الزمنية ونشعر بحضور الرب في قلوبنا وبروحه الذي ينيرنا للسير في الطريق الصحيح , كل يوم حتى تتعبأ ثنايا العقل من الله . فالله الذي كان يمشي في جنة عدن هو نفسه الله الموجود في الكتاب المقدس الذي هو الآخر جنة عدن لمن يريد مع الله ويسمع وطأ أقدامهِ فيملأ فرحاً .. وللرب المجد الدائم
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1 "

10

لدينا العهد الجديد فما لنا بالعهد القديم ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
 ( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل ) " مت17:5 "
  كثيرون يسألون عن سبب إلتزامنا بنصوص وآيات أسفار العهد القديم بعد دخولنا في عهدٍ جديد عهد النعمة والمصالحة ولأبناء هذا العهد أسفار جديدة .
 هناك أجوبة كثيرة وأسباب متعددة تجعلنا نتمسك بما في العهد القديم الذي كان أساس فتح الطريق المغلق بعد الخطيئة بين الله والإنسان ، فإبتدأ الحوار والإتصال بين السماء والأرض من ذلك العهد الذي دوِّنَ لنا نبؤات وقصص وقوانين وشرائع كثيرة . إضافة إلى نبؤات كثيرة عن مجىء المخلص الفادي ، وبمجيئه دخلنا إلى عهد الجديد ، فلا يجوز بناء عهد جديد بإلغاء كل ما كان في العهود التي سبقته . العهد القديم هو مسيرة شعب الله الذي اختبر الخلاص الآتي من الرب بعد خبرات كثيرة من الفشل بسبب تمردهم عن وصايا الله . لكنهم كانوا يعلنون توبتهم ويعودوا إليه ، فكل تلك التجارب هي دروس مهمة لأبناء العهد الجديد .
  يقول الرسول بولس في مطلع رسالته إلى أهل رومية عن أهمية الوحي الإلهي المدون في أسفار العهد القديم التي سبقت أسفار العهد الجديد والتي هي بشرى أيضاً لأبناء عهد الناموس والأنبياء ، فقال ( تلك البشارة التي سبق وَعدهُ بها على ألسنةِ أنبيائهِ في الكتب المقدسة ، في شأن إبنهِ الذي ولد من ذرية داود من حيث أنه بشر ) " 1:2-3" .
 عبارات كثيرة وقصص في العهد الجديد ، والكثير من الألقاب التي أطلقت على المسيح نجدها في صفحات العهد القديم ، بل المسيح أتى بالكثير من الأقوال والنبؤات الموجودة في أسفار ذلك العهد تأكيداً لصحتها ولم يأمر بإلغائها ، بل لتكملتها  .
   إن المنادات بيسوع ( إبناً لداود ) كما دعاه أعمى أريحا تختلف كل الإختلاف عن إفادة أحوال شخصية ، فهو برنامج ديني وسياسي . وحين صرح يسوع بأنه ( إبن الإنسان ) ندد عظماء كهنة اليهود وإتهموه بالتجديف . وهناك كلمات كثيرة كراعي ، وكرمة ، وهناك كلمات كثيرة مشابهة تذكرّ معاصري يسوع بنصوص كثيرة من الكتب المقدسة . ولما أراد المسيحيون أن يعبّروا عن معنى موت المسيح ، لم يحتاجوا إلى جمل طويلة ، ك ( لم يعانِ يسوع موته ، بل إختاره هو وجعل منه تقدمة للآب من أجل خلاص جميع البشر ، والله رضي بذبيحته ) . إكتفوا بالقول أن يسوع صعد نحو الموت بصفته ( العبد المتألم ) وبكل تواضع ، والعهد القديم سبق الأحداث فشهد لكل تلك الوقائع وعن تفاصيل آلام وصلب وموت المسيح  .
 في العهد القديم كان إعتبار الأول للإنسان عقلياً . أما في العهد الجديد فله إعتبار آخر وهو وجودي وإيماني ، والله يكون معنا . أسفار العهد القديم تصبح عملية في حياتنا في عهدنا الجديد . لننظر إلى طريقة يسوع التربوية عند وجوده مع تلميذي عمواس ( طالع لو 24: 31-36 ) .
   في العهد القديم جعل الله شعبه يختبر مسبقاً قبل دخوله إلى أرض الميعاد فسقط الكثيرين منهم صرعى في الصحراء ولم يدخلوا أرض الميعاد ومنهم موسى الذي منعه الله من الدخول رغم وصوله مع شعبه إلى حدود الأرض . أنها عبّر لنا أيضاً في هذا العالم لكي نجابه الإختبارات في حياتنا الزمنية  ، عبّرَ الرسول بولس عن ذلك بقوله أن إسرائيل هي عبرة ومثل لنا لئلا تنال منا التجارب ( 1 قور 6:10 ) . 
   العهد القديم هو تصميم مسبق لنا . فالمهندس إن أنجز تصميماً مصغراً  لبرج يراد تشييده ، أو مصصمة أزياء تصميماً لرداء من الورق يراد تنفيذه ، المهم أن تكون نتيجته بعد التطبيق ناجحة . إذاً التصميم هو نوع من الإستيباق للحدث الذي يرسمه الإنسان مسبقاً في مخيلته . وهكذا كل الأحداث التي عاشها الشعب العبري ، وإن كانت حقيقية ، فهي تصميم أو صورة مسبقة لأحداثنا في العهد الجديد الذي تم فيه مشروع كل النبؤات عن المخلص . وبما إننا نؤمن بإله عمل في التاريخ ، نعترف بأن تلك الأحداث لها وجود أيضاً بالنسبة إلى الحقائق المستقبلية ، أي إلى المسيح والمسيحيين .
  أخيراً نقول : المسيح لم يأتي ليلغي الناموس والأنبياء ، بل ليكمل ( مت 17:5 )  فعلينا أن نبدأ من بداية المخطط الإلهي ، من بداية التصميم إلى يوم تحقيق ذلك المشروع الإلهي في العهد الجديد . إذاً أحداث العهد القديم تعنينا بصورة مباشرة وتساعدنا في فهم ما في العهد الجديد وتفسير آياته ، فآيات كثيرة في العهد الجديد تعطف مع أيات مرادفة لها في العهد القديم لكي تكتمل فكرتنا للفهم والتفسير التصحيح لنفس الموضوع ، أي آيات أسفار العهد القديم لا تعني فقط أبناء ذلك العهد ، لكنها تفيد أيضاً لأبناء هذا  العهد أيضاً ، فنلاحظ في القراءات التي تقرأ في أيام الآحاد من العهد القديم ومن رسائل الرسل وفصل من الأنجيل المقدس كلها تتحدث عن نفس الموضوع لكي تكتمل الصورة في أذهان المؤمنين وتدخلهم في دينامية توصلهم إلى الهدف . والمجد لألهنا الحي .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


11

يونان النبي وصوم الباعوثة
ܡܵܪܲܢ ܡܪܵܚܸܡ ܐܠܲܢ . ܡܵܪܲܢ ܩܒܘ̇ܠܐ ܒܵܥܘ݂ܬ݂ܲܢ . ܡܵܪܲܢ ܫܦܘ̇ܪ ܒܥܵܘ̇ܕܐ ܕܸܝܘ̇ܟ
مارن مراحم إلَن   مارن قبُلا باعوثَن   مارن شبور بعَودي دِيوخ
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب للفريسيون والصدّيقون  «جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ» .
      يونان هو أحد الأنبياء الصغار الأثني عشر وهم : ( عاموس ، عوبديا ، يونان ، ميخا ، ناحوم ، حبقوق ، هوشع ، يوئيل ، صفنيا ، حجي ، زكريا، ملاخي ) . ذكر اسمهُ في سفر الملوك الثاني قبل سفره . قيل أن يربعام الثاني بن يؤاش ملك إسرائيل الذي رد تخم إسرائيل من مداخل حماة شمالاً  إلى بحر العربة وخليج العقبة جنوباً ، حسب كلام الرب إله إسرائيل الذي تكلم به عن يد عبده يونان بن أمتاي النبي الذي من جت حافر ، والذي أرسله الله إلى الملك الشرير يربعام الثاني وذلك لأن الرب رأى ضيق إسرائيل مراً جداً ... وليس معين لإسرائيل ( طالع 2 مل 14: 25-26 ) وجت حافر التي كانت من نصيب سبط زبولون ذكرت في ( يش 13: 19 ) .   فكما أرسل الله يونان إلى يربعام أرسله أيضاً إلى نينوى العظيمة لينقل إليهم رسالة الله بسبب شرهم الذي وصل إلى محضر الله . لم يشأ يونان تنفيذ أمر الرب لأن أهل نينوى شعب معادٍ لبني إسرائيل فأراد لهم الهلاك بسبب هذا التعصب لكي ينتقم مما فعلوا ملوكها بشعبه من تعدٍ لهذا إختار الطريق المدبر لنينوى فأستقل السفينة التي تتجه إلى ترشيش ( إسبانيا ) . فبسبب هذا التمرد قرر الله أن يلقنه درساً مهماً لكنه لم يرفضه ولم يشأ بإختيار مرسل آخر غيره . في عرض البحر أمر الله بنوء جوي عظيم فإشتدت الرياح بسبب عاصفة كادت تغرق السفينة بمن فيها ومحاولات البحارة باتت بالفشل فلم يبقى لديهم إلا التفكير بمن هو السبب في حلول تلك الفاجعة التي ألمت بهم ، فألقوا القرعة فيما بين الحضور ، والله تدخل لكي يضعها على المسبب الحقيقي وهو يونان الذي إعترف لهم بأنه فعلاً هو السبب ، وطلب منهم بأن يلقوه في البحر لكي تهدأ العاصفة ، فطرحوه في البحر . والله كان قد أعد له حوتاً عظيماً ليحفظه في جوفه ثلاثة أيام ، وبقاء يونان ثلاثة أيام في بطن الحوت هو رمز لبقاء الرب في جوف الأرض ثلاثة أيام ، وكما تنبأ الرب يسوع قائلاً : (  لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ) " مت 40:12 " . في جوف الحوت أعلن يونان توبته فصلى إلى الله فقبل الله صلاته فأمر الحوت بقذفه إلى الساحل . ومن ثم صار ليونان قول الرب الجديد ( قم إذهب إلى نينوى ، المدينة العظيمة ، وناد لها بالمنادات التي أنا مكلمك بها ) فنهض يونان وإنطلق صوب نينوى ، وعندما وصلها بدأ ينادي قائلاً ، أن الرب مزمع في أربعين يوماً ليخرب المدينة لكثرة شرورها وخطاياها . آمن الشعب برسالته فإتفقوا بنفس واحدة فقرروا الصوم ، ولبسوا المسح من صغيرهم إلى ملكهم ، وحتى البهائم شاركت الإنسان في الصوم . طلب أهل نينوى المغفرة والرحمة من لدن الله . إذاً أهل نينوى الوثنية كانوا يعرفون الله الخالق الذي صرخوا إليه بصوت واحد سائلينه الرحمة والمغفرة . فلما رأى الرب توبتهم عدل عما قرر أن يصنعه بهم ، لكن قراره لم يرق بيونان الذي لم يكن يتوقع من أهل نينوى التوبة والخلاص . فبدل من أن يفرح يونان لأنه نجح في مهمته ، بدأ يعاتب الله الذي حَمَّلهُ مشقات السفر وأنه يعلم بأن الله رؤوف ورحيم وبطىء الغضب . كما أراد أن يلقن يونان درساً آخر عندما صنع له مظلة على تلة مشرفة على نينوى وكأنه في مرصد يراقب الأحداث ، فأنبت له الله يقطينة وسرعان ما تسلقت وظللت يونان الذي فرح بها فرحاً عظيماً . لكن عندما أرسل الله دودة لتنخر اليقطينة منذ الفجر ، جفت عندما ضربتها الشمس ، فإغتاظ يونان جداً وإختار الموت لنفسه ، فلامه الله قائلاً ( أتظن نفسك على حق ... ؟ أشفقت على اليقطينة ولم تتعب فيها ولا ربيتها وكانت بنت يومها ، أتريدني ألا أشفق على أهل نينوى وقد تابوا إليّ ! ؟ ).
لماذا نصوم الباعوثة؟
     ( باعوثة ) كلمة سريانية تعني ( طِلبة ) والطلبة يحصل عليها بالصلاة والصوم والتذرع من أجل إلتماس الطلب من السماء . تستمر الباعوثة ثلاثة أيام تعيشها الكنيسة في ليتورجيا طقسية خاصة بهذه الأيام تعلن فيها التوبة والندم عن الخطايا وكما فعلوا أهل نينوى في زمانهم ، فتمتلآ الكنائس بالمصلين الصائمين حتى الظهر وتنقطع كل العوائل عن الزفرين أثناء الصوم , وهذا الصوم يبدا كل عام من يوم الأثنين الثالث السابق للصوم الكبير . أي قبله بثلاث أسابيع
كل الكنائس العراقية بمختلف طوائفها الكلدانية والسريانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية ، وكنيسة المشرق القديمة ملتزمين بهذا الصوم وبنفس الطقوس الكنسية . فلماذا الصوم لمدة ثلاثة أيام؟ هل لأنهم يقتدون بصوم أجدادهم في نينوى ، أم بسبب بقاء يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت الذي يرمز إلى بقاء الرب يسوع في بطن الأرض لنفس المدة ، ولماذا نلتزم نحن أبناء الرافدين في هذا الصوم أكثر من غيرنا 
هناك آراء كثيرة تعبر عن سبب وجود هذا الصوم ، فالكنيسة الكلدانية تجد علاقة لهذا الصوم بصوم نينوى ، وكذلك بصوم لنفس المدة قرره البطريرك مع أساقفته في زمن الطاعون الذي أنتشر في مناطق عدة من البلاد وذلك في القرن السابع ، وقتذاك صام الجميع وصلوا لأجل رفع ذالك الوباء الذي حل بالشعب المؤمن ، فإستجاب الله وأنتهى شبح الموت فإتفق الرؤساء الروحيين منذ تلك الفترة أن يستمروا بإحياء هذا الصوم كل عام وفي الوقت ذاته إلى يومنا هذا .
  نسأل الله ليقبل صومنا وصلاتنا وطلباتنا
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "
     


12

لاهوت القديس مكسيموس عن الله والكنيسة والعالم
بقلم / وردا إسحاق قلّو‭
    قبل الدخول إلى الموضوع علينا أن نتعرف قليلاً على سيرة هذا القديس الذي ولد سنة 580م في القسطنطينية من عائلة مرموقة . إمتلك ذكاءً وقدرات خارقة في التأمل الفلسفي . إنخرط في أيام شبابه في السياسة فنالت قدراته إعجاب الإمبراطور هيراكليوس بعد توليه العرش سنة 610 م فإختاره أميناً لسره الأول . وظل معه ثلاثة أعوام . لم يقتنع مكسيموس بحب سلطة هذا العالم لأن قلبه كان يمتلأ بحب الله فقرر ترك منصبه ليترهب في دير والدة الإله القريب من القسطنطينية .
بدأ بقراءة الكتاب المقدس والكتب الروحية . ومن ثم جاهد للتسلق في سلم الفضائل الإلهية فعاش في الصلاة والهدوء والتأمل الروحي ، وبعد ذلك شرع بالتأليف متناولاً موضوع الصراع ضد الأهواء الجسدية والعمل من أجل المحبة المقدسة ، لكنه أجبِرَ على مغادرةتلك المنطقة بسبب هجمات الأفار والفرس . هاجر إلى جزيرة كريت ، وهناك بدأ بمقاومة اللاهوتيين أصحاب الطبيعة الواحدة دفاعاً عن الإيمان المسيحي القويم . ثم أنتقل إلى قبرص وأخيراً إلى قرطاجة عام 632 م وهناك إلتقى بالقديس صفرونيوس الأورشليمي وهو أحد كبار العارفين بالتراث الرهباني واللاهوتي فإنضم إلى القديس مكسيموس .
 نؤمن أن اللاهوت ليس علماً فلسفياً ، بل هو علم خاص يربط الإنسان مع الله الذي خلقه ، لذلك هو فن الفنون ، وعلم العلوم وأكثرها أهمية لحاضر ومستقبل البشر .
   جاهد القديس مكسيموس في تعليمه إلى تأليه الخليقة ، وهذا مختصر ما كتبه عن هذا الموضوع :
( الله جعل الإنسان في العالم كاهناً يقيم سر الشكر الكوني . وهو مدعو إلى جمع الكائنات المخلوقة كلها لتقريبها إلى الكلمة الإلهي . كل خليقة ، في لغته . تعرف بتسمية ( كلمة ) ومجموع الخلائق ( كلمات ) وفي فهمه ، الإنسان يرفع ( الكلمات ) إلى ( كلمة الله ) الذي هو مبدأها . في حوار محبة حرّ من كل قيد . إذ يحقق الإنسان القصد الذي من أجله خلق . وهو الإتحاد بالله . يأتي بكل الكون أيضاً إلى الكمال في المسيح الذي هو إله وإنسان معاً ) .
 بعد هذه الكلمات نبدأ بمطالعة الفلسفة اللاهوتية التي كان يعيشها القديس ويعمل على تطبيقها .
   القديس مكسيموس المعترف تكلم عن لاهوت الكنيسة والإنسان  بإسلوب آخر بعيد عن الدين وذلك من باب ربط العلاقة بين الله والإنسان والعالم . وركز على تحديد التعبير الأصح لتفسير الإيمان . ولم يقبل أي تفسير يسىء للحياة مع أيضاح مفاهيم المسيحية حول الإنسان ووحدته مع ذاته ومع العالم ، وكذلك مع الله وذلك بالإبتعاد عن اللغة الدينية الحصرية لكي لا ينحصر العمل  بالصلوات والطقوس التي لا يفهمها غير الإنسان المسيحي المؤمن . الكنيسة تعمل في العالم لتصير عالم العالم ، أو لتجعل العالم كنيسة ، ليأتي ملكوت الله على الأرض فيصير ( الله كلا ً في الكل ) " 1 قور 28:15 " وهذا الهدف مرتبط بما اراده المسيح الذي لم يأتي من أجل خراف بني إسرائيل الضالة فقط ، ولا من أجل المسيحيين المؤمنين به فحسب ، بل لأجل خلاص كل العالم ، لهذا قال ( أما أنا فإنما أتيت لكيما تكون لهم الحياة وتكون لهم أوفر ) " يو 10:10 " . فللمسيح حضائر أخرى يرغب بخلاصها .  إذاً للكنيسة رسالة كونية لا تنحصر خدمتها للمؤمنين فقط لأنها يجب أن تشمل وتحتوي كل البشر لأنها حلقة الوصل بين الله والإنسان . والمؤمنون اليوم هم خدام لنقل نور الرسالة في عصرنا كما فعلوا أبناء الله الذين سبقوهم .
  رؤية القديس مكسيموس عن الله والإنسان والعالم يختصر لدية في صورة الكنيسة . فالكنيسة هي صورة الله لأنها تقوم بالعمل ذاته . وبواسطتها يعمل الله في العالم . وهو يشد كل العالم إليه . والكنيسة هي الرباط الذي يحقق هدف الله لأنه الصورة الروحية للعالم وللإنسان . والغاية النهائية للعالم والإنسان هي أن يصير الإنسان والعالم كنيسة مطيعة لله وتشكِّل الليتورجيا والقداس الإلهي خاصة لكي يتوحد العالم كله على مائدة الرب المقدسة . وهذا هو الشكل الأمثل لهذه العملية الكونية في رموز طقسية مقدسة ، وبها تم دفع الإنسان مع العالم ككنيسة للإرتفاع إلى الله ،أي من أجل تأله الخليقة.
   في الكنيسة صورة العالم كله المنظور وغير المنظور . وفيها صورة العالم الحسي أيضاً ، الأرضي والفردوس . البشري والملائكي الكنيسة تحتوي كل الثقافات والأقوام والبلدان تجمعهم بدون تميز. وما تطلبه منهم هو الإيمان الحقيقي الذي يقود إلى الوحدة والإتحاد مع الله .
  ما يجري في كنيسة الرب هو عمل الله والمؤمنين في الكون . وغاية الله من ذلك هو رفع الإنسان الوضيع إلى حالة ما فوق الطبيعة وقوانينها ومغرياتها ، أي بناء إنسان روحاني محب ، وعلاقته مع الله تجعله أن يتعاطى مع البشر بمسؤولية لأنه مكَلّف بتنويرهم لأجل خلاصهم . وهكذا الإنسان مدعو ليصير بالنعمة ما هو لله بالطبيعة . فتنتقل حياته من حياة بحسب اللحم والدم إلى حياة روحية .
   الكنيسة هي إستمرار لعمل المسيح على الأرض . إنها الخميرة التي يجب أن تُخمّر عجين العالم كلهُ . أيضاً أنها الملح الذي يجب أن يعطى للعالم طعمه لكي تتوحد الإنسانية الروحية حول الله الخالق . فكما أن الوحدة الروحية بين الرجل والمرأة تلغى بينهما الفوارق الطبيعية لتجعلهما كياناً واحداً . كذلك على صعيد الفوارق القومية والطبقية والعرقية ، لأن كل تلك الفوارق هي خدع بين البشر ، إدخلتها الخطيئة ، ولا يمكن إحتوائها إلا بالعودة إلى الطهارة والعيش بالروح والحق ، وطهارة الحياة التي تجعل العالم فردوساً من جديد يتوسطه ويثبّتهُ حضور الله بين البشر .
    في الختام نقول : ينبغي أن نعتمد على الفهم الإلهي لا على العلم والحكمة البشرية . وهل العلم يحرر الإنسان من التفرقة والتميّز والإستغلال ؟ وهل حكمة العالم تدفع الإنسان إلى مخافة الله ؟ فالحياة البشرية لا تؤمن بقيمة الفهم البشري ، وإنما الفهم الإلهي هو الكفيل بما يهم الإنسان ، فلا معنى للعالم حتى ولو كان مجتمعاً مثالياً , وهذه هي العلمنة ، أي توحيد العالم بأبعاد عالمية فقط . وأخطر جوانبها هي علمنة المسيحية ، والذي يتم حين يفسر الفهم فقط بالعقل ، بينما مسيحياً يجب أن يقود الفهم إلى الحكمة . أي أن المعارف والعلوم والتقدم الحضاري يجب أن تسير كلها نحو حضارة الروح ومصيره ، والروح هو الذي يقدس الزمان والمكان فيجعل الأرض ملكوتاً .
   توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



13

عيد شمعون الشيخ وعيد الدنح ( تطهير مريم –  تقديم يسوع للهيكل – العماذ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو
      تحتفل الكنيسة الكلدانية في 5 كانون الثاني من كل عام بعيد تقدمة يسوع إلى الهيكل ، والمعروف بعيد شمعون الشيخ . وفي اليوم التالي  6 كانون الثاني .  تحتفل الكنيسة بعيد  الدنح المقدس ( عماد الرب يسوع ) . كان الإحتفال بهذا العيد معروفاً منذ القرن الرابع في أورشليم . يسند هذا العيد على نص إنجيل لوقا ( 2: 22-28 ) والذي يحتوي على ثلاث مواضيع بارزة نتناول كل منها بالتسلسل التالي:
1-تطهير مريم لوضعها مولوداً ذكراً : موضوع تطهير المرأة بعد الولادة كانت تعتبر نجسة سبعة أيام ، وفي اليوم الثامن يختن قلفة مولودها . كما على المراة أن تبقى ثلاثة وثلاثين يوماً أخرى ، أي أربعون يوماً بعد الولادة لكي تتطهر من نزيفها ( طالع لا 2:12-8 ) . وبعد ذلك تستطيع أن تدخل المقدس .
 أما إذا كان المولود أنثى تتضاعف المدة لتصل إلى ثمانين يوماً  .  تقف المرأة عند باب خيمة الموعد ، إلى الكاهن تقدم تقدمة ( حمل حولي ) لكي يكفر الكاهن عن المرأة فتطهر ، أو زوج يمام أو فرخي حمام من دون الحمل إذا كانت العائلة فقيرة كيوسف ومريم . أما الفرق ما بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطيئة ، فذبيحة المحرقة يدنو المرء من الله ليحظى برضاه . إنها رائحة سرور الرب ( لا 17:1 ) . أما ذبيحة الخطيئة ، فللتكفير عن ثمة خطيئة التي لها صلة بسيلان الدم عند المرأة بعد الولادة ، وهذا ما صنفه العقل العبري عمل نجس يحتاج إلى تطهير وتقديس ليسمح للمرأة الدخول إلى المقدس . على أن الإنطباع الذي يعطيه لوقا في إنجيله هو أن الأم وإبنها معنيان بموضوع تطهير الأثنين ، علماً بأن نصوص الشريعة لم تذكر إلا تطهير المرأة . للتطهير وجهان ، الأول شرعيّ والذي ذكرناه ، ووجه مسيحاني خلاصي ، لم يكن والدة الإله في عمق الحقيقة الإلهية بحاجة لا إلى تطهير ، ولا إلى تكفير ، فما يختص بالشرع هو فعل الطفل وأمه لكي يتمموا ما يخص بالشريعة . والخضوع على شرع الذبائح والمحرقات . في العهد الجديد لم نعد بحاجة إلى تكفير عن الخطايا بدم الحيوانات ، لأن المسيح هو كفارة خطايا العالم كله ( 1 يو 2:2 ) . فقدوم المؤمنين في العهد الجديد إلى الله أضحى بالمسيح وحده فقط . بتنا نطّهر لا عتبات الهيكل الأرضي وحسب ، بل عتبات ملكوت السموات بدمه كحمل الله الذي صالحنا مع الله .
2- تقديم الوالدين بكرهما من الذكور للرب : كان أيضاً واجباً شرعياً ( عد 15:18 ) لهذا تم تقديم الرب يسوع طفلاً إلى هيكل الرب ، وهذا تخطى العرف والعادة ، ليدشن زمناً جديداً انتقى معه معنى وجود الكهنوت اللاوي ، أولاً لم يعد للذبائح الحيوانية ما يبررها . وثانياً لأن المسيح أضحى الذبيحة الأبدية ، وهو رئيس الكهنة الجديد . ( المقرِّب والمقرَّب ) . ولأن المسيح يبقى إلى الأبد وله كهنوت لا يزول ( عب 25:7 ) . ومن بعده الأبكار لا يؤدون فدية مالية بل على مثال الإبن الوحيد ، بكر كل خليقة ، يقدمون أنفسهم ذبيحة لله إستجابة لدعوته ، يقول الرسول بولس ( أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ... ) " رو 1:12 " .
وإلى الكهنوت الجديد والشريعة الجديدة لنا هيكل جديد ، الرب يسوع المسيح ، فبدخول الرب يسوع إلى هيكل أورشليم نقضه وأوله إلى مبتغاه ، صار عتيقاً ، كان صورة لجسده المبارك .  لهذا قال الرب لليهود ( إنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه  ) وكان يتحدث عن هيكل جسده . بعد هذا لم تعد عبادة الله أسيرة المكان ، هو الهيكل الجديد ونحن ايضاً لأننا جسده . نحن هيكل الروح القدس ، وروح الله ساكن فينا . فالعبادة صارت بالروح والحق ، والعتيق مضى . ( طالع يو 4: 21-24 ) .
3-لقاء سمعان الشخ وحنة النبية : لما صعد مار يوسف والعذراء بالطفل يسوع إلى هيكل الرب في أورشليم ، إلتقاه هناك شيخان ليس معروفاً تماماً من يكونان . إنهما شهدا للطفل وقالا فيه بالروح كلاماُ نبوياً كبيراً . فلوقا يصف حال سمعان نبوية الطابع ، فقال عنه ( الروح القدس كان عليه ) ، ( أوحى عليه بالروح القدس ) ، ( أتى إلى الهيكل بالروح ) . فيما يدعو حنّة نبية بصراحة .، علماً بأن موهبة النبوءة كفت في إسرائيل منذ زمن أنبياء العهد القديم ، وهذا كان إعتقاد المعلمين اليهود .
سمعان وحنّة كانا من الفئة المدعوة فئة ( المنتظرين فداء أورشليم ) فكانا يعبدان بالصوم والطلبات ولا يفارقون الهيكل . اما شهادتهما فتنطوي على عناصر جمة ، منها :
  إن الوعد الذي طالما قطعه الرب الإله لشعبه عبر إشعياء النبي وسواه من الأنبياء يتحقق الآن في شخص يسوع ، وسمعان شاهد بالروح لذلك . لكي يرى ما تنبأ به إشعياء النبي في ( 10:52 " قال ( شمر الرب عن ذراع قدسه أمام عيون كل الأمم ، فترى كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا ) . في شخص هذا الطفل يشرق النور على العالمين ليصبح ( نوراً للعالمين ) " أش 6:42 " . ومن بعده ( الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً ، الجالسون في الظلمة وظلال الموت نور أشرق عليهم ) " أش 2:9 " .
 صار الطفل يسوع سبب لتغيير الأمم . ( ها أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ) . ( طالع أيضاً أش 14:8 ) .
 وحنّة أيضاً تشهد . تحدث عنه المنتظرين فداء في أورشليم . شهادة إثنين حق ( يو 8: 17-18 ) هذا أكثر إنسجاماً مع إعتبارات الشهادة في إسرائيل ، في التلمود اليهودي عدد النبيات في إسرائيل سبعة فقط . حنّة علامة العهد الجديد ، إنها خاتمة سابقاتها الستة .
  أما عيد الدنح : يسمى أيضاً بعيد الغطاس ، يوم عماد الرب على نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان والذي أظهر فيه يسوع ذاته للعالم كمسيح الإنسان والإله معاً ، كان في الثلاثين من عمره تقريباً . بعد العماد ، ظهر الله بأقانيمه الثلاثة على نهر الأردن ( الظهور الإلهي ) . فبدأت كنيسة المشرق بالإحتفال بهذا العيد يوم 6 كانون الثاني من كل عام ، ومنها إنتقل إلى كنيسة الغرب بعد منتصف القرن الرابع . وكما إنتقل الإحتفال بعيد ميلاد الرب 25 كانون الأول من كنيسة الغرب إلى كنيسة الشرق .
   
     يسمى هذا العيد بعيد الدنح المشتقة من كلمة ( دنخا ) الكلدانية السريانية ،  والتي تعني ( الظهور ) والتي تعبّر عن ظهور المسيح للعالم يوم عماده . ويوحنا المعمدان شهد له بعد أن رأى السماء قد إنفتحت فوق المكان ، ونزل الروح القدس على شكل حمامة وينزل عليه ، ثم سمع صوت من السماء يقول ( هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيت ) " مت 3: 17 " .
أخيرا نقول : في مقابل فرخي الحمام أو زوجي اليمام المقدمين إلى الهيكل ثمة ذبيحة جديدة تقدم في شخص سمعان وحنّة ، إنهما الحمامات أو اليمامات الجديدتان المقربتان إلى الهيكل الجديد ، الرب يسوع ، إنهما خلاصة البقية الأمينة منذ القديم وإطلالة على الكنيسة الآتية بالروح والحقّ . خدما العائلة المقدسة خدمةً طاهرة . بعد العماد بدأ زمن نشر رسالة العهد الجديد ، وإعلان مجىء ملكوت الله .
  توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

 

14

سجود المجوس للمسيح ... من هم ومن أين أتوا وكم كان عددهم ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( دخلوا البيت فرأوا الطفل مع إمه مريم . فجثوا له ساجدين ... )
" مت 11:2 "
     نطالع في تاريخ الأقدمين ، نجد أنه تنسب إلى المجوس جملة من الإختصاصات كان بعضها معروفاً عنهم في هذا الزمان وبعضها في ذاك . فقد ذكر إنهم تعاطوا علم الفلك وعلم التنجيم وتفسير الأحلام والرؤى والعرافة . وإنهم كانوا في بعض الأوقات كهنة أو سحرة ، أما الصفة الغالبة عليهم في إنجيل متى فهي إنهم كانوا خبراء في التنجيم .
من أين أتى المجوس تحديداً ؟
ليس واضحاً . بعض الدارسين يحسبهم من بلاد فارس ، والبعض الآخر من العربية أو من الصحراء السورية ، لكن الأنجيل يقول من الشرق ، إذاُ كانوا من بلدان الشرق كبلاد فارس أو بلاد النهرين . 
   بالنسبة للنجم الذي رأه المجوس لا يبدو إنه كان نجماً كبقية النجوم ، بل هادياً نورانياً مرسلاً إليهم من الله . نقول هذا ، خصوصاً لأن حركته تدلَّ عليه . فإنه ظهر في المشرق ثم تقدمهم ووقف حيث كان الصبي ، فهو والحال هذه . أدنى إلى الملاك الذي إتخذ شكل النجم لينقل للمجوس رسالة بلغة يفهمونها . كما ظهر للرعاة لكن بطريقة مختلفة .
كم كان عدد المجوس الزائرين ؟
   ليس عدد المجوس في نص متى الأنجيلي محدداً ، ولكن ورد أنهم لما أتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع أمّه ، خرّوا وسجدوا وقدّموت له هدايا ( ذهباً ولُباناً ومراً ) " مت 11:2 " على أن القدامى ، منذ القرن الثالث للميلاد أشاروا إلى أكثر من عدد لهم . إثنين أو ثلاثة أو أربعة أو حتى إلى الأثني عشر .
هل كانوا ملوكاً ؟
بدأ بعض المسيحيين في القرن الثاني  بأن المجوس كانوا ملوكاً من المشرق  ، ربما إعتقاداً منهم أن ما ورد في المزمور ( 71 ) قد تمّ بسجود المجوس للطفل الإلهي . الآيتان ( 10 و11 ) تذكران كيف أن ملوك ترشيس والجزائر يحملون إليه الهدايا . ملوك العرب وسبأ يقربون له العطايا . وله يسجد جميع الملوك ، وله تتعبد كل الأمم . ويتبع ذلك الظن أن المجوس كانوا طليعة الأممين الذين آمنوا بالمسيح وتعبدوا له .
    هذا وقد أخذ المجوس يظهرون في رسوم الفنانين المسيحيين الأولين في دياميس ( روما ) إبتداءً من القرن الثاني . كما يذكر التاريخ أن الأمبراطور البيزنطي زينون إستقدم رفاتهم من فارس إلى مدينته المتملكة . القسطنطينية ، عام 490م . وبعدها نقلت إلى ميلانوا الإيطالية في وقت متاخر ثم إلى مقاطعة كولونيا في السنة 1162م حيث ما يزال أكثرها إلى اليوم .
   أما تأويل القول بأن الهدايا التي قدّمها المجوس كانت تعبيراً عن إيمانهم به ملكاً ( ذهب ) وإلهاً ( اللبان ) وفادياً متألماً ( المرّ ) هذا التأويل ظهر أول ما ظهر عند القديس إيريناوس الّيوني في القرن الثاني الميلادي . ولكن وردت أيضاً في التراث تأويلات أخرى كمثل أن الذهب يشير إلى الفضيلة واللبان إلى الصلاة ، والمرّ إلى الألم . مجداً للطفل يسوع
      التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

15

الميلاد الأزلي والزمني للمسيح وشراكته في أزلية الله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
   عندما نطالع الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا فسنشعر بإننا في فترة اللازمن . في فترة أزلية المسيح ، أي قبل تجسده . فالبشير يوحنا يفتح إنجيله بهذه الكلمات التي لها تأثير وثقل وكأنها سُجِلَت من أعماق الأزلية ، وقبل أن يخلق الله أي شىء . فكتب قائلاً :
 ( في البدء كان الكلمة ) والكلمة مؤنث لفظي ، ومذكر معنوي . والمقصود بالكلمة هو المسيح إبن الله . ( والكلمة كان لدى الله . والكلمة هو الله ) كان " أي المسيح " منذ البدء ( أي منذ الأزل ) لدى الله . نقول ما كتبه يوحنا اللاهوتي يُعبّر عن رؤية شاملة وعميقة عن أصل المسيح الأزلي الكائن قبل كل الدهور ، أي خارج الزمن . والذي تجسد ، وولد من إمرأة في الزمن ( غل 4:4 ) . فمقدمة إنجيل يوحنا تختصر ماضي يسوع السحيق ، ويختصر بالقول ، أن المسيح هو كلمة الله منذ الأزل ، اي منذ وجود الله الآب ، لأن لا وجود لله الآب بدون كلمة ولو للحظة قصيرة . فالأقنومان مع إقنومهما الثالث ( الروح القدس ) وجدوا معاً منذ الأزل الغير محدود  بزمن . لم يكن هناك إقنوم قبل الآخر ، لأن لا يجوز أن يكون الله الآب موجوداً بلا كلمة وبلا روح ولو لبرهة واحدة . إذاً المسيح وجد خالداً ، ويبقى خالداً .
   عندما نقرأ بداية أول سفر التكوين فنجد فيه عبارة " في البدء " أيضاً وجدناها في بداية إنجيل يوحنا . ، يبدأ سفر التكوين ، بالآية : ( في البدء خلق الله السماوات والأرض ) " تك 1:1 " .  )   أي لم يكن من موجود في الكون غير الله . وعندما كان الله يتهيأ لخلق الكون كان الكلمة ( المسيح ) موجوداً قبل الكون أي في الأزل . وقبل كل شىء ، وبه خلق الله كل شىء . والكلمة هو الله بدون أن يكون هناك إلهاً ثانياً . وهكذا يرتسم السر الذي يؤلف جوهر الوحي ، والتمييز بين أقنومين في قلب الوحدة الإلهية ، وإتحادهما معاً في المحبة ( أنا والآب واحد ) " يو 30:10 " . وهنا إكتشف لنا يوحنا السّر بوضوح ، بأن لم يكن يسوع موجوداً بدون الله الآب ، ولا خارجاً عن الله ، ولا كان الله قبله وبدونه . فإنهما إذاً شريكان في الأزلية . هذا عن الأزلية الروحية للمسيح الإله . أما عن قول يسوع ( لأن الآب أعظم مني ) فهذه العبارة قد أزعجت الكثير من اللاهوتيين ، ويجب أن تدرج في رؤية الإنجيل الرابع ، حيث يظهر الآب كالألف والياء ، كالمبدأ والغاية ، كالمصدر والخاتمة ، ونحوه يرفع يسوع نظره كما نرى في رمز الراعي الصالح ( يو 17:10 ) لكي يمجده في كل شىء . ويسوع الإنسان لم يعمل إلا على إظهار الأب ( يو 44:12 و 6:17 ) لكن هذا الإظهار الذي لا غبار عليه ، والذي هو مجده أيضاً ، لم يكن ممكناً إلا لأنه هو ( الإبن الواحد الذي في حضن الآب ) " يو 18:1 و 19:5 " . والذي يستطيع وحدة أن يقول ( أنا والآب واحد ) .
                                    ميلاد المسيح في الزمن
    أما عن موضوع تجسده في الزمن ، فقد أشرق في الزمان والمكان كالنور في ظلمة هذا العالم . والظلمة لم تستطيع توقف سير النور الإلهي المتجسد في الإنسان . تقول الآية ( كان في العالم ... ولم يعرفه العالم . جاء إلى بيته ، فما قبلهُ أهل بيته ) . كشف سر التجسد الرسول يوحنا ، قال ( والكلمة صار بشراً ، فسكن بيننا ، فرأينا مجده . مجداً من لدن الآب لإبن وحيد ، ملؤه النعمة والحق ) " يو 14:1 " وهذا الكلام مثقل بالمعاني اللاهوتية العميقة . فلفظة ( بشراً ) لا تعني الجسد فحسب ، وإنما إتخذ طبيعتنا البشرية في نفس اللحظة ، وعاش بيننا وبطبيعتنا بدون خطيئة حتى الموت . إتخذ طبيعتنا البشرية وهو الكلمة الإلهية السماوية وتجذر في بني إسرائيل ( فتأصلت في شعب مجيد ، وفي نصيب الرب ، نصيب ميراثه ) " سير 12:24 " .
  هو سكن بيننا ، وأقام في المسكن البشري ، وتخلى عن مجده ، وتكلم الله به ، وهذا المجد هو ( مجد الإبن الواحد ) والكلمة المشاركة الله حالياً في الأزلية هو إبنه الواحد يسوع المسيح . المولود من الآب ، والذي نال مجده . وهذا المجد جعله إبناً . وهنا تبرز معطيات جديدة ، لم تتضمنها المقاطع الأولى من المقدمة . ومن ملئه نلنا بأجمعنا نعمة على نعمة . وعلى كل جماعة المعمدين الذين يحييهم الإيمان بإسمهِ ، يفيض ملْ النعمة والحق الذي لا ينضب معينهُ المسيح يسوع تجسد بيننا ليكوّن العهد الجديد ، فيدخل بين الناس مبدأ النعمة والحق ( هو 16:2 ) لقد حول المتجسد الإلهي مجرى التاريخ لكي يوجهه نحو الآب نبع النور والحياة .
وهكذا يختم يوحنا ليعلن سر الله الذي لا يُسبرَ ( الله لم يرهُ أحد قط ) وإذ بهذا السر قد كشفهُ ( الإبن الواحد الذي في حضن الآب ) إنه شعاع مجده . فله المجد إلى الأبد .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

16

سر تجسد وميلاد الإله عمانوئيل
بقلم / وردا إسحاق قلّو

تقول الآية عن كوكبٍ ، ( أراه وليس في الحاضر . أبصرهُ ولكن وليس من قريب . يخرج كوكب من يعقوب ، ويقوم صولجان من إسرائيل ، فيحطم صدغي موآب وجمجمة جميع بني شيت) " عدد 17:24 " .

   كتب البشيران متى ولوقا عن نسب المسيح الإنسان ، وقد نسِّبَ إلى سلالة داود الملك . وكأنه كباقي البشر له نسل آدمي . كما يظهر لنا متى في الفصل الأول من إنجيله بأنه يوصف يسوع بمظهر إنسان وإله . فإنه نسّب المسيح إلى داود وإلى إبراهيم ( طالع مت 1:1-17 ) وكأن المسيح المتجسد من الروح القدس في أحشاء مريم هو من نسلنا نحن البشر ، لكن متى يستمر في الحديث ليقربنا إلى النسل اللاهوتي ليسوع الإله المتجسد ، فيقول ( لأنه حبل به في الروح القدس ) " 1: 18-25 " ، أي أنه ليس من نسل إنسان . إذاً صار دور يوسف النجارمعروفاً أختاره الله لخدمة المولود الإلهي ، ويطلق أسمه عليه كأب بالتبني ، وأوكله الملاك أيضاً بأن يطلق هو عليه إسم ( يسوع ) والذي يعني ( يهوة يخلص ) . ولينَسَب إلى سلالة يوسف البار البشرية .
   ولد الطفل من العذراء مريم في بيت لحم اليهودية . بلدة داود النبي ، في عهد الطاغية هيرودس الذي رفضه وحاول قتله ، وبسببه سال دم غزير في إسرائيل ، فرسمت في الأفق تلك المآسات لمذبحة أطفال بيت لحم الأبرياء . سال دمائهم التي كانت رمزاً مسبقاً للصليب ، وإستمرت المآسات فعلاً إلى يوم الصلب الذي كان يبحث عنه هيرودس . نجا يسوع الطفل من سيف الغدر وكما نجا موسى الطفل من القتل في عهد فرعون .
   بعض المجوس جاءوا وسجدوا للطفل المولود وقدموا له الهدايا التي ترمز إلى آلوهية وملوكية الطفل إيماناً به . بينما أهله اليهود رفضوه منذ طفولته لتتم النبؤة ، ورؤية إشعياء النبي الذي لمح جمهور الوثنيين يدخلون أورشليم المستنيرة بمجد الله ( أش 60 و 62 ).
    ولد يسوع من العذراء لتتم النبؤة ( ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانوئل " الله معنا " ) لم يكن بمقدور المخلص أن يكون معنا على وجه حقيقي ونهائي إلا بعد مروره بالموت وقيامته ( مت 20:28 ) .
  قام البار يوسف بإتمام الدور الموكَل له من السماء بكل أمانة والذي أوحى له مرات عديدة في الحلم . وهذا الروح القدوس هو الذي أشرق على خلق العالم ، وهو الذي أيّدَ إيمان يوسف وعمل في مريم البتول على وجه كامل وبكل دقة . أمر الملاك يوسف لكي ينطلق بالطفل ومريم إلى مصر . وبهذه الرحلة جدد موضوع الخروج . والدلالة عليه كيسوع المخلص الفادي . الشعب اليهودي عندما كان في البرية فشل في دخوله إلى أرض الميعاد ، في ( ملكوت الله ) التي وعد بها الله موسى . أما يسوع الذي إندمج في هذا الشعب منذ ميلاده فأنه حمل في نفسه تاريخ ذلك الشعب وبلغ بذلك التاريخ إمتحانه في البرية إلى الكمال الحقيقي . وفي نهاية مسيرته على الأرض قال ( لقد إقترب ملكوت الله ! ) فصار شعب إسرائيل مستعداً للدخول مع يسوع في الملكوت . لكن ذلك الشعب رفض . فأخذ النور من تلك الأمة ليشرق على الوثنيين إبتداءً بالمجوس . أخيراً إنتهى تاريخ إسرائيل بميلاد المسيح الذي أتجه نحو الوثنيين ، أي إلى ( الشعب الجالس في ظلمة أبصر نوراً عظيماً ، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور ) " مت 16:4 " .
 وبعد زيارة قام بها يسوع إلى الناصرة بعد عماذه ، أقام في كفرناحوم ، أي في جليل الأمم . ومن هناك بدأ نور رسالته يشع إلى العالم كله . لأنه لم يأتي فقط لخراف بني إسرائيل الضالة بل لخلاص كل الشعوب . وله المجد التسبيح والسجود .
      التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



17

واجبات الإنسان نحو الطبيعة ومستقبلها
بقلم / وردا إسحاق قلّو

    الله خلق الكون بنظام دقيق . خلق السماء والأرض والشموس والمجرات والكواكب الكثيرة التي تعد بالمليارات ، ولكل كوكب نظامه ويتبع إلى منظومته الشمسية ، وكل شىء يسير وفق خطة الخالق منذ يوم الخلقة الذي يعتبره العلماء يوم الإنفجار العظيم ، وبعد ذلك خلق الله النباتات والحيوانات والبشر ، وسلّمَ الخليقة إلى أسمى مخلوق ليرعاها ، وهو الإنسان العاقل ، فقبل الخطيئة كل شىء كان يسير بترتيب عندما كان الأبوين في جنة عدن ، فكانت الخليقة تتبع الإنسان الذي كان راعياً عليها . بعكس العلم المعاصر الذي يقول بأن الخليقة قائمة بذاتها . وتتحرك مع الزمن ذاتياً أي لها إستقلاليتها في الخلقة والوجود ، فأعطوا نظريات كثيرة عن الإنسان والخليقة من دون الله .  لكن علم اللاهوت يجد علاقة واضحة بين الله والإنسان والطبيعة ، فيوصف المسيح بأنه هو الخالق . فالله خلق الكون بكلمة ، فقال : كن ، فكان ( يو3:1 ) . والكلمة هو المسيح الذي يقول عنه الكتاب ( بكر كل خليقة ) " قول 15:1 " . لأن فيه خلق كل الكون . تقول الآية ( فيه خلق الكل ، ما في السموات ، وما في الأرض ، ما يرى ، وما لا يرى ..كل ما في الكون قد خلق به ولأجله ) " قول 16:1 " .
   إذاً خالق الطبيعة هو الله الذي سلمها للإنسان ، فعلى الإنسان أن يتناغم مع الطبيعة الجميلة ويحرسها لأنها أمانة لدية . وأول عمل مهم ينبغي أن ينجزهُ هو تعميق العلاقة بين المجتمع البشري على أسس المحبة لكي يستخدم الكل سلطتهم بصورة صحيحة للحفاظ على كل ما في الطبيعة . فإذا عاش الإنسان بسلام ، بعيد عن الحروب والكوارث وتلويث البيئة سيستطيع الحفاظ على جمال الطبيعة من الدمار ، كتلوث البحار والمحيطات والجو والأرض بسبب الغازات السامة التي تخرج من المعامل والسيارات . فسلامة الغابات التي تحترق بسبب الإهمال أو الحروب المدمرة والأسلحة الفتاكة التي يمتلكها الإنسان يستطيع أن يدمر بها كوكب الأرض عشرات المرات ، ومثل تلك الأسلحة موجودة في بلدان كثيرة ، والسياسات متناقضة ومتقاطعة ومخيفة . أما مصلحة الدول العظيمة تفرض على الدول الضعيفة مصالحها ، وهكذا تظهر الحروب القاتلة للإنسان والطبيعة . تطور التكنولوجيا ترافقه نتائج سلبية تدرج وتفسر ضمن إطار ضرب البيئة لما تسبب لها مخاطر كثيرة تهدد سلامتها لأنها تلعب دوراً سلبياً لصالح الدمار . لقد أنذر الله الإنسان بنبؤات كثيرة بما سيحصل من كوارث مدمرة عندما تقوم أمة على أمة . فيوئيل النبي كتب لنا هذه الأية ( وأعطى عجائب في السماء والأرض دماً وناراً وأعمدة دخان ، تتحول الشمس إلى ظلمة ، والقمر إلى دم قبل أن يجىء يوم الرب ) " 2: 30-33" .
 كذلك كتب إشعياء النبي عن هذا الدمار في ( 9:13 ) وإرميا في ( 22:10 ) وأيضاً في ( مز 32: 7-8 ) . وهكذا يبين لنا العهد القديم في أسفاره المقدسة أن سبب الدمار هو الإنسان نفسه بسبب خطيئته ، تقول الآية ( هوذا يوم الرب قادم قاسياً بسخط وحمو غضب الله ليجعل الأرض خراباً ويبيد منها خطاتها ) " أش 9:13 " فبسبب خطيئة  الإنسان في العهد القديم دمر الله الأرض كلها بطوفان مدمر ولم يخلص غير نوح البار وعائلته . وكذلك دمر سادوم وعامورة بسبب الخطيئة أيضاً ولم ينجو غير لوط البار وعائلته . وهكذا عندما يكبر حجم الخطيئة ويصل إلى محضر الله فإجرة تلك الخطيئة هو الدمار . فالله الذي يسمح بالدمار ليس هو سبب الدمار ، بل خطيئة الإنسان التي تثمر ثماراً تليق بأفعاله الخاطئة .
   لولا توبة نينوى لكانت خطيئة الإنسان هناك هي سبب في تدميرها . أما في العهد الجديد فقد جاء المسيح لكي يعيد الإنسان إلى ما كان عليه قبل السقوط . أي ليجعل الإنسان خليقة جديدة ( طالع 2 قور 17:5 ) ولكي يعيد الطبيعة تتبع الإنسان المؤمن الصادق في كل مسيرته الطاهرة الجديدة لهذا قال بولس الرسول ( لأن الخليقة قد أُخضعت للباطل ، لا بإختيارها ، بل من قبل الذي أخضعها ، على رجاء أن تُحرر هي أيضاً من عبودية الفساد إلى حرية المجد التي لأولاد الله ، فإننا نعلم ان الخليقة كلها تئن وتتمخض معاً حتى الآن ) " رو 8: 20-22 " . أي حتى الطبيعة تريد أن تتحرر من ظلم الإنسان لتخلق من جديد .
   أما سفر الرؤيا فيشرح لنا يوحنا الرائي كل شىء بالتدريج كيف سيتم تدمير هذه الأرض ، وكيف يتم الإنتقام من دماء القديسين الذين أريقت دمائهم عليها بسبب إيمانهم ، إلى أن يدمر كل شىء في الطبيعة ، ثم يخلق الله أرضاً وسماءً جديدة ، بل أورشليم جديدة لكي تشترك الخليقة كلها ولأول مرة الإنسان والحيوانات والجماد بتسبيح مشترك وكامل مع الله الخالق والمسيح الذي سيملك كل شىء بعد أن يحقق الله مخططه ( طالع رؤ 21و22 ) .
   هذا سيحدث عندما يصل الإنسان إلى خط اللاعودة من الخطيئة رغم الضربات التي سيضرب بها من السماء بعد فتح الأختام السبعة من قبل الحمل المذبوح . هكذا يؤكد لنا سفر الرؤيا أن موقف الإنسان العدائي من الله وإصراره على الخطيئة رغم الضربات الكثيرة التي ستضرب بها الأرض ، فالإنسان لن يتوب ، فحالته تشبه الضربات العشرة التي ضرب الله بها مصر ، لكن فرعون رغم ذلك قسى قلبه . هكذا الإنسان في النهاية سيظهر عدائه لله رغم كل تلك الضربات المروعة بعد البوق الخامس والسادس ، ستستمر البشرية على خطيئتها وتبقى قاسية وتعبد أوثان أيديولوجياتها المعاصرة البعيدة كل البعد من فكر الله الخالق . سيعبدون مصالحهم رافضين عبادة الله والعمل بوصاياه  ، أي أتقوا المخلوق المصنوع بأيدهم وعبدوه من دون الخالق ( طالع رو 25:1 ) . لهذا سينتقم الله بسبب خطيئة الإنسان بعد إن تفتح الأختام السبعة ، وتبوِّق الأبواق السبعة لكي يبقى الإنسان البار الذي سينجو من كل تلك الضربات كما نجى الشعب العبري في مصر . الإنسان سيقسى قلبه في الأيام الأخيرة معانداً ومتحدياً لله كفرعون فيكون هو السبب في دمار الخليقة . علماً بأن ملاك الرب سيحرض الناس في تلك الأيام على التوبة والعودة إلى الله . فيقول لهم ذلك الملاك الطاهر في وسط السماء والذي يحمل بشارة أبدية للبشر ، منادياً ( خافوا الله ومجدوه ، فقد حانت ساعة الدينونة . إسجدو لمن خلق السماء والأرض والبحر والينابيع ) " رؤ 7:14 " ومن هذا نعلم بأن علاقة الإنسان مع الطبيعة عدائية بسبب بعده عن الله وتمجيد مصالحه الزمنية على حساب المحافظة على الطبيعة ، وبمصالحه الشخصية الأنانية يهين الله وأخيه الإنسان  ، ومن ثم يعادي الطبيعة . لهذا تبدأ الضربات ويظهر الدمار الرهيب ، وعذابات مذهلة ، وموت شنيع ، وخوف ، ورعب ، وفزع ، وذلك لأن الإنسان تحول من مساره  ، فعليه أن يتحمل ثمن أخطائه ضد الطبيعة وضد أبناء الله الذين قتلوا بسبب إلتزامهم بوصايا الله . لهذا يرى يوحنا الرائي بأن نفوس الشهداء تحتج وتطالب الإنتقام السريع ، وبعد إنفتاح الختم السادس سيحدث للخليقة ، في الأرض حوادث غير مسبوقة كالزلازل العظيمة والفيضانات ، أي سيسمح الله للطبيعة نفسها لكي تنتقم من الإنسان الذي شوَّهَ جمالها . وفي تلك الأيام سيلجأ الناس بدءً من القواد والملوك والرؤساء والأغنياء إلى المغاير وصخور الجبال ، أو إلى ملاجئهم المحصنة فهل ستحميهم من غضب السماء ؟ .
   أجل ستثور الخليقة التي شوّهها الإنسان بفعل خطاياه فتقوم بضرب الإنسان الخاطىء ، وتتناغم مع الشهداء الذين رووا أرضها بدمائهم الطاهرة . أما الإبليس الذي كان يحرض الإنسان إلى الخطيئة فسيرمى في بحيرة الكبريت الأبدية مع كل من لم يكتب إسمهُ في سفر الحياة ( رؤ 20 : 10 ، 15 ) .
 
نختم الموضوع بالقول : يوحنا رأى السماء الجديدة ، والأرض الجديدة ، وأورشليم الجديدة  ( رؤ 21: 1-2 ) وسمع صوتاً من السماء يقول له : أن الله من الآن فصاعداً سيسكن مع الناس وسيكون معهم إلى الأبد ، أما نصيب الجبناء والكفار وعابدي الأوثان وكل من يقاوم الحق يكون ( في  المستنقع المتقد بالنار والكبريت ، ذاك هو الموت الثاني ) " رؤ 8:21 " .
 وبعدها تخلق سماء وأرض جديدة ، ويتم الوعد الإلهي ( ها أنا أصنع كل شىء جديداً ) .
( أما المؤمنين الذين عبدوا الله فسينظرون الله وجهاً لوجه . وسيكون اسمه على جباههم ...الرب الإله ينشر نوره عليهم أبد الدهور ) " رؤ 5:22 " . ولإلهنا المجد الدائم .
  التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

18

المحبة هي هدف كل الوصايا ... وغاية المحبة هي الوصايا
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( وما غاية هذه الوصية إلا المحبة الناجمة من قلب طاهر ) " 1 طي 5:1"
   كمال المحبة يكتمل بتطبيق وصايا الشريعة كلها ، والتي اختصرها الرب يسوع بقوله ( تحب الرب إلهك من كل قلبك ...) هذه هي الوصية الأولى . والثانية مثلها ( تحب قربك كنفسك ) " مت 22: 36-40 " . إذاً المحبة هي هدف كل الوصايا ، ( وأما غاية الوصية فهي المحبة ) " 1 طي 5:1 " .
  الكمال لا يتم بالإيمان مهما بلغ ما لم يرتبط بالمحبة ( طالع أنشودة المحبة 1قور 13: 1-3 ) . المحبة أفضل من الإيمان والرجاء التي يجب أن تنصهرا ببوتقة المحبة لكي يتأنى المؤمن في حياته فيتحمل الإثارة والإستفزار والإضطهاد ( غل 5 ) ومحبة الإنسان تشفق على المخطئين إليه أو إلى غيرهِ كما ترفق يسوع على المراة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل ، هكذا نحن أيضاً يجب أن نعامل الخطاة ، لهذا قال الرسول ( إذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ، والمذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد ) " عب 3:13 " والي يعيش في المحبة لا يحسد أحداً ، بل يتمنى له المزيد . وأفضل مثال في الإنجيل عن المحبة التي لا تحسد ، موقف يوحنا المعمدان من المسيح الذي بدأ يبرز أكثر منه ، فقال ( لا بد له من أن يكبر ، ولا بد لي من أن أصغر ) " يو 30:3 " كما أن الذي يعيش في المحبة لا ينتفخ متكبراً على الآخرين ، بل يتعامل معهم بمودّة عندما نقرأ سيرة القديسين البالغين في علو المحبة فنجدهم يقولون عن أنفسهم بأنهم خطاة ، والرسول بولس العظيم الذي أختطفه الروح إلى السماء الثالثة . خير مثال على هذا ، قال ( والخطاة الذين أولهم أنا ) " 1 تي 15:1 " .
  على المؤمن أن ينبذ الكبرياء والتفاخر وحب الذات ، لهذا قال ( لا أفتخر إلا بضعفاتي ) " 1 قور 5:12 ". وهكذا المحبة لا تقبح أو تجرح أحداً أو تظهر مساوءه للآخرين ، بل ( المحبة تستر كثرة من الخطايا ) " يع 20:5 " والمحبة لا تطلب ما لنفسها ، بل تهتم بالاخرين ( فل 4:2 ) فالذي لا يطلب لنفسهِ ، بل يقدم غيره في الكرامة فهو ذلك الإنسان الذي يتكأ في نهاية المجلس . والمحبة لا تحتد لأنها مستعدة لإحتمال الإزدراء والمهانة بكل حب ( أف 31:4 ) وأبرز مثال على هذا محبة داود الملك عندما أساء إليه إبنه وخانه لكي يستولي على عرشه ، لم يحتد عليه بل أوصى قادة جيشه قائلاً لهم ( ترفقوا بالفتى إبشالوم ) " 2 صم 5:18 " هذه هي المحبة الحقيقية التي تتانى وترفق والتي لا تظن السوء لأحد مهما بلغت أخطائه . كما أن المحبة لا تفرح بالأثم ، لهذا يقول الكتاب ( لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك إذا عثر ) " أم 17:24 " فداود لم يسر بموت شاول ، بل رثاهُ وبكى عليه ( طالع 2 صم 1 ) . أما فرح المحبة فهو بالحق الذي يوافق إرادة الله . فالإنسان المحب يقف مع المظلومين ولو كانوا أعداءه .
   هكذا المحبة تتحمل كل شىء كإحتمال الرسل والشهداء والأنبياء جميع أنواع العذابات حتى آخر قطرة من دمائهم ( 2 قور 6 ) والذي يعيش في المحبة يصدق كل شىء ، لكن أولاً وصايا الله أكثر من أقوال الناس ، فكل ما يعارض كلام الله يجب أن لا نصدقه . كما أن المحبة ترجو كل شىء ، فالرجاء هو أولاً بالله أكثر من الرجاء بأي إنسان مهما بلغت منزلته . لهذا تقول الآية ( الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء ) " مز 118 " . والمحبة يجب أن تصبر على كل شىء كإحتمال الآلام من أجل المسيح الذي تحمل من أجلنا .
   أخيراً نقول : أن المحبة لا تسقط أبداً لأنها قوية كالموت كما يقول سفر نشيد الأناشيد . فمياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة والسيول لا تغمرها ( نش 8: 6-7 ) وذلك لأن المحبة متقدة كالنار ، وقوية وثابتة كالبيت المبني على الصخر . لا يمكن أن تزعزعها الرياح . وهكذا يجب أن نكون كاملين في المحبة لأن ( الله محبة ) والله أظهر محبته على الصليب عندما غفر لصالبيه ، قال:
 ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون ! )   
  التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

19

الزواج الأسراري في المسيحية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
 ( من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ، ويكون الإثنان جسداً واحداً ) " أف 31:5 "
   في العهد القديم أمر الله المرأة بعد سقوطها في الخطيئة ، وقال ( إلى زوجك يكون إشتياقك ، وهو عليك يسود ) " تك 16:3 " . الله خلق حواء لكي تكون عوناً لآدم ( تك 18:2) وهنا لا يقصد بالعون خادمة ، بل لكي تجعله قادراً على إدراك معنى إنسانيته ودعوته إلى العيش في حب مشترك . الله خلق لآدم زوجة واحدة فلا يجوز تعدد الزوجات ، لكن سماح الله لآبائنا الأوائل من تعدد الزوجات كان من أجل إكثار النسل ، والرجال رأوا في تلك المحبة فرصة لإرضاء شهواتهم . وموضوع تعدد الزوجات لا يعني عندهم كسر الوصية . ولا يعتبروها خطيئة أي ( زنا ) بل الزنا في نظرهم هو أن يتعدى رجل على إمرأة رجل آخر كما فعل داود مع زوجة أوريا الحثي . وحتى الرب يسوع لم يناقش هذا الموضوع مع اليهود في زمانه . أما الأنبياء في العهد القديم فقد وقفوا موقف الضد من تعدد الزوجات عبر التصوير المجازي الذي يقدم الله كعريس على العروس ( شعب إسرائيل ) . وعبر هذه العلاقة تم كشف البنى الشخصية للحب ، والمعيار الداخلي للإتحاد الزواجي ، لهذا يجب على الزوجين أن يكونان أمينين مع بعضهما لأن الله أمين مع شعبه . والشعب الإسرائيلي الذي كان يترك إلهه من أجل عبادة الأوثان ، كان في نظر الأنبياء زنى .
   وفي العهد الجديد لم تشوّه تلك العلاقة بين الزوجين ، إنما يدفعها نحو الأفضل ، فيقول الرسول بولس ( ليخضع بعضكم لبعض بتقوى المسيح ، أيتها النساء ، أخضعن لأزواجكن خضوعكن للرب ، لأن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلصها  . وكما تخضع الكنيسة للمسيح ، فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شىء ) " أف 5: 21-23" . كما يأمر الرجل لكي لا يستخدم العنف المتعسف على زوجته ، لهذا قال ( أيها الرجال أحبوا نساءكم مثلما أحب المسيح الكنيسة ، وضحى بنفسه من أجلها ) فالعائلة هي كنيسة صغيرة ، كما هي المدرسة الأولى لتربية الأجيال . فالجر هو رأس العائلة فطاعة المرأة له هي دعوة لتبجيله وإحترامه دون خوف او مهابة . وهكذا حتى في العهد القديم كانت أمنا سارة تنادي إبراهيم ( سيدي ) .
   على الزوج أن يقدم الحب الصادق لزوجته بشكل يطابق حب المسيح للكنيسة والذي حققه في العشاء السري ، وقال ( لأن جسدي مأكل حقاً ، ودمي مشرب حقاً ) " يو 55:6 " . هكذا يجب على الزوجين تفعيل الحب الزواجي ، فالزوج يتحد بجسد زوجته كي يستلما هبة الحياة عبر وحدتهما الأسرارية ، فعندما يلتقيان أمام الكاهن على المذبح يبرزان نذورهما الأبدية بكل حرية ليعلنان عن الحب والأمانة حتى الموت . وهكذا يحققان مبدأ الخضوع لبعضهما البعض . فالطاعة بينهما تؤسس فعل الإصغاء لبعضهما ، أي الإنفتاح كل منهما على الآخر لإستيعاب حضور الآخر ضمن ممكّنات الوجود الشخصي . إنها طاعة الإنجيل .
   يقول الرسول بطرس ( طهروا نفوسكم في طاعة الحق كيما يحب بعضكم بعضاً حباً أخوياً صادقاً ، فليحب بعضكم بعضاً حباً شديداً من صمين القلب ) " 1 بط 22:1 " . كما لا يجوز التفكير في حب آخر خارج نطاق الزواج . لا وبل حتى التفكير في الموضوع الذي يصل إلى حدود الشهوة . لهذا قال يسوع ( إن كل من ينظر إلأى إمرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها في قلبه ) " مت 28:5" . لقد قصد يسوع في هذا مقاومة الخطيئة من مصدرها الذي هو الفكر الإنساني قبل أن تدخل مضمار النية والعزم ثم الفعل الفاحش .
   نعود إلى مفهوم العلاقة بين الزوجين . فطاعة المرأة لبعلها لا تعني إلغاء شخصيتها فتسكت على كل شىء وحتى في إبداء رأيها ، إنما المطلوب منها هو أن تصغي إلى زوجها وترمقع بعين الحب من خلال الطاعة والمحبة ، وكذلك على الزوج أن يحبها ببذل ذاته ( حباً ) من أجلها . إذاً الآن وصلنا إلى النقطة المهمة وهي أن الزوجين متساويين في بذا الحب رغم إختلاف الأدوار , فالزوج يبادر في إخلاء ذاته عبر حب زواجي مقدس للزوجة ، وهي بدورها تستلم هذا الحب وتجيب عليه بنفس الدرجة . ولا يعني ذلك إلغاء الفروق بينهما ، بل يحتفظ كل منهما بأصله وكيانه .
   بعد الزواج المسيحي يصبح الزوجان جسداً واحداً في الرب ، أي ثالوثاً مقدساً ، فالرب الذي ربطهم في سر الزواج المقدس ، لا يفرقهم إنسان ( مت 19: 4-6 ) فعليهم أن يعيشا كجسد واحد إلى الموت ، والموت وحده هو الذي يفرقهم . وموضوع ( الجسد الواحد ) لا يعنى به الجماع الجنسي بينمهما بل يتعدى مشاركة الأجساد وحتى الممتلكات ، إلى المشاركة في الحياة ، والأفكار ، والأفراح ، والأحزان ... إلخ .
   سر الزواج هو علاقة النعمة في العهد الجديد . والنعمة في حياة الزوجين تكون مؤثرة جداً تساهم في تحقيق هدف أسمى وهو العمل الخلاصي للزوجين . وهذا العمل أُعِدَ منذ الأزل . فالعروسان هما أوعية حب الله في العالم ، مدعوون جنباً إلى جنب مع العذراء مريم في جعل حياتهم علامة سماح لله لكي يكون حاضراً في العائلة وهو سرها الأساسي . فكما أن الآب والإبن والروح القدس هم عائلة متكاملة مستقلين ومختلفين ، لكنهم يعيشون في حب كامل تجاه بعضهما البعض . وحبهم المتبادل يربطهم معاً مع الله في وحدة مشتركة لا يمكن أن تنفصل . وهكذا يجب أن نرى الزوج والزوجة شخصيتين مستقلتين تصبحان واحداً بالجسد والنفس ، فيتحد الزوجان عبر الزواج الأسراري برباط الحب الدائم مع المسيح . إن الحب القائم بين الأقانيم الثلاثة ملتزم ، ومخلص ، ونهائي ، وغير مشروط ، وهو نفس الحب الواجب توفره في الزواج المسيحي ، فالحب بين الزوجين يشكل علامة أسرارية تعكس الوحدة الأسرارية بين الثالوث في الله . فَسّر الزواج هو علامة منظورة للواقع المخفي بقداسة ونعمة المسيح .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


20

الكاهن مدعو ومنتخب من الله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ... ودعا الذين أرادهم فأقبلوا إليه . فأقام منهم أثني عشر يصحبونه فيرسلهم يبشرون ) " مر 3: 13-14 "
   الكهنوت سر من أسرار الكنيسة السبعة . وخدمة الكاهن رعوية ، وكل رموز الكهنوت في العهد القديم كانت رمزاً لكهنوت المسيح الذي دعاه الله حبراً على رتبة ملكيصادق ( عب 5: 10 . 20:6 ) كان المسيح على الصليب كاهناً وذبيحة على مذبح الصليب ، وكهنوته لا ينتهي ، بل يغدو حاضراً في كهنوت الخدمة من غير أن تنقص وحدانية كهنوت المسيح . فالمسيح هو الكاهن الحقيقي على المذبح ، وعلى كرسي الإعتراف ، وما الكهنة سوى خدام لأسرارهِ المقدسة ( عب 4:7 ) والمسيح هو الذي أسس سر الكهنوت لكي يجعل من الكنيسة ( مملكة من الكهنة للهه أبيه ) " رؤ 6:1 " . وهو مصدر الكهنوت وجعل الرسل ( الأساقفة ) خلفاءً له ، وبواسطتهم تنتقل الخدمة الرعائية إلى الكهنة المكرسون على صورة المسيح الكاهن الأعظم ، ليبشروا بالكلمة ويخدموا الأسرار ، ويكونوا رعاة للمؤمنين ، ويقيموا لهم الشعائر الدينية بحكم كونهم كهنة حقيقيين للعهد الجديد .
   الكهنوت ليست وظيفة يختارها الإنسان ، بل دعوة إلاهية يتجاوب معها المدعو بحرية بعد أن يشعر في داخله بالنعمة التي وهبها الله له والتي ترفعه إلى قبول سر الكهنوت .
    أجل الله هو الذي يختار الكهنة للخدمة ، ففي العهد القديم هو الذي دعا إبراهيم وموسى وهارون والأنبياء . وهو الذي اختار أيضاً مريم وإصطفاها من بين كل نساء العالم لتكون أماً له . ويسوع هو الذي دعا الرسل الأثني عشر ( لو 1:9) ، ومن ثم دعا التلاميذ السبعين ( لو 1:10 ) .
   إذاً ليس أحد يختار لنفسه هذه الخدمة إلا من دعاه الله ، كما تقول الآية ( وما من أحد يتولى بنفسه هذا المقام ، إلا إذا دعاه الله كما دعا هارون ) " عب 4:5" . والدعوة هي مبادرة إلهية يدعو من يريد لخدمة أسراره ، لهذا قال يسوع لرسله ( ليس أنتم إخترتموني ، بل أنا إخترتكم ) " يو 16:15 " . المختار يشعر بالصوت الداخلي ويلبي الدعوة كما حصل لإبراهيم فأنطلق . لا يجوز للأهل الوقوف ضد الدعوة السماوية ، بل أن يفرحوا  ويشجعوا إبنهم ويقفوا معه لأنه سيبصح لهم أباً وفخراً وسيكون له أبناء وبنات كثيرين في رعيته . 
   سفر العبرانيين يتحدث كثيراً عن سر الكهنوت ودعوته ، فللكاهن في لاهوت هذا السفرصورة رائعة ، تقول الآية ( فإن كل حبرٍ متخذ من الناس يقام لأجل الناس فيما هو لله ليقرب تقادم وذبائح عن الخطايا ) " عب 1:5 " . الله يدعو الكاهن لخدمته في العهدين . فالله هوالذي يسبق الكاهن في إختياره له ومنذ البداية ،  وهذا ما توضحه لنا الآية على لسان الله ، تقول ( قبل أن أصورك في البطن عرفتك ، وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم ) " أر 7:1 " . فالدعوة ليست وظيفة لكي يختارها الإنسان ، إنما هي إعلان حب سماوي للإنسان المنتخب الذي يسمع صوت الله من خلال سلسلة من الإشارات والنداءات التي يتركها الله لكي تتغلغل بصمت وسكون وبكل حب داخل ضمير الإنسان وقلبه ووجدانه إلى أن يتجاوب . وبعدها تأتي مرحلة قبول الكنيسة الرسمي لهذه الإستجابة . الله لا يريد أبداً كاهناً يتبعه مرغماً خالياً من الحب ، ومستعد للتضحية فيترك أهله وهذا العالم ويتبع صوت الله . لذلك فمعرفة الدعوة يجب أن تجد طريقها إلى قلب الشاب الذي يصغي إلى صوت الدعوة لكي تدخل في عمق تفكيره وإحساسه فتؤثر على تصرفاته وأخلاقه وإستعداده الكامل , فكل دعوة إذاً هي حوار صداقة حقيقية بين المسيح الفادي والإنسان الذي إختاره من بين الشعب .
   كاهن الأمس ليس أقل شأناً من كاهن اليوم ، لأن كلاهما يتشابهان ويتمثلا بالمسيح الذي ضحى وقدم في شخصه الصورة النهائية للكاهن في السنوات التي قضاها على الأرض محققاً في ذاته كهنوتاً خدمياً . كان الرسل أول من تقلدوا الكهنوت الذي أراد يسوع أن يدوم ويستمر ويتكاثر بلا إنقطاع إلى زمن مجيئه الثاني . فكاهن الألفية الثالثة يكمل عمل الكهنة الذين سبقوه ليبقى الكهنوت دائماً . وعلى مثال المسيح على الكاهن أن يبشر بالكلمة . ويقيم الأسرار. ويزور المرضى والمحتاجين والسجناء . وينظم رعيته ويديرها لأنه وكيل المسيح المنظور والمنتخب ، ومن أسمى أعماله هو الإحتفال بالذبيحة الإلهية على مذبح الكنيسة . فالكهنة بإسم المسيح وفي شخص المسيح بفعل سر الكهنوت المقدس فعليهم أيضاً أن يقتدوا بمعلمهم ويمثلونه أمام المؤمنين . أما الأسقف أو الكاهن الذي يستغل منصبه لمنافع شخصية ضيقة كحب المال ، فالمال هو أصل كل الشرور ، نعن يوجد الكثيرين منهم منحرفين عن الوصايا فيعملون كمرتزقة بسبب حبهم للمال وإقتناء كنوز هذا العالم فيبيعون بعض الأسرار المقدسة مقابل المال الذي جعلوه أسمى من وصايا السيد ، فما أتعس الأسقف أو الكاهن عندما يقبل الهدايا بحجة خدمة الكنيسة أو لنفسه ولا يكترث بأنه يشوه صورة المسيح والمسيحية في الوسط الذي يعيش فيه . ما أتعسك يا رجل الإكليروس عندما تسابق الأغنياء بمقتنياتك (بيتك وسيارتك ورصيدك ) . وبسبب مصالحهم لا يعملون بوضوح ، بل يعملون بعض أعمالهم بالخفية والسر ، وقد يلعبون دور المجرب لزرع الفتن بين الأخوة المؤمنين الذين يعيشون مع بعضهم بمحبة المسيح .
 أما الراعي الصالح لرعيته فهو إبن النور وفخر لأبنائه فيقتدون به ويحترمونه ويعترفون بمكانته وأهميته في الكنيسة ، فيلبون لمساعدتهِ في أعمال الخورنة بحب صادق ليسيروا معاً نحو ملء النضوج في المسيح يسوع ( أف 13:4 " . و ( إلى أن يتصور المسيح فيهم ) " غل 19:4 " .
ولحبرنا الأعظم يسوع المجد والتسبيح .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "
 

21

الشهادة والإستشهاد
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  ( رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ) " رؤ 9:6"
الشهادة والإستشهاد تتم بعمل الله في الإنسان , أي أنه ليس عملاً ذاتياً أو إرادياً يقوم به الإنسان بالتبشير برسالة الإنجيل بسبب إيمانه وغيرتهِ وحماسهِ وشجاعتهِ ، أو لأنه يمتلك مواهب عملية وقدرة في إقناع الآخرين ، بل الشهادة لله لا تحتاج إلى القدرات الذاتية مهما كان الإنسان متسلحاً بالعلم والإيمان ، بل هي عمل الله وقوته التي تعمل في ضعف الإنسان . كان الرسول بولس قوياً ومؤمناً ومتكلماً وشجاعاً ، لكن الله قال له ( نعمتي تكفيك ، لأن قدرتي تكمل في الضعف ! ) " 2 قور 9:12 " لهذا كان بولس يفتخر بضعفاته . كذلك يجب على كل مسيحي أن يقتدي ببولس ويفتخر بضعفاته ، وبضيقاته ، وبالصعوبات التي يتحملها ، لأنه يجب أن يشهَد بالروح القدس الساكن فيه ، وبدونه لا يستطيع أن يخضع للوصايا ، ويعمل بها ، ولا يستطيع أيضاً أن يشهد لكلمة الله أمام الناس ، ولا يقدر أن يكتشف الأسرار السماوية . فبالروح القدس ينمو المؤمن بإستمرار لمعرفة الله ، فيجب أن نبقى منفتحين على الروح القدس الذي يفتح بصيرتنا ، والصلاة القلبية تفتح لنا الباب على روح الله .
المسيح لم يسمح لتلاميذه أن ينطلقوا إلى العالم ليشهدوا له إلا بعد أن أرسل لهم من عند الآب المعين ( الفارقليط ) الذي هو روح الحق المنبثق من الله ، هو الذي شهد فيهم للمسيح ، وهم أدوا الشهادة له ، لأنهم كانوا معه منذ الإبتداء ( يو 15: 26-27 ) . إذاً الذي يشهد هو الروح القدس الذي يعمل في الإنسان . فالشهادة لله ليست عملاً إرادياً إنسانياً ، إنما تأتي من إرشاد وإعلان من الله ، إذاً كيف يحصل عمل الله في الإنسان ؟
بعد أن تلامس نفس البشرية المسيح بسبب الإيمان والعماد والعمل بالوصايا ، يعمل بكل تواضع وبسرية ليعيش في عهدٍ مع الله ولله . وفي هذه العلاقة السرية سيختبر الله في حياته ويشعر بوجوده فيتفاعل معه وينمو فيهِ ، وهذه العلاقة لا تخلو من صراع داخلي ، وأوجاع مريرة وآلام وإضطهاد ومشاكل كثيرة ستنتظره من عدو الخير عن طريق أبناء العالم المحيطين به ، فتبدأ الشهادة لله بالصراع مع الذات أولاً بصلب الجسد وشهواته ومصيره بسبب التحدي ، ثم العمل من أجل مقاومة خطط العدو الذي يغربل نفس الإنسان كالحنطة فيحارب أفكاره وخاصةً الذين يقررون العيش للمسيح ، وللشهادة له ، فينبغي محاربة الأفكار الشريرة ومقاومتها بقوة ليعيش للمسيح بالتقوى . قال الرسول ( فأن مصارعتنا ليست ضد اللحم والدم ، بل ضد الرئاسات والسلاطين وولات هذا العالم ، عالم الظلمة والأرواح الشريرة في السماوات ) " أف 12:6 " .
  الشهادة لله تحتاج إلى إيمان قوي لكي يسند ضعف الإنسان . كان دانيال ضعيفاً جداً أمام قوة الأسود الجائعة في الجب ، وأمام تحدي المؤامرة ، لكن قوة الله ظهرت في ضعف دانيال فأنتصر . كذلك موضوع الشهادة والإستشهاد لرفاقه الثلاثة الذين شهدوا لله وتحدوا الموت ، صمدوا بطاعتهم لوصية الخالق بكل بساطة وصلابة في وداعة الحق ، كانوا يعلمون بأنهم حاضرين أمام الله في الحق فلم يخيفهم النار المحماة سبعة أضعاف ، لهذا لم تزحزح النار ثباتهم وإصرارهم ، بل شهدوا بقوة لبِر الله .
   يقول المزمور ( السائر في طريق الكمال هو يخدمني ) " 6:101 " فالسلوك بالكلام يخدم ويشهد لله دون الحاجة حتى أن ننطق بكلمة واحدة . في العهد الجديد شهد القديس بطرس بيوم الخمسين أمام الجموع فكسب ثلاثة آلاف نفس . ولم تكن كل شهادة تقبل بفرح وتكسب الكثيرين ، بل قد تؤدي الشهادة إلى الإستشهاد كما حصل لرئيس الشمامسة إسطفانوس ، أول شهيد في المسيحية ( أع 7: 54-59 ) كذلك للرسول يعقوب بن زبدي .
   الشهادة للمسيح وعمله الخلاصي تحتاج إلى قبول المسيح في داخل النفس ، فالذي فيه  نور المسيح ، لا يستطيع أن يخفي نوره ، فيشهد لمجد وغنى وجمال عمل المسيح فيه ، لأن النفس التي اشتعلت بالحب الإلهي لا تسكت ، بل تسرع إلى إظهار ما فيها من حق لتعلنه بقوة ودون أي إعتبار للألم أو الذين ينطقون به المبشرون هو من الله ، لهذا قال المسيح ( فإذا ساقوكم وأسلموكم ، فلا تهتموا من قبل بماذا تتكلمون ، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا . لإنكم لستم أنتم المتكلمين ، لكن الروح القدس ) " مر 11:9 "
   كنيسة المسيح شاهدة للعالم ، وشاهدة عليهِ . عمل الروح القدس يشهد لسر المسيح بواسطة الكنيسة ، ولما صنعه الله بالمسيح فيها .
  قال الرسول بولس عن التدبير الألهي  ( ليحققه عندما تتم الأزمنة ، فيجمع في المسيح كل شىء مما في السموات وفي الأرض ) " أف 10:1 " . فالكنيسة شاهدة ليس فقط للأرض بل للرؤساء والسلاطين في السماويات . وهذه المسؤولية التي تحملها الكنيسة لتعَرِّف على سر المسيح في للعالم ، أكبر من كل إدراك بشري ، وإن كنا لا ندرك الآن عملها في السماء فإن عملها الرئيسي على الأرض هو أن تشهد لله بسر المسيح . لذلك أبرزنا نحن المؤمنين كأننا محكوم علينا بالموت من أجل الشهادة للآلام التي للمسيح والأمجاد التي تليها . ( طالع 1 بط 11:1 ) فالكنيسة ليست من العالم ولكنها تشهد في العالم لحساب السماء . شبهها المسيح بشبكة مطروحة في البحر ، فهي ليست من البحر الذي هو العالم ، ولكنها تقتحم على هذا الجيل الملتوي لتنيره وتجذبه إلى الحياة. ستبقى مضطهدة لأنها مجاهدة ، وتتكلم بالحق إلى أن تلتحم بالكنيسة السماوية الممجدة .
والمجد لله دائماً
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "

22
هل السجود للصليب هو عبادة للوثن ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب يسوع للمجرب ( للرب إلهك تسجد وإياه وحدهُ تعبد ) " لو 8:4"
    السجود والعبادة هي لله وحده ، وإلهنا إله غَيّور يحتدم غضبه لمن يعبد ، أو يسجد لإله آخر ، وهذا ما وضحهُ لنا العهد القديم في شريعة المحبة ( طالع 16:6 ) . فهل يجوز أن نسجد للصليب المقدس ؟ نقول في صلاتنا الطقسية ( نسجد لألامك أيها المسيح ونباركك لأنك بصليبك المقدس خلصت العالم ) علينا أن نفهم عقيدة الصليب في إيماننا ، فنقول رسم علامة الصليب يعني الإعتراف بالثالوث الأقدس ،وبإله واحد ، وعقيدة رسم الصليب هي أصغر طقس كنسي نمارسه كل يوم قبل الصلاة لكنه يحتوي كل العقائد اللاهوتية المسيحية . إنه قوةُ عظيمة نستخدمها قبل البدء بكل الأسرار الكنسية وقبل الصلاة وعلى الطعام ، بل نحارب بالصليب كل قواد العدو ونقهرها . وبقوة الصليب نحتمي لأننا به نعلن إنتمائنا وخضوعنا ليسوع المسيح المصلوب الذي غختار الصليب مذبحاً له .
  وبالصليب نفتخر أكثر من كل علامة ، بل صار الصليب شعارنا رغم أن فترة صلب المسيح كان فيها المصلوب ضعيفاً ومُهاناً . فعلى كل مسيحي أن يقول كبولس الرسول ( حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ! وعندي أصبح العالم به مصلوباً ، وأصبحت أنا مصلوباً به عند العالم) " غل 14:6 " . إذاً للصليب مكانة عظيمة للمؤمنين بالمسيح ، فهل يجوز أن نسجد له ، علماً بأن الرب يسوع قال للشيطان الذي طلب منه السجود له ( للرب إلهك وحدهُ تسجد ، وإياه وحده تعبد ) أي قال للمجرب عليك أنت أن تسجد لي .
  الكثيرين يفسرون السجود أمام الصليب بأنها عبادة وثنية ، لأن السجدود هو لله وحده ، لكن علينا أن نفرق بين عبادة الأوثان ، والعبادة المسيحية وخاصةً موضوع السجود للصليب المقدس ، فالسجود للصليب غايته السجود للمصلوب عليه ، فسجودنا لا يقف عند مذبح الصليب ، بل إلى جسد الرب المقدس الذي صلب عليهِ . كما علينا أن لا ننسى دم المسيح الذي سال على خشبة الصليب وإقترن بمادة الصليب . فلا يجوز أن ينفصل الإله المصلوب عن خشبة الصليب ، وإن أنفصل سيصير الصليب وثناً ، لكن الله إتحد بمادة الصليب لتصير مقدسة ومباركة .
  عابدي الأوثان يسجدون للأصنام والحيوانات والكواكب بمعزل عن الله ، لذلك نقول عبادتهم باطلة ومرفوضة من قبل الله . أما المسيحي فعندما يسجد أمام مادة الصليب يعلن إيمانه بأن الله يتجلى فيه وأن المادة في نظر الله ستصبح مقدسة لأنه يتحد بها ليصبح الإثنان واحد ، وكما يتحد معع مادة الخبز والخمر ليحولها إلى جسده ودمه فتصبح لنا قرباناً مقدساً فنسجد بكل خشوع وإيمان أمام القربان المقدس في كنيسة الرب ، أو في الشارع عندما يصادفنا الكاهن يحمل القربان إلى بيت المريض . وهنا نقول إننا نلتقي مع الله من خلال هذه المواد المقدسة ، ففكرتنا تتقاطع مع إيمان الخنوصية بالمادة التي كانوا يعتبرونها شراً .
   إذاً عندما نسجد للصليب فهذا يعني إننا نسجد للمصلوب إلهنا الذي أتحد مع الصليب كعلامة صلح بين الله والبشر . لهذا قال بولس في " قول 2 " (ومحا ما كان علينا من صك للوصايا وألغاه إياه على الصليب ) بقصد صار ما بين الصليب والمصلوب إتحاد مطلق ، فصار الصليب علامة خلاص لأبناء العهد الجديد . وبالصليب يبارك راعي الكنيسة رعيته ، وكذلك يرفعه في كل أسرار الكنيسة السبعة . والصليب هو المفتاح الوحيد للخلاص ، وكذلك هو السلم الذي يرفعنا إلى السماء كما رفع المسيح .
 أخيراً نقول ، السجود للصليب يعني السجود للمصلوب عليه ، وبهذا يخلق علاقة بين المؤمن الساجد ، وبين المسيح ، وعليه أن يحمل الصليب ويتبع سيده وكما حمله هو ، وبهذا سيتم وصيته مجاهداً مثله . ومن أراد أن يتبع المسيح فليكفر بنفسه ، ثم يحمل صليبه ويسير خلف صليب الذي مات من أجله . وبهذا نرضي الرب الذي يجاهد فينا عندما نحمل صليبه ونسجد له ، فأننا نعرف بأننا نعبده ونخدمهُ ونكمل وصاياه ونسجد له أمام صليبه المقدس . 
مجداً لأسمه القدوس .
 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "

23
تجارب أيوب البار وإنتصاره
بقلم / وردا إسحاق قلّو

  قال أيوب ( حي هو الله الذي نزع حقي ، والقدير الذي أمر نفسي ، إنهُ ما دامت نسمتي فيّ ، ونفخة الله في أنفي ، لن تتكلم شفتاي إثماً ، ولا يلفظ لساني بغش ) " أي 27: 1-5 "

   سفر أيوب من الأسفار الطويلة ، يتكون من 42 إصحاحاً ، وقد يكون من أقدم أسفار الكتاب المقدس أي قبل أسفار الشريعة ، لهذا لم يذكر في سفره شيئاً عن أسفار الناموس ولا عن كل ما في شريعة موسى . سنتناول في هذا المقال فقط التجارب التي مر بها موسى ، وكيف إنتصر على المجرب ، ونال رضا الخالق .
   الله يعطي للشيطان سلطة وحرية محدودة لكي يجرب مختاريه ، فلا سلطة إلا من عند الله ( طالع رو1:13 ) . أعمال الشيطان شريرة ، والعالم يعيش تحت وطأة الشرير ( 1 يو 19:5 ) . الله أسس العالم لكي يعيش بسلام ووئام ومحبة ، فالله الذي أسس السلطة على العالم ، طمع الشيطان بها ، والله حدد له السلطة لتجاربه التي يريد أن يسقط في شباكها بني البشر وإن أمكن حتى المختارين . فالشيطان الذي أغوى حواء وأسقطها مع بعلها ، أستمر في تجاربه لإسقاط آباء كثيرين أقوياء في الإيمان ، ومنهم أيوب البار الذي رفض كل خطط المجرب فصمد بكل قوة لكي لا يتجاوز وصايا الله ويتمرد على خالقهِ . المحن والتجارب والخسائر التي تحملها أيوب من أجل أن يتحدى كل فخاخ عدو الإيمان ، منها الفخ الذي نصبه لهُ عن طريق زوجتهِ وكما سبق وإن فعلهُ مع آدم ، لكن أيوب كان له بالمرصاد فصمدَ وقاومَ واستحمل بكل صبر وإيمان كأنه جبل لا تهزهُ الرياح مهما بلغت قوتها .
   في نظر القديس أوريجينس ، أن التجارب التي مر بها أيوب كانت صورة مسبقة نوعاً ما لتجارب يسوع في البرية ، وإنتصاره على مخططات الشيطان .
  كان على أيوب أن يتحمل كل التجارب وينتصر على المجرب في تجربتين فقط : الأولى في ممتلكاته . والثانية في جسده ، في حين خصص الله لأبنه يسوع بأن يجرب بثلاث تجارب .
   أما عن سبب التجارب التي تعرض لها أيوب الذي كان طاهراً نقياً ، بل أطهر الناس في عصره ، لهذا قال الله عنه ( لا نظير له في الأرض ) لهذا تحجج الشيطان وتحدى الله في محضره قائلاً : ( جلد بجلد ، والإنسان يبذله كل ما يملك فداء نفسهِ . ولكن أبسط يدكَ وأمسس عظمه ولحمهِ ، فترى إلا يجدف عليكَ في وجهك . فقال الرب ها أنا اسلمه إليك ، لكن أحفظ نفسه ِ ) " 2: 4-6 " . لكن المصارع الجبارأيوب هزمَ الشيطان دون أن يخطىء بشفتيهِ أمام الله (10:2 ) بعد إنتصاره في التجربتين ، لم يواجه معركة ثالثة بالأهمية نفسها ، إذ كان يجب أن تدّخر تجربة المعارك الثلاثة للمخلص يسوع الإنسان لكي ينتصرعلى العدو .
   تجارب أيوب تختلف عن تجارب يسوع ، فأيوب حورب بممتلكاته وأولادهِ وبجسدهِ . في حين لم يتعرض يسوع إلى أي من تلك الخسائر والأوجاع ، والسبب يعود إلى تعدد طرق تجارب الشيطان .
    خرج أيوب من كل تلك التجارب منتصراً بسبب إيمانهِ وقد أثبت من خلالها ، بل تنبأ بإنتصار مخلصهِ يسوع على ذلك المجرب اللعين لاحقاً .
    الله سمح للشيطان بأن يجرب أيوب لأنه يعلم بأن الأخير مستعد للتجارب وتحمل المحن وسينتصر ويحصل على المكافأة التي يستحقها بعد المعركة .
   فَشَلت فعلاً تجارب الشيطان الخاصة بالغِنى ، والأولاد ، وبقروح الجسد والروح . علم أيوب بأنه جاء إلى العالم عارياً ، وسيغادره كذلك . إذاً ليس لديه ما يخسرهُ .
   في موضوع السيادة سلب الشيطان أيوب من السيادة على ممتلكاته عكس المسيح الذي قدم له الشيطان كل ممالك العالم . مات كل أولاد أيوب ليصبح أباً للكثيرين ومثالاً صالحاً للمؤمنين عبر الأجيال . وهكذا المسيح صار رأس كل القطيع وراعيه عندما دفعه الشيطان ليموت على الصليب ، فالموت كان أقوى سلاح يمتلكه الشيطان . مات يسوع ، لكنه غلب الموت عندما قام منتصراً . الجميع تركوا أيوب لكنه لم يخطأ ، كذلك يسوع لم يخطأ على الصليب رغم هزيمة تلاميذه ليبقى وحيداً ، بل طلب الغفران بكل محبة لصالبيه ِ . وأيوب لم ينكر إلاههِ رغم إستدعاء الشيطان لأصدقاء أيوب ليتدرجوا صديقهم بنصائهم السيئة لصالحهِ . ورغم كل الحوارات بينهم وبين أيوب ، رغم لعنه للنهار الذي ولد فيهِ ( 3:3 ) فقد قال بعد ذلك ( ليلعنهُ السحرة الحاذقون في أيقاذ التنين ) " 8:3 " وكلامه هذا نبؤة ، بمعنى أن الشيطان وحش هذا العالم الملىء بالعواصف ، وقد تم سحقه بواسطة ربنا يسوع المسيح . وهكذا فإنَ أيوب البار كان يتكلم في أثناء تجاربه على أسرار محجوبة ، لأن هذا العملاق المنتصر كان يرى بعين الروح إنتصار ربه يسوع المسيح ، له المجد الدائم .
 
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "

24


المثلية العالمية والتحول الجنسي
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  موضوع المثلية الجنسية قديم جداً مارسوه سكان مدينتي سدوم وعمورة قبل 4000 سنة في عهد لوط إبن أخ أبينا أبراهيم فأرتكبوا خطايا جنسية مخالفة لقوانين الطبيعة . وأستمر ممارسة هذه الرذيلة على مرالعصور وفي حضاراتٍ مختلفة ، وتعددت أشكال هذه الممارسات واستمرت لحد يومنا هذا . فتلك المدن التي أحرقها الله بنار وكبريت بسبب خطيئة المثلية الجنسية حيث كانوا يفضلون الذكور على الإناث ، عاد ذلك الشذوذ في عصرنا ليزداد عدد هؤلاء الذين يمتلكون ذلك الميل الشاذ والذين يطلقون عليهم بالمثليين ، وصار لهم علماً ملوناً بألوان كثيرة يرفع في الشوارع العامة وعلى البيوت والمحلات والحدائق ، والسلطات تدافع عن حقوقهم وتساندهم رغماً على إرادة الشعب وتتحدى كل القيم الدينية والمذهبية .
   إزداد إلحاح الغرب على إنتشار المثلية في العالم وخاصةً في أميركا في عهد الرئيس جوزيف بايدن فأدارته عينت الكثيرين من المثلين ومنهم في إدارته ، وسيمارس الضغط حتى على دول العالم الثالث كما مورس في القطر أثناء ألعاب الموندريال رغم قوانين الدولة وعلى أراضيها . الحركة الأولى في أميركا بدأت سنة 1969 فبدأ الدفاع عن حقوق المثلين ، ثم بدأت مسيرات سلمية نظمت من قبل هؤلاء الشاذين لكي يظهروا للعالم على أنهم ليسوا مجرمين ومعلنين عن هويتهم الجنسية الجديدة . إستمرت حركتهم ونشاطاتهم وتطورت في العقود الخمس الأخيرة وخاصةً في أميركا فتطور الأمر في سنة 2015 فأقرت المحكمة الدستورية العليا بمبدأ الزواج من نفس الجنس ، ولا يحق لأي ولاية أمريكية أن تعترض من الزواج من نفس الجنس ، والدفاع عنهم صار رسمياً ، ليس في أميركا فحسب ، بل في 32 دولة في العالم إعترفت رسمياً أيضاً بحقوق المثليين وخاصةً في دول الغرب .   
 فلماذا هذا الهوس للمثلية علماً بأن الأديان السماوية تفسر الأفعال الجنسة المثلية بالإختلال ، فالذي يمارس هذه الأفعال يشوّه الفعل الجنسي الحقيقي الذي هو هبة الحياة للإنسان . فقوانين الكتب السماوية نابعة من الله الذي خلق الإنسان ، فعلى المخلوق أن ينفذ أوامر الخالق لكي لا ينال غضبه كما نال شعب لوط لأن خطيئتهم وصلت إلى السماء ، والسماء أنتقمت من أفعالهم وأبادتهم . ذلك القوم الذي أراد أن يمارس الفحشاء حتى مع ملائكة الله الذين أستضافهم لوط في داره . تلك الخطيئة تتكرر اليوم وتنتشر بشكل مخيف ، بل طال خطرها حتى على الأطفال لكي يحولوا جنسهم رغماً على إرادة الأبوين . إنسان اليوم يبحث عن جديد وإن كان ممنوعاً لهذا أرتأى أن يفضل الإنحراف وبإختياره ليتخذ القرار المضاد للقانون الأخلاقي الذي وضعه الله ليتنجس بتلك العلاقات الخاطئة التي تتحدى وصايا السماء الذي قال ( والذكر لا تضاجعهُ مضاجعة النساء : إنه رجس ) " لا 22:18 " .   
   الله خلق الإنسان ذكراً وأنثى ولم يخلق جنساً ثالثاً . كما لا يخلق ذكراً مع ذكر ، أو أنثى مع أنثى ليمارسوا الجنس مع بعضهم ، بل خلق ذكراً وأنثى . فالذين يتجاوزون على قوانين الله والطبيعة لا يعتبرون هذه السلوك إنحرافاً . والطبيعة تشهد لهم بأن حتى الحيوانات لا تمارس المثلية الجنسية مع بعضها ، بل ذكر مع أنثته . فهل العقل والحرية قادوا أؤلئك الشاذين إلى هذا السقوط لكي يصبحوا أدنى من الحيوان ؟ كان بولس الرسول يزدري الجنسانية ، بل يرفضها لأنها منفصلة عن نظام الوجود . إذ رفضنا الجسد الموجود فإننا نرفض الرب في آخر المطاف ، في حين أنه هو الذي يسمح بالعلاقة بين جسد وآخر ، على عكس الذين يعيشون حياة الفجور ويشيدون بحياة متحررة من كل إلزام .   
أما تعاليم الكنيسة فتنص على أساس إرتباط الرجل والمرأة برباط مقدس لن يتغير ولم يتم التصويت على تغييره ، فلا يسمح للكهنة بإجراء مراسيم زواج المثليين لأنه مناقض للإيمان . 
   العهد الجديد يذكر أيضاً هذه الممارسات السدومية كسلوك غير طبيعية ، فكتب عنها الرسول بولس وقال ( إستبدلت إناثهم بالوصال الطبيعي ، الوصال المخالف للطبيعة ، وكذلك ترك الذَكران الوصال الطبيعي للأنثى وإلتهب بعضهم عشقاً لبعض ، فأتى الذَكران الفحشاء بالذَكران ، فنالوا في أنفسهم الجزاء الحق لضلالتهم . ولما لم يروا خيراً في المحافظة على معرفة الله ، أسلمهم الله إلى فساد بصائرهم فأتوا كل منكر ) " رو 1: 27-28 " . 
   أما عن جزاء تلك الأعمال فهو الهلاك الأبدي بحسب الآية ( أما تعلمون أن الفجار لا يرثون ملكوت الله ؟ فلا تضلّوا ، فأنه لا الفاسقون ولا عباد الأوثان ولا الزناة ولا المخنثون ولا اللوطيون " المثليون " ولا السارقون ولا الجشعون ولا الشتامون ولا السالبون يرثون ملكوت الله ) " 1 قور 6: 1قور 6: 9-10 " .   
   هناك من يبرر أعمال المثليين بحجة تكوينهم النفسي أو العقلي ، وهذا لا يبرر أعمالهم للميل إلى إقتراف الزنى .   
   أما من الناحية العلمية فيذكرعالم النفس التحليلي ( كارل غوستان ) بأن هناك ميولاً أنثوية تعتمر التركيبة النفسية للذكر تسمى ( آنيما ) وبالمقابل هناك ميول ذكرية تسكن الأنثى تدعى ( آنيمو ) وبعبارة أخرى أن في كل رجل هناك أنثى مخفية . وفي المرأة كذلك ، والتنشئة البيئية تلعب دوراً هاماً في إيقاظ مثل هذه الميول . فالولد الذي يعيش في بيت مليء بالأناث فقط ، فجَو ذلك البيت يصبح أرضاً خصبة لأيقاظ الميول الأنثوية ، والعكس صحيح . فعندما يكبر الولد يتخذ سلوكاً مثلياً لأن جَو البيت خلقَ سلوكاً مسبقة لذلك . كذلك عاطفة الأم المفرطة بحنانها لولدها في جميع عوامل النمو فعواقبها ستكون حتماً وخيمة فينتج لذلك الولد شخصية هزيلة يميل إلى الأنوثة وخاصةً عندما يغيب الأب بإستمرار عن البيت . كذلك لوجود نسبة من الجينات الوراثية الخاصة التي تشجع صاحبها للقيام بهذه الأعمال .   
  كما هناك أسباب أخرى تحفّز الشخص لأسقاطه في شرك المثلية الخبيثة ، مثل الأباحية المجتمعية ، ونقص الوازع الديني والتربوي ، وتشجيع الدولة لمثل هذه الأعمال الخاطئة وكذلك أعمال أخرى كالطلاق والإجهاض والموت الرحيم  والزواج المدني وغيرها . فنسبة المثليين والمتحولين جنسياً في أميركا في السنوات الأخيرة إزدادت كثيراً ، فهناك 11 مليون مثلي ، وأكبر مدينة أمريكية تحتوي على المثليين هي نيويورك ثم لوس أنجلوس . تشير التقديرات لبعض الدراسات التي قامت بها مؤسسة غالوب الأمريكية بأن 5.6 % من الأمريكيين يعتبرون مثليي الجنس أو ثنائي الجنس أو متحولين جنسياً .   
  هناك خطة غربية لتقليل النسل في العالم الذي وصل إلى  7.794 مليار ، علماً بأن الأنفجار السكاني مستمر وسريع ومخيف فيجب إتخاذ السبل اللازمة لتقليله إلى الثلث . فيفكرون بتطبيق نظرية العالم البريطاني ( توماس مالتوس ) 1798م والذي يقول ، العالم يتزايد وفق متوالية هندسية متضاعفة ، فمن الأمور المهمة التي يجب تطبيقها :
1- فرض سياسة الطفل الواحد كما تفعل الصين . 2- ترويج فكرة منع الحمل . 3- نشر فكرة الشذوذ الجنسي ( المثلية ) . 4- عدم زيادة رواتب العمال . 5- محاولة رفع سن الزواج . 6- إشعال نار الحروب في الكثير من بلدان العالم .
فالشذوذ الجنسي بحسب خطتهم له إيجابياته لتقليل النسل .   
    إيران في عهد الشاه فلا تعرف كثيراً عن المثلية ، وكانت القوانين تجرم إجراء عمليات التحول الجنسي . أما إيران الأسلامية فتجيز إجراء عمليات التحول الجنسي بشكل واسع ، والآن أصبحت تحتل المركز الثاني عالمياً بعد تايلاند في إجراء العمليات . ف ( مريم مولكارا ) هي أول متحولة إيرانية بفتوى الخميني . فإيران يعتبرها البعض جنة المتحولين جنسياً ، ويراها آخرون جهنم المثليين . وعمليات التحول الجنسي التي تجرى في إيران رخيصة لا تتجاوز ثلث الكلفة في دول الغرب نظراً لفقر إيران إقتصادياً وخاصةً في فترة الحصار الدولي عليها فعملية التحول لا تتجاوز ال ( 7000 ) $ .
وفي العراق أيضاً تسربت هذه الممارسات الخاطئة فبدأ الكثيرين وخاصةً في المحافظات الجنوبية التي إنتقلت إليها بالعدوة من إيران فيفضل الذكور ممارسة الجنس مع الذكور ، أي اللواط . وأماكن تواجد هؤلاء المنحرفين معروفة للكثيرين . وهكذا سيتطور الأمر دون ردع من السلطات ، لا وبل المثلية دخلت إلى ثلاث جامعات عراقية منها الجامعة الأمريكية في السليمانية والتي تعاونت معها ومولها ( الإتحاد الأوربي ) لترويج " الجندر " الذي يهدف إلى القضاء على نوع الجنس ، لأنهم يؤمنون بأن الجنس قابل للتحويل إلى جنس آخر . مصطلح ( الجندر ) بدأ يتردد في المجتمع العراقي وأصبح معروفاً ليتحدى كل القيّم والثوابت الدينية رغم تقاطعه مع قوانين الدولة وشرائعها ، ورغم رفض المجتمع بمختلف طوائفه ومعتقداته لأن ممارساتها مخلة بالآداب والأخلاق . أما الغرب فيسند المثلية ويربطها بموضوع حقوق الإنسان كحجة لدعم هذه العادات الشاذة ، وستعمل تلك الجهات إلى  تطبيق هذه العادات قسراً وجعلته قانوناً في أميركا وأوربا وبدأ العمل بأفلام الكارتون للأطفال لترويج أفكار المثلية الجنسية وهذه المؤامرة الشيطانية هدفها مسخ للخلق وتفتيت العائلة  ، فعلى قادة الكنيسة وغيرها من الأديان التي تؤمن بالله أن تتحرك بقوة مع العائلة  لمقاومة هذه الممارسات قبل أن تفرض على الأسرة لتصبح أسيرة وضعيفة للدفاع عن ما يجري في المدارس وعلى شاشات التلفاز والإعلام لتعليم أطفالهم ولأقناعهم بالإيمان بتلك العادات وممارستها ، إضافة إلى تحويلهم إلى جنس آخر دون موافقة الأبوين .   
أميركا تشجع وتريد أن تفرض آرائها على جميع الشعوب لقبول المثلية مقابل إقامة علاقات جيدة مع المعسكر الغربي . وأعلنت مدينة ميامي كمدينة حرة لمشتريات الجنس العامة ، وهذا يعني بأن حرية ممارسة الجنس ستزحف لتمارس حتى في دور العبادة والحدائق العامة وفي الشوارع . فأميركا التي سمحت بفتح الكنائس الشيطانية علناً غايتها هي ضرب كل القيم الإنسانية والدينية لتحل محلها قيم وقوانين الشيطان . أما ألمانيا فوقعت على قانون ينص على إلغاء رابط القرابة من أجل ممارسة الجنس بحرية حتى بين أفراد العائلة الواحدة .   
   قالت العذراء أثناء ظهورها في الفاطمة – برتغال عن الزواج المثلي :   
 ( أن المعركة الأخيرة للشيطان ستتمحور حول الزواج والعائلة . فظهر الزواج المدني ، وهذا ليس زواجاً بل طريقة مدنية لممارسة الزنا ) . وهكذا تطورت الأمور إلى ما هو أسوأ وهو الزواج المثلي المخالف للطبيعة كأهل سدوم وعمورة في زمن البار لوط . كما أخذت الخطيئة مسارها لتثمر ثمار أخرى جديدة ومتنوعة كالتعدي على الأطفال . كل زواج خارج الكنيسة نتائجه ضرب وصية الزنا . والرب يريدنا أن نمتنع من الزنا لكي نحافظ أجسادنا طاهرة لأنها مخلوقة لسكنى الروح القدس . فكل من يعبد الشهوة فأنه يتحول إلى عابد أوثان .   
  في الختام نقول : الكنيسة لا تعترف بالزواج المثلي فالبابا فرنسيس قال عن المثلية الجنسية بأنها ليست جريمة ، بل خطيئة . لأن الممارسة الجنسية بين المثليين زنى , والله يحب جميع أبناءه . والكنيسة لا تعترف بالزواج المثلي إلا الزواج الصحيح لأجل إنجاب الأطفال .   
رغم كل المبررات التي يدّعونها المثلين فهم مدعون كسائر البشر إلى الإقتلاع من هذه الأعمال ، وترك تلك الرغبات الشاذة والإبتعاد عن أفراد الجنس المثلي للبحث عن الحياة الجنسية الصحيحة وما يشجعه إلى العودة إلى الصلاح بكل قدراتهِ الحسية والروحية والسيطرة على أفعاله وقراراته ونظام الأهواء التي تسيطر عليه ، والبحث عن الفضيلة بترويض النفس لكي يسير مع المجتمع وقوانين الطبيعة فيتزوج من تثمر له أولاد وبنات يفرح بهم ويترَبون في
عائلته فيكونوا له فرحاً وسنداً تخدمه وتخدم المجتمع الذي يحتاج إلى طاقات بشرية للعمل والتطور.
   الخطيئة تثير غضب الله عندما تكبر ، والله العادل ينتقم بدون رحمة كما فعل مع شعب مدينتي سادوم وعمورة ، لهذا قال 
   ( إن الصراخ على سدوم وعمورة قد أشتد وخطيئتهم قد ثقلت جداً . أنزل وأرى هل فعلوا أم لا بحسب ما بلغني من صراخٍ عليها ، فأعلم ) " تك 20:18 " .
 

     

 

25

الإحسان مَلِكَ الفضائل
بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب يسوع ( من سألك فإعطهِ ، ومن أراد أن يقترض مِنك فلا تردهُ ) " مت 42:5"
الإحسان أو الصدقة التي يقدمه الإنسان لأخيه المحتاج ينبغي أن يكون دافعه الحب النابع من القلب لكي يكون عملهُ مقبولاً في السماء ، وأنشودة المحبة التي سطرها لنا الرسول بولس في " 1 قور 13 " يقول فيها ( لو فرقت جميع أموالي ... ولا محبة عندي فلا ينفعني شيئاً ) وطرق الإحسان كثيرة ومتنوعة ، فهناك من يحسن إلى غيرهِ بالمال ، أو بحمايته ، أو بمعالجتهِ ..إلخ وأفضل الإحسان هو النصح ، فرسل المسيح قدموا هذا الإحسان للعالم كلهُ وفرضوهُ على الإحسان بالمال والطعام ، لهذا أوكلوا هذا العمل لأخوتهم الشمامسة لكي يتفرغوا لخدمة التبشير لنصح الناس من أجل الإيمان والخلاص .
الغني بالمال يمتلك أكثر مما يحتاجهُ ، والمطلوب هو إمتلاك خبز الكفاف ، فالغني بالمال يكون فقيراً في الروح فلا يحسده المؤمن على وضعه ، لأن الفقير قد يكون أغنى منه كثيراً .
خير مثال على هذه الحقيقة ، يقول الكتاب ( حتى الكلاب التي كانت تلحس جروح لعازر بلسانها كانت تخفف من آلامه ، بينما الغني القاسي كان عديم الرحمة والإحسان ، فإنهُ لم يكن يعطي له حتى فضلات مائدتهِ ) . وهنا ليس المقصود كل الأغنياء ، بل المختلسين الأغبياء ، فالله الذي جعله غنياً فغايته أن يساعد أخوته المحتاجين . وعلى الغني أن لا يخجل في تقديم عطاياه بفرح لمن أحتاج إليه . وكل من يقدم الإحسان إلى الفقير فإنه يقرض الله ، بل يكنز لنفسه كنزاً لا يفنى في الملكوت ، فلا يضيع شيئاً لهُ وإن كان قدح ماء بارد ، فكم تكون المكافأة عندما تكون الصدقة بإستضافة فقير مهمش إجتماعياً على مائدة العائلة ليتناول معها ورب العائلة يقدم له الخدمة بنفسه كما فعل المسيح لتلاميذه وغسل أرجلهم .
   الذي يريد له بيتاً في السماء فليثق بأن أيادي الفقراء الذين يساعدهم هم الذين يبنون له مسكناً في الملكوت . المسيح لا يكرم الذين يصنعون المعجزات بسبب إيمانهم ، إنما الذين يعملون بوصاياه ، فيقول لهم في اليوم الأخير ( تعالوا يا مباركي أبي ورثوا الملكوت ... لأني كنت جائعاً فأطعمتموني ... إلخ ) .
   على الصائم أن يقدم الصدقة للفقير لكي يصبح صومه مقبولاً ، وعكس ذلك فصومه يكون أسوأ من السِّكرِ والشراهة لأنه لم يظهر أعمال الرحمة والمحبة .

   من يريد أن يصبح غنياً ، فمن الأفضل أن يصبح فقيراً في هذا العالم لكي يتمكن فيما بعد أن يغتني فليعطي ما يقتنيه كإحسانات للمحتاجين لكي يحصد ما هو أفضل . وهذه كانت وصية الرب للشاب الغني .
الأعمى الفقير الذي ينال صدقة ، سيقود بيدهِ المحسن إليه البصيرفي الطريق الصحيح المؤدي إلى الخلاص . مؤمنون كثيرون عندما يصيبهم أمر محزن يسرعون إلى عمل الإحسان فيشعروه بفرح يدخل في قلوبهم .
  عمل الرحمة عظيم جداً لأنه يجعل الرحماء مساوون لله ، لهذا قال يسوع ( كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي رحيم ) .
   الله عندما يشفق علينا نحن الجياع إلى البر فيطعمنا جسده السري . وعندما يريد أن يروينا فلم يحزن على دمهِ الثمين . أما نحن فنبخل على الفقير المحتاج على قطعة خبز أو المال . لهذا لا بد للمسيح أن يقول لكل إنسان ، إذا لم تحسن إليّ بمساعدة أؤلئك الفقراء علماً بأنني كابدت لأجلك ، فما أطلبه منك هو أن ترحم فقري في أخيك الإنسان الذي متُ من أجلهِ . تذكر عندما كنت عارياً على الصليب لأجل خلاصك ، فلماذا تريد أن أتعرى مرةً أخرى بسبب أنانيتك .
   كل عمل الإحسان يصعد إلى السماء أمام الله . يقول الكتاب ( يا كورنيليوس أن صلواتك وإحساناتك صعدت أمام الله ) وهكذا فمهما تحمل من خطايا فأن صدقاتك ستكون سبب في محو كل تلك الخطايا ، بل قال أحد القديسين ، سيحاسبنا الديان في يوم الدينونة على قدر المحبة التي نمتلكها .
إذاً لنلجأ إلى عمل الإحسان لأنه ملك الفضائل ، وهو الذي سيرافقنا إلى الفردوس ، فالرحمة أمر خالد لا يموت ، ولا ينال الفساد ، ولا تطفأ شعلته . فمن لديهِ موهبة الإحسان فإنه أعظم من الذي يمتلك قدرة لإقامة الموتى . فالصدقة ليست خسارة ، بل تجارة مربحة وناجحة .
أخيراً نقول : لا تبسط يديك نحو السماء أكثر مما تبسطها إلى الفقراء ، فعندما تبسط يدك إلى أيدي المحتاجين إليك عندها ستلامس قمة السماء بحد ذاتها . وذاك الجالس على عرش السماء هو الذي يستسلم صدقتك . الرسول بولس يوصينا بإعطاء الصدقة بفرح فيقول ( كل واحد كما ينوي بقلبهِ ، ليس عن حزن أو إضطرار ، لأن المعطي المسرور يحبه الله ) " 2 قور 9:7 " .
 لا وجود لمحبة الله دون محبة القريب أولاً . إذا كان الهلاك لمن يكنز أموالاً ولا يقدمها للفقراء ، فكم بالحري سيكون الحال أسوأ لمن يقدر أن يعطي نصيحة خلاص للآخرين ولا يعطيها ، ولا يبشر بالكلمة التي هي غذاء الروح ، وذلك لأنك أيها الإنسان عندما تعطي صدقة بالكلمة التي هي غذاء الروح ، وذلك لأنك عندما تعطي صدقة فأنت تغذي الجسد إلى حين ، ولكن عندما تبشر بكلمة الإنجيل فإنك تخلص النفس من الهلاك الأبدي .
   الصدقة تعين موت الجسد ، والكلمة الصالحة يبعد موت النفس . . ونختم بالقول : أعط خبزاً للمحتاج قد إستطاعتك . وإن لم تملك الخبز فإعطي فلساً واحداً . وإن لم تمتلك فلساً فإعط ماء بارد . أحتى هذا لا تملك ؟ فإحزن مع الحزانى ليكون لك أجراً في السماء .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن )" رو 16:1 "

26

العلاقة بين الخبز النازل من السماء في العهدين
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب لموسى ( هاءنذا ممطر لكم خبزاً من السماء ) " خر 4:16
           
   بعد خروج الشعب العبري من مصر عَبروا بحر القصب ( الأحمر ) فوصلوا في الصحراء وبعد وصولهم إلى برية سين الواقعة بين ( أليم ) و ( سيناء ) في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني لخروجهما من مصر . تذمر الشعب على موسى بسبب الطعام ، فتذرع موسى إلى الله ، فقال له الرب ( هاءنذا أمطر لكم خبزاً من السماء ، يخرج الشعب ويلتقطهُ طعام كل يوم في يومه ، لكي أمتحنكم ، أيسلكون على شريعتي أم لا ) " خر 16: 4-5 " . وأخذ الشعب يتذمر أيضاً على موسى وهارون قائلين ( ... كنا نجلس عند قدر اللحم ونأكل من الطعام شبعنا .. ) سمع الرب تذمر بني إسرائيل ، فقال ( بين الغروبين تأكلون لحماً وفي الصباح تشبعون خبزاً وتعلمون إني أنا الرب إلهكم ) " خر 12:16 " أطلقوا بني إسرائيل على ذلك الخبز ( المنّ ) ، وهوأبيض اللون كبزر الكزبرة ، وطعمهُ كقطائف بالعسل . كان في كل يوم ينزل من السماء كطبقةٍ من الندى حواليّ المخيّم . فكانوا يرون على وجه البريةِ شىء دقيق مُحَبَب ، دقيق كالصقيع على الأرض فلما رآه بنو إسرائيل ، قال بعضهم لبعض : ( من هو ) لأنهم لم يعلموا ما هو . فقال لهم موسى ( هو الخبز الذي أعطاكم إياهُ الرب مأكلاً ) . أمر موسى هارون ، وقال ( خذ وعاء وإجعل فيه ملء العمر مناً وضعه أمام الرب ، ليكون محفوظاً مدى أجيالكم ) وقد تم وضعه بعد ذلم في تابوت العهد .
  أكل بنوإسرائيل المنّ أربعون سنة ، إلى أن وصلوا إلى أرض كنعان .
   الصحراء هي المكان الذي يمتحن الشعب اليهودي فيه ، وأنه المكان التي يستعد فيه الشعب للدخول إلى أرض الميعاد . فالله إمتحنَ شعبه في الصحراء لكي يكتشف أعماق قلب الإنسان ويحسن إليه ، قال ( ليذللك ويمتحنك ،ليحسن إليك في آخرتك ) " تث 16:8 " . الصحراء كان مكان إقرار العهد مع الله والإصغاء إلى كلامهِ ووصاياه لكي يرتبطون معه بعلاقة حب وثقة . كان موسى يتذرع إلى الله ويصرخ إليهِ بسبب طلبات الشعب المستمرة ، وهناك وضع الرب فريضة وشرعاً ، وهناك إمتحنهم . الله يمتحن . أما الشيطان فيجرب ، والمحنة التي يمر بها الإنسان مؤلمة لأنها تكشف له حقيقة معدنه كما يصهر الذهب ليطهر فيزداد نقاءً . فكل من يتحمل وهو يصغي إلى صوت الله ويصنع المستقيم في عينيهِ ويعمل بوصاياه وفرائضهِ ، فالله سيحفظه ويكافؤه .
   المنّ والسلوى هو خبز نازل من السماء . وهو هبة إلهية للشعب العبري . وفي الوقت ذاته كان محنة للشعب ، لأنه لا يعطى بإستمرار ، بل حسب الحاجة فقط لأن الله يعطي خبز الكفاف فقط وعلى الإنسان أن ينظر إلى حاجتهِ فقط ويتأمل بخوف في الموت لكي يسلّم حياته إلى الله . وكان على الشعب اليهودي عندما كان يتلقى خبزالسماء أن يزداد ثقتاً وعلماً عن الله الذي يحبهُ ويرسل له الخبز كل يوم . إضافة إلى الخبز كان يظهر لهم الله في الغمام ، فكانوا يرون مجده . أما الإنسان الذي يفقد ثقتهِ بالله يلجأ إلى التكديس كما فعل البعض في تكديس المنّ ، فسببه هو الطمع وعدم ثقتهِ بخالقه . ففي المنّ حقيقة أخرى هي إمتحان ثقة الشعب . المنّ المعطى من السماء هو رمز لخبز السماء الحقيقي الذي سينزل إلى الأرض في العهد الجديد . فالمنّ في عهد موسى كان بمثابة وعدٍ ورمزٍ لخبز السماء الذي سينزل على المؤمنين بالمسيح المتجسد في العهد الجديد .
  قال اليهود للمسيح ( آبائنا أكلوا المنّ في البرية كما جاء في الكتاب : أعطاهم من السماء خبزاً ليأكلوا ) فأجابهم يسوع ( الحق الحق أقول لكم : لم يعطكم موسى خبزاً من السماء ، وإنما ابي هو الذي يعطيكم الآن خبز السماء الحقيقي ، فخبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم ) " يو 6: 31-32 " . المن قبل أن يكون طعاماً للجسد هو وعد الله ، وهو كلمة حية تخرج من فمه ، لأن ( ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) " تث 3:8 " . فالله الذي أطعمَ الإنسان طعاماً ، أعطى معه كلمته الحية ، فالمن والكلمة مرتبطان إرتباطاً وثيقاً ، وكلاهما طعام الإنسان . لهذا أستشهد يسوع في ردهِ على المجرب في مشهد التجربة ( طالع مت 4: 1-11 ) . فالإنسان لا يعيش بالخبز وحدهُ ، بل بالكلمة الإلهية التي تغذي النفس ، وكلمة الله هو المسيح الذي هو الخبز أيضاً النازل من السماء . أي أنه الخبز والكلمة معاً ، لهذا قال لليهود ( أنا الخبز الذي نزل من السماء ) " يو 41:6 " فتذمروا عليه وأثار كلامه جدلاً عنيفاً ، وخاصةً عندما قال ( إذا لم تأكلوا جسد إبن الإنسان ، وتشربوا دمه فلا حياة لكم في داخلكم ) " يو 53:6 " إنه الخبز السماوي الحقيقي وليس كالمنّ الذي أكله الشعب العبري ثم مات . فالذي يأكل جسد الرب يسوع ويعمل بوصاياه ستكون له الحياة . أي من يأكل جسد الرب ويشرب دمه في سر الإفخارستيا بإستحقاق فسيحيا وينال الحياة الأبدية ، فعلينا أن ندرك عظمة سر إفتداء البشر ومدى إستحقاقنا له عندما نتهيأ لتناول ذلك الخبز السماوي النازل على مائدة الرب فوق مذبح الكنائس . مجداً لأسمه القدوس . 

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "

27

قدسية الزواج في العهد القديم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

 
( فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكراً وأنثى خلقهم )
" تك 27:1 "

    أختار الله له شعباً وأسماه شعب ( إسرائيل ) لكي يكون له عروساً في العهد القديم ، والعروس يدخل مع العريس في مجد داخلي سماوي ، والعريس يشتهي جمال العروس الروحي " مز 45: 9-10 " . وإن خان الشعب المختار خالقه الذي إختاره من بين كل أمم الأرض ، فيعتبره كالزوجة الزانية ( طالع هو 4:2 ) لكن الله الأمين والصالح لا يهجر عروستهِ ، بل يعود عن قرارهِ ، لأن رحمتهِ عظيمة تتجاوز خيانة الزوجة ، لكن بعد أن يؤدبها بسياط الأمم ومن ثم يعيدها إليهِ ويتعهد لها عهداً جديداً . 

   يقول النبي إشعياء ( ... الجبال تزول ، والتلال تتزعزع ، وأما رأفتي فلا تزول عنك ، وتعهدي بسلامتك لا يتزعزع ) " 54: 7-10 " . 

   وسفر نشيد الأناشيد يصور لنا فيهِ الملك سليمان الزواج بين العريس والعروس فيعبّر عن حبهما وكأنهما يحتفلان بحب أمتزجت فيه معالم حب شهواني أرضي بحب سماوي صوفي . فالحبيبة تكلم حبيبها بأسلوبها الأنثوي الرائع . وحبيبها يرد عليها بدورهِ بصور أدبية تعبّر عن خبرة الجمال والحب المتقد في قلبهِ ، وقد وجد المختصون في ذلك السفر أروع ملاحم الحب الروحي والذي يصلح لكل إنسان يتوق إلى حب العريس إلاهه . وهكذا بدأ الحب بين الناس إبتداءً من آدم وحواء في لحظة لقائهما الأول . فالعريس آدم كان يعبّر عن الإنجاب والإندهاش من منظر جسد حبيبتهِ ، فكان ينظر إليها بإعجاب . أما عيون عروستهِ وقلبها فكان يغمران في بحر أنوثتها لتشاهد الجمال الأسراري في ذكورة حبيبها آدم . وجمال الجسد هو إستعارة مجازية للقداسة التي تغيب فيها الخطيئة . واللاهوت المسيحي يجد في سفر نشيد الإناشيد نبعاً ثرياً لللاهوت الروحي . والمنهج الروحي لا ينكر المنهج الحرفي ، إنما يهبهُ قيمة غنية وكاملة . فحين ينادي الحبيب حبيبتهِ قائلاً ( قد سبيتِ قلبي يا أختي العروس ) " نش 9:4 " قد نصطدم من هذا التعبير لأنه ينادي عروستهِ بالأخت ، لكنهُ يقصد بها أختهُ في الإنسانية فلا يستند إختلافهما على الجنس ، بل في طريقة العيش المشترك ، فإنهُ أحبها بهوى الزواج ، وبنقاء الأخوة . فالحب الحقيقي يجب أن يتجاوز شهوانية الجسد من أجل الإنطلاق نحو التسامي . 

  في العهد القديم بدأ الزواج مقدساً بين الزوجين اللذان يتحدان ليكوّنا جسداً واحداً ، فلا يكونان إثنان بل واحد ، أي صورة الإنسان الكامل والذي يكَمِل وحدته ( الزوج والزوجة ) بسبب الحب الصادق هو الله ، لهذا تقول الآية ( إذاً ليسا بعد إثنين بل جسد واحد . فالذي جمعه الله لا يفرقهُ إنسان ) " مت 6:19 " . 

   كما أحب الله عروستهِ في العهد القديم فعلى الزوج أن يحب زوجتهِ . وهذا الحب يكمل عندما يكون مرتبطاً بالله العريس المحب لشعبهِ . لهذا نقرأ في سفر طوبيا بأن عائلة طوبيا عاشت في زمن الأسر في نينوى سنة 722ق.م كعائلة يهودية تقية ونقية رغم معاناتها من المشقات والإضطهاد إلا أنها حافظت على شريعة الله . شهد طوبيا لحقيقة مهمة وهي ( أن الحب شديد كشدة الموت ) بل حب الحبيب يتحدى الموت من أجل حبيبته وكما فعل الرب يسوع على الصليب ، وعلى الصليب مات من أجل خلاص عروسته ِ . سفر طوبيا تحدث عن قصة حب بين العريس والعروس ، كان حبهما أقوى من الموت . والله ساعد طوبيا وسارة وجمعهما بملاكهِ روفائيل ، رغد خطورة الزواج من سارة التي تزوجت سبع مرات قبل زواجها من طوبيا فكان كل زوج من أزواجها الأولين يلاقي حتفهُ في ليلة زواجهِ منها . لكن بسبب الحب لم يتوان طوبيا في التقدم للزواج منها وبتشجيع من رفيقه الملاك ، فكان حبهِ لسارة عظيماً رغم اللعنة التي إستهرت بها . في ليلة الزواج قال لسارة قومي نصلّي إلى الله حتى يتحنن علينا . فقال ( مبارك أنت ، يا إله آبائنا ، ومبارك أسمك إلى جميع الأجيال  الآتية ! لتباركك السموات وجميع خلائقك أبد الدهور ! أنت صنعت آدم  ، أنت صنعت له عوناً وسنداً ، حواء إمرأته ومنها خرج الجنس البشري ، وأنت قلت :  لا يحسن أن يكون الإنسان وحده فلنصنع له عوناً يناسبهُ . والآن فلا من أجل الزنى أتخذ أختي هذه زوجة ، بل في سبيل الحق . ، فإرحمنا يا رب حتى نشيخ معاً . وقالت سارة معه : آمين ، آمين ) " طو 8: 5-9 " . 

  تبدو هذه الصلاة الوحيدة في أسفار الكتاب المقدس التي قيلت في العهد القديم قبل أن يتحد الزوجان ليصيرا جسداً واحداً . 

  وأخيراً نقول أن الزواج في العهد القديم كان مقدساً ، ويجعل من العريسين واحد في عائلة واحدة مقدسة . ومباركة من قبل الله ، وهم يحافظون على أرثهم الروحي كأبناء وبنات الله وترافقهم بركتهِ كما بارك إبراهيم وإسحق ويعقوب . وإختيار الزواج الصحيح والناجح من أجل العيش المشترك تحت سقف واحد يغرهم الإيمان والحب لله وتكوين عائلة مؤمنة فهو طريق نحو إختبار ملكوت الله ضمن الحياة الأرضية رافعين صلاة الحمد متسلحين بسلاح الحماية لهم ، ومتكليم على من وحدهم في جسد واحد . 

إلى اللقاء في موضوع ( قدسية الزواج في العهد الجديد ) .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن )  ” رو 16:1 "


28
الصلوات المرفوضة عند الله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( من يحوّل إذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة ) " أم 9: 28 "
   الله يريد من كل مؤمن أن يصلي لأن الصلاة هي علاقة شبه مباشرة مع الله . فعندما يتحدث المصلي إلى الله بصلاة فردية شخصية فإنه يرفع إلى الله طلباته الضرورية لكي يلتمس العون منه ، فوجوب الصلاة المستمرة واجب لكي تدوم العلاقة الحميمة مع الخالق ( لو 1:18 ) والرسول بولس نصحنا للصلاة على الدوام وبدون إنقطاع ، رافعين الشكر إلى الله ( 1 تس 17:5 ) . في الصلاة نحن نتكلم والله يصغي ، لكنه لا يبقبل كل الصلوات ، فهناك إستثناءات في حالات كثيرة لا يسمع الله إلى صلاة المصلي إليه . منها صلاة الغاضب ، فالغاضب على أخيه لا يستحق أن يتناول القربان ، بل عليه أن يذهب أولاً ويصالح أخيه ، وبعد ذلك يأتي ويتقدم إلأى المائدة المقدسة . كذلك لا يسمح الله إلى صلاته فلا يقيم معه علاقة حب ، وبحسب الآية ( إذا لم نحب الإنسان الذي نراه ، فكيف نحب الله الذي لا نراه ) . المؤمن الحقيقي عليه أن يقتدي بأبيه السماوي الطويل الأناة ، والمحب . لا يجوز للإنسان أن يغضب على الأخرين بل على نفسه ، لأن الغضب لا يصنع بر الله ( يع 20:1 ) ، والغضب على الذات سيقود إلى التوبة ، ويسمى ب ( الغضب المقدس ) . كذلك الله لا يسمع صلوات الخاطىء لأن الخطيئة تعمل كحجاب حاجز بين المصلي والمصلي إليه . فعليه أولاً أن يتوب الإنسان من خطيئته ، وبعد ذلك يرفع صلاته بكل تواضع لكي يقبلها الله كصلاة جابي الضرائب في الهيكل الذي قرع صدره قائلاً ( أرحمني يا الله أنا الخاطىء ! ) " لو 13:18" ، وهذا ما قاله الرب على لسان إشعياء النبي ( ها أن يد الرب لم تقصر عن أن تخلص ولم تثقل إذنه عن أن تسمع ، بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت عنكم حتى لا يسمع ) " 59: 1-3 " فالخاطىء هو إنسان شرير في عين الله الذي يرفض صلاته ( ذبيحة الأشرار مكرهة الرب ، وصلاة المستقيمين مرضاتهُ ) " أم 18:15 " .
   أما صلاة البعيدين عن الكتاب المقدس فأيضاً مرفوضة ، ففي العهد القديم نقرأ ( من يحوّل إذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة ) " أم 9: 28 " إذاً قراءة الكتاب المقدس يومياً مطلوبة لأنها الغذاء الروحي لنا . فعندما نصلي نتحدث إلى الله ، لكن عندما نقرأ الكتاب المقدس فالله هو المتكلم ونحن نصغي إلى كلامه ووصاياه ، بل يغذينا غذاءً روحياً كل يوم ، ويجب أن نتناوله كل يوم لكي لا نشعر بالجوع الروحي ، لهذا قال يسوع ( ليس بالخبز وحده يخبا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) " لو 4:4 وتث 3:8 " فكلام الله هو مصدر الحياة . أما لماذا لا تقبل صلاة من لا يقرأ كلمة الله أو يسمع لها ؟ فلآنه لا يحترم الله ، ولا يريد أن يسمع إلى وصاياه ، بل يهملهُ ولا يتذكرهُ ، فالله أيضاً سيعامله بالمثل فلا يسمع هو الآخر إلى كلامهِ . هناك فرق بين من لا يعرف وبين من لا يريد أن يعرف طريق الله . فالمؤمن يجب أن يكون عاملاً بكلمة الله أيضاً لكي يطوبه الله ( بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونهُ ) ينبغي للإنسان أن يختار له طريقاً واحداً ، أما مع الله أو بعيداً منه . فلا يستطيع أن يعبد إلهين . أما الله ، أو العالم وما فيه . لهذا يحذرنا الكتاب ، فيقول ( حتى متى تعرجون بين الفرقتين : إن كان الرب هو الله فإتبعوه ، وإن كان البعل فإتبعوه ) " 1 مل 21:18 " وهذا ما أكدهُ لنا يسوع ، قال ( من ليس معي فهو عليّ ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق ) فصلاة من لا يكون مع الله مرفوضة ، وإيمانه فاتر ، أي ليس حاراً ولا بارداً ، والرب سيتقيأهُ من فمهِ ( رؤ 36: 3 ) .
   كذلك صلاة الإنسان الظالم لأخيه الإنسان مرفوضةُ أيضاً ( ظالم الفقير يُعيّر خالقهُ ، ويمجده راحم المسكين ) " أم 13: 14 " كذلك يقول ( مبرىء المذنب ، ومذنب البرىء كلاهما مكرهة الرب ) : أم 15:17 " . فالله يحذّر الظالم وخاصةً من يظلم الفقير والضعيف لأن صراخه يصل إلى محضر الله ، لهذا لا يسمع الله إلى صلاة الظالم . كما يرفض صلاة الخائن ، كيهوذا الأسخريوطي الذي خان الرب من أجل المال ، لهذا كتب عنه ( ... ولتحسب له صلاته خطيئة ) " مز 7:109 " .
في الختام : الله يكره خطيئة الخيانة والكذب والحقد والإنتقام ، فلا يصغي إلى صلاة من يعيش في الخطيئة ، لأن الخطيئة تفسد الصلاة النابعة من قلب خاطىء ، والعلاج هو التوبة أولاً ، والإعتراف بالخطايا ، والله أمين وعادل فيغقر للتائب خطيئته ويطهره من كل إثم ( يو 9:1 ) ويسمع إلى صلاته فيعيد العلاقة بينه وبين عبده التائب .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "


29

سّر قُوَة الصّلاة وَتأثيرِها
                                       
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( فكل شىءٍ  تطلبونه وأنتم تُصلّون بإيمان تنالونهُ ) " مت 22:21 " . 

     الصلاة واجب مقدس على كل مؤمن لأنها صِلة وعلاقة محبة تربط المُصلّي مع الخالق . وللصلاة تأثير كبير في حياة المؤمن أو للذي ترفع لأجلهِ الصلاة . أهداف الصلاة كثيرة ومهمة في حياة الكنيسة المقدسة عامةً لتغيير وجه العالم بقوة الروح القدس الساكن فيها . كثيرون هم الذين يعتمدون على الصلاة المرفوعة لهم من الأحياء والأموات والأعداء والضالين البعيدين كل البعد عن الله . لا يمتلك الإنسان قوة أخرى لها تأثير قَوي أكثر من قوة الصلاة التي تغيير واقع البشرية كلها . فبالصلاة تستكن الحروب ويسود السلام والوئام والعدل . وبالصلاة يتحرر المظلومين من قيود الظلم . وبها يتحول الخاطىء إلى تائب عفيف ، والبخيل إلى كريم ، والعدو إلى صديق ، والحرب إلى سلام . فالطلبات المرفوعة من قبل أعضاء الكنيسة المؤمنين يستجيب لها الرب ، وخاصة صلاة الأبرار . تقول الآية ( صلاة البار الحارة لها قوة عظيمة ) " يع 17:5 " . على المؤمن أن لا يرفع صلاتهِ لأجل مصالحهِ الشخصية ، أو للمقربين له فقط ، بل لأجل الذين ليس لديهم من يصلي لأجلهم ، والمحتاجين إلى الصلاة كالملحدين العائشين في الظلام . فالمحبة شاملة وتحرك الضمير ليشعر المُصلّي بأنه مسؤول أمام الله أن تشمل صلاتهِ كل إخوتهِ في الإنسانية لكي يتغيروا ويتوبوا ، وليس هناك شىء غير قابل للتغيير بالصلاة ، لكن المهم أن تكون الصلاة من قلب محب ونابعة من الأعماق ، طالباً من روح الله الساكن فيهِ أن يؤازر لك المحتاج إثناء صلاتهِ . يجب أن ترفع الصلاة بالروح ، فنقول لله الآب ( أبا ، أبتِ ) " مر 36:14" ليس لأحد عذر لعدم الصلاة . والكتاب يطلب وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل ( لو 1:18  ) . الصلاة من أجل الأعداء هي أقوى وأهم من الصلاة لأجل الذات أو الأقرباء ، بل هي سلاحاً عظيماً مؤثراً أمرنا بها الرب يسوع فعلينا أن نستخدمها ، وهذا النوع من السلاح لا يملكه أي دين أو معتقد . ، وبهِ نستطيع تغيير القوانين والأفكار والمعتتقدات لكي يتعرف العالم ويؤمن بالله وبرب المجد الذي مات من أجل الجميع ، تقول الآية  " يو3:17"  ( والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك ، ويعرفوا الذي أرسلتهُ ، يسوع المسيح .. )
   لصلاة ضروريات كثيرة تُقَدِم لأجل إحتياجات الناس وخاضة في ضيقاتهم وآلامهم ، وأوجاعهم ، ومن أجل الراقدين على رجاء القيامة المحتاجين إلى الوصول إلى مصيرهم الأبدي بالصلاة المرفوعة من الكنيسة المجاهدة والرب الإله يسمع ويقبل الطلبات لأنه إله محب يغّر مواقفه من الغير مستحقين . فالصلاة نافعة للراقدين والأحياء عندما ترفع بلهف القلب ، وهذه مسؤولية عظيمة ومهمة للكنيسة أساسها المحبة الحقيقية التي نفخها الرب الإله فينا . 
   الصلاة القلبية لا تذهب سدى أبداً ، فإذا رفعت من أعماق القلب فالله سيسمعها ، ويقبلها ، ويستجيب لطلباتها في الوقت الذي يراه مناسباً ، قال (فكل شىءٍ  تطلبونه وأنتم تُصلّون بإيمان تنالونهُ ) " مت 22:21 " . 
   الصلاة هي العلاقة التي تقربنا من الله ، بل هو يقترب منا لنشعر بوجودهِ في حياتنا ـ وعلينا أن نحاول إلتماس محبة الله فينا لكي نشهد لمحبته لللآخرين ، ومن الأفضل أن يقترن الصلاة بالصوم لكي ندخل في عمق العشرة مع الله عندما يكون الذهن مشدوداً نحو السماء . والله يؤكد موضوع الصلاة وأهميته في الخفاء ( الصلاة الفردية ) لكي يحذرنا من عدو خبيث قائم في نفوسنا ، وهو المجد الباطل الذي يدل على أن الإنسان يعبد نفسهُ ، لهذا يطلب من الذي يصلّي الصلاة الفردية أن يدخل إلى مخدعهِ لكي يكون بعيداً عن أنظار الناس ومديحهم . 
   أخيراً نقول : الله يريد أن يتحوَّل كل إنسان إلى إله صلاة لتغيير المجتمعات ، وتغيير مصائر الشعوب الغير مؤمنة ، أو التي تركت الإيمان ، فبالصلاة نستطيع أن نجدد وجه العالم الملحد إلى عالم مؤمن . والله الذي إعطانا الصلاة ، سيعطي لجهودنا الثمار لأنه إله عظيم ومُحب . والمجد له في كل حين . 
التوقيع( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "


30

ضرورة مقاومة عبودية الجسد لإكتساب حرية الفكر

بقلم / وردا إسحاق قلّو
( .. لأنكم إذا حييتم حياة الجسد تموتون . أما إذا أمَتُّم بالروح أعمال الجسد فستحيَون )
" رو 13:8"
    لأجل مقاومة الإنسان القديم فينا لنولد ثانيةً مع آدم الجديد ( الذي خلق بحسب الله في البر وقداسة الحق ) " أف 24:4 " علينا أن نقتدي بالمسيح ونلتزم بوصاياه  .
    الجسد بحد ذاته ليس سيئاً لأن الله خلقهُ وألبس إبنه المتجسد جسداً كالإنسان ، لكن يسوع عمل بتمجيدهِ ، هكذا ينبغي على كل إنسان أن يحفظ جسده طاهراً من كل دنس لكي يصبح نقياً كما كان جسد المسيح ، فأجساد المختارين ستتغير وتتمجد بقوة المسيح (الذي يبدل جسدنا الحقير فيجعلهُ على صورة جسدهِ المجيد ) " في 21:3 " ولكي نُقَيّد الجسد من أطماعه ومتطلباتهِ الكثيرة لأجل الوصول إلى الحرية ، علينا أن نتعاطى الفقر الطوعي لنحذو حذو الذي من أجلنا إفقتقر وهو غني " را 2 قور 9:8 ) ، وقد عَلّمَنا طريق الحياة المسيحية الطاهرة بأن نكتفي بخبز الكفاف ، وأن نتقيّد وإلى أقصى حد من الإمتلاك مما لهذه الدنيا وذلك ( لأن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله ) " لو 25:8 " . كانوا النساك والمنذورين أنفسهم ليسوع يقتدون بحياته الأرضية ، هذا الذي لم يكن له مَسنَداً يسند عليهِ رأسهِ . كان رسولهُ بولس يعتز بتجردهِ الذي كان يكفل له الحرية والإستقلال تجاه رفاقه من المؤمنين ، ولكن تلك الحرية أزاء الآخرين لم تكن سوى علامة حرية الروح العميقة عندهُ إذ ( كان يستعمل هذا العالم وكأنهُ لا يستعملهُ ) " 1 قور 31:7 " . وعبارته ( أقمع نفسي ) تفترض إننا أيضاً أن نسعى وراء بذل الجهود ، وتحمل التضحيات ، من تلقاء أنفسنا محبةً بالله ، ومن قبيل التقشف ، ولكن يجب أن لا نصل بذلك إلى حد المخاطرة . هذا هو الطريق الأسلم الذي يقودنا إلى الحرية الأبدية ، لأن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات ، لأجل العيش للروح ، فنسلك حينذاك بحسب الروح بعيدين عن شهوات الجسد . كل مسيحي حصل على الحرية عند إعمادهِ في المسيح القائم ، فإمتلكها بنعمة السر ، ويجب أن يكتسبها بالعناء على الصعيد الأخلاقي وذلك ببذل الجهد والعيش في أمانة مستمرة للروح القدس الذي يسكن في كل مؤمن . الروح القدس يقودنا إلى الحرية . وأول خطوة لهذه الحرية هي المحبة التي تلخص بوضوح كل الكلمات ، وتقول ( إن الحياة في حرية الروح هي المحبة ) والمحبة الحقيقية لا تأتي من جهد الإنسان ، بل هي من صنع الله العامل في الإنسان . لأن المحبة عطاء إلاهي لبني البشر ، لهذا يقول الكتاب ( إن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس وهِبَ لنا ) " رو 5:5 " .
   من المحبة تأتي الشركة والعلاقة لكي يصبح الكثيرين واحد في المسيح ، والقربان المقدس هوسّر هذه الوحدة الرفيعة في الإيمان والمحبة ، أي إنهُ علامتها الفعالة ، فهو يرمز إليها ويحققها : يرمز إلى حين يجمع كافة المؤمنين في يسوع حول مائدةً واحدة ويطعمهم خبزاً واحداً نازل من السماء بقوة الروح القدس . وهكذا يحقق عملية إتحاد الكثيرين في جسد المسيح التي إبتدأت في المعمودية . فتناول الحمل المذبوح يُؤمِن في الكنيسة تلاحم شعب الله وتماسكهِ ، والقربان المقدس ينجز وحدة الكنيسة ويوَطّدها بشكل سرّي في جسد إبن الله الممجد . إننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد " 1 قور 10: 16-17 " . بالمحبة تحطّم حواجز متطلبات الجسد المنغلق على العالم لأنانيتهِ لينطلق الإنسان إلى الحرية فيعيش حياة الله على الأرض والتي تنمو بإستمرار والتي يحييها روح الحب .
   للمحبة إذاً جوانب مهمة غير الجانب البشري ، ولكن هذا لا يعني أنها غير بشرية . إنها لا تنعم إلى دقات قلب الإنسان ، بل أنها تستخدم تلك الدقات وتنظمها وتبعث فيها السلام الحقيقي , وفي الوقت نفسه توسّعها وتعطيها الكمال الذي يحرر الإنسان من كل العوائق . المحبة تفتح الحرية وتحققها ، وهي الشىء الكامل الذي لا يسقط ( 1 قور 13: 8-10 ) .
ولإلهنا المحب المجد دائما
 
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 "




31
هل أعتبر مار بولس رسائله إنجيلاً خامساً ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
      
( ... دعاه الله ليكون رسولاً وإصطفاه ليبلغ بشارته )" رو 1:1 "


   الإنجيل المقدس المتداول اليوم دونه أربع أشخاص وهم ( متى – مرقس – لوقا – يوحنا ) ، ليست أربع أناجيل ، بل إنجيل واحد وهو إنجيل ربنا يسوع المسيح دُوِنَ بحسب أربعة شهود، فهل هناك كاتب آخر للإنجيل ؟ 
     كان ليسوع إثنا عشر رسولاً . أما الرسول بولس الذي يعتبر رسولاً أيضاً ، إبتدأ حياته عندما كان شاباً مناهضاً للكنيسة ، ثم صار مؤمناً بعد ظهور الرب يسوع له في طريق دمشق . عبّرَ بولس عن هذا الحدث قائلاً ( قَبَضَ عليَّ يسوع المسيح .. ) " فل 12:3 " بعد ذلك آمن وتعمد فغيَرت حياته وأستولى عليه شغف المسيح وأمتلأ من الروح القدس " أع 18:9 " . بعد ذلك جعله الله إناءً لنقل كلمته إلى الأمم وكما كتب شهادته إلى القورنثيين ، فأصبحت بشارة الأنجيل ضرورة عندهُ ، قال ( فإذا بشرتُ ، فليس في ذلك مفخرة ، لأنها فريضة لا بد لي منها ، والويل لي إن لم أبشر ) " 1 قور 16:9 " لكن ما هو محتوى الإنجيل الذي بشرَ به بولس ؟ ولماذا يصّر على حقيقة أنه لا يوجد سوى إنجيل واحد طالع ( غل 1 : 6-8 . 2 قور 4:11 ) . يقول ( الإنجيل الذي بشرنا كم بهِ) ، إنها أول ملاحظة تدهش قارىء رسائله . فهل رسائل الرسول بولس تعتبر إنجيلاً خامساً ؟
   يظهر أنه يشير بلا تمييز إلى إنجيل الله أو ببشارته بصورة شاملة  ( طالع 1 تس 8:2 ، رو 1:1 ، 2 قور 7:11 ) أو إلى إنجيل ربنا يسوع المسيح ( 2تس 8:1 ) أو إنجيل الإبن ( رو 9:1 ) وقد يعود إلى إنجيله ( رو 16:2 ، 2 قور 3:4 ) . فهل هناك إنجيل آخر ؟
  في الواقع هو إنجيل واحد ، وبشرى واحدة ، وبولس يبشر ويعلن نفس البشارة لكن بطريقته وأسلوبه وفلسفته لكي يعبِّر لنا ما أوحى له الروح ، وما كتبه بحسب آرائه الشخصية الغير موحى من الله فيشير إليها أيضاً لكي يفرزها عن ما أستمده من السماء . كتب بولس رسائل كثيرة باليونانية وصلنا منها ثلاث عشرة فقط وفقد غيرها . كتب رسائله قبل أن تدوّن الأناجيل الأربعة .
    يسوع المسيح صلب ومات وقام من بين الأموات ، وبولس تلقى الإنجيل لا من الرسل ، بل بشكل خاص جداً من المسيح نفسه الذي إصطفاه لهذه المهمة مذ كان في بطن إمهِ ( طالع غل 1: 15-17  ) لهذا بولس يستطيع أن يتحدث عن إنجيله الخاص به كقوة محبة الله الخلاصية لهُ . فإنجيل بولس يعلمنا بأن المسيح أرسله إلى الأمم لكي يبشر بالإنجيل ( 1 قور 17:1 )  وهذا الإنجيل دافع عنهُ بولس بشراسة متحدياً الموت ، وعندما يتكلم عن إنجيلهِ كان يعلم جيداً أنه لا يوجد إنجيل آخر غير الذي أعلنوه الرسل ببشارتهم إلى العالم ، فالإنجيل الذي قبّلَهُ بولس وبشر بهِ وأشار إليه برسالته إلى مؤمني قورنتوس في السنوات ( 54-56 م) ذكر عن إنجيلاً وصله ونقله لهم وطلب منهم أن يحفظوه كما بشرهم به . لكنه لا يفرق بين بشارته وبشارة الرسل ، بل يعتبر كل البشارة واحدة ، لهذا قال ( ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم ، فليكن أناثيما ) " غل 8:1 " . بولس سبق كل الرسل في الكتابة ، فرسالته الأولى التي تعتبر أقدم رسالة في العهد الجديد ، كانت رسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي ، دَوَنَها عام ( 51م ) ، والثانية عام ( 52)  ، وآخر رسالة لهُ كانت الثانية إلى طيموثاوس سنة ( 67م ) . كما تنسب إليهِ الرسالة إلى العبرانيين ، ولكن العلماء يرون أن كاتبها هو أحد تلاميذه أو أعوانه . بينما أول إنجيل كتبه البشير مرقس عام ( 70م ) . إن إعتبرنا رسائل بولس إنجيلاً آخر فإننا نجد فيها أسرار لم تكتب في البشائر الأربعة ، منحها بولس للمؤمنين ، ومنها شرح توضيحي لأمور في غاية الأهمية كتناول جسد ودم الرب ، كما علم الأجيال بأمور كثيرة مهمة كمعرفة المسيح عن عمق ، وعن سر قوة قيامته وأهميتها لخلاصنا . ( فل 10: 3 ) فالإنجيل الذي بشر به بولس هو بالتأكيد إنجيل القيامة ، للذي مات عنا ، والذي بدأ موته على الصليب أكيداً ( طالع غل 13:3 ) وقام من بين الأموات ، ويؤكد ظهوره لبطرس شخصياً ، لخمسمائة مؤمن ، وليعقوب وجميع الرسل ( لم تذكره الأناجيل الأربعة ) " 1 قور 5:15-8 " . وتمحورت رسائل بولس في نفس الإصحاح حول قيامة المسيح المصلوب (15 : 1-5 ) . وأعلن إنجيل القيامة الذي يعطي كل معناه ( عار الصليب ) عند الجاهلين الغير المؤمنين . كما شرح بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنثوس الأصحاح الحادي عشر موضوع الإستعداد اللائق لتناول جسد الرب ودمه ، فعليهم أولاً أن يبتعدون نهائياً عن تناول الطعام أي الصيام قبل التناول ، أن يكونوا مستحقين لتناوله ، ففي خلاف الإستحقاق ، فهو محرم إلى جسد الرب ودمه ... لأن من يأكل ويشرب وهو غير مستعد ، إنما يأكل ويشرب دينونة لنفسه ، إذ لم يميّز جسد الرب .

  ويؤكد أيضاً عن حقيقة الصلب والقيامة ، فيقول ( وإن كان المسيح لم يقم ، فتبشيرنا باطل ، وإيمانكم باطل ) "  1قور 14:15" فتبين لهم كيف يتأصل إيمانهم بقيامة المسيح المستقبلية ( 1قور 12:15 ) .  كما كتب عن البشارة في نهاية الأزمنة فيدخل الوثنيون إلى الإيمان جملةً ، كما سينال بني إسرائيل الغير المؤمنين الخلاص ، ومن صهيون يأتـي المنقذ ويزيل كل كفر عن يعقوب ( رو 25:11) ، وكل هذا سيسبقه إرتداد أولاً ويظهر إبن الخطيئة إبن الهلاك ( را 2 تس 3:2)   .
   رسائل بولس تحتوي على مواضيع قليلة مشتركة مع ما جاء في الأناجيل الأربعة  . طوَّرَ بولس أسلوبه الفلسفي واللاهوتي فأتى بدروس جديدة مختلفة وضع فيها كل الأفكار بوضوح ، كما توسع في التفسيرات الخاصة بالعقائد .
  بولس يبشر بإنجيل واحد ، ويشهد لشخص واحد هو الذي ظهر له في الطريق ، وكتاباته لا بديل لها ، ولا يمكن الإستغناء عنها والتي تتميز بميزتين بارزتين ، هي : 1- لا يتردد أن يعرض بإسلوب من أنتصر في حرب الخلاص الذي أتى به يسوع . 2- يلجأ غالباً للإستشهاد بالعهد القديم ، كما أن إنجيله يوَضّح لنا كل أحداث موت المسيح وقيامته والأحداث المقروءة في ضوء ما جاء في الكتب والمتعلقة بالبشرى السارة عن الخلاص والتحرير . التحرير من الخطيئة ، ومن الشريعة وقيودها ، ومن الموت الأبدي .
  يعترف بولس قائلاً بأن المسيح لم يرسله ليُعَمّد ، بل ليبشر ، " 1 قور 17:1 " فهو مدعو
لكي يقول حكمة الله التي هي حماقة في عيون البشر ( 1 قور 1: 18-25 ) .
  أعلن بولس بأن أجرته مجانية في نشر الإنجيل ، لهذا كتب بأنه كان يعمل في صناعة الخيام ليؤمن أحتياجاته إلى جانب تبشيره بالإنجيل في آن واحد ، وذلك لأنه لم يقبل صدقة أو مساعدة مالية إلا من الجماعات المقدونية ( فل 4: 15-16 ) فكتب لهم عن موضوع كسب العيش بالعمل ، فقال ( إذا كان أحد لا يريد أن يعمل فلا يأكل ) " 2 تس 10:3 " . .  كما ذكر بأنه واجه مسيحيين كانوا يتدرعون بتعاليم إنجيلية منتظرين عودة المسيح القريبة . كذلك أكد على موضوع المحبة التي توَحّد تلاميذ المسيح وهي قوة إنجيلية لها القدرة على تحويل العالم وبناء إخوّة حقيقية مع مقاومة أعداء الإنجيل ومحاربتهم وخاصةً المتعلقين بإمور الشريعة وفرضها على المؤمنين الأمميين ، وبهذا التعليم أخفق كل الذين كانوا يريدون تشويه رسالة الإنجيل . كما ركّزَ على موضوع التواضع والإعتماد على قوة الله الذي يسند ضعفنا ، فقال ( عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً ) " 2 قور 12: 8-10 " ، وذلك لأن قوة الله تكمن في ضعف الإنسان المؤمن . فعلينا أن نقتدي بتواضع بولس ، وبسيرتهِ وما طلب من المؤمنين الإقتداء به ، لا كعلامةٍ على الكبرياء ، بل كنداء للدخول في الإقتداء بالمسيح ، فقال ( إقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح ) لأنه إذا كان يجعل نفسه مثالاً ، فغايته هي لكي يقودنا إلى المسيح ، ولكي نلبس المسيح لنعيش في المسيح وللمسيح . وأخيراً أكد بولس حقيقة مجىء المسيح في آخر الأزمنة ، وبعد ذلك يتحدث عن عالم جديد يكون النصر فيه للمؤمنين .
   في الختام نقول . إن سبب عدم جعل رسائل بولس المهمة إنجيلاً مستقلاً ليصبح إنجيلاً خامساً هو لعدم وجود أقوال الرب يسوع فيها ، كذلك لا تحتوي على الآيات والمعجزات التي إجترحها أثناء إعلانه للبشرى على العالم . فرسائل بولس تخص بشرح ما جاء في الأناجيل ، وتُبَسِط الأفكار ، وتوضح للمؤمنين الأمور الأكثر أهمية لتصبح مرجعاً من أهم المراجع المسيحية للوصول إلى عمق عقائدنا وما تدعوه إليهِ مكارم الأخلاق المسيحية . أعجب المسيحيون برسائل بولس على مر العصور فألف الآباء القديسون مثل يوحنا فم الذهب والقديس أغسطينس مؤلفات ضخمة في تفسيرها ، ولا يزال اللاهوتيون وعلماء الكتاب المقدس يأخذون رسائل بولس موضع إهتمامهم للوصول إلى ما هو أفضل .
ليتمجد إسم الرب يسوع
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "
المراجع
1-الكتاب المقدس – الطبعة الكاثوليكية الثامنة – منشورات دار المشرق
2-( بولس الراعي ) بيار دوبرجيه
3- ( روحانية القديس بولس ) أخويات عائلات مريم
4-( جواب من الكتاب ) الأب يعقوب سعادة بمشاركة ألب بيتر مدروس




32

لماذا نَسّبَ الكتاب المُقَدس هذهِ الكَلمات إلى الله ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  كلنا نعلم بأن الله روح بدون جَسَد ، فالإنسان الذي يعيش في الجسد هو الذي تليق به صفاة كهذه ( غضَبَ ، ضَحَكَ ، تَعبَ ، إستراحَ ، ندمَ ... وغيرها ) فلماذا ينَسّب الكتاب المقدس مثل هذه الكلمات إلى الله رغم كونها تعابير إنسانية ! وما هي غاية كاتب هذه الكلمات التي تتناقض حتى مع بعض الآيات التي تصف الله بصفات تليق به كروح مُنَزّه لهذا يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله ( لا يكل ولا يعيا ) " أش 28:40" أما صاحب المزامير فيقول عنه ( لا ينعس ولا ينام ) " 4:121 " لكن في آيات أخرى يصفهُ وكأنه إنسان يحتاج إلى الراحة ، فيصفهُ في هذه الآية ، قائلاً ( وبارك الله اليوم السابع وقدسهُ ، لأنهُ استراح فيه من جميع أعمال الخلق ) " تك 2: 2-4 " . فهل لله جسد لكي يتعب لهذا يحتاج إلى راحة . أم المقصود بإستراحَ هو بأنهُ أنهى العمل وأكملهُ . علماً بأن الله لا يبذل جهداً في عمل الخليقة لكي يحتاج إلى إستراحة ، بل كل شىء خلقهُ بكلمة ( كُن ) فكان كل ما أرادهُ .
    وهكذا يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله يحزن . ولماذا يحزن ؟ فيقول الكتاب ( ورأى الرب أن شَّر الإنسان قد كثرفي الأرض ، وأن كل تصّورفِكر قلبه يتسم دائماً بالإثم ، فملأ قلبه الأسف والحزن لأنه خلق الإنسان ) " تك 6:6 " نلاحظ هنا بأن الله قد حزِنَ وتأسفَ . فهذه التعابير إنسانية دَوَنها كاتب السفر لكي يصل بالفكرة إلى مستوى عقل الغنسان فإستخدم نفس التعابير البشرية لكي يفهم الإنسان المقصود .
  وفي سفر يونان النبي نقرأ هذه الآية ( فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعهُ بهم فلم يصنعهُ ) " يون 10:3 " الندم هنا ليست بالمعنى الحرفي ، بل تعني بأنهُ تراجعَ عن قراره وأعفاهم وهكذا وضحَ لنا النبي أرميا أيضاً ( طالع أر 11: 7-10 ) فالندم يعني العدول عن المرفق الأول بسبب توبة الإنسان وكما حصل في نينوى عندما أعلنوا توبتهم . كذلك هناك أقوال أخرى كتابية مماثلة فالنبي صموئيل وَضّحَ لنا بتعبير أدق ، قائلاً ( لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنساناً ليندم ) " 1 صم 29:15 " .
  أما عن الله ( يضحك ) . فنقرأ أيضاً في العهد القديم علماً بأننا في العهد الجديد لم نقرأ عن الرب يسوع الذي حمل جسدنا بأنهُ قد ضحكَ يوماً أو أبتسم أو تمرض . في العهد القديم ذكر صاحب المزامير مرتان بأن الله يضحك ففي " مز 4:2 " ( تأمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحهِ قائلين لنقطع قيودهما ونطرح عنا رباطهما . الساكن في السموات يضحك ) . وفي " مز 37: 131 " ( الشرير يتفكر ضد الصديق ويحرق عليه أسنانه . الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت ) وهنا المقصود بالضحك هو إستهزاء الرب من خطط الشيطان فيبطلها بعدله لهذا سيعاقب الشرير وينصف الصديق المؤمن بهِ ( طالع أم 26:1 ) إذاً هذه كلها تعابير مجازية غايتها لكي نفهم قصد الله ، وعلينا أن نعلم بأن الله لا يحزن ، ولا يندم ، ولا يضحك ، ولا يبتسم مثلنا .
  نعم تعب الله وجاع ونعس وعطش وبكى مثلنا عندما كان ظاهراً في الجسد . فهنا يتحدث الكتاب عن شخص يسوع الإنسان فكان يجب أن يشبه الإنسان في كل شىء عدا الخطيئة .
   أما عندما نُسّبَت هذه التعابيرإلى الله الغير المتجسد فلا بد أن تعطي معنى آخر . فالنبي إشعيا يُعَبّر عن الله وكأنه اللسان الناطق له ، فيقول :
( لكنك إستخدمتني بخطاياك وإتعبتني بآثامك )" أش 24:43 " أن الله هنا يشكو أنه تعبَ من خطايا الناس وآثام شعبه ! أن الله قدوس يكره الشر ولا يطيقهُ ، ولعل هذا التعبير يكشف عن مدى كراهية الله للشر والخطيئة التي تفصل الإنسان عن الله فتجلب عليه غضب وتأديب الله له .
   كما أن الله يتعب من الإنسان بسبب عبادته السطحية ، وبروده الروحي ، فلهذا لا يستطيع الإنسان بروائح الذبائح التي يقدمها لله أن يرضيه ( طالع أش 1: 11-20 ) . الله يتعب بسبب عدم إيماننا كما تعب يسوع من عدم إيمان الشعب اليهودي فزجرهم بقولهِ ( أيها الجيل الغير مؤمن حتى متى أحتملكم ) " مت 17:17 " وهكذا بسبب قِلّة الإيمان ومقاومة الروح القدس والتجديف له ( مت 12 ، أع 51:7 ) ومقاومة الإنسان للروح القدس نتعب الله الإنسان يسير نحو الهلاك ولأن الروح القدس هو الذي يحرق الآثام . كما أن الله يتعب من كل عمل شرير ، ومن كل كلمة فيها المعثرة للآخرين ، ومن الشتيمة ، والكذب ، والنفاق ، وإدانة الآخرين ، وغيرها التي تحزن الروح ، وتحرّم الإنسان من الحياة الأبدية ( طي 16:1 )
   ختاماً نقول : علينا أن لا نأخذ الكلمات التي نقرأها في الكتاب المقدس والتي تنسب إلى الله بحرفيتها لأن الغاية منها هي لتقريب فكر الإنسان المحدود وفهمه لفكر الله اللامحدود . لهذا يجب أن نفهم تلك الكلمات من سياق الآية ، والغاية التي يريد الروح أن ينقلها لنا بهذه الصورة لكي تقربنا من الله والله منا . و ( لأنه من عرف فكر الرب فيعلمهُ ؟ وأما نحن فلنا فكر المسيح ) " 2 قور 16:2 " .
ليتمجد إسم الله
 التوقيع  ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو16:1"


33

ܦܢܛܩܘܣܛܐ بنطيقوسطي ... عيد العنصرة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ومتى جاء الروح القدس يبكت العالم على الخطيئة ) " يو 8:16 "
  نزل يسوع من السماء وتجسد ليدخلنا في عهد جديد ، عهد النعمة والمصالحة ، وأكمل لنا الناموس الموسوي بإنجيله المقدس ، ثم صعد إلى السماء بمجد أمام تلاميذه . عَبّرَ الرسول بولس عن هذا الحدث فقال ( عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد .. ورفع في المجد ) " 1تي 3: 16-17 " . وبعد صعوده أعطى الكنيسةعطايا كثيرة وأهمها عطية الروح القدس الذي وعد به بأن يرسله بحسب قوله ( وأسكب روحي على كل البشر ) فأكمل وعده في يوم العنصرة الذي تحتفل به الكنائس اليوم كل عام ، والذي يصادف في يوم الخمسين من قيامة الرب . والعنصرة تعني جمع أو إجتماع . فعندما كان التلاميذ مجتمعين مع العذراء ، تقول الآية
( فإنطلق من السماء بغتةً دوي كريح عاصفة ، فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه ، وظهرت ألسنة كأنها من نار ، قد إنقسمت فوقف على كل منهم لسان ، فامتلأوا جميعاً من الروح القدس ) " أع 2: 1-3 " . نزلت على شكل لسان فأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم ، لأن تلك الألسنة النارية ترمز إلى التكلم بلغات أو بإلألسنة المختلفة .
  كان ذلك اليوم عيداً لليهود ويسمى بعيد الحصاد " خر 16:23" وكذلك يسمى بعيد أوائل الثمر " عد 26:28 " وكما أطلق عليهِ عيد الخمسين أيضاً لأنه يصادف بعد خمسين يوماً من عيد الفصح اليهودي ، فكان يجتمع في أورشليم جميع ذكور بني إسرائيل ليظهروا أمام الرب ، لهذا كان العيد يجذب أعداداً كبيرة من اليهود ومن بلدان كثيرة يقضونها في أورشليم من يوم الفصح إلى يوم العنصرة . والتلموذ اليهودي يقول في مثل هذا اليوم تم تسليم الشريعة إلى موسى في سيناء بعد خروج بني إسرائيل من مصربخمسين يوماً . وهكذا بعد خمسين يوماً من قيامة الرب يسوع له المجد نزل الروح القدس على الكنيسة ليصبح هذا اليوم عيد ميلادها والذي يسمى عيد ( بنطيقوسطي ܦܢܛܩܘܣܛܐ ) .
   قام المسيح من بين الأموات في يوم الأحد . وفي يوم الأحد أرسل روحه القدوس على أبناء كنيسته ، فإحتل يوم الأحد مكان يوم السبت ، لأن فيهِ صنع الرب الخلاص . 
   عندما حل الروح القدس على التلاميذ سمع الشعب المحتشد في أورشليم صوت الريح العاصف فأخذتهم الحيّرة فتجمهروا في ذلك المكان الذي كانوا فيه التلاميذ فخرج إليهم الرسول بطرس وألقى عظتهِ الأولى مخاطباً الجمع طالباً منهم الإصغاء إلى كلامه ، فشرح لهم ما حصل ، بدأ خطابه بالنبؤات الخاصة بمجىء المسيح ، وبزمن مجيئه وأخيراً باليوم الذي علقوه على خشبة ، لكن الله أقامه من بين الأموات وأصعده إلى السماء ونحن شهود له . فهم الجمع كل ماقاله رغم إختلاف لغاتهم لأن في ذلك اليوم جمع الإنسان في لسان واحد كما كان قبل بناء برج بابل . دعاهم بطرس إلى التوبة والإيمان بالمسيح الذي صلبوه لكي ينالوا العماد لمغفرة خطاياهم ، ومن ثم ينالوا موهبة الروح القدس الذي نزل على الكنيسة في ذلك اليوم ، وذلك بوضع أيدي التلاميذ على المعمدين . فيكون لهم الخلاص . قُبل كلامه فآمن ثلاثة ألف شخص وأعتمد ( أع 2: 41 ) .
للروح القدس الذي نزل على الكنيسة دوراً مهماً في خلاص المؤمنين لأنه يقود المعمد الممسوح بمسحة الروح القدس ( الميرون ) للإنضمام إلى كنيسة المسيح ، وبدون الروح القدس لا يستطيع أحداً أن يعترف ويقول للمسيح ( رب ) . بالماء نعمد لتغفر خطايانا . أما بالروح القدس فنحصل على ولادة جديدة فنحصل على الخلاص ( إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) " يو 5:3" . كذلك الآية ( من آمن وإعتمد خلص ) " مر16:16" .  والروح يبكت الخطيئة لأجل التوبة  ( ومتى جاء الروح القدس يبكت العالم على الخطيئة ) " يو 8:16 " . كما أن الروح يجدد الإنسان ليصبح مهيئاً للخلاص ( إن كان أحد في المسيح ، فهو خليقة جديدة . الأشياء العتيقة قد مضت ، هذا الكل صار جديداً ) " 2 قور 5: 17 " روح الله يقودنا ويعلمنا ويرشدنا ( يو 26:14) . وكذلك يقوينا ويقدسنا لأنه روح القوة والقداسة ( رو 4:1 ) وكذلك يحيينا ويثمرنا ( أي 4:33 ) . الروح القدس يعطينا روح الحكمة ومخافة الله ( أش 1:11 ) وهو روح النعمة والصلاة والشفاعة لأنه يشقعنا بأنات لا ينطق بها ( رو 26:8 ) . والروح القدس هو روح التبني الذي يختمنا في المسيح ويشهد لنا إننا أولاد الله ( يو 12:1 ) . والروح القدس يعمل في كل أسرار الكنيسة المقدسة .
   كم يؤكد الرسول بولس عمل الروح القدس فينا للتثبيت في المسيح ، فيقول ( الذي يثبتنا في المسيح ، وقد مسحنا هو الله ، الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا ) " 2قور 1: 21-22 " .
    نطلب من الرب ونقول ( إرسل روحك ايها المسيح ... فيتجدد وجه الأرض )
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو16:1"

34

التعليم الجديد في عظة الجبل
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( إدخلوا من الباب الضيّق ، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك )
  تُشَكِل عظة يسوع على الجبل أساس التعليم الصحيح ، وَجّهَ فيهِ الإنسان في مختلف الأديان والمعتقدات إلى مستقبل جديد ليعيش على قاعدة أساسية تحقق المحبة بين الجميع ولكي تكتمل وتصل إلى مبتغاها بين البشر والله . ولقوة وأهمية هذه العظة يتأثر كل إنسان يطالع محتوياتها وإن كانت عقيدته تحرم قراءة ما لدى العقائد الأخرى .
في القديم قَدّمَ الله للناس الناموس الموسوي . وفي العهد الجديد أعطى للبشرالناموس الجديد مغيراً فيه كل المعطيات اليهودية المتعلقة بالخطيئة . قديماً كان الإنسان يتجنب الخطيئة ، أما في المسيحية فينبغي محاربتها من جذورها ، وإزالتها من العقل والقلب لكي يكتمل الناموس القديم بدون إلغاء نقطة واحدة منه . فالوصايا الواردة في عظة الجبل ما هي إلا قوانين ومناهج حياة لكل إنسان لأنها قوية ومفيدة ، بل هي أشد من الصخر صلابةً . فعلى المسيحي المؤمن بكلام الأنجيل أن يحفظ كل تلك الوصايا لكي يستطيع أن يشارك مشاركة صحيحة في حياة الكنيسة المقدسة ، عروس المسيح . وتلك الوصايا تعتبر معياراً لنقاوة الإيمان بشخص المسيح الذي يشكل صخرة الكنيسة التي لا تتزعزع ، وبالعمل بهذه الوصايا سينضج المؤمن روحياً ليصبح خليقةً جديدة ، ونوراً للآخرين ، وهكذا سيعبر من الديانة الناموسية الضيقة والمخيفة وصعبة التطبيق إلى حرية ومجد أبناء الله . وبداية الأنطلاق في هذه المسيرة تبدأ من خطوة الإتضاع ونكران الذات ، والتوبة ، لأن السقوط جاء بسبب الكبرياء والأنانية .
   في أسفار العهد القديم نقرأ كثيراً عن العنف والحروب . أما في العهد الجديد تظهر في التطويبات بشكل عنف مفروض ، وبشكل " رِفق " . وفي الحالتين ، يوضَّح الرباط بالعهد القديم . فالذي يعاني العنف ( التطويبتان الثامنة والتاسعة " 5: 10-11 )  يشبه الأنبياء الذين يصفهم ب " الذين سبقوكم " آية 12". وضح يسوع التطور الكبير الذي حصل في قوانين العهد القديم فكمل يسوع موضوعاتها البارزة كالقتل والزنى والقَسَم . منها أربع حالات للعنف ( لا تقتل .. العين بالعين والسنِّ بالسنِّ .. أحبب قريبك وأبغض عدوّكَ ) . إن إتمام الشريعة ليس إلغائها " مت 17:5" ، بل التفوق على عدالة الكتبة والفريسين ، لهذا قال يسوع ، يجب أن يفوق بركم عليهم ، فهل سيزيد يسوع على أبناء العهد الجديد المتطلبات المفرطة الدقّة في نظام الأخلاقي الجديد ؟ هل عبارة ( كونوا كاملين كما أنَّ أبوكم السماويّ كامل ) " مت 48:5" يجب أن يسلمنا تعليماً آخر ليبلغنا إلى الكمال الروحي ، ودواءً جديداً يحررنا من العنف .   
    في عظة الجبل التي دونها لنا الرسول متى في الإصحاحات الثلاثة ( 7،6،5 ) فيها نطالع التعليم الجديد في التطويبات التسعة الموجَهة للتلاميذ ولأبناء الكنيسة ، وهي : طوبى ل... 1- للفقراء بالروح . 2- للحزانى . 3- للودعاء 4- للجياع والعطاشى إلى البر . 5- للرحماء . 6- لأنقياء القلوب . 7- لصانعي السلام . 8- للمطرودين من أجل البر. 9- لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين .
 جاء يسوع المسيح ليكمل الشريعة ، لهذا فصيغة تعليمه والكلام الذي تحدث به عبَّرَ عنها بهذه الصورة ( قد سمعتم أنه قيل للقدماء ... وأما أنا فأقول لكم .. ) وهذه الطريقة ليست لأستنساخ العهد القديم بشكل جديد ، بل لتكملته . ففي الفصل الخامس من إنجيل البشير متى نجد ست مكملات لتعليم العهد العتيق وهي :
1-المتعلقة بالقتل : ( قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ... أما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجباً الحكم ) " مت 5: 21-26"
2-المتعلقة بالزنى : ( قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن ، وأما أنا فأقول لكم إنّ كلَّ من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها ، فقد زنى بها في قلبهِ ) " الآية 27-30" .
3-المتعلقة بالطلاق: ( قيل من طلّقَ إمرأته فليعطيها كتاب الطلاق . وأما أنا فأقول لكم إنّ من طلّقَ إمرأته إلا لعلّةِ الزنى يجعلها تزني .. ) " الآية 31-32" .
4-المتعلقة بالقسَم : ( أيضاً سمعتم أنه قيل للقدماء لا تخالف قسمك ، بل أوفِ للرب ما نذرته له ، وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا ألبتة .. ) " 33-37 " .
5- المتعلقة بقانون المجازاة بالمثل : ( سمعتم أنه قيل العين بالعين والسنّ والسن ّ ، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشرّ ، بل من لطمك على خدِّكَ الأيمن فدوّل له الآخر أيضاً ) " 38-42" .
6-المتعلقة بمحبة الأعداء : ( سمعتم أنه قيل تحب قؤيبك وتبغض عدوّكَ ، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم ) " 43-47" .
  بعد هذه المكملات الستة للناموس القديم من قبل الرب يسوع ينتهي الفصل الخامس بهذه الآية :
( فكونوا أنتم كاملين ، كما أن أباكم السماوي هو كامل ) " الآية 48 " . والكمال على مثال الله هو كهدف مضمون للحياة المسيحية الطاهرة ، وكما كان الإنسان في جنة عدن قبل السقوط .
الإصلاحات الجديدة في نواقص الديانة اليهودية
   بعد إكمال يسوع الناموس الموسوي في ست نقاط في الإصحاح الخامس سنجد في الجزء الثاني من العظة التي دونها لنا البشير متى في الأصحاح السادس ، أصلحَ فيها الرب يسوع الأفعال الدينية اليهودية التي كانت مرضية للناس وغير مرضية لله ، وهذا ما يجعلها ناقصةً ، واهباً لنا بحكمته وسلطته الإلهية القدرة على إرضاء الله عند تطبيقها ، هكذا يبين لنا السيد من خلال إصلاحه الدين اليهودي . وتتضمن هذه الإصلاحات المواضيع التالية :
1-طريقة الإحسان : ( فمتى صنعت صدقة فلا تصوِّت قدامكَ بالبوق ... وأما أنت فمتى صنعتَ صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء هو يجازيك علانية ً ) " مت 6: 2-4" .
2-طريقة الصلاة : ( ومتى صليّتَ فلا تكن كالمرائين ... وأما أنت فنتلا صلّيت فإدخل إلأى مخدعك وإغلق بابك وصلّ إلى أ[يك الذي في الخفاء .. ) " 5-8" .
3-شكل الصلاة : ( فصلّوا أنتم هكذا ، أبانا الذي في السموات .. ) " 9-13" .
4-مفهوم وطريقة غفران الخطايا : ( إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوي زلاتكم ) " 14-15".
5- طريقة الصوم: ( ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ... وأما أنت فمتى صُمت ... لا تظهر للناس صائماً ، بل لأبيك الذي في الخفاء ) " 16-18 " .
الحياة الجديدة في المسيح
    يظهر لنا المسيح الحياة الجديدة به من خلال أعمال وطرق محدّدة وذلك من الآية (19) في الإصحاح السادس حتى الآية (12) في الأصحاح السابع ، موضحاً لنا الحقائق الكبيرة من خلال مواقف متعددة من حياتنا نستطيع أن نصنّفها حسب القسيمات التالية :
    1- لا تكنزوا كنوزاً أرضية وإنما سماوية ، ( لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض .. ) " مت 6: 19-20 "
2- العين الداخلية والرؤية الروحية ، ( سراج الجسد هو العين ) " مت 6: 22-23" .
3- لا يمكن للإنسان أن يكون عبداً لسيدين ، ( لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ) " مت 24:6 "
4- لا تهتمّوا حتى لحاجاتكم الضرورية ، ( لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ... ) " مت 6: 34-35 " .
5- لا تدينوا الآخرين ، وإنما دينوا أنفسكم، ( لا تدينوا لكي لا تدانوا ) " مت 7: 1-5" .
6- إحفظوا قدسية الإيمان بلا عيبٍ، ( لا تعطوا القدس للكلاب ) " مت 6:7" .
7- الإلحاح بالصلاة مثمّر ، ( أسألوا تُعطوا ، أطلبوا تجدوا ، إقرعوا يفتح لكم ) " مت 7: 7-11" .
8- القانون الذهبي للحياة المشتركة ، ( فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم أفعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم ) " مت 12:7 " .

في ختام العظة يمكننا أن نميّز التقسيمات التالية للوصايا الإلهية وأقوال المخلص
:
1-طريق الحياة ( إدخلوا من الباب الضيق ، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك .. ) " مت 7: 13-14" .
2-الحذر من ضلال الأنبياء الكذبة ، ( إحترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة ) " مت 7: 15-20" .
3-الإنتباه لعدم فصل الإيمان عن العمل ، ( ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات ، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات ) " مت 7:21-23".
4-بمن يشّبه الإنسان الذي يسمع أقوال المسيح ويعمل بها ، ( أشبّهه برجل عاقلٍ بنى بيته على الصخر ) " مت 7: 24-27" .
5- ردّ فعل الجموع الذين سمعوا العظة على الجبل ( ... بهتت الجموع من تعليمه ، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطانً وليس كالكتبة ) " مت 7: 1-5" .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1

 

35

السبت هو لأجل الإنسان .. والإنسان جعل للملكوت

بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال يسوع ( كل غرس لم يغرسهُ أبي السّماوي يُقلَع )
  بعد سبي اليهود إلى بابل ، صار الهيكل المقدس بعيداً عن الساكنين في بلاد النهرين ، فلكي يعَبّروا لله عن إخلاصهم لهُ ، فكان البديل عن الهيكل يوم السبت ، والإلتِزام بالطقوس الخاصة به ، كعدم العمل أو إشعال النار ، أو القطاف ، أو السير لمسافات بعيدة تتعدى الستمائة خطوة . إذاً هم الذين فرضوا على أنفسهم قيود كثيرة خاصة بيوم السبت ، وهذه الأمور لم تكن موجودة في شريعتهم ، ولا في أحكامها . وكان الفريسيون أكثر تأثيراً من باقي اليهود . وهم الذين إحتجوا على يسوع عندما كانوا تلاميذه يقطفون السنابل في يوم السبت ليأكلوا . فرد عليهم يسوع بعنف ، وقال ( السبت جعل لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت ) لأن الله خلق الكون في ستة أيام ، وفي اليوم السابع ( السبت ) إستراح . والراحة هو تعبير عن الفرح . والسبت هو اليوم الذي أعطي للإنسان لكي يشكر به الخالق ، ويفرح لكل عمل خير . فالسبت إذاً كان نوعاً من التفرغ والركون للشكر والتسبيح لله . لذا السبت كان بمعنى لما هو في هذا الدهر إلى ما هو للدهر الآتي . ما هو أهم هو أن يعمل الإنسان عمل الله الصالح . فالعمل الصالح الذي يقدمه الإنسان لأخيهِ الإنسان في يوم السبت هو الأفضل من الصلاة ، لأنهُ يسبح الله بعمله ويعبّر عن محبته الصادقة لأخوته البشر . لهذا السبب قال يسوع لليهود عندما أراد أن يشفي يد الرجل اليابسة في المجمع ( أيجوز عمل الخير في السبت أم الشر ؟ ) لقد تمسكوا اليهود بشكليات الأمور فخنق فيهم الروح . فبدلاً من أن يقولوا أن الذي يشفي الإنسان لا بد أن يكون من الله . لكنهم فقدوا الإحساس بالإلهيات فظنوهُ خاطئاً لأنه خالف أحكام السبت التي هي من صنع الإنسان لا من الله . والمسيح جاء لكي يصحح كل خطأ فقال ( كل غرس لم يغرسهُ أبي السّماوي يُقلَع ) " مت13:15" .
  الإنسان الذي يسبح الله بعملهِ يوم السبت هو تنفيذ ما يريدهُ الله من الإنسان ، من ثمار المحبة . وهذا هو الإقبال على ما هو لله ، وهو جوهر يوم السبت . السبت إذاً هو النفخة الإلهية التي أعطيت لنا حتى نكون مع الله بشكل متواتر ، عكس الفريسيين الذين جعلوا السبت فروضاً وحملاً ثقيلاً على البشر ، بدلاً من أن يفرح قلب الإنسان بالسبت ، جعلوا الإنسان عبداً للسبت .
   السبت جعل للإنسان . والإنسان خلق لأجل الملكوت . لكن عند اليهود كان الإنسان لأجل السبت . لكن الإنسان المؤمن بالإله المتجسد في العهد الجديد صار حُراً من القيود المفروضة عليهِ والخاصة بالسبت ، لا وبل صار يوم الأحد بديلاً للسبت ، لأن فيهِ قام المسيح وحرر الإنسان من السبت والخطيئة . فنحن المؤمنين بالمسيح علينا أن لا نحوِّل ما رتبته الكنيسة المقدسة إلى أحكام شكلية ، حتى لو أتممنا الصيام والصلاة والحضور في الكنيسة إذا لم نطهر قلوبنا أمام الخالق ، وأمام البشر ، وإذا لم نعترف بأننا ضعفاء وخطاة ، وبأن طاعتنا لله مهما كانت بأنها ناقصة ، ونعمل من أجل المزيد لكي نقوي علاقتنا مع الله ونفتح صفحة جديدة لنطور سلوكنا في رحمة البشر ، وكذلك النظرة غلى انفسنا لكي نشعر بالبر الذاتي ، وبأننا أتممنا فروضنا كما يليق ، ومن ثم صرنا على قاب قوسين وأدنى من ملكوت الله .
أخيراً نقول ، المهم هو تغيير القلب والفكر ، والعمل من أجل حب الآخرين ، والصفح لكل من يخطأ إلينا . هذا كله هو الهدف المرتجى ، وهو ما علينا أن نسعى إليهِ لكي يكون صومنا لأجل الإنسان ، ولا نكون نحن لأجل الصوم . لأن القداسة ليست بإتمام الفروض المعينة لكي يقتني الملكوت ، بل بتغير القلوب أولاً وأخيراً لكي تمتلي من روح الله القدوس الذي يريد أن يقيم في هيكلنا . حينئذ سنشعر بمعنى الحياة الجديدة . ومعنى القيامة في الروح لنستعد للدخول إلى ملكوت الله .
ليتمجد إسمه القدوس
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو16:1"


36

قال الغبي ... سأهدم خزائني
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ ) " يهو 21:1"

  الله يرغب في أن يعيش الإنسان في المحبة ، فيحب القريب كمحبته لنفسه . فعلى الإنسان أن لا يعمل لخدمة أنانيته ، بل من أجل الآخرين أيضاً . وأفضل عمل يقوم به الإنسان هو أن يعمل من أجل محبيه ، ويضحي من أجل الآخر . أما الذي يعاني من حب الذات فأنهُ يعيش بعيداً عن أخيه الإنسان أولاً ، وعن الله ثانياً ، لأن محبة الله تبدأ بمحبة الإنسان الذي يراه ويعيش معهُ .
   الأرض تثمر كثيراً ، وتلك الثِمار والأعشاب ليست لمتعتها ، إنما لتخدم بني البشر والحيوان والطيور ، والأرض هي الأم التي خرج منها الإنسان وإليها سيعود جسدهِ ، فعليهِ أن يأخذ درساً مهماً منها ويفكر بمن يحتاج إليه ويخدمه بأعماله الصالحة التي ستعود له بربحٍ لا يوصف . فالله الذي أوصانا بأن نقسم الخبز بيننا وبين الجائع ، فأنه سيعوضنا بالفائدة مهما كان حجم الخدمة .
   علينا أن لا نفكر بالغد ، بل لندع أمر الغد لوقته لكي لا نفكر بتوسيع خزائننا وأموالنا على أكتاف الفقراء المحتاجين فنتاجر بمخزوننا لنخلق المصائب للكثيرين  وكما يقول المثل ( مصائب قوم عند قومٍ فوائد ) بهذا سنهيّج جراحات أؤلئك المحتاجين الذين يتحملون مصائب الدهر بسبب الظالمين . إذاً على الإنسان أن لا يخطط ويرسم لما سيفعلهُ من أجل الربح ، فحتى تفكيره الباطني في مجال الإستغلال سيكتب في السماء ويحاسب عليهِ بدقة لأن  بإرادته جرد قلبه من المحبة . والنتيجة ستكون مدمرة ومُخيفة كما حصل مع الغني الذي قال مع نفسهِ ( يا نفسيي لديكِ خيرات كثيرة لسنين عديدة فكُلي ةاشربي وإفرحي ) بينما الرب علمنا بأن نكتفي بخبز الكفاف كل يوم . نقول لذلك الغني الذي وَسّعَ خزائنه ليضمن مستقبلهِ بأنك كنت قاسياً وأنانياً وغبياً أمام خيرات الجسد دون أن يفكر بما تحتاجه النفس . لهذا كان رد الرب قاسياً لذلك الغني ، قال ( أيها الغبي هذه الليلة تطلب نفسك فهذهِ التي أعددتها لمن تكون ؟ ). لقد بنى خزائنه ووسعها بسبب جشعه ، لكن ملاك الرب حطم بلحظة كل أحلامه ، وأوكار أموال الظلمةِ التي لن يسمح للجائع أن يشبع جوعه منها . لا يعلم بأن خزائنه الحقيقة التي ينبغي أ، يخزن فيها هي بطون الفقراء الذين بدورهم يخزنونها له في السماء ، وتلك الخزائن لا تصلها يد سارق ، ولا ينال منها السوس ، أو يفسدها الصدأ . لم يعطي للفقير لأنه فقير في المحبة والعطاء ، علماً بأن الغبطةِ بالعطاء لا بالأنانية . والفقر في العطاء يأتي من الإنسان الفارغ من الأعمال الصالحة بسبب فقره في الإيمان بالخالق الذي أعطاه كل تلك الثروات ليرحم بها الفقراء . إذاً لا يعطي مما هو له ، إنما يعطي لأولاد الله المتألمين ما هو لله . فالميسور بالمال ليس إلا مُدَبِر للثروة الإلهية ، وهو خادم وضيع لأخوة السَيّد . والأسوأ عندما يكذب ويقول لمن يطلب منه ، ليس لدي ما أعطيك ، ليعطيك الله .
الإنسان الذي خرج من بكن الأم عارياً ، سيعود إلى بطن الأرض عارياً . فعليه أن لا ينزع ثوب غيره يدعى نصاباً . والذي لا يكسو عري المسكينَ رغم قدرته فهو مستحق ليدعى سارقاً ومجرماً . الذي لا يرحم في دنياه أحداً ، لا يرحم في يوم الدينونة الرهيب ، أن سيسمع صوت الله يقول للرحماء ( تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم قبل إنشاء العالم لأني جعتُ فأطعمتموني ، عطشت فسقيتموني ، عرياناً كنت فكسيتموني ) . فكم من الخوف والرعب والظلام سيستولى على من لم يرحم . وهل سيتذكر تلك الخزائن التي وسعها وملأها بالخيرات لورثتهِ في تلك الساعة التي يسمع حكم دينونته العادل وهو يقول له ولأمثالهِ ( أبعدوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكتهِ لأني كنت جائعاً فلن تطعموني ... ) .
في الختام نقول لأنفسنا ، لنمتلك من الأرضيات ما يكفي حاجتنا اليومية ، ولنربح من الصدقات التي نقدمها لأخينا المحتاج عطايا السماء . بمال الظلم سنكسب لنا أصدقاء في هذا العالم ، والخيرات الأبدية في الآخرة . أما من يتجاهل المسكين فأنه يثير غضب الله . عكس الذي يعتني بخليقتهِ وخاصة الإنسان ، فالله سيكرمه أضعاف كل أكراماته وإحساناته لأخوتهِ المحتاجينَ الذين سيستقبلوه عندما يرحل من هذا العالم إلى دار البقاء التي أعدها المسيح لمختاريه .
وله المجد إلى الأبد
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1



37

قيامة المسيح وظهوراته
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( .. الرب قام حقاً وتراءى لسمعان ) " لو 35:24"


     في فجر يوم الأحد كان الحراس المكلفين بحراسة القبر يراقبون القبر بدقة لتنفيذ وصايا رؤساء الكهنة والفريسيين . كان على باب القبر حجراً كبيراً وختم بختم ليثبت بأن الحجر لم يدحرج . في فجر يوم الأحد والظلام باقٍ حدث ما لم يتوقعه الحراس ، ففي تلك اللحظات وقع أمراً مرعباً عندما رأوا القيامة وقعت أمام أعينهم ، وزلزالاً عظيماً حدث فرأوا ملاكاً من عند الرب نزل ودحرج الحجر وجلس عليهِ ( مت 28: 2-4 ) فسقطوا على الأرض من الخوف والرعدة . ثم نهضوا لينطلقوا إلى المدينة ليخبروا عظماء اليهود بتفاصيل الحقيقة . فاجتمع الشيوخ وتشاوروا ثم رَشَوا الجنود بمال كثير ليقولوا ( .. إن تلاميذه جاؤوا ليلاً فسرقوه ونحن نائمون ) " مت 13:28 " علق القديس أغسطينوس على هذه الحجة وقال : ( إن رأيتموه يسرقون جسده فلماذا لا تمنعوهم ؟ وإن لم ترونهم يسرقونه " لأنكم نيام " ، فكيف عرفتم إنهم سرقوه ؟ ) .
  جاءت إلى القبر مريم المجدلية ومريم الأخرى ومريم أم يعقوب وسالومة ، والمجدلية سبقتهن فرأت الحجر مرفوعاً عن باب القبر . تراءى الملاك للمرأتين ، وقال لهن لا تخافا أنتما تطلبان يسوع المصلوب ، ليس ههنا لأنه قد قام ، أذهبا سريعاً وأخبرا التلاميذ أنه قام من الأموات ، هاهو يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه ( مت 5:16 ) نقلن البشرى إلى التلاميذ .
  أولاً ظهر يسوع القائم لمريم المجدلية ( مر 9:16 ، يو 20 : 14-18 ) . وبعد وقت قصير ظهر لها أيضاً ولمريم الأخرى وهما راجعتين من القبر ، يقول الكتاب ( فأمسكتا بقدميه وسجدتا له ( مت 9:28 ) لكن البشير يوحنا ينفي موضوع مسك الجسد الممجد ، كما لم يلمسه توما الذي شرط أمام التلاميذ بأنه يجب أن يضع أصابه في جرحه ويده في جنبه ( يو 26:20 ) وللمزيد عن هذا الموضوع طالع مقالنا السابق ( هل ظهر يسوع لأمه بعد القيامة ؟ ) .
ذهب الرسولين بطرس ويوحنا إلى القبر فدخلوه ورأوا الأكفان مرتبة مع المنديل فآمنوا .
   ظهر يسوع لبطرس وبقية التلاميذ ما عدا توما . ومن ثم ظهر لأحدى عشر عندما كان توما معهم في العلية . أيضاً ظهر لبطرس وحده ليعزيه ويشجعه ولكي يطمئن بأن إنكاره له كان عن ضعف وليس خيانة كما فعل يهوذا الإسخريوطي فلن تؤثر على محبة يسوع له .
  كما ظهر لتلميذي عمواس ( مر 12:16 , لو 12:34 ) . وظهر على شاطىء البحيرة عندما عادوا من الصيد الفاشل . وكان بطرس ويوحنا معهم بعض التلاميذ ( يو 21 ) وهناك أختبر محبة بطرس له . كما ظهر لخمسمائة مؤمن على جبل الجليل وكما أخبر الملاك النسوة بأن يسوع سيقابلهم هناك .
 أما عن ظهور الرب ليعقوب فقد ذكره الرسول بولس في رسالته ( 1 قور 7:15 ) .
ظهر يسوع أيضاً لأحد عشر تلميذاً ومعهم مجموعة كبيرة من المؤمنين والنساء ومعهم مريم العذراء وعلى جبل الزيتون في أورشليم في يوم صعوده إلأى السماء بعد أن مكث معهم 40 يوماً بعد القيامة .
ظهورات يسوع بعد الصعود
  الظهور الأول : كان لشاول الطرسوسي في طريق دمشق وسط نور باهر أقوى من لمعان الشمس وبسببه لم يستطيع أن يرى النور فقيدَ إلى دمشق من قبل مرافقيه وبسبب هذا الحدث آمن ومن ثم تعمد في اليوم الثالث على يد حنانيا في دمشق ليتحول من عدو إلى مبشر برسالة المسيح في العالم ليس بالكلام فحسب ، بل صار أكثر كنبة أسفار العهد الجديد ، وهو الذي وضح تعليم الإنجيل بدقة .
الظهور الثاني : كان للشماس إسطفانوس رئيس الشمامسة قبل إستشهاده ليعزيه ويشجعه قبل أن يصبح أول شهيد للمسيحية من بعد المسيح ، فنقل لنا الرؤية قائلاً ( ها أنا أنظر السموات مفتوحة وإبن الإنسان قائماً عن يمين الله ) ( أع 7: 55-56 )
الظهور الثالث : كان لبولس أيضاً في رؤية ، وذلك في قورنتوس ، تحدث معه وقال ( لا تخف ، بل تكلم ، ولا تسكت لأن أنا معك ولا يقع بك أحد ليؤذيك لأن لي شعباً كثيراً في هذه المدينة ) " أع 18: 9-10 " .
الظهور الرابع : كان لبولس في أورشليم ، قال ( وقف بي الرب وقال قُم يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في اورشليم هكذا ينبغي أن تشهد في رومة أيضاً )" أع 11:22 " .
أخيراً نقول : ظهورات المسيح لم تنتهي في القرن الأول ، بل تشهد لها إناء كل العصور ، يظهر لأفراد قد يكونوا من معتقدات أخرى يطلبون حقيقة وجوده كإله . أو يطلبون منه العون بسبب مشكلاتهم الشخصية ، فيظهر لهم في رؤية أو في الحقيقة . إنه موجود معنا جميعاً ، لأنه قال ( هاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم ) " 20:28 " .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1



38


أسبوع الآلام والجمعة العظيمة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ظُلِمَ ، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه . كشاة تُساقُ إلى الذبح . وكنعجةٍ صامِتَةٍ أمام جازيها فلم يفتح فاه )
" إش 7:53"

   قبل بداية أسبوع الآلام تحتفل الكنيسة بذكرى قيامة لعازر من بين الأموات ، وبعده تحتفل بعيد السعانين ، يوم دخول المسيح إلى أورشليم ، وهذا اليوم هو الفاصل بين الصوم الكبير وصوم أسبوع الآلام . تعتبر أيام أسبوع الآلام من أقدس ايام السنة ، في تلك الأيام يقدم المؤمنون لله صوماً وصلوات وتقدمات وتهيأ النفس لأستقبال القائم من بين الأموات في القربانة الفصحية ، ففي طقوس الكنسية تقام صلوات وقراءات وألحان حزينة ، وتسابيح وعظات خاصة بآلام يسوع وصلبه وموته يوم الجمعة العظيمة . سميت بالعظيمة لأن فيها مات الفادي و دفع الفدية وحدثت المصالحة بين السماء والأرض ، بين الخالق والإنسان ، فتحررت البشرية من قيود الخطيئة . كما تعيش الكنيسة في يوم خميس الأسرار لتتذكر المؤمنين أهم ما فعله يسوع أمام تلاميذه وخاصةً رتبة الإفخارستية ، وأثناء تلك اللحظات غادر الخائن يهوذا الجلسة المباركة لكي ينفذ خطة الشيطان الذي دخل فيه لتسليم السيد إلى أيادي المجرمين , وفي هذا اليوم تقوم الكثير من الكنائس بغسل الأقدام لبعض المؤمنين كما فعل المسيح مع تلاميذه .   

   يسوع ولد مصلوباً ومات مصلوباً . فعندما ولد لم يكن له موضع في المنزل ( لو 6:2) وإذا كان في صورة الله ، بعد تجسده ( أخلى نفسه آخذاً صورة عبد ... وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت . موت الصليب ) " في2: 5-8" .   

 يسمى أسبوع الآلام أيضاً بأسبوع الفصح . معنى الفصح هو العبور . فكما عبر الشعب العبري من العبودية إلأى الحرية ، هكذا حصل الشعب المسيحي على الخلاص فتحرر من عبودية الخطيئة ، فتحول من الظلام إلى النور ليصبح كل مؤمن أبناً لله . 

   صوم أسبوع الآلام يحتاج إلى جهد وتعب أكثر من الصوم الأربعيني ، لأن تلك الأيام ثقيلة وقاسية لأنشغال الصائم في التأمل بعمق عمل الله الخلاصي ومحبته للبشر ، ففي فترة هذا الصوم ليس الصوم والإنقطاع عن الزفرين وإحتياجات الجسد الأخرى كالجنس واللهو والفرح في أمور أخرى ، بل للتفرغ الكامل مع الله ، لأن الصائم في هذه الأيام يسعى لتلبية إحتياجات الروح على حساب الجسد ، والله يتعامل مع المؤمن على مستويين ، الأول تلبية إحتياجات الجسد الضرورية ، والثاني إسقاط تلك الإحتياجات فترة أسبوع الآلام لكي يحيا الإنسان فكرياً وروحياً ليتقدم في طريق الخلاص فيعيش لله وحده لا لنفسه . وكما يقول المزمور ( معك لا أريد شيئاً عى الأرض ) " مز 73 " . وهكذا ينبغي أن يصل الشعب المؤمن في هذا الأسبوع إلى أعلى درجات النسك والزهد ليعيشوا عيشة الفقر. في أيام أسبوع الآلام تحتضن الكنيسة أكبر عدد من المؤمنين وخاصة يوم الجمعة العظيمة لكي تقترب من الله وتلتصق به ، وهكذا يعطون لله الأولوية وأهمية وتبجيل وتعظيم بسبب محبته الفائقة لنا لأنه أعطى أبنه الوحيد لكي يموت على خشبة الصليب ليخلص كل من يؤمن به , فلنتأمل بمحبة الله التي لا توصف المتجسدة في آلام إبنه ، طالبن منه في هذه الأيام لكي يعطينا شركة في آلامه ، وقوة لنتحمل الصلبان التي يهديها لنا لكي نحملها ونحن سائرين خلف درب صليبه المقدس . 

   أجمل ما في هذا الأسبوع هو ان نرتفع إلى أعلة مستوى من الطهارة والقداسة لكي ندخل في عمق الإيمان فنتزين بالوقار متوحدين مع الله الذي أختارنا بسبب إيماننا بإبنه فنحبه محبةً صادقة فنتحدى كل مكائد الشيطان ، ونرفض كل طلباته كما فعل المسيح على الصليب عندما سمع طلبه على لسان أحد الأحبار، قائلاً ( فلينزل الآن المسيح ملك اليهود عن الصليب ، لنرى ونؤمن ) " مر 32:15 " . كان هذا آخر قول للشيطان ، بل آخر تجربة التي نطق بها على لسان إنسان . أراد الشيطان أن يجرب المسيح للمرة الأخيرة وهو جائع وعطشان كما فعل معه في التجارب الثلاثة بعد صومه لمدة أربعين يوماً . كتب البشير لوقا ( طالع 13:4 ) . أما الوقت الذي حان للشيطان لتجربة المسيح بدأ من ليلة العشاء الأخير عندما دخل الشيطان في يهوذا إلى لحظة تسليمه الروح للآب على الصليب . كانت تلك الفرصة الأخيرة المناسبة التي عبَّرَ عنها المسيح في إنجيل لوقا ، فقال ( ولكن هذه ساعتكم ! وهذا سلطان الظلام ! ) " 53:22" فمِحنة يسوع تظهر بوضوح على إنها الصراع النهائي ضد قوى الشر . 

    شكراً لك يا إبن الله على محبتك وتضحيتك لأجلنا ، وبقيامتك غلبت الموت بالموت وكسرت شوكته ، وأعطيت لنا القوة والرجاء والفرح الدائم . 

مجداً لك يا إلهنا المنتصر

  التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 

 

39

عيد السعانين ... يوم مبايعة المنتصر يسوع
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( هوشعنا في الأعالي ! مبارك الآتي باسم الرب ! )
    بعد إنتهاء الأسبوع السادس من الصوم الكبير ، يأتي يوم أحد السعانين الذي يختم الصوم الأربعيني ، وفي هذا اليوم تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد دخول يسوع الإنتصاري إلى أورشليم بعد أن أكمل دعوة الجميع إلى التوبة لإقتراب ملكوت الله ، وذلك بعد أن أتم التبشير برسالة الإنجيل ، رسالة العهد الجديد مع شعب جديد . دخول يسوع إلى أورشليم كان يوم الإنتصار على الخطيئة بعد إنتصار المسيح على العالم الذي كان ملوثاً بالخطيئة ، بل كان ميّتاَ ، وشوكة الموت هي الخطيئة ، وقوة الخطيئة هي الشريعة ، فالحمد لله الذي أتان بالظفر على يد ربنا يسوع المسيح ( 1 قور 15 :56-57 " .
  المواد التي إستخدمت من قبل الجموع لإستقبال ملكهم كانت ( سعف النخيل ، والزيتون ، والثياب ) والتي كانت ترمز إلى :
1-   سعف النخيل : يرمز إلى النصر وقد سبق وأن أستخدمت لإستقبال الملوك وجيوشهم المنتصرة عند دخولهم إلى بوابة المدينة . أما الرمز الروحي فلسعف النخيل مدلول روحي يوحي إلى النقاوة والسمو والزهو .
2-   أغصان الزيتون : ترمز إلى السلام والفرح والقداسة . إبتدأت فكرتها في العهد القديم عندما أطلق نوح الحمامة من الفلك ليتفقد أحوال الأرض ، فعندما عادت إليه بغصن الزيتون في منقارها تأكد بأن الأرض في سلام . واستمرت الفكرة حتى اليوم ليعتبر غصن الزيتون رمزاً للسلام العالمي . السلام الذي جاء به يسوع ليزرعه في العالم .
3-   الثياب : كما استقبل يسوع في أورشليم من قبل الجموع فارشين الطرق بأرديتهم حاملين أغصان النخيل والزيتون بأياديهم وهاتفين للرب الراكب على جحش إبن أتان قائلين ( أوصنا لإبن داود ، مبارك الآتي بإسم الرب ، أوصنا في الأعالي ) .
    السعانين كلمة عبرية تعني ( الله المخلص ) الإله الذي دخل إلى أورشليم فإرتجت كلها لقدومه ( مت 10:21) . لم تنتهي المسيرات في شوارع أورشليم فقط ، بل أستمرت في كل العصور وفي نفس اليوم حتى يومنا هذا ، وستستمر إلى يوم مجيئه منتصراً على العالم في يوم الدينونة العظيم . اليوم تنظم الكنائس مسيرات رائعة ملؤها الإيمان بالمسيح المنتصر، يشترك فيها الكهنة والشمامسة والمؤمنون وحتى الصغار ليطوفوا بمسيرات حول الكنائس أو الشوارع حاملين الصليب المُزَيّن بأغصان النخيل والزيتون لكي يتقدم الموكب وخلفه يسير الشعب المؤمن حاملين تلك الأغصان ومع الشموع ، هاتفين نفس الكلمات التي دونت لهم في الأنجيل ، إضافة إلى تراتيل كثيرة خاصة بهذه المناسبة سائلين الله أن يرسي سلامه في عالمنا المضطرب بالحروب والزلازل والفيضانات والأعاصير والجوع ، إضافة إلى كونه ملوث بعقائد شيطانية تفرض نفسها بالقوة على الشعوب تدعمها منظمات ودول لكي يعودون بالإنسان إلى حضن الشيطان .
   السلام الذي زرعه المسيح ليس كسلام هذا العالم لأنه يريد أن ينشر المحبة والغفران والمصالحة ، والتي مصدرها هو المسيح الملك الذي يملك القلوب أولاً فتُنمية الكنيسة الناشئة التي أسسها ، وبها ينير العقول ويشفي ميول البشر نحو الشر والإلحاد ليخلق المشاعر الإنسانية بدلاً الحقد والإنتقام والإنقسام والموت وهكذا يزول الظلم وتسود الحرية فينتمي الكثيرين إلى مملكة يسوع المنتصر .
 بعد يوم السعانين بدأ الشعب اليهودي الذي بايع المسيح يبتعد عنه لتستعد لتهيئة أصواته وقوته لكي تقاوم المسيح أمام بيلاطس البنطي ، وتقول : ( إصلبه إصلبه ) . ولهذا صوّرَت الكنيسة المقدسة هذا الإنقلاب المفاجىء لصالح الشيطان فوضعت في ليتورجيتها إسبوعاً خاصاً مليئاً بالحزن ، يقضيه المؤمنين بالصوم والصلاة إستعداداً ليوم موت الرب على الصليب ، فسمي بإسبوع الآلام . والصوم في هذه الأيام لا علاقة له يالصوم الأربعيني ، إنما هو للتهيئة لأستقبال الرب القائم من بين الأموات كاسراً شوكة الموت . وفي يوم الأحد يبلغ الشعب المؤمن إلى فجريوم القيامة . فيزول الحزن لتبدأ الأحتفالات بسرقيامة المصلوب ويتقدس الجميع بإستقباله في قلوبهم بتناولهم قربانة الفصح فتتطهر النفوس . إنه العبور الفصحي . عبور من الخطيئة إلى التوبة . فترفع للرب تراتيل الفرح والشكر والتمجيد للمسيح المنتصر.
مجداً ليسوع المنتصر
  التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1


40

كنيسة الله وملكوته على الأرض
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ما أرهب هذا المكان ! ما هذا إلا بيت الله ، وهذا باب السماء ) " تك 17:28 "
    يسوع المسيح هو الإله المتجسد بيننا ، جاء من ملكوته السماوي لكي يؤسس على الأرض ملكوتاً . أتى مخلصاً للبشرية ، وهو الذي بشر به الأنبياء ، لا ليكون مخلصاً سياسياً يعيد المُلكَ لأسرائيل ، بل لكي يؤسس الملكوت في القلوب ، لهذا كانت بشارته عن ملكوت الله . فدعى إلى التوبة لأن ملكوت الله صار قريباً . والذي يعيش الملكوت في هذا العالم يجب أن يكون نقياً طاهراً لكي يسكن الله في قلبه . فالذي يطَهّر ذاته كالأطفال سيربح الملكوت ، لهذا قال يسوع ( دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات ) لكي يعلمنا الطريق الأقصر للملكوت ، قال ( إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت الله ) . وطريق الملكوت يبدأ بالإقتداء بالمسيح الذي جاء ليخدم لا ليخدم ، أي نكران الذات ومحبة الآخرين بحمل الصليب ، لأن الذي يريد أن يعيش الملكوت فعليه أن يخسر حياته في هذا العالم ليجدها في الآخرة  ( مت 16: 24-25 )  حب العالم وما فيه هو عداوة لله .  لذا قال يسوع للشاب للغني ( بع كل ما عنك ، ووزع على الفقراء ، فيكون لك كنز في السماء ، ثم قال وأتبعني ) " مر 21:10 " . وحب العالم قد تضاعف  في هذا الزمن فابتعد الإنسان عن الإيمان ، وقد غدا حجر عثرة للخلاص , وتنبأ يسوع عن الإيمان في نهاية الأزمنة ، فقال ( ولكن متى جاء إبن الإنسان ، أتراه يجد الإيمان على الأرض ؟ ) " لو 8:18 "
الملكوت يبنى ويرتفع بقدرها يعيش المرء في الطهارة وشراكة حب فاعل مع الناس ومع المسيح . وإن هذا هو الكنز الحقيقي ليس كالكنوز التي يجمعها الناس والتي تنتهي إلى فناء . فالملكوت هو كنز يجب الإهتمام به ويضحي بكل شىء كي يحافظ عليه وينميه ويعيش فيه ، لأنه أثمن من كل الجواهر . فالملكوت هو بيننا يدعونا إلى أن نحب ما هو أبعد وأثمن . إنه نعمة من الله . لقد كان وما يزال يحتضن في طياته سر الحياة والموت . إذ أن فيه تأخذ الحياة .
الملكوت يتخطى الزمان والمكان ، فالإنسان الذي يحتضن المسيح في قلبه ، ويعمل بوصاياه ، يحتضن الملكوت في قلبه . فهناك بشر يسيرون على هذا النهج ، وأناس يرفضون حتى السماع إلى أنغام هذه الموسيقى الإلهية . فهناك ملكوت يشارك فيه الإنسان مع الله في حياته وتحت سقف الكنيسة . ومن خلال الكنيسة أيضاً سيحصل على الغفران عندما يسقط في الخطيئة . فعطاء الله للإنسان لا تقدر ، بل هي حياة الوافرة ، بيد عليه أن يقبل ذلك النبع ليستقي منه القدرة وملء الحياة . لأن الحياة النقية تفيض من قلب الله وتصل إلى الإنسان من خلال أقنية محددة تمر كلها في يسوع الذي هو صورة الله وقدرته . الله يعمل معنا ، بل فينا ، من خلال واقعنا كبشر . وأسس من خلالنا كنيسة ليحقق من خلالها ملكوت ابيه هي العالم . فالكنيسة المجاهدة هي إمتداد للكنيسة الممجدة ، والمسيح حاضر في أسرار الكنيسة لكي يجمعنا معاً على مائدته المقدسة لنصبح معه جسداً واحداً . يسوع أراد ان تكون الكنيسة إمتداداً لشخصه ولسّر رسالته ، بل جسده السّري ، فيؤمن أبناء الكنسية بأن الروح يعضد ضعف الكنيسة دوماً وينير طريقها لأنها منذ البداية سمعت صوت المعلم وتسير وفق وصاياه . لهذا لا يجوز أن تقول بأن الكنيسة تخضع لقوانين بشرية ، بل إنها مقدسة يرأسها يسوع المسيح . والمسيح يريح كل مؤمن مثقل بالأحمال ويحيا قلوب الآلاف من المكرسين لنشر ملكوته في العالم . كما أنه يعيش في كل عائلة مسيحية التي تعرف كيف تضحي لتكون في وحدة معه ، وأعضاؤها على إتحاد فيما بينهم . وفي كل هؤلاء يستمر المسيح حياً ، وحياته فيهم هي شهادة للعالم على أنه ( الطريق والحق والحياة ) .
مجداً لأسم يسوع
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1

41

إفرغ نفسك وخذ صورة عبد
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( من أراد أن يكون أول القوم ، فليكن آخرهم جميعاً وخادمهم ) " مر 35:9 "

 الرب يسوع أسس طريق الخلاص على قاعدة الإتضاع ، فأول محاضرة له لبني البشر عندما ولد في حضيرة الحيوانات كانت عن التواضع ، رغم كونه ملك الملوك وإبن الله ، وهكذا كانت سيرة حياته كلها درساً بليغاً في التواضع ، فعلّمنا هذا الذي لم يكن له مسنداً ليضع عليه رأسه المحبة القلبية والتضحية من أجل آخر .
سَبَقنا يوحنا المعمدان الذي كان إنساناً واقفاً بإزاء الله متضعاً ، بعيداً عن كل ما في هذا العالم ، فعاش حياة التقشف والنسك والقداسة والتواضع ، فهو الذي ارثضى أن يكون يسوع الذي عمده في نهر الأردن سيده وربه .
   كل إنسان يعاني من الأنانية وحب التسلط لأنه مريض . وأعراض هذا المرض موجودة في البشرية منذ السقوط . فالذي يميل إلى السيادة على أخيه الإنسان سينمو في مستنقع الكبرياء وحب الذات ليصبح عبيداً لنفسه ، لأنه يطلب مشيئته فعلى الآخرين إطاعته فلا بد أن يسقط في أوجاع كثيرة . والسبب يعود إلى تمسكه بقناعته وإصراره على التمسك بآرائه التي يفرضها على الآخرين ، وهكذا سيسلك الطريق المدبر عن الهدف الذي يبعده عن الرب .
تَجسَّد الرب يسوع فأخذ صورة عبد ، فكان خادماً لكل الناس يعظ فيهم ويشفيهم من أمراضهم ويدافع عنهم ، بل مات من أجلهم . وهكذا ينبغي أن يقتدي به كل مؤمن ويعمل بوصاياه . طلبت أم أبني زبدي من يسوع لكي يجلسوا أبنيها عن يمينه ويساره ، فكان رده أمام جميع التلاميذ . من أراد أن يكون سيداً بينكم فليكن خادماً . الرسول بولس فَهِم رسالة السيد فأفرغ نفسه وأخذ صورة عبد ، فكان يفرح بآلامه وأتعابه ، بل كان يتحدى الموت من أجل رسالة سيّده ، فكان يحسب الموت ربحاً . ألغى في حياته كل أسباب الحزن ، ما دام كل ما يفعله يدخل ضمن دائرة سيده . أي لا كما يريد هو ، بل ما يريد معلمه . بعض رجال الأكليروس يستخدمون سيادة الله ليمدوا سلطانهم هم بدل أن يستعبدوا أنفسهم ليسوع ويصبحوا خداماً حقيقيين لقطيع الرب فيتمجد أسم الرب بهم . مشكلة بعض الخدام في حقل الرب هي أنهم يتصادرون سيادة الله ، وبإسم الله يتصرفون كأسياد متسلطين ، بينما عليهم أن يفرغوا ذواتهم من كل كرامة ذاتية حتى يصبح الرب يسوع وحده هو السيد عليهم ، وعلى كل أبناء رعيتهم .
   على المؤمن أن لا يفرح بما لديهِ ، بل بما لله ، والله يريد أن يعيش الإنسان حياة التواضع والخدمة . والمهم هو أن كل إنسان مؤمن بالمسيح مهما كان موقفه ووظيفته أن يعيش كالعبد كما فعل مخلصه ليخدمه في الآخرين . فعلى الإنسان أن لا يطلب المجد لنفسه ولا يتسَيّد على أخوته ، إنما عليه أن يبذل كل طاقته لا لأهوائه ومصالحه بل ليسوع الذي ينتظر منه الإيمان الصادق وأعمال حسنة ، فكل خدمة يقدمها ومهما كان حجمها وإن كان كأس ماء بارد ، فسينال بسببها التكريم . إذاً طريق التسلط يبعد الإنسان عن طريق الخلاص وحتى بين الزوجين لا يجوز التسلط ، إنما على الإنسان أن يحتمل أخيه الإنسان فليبادر كل واحد أن يحمل حمل الآخر بمحبة وذلك بإزاله الأنا من أجل أل ( نحن ) ، وفي الآخر نرى صورة المسيح . والله أوصى الإنسان ، فقال ( أحب قريبك كنفسك ) وهذه الوصية تحتاج إلى المحبة الحقيقية ، والتضحية لكي أعمل للآخر وكما أريد أن هو يعمل لي . فمتى ما إستقامت الأمور إلى هذا الحد ، سيشعر المؤمنون بالفرح والسلام ، والمسيح سيكون في وسطهم بالروح ، إلى أن يلتقي بوجهه البهي في ملكوته مع كل من أحبه وعمل بوصاياه .
ولألهنا المحب المجد الدائم

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1

42

هكذا نعيش لله ونحن في وسط الخطاة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( أما الشهوات الشبابية فأهرب منها ) " 1قور 33:15
  سبب السقوط في الخطيئة هو العثرة ، وقد تكون العثرة من أقرب الناس لنا ، لأن المجرب يدرس نفسية الإنسان قبل أن ينسج له فخاً ليسقطه ، وتجارب الشيطان أسقطت الكثير من عمالقة الإيمان . ومن وسائله الخبيثة لكي يتأثر على المؤمنين يقدم خطته عن طريق القريبين منا ، والذين نحبهم لكي يضمن نجاح خطته ، لهذا ينصحنا الرب يسوع قائلاً ( إن كانت عينيك اليمنى تعثرك فإقلعها وإلقها عنك ... أو يدك اليمنى فإقطعها وإلقها عنك ) " مت 5: 29-30 " . لا يقصد الرب هنا تطبيق نص الآية حرفياً ، بل ما يقصد به هو أن نبتعد من أعز المقربين إلينا والذي نعتبره كالعين مهماً ومفيداً لنا . أو قد تأتي العثرات من الذي يساعدنا كثيراً ونثق به ونعتبره اليد اليمنى لنا فعلينا ان نقطع علاقتنا معه في ذلك المجال دون أن نفقد معه محبتنا . إذاً الغاية هي الأبتعاد والهروب من مصدر التجارب لأن قلب المؤمن ينبغي أن يرفض الأقتراب من نار التجربة ، وهنا الأبتعاد أو الهروب ليس ضعفاً ، بل وقايةً كمن يهرب من المصابين بالأمراض المعدية وحتى وإن كانوا من أهل بيته .
   الأبتعاد من مكان الخطيئة والخاطئين أو من وسائل الخطيئة هو لصيانة النفس من الأنجراف والسقوط . فالكتاب المقدس ينصحنا فيقول ( أما الشهوات الشبابية فأهرب منها ) " 1 قور 33:15 " . كذلك المزمور الأول يوضح لنا الفكرة ، فيقول ( طوبى للرجل الذي لا يسلك مشورة الأشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس ) " مز1:1" . وذلك لأن في صحبتهم عثرات . قد تأتي أيضاً العثرة من أقرب الناس كما أتت لأدم من زوجتهِ . وشمشون الجبار من دليلة التي كانت أحب إنسان إلى قلبهِ . وكذلك آخاب الملك من زوجته إيزابيل . فالحل هو رفض العرض بقوة وقطع كل السبل عنه وكما فعل الرب يسوع مع بطرس الرسول عندما وبخه بسبب نصيحته الخاطئة ، فقال ليسوع ( حاشاك يا رب ، لا يكون لك هذا ! ) " مت 22:16 " . وسليمان الحكيم في بداية مملكته ورغم إحترامه الشديد لوالدته بتشبع رفض وساطتها لأخيه لأدونيا ( 1 مل 2: 19-23 ) .
   يبقى أن نعيش لله ، لا لشهواتنا ، فعلينا إذاً أن نحترس من الجنس الآخر مهما كانت العلاقة مهمة وتجلب لنا الخير ، ومهما كانوا أنقياء وأسدو لنا معروفاً مع وجود الثقة ، لكن المشاعر بسبب الإختلاط والإتصال المستمر بهم عملياً وعن قرب قد يثير الشهوة الحسية الرديئة فتتسلل المشاعر إلى النفس حتى تصل إلى الأعماق فينخدع القلب والعقل وأخيراً يسقط في شباك الشرير ، ويصعب عليه الخلاص من نار الخطيئة ، لذلك الهروب من حرارة النار التي يتمتع الجسد بدفئه أولاً فالأستمرار من القرب منه سيبدأ بإشعال ما في داخل الجسد أيضاً .
   على كل إنسان أن يتجنب من الإتصال بالناس الذين يمكن أن يكونوا تجربة له . ومن الواجب أيضاً تمييز الأصوات أو الصوَّر أو الكتابات ومصادر الوسائل الحديثة التي تشوِّه الذهن وتزرع الشك الذي يتسرب إلى عمق الإنسان .
   لا نتقوى على عدم مخالطة كل الخطاة حولنا ، لكن ليكن إختلاطنا في حدود الضرورة مع المحافظة على أفكارنا من أفكارهم وأساليبهم وألفاظهم كما يقول الكتاب ( لهجتك تدل عليك ! ) " مت 73:26 " . فالإختلاط مع المنحرفين عن عقيدة كنيستنا ومذهبنا ، لا نسمع لهم أي فكر لاهوتي أو عقائدي مصدره ليس من الكتاب المقدس ، أو من الآباء القديسين ، وكما قال الآبء الرسل في ( غل 1: 7-8 و 3 يو 1: 10-11 ) فالهروب من عثراتهم خيراً من مجادلتهم ، لتكن قدوتنا الثابتة في المسيح وسيَّر القديسين والأبرار .
والمجد لألهنا القدير .
 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1


43


ܥܹܐܕܐ ܕܸܢܚܵܐ عيد الدنح .. عماد الرب يسوع
بقلم / وردا إسحاق قلّو
صوت يصرخ ويقول ( أعدوا في البريةِ طريق الرب ، وأقيموا طريقاً مستقيماً لإلهنا ) " أش 3"40 "

  تحتفل الكنائس الرسولية كل عام بعيد عماد الرب يسوع على يد يوحنا المعمدان في مياه نهر الأردن القريبة من بيت عنيا " غير بيت عنيا قرية لعازر وأختيه " ( يو 28:1 ) . فالكنيسة الكاثوليكية تحتفل بهذا العيد يوم 6 كانون الثاني من كل عام ، وتسمي هذا العيد بعيد الدنح . وكنائس أخرى تسميه ( عيد الغطاس ) لأن عماد المسيح تم بتغطيسه أو تغويصه في مياه نهر الأردن ، والذي يرمز إلى موته وقيامته ، ليصبح كل من يتعمد خليقة جديدة ( 2 كو 15:5 و غل 15:6 ) .
   أبتدأ التعميد منذ يوم العنصرة ففي العظة الأولى للرسول بطرس قال ( توبوا ، وليعتمد كل منكم بأسم يسوع المسيح لغفران خطاياكم ، فتنالون موهبة الروح القدس ) " أع 38:2 " . أما عن الأطفال الذين لم يقترفوا خطيئة ، يحتاجون أيضاً إلى المعمودية لأنهم ولدوا بطبيعة بشرية ساقطة وملطخة بالخطيئة الأصلية الموروثة من الأبوين فلا يجوز منعهم من العماد لهذا نجد إثباتات واضحة منذ القرن الثاني بأن المعمودية مُنِحَت للأطفال أيضاً عندما كان الرسل والتلاميذ يعمدون جميع أفراد العائلة ( طالع أع 15:16 ، 33 ،8:18 ، 1 كو 16:1 ) .
 كان يوحنا يعمد كل المعترفين بخطاياهم أولاً قبل التغطيس ، وبالتغطيس تغفر لهم . لكن يسوع لم يكن له خطيئة ليعترف بها ، فعندما علم يوحنا بذلك جعل يمانعه فيقول ( أنا أحتاج إلى الإعتماد عن يدك ، او أنت تأتي إليَّ ؟ فأجابه يسوع : دعني الآن وما أريد ... ) " مت 14:3-15 " . بعد خروج يسوع من الماء فأنفتحت السموات فرأى يوحنا الروح القدس يهبط كأنه حمامة وينزل على يسوع ، كما سمع صوت الآب يقول ( هذا هو ابني الحبيب الذي رضيت ) " مت 3: 16-17 " . لكن هذه الحقيقة لن تعلن للشعب لكي لا يعلم بحقيقة تجسد المسيح ، كما لم يشأ يسوع إعلانها لكي يتمم نشر رسالته أولاً ، لكن الأبليس عدو الخير كان يكشف للعالم حقيقة المسيح ، وهو الذي أعترف أولاً بأنه المسيح . فبعد العماد صعد يسوع إلى جبل التجربة لكي يجربه الشيطان في اليوم الأخير من الصوم عندما كان يسوع يتحمل ثقل الجوع والعطش ، وبعد ذلك بدأ بكشف حقيقة يسوع ، فقال ( ما لنا ولك يا أبن الله ؟ ) " مت 29:8" .
نزول الروح القدس على يسوع يوم عماده تنبأ به أشعياء النبي ، قال ( .. وضعت روحي عليه ليسوس الأمم بالعدل ) " 1:42 "
هناك طقوس خاصة للإحتفال بهذا العيد ، والكاهن يرفع صلوات خاصة لتقديس الماء . وبعد القداس الإلهي توزع على المؤمنين الحاضرين  . إنه يوم عظيم حضر فيه الثالوث الأقدس لأول مرة على الأرض . كما حضر بعد ذلك في يوم التجلي على الجبل .
 المعمودية هي السر الأول في الكنيسة ، وهي البوابة الوحيدة التي يدخل من خلالها المؤمن إلى الأسرار الأخرى ، أنه سر الولادة الجديدة بالماء والروح
  تعمد يسوع في نهر الأردن ليفجر ينبوع المعمودية لكل المؤمنين ليولد كل من يعمد ولادة جديدة من الماء والروح ليصبح إنساناً جديداً يستطيع الدخول إلى ملكوت الله ( يو 5:3 ) . وبالمعمودية تغفر جميع الخطايا ويدخل المعمد في سر الله ، بل يندمج مع جسد المسيح الذي هو كنيسته المقدسة ليصبح عضواً فيها لأنه نال سمة روحية لا تمحى  ، بل يصبح أبناً لله بالتبني ، وشريكاً في الطبيعة الإلهية . فلا يجوز تكرار المعمودية ، لأن لكل الكنائس ( إله واحد وإنجيل واحد ومعمودية واحدة ) .
 المعمودية تتم بطريقتين ، الأولى بالتغطيس الكامل في الماء ، أو صب الماء على رأسهِ ، مع إستدعاء الروح القدس ، الآب والإبن والروح القدس .
وكل عيد الدنح وأنتم بخير
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



44

راس السنة الجديدة ... توديع سنة وإستقبال أخرى

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  الشمس تشرق في بلدان الشرق الأدنى أولاً فتحدد اللحظات الأخيرة لإنتهاء السنة في تلك البلدان فتعلن الساعة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة خبر إنتهاء السنة فيتم إطفاء النور في كل بيت ومن ثم إعادته في الثواني الأولى من اليوم الجديد للسنة الجديدة . وفي الخارج تطلق الألعاب النارية لتزين السماء بألوان جميلة تبهرالعيون وتزرع البسمة في الصغار والكبار ، وللشباب والأطفال أيضاً ألعاب نارية يطلقونها نحو السماء . بعض الدول تستعد لهذه المناسبة لكي تفوز مدنها في تزيين أجوائها والبنايات العالية والشوارع أيضاً .
  الكثير من العوائل تفضل قضاء الليلة في البيت مع الأهل والأقرباء فتعد أشهى أنواع الأطعمة والمشروبات مع تقديم الألعاب والهدايا ، وعوائل أخرى تقضي الليلة في حفلات التي تعدها النوادي والقاعات على أصوات الموسيقى والأغاني والرقص إلى ساعات متأخرة من الليل  . وهناك من يفضلون البقاء أمام شاشات التلفزيون ليشاهدون أهم الأحداث التي وقعت خلال السنة ، وكذلك من يتابع الشاشة لكي تعلن وقت بداية السنة الجديدة في بلدان أخرى لمشاهدة النشاطات التي تقوم بها مدنها لأستقبال لحظة بداية السنة المقبلة . وعلينا أن لا ننسى هواتف المنزل أو الهواتف المحمولة التي تبدأ ترن لكي تنقل لنا تهاني الأقرباء والأصدقاء .  ومواقف كثيرة كهذه تبرز في تلك الليلة ، وهناك من يعتكف مع ذاته أمام الكأس ليتذكر أهم الأحداث المفرحة والحزينة التي مر بها ، والتخطيط لما سيعمله في السنة الجديدة فيرسم له خطة لحياة أفضل يتجاوز فيها كل الأخطاء والصعوبات التي مرت عليه والتي صارت من الماضي . 
  ماتت السنة القديمة كما يموت الإنسان فيودعه الأهل والأقرباء والأصدقاء ، وموت كل إنسان فيه رسالة سماوية لكل الحاضرين ، وخطواتهم نحو المقبرة لدفن الميت تقربهم من ساعة الموت هم أيضاً . ولنتذكر أيضاً نهاية العمر للدخول في عالم جديد كما ندخل في سنة جديدة.

كيف نستعد لتوديع السنة لندخل في أحضان السنة الجديدة ؟

  أولاً علينا أن نشكر الخالق الذي حفظنا وغمرنا بإحساناته وفضائله وأعطانا الصحة لنعيش إلى تلك اللحظات فنرفع له صلوات الشكر مع أبناء العائلة والحاضرين معنا ، وبعد إطفاء النور وإشعاله نبدأ أولاً بقراءة نص من الكتاب المقدس ، وبعدها فترة من الصمت لنعلن توبتنا أمام الخالق عن كل ما أقترفناه من زلات في الأيام الماضية ، والكتاب يشدد على موضوع التوبة لكي نتحرر من أسر الخطيئة ، قيل ( الله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا ، متغاضياً عن أزمنة الجهل ) " أع 30:17 " . 
   في نهار اليوم الأول الذي هو يوم عيد ختان الرب يسوع علينا أن نستعد لحضور القداس الإلهي الذي يدعونا لتناول خبز السماء لكي نتحد مع المسيح منذ اليوم الأول من السنة الجديدة ، وفي الكنيسة نرفع له الشكرعلى كل عطاياه لنا في الماضي لنعيش الفضيلة منذ اليوم الأول من السنة ، كما علينا ان نقدم أعمال الرحمة لنكلل العام الجديد بأعمال الخير المقرونة بمحبتنا الصادقة لمن نسعفه بصدقاتنا . وهكذا نبدأ مع الله في مسيرة جديدة ، وصفحة جديدة ندوِّن عليها كل أعمالنا التي تتتفق مع وصاياه . كما نقدم العهد لله في اليوم الأول بأن نعيش حياة التوبة والطهارة ، وحياة مثمرة طالبين معونة السماء لكي لا تضعف يوماً عزيمتنا أو تبرد حرارة إيماننا . وعلينا أن لا نتذكر أخطاء الماضي التي أعترفنا بها ، ولا ننظر إلى الوراء كإمرأة لوط لكي نصلح للدخول إلى ملكوت الله ( لو 62:9 ) . نرفع الصلوات اليومية وقراءة بعض النصوص من الكتاب المقدس ومن ثم التأمل بكلام الله لكي نعيش وفق وصاياه . وإن إقترفنا الخطيئة فعلينا اللجوء إلى كرسي الإعتراف لتطهير الذات طول أيام السنة ، وأفضل الأعمال التي يجب أن نعملها لنقدمها هدية إلى الرب هي مغفرتنا لمن أساء إلينا وهكذا نرسخ فضيلة المحبة في حياتنا ونسير مع الأيام نحو الله الذي ينتظرنا لكي يقدم لنا التكريم اللائق في منازل الحياة الأبدية .
                                 
وكل عام وأنتم بخيروفرح





45

عطايا عيد التجسد الإلهي
بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، إلهاً قديراً ، أباً أبدياً . رئيس السلام ) " أش 9: 6-7 "

فلما تم الزمان المقرر للتجسد ، أرسل الله إبنه الوحيد ليولد من إمرأة في مدينة داود ، ولد من إمرأة وليس من نسل رجل ليسحق رأس الحية . ذكر الرسول بولس في (غل 4:4 ) لفظة ( إمرأة ) ولم يقول يولد من العذراء كما كتب النبي إشعياء في ( 14:7 ) وذلك لكي يربط القصد مع سفر التكوين ( 15:3 ) بأن نسل المرأة سيسحق رأس الإبليس أو الحية . ولد المخلص تحت الناموس ليفتدي الذين هم تحت الناموس فينالوا التبني .
   الروح القدس الذي حل في العذراء بعد أن أعلنت موافقتها للملاك فبدأ الروح يتخذ جسداً إنسانياً ليختلط الله الروح بجسد الإنسان ، فإن مسيحنا المتجسد فينا هو الوسيط بين الله الآب وبين الإنسان ، وهو الذي يكسو الإنسان فيرشدهُ إلى الآب . فالمسيح الذي أخذ ما للإنسان ، جعل الإنسان أن يأخذ ما هو للمسيح .
   أعظم عطية نالها الإنسان من الإله المتجسد هو الخلاص وصار كل مؤمن إبن الله بالتبني . فعلى كل مؤمن أن يشكر الطفل الإله في يوم مولده لأنه عطية الله للإنسان الذي أحبه ويريد خلاص الجميع .
 
   طلب الملاك من مريم ويوسف لكي يدعى الطفل المولود ( يسوع ) أي ( يهوه يخلص ) لأنه سيخلص شعبه من خطاياهم ( مت 21:1 ) فيتحررالإنسان من الموت الأبدي الذي هو آخرعدو يبطله المسيح بقوته ( 1 قور 26:15 ) . 
   في يوم ميلاد المسيح بيننا ظهر الله في الجسد ( 2 تي 16:3 ) وفيه حل كل ملْ اللاهوت جسدياً ، فعلينا نحن المؤمنين به أن نهىء قلوبنا لكي يحل فيها ( أف 17: 3 ) وهو يطلب من الجميع أن تفتح له أبواب القلوب ليدخل إليها ( رؤ 20:3 ) ، فعيد الميلاد هو عيد التجسد الإلهي في بني البشر ، وميلاد المسيح هو عيداً شخصياً لكل مسيحي لكي يولد لا في المغارة بل في قلب المؤمن بسبب إيمانه فتظهر حياة المسيح فيه عملياً ليصير عضواً حقيقياً في جسد كنيسته المقدسة فيظهر في حياتنا الفرح والسلام والتواضع وإنكار الذات من أجل الخلاص ، بل يتجسد في المؤنين روحياً ليصبحوا معه جسداً واحداً .
  شعب إسرائيل الذي كان ينتظرلم يكن يجهل مجيئه لكنه نكرهُ ولم يهيء له منزلاً لائقاً لكي يولد فيه كما يليق بالمسيح المنتظرلأنهم لم يفرزوا زمن المجىء من النبؤات رغم طلب هيرودس الملك منهم بسبب المجوس القادمين للسجود له . ولد ملك الملوك في مسكن
 ومن أجلنا تواضع وصار فقيراً وهو الغني لكي نستغني نحن بفقره ( طالع 2 قور 9:8 ) واستمر في التواضع من يوم مولده إلى ساعة موته ، هذا ( الذي كان في صورة الله . وضع نفسه وأطاع حتى الموت . موت الصليب ) " في 2: 5-10 " فلنعلم منه البساطة والتواضع لكي نتحرر من حب الذات والكبرياء والكرامة الشخصية ونقتدي بالطفل الإلهي العجيب في إتضاعه وفقره وتعليمه الذي يقودنا نحو العظمة الحقيقية ، فقال ( من أراد منكم أن يكون عظيماً فيكم ليكن للجميع عبداً وخادماً ) فإنكار الذات يجعل الإنسان أن ينسى نفسه من أجل محبة الله أولاً ومحبة القريب ثانياً .
  ميلاد ملك السلام علمنا السلام لأنه إله السلام ( رو20:16 ) وقد نشر السلام في العالم كله بالمحبة دون ان يسفك قطرة دم أو حمل السيف للتهديد . 
 في يوم الميلاد بشر ملاك الرب الرعاة بفرح ميلاد الطفل الإله في المذود ، وكان فرح عظيم لا يوصف ، بل هو أساس وأعظم من كل أفراح العالم لما يحمل من معاني ودروس لها غاياتها لخدمة البشر . وبعد زيارة الرعاة الفقراء جاءوا المجوس الأغنياء من المشرق ليؤكدوا للملك الروماني ولقادة اليهود بأن المسيح الملك قد تجسد فأين هو ملك اليهود ؟  لكن كهنة اليهود الذين بحثوا عن الخبر ومكان مولد المسيح قالوا للملك أنه سيولد في بيت لحم دون أن يبحثوا عن زمن مجيئ مسيحهم المنتظر علماً بأنهم خاصته ، وخاصته لم تقبله ، إنما قبلوه الغرباء الذين زاروه  وكرموه فقدموا له ( ذهباً ولباناً ومراً ) " مت 11:2 " كما قدموا له إيمانهم فسجدوا له . كان لهداياهم رموز لأهداف عميقة . فاللبان يشير إلى كهنوت المسيح ، لأنه رئيس الكهنة الذي يرمز أيضاً إلى كهنوت هارون بسفك دمه ليصبح آخر ذبيحة دموية . أما المر فيشير إلى آلامه الفدائية . والذهب يرمز إلى أنه ملك . لقد أشركنا المسيح في أثنين من هذه العطايا وهما ( اللبان والمر ) أي العبادة والآلام . والأثنين والأثنين في السماء هما ( الذهب واللبان ) أي الملك والعبادة . ولأجل خلاصنا علينا أن نولد ولادة جديدة ونموت مع المسيح في مياه المعمودية لكي ننال الخلاص . قال الرسول بولس ( شاءت رحمته أن يخلصنا بغسل الميلاد الثاني والتجديد الآتي من الروح القدس ) " طي 5:3" . المسيح لم يولد من نسل إنسان ، بل من الروح القدس ، هكذا الإنسان المولود من الجسد ينبغي أن يولد ولادةً جديدة من الماء والروح . أما الذي لا يلد من الماء والروح لا يدخل ملكوت الله لأنه لم يموت ليدفن مع المسيح ولم يقوم معه ( يو 3: 3 ، 5 ) . 
ليتمجد أسم الإله المولود فينا
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 " 



46

علاقة العقل بالإيمان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  الإنسان الذي خلقه الله على صورته يتميَّز عن الحيوانات وذلك لإمتلاكه العقل ، فهل بمقدور العقل معرفة الله وأسراره معرفة كافية ، أم أنه محدود بقدرته في فهم أسرار عالم الأرواح ؟
عندما نعترف بأن الله قد خلق الإنسان العاقل كمثاله ، والإنسان يعترف بهذه الحقيقة بأنه يمتلك عقل محدود ، فهل يستطيع العقل المحدود أن يدرك الله الغير محدود ؟
  بعد إنشقاق الكاهن مارتن لوثر دار بين الكاثوليك والبروتستانت جدالاً حول موضوع ( معرفة الله الطبيعية ) فالكنيسة الكاثوليكية أكدت موضوع معرفة الله الطبيعية ، وأن الإنسان مخلوق على صورة الله كمثاله ، إذ أن غايته القصوى هي الله ، لهذا قرر المجمع التريدانتيني رداً على الرأي البروتستانت القائل ( أن الله هومنبع كل الأشياء ونهايتها ، يقدر العقل الطبيعي معرفته معرفة يقينية إنطلاقاً من المخلوقات ) لكن البروتستانت نفوا إمكانية معرفة الله بالعقل معرفة بشرية فحصروا المعرفة بالوحي . فالوحي المسيحي يتمحور حول أسرار إلهية ولا سيما سر التجسد ( الكلمة صار جسداً ) " يو 14:1 " . فالعقل يحاول فهم هذا السر والتعمق فيه ، فلفظة ( الكلمة ) تتطلب شرحاً وفهماً وتوضيحاً دقيقاً . وهكذا بالنسبة إلى سر الفداء والثالوث ، فالروح القدس لا يخاطب وجدان الإنسان فحسب ، بل العقل أيضاً ، والعقل من جهته يسعى بقوة الروح القدس أن يدرك السر ويتعمق فيه فيدخل في أعماقه . وبما أن السر غير محدود ، فمعرفة العقل غير محدودة أيضاً . لذلك نقول بأن السر لا يعني بأن الإنسان لا يستطيع فهمه بالعقل ، إنما يعني أن الإنسان كلما سعى إلأى فهمه أكتشف أبعاداً وأعماقاً جديدة فيه . فالسر لا متناهي ، والعقل كذلك . فإن كان الإصلاحيين يعتبرون الإيمان إلهام داخلي ، ونور إلهي باطني وذلك بعمل الروح القدس ، إلا أن اللاهوت الكاثوليكي يعتبر ذلك لا يسلب العقل دورهُ في فهم الإيمان فهماً موضوعياً . قال القديس أوغسطينس في هذا الصدد ( أؤمن كي أفهم ) فإن كان الإيمان يسبق الفهم ، إلا أن الفهم بالعقل يتبع الإيمان ويوَضحهُ . وهذه المقاربة مختلفة عن المقاربة الفلسفية التي تنطلق من العقل في البحث عن الله من أجل الإيمان بوجوده .
لجماعة الإصلاح قول مأثور ، وهو ( الإيمان من الإستماع إلى كلمة الله ) إلا أن هذا القول مع صحته ناقص لأن الإستماع ناقص ما لم يحكم عليه العقل . فالإستماع قطب سالب ، وأما إحكام العقل فأمر باطني .
وتتضح نهاية العقل في مجار آخر . إلا وهو البعد الجماعي حيث لا ينحصر الوحي والإيمان في ما يختبره ويفهمه الشخص بمفرده بمعتزل عن الآخرين . فالبعد الجماعي الكنسي يمنع ( وديعة الإيمان ) من أن تكون عرضة للذاتي فتقع في فخ الفردانية ، فتقع وديعة الإيمان على عاتق الجماعة الكنسية ولا سيما السلطة الكنسية التعليمية بموجب أمر المسيح ( أذهبوا وتلمذوا .. وعلموا .. ) " مت 20:28 " .
عقل الإنسان المحدود يتميز بقدرة لا نهائية ، فأنه يتفاعل ومضمون الوحي الكامن في الكتاب المقدس ، فيحاول المؤمن أن يتعمق في فهمه بعقله . ومن هنا ظهرت الهرطقات فإضطرت الكنيسة غلى عقد المجامع للرد عليها ، ولتفسير الكتاب المقدس تفسيراً كنسياً صائباً . والمجامع إستخدمت العقل في صياغة العقائد ، وقد أزداد دور العقل في البعض منها . مثل المجمع الفاتيكاني الأول نظراً إلى إشكالية الإصلاح التي كانت حذرة تجاه العقل ولا سيما في قولها المأثور ( الكتاب وحده ) فرد المجمع الفاتيكاني الثاني بعدم التركيز على العقل كما فعل المجمع الفاتيكاني الأول ، مضيفاً أبعاداً أخرى كأهمية البعد التاريخي في الخلاص .
 هناك العديد من الطوائف المسيحية حذرين تجاه العقل ، أو رافضين إياه ، لخوفهم من هدم الإيمان بالعقلانية . فنرى أرسطو مثلاً يقر بإمكانية معرفة الله بالعقل معرفةً شاملة ، مما يهدد دور الإيمان ، بيد أن إيماننا يعلمنا أن مفاهيمنا عن الله جزئية لا شاملة ، وأن العلم كله جزئي . هناك علامات طبيعية وآيات تشير إلأى وجود الله فيستطيع العقل أن يقتنع بها ويؤمن . فالخليقة علامة تشير إلى وجود الله لكنها لا تبرهن لأنها لا تفرض نفسها إلى العقل . كذلك توق الإنسان إلى الله ونزعته نحوهُ وإشتياقه له ، إنما هي من العلامات لا البراهين لوجود الله . وفي المسيحية علامات وآيات لوجود الله ولحضوره نذكر منها ست علامات وآيات :
1-الخليقة : يقول الكتاب ( الخليقة بأسرها تنشد بعمل الله وعظمته ) فالخليقة هي ظهور لله ، فالله لا يظهر مادياً ، بل في خليقتهِ .
2-يسوع المسيح : أنه العلامة العظمى التي تحث الناس على الإيمان بالله ، ( لأنه صورة الله غير المرئي ) " قول 15:1 " . أي أنه علامة مرئية للآب غير المرئي ، حيث من رآه فقد رأى الآب " يو 9:14 " ، وذلك لأنه مع الآب " يو 30:10 " .
3-الكنيسة : لكونها جسد المسيح وعروسه . إنها جسد المسيح وهو رأسها . فمجرد وجودها في وسط البشر تدل على حضور الله بينهم ( سيعرفون أنكم تلاميذي إذ أحب بعضكم بعضاً ) " يو 35:13 " .
4-الأسرار الكنسية : عناصر طبيعية تستخدم في الأسرار تشير إلى الله وتحقق حضوره . فالخبز والخمر يحققان ما يشيران إليه من حضور جسد يسوع ودمه . والماء يشير إلى المعمودية . والزيت إلأى قوة الروح القدس .
5-الفقراء والصغار : يرمزون إلى وجود الله بيننا بناءً على وصية المسيح ، قال ( كل ما فعلتموه لأحد هؤلاء الصغار فبي قد فعلتم ) " مت 40:25 " فالفقير والصغير والمظلوم يشير إلى وجود الله بيننا . فالإنسان المتألم يرمز إلى يسوع المتألم . لهذا قال القديس أكليمندس الأسكندري ( رؤية إخوتنا هي رؤية الله ) .
6- الكتاب المقدس : يشير بأجمعه إلى الله ، إلى كيان الآب والإبن والروح القدس ، فهو علامة تشير إلى الله .
إذاً العقل له دور في الإيمان ما دام الإنسان على هذه الأرض ، إلا أن الوضع يختلف في الأبدية لأنه سيزول الإيمان ومعه الرجاء . يقول الرسول بولس ، لتظل المحبة وحدها ( 1 قور 13:13 ) وأخيراً سيزول أيضاً مجهود العقل لتحل الرؤية ، رؤية الله وجهاً لوجه ( طالع 1 قور 13: 10-12 ) . فمرجع الإيمان هو الإيمان نفسه ، لا العقل الذي يخدم الإيمان . وبالإيمان نقول ( يا رب خلصني ) .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



47

سر ملكوت الله وعقل الإنسان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب ( فأطلبُوا أوَّلاً ملَكُوتَ اللهِ وبرّهُ ، وهذِهِ كُلّها تُزادُ لكُم ) " مت 33:6"
   عقل الإنسان يدرك ما يرى من أشياء . فحتى وإن سمع الإنسان أمور أخرى لا ترى كأخبار الملكوت ، فيصعب عليه فهمها بعقله المحدود ، لذا لم يلجأ يسوع في تعليمه إلى شرح كل ما يتعلق بالملكوت ، إنما أعطى أمثلة كثيرة لكي يتخيَّل السامع هذا السر ولأهميتهِ ذكر يسوع ملكوت الله والسموات أكثر من مئة مرة مستخدماً الأمثال وخاصةً في أنجيل البشير لوقا.
   الفريسيون سألوا يسوع عن وقت مجىء ملكوت الله ، فكان ردهُ يشير إلى بداية التفكير بالملكوت ، فقال ( ... فها أن ملكوت الله في داخلكم ) " لو 21:17 " إذاً الملكوت ينبعث أولاً من داخل الإنسان كبداية صغيرة ، أو كخطوة أولى ، لأن ملكوت الله هو ملك الله ، وملكه لا يقتصر في السماء ، بل على الأرض وفي الكون كلهُ . فالخطوة الأولى لنا إلى الملكوت هي الإيمان أولاً بأننا نسير نحو ذلك الهدف، وهكذا تكبر الفكرة لكي يكتمل الموضوع للوصول إلى تلك الغاية . أختصر يسوع الطريق بالأمثلة ، كمثال حبة الخردل " لو 13: 18-19 " ومثل الخميرة في نفس الأصحاح . كيف تكبر حبة الخردل لتصبح شجرة كبيرة . ، وكيف أن كمية الخميرة الصغيرة قادرة إلى تخمير كمية كبيرة من الطحين ؟ أنه تحول كبير وسريع لم يستطيع الإنسان أن يدرك كيف يحدث هذا التغير السريع والكبير . فالملكوت الذي يبدأ كبذرة أو خميرة في قلب الإنسان نتيجة الإيمان فالله قادر أيضاً كما نَمّا حبة الخردل ، ووضع طاقة في الخميرة لكي تغيير كل العجين ، هكذا خميرة الإيمان سينميها الله فينا لكي تكبر .
   قد يحسب البعض بأن إيمانهم وضيع فيشكّون بأنهم لا ينالون ملكوت الله . لكن في الحقيقة علينا أن نزرع والله هو الذي ينمي ،  وكما قال الرسول بولس (1 قور 7:3) وكما ينمي البذور المزروعة في الأرض دون أن نعلم أو نشعر بما يحصل تحت سطح الأرض . الأرض لوحدها تخرج العشب أولاً من الحنطة المزروعة لتنتج السنبل ، ثم القمح الذي يملأ السنبل ( مر 4: 26-29 ) وهذه الأمثال توضح لنا بأن ملكوت الله آت لا محال ، فعلينا أن ننتظر بشوق أساسه الإيمان لمعرفة وقت النهاية أو النضوج . إي لا يحصل دخول الإنسان فجأة ، بل ينمو في داخله يومياً وهو في حياة الجسد .
    ملكوت السموات هو المُلك ، أي السيطرة . سيطرة الله على عقول وقلوب الناس عن طريق محبته للبشر ، ومحبة الإنسان لله . فالمحبة تملك القلوب ، والملكوت هي مسيرة حياة وراء المسيح . ولكي يصبح قلب الإنسان ملكوتاً لله . فالذي يمتلك قلباً نقياً يعيش حياة التقوى ( فأطلبوا أولاً ملكوته وبره ، تزادوا هذا كلهُ ) " مت 33:6" . وللملكوت معاني عديدة ، يسمى ( ملكوت السموات ) و ( ملكوت الله ) و ( ملكوت المسيح ) وبولس الرسول لا يفرق بين ملكوت المسيح وملكوت الله ( أف 5:5) . وملكوت الله الحاضر بيننا بحسب بعض النصوص الكتابية ( طالع لو 21:17 و مت 28:12 ) وفي بعض النصوص لم يحضر الملكوت بعد ، مثل ( حان الوقت وقرب ملكوت الله ) " مر 15:1" . ويسوع يقول لبيلاطس ليست مملكتي من هذا العالم ( يو 36:18 ) فعلينا أن نفهم المقصود ، علماً بأن كل الأمثال عن الملكوت تدل على أن الملكوت هو حاضر بيننا وفي داخلنا وكذلك في وسطنا ، لم يهيمن بعد كما ينبغي ، لهذا تنطلق حناجرنا بالدعاء قائلين ( ليأتي ملكوتك ) " مت 10:6 " . 
   الملكوت يبدأ من هذه الأرض ، والله يعضد المؤمنين به ومهما كانت أعمالهم ، فمثل العمال الذين أرسلهم رب الكرم إلى كرمه ، فرغم إختلاف ساعات العمل لكل مجموعة لكنه كافأة الجميع بالتساوي . وبحسب فهمنا لهذا الموضوع أو وفق عدالتنا وقوانيننا ، نندهش عندما يساوي الذي عمل طول النهار مع الذي عمل ساعةً واحدة فقط . فنفسره ظلماً وليس عدلاً ، لكن تفكيرنا هذا ينسف مبدأ الحب والحرية، فلصاحب العمل كامل الحرية على ماله ، فإذا كافأ العمال الغير المستحقين للأجرة التي أتفق مع عمال الساعة الأولى فأنه حر ، وأنه كريم وعطوف لهذا لم يخطأ بحق أحد ، ولم يظلم أحد . فإذا غفر الرب يسوع للص اليمين في الدقائق الأخيرة وساواه كمن عمل في حقل الرب في الإيمان والتبشير وفي الصوم والصلاة وسهر الليالي فلأن محبته شاملة وكبيرة ، إضافة إلى أنه حر في مغفرة الخطايا ، فمحبته الواسعة لا تتفق مع عقل الإنسان . فمفهوم ملكوت الله المرتقب سيأتي في عالم يتشبث بالعلاقة بين الكفاءة والمكافأة . أي أن الخلاص هو للأبرار وحدهم كما يعتقد البشر وبحسب عدالة قوانينهم البشرية . لكن الملكوت بحسب منظور الله الذي يعيد للتائب حقوقه وحتى وإن كانت توبته في لحظاته الأخيرة . ومثال الأبن الشاطر يؤكد لنا كيف أعاد الأب حقوق البنوة وإحتضنه . كذلك السيد الذي أعفى عبده من كل الديون  لكن هذه الأمثلة التي تعبر عن محبة الله اللامحدودة تعطف إلى أمثلة أخرى تتحدث عن عدل الله ، فيها نجد أن الوصول إلى الملكوت ليس سهلاً فيصطدم القارىء لأنها
تخلق له مشكلة عنيفة لا يتوقعها ، فتطلب منه الإستعداد ، لأن الملكوت يظهرفي تلك الأمثال بهيئة مرعبة فيها دينونة مفاجأة ، فهل الجميع مستعدين لها ؟
كمثل البواب الذي أوصاه سيدهُ بالسهر . كما أوصانا الرب نحن المؤمنين بالسهر والأستعداد كالعذارى الشاطرات ، وذلك لأننا لا نعلم متى يأتي الرب الديان إلى البيت ليحاسب الجميع . لهذا ينصح الجميع بالسهر لئلا يأتي بغتة فيجدهم نائمين .
قال الرب يسوع لتلاميذه بهذا الخصوص ( ما أقوله لكم ، أقوله للناس أجمعين ، أسهروا ) " مر 13 : 34-36 " .الديان يأتي كالسارق فعلى الجميع التهيؤ لأستقباله ، قال يسوع ( وأنتم تعلمون أنه لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي السارق لم يدع بيته ينقب ، فكونوا أنتم مستعدين ، ففي الساعة التي لا تتوقعونها يأتي ابن الإنسان ) " لو 12 : 39-40 " . المثالان تبين لنا ضرورة السهر الدائم والإستعداد للقاء بالعريس الذي يدخل المستعدين معه إلى ملكوته ، ثم يغلق الأبواب . فعلى الجميع العمل في ساعات الوقت الحاضر التي نعيش فيها على هذه الأرض ونأتي بثمار جيدة ، ومن ثمارنا سيعرفنا .
أمثال الملكوت تحدثنا لكي ندرك بعقولنا جزء من حقيقة الملكوت لنسعى لها ونحن في الحياة الزمنية لكي يكون تفكيرنا مرتبطاً بالكنز الثمين الموجود هناك . أما الذي يحصر تفكيره في الخيرات الأرضية فإنه كالغني الغبي الذي ملأ مخازنه من خيرات الأرض ( طالع لو20:12 ) فكنز الإنسان الثمين ليس ما يكنزه لمسقبل جسده الزائل ، بل لما هو لروحه الخالدة في السماء ، لهذا قال الرب :
( أكنزوا لكم كنوزاً في السماء . وحيث يكون كنزكم تكون قلوبكم ) .
 
التوقيع( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) “رو 16:1”


48

التصاميم المعمارية لمعابد وزقورات بلاد النهرين
   
بقلم / وردا إسحاق قلّو

         في البدء ظهر المعبد صغير الحجم يتكون من غرفة واحدة فقط وكما اكتشف المنقبون في الطبقة السادسة من تل أريدو ، لكن تلك المعابد التي كانت مبنية من الطين والقير لم تُعمر طويلاً بسبب الظروف الطبيعية ، والمياه الجوفية ، فبدأ الناس ببناء معابد جديدة فوق القديمة ، ومنها نشأ العلو في البناء ونضجت لديهم فكرة بناء الزقورات ،  وسرعان ما تطور بناء المعبد وتعددت مرافقه وتوسعت مهماته حتى صار يضم صنوفاً متعددة من الكهنة والكاهنات ، ويغطي مساحات شاسعة من الأراضي ، فكان له بوابات ، وغرفة للهيكل التي تحتوي على تمثال الإله المعبود ، والتي كانت تعد أقدس رقعة في المعبد . وفي بعضها يوجد مذبح في الحجرة ، وكذلك وجود دكة للقرابين .
  في بلاد وادي الرافدين كانت المعابد الدينية من أبرز المعالم المعمارية في المدينة أو القرية ، وذلك لأعطائها أهمية خاصة مربوطة بالمعتقد الروحي يشترك الجميع في تشييدها وخاصةً عندما كان سبب بنائها بأمر من الآلهة . فكما طلب الله من سليمان الملك لبناء الهيكل المقدس وبمواصفات معمارية وجمالية خاصة كذلك كانت تشيّد المعابد في مختلف حضارات بلاد النهرين بأمر من الآلهة . 
 تطور بناء المعبد في وادي الرافدين فصار يتكون من قسمين رئيسيين : الأول أرضي ، كان مختص للعبادة . والثاني المبني فوقه هو الزقورة أي البرج الذي تعد فكرته الأقدم للبناء المدرج في التاريخ وتعتبر أقدم الأهرامات في حضارة وادي الرافدين .
   كانت واجهة المعبد تزين ببوابات الدخول والخروج ، فمدخل المعبد يؤدي إلى غرفة صغيرة مفتوحة إلى صحن المعبد وهو فناء واسع يجتمع فيه الناس لإقامة الصلوات . وكان المرء يدخل من الساحة إلى غرفة تؤدي هي الأخرى إلى حجرة الهيكل المقدسة التي تحتوي على المحراب وعلى تمثال الإله . ودكة المذبح التي يقدم عليها الأضاحي للإله المعبود . كما كان في المعبد مكاناً مخصصاً لتقديم الطعام والشراب للإله على دكة الإله ، فكان الطعام يرفع إلى مستوى فم التمثال من قبل الكاهن ، ويبدأ بقراءة الصلوات والأدعية إلى إلهه .
  وفي المعابد أجنحة وغرف ومرافق أخرى للكهنة المشرفين على إدارته ، ومخزن للأدوات والآثاث الخاص به . كما كان المعبد يضم مكتبة تحتوي على وثائق لها علاقة بالحياة الدينية كالصلوات والأناشيد والقصص الخاصة بالخليقة والتكوين ، إضافة إلى النصوص اللغوية والأدبية والفلكية .
   تماثيل الأصنام كانت تنحت من الحجر أو الخشب وتزين بالذهب والفضة وبالأحجار الكريمة . كانت التماثيل توضع على المحراب لعبادتها .
   كان الإله يفصح عن رغبته في بناء معبد جديد له من خلال الأحلام التي يراها الملك أو الكاهن في منامه . ومن أكثر تلك الأحلام تفصيلاً في هذا الشأن ، الحلم الذي قص تفاصيله ( كوديا ) ملك سلاسة لكش الثانية سنة ( 2120 ق.م ) قال :
  ( إن الإله ننكرسو ظهر لي في الحلم على هيئة إنسان عملاق كأنه السماء ، ضخم كأنه الأرض ، جزؤه الأعلى يشبه الإله وله جناحاً طائراً ، وجزءهُ الأسفل يشبه الأعصار . كان أسد يربض إلى يمينه وآخر إلى شماله . أمرني أن ابني معبداً ، لكني لم أفهم مقصده تماماً ، وكان هناك عملاقاً آخر حاضراً فمد ذراعه وحمل في كلتا يديه لوحاً من حجر الازورد رسم عليه مخطط المعبد . ثم جاء بطاسة البناء ووضعها أمامي وصنع لي قالب الأجر المقدس . وثبت فيه ( إجرة تقرير المصير ) . فاق كوديا من نومه وذهب مسرعاً إلى معبد الإله نانشة ففسرهُ الحلم ، وشرح له ما يتوجب القيام به لنيل رضا الإله ننكرسو ، فبدأ بالعمل ، ويظهر من تفاصيل حلم كوديا بأن المعبد الجديد يجب أن يبنى على موقع المعبد القديم بعد إزالته جيداً حيث تحفر أساسات القديم ويستخرج منها آجر وكل مواد ابناء الأخرى وصولاً إلى الأرض البكر . وعدم إنجاز هذا العمل بدقة كان مدعاة لغضب الإله . وبعد التنظيف الدقيق يشرع بتطهير الموقع بإشعال النار حول الأسس ورشها بالعطر.  بعد مضي 1500 سنة على كوديا الملك ، يذكر الملك نبونائيد ( 556 _ 539 ق.م ) كيف أنه هو الآخر جاءهُ الوحي الإلهي في الحلم وأمره ببناء معبد سين ( إله القمر) في حران .
    الشروع في بناء المعبد الجديد يبدأ بقطع الملك اللبنة الأولى على طقوس دينية خاصة ، وبعد أن يغتسل يرفع الصلوات ويقدم القرابين إلى الآلهة بأخذ واقية الرأس التي توضع تحت الطاسة البناء ثم يأخذ القالب الخاص بتحضير اللبن ، وبعدها يتناول طاسة البناء ، ويبدأ بتحضير الطين ، ومن ثم يصبه في القالب . بعد الإنتهاء من اللبنة الأولى تعرض تحت الشمس حتى تجف . وبعدها يضعها الملك في الأساس معلناً بداية العمل في بناء المعبد الجديد . وقد كشفت التنقيبات عدد من التماثيل تصور الملك حاملاً على رأسه مواد البناء في طاسة تحتها الواقية المستديرة .

   أما المعبد العالي فهو الزقورة التي تعني بالأكدية ( العلو والسمو ) وتكون ملازمة للمعبد الأرضي . نشأة فكرة الزقورة من إقامة المعابد في أطوارها الأولى فوق دِكاك أو مصاطب إصطناعية مرتفعة عن الأرض المحيطة بها ، وأصبحت الزقورة في العصور التاريخية تتألف أما من ثلاث أو سبع طوابق . وتكون مربعة أو مستطيلة ، وكان يرقى إليها بواسطة السلالم الجانبية تمتد بين طبقة وأخرى ، وقد جرت العادة أن يبنى غلاف الزقورة بالآجر . بينما الهيكل من الطين , ويوجد فوق الزقورة معبد صغير يعرف بالمعبد العلوي والذي ربما كان يوضع فيه تمثال الإله , والمعبد العلوي هو محل إستراحة الإله ، وهو يصعد من المعبد الأرضي إلى السماء .
   أصبحت الزقورة معلماً عمرانياً لمعظم المدن القديمة ، وقد أمكن تشييد ثمانية وعشرون زقورة موزعة على المدن من أقصى جنوب البلاد إلى شماله . وفي بعض الأحيان يوجد زقورتان في مدينة واحدة كما في الوركاء . أو ثلاثة كما في كيش وآشور . ومعنى تعدد الزقورات في المدينة الواحدة هو تعدد المعابد والآلهة . فمعبدي مدينة أوروك التي يطلق عليها أيضاً ( الوركاء ) كان يسمى أحدهما ب ( المعبد الأبيض ) والمخصص لعبادة الإله ( أنو ) إله السماء . والثاني ( معبد السماء ) المخصص لعبادة الإله أنانا ( عشتار ) . ولكل زقورة أسم ، فزقورة بابل كانت تسمى ( المعبد أساس السماء والأرض ) وزقورة لارسة ب ( البرج ) . أما زقورة مدينة سبار ، فقد اطلق عليها أسم ( سلم إلى السماء المقدسة ) . أما برج بابل الذي أسس في منتصف مدينة بابل القديمة  فهو أيضاً زقورة شامخة عالية أكثرمن كل زقورات البلاد ، لها سبع طوابق كان يصل إرتفاعها 91.5 متر ، وكان أعلى بناء في العالم في تلك الفترة ، بينما اليوم برج خليفة في دبي يبلغ إرتفاعه 828 متراً ويتكون من 160 طابق . و قاعدة البرج كان عرضها أيضاً 91.5 متر وكان غلافها من الآجر بسمك 15 متراً . وكانت كل آجرة منها على شكل مربع ضلعه قدماً واحداً . إستخدم في بناء البرج بحسب سفر التكوين طوباً مشوياً بدل الحجارة ، والطين بالزفت ( تك 4:11 ) وقد أكتُشِف لوح مسماري من مدينة الوركاء دوّنَ في عصر سلوقي الثاني في حدود 229 ق.م يذكر قياسات البرج طولاً وعرضاً وإرتفاعاً . حاول اسكندر المقدوني إعادة بنائه من المعالم المثيرة في مدينة بابل ، فامر بنقل أنقاضه أو بقاياه لكنه توفي قبل أن يحقق إعادة تشيده . قال المقدوني مقولته الشهيرة عن بابل ( من لم يرى بابل لم يرى شيئاً في حياته ) وذلك لأن بابل أبهرته بقصورها وحدائقها المعلقة وشوارعها المرصوفة وجدرانها المزينة بالآجر المزجج والملّون .

   يصف هيرودتس ( 480- 425 ق.م ) برج بابل بهذا النص : وعند الحصن الثاني تقع حارة الإله ( جويتر –  بعل ) وهي فناء مربع طول كل ضلع من أضلاعه 12 ميل وذو أبواب من البرونز الصلد . وكانت ما تزال باقية في زمني . ويقع وسط ذلك الفناء أو الساحة برج ذو بناء صلد طوله نصف الميل وعرضه ثُمن الميل ، أقيم فوقه برج ثاني ، وعليه برج ثالث وهكذا إلى البرج الثامن الأعلى . وكان الصعود إلى القمة من الخارج بواسطة سلم يدور حول جميع الأبراج . وعندما يبلغ المرء نصف المسافة في الصعود فأنه يجد موضعاً للإستراحة حيث إعتاد الناس الجلوس بعض الوقت وهم في طريقهم إلى القمة . ويوجد فوق الطبقة العليا معبد فسيح وضع في داخله سرير ذو حجم غير إعتيادي ومُزَين بزينة فاخرة وبجانبهِ منضدة من الذهب . وكان المعبد خالياً من التماثيل . كما لا يشغل الحجرة أثناء الليل سوى إمرأة ، يقول عنها الكهنة أن الإله إصطفاها لنفسه من بين نسوة البلاد . لم يبقى شىء من البرج سوى الأبعاد والأوصاف التي يرد  ذكرها في النصوص المسمارية .
 هناك زقورات قائمة لحد اليوم ولعل أحسن الأمثلة الباقية منها تلك التي بناه الملك أورنمو في مدينة أور سنة 2010 ق.م التي كانت مركزاً للعبادة إله القمر ( سين ) . وبالقرب من الزقورة يقع بيت أبينا إبراهيم . قال العالم الأثاري البريطاني ليوناردو وولي الذي نقب تلك المناطق في عام 1918 أن المجمع المجاور للزقورة هو بيت النبي إبراهيم حيث وجد ختم إسطواني عليه كلمة ( أبراهام ) في نفس المنطقة .
  زار الموقع قداسة البابا فرنسيس في مطلع آذار 2021 فزادت شهرة المكان دينياً وسياحياً ، وسيتم تشييد مدينة سياحية ومتحف في الموقع .

  تقع الزقورة على بعد 40 كم غرب مدينة الناصرية  . قاعدة الزقورة مربعة ، طول ضلعها 42 م وأهم ما يذكر في شأن هذا البرج أن كتلته الهائلة المكونة من ثلاث طبقات ، وثلاث سلالم كل منها مؤلفة من مئة درج  شيدت من اللبن ، وكسيت بالآجر الأحمر المفخور والمثبت بطريقة هندسية لافتة للنظر تسمى ب ( طريقة السبط ) . يميل البناء إلى الداخل كلما ارتفع إلى الأعلى فيكوّن للناظر خدعة بصرية ليبدو البناء أعلى من أرتفاعه الحقيقي . نجد في جوانب الزقورة فتحات لتصريف المياه تسمى ب ( العيون الدامعة ) .
يترك للناظر إلى هذه الزقورة إنطباعاً مدهشاً بجمال هندستها المعمارية ، كما نجد فيه تناسق في الأبعاد بسبب الإنحناءات الطفيفة لخطوطها ، والهدف من تلك الإنحناءات الدقيقة هو تصحيح خداع النظر الذي تبدو فيه الجدران والأعمدة مقعرة لو أنها شيّدَت وهي مستوية السطح ، وفي هذا الإبتكار يكون المعمار السومري قد سبق الأغريق بألفي سنة .
إرتفاعه الحالي 16.5 متر ، بينما القديم عند بنائه الأول 26.5 متر . لم يبقى منه سوى الطبقة الأولى وأجزاء من الثانية بسبب عوامل التعرية .
 الزقورة بطبقاتها المتعددة وسلمها الجانبي الذي يوصل بين تلك الطبقات كانت في نظر بعض الباحثين ،
مثار إعجاب بعض المعماريين العرب ، إذ يرجح تصميم ملوية سامراء يعكس تأثراً واضحاً بالزقورة . كما نلاحظ في العصر الاكدي وجود قرص من حجر الكلس سمي ّ ( أنخيدوانا ) وهو بإسم أبنة سرجون الأكدي والتي كانت كاهنة في معبد إله القمر . فالقرص هو عمل نحتي لمعبد إله القمر . بناءه حلزوني يشبه ملوية سامراء ، وهذا دليل قاطع على أن فكرة تصميم الملوية موجود في التراث القديم . كذلك أهرامات مصر فكرة بنائها مستنبطة من تصميم زقورات ما بين النهرين .


 إختفت زقورات كثيرة بسبب الرمال التي طمرتها ، وكذلك تعرضت بعضها لأعمال التخريب مما أدى في النهاية إلى زوالها . ومن الزقورات الباقية زقورة ( عقرقوف ) الواقعة على بعد 30 كم غرب بغداد . يبلغ إرتفاعها 57 متراً ، يعتقد بأن أرتفاعها في السابق كان 70 متراً . أسست من قبل ملك الكيشيين في القرن الرابع عشر ق.م . في عام 1960 أنشأ متحفاُ صغيراً بقربها لتقديم خدمات لزوار الموقع . وفي عام 2013 قامت المديرية العامة للآثار بعملية صيانة زقورة عقرقوف .

   أما زقورة ( جغازنبيل ) التي تعد واحدة من أضخم المعابد في العالم ، صرح حضاري بديع وعريق وفريد من نوعه ، دخل لائحة يونسكو للتراث العالمي ، يقع بجوار مدينة شوش (عيلام )  في محافظة خوسستان جنوب غرب إيران ، شكله يشبه السلة المقلوبة ، لهذا سمي ( جغا زنبيل ) والأسم يتكون من مقطعين ( جغا ) يعني تلة  و ( زنبيل ) يعني سلة . كانت تحتوي على (11) معبد ،  عثر عليه من قبل الأثاري الفرنسي ( رومان كريشين ) عمل فيه من عام 1951- 1961 م . أسست هذه الزقورة في عام 1250 ق. م . وكان يتكون من خمس طوابق ، وفي الطابق الخامس كان المعبد . يبلغ إرتفاعه 50 متراً . ، تم بنائها من قبل الملك ( أونتاش – نبيريشا ) لتكريم الإله ( إنشو شيناك ) الذي توفي قبل إنجاز العمل فتخلي عن إكماله.
كما يوجد ثلاث زقورات أخرى في إيران ، وزقورة واحدة في سوريا في محافظة حماة .

   يوجد في العراق 15 ألف موقع أثري غير ممسوح أي ما يقارب 93% - 94% من هذه المواقع لم يتم التنقيب عنها ولم يتم معرفة أي من تفاصيل تاريخها . في محافظة الناصرية يوجد 1200 موقع أثري وهو ما يعادل كل آثار فرنسا وإيطاليا . قال ( د.  هنري رايت ) أستاذ آثار الشرق في جامعة شيكاغو عندما زار الناصرية ( إننا نطلق على المحافظة أسم متجف الآثار العالميلما فيها من مواقع أثرية تعود إلى أكثر من 6500 سنة ق. م ).  كل ما كتب عن تاريخ العراق القديم لا يتمثل إلا 6% من ما تم التنقيب عنه من بداية القرن 19 ولحد اليوم . ومع ذلك يصنف العراق بكونه صاحب أول الحضارات في العالم .       
المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   من سومر إلى التورات / د. فاضل عبد الواحد علي
3-   مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر
4-   المدخل إلى تاريخ العالم القديم / سامي سعيد الأحمد


49

هل للمطهر وجود ؟ والتعرف على ماهيته

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( إن جذِّفَ أحد على الروح القدس ، فهذا لن يغفر له لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي ) " مت 32:12 "

        ماذا يعني المطهر ، ومن أين جاء الإعتقاد به ، ومن يؤمن بهذه العقيدة ، ومتى ولَدَت ؟

   المطهر ليس مكاناً ، بل حالة تدخل فيها الأرواح بعد موت الجسد في اللازمن لكي تتطهر من الخطايا التي لم تغفر لها قبل الموت لتصل تلك النفس إلى كمال محبة الله . فالمطهر ليس حالة مصيرية دائمة ، بل حالة مؤقتة من خلالها تتطهر النفس قبل صعودها إلى السماء . المطهر ليس مكاناً جغرافياً كما يصفه الشاعر القباني ويقول ( ليس هناك منطقة وسطى بين الجنة والنار ) فعلاً لا توجد منطقة مسطى بين الأثنين ، وهل في السماء جنة ، أم الجنة كانت في زمن آدم ؟ . قال الأب فرنسوا فاريون ( إن لم يكن المطهر موجوداً ، وجب إيجاده . لأنه لا بد من المطهر للمشاركة في حياة الله ) . لا تدخل في الله أية ذرّة من الأنانية ، لأن الأنانية نقيض الله . والله محبة ، والمحبة يجب أن تكون نقية وطاهرة  . فمن يجرؤ على الأعتقاد في ساعة موته قائم في حالة المحبة الكاملة ، وأنه تخلص من كل ذرّة من الأنانية بإستثناء مريم العذراء ؟ إذاً المطهر ليس مكاناً يتوسط بين العالم والملكوت . أي من الخطأ أن نضع هذه المعادلة : ( العالم – المطهر – الملكوت .. وكأنها ثلاثة أجزاء مستقلة ! ) بل علينا أن نضعها هكذا : ( العالم – المطهر .. الملكوت ) لأن المطهر هو جزء من الملكوت ، وليس خارجاً عنه . إذاً موضوع المطهر هو أكبر من ذلك الإعتقاد ، بل هو موضوع لاهوتي عميق .
   رغم عدم وجود آية صريحة في أسفار العهدين تتحدث عن المطهر بوضوح ، لكن ليس من الضروري وجود أي معتقد حرفياً لأثبات تعليم ما كعقيدة الثالوث الأقدس أو التجسد أو الحبل بلا دنس للعذراء وغيرها . فعن المطهر نجد أدلة كتابية كثيرة من آيات وأقوال إضافة إلى تفسيرات الآباء والقديسيسن فأستنتجت الكنيسة الكاثوليكية التي لا يشاطرها مذهب آخر في هذا الإيمان أو الأعتراف بهذا المعتقد الذي يشبه موضوع قيامة الأجساد عند اليهود حيث كان الفريسيون يؤمنون بوجود القيامة بينما كان الصديقيون لا يؤمنون بذلك لأنهم كانوا يتمسكون بأسفار الشريعة الخمسة والتي لا تتضمن أي آية أو تصريح عن القيامة ، ولا عن الملائكة والأرواح ( أع 8:23 ) . 
   الآيات التي تمس موضوع المطهر كثيرة . فالإيمان الكاثوليكي بهذه العقيدة ولد من تفسيرلأيات كثيرة عن هذا الموضوع ، وسنتناول بعضاً منها لكي نستطيع الوصول إلى الفكرة لفهم وإدراك الحقيقة . 
    نبداً أولاً من الخطيئة التي تصدر من الإنسان والتي تهين الله وإرادته وقوانيه والتي قد تصدر من الإنسان بمعرفة أو من دونها ، فإذا ما كشف له تلك الخطيئة من قبل الآخرين ، تألم بالأكثر من جراء الخطأ الصادر منه . بالإضافة إلى إنتقاد المقابل والآخرين له ، فيميل وقتئذ إلى الهدوء وإلى مراجعة النفس ، ومن ثم المَلامة والخجل ، وبعدها اللجوء إلى التوبة والصفح لمن خطأ إليهِ ، فيشعر بصفعة على خد كرامتهِ الشخصية ، فيحاول أن ينضبط في المستقبل ليسير حسب الإيمان القويم . أي عليهِ أن يعوض عن كل خطأ في هذه الدنيا لكي يصبح عند حسن ظن المحيط أولاً ، وبمستوى رضا الله ثانياً ، ولكي يعيش حياة مسيحية طاهرة . هذا إذا استطاع أن يعوض ويصحح كل خطأ وقع فيه ، اما إذا مات وعليه بعض الخطايا العرضية التي لا يستطيع بسببها الدخول إلى الأمجاد السماوية لأن ( السماء لا يدخلها دنس أو رجس ) " رؤ 27:21 " . نعم هناك خطايا صغيرة يرتكبها المؤمن لا تؤدي إلى هلاكه كتب عنها الرسول يوحنا ، قال ( وإذا رأى أحد اخاه يرتكب خطيئة لا تؤدي إلى الموت ... ) " 1 يو 16:5 " . نقول لا لسبب تلك الخطايا يدخل إلى الهلاك الأبدي . إذاً يجب أن يكون هناك مكان آخر لتطهير تلك الخطايا قبل دخوله إلى الراحة الأبدية . أجل مطلوب من كل إنسان أن ينقّي نفسه في هذا العالم ، ويسيطر على الخطيئة في حياته الزمنية من أجل القداسة والكمال الروحي ، ومن ثم الخلاص . أما المؤمن الذي يدركه الموت وهو يحمل بعض الخطايا الغير مميتة فيجب أن تدخل النفس في حالة خاصة لتطهيرها من تلك الخطايا ، والتي سمتها الكنيسة الكاثوليكية بالمطهر . كل من يبقى في السقوط عليه أن يدفع الثمن آجلاً . أما المعارضون لفكرة المطهَر فيقولون كيف تستوفي الروح في المطهر الدَّين لوحدها من دون الجسد علماً بأن الإثنان إشتركا في إرتكاب تلك الخطيئة ، ، إضافة إلى أن غفران الخطايا مرتبط بالتوبة وكما قال يسوع : ( أن لم تتوبوا فلم تنالوا مغفرة الخطايا ) وكذلك أن التوبة تاتي من القلب ، والروح القدس هو الذي يكبت القلب للتوبة فيغفر له عند طلب المغفرة  . أما رأي المؤيدين فهو أن النفس التي تدخل المطهر لا مجال لها للتوبة لكي يغفر لها ، بل ستمرر في فترة بقائها هناك وكمن يدخل إلى النار من المعادن أو الأشياء الأخرى كالخشب والعشب حيث سيتعرض الجميع إلى تلك النار فتتنقى من كل شائب . فالذي يحترق هو عمل الإنسان ، وليس النفس التي تحمل تلك الأعمال ، وأساس الروحي لتلك النفس هو الإيمان وعلى الإيمان تبنى الروحانيات التي تقود الإنسان إلى الخلاص . نار المطهر ترمز إلى إختيار العمل الروحي ، فالمتسلح بالإيمان النقي لا يحترق بسهولة كالقش ، بل يتحمل كالذهب الداخل في النار لكي يخرج منه بأكثر نقاوة بسبب إحتراق الشوائب التي كان يحملها . الكل يجب أن يتعرض لتلك النار من أجل أن يتنقى بها وحسب الآية ( لأن كل أمرىء سيملح بالنار ) " مر 49:9 "
 نار المطهر لا تحرق الإنسان ، بل تطهره لأعداده للدخول إلى العرس السماوي بعد أن يستوفي العدل الإلهي حقه فتلبس النفس الثوب الملائم للدخول إلى السماء ، لأن من يدخل العرس يجب أن يرتدي ملابس تليق العرس ، فلهذا السبب طرد الذي جاء إلى الحفل بثوب غير لائق بالعرس ، فقال له رب العرس : ( يا صاحبي ، كيف دخلت إلى هنا وأنت لا تلبس ثوب العرس ؟ ) " مت 12:22 " . القديس غريغوريوس الثاولوغس شبّه نار المطهر بالمعمودية الثانية والأخيرة وهي أطول مدة من المعمودية الأولى .  ونارها يأكل كل ما يصادفه في الإنسان من الخطايا الخفية ، ليس بالماء ولكن بالنار . وبعدها يصبح مستحقاً لمعاينة مجد الله . أما البابا بندكتس السادس عشر فيقول ( إنحدر الله من مجده ونزل إلى عمق بؤس سقطتنا ، يركع أمامنا ، ويقوم نحونا بعمل العبد ، يغسل قذارة أرجلنا لكي نتمكن من الدخول إلى وليمة الله ونضحى مستحقين أن نشترك فيها .. ) ، كما قال : المطهر ليس معسكر إعتقال في الآخرة ، يتوجب على الإنسان أن يتحمل عقوبات تفرض عليه ... ، بل هو مسيرة باطنية وضرورية لتحويل الإنسان ليصير قادراً على تقبل الله والمسيح ، ومن ثم قادراً على الإتحاد بجماعة القديسين . كما وصّفَ قداسته نار المطهر، قائلاً ( نار المطهر هو الرب ذاتهِ . والمطهر يُأخذ معناه الحقيقي عندما نعطيه معنى مسيحانياً . فنفسر أن الرب نفسه هو تلك النار الديانة ، التي تحوِّل الإنسان وتجعله مشابهاً لصورة جسده الممجدة . ألا يقوم الإنتقال الحقيقي من فكرة المطهر اليهودية القديمة إلى الفكرة المسيحية بالتحديد في إدراك أن التطهير لايتم بأية وسيلة كانت ، بل بقدرة الرب المحوّلة التي تحرّر نارها ، قلبنا المغلق ، وتصوغه من جديد ، بحيث يصير قابلاً للدخول في جسده الحيّ ) .

      العهد القديم تطرق على موضوع المطهر في سفر أيوب عندما كان يقدم ذبائح محرقات لأولاده ( أي 5:1 ) . وكذلك قصة المكابيين ( 2 مك 46: 12 ) حيث قاموا بجمع التبرعات بلغت ألفي درهم من الفضة التي تم إرسالها إلى أورشليم لتقديمها كعمل غفاري من أجل الموتى لينالوا المغفرة من الله . لنسأل ونقول : هل يمكن مساعدة الإنسان بعد الموت لمغفرته ؟
 الإنسان بعد الموت يصبح في عالم الله ، عالم الأرواح ، والصلاة لا تدخل في إطار موضوع التكفيرات للمائت ، بل هي الصلة التي تعبّر عن علاقتنا بموتانا عن طريق الله الذي نرفع له صلواتنا فنتذكرهم دائماً ولا ننساهم وإن صلتهم ومصيرهم أصبح مع الرب ونعرف أيضاً بأن الرب حنان ورحوم وغفور يستطيع أن يغفر لهم . كما تستطيع الكنيسة أن تغير فكر الله كما غيره إبراهيم وموسى في موضوعين هما : سادوم وعمورة في مسألة تدميرهما . والشعب اليهودي في سيناء الذي أراد الله أن يبيدهم بسبب تمردهم عليه . فصلوات الكنيسة والذبائح المقدمة على مذابحها من أجل تلك الأنفس لها تأثير على رأي وعدل الله . 
 هناك من يعتقد بأن المطهر تبدأ من هذه الأرض فقد تكون هذه الفكرة على صواب ، أي يمر كل مؤمن في حياته ببعض الهزات التأديبية من قبل الخالق لكي يضعه على الطريق الصحيح فيرجع به إلى القطيع حيث يطابق موضوع الراعي الذي ترك ال ( 99 ) من أجل الظال . أو يمر بتجارب فإن تحملها سيتنقى ويتطهر ليعود إلى طريق الصواب ، نقرأ في سفر دانيال ( كثيرون يتطهرون ويتنقون ويمحصون بالتجارب ، أما الأشرار فيرتكبون شراً ولا يفهمون ) " 10:12 " . تمرد المؤمن وبقاءه بعيداً عن الله سيشعر بالندم كالأبن الظال الذي تاب وعاد ، فهذا الموقف يجعله أن يرجع إلى صوابه ، وهكذا ستسدد الديون وهوعلى الأرض . أما الذي لا يسددها في هذا العالم فعليه أن يسددها في المطهر إلى آخر فلس ، وهذا ما يطابق قول الرب يسوع ( كن راضياً لخصمك ما دمت معه في الطريق لئلا يسلمك إلى السجن فتبقى هناك إلى أن توفي آخر فلس ) " مت 25:5 " . 
  كذلك نلتمس وجود المطهر من آيات أخرى كقول الرب يسوع ( إن من يجذف على الروح القدس لا يغفر له في هذه الدنيا ولا في الدهر الآتي ) " مت 32:12 " . والمقصود هنا هو بأن هناك تغفر على هذه الأرض بإعتراف الإنسان بها في سر التوبة أمام كاهن الإعتراف . وخطايا أخرى تغفرفي الدهر الآتي ، في المطهر. فسر هذه الآية القديس غريغوريوس الكبير وقال ، هناك ذنوب يمكن أن تسامح في هذا الدهر ، والبعض الآخر في الدهر الآتي ، أي في المطهر ، حيث لا مغفرة لمن نصيبه في النار الأبدية بسبب خطاياه المميتة التي إقترفها .
كذلك يوضّح لنا الرسول بولس وجود المطهر في قوله ( لتسجد له كل ركبة من السماء والأرض وتحت الأرض ) فمن هم المقصودين تحت الأرض ؟ قال القديس يوحنا ذهبي الفم بأن اللذين تحت الأرض ليسوا شياطين حيث الشياطين لا تسجد ليسوع . وكذلك الرسول يوحنا كتب في سفر الرؤيا وقال ( وسمعت كل خليقة في السماء والأرض وتحت الأرض وفي البحروالعالمين أجمع يقولون : للذي على العرش استوى وللحمل الحمد والإكرام والمجد والعزة أبد الدهور) " 13:5 " .
  قال القديس كبريانوس أسقف قرطاجة عن الأنفس المطهرية : أن التائبين الذين ماتوا بعد أن غفرت خطاياهم ، يجب عليهم أن يؤدوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض ، بينما الشهادة هي بمثابة تعويض كامل وواف .
  في القرن الرابع قال القديس أوغسطينوس ، أنه لا ينبغي أن نرتاب أبداً في صلوات الكنيسة المقدسة والذبيحة الإلهية ، والصدقات تسعف المنتقلين الذين تقدم لأجلهم لكي يكسر لهم الرب رحمته ، غير ناظر إلى ما إستقته خطاياهم هذا ما سلمه إلينا الآباء وتحفظه الكنيسة عموماً . طلبات والدته القديسة مونيكا لأبنها القديس بالصلاة من أجل الأرواح في المطهر أثناء الأحتفال بالقداس الإلهي ، وغيرها كثيرون تكلموا وكتبوا عن المطهر في القرون الأولى وقبل أن يتداول الموضوع في المجامع الكنسية .   

                             
رأي الكنائس الأرثوذكسية بالمطهر

   الكنائس الأرثوكسية لا تؤمن بوجود المطهر. فالبابا شنودة ذكر في ص 60 من كتابه ( لماذا نرفض المطهر ) عن قصة المكابيين ، فقال ( ونحن نتفق مع الكاثوليك في أن هذه القصة تدل على الإيمان بالقيامة ، وعلى الإعتقاد بالصلاة عن الموتى ، وتقديم الذبائح عنهم ، ولكن لا علاقة لهذه الفصة بالمطهر ) وهنا نقول : إذا لم تكن هناك مطهر ، لماذا تقدم الذبائح على مذابح الكنائس الأرثوذكسية للموتى الذين هم في السماء ، أو للذين هم في الجهنم ، إن لم يكن هناك المطهر ؟ كما ذكر في نفس الكتاب ، وقال ( لو كان الإنسان يستطيع أن يكفر عن خطاياه ويوفي العدل الإلهي ، ما كانت ضرورة أن يخلى إبن الله ذاته ويأخذ شكل العبد ويتجسد ، ويتألم ، ويموت . وما يقصده هنا هو أن الكفارة هي عمل المسيح وحده ، وهو وحده الذي وفيّ كل مطالب العدل الإلهي ) . فالجواب هو أن المطهر الذي يؤمن الكاثوليك بوجوده هو للذين لم يكن لهم الأشتياق الكامل ، والإستعداد المطلوب لملاقات الله بعد الموت ، ولم يشتركوا في الخلاص  ، بمعنى تحمل مسؤولية الخلاص بشكل إيجابي وفعال على مثال القديس بولس الرسول الذي قال ( أتمم في جسدي ما ينقص من آلام جسد يسوع المسيح الذي هو الكنيسة ) " قول 24:1 " .هنا تظهر قيمة الخلاص الحقيقية ، وتتجلى لنا قيمة قبول الخلاص . إذ يجعل الإنسان المؤمن إيجابياً وفعالاً لا كسولاً أو سلبياً . نسأل الرسول بولس ونقول ( هل المسيح كانت تنقصهُ آلام ؟ ) الجواب حاشا ، ولكن يعني لجسده هنا ، هو الكنيسة التي هي جسده وهو رأسها . فبولس نفسه أشترك مع المسيح في آلام كثيرة لأجل خلاص كل أبناء الكنيسة . والمسيح يدعوا كل المؤمنين أن يتحملوا آلام بحمل صلبانهم والسير خلف المسيح . الخلاص لا يقف عند حد قبول المسيح فحسب كما تعتقد بعض المذاهب بأن الإيمان يكفي للخلاص ، لكن يجب الإشتراك فيه ، وإن كنا نتألم معه ، فلكي نتمجد معه أيضاً .
 
رغم المؤتمرات الكثيرة التي جمعت قيادات ولاهوتي الطرفين وحصلت بينهم حوارات وتبادل الآراء كما ذكر البابا شنودة في مقدمة كتابه بأنه أشترك في فينا في حوار لاهوتي مع الكاثوليك سنة 1971 وكان يشرف على ذلك الحوار الكاردينال كيبننخ ، وحضرت من الكنائس الأرثوذكسية مندوبين من الكنائس الأرثوذكسية الأخرى كالسريان والأرمن والأحباش والهنود . وقال ، خرجنا من ذلك الحوار بوثيقة تحمل إيماناً مشتركاً في هذا الموضوع الخطير تمثل إتفاقات بين اللاهوتيين ، وليس إتفاقاً رسمياً على مستوى رئاسة الكنائس .
     
    اخيراً نقول ونحن متكلين على مخلصنا الفادي وعلى حبه اللامحدود لنا نحن المؤمنين به وبعدلهِ السماوي الذي سيحاسب به كل إنسان وفقاً لأعماله ( لأن الله سيدين كل عمل مهما كان خفياً سواء كان خيراً أو شراً ) " جا 14:12 " . نطلب منه النِعَم الكافية في حياتنا الزمنية لكي نحمل صليبنا كل يوم بأمان وإخلاص متذكرين دائماً يوم الحساب على ذنوبنا بحق الدم الزكي الذي نزف على خشبة الصليب من أجلنا فنتألم بحبه وعدلهِ وهو سيساعدنا على محاربة الخطيئة التي تهين إرادته وكما فعل القديسين ليصبح طريق الخلاص أكثر وضوحاً لنا فيجعل حياتنا اليومية أكثر نضوجاً وإستعداداً وتهيئة للحياة الأبدية فيكون مصيرنا الأبدي في حضن الآب الأزلي القدوس له المجد إلى أبد الآبدين ، آمين

ملاحظة : نظراً لطول المقال ارتأيت أن أنشره في مقالين ، المقال الثاني سأنشره في الأسبوع القادم بعنوان آخر.

المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   المطهر / حقائق الأيمان / المركز الكاثوليكي الشرقي لإعادة التبشير
3-   لماذا نرفض المطهر / البابا شنودة الثالث
4-   كتاب الحياة بعد الموت
5-    علم اللاهوت العقائدي / الجزء الثاني
6-   كتابات البابا بندكتس السادس عشر عن المطهر 
7-    آراء الآباء القديسين حول المطهر




50

الموت هو تتويج لحياتنا الأرضية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ليس لنا ههنا مدينة باقية ، نحن نطلب الآتية ) " عب 14:13 "
   يعتقد الكثيرين بأن الموت هو الحد النهائي لحياة الإنسان ، لكن قيامة الرب يسوع من القبر أدحض ذلك الإعتقاد ، بل على الإنسان المؤمن به أن يشاركه في القيامة . قيامة المسيح أعطت للمؤمنين اليقين ، بل القيامة هي حقيقة تجعل المائت خليقة جديدة مرتبطة بقيامة المسيح الذي قام . إذاً بعد الموت هناك قيامة ، ويأتي بعدها الدخول في حياة أخرى مع الله . لا موت للمؤمنين ، بل هناك إنتقال وبحسب قول الرب ( من آمن بي ، وإن مات فسيحيا . وكل من يحياً ويؤمن بي لن يموت للأبد .. ) " يو 26:11" .
   الموت للمؤمنين هو تتويج لحياتهم الأرضية ، وذلك لأن الموت سيحقق لهم أمور مهمة ،  ويضع حداً للتجربة والسقوط في الخطيئة والمرض والحزن والألم ... إلخ ، لهذا لا يجوز تطويب أو إعلان قداسة لأي إنسان مهما كان باراً ويعمل المعجزات إلا بعد موته ، لأن الإنسان يبقى عرضة للتجربة والسقوط في أي لحظة قبل الموت . والموت سيحرره من جسده الفاسد الذي ينحل في تراب الأرض ، ويجب أن يفسد وينحل لأن الفساد لا يرث عدم الفساد . وأخيراً نقول ، الموت سينقل الإنسان من حالة إلى حالة أفضل منها ، وفي واقع جديد ومنير كان يشعر به في الحياة الزمنية إذا كان أيمانه ناضجاً ، بل كان يختبر تلك الحقيقة . والموت يعطي للراقد أموراً جديدة فتنفتح عيناه الروحية إلى واقع الحياة الجديدة التي لا يدركها عقل إنسان لأنه سينتقل إلى عالم النِعمة الإلهية . وكل مؤمن يعيش بالروح يريد أن يتحرر من الجسد ، وكان هذا طلب الكثير من القديسين كبولس الرسول الذي ثَمّنَ الموت بقوله ( الموت ربح لي ) . وفي العهد القديم أيضاً. يقول صاحب المزمور ( إخرج من الحبس نفسي ، لكي أشكر أسمك ) " 7:14 " . بعد خروج الإنسان من سجن الفساد الذي ظُلِمَ به سيتحرر من الخطيئة ليدخل عالم الراحة ليقيم هناك بسلام ، وإلى الفرح الدائم , فالإنسان الذي يؤمَن حياته  وهو في الجسد عليه أن يؤمن بالمسيح وقيامته ويعيش في النعمة والفضيلة إذا أكمل الوصايا في الصوم والصلاة والتقوى والنقاوة ، فالذي يسعى بهذه الطريقة لأقتناء نعمة الله . والذي لا يقتنيها ، فحياته بعد الموت تنتهي بالضياع . فالهدف من حياتنا في الجسد هو لكي يمتلىء بالنعمة . والمقصود بالنعمة هو إمتلائنا من الروح القدس ، فعلينا أن نطهر أجسادنا لتصبح سكنى لروح الله . وأهل هذا العالم لا يمكن أن يدرك أو يفقه هذا السر . أما الذين يعيشون في النعمة فلهم آراء أخرى عن الموت بعد أن قاوموا أهواء الجسد ، ومحبة هذا العالم وما فيه ، لهذا ينتظرون الموت بفرح لكونه المعبرالوحيد إلى حياة التجدد . الإنسان لا يتوقف عند حدود القبر ، بل يعتبر الحياة الزمنية على الأرض مجرد أساس للإستعداد لحياة أخرى بعد الموت ، فالحياة الأرضية زمنية فلا بد أن تنتهي . إنها حياة ظلية ، أما الحياة الحقيقة فتأتي بعد الموت مباشرةً . الحياة الأرضية تبدأ بالتناقص منذ لحظة الولادة ، فالإنسان يولد لكي يموت ، وبعد الموت سينتقل من مجد إلى مجد ، ومن نور إلى نور ، وكذلك من فرح إلى أعظم ، وهذه الحقيقة أدركوها آبائنا القديسين لهذا عبّرَ عنها الرسول بكل وضوح ، فقال ( فلي رغبة في الذهاب لأكون مع المسيح وهذا الأفضل جداً جِداً  ) " في 23:1 " . وكلامي هذا يشير إلى أن نفضل حياة الأبدية التي فيها العشرة مع الله .
   نختم ونقول ، على الإنسان أن تكون حياته الحاضرة إستعداد لعبور باب الموت إلى الحياة الأبدية وذلك بالإيمان الفعلي الصادق بيسوع الذي مات من أجل الجميع ، وبموته كسر شوكة الموت ، وهو وحده محور حياة كل إنسان . فالمؤمن به يتحدى الموت ويقول ( إن عشنا ، فللرب نعيش . وإن متنا ، فللرب نموت ) " رو 8:14 " ، لهذا قيل للمؤمنين ( مجدوا الله في أجسادكم ، وفي أرواحكم التي هي لله ) " 1 قور 20:6 " . في فلك يسوع فقط يجب أن ندور لنمتد نحوه . كل شىء ينبغي أن نلتمسه منه حتى يعطي لكل ما نحيا على الأرض قيمة ومعنى لخلاصنا ( بالنعمة أنتم مخلصون ) " أف 8:2 " الموت يخلصنا من سجن الجسد الذي يحمل أفكارنا وأهوائنا لنخرج منه بالنعمة ، وبالنعمة المجانية فقط يكون خلاصنا . ويسوع هو الذي يعطينا النعمة لكي ننطلق إليه ، وعنده نجد نور الله الذي يملأ الكون كله .
 التوقيع  ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن )[/color" رو 16:1"]


51

المحبة الحقيقية هي لله أولاً
بقلم / وردا إسحاق قلّو
الوصية الأولى هي ( وتحب الرب إلهك بكل قلبك ، وكل نفسكَ ، وكل ذهنك ، وكل قوتك )
   الله هو خالق كل ما يرى وما لايرى ، وكل شىء في الكون تكون بأمر منه . فعلى الإنسان أن لا يفضل المخلوقات على الخالق ، أو يصنع له إلهاً ويعبده من دون الله ، لهذا قطع الله عهداً مع شعبه ونهاههم من صنع وعبادة آلهة أخرى ( خر 20: 4-5 ) ، لذلك  قال ( لأن الرب إلهكم هو نار آكلة ، وإله غيور ) " تث 24:4" .
        المحبة الصادقة يجب أن لا تكون لأجل المصلحة الذاتية ، كالذي يفضل القريب على الغريب ، إنما ينبغي أن يحب الجميع كمحبته لنفسه وبحسب قول الرب ( أحب قريبك كنفسك ) وهذه هي الوصية الثانية . أما الوصية الأولى فتخص بمحبة الإنسان لله أولاً قبل محبته لنفسه ولقريبه لأن الله هو مصدر المحبة ( الله محبة ) وهذه هي الوصية الأولى التي علنا أياها الرب يسوع بقوله ( تحب الرب إلهك بكل قلبك ، وكل نفسك ، وكل ذهنك ، وكل قوتك ) " مر 30:12 " محبتنا لبعضنا تبدأ من محبة الأبوين ، والأولاد والأخوة وهذه المحبة نفرضها على محبة الأقرباء والغرباء وبحسب ترتيب القرابة . وهذه المحبة تتضمن مشاعر وعواطف ومصالح . إذاً ليست هي المحبة التي يطلبها الله منا ، فالمحبة الصادقة حددها الرسول بولس في إنشودة المحبة ، فقال ( المحبة لا تتصرف بغير لياقة ، ولا تسعى إلى مصلحتها الخاصة .. ) " 1 قور 5:13 " .
     المحبة الحقيقية هي لله أولاً لهذا طلب منا يسوع أن نحبه فوق كل شىء ، وأكثر من محبتنا لأنفسنا ، ولكل أقربائنا ، لهذا قال ( من أحب أباُ أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب أبناً أو أبنة أكثر مني فلا يستحقني ) " مت 37:10 " . فمن أحب أهله ومحبيه أكثر من الله فأنه يتعاطى مع الموضوع بما لا يرضي الله ، والله غيور لا يرضى بأن نحب مخلوقاته أكثر منه . وحتى وإن كان الأبن الوحيد ، فمحبة أبينا أبراهيم لألهه كانت أقوى بكثير من محبته لأبنه إسحق ، فعندما طلب منه الله أن يقدم له إبن الوعد ذبيحة ، فلم يتزعزع إيمانه بل بادر في تنفيذ الطلب ، لأن محبته لله كان فوق كل شىء .
  وكما وضع الله محبتنا له ضمن شروط ووصايا ، فقال ( من يحبني ، يسمع كلامي ) " يو 24:14 " أو ينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني . وهكذا بحسب الوصايا نحب الله محبةً حقيقية .
لهذا نرفع لله صلوات قلبية ونصوم ونصدق من أموالنا ونصفح لمن أذنب إلينا ، ونلتزم بالوصايا ، ونتحمل أثقال الظلم من أجل أن نجعل الله فوق كل شىء لأنه محبة ، والمحبة يجب أن نعيشها بنقاوة لكي ننال الخلاص ، لهذا قيل ( بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت السموات ) " أع 22:14 " .
   المطلوب من إنسان أن يتخطى أنانيته ن فلا يفرض مصالحه الدنيوية على الله . فالذي يقول لا أستطيع أن أحضر ساعة واحدة للقداس الإلهي في الأسبوع بسبب عملي ، فعملع صار صنماً له ، وفضل مصلحته الشخصية على الله الذي أرسل إبنه الوحيد لكي يموت من أجل خلاصه . وهناك من يعتذر من الصوم المفروض لأنه لا يتحمله ، أو لا يصلي من أجل متابعة لعبة أو لأجل النوم أو لزيارة الصديق . هؤلاء يفضلون راحتهم على محبة الله الذي يريدنا أن نصلي في كل حين . أما الذي يصلي فعليه أن ينسى العالم لكي يبقى مع الله فقط وكأنه في حضرته ، ويدرك ما يقوله لله وذلك بتركيزه بالعقل والتفكير والإحساس لكي تكون صلاته مقبولة . والمؤمن الحقيقي عندما يصلي إلى الله لا يشعر بالتعب بل بالراحة ، وتلك الراحة تأتي له من فوق ، تنبعث من روح الله السامع لصلاته القلبية . والصلاة هي الصلة بين الإنسان والله . وإذا كان ذهن المُصلّي معتماً بسبب جسده المرهق من العمل اليومي الشاق ، فذهنه سيسضيء بنور الله . فمتى خلد الإنسان للراحة والنوم بعد الصلاة فسيشعر بحضور الله المحب في حياته وبصحته فينسى أتعاب النهار .
     أخيراً نقول : الإنسان مدعو إلى أن يتخطى نفسه لكي يفضل الله على راحته ، ليعيش في راحة الضمير ، وفي سلام الله الذي فضّلَهُ على نفسه ، والله يعطيه الراحة النفسية وإن لم يبدد تعب الجسد ، إنه ينفخ من روحه القدوس في الإنسان ، وهكذا نتعلم لكي نضع محبة الله دائماً على محبتنا لأنفسنا ، وإن نتمم الوصايا بمحبتنا لإلهنا فوق كل شىء ، ومحبتنا للقريب كمحبتنا لأنفسنا ، وهكذا سنثبت في الله والله فينا . ليمجد أسم الله القدير . 
 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1"



 


52
المنبر الحر / حرب الأيقونات
« في: 18:55 24/09/2022  »

حرب الأيقونات
بقلم / وردا إسحاق قلّو

 الله حِوّلَ أرضنا الخربة إلى أيقونة جميلة تحَدّث لنا عن مجده وقدرته السرمدية ، والإنسان الذي خلقه على صورته كمثاله وجعله مسكناً لروحه القدوس فبإستطاعة أيضاً أن يترجم ويصور الأحداث والأشياء المنظورة واللامنظورة في أيقونات تشع منها روح الجمال الإلهي . فما هي الأيقونة ، وما هي أهميتها في الإيمان المسيحي ؟ 
أولاً نبحث عن معنى الأيقونة والغاية منها . الأيقونة فن من الفنون المقدسة ، يُعَبّر فيها الفنان بالخطوط والألوان بعد تأمله العميق بموضوع الأيقونة مستخدماً إلهامه الإيماني لكي يلتمس قوة روحية تجمع أفكاره وطاقاته الفنية لكي تخرج الأيقونة من مرسمه حاملة فناً تصويرياً متقناً وجميلاً تُعبرعن الهدف الذي رسمت من أجله ، فالوجه الذي يرسم في الأيقونة ، ليس فيه لحم ترابي ، بل هو وجه متجل يحمل سمات الأبدية . وجه مروحَن ، أي تحول إلى أثير وشفافية كأنه حامل الألوهية نافضاً عنه كل بقايا اللحم والدم ، وداخلاًفي المجد السرمدي . لذلك وضعت الكنيسة أسساً واضحة لأصول هذا الفن ومبادئه.
   كل الفنون الصوفية هي أعمال فنية تعبّر عن أهداف مقدسة يحدد من خلالها الجانب اللاهوتي بالرسم أو النحت أو الفسيفساء . فبالرسم يتمم الفنان بمقدرته التصويرية ما مكتوب في الكتب المقدسة ، أو يخدم الكلمة بإسلوب آخر . فرسم الأيقونة هو شهادة ذات أهمية كبرى يعود تاريخها إلى بداية المسيحية . فأقدم وثيقة تاريخية تثبت أن البشير لوقا هو أول من رسم العذراء مريم وهي لا تزال بعد على الأرض وقد باركتها والدة الإله نفسها تثبيتاَ لقولها ( ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال ، لأن القدير صنع بي عظائم ) " لو 48:1 " . نقلت تلك الأيقونة من أورشليم إلى القسطنطينية .
    إنتشرت المسيحية في مختلف أنحاء الأمبراطورية الرومانية ، وسرعان ما رافق إنتشارها إضطهادات قاسية فتوارى الرسم لتظهر رموز بشكل رسوم ونقوش على بعض الأواني والجدران وعلى القبور . من أشهر تلك الرموز السمكة التي تكون حروفها الخمسة اليونانية الحروف الأولى من كلمة يسوع المسيح . وأستمر الإضطهاد إلى أن إنتصرت الدولة مع قسطنطين الكبير في أوائل القرن الرابع ، حينئذ إزدهر الفن وشيدت الكنائس وزينت جدرانها بالنقوش والفسيفساء وكأنها مطلية بصفحات الكتاب المقدس بعهديه ، أي كتاب مصور .
   بدأ الرهبان يرسمون الأيقونات ، وبقيت الحالة في الإزدهار الفني الجميل ، ولكن رافقه مشاكل عقائدية . برز أباطرة معادين للفن فساهموا في محاربة الأيقونات داخل الكنائس ، فتسرب النزاع إلى صميمها بين مدافع ومعاد . قامت حرب ضد الأيقونات في القرن الثامن الميلادي من سنة 726 في أيام الإمبراطور ليو الثالث فظهر مرسوم رسمي بموقف صريح ضد الرسم الكنسي ، فرمى بذور حرب دامية عصفت بالكنيسة ، وإضطهد القديسون المدافعون عن الإيمان القويم ، كان آنذاك يوحنا الدمشقي وزيراً في بلاط الخليفة في بلاد الشام ، فما أن أطلَّعَ على المرسوم ختى إعترض بقوة على هذا القرار الظالم مُعَبّراً عن رأيه بجهارة وجرأة ومدافعاً عن الأيقونة بكل جوارحه مما أثار غضب الإمبراطور وغيظهِ فوجد طريقة لكي ينتقم منه . فوشي بهِ عند الخليفة وأرسل موفداً من قبلهِ لكي يقنعهُ بخيانة يوحنا في البلاط . فغضب الخليفة جداً وأراد أن يعطي يوحنا درساً قاسياً جزاء خيانته ، فأمر بقطع يد يوحنا اليمنى عند المعصم تعبيراً عن إستيائهِ ! لكن قصاصه لم يحل المشكلة ، بل عزم يوحنا على الصلاة فأمضى ليلته أمام أيقونة مريم متوسلاً بالدموع والتضرع إلى أن حصلت المعجزة عند الصباح وإلتصقت اليد بالزند وشُفيَّت . إعتزل يوحنا الإدارة وقرر الدخول إلى رهبنة دير القديس سابا في الأراضي المقدسة . واللافت إنه بعد هذه الحادثة ظهر نموذج جديد لأيقونة السيدة يحمل يداً ثالثة مضاف إلى يدي العذراء وسميت تلك الأيقونة ( ذات الأيدي الثلاث ) تحمل ذكرى المعجزة .
  إستمرت حرب الأيقونات لمدة مئة سنة تقريباً أحرقت بفعلها أجمل اللوحات وضاع خلال ثورة تحطيم الأيقونات بين القرنين السابع والثامن . تكون لاهوت الصورة من قبل مفكرين كبار كنيفوروس ويوحنا الدمشقي وثيودورس السطوديتي على أساس واقعية التجسد والإتفاق والمطابقة بين الصورة والمصور بها ، وكان للوغس بتواضعه حضوراً سرياً حقيقياً في الأيقونة . وضع جرماتيس القسطنطيني عام ( 733 ) تفسيراً في الطقس ، وهو التفسير الطقسي الأول طبق فيه التدبير الخلاصي ، بالخصوص مراحل حياة المسيح التاريخية على الرتب الطقسية كأنها تمثلها مرة ثانية ، وقدم الصورة والكلمة كوسيطتي للخلاص .
   في مجمع القسطنطينية المنعقد سنة 842 برز موقف الكنيسة الصريح وعقيدتها القويمة ، بالنسبة إلى الرسوم الكنسية وشرعية تكريمها . إلتأم المجمع السابع هذا ليضع حداً للعلصفة الهوجاء التي هبت على العالم البيزنطي في تلك الفترة وكان تعبيراً عن عراك سياسي ذي طابع ديني أدى في أغلب الأحيان إلى معارك دموية . كانت تلك الهرطقة تهدف إلى محاربة الأيقونات وإبادتها مستترة خلف حجاب الغيرة على الكنيسة مدعية أن تكريم الأيقونة له طابع وثني ، وإنه يطعن بعقيدة الطبيعتين في شخص المسيح ، أما في الواقع فكانت تنوي مهاجمة الكنيسة وزعزعتها من أسسها ، أي لا لمهاجمة الأيقونة بحد ذاتها فحسب . كتب يوحنا الدمشقي إلى الأمبراطورليون الثالث ، وقال ( إنك لا تحارب الأيقونات ، بل تحارب القديسين أنفسهم ) لذلك كان ينقد من أراد تحطيم الصور المقدسة مشدداًمن أن كل من ينكر تجسد المسيح وسر الفداء ، وإن كل من لا يكرم صورة المسيح ووالدته وقديسيه يعتبر عدواً لله وعميلاً لأبليس وشياطينه . أشتدت الأزمة في عهد الأمبراطور قسطنطين الخامس الذي حرم على الشعب تكريم العذراء القديسين ، فطافت في القسطنطينية جماهير بقيادة الأمبراطورة ثيودورا نفسها في آذار (843) مسبحين الضابط الكل ومرنمين أناشيد الشكر . ومن مقتطفات التقارير التي دونها المجمع المقدس ، ما يلي :
( يجب أن توضع الصور المقدسة في الكنيسة .. وفي البيوت ، وعلى الطرقات .. سواء كانت لمخلصنا وفادينا يسوع المسيح ، أو لسيدتنا الفائقة الطهلرة أم الإله ز أو للملائكة القديسيسن أو للقديسين الموقرين وآباء الكنيسة . لأننا كلما تأملنا أيقونة ، نشعر بقوة تحثنا على تكريم من ترمز إليهِ وتذكرنا بالنموذج الأصلي الذي حسب إيماننا ... إلخ ) وأرتفعت منذ ذلك الحين الأيقونات في الكنائس ، للتأكيد على أن تكريم الأيقونات عقيدة إيمانية ، وإن السجود لها إنما يجوز إلى عنصرها الأول .
وفي القرن السادس عشر ظهرت البروتستانتية فبرزت حرب أخرى شرسة ضد الأيقونات فتم تدمير آلاف الأيقونات في الكنائس والأديرة التي أستولوا عليها أتباع لوثر، وأعتبروا الأيقونات من بقايا الوثنية ، فجعلوا جدران كنائسهم جرداء كمعابد اليهود ولحد اليوم . كانوا وما يزالوا يلومون من يكرم أيقونة أو يقبلها ويوقد الشموع أمامها كما يفعل المؤمنون في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية مفسرين بعض آيات العهد القديم حرفياً دون التأكد من الغاية التي قيلت من أجلها  ، وما هي الآيات الأخرى في الكتاب المقدس التي تكمل معناها ونحن ندرك في وصية الله الروح وليس الحرف . والهدف واضح من تلك الآيات وهو قول الرب ( لا تسجد لهن ولا تعبدهن ) ورد الكنائس الرسولية عليهم هو : إننا لا نرسم أيقونة أو ننحت تمثالاً لنعبدها ، وإنما لنكرم من موجود فيها ، وبحسب قول الرب يسوع لتلاميذه الأطهار ( من أراد أن يخدمني ، فليتبعني ، وحيث أكون أنا يكون خادمي . ومن خدمني أكرمه أبي ) " يو 26:12 " فإن كان الآب يكرم قديسيه ، ألا نكرمهم نحن ؟ !

 المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   الكنيسة عبر التاريخ / الأب.د منصور المخلصي
3-   الأيقونة شرح وتأمل / أيما غريب خوري
4-   فن الأيقونة – لاهوت الجمال / القمص بيشوي الأنطوني
5-   كتاب اللاهوت المقارن (1) / البابا شنودة الثالث



53

عيد الصليب ܫܗܪܐ ܕܨܠܝܒ̇ܐ.. الصليب هو جوهر الرسالة المسيحية 
بقلم / وردا إسحاق قلّو

( كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوّة الله ) "1قور 8:1"
في العهد القديم عرف الصليب على أنه مشنقة الرعاع المجرمين الخارجين عن القانون . فكان يعبِّر عن المصلوب على خشبة الصليب بالملعون . وأسفار الشريعة تلقب كل مصلوب على خشبة بالملعون ( طالع تك 23:21 ) . تحمل يسوع تلك اللعنة وأفتدانا بعمله الفدائي على خشبة الصليب ، فعبَّرَ الرسول بولس عن عمل محبته للبشر ، قائلاً ( فالمسيح إفتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا ) " غل 13:3 " . والوثنيون كانوا يعتبرون الصليب أداة إنتقام .
فلهذا لا يخطر ببال اليوناني أوالروماني أواليهودي بأن ينسبوا للصليب معنى إيجابي أو تفسير لائق . ففي نظر اليونانيين إكرام صليب المسيح هو جنون . وفي فكر الرومان ، إنه مجرد عار . أما في نظر اليهود فهو لعنة ألهية للمصلوب عليهِ . فلم يكن معقولاً لدى هؤلاء وغيرهم بأن المصلوب على الصليب يكون إلهاً متجسداً صُلِبَ عليهِ لكي ينال منه الموت طوعاً كعبدٍ أو مجرم أو متمرد .
  لكن صليب المسيح صار دعوة للإعتراض على الحياة الأنانية والإنتقام ، فأضهر في الصليب الحب الإلهي كلهُ من أجل خلاص العالم . إنها ثورة وإنقلاب على جميع القيّم المألوفة . ليس المقصود بالصليب هو لتذليل النفس عن ضعف ، إنما كان قصد المسيح المصلوب هو لعيش الإنسان بشجاعة وبلا قلق وحتى أمام الموت . كان عمل المسيح على الصليب تضحية قدمها بكل حب من أجل الحرية والحياة الأبدية عبر النضال والعذاب والموت ، وعلى أساس الثقة والرجاء الثابتين . فمن حجرعثرة حقيقي نشأ إختبار مدهش للخلاص ، فأصبح طريق الصليب طريقاً ممكناً إلى الحياة .
   الرسول بولس رأى في جوهر الرسالة المسيحية رسالة في المصلوب ، فوجه الصليب في نظرهِ هو الوجه الذي يختصرحياة يسوع الأرضية . فلو إختصرنا الرسالة المسيحية ، لقلنا إنها ( لُغة الصليب ) .
  في ضعف المسيح على الصليب أكتشِف ضعف الله بين البشر . وضعف الله هو أقوى من قدرة الإنسان ، فغلبَ أخيراً الإله المتجسد على الصليب كل المتحدين ضده ، وغلبَ سلاح الموت بقيامته . فالذي ينظر اليوم إلى الصليب في ضوء الحياة المسيحية الجديدة ، لعرفَ أنه يعني لجميع المتكلين عليهِ قدرة الله وحكمته . ففي الإيمان بالمصلوب ، وبعمل الصليب الكفاري يصبح الإنسان قادراً على إستخدام حريته في سبيل الآخرين ودعوتهم للسير وراء المصلوب . فرسالة القيامة مرتبطة بالمصلوب . فالفصح لا يمحو الصليب ، بل يثبّتهُ ، ويضفي عليه معنى أعمق . إذاً يجب أن لا تظلل رسالة القيامة رسالة الصليب ، لأن الصليب ليس مرحلة مؤقتة إلى الخلاص ، ولا طريقاً إلى الثواب ، إنما هو توقيع المصلوب الدائم . لا يمكن أن ينظر الإنسان نظرة صحيحة إلى الفصح إن لم يحفظ في باله أحداث يوم الجمعة العظيمة .
إن الذي يرى في سر الصليب الغامض تعبيراً عن نعمة ومحبة ذلك الإله الذي لم يدين أحداً . بل تقبَّلَ الجميع ووضع ثقته فيهم وأحبهم . ذلك الإله الذي لم يدين أحداً ، بل أصبح إنساناً حقيقياً ومثالاً للإنسانية جمعاء ، وصار إبناً لله الجالس عن يمينه .
   إن ما يميّز بين المسيحية والديانات الأخرى هو أن مؤسس المسيحية وفاديها مات ضعيفاً مهاناً ومصلوباً . لكنه قام إلاهاً قديراً ودخل مجده ، وبقي حياً . بينما كل مؤسسي الديانات الأخرى ماتوا وإنتهوا إلى الأبد . فالمصلوب على الصليب صار قدوة ومثالاً حياً . وصار صليبه أصل الإيمان بالمصلوب عليه . إذاً صليب المسيح يؤصّل الإيمان في واقع الحياة اليومية . الصليب يفصل المسيحية عن الإلحاد وعن الخرافان . أجل أن الصليب هو ضوء القيامة الذي سيضىء الكون كله قبل ظهور المسيح الديان . سترى علامة الصليب كل عين من آدم إلى آخر إنسان مخلوق في السماء بعد قيامة الجميع من القبور ، إنها آية إبن الإنسان الديان ، وفي تلك الساعة سينوح غير المؤمنين بالمسيح ( مت 30 :24 ) .
 والقيامة ستحدث في الوقت ذاته في نورالصليب ، فبدون الإيمان بالصليب سننزع عن الذي قام من بين الأموات طابعه المهم والمميّز والحاسم . كذلك بدون الإيمان بالقيامة ، ننزع كل ما له علاقة بالإيمان بالإله المصلوب . ذلك العنصر الذي يؤيده ويبررهُ .
 الكنيسة الكاثوليكية المقدسة تحتفل بعيد الصليب المقدس يوم 14 أيلول من كل عام . ويسمى الأحتفال ( شِهرا دصليوا  ܫܗܪܐ ܕܨܠܝܒ̇ܐ ) .
  التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

54

يسوع يقول لكل إنسان اتبعني
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  في السنين الثلاثة الأخيرة التي عاشها يسوع بين البشر كان يتجول ويجتاز مدناً وقرى كثيرة ليلتقي مع الناس . فضَّلَ العمل على الراحة لأنه كان يبحث لدعوة أكبر عدد من الناس إليه . ففي تبشيره كان يقصد لكل إنسان أن يتبعه لكي يكون له الخلاص ، لأنه هو الطريق والحق والحياة . لم يكن يكثر في كلامه للدعوة ، ولا يقبل رفض دعوته لأي سبب أوحجة مهما كانت ، بل على من يسمع كلامه أن يلبي الطلب بدون جدال ، أو البحث عن سبب الدعوة وكما فعل أبينا إبراهيم عندما سمع صوت الله في قلبه فترك عشيرته ووطنه وإنطلق ليبي الدعوة .
كل إنسان مشغول في أعماله اليومية باحثاً عن مصالحه ، أي يقيم له مائدة لجباية الأرباح ، والإنسان مدعو إلى مائدة السماء ، فكل من يريد أن يكون له نصيباً بها عليه أن يخرج من مائدة الجباية التي يعمل من أجلها في هذا العالم ، لأن المطلوب ، والحاجة هي إلى واحد ، وهو الرب يسوع ، ذاك الكنز الثمين النازل من السماء والذي كان يبحث عنا ويدعوا إليه كل إنسان قائلاً ( إتبعني ) فعلى من يسمع صوته في كل زمن أن لا يقسي قلبه ، إنما عليه أن يؤمن بكلامه وينطلق صوبه ، ويأتمن بجانبه ، ويسلّم له أمره ، ويؤمن به وبكلامه لكي يدخل في سِرهِ تاركاً كل شىء .
   كلمة يسوع ( أتبعني ) التي كان يقولها لكل من يدعوه كانت تمس قلبهِ ، لأن النعمة الإلهية كانت ترافقها ، لهذا كان تأثيرها على السامع قوية ومؤثرة . ففي الساعة التي حل فيها إلى اللاوي متى وهو على مائدة الجباية ، قال له ( إتبعني )! ومن هذه الكلمة فقط فهم اللاوي بأن مائدة الجباية لا تنفع ، ولا تقاس بمائدة الرب السماوية ، فترك في الحال مائدته وتخلى عنها ، لآنه لا يستطيع أن يقاوم الدعوة  ، وسار في أثر يسوع وتبعه بدون جدال .
  يسوع لا يريد أن يدخل في كلام كثير وجدال واسع ، لأن الإنسان يحتاج فقط إلى كلمة واحدة من الله لكي تغيّره . كما أن يسوع لا يقبل الجدالات والحجج . فمثلاً ، عندما قال لأحد ( إتبعني ) فقال له ذاك ( دعني أولاً ، أدفن أبي ، ثم آتي وأتبعك ) فقال له يسوع ( دع الموتى يدفنون موتاهم . وأما أنت فإمضِ وبشر بملكوت الله ) " لو60:9 " .   يسوع يقنذ الإنسان الغارق في مصالح هذا العالم ، ويريد أن يحرره من المصالح الدنيوية لكي يندفع للبحث عن الإلهيات . المقاصد البشرية تسقط عند حضور الله في حياة الإنسان ، فمتى ما نشعر بحضور الرب ، تصغر في أعيننا المقاصد الدنيوية أمام ما هو أهم وأفضل . لهذا قال يسوع ( أطلبوا أولاً ملكوت السموات وبرهِ ، وكل ما عدا ذلك يزاد لكم ) " مت 33:6 " علينا أن نطلب وجه الله أولاً ليسكن في قلوبنا ، وكل ما عدا ذلك من الأرضيات يزاد لنا من قبل الله في حينه من دون تردد . القديسين الذين كانوا يبحثون عن وجه الله في حياتهم ، ترفعوا عن طلب المنافع الدنيوية ، فلم يطلبوا ما يحتاجون لصالح الجسد لأنهم كانوا يثقون بكلام الرب بأن الحاجة هي إلى واحد ، وكما قال يسوع لمرثا المنهمكة في أعمال كثيرة في بيتها ، فكانت بعيدة عن الرب القريب والموجود في بيتها .
   زكا العشار أراد أن يرى شخص يسوع فقط ، ولقصر قامته صعد فوق جميزة ليراه ، فدعاه يسوع بكلمة ( إنزل ) وهذا لا يعني إنزل من الشجرة فقط ، بل إنزل مما أنت فيه لكي أرفعك . بتلك الكلمة فتح قلب زكا . وبسبب تلك الدعوة المؤثرة أقام له مأدبة عظيمة في بيته ، بينما يسوع أقام له مأدبة الخلاص ، شيَّدها في قلبه ، وقال للحضور ( حصل خلاص لهذا البيت ) يسوع لا يشاء بإقامة مأدبة له ، إنما يريد أن نكرمه بمائدة الفضائل التي نسلك فيها . وهذه هي المأدبة الحقيقية التي يمدّها الإنسان في قلبه إلى المسيح ، والمسيح يطرحه على أبواب قلوب البشر ، فمن هيأ له قلبه يدخل ليسكن فيه .
   كان يسوع يجول باحثاً عن الخطاة المرضى ، فالخطيئة مرض قاتل للروح الخالدة . والله يتعاطى مع الناس الذين أتعبتهم الخطيئة لكي يشفيهم ، فما دامت الخطيئة هي مرض ، فلا حق للذين كانوا يتهمون يسوع بأنه يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة لأنه الطبيب الشافي الذي يبحث عن الخطاة لكي يحررهم من أمراضهم الكثيرة ، ويرحمهم برحمته ، أي أنه لم يكن بحاجة إلى طعام وولائم العشارين ، لهذا قال ( أريد رحمةً لا ذبيحة ) " مت 13:9 " كذلك هو يطالبنا بالرحمة إزاء الخطاة ولكل الناس ، لأن الجميع قد زاغوا وأخطأوا .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

55

لماذا سأل المعمدان يسوع ( أنتَ هو أم ننتظر آخر ؟ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو

  يسوع المسيح من الناحية الجسدية قريب من يوحنا إبن زكريا ، وبسبب هذه القرابة ذهبت أمه مريم إلى أليصابات في اليهودية لتخدمها ، فعندما ألقت عليها السلام ، أرتكض الجنين ( يوحنا ) في بطنها وأمتلآت من الروح القدس . فهتفت قائلة ( من أين لي أن تأتيني أم ربي ؟ ) " لو 43:1 " .
  زكريا الكاهن أخبر إبنه يوحنا عن مهمته حول إعداد الطريق للمسيح والذي أوحاه الوحي الإلهي ( طالع نشيد زكريا في " لو 1: 67-79 " ) . لم يذكر الكتاب شيئاً عن طفولة يوحنا ، لكننا نعلم بأن إبن الكاهن عليه أن يصبح كاهناً ويلتحق بالهيكل بعد أن يبلغ العشرين من عمره لكي يبدأ بالدراسة لمدة عشرة سنوات ، وبعد بلوغه الثلاثين من عمره يرسم كاهناً .
   الشعب اليهودي كان يظن الرجل من دون سن الثلاثين غير بالغ فلا يستطيع أن يتولى المسؤولية ، فمثلاً   الملك شاؤل الذي رسم أول ملك على شعب إسرائيل كان عمره ثلاثين سنة . وكذلك خلفه الملك داود الذي مسح ملكاً وهو صبياً ، لكنه ظل مطارداً من قبل شاؤل وبحسب خطة الله لكي يتحمل داود صعوبات وتجارب الحياة ويتعلم الكثير قبل بلوغه الثلاثين من عمره . وقبلَهم يوسف الصديق ظل في السجن 13 سنة ولم يصبح وزيراً لفرعون إلا عندما بلغ هذا العمر . وكذلك يوحنا المعمدان . والرب يسوع أيضاً الذي تعمد على يد يوحنا كان نحو الثلاثين من عمره ( لو 23:3 ) .
   عاش يسوع في الجليل في مدينة الناصرة ولم يلتقي بيوحنا الذي عاش في اليهودية ، ولم يتحدث إليه ، ولم يذكر الكتاب عن أي لقاء حصل بينهما ، لذلك صرح يوحنا قائلاً ( وأنا لم أكن أعرفه ) " يو 31:1 " . كان يعرف بأن له قريب إسمه يسوع ، لكن لا يعرف بأن يسوع هو المسيح المنتظر .
  يوحنا لم يلتحق بالهيكل ، بل ذهب ليعيش في البراري يلبس ثوباً من وبر الإبل ، وعلى وسطه زناراً من الجلد ، وظل هناك إلى يوم نزوله إلى نهر الأردن ليعمد الناس معمودية التوبة ليهيىء الطريق أمام المسيح ، أي يهيأ الشعب للمسيح المنتظرالذي لايعرفه .  كان يوحنا يعمد الناس في الأردن كل من يحمل الخطايا . فيتم التعميد بعد إعتراف المعمد بخطاياه أمام يوحنا . لكن يسوع الذي جاء إليه ليعتمد لم يكن له خطيئة ليصرح بها للمعمدان ، لهذا طلب يوحنا منه لكي يعمده لأنه أكتشف بحاسته الروحية بأنه أعظم منه ، لهذا مانع من تعميد يسوع قائلاً ( أنا أحتاج إلى الإعتماد عن يدك ، أو أنت تأتي إليّ ؟ فأجابه يسوع " دعني الآن وما أريد ، فهكذا يحسن بنا أن نتم كل بر" . فتركه وما أراد ) " مت 14:3" . إذاً لماذا إعتمد يسوع ؟ الجواب موجود في نفس الآية ( ان نتم كل بر ) إعتمد عن البشرية الخاطئة ، وعلى الصليب سيحمل كل خطايا البشرليدفع ثمنها إلى الله الآب . بعد العماد خرج من الماء ، فرأى يوحنا من دون الناس أن السموات قد إنفتحت فرأى روح الله يهبط كأنه حمامة ينزل على يسوع ، كما سمع صوت من السماء يقول ( هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ) " مت17:3 " رأى يوحنا الروح القدس كعلامة منظورة على شكل حمامة إستقرت على يسوع ، كما سمع صوت الآب ، أي عاش في تلك اللحظات مع الثالوث الأقدس كما حصل للرسل الثلاثة على جبل التجلي .
صرح يوحنا وإعترف قائلاً ( أنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي : الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليهِ فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس . وأنا رأيت وشهدت أنه هو إبن الله ) " يو 34:1 " أعترف يوحنا بحقيقة يسوع قائلاً ( هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم ) وعندما سمع تلميذي يوحنا المعمدان ( إندراوس أخ بطرس ، ويوحنا إبن زبدي ) هذا الكلام تبعوا المسيح ( يو 37:1 ) .
لقد شهد يوحنا للمسيح وأعد له الطريق ليؤمن الكل بواسطته ( يو 7:1 ) فلا يمكن أن يشهد له إلا إذا كان يعرفه ، لهذا نادى قائلاً ( هذا الذي قلت عنه أن الذي بعدي صار قدامي ، لأنه كان قبلي ) " يو 15 :1 " وكيف كان قبله علماً بأن يوحنا أكبر منه عمراً بستة أشهر ( طالع مت 36:1 ) فهنا المقصود بأن المسيح هو قبل يوحنا روحياً وهو خالقه وخالق الكون .
   يوحنا إذاً عرف بأن يسوع هو المسيح ، فلماذا أرسل تلميذيه عندما كان في السجن إلى يسوع ليقول له ( أأنت الآتي أم آخر ننتظر ؟ ) " لو 19:7 " إلجواب : أرسلهم لأنه يعرف بأن رسالته قد تمت وعليه الرحيل ، فغايته كانت لكي يؤكد لتلاميذه بأنه هو المسيح المنتظر ، وأراد أن يسلمهم له ، لأنه ينبغي أن ينقص وذاك يزيد ، ولينضموا إلى جماعة المسيح . ويسوع لم يشأ أن يقول لهم صراحةً بأنه المسيح المنتظر لأنه لا يريد أن يعلن حقيقته قبل أن ينشر رسالته التي ستتم بعد ثلاثة سنوات ، لهذا أرسل جواباً غامضاً بالنسبة لتلاميذ يوحنا ليخبروا سيدهم ، وفي الجواب سر سيعرفه يوحنا المعمدان وهو سيشرح لكل تلاميذه ما قصد به المسيح من جوابه . قال المسيح للتلميذين المرسلين ( أذهبا وقولا ليوحنا بما تسمعان وتنظران : العمي يبصرون ، والعرج يمشون ، والصم يسمعون ، والموتى يقومون ... وطوبى لمن لا يعثر فيّ )" مت 4:11-6" .  هنا نلاحظ بأن رسالة يسوع إلى يوحنا بدأت ب ( العمي يبصرون ) والسبب لأن لا يوجد أحد من الأنبياء قد فتح عيون الأعمى ، إلا الرب يسوع ، وهذا ما نقرأه بالنبوة التي جائت في المزمور " 8:146 " ( الرب يفتح أعين العمي ، الرب ينهض المنحنين ... ) فداود النبي قال هذا بالروح ، ويوحنا المعمدان فهم رد المسيح لسؤاله ، وشرح المقصود لتلاميذه ليؤكد لهم بأن يسوع هو المسيح المنتظر .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1


   

56

إختبارنا لضعفاتنا مَعبَر إلى القوة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الله لبولس ( تكفيك نعمتي ، لأن قوتي في الضعف تكمل ) " 2 قور 12/9 "
   خلق الله الإنسان ضعيفاً لكي لا يتباهى بقوته فيتكل على قدراته الذاتية فيستغنى عن قوة الله الذي خلقه والذي هو مصدر قوته .
   الرب الإله يريد أن يختبرنا بضعفنا لكي لا ننسى إنسانيتنا الضعيفة ، وننسى إننا من التراب وإليه سنعود وتنحل قوتنا . وإن أمور بسيطة بالمرض أو التعب أو الظلم أو بسبب قساوة الظروف نتنازل لنعترف بضعفنا . ينبغي أن نختبر الضعف في حياتنا اليومية .
   في العهد القديم أختبر الشعب العبري ضعفه ، وأعترف به ، فأخذ يصرخ إلى الله طلباً للعون . إختبر قوة الله العظيمة الذي كان يخلصه من فخ الأعداء ، ومن الأمراض ، وكذلك من مشاكل كثيرة ةمتنوعة ، أو عندما كان يبتعد عن الله ليعبد آلهة أخرى ، فكانت تنزل عليه ضربات من الأعداء الذين كانوا ينالون منهم ، فيذكرون قوة الله القديرفيعودوا إليه لكي ينقذهم بقوته العظيمة ، فكانوا حينذاك يشعرون بأن الله هو فاعل الإنتصارات فيهم .
الإنسان الذي يظن بأنه قوي ومقتدر ، لا يستطيع أن يختبر قوة الله فيه . لأن كل إنتصار يظن أنه منه ، لا من الله ، لإغنه ضعيف وفاشل لأن مهما كان قوياً سيبلغ به الحد من العجز ، أو الفشل في أمور كثيرة فيسقط في مشاكل لا يتوقعها كأسير مرض ، وخاصةً عندما يعترف الطب أيضاً بعجزه من شفائه ، كما حصل للمرأة النازفة الدم التي أنفقت كل ما لها للأطباء ، فعاشت في عجزها فترة طويلة غلى أن نالت الشفاء والقوة من طرف ثوب خالقها ، وإعترفت له أمام الجمهور الحاضر بحقيقة مرضها وسر شفائها .
   الرب يسوع عندما أفرغ ذاته ، وترك عرشه السماوي ، وأخذ صورة إنسان عبد ، إختبر هو أيضاً الضعف البشري لأنه لم يشأ بإستخدام قوة اللاهوت في حياته البشرية ، عدا عندما كان قوته الإلهية لعمل المعجزات التي كانت تقهر كل قوانين الطبيعة والعلم . إعترف بضعفه على الصليب ، ذلك الذي أحيا الموتى ، فصرخ إلى الله قائلاً ( إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني ) " مر 34:15 " . يسوع أختبر ضعفه الإنساني بالكامل ومات على الصليب ضعيفاً ، لكنه غلب الموت بموته عندما قان من بين الأموات قوياً ، لأن قوة لاهوته أعطت له النصرة والقوة .
  على الإنسان أن يفرح ويعترف بضعفه أمام الله ويقول مثل بولس الرسول ( ... بكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي ، لكي تحلّ علىّ قوة المسيح ) " 2 قور 9/12 " . وهكذا تكمل قوة الله في ضعفه فتجعله قوياً . تلاميذ المسيح كانوا كباقي البشر من لحمٍ ودم . إذاً كانوا ضعفاء ، وحتى بطرس ( الصخرة ) الذي قال ليسوع لا أنكرك حتى الموت . نكره في نفس الليلة ثلاث مرات ، فيسوع هو الذي عمل تلاميذه أقوياء . منذ أن كان معهم أعطاهم القوة والسلطان ليدوسوا الحيات والعقارب دون أن تضرهم ، كما أعطاهم القوة على الأرواح الشرية . إذاً الإنسان يصبح قوياً جداً بقوة الله ، لا بقوته . والله يريد الإنسان أن يعترف بضعفه اولاً ، وكما يريده أيضاً أن يكسب قوته بسبب إيمانه من الذي خلقه ، وهو مصدر كل قوة .  فإختبار الضعف ، والإتكال على الإيمان ، مع تسليم الذات لله ، فهو يعطينا الأمل والقوة والخلاص الأبدي .
   الإنسان المؤمن يرضى أن يعاني ويتألم ، ولكنه يجعل نفسه دائماً في أمان لأنه يؤمن بأنه بين يدي الله . فالثبات في الإيمان يجعل الإنسان في فرح دائم وإن كان يحتضر ليرقد وليغادر هذا العالم وذلك لأنه يؤمن بأنه قرار من الله الذي يريد أن ينقله إلى جواره ، فإنه سيصبح في حال أفضل، لأن الموت ربح له . وهذا هو المطلوب من كل إنسان أن يسلم نفسه إلى الله بدون شروط وبكل تواضع . ومتى فعل ذلك فأنه يعيش الإختبار العظيم لقوة الله في حياته ، فيثبت في الإيمان والرفح والثقة ، ويتيقن بأن الله حي وفاعل في حياته ، وفي حياة كل مؤمن . فيتكل على قوة الله وعهوده .
ليتمجد أسم الله القوي الذي لا يموت 
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


57


تاريخ الأيقونة ومسيرتها وغايتها

بقلم الفنان التشكيلي / وردا إسحاق قلّو


   رسم الأيقونة فن مقدس ومكرس في المعابد ناتج من تصور وتعبير الفنان عن موضوع إيماني أو لشخصية تعبر عن الشبه لصورة الشخص الحقيقية . والأيقونة تعكس ما هو غير منظور إلى صورة منظورة تقرب أفكارنا وتشد إيماننا مع الموضوع المصور . فالوجه المرسوم ليس بالوجه اللحمي الترابي الزائل ، بل وجه متجلي بالصورة يحمل سمات أبدية عميقة ، أي وجه روحاني حامل القداسة أو الآلوهة له مجد سرمدي ، لهذا وضعت الكنيسة أُسس واضحة ، وقوانين خاصة ، وقواعد مفصلة لأصول هذا الفن ومبادئه والتي تختلف عن قواعد المدارس الأخرى في الرسم . في الأيقونة نجد التمجيد والترنيم والخشوع . وإن أرتبط هذا الفن بقوانين ، فهذا لا يعني أنه فن جامد متصلب غير قابل للتطور كباقي الفنون ، بل تطور مع الزمن . في البدء كانت الأيقونة الأولى للرب يسوع غير مرسومة باليد . طبعت صورة المسيح على المنديل بمعجزة وذلك عندما غسل وجهه بالماء ونشفه بقماش أبيض فظهرت للحال صورة محياه واضحة فحصلت المعجزة التي أثارة دهشة وتعجباً لدى الشعب ، فبقيت حية في الذاكرة تتداولها الألسن عبرَ الأجيال ودخلت في التقليد الكنسي . أما سبب إعطاء السيد صورته على القماش جاءت بعد إرسال ملك الرها ( أبغار ) الذي كان مصاباً بمرض البرص ، كان قد سمع بعجائب المسيح فنوى أن يرسل إليه رئيس ديوانه يدعوه إلى الحضور عنده لكي ينال منه الشفاء ، وفي حال رفض دعوته . كان مع الوفد رساماً موهوباً أسمه ( حنان ) واجبه رسم وجه السيد المقدس ويأتي بالرسم الشافي . حاول حنان رسم السيد وهو يوعظ للجموع إلا أن مبادراته بائت بالفشل لأنه عجز من إلتقاط ملامح الوجه بسبب المجد الفائق المنبعث منه والمتموج بالنعمة المضيئة . علم الرب يسوع بالأمر لأنه الإله المتجسد فاحص القلوب والكلى فأستدعى حنان من بين الجموع فأستخبره الرسام عن مهمته وغايته ، فتحنن عليه يسوع فزوده بتلك الصورة . أخذها الوفد إلى الرها ( أورفا ) وأعطيت للملك فشفي في الحال . بعد صعود المسيح إلى عرشه السماوي وحلول الروح القدس على التلاميذ أنتشروا في المعمورة للتبشير بكلمة الأنجيل . فوصل أول رسول للمسيح إلى الرها القديس ( تداوس ) لغرض تبشير أهل الرها ، وكان طريقه قد أعد سلفاً لأن اهل الرها وملكها قد آمنوا بالمسيح قبل صلبه بسبب الصورة التي ظلت هناك إلى أن نقلت إلى قسطنطينية العاصمة لتصبح نموذجاً ونواة لرسم صورة المسيح في نمطه البيزنطي ، فبدأ الرسامون برسم لوحات خشبية ومعدنية كثيرة تقليداً لتلك الصورة . المسيح هو صورة الله الغير المنظور ، فهو أيقونة الله بوجه إنسان ، لذلك يجوز رسمه .   
 كما أعطى الرب يسوع صورته على المنديل الذي مسحت به القديسة فيرونكا وجهه المبارك في طريق الجلجلة فكانت الصورة كاملة الشبه والملامح .
 
أصل رسم الأيقونات وتاريخها

يذكر التقليد الكنسي بأن القديس لوقا الأنجيلي المتعدد المواهب والذي كان طبيباً وكاتباً ومحللاً ورساماً موهوباً ولاهوتياً أصيلاً . رسم أول أيقونة للعذراء مريم والدة الإله أثناء وجودها على قيد الحياة , وهو الكاتب الوحيد الذي أعطى التفاصيل الدقيقة عن حادثة البشارة ، وهذا يدل على أنه كان يلتقي بها ويحصل منها المعلومات المهمة والدقيقة عن السيد منذ البشارة ليدونها على صفحات الأنجيل ، وأوصافه الدقيقة ألهم الرسامين من بعده في الشرق والغرب وأتى بمعلومات عن زيارة مريم لنسيبتها أليصابات ، وكذك كتب نشيد مريم وغيرها من الأحداث . 
   حافظت الكنيسة على تلك الصورة التي بقيت في أورشليم بحسب التقليد إلى أن تم نقل الصورة إلى القسطنطينية أيضاً . وقد رسم سبعون صورة مثلها في بلدان كثيرة . 
  بدأ الرسم بتقليد لتلك الصورة فأزدهر الفن وتطور آخذاً أشكالاً مختلفة لكن بقي ثابتاً على غرار أسلوب لوقا التقليدي . 
 يذكر القديس جرمانوس بطريرك الأسكندرية ( 715- 730 ) يذكر في كتاباته أن صورة العذراء حاملة المسيح من رسم لوقا ، أرسلت إلى ثيوفلوس في روما . وثيوفلوس هو الذي ذكره لوقا في مقدمتي إنجيله وفي أعمال الرسل . أيقونة القديس لوقا حددت قواعد وقوانين لرسم الأيقونة . فالكنائس الأرثوذكسية منذ القرن الأول لا تستخدم صوراً مرسومة بأسلوب آخر كالصور الواقعية أو التماثيل . والفرق بين الأيقونة والصورة هو أن الأيقونة تظهر أمام المشاهد كلوحةٍ فنية صوفية ، بل فنها روحي صرف يُعّبّر عن فكر ديني لاهوتي . ولا يعتمد الفنان لرسمها على قوة الألوان أو دقة تدريجها ولا في جمال اللوحة لأن الهدف منها ليس لأبراز القيمة الجمالية أو الأثارة للناظر ، بل يجب أن تكون مجردة من لغة العاطفة وبحسب رسومات الدارس الأخرى ، فلهذا يتجاوز الرسام أسلوب المنظور ودقته أو توزيع الكتل في اللوحة ، لأن الغاية ليس لتزيين المعابد بل للعبادة لأن اليقونة تساعد المؤمنين في التأمل والناجاة فالأيقونة تمثل ذلك المكان المقدس للصلاة . أما في الكنائس الكاثوليكية فنجد إلى جانب الأيقونات الصور والتماثيل ، لأن المؤمن الكاثوليكي الذي يمتلك معلومات كافية حول إيمانه الكاثوليكي لا يمكن أن يعبد ويسجد للثمثال أو الصورة كما يفعل الوثنيين . لنتذكر الأبطال والشهداء السياسيين مثلاً والذين أفدوا حياتهم للوطن كيف أقيم لهم نصباً تذكارية تكريماً لهم . إذاً سوف لا يبقى أي إعتراض مبرر لتكريم نساء ورجال قديسين وأبرار كأبطال الإيمان . نطالع في " 1 بط 17:2 " يذكر هذا الخصوص ، فيقول ( أكرموا جميع الناس ، أحبوا أخونكم ، أتقوا الله ، أكرموا الملك ) . كذلك تم تكريم قيصر على العملة  " مت 21:22 " . الكتاب المقدس يعتبر الصور والتماثيل أداة للتذكير بعظماء من القديسين وأبطال الإيمان ( عبر 11 ) الذين كانوا أكثر حيوية منا وإنتماء خاصةً في صلاتهم وجهادهم الحسن كبرهان ملموس . وفي " 2 قور 18:3 " قال بولس ( ونحن جميعاً نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كم في مرآة فتتحول تلك الصورة ذاتها ، وهي تزداد مجداً على مجد ، بفضل الرب الذي هو الروح ) . فالقديسون فس السماء لا ينفصلون عن جسد المسيح على الأرض ( رؤ 10:6 ) ولا نحن نريد أن ننساهم ، بل نكرمهم . 
 رسام الأيقونة يجب أن يبدأ قبل الشروع بالرسم بالصلاة والصوم والتقشف مع طلب صلوات كاهن الرعية . وفن الإيقونة شامل وليس من إستنباط كنيسة الشرق . كذلك كان موجوداً في كنائس إيطاليا ككنيسة ( رافدِنا ) أنجز بالفسيفساء . وأيقونة الميلاد على جدار قبة أحدى الكنائس في روما بنيت في القرن الخامس . ولا شك في كون الأيقونة فن أرثوذكسي . 
 تطور الفن في مختلف أنحاء الأمبراطورية الرومانية بفعل التبشير منذ القرون الأولى عندما كانت الكنيسة مضطهدة كانت الرسوم على شكل رموز ونقوش بسيطة على بعض الجدران والقبور والأواني كرسم السمكة الذي كان رمزاً للمؤمنين ، لكن بعد أن قبلت الأمبراطورية في عهد قسطنطين الكبير الإيمان المسيحي بدأ الفن بالإزدهار بعد تشييد كنائس وأديرة فزينت جدرانها بالنقوش والفسيفساء من قبل الرهبان ، ورافق ذلك الإزدهار مشاكل بسبب ظهور إختلافات عقائدية ، فتسرب النزاع بين مدافع ومعادٍ للأيقونات . فظهر موقف صريح ورسمي ضد الؤسم الكنسي ، ثم عادت الكنيسة بعد مجمع كنسي لتعود الأيقونة إلى مكانتها المقدسة . 
برز فن الأيقونات في بلدان كثيرة ، ولكل منها لونها الخاص كالأيقونة البيزنطية والروسية والأنطاكية والقبطية والحبشية والكريتية . صارت الأيقونة إشعاع منير في عرف اللاهوتييت ، إشعاع في جوهرها وكنز في معناها . ولا تزال تنثر كنوزها المفعمة بالبهاء والرقة موفرة لمشاهديها لحظات أثيرية من اللإنخطاف إلى ما تؤثر إليهِ الأيقونة . والأيقونة أداة صلاة وتضرع ووسيلة تمجيد الخالق ، ومنها نلتمس قوة روحية أثناء الصلاة والتضرع ، نال الكثرين الشفاء بواسطتها ، وفي الأيقونة شرح وتأمل ، فكل شرح لواحدة من الأيقونات يؤكد أن أسلوب رسمها حي ومقدس وذو طابع تأملي ووجداني . فعالم الأيقونات هو عالم الذهول الروحي في صلوات بارّة . الأيقونة هي نافذة نحو عالم آخر غير مرئي ، ووسيلة مساعدة للتعمق في عالم الخلود . 

58

التجلي ... تجليات الله وظهور مجده في العهدين
بقلم / وردا إسحاق قلّو
التجلي هو الكشف عن الحقيقة ، فعندما نقول ( جلى النور الظلام ) يعني كشفه وأظهر ما في داخله . كذلك عندما تجلى يسوع على جبل التجلي أضاء وجهه كالشمس وتلألأت ثيابه كالنور . والنور كشف حقيقته وجمال وجهه الفائق الجمال فإلتمسوا التلاميذ بهاء آلوهيته وآمنوا بأنه كإله متجسد . وظهور الغمام يرمز إلى حضور الله الذي أكد للتلاميذ الثلاثة بأن المتجلي أمامهم هو أبن الله الحبيب الممجد ، ومجد الله ظهر في العهد القديم لموسى وإيليا اللذان ظهرا مع يسوع على الجبل ، إنهما يمثلان عهد الناموس والأنبياء ، ومع المسيح إجتمعت كل العهود لتكتمل رسالة السماء في المسيح الموعود .
    تجلى الله في عليقة لموسى النبي ، ومن داخل العليقة المشتعلة تكلم الله مع موسى . وبعد خروج شعب الله المختار من مصر بيد قوية ، ترك موسى شعبه مع أخيه هارون ليصعد إلى الجبل ، وشيوخ الشعب جالسون على السفح ينتظرون برعدة عودة نبيهم . فعندما صار موسى على الجبل ، فجأة غمرت الغمامة الجبل ، ومجد الرب إستقرعليه مدة ستة أيام ، وفي اليوم السابع نادى الرب موسى من وسط الغمام ، وكان منظر مجدهِ كنار آكلة ! لأن إلهنا نار آكلة ، فإقترب موسى ودخل في الغمام وظل فيها أربعين يوماً وأربعين ليلة ( خر 24: 12-18 ) . تجرأ موسى وطلب من الرب أن يظهر له مجده ، والله كشف له عن إسمه ، قال ( أنا هو الكائن ... أنا هو ) لكن عن إكتشاف وجهه قال لموسى ( لا تستطيع أن ترى وجهي ، لأنه لا يراني إنسان ويعيش ... وأما وجهي فلا يرى ) فإنحنى موسى وسجد أمام حضرته . كما كان الغمام يسير أمام موسى وشعبهِ في الصحراء ( خر 24: 15و9:33) .
  مرت قرون والشعب يذكر موسى الذي أنقذهم من عبودية مصر ، إلى أن برز نبي عظيم آخر في القرن التاسع ق.م في مملكة إسرائيل الشمالية وهو إيليا الذي إنتفض غاضباً ومدافعاً عن إلههِ الحي فوبخ العظماء وملوك إسرائيل بسبب عبادتهم للبعل ، وزواجهم من الفينيقيات ، وبعدها تحدى ألهتهم وقتل كهنتهم وهرب إلى الصحراء خوفاً من إنتقام الملكة إيزابيل التي أرادت قتلهِ . إضطجع من التعب تحت الشجرة ، وإذا بملاك الرب يتجلى أمامه وقدم له الخبز والماء وأمره بأن يتابع مسيرته ، فسار أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى وصل إلى جبل حوريب ، وعلى هذا الجبل إلتقى موسى أيضاً الرب لأول مرة . أستدعى الرب إيليا ليريه مجده ، فدخل إيليا في مغارة وبات فيها ... ثم أمره الرب قائلاً ( إخرج وقف على الجبل ، فهبت ريح عظيمة وشديدة تصدع الجبال وتحطم الصخور ، ولم يكن الرب في الريح ! وبعد الريح زلزال ولم يكن الرب فيه . وبعد الزلزال نار ولم يكن الرب في النار . وبعد النار صوت نسيم لطيف وكان الرب في النسيم ، فستر إيليا وجهه برداءهِ لأنه كان في حضرةِ الله ) .
ماذا يعني مجد الرب ؟
لملوك وعظماء الأرض مجدهم الزائل والذي يوحي إلى أهميتهم ووجوب إحترامهم من قبل الشعب ليعطى لهم قيمة تليق بمكانتهم . والإنسان خلقه الله ليتسلط على الكون ويملكه ، فكلله الله بالمجد والكرامةِ قبل السقوط .
   المجد يرمز إلى الطهارة والنقاوة ، فمجد الله عند موسى كان ناراً متميزة عن الغمام التي كانت تصطحبه وتحيط بهِ وتشير إلى حضرةِ الله . وعند إيليا كان كنسيم عليل يشير إلى الصداقةِ الودودة بين الله ومحبيه . فنور الله يشرق على وجوه من يقابلهم ، كما حصل لموسى ، فكان يغطي وجهه لكي يستطيع الشعب أن ينظرو من وجهه بعد مقابلته لله . وهكذا نطالع في أسفار العهد القديم عن مجد الله الذي نزل وإستقر في هيكل سليمان عند إفتتاحهِ . كما تراءى مجد الله لحزقيال النبي ، منطلقاً من الهيكل على أجنحة الشاروبيم ، على أن يعود في هيكل جديد ( طالع حز 43 ) . أجل لقد رأى حزقيال مجد الرب عائداً إلى شعبه بعد السبي بصورة إبن البشر . وإبن البشر هو المسيح الذي أظهر مجده على جبل الشيخ الذي يقال بأنه جبل طابور . فعلى الجبل ظهر ثالوث الله ، كما ظهر ثالوث أنبياء العهد القديم وخاتم كل النبوءات ، الرب يسوع ومع وجود ثالوث الرسل المختارين . أراد بطرس أن يصنع ثلاث مظال ، والرقم (3) يرمز الكمال . وبينما كان يسوع يصلي تجلى أمام الرسل ، فتغير منظر وجهه وأخذ يبرق كالشمس وصار لباسه أبيض لامعاً كالثلج . وتراءى لهم موسى وإيليا في مجد ، وكانا يتكلمان مع يسوع في موضوع آلامهِ وموتهِ . النوم أخذ التلاميذ في رقادٍ بسبب قوة فاعلية المنظر السماوي الذي وعدهم الرب به قبل ثمانية أيام ليروه قبل مماتهم ( طالع مر 9:1 ) .
 ألقى التلاميذ بأنفسهم على الأرض لأنهم لم يحتملوا مشاهدة صورة المسيح الإلهية التي لا يطاق النظر إليها . كذلك أرعبهم صوت الآب الصادر من الغمام يأمرهم بقوله ( له اسمعوا ).
كان منظراً سماوياً مرعباً لأهل الأرض . على ذلك الجبل العالي إلتقت السماء مع الأرض في منظر مخيف فأستبد الخوف في قلوب التلاميذ وهم مرتمون على وجوههم . البياض الناصع الذي كان يحيط بالمسيح كان يوحي بنار الله الأزلية لفرط بهائه ، أبهر عيونهم لأن ثلاثة شعاعات إنطلقت من ثياب المسيح وكل منها إنصب بقوة في أحد التلاميذ ، وهذا ثالوث آخر في مشروع الله وخطتهِ على جبل التجلي . شاهدوا يوسف رمز الفصح والعبور . وإيليا رمز الإنبعاث الذي أختطف وسط زوبعةٍ في مركبةٍ نارية تاركاً روحه وردائهِ لتلميذه إيليشع ، وكان يرمز إلى المسيح الذي صعد إلى السماء عندما أخذه الغمام على مرأى تلاميذه . تاركاً لهم روحه القدوس الذي ارسله لهم في يوم العنصرة . ومجد يسوع لم يكتمل في يوم التجلي ، بل إكتمل على الصليب ، وفي يوم قيامته . كما تجلى لرسله بعد القيامة لمدة اربعون يوماً .
  في الختام نقول : أن المسيح في تجليه على الجبل أظهر لاهوتهِ ، وأثبت لنا جوهرهِ الحقيقي ، وإختار طوعاً أن يتخلى من مجدهِ الأزلي ليتجسد ويتخذ صورة عبد ، وفي التجلي نعلم بأن جوهر الله لا يدنى منه ، الله نور ، كما يقول عنه سمعان اللاهوتي ( من يؤهلهم الله ليروه يتأملونه كنور ) ولكن هذا النور الأزلي لا يستطيع أحد أن يدنو منه مطلقاً ، وأما تجلياته ومظاهره في العالم فيستطيع المرء أن يراها ويتحد بها بواسطة الأسرار . فالله يخرج إلى الإنسان بواسطة طاقاته ، وهو فيها بالكليّة . هي ليست قسماً منه ، إنما هي الله في إعلاناته وإنكشافاته . الله يفوق تصوراتنا الذهنية فالله الآب هو أب المجد ( أف 17:1 ) والإبن هو ضياء مجدهِ وصورة جوهره ( عب 3:1 ) والروح القدس هو كرامة الله ومجده وقوته ( 1 بط 14:4 ) .
ليخرق نور تجلي الرب قلوبنا وعقولنا ليفتح بصيرتنا وأذهاننا لنصغي دائماً إلى صوته ونعمل بوصاياه .
ليتمجد أسمه القدوس .
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



59

لاهوت الزواج والتبتل
بقلم / وردا إسحاق قلّو
   قال بولس الرسول ( .. من زوج فتاته فعل حسناً  ، ومن إمتنع عن ذلك فعل أحسن ) " 1 قور 38:7"
    الزواج سر من أسرار الكنيسة السبعة المقدسة . برز هدف الزواج بين ذكر وإنثى بعد سقوط الأبوين ، لأنهما قبل السقوط كانا يعيشا بالنعمة والقداسة مع الله بعيديدين عن شهوات الجسد . لهذا شدّدَ آلاف الآباء للعيش كتلك الحياة وللعودة إلى ذلك الفردوس ، وذلك بتسليم الذات إلى الخالق والعيش معه وله في حياة البتولية رجالاً ونساءً ، والإستفادة من مزايا الحياة الرهبانية وفضائلها التي تقربهم من الخالق كما كان الإنسان قبل السقوط . فكل الآباء الغربيون في الكنيسة الكاثوليكية أظهروا ميولهم الشديد إلى البتولية لكي يبقى كل الأكليروس متبتلاً منذوراً للمسيح الذي عاش البتولية .
أما الآباء الشرقيين من الكنيسة الأرثوذكسية فيرون ذلك مخالفاً لتعليم الكتاب لأن الهدف من الزواج سيؤدي أيضاً إلى الكمال الروحي ، لأن الزواج لا يشكل حجة أو عقبة في مسيرة الإيمان ، أو يقلل الجهاد في العمل الروحي . كما أن الزواج لا يشكل عائق في طريق القداسة المسيحية . فموسى النبي كان متزوجاً بينما إيليا كان بتولاً ، وكانت حياة الأثنين مقبولة عند الله وظهرالإثنان في المجد مع يسوع على جبل التجلي .
   الله بعد أن خلق آدم ، قال ( ليس جيداً أن يكون آدم وحدهُ ، فأصنع له معيناً بأزائه ) " تك 18:2 " . والمسيح بارك سر الزواج في عرس قانا الجليل ، وينتهي برؤيا " عرس الحمل " ( طالع رؤ 9:19 ) .
    الزواج بلا شك حسن ، وهو من حكمة الله لكي يتكاثر الإنسان ويملأ الأرض وخاصةً بعد السقوط بات الزواج ضرورياً ، أما قبل السقوط فكانت المحبة الطاهرة بين آدم وحواء تغلب على موضوع الشهوة . وكان العيش المشترك بتوافق مع القريب ، لكن بعد الفشل أنحدر الإنسان إلى الأنانية الفردية ، فإنطوى حبه للآخر إلى حب الذات والشهوات الجسدية فتمزقت روابط الوحدة وتضعضعت أوامر المحبة الصادقة .
   أدخل الله الشهوة الجنسية في الإنسان لتصبح دعوة أساسية وفطرية في كل إنسان وذلك لأجل المحافظة على إستمرار وجود البشرية ، أي لأجل الخصب . لأن الإنسان ما بعد الخطيئة لا بد أن يموت ، لأن إجرة الخطيئة هي الموت . فبالزواج أعاد روابط الوحدة ليشكل من الأثنين جسداً واحداً ، وعائلة واحدة متوحدة ومُحِبة ، كما كانا في الفردوس بحسب الآية ( وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ) : تك 22:3 " هنا لم يقول آدم وحواء ، إنما جمعهما بكلمة ( إنسان ) ليصبحا واحد . وهذه الوحدة أعادها سر الزواج ليجعل مرة أخرى من الأثنين واحد ، فعلى الرجل أن يحب إمرأته كمحبة المسيح لكنيسته .
   الشهوة الجنسية حسنة كدواء هادف وشافِ يؤول إلى رباط مشترك للمحبة ، والذي يقود الإثنان في طريق النضوج والكمال الروحي ، فالمحبة في سر الزواج تأتي من الطهارة ، عكس الزنى التي تبرز نتيجة نقص المحبة وبروز الأنانية .
    للزواج إيجابياته ، فهو يحفظ الإنسان في حياة التعفف والتعقل والقداسة  فيتجنب الشهوة الرديئة وحتى في النظر . يصوم الإنسان من ممارسة الجنس مع شريكه لفترة زمنية لأجل التفرغ إلى الصلاة ، ثم يعود كالسابق لكي لا يجربه الشيطان  ( طالع 1 قور 5:7 ) .
   مستقبل الإنسان ليس على هذه الأرض ، بل في السماء ، فعليه أن يعمل ما للروح أولاً ، فعدم الزواج أيضاً مطلوب من الكثيرين لكي يتفرغوا للعمل الروحي أكثر من العمل لصالح الجسد ، بل يترك الإنسان كل شىء ليهاجر العالم وينذر نفسه لحياة البتولية ، وهذا أفضل من الزواج بحسب رأي الرسول بولس .
 الزواج يحافظ الإنسان من خطيئة الزنى ، أما إذا زنى الرجل المتزوج أو زنت إمرأة متزوجة ، فعقوبة زنى المتزوجين تدان أكثر بكثير من زنى غير المتزوج . وتدعى هذه الخطيئة ب ( الفجور ) لأن هذا الأمر لا يشكل فقط تدنيساً للجسد ، وإنما إستغلالاً لجسد لا يملكه ، وإنما هو ملك للآخر الذي يسكنه وهو روح الله الساكن فيهِ ، كما أن جسده هو حق الذي أرتبط معه في الزواج . فزنى المتزوج يتحول إلى سرقة وإقتناص وإختلاس ، فالفجور هو أبشع من الزنى لأنه يلغي العفة ويقتل المحبة والحب ، وينكر سر الزواج المقدس ، وحقوق الجانب الآخر منه ، بل يتعدى على رباط الله الذي جعل الآثنين واحد .
البتولية لأجل الملكوت أفضل من الزواج . فعند بدء المسيحية برز رجال ونساء متبتلين كالرسول يوحنا وبولس وغيرهما ، أختاروا البتولية على الزواج لأنهم أقتدوا بسيدهم في كل شىء ولم يهتموا إلا ما هو للرب فنذروا أنفسهم كالعذراى الحكيمات ينتظرن قدوم العريس . والمسيح نفسه دعا بعضاً لأتباعه ليعيشوا على مثاله ( مت 12:19 ) فالبتولية تسمو العلاقة بين الإنسان والمسيح . علماً بأن سر الزواج والبتولية لأجل ملكوت الله كلاهما من الرب نفسه يصدران ، فهو الذي يؤتيهما قيمة ويجدد عليهما بالنعمة التي لا بد منها لممارستهما طبقاً لإرادتهِ . إحترام البتولية لأجل الملكوت ، والزواج في مفهوم المسيحي صوان لا يفترقان ، بل يتكاملان .
   التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


60
المسيح الإله علمنا كيف نتأله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( أنا قلت : إنكم آلهة ، وجميعكم بنو العَليِّ )
" مز 6:82 "
إبن الله تأنس لكي يعطي الفرصة للمؤمنين به أن يتألهوا وبحسب تعاليمه .
 الخطوة الأولى للتأله هي الإيمان بالمسيح بأنه الإله المتجسد في عالم الإنسان . ومن الإنسان أخذ له جسداً بشرياً .
الخطوة الثانية هي الأقتداء به وبحسب كلمته ( تعلموا مني ، فإني وديع ومتواضع القلب ) " مت 29:11 " . الإنسان الوديع هو الذي يعيش في صبر ، ويتحمل أخطاء الآخرين ، ولا يعطي مجالاً للغضب ، لأن الغضب يسر به عدو الخير ، فعلى الإنسان أن لا يغضب إلا من الأعمال الخاطئة ، كما غضب يسوع في الهيكل . فعلى من يقتدي بالمسيح أن يتخلى من إرادته الذاتية ليعمل بحسب إرادة ومشيئة الله ، ويقول كما قال المسيح للآب ( لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك ) وهكذا يسلم الإنسان حياته لإرادة الله لكي لا تكون له قرارات قد تكون ضد الله .
وبالإضافة إلى الوداعة نحتاج نحن المؤمنين إلى التواضع ، وعلى قاعدة التواضع نبني إيماننا وحياتنا ومسيرتنا نحو الله . فيسوع الإله أفرغ ذاته ، وأخذ صورة عبد ، ولم يطلب يوماً شيئاً لنفسه ، بل عاش كالفقراء منذ ولادته في مذود الحيوانات ، كما لم تكن له إمتيازات لكي تجعله أفضل من البشر ، بل كان مضطهداً منذ طفولته وحتى يوم صلبهِ .
عمل يسوع في تطبيق مشيئة أبيهِ الذي أرسله كحمل وديع يعدُ للذبحِ من أجل إعادة المصالحة بين الله والإنسان وبحسب عدل الله .
حياة الفقر تخفف من ثقل أحمال هذا العالم ، لهذا قال الرسول ( إذا كانت لنا كسوة وقوت ، فلنكتفِ بهما ) " 1 تيمو 8:6 " أي يحث المؤمنين إلى حياة التجرد وعيش الفقر لكي يكونوا بعيدين عن الغنى ، لكي لا يكنزوا كنوزاً على هذه الأرض ، بل في السماء .
 ليتضع الإنسان ويفرغ حياته ، ويتجنب من محاولة الحصول على حقوقه بقدر الإمكان ، لأننا ليس لنا حقوق في هذا العالم وخاصةً من يريد العيش حياة التواضع ونكران الذات . علينا أن يكون لنا الحق في التعبير ونقل الكلمة بشجاعة ، وبدون خوف ونحن في حالة الفقر وكما فعل يوحنا المعمدان وتحدى الملك الظالم دون أن يهاب من السجن والتهديد والموت ، بل صمِدَ بقول الحق إلى يوم إستشهاده . هكذا يجب على المؤمن أن يعيش الفقر ليموت عن أمور هذا الدهر ، ليولد للحياة الأبدية ، فيهيأ ذاته للدخول إلى باب الملكوت ، عندما يعمل بمشيئة الله ويتمم عمل الخالق ، وعلى هذا النحو ، كما ولد إبن الله بالجسد من مريم العذراء ، سيولد هو أيضاً في ملكوت السموات بقوة نعمة الله العظيمة . والله يريد الخلاص لكل البشر .
   المعنى الحقيقي لخلق الإنسان هو لدعوته للتأله . ولكي يشارك الله في حياته . ويا حبذا لو تذاع بين المؤمنين كلمة التأله ، وذلك لأن المسيح صار إنساناً إلهاً يرسل ألينا ضوءاً كاشفاً ينيرنا لنعرف من هو الإنسان ، ومن هو الله . والغاية من تأليه الإنسان هي أولاً ، لكي يتحرر من الخطيئة ، ليتحول إلى الإنسان الحقيقي الذي خلقه الله على صورته كمثاله . فكل ما يحول الإنسان عن الآلوهة هو لأنه خاطىء , وهذا هو الفرق بين المسيح المجرد من الخطيئة وبيننا نحن البشر . علينا أن نلبس المسيح لكي نتأله بهِ ، لهذا قال الرسول ( ومن إقترن بالرب فقد صار وإياه روحاً واحداً ) " 1 قور 17:6 " .
 مفهوم موضوع الله والإنسان في المسيحية ليس كباقي الأديان التي تكتفي بمجرد الإيمان بالله الموجود في السماء العالية ، بل هو الإيمان بالله الذي في السماء وفي الإنسان . فالله يُفَجِر بداخل المؤمن به ما هو كامن وقائم بالفعل ، وهذا لن يتم إلا من خلال الإيمان الذي يسيطر على طاقات موجودة في الإنسان ومعه الذي هو ( عمانوئيل ) فيقول كل منا ، بالله الذي معي أستطيع كل شىء في من يقويني . أي لا نستطيع بقدراتنا أن نبلغ ملء قامة المسيح إلا به فقط . فكل الناس قابلون للتأله ، لأن يكونوا حقيقة كالمسيح ، فيتحولوا إلى مسحاء آخرين . نحن المتحدين بجسد المسيح الواحد إبن الله ، فنحن أيضاً أبناء لله الواحد ، فعلينا أن نعيش هذا السر نفسهُ بنعمة روح المسيح الساكن فينا والذي جعلنا أبناء الله ، تقول الآية ( أن الذين ينقادون لروح الله يكونون أبناء الله حقاً . لم تتلقوا روح العبودية لتعودوا إلى الخوف ، بل روح تبنّ به ننادي "أبا " أبتِ . وهذا الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأننا أبناء الله . فإذا كنا أبناء الله فنحن ورثة . ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث ، لأن إذا شاركناه في آلامه ، نشاركهُ في مجده أيضاً ) " رو 8: 14- 18 " ومشاركتنا هي في مجانية الحب الإلهي ليكون لنا شركة معه فنعيش ونحيا حياة الشركة فيما بيننا . إننا جزء من الطبيعة الإلهية المملوءة بالأسرار . فبعين الله ننظر بسبب إيماننا ! ويد الله تبسط علينا ، هي رجاؤنا لنشارك الله بعظمته .
في الختام نقول : إذا كان الله قد أرسل إبنه مولوداً من إمرأة وكما ولدنا نحن فصار إنساناً لكي يعيش معنا ويعلمنا ، ومن ثم يؤلهنا في ذاته . ولد من العذراء لكي يأخذ على نفسه خطأ جِنسنا حتى نصير نحن جنساً مختاراً وشركاء في الطبيعة الإلهية ( طالع 2 بط 9:1 ) فالله الآب بواسطة إبنهِ المتأنس يؤله ويضيء الجميع جميع البشر . ولكن ليس بحسب الطبيعة نكون أبناء الله ، بل بسبب الإبن الوحيد الذي يكون فينا ، وكذلك أيضاً الآب لا يكون أباً لنا بحسب الطبيعة ، بل لأنه أب للكلمة الذي يكون فينا ، والذي به وفيهِ نصرِح ونقول : يا أبا الآب . وهكذا الآب لا يدعو أبناء له إلا الذين يرى فيهم إبنهِ الوحيد الذي ليس جسداً مخلوقاً مكملاً ، حتى فيه نصير قادرين أن نتجدد ونتأله .
   التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



61

التربية الأسرية بين المسيحية والعلمانية

بقلم / وردا إسحاق قلّو

(لا تضلّوا فإن الله لا يسخر منه ، وإنما يحصد الإنسان ما يزرع )
" غل 7:6 "

  الزواج الناجح أساسه الحب المشترك والصادق ، وكذلك الشراكة في العيش تحت سقف واحد . وسر بقاء الحب هو الشراكة والتضحية من أجل الآخر ، وإحترام الآراء ، كل هذا يحمل في طياته إلتزامات متعددة . الزواج في المسيحية سّر عظيم يؤسس على صورة الإتحاد الروحي بين المسيح وعروسته الكنيسة المقدسة ، وإن خرج الزواج من هذا المفهوم فيدخل في إطار الوثنية وذلك لأن أعظم ما في ناموس الإنسان هو الأمانة للعهد الزوجي القائم على أسس الحب المتبادل والرضى الشخصي والإخلاص للشريك حتى الموت . على الأزواج المسيحيين أن لا يسيروا على هواهم ، بل أن يخضعوا للسلطة الضمير وتعاليم الشريعة الإلهية ولسلطة الكنيسة التي تفسر لهم الحياة الأسرية وفق ضوء الإنجيل تفسيراً دقيقاً . كما أن الأسرة الجديدة يجب أن لا تعيش لأنانيتها ، بل عليها أن تثمر ثماراً جيدة ليقدموا للمجتمع ولكنيسة الله بنين وبنات فيتحول البيت الذي يحتضنهم إلى مدرسة وكنيسة صغيرة . أبنائهم يكسبون ثروة إنسانية من الأخلاق والعلم وتربية بيتية نقية من الوالدين ، كما يتعلمون منهم المحبة والصبر والسخاء في العطاء والصفح للآخر والإيمان القويم ، خاصةً مخافة الله والعبادة والأخلاق الرفيعة . وبعد الأسرة تأتي الكنيسة التي تكمل عمل الوالدين في التربية . 

  أما الآباء الذين يهملون تربية وتنشئة أبنائهم متكلين على تربية المدرسة ، أو من الوسائل الإجتماعية والأجهزة الحديثة في تربطهم معها علاقة وثيقة إلى حد الإدمان ، فتلك الوسائل ستعزلهم حتى من الوالدين لتصبح لهم إستقلالية تامة بعيدين كل البعد من الأسرة والكنيسة والمجتمع فينمون في تربية شاذة غير مقبولة حتى من قبل الوالدين داخل البيت . وسرعان ما يختارون العزلة في الغرف المظلمة بعيدين لكي يستقلوا عن الأسرة ولكي يبحثوا على هواهم عن إمبراطورية حديثة عصرية تدفعهم للعيش في حياة خاصة  مخيفة ومرعبة من الإستقلالية الهدامة بداعي الحرية الشخصية والعصرنة بعيدين عن تحمل المسؤلية والأخلاق الحميدة والإحترام حتى للوالدين . وهذا ما تنبأ به الكتاب المقدس في سفر الحكمة . قال ( هكذا فكروا ، ولكنهم ضلّوا ، لأن شرهم أعمالهم ) " حك 21:2 " . وهذه الآية تضع الأصبع على جرح ما يعانيه مجتمعنا من إنحلال أخلاقي وتربوي ، وفساد يبدأ من العائلة وينتهي في أكثر فصائل المجتمع . بل بعض العوائل باتت مدرسة يتعلم فيها الأبناء دروساً خاصة في الإنحلال والفساد والتفكك الأسري الذي يقضي على أواصر الوحدة والتماسك بين أفراد العائلة والمجتمع .  والكثير من الآباء لا يكترثون لإنشغالهم في أعمالهم وحياتهم دون أن يخصصوا وقتاً كافياً لتربية أولادهم ومتابعة سيرتهم الذي هو من المواضيع المهمة والحساسة ، بل مسؤلية كبيرة ومباشرة يجب أن يتحملوها بكل جد

   التربية الأسرية هي مسيرة زرع وحصاد . فما يزرعون الآباء لأولادهم أياه يحصدون . ومسيرة الزرع تبدأ منذ نعومة أظفار الأطفال ، يبذرون في عقولهم بذار الفضائل الإنسانية كالتضحية وبذل الذات وإحترام القوانين والوصايا . وتعليمهم الفضائل الإلهية ( الإيمان والرجاء والمحبة ) إلى جانب التركيز على الإنتماء الروحي . في الأخير تنتهي المسيرة بحصاد الثمار . فالأهل سيحصدون ما زرعوه في قلوب ونفوس أبنائهم . وهذا يشبه البذرةالصغيرة التي زرعها الزارع في الأرض الطيبة وأعتنى بها ورواها بالماء ، وحفر حولها ، وسيَّجَها لكي يحفظها من أيدي الناهبين ، ولكي لا يدخل إليها إنسان غريب ويزرع فيها زوانه ، فعندما تكبر وتصبح شجرة ناضجة سيقطف منها ثمراً يانعاً . وهذا الثمر هو الفضائل التي تُزَيّن سلوك وسيرة الأبناء. .

   الأبتعاد عن تعليم الكتاب المقدس يؤدي إلى تدمير المؤسسة الزوجية القائمة في أساسها على الأمانة والإخلاص لتنشئة عائلة ملتزمة أمام الله والمجتمع . فعلى المجتمعات العلمانية وخاصةً في الغرب أن تعود إلى تراثها وتاريخها وإيمانها العريق لتخطي الصعوبات العائلية والعودة إلى إنجاب الأطفال وتكوين العائلة ، ومحاربة وباء الطلاق والإجهاض وزواج المثليين ، بل وصل الإنحطاط في المجتمع الغربي إلى محبة الحيوانات الإليفة كالكلاب والقطط على محبتهم لتربية الأطفال ، وقد نقد البابا فرنسيس هذه المحبة الزائفة التي تقضي على الأسرة التي هي نواة المجتمع . لمثل هؤلاء المنحرفين سيقول لهم المسيح الديان : 
( أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ) " مت 41:25" 

 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 " 

 


62

جوهر الشريعة وكمالها هي المحبة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
    قال يسوع لتلاميذه ( وصية جديدة انا أعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضاً ... ) " يو 34:13"
تجسد الرب يسوع في هذا العالم وحل فينا . جاء لا لينقض الشريعة والناموس ألتي أعلنها للبشر في العهد القديم . كما لم يأتي بنظاماً أخلاقياً جديداً لتعديل سلوك الإنسان ، لأنه لم يؤسس علم اللاهوت الأدبي لكي يعلِّم الأخلاق ، بل كل ما أتى به هو تبسيط تلك القوانين المُسّنة للبشر . فقد أوجز بسلاسة فائقة جميع الوصايا بالوصية المزدوجة ( محبة الله ، ومحبة القريب ) في " لو 27:10 "  أي ( المحبة ) لله والبشر . فيجب أن لا نفهم المحبة كعاطفة أو شعور ذاتي ، أو ردّ فعل حسّي ، بل نأخذه كموقف ونشاط تمليهما الإرادة التي تتجه نحو خير القريب ، وخير العدو . فالمحبة في نظر الرب يسوع تفرض قوانينها على جميع المواقف ، إنها شاملة ، فلا تنحصر أدوارها لبعض الأعمال فقط لأنها المحك الحاسم في كل فعل .
   بالمحبة نكتسب كل الوصايا ونمارسها كما ينبغي ولكي ينتهي العمل لمصلحتنا . فالمحبة تفرض على الإنسان ضميراً جديداً مسؤولاً يعرف كيف يستفيد من جميع إمكانيات الإعلام والتبادل . فوصية المحبة هي المحرك الأساسي لكل الفضائل ، ولكل مبدأ ، أو لكل مسلك إنساني نافع . الشريعة بقوانينها العشرة مشتقة من المحبة ، وليس العكس . إذاً المطلوب من الإنسان هو السيّر لا بحسب حرفية الشريعة ، بل بحسب روح الشريعة ، والمحبة هي التي تمكن من التغلب على النِزاعات حول الواجبات ، تلك النِزاعات التي تظهر حتماً إذا أُخذت الوصايا الخاصة حرفياً . وهكذا فالإنسان لا يسلك بحسب وصية أو تحريم خاص ، بينما يؤخذ بحسب ما يفرضه ويأذن به الواقع نفسه ، فكل مقياسٍ ، وكل وصيةٍ ، وكل تحريمٍ يستمد قوته الذاتية من محبة القريب الذي يرى أولاً ، ومن ثم محبة الله الذي لا يرى .
  فالمحبة الحقيقية في ضوء يسوع المسيح هي ذلك العطف الفَعال على الآخرين والتي تدفع الفاعل إلى القيام بالعمل الإيجابي النافع للمجتمع ، والنابع من قلبٍ مُحِب . وهذا ما قاله القديس مار بولس الرسول ( فالمحبة لا تعمل سوءً للقريب . وهكذا تكون المحبة إتماماً للشريعة كلها ) " رو 10:13 " . وحين يكتب العكس ، قال الرسول ( لو كنت عالماً بجميع الأسرار ، ولي الإيمان الكامل ، وقدمت جسدي ليحرق ، ولم تكن فيّ المحبة ، فما يجديني ذلك نفعاً ) " 1 قور 2:13 " . فالذي يعمل بالمحبة ، يطبق شريعة الله كلها ، لأن معنى شريعة الله هو المحبة .
ختاماً نقول : أن المسيح الذي رسم لنا الطريق لكي نسلكه ، ففي ضوئه نفهم لماذا على الإنسان ألا يبغض أخاه ، بل أن يحبه كنفسه . فلا يجوز أن يتسلط على الآخرين ، لأن صاحب السلطان يجب أن يكون لرعيته خادماً . فالمؤمن بكلام الإنجيل لا يبحث عن المناصب ولا عن الملذات ، بل عليه أن يقبل حياة الزهد والتواضع لكي يتجنب الجشع والأنانية وحب الذات . فمن خلال المحبة يتطابق المقياس الأعلى على مشيئة الله الذي يريد خير الإنسان في هذا العالم وفي الآخرة .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1



63

عقوبة الله العادل في رحمته والرحيم في عدله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( الله الرحيم الرؤوف وطويل الأناة صارم في عدله )
   من المعروف أن الكمال المطلق ، والقداسة المطلقة تخص لخالق الكون وحده ، اما الإنسان المخلوق فكماله نسبي ، وقداسته نسبية ومحدودة . القداسة هي المرحلة الأولى لرؤية الله وميراث ملكوته كما قال الرسول بولس ( سالموا جميع الناس وعيشوا حياة القداسة التي بغيرها لن يرى أحد الرب ) " عب 14:12 " . وهنا لا يعني الرسول بالقداسة عمل المعجزات الخارقة ، بل العيش في حياة التوبة والنقاوة المسيحية . أما طريق بلوغ الكمال النسبي فخطوته الأولى تبدأ بالتحرر من سلطان الخطيئة بالجهاد الحسن المستمر ، وبالتوبة والإعتراف بالتواضع وبمخافة الله وبالصلاة والصوم والوداعة وممارسة الفضائل المعروفة . 
   الرب يسوع دعانا في موعظته على الجبل لكي نبتعد من الخطيئة لنعيش في القداسة لنتقدم نحو الكمال ، لأنه يريدنا أن نكون كاملين كما هو والآب كاملين ، لهذا قال ( فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل ) " مت 48:5 " وطريق الكمال طويل يشمل العمر كله للعمل المتواصل في الجهاد المستمر ضد الخطيئة ، وهذا الطريق شائك ومزروع بتجارب كثيرة ومختلفة الأنواع ويحتاج إلى دعم نطلبه من الله كل يوم لكي يعطينا النعم والفضائل ، أي لا يجوز الإتكال على قدراتنا الذاتية مهما بلغنا في الحكمة والعلم والإيمان . 
    أول من أسقطته الخطيئة هو الملاك " لوسيفير "الذي يسميه الكتاب بزهرة إبن الصبح و الذي كان قاهر الأمم ، وكان يمتلك قبل سقوطه أعظم أمتياز بين الملائكة ، كما كان ملآناً من الحكمة ... وكامل الجمال . "  طالع حز 28 : 11-15 " كان السبب الأول الذي دفعه إلى التمرد وعمل الخطيئة والموت الأبدي هو كبريائه وحب الذات والسيطرة والعلو . فدخل في المرحلة الأولى من مراحل السقوط ، وهي عمل الخطيئة التي أسقطت كاروباً كبيراً من بين صفوف الملائكة القديسين . إذاً على المؤمن مهما بلغ من التقدم في الفضيلة والقداسة عليه أن يعمل وكأنه في بداية الطريق فليحترس من تجارب عدو الخير لكي لا يسقط في الخطيئة ، لأن الخطيئة إذا كملت تنتج موتاً ( يع 15:1 ) . فعلينا أن نعرف بأن الخطيئة بحد ذاتها هي موت أدبي وروحي . وهذا ما نجده في أنجيل لوقا ( لأن أبني هذا كان ميتاً فعاش  ، وكان ضالاً فوجد ... ) " لو 15: 24 "  وذلك لأن الخاطىء وأن كان حياً في الجسد فهو مَيّت ، لهذا قصد الرب للذين يدفنون والد التلميذ الذي أراد أن يتبع المسيح  ( أتبعني .ودع الموتى يدفنون موتاهم ) " مت 8: 21-22" .
    عندما أخطأ ملاك كنيسة ساردس ، قال عنه الله على فم عبده يوحنا الرائي ( أنا عارف أعمالك إن لك إسماً إنك حي وأنت مَيّت ) " رؤ 1:3 " فالخطيئة هي الموت ، وكما يوضح لنا هذا الأمر مار بولس بقوله عن الخطاة ، قال ( كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا ) " أف 1:2" . وهكذا نصل إلى الفكرة فنعترف برأي الكتاب القائا ( أن إجرة الخطيئة هي الموت ) ، وبالموت نفقد صورة الله فينا ، والذي خلقنا على صورته كمثاله . الإنسان الذي فقد تلك الصورة الإلهية ، كان قبل الخطيئة قدوساً لأنه خلق من نفخة قدسية خرجت من فم الله القدوس . أما بعد إرتكاب الخطيئة ، فقال الله للإنسان ( أنت تراب وإلى التراب تعود ) نزع منه مجد الآلوهية ففقد مجد البشرية الذي كان يمتلكها . نتأمل بالجلالة التي كان يمتلكا الملك البابلي نبوخذنصر ، لكن بسبب كبريائه نُزِعَ عنه جلاله لكي يصير كأحد الحيوانات ( دا 5: 20-21 ) وشمشون الجبار فقد بصره ومركزه . والإبن الضال فقد كرامته بسبب الخطيئة وإبتعاده من دائرة بيت أبيه . ولهذا شعر بالخوف والقلق والضعف فتاب . 
لم نقرأ شيئاً عن آدم قبل السقوط بأنه كان يهاب الله ، بل كان صديقاً له . أما بعد إقتراف الخطيئة إعترف بخوفه من الله ، فقال له ( سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فأختبأت ) " تك 17:3 " وبهذا نتذكر الآية ( مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي ) " عب 31:10 " . كل هذا يظهر للإنسان الخاطىء فيعرف عقوبة الله العادل فيفقد السلام والإستقرار ليعيش في عذاب الضمير والخزي والهوان . أجل ، يجب أن تكون للخطيئة عقاب لأن الله عادل ، وكذلك هو رحيم وشفوق وطويل الأناة ، ويغفر للتائب خطيئته ولم يذكرها رغم كونه يكره عمل الخطيئة لكونه قدوس ومحب ، لهذا يدعو الخطاة إلى التوبة والقداسة والكمال . 
علينا أن لا نعتمد فقط على رحمة الله وننسى عدله ، بل أن نفهم ونعترف بأن الله عادل في رحمته ، وهذا الفهم يقودنا إلى التوبة والإعتراف لأن الله الرحيم هو صارم في عدله ، فهوذا لطف الله . أما صرامته فعلى الذين سقطوا ، وأما اللطف فهو لمن يثبت في اللطف وإلا فأنه أيضاً سيسقط ( رؤ 22:11 ) إذاً الله عادل في رحمته ، ورحيم في عدله ، فلا يمكن أن تنفصل رحمته عن عدله . وقد تتجلى الرحمة والعدل في وقت واحد كما في قصة الطوفان الذي حفظ نوحاً . وحرق سدوم وعمورة وأنقذ لوط البار . هكذا أنقذت رحمة الله الأتقياء وبالعدل عاقب الأثمة وحفظهم إلى يوم الدين .       
    عقوبة الله ليست للخطاةِ فحسب ، بل حتى للكاملين لأنهم لم يحتفظوا بكمالهم كما ينبغي . لهذا يقول الكتاب ( لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكةٍ قد أخطأوا ، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم ) " 2بط 4:2" وفي سفر حزقيال يّوَضِح كمالهم ، فيقول ( أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال . أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم ) " 28: 11-15 " والسبب لأنه إختار الخطيئة فأنزلته إلى أعماق الهاوية  ( لكنك إنحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب ) " أش 14: 12-15 " . الله لا يرحم العصاة على وصاياه . واللعنة دخلت إلى العالم بسبب الخطيئة ، فعندما أخطأ آدم ، قال الرب ( ملعونة الأرض بسببك ) " تك 17:3" . 
  للخطيئة عقوبتان : أرضية وأبدية . الأرضية ، أما أن تكون ضربة من الله ، كما ضرب حيحزي  تلميذ إليشع النبي بالبرصِ عقاباً لخطيئته نتيجة حبه للمال . وكذلك فعل الله مع مريم أخت موسى . والضربات العشرة على مصر بسبب قساوة قلب فرعون . ووباء على بني إسرائيل بسبب خطيئة داود فمات منهم سبعون ألف رجل في يوم واحد ( 2 صم 15:24 ) . 
   أما العقوبة الأبدية فللإنسان الفرصة أن يتجنب منها بالتوبة . فالمرأة الزانية التي ضبطت في ذات الفعل ، فهي التي تابت فبللت قدمي الرب بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ، فغفر المسيح لها العقوبة الأبدية . 
   الله يعاقب حتى الكاملين إن أخطأوا لأن عدله يجب أن يحكم على الجميع مهما كانت منزلتهم . فداود النبي والملك الذي وصفه الله بقوله ( وجدت داود بن يس رجلاً حسب قلبي ) لكن رغم ذلك غاقبه بسبب خطيئته . 
   حقاً مخيفةُ ومرعبة عقوبات الله العادلة . فكمال الله لا يتساهل مع الخطيئة ، بل يجازي كل واحد حسب أعماله مهما كان مركزه الأجتماعي والروحي عند الله . ويمكننا ان نفهم الدرس ونسير في طريق القداسة فنتوب عن الخطيئة ونقاومها بالنعمة التي نمتلكها فنسمو نحو القداسة والكمال فيكون لنا الخلاص . 
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


64

مدارس الفن الروسي للأيقونة وفنانها روبليف
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
صورة الفنان أندريه روبليف على طابع روسي

 إبتدأ الفن الصوفي في روسيا برسم الأيقونات التي تحمل جمالاً مؤقراً ورصيناً سماوياً . وكان للفن البيزنطي تأثيراً كبيراً في ولادة هذا الفن في مدن روسيا .
  رسم الأيقونة هو ناتج ذهني يُعَبّر عنهُ الفنان الموهوب لرسم صورة لشخصية تنوب عن صورته الشخصية الحقيقية المتوارية عن الأنظار لتندمج معها ، والصورة هي وسيلة  تتكون من مجموعة خطوط وألوان تقربنا من المقصود لأهداف إيمانية . وبعد إنتهاء الفنان من الرسم تُكَرّس وتقدس من قبل آباء الكنيسة وذلك برفع صلوات خاصة ومن ثم تعرض في المكان المناسب في الكنيسة أو الدير .
 إبتدأ رساموا مدرسة موسكو برسم الأيقونات الروسية أكثر من غيرها من مدن البلاد وتميّزَت بطابعها البيزنطي . فكيف بدأ هذا الفن في روسيا ؟
دعا أحد أساقفة موسكو معلمين يونانيين لتزيين كنيسته باللوحات الجدارية ، ففي سنة 1395 م وصل إلى موسكو الرسام الشهير ثيوفانوس اليوناني ، فظل يرسم ويتلمذ حتى وفاته . لكن رغم هذا التأثير ، إنفرد الفن الروسي عن سلفه البيزنطي إذ لطف شىء من تقشفه ، فإنفجرت ألوانهِ ، وسطعت ببريق خاص وألوان زاهية ، وأتخذ في ما بعد طابعاً وطنياً ، فبدأ الفنان الروسي برسم وجوه القديسين المحليين ويعطيهم المكانة الكبرى في مواضيعه ِ .
   برزوا فنانين عباقرة في مدرسة موسكو ، منهم الرسام أندريه روبليف ، ومعلّمَي ديونيزي ، وهما من أشهر معلمي الرسم في القرن الخامس عشر ، أبدع روبليف برسم لوحة الصعود وكأنه عاش الحدث كتابياً وطقسياً وروحياً حيث تعمق في معنى الموضوع فشق الألوان وتلاعب بدرجاتها ، وقاس المساحات والكُتَل ، أما الوجوه فرسمها برقة ملحوظة تشير إلى ذوق رفيع وإحساس مرهف . وتلك اللوحة هي من مقتنيات متحف ( تريتياكوف ) في موسكو رسمها الفنان عام 1408 أشتركت لوحة الصعود في معرض أيقونة ( الصعود ) في أثينا في عام 2016 ، وشارك الزعيمان فلاديمير بوتين ورئيس وزراء أثينا في إفتتاح المعرض ، فقال رئيس الورزاء اليوناني ، أن بلاده تفتخر بإستضافة هذه الأيقونة وتعتبر ذلك شرفاً كبيراً .

ولد أندريه روبليف بين عام 1360 – 1370 في إمارة موسكو  وتوفي بين عام 1427- 1430. يعتبر واحداً من أعظم الرسامين الروس في العصور الوسطى ، ذلك الراهب الموهوب الذي دمج أسلوب نوفغورود والأسلوب الكلاسيكي لتعميق التعبير عن المشاعر الدينية ، وهوالذي أبدع في رسم أيقونة إبراهيم وهو يستقبل الملائكة الثلاثة ( الثالوث ) الشهير . جَرّدَ الموضوع من الحادثة التاريخية وأعاده إلى أصلهِ الأولي ، فعرى اللوحة من كل التفاصيل المألوفة وسَما عالياً بالمنظر العام إلى أجواء أثيرية سماوية رفيعة ، وجعلَ من الشخصيات الزائرة ثالوثاً يُعَبرعن ثالوث الله القدوس قبل إنشاء العالم ، أي في اللازمن . ولم يرسم إبينا إبراهيم معهم ، ليرسم الملائكة الثلاثة حول المائدة التي أعدها لهم إبراهيم . فحول الطعام كانوا الثلاثة يتنعمون بالسكنة والهدوء . وشعور بالراحةِ والسلام التي تنبعث من كيانهم . ورحتهم العجيبة حول المائدة تُعَبر عن ذهول ودهشة . وكان الكأس الحامل صورة الحمل موضوع إهتمامهم لأنه الحمل المذبوح والمهيأ قبل إنشاء العالم المادي . إنه قلب الثالوث الأزلي . فالله محبة في ذاتهِ ، في جوهره الثالوثي ، إذاً هو تضحية وذبيحة ، ومحبتهِ للعالم ليست إلا إنعكاس محبتهِ الثالوثية . يقول أفدوكيموف ( بين الوجود والعدم لا يوجد أساس كينونة إلا الأساس الثالوثي . إنه الأساس الذي لا يتزعزع ، الذي يجمع بين الإفرادي والجماعي ، ويعطي المعنى الأخير لكل شىْ ) . صورة الله الغير المنظور والمثلث الشموس لحقيقةٍ واحدة مطلقة هو ينتصب أمامنا كمبدأ وحيد لكل وجود . ساهمت عبقرية هذا الفنان في إبداع هذه الآية الفنية التي كثيراً ما تكلم عليها الزي الفني العالمي . جمالها كامن في إكتمالها الفني والعقائدي . فالملائكة الثلاثة يشكلون المجلس الأبدي . رسم تلك اللوحة عام 1411 وضاعت تلك اللوحة الشهيرة مئات السنين ثم تم العثور عليها من قبل النُقاد الذين ضربهم مهارة ذلك الفنان القديم .
   في سنة 1515 عندما دشنت كاتدرائية الرقاد في موسكو ، وكانت قد زُيّنَت بلوحات أنجزها تلاميذ روبليف ، وبينها أيقونة الأيقونات التي كان قد رسمها العملاق روبليف . أندهش الحاضرون أمام تلك الأيقونة الرائعة ، وهتفَ المتروبوليت والأساقفة والمؤمنين الحاضرين :
( في الحقيقةِ السماوات إنفتحت وإنكشف بهاء الله ) .
   في النصف الثاني من القرن الرابع عشر تطورت روسيا ثقافياً وروحياً بسبب تأثير القديس سرج رادونجسكي ، شفيع روسيا والأكثر القديسين شعبية في القرون الوسطى . إنعزل منذ صباه في غابة كثيفة في وسط روسيا فإلتف حوله تلاميذ عدة ، وبادر إلى بناء الأديرة في شمال شرق موسكو ، فبنى دير الثالوث ( زاغورسك حالياً ) فأصبح مركز إشعاع روسيا . وروبليف الفنان أصبح راهباً في دير الثالوث ، وتدرب على الرسم في مشاعل الدير الذي صار من أهم مراز الفن الكنسي في تلك الأيام . ثم ترك روبليف ديره وذهب إلى موسكو ليعمل رساماً ، ثم عاد إلى الدير بعد وفاة رئيسه الذي حزن عليهِ جداً .
الألوان
   للألوان لغتها الخاصة عند الفنان روبليف ، فيها تموجات وغِنى لا مثيل له ، كل قطعة من اللوحة تفيض بنورها البَهيّ الذي يتفجر من جذورها السرية . الصورة المركزية فيها كثافة في الألوانِ ( الأحمر الغامق يشير إلى المحبة الإلهية . الأزرق الكثيف ، ويدعى بأزرق روبليف ، يشير إلى الحقيقة السماوية ، ولذلك يتراءى تحت جُبّة ملاك اليسار الطبيعة الإنسانية للمسيح تجلل كبيعته الإلهية ) . سلسلة الألوان تتلاعب مع اللون الذهبي اللماع وتتناسق معه فتبرز الأيقونة كنتاج فني رائع يُعَبّر عن خلاصة سِحر روبليف الذي يوحى بشعور عميق ، ولكنه غير عاطفي . فيه رِقَة من دون ميوعة ، فيهِ أناقة ممتزجة بالرصانة ، وفي خطوطهِ خِفّة تحمل صلابة ومتانة .
برز فنانين كثيرين بعد الفنان روبليف منهم 1- اليكساييتروف 2- اليسبي بيجرسكي 3- فيدور زوبرف 4- سيمون أوثاكوف 5- ديونيسيوس 6- دانيال الأسوَد . وغيرهم .
   في الختام نقول : برزت في روسيا مدرستان لرسم الأيقونة ، وهي مدرسة موسكو ونونغورود الشهيرتان . كل مدارس روسيا تعود إلى ما قبل القرن السادبع عشر لأن بعد هذا التاريخ ، إبتدأ الفن الروسي يميل إلى الإنحطاط . المعلوم أن الفن الروسي ورث الفن البيزنطي ، تعلَّمَه الرسامون من المعلمين البيزنطيين ولكن الخِبرة المكتسبة والعبقرية المحلية والبيئة المختلفة والروحانية العميقة كلها عوامل مهمة ساهمت في إبداع فن جديد متميّز له علاماته الفارقة . ومع الوقت أصبحت الأيقونة الروسية تراثاً دينياً ووطنياً ورمزاً للدولة ، ترافق الرؤساء في المعارك وتحمي المؤمنين ، فالشعب الروسي إذاً لم ينقل فن الرسم بطريقة عمياء ، بل ساهم بذوق فنانيه وإبداعهم فطوروه ورسموا قديسين جدداً ومنهم الأبطال والأمراء البارزين . والجديد ، أنهم صوروا لوحات تمثل حروباً ، مما أوجد فناً له فرادته ومميزاته . ففي الرسم البيزينطي مثلاً نجد الألوان غامقة مكثفةً والوجوه على شىء من القساوة . لا يمكن الكتابة عن كل الأيقونات الروسية لكثرتها ، ومنها أيقونة الصليب التي تنتمي إلى مدرسة ( نوفغورود ) الرائعة من الناحية الفنية ، ومصدرها متحف لوفر . هذه الأيقونة مأساوية في موضوعها ، جميلة في إدائها ، ولكنها لا تخلو من شىء من الفرح . أما ألوانها فنقية ثابتة ، وأسلوبها متفوق ورفيع . كثير من الأناقة في حركة يوحنا الحبيب . جسد السيد ( نائم كالمائت ) وكأنه ملقى برشاقة على عود الصليب . وفي وقفة مريم وِقار يتحكم بالألم وكأن أمل القيامة مسيطر . كما سطرت أيقونات أخرى قصص من وحي الكتاب المقدس ، وكتابات الآباء والمخيلة الشعبية الروسية .

.

65

العنصرة وعمل الروح القدس في الكنيسة  ( ܦܢܛܩܘܣܛܐ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو

        ( ... من لم يكن فيه روح المسيح فما هو من خاصته ) " رو 9:8 "
أولاً يجب أن نعلم أن الله الآب والإبن واحد . كلامهم واحد . وعملهم واحد موحد وهو عمل الروح القدس أيضاً . لأن الله واحد موحد في كيان واحد . والروح القدس الذي سيرسله في يوم العنصرة لا يخرج من الآب فحسب ، بل من الإبن أيضاً لأنه ينبثق من كليهما لأنهما واحد . لهذا يقول الرب يسوع ( أنا والآب واحد ) " يو 30:10 " أي الآب مقيم في الإبن . ويسوع أكد هذه الحقيقة بقوله ( صدقوني إني في الآب ، والآب فيّ ) وهذا التعبير هو تأكيد للوحدة بين الآب والإبن . وهّم يسوع هو أن يتمجد الآب فيه . وهو سيرتفع إلى الآب ، والآب أيضاً متجه نحو الأبن . إذاً هناك حركة دائمية ، فالآب يكشف ذاته في الإبن ، وبالعكس . لهذا قال يسوع ( من رآني ، فقد رأى الآب ) " يو 9:14 " فتوارى الآب عن أنظار البشر هو ليظهر في الإبن . قال يسوع أسأل الآب لكي يرسل لكم المعزي ليقيم معكم إلى الأبد ( طالع يو 16:14 )  . وهذا الطلب هو تعبير عن تواري الإبن ليظهر عمل الآب . والإبن يرد كل ما أعطي له إلى الآب . نعم الآب هو المصدر ، لكنه يتجه إلى الإبن في كل حين . فيعطي للتلاميذ المعزي . إذاً هناك معزًّ آخر ، أي هناك معزيّاً أول ، وبعد ذلك يصير هناك معزًّ آخر . فمن هو المعزي الأول ؟
   المعزي الأول كان الرب يسوع الذي أتى من عند الآب معزياً للبشرية ، وعلمهم طريق الملكوت والخلاص . أما المعزّي الثاني فسيأتي إلى العالم بعد صعود يسوع إلى عرشه السماوي ، إنه الروح القدس المعزّي ( الفارقليط ) .
   المعزي الأول أقام بين البشر في الجسد المرئي المنظور . أما المعزي الثاني فيقيم فيهم بالروح الذي لا يرى ، وسيحل محل الإبن في الكنيسة المنظورة . ، وسيشير دائماً إلى الإبن ، ويشهد له الإبن بإعتبارهِ الكلمة . إذاً الروح القدس الهابط على التلاميذ لا يلغي وجود الإبن ، بل يجد له حاضراً وفاعلاً إلى الأبد . وهكذا يتمم قول الرب يسوع لتلاميذه . قال ( هئنذا معكم كل الأيام ، وإلى منتهى الدهر ) " مت 20:28 " إذاً كما حل يسوع في أحشاء مريم يوم البشارة بقوة الروح القدس ، هكذا يحل ويولد أيضاً وبتلك القوّة ذاتها في قلوب المؤمنين بكلمة الله المتجسد فينا . فيتحول المؤمن إلى خليقةٍ جديدة لأن روح الله يسكنه ( طالع 1 قور 19:6 ) فيرفع الروح المؤمن الذي يسكنه في كل لحظة ويزوده بالفضائل والنِعَم ، إنها صرخة نبوية ، لأن يسوع الذي آمن به يطبع في قلبه ثقتهِ النبوية بروح القدس فيصبح الإنسان مستعد لتقديم ذاته من أجل المسيح ، لأن الروح يشدد الإيمان ويقويه .
   ليس الروح القدس يكون مع تلاميذ المسيح فقط ، بل الإبن أيضاً ، لكن بطريقةٍ مختلفة لكي يبقوا يتامى . رحل إلى السماء أمام أعينهم ليجلس على يمين الآب . لكنه سيعود إليهم بروحه القدوس . لهذا قال : بعد قليل ، لا يراني العالم . أما أنتم ، فتروني . أعطيت فرصة للعالم لكي يروا يسوع بالجسد فقط . أما الذين آمنوا به فيستطيعوا أن يروه بالروح . بل سيكون حياً بينهم بالروح إلى الأبد . فكما يقيم الآب في الإبن ، والإبن في الآب ، أعطي للتلاميذ أن يقيم يسوع فيهم . وأن يقيموا هم فيهِ إبتداءً من يوم العنصرة . ففي ذلك اليوم نزل الروح القدس على الكنيسة ، أنه روح الحياة ، والنبع المتدفق ماءً حياً للحياة الأبدية ( طالع يو 14:4 . و يو 7: 37-39 ) . تكلم مجمع الفاتيكان الثاني عن حضور الروح الفاعل في التاريخ ، تاريخ العالم وتاريخ الكنيسة . ويرى أنه يقود مجرى الزمن ويجدد وجه الأرض . ويراه في أسرار الكنيسة كمن يسكن فيها ، ويحيي الكنيسة ، ويقدسها . ويسير بها إلى إكتمالها الميعادي في إنتظار مجىء المسيح . والروح القدس هو الدافع إلى كل إكتشاف وتجدد في الكنيسة . يحفظ لها بقوة كلمات الإنجيل شبابها ، ويجددها باستمرار.
   عطية الروح القدس للكنيسة هي ميزة العهد الجديد ، فزمن الكنيسة هو زمن الروح القدس ، تولد من فيض حنانه ، وتحيا بتأثيره الدائم . وهذا الروح يعمل في العالم ، ويشفع المؤمنين بأناة لا تنضب . ويدفع المؤمنين إلى الصلاة والتقوة .
    قال الرب يسوع لتلاميذه (  من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا ، يعملها هو أيضاً ، ويعمل أفضل منها ) فعلى أي عملٍ تكلم ؟ تكلم عن عمل الله الذي يشير إلى سكنى الله في التلاميذ ! ما كان بإمكان التلاميذ أن يعملوا أفضل منها لو لم يشأ الرب الإله أن يقيم فيهم . فيسوع كان يشير إلى أعمال الله ، لأن الاب هو الذي يعملها ، بإعتبار الآب هو ساكناً فيهم . هكذا بات تلاميذ المسيح عبر الأجيال أن يعملوا أعمال الله ، لأن يسوع بات مقيماً فيهم  بروحه القدوس .
   وهكذا نقول : بعد الإيمان والعماد يحل الروح القدس في الإنسان ليولد بالروح ويصبح إبن الله فيصبح كل شىء له واضحاً ومكشوفاً ، وذلك لأنه عملياً سيعيش تحت أنوار الروح القدس فلا يبقى هناك مجال للظلمة أبداً لأن الظلمة لم تدركه ! . كل شىء سيكون في النور واضحاً في المؤمن . الرب يسوع إذاً يعطي لمن يتقبل روحه القدوس لكي يكون شريكاً في عمله ، وكلامهِ ، والكلمة الإلهية ستغيّرهُ لكي يصبح واحد مع الثالوث الأقدس في الطبيعةِ والجوهر . نطلب ونقول للروح المعزي : أيها الروح القدوس ، روح الحق الحاضر في كل مكان ، واهب الحياة ، هلم وإسكن فينا وطهرنا من كل دنس وخلص نفوسنا ، وجدد وجه الأرض كلها .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "


66

صعود الرب إلى السماء  ܣܘܠܵܩܐ
بقلم / وردا إسحاق قلّو

   بعد يوم الأربعين من قيامة الرب من بين الأموات تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد الصعود الذي يصادف في يوم الخميس من كل عام ، ويوم الصعود هو آخر يوم لوجود المسيح مع شعبه بجسده القائم من بين الأموات وعليه سماة جروحه المقدسة فيتعمق المؤمنون في معنى العيد بالصلاة والتأمل ، فيوم الصعود هو يوم الوداع بعد أن ألتقى يسوع مع التلاميذ وتراءى لكثيرين بعد قيامته وشجعهم للسير في السراط الذي رسمه لهم . فصعود الرب إلى السماء هو فراق محزن لكنه إنسلاخ بالنسبة إلى التلاميذ . فالمعلم الذي يغادرهم ، ويرفع أمامهم بجسده البشري إلى السماء ، كان لهم نوح وحزن وألم ، لكن صعوده قبل الجميع إلى السماء هو لتهيئة المكان المناسب للمؤمنين به . صعد يسوع من جبل الزيتون بعد أن بارك الجميع بيده المباركة وإفترق عنهم بصعود جسده أمام الجميع نحو السماء وإلى أن دخل في سحابة لكي يدخل في مجد الثالوث . نزل أولاً من السماء فهبطت السماء معه إلى الأرض ، لكي تتجه الأرض بعد ذلك إلى السماء وبحسب وعده لتلاميذه ، ولم يتركهم يتامى ، بل سيهىء لهم المكان .
صعد أمام الجميع في اللحظات التي كان الجميع ينظرون إليه ، وجاذبية الأرض عاجزة عن إجتذابه إليها ، لأن جاذبية السماء أقوى من مغناطيسية الأرض .
   لم يذكر أعمال الرسل وجود مريم أم الإله مع الرسل لكي تودع إبنها إلى عرشه السماوي . فإين كانت العذراء ، أليست مستحقة أكثر من الجميع لتتمتع بهذا الفرح العظيم ؟ نعم هناك صمت وإخفاء لوجودها ، كما كان هناك صمت وسكوت عن موضوع لقاء إبنها معها بعد القيامة ، لكنها كانت في وسط التلاميذ يوم العنصرة .
   العذراء كانت موجودة حتماً في الصعود ، وهذا ما يثبته لنا التقليد الكنسي . والكنيسة نظمت أناشيد تتلى بهذه المناسبة ، منها ( أقبلت مع تلاميذك إلى جبل الزيتون فكانت معكَ والدتكَ يا باري الكل ، فإن التي توجعت حين آلامك أكثر من الجميع وجب أن تتمتع أكثر من الكل بالفرح بتشريف ناسوتك أيها السيد ) .
   ظل الرسل ينظرون نحو السماء إلى أن ظهر لهم ملاكان سماويانِ بلباس أبيض ، فقالا للرسل ( أيها الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء ، أن يسوع هذا الذي أرتفع عنكم إلى السماء ، سيأتي هكذا كما عاينتموه منطلقاً إلى السماء ) " أع 1: 1-13 " كذلك في يوم قيامته من بين الأموات ، قال الملاكان للنسوة ( لماذا تبحثنَ عن الحي بين الأموات ؟ ) " لو 5: 24" والغاية من ظهور الملائكة هو لتاكيد تلك الحقيقة .
   حركة يسوع العمودية نحو السماء يوم الصعود ، هي صورة لمجيئهِ الثاني ، وكما أكدوا الملائكة للحاضرين ، فتسرب الفرح إلى قلوب الحاضرين كما رأوا سيدهم المنتصر داخلاً في مجده الأبدي . وهذا المجد جاء بعد أن حقق النصر ، ونشر الملكوت في القلوب ، وأنهى مهمته الأرضية لينال الأستقبال اللائق به في السماء . لمع بريق الأمل في المودعين لمخلصهم ، فولد في قلوبهم فرحاً عظيماً ، لأن الصعود هو الخطوة الأولى نحو العنصرة . فبعد هذا الفراق إلتجأ الجميع إلى العلية مع العذراء لكي يقضوا الأيام العشرة القادمة بالصوم والصلاة ، والإستعداد لقبول وعد الرب في إرسال الفارقليط لهم لكي يعزيهم ، ويقويهم ، ويقودهم إلى مرحلة العمل الذي ينتظرهم . ففي يوم الصعود أشتموا رائحة نار العنصرة ، فشرعت أذهانهم تنفتح تدريجياً . فإنطلقوا من جبل الزيتون إلى أورشليم لينتظرو هناك وعد السيد . فرغم إنتقاله وغيابه عنهم شعروا بالأمل والغبطة .
   وعلينا نحن أيضاً أن نتهيأ للإنطلاق إلى حيث هو المخلص ، إلى تلك الديار التي أعدها لنا بحسب وعده . فلنتهيأ ونلبس لباس العرس لكي ندخل في ذلك العرس العظيم . فحياتنا الأرضية ليست إلا مقدمة للحياة الآتية التي نحن مزمعين للإنجذاب إليها .
    يسوع المسيح الذي تركنا في الجسد موجود معنا ، وفي داخلنا بروحه القدوس إلى أن نصل إلى مملكته السماوية فنصبح له شعباً ، ويكون لنا رباً وإلهاً أبدياً 
والمجد الدائم للرب الصاعد إلى السماوات
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



67

مريم دائمة البتولية ... والرد على الهرطقات
بقلم وردا إسحاق قلّو
في عمق الزمان خطط الله لخلق الكون المتكون من السموات والأرض وكل ما يرى وما لا يرى فخلق بكلمة منه الأرض وملايين المجرات الشبيهة بأرضنا . يقول العلماء أن عدد النجوم والكواكب يساوي حبات الرمل على شواطىء البحار تسير بنظام ودقة متناهيين لأن الله هو الذي يسير الكون وكل هذا أعده الله لخلق الأنسان الذي سيخلقه على صورته كمثاله لكي يتسلط على الأرض كلها " تك 26:1" . لكنه أيضاً سيعطي للأنسان المخلوق حرية الأختيار في عبادته وأطاعة شرائعه .  فلهذا علم الله بأن الأنسان سيخطأ يوماً فلا يجوز أن يخلقه للهلاك فوضع له خطة لخلاصه ، فمهد أبنه الوحيد الأزلي لكي به ينقذ الجنس البشري الخاطىء ، فكانت فكرة تجسد الأبن من الأمور المهمة قبل الخلق حيث الأبن هو الكلمة والكلمة كان عند الله " يو 1:1 " . وعندما يرسل أبنه ليتجسد في إمرأة ومنها يأخذ جسداً بشرياً ، إذاً يجب أن تكون تلك المرأة طاهرة نقية من دنس الخطيئة ، فأختار مريم العذراء قبل إنشاء العالم المادي ، وقبل أن يفكر بخلق آدم كانت مريم موجودة في مخطط الله لخلاص البشرية التي سيخلقها . فيسوع الخالق لكل شىء هو من أختار له أماً ، وأصطفاها من بين نساء العالم ، وأرادها أن تكون قديسة أكثر من كل القديسين وبغير عيب، فبقيت معصومة من كل معصومة من الخطيئة ، لأن الروح القدس عجنها وكوّنها خليقة جديدة ، لا وبل حواء جديدة ، وأم طاهرة لأبناء العهد الجديد .
خلق الله السموات والأرض وفي اليوم السادس خلق الأنسان وسقط في الخطيئة وبما أن أجرة الخطيئة هي الموت بسفك الدم . لهذا بدأ العهد القديم بتقديم ذبائح حيوانية من تيوس وكباش وثيران وغيرها وكانت
كلها تقدم لله لمغفرة الخطايا ، لكنها لا تفي بالغرض المطلوب عند الله ولا حتى دم أنسان يكافىء الخطيئة ويصالح الله مع البشر ، لهذا لم يسمح ملاك الرب لأبراهيم لتقديم إنه إسحاق ذبيحة للرب . أذن الإنسان لا يستطيع أن يعيد العلاقة بينه وبين خالقه لأنه لا يستطيع دفع ثمن خطيئته  . لهذا على الله وبسبب محبته الفائقة للبشر قرر دفع الثمن بدم أبنه . لكن الله روح وليس فيه دم لكي يقدم نفسه ذبيحة عن البشر لهذا قرر أن يرسل أبنه الوحيد لكي يتجسد ويأخذ من الإنسان جسداً بشرياً  من أجل تنفيذ هذا الواجب ، وبموته يسكب دمه كذبيحة لكي يصبح خاتم كل الذبائح وبه سيتم الصلح وينشق حجاب الهيكل الذي كان رمزاً للحاجز الذي يرمز الى غضب الله على الإنسان فبموت الرب سيزيل الحجاب الحاجز بين الخالق والمخلوق .
تعاقبت نبؤات ورموز عديدة عن العذراء ، تلك المرأة المزمع إتيانها إلى العالم ، قال الله للحية التي أسقطت الأبوين ( ولأجعلن العداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها ، فهويسحق رأسكِ .. ) " تك 15:3" والمرأة هي مريم التي انتصرت على الحية وأخمدت قوتها .  وكذلك العليقة المشتعلة التي رآها موسى في جبل حوريب وهي لا تحترق ، والله لم يسمح لموسى من الإقتراب من العليقة لأنها مقدسة .  وكانت العليقة رمزاً للعذراء التي ستحبل بالكلمة الإله المتجسد . فالعذراء حملت نار لاهوت الإله المتجسد في أحشائها دون أن تحترق ، فكم بالحري تكون قدسية العليقة الحقيقية مريم أم الرب ، وكم يجب على الإنسان أن يحترس عندما يقترب منها بأفكاره ، وكم يجب أن يطوبها ويقدسها ! ؟ 
وإشعياء النبي تنبأ عن ميلاد الله المتجسد قائلاً (ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل ) " 14:7
والمقصود بهذه الآية هو أن هناك معجزة في كلمة العذراء التي ستحبل وتلد وستبقى عذراء .
وعندما جاء ملء الزمان " غل 4:4" جاء ملاك الرب وبشر مريم قائلاً ( ستحملين وتلدين أبناً وتسمينهُ يسوع ) " لو 31:1" . وكانت مريم قد نُذِرَت من قبل والديها للهيكل ، وهي تريد أن تلتزم بذلك الوعد ، وتحفظ ببتوليتها دون تراجع . فوضح لها الملاك بأن الحبل الإلهي لا يمس بتوليتك  ونذرِكِ ، بل ستظلين كذلك إلى الأبد . وطريقة الحبل هو من عمل الله ، لا يدركه عقل إنسان ، وحسب قوله ( الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللك ) " لو 35:1 " . فقالت للملاك ( أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك َ ) فحل الروح عليها فحبلت بالكلمة الأزلي ، وأتخذ منها جسداً من لحمها ودمها لكي يصبح إنساناً ويحل بيننا . فأتحد لاهوت الله بناسوت الإنسان إتحاداً أبدياً بغير إنفصال أو تغيير أو إمتزاج ، فدعيت أم الإله و ( أم ربي )  . لأنها لم تحبل بمخلوق ، بل بالخالق الذي خلقها . إنه ليس من زرع إنسان ، بل من قوة الله . فظلت عذراء . وفي الولادة خرج منها دون أن يفض بكارتها لأنه الله الذي لا يحده مكان ، وهو القادر على كل شىء ، فظلت بتوليتها مختومة . كذا يليق بكلمة الله الذي ولد من أب منذ الأزل من دون أم ، وعلى هذه الأرض ولد من أم من دون أب لتكون ولادته الثانية شهادة عن الولادة الأولى . لقد أكد لنا سفر نشيد الإنشاد بتولية العذراء بهذه الأية ( أنتِ جنة مغلقة يا أخت العروس ، أنتِ عين مغلقة وينبوع مختوم ) " 12:4 " .
أما حزقيال النبي فرأى باب المقدس المتجه للشرق مغلقاً فقال له الرب ( هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ) " حز 44: 1-2 " . وهذا الباب كان يرمز إلى رحم العذراء التي ستحبل بالكلمة المتجسد . وسيبقى مغلقاً لتبقى عذراء دائمة البتولية ، وهذا الإيمان أبتدأ منذ فترة الرسل إلى اليوم .   
وهكذا خرج الرب من القبر المختوم . ودخل إلى العلية والأبواب مقفلة ، ودخل إلى قلب توما المقفول بسبب عدم إيمانه بقيامة سيده . يسوع هو الإله الموجود في كل مكان ولا يحده أي شيء ، والقادر على كل شيء " رؤ 8:1 " إذاً لا يمنعه أي حاجز في الدخول والخروج .
عقيدة الحبل بها بلا دنس
  عقيدة الحبل بها بلا دنس من العقائد التي تُؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية فقط ، تأخر الأيمان بهذه العقيدة وكذلك الأعلان عنها الى سنة 1854 حيث أعلنها البابا بيوس التاسع وأيدته العذراء مريم بنفسها عندما ظهرت الى القديسة برناديت سوبيروس في لورد بفرنسا سنة  1858 أي  بعد أربعة سنوات فقط وذلك بعد طلب القديسة برناديت المتكرر من العذراء " ما أسمكِ " ؟ وكان ذلك طلب الكاهن راعي الكنيسة من  برناديت لكي تقول لتلك السيدة من أنتِ ؟ فجاوبتها العذراء قائلة " أنا الحبل بلا دنس " فأخبرت برناديت كاهن الرعية فعرف في الحال بأنها مريم العذراء.
     حبل العذراء بلا دنس هو أمتياز خاص لها من دون البشر حيث منذ البدء أراد الله أن يُهيئ لتجسد ابنهِ هيكلاً مُقدساً وطاهراً يليق بأبن الله . هكذا صانها الله منذ اللحظة الأولى التي حبلت بها أمها سليمة من الخطيئة الأصلية الموروثة وذلك بالنعم الخاصة من لدُنِهِ وهو القادر على كل شئ ، لأن من خلالها سيولد مُخلّص العالم ، فولدت مريم عظيمة من القديسة حنة ، لقد أغنيت مريم  باستحقاقات ابنها منذ الحبل بها وباركها الآب بكل البركات .
هناك الكثيرون يتصورون عكس ذلك لكي ينالوا من مكانتها وقدسيتها ودورها في الكنيسة ، فيحاولون أنهاء ذلك الدور بعد ولادة الرب لتصبح إنسانة أعتيادية لا علاقة لها بالكنيسة والإيمان بل موتها كان نهايتها ، لهذا يتهموها بأنها قد أنجبت بنين وبنات من يوسف مستندين الى بعض الآيات الأنجيلية التي يفسروها كما يحلو لهم لأثبات أدعائهم الخاطيء . سنتناول كل تلك الآيات بدقة ومن خلالها سنثبت دوام بتولية مريم وأن يسوع الرب هو القادر على كل شيء . كما علينا أن نعرف بأن كل الأولاد الذين يأتون من نسل رجل سيكونون خطاة كباقي البشر وفي الوقت نفسه سيكونون أخوة للرب . فهل يعقل بأن يكون لله أخوة خطاة ؟ هذا السؤال نطرحه لأولئك المفترون بأم الله النقية ، وكما نقول كيف بدأت مريم بالروح وتكمل حياتها بالجسد وشهواته ؟ كيف يمكن أن يصبح مسكن الله المقدس مسكناً لأنسان خاطيء ؟ وكيف تتجول في عقولهم مثل هذه الأفكار ويتجرعون بالبوح بها ؟ قال القديس ساويرس الأنطاكي : حينما أريد أن أنظر الى العذراء والدة الإله فمنذ أول بادرة يبدو لي أن صوته من جهة الله يأتي صارخاً بقوة في أذني ينبئني " لا تقترب الى هنا أخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرضاً مقدسة "
أذاً للصعود بأفكارنا وأرواحنا وتأملاتنا في أي موضوع لاهوتي يمكن أن نتأمله أجل شأناً من موضوع والدة الله ؟ كل الأبحاث تتوقف عند ختم البتولية الذي هو سراً عجيباً لا يمكن أن نجتهد بتفاسيرنا للطعن به أو التحدث عنه بكلمات مشحونة بالشك لقدرة الله العجيبة في هذا العمل ولمثل هذا السبب صرخ يعقوب قائلاً : ( ما أرهب هذا المكان ما هذا الا بيت الله وهذا باب السماء ) اليست العذراء اذاً بيت ومسكن الله ؟ اليست العذراء الهيكل المقدس الذي حمل القربانة الحية ؟ فلماذا الشكوك ولماذا الأعتراضات بحق بتولية العذراء ؟المفترون يتعللون شكوكهم بحق بتولية العذراء مستندين على ما جاء في أنجيل متى " 1: 24-25" ( ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر) . وهذه الآية تشير لهم ضمناً بأن للعذراء أولاداً من يوسف بعد ميلاد الرب حيث يركزون على كلمة ( حتى ) وكذلك على كلمة ( البكر ) مدعين بأن كلمة  ( حتى ) تعني أنه عرفها بعد ولادة أبنها البكر . لكي نفهم كلمة حتى التي تدل على الأستمرار حيث تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها ، أي أذا كان ما قبلها مثبتاً كان ما بعدها مثبتاً أيضاً. وأن كان منفياً كان ما بعدها منفياً .
بهذه الطريقة نستطيع أن نفهم كل أيات الكتاب المقدس المشابهة لهذه الآية ونتناول بعضاً منها
  ( وخرج الغراب متردداً حتى نشفت الماء) " تك 7:8 . نلاحظ قبل كلمة  حتى  منفياً حيث كان الغراب متردداً أي منفية لهذا لم يرجع الغراب بعد أنطلاقه أبداً فأرسل نوح الحمام بعده.
  ( قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك )" مز 1:11" هنا نجد قبل كلمة حتى مثبتة لهذا جلس الرب عن يمين الآب واضعاً أعدائه تحت قدميه .
 ( ولم يكن لميكال بنت شاول ولد حتى يوم موتها ) "2 صم 23:6" هنا الجملة منفية قبل حتى فهل أنجبت ميكال ولداً بعد موتها ؟ ! وهل يمكن أن تلد بعد الموت ؟
 ( وها أنا معكم كل الأيام حتى أنقضاء الدهر ) "مت20:28 " ما قبل حتى مثبتة لهذا يبقى الرب معنا الى أنقضاء الدهر.
 ( عيوننا نحو الرب حتى يترأف علينا ) " مز 123: 2 " هنا قبل كلمة حتى مثبتة اذن ما بعدها أيضاً مثبت فعلينا أن نرفع عيوننا نحو الرب الى أن يترأف علينا.
هذه الآيات هي القليل من الكثير وحتى الآية ( ولم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر ) لا تخرج من هذه القاعدة فكيف فسرها الهراطقة بأن يوسف عرفها فولدت بنين ؟ فسر القديس يوحنا ذهبي الفم هذه الآية فقال : ( أستخدم الكاتب هنا كلمة - حتى - لكي لا نشك أو نظن أنه عرفها بعد ذلك أنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ) ربما يقال لماذا أستخدم كلمة ( حتى ) ؟ الجواب لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة الى الأزمنة المحددة وكما التمسنا من الآيات أعلاه
أما عن الرد على الهراطقة عن أن للعذراء أولاد غير الرب الذي كان بكراً فيقولون أن ( البكر) هنا تعني بأنه الأول بين أخوته ، وهذا يعني أنها أنجبت أولاداً غيره . فالجواب هو : جاء في سفر الخروج 2:13 ( قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني أسرائيل من الناس ومن البهائم . أنه لي . فالمولود الأول كل ذكر فاتح رحم سواء جاء بعده أولاد أم لا. فسر القديس جيروم في رده على هلقيديوس وهو منكر بتولية العذراء قائلاً : ( كل أبن وحيد هو بكر ، ولكن ليس كل بكر هو أبن وحيد ) .

ما يثير شكوك الهراطقة في هذا الموضوع هي المحاور التالية

1- أخوة الرب ( أخوته ... أخوتك ... أخو الرب ) 2- ( لما كانت مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس ) 3- ( ولم يعرفها حتى ولدت إبنها البكر ) .
  هذه العبارت جعلت المشككين يظنون أن العذراء قد تزوجت من يوسف فعلاً بعد ميلاد السيد وأنجبت منه بنين وبنات .
  تابوت العهد كان مقدساً عند الشعب العبري لأنه يحتوي ما يرمز إلى المسيح ، والتابوت يرمز إلى العذراء التي أحتوت يسوع الإله . لم يسمح لأحد أن يحمل التابوت إلا اللاويين المكلفين بخدمة التابوت ، وكانوا يحملون بخوف ورعده . فعندما أمر داود بنقل التابوت إلى أورشليم على عربة تجرها الثيران . تعثرت الثيران فمال التابوت فمد يده عزة الذي كان يقود العربة ولمس التابوت بيديه لكي يمنعه من السقوط ، فأماته الله في الحال . وهكذا سينال كل من يلمس العذراء التي حملت الإله الحقيقي .
إنتقال العذراء
أنطلقت تلك البتول إلى السماء لتأخذ المُلكَ ويتوجها الثالوث الأقدس ، فلنتهلل إذاً بالرب الذي كرمها . أستقبلها الإبن مع أجواق الملائكة الذين كانوا يهتفون المزمور ، قائلين ليسوع وأمه ( قم يا رب إلى راحتك أنت وتابوت عهدك ) ” مز 8:132 ” أي أنت يا رب والتابوت الذي كان يحمل قدسك أيها الإله العظيم ، ذلك التابوت المختار هو مريم  التي حملته في أحشائها لتصعد هي أيضاً إلى السماء . وإبن الله قد فرح بصعودها إليه لتمضي وتجلس على العرش السماوي .
داود النبي الملك وجميع شعبه كانوا يحملون تابوت عهد الرب بأناشيد وتهليل وصوت بوقٍ ، وما كان ذلك إلا نبؤة ترمز إلى صعود التابوت الحقيقي ” مريم ” والدة الإله الذي جاء واستقبلها مع أجواق الملائكة ليستقبلوها بأحترام فائق . قال القديس برناردوس السياني ( لكي يكرم يسوع المسيح إنتصار مريم والدته ، جاء من السماء إلى ملاقاتها ، وأخذها برفقته إلى الأخدار السماوية ) ويقول القديس أنسلموس: ( إنّ المخلص أراد أن يصعد أولاً إلى السماء قبل أن ترتقي إليها أمّهُ ، ليس فقط لكي يهيىء هناك عرشاً لائقاً بهذه الملكة ، بل أيضاً ليجعل دخولها إلى السماء ذا مجدٍ عظيم بحضوره إلى ملاقاتها ، وبرفقته أرواح الطوباويّين أجمعين ) . لنتأمل كيف أستقبل يسوع والدته متكلين على آيات تنبأت بهذا الأستقبال وعلى فم يسوع وهو يقول لها بحسب الآية : ( أنهضي يا قرينتي ، تعالي يا جميلتي وهلمىّ يا حمامتي ، فها الشتاء قد عبَر والمطر ذهب وصار إلى ذاته ) ” نش 10:2″.
بادر البابا بيوس الثاني عشر بأخذ آراء الأساقفة الكاثوليك في العالم بشأن عقيدة انتقال العذراء إلى السماء، فتقبّل معظم أساقفته هذه البادرة بفرح . وانصبّ اللاهوتيون على دراسة هذه المسألة باهتمام ، الى ان اعلن البابا عقيدة انتقال العذراء بالنفس والجسد الى السماء في الاول من نوفمبر سنة 1950.
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بعيد أنتقال مريم العذراء إلى السماء بالنفس والجسد يوم  15 آب من كل عام .


68
ولادة الكنيسة من الجنب المطعون
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال يسوع لتوما ( هات أصبعك إلى هنا ، وانظر يديّ . وهات يدكَ ، وضعها في جنبي . ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمناً ! ) " يو 27:20 ".
     تجسدَ ابن الله لكي يصالح السماء مع بني البشر الساقطين في الخطيئة . دفع المصلوب ثمن الخطيئة على الصليب فتمم الفداء والخلاص بتكفيره عن خطايا الجنس البشري ، قال الرسول ( صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول : أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا ) : 1 تيم 1: 15 " . فمن يؤمن به وبعمل صليبه سيخلص من الدينونة الأبدية ، أسس الرب المتجسد شعباً جديداً مختاراً أستلم كرم الله من الشعب القديم الذي رفضه الله لعدم أمانته ، ولعدم إيمانهم بأبنه ، والشعب الجديد هو جسد الرب ، أي كنيسته المقدسة والمسيح هو رأسها وراعيها ، ولدت الكنيسة من جنبه المطعون على الصليب ، فيسوع هو الذي حبلَ بكنيسته ، وعاش ألم المغاض الذي تكلّلَ على صليب الجلجلة .
حواء أخذت من ضلع آدم ، أي من جنبه ،  لتصبح أم البشرية . ومن الجنب المطعون ليسوع الذي هو آدم الجديد خرجت الكنيسة في سرّ من أسرار الحب الإلهي للبشر، فالرب يسوع أبدع بخليقة جديدة على الصليب ، وكذلك بقيامته من بين الأموات .
    فوق الصليب طلب يسوع المغفرة لصالبيه ، ثم أسلمَ الروح إلى أبيه السماوي . وعبارة ( أسلمَ الروح ) تعادل تعبير ( نفخَ ) . قال الكتاب ( نفخ الله في التراب ، فكان آدم ) " طالع تك 7:2 " . وعلى الصليب ، أسلمَ يسوع الروح ، فكوّنَ بروحه الكنيسة ليستمر وجودها على الأرض ، وفي السماء . لم يكوِّن الكنيسة من التراب ، بل من الكلمة .
       مريم العذراء أحتلت المكان المرموق في حياة مؤمني كنيسة ابنها لتصبح هي صورة الكنيسة فيتعاطى معها المؤمنين كأم ربهم ومخلصهم لكي تحتضنهم وتحميهم وتشفع لهم عند أبنها المخلص الذي هو الشفيع الأعظم لدى أبيه السماوي . فالعلاقة بينها وبين ابنها الإله عبر الأجيال هي علاقة كيانية دموية وروحية ، لا يمكن إنكارها ، ولا يمكن الإستغناء عن دورها كأم لله وللكنيسة .
   المسيح الذي حبلَ بالكنيسة منذ يوم ولادته إلى صعوده على مذبح الصليب ، وَلدها على قمة الجلجلة . وكانت أمه مريم واقفة عند الصليب تمثل صورة تلك الكنيسة حديثة الولادة وأماً لها ، قبل الصلب كانت علاقتها بيوحنا الحبيب ، كعلاقتها مع كل المؤمنين . لكن عندما قال يسوع لها عن يوحنا الحبيب ، هذا أبنكِ . وليوحنا ، هوذا أمكَ . هنا وضع المسيح حجر أساس الكنيسة وأعلنها في تلك الساعة ، فأخذ يوحنا العذراء إلى بيته . أي أخذها ليصبح أبناً لها بكل معنى الكلمة . وأبناً للكنيسة الجديدة . تمسكت الكنيسة بمريم بكونها والدة الإله ، وما دام الرب يسوع هو أبن الله ، أتى منها بالجسد ، فالكنيسة أيضاً تأتي من والدة الإله بالروح . تأتي منها إلى أبنها ، وهكذا تتم الذبيحة الإلهية بشفاعة والدة الإله . وتبقى مريم أمةُ لله ، ومطيعة مخلصة لربها وأبنها الذي أخذ منها جسده .
  علاقة الكنيسة بأم الإله هي علاقة والدة يسوع بالمؤمنين به متجذر من الدماء والماء التي سالت على الصليب فأسس سر الأفخارستيا الذي هو مركز كل الأسرار الكنيسة وأهمها .
      قال الأب الأقدس مار فرنسيس : تولد الكنيسة من فعل محبة الصليب العظيم ، من الجنب المطعون الذي خرج منه دم وماء كعلامة لسرّي الأفخارستيا والعماد . فالقوة الحيوية في عائلة الله وفي الكنيسة ، هي محبة الله التي تتحقق من خلال محبته ومحبة الآخرين بدون تفرقة ومقياس ، لأن الكنيسة هي العائلة حيث يُحِبُ المرء ويُحَب .
         الخليقة التي انحدرت من الأبوين كانت من تراب ، والرب الإله نفخ في التراب فصار التراب نفساً حية . ، أما على الصليب فغفر الرب للص اليمين الذي وبخ لص اليسار لأنه كان لا يزال يهزأ بالمخلص ، قال له : نحن نستحق العذابات التي نحن فيها ، أما هو فلا ، بل قبلَ هذه المعانات بدون تذمر . بهذا عبّرَ للمسيح بأنه قال له ( نعم ) لإرادة الله ، واعترف ببراءة يسوع . وأكتشف أيضاً سر المسيح ، لهذا قال له ( أذكرني يا يسوع إذا ما جئت في ملكوتك ) فقال له ( ... ستكون اليوم معي في الفردوس ) " لو 23: 39-43 " .
       أسس المسيح كنيسة قوية ، وأبواب الجحيم لا تقوى عليها ، فيها نتغذى جسد ودم الرب لكي نعيش ، ولنبقى مقيمين فيها ، ونحتمي بها من عدو الخير . وتبقى صورة كل إنسان يأتي بالآخرين أليها هي الصورة التي تشّده بصورة عفوية إلى والدة الإله ، وكأن مريم هي المعلمة التي تحفظنا وتعلمنا إقتبال الكلمة ، وكيف نعمل من أجل إنقاذ كثيرين لنأتي بهم إلى ابنها الفادي . ليتمجد أسمه القدوس .
   التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

69
عيد مار كوركيس الشهيد ... شفاعته وتكريمه
إعداد / وردا إسحاق قلّو

   مار كوركيس هو أحد القديسين الشرقيين المشهورين . ولد في الأراضي المقدسة في مدينة ( اللد ) عام 280 من أبوين ميسورين ، أسم الوالد ( أنسطاسيوس ) والأم تدعى ( تاؤبستا ) . الأخلاق المسيحية كانت زينة ً تتلألأ في تلك العائلة المباركة ، فتربى كوركيس بالإيمان والتقوى .
 يختلف أسمه بين لغة ولهجة . فبالكلدانية يسمى ( كوركيس ) وبالآشورية يدعى ( كيوركيس ) وفي شرق المتوسط ( جرجيس ) ، وبالقبطية ( جرجس أو جاؤرجيوس ) وبالأيطالية  ( جورجو ) وبالأنكليزية ( جورج ) ، ومعنى أسمه باليونانية ( فلاح )  . توفي والده وهو في الرابعة عشر من عمره فربته امه التقية المؤمنة الشابة الحسناء وهي في مقتبل العمر والغنى ، لكنها نذرت نفسها ألا تعرف أحداً بعد زوجها لتتفرغ لتربية أبنها على مبادىء المسيحية وعلى تعليمه وتهذيب أخلاقه ، فشبّ الولد ، وكان بهجة عائلته  بجمال طلعته ، وكمال نفسه ، ومثالاً حياً لأقرانه . كافأ الرب الوالدة على تضحيتها فجعل أبنها أمير الشهداء ، وشفيع الكنيسة كلها . تكرمه كل الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية في الشرق والغرب .
   بعد أن بلغ السابعة عشر من عمره دخل في سلك الجندية فشاهده الأمبراطور ذيوكلسيانس يوماً على جواده ، وكان عالي القامة ، بهي الطلعة ، حاد النظرات ، فاستدعاه وكلمه ، فوجده لطيف الحديث ، كثير الأدب . فأحبه وأدخله في فرقة الحرس الملكي . وتحدث عن ما كان لأبيهِ من الخدمات السابفة أمامه ، فرقاه وجعله قائد الألف . فلم يكن بين القواد الرومانيين الفرسان من كان أجمل منظراً ، وأعدل قواماً ، وأشد حماسة من ذلك الفارس المسيحي .

     سار الأمبراطور ذيوكلسيانس على سراط من سبقه من الملوك في إضطهاد المسيحيين ، ففجر الدماء المسيحية كالأنها في الأمصار . وكان عهده أشد عهداً حل بالمسيحية بسبب عبادتهم لإله الحق ، فكان القديس له بالمرصاد . فبدأ أولاً يجاهر بلوم الأمبراطور ، فنصحهُ رفاقه خوفاً عليه لكي لا يحل به ما حل بغيره من سخط ذلك المستبد . اما هو فلم يعبأ بكلامهم ، بل أزداد حماساً ، وعرف بأنه لا بد من الوقوع بين يدي ذلك الظالم . لكن عزة نفسه وإيمانه أبت عليه إلا أن يجاهر بإيمانه ، وأن نال العذاب والموت الرهيب . وبدأ يتغنى بعذوبة وحلاوة الإستشهاد حباً بالمسيح ، وكان حينها إبن العشرين سنة فقط .
   الخطوة الأولى التي قام بها كانت جمع أمواله الكثيرة وتوزيعها على الفقراء . وأعتنق ما كان عنده من العبيد ، وأخذ يستعد بالصلاة لساعة الموت .
   تجرأ مار كوركيس وقابل الأمبراطور وأخذ يدافع بحماسة أمامه عن المعتقد المسيحي ، ويدحض بجرأة ما ينسب إليهم من الإفتراءات ظلماً وعدواناً . وطلب منه أن يترك لهم الحرية كباقي البشر في مملكته . فغضب الأمبراطور من جرأته ، لكنه كظمَ غيظهِ ، مأخوذاً بسحر كوركيس وفتنة كلامه ، فقال له بهدوء ( أيها الشاب ، كن حريصاً على مستقبلك ) لكن كوركيس رده متحدياً ، فإستشاط ذيوكلسيانس غضباً ، وأمر الجند أن يجردوه من سلاحه ، ويقودوه إلى سجن مظلم للعذاب . فأوثقوا رجليه وشدوها بالحبال وجعلوا على صدره حجراً عظيماً ، وتركوه هكذا مطروحاً على الأرض . لكن القديس أخذ يسبح الله ويعظم قدرة المسيح الملك طول الليل .
   في الصباح استقدمه الملك آملاً أن تكون تلك العذابات والإهانة قد كبحت جماح حماسته وهدأت ثورته وأعادته إلى رشده . لكنه ظهر أمامه بأشد صلابة وأكثر جرأة   أستمر هذا البطل في تحدي الأمبراطوروكل العذابات إلى يومه الأخير عندما صلبوه وقطعوا رأسه فأسلم الروح في سنة 307 م ، فوصل خبر أستشهاده إلى الشرق والغرب . ومن يوم أستشهاده أخذت الكنيسة بتكريمه ، وطلب شفاعته ، وبدأ الرسامون يعَبّرون عنه كفارس مغوار يمتطي صهوة جواده الأبيض وهو يطعن برمحه تنيناً كبيراً ( رمزالوثنية ) التي تحداها إلى يوم وفاته . والتنين موجود حتى في قصص الحضارة السومرية والصينية .
  كثرت عجائب القديس في الأرض كلها ، فسابقت الشعوب بتكريمه ببناء الكنائس والأديره ومذابح الكنائس بإسمه إعترافاً بما قد هو للكنيسة ببذل الذات ، وبشفاعته وقوة قداسته .
أعلنته الكنيسة الكاثوليكية قديساً عام 404 م في عهد البابا جلاسيوس الأول . ، وتعده نصيراً للكنيسة الجامعة ، والكنيسة الشرقية تدعوه ب ( عظيم الشهداء ) . ففي بلاد النهرين تعد كنائسه الأكثر بين الكنائس والمذابح ، وهكذا بالنسبة إلى بقية بلدان الشرق . أما بريطانيا فأخذته شفيعاً لها . أما فرنسا وروسيا يكرموه إكراماً عظيماً ، وإتخذته جمهورية جَنَوا في إيطاليا شفيعها الأول والأكبر. وفي مدينة البندقية بإيطاليا أنشأت فرقة رهبانية عسكرية على إسمهِ . وشعب اليونان يعتبروه أمير الشهداء . أما الكنيسة البيزنطية فأتخذته في ما مضى شفيعاً لها في الحروب ، ونسَبَت إلى شفاعته انتصارات باهرة وأجترح آيات ومعجزات كثيرة ، وكان يستنيانس الملك قد بنى على اسمه كنيسة فخمة في مدينة ( اللد ) مسقط رأسه .
   أما القسطنطينية فإمتازت بإكرامه فكان فيها خمس كنائس على إسمهِ . وقسطنطين الملك هو الذي أمر ببناء الأولى منها . كذلك الإنكليز يكرموه أعظم تكريم ، وإتخذته المملكة شفيعاً لها . ودعي كثير من الملوك بإسمه . وظهر يوماً للملك ريكردوس الأول في حروبه ونصرهُ على أعدائهِ . فأنتشرت عبادته في كل بلاد إنكلترا . وأمر المجمع الأنكليزي العام في أوكسفورد سنة 1222 أن يكون عيد القديس جاورجيوس إلزامياً في كل إنكلترا . كما جعله الملك إدوار الثالث الشفيع الأكبر لفرقة حاملي وسام ( ربطة الساق ) وهو أرفع وسام عند الأنكليز .
 وإمتازت فرنسا بتكريمه ، فقد شادت القديسة ( كلوتلدا ) إمرأة ( كلو فيس ) ملك الفرنجة كنائس وهياكل عديدة على اسمهِ . كما هو شفيع لكثير من المدن والقرى الفرنسية .
 تحتفل الكنيسة الكلدانية بعيده يوم 23 نيسان من كل عام ، وتقوم القرى التي هو شفيعها بقيام مهرجانات سنوية بأعداد أكلة الهريسة الشهيرة ، يشترك في إعدادها كل أهل القرية من الفقراء والأغنياء ، لكي يجمعهم شفيعهم على مائدة المحبة ليتناول الجميع الطبخة المعدة بأسمه .
 ختاماً نطلب شفاعة هذا القديس اللابس الظفر لأنه قدم نفسه قرباناً للمسيح له المجد ليصبح أحد قديسي الكنيسة بعد أن أحتمل عذابات مختلفة ، وأخيراً أنتصر بأكليل الشهادة [/color].
        التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

70

احداث قيامة المسيح من القبر
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ها هو يسبقكم إلى الجليل ... هناك ترونه ) " مت 7:28"

أجتمع زنادقة الصدوقين والفريسين والكتبة برسم خطة دقيقة بمساعدة يهوذا الأسخريوطي لأختيال يسوع ، فتم القبض عليه ومحاكمته وصلبه حتى الموت . لكن القلق والخوف كان يساور الأحبار والكتبة لأن الذي أقام لعازر المنتن سيتحدى الموت ويقوم . فذهب رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون إلى بيلاطس ، فقالوا له ( يا سيد ، قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي : إني بعد ثلاثة أيام أقوم . فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث ، لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ، ويقولوا للشعب : أنه قام من الأموات .. . ) فقال لهم ( عندكم حراس ، أذهبوا وأضبطوه كما تعلمون ) فمضوا وختموا القبر وأقاموا عليه حراساً  .
     في فجر يوم الأحد حدثت المعجزة عندما قام المسيح من بين الأموات ، ثم فوقع زلزال عظيم ، ثم نزل الملاك ، وكان منظره كالبرق مرعب ، فأرتعب الحراس  وسقطوا كالموتى ، ثم نهضوا وذهبوا مذعورين ، خائفين إلى رؤساء كهنة اليهود والشيوخ ليخبروهم بكل تفاصيل حقيقة قيامة يسوع الناصري من القبربأعجوبة وكما حدثت أمامهم بقدرة سماوية . كان على قادة اليهود الإيمان بالحدث ، والأعتراف بأن الذي صلبوه كان المسيح المنتظر . لكنهم عملوا العكس فرشَوا الحراس بالمال وعلموهم بأن ينكروا الحقيقة ، ويقولوا بأن تلاميذه هم الذين سرقوه ليلاً وهم نيام ! والسبب يعود إلى أن للإنسان أثر أناني يعشق مصلحته ويتمركز حول ذاته ، لأن طبعه نفعي وجشع ، ويفرض مصلحة الجسد الزمنية على مصلحة الروح الأزلية . وأضافوا قائلين للحراس ، إذا وصل الخبر إلى بيلاطس فإنهم يتدبرون الأمر ليحموهم من غضبه بإسترضائه . فنقول ، كيف يصدق العقل السليم هذه الأكاذيب ! ألا يسأل العاقل كيف عرفوا بأن التلاميذ سرقوه إذا كانوا هم في حالة الرقاد ، وهل يستطيع النائم أن يرى ؟ والأنكى من ذلك هو أن الحراس ارتعدوا من مشهد القيامة الرهيب ، فصاروا كالأموات . إذاً المشهد كان مرعباً بسبب حدوث زلزال عنيف وقت القيامة ، وبعد نزول الملاك دحرج الحجر المختوم بعد القيامة ، وجلس الملاك على الحجر ، وقال للمرأتين الزائرتين للقبر : لا تخافا ... لأنه قام كما قال .. فأذهبا في الحال إلى تلاميذه وقولا لهم ، قام من بين الأموات . 
   كان على الحراس أن يهتدوا ويؤمنوا بما حدث أمامهم ويخبروا السلطة بالحقيقة ورغم العواقب . أم بسبب خوفهم من العقوبة لجأوا إلى الكهنة لكي يحموهم من غضب السلطة ؟ أو إنهم لم يكونوا من الجنود الأصلين ، بل من المرتزقة . والمرتزق يعمل لا لأجل الهدف ، بل من أجل المال أولاً لأنه أجير . فلو كانوا جنود أوفياء لكانوا يذهبون إلى بيلاطس ويقصوا له كل ما حدث ، وبكل شجاعة ، ولم يكذبوا على قادة دولتهم لأجل كهنة اليهود ومصلحتهم ويقبضوا منهم الرشوة . أليس النضال ضد الشر ضرورياً ، وقول الحق مطلوباً ؟ وهل يمكن أن تدفن الحقيقة بتراب الكذب ، أم الحق يعلا ويظهر لكي يفرض نفسه على الباطل ؟ وهذا ما حصل بعد قيامة يسوع وظهوراته المتكررة لمن يستحق مشاهدته من أتباعه . أما الذين رفضوه من قادة الشعب وصلبوه ، هم أيضاً إلتمسوا حقيقة قيامته بشهادات ومعجزات أجترحها التلاميذ ، إضافة إلى إلتفاف آلاف اليهود وغيرهم حول تعليم رسل القائم من القبر . والكنيسة التي أسست بدأت تكبر لتحتوي المسكونة كلها ، لأن المنتصر على الموت أرسلهم لكي يعلموا الناس وصاياه ، ودعم عملهم بإرسال روحه القدوس إليهم لكي يعلمهم ويذكرهم ويرشدهم بكل ما أوصاهم به ، فقد قال لهم ( ها أنا معكم كل الأيام إلى إنتهاء الدهر ) .
      لم يتذكر التلاميذ أقوال الرب حول قيامته بعد ثلاثة أيام ، ولم يتذكروا النبؤات وأقواله التي كان يكررها لهم ، بل لن يتذكروا معجزاته الكثيرة ، وتجليه على الجبل . بل تركوه لوحده ، ولم يتبعه غير حبيبه يوحنا وقلة من النساء ، ولولا يوسف الرامي ونيقديموس فمن كان يقبره ؟ لهذا كافأ الرب النسوة بعد القيامة ، فظهر لهن أولاً ، وتحدث معهن ، وأرسلهن ليبلغن التلاميذ . فوصل بطرس ويوحنا ودخلا القبر ورأوا الأكفان وآمنوا لأنهم تذكروا النبؤات المتعلقة بحدث ذلك اليوم . فظهر الرب لبطرس قبل كل التلاميذ ، وبعد ذلك تكررت ظهوراته ولقائاته مع كل التلاميذ ولمدة أربعين يوماً .
   نحن المسيحين اليوم وعبر الأجيال لا نحتاج إلى أدلة وبراهين وشواهد تثبت لنا قيامة المسيح . فلا نطلب مثل توما الرسول الذي ربط إيمانه بطلب مشروط وهو لمس جروح المسيح الممجد القائم من بين الأموات . والمسيح طوّبَ إيماننا عندما رد على توما ، وقيامته تمس إيماننا في الصميم فتقودنا إلى الحياة الجديدة . القيامة إذاً هي إيمان نعيشه بما كتب لنا في العهد الجديد ، الذي يؤكد لنا حقيقة الشهادة ، بأن من مات لأجلنا قد قام . ونحن أيضاً سنموت ونقوم مثله ، وكما قال الرسول (وإذا كان روح الله الذي إقام يسوع من بين الأموات يسكن فيكم ، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يبعث الحياة في أجسادكم الفانية بروحه الذي يسكن فيكم ) " رو 8: 11 " . لهذا نشهد للعالم ونقول :
المسيح قام حقاً قام
   التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "




71
جمعة الآلام والتأمل بمنظر المصلوب
بقلم / وردا إسحاق قلّو


( ... لا صورة لهُ ولا بهاء فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه  . مزدرى ومتروك من الناس . رجل أوجاع وعارف بالألم . ومثل من يستر الوجه عنه . مزدرى فلم نعبأ بهِ ) " أش 53 "
    علينا أن نفهم أولاً دور الصليب في الخلاص ، فكيف نفهم معنى الصليب . وما أهميته في حياتنا المسيحية . في أسفار العهد القديم نبؤات كثيرة تشير وترمز إلى صليب المسيح وقدرته المعجزية . نستطيع أن تشعر بوجوده في تلك الأسفار ، لأنه يتراءى لنا أحياناً بين الأسطر ، فبصيص نوره يشعرنا بثمار العّود الذي خدع الأبوين فسقطا .
   الشعب العبري سار مع موسى في طريق طويل ، وكانت تلك ترمز إلى مسيرة صليب الفصح في طريق الجلجلة . ففي برية شور عندما وصلوا إلى ( ماره ) تذمروا على نبيهم لأن الماء كان مراً ، فأمر الرب موسى أن يطرح عوداً في الماء ليصبح الماء عذباً . هنا نجد صورة مسبقة للصليب الذي سيجعل مرارة حياة البشر إلى عذوبة . كذلك رفع موسى عصاه فشق البحر الأحمر .  كانت تلك صورة مسبقة لرسم الصليب على المياه ، وكما يرسم الكاهن تلك الأشارة على مياه المعمودية ليعبر المعمد من الظلام إلى النور . وهكذا عبَرَ الشعب مياه البحر الأحمر من العبودية إلى الحرية . وكذلك الحية النحاسية التي كانت رمزاً للداء والدواء معاً والتي ترمز إلى صليب المسيح ، ومن يؤمن بالمصلوب وبعمل الصليب سيخلصه الرب من عبودية الخطيئة .
   الصليب إذاً هو أداة خلاصنا . لأن الرب أختاره لكي يكون له مذبحاً تتم عليه مصالحتنا مع الآب . كما هو ميزان العدل والقدرة . غرس في أرض الجلجلة ليرُفَع عليهِ الحمل . وكأنه كان صلة الوصل السرية بين الجحيم والملكوت ، بل بين الأرض والسماء ، كما كان السّلِم الذي رآه يعقوب .
   عندما ننظر بصمت وإيمان إلى أيقونة الصليب ، فالمصلوب لا يريد منا الدموع ، بل يقول لكل منا كما قال لبنات أورشليم ( لا تبكينَ عليّ ، بَل على أنفسكنَّ وعلى أولادكنَّ ) " لو 28:23 " . إذاً علينا أن نبكي على خطايانا التي كانت سبب صعود السيد على الصليب لأجلنا . فأمام هذا المشهد نتأمل بإلهنا وهو يموت ويصل على عود الصليب إلى أقصى حدود المآسي البشرية . فلا نستطيع إلا أن نسجد له ونمجده على محبته وصبره وتحملهِ لتلك الآلام .


   تواضعَ حتى الموت لينحدر إلى أعمق هوه يصل إليها أي مخلوق . مات على الصليب لكنه بقي سيد الحياة ، إنه لسر يفوق حدود إدراك العقل والعلم ، مات السيد ، لكن بموته أرتعدت الجحيم خوفاً ، لأن مشروع الثالوث الأقدس ( الحمل المذبوح من قَبل إنشاء العالم ) كما يصفه الرائي في سفر الرؤيا . قد تم بنجاح ، فعلى الصليب يُجابه الإله التجربة الرابعة للمجرب الذي ترك المسيح بعد أن فشل في تجاربه الثلاثة إلى حين ، وذلك عندما قال له السيد ( أذهب يا شيطان ! ) " مت 10:4" . اي إلى حين يأتي الوقت للتجربة الأخيرة ، أيضاً سيجربه الشيطان في الوقت الذي يكون فيه المسيح ضعيفاً منهكاً وكما كان في أواخر أيام الصوم الأربعيني .

   الله الآب لم يبعد الكأس عن المسيح ، رغم طلبه في بستان الزيتون ، ولم يستجب لصرخته على الصليب . ( إلهي إلهي لماذا تركتني ! ؟ ) يتحدث المسيح كإنسان بعيد عن طبيعة لاهوته التي لم يشأ أن يستخدمها أبداً لكي يشعر بالآلام كإنسان كامل . تخلى الآب في تلك اللحظات عن ابنهِ ليشعر بأنه محروم من الآب ، ولكي يشعربوحدة عميقة ورهيبة . وفي هذه اللحظة بالذات يتحول الروح القدس ، ليصبح نقطة إلتقاء الألم الثالوثي . وكأنه يأخذ الصليب على عاتقه ، فيعطيه تلك القوة التي لا تقهر. هذه الفكرة أوجزها المطران ( نيلا ربت ) أسقف موسكو قائلاً : ( الآب هو المحبة الصالبة . الأبن هو المحبة المصلوبة . والروح القدس هو قوة الصليب غير المقهورة ) إذاً الآب لم يتركه ، بل يريد أن يتم به عدله الإلهي لخلاص البشر . كما علينا أن لا ننسى علاقة صرخة يسوع تلك بالمزمور 22 الآية الأولى . إذاً هل كان كلام المسيح عمودياً موجه نحو السماء ، أم أفقياً موجه إلينا نحن البشر ؟ كان على قادة اليهود أن يبحثوا ويتحققوا خاصة من آيات هذا المزمور والتي تحققت في يوم الصلب بكل حرفيتها .
  كيف نفهم نحن المتأملين بالصليب والمصلوب على قمة الجلجلة ؟
   التقليد يرجح أن جمجمة آدم رمز الإنسان الأول مدفونة في ذات المكان . فآدم الأول والثاني يلتقيان في  تلك البقعة ليؤلفان قطبين متمركزين موجودين في كل إنسان وعلى هذا الأخير أن يختار بملْ إرادته ، محور وجوده . ظّنَ قيافا ومن هتف معه لموت يسوع بأنهم قد انتصروا ، لكن الطبيعة أظهرت حزنها فلبست السواد بسبب موت خالقها لتخفي عريه عن النظرين . والأرض تموجت خوفاً وحزناً ، أما حجاب الهيكل فتمزق كمن ينتحر ليعلن لليهودية إنتهاء العهد القديم ، بل إنتهاء دور الهيكل إلى الأبد . وعلمَ قادة السنهدريم بهذه الأحداث . لكنهم لن يبحثوا عن الحقيقة ، ليبقوا في ظلام جريمتهم . وكذلك نبدي رأينا بما فعله رئيس الكهنة أثناء محاكمته ليسوع الذي قال له هل أنت المسيح أبن الله ؟ فأجاب يسوع ( أنت قلت ! ... سوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين الق ... ) فشق رئيس الكهنة ثيابه وصرخ . وما فعله كان حقيقة لأن زمن ثياب كهنوت العهد القديم قد إنتهى إلى الأبد ، ليأتي بعده عهد النعمة والمصالحة . 
    كان الصليب عند الهالكين جهالة ولليهود عثرة ، أما لنا نحن المخلصين ففيه نجد فلسفةً جديدة لأن به أفتدانا السيد من لعنة الناموس ، لأنه هو صار لعنة من أجلنا . ومكتوب ملعون كل من علق على خشبة ( غل 13:3) . لكن هذه الفلسفة لم تنتهي بموت الرب ، بل يجب أن يتجدد هذا العمل بنا نحن أيضاً وذلك عندما نتمم وصايا المصلوب ، وذلك عندما نحمل صليبنا ونتبع فادينا . لهذا يقول الرسول ( مع المسيح صلبت .. صلب العالم لي وأنا للعالم ) وهذا يعني بأن أدخل معركة تجارب هذا العالم واستمر كالمسيح في المعركة . فما نقص من آلام المسيح لكي نتممه في أجسادنا ( طالع 1 قور 24:6) وذلك لكي لا يتعطل صليب المسيح ، ولكي نسير على خطاه وهو سيجذب كل المؤمنين به ويخلصهم ، وبحسب قوله ( عندما أرتفع سأجتذب إليَّ العالم ) . فصليبنا هو السّلِم الذي يرفعنا إلى السماء وكما رفع المسيح قبلنا .
نشكرك يا رب ، لأن بصليبك المقدس خلصتَ العالم
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



72

عيد السعانين .. يوم مبايعة الشعب لملك الملوك
بقلم / وردا إسحاق قلّو


( قولوا لأبنة صهيون : هوذا ملككِ آتياً إليكِ وديعاً راكباً على أتان وجحش إبن أتان )
" مت 5:21"
   لفظة السعانين أو ( الشعانين ) كما يلفظها البعض عبرية الأصل مستنبطة من كلمة ( هوشعنا ) أو ( أوصنا ) التي تعني ( يا رب خلص ) ولأهمية هذه المناسبة تحتفل الكنيسة المقدسة بهذا الحدث الجليل لكي تذكر تفاصيل إحتفال يوم دخول الرب يسوع منتصراً إلى مدينة أورشليم في يوم الأحد الذي سبق أحد القيامة . كان يوم الفرح لشعب أورشليم الذين بايعوا المسيح المنتصرعلى ظلام هذا العالم ، لأنه علمهم البشارة وأخبرهم بخبر إقتراب ملكوت الله ، وأصبح ذلك اليوم عيداً تحتفل به الكنائس الرسولية في نفس اليوم الذي يسبق أسبوع الآلام . وللعلم ( أيام صوم هذا الأسبوع لا تعد مع أيام الصوم الأربعيني ) .
   في أول أيام أسبوع الآلام ينقلب فرح يسوع إلى الحزن والألم ، ويلوم أورشليم راجمة الأنبياء والرسل ، وينبأ بنهاية هيكلها . ويبكي عليها لأنها لم تكشف وجوده فيها رغم إنتظارهم الذي طال قرون عديدة ، فخاطبها قائلاً ( إنكِ لو علمت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الآن قد أخفيّ عن عينيك فإنه ستاتي أيام ويحيط بك أعداؤكِ بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيكِ ولا يتركون فيك حجر على حجر لأنكِ لم تعرف زمان أفتقادِكِ ) فعلاً حصل هذا في سنة 70 م على يد القائد الروماني تيطس .
 خاصته لم يؤمنوا به ، بل أنتقموا منه ، كما أنتقموا من الأنبياء الذين أرسلهم ، لهذه السباب تحول فرحه إلى حزن . وهكذا يتحول فرحنا نحن المؤمنين في اليوم الذي يلي أحد السعانين إلى التأمل بآلامه ، فندخل في منعطفٍ جديد لكي نشاركه في أحزانه ، ونفهم كم أن الإنسان خائن وضعيف .
     نتذكر كيف أن الشعب الذي بايع المسيح الذي علمهم طريق الخلاص ، وشفى مرضاهم ، وأقام موتاهم ، وكسب الخاطئين منهم إلى طريق الصواب والفضيلة ، لكنهم أنقلبوا عليه ورفضوه ، بل صاروا أعدائه ، فطلبوا صلبه حتى الموت ، موت الصليب .
    يوم عيد السعانين ، هو أيضاً يوم إنتهاء الصوم الكبير ، وبه نعَبّر عن فرحنا بسب إكمال الرب نشر إنجيله المقدس فأتم رسالته وتعليمه الجديد . فتقام القداديس في الكنائس والتي تقدم فيها المواعض والتراتيل والصلوات الخاصة التي تحمل كل تفاصيل وأحداث ذلك اليوم العظيم والتي استخدموها آبائنا وأجدادنا من قبلنا ، ونحنا نكمل المسيرة . بعد القداس تنظم مواكب ومسيرات إحتفالية حول الكنيسة ، والمؤمنين حاملين أغصان الزيتون التي ترمز إلى السلام ، والتي تذكرنا بحمامة نوح التي عادت إلى الفلك حاملة بمنقارها الصغير غصن الزيتون ( تك 11:8 ) فشعرنوح بالسلام والفرح مع ذويه ، فصار سعف الزيتوت رمزاً للسلام العالمي . كما تقدم الكنيسة لمؤمنيها سعف النخيل والذي استخدمه الشعب أيضاً في شوارع أورشليم ، وسعف النخيل يرمزإلى النصر ، وإلى التكريم أيضاً ، وكما بينه لنا الرائي يوحنا في سفر الرؤيا عندما رأى في السماء موكب مماثل لمواكبنا الأرضية يحملون المشتركين به سعف النخيل ( طالع رؤ 9:7 ) وسعف النخيل أيضاً يرمز إلى أكليل النصر الذي سيناله كل منتصر منا في تلك الديار .
      في المواكب الكنسية نجد أن الصليب المقدس المنتصر الذي يحمله أحد المؤمنين يسير به أمام الموكب ويكون عمود الذي يحمل الصليب مزيناً بتلك السعوف . يحمل المؤمنين السعوف إلى بيوتهم لكي يستخدموها لصنع الصلبان الجميلة ليضعونها في المنازل والسيارات وفي حدائق البيوت والمزارع لتبقى هناك كل أيام السنة يذكرون بها ذلك اليوم العظيم .
  في إحتفال يوم السعانين يرتلون المصلون الكلمات التي رتلت أمام المسيح والمدونة في الأنجيل المقدس ، فيقولون ( هوشعنا في الأعالي ... مبارك الآتي باسم الرب ) إنها كلمات النبوة بالمسيح المنتصرفي ذلك اليوم ،  قال صاحب المزمور ( تبارك الآتي بأسم الرب ... نبارككم من بيت الرب ... الرب هو الله وقد أنارنا ... فرصوا المواكب والأغصان في أيديكم حتى قرون المذبح ) " 117/118 " .
   سبب إختيار يسوع الركوب على جحش ابن أتان بدلاً من الحصان المزين وكما كان يفعل كل ملك منتصر داخل إلى المدينة بعد عودته من المعركة ، وكان يستقبلوه الجماهير بالهلاهل وبكلمات التبجيل والفرح ، علماً بأن المسيح هو ملك كل الملوك وخالقهم . فالسبب هو لأنه ملك وديع ومتواضع القلب ، ويريد أن يعلمنا درساً بليغاً في التواضع في كل أيام حياتنا ، فكان هو مثالاً كبيراً في التواضع ، لهذا نحصر كل حياته الأرضية بين قوسين : الأول عندما أمتطت والدته الحمار وهو في بطنها من الناصرة إلى مغارة بيت لحم ، وبعدها ولِد في هذا العالم ليركب على الحمار الذي أنقذه من سيف هيرودس فحمله إلى مصر، وعليه عاد إلى دياره ، وفي أسبوعه الأخير دخل إلى أورشليم على جحش أبن أتان فتمت نبؤة زكريا النبي عن هذا اليوم ، قال :
( أهتفي جداً يا أبنة صهيون ، أهتفي يا بنت أورشليم ، هوذا ملككِ يأتي إليك هو عادل راكب على حمار حجش إبن أتان ) " زك 9:9 " .
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



73

إصفح إولاً ثم أطلب الصفح

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب ( إذا إخطأ إليك أخوك سبع مرات سبعين مرة أغفر له ) " مت 18: 22 )

    طلب الصفح هو الخطوة الأولى لتصفية النيّة ولأجل العودة إلى التوبة والمصالحة مع من كان له خصماً أوعدواً . الله والسماء تفرح في المصالحة والسلام على الأرض ، وينبغي أن لا يتكرر الغضب وتعود الأخطاء مهما بلغت الأزمات ، بل لنعرف مخاطر العداوة والكراهية بين بني البشر ، وهذا الزوان يزرعه الشيطان دائماً بين الناس ، لأنه تسعده المشاكل والحروب والعداوة بين البشر . بينما الله المحبة يريد أن تزال كل العوائق بين الناس ليعود السلام والنقاوة في المجتمعات . الله يعرف الإنسان أكثر من معرفته لذاته ( .. لأن الله أعظم من قلوبنا وهو بكل شىء عليم ) " 1 يو 20:3 " يعرف ضعفنا . والظروف التي تنتزع من أرادتنا عزمها ، يعرف أننا نخطىء كلنا . والله لا يجهده الصفح لمن يريد منه الصفح والمغفرة ، بل يسعده .
   الصفح هو الدليل الملموس عن المحبة ، وبالحب يبلغ المؤمن اقصى حدود النقاوة والقوة ، وبالحب تبدأ حياة جديدة ، فالصفح هو أجمل وأبهى هدية يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان ولله ايضاً .
 في المغفرة تبرز مصداقية الحب لكي يبلغ إلى قمته ، لأن الله هو الحب في جوهره ، بل نقول إن كيان الله يتجلى تمامه في الصفح . قد لا يصفح البعض خصمهم لأعتقادهم بأن الصفح ضعف ، او الصفح سينال من شخصيته وكرامته وكبرياءه أمام الناس . لكن في الحقيقة ، الذي يصفح هو القوي والحكيم لأنه سيربح صديقاً ويعيد المحبة بينه وبين الآخر . فمن يصفح هو الرابح ، وكذلك سيشارك الله بفرحة ، وبالصفح يرتاح ضمير الإنسان ، وتمحو مخاوفه ، وتقل مشاكله ، وينقى قلبه ، فيستعيد توازنه الفكري والروحي . حينذاك يتهلل فرحاً ، لأن الإنسان ينهش قلبه وتفكيره البغض والحقد والعداوة .
   حياة الحب الحقيقي مع البشر تزرع السعادة . والصفح هو قمة الحب ، فعلى كل مؤمن أن يختبر الصفح ليشعر بحلاوةِ ثِماره . بل هو إنتصار على مكائد الشيطان . الأب الرحوم أشفق على إبنه الضال الذي جاء إليه نادماً ليطلب منه الصفح ، فتحركت أحشاؤه وأسرع إلى الصفح ، فلاقاه بنفسه وحَضَنهُ على صدره وقَبّلهُ .
   هكذا يصفح الله كل من يعلن توبته ويطلب المغفرة . وكذلك يريدنا أن نكون على صورته في المغفرة لأخينا الإنسان لهذا علمنا الرب الصلاة التي تحتوي شرحاً مهماً لنرددها ونعمل بها وهي ( أغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن يخطأ إلينا  ) إذاً قبل أن نفكر بطلب المغفرة من الله علينا نحن اولاً أن نصفح لغيرنا لتعيد العلاقة بيننا وبين أخينا الإنسان ، وبعد ذلك نتقدم نحو الله طالبين منه المغفرة .
   وعلى مستوى الكنيسة التي عاشت ألفي سنة ، حدثت فيها إضطهادات ، وإنقسامات ، وعداوة بين الأخوة المؤمنين . وشريعة المسيح هي شريعة الحب والمغفرة والمصالحة من أجل هدم الجبال ونقلها بعيداً والتي تفصل بين أبناء المسيح لكي يصبحوا قطيعاً واحداً كما الآب والأبن هما واحد . فلتنقية الضمير ، وتصفية الذاكرة كان على قادة الكنيسة أن يطلبوا الصفح والسماح من كل أبناء هذا العالم ، وذلك بالإعتراف بالخطايا التي ارتكبتها الكنيسة عبر التاريخ . ومن ثم طلب الصفح من الأخوة المؤمنين لأعادة النظر بتاريخ الكنيسة وقراءئته قراءة مسيحية صحيحية ، فبدأ العمل بهذا المشروع العظيم البابا يوحنا الثالث والعشرون عندما أرسل إشارة إلى الإسلام ، فخطا الخطوة الأولى في تهذيبه للتاريخ وتنقيته . وعبِّر عن هذا العمل البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني ( تصفية الذاكرة التاريخية ) . وفي المجمع الفاتيكاني الثاني ، توجَهَ البابا بولس السادس بكلمة إحترام إلى الكنائس المسيحية الأخوات البعيدات عن الكنيسة الكاثوليكية . يقول لهم ( أن كان هناك خطأ يعود إلينا في بدء الإنفصال ، فإننا نطلب الصفح من الله بكل تواضع ، ومن الأخوة الذين يعتقدون أننا أسأنا إليهم . أما من جهتنا فإننا مستعدون لأن نصفح على كل الإهانات التي وجهت إلى الكنيسة الكاثوليكية وأن ننسى الآلام التي عانتها من النزاعات والإنفصالات ) .
   تأثر البابا يوحنا بولس الثاني بكلمة البابا بولس السادس التي طلب فيها الصفح في الدورة الثانية للمجمع المسكوني في أيلول سنة 1963 . ففي نهاية الألفية الثانية قام بمغامرة الصفح بوحي من الروح ، معتمداً على قدرة الله التي تزعزع الجبال ، معلناً إيمانه بطيبة الإنسان ، وبالحب والتضامن الإنساني ، وليس في وجه الحب أمر مستحيل . وبسبب الحب يغفر الإنسان لمن أخطأ إليه . 
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "



74

دلائل حسية تثبت وجود يسوع في القربان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب يسوع ( إذا لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه ، فلن تكون فيكم الحياة ) " يو 53:6"

القربان المقدس ( الإفخارستيّا ) سر من أسرار الكنيسة المقدسة أسسه الرب يسوع في العشاء الأخير ، ليلة أسلِم نفسه طوعاً . إنه سّر تقوى ، وعلامة وحدة ، ووليمة فصحية ، فيها نتناول المسيح غذاء ، وتمتلىء النفس بالنعمة ، وتعطى عربون الخلاص . فالمسيح موجود بجسده الحقيقي ، وبدمه الحقيقي في القربان ، وهذا السرلا ندركه البّتة بالحواس ، بل بالإيمان وحده . وعلينا أن نؤمن بقول الرب ، عندما أخذ خبزاً وبارك ثم كسره وناوله لتلاميذه ، قائلاً : ( خذوا فكلّوا ، هذا هو جسدي ... و ... هذا هو دمي ) ( طالع مت 26: 26-28 ) . القربان المقدس هو الخبز المقدس النازل من السماء ، من يأكل منه يحيى إلى الأبد ، وكما قال يسوع  ( أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء ،من يأكل من هذا الخبز يحيَ للأبد . والخبز الذي سأعطيه أنا هو جسدي أبذلهُ ليحيا العالم ) " يو 51:6" .
   القداس الإلهي هو أهم عمل يحدث كل يوم في العالم ، فيه يتم إعادة تجديد عذابات يسوع وموته على الصليب ( 1 قور 11: 26-27 ) . المسيح يقدم ذاته للآب لأجلنا في ذبيحة غير دموية . والكنيسة المقدسة جسد المسيح ، تشترك في تقدمة هامتها ، وتقرب ذاتها معه كاملة ، وتنضم إلى المسيح شفيعاً إلى الآب لأجل جميع الناس ، في الإفخارستيا . فكما بسط المسيح ذراعيه على الصليب ، كذلك الكنيسة تقرّب ذاتها به ومعه وفيه شافعةً في جميع الناس .
  عجائب القربان المقدس نقلت لنا عبرالأجيال لتسند إيمان الضعفاء ، ولتزيل شكوكهم ، ويقوى إيمانهم . يسوع يجترح عجائب قربانية كثيرة عبر الأجيال ليؤكد على مدى تاريخ الكنيسة بأنه هو الخبز الحقيقي النازل من السماء.فمعجزات القربان ظهرت للمؤمنين منذ القرون الأولى ،لنطالع أعجوبة ( لانشانو)-
 إيطاليا التي حدثت سنة 750 ، حيث في ( الكلام الجوهري ) تحول القربان إلى قطعة من ( اللحم والدم ) خلال كلام التقديس ، لقد تم فحص قطعة اللحم هذه في السبعينات من القرن الماضي ، فأكد العلماء إنها قطعة من عضلات طريّة لقلب بشري . . لقد كانت هناك في العصور الغابرة الآلاف من البراهين بان يسوع هو جسدياً موجود في القربان المقدس . و( لانتشاو) هي مجرد واحدة من تلك الحالات العديدة المشهورة في العالم .
في عام 1317 أخذ كاهن القربان الأقدس إلى رجل مريض في فيفرسيل – بلجيكا . وضع حُقة القربان ( وعاء خاص للقربان المقدس له غطاء ) على الطاولة وذهب للتكلم مع أقارب المريض . في الوقت عينه أخذ الفضول بأحد الأقرباء فأقترب من حُقة القربان ، وكان في حالة الخطيئة المميتة ، في فضوله أزال الغطاء عن القربانة بيديه . في الحال بدأت القربانة تنزف دماً ، فرمى القربانة في الحُق وهرب من المكان . حين عاد الكاهن ليناول المريض وجد الحقّ مفتوح والقربانة ملطخة بالدماء . لم يعرفكيف يتصرف . فذهب إلى الأسقف وأخبره عن الحادث . لاحظ الأسقف أن الأمر خارق للطبيعة فأمر الكاهن بأن يأخذ حقّ القربانة إلى كنيسة دير الراهبات السيستيريات في هيركنرود نظراً لسمعة الدير .
ذهب الكاهن الى الدير وما ان وصله أخبر الراهبات عن المعجزة وذهب اياهن الى المذبح . حين فتح الكاهن الغطاء الذي كانت القربانة بداخله شاهد رأس المسيح المكلّل بالشوك ظاهراً على القربانة . كان ذلك بمثابة اعلان من الرب عن رضاه وقبوله بالبقاء في هذا الدير
الكثير من الشعب قدم وشاهد المعجزة وأصبحت كنيسة هيركنرود مكانا شهيراً يؤمّه الحجّاج . بقي القربان في كنيسة الدير حتى سنة 1796 حين طُردت الراهبات منه اثناء الثورة الفرنسية .في تلك الأزمنة الصعبة للكنيسة كان  القربان العجائبي في رعاية بعض العائلات الى أن أُخرِج سنة 1804 من مخبأه بإحتفال مهيب ووضع في كاتدرائية القديس كوينتين في هاساليت لكن الأهم من ذلك بكثير – من بناء وجمال كاتدرائية هاسيلت – هو وعاء الذخائر المقدسة
 مع القربان المقدس المعجزة الإفخارستية المدهشة التي وقعت في 1317، والتي يتم الاحتفاظ بها تماما دون أي عنصر كيميائي . وضعت الذخيرة المقدسة على مذبح خاص حيث يتم تكريمها من قبل المؤمنين ، وما زالت معروضة حتى يومنا هذا .
    القديسة كاترينا السيانية ( 1347-1380 ) لقد أعطاها يسوع بذاته القربان المقدس بفمها . كانت  القديسة من أعظم المتعبدات للقربان المقدس ، فما يمكنها يوماً أن تعيش دون تناول يسوع حبيبها . قال عنها الكاهن مرشدها : كانت كاترينا تعرب لي غالباً عن جوعها الشديد إلى طعامها السماوي ، فإذ كنت يوماً راجعاً معها من زيارة أنفس تقية ساكنة في الجبل ، أعربت لي عن شوقها المضطرم وجوعها العظيم إلى خبز الملائكة ، فأجبتها بأني متعب جداً ، وأن وقت القداس قد عبَر . فسكتت ، ثم أعربت ثانيةً عن جوعها الشديد ، فذهبت إلى الكنيسة ، وأبتدأتُ بالقداس الإلهي . وبينما كنت أكسر البرشانة المقدسة طار جزء منها ونزل على لسان كاترينة التي كان وجهها يشع نوراً سماوياً . هكذا يشبع الرب الجياع إلى حُبه ، والعطاشى إلى مرضاتِه . ليت لنا هذا الجوع ، وهذا العطش إلى تناول يسوع في قربان .
( الأخت ماريّا كولومبا شون ) " 1744". طار القربان من بيت القربان على طول الكنيسة ونزل في فمها . وبنفس الطريقة وفي نفس السنة طار القربان وحط في فم ( الأخت كريشينسيا هوس ) .
( القديس الكاردينال جان فيشر ) 1859 . تركت قربانة مقدسة أصابعه وطارت إلى فم أحد أفراد المناولة الأولى ، وكان هناك مشكك شاهد ذلك فتاب وبعد ذلك رُسمَ كاهناً .
( تريزيا نيومن ) 1962. شاهدت يسوع يوزع الخبز في أفواه الرسل . لم تتناول تريزيا طعاماً على مدى ستة وثلاثون عاماً إلا القربان المقدس مع الماء ، وكان وزنها في تصاعد مستمر كلما تقدّم بها العمر . كذلك إمرأة من شمال فرنسا التي عاشت إلى الألفية الثالثة ،  مضى على عدم تناولها أي طعام إلا القربان المقدس حوالي خمسين أو ستين سنة . قام مطران المنطقة التي تعيش فيها بسجنها في غرفة في المستشفى لمدة أسبوعين ليمتحنها ، وبعد نهاية الأسبوعين تبين أنها لا تزال في صحة جيدة كما كانت سابقاً . لقد قام المطران بواجبه للتأكد من حقيقة الأمر وكانت هي تقوم بواجبها بالطاعة له .
في عام 1974 قال الأب جوزيف ماري جاك عن مارت روبين 1981 عندما بدأت أقرب القربان صوب فم مارتا لم أستطع ، لقد طار القربان نفسه إلى فم مارتا وحط على لسانها .
 قال القديس الأب بادري بيّو الذي كان غالباً يتألم آلام المسيح أثناء القداس : ( بإمكان العالم أن يوجد بشكل أسهل بدون الشمس من أن يوجد بدون القداس الإلهي ) هذا الكلام يدعونا لنفكر ملياً بضروة الإشتراك بالقداس لكي ننضمّ إلى يسوع لإنقاذ العالم من الدمار وباللقاء مع يسوع نخلص أنفسنا . القداس هو أهم من كل صلواتنا وتراتيلنا ، وما زلنا لا نفهم عمق وأهمية القداس لخلاصنا .
في عام 1988 بينما كانت ( جوليا كيم ) من ناجو – جنوب كوريا تتقبل المناولة على اللسان تحول القربان إلى لحم ودم . بدأت هذه الأعجوبة في حزيران 1988 في عيد خميس الأسرار وتكررت في التسعينات وحتى الآن ، وقد شاهدها الأب الأقدس بعينهِ في روما . هناك عجائب أخرى كثيرة عن القربان تفيد بأن حتى بعض الحيوانات كانت تسجد أمام القربان المقدس . فكيف يُعبَّر اليوم عن تحجر تلك القلوب البشرية تجاه القربان المقدس ؟ وكل العجائب تحدث بالتناول عن طريق الفم ، فلس هناك أعجوبة واحدة حدثت عن القربان المقدس بأيدي المتناولين . أي أن التناول الصحيح هو عن طريق الفم ، لا عن طريق اليد . بدأ المناولة عن طريق اليد في هولندا سنة 1965 . لقد دحض البابا بولس السادس في المنشور ( الإيمان بالأسرار ) لا( للمناولة باليد ) على أنها ( إعتقاد خاطىء قد نُشر ) فبالتالي طلب من الأساقفة الهولنديّين بأن يكتبوا لجميع مهنتهم ويعطوهم الأوامر ليعودوا إلى إعطاء المناولة المقدّسة على الطريقة التقليدية أي بالفم .
    ومن عجائب القربان في العالم نذكر قصة سرقة بعض الأجزاء من القربان المقدس من كنيسة بلدة ( لانجويز ) في إلمانيا . سمح اللص لنفسه بالرغم من أنه مسيحي بأن يرتشي بمبلغ قليل من المال لأخ بعض أجزاء من القربان المقدس وإعطائها لآخرين حتى يقوموا بسبّها وبالتجديف عليها . وبعد مرور فترة على تكرار هذا التجديف على تلك الأجزاء من القربان المقدس ، بدأت فجأةً هذه الأجزاء القربانية تنزف دماً . لقد أصيب المتورطون المشاركون في حفلة التجديف بصدمة ، ومن خوفهم وضعوا الأجزاء من القربان المقدس في قطع من قماش ودفنوها في الغابة بالقرب من بلدة لانجويز . وبعد فترة قصيرة حدث بأن أرستقراطياً بولندياً كان مسافراً على تلك الطريق بالرب من هذه الغابة ، وكانت أربعة خيول التي تجر عربته توقفت وركعت على الأرض . لا شىء ، ولا حتى سوط الأرستقراطي أستطاع أن يجعل هذه الخيول تنهض عن الأرض . عندها بدأ الأرستقراطي في البحث حوله حتى وجد قطعة القماش من الكتان التي تحتوي أجزاء القربان المضمّخة بالدماء . لقد انتشر الخبر بسرعة في المنطقة فجاء الكاهن من تلك البلدة على رأس مجموعة من المؤمنين وأنتشل القربان من الأرض وأعادهُ إلى الكنيسة ، بينما كانت الأجراس تقرع فرحاً وإبتهاجاً.

معجزة القربان المقدس شهد عليها البابا فرنسيس


  عام ١٩٩٦ وفي ختام القداس خرجت امرأة من الكنيسة لتجد أن أحدهم رمى بالقربانة المقدسة أمام الباب ، فما كان منها إلا ان حملتها ودخلت الكنيسة من جديد لتخبر الكاهن بما حدث
  أخذ الكاهن القربانة ووضعها في كوب ماء ، ومن ثم وضع كوب الماء في بيت القربان – هذا عادة ما يقوم به الكاهن في هذه الحالة – فيضع القربان في الماء ليذوب فيها ومن ثم يسكب الماء في جرن العماد .بعد خمسة أيام عاد الكاهن الى بيت القربان ليفتحه فانذهل لوجود القربانة كما هي مغطاة بالدماء
أخذ الكاهن القربانة وذهب مباشرة ليخبر الأسقف المعاون بما حدث وكان الأسقف المعاون آنذاك هو خورخي برغوليو – البابا فرنسيس اليوم.
أعاد برغوليو كوب الماء الى بيت القربان حيث بقي فيه خمس سنوات ، كان خلالها برغوليو قد أصبح هو الأسقف . فأخذ قطعة صغيرة من القربانة وطار بها الى نيويورك الى مختبر مهم . هناك سلم المختبر القطعة دونما ذكر مصدرها . فالخبراء لم يكونوا أبداً على علم بأن ما بين يديهم هو من القربانة.
أتت النتيجة أن قطعة اللحم هذه هي قطعة من قلب أُخذت منه وهو لا يزال على قيد الحياة ! وهو قلب عانى الكثير وتعذب كما وأنه تحمل لطمات كثيرة على الصدر
تم نقل قطعة لانشانو الإيطالية الى نفس المختبر في نيويورك ، وكانت النتيجة هي عينها نتيجة القطعة الأخرى التي أحضرها برغوليو- البابا فرنسيس الى نيويورك: قطعة من قلب على قيد الحياة ، عانى الكثير من الألم واللطمات .
تبقى أعجوبة الافخارستيا، معجزة تحوّل الخبز والماء الى دم وجسد الرب هي المعجزة الكبرى  ، والتي بها نصير نحن جسد الرب


المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   كتاب ( أخرجونا من هنا ! )   ماريا سيمَا
3-   التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
4-   كتاب ( باقة أزهار لمار يوسف البار )

75

الفن التشكيلي والمعماري الأوربي في عصر النهضة
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
   الهندسة الباسيليكية القديمة أستمرت حتى القرن العاشر في إيطاليا . لكن في فرنسا رفعت أبراج السطوح عالية ، ومنذ القرن العاشر إلى الثاني عشر جرت محاولة لهندسة جديدة " الرومانسكية " مع كاتيدرائى ساسن ( 1130) ولاون ( 1163) . إنها تعبير عن القوة والثبات ، مع جدران سميكة وشبابيك صغيرة قليلة ، والنحت البارز في مشاهد الدينونة الأخيرة في المداخل . ثم ظهرت عقلية جديدة ، تبينت وازدهرت في الفن الغوطي من خلال كاتيدرائيات فرنسية عديدة . حفظت في ألمانيا الهندسة الرومانسكية . ونقلت في إنكلترا الغوطية بطريقة خاصة ( كاتيدرائية دورهام ، وكنتوربري ، ويستمينستر ، يورك ) . أن فرنسا وطن الفن الغوطي الصافي ، الذي يتجه نحو الحركة الديناميكية إلى الأعلى ، والتغلب على ثقل المادة ، وسط الألوان البراقة من الشبابيك الكبيرة العظيمة .
   أصبحت الكاتيدرائية كتاباً مصوراً منحوتاً للتعليم المسيحي ، حسب أفكار لاهوتية ورموز كتابية وغير كتابية ، حول علاقة العهد القديم بالجديد ، ثم حياة المسيح والقديسين ، مع تماثيل العذراء والشفعاء ، وأخيراً مع تعابير عن الحياة اليومية ، العمل حسب المواسم ، وصورة النبوية التي ترعب الخاطئين ، لتدعوهم نحو رحمة الله الوافرة . الفكرة الأساسية التي جعلت النهندسين يبحثون عن طريقة البناء هذه ، كانت فكرة لاهوتية قديمة . أن الكنيسة هي رمز أرضي لأورشليم السماوية ، وبواسطة وسائل مادية تحاول الهندسة التعبير عن هذه الرؤيا السماوية ، خاصة من خلال السقف العالي مع الأقواس المحدبة حول الأعمدة الأربعة الرئيسية ،، والجدران المكونة من نوافذ وألواح زجاجية ملونة ، وكان الضوء يخترق الجدران الزجاجية الشفافة . كنائس عالية وطويلة مطعمة بفسفسائيات من الزجاج الملون ، ومزينة بمئات من الأعمال النحتية تمثل أشخاصاً قديسين بطريقة طبيعية لاهوتية .
الفن الرومانسكي في القرن الحادي عشر :
حاول الغرب في القرن الحادي عشر الخروج من ظلام الإنحطاط ، وإصلاح الأبنية التي دمرت أثناء الغزو النورماني . برز في الجنوب العالم العربي في بعض المراكز كقرطبة وغيرها ، وقُبل في الشرق الروس في الكنيسة وأزدهر الفن البيزنطي المتوسط ، الذي أثر على البندقية وإيطاليا وألمانيا . حاول الغرب الدفاع عن المملكة المسيحية في حين أن البابا غريغوريوس السابع بذل جهوده للتغلب على منافسه الأمبراطور في صدد السلطة العليا ، كنسياً ودولياً . في هذه الفترة كان دير كلوني أعظم مؤسسة دينية كنسية وأهم مركز ثقافي . سنة 1095 كرست كنيسة كلوني الثالثة على يد القديس هوغو ، وكانت أكبر كنيسة وقتذاك ، وبنيت على قياس كنيسة مار بطرس في روما . إلى جانبها الكنيسة الضخمة الثانية ، الكنيسة الأمبراطورية في سبيرس على ضفة نهر الراين . زد على ذلك نفوذ مراكز الحج المتعلقة الواحدة بالأخرى ، كسلسلة من الكنائس في طريق المسافرين نحو ذخائر القديسيين . كذلك مع تطور الشعور الوطني خاصة في فرنسا ، أسبانيا الشمالية ، أيطاليا ، ألمانيا ، إنكلترا السكسونية ثم النورماندية . وفي فرنسا ظهر الفن الغوطي المتقدم فبنيت أديرة رومانسكية ضخمة ، وتم تجديد الواجهات الأمامية لبعض الأديرة مع تقليل الجدران لوضع شبابيك كبيرة لأدخال كمية أكبر من النور .
    في القرن الخامس عشر ظهرت في ايطاليا حركة ثقافية وفنية في وسط الأزدهار الثقافي الرائع لإاكتشفت صورة جديدة عن الإنسان والمجتمع دفعت المبدعين إلى البناء والتطور حسب أفكار علمية لمجتمع القرون الوسطى في حقل الأعمال القانونية والعلمية ، ثم في الفنون ايضاً نحت تمثال الفارس ( دوناتيلو ) وتميز أسلوب رسامين فيرنزا ( ماساشيو ، ليبي ، بوتيشيلي ) ، وكذلك ليوناردو دافنشي ( 1452-1519) الكاتب والعلامة والفنان الذي حاول أن يرسم الجمال الأعلى ، والتوازن العقلي ، في الوجوه الإنسانية المثالية بأسلوب جديد مستمداً ذلك من العمق الديني تعبيراً عن ذلك وضع برونليشي قبة كنيسة فيرنزا ( 1420 – 1434 ) منذ ذلك الوقت ، وإلى بناء قبة كنيسة القديس بطرس في روما من قبل مايكل أنجلو نحوسنة ( 1550 ) . أزدهرت النهضة التي أحدثت تغييراً في التفكير والتصرف الإنساني . أنتقل التركيز من مجتمع الكنيسة الواحدة إلى الإنسان الفردي . ومن القوانين الإلهية المتشددة إلأى الحرية العقلية ، ومن التصوف الروحي والكاتدرائيات العالية إلى القصور المدنية العالية إلى القصور المدنية العادية والواقعية البيتية . وإلى جانب الطبقات الثلاثية في القرون الوسطى ، الفارس والقس والفلاح ، يظهر الآن العالم والفنان والتاجر . إنها ثورة ونهضة للإنسان البالغ الكليم بأسمه الذي يرسم حسب أسلوبه ، والذي يكتب عن نفسه ويدافع عن شرفه الشخصي ، وإكتشافاته العلمية العقلية ، وينتقد المجتمع . يردع هذا الإنسان في خط القدماء إلى الطبيعة ، إلى إمتلاء الحياة الإنسانية ، مع القيم الجسدية حسب الإكتشافات الحديثة العلمية . قدم الفنانون مواضيع غير دينية ، وخاصة مشاهد من الأساطير الإلهية الوثنية . أكتشفت الطبيعة والعالم بشكل أوسع مما كانت عليه خلال القرون الوسطى .
 في القرن السادس عشر انتشرت حركة النهضة في بلدان أوربا كلها ومع مرور الزمن ، أصبح أسلوب النهضة الخفيف اللين الجميل الذي كان في القرن الماضي أكثر إحتفالي وضخم في القرن السادس عشر ، كما أن المركز نقل من فيرنزا إلى روما . بابوات النهضة جمعوا في روما كل الفنانين الكبار ، لكن الفرح بالأمور الطبيعية والصراحة في التوازن والصفات الخاصة لبداية النهضة تغيرت غلى حركة شديدة الهوية ، مع المبالغة في الحجم والتزيين . في هذه الأثناء ألف آريوزو متابه ( رولاند الثائر الهائج ) وشدّ مايكل أنجلو حركة النهضة نحو ( الباروك ) كما يظهر من بناء قبة كنيسة مار بطرس ( 1547- 1564 ) لذا يمكننا القول بأن النهضة الإيطالية انتهت سنة ( 1494 ) مع الهجوم الفرنسي ، وخاصة سنة ( 1527) مع سلب روما على يد الجنود الألمان ونفوذ الغرباء فيها .
 

76

دموع التوبة غذاءُ الروح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  قال الرسول بولس لتلميذه ( وإن أتذكر دموعي أجدني في غاية الشوق لأن أراك لأمتلىء فرحاً ) " 2 تيم  4:1"
   كل إنسان بحاجة إلى التوبة للعودة إلى الله بإنسحاق ، فالتوبة الحقيقية تبدأ بالقرار الذاتي للعودة إلى الطريق الصحيح بالإعتراف أولاً من كل القلب بعدم العودة إلى ممارسة تلك الخطايا .  فالتوبة الصادقة أمام الله يجب أن تمس قلب وفكرٍ وضمير الإنسان فتدفعه إلى البكاء على ما إقترفه من خطايا ، فيذرف دموعاً غزيرة أثناء تأمله أو إعترافه بخطاياه وكما فعل القديس بطرس عندما أنكر سيده ثلاث مرات
    الدموع تنبع من العيون أثناء الصلاة الصادقة ، أو عند التفكير بحجم الخطيئة التي إقترفها  . مع دموع الصلاة يدخل الإنسان إلى عمق الذات فيدرك حجم خطيئته التي أهان بها الله ، فالدموع التي يذرفها التائب خارج الجسم ، تطهره من الداخل . وتلك الدموع شيئاً فشيئاً تبلغ إلى دموع أسمى وأنفع منها ، لا تتوقف ، ولا تجف نهاراً وليلاً لأنها مقدسة ، لهذا تزداد بلا توقف لأنها تُعَبّر عن شوقٍ متزايد إلى حب الله .
كما علينا أن لا ننسى أنواع أخرى من الدموع والتي لا علاقة لها ببحثنا نذكر منها :
1-   دموع الأطفال
2-   دموع التماسيح : وُصِفت بهذا الأسم لأنها دموع كاذبة يذرفها المنافقوق لخداع الناس.
3-   الدموع المطرية : دموع تذرفها العين لكي تحافظ على رطوبة العين ، ولكي تتحرك بسهولة في التجويف .
4-   قطرات الدموع الصناعية : تستخدم لعلاج العين .
5-   دموع الممثل : ناتجة عن إندماج الممثل مع الدور الذي يقوم بمتمثيله ، للممثل المبدع القدرة على البكاء وذرف الدموع الوهمية الكاذبة .
وهناك من يستخدم الدموع الصناعية
6-   دموع تقشير البصل التي تذرف لا إرادياً نتيجة تأثير عصارة البصل على العيون .

    قديسين كثيرين كانوا يرافقون صلواتهم القلبية بالدموع . وتلك الدموع التي كانت تولد لهم وجعاً وألماً في الرأس ، فالدموع الأولى تدعى دموع التطهير ، لكن عندما يتقدم صاحب تلك الدموع في مسيرته تلك سيجتاز إلى مستوى آخر من الدموع ، ستأتيه دموع الفرح ، ومعها يصير وجهه الكئيب جميلاً ومضيئاً ، كما سيشاهد كل إنسان أمامه منيراً ورائعاً روحياً ، ثم تأتي مرحلة دموع أخرى أسمى منها ، وللبلوغ إليها يتعلق الأمر بمقدار الطهارة وغصب الذات ، والغيرة الروحية الصادقة ، والحرارة الإيمانية التي يحملها كل مؤمن .
   كثيرين من الناس اختبروا دموع الفرح ، كمن يرى ابنه المفقود لسنين طويلة أمام عينيه فيذرف دموع الفرح ، أو عندما يحصل أحد أبنائه على النجاح ، وهناك من يبكون دموع الفرح في عرس أبنائهم . كما أن الأخبار والوقائع التي تستحضرها ذاكرة الإنسان تدفعه أيضاً إلى أن يذرف دموع الفرح .
   للدموع مراحل تتوسط مرحلة الأهواء . فالدموع الأولى هي دموع التوبة والتطهير ، فكل إنسان مؤمن عندما يسقط في الخطيئة عليه أن يُفكر مدى بعده عن الله ، وكم أقترب من الشرير ، وكم أحزن الذي مات من أجله على الصليب ، وكم أفرح الأبليس ؟ وهذه الأفكار تصل به إلى مقدار الجريمة التي اقترفها ، وبعدها تأتي دموع النِعمة ( ... ولكن حيث كثرت الخطيئة إزدادت النعمة جداً ) " رو 20:5 " . دموع النعمة عذبة وحلوة للغاية ، عبر عنها أحد الآباء وقال ( إلهي ، لا أرغب شيئاً سوى الفردوس ، لا أريد شيئاً سوى أن أذرف دمعاً كهذا ) .
   الدموع غذاءُ الروح ، فكما أن الجسد يتغذى بالطعام ، هكذا يتغذى الروح بالدموع . فعلينا نحن المؤمنين أن نمتلك دموعاً عندما نصلي أو نتعمق في التأمل لكي نعتاد أن نبكي في خطواتنا التي نرفعها إلى الله وهكذا نتقدم نحوه .
    الدموع هبة من الله لقديسيه الذين كانوا يطلبون منه أن يهبهم بدموع كثيرة لكي يبكوا ليلاً ونهاراً حتى صار للبعض القدرة على البكاء وحيثما يرغبون .
   المجاهدون الروحيين كانوا يرافقون صلواتهم بالدموع ، ليس من أجل خطاياهم هم ، بل من أجل خطايا العالم كله . ومن أجل إيمان الذين لم يعرفوا إبن الله الذي مات من أجلهم ، وموهبة الدموع تهجر عيون من يبرد في الإيمان .
   من الكتاب المقدس نذكر بطلاً من أبطال الدموع ، وهو داود الملك الذي اقترف بعض الخطايا المميتة في حياته ، كالزنى والقتل ، فقبل أن يعترف بتلك الخطايا التي أهان بها الله الذي اختاره من دون اخوته ليصبح مسيح الله وملكاً وكاتب معظم المزامير ، وقائداً عسكرياً ناجحاً وبارزاً وحّدَ كل أسبط أسرائيل ويهوذا . لهذا أرسل الله إليه نبيه ناثان الذي نبهه ، فأعترف في الحال بخطاياه ، فغفر له الله على لسان النبي الذي قال له ( الرب قد نقل عنك خطيئتك . لا تموت ) " 2 صم 13:12 " . بعد ذلك انطلق داود المختار الذي سيأتي المسيح من سبطه بالبكاء كأبن لله الذي أحبه وغفر له ، وبكائه أستمر طول حياته ، فقال ( صارت دموعي لي خبزاً نهاراً وليلاً ) " مز 3:42 " .
   لم يستريح داود من البكاء ، ولم تنشف مقلتاه من ذرف الدموع ، فظل يبكي على خطاياه إلى يوم مماته . فكان يبلل فراشه بدموعه متذكراً لخطاياه التي كان يراها أمامه في كل حين ، فقال ( خطيئتي أمامي في كل حين ) " مز 3:51 " . وكان يطلب من الله أن يحفظ تلك الدموع عنده في زق ( مز 8:56 ) . ولم يخجل داود بالإعتراف بخطاياه وبدموعه التي عبّرَ عنها بتوبته المرافقة بالدموع التي كان يذرفها بدون خجل ، بل وضع مزامير كثيرة عن التوبة التي ترافقها الدموع . رأى بعض المفسرين بأن لدموع داود علاقة بماء المعمودية . يقول القديس غريغوريوس النزينزي : توجد معمودية خامسة ، وهي عاملةُ بالأكثر ، معمودية الدموع ، حيث كان داود يبلل كل ليلة فراشه ويغسله بدموعه .
عبّرَ داود عن توبته التي دفعته على ذرف الدموع ، فقال ( أستمع صلاتي يارب ، وإصغي إلى صراخي . لا تسكت دموعي لأني غريب عندك ، نزيل مثل جميع آبائي )" مز 12:39 "
التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "

77

التهيئة للصوم الأربعيني المقبول لدى الله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
كتب أشعياء النبي عن الصوم ( ألا يكون في مشاطرة خبزك مع الجائع ، وإيواء الفقير المتشرد في بيتك ... ) " 7:58"

    الصوم هو أول وصية إلهية للإنسان في جنة عدن . وقد أبتدأ العمل به بعد سقوط الإنسان . ومن أبرز متطلبات الصوم هو التهيئة النفسية والأستعداد لخوض معركة الصوم بالإنقطاع عن الطعام أولاً ، وذلك لأن الإنسان كسر وصية الله بإطعام فمه فسقط في الخطيئة ، فعليه أن يعمل العكس وهو الإنقطاع من تناول الطعام أثناء الصوم لكي يثبت لمن خطأ إليه بأنه خاطىء وضعيف ونادم محتاج إلى الصفح من لدنه . عندما يصوم الإنسان فلا يجوع جسده فحسب ، بل سيجوع إلى الله أيضاً ، والبحث عنه يحتاج إلى صوم وصلاة وصدقة وصفح لمن أخطأ إليه لكي يصفح عنه الله ، وبحسب الصلاة الربية ( إغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا ) ، وفي فترة الصوم يجب النيل من الكبرياء ، والأبتعاد من مديح الناس لكي لا يصبح الصائم كالمرائين . لأن الصوم يجب أن يكون روحانياً أولاً لا مادياً فقط ، وذلك لأجل تغيير الذات ومسيرة الحياة . وعكس ذلك يكون مرفوضاً من قبل الله ( طالع أش 56: 2-5 ) ويسوع المسيح حذرنا من ممارسة الصوم الخاطىء ، فوضع شروط للصائمين ، وقال ( وإن صمتم فلا تعبسوا كالمرائين ، فإنهم ينكرون وجوههم ، لكي يظهروا للناس إنهم صائمون . الحق أقول لكم  إنهم أخذوا إجرهم ) " مت 16:6" فالإنسان المرائي غايته من الصوم هو لبس قناع الخِداع لكي يبرر نفسه أمام الناس ، فيتظاهر بوجهٍ آخر أمام الجموع . إنه يتناسى أقوال الرب في الأنجيل ، قال ( إياكم أن تعملوا بركم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم . فلايكون لكم أجرٍعند أبيكم الذي في السموات ... ) " مت 6: 1-4 " كان صوم الفريسين غير مقبول لدى الله لأنه لم يخلى من الكبرياء والأنانية ، وحب الظهور، بل الفريسي في داخل الهيكل تباهى بصومه أمام الله ، فقال ( ... إني لست مثل هذا العشار . فإني أصوم في الأسبوع مرتين ... ) " لو18 : 11-12 "  .
    الصوم المقبول لدى الله يجب أن يسبقه إعلان التوبة بإنسحاق وتواضع ، لأن التوبة هي إستنارة وعبور من الظلام إلى النور ( الشعب الساكن في الظلمة أبصر نوراً عظيماً ، والمقيمون في أرض ظلال الموت أضاء عليهم نور ) " أش 9: 2 و مت 16:4" . وكما فعل وانتصر شعب نينوى عندما تابوا ولبسوا المسوح ووضعوا الرماد على رؤوسهم ، وصار الرماد رمزاً للصوم . ففي بداية الصوم الكبير يرسم الكاهن صليب من الرماد على جبين كل مؤمن في اليوم الأول من الصوم ، والذي يسمى ب ( إثنين الرماد ) في الكنائس الشرقية . أو ( أربعاء الرماد ) في الكنائس الغربية . فالصوم يبدأ بالتواضع والأنسحاق ، والتوبة ، والصلاة والقراءات ، وحضور الكنيسة ، وهكذا يتم تحطيم قيود الشر بقوة الإيمان المبني على أرضية الإتضاع . الكتاب المقدس يربط التوبة الحقيقية بالصلاة والصوم وإرتداء المسيح والجلوس على الرماد ومسح الرأس والجسم بالرماد . تقول الآية ( ولما سمع آخاب هذا الكلام ، شق ثيابه وجعل مِسحاً على جسده ، وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت ) " 1مل 27:21 "
   نعيش فترة الصوم بإتزان روحي مقبول لدى الله ، وبحسب وصية السيد القائل ( أما أنت فإذا صمتَ فإدهن رأسك وأغسل وجهك ، كيلا تظهر للناس أنك صائم ، بل لأبيك الذي في الخفية . وأبوك الذي في الخفية يجازيك ) " مت 6: 17-18" . كما علينا أن نعلم بأن الله يريد من المؤمن قلباً نقياً أكثر مما يريد الجسد الجائع ، وإلا ما فائدة الصوم لصاحب القلب الخاطىء . فالصائم يجب أن يبتعد من عمل الخطيئة ، ويصون لسانه من التحدث بالسوء لمن مات المسيح من أجله . ويصوم قلبه وعقله من الشهوات والطمع والأباطيل والعمل بمحبة مع الجميع . فالصائم الذي يعطي كل أمواله للفقراء بدون محبته لهم لا ينفع شيئاً ( طالع 1 قور 12 ) .
   الصوم هو إمساك الإنسان فمه ونفسه ، أي ضبط النفس في العفة والعطف لكي يكون سيداً على أهوائه ورغباته . لهذا تعتبر الكنيسة أسابيع الصوم الكبير فترة تنقية الذات ومدرسة للتوبة ، وهي أفضل أيام السنة ، يجب على كل مؤمن أن يعيشها بقداسة لأنه زمن العودة إلى الله للعيش في خشوع ، وتقوى ، ومخافة الله ، وقراءة كلمته الإلهية ، أنه زمن البكاء والنحيب على البعد الذي عاشه الإنسان عن الله بسبب عصيان الوصايا وممارسة الخطايا . فبالصوم يعود الإنسان إلى ما قبل الخطيئة والموت . وهذا هو السبب الأساسي لإمتناعنا عن تناول اللحوم ومشتقاتها في فترة الصوم . قال الله للإنسان ( ها قد أعطيتكم كل عشب يخرج بزراً على وجه الأرض كلها . وكل شجر فيه ثمر يخرج بزراً يكون لكم حطاماً )" تك 39:1 " فالإمتناع والإنقطاع عن أكل اللحوم ومشتقاتها يعني في المفهوم اللاهوتي والروحي ، العودة إلى إنسان ماقبل الخطيئة إلى زمن التنعم بالخيرات السماوية الإلهية .
   في الختام نقول ، أن الصوم الصالح والمقبول هو الذي يأخذ مكانه الطبيعي في القلب ، لأن القلب هو مركز ومصدر الإحساس والعاطفة ، ومركز العلاقة بين الإنسان والله . فالإنسان الصائم يجب أن يجعل قلبه هيكلاً حياً يذبح المسيح عليه شهواته ، أي شهوات الصائم وملذاته . فيخلق منه المسيح خليقة جديدة بالروح ، ومن ثمار الصوم إقتناء الفضائل الإلهية الرئيسية . وهدف الصوم هو البلوغ في القداسة ، وهذا ما يريده الله من المؤمنين ( كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي قدوس ) .

      التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1 "
       


78

لم يعد الألم شراً في حياتنا

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( من أراد أن يحفظ حياته يفقدها ، ومن فقد حياته يخلصها ) ” لو 33:17″

يعتبر الألم والعذاب والمرض من نصيب جميع البشر . وإن كان هناك للألم والمرض أنواع ، فإيماننا المسيحي يقودنا إلى تحمل آلام هذا الدهر ، فعلينا أن لا نشوّه معنى العذاب الذي نعيشه

ولا نقلّل من وطأته ، كذلك يجب أن لا نبحث عنه ونتلذذ به لتعزيز إيماننا ، بل أن نجابهه ونتحمله من أجل من حمل الآلام من أجلنا . عذاب الألم المفروض علينا بسبب إيماننا يعتبره المجتمع شراً ، أما لدى المؤمن فلم يعد الألم شراً مطلقاً ، وحتى وإن كان ظلماً ، فالألم يعطي الأمل للوصول إلى الله ، الألم والشر والظلم في حياتنا الحاضرة نعتبرها صلبان ثمينة فعلينا تحملها بكل صبر ، كذلك الموت مخيف لمن لا رجاء له ، أما المؤمن فيعتبره ربحاً ، لأن بعد الموت هناك قيامة . سيقوم كما قام المسيح ، تقول الآية ( وإن كان الروح الذي أقام المسيح من الأموات ساكناً فيكم ، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم ) ” رو 11:8 ” .

  العذاب هو من نصيب الإنسان ، بدأ معه بعد سقوط الأبوين ، لهذا فهو نصيب الوجود البشري في هذا العالم . وحتى الحب يرافقه العذاب . وبالعذاب يأتي المولود إلى هذه الحياة . ولماذا يريد الإنسان ان يبقى بدون ألم ؟ للألم معاني ودروس مهمة لمن يفهمها قد تنتهي بالسعادة . فآلام يسوع وموته أنتهت بالقيامة والحياة الجديدة . هكذا آلامنا تحمل معنى وغاية ، ستنكشف لنا في حياتنا الزمنية وفي الأخرة .

   عندما نتألم بآلام يسوع سنرى في الألم معنى ، وهدف لا بد من إدراكه وفهمه ، وذلك عندما نكشف أن الله حاضر معنا ، وفي إمكاننا أن نلتمس وجوده في الظلام أو في الحزن والألم . أي ليس العذاب في حد ذاته إشارة إلى أن الله غائب عنا . ولم يكن الله غائب عن ابنه المصلوب الذي جعل من عذابه طريقاً لكل من يؤمن به إلى السماء حيث الحياة الأبدية . أي أن الله ينفذ في داخل الألم ليحوله إلى فرح ، رغم شعورنا بالخذلان وقت التجربة ، فعلى المؤمن أن لا يعرف طريقاً للتهرب من العذاب ، بل يعرف طريقاً يؤدي به إلى ما وراء العذاب ، فنقاوم الألم بالصبر متضامنين مع يسوع المتألم على الصليب . والمسيحية بدون صليب لا معنى لها . وفي وقت الألم والضعف نستطيع أن نلتقي مع الله .

   الله لا يكشف ذاته للأقوياء والأغنياء والمترفهين في القصور ، بل للمُفدين يكشف ذاته . أنه أب ومُخلّص يتضامن مع الإنسان المتألم الضعيف . فأين أتضح هذا التجلي الإلهي مع الضعيف ؟  أتضح على الصليب إتضاحاً تاماً أن الله يقف إلى جانب الضعيف ، والمريض ، والفقير ، والمظلوم ، أنه يهب نعمته للمرفوضين والمسحوقين وللمتألمين ,

    محبة الله لنا لا تحمينا من الألم ، بل تحمينا في الألم ، وهكذا يبدأ في الحاضر ما لا يكتمل إلا في المستقبل ، أي تبرير الإنسان ، والإنسان يجب أن يصمد في إيمانه لكي لا يشعر بعذاب الألم ولكي يستعيد إيمانه ويوقظه ويصونه كلما ضعف وحتى في أحلك الظلمات .

    نشاهد في هذا العصر إنتشار الحروب والظلم والبؤس والجوع والإستغلال ، لكن هناك مؤمنون يتحدون لأيمانهم بأن لله سلطة وغاية على تلك الظروف . فالحكام المستبدين الذين يسودون عليهم  ويتحكمون بعيشتهم ، لكنهم يؤمنون رغم ذلك بأن المسيح هو السيد الحقيقي ، لأن روح الله الساكن فيهم هو مقياس فكرهم وإرادتهم ، وأن الله سيزيل كل تلك السلطات لكي يكون هو سيدهم الوحيد . هكذا قال لنا الله في الصفحات الأخيرة لكتابه المقدس ( يسكن الله معهم ويكونون له شعباً ، الله معهم ويكون لهم إلهاً ، ويكفكف كل دمعة تسيل من عيونهم ، لم يبق للموت وجود ، ولا للبكاء ، ولا للصراخ ، ولا للألم ، لأن العالم القديم قد زال ) .

ولربنا وإلهنا كل المجد .

التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1″

79

لطف الله خلص البحارة ويونان ونينوى
بقلم / وردا إسحاق قلّو

يونان نبي من الأنبياء العهد القديم الصغار . ذكر في سفر الملوك بأنه عاش في زمن الملك يربعام بن يوآش أحد أقوى ملوك أسرائيل ( إنظر 2 مل 24:14 ) في أيام يونان زادت خطيئة شعب نينوى الأممية ووصلت إلى محضر الرب ، لكن الله أشفق على شعبها وأراد أن تشملهم رحمته لأنه يريد الخلاص لجميع الشعوب عكس ما كان يونان يظن ، والذي كان يريد العكس إنتقاماً لما نقله الآشوريين بالشعب العبري من تسلط ودمار وسبي .
   أختار الله يونان والذي يعني اسمه ( حمامة ) والحمامة كانت تستخدم في القديم لإيصال الرسائل . كذلك أراد الله أن يرسل رسالته عن طريق يونان الذي تمرد وأراد الهرب من المهمة إلى ترشيش أي إلى بلاد أسبانيا .
    عندما نقرأ الأصحاحات الأربعة من سفر يونان النبي نجد في قصته أموراً صعبة الإدراك لأنها تناقض قوانين الطبيعة ، كبقاء يونان في جوف الحوت بدون تنفس ، لكنه بقي حياً . لا وبل كان واعياً يفكر بدقة ، فقرر إعلان توبته ، وبعد ذلك رفع طلبه إلى الله الذي كان له يد خفية في كل أحداث تلك القصة ، حيث كان يقودها بحكمة ويهيىء كل شىء بدقة لتسير الأمور إلى ما هو صالح للجميع . لهذا نقرأ بأن الله كان يراقب كل شىء ، ويتحكم بالأحداث وكالآتي:
1-   أرسل ريحاً شديدة إلى البحر " 4:1" .
2-   جعل النوتية يوقط يونان النائم ووبخه لكي ينهض ويشترك مع الجميع لحل تلك المشكلة
3-   جعل البحر يزداد هيجاناً .
4-   جعل القرعة تقع على يونان رغم كثرة عدد الركاب في السفينة .
5-   أعد حوتاً عظيماً ليبتلع يونان عند قذفه غلى البحر من السفينة .
6-   حفظ الله يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وبكامل وعيه لكي يتوب ويصلي ويعلن أستعداده لتنفيذ المهمة .
7-   الله خلص البحارة البحارة بعنايته فهدأت العاصفة والبحرفخافوا من إله يونان فقدموا له الذبيحة .
8-   أمر الله الحوت ليقذف يونان إلى البر ( 10:2 ).
9-   أعد الله يقطينة لتمو بسرعة وتظّل يونان ( 6:4.
10-   أعد الله دودة عند طلوع الشمس لتقرض اليقطينة
11-   أعد الله ريحاً شرقية حارة لتضرب الشمس رأس يونان ، فذبل وانزعج فطلب الموت لنفسه ( 8:4) .
12-   الله خلص أهل نينوى بسبب توبتهم السريعة .
13-   الله خلّصَ يونان رغم تمرده .
14-   الله خلّصَ البهائم التي لا علاقة لها بخطايا البشر .

جميع الخلائق أطاعت الله إلا يونان ( 1- البحر 2- الريح 3- قُرعة الوثنيين لمعرفة المذنب 4- الحوت 5- نبات اليقطينة 6– الدودة ) . الإنسان يمتاز بالعصيان والتمرد ، فيونان الذي أراد أن ينهزم من وجه الله إلى ترشيش كان تصرفه وقراره غبياً وكأن الله لا يراه أو يقرا أفكاره ، وكما فعل آدم مع زوجته عندما سقطا في الخطيئة وتعرا فلجأ الأثنان إلى ما يخفيهم عن أنظار الله وكأن الله لا يرى خلف السواتر .
رغم عصيان يونان وحقده لأهل نينوى الوثنية ، وعدم تنفيذ وصايا الله ، فالله بسبب مراحمه رفض طلب يونان منه لكي يميته بسبب اليقطينة ، وذلك لأنه لومات يونان في أثناء غضبه وتمرد وعصيانه وعدم محبته لخلاص حتى الأطفال الأبراياء لكان موته يؤدي إلى الهلاك الأبدي . كذلك لم يشأ الله أن ينفذ طلب أيليا والذي كان الموت ، بل رفعه إليه بإكرام .
   الله رتب كل شىء لكي يقود يونان إلى التوبة في جوف الحوت ، وهناك شعر بخطيئته ، فصلى إلى الرب فأستجاب له لأن صلاته كانت قلبية وصادقة . صرخات يونان من الهاوية وتذرعاته النابعة من قلب مؤمن وصلت إلى الله ، وكان ليونان ثقة كبيرة بأن الله سيخرجه من بطن الحوت سالماً ، وهو سيقوم بإيصال الرسالة إلى الهدف . كما كان يمتلك إيماناً عميقاً لهذا اختاره الله لهذه المهمة ، بل كرم الله عمله في العهد الجديد عندما دافع عنه الرب يسوع واصفاً أياه أمام اليهود بأنه آية أي مُعجِزة ، بل بقائه في جوف الحوت ثلاثة أيام كانت رمزاً لبقاء المسيح في جوف الأرض المدة نفسها ( طالع مت 12:  39-40  ) .
    الله بسبب محبته ولطفه وصبره ربح شعب نينوى ويونان أيضاً . لذلك يقول الرسول ( أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته ، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ) " رو 4:2" فلا تسىء إلى إستغلال لطف الله وصبره معك أيها الإنسان . فتكملة الآية تقول ( ولكن من أجل قساوتك وقلبك غير التائب فإنك تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة ). كذلك قال ( نتأمل إذاً لطف الله وشدته ، أما الشدة ، فعلى الذين سقطوا ، وأما لطف الله فمن نحوك ما دمت تثبت في اللطف . ولو لم تكن ثابتاً ، لكنت أنت أيضاً تقطع ) " رو 22:11 " ليتمجد أسم الله الرحيم . 

التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1" [/size]


80
البرية معبر للقاء مع الله

قلم / وردا إسحاق قلّو
  البرية أرض خصبة أمينة يؤمن بها الإنسان نفسه من ضجيج العالم ومن مشاكل والتجارب ، وفيها ينكر العالم ليقترب من الله . وفيها يصبح حراً ليتفرغ للتجرد من كل المغريات ويبتعد عن الشهوات والغنى ليعتاد الفقر . هناك الصوم ، والصلاة ، والتأمل ، والنسك . وأول من هجر العالم ولجأ إلى البرية في العهد الجديد كان يوحنا المعمدان الذي نعتبره أول راهب نكر العالم ليصبح مُلكاً لله وحده . لجأ إلى البرية ليتعلم في جامعتها البر ، وفيها يستطيع أن يزيل الحاجز الخارجي بينه وبين الخالق . وهناك يسيطر على حواسه الجسدية ، فرضيَ عنه الله وجعله الصوت الصارخ في برية هذا العالم ( أش 3:40 ) وهناك سّرَ الله به وأختاره لكي يعد الطريق أمام أبنه  ، ولكي يستقبله في نهر الأردن ، ويعمده بالماء ، والله أكمل عمله بتعميده بالروح ، وبعد ذلك دخل يسوع أيضاً البرية الخارجية ليبتعد عن العالم .
   الشعب اليهودي الذي أدخله الله برية سيناء لمدة أربعين سنة كان لإعداده للدخول إلى أرض الميعاد بإستحقاق . أذاً نحن المؤمنين أيضاً يجب أن ندخل البرية الخارجية لكي نستطيع أن نتهيأ للدخول إلى أرض الميعاد السماوية . علينا أن لا نجعل رجائنا في ما لهذا العالم ، بل أن نخرج منه للقاء الرب الذي ينتظر عودتنا إليه . ولكي نلتمس وجهه المنير ، ونسمع صوته في داخلنا . إذاً العزلة ضرورية لخلاصنا . فهل يجوز أن يعزل كل الناس في البراري والجبال تاركين العالم للوصول إلى ذلك الكنز الثمين
    البرية نوعان : البرية الخارجية كالتي تحدثنا عنها ، والبرية الداخلية الموجودة في داخل كل إنسان . اي العلماني الذي يعيش في العالم يستطيع أن يتركه وإن كان فيه ليدخل برية القلب ، ويعيش مع الله ولله ، وعرش الله ليس في السماء فحسب ، بل في قلب كل إنسان مؤمن يُسَلّم ذاته له ويعيش القداسة . فالإعتزال ليس من نصيب الأنبياء والنُسّاك فقط ، بل هو نصيب كل المؤمنين ، لأن الله جعلهم أمة عظيمة من الأنبياء والكهنة والملوك . لهذا يستطيع كل واحد أن يلتمس يد الله ووجهه . لا بد من الذي يعيش في العالم أن يعمل ويزوج وينجب ، لكن المهم أن يعيش في الصحراء الداخلية ، وأن لا يفضل ما في العالم على الكنز الثمين الموجود في قلبه .
لا يصلح لله من أحب المال أكثر من الله ، ولا كل ما في هذا العالم . صوت الله ينادينا لكي نتبعه ، فعلينا أن نترك كل شىء ونتبعه كما تبعه إبراهيم ، وكما تبعه بطرس الرسول وأخيه وأبني زبدي ومتى العشار والقديس أنطونيوس أب الرهبان . صوت الرب ينادي كل إنسان ، وعلى المرء أن لا يتحجج ويقول للرب ( أسمح لي ، أولاً ، بأن أدفن أبي ، فالرب سيقول له : دع الموتى يدفنون موتاهم ، وأنت أتبعني ) . لأن كل ما في هذا العالم يقع تحت سلطة الموت ، فعلى الإنسان أن يتحرر من ذلك السلطان ليدخل في سلطة الله ومحبته . ومن دون اللجوء إلى البرية يستحيل الدخول إلى أرض الميعاد التي أعد لنا الله فيها البيوت المناسبة ، كما أعد كل ما لا تراه عين أو تسمع به إذن . فبرية هذا العالم تتطلب منا الفقر والتجرد من كل ما يغوينا في هذا الدهر .
    الله لا يتمجد في الإنسان إلا عندما يقيم في البرية . يستطيع أن يستعمل الإنسان في حياته كل شىء من هذا العالم وكأن لا شىء له ، أي أن لا يحب المخلوقات أكثر من الخالق . وأن يبتعد من إقتراف الخطايا لأنها تشكل حاجزاً بينه وبين الله ، فعليه أن يستئصلها ويقاوم عمل المجرب في حياته .
   كلمة الله أخذت في يوحنا المعمدان موضعاً عميقاً فحفرت في قلبه البرية الداخلية أيضاً . ففَضلَ كلمة الله وعاشها بتجرد . وأختار طعاماً بسيطاً من الجراد والعسل البري . ولباسه وبر الأبل . وحقويه ممنطقة من الجلد . أي أختار شظف العيش في هذا العالم ليتعزى بالمائدة السماوية مع حبيبه يسوع . هكذا ينبغي على كل إنسان مؤمن أن يعِدَ نفسه للظهور الإلهي في داخله ، ولكي يرى مجده كيوحنا الذي جعله الروح أن يفرز حمل الله بين الجموع على نهر الأردن ويتعرف عليه .
   وبإختصار ، علينا أن لا نهتم إلى أشياء كثيرة في هذا العالم ، لأن الحاجة هي إلى واحد ! فينبغي أن نتوب توبةً صادقة للدخول إلى البرية التي هي الطريق الأفضل للإقامة في كنف الله . ولمعاينة بهائه الذي لا يوصف ، وله كل المجد .
 
التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1″

81

شراكة الإنسان في الطبيعة الإلهية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
    في جوهر الله يوجد تبادل محبة بين الآب والإبن والروح القدس . هذه هي ماهية الله أو هويته الحقيقية . وما هو في داخل الله من محبة يخرج إلى الخارج ليشمل الإنسان الذي خلقه على صورته كمثاله . عندما سقط الإنسان في الخطيئة ، من فيض محبة الله ، أراد أن يخلّص الإنسان ويكشف له أبوة الآب ، وبواسطة المسيح ينال البنوة ( الروح القدس نفسه يشهد مع أرواحنا بأننا أبناء الله )  وبه ننادي ( يا أبتا ) كما أن الروح يمنح البشر ( حرية أبناء الله )  ” رو 15:8 – 16″ و ” غل 6:4 ” ويسوع المسيح هو ( بكر لأخوة كثيرين ) ” رو 29:7″ ( لا يستحي المسيح أن يدعو المؤمنين به إخوة له ) ” عب 2: 11-12 ” وداعياً أياهم أحباءه ” يو 15:15″ . وهكذا تتجه البنوة والأخوة والصداقة نحوسيادة يسوع المسيح على كل البشر ، لأنه يريد أن يكون العالم كله له ” قول 16:1 ” لأجل ذلك يجذب الله الآب البشر لأبنه ، وبحسب قول الرب ( جميع الذين أعطاني الآب يقبلون إليَّ ) ” يو37:6″ فنستطيع أن نقول إن الإنسان هو هدية الآب للإبن ، والأبن يتقبلهم من الآب ويعيدهم إليه ( كل ما هو لي فهو لك ) ” يو 10:17 ” فيصبحون ورثة الله ، وشركاء المسيح في الميراث والمجد . ” رو 17:8 – 18″ .

    كذلك سيشارك الإنسان إلهه في كيان واحد . ففي الإفخارستيا يتحد جسد المسيح ودمه مع جسد ودم الإنسان فيصبحا كياناً واحداً موحداً . وكل المؤمنين بالمسيح هم جسد واحد وهورأسهم ، وهكذا يكتمل الإنسان مع الله ، وبضعف الإنسان تكمل قوة الله . كما أن الوحي الإلهي القدوس يسكن في جسد الإنسان الطاهر ، والروح القدس هو الله . تقول الآية ( ألا تعلمون أنكم هيكل الله ، وأن الروح حال فيكم ؟ … هيكل الله مقدس ، وهذا الهيكل هو أنتم ) ” 1 قور 3: 16-17 ، 9:6 . 2 قور 16:6 ” فالمؤمن بيسوع المسيح يصبح هيكل الروح القدس الذي يحل فيه ويملأهُ ، ويجعل الآب والإبن يسكنان فيه إذا أحبوا أخوتهم ( يو 14: 15- 23 ) لأن روح الله هو روح المحبة ( رو5:5 ) .
    أما مستقبل الإنسان وهدفه فهو الإتحاد الكلي بالله ، الله الآب الذي يصبح ( كل شىء في كل شىء ) ” 1 قور 28:15″ . الله الإبن يصبح به المؤمن واحداً فنعبر عنه ( في المسيح ) و ( مع المسيح ) . فالوحي المسيحي يقّر بأن غاية حياة الإنسان هي الحياة الأبدية . إلا أن الإنسان في حاضره الأرضي حيث ملكوت الله هو حاضرً بين البشر ( طالع لو 21:7) وذلك ، أن الحياة الأبدية ، والملكوت تبدأ على الأرض بالإيمان ، لهذا تقول الآية ( الحياة الأبدية هي أن يعرفوك ، أنت الإله الحق وحدك ، ويعرفوا الذي أرسلته ، يسوع المسيح ) ” يو 3:17 ” .
    الألم والموت في هذا العالم يكتسبا بيسوع معنى عميق . الا وهو أنهما يقودان إلى الخلاص الأبدي . فكل شخص ٍ يتألم يتحد بشخص المسيح المتألم ، وبآلامه الخلاصية ، علاوة على أن الآلام في حد ذاتها تطهر المتألم من ذاته كالنار . فهذه هي ثمرة الألم الثلاثية الأبعاد ، وهي
تطهير الذات . الإتحاد بالمسيح . الأشتراك معه في خلاص البشر .
  ختاماً نقول : الفرق بين الوحي اليهودي والمسيحي في هذا الموضوع هو أن الله في العهد القديم أقترب من البشر بالرموز . فتابوت العهد هو رمز لحضور الله في وسط الشعب .
   أما في العهد الجديد فأصبح الله إنساناً ( متخذاً صورة العبد ، وصار على مثال البشر وظهر بمظهر الإنسان ) في العهد الجديد خص جميع البشر ورفعهم عالياً وجعلهم شركاء في الطبيعة الإلهية . ليتمجد أسمه القدوس .

التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1″

82

عذاب العذراء على هذه الأرض

   بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال سمعان الشيخ لمريم
(حتى أنتِ سيخترق نفسكِ سيف ... )
" لو 35:2"
   للعذاب فوائد ودروس لحياة الإنسان الروحية ليحرره من قيود وإغراءات هذه الأرض ، لكي يتوجه نحو ما هو أفضل وأسمى من هذا العالم . والعذاب تضحية من أجل الآخر حباً بالمسيح الذي تعذب ومات من أجل الجميع ، فمريم شاركت المسيح في عذابه منذ ميلاده حتى مماته على الصليب أمام أنظارها وبقربها . وإلى إنتقالها إلى السماء . فالعذاب كنز لنا ، وهدية من السماء لمن يتحمله بصبر وإيمان ، فينال من بعده التكريم .
 فعذاب مريم مستمد من عذاب أبنها ، فكما تعذب يسوع ومات من أجل الكثيرين ، هكذا يريد من كل مؤمن به أن يحمل صليبه ويضحي من أجل الآخرين ( ما من حب أعظم من هذا أن يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه ) " يو 13:15" .
    زعم أحد الوعاظ بأن مريم لم تتألم ، فهل كان إدعائه صحيحاً ؟ مريم العذراء عاشت كل الأسفار التي عاشها يسوع منذ ولادته في المغارة فتحملت البرد والحر وتعب الطريق والجوع والخوف ، وحتى ملازمتها لأبنها في طريق الجلجلة وإلى قمتها فشاهدته عندما كان يُسّمَر على الصليب ، ويُهان ، ويتعذب ، وأخيراً موته المشين على خشبة الصليب عارياً أمام الجميع . فأي أم لا تتعذب عندما ترى ابنها الوحيد يتألم ويموت ! ومريم تعلم بأن هذا المصلوب هو أبن الله . فهل من الصواب أن مريم أمنا لا تتألم مثلنا وخاصةً على ابنها ، أم حقاً قاسمته أوجاعه ؟
  آرائنا حول عذابات مريم لا يجوز ان ترتكز على الإفتراضات ، بل علينا أن نقرأ الأحداث المدونة لنا في الأنجيل منذ بشارة الملاك وحتى آخر لحظة في حياة مريم . ففي اليوم الذي سبق ميلاد ابنها كانت تتعذب في الطريق إلى بيت لحم ، وهناك طردت مع خطيبها من قبل كل سكان البلدة لكونهما فقيران ، فلم يشفق أحد على حالها . ، فاضطرت أن تتحمل ذلك الألم لكي تلد ابنها في مغارة الحيوانات ، وهناك أكتنفها برد وجوع وإنزعاج ، فشعرت بالمرارة ، وفي تلك اللحظات كانت تمر بمحنة أليمة لأنها تعلم أن الذي تلده في حضيرة الحيوانات هو إبن العلي . لا تعلم بأن أبنها قد أختار ذلك المكان لكي يعلِّم المؤمنين درس التواضع ومهما كانت منزلة الإنسان في المجتمع . فمن خصائص الحب التنازل .
    مريم تعلم بأن كل شىء كان يسير بحسب إرادة الله فشاركت ابنها الإلهي تلك الإرادة .
    أما عن نبؤةِ سمعان الشيخ المخيفة في العذراء فبدأت بعد ختان الطفل يسوع وهربها السريع بالطفل مع مار يوسف إلى مصر خوفاً من سفك دم الإله المتجسد . وهكذا بدأ سيف الأوجاع ينغمس في قلبها . تركت أرض الآباء لكي تتجنب إنتقام الملك السفاح ، فرحلوا على عجل وبدون استعداد إلى مصر . وفي مصر أيضاً كانت تعيش بخوف وقلق لملاحقة جنود هيرودس الطفل . فعاشت هناك في فقر وخوف وألم النفي من بلادها مع عائلتها الصغيرة . حوادث كثيرة لم يذكر الأنجيل تفاصيلها . وعذاب مريم أساسه الحب ، وعلينا أن نسند كل عذاباتنا نحن على مبدأ الحب ، فبسبب حبنا ليسوع كمريم علينا أن نتألم وحتى وإن أخترنا الموت بدل الحياة . فيسوع يحب المتألمين ، وهو الذي سمح لأمه أيضاً أم تتألم على هذه الأرض . فإن تألمنا أيضاً ونحن نحب ، فنجد المكافأة والسعادة كما وجدتها مريم .
  بعد العودة من المنفى ، كان تأثيرالتهديد ما يزال قائماً لجلوس إبن هيرودس على عرشه فلجأت العائلة إلى الناصرة . في أحدى زيارات العائلة المقدسة إلى أورشليم للزيارة ، توارى يسوع إبن الثانية عشر عن حنان أمه لثلاثة أيام ، فعاشت مع مار يوسف في خوف وقلق . عندما وجدته في الهيكل قالت له ( يا ابني لما صنعت بنا هكذا ؟ ) وأخيراً تستمر مسيرة العذاب إلى طريق الجلجلة وهناك وصل عذاب مريم إلى ذروته وذلك عندما كانت تشاهد مع النسوة ابنها المصلوب . وهل نستطيع أن نعبّر عن العذابات التي كانت تعيشها العذراء تحت الصليب ، وما كان يجيش في قلبها وفكرها من لوعة وأسى ؟ ظلت واقفة تحت الصليب صامدة بوجه خطة الأشرار لكي تقدم للبشرية كل حبها ، وكل ما تملك وهو ابنها الإله إلى جميع البشر من أجل خلاصهم . قالت عنها القديسة تريز الطفل يسوع : أم مريم هي أول كاهن لأول ذبيحة للعهد الجديد  تكتب عنها :
  ( يا مريم تبدين لي ، على قمة الجلجلة ، واقفةً عند الصليب مثل كاهن على المذبح . تقدمين حبيبك يسوع ، عمانوئيل الوديع حتى تُسَكّني عدالة الآب ) .
ذاك ما قاله أحد الأنبياء ( أيتها الأم الموجوعة ، ما من وجع يضاهي وجعك . يا مليكة الشهداء ، ببقائك منفية ، تريقين لأجلنا كل دم قلبك ) .
    في الختام نقول : ليست العذراء وحدها مدعوة للعذاب مع ابنها الذي تجسد ليتعذب في كل إنسان . فكل إنسان مدعو ليتعذب أيضاً مع يسوع ليصبح شريكاً له في موته وقيامته . فكما نموت معه في المعمودية ، علينا أن نتعذب لنقوم معه أيضاً . لأننا نؤمن بمحبته ووعوده لنا جميعاً . ولنتذكر قوله ، قال ( من أراد أن يتبعني فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ، لأن الذي يريد أن يخلص حياته يفقدها ، وأما الذي يفقد حياته في سبيلي و سبيل البشارة فإنه يخلّصها ) " مر 34:8" .  إذاً المسيح يدعونا إلى مسيرة درب الصليب لنصل إلى المرحلة الأخيرة التي هي الموت والإستشهاد حباً مع المسيح وللمسيح له كل المجد .   
التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1"


83
التجسد الإلهي في العذراء مريم

بقلم / وردا إسحاق قلّو
( أن كل روح يعترف بأن الرب يسوع المسيح قد أتى في الجسد فهو من الله )
"1 يو2:4"

في عمق الزمان خطط الله لخلق الكون المتكون من السموات والأرض وكل ما يُرى وما لا يُرى ، فخلق بكلمةٍ منه الأرض ومليارات النجوم والكواكب الشبيهة بأرضنا ، يقول العلماء أن عدد النجوم والكواكب يساوي حبات الرمل على شواطىء البحار . ففي مجرتنا ( درب التبانة ) يوجد مئة مليارنجم , كما يوجد خمسون مليار مجرة أخرى في الفضاء، وكل نجومها تسير بنظام ودقة متناهية لأن الله هو الذي يُسيّر الكون وكل هذا أعده الله لخلق الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله لكي يتسلط على الأرض كلها ” تك  1 : 26 ” .

لقد أعطى الله للإنسان المخلوق حرية الأختيار في عبادته وإطاعة شرائعه وكان يعلم بأنه سيخطأ يوماً فلا يجوز أن يخلقه للهلاك فوضع له خطة لخلاصه . كانت الخُطة أنه مهّد أبنه الوحيد الأزلي لكي ينقذ الجنس البشري الخاطىء ، فكانت فكرة تجسد الأبن من الأمور المهمة قبل الخلق . الأبن هو الكلمة والكلمة كان عند الله ” يو 1 : 1 ” .

وبهذا فأن الله قد هيأ جسداً طاهراً نقياً لهذه المهمة وهو جسد العذراء مريم أمنا الذي منه سيلد الكلمة الألهية المتجسد وكما تقول الآية ( أنما خرجت من فم العلي بكراً قبل جميع المخلوقات ) “سير 24 : 5 ” .

   خلق الله السموات والأرض وفي اليوم السادس خلق الإنسان وسقط في الخطيئة وبما أن أجرة الخطيئة هي الموت بسفك الدم ، فقد بدأ العهد القديم بتقديم ذبائح حيوانية من تيوس وكباش وثيران وغيرها وكانت كلها تقدم لله لمغفرة الخطايا لكنها لا تفي بالغرض المطلوب عند الله ولا حتى دم إنسان لكي يكافىء الخطيئة ويصالح الله مع البشر .

إذاً الإنسان لا يستطيع أن يعيد العلاقة بينه وبين خالقه الذي يستطيع دفع الثمن ، لهذا على الله ولمحبته الفائقة للبشر أن يدفع الثمن ، لكن الله روح وليس فيه دم لكي يُقدمه ذبيحة عن البشر لهذا قرر أن يرسل أبنه الوحيد لكي يتجسد من أجل هذا الواجب وبموته يسكب دمه كذبيحة لكي يصبح خاتم كل الذبائح وبه سيتم الصلح وينشق حجاب الهيكل هذا الحاجز الذي يرمز الى غضب الله على الإنسان فبموت الرب سيزيل هذا المانع فتبتسم السماء بوجه البشر حينذاك سيبشر ملاك الرب البشر قائلاً :

 ( المجد لله في العلى ، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة ) ” لو 2 : 14 ”   

بدأت فترة النبؤات عن التجسد الألهي أبتداءً من سفر التكوين 3 : 15 ،

” وأثير عداوة دائمة بينك وبين المرأة وكذلك بين نسليكما هو يسحقرأسك “

أما أبينا يعقوب فتنبأ في بركته الى أبنه يهودا في تك 49 : 12 – 8 ” قائلاً :  “

(( يهودا أياك يحمد أخوتك وتمون يدك على . . .

( لا يزول قضيب من يهودا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب . . . ) .

شيلون هو الرب يسوع المتجسد وكما أكد لنا كاتب سفر العدد 24 : 17 نفس النبؤة قائلاً ( يبرز من يعقوب ويقوم قضيب من أسرائيل ) .

  وهكذا تعاقبت نبؤات ورموز لهذا التجسد فالعليقة المشتعلة التي رآها موسى في جبل حوريب وهي لا تحترق كانت رمزاً ورسماً للعذراء التي ستحبل بالكلمة المتجسد ، هذه الأنسانة المقدسة والمطوبة من جميع الأجيال دون أن تحترق بنار اللاهوت المتجسد الذي يضيء أحشائها ، لم يسمح لموسى أن يقترب من العليقة على الجبل لأنها مقدسة ،

فكم بالحري تكون قدسية العليقة الحقيقية مريم أم الرب وكم يجب على الأنسان أن يحترس عندما يقترب منها بأفكاره وكم يجب أن يقدسها !! ؟

أما حزقال النبي فرأى باب المقدس المتجه للشرق مغلقاً فقال له الرب :

( هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه أنسان لأن الرب اله أسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ) ” حز 44 : 2 – 1 “.

وهذا الباب كان يرمز الى رحم العذراء التي ستحبل بالكلمة المتجسد .

أما دانيال النبي فحدد لنا زمن الميلاد بقوله :

قد صدر القضاء أن يمضي سبعون أسبوعاً على شعبك وعلى مدينة قدسك ، لأنتهاء من المعصية والقضاء على الخطيئة ، وللتكفير من الأثم ولأشاعة البر الأبدي وختم الرؤيا والنبوءة ولمسح قدوس القدوسين لهذا فأعلم وأفهم أن الحقيقة الممتدة منذ صدور الأمر بأعادة بناء أورشليم الى مجيء المسيح ، سبعة أسابيع ، ثم أثنان وسبعون أسبوعاً ، يبني في غضونها سوق وخليج ، انما تكون أزمنة ضيق ، دا 9 : 25 – 24 . أما أشعياء فقد تنبا عن ميلاد الله المتجسد في 7 : 14 قائلاً :

. ( ها العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعو اسمه عمانوئيل)

والمقصود بهذه الآية هو أن هناك معجزة في كلمة العذراء التي ستحبل وهي عذراء وتلد وهي عذراء  .

تنبأ أشعياء بهذه الاية التي يقصد فيها بأن مريم ستبقى عذراء قبل وأثناء وبعد الميلاد لهذا لم يدعيها عذراء بل ( العذراء ) المعرفة بأداة التعريف .

 إذاً الحبل والميلاد تمّ بقوة الروح القدس

أما النبي ميخا فتنبأ بمكان ميلاد الرب قائلاً  :

( أما أنت يا بيت لحم أفراتة ، مع أنك صغيرة بين ألوف قرى يهودا ، الا أن منك يخرج لي من يصبح ملكاً في أسرائيل وأصله منذ القديم ، منذ الأزل ) ” مي 5 : 2 ” .

وهكذا عندما تم الزمان ” غل 4 : 4 ” . جاء ملاك الرب وبشر مريم قائلاً :

(. . .   ها أنت ستحبلين أبناً وتسميه يسوع)

لأن مريم قد نذرت من قبل والديها للهيكل وتريد أن تلتزم بذلك الوعد وتحتفظ ببتوليتها دون تراجع فوضح لها الملاك بالقول بأن هذا الحبل لا يمس بتوليتك ونذرك بل ستظلين كذلك الى الأبد .

 أما طريقة الحبل فهي من عمل الله وحده لا يدركها عقل أنسان وحسب قول الملاك  :

 ( …   الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك) ” لو 53:1″ .

 وهكذا حل الروح عليها فحبلت بالكلمة الأزلي وأتخذ جسداً من لحمها ودمها لكي يصبح إنساناً ويحل بيننا ، أي سكن لاهوت الرب في أحشائها تسعة أشهر متحداً بالناسوت أذ أتحد

اللاهوت بالناسوت في أحشاء مريم أتحاداً أبدياً بغير أنفصال أو تغيير أو أمتزاج فدعيت أم الإله ، لأنها ولدت الله المتجسد وأنه ليس من زرع بشر بل من قوة الله ، بحلول الروح القدس عليها بقيت عذراء لأنها لم تلد مجرد مخلوق بل إله متجسد والذي حل فيها وهي عذراء وخرج منها وهي عذراء لأنه الله الذي لا يحده مكان وهو القادر على كل شىء ، أي أن ولد منها وتظل بتوليتها مختومة وهذا ما حدث فعلاً   ولادة الرب كانت عجيبة ، لا تدرك وكما يليق بالولادة الإلهية ، كذا يليق بكلمة الله الذي ولد من أب من دون أم أن يولد من أم دون أب ، لتكون ولادته الثانية شهادة على الولادة الأولى  .

 ” 4 : 12 ” : لقد أكد لنا سفر نشيد الأنشاد بتولية العذراء بهذه النبؤة في

( أنت جنة مغلقة يا أختي العروس !! ) . ( أنت عين مغلقة وينبوع مختوم )

وهكذا خرج الرب من القبر والقبر مختوم ، يا لها من أعاجيب رهيبة لنا من الخالق ،

تمت نبؤة ميخا فولد الرب في بيت لحم وكان في تلك الكورة رعاة بشرهم ملاك الرب قائلاً

( فها أنا أبشركم بفرح عظيم يعم الشعب كله .  فقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ) ، هو نفسه أحبنا وأرسل أبنه كفارة عن خطايانا وهكذا صار الكلمة جسداً ليخلصنا بمصالحتنا مع الله . 1 يو 4 : 14 .

لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثالاً لنا في القداسة فنقتدي به  .

  ( أحملوا نيري عليكم وتعلموا مني) ” مت 29:11″

صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا شركاء في الطبيعة الالهية ، وهذا هو السبب الذي من أجله صار بشراً لكي يصير الأنسان أبن الله بدخوله في الشركة مع الكلمة وبنيله البنوة الألهية لأن أبن الله صار أنساناً والهاً وعلى قول الملاك زار الرعاة الطفل الألهي وبعدهم ملوك مجوس من المشرق فسجدوا له ، إذاً بشارة الملاك تشمل الرعاة الفقراء والملوك الأغنياء وكل الطبقات الأجتماعية الأخرى تقع بين قوسي الفقير والغني أي أن بشارة ميلاد المخلص هي لجميع البشر لقد سجد له الملوك وهكذا ستسجد له جميع المخلوقات في السماء وما في الأرض فيكون لها الخلاص ولهذا ولد أبن الله العلي وحسب قوله :

( لهذا ولدت أنا ولهذا قد أتيت الى العالم لأشهد للحق ،  كل من هو من الحق يسمع صوتي )

” يو 18 : 38 ” .

ببركة العذراء التي شاركت الرب في سر التجسد نطلب من الرب المولود أن يكون نوراً للجميع ، وسلامهُ يعم كل الأمم لأنه رئيس السلام  .



84
أصل لاهوت الكلمة المتجسد


بقلم / وردا إسحاق قلَو

قال الجالس على العرش ( … الألف والياء ” البداية والنهاية ” أنا أسقي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً ) ” رؤ 6:21″ 

   كتب لنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية ” 4:4 ” ( ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه ، وقد ولد من إمرأة ) أي أنه كان موجوداً فأرسله لكي يتجسد ، ويتخذ جسداً بشرياً وكما سردت لنا قصة ولادته الطبيعية في بداية الأصحاح الثاني من أنجيلي البشرين متى ولوقا ، فدعي المولود ( إبن الله ) وحسب وصية الملاك للعذراء في ( لو 35:1 ) ولماذا ؟

لأن المولود ليس من ذرية آدم الخاطىء ، بل هو من الروح القدس الذي حل في أحشاء مريم وحتى ولادته لم تكن طبيعية كباقي البشر ، بل كانت معجزية تلائم والمولود الإلهي ، ولكي تبقى أمه دائمة البتولية . المولود هو كلمة الله الحي ، والموجود قبل كل شىء ، أي أنه مولود وليس مخلوق . أنه موجود قبل العذراء التي ولدته ، وقبل إبراهيم وحسب قوله ( أنا كائن قبل إبراهيم ) لم يقل أنا كنت ، بل أنا كائن . فهو كائن أزلي ، الذي كان ، والذي يأتي في نهاية الزمان . لقد وضح فكرة أزليته لليهود الذين عاصروه قائلاً : ( أبوكم أبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح ) ” يو 56:8″ . 

   المولود من مريم هو كلمة ( في البدء كان الكلمة ) ” يو 1:1 ” تبدو هنا الكلمة قواعدياً مؤنث ، لكن المقصود بها ليس الكلمة الملفوظة بالفم ، بل بالمقصود بها وهو (يسوع ) وحسب الآية  ( ويدعى اسمه كلمة الله ) ” رؤ 13:19 ” . والكلمة صار جسداً وحل بيننا ” يو 14:1 ” . أصل الكلمة هو اللوغس باللغة اليونانية ، ويعنى به العقل والنطق معاً . أي أن المسيح المتجسد هو عقل الله الناطق . لنسأل ونقول متى وجد الكلمة في ذات الله ؟ هل الله الآب وجد قبل الأبن الكلمة ؟ أي متى وجد لاهوت المسيح ليشكل الأقنوم الثاني في ذات الآب الأزلي ؟ للوصول إلى الجواب علينا أن نبحث عن أصل لاهوت المسيح الذي يعلنه لنا الرسول يوحنا الذي لم يدون لنا عن ولادة يسوع الجسدي ، بل تخطى ليبحث بالروح عن أسرار السماء ، والروح كشف له أصل لاهوت المسيح ، قبل كل الخليقة ، فقال ( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة هو الله ، وهو كان في البدء مع الله ) في البدء ، الموجودة في بداية أنجيل يوحنا لا تعني ما تعنيه ( في البدء ) الموجودة في بداية الأصحاح الأول من سفر التكوين والتي تعني تحديد لزمن الخلقة ، هنا يعني بها الوحي الإلهي ( منذ الأزل ) أي لا يحده زمن ، بل أنه خالق الزمن ، وواهب الحياة ، ومصدر النور . به خلق الآب كل شىء ، أي بالكلمة ، وكما يعلن لنا الوحي في بداية سفر التكوين ، وأكده أنجيل يوحنا في الآية ( كل شىء به كان ، وبغيره لم يكن شىء مما كان ) “ يو3:1 ” وهكذا به خلق كل شىء ( فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ومايرى وما لا يرى ، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين . الكل به وله قد خلق ) ” قول 16:1 ” . إذاً في أسم المسيح ( الكلمة ) عمق كبير لا يستطيع العقل البشري المحدود أن يدرك بدايته وأسراره اللامحدودة ، وكما قال الرسول متى ( لا أحد يعرف الإبن إلا الآب ) ” 27:11 ” .   


 
   يسوع المسيح هو اللوغس الأزلي الواحد في الجوهر مع الآب ، لهذا لا يجوز أم نعتقد بأن الآب هو قبل الآب ، ولمجرد كونه هو الآب فيجب أن يكون هو الأول ، بل الأثنان هم فوق الزمن ، وموجودَين معاً ويشكلان مع الروح القدس إلهاً واحداً . فلا يجوز أن يكون الآب قبل الأبن ، أي حاشا للآب أن يكون ولو للحظة بلا عقل ونطق . بما أن المسيح هو الكلمة الناطقة التي بها خلق الآب الكون وكل المخلوقات ، وبه تحدث إلى بني البشر بلسان الأبن الذي جعله وارثاً لكل شىء وبه أنشأ العالمين ( عب 2:1 ) المسيح هو الذي كشف لنا أسرار الله الآب لأنه البداية والنهاية ، الأول والآخر . وهو الحق والأبن ، والشاهد الصادق لذهن وعمق الآب . لهذا يختلف يسوع عن باقي الأنبياء لأنه قدم للعالم الكلمة التي تنوّر العقل والبصيرة وتستوعبها عقول كل البشر لأنها كلمة عجيبة نابعة من ذات الله . أنه نور الله للعالم . هذا النور الحقيقي الذي ينير كل مولود في العالم . 

   كان في العالم وبه تكوَّنَ العالم ، ولم يعرفه العالم ( يو 10:1 ) أكد الرب هذه الحقيقة بقوله ( أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة )" يو 12:8 " وبمثل هذه الكلمات لا يتجرأ أحد من الأنبياء أن ينطقها سوى الله وحده الذي هو أصل الوجود ونور السموات والأرض . فكل من يؤمن بالمسيح بأنه أبن الله ستكون له الحياة . ومن لا يؤمن بالأبن . لن يرى الحياة . بل يمكث عليه غضب الله ( يو 36:3 ) ولربنا الملك السرمدي المولود في المذود المجد دائماً . ولربنا المتجسد المجد الدائم .
التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1" 

85

بشارة مريم العذراء والدة الإله
بقلم / وردا إسحاق قلّو

( السلام عليك يا ممتلئة نعمة ، الرب معك... ) " لو 28:1 "
   بشارة الملاك لمريم هي بداية تنفيذ خطة الله الخلاصية لبني البشر . نقرا في الإنجيل المقدس أن ملاك الرب قد بشر العذراء ، وأثناء البشارة تجسد أبن الله في أحشائها عندما قالت نعم . وهذا كان من بدائع القدرة الإلهية . جاء الفادي وتجسد لكي يحرر الإنسان من قيود الخطيئة . لهذا السبب جاء إبن الله وصار بشراً ليعيد البشرية الساقطة إلى مجدها وجمالها الأول ، فغسل معصيتها وقدسها وجَمّلها بدمه ، ورَفعها إلى الأعالي .
  يوم بشارة الملاك لمريم العذراء تحتفل به الكنيسة الكاثوليكية يوم 25 آذار من كل عام . في يوم البشارة حبلت العذراء بالرب المتجسد ، يقع قبل يوم ميلاد الرب بتسعة أشهر . أما الأسبوع الأول من شهر كانون الأول فهو زمن البشارة للعذراء الذي يسبق عيد الميلاد وبحسب ليتورجية الكنيسة الكلدانية . وهناك أربع آحاد لزمن البشارة وهي :
1-   بشرى الملاك لزكريا
2-    بشرى الملاك لمريم العذراء
3-   ميلاد يوحنا المعمدان
4-   بشرى الملاك لمار يوسف البتول

    حصلت البشارة في ملء الزمان عندما أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة ( غل 4:4 ) . هذا الطفل المتجسد يتحدث الرسول يوحنا عن أزليته ، ويقول ( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ... ) " يو 1:... " تجسد إبن الله في بطن العذراء بعد بشارة الملاك جبرائيل . والعذراء كانت في هيكل أورشليم منذ نعومة أظفارها . تركت الهيكل الذي تربت فيه ( يقال أن عمرها في يوم البشارة كان اربع عشر سنة وستة أشهر وسبعة عشر يوماً ) . وذهبت مع خطيبها يوسف البار الذي أخذها إلى الناصرة بعد أن عقد رئيس الأحبار لها عليه ، فساكنته في بيته . وعند البشارة كانت بتولاً عذراء . ويوسف لايزال خطيباً لها . فما معنى هذه المساكنة مع الحفاظ على البتولية ؟ الجواب ، هو أن مريم كانت قد عاهدت الله في الهيكل على أن تحفظ له بتوليتها طول حياتها الأرضية . ويوسف قد رضي بذلك . وإن كان هذان العروسان قد بدِءا بالبتولية وهما شابان طليقان ، فهل من المنطق أن يهجر تلك البتولية السامية والكلمة الإله صار بينهما ؟ نعم عاشا بتولين مع بعضهما كما عاش آدم وحواء في الفردوس قبل السقوط ، فلم يكن آدم يعرف حواء إلا بعد السقوط ، فولد لهم قايين البكر خارج جنة عدن.
   لما دخل الملاك إلى مريم وقال لها ( السلام عليك يا ممتلئة نعمة ، الرب معك ... ) " لو28:1 " . لما رأته أضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن يكون هذا السلام ، فقال لها الملاك : ( لا تخافي يا مريم ، فإنك قد نلت نعمة عند الله . وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسميه يسوع . وهذا سيكون عظيماً وإبن العلي يدعى ، وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه إنقضاء ) .
   إنذهلت مريم لكلام الملاك ، ولما كانت قد عاهدت الله ومار يوسف خطيبها على حفظ البتولية ، لهذا لم تسرع بإبداء القبول الذي كان الهها قد تركه لحريتها ، حتى يكون أكثر كمالاً  . أعترضت على كلام الملاك وقالت له ( كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ؟ ) فأجابها الملاك ( إن الروح القدس يحل عليك وقوة العليّ تظللك ، ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى إبن الله ... ) . إقتنعت البتول ورضيت وتواضعت وأجابت الملاك قائلة ( ها أنا أمَةُ الرب فليكن لي بحسب قولك ) " لو 26:1 " في حينها تجسد إبن الله في أحشائها (  والكلمة صار جسداً وحل فينا ) " يو14:1" . وهكذا أخلى من هو ضياء ومجد الله وصورة جوهره ذاته وأخذ صورة عبد لكي يصير في شبه البشر ، وبهيئة البشر ، متضعاً حتى الموت .
  بعد بشارة الملاك تجسد إبن الله ، وأضحى أبن البتول ، وإبن الإنسان . أعمال الله لا تدركها عقولنا ، فليس لنا إلا أن نسجد أمام أسرار الله العجيبة ونقول له كالعذراء لتكن مشيئتك ، بل نهتف كالملائكة قائلين ( المجد لله في العلى ) . فالأشهر التي تسبق يوم الميلاد هو زمن تحقيق الرب لوعوده التي وعد بها على لسان أنبيائه في العهد القديم .
  إنتظر الآباء في قرون العهد القديم مجىء المخلص الذي تنبأ بمجيئه عدد من الأنبياء ، فكانت الشعوب تعيش في آمال ، وتعتقد أن لا بد للإنسان الساقط من فادٍ يصلح مفاسدهُ ويطهر أثامه وينهضه من غباوته وينير سبيله إلى الله . وفي مجموعة النبوءات تقول عن ولادة طفل إلهي يهبط من السماء ويظهر على الأرض ويبدأ معه عهد جديد للمسكونة كلها . وكان الرومان أيضاً ينتظرون إنبثاق فجرعهد يطلع من المشارق ويحمل إلى الدنيا السلام والطمأنينة والخلاص . أما اليهود فإن خلاصة حياتهم وأهدافهم القومية هو مجىء المسيح المنتظر لكي يحررهم من عبودية الرومان ، وليس من الخطيئة ، وما يزالون ينتظرون !
   أما الإحتفال بعيد تجسد الإله فيعود إلى أجيال الكنيسة الأولى ، ولقد ذكروه في مواعظهم أباء القرن الثالث كالقديس غريغوريوس العجائبي . وتكلم عنه بإسهاب الآباء العظام أثناسيوس وأوغسطينس ، والذهبي الفم في القرن الرابع . وأحتفلت الكنيسة كلها وعلى الخصوص الكنائس الشرقية بهذا العيد إحتفالاً رائعاً . وهي تدعوا هذا اليوم ( رأس خلاصنا وبدء إفتدائنا ) وهي تهنىء البتول بعواطف فياضة وبكل ما عندها من حب وإكرام وحماسة وإبتهاج ، وهي تدعو المؤمنين أجمعين ليعيّدوا ويبتهجوا في هذا اليوم المجيد ، ويسبحوا البتول مع الملاك هاتفين :
( أفرحي ، أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك )

التوقيع : ( فأنا لا أستحي بالأنجيل. لأنه قدرة الله للخلاص ) " رو 16:1"

86

في العهدين ... الحصول على الغفران يتم عن طريق الأعتراف لدى الكاهن
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب
( .. ما ربطتم في الأرض ُربط في السماء ، وما حللتم في الأرض حُلّ في السماء )
  عندما يخطىء الإنسان إلى الله ، هل يستطيع أن يحصل على الغفران بقدراته الذاتية كالقيام بأعمال الخير أو الصلاح ؟ الجواب كلا لأن الخطيئة أفسدت كل شىء ومنها الإنسان الذي خطأ إلى الله .
 حاول الإنسان أن يغيّر طبيعته الفاسدة ببذل الجهود في مجال الثقافة والتطور والتعليم والتهذيب الأدبي وسن قوانين جديدة وفي مجال الفلسفة إضافة إلى إنكار الذات من أجل تطوير مسيرته الإنسانية ، لكنه زاد عنفاً وإنتقاماً ، فأبدع في صناعة آلات الحرب والتدمير ضد من يتحداه من أخوته البشر ، بدلاً من زرع السلام والوئام . وهكذا فشل في تهذيب الشجرة البشرية بسبب أبتعاده من وصايا الله فزاد شراً فوق شر ، وكما قال يسوع ( هل يجتنون من الشوك أو من الحسك تيناً ؟ ) " مت 16:7 " وذلك تبياناً لعجز الإنسان لعمل الصلاح .
  في العهد القديم حاول الإنسان الخاطىء إرضاء الله بدفع الضرائب عن خطيئته وذلك بتقديم ذبائح حيوانية نحرها عبر التاريخ أقوام وأديان كثيرة ، لكنه فشل بالعمل بحسب الشرائع الإلهية والعمل حسب مطالبها فمكث في دائرة الخطيئة . الأعمال التي يحسبها الإنسان صالحة ، ما هي إلا نجسة في نظر الله . يقول إشعياء النبي ( كلنا أصبحنا كنجس ، وأضحت جميع أعمال برنا كثوب قذر ، فذبلنا كأوراق الشجر وعبثت بنا آثامنا كالريح ) " 6:64 " .
  الأعمال التي يقوم بها الإنسان وإن كانت صالحة فما هي إلا دين على طبيعته البشرية لأنه مطالب بالقيام بتلك الأعمال الصالحة ، مع الأبتعاد عن الشر . فكل عمل خير يقوم به أمام الله يكون قد عمل ما هو مطلوب منه كعبد . فأعماله تلك لا تكفر عن خطاياه أبداً ، فخطأ الذي قال ( الصالحات تمحو السيئات ) الأعمال الصالحة مطلوبة من كل إنسان كعبد ، فلا علاقة بذلك في الحصول على المغفرة .
 العبد لا يطمح في نيل المغفرة من سيده إذا عمل أعمالاً إضافية وشاقة ، بالإضافة إلى واجباته المفروضة عليع . فالذي يقترف خطيئة ضد الله القدوس فأفعاله الصالحة لا تكفر عن آثامه لأنه عبد لله . لهذا قال يسوع الرب ( أن فعلتم كل بر قولوا نحن عبيد بطالين ) .
الإنسان يعلمه ضميره بأن الأعمال الصالحة لا تغفر خطيئته ، وإنه بحاجة إلى الغفران من الله ، فكيف يستطيع أن يرضي الله لكي يحصل منه الغفران ، هل بالتوبة مثلاً ؟ الإنسان الذي يقترف جرماً وبعده يتوب ، لكن رغم تقديم توبته للمحكمة مع طلب الصفح بدموع ، لكن المحكمة تصدر حكمها العادل المتعلق بالجريمة ولا تعطي فرصة لضياع العدا وكسر الشرائع المرسومة . هكذا الله العادل متمسك بشريعته فلا يتنازل من عدله ، بل سيعاقب الخاطىء حسب القوانين والشرائع المعلنة ، كالتي وضعها لآدم قائلاً له ( يوم تأكل منها موتاً تموت ) .
 الله قدوس وكل خطيئة يقترفها الإنسان ضد قداسته لها قصاصها ودينونتها . فقصاص الخطيئة يجب أن يكون موافقاً مع الشرائع الإلهية والبشرية معاً والتي تتطلب معاقبة المذنب رغم أعماله الصالحة وتوبته ، لآن الشريعة بدون قصاص لم تبقى شريعة محترمة . والقصاص ضروري جداً للعمل بوصايا السماء . كما أن المغفرة بدون كفارة عن الخطايا هو مضيعة للشريعة والناموس الإلهي .
  في العهد الجديد دفع يسوع ثمن الخطيئة على الصليب فتمت المصالحة مع الله. فكل من يؤمن ويتعمد تغفر له كل الخطايا ومنها الخطيئة الموروثة . وإن أقترف بعض الخطايا في حياته فعليه أن يعترف بها لكي ينال الغفران ، تقول الآية ( وإذا إعترفنا بخطايانا فإنه أمين عادل يغفر خطايانا ويطهرنا من كل أثم ) " 1 يو 9:1 " إذاً هل يمكن أن يرفع كل خاطىء أعترافه إلى الله مباشرةً ، أم هناك من نعترف أمامه لنحصل بواسطته المغفرة من الله ؟
  لنبدأ أولاً من العهد القديم  ومن ثم نتدرج إلى العهد الجديد . في العهد القديم كان لله وسيط ، وهو الكاهن المنتخب والممسوح والذي ينوب عن الله عنده كان الخاطىء يقدم إعترافه ، فلا يجوز لأي إنسان أن يرفع خطاياه هو إلى الله مباشرةً . وهذا النظام تم تطبيقه في العهد القديم . نقرأ في " عد 5:6-7 " ( أوصى الرب موسى قائلاً : كل بني أسرائيل إذا عمل رجل أو إمرأة شيئاً من جميع خطايا الإنسان وخان خيانة بالرب فقد ذنبت تلك النفس فلتقر بخطيئتها التي عملت ) لم يكن الخاطىء يرفع خطاياه إلى الله لمغفرتها ، بل كان يذهب إلى الكاهن ويعترف له ، والكاهن يقوم بتقديم ذبيحة إلى الله لمغفرة تلك الخطايا . نقرأ في ( يش 19:7 ) في قصة عاخان أبن كرمي  ( يا بني أعطي الآن مجداً للرب إله إسرائيل وإعترف له وأخبرني ) . كما لا يجوز تقديم ذبيحة الغفران إلا من قبل الكاهن . داود الملك ، وكاتب معظم أيات سفر المزامير عندما أقترف الخطايا لم يتجرأ بأن يرفع غفرانه إلى الله ، بل أعترف لناثان الكاهن ، وقال له ( قد أخطأت إلى الرب ) والرب لم يقل لداود ، بل لناثان ، فقال ناثان لداود ( والرب قد نقل عنك خطيئتك فلن تموت ) " 2 صم 13:12 "
   في العهد الجديد ننال الغفران من الله بواسطة الكنيسة التي نالت من مراحم المسيح سلطان الحل والربط بواسطة الكاهن . إذاً يجب أن يعترف الخاطىء بخطاياه إلى الكاهن الذي له سلطة الحل والربط .
  هناك معترضون يقولون : إذا أعترفنا عند الكاهن فهذا يعني بأننا لا نعترف لله بل للإنسان . فالجواب هو إننا نعترف لله في مسمع شاهد وهو الكاهن المنتخب والمرسوم والموكل من قبل الله . والمسيح هو الذي يختار له التلاميذ في كل العصور كما أختار رسله وتلاميذه عندما كان على الأرض . إذاً النظام مستمر من العهد القديم والكهنوت لم يلغى ، بل لن يلغى أي شىء من الناموس ، بل أكمله يسوع بالأفضل . ( طالع مقالنا على الرابط )
    في العهد الجديد يجب أن نتوب عن خطايانا أولاً ومن ثم نعترف بها أمام الكاهن لنحصل الغفران .لأن للكاهن  سلطة الحل والربط . والذي يعترض ويقول ، تلك السلطة أعطيت للرسل فقط . فنقول ، بل أعطيت لمن يخلف الرسل من أساقفة وكهنة لأن وصية الرب يسوع مستمرة وبحسب قوله ( ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر ) فالرسل والتلاميذ لم يعيشوا أكثر من عمرهم المحدود . إذاً الكلام هو لرعاة الكنيسة إلى زمن مجىء المسيح . لهذا نجد اليوم سر الأعتراف موجود في كل الكنائس الرسولية ( الكاثوليكية والأرثوذكسية ) وسيستمر إلى يوم القيامة .
   قال اليهود ليسوع الذي قال للمرأة الخاطئة مغفورة لك خطاياك ( لا يقدر أن يغفر الخطيئة إلا الله وحده ) لأنهم لا يعلمون بأنه الإله المتجسد بينهم . وعلى كرسي المعمودية يوجد الروح القدس الإله الذي يطلبه الكاهن وبه تغفر الخطايا . ويسوع القائم من بين الأموات هو الذي نفخ في رسله وقال ( خذوا الروح القدس ، من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم . ومن أمسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم ) " يو 23:20 " . وهذا الروح يختلف عن الروح القدس الذي نزل على الرسل في يوم العنصرة الذي أعطاهم مواهب كثيرة . ولربنا الغافر المجد دائماً
توقيع الكاتب: ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1"



87

التوبة هي التغيير الكامل للحياة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب  ( تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم ) " مت 28:11

   المسيحي الحقيقي الذي يسكن فيه الروح القدس هو الإنسان الذي هيىء جسده لسكنى ذلك الروح الإلهي . لأن روح الله القدوس لا يسكن في هياكل ملوثة بالخطيئة . والخطيئة تدفع الإنسان إلى العبودية ، فتبتعد من نور المسيح . أما الذي يعيش للمسيح فهو خليقة جديدة ، أما الأشياء العتيقة أي الخطيئة التي كانت تستعبده قد مضت بعد الإيمان والمعمودية ليصبح إنساناً جديداً . فالذي يريد أن يكون بحسب قلب الله وخادماً لأبنه يسوع ، فعليه أن يتوب أولاً ، لأن التوبة القلبية تغيّر المؤمن من الداخل والخارج فيتغيَر الذهن والقلب والإرادة والأعمال . بل سيتغيّر كل شىء ليصبح إنساناً مثالياً طاهراً وبحسب إرادة الله . تقول الآية ( ولا تشاركوا هذا الدهر ، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) " رو 2:12 " وهكذا يتغيّر سلوك التائب بالقول والفعل لكي يعيش حياة جديدة مع المسيح وللمسيح عندما يتحرر من عبودية الخطيئة ، لأن الذي يعمل الخطيئة هو عبد لها .
قال يسوع ( الحق الحق أقول لكم : كل من يرتكب الخطيئة يكون عبداً للخطيئة ) .
فالإنسان التائب يعيش حياة جديدة وطاهرة لكي يذهب كل عتيق فيه إلى الزوال ، ولا يعود إليه مرة أخرى كما يقول الرسول ( عالمين أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود أيضاً نستعبد للخطيئة ) " رو 6:6" هكذا يجب أن يكون التائب قوياً لا يفارق فكره وإرادته حياة التوبة ، بل يدعوا الآخرين إلى التوبة . وكذلك يسعى إلى قيادة التائبين إلى ما هو أسمى ، إلى حياة ملؤها القداسة والكمال في المسيح ، كما قال بولس ( به نبشر فنعظ كل إنسان ونعلم كل إنسان كل حكمة لنجعل كل إنسان كاملاً في المسيح ) " قول 28:1" .
    التوبة تبدأ بالتواضع ومن ثم الإعتراف . فبطرس أتضع أمام الرب أولاً ، تقول الآية ( فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلاً : أخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطىء ) " يو 8:5" فدعاه الرب لكي يصبح صياداً للبشر .
    كذلك النبي إشعياء أتضع وأعترف بأنه خاطىء عندما رأى مجد الرب ( أش 5:6 ) فدعاه الرب ، قال ( ثم سمعت صوت السيد قائلاً ، من أرسل ومن سذهب من أجلنا ، فقلت ها أنذا أرسلني ) " أش 8:6 " وكذلك السامرية الزانية وعلى بئر يعقوب قادها الرب في الكلام فأعترفت بخطاياهاالتي أظهرها لها الرب ، ولم تنتظر الدعوة للخدمة ، لكنها اسرعت للذهاب إلى السامرة لتشهد للمسيح المخلص . فالذي يريد أن يقدم نعمة التوبة للآخرين عليه هو أن يتذوقها أولاً . ويتحرر من الخطيئة وطرقها لكي يعيش حياة النعمة ( فأن الخطيئة لن تسودكم ، لأنكم لستم تحت الناموس ، بل تحت النعمة ) " رو 14:6" هكذا التائب يرفض أعمال الجسد ويرفض الخضوع لها ، بل يخضع لهمسات الروح . والروح يقوده إلى النور . فالتائب تتغير سلوكه وسيرته ويبتعد من مشتهيات الجسد لكي ينتعش بالروح ، لأن متطلبات الجسد هي عكس ما يريده الروح ، قال بولس  ( أسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ما يخالف الروح ، والروح يشتهي ما يخالف الجسد ، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون ، فإذا كان الروح يقودكم ، فلستم في حكم الشريعة ) " غل 5: 16-18"
   أما العوامل التي تدفع الإنسان إلى التوبة والمصالحة فكثيرة ، منها الروح القدس الساكن في المؤمن منذ قبول المعمودية ( ومتى جاء ذاك أخزى العالم على الخطيئة والبر والدينونة ) " يو 8:16 " . فالروح يعمل في الإنسان الخاطىء ويدفعه غلى التوبة بعد أن يشعر ضميره بجرم الخطيئة ويذكره بأقوال الرب بأن إجرة الخطيئة هي الموت . فيدفع الخاطىء إلى نبذ عمل الخطيئة ويعمل على التحرر منها ، ويسعى إلى تغيير الذات لكي يعمل أعمالاً صالحة تليق بالتوبة . وقد يكون سبب هذا الأندفاع هو الإصغاء لكلمة الله عن طريق القراءة أو الإصغاء فتلك الكلمة توبخه لكي يعود إلى طريق البر والصلاح ( كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح ) " 2تي 3: 16-17 " وهكذا كلمة الله تنقي ضمير الإنسان وقلبه من دنس الخطيئة وتدفعه إلى سر التوبة والإعتراف للتقدم نحو القداسة ، كما قال يسوع لتلاميذه ( أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به ) " يو 3:15 " .
    ومن الأسباب الأخرى التي تفيق الخاطىء لكي يتوب ويعترف هي عمل الصلاة ، فلا توبة بدون صلاة وصوم كما فعل أهل نينوى . والله يسمع ويعطي لمن يسأل ويطلب بإنسحاق القلب وبدموع ، وحسب قوله ( الحق الحق أقول لكم ، إن كل ما طلبتم من الآب بأسمي يعطيكم ، إلى الآن لم تطلبوا شيئاً بإسمي . إطلبوا تنالوا ، فيكون فرحكم كاملاً ) " يو 24:16 " .
    الله يقبل توبتنا لأن رحمته كبيرة ( إنظر أف 2: 4-25 ) لكن الذي يخطىء عن عمد ، وعلى رجاء التوبة ، ولأعتقاده بأن الله رحيم ، فلمثل هذا لم تأتي رحمة الله ، أي كالذي يقرر بعمل خطيئة الزنى وبعدها يقول سأتوب وأعترف بخطيئتي فلا يحصل على رحمة الله ، فيبقى في خطيئته . ولإلهنا الرحيم المجد دائماً .
التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1"


88


البركات والتطويبات ال ( 16 ) في العهد الجديد

بقلم / وردا إسحاق قلّو

   نقرأ في ختام العهد القديم عبارة تهديد موجهة إلى شعب الله المختار  ، تقول ( ... لئلا آتي " إن لم يتوبوا " ، وأصيب الأرض باللعنة ) " ملا 6:4" . بينما في العهد الجديد تبدلت لغة السماء مع بني البشر ، فالله المتجسد أتى بالتطويبات والبركات بدل اللعنات ليجعل من الإنسان خليقة جديدة في عهد النعمة . ففي موعظته على الجبل أعطى يسوع للجموع التطويبات والبركات  التسعة ، وهي :
1.( طوبى للمساكين بالروح ، فإن لهم ملكوت السموات ) ويقصد بالمساكين بالروح الفقراء في الروح ، أي المتواضعين ، وهكذا يجب ان يكون المؤمن كسيده الذي أتضع  وظهر للبشرية كعبد وهو خالق الكون .
2.( طوبى للحزانى ، فإنهم يعزون ) الحزن والبكاء على أخطائنا يُعَبِّر عن الندم والعمل من أجل تطهير الذات لمتابعة المسيرة على الطريق القويم المؤدي إلى الحياة . 
3.( طوبى للودعاء ، فأنهم سيرثون الأرض ) . الوداعة مطلوبة في حياتنا الزمنية لكي نتجنب الشر والعنف ، لهذا يطلب منا الرب بأن نكون ودعاء كالحمام . أما عبارة ( سيرثون الأرض ) فهي مجازية وليس المقصود هنا بأن الودعاء سيبقون على هذه الأرض ، بل الأرض ستفنى ، كما ستنحل مليارات النجوم والكواكب ، لأن موطننا لا يمكن أن يكون إلا في السماء ، لهذا علمنا  الرب في الصلاة الربية لكي نقول ( ليأت ملكوتك ) . والملكوت لها عدة معان ، كالملكوت الحاضر بيننا ( لو 21:17 و مت 28:12 ) ويعنى بها حياة التقوى في القلب ، لهذا قال يسوع ( فأطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ... ) " مت 33:6 " . كما يقول ( توبوا فقد أقترب ملكوت السموات ) " مت 17:4 " . وكنزنا الحقيقي هو في السماء . فالملكوت هم سيطرة الله على قلوب البشر ، فحيث يكون المسيح ، نكون نحن . وقد أعد لنا في السماء منازل كثيرة . كما يعنى بالملكوت " الكنيسة " إنها مملكة المسيح التي تبدأ من هذه الأرض وتنتهي في السماء عندما تلتحم مع الكنيسة الممجدة .
4.( طوبى للجياع والعطاشى إلى البر، فإنهم سيشبعون ) . هنا يحثنا الرب إلى التحمل وإنتظار وعده لكي يحقق العدل لكل مظلوم وهو الحاكم العادل الذي سيلبي إحتياجاتنا .
5.( طوبى للرحماء ، فإنهم سيرحمون ) كل من يقدم رحمة نابعة من قلب مُحِب سيكافؤه الله مهما كان حجم المساعدة ، وإن كانت قدح ماءٍ بارد للعطشان ، فالله سيكافىء كل من فيه الرحمة برحمة أكبر . 
6.( طوبى لأنقياء القلب ، فإنهم سيرون الله ) نصل إلى درجة النقاء عندما نقترب من الكمال الروحي ، اي القداسة فتصبح قلوبنا طاهرة ومُحِبة للجميع . فالذي يمتلك قلباً نقياً سيلتقي بوجه الله النقي في هذه الحياة وفي الآخرة . 
7.( طوبى لصانعي السلام ، فإنهم سيدعون أبناء الله ) جاء المسيح ليزرع السلام في العالم كله فدعي رئيس السلام ، فكل من يعمل من أجل نشر السلام فإنه يخدم الله والبشر لأنه يعمل بوصايا السيد . 
8.( طوبى للمضطهدين من أجل البر ، فإن لهم ملكوت السموات ) كل مؤمن مدعو إلى تحمل صعوبات هذا العالم فعليه أن يحمل صلبان الظلم ويسير خلف فاديه الذي حمل صليب الفداء من أجل الحياة الأبدية في ملكوت الله . 
9.( طوبى لكم ، إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من اجلي ) على المؤمن أن يتحمل الإهانات والطرد والظلم ، بل عليه أن يقابلها بمحبة وفرح من أجل المسيح الذي أهين ومات من أجله لكي ينال المكافأة منه .
إضافة إلى التطويبات التسعة التي جاءت على فم الرب يسوع نقرأ أيضاً هذه التطويبات
 في " لوقا 28:11 " ( ... بل طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه ) لا تختلف هذه التطويبة عن التطويبات التي سنتناولها في سفر الرؤيا ، قالها يسوع رداً على كلام المرأة التي قالت ليسوع ( طوبى للبطن الذي حملك وللثدين اللذين رضعتهما ) وهنا رفع يسوع تفكير المرأة إلى ما هو عملي بالنسبة لها ولنا وهو سماع كلمة الله وحفظه والعمل به . وهنا لا يستخف يسوع بأمه مريم التي سمعت كلمة الله وعملت بها أكثر من كل البشر . ويسوع بفلسفته أراد أن يقول بأن شَرف القرابة الدموية معه محصور في بعض الأفراد بحكم الطبيعة ، أما الشرف الأسمى ، أي القرابة الروحية معه ، فهو معروض لكل الناس بغير تمييز . فبإمكان كل إنسان مؤمن أن ينال هذا الشرف بحفظهم للكلمة ليكون قريب المسيح كالعذراء التي كانت تحفظ الكلام كله وتفكر به في قلبها ( لو 51:2 ) .
 كذلك التطويبة التي جاءت في كلام القديسة أليصابات لمريم العذراء عندما ردت على سلام مريم عندما ختمت كلامها لمريم قالت ( فطوبى لمن آمنت : فسيتم ما بلغها من عند الرب ) " لو 45:1" .
أما التطويبات الأخرى ،[/color] فبعد صعود يسوع إلى السماء ، دوّنَ لنا الرسول يوحنا سبعة تطويبات في سفر الرؤيا ، خصص ثلاثة منها لكلمة الله وبركة وسعادة الإنسان الذي يقرأها ويحفظها ويعمل بها . أما الباقية فتخص حياة السهر من أجل تطهير الذات للحصول على كنوز الآخرة . نتناول تلك التطويبات بالتسلسل التالي :
1-( طوبى للذي يقرأ كتاب النبوءة وللذين يسمعونه ، ويحفظون ما هو مكتوب فيها ، لأن الوقت قريب ) " رؤ 3:1 " هذه التطويبة تدعونا لقراءة نصوص الكتاب المقدس وحفظها .
2-( طوبى للأموات الذين يموتون منذ الآن وهم في الرب ) " رؤ 13:14 " أي تطويب الإنسان الذي يموت مؤمناً وعلى جبينه وسم المسيحية .
3-( ها أنا آتي كلص . طوبى لمن يكون بانتظاري ، ساهراً وحافضاً لثيابه ، لئلا يمشي عرياناً فيرى الناس عريته ) " رؤ 15:16 " دعوة للمؤمنين لكي يحافظوا على طهارتهم من كل دنس لكي يكونوا جاهزين للدخول إلى ملكوت الله ، فلا شىء دنس يدخل إلى الملكوت .
4-( طوبى للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل ) " رؤ 9:19 " تطويب للمستحقين المدعوين إلى عشاء الرب في السماء .
5-( سعيد "  طوبى " مقدس من كان له حظ في القيامة الأولى ، فلا سلطان للموت الثاني عليهم ، بل يكونون كهنة الله والمسيح ويملكون معه الأف سنة ) " رؤ 6 : 20 " .
6-( ها أنا آتي سريعاً . طوبى لمن يحفظ أقوال نبؤة هذا الكتاب ) " رؤ 7:22 " أي حفظ الكتاب والعمل به .
7-( طوبى للذين يغسلون حللهم فإنهم يتسلطون على شجرة الحياة ، ويدخلون المدينة من الأبواب ) " رؤ 14:22 " وهذه هي آخر تطويبة في العهد الجديد لتطويب المؤمن الملتزم بالوصايا الإلهية المكتوبة ، هؤلاء يحق لهم الدخول إلى المدينة السماوية من أبوابها . 
ولإلهنا القدير المجد في كل حين
التوقيع : ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1"


89
هل يجوز للعلماني أن ينقد قرارات المجامع الكنسية أو السينودس ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  المجمع الكنسي والسينودس تُعد من قبل الأساقفة. والأسقف يجب أن يتصف بصفاة تخلو من اللوم ، سالكاً طريق الحق وفي القداسة ، ويتمثل بالمسيح ،  فيكون بلا عيب ( طي 1: 6-7  و 1 طيم 2:3 ) لكي لا تنال منه أقاويل الناس التي يختلقها كثيرون من الأخوة الكذبة ، وأعداء الإيمان الذين لا يراعون أقوال الله في كتابه المقدس ، ولا يعلمون بأن ( كل كلمة بطالة يقولها الناس ، يحاسبون عليها يوم الدين . لأنك تزكى بكلامك ، وبكلامك يحكم عليك ) " مت 36:12 .. فالكاهن الذي ينتخب ليصبح أسقفاً يجب أن يتحلى بصفات تليق بدرجته الكهنوتية السامية وكرسول للمسيح . كما يجب أن يكون حكيماً متواضعاً مبتعداً عن كل مفاسد الحياة مهتماُ بالكلمة الإلهية ليعطيها حقها في التفسير والعمل والتعليم كما كان معلمه يسوع الذي أبتدأ يعمل أولاً ثم يعلّم ( ... في جميع ماعمل يسوع وعلمَ منذ بدء رسالته ) " أع 1:1 " وتعليمه كان من فوق ، وكذلك الرسل ، وهذا لا يعني أن علم الكتب لا ينفع ، بل أن عِلم هذا العالم لا يكفي ، إذ حيث لا روح في ما يقرأ . والروح متى ملأ كيان الإنسان لا يعود بحاجة إلى قراءة الكتب كالكثير من القديسين الذين لم يتعلموا في المدارس ، إذ ذاك ، الروح في ألواح قلوبهم اللحمية يكشف لهم أسراراً ، وفق الآية ( أجعل شريعتي في داخلهم ، وأكتبها على قلوبهم ) " إر 33:31 " وهذا ما قاله يسوع لرسله ( .. لا تهتموامن قبل بماذا تتكلمون ، بل تكلموا بما يلقى إليكم في تلك الساعة ، لأنكم لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس ) " مر 11:13 "  . فعلينا أن نثق بخدام كلمة الله ونطيع وصاياهم لأنهم المرشدين والمختارين والمدبرين ، وهكذا نطيع الوصايا ونعمل بها ، قيل ( أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم ، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم ) " عب 17:13 "  . كماعلى الأساقفة أن يكونوا رعاة صالحين أمناء في خدمة وقيادة الكنيسة . يعَلمّون حسب وصايا الأنجيل التي لها القوة في الحكم ، وإصدار القوانين الكنسية لكي تعمل بموجبها الكنيسة . يسمح للعلماني صاحب الأختصاص العلمي أن يحضر تلك المجامع المقدسة للإستفادة من معلوماته العلمية فيطرح أمام المجمع أو السينودس ما لديه في الموضوع ذات العلاقة ، والأساقفة تأخذ من أقواله ما يناسب مع الإيمان ، وبعد ذلك تصدر القرارالمناسب . فعلى العلماني الحاضر أن لا يعارض ما صدرمن المجمع من قرارات بعد سماع الحاضرين إلى ما طرحه  ، كذلك يمكن الوصول إلى أراء كل المؤمنين قبل إنعقاد المجمع أو السنودس وذلك بطرح كل ما سيناقش في المجمع والسينودس من قبل كل أسقف لأبناء أبرشيته عن طريق كهنته ، وبعد ذلك يأخذ ما هو مفيد ليطرحه الأسقف أمام الأساقفة . وهذا ما قررته البطريركية الكلدانية في إرسال استمارة أستبيان الكترونية لكل من يريد أن يعبر عن آرائه . للمزيد أبحث عن العنوان التالي :
إستمارة أستبيان لتفصيل المرحلة الأبرشية من سينودس الأساقفة ( تشرين الثاني 2021- آب – 2022)
للأساقفة فقط الحق في إصدار القرارات النهائية ، لأنهم القدوة الصالحة في الكنيسة ، فحيثما إنتفت القدوة الصالحة في الكنيسة ،  ساد التفلت وبدأ الأنشقاق ، لأن لهم قال الرب :
( أن كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء ) " مت 18:18 " .
   إذاً كل ما يصدر من أفواه الأساقفة المجتمعين في المجامع الكنسية أو في السينودس المقدس توافق عليه السماء ، فلا مجال للعلماني أن يبدي برأيه ، أو يتصدى لما يصدر من أفواه الأساقفة . كما على الأساقفة أن لا يسمحون للعلماني في التدخل بما يقرروه . لهذا نقول للأسقف الجليل ليس من العدل وأنت الرأس أن تخضع للذنب ، أي للرجل العلماني وخاصةً السىء التصرف الذي يتجرأ ليفرض آرائه على آراء الأساقفة ، فالعلماني غير مخول بالأشتراك في أصدار القرارات أبداً . الأسقف هو الذي يتراس سامعيه من المؤمنين . فالولد لا يرأس أباه ، تلك هي سنة تعاقب الأجيال . ولا يجوز للعبد أن يرأس سيده ، فهذا هو الشرع . ولا التلميذ معلمه ، ولا الجندي ملكه ، ولا العلماني أسقفه .
   الأسقف مكانته عظيمة ، وله أعطي السلطان للربط والحل ، وكذلك حسابه عسير ، والله سيطالبه بالكثير بسبب الوزنات التي أودعها عنده ، لهذا قيل ( من أودع كثيراً يطالب بأكثر منه ) " لو 48:12" فعليه أن يتجنب الخطأ ، ويكون بينه وبين العلماني محبة وإحترام متبادل وهكذا كان الأمر في العهد القديم أيضاً الجالسين على كراسي المسؤولية . سيحاسبهم الرب كيف يرعون قطيعه ، قيل ( ... ها أنا أنقلب على الرعاة وأطالبهم بغنمي .. ) " حز 10:34 " . والغنم الذي لا يتبع الراعي تكون من حصة الذئاب فتهلك . كذلك غنم الرعية التي لا تتبع الأسقف تهلك وتتشتت إلى طوائف لا راعي لها. فينبغي للعلماني أن يحترم الأسقف الذي أختير راعياً لأبرشيته ، كما عليه أيضاً أن يخشاه كأب وسيد ورئيس ، ويوقره ككاهن الله . إذ أن من يسمع له يسمع للمسيح ، ومن ينبذه ينبذ المسيح ، فالأساقفة هم خدام الكنيسة الجامعة المقدسة ، وهم بين العلمانيين كالأنبياء ورؤساء ومدبرين وملوكاً ووسطاء بين الله ومؤمنيه . ومبشرين بالكلمة وحافظين الكتب المقدسة وعمق كلام الله وقوانين الكنيسة .
   حمل الأسقف ثقيل ، وبما أنه يحمل هذا الوزر ، فعلى العلمانيين أن يطيعوا رؤسائهم الأساقفة لأنهم حراس المعرفة ، ووسطاء بين الله والشعب في الأمور التي تتعلق بالعبادة الصحيحة .. والكتاب علمنا بأن نسمع أقوالهم ونعمل بها . فمن يعمل بدون أسقف فعمله باطل ، ولا يحسب له عملاً ، بل حسابه عسير كشاول الملك الذي أصعد المحرقة من غير حضور صموئيل ، قيل له ( أنك بحماقةٍ فعلت ) " 1صم 13:13 "  وهكذا يستحق كل علماني يتدخل في ما يخص رجال الأكليروس ، أو يقلد واجباتهم .
  إذا كان هرون قد دعيَ نبياً ، وموسى سميّ إلهاً لفرعون ، أي ملكاً ورئيس كهنة معاً ، وكما قال له الله ( قد جعلتك إلهاً لفرعون ، وهارون أخوك يكون نبيك ) " خر 1:7" .
   فلماذا نحن لا نعتبر وسطائنا الأساقفة أنبياء الكلمة ونحترمهم كآلهة ؟ فمن لا يلتزم بكلام الكتاب المقدس القائل ( لا تجدف على الله ، ورئيس شعبك لا تلعن ) " خر 27:22 " فالمتطاول على الأسقف بالقول أو بالفعل فأنه قد أهان الله الذي أختاره . وهذه الوصايا موجهة إلى كل المؤمنين لكي يحترموا آبائهم الروحيين الذين قيل عنهم ( إنتم ألهة وبنو العلي كلكم ) " مز 6:82 " .
   إذا قال أحد للعلماني ( يا أحمق ويا جاهل ) " مت 22:5-23 " لا ينجو من العقوبة ، فكم بالحري من يتكلم ضد الأسقف الذي بواسطته منحنا الروح القدس ، وبه تعلمنا العقائد المقدسة ، وعرفنا الله ، والله عرفنا ( طالع غل 9:4 ) .
   إذا كان الكتاب المقدس يقول لنا عن والدينا الجسديين ( من لعن أباه أوأمه ، فليقتل قتلاً ) " خر 16:21 " فكم بالحري يدعوكم الكتاب إلى أن تكرموا الذين أصبحوا والديكم الروحيين ، وتحترموهم كمحسنين وشفعاء لدى الله ، هم الذين ( ولدوكم بالماء ) " يو 5:3 " وملآوكم من الروح القدس ( أع 15:8 ) وغذوكم بلبن الكلمة ( 1 قور 2:3 )  وثبتوكم في التعليم وقوّوكم بالنصائح ، وجعلوكم أهلاً لجسد المخلص ودمه الكريم .
مكانة الأسقف يجب أن تكون أرفع من مكانة الملك الذي يهتم في الأمور الدنيوية لمصلحة الجسد الزائل ، ولكن الأسقف قد تسلم الكهنوت من الله ليبعد النفس والجسد من الأخطار . وبما أن النفس أفضل من الجسد ، فإن الكهنوت أفضل من المُلك ، لهذا يجب أن نحب ونحترم الأسقف كأب ، ونهابه أكثر من المَلك ، وكما إننا لا نعترض أو نقاوم السلطات الزمنية وبحسب وصايا الأنجيل ( طالع رو 13 ) إذاً علينا أيضاً أن لا نحاسب وننقد ونهاجم الأسقف ، ولا نسأل هل عمله وقراراته صالحة أم باطلة ، أو نفرض عليه آرائنا . لا احد يحاسب الأسقف إلا الرب الإله فقط الذي في يده التدبير والذي جعله مستحقاً لدرجة كهنوتية سامية . فعلى المؤمن أن لا يدن أسقفه ، كما لا يجوز أن نحكم على علماني مثلنا . والذي يفعل ذلك ، فأنه يجعل نفسه قاضياً دون أن يكلفه أحد . أما الكهنة فلهم الحق في القضاء ، لأنه قيل لهم ( أحكموا حكم الحق ) " زك 9:7" . إذاً على الأسقف والكاهن أن ( يفصلوا كلمة الحق بإحكام ) " 2 طيم 15:2 " كما على الأسقف والكاهن أن لا يسمح للعلماني القيام بأعمال كهنوتية لأنه لا يجوز للعلماني أن يكون خادماً لأي سر من الأسرار المقدسة ، قيل ( وما من أحد يتولى بنفسه مقام كاهن أعلى ، إلا إذا دعاه الله كما دعا هارون ) " عب 4:5" . كما لا يسمح للكهنة أن يقومون ببعض الأعمال التي هي من حق الأسقف فقط ، كرسامة الكهنة ، وتكريس الشمامسة الرسائلين ، والقارئين ، والمرتلين والخدام . وهذا هو نظامنا الكنسي منذ البداية ، وقد سلم من قبل الرسل الأثني عشر اللذين استلموا السيادة من عند الرب الذي أختارهم ، ومن عندهم أستلمت الأحكام الإلهية وحسب النظام الأسقفي والكهنوتي والشمامسة السبعة . كما تم توزيع الواجبات بين الرتب الكهنوتية الثلاثة ( الأسقف والكاهن والشماس ) . فالعلماني الذي لا يستطيع حتى قراءة الأنجيل في الكنيسة ، ولا شرح كلماته إلا من قبل الأسقف والكاهن والشماس الإنجيلي ، وهكذا لا يحق للعلماني أن يتدخل بكل القرارات الصادرة من الأساقفة في المجمع أو السينودس ، أساسها مبني على الأحكام التي استلموها من رسل المسيح اللذين رتبوا كل ما يتعلق بالعبادة الحقيقية وسلموها للأساقفة وعلى مر الدهور ، والأسقف في زمانه هو رسول للمسيح . فعلينا إذاً أن نتذكر قول الرب لهم ( من يسمع لكم ، يسمع لي . ومن يرفضكم يرفضني . ومن يرفضني يرفض الذي أرسلني ) " لو 16:10 ". فلا تحاسبنّ الأسقف عن تدبيره ، هل عمله صالح أم باطل أم مناسب ، وكيف يقوم بعمله ، لأنه له من يحاسبه وهو الرب الإله الذي وضع في يديه التدبير.  لهذا السبب ظلت الكنيسة الرسولية محافظة على وحدتها بسبب قادتها الروحيين المنتخبين . أما إذا قادها العلمانيون فلا بد من الأنشقاق والتمزيق لجسد الكنيسة إلى آلاف الأقسام والطوائف وكما حصل لكنيسة مارتن لوثر بعد الأنشقاق مباشرة ولحد اليوم لأن قادتها علمانيين . والرب يريد كنيسة واحدة وموحدة في جسد واحد ليكون هو رأسها . كنيستنا حيّة وقوية ، لا تموت حتى تأتي الساعة التي يقول فيها أبنائها

( مبارك الآتي باسم الرب )


90

 

المسيح لم ينقض الناموس بل أكمله وأثبته

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال يسوع
( لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأبطل ، بل لأكمل …)
 

   المسيح أعترف بشريعة الناموس ، لم ينقضه ، بل أكمله وأثبته ، ووضحه بأقواله التي تكمل معانى وصايا الناموس وتتوضح معانيه في العهد الجديد ، فوضع تلك الوصايا بأسمى صورة ، وأكمل الهدف وطبق الكل بدون أن يحذف حتى نقطة واحدة منه ( مت 18:5 ) . يسوع تمم كل الناموس . فمثلاً الذبائح التي كانت تقدم في عصر الناموس ختمها يسوع بذبيحة دموية بشرية واحدة على الصليب . وختان الجسد ، بالختان الروحي . وهكذا لم يبطل شىء من الناموس ، بل أكمله بالأنجيل ،  لهذا قال الرسول بولس ( أنبطل الناموس بالإيمان ؟ حاشا ! بل نثبّت الناموس ) ” رو 31:3 ” .

  الناموس والأنبياء قادت الإنسان إلى سر تجسد الكلمة الإله ، وتنبأت بكل ما صار في العهد الجديد ، فهي أساس الإنجيل ، فالمسيح أكمل كل ما جاء به في أسفار العهد القديم ، وختم كل نبوة . في العهد القديم كان الإنسان يعيش الناموس ويطبقه حرفياً . أما في عهد النعمة فعلينا أن نطبق الناموس بعتق الروح ، وبحسب الآية ( أما الآن تحررنا من الشريعة ، لأننا متنا عما كان يُقيدنا ، حتى نعبد الله في نظام الروح الجديد ، لا في نظام الحرف القديم ) ” رو 6:7″

   الناموس هو الشريعة التي أعطاها الله لموسى في لوحين حجريين تحمل الوصايا العشرة . أما الأمم الأخرى الغير يهودية فناموس كل شخص فيها هو ضميره أعطى له بالطبيعة ، وعليه أن يعمل به ( طالع رو 14:2 ) . للأسف أبناء اليوم أبتعدوا عن الناموس المكتوب والطبيعي ليعيشوا حرية العصر.

   كان الناموس صالح وبار وحر، لهذا قال الله ( إن صنعت لي مذبحاً من تراب تصنعه لي ) ” خر 24:20 ” لم يأمر ويقول ( إصنع ) بل ( إن صنعت ) لأن الله ليس بحاجة إلى ذبائح حيوانية ، والمصالحة بينه وبين البشر لا تتم بدم تلك الحيوانات أو النذور النباتية التي لا توفي العدل الإلهي . والله يريد أن يحررالإنسان من عبودية الخطيئة بدم إبنه الوحيد ليقول لبني البشر ( لا أسميكم بعد عبيداً بل سميتكم أصدقاء … ) ” يو 15:15 ” . ولا الإلتزام بقوانين الشريعة تنقذ الإنسان . فالناموس كان بحاجة إلى تطويره ليصل إلى كماله ( راجع مت 17:5 ) . جاء المسيح ليطهر الناموس من كل ما أضيف إليه من قبل اليهود ، فأيد ما كان حقيقياً ولم يلغيه ، بل أيده وطَوَرَهُ وثبته , فالذي قال في الناموس ( أن الرب إلهك رب واحد )” تث 4:6 ” قال يسوع في الأنجيل ( … أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي الوحيد ) ” يو 3:17 ” . كما شددَ على موضوع المحبة ، قيل ( لا تنتقم ولا تحقد على أحد أبناء شعبك ، ولكن تحب قريبك كنفسك ) ” أح 18:19 ” يجدد الرب هذا بقوله ( إني أعطيكم وصية جديدة ، أن يحب بعضكم بعضاً ) ” يو 34:13 ” كما أوصى على محبة العدو ورفع الصلاة لأجله .

  العهد القديم نهى عن القتل ( لا تقتل ) أي لا تُبِد الإنسان شبيهك ، فبصنيعك هذا تهدم ما خلقه الله حسناً .

لكن أيضاً أمر بقتل القاتل ( النفس بالنفس ) ” خر :21 ” . لكن في العهد الجديد ينهي حتى عن الغضب الطفيف أيضاً ( مت 5: 38-39 ) . ليس أن كل قتل مرذول ، بل قتل البرىء . فالقتل العادل هو بحسب قانون الحكام وحدهم . . كما قيل للقدماء ( عين بعين ، وسن بسن .. ) ” خر 24:21″  أما المسيح فقال ( لا تقاوموا الشر ، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ) . كما قيل ( تحب قريبك وتبغض عدوك ) أما يسوع فقال ( أحبوا أعدائكم ، وباركوا لاعنيكم … ) وهكذا أعطى للوصايا عمقاً روحياً .

  قيل في الشريعة ( لا تزنِ ) لأنك تجزىء جسداً واحداً إلى أثنين ، لأنه قيل ( فيصيران كلاهما جسداً واحداً ) ” تك 24:2 ” وأعطى يسوع حدوداً قاطعة للزنى ، فقال ( إن كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه ) . وهكذا نهى عن الدعارة بإنهاء الشهوة غير الشرعية ( مت 5 : 27-28 ) .

  قيل ( لا تسرق ) . أما في وصايا الأنجيل يحث المؤمن لكي يتبرع من حاجته على المحتاجين ( أع 35:20 ) والغبطة هي في العطاء أكثر من الأخذ . والنفس التي تسرق كان مصيرها الهلاك ف ( عاكان ) من بني اسرائيل الذي أخذ من المحرم في أريحا ، رجم بالحجارة ومات . ويهودا السخريوطي الذي كان يختلس مال الفقراء وباع سيده مق قطع من المال ذهب وخنق نفسه . والعهد الجديد ينهي المؤمنين عن السرقة ، بل إذا كان عليه دين فعليه أن يدفعه قبل أن يقدم قربانه ( مت 23:5) .

 وعن الكذب قال  ( لا تشهد بالزور ) فشهادة الزور هي الكذب ، وبسبب شهادات الزور حكم على رب الكون بالصلب . والكاذب عقوبته الموت ، قال ( و تهلك الناطقين بالكذب ) ” مز 6:5 ” فشهادة المؤمنين يجب أن لا تنطق بالكذب ، قيل ( كل كلمة باطلة ستحاسبون عليها ) ” مت 36:12″ .

   الرب الذي أنهى عن البغض ، يطلب منا أن نحب الأعداء ( مت 5: 43-44 ) كما كتب عن الحب ( من يحب يعرف الله ، ومن لا يحب لم يعرف الله ، لأن الله محبة ) " 1 يو 4: 7-8 " .

   والذي نهى عن الإنتقام ، يطلب الصفح ، لا لأن الإنتقام العادل ليس مشروعاً ، بل لأن التسامح أكثر سمواً ( مت 5: 38-39 ) .

 والذي أمر ب ( إكرام الوالدين) هو نفسه كان طائعاً لهما ( لو 51:2 ) . والذي قرر الراحة الأسبوعية عن العمل للتأمل في الشريعة . يأمرنا أن نتأمل كل يوم في كل ما كتب لنا في الكتاب المقدس وبكل إيماننا و قدرتنا ونؤدي الشكر لله في كل حين .

كذلك الذي أمر( بالختان ) قد خُتِنَ ( لو 21:2 ) ، لكن جاء بأفضل منه وهو ختان الروح لا ختان الجسد .

الذي أمر أن ( نُقسِم عن حق ) ، نهى عن الحنث بالقسم ( تث 20:10 ) وأمرنا بأن لا نقسم البتة ، بل ليكون كلامنا ، نعم نعم ، أو ،لا  لا .

  لقد جدد العماد والذبيحة والكهنوت ، وبدّلَ مكان العبادة : فبدَل الإغتسال اليومي بالعماد مرة واحدة فقط ، لأن موته حصل مرة واحدة ( رو 3:6 ) .  وبدل أن ينحصر ( الكهنوت ) في سبط واحد ، فقد سلمه إلى أناس أفاضل ينتمون إلى كل الأقوام في العالم كله . 

 وبدل ( الذبائح الحيوانية الدموية ) ، أتم ذبيحة بشرية طاهرة على الصليب . وتُكرَر بذائح غير دموية على مذابح الكنائس . وجعل المؤمنين به ذبائح حية سرية غير دموية  ( فأناشدكم ، أيها الأخوة ، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيةً مقدسة مرضية عند الله ) ” رو 1:12″ .

 إنه لم يعفنا من قوانين الناموس أو الشريعة ، بل من قيوده ، فقد قال في الناموس على لسان موسى : ( وليكن هذا الكلام الذي أنا آمرك به ، في قلبك ، وتأمل به إذا جلست في بيتك وإذا أقمت ، وإذا مشيت في الطريق ) ” تث 6:6 ” .

الرب يريدنا أن نكون في كل مكان خاضعين للناموس ، لا خارجين عنه ” 1 قور 21:9″ . فأنه يقول ( طوبى للكاملين في سلوكهم ، للسائرين في شريعة الرب ) “ مز 119:1 “.

  كما أن الناموس الذي كان يقتصر لليهود أعلنه للأمم فآمنوا بالرب وابتعدوا عن عبادة الأصنام وعن الظلم ، وقبلوا كل ما هو صالح ، وهذبوا ما كان شائناً ، فآمنت الأمم بالمسيح . حرم الرومان من حريتهم في عبادة الأصنام والقتل وتقديم الذبائح حسب إراتدهم لأصنامهم التي سقطت بسبب بشارة العهد الجديد .

   ختاماً نقول : لنسرّ بالناموس بحسب الأنجيل الذي أضاء بصيرتنا نحن المؤمنين بالمسيح ، ولنشترك بالبركات ، ونسير بموجب الناموس والأنبياء على ضوء الأنجيل . طائعين وصايا المسيح الذي هو ملكنا والذي شرع لنا ويأمرنا فنأتمر.

وله المجد الدائم


91
أعظم وأكمل أنواع المحبة هو محبة الأعداء
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب ( ... أحبوا أعدائكم ... باركوا لاعنيكم ... أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ) " مت  44:5"
   المحبة هي قمة كل الفضائل ، تبدأ بمحبتنا لله أولاً ، ثم محبتنا للقريب التي يجب أن تسواوي محبتنا لأنفسنا ، ومحبة القريب تعني محبة الجميع بدون تفضيل جنس على جنس أو اللون على آخر أو تفضيل القرابة العائلية أو من هو من ديننا وعقائدنا . فالمحبة مجردة من الإنحياز ، وهكذا سنكمل الناموس كله بمحبتنا الصادقة لله والقريب .
     المحبة الحقيقية ينبغي أن تكون مجردة من البغض لهذا يجب أن ترتقي إلى محبة أعدائنا والمسيئين إلينا ونطبقها في حياتنا عملياً كما فعل يسوع على الصليب عند غفر لصالبيه وطلب من أجلهم المغفرة عندما قال ( يا أبتاه أغفر لهم ... ) " لو 34:23 " كذلك فعل الشماس اسطفانوس عندما كانوا يرجمونه " أع 60:7" .
إذاً أعظم وأكمل أنواع المحبة هو محبة الأعداء ، وذلك بتحمل الإضطهاد والإساءة واللعِن الصادر منهم .  رغم ذلك علينا أن نطبق وصية الرب لنا عندما قال ( أحبوا أعدائكم ) وهكذا نرتقي إلى الكمال في المحبة كالآب السماوي . قال يسوع ( فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل ) : مت 5: 44-48" الله كامل في محبته لجميع الناس ، وحتى للذين يجذفون عليه . لهذا فأن ( شمسه يشرق على الأشرار والصالحين ، ويمطر على الأبرار والظالمين ) " مت45:5" ويريد الخلاص للجميع .
   محبتنا لأعدائنا ومبغضينا تبدو صعبة جداً لكن علينا أن نكملها ونتحمل كل إضطهادٍ لكي نعطي للآخر درساً جديداً في الإنسانية ، ليعلم إننا نور العالم وملح الأرض . فعلينا أن لانتحمل إسائاتهم فحسب ، بل أن نحبهم أيضاً ونصلي من أجل خلاصهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ( إنظر لو 34:23 ) . كل الشهداء ذاقوا كل ألوان التعذيب دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة لا تليق بإيمانهم وبمحبتهم ، بل كان بعضاً منهم يسلمون أنفسهم للعذاب في صبر وشكر وهم يصلّون من أجل جلاديهم وسيافين والولاة الظالمين لكي يؤمنوا فيكون لهم الخلاص .
   على المؤمن أن يحسن إلأى مبغضيه فيعمل معهم الخير والإحسان بكل فرح ، وهكذا يكسر شرهم ويطفي نار حقدهم . فالنار لا تنطفي إلا بالماء الذي هو المحبة . وهذه هي حكمة إيماننا المسيحي فلا يجوز أن نقاوم الشر بالشر ، بل بالخير ، لهذا قال الرسول ( لا تجازوا أحداً عن شر بشر  ... لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ، بل دعوا هذا لغضب الله . فالكتاب يقول " لي الإنتقام ، يقول الرب ، وأنا الذي يجازي . " . فإن جاع عدوك فاطعمه . وإن عطش فاسقه لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه . لا يغلبك الشر ، بل أغلب الشر بالخير ) " رو 12: 17-21 " .
   الإحسان إلى العدو هو التقدم في طريق كمال المحبة ، كما هو تطبيق للوصايا . أما الدرجة الثالثة في سلّم محبة الأعداء هو أن نبارك لاعنينا ونعاملهم لا بحسب أعمالهم وأقوالهم ، بل نتكلم عنهم في غيابهم بكل محبة ، ونذكر محاسنهم ، ونظهر كل شىء صالح فيهم ، وهكذا نحررهم من الظلام إلى النور .
   المحبة الحقيقية هي التضحية من أجل الآخر والعمل من أجل خلاصه . لا يجوز للمؤمن أن يكره ، بل أن يحب فقط . فأسمى أنواع الحب هو حب المضحي والباذل من أجل الآخر . فالله هو محبة ، ومحبة الله للعالم شاملة حتى للخطاة رغم خطاياهم ، لهذا تقول الآية ( لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد ، فلا يهلك كل من يؤمن به ... ) " يو 16:3 " كذلك ( ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ) " رو 8:5 " وهكذا يجب أن نقتدي بالمسيح ونحمل صليبه من أجل خلاص الآخرين ، ونضحي من أجلهم ، لأن ( ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ) " يو 13:15 "
مجداً للذي صلب من أجل الجميع


92

مصادر ومراحل كتابة الأناجيل وعصمتها
بقلم / وردا إسحاق قلو
 قال الرب يسوع ( السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول ) " مت 24: 34-35 "
   أسئلة كثيرة تراود أذهان المؤمنين وغيرهم حول موضوع كتابة الأناجيل لأن المسيح لم يكتب شيئاً ، بل بشر بالأناجيل تاركاً موضوع الكتابة لتلاميذه الأطهار بعد أن يرسل لهم المعين ( الفارقليط ) ليعطيهم المواهب ، ولكي يتذكروا كل ما قاله للناس ولهم ، وكل الآيات المعجزية التي اجترحها بحضورهم أكدت لهم كل الحقائق بعد قيامته من بين الأموات ، وكذلك لقائاته المستمرة معهم بعد القيامة أرشدهم للعمل في المرحلة اللاحقة بعد صعوده وإرساله لهم الروح القدس . لهذا قال يسوع لتلاميذه ( لستم أنتم المتكلمين ، بل الروح القدس ابيكم المتكلم فيكم ) " مت 10: 20 " .  بعدها أجتهدوا بجمع أقواله وربطها مع الأحداث والمناسبات التي قالها الرب ودمَجِها مع بعضها وتنسيقها وبيان معانيها وأهدافها . كل رسول وتلميذ صار مبشراً بالكلمة فنشر ما لديه من نصوص سمعها من يسوع أو سردت له من قبل الآخرين كقصة البشارة والحبل الإلهي ، وولادة المسيح وهروبه إلى مصر مع العائلة المقدسة ، كانت مريم مصدراً مهماً للرسل . وكل نص أنجيلي مرتبط مع حدث ما ، ومعناه ملتزم مع الوقائع والأقوال والمناسبة التي قيل فيها ، فكان لكل نص مراحل ، ابتدأت بالمرحلة الشفهية التي بدأت بعد القيامة مباشرةً وإعلان هذه الشهادة المهمة جداً من قبل أول وعظة للرسول بطرس ، وبعد ذلك بدأت مرحلة كتابة النص . أما مصادر تلك النصوص فكانت من التقليد الشفهي الذي كان بداية الأنطلاق للتبشير ، الأناجيل كتبت من التقليد ، والتقليد لم يكتب كله بل عاشته الكنيسة . بدأوا بالكتابة على مخطوطات ، وصل عددها إلى نحو خمسة آلاف مخطوطة . المصادر تبدأ أولاً من نبؤات أسفارالعهد القديم التي ساعدت الكتبة بفك رموز ما جاء في العهد الجديد .والعهد الجديد أيضاً وضَّحَ ما كان غامضاً في العهد القديم ، فيهوذا يذكر في رسالته عن أخنوخ ويقول عنه كان نبياً . وبطرس يقول عن لوط كان باراً . وبولس تحدث عن الطوفان . أفكار العهد الجديد دقيقة وتكّمِل ما في العهد القديم ، كما اكتسبت أفكار العهد القديم معاني واضحة في ضوء العهد الجديد . صحيح أن المسيح قد أسس عهده الجديد على ذبيحة دمه على الصليب ، غير أن أفكار العهد القديم ما بلغت كمالها النهائي إلا في العهد الجديد ، لأن فيه أكتشفت كل معانيه الحقيقية وفيه تمت نبؤاته بوضوح .  فالنبؤات عن المسيح بحثواعنها في الكتب لكي تثبت للأجيال ما حدث في عهد المسيح وكيف تحققت كل تلك النبؤات عدا الخاصة بمجيئه الثاني .
   بعد كتابة مخطوطات كثيرة جاءت مرحلة الفرز والتصنيف وذلك لوجود مخطوطات متشابهة ، فتم اختيار النص الأقرب إلى الحقيقة بالأستعانة بما جاء في التقليد ، والتقليد كان مرحلة أولى سبقت الأناجيل المكتوبة ، وبالتالي الأناجيل الأربعة هي تقليد عاشته الكنيسة ، نما وتطور بمعونة الروح القدس ، والتقليد يتضمن كتابات الرسل والتلاميذ والآباء الأولين للفترة من بداية الكنيسة بعد يوم العنصرة مروراً بحياة الجماعات المسيحية الناشئة بين العقد الثامن والتاسع للقرن الأول وإلى منتصف القرن الثاني .
جاءت في كتابات التي كانت تكتب على البردى أوعلى جلود المواشي ، تم جمع أكبر عدد منها بعد الأعتراف بالكنيسة من قبل السلطات الرومانية سنة 313م وأهم تلك المخطوطات هي :
1-   المخطوطة الفاتيكانية : سميت بهذا الأسم لكونها محفوظة في مكتبتها والتي تحتوي على إصحاحات العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ، والرسالتين إلى طيموثاوس وطيطس وفيلمون وسفر الرؤيا . يرجح العلماء أنها خطت عام 300م
2-المخطوط السينائي : عثر عليه في دير القديسة كاترينا في السناء عام 1859 . تحتوي على العهد الجديد كاملاً ، لا وبل مضاف أليه الرسالة إلى برنابا وجزء من ( الراعي ) فهرماس ، يعود إلى القرن الرابع ، أو تعادل الفاتيكانية بالقدم .
3- مخطوطة الأسكندرية : سميت بهذا الأسم لأنها خُطّت في تلك المدينة يعود نسخها إلى سنة 325م .
4-النسخة الأفرائيمية : محفوظة في دار الكتب بباريس وتشمل كل الأسفار المقدسة وتعود إلى حوالي 450 م
5-مخطوطات أخرى :  ( مجلد بيزا ) يحتوي على الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل . ومجلد ( فرير ) الذي يحتوي على الأناجيل فقط
 أما اللغات التي كتب فيها الأناجيل فهي اليونانية ( العهد الجديد كله كتب باليونانية العامية ) ما عدا كتابات البشير لوقا
 ( الأنجيل وأعمال الرسل ) والرسالة إلى العبرانيين كتبت بالفصحى اليونانية . وتم ترجمته إلى السريانية واللاتينية والقبطية منذ القرون الثلاثة  الأولى بداً من نصف القرن الثاني ( 160 -180 ) . 
   الأنجيليون الأربعة لم يكونوا جامعي تقاليد الجماعات المسيحية الأولى وحسب ، بل كان لهم نظرتهم الخاصة لتصنيف المواد الأنجيلية بطريقة تعبِرعن إهتماماتهم اللاهوتية والتصرف في ترتيبها ، وهذا ما لا تقوله الجماعات المسيحية الأولى في روايتها الشفهية لشدة أمانتها على حرفية ما قاله يسوع وعمله . فكلمات يسوع وتفسير الكنيسة أياها هي الشىء نفسه في نظر الأنجيليين الذين تصرفوا بحرية مذهلة في كتابة النصوص الأنجيلية .
   يحاول علماء الكتاب المقدس اليوم الإستفادة من مؤلفات آباء الكنيسة ( التقليد الكنسي ) وذلك بنقد النصوص فتوصلوا إلى النص كما كان قبل أقدم الترجمات . فأنجيل اليوم يظن على أنه استقاه الكتبة من التقليد الشفهي وقد تم حذف آيات كثيرة من نسخ العهد الجديد المتداول اليوم كانت مذكورة في بعض المخطوطات لأنها على الأغلب قد أضيفت في وقت لاحق . وهكذا تم اختيار الآيات الأكثر قوة تعبِر عن الحدث أكثر من غيرها ، وبقوة الروح القدس تم الوصول إلى كل أسفارالعهد الجديد والمستخدم اليوم من قبل كل المذاهب المسيحية .
   أما عن كتابة الأناجيل ، فأنجيل مرقس كتب مابين عام 64 و65 . ومتى ولوقا قبل عام 70 بقليل أو بعدها مباشرةً وهي الفترة التي دمر فيها الرومان الهيكل . أما أنجيل يوحنا وسفر الرؤيا فقد دونها يوحنا في أواخر القرن الأول .
   في حوالي عام 125م كانت هناك مجموعتان من الكتابات اعترفت الجماعات المسيحية بصحة تعاليمها : الأناجيل الأربعة ، ورسائل القديس بولس التي ارسلها إلى جماعات معينة . وقصد بها حل مشاكل ذات طابع رعوي . وفي النصف الثاني من القرن الثاني أضافت الكنيسة إلى لائحتها سفرأعمال الرسل وباقي الرسائل وكذلك رؤيا يوحنا . وفي حوالي عام 200م اكتملت اللائحة التي يسلم بها اليوم جميع المسيحيية وعددها 27 سفراً .
   يتفق العلماء على أن كتب العهد الجديد  لم تكتمل حتى سنة 90-95م . فأن رؤيا يوحنا الحبيب لا يمكن ان تعود الى تاريخ سابق إذن كان المسيحيون لمدة 65 سنة من إنتشار المسيحية بدون كتاب ( العهد الجديد ) الكامل الذي في حوزتنا اليوم ، وهذا برهان قاطع على أن الكتاب المقدس ليس الأساس الوحيد للإيمان ، وليس العنصر الوحيد ولا المرجع الوحيد في أمور الدين وإذا كان هو كل شىء للإيمان والتعليم ، فهل كان إيمان الرسل وأقرب الناس إلى المسيح ناقصاً ؟ بل النتيجة هي عكس ذلك تماماً . فالطوائف التي تجعل من الكتاب المقدس مرجعها الوحيد تجهل أو تتجاهل وضع الكنيسة الرسولية الأولى ، أما تعليم الكنيسة فهو أن الكتاب المقدس هو مع التقليد الرسولي وسلطة الرسل وخلفائهم الأحبار وسائر الأساقفة الرسوليين للإيمان القويم . 
   ظل التقليد الشفهي إلى تلك الفترة محتفظاً بسلطة معادلة لسلطة الآناجيل ، وتعايش هذا التقليد مع التقليد الكتابي في الكنيسة ، وقد اعتمد آباء الكنيسة الأولى هذين التقليدين فكان المؤمنين قبل كتابة الأناجيل يسألون الرسل عما قاله يسوع أو فعله من آيات ومعجزات ، بهذا يقول الكتاب ( وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلاة ) " أع 42:2 " هذا قبل الكتابات . إضافة إلى مرافقة الكثير من الآباء للرسل فأقلمندوس أسقف روما كان يعمل مع بولس الرسول ( فيلبي 3:4" ) وديونسيوس أسقف قورنتوس الذي توفي سنة مئة كان من معاصري الرسل . وهرماس معاصرلبولس والذي ألف كتاباً في ثلاث مجلدات ، من ضمنها الكثير من الإقتباسات من العهد الجديد . وإغناطيوس أسقف إنطاكيا بعد صعود الرب بسبعة وثلاثون سنة . وبوليكابوس الشهيد تلميذ يوحنا الرسول الذي عينه أسقف على أزمير . وبابياس أسقف هيارابوليس في غرجينيا سنة 110 م أجتمع ببوكيكاربوس وألفا تفسير للكتاب المقدس في ستة مجلدات ، وقال هذا العالِم أن الأناجيل كانت متداولة في الكنائس باللغة اليونانية وشَهِدَ أنَ البشير مرقس كان مرافقاً للرسول بطرس وإنجيله كان متداولاً آنذاك . وغيرهم من الآباء مثل هيجيوس ، وإيرينوس وأكلمندس أسقف الأسكندرية والآخرين .
مجداً لألهنا لقدير ، وكلمته تثبت إلى الأبد
المصادر
1-لاهوت التقليد / للأب صلاح أبوجوده اليسوعي
2-الجواب من الكتاب / للأب يعقوب سعادة وبمشاركة الأب بيتر مدروس
3-   مدخل إلى النقد الكتابي / للمهندس رياض يوسف داود
4-عصمة التورات والأنجيل

 

93


غاية يسوع من التبشير بالأمثال

بقلم / وردا إسحاق قلّو

    ( سأفتح فمي بأمثال، وأكشف ما كان مخفياً منذ إنشاء العالم ) ” مت 35:13 “

    المثل ، لغة خاصة تعبيرية لها عمق يتخطى كلماتها المسموعة ، أو المكتوبة لأجل أيصال هدف الكلام إلى الآخر لكي يشعر بهدف المثل . والمثل يدخِل السامع أو القاريء في خيال روحي ليبحث في العمق فعليه البحث عن الحقيقة والغاية . في العهد القديم استخدم أيضاً أسلوب التحدث بالأمثال ، فنجده في سفر يشوع بن سيراخ ، والحكمة ، إضافة إلى سفر مخصص للأمثال وهو سفر الأمثال  . يقول إبن سيراخ (قلب الرجل العاقل يتأمل في المثل ومنيةُ الحكيم أذن سامعة) ” سير 29:3 ” .

   تكلم المسيح بالأمثال للذين كانوا يرفضون كلامه الصريح ، فكانت الأمثلة لغة تصويرية ، فكان على المستمع الشعور بخفاياها  ، ففي بعض الأحيان كان قادة اليهود يصلون إلى التفسير ويكتشفون أن يسوع يعنيهم ، ويهاجم أفكارهم وعقائدهم ، فكانوا يحاولون رجمه أو إلقاء القبض عليه .

    استعملت الأمثال في العهد القديم ، لكن في العهد الجديد أعطى لها يسوع لوناً ، وطعماً ، وعُمقاً ، ورؤى جديدة ، فيها فكرة روحية لم يصلها أحد من قبلهَ . كان المثل يتكون من قصة بسيطة في خطاباته للجمهور إلا إنهم لايستطيعون فهمه  . أستعمل في خطاباته أمثال كثيرة في الأناجيل الأزائية الثلاثة ، مجموعها 65 مثلاً . منها متكررة في الأناجيل الثلاثة الأولى ، أما عدد الأمثال الغير مكررة فهو 43 مثلاً . والأنجيل الذي  يحتوي أكبر عدد منها هو إنجيل البشير لوقا الذي صاغ تعليم يسوع بالأمثال ، وأهتم بها إهتماماً خاصاً أكثر من متى ومرقس ، فدّوَنَ ثلاثة وثلاثون مثلاً ، أما البشير يوحنا فأسلوبه يختلف عن الآخرين لأنه تميّزَ بأسلوب لاهوتي بعيد عن لغة الأمثال والقصص .

   الأمثال ليست لغة مشفرة تحتاج إلى حلها ، بل هي قصص قد تبدو بسيطة لكنها تحتاج إلى من يفك رموزها . وللأمثال مزايا كثيرة تجعلها مرغوبة للسامع كأنه يسمع إلى قصة قصيرة فيها البساطة ويستطيع حفظها ونقلها للآخرين . وغاية المثل ليس للتعقيد ، بل للتواصل مع الآخر، وعلى الآخر أن يفكر لكي يصل إلى التفسير . كما كانت غاية يسوع من إستعمال الأمثال للإستمرار في الحوار مع سامعيه ، سواء كانوا كتبة أو فريسيين أو الشعب بدلاً من التحدث علناً بما يقصد به لكي لا يدخل في نقاش وجدال عقيمين معهم ، فكان يطرح الفكرة على شكل مثال وعليهم التفكير في أن يقرروا ويردوا عليه ، وقد غيّرَ أفكارهم المتحجرة والمتعصبة  بالأمثال لكي ينطقوا بالحق وإن كانت النتيجة لصالح عدوهم كمثل السامري الصالح الذي استخدم فيه يسوع لغة المجاز ، والذي كان يتحدى به مواقف السامعين العنصرية . فالرجل الذي سقط في طريق أورشليم أريحا ( كان يقصد به آدم ) والكاهن واللاوي الذين لم يسعفوه هم ( الشريعة والأنبياء ) أما السامري الصالح ( والصالح هو الله وحده ويقصد به المسيح ) هو الذي اهتم به ، فوضعه على دابته ( المسيح نفسه هو الذبيحة ، لأنه حمل خطاينا كما حملت الدابة جسد الجريح ) وقاده إلى الفندق التي اسهها بدمه ( الكنيسة ) وترك لصاحب الفندق ( الكهنة ) قطعتي فضة ( كتابَي العهد القديم والجديد ) أي الكتاب المقدس الذي يشفي جروح الخطايا ,ووعدَ صاحب الفندق بالعودة ( مجيئه الثاني ) . بهذا المثل أقحم الرب أحد علماء الشريعة عندما قال له ( من برأيكَ كان قريبه ؟ ) لم يقل السامري ، فقال ( الذي ساعده ) وذلك لوجود عداوة وكراهية بين اليهود والسامريين ، لهذا السبب أختار يسوع في مثله السامري ، وقد كرر يسوع ذكر السامري في أمثال أخرى عمداً ليكون الشخصية المرغوبة ، وذلك لكي يُقَرِب اليهود من السامريين ، وبهذا المثل أثبت لهم بأن القريب الأفضل للإنسان هو من يكون بقربه  ويساعده وإن كان يحسبهُ عدواً . ومن شِدة المفاجأة لم يقول عالم الشريعة أن قريب الجريح هو السامري لأنه يمتنع من لفظ كلمة ( السامري ) لكونه يمقتها . وهكذا غيّرَ يسوع وجهته عن كون القريب هو قريب النسب عندما قال ليسوع ( ومن هو قريبي ؟ ) فوضح له الرب بان القريب هو كل شخص بحاجة إليه ، لا بالقول فحسب ، بل بالفعل . والفعل هو المطلوب ، وهذا ما يوضحه لنا مثل الإنسان الذي كان لديه ولدان ، طلب من الأول ليذهب ويعمل في كرمه ، فأجاب : ( لا أريد ) وبعد ذلك ندمَ وذهبَ  . والثاني الذي أجابه ( لبيك يا سيدي ) لكنه ليذهب . ( لو 21: 28-31 ) . إذاً الأولوية تعطى للفعل لا للكلام ، وقد شبه يسوع البغايا بالأبن الأول ، وعظماء الكهنة والفريسيين والكتبة بالأبن الثاني ، لهذا قال لهم : ( ان الجباة والبغايا يتقدمونكم إلى ملكوت الله ) .

  وكذلك نقول : كانت الغاية من الأمثال لدعوة الناس إلى الملكوت الذي كان بينهم ، والملكوت لا ياتي بسبب الأعمال والواجبات ، بل بدافع الإيمان المقرون بالحب والفرح . فالأمثال تدعو الناس أولاً إلى التوبة ، ثم الأستجابة لنداء سر الملكوت ، أما في نظر الآخرين فالأمثال عندهم تصبح ألغازاً وقصص غامضة لا يلتمسوا منها اي إعلان ، وأن ملكوت الله قد أتى وحل بينهم ، وعليهم أن يتوبوا ويؤمنوا بذلك النداء العاجل القائل ( حان الوقت واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة ) ” مر 15:1 ” .

   كانت الأمثال مهمة جداً لنقل البشارة بصورة مستترة لكي لا يعلم السامعين في حينها ما يقصده المسيح ، وبأنه هو المسيح إبن الله المنتظر ، ولكي يستطيع أن يتمم رسالة الملكوت في السنين الثلاثة الأخيرة . لهذا كان يكَلِم الجموع بالأمثال ، تقول الآية ( وبغير مثل لم يكن يكلمهم ، ولكنه كان يفسر لتلاميذه كل شىء حين ينفرد بهم ) ” مر 34: 4 ” وذلك لأنه ( كان يريد ان يعطي لهم سر ملكوت الله ، ولغيرهم كان يتحدث بالأمثال ) ” مر 11:4 ” . وبعد البشارة سيتم تفسير كل شىء من قبل المبشرين  .

    قال لتلاميذه ( ضربت لكم أمثالاً في كلامي عن هذه الأمور ، ولكن سيأتي وقت أحدثكم فيه عن الآب بكلام صريح ، دون أمثال ) ” يو 25:16 ” وقد تم ذلك فعلاً في الأيام الأخيرة ، لهذا قالوا له ( ها أنت الآن تكلمنا كلاماً صريحاً بغير أمثال ) ” يو 29:16 ” .

   المثل الذي كان قصة قصيرة ومُسَليّة للسامع استعملها يسوع لغاية الوصول من خلالها إلى مفاهيم سماوية عظيمة ، فكان يفهمها كل مستمع مهما كان مستواه الثقافي ، وكان يشعر بضرورة التأمل بها لسبرغورها .

  يسوع فقط تحدث بالأمثال ، أما رسله من بعده فلم نجد لهم أمثالاً في رسائلهم . أمثلة يسوع غَيّرِت النفوس ، وأجبرت مستمعيها لكي يعترفوا بالحقيقة ويتحولوا من تعليم العهد القديم إلى تعليم عهد النعمة والمصالحة ، تعليم العهد الجديد .   


94
المسيحي خمير في عجين العالم
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب ( يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها أٍمرأة ووضعتها في ثلاثة أكيال من الدقيق حتى اختمر كله  ) ” مت 33:13 “
      تُعَرِف الخميرة على أنها كائنات مجهرية وحيدة الخلية تنتمي إلى مملكة الفطريات ، توضع في الدقيق الذي يحتوي على سكريات قابلة للتخمر بواسطة الخميرة وذلك بعد إضافة الماء فتتفاعل مع السكريات ، فيعمل الخمير بخفية ،  ويكتمل عمل التخمير، فيكبر حجم العجين .

   وهذا ما حدث أيضاً منذ بداية المسيحية في المسيح الذي كان يتجول بين الناس وينقل إليهم كلمة الأنجيل فزرع في قلوبهم كلمة الله ، فكان كالخميرة بين اليهود والوثنيين . وهكذا غيّرَ العالم بمجموعة صغيرة من التلاميذ ، وبهم غيّر العالم كله.
   الخميرة أيضاً هي إشارة إلى الأفخارستية التي توحد عجين المسيحية ، على أن الأفخارستية هي الحياة المسيحية ومركزها ، بل هي أداة اتحد بها كل عجين المسيحية في العالم ليصبح جسداً واحداً ، وخميرته هو المسيح الساكن في عجين المسيحية  ليصبح غذاءً حياً لكل من يستحقه . جاء المسيح ليصبح خميرة حية للعالم كله، فهو مثالاً حياً لكل مؤمن به ، وهو المحبة والتضحية ، كما أنه ( الطريق والحق والحياة ) فعلى المؤمنين أن يقتدوا به ويعملوا بوصاياه ويختاروه لهم معلماً ومثالاً صالحاً وراعياً ومخلصاً لتعكس ملامحه في شخصيتهم فيصبحوا هم أيضاً خميرة للآخرين كما صاروا الرسل الأطهار من بعد العنصرة مباشرةً فبشارتهم كانت خميرةً حية لعجين العالم كله فكسبوا العالم بخميرة محبتهم وبدمائهم التي تحولت فعلاً إلى خميرة خفية في كل أصقاع العالم . روح المسيح يسكن في كل مؤمن ويحيا به ويقود افكاره وكلامه وأعماله ، حينئذ يستطيع المؤمن أن يقول مع الرسول ( فما أنا أحيا بعد ذلك ، بل المسيح يحيا بيّ ) ” غل 20:2 ” . فمن يريد أن يختمر بخمير المسيح فعليه أن يبدأ حياته معه ويتأمل بسيرته وأعماله وكلمات إنجيله التي هي نور للعالم . ثم يحمل صليبه ويتبعه ، هكذا سيتصل به لكي يستمد منه القوة والثمر كما لخصن الكرمة . ومنه يتسمد المحبة ليختمر بها العالم ، ومحبة المؤمن لا تنبع من ذاته ، بل هي فيض من المحبة التي يستقيها من إتحاده بيسوع الذي كانت رسالته شعاعاً مضيئاً للعالم كله ، ودمه ثمناً لخلاص جميع البشر .
  حقاً عمل المؤمنين في العالم يشبه كعمل الخمير في العجين ، فالخمير يتلاشى في العجين كله ليخمرّهُ . وهكذا الذين تندمج حياتهم مع المسيح عليهم أن يندمجوا مع العالم ليختمر في تعليمهم ، وخميرتهم هي التعليم الصحيح والبشارة الحقيقية لبني البشر . خميرتهم نقية وصافية ليست كخميرة الفريسيين ، والخميرة هي تعليم كلام الله  . فدور المؤمن في المجمتمع الذي يعيش فيه عليه أن يصبح واحداً منهم ، مهما كانوا لكي يخدمه بما يمتلك . وهم كالمرضى بحاجة لمن يعالجهم ، فعليه أن يعمل في وسطهم ، وكما كان المسيح يختلط مع العشارين والخطاة ليكسبهم وينورهم بنوره ، هكذا يجب أن يقبل المؤمن أن يختلط في عجين كل من هو بحاجة إلى عمل خميرته ليربحه . وكما فعل الرسول بولس الذي عمل حتى مع الوثنيين ، فقال ( … صرت لليهود كاليهودي لأربح اليهود ، وللذين هم في حكم الشريعة كالذي في حكم الشريعة لأربح الذين في حكم الشريعة ، وصرت للذين ليس لهم شريعة كالذي ليس له شريعة لأربح الذي بلا شريعة ، مع أن لي شريعة من الله بخضوعي لشريعة المسيح .. . أعمل هذا كله في سبيل البشارة لأشارك في خيراتها ) ” 1 قور 9: 19-23 ” . وهذا هو النموذج الرائع لعمل الخمير في كل المجتمعات . ولكي لا يفقد الخمير قوته يجب أن يعتنى أولاً بتخميره جيداً لكي يتمكن من الإمتزاج الحميم بالجماعة البشرية لغرض تنويرها بنور المسيح . إذاً يجب أن يمتلىء بالمسيح أولاً حتى يفيض فيضاً . لأن المسيح هو الذي سيشع من خلال الإنسان ليصبح الخميرإلاهي مقدس ومؤثر فيأتي بثمر كثير ، وبنتائج أفضل عندما يعيش المؤمن حياة الصوم والصلاة والسجود والمطالعة ليقترب من يسوع الحي الحاضر في الأفخارستية وفي كلمة الإنجيل المقدس . فبالإتحاد العميق مع المسيح في الذبيحة الإلهية وممارسة الأسرار ستغدق حياته حياة الإفخارستية التي ستقوي خميرته ليصبح ليس الخميرة فقط ، بل نور العالم وبحسب قول السيد لتلاميذه ( أنتم نور العالم ) لإنهم ( ليسوا من العالم ) ولكنهم ( في العالم ) ولا يجدر بهم أن ( يخرجوا من العالم ) ” راجع يو 17: 14-15 ” . يجب أن يبقوا في المجتمع البشري كما يبقى ( ملح الأرض ) في الأرض ،  وملح الطعام في الطعام ، كذلك تبقى الخميرة في العجين  .  مريم التي حملت يسوع وقدمته للعالم ، هكذا يجب أن يحمله كل مؤمن بثقة وإيمان ويقدمه للعالم . مريم هي الوسيطة لكل النِعَم ، ومن يديها نتقبل الطفل الصغير يسوع ونحمله مثلها إلى العالم بفرح . كذلك يجب أن نصبح مثله فنعيش حياة الطفولة الروحية لكي نتأثر في الآخرين لكي نستحق الحياة ، وهذه كانت وصية المخلص لنا ( … إن لم ترجعوا فتصيروا مثل الأطفال ، لا تدخلوا ملكوت السموات .. ) ” مت 3:18 ” . أي عندما تصبح لنا قلوباً طاهرة كقلوب الأطفال حينذاك سنصبح الخمير الفعال في عجين العالم .
 
والمجد ليسوع الإله الحي .

95

عناصر الفن الغوطي في أوربا
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
   في القرن الثاني عشر كانت مملكة فرنسا مركز أوربا الروحي ، فيها برزت الهندسة المعمارية فبنيت كنائس وأديرة كبيرة وجميلة ، كما تنوعت أنواع الهندسة المعمارية ، منها التجريدية المجردة من الرسوم والزخارف . كما برزت هندسة جديدة وفنون تشكيلية جديدة . وفي تلك الفترة ولد فن جديد سمي ب ( الفن الغوطي ) . فما هي عناصر هذا الفن :
  ا- التسمية : أزدهر الفن الهندسي الرومانسكي في جنوب فرنسا ، وتم تأسيس الأديرة الضخمة الخاصة بالرهبان البنديكتين للصلاة والتأمل ، حيث كوّنت الهندسة الكنسية الثقيلة الثابتة ، والتشكيل الخطي التجريدي ، وذلك بالعلاقة بالمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط ، لكن منذ القرن الثالث عشر ظهرت في خط الفن الرومانسكي حضارة جديدة ، وجد مركزه في فرنسا الشمالية وبعد سنة 1250 في باريس نفسها ، مدينة الثقافة المسيحية الأوربية بفضل الجامعة والمعلمين المشهورين . إنتشرت من هناك الحضارة الجديدة إلى أقصى حدود الغرب المسيحي اللاتيني . ومن هناك أصدر فن الهندسة الغوطي الخاص للكاتدرائيات الأسقفية في المدن ، فن ديناميكي حي متعلق بروحية أوربا الشمالية ، والذي يقصد الحصول على السماء لكن من أجل طبيعة الإنسان الحقيقية الواقعية .
  2- الروحية الجديدة : يشهد مطلع القرن الثالث عشر تغيير عميق في تصرف الإنسان الغربي ، إذ أخذ يحصل على نظرية جديدة تجاه العالم والحياة الإجتماعية ، لقد نجح الفن البيزنطي بتعبير كامل عن الروح المسيحي مع نوع من الأحتقار للعالم المادي الجسدي المانع الحصول على الأفكار الأبدية والعائق عن القيّم الروحية الخلاصية . والفن الرومانسكي المتعلق بنفوذ البيزنطي أضاف إليه المنطق التجريدي ، مع أنه حاول تطبيق الأفكار الأبدية على الحياة الواقعية وإدخالها إلى التصرف الأخلاقي ، وذلك ايضاً تحت تأثير نظام القديس أوغسطينوس الفكري حيث جمع من الأفلاطونية والمسيحية على حساب العالم المادي الذي ليس إلا رمز وآية تساعد صعود العقل إلى الله . لكن في القرن الثالث عشر ترك الأفلاطونية لصالح الأرسطوطالية ، وذلك خاصةً بفضل موقف جامعة باريس المؤسسة سنة 1215 ، حيث درّسَ كل من ألبير الكبير ( 1193 – 1280 ) وتوماس الأكويني ( 1224 – 1274 ) مع وضع النظام التعليمي المسيحي الشامل حسب مباديء أرسطو القائل بأحترام للطبيعة ومتطلبات العالم المادي الحسي . أن الحضارة الغوطية رغم حضور الأفلاطونية المستمر أخذت تصبح واقعياً وتكتشف الطبيعة وتعجب من العالم المادي . الآن اصبحت الطبيعة ينبوع المعرفة وقبلت ضمن الكنيسة . تبينت نتيجة هذا التغيير على سبيل المثال في تقديم الجسد الإنساني ( التماثيل مع الملابس والحركات الطبيعية ) وفي إختيار المواضيع ( الحيوانات والنباتات ) وفي هندسة الكاتدرائيات مع التغلب التدريجي على مبدأ ( الرقم المثالي الذهبي ) لصالح حرية المهدنس على مبدأ القانون الجديد وهو قانون جاذبية الثقل . ووضعت مؤلفات مثيرة حول هذه المواضيع ، نذكر منها كتاب ( مرآة العالم ) في مفهوم الفن وطريقة تعبيره المتعلقة بالطبيعة والتاريخ الخلاصي . فسرت مباديء فن الكاتدرائيات العظيم ويبدو من كل ما يحمله من فنون أن الحضارة الغوطية هي فترة الجرأة الفنية في كل الميادين الهندسية ، والكتابية ، والتصرف تجاه المرأة مثلاً ، مع الإحترام الخاص للسيدة ، ودور مريم العذراء في تقوى القرون الوسطى .
   3- ميادين الفن الغوطي الأربعة . كونت هذه الحضارة بفضل عناصرمختلفة نذكر منها :
أ- الكاتدرائيات الغوطية . ب- الأسكولاستيك الباريسي . ج- المؤسسات الرهبانية المتسولة . الشعر الفرساني      
( 1 ) – الكاتدرائيات : تشهد الكاتدرائات عن فن عظمة الهندسة الغوطية التي وصلت قمة إزدهارها من 1200 – 1260 ، ليس فقط في الأديرة الريفية الرومانسكية الفخمة ، بل في الكنائس الأسقفية وسط المدن والمبنية بأشتراك الشعب كله ، وخاصةً بأشتراك البسطاء والفقراء لمدة خمسة قرون تقريباً ، أنتشر النور الإلهي في وسط العالم البشري ، كانت الكاتدرائية بيت الله ، يقصد رفع الروح نحو الأعلى ، وأيضاً بيت الشعب حيث وجدت الحياة الإجتماعية المدنية المكان للإجتماعات والقرارات المهمة . جمع في هذا البيت بين كل ميادين الحياة وعناصرها . لكن شكل هذا التحقيق الهندسي العظيم حسب روحية اللاهوت معينة ، الذي يرجع أخيراً إلى الأسقف أو القانوني المسؤول العام عن الأشغال . ان الكاتدرائية آية ومراة تشير إلى فكرة دينية ، إنها لاهوت متجسد في الحجارة ، والهندسة كلها تعبر مادياً عن لاهوت الكنيسة الروحية .
ومن مراحل تطورها نذكر :

أولاً : المرحلة البدائية ، مرحلة الربيع ( 1130 – 1160 ) مع كنائس سان داني 1140 وكنيسة سانس 1130 وهي الكنيسة الأولى مع هيكل غوطي كامل وكنيسة لانغى وقد اهتم بالمعرفة عن طريق الخبرة والعواطف ، مع ألأحترام للطبيعة والجمال الجسدي ، وفي القرن 13 الأزدهار مع رسم البراعم ، وفي القرن التالي تم رسم الزهور ، وفي القرن 15 اللبلاب .

ثانياً : مرحلة الفن الغوطي المُشِع المنير 1250 – 1350 مع مجموعة من الكاتدرائيات العجيبة على الطراز الغوطي المجرد نذكر منها بصورة خاصة شارتري حيث حفظت في الكنيسة كل التفاصيل كما كانت قديماً ، وبورجي القرن 12 ، رايمس وسواسون 1180- 1225 ، وآميان ، ومريم العذراء في باريس 1200- 1220 ، 1245 وأخيراً بوفيه 1247 – 1272 مع أعلى سطح بأرتفاع 50 م والذي سقط فيما بعد .
ثالثاً : مرحلة الغوطي المتوّج الملتهب 1350- 1500 مع تزييد المعابد الجانبية ، والتركيز على ألام المسيح ، والموت ، وأم الأحزان .

رابعاً : مرحلة الغوطي المتأخر: من القرن 16-18 ، وهي فترة الرد على البروتستانتية ، فكان للإصلاح البروتستانتي تأثيراً سلبياً كبيراً على الفن المسيحي لأن الفكر البروتستانتي المناهض لكنيسة الأم رفض كل الفنون التشكيلية فجرد الكنائس من الأيقونات والمنحوتات وتم إزالة رسوم المسيح ، والعائلة المقدسة ، والعذراء ، والقديس يوسف ،و لم يقبل الرسم في الكاتدرائيات إلا القليل . أنتشرت هذه الهندسة الجديدة في كل أنحاء أوربا ، أولاً في فرنسا ، وأسبانيا ، وقد وصلت إلى إنكلترا ، ومن ثم أكملت الهندسة الغوطية طريقها الخاص في إنكلترا ، مع الهيكل الطويل والأبراج المربعة الإحتفالية ، لكن دون أي فن تشكيلي . ووصل النفوذ الغوطي في القرن 14 إلى ألمانيا . ولم يدخل في إيطاليا الفن الغوطي إلا قليلاً من التزيين ، وبنيت تحت تأثير الرهبنيات المتسولات كنائس عالية دون شبابيك متكرسة للكرازة .

أما أهم صفات الكاتدرائات الغوطية فهي :
ا- الروح الجديدة التي تجسد في إنسجام الفنون الهندسية والتشكيلية المختلفة كلها .                 2- مفهوم الكاتدرائية كصورة الفردوس ، وكبيت الشعب المؤمن ، والمبنية على يد الكل .            3- إستعمال القوس الحاد عوضاً عن القوس على شكل نصف دائرة .                          4- تشكيل القنطرة من خلال تصالُب قوسين متقاطعين .                                             5- إستعمال الزافرة ، العقد الساند والركائز . 6- الأتجاه نحو الأعلى مع الخط العمودي الرفيع  7- الحائط المفتوح لقبول النور . 8- الكاتدرائية كمدرسة ومعجم المعارف الطبيعية والأدبية الأخلاقية والتاريخية .                                                                                        ب- الأسكولاستيك : حاول الإنسان المثقف في القرن 13 ان يجمع بين كل عناصر العلوم والمعرفة اللاهوتية والفلسفية بنظام شامل واضح يجمل فيه الحقائق والخلائق لتترتب كلها نحو القمة في الله ، وقد وضع آنسيلموس من كانتوربوري 1033- 1099 البراهين العقلية لوجود الله ، وعرف ارسطو والفلسفة اليونانية في الغرب عن طريق الترجمات العربية . ومن أبرز المعلمين هم : سكوتوس ، وبونافنتورا الفرنسيسكاني ، وتوما الأكويني الدومينيكي الأيطالي . ظهرت في فرنسا إلى جانب المدارس الأديرة القديمة ، جامعات كبيرة مهمة حرة ، أشهرها جامعة باريس التي قصدها علماء وطلاب من العالم كله . كما تمكنت العقلية الغوطية ايضاً من وضع دوائر المعارف وموسوعات ، ومن دوائر الصور المترتبة المتركزة .
ج- مؤسسات الرهبنة المتسولة : إلى جانب الجماعات الرهبنية القديمة المتركزة في الأديرة الريفية المحصنة ، أسست منظمات جديدة تهتم أكثر بحياة الفقر الأنجيلي والتبشير الرسولي لدى الشعب ، فقد جدد برناردس الروح البندكتيني 1090 – 1153 وأعطى مجالاً أوسع للشعور الديني ، ثم أسست الرهبانيات المتسولات على يد القديس فرنسيس الأسيزي 1181 – 1226 والقديس عبدالأحد الأسباني 1170 – 1221 مع الأديرة وسط المدن .
د- الشعر الفرساني : خلق خلال تلك الفترة أيضاً الشعر العاطفي الذي به يعبر الفارس عن شعوره تجاه الأميرة المثالية ، والذي كرس حياته من أجلها ، أعظم شاعر كان ( دانتي الفيرنزي ) الذي ألف الكوميديا الإلهية بعد سنة 1300 خلال المنفى في رافينا ، وهي رؤيا سماوية عن الأمور الأرضية .

96

شجرة الحياة وصليب المسيح 
بقلم / وردا إسحاق قلّو

( فإنّ الصليب عن الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله )
" 1قور 18:1 " 
   نطالع في معتقدات الحضارات القديمة عن الشجرة التي كانت ترمز وتُعَبِرلشعوبها عن حياة الخلود ، وكذلك عن الخصوبة .
    فحضارة مصر القديمة ، كان الفراعنة يعتقدون بأن إلههم القمر ، وإله البعث ولدا من شجرة . وللآشورين شجرة حياة كان لها رمز صوفي تم رسمها كمجموعة من الخطوط المتداخلة .  وكان يخدم تلك الشجرة آلهة برؤوس نسور وكهنة وحتى ملوكهم ، لكن لم يصل علم الآشوريات إلى تفسير واضح لرموز تلك الشجرة . وكذلك للأرمن شجرة رسمت ونحتت على معابدهم القديمة ولها رموزها الدينية , وفي حضارة بلاد فارس أسطورة أخرى تتحدث عن شجرة كبيرة تحمل كل أنواع البذور . 
   اما في المسيحية فنقرأ عن شجرة الحياة في عدة أسفار، كما ذكرها سفر أخنوخ أنه في يوم القيامة سيقدم الله ثمرة من شجرة الحياة لكل من ذكر اسمه في كتاب الحياة . وفي سفر الرؤيا نقرأ ( ...نهر ماء الحياة صافياً كالبلور ينبع من عرش الله والحمل ويخترق ساحة المدينة وعلى ضفتيه شجرة الحياة تثمر أثنتي عشر مرة كل شهر مرة ، وأوراقها دواء يشفي الأمم ) " رؤ 22: 1-2 " .

فماذا تعني لنا الشجرة ؟ 
 
   جَبِلَ الله آدم من تراب الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة ليؤدي لإسمِهِ القدوس المجد ، فجعله كاهناً وملكاً وحبراً وسلّمَ له كل ما خلقه في الطبيعة . ( وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة حسنة ِ المنظر وطيبة المأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة ، وشجرة معرفة الخير والشر ) " تك 9:1 " لكنه أمر آدم لئلا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لئلا يذوق الموت ويتعرى من مجده . وإذا خالف آدم وصية الله سيتعرى من ثوب النور والمجد اللذين ألبسهما له الله . تلك كانت الشريعة التي ألزمَ الله بها آدم . لكن آدم تمرد ، وبتمرده أضاع إمكانية الوصول إلى الشجرة الثانية التي هي شجرة الحياة والتي هي رمز الخلود ، وهكذا فقد الخلود فطرد مع زوجته حواء من جنة عدن عريانين .   
   تهلل آدم وحواء لأن أبنتهم مريم ستأخذ الثأر وتنتقم من المجرب وتسحقه . مريم حملت في بطنها شجرة الحياة ، وصانها الله من كل وصمة في نفسها وجسدها لتبقى طاهرة . فصارت هي جنة عدن جديدة تحمل شجرة الحياة الجديدة التي أعطت للبشرية ثمرة الخلاص والخلود . 
إذاً في العهد الجديد مريم هي الشجرة المباركة التي أعطت ثمرة الخلاص للعالم . لقد شاء الرب يسوع في تدبيره الخلاصي أن يكون لها صلة وثيقة بصليبه المقدس . لقد جسدت مريم المسيح في حياتها ، إنها شجرة الحياة الحقة ، فيها ينبت ، ومنها يولد المخلص الذي من على شجرة الصليب سيفدي البشرية ويجدد العالم في عهد جديد عهد النعمة والمصالحة . فإن كان الإنسان قد سقط بسبب شجرة ، فمن خشب الشجرة سيصنع الصليب الذي عليه سيدفع أبن مريم الفدية لأجل المصالحة .   
   من جنب آدم خرجت حواء . ومن جنب المصلوب على الصليب خرجت الكنيسة . ففي البدء ، برجل وعذراء وشجرة كان الموت . لكن في العهد الجديد برجل وعذراء وشجرة الصليب غلب الموت بالموت . فالكلمة في مريم أخذ جسماً ، وعلى الصليب أعطى الحياة للبشرية الجديدة المؤمنة والمنتمية إلى كنيسة الرب المقدسة ، فيا لسر هذا الصليب العظيم الذي به شاء كلمة الحياة أن يتعهد كل لعنة الجنس البشري ليجعل منه علامة البركة المميزة عثار صليب اللعنة صار جنون الحب وقوة الله ( طالع 1 قور 1: 18-25 ) . فعلى الصليب سُمِر، فتحول صليب العار إلى مذبح الكرامة ، وعليه سمِرَت لعنة حواء ، ومنه تنبع كل البركات ، لأن عليه تعرى ابن الله ليجلب لبني آدم المجد . فصليب الفداء هو مفتاح الفردوس ، وهو قاتل الحية القديمة ، وساحق رأس التنين ، ومحطة سلاح الموت . وبالصليب اكتملت الأمور القديمة ليصير كل شىء جديداً ، فصار الصليب أصل حياتنا في المسيح المصلوب ، وكنيسته صارت بديلةً للفردوس . كما صار للكنيسة شركة في ( طوبى ) مريم أمَةُ الرب المتواضعة ، ومع مريم تشيد الكنيسة بآيات الله العجيب في أعماله وقديسيه .
 [/size]


97

القديس الشهيد الجاثليق مار شمعون برصباعي

بقلم / وردا إسحاق قلّو
    ولد البطريرك مار شمعون برصباعي في مدينة ( سوس ) في أقليم عيلام الفارسي . من أبوين يعملان في صبغ ثياب ملوك فارس الحريرية باللون الأحمر ، لهذا دعي برصباعي ، وبحسب المخطوطة الكلداني المحفوظة في الفاتيكان . . أتخذ مار شمعون اللون الأحمر رمزاً للشهادة فصبغ ثيابه بدمه تمهيداً للدخول إلى الأخرة شهيداً للمسيح ربه ، وكانت هذه أمنيته وطلبه المستمر من الله ليحصل على أكليل الشهادة ، وهذا ما يوضحه لنا في صلاته القلبية المرفوعة إلأى الله ز فلهذا صار لون ثوب كل البطاركة الذين خلفوه من بطاركة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنائس الآشورية ( الأحمر القاني ) كلون الدم ولحد اليوم ، وذلك تكريماً لهذا الشهيد البطل وللإقتداء بسيرته الطاهرة . 

   جلس مار شمعون على كرسي كنيسة المشرق بعد الجاثليق فاف أول بطريرك كنيسة المشرق ، وكان تلميذاً له . يذكر تاريخ السعردي ان الجاثليق مار فافا ولكبر سنه أرسل مار شمعون مع الأسقف مار شاهدوست غلى مجمع نيقية عام 325م . 
   أستطاع مار شمعون جمع كل أساقفة المملكة الساسانية تحت ولاية كرسي قسطيفون ( المدائن ) . في السنين الأخيرة للبطريك كان شابور الثاني ملكاً على مملكة فارس ، وكان ملكاً ظالماً وحاقداً على المسيحيين وينوي أضطهادهم لكنه لم يكن يعلن إضطهاده عليهم في أيام الملك الروماني قسطنطين ، لكن بعد وفاة الأخير شرع بتنفيذ أحقاده على كل المسيحيين في مملكته . بدأ تهيده بإرسال رسالتين إلى حكام الآراميين يطالب فيها إجبار بطريرك المسيحيين على الخضوع لأوامره وإجباره على دفع كل المسيحيين جزيةٍ مضاعفة . لكن مار شمعون لم يرضخ إلى أوامره المجحفة بحق المسيحيين ، بل رفض العمل بها ، كما تصدى لكل تهديدات الملك في الفترة التي تعرف بالأضطهاد الأربعيني لأنها دامت نحو اربعون سنة ( 339 – 379 ) قتل خلالها عدد كبير من المسيحيين . وقف مار شمعون وقفة شجاعة بوجه السلطة الظالمة فكان كلامه واحد وهو رفض دفع الجزية مهما كانت العواقب . أستشاط الملك غضباً عندما استلم رد الجاثليق فأرسل في الحال إلى حكام الآراميين في أرض النهرين لكي يلقوا القبض على مار شمعون وعلى عدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة البالغ عددهم 103 . سمع الطوباوي بأوامر الملك فتقبلها بفرح واجتمع بكل الأكليروس وتحدث إليهم لكي يشجعهم على الثبات والصمود وعدم الرضوخ بل أن يقتدوا بالذين سبقوهم في طريق الإستشهاد وبعدها صلى عليهم وباركهم بيده المباركة لكي تحل عليهم بركات السماء . سيقوا إلى مدينة مدينة ( كرخ ليدان ) في منطقة الأهواز حيث كان الملك مقيماً هناك . أمتثل الجميع أمام الملك الحاقد فبدأ بالتحدث إلى البطريرك ، فقال ( نحن نعيش في حروب ومعارك مستمرة وأنتم تنعمون بالراحة والأمان رغم كونكم على غير ديانتنا … عليك أن تخضع أنت وشعبك وأقبل الجزية وأسمع نصيحتي بما يفيد حياتك وأمتثل لأمري وأجحد بإيمانك وأسجد للنار والشمس المقدسة وإلا لضرب أعناقهم بالسيف ) . فأجابه مار شمعون قائلاً ( أجسادنا وأموالنا تحت تصرفك ولكني أقول الحق ، إني لن أجبر شعبي على الجزية حتى إذا أمرت بسلخ جلدي ، ونصيحتك تضر بحياتي ولا تفيدها ولا أضَرَ منها . والموت في سبيل الله خير من كل التنعمات ، وإني أقبل على الموت من كل قلبي فطوبى لمن يؤهل ليُهان من أجل الله ويزج في السجن ويحتمل العذاب ) . بعد خروجه من لدن الملك إلتقى مع أساقفته والكهنة والشمامسة المودعين معه في السجن وشجعهم بكلامه لكي يصمدوا على طريق الرجاء منتظرين مكافئتهم الثمينة من السماء . وفي أثناء حديثه دخل إليهم رجلاً مؤمناً لكي يبشرهم قائلاً ( أفرحوا بالرب أيها الطوباويون فإن كوستازاد المجيد قد نال إكليل الشهادة . وكوستزاد كان فارسياً آمن بالمسيح وأرتد بسبب الخوف من الملك لكن مار شمعون أشعره بخطئه فعاد إلى المسيح فقتل ونال أكليل الشهادة ) فغمرتهم البهجة ، فقال لهم مار شمعون : هلموا نشكر المسيح ونعظم أسمه القدوس على هذا الفرح العظيم إذ عاد الخروف الضال إلى حضيرة المسيح ، والدرهم الضائع من الكنيسة إلى صرته . ثم شرع يصرخ ويقول ( أيها المسيح يسوع أمنحني أكليل الشهادة لأنك تعلم أني ابتغيه من كل قلبي . أشتقت إليه وإني ألتمسه منك ) ثم ختم صلاته بالشكر وألتفت إلى أخوته مباركهم وتابعوا الصلاة طول الليل السابق ليوم أستشهادهم الذي كان يوم الجمعة العظيمة 14 نيسان 341 وكات تلك بدايو الأضطهاد الأربعيني . لم يغلبهم النعاس طول الليل ، ولم تشتت أفكارهم ، بل كانوا يطلبون من إلههم أن يذيقهم كأس الشهادة من أجل أسمه . وفي الساعة الأولى من صباح الجمعة استدعوا الجميع من السجن إلى قصر الملك ، ولما حضروا أمامه قال لهم : لماذا نسجد لمن ​لا يرى سجودنا ظ اسجدوا للشمس التي بشروقها يحيا العالم فتحيوا . فأجابوه ( ما عاذ الله أن يسجدوا المسيحيون للمخلوق عوض الخالق . أو أن يستبدلوا الخالق بخليقته ) .   
فأرسل إليهم ثانيةً وثالثة ولكنهم لم يتراجعوا أو يستسلموا . حين أصدرالملك أمراً على مار شمعون وأخوانه بقطع رؤوسهم . أمر الملك بقتل الجميع قبل مار شمعون لربما تنهار عزيمته أمام منظر قتلهم وبينما هؤلاء الأبطال القديسون يقادون إلى الموت كان البطريرك يتقدمهم لدى خروجهم ويشجعهم ويسند عزيمتهم ويذكرهم بأقوا الرب يسوع والرسل الأطهار ثم يباركهم . وكان يتقدم نحو السياف أولئك الشجعان فرحين مسبحين الله حتى تقدم مار شمعون الجبار فصلى أولاً لأجل شعبه وطلب من الرب أن يبارك المدينة التي استشهدوا فيها . وما أن أنهى صلاته حتى أحز السيف رأسه ونال أكليل الشهادة والظفر. عندها ثارت عاصفة وأظلمت الشمس وأصيب الحاضرون بالرعب . أما أجساد هؤلاء الأبطال فقد أختطفها بعض الأسرى الروم في أهواز ودفنوها بإكرام . أما جسد مار شمعون فقد تم نقله إلى مدينة ( سوس ) مسقط رأسه أما عن كتاباته فهو صاحب الترتيلة ( لا خومارا دخواه مودينان ) أي ” بك يا رب الكل نعترف ” . والتي كانت بمثابة قانون الإيمان . وله ترتيلة ( يا ذع حوشاي ) أي ” يا عالم أفكار البشر ” تُرَتل في زمن الصوم . وترتيلة ( بعينا عيثا وذحوبا ) أي ” بعين الفكر والحب ” كذلك : إن نزعتم عنكم لباس الخارج ، لا تنزعوا عنكم حلة الباطن ، أيها المعمدون ، لئن لبستم السلاح الخفي ، لا تستطيع أمواج التجارب أن ترخي عزيمتكم . إنكم تعرفون أي كلمات سمعتم ( من الأنجيل ) وتعرفون من أي ذبيحةٍ حية تناولتم ، فحذار أن يغويكم أبليس كما فعل بآدم ، ويبعدكم عن الملكوت المجيد ، إنه يسعى لإبعادنا عن الفردوس كما فعل بآدم . وغيرها من التراتيل . 

صلاة مار شمعون لنفسه لنيل أكليل الشهادة

  هب لي يا ألهي أكليل الإستشهاد ، لأنك تعلم أني قد طلبته من كل قلبي ، وتعرف أنت العليم بذات الصدور ، أن حبك قد شغف قلبي في ملكوتك وأتسلى ببهائك حتى لا أعود أحيا فارى هدم كنائسك ودك مذبحك وتمزيق كتابك وتدنيس قواي ، فأهلني لأن أستريح وأبهج آنية دارك وأبصر الضيق شعبك وتديل عبادكَ وأنظر إلى إنخذال المتراخين وإنكسار الهلعين وأعاين الذئاب الضارية تمزق أغنامي الوافرة ، فأعطني يا رب أكمل استشهادي . أهلني يا رب لا أكون أماماً لجميع المؤمنين الذين في المشرق بسفك دمي أمامهم ( وكان وجهه قد تغير وصار يضارع الورد رونقاً وبهاءً ) .

صلاته في يوم إستشهاده

أعطني يا رب أن أتألم في هذا اليوم وأشرب كأس الموت من أجل اسمك القدوس حتى لا يبقى على الأرض إلا من يقول ( أن شمعون واخوته أنقادوا ليسوع ونظير يسوع قُتِلوا في يوم الجمعة في الرابع من نيسان ) .

قال في نهاية خطبة التشجيع

فعلينا المحبة ، وعليه المجازات . علينا التعبد ، وعليه الموهبة . علينا العمل ، وعليه الأجر . علينا الآلام ، وعليه الراحة . علينا الدم ، وعليه الملكوت . علينا الموت ، وعليه الحياة . إذ يريحنا ويفرحنا ويكأنا في المتكأ السماوي ويقول لنا بأعلى صوته : نعما يا عبيداً صالحين ، وأمينيين تاجرتم جيداً بوزناتكم ، فخذوا عشر وزنات أُخر وأدخلوا إلى فرح سيدكم .

أخيراً نقول لننادي المسيح نحن أيضاً كمار شمعون ، ليأتِ ويشدد بروحه القدوس نفوسنا جميعاً .

98

شجرة الحياة وسط الجنة ترمز إلى المسيح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
       الله مجداً له
( ... غرس أيضاً شجرة الحياة ... في وسط الجنة )
" تك 9:2"
https://h.top4top.io/p_1988zry1n1.jpg
   نقرأ في أسفار عديدة من الكتاب المقدس تتحدث عن شجرة الحياة إبتداءً من سفر التكوين وحتى سفر الرؤيا ، فلماذا تشير هذه الشجرة ، وإلى من ترمز ؟
   سفر التكوين يخبرنا عنها في هذه الآية ( واستنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة بهية للنظر ، ولذيذة للأكل وغرس أيضاً شجرة الحياة ، وشجرة معرفة الخير والشر في وسط الجنة ) " 9:2 " . ثم ( قال الرب الإله : ها الإنسان قد صار كواحد منا ، يميّز بين الخير والشر . وقد يمد يده ويتناول من شجرة الحياة ويأكل ، فيحيا إلى الأبد ) " 22:3" . فما المقصود بشجرة الحياة إذاً ، ولماذا تنفع ثمارها ؟
     تلك الشجرة كانت حقيقية مغروسة في وسط الجنة وكما يؤكد لنا سفر الرؤيا في الآيات التالية ( ... كل من ينتصر سأطعمه من ثمر شجرة الحياة في فردوس الله ) "7:2 " كما يصف لنا يوحنا الرائي ويقول ( وأراني نهر ماء الحياة صافياً كالبلور ينبع من عرش الله والحمل ويخترق ساحة المدينة ) " 1:22" . كما يقول الكتاب : ومن يأكل منها يعيش إلى الأبد . أي تعطي  له الخلود ، لهذا السبب طرد الله الأبوين بعد سقوطهما مباشرةً لكي لا يأكلوا منها فيعيشا إلى الأبد .
   إذاً السفرين الأول والأخير من الكتاب المقدس تبدو الشجرة حقيقية بينما في أسفار أخرى كالأمثال وغيرها يعبرون عنها كرمز يقودنا إلى المسيح ، حيث الحياة الروحية . في سفر الأمثال نطالع عدة آيات تعبّر عن فكر الله وحكمته في شجرة الحياة ، فيقول ( هي شجرة حياة لمن يتشبث بها ، وطوبى لمن يتمسك بها ) " أم 18:3 " . وفي مثل آخر نقرأ ( ثمر الصديق شجرة حياة ، ورابح النفوس حكيم ) " 30:11" كذلك ( اللسان السليم ينعش كشجرة حياة .. ) " 4:15" فثمار شجرة الحياة تعطي الخلود فتتحول حياة الأنسان إلى حياة أبدية مع المسيح . والكتاب المقدس هو ( كتاب الحياة ) وكما يكتب على غلاف بعض النسخ . لماذا هو كتاب الحياة ؟ الجواب لأنه يحمل كلمة الله للعالم ، لهذا يقول المسيح ( الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ) " يو 63:6 " وكأن المسيح يقدم لكل نفس شجرة حياة فعلى المؤمن أن يتغذى منها لكي يحيى الخلود الأبدي . أي أن شجرة الحياة كانت رمزاً للرب يسوع خالق مصدر الحياة وواهبها . وهذا ما نلتمسه من أقواله الكثيرة التي تحمل الرجاء للحياة الأبدية ، منها قوله ( أنا الخبز الحي الذي نزل من السماء . إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ، والخبز الذي أقدمه أنا ، هو جسدي ، أبذله من أجل أن يحيى العالم ) " يو 51:6" . وفي الأصحاح نفسه نجد آيات كثيرة تعطي للمؤمن الرجاء للحياة الأبدية ، وفي ذلك الخبز نجد الغفران للخطايا ( مت 28:26 ) فالتناول من جسد الرب ودمه هو نفس التناول من شجرة الحياة ، لأن الأفخارستيا إذاً هي ثمار شجرة الحياة الأبدية . والمسيح هو الكرمة التي تغذي الأغصان ، والأغصان هم المؤمنون به لأنه الكرمة الحقيقية ، بل هو شجرة الحياة ، ، وهذا ما نفهمه من قوله ( أنا هو الطريق ، والحق ، والحياة ، لا يأتي أحد إلى الأب إلا بي ) " يو 6:14 " وعلى الإنسان أن يحفظ أقواله ويعمل بها ليحيى ، وبحسب وصيته ( الحق الحق أقول لكم أن كان أحد يحفظ كلامي فلن يذوق الموت إلى الأبد ) " يو 51:8 " وهذا ما نجده في سفر الأمثال ، تقول الآية ( إحفظ وصاياي فتحيا ) " أم 4: 4، 22 " .
   في الختام نقول : سفر الرؤيا أيضاً يؤكد لنا على حفظ الوصايا والعمل بها لكي نستحق شجرة الحياة ، فيقول ( ها انا  آتٍ سريعاً ، ومعي الجزاء الذي أجازي به كل واحد بأعماله ... هنيئاً لمن يعملون بوصايا الله ليكون لهم سلطان على شجرة الحياة ، وليدخلوا المدينة من ابوابها ) " رؤ 22: 12-14 " .
وللرب المجد دائماً
[/size]

99

ܝܪܐ ܕܨܠܝܒ̇ܐ عيد الصليب وعمل المصلوب والصليب في خلاصنا
بقلم / وردا إسحق قلّو
( أما من جهتي ، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربّنا يسوع المسيح ... )
" غل 14:6"
     تحتفل كنيستنا المقدسة بعيد الصليب المقدس يوم 14 أيلول من كل عام ، وتمتاز بلادنا بإحتفاء خاص نجد فيه مظاهر الفرح والإبتهاج ، ففي ليلة هذا العيد تقام مهرجانات خاصة فتتحول سطوح الكنائس والبيوت وقمم الجبال إلى شعلات من النار وحديثاً تطلق سهام نارية تتصاعد نحو السماء لتعكس أنوارها الملونة بألوان زاهية وكأنها نجوم تنفجر لتتلألأ فوق الناظرين .  ولهذا العيد طقوس خاصة وتراتيل وصلوات ، تكريماً للصليب الذي اختاره المسيح لكي يكون مذبحاً له وعليه يتم خلاصنا ، وبتكريماً لخشبة الصليب نكرم إلهنا الفادي الذي علق عليه على جبل الجلجلة . نضعه فوق كنائسنا وأديرتنا وفوق مذابحنا وعلى صدورنا ، هو سند لنا ، و حارس للمسكونة كلها . الصليب هو مجد الملائكة والبشر ، ونكبة كل الأبالسة والهراطقة العائشين في ظلمة الأبتعاد عن إنجيل المسيح . فما هو عمل المصلوب يسوع والصليب في حياتنا ؟ 
   كان المعروف عن خشبة الصليب أنها مشنقة الرعاع المجرمين الخارجين القوانين العامة في العهد القديم يحسب المصلوب على الخشبة ب ( الملعون ) فلهذا لا يخطر ببال اليوناني أو اليهودي وكذلك الروماني بأن ينسّب لها معنى إيجابي . ففي نظر اليوناني صليب المسيح هو ضرب من الجنون الوحشي ، وعند الرومان ، مجرد عار ، أما في نظر اليهودي فهو لعنة إلهية للمصلوب عليه ( تث 23:21 ) . فلم يكن معقولاً لدى هؤلاء وغيرهم بأن المصلوب على ذلك الصليب يكون إلهاً متجسداً وبحسب أرادته سلم نفسه للصلب لكي ينال منه الموت كعبد أو مجرم أو كمتمرد على شرائع السلطات الزمنية ، لكن في الحقيقة قدم نفسه للموت لكي يموت عن الجميع ، فلو لم يحمل تلك اللعنة لظلت البشرية في الأثم ، وتحت اللعنة السماوية ( أش 6:53 ) فالمسيح المصلوب دفع الثمن . إذاً صلب المسيح صار دعوة للإعتراض على حياة الأنانية ، فالمقصود بالصلب هو لتذليل النفس عن ضعف ، وكانت غاية يسوع المصلوب من هذه العمل لكي يعيش الإنسان الساقط في الخطيئة في حياة جديدة وعصر جديد عصر النعمة والمصالحة وبدون قلق وحتى أمام الموت ، لأن الموت نال منه المسيح بموته على الصليب . وموته هو قمة التضحية من أجل حرية الآخر وذلك بسبب محبته المطلقة لبني البشر عبر عمل الفداء والموت . فمن حجر عثرة حقيقي نشأ إختبار مدهش وغير متوقع للخلاص . فأصبح طريق الصليب طريقاً ممكناً إلى الحياة الحقيقية . فلا يجوز لأي مؤمن ان يختار رمزاً آخر يحل محل الصليب . لن الصليب هو مصدر فخرنا ومذبح خلاصنا . 
   الرسول بولس رأى في جوهر الرسالة المسيحية رسالة في المصلوب . فوجه الصليب في نظره هو وجه الذي يختصر حياة يسوع الأرضية . فلو أختصرنا الرسالة المسيحية لقلنا إنها ( لُغة الصليب )
   في ساعات ضعف المسيح على الصليب أكتُشِفَ ضعف الله ، وضعف الله هو أقوى من قدرة الإنسان ، فأثبت أخيراً أن قدرة الله على الصليب غلبت كل المتحدين ، وغلب سلاح الموت بقوة القيامة . فالذي ينظر اليوم إلأى الصليب في ضوء الحياة المسيحية الجديدة لعرف أنه يعني لجميع المتكلين عليه قدرة الله وحكمته . ففي موضوع الإيمان بالمصلوب ، وعمل الصليب الكفاري يصبح الإنسان قادراً على استخدام حريته في سبيل الآخرين ودعوتهم إلى السير خلف المصلوب . فرسالة القيامة مرتبطة بالمصلوب ، والفصح لا يمحو الصليب ، بل يثبته ويضفي عليه معنى ، فيجب ألا تظلل رسالة القيامة رسالة الصليب ، لأن الصليب ليس مرحلة عابرة أو مؤقتة نحو الخلاص ، ولا طريقاً إلى الثواب ، بل هو توقيع المصلوب الدائم . لا يمكن أن ينظر الإنسان نظرة صحيحة إلى الفصح إن لم يحفظ في باله يوم الجمعة العظيمة . أن الذي يرى في سر الصليب الغامض تعبيراً عن نعمةٍ ومحبة ذلك الإله الذي لم يدين أحداً ، بل نقبلهم من أول مرة ووضع ثقته فيهم وأحبهم . ذلك الإنسان لم يعد خادماً أو عبداً مصلوباً ، بل صار إنساناً حقيقياً ومثالاً للجميع . وصار أبناً لله الجالس في عرشه . 
   إن ما يميز بين المسيحية والديانات الأخرى هو أن مؤسس المسيحية مات مصلوبً ، وقام إلاهاً قديراً ، ودخل في مجد الله ، وظل حياً . بينما كل مؤسسي الديانات الأخرى عاشوا وأنتهوا إلى الأبد . فليس للصليب قدوة ومثالاً حياً فحسب ، بل هو أصل الإيمان بالمصلوب . فالصليب يؤصل الإيمان في واقع الحياة اليومية بما فيها من نزاعات . الصليب هو ضوء القيامة ولكن القيامة تبقى في الوقت ذاته في ظل الصليب . فبدون الإيمان بالصليب ننزع عن الذي مات عليه وقام من بين الأموات طابعه المميز والحاسم . وبدون الإيمان بالقيامة ، ننزع إيماننا بالمصلوب . ذلك العنصر الذي يؤيده ويبرره . وأخيراً نقول للمصلوب :
بصليبك المقدس خلصت العالم
[/size]


100

عيد مولد مريم العذراء الفائقة القداسة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
عزم الله أن يخلق ليسوع شعباً مؤلفاً من عدد غفير من البشر المصنوعين على صورته ومثاله حتى يصبحوا له أخوةً وأتباعاً . كان الجنس البشري يبتدى برجل واحد وإمرأة واحدة ومنهم تتكاثر البشرية . لكن سقطة آدم كانت متوقعة لدى الله ، ومعه سقطت كا ذريته لكن بإستثناء العذراء مريم التي لم تكن خاضعة لهذا المرسوم لأنها كانت في فكر الله قبل أن يخلق آدم وذلك لكي تصبح مكاناً مقدساً طاهراً لسكنى الكلمة المتأنس . وبهذا حدد الله الدواء لسقطة الإنسان .
  تقول الآية ( إنما خرجت من فم العلي بكراً قبل جميع المخلوقات ) " سير 5:24 " ومريم قبل أن تلدها أمها لها وجود في أسفار العهد القديم وكأنها مولودة ، فتقول في سفر الأمثال عن نفسها ( أن الرب خلقني أولى طرقه قبل أعماله منذ البدء ) " 22:8 " إذا العذراء موجودة في مخطط الله قبل آدم ، وقبل السقوط ، لهذا لا تشملها لعنة الخطيئة الموروثة من الأبوين ، بل حبل بها بلا دنس تلك الخطيئة لتحل محل حواء الأولى . فعجنها الروح القدس لكي تكون خليقة جديدة تحل محل حواء الأولى ، بل حواء جديدة ، كلية القداسة بنعمة الله .
أما عن الأحتفال بعيد الميلاد فنقول : الوثنيون فقط يقيمون أعياداً وأحتفالات كبيرة يصرفون عليها أموالاً ويدعون لحضورها الكثيرون وكما فعل هيروس الملك في عهد المسيح فأقام وليمة كبيرة دعا اليها النبلاء وكبار قادته وكل أعيان منطقة الجليل ، كذلك كان يفعلون فراعنة مصر وبابل وغيرها من شعوب الأمم . اما في المسيحية فلا يجوز الأحتفال بعيد ميلاد أي مسيحي وإن كان قديساً ، لأن جميع المسيحيين ولدوا في الخطيئة ، فلا يستحقوا الأحتفال في يوم كانوا ملوثين بالخطيئة الأصلية ، وكانت نفوسهم تخلوا من الأستحقاقات السماوية ، فلا يجوز الأحتفال بيوم ميلادهم الجسدي ، بل عليهم الأحتفال بعيد ميلادهم الروحي ، أي يوم عمادهم الذي هو ولادة جديدة فيه يموتون مع المسيح ويقومون ليولدوا من جديد . يستثنى  ميلاد الرب يسوع الذي ولد بلا خطيئة فتحتفل به كل الكنائس ، وكذلك أمه البتول مريم الفائقة القداسة فأمرُها يختلف عن كل البشر أبناء آدم الخاطىء ، لأن الله الذي اأصطفاها من كل نساء العالم لتكون هيكلاً مقدساً منها يأخذ إبنه الإله جسده ليولد بيننا ويتجسد فينا ، لهذا كرمها الله بولادة تختلف عن كل البشر وهي ( الحبل بها بلا دنس ) لتولد مكملة بالنعمة الإلهية ، ورائعة في جمال نفسها وجسدها . فلا يجوز أن تكون كباقي البشر ، أو نعاملها كباقي النساء ، لأنها ( أم الله ) فكم يحق لأبناء الكنيسة المقدسة أن تكرمها .
   أنعم الله القديسة حنة بمشاهدة رؤيا سامية ، وقال لها ( يا حنة خادمتي العزيزة لقد حان الوقت الذي سيصبح فيه ابني إنساناً ليخلص البشر . ويجب أن يولد من إمرأة ستبقى عذراء نقية مع كونها أماً وسترتقي بفضل هذا الشرف الرفيع فوق سائر المخلوقات وها أنا أجعلكِ الآن أماً لها ) .
 تحتفل الكنيسة المقدسة بيوم ميلادها الذي يصادف في ( 8 أيلول من كل عام ) وهو فعلاً يوم ميلادها وكما أخبرت العذراء للرائية ماري داغريدا فكتبت لنا ( في الثامن من أيلول علمت القديسة حنة بأنها ستحصل أخيراً على الولد الذي طالما انتظرته بعد صلوات كثيرة . ورفعت إلى الله هذه الصلاة بعد الولادة وقالت " يا خالق جميع الكائنات أني أشكرك وأقدم لك أبنتي هذه التي حصلت عليها بفضل صلاحك . تصرف كما تريد بالإبنة وأمها ، وكن مباركاً على الدوام لأنك قد هيأت في داخلها مسكناً للكلمة الأزلي ، ولكن كيف أن أتصرف نحوها وأنا لست بأهل أن أكون خادمة لها " ) .
   قبل أن ندخل في تفاصيل يوم ميلاد العذراء بالجسد علينا أن نتناول أولاً سيرة حياة والديها القديسين جدّ ي يسوع ( يواقيم وحنة ) اللذان كانا من سبط يهودا ، ومن نسل داود الملك ، وكانا باريّن أمام الله سالكين في طرقه ووصاياه . ولم يكن لهما ولد لأن حنة كانت عاقراً . وكانا يرفعان الصلوات إلى الله  فنظر إليهما في أيام شيخوختهما فحقق أمال حياتهما . قالت الطوباوية ( ماري داغريدا ) الأسبانية بأنها تلقت إيحاءات من العذراء مريم لتنقل لها تفاصيل ولادتها نشرته في كتاب عنوانه ( مدينة الله السرية ) نختصر موضوع الحبل بها والولادة بما يلي :  أرسل الله اولاً ملاك جبرائيل إلى يواقيم بشكل بشري بينما كان مستغرقاً بثبات الصلاة الطويلة لكي ينظر الله إلى مذلته ، فقال له :  أفرح أيها القديس لأن إمرأتك سوف تلد لك أبنة ستسميها ( مريم ) بأمر الله الذي كشف للملائكة أنه رسم منذ الأزل ان يعطي للأم والأبن إسمي ( مريم ويسوع ) وفيهما قد وضع إعجابه وأنتهى الى القول : إن أسم مريم يجب أن يُمجد على أكمل وجه ، والذين يبتهلون إليه بتقوى حقيقية ينالون نعماً غزيرة .  والحبل بها من القديسة حنة هو بداية لسر تجسد المسيح فالأبنة التي ستلدها هي هدية السماء لهما وللعالم كله والتي فاقت كمالاً وجمالاً وأناقة ونعمة ومجداً كل من سبقها من النساء المجيدات في العهد القديم . فقد فاقت سارة بإيمانها ، ورفقة بلطفها ، وراحيل بجمالها ، ومريم بنت عمرام أخت موسى وهارون بتقواها وطاعتها ، ودبورة بشجاعتها ، ويهوديت بغيرتها ونقاوتها ، وراعوت بتواضعها ، وأستير بتسلطها على قلب الله ، لذلك أختارها الله من كل نساء العالم لتكون أماً لأبنه الحبيب وشريكة في سر إفتداء البشر .
  ولدت مريم العذراء في أورشليم ، في جوار هيكل سليمان وبركة بيت حسدا ، في المكان المدعو اليوم ( مدرسة القديسة حنة الأكليريكية ) المعروفة ب ( بالصلاحية ) وهذا المكان اليوم هو مُلك للدولة الفرنسية ، وفيه أنشأ الكردينال لافجري مدرسة أكليركية يتخرج منها عدد كثير من كهنة البطريكية وسائر الأبرشيات والرهبانيات التابعة للكنيسة الكاثوليكية الملكية .
   لقد ملأ الروح القدس مريم من النعمة ( لو 28:1 ) من أول لحظة التي كوّن نفسها وضمها إلى جسدها النقي في أحشاء والدتها حنة ، فكان يوم ميلادها يوم فرح لا يوصف لوالديها ، كما ابتهجت به في السموات أجواق الملائكة ، واعتنت حنة بإبنتها مريم عناية الأمهات القديسات بخير البنين والبنات . وهل كان لمريم أخت أخرى أنجبتها حنة بعدها ؟ تفسر بعض الطوائف الاية ( وهناك عند صليب يسوع ، وقفت أمه ، وأخت أمه مريم .. ) " يو 25:19 " . بأن للعذراء أخت أخرى أسمها مريم ، لكن لا يوجد أي أدلة في تاريخ الكنيسة والسنسكار وفي أقوال القديسين أي إشارة لهذا الإدعاء ، بل مريم تلك كانت قريبتها.
      الكنيسة المقدسة تأملت بأوصاف مريم البتول المجيدة ، وفي نتائج مولدها للجنس البشري ، تشيد بهذا الميلاد الشريف قائلة : أن يواقيم وحنة من عار العُقرِ أطلقهما ، وآدم وحواء من فساد الموت أعتقا ، بمولدك المقدس أيتها الطاهرة ، فله يعيّد شعبكِ أيضاً ، وقد أنقذ من تبعه الزلات صارخاً إليك : ( العاقر تلد والدة الإله مغذية حياتنا ) .
   ما أحلى وما أبهج ما تهتف به كنيستنا الشرقية في نشيد في يوم ميلاد أمهم البتول مريم ( ميلادك يا والدة الإله بشّر بالفرح المسكونة كلها ) . فإن هذا العيد هو حقاً عيد الأفراح والمسرات في السماء والأرض ، فالسماء فرحت لأن أم العلي ولدت ، والأرض أبتهجت لأن خلاص العالم بدأ يتحقق ويسوع الإله سيتجسد في عالمنا المنظور .
 أبناء كنيستنا الشرقية كثيرة العبادة للبتول مريم فخصصت لها أعياد كثيرة . منذ القدم تقيم الكنيسة  تقيم عيداً ليوم ميلادها ، إلا أن القديس إندراوس الأورشليمي أسقف كريت ( 720 ) هو أول من ترك لنا خطابين في عيد ميلاد البتول . والأخولوجيون المدعو كتاب الأسرار الجيلاوي ، ومن أوائل القرن الثامن يذكر أن بلاد الغربية كانت تحتفل بهذا العيد . ومما لا ريب فيه أن هذا العيد تحتفل به الكنيسة كلها شرقاً وغرباً منذ القرن العاشر . وكنيستنا الكلدانية تحتفل بعيد ميلادها في يوم 8 أيلول من كل عام . تضرعي لأجلنا يا أم النور لكي نستحق مواعيد المسيح
المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   مجلد أمجاد مريم البتول للقديس ألفونس دي ليكوري
3-   كتاب ( مدينة الله السرية ) للطوباوية ماري داغريدا






101

دورنا مع معذبي هذه الأرض
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرب يسوع ( روح الرب عليّ ، لأنه مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء ، أشفي منكسري القلوب ، أنادي للمأسورين بالحرية … وأطلق المرهقين أحراراً .. ) ” لو 8:4″
  الأيمان بالمسيح ورسالته ليست إمتيازاً لنا لكي نفرز أنفسنا عن أبناء بقية الأديان والمعتقدات الكثيرة وكما فعل الفريسيين ( بريشايي ) ، بل أن نكون كخميرة في وسطهم ، وخدام مخلصين لأبناء هذا العالم . وهذا العمل يحتاج إلى المحبة والتضحية أولاً قبل الأنطلاق إلى العمل ، وقد يقتضي الأمر إلى بذل الذات على أساس المحبة لا للشهرة أو بسبب التعصب الديني ، ومثل هذا العمل يعتبره المسيح قمة المحبة إن كان الفاعل أميناً لسيده . فالعمل يبدأ فردياً أو قد ينتمي منذ البداية إلى مؤسسات خيرية نظامية أو سياسية تعمل على تحرير المظلوم وإبراز الحق من أجل تحقيق العدالة في الأرض كلها . فمثل هذه الخدمة تضع المرء في محك أصالة إيمانه فيقدم الخدمة الصالحة بكل إندفاع وفرح ومحبة إلى كل الناس بمختلف معتقداتهم ومذاهبهم ، فكل محتاج يلتقي به هو قريبه . ووصايا الله للبشر تطلب محبة القريب كالنفس ، والمحبة الفاعلة تتجلى في العمل لا في التدين وممارسة الطقوس فقط كما كان يفعل الكاهن واللاوي الذَين سقطا في تجربة مساعدة الجريح المحتاج ( طالع لو 10 : 34-45 ) وبمثل السامري الصالح قلب يسوع كل الموازين ، وبرز المفهوم الصحيح للقريب ، وأكد أن مفهوم القرابة لا تنحصر في صِلاة الدم والقومية والعقيدة وغيرها ، بل القريب هو من أقترب منه وأمد له يَد العون والخدمة التي كان يحتاج إليها ، وهكذا يجب أن يفعل كل مؤمن مع أي إنسان محتاج وإن كان عدوه ، وبمثل هذه الأعمال سيحول عدوه إلى قريب ، وبسبب تلك الأعمال الخيرية سيردم الهوة التي كانت تفصل بينه وبين خصمه . 
    المحتاجين إلى الخدمة في عالمنا كثيرين ، منهم البائسين ومعذبين ومظلومين ومرضى ومحتاجين ، فعندما نقوم بهذا الواجب سنجعل الخالق مديوناً لنا ، وهو لا ينسى فضائلنا وإن كان كأس ماء بارد نقدمه للعطشان . وفي يوم الحساب سيقول لعاملي الخير ( تعالوا ، يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعدّ لكم منذ إنشاء العالم ، لأني جعت فأطعمتموني ، وعطشت فسقيتموني … ) “ مت 25: 34-40 ” . وهكذا وحّدَ يسوع بينه وبين كل متألمي المسكونة ، من جياع وعطاشى وعراة ومشردين ومرضى ومسجونين عندما قال :
( روح الرب عليّ ، لأنه مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء ، أشفي منكسري القلوب ، أنادي للمأسورين بالحرية … وأطلق المرهقين أحراراً .. ) ” لو 8:4″  .
   كل محتاج إلى مساعدة يعتبره المسيح صغيراً بين البشر ، بل يجعل نفسه متجسداً فيه ، فهل نحن مستعدين أن نقدم للمسيح خدماتنا ؟  علماً بأن كلامه واضح وصريح وخاصةً عندما قال ( الحق أقول لكم : إن كل ما صنعتموه إلى واحد من أخوتي هؤلاء الصغار فإلي قد صنعتموه ) ” مت 25: 34-40 ” . 
   كما علينا أن نعلم بأن لا نحصر المسيح في جماعة المؤمنين به فحسب ، إنما أن نرى مسيحنا ومسيحيتنا في كل معذبٍ ومحتاج أية كانت هويته ودينه ، فالمسيح موجود في كل جريح ومتألم ، ومات من أجل الجميع ، ويريد الخلاص للجميع . 
      ختاماً نقول : نحن المؤمنين بالمسيح لسنا من هذا العالم ، لكننا في العالم ، ولا يجدر بنا أن نخرج من العالم ، بل أن نبقى بين المجتمعات البشرية  ( طالع يو 17: 14-15 ) كما يبقى ملح الأرض في الأرض ، وملح الطعام في الطعام ، والخميرة في العجين ( مت 6 ) .
 المحبة هي وصية الرب يسوع لنا ، بل هي علامة فارقة لكل من يتبعه ، وهذه الوصية ثقيلة وصعبة فعلينا أن نتحمل ثقلها الذي يحتوي على إهانات وظلم وتفرقة وغيرها لكي نستطيع أن ننفتح على الآخرين لأجل ربط جسور الأخوة بيننا ، وهذه العلاقة ينبغي أن نجسدها على المستوى العائلي أولاً ومن ثم مع المقربين منا ، وبعدها ننفتح في المجتمع المحيط بنا بمحبة نزيهة وخالية من المصالح الذاتية لكي نجعل الجميع يعيشون مثلنا في المحبة كأخوة ، وهكذا نسعى في إحلال المحبة والسلام في المجتمعات التي ستجد فينا الرحمة والحنان والصدق ، هؤلاء الذين يخالفوننا في الرأي والعقيدة والطباع والثقافة .
   المسيح موجود في كل إنسان محتاج إلى رحمتنا ، ويريد أن يختبر محبتنا له هو شخصياً من خلال ذلك المحتاج . قال القديس يوحنا الذهبي الفم : 
 ( ماذا ينفع تزيين مائدة المسيح بأوان ذهبية إذا كان هو نفسه يموت جوعاً ؟ فأشبعه أولاً حينما يكون جائعاً ، وتنظر في ما بعد في أمر تجميل مائدته بالعطايا ) . كما قال أيضاً ( فلا تُزيّن الكنائس ، إن كان ذلك لأهمال أخيك في الشدة . هذا الهيكل أكثر جلالاً من ذاك )
فجهادنا الأول هو تحرير الفقراء والمأسورين ، وزرع المحبة الحقيقية والعدالة في العالم كله .
ليتبارك أسم المسيح المتجسد بيننا

102
[
هكذا نفهم جلوس المسيح عن يمين الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  قال يسوع لعظيم الكهنة ( سترون بعد اليوم إبن الإنسان جالساً عن يمين القدير ، وآتياً على سحاب السماء ) ” مت 64: 26 ” .
   قبل كل شىء علينا أن نعترف بأن الله روح ، وهو كائن غير محدود ، أيضاً هو أصل الوجود وخالقه . أفلا تحدده آيات كثيرة عندما تصفه جالساً ، أو واقفاً عن يمين الله ؟ فماذا يُعني بيمين الله القديرأو يساره ؟ كلنا نؤمن بأن المسيح بعد الصعود دخل في مجد الله ليملاْ الكون كله بوجوده ، أي ليس لله بأقانيمه الثلاثة حدود . ويسوع صعد إلى السماء ودخل في الله الواحد ، لأنهما واحد ، وحسب قوله عندما كان في الجسد ( أنا والآب واحد ) ” يو30:10 ” . بل هو في الآب والآب فيه وكما قال لرسوله فيلبس ( من رآني رأى الآب … ألا تؤمن أنا في الآب والآب فيّ ؟ ) ” يو14: 9-10″ . وفي العهد القديم يقول المزمر ( قال الرّبُ لربّي ، إجلس عن يميني حتّى أضع أعداءكَ موطئاً لقدميك ) ” مز 1:110″ , ويؤكد الرسول بولس تلك الآية فيقول ( فمن من الملائكة قال الله له يوماً ” إجلس عن يميني حتى أجعل أعدائك موطئاً لقدميك ؟ ) ” عب 13:1 ” .
هنا نجد أن الله الآب هو ( رب ) وابنه الجالس عن يمينه هو ( رب ) أيضاً . إذاً الأثنان هم :
1×1=1   
   فإذا كان الآب والأبن واحد فكيف يجلس المسيح عن يمينه ؟ كما علينا أن نفهم المقصود بكلمة (جلس ) يعني بها دخول المسيح في مجد الآب ، نقرأ في الأنجيل ( متى جاء بمجده ومجد الآب … ) ” لو 16:9 ” ومجدهما هو واحد . وهذا ما عّبَرَ عنه الرسول بالقول ( أن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد ابيه مع ملائكته ) ” مت 17:16 ” . كما نقرأ أيضاً ( وأما رأس الكلام فهو أنه لنا حبراً جلس عن يمين عرش الجلال في السموات ) ” عب 1:8 ” كذلك ( جلس عن يمين العظمة في الأعالي ) “عب 2:2 ” بينما الشماس أسطفانوس رآه قائماً عن يمين الله وليس جالساً ( أع 56:7 ) إذاً كل هذه التعابير وُضِعَت لكي تكون بمستوى لغتنا البشرية وبحسب مفهومنا الإنساني ، أما لغة ومفهوم السماء فتختلف عن تعليمنا وعن مستوى إدراكنا الذي لا يرتقي إلى علم الله ، لهذا يقول الرسول بولس عن معرفتنا الناقصة ستزول ، قال (  والمعرفة تزول ، لأن معرفتنا ناقصة ، ونبواتنا ناقصة ، فمتى جاء الكامل زال الناقص ) ” 1 قور 9:13 ” . ففكرة الجلوس على اليمين واليسار لنيل العظمة كانت موجودة في الفكر اليهودي لهذا طلبت أم أبني زبدي من يسوع طلباً فقالت له ( مر أن يجلس أبناي هذان أحدهما عن يمينك والاخر عن شمالك في ملكوتك ) ” مت 21:20 ” . أما في أنجيل مرقس فنقرأ بأنهما طلبا منه ذلك ( طالع مر 37:10 ” فكان رده لهم ( أنتما لا تعرفان ما تطلبان …. فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم ) ” مر 40:1110 ” وإن كان ليسوع يمين فنقول ، أليست مريم العذراء مستحقة أكثر منهما ؟ وهذه الفكرة نعببّر عنها في الأيقونات الخاصة بالعذراء ويسوع أو التماثيل فنجد أن مريم تحمل يسوع على كتفها الأيسر لكي تصبح هي عن يمين قدرة أبنها . ومن الأفضل أن نتجاوز حرفية الكلمات المكتوبة لندخل في عمق الهدف الذي كتبت من أجله . وكذلك نبحث عن الأهم وهو أن ندخل نحن في مجد الله كما دخل يسوع ، وهكذا نحن ايضاً المحدودين في هذا العالم بأجسادنا المادية ، عندما ننطلق إلى السماء سنكون في حضن الله وندخل في مجده ، وهذا أفضل . لهذا صعد يسوع لكي يجذبنا إليه فنجلس عن يمينه الغير محدود ، أي في مجده وقوته وسره . وهذا هو وعد المسيح لنا ، قال لنا بعد صعوده ( والغالب سأهب له أن يجلس معي على عرش كما غلبت أنا أيضاً فجلست مع أبي على عرشه ) ” رؤ 21:3 ” وهنا لم يحدد عن جلوسه إلى يمين عرش الله ، بل قال مع أبي على عرشه . ولكي نفهم بأن العرش أي كرسي الله هو واحد لهذا تؤكد لنا الآية ( عرش الله وعرش الحمل واحد ولهما عبادة واحدة ) ” رؤ 3:22″

  ختاماً : نقول في قانون الإيمان ( … وجلس عن يمين الله الآب .. ) والله روح غير محدود بزمان ومكان . موجود في الكون كله ، وهو ثالوث في أقانيمه وواحد في تكوينه . والكلمات التي نقرأها في الكتاب المقدس مثلاً ( يمين الله ) فمعناها قدرته القوية . وكذلك ( رفع الله المسيح  أعلى من الملائكة ) فيعني بها بأنه كرمه أفضل تكريم كإله لا كإنسان أو ملاك . كما نقرأ ( الله يحمينا بكلتا جناحيه ) فهل الله يحتاج هو وملائكته إلى أجنحة وهم أرواح ، وهل الأجنحة تحمل الروح ؟ إنها مجرد كلمات تصوِّر المطلوب فهمه لتضعه على مستوى إدراك عقولنا . كما علينا أن لا ننسى بأن المسيح قد أخلى ذاته وتجسد ، وأخذ له شكل العبد ، وعاش بيننا كإنسان ( في 5:2 ) وتحدث بلغتنا ، وتألم وجاع وعطش مثلنا ، لكي ينقل إلينا رسالته السماوية بلغتنا . لكن أخيراً سيأتي بمجد عظيم ، وبنمظر مخالف لمجيئه الأول . وعلينا أن نستعد لأستقباله ونحن مؤمنين طاهرين  فرحين لكي يخطفنا من هذا العالم إلى عالمه الخالد لنبقى معه إلى أبد الآبدين . ليتمجد اسمه القدوس .

103
التعبد للعذراء مريم … ولكن !

بقلم / وردا إسحاق قلّو
                                   
    مريم هي تلك المراة التي رآها يوحنا ، فقال ( … إمرأة ملتحفةً بالشمس والقمر تحت قدميها ، على رأسها إكليل من أثني عشر كوكباً ) ” رؤ 1:12 ” .
   لعذراء مريم دور ومكانة خاصة عند المؤمنين في الكنيسة الرسولية ( الكاثوليكية والأرثوذكسية ) يعطون لها دوراً في الكنيسة كأم الله ، وأم المؤمنين . ومركزاً هاماً في حياتهم الروحية . فلمريم دور في الكنيسة كأم وشفيعة ، فهي متحدة مع المسيح ومرتبطة به في عمل الخلاص منذ حبلها البتولي وحتى موت إبنها على الصليب ، لهذا تكرمها الكنيسة المقدسة بسبب ارتباطها بإبنها ، ولشمولها في مخطط الله لخلاص البشر . فهل نعبد العذراء مع المسيح ؟
  أولاً نقول :ما معنى العبادة ، وما أنواعها ؟ في البداية علينا أن نفهم معنى العبادة ، ولمن نعبد ؟
      العبادة بمفهومها المطلق هي لله وحده ولا شريك له في العبادة والسجود . وحسب الوصية الأولى من وصايا الله العشرة في الشريعة التي تؤكد عبادة الله وحده . إذاً ماذا نعني بالعبادة للعذراء ؟ في الكثيرمن كتب الصلوات الخاصة بمريم في الكنيسة المقدسة نفهم معنى التعبد من خلال مصطلحين باللغة اللاتينية . الأول
Latrea
والذي يعني تعبداً بشكل العبادة الخاصة بالله وحده . أما النوع الثاني للتعبد فهو
Doulia
ويقصد به تعبد تكريمي يعطى للقديسين من أجل التكريم فقط لا للعبادة بمعنى السجود  . فمصطلح التعبد للعذراء جاء بسبب يكمن في الضعف اللغوي أو عدم وجود كلام مرادف في العربية إلى ما موجود في  اللغة اللاتينية ، أي هناك ضعف في الترجمة الحرفية للمصطلح الأصلي . . كما نقول أن العذراء ليست بإله ، فطريقة تعبدها ليست من نوع Latrea
 بل من نوع Doulia
 ولكن بشكل أرفع وأرقى من جميع القديسين لكونها أم المسيح الإله ، لذلك خصص لها لقب   Doulia
  وهو أعلى مركزاً أو سمواً ، لكنه يحدد في ضمن مرتبة التكريم فقط . فوجود مصطلح التعبد للعذراء مريم ليس بالخطأ لأنه تعبد تكريمي ليس إلا          Hyper Doulia
   أما الذي يعظم العذراء عن جهل أكثر ما يريده الكتاب المقدس والكنيسة فيجHyper Douliaعلها بتعبده هي الهدف والغاية فأنه يهينها لأنه سيحولها إلى إله ، وكل من يعبد أو يسجد إلى غير الله فسيحول ذلك الإله إلى صنم وهذا لا يليق بأم الله التي أتضعت لتكون ( أمة للرب ) . فمريم ليست هي النور ، بل هي تعكس النور الصادر من مصدره إلينا . مصدر النور هو ابنها وبدونه لا يكون للعذراء أي دور ، وعلى نقيض هذا يوجد هناك جماعات من خارج الكنيسة الرسولية تقلل جداً من أهمية ودور العذراء في الكنيسة فتجعلها مجرد وعاء جاء من خلاله الرب ، أما الوعاء بحد ذاته لم يبقى له قيمة أو دور في الكنيسة ، فتقليلهم من دور العذراء هو إهانة للرب يسوع لعدم تكريمهم لأمه فهو إذاً مخالفة لتعليم الأنجيل المقدس الذي جاء في كلام العذراء مريم نفسها ودوِّنَ في الأنجيل ، قالت ( فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال ) ” لو 1: 48 “. كذلك نقول ، الله أعلن دور العذراء في كتابه المقدس منذ السفر الأول في العهد القديم بطريقة رمزية ، ومنذ سقوط الأبوين ، فنقرأ ( وأجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك وبين نسلها فهو يسحق رأسك وأنت ترصدين عقبه ) ” تك 15:3″ . وهذه المرأة الذي تحدث عنها الكتاب هي مريم العذراء ، وفي نفس السفر نقرأ في الأصحاح السابع عن فلك نوح الذي حوى نوح ونسله ، هكذا أمنا البتول هي الفلك الجديد الذي حوى ابن الله واعطته للبشرية جمعاء لأجل خلاصهم من طوفان الخطيئة . وهناك مثال آخر رمزي وهو تابوت العهد الذي يمثل العذراء . فتابوت العهد كان يحتوي الوصايا وعصا هارون والقليل من المن وهذه كانت رمزاً للمسيح ، فكان لذلك التابوت مكانة عالية والأحترامٍ كبير عند الشعب اليهودي وكان ذلك التابوت رمزاً لتابوت العهد الجديد ( مريم ) التي احتوت لاهوت الله الحقيقي في أحشائها وليس الرمز، فكم يتحتم لأبناء العهد الجديد تكريم العذراء الممتلئة نعمة والتي حملت مسيح الرب .
  أما الأناجيل فكتبت عنها الكثير منذ الحبل الإلهي حتى الصليب ، وعند الصليب سلمها يسوع ليوحنا الحبيب ، بل لنا جميعاً بشخص يوحنا لكي تكون أم المؤمنين والكنيسة جمعاء ، ولكي يكون لها دوراً مهماً في الكنيسة ، لهذا نطلب منها الصلاة والتشفع عند ابنها الإله . 
  عبادة المؤمنين للعذراء راسخة في قلوبهم وأذهانهم منذ القرون المسيحية الأولى فيقدمون لها الصلوات ، ويطلبون منها الشفاعة ، ويستغيثون بها في ضيقاتهم ، أو لأجل نيل إحتياجاتهم الضرورية كشفائهم من الأمراض أو لأنقاذهم من المصاعب والضيقات ، وكذلك في إحتياجاتهم الروحية . وكان للعذراء كأم لأبنائها والمملوءة من النعم قوّة لمد العون لأبنائها ، وكذلك لحمايتهم من المخاطر والمعاثر ، ولهذا دفع المؤمنين إلى الثقة بها وعبادتها في قلوبهم ، وكذلك تكريمهم لها لكي يطبقوا ما دونه الوحي لهم في الأنجيل لتكريمها لهذا انتشرت الصلوات والمدائح الموجهة لها ، وخصصوا في أعيادها ، ورسموا لها أيقونات وصور . وسميت كنائس وأديرة باسمها ، ونظمت جمعيات وأخويات ومزارات في مختلف أنحاء العالم بإسمها ، كما خصص لها صلاة خاصة وهي ( مسبحة الوردية ) وقد انضم إلى صفوف المتعبدين لها قوافل المصلين المؤمنين الذين يكلون حياتهم لتدبير الخالق أولاً ولعنايتها ثانياً .
   المؤمن الحقيقي الذي يعبد الله عبادة حقيقية عليه أن يتخذ مريم نموذجاً له في العبادة مسلماً ذاته لأرادة الله ليستطيع أن يقول مع العذراء ( أن القدير صنع لي عظائم ) .
   هناك تيارات في المسيحية تختلف عن الآخرين في عبادتهم للعذراء . فمنهم يريد أن يجعل منها خليقة من جبلةٍ تختلف عن جبلتنا ، فيضعوها إلى جنب ابنها للتوسط لديه على غرار الوساطات البشرية الضيقة . ففي هذا التيار مغالاة في العبادة لأنه يرتكب أخطاء في الممارسات ، والعقيدة فمنهم من يعتقد بأن لولاها لم يأتي المسيح فتعظم بشكل لا يليق بالعذراء المتضعة التي اطلقت على نفسها ( أمة الرب ) دون أن يدركوا منزلتها الروحية . أما التيار الثاني والبارز أكثر من التيارات الأخرى فهو الأيمان الكاثوليكي ، فتعليم المجمع الفاتيكاني الثاني يجعل من العذراء ابنة من بني البشر تقف إلى جانبهم ومعهم تؤمن وتترجى وتحب ، وبذلك تكون مثالاً لأبناء الكنيسة . ونظراً إلى صفاء إيمانها بالله وحبها له وما وصفها الكتاب المقدس بعهديه ، فأنه من الحمق الأعتراض على تكريمها من قبل بعض الطوائف ، وإزالة دورها في الكنيسة كأم وعدم التعبير عن فضائلها والإيمان بشفاعتها علماً أنها للمؤمن قوة ومشجع وأم في غربة هذا العالم لهذا تشجع الكنيسة الكاثوليكية أبنائها على التعبد للعذراء وتكريمها ، إنها الأم التي تدل الطريق لأبنائها وتوجههم إلى أبنها المخلص ، وهكذا تُساهم دائماً في توجيههم ، وتقول لهم ( أعملوا ما يقوله لكم إبني في الأنجيل ) .
   أعترفت الكنيسة الرسولية منذ القرون الأولى بأقرارها قانون الإيمان النيقي الذي يذّكرهم بأن المسيح  الإله تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء فعلينا أن نكون لها أبناء أصلاء مقتدين بإيمانها ، ونثق بها لكي تسدد خطانا نحو أبنها الفادي . إنها النجمة التي تقودنا إلى الهدف كالتي رافقت المجوس نحو طفلها الإله في بيت لحم . الكنيسة الأرثوذكسية موقفها من العذراء نابع أيضاً من تقليد وأصول مشتركة مع أبناء الكنيسة الكاثوليكية لأنهما قبل الأنفصال كانوا مجمعين ومتفقين معاً على تكريم أم الله . وقد أغنوا أبناء الكنائس الشرقية بمؤلفاتهم ومواعظهم لتوضيح العقيدة المريمية ، ومن الشرق الأرثوذكسي انطلقت معظم الأعياد المريمية ونظمت لها أناشيد وصلوات وعبادات تبدو فيها منزلة مريم سامية فوق الخلائق كلها ، فلا يغامرهم الشك في بتوليتها ، وأمومتها لإبن الله  وبقداستها وشفاعتها ، وقد تجلى تقديرهم لهذه الأم من خلال الأيقونات الجميلة التي تزين واجهة كنائسهم ومعابدهم وبيوتهم وصدور رعاتهم الأساقفة . فكل مؤمن بالمسيح مدعو دعوة صريحة ليعيش في كنف العذراء مريم وفي جوّها الروحي . أما أخوتنا البروتستانت فموقفهم مختلف تماماً ولا يخلو من التناقض لأننا إذا عدنا إلى مارتن لوثر، فلوثر كان يكرم العذراء ، وكذلك لوناريوس وكلفن ، فكان لهما كتابات تحمل إعترافات صريحة بأمومة مريم الإلهية بطهارتها وبرائتها فكلفن أعتبرها مثالاً للإيمان والرجاء والمحبة . غير أن هذا الموقف تغير فيما بعد عند أتباعهم إستناداً إلى مبدأ عام انطلقت منه البروتستانتية وهو رفض كل ما لم يذكر في الكتاب المقدس صراحةً . وهذا يعني بأن الكنيسة لا سلطة لها على تفسير الكتاب ، وعلى تحديد العقائد ، كما ألغوا التقليد الموروث من الرسل الأطهار الذين كتبوا الأناجيل والرسائل . هكذا ألغوا دور العذراء في الكنيسة وأهملوا كل تعبد وتكريم لها . غير أن بعض الجماعات منهم شرعت في العودة إلى جذور المسيحية المتعمقة في درس الكتاب المقدس وفي مؤلفات آباء الكنيسة الأولين فأخذت تعي دور العذراء وتعيد إليها تلك المكانة التي كانت لها قديماً والتي تحق لها بكل جدارة وهذه علامة من علامات فعل الروح القدس في ذوي الأرادة الصالحة الذين يبحثون عن الحقيقة بتجرد وإخلاص .
كما نقول للمرتدين عن أصول الكنيسة وينابيعها بأن التعبد للعذراء ليس مزاحمة تهدف إلى حجب وجه الرب يسوع ودوره الأساسي في حياة المؤمن المسيحي . قد يحدث ذلك فعلاً لبعض الجهلاء الذين يغالون في عبادتهم للعذراء أكثر من يسوع الرب ، أو يستخدمونها كدرع واقي ضد ضربات أبنها العادل ضد أعمالهم الخاطئة ، وهذا لا يليق بالمفهوم الصحيح للإيمان في كل الطوائف .
في الختام نقول : تعظيمنا لك يا أم النور هو تعظيم لأبنك . غايتنا من التعظيم لأمنا البتول هو تعظيم إبنها الإله ، وعندما نمجد العذراء لا نقلل من شأن أبنها الفادي . العذراء لا تريد شىء لنفسها ، إلا أن تكون ( أمة للرب ) ولبني البشر وكما خدمت نسيبتها إليصابات ، فلم تثنيها بشارة الملاك على أنها ستصبح أم الله ، بل استمرت في تواضعها ومحبتها للجميع .
لتكن صلواتها معنا ولتشفعنا عند إبنها الإله الذي هو نور العالم

104

عقيدة إنتقال العذراء وقيامة الأجساد ( ܫܘܢܵܝܐ ܕܥܕܪܐ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( قم أيها الرب إلى موضع راحتك أنت وتابوت عزتك ) " مز 8:131 "
  إنتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد عقيدة قديمة يعود أصلها إلى القرون الأولى حيث كانت كنيسة أورشليم تحتفل بهذه المناسبة كعيد كنسي منذ القرن الخامس ، وعرِّفَ بعد ذلك بعيد ( رقاد مريم ) يحتفل به يوم ( 15 آب ) من كل عام . وفي القرن الثامن أطلق على هذا العيد ب ( عيد إنتقال مريم إلى السماء بالنفس والجسد ) وجسد العذراء قد أختفى فعلاً بعد الأيام الثلاثة من رقادها بشهادة الرسل الأطهار .
   البابا بيوس الثاني عشر هو الذي أعلن إنتقالها عقيدة وذلك في اليوم الأول من تشرين الثاني سنة 1950، مصرحاً الآتي ( نؤكد ونعلن ونحدد عقيدة أوحى بها الله ، وهي أن مريم أم الله النقية هي دائمة البتولية ، بعدما أتمت مسيرة حياتها الأرضية ، رفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي ) أما البابا فرنسيس فيضيف إلى جمال هذه العقيدة قائلاً : أن مريم هي حواء الجديدة ، وهي موازية للمسيح آدم الجديد . وقد أتحدت إتحاداً وثيقاً به في محاربة العدو الجهنمي ، فكان لا بد أن تنتهي الحرب التي خاضتها مريم بتمجيد جسدها البتولي ، والإنتقال من هذا العالم ليصبح إنتقالها تحفة الفداء وعمل الله الثالوث : إنها إبنة الآب وأم الأبن وعروس الروح القدس . بواسطتها تحقق مشروع الله الخلاصي للبشر . ومعها بدأت شركة الإنسان مع الله بالروح القدس . بأن محبة الآب ملآتها ، ونعمة الأبن خلقتها ، وحلول الروح القدس قدستها . أما بالنسبة إلينا نحن المؤمنين ، فستشملنا هذه العقيدة أيضاً ، أي أن أجسادنا لن تنتهي بعد الموت عندما تنحل في تراب الأرض ، بل يخبرنا مار بولس الرسول ويقول ( يسوع المسيح سيغير شكل تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ) " في 21:3" والجسد الممجد هو جسد روحاني ( طالع  1 قور 15: 44-46 ) . أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيوضح لنا هذه المسألة بشكل رائع قائلاً : أن الجسد المقام سوف يكون نفس الجسد وأيضاً ليس هو ، بالمقارنة بالجسد الذي تحلل في القبر. فمثلما يكّوِن الزجاج من الرمل ولكنه ليس بعد هو الرمل ، بل هو شىء آخر غير هذا الذي أُخِذَ منه . إذاً الجسد سيكون نفسه الذي انحلَ ، ولكن بسبب الخصائص الجديدة التي ستطرأ عليه ، لن يكون هو نفس الجسد الذي انحل ، أي هناك وحدة بين هذين الجسدين مع وجود إختلاف كذلك . ولتأكيد حالة الجسد في السماء ، يمكننا أن نتأمل بعمق كلام الرب يسوع عند لقائه بالصدوقين قائلاً لهم ( لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ، بل يكونون كملائكة الله في السماء ِ ) " مت 30:22" نفهم من ذلك أن الأجساد المقامة تكون روحانية ، وهذا لا يعني تجردها من العنصر المادي ، بل أن المادة التي تكّوِن هذه الأجسداد ستحرر من المطالب المادية والشهوات الأرضية التي كانت تحتاج إليها في الحياة الأرضية . ولهذا سنستمر في أن نكون شخص جسدي في السماء ، ولكن بواقع ملكوتي خالص .
    الكنيسة تؤكد بأن مريم قد أخذت إلى المجد السماوي كشخص كامل ، فأمست هذه العقيدة علامة رجاء لعالم يرزح تحت وطأت الأيديولوجيات الفاتكة بالعقل الإنساني . جسد مريم الذي كان مسكناً لرب الكون وخالقه ، أي كانت تابوت العهد الحقيقي لأبن الآب كحقيقة لا كرمز كما كان تابوت العهد القديم ، فلا يعقل بأن يعامل جسدها الطاهر المبارك كأجساد باقي البشر ، بل أن يرفع إلى السماء لتنتقل بالنفس والجسد . كما علينا أن لا ننسى بأن مريم كانت عذراء ، ولا نعني بهذا بأنها كانت عذراء من ناحية الجسد فحسب ، بل من الخطيئة التي لن تقدر أن تخترق حياتها الروحية لتبقى طاهرة .
  لعقيدة إنتقال العذراء أثر كبير في تدعيم جوهر الجسد ، وفي هذا الصدد صرح البابا القديس يوحنا بولس الثاني . قال ( أن إنتقال العذراء إلى السماء كشف عن مصير فائق الطبيعة للجسد اللإنساني ، وبكونه مدعو لكي يصبح أداة قداسة واشتراك جذري في مجده السماوي ، لقد دخلت مريم في ذلك المجد لأنها رحبت بإبن الله في رحمها العذري وفي قلبها المتهلل . ومن خلال التأمل في خضوعها لمشيئة الله ، يسعى الشخص المسيحي إلى اكتشاف قيمة جسده ويحرسه كهيكل لله ، قريباً موعد اللقاء النهائي . أن إنتقال العذراء إلى السماء هو إمتياز إلهي قد وهب لأم الله ، وهكذا اصبح قيمة عظمة لحياة ومصير الإنسانية جمعاء ) .
   ختاماً نقول : أعترفت الكنيسة المقدسة منذ البداية بأنتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد ، وأحتفلت بعيد إنتقالها ومن خلال مراحل زمنية  وأصبح العيد عقيدة إيمانية ثابتة .
نطلب شفاعة أمنا العذراء لأنها هي ام الكنيسة المقدسة .
ملاحظة : هل هناك آيات في العهدين تنبأت بأنتقال العذراء ؟ طالع مقالنا على الرابط :
https://www.ishtartv.com/viewarticle,89332.html




105

مار أفرام السرياني ( ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ ܣܘܪܝܝܐ )
   
بقلم / وردا إسحاق قلّو
   أعلن البابا بندكتس الخامس عشر 1914-1922 مار أفرام شماس الرها معلماً من معلمي الكنيسة الكاثوليكية شرقاٌ وغرباً . وتعيد له الكنيسة الكاثوليكية في 18 كانون الثاني ، كما يعد قديساً على مذابح الكنائس الأرثوذكسية . وهو القديس الوحيد من بلاد الرافدين في قائمة ألاف القديسين والطوباويين المعترف بهم من قبل الكرسي الرسولي . فمن هو القديس مار أفرام السرياني ؟
    ولد مار أفرام في مطلع القرن الرابع في مدينة نصيبين التي كانت تابعة إلى بطريركية ( ساليق وقسطيسفون – المدائن ) . كانت نصيبين مدينة حدودية فاصلة بين الأمبراطوريتين الرومانية والفارسية . وبسبب موقعها الحدودي كانت تتعرض لحروب كثيرة .
   لقن أفرام بالإيمان ومخافة الله من قبل والديه المؤمنين منذ طفولته . وفي أيام شبابه حدث له مشكلة طبيعية ، لكنها كانت بالنسبة له نقطة تحول مهمة في حياته الروحية ، فذات يوم طارد بقرة رجل فقير دخلت حقل أبيه فأختفت في الغابة ، وقد أهان صاحبها على ترك بقرته ترعى في حقل غيره ، فتقبل الفقير الإهانة ومضى . وبعد أيام سُرِق بعض الأغنام من قطيع أحد الرعاة فأتهم أفرام بها وزج في السجن وهوبرىء ، فحزن جداً ، فرفع قلبه إلى الله طالباً مساعدته لإظهار الحق . وفي تلك الليلة حلم حلماً وكأن ملاكاً ظهر له قائلاً ( حقاً إنك برىء من هذه التهمة ، ولكنك لست بريئاً من كل ذنب ) . ولما استيقظ فَكَرَ في قول الملاك وتذكر حادثة مطاردته بقر الفقير وندم وخاصةً لسوء معاملته للفقير فتفجرت عيناه بدموع التوبة وطلب من الرب المغفرة . ثم نذر نفسه لخدمة الله بأن يهجر العالم حال خروجه من السجن الذي ظل فيه ثمانون يوماً . أطلق سراحه فتوجه إلى الكنيسة وأدى صلاة الشكر للرب الذي خلصه ، ثم قصد أسقف المدينة ( مار يعقوب النصيبيني ) وأطلعه على ما حدث ، فرحب به الأسقف وشجعه ، فأكب أفرام على دراسة الكتاب المقدس . وأتّقَنَ السريانية وآدابها ، فكانت لغته نقية صافية خالية من الشوائب ، غنية واسعة ، وأداة طيّعة التعبير عن مختلف الأهداف الفكرية . كان الأسقف المذكور ناسكاً فاضلاً ، وعلى يده تدرج أفرام في مبادىء العقيدة المسيحية وتعمق في أصول العلم الديني وفروعه . أحب أفرام مار يعقوب واستفاد منه كثيراً . وفي عام 325 م رافقه إلى مجمع نيقية المسكوني ، حيث كان له لقاء ات مع مفكري الكنيسة ، وعلى أثر عودتهما أسس مار يعقوب مدرسة لاهوتية في النصيبين أزدهرت حتى القرن السابع ، وقد سلّمَ زمام التعليم فيها لتلميذه أفرام الشماس . وفي تلك المدرسة نظّمَ أفرام القصائد والأناشيد التي تعرف بالنصيبينية ، وتعِد رائعة لذلك العصر ، يصف فيها ما عانته المدينة من مشاكل مع الفرس . أزدهرت الرهبانية في عهد أفرام ، فأتم نذره الرهبانية الثلاثة ( الطاعة – الفقر – البتولية ) وتطبيق مبادىء الرهبانية : الصلاة والصوم ومطالعة الكتاب المقدس ، وممارسة بعض الأعمال اليدوية لتحصيل القوت للجسد . وكان أفرام لا يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجففة . ولا يلبس إلا أطماراً بالية . وقد وصف فلسفته الرهبانية في قصيدة وهو يخاطب فيها نفسه التي روضها على أعمال التقشف . أغنى بمؤلفاته مكتبات الشرق والغرب المسيحية ، كتب أكثر من ثلاثة ملايين بيت شعرونثر، أي مائة وعشرون ألفاً من الصفحات  شرح فيها كل أسفار الكتاب المقدس بعهديه إضافة إلى حوارات دينية ، إضافة إلى مقالات ورسائل وميامر وتسابيح ، فقد كان ثورة أدبية كبيرة ، بل كان قيثارة الروح القدس بين البشر . كما أبدع في التفسير والشرح والإيضاح للمعاني الروحية في كلام الله العميق . ولكثرة شروحه وتوضيحاته صرّحَ البعض إنه لو ضاعت ترجمة الكتاب المقدس السريانية الأصلية لينشر جميع نصوصها من تصانيف مار أفرام . كما له فصول مختارة في حياة النسك . ترجمت مؤلفاته إلى اليونانية في حياته ، أو في العقد الأول بعد وفاته نظراً لأهميتها ، وبعد ذلك إلى العربية حيث ترجمها أبراهيم بن يوحنا الأنطاكي سنة 980 مؤلفاته موجودة في مكتبات الشرق الأوسط . كما ترجمت إلى اللغات الأرمنية والقبطية والأثيوبية والألمانية والأيطالية والفرنسية والأنكليزية وغيرها  . ترجمات مؤلفاته زينت أثارها الدينية مكتبات الفاتيكان وبريطانيا وأو كسفورد وبرمنغهام وكامبرج وباريس وشيكاغو وغيرها .  ومن مؤلفاته ( الشعر عند السريان نوعان :
1- الميامر ، أي القصائد والتي تعد بالآلاف. كما كتب صلوات للكنيسة ومنها صرة سقوط الأمطار .
2- المداريش ، أي الأناشيد التي صاغها بأوزان مختلفة ، وألحان شتى ، كما تناول شعر المواضيع الدينية العقائدية والروحية ممجداً بها السيد المسيح له المجد ومدح العذراء مريم وتغنى ببتوليتها وبحقيقة كونها والدة الإله ، كما كتب عن القيسين الأبرار. وقد حازت أسفاره مكانة كبيرة في الكنيسة السريانية فأدخلت في الطقس الكنسي وهو لا يزال على قيد الحياة .
  نشر الأب بطرس مبارك ، ومن بعده المطران يوسف سمعان السمعاني والمطران عواد (6) مجلدات كبيرة الحجم ضمت كل ما حفظته مكتبة الفاتيكان . ظل مار أفرام يعلن الأيمان المسيحي طوال 48 سنة في مدرستي نصيبين والرها ويدافع ضد أصحاب البدع .
   عندما سلمت نصيبين للفرس سنة 363م هجرها برفقة نخبة من أساتذة مدرستها وتلاميذها إلى الرها التي كانت أشهر مدن بلاد ما بين النهرين ، ومركزاً تجارياً بين الغرب وآسيا الوسطى ، وكانت لغتها سريانية .
في الرها سكن مار افرام في أحدى مغاور جبل الرها وعكف على العبادة ودراسة الكتاب المقدس ، وأعمل بعض الأعمال البسيطة ليسد رمقه من الجوع ، كما كان يقضي بقية وقته في الكرازة للوثنيين وكان يشرح لهم ألأسفار المقدسة ، وكان جدياً في تعليمه ومستقيماً في إيمانه وقوياً في كرازته بين الوثنيين في المدينة فثار عليه بعض رؤساء مدينة الرها ومنهم اليهود والوثنيين فوسعوه ضرباً فاضطر إلى الهروب إلى مغارته التي تحولت إلى مدرسة في الجبل لجأ إليها العديد من التلاميذ .
  في الرها حرض الأبليس إمراة بفكرة شريرة فبدأت تتحدث إليه ، لكنه بسبب جفاف كلماته لها بدأت تهدده بأنه ارتكب معها الزنا تنشر الخبرإن لم يمارس معها تلك الخطيئة . تظاهر هذا الحكيم بالموافقة لكنه أشترط بأن يمارسا الخطيئة معاً في السوق وأمام الناس . فردت عليه ( كيف نمارس ذلك والناس محيطين بنا ؟ ) فأجابها قائلاً ( إن كنت تستحين من الناس ، أما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام ؟ ) تأثرت بكلامه وتابت ، وقيل إنها التحقت بأحد الأديرة .
   قيل أن متوحداً اسمه أفرام أيضاً كان واقفاً خارج مغارته فرأى ملاكاً ومعه درج كبير مكتوب عليه من الوجهين ، يحيط بذلك الملاك النازل من السماء ملائكة آخرون وسمعه يقول : ( لمن أعطي هذا الذي بيدي ؟ ) فقيل له ( ليس من يستحقه من بين البشر في هذا الزمان سوى أفرام السرياني الذي بجبل الرها ) . وإذ رأى المتوحد تلك الؤية فأنتابه الشك فزار مار أفرام فوجده يكتب في تفسير سفر التكوين ، وإذ قرأ ما يكتبه ، دُهِشَ بسبب الموهبة التي أعطيت له من السماء ، فأخذ منه التفسير وأسرع به إلى مدرسة الرها وعرضه على علمائها فأعجبوا به ، فأمسكوه ليكرموه ، فقال لهم أن الكاتب هو مار أفرام ، فأسرعوا إليه ليحضروه ، أما هو فإذ شعر بذلك هرب إلى أحد الأودية ومنها إلى المدينة فبات ليلاً في أحد أبراج سور المدينة فظهر له ملاك الرب وألزمه ألا يهرب من العمل . عاد وتفرغ للتدريس ، وإلى تفسير الكتاب المقدس ، فهو أقدم من فسر الكتاب المقدس عند السريان . ناهض هناك في تعليمه اللاهوتي البدع والهرطقات فوصفه القديس مار يوحنا الذهبي الفم 407 عام ، قائلاً ( كان على الهراطقة كسيف ذي حدين ، وقد قاوم في كتاباته التيارات الفكرية المعاكسة للدين القويم دون أن يلجأ دائماً إلى البرهان المنطقي الفلسفي ، بل كان في عظاتِهِ الأدبية وأناشيده وأشعاره يثبت الإيمان في قلوب المؤمنين ويبعدهم من الضلال . وفي أحد أناشيده قال عن بدعة المرقيون : أن الشيطان أضل مرقيون وأصابه بالجنون فاحتقر صانعه واستصغر خالقه ).
   كان مار أفرام يتوق إلى القداسة التي هي ثمرة المحبة على الطريق الضيق ، طريق الصليب الذي اتبعه ، فقيل عنه : أنه طريق الجوع والعطش والعري والخشونةِ وعدم الرفاهية . ورأى في الكتاب المقدس المعين الذي يزف منه مادة فكره ويقدمه للآخرين في شعره ونثره ، بل كان يعيش بكامله في الكتاب المقدس .
  بدأت الطقوس الكنسية منذ فجر المسيحية كأدعية ومزامير كانت ترنم في أجتماعات المؤمنين للصلاة والأحتفال بالقربان المقدس ، وأهتم أفرام بالحياة الطقسية في الكنيسة إذ أدخل إليها أناشيد المنظومة على ألحان خاصة ، وإليه يعود فضل تنظيم الحياة الطقسية في الكنيسة السريانية وتنظيم الجوقات الكنسية التي تنششف اليوم آذان المؤمنين في الكنائس وتخلق في نفوسهم الخشوع وتساعدهم على التعبد للرب والأهداء إلى الإيمان الأفضل . ومن نشاطاته في المجالات الإجتماعية : حدث جفاف رهيب ومجاعة في الرها سنة 372-373 عندما انحبست الأمطار فمات الكثيرين جوعاً ، فقام أفرام بزيارة الأغنياء محتكري القمح ، قال لهم ( افتكروا في رحمة الله وجودته واعملوا أن ثروتكم ستمسى وبالاً عليكم ونقمة لكم ودينونة لنفوسكم إلم تسخوا بشيء منها على الجياع والمنكوبين ) فأثر كلامه فيهم وقلوا له إننا نعرفك رجلاً تتقي الله . فزودوه بمال وفير ليوزعه على المحتاجين ، فأسس دوراً يجمع فيها المشردين ، وكان يشرف على الأعتناء بهم واستمر عمله سنة كاملة إلى أن انتشرالطاعون بعد المجاعة فاندفع أيضاً في تطييب المرضى ومآساتهم حتى اصيب هو أيضاً ، وإحتمل آلامه المبرحة إلى أن فاضت روحه الطاهرة في 9 حزيران 373 بعد أن عاش نحو سبعين سنة . 
في الختام نقول عنه : في ساعاته الأخيرة ، وفي لحظات إحتضاره أملى وصيته الأخيرة لتلاميذه شعراً فأهتموا بتدوينها ، فقد أعترف بإيمانه وتمسكه بالمسيحية ، وحث تلاميذه على التشبه به ، فقال لهم : الويل لي فأن أيام حياتي قد أوشكت على الإنتهاء . لقد نفذ الزيت في السراج وقرب يوم الأجل . أن الأجير قضى ساعة عمله ودنا موعد رحيل الغريب واوبته إلى وطنه . وقال :
( هلم يا تلاميذي وأغمضوا أجفاني فأنا مائت لا محالة . أتخذوا مني مثالاً لكم ، إنني لم أشتم ولم أخاصم أحداً ألبتة ، ولكني كنت على نزاع دائم مستمر مع الكفرة . ذلك أن الحكيم لا يبغض أحداً ، وإن أبغض فإنما يبغض الجاهل . لم أملك كيساً ولا فروداً ولا عصا ، إتماماً لوصية الرب ) .
  أقرأوني السلام يا اخوتي وسامحوني لأرحل عنكم مطمئن البال . أذكروني بصلواتكم وطلباتكم . أستحلفكم يا أبناء الرها قسماً لا حل فيه أن لا تحيدوا عن وصاياي ، ولا تبطلوا شرائعي ولا تدفنوا جسدي تحت المذبح ولا في الهيكل ولا مع الشداء ، بل وارو جسدي في التراب بثوبي وقبعتي وذلك في مقبرة الغرباء لأني غريب نظيرهم .
نطلب من القديس مار أفرام أن يذكرنا بصلاته ويعضد كنيسة ما بين النهرين ويحفظها من مؤامرات إعداء الخير .



106
المقالات الدينية / صلاة الصمت
« في: 02:58 31/07/2021  »

صلاة الصمت
بقلم / وردا إسحاق قلّو   
قال رجل روحاني
( سَكِّت لِسانِكَ لكي يتكَلم قلبُك ، وسَّكِت قلبُك لكي يتكَلم الله )
      الصلاة في حياتنا المسيحية كثيرة الأنواع نرفعها إلى السماء بطريقة نطق الكلمات أو بغير نطق لكي نعبّر من خلالها ما نريد أن نقوله لمن نصلي إليه ، لكن هناك صلاة أخرى عقلية نستطيع أن نُصَليها بدون ألفاظ ، كأننا نتأمل في جزء من حياة يسوع أو أقواله أو في الآيات التي اجترحها في أثناء حياته الأرضية ، أو عندما نتأمل في الحياة في السماء حيث كنزنا الدائم . وهذا النوع من الصلاة يحتاج إلى جو صلاتي خاص لكي ننقطع عن محيطنا كلياً لأجل التركيز ولتوجيه أذهاننا نحو الله الذي نصلي إليه ، فنحتاج إلى عُزلة قد تطول عدة ساعات نقضيها في خلوة روحية ندخل من خلالها في مرحلة جهادية نتخلى عن ضجيج العالم وشروره لكي نعيش في العكوف والتأمل في كلام الله ووصاياه ، هكذا تبدأ النفس بالإخلاد إلى الإختلاء ، وإلى السكينة وهما أمران تشعر بهما النفس بعمق من جراء الرضى والسلام اللذين تنعم بهما . ومعها تأتي مرحلة الإمتحان التي فيها يختبر الإنسان مستوى إتضاعه ، والإتضاع سينقله إلى مرحلة التحول الحاسم التي فيها يختبر المرء أوقاتاً من الإختلاء قد تتعدى قواه وجهوده الخاصة فيشعر بمحبة الله ، أو يقترب الله منه فيشعر به كمن يتحرك بقربه في ظلام دامس ، وكما وصفت الحالة القديسة تريزيا الكبيرة الأفيلية . فعندما يشعرالمرء بقرب الله منه سينتقل إلى منعطف آخر فيه يموت عن ذاته ، وعن العالم ليدخل في حياة أخرى في المسيح الله الذي مات من أجله ، وكل هذا التحول يحدث بقوة الروح القدس العامل في المؤمن . وعليه أن يستمر في ذلك التأمل بصمت لكي يتخطى إلى الحياة الجديدة التي غايتها رؤية الله وجهاً لوجه وهذا يحتاج إلى عذاب القلب والفكر لكي يتحرر من كل ما يربطه بهذا العالم فيتسنى له التقدم نحو العمق . الروح القدس يأتي ليستقر في تلك النفس العطشانة التي تحبه وتناديه وتحفظ وصاياه فيشعر أولاً في السلام الداخلي وبالهدوء الذي يخيّم عليه في تلك اللحظات وبعدها سيدخل في مراحل أخرى كثيرة ، وعليه أن يستمرلأجل الوصول إلى المرحلة الأخيرة ، وهي مرحلة الصداقة مع الله واللقاء به شخصياً ، بل للألتصاق به ، وهذا أفضل بحسب الآية ( أما أنا فخير لي الإلتصاق بالرب ) " مز 73 "  وكما حدث لأبينا يعقوب . يمر الإنسان في مرحلة أخرى أثناء الإختلاء قد لايحسب لها حساباً ، وهي مرحلة إنخطاف الروح إلى عوالم أخرى كما حدث ليوحنا الرائي ولبولس الرسول ولقديسين كثيرين في مختلف العقود المسيحية .
   مريم العذراء تكلمت يوم البشارة مع الملاك لتقول ( نعم ) لله . ومنذ تلك اللحظة لزمت الصمت لتعبد حضور الله فيها . طوال هذا السّر لم تتفوه بكلمة واحدة ، بل كانت تتأمل في كل تلك الأشياء وتحفظها في قلبها . أما خطيبها مار يوسف فكان مدرسة الصمت والإصغاء لصوت الله ، أتبع مثال مريم لهذا لا نجد له أي كلام في الأنجيل ، هو ذلك القديس الذي لم يناقش ما أراده الله منه ، بل أطاع وصايا الله المنقولة له عن طريق الملاك بصمت ومن دون إعتراض أو إبداء الرأي الخاص .  حضور إبن الله بيننا بعد تجسده كان ينبغي لكل من يزوره أن ينظر إليه بصمت ويعبده ويؤمن به بصمت أيضاً وكما فعله الرعاة والمجوس .
     كما نقول ،  الصلاة الصامتة ليست هروباً من الصلوات الأخرى ، بل هي الأرتقاء إلى ما هو أسمى وفيها يتجاوز المُصَلي أخطاء اللسان ، لأن ( كثرة الكلام لا تخلو من المعصية ) وبالصمت يتجاوزالإنسان ذاته ليحصل إلى المزيد من الفضائل الروحية يخدم بها إخوته البشر بشكل أفضل وأسخى بعد أن يحصل على السلام الداخلي وفي المحبة فيحيا في عمق كل التطويبات . فهذه الصلاة ليست غاية في ذاتها ، إنما تهدف إلى إعداد النفس لرؤية الله وهو في هذا العالم ، أو رؤية عرشه السماوي . كان القديس يوحنا الذهبي الفم يمارس السكون ليرفع قلبه نحو السماء ، فيختبر من خلالها التحدث مع الله .
   صلاة الصمت تحتاج إلى جهد شخصي مستمر لكي لا يتراجع الإنسان نحو الخلف ، أو يعيش في يبوسة روحية ، وإن شعر بذلك الهبوط ، فعليه أن ينهض ليتقدم في ممارسة صلاته الصامتة ويولي لها الإعتبار اللائق . وفي هذه الصلاة سيكتشف المُصلّي أشعاءً سماوياً ينير حياته في وسط الظلمات التي يجتازها أثناء هذا الإختبار للبلوغ إلى الإلفة الصميمية مع الله . الأخت الراهبة أليزابيت الثالوث ( 1880 -1906 ) اكتشفت أيضاً طريق ( الصمت الداخلي الذي يتيح للإنسان أن يلتقي مع الله في الداخل ) وأن يسجد له في أعماق ذاته ، وقد وضعت هذه الأخت صلاة التقدمة للثالوث الأقدس ، بدأتها بالقول ( يا إلهي ، الثالوث الذي أسجد له ، ساعدني لكي أنسى نفسي تماماً فأستقر فيك  ... أيها الدائم أمضي بي كل دقيقة إلى أبعد في سر عمقك ) .
       الصلاة الصامتة ليست مختصة للنساك والمتصوفين المنعزلين في المغاور والأديرة فحسب ، بل لكل إنسان يستطيع العكوف في رياضات روحية عميقة لوحده مع الله ليقترن به فيصبح معه كياناً واحداً ، وكما يقول الرسول بولس ( أن من أقترن بالرب ، فقد صار وأياه روحاً واحداً ) " 1 قور 17: 6 " . هكذا سيشعر الإنسان بحضور الله في حياته فيسير معه وبه بعزم وثبات وثقة ، وهدف كل مؤمن هو الأتحاد مع الله لينصهر في ناره فيتحد به ليصبح له ، وهذا الأتحاد لا يجري إلا في الصمت ، وفي عمق كيان الإنسان ، وهذا الأتحاد المغيّر هو قران روحي بين الله والنفس البشرية . وهكذا من خلال الصلاة الصامتة يبدأ بالخروج من الذات أولاً ، أي موت الإنسان عن ذاته ليبدأ بأن يحيى حياة جديدة مع يسوع بقوة الروح القدس ، ومن ثم يبدأ الحوار الداخلي مع الله ، إنه حوار المحبة ، نشعر به عندما تتجلى قدرة الله فينا ، وهو يساعدنا لكي نستمر في طريقنا من أجل الوصول إليه والأتحاد به . قليلون هم الذين يبلغون قمة الحياة التصوفية للوصول إلى إكتشاف عالم جديد ، هو عالم النفس وأعماقه السحيقة ومن ثم الحصول على الثمار الروحية ورؤية ما لا تسمع به أذن أو رأته عين أو ما يدركه عقل إنسان . فبالروح نكشف أعماق الأسرار المخفية .
للمزيد عن هذا الموضوع طالع مقالنا السابق ( مار يوسف مدرسة الصمت والإصغاء ) على الرابط
https://www.ishtartv.com/viewarticle,92307.html
[/size]


107

حيث يكون الأسقف هناك الكنيسة

بقلم / وردا إسحاق قلّو
   بدأ النظام الأسقفي في الكنيسة منذ عهد الرسل ، ففي إنطاكيا تأسست المسيحية على يد الرسولين بطرس وبولس ، وأصبحت مركزاً للإنطلاق إلى آسيا الصغرى وأوربا ، وكان القديس أغناطيوس هو الأسقف الثالث على أنطاكيا في القرن الثاني . أما الأسقفيات الرئيسية فهي ( روما - قسطنطينية - أسكندرية – إنطاكيا – أورشليم ) فكل منها تحتوي على كرسي بطريركية يتبعه عدة أسقفيات أو أبرشيات يرأس كل منها أسقف .
   الله هو مصدر الوحدة ، ويريد الوحدة لكنيسة ، ، لأن يسوع أسس كنيسة واحدة فيجب أن تكون هناك وحدة لأنها جسد المسيح الواحد وهو رأسها . فالإتحاد في الكنيسة الواحدة يربط ويجمع بين المسيح والمؤمنين كافة . وبين المؤمن والمؤمن الآخر . وكذلك الكنائس في ما بينها . وهكذا يكتمل سر الوحدة الإلهية . والوحدة هي نتيجة المحبة بين المؤمنين . وهذه الوحدة يجب أن تؤسس على نظام أسقفي يخضع إليه الجميع . لهذا كتب القديس أغناطيوس عن وحدة الكنيسة وتركيبها فقال ( حيث يكون الأسقف ، هناك الكنيسة ) وهنا يتكلم لاهوتياً عن النظام الكنسي الصحيح ، والوحدة الإلهية السماوية ، فيراها منعكسة في الخليقة كلها وخاصة في الكنيسة المنظمة بإنسجامٍ تام . أن سر الثالوث الإلهي هو مصدر الوحدة المسيحية . وهذه الوحدة تتحقق في جسد الكنيسة المنظور . المجهزة بنظام رئاسي يكون الأسقف على رأسه ، فهو صورة الله الآب الغير المنظور ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص 465 ) . الأسقف هو رئيس الكنيسة المحلية المنظور . يمثل المسيح رئيس الكنيسة الجامعة الغير المنظور . ومن يخالف هذا النظام فأنه يدعو إلى الإنشقاق ، وتقسيم جسد الرب . لأن الوحدة الكنسية المنظمة منذ عهد الرسل ، تتجسد المحبة الإلهية ، وحيث تكون الوحدة الكنسية ، هناك المسيح فعلى جميع المؤمنين أن يحافظوا على هذه الوحدة ويتحاشوا الإنقسامات مقتدين بالمسيح الذي يقتدي بأبيه ويعيش في وحدة دائمة ثالوثية . الله لا يكن حيثما يسيطر الإنقسام والغضب . إنما يغفر لمن يقبلون على التوبة ، شرط أن تفضي بهم توبتهم إلى الإتحاد بالله ، وبمجلس الأسقف ، والأسقف هو برتبة رسول ، وقد كتب : أثبتوا إذاً على تعاليم الرب والرسل لتنجحوا في كل ما تعلمون . بالجسد والروح ، في الإيمان والمحبة . ، في الإبن والآب والروح . في المبدأ والغاية ، مع أسقفكم الوقور ، وتاجكم الروحي الثمين ، أي لفيف شيوخكم ( الكهنة ) ومع شمامستكم القديسين . إخضعوا للأسقف وليخضع بعضكم للبعض الآخر ، كما أن المسيح ، في الجسد كان خاضعاً لأبيه ، والرسل للمسيح وللآب والروح . حتى يتم الإتحاد معاً في الجسد والروح . كما كتب ( متى خضعتم للأسقف كما للمسيح . لا تعيشون كسائر الناس ، بل يحسب من مات لأجلكم تعيشون . فيجب أن نخضع ونسلك بإتفاق مع الأسقف لأنه رسول المسيح في كل الدهور . أما طاعة الكهنة فهو واجب للإنسجام من خلالهم بالأسقف ، كإنسجام الأوتار والقيثارة ، وهكذا بإتفاق الشعور ، وتناغم المحبة ، تنشدون ليسوع المسيح ).
   بشهادة التقليد الكنسي ، وظيفة الأسقف تم استلامها في خلافة مستمرة متصلة منذ بدء المسيحية ، أي من زمن الرسل الأطهار ، ومن خلالهم انتقل الزرع الرسولي إلى الأجيال اللاحقة . فالمسيح الذي أغنى رسله بفيض خاص من الروح القدس عندما نفخ عليهم بعد قيامته من بين الأموات ، هم نقلوه إلى غيرهم بوضع الأيدي فسلموا إلى معاونيهم موهبة الروح القدس التي انتقلت إلينا حتى يومنا بطريقة السيامة الأسقفية التي هي ( ملء سر الكهنوت ) المسنى ( الكهنوت الأعظم وذروة الخدمة المقدسة ) ، فكل أسقف بصفته نائباً للمسيح يرعى الكنيسة التي وكلت إليه مسؤلية الخلافة بفعل تنصيب إلهي بمسحه بالزيت المقدس ووضع الأيدي ، وبعدها يسّلِم ( 1- الكتاب المقدس . 2- الخاتم الأسقفي . 3- التاج 4- عصا الراعي رمز مسؤولية الرسولية في التبشير بكلمة الله وأمانته للكنيسة عروس المسيح ) .
 الأسقف هو المسؤول عن كل الأسرار الكنسية يعاونه الكهنة الحاصلين على وسم الكهنوت الذي لا يبلى ، وهم أعوان للأساقفة .
   مهمة الأسقف هي قيادة الكنيسة كراعي ، ورسامة الكهنة والشمامسة ، وإعداد الزيت المقدس لسّرَي التثبيت  ، ومسحة المرضى ، توَزَع على كل خورنات الأبرشية .
  منذ العهود الأولى مورس سر الكهنوت على درجات ثلاثة وهي : 1- الأساقفة 2- الكهنة 3- الشمامسة ( طالع " 2 تي 6:1 " و : من رغب الأسقفية تمنى أمراً عظيماً "  1تي 1:3 " ) . قال ببولس الرسول للأسقف تيطس ( تركتك في كريت لتتم فيها تنظيم الأمور وتقيم كهنة في كل بلدة كما أوصيتك ) " تي 5:1 " فالطوائف التي ألغت هذا النظام خالفت تعاليم الأنجيل المقدس لأن بدون أساقفة ( لا وجود للكنيسة ) طالع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ص 475 .
   ليبارك الراعي الأعظم يسوع المسيح كنيسته المقدسة ويحفظها واحدة  موحدة وهو رأسها .
 


108

جريمة إنتقام الإخوة من أخوتهم
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  ( لي الإنتقام ، أنا أجازي ، يقول الرب ) وأيضاً ( الرب يدين شعبه ) " عب 30:10 "
كل إنسان مدعو إلى المحبة ، فمن فيه المحبة يتصرف بعقل ولياقة . لا يثير سريعاً ، بل يتأنى ، ويتحمَل ، ويستر أخطاء الآخرين من أجل المحبة ، لأن المحبة يجب أن لا تسقط عند الإنسان ، بل أن يصونها لكي لا تضعف وتتحول إلى البغض ، والكراهية ، ومن ثم إلى العداوة والإنتقام ، أي لكي لا يتدرج في السقوط والإبتعاد عن الوصايا .
   المحبة تبدأ من أفراد العائلة ، بين الأخوة أولاً ، ومن ثم تتوسع لتشمل الغريب ، وكل غريب هو قريب للمؤمن وحسب الوصية ( أحب قريبك كنفسك ) فعلاقة الأخوة فيما بينهم يجب أن تكون النموذج الأقوى فعلى الأخ أن يتحمل أخيه ولا يسمح للتجربة أن تفسد تلك العلاقة المقدسة بسبب الغيرة والمصالح والحسد والتي تنال من الطبيعة البشرية الحقيقية فتحوِّل كثير من من الأخوة إلى أعداء ، كما حصل بين الأخوة في العائلة الأولى وكما دوّنَ لنا سفر التكوين إنتقام قايين من أخيه هابيل فقتله غدراً بسبب غيرته وحسَدَه وبدون أي مبرر ، فقط لقبول الله ذبيحة أخيه ، ورفض ذبيحته ، أي لم يكن لأخيه اي ذنب ، بل كان إنساناً باراً ، وقد نبهه الله لخطيئته ، لكنه لم يكترث ، أو يفهم بأن ( ذبيحة الشرير مكرهة الرب ) " أم 15 " فالله لا ينظر إلى نوع الذبيحة وقيمتها المادية ، بل إلى قلب مُقَدِم الذبيحة ، هل قدمها بفرح وإيمان نقي ،  ومن أفضل ما لديه لكي تليق بمقام الرب ؟
 عبر لنا كاتب سفر العبرانيين ، فقال ( بالإيمان قرب هابيل لله ذبيحة أفضل من تلك التي قدمها قايين ، وعلى ذلك الأساس ، شهد الله بأن هابيل بار ، إذ قبل التقدمة التي قربها له . ومع أن هابيل مات قتيلاً ، فأنه ما زال الآن يلقننا العِّبَر بإيمانه ) " 4:11 " .
   وفي سفر التكوين أيضاً تحول الأخوين عيسو ويعقوب إلى أعداء بسبب موضوع البكورية التي احتقرها عيسو إمتيازاتها فباعها بأكلة عدس ( 34:25 ) لكن عندما أعطيت لأخيه في حينها ، بدأ يتوسل بأبيه باكياً ، فقال ( ألك بركة واحدة فقط يا أبي ؟ ) فأجهض في حينها بالبكاء ( 38:7 ) فحقد عيسو على يعقوب وصمم لقتله ، فتحولت المحبة إلى العداوة بين الأخوين واستمرت بينهما عقود ، بل دامت بين نسليهما ، اي بين بني أسرائيل وبني أدوم أجيالاً . تحدث لنا عوبديا في سفره في القرن السادس ق.م بأن الله أوصى إليه بشأن خراب أدوم التي تآمرت على دمار أورشليم سنة 856 ق. م وهم من نسل عيسو الذين اساءوا إلى أبناء عمومتهم بسبب إنضمامهم إلى الأعداء فنهبوا أورشليم . تقول الآية ( فمن أجل ما أنزلت بأخيك يعقوب من الظلم ، يغشاك العار وتنقرض إلى الأبد ) " عو 10:1 " .
   أما المثال الثالث عن العداوة بين الأخوة بسبب الغيرة والحسد ، فنقرأ في سفر التكوين أيضاً عن خطة الأخوة الأسباط الذين ناصبوا العداء لأخيهم يوسف فخططوا لتصفيته فبدأوا أولاً بإلقائه في البئر ، ثم بيعه عبداً لقافلة الإسماعيليين المتوجهة إلى مصر بعشرين قطعة من الفضة ودفعهم الحقد إلى الكذب على والدهم بتقديم قميصه الملون المغموس بدم التيس المذبوح لكي يخفوا جريمتهم ( تك 37: 31-33 ) .
ليكن سلام المسيح بين الأخوة المؤمنين وفي العالم أجمع


109

الفنون التشكيلية والعمرانية في الكنيسة البيزنطية

بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
https://a.top4top.io/p_2017s7dgq1.jpg
كاتدرائية الحِكمة الإلهية (  آية صوفيا )
       الحضارة البيزنطية حضارة عظيمة بفنها وعمرانها وأدبها وسياستها وقوانينها . إزدهرت هذه الحضارة وتطورت فبدأت فترة الفن البيزنطي المبكر من عهد يوسطينيانوس في القرن السادس ، وذلك مع مجمع القسطنطينية سنة 553م ، أما الفترة المتوسطة للفن فبدأت من 634- 1071م . وفترة إزدهاره كانت في عهد سلالة المقدونيين ( 867 – 1453 )  .
   العهد البيزنطي هوعهد الأمبراطورية البيزنطية التي تمثل الجزء الشرقي من الأمبراطورية الرومانية ، أزدهرت حضارة البيزنطينيين بعد إعتراف الملك قسطنطين بالمسيحية عام 313م واستمرت إلى سنة 1453 وهي سنة سقوط العاصمة قسطنطينية بيد السلطان العثماني محمد الفاتح الذي أمربسلب كنوزها وضرب الحضارة البيزنطينية ، فأنتهت فترة الفنون التشكيلية  .
بدأت الفنون التشكيلية تتطور بعد دخول الأمبراطورية في المسيحية ، وامتدت لأكثر من ألف سنة ، لجأ إلى هذه الأمبراطورية آلاف الفنانين التشكيليين من إيطاليا هروباً من العصور المظلمة البربرية فأنشأوا الفن البيزنطي كنمط جديد في الفن والخاص برسم الأيقونات ، أي أن الفن البيزنطي هو مزيج من الفن الروماني والهليلنتسي وفنون بلدان الشرق الأوسط . صار فن رسم الأيقونات أكثر استخداماً في كل الكنائس الأرثوذكسية ولحد هذا اليوم .
   تأثرت الحضارة البيزنطية على النهضة الأوربية ، بدأت وبرزت الحضارة البيزنطية من الروح اليوناني القديم ، فنهض فن العمارة ، والفنون التشكيلية في الكنيسة البيزنطية التي سميت ( كنيسة الروم الأرثوذكس ) ومنذ سنة 1911م أتـحد قسم صغير منها مع روما بإسم ( كنيسة الروم الملكية ) .
  أسس الأمبراطور قسطنطين العاصمة التي سميت بأسمه ( القسطنطينية ) وذلك في عام 330 وبقي هذا الأسم حتى بعد إحتلال الأتراك لها وبعد ذلك تحول أسمها إلى إسطنبول والتي  تعني ( نحو المدينة ) ويرجع أسم أسطنبول إلى الكلمة اليونانية :   
 
(  Constantinople ) 
  في سنة 395 كُرِست هذه المدينة لتصبح بمثابة روما الجديدة ، وأصبحت العاصمة الشرقية للإمبراطورية ، وحصلت كنيستها على الدرجة الثانية بعد بروما في تسلسل الكنائس البطريركية الخمسة ( روما – القسطنطينية – الأسكندرية – إنطاكية – أورشليم ) .
   أهتم الأباطرة البيزنطينيين بهذه المدينة فشيدوا له أسواراً دفاعية قوية وجميلة  ، مع باب ذهبي ، وتزينت بقصور وكنائس بهية ، وكانت تسمى كنيستهم ب ( أم الدين الصحيح للمسيحيين ) . ومن الصروح العظيمة التي تم تشيدها في العاصمة هي كنيسة الحكمة الألهية ( كنيسة آية صوفيا ) وصوفيا هو أسم راهبة قبطية قتلها الأمبراطور أقلوديوس في مصر ، فأمر الملك قسطنطين بنقل جسدها إلى القسطنطينية وبنى لها تلك الكنيسة العظيمة بإسمها . وكانت تلك الكاتدرائية العظيمة مقر لبطريركية القسطنطينية قبل الغزو العثماني ، وبعده تحولت إلى مسجد ، ثم إلى متحف بأسم ( أجيا صوفيا ) أي آية صوفيا ، وأخيرا تحولت إلى مسجد .  كما تم بناء كنائس كثيرة وصل عددها إلى 485 كنيسة  صممت تلك الكنائس من قبل مهندسين معماريين أكفاء ، ومنها كنيسة ( السلام ) في عهد قسطنطين ، وكذلك كنيسة ( الرسل ، ومئات الأديرة ومنها دير ( الآكوميطي ) أي الساهرون ، ودير ( السطوديين) ،  وعندما بلغ عدد سكان المدينة 400 ألف شخص أزدهر الفن البيزنطي بأعمال فنية تشكيلية نفذت بالفسيفساء والزجاج وأحجار كريمة ، ورسمت أيقونات كثيرة في العاصمة ، ووصلت هندسة عمران الكنائس إلى قمتها عندما تم بناء كنيسة الحكمة في موقع الكنيسة الكبرى ، هندسها المهندسَين ( آنثيموس من طرالي وأيسيدوروس من ميلطي ) وتعتبر هذه الكنيسة ألأجمل والأعظم . كما كان هناك كنائس أخرى مشهورة ككنيسة ( بلا خزنة ) التي حُفِظَ بها رداء مريم العذراء وأيقونتها كالمصلية حاملة عمانوئيل والمحافظة على المدينة .
   سليمان الملك بنى الهيكل في أورشليم سنة ألف ق.م والبيزنطينيون نجحوا ببناء كنيسة الحكمة الإلهية والتي تبدو وكأنها جبل معماري روحي يحمل أعظم قبة سماوية على الأرض بالأمتار :
 . وفي يوم تكريس الكنيسة سنة 547 رفع الأمبراطور يوسطينيانوس يديه نحو السماء  75 في X) 71)
وصرخ قائلاً :
 ( المجد والحمد لله العلي ، الذي سمح لي بإكمال هذا العمل الفريد ، يا سليمان ، لقد إنتصرت عليك ) . ساعدت المملكة كلها بتقديم أروع مرمر ، والمذبح الذهبي المُزين بالجواهر ، والأعمال الفسيفسائية على الجدران ، وفعلاً الفن البيزنطي يجمع بين الأرض والسماء في إنسجام كامل ، حيث يعبر عن الإيمان بالله المحب للبشر . لقد تأثر هذا الفن في الشرق كله ، وعلى الغرب في عهد السلالة الأوطونية وخاصة في بداية النهضة الأيطالية .
   أما عن فن الأيقونات البيزنطية فهذا الفن يمتاز عن بقية مدارس وأنواع الرسم . إنه فن عريق وله قوانينه الخاصة ، ويمكن إعتباره الأصعب بين مدارس الرسم الكثيرة ، يصعب ممارسته لأنه يحتاج إلى خبرة وممارسة وتدريب فعلي ليصبح للفنان دراية في هذا النوع من الرسم . كما كان يستخدم فيه مواد طبيعية ، وألوانه تسمى التمبرا . رسمت أيقونات كثيرة لمواضيع مختلفة ومن أشهر تلك الأيقونات هي أيقونة ( أم الله ) أو ( أم المعونة )  المنقوشة على خشب والموجودة في القسطنطينية . كانت تلك اللوحة تحظى بأحترام فائق وشهرة واسعة لكثرة المعجزات التي صنعتها .
الغاية من رسم الأيقونة
      الأيقونة ليست للعبادة ، بل العبادة والسجود تقدم للثالوث الأقدس وحده . أما الأيقونة أو أي عمل فني داخل وخارج الكنيسة فما هو إلا تعبيرعن تكريم لصاحب الأيقونة ، وكل القديسين هم متحدين بالمسيح الإله في جسد واحد ، لهذا يليق بهم التكريم . وبتكريمهم نكرم المسيح الذي أعطاهم نعمة القداسة .  فبالأيقونة أو أي عمل فني آخر نُعبّربه عن تكريمنا  وليس عن عبادتنا . الأيقونة لوحة فنية جميلة تجذب الأنظارنا كالنافذة التي تقود أنظارنا إلى العالم المنظور ، فالأيقونة أيضاً نعتبرها نافذة بين عالمنا المرئي وبين عالم السماء ، فالبعدان إذاً للأيقونة والسماء مرتبط إرتباطاً حميماً كعلامة لتجديد صورة الله المتجسد في الإنسان . أي إنها نقطة لقاء بين الإنسان وأسرار السماء . والأيقونة أيضاً وسيلة لقيادتنا لفهم أسرار الله ، فكما نُقل كلام الله إلينا بالكتابة المكتوبة في كتبه المقدسة ، أو بالوعظ ، فالأيقونة أيضاً تُعبرعن المُعبِّر عنه ، والتجسد هو أساس رسم الأيقونة ، فبالتجسد رأينا صورة الله الغير المنظور في الإنسان يسوع الإله المنظور ، وكما قال يسوع ( من رأني رأى الآب ) ويسوع هو كلمة الله المكتوبة أيضاً ، وكذلك المرسومة ، لأن الصورة المنظورة تقدم للمشاهد مساعدة في تحقيق المشاركة في عبادة الله وفهم أسراره ، لهذا السبب عبّرَ القديس يوحنا الدمشقي برأيه عن أهمية رسم الأيقونة ، فقال ( إن لم يكن لدي كتب ، فإني أذهب إلى الكنيسة .. فأن المرسوم تجعلني مفتوناً كما تفعل الأرض المعشوشبة والمزهرة ، فتحرك مجد الله في روحي ) . هذا هو تعبير القديس الكبير عن الكلمة المكتوبة والمنقولة عبر السمع من خلال الوعظ والرسم الصامت والظاهر من خلال الصوّر .
وبنفس الهدف قال القديس نيلوس السينائي ( الذين لا يحسنون القراءة يمكنهم تذكر تصرفات خدام الله من خلال صوَر العهدين القديم والجديد ، وأيضاً يمكنهم السعي لمشابهة هؤلاء القديسين الذين استبدلوا الأرض بالسماء مفضلين غير المنظور على المنظور . ) .
  أما رأي القديس فوتيوس القسطنطيني عن هذا الموضوع ، قال ( كل من يقول أنه يحب الكتاب ويكره الأيقونة يكون مجنوناً ولا منطقياً . فإننا نقبل التعليم المأخوذ من الصورة تماماً كما نقبل نفس التعليم الآتي من خلال الكلمات المكتوبة . نتقبل المواعظ بسمعنا ، وكذلك نتسلم الشكل من خلال النظر ، كلاهما ينقل الحقيقة ذاتها ولكن بطرق مختلفة )  .


ومن القوانين الخاصة بالرسم الأيقونى نذكرالآتي :
1-   إستخدام علامات ورموزهندسية
2-   البساطة في الألوان فلا يبغى الجمال أو المبالغة في تدرج الألوان .
3-   تجاوز قوانين المنظور
4-   عدم الأهتمام بالتشريح
5-   عدم الأهتمام في توزيع نسب الكتل والمساحات في اللوحة لأن الفنان يركز على الجانب الروحي ليعطي للوحة القدسية والرهبة والتقوى
التي تخدم الإيمان .
6-   لنقاد هذا الفن قوانينهم الخاصة بهذا النوع من الرسم الصوفي .
في فترة ما بين 717-842م ظهرت حرب الأيقونات مع مجمع نيقية الثاني سنة 787 فخلال فترة تحطيم الأيقونات تكوَّنَ لاهوت الصورة من قبل المفكرين الكبار مثل نيكوروس ، ويوحنا الدمشقي ، وثيودويوس السطوديتي على اساس واقعية التجسد ، والإتفاق والمطابقة بين الصورة والمصوِّر بها ، وكان اللوغس بتواضعه حضر فيها حضوراً سرياً حقيقياً . وضع جرمانيوس القسطنطيني (733) تفسيراً في الطقس ، وهو التفسير الطقسي الأول ، وطبق فيه التدبير الخلاصي ، وبالخصوص مراحل حياة المسيح التاريخية على الرتب الطقسية كأنها تمثلها مرة ثانية ، وقدم الصورة والكلمة كوسيطتي للخلاص .
   أزدهر الفن البيزنطي بين القرنان العاشر والحادي عشرفبنيت كنائس عظيمة مشهورة مزينة بأعمال فسيفسائية ورسومات جدارية وأيقونات في ( دير هوسيوس لوقاس ، نيا موني في خيوس ، كنيسة دافني ... ) وأثر التعليم عن لاهوت الصورة أيضاً في تفسير الطقوس . هكذا كتب في الموضوع نيقولا وثيودور من آنديدا ( القرن 11 ) تفاسيراً في الطقس ، حيث شدد أكثر على المطابقة بين الأفخارستيا وبين آلام المسيح التاريخية ، مع تطبيق مراحل حياة المسيح على الرتب الطقسية المختلفة في هذه الفترة شكلت أيضاً أيقونة ( تناول الرسل ) و ( طقس الآباء ) كما ألف خلال هذه الفترة سمعان اللاهوتي الجديد ( 949-1022 ) أناشيده وتعليمه الروحي .
إلى اللقاء في مقال أخر عنوانه ( عناصر الفن الغوطي في أوربا )
[/size]
 

110

الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الثاني )
بقلم / وردا إسحاق قلّو

بعد تناول الموضوع في جزئه الأول وكما في الرابط التالي ننتقل إلى الجزء الثاني
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1019941.0.html

 الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الأول )

     جاء يسوع إلى الأرض في ملء الزمان ( غل 4:4) وبَشَرَ بالملكوت ، فبدأت الأزمنة الأخيرة . وبقيامته من بين الأموات بدأ الدهرالآتي ، فالذين يؤمنون به ويعتمدون باسمه القدوس يشتركون في الخلاص الذي إقتناه لنا ، فالدهر الآتي الذي ننتظره قد بدأ لنا ، بل نعيشه لأنه حاضر في أسرار الكنيسة وحياتها . إنه زمن الكنيسة ، ولكن هذا الزمن يبقى مشدوداً إلى نهايته ، حسب قول مار بولس ( لأننا نِلنا الخلاص ، ولكن في الرجاء ، فإذا شوهد ما يرجى بطل الرجاء ، وكيف يرجو المرء ما يشاهده ؟ ولكن إذا كنا نرجو ما لا نشاهده فبالصبر ننتظره . ) ” رو 8: 24-25 ” . ولتحديد النهاية نقول : دينونة الله لمن آمن قد تحققت على الصليب بموت إبنه . فساعة موت يسوع على الصليب هي في آن معاً ساعة دينونة العالم . ( فمن آمن به لا يدان ، ومن لم يؤمن به دينَ منذ الآن … ) ” يو 18:3 ” .  كتب عن تلك الساعة يوحنا في إنجيله وقال ( اليوم دينونة هذا العالم . اليوم يطرد سيد هذا العالم إلى الخارج . وأنا إذا رفعت من الأرض ، جذبتُ إليّ الناس أجمعين ) ” 12: 31-33 ” وستمتد تلك الدينونة بعد موته إلى أن تبلغ ذروتها في يوم القيامة حيث ستزول هيئة هذا العالم ( ا قور 31:7) فمجيئه الثاني سيكون عقاب الغير المؤمنين ، وتكون نهاية الأزمنة ( رؤ 12:20 ) .
    بعد قيامة أجساد الموتى يلاقي جميع المؤمنين الرب ، والأحياء أيضاً بعد أن تتحول أجساد الجميع إلى أجساد غير قابلة للفساد ( للمزيد طالع 1 قور 15: 51-53 ) بعد ذلك سيحلون في موطنهم السماوي كما تقول الآية ( أما نحن فموطننا في السموات ومنها ننتظر مجيء المخلص يسوع المسيح الذي يبدِّل جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد بما له من قدرة يخضع بها كل شىء ) ” في 3: 20-21 ” . سيتم التحول في عالم غير محسوس يتخطى عالم الزمن والمادة ، والذي لا يمكن لعقلنا المادي الخاضع للزمن المحدود أن يدركه إدراكاً واضحاً وكاملاً لذلك يلجأ بولس الرسول إلى أسلوب التشابيه والتصاوير لكي يعبر لنا عن مصير أجسادنا ( طالع 1 قور 15: 35-44 ) .
   أن الروح الساكن فينا هو العربون الذي نستند إليه لنشترك في قيامة المسيح بعد الموت ، وإشتراكنا معه يتم على مرحلتين ، على هذه الأرض عندما نعبر من باب الموت إلى الحياة الجديدة عند العماد ، فننتقل من الموت إلى الحياة في هذا العالم عندما نولد ولادة جديدة .
وفي اليوم القيامة ستشمل الرجاء لجسدنا نفسه . في إنجيل يوحنا نلتمس هذه الحقيقة بوضوح ، يقول الرب ( الحق الحق أقول لكم : إنها تأتي الساعة ، وما هي ذي حاضرة ” تلك هي المرحلة الأولى على هذه الأرض “ التي يسمع فيها الأموات صوت ابن الله ، والذين يسمعون يحيون ” ) وهنا يعني الأموات بالخطيئة ، وإن كانوا أحياء على الأرض . ثم يضيف مشيراً إلى المرحلة الثانية بقوله ( إنها تأتي الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوته فيخرجون منها ، فالذين عملوا الصالحات ينهضون للحياة ، والذين عملوا السيئات ينهضون للدينونة ) ” يو 5: 25-29 ” . فالحياة الأبدية إذن تبدأ من هذا الدهر ، ونعيشها ، ونرجوها للدهر الآتي ، هي الحياة مع المسيح ، ومن خلاله مع الله ، تلك العلاقة الحميمة التي يريدها الله إنشاءها مع الإنسان في الكنيسة مع كل ما فيها من أسرار مقدسة وطقوس ليتورجية . فمع الله هو مستقبل الإنسان حتى على هذه الأرض لأن ( به نحيا ونتحرك ونوجد ) ” أع 28:17 ” فدعوة بعض الأيديولوجيات العلمانية كالماركسية الملحدة إلى بناء مستقبل للإنسان بعيداً عن الله فما كان إلا تجديد قول الشيطان للإنسان عندما قال لحواء ( أن أكلتما من شجرة معرفة الخير والشر تصيران كآلهة ) كذلك تصميم الإلحاد لن يصل إلا إلى كشف عري الإنسان وعجزه عن بلوغ المعرفة والسعادة خارجاً عن الله . فبعد الفشل عادت روسيا إلى أحضان الكنيسة لتعترف بخطاياها ، وهكذا يجب أن يفعل الغرب الملحد الذي ترك الإيمان . وأن رسالة الكنيسة تظهر للبشر بما صنع الله لخلاص الإنسان العريان ، شرط أن يعترف بضعفه وأخطائه كما فعلت روسيا .
   أما عن رجاء المسيحي في الدهر الآتي بعد الموت فهو الحياة مع الله ( ثم نرفع معهم في السحاب ، نحن ألأحياء الباقين ، لملاقاة الرب في الفضاء ، فنكون كل حين مع الرب ) ” 1 تس 17:4″ . وفي سفر الرؤيا نقرأ ( هوذا مسكن الله مع الناس ، سيسكن معهم ، ويكونون له شعباً ، وهو الله معهم يكون إلههم ) وهذه هي أعظم مكافأة للإنسان ، وهذا هو فرح الحضور الدائم مع الله واللقاء به والتمتع بمشاهدته ، إنه مبدأ كيان الإنسان وغاية وجوده . هذه هي أقصى السعادة الأبدية في الدهر الآتي . فالموت لنا ربح لأننا لا نتلاشى بالموت ، بل سنلتقي بسببه مع الله في حياة أزلية . سنصير على مثال الله ، ونعرفه كما يعرفنا ، ونتحد به بوحدة كاملة ، لهذا يقول الرسول يوحنا ( أيها الأحباء ، نحن منذ الآن أبناء الله ، وما كشف لنا بعد عما نصير إليه . نحن نعلم أننا نصبح عند هذا الكشف أشباهه لِأنّا نراه كما هو ) ” 1 يو 2:3 “ . وكذلك سنشترك في مجده ( طالع يو 17: 1-5 ) وهذا يعاكس فكرة من يقولون ( المجد لله وحده ) .
    تعجز عقولنا أن تدرك ما سنناله . سينال الإنسان ما لا نستطيع وصفه وكما قال الرسول بولس ( .. أعد الله للذين يحبونه كل ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر )  ” 1قور 9:2 ” .
   في الفردوس السماوي سيزول كل شقاء عرفناه ، وهناك يجد الحزانى التعزية ، ويشبع الجياع ( مت 5:5-6 )  ولا نوح بعد الموت ، ولا نحيب ،  ولا حرج . لأن الأوضاع الأولى قد مضت ( رؤ 4:21 ) كما هناك في الدهر الآتي المطهر . نقرأ في سفر الرؤيا عندما يتكلم عن الشهداء الذين دخلوا الحياة الأبدية ، فيقول ( بعد أن غسلوا حللهم وبيضوها بدم الحمل ) ” رؤ 14:7 ” فالمقصود هنا هو تطهير كيانهم قبل الإشتراك في حياة الله تطهيراً كلياً ، لان لا شيء نجس يشترك في الحياة مع الله . فالمطهر هو تهيئة للدخول في فرح الحب الأبدي . لا يجوز الدخول إلى العرس بملابس رثة . والرسول بولس أيضاً يتحدث عن تلك التنقية فيقول ( من أحترق عمله فسيخسر ، أما هو فسيخلص ، ولكن كمن يمر في النار ) ” 1 قور 15:3 ” علماً بأن بولس لم يقصد هنا نار المطهر بل مجرد تشبيه يريد منه التعبير عن صعوبة خلاص الإنسان .
   الفترة الممتدة بين الموت والحياة للمؤمن الآن ، هي فترة تنقية وتحرير وشفاء من الخطيئة . فلا مطهر بعد قيامة المسيح ، لأن المسيح حينذاك سيحرر الجميع ، فصلوات الأحياء والقرابين التي تقدم للراقدين وأسرار الكنيسة المقدسة تشارك المسيح بعمله الخلاصي . نيران المطهر ليست للجزاء ولا عذابات للإنتقام ، بل غاية المطهر هي لبلوغ النضوج ، ولتنقية من كل الشوائب التي تلوث صفاء الروح .
  وفي الدهر الآتي يوجد الجهنم الذي فيه سيسكن الأشرار الذين رفضوا الله ونكروا تعاليم ابنه ووصاياه فعاشوا في الشر والأثم والخطيئة ، ورفضوا الله وكل عمل صالح ، فأعمال الإنسان الشريرة تقوده إلى الهلاك والعذاب . هُم بإرادتهم رفضوا عمل الخير والمحبة وأختاروا طريق الشر الذي يصل إلى الهلاك الذي لا نهاية له . يعتقد البعض بأن نار الجهنم ستنطفي في نهاية الأزمنة ، والشر سيزول ، وسيخلص كل الناس ويعودون إلى حالة النعمة مستندين حجتهم لقول الرسول بولس ( سيخضع الله للإبن كل شىء ، وحينئذ يخضع الإبن نفسه للذي أخضع له كل شيء ليكون لله كلاًّ في الكل ) ” 1 قور 15: 27-28 ” وأول من نادى بهذه النظرية كان أوريجانوس إلا أنه على فكرة ( إعادة كل شيء إلى الله في نهاية الأزمنة ) كما كان يعتقد بأمور أخرى حرمتها المجامع المسكونية ، كالوجود السابق للأنفس وغيرها ، والنقاش سيبقى مفتوحاً أمام اللاهوتيين حول خلاص الخطاة في نهاية الأزمنة وتلاشي نار جهنم ، هما من الأمور التي يمكن أن نرجوها من محبة الله اللامتناهية ، وكما يقول اللاهوتي المعاصر ( أوليقيه كليمان ) إنه أمر يجب أن يكون موضوع صلاتنا ومحبتنا العاملة ورجائنا . فموضوع جهنم ليس موضوعاً إيمانياً . فما هو موضوع إيماننا إذاً ؟ هو أن محبة الله أقوى من كل شرّ ، وحياة الله أقوى من الموت . ليتبارك أسم الله القدوس إلى الأبد

111

الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الأول )
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( وأقامنا معه ، وأجلسنا في السماوات ، ليظهر في الأجيال الآتية غنى نعمته الفائقة في الرأفة التي أبداها لنا في المسيح ) " أف 2: 6-7 "
كتب لنا الرسول بولس عما رآه وسمعه عندما خُطِفَ إلى السماء الثالثة ( الفردوس ) ، نقرأ ( حيث سمع أموراً مدهشة تفوق الوصف ولا يحق لإنسان أن ينطق بها )
" 2قور 4:12 " .
   الكتاب المقدس تم تدوينه على مدى خمسة عشر قرناً ، والوحي الإلهي هو الذي ألهم كتبة الأسفار لنقل الأحداث ، وكل تلك الأسفار التي بدأت تتحدث عن فترة الخلق إلى يوم مجىء الرب الثاني لكي تنتهي الحياة على هذه الأرض فيخلق الله أرض جديدة وسماوات جديدة ويكون للمؤمنين بالمسيح المصلوب رجاء في عالم الأرواح . إذاً ما هو مضمون رجاء المؤمن  في حياته بعد موت الجسد وفراق الروح ؟ قانون الأيمان النيقي نختمه بعبارة ( الحياة في الدهر الآتي ) فكيف نكشف النقاب عن سر تلك الحياة ؟ علينا أولاً أن نتبع مراحل تطور الوحي الإلهي على مدى العصور . ففي العهد القديم عندما نقرأ الأسفار التي كتبت قبل فترة الأنبياء ، أي في فترة الشريعة ، فلا نجد فيها الرجاء للإنسان بعد الموت . بعد السبي البابلي تأثر اليهود المسبيين بالإعتقادات البابلية بأن نفس الإنسان تنفصل عن جسده وتنزل إلى عالم الأموات ( الجحيم ) مهما كانت صالحة أو شريرة . وهناك حياة تعيسة لا سعادة لأحد ، بل الجميع سيكونون في عالم الأموات . قال الله عن الأموات في " مز 87 : 11-13 " ( لا يصنع المعجزات للأموات ، ولا يحدَّث برحمته في القبر ، ولا بحقه في الجحيم ، حيث الظلمة وأرض النسيان ) لهذا كان رجاء شعب العهد القديم يقتصر على هذه الأرض فقط ، لكن الله قطع مع الإنسان عهداً وأغدقه بوعود إذا التزم بوصاياه ( تث 8 ) فسعادة الإنسان ربطت بأمانته في تطبيق الوصايا ، وقضية جنة عدن وفقدان الأبوين لسعادتهما بعد الطرد ، كانت تعبيراً حياً للإنسان على مدى التاريخ ، أما في فترة الأنبياء فظهرت إعلانات جديدة أعلِنَت من قبل الأنبياء بأن الله سيدين العالم بسبب خطايا الإنسان ، وكشفوا للشعب بوجود يوم الدينونة ( يوم الرب المخيف ) الذي سيكون غضب ، وظلمة ، كما كتب النبي صفنيا ، قال ( قريب يوم الرب العظيم ، قريب وسريع جداً . صوت يوم الرب مُرّ . هناك يصرخ البطل ، يوم حنق ذلك اليوم . يوم ضيق وشدة ، يوم خراب ودمار، يوم ظلمة وديجور. يوم غيمٍ وغمام مظلم ، يوم بوق وهتاف على المدن الحصينة ، وعلى بروز الزوايا الشامخة . . . ) " 1: 14-18 " .
هكذا أكدوا الأنبياء بأن الأرض ستترك خراباً ، ويبيد الخطاة . والكواكب لا تبعث نوراً . والشمس تظلم في خروجها . والقمر لا يضيء نوره . تلك الصورة انتقلت عبر الأجيال من فترة الأنبياء إلى سفر الرؤيا حاملة المعنى ذاته وهو أن دينونة الله آتية لا محال ، فعلى الإنسان التوبة عن خطاياه ، والتوبة إلى الله من القلب والمحافظة على عهده ووصاياه.
  أما الحياة بعد الموت في منظور الأنبياء فيشير إلى الرجاء ويتخطى الفردوس الأرضي والحياة في هذه الأرض إلى حياة جديدة في الآخرة ، فيصف إشعياء النبي الحياة بعد الموت قائلاً ( فيسكن الذئب مع الحمل ، ويربض النمر مع الجدي ، ويكون العجل والشبل وكل حيوان معلوف معاً ... ) " أش 11: 1-9 " ، والكون كله سيستنير ( ويصير نور القمر كنور الشمس ، ونور الشمس يصير سبعة أضعاف ، كنور سبعة أيام ، يوم يجبر الرب كسر شعبه ، ويشفي جرح ضربته ) " " أش 26:30 " ( ويخلق الله سماوات جديدة وأرض جديدة ، ويخلق في أورشليم أبتهاجاً ، وفي شعبها سروراً ، ويبتهج بأورشليم ويسر بشعبه ، ولا يسمع فيها من صوت بكاءٍ ولا صوت صراخٍ ... ) " أش 65 : 17 -25 " ويبيد الرب الموت على الدوام ، ويمسح الدموع الفردي بعد الموت بعد أن بقي الأنبياء لفترة طويلة يعتبرون الجزاء أمراً جماعياً . لكن بعد سقوط أورشليم كتب حزقيال عن الجزاء الفردي ، فقال ( النفس التي تخطأ هي تموت ) " 4:18 " وهكذا تطورت الفكرة في فترة المزامير لكي يكتب عن الرجاء بالحياة مع الله بعد الموت ، فنجده بوضوح في " مز 16: 8-11 " يقول ( جعلت الرب أمامي في كل حين ، فإنه عن يميني لكي لا أتزعزع ، لذلك فرح قلبي وابتهج نفسي حتى جسدي أستقر في أمان . لأنك تترك في مثوى الأموات نفسي ، ولن تدع صفيك يرى الهوة . ستبين لي سبيل الحياة . أمام وجهك فرح تام ، وعن يمينك نعيم على الدوام ) .
  نشأ الإيمان بالحياة مع الله بعد الموت من خبرة روحية أختبرها الصديقيون في حياتهم الأرضية مع الله ، كما آمنوا بوجود حياة دائمة مع الله ليس فيها الموت ، بل الخلود الأبدي لأن إله الخير لا يمكن أن يترك الشر يسيطر على الإنسان إلى الأبد وهكذا نشأت فكرة الحياة في الدهر الآتي بوضوح في سفر المزامير وأسفار الحكمة . أما عن الجحيم فيعنى به مكان الهالكين . أما الحياة للصديقين في الدهر الآتي فتقوم مع الله ، وهكذا تطورت الفكرة من مصير الإنسان بعد الموت والتي ستحدد وفقاً لما عمله في حياته فيجازيه الرب بحسب إيمانه وأعماله النابعة من محبته . يسوع في العهد الجديد وضع حداً لتلك التصورات المعهودة لدى مستمعيه فيتحدث إليهم عن موضوع قيامة الأموات ، وهلاك الفاجرين في جهنم النار ، وأنتقال الصديقين من الهاوية إلى النعيم الأبدي . فنفوس الصديقون من أبناء العهد القديم  قال عنهم بأنهم عاشوا في الهاوية في حضن أبراهيم . كما تنبأ الأنبياء عن زمن جديد يملك فيه الله على البشر ويضع لهم عهداً جديداً ويغفر خطاياهم ويفيض في قلوبهم الروح القدس ، وهذا الزمن تم بمجيء المسيح الإله وتبشيره بالملكوت ، فقال عنه يسوع ( لقد تم الزمان ، واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالأنجيل ) " مر 1: 14-15 " . فالملكوت لايظهر بعلامات خارجية باهرة على الصعيد الكوني في الشمس والقمر والنجوم ، بل في داخل الإنسان عندما يملك الله في قلبه ، وهكذا تبدأ الملكوت في قلب الإنسان ليعيشه من هذه الأرض . وبالإيمان وحده يستطيع الإنسان أن يشاهد الملكوت قبل الموت أيضاً كما شاهدوها الرسل الثلاثة وحسب وعد الرب لهم ( الحق أقول لكم : أن في القائمين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يعانون ملكوت الله آتياً في قدرة ) " مر 1:9" ورأوه فعلاً الرسل الثلاثة على جبل التجلي ، ورأوه قديسين كثيرين في حياتهم الأرضية . إذاً الدهر الحالي والآتي كلاهما موضوع رجاء الإنسان ، فالمسيح يشمل الدهرين لأنه رجاء للفرد والجماعة في تحقيق الملكوت ، فكنيسة المسيح هي موضوع تحقيق الرجاء الجماعي ، وهي الشكل الحاضر لملكوت الله . فردوسنا يبدأ من هنا ، أما العقاب فهو بعد الموت مباشرةً وبحسب قول الرب في مثل لعازر والغني ( طالع لو 16: 19-31 ) وكذلك قوله لمصلوب اليمين ( اليوم تكون معي في الفردوس ) " لو 34:23 " لهذه الأسباب يجب أن لا نفهم موضوع مجىء المسيح الثاني وقيامة الأموات ونهاية العالم على الصعيد الزمني بقدر ما يجب النظر إليه على صعيد القرب النفسي والأستعداد لملاقاة العريس بعد الموت مباشرةً ، وذلك بالتوبة والمصالحة والإيمان بكلمات الإنجيل ( طالع مت 24 ومر 13 ) لذلك على المؤمن أن لا يفكر كالخاطئين بيوم الدينونة ، لأن لا دينونة للمؤمنين الصالحين ، بل عليهم فقط ان يثقوا بأقوال مخلصهم الفادي الذي قال عن نفسه عندما يرتفع على الصليب يجذب إليه الجميع ليخلصهم . أما الذين يرفضونه فيدانون . يسوع أعلن وهو على الصليب أن كل شىء قد تم  بموته ( يو 30:19 ) وأنه بدأ للعالم زمن الدينونة وزمن الخلاص وتلك هي الأزمنة الأخيرة للإنسان . فالخلاص على الصعيد الشخصي هو الدخول في علاقة شخصية حميمية مع الله ( رو 5:5 ) هكذا ننتقل من الآن من الموت إلى الحياة ( 1يو 14:3 ) لذلك لا يقتصر الرجاء المسيحي على إنتظار عالم آخر يتحقق بعد الموت وحسب ، بل على تغيير وجه هذا العالم ليصيرعالماً آخر يسوده الحب الطاهر والمساوات . والدهر الآتي الذي نرجوه ونسعى لكي يأتي ليطهر كل شىء .
إلى اللقاء في الجزء الثاني والأخير .


112

إستعدادنا ليوم موت أجسادنا والقيامة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( فإن كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن إننا سنحيا معه ) " رو 8:6 "
     الموت هو نهاية لأجسادنا الترابية لكي تنحل إلى عناصرها فتعود إلى الأرض التي أخذت منها " تك 19:3 " . وما دام للأجساد زمناً محدداً للحياة ، فالموت يعلن نهايتها لكي تخرج الروح وتتحرر إلى حياة أخرى ، وحتى الرب يسوع خالق الأجساد الذي تجسد بيننا متخذاً له جسداً بشرياً قد ذاق الموت على الصليب ، وكانت كلمته الأخيرة ( يا أبيِ ، في يديك أجعل روحي ! ) " لو 46:23 " مات وظل في جوف الأرض ثلاثة أيام ، ثم قام بجسد ممجد لا يقبل الإنحلال . ففي موته وقيامته رسالة مهمة للبشرية كلها ، بأن هذه الحياة لا بد أن تنتهي بالموت ليبدأ فجر جديد لحياة جديدة وعالم جديد . فموت الجسد هو الموت الأول . أما الموت الثاني فهو الموت الأبدي بالأنفصال عن الله بسبب الخطايا التي اقترفها الميّت أثناء حياته ، لهذا تقول الآية ( آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلاهكم ) " أش 2:59 " والموت الثاني هو الموت الأبدي ومصير الميّت سيكون في بحيرة النار والكبيرت ( طالع رؤ 10:20 ، 14،15 ) .
     في مرحلة موت جسد الإنسان وخاصة الساعة الأخيرة يعيش المحتضر في حالة حرجة ، أفكاره قلقة متجهة نحو عالم آخرمثيرومخيف فيشعر بالخشية من مصيره ، فيداهمه القلق بسبب تفكيره بالخطايا التي اقترفها في حياته وبملء إرادته وحريته . فمقدار الخوف في تلك الساعة يقاس بالإيمان وطهارة النفس التي يمتلكها الإنسان . فالقديسين يفرحون في ذلك اليوم فتظهرعلامات الفرح والبهجة في وجوههم المبتسمة لثقتهم المطلقة بالله ووعوده ، لهذا يقول المزمر ( عزيز عيني الرب موت أتقيائه ) " مز 15:116 " . عكس الملوث جسده بالخطايا فلا بد أن يشعر بالذنب فيتذكر في تلك اللحظات كل ذنوبه فيداهمه الخوف لأنه كان منغلقاً على محبة ذاته وشهواته وأنانيته وبعيداً عن الله فيعيش لحظات القلق حتى ساعة موت الجسد لكي يدخل في مرحلة الموت الثاني ، وهي الموت الأبدي للروح .
   كان اليهود يعتقدون بأن الجسد يمضي إلى الفساد وإلى الأبد ، ولا شَركة له في الحياة . أما نحن المؤمنين فنقول أجسادنا التي تَغذَّت من جسد الرب ودمه تطابق مع الإفخارستيا ، والإفخارستيا تطابق وتختلط مع أجسادنا فتنسجم معها ، ومع أن الجسد متحد مع الروح أثناء الحياة ، كما الخبز الأرضي المادي الموضوع على المذبح بعدما يستدعى روح الله إليه ، لا يبقى خبزاً عادياً ، بل يسمى إفخارستيا ، والمؤلف من إتحاد عنصرين ، الأول أرضي ،
والآخر سماوي ، هكذا أجسادنا أيضاً عندما تشترك في الإفخارستيا ، لا تبقى قابلة للفساد وإن فسدت في القبر وتحللت  إلى زمن محدد لها  فأن لها الرجاء في القيامة ، لأن المسيح القائم  سيمنح لها يوم القيامة جسد ممجد مماثل لجسده ، لأنه هو مانح الحياة والخلود فيعطي عدم الفساد لمن هو فاسد ، لكي تظهر قوته الإلهية في ما هو ضعيف .   
   على الإنسان أن يحيا حياة طاهرة على هذه الأرض ،  وإن أقترف ذنوباً فعليه أن يطلب التوبة ويعترف بها واضعاً للموت معنى في حياته لكي يبقى مستعداً له . لهذا قال يسوع ( .. ولكن إن لم تتوبوا ، تهلكون كلكم مثلهم ) " لو 3:13 "  . فعلينا أن نخاف من الهلاك والموت الأبدي ونستعد بكل فطنة لحياة الآخرة ، وهنا الخوف ليس جبناً أو ضعفاً بل حكمة ، والله خلق الخوف في الإنسان كما يقول الكتاب ( كمال الحكمة مخافة الله . إنها تولد في الرحم مع المؤمنين ، وجعلت عُشها بين  الناس مدى الدهر ، وستسلم نفسها إلى ذريتهم . ) " طالع سي1: 16- 30 " فإن كان خوفنا من الله بسبب محبتنا له لأنه يحبنا ، فخوفنا يكون مقدساً وواجباً ، نقتدي بالله ونعمل بوصاياه فنكون محبين لكل الناس مثله، أما الذي لا يعرف المحبة فهو بعيد عن الله ، لأن الله محبة ، لهذا يجب أن يبقى الله الخالق هو الهدف الأسمى وكنز الدائم للمخلوق ، فينبغي أن يتوب دائماً ليتطهر من خطاياه .
   عندما يكون الموت إحدى خطوات الإنسان في طريق المحبة ، فالله المحب لا يغذله ، بل يحن عليه ويكافئه بسبب توبته المستمرة  في يوم الحساب الرهيب . قال أحد القديسين لأخوته المؤمنين :
( يا أخوة : في يوم الرحيل ، روحنا ستكون أمام السيد ، لن نلام لأننا لم نصنع عجائب ، أو لأننا لم نصنع لاهوتاً ، ولا لأننا لم نبلغ مرحلة التأمل ، ولكن الله سيسألنا بِلا أدنى شك ، لِمَ لَم تتب بشكل مستمر ؟ ) .
    حياتنا على هذه الأرض قصيرة تزول في ساعة الموت ، لهذا ينصحنا الرسول قائلاً ( أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد ! لأنه ماهي حياتكم ؟ إنها بخار ، يظهر قليلاً ثم يضمحل ) " يع 14:4 " . فعليه أن نستعد ونتوب ليطهر حياتنا من الخطيئة ، لأن أجرتها هو الموت ( النفس التي تخطىء هي تموت ) " حز 4:18 " .
    بعد الموت هناك مرحلة يقضيها الإنسان في إنتظار يوم الدينونة الأخير الذي فيه سيحّل الملكوت كاملاً ، وحينذاك يقوم جميع المخلصين بأجساد ممجدة شبيهه بجسد يسوع القائم من بين الأموات والذي رآه تلاميذه فآمنوا وبشروا بموته وقيامته ، ونحن اليوم تلاميذه فعلينا أن نقوم بنفس الواجب حتى يؤمن بإبن الله أبناء هذا الجيل . لا يجوز للمسيحي أن ينام مستكيناً بدون عمل ، بل أن يتذكر قول الرب لتلاميذه للذهاب لتبشير العالم كله ، وكذلك نتذكر قول الرسول بولس ( أستيقظ إيها النائم وقم من الأموات فيضىء لك المسيح ) " أفس 14:5 " .
   إذا علينا أن نتحول من حالة الخطيئة إلى التوبة بتغيير أذهاننا لكي نصبح أبناء الله ومستعدين للعمل من أجل تغيير العالم وتحويله إلى شكل أفضل يبدأ به الملكوت من هذه الأرض . إمكانية التحرر من مفاعيل الخطيئة بالقيامة من الخطيئة ، والقائم من الخطيئة يعيش القيامة الحقيقية المرجوة للجميع ، قال بولس ( تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) " رو 2:12 " .
   كما يوجد أيضاً قيامتان : الأولى روحية من الخطيئة أثناء الحياة في الجسد وذلك بالإيمان بالمسيح والتوبة والأعتراف بالخطايا والمعمودية التي يولد بعد خروجه من الماء ولادة جديدة كما وصفها يسوع لنيقديموس . أما القيامة الثانية فهي قيامة الأجساد لجميع البشر في يوم الدينونة عند مجيء المسيح الثاني ونهاية العالم ، قال يسوع عن تلك القيامة ( تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى الدينونة ) " يو 28 : 5 " . وقيامة المسيح من القبر هي أساس القيامتين الروحية والجسدية .
    عندما نصبح أبناء الله سنعيش بحسب إرادته ، فنستحق أن نقول ( إن عشنا ، فللرب نعيش ، وإن متنا فللرب نموت ، فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن ) " رو 8: 14 " فإن متنا فالله سيخلصنا من الموت الأبدي ويشاركنا معه بالخلود ويفتح لنا باب التألُه ، بمنحنا إمكانية المشاركة في نوره الغير مخلوق ، فنبقى معه في فرح دائم ... ليتمجد أسمه القدوس .



113


بداية الفنون التشكيلية المسيحية

بقلم / الفنان التشكيلي  وردا إسحاق قلّو

https://g.top4top.io/p_1985h8rqq1.jpg

     بدأت الفنون التشكيلية مع الإنسان القديم قبل آلاف السنين عندما كان الصيد مهنته الأولى لكسب قوته اليومي ، فكان يرسم الحيوانات التي يسعى إلى صيدها على جدران الكهوف ، ومن أقدم تلك الرسوم هي التي اكتشفت في كهف لاسكو في جنوب فرنسا والتي تحتوي على رسوم الخيول والغزلان والأبقار . كما اجتهد في تلوين تلك الرسوم بلون واحد كالأسود والأحمر والأصفر فكان الرسم أول الفنون التشكيلية في التاريح ومن بعده جاء النحت والخزف وفن العمارة وغيرها .   

    بعد الإيمان بالمسيح ورسالته ظهر الفن المسيحي ويسمى بالفن المقدس ، تأتي أفكار هذا الفن للفنان الذي يتأمل بعمق في الموضوع الإيماني الذي يتوخى الوصول إلى عمقه مستخدماً إلهامه الروحي الذي يرفعه إلى تجسيد تلك الأفكار ونقلها على لوحته ،  وبها يهدف إلى التعبير عن أهداف مقدسة لكي يحدد الجانب اللاهوتي بأعماله ، ومن خلالها يرفع بها عقلية الناس إلى المستوى الروحي وكما يفعل الواعظ ، لأن لوحته أو نحته أو جدارية الفسيفساء وما شابه ذلك من الأعمال ستنقل الفكرة إلى الناظربكل وضوح . 

  بدأ الفن مع بداية المسيحية ، وأقدم اللوحات في تاريخ المسيحية تعود إلى حوالي عام 70 م . وأقدم تمثال كان لتابوت منحوت يرجع تاريخه إلى بداية القرن الثاني . ثم برز الفن بعد أعتراف الدولة الرومانية بالمسيحية لكي تعيش الكنيسة في عصر الحرية فأخذ المؤمنون يعبّرون عن أيمانهم برموز ورسوم وتعابير فنية جميلة فتقدم الفن في الشرق الأوسط على ضفة نهر الفرات في المنطقة المسمات ( دورة أوروبس ) وفي الدياميس على ضفة نهر نيبر في روما وحتى بنفس الطريقة التشكيلية . وفي الفن الهيلينستي استعمل الفنان المسيحي أساليب وأشكال فنية يونانية رومانية بطريقة هندسية ، وتصوير الأشخاص والمواضيع ( الراعي ، المعلم ، اللباس ، الحركات ، الحيوانات .. ألخ ) وطريقة التعبير نفسها ، وفي خط التقليد اليوناني حفظت المسيحية التوازن والإنسجام العقلي ، والأحترام للشخص دون أن يشدد على الشعور والعواطف .   

   وهكذا انتشرت الفنون التشكيلية في العالم المسيحي ، أما بعد ظهورالإسلام فمنذ بدايته صار إنتكاسة كبيرة وفترة مظلمة لكل الفنون التشكيلية ، فحرم فن التصوير ( الرسم والنحت ) وأقتصرت الفنون الإسلامية على الخط العربي والزخرفة الأسلامية وهذه لا تدخل في قائمة الفنون التشكيلية العالمية . أما سبب منع الإسلام لهذه الفنون فجاء بسبب حديث لرسوله الذي نقله البخاري في صحيحه ( 5954) ، فقال محمد : ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون الله بخلقه ) وفي صحيح آخر للبخاري المرقم ( 5950) فيقول ( إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون ) أي الرسامون والنحاتون . واستمر رسول العرب في توضيح حديثه ليقول للذين أطلق عليهم المصورون ( إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون ، فيقال لهم أحيوا ما خلقتم ) وقال ( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ) ولهذا تجردت بيوت العبادة الإسلامية من الرسوم والمنحوتات الفنية وما تزال بعض البلدان لا تحتوي على معهداً للفنون الجميلة . رأي الإسلام بالفنون التشكيلية أنعكس على تطور الفنون في البلدان التي دخلها وحتى على الفنون المسيحية في تلك البلدان . 

   كل الأديان تُعَبّر عن معتقداتها بتعابير حسية مادية كالكتابة ، والرسوم ، والموسيقى وأشكال هندسية مرسومة كشعارات أو عن طريق رسوم تشكيلية أو زخارف ، وهذه التعابير بالنسبة إلى المسيحية ما هي إلا رموز محدودة تقود إدراك المؤمن إلى أهداف لاهوتية تفوق تلك الإشارات التي لا يمكن أن تقود الإنسان إلى كامل الإستيعاب لما تشير إليه ، بل تساعده في إدراك الحقائق المتوخاه . 

   تجذر الفن المسيحي في الحضارات التي عاشها لكي يعطي لكل حضارة طابعها الخاص كالحضارة المصرية وحضارة بلاد الرافدين وبلاد الشام وبلاد فارس وغيرها مع إحترام السلطات الحاكمة على بلدانها . وهكذا الحال في الغرب حيث الحضارة اليونانية القديمة المشهورة بفنها التشكيلي الهندسي والتي ركزت على أهداف كثيرة منها روحية ومنها سياسية أو إجتماعية لهدف الدفاع عن الحرية والحقوق والحياة الديمقراطية . أما روما فقد وضعت أنظمة صارمة بفضل الجيوش المدربة ، وشدة القوانين، علماُ بأنهم ليسوا مفكرين وفنانين كاليونانيين ، بل رجال عمل وهندسة وفتح الطرق .   

   في المسيحية بدأت الفنون التشكيلية منذ القرن الأول . أما عن عصر إزدهاره فكان في القرن الثالث عشر في أوربا . كان الرهبان يرسمون مخطوطات زخرفية في الكنائس فالهمت تلك الأعمال الفنانين التشكيليين كليوناردو دافنشي الذي رسم لوحات زيتية رائعة كلوحة العشاء السري ، والفنان مايكل أنجلو الأكثر شهرة في عصر النهضة ، وجونتو الذي كان رساماً ومهندساً  معمارياً ، وغيرهم . أسست أناملهم مدارس الفن التشكيلي . وكانت الكنيسة تشجع الفنون التشكيلية في القرون الوسطى ، بل تُجبِر الفنانين لرسم الكنائس فدفعت بالفن التشكيلي إلى النهوض والتطور، وأكتشف الفنانون مدارس مختلفة في أنواع الرسم كالواقعية والإنطباعية والرمزية والسريالية والتعبيرية وغيرها .

    أما عن التركيز على المعنى الروحي الرمزي على حساب التعبير الطبيعي الجسدي ففي الغرب حفظ على التعبيرالمتوازن الطبيعي لأن المقصود من فنه ليس إلا تقديم البشارة الإنجيلية على إدراك الشعب البسيط دون الإهتمام مباشرةً بجمال الشكل كالفن الهيلينستي  ، لكن في الشرق الأوسط أخذت المسيحية تتجاهل في تعبيرها الفني التشكيل الجسدي الطبيعي وذلك خاصةً تحت تأثير الفلسفة الأفلاطونية . الصورة ليست الهدف في العبادة ، وإلا فتصبح وثناً ، بل كل الفنون الدينية ما هي إلا رموزاً ترمز إلى أشياء تفوقها ، وإلى سر غير منظورتشير إليه ، مع أن الصور تجذب نفس الإنسان إلى التأمل بالحقيقة الأصلية وإلى التقرب من هدفه الإيماني  .فالصورة ليست هي الهدف الأسمى الذي يفوق ما في معنى الصورة أو المنحوتة المنظورة والتي تشير إلى سر غير مرئي . كما أن الصور تجذب الناظر إلى التفكيربحقيقة الموضوع المرسوم لتقربه من الهدف . 

   كان الفن التشكيلي قليل الإستعمال لخدمة إيمان أبناء العهد القديم ، لكن عندما تجسد ابن الله بينناعبرت صورته عن الإنسان الكامل والحقيقي الطاهر وكما يريده الله ، أو كما خلقه منذ البداية وصورته كانت تُعبّر عن محبة الله للإنسان ، بل كانت كصورة الله المنظور والملموس المتحدة بصورة الإنسان المخلوق الكامل ، لكن ليس ككمال المطلق لله طبعاً . 

   في هذا العصر أظهرت الفنون المسيحية في الصور والتماثيل التي ترمز إلى شخصيات أرضية وسماوية ، أما الفن المسيحي القديم فمر في عدة مراحل ، منها في عهد الأضطهاد في القرون الثلاثة الأولى والتي نقلت إلينا رسومات جدارية وصور نحتية بارزة على ألواح التوابيت الحجرية وعلى القبور ، ومن الرموز القديمة التي ظهرت كانت للصليب والسمكة وخاصة على القبور .  أما ما بعد عهد قسطنطين الملك ، فبدأت النهضة الفنية ببناءً هندسياً معمارياً وخاصة كنيسة القديس بطرس والقديس بولس وكنيسة الصليب المقدس وغيرها . أما في القسطنطينية فبدأ قسطنطين ببناء عشرات الكنائس في الأراضي المقدسة وفي القسطنطينية وسائر الأمبراطورية وخاصة بناء بناية الباسيليكية ( الحكمة الإلهية ) أي كنيسة ( آية صوفيا )  ، والقديسة أيرينة ، والرسل القديسين . وفي أورشليم الباسيليكية مع دائرة القبر المقدس ، وبيت لحم مع مثمن مغارة الميلاد . أستعمل في تزيين الكنائس أعمال فسيفسائية عظيمة حيث يظهر اللاهوت المسيحي في أجمل لباسه بتعبيره التشكيلي وذا ألوان ساطعة . أولاً ظهر الصليب المنتصر المرصع بالجواهر على السماء الأزرق أو الذهبي وسط الورود والنجوم ، ثم من بداية القرن الرابع أخذت صورة المسيح مكاناً بارزاً في الصدر ، جالساً مثل الملك الحاكم المجيد وسط الرسل والأحياء الأربعة وكما يوصف المنظر سفر الرؤيا ويتقدم نحوه في الصورة صفوف الخراف ، من مدينة أورشليم وروما ، وبعدئذ الشهداء والقديسون ومشاهد أخرى مستنبطة من العهدين ، والبسطاءالأميين يقرأون هذه الصور ككتاب التعليم المسيحي المصور فيصلون إلى الأهداف المرسومة من أجلها . 


إلى اللقاء في مقالات أخرى تتناول المراحل اللاحقة .


114

الإشتياق إلى الشهادة هو إقتداء بالمسيح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( من أراد أن يتبعني ، فليكفر بنفسهِ ويحمل صليبهُ ويتبعني ) " مت 24:16 "
    الشهادة تعني إعلان خبرما للآخرين ، يعلنه الشاهد بقوة وحتى وإن كان الثمن الموت أو الإستشهاد . فهناك من يفسر كلمة ( أستشهد ) بأنها الموت في سبيل الله الذي يشهد له . أو في سبيل الوطن الذي يدافع عنه . أما في المسيحية فالشهادة هي إعلان بشرى الأنجيل في الكرازة بالكلام أو الكتابة أوالنقاش المباشر وحتى وإن كان مع الرؤساء أو المسؤولين المناهضين للإيمان فيجهروا المبشرون بإيمانهم لهم ويعلنوه بجرأة وإن كان ذلك على حساب حياتهم ، حينذاك تتحول شهادتهم إلى إستشهاد بمعنى الموت . فيخسروا الدنيا لكي يربحوا السماء ، وحسب قول يسوع  ( لأن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها ) " مت 25:16 " . فالذي يموت في سبيل المسيح ، يموت شاهداً وشهيداً له ، لأنه يحبه ويحب كل من يموت لأجله ولأجل من يحب ، لهذا يقول الكتاب ( ليس لأحد محبة أعظم من هذه : أن يبذل أحد حياته فدى أحبائه ) " يو 13:15 " .  الكثير من القديسين والمؤمنين قدموا انفسهم بكل إيمان وفرح للذبح وبكل عزيمة لكي يستشهدوا كمخلصهم ويموتوا شهداء كما مات هو على  الصليب كاسراً جسده ليصبح ذبيحة كاملة بدون عيب ، قدمها لله الآب بسبب محبته للبشرولأجل خلاصهم . والإفخارستية هي حقيقة تجسد المحبة الإلهية نتذكر بها موت إبن الله من أجلنا ، كما يتجسد في هذا السر ويحضر في القربانة جسداً وروحاً كشهيد من أجل خطايا العالم وخلاص كل مؤمن به . فكل من يشتاق إلى الإستشهاد يصير خبزاً مكسوراً على مثال سيده ، فيتحد معه ليصبح ذبيحة من أجل الكنيسة . كتب القديس أغناطيوس إلى كنيسة روما طالباً من مؤمنيها لكي يستشهد للمسيح ، فقال ( دعوني أقتدِ بآلام إلهي ) وهذا ما أكده الرسول بطرس ، قال ( .. فإن المسيح تألم من أجلكم وجعل لكم من نفسه قِدوة لتقتفوا آثاره ) "  1بط 21:2 " .
   خير لكل مؤمن أن يموت شهيداً ليتحد بالمسيح الشهيد ، فالموت هو الباب الذي يفتح للشهيد لكي يولد في عالم آخر ، عالم النور الصافي ، وهناك يصير إنساناً كاملاً . فموت الشهادة هو صورة لموت المسيح ، وليس هذا الإقتداء نسخة عن مثال خارجي بعيد ، بل هو شِركة حياة ، فالمقتول بسبب إيماته يعتبر موته هو الطريق الأئمن ، ووسيلة للبلوغ الأكيد إلى الله واللقاء بالمسيح الذي مات من أجله . فهدف الإستشهاد هو الأقتداء ، كما نقتدي بمن علمونا هذا الطريق كمار بولس الذي مات شهيداً ، قال
( اقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح )" 1قور 1:11".
 أجل ، أقتدى بولس بمخلصه فاختار درب الشهادة لكي يحظى بأسمه بالأكليل ويحظى بالمسيح ، الذي هو غاية الحياة .
   بالشهادة غلب المسيح على الموت ، والمسيحي إذا مات شهيداً سيولد ولادة جديدة ويتحرر من سجن الجسد فيُفتَح له الطريق ليلتقي المسيح . الشهادة عمل بطولي فيه التحدي للشيطان وأعوانه في هذا العالم ، ليصير إنساناً حُراً جديداً في عالم آخر . فمن الأفضل أن نقتدي بالمسيح ، وكما يقتدي هو بأبيه . هذا الإقتداء يحتاج إلى تضحية كبيرة في الحياة الزمنية وذلك بمحبتنا للجميع وأحتمالهم ، فنحتمل ضعف الضعفاء ، ونساعد الأرملة والمحتاج ، ونحب العبيد والمرضى والمضطهدين والمهمشين وغيرهم كما أحب يسوع كنيسته ، وهكذا نسير على خطى من مات لأجلنا ، ونسير في درب الآلام حتى الشهادة . فمن أجل الوصول إلى المسيح يجب أن نعمل بوصاياه ونسير خلف صليبه حاملين صلباننا ، لأن الصليب هو أعلى درجات المحبة ، والمسيح أوصانا بحمل صلباننا ، وإن اقتضى الأمر نحمله حتى الشهادة التي هي كمال التلمذة . وموت الشهادة هو الدرجة العليا للمحبة .
ختاماً : الشهادة هي إعلان للحق ويسوع المسيح جاء إلى هذا العالم لكي يشهد للحق وكما قال لبيلاطس . يقول الرسول بولس لكل مؤمن ( فلا تستحي  بالشهادة لربنا ، ولا تستحي بي أنا سجينه ، بل شاطرني المشقات في سبيل البشارة ، وأنت مُتَكِل على قدرة الله ) " 2 تي 8:1 " فكل أبناء الكنيسة يساهمون كشهود للحق ، ولإعلان كلمة الإنجيل بالأقوال والأفعال ، وإن تَطوَّرَ واجب الشهادة إلى الإستشهاد في سبيل تأدية الشهادة للمسيح الذي هو متحد بكل مؤمن ، فالمستشهد يؤدي الشهادة بحسب وصية الإنجيل ، فيولد بعد الموت في عالم الأنوار الأبدية ، والشهادة هي قمة المحبة وبسببها سينال معمودية الدم لكي يطهر من كل ذنوبه ، ويرفع إلى السماء ليلتقي بمخلصه الذي مات لأجله .

ولإلهنا ومخلصنا يسوع كل المجد


115

معمودية الأطفال … هل يجوز إعادة المعمودية ؟
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرسول ( وهناك رب واحِد وإيمان واحد ومعمودية واحِدة ، وإله واحد …) ” أف 5:4″
     المعمودية هي أجمل وأبهى عطية من عطايا الله للإنسان ، تسمى عطية ونعمة وإستنارة  وثوب عدم الفساد وغسل الميلاد الثاني ، وختماً ووسماً لا يمحى ولا ينمحي ولا يعاد لأنه ختم أبدي ، وبالمعمودية نصير أعضاء في جسد المسيح وبها نندمج في الكنيسة المقدسة . كذلك  هي سر الولادة الجديدة من الماء والروح وفي الكلمة . وبالمعمودية يصير المعتمد إبن الله ووارثاً مع المسيح ، فيستطيع أن ينادي الله قائلاً ( أيها الآب ) ” رو 15:8 ” وهذه الولادة الجديدة بالروح والنار تؤلِه الإنسان لأن جسده سيصبح سكنى لروح الله القدوس ، فيولد من فوق ، أي من زرع الله ” 1 يو 9:3 ” والمقصود هنا بزرع الله هو الروح القدس وبه يولد ولادة جديدة بالماء والروح ” يو 13:1 ” . وهذه الولادة لا تتكرر ابداً ، أي لا يجوز تكرار المعمودية مطلقاً ، لأن المتعمد مات في ماء المعمودية وقام مع المسيح ، فلا يجوز أن يموت مرة أخرى ويولد ولادة ثانية ، لهذا قال الرسول بولس (وهناك  رب واحد  إيمان واحد  ومعمودية واحدة وإله واحد . .) ” أف 5:4″ . وهذا ما نقوله في قانون الإيمان . كما لا يجوز أن تعاد الولادة الجسدية فندخل في بطون أمهاتنا لكي نولد من جديد وكما قال نقيوديمس للرب يسوع ( يو 4:3 ) . فالمعمودية أيضاً هي ولادة روحية لا يجوز إعادتها لأنها الولادة الثانية ، وإن أعيدت لأصبح المعمد مولود ولادة ثالثة وهذا لم يرد قط في الكتاب المقدس . فكل من يتعمد للمرة الثانية يقترف جرماً كبيراً لأنه يطلب من الذي يعمده لكي يدعو الروح القدس مرة ثانية للهبوط عليه لكي يولد ولادة ثالثة .

هل يجوز تعميد الأطفال ؟

كل الطوائف في الكنائس الرسولية تعمد اطفالها منذ بداية المسيحية ، لكن بعض الطوائف الغير رسولية تدعي بأن المعمودية هي للكبار فقط بعد أن يؤمنوا أولاً بالمسيح وحسب الآية ( من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدن ) ” مر 16:16″ . وكذلك توصية الرسول بطرس ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح ، لغفران خطاياكم ،  فتنالوا موهبة الروح القدس … ) ” أع 38:2 ” .فالرد على هذا نقول : لا يجوز لأحد أن يستشهد بنص من الكتاب المقدس لينسف نصوصاً أخرى تتناول نفس الموضوع ، فمعمودية الأطفال تظهر لنا جلياً من خلال معموديات الرسل لعوائل بأكملها مدونة في العهد الجديد ، بل في بعض المناسبات عمّدَ الرسل جميع الحاضرين بعد أن حل عليهم جميعاً الروح القدس ، ولدينا آيات تثبت معمودية عائلات بكل أفرادها ، وهذه هي المرحلة التي يغفلها الرافضون لمعمودية الأطفال ، فإيمان الطفل مرتبط بإيمان عائلته التي آمنت وتقدمت إلى سر المعمودية بكامل أفرادها كباراً وصغاراً . أي لا يجوز تعميد طفل لعائلة غير مؤمنة . ومعمودية الأطفال ضرورية جداً لأن المولودون بطبيعة بشرية ساقطة وملطخة بالخطيئة الأصلية ، ويحتاجون من ثمّ ، إلى أن يولدوا هم ايضاً ولادة جديدة في المعمودية ، ويعتقوا من سلطان الظلام ، وينتقلوا إلى رحاب حرية أبناء الله ، فالذين يحرمون ولدهم من نعمة المعمودية لكي يصيروا أبناء الله سيتحملون خطيئة كبيرة إذا الطفل وافته المنية قبل أن يولد ثانية من عل ، من الماء والروح  . نقرأ في ” يو 5:3 ” ( إن لم يولد أحد ” وهذه تشمل الكبير والصغير ولا تذكر سناً ما “ من الماء والروح فلا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ، وهذا ما يوضحه الرسول بطرس أيضاً فيقول ( وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا فتنالوا موهبة الروح القدس ، لأن الموعد هو لكم ” الكبار “ ولبنيكم ” الصغار “ ولكل الذين على بعد ، كل من يدعوه الرب إلهنا ) ” أع 2: 38-39 ” . فالمعمودية هي نعمة للطفل أيضاً لكي ينال الروح القدس فيغسل بالميلاد الثاني من خطيئة الأصلية . وفي التناول الأول يكررالمعتمد منذ طفولته كل ما قاله عنه الأشبين في أثناء معموديته أمام أبناء الكنيسة ، فيكفر بالشيطان وأعماله . في الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية ينال المتناول سر الميرون المقدس ” سر التثبيت “ كسمة أخرى لا تمحى ولا تتكرر أيضاً ، أي هناك ثلاث أسرار لا يجوز أن تتكرر وهي  ( المعمودية والميرون والكهنوت )  ومن ثم بتناول أول قربانة بعد أعترافه بخطاياه أمام كرسي الأعتراف .

هل توجد نصوص عن معمودية الأطفال في العهد الجديد ؟
أجل /، الرسل الأطهار أعتمدت على أيديهم منذ القرن الأول بيوت بأكملها ، بل في بعض المناسبات جميع الحاضرين بعد أن حل عليهم الروح القدس ، وهذه الآيات تثبت معمودية كل أفراد العائلة وهذه المرحلة لا يتطرقون عليها أخوتنا الرافضون لمعمودية الأطفال . كان اليهودي والوثني يتعلم ويؤمن مع كل أفراد أسرته بأسرِها . والآن نذكر خمس عائلات نالت المعمودية بأكملها ، أفرادها كباراً وصغاراً :
1- قائد المئة كرنيليوس وجميع أهل بيته الحاضرين ( أع 10: 44-48 ) .
2- ليديا بائعة الأرجوان من مدينة طياثيرة . نقرأ أن الرب فتح قلبها لتصغي إلى ما يقول بولس ” غير أن المعمودية تصل غلى جميع عائلتها : ” فلما أعتمدت هي وأهل بيتها ( أع 16: 14-15 ) .
3- سجان فيلبي  الذي كان مسؤلاً عن بولس الرسول ورفيقه سيلا : ” سار السجان بهما في تلك الساعة من الليل فغسل جراحهما واعتمد من وقته ، وأعتمد ذووه جميعاً . ” ( أع 16 : 32-33) .
4- آمن بالرب رئيس المجمع كريسبس وأهل بيته جميعاً ، وكان كثير من الكورنثيين يسمعون كلام بولس فيؤمنون ويعتمدون . ( أع 8:18 ) .
5- معمودية بيت استفانوس : قال الرسول بولس ، عمدت كريسبس وغايس ، كذلك باسمي عمدت أيضاً أسرة أستفانوس ( 1 قور 16:1 ) .

كما نذكر معمودية جماعة جمهورية بسبب وعظة بطرس الأولى عندما أنضم في ذلك اليوم ثلاثة ألف نفس ( أع 41:2 ) راجع أيضاً ( أع 8:18 ) ثم ( 8: 14-17 ) ومعمودية الجماهير بفتح الباب رحباً أمام معمودية الأطفال والقاصرين . أما الآيات التي تسند موضوع عماد الأطفال فهي دعوات الرب يسوع له المجد المتكررة أن يدع تلاميذه الأطفال يأتون إليه ولا يمنعوهم لأن لمثل هؤلاء الأطفال ملكوت الله ، والمولود من الجسد هو جسد فقط ( وهذه هي حالة الطفل والمؤمن الراشد غير المعتمد ) في حين أن المولود من الروح هو روح ، بالإضافة إلى كونه جسداً بالميلاد الجسدي ( طالع يو 3: 5-6 ) .

شهادة التاريخ لمعمودية الأطفال/
يشهد كتاب ” تعاليم الرسل الأثني عشر “ ( نهاية القرن الأول والقرن الثاني ) على معمودية الأطفال وعلى مسح المعمّدين بالزيت المقدس . ويشهد لنا تاريخ الكنيسة أن المسيحين الأولين عمدوا أطفالهم لا بناءً على ممارسات الرسل والتلاميذ الأولين فحسب ، بل سعياً في تنقية الطفال من الخطيئة الأصلية ، والعماد طهارة ، ولا يجد المرء رفضاً لمعمودية الأطفال ، كما لا توجد آية واحدة تمنع معمودية الأطفال . مورس تعميذ الأطفال منذ العصور التي تلت العصر الرسولي مشهوداً لها كثيراً ، فأوريجانيس كتب لنا : أن الكنيسة تقلدت من الرسل أن تمنح المعمودية للأطفال أيضاً ( في الرسالة إلى الرومانيين 9:5 ) . والقديس إيريناوس قال : أن الأطفال عمدوا شرقاً وغرباً ( راجع مؤلفه ” في مجابهة الهرطقات 2: 33: 2 ) .

كذلك يشهد ترتليانوس ( نحو 155-220 م ) على الظاهرة نفسها . وفي روما كانت معمودية الأطفال مألوفة في القرن الثالث . أما القديس كبريانس القرطاجي فيقول : أن المسيحيون يقولون بضرورة منح المعمودية في اليوم الثامن لولادة الأطفال . وإن معمودية الأطفال كانت نظاماً شائعاً كل من القديسين يوحنا ذهبي الفم ( الموعظة 11ن 17، 28 ) وأمبروسيوس ( في كتابه ” عن إبراهيم : 2، 81 ) في القرن الرابع . أما في القرن الخامس فكتب البابا أنو شنسيوس الأول : ” من الحماقة أن نعلم أن الأطفال يقدرون أن يرثوا الحياة الأبدية بغير المعمودية ) . وهذا ما يطابق قول الرب ( فمن لم يولد من الماء والروح ” المعمودية “ لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ” يو 5:3 ” . وثبت في الغرب رأي القديس كبريانس الذي عبّرَ عنه في أحد المجامع الأقليمية في إمكان تعميد الأطفال بعد ولادتهم مباشرةً ، أما في الشرق فقد ذهب بعضهم في القرن التاسع إلى أنه يحب تعميد الصغار في اليوم الأربعين .
في الختام نقول : المعمودية واحدة لا تتكرر . وعماد الإنسان يعني صلبه ، وفي هذا المعنى قال الرسول ( ونحن نعلم أن إنساننا القديم قد صلب مع المسيح ) ” رو 6:6 ” وقوله ( دفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته ) ” رو 4:6 ” فإذن المعتمد ثانيةً إنما يعيد الصلب ، وكما أن السيد المسيح له المجد مات على الصليب مرة واحدة ، هكذا نحن متنا بالعماد مرة ، فلا يجوز أن نموت أيضاً ، ونولد روحياً مرة أخرى بالعماد الثاني .

ليتمجد أسم الرب يسوع .

المصادر

الكتاب المقدس
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
الجواب من الكتاب – للأب يعقوب سعادة
معمودية المسيح ومعمودية المسيحية – للقمص سيداروس عبدالمسيح

116

عيد العنصرة .. التشابه بين عنصرة العهدين
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://i.top4top.io/p_1963os1hj1.jpg
( جئت لألقي على الأرض ناراً ) " لو 49:12 "
العنصرة ، هو يوم حلول الروح القدس على التلاميذ والذي يصادف بعد صعود الرب بعشرة أيام ، ويسمى بعيد الخمسين ( بنطيقوسطي ) لأنه يقع بعد خمسين يوماً من قيامة المسيح . أما لفظة ( العنصرة ) فتعني بالعبرية ( جمع أو إجتماع ) فكانوا التلاميذ مجتمعين في العلية ، معتكفين بصوم وصلاة . وعند اليهود هو أحد الأعياد الثلاثة الكبرى الذي يجذب إلى أورشليم أعداد كبيرة من اليهود من كل أطراف المسكونة . والمسيحيون يعتبرون هذا اليوم إتمام لوعد المسيح لتلاميذه ، فقد أمرهم بعدم مغادرة أورشليم ، بل الأنتظار فيها إلى أن يحل عليهم المعزي . وبهذا الروح القدوس أسس المسيح كنيسته ، وبه أعطى القوة والتعزية لتلاميذه وجعلهم يتذكرون كل أقوال المسيح لهم . كما نوَّرَ هذا الروح طريقهم وأعطاهم مواهب مختلفة ، أُرسِلَ هذا الروح من السماء فأحدث دَوّي قوّي كريح عاصف هز أورشليم ، وكان مركز تأثيره على البيت الذي كان يحتوي التلاميذ .
   كانت أورشليم مكتضة باليهود الزائرين فحضروا إلى حيث التلاميذ لمعرفة أسباب الصوت العجيب وهم في حالة حيرة . اما في داخل البيت فقد ظهر على الحاضرين ألسنة من نار توزعت ووقف كل لسان على رأس أحد المجتمعين فامتلأوا من الروح القدس ، وبدأت مواهبه تظهر عليهم ، فأخذوا يتكلمون بلغات غريبة .
  خرج التلاميذ لمقابلة الحشود التي هَبّت على ذلك المكان ، فوقف بطرس مع التلاميذ ليخطب أول عظة طالباً من الجميع الأصغاء إلى كلامه . وكان الجميع يصغون إليه ويفهمون لغته بوضوح رغم إختلاف اللغة التي كان ينطق بها بطرس ، فالذين قبلوا كلامه آمنوا وتعمدوا ، فأنضم إلى التلاميذ في ذلك اليوم فقط نحو ثلاثة آلاف نفس ، وكان كل يوم ينضم إلى الكنيسة أعداداً جديدة .
التشابه بين عنصرة العهد القديم والعهد الجديد
في العهد القديم [                          في العهد الجديد
1-أطلق عليه ( عيد العنصرة ) والتي تعني جمع أو إجتماع .                                                                     
في يوم العنصرة كان التلاميذ مجتمعين منتطرين وعد الرب لهم وهو حلول الروح القدس عليهم

2-   يقع بعد خمسين يوماً من الفصح اليهودي                                                     يقع بعد خمسين يوماً من قيامة المسيح ، وهو عيد ميلاد الكنيسة .
3-   هذا اليوم يوافق تسليم الشريعة لموسى من قبل الله على جبل سيناء بعد خروج إسرائيل من مصر بخمسين يوماً .                                                          في هذا اليوم حل الروح القدس على التلاميذ بعد قيامة المسيح بخمين يوما .
4-يحتفلون به اليهود كعيد إستلام موسى الشريعة من الله والمكتوبة على ألواح حجرية .  الروح القدس الذي حل على التلاميذ كتب على ألواح قلوبهم اللحمية وصايا الرب لكي يذّكِرهم بكل ما قاله يسوع لهم .
5-عيد العنصرة هو أحد الأعياد الثلاثة الكبرى عند اليهود ويسمى أيضاً بعيد الحصاد " خر 16:23 " .                                                                                      في هذا اليوم نضج الزرع وأبيضت الحقول للحصاد ( طالع يو 36:4 ) فحصد الرسول بطرس بعظة واحدة ثلاثة آلاف نفس ( أع 41:2 ) .
6- كان اليهود يأكلون في هذا العيد خبزاً مختمراً بعكس عيد الفصح حيث كانوا يأكلون فطيراً أي مختمر كرمز للعبودية .                                                           في العهد الجديد تحررت البشرية من عبودية الخطيئة ليعيشوا أحراراً كأولاد الله .
7-قديماً كَلّمَ الله أيوب من العاصفة ( أي 1:38 ) وموسى ( تث 2:5 ) وإيليا ( 1مل 11:19 ) وحزقيال ( حز 7:37 ) فكان إقتران حلول روح الله بالعاصفة تعبيراً عن حضور الله .                                                                                    في يوم العنصرة هب ريح عاصفة سمعوه الناس في كل أورشليم بوضوح فتجمعوا ليتحققوا عن المصدر ، فاجتمعوا عند الرسل . والريح يرمز إلى القوة ، وللعمل الغير المنظور ( يو 8:3 ) .
8-   ظهرت نار في العليقة ( خر 2:3 ) وحل الرب في النار على جبل سيناء ( خر 18:19 ) كما كانت الريح والنار إعلاناً لظهور الله لحزقيال مظهرة مجد الله ( حز 14:1 ) . وكذلك النار طَهَرَت شفتي إشعياء . وكانت النار تأكل الذبيحة الإلهية المقبولة ، والتي كانت تحمل خطايا من قدمها .           نار يوم الخمسين لم تحرق التلاميذ المجتمعين لأن خطاياهم حملها يسوع على الصليب ، والنار التي حلت عليهم كانت ألسِنة رمو اللسان والكلام والتحدث بلغات عديدة أفاد منها الرسل في كرازتهم ونشروا الحق في العالم كله . والألسِنة التي استقرت على التلاميذ كانت منقسمة لكي توزع على كل منهم الموهبة حسب قياس كل منهم .
9-   في العهد القديم تفرقت الألسِنة عند بناء برج بابل بسبب الخطيئة ( تك 11: 1-9 ) .    في العهد الجديد استخدم الرب مواهب الروح القدس الحال على التلاميذ لتجميع كل الأمم في وحدة روحية هدفها إعلان الخلاص للجميع . فأتت إلى الرب شعوب وقبائل وألسنة لتجتمع معه في الفردوس ( رؤ 5 ) .
10-ماتت البشرية بسبب سقوط الإنسان في الخطيئة .                                     خلع عن البشرية كل عتيق وألبس الإنسان روحاً جديداً يتجدد حسب صورة خالقه ( قول 3: 9-10 ) والروح القدس يلد المؤمن في جرن المعمودية ، ويحل عليه الروح القدس في سر التثبيت " مَسحة الروح القدس " ليولد ولادة جديدة .                                  ارسل روحك أيها المسيح فيتجدد وجه الأرض
[/size]

للمزيد عن عيد العنصرة طالع مقالاتنا السابقة :
1- العنصرة - عيد حلول الروح القدس
2- عيد حلول الروح القدس ( العنصرة - بنطيقوسطي )
3- يوم الخمسين وعمل الروح القدس وأهميته
4- عيد العنصرة - عيد ميلاد عروس المسيح
5-عيد العنصرة ... جئت لألقي ناراً .
6- العنصرة ... عيد ميلاد عروس المسيح " بنطيقوسطي "
7- العنصرة ... هل حل الروح القدس مرتين على التلاميذ ؟
8- نشأت المسيحية بعد قيامة المسيح والعنصرة

117

صعود المسيح وبركاته لأبناء الكنيسة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://i.top4top.io/p_1945t9ydz1.jpg
( أيها الجليليون ... فيسوع هذا الذي رفع عنكم إلى السَّماء ، سيأتي كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء ) " أع 11:1 "
تجسد الكلمة الإله لكي يفدي الإنسان ، فأحتمل الآلام على الصليب مستهيناً بالخزي ، فقدم على الصليب نفسه ذبيحة واحدة مرضية ، ومات عن الجميع لكي يعيش الأحياء فيما بعد لا لآنفسهم ، بل للذي مات لأجلهم وقام " 1قور 15:5 " . قُبِرَ في قبرٍ مغلق ومختوم تم حراسته جيداً من قبل حراس مدججين بالسلاح ، لكنه قام من القبر بجسد ممجد تحدى به سجن القبر ، فخرج منه بقوة لاهوته . كذلك دخل إلى العلية ليظهر لتلاميذه بينما الأبواب كانت مغلقة " يو 2: 9-26 " وبقيامته صار باكورة الراقدين " 1 قور 20: 15 " . مكث الرب بعد قيامته أربعين يوماً مع تلاميذه ، ووعدهم بأنهم سينالون قوّة بعد أن يحل الروح القدس عليهم . صعد المسيح بمجد عظيم أمام أنظار المؤمنين إلى أعلى السموات ، ، كما وصف لنا الرسول قائلاً (إذ صعدَ إلى العلاء سبيَ سبياً وأعطى الناس عطايا . وأما إنه صعِدَ فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى . الذي نزل هو الذي صعِدَ أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل ) " أف 4: 8-10 " وما هذه الآية إلا شرحاً لنبؤة داود النبي عن صعود المسيح الذي كتب في مزموره " 18:68 " قال عنه ( صعِدت إلى العلاء ، سبيت سبياً . قبلت عطايا بين الناس ) " طالع أيضاً مز 24: 7-10 " فالمسيح بصعوده أعطى لنا عطايا كثيرة ، ثمينة وعظيمة ، منها : إرساله الروح القدس لكي يرافق أبناء الكنيسة ، أي صعوده مرتبط بإرسال الروح القدس الذي يدخل في كل أسرار الكنيسة المقدسة ، لهذا قال يسوع  " يو 7:16 " . وبقوة الروح القدس سيحل المسيح بالإيمان في قلوب المؤمنين ( أف 17:3 ) ويعطي لهم المواهب الكثيرة للخدمة والكرازة وصنع المعجزات ، والحكمة ، ومواهب الشفاء ، وإخراج الشياطين ، والتكلم بألسنة ، ولتميييز الأرواح ( ا قور 12: 8-10 و مر 17:16 ) . وبحلول الروح القدس على التلاميذ تأسست الكنيسة التي هي جسد المسيح . كما أعطى لنا المسيح السلام الذي يفوق الإدراك فقال ( سلاماً أترك لكم سلامي أنا أعطيكم ) " يو 7:14 و في 6:4 " . وصعد المسيح بذاته إلى السماء ، وأجلسه الآب عن يمينه كما تنبأ صاحب المزمور ( قال الرب لربي إجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك ) " مز 1:110 " . وبصعوده قبلنا الله نحن أيضاً ونحن أموات بالخطايا مع ابنه يسوع ، وأقامنا معه وأجلسنا في السموات في المسيح ربنا ( أف 2: 5-6 ) . وعلينا أن نعرف أيضاً بهدف صعود المسيح إلى السماء . إنه قد صعِدَ بالجسد الممجد ، ويجب أن يموت كل جسد أرضي ، ليعطى صاحبه جسداً مماثلاً لجسد يسوع الصاعد إلى السموات ، وهذا السر أعلنه لنا الرسول بولس بأن ( الرب سيغيّر شكل جسد تواضعنا لكي يصير على صورة جسد مجده ) " في 21:3 " وشرح هذا السر بكل تفصيل في ( 1قور 49:15 ) فقال ( وكما لبسنا صورة الإنسان الترابي ، فسوف نلبس أيضاً صورة الإنسان السماوي ) إذاً بصعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء حصلنا على عربون الجسد الممجد . فالموت لنا ربح لأنه وسيلة لكي نخلص من أجسادنا الترابية ، لهذا علينا نحن المسيحيين أن لا نهاب الموت ، بل أن نفرح به ، لأنه عن طريقه سوف نؤهل للحصول على الجسد الروحاني الأبدي ، فعلينا أن نستعد لمغادرة خيمتنا الأرضية لكي نتغيَّر إلى ما هو لائق لسكنى عالم الأرواح .
    ولصعود المسيح كرئيس الكهنة وإبن الله القدوس الذي كان بلا دنس كان عليه أن ينفصل عن الخطاة ليصعد أعلى السموات ويجلس مع أبيه السماوي ليشقع في المؤمنين به ، وشفاعته كفارية ، خلاصية ، ليست كشفاعة الروح القدس أو شفاعة القديسين ، لأنها لأجل خلاص الإنسان الذي دفع هو ثمن خطيئته إلى الآب ( فمن ثم بقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم ) " عب 25:7 " .
 ختاماً نقول : سننال عطية المجد وبحسب قول يسوع للآب ( وأنا وهبت لهم ما وهبت لي من المجد ليكونوا واحداً كما نحن واحد ) " يو 22:17 " مجد الثبوت في المسيح بالتناول من جسده ودمه الأقدسين . 


118

طبيعة ومصير الجسد والروح البشرية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  الله خلق الإنسان ووضع في داخله صوته ، لكي يسمعه الإنسان المخلوق ويسير دائماً نحو صاحب الصوت ، إنه صوت العدل الإلهي المزروع في ضمير كل إنسان ، لكن الله خلق الإنسان حراً ، فعلى الإنسان أن يتحمل مسؤوليته الشخصية . وهنا يبدأ صراع مستمر في كل إنسان بين إتباعه لذلك الصوت أو الميل نحو القرارات الذاتية . الأنانية وحب الذات وإتباع الأهواء الشخصية تدفعه بأتجاه مدبر عن الله الذي هو قبلته وهدفه . فالإنسان الذي يبحث عن الله عليه أن يتجاوز كل المصالح ليؤسس في داخله الحب والفرح الذي لا يزول . وهكذا سينفذ وصايا المسيح القائل ، من خسر نفسه من أجلي ربحها . وهكذا بتنمية طاقة الحب في الذات سيؤسس لنفسه قاعدة متينة للأنطلاق نحو الحياة الروحية مستخدماً العقل والإيمان كطاقة يستخدمها في معركة حياته الزمنية .
   الله وروح الإنسان هما المحورين الأساسيين في إيمان الإنسان لكي ينمو في الروح متجاوزاً كل التجارب والضيقات التي ترغمه للعمل من أجل مصلحة الجسد . جسد الإنسان يبدأ بالنمو منذ تكوين الجنين في بطن الأم ، وسرعان ما يكبر ليصبح طفلاً ولمدة قصيرة أقصاها تسعة أشهر ، لكن بعد الولادة تبدأ سرعة النمو بالنقصان لكنها لا تتوقف إلى أن يتجاوز العشرين من عمره . يقول المختصيين بأن الإنسان يبدأ بمرحلة الشخوخة بعد سن الثانية والعشرين بمعناها البيولوجي ، أي كل خلايا الجسم في آخر المطاف تنتهي إلى التوقف عن عملها لكي يموت الجسد ويتفسخ ليعود إلى الطبيعة التي منها أخذ ، لأن الأرض هي أم البشر والحيوان والنبات فإليها تعود أجسادهم .
   جسد الإنسان ينمو بالطعام ، أي بالأخذ . لهذا فإن الإنسان يبحث عن مصالحه الجسدية الزمنية أكثر من مصالحته الروحية الأبدية . أما الروح فهو عكس الجسد ، ينمو لا بالأخذ ، بل بالعطاء ، فمن يعطي بسخاء وبرضى قلبه ، فإنه يزرع لنفسه بالبركات ، وبالبركات سيحصد الخير لنفسه ، وكما قال الرسول ( الغبطة في العطاء لا بالأخذ ) ، ومن يعطي للفقير والمحتاج فأنه يقرض الله ، والله سيرد له الأضعاف وإن كان كأس ماء . لهذا يقول طوبيا في سفره ( تصَدَّق من مالك ، ولا تحوّل وجهك عن الفقير ، فحينئذ وجه الرب لا يحوِّل عنك ) " 7:4" . كما علينا أن نعلم بأن مصير الروح هو الخلود ، ومصير الجسد الزوال . فعلينا أن نخدم الأهم . فكل من يبحث عن مصلحة الجسد فإن ذلك يكون على حساب الروح ، لهذا يقول مار بولس ( أسلكوا بالروح ولا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ضد الروح ، والروح ضد الجسد لكي يقاوم أحدهما الآخر، لكي تفعلون ما لا تريدون ) " غل 5: 16-17 " .
   اما عن نمو الروح ، فالروح يبدأ ضعيفاً عكس الجسد ، أما المرحلة التي ينطلق فيها الروح بالنمو فتظهرعندما يتقدم الإنسان في العمر والوعي فتزداد إمكانية نمو الروح بإطراد . وبما أن طاقة العطاء والحب عند الإنسان لا تتوقف مع تقدم العمر ، فأن نمو الروح كذلك لا يتوقف ، ولا يعرف بالضرورة خطأً تراجعياً كالجسد . والشىء الوحيد الذي يوقف عمل الروح نحو التقدم هم التناقض مع النفس عندما يعود الإنسان ويختار خدمة أطماع الجسد .
   أما مقومات الروح للنمو فهي الفرح والعطاء والسلام ، فكلما ازداد المؤمن حباً وعطاءً لغيره ، كلما إزداد غنى وجمالاً ، وإزداد فرحه لكي يبقى فيه دائماً ، كما قال الرب ( ستفرح قلوبكم ، وما من أحد يسلبكم هذا الفرح ) " يو 22:16 " .
   أخيراً نقول : ينبغي أن يتقدم الحب لكي يتجاوز مصالح الجسد ، لا وبل قد يضحي بالجسد حتى الموت من أجل الأرتقاء إلى أعلى مراحل العطاء ، وكما وصف الرب يسوع هذه التضحية بأنها أعظم حب هو أن يبذل الإنسان حياته من أجل محبيه ، وهذا مافعله هو على الصليب لخلاص البشرية التي أحبها . والفرح الذي نتحدث عنه ليس كفرح متعة الجسد ، بل هو حالة داخلية يشعر من خلالها المؤمن بالسلام والتفاعل مع الحياة ، يتم تنميته القِّوى التي لا ترى الموت في الإنسان وفي الحياة . أما من يراهن على الجسد والعوامل المرتبطة به ، فإنه يحكم على نفسه بموت الجسد منذ أن يكون حياً ، قال الرب ( دعوا الموتى يدفنون موتاهم ) ، وكذلك يخسر مستقبل الروح الأبدي .
طوبى لمن يحب غيره كنفسه ( أحب قريبك كنفسك ) .   

119

من لطمك على خدك ألأيمن فأعرض له الآخر

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ، بل دعوا الغضب لله ، لأنه قد كتب " لي الإنتقام ، أنا أجازي ، يقول الرب " ) " رو 19:12"
     منذ القدم عندما شرع الإنسان قوانينه من أجل نشرالعدل بالقوة كانت القوانين بدائية قاسية وذلك لترسيخ العدل ومعاقبة المجرمين بصراحة ولكي يصبحوا عِبرة لغيرهم ، وفي بعض الأوقات ينالون عقاباً قاسياً يفوق جريمتهم . تطورت القوانين مع الزمن لكي تساوي العقوبة حجم الجريمة التي اقترفها فاعلها ، وهذا مانجده في قوانين الملك حمورابي كقانون ( العين بالعين والسن بالسن ) وهكذا نجد قوانين مماثلة في أسفار الشريعة التي تأمر بمعاقبة من أوقع بقريبه ضرراً بمثل ما اوقع يوقع به . نجد نفس القانون موجود فعلاً في سفر اللاويين ، يقول ( كسر بكسر وعين بعين وسن بسن ، وكما أنزل بسواه من أذى ينزل به ) " 20:24 " كذلك من أجل إستئصال الظلم من المجتمع اليهودي . يعود سفر التثنية ليكرر ذلك القانون بنص آخر مجرد من الرحمة ضد المعتدي ، فيقول ( لا تترأف به قلوبكم . حياة بحياة ، عين بعين ، وسن بسن ، ويد بيد ، رجل برجل ) " 21:19" .
   أما في العهد الجديد فالقوانين تطورت وتغيّرَت من طريقة الإنتقام إلى الصفح والغفران مع نسيان الماضي من أجل زرع المحبة ، أو على الأقل لا يجوز أن يكن القصاص أكبر من الجريمة المقترفة . لهذا كان يسوع صريحاً في تجديد تلك الشرائع ، بل طَوّرَها ، فقال ( وسمعتم أنه قيل ، عين بعين وسن بسن . أما أنا فأقول لكم ، لا تقاوموا الشر بمثله ، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأدر له الخد الآخر ، ومن أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك ، فأترك له رداءك أيضاً .. ) " مت 5: 38-42 " هنا ألغيَّ مبدأ العنف والأنتقام ، ولكي لا يستخدموا تلك الآيات التي وردت في أسفار العهد القديم التي تحرض للإنتقام وأخذ الثأر الشخصي . أما في الإسلام فنجد أن ذلك القانون القديم قد أعيد مرة أخرى ليطبق وبشكل أقسى ، فيقول ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص . فمن تصدق به فهو كفارة له . ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) " سورة المائدة 45 " هنا سيتساوي الأثنان الظالم والضحية ، والمجرم بالصالح . فهل تخدم تلك القوانين العدل والسلام ، أم الشر والإقتتال ؟
 لنأخذ دروس وعِبَرمن هذا الموضوع ونقتدي بيسوع عندما كان واقفاً أمام رئيس الكهنة في الليلة الأخيرة أثناء محاكمته فرد على سؤاله بكل موضوعية لكن أحد الحراس لطمه وقال له ( أهكذا تجيب عظيم الكهنة ؟ أجابه يسوع ، إن كنت أسأت في الكلام ، فبين الإساءة ، وإن كنت أحسنت في الكلام ، فلماذا تضربني ؟ ) " يو 18: 22-23" . وهكذا يسوع لم ينتقم أبداً . 
   يسوع أراد أن يبطل ذلك الشرويزيل الفتَن  بإزالة العنف من أجل زرع المحبة والسلام ، فمن أجل تحمل ظلم أخينا الإنسان ، قال ( من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر ايضاً ) والخذ الآخرالذي سنعرضه للمعتدي هو عرض محبتنا له بعدم الرد بالمثل ، بل نتحمله بمحبة  لكي يشعر بصفعتنا هذه على خد قلبه وضميره عندما يتأكد بأن الذي صفعه هو أفضل منه لأنه غلبه بتسامحه ومحبته . فكلما يتذكر فعله المشين ستتكرر الصفعة على خذ ضميره فيترك عدوانه ، أو كلما تبصره عيناه لاحقاً سيشعر بالندم والخجل ، وأخيراً عليه أن يقرربالأقتداء بسلوك الذي لطمه .
   مبادىء المسيحية مبنية على صخرة المحبة ، والمحبة المسيحية تحتمل كل شىء وتحتوي الظلم ، وهي قمة الفضائل ، فعلى المؤمنين بالمسيح أن يعيشوا المحبة ويعملوا بوصايا الذي أحبهم ومات لأجلهم . سياسة المحبة هي أقوى من القوة والتحدي بالسيف ، لأن من يضرب بالسيف ، بالسيف يهلك . آيات كثيرة في العهد الجديد تثبت للعالم بأن المسيحية أسِسَت على التسامح والسلام ، فالمحبة المسيحية تعني العمل بوصايا الذي لم يسمح لبطرس برفع السيف للدفاع عنه ، فتحمل الظلم ، ولم يكن ذلك ضعفاً أو جبناً أو خنوعاً ، بل قوة وغفران ، وغايته من هذا التجديد هو لنبذ الأنتقام وعدم النزول إلى مستوى المعتدي الشرير، وكما كانت العادة لدى اليهود من أجل الدفاع عن النفس أو لحصن الكرامة الزائلة . كما يقصد بذلك بأن لا ننتقم لأنفسنا ، بل نتذكر كلام الله القائل ( أنا المنتقم ) فلندع له الإنتقام . أما عندما يصل الأمر إلى موضوع آخر فعلى الإنسان أن يصون جسده وماله ، لهذا قال يسوع ( إنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق ، لسهر ولم يدع بيته ينقب ) .
   صاغ القديس فرنسيس الأسيزي هذه الحقيقة وأنشدها وطبقها في أعماله ولسانه ، فقال ( يا رب استعملني لسلامك ، فأضع الحب حيث البغض . والمغفرة حيث الأساءة . والإتفاق حيث الخلاف . والحقيقة حيث الضلال . والإيمان حيث الشك . والرجاء حيث اليأس . والنور حيث الظلمة . والفرح حيث الكآبة ... آمين )
 وأخيراً نتذكر الآية ( لا تدع الشر يغلبك ، بل أغلب الشر بالخير ) " رو 21:12"
والمجد الدائم للرب يسوع


120
أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://g.top4top.io/p_19379j81v1.jpg
    في السنة الأخيرة من وجود يسوع على هذه الأرض إستطاع نشر كلمة الملكوت بين الشعب فمال إليه الجمهور بسبب كلامه ولكثرة الآيات التي اجترحها في وسطهم والحكمة والتعليم بقوة كمن له سلطان ، بل كانت كل أعماله تحدياً في كل المجامع الدينية والسياسية للكتبة ومفسري الشريعة والفريسيين " المفروزين عن الشعب لقداستهم " وهم الطبقة المتدينة والوطنية ، ، تتكون من الكهنة والعلمانيين . كما تحدى الهيروديسيين الموالين لهيرودس الملك الذي منحهم نفوذاً كبيراً لكي يكسبوا الشعب لموالات الإستعمار الروماني ودفع الجزية لقيصر روما ، وكانوا اليهود ينبذون أعمالهم . كذلك الحال مع طبقة الصدوقيين الذين كانوا من الطبقة الإرستقراطية ومنهم كان معظم رؤساء الكهنة ، كانوا ينكرون موضوع قيامة الأموات ووجود الأرواح والملائكة . رغم هذه الفروقات بينهم أنظموا مع الفريسيون ضد المسيح بعد أن شعر الجميع بأن المسيح بات يهدد وجود الجميع ، فأتحدوا مع الفريسيين وتشاوروا مع الهيروديسيين لينالوا من يسوع بحيلة ومن ثم تقديمه للسلطات لتقتله ( طالع مر 6:3 ) .
   كانت الخطة المرسومة بحكمة ودقة لإيقاع يسوع ليمسكوه بحجة مع وجود الشهود لغرض تسليمه إلى السلطة الحاكمة لتصفيته . جاءوا إليه متظاهرين له بأنهم يؤمنون بأنه صالح ، ويتحدث بالصدق ، وينطق بالحق . والسؤال الذي طرحوه له يحتاج إلى جواب بسيط وقصير ويختصر ب ( نعم ) أو ( لا ) وفي الحالتين سيقع في فخهم . فإذن كانوا متيقنين بأنه سيسقط في تجربتهم الشيطانية لا محال . فقالوا له ( يا معلم ، نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد ، لأنك لا تنظر إلى وجود الناس ، بل بالحق تُعَلّم طريق الله . أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا ؟ ) يبدو كلامهم معسول فيه التملق والتبجيل لكنه مبَطَن بالرياء يتحيلون عليه لغرض النيل منه .
   عَلِمَ يسوع برياءهم وحيلتهم لأنه كان يقرأ المخفي في القلوب والنيات ( طالع لو 5: 20-23 ) وبعد ذلك طلب منهم ديناراً ليراه ،  فقال لهم ( لمن هذه الصورة وهذا الأسم ؟ ) فقالوا ( لقيصر ) فقال لهم ( أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) أي يجب إحترام الله الذي هو في السماء والسلطة الأرضية مهما كانت طالمة لأنها وضعت برضى الله فيجب الخضوع لسلطانها وكما وضّحَ لنا الرسول بولس بقوله ( ليخضع كل إمرىء للسلطات التي بأيديها الأمر . فلا سلطة إلا من عند الله ، والسلطات الموجودة هو الذي أقامها ، فمن قاوم السلطة قاومَ النظام الذي أراده الله ... ) " رو 13: 1-2 " . كان جواب المسيح لهم صاعقاً ، فتعجبوا به ملتزمين الصمت ، بل إنسحبوا فاشلين مقهورين ، وجواب يسوع لهم صار قاعدة للأجيال لكي يقومون بواجباتهم الدينية والعلمانية بحسب القوانين والشرائع الصحيحة الموجودة في الدين والسلطة الزمنية ، والخضوع للسلطتين الدينية والدنيوية واجب وإن كانت طلبات الدولة من الشعب ظالمة .
   سبق وأن جُرِبَ يسوع مرة أخرى عندما تقدموا إلى بطرس في كفرناحوم فقالوا له ( أما يوفي معلمكم الدرهمين ؟ ) فقال ( بلى ) وقبل أن يخبر بطرس الرب سبقه هو بالقول ( ماذا تظن يا سمعان ، ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية ، أمن بنيهم أم من الأجانب ؟ ) فقال بطرس ( من الأجانب ) فرد يسوع عليه ( فإذاً البنون أحراراً ، ولكن لئلا نعثرهم ، أذهب إلى البحر وإلق صنارة ، والسمكة التي تطلع أولاً خذها ، ومتى فتحت فاها تجد إستاراً ، ففخذه وإعطهم عني وعنك ) " مت 17: 24-27" .
السؤال الذي سألوه اليهود لبطرس عن دفع المسيح للجزية كان سابقاً للسؤال الذي سألوه له مباشرةً عن دفع الجزية لقيصر ، والغاية من السؤالين هو لإيجاد عِلّة عليه. الخطة المرسومة لإيقاع يسوع في موضوع دفع الجزية لقيصر تشبه خطتهم له عندما أحضروا أمامه المرأة الزانية والتي كانت غايتهم الأساية ليس لرجم المرأة ، بل لإيقاع يسوع في مشكلة لمحاكمته أمام السلطات الرومانية . فإذا قال لهم لترجم المرأة حسب شريعة موسى سيخالف القوانين الرومانية لأن لهم السلطة فقط لقتل المجرم . وإن قال لا ، فسيرفعون شكواهم إلى السلطات الدينية لأنه ناقض الناموس . لهذا ظنوا أيضاً بأنهم سينالون منه ، لكن جوابه لهم كان كالسيف القاطع ، قال ( من كان بينكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر ) " يو 7:8" .
 نختم مقالنا بهذه الكلمات: الإنجيل المقدس يعلمنا الطاعة لله وللسلطات الحاكمة ، فعلينا أن نحب وطننا وندافع عنه بإخلاص ونحترم قوانينه ونخضع لها ونصلي من أجل المرؤوسين ليحكموا بالعدل لنحيا في سلام ومحبة ، كذلك لا نهمل واجباتنا الإيمانية وبهذا سنرضى الله والسلطات معاً .
والمجد الدائم ليسوع المخلص.

121

ما بين قيامة يسوع وصعوده

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( أرتفع الله وسط الهتاف ، ارتفع الرب وسط نفخ البوق  ) " مز 47: 5 "

قيامة المسيح من بين الأموات لم تتم بالسر أو الخفاء ، بل لها شهود وأدلة وبراهين قاطعة إبتداءً من حراس القبر ، والنساء واللواتي زرن القبر الفارغ وشهادة الملاك لهن . ومن ثم لقائهن بالسيد القائم من بين الأموات . إضافة إلى القبر الفارغ بعد أن دحرج منه الحجر ، والأكفان المرتبة . والمسيح نفسه تنبأ عن موته وقيامته قبل صلبه ، وتحدث عن قدرته على القيامة إذ قال ( لي سلطان أن أضعها ، ولي سلطان أن آخذها أيضاً ) " يو 18:10 " . كما قال لليهود ( إنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه ) " يو 15:2 " وكان يقصد هيكل جسده .

   قام المسيح بقوة لاهوته الذي كان متحداً بجسده المسجى في القبر . على الصليب قال للمصلوب على يمينه ( اليوم تكون معي في الفردوس ) بينما القديس بولس يقول ( إصعد إلى العلاء سبى سبياً وأعطى الناس عطايا وأما إنه صعد فما هو إلا إنه نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى ) " أف 4: 8-9 " كما يقول ( إذ جهاراً نزع سلاح الرئاسات والسلطات ، فضحهم جهاراً فيه ، وساقهم في موكبه ظافراً عليهم ) " قول 15:2 " . إذاً المسيح موجود في كل مكان في، في الفردوس ، وفي الجحيم ومعناعلى الأرض حسب قوله " سأكون معكم إلى نهاية الدهر "  وهذا ما وضحه لنقديموس الذي كان جالساً معه ، قال ( ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، إبن الإنسان الذي هو في السماء ) " يو 13:3 " . 

   بعد قيامة السيد المسيح من بين الأموات قضى على الأرض مع تلاميذه أربعين يوماً تحدث لهم عن الأمور المختصة بملكوت الله ( أع 3:1 ) كما حدثهم عن النبؤات التي تنبأت عنه وعن موته وقيامته . كذلك أظهر لهم لاهوته وناسوته بعد فترة قيامته لأنه كان يخفي لاهوته قبل الصلب ، لأنهم لو عرفوه على حقيقته لما صلبوا رب المجد ( 1قور 8:2 ) فكان كلامه مع تلاميذه عن لاهوته قليلاً جداً ، لكي لا يدركوا أنه أبن الله المتجسد بينهم ( مت 16:16 ) . في ظاهرة التجلي حذر التلاميذ الثلاثة لكي لا يتحدثوا عن حقيقته التي سمعوها وشاهدوها على الجبل إلا بعد قيامته . لكن في أيامه الأخيرة ترك أسلوب التحدث بالأمثال ليتحدث إلى تلاميذه علناً . ففي عظة الوداع قال ( إني في الآب والآب فيّ ) " يو 10:14 " . وبعد قيامته أعلن لاهوته بظهوره للمجدلية أولاً ولتلميذي عمواس ، ولسائر التلاميذ عندما دخل إلى علية صهيون مرتين والأبواب مغلقة . وقد أثبت لهم لاهوته وناسوته أيضاً بعد القيامة ، وبرهن ناسوته بأن جسده الممجد ليس بأمر صعب للتصديق ، فعندما دخل إليهم والأبواب مغلقة ، جزع التلاميذ وخافوا وظنوا إنهم رأوا روحاً ، فقال لهم ( أما بالكم مضطربين ، ولماذا تخطر أفكاراً في قلوبكم ن إنظروا يدي ورجليّ إني هو . جسوني وانظروا فأن الروح ليس له لحم وعظام كما تروني لي ) . وحين قال لهم هذا أراهم يديه ورجليه " لو 24: 38-40" ولكي يثبت لهم ناسوته قال لهم ( أعندكم ههنا طعام ؟ ) فقدموا له جزء من سمك مشوي وشيئاً من شهد العسل فأخذ وأكل قدامهم ( لو 24: 41-43 " .   

      ظهر يسوع على بحيرة طبرية لبطرس وستة من التلاميذ وهم في سفينتهم عائدين من صيد سمك بدون أن يصطادوا شيئاً . فوجدوا على الشاطىء من يقول لهم ( يا غلمان العل عندكم إداما ؟ ) أجابوه لا . فطلب منهم أن يلقوا الشبكة إلى يمين السفينة فيجدوا . ففعلوا وأصطادوا سمكاً كثيراً . ولما وصلوا إليه نظروا جمراً موضوعاً وعليه سمكاً وخبزاً . أخذ يسوع الخبز وناولهم  ، وكذلك السمك ، تلك كانت المرة الثالثة التي تراءى لهم بعد قيامته .

وهناك قال ( أتحبني يا بطرس ؟ ) ثلاث مرات . لم يكن يسوع بعد القيامة روحاً مرئية ، بل جسداً يسير معهما وهما يعلمان أنه الرب الذي قام من بين الأموات .

وفي يوم الصعود أجتمع التلاميذ وعدد من المؤمنين ليودعوا الرب إلى السماء بعد أن أتم رسالته ، وأنجز الخلاص بفداء البشرية على الصليب . صعد بإرادته وسلطانه ، وبقوة لاهوته لكي يبرهن للناس عن أصله السماوي الذي أتى من السماء ، فالمسيح ( رفع في المجد ) " 1 تي 16:3" و ( أصعد إلى السماء ) " لو 51: 24 " وعاد إلى عرشه السماوي بجسده المرئي . ظل المودعين يحدقون إلى السماء وهو ينطلق إليها إلى أن ظهر رجلان بثياب بيض ، وقالا لهم ( أيها الجليليون ، ما لكم قائمين تنظرون إلى السماء ؟ فيسوع هذا الذي رفع عنكم إلى السماء سيأتي كما رأيتموه ذاهباً إلى السماء ) " أع 11:1 " . 

ليتمجد أسمه القدوس


122
قدرة يسوع على الظهور والإختفاء وتغيير صورته
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://k.top4top.io/p_1919cegxn1.jpg
        موضوع الإختفاء كان مهماً في حياة المسيح منذ يوم تجسده وولادته في مغارة بيت لحم . لام يسوع الفريسون الذين طلبوا منه معجزة بسبب عدم معرفتهم لوقت مجيئه رغم وجود نبؤات كثيرة بمجيئه ، لهذا قال لهم ( إذا كانت السماء حمراء صافية عند الغروب ، تقولون : سيكون صحو ! .... أما علامات الأزمنة فلا تستطيعون الأستدلاال عليها ! جيل شرير خائن يطلب آية ، ولن يعطى آية إلا ماحدث للنبي يونان ، ثم فارقهم ) " مت 16: 2-4 " وكان يقصد بأن يونان كان رمزاً للذي كان يتحدث إليهم . نعم مجيئ المسيح المنتظر كان مخفياً على أبناء أورشليم لهذا قال لها باكياً ( ليتك أنتِ أيضاً ، في يومك هذا ، عرفت مافيه سلامك ! ولكن ذلك محجوب الآن عن عينيك . فستأتي عليك أيام يحاصرك فيها أعداؤك بالمتاريس ، ويطبقون عليك ، ويشددون عليك الحصار من كل جهة . ويهدمونك على أبنائك الذين فيك ، فلا يتركون فيك حجر فوق حجر ، لأنك لم تعرفي وقت أفتقاد الله لك ) " 19 : 41-44 " . 
   كان اليهود يظنوه أبن يوسف النجار ، وليس المسيح إبن الله . عاش ثلاثين سنة مختفياً على الجميع ، وحتى والداه لم يكتشفوا فيه بأنه أبن الله رغم علمهم بسرتجسده . فمثلاً أشار لهم في الهيكل عندما كان صبياً جالساً مع علماء الشريعة . رد على كلام أمه الذي كان يحمل العتاب ، فقال ( لماذا تطلباني ، ألم تعلما أنه ينبغي لي أن أكون فيما هو لأبي ؟ ) رد إلهي كشف لهم السر وعاتبهم لأنهم يعرفون بأنه أبن الآب السماوي ، وأزاح الستار عن السر المخفي على الناس ، لكنهم يعلمون بأنه ليس أبن يوسف ، بل هو أبن الآب الأزلي ، وهو في بيت أبيه " الهيكل " .
   بعد عماده في نهر الأردن ، ابتدأ بنشر رسالة الإنجيل ، وكان معروفاً للجميع ، بشكله وهيئته وجماله . لكننا نقرأ في الإنجيل بأنه كان يمتلك قدرة كبيرة على الإختفاء السريع جداً أمام الأنظار ، فلوقا الإنجيلي دَوّنَ لنا ثلاث مرات لإختفائه وكذلك يوحنا ثلاث مرات في إصحاحات إنجيله . جاء في أنجيل لوقا أنه دخل في مجمع مدينة الناصرة ودُفِعَ إليه سفر إشعياء ليقرأ الآية التي تقول ( روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين .... ثم قال لهم : اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ) وبعد ذلك ابتدأ الجدال بينهم إلى أن أمتلأ الجميع غضباً حين سمعوا اقواله ، فأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل ، أما هو فجاز في وسطهم ومضى ) " لو 4: 24- 29 " فكيف توارى عن أنظارهم ، وأين اختفى وهو في وسطهم منذ أن كان في المجمع وإلى رأس الجبل ؟ 
  تفسيرنا هو أنه تحول إلى شكل غير منظور واختفى من وسطهم فجأة لكي يظهر بعيداً عنهم . وكذلك أتحفنا البشير لوقا بقصة أخرى بعد قيامته من بين الأموات ، فقد ظهر فجأة مع تلميذي عمواس بشكل غير معروف ، أي أمسكت أعينهما من معرفته ، وسار معهم كأنسان مجهول يشرح لهم الكتب التي تحدثت عنه إلى أن دعياهُ للدخول إلى منزلهما ليتعشى معهما ، فوافق . عند كسر الخبز فَتَحض أعينهما ليعرفاه ثم أختفى عنهما ( لو 24: 30 -31 ) . 
   أما في أنجيل يوحنا فنقرأ في الأصحاح السادس عقب معجزة إشباع خمسة آلاف شخص من الخبز والسمك ، أمر تلاميذه ليغادروا وحدهم بقاربهم ، أما هو فصعد إلى الجبل وحده ، وبعدما جذف التلاميذ نحو ثلاثة أميال أو أربعة ، رأوا يسوع يقترب من القارب ماشياً على ماء البحيرة ، فاستولى عليهم الخوف ( يو 6: 15-20 ) ، بل يقول البشير متى ( ظنوه شبحاً فخافوا وصرخوا ) " مت 14: 25- 27 ) نقول ، إن لم يتمكنوا من مشاهدة ملامح وجهه بسبب الظلام ، فلماذا لم يميّزوا شكل جسده المعروف لديهم ، علماً بأنهم يعرفون بأنه ظَلَ في الجبل لوحده وله القدرة في اللحاق بهم ! . 

   أبرز المعجزات في تغيير هيئته بشكل عجيب ليظهر على حقيقته أمام التلاميذ الثلاثة فكانت على جبل التجلي عندما تغيّرَ وجهه إلى شكلاً منيراً مدهشاً ، ولون ملابسه التي صارت بيضاء تتلألأ كالبرق ( طالع لو 29:9 ) .
    وفي أثناء الإحتفال بعيد تجديد الهيكل في الشتاء حضر يسوع وتجمع حوله اليهود ، وقالوا له ( إن كنت أنت المسيح حقاً ، فقل لنا صراحةً ... فختم جوابه لهم بالقول ( أنا والآب واحد ) فرفعوا مرة ثانية حجارة ليرجموه ، ثم أرادوا ثانيةً أن يلقوا القبض عليه ، ولكنه أفلت من أيديهم ، ورجع إلى الضفة المقابلة من نهر الأردن ( يو 39:10 ) . 
   استطاع يسوع أن يغيّر شكله أو يخفيه بسرعة قبل موته لكي لا يستطيع أحداً من النيل منه قبل أن تأتي ساعته . لا شك أن اليهود قد أدركوا هذه الحقيقة بأن له القدرة الفائقة على الأختفاء والظهور السريع ، ويسوع لم يكن له طاقية الأختفاء السحرية ليصبح غير منظور كالتي نقرأ عنها في القصص الخيالية ، كما لم يضربهم بالعمى لكي لا يبصروه ، بل كانت أعماله المعجزية واضحة أمام الجميع ، لهذا فرحوا بتلميذه الخائن عندما اقترح لهم بتسليمه إليهم مقابل الفضة . لكننا أيضاً نقول بأن يسوع كان يقدر أن يختفي أيضاً عن أنظار الجميع وحتى يهودا ، أو كان يستطيع مغادرة المكان مع تلاميذه قبل وصول القوة التي جاء بها الأسخريوطي . لكنه أراد أن يسلم نفسه طوعاً لأن الله الآب أيضاُ  أراد ان يشرب الكأس لكي يتمم رسالة الخلاص على الصليب ، لهذا قال لرؤساء الكهنة وقواد حرس الهيكل والشيوخ الذين اقبلوا عليه ( أكما على لصٍ خرجتم بالسيوف والعصي ؟ عندما كنت معكم كل يوم في الهيكل ، لم تمدوا أيديكم عليّ ، ولكن هذه الساعة لكم ، والسلطة الآن للظلام ! ) " لو 22: 47-53 " . 
 وبعد القيامة ، كان أول ظهور له لمريم المجدلية عند القبرولم تعرفه  ، كما كان يظهر كل مرة لتلاميذه بهيئة جديدة ، فعلى بحيرة الطبرية عندما أمرهم بإلقاء الشبكة إلى يمين القارب ، إلتقوا به بعد نزولهم من القارب وشباكهم مليء بالسمك ، فرأوا أن صورته قد تغيرت عما رأوه سابقاً في العلية بعد القيامة ، ولم يجرؤ أحد منهم أن يسأله من أنت ؟ ( يو 19:20 ) . كما ظهرلبطرس و لشاول الطرسوسي على شكل نور في طريق دمشق وفي الهيكل . ليتمجد أسمه القدوس   
للمزيد طالع مقالاتنا السابقة عن الظهور والإختفاء والتغييرات في شكل يسوع في المقالات التالية :

تغيرات في وجه وشكل يسوع قبل وبعد القيامة . 
يسوع يقتحم الأبواب المغلقة
ظهورات يسوع بعد القيامة
الظهورات وموقف الكنيسة الكاثوليكية منها 
ظهور الله لصديقه أبراهيم
تغيرات في وجه يسوع قبل وبعد القيامة 
إخفاء يسوع شخصيته على الأرض 
 



123


العلاقة بين فصح العهد القديم والجديد

بقلم / وردا إسحاق قلّو
    عيد الفصح هو من أكبر الأعياد عند اليهود والمسيحين ، وله عدة أسماء ، كعيد البصخة أو الفصح ، وبالسريانية ( بصحا ܦܸܨܚܵܐ) وبالعبرية ( فيساح ) . وعيد القيامة .
    عيد الفصح كان يحتفل به المسيحين في القرون الأولى بنفس وقت إحتفال اليهود أي في الرابع عشر من نيسان كل عام ،  لأن يسوع له المجد قام من بين الأموات في الفصح اليهودي ، في يوم الأحد .  لكن الكنيسة قررت في مجمع نيقية فصل العيدين .
الفصح اليهودي في العهد القديم ، بدأ بذبح حملاً أو جدياً  لكل عائلة في ليلة خروج الشعب اليهودي من مصر ( طالع خر 21:12 وتث 2:16 ) والحمل المذبوح يجب أن يكون سليماً ، يذبح دون أن يكسر أحد عظامه , ذلك الحمل المذبوح كان رمزاً لحمل العهد الجديد الذي سيراق دمه على الصليب لأجل دفع الفدية عن خطيئة الإنسان وإنقاذ البشرية من الموت  . حمل العهد القديم لن يحررالإنسان من الخطيئة والموت الأبدي . أما حمل العهد الجديد الذي هو سر الفصح الجديد ، وهوعهد أبدي غير قابل للفساد ، بل يبقى خالداً .
   ذبح حمل العهد الجديد على مذبح الصليب ، بعد أن سيق كالخروف إلى الذبح دون أن يفتح فاه ، لا صوت له . ذلك الحمل لم يكن خروفاً ، بل إلهاً صار بديلاً عن الحمل . فبدل الخروف حل إلهاً متانساً . وفي ذلك الإنسان كان المسيح الذي يحتوي كل شىء ، بصلبه ، وموته تحت رتبة الفصح . وحرفية الناموس أدت إلى المسيح الذي به جرى كل شىء في الشريعة القديمة ، ولا سيما في النظام الجديد ، وفي عهد جديد ، فيسوع أبن الله الذي ولد من إنسان ، سيق كحمل وذبح وورى الثرى كإنسان كامل خالي من العيب الجسدي والروحي ، ثم قام من بين الأموات بقوته الشخصية ، وأثبت لصالبيه آلوهيته ، إذ كان في الطبيعة إله وإنسان . إنه كامل ، كان هو الشريعة ، بصفته سيدين العالم . وكلمة ، بصفته علمنا الإنجيل ، ومخلص ، لأنه دفع الثمن وأعطانا النعمة . فالله الآب بصفته يلد ، ويسوع الأبن بصفته يولد لنا ، ويذبح عنا كالخروف لكي يتألم . كذلك هو إنسان كامل فعليه أن يموت ، كإنسان ليدفع الفدية إلى الله الآب .  وهو إله بصفته سيقوم من بين الأموات بقدرته . فصفاته كلها تحتوي كل شىء لأنها صفات الله ، فهو الكل وفي الكل ( طالع 1 قور 28:15 . وقول 11:3 . وأف 23:1 ) .
   في العهد القديم نظم الرب آلامه الشخصية في الآباء والأنبياء ، وفي الشعب كله ، وكأنه ثبتها بخاتمه بالشريعة وبالأنبياء . وأما كان ينتظر أن يتحقق المستقبل بشكل مهيب لا يصدق ، فإنه يعد من بعيد حتى إذا تحقق ، كأنه جديراً بالتصديق ، لأنه صوّر مسبقاً منذ عهد بعيد ، سِّر فصحه أصدر مسبقاً بشكل غير منظور ، كذبيحة أبراهيم الذي أراد أن يذبح أبنه الوحيد ، فرأى بعين الروح سّر ذبيح العهد الجديد ففرح ، كما قال المذبوح لليهود ( أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح ) ” يو 56:8 ”  . سّر الرب إذاً هو قديم وجديد ، قديم بحسب التصوير الذي نقرأه في أسفار العهد القديم . وجديد بعد أن تم ذبح المسيح على الصليب . فإن نظرنا إلى ذلك التصوير القديم ، نرى الحقيقة من خلال الصليب . ولو طالعنا نبؤات العهد القديم لوجدناها قد تحققت في العهد الجديد ، باسثناء التي تتحدث عن مجيئه الثاني .
    خروف العهد القديم الذي ذبح في مصر ، ضرب أبكار مصر ، وخلص الشعب العبري بالدم المثبت على عتية كل بيت . وامور كثيرة بشّر بها الأنبياء من أجل سر الفصح الذي هو المسيح المنتظر . حلّت قيود العبودية من يد فرعون . ونحن في العهد الجديد أشترينا بدم زكي لنتحرر من عبودية الخطيئة ، بل صرنا أبناء الله . وجعلنا الذبيح أعضاء جسد واحد ، وهو رأسنا . إنه المنتصر الذي غطى الموت بالعار ، وجعل الأبليس في حداد دائم . أنتشلنا المصلوب من العبودية إلى الحرية . ومن الظلمة إلى النور ، ومن الموت إلى الحياة ، ومن الطغيان إلى ملك أبدي .
    هو الذي جعل منا أمة عظيمة ، وكهنوتاً جديداً ، وشعباً مختاراً أبدياً . إنه فصح خلاصنا الذي كان في العذراء متجسداً ، وعلى الصليب معلقاً ، وفي الأرض مدفوناً ، ومن بين الأموات قائماً ، وإلى أعالي السموات مرفوعاً . إنه المسيح ، الحمل الصامت المذبوح ، والنعجة الصالحة المختارة من القطيع ، سيق إلى الذبح ، جرد من ملابسه ، وصلب عارياً ، لكن الطبيعة حنت على خالقها ، فحزن عليه الشمس فلن يرسل نوره لكي يستر عري الخالق ، وليعتم عيون الناظرين الحاقدين في ساعات صلبه  . لم يرتعد ذلك الشعب الظالم ، ولم يشعر ، بل أرتعدت الأرض فحدث الزلزال ، والشعب لم يأخذه الذعر ، بل السموات هي التي ارتعبت . وبما أن الشعب لم ينتحب ، فإن الرب هو الذي رعد السماء ، وإن العليّ هو الذي رفع صوته
   قتل في المساء دون أن يكسر له عظماً ، وقبر في الليل ، في قبرٍ جديد دون أن يفسد جسده الطاهر . ثم قام من بين الأموات منتصراً وكاسراً شوكة الموت ، صاعداً إلى أعلى السموات ، وأقامنا معه وحررنا من الدينونة . فلنقل بإيمان ( قام المسيح .. حقاً قام )

له المجد والقدرة إلى أبد الدهور ، آمين


124
الجمعة العظيمة ودور المسيح في خلاصنا
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://i.top4top.io/p_1915q8dm11.jpg

( لأن أجرة الخطيئة هي الموت ) " رو 27:6"
   كيف يستطيع الإنسان الخاطيء أن يتجنب الخطيئة ؟ الخطيئة هوعمل إنساني حر لكسر وصية الله .
دخلت الخطيئة إلى العالم بإنسان واحد ، ودخل معها الموت الذي شمل جميع البشر . إذاً بإنسان واحد أخطأ الجميع " رو 12:5" . كانت حواء تعرف حكم التمرد على وصية الله قبل أن تخطىء ، فبخطيئتها أثارت غضب الله ، وبفعلها أعلنت العصيان والتمرد . فلأرضاء الله يجب أن يدفع ثمن الخطيئة المقترفة ، وثمن الخطيئة  هو الموت بحسب قول الله لآدم ( ... لأنك حين تأكل منها حتماً تموت ) " تك 17:2 " . إذاً يجب أن يكون هناك موت  ، ولأجل عودة العلاقة . يجب أن يرتبط الحدث بسفك دم ، أي الذبيحة ، لأن ( بدون سفك دم لا تحصل المغفرة ) " عب 22:9 " . وهل للإنسان ذبيحة كاملة ترضي قلب الله ؟ طبعاً ليس للإنسان الخاطىء ذبيحة كاملة تساوي مقام الله الكامل ، لهذا منع الملاك أبراهيم من ذبح أبنه إسحاق فأعطى له حيواناً لذبحه ، وعمل أبراهيم كان رمزاً لعمل الله الآب لتقديم أبنه الوحيد البار .
   كل الذبائح الحيوانية التي قدمت في العهد القديم لن تصل إلى مستوى أيفاء العدل الإلهي الذي يقضي بأطفاء الخطيئة ، هذا ما عرفه الإنسان في العهد القديم ، فبدأ يقدم الذبائح الحيوانية كذبائح المحرقة التي تشير إلى إرضاء الله وإيفاء جزء من عدله ، لكن مُهِمُة تلك الذبائح كانت تغطي فقط خطيئة الإنسان أمام أنظار الله ، لكن لا تغفر له ، لأن ثمن تلك الذبائح لا يساوي العدل الإلهي . فكانت ذبائح المحرقات رمزاً إلى ذبيحة المسيح الكفارية في إرضاء الله الآب كما كانت تشير إلى طاعة الإنسان الكامل وخضوعه ، وكذلك تُعّبِرعن الندم . فالذبيحة التي قدمها المسيح إبن الله على الصليب نيابةً عن البشرية كلها ، غايتها كانت لترضي العدل الإلهي لأنه إله وإنسان كامل وطاهر من دنس الخطيئة .
  كانت ذبيحة المحرقة هي أقدم الذبائح التي قربها الإنسان إلى الله ، لذلك دعيت قرباناً ( تك 5:4 ) وأستمر الإنسان بتقديم الذبائح على المذابح لكي يتنسم الرب رائحة الرضا والسرور ، لهذا قال : لا أعود ألعن الأرض أيضاً بسبب الإنسان ( تك 8: 20 -21 ) . كانت تلك الذبائح كلها للمحرقة في داخل نار مشتعلة والتي تمثل نار العدل الإلهي ، فتظل فيها النار حتى تحولها إلى رماد . دون أن يتناول منها الكاهن ولا من يقدمها ولا أحد من الحاضرين ، لأنها للنار فقط . كما كانت ترمز إلى المسيح الذي قضى على الصليب حتى الموت لإرضاء العدل الإلهي في عملية الفداء وبه سّرَ الآب عند موته على صليب في جمعة الآلام ، جمعة الحزن والموت ، وبموته الشنيع تمت المصالحة  . قال أشعياء النبي ( .. الآب سّرَ أن يسحقه بالحزن ) " 10:53 " . وعلى مذبح الصليب طعن بالحربة ، فصار خشب الرمز حقيقة ( خشب المعد لذيح اسحق والخشبة التي صلب عليها موسى الحية النحاسية ، وخشب فلك نوح ، كل هذه كانت صِوّر لصليب الجلجلة ،  ومن جنبه على الصليب خرجت بيعته المقدسة لتصير معه جسداً واحداً ، إنه لسّر عظيم ، يشير إلى سّر المسيح وكنيسته ( طالع أف32:5) .
    إذاً الثمن الحقيقي للخطيئة هو فداء الرب يسوع بموته على صليب الجلجلة في يوم الجمعة العظيمة ، فكان ذلك هو الحل الوحيد لأنقاذ الإنسان . ولهذا تجسد المسيح وأتخذ له جسداً بشرياً قابلاً للموت ، فعندما أتحد الكلمة الإله بذلك الجسد البشري فأصبح إنساناً مستحقاً للذبح نيابتاً عن الجميع ، ويبقى في القبر ثلاثة أيام في عدم فساد بسبب إتحاد اللاهوت بذلك الجسد البشري . وهكذا قَدّمَ لله الآب ذلك الجسد الطاهر الذي أخذه من العذراء مريم ذبيحة طاهرة كاملة خالية من كل عيب فنال رضى الآب فدفع الثمن وتمت المصالحة . هكذا قدم الكلمة الإله هيكل جسده المقدس فدية عن حياة كل البشر موفياً دين الجميع بموته .
   المسيح وحده إذاً كان بمقدوره دفع الثمن الغالي لفداء البشر ، لأن البشرية كانت عاجزة عن إنقاذ نفسها ، لهذا تحمل الإبن الإله العقوبة لوحده ( داس المعصرة لوحده ) وبإرادته ومشيئته ، وليس لمجرد الطاعة للآب . نعم إنه أطاع حتى الموت موت الصليب ( في 8:2 ) فهذا يشمل الناسوت فقط ، لأن لاهوت المسيح لا يدركه موت ومتحد مع الآب ( أنا والآب واحد )  . فالمسيح مات بالجسد أي ( يسوع الإنسان ) مات بإرادته الحرة وحسب قوله ( أضع نفسي لآخذها .. لي سلطان أن أضعها ، ولي سلطان أن آخذها أيضاً ) " يو 10 : 17-18 " كما قال ( هذا هو جسدي الذي ابذله من أجل حياة العالم ) " يو 51: 6 " . إذاً هو الذي بذل نفسه ، وليس لمجرد الطاعة للآب ، وكذلك تلك الطاعة تعني إتفاق مشيئة الآب والإبن معاً . كان يعرف بأنه لأجل فداء البشر جاء إلى العالم . إذاً علينا أن لا نغقل مشيئة المسيح ودوره في الفداء ، لأن في ذلك إنقاص لمحبته لنا ، هذا الذي وضع وبذل وسلّمَ ذاته للموت لكي يفدينا ويخلصنا بكامل إرادته بسبب محبته لنا ، قال إشعياء النبي ( سكب للموت نفسه ) " 12:53 " . . أنه الحمل الفصحي أو العهد الجديد بين الله والبشر .  مات الفادي على الصليب لكي يفدي. أنه الحمل الفصحي أو العهد الجديد بين الله والبشر .   كل من يؤمن به وأستعاد لآدم مجده الضائع كإبن الله .
ليتمجد اسم يسوع المصلوب .


125
عيد السعانين  ... عيد النصرة والفرح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ابتهجي جداً يا ابنة صهيون ، أهتفي يا بنت أورشليم ، هوذا ملكك يأتي إليك . هو عادل ومنصور ، وديع راكب على حمار وجحش ابن أتان ) " زك 9:9 "
https://b.top4top.io/p_1907xine21.jpg
   تنبأ زكريا النبي بيوم دخول الرب الأنتصاري إلى أورشليم فوصف دخوله بأحترام فائق لم يتوقعه قادة اليهود . استقبله شعب أورشليم بالأبتهاج والفرح والغبطة لأنه ملك منصور ، ووديع راكب على حمار لا على حصان مزين بالحلي كما كان يفعل معظم الملوك المنتصرين العائدين من المعارك . كان استقبال يسوع من قبل الشعب رسالة ودرس في التواضع الذي أظهره يسوع أمام الجميع من جهة ، وميل الجمهور كله له بهتاف وفرح من جهة أخرى .
   يسوع الإله المتجسد أختار حماراً وعرف موضعه ، وأكد لمن أرسلهم لإحضاره بأن هناك من يسألهم عن سبب فك رباط الأتان والجحش ، وما هو الجواب الشافي لإقناع السائلين ؟ الجواب لأنه الإله المتجسد والموجود في كل مكان ويقرأ حتى ما في القلوب والأذهان ، كما كان يقرأ أفكار الكتبة والفريسيون والكهنة ،  ويعلم بكل أحداث المستقبل .
   تم إحضار الحمار فوضع التلاميذ ملابسهم عليه بدلاً من السرج ، فركبه يسوع وسار بين الجموع المحتشدة في شوارع المدينة . من أين أتت تلك الجموع ، وما هي الأسباب التي دفعتها إلى إعلان البيعة للرب ، وكيف عرفت أن يسوع هو إبن داود ( أي المسيح ) ؟ كذلك نقول كيف كانت تشهد له وتهتف قائلة ( أوصانا لإبن داود ) أو ( هوشعنا لإبن داود ) ؟ كلمة هوشعنا مركبة وتعني ( فلنفرح بالخلاص الحاضرهنا والآن ) . الشعب كان يعلم بأنه من نسل داود الملك . أما أوصانا في الأعالي فهو ( لتصرخ الملائكة ) .
   التلاميذ وضعوا ملابسهم على الحمار ، أما الشعب فخلع كل منهم ردائه ليفرش له الطريق ، وخلع الرداء يعني خلع القديم من أجل الجديد ، كما فعل الأعمى بريماوس في أريحا الذي أخذ يصيح ( رحماك يا ابن داود ، يا يسوع ! )  ألقى رداءه وَوَثبَ وجاء إلى يسوع ( مر 10 : 46 ، 50 ) . كما قطع الجموع سعف النخيل وطرحوه في طريق الرب لأن سعف النخيل يرمز إلى النصرة وكذلك سعف الزيتون الذي يرمز إلى السلام والأستقرار والحياة الجديدة . عَلّمنا نوح بعد فترة الطوفان واستقرار الفلك . نقول بأن مشيئة السماء هي التي دفعت الجموع إلى هذا الحضور والهتاف بكل قدراتها لأستقبال السيد ، فأخذ الصغار والكبار مع التلاميذ يعلنون شهادتهم قائلين ( هوشهنا لإبن داود ! تبارك الآتي باسم الرب هوشعنا في العلى ) " مت 9:21 " . الجموع لا تعلم ماذا تقول ، وما هي القوة الخفية التي جمعتهم ودفعتهم للإعتراف بالراكب على جحش ابن أتان بهتافات حارة ضجت أورشليم كلها وشعرت بالقوة الداخلة إليها فسألت : من هذا ؟ فأجابت الجموع المحتشدة ( هذا هو النبي يسوع من ناصرة الجليل ) تلك اليد الخفية التي عملت فيهم هي من الروح القدس الناطق على ألسنتهم ، فلهذا عندما عارض كهنة اليهود طالبين من الرب أن يسكتهم ، فأجابهم ( إن سكتوا هؤلاء فالحجارة تنطق ) .
   عادت الجموع بعد أيام قليلة بعد أن هتفت له لكي تقف مع كهنة اليهود أمام بيلاطس البنطي لتهتف قائلةً " أصلبه أصلبه " .
   تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد السعانين في يوم الأحد من الأسبوع السابع للصوم ، فتخرج الجموع المؤمنة من كنائسها حاملة أخصان الزيتون أو سعف النخيل لكي تطوف حول كنائسها ، أو في شوارع المدن والقرى وأمامهم من يحمل صليب الرب المزين بتلك الأغصان هاتفين الأناشيد الخاصة بهذه المناسبة متذكرين يوم دخول يسوع إلى أورشليم . نطلب منه ان يدخل إلى أورشليم قلوبنا ويباركنا .
ليجعل الرب عيد هذه السنة عيد فرح وسلام في العالم كله .   



126
معجزات يسوع في إحياء الموتى وإقامة لعازر نموذجاً

بقلم / وردا إسحاق قلّو   
عندما نتناول النصوص الخاصة بإقامة الموتى من قبل يسوع المسيح . نلاحظ فيها العطف والحنان أولاً ، ومن ثم الرحمة تظهر في نظرات يسوع إلى ذوي الميت الذين فقدوا عزيزاً من بينهم . وبسبب تلك المحبة يبدأ بإعادة الأمل والفرحة في النفوس بعد إعادة الحياة إلى الجسد الذي فارقه الروح . فيبعث في ذلك الجسد القدرة على الحياة ، وبعد المعجزة يتمجد إسم يسوع الخالق الذي به خُلِقَ الكّون كله ، ويتمجد الله في خليقته الجديدة التي انبعث فيها الحياة . المعجزة الأولى من معجزات يسوع في إعادة الحياة إلى جسد الميت كانت للشاب الميّت في قرية نائين الصغيرة الواقعة إلى غرب جبل التجلي ، أعاد الحياة إلى من كان وحيداً لأمه  الأرملة بعد أن فارق الحياة . كانت تلك المرأة رغم موت وحيدها محظوظة جداً بسبب مرور يسوع بالقرب من موكب الجنازة . كان المنظر مؤلم جداً وكل أبناء القرية كانوا حزينين على وحيد لأمه الوحيدة الحزينة . فمن يستطيع أن يشاهد ذلك المشهد من دون ان يشعر بحزن عميق في قرارة نفسه ، فكيف يستطيع يسوع المحب لكل البشر أن ينقذ ذلك الموقف ويعيد الفرح ؟
   نظر يسوع أولاً مع تلاميذه إلى ذلك الموكب الحزين ، وركّز نظراته على الأم المؤلمة الباكية ، فبدأ يحن عليها ، ومن ثم يتدخل ليواسيها بقوله لها ( لا تبكِ ) وبعد ذلك دار نحو النعش ولمسه ، فوقف حاملوه . كان تدخلاً غريباً لا يفهم غايته في تلك اللحظات المحرجة . وقف المسير ، وبدأ ينادي الميت قائلاً ( يا فتى ، أقول لك ، قم ! ) فصعق السامعون من طلبه . لكن سرعان ما استولى الخوف عليهم ، لأن ذلك الشاب سمع الصوت الإلهي الذي أعاد إليه الحياة فبدأ يجلس ويتكلم ، ثم سلمه يسوع إلى أمُهُ . فحوّلَ حزنها إلى فرح . . بدأ الجميع يمجدون الله لأنهم رأوا في ما حدث رسالة محبة من الله لهم ، فقالوا ( قام فينا نبي عظيم ، وأفتقد الله شعبه ) . يسوع أعطى لتلك الأرملة ولداً مرتين ، الأولى عندما ولدته ومات فحزنت . والثانية عندما أعاد إليه الحياة بعد أن خطفه الموت من بين يديها ليكون لهاً فرحاً وإيماناً بخالقها المحب .
    أما المعجزة الثانية ، فكانت في إحياء إبنة يايرس ، رئيس المجمع في كفرناحوم الذي انطرح عند قدمي يسوع متوسلاً إليه لكي يرافقه إلى بيته لأن ابنته الوحيدة مشرفة على الموت ، وعمرها أثني عشر سنة . لكن يسوع أبى أن يحضر في الوقت الذي كانت الصبية مريضة ، وكما حصل للعازر  رغم استلامه خبر مرضه من أختاه مريم ومرتا . ماتت الطفلة ، ووصل المبعوثين من هناك ليخبروا والدها بأن الطفلة فارقت الحياة . كان يسوع يستطيع أن يشفيها بكلمة منه عندما طلب منه والدها دون أن يذهب ، لكن لله رأيه وحكمته . وصل مع والدها وتلاميذه إلى البيت فرأى الجميع في مناحة ، يبكونها ويندبونها ، لكنه وبكل ثقة قال لهم ( لا تبكوا إنها نائمة ! ) فضحكوا منه لأنهم يعلمون بأنها قد ماتت . لم يدع يسوع احداً يدخل معه إلا بطرس ويعقوب ويوحنا وأبا الفتاة وأمها فقط . أمسك بيد الميتة ، ونادى قائلاً : ( يا صبية ، قومي ! ) فعاد إليها الروح ، فعاد الفرح إلى الوالدين ليتمجد أسم الرب في مخلوقاته .
  أما الميت الثالث الذي أقامه يسوع في قرية بيت عنيا فكان صديقه لعازر . قصته مختلفة ، بل معقدة لأن الميت هنا منتن في القبر بسبب موته قبل أربعة أيام . ولماذا مكث يسوع أربعة أيام ؟ الجواب ، لأنه يريد أن يثبت قدرته الإلهية ويتحدى القوانين وكل مألوف ومعروف لدى اليهود الذين كانوا يعتقدون بأن الروح قد تعود إلى الميت خلال ثلاث أيام من موته . أما بعد ذلك فمحال . ولهذا لم يحضر يسوع في حينها ؟ لأنه أراد أن يموت أولاً وبعد ذلك يذهب ، وهذا واضح من كلامه لتلاميذه عندما قال لهم ( هذا المرض لا يؤول إلى الموت ، بل إلى مجد الله ، ليتمجد به إبن الله ) . الأختان عاشتا في صراع وصدمة بين ثقتهما بيسوع ومحبته لهن ، وبعدم إعارته لرسالتهن أي إهتمام وذلك لعدم مجيئه . ومات أخوهن ، فهل فقدن الثقة بيسوع ومات فيهن الإيمان ؟
  يسوع يعلم بالساعة التي مات بها لعازر، لهذا قال لتلاميذه في لحظتها ( قد مات لعازر ) ورغم ذلك أضاف على كلامه قائلاً ( يسرني ، من أجلكم كي تؤمنوا ، إني لم أكن هناك ، فلنمضِ إليه ) . وَصَلوا إلى بيت عنيا بعد موت لعازر بأربعة أيام فقابلته مرتا ، نظرت عيناه الإلهيتان إلى قلبها ففهم إنها ستعاتبه بقولها ( يا رب ، لو كنت هنا لما مات أخي ) لكنه أدرك عمق إيمانها الذي دفع بها لتتابع كلامها قائلة ( ولكني ما زلت أعلم أن كل ما تسأل الله ، فالله يعطيك أياه ) إذاً كان عدم حضوره أمتحاناً لأيمانها . كان يسوع ينظر إلى عينيها بكثير من الحنان ، تلك العيون التي ارهقتها الدموع بسبب البكاء ، فقال لها ( أنا القيامة والحياة ، أتؤمنين بهذا ؟ ) فقالت له ( نعم يا رب ، إني أؤمن بأنك المسيح إبن الله الآتي إلى العالم ) هذا هو الإيمان الذي ينقل الجبال ، بينما قيافا وشيوخ اليهود لم يكتشفوا هذا السر العظيم بأن مسيا المنتظر هو بينهم ، ويعمل معجزات خارقة كل يوم لم يعمل مثلها أحد .  أما تعزية يسوع لمرتا فكانت ( أنا القيامة والحياة ) وبهذا سكب في قلبها العزاء وادركت أن الموت هو ولادة جديدة وبداية إنبثاق لفجر جديد .
   جاءت مريم أيضاً فتوجه الجميع نحو القبر ، وعندما بلغوا القبر يوجز لنا يوحنا بأنجيله ما حدث بكلمات ثلاثة من الصعب جداً على القارىء أن ينساها ( فدمعت عينا يسوع ) ولماذا بكى علماً بأنه سيقيمه من بين الأموات ؟ بكى لكي تدرك مرتا ومريم ونحنُ كم أن قلب يسوع يحزن لأحزان البشر ، وكم هو يشاركنا عمق الأسى الذي نحس به عندما تزعزع حياتنا عاصفة الموت ، ودموعه ما هي إلا علامة لما في قلبه من حب صادق لكل متألم . ومن عمق مشاركته للإنسان في ما يمر به من أحزان في حياته اليومية .
   أمر يسوع برفع الحجر ، ومن ثم صاح بأعلى صوته ( يا لعازر ، هلّم فأخرج ) في تلك اللحظة توقفت الحركة في الجمع الحاضر ، وساد السكون ، وتركزت العيون على مدخل المغارة ، والقلوب تنبض بسرعة . هنا وضع يسوع مصداقيته على المحك ، فإذا كان هو الله الخالق فسوف يقوم لعازر ، وفجأةً حدثت المعجزة التي أذهلت العقول وعيون الحاضرين فدهش الجميع . هل هم في حلم ، أم في يقظة ؟ لأن الميت المنتن المشدود اليدين والرجلين بالعصائب ، وملفوف الوجه بمنديل خرج من القبر . هزهذا الخبر قادة سنهدريم اليهود فعزموا منذ ذلك اليوم على قتل يسوع ولعازر أيضاً . قتلوا يسوع ، لكنهم لا يعلموا إن الذي أقام لعازر المنتن والمدفون منذ أربعة أيام ، له القدرة أن يقوم بعد ثلاثة أيام ويتحداهم وينهي مملكتهم ويسلّم الكرم إلى غيرهم وسيُهدم هيكلهم عن قريب وإلى الأبد .
ختاماً نقول : كان سبب عدم حضوريسوع في بيت عنيا عندما تمرض لعازر لكي يكون فرح للرسل وللأختين ولكثيرين ، فقيامة لعازر بواسطة يسوع أعطت لنا جميعاً دفعاً جديداً لأيماننا ، وتذكير بدعوة المسيح المحي للأموات ، لكي يخرج الجميع من قبر الخوف والقلق إلى نور الحياة ، نور القيامة ـ فكل من يؤمن في العالم بالمسيح وأعماله ويعلن إيمانه سيتحرر من ظلامه ليدخل نور وسر المسيح . إنها ولادة جديدة ، بل حياة جديدة مع المسيح الإله

127

سباق الحب ليسوع بين مرتا ومريم
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( كما أنّ إبن الإنسان لم يأتِ ليخدَم بل ليخّدم ، وليبذل نفسه فديَة عن كثيرين ) ” مت 28:20″
  الحب الحقيقي هو الفرح مع يسوع ، فكل حياتنا وصلاتنا وخَدماتنا هي تعبير عن حبنا لله ، نعملها بدافع نعمة الروح القدس فينا ، والحب الأعظم وأروع من أي عمل أو خدمته ، هو اللقاء مع يسوع لأنه الهدف والفرح والسلام الحقيقي ، فعلينا أن نعرف كيف نلتقي به لنتمتع بحبه وبكلماته التي تقودنا إلى الطريق الصحيح . فطرق اللقاء به كثيرة . لكن هناك طرق أقصر تأخذنا إليه ، وهو يريد أن نكون بقربه . أعمالنا قد لا تفيد بقدر محبتنا الصافية والطاهرة له . وهذا أفضل مثال على ذلك : دخل إلى بيت الأختين مرتا ومريم . كانت مرتا منهمكة بأمور الضيافة وعلى الأرجح كانت هي الأخت الكبرى التي تدير المنزل ، وهي التي تقرر ما يجب أن يهيء لأستقبال الضيف كإعداد الطعام الذي هو بالنسبة لها الأمر الأساسي الذي يجب أن يفعله صاحب البيت ليرضي ضيفه . أما مريم فاختارت الجلوس أمام قدمي الضيف ، ولم تبالي لأمر أختها لأن نظرها مركز صوب كنزها فلا تريد أن تفارقه . وعندما احتجت مرتا لدى يسوع ، فأجابها : ( مرتا ، مرتا ، أنت تقلقين وتهتمين بأمور كثيرة ، مع أن الحاجة إلى شىء واحد ، فمريم أختارت النصيب الأفضل ، ولن ينزعه أحد منها ) .
  ظنت مرتا بأن حبها ليسوع يفوق حب اختها ، ولكن حبها توقف على صورة تحملها في قلبها ، أي تريد أن تحبه بطريقتها فهذا ما منحها الرضا والثقة بنفسها فتمنت أن يتجاوب يسوع مع حبها لكي تكون هي المميزة ، وأن لا ينافسها أحد بحبها له . فكانت تتوقع بأن يسوع سيفهم حبها له بسبب خدمتها وعملها ، وبسبب جهدها الشخصي ستربح يسوع أكثر من أختها . أي بمثابة نوع من الإغراء ، أو بسبب ما تقدمه له ستملك عليه ليكون لها وحدها . لكن نظرة يسوع كإله تختلف عن ما نتوقع نحن البشر، لأنه يريد أن يلتقي مع حقيقة المرء في إنسانيته الطاهرة والمجردة من حب الأنا ، وهذا أفضل من الطعام التي تعده أو الخدمة التي تقوم بها له كضيف . عملها يفسره كهروب من الجلوس بجنبه وسماع كلمة الحياة والخلاص من فمه المبارك وكما فعلت مريم . مرتا تتعب في سبيل يسوع ، ويسوع لن يأتي لكي يُخدّم ، بل ليخدِم . وخدمته هي تعليم الإنسان طريق الخلاص . فما كان يريده منها هو أن تسمح له أن يمنحها هو حبه وخدمته ، أي كلمته للحياة والفرح والحرية والخلاص .
  عجيب هو الإنسان ، يحب ، لكنه يخاف من اللقاء بالحب الحقيقي ، لأن الحب يجعله يفقد زمام الأمور ، ويقوده بالتأكيد إلى حيث لا يدري ، فهو يأخذه إلى أعماقه الإنسانية ليعرف طعم الحياة والفرح بفضل حبه . المحب يتطلع إلى أمر واحد ، وهو أن يستقبله المحبوب في حياته . والحب يمر بالموت عن الذات للعيش في الآخر . أستسلم للحب الذي يقود الحياة ، قال يسوع ( لأن الذي يريد أن يخلص حياته يخسرها ، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها ) ” مت 16: 25 ” هذا هو منطق الحب الحقيقي .
  تحول استقبال مرتا ليسوع إلى الأستحواذ عليه ، وعنى لها الحب أن تعمل من أجله بغية الإحاطة به ، أختارت الغيرة في قلبها ، ومع الغيرة جاء الإحباط والفشل ، فصوّرَت بأن مريم أختطفت يسوع منها بجذبه تجاهها وذلك بالجلوس عند قدميه ، لهذا طلبت من يسوع أن يصرفها إلى العمل . ومن الممكن وحتى وإن سمح يسوع لمريم بأن تذهب إلى أختها قد لا ترضى بعملها في إعداد الطعام لكي تتظاهر بأنها هي وحدها قد أعدت المائدة . وهنا نجد التناقض بإتهام أختها بالتقاعس والإنسحاب من واجب خدمة الضيف ، كما تتهم يسوع أيضاً بسبب قبوله ببقائها عنده بدون أن يحثها لمساعدتها . حب مريم كان الأقوى ، وقد أظهرته في ليلة الآلام عندما تناولت قارورة طيب غالي الثمن من الناردين النقي وسكبتها على قدمي يسوع ومسحتها بشعرها ” يو 3:12 ” .
  يسوع كان يحب مرتا أيضاً ، وحبه لها كان يفوق ما يمكن أن تدركه ، لا وبل أعمق بكثير عن ما كانت تنتظره ، هو يريد أن يعطيها ذاته ، أي حياته على الصليب ولم يكن بحاجة إلى عملها وخدمتها .

  ختاماً نقول : قال يسوع ( الحاجة إلى واحد ) وهو سلام القلب الذي يقود الإنسان إلى يسوع ، إلى الوداعة لروحه القدوس الساكن والعامل في الإنسان المؤمن . بأعمالنا الشخصية لا نستطيع أن نربح يسوع كأعمال مرتا التي كان عليها أن لا تغضب وتتذمر كعمال الساعات الأولى في الكرم ، فصاحب الكرم الكريم أعطى لعمال الساعة الأخيرة مثلهم ، لا وبل قبلهم ” مت 20 : 1-16 ” فبدأ الأولون يتذمرون كمرتا دون أن يدركوا كَرَمهُ وسخاءه ، ولم يفهموا حبه لهم جميعاً ، وهو الذي دعاهم إلى الكرم لكي يعطي لهم القيمة ، وعندما يفقد العمل دوره كوسيط في العلاقات الإنسانية يصبح وسيلة لأظهار الذات وتمجيدها ثم الضغط على الآخرين لأستغلالهم بسبب القلب الذي يخترقه الحسد . على الإنسان أن لا يذكر خدمته للآخرين ، بل أن يقدمها بمحبة ونقاء الضمير ، ويقول ( فما أنا إلا خادم ، فعلت ما كان يجب أن أفعل ) ” لو 17: 7-10 ” فمن يريد أن يعيش في الفرح التام ، يصير خادماً للحياة في الآخرين مقتدياً بيسوع الخادم والفادي . له كل المجد .

128
وليمة ملكوت الله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله ) " لو 16:14 "
    قبل أن ندخل في موضوع الوليمة علينا أن نتعرَف على معنى كلمة ( الملكوت ) وعبارة ( ملكوت الله ) لكي نستطيع أن نميّز بين المعاني الكثيرة التي تقصدها ، وخاصة ملكوت الله الذي قال عنه المسيح بأنه حاضر بيننا ( لو 21:17  و مت 28:12 ) . قبل أن نطلب ملكوت الله علينا أن نطهر ذواتنا لكي نعيش حياة التقوى في القلب ( مت 32:6 ) وبعدها نطلب ملكوت الله وبره . فالملكوت هو هيمنة الله على ذواتنا بسبب محبتنا له لأنه سيكون مسكننا الأبدي . المحبة تملك القلوب ، فنحب أولاً  كل الناس الذين نلتقي بهم ، ومن خلالهم سنحب الله الذي لا نراه ( طالع 1 يو 20:4 ) فعندما نشعر بأمتلائنا بمحبة القريب ، سنشعر بوجود الله في قلوبنا وفي عقولنا .
    نطالع بعض النصوص الإنجيلية فنجد فيها عبارت ( ملكوت الله ) و ( ملكوت السموات ) . اليهود الأتقياء كانوا يتجنبون من ذكر أسم الله لأنهم كانوا يهابونه لهذا استخدموا لفظة ( أدوناي ) أي السيد الرب ، أو لفظة ( آلوهيم ) أي الله ، وهنا نجد أن العرب على طرف نقيض مع اليهود ، إذ يكثرون من ذكر أسم الله بلا خوف .
   بعد هذه المقدمة عن ملكوت الله علينا أن نتابع خطوات الإنسان نحو الملكوت منذ أن خلقه الله في جنة عدن ، وبعدها سقط وطرد منها ، ومن هناك اتجه برحلته للعودة إلى الله ، فانتقل إلى جبل صهيون لكي يعبد الرب ، ويحاول مجاهداً لمغفرة خطاياه للعودة إلى الله ، والله تجسد لأجله لكي ينقله إلى مكان آخر ويسكنه في بيته الذي بناه بدمه على الصليب وهو الكنيسة ، والكنيسة هي ملكوت الله على الأرض ، بل هي صورة للملكوت في السماء التي غمرها بحبه وأعتبرها عروسته ، فخطبها خطبة سرية وأفتداها بآلامه على طريق الجلجلة وعلى الصليب وجعلها سر الأزمان والأجيال ، وترك لأبنائها جسده ودمه في سر رهيب لا تدركه العقول ودعى الشعوب إلى وليمة عرسه في الكنيسة إنها وليمة فصحه التي اقترنت بصليبه عربوناً وباكورة لوليمة الملكوت وضمانة للخلود.
  بدأ يسوع بتأسيس كنيسته وأسرارها ، وخاصة سر الإفخارستيا الذي يشير إلى وليمة الملكوت ، أسسه في يوم خميس الأسرار عندما قال لتلاميذه ( إني لا أشرب بعد اليوم من نتاج الكرمة هذا حتى يأتي اليوم الذي فيه اشربه معكم جديداً في ملكوت أبي ) " مت 29:26 " . مات المسيح على الصليب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين القدرة ليشفع لعروسه التي لا تزال في رحيل خروجها من هذا العالم ، ولا يزال يقدّم ذاته من خلال الأفخارستيا كذبيحة غير دموية فزرع قيامة لجسده السري المنتشر في كل كنائس العالم ، وهكذا نسير بفرح لا يوصف نحو المدينة السماوية المقدسة بقوة الصليب الذي وسِمنا ، وثبتنا به يوم عمادنا وتثبيتنا ، وسيظل كدليل طوال مسيرتنا نحو الملكوت .
   يسوع يصور لنا ملكوت الله بالأمثال ، قال أحد الجالسين على الطعام مع يسوع ( طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله ) " لو 16:14 " . أما يسوع فَمَثل ملكوت السموات بملك أقام وليمة في عرس ابنه ، فأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فأبوا أن يأتوا .... فغضب الملك ( وانتقم ) ... ثم ارسل عبيده إلى الطرقات
  ليأتوا بالفقراء والكسحان والعميان والعرجان لكي يمتلىء بيته . " أي علينا أن ندعوا اللذين لا يستطيعون أن يكافؤنا بوليمة مماثلة لكي تكون مكافئتنا في يوم الدينونة " .
  كما على الذي يحضر الوليمة أن يكون مستعداً لابساً ثوباً يليق بالأحترام لصانع الوليمة الذي دعاه وإلا سيطرده ، كما تقول الآية ( يا صاحبي ، كيف دخلت إلى هنا وأنت لا تلبس ثوب العرس ؟ ) " مت 12:22 " . كذلك شَبّهَ يسوع عرس الملكوت بعشر عذارى أخذن مصابيحهن لملاقات العريس ، وكانت خمس منهن حكيمات ، وخمس جاهلات . فأخذن الجاهلات مصابيحهن بدون زيت عكس الحكيمات ، وعندما جاء العريس ، نهضت العذارى جميعاً لتجهيز مصابيحهن . وقالت الجاهلات للحكيمات ، إعطنا بعض الزيت من عندكن فأن مصابيحنا تنطفىء ! فأعتذرت الحكيمات . ذهبت الجاهلات للشراء ، لكن العريس وصل ، واغلق الباب . فقالت الجاهلات : يا سيد ، يا سيد افتح لنا ! فأجاب العريس : الحق أقول لكن . أني لا أعرفكن ! فعلينا نحن السهر ،
لأننا لا نعرف اليوم ، ولا ساعة موتنا ( طالع مت 25: 1-13 ) فالدخول إلى وليمة العرس تحتاج إلى إستعداد لائق .
الوليمة السماوية تبدأ من هنا ، فالرب يسوع هو الذي يعمل لنا مائدة سماوية ويدعوا الجميع إليها ، وهي وليمة القربان المقدس في كنيسته المقدسة ، فالمشغولين في أعمالهم ومشاريعهم الدنيوية ليس لهم الوقت للحضور إلى الكنيسة لتناول من مائدة الرب بملابس لائقة ، ملابس الطهارة والتوبة ، أي يرفضون لبس ملابس العرس فلا يستحقون تناول جسد الرب فلكي لا يجلبوا على أنفسهم الدينونة ، يرفضون الحضور ( طالع 1 قور 11: 28-29 ) كل الذين يخلقون حجج للحضور في الكنيسة يرفضون دعوة المسيح لهم ، ويرفضون محبته ، فحتماً سيحاسبهم على أعذارهم في يوم الحساب ، ويرفض دخولهم إلى الوليمة السماوية .
   وليمة الملكوت التي سيقيمها الله الآب ليسوع ولأبناء كنيسته العروس ستدوم إلى الأبد . جسد المسيح ودمه الآن مطموران ، ومدفونان وممزوجان كضمانة في أجسادنا ، أي نحن المؤمنين متحدين بجسده القائم من بين الأموات ، فنحن إذاً متحدين به لأننا جسده وهو رأسنا ، وسنتناول معه الوليمة السماوية ، إنه العريس ، وعرس الحمل قد إقترب ، وعروسته الكنيسة تهيأت للقائه على الغمام لكي يأخذها إلى الوليمة السماوية ( فطوبى للمدعويين إلى وليمة عرس الحمل ) " رؤ 19: 7-9 " سيغسلوا ثوبهم بدم الحمل أيضاً ، وبعد ذلك ( يكون لهم سلطان على شجرة الحياة ، ويدخلون المدينة من الأبواب ) " رؤ 34:22" وهناك ستكتمل غبطتنا .
الترجمة باللغتين الانكليزية والالمانية
The feast of the kingdom of God
Written by / Warda Isaac Qalou
(Blessed are those who eat in the kingdom of God) ′′ Lu 16:14 ′′
Before we enter the topic of the feast, we have to learn the meaning of the word (kingdom) and the phrase (kingdom of God) so that we can distinguish between the many meanings that you mean, especially the kingdom of God, which Christ said about him as present between us (Lu 21:17 And I died 28:12) Before we seek the kingdom of God, we have to cleanse our souls in order to live a life of piety in the heart (Matt. 32:6) and then seek the kingdom of God and His righteousness. . The kingdom is God's dominion over our souls because of our love for him because he will be our eternal dwelling. Love has hearts, we first love all the people we meet, and through them we will love God that we don't see (fortune 1 u2) so when we feel full of love from the near, we will feel the presence God is in our hearts and in our minds. https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1011692.0.html. Das Fest des Reiches Gottes
Geschrieben von / Warda Isaac Qalou
(Gesegnet sind diejenigen, die im Reich Gottes essen) '' Lu 16:14 ''
Bevor wir zum Thema des Festes kommen, müssen wir die Bedeutung des Wortes (Reich) und des Ausdrucks (Reich Gottes) lernen, damit wir zwischen den vielen Bedeutungen unterscheiden können, die Sie meinen, insbesondere dem Reich Gottes, das Christus sagte über ihn als Gegenwart zwischen uns (Lu 21:17 Und ich starb 28:12) Bevor wir das Reich Gottes suchen, müssen wir unsere Seelen reinigen, um ein Leben in Frömmigkeit im Herzen zu führen (Mt 32: 6) ) und suche dann das Reich Gottes und seine Gerechtigkeit. . Das Königreich ist Gottes Herrschaft über unsere Seelen wegen unserer Liebe zu ihm, weil er unsere ewige Wohnung sein wird. Liebe hat Herzen, wir lieben zuerst alle Menschen, denen wir begegnen, und durch sie werden wir Gott lieben, den wir nicht sehen (Glück 1 u2). Wenn wir uns also aus der Nähe voller Liebe fühlen, werden wir die Gegenwart fühlen, in der Gott ist unsere Herzen und in unseren Gedanken. https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1011692.0.html

129
وحدة المسيحيين وإرتباطهم بالمحبة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكون الجميع واحداً ) " 21:17 "
    المحبة هي أسمى الفضائل ، تُتَخذ من الله لأنه مصدر المحبة ( الله محبة ) فالوثني والملحد لا يستطيعا أن يؤديا فعل المحبة الحقيقي لأن حب كل منهما  سيفتقر إلى العنصر الجوهري الذي يزيل عنه صفة الحب البشري الوضيع الذي لاقيمة له أمام الحب الحقيقي النابع من خالق الحب . وهذا العنصرهو أن يكون الحُب من صنع الله . فالمحبة إما أن تأتي من الله ، وإما أن لا تكون . ومن هذه النقطة يجب أن تنطلق المحبة الصادقة .
   المحبة عطاء من الله للإنسان ، لهذا يقول الرسول ( ... لأن الله أفاض محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبنا أياه ) " رو 5:5 " . مهما حاولنا أن نحب الله بقدراتنا الذاتية ، لم نصل إلى الحب الذي يبتغيه منا كأبناء  ما لم يتح لنا هو نفسه أن نحبه كأولاد بسَكبِهِ روح التبني في قلوبنا . ، لهذا قال الرسول ( إختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة ، إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح نفسه ) " أف 1: 1-5 " المحبة الإلهية تعلمنا الحب للجميع ، حتى لأعدائنا ، ويجب أن نشعر بذلك الحب نحو المؤمنين أولاً ، ولغيرهم ثانياً ، كما تقول الآية ( لنعمل الخير للجميع ولا سيما لأهل الإيمان ) " غل 10:6" . فالمسيحين فيما بينهم هم أخوة وأكثر لأنهم أعضاء في جسد واحد رغم كثرة الأعضاء في الجسم الواحد ( 1 قور 12: 20 ) فالمسيح القائم من الأموات هو مركز الإتحاد والتلاحم لجميع المؤمنين والذي يعتبر كل مؤمن إمتداد لجسده . جميع المؤمنين هم جسد واحد ، وروح واحد ، ورجاء واحد ، وإيمان واحد ، ومعمودية واحدة ، إله وآب واحد للكل " أف 4: 4-6 " . لكن تلك الوحدة التي يلزمها المحبة المتبادلة بين الأعضاء ، أيانا أن ننظر إليها كأنها حقيقة ذاتية ونفسية بحتة ، فالأمر يتعدى ذلك بكثير ، إذ أن إتحاد المسيحيين لا ينتج عن كونهم يحبون بعضهم بعضاً ويؤمنون بالأفكار نفسها ، ومثل هذه المحبة والمشاركة في الأفكار ليست هي سوى الشيء القليل لو لم تكن مبنية على حقيقة موضوعية وخارجة عن إرادتهم . وانهم يحبون ويفهمون بعضهم بعضاً  لأن الروح القدس الواحد يقيم فيهُم حقاً ، والذي سكبه فيهم الرب يسوع ، بعملية نقل سرية لكي يعيشوا حياة واحدة تنبع من ذاته ، ويربطهم بعضهم ببعض في مجال حياة الإيمان أكثر مما تربط قرابة الدم الناس فيما بينهم . إنها وحدة المؤمنين في الكنيسة الواحدة ، جسم المسيح السري الذي جمعه الروح القدس .
   أما القربان المقدس فهو سر هذه الوحدة الرفيعة في الإيمان والمحبة ، يجمعهم على مائدة واحدة ، ويطعمهم خبزاً واحداً سماوياً ، ويحقق ذلك لأنه تكتمل فيه كلياً عملية إتحاد الجميع في جسد المسيح التي ابتدأت في المعمودية ومن ثم تناول الحمل الجديد المذبوح الذي يجعل الشعب يتلاحم على تلك المائدة . فالأفخارستيا ينجز وحدة الكنيسة ويوطدها بشكل سري في جسد إبن الله الممجد ( كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح ؟ فإننا نحن الكثيرين خبز واحد ، جسد واحد ، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد ) " إنظر 1 قور 10 : 16-17 " .
 وما يحتاجه المسيحي لكي يعيش تلك المحبة الأخوية ، يقول الرسول بولس لكل المؤمنين ( فألبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفة ، ولطفاً وتواضعاً ، ووداعة ، وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً إن كان لأحد على أحد شكوى ، كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً . ألبسوا المحبة التي هي رباط الكمال ، وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دعيتم في جسد واحد ) " قول 3: 12-15 " . أما الذي يكون له الأيمان والحب الكامل للمسيح ، لكنه لا يعطف على أخيه أو قريبه ، فالكتاب يدعوه إلى اليقظة ليتجنب النزاعات مع أخيه الإنسان لكي يعيش بحسب دعوة الرب التي تجعل من الجميع أبناء لآب واحد . وعلينا أن نتعلم الكثير من أنشودة المحبة ( 1 قور 13 ) التي أخرج فيها الرسول بولس بكل واقعية الأعتبارات العملية ، مع أعمق وجهات النظر المذهبية . يجب أن نعيد العلاقة مع أخينا الخاطىء مهما كانت منزلته وأن كان فقيراً خاطئاً ، لهذا طلب بولس من فيلمون أن يعيد أحد عبيده إلى عمله ويغفر له ذنوبه ، هكذا أعاد الوحدة بين السيد والعبد .
    نختم مقالنا بالقول : ما يربط أبناء الله ببعضهم هي المحبة التي تتحمل كل شىء وتحتوي كل السلبيات الصادرة من البعض . فالمحبة لا ترتكز على إرادة الإنسان وأفكاره ، بل هي محبة من الله إلى الإنسان لكي يتحمل كل شىء ويعيش بسلام مع الآخرين ، وهي التي ترفع الإنسان إلى النضوج والكمال وتحرر المؤمن من كل التجارب ، والمحبة تفتح الحرية وتحققها ، وهي ( الشىء الكامل الذي لا يسقط ) " 1 قور 13: 8-10 "
 . ولإلهنا المحب المجد دائماً

130
صراعنا مع  قوى الشر الروحية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء ، مع السلاطين ، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السموات ) " أفس 12:6 "
    في البدء ، وقبل وجود الإنسان ، بدأت المعركة بين معسكر الله وبين الملاك لوسيفيرس عدو الله الأول ، وبعد أن خلق الله الإنسان أخذ المتمرد وقواده بتوسيع دائرة الصراع لتشمل الإنسان المخلوق على صورة الله ليدخل معه في صراع دائم ضد الخالق . نجح عدو الخير في إسقاط الإنسان فزادت رقعة المعركة والمواجهة المأساوية بين معسكر الله ومعسكر سيد هذا العالم ، والله أرسل ابنه الوحيد فتجسد وتأنس وصار آدم جديد لهدف دعوة الإنسان للأنضواء تحت راية معسكره . كان للإله المتجسد القدرة لمواجهة خطط العدو، فدخل في معركة حامية معه بعد عماده في مياه نهر الأردن وصيامه الأربعين يوماً فأقهره وفضح خططته وانتصرعليه ، فأعلن الشيطان هزيمته ، لكنه أجل تحديه بعد التجارب الفاشلة إلى حين .
   بدأت البشرية تنتمي إلى أحد المعسكرين ، فيسوع يدعو الجميع إلى قطيعه وتحت راية صليبه لكي يشمل الخلاص للجميع لأنه تجسد ليموت عن كل إنسان . ولوسيفيرس يعمل بكل قوة لخداع الكثيرين للإنتماء تحت رايته ، فيظهرللناس كمن يعمل لمصلحتهم فيبدو لهم كملاك نور ، أو كأسد زائرمخيف يسعى إبعاد الناس من نداء الملك السماوي لكي يتمردوا أولاً ، ومن ثم  يلبوا طلباته ، فعلى الإنسان أن يختار أحد المعسكرين . الذي يكشف خطة عدو الله سيقاومه بكل ثبات طالباً من الرب أن يقوي بصيرته ويعضد قوته بواسطة النعمة لكي تتجلى الصورة الحقيقية للمجرب أمامه ، بعدها سيفضح مكر ودهاء الإبليس الذي قد يجرب الإنسان بأقرب أقربائه ومحبيه ، وتجاربه مستمرة مع العمر لهذا يجب أن يكون الإنسان في حالة أستعداد لمقاومة التجربة في كل وقتٍ ومكان . 
   الشر موجود في العالم ، زرعه الشيطان في زرع الله كالعدو الذي يزرع الزوان في حقل خصمه ، فعلى كل إنسان أن يعلم بأن لديه عدو متربص ككائن سري يعمل في الخفية يخطط له ، وهو أشد ذكاءً منه ، لأنه يمتلك ذكاء وحكمة ملاك  ، يظهر في خطته كأنه جاء بدافع الحب لكي يدافع عن مصلحته كما فعل مع أمنا حواء ، لكن في الحقيقة مجيئه يكون دائماً بدافع الخبث والحقد لتدميرالمخلوق الذي يعبد الله . الله يعطي القوة والحكمة والقدرة للإنسان لكي يقاوم الشرير ويهزمه وكما فعل مع تلاميذه عندما ارسلهم إلى القرى للتبشير بملكوته ، فأعطاهم القدرة لطرد الشياطين والأرواح الشريرة ، فتلك المعركة التي قادها يسوع كانت لكسب بني البشر إلى معسكر الله ، فعند عودة تلاميذه من المعركة ، صرح لهم عن نتائجها ، فقال ( كنت أرى الشيطان يسقط من السماء كالبرق ) " لو 18:10 " . وهكذا نلتمس من قصص العهد الجديد صراعاً واضحاً ، بل معارك مستمرة بين المسيح والشيطان ، فغاية المسيح واضحة ، وهي ( طرد سيد هذا العالم إلى الخارج ) " يو 31 : 12 " . والعدو يستمر مع نسل المرأة " رؤ 11:12 " وإن كانت هزيمته واضحة له مسبقاً ، لأنه لا يكل ولا يمل ولا يخجل من الفشل .
   في جبل التطويبات أعطى يسوع للحاضرين القوة والعزيمة والأمل والفرح الدائم ، فقال لهم : أن أجركم في السماء عظيم ( طالع لو 6: 17-23 ) كان في خطابه تحدياً لأعمال المجرب الكاذب .
   لا شك في أن الوجود البشري في ضوء هذا الواقع يبدو جدياً لكي يتمسك أتباع الراعي الصالح بوصاياه من أجل خلاصهم ولأجل توجيه البشرية إلى عمل الخير والمحبة ، وهكذا سيتقلص معسكر الشريربمواجهة محاولاته الكثيرة لهلاك البشرية . كما على الإنسان أن يتخذ موقفاً واضحاً لكي يقرر إنتمائه ومصيره ، فلا يجوز أن يتخذ موقف الحياد ، فلا يستطيع أحد أن يكون مع المعسكرين ، كما لا يجوز أن يعبد إلهين ، فجاهل من يقول ( ساعة لك وساعة لربك ) .
    الإنتماء الأفضل هو إلى جبهة المسيح لأجل المشاركة في المعركة الضرورية ضد عدو الخير ، ولأبراز نورالأنجيل للعالم أجمع ، والمؤمنين بالمسيح هم نور العالم وملحه وخميرته ، فعلى كل مؤمن أن يدخل المعركة كجندي شجاع إلى آخر لحظة في حياته الزمنية . لا سلام ولا راحة له ما دام عدو هذا العالم  ، لوسيفيرس وأبالسته يعملون ضد معسكر الله ، لهذا فالمسيح لم يأتي ليلقي سلاماً ، بل سيفاً ( طالع لو 12 ) تلك ستكون الخميرة الكبيرة التي تحطم جميع آنية العدو ، ذلك سيكون الصراع مع الأهواء ، مع ظلمات النفس ، وعلينا أن لا نفكر يوماً بأننا سنهزم أثناء المعركة ، بل نضع دائماً النصر أمام أعيننا بعد أن نستعد للقتال . وكما علمنا الرسول بولس أسلوب وطريقة الإستعداد ، قائلاً ( لذلك أتخذوا سلاح الله الكامل ، لتتمكنوا من المقاومة في يوم الشر ، ومن الصمود أيضاً بعد تحقيق كل هدف  ...) " أفس 6 : 13-20 " .
   في الختام نقول : في حياتنا المسيحية لا يوجد هدوء ، بل صراع دائم ، فعلينا أن نتهيأ للمواجهة والتحدي والصمود في كل الجبهات ، وهدوء المؤمن ما هو إلا علامة ضعف وبداية هزيمة يفرح بها العدو ويستغلها لكي يسجل له انتصاراً بإفساد الملكوت المزروع في داخل ذلك الإنسان . فعلى المؤمنين أن يطلبوا في صلواتهم النِّعَم لأفراز خطط المجرب لكي تتجلى لهم الرؤية بوضوح فيجاهدوا ويتحدوا من أجل الإنتصار .
   كانت حياة يسوع كلها صراعاً مستمراً مع قوى الشر ، وحتى عندما كان على الصليب ، وهذا يعني بأن أتباعه أيضاً سيخوضوا الصراع ذاته إلى يوم مغادرتهم لهذا العالم . 
ليتمجد أسم يسوع المنتصر

131
الصوم الكبير – بدايته – غايته – فوائده 

بقلم / وردا إسحاق قلّو

   يقول الرب ( أرجعوا إليّ بكل قلوبكم ، وبالصوم والبكاء والنوح )” يؤ 12:2″

الصوم هو أول وصية إلاهية للإنسان المخلوق في جنة عدن عندما حذر الله الأبوين من تناول ثمار شجرة معرفة الخير والشر( تك 17:2) لكن الإنسان تمرد وعصى وصية الصوم فسقط . في العهدين نقرأ وصية تقول ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) ” تث 3:8 ، مت 4:4 ” الغاية منها هي الإمتناع من متطلبات الجسد والبحث عن غذاء الروح . في العهد القديم بدأ الصوم من عهد موسى الذي صام أربعين يوماً وأربعين ليلة قبل أستلامه للوحي الشريعة من الله على الجبل . وبعد ذلك تم تحديد مواعيد للصوم من قبل الله للشعب العبري للعمل بها جماعياً ( طالع زك 19:8 ) كما نقرأ في العهد القديم صوم أستير ، وصوم نينوى ، وصوم الشعب اليهودي أيام عزرا ونحميا ويوئيل . 
وفي العهد الجديد كان الرب يسوع بكر الصائمين ، صام أربعين يوماً وأربعين ليلة وعليه اتخذت الكنيسة هذا الرقم لصيام الصوم الكبير الذي يسبق صوم أسبوع الآلام . بعد أن رفع العريس إلى السماء في يوم الصعود ، بدأ الرسل بالصوم حتى يوم حلول الروح المعزي عليهم يوم العنصرة . بعد صوم الأربعين تبدأ الكنيسة بصوم أسبوع الآلام تستذكر في صلواتها الطقسية مأساة أبناء الكرمة الغير أمينة من الشعب اليهودي الذين أخرجو إبن صاحب الكرم ، الوارث الوحيد خارج الكرم ( أورشليم ) وذبحوه على خشبة الصليب ، ومن الصليب نبتت الكرمة الجديدة ، شعب جديد ( كنيسة الرب ) التي غرسها يمين الرب وغذاها الروح القدس . فكما من جنب آدم خرجت حواء ، كذلك من جنب يسوع على الصليب ، خرجت الكنيسة ، كرمة شعب الله المحبوبة المدللة . أعطى لأبنائها جسده ودمه رمزاً في العشاء السري ، وفي اليوم التالي وعلى الصليب صار الرمز حقيقة . 
قبل الصوم الأربعيني على المؤمن أن يستعد نفسياً وجسدياً قبل الدخول في معركة الصوم ، لأن في أيام الصوم التي نخضع اجسادنا لأرواحنا ، فالروح سيتغذى من الصوم وينتعش فيصبح هو من يقود الجسد الجائع لتصبح حياة الصائم روحانية . الصوم هو صلب الذات والذي يبدأ بالتوبة ، بعد ذلك يذلل الجسد بالجوع الذي يرافقه الصلاة والقراءات في أسفار الكتاب المقدس وهكذا ينتعش الروح وينطلق للسير في طريق الرب ، لا وبل إلى حضن الآب وهو يصرخ قائلاً ( يا أبانا ، الآب ) ” رو 15:8 ” . كما أن الصوم يشعرنا بمشاركتنا الرب في آلامه . الصوم هو إعلان حرب ضد المجرب الذي يجرب الإنسان عندما يراه جائعاً وضعيفاً ، كما جرب يسوع عندما جاع في نهاية صومه الأربعيني . وهكذا يصوم الإنسان من عمل الخطيئة وهو الهدف الأسمى من الصوم لتطهير النفس . وبهذا يتحرر المؤمن من شهوات الذات ، ومن أنانيته من أجل خدمة الآخر ، فما كان ينتعش به الجسد من طعام وشراب سيعطى للجائع الفقير ، وهكذا يقمع الصائم جسده لينمو في الروح . 
إذاً الصوم ليس غاية ، بل وسيلة توصّلنا إلى الغاية . والغاية هي نمو الروح . الصوم هو وسيلة أيضاً للعبادة بالروح والجسد معاً ( طالع مت 6 ) كذلك هو وسيلة للتوبة ( يوئيل 12:2 ) كما فعل أهل نينوى . والصوم وسيلة أيضاً لغاية الخدمة ، فالرسل صاموا فأفرزوا برنابا وشاول للعمل ( أع 2: 13 ) . كان الآباء يستغلون فترة الصوم للوعظ كما كان يفعل القديس يوحنا ذهبي الفم والآخرين . كانت الكنيسة في فترة الصوم الكبير تعد المقبلين للعماد بالوعظ والأرشاد والصلواة . ولكي يشعر الصائم بحلاوة الصوم وقوته وعطائه فيجب أن يقترنه ب ( الصلاة والصدقة والصفح ) وهذه هي أركان العبادة الحقيقية ، يرافقها العمل بكل الوصايا وذلك بالصوم من عمل الخطيئة . فالصوم هو لجام الحواس به نقمع الجسد ونستعبده ( 1 قور 27:9 ) وهكذا يؤكد للمؤمن إنتصاراً وصوماً مقبولاً .
لصوم والصلاة قوة لطرد الأرواح الشريرة ، قال الرب ( هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم ) ” مت 20:17 ” وأثناء الصوم يتضع المؤمن أمام الله والناس ( أذللت بالصوم نفسي ) ” مز 13:35 ” وبالصوم يقترب الغني من الفقير عندما يشعر بأحتياجاته فيصبح صومه مثمراً عندما يكسر للجائع خبزه ، وبالصوم والصلاة نرضي السماء فيحصل من الرب يد العون فيزيل المرض والحروب وغيرها من وسطنا . وعلينا أن نعترف بأن للصوم فوائد لصحة الجسد ، فصحة دانيال الذي صام من أطاييب الملك كانت أفضل من صحة الذين كانوا يتمتعون بتلك الأطعمة . وأشعياء النبي يؤكد لنا بأن الصوم صحي لجسد الصائم ، فيقول ( حينئذ تنبت صحتك سريعاً وينشط عظامك فتصير كجنة ريا ) ” 58: 9، 11 ” . 

في الختام نقول : على المؤمن أن لا يكتفي بالصوم التي حددته الكنيسة المقدسة في الصوم الكبير والتي هي يومين فقط ( اليوم الأول ، ويوم جمعة الآلام ) فقط ، لأن ما يصومه الإنسان في هذه الفترة القصبرة لا تكفي لمساعدة الفقير ، كما لا تكفي لنمو الروح ، أما سبب تقليص الكنيسة لأيام الصوم فهو لقلة إيماننا ، أما المؤمن الحقيقي الذي يريد أن يعيش في القداسة فعليه أن يصوم الصوم كله لأن أيام الصوم الكبير وخاصة أيام أسبوع الآلام هي من أقدس أيام السنة فعلينا أن نتبارك ونتقدس بها . بالصوم والصلاة والتوبة يستعد المؤمن لتناول الفصح بأستحقاق وفرح وغبطة .

ليقبل الرب صومنا وصلاتنا ويطهر قلوبنا وحياتنا . 

132
آيات يسوع أثبتت أنه المسيح المنتظر

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قبل أن يحل ملء الزمان ويتجسد المسيح ويولد من العذراء في مغارة بيت لحم ، تنبأ به الأنبياء ، وتلك النبؤات كان مصدرها الوحي الإلهي ، أتت لتسبق مجىء المسيح وأعماله المعجزية . بعد التجسد أعلن يسوع أنه أبن الله الحي ، ومشابه للآب ومساوي له في الجوهر . وهو في الآب والآب فيه ، وغيرها من الأقوال . لكن ليثبت تلك الأقوال بالعجائب . فالأعجوبة الحقيقية هي علامة جليّة لتَدخل الله المباشر في أمور الناس . فكل ما قام به يسوع من أقوال وتعليم مقرون بالمعجزات كان يبرهن للناس أنه أبن الله المتجسد بينهم . وخاتمة المعجزات التي برزت فوق كل المعجزات كانت قيامته من بين الأموات بقدرته الفائقة كاسراً شوكة الموت .

لأعاجيب المسيح وجهان : وجه يكشف مافي داخله من محبة وعطف وحنان لمن يقدم له المعجزة ، كالمريض ، والمتألم ، والمحتاج . والوجه الآخريبرهن للحاضريبن والسامعين عن قدرته الإلهية الفائقة لأجل الإيمان بالله القدير بسبب تلك الآية ، وذلك لأن الآية كانت تشكل قوة برهان حقيقية مرئية وملموسة ومسموعة أمام الحاضرين . فهدفه الأول من معجزة الشفاء مثلاً هو شفاء المريض ومن معه روحياً ، فبسبب شفاء الواحد جسدياً كان يؤمن به الكثيرين ، وهو كان يقصد شفاء النفس قبل شفاء الجسد . لهذا قال لمخلوع ( تشجع يا أبني ، فقد غفرت لك خطاياك ) وللآخرين الذين نالوا منه الشفاء ( لا تعودوا إلى الخطيئة أيضاً ) لكن اليهود الحاضرين عارضوا قوله في موضوع مغفرة الخطايا ، لأنهم يؤمنون بأن الله وحده يغفر الخطايا لكونهم لا يعلموا بأنه هو الله المتجسد بينهم وله القدرة على المغفرة وشفاء الجسد في آنٍ معاً .

معجزات يسوع أثبتت أنه المسيح المنتظر . فيوحنا المعمدان الذي وضعه هيرودس في السجن سمع بيسوع بأنه يجوب كل المناطق ويجترح العجائب ، ويعلم بسلطان ، فشعريوحنا الذي عمده ورأى الروح القدس قد حلّ عليه على هيئة حمام ، إضافة إلى علمه بنبؤات العهد القديم ، لكن رغم ذلك كان الشك يراوده ، لهذا أراد ان يتأكد وخاصة بعد سماعه بتفاصيل أخبار يسوع المعجزية فشعر بالبهجة ووصل إلى الإيمان بانه المسيح المنتظر . لهذا أوصى تلاميذه للذهاب إليه ليسألوه عن حقيقة أمره ، فنقلوا الخبر إلى يسوع ، فأجابهم قائلاً ( إذهبوا وأخبروا يوحنا بما رأيتم وسمعتم ، العميان يبصرون ، العرج يمشون ، والبرص يطهرون  والصم يسمعون ، والموتى يقومون ، والمساكين يبشرون … وطوبى لمن لا يشك فيّ ) ” لو 7: 22-23 ”  . ( وهذا ما تنيأ به أشعياء ، فقال في 35: 5-6  ” حينئذ تنفتح عيون العميان ، وأذن الصم تنفتح ، وحينئذ يقفز الأعرج كالأيل ويهتف لسان الأبكم … ) كان في إجابة يسوع معاني كثيرة . وفي معجزاته نجد القوة والسلطة على الأرواح ، وعلى كل قوانين الطبيعة ، مما يدل على أنه يمتلك قوة تفوق قوة البشر . وتلك الأعاجيب كانت من صنع الله ، أو من يعمل بأسمه . ومعجزاته كانت علامات تحرير الإنسان من رواسب الماضي بيحل فيه ملك الله ، فالمعجزات تظهر ملك الله بالأعمال . لم يأتِ يسوع ليقلب نظام الطبيعة الذي أسسه ، بل أتى بعلامات تبين مقدماً ما سيكون ملك الله عندما يكتمل النظام الطبيعي ، بل هي علامات حقيقية أعمق تحررما من آخر أنواع عيودية الشر .

للطبيعة قوانينها ، وكل شىء يسير وفق تلك القوانين ، وإن كان هناك خرقاً واضحاً وحقيقياً لتلك القوانين ، ندرك بما لا يقبل الشك إننا أمام قدرة تفوق قوانين الطبيعة ، فإما هي من الله أو من روح شريرة . فالقوة الصادرة من الروح التي هي من الله تعمل لمجده . أما روح الشر فيحقق من خلال معجزاته التي تخدم أهداف أنانيته وحقده ، لكن سرعان ما يظهر مكره وغايته فتبدد وعوده لتحل محلها الخيبة في النفس ، ومن ثم الضياع لمن يتكل عليه .

ما يساعد على أستيضاح طبيعة الأعاجيب والمعجزات الخارقة ، النظر عن كثب في ما يحيط بها من وقائع وما يكتنف حدوثها من ظروف . فما يسبق الأعجوبة ، وما ينتج منها إنما هو دائماً أمر حسن . في الأعجوبة خبر في البداية ، وأثنائها كما في النهاية .

كانت حياة يسوع مليئة بالأعمال المعجزية المدهشة لأن قدرة الله بدت جلية فيها ، ويسوع الذي كان يعمل أعمال أبيه غدا أسطع صورة لحضور الله بين البشر . وهكذا أثبت بالأدلة والبراهين وآيات خارقة بأنه الإله المتجسد والكلي القدرة . بدأ بالمعجزات من قانا الجليل عندما حول الماء خمراً ، وطهر البرص ، ملأ شبكة بطرس والتلاميذ فجأة بالسمك الكبير ، كما نراه يسير على الماء ، ويتسابق مع الزمن فرأوه التلاميذ في الهزيع الأخير من الليل بقرب مركبهم علماً بأنهم تركوه في الجبل يصلي . وخمس خبزات وسمكتان تطعمان الآلاف ، والموتى يقيمهم ، وغيرها من المعجزات التي ليست هي ببرهان على قدرة الله التي في المسيح فحسب ، بل هي بمثابة حافز للأجيال لكي يولون الثقة بذلك الإله الذي قام من بين الأموات . واليوم نؤمن به دون أن نراه أو نلتمس جراحه لأنه مصدر ذلك الحب الذي يترجم قدرته الخارقة لكي نؤمن به ، ونتكل عليه متذكرين قول الرسول بطرس لنا ( ألقوا عليه جميع همكم فإنه يعني بكم ) وهذا القول يتعاطف مع قوله للمؤمنين به ( تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم … )

ختاماً نقول : علينا أن نشكر الله على كل عمل معجزي ناتج من المواهب الفائقة التي لا يمكن لأحد أن يشك بعمل فاعلها ، بل يلتمس خيراتها ، وعظم منافعها للروح ، فما عمل يسوع وقديسيه ، وما يعمله اليوم الروح القدس في كنائسنا عندما يحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم يسوع على مذابح الكنائس ، أنه عمل معجزي فوق مستوى إدراك العقل البشري يحدث في سر لا ينطق به .

أعمال يسوع المعجزية كشفاء المقعدين وإقامة الموتى ، وفتح عيون العميان وغيرها من الأعمال أثبت فعلاً حقيقة كونه إبن الله ، والله الآب أعلن هذه الحقيقة عندما تعمد في نهر الأردن ، وفي يوم التجلي على الجبل أمام الرسل الثلاثة الذين سمعوا صوته يقول ( هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت ) وصعوده إلى السماء أمام حشد من المؤمنين به ، وكذلك سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات . إنه المسيح المنتظر الذي تنتظره البشرية كلها .

133
توبة وصوم أهل نينوى ( ܨܘܡܐܵ ܕܒܵܥܘ݂ܬܵܐ ܕܢܝܢܘܵܝ̈ܐ )
  بقلم / وردا إسحاق قلّو

ܡܵܪܲܢ ܡܪܵܚܸܡ ܐܸܠܲܢ ܀ ܡܵܪܲܢ ܩܒܘ݁ܠܵܐ ܒܲـܐܘܼܬܼܲܢ ܀ ܡܵܪܲܢ ܫܦܘ݁ܪ ܒܥܵܘ̈ܕܹܐ ܕܝܼܘ݁ܟܼ ܀
مارن مراحم إلّن . مارَن قبولا باؤوثن . مارَن شبور بعَودي دِّيوخ

    التوبة قرار شخصي أو جماعي للعودة إلى الطريق الصحيح . ففي الكتاب المقدس نجد أرتباط واضح بين التوبة والمغفرة . لا مغفرة بدون إعلان التوبة ، لهذا يقول الكتاب ( توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم ) ” أع 19: 3 ” . و الكتاب المقدس لا يكتفي بهذا الطلب ، بل يطلب اعمالاً تثبت للتوبة مصداقيتها ، فيقول ( أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ) ” مت 8:3″ . كالصفح والصلاة والصدقة والصوم ، وهكذا يعيش التائب حياة طاهرة ويقترب من الله . وفي هذا المقال نجد أن غاية إرسال الله ليونان إلى أهل نينوى كان لأنذارها لكي تتوب . والتوبة تغيّر قرارات الله  . فالذي يبقي في الخطيئة ، ينتظره الحساب والهلاك ، لأن أجرة الخطيئة هي الموت .   
   الله يحب كل الناس ، ويريد خلاص الجميع ، عكس ما كان يؤمن به يونان بأن الخلاص هو لشعبه المختار فقط ، وكان هذا أحد الأسباب التي دفعته إلى التمرد ، والعصيان ، والحقد ، والأنتقام من أهل نينوى . أما سبب إصرار الله في إرسال يونان وليس غيره ، هو لكي يعطي يونان درساً بليغاً  فلا يتحدى إرادته ، لهذا أطال صبره عليه ، ولم يسحب منه درجة النبوة ، ولم يقصيه من مهمته تلك ، بل أراد أن يقوده إلى طريق الصواب والمحبة لكي يفهم الدرس جيداً ويتوب هو أولاً قبل أهل نينوى ، فرغم إستغلال يونان طول أناة الله الذي كان يتعامل معه بكل شفافية ودقة وترتيب ، كان الله أيضاً مسيطراً عليه ، وعلى البحر ، وعلى القرعة التي جعلها أن تكون من نصيبه ، وعلى العاصفة ، والحوت ، وأخيراً حتى على اليقطينة التي أحبها يونان .
   في جوف الحوت تاب يونان وصلى إلى الرب وصام ثلاثة أيام ، ومن صومه جاء صوم الباعوثة ثلاثة أيام ، وليس من صوم أهل نينوى الذي لم يحدد لنا السفر مدة صيامهم . وبقائه في الحوت ثلاثة أيام كان صورة ونبؤة لبقاء يسوع في باطن الأرض ، فيقول الكتاب ( لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام ، هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض ) ” مت 4:12 ” .
    تاب يونان وصلى صلاة ملؤها الإيمان والثقة بالله ، قائلاً : ومن جوف الهاوية ابتهلت فسمعت صوتي … فاكتنفني الغمر وأحاطت بي تياراتك ولججك …عندما وَهَنَت نفسي في داخلي ، تذكرت إلهي ، فحلقت صلاتي إليك ، إلى هيكلك المقدس الكائن في أورشليم . بهذا الإيمان المطلق أستطاع أن يحوِل صلاته إلى ثقة مرجوة  ، فقال ( أما أنا فبصوت شكرٍ أذبح لك ، ومانذرته أوفي به ، لأن للرب الخلاص ) ” يون 9:2 ” .
   كان يونان على يقين تام من قبول الله لتوبته لأنه نبي عجيب ، كونه رجل الإيمان العميق  ، لهذا أختاره الله ولم يشأ أن يختار غيره رغم تمرده ، وحساب الله وقراراته لا ندرك عمقها نحن البشر . نعم تاب يونان وخرج من جوف الحوت وذهب لتنفيذ الأمر وأنذر نينوى العظيمة ، ولماذا سميت بالعظيمة ثلاثة ( طالع يون 2:1 و 2:3 و 3:3 ) علماً بأنها مدينة أممية وثنية منتنة بالخطايا التي صعدت إلى عرش الله . وكذلك سماها عظيمة للمرة الرابعة في الآية الأخيرة التي ختم بها السفر . فهل لكبر حجم المدينة وكثرة سكانها ، أم لشهرتها وقوتها العسكرية ، أم لكونها وثنية فتابت وآمنت بالله وقدرته أكثر من يونان الذي أنذرها ؟
   بسبب يونان تاب البحارة الوثنيون أولاً فبدأوا يتذرعون طالبين من إله يونان الخلاص ، ومن ثم أهل نينوى الذين صدقوا إنذاره ، ويونان غضب عليهم بدلاً من أن يفرح لنجاحه في إرساليته . بينما فرح باليقطينة التي ظللته لوقت قصير .
   تاب أهل نينوى فأعلنوا الصيام ، وارتدوا المسوح من ملكهم إلى صغيرهم ، ورفضوا طريق الخطيئة تائبين عائدين إلى الله الذي لم يكن إلههم ، لكنهم كانوا يعرفونه . لما رأى الله توبتهم عن أعمالهم الرديئة ، قبل التوبة وندم عن الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه . تابوا وعادوا إلى الله كتوبة الأبن الشاطر الذي أعلن توبته فقرر العودة إلى حضن والده تائباً متضعاً . فخطوات التوبة الحقيقية تبدأ بمراجعة النفس ، والندم ، ثم القرار لتنفيذ أمر التوبة وبكل إنسحاق وكأهل نينوى ، ثم التنفيذ بكل عزيمة ، ولا يجوز تأخير التوبة كما يقول أبن سيراخ في سفره ، بل السرعة مطلوبة خاصةً في التوبة
   قال مار أفرام السرياني ( اليوم هو لك ، أما الغد فلم تدري لمن يكون ) فعلينا أن لا نؤجل توبة اليوم إلى الغد . يجب أن نسرع في طلبها قبل أن يطلبنا الموت ونحن خاطئين . الله طويل الأناة ، يعطي لنا الوقت للتوبة ، فعلينا أن نستغل الوقت لنتوب فنتطهر .
  رفع الله عن أهل نينوى الغضب بسبب توبتهم ، هكذا بالتوبة والأعتراف والأعمال الصالحة  نعود إلى حضن الله ، لهذا قيل ( إثمروا ثماراً تليق بالتوبة .. ) ” لو 8:3 ” فالتائب هو الإنسان المتضع الذي يشعر بأنه الأدنى بين الناس تسنده صلاته التي تقربه من الله ، والذي أنقذ يونان من جوف الحوت كانت توبته وصلاته . وأهل نينوى أنقذتهم بوبتهم وصومهم وتذرعاتهم ، فعلينا أن نتخذ من قصة أهل نينوى درساً لنا ولا نعود أيضاً إلى الخطيئة كما عادت نينوى بعد التوبة فدمرها الرب كسدوم وعمورة إلى الأبد ولم يبقى منها إلا أجزاء من أسوارها لتشهد لها ، وهذا ما فعله الله أيضاً ببابل العظيمة الخاطئة .
  لنقتدي بأهل نينوى فنصوم صوم الباعوثة متذرعين إلى الرب لكي يشملنا عطفه وحنانه ويطهر بلاد النهرين من كل البلايا ليعود السلام والفرح والإيمان الحقيقي إلى القلوب فيحصل الفرح في السماء ولشعبنا المظلوم .

ولإلهنا المحب الغافر المجد دائماً .

134
الصمود في التوبة وعدم العودة إلى الخطيئة

بقلم / وردا إسحاق قلّو
     
 الإنسان لم يخلق كاملاً لأن الكمال لله وحده ، ففي الإنسان ضعفات يستغلها المجرب للنيل منه في التجارب التي يعدها له ، فأقتراف الخطيئة بسبب الضعف ليس عيباً ، لكن العيب هو الأستمرار في السقوط وعدم التوبة وإصلاح النفس . والعودة إلى الصواب ليس صعباً إذا كان المؤمن قد دَرّب نفسه لليقضة والإستعداد للعودة إلى طريق التوبة والمصالحة . فد تكون تلك العودة لفترة زمنية قصيرة ثم يضعف ليقترف نفس الخطيئة . إذاً مطلوب من المؤمن أن يحتفظ بنقاوته وتوبته وطهارته ، لهذا عليه أن لا ينسى التوبة والندامة من أجل تطهير الذات .
   الإنسان الذي يعود من طريق الخطيئة نادماً ومعترفاً سيستحق تناول الأسرار المقدسة ، لكن عدو الخير لا يمل ، بل سيلاحقه فيراقب حركاته بدقة لكي يتحفه بتجارب أخرى ليفقد طهارته  لكي لا يتخطى نحو طريق الكمال الروحي . ، فالإنسان يبدأ بالطهارة ، ثم يدخل في تجارب كثيرة ويسقط في الكثير منها ، فكل الهالكين بدأوا طريقهم بالنقاوة ثم سقطوا . الشيطان نفسه بدأ مع الله كملاك طاهر ومنير( كامل الجمال وملآن حكمة ) لكنه لم يكمل المشوار مع الله ، فكم بالحري الإنسان الذي عرف الخطيئة وعاشها لفترة ثم تاب ، فهل يستطيع الصمود في توبته ؟
   عندما نتطلع إلى قصص الكتاب المقدس فنجد الكثيرمنها تتحدث عن هذا الموضوع . ففي سفر القضاة كانت التوبة تستمر أحياناً عند شعب إسرائيل عشرات السنين ، لكنهم كانوا يعودون إلى الخطيئة ويبتعدون من الخالق الذي كان يتدخل لكي يخلصهم بواسطة أحد القضاة الذي يختاره ليقيمه عليهم لكي ينصحهم لكي يتوبوا فكانوا يعملون بحسب أقواله . لكن عند موت ذلك القاضي سرعان ما كان الشعب يفسد أكثر من آبائه فيترك الله لكي يلجأ إلى عبادة آلهة أخرى ( إنظر إلى قض 19:2 ) . يقول الكتاب ( واستراحت الأرض أربعين سنة ، إلى أن مات عثنيئيل بن قناز ، فعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب ...) " قض 3: 11-12 " . كذلك نقرأ ( واستراحت الأرض ثمانين سنة ، وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب بعد موت إهود ) " قض 3:3 و 1:4 " وتستمر الحالة ، لهذا تقول آية أخرى ( واستراحت الأرض أربعين سنة ... وعمل بنو اسرائيل الشر في عيني الرب ) " قض 31:5 و 1:6 " وقصص تتكرر في حياة الشعب نفسه كشعب أو كفرد واحد . لأن قلوبهم لم تكن ثابتة مع الرب ، وتوبتهم لم تكن قلبية . أي أن الخطيئة لم تنتهي من فكرهم ، بل يستمرون باقترافها ، لهذا شَبّه الرسول بطرس العائد إلى الخطيئة بمثل قاسي ، قال ( الكلب عاد إلى قيئه ) " 2 بط 22:2 " .
    أجل الكثيرون ساروا مع الرب مرحلة طويلة ، لكنهم لم يستطيعوا الصمود ، فهؤلاء لا ينطبق عليهم قول القديس بولس ( أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد ) " غل 3:3 " . ومن الأمثلة الواضحة عن هؤلاء ، شاول الملك الذي اختاره الله من بين الشعب ومسحه صموئيل النبي ملكاً ، وحل عليه روح الرب ، وأعطاه الرب قلباً آخر فتنبأ حتى تعجب البعض ، ومع هذا عاد فأخطأ ، وكثرت أخطائه وأستمر عليها إلى أن رفضه الرب .
   في العهد الجديد نقرأ عن التلميذ ( ديماس ) الذي كان أحد مساعدي الرسول بولس في الخدمة والكرازة . أي كان أحد أعمدة الكنيسة المشهورين . قال عنه بولس ، إنه أحد العاملين البارزين معه مثل ( مرقس وأرسترخس وديماس ولوقا ) " غل 24 " ونهايته وصفها بولس قائلاً : ( قد تركني إذ أحب العالم الحاضر ) " 2 تي 11:4 " . عاد إلى العالم ، ومحبة العالم هي عداوة لله ، فعلينا نحن أن نحترس من هذا العالم ومقتنياته  لأنه يسرق محبتنا للخالق . كل الهراطقة لم تبدأ حياتهم وتاريخهم كهراطقة أعداء للإيمان ، كالراهب أوطيخا الذي كان أفضل رهبان القسطنطينية ، ورئيس رهبنة ، لكنه فشل في أكمال مسيرته الطاهرة . كذلك آريوس كان كاهناً ، ومن أفضل وأقوى كهنة الأسكندرية . كذلك أوريجانوس كان أعظم عالم في عصره ، كان زاهداً ومدافِعاً عن الإيمان ، لكن أخيراً سقط لكي تنطبق عليه العبارة الأليمة ( أيها البرج العالي كيف سقطت ؟ ) وهكذا يسقط الإنسان في لحظة طرفة عين ليهلك إلى الأبد كزوجة لوط الخارجة من أتون سدوم وكانت يدها في يد الملاك ولم تحترق مع المدينة وأهلها ، بل كان يقودها ملاك الرب مع عائلتها بسلام ، لكنها حنت إلى أهلها ، أي إلى الخطيئة فنظرت إلى الوراء فهلكت في الحال ، وهكذا ينطبق عليها قول الرب يسوع ( من وضع يده على المحراث ونظر إلى الخلف لا يدخل إلى ملكوت الله ) .
    التوبة والعودة من الخطيئة لا تعطي الإنسان العصمة النهائية ، فليس هناك أحد بلا خطيئة سوى الله وحده " مت 17: 19 " فعلى الإنسان أن يجاهد من أجل البقاء على خط الصلاح من أجل الخلاص كما قال الرسول ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) " في 12:2 " فليس المهم إننا أبتدأنا ، بل الأهم هو أن نكمل المسير في الطريق القويم حتى ساعة إنتهاء أيام غربتنا على هذه الأرض .
       أخيراً ، علينا أن لا نعود إلى الوراء لأن طريق الخلاص طويل وشاق مملوء بأشواك التجارب فيجب مقاومتها ، كما علينا أن نفرز المطلوب منا والأهم في حياتنا الزمنية ونحن نسير ونتقدم في خطوات مدروسة كل يوم نحو الأبدية ، وإن سقطنا فعلينا بالنهوض بسرعة لكي ننمو ونتقدم ، والنمو يقينا من الضعف والسقوط ، فكل كائن ينمو وإن توقف عن النمو توقفت الحياة عنده فيبدأ بالذبول ثم الموت . الروح الموجود في المؤمن هو روح ألهي حي قابل للنمو إذ وجد وسائل وعوامل للنمو التي هي النعمة التي يتغذى منها ويشبع ويتزايد حتى يصل الكمال ، أي إلى قياس قامة المسيح الكامل ، ننمو في كل شىء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح ( أف 4: 13-15 ) .
   الإنسان الجاد في روحانياته يحترم مبادئه ويعمل لخدمتها فيتميز بالثبات ، لا يتزعزع لأن له قلب قوي لا يضعف أمام التجارب ، بل يقاومها بإيمان جاد ، والجدية تمنحه حرارة روحية تدفعه كل حين إلى قدام لأنه يجاهد من أجل النقاوة والكمال ، ومن أجل الخلاص .


135

أساس تفعيل المعجزة هو الإيمان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لو كان لديكم إيمان بقدر حبة خردل قلتم لهذا الجبل : أنتقل من هنا إلى هناك ، فينتقل .. ) “مت 17 :20 ”

     بعد تجسد المسيح في الإنسان ، فجر طاقات موجودة ومخفية داخل الأرض وفي البشر ، كانت تحتاج إلى تفعيل بقوة إيمان الإنسان للحصول على نشاطات ومعجزات خارقة لقوانين الطبيعة ( فكل شىء ممكن للذي يؤمن ) ” مر 23:9 ” في الإنجيل تلميحات كثيرة إلى هذه الفكرة ، فالمسيح الذي كان يشفي مريضاً كان عمل شفائه يركّز على القوة الإيمانية النابعة من داخل المريض . ونحن البشر لا نعلم مدى فعالية تلك الطاقات العظيمة المكنونة في داخلنا . في أميركا تيار أسمه ( الشفاء بالإيمان ) يتم شفاء المريض بدون تعاطي العقاقير والأدوية ، وذلك بتفعيل وإبراز الطاقة الكامنة في المريض . . كما تستعمل هذه الطريقة في علم النفس ، وقد أيد الفكرة العالم النفساني الشهير ( كارل يونج ) فهو يؤكد العلاج عن طريق إيمان الشخص ، هذا التيار يكشف لنا أن العلاج الجسماني والنفساني كلاهما مرتبط بحالة إيمانية خاصة تفتح أبواباً داخل الفرد وتدفعه للأنطلاق ، كقول الرب ( قُم فأحمل فراشك وإمش ) ” يو 8:5″  . فما كان يفعله المسيح هو تفجير تلك الطاقات المخزونة ، مع زرع الثقة بالنفس . وكذلك فعل بطرس الرسول بالرجل الكسيح المطروح عند باب الهيكل ( باب الجميل ) ” أع 2:3 ” .

        يسوع المسيح أعطى الحياة وسمح لتلك الطاقات في البشر أن تعطي ثمارها ، كما أعطى لكل المؤمنين به أن يعملوا المعجزات مثله بأستخدام طاقة الإيمان ، فقال لهم ( … من آمن بي يعمل هو أيضاً الأعمال التي أعملها أنا ، بل أعظم منها ) ” يو 12:14 ” فعلينا كبشر أن نبحث عن تلك القدرات الموجودة في داخلنا . الأنجيل أعطى للإنسان قيمة ودروس وثقة لكي يفهم بأن في داخله ينبوع من الطاقات يتدفق لعمل المعجزات أسمه ( النِعمة ) وهو يصفها بالينبوع الذي يتدفق بأستمرار ويتجدد بداخلنا . وهذه القوّة تجعل المؤمن متفوقاً على ذاته ، والدعوة للتفوق هي صفة ملازمة للإنسان . على الإنسان أن يتقدم ويتطور باستمرار إلى ما لا نهاية وإلى إنجازات يصعب تخَيّلها ، كالمجالات الصناعية والعلمية والزراعية وغيرها ، لأن الحياة التي وهبت لنا هي حياة إلهية عظيمة ، ودعوة كل إنسان هي دعوة إلى الآلوهية التي لا حدود لها ، فكل من يؤمن ستتحقق من خلاله المعجزة ، وهذا ما وضحه لنا يسوع عندما نطلب من الآب باسمه سيحقق لنا عندما يخلو طلبنا من الشك ، وعلينا أن لا ننسى بأن روح الله الساكن فينا يعضدنا ، وهذا هو لب إيماننا المسيحي ، فبإيماننا نستطيع أن نفرض طلباتنا وننزع ما نريد من الخالق . فالإيمان هونوع من الخطف ، به نخطف مما للمسيح ونجعله لنا . المرأة النازفة فهمت هذا الدرس جيداً وأرادت أن تطبقه لكي تنال الشفاء ، فجاءت من خلف يسوع بهدوء كالسارق ولمست ثوبه دون أن يشعر بها أحد ، فحدثت المعجزة بقوة إيمانها وأنتزعت مما أرادت من الخالق دون أن يقرر ذلك . بإيمانها اغتصبت ما أرادت . وبإيماننا نحن نستطيع أن نسلب ما لله التي في المسيح يسوع لتمر فينا بقدر ما نؤمن به نحن . والرب يسوع وضّحَ لنا ذلك ، فكان يقول لطالبي المعجزة ليكن بحسب أيمانكم . فالذي يؤمن بالمسيح وقدرته ، حتى وأن كان من الأمم ستحدث له المعجزة أيضاً كالمرأة الكنعانية التي طلبت من يسوع أن يخرج الشيطان من أبنتها ، ويسوع أراد أن يجرب إيمانها القوي ، فقال لها ( ليس من الصواب أن يؤخذ خبز البنين ويطرح لجراء الكلاب ! ) ورغم هذه الإهانة إيمانها ظل صامداً ولا تريد فراقه قبل أن تنزع منه الطلب ، فأجابته ( صحيح يا سيد ، ولكن جراء الكلاب تأكل من الفتاتِ الذي يسقط من موائد أصحابها ! ) فأجابها ( أيتها المرأة ، عظيم إيمانك ! فليكن لك ما تطلبين ! فشفيت ابنتها من تلك الساعة ) ” مت 15: 21-28 ” . واليوم نجد الكثيرين من ألمنتمين إلى أديان أخرى يلتجأون إلى الكنائس طالبين الشفاء أو طلبات أخرى فينالونها بإيمانهم .

   الإيمان الغير مشروط والمجرد من الشكوك تم في مريم العذراء عندما بلغها الملاك بأمر مستحيل وهو حبلها من دون زواج ، فسِّر حلول اللاهوت فيها كان بسبب إيمانها بالمستحيل فتحقق ، وهكذا للإيمان قوة ليس في عمل المعجزات فقط ، بل للحصول على الحياة الأبدية ، فالخلاص نحصل عليه بالإيمان ( … من آمن فله الحياة الأبدية ) ” يو 47:6 ” فمن يؤمن بالمسيح سيحصل على الحياة التي فيه والتي نحصل عليها لمجرد إيماننا به كما حدث للمصاوب على يمبنه . وبالإيمان يحدث لنا كل شىء ، والمسيح كان يسأل عن إيمان طالب الطلب قبل أن يفجر فيه طاقة الشفاء أو أي طلب آخر . فعندما كان يشفي الذي يلتمس منه الشفاء كان يرد عليه ( إيمانك شفاك ) وكما قال للأعمى ( مر 52:10 ) وللأمرأة المنزوفة ( مت 22:9 ) وليايروس ( لو 5:8 ) الإيمان إذن هو أساس لتفعيل تلك الطاقة الموجودة بداخل الإنسان الذي يتفتح على بعد معيّن فيجد في ذاته شفاءه .

ليتمجد أسم الرب يسوع


136
وِلادة الله في الإنسان والإنسان في الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

خلق الله الإنسان ليسبحه ويكرمه ويخدمه ، لكن الإنسان سرعان ما وقع في الخطيئة ، فالخطيئة صارت حاجزاً بين الخالق وعبده . فالإنسان الخاطىء مدعوا إلى ولادة جديدة وعبور ثان،وإلى علاقة جديدة مع الله . كما إنه مدعو إلى الآلوهة . وتلك الآلوهة لا يستطيع الإنسان بلوغها بقدراته الذاتية دون أن يتدخل الله لكي يعيد تلك العلاقة كهبة مجانية بدافع حبه اللامحدود للإنسان لكي ينال الخلاص بعد أن يوفي العدل الإلهي على الصليب. نَظَرَ الأقانيم الثلاثة في عرش الله إلى وجه الأرض الغاصة ببني البشر ، فرآهم في حالة البؤس ومصيرهم الأبدي هو الهلاك فقرر الثالوث في أزليته تأنس الكلمة الإله وإتخذ جسماً لكي يتمكن أن يموت ليقضي على سلطة الموت ، أي الإبليس ( طالع عب 14:2 ) ولكي يخلص بني البشر ، فحدد الله الثالوث وقتاً في ملء الزمان الذي فيه سيرسل الملاك جبرائيل إلى مريم في الناصرة ليتجسد فيها الإله ، ففي ذلك اليوم تكلمت مريم وقالت للسماء ( ها أنا أمة الرب ) وبكل تواضع . وبموافقتها تمت خطة الله في الإنسان فتجسد في أحشائها الطفل الإلهي فتبدل وجه الأرض ، وصار للإنسان أملاً بعد حضور كلمة الله بين البشر وهكذا تجسد الله في الإنسان لكي يولد ويتخذ منه جسداً بشرياً ، وهكذا حصل شرف للإنسان لكي يولد خالقه . نقول ، هل يسوع تجسد في العذراء مريم فقط أم في كل مؤمن ؟ في يوم العنصرة ، عندما حل الله على شكل السنة من نار على كل الموجودين في العلية ، فالطبيعة الإلهية إتحدت بالطبيعة البشرية . إنها صورة تجسد المسيح في العذراء . فما حدث في يوم العنصرة هو تمام ما حدث في يوم تجسد المسيح وميلاده . فولدت في ذلك اليوم الكنيسة المقدسة أتحدت العذراء أو الكنيسة بأجمعها بالطبيعة الإلهية ، فغاية التجسد قد بلغت ذروتها يوم الخمسين ، لأن كل أبناء الكنيسة صاروا في المسيح الإله لما لهُ من صِفات الإلهية التي لا يمكن أن يحصل عليها الإنسان ، لأن كل ما يمتلك المسيح لا يسعه الكون كله ، ولا يستطيع الإنسان تحمله بطبيعته البشرية. يقول الرسول بولس ( فإنه فيه ” أي المسيح ” جسدياً ، يحل الله بكل ملئه ، وأنتم مكملون فيه … ) ” قول 2: 9-10 ” .

   بقي الإله المتجسد في الخفاء ثلاثون سنة ، أي إلى يوم إعلانه لسر ملكوت الله . كل شىء حدث في الصمت ، في الفقر المدقع ، وهذا السر ليس حدث وقع في الماضي فحسب ، بل يبقى لكل منا حقيقة راهنة ، فكلما نتقدم من الأسرار المقدسة ، تصبح هذه الحقيقة واقعية لنا لكي يتجسد الإله فينا . فسر التجسد يستمر في عالم اليوم والغد . فميلاد المسيح هو سر ولادة الله بين البشر . والعكس صحيح لأنه هو سر ولادتنا المستمرة لحياة الله . إذاً ولادة المسيح في عالمنا يقابله ولادة المسيحي في المسيح وفي الكنيسة المقدسة ، وهذا يحتاج إلى إيمان وصليب للتضحية كما ضحّى المسيح من أجلنا منذ ولادته . فسّرَي الميلاد والفداء سّران متماسكان ومرتبطتان معاً ، فعلينا أن نجد الصليب بوضوح في سّر الميلاد ، فالمسيح الذي ولد بكل تواضع في مذود الحيوانات ، في البرد ، والجوع ، والعطش ، والعوز ، والإهانة ، ومن ثم المطاردة لقتله من قبل هيرودس الملك ، فكل ذلك كان من أجل خلاصنا ، هكذا نرى المسافة قصيرة بين المذود والجلجلة منذ ليلة الميلاد . فالمولود الإله لم يأتي إلى عالمنا إلا ليتألم ويموت من أجلنا ، ونحن من أجله ، لأننا متنا معه بسبب إيماننا به في ماء المعمودية ، وهو مات بنا ، وأخيراً نحن مائتون وقائمون فيه ، إنه أكمل موتنا بموته ، وقيامتنا بقيامته ، وقيامته هي القوة التي سترفعنا من هذا العالم إلى عالمه الأبدي الغير المنظور لندخل معه في اللازمن وفي الأزل . فكما نزل مار يوسف ومريم التي كانت تحمل الطفل الإلهي في أحشائها من الناصرة إلى بيت لحم ، ، ومن ثم أخذ المسيح طريقه بالصعود في طريق الآلام للوصول إلى الصليب ، ومن الصليب نحو السماء حيث طريق العودة إلى الآب ، علينا أن نفهم العلاقة بين سري التجسد والفداء ، فحدث التجسد لم ينتهي بموت المسيح ، بل نجد فيه إتمام غاية التجسد . وهكذا يجب أن نقتدي بالرب يسوع ونسير على خطاه في ذات الطريق ما دام هو الأقصر إلى المدينة السماوية ، والمطلوب منا التبشير بأسمه ، وبذل ما بوسعنا من جهد لكي لا نصعد لوحدنا بل معنا الكثيرين بعد أن نمهد الطريق لهم لفهم هذا السّر العظيم ليؤمنوا به ولكي يحضروا في سر الميلاد حضوراً فاعلاً مبنياً على أساس الفهم والإيمان بحدث تجسد الإله العظيم ، والعالم كله يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن يعرف ويؤمن بالمسيح الذي تجسد من أجله ومن أجل جميع البشر لكي يشمل الخلاص للجميع بيسوع الرب.

ولإلهنا المتجسد ، المجد والتسبيح إلى أبد الآبدين .

137
وِلادات يسوع الأربعة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

https://j.top4top.io/p_1817wbuxc1.jpg


يسوع المسيح هو إله في إله منذ الأزل . لا يجوز أن يوجد من دون الآب ، ولا الآب من دونه ، بل وجد الأثنان معاً منذ الأزل ، والله الآب خلق كل شىء به لأنه أقنوم الكلمة الألهي الناطق لللآب ( اللوغس ) الخالق لكل شىء . لهذا المسيح يعَبّر عن ذاته لليهود ، فيقول ( أنا قبل أبراهيم ) ، لم يقل أنا كنت قبله ، بل هو كائن قبله ، أي خالقه ، فعلينا أن نفهم سّر الشراكة الأزلية بين الآب والإبن الذي كان في حضن الآب ” يو 1 : 18 ” . يسوع الكلمة هو صورة كاملة لله كمالاً مطلقاً ، أي هناك إتحاد دائم مابين الأقنومين . كذلك هناك تساوي في تلك الوحدة ، وفي جوهرها . فكلمة الله اللوغس يحمل طبيعة الله منذ الأزل ، وهي ولادة أزلية وأبدية ، لذا قال يسوع عن نفسه ( أنا في الآب والآب فيّ ) والله الذي خلق الإنسان بسبب محبته تمرد المخلوق على خالقه فانقطعت العلاقة . لكن محبة الله للبشر أستمرت ، لهذا كان مفتاح سّر التجسد هو حب الله ، و ( الله محبة ) ومحبة الله لا تضعف أو تسقط مع سقوط الإنسان . وهذه المحبة تنير لنا الطريق لفهم خطة الله لخلاص البشر من خلال سّر تجسد أبنه الوحيد . وللحب منطق لا يدركه عقل إنسان ، وحب المسيح هو فوق كل حب ، إنه التضحية من أجل الآخر ، وقد علّمنا هذا الدرس بقوله ( ليس لأحد حب أعظم من هذا : أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ) ” يو 13:1″

ولأن تضحية الإنسان لا تستطيع أن تدفع خطيئته للعدل الإلهي ، لهذا فحركة التجسد كانت حتمية لخلاص البشر . لأن غاية التجسد كان لردم الهوّة بينه وبين البشر . كانت هاوية عميقة ودائمة ، ولولا المبادرة الإلهية لأستحال على الإنسان أن يجتاز تلك الفجوة بقدراته الذاتية للوصول إلى الله . فتجسد ” عمانوئيل ” فعاد الله ليكون معنا . في ولادة جديدة زمنية حدثت في ملء الزمان ” غل 4:4 ” لم يقتصر التجسد في مريم العذراء ، بل ولد في كل إنسان ، كما أعطي الشرف للإنسان أن يلد خالقه ، أو يلد من وَلَدَهُ ، إنه إنقلاب الأدوار حدث في المسيحية ، فعلينا أن نقلب مفاهيمنا أيضاً لنفكر بطريقة جريئة لكي نفهم أمور كثيرة لم تكن مفهومة . والآية تقول ( … كل شىء ممكن للذي يؤمن ) ” مر 23:9 ”  . وعلينا أن نعلم بأن للمسيح ولادات كثيرة نختصرها بما يأتي :

ولادته الأزلية من الله الآب : هذه الولادة تحمل طابع آخر لا تشبه الولادات البشرية ، فعلينا أن نفهم ما نقوله في قانون الإيمان عبارة ( المولود من الآب قبل كل الدهور ) وهنا لا يحدد زمناً لوجود المسيح كأقنوم ثاني ، بل هو موجود منذ الأزل مع الآب ، ولا يمكن للآب أن ينفرد بوجوده ولو للحظة من دون الإبن ، لأن الإبن هو الكلمة الموجود في الله الآب منذ الأزل . وأبرز آية نفهم منها أزلية المسيح مع الآب هي الآية الأولى من أنجيل يوحنا ( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ) ” يو 1:1 ” والمقصود هنا بلفظة ” البدء “ هو الأزل بدون أي تحديد زمني لوجوده . فالمقاطع الثلاثة في الآية توضح لنا آلوهية المسيح وأزليته لأن به خلق الله الآب كل شىء ” يو 3:1 ” فهذا هو الميلاد الأول الأزلي للمسيح من الآب والذي شاطره في اللاهوت والجوهر . فبما أنه موجود مع الآب منذ البدء ، إذاً لا يمكن أن يكون مخلوقاً كما يدّعي البعض ، بل هو إلهاً أزلياً أعطاه الآب كل ملء اللاهوت ، لهذا نرى كلمة ” الملء ” تتكرر في الأنجيل منها ( طالع يو 16:1 و قول 19:1 و 9:2 ” وهكذا أعطاه جوهر اللاهوت كله ليكون مساوي له في الجوهر . كما إنه مساوي للآب في القدرة ، يقول القديس هيلاري ( إن له طبيعة الآب الكلية القدرة ) . وهو قال لتلاميذه بعد القيامة ( دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض ) ” مت 18:28 ” . و ( كل ما للآب هو لي ) ” يو 15:16 ”  .
ولادته من مريم العذراء : تجسد المسيح كان مطلوباً لإتمام خطة الله لخلاص البشر ، فتجسد وصار إلهاً متجسداً ، وبعد تجسده في مريم العذراء وولادته منها ظل محافظاً على طبيعته الإلهية ، لهذا تقول الآية ( فإنه فيه سر الله أن يحل كل ملئه ، وأن يصالح به كل شىء مع نفسه ) ” قول 19:1″ . أما الرسول يوحنا فكتب ( … والكلمة صار جسداً وحل بيننا … ) ” يو 14:1 ” حرف الواو تسبق ” الكلمة ” تعني أن هناك كلام آخرما قبله ، نجده في الآية الأولى من نفس الإصحاح وهي ( الكلمة هو الله ) أي أن الله صار جسداً وظهر بيننا ، وعندما صار إنساناً لم يفقد ولو للحظة على أن يكون كلمة الله ( اللوغس ) ، إتخذ جسداً لكي نراه ، وعلى ذلك الجسد حمل خطايانا كإنسان كامل ، فعلينا ان نؤمن بأنه إله كامل ظاهر في الجسد وكما تقول الآية ( الله ظهر في الجسد ) وهذا هو جوهر عقيدتنا . في العهد القديم كتب ( … لأنه لا يراني الإنسان ويحيا ) ” خر 20:33 ” أما في العهد الجديد فحدث العكس ، فكل من يراه يحيا على مثال الحية النحاسية ( عد 9:5 ) . وكيف يستقر ملء اللاهوت في طفل صغير مولود من إمرأة ؟ هذا هو الّسر الذي لا يفهمه الغير المؤمن ، بل هو تحدي كبير ونقطة الخلاف الكبرى مع غير المسيحيين ، كيف يمكن للإنسان المحدود أن يحتوي الله اللامحدود ؟ العذراء ولدت الإله المتجسد فيها ، لكننا نقول لم تلده بمفردها ، بل أشترك في هذه الولادة كل الشعب العبري الذي كان ينتظر مجىء المسيا ، فتحقق حلمهم في شخص مريم التي تمثل ايضاً كنيسة العهد الجديد أي مَثلت العهدين .
ولادة المسيح في كل إنسان : يمكن القول إن تمخض العذراء وقت ولادتها ليسوع كان تعبيراً لتمخض الأرض كلها لتلد المخلص ، لم يأت ليحل في جسد مريم فقط ، بل في كل إنسان . يسوع تسلم ملء اللاهوت من الآب كخطوة أولى ، وفي الخطوة الثانية تستوعب البشرية الإله المتجسد في ذاتها ملء اللاهوت الذي كان في الكلمة ليحل في جسد كل إنسان . وفي الخطوة الثالثة ، الملء الذي في المسيح يوهَب لنا نحن البشر لكي يجعلنا شركاء له في لاهوته ، لهذا تقول الآية ( فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً وأنتم مولودون فيه ، الذي هو رأس كل رئاسة وسلطان ) ” قول 9:2 ” فكما إنه مملوء من اللاهوت هكذا نحن أيضاً ، والملء الذي فيه قد وهِبَ لنا عندما جعلنا أعضاء في جسده ( الكنيسة ) فما يحل في رأس الكنيسة ، يحّل في باقي الأعضاء ، لأنه رأس الجسد ، وهذا أيضاً هو سّر من أسرار التجسد . إذاً لم تكن ولادة المسيح من العذراء هدفاً لذاتها ، بل تمّت حتى يولد فيه كل إنسان وشاركه في الملء الذي فيه . لهذا تقول الآية ( فمن ملئه نلنا بأجمعنا ، وقد نلنا نعمة على نعمة ) ” يو 16:1 ” وهذا يعني أن إمتداد التجسد في كل إنسان مؤمن هو الهدف الأساسي في تجسد المسيح ، بتجسده دخل العنصر الإلهي في الإنسان القديم . ومن تلك اللحظة بدأت البشرية مرحلة جديدة في مسيرتها مع الله ، يمكن أن نطلق عليها المرحلة الإلهية ، فعلينا إذاً أن لانُقّيم أنفسنا بمعاييرالبشر الغير مؤمنين ، لأننا الآن أكثر من بشر ، لأن الله يسكن فينا من خلال المسيح ( الكلمة صار بشراً فسكن بيننا ) ” يو 14:1 ” فصارت الإنسانية هيكلاً لله ، فلم يكن مشروع التجسد إلا خطوة أولى لتأليه البشرية كلها لكي تصير أولاداً لله ” يو12:1 ” . مفهوم الله والإنسان في المسيحية ليس كباقي الأديان التي تكتفي بمجرد الإيمان بالله الموجود في السماء ، بل تؤمن بالله في الإنسان ، وهو الذي يفجر بداخل المؤمن ما هو كامن وقائم بالفعل ، وهذا لن يتم إلا من خلال الإيمان الذي يسيطر على طاقات كبيرة موجودة في الإنسان الذي ( عمانوئيل ) معه ، فبالله الذي معي أستطيع كل شىء في من يقَويني .
هل هناك ولادة رابعة للمسيح ؟ بعد أن تناولنا ولادته الأزلية من الآب أولاً وولادته من العذراء ثانياً ، وتجسده في البشرية كلها ثالثاً ، فهل سيظهر المسيح ليتجسد مرة أخرى في عالمنا ؟ في الحقيقة ، البشرية والطبيعة كلها تنتظر يوم تجسد المسيح الرابع ( أش 4:34 و 22:66 . رو 8 و 2 بط : 12-13 ) فالبشرية تتجه من خلال التجسد إلى تحقيق إمتلاء المسيح في اليوم الأخير عندما يأتي على الغمام مع ملائكته القديسين ، والذي سيسبقه الصليب المضىء ( علامة أبن الإنسان ) ” مت 30:24 ” كما سبق ظهور النجم المضىء للمجوس  قبل وصولهم إلى مكان مولد المسيح . في ذلك اليوم تبلغ فيه البشرية والطبيعة كلها قامتها الكاملة ، بالتجدد الشامل ، ليس للإنسان فقط ، بل للجماد والنبات والحيوان . كلها تتقدم باستمرار إلى النهاية ، إلى ولادة جديدة ، بل إلى عالم جديد ، وأرض جديدة ، حينذاك سيعلن المسيح رغبته في أن يولد مجدداً بكل ملء لاهوته ، وبكل أبعاد كيانه ، في كل إنسان وفي الطبيعة الجديدة ، فيستمر الإنسان مع الطبيعة في حالة تمخض ، كما فعلت قبل التجسد . ننتظر مجىء المسيح في الولادة الأخيرة ( الرابعة ) إنه الميلاد الأخير ، لكل إنسان وللكون كله ، لهذا قال ( هاءنذا أجعل كل شىء جديداً ) ” رؤ 5:21 ” . عالم جديد … أرض جديدة .. وسماء جديدة ، فعلينا أن نستعد للميلاد العظيم لكي نولد نحن فيه وهوفينا .
ليتمجد اسم يسوع القدوس

138
شريعة الله البليغةِ للكون

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( بكلمةِ الرَّبِ صًنِعَت السمواتِ ، وبنسمةِ فيهِ كُلُّ جنودِها ) ” مز 6:33 “
 في الكتاب المقدس بعهديه آيات تتحدث عن خلق الله للكون كله ، ما يرى وما لا يرى ، خلقها بكلمة منه والكلمة هو يسوع الرب . ومن تلك الآيات نذكر المزمور ( السموات تتحدث بمجد الله ، والجلد يخبر بما صنعت يداه ) ” 1:19 ” . وهل للسموات الجامدة حديث لنا ؟ أم هل حديث العناصر الموجودة في الأجرام السماوية والتي تحيطنا من كل الجوانب هو حديث صامت يُعَبّر لنا حركة مليارات الكواكب والنجوم الموجودة في آلاف المجرات التي تسبح في الفضاء الواسع والتي تتحدث بصمت عن شريعة الله في خلقها فعلينا أن نفهم سّرِها والغاية من وجودها في الكون ! كما علينا أن نفهم سّر العلاقة بين عناصر الطبيعة  وشريعة الله ، فالآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع تتحفنا بالأجوبة الدقيقة . فقبة السماء المحيطة بنا هي الكلمة الأولى في المزمور المذكور ، ولفظة السموات تلفت إنتباه الإنسان المتأمل عندما يغدق نظره في السماء يبدأ بطرح أسئلته لها ، فالسموات تتحدث بلغة خاصة بليغة تعلِن لنا مجد الخالق كما قال صاحب المزمور . نستنتج من هذا بأن العلاقة الصحيحة بين العناصر الموجودة في الكون كلّه يقودنا إلى قراءة غنية بالمعاني تظهر لنا شيئاً من عظمة الخالق الذي لا تدركه عقولنا ، فعندما نرى حركة الكواكب الصامتة ، مسارها الدقيق عبر السموات ولميارات السنين ، كذلك بالنسبة إلى النيّرات في السموات وكم عددها في كل المجرات ، كذلك تعاقب حركة شمسنا في مجرتنا والقمر والنجوم التي تتناوب حركاتها بإنتظام دقيق ، إنها قصة حقيقية وكلام مهمً لنا ، فعلينا أن نقول ومن هو المشرف على هذا النِظام البليغ ؟ . تعبّر لنا  الآية عن هذا النِظام وتقول ( النَهار للنهار يعلِن أمره ، والليل لليل يذيع خبره ) ” مز 3:19 ” .
نستنتج من قصة الخليقة سّر الله الخالق ، علماً بأن الكتاب المقدس يفاجئنا برأيه فيقول ( لا صوت لها ) أي ليس هناك من أمر يُسمَع عندما تسرد قصة الخِلق ( لا حديث ولا كلام ولا صوت يسمعه الأنام ) ” حز 4:9 ” هي لغة صامتة تحدثنا عن الخالق الذي خلق الخلقة بحكمته وفطنته الإلهية ، ألا يقول المزمور ( صانع السموات بفطنة ) ” 5: 136 ” وهذه اللغة الصامتة شمولية فيجب أن نفهمها . فعن الشمس يقول الكتاب ( هناك للشمس نصب خيمة وهي كالعريس الخارج من خدره وكالجبار تبتهج في عدوِها ) ” مز 19: 5-6 ” فنشاط الشمس لما يحتويه من نارٍ ونورٍ وحرارة قوية له علاقة بشريعة الله ، وحتى وإن كانت خاصة بالسموات وعناصرها . فسر الشمس يرمز إلى وجود شريعة لها يجعلها تخرج من مسارها هذه ، هي اللغة العميقة لها ولباقي الكواكب ، إنها لغة صامتة تدعونا إلى قرائتها وفهمها ، إنها شريعة من أجل الإنسان ، فكما للإنسان شريعة وناموس ، فللطبيعة وعناصرها شريعة في منتهى الدِقة والكمال . ومن تابع طريقها فيصل إلى ما صنعت يد الخالق . فهذه الطبيعة تخاطب كل إنسان عن عمل الله خالقها .
تنطوي نظرة القديس إغناطيوس إلى العالم والإنسان على العلاقة التي تجمع بين أقطاب ثلاثة ، وهي ( الله والإنسان والخليقة ) تربط بعضها ببعض إرتباطاً وثيقاً . وكل ما يبعث عن الله يمر ليندمج في صميم العالم المخلوق ، وفي المقابل ، ما من إلتزام كامل في العالم المخلوق إلا إن كان ثمرة إكتشاف الله من خلال خليقته ، فالمخلوقات يجب أن تساعد الإنسان لبلوغ الله .
وسّر كمال هذه الشريعة يبرز في الحياة المستفيضة منها بوفرة شديدة وبكلمة ، فإنها تعطي الحياة للإنسان وترافق هذه الحياة الحكمة التي تجود بالفطنة على أبسط الناس ( شريعة الرب كاملة تنعش النفس شهادة لرب صادقة تعقّل البسيط ) ” مز 8:19 ” أي تجعل الجاهل حكيماً ، وأول عطايا هذه الشريعة هي ( الحكمة ) وهذه الحِكمة تُفهَم ولا شك أن لغة السموات البليغة والصامتة هي شريعة فيها اليقين والثبات وثِمارها الطيبة لا تخفي على أحد .

نستنتج من هذا فنقول : إذا كان الله أميناً وإن كانت شهادته صادقة ، فلا بد لأمانته من أن تحرك في ضمير الإنسان جواب الأمانة أيضاً ، يدفع الله الإنسان على طريق الأمانة ، لأن مخافة الرب تعمر في قلب الإنسان الذي يمشي على طُرقهِ ، فمخافة الله ليست كخوف عبيد من سادتهم ، بل هي مخافة مُلؤها إحترام الله الذي خلقه على صورته ، هي مخافة بنوية تثبت المؤمن بالله على طريق الأمانة ، لأن ( مخافة الرب طاهرة تثبت للأبد ، وأحكام الرب حق وعدل على السواء ) ” مز 10 :19 ” فشريعة الله غالية وحلوة تعطينا القوة  ، لهذا يقول المزمور ( أحكام الرب … هي أشهى من الذهب ومن أخلص الأبريز  واحلى من العسل ومن قطر الشهاد ) ” 11:19 “.
ولخالق الكون المجد دائماً


139
خَلق الكَون بين العلم والإيمان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( السموات تحدِّث بمجد الله ، والفلك يخبر بعمل يديه ) " مز 1:19 "
     العلماء الفلكيون والفيزيائيون يبحثون علمياً عن مصادر تكوين الكون الشاسع جداً رافضين مبدأ وجود الله الخالق ، ومنهم العالم الشهير سيغموند فرويد الذي قال ، أن الله وَهَم ، ومعتقدات كثيرة كالبوذة الذين يقولون لا حاجة إلى المعرفة عن الله . وآخرين يقولون أن الآلهة ليست سوى بشر مثلنا . إذاً فكرة الله الخالق مرفوضة عند الكثيرين ، بل يعتقدون أن فكرة وجود الله سخيفة . أما عالم الفيزياء البريطاني الشهير " ستيفن هوكينغ " فأعلن إلحاده في مهرجان ( ستارموس ) المنعقد في جزيرة لابالما ، أحدى جزر الكناري أثناء مشاركته مع مجموعة العلماء ورواد الفضاء ، فأعلن من على كرسيه المتحرك بوضوح عدم أيمانه بوجود الخالق ولا بضرورة وجود الله ، فقال ( ليس هناك حاجة إلى وجود خالق لنشأة الكون ) كما أشار قائلاً : أن الدين مثله مثل العلم ، إذ كِلاهما يفسران أصل الكون ، ولكن أن العلم اكثر إقناعاً ، وبالنسبة له لا أحد يستطيع أن يثبت وجود الخالق ، لكن يمكن التفكير في كيفية نشوء الكون بشكل عفوي ، ونحن نعلم أنه لا يمكن تقديم أي تفسير عقلي إلا عن طريق العلم ، وفي النهاية سنعرف كل ما يعرفه الخالق إذا كان موجوداً فعلاً . كما أقر هذا العالم الشهير فشل العلم في معرفة نشأة الحياة على هذه الأرض ، فكيف يستطيع هو وكل العلماء معرفة أسرار نشأة الكون كله وطريقة تكوينه ؟ والكتاب المقدس يوصف أمثال هؤلاء بهذه الآية ( قال الجاهل في قلبه ، لا يوجد الله ! .. ) " مز 1:14 " . لنبحث إذاً آراء العلم والدين عن الخالق .
     عن الفلاسفة نذكر منهم " دافيد هيوم "  الذي عاش في القرن الثامن عشر ، لم يكن يؤمن بوجود الله . ونظرية داروين التي تم دحضها ، عرضت لنا طريقة تطور الحياة من دون الله ، لكنها لم توضح لنا كيف بدأت أولاً وهكذا لم يستطيع العلم بنظرياته أن يثبت لنا بأن الكون قد وجد في الصدفة . أي أوجَدَ نفسهُ بنفسهِ من لا شىء ، فينسبون بنظرياتهم أصل الكون إلى بداية صغيرة . ومن تلك النظريات نظرية تسمى ( التضخيم ) تقول : ( ما حدث في جزء من الثانية بعد بداية الكَون الذي كان في الأصل بالغ الصغر ، ثم تضخم بسرعة هائلة تفوق سرعة الضوء ) . ونظرية الأنفجار العظيم الذي وقع قبل 13.7 مليار سنة منه بدأ الكون بالتكوين على شكل منفرد ، أي بنقطة الكثافة اللانهائية والحرارة التي يصعب أستيعابها ، أي أن الكون نشأ من حالة حرارة شديدة الكثافة ، ، لكن رغم ذلك تبقى تلك النظرية غامضة ولن تصل إلى معرفة حقيقة بداية الكون .
   نقول إن كان الكون في بدايته يتميّز بحجم صغير لا متناه وكثافة لامتناهية ، فمن حقنا أن نسأل ونقول : ماذا كان يوجد قبل ذلك ، وماذا كان هناك خارج ذلك الكون ؟ أي علينا أن نواجه مشكلة البداية . هل يستطيع العلماء اليوم تفسير أصل الكون وتحديد بدايته ؟ موضوع التضخيم ما هو إلا مجرد فرضية أو إدعاء ، وهذا الإدعاء لا يمكن تجربته في المختبر ، فلا يزال الجدال قائماً حول نظرية التضخيم هذه . رُفِضَت هذه النظرية من قبل علماء كثيرين ومنهم البروفيسور ( روبرت جاسترو ) العالم في علم الفلك والجيولوجيا في جامعة كولومبيا ، قال ( قليلون هم الفلكيون الذين توقعوا أن يصير هذا الحدث " أي الولادة المفاجئة للكون " حقيقة علمية مثبتة ، لكنَّ رصد السموات بواسطة المقاريب أجبرهم على استنساخ ذلك ) . فقال ، أن المعاني الضمنية لذلك هي ( أن الدليل الفلكي على بداية الكون يضع العلماء في موقف حرج ، لأنهم يعتقدون أن لكل معلول علّة طبيعية . أما الفلكي البريطاني ا. أ. مِلّن ، فأعترف قائلاً ( لا يمكننا أن نقدم اقتراحات عن سير الأمور " عند بداية الكون "  ) .
    في عملية الخلق الإلهية ، الله لا يرى ولا يعاين . وما تزال المشكلة عالقة في علم الكونيات الحديث . فالخبراء عاجزين فعلاً للوصول إلى تفسير أصل الكون وتطوره . وهكذا سيدورون في كل العصور في دائرة مغلقة ولن يستطيعوا بقدراتهم العلمية إكتشاف السر ، إلا بالأعتراف بخالق الكون الحقيقي أولاً ، ومن ثم دراسة الأشياء المخلوقة التي خلقها الله منطلقين من آراء الكتاب المقدس ، وكما يفعل الآثاريون الذين ينقبون الأرض بحثاً عن آثار الحضارات القديمة معتمدين على قصص الكتاب المقدس ، فمكتشف مدينة أور وحضارة سومر القديمة كان الأثاري البريطاني ليوناردو وولي معتمداً على الكتاب المقدس .
الرسول بولس يقول عن بداية الخلق ( فإن ما لا يرى من أمور الله ، أي قدرته الأزلية وآلوهته ظاهر للعيان منذ خلق العالم ، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات ، حتى أن الناس باتوا بلا عذر ) " رو 20 :1 " . فالكتاب المقدس بدأه الوحي الإلهي بكتابة آية الخلق قبل كل الآيات ، فقال ( في البدءِ خلقَ الله السمواتِ والأرض . وكانت الأرضُ خاويةً خالية ، وعلى وجه الغمر ظلام . وروح اللهِ يرف على وجهِ المياهِ . ) 1: 1-2 " .
كيف خلق الله الكون الواسع جداً ؟
   يقول العلماء ، في الفضاء حشود كبيرة من الكواكب والنجوم الهائلة العدد الموجودة في مجرتنا " درب التبانة " التي يبلغ قطرها نحو كِنتليون كيلومتر اي ( 10 10 ) كيلومتر ، ويلزم للضوء 100,000 سنة لقطعها ، وسمك المجر حوالي 1000 سنة ضوئية  وهذه المجرة لوحدها تضمّ أكثر من 100 بليون ( مليار ) نجم ! فكل النجوم التي يستطيع الإنسان رؤيتها من سطح الأرض موجودة في مجرة درب التبانة فقط . إلى العقد الثاني من القرن الماضي كان العلماء لا يظنون بوجود مجرات أخرى غير التبانة ، لكن بعد إكتشاف التلسكوبات والمواشير الحديثة وصلوا إلى إكتشاف 50 مليار مجرة أخرى ، وهل سيكتشفون المزيد ؟ والذي يدهش الجميع هو أن في كل مجرة من تلك المجرات بلايين النجوم ، و بعضها تحتوي على أعداد أكثرمن النجوم مما موجود في مجرتنا . فلو أفترضنا أن في كل مجرة نفس عدد نجوم مجرة درب التبانة فعلينا أن نضرب ( 100 ) مليار ( في ) ( 50 ) مليار مجرة لكي نحصل على العدد الكلي للنجوم . وأقدم جرم سماوي مكتشف يبعد عنا نحو 13,2 مليار سنة ، وعمره يقارب عمر تكوين الكون . أما مساحة الكون فكيف نستطيع أن نتخيلها على ضوء مساحة درب التبانة ، وهل يمتد أكثر من المساحة التي تحتلها مجرات أل ( 50 ) مليار ؟ والغريب جداً أن كل تلك المجرات تتحرك ، ولكل نجم فيها مجالاً مغناطيسياً يدور فيه دون الأقتراب من المجالات المغناطيسية للكواكب القريبة . فإذا خرج أي كوكب من مساره ودخل في مجال كوكب آخر ، فالكوكب الكبير الذي يمتلك قوة مغناطيسية أكبر سيجذب الآخر إليه بسرعة هائلة تؤدي إلى إصطدام الكوكبين وتحطيمها ، ونتيجة قوة هذا الإصطدام قد تخرج وبسرعة هائلة أجزاء من الكوكبين خارج ذلك المجال المغناطيسي لتدخل في مجال الكواكب الأخرى لتحدث كارثة مماثلة . لكننا نجد كواكب كل تلك المجرات ثابتة في مستقراتها كل هذه المليارات من السنين ، فهل هناك من يشرف على هذا النظام الدقيق ، وهل كل هذا الكم الهائل من النجوم خلقت بالصِدفة ؟
  في بداية أنجيل البشير يوحنا نقرأ بأن خالق الكون هو الله الآب بأبنه الكلمة ، قال ( به تكوّن كل شىء ، وبغيره لم يتكون اي شىء مما تكوَن ) " يو 3:1 " . كذلك يؤكد لنا الكتاب بأن الله قد خلق كل الأشياء المنظورة ، وكذلك خلق الأشياء  الغير المنظورة والتي لا يستطيع العلم أن يكتشفها ، يقول الكتاب عن المسيح الخالق ( إذ به خُلِقَت جميع الأشياء . ما في السماوات ، وما على الأرض ، وما يرى وما لا يرى ... كل ما في الكون قد خلق به ولأجله ) " قول 16:1 " . وأسفارالعهد القديم تؤكد لنا بأن الخليقة لم تظهر لوحدها كما يدَعيّ العلم ، بل خلقها الخالق . تقول الآية ( أنت وحدك هو الرب ، أنت صانع السماوات وسماء السماوات ، وكل كواكبها ، والأرض وجميع ما عليها ... ) " نح 6:9 " . أما الذي يشرف ويحافظ على نظام كل كوكب في تلك المجموعة الهائلة من المجرات ، فتقول لنا الآية ( أرفعوا عيونكم إلى العلاء وانظروا ، من خلق هذه ؟ ومن يبرز كواكبها بمجموعات ويدعوها بأسماء ؟ إن واحدةً منها لا تفقد لأنه يحافظ عليها بعظمة قدرته ، ولأنه شديد القوة ) " أش 26:40 " .
الله هو خالق الكون ، وقد أنهى كل أعماله في اليوم السادس . وكل ما عمله رآه حسن جداً " تك 31:1 " . ولكي نفهم ما خلقه الله الغير المنظور لما هو منظور وملموس ، تقول لنا الآية ( وعن طريق الإيمان ، ندرك أن الكون كله قد برز إلى الوجود بكلمة أمر من الله ). حتى أن عالمنا المنظور ، قد تكَوَنَ من أمور غير منظورة ، فكيف يستطيع العلم أن يكشف أعمال الله الغير المنظور . لنطرح على العلماء سؤال الخلقة الذي طرحه الله لأيوب قائلاً ( أين كنت عندما أسست الأرض ؟ أخبرني إن كنت ذا حكمة . من حدد مقاييسها ، إن كنت حقاً تعرف ؟ أو من مد عليها خيط القياس ؟ على أي شىء استقرت قواعدها ؟ ومن وضع حجر زاويتها ؟ ..... أخبرني إن كنت بكل هذا عليماً ؟ ) " طالع إصحاح 38 أيوب " . سؤاله كان فقط عن تأسيس الأرض . . وهل أكتشف العلماء كل أسرار كوكب الأرض الذي يعيشون عليه وخاصة ما موجود في باطن الأرض وفي أعماق المحيطات ، فكيف يعرفون أسرار خلق الكون كله ؟ ليتمجد أسم الله الخالق الكون بأبنه الوحيد .
المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   نظرية الأنفجار العظيم
3-   آراء عالم الفيزياء الشهير " ستيفن هوكينغ " .
4-   كتاب " هل يوجد خالق "



140

يسوع يفضل شفاء الروح قبل الجسد

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( لكن إطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ، وهذه كلها تزاد لكم ) ” مت 33:6 “

الإنسان بطبيعته البشرية يميل إلى الماديات أكثر من الروحانيات لأنه يفضل الأرضيات على السماويات ، لهذا يعمل من أجل إكتساب ما هو مادي فيقضي ستة أيام في العمل من أجل المزيد من الأرباح التي تخدم الجسد . وهكذا إذا تناولنا جانب الصحة التي تشمل صحة الجسد والروح معاً ، فيفضل شفاءه من كل الأمراض الجسدية لكنه لا يسعى بنفس القدر للتحرر من أمراضه الروحية . نلاحظ في قصص الإنجيل ، قليلين هم الذين يسألون كيف يحصلون على ما للروح أولاً قبل الأمورالأخرى ، لهذا علمنا يسوع بان نطلب البر والقداسة أولاً . أي شفاء الروح وما للروح أولاً . ولشفائنا من الأمراض الجسدية نحتاج إلى دواء الروح أولاً الذي هو الإيمان بقدرة يسوع في شفائنا . إذاً على المريض أن يستخدم إرادته وقوته الإيمانية أولاً قبل أن يذهب إلى يسوع لشفائه ، ويسوع لم يفرض قوته في شفاء المحتاجين القادمين إليه لأجل الشفاء لأيمانهم بقدراته الخارقة ، بل كان يسألهم أولاً ليكشف فيهم الإيمان الحر الذي دفعهم بقوة الروح للمجىء إليه مقتنعين بأنه يستطيع أن يكمل لهم تلك الغاية . فكان يسال المريض الماثل أمامه قائلاً : هل تعتقد بأنني أستطيع أن أتمم لك ذلك ؟ فكان المريض يعترف له بالإيجاب ، وهكذا بالنسبة إلى الذين كان في أجسادهم أرواح نجسة كانوا يندفعون إليه لكي يحررهم من إستعمار تلك الأرواح لأجسادهم ( مر 5: 1-7 ) فبكلمة من الرب ، أو بلمسة شفاء بسيطة للجسد كانت تلك الأرواح تغادر الجسد فيبرأ الإنسان ويتطهر من الأمراض ومن تلك الأرواح الشريرة .

لماذا شفاء الروح أولاً ؟ لأن روح الإنسان خالدة . أما الجسد فزائل . لهذا قال للمخلع الذي دلوه من السقف لأجل شفائه من عاهته الجسدية ( … يا بني مغفورة لك خطاياك ) ” مر 5:2 " فشفاه أولاً من الشلل الروحي ، أي العيش في الخطيئة . وبعد ذلك قال له ( قم أحمل فراشك وأمشي إلى بيتك ) وكذلك قال للمشلول الراقد على أروقة بركة باب الغنم ” بيت حسدا ” بعد شفائه ورؤيته له في الهيكل ، قال ( قد تعلفيت ، فلا تعد إلى الخطيئة ) ” يو 14:5 ”  .

الإيمان هو الأساس ، وهو الشرط الأول المطلوب من المؤمن قبل أن يرفع طلباته إلى الله ، فعندما يلقي إيمان الإنسان عند الله تجاوباً ستحصل المعجزة ، والإيمان هو فعل شخصي يُعَبِر عن العلاقة الحميمة الصادقة ، والثقة بأن ما يطلبه من الله بدون شك سيناله .

الذي يريد أن يشفي من الداخل عليه أن يسلم ذاته ليسوع الذي يخلص الإنسان من كل الميول التي تقود المرء إلى عمل الشر والإبتعاد عن النبع الحي . وهذا يتطلب إلى العيش بالقداسة وذلك بالإصغاء اليومي إلى كلمة الإنجيل والصلاة والتأمل . فكلمة الرب تتحدى كل قوة الشر ( اليست كلمتي كنار يقول الرب وكمطرقةٍ تحطم الصخر ) ” أر 29:23 ” إنها مطرقة الرب ضد الخطيئة ، تطهر الأجساد . وهكذا سيعيش الإنسان في الطهارة بسبب العبادة الحقيقية للرب ، وعبادتنا الصادقة للرب تحررنا من كل مرض ، تقول الآية ( إنما تعبدونني أنا الرب إلهكم فأبارك طعامك وشرابك وأزيل الأمراض من بيتكم ) ” خر 25:23 ” . إذاً بالإيمان والصلاة والصوم والتوبة سينال الإنسان حتى على شفاء الروح من أمراضها ، لهذا صلى سليمان الحكيم ، وقال ( إذا غلقت السماء ولم يكن مطر ، لأنهم أخطأوا إليك ، ثم صلوا في هذا الموضع واعترفوا باسمك ورجعوا عن خطيئتهم لأنك ضايقتهم ، … فأسمع أنت من السماء وإغفر خطية عبيدك وشعبك أسرائيل ، فتعلمهم الطريق الصالح الذي يسلكون فيه ) ” 1 مل 35:8 ” .

الرب يسوع أسس لنا سراً خاصاً في الكنيسة وهو ( سر مسحة المرضى ) لكي نلجأ إلى كاهن الكنيسة في حالة مرضنا لننال بواسطته شفاء النفس والجسد ، تقول الآية  ( هل فيكم مريض ؟ فليدع كهنة الكنيسة ليصلوا عليه بعد أن يدهنوه بالزيت باسم الرب . إن الصلاة مع الإيمان تخلص المريض ، والرب يعافيه . وإذا كان قد اقترف بعض الخطايا غُفِرَت له  ) .

في الختام نقول : بإستطاعتنا الحصول على الشفاء من أمراضنا الروحية والعضوية مهما كانت بسبب إيماننا فنعترف بخطايانا أولاً ، ثم نلجأ إلى حضن الرب الحنون فإنه قادر على الشفاء لكل مرض كما كان يفعل عندما كان في الجسد ، بل أقام الميت المنتن من قبره وأعطاه الرجاء في الحياة الجديدة . ليكن لنا ثقة عظيمة بالرب لشفائنا من كل مرض ، إنه الطبيب الحقيقي للنفس والجسد .

ليتبارك أسم الرب القدوس

141
بغذاء الروح نتحد مع المسيح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
  في الكنيسة الرسولية سبعة أسرار ، وأهمها سر الأفخارستيا ، الذي هو سر الأسرار ، لأن الرب يسوع فيه يعطينا ذاته ، و يعبّرعن حبه اللامحدود للذي يأتي إلى وليمته لكي يقدم له جسده ودمه ، وغايته من هذا لكي يحيا فينا ونحن به ، لهذا قال ( أنا الخبز الحي ، من يأكلني يحيا بي ) " يو 6 " هكذا يريدنا الرب يسوع أن نحيا فيه كما يحيا هو في الآب . وهذا ماكان يقوله لتلاميذه ( أنا في الآب والآب فيّ ، وأنا أيضاً فيكم ) . لنسأل ونقول كيف يصبح المسيح فينا ؟
        أولاً علينا أن نعلم بأن هناك فرق كبير بين أن ( يكون معنا ) و ( يكون فينا ) .   بتناولنا جسده ودمه بإستحقاق يصبح فينا لأن جسده سيختلط بأجسادنا ، ودمه بدمائنا  ( إنظر يو 6 ، و 1قور 11 ) إذاً لكي يتحد الرب فينا علينا أن نتهيأ أولاً تهيُئاً لائقاً أكثر من تهيئنا واستعدادنا لأستقبال ملك من ملوك الأرض ، لأن يسوع هو الأعظم ، إنه ملك الملوك ورب الأرباب ، وإلهنا الخالق . فعلينا أولاً أن نفكر بالتوبة الحقيقية من أجل تطهير الجسد وتهيأته ، ومن ثم نتقدم إلى سرّ الأعتراف لكي نحصل على المغفرة الحقيقية فنلبس الثوب اللائق للدخول إلى وليمة العرس . الأب الكاهن الجالس على كرسي الإعتراف بإسم الله الغافر يحول تلك الخطايا  بدوره إلى حمل الله الغافر لكل خطيئة . وسلطان الحلّ الذي نسمعه من الكاهن يأخذه من الرب يسوع الذي سفك دمه من أجلنا . بعدها نتقدم لتناول خبز الحياة فيطهرنا ويحيا فينا ( أنا هو خبز الحياة ، الواهب حياة للعالم ... من يأكلني يحيا بي ) . كل يوم نتناول الخبز لأجل أن تحيا أجسادنا وتستمر في الحياة ، أما خبز الروح فهو الخبز النازل من السماء فعلينا أن نتناوله بالتواترلكي تحيا به أرواحنا . وبهذا نتذكر قول الرب ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) " تث  3:3 . مت 4:4 " . المقصود بالكلمة هنا هو المسيح ، إما بقرائتنا المستمرة لآيات الكتاب المقدس التي نتغذى بها روحياً ، وإما أن تكون الكلمة المتجسد على مذبح الكنيسة في كل قداس إلهي ، نتناوله من يد الكاهن ، فعلينا أن نُفَضِّل خبز الروح على خبز الجسد . فخبز الروح يحيا حتى الجسد ، لأن الأنسان الذي يتناول الطعام فقط ، دون أن يتناول خبز الحياة يكون ميتاً دون أن يشعر ، لهذا قال يسوع لمن أراد أن يتبعه  ( دع الموتى يدفنون موتاهم ، وأما أنت فأذهب ونادِ بملكوت الله ) " لو 60:9 ". كما نقرأ في سفر الرؤيا ( .. أنّ لك أسماً أنك حي وأنت ميّت ) " 1:3 " . فالناس الذين نراهم نشيطين ومجتهدين وناجحين في أعمالهم اليومية ، لكنهم بعيدين كل البعد عن الله ، فهم ليس فيهم الحياة  .
     من يتناول جسد الرب يحصل أيضاً على القيامة ، وحسب وعد الرب القائل ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) " يو 54:6 " . نحن نعلم بأن جميع الناس سيقومون في يوم القيامة من القبور ، لكن ما يقصده الرب هو إننا المختارون ندخل معه إلى الحياة الأبدية . لكن الملوث بالخطيئة عليه أن يدفع أجرتها ، وأجرة الخطيئة هي الموت ، فكل نفس تخطىء مصيرها هو الموت . والخطيئة لا تغفر بدون سفك دم ، ليس دماء الذبائح الحيوانية ، بل بدم المسيح الغافر فقط . الخطيئة لا تدخل إلى السماء مهما كان حجمها ، بل يجب أن تغسل كل الخطايا بدم الحمل ، لهذا تقول الآية ( هؤلاء الذين غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الحمل ) " رؤ 14:7 " وهذا ما أكده الرب بقوله أيضاً ( هذا هو دمي الذي يسفك لأجل كثيرين لمغفرة الخطايا ) " مت 28:26 " . فتناولنا للقربان هو لمغفرة الخطايا .  وعندما نسمع صوت الكاهن وهو يقول ( جسد الرب ) علينا أن نؤمن بأن المسيح يقول لكل منا ( خذ هذا جسدي ) كما قال لتلاميذه ، ونحن اليوم تلاميذه . كذلك قوله ( وهذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا ) " لو 20:22 . و مت 28:26 " .
    نختم مقالنا بالقول : في العهد القديم كان هناك طقس حمل الفصح الذي كان يرمز إلى يسوع ( حمل الله الذي يرفع خطايا العالم ) فكان لايسمح للغريب أن يأكل منه ، فالذي كان يتناول منه يجب أن يكون مختوناً ، أي من ضمن جماعة شعب الله المختار . هكذا أيضاً بالنسبة إلى شعب عهد النعمة هم أيضاً مختونين بالمعمودية ، لأن الختان كان رمزاً للمعمودية ، وكما قال الرسول ( ومنه أيضاً ختنتم أنتم ختاناً لم تجره الأيدي ، إذ نزع عنكم جسد الخطايا البشري وهذا هو ختان المسيح : فقد دفنتم معه في المعمودية ، وفيها أيضاً أقمتم معه ... ) "  قول 2: 11-12 " . المتناول إذاً يجب أن لا يكون غريباً ، بل من رعية الرب ، وهكذا عندما نتناول القربان لا نشعر بأننا غرباء ، بل نؤمن بأننا من أبناء الكنيسة التي هي بيتنا ، ومنها نحصل على هذا الأمتياز الذي لا يستحقه غير المؤمن ، وبهذا السّر نتحد مع المسيح الذي يصبح فينا كما هو في الآب . والمسيح الرب يريدنا نحن أيضاً أن نكون مع الآب ومعه ، لهذا قال للآب :
( كما انك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً فينا ) " يو 21:17 " .
ليتمجد اسمه القدوس



142
المسيحيون أحراراً أزاء الناموس
بقلم / وردا إسحاق قلّو
يجب أن نعي تماماً أن المؤمن الآن ليس تحت الناموس بل تحت النعمة ( طالع : يو6:1 . رو 15:6 )
   الشعب اليهودي الذي اختاره الله أعطاه الناموس الذي يحتوي على القانون الأخلاقي الوارد في الوصايا العشرة ، ومنه القانون الطقسي الموجود في سفر الأحبار ( اللاويين ) وفي سفر تثنية الأشتراع ، والذي يحتوي على عدة أركان منها ( الختان ، التميز بين الحيوانات الصالحة للطعام ، أنواع التطهير ...إلخ ) . الناموس قال عنه الرسول بولس ، بحد ذاته صالح ومقدس ( رو 12:7 ) وكان لليهود بمثابة المؤدب الذي يوجههم إلى المسيح ( غل 24:4 ) ، وهنا لا يقصد بالمؤدب المعلم ، بل العبد الذي يقود الولد إلى المعلم ، والمعلم الوحيد هو المسيح الله . وكان يفترض أيضاً بالناموس أن يهيء الأرواح إلى التحرر الذي ينجزه يسوع وحده . ورغم ذلك أدى الناموس الدور المطلوب منه للكثرين من اليهود وبلّغوا إلى مستوى من الحياة الروحية وعبّروا عن محبتهم لله . لكن الفضل الأكبر كان يعود إلى إيمانهم ، لأن الناموس بوحده غير قادر على أن يجلب التبرئة المنشودة . خطأ اليهود عندما ظَنّوا أن الناموس هو المعلم الكبير ، وتطبيقه سيجلب لهم التحرير. هذا ما يخص العهد القديم  .
أما في العهد الجديد جاء المسيح ليقطع عهداً جديداً ، وما كانت العهود القديمة إلا إشارة له والمسيحيين يدخلون فيه ، لنهم ورثاء أبراهيم بالإيمان . الناموس  لم يعط إلا كحافظ للوعد ، كمعلم يقود إلى المسيح الذي فيه تتحقق هذه الوعود . سقطت مراسيم الناموس مع حفظ تعليمه الأخلاقي الأساسي ، فلم يأتي المسيح ليحل الناموس والأنبياء ، ولكن ليتممهم ( مت 17:5 ) وعلى غرار ما حدث في العهد القديم ، ظهر  الوحي في العهد الجديد تدريجياً ، ونستطيع أن نحدد لظهوره ثلاث مراحل :
 أولاً : إعلان مجيء ملكوت الله الذي أسسه يسوع .
ثانياً : إظهار المنهج الجديد المؤدي إلى الخلاص والذي يتطلب الإقلاع عن الخطيئة والإندماج في المسيح ليصبح الإنسان  إنساناً جديداً في المعمودية ( غل 20:2 ) .
ثالثاً : إظهار يسوع كسيد في حياتنا وإبن الله ، كنور وحياة ، وإظهار الروح القدس ، والصِلة بين الأقانيم الثلاثة في ذات الله . 

الإنسان فداه المسيح بدمه على الصليب ، وعلى الصليب دفع ثمن الخطيئة ، فالمؤمن بالمسيح لم يعد خاضعاً للناموس ، أو بالأحرى لم يعد خاضعاً لأي شريعة . كان الإنسان قبل المسيح محروس تحت الناموس . إذاً كان الناموس يوجه الإنسان إلى المسيح المنتظر لكي يتبرر لاحقاً بالإيمان لا بالناموس . وبعد أن جاء الإيمان لم يعد الإنسان تحت سلطة المؤدب لأنه صار أبن الله بالإيمان بالمسيح يسوع ، يقول الرسول ( فقبل مجيء الإيمان ، كنا تحت حراسة الناموس ، محتجزين إلى أن يعلن الإيمان الذي كان إعلانه منتظراً ، إذاً ، كانت الشريعة  هي مؤدبنا حتى مجىء المسيح ، لكي نُبرر على أساس الإيمان . ولكن بعدما جاء الإيمان تحررنا من سلطة المؤدب ) " غل 3: 23-25 " . إذاً عندما يصير الإنسان ابناً لله يعني إنه صار حراً . فلما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة ، مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس " غل 4:4" فعلاً هذه الأقوال الصريحة مدهشة ، وأقوال الرسول بولس تُرَكِز فعلاً في بعض مقاطعها على إبطال الطقوس اليهودية إبتداءً من الخِتان . انه تحرير جديد ، بل عهد جديد ، عهد النِعمة والمصالحة بيسوع المسيح الذي حررنا حقاً من جميع الشرائع وحتى من الشريعة الإنجيلية ، وكما يقول القديس توما الأكويني ( من يبتعد عن الشرّ تطبيقاً لتعاليم الرب ليس حراً ، إنما من يبتعد عن الشر لأنه شرّ : ذاك هو حر ) ولكن ، أفلا يصبح الإنسان المسيحي كائناً غير أخلاقي بعد ذلك إذ لم يعد خاضعاً لأية شريعة ؟ بل وفي أحسن الإحتمالات ، أفلا يستسلم لما يوجهه له ضميره الذاتي مُعَرِضاً نفسه للخطر ؟ لقد استدرك بولس هذا الإعتراض وأجاب عليه مرتين على الأقل ( إنظروا الآيات رو15:16 و 1 قور 13:6 ) فهناك شىء آخر غير الناموس يمكن أن ترتكز عليه الأخلاق المسيحية ، وهذا الشيء هو ( المحبة ) والمحبة تحتوي كل شىء . فالأخلاق المسيحية لم تعد مبنية على شريعة مفروضة من الخارج ، بل إنها تستند إلى ( محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ) " رو 5:5 " فروح الله هو الذي يقودنا إلى الله وحسب الآية ( لأن جميع الذين يقتادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ) " رو 4:8 " ، لهذا قال الرسول ( إذ ندرك أن الشريعة لا تطبق على من كان باراً ، بل على الأشرار المتمردين ... ) " 1 تيم 9:1" .
الشريعة التي تحذرنا وتقول ( لا تقتل ) لا تزال قائمة ، بيد إنها لا تفرض قوانينها إلا على الذين لا يحترمون الحياة بصورة تلقائية ، فهؤلاء يعيشون تحت الناموس ، في حين أن المؤمنين أحراراً حقاً إزاء الناموس ، ويعملون بحسب إرادتهم النابعة من قلب محب كإنسان حر ذو إرادة حرة . وهذا ما قالته القديسة تريزيا الطفل يسوع ( عملت دائماً بحسب إرادتي ) والذي يعيش بالمحبة لا يستطيع أن يعمل الخطأ ضد غيره . القديس أوغسطينس كانت وصيته ( أحبب وأعمل ما تريده ) فتلك الحرية لا تعطي لنا تدريجياً ، فإننا لا نتحرر بيوم واحد ، بل يخشى أن تبقى دائماً تحت الناموس في بعض النقاط ، فلا بد من بذل الجهود تحت رعاية النعمة الإلهية بغية التوصل إلى الهدف ، نبدأ بالأبتعاد عن كل مذهب أخلاقي لا يتماثل بالمبادىء المسيحية . مع إشتراكنا بالسر الطقسي الذي سيتاح لنا خلال أسبوع الآلام والذي سيدفننا مرة أخرى . يموت يسوع ويحقق قيامتنا معه متحررين من كل القيود في صبيحة يوم الفصح
المجد والكرامة لإلهنا الواحد إلى أبد الآبدين



143
      من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر
بقلم / وردا إسحاق قلّو
في شريعة موسى ، قال الله في الوصية السادسة ( لا تزنِ ) فالزاني والزانية بحسب الناموس يرجمان بالحجارةِ حتى الموت . 
في أحد الأيام كان يسوع منذ الفجر في الهيكل وحوله جمهور يسمعون إلى تعليمه ِ . أراد الكتبة ومعلموا الشريعة والفريسيون رسم خطة ذكية ودقيقة ضد يسوع لإيقاعه في مصيدة ، ومن ثم النيل منه أمام السلطات الرومانية . والخطة كانت جلب إمرأة زانية ضبطت في ذات الفعل مع إعداد شهود لكي يشهدوا بحسب شريعتهم لكي ترجم . لكننا نقول لماذا أتوا بها إلى المسيح  أليس لديهم شيوخ في مجمع السنهدريم ؟ الجواب ، لكي يضعوا مسؤولية رجمها وموتها على المسيح ، علماً بأن إعدام الإنسان لم يكن من حق أحد إلا السلطة الرومانية ، لهذا أرادوا تحويل قضية تلك الزانية إلى يسوع ليحملوه مسؤولية رجمها ، ومن ثم رفع الشكوى ضده أمام السلطات المدنية لأنه أمر برجمها وموتها . فالغاية الأساسية من جلب الزانية إلى يسوع لم يكن أولاً للحكم على الزانية ، بل كان لوضع يسوع في مشكلة أمام السلطة الرومانية . فطلبهم المنسوج في خطة دقيقة بحسب إعتقادهم سينالون من يسوع بكل تأكيد ، واثقين ومتحدين له من أجل تصفيته .
 أحضروا الزانية أمام يسوع وسألوه قائلين ( يا معلم ، هذه المرأة ضبطت وهي تزني ، وقد أوصانا موسى في شريعته بإعدام أمثالها رجماً بالحجارة ، فما قولك أنت ؟ ) السؤال معد سلفاً بمكر ودهاء بحيث أن كان جوابه نعم لترجم بحسب الشريعة ، فإنه سيجعل من نفسه مسؤولاً يشرِع أوامر بالقتل فيشتكون عليه عند السلطات الرومانية التي لها الحق فقط بإصدار أوامر القتل ، وهم يعرفون هذه الحقيقة جيداً لهذا لم يستطيعوا يوماً قتل أو رجم المسيح لهذا عندما أتت ساعته أخذوه إلى بيلاطس البنطي . وإن أجاب بالنفي ، أي ترحم ولا ترجم فإنه سيخالف معتقدلتهم ويصبح عدوا للشريعة  فيشتكون عليه عند سلطاتهم الدينية لأنه نقض الناموس . لهذا ظنوا إنه الخاسر لا محاله بكلتي الحالتين . أي عندما يكون جوابه ب ( نعم ) أو ( لا )   .
لم يرد عليهم المسيح بل أنحنى نحو الأسفل عند سماعه للطلب وبدأ يكتب بأصبعه على الأرض . لنسأل ونقول : ( ماذا كان يكتب على الأرض ؟ ) هل كان يدون خطايا كل المتحلقين حول المرأة لرجمها ؟ حدث صمت في تلك اللحظة لعدم إكتراث يسوع لطلبهم . لم يفهوا سبب سر صمته . لم يعلموا إنه يخطط للنيل منهم لا من المرأة ، وبعد قليل سيعلن الحكم ، أرادوا أن يخترقوا ذلك الصمت ليكرروا طلبهم بإلحاح للرد على سؤالهم . فاعتدل يسوع لكنه لم يرد على سؤالهم بنعم أو لا كما كانوا متوقعين . أي لم يكن رده معاكساً لشريعتهم أو للسطات الرومانية ، بل كان بعيداً عما خططوا له ، كما لم يهرب من سؤالهم ، بل قبل التحدي ، فقال لهم ( من كان بينكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر ) " يو 7:8 " . كان يعلم جيداً بكل خطاياهم ، إذاً لم يعادي الشريعة والناموس وينقضها ، بل جاء ليكملها ، وفي كلامه عمل بها لكن بدقة وكما تريد الشريعة حقاً بشكل شمولي ، فأمر برجم المرأة من قبل من يكون بمستوى الشريعة ، وفي الوقت نفسه لم يطلب بإطلاق سراحها ولم يؤيد فعلها الشنيع . وهكذا كانت ضربته قاسية جداً لهم ، لأنهم قساة القلوب ولا يحكمون بالعدل لأنهم هم أيضاً ملوثون بخطايا أسوأ من الزانية . ومن خطاياهم في هذه المشكلة إنهم لم يجلبوا الزاني الذي ضبط معها ، أم هل كان الزاني معهم أيضاً لأنهم هم من ارسلوه إليها مع إرسال شهود ليشهدوا على الجريمة ، ومن ثم يأتون بها إلى المسيح ؟ علم يسوع بنواياهم المبيتة ضده ، والزانية كانت حجة لهم لكي يناوا منه ـ لكنه كشف المؤامرة . هذا الذي يعرف حتى خطاياهم المستورة التي لا يعرفها أحد إلا هو ، فاحص القلوب والنوايا فبرهن بأنهم خطاة أيضاً ، وهم أيضاً يستحقون الرجم .
 عاد يسوع بعدها وأنحنى ليكتب على الأرض ثانيةً . فماذا كتب ذلك الإله المحب لكل البشر ، والذي رد عليهم بكل محبة دون أن يجرح مشاعرهم ، أو يفضح خطاياهم ، ونياتهم أمام الحاضرين ، لأنه كالطبيب النفسي المعالج لجراح النفوس المريضة . بمهارةٍ أيقظ ضمائرهم لكي يفكروا بخطاياهم قبل أن يفكروا بخطايا غيرهم ، ولكي يدينوا أنفسهم أولاً قبل أن يدينوا الآخرين . كما دفعهم لكي يجتهدوا بإخراج الخشبة من عيونهم قبل أن يسعوا إلى إخراج القذى من عيون الآخرين .
جواب يسوع لكل متحدي والذي هو عنوان هذا الموضوع ، لم يكن للمشتكين على المرأة وعلى قادتهم الذين أرسلوهم إلى يسوع فحسب ، بل صار يتردد عبر الأجيال لكل الخطاة الذين يعتبرون أنفسهم أفضل من غيرهم واللذين يتفننون في تغطية خطاياهم متحدين الضمير ، والله الذي يعرف كل الخطايا . يستخدم الوعاظ وعلماء الدين والفلاسفة والكُتّاب قول يسوع لأمور كثيرة . لم يكن أحداً من الموجودين حول المسيح بدون خطيئة إلا هو . وهو الوحيد الذي كان محقً في رجمها ، لكنه لم يفعل لأنه لم ياتي إلى هذا العالم لكي يدين ، بل لكي يخَلص . فواجبه تِجاه الزانية كان الدفاع عنها لكي لا ترجم وتموت في خطيئتها ، وثانياً لكي يغفر لها بدلاً من أن يرجمها ، لهذا قال لها ، وأنا أيضاً لا أحكم عليك ، أذهبي ولا تعودي تخطئين . وهكذا محبته أسرت قلبها ، فلم تعد تخضع ثانيةً لطلبات شهواتها الجسدية ، هذه التي ارتكبت الخطيئة سراً مع عشيقها فكُشِفَ سِرها ، أما إطلاق سراحها من الرجم بعد مغادرة الجميع فكان سِراً بينها وبين حبيبها الجديد المخلص .هكذا نحن أيضاً علينا أن نقتدي به لكي لا نفكر بالأنتقام وهلاك الأنفس ، بل بخلاصها ، وهكذا نغفر لمن يخطأ إلينا . وإن غفرنا للناس زلاتهم سيغفر لنا أبانا الذي في السموات زلاتنا .
والمجد الدائم لربنا يسوع الغافر للخطايا

144
الزواج المسيحي ... لا طلاق حتى في علة الزنى
بقلم / وردا إسحاق قلّو
الزواج عند كل الطوائف المسيحية الرسولية يختلف جوهرياً عن الزواج عند سائر الأديان والمعتقدات لأنه مؤسس على العدل والمساوات بين الزوجين . ولا بد من المساواة حتى يصير الأنفتاح بين الزوجين متبادلاً ومنهما يتم الأنفتاح على الله الذي يشترك في سر الزواج فيجعل الأثنان واحداً . في الزواج المسيحي لا يجوز أستعلاء الرجل على المرأة ، لأن الإثنان مساويان في الحقوق ، كما يقول الرسول ( فليس حر بعد يهودي ولا يوناني ، ليس عبد ولا حرّ ، ليس ذكر ولا أنثى ، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع ) " غل 28:3 " لكن يجب على المرأة أن تخضع لزوجها كخضوع الأثنين للرب ، لأن الرجل رأس المرأة ، كما أن المسيح رأس الكنيسة " أف 5: 22-23 " كما على الرجل أن يحب إمرأته كما أحب المسيح كنيسته وضحى من أجلها ( أف 25:5 ) والإثنان يجب أن يخضعا بعضهم لبعض بتقوى المسيح ( أف 21:5 ) . هناك تمايز لكن الحب الحقيقي يجمع بين الوحدة والتمايز مثل الثالوث الأقدس ( إله واحد وثلاث أقانيم ) فعلى الزوجين العمل كقول المسيح لأبيه ( ليكونوا واحداً كما نحن واحد ) " يو 11:17 " .
الحب يبدأ محصوراً بيم الزوجين ، ولكن يجب أن يفيض سريعاً على آخرين ، على الأولاد ثمرة الزواج والحب ، ومنهم إلى المجتمع كله ، لأن المحبة من طبيعتها فياضة ولا يمكن أن تحبس لكي لا يصيبها داء الإنانية القتّال . فالزوجين اللذان يتفقان على عدم إنجاب الأطفال للإكتفاء بالمتعة ، وعدم تحمل مسؤولية الأطفال ،  يقترفان خطيئة بسبب حبهم لذاتهم وسيطرة الإنانية على كيانهم . والله بارك الأبوين الأولَين لكي يكثروا النسل ، فقال ( أنموا واكثروا ) " تك 28:1" ، إنه خصب الحب بين الأثنين ،  فيجب أن يكون موضوع الإنجاب هدفاً مهماً في خطة الزواج . أما الذي يتزوج لأجل اللذة فقط . فإنه ينهمك في سعي منفرد مع قرينه إلى اللذة الذاتية فيتخذ من الآخر مجرد ذريعة لبلوغ تلك اللذّة . سيثيرحتماً عند الآخر شعوراً مراً ، أو يخلق تباعد بين الأثنين وقد ينفجر خلافاً مدمراً ينتهي بالفراق . فالحب الحقيقي للزواج الناجح لايمكن أن يكون بدون إنجاب ، وإلا أصبح الزواج مجرد ممارسة جنسية أنانية وليس حباً طاهراً . وتلك الأنانية  تدفع البعض إلى إقتراف خطيئة الإجهاض التي يرفضها الإيمان المسيحي ، لا وبل حتى الشرائع المدنية لأنها قتل إنسان خلقه الله في بطن أمه . فالإنجاب مهم ، وله حدود وبحسب طاقة الزوجين الصحية والمادية وذلك لأجل تنشئتهم  وتربيتهم تربية مسيحية صالحة . كما أن حب الزوجين سيزداد بالإطفال اللذين سيزيدون العلاقة بين الأبوين لكي لا يفكروا بالفراق ، وكذلك المحبة المسيحية بينهما ستزيد بسبب وجود الأطفال ، وكذلك الحب سيرتقي و يتطور الميل الجنسي ، ولكن لا يتبع منه ، بل من الله كنعمة مجانية تثبت الميل الجنسي والعاطفي ، وعلاقة غير قابلة للإنفصام علماً بأن الغريزة الجنسية هي من الله الذي جعل كل من الجنسين غريزة تدفع أحدهما نحو الآخر ، إنها مزروعة في قلب الإنسان منذ ولادته وتنمو معه حتى بلوغه سن النضوج فيشعر بجاذبية نحو الفتاة التي يختارها . وكذلك الفتاة حين تبلغ النضوج جسدياً تضرم فيها شعلة الحب الذي يدفعها بالأرتباط بشاب لكي تعطي له حبها وكل كيانها من أجل حياة مسيحية مشتركة ، فيتحقق في الأثنين غاية الله في الخلق .
   في المسيحية ، الحب الزوجي هو أعظم حب إنساني ممكن ، إذ هو عطاء كامل نهائي لمدى الحياة هو أعظم من حب الوالدين لأولادهما . إذ أن الأبوين ينفصلون عن أولادهم بعد الزواج وحسب الوصية ( .. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بزوجته ، فيصير الإثنان جسداً واحداً ) " مت 5:19 " . أما الزوجان فيتابعان حياتهما المشتركة حتى الموت ، في الكنيسة الكاثوليكية لا يجوز إبطال الزواج الصحيح لأي سبب من الأسباب ، إلا إذا كان الزواج خاطئاً منذ البداية وهناك أسباب بطلان العقد بين الزوجين لأنه لم يُعقَد بحسب قوانين الكنسية الصحيحة ، بل كان هناك إلتفافاً على قوانينها ، والعقد لا يكون صحيحاً إلا إذا عقد الطرفان بكامل المعرفة ومجرد من الغش والكذب على الآخر كمن كان متزوجاً من أخرى دون علم الكنيسة أو علم  الطرف الآخر. فالنقص في الزواج يبطل الزواج ، وكذلك كأن يكون الكاهن الذي بارك الزوجين غير ذي ولاية أو تفويض ، أو أتم الزواج بدون حضور شاهدان ، أو يتم بدافع الرشوة ، أو غير ذلك من الأسباب اللاقانونية كنسياً . 
سِّر الزواج الكاثوليكي يتم بشروط لكي يصبح غير قابل للحل ، وليبقى الزوجان مرتبطان إلى يوم موت أحد الطرفين ، وهكذا كان الزواج منذ البدء ، لهذا قال يسوع لليهود ( من أجل قساوة قلوبكم رخص لكم موسى في طلاق نسائكم ، ولم يكن الأمر منذ البدء هكذا منذ البدء ) " مت 8:19 "  أي أن يسوع ألغى الطلاق الذي أباحه موسى وذلك للعودة إلى ما وضعه الله في بدء الخليقة . فلماذا نريد اليوم إلغاء وصية المسيح للعودة إلى الطلاق ؟ لماذا نجد اليوم  بعض الطوائف والمذاهب تبيح الطلاق في حال إرتكاب الزنى ، بينما الكنيسة الكاثوليكية لا تفهم الآية ( .. من طلق إمرأته ، إلا لفاحشةٍ ، وتزوج غيرها فقد زنى ) " مت 9:19 " على إنها حجة للطلاق . فغالبية المفسرين وعلماء النصوص يرون أن عبارة ( إلا في الفحشاء ) أي في علة الزنى ، أضيفت إلى النص الأصلي ، أي لم تكن موجودة  . وآخرون يقولون أن المقصود بالزنى هو الزواج غير الشرعي ، أي الزواج الخاطىء الكاذب المحرم كما أشرنا إليه . فالزواج الغير الشرعي يجب أن يلغى ليفترق الأثنين . كذلك هناك من يقول ، إن كلمة طلاق هنا تعني الهجر والفراق فقط لأن لا طلاق في المسيحية ، ويسوع يضيف عليها نص آخر لكي يكتمل المعنى ، فيقول ( من طلق إمرأته وتزوج أخرى ) هنا يحدد مفهوم الطلاق بالمعنى الواسع والواضح والغير مقبول إنجيلياً . وللأسف حتى في الكنيبسة الكاثوليكية  في هذه الأيام تتجاوز  لوصية المسيح في بعض الحالات .
نختم مقالنا بالقول ، الكنيسة الكاثوليكية تفسر الآية ( من طلق إمراته إلا لعلة الزنى وتزوج  من أخرى فقد زنى ) تعني إنه لا يجوز للزوج أن يطلق زوجته الزانية ويتزوج من أخرى . ولكن أن زنت فعلى الرجل أن لا يساكنها ، ولا يحل له أن يتزوج غيرها لأنه سيزني وبحسب قول الرب .  هو التفسير الصحيح الذي لا يتعلق به أدنى ريب ، وإلا فكيف يزني من يتزوج إمراة مطلقة ؟ فرباط الزواج إذاً باقٍ ولو زنى الرجل أو زوجته ، لا ينحل رباطهما إلا بالموت . الطلاق يفرّق ما جمعه الله . ورفض الخصوبة يصرف الحياة الزوجية عن أسمى عطية فيه ، أي إنجاب الأطفال . الطلاق إذاً مرفوض ، والزواج الثاني الذي يعقده الأزواج المطلقون ، في حال وجود الزوجة أو الزوج الشرعي في قيد الحياة  ينافي قصد الله وشريعته اللذين تعلّمناهما من المسيح . المطلقون لا يفصلون عن الكنيسة ولكنهم لا يستطيعون أن ينعموا باالأفخارستية . ويمارسون حياتهم المسيحية ، و خاصةً بتربية أولادهم في الإيمان . 
أما البرهان اللاهوتي عن لا إنحلالية في الزواج المسيحي أي ( الطلاق ) ، فهو أن الزواج سر يحقق على مستوى الزوجية كإتحاد المسيح بالكنيسة ، وإتحاد الكلمة الأزلي بالطبيعة البشرية في شحص المسيح . فسِّر الزواج يرمز إلى إتحاد المسيح والكنيسة ، ويولي الزوجين أن يحب أحدهما الآخر كما أحب المسيح كنيسته  . كذلك نقول ، كما أن المسيح الرب لا يمكن أن ينفصل عن الكنيسة ، وكما أن الكلمة الأزلي لا يمكن أن ينفصل عن الطبيعة البشرية التي اتخذها ، كذلك لا مجال أيضاً للأخذ بإنحلالية الزواج ، وقد وضح الرسول بولس هذه العلاقة بقوله ( .. كما أحب المسيح الكنيسة ... كذلك على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم ) " أف 5: 25-28 " فمن يستطيع أن يفارق أو ينكر جسده ؟
المصادر
1-   الكتاب المقدس . النسخة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية
2-   التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
3-   كتاب ( سر الزواج ) للخور أسقف ليون عبدالصمد .


145
الزواج البتولي للقديسين يوسف ومريم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرسول بولس ( وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها " فحسن للرجل أن لا يلمس إمرأة " ) " 1 قور 1:7  "       

المسيحية هي من أكثر الديانات التي تشجع مؤمنيها إلى الزهد والنسك  ، لأنها تريد أن تدفع مؤمنيها إلى نبذ العالم ومقتنياته ، فالبتولية أسسها الرب يسوع . فالذي يريد أن يعيش لخدمة أوامر السماء عليه أن يكون بتولاً . يوحنا المعمدان الذي اختاره الله ليمهد الطريق أمام أبنه المتجسد كان بتولاً , ويسوع ولد من أم بتول ، وكان هو بتولاً ، وعندما كان على الصليب لم يشأ أن يسلم أمه البتول إلا لرجل بتول هو يوحنا الحبيب . 

قال القديس أثناسيوس الأسكندري عن البتولية : ( الرب يسوع هب لنا من بين جميع نِعَمِهِ ، أن تكون لنا على الأرض صورة لقداسة الملائكة ، أي البتولية ، إذ أن تلك المؤسسة الجليلة والسماوية لا تعرف الإزدهار إلا عند المسيحيين ) . أبتدأت حياة البتولية والرهبنة في العهد الجديد من مار يوسف والعذراء مريم ، ودعا إليها وشجعها مار بولس الرسول الذي مارسها هو والآباء الكهنة والأساقفة ولحد اليوم ، وتأسست الرهبنة للرجال والنساء ليعيشوا البتولية كسيدهم . بعد هذه المقدمة سندخل في خطة الله لخلاص البشر والشخصيات المختارة لخدمة إبنه المتجسد . 

 كان لله مخطط خلاصي ، به يفتدي الإنسان الخاطىء بأبنه المخلص الذي سيرسله إلى العالم فيتجسد في ملء الزمان من إمرأة ( غل 4:4 ) . فالمرأة المختارة كانت مريم العذراء التي كانت وحدها فقط تعرف بأن الإبن الذي تحمله هو أبن الله ، لأن ملاك الرب كشف لها سرّ الحبل الإلهي ، وهي لم تكن تعرف رجلاً بحسب قولها . ولإنجاز هذا المخطط الإلهي ، على السماء أن تختار أيضاً رجلاً متفوقاً في الفضيلة والقداسة لكي يصبح زوجاً في الظاهر وكأنه هو أبو يسوع المتجسد ، وذلك لكي يتماشى المخطط وفق الشريعة اليهودية ، فينبغي أن يأتي الطفل من أسرة كاملة لكي لا تُتهم مريم بنقاوتها وبحبلها الإلهي الذي لا يعرف أحداً سره . لهذا أصطفى الله يوسف البتول لكي يعلِمهُ الملاك أيضاً بهذا السر ، وعن أصل الطفل الذي تحمله خطيبته ، والإثنان يحتاجان إلى حماية رجل لكي يوَفِر لهما الأمان والحب في زواج رسمي . فكانت مهمة يوسف المشاركة في تحقيق السر العظيم المخفي عن عيون كل أبناء القرون الماضية . فكان لذلك الزواج البتولي أن يؤسس على روابط زوجية مقدسة يبرهن عن وجود زواج طاهر. 

مار يوسف الذي عَلِمَ بحبل خطيبته التي أحبها حباً عظيماً أبا أن يشهرها ، لهذا ظهر له الملاك وأخبره بحقيقة سر حبل خطيبته ، فأزداد حب يوسف لمريم ونسى حقوقه الزوجيه تجاهها لكي يصبح خادماً أميناً بتولاً بمقتضى أوامر السماء . لأن مريم التي صارت بعد الحبل بأبنها الإله أماً لأبن الله ، فلا يمكن لأي إنسان أن يُنجِس ذلك الإناء النقي المختار ، لهذه الأسباب تحلى يوسف بالقداسة ، لأنه عرف دوره وواجبه في المخطط الإلهي ، ودوره في هذه العائلة المباركة ، إذ كان يجب عليه أن يبقى في صلة بأقدس خلائق الله ، أي يسوع وأمه القديسة . وبما أن الله اختاره لكي يعيش مع مريم وأبنه تحت سقفٍ واحد فينبغي أن تربط بينهما روابط روحية أعمق من المنافع والشهوات الجسدية . عبّرَ البابا لاون الثالث عشر عن هذا الزواج سنة 1889 في رسالته العامة فيها تكريم للقديس يوسف ، فقال بوضوح عن سمو ذلك القِران ، فإن مقام هذين الزوجين القديسين قد أضفى على زواجهما أعلى طابع في القداسة ( وهب الله زوجاً للعذراء ، لم يهبه لها رفيق حياة فقط ، ولا شهيداً لبتوليتها ، ولا حارساً لشرفها ، بل مشاركاً في مقامها السامي ، بسبب الرباط الزوجي نفسه ) . أما علم اللاهوت فنظر إلى هذا القديس البتول وأعتبر مقامه يفوق سائر الرجال بإستثناء مقام يسوع الإنسان . وقداسته تأتي مباشرةً بعد قداسة مريم العذراء . فلو لم يتحلّ بهذا الكمال لما اختاره الله للقيام بهذا الدور . وزاد قداستاً بسبب صِلّته اليومية بيسوع الذي كان يحمله على كتفيه ويخدمه ، وبمريم العذراء ، أقدس المخلوقات ، فكان يرتفع بسببهم كل يوم إلى الإتحاد بالله . 

لقب ( العذراء مريم ) رددته الأجيال القديمة . فالعهد القديم يشهد على أن مريم حافظت على بتوليتها طوال حياتها . فحزقيال النبي تنبأ عنها ، فقال ( ثم أرجعي إلى باب المقدِس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق فقال لي الرب ، هذا الباب يكون مغلقلً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ) " حز 44: 1-2 " . الآية تشير إلى بتولية العذراء الدائمة فلا يعقل أن تجتمع تلك الممتلئة نِعمة بعد بإنسان وتلد بنين وبنات من والدهم الملوث بالخطيئة الأصلية ، أي أن أولاده سيولدون في خطيئة كباقي البشر ، ويكونون اخوة للرب  ، فهل يعقل بأن يكون لله أخوة خطاة ؟ مار يوسف البار كان يعلم جيداً طول وعرض وعمق فكرة معاشرة أم الله معاشرة زوجية لأن مريم هي ( تابوت عهد الله الجديد ) لا يجوز لأحد أن يمسه . إذاً للصعود بأفكارنا وتأملاتنا في أي موضوع لاهوتي يمكن أن نتأمله أجَلَ شانأ من موضوع بتولية والدة الله ، فكل الأبحاث تتوقف عند ختم البتولية الذي هو سرّاً عجيباً لا يمكن أن نجتهد بتفاسيرنا للطعن به ، أو التحدث عنه بكلمات مشحونة بالشك لقدرة الله العجيبة في هذا العمل ، فجسد العذراء هو أقدس مكان على الأرض أختاره الله ليسكن فيه ، ولمثل هذا السبب صرخ أبينا يعقوب ، وقال ( ما أرهب هذا المكان ! ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء ) " تك 17:28" . أليست إذاً العذراء بيت الله ومسكنه ؟ فمن يستطيع الإقتراب منه .  فلماذا الشكوك إذاً ؟ وكيف يتجرأ المفترون بالقول : من حق مار يوسف الذي أشترك مع العذراء بعلاقة زوجية بعد الولادة أن يعرفها ، مبررين إدعائهم بأنهما متزوجان شرعاً ولا يقترفون أي خطيئة ، بل هو حق زوجي مشروع ، متناسين كل الآيات التي تشهد لمريم بأنها دائمة البتولية .  وبعض الهراطقة خرجوا ببدعة بأن مريم رُزِقَت بأولاد من مار يوسف بعد ولادة يسوع . أولئك الذين تسميهم الأناجيل ( أخوة يسوع ) مع تفسيرهم الخاطىء للآيات ، ومنها الآية ( ولم يعرفها حتى ولدت إبنها البكر ) " مت 25:1 " فالأحرف التي نجدها في مثل هذه الآيات ك ( حتى و إلى و أن ) فما يأتي بعدها تنسحب إلى معنى ما قبلها . فإذا كان المعنى قبلها منفياً فيكون معنى ما بعدها منفياً . أما إذا كانت الجملة مثبتة ، فستبقى مثبة ما بعد الحرف.  ففي تلك الآية نقرأ قبل " حتى " أن مار يوسف لم يعرفها . إذا ما بعدها أيضاً أي بعد ولادة أبنها لا يعرفها أيضاً . والأمثلة كهذه كثيرة في الكتاب المقدس ومنها :

( وخرج الغراب متردداً حتى نشفت الماء ) " تك 7:8 " نلاحظ قبل  "حتى " منفية حيث كان الغراب متردداً لهذا لم يرجع إلى الفلك بعد إنطلاقه أبداً ، لهذا ارسل نوح الحمامة أيضاً .
ميكال أبنة شاول الملك . تقول عنها الآية ( ولم يكن لها ولد حتى ماتت ) فهل يجوز لميكال أن تنجب بعد مماتها ؟
( قال الرب لربي إجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك ) " مز 1:11 " هنا قبل كلمة حتى مثبتة لهذا جلس الرب عن يمين القدرة بعد صعوده وكما قال لقيافا . 
  ( ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر ) " مت 19: 28 " لهذا نجد بأن المسيح يبقى مع أبناء كنيسته إلى إنقضاء الدهر ، لا وبل سيظل معنا نحن المؤمنين أبناء كنيسته حتى بعد إنقضاء الدهر في ملكوته السماوي .
( عيوننا نحو الرب حتى يترأف علينا ) " مز 2: 123 " هنا قبل حتى مثبتة ، إذاً ما بعدها أيضاً مثبت ، فعلينا أن نرفع عيوننا نحو الرب إلى أن يترأف علينا .  وهكذا القاعدة تشمل الآية ( ولم يعرفها حتى ولدت إبنها البكر ) لأن هذه الآية لا تخرج من القاعدة فكيف فسرها الهراطقة بأن يوسف عرفها فولدت بنين ؟  يقول يوحنا ذهبي الفم عن هذه الآية ( أستخدم الكاتب " حتى " في هذه الآية لكي لا نشك أو نظن إنه عرفها بعد ذلك إنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ) . ربما يقال لماذا استخدم " حتى " ؟ الجواب لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى الأزمنة المحددة وكما التمسنا من الآيات المذكورة . 
إذاً كيف يستنتجون أن يوسف عرف مريم بعد ميلاد المسيح . وإدعائهم الكاذب دحضه القديس هيرونيمس قبل سبعة عشر قرناً ، عن الآية " مت 25:1 "  قال ( من هذه الآية استنتجَ بعضهم أن مريم رزقت أولاداً آخرين ، لأن لفظة " بكر " يدل على وجود أخوة جاءوا بعده . لكن الأسفار المقدسة كانت تطعن هذا اللفظ ، لا على الذي تبعه أخوه ، بل على المولود أولاً ، لأن هذا اللفظ كان يشعر إلى حقوق وواجبات تتعلق بالبكر ، وفي عبارة " ولم يعرفها يوسف حتى ... " هي البرهان على أن يوسف لم يكن أبا يسوع الطبيعي . أما عبارة " أخوة يسوع " فعند الأقوام الشرقية تدل على القرابة كأبن العم والخال والعمة والخالة . ) .

الأنجيل يؤكد لنا بأن مريم لم يكن لها ابناً غير يسوع ، فعند موت يسوع على الصليب ، عهد بأمه لدى يوحنا الأنجيلي ، فلو كان ليسوع أخوة بالمعنى الطبيعي لما فكر في هذا الأمر. إذاً كل هذه الآراء هي من نسج الخيال . مار يوسف كان بتولاً باراً يسمع إلى كلام الله عن طريق الملاك وينفذ دون نقاش ، فحياته كانت محرقة أستنفذ قواها في خدمة يسوع وأمه الطاهرة . كان حامي العائلة المقدسة وخادماً مغموراً لسر التجسد . 

أُطلِق عليه ألقاب كثيرة منها ( شفيع العمال ، شفيع الكنيسة الجامعة . شفيع العائلات . شفيع المتبتلين ، شفيع المحتضرين . شفيع الفقراء . شفيع المرضى . شفيع المنفيين ( لأنه كان منفياً ) شفيع الآباء . شفيع الأزواج . شفيه الكهمة والرهبان . شفيع الميتة الصالحة ... إلخ 

ختاماً نقول : مات مار يوسف بتولاً بين يدي يسوع ومريم البتول ميتةً صالحة . نطلب شفاعته لكي يجعلنا أن لا ننسى يسوع الذي كان يساعده في النجارة ، فنعيش مثله عيشةً مقدسة هادئة مع عوائلنا ، ولكي تكون حياتنا مقدسة مع يسوع ومريم ومار يوسف في العالم العتيد . 

 

 


146
تبرير الخطيئة بالتماس الأعذار
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( جميع تصرفات الإنسان تبدو نقية في عيني نفسه ، ولكن الرب مطلع على حوافز الأرواح ) " أم 2:16"
نحن المؤمنين بالمسيح يجب أن نحيى حياة مسيحية نقية ، وإن أخطأنا فعلينا أن نعترف بخطايانا والله سيغفر لنا عندما نتوب توبة حقيقية ، هكذا يجب نحن أيضاً أن نغفر لمن يخطأ علينا ، والإعتراف بالخطيئة فضيلة أيمانية لتطهير النفس ، وهكذا نعيش حياة التوبة بقوة وبكل وضوح دون خجل . لكن الذي يبحث عن أعذار وتبريرات لخطيئته فإنه يعني عدم الأعتراف بذنوبه كمن يخفي مرضه على الناس وعلى طبيبه ، فكيف يلتمس العلاج ، هناك الكثيرين يخطأون ويعتبرون أخطائهم هفوات طبيعية ، إضافة إلى تقديم الأعذار والتبريرات دفاعاً عن نفسه أمام الناس لكي يكون بلا لوم ولكي يربح ضميره ، مثل هذا الإنسان كيف يمكنه أن يتوب إن لم يعترف مع نفسه أولاً أمام المجتمع والله .
الله لا يقبل الأعذار ، لماذا ، لن الله أرسل ابنه الوحيد لكي يموت على الصليب حاملاً كل خطايا العالم ، لهذا السبب لا عذر لمن يقدم العذر عن خطاياه ، وكلام يسوع واضح جداً ، قال ( لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية ، وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم ) " يو 22:15 " . كذلك الرسول بولس وضح لنا موضوع العذر قائلاً ( أنت بلا عذر أيها الإنسان ) " رو1:21 " . هذا في العهد الجديد الذي صار كل شىء واضحاً لنا علماً بأن الله لا يقبل كل الأعذار وحتى في العهد القديم ، بل كان يرفضها ، كتبرير آدم لله ، فبدلاً من أن يعترف بخطيئته قدّمَ لله عذراً وتبريراً قائلاً ( المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت ) وهكذا حواء أيضاً قدمت أعتذارها قائلة ( الحية أغرتني فأكلت ) . لكن الله وجد أعذارهم لا تستحق الرد ، بل عاقبهم في الحال . كذلك لم يقبل أعذار الأنبياء كموسى الذي قدم أعتذاراً عن الخدمة التي وكله بها الله قائلاً ( لست أنا صاحب كلام ... بل أنا ثقيل الفم واللسان ) " خر 10:4  " لكن الرب رفض عذره . كذلك إيليا النبي عندما خاف من إيزابيل وهرب ، فسأله الرب عن سبب هروبه قائلاً ( ما لك ههنا يا إيليا ؟ ) فوجد له عذراً وتبريراً وقال ( قتلوا أنبيائك بالسيف ، فبقيت أنا وحدي ، وهم يطلبون نفسي ليأخذوها ) " 1 مل 10:19 " وهكذا نسي أعمال الله العجيبة معه .
الرب يسوع يطرق أبوابنا فعلينا أن لا نتأخر عندما نسمع صوت الطرق ( رؤ 20:3 ) أو نسمع صوته ينادينا وتبررين بحجج لكي لا نلبي طلبه كما فعلت عذراء نشيد الأنشاد عندما قرع الرب على بابها ، وظل طول الليل هكذا حتى امتلأ رأسه من الطل وقصصه من ندى الليل وهو يناديها بصوته بأرق الألفاظ قائلاً ( ... أفتحي لي يا أختي ،  يا حبيبتي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ! ) ومع ذلك اعتذرت عن أن تفتح له قائلة ( قد خلعت ثوبي فكيف أرتديه ثانيةً ؟ قد غسلت رجليّ فكيف أوسخها ؟ ) " نش 5: 2-3 " . لكن الرب لن يقبل عذرها فتحول وعبَر لكي يجعلها تعاني مرارة التخلي عن حبيبها ، فندمت وقالت ( طلبته فما وجدته ، دعوته فلم يجب ) " نش 6:5 " هكذا لم يقبل الرب يسوع أعتذار الذي قال له ( يا سيد ، أسمح لي أن أذهب أولاً فأدفن أبي ! ) فرد عليه قائلاً ( أتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم ) " مت 8: 21-22 " .
أخيراً نقول : طوبى لمن يسمع الوصايا ويعمل بها ، طوبى لأولئك الجبابرة في الإيمان الذي انتصروا على قلوبهم وكبريائهم ولم يعتذروا على صعوبة الوصايا والطلبات الثقيلة التي وكلها الله لهم كأبراهيم الذي طلب منه الله ذبح أبنه إسحاق ، ونوح ، ولوط البار ، ويوسف الصديق ، فملكوت الله يحتاج إلى قلوب صخرية لا تلين أمام التجارب والتهديدات فلا تضعف أمام الصعاب ولا تقدم الأعذار والتبريرات ، بل تنفذ الوصية بكل قوة وكما أوصاهم الكتاب ( تشدد وكن رجلاً ) " 1 مل 2:2 " هنا تبرز الرجولة الحقيقية في حياة القداسة والكمال
ولربنا الجبروت والعظمة والجلال والمجد إلى أبد الآبدين

147
   
  المحبة والنضوج الروحي
   
   بقلم : وردا أسحاق قلّو
   
( الأيمان والرجاء والمحبة وأعظمهن المحبة ) "1قو 13:13"

هذه هي الفضائل التي يحتاجها المؤمن في حياته الأرضية ترتبط بعضها بالبعض الآخر . فالأيمان هو الأساس الذي يلد الرجاء . أو من الأيمان ينشأ الرجاء للخلاص . ومن خلال تلك العلاقة المبنية على الحب يصل الأنسان الى قمة الكمال في تلك العلاقة مع الله الذي يحبه . فالمحبة هي خاتمة الجهاد ونهاية المسيرة . إذاً الكمال لا يتم بالأيمان والرجاء ما لم يرتبط بالمحبة التي هي رباط الكمال وقمة كل الفضائل . لا وبل قمة كل الوصايا المطلوبة من المؤمن .

سئل الرب يسوع هذا السؤال ( يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس ؟ ) فأجاب ( أحب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل فكرك . هذه هي الوصية العظمى الأولى . والثانية مثلها : أحب قريبك كنفسك . بهاتين الوصيتين تتعلق الشريعة وكتب الأنبياء ) " مت 22: 36-40 ) . وهذا الجواب يختصر بكلمة واحدة هي المبة " 1تي 5:1" . فالأنسان سيحاسب في يوم الدينونة على كمية المحبة التي كان يحملها في حياته الأرضية . لهذا أوصانا الرسول ، قائلا (كل ما تعملونه ، فأعملوه في المحبة ) " 1 قو 14:16" . وهكذا برز بولس أهمية المحبة بوضوح في أنشودة المحبة . وهكذا تبين لنا بأن المحبة هي أعظم من الأيمان الذي ينقل الجبال . ومن الصدقة والصوم. المحبة تتأنى ( غل 5 ) وترفق ، أي تشفق على المخطئين وتتحملهم " عب 3:13" . فالمسيح ترفق المرأة السامرية الزانية . وامرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل " يو 11:8 " والمحبة لا تحسد " غل 19:5"  . وكذلك لا تتفاخر ولا تنتفخ . فالرسول بولس الذي أختطف الى السماء الثالثة ، الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها " 2 قو 12: 2-4" لكن نجده لا يتفاخر ولا ينتفخ تكبرا ، بل يقول ( لا أفتخر إلا بضعفاتي )" 2 قو 5:12 " المحبة لا تقبح . لأن المحب يتحلى بالخلق فلا يجرح الآخرين أو يشهرهم ويظهر ضعفاتهم لأن ( المحبة تستر كثرة من الخطايا ) " يو 20:5" .

المحبة لا تطلب ما لنفسها ، بل تهتم بالآخرين قبل كل شىء . تقول الآية ( لا تنظروا كل واحد الى ما هو لنفسه ، بل كل واحد الى ما هو للآخرين أيضاً ) " في 4:2 " . الذي فيه المحبة لا يطلب ما لنفسه ، بل يظهر عطائه لأخوته الفقراء ، لأن كما يقول الرسول ( مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ ) " أع 35:20 " . كما أن المحبة لا تحتد ، لأنها مستعدة لأحتمال الزدراء والمهانة بكل محبة . ( ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح ) " أف 31:4" .

المحبة لا تظن السوء وهكذا يسود السلام بين المحب والآخرين وحتى وإن وجد فيهم أخطاء واضحة فلا يتصرف إلا بالحكمة لكي يدرك الموقف . كذلك الذي فيه المحبة لا يفرح بالأثم وحتى وأن كان في عدوه ، كما قال الكتاب ( لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك إذا عثر ) " أم 17:24 " . داود النبي لم يفرح بموت عدوه الأكبر شاول الملك ، بل رثاه وبكى عليه " 2 صم 1 " ولم يسر بموت أبشالوم ابنه رغم عدائه له ، بل أوصى به ، وبكى عليه " 2صم 18" . وهكذا الأنسان المملوء بالمحبة يدافع عن الظالم أيضاً وعن أعدائه ويصلي من أجلهم لأنه يحتمل قساوتهم بسبب

المحبة التي تتحمل كل شىء .

المحبة وصية قديمة في العهد القديم (تحب قريبك مثل نفسك ) " لا18:19" فوصايا العهد القديم اعطت نفس المفهوم الموجود في العهد الجديد لهذا قال الرسول يوحنا ( لست أكتب اليكم وصية جديدة بل قديمة ) " 1يو 8:2" وهذه الوصية القديمة الجديدة قال عنها الرب يسوع لتلاميذه ( وصية جديدة أنا أعطيكم : أن تحبوا بعضكم بعضاً ، كم أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً ) " يو 34:13 ". وعندما أعطى المسيح مثل السامري الصالح فشملت المحبة الجديدة الأعداء والغرباء أيضاًوهذا ما وضحه في عظته على الجبل هذا هو نوع الحب الجديد الشامل وهي عطية مجانية من الله لكل مؤمن ( لأن محبة الله قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ) " رو 5:5 " وبهذه الطريقو نستطيع أن نحب الجميع ونصلي من أجل الأعداء والساكنين في ظلمة الأبتعاد عن نور الأنجيل

فالذي يعيش في المحبة يصدق كل شىء صادر من الله من خلال مواعيده وعهوده ووصاياه لأن المحبة تصدق ما لله أولاً قبل ما يصدر من الناس . فلا يصدق كل ما للناس إذا كان معارضا لوصايا الله مهما كان الثمن . المحبة ترجو كل شىء من الله أكثر من البشر ( الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء ) " خر 118" فعلى الأنسان أن يتحمل ساعات الأضطهاد ويتحمل الآلام من أجل المسيح الذي تحمل على الصليب من أجلنل . علينا بسبب المحبة أن نحسن الى مبغضينا ونبارك لاعنينا ونصلي من أجلهم ، هكذا نقاوم الشر بالخير النابع من المحبة التي نعيشها .

ختاماً نقول ، أن المحبة لا تسقط أبداً لأنها لا تطلب ما لنفسها ( المحبة قوية كالموت ... فالمياه الكثيرة لا تقدر أن تطفىء المحبة ، والسيول لا تغمرها ) " نش 28: 6-7 " . المحبة لاتضعف ولا تسقط أبداً لهذا تظهر فيها المغفرة للمسيئين مهما تكررت أخطائهم . قال الرسول بطرس ( يا رب كم مرة يخطىء اليَ أخي وأنا اغفر له ؟ هل الى سبع مرات ؟ قال له يسوع ، لا أقول لك الى سبع مرات ، بل الى سبعين مرة سبع مرات ) " مت 18 : 21، 22" والرقم سبعة هنا يرمز الى الكمال . والكمال لا حدود له . إذاً الرب يسوع قال لبطرس لا حدود للمغفرة يا بطرس . ، محبة الله تكمل في المؤمن عندما يعمل بحسب كلمة الأنجيل ، لأنها القياس الذي يعرف به ما إذا كان ذلك الأنسان ينتمي الى شخص المسيح . فكل من يظن أنه ثابت في المسيح فيلزم أن يسلك كما سلك المسيح الكامل . ( الله محبة ) لأنه كامل في محبته وظهر هذا الكمال على الصليب في الله المتجسد فغفر لصالبيه وأعدائه وطلب لهم المغفرة من الآب ، لم يكتفي بذلك بل مات من أجل محبته اللامحدودة للجميع . أنه حب المضحي الباذل . الحب الألهي الذي يحب الخاطىء . أحبنا ونحن خطاة فمات لأجلنا " رو 8:5 " . أنه الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف " يو 11:10" هذا هو حب الله الكامل للعالم الخاطىء .

( لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد ) " يو 16:3 " .

148
تغيير يوم الرب من السبت إلى الأحد
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( إذكر يوم السبت لتقديسه ، في ستة أيام تعمل وتقوم بجميع أعمالك . وأما اليوم السابع فهو السبت للرب إلهك ) " تث 5: 12-15 " .
أمر الله شعبه في العهد القديم أن يحفظ يوم السبت ويجعله يوم الراحة والأستراحة من الأعمال ، لأنه مخصص للرب . وعندما أخرج شعبه العبري من مصر أرض العبودية في اليوم السابع أيضاً أمر بحفظ ذلك اليوم تذكاراً براحته بعد خلق العالم ، فالله الذي خلق الكون كله في ستة أيام أيضاً أستراح في اليوم السابع من عمله . لنسأل ونقول : الله روح وليس له جسداً لكي يشعر بالتعب والإرهاق ، وكل شىء خلقه بالكلمة الناطقة ( كن ، فكان )  فماذا يعني بلفظة ( أستراح ) ؟
المقصود هو ليس الله لكي يستريح ، بل الإنسان الذي خلقه على صورته هو الذي يحتاج إلى الراحة لجسده لكي يتفرغ لروح العبادة فيستراح من عمله هو والحيوانات التي تعمل معه . ففي يوم راحة الجسد يتفرغ الإنسان لعبادة الخالق فيقدم له الشكر ويرفع له التسبيح ، والصلوات والطلبات والتقدمات . إلتزم الإنسان بحفظ يوم السبت من عهد موسى إلى العهد الجديد . لكن الرب يسوع الذي هو رب السبت جعل السبت لخدمة الإنسان وليس الإنسان عبداً للسبت ، لذا نقرأ عن المسيح بأنه كان يخرق القوانين الخاصة بحرمة يوم السبت ، رغم كونه لم يتهاون في تقديس يوم السبت ، بل اعطى له مفهوماً جديداً لم يرضى به اليهود . أفهم الفريسيين وغيرهم بعمل الخير في يوم السبت ، كعمل الشفاءات ومساعدة المحتاجين وكل عمل صالح لأنه يوم للرحمة  . وقال ( إبن الإنسان هو رب السبت ) " مر28:2" . فبما أنه رب السبت ، إذاً له حرية التصرف بالسبت في نقيضه وإلغائه ، لأن جوهر الوصية لا في تعيين اليوم ، ( يوم العبادة ) بل في واجب العبادة نفسها . كما بيّن يسوع أفضلية الإنسان على السبت جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت . 
 كان يسوع يعمل أكثر معجزاته في يوم السبت متعمداً فشفيّ المرضى وطرد الشياطين وفتح أعين العميان في ذلك اليوم رغم معارضة قادة اليهود له ، غايته لم تكن تهدف إلى نقض قوانين الشريعة ، بل ليكملها ، لهذا قال ( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ) " مت 17:5" هذه كانت غايته في تحويل السبت إلى يوم الأحد جاعلاً هذا اليوم هو يوم الرب ويوم الراحة والصلاة ، بل صار يوم عطلة في العالم المسيحي كله بعد أن تبارك بقيامته المجيدة التي سجل بها أعظم أنتصار ، لأن في ذلك اليوم تم الخلاص للبشرية ( مت 1:28) والأحد كان اول يوم الخليقة ، هكذا يسوع بقيامته أسس عهد جديد وإيمان جديد ، بل شريعة جديدة تكمل القديمة  ، وظهوراته الكثيرة بعد القيامة لمختاريه كانت في يوم الأحد ، وكذلك حلول الروح القدس في يوم العنصرة على التلاميذ كان في يوم الأحد ، يوم الرب ( رؤ 10:1) . وفي الأحد كانت الكنيسة الأولى تجتمع لكسر الخبز وتناوله ( أع 7:20 ) . وهكذا بدأ الشعب المسيحي يعبد الرب في يوم قيامته وإنتصاره وإعداد المائدة المقدسة ( الأفخارستيا ) على مذابح الكنائس وتناولها في يوم الأحد . وفي ذلك اليوم يتمتع المؤمن براحة الجسد والنفس ، كما عليه القيام بأعمال الرحمة ومساعدة المحتاج ، وزيارة المرضى ، وتعزية الحزانى ، لا بأس إذا قام المؤمن بعمل ضروري يضطر إلى القيام به كما فعل التلاميذ عندما قطفوا سنابل القمح بسبب جوعهم ( مت 12: 1-8) . هذا كمرحلة أولى لألغاء السبت ، أما المرحلة الثانية . كان الرسل في البداية يجتمعون مع اليهود في المجامع أيام السبت ، وهذا أمر طبيعي لعدم وجود معابد مسيحية يجتمعون بها ، لكنهم وكما نقرأ عن إجتماعاتهم مع بعضهم كمسيحيين أيام الأيام الأحد  ( طالع أع 7:20 ) وذلك لكسر الخبز . أي الأشتراك بالمائدة المقدسة ، وإذا أصبح يوم الرب بدل السبت قبل وبعد القيامة فالسبت كان ظلاً ليوم الأحد الذي أحتل مكان السبت في زمن النعمة والمصالحة . قال الرسول بولس عن السبت ( فلا يحكم عليكم في أكل أو شرب ، أو من جهة عيد أو شهر أو سبت فهذه كانت ظلاً لما سيأتي ) " قول 16:2" . فعلى كل المسيحيين أن يلتزموا بيوم الأحد الذي أختاره الرب يسوع قبل الصلب ففي الأحد دخل إلى أورشليم في أحد السعانين ، كان يوم النصرة وإكتمال نشر رسالة الملكوت . في فجر يوم الأحد المدعو أول الأسبوع قام المسيح من القبر ( لو 24: 1-23 ) نتراءى لمريم المجدلية أولاً ( مر 16 : 2، 6 ، 9 ) وحلول الروح القدس في يوم الخمسين بعد القيامة ( أع 1:2 )  أما الرائي يوحنا فكتب عن يوم الرب قائلاً ( كنت في الروح في يوم الرب ، وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق ) " رؤ 15:1 " إنه اليوم الثامن بعد السابع ، يشير هذا اليوم إلى الدخول في الراحة الأبدية في المجد السماوي . لم يحصل الخلاص للإنسان في السبت أي في عهد الناموس ، بل في الأحد عهد النعمة . أما الباقون على يوم السبت كالسبتيين الأدفنتست فلا يعتبرون مسيحيين هم وجماعة شهود يهوه المنشقة منهم ، هم أيضاً لا يعتبرون أنفسهم مسيحيون بل شهود يهوه .
تاريخياً ، جعل يوم الأحد رسمياً يوم الرب بعد إتفاق الآباء القدامى يرتينوس الشهيد ( 140 م ) والقديس إيريناوس ( 155م) وميليتو أسقف ساردس في القرن الثاني أيضاً وترتليلنوس ( 200م ) فذكر يوم الرب صراحةً بأنه هو يوم الأحد وقد ثبته الأمبراطور قسطنطين بعد إيمانه بالمسيح فأصدر مرسوماً جعل يوم الأحد هم يوم عطلة رسمية في البلاد كله ).
يشهد على الأنتقال غلى الأحد ، كاتب كتاب ( تعليم الرسل الأثني عشر " ديداكية 22:14 " وأغناطيوس الأنطاكي " حوالي 610 م "  ويوستيفوس الشهيد النابلسي " حوالي 150 م " وديونيسيوس أسقف قورنثس " سنة 170 م " وأكليمنضرس الأسكندري " حوال 194م " وميليتو الساردسي " أول القرن الثامي " وهيروثيموس وترتليانوس وأوسابيوس المؤرخ وغيرهم . 
في المرحلة الأخيرة نقول  : الشعب العبري أرتاحوا في يوم السبت عندما دخلوا أرض الميعاد التي وهبها الله لذرية إبراهيم فإتاح هناك من ظلم المصريين وأصبح الشعب حراً وله ارض فأرتاح جسدياً ، لكن الله يريد للأنسان ما هو أسمى ، وهو الراحة الروحية الأبدية ، إذاً يحتاج إلى يوم جديد للعبادة والأستعداد للدخول إلى أرض جديدة مع خالقه ، لهذا قال صاحب المزمور " 24:118 "
( هذا هو اليوم الذي صنعه الرب ، نبتهج ونفرح به )

 

149
الخوف .. أسبابه – أنواعه – علاجه
بقلم / وردا إسحاق قلّو
 
( رأس الحكمة مخافة الرب ) " مز 10:111 "
https://b.top4top.io/p_1726cugk41.jpg
الله خلق الإنسان في سلام وفرح . لكن عندما أخطأ الإنسان فَقدَ السلام والعلاقة بينه وبين الخالق فبدأ يشعر بالخوف . وأول حدث عن الخوف سجّله لنا الكتاب المقدس عندما سقط الأبوين في الخطيئة فخافا من الله وأختبئا خلف الأشجار .
الخوف ليس خطيئة ، بل ظهر نتيجة الخطيئة في حياة الإنسان الذي لم يكن يعرف الخوف . فياقين عندما قتل أخاه هابيل ، قال لله ( ... من أمام حضرتك أختفي ، وأكون شريداً طريداً في الأرض ، ويقتلني كل من يجدني ) " تك 14:4" فقد السلام نتيجة الخطيئة ، والخطيئة سببت له الخوف والقلق ومطاردة الضمير . إذاً أسباب الخوف بدأ مع الإنسان الذي اقترف الخطيئة لعدم مخافته من العقوبة ، لأن إجرة الخطيئة هي الموت . فالذي يخاف الله لا يقترف خطيئة فيعيش بسلام داخلي في العالم . كما نقول عن الخوف أيضاً بأنه شعور طبيعي غرزه الله في الإنسان بعد الخطيئة لكي يحذره من المخاطر ليبتعد عنها ،  فعلى الإنسان أن يكون بصيراً وحكيماً ، لهذا يقول الحكيم ( الذكي يبصر الشر فيتوارى ، الحمقى يعبرون فيعاقبون ) " أم 3:22" . فخوف الإنسان الحكيم مطلوب ، أي ليس كل خوف ضعف أو خطأ ، بل هناك خوف مقدس ، فعلى كل مؤمن أن يخاف من الله ، لهذا وصفه الكتاب المقدس بأن ( رأس الحِكمة مخافة الرب ) " مز 10:111 و أم 7:1" فمخافة المؤمن من الله ناتجة من محبته له ، والمحبة تطرح الخوف خارجاً كما تقول الآية ( ليس في المحبة أي خوف ، بل المحبة الكاملة تطرد الخوف خارجاً ) " 1 يو 18:4 " . فعندما نقول إننا نخاف الله ، فنعني بأننا نبجِله ، ونوقرهُ ، ونقدسه ، ونقدم له الإحترام لأنه قدوس ، وإنه قد خلقنا وأرسل أبنه الوحيد ليفدينا فصار معلمنا ومخلصنا وراعينا الصالح ، وإنه سَيّدينَ كل البشر ، إذاً علينا أن نحبه ونعبدهُ ونخدمه بمخافة وتكريم لأسمه الممجد .
أما عن الخوف علمياً نقول ، نسبة الخوف تختلف بين الناس بحسب ثقافتهم وجهلهم وصحتهم العقلية . أما دينياً فنقول ، هذا الإختلاف يحدده إيمان الإنسان ، فالمؤمن يجب أن يعيش في سلام ولا يهاب من الخوف ، لهذا زجر يسوع بطرس عندما بدأ يغرق ويصرخ قائلاً ( يارب نجني ، فقال له يا قليل الإيمان لماذا شككت ) " مت 14: 25-31 " فقِلّة الإيمان والشك يسببان الخوف والهلَع . وهكذا بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالمسيح عندما نرَكِز إنظارنا إلى ما يحيط بنا من أخبار سيئة والأمراض والإضطهاد نحوِل نظرنا عن المسيح فنغرق نحن أيضاً في بحر الخوف . والخوف أنواع .
الخوف يبدأ معنا منذ الطفولة ، فالطفل يخاف من الظلام ومن الوحدة ، ومن الغريب ، ومن الأصوات المزعجة ، وحتى من القصص التي تزرع فيه الخوف ، أما المراهق فيخاف من الدراسة ، والشاب من الزواج ، والعجوز من الموت والدينونة . هكذا يخاف الإنسان من المجهول ، ومن الوباء المنتشر ككورونا الذي أنتشر سريعاً فبات مخيفاً لأنه زرع الخوف والفزع والقلق ، فالأخبار المنقولة التي تنشر يومياً حجم هذه الكارثة وعلى مستوى العالم مُعلِنة عدد الإصابات والوفيات اليومية ، بدأ كل إنسان يخاف حتى من أخيه ، ومن كل أقربائه . كل وباء هو رسالة لكل إنسان في هذا العالم تنذره لكي يستعد للدينونة القريبة ، فإذا كان الإنسان مستعداً دائماً ، فعليه أن يكثف إستعداده أكثر لأن الوباء قد يقرب ساعته للمثول أمام الله أكثر ، وكما يأمرنا الكتاب المقدس ( أستعد للقاء الله ) " عا 12:4" .
كما هناك نوع آخر من الخوف يسيطر على الإنسان بشكل كبير فقد يكون ناتجاً من المرض النفسي أو العقلي ك ( شيروفرنيا ) فتأتيه أفكاراً وأوهاماً ترسم في مخيلته أشياء مخيفة  ويسمع أصواتاً لا يسمعها غيره من القريبين منه فيعيش في قلق دائم .
أما علاج الخوف دينياً فهو الإيمان بالرب والإتكال عليه مع الإبتعاد من الخطيئة ، ومن كل عمل شرير كما ينصحنا الكتاب ، يقول ( كونوا كارهين الشر ملتصقين بالخير ) " رو 9:12 " . ومن العهد القديم نقرأ ( آمنوا فتآمنوا ) " 2 أخ 20:20 " أي الإيمان يعطي الأمان والسلام ، والرب يكرر نصائحه لنا في العهد القديم مرات كثيرة وخاصة كلام الرب يسوع لنا ( لا تخاف أيها القطيع الصغير ) . أما المزامير ، فما اكثر الآيات التي تحمل كلمات ووعود تطمئن قلوب المؤمنين . يقول المزمور " 27 : 1،3،14 " ( الرب نوري وخلاصي ممن أخاف . الرب حصن حياتي ممن أرتعب . إن أنزل عليّ جيش لا يخاف قلبي ، إن قامت عليّ حرب ففي هذا أنا مطمئن ... يتشدد قلبك وأنتظر الرب ) . والمزمور 23 يقول ( الرب راعي فلا يعوزني شىء .. وإن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي ) .
ختاماً نقول ، الذي يخاف من الله لا يخاف من البشر ، والذي يخاف من البشر يفقد وعود الله له . الخطيئة هي أساس الخوف ، والتوبة تمنح السلام ، لأن حياة القداسة يسودها السلام ، فالقديسين الذين عاشوا في البر ، عاشوا في السلام ، لأن البر ينجيه من الموت ( طالع أم 2:10 . 4:11 ) فالقديسين لا يخافون من الموت ، بل كانوا ينتظرون الموت بصبر لكي يلتقوا مع الرب . قال دانيال النبي لنبوخذنصر ( لتكن مشورتي مقبولة لديك أيها الملك ، فارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين ، لعله يطال إطمئنانك ) " دا 27:4 "
ليتمجد إسم الرب في كل الدهور .

150
الكون المظلم سيضيء بنور المسيح يوم القيامة

بقلم / وردا إسحاق قلّو
( وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء ... ) " مت 24 : 30 "
https://l.top4top.io/p_1721d8hoc1.jpg

   قيامة يسوع من بين الأموات دشنت موضوع القيامة ، ليس للبشر فحسب ، بل الخليقة كلها تنظر ذلك اليوم العظيم الذي يسبقه الظلام ، تقول الاية ( وحالاً بعد الضيقة في تلك الأيام ، تظلم الشمس ، ويحجب القمر ضوءه ، وتتهاوى النجوم من السماء ، وتتزعزع قوات السماوات ) " مت 29:24 " . إذاً الظلام سيغطي الكون كله إلى وقت ظهور إبن الإنسان في السماء في موكبٍ عظيم فيشرق بنوره على العالم المظلم لتصبح كل حركة كونية جزءاً من الفصح الأخير ، إذ ذاك سنتذكر ونفهم معنى ترتيلتنا التي كنا نقدمها في صباح عيد الفصح في القداس الإلهي ( المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ، ووهب الحياة للذين في القبور ) إنها القيامة العامة .
     مهمتنا نحن المؤمنين اليوم هي نقل خبر قيامة المسيح من بين الأموات إلى العالم كله حتى يضىء المسيح بنوره ظلام قلوب العائشين في الظلمة ، فنبلغ كلمة الرسول بولس الخاصة بنور المسيح القادم في يوم الحساب الرهيب ، قائلين لكل إنسان ( أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضىء لك المسيح ) " أف 14:5 " وهكذا ينبغي أن نفعل .
    وفي القيامة سيظهر صليب المسيح أولاً ليكون هو النور الوحيد الذي يضىء العالم ، لأن كل الأنوار الموجودة في قبة السماء ستنطفيء . يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ( إن كانت الشمس تظلم فإنه لا يمكن للصليب أن يظهر ما لم يكن أكثر بهاءً من الشمس ! فلا يخجل التلاميذ من الصليب ولا يحزنون. ، إنه يتحدث عنه كعلامة تظهر في المجد ! فستظهر علامة الصليب لتبكم جسارة اليهود ! سيأتي المسيح ليدين مشيراً إلى جراحاته كما إلى طريقة موته المملوء عاراً  ، عندئذ تنوح كل قبائل الأرض . فإنهم إذ يرون الصليب يفكرون كيف أنهم لم يستفيدوا شيئاً من موته ، وأنهم صلبوا من كان يجب أن يعبدوه ) .
     واجب نقل هذا الإنذار مفروض على كل المؤمنين لمقاومة ظلام هذا العالم ولأجل نشر نور هذه البشرى في كل أقطار المعمورة . ونور هذا العالم وملحه هو نحن المؤمنين ، وهذا الدور ليس لأفراد معينين فقط ، بل للكنيسة التي رأسها المسيح ملتزمة ببث هذه البشرى . إنه بث الحياة بالروح القدس العامل فيها ، إنها حاملة بلسم الخطيئة ، وحاملة الحياة في المسيح القائم من بين الأموات مهمتها تتم بنشر الفرح بين البشر . فأعضاء الكنيسة هم خُدّام لفرح الإنسانية   ، لهذا يقول الرسول (... إننا معاونون لكم نعمل لأجل فرحكم ) " 2 قور 24:1 " . لهذا لا يمكن للكنيسة أن تسكت أمام العقائد والأديان الأخرى لأنها إمتداد لجسد المسيح الحي القائم من بين الأموات ، فكنيسة اليوم المضطهدة مصلوبة كسيدها من أجل دعوة الناس إلى الإيمان والإستعداد للقيامة مع الرب القادم على السحاب .
     يسوع ترك العالم وعاد إلى عرشه السماوي ، لكنه ترك كلمته في قلوب البشر والتاريخ ، وأرسل روحه المُعين ليعمل في العالم ،  إنه كلمة الحياة وحضور الله في البشر ، فإن كان حضور الكنيسة في العالم ناقصاً فيعني ذلك هناك نقصاً في الإيمان الأنجيلي لدعوة الناس للأستعداد لعبور المدينة الأرضية إلى الملكوت السرمدي عبر جسر القيامة . فمسيرة اللقاء مع يسوع على الغمام يحتاج إلى إيمان ونضال وحمل الصليب وتضحية . في ذلك اليوم العظيم سيتجلى العالم كله بالمجد الإلهي الظاهر في ذلك اليوم ، ونحن المخلصين لنا دور مشترك مع عمل الله في التاريخ ، إذ نحن ( عاملون معه ) " 1 قور 9:3" . الكنيسة جسد المسيح السري وهو رأسها ، تعمل لأضاءة الدروب أمام البشر بنور القيامة ، بنور الروح القدس الساكن فيها لتتحول الأرض إلى أرض جديدة ، لأنه سيكون بعد ذلك ( سماء جديدة وأرضاً جديدة.. ) " رو 1:21 " .
    يسوع تجلى على الجبل أمام التلاميذ الثلاث ، هو دليلنا إلى ان الطبيعة الإنسانية بماديتها مدعوّة إلى التجلي أيضاً وإلى التغيير لكي تتحول من حالة إلى حالة أفضل ، من حالة الخضوع والموت إلى حالة يضيئها نور الله الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ( في 21:3 ) يدعونا إلى أن نتغير من الآن ، فيقول ( تغيرّروا من شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) " رو 2:12 " .
     في اليوم الأخير لن يتدمر هذا الكّون ، وإنما سيتحول إلى ما هو أسمى . فلا جوهر الخليقة ، ولا المادة سيزولان ، لأنه حق ثابت لله الذي أسسها ، وإنما ( هيئة هذا العالم سيزول ) " 1 قور 31: 7 " أي الأشياء التي كانت فيها المعصية ، كذلك أكد لنا الرسول بطرس في قوله ( ... فننتظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة ، حيث يسكن البر ) " 2 بط 13:3 " حينذاك يصير الله ( الكل في الكل ) " أف 23 :1 " .   


 

151
الصليب ... ولاهوت رسم الصليب
   
   بقلم / وردا إسحاق قلّو

( أحمل صليبك كل يوم وأتبعني ) " لو 23:9 "
الصليب كان معروفاً في العهد القديم وفي حضارات الشرق الأوسط ومصر والرومان . أستخدم كأداة لتنفيذ أقصى العقوبات ضد المذنبين لينالوا العقوبات وليصبحوا مثالاً مخيفاً لكل من يحاول مخالفة القوانين . كذلك كان يسبق صلب المتهم الجَلِد والإهانات ، فكان الصليب في القديم أداة لعنة وعار ، لكن منذ صلب المسيح صار للصليب معاني أخرى كثيرة بعد أن صار علامة فداء لكل البشر ، بل صار مصدر فخر وأعتزاز ، لكل من يؤمن بالمصلوب وعمل صليبه ، لهذا قال الرسول ( فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ) " غل 14:6 " . خشبة الصليب حملت خالق الكون ومات عليها مسمراً . صار المسيح لعنة من أجل الإنسان على الصليب  ، فصار للصليب رمزاً آخر يعطينا الأمل للحاة الجديدة . فشجرة الحياة في الكتاب المقدس ترمز إلى صليب المسيح الذي أعطانا الخلاص . وهناك أمثلة كثيرة في العهد القديم ترمز إلى الصليب ، كذبيحة هابيل التي كانت أول ذبيحة تُقَدَم لله ، وسفينة نوح التي خلصت راكبيها من موت الجسد ترمز إلى الصليب الذي خلص المؤمنين بالمصلوب روحياً وأبدياً . وأسحق أبن الوعد الذي أراد أبراهيم أن يقدمه ذبيحة لله فوق المذبح فرأى عمل الصليب بعين الروح وآمن ، لهذا قال يسوع ( أبوكم أبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح ) " يو 56:8 . عب 11: 17-19 " .
. والسّلِم الذي رآه يعقوب منصوباً بين الأرض والسماء يرمز إلى الصليب الذي سيحمل حامله إلى السماء ، فحمل الصليب هو وصية يسوع لكل مؤمن ، فعلينا أن نحمله عملياً لأنه علامة حب بين الخالق والمؤمنين . لهذا أوصانا الرب وقال ( إن أراد أحد أن يأتي ورائي ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني ) " لو 23:9 " فمن يحمل الصليب في حياته الزمنية سييرفعه الصليب إلى الحياة الأبدية . هكذا الله الذي أحبنا أرسل أبنه الوحيد لكي يبذل نفسه على الصليب ليصبح ذبيحة مرضية للآب ، وعلى الصليب تم فداء البشر بالدم الكريم ، فحمل المذبوح كل خطايانا فحدثت المصالحة ( متبررين مجاناً بنعمته بالفداء ) " رو 24:3" , عندما نحمل ونتحمل صلبان عالمنا من الأضطهاد بسبب أيماننا أو لأجل تطهير النفس من كل فكر مسيء لطهارتنا صالبين شهواتنا وكل أهواء الجسد  " غل 254:5 " وهكذا نستعد للعيش حياة الزهد والتواضع بعيدين عن كل مديح وكرامة محبتاً بالمسيح الذي من أجلنا قبل الأهانة والضرب والصلب . للصليب معاني لاهوتية كثيرة لهذا نرسمه على أجسادنا ونضعه فوق معابدنا وصدورنا وقبورنا وبعض الدِوّل على أعلامها وعلى تيجان ملوكها وأوسمتها..إلخ ، نتناول جزء من لاهوت رسم الصليب ، فنقول :
رسم الصليب على صدورنا هو أعتراف بعقيدة الثالوث الأقدس معلنين أيماننا جهاراً أمام العالم ، وكذلك نتذكر محبة الله الآب للعالم  ( هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ) " يو 16:3" كما نتذكر ونعترف بتضحية إبنه على الصليب من أجلنا ، لأنه تحمل العذاب وذاق الموت وأستوفى العدل الإلهي بدفع ثمن الخطيئة فحصلنا على المغفرة وصرنا أبناء الله .
برسم الصليب على جبيننا ، نعترف بإيماننا بالله الآب الذي هو مصدر المحبة . كما نعلن إيماننا بالأبن المتجسد فينا عندما نضع الأشارة على صدرورنا معترفين به كملك على حياتنا ومخلصنا وفادينا . وهكذا نؤمن ونعترف بالرح القدس الحال فينا في المعمودية عندما نشير إلى الكتف لأنه المعزي والمرشد الذي يقودنا ويبكتنا ويقوينا . وبرسم الصليب نحصل على تعزية وقوة وسلطان من السماء ضد الأرواح الشريرة التي تهاب من رسم الصليب لأن لله قوة خارقة وسلطان ( طالع في 10:2 ) .
 وبرسم الصليب نُبَشِر العالم بموت المسيح من أجل الجميع لأن بموته أعطى الحياة للجميع  . برسم الصليب وحمله على صدورنا نحصل على قوة ونبشر العالم قائلين مع بولس ( به صلب العالم لي وأنا للعالم ) " غل 14:6 " كما قال ( إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله ) " 1قور 18:1 " . برسم الصليب ننال بركة الحياة الجديدة في المسيح ، لذلك يستخدم آبائنا الكهنة والأساقفة الصليب لمنح البركة لأبناء الكنيسة ، وكل الأسرار الكنسية يبدأونها برسم الصليب . 
في الختام نقول : برسم الصليب نعلن ونجدد إيماننا بالمسيح  فنقول نعم ، ونعم هو شرط الأيمان والإنتماء إلى كنيسة الرب . وهكذا يستمر الصليب في حياتنا إلى المنتهى ، وفي نهاية الأزمنة عند المجىء الثاني لأبن الإنسان ستحدث القيامة ويوم الحساب ، يوم الدينونة الرهيب ، سيظلم العالم كله إلى أن يظهر صليب المسيح أولاً في السماء ، إنه علامة أبن الإنسان الذي سيظهرفي ذلك اليوم للجميع آتياً على سحاب السماء بمجد عظيم لتسجد له كل ركبة . وسيضىء الكون المظلم بنورصليبه المقدس  فعلى بني البشر أن يكَرّمون هذه العلامة في حياتهم على هذه الأرض ويعترفون بعمل الصليب وبالمسيح الذي مات من أجلهم  ، طوبى للمؤمنين بالمسيح المصلوب الممجد.
https://c.top4top.io/p_1712u9b9n1.jpg
 
 







152
مُلك المسيح المَلِك
بقلم / وردا إسحاق قلّو
يسوع هو ( .. ملك الملوك ورب الأرباب ، الذي وحده لا يموت ... ) " 1تي 6: 15-16 "
يسوع المسيح هو الملك وكما أكد لبيلاطس ، ومملكته ليست من هذا العالم ( يو 36:18 ) إنه رب المجد ( مز 23" 24 : 7-10 ) كذلك تقول الآية ( لما صلبوا رب المجد! .. ) " 1 قور 9:2 " وهو صاحب العرش الأزلي السرمدي ، به كل شىء كان ( يو 3:1 ) فللخالق يكون كل شىء ، والمُلِك يتعلق باللاهوت الذي هو أساس كل مُلِك ، لأن الأساس الأول لمُلِك الله على الخلائق هو كونه الخالق لها ، وبه تحيا وتتحرك وتوجد ( أع 28:17 ) والرب يسوع به خلق كل شىء وله ، إذاً هو المالك الوحيد لأنه ( فيه يسكن جسدياً كل ملء اللاهوت ) " قول 9:2" . في العهدين الله قد ملِكَ ، وهناك مزامير تسمى ( مزامير مُلك الرب ) وهي ( 47- 93-96- 97 ). كان الله يدبر أمور الأرض والبر على أيدي رجاله المختارين ، أبراهيم وأسحق ويعقوب ومن بعدهم موسى ، فقادوا قومهم بقوة الله وكلمته ، وكان آخرهم صموئيل . لكن الشعب رأوا بأن للأمم الوثنية ملوك يملكون على شعوبهم فأرادوا هم أيضاً مَلِكاً على غرار تلك الأمم لكي يسود عليهم . لقد ساء طلبهم في عيني صموئيل النبي عندما طلب منه الشعب ، قائلين ( إقم علينا ملِكاً يقضي بيننا ) " 1صم 5:8" . صلّى صموئيل إلى الرب ، فاستجاب له قائلاً ( أسمع لكلام الشعب في كل ما يقولون لك ، فإنهم لم ينبذوك أنت ، بل نبذوني أنا من ملكي عليهم ) . إذاً ملِك في هذا العالم وسلطانه على الشعب هو تحدي لسلطان ملك الله على البشر .
مملكة داود الملك الزمنية كانت رمزاً لمملكة المسيح الأبدية . فالمسيح هو الملك الذي نصبته العزّة الإلهية على الجبل المقدس ، وهي تُسخِر من عظماء الأرض ورؤسائها أجمعين ( مز 2: 2-6 ) . لذا هتف إشعياء النبي قائلاً ( ولد لنا ولَد ووهب لنا ابن فصارت الرئاسة على كتفه ودعي عجيباً مُشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ، ولا تكون نهاية لنمو رياسته وللسلام اللذين يسودان عرش داود ومملكته ، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر ، من الآن وإلى الأبد . إن غيرة الرب القدير تتم هذا ) " أش 9: 6-7" . فمُلك المسيح الإله يسمو على وصف أي ملك بشري لكونه يتمتع بالصفة الإلهية وملكوته مبني على لاهوته . إنه الملك الذي سيفتح كتاب الحياة للبشرية كلها ، هذا الكتاب الذي أغلقته خطيئة الإنسان . وأمام هذا المخلص الإله الذي يحمل سِمات آلامه وجروحه التي على جسده والتي تشير إلى إنه المليك الإله ، أي مسيحاً ذبيحاً وملكاً ( يسجد له الشيوخ الأربعة والعشرون ) .
المليك المسيح العظيم هو ( الكاهن والذبيحة و المذبح كان الصليب ) في سفر الرؤيا يشهد يوحنا اللاهوتي أن هنالك عرساً واحداً لله وللحمل الذبيح ، وأن الحمل قائم وسط العرش الإلهي ، ولا عجب بما أنه تجسد الكلمة الإلهية . فالمسيح المصلوب والقائم من بين الأموات ، هو هو ملك الملوك ورب الأرباب وسيد ملوك الأرض ( رؤ 6:1) ثم ( 14:17) و ( 1تيمو 15:6 ) المالك يحتاج إلى حكمة وتدبير للقيادة وهذه هي صفة الملك المثالي ، وهل هناك حكمة تفوق حكمة الرب يسوع ؟ فالمسيح الملك هو ( قوة الله وحكمته ) " 1قور 17:1 " كما أن الملك يحتاج إلى مزايا لكي يكون ملِكاً ناجحاً ، فتكون في يده السلطة التشريعية ( والله هو المشترع الأعظم ) والسلطة القضائية ( إنه الديان الذي أعطى لمسيح الأبن صلاحية ممارسة القضاء بما أنه إنسان ) " يو 5: 22-27 " وكذلك السلطة التنفيذية لثواب الأبرار وعقاب الأشرار " بط2 :13-17" .
وأخيراًنقول : إذا كان ملوك الأرض يحكمون شعوبهم على مر التاريخ ، ففي النهاية سيهزمون أمام الملك الآتي ليحكم العالم . تقول الآية ( ثم يكون المنتهى حين يسلِم المُلك إلى الله الآب " أي قبل الرب يسوع " بعد أن يكون قد أباد كل رئاسة وسلطان وقوة ، فلا بد له أن يملك حتى يجعل جميع أعدائه تحت قدميه ، وآخر عدو يباد هو الموت. ذلك بأنه قد " أخضع كل شىء تحت قدميه "  فحينئذ يخضع الأبن نفسه لذاك الذي أخضع له كل شىء ليكون الله الكل في الكُل ) " 1 قور 24:15 - 28" . وهكذا سيخضع المسيح كل إنسان للطبيعة الإلهية فيكون الخضوع مطلقاً وستسجد للملك الآتي كل ركبة ، وتخضع له .
ليتبارك أسم ملكنا القدوس    

153
أسباب استخدام المسيح لقب إبن الإنسان

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( فإن إبن الإنسان هو رب السبت أيضاً ) ” مت 8:12 “

كل مسيحي يؤمن بأن يسوع المسيح ليس من ذرية آدم ، بل هو إبن الله الأزلي وخالق آدم والكون كونه ، حل في أحشاء مريم ليتخذ منها جسداً بشرياً ليصبح إنسان لهدف واحد وهو لكي ينقذ البشر من الخطيئة ، وذلك بدفع الثمن على خشبة الصليب المقدس ، إذاً لماذا فضّلَ يسوع إستخدام لقب ( أبن الإنسان ) الذي يدل على ناسوته ظاهرياً لكن أيضاً يدل على لاهوته أيضاً في بعض النصوص وقبل أن ندخل في الأسباب علينا أن نتذكر أسمه الذي تنبأ به أشعياء وأثبته البشير متى في إنجيله بتسميته ( عمانوئيل ) أي الله معنا ، أي إنه هو إبن الله المولود من إنسان ، فمن جهة كونه مولود من مريم هو أبن آدم ومن نسل داود الذي تنتمي إليه مريم ، لكنه غير مخلوق ، لأنه هو الإله الخالق .

السبب الأول هو أنه لا يستطيع أن يطلق على أسمه إبن الله ويعيش مع البشر طول فترة حياته الأرضية ، لهذا لم يسمى يسوع إبن الله ، بل يسوع إبن يوسف خطيب مريم ، فمن الأفضل أن يكون بمستوى الإنسان في كل شىء ، لكن كاملاً بدون خطيئة فعاش في الحكمة والمحبة والطهارة والقداسة والعدل وفي كل الفضائل . وهكذا عاش بتواضع تام أكثر من كل الناس لكي يعلمنا التواضع ، ، فولِدَ في مذود للحيوانات وعاش فقيراً في عائلة فقيرة وكأنه عبد ، وهكذا أخفى شخصيته الحقيقة كأبن الله . يقول الرسول عنه ( الذي كان في صورة الله ، أخذ شكل العبد صائراً في شبه الناس . وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت . موت الصليب ) ” في 2: 6-8 ) .

عاش كنموذج حي للإنسان الطاهر وكما خلق آدم طاهراً ، لكي يقول لنا بأن كل إنسان يستطيع أن يعيش الطهارة والقداسة بعيداً عن الخطيئة وكما يريد الله من الإنسان أن يكون . سمي نفسه إبن الإنسان لكن أظهر في ناسوته اللاهوت بإظهار قدرته كإله ففاق وتحدى كل معاصريه في العلم والمنطق والحكمة والحب والرحمة وعمل المعجزات والقداسة والكمال المطلق الذي لا يمتلكه أي إنسان ، وبهذا أثبت لأبناء ذلك الجيل وللأجيال القادمة إنه هو الله والإنسان معاً . إنه ( هو صورة الله الذي لا يرى … ) ” قول 15:1 ” كل أسفار العهد الجديد التي تحدثت عنه تلخصها هذه الآية ( عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد . شهد الروح لبره . تراءى لملائكه ، كرز به بين الأمم . أؤمن به في العالم ، ثم رفع في المجد ) ” 1 تيمو 16:3 ” . ولكي نعلم جيداً بأن إبن الإنسان هو إبن الله الموجود في كل مكان ، في السماء والأرض وفي كل مكان في الوقت ذاته جالساً على يمين القدرة ، وكان يتفوه بهذه الحقيقة ، لكن هل كان السامعين يفهمون كلماته ؟ هل فهم نيقوديموس ، ما قاله له ( ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء . إبن الإنسان الذي هو في السماء ) ” يو 13:3 ” أي عندما كان يسوع يتحدث معه على الأرض ، كان أيضاً موجوداً في السماء . وعندما قال للص اليوم تكون معي في الفردوس ، في اليوم ذاته نزل يسوع إلى الهاوية ليحرر الأبرار ويصعد بِهم إلى السماء ، أي كان في الهاوية والسماء معاً . لأنه إبن الإنسان وإبن الله ، بل إبن الإنسان هو الله الكلي القدرة الموجود في كل مكان ، في السماء والأرض معاً  .

من المعروف عند اليهود أن مغفرة الخطايا هي سلطة مطلقة لله وحده ، لهذا لم يؤمنوا بقوله للمشلول الذي دلوه من السقف ” مغفورة لك خطاياك ” . لكنه أثبت لهم بأنه الله الكامل في هيئة إنسان ، أي إنه إبن الإنسان وإبن الله معاً . لهذا له السلطة في مغفرة الخطايا . وعندما قال للمشلول ( قم أحمل فراشك وأذهب إلى بيتك ) أثبت لهم بأن من لديه الأكثر يملك الأقل أيضاً ، أي كانت قناعتهم بأن معجزة شفاء المشلول هي الأصعب ، وهي الجانب المنظور والملموس لجميع الحضور . لكنه عمل الأثنين . ومن الأدلة التي تثبت لنا بأن إبن الإنسان هو نفسه إبن الله . فإن عبارات ( إبن الإنسان ) و ( مباركي أبي ) معاً بأن إبن الإنسان هو نفسه إبن الله .

كما أن عبارة إبن الإنسان نجدها أيضاً في العهد القديم لكي نربط العهدين معاً في نفس الموضوع . ففي ( دا 7: 13-14 ) قيل ( كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحاب السماء مثل إبن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم … ) إذاً لماذا مزق رئيس كهنة اليهود ثيابه عندما قال له يسوع ( … من الآن تبصرون إبن الإنسان جالساً عن يمين لبقوة وآتياً على سحاب السماء ) ” مت 64:26 ” . نقول أيضاً وكيف كان إبن إنسان جالساً مع الآب في قديم الأيام أي قبل خلق الإنسان الأول وهو المساوي للآب في الجوهر ، وكأن له سلطان ومجد لكي تتعبد له الملائكة في حينها .

ختاماً نقول : استخدم لقب ( إبن الإنسان ) في العهد القديم والجديد ، فالمسيح أستخدمه كي يثبت أنه ليس إله فقط ، بل إنسان كامل أيضاً . يخبرنا إنجيل يوحنا في مقدمته بأن يسوع هو الكلمة ( اللوغس ) ، إنه العقل الإلهي الحكيم المدبر ، لبس جسدنا وعاش بيننا واختبر التجارب ولم يسقط في أي خطيئة . أجترح عجائب كثيرة خارقة ليؤكد على طبيعته الإلهية . تعايش مع الجوع والعطش والألم كأي إنسان وكإبن إنسان كامل . قال عن نفسه ( أنا هو . وسوف ترون إبن الإنسان جالساً عن يمين القدرة ، ثم آتياً على سحب السماء ! ) ” مر 62:14″ وكذلك يؤكد بأنه إبن الله بولادته العجائبية ليحقق الرسالة الإلهية ، كما يصور لقب ابن الله يسوع المعنى الحقيقي والمسيحاني لشخص المسيح ( طالع مت 4: 3 ،6 . مت 16:16 . لو 70:22 . يو 49:1 ) وكذلك الملاك دعاه ( إبن الإنسان ) في بشارته للعذراء .  إذاً إبن الإنسان ذاك كان إلهاً كاملاً أزلياً له سلطان لا يزول لأنه هو الله الظاهر في الجسد . أي أن أسم ( إبن الإنسان ) هو أسم ولقب إلهي موجود قبل التجسد والذي يرمز إلى ناسوته ولاهوته معاً .

ليتمجد أسم إبن الإنسان ، الله الظاهر في الجسد


154
الفرح هبة الله يكمن في قرار الإنسان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
الفرح هوعكس الحزن ، لكن الفرح الحقيقي لا يسعى وراء أحتياجات الجسد والنفس والفكر ، لأنه فرح زائل ، فالفرح الحقيقي هو هبة من الله للإنسان يمنحه له وفق وصايا الكتاب المقدس . فالفرح الحقيقي يجب أن يخلو من الأنانية ، وحب الذات على حساب الآخر ، بل يكتمل بمد الجسور وربط علاقات المحبة مع الناس ، فللإنسان دور كبير في قبول الفرح لأنه نعمة من الله فعليه أن يحفظه في قلبه وكيانه . الله يدعو جميع البشر إلى الفرح ، لهذا دعى الإنسان إلى العيش بفرح من خلال أقواله التي عبر عنها في 437 آية من الكتاب المقدس . في العهد الجديد نجد آيات كثيرة عن الفرح ، وفي الأناجيل الأربعة ورد الفرح كهبة إلهية للإنسان ( 33 ) مرة . فلوقا البشير دوّنَ لنا ( إفرحوا فقد ولد لكم مخلص ) " لو 2: 10-11" . مصدر الفرح هو الأيمان بكلمة الله الذي يعد الإنسان للفرح الحقيقي عكس الفرح الذي تبحث عنه كل الحسابات البشرية الموضوعية ، لأن الإيمان يسير في طريق مدبر للتيار المألوف . فسر الفرح هو الشعور برحمة الله للإنسان والذي يتسع ليشمل كل من يطرق باب الله ، والله هو في إنسان آخر ، فلا نستطيع أن نجد الفرح بمفردنا بدون الشركة مع الآخرين . والفرح يزرع السلام بين البشر لأنه ثمرة روح الله في داخلنا ( وأما ثمر الروح فهو ، المحبة والفرح والسلام ... ) " غل 22:5" .
الفرح يظهر لنا حتى في الصعوبات والإضطهادات ، فعلينا أن نفرح في كل حين بسبب المكافئات التي سنحصل عليها بسبب تحملنا لتلك الصلبان . لهذا قال يسوع لتلاميذه ( إذا أبغضكم الناس وطردوكم وعَيّروكم ونبذوكم نبذ الأشرار من أجل ابن الإنسان ، أفرحوا في ذلك اليوم وابتهجوا ، لأن أجركم عظيم في السماء ، فهكذا فعل آباؤهم بالأنبياء ) " لو 22:6" . عندما يربط المؤمن مصيره بمصير يسوع ، فيتحول الأخير إلى مصدر الفرح للمتكلين عليه . 
 الفرح هو ولادة جديدة كهبة من الروح القدس للإنسان ، إنه عكس فرح الإنسان الذي يبحث عنه في الغنى والمجد والتسلط على الآخر ، والذي ينتهي بالألم . الحياة والفرح نجدها مع من يواجه التهميش والهوان ، ومن يعيش في صراع مع العالم ومغرياته فيواجه تجار المتعة والكذب والخداع . إنها معركة من أجل الوصول إلى الفرح المنبثق من روح الحق المعزي " يو 26: 15" قال يسوع عن الفرح الحقيقي الذي يتعارض مع منطق هذا العالم الذي يبغض من يسير ضد تياره ، ويضطهد من يبحثون عن الحق والصدق في حياتهم ( طالع يو 15: 18-20 ) . الفرح إذاً هو حال الإنسان في المسيح ، ومن المسيح نطلب أن يقودنا إلى عمق ذواتنا حيث نلتقيه فنعرف طعم الحياة ومعنى الفرح .
 الفرح هو قرار حر لمن يريده ، يأتي من الروح القدس إلى الإنسان ويثمر به عندما يؤمن بوصايا يسوع ، فعلى الإنسان أن يعيشه، وخاصةً في وقت الضيق إلى أن يعبر إلى الحياة والنور الأبدي . الله هو من يهب الفرح ، فعلى الإنسان أن يحفظه في قلبه ، ويقاوم كل مكائد الشيطان الذي يحاول أن يجره إلى فخاخ المتعة والخداع . على المؤمن أن يعي أن طريق يسوع يمثل طريق الفرح التام ، وعليه أن يكشف المسافة التي تبعده عن مصدر الفرح الذي يسعى إليه ، والفرح هو ثمرة قرار الإنسان عندما يميّز روحياً ، وفي الإنبساط الروحي ينشأ في النفس تأثير باطني يحمل النفس على الإضطرام حباً لخالقها وربها ، فلا تعود تحب أية خليقة على وجه الأرض لذاتها ، بل في خالق جميع الأشياء . وذلك أيضاً شأن النفس التي تذرف دموعاً تحملها على حب ربها وذلك  بالتوجّع على خطاياها من أجل الوصول إلى الفرح الحقيقي مع ربها .
ختاماً نقول : الإنسان يصل إلى الفرح بإيمانه وصلاته وصومه ، فالصراع ليس سهلاً ، والنجاح يتطلب صبراً ومثابرة حتى يخلق لدينا شخصية روحية تستقبل عطية الله بكل رحب وإمتنان . أو على الإنسان أن يعي من كل هذا ويعلم بأن الفرح هو ثمرة تمييز للجدال أو الصراع الروحي الدائر في قلب الإنسان ، ومحوره هو مشروع الفرح الذي يبني على أساس تنفيذ الوصايا والتي تقودنا إلى الفرح ، يقول صاحب المزمور "8:19" :
( وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب )

155
عيد إنتقال العذراء إلى العرش السماوي ܫܘܢܵܝܐ ܕܥܕܪܐ
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://c.top4top.io/p_16866lhnd1.jpg
( قومي يا خليلتي ، تعالي يا جميلتي ، هلمي يا حمامتي ، فها الشتاء قد عبر ) " نش 10:2 "
مريم العذراء ، والدة الله الكلية القداسة ، الممتلئة من النعم ، أختار الله هذه المحبوبة وكرمتها جميع الأجيال ، أصطفاها الله لكي تكون إناءً نقياً يحمل أبن الله المتجسد بيننا ، لهذا أرتأى أن يحفظها من دنس الخطيئة الأصلية منذ الحبل بها . ولدت من أبوين عاقرين وتقيين كانا يطلبان من الله أن يرزقهما بنسل ، فسمع الرب الصلوات المرفوعة إليه وأعطاهم مريم ، ومعنى أسمها ( البحر المر ) بالسريانية ( ياما مرتا ) . تم تقديمها إلى الهيكل وهي في الثالثة من عمرها ، وهي الأخرى قدمت ذاتها لله ولخدمة هيكله المقدس . أتتها البشرى العظيمة من ملاك الرب فحبلت بالحبل الإلهي في صباها ، وكانت حينها تتصف بالقداسة والإيمان الطاهر والإنحناء العميق أمام الله حين تجسد الكلمة الإله في أحشائها وحفظها المتجسد في بتوليتها . بعدها زارت نسيبتها أليصابات بعد أن أخبرها الملاك بحبلها ممن سيمهد الطريق أمام أبن مريم . أنجبت العذراء أبنها يسوع في مذود بيت لحم ، وبعدها قدمته للهيكل مع مار يوسف كعادة اليهود ، وظلت مريم خادمة يسوع إلى يوم صلبه الأليم على الجلجلة ، بعد أن أكملت خدمتها لأبن الله وللبشرية جمعاء جاء يوم نياحها لتلحق بأبنها الذي فارقها على خشبة الصليب وهي تبكي له بدموع وتقول ( إن نور عيني لم يبقى معي ) " مز 10 : 38 " فكم كان عظيم يوم موتها لتلتحق بأبنها تلك البتول المجيدة . يوم أنتقالها أعتبرته الكنيسة المقدسة عيداً تحتفل به بسبب أنتقال أمها ( أم الكنيسة ) من الأرض إلى السماء ، فكم هو ممجد هذا الأنتقال ، وهل يجوز أن نبكي أن نفرح لفراقها ؟
كان يوم أنتقالها هدية لها من السماء التي كرمتها بهذا الأنتقال العجيب بالنفس والجسد ليبقى قبرها فارغاً وشاهداً للأجيال حقيقة إنتقالها . فلا يلزمنا أن نحزن ونبكي على فراق أمنا العظيمة التي ولدت لنا المخلص بسبب غيابها عن كنيستنا المجاهدة المضطهدة ، بل أن نبتهج ونسّر فرحين قائلين ( فلنتهلل كلّنا بالرب إلهنا بإحتفالنا بعيد الطوباوية مريم البتول تكريماً لها ) نفرح لها بسبب المجد الذي حصلت عليه أمنا القديسة ، هذا أفضل من تعزيتنا وحزننا لها ، لأن الإبن الإله قد فرح بصعودها إليه لتمضي وتجلس على العرش السماوي .
أنطلقت تلك البتول إلى السماء لتأخذ المُلكَ ويتوجها الثالوث الأقدس ، فلنتهلل إذاً بالرب الذي كرمها . أستقبلها الإبن مع أجواق الملائكة الذين كانوا يهتفون المزمور ، قائلين ليسوع وأمه ( قم يا رب إلى راحتك أنت وتابوت عهدك ) " مز 8:132 " أي يسوع والتابوت الذي كان يحمل قدسك أيها الإله العظيم ، ذلك التابوت المختار هو مريم  التي حملته في أحشائها لتصعد هي أيضاً إلى السماء .
داود النبي والملك وجميع شعبه كانوا يحملون تابوت عهد الرب بأناشيد وتهليل وصوت بوقٍ ، وما كان ذلك إلا نبؤة ترمز إلى صعود التابوت الحقيقي " مريم " والدة الإله الذي جاء واستقبلها مع أجواق الملائكة ليستقبلوها بأحترام فائق . قال القديس برناردوس السياني ( لكي يكرم يسوع المسيح إنتصار مريم والدته ، جاء من السماء إلى ملاقاتها ، وأخذها برفقته إلى الأخدار السماوية ) لهذا يقول القديس أنسلموس: ( إنّ المخلص أراد أن يصعد أولاً إلى السماء قبل أن ترتقي إليها أمّهُ ، ليس فقط لكي يهيىء هناك عرشاً لائقاً بهذه الملكة ، بل أيضاً ليجعل دخولها إلى السماء ذا مجدٍ عظيم بحضوره إلى ملاقاتها ، وبرفقته أرواح الطوباويّين أجمعين ) .
لنتأمل كيف أستقبل يسوع والدته متكلين على آيات تنبأت بهذا الأستقبال وعلى فم يسوع وهو يقول لها بحسب الآية : ( أنهضي يا قرينتي ، تعالي يا جميلتي وهلمىّ يا حمامتي ، فها الشتاء قد عبَر والمطر ذهب وصار إلى ذاته ) " نش 10:2" أي قومي يا أمّي ، يا عزيزتي يا جميلتي الحمامة النقيّة ، أتركي وادي الدموع هذا الّذي هو الأرض حيث تكبّدت أتعاباً وأحزاناً عظيمة من أجلي وحبّاً بيّ .
عندما دخلت مريم المجيدة السماء وشاهدت الطغمات النورانية المنتظرة قدومها ، وهي متصفة بالجمال والمجد ، سألوا الملائكة المستقبلين لها ، قائلين ( من هي هذه الصاعدة من البرية مدللةً مستندة على حبيبها ) " نش 5:8" يشرح القديس أوريجانس هذه الآية ، فيقول ( من هي هذه المخلوقة الفائقة البهاء والكمال المقبلة من قفر الأرض ، المكان المملوء بالأشواك والقرطب ، لكنها صاعدة هكذا غنية بالفضائل ، وممتلألئة بالنقاوة ، مستندة على سيدها العزيز وحبيبها الوحيد الذي قد تنازل لأن يستقبلها ، ويرافقها بشرف وإكرام كبير ) .
أخذ جميع الأرواح السماوية يسبحونها ويباركونها  ويمدحونها بأفضل مما مدح العبرانيون يهوديت الجليلية بقولهم ( أنت هي شرف أورشليم وعّز إسرائيل ومدحة شعبنا ) " يهوديت 15 :10 " .
أخيراً نقول : أنتقلت الطوباوية أم الله إلى السماء بكرامة ومجد فأقتبل الآب الأزلي ابنته العزيزة ، والإبن الإلهي أُمهُ الجليلة ، والروح القدس عروسته الفائقة البهاء والنقاوة ، وهكذا توّجها الآب مفوّضاً لها القدرة ، والإبن واهباً إياها الحكمة ، والروح القدس مفيضاً عليها الحبّ ، ثم أقام ثلاثة الأقانيم الإلهية لها عرشاً عن يمين ابنها ، وكللوها سلطانةً مطلقةً على السماوات والأرض ، وأمروا الملائكة والمخلوقات كلّها بأن يعرفوا سلطانتهم الحقيقيّة ، وتحت هذه الصفة يخدمونها ويطيعونها .
لكي نعرف المزيد عن مكانتها وعرشها كتابياً لنقرأ هذه النبؤة ( قامت الملكة من عن يمينك مشتملة بثوب مذهبٍ موشى ) " مز 9:45 " فسر القديس اثناسيوس هذه الآية وقال ( هذه الكلمات النبوية قيلت حصرياً عن جلوس مريم البتول ملكة من عن يمين ابنها في البلاط السماوي ) . كما قال عنها العالم الأب كولومبياري ( هو مجدّ تام ، مجد كامل ، ومختلف عن مجد القديسين الآخرين في الملكوت ) .
نطلب من أمنا القديسة والدة الإله التي هي أعظم قدراً وسموّاً من الملائكة كافة أن تشفعنا عند أبنها يسوع الذي له المجد الدائم  .  

ملاحظة : للمزيد عن الموضوع لأثبات أنتقال العذراء كتابياً طالع مقالنا السابق ( آيات من العهدين تثبت أنتقال العذراء إلى السماء ܫܘܢܵܝܐ ܕܥܕܪܐ )على موقع عنكاوة ، الرابط https://ankawa.com/forum/index.php?topic=946181.0

156

عيد التجلي ... تجلي الله في العالم المنظور

بقلم / وردا أسحاق قلّو
إذ إنه ، وهو الكائن في هيئة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله ” في 6:2″
الله غير منظور ، وصفاته أيضاً غير منظورة ، لكن قدرته الأزلية تُعَبّر منذ خلق العالم وهي مدركة بمخلوقاته ( طالع رو 1: 18-20) . وإستناداً إلى هذا القول أكد لنا التقليد المسيحي أن الإنسان يستطيع الوصول إلى معرفة الله من خلال المخلوقات التي تتجلى فيها صفات الله غير المنظور .
بيّنَ الفلاسفة أن الكائن الأسمى يتجلى من خلال الكائنات ، والمطلق من خلال النسبي ، فلفظة ( التجلي ) تعني حضور الغير المنظور حضوراً منظوراً . إلا أن غير المنظور بحضوره في العالم يبقى غائباً عنه ، فهو حاضر غائب في الوقت نفسه ، حاضر من خلال تجليه . ويمكننا إدراك مفهوم ( تجلي الكائن ) من العلاقة بين الكلمة والفكرة ، فالفكرة تتجلى في الكلمة ، إلا أن هذا التجلي يتسّم بسمتين متلازمتين ، فالسمة الأولى هي أن الفكرة ليست أمراً مكتملاً داخل فكرة الأنسان وتبرز إلى خارجه بواسطة الكلمة المنطوقة أو المكتوبة ، وإلا لصارت الكلمة غريبة عن الفكرة وبعيدة عنها . إنما الفكرة حاضرة في الكلمة حضوراً مباشراً دون وسيط . هكذا يتجلى الكائن والمطلق والله ، متسماً بهاتين السمتين ، فتجليه ليس غريباً عن كيانه ، إنما هو كيانه بالذات الحاضر في تجليه . وتلك هي السمة الأولى ، ثم أن تجليه لا يستنفد كيانه كله ، إذ أن الكيان الذي يظهر لنا إنما هو كيان المطلق والله ذاته ، ولكن من حيث إنه يتجلى ، أي إنه يبقى حتماً فرق وبُعِد ومسافة بين الكائن في ذاته وتجلّي هذا الكائن ، وتلك هي السِمة الثانية . تجلى الله في العهد القديم بواسطة الوحي ، وفي الكَون ، وفي تاريخ الخلاص ، إلا أنه لا يزال فيذاته أوسع بكثير مما ظهر للبشرية ، فإنه قريب منا وبعيد عنا في آن واحد ، وهو نفسه الذي يظهر ، ولكن فقط من خلال تجليه ، كما ظهر في العهد الجديد في شخص أبنه يسوع ، واليوم يظهر لنا في الكنيسة ، فيتجلى في أسرارها ليحضر بيننا ، كما يظهر لنا في الإيمان . في العهد الجديد وعلى الجبل تجلى في شخص المسيح ، وكل ما قاله العهد القديم رآه العهد الجديد في المسيح ، فهو الحكمة ، والنور ، وخبز الحياة ، والماء الحي ، والراعي الصالح ، والملك ، والطريق والحق والحياة ، وفيه تمت الكتب المقدسة ( لو 21:4 ) وبه صار ( ملكوت الله في ما بيننا ) ” لو 21:17″ . الله تجلى في المسيح ” في 2: 6-8″ . كذلك المسيح تجلى في كنيسته ، في حظوره وغيابه ، فالكنيسة هي أستمرار لحضوره وإن كان غائباً عن الأنظار . فهو في وقتٍ واحد حاضر بيننا ، وغائب عنا على مدى التاريخ . والبعد الثالث هو ترقب مجيئه الثاني وإنتظار حضور المسيح الدائم ، وهو يتضمن الغياب على مدى الزمن . كما يتجلى المسيح اليوم في إيماننا ، فالأيمان هو موضوع تجلي المسيح وتجلي الله بالمسيح . ففي أيمان المسيح يتجلى الله ، وفي أيمان الكنيسة يتجلى المسيح الإله ، وفي رجائها يتجلى ملكوت الله فينا . نلاحظ معاً وجود القرب والبعد ، الحضور والغياب ، فالمسيح يتجلى في الكنيسة المؤمنة ، إلا أن الكنيسة لا تستنفد حضوره . والملكوت يتجلى في الرجاء المسيحي ، إلا أن هذا الرجاء لا يستنفد حضور الملكوت . ومحبة الله تتجلى في محبتنا للقريب . إلا أن هذه المحبة لا تستنفد حضور محبة الله .

كذلك الله يتجلى في صلاة المؤمنين ، فعندما يدخل المسيحي في الصلاة يتجلى له الله في الوقت نفسه قريباً وبعيداً ، حاضراً وغائباً ، ويدرك معاً إنه يشترك في الطبيعة الإلهية وأنه لا يزال إنساناً خاطئاً ، تلك هي خبرة القديسين المسيحيين الذين بقدرٍ ما يتحدون مع الله بصلواتهم ، ويصارعوه بإيمانهم ، ويدخلون في عالمه ويدركون كثافة الظلام التي تكتنفهم .

وهكذا يتجلى الله في صلاة الجماعة أيضاً وحسب قول الرب ( أَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِم ) ” مت 20 :18 ” في الصلاة يتجلى لنا عمل الله فيفتح كياننا البشري لنمتلىْ من نعمة الله التي أنعم بها على البشر منذ البدء ، وفي المسيح وأخيراً علينا في الروح القدس ، كما علينا أن نعلم بأن كياننا الذي أشترك في الطبيعة الإلهية لم ينصهر بعد في كيان الله ، وإن الخطيئة لا تزال فينا تبعدنا عن قداسته ، وهذه هي المفارقة التي لا بد لنا أن نعيش فيها مادمنا على هذه الأرض ، والتي نختبرها كل مرة ندخل في الصلاة من غير أن تحملنا إلى اليأس ، كما تجلى الله في عمل المؤمن كما يتجلى في صلاته ، لأن العمل هو ثمر الأيمان ، فإن بين الله وتجليه في العالم مسافة مستمرة ، وهي المجال الذي يندرج فيه عمل الأنسان ، وعمل الأنسان مطلوب ، بل سنطالب به ( طالع مت 25: 35-36 ) فنعمة الله تطلب من الإنسان أن يملأها بأيمانه وعمله ، أي بالأيمان العامل .

المجد لله المتجلي فينا

157
الغاية من الأيقونات والتماثيل في كنائسنا
بقلم / الفنان التشكيلي  وردا إسحاق قلّو
https://j.top4top.io/p_1630ld76d1.jpg
اللوحة بريشة الكاتب
كل الرموز والتماثيل والموسيقى والأجراس وغيرها المستخدمة في الكنائس الرسولية لها أهميتها كوسائل مساعدة في تنمية الإيمان ، تستخدم مع الصلاة والطلبات والتعبد والمناجات لأنها تنقلنا من الأجواء المادية إلى رؤية روحية . فالأيقونة التي نكرم من خلالها الشخص المرسوم نعتبرها كنافذة تعطي لنا إيحاءً بأن الشخص المرسوم ينظر إلينا ويسمعنا من نافذة السماء ، وعندما ننقل آية أو قصة بشكل رسم فالغاية من تلك الصورة ليست للعبادة لأن الصورة ليست هدفنا ، بل تشير إلى الهدف لتجعلنا أكثر إحساساً في تلبية صلواتنا وطقوسنا ، وحتى في المحاضرات العلمية نحتاج إلى وسائل الإيضاح وخرائط تنقل فكرنا إلى المكان المطلوب فتقربنا من الحقيقة . فكل الوسائل المستخدمة في الكنائس نحتاجها كتعبير حركي مرئي ومحسوس . البعض يسّخرون من الذين يلمسون تماثيل القديسين أو صورهم للتبرك بها ، أو يمسح منديله برفاة القديسين طالباً شفاعتهم ، أو من الذين يضيئون شمعة أمام صورة أو تمثال في الكنيسة أو المنزل . الأيقونة أو التمثال تعكس لنا صورة الله المتجسد ، فيتجانس في فكرنا ما هو بشري مع ما هو إلهي وكأن المرسوم في الأيقونة يغدو متجلياً لنا بنعمة الروح القدس . ففكرنا ونظرنا لا يبقى مستقراً في الأيقونة بل ما وراء الأيقونة الذي يمتد إلى الهدف ، فالأيقونة والتمثال ما هما إلا أصبع ممدود نحو الهدف الحقيقي . إذاً لسنا كعبدة الأصنام تستقر فكرته في الصنم المنحوت الذي يعتبره إلهه ومن ذلك الصنم يطلب ما يريد ، بل الأيقونة عندنا هي إنجيل مصور ومفتوح أمام الجميع يصّور لهم قصصاً بتكثيف لاهوتي جمالي ينعكس من بين ثنايا شخوصها فنهم الموضوع كما نفهمه عند قرائته أو سماعه . فالنظر أيضاً ينقل الفكرة . قد لا نستطيع أن ننقل البشرى بالقراءة أو بنشر الكتب المقدسة أو حتى التحدث بأمور الإيمان في بعض الأوساط ، لكننا نستطيع أن ننقل الفكرة بالرسم أو النحت وغيره إلى الآخرين ، فبهذه الحالة الفن يستخدم الكلمة أكثر من وسيلة أخرى .
رسام الأيقونات أو نحات التماثيل يجب أن يكون موهوباً ليس بفنه فحسب ، بل يجب أن يكون ورعاً تقياً يتمتع بروحية إيمانية وذو إطلاع على نصوص الكتاب المقدس إضافة إلى دراسة فكرة موضوع اللوحة مع آباء الكنيسة للوصول إلى ما هو أفضل وأعمق وأدق قبل الشروع بالعمل ، كذلك عليه الصلاة والصوم كي يتسلح بنعمة السماء التي ستدعمه أثناء عمله . وذلك لظنهم بأن كل الوسائل التي تستخدمها الكنائس الأخرى أساس فكرتها وثنية لهذا يكتفون بشرح الكتاب المقدس مع التراتيل . والتراتيل أيضاً كانت تؤدي بدون موسيقى إلى وقت ليس بالبعيد ، لكن بعد أن شعرت الكنيسة بأهميتها للعلاقة التي تربط الجسد والحواس والقلب أثناء إداء الترتيلة وسماعها ، لهذا تم إدخال الموسيقى إلى الكنيسة ، وعليهم بذل المزيد من الجهود لأدخال وسائل أخرى مساعدة إلى كنائسهم كما تفعل الكنائس الأخرى .
 نرى أن معظم المجموعات المنشقة عن الكنيسة الرسولية تضع في مطبوعاتها صوراً للمسيح وسائر شخصيات الكتاب المقدس ، ومن ناحية أخرى لا تضع صوراً للعذراء مريم ولا للقديسين ، ومن ناحية ثالثة ، إذا كان بعض إخوتنا يحرّم وضع شخص المصلوب على الصليب بحجة أنه تمثال ، فعليهم أيضاً أن يزيلوا الصليب نفسه بحجة أنه ( صورة أو نحت خشبي ) وفي الواقع كلاّ منهما مقبول وغير ممنوع لأنهما ليسا إلهين من دون الله . ومن جملة الخلافات الموجودة بين الكنائس الرسولية والكنائس البروتستانتية هو إكرام الصليب المقدس ، وعدم رشم الصليب على ذواتهم أو على الطعام قبل تناوله وبعده ، ولا يستخدمون الصليب للتبريك ، بل يكتفون فقط بالأيمان به في قلوبهم ويفضلون وضع صورة سمكة على سياراتهم ليفرزون أنفسهم من بقية المسيحيين ، كما لا يفضلون تعليق الصليب على صدرورهم ، ولم يخصصوا للصليب عيداً أو تذكاراً ، ولا يطوفون به في معابدهم كباقي المسيحيين لأعتباره نوع من النحت ، فقط يعلقون الصليب المجرد من المصلوب في كنائسهم . .
كما نقول ، ما صورة العذراء وأيقونات القديسين سوى إشارات ترمز إليهم ، وليست أصناماً نعبدها ولا أوثاناً نسجد لها .                                                                                                        عندما نلتقي مع بعضنا أيضاً نستقبل رفاقنا في بيوتنا طقوساً خاصة لذلك ، كالأبسامة والمصافحة والتقبيل وتقديم الهدايا وغيرها وذلك لكي تمنح لقائنا بعداً جسدياً حسياً يزيد من الشعور بالمحبة والأحترام .
الأطفال عندما يلتمسون بأيديهم يد تمثال للطفل يسوع مع أمه مريم سيشعرون بالغبطة ، والله يعرف صعوبة عبادتنا بدون وسائل محسوسة ، لذلك تحرص كنيستنا على وضع الصور والتماثيل وكتابات لآيات أو أقوال وغيرها ، وكل هذه تمثل البعد الإيماني المحسوس .
أسباب عدم إستخدام الكنائس البروتستانتية للأيقونات والتماثيل يبررونها ببعض الآيات الكتابية ، كالآية ( لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ، ولا صورة ... لا تسجد لهن ولا تعبدهن  لأني أنا الرب إلهك ، إله غيور ) والرد هو نحن المسيحيين لا نعبد تمثالاً أو صورة ولا نسجد لها كما كانوا يفعلون عبدة الأوثان ، أو كما فعل الشعب اليهودي عندما نحتوا العجل الذهبي أثناء غياب موسى وأعتبروه الإله الذي أخرجهم من مصر . بل صلواتنا وعبادتنا تتجاوز العمل الفني إلى الشخص المرسوم أو المنحوت الموجود ليس في الصورة أو التمثال بل في السماء . كما نقول لهؤلاء الأخوة بعد تلك الآية قال الله لموسى أيضاً ( أصنع " يعني أنحت " كاروبين من ذهب ) " خر 18:25" وكذلك قال ( أصنع لك حية نحاسية " أنحت " ) " عد 9:21 " إذاً نقول كيف منع الله النحت أولاً ثم عاد وأمر بنحت تماثيل الكاروبين وتمثال الحية ؟ المقصود واضح هو في الاية ( لا تسجد لهن ولا تعبدهن ... ) " خر 5:20 " ، لنسأل ونقول وهل هناك مسيحياً يعبد تمثالاً من دون الله ؟  ليطمئن المتشككون والمعارضون بأن المؤمنين في الكنائس الرسولية لا يعبدون آلهة أخرى سوى الله ، ولا يسجد لغيره ، فالصورة والتمثال ليست موضوع عبادة في الكنيسة ، أما إذا كان بعض الجهال يعبدونها فموقفهم مخالف لتعليم الكميسة والكتاب المقدس .
 اليهود في العهد القديم  كانت تصبح تماثيلهم آلهتهم ، فكانوا ينالون غضب وإنتقام الله ، فالتمثال الذي ينحت ليعبد كتمثال الذي نحته هارون لعجل ذهبي فبسببه تركوا الله ، وأعلن الشعب إيمانهم للعجل قائلين ( هذه آلهتك يا أسرائيل التي اخرجتكِ من أرض مصر ) " خر 1:32 " لكن الله الذي أمر موسى بمنع النحت للعبادة ، أمره أيضاً بصناعة ونحت التماثيل والصور لمساعدة الشعب المؤمن في فهم إيمانهم بتلك الأعمال الفنية المقدسة ، وهكذا سليمان صنع من المحراب كروبين من خشب وغشاهم بالذهب ، ونقش على جدران الهيكل على مدارها صور كروبين ونخيل وزهور متفتحة ورمان ، ونقش على مصراعي الهيكل كروبين ونخيلاً وأزهار فنالت أعماله الفنية تلك رضا الله لهذا يقول الكتاب بعد ان أنهى سليمان كل شىء في الهيكل ( ان مجد الرب ملأ بيت الرب ) " 1 مل 11:8 "  بينما في المسيحية اليوم هي مجرد رموز مساعدة للعبادة ، إضافة إلى أننا نقصد بها التكريم لصاحب التمثال كتكريم القديسين لأهداف إيمانية . الله لم يقصد أن يمنع أية صورة أو تمثال ، بل هو واضحاً في قصده وحسب الجزء الثاني من الآية السابقة (... لا تسجد لهن ولا تعبدهن  ) أما إذا أخذنا وصية الرب وفسرناها بأن كل صورة وتمثال ممنوعان ، فيعني بأننا وصلنا إلى نتيجة لا يقبلها عقل سليم ، أي كل صورة او نحت ممنوعان ، فلا فن ولا تصوير ولا مجسمات ولا صورنا الشخصية او صور أقربائنا ولا صور للطبيعة الجميلة ولا نقش ولا زخرفة ، بل حتى الكتابة نفسها تصبح من الممنوعات بما أن كثيراً من الأحرف في اللغات القديمة كاللغة الصورية في بلاد النهرين ومصر . كما نلاحظ أن المعترضين من طوائف أخرى لا يمنعون من رسم صور المسيح وبطاقات الميلاد مع صور عرض الأفلام دينية أو توضيحية لموضوع ما وصور عائلاتهم .
الله الذي حرم التماثيل والصور في فترة كانت غايته لكي لا تعتبر آلهة ، نفسه امر بصنعها لكن لا لعبادتها فأمر بصنع تابوت العهد وملائكة ونخيل وزهزور وأسود وحية وغيرها ( طالع خر 10:25 و 16:25 ) وهذا واضح من نص الآيتين المتوازيتين غير المتضاربين ، قال الله لموسى في سفر الخروج:
 ( لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ... ) " 4:20"    ( أصنع " بصيغة أمر " كروبين من ذهب ) "18:25
هذا في قضيّة التماثيل ، والنصوص المقدّسة الأخرى تتبع ، أما قضية الصور ، فهذه مقابلة أخرى :
( لا تصنع لك صورة ما ممّا في السماء .. )
" خر 4:20 "    ( إن أبنك " سليمان " هو يبني " الهيكل " لأسمي .. ونقش "سليمان " على جميع جدران البيت على مدارها صور كروبين ونخيل وزهور ... ) " 1 مل 5:4 و 3 مل 32:6 " . 
الله خلق الإنسان على صورته ، وهذا يعبّر عن العلاقة بينه وبيننا ، والإنسان أيضاً يجسد تلك العلاقة ويعبر عنها بأعماله الفنية . فالفن الذي يتلائم مع هدف الإيمان ولخدمته يسمى ب ( الفن المقدس ) الذي يحمل الإنسان على العبادة والصلاة العميقة والهادفة ، لهذا شجعت الكنيسة منذ البداية الفنون وخاصة في العصور الوسطى التي استطاع من خلالها الفنانون التشكيليون تجسيد الكلمة المكتوبة إلى لوحات مُعَبّرة تدفع المؤمنين إلى ذكر مواضيعها وغاياتها ، وهكذا يتعايش الإيمان مع جمال الفن المقدس الذي يتم من خلاله تصوير الشخوص الكتابية في أيقونة أو لوحة أو تمثال تحمل تعبيراً لاهوتياً وحركات قدسية تساعد المؤمن على التعبد الصحيح وتوفر له الأجواء الممكنة للتأمل والصلاة ، فمنذ القرن الحادي عشر بدأ الفن الروماني بالأزدهار وهو من أصل رهباني ، وكان يمتاز بالقبب الدائرية الشكل ، وبنقوش تيجان والأعمدة والرسوم الجدارية ، وخلفّهُ الفن القوطي ، نشأ في المدن ونما فيه الرسم على الزجاج الملون ونحت التماثيل والجداريات الزيتية وغيرها . تعد أيقونة ( الثالوث ) لرسام الأيقونات " رولف " من أقدم الأيقونات التي صور فيها ثلاث شخوص متشابهة للأقانيم اللإلهية . كما يقال بأن القديس لوقا البشير رسم ايقونة للعذراء .
https://j.top4top.io/p_1672wj0al1.jpg
تمثال في كنيسة العائلة المقدسة – وندزر – كندا . تلوين التمثال بريشة الكاتب
ا
لصورة المقدسة والمكرسة ، والأيقونة الليترجية والتماثيل التي تمثل المسيح خصوصاً تُعّبر عن الله الذي لا يرى ولا يدرك ، إن إبن الله هو الذي أفتتح بتجسده نهجاً جديداً في أستعمال الرسم ، لم يكن ممكناً على الإطلاق قديماً أن يمثل بالصورة الله المنزه عن الجسد والشكل ولكن بعد أن ظهر لنا اليوم في الجسد وعاش مع الناس ، يجوز لنا أن نرسم ما رأيناه من الله المتجسد ، لأننا نعاين مجد الرب بوجه مكشوف .  فالأيقونات المسيحية تنقل بالصورة رسائل الأناجيل المكتوبة ، فالصورة والكلمة تستنير وتساعد المؤمنين على فهم أسرار الله المدونة في الكتاب ، وهذا يعود عليهم بالنفع والفائدة لأن بالصورة والكتابة تكمل الفكرة .
مشاهدة جمال الأيقونات وألوانها عندما يقترن بالتأمل بكلمة الله وترنيم الأناشيد الليترجية ، ستنسجم مع رموز الأحتفال في الكنيسة فينطبع السر المحتفل به في ذاكرة القلب وينعكس بعدئذ في حياة المؤمنين .
دافع القديس الشهيد يوحنا الدمشقي عن إحترام الإيقونات وضرورتها ( إذا كان قد منع في العهد القديم تصوير الله ، فهذا المنع لا يختص بكنيسة العهد الجديد عندما قبل الله ذاته في طبيعة بشرية وعاش على الأرض كإنسان ). كما أقر اللاهوتيون بأن الله قد أصبح منظوراً لنا في المسيح ، ولهذا أمكننا أن نصور المسيح ، ومن خلال هذا التصوير المادي نخترق حجاب المادية نحو الصورة اللامنظورة العظيمة فيها نتأمل في شخصه الإنساني والإلهي . ونحن اليوم عندما نتأمل أمام أيقونة المسيح المباركة ، نجد فيها الله لابساً وجهنا الإنساني لأجل خلاصنا ، هذا الذي ترك عرشه السماوي وتجسد فينا لكي يخلصنا ، فإن لم نستطيع فهم المكتوب فالأيقونة تساعدنا في التأمل بلاهوته وروحانيته يتمخض عنها لاهوت الجسد ( المسيح أصبح منظوراً في عالمنا ) ومن خلال تلك الأيقونة سندرك السموات التي تقع في داخلي وفي ذاكرتي أخزن صورة ربي ، واخيراً لم تبقى صورته فحسب ، بل حضروه الذي لا يحده أي تصوير ، وهكذا يساعد الإنجيل المصور أطفالنا لفهم قصص الإنجيل المقدس لكي تنطبع تلك الصور مع الآيات في أذهانهم وذاكرتهم ، بل الروح القدس سيسكن في أعماقهم وينور إيمانهم . دعت المجامع المسكونية إلى إكرام الإيقونات فأرادوا براهين لإكرام الإيقونات من الكتاب المقدس والتقليد الكنسي ومن كتابات آباء الكنيسة  .
بعض الأيقونات والتماثيل بقوة الله تعمل معجزات وآيات عظيمة ، ففي العهد القديم أمر الله موسى لينحت الحية النحاسية التي علقها على خشبة والتي كانت ترمز إلى المسيح المصلوب " يو 14:3 " ( كما رفع موسى الحية في البرية هكذا يجب أن يرفع إبن الإنسان ) . لكن تلك الحية النحاسية بقوة الله كان لها القدرة للشفاء من سموم الحية التي تلدغ الإنسان ، هكذا الأيقونات والتماثيل ومراقد القديسين بسبب إيمانهم المقترن بقدرة الله الذي يتجلة في ذلك العمل الفني المقدس تحدث المعجزة  .
أخيراً نقول : الفنون الجميلة بطبيعتها تهدف إلى التعبير عن الجمال الإلهي اللامحدود الذي نقرأ عنه في الكتاب المقدس ، فاللوحة المرسومة أو تمثال جميل وحتى الموسيقى في الفنون المسرحية أو تمثيلية أو مسرحية دينية تتناغم مع النصوص المعدة للترانيم أي الصلواة المستقاة من الكتاب المقدس ، إنه ثروة دينية ثقافية يختص بشعب الله المحتفل ، أداة التعبير ، لذا لا بد أن يعزز الترنيم الديني تعزيزاً بصيرياً ، بحيث يتاح لأصوات المؤمنين طبقاً لقوانين الكنيسة ومستقاة من الكتاب المقدس ومن الينابيع الليترجية .
الرسوم التي تقدم للتقديس ولتمجيد أسم الله ولتكريم قديسيه تعتبر مقدسة وخاصة عندما تكرس من قبل الكنيسة . فصورة العذراء والقديسين لها ايضاً علاقة بيسوع ، وترمز إلى المسيح الممجد فيهم ، بتلك الصور تتجلى ( سحابة شهود ) " عب 1:12" الذين لا يزالون يشتركون في خلاص العالم ، ونحن متحدون بها ولا سيّما في الإحتفال بالأسرار ، هو الإنسان يتجلى لإيماننا من خلال الإيقونة ، الإنسان المخلوق ( على صورة الله ) والمتحول ( على مثاله ) ، بل هم ملائكة أيضاً وقد تجددوا هم أيضاً في المسيح .
  الأيقونات المسيحية تنقل بالصورة الرسالة الإنجيلية التي ينقلها الكتاب المقدس بالكلمة ، الصورة والكلمة تستنير أحداهما بالأخرى . إذاً للفنون دور في خدمة الإيمان المسيحي ورسالة الرب يسوع وتدخل في الليتورجية الكنسية .
ولربنا يسوع كل المجد
المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
3-   كتابات آباء الكنيسة
4-   تاريخ الكنيسة
5-   الجواب من الكتاب -  للأب يعقوب سعادة بمشاركة الأب بيتر مدروس
6-   يسوع الإنسان -  للأب صميم باليوس




158
الإيمان بدون رجاء ومحبة يائس وعقيم
بقلم / وردا أسحاق قلّو
الأيمان هو فعل الأنسان مؤسس على ثقة مرجوة تعلن كشهادة لمبدءٍ ما يقرره عقله وضميره ، ومن ثم يعلنه بدون إرتياب . عندما يعلن المسيحي قانون الأيمان ويقول ( أؤمن بإله واحد ) فإنه يصرح للملأ بأنه يصدق ويثق بالله الواحد بملء الثقة مُسَلِماَ ذاته إليه بدون قيد وشرط . فعليه أن يصبح أميناً بأعترافه وملتزماً بكليته بما يؤمن به . الله خلق الأنسان حراً ، فكل إنسان حر بإيمانه . المسيح لم يجبرأو يخدع أحداً من تلاميذه ، بل هم أعلنوا أيمانهم وأعجابهم به لهذا ( تركوا كل شىء وتبعوه ) " مر 1: 17-18 " . كذلك كان الشاب الغني حراً في عدم إيمانه عندما ( أنطلق حزيناً لأنه كان ذا مال كثير ) " مر 22:10 " . إذاً الإيمان المسيحي هو الحب العميق في كيان الإنسان ، يعلنه بدون إكراه وبملء الحرية الواعية . قال يسوع لتلاميذه عن الإيمان به ( الذي يؤمن فذاك يخلص ) " مت 31:24" ، والمسيح لا يعني هنا بالإيمان المجرد من أعمال المحبة ، فهناك الكثيرين في المسيحية يؤمنون بأن الخلاص هو بالأيمان وحده معتمدين على بعض نصوص الكتاب من دونها ، فبولس الرسول الذي قال ( فآمن أبراهيم بالله ، فحسب له ذلك براً ..أما الذي لا يعمل وإنما يؤمن به يبرر الأثيم ، فأن إيمانه يحسب له براً ) " روم 4: 3-5 " فتعليمه لا يختلف عن تعليم المسيح ورسله ، بل ما يقصده بولس في رسالته إلى روما يعطف على كلامه في آيات أخرى يطلب من المؤمن الأيمان المقترن بأعمال المحبة ، لهذا نجده يقول في "غل 6:5" ( لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة ، بل الأيمان العامل بالمحبة ) فصفة العامل بالمحبة يشرحها لنا بوضوح في ( 1 قور 13: 4-7 ).

من قول المسيح ( المؤمن به يخلص ) نعلم بأن للأيمان غاية ، وهي الرجاء الذي يهدف إلى الخلاص ، وهذا يتطلب إلى دخول الأنسان في شركة حقيقية مع سر الله الذي خلق الأنسان على صورته ومثاله ويعمل بوصاياه . المؤمن ليس رجل الأيمان فحسب ، بل رجل الرجاء والمحبة للجميع كخالقه ( إله المحبة ) . إنه الله الواحد المطلق في ماهيته اللامتناهية في القداسة وكما في جميع كمالاته . في قدرته الكلية ، وفي محبته ، إنه هو ( الكائن ) كما أوحى ذلك لموسى ( خر 14:3 ) وهو ( المحبة ) كما يعلمنا الرسول يوحنا ( 1يو 8:4) وهذه اللفظين يعبران عن الحقيقة الألهية ذاتها لذاك الذي أراد أن يعرف نفسه لنا ، والذي ( مسكنه لا يقترب منه ) " 1كيم 16:6" .
فالمطلوب من المؤمن أن لا يبقى يتراوح على رقعة الأيمان منتظراً ، بل أن يتخطى نحو الأمام ليصل إلى ثمار الأيمان والرجاء بهدف الخلاص ، والرجاء يخلق للمؤمن الفرح الدائم لأنه سائر نحو ملء محبة الله واللقاء به ، وهذه المحبة تبدأ مع القريب أولاً . أما الرجاء فهو الأيمان بالمحبة الإلهية والثقة التامة للحصول عليها ، كما أن رجاء الإنسان بدأ منذ سقوط الأبوين في جنة عدن ولحد اليوم . الكتاب المقدس يحتوي على قصص لمسيرة فضيلة الرجاء التي تقود الإنسان إلى الهدف . في عصرنا رغم الحروب العنيفة والظلم والسبي والمآسي المفجعة التي نعيشها  أو نسمع بها ، فالمؤمن لا يجوز أن يفقد رجاءه بسببها ، وبسبب المحبة المسيحية التي يمتلكها والتي لا غمض فيها ، أنها تتحمل كل شىء من أجل المستقبل ، وذلك بسبب ثقة ذلك المؤمن بصورة المستقبل الغير المنظور الذي رسمه لنا الأنجيل المقدس لكي نؤمن بأن ( وجه البار سيشرق كالشمس -- ما لم تراه عين ... أعده الله للذين يحبونه – كنز غير متوقع – سيرى وجه الله ...الخ ) في صميم الأضطهاد والمحن لا يفقد صاحب الإيمان رجاءه لأن حياته قد سلمها لحنان الله ، لهذا رغم المآسي سيشعر في هذه الدنيا بمذاق الفردوس  الموعود ، بل يختبر ما في السماء ويعيشه على هذه الأرض ، والملكوت تبدأ من قلب المؤمن الملىء بالمحبة , أختبر قديسين كثيرين حياة السماء على هذه الأرض ، فالمسيحي في هذا الزمن ينبغي أن لا يعيش في إيمان بارد لكي لايصيبه الضعف واليأس فيرفضه الله  ، بل عليه أن يكون حاراً منيراً ومثالاً صالحاً ، لأن هذا الزمن ليس للأنتظار والكآبة وعدم الثقة بالمكتوب ، بل على نقيض ذلك إنه وقت ملائم لأعلان حكمة البشارة للعالم أجمع . إنه الواجب المطلوب من كل مؤمن ، بل هو وصية الرب للجميع ( إذهبوا إلى العالم أجمع ، وبشروا الخليقة كلها بالأنجيل ) " مر 15:16" . يجب إذاً أن نفضل هذا العمل على كل أمور الحياة الزائلة . البشارة برجاء الأنجيل هي بشرى محبة المسيح لكل البشر . وكل الناس محاطين بمحبته الإلهية ومات من أجل خلاص الجميع . قال البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني ( أن فادي الأنسان يسوع المسيح ، هو في محور الكون والتاريخ ) . على المؤمن بالمسيح أن يتقاسم رجاءه بالمسيح مع الذين لا يشاطرونه الإيمان ، لأن المحبة الواحدة تقربهم من بعضهم كعائلة بشرية واحدة في هذا الكوكَب ، والمسيح يعمل فيه منذ البدء ، ونوره يشع على جميع البشر ذوي الإرادة والأعمال الصالحة وإن لم يكونوا مؤمنين . قال الرسول ( الذين عملوا الصالحات سيقومون إلى الحياة ، أما الذين عملوا السيئات ، يقومون إلى الهلاك ) " يو 29: 5 " . الغير المؤمن الذي يعمل الصلاح في ضميره يوجد ( بذور الكلمة الحية ) وتلك البذور هي حجارة الأساس ، وهي نقاط الأرساء ، وجميع هذه القيّم تدعم حياة أبناء الأمم الغير المؤمنة للبحث عن الحق , فكل تعمل فيه بذرة الكلمة سيقول له الرب ، ستكون معي في الفردوس  كما قال للص الغير المؤمن المصلوب على يمينه " لو 44:23" قد يكون الغير المؤمن أكثر محبة وذو أعمال صالحة للآخرين من المؤمن . ومثال السامري الصالح خير مثال ، وكذلك طالع ( أصحاح 25 للبشير متى ) .
 طموحات كثيرة يسعى إليها كل من له رجاء وبأصرار يومي في سبيل بناء مدينة البشر على أساس المحبة ، وتلك المدينة يجب أن تقترب من مدينة الله المبنية على حجارة حية ، وملاطها هو محبة الأنسان المؤمن لأخيه الغير المؤمن ن أجل خلاصه . المسيح أحب الجميع وصلى ليس من أجل المؤمنين به فحسب ، بل أيضاً من أجل الذين سوف يؤمنون به بسبب بشارة المؤمنين لهم ، إنهم خراف من قطيع آخر ، ويريد الجميع أن يكونوا واحداً كما هو والآب واحد ( يو 7: 20 -21 ) .
ختاماً نقول : الإيمان بدون رجاء ومحبة فراغ مخيف ، يجب أن يحيا الإنسان في إيمان حر وحار فيه الرجاء ومحبة للخلاص ،  ليس له فحسب ، بل لكل إنسان ، وكل إنسان هو أخو المؤمن وقريبه ، فالإنسان في الرسالة المشيحانية هو غاية تجسد المسيح وموته على الصليب ، أي في قلب رسالة المسيح يوجد إنسان ( الإنسان كله ) والذي يشكل الأمم كلها ، فالبشرى الإنجيلية ليست للمؤمن وحده ، بل لكل إنسان ، فرجاءنا نحن المؤمنين يجب أن يشمل خلاص الجميع ونصلي من أجل الجميع ليكونوا من حصة المسيح الذي مات من أجل الجميع  .
له المجد الآن ، وفي كل أوان وإلى أبد الآبدين . 

159
طريقة دخول الخطيئة إلى جميع البشر

بقلم / وردا إسحاق قلّو

خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ، خلقه نفساً عاقلة وطاهرة . خلقه مستقيماً ( جا 29:7) .
 ما طلبه الله من آدم هو الإلتزام بوصيته الوحيدة ، وهي الصوم من تناول ثمرة شجرة معرفة الخير والشر ، متهدداً أياه بأنه يوم يأكل منها موت يموت ! لكن الشيطان الذي دخل في الحية اغوى حواء بعد أن أغراها لتأكل من الشجرة ،  فأكلت وأعطت لبعلها أيضاً فأكل " تك 3 " فاستحقا عقوبة الموت ، وهكذا صار نسل آدم الموجود في صلبه كله خاطئاً ومحكوماً بالموت . لأن الحكم الصادر من الله شمل كل ذرية آدم .
 الوحي الإلهي صريح في أقواله ، وضحّهُ لنا الرسول بواس بقوله ( من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم ، وبالخطيئة الموت ، وهكذا أجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع ... لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرين خطأة ) " رو 5: 12 ، 19 " .
 وكذلك يشهد الكتاب المقدس عن عموم الجنس البشري ، يقول ( بأن الكل قد زاغوا معاً وفسدوا ليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد ) " مز 3:14" ( والجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ) " رو 23:3 " فكل إنسان يولد في الخطيئة الموروثة ، لهذا قال داود ( هانذا بالأثم صورتُ وبالخطيئة حبلت بي أمي ) " مز 5:51 " .
آدم وكل مولود منه هو جسد وروح . لكن وصية الله تتعلق بالروح لا بالجسد الحيواني ، فالوصية الإلهية لن تتوجه إلى الجسد مباشرةً ، بل عن طريق الروح . والجسد هو فقط المسكن الوقتي للروح ، والروح أبدي . فحُكم السماء على الإنسان ينصَّب أولاً على الجزء المدرك العاقل والخالد ، ثم على الجسد الزائل . لأنه إذا كان الحكم يشمل موت الجسد فقط ، لمات آدم في الحال عندما أكل من الشجرة ، لأن كلمة الله لا تسقط سقوطاً ، ولا توجد قوة في العالم تستطيع أن تعيق نفاذها . فبما أن آدم لم يمت حالما أكل الثمر ، بل بقي مئات السنين . إذاً حكم الموت نفذ على الروح التي انفصلت عن روح الله في الحال ، والتي كانت أساساً من روح الله ، فمات آدم موتاً روحياً أولاً كما يموت الجسد عندما يغادره الروح . كثيرون من البشر هم موتى في الروح علماً بأن أجسادهم حية ، لهذا قال الرب يسوع للذي أراد أن يتبعه بعد أن يدفن موتاه ( دع الموتى يدفنون موتاهم ) كذلك أشار الرسول بولس بقوله للخطاة ( وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا ) " أف 2: 1، 5 " . كما قال أيضاً ( ونحن أموات بالخطايا ، أحياناً مع المسيح ... ) " أف 5:2" . فهل من المعقول كان الرسول وأهل أفسس أمواتاً بالجسد ومدفونين في الأرض ، أم كانوا موتى بالروح بسبب الخطايا والذنوب ؟
 كذلك يوحنا الرائي كتب في سفر الرؤيا "2:3" ( إني عالم بأعمالك ، فأنت حي بالأسم ، ولكنك ميّت فعلاً ) . قلب الإنسان هو مركز الإيمان والحياة ، لهذا ركز على أهميته الرب يسوع  ، فقال ( فمن القلب تنبع الأفكار الشريرة ، القتل ، الزنى ، الفسق ، السرقة ، شهادة الزور ... هذه الأمور تنجس الإنسان ... ) " مت 15: 19-20 " . فعلى المؤمن إذاً أن يصون قلبه جيداً من شعور وعواطف وأعمال دنسة تدفعه إلى الموت الأبدي وهو ما يزال حي في الجسد .
أخيراً نقول : كل إنسان ضعيف ومعرض للأخطاء لهذا عليه أن يكون يقضاً لكي لا يسقط في التجارب بسبب إغراءات هذا العالم ، والكل بحاجة إلى العلاج وذلك بالعمل من أجل الحصول على الغفران . وذلك بالشعور بالذنب اولاً ، وإعلان التوبة والمصالحة مع الله بطلب الصفح منه ، ولكن يجب أن يكون مقروناً  بصفح لأخيه الإنسان ( أغفر لنا خطايانا ، كما نحن أيضاً نغفر لمن أخطأ إلينا )  , هكذا يعود المؤمن إلى الله ، والله إليه فيحصل الفرح في السماء والأرض . 


160
العهد الجديد يشهد لآيات الأسفار القانونية الثانية

بقلم / وردا إسحاق قلّو

الكتاب المقدس ليس كنزاً ادبياً قديماً فقط ، أو مجرد كتاب فيه كلام عن الله ، بل هذا الكتاب يقول عن نفسه إنه كتاب يتكلم فيه الله إلى الإنسان ، وهذا ما يثبتوه لنا مؤلفوه ، بالقول ( ليس كلاماً فارغاً لكم ، بل هو حياة لكم ) ” تث 47: 32 ” كذلك ( وإنما دوِّنت تلك الآيات لتؤمنوا بأن يسوع هو  المسيح أبن الله ، فإذا آمنتم نلتم باسمه الحياة ) ” يو 20: 30-31 ” .

دَوّنَ الكتاب المقدس من قبل أكثر من اربعين كاتباً وعلى مدار 1600 سنة ، جميع الكتبة من اليهود باستثناء كاتب واحداً من الأمميين هو الطبيب لوقا البشير . يحتوي الكتاب على أسفاراً ملهمة ومقدسة ، تنقسم إلى قسمين ، الأسفار القانونية الأولى والتي لا شك أحد قطّ في كونها ملهمة مقدّسة  ، والأسفار القانونية الثانية التي كانت شكوك حول إنتمائها إلى الكتب المقدسة  .

في حوال سنة 70 م بدأت النقاشات بين اليهود والمسيحية حول عدد أسفار العهد القديم في مؤتمر يمنيا غربي القدس ،  الذي عقد حوالي سنة 90 م ، فاستخدم المجتمعين الكتاب المقدس ” العهد القديم ” لدعم عقائده ومواقفه . فالمسيحيين استخدموا نص الترجمة السبعينية اليونانية التي تحتوي الكتب القانونية الثانية ، وعدد من النسخ التي اعتمدوا عليها كانت باللغتين العبرية والآرامية ، غير أن اليهود كانوا يعودون دائماً إلى الأصل العبري ، وكان هناك إختلافات بين العبري واليوناني . عندما رأى اليهود كثرة إستخدام المسيحيين للترجمة السبعينية التي تحتوي كل الكتب القانونية الثانية حرّموا قرائتها ، علماً بأننا لا نجد حتى عند اليهود أي تمييز بين هذه الأسفار ، والأسفار الأخرى قبل سقوط أورشليم سنة 70 م ، وما كان أحداً يشك في أن ينسب معظم الأسفار المذكورة إلى الله . وإذا كان هناك إختلافات في شأنها فالأقرب إلى الصواب كانت بسبب مسائل شخصية . وبعدها أتت الصراعات بين المسيحيين واليهود ، أدت إلى رفض اليهود لعدد من الأسفار ورفضهم أيضاً للترجمة السبعينية نفسها ، علماً بأن المترجمين كانوا سبعون شيخاً يهودياً في الأسكندرية ( أو أثنين وسبعون ) وذلك في أيام الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس ( 285-246) م وكانت هذه الترجمة الأولى للكتاب المقدس ( العهد القديم ) من لغاته الأصلية ( العبرية والآرامية ) وقد تم تصديقها من قبل سبعون حبراً من أحبار اليهود في أورشليم في مجلس السنهدريم الذي هو المجلس الأعلى لليهود .

كانت بحوزة المسيحيين أقدم المخطوطات التي تحتوي لائحة كاملة لكتب العهد القديم تعود إلى القرن الرابع ، والمخطوطات تدل على أن عدداً من الأسفار القانونية الأولى أيضاً تعرض لعدم القبول في بعض البيئات ، وأن هناك وثيقة على ورق البردي من القرن الثالث تحتوي على سفري الحكمة ويشوع بن سيراخ . المسيحيين لم يستلموا قانون الكتب المقدسة من اليهود حسب قرار مؤتمر يمنيا ، فعندما نأتي إلى الكتاب الأول للمسيحيين الذي دونوه الآباء والرسل نجد أنهم يستشهدون كثيراً بالكتب القانونية الثانية كما للقانونية الأولى ، فالقديس أكليمنضس الروماني مثلاً يضع قصة يهوديت بقرب من قصة أستير . وبرنابا يشهد بإبن سيراخ . وكذلك كتاب تعليم الرسل الأثني عشر . ويشهد بوليكربوس ” تلميذ يوحنا الحبيب ” بسفر طوبيا . كل الكنيسة الجامعة الكاثوليكية والأرثوذكسية تعترف وتستخدم الأسفار القانونية الثانية منذ القرون الأولى . أما الكنائس البروتستانتية فمنذ تأسيسها في القرن الخامس عشر حذفت كل الأسفار القانونية الثانية مثل اليهود ، وهي ( طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ و باروك والمكابيين الأول والثاني ) وأعتبرتها منحولة فنسبتها إلى كتابات ابو كريفا ، كما تحججوا بالقول أن العهد الجديد لا يشهد ولا يصدق على تلك الأسفار فعلينا أن نبحث ونبرهن لهم بأن الرب يسوع نفسه والرسل الأطهار استشهدوا بهذه الأسفار أما حرفياً ، أو أخذوا منها بعض أفكارهم ، وسنعرض لائحة من الآيات في العهد الجديد والمقتبسة من تلك الأسفار بعد أن نقول لهؤلاء اللذين هجروا الكنيسة وبدأوا يقاومونها بأسم الكتاب المقدس إنهم أتباع لأناس تلاعبوا بالنصوص المقدسة وإن كانوا لا يعرفون أو يعترفون إلا أن التاريخ طوى تلك الأيام الغابرة فظهرت صفحتهم للملأ ناصعة البياض ، فها أن أحد المبدعين في القرن السادس عشر من الكنيسة البروتستانتية المنشقة من الكنيسة الكاثوليكية ، لا يتورع من أن يصدر طبعة للكتاب المقدس ، وقد تجرأ وحذف منها ليس الأسفار القانونية الثانية من العهد القديم فحسب ، بل ثلاث أسفار أخرى من العهد الجديد أيضاً وهي (1- الرسالة إلى العبرانيين ” السبب لأنها تتحدث عن سر الكهنوت “ . 2- رسالة القديس يعقوب ” لأنها تتحدث بوضوع عن عقيدة الإيمان والأعمال “ 3- كتاب رؤيا يوحنا اللاهوتي ” لأنها تتحدث عن القديسين وصلواتهم “ ) وكان قد كتب بغير وجل أن رسالة يعقوب الرسول ”  إنما هي رسال من تِبن ” وسبب نعته لها بهذه الصفة غير المشرفة فهو لتشديدها على ضرورة الأعمال والأيمان ، وليس الإيمان لوحده ، وذلك أنطلاقاً من تعليم مارتن لوثر بأن الخلاص يتم بالأيمان لوحده دون أعمال ، كما زاد على رسالة بولس إلى رومية كلمة ( وحده ) في النص التالي : ( إذاً ، نحسب أن الإنسان يتبرر بالأيمان ) فصارت ( … بالأيمان وحده ) أي بدون أعمال . ولحد اليوم كل الكنائس المنشقة من كنيسة لوثر تعتبر هذه الأسفار منحولة كمجموعة ( أبو كريفا ) . 

يسوع المسيح والرسل في العهد الجديد يستشهدون بأسفار القانونية الثانية

آيات للرب يسوع           آيات مشابهة لها من الأسفار القانونية الثانية

1- ( إذا صنعت مأدبة فإدع المساكين والجدع والعرج والعميان فتكون مباركاً إذ ليس لهم ما يكافئونك به فتكون مكافأت في قيامة القديسين ) ” لو 14: 13-14 “

    ( تصدّق من مالك ولا تحوّل وجهك عن فقير تدّخر لك ثوباً جميلاً إلى يوم الضرورة … كل خبزك مع الجياع والمساكين وأكس المرأة من ثيابك ) ” طو 4: 7،10،17 “

2- ( كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهم ) ” مت 12:7 و لو 31:6 ”    ( كل ما تكره أن يفعله غيرك يك إياك أن تفعله أنت بغيرك ) ” طو 16:4 “

3- ( فنزل المطر وجرت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت فقط وكان سقوطه عظيماً ) ” مت 27:7     ( وإن أخرجت فروعاً إلى حين فإنها لعدم رسوخها تزعزعها الريح وتقتلعها الزوبعة ) ” حك 4:4″ .

4-( إذا أحبني أحد يحفظ كلمتي ) ” يو 32:14 ” ( متّقو الرب لا يعاصون أقواله ومحبّوه يحفظون طرقه ) ” سي 20:3 “

5- ( أقول لنفسي : يا نفسي إن لك خيرات كثيرة فاستريحي وكلي واسربي وتنعمي . فقال له الله : يا جاهل في هذه الليلة تطاب نفسك منك ) ” لو 19:12 ” ( حين يقول قد بلغت الراحة وأنا الآن آكل من خيراتي وهو لم يعلم كم يمضي من الزمان حتى يترك ذلك لغيره ويموت ) ” سي 19:11-20 ” .

6-( أجعلوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتّى إذا أدرككم الأضمحلال يقبلونكم في المظالّ الأبدية ) ” لو 9:16 ”  ( قبل أن تموت أحسن إلى صديقك وعلى قدر طاقتك أبسط يدك وأعطه )  ” سي 14: 18-19 ” .

7-( إن لم تغفروا للناس فأبوكم أيضاً لا يغفر لكم زلاتكم ) ” مت 15:6 و مر 26:11 ” ( من أنتقم يدركه الأنتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه ) ” سي 1:28 ” .

8- ( فإنكم إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم ) ” مر 25:11″ ( إغفر لقريبك ظلمُهُ لك ، فإذا تضرّعت تمحي خطاياك ) ” سي 2:28 ” .

9- ( إنّ كل من نظر إلى إمرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه ) ” 28:5″ ( ومن التفرّس في إمرأة ذات بعل ومن مراودة جاريتها ، وعلى سريرها لا تقف ) ” سي 27:41 ” .

10-( يعطيك ماء حياً ) ” يو 10:4 ”   .   ( تسقيه ماء الحكمة ) ” سي 3:15″ .

11- ( إن كنت تريد أن تدخل الحياة فأحفظ الوصايا ) ” مت 17:19 ”  ( فإن شئت حفظت الوصايا ووفيت مرضاته ) ” سي 15:15 ” .

12- ( إذا خطىء إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه على إنفراد ) ”  لو 3:17 ” ( عاتب صديقك فلعلّه لم يفعل ، وإن كان قد فعل فلا يعود يفعل ) ” سي 13:19 ” .

13-( حينئذٍ يضيء الصديقون مثل الشمس في ملكوت أبيهم ) ” مت 43:13 ” ( فهم في وقت أفتقادهم يتلألأونَ ويسعون سعي الشرار بين القصب ) ” حك 7:3 ” .

14-( يبغضني العالم لأني أشهد عليه بأن أعماله شريرة ) ” يو 7:7 ” ( بل منظره ثقيل علينا لأن سيرته تخالف سيرة الناس وسبله تباين سبلهم ) ” حك 15:2 “

15-( لقد أحسن في كل ما صنع ) ” مر 37:7 ( أعمال الرب كلّها حسنة جداً … إن جميع أعمال الرب صالحة ) ” سي 21:39″ 

آيات من رسائل الرسل ” العهد الجديد ”           آيات مشابهة لها من الأسفار القانونية الثانية

( إن مشيئة الله إنما هي تقديس أنفسكم بأن تمتنعوا من الزنى ) ” 1 تس 3:4″ ( أحذر لنفسك يا بنيّ من كل زنى ولا تتجاوز إمرأتك مستبيحاً معرفة الإثم أبداً ) ” طو 13:4 “
( إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب ، فإنا غداً نموت ) ” 1 قور 32:15 ”  ( فتعالوا نتمتع بالطيبات الحاضرة ونبتذر منافع الوجود ما دمنا في الشبيه ) ” حك 6:2 “
 ( أما تعلمون أنّ القديسين سيدينون العالم ) ” 1 قور 2:6 ” ( ويدينون الأمم ويتسلطون على الشعوب ويملك ربهّم إلى الأبد ) ” حك 8:3 ” .
( لا سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة إنما رتبها الله ) ” رو 1:13 و 1 بط 13:2 ”  ( فإن سلطانكم من الرب وقدرتكم من العليّ الذي سيفحص أعمالكم ويستقصي نيلتكم ) ” حك 4:6 ” .
( هو ضياء مجده وصورة جوهره ) ” عبر 3:1 ”  ( لأنها ضياء الأزلي ومرأة عمل الله النقيّة وصورة جودته ) ” حك 26:7 ” .
( أما اللسان فلا يستطيع احد من الناس ان يقمعه ) ” يع 8:3 ” . ( ومن الذي لم يخطأ بلسانه ؟ عاتب قريبك قبل أن تهدّده ) ” سي 17:19 .
( إن كان أحد لا يزلّ في الكلام فهو رجل كامل ) ” يع 2:3 ”  ( مغبوط … من لم يزلّ بلسانه ) ” سي 11:25″ ,
( كل أمرىء كما نوى في قلبه لا عن ابتئاس أو اضطرار فإن الله يسحبّ المعطى المتهلّل ) ” 2 قور 7:9 ” ( كن متهلل الوجه في كل عطيّة وقدّس العشور بفرح ) ” سي 11:35 ” .
( ما من خليقة مستترة أمامه بل كل شىء عار مكشوف الباطن لعينيه ) ” عبر 13:4″ ( وعيناه إلى الذين يتقونه ويعلم كل أعمال الإنسان ) ” سي 20:15 ” .
 ( سيكافىء كل أحد بحسب أعماله ) ” رو 6:2 ( لكل رحمة يجعل موضعاً وكل واحد يلقى ما تستحقّ أعماله ) ” سي 16:15 “
( لا سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة إنما رتبّها الله ) ” 1 بط 13:2، 14 ” ( لكل أمّة أقام رئيساً ) ” سي 14:17 “
( لا تزالوا مصلين ) ” ا تس 17:5″ ( لا يحبسك شىء عن قضاء نذرك في وقته ولا تحجم عن أعمال البر حتى الموت فإن ثواب الرب يبقى إلى الأبد ) ” سي 22:18 ” .
( لا تملك الخطيئة في أجسادكم المائتة حتى تطيعوا شهواته ) ” رو 12:6 ” ( لا تكن تابعاً لشهواتك بل عاصٍ أهواءك ) ” سي 30:18 ” .
 (بالإيمان قهروا الممالك … وسدّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونحوا من حدّ السيف وتقووا من ضعف وصاروا أشداء في القتال وكسروا معسكرات الأجانب ) ” عبر 11: 33-34 ” ( ولما أصبح المكّابي في الجيش لم تعد الأمم تثبت أمامه إذ كان سخط الرب قد أستحال إلى رحمة ، فجعل يفاجىء المدن والقرى ويحرقها حتى إذا استولى على مواضع توافقه ، تغلب على الأعداء في مواقع جمّة ) ” 2 مك 8: 5-6″ .
( الذي فيه ستبتهجون وإن كنتم الآن لا بدّ لكم من الغمّ اليسير في تجارب متنوعة بحيث إنّ امتحان إيمانكم ينشىء الصبر ) ” 1 بط 6:1 ” ( حسب ذهابكم عنا عطباً ، ومع أنهم قد عوقبوا في عيون الناس … لهم ثواب عظيم لأن الله أمتحنهم فوجدهم أهلاً له ) ” حك 7:3 ” .
وهناك آيات أخرى كثير في العهد الجديد تستشهد لآيات مثلها في العهد القديم وهذا دليل قاطع على أن تلك الأسفار  في العهد القديم التي تم حذفها من قبل اليهود ومن بعدهم الكنائس البروتستانتية هي من إلهام الروح القدس وقانونية كباقي أسفار العهد القديم . أرتأيت كتابة 30 آية فقط من أقوال الرب وكتابات الرسل لكن نريد أن نضيف عليها كتابة نصوص آيات أخرى  نذكر آيات أخرى مع أصحاحاتها فقط لكي يطلعها من يريد البحث عن الحقيقة وهي :

(مت 43:27 = حك 13:2 ) ( يو7:7 = حك 15:2 ) ( 1 قور 2:6 = حك 8:3 ) ( رو1: 18، 19 ،21 = حك12: 1،5،7 ) ( رو 21:9 = حك 7:15 ) ( 2 تيم 12:3 = سير 18:2 ) ( 1 تيم 9:6 = سي 10:11 ) ( 2 قور 6: 14،15،16 = سي 13:21،22 ) ( 1 بط 1: 24 يع 10:1 = سي 18:14 ) ( عبر 11: 35،37 = 2 مك 6:9-11،91 ) ( يع 19:1 = سي 5: 11-13 ) ( مت 14:6 = سي 2:28 ) ( مت 27: 39-40= حك 2:12-15 ) ( عبر 11: 35-39 = 2مك 6: 7-18 )  .

ملاحظة : رموز أسفار القانونية الثانية هي 1طوبيا = طو 2- يهوديت = يه 3- الحكمة = حك 4- يشوع بن سيراخ = سي 5- بارك = با 6- المكابيّين الأول = 1 مك 7- المكابيّين الثاني – 2 مك ) 

ختاماً نقول : في الدين اليهودي وقبل الترجمة السبعينية وبعدها كان اليهود يعترفون بهذه الأسفار ، أي قبل ظهور المسيحية ، فالكنائس السورية نقلت بعض الأسفار المقدسة مباشرة إلى السريانية عن يد مترجمين يهود ومسيحيين عن الكتاب المقدس العبري ” العهد القديم ” دون المرور بالنسخ اليونانية وكانت تحتوي على الأيفار القانونية الثانية ، كما نرى وحتى في أيامنا أن السلطة التي تتمتع بها الأسفار القاونية الثانية ليست واحدة في نظر جميع اللاهوتيين الشرقيين ، وإن كان الكتاب المقدس اليوناني يحتوي عليها جميعاً . أما في كنيسة الغرب فكلن لروما ولأفريقيا الشمالية ومنذ مطلع القرن الرابع ، قائمة مشتركة تشمل الأسفار القنونية الثانية ، كما تشهد عن ذلك مجامع قرطنجة الأفريقية ورسالة اينوقنطيوس الأول . أما الكنائس البروتستانتية الذين فضلوا الجانب اليهودي لرفض تلك الأسفار ، فلم يرفضوها أو يحذفوها ولا أعتبروها منحولة كأسفار أبو كريفا في ذلك الحين ، بل أحتفظوا بها كملاحق في النشرات البروتستانتية ، ولم تحذف تماماً من الترجمات التي توزعها جمعيات الكتاب المقدس إلا في القرن التاسع عشر . وفي أيامنا هذه لا يقف اللاهوتيون البروتستانت حيالها موقفاً موحداً ، ومن جهة أخرى ، ما أكتشف في قمران وفي غيرها من الأماكن قد حمل بعضهم على إعادة النظر في هذه المسألة . نطلب من الله أن يفتح بصيرة اليهود والبروتستانت وكل الطوائف المنشقة منهم للعودة إلى النسخة السبعينية للعهد القديم التي تحتوي على 46 سقراً ، يضاف عليها المسيحيون 27 سفراً للعهد الجديد لكي تصبح أسفار الكتاب المقدس بعهديه 73 سفراً . علينا أن لا ننسى التحذير الإلهي وعقوبته لمن يحذف أو يزيد على كتابه المقدس ، قال :

( وإني أشهد لكل من يسمع ما جاء في كتاب النبوءة هذا : إن زاد أحد شيئاً على ما كتب فيه ، يزيده الله من البلايا التي ورد ذكرها ، وإن أسقط أحد شيئاً من أقوال كتاب النبوءة هذا ، يسقط الله نصيبه من شجرة الحياة ، ومن المدينة المقدسة ، اللتين جاء ذكرهما في هذا الكتاب ) ” رؤ 22: 18-19 ” .

المصادر

الكتاب المقدس – النسخة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية – الطبعة السابعة – دار المشرق بيروت
قاموس الكتاب المقدس – دائرة المعارف الكتابية المسيحية
كتاب ( الجواب من كتاب ) تأليف الآباء ( يعقوب سعادة وبيتر مدروس  )


161
إخفاء يسوع شخصيته على الأرض

بقلم / وردا إسحاق قلّو

يسوع أخفى أصله الحقيقي منذ الولادة عندما ولد في صورة عبد في مغارة بيت لحم . الجميع كانوا يظنوه أنه من ذرية آدم ، لم يعرف أحداً إنه الإله المتجسد . عدا مريم العذراء التي كانت تعلم هذا السر وخطيبها يوسف النجار الذي أستلم السر من الملاك عندما أراد أن يطلق مريم خطيبته . سبب إخفاء يسوع لشخصيته أثناء حياته على الأرض هو لكون قضيته في هذا العالم هي قضية الله لا غيره . كان لله خطة لخلاص الإنسان ولنشر البشارة وإعلان الملكوت بواسطة أبنه المسيح المتجسد . بهذا لا يجوز أن يعلن نفسه بأنه أبن الله ، لهذا سمى نفسه أبن الإنسان لكي تتوارى شخصيته أمام الأهداف التي جاء من أجلها إلى أن تتحقق وتكتمل رسالته في إعلان ( ملكوت الله ) التي كان يسميها ( ملكوت السموات ) والتي تعني وتساوي نفس العبارة الأولى والسبب لأن اليهود كانوا يتحاشون لفظة ( الله ) أحتراماً وتقديراً لأسمه القدوس . والمقصود بكلمة ( الملكوت ) هو حكم الله والعمل السماوي الذي سيعمله يسوع وينجزه ليصبح ملكوت الله عبارة إصلاحية للدلالة على قضية الله . فملكوت الله لا يمكن أن نلتمسه في حياة الفريسيين والكتبة وكهنة اليهود ، بل بيسوع المسيح الذي أسسه بملء حريته وقدرته لكي يؤسس في الأرض وفي قلوب البشر التي تحب أن تغفر فيكون ملكوت الله منظوراً ومعاشاً عندما نساعد الفقير الجائع والمضطهد الباكي والمظلوم والمحطم اليائس ، إنه ملكوت عدل تام ومحبة وحرية لا نظير لها . يجب أن لا تنقطع المحبة من أجل زرع السلام والمصالحة والفرح على الأرض والله كان مختفياً في يسوع الإنسان لكي يستطيع إتمام عمله بالكمال لخلق مستقبل جديد ، ومُلكٍ جديد له على هذه الأرض .

الأناجيل الأربعة لا تروي لنا شيئاً عن يسوع منذ وجوده في الهيكل مع علماء الشريعة  عندما كان عمره إثنا عشر سنة وحتى عماده على يد يوحنا المعمدان ، فبسبب صمت الأناجيل على هذه الفترة الطويلة من عمر يسوع على الأرض ، وإخفاء شخصيته على الأرض ، أطلقوا الباحثين العديد من الأقوال والنظريات للوصول إلى تفسيرها ، فبدأوا بالسؤال ( من أين علم يسوع وحكمته ؟ ) تعجب أهل الناصرة من علمه ، وهم يعطوننا الدليل القاطع على إنه لم يفارقهم ، وإلا لما استغربوا فكتب عنهم الإنجيل ( وشهد له جميع الحاضرين ، متعجبين من كلام النعمة الخارج من فمه ، وتساءلوا : ” أليس هذا ابن يوسف ؟ ) ” لو 22:4 ” . ورغم هذا يقول البعض أنه تعلم لدى الأسينيين بقرب البحر الميت أو في مصر أو الهند وغيرها ، لكن عندما نركز على الأناجيل والرسائل سنصل إلى إكتشاف هذا السر وذلك بأن يسوع لم يتعلم في أي مدرسة أرضية ، وأنه لم يكن بحاجة إلى معلمين بشريين ، وذلك لأن فيه ( كل كنوز الحكمة والعلم ) ” قول 3:2 ” وكان يعلم حتى الخفايا فيفحم علماء الشريعة ومنذ حداثته ( طالع لو 2: 46-47 ) وإنه العالِم بكل أسرار الناس ، ولم يكن بحاجة إلى أن يخبره أحد ( يو 2:42-25 ) وإنه كلمة الله وحكمته ( يو 1:1 ) وفيه كل الطبيعة الإلهية ( قول 2: 8-9 ) ولم يخدع أحداً بالفلسفة والحكمة الباطلتين ( قول 3:2 ) . وعندما ظهر يسوع للناس بعد العماد والتجارب فإنه ظهر بقوة الروح ، ولم يقول الإنجيل بقوّة العلوم الأرضية  ، وهكذا بقي مختفياً ولم يكتشفوا قادة الشريعة والهيكل حقيقته وأسرار زمنهم ليكشفوا شخصيته منذ ولادته في بيت لحم رغم مجىء المجوس لزيارته وإعلامهم بالخبر من قبل الملك هيرودس للتحقيق في أمر ولادة المسيح ، لكنهم لم يكترثوا لهذا الخبر المهم والسار الذي ينتظرونه منذ زمن موسى . لم يعترفوا بوجوده بينهم رغم كل الآيات المعجزية التي أجراها في الهيكل وفي مدنهم وقراهم . شخصية يسوع المخفية لا يجوز أن تفصل عن أقواله ومعجزاته ، فعندما يقول ( أنا والآب واحد ) ” يو 30:10″  أو ( من رآني رأى الآب ) ” يو 9:14″ فهذه الأقوال تدل على لاهوته لأن لا يوجد إنسان أن يساوي نفسه بالله ويغفر خطايا البشر إلا الله .

يسوع لم يقل قط في أيام حياته الزمنية إنه المسيح ، أو إنه الله المتجسد ، لم يصرح بحقيقته وأصله خوفاً من أن يفهمه المستمعون خطأً بأنه المحرر السياسي المطلوب والمنقذ الأجتماعي والأقتصادي فينصبوه ملكاً عليهم ، وهذا ما رفضه طوال حياته ، وذلك لكي يتسنى له إتمام رسالته كلها قبل الصلب ، وقد حافظ التلاميذ على السر المسياني لأن يسوع كان يرفض في حينها لقب ( المسيح ) تماشياً لأي التباس في المفهوم ، لهذا كان ينتهر الأرواح الشريرة التي كانت تريد أن تفضح سره ، كما أنذر بطرس والرسل عندما قال بطرس ( أنت المسيح أبن الله الحي ) بألا يخبروا أحداً بأنه المسيح .

روايات الأناجيل الأربعة تكشف لنا حقيقته ، فعندما يكثر الأرغفة يدل على أنه ( خبز الحياة ) ” طالع يو 6: 27 و35″ . وشفاء الأعمى يرمز على أنه ( نور العالم ) ” يو 5:9″ . وقيامة الأموات ترمز على أنه ( القيامة والحياة ) ” يو 25:11″ وتبشيره بالملكوت أيضاً كان بالأقوال والأعمال ، وفي الحقيقة هو الآية الوحيدة التي أعلنت للناس عن إقتراب ملكوت الله .

يسوع الذي كانت شخصيته مجهولة أمام السلطات الدينية والزمنية كان يملك الحكمة تفوق حكمتهم ، علماً بأنه لم يحصل على أي تعليم ، رغم ذلك لم يكن شخصه المربي والمرشد فحسب ، بل إنه أيضاً كان يتحدث بسلطان ويدعو الناس إلى الخلاص عن طريقه فقط ( أنا الطريق والحق والحياة ) ” يو 6:14″ .  كذلك مواهبه في الشفاء وإخراج الأرواح الشريرة وإقامة الموتى ، لم يستطيع أحد في التاريخ أن يعمل مثلها هذا الذي جعل نفسه فوق شريعة موسى ، وفوق الكتاب المقدس . هاجم فرائض كثيرة كالصوم وطقوس السبت وغيرها فجلب على نفسه عداء الفريسيين وحقدهم لأنه تخطى وبكل وضوح الشرائع المتبعة منذ مئات السنين ، فحرم الطلاق الذي ذُكِر في التوراة ( تث 24: 1-4 ) والحلف ( مت 5: 23 و37) وأخذ الثأر ( مت 28:6) كما أوصى بحب الأعداء والصلاة من أجلهم ( مت 44:5) وهكذا جعل نفسه فوق الشريعة . أعلم يسوع عن ذاته الإلهية للرسل الثلاثة على جبل التجلي ، والذين سمعوا بدورهم صوت الآب قائلاً ( هذا هو ابني الحبيب الذي رضيت عنه ، فله اسمعوا ) لكنه حذر الرسل الثلاث لكي لا يبوحوا بالسر إلى يوم قيامته . و كما أعلن يسوع سره للسامرية على بئر يعقوب وقال ( أنا هو المسيح ) في سنته الأخيرة لكنه لم يعلنها في الوسط اليهودي .

يسوع أعلن عن حقيقته قبل صلبه في صلته بأبيه السماوي فدونها الأنجيليون بعد قيامته ، قال فيها ( … أن يعرفونك أنت الإله الحق وحدك ، ويعرفون الذي أرسلته ، يسوع المسيح … أظهرت أسمك للناس … وعرفوا أني من لدنك أتيت ) ” يو 17: 3 ، 6-8″ . كما صرح لتلاميذه في أيامه الخيرة قائلاً ( سوف يأتي أبن الإنسان في مجد أبيه مع ملائكته ، فيجازي يومئذ كل أمرىء على قدر أعماله ) هنا ما أعلنه يسوع عن أبيه فوضعوه الرسل في علاقة مميزة مع الآب ، والآب هو ملء هوية يسوع وكينونته .

ختاماً نقول : أستمر يسوع في إخفاء شخصيته الحقيقية فتحدث بأمثال وأقوال فيها أسرار عميقة لم تُفهَم في حينها ، وكان سبب أخفاء شخصيته لكي يستطيع إتمام رسالته . أما في أيامه الأخيرة فبدأ يتحدث علناً بدون أمثال وفي اليوم الأخير عندما تم تسليمه لرئيس الكهنة أعلن له الحقيقة عندما طلب منه قائلاً ( هل أنت المسيح إبن الله ؟ ) فرد عليه قائلاً ( أنت قلت ! ) ” مت 64:26″ ومعنى العبارة الأخيرة هو ( نعم أنا هو ) . بعد موته أعلنوا الرسل الأطهار للجموع قائلين ( الله يجعل يسوع هذا الذي صلبتموه سيداً ومسيحاً ) ” أع 36:2″ . كما دون يوحنا الحبيب في بداية أنجيله بأسلوب واضح عن حقيقة المسيح اللاهوتية منذ الأزل ، قال ( أرسل أبنه ” الكلمة ” فصار إنساناً ليسكن بين البشر ويطلعهم على أسرار الله ) ” يو 1: 1-8″ ويسوع الذي هو كلمة الله ، تكلم بكلام الله ” يو 34:3″ .

ليتمجد أسمه القدوس إلى الأبد


162
المقالات الدينية / عين الماء
« في: 14:31 28/06/2020  »
عين الماء

القديس / يوحنا الصليب ( 1542-1591 )

إعداد/ وردا إسحاق قلّو

نظم القديس يوحنا هذه القصيدة في طليطلة في ظلام زنزانته ، التي حبسه فيها معارضو إصلاح الكرمل . كثيراً ما يرد موضوع الليل في مؤلفات يوحنا . وهو يرمز إلى الإيمان ، إلى طريق لقاء الله . هذه ةهي قصيدته :

( أعرف أنا تلك العين التي تنبع وتسيل بالرغم من ظلام الليل

تلك العين الأزلية الخفية

أعلم أنا أين مخبؤها

بالرغم من ظلام الليل.

أعلم أنه ما من شىء بجمالها

وإن السماء والأرض ترتويان منها

بالرغم من ظلام الليل .

أعلم أن لا أحد بوسعه أن يطأها

أن يضع قدمه فيها

وليس بوسعه أن يغبرها

بالرغم من ظلام الليل .

أعلم أن مجاريها غزيرة

حتى إنها تروي الجحيم والسماء والشعوب

بالرغم من ظلام الليل . والمجرى الذي ينطلق من تلك العين

أعلم بأنه بحجمها وبأنه قدير

بالرغم من ظلام الليل .

والمجرى المنبثق من الأثنين

أعلم أنه لا يتقدمه أيّ منهما

بالرغم من ظلام الليل .

هذه العين الأزلية مخفيّة

في هذا الخبز الحيّ ليهب لنا الحياة

بالرغم من ظلام الليل

فيه تدعو جميع المخلوقات

وترتوي من هذا الماء ، ولكن في الظلمة

لأن الليل مخيّم.

وهذه العين الحيّة التي أصبو إليها

أراها في هذا الخبز الحيّ

بالرغم من ظلام الليل )
.

163
أسباب عدم توجيه صلواتنا إلى الروح القدس
بقلم / وردا إسحاق قلّو
تلاميذ يسوع طلبوا منه أن يعلمهم الصلاة ، فعلمهم الصلاة الربية الموجه إلى الله الآب . لم يطلب منهم الصلاة إلى الروح القدس ، بل إلى الآب وحده . كذلك الحال مع يسوع ، لم يطلب هو أيضاً أن نصلي إليه ، بل نطلب من الآب باسمه ، وهذا لا يعني بأن الأبن والروح القدس ليسوا الله ، بل هم أقنومين في ثالوث الله القدوس ، اي يسوع هو الله ، والروح القدس كذلك . لكن الصلاة يجب أن توجه إلى الآب القدوس . لا توجد صلاة واحدة مرفوعة إلى الروح القدس ، لا في الأناجيل ، ولا في التقليد الكنسي ، ولا في سفر أعمال الرسل أو في رسائل الرسل كلها . كذلك في الطقوس الكنسية لا توجد أي صلاة موجه إلى الروح القدس ، اما الدعاء الموجه إلى ذلك الروح القدوس قبل الصلاة والذي نبدأه ب ( هلم أيها الروح القدس وأرسل من السماء شعاء نورك ... ) فهو حديث العهد .
لماذا لا نوجه صلواتنا إلى الروح القدس ؟ لأن الروح القدس منبثق من الآب والأبن ، والأبن نفسه هو في الآب والأب فيه . الروح القدس يتمييز عن الآب والأبن كأقنوم ، وهذا لا يعني أنه منفصل عنهما لأنه روح الآب وروح الأبن ، بل متحد بهما . أي إنه عنصر الإتحاد بين كل أعضاء الجسد السري لله الواحد ، لأن لله جسد واحد وروح واحد وحسب الآية ( طالع  أف 4 : 3-6 ) أما أهميته في حياتنا المسيحية فهو عنصر عمل ومحبة في نفس المؤمن . إذا أردنا أن نكون أتقياء نحوه فيجب أن لا نتضرع إليه لكي نحرس على عدم أحزانه عندما نترك الآب الذي أنبثق منه ونطلب منه ( ولا تحزنوا روح الله ، الروح القدس الذيبه ختمتم ليوم الفداء ) " أف 30:4" .
كذلك لا يجوز إطفاء الروح القدس في حياتنا المسيحية ( 1 تس 19:5 ) بل نتركه لكي يقودنا ويعمل فينا ويكشف لنا أسرار الله . وللروح القدس أهمية كبيرة في حياتنا الروحية لأنه أساس صلواتنا وإيماننا ، لأننا به نصرخ ونقول ( أبا ، أيها الآب . فالروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأننا أولاد الله ) " رو 8:15-16" ، فعندما نصلي إلى الله الآب ( فأن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ) " رو 26:8" .
الصلاة إذاً يجب أن تتوجه إلى الله الساكن في نور لا يدنى منه ( 1طيم 16:6) والذي يتمتع بعظمة رهيبة ، هذا الذي لم يراه أحد ، ولا يتمكن أحد من رؤيته ، فعندما يقول الرسول بولس ( الله ) فإنه يقصد أبا سيدنا يسوع المسيح الذي أرسل ابنه إلى العالم ليفديه ، والأبن أيضاً أرسل إلينا روحه القدوس لنصبح أولاد الله .
إذاً لا يجوز للمذاهب البروتستانتية أن ترفع صلواتها إلى الأبن من دون الله الآب ، فنجد أكثر صلواتهم موجهة إلى الأبن ( وبأسم الرب يسوع فقط ) ، أما المذهب الخمسيني في تلك الكنيسة فيعطون الأهمية للأقنوم الثالث ( الروح القدس ) أكثر من الآب والأبن متذرعين إليه طالبين مواهبه كالتحدث بألسنة أو مواهب أخرى . الصلاة المسيحية الصحيحة لكل المذاهب المسيحية يجب أن ترفع  ( إلى الآب ، بالأبن ، في الروح القدس ) إنها صلاة الطقوس المسيحية التي جاء فيها بسيدنا يسوع المسيح ، في وحدة الروح القدس .
يجب أن تكون صلاتنا عن وعي لكي لا نفرق الآقانيم الإلهية في مفهوم إله واحد فقط . لا يجوز التركيز إلى أقنوم واحد ، بل نضع أنفسنا أمام الأقانيم الثلاثة ، هكذا ندرك تماماً أهمية المسافة التي تفصلنا عن الله بأقانيمه الثلاثة .
نختم حديثنا بالقول : أن المثل الذي يعطينا القديس بولس يحملنا إلى البحث عن صلاة قوية ورصينة ، صلاة ترتكز على وعي تام للعلاقة القائمة بين روحنا وبين كل من الأقانيم الإلهية الثلاثة ، صلاة ممتلئة يقيناً وثقة وحتى لو لم تستجب في حينها .
 صلاة الأستسلام إلى الله المحب لكل البشر . حياتنا مستترة في الله بالمسيح وروحه القدوس .
ليتبارك أسم الله القدوس 

164
شهود يهوه يحرفون الآيات الخاصة بالصلب لأجل رفض الصليب
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله )  " 1 قور 18:1"
شهود يهوه فرقة منشقة من الكنائس البروتستانتية ، مبادئها تتكون من هرطقات قريبة من الآريوسية واليهودية والوثنية . ترتدي العباءة المسيحية لأجل الطعن بلاهوت الديانة المسيحية ، وهذا واضح من هيكلة هذا التنظيم الذي لا يمتلك الكنائس كباقي المذاهب والطوائف المسيحية ، كل ملامح المسيحية كالصليب والأعياد والمناسبات نجدها مفقودة عند هذه البدعة ، بل لا يعترفون بها ، ولا حتى في الأماكن المقدسة التي عاش فيها المسيح ، يبدون وكأنهم حركة مناهضة للمسيحية لصالح اليهودية ، لهذا أطلقوا على أنفسهم أسماً بعيداً عن المسيحية والقريب من اليهودية  ( شهود يهوه ) لكي يتميزوا عن كل الطوائف المسيحية . لديهم عشرات الفروع في العالم ، ومشاريع عملاقة تموّل من قبل جهات مجهولة ، لهذا أتهمهم النازيون بوقوفهم إلى جانب اليهود والصهيونية داخل ألمانيا فحاولوا إبادتهم .
الصليب الذي هو من أبرز رموز المسيحية ورايتها ، عليه فتح يسوع ذراعيه لكي يحتضن الكون كله والبشرية بأسرها لأجل خلاصها ، لا تعترف به هذه الطائفة من دون كل المذاهب المسيحية بل تحاربه بشّدة بعد أن كان رمز فخر وإعتزاز لمؤسسي طائفتهم كراسل ورذرفورد ، بل كان الصليب يزيّن مؤلفاتهم ، لكن بعد ذلك تغيّرت أفكارهم ومواقفهم من التكريم للصليب إلى الشجب فاستبدلوه بإستخدام عبارات متعددة ( كالخشبة ) و ( أداة إعدام ) و ( خشبة الآلام ) و ( عموداً أو وتداً خشبياً ) كل ترجمات الكتاب المقدس عن الأصل اليوناني أتت بلفظة ( صليب ) وعمل الصليب ، لكن ترجمة شهود يهوه ( العالم الجديد ) حولتها إلى ( خشبة ) و ( وعلق على خشبة ) بدلاً من ( الصليب ) ، لهذا يقولون بأن المسيح مات على عمود من خشب وليس على الصليب مهملين آيات كثيرة توضح موضوع الصلب وليس التعليق ، وهذا يدل على فقدان الموضوعية في بحثهم الغير الدقيق لكل الآيات المتعلقة بالموضوع  مع إنعدام الأمانة في البحث ، لا وبل لجأوا إلى تحريف آيات في ترجمتهم لكي يثبتوا لجماعتهم أنهم على حق . وهنا ينطبق عليهم قول الرسول بولس ، قال ( إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة ، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله ) " 1 قور 18:1 " فالشهود يترجمون كل كلمة صليب ( عامود ) إنها مشكلة كبيرة في النقل والترجمة لها غاية مبيّتة لضرب المعنى الحقيقي والعميق للصليب لكي لا تكون أداة الصلب أو الأعدام قاسية ، بل إنها كانت مجرد عامود أو وتد خشبي أو جذع شجرة علق عليه المسيح ، لهذا نجد التحريف الواضح في آيات كثيرة نذكر منها الآيات التالية :
1-   ( وأما من جهتي ، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ) " غل 14:6 " أما في ترجمة العالم الجديد فتحول النص إلى ( وأما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بخشبة آلام ربنا يسوع المسيح ) .
2-   ( وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ) " في 8:2 " تحولت إلى ( وضع نفسه وصار طائعاً حتى الموت ، الموت على خشبة آلام )
3-   ( مع المسيح صلبت ... ) " غل 20:2 " ترجمة العالم الجديد ( مع المسيح أنا معلق على خشبة ) .
4-    قول الملاك للنسوة عند القبر ( لا تخفن . أنتن تبحثن عن يسوع الناصري الذي صلب .. ) " مر 6:16 " تحولت إلى (لا تخفن . أنتن تبحثن عن يسوع الناصري الذي عُلِقَ على خشبة ) .
5-   ( .. ويسلمون إلى أيدي الأمم ، فيسخرون منه ويجدلدونه ويصلبونه ) " مت 19:20 " العالم الجديد ( ... ويجلدونه ويعلقوه على خشبة ) .
6-   ( ومن لا يحمل صليبه ويتبعني ... ) " لو 27:14 " ترجمة العالم الجديد ( من لا يحمل عموده ويتبعني .. ) . وهل من المعقول أن المسيح قال للمؤمنين به ( من لا يحمل عموده ويتبعني فلا يستحقني ) ؟
7-   ( إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله ) " 1 قور 18:1" عند الشهود ( إن كلمة العمود عند الهالكين جهالة .... )
إنها محاولات فاشلة وواضحة لضرب الصليب وتجريده من معانيه وغاياته لأجل أستحقاره ، بينما الصليب في الأنجيل هو مصدر الأفتخار والقوة تهاب منه الأرواح الشريرة ، وعلى الصليب تم مصالحتنا مع الله كما تقول الآية ( ولكي يصالحهما معاً في جسد واحد مع الله بالصليب الذي به قتل العِداء ) "أف 16:2 " . كما تجاهلوا عن قصد بأن الصليب هو المذبح الذي أختاره الله لذبح أبنه من أجلنا ليدفع ثمن خطايانا  لكي يمحي صك الدَين الذي كان علينا ، فمات على الصليب مسمراً وليس معلقاُ كما يدَعون الشهود ، وهذه الآية واضحة جداً حول الموضوع  ( إذ قد محا صك الفرائض المكتوب علينا والمناقض لمصلحتنا ، بل إنه قد أزاله من الوسط مسمراً إياه على الصليب ) " قول 14:2 " . وإن كان مسمراً لم يكن على وتد أو خشبة عمودية ، بل صلب على الصليب لكي تثبّت اليدان والأقدام بالمسامير ، فالدليل القاطع على أن المسيح قد صلب على خشبتين متقاطعتين ، لا على خشبة عمودية واحدة كما يزعمون شهود يهوه ، فأنجيل يوحنا البشير يشرح بوضوح طلب الرسول توما عندما قال ( إن لم أعاين أثر المسامير في يديه وأضع يدي في موضع المسامير ، وأضع يدي في جنبه لا أؤمن ) " يو 25:20 " . فلو كان المسيح معلقاً على خشبة فهذا يعني بأنه كان مربوطاً بدون مسامير أو كان هناك مسماراً واحداً فقط لتسمير اليدين الأثنتين . كذلك لكان توما قد قال ( إن لم أعاين اثر المسمار في يديه ) علماً بأن الترجمة ( أثر المسامير الموجودة في كل الترجمات المسيحية ) منقولة عن اليونانية حيث لا مثّنى ، فالأفضل أن تترجم ( أثر المسمارين ) هذا بالنسبة إلى اليدين فقط .
أخيراً نقول  لهم : عليكم أن لا تتجاهلوا أو تحرفوا أيضاً أقوال الرب يسوع عن الصليب قبل أن يصلب عليه ، قال :
( من لا يحمل صليبه ويتبعني ، فهو لا يستحقني ) " مت 38:10 " . وقال ( إن أراد أحد أن يأتي ورائي ، فلينكر نفسه ، ويحمل صليبه ويتبعني ) " مت 24:16 و مر 34:8" . كذلك ( من لا يحمل صليبه ويتبعني ، فلا يمكنه أن يكون تلميذاً لي ) " لو 27:14 " .  وبعد القيامة قال الرسول بطرس لليهود ( يسوع الذي صلبتموه أنتم ) " أع 36:2 ". وبولس الرسول ، قال ( لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً  ) " 1 قور 1: 23:1 " ولم يقل الذي علقتموه ، قالها على الرغم من أن الصليب كان لليهود عثرة ، وهكذا هو اليوم لشهود يهوه عثرة .
الصليب الذي أعتبره الرسول بولس جوهر المسيحية لهذا السبب ركز عليه قائلاً ( إذ كنت عازماً ألا أعرف شيئاً بينكم  إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً ) " 1 قور2:2 " .
ليتمجد أسم يسوع الذي بصليبه المقدس خلص العالم

165
مبدأ صلب المسيح وقبره أتما في جميع البشر
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( كما يموت الجميع لإنتمائهم  إلى آدم ، كذلك سيجعل الجميع أحياء بإنتمائهم إلى المسيح ) " 1 قور 22:15 "
الإنسان العتيق هو المولود من آدم الخاطىء ، وقد تم صلبه على  الصليب مع إبن الله ، أما الإنسان الجديد فقد قام من بين الأموات مع المسيح . وهذا هو السر الفصحي الذي تحقق دفعة واحدة بعد تجسد إبن الله ، فكيف يصبح الموت وقيامة المسيح فعّالين في حياتنا ؟
المسيح هو آدم جديد ، فكما كانت البشرية تمثل بآدم القديم ، فإنها تمثل أيضاً بآدم الجديد ، فالجنس البشري القديم المائت في الخطيئة ، ولد في حياة النعمة بسبب موت يسوع عن الجميع ، لهذا قال الرسول ( لأنه فيه سُرَّ أن يحل كل الملء وان يصالح به الكل )  " قول 17:1" ، لهذا تعلمنا الكنيسة أنه لا يهلك أي إنسان هلاكاً أبدياً ما لم يرتكب ذنباً شخصياً . لذلك إذا تم خلاص أشخاص بالرغم من عدم منحهم المعمودية ، فالسبب يعود إلى أن سر موت المسيح وقيامته قد جعلهم إبناء الله شرعاً  . فمثلما مات الجميع شرعاً في آدم ، كذلك قام جميعهم من بين الأموات في المسيح شرعاً . لكن موت الإنسان الساقط وقيامته لا يتمان إلا في الكنيسة ومن قبل الكنيسة . فالإنسان هو كائن إجتماعي ، ففي آدم خلق الله شعباً موحداً ودعاه إلى الإشتراك في حياته , فعندما جاءت الخطيئة حلّت المشاركة في الذنب محل الإتحاد ، فبدأت العزلة ، والتفرقة فأصبح الإنسان العتيق كائناً إجتماعياً منقسم على نفسه .كذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان الجديد فهو قبل كل شىء كائن إجتماعي متصالح مع نفسه ، ومتوحد في شعب واحد هو شعب الله الجديد ، أي كنيسة المسيح التي أحبها وأسلم نفسه طوعاً ومات لأجلها .
إسرائيل كان جسد شعب الله المختار ، بعد موت إسرائيل الجسد على الصليب أعطيت الحياة إلى الكنيسة التي صارت جسد المسيح الجديد ، فالكنيسة هي ( جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل ) " أفس 23:1" . إذاً لا يتم إدخال سر المسيح الميّت والقائم من بين الأموات في حياتنا إلا عن طريق إدخالنا نحن في الكنيسة التي هي شعب المفدين . فموت الإنسان الساقط وقيامته لا يمكن أن تتم خارج الكنيسة . فخلاص الإنسان مرتبط بموت وقيامة المسيح ، بل جميع الناس قد ماتوا وقاموا في المسيح يسوع بحسب الشرع . فكل فرد مُخيّر بين أمرين : إما أن ينضم إلى موت المسيح وقيامته فيصبح مخلوقاً جديداً فينال الخلاص ، أو أن يرفض ليعود إلى آدم القديم ، أي إلى الإنسان الأرضي لأنه رفض الأشتراك في الحياة الجديدة التي أبتدأت يوم الفصح فيكون مصيره الهلاك . فعلى الإنسان أن ينضم إلى الكنيسة عن طريق المعمودية ، ويقول ( نعم ) كما قالت مريم العذراء للملاك لكي يدخل في سرالمسيح الفصحي دفعةً واحدة . فنعم التي تقال في المعمودية هي الأعتراف والعلامة الملموسة الفعالة في الإيمان المسيحي .
الإيمان إذاً هو ( نعم ) الإنسان ، مع العلم أن الإيمان لا يصدر عن الإنسان نفسه بسبب تفكيره وقدرته إلى التميّز وإختبار ما هو صحيح ، بل هو هبة من الله ونعمة مجانية منه للإنسان . لهذا قال بولس الرسول ( وليس أحد يقدر أن يقول أن يسوع ربّ إلا بالروح القدس ) " 1 قور 3:12" . الإيمان يخلصنا لأنه يضعنا على الطريق الصحيح ، لكن هذا ليس هو صعيد جهودنا ، بل هو صعيد الثقة والإتكال على المسيح الذي دفع الثمن ، فعلينا تسليم أمرنا إليه ، لأنه المخلص الوحيد الذي يشركنا في موته وقيامته . إنه ( بكر الراقدين ) أي إنه هو ضمان قيامتنا ( 1 قور 20:15 ) .
حقيقة موت الإنسان العتيق وقيامته للحياة الجديدة تتم فعلاً في الطقوس الكنسية ، وتلك الطقوس ليست أعمالاً سحرية ، بل إنها علامات سرية للحقيقة التي اصبحت حاضرة وهي موت وقيامة المسيح . فهذا العمل هو إلهي وجوهري لأجل خلاص المؤمن وكما يوضحه لنا القديس مرقس في إنجيله ( من آمن وأعتمد خلص ) وبعبارة أخرى ، أن السر الداخلي لموتنا عن الخطيئة وقيامتنا لنصير أبناء الله ، لا تتم إلا بسر طقس الماء والروح القدس ، ذلك السر الذي يغطسنا في موت المسيح فيحيينا إلى الإيمان . فالمعمودية تغطس الإنسان في موت المسيح ليموت عن الخطيئة سرياً بفضل موت المسيح ، ويقوم معه بعد خروجه من الماء بحياة جديدة ، بل بولادة جديدة ، وهكذا عند قيامة الأجساد في يوم الدينونة العظيم ، يقول الرسول ( سيغيّر الرب شكل جسدنا الحقير ليكون على صورة جسده الممجد ) " فيل 21:3 " .
وأما عن الصعوبة التي يلاقيها المسيحيون في فهم هذه الحقيقة تنتج غالباً عن كونهم لا يقدرون أن يتصوروا الإيمان إلا على شكل إستعداد نفسي قبل العماد وكأنهم بقدراتهم هم اكتشفوا الإيمان . غير أن الإيمان ليس كذلك ، بل هو حقيقة سرية سكبها الله في الروح  بواسطة السر الذي يقدمه الكاهن . فالطفل المعمد بعد ولادته ببضعة أيام يكتسب الإيمان فوراً كهبة بالرغم من أن إيمانه هذا لا يمكن أن يستعمل عملياً لكونه غير قادر على ذلك ، كالطفل الموهوب الذي يتمتع بالمقدرة الذهنية ولكنه لا يتمكن من ممارسة قدراته إلا بعد أن ينضج عقلياً وجسدياً إلى درجة كافية . والإنسان الذي يعتمد بعد إيمانه وهو كبير فالله سيعَلمُه أيضاً بعد المعمودية تدريجياً ويوجهه في جميع أفعاله ، غير أن فضيلة الإيمان سابقة لكل هذه المظاهر وتمنح للروح بالمعمودية ، والمعمودية ستغمر المعتمد في موت المسيح وتؤدي به إلى الحياة الجديدة في اشتراكه بالفصح والقيامة . إن هذا الوعي ربما هو أثمن إكتشافات عصرنا الحاضر . وعلينا أن نبحث في إيماننا لنصل إلى ما هو أعمق وأسمى لخلاصنا .


166
يسوع مات مصلوباً على خشبتين متقاطعتين
بقلم/ وردا إسحاق قلّو
الصليب الذي صلب عليه يسوع كان كبقية الصلبان المستخدمة في فترة حكم الرومان على أرض فلسطين ، فصليب المسيح مكوّن من خشبتين ، الواحدة عمودية ، والثانية أفقية ، وكانت الخشبة العمودية تنقل إلى مكان الصلب ، والأفقية كان يحملها المحكوم عليه إلى مكان الصلب وأسمها باللاتينية ( باتيبوم ) وكانت العمودية تجتاز برأسها العارضة الأفقية عادةً بشكل + حتى يسهل وضع اليافطة التي تحمل الإعلان الخاص بعلة المصلوب ليتمكن من قرائتها الناس ، كما جاء في يوحنا : وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب ، وكان المكتوب فيه ( يسوع الناصري ملك اليهود ) . فعلى مثل هذا الصليب صلب يسوع من أجلنا وأطاع حتى الموت موت الصليب ( طالع في 8:2 وقول 2:14 ) ومحا الصك الذي كان علينا منذ سقوط الأبوين .
يعترض شهود يهوه من دون كل المسيحيين بمختلف طوائفهم بأن المسيح أعدم على خشبة عمودية ، مدّعين بأن الطقوس الدينية المسيحية تؤكد ذلك بقولها ( اليوم علق على خشبة ) وللمطربة فيروز ترتيلة بهذا العنوان ، فما هو الرد على هذا الأدعاء :
في اليونانية ( كسيلون ) تعني مادة الخشب وكذلك في اللاتينية ( لينيم ) ، لذا الترجمة الصحيحة هي ( علق على خشب ) وخشب هنا أسم المادة أي إن المسيح علّقَ مصلوباً على خشب لا على حديد أو حجر أو غير ذلك ، أي المقصود هو نوع المادة وليس شكلها وطريقة أستخدامها .
جماعة شهود يهوه كانت تؤمن كباقي المسيحيين بأن المسيح صلب على الصليب وليس على العمود إلى يوم ( 31 كانون الثاني 1936 ) أي بعد موت المسيح ب( 1900 ) سنة . رذرفود الذي كان يؤمن بعقيدة الصليب في هذا التاريخ قدّمً إلى أسرة بيت أيل في بروكلين الكتاب الجديد ( الغني ) وفيه يقول ( المسيح مات وقد علّق جسده على شجرة ) . أليست مضحكة إدعائات شهود يهوه الشاذة والكثيرة بأن المسيح علق أولاً على الصليب وبعدها على شجرة ، ومن ثم على وتد أو عمود . كتب الأب يعقوب سعادة في كتابه ( الجواب من الكتاب – الطبعة الأولى لسنة 1995 ) قال ( أفكار أسرة بروكلين حديثت العهد لا يمت إلى عهد المسيح ولا إلى عهد الرسل بأي صلة ، كما تدّل على غباوة ما يسمى بشعب يهوه ، الذي حتى سنة 1936 أكتشف لأول مرّة أن المسيح لم يمت على الصليب ) أما الشعب المسيحي فلم يكن غبياً والحفريات والوثائق القديمة العائدة إلى القرن الأول في فلسطين وإيطاليا تثبت الصليب كما نعرفه نحن اليوم .
إدعاءات الشهود كثيرة ومتذبذة الآراء ، ومنها نذكر أدعائهم بأن كاثوليكياً اسمه يوسيتوس ليبسيوس اكتشف قبل رذرفورد ومنذ القرن السادس عشر أن المسيح صلب على خشبة عمودية فقط ، فإذا كانت البشرية تعرف منذ ذلك القرن فهل تاخر شعب يهوه في معرفة ما اكتشفه ذلك الكاثوليكي ؟ لا ، بل لنقولنّ إن ما تقدم به هذا الكاتب كان مخالفاً لكل المعطيات التاريخية ,
وما قاله ليبسيوس عن الخشبة العمودية التي وصفها ب ( كروكس سيمبلكس ) " صليب بسيط " هل هو صحيح تاريخياً ؟ من أدرى بأمر الصليب وحكم الإعدام بالموت عند الرومان ، الرومان أنفسهم الذين كانوا يميّزون بين ( كركس كوميسا ) و ( كروكس أيميا ) أم كاتب مجهول من القرن السادس عشر بعد المسيح يقول بغير أستناد إلى أي وثيقة إن هناك ( كركس سيمبلكس ) أي خشبة عمودية ؟ طبعاً الرومان يعرفون حياتهم وعاداتهم أكثر من صاحبنا ليبسيوس .
المسيح صلب على خشبتين بحسب العهد الجديد والحفريات والمخطوطات القديمة ، صحيح أن كلمة ( ستافروس ) باليونانية ، وكلمة ( كروكس ) باللاتينية كانتا تدلان على الخشبة العمودية ، غير أن اللفظتين سرعان ما أصبحتا تشيران إلى الخشبتين ، واصفتين الكل باسم الجزء ، ويظهر من الأناجيل أن ( يسوع خرج حاملاً صليبه ) ولكن إذا كان الصليب ( ستافروس ) خشبة عمودية طويلة وثقيلة والتي لا يمكن حملها على الكتف بل تجر جراً ، كما يقول الأنجيليون إن سمعان القيرواني أجبر على حمل صليب يسوع ، إذن لم يحمل يسوع الخشبة العمودية المعروفة بأسم ( ستافروس – كروكس ) عند اليونانيين والرومان ، بل  خشبة ( بتيبولوم ) وهي أفقية وأقصر طولاً من العمودية وتلك القطعة حمل الرب يسوع .
ومن أعتراضات شهود يهوه الكثيرة ( الصليب إشارة وثنية ؟ )
الجواب : ولنفرض ذلك ، فهل من مانع أخلاقي وعقائدي لأستخدام الصليب ؟ مثال : إذا كان الوثنيون يستخدمون البخور لتكريم ألهتهم ، فهل ممنوع إستخدام البخور لإكرام الإله الحقّ ؟ ولنفرض أن البابليين والبوذيين والمصرين كانوا يكرمون الصليب ، فهل كانوا يكرمون صليب المسيح أم صليبهم ؟ هل كانوا يحملون بيسوع عندما كانوا يكرمون تقاطع خشبتين ؟ لا ! ومن ناحية أخرى هل نكرم نحن الخشبتين من أجل الخشبتين المتقاطعتين أم إكراماً للمسيح الذي مات عليهما ؟ كذلك تنفيذاً لوصايا المسيح المتعلقة بالصليب كقوله ( من أراد أن يتبعني فليزهد بنفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني ) " طالع الأناجيل مت 24:16 ، مر 34:8 ، لو 23:9 " فمن لا يحمل الصليب يقول الرب ليس أهلاً لي ، أي لا يستطيع أن يكون تلميذاً لي . ولم نقرأ في أي آية ( من لا يحمل خشبته أو وتده أو توثيته ويتبعني ) إلا عند شهود يهوه .
وختاماً أقول : صليب ربنا يسوع المسيح المعروف ب ( الصليب ) بصيغة المطلق ، والعبارة تشير دون شك إلى الصليب الخشبي الذي أصبح بآلام السيد الفادي رمزاً للخلاص وسلّماً للمجد ، لذا يجدر بالمسيحي الحقيقي المؤمن بالمسيح كامل الإيمان أن لا يتخلى عن الصليب الخشبي ، وهو صليب الرب بالمعنى الحقيقي التي تؤكده أثنتين وعشرين آية تحمل أسم الصليب .
ليتبارك أسم يسوع المصلوب من أجلنا

167
المسيح صلب على صليب خشبي ولم يعلق على خشبة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
[/color]https://i.top4top.io/p_1608zqofb1.jpg
الرب يسوع (  وضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب ) " في 8:2 "
لو تصفحنا في سجلات التاريخ لقرأنا بأن الصليب أستخدم منذ القدم من قبل حضارات كثيرة كآلة تعذيب وأنتقام ضد المجرمين أو الأعداء فقد وجدت نقوش لصلبان على الصخور في الدول الأسكندنافية تعود إلى فترة العصر البرونزي ، كما أستخدم في بلاد النهرين كرمز للإله تموز ، وكذلك الحضارات المصرية والبوذية كانت تكرم الصليب ، وهكذا نجد الصليب في مخطوطات قمران أي الصليب موجود في حضارات كثيرة سبقت المسيحية ، وحتى اليهود تم صلب الكثير منهم قبل المسيح في أيام الأمبراطور الروماني ( كاليجولا )  قبل المسيح ببعض العقود ، وقد أكتشفت مقبرة قريبة من أورشليم ، وأحد ضحاياها وجدوا في قدميه مسماراً طوله 11سم ترك في قدمه بعد إنزاله من الصليب . يقال أن الرومان أخذوا الصليب كأداة تعذيب عن القرطاجيين في أفريقيا . لهذا  في أيام المسيح أستخدم الرومان الصليب لأنزال أقصى عقوبة على المستحقين عقوبة الموت. فهل أخذ الرومان تقاطع خشبتي الصليب من عند البابليين أو غيرهم ؟ كتب شيشرون نقلاً عن مؤرخ روماني بأن الصليب يعد أقسى طرق التعذيب والموت عند الرومان ، فبعد جلد المحكوم بقسوة كان يُثبت جسده على الصليب بمسامير في اليدين والرجلين ويعطى خلاً ليسكر وذلك لكي يخفف عنه الآلام ، والمسيح مر بكل هذه المراحل ، لكنه رفض الخل الذي قدم له لكي يشعر بألامه ويتحملها كإنسان كامل إلى أن سلّمَ روحه إلى الآب . فكل المسيحيين يؤمنون بأن المسيح قد صلب على خشبة الصليب فأتخذو الصليب رمزاً وشعاراً للمسيحية ، ومنذ ألفي سنة من تاريخ الكنيسة لم تعرتض أي طائفة مسيحية على الصليب ، وحتى شهود يهوه لم يكن الإيمان بعقيدة الصليب ممنوعاً لديهم في عهد مؤسسهم راسل أو خليفته رذرفورد إلا بعد مؤتمر الحركة سنة 1931 وفي تلك السنة أطلقوا على حركتهم ( شهود يهوه ) ومن المضحك ما ورد في كتابهم السنوي لعام 1979 حيث نقرأ فيه : ( لا على صليب ، بل على خشبة عمودية : هكذا مات المسيح ) وبعد بضع سنوات عرف شعب يهوه لأول مرة شيئاً عن موت المسيح وذلك بعد أكثر من 1900 سنة على قتله على الجلجلة . في 31 يناير سنة 1936 قدم رذرفورد كتاباً جديداً قال في ص 27 ( المسيح مات وقد علّق جسده على شجرة ) .
نقول ، إن دل هذا الأقتراح الغريب فأنه يدل على غباوة شعب يهوه الذي حتى تلك السنة ومن دون كل الشعب المسيحي أكتشف بأن المسيح لم يمت على الصليب ، فهل كان الشعب المسيحي غبياً كل هذه الفترة ؟ هل الحفريات والوثائق القديمة العائدة إلى القرن الأول في الأراضي المقدسة وإيطاليا وغيرها تثبت الصليب وكما نعرفه اليوم ، كذلك الآثار التي نجدها في المتحف القومي في روما تمثل الصليب كما نعرفه . والآثار المسيحية في جرش تشهد على شكل الصليب ، وفي داخل الصليب المنقوش على الصخر حرفان من اللغة اليونانية هم الألفا والأوميغا وهما يرمزان إلى الرب الذي قال : أنا الألفا ( الألف ) والأوميغا ( والياء ) " رؤ 1: 8 " . علماً بأن آيات كثيرة تتحدث عن صلب المسيح ، كما ورد كلمة الصليب 28 مرة في العهد الجديد . ومن هذه الآيات ( إنا نعلم أن إنساننا العتيق قد صلب مع المسيح لكي يتلف جسم الخطيئة لئلا نعود نستعبد للخطيئة ، لأن الذي مات قد تبرأ من الخطيئة .. ) " رو 6: 6-8"  فهذه الآية تقول ان المسيح صلِبَ حقاً ومات حقاً . إذاً على الصليب الحقيقي مات المسيح لا مجازاً ولا معنوياً ، وبغير الصليب الحقيقي ما كان إنساننا القديم ليموت ، وما كنا لنتحرر من الخطيئة إلا بدمه المهراق على الصليب . فدم المسيح وصليبه حقيقيان مادّيان ، ولا شك في ذلك . عن طريقهما تم شىء معنوي حقيقي هو أن المسيح بدم صليبه صالحَ ما في الأرض وما في السماء . أما النصوص الواضحة في الأناجيل عن الصليب فنقرأ أية قالها الرب يسوع عن الصليب ( من أراد أن يتبعني ، فليحمل صليبه ويتبعني ) " مت 24:16 " كذلك " طالع مر 34:8 و لو 23:9" . كذلك ( من لا يحمل صليبه ، ليس أهلاً لي " أو " لا يستطيه أن يكون لي تلميذاً ) وهذه النصوص وغيرها منطلقة من " صليب ربنا يسوع المسيح " المعروف " الصليب " بصيغة المطلق ، والعبارة تشير بدون شك إلى الصليب الخشبي الذي أصبح بآلام السيّد الفادي رمزاً للخلاص وسلماً للمجد ، لذا يجدر بالمسيحي كامل الإيمان ان يتخلى عن الصليب الخشبي ، وهو صليب الرب بالمعنى الحقيقي . ومن هذه المعطيات ، نهتف نحن معشر المسيحيين إننا ، بالمعنى السامي " صليبيون " أي حاملو صليب وأتباع المسيح المصلوب الذي أوصانا أن نحمل صلباننا ونتبعه

تمثال في متحف اللوفر يعود تاريخه الى اكثر من قرن قبل الميلاد
أما شكل الصليب الذي نفتخر به والذي صلب عليه المسيح ، فيتكون من تقاطع خشبتين ، الواحدة عمودية والتي كانت تنقل إلى مكان الصلب ، أما الأفقية فكان على المحكوم عليه أن يحملها إلى مكان الصلب واسمها باللاتينية " باتيبولوم " . وكانت العمودية تجتاز برأسها العارضة الأفقية عادة بشكل + حتى يسهل وضع اليافطة التي تحمل إعلان علّة المصلوب ليتمكن من قرائتها الناس ، وكما نلاحظ في الصلبان التي نرفعها في كنائسنا ، وقد جاء في أنجيل يوحنا ، قال ( وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب ، وكان المكتوب فيه : يسوع الناصريّ ملك اليهود . وهذا العنوان قرأه كثير من اليهود ) " يو 19:19 " . فشكل الصليب كان كحرف ( تي ) بالأنكليزية ، مع بروز رأس كمكان مناسب لتعليق الإعلان .
الصليب هو موضع الحب الإلهي لنا . وعليه أظهر الله عملياً قمة محبته للبشر ، فبذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " يو 16:3" . فمعنى الصليب الروحي هو كل عمل الفداء الذي أكمله الرب على الصليب . الرسول بولس لم يعزم أن يعرف شيئاً إلا المسيح مسمراً ( وليس معلقاً ) على صليب العار ( وليس على شجرة ) لكي يهبنا حياة المجد والفخار ( 1 قور 2:2 ) . 
كما يقول بولس ( كلمة الصليب " وليس الخشبة أو الشجرة " عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله ) فإن كانت كلمة الصليب عند اليهود وشهود يهوه جهالة ، فعندنا نحن المسيحيين هي قوة وإفتخار ونكرز بالمسيح المصلوب لا بالمسيح المعلق على شجرة كما يؤمن به كل منتمي إلى ببدعة شهود يهوه الذين يدعون بأن المسيح لم يصلب ، بل علق على شجرة ، أو على خشبة .
ردنا على هذه البدعة الشاذة عن كل المذاهب المسيحية ، نُجيب : عندما نقول نحن معشر المسيح " اليوم علق على خشبة " ( وهناك ترتيلة بهذا العنوان للمطربة فيروز ) فلا نعني بها أن المسيح علق على شجرة ، فالخشب هنا أسم المادة ، أي أن المسيح علق مصلوباً على صليب من خشب لا على صليب من حديد أو حجر ، فمثلا يقولون الجيش دخل المدينة بالحديد والنار ، والمقصود إنه دخلها بأسلحة مصنوعة من حديد ، هكذا الصليب كان مصنوعاً من مادة الخشب . فصليب ربنا يسوع كان حقيقياً مصنوع من خشب ، وللصليب معاني لاهوتية كثيرة ومهمة للإيماننا المسيحي .
تلجأ جماعة شهود يهوه إلى تبديل معنى الآيات التي تتحدث صراحة عن الصليب ، كالآية ( أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ) " غل 14:6 "  يفسرون هذه الآية بتبديل المعنى وذلك بجعل الصليب الذي يقصده بولس الرسول معنوي وليس حقيقي ، فالرسول يتابع بقوله بأنه هو بولس كان مصلوباً للعالم وكان العالم له مصلوباً ، والأكيد أن بولس لم يصلب كما أن العالم لن يصلب . لكن صليب المسيح لم يكن معنوياً ، بل حقيقياً وعليه نزف دمه الثمين ودفع ثمن خطايانا ، فالصليب الحقيقي تمت عليه أشياء معنوية ، وهذا لا يزيل حقيقته . مثال : الخاتم الذهبي إشارة إلى خطوبة أو زواج ، فعندما يعني هذا الخاتم المادي شيئاً معنوياً هل يفقد ماديته ؟ الجواب ، لا . نستنتج إذاً ما يلي : بغير صليب المسيح الحقيقي ما كان بولس ليصلب معنوياً للعالم ولا العالم ليصلب لبولس . تضحية المسيح كانت على الصليب بشكل عملي وحقيقي ، لأن لا تضحية بشكل مجازي أو معنوي .
نفتخر بالصليب ، بصيغة المطلق ، أي صليب يسوع وهو تقاطع خشبتين ، عليه صلب الرب ففدانا وصالح العالم مع الطبيعة الإلهية بدم صليبه البشري ، لذا نرسم إشارة الصليب ونحمل الصليب رمزاً وشعاراً ، وما كان " صليب الرب " سوى صليب من خشب ، الذي هو موضع أفتخارنا . لكن شهود يهوه يحاولون تجريد الصليب من معانيه وقوته ليجعلوه أداة محتقرة متجاهلين أن الصليب عند المسيح هو المجد بذاته ، قال ( قد أقتربت ساعة تمجيد إبن الإنسان ) " يو 23:12" .
في مقال آخر سنتناول الآيات التي حرفها شهود يهوه في كتابهم ( العالم الجديد ) فترجموا لفظة " الصليب " إلى " خشبة " وكلمة " صُلِبَ " إلى " عُلِقَ " من أجل ضرب  المسيحية والطعن بصليب المسيح وبعمل الصليب الكفاري .
نشكر الرب يسوع قائلين ( بصليبك المقدس خلصت العالم ) .
للمزيد ، سنلتقي في مقال آخر عنوانه ( شهود يهوه يحرفون الآيات الخاصة بالصلب لأجل رفض الصليب  ) .



168


نشأت المسيحية بعد قيامة المسيح و العنصرة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( ببيتك تليق القداسة يا رب إلى طول الأيام ) " مز5:93 "

لقد ظن قادة اليهود بأن حركة المسيح المناهظة قد أنتهت إلى الأبد بعد صلب وموت يسوع يوم الجمعة العظيمة ، لكن أتباع المسيح لم يتشتتوا كما أعتقد أعداء المسيح رغم هروبهم وإختفائهم ، بل ظلوا معتكفين على الصلاة ، ومسيحهم الذي صُلِبَ قد قام ، وكان يلتقي بهم جميعاً . إنه المشيح الذي كان شعب إسرائيل ينتظره ، هذا الذي حسبوه مفسداً ، لكنه كان فادياً لهم ، وعلى الصليب دفع ثمن خطاياهم وخطايا العالم أجمع .

التلاميذ الذين تركوا معلمهم ونكروه ، عادوا إليه بقوة وإيمان ، وزاد إيمانهم بعد الصعود فبدأوا يجتمعون معاُ ترافقهم العذراء يقضون اليوم كله بالصلاة والصوم والتذرع إلى أن حل عليهم المعزي فزاد عزمهم وسلحهم الروح بالمواهب والقدرات التي تحدّوا بها العالم أثناء أنطلاقهم في التبشير بكلمة الإنجيل .

الكنيسة ولدت من جنب المسيح المطعون ، والمسيح لقن تلاميذه خلال الأربعين يوماً بعد قيامته بوصايا كثيرة ونفخ في التلاميذ نفخة كهنوت ليؤسس سر آخر في كنيسته . بدأت شرارة التبشير بعد يوم العنصرة مباشرةً فبشروا اليهودية والسامرة والجليل ومن ثم أنطلقوا إلى العالم كله لكي يتمموا وصية فاديهم .

كتابات الرسل والتلاميذ تروي للعالم قصة المصلوب الحي الذي التقى بهم بعد القيامة ، والذي سيحيا إلى الأبد لدى الله ، وهو أساس إلتزامهم ورجائهم .  إنهم مسّمرون بهذا اليقين وهو أن الذي مات لم يبقى عليه سلطان الموت ، بل إنه قد قام . فمن آمن بصلبه وموته وقيامته يحيا هو ايضاً . تلك كانت رسالة الفصح التي أكدها كل المبشرين . كل من يؤمن بيسوع المصلوب والقائم منتصراً على الموت سيشترك في مصيره ، وسيشترك هو أيضاً في الإنتصار على الموت ، فيسوع الذي صار باكورة الراقدين ، وبكر القائمين سيقيمه هو أيضاً . المصلوب حي ، لم يمت لكي يدخل في العدم ، بل مات لكي يدخل في الأزل . فالموت له هو الباب الذي عاد من خلاله إلى الآب والرجوع إلى سّره . فالقيامة هي الأنتصار الحقيقي على الموت ، وكل أبناء الكنيسة المؤمنين بالمسيح لا يموتون ، بل ينتقلون من الموت إلى الحياة الأبدية معه . فالمسيحية نشأت على هذا الإيمان . فبعد العنصرة انطلقت حركة عظيمة تنتمي إلى أسم يسوع الناصري ، وأعضاء هذه الحركة أشاعوا البشرى في أنحاء العالم ، وكان محور بشارتهم يسوع القائم من بين الأموات ، والحاضر بينهم ، وهو محتوى البشارة الحقيقي ومختصر الرسالة المسيحية عن ملكوت الله .

المسيحية نشأت في الفصح ، بقدر ما هي الأعتراف بيسوع بصفته الحي والفعال بيننا . المسيح لم يكن نبياً كاذباً كما ظنوه ، ولا مجذفاً ، ولا مفسداً للشعب كما أتهموه ، بل هو قدوس الله الذي دافع عن قضية الإنسان لكي يبرره أمام الله . وهو الذي سيدين العالم . هذا الذي بشر بقرب ملكوت الله ، هو صار الملكوت وأصبح هو الجوهرة والهدف . فبدلاً من أن نقول ( نبشر بملكوت الله ) نقول ( نبشر بالمسيح القائم من بين الأموات ) ، فكل من يؤمن به بأنه المسيح إبن الله الحي القائم من بين الأموات ، ويتعبد لأسمه القدوس ، يسمى مسيحياً . وقد أطلق هذا الأسم  لأول مرة على الجماعة الأولى التي كانت تبشر في إنطاكيا . فكل من ينتمي إلى جماعة المسيح في كنيسة المسيح المقدسة يطلق عليه هذا الأسم . أما الذين يدعون بأنهم من أتباع المسيح لكن لا يطلقون على أنفسهم مسيحيين كالنصارى في العصور الأولى ، وشهود يهوه والسبتيين والمارمون وغيرهم في هذا العصر ، فهؤلاء لا ينتمون إلى كنيسة المسيح . أتباع المسيح هم الذين ينتمون إلى كنيسة المسيح ، ويجب أن يسموا مسيحيين بحسب الأنجيل وغير ذلك يعني إلى تمزيق الكنيسة وخلق التفرقة ، علماً بأن كنيسة المسيح نشأت على أساس قوي لا يتزعزع ، وقوات الشر لا تقوى عليها .

المبشرون منذ البداية أنتشروا في كل أصقاع العالم ليبشروا بهذا الأسم لكي يعلنوا البشارة ويرفعوا الحجاب عن حياة يسوع ورسالته الواضحة فمن آمن به بأنه الرب المتجسد بيننا والذي مات مصلوباً وقام من بين الأموات وتعمد بأسمه القدوس دخل في سر الكنيسة المقدسة وأتحد مع جسد الكنيسة وأصبح عضواً من أعضائها ، ويشترك مع الجميع بالخبز الحي الواحد الذي يشترك في تناوله الجميع كأسرة مسيحية واحدة موحدة ، يقدم لهم من مائدة العشاء السري لكي يتناولوه معاً باستحقاق . لهذا قال الرسول بولس ( أليست كأس البركة التي نباركها هي شركة دم المسيح ؟ أو ليس رغيف الخبز الذي نكسره هو الإشتراك في جسد المسيح ؟ ) " 1 قور 16: 10" . وبتناولنا لجسد ودم المسيح ننال مغفرة لخطايانا ( الذي لنا فيه بدمه غفران الخطايا ) " قول 14:1" .

في الختام نقول : الكنيسة تأسست من الدم والماء التي خرجت من جنب يسوع المطعون ، فالماء الذي يرمز إلى المعمودية ، هو السر الأول ، والباب الذي يستقبل كل مؤمن جديد يروم الانضمام إلى كنيسة الرب وسره . والدم هو الأفخارستيا التي نتناولها لمغفرة الخطايا . فالكنيسة المقدسة تأسست على أسرار وضعها الرب المنتصر في كنيسته . هو مؤسس الكنيسة وأسرارها لكي تحتضن كل المؤمنين به في جسد واحد .

وللرب المنتصر كل المجد .

 


169
ܦܢܛܩܘܣܛܐ  العنصرة – عيد حلول الروح القدس

بقلم / وردا إسحاق قلّو

https://f.top4top.io/p_1605cl2va1.jpg

( جئت لألقي على الأرض ناراً ، وما أشد رغبتي أن تكون قد أضطرمت ) " لو 49:12"
تحتفل الكنيسة المقدسة بعيد ميلادها الذي يصادف يوم العنصرة ، يوم حلول الروح القدس على جميع المؤمنين المجتمعين مع العذراء مريم في علية صهيون منتظرين تحقيق موعد المسيح والذي تحقق بإفاضة روحه القدوس عليهم في يوم الخمسين من بعد قيامته .
الولادة الثانية لكل مسيحي تتم يوم عماده بالماء والروح ، وهذا ما حصل عندما تعمد المؤمنين المجتمعين بنار الروح القدس ، فولدوا ولادة روحية ، فذلك اليوم يعتبر يوم تأسيس الكنيسة المقدسة التي صارت جسداً للمسيح وهو رأسها . يسوع هو الله ، والله هو النار ، وكما تقول الآية ( إلهنا نار آكلة ) " عب 29: 12 " و " خر 17: 24 " . كلذلك الله هو ( محبة ) إذاً النار التي حلت على المؤمنين يوم العنصرة هي كناية عن الله والمحبة ، والتي ترمز للقداسة والتطهير من الذنوب ، وكل من تدخل في جوفه هذه النار ستطهره وتغيّره وتعطي له القوة ليصبح حاراً في الروح ( رو 11:12 ) لهذا تحوّل الرسل المعروفين بالضعف والهزيمة ونكران السيد إلى نار الغيرة والشجاعة وامتلكوا المواهب فدهش وتعجب منهم الجموع فآمن بسبب عظة بطرس الآلاف ، فتحققت نبؤة يوئيل النبي عن حلول الروح القدس ، قال ( يقول الله في الأيام الأخيرة ، إني افيض من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويرى شبابكم رؤى ... ) " أع 17:2" . إنه ( البرقليط ) أو ( باراكليتوس ) المستخدمة في العهد الجديد من قبل الرسول يوحنا ، يصف بها بشكل مطلق وكأسم علم للروح القدس ، أي المعزي أو المعين ، نقرأ في " يو 14: 16، 26 " ( وأنا أسأل الآب فيعطيكم معزياً " الباراكليتوس " الذي أرسله إليكم من عند الآب ، روح الحقّ الذي أرسله إليكم من عند الآب ، روح الحقّ الذي العالم لا يستطيع أن يقبله ... وأما المعزي " باراكليتوس " الروح القدس ألذي سيرسله الآب باسمي ، فيعلمكم كل شىء ويذّكركم ما قلته لكم ) " طالع أيضاً يو 16: 7و13 " . 
يوم العنصرة كان يصادف يوم إحتفال الشعب العبري بعيد العنصرة اليهودي ، ولفظة ( العنصرة ) عبرية تعني ( جمع أو إجتماع ) فكان اليهود يجتمعون في أورشليم بأعداد كبيرة قادمين من المدن والقرى اليهودية ومن أصقاع العالم مجتمعين في أورشليم لهذا كانت المدينة تعج بالحجاج لأعتبار ذلك اليوم أحد الأعياد الثلاثة الكبرى عند اليهود وهي ( الفصح – الخمسين – المظال ) ونحن المسيحيين لنا ثلاث أعياد كبيرة فقط في فترة الخمسين ، وهي ( الفصح " القيامة " – الصعود – العنصر ة ) . عيد العنصرة عند اليهود يقع بعد الفصح بخمسين يوماً ، لهذا أطلق عليه بعيد الخمسين . كذلك عيد العنصرة " عيد حلول الروح القدس " يصادف بعد خمسين يوماً من قيامة الرب يسوع من بين الأموات.
عيد الخمسين اليهودي كان يشير إلى العفو والصفح ، لهذا في العهد القديم كانوا يقدسون كل سنة الخمسين ويسمونها باليوبيل ، وفي تلك السنة كانوا يحررون العبيد ويعفون عن المديونيين . كذلك يسوع عفا عن شعبه عندما عمدهم بنار الروح القدس وحررهم من عبودية الخطيئة ليصبحوا أولاد الله .
عيد الخمسين اليهودي يقع دائماً في يوم الأحد ( طالع لا 23 ) وفي العهد الجديد قام المسيح في يوم الأحد ، وفي يوم الأحد أيضاً حل الروح القدس على الكنيسة ليصبح يوم الأحد هو يوم الرب بدلاً من السبت ، فالأحد هو يوم الراحة والعبادة وتقديم الصلوات والقداديس والطلبات ، وفي هذا اليوم تمت النبؤة ( هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه ) " مز 24:118 " . وفي الأحد يجتمع المؤمنين بنفس واحدة كما اجتمعوا يوم حلول الروح القدس هكذا يجتمعون كل أحد أمام الذبيحة الإلهية ( غير الدموية ) منتظرين بخشوع وإيمان لحظة حلول الروح القدس على الخبز والخمر ، ومن ثم يشترك الجميع لتناول الخبز النازل من السماء . ينبغي أن يتناوله كل مؤمن لكي ينال المغفرة والحياة ، قال الرب ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وانا اقيمه في اليوم الأخير ) " يو 54:6".
صاحب حلول الروح القدس ثلاث مظاهر غريبة وهي :
1-   صوت هبوب ريح عاصفة : الريح يرمز إلى القوة ، وإلى عمل غير منظور ( يو 8:3 ) . في العهد القديم كلم الله أيوب من العاصفة ( أي 1:38 ) ومع موسى ( تث 22:5 -23 ) وإيليا ( 1مل 11:19 9 وحزقيال ( 7:37 ) أي الريح العاصفة تعبّر عن حضور الله .  فٌإقتران الريح العاصفة في العهد القديم مع الريح العاصفة في يوم العنصرة هو تعبير واحد يرمز إلى حضور الله .
2-   ألسِنة من النار : ظهرت في العهد القديم في العليقة ( خر 2:3 9 ، وحلول الله في النار على جبل سيناء ( حز 18:19 ) ، وكانت الريح والنار إعلاناً لظهور الله لحزقيال فبرزت مجد الله له ( حز 4:1 ) . والنار هي مُطَهِرة أيضاً ، فقد طَهَرَت شفتي أشعياء النبي ، وكانت تلتهم الذبيحة التي كانت تحمل الخطايا ، لكن نار الخمسين لم تحرق التلاميذ في علية صهيون لأن خطاياهم قد غفرت عندما دفع الرب ثمنها على الصليب . كانت النار التي حلّت على التلاميذ على شكل ألسنة رمز الكلام والحجة اللذان سيستخدمها الرسل في كرازتهم ، كما رشدهم الروح إلى معرفة الحق وبحسب وعد الرب لهم ( متى جاء روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق ) " يو 13:16 " كما كانت تلك الألسنة النارية منقسمة لكي توّزع المواهب المختلفة حسب قدرات كل منهم . هذه النار تنبأ بها يوحنا المعمدان ، قال ( هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ) " مت 11: 3" .
3-   التحدث بألسنة : في العهد القديم تفرقت الألسنة في برج بابل بسبب الخطيئة ( تك 11: 1-9 ) . وهنا حصل العكس ، استخدم الرب الألسنة لتجميع كل الأمم في وحدة روحية ليصبحوا أبناء الله فنالوا الخلاص ، ستأتي إلى الله بسبب كرازة الرسل شعوب من كل أمة وقبيلة ولسان لتجتمع معه في الفردوس ( رؤ 5 ) لهذا في يوم العنصرة صار التلاميذ يتكلمون بلغات غريبة فتعجب الحاضرون ، فقالو ( نحن نسمع كل واحد من لغته التي ولد فيها )" أع8:2 " كما أعطى الروح القدس قوة للتلاميذ فغيّر طبيعتهم وأعطاهم الشجاعة والحكمة والغيرة والتحدي أثناء الكرازة وخلع عنهم الإنسان القديم ، وألبسهم الإنسان الجديد الذي يتجدد ليصبح كصورة خالقه ( قول 3: 9-10 ) .
                                                                                     
أخيراً نقول: بالروح القدس يولد كل مؤمن ولادة ثانية في المعمودية عندما يحل عليه الروح القدس أثناء مسحهِ بسر الميرون المقدس . كما يجب الأمتلاء بالروح القدس كما حدث للتلاميذ بعد يوم العنصرة في مرات عديدة ( طالع أع 8:4 ن 31 و 9:13 ) وهذا يحصل أثناء التوبة المستمرة وممارسة أسرار الكنيسة المقدسة ووسائط النعمة من صوم وصلاة وإقتناء الفضائل والعمل من أجل بلوغ الكمال الروحي .
أرسل روحك القدوس فيتجدد وجه الأرض





 

170
شهود يهوه يحرمون نقل الدم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

تفسير آيات الكتاب المقدس ليس من واجب الجميع ، بل للمختصين الموّكلين على هذه المهمة من الدارسين والمكرسين ، لهذا يقول الرسول بطرس ( قبل كل شىء ، أعلموا أن كل نبؤة واردة في الكتاب لا تفسر بأجتهاد خاص ) ” 2بط 20:1 ” . إذاً من يفسّر آيات الكتاب تفسيراً خاطئاً ويعلمه للآخرين سيقترف جريمة كبيرة وحسابها عسير . لكن رغم هذا فجماعة شهود يهوه لن يلتزموا بالوصايا لهذا ينفردون بعقائد شاذة بعيدة كل البعد عن المسيحية بسبب فهمهم وتفسيرهم الخاطىء للايات ، ومن عقائدهم الشاذة ،  تحريم نقل الدم أو التبرع به للمحتاجين من المرضى والجرحى . ولأجل إقناع جماعتهم قاموا بجريمة أخرى وهي تحريف الآية ( ولكن لا تأكلوا لحماً بدمه ) ” تك 4:9″ ، نص هذه الآية لا يعني نقل الدم ، ولم يكن هناك في عهد موسى والمسيح نقل الدم . كما أقترفوا جريمة تحريف الآية بحسب ترجمتهم لتصبح ( الجسد بنفسه ودمه لا تأكلوا ) . بعد الطوفان أمر الله الإنسان أن لا يأكلوا لحماً بدمه ، أي ما لم ينزف دمه ، ولا يمكن أن تتضمن الآية بمعنى آخر . لكن شهود يهوه يقولون أن كلمة ( تأكلوا ) تشمل أيضاً ( نقل الدم ) فحرموا نقل الدم لإسعاف مريض وإنقاذ حياته . كما يعتمدون على آيات لا علاقة لها بعملية نقل الدم ، ففي الآية ( وأي أسرائيلي أو غريب من المقيمين في وسطكم ، يأكل دماً ، أنقلب عليه واستأصله من بينكم … لأن نفس الجسد هي في دم … لذلك قلت لبني إسرائيل : لا يأكل أحد منكم دماً ، والغريب فيما بينكم لا يأكل دماً … ) ” لا 17: 10-16 ” . كذلك في سفر تثنية الأشتراع ( أياك أن تأكل الدم فإنه نفس ، فلا تأكل النفس مع اللحم .. ) ” 23:12″ .

ومن العهد الجديد نقرأ الآية ( .. وبأن يمتنعوا عن الأكل  من نجاسات الأصنام والزنى والمحنوق والدم ) ” أع 15: 20 ” . من هذه الآيات يستشهدون محرموا نقل الدم ، ففي الآيات ( لا 7: 26-27 ) وتثنية ( 12 ) تتحدث كلها عن أكل الدم لا عن نقله طبياً لأنقاذ شخص مريض . أما في ( أع 15: 20 ) فيمنع أكل الدم والمخنوق من الحيوانات ، وتلك الآيات لا تتحدث عن المستقبل ، بل عن الحاضر ، كما أن موسى لم يمنع ما يحدث اليوم من التطور كالسفر بالسيارة  أو القطار أو الطائرة لعدم وجودها في زمانه . لكن شهود يهوه يعترضون قائلين ، لا فرق بين أكل الدم ونقله طبياً  .الإمتناع عن أكل الدم يعني عدم إدخاله إلى أجسادنا أيضاً على الإطلاق وحتى إن مات المحتاج إليه . فالرد على هذه الهرطقة ، نقول : هذا إدعاء كاذب وتفسير خاطىء لا يقبل به العقل ويرفضه الطب ويستقبحه المريض المهدد بالموت . قال أحد الأطباء ( إذا ألغينا نقل الدم ، فقد قرأنا على الطب السلام ) فإعتقاد أن الدم هو الحياة ، هو النفس ، جعل الشريعة تمنع أكله إحتراماً للحياة ، أما نقله طبياً فهو وسيلة معروفة لإنقاذ الحياة والمحافظة عليها ، والدم المنقول ليس مسروق ، بل تبرع به صاحبه المحب لأخيه الإنسان كعمل خيري لأنقاذ من يحبه من البشر ، وقد أنقذت فعلاً هذه الطريقة حياة الملايين من الناس وهي ضرورية في معظم العمليات الجراحية ، أو لمن فقد دمه بسبب جرح فيحتاج إلى دم ليحفظ حياته ، فهل المسيح الذي أنقذ حياة الكثيرين من المرضى لو جاء في أيامنا هذه ، أكان يسمح بنقل الدم أم يمنعه ؟ يشفي إنساناً أم يميته ؟ وهذا ما قاله لليهود بعدما شفي ذو اليد اليابسة ( أخير يحل أن يفعل في السبت أم الشر ؟ أن تخلص نفس أم تهلك ؟ ) وهذا ما نريد أن نقوله لشهود يهوه اليوم ، بأن إدخال الدم إلى عروق المريض ليس ممنوعاً ، بل منعه هو عمل خال من الرحمة الإنسانية ومن المنطق ومن الموضوعية العلمية ومن المحبة الإنسانية . الحرام هو إدخال ما هو ضار للجسم كالسموم والمخدرات وغيرها ، أما الدم أو المغذي الطبي أو سوائل نافعة لجسم المريض فليست حرام .

يقول الطب ، أن حليب الأم مكون أصلاً من دمها ، لذا وبحسب فلسفة شهود يهوه يجب أن يحرم الطفل من تناول حليب أمه أو من مصدر آخر ، إذاً ليموت الطفل بعد ولادته مباشرةً . فهل  هذا صحيح ومقبول ؟

عندما يسمع الناس نداء الدولة بتبرع الدم فيهرع الكثيرين للتبرع ، وعلى المسيحيين أن يلبوا الطلب أكثر من غيرهم متذكرين قول سيدهم ( ليس لأحد حب أعظم من هذا ، أن يبذل نفسه عن أحبائه ) ” يو 13: 15 ” فبذل بعض الدم لأنقاذ حياة إنسان مريض نابع من عمل المحبة . ويؤكد الرسول يوحنا ، قائلاً ( بهذا عرفنا المحبة ، أن ذلك ” أي المسيح ” قد بذل نفسه من أجلنا ) ” 1 يو 16:3 ” بل أعطى كل دمه لنا على الصليب لكي ينقذنا ، فيجب علينا أن نبذل نفوسنا من أجل الأخوة في الإنسانية مهما كان دينهم ، فبعض الدم الذي نتبرع به هو جزء من حياتنا وكياننا ، بل من محبتنا للآخرين ، وهكذا نقتدي بيسوع الذي أعطى لنا جسده ودمه مأكلاً ومشرباً حقيقياً في سر الأفخارستيا .

متى منعت حركة شهود يهوه نقل الدم ؟

لم تصدر هيئة بروكلين تعليمات بخصوص الدم ، لا في عهد تشارلز ت . راسل ولا جوزيف ف . رذرفورد ولا في أوائل عهد ناثان ه . نور ، بل بدأت التحركات سنة 1958 حيث كان الموضوع ( تسلم الدم أو عدم تسلمه ) متروكاً لحرية كل إنسان وبحسب ضميره ) لكن بدأ أخذ الدم يصير سبباً للطرد من الحركة سنة 1961 ( مجلة برج المراقبة 15 / 7/ 1961 ) حينذاك أصيب العالم كله بصدمة عندما قاد جيم جونس أكثر من 900 شخص من شهود يهوه إلى موتهم داخل الأدغال . ماتوا لرفضهم نقل الدم إلى أجسادهم رغد حاجتهم الشديدة إلى ذلك مما يثير الدهشة أنه في واحدة من تاريخ منظمة برج المراقبة استخدموا كل الآيات التي سبق أن أستخدموها لرفض نقل الدم ، يستخدمونها الآن في رفض التطعيم بالمصل الواقي من الأمراض كما رفضوا النظرية التي تقول ( أن الأمراض تسببها الجراثيم ) وسخروا من العالم باستير بسبب هذه الحقيقة العلمية ، أما مؤسس منظمة برج المراقبة ” راسل ” يعلّم بأن إلتهاب الزائدة الدودية وحمى التيفوئيد تسببها في الواقع ديدان لادغة تعيش في الأمعاء الغليظة ، هذا وبالنظر إلى تاريخ نصائحهم في القضايا الطبية فأنه من الأفضل للإنسان أن يهملهم في موضوع نقل الدم .

( ليعرض عن الشر ويصنع الخير ، ليطلب السلام ويجد في أثره ) ” 1 بط 11:3 “

 

171
صعود المسيح إلى أعلى السموات (ܣܘܠܵܩܐ )
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://e.top4top.io/p_1598s2cvb1.jpg
( لذلك يقول : إذ صعد إلى علاء سبي سبياً وأعطى الناس عطايا ) " أف 8:4 "
تحتفل الكنيسة المقدسة كل عام بعيد صعود الرب يسوع بالجسد والنفس إلى أعلى السموات ليجلس على عرشه السماوي ، والله الآب ( .. أجلسه عن يمينه في الأماكن السماوية ، أرفع جداً من كل رئاسة وسلطة وقوة وسيادة ) " أف 1: 20-21 " .
صعد يسوع أمام أنظار الرسل والمؤمنين منطلقاً إلى الأعالي بإرادته وسلطانه ليثبت لنا لاهوته وأصله . قبل موته أخفى لاهوته فلم يتحدث عنه كثيراً ، حتى الأبليس لم يدرك سر التجسد الإلهي لكن ما بين القيامة والصعود أظهر حقيقته لتلاميذه ( ناسوته ولاهوته معاً ) لكي يؤمنون أن الرب قد قام من بين الأموات بقوة لاهوته بجسد ممجد كاسراً شوكة الموت وبعدها أنتقل إلى مرحلة الصعود ، فبصعوده ختم عمله على الأرض بعد أن نشر سر ملكوته بين البشر وأنجز عمل الفداء والخلاص على الصليب الذي عليه دفع ثمن الخطيئة فتمت المصالحة بين السماء والأرض .
صعد إلى السماء ليعد للمؤمنين به منازل وبحسب وعده ، فكما جلس هو عن يمين الله الآب ، هكذا سيفعل لكل مؤمن به ، لهذا قال ( وكل من ينتصر سأجلسه معي على عرشي ... ) " رؤ 21:3 " وكما عاد يسوع إلى السماء بمشهد عجيب ومن ثم حجبته سحابة السماء عن أنظار المودين الذين ظلوا يحدقون إلى السماء وهو ينطلق إليها ، فقالا لهم الملاكين اللذين رافقا المسيح في صعوده ( أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء ، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء ) " أع 11:1" . وهكذا سيعود إلى الأرض يوم الحساب كما انطلق نازلاً من السماء على السحاب وبحسب النبؤة ( فرأيت سحابة بيضاء يجلس عليها كائن يشبه إبن الإنسان ، على رأسه أكليل من ذهب .. ) " رؤ14:14" .
حدث صعود الرب إلى السماء تحدثت عنه نبؤات كثيرة في العهد القديم قبل التجسد بمئات السنين ، فداود الملك كتب لنا في " مز 18:68 " ( صعد إلى العلاء وسبيت سبياً ) وهذه الآية شرحها لنا الرسول بولس قائلاً ( ... إذ صعد إلى الأعالي ، ساق أسرى ، ووهب الناس مواهب ! ) " أف 8:4 " . أما سليمان الملك فكتب عن مشهد الصعود ، قال ( من صعد إلى السموات ونزل ؟ من جمع الريح في حفنتيه ؟ من صر المياه في ثوب ؟ من ثبت جميع أطراف الأرض ؟ ما اسم ابنه إن عرفت ) " أم 30 " فأجاب الرب يسوع سؤال سليمان لنيقديموس قائلاً ( ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، إبن الإنسان الذي هو في السماء ) " يو 13:3 " .
صعود المسيح يهمنا لأنه صعد لكي يعد لنا مكاناً " يو 14: 2-3 " كما صعد لكي يرسل لنا المعزي ( روحه القدوس ) وبه يؤسس الكنيسة المقدسة التي تحتضن كل المؤمنين به ، ففي كلامه الوداعي لتلاميذه قبل الموت ، قال ( أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ... ) " يو 16 " كذلك في صعوده أعطانا بركات كثيرة منها لكي يشفع فينا عند الله الآب لأنه الشفيع الوحيد لمغفرة خطايانا لكونه هو الذي دفع الفدية للآب ، وبصعوده أيضاُ أعطى الناس عطايا ( أف 8:4 9 كمواهب الخدمة والكرازة وصنع المعجزات والحكمة ومواهب الشفاء والتكلم بألسنة وغيرها للمزيد ( طالع 1 قور 12: 8-10 . مر 17:16 ) . ومن عطاياه أيضاً السلام ، قال ( سلاماً أترك لكم سلامي أنا أعطيكم ) " يو 21:14 " " في 6:4 " ، كذلك أعطى لنا عطية المجد ، مجد القيامة بأجسادنا مثله والخلود والوجود الدائم معه في السماء للحياة الأبدية " يو 22:17 " . علينا إذاً أن ننتظر بصبر وإيمان لكي نصعد نحن أيضاً ونتحد به عندما يعود بموكب عظيم مع ملائكته القديسين . سيقومون أيضاً الراقدين على رجاء القيامة من الموت إلى الحياة صاعدين معه ‘لى السحاب لكي يدخلوا في سره ، بل إلى ملكوته ومجده .
أخيراً نقول : علينا أن لا نرفع أنظارنا كالجليلين المودين للرب ، بل نرفع أفكارنا وقلوبنا لأنه علمنا كيف نتوق إلى السماء حيث كنزنا الثمين الموجود على يمين القدرة ، وهكذا نطبق وصيته لكل منا ، قال ( لأن حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضاً ) " مت 21:6" ففي السماء هو كنزنا ومنزلنا الحقيقي فلنرفع أفكارنا عن كل خيرات الأرض لنستعد للقاء السيد الذي ينتظرنا في الديار الأبدية ز حينذاك سينتهي موضوع الصعود لنعيش الأبدية . تقول هذه الآية :
 ( لك يا رب العظمة والجبروت والجلال والبهاء والمجد ، لأن لك كل ما في السماء والأرض ، أنت يا رب صاحب الملك . وقد تعاليت فوق رؤوس الجميع ) " 1 أخ 11:29 " .   

172
بعض الشذرات الشاذة في عقيدة شهود يهوه
بقلم / وردا إسحاق قلّو
شهود يهوه طائفة منشقة من كنيسة السبتيين الأدفنتيست شاذة في الكثير من المفاهيم والمعتقدات عن كل المذاهب المسيحية ، لهذا فكل الطوائف المسيحية حول العالم تعتبر شهود يهوه بدعة شاذة وأتباعها ليسوا مسيحيين لهذا تواجه نقداً حاداً من قبل المسيحية ، ومن قبل المجتمعات العامة لشذوذهم عن قوانين المجتمع والحضارة كعدم قبولهم لنقل الدم ، أو التبرع به ، أو خدمة الجيش والوطن وغيرها من الأمور التي تهدف إلى بناء المجتمع والدفاع عنه كخدمة العلم ، وبهذا بتعارضون  مع كل القيّم الإنسانية والأجتماعية والدينية . ففي الجانب الديني يقومون بتحريف الكتاب المقدس وإلغاء معتقدات من أجل الوقوف ضد المسيحين عموماً . نذكر بعض الشذرات من شذود هذه الطائفة والتي لا تتفق مع كل الكنائس المسيحية في النقاط التالية :
1-   أستبدلوا أسم ( الله ) الثالوث بأسم ( يهوه ).
2-    ألغوا الثالوث الأقدس .
3-   المسيح عندهم مخلوق من قبل يهوه وهو أول خليقة ويعتبرونه الملاك ميخائيل رئيس جند الرب .
4-   لا يؤمنون بقانون الأيمان
5-   لا يؤمنون بالثالوث الأقدس
6-   لا يؤمنون بالصليب وبعمل الصليب ،  فأستبدلوا كلمة الصليب بعبارات أخرى منها ( أداة الإعدام ) ( خشبة ) ( خشبة الآلام ) ( شجرة ) ( عموداً خشبياً ) .
7-   الصليب رمز المسيحية . أما هم فلا رمز أو شعار لهم .
8-    استبدلوا ( الأعمال الصالحة ) ب ( ممارسة الإيمان )
9-   استبدلوا أسم ( الكنيسة ) ألى ( قاعة الملكوت ) ويعتبرون الكنائس من عمل الشيطان .
10-   أستبدلوا ( المجامع الكنسية ) إلى ( المحافل )
11-   أستبدلوا أسم ( المسيحيين ) إلى ( شهود يهوه )
12-   أستبدلوا أسم ( العهد القديم ) ب ( أسفار العبرانية )
13-   أستبدلوا أسم ( العهد الجديد ) ب ( الأسفار اليونانية المسيحية )
14-   يلتزمون باسفار العهد القديم أكثر من أسفار العهد الجديد
15-   يتهمون مريم العذراء بأنها أنجبت أخوة للمسيح من مار يوسف النجار
16-   ذكرى عشاء الرب يعملونه مرة واحدة في السنة ، وذلك في يوم 14 نيسان بحسب تقويمهم القمري .
17-   إلغاء كل الأعياد والمناسبات الدينية ونسبوها إلى الوثنية
18-   عدم وجود الجهنم ، فعقوبة الخاطىء هو الفناء
19-   لايعترفون بالحياة الأبدية لأن نفس الإنسان تضمحل كنفس الحيوان
20-   لا يقدسوا يوم الأحد ، بل السبت كايهود
21-   يصفون المجوس الذين زاروا المسيح بأنهم سحرة مرسلين من قبل الشيطان
22-   لا يؤمنون بقيامة المسيح بالجسد بل قام روحياً فقط .
23-   تميزوا بالكذب بأن المسيح جاء إلى الأرض بطريقة غير منظورة
24-   يدعون بأن كل يوم من أيام الخليقة كان ألف سنة .
25-   لا يوافقون في خدمة الجيش والحكومات لأنهم يعتبرونها من عمل الشيطان والأنحناء للعلم هو كإنحناء للشيطان
 
نكتفي بهذا القدر والبقية سنتناولها في مقالات كثيرة قادمة
ختاماً نقول : سبب أستخدامهم تلك التعابير الشاذة والأيمان بعقائد مخالفة للعقائد المسيحية هو لكي يتميزون عن كل الطوائف وبهذا يؤسسوا لهم هوية خاصة وبارزة لشعب يهوه الحقيقي لهذا غيروا كلمات وآيات وأبتدعوا أسماء ومعتقدات لا تمت بالمسيحية بأي صلة . فهم ليسوا مسيحيين لأنهم لا يعبدوا المسيح بل يهوه المجرد من المسيح ، أو من ثالوثه الأقدس .
نطلب من المسيح الرب أن يفتح بصيرتهم لكي يعودوا إلى قطيعه الكبير لكي يكون لهم الخلاص

173
صورة ومثال الله في الإنسان

غريغوريوس النيصي ( 335م- 394 )

إعداد / وردا إسحاق قلّو

 

ليس الجمال الإلهي إشراقاً خارجياً لوجه أو لمظهر جميل ، بل هو يقوم في الغبطة التي لا توصف لحياة الكمال . وكما أن الرسامين في استخدامهم للألوان من أجل رسم

شخصية على لوحة ، يضعون لمساتهم بحسب طبيعة الموضوع ، لكي ينقلوا إلى لوحتهم جمال النموذج الأصلي ، فلكم ، تتصوروا – بذات الطريقة – عمل من جبلنا ! إن

الألوان التي تتصل بجماله لهي الفضائل التي يضعها ويزهرها في صورته ، لكي يظهر فينا القدرة التي هي قدرته .

إن مجموعة الألوان المتباينة في هذه الصورة ، والتي تمثل حقاً ، لا تتصل في شىء بالأحمر والأبيض أو أي خليط من الألوان ، ولا بالأسود الذي يستخدم في تضليل الأهداب

والعيون ، وبعض الجرعات تبرز الظل المحفور بالخطوط ، ولا تتصل عامة بما يستطيع الرسامون ابتكاره أيضاً . فبديلاً عن كل ذلك ، تطلعوا إلى الطهارة ، إلى الحرية

الروحية ، إلى الغبطة السماوية ، إلى الإبتعاد عن كل شر ، وإلى عمل كل شىء ، به يأخذ التماثل بالله شكلاً محدداً فينا . إنه يمثل هذه الألوان قام الخالق برسم طبيعتنا وفقاً

لصورته الخاصة .

فإذا فحصتم الخصائص الأخرى للجمال الإلهي لوجدتم ، على هذه النقاط أيضاً ، ان التماثل قائم تماماً في الصورة التي نحن عليها ، إن الله هو أيضاً روح وكلمة : ( في البدء

كان الكلمة )
, وبحسب القديس بولس فإن للأنبياء ” روح المسيح ” ناطقاً فيهم ، والطبيعة البشرية ما عادت أبداً بعيدة عن هذه الصفات : ففي داخلكم تجدون العقل والفكر ،

تماثلاً بمن هو حقًاً روح وكلمة .

ان الله أيضاً محبة ونبع للمحبة . قال القديس يوحنا السامي المقام : ( المحبة ” تأتي ” من الله ) و ( الله محبة ) . إن مصمم طبيعتنا قد وضع فينا أيضاً هذه الخاصية : ( بهذا

يعرف الجميع إنكم تلاميذي ، إذا أحببتم بعضكم بعضاً )
إذا غابت المحبة ، تشوهت كل قسمات الصورة فينا .

( غريغوريوس النيصي ، خلق الإنسان ، الفصل الخامس )

174
شهود يهوه يحاربون وحدانية الثالوث الأقدس
بقلم / وردا إسحاق قلّو
شهود يهوه طائفة مستقلة وبعيدة عن كل المذاهب المسيحية ، يحملون أفكار وآراء وتفاسير لا تتفق مع كل ما موجود في المسيحية . يتصرفون حسب عقولهم محاولين إخضاع الله وكتابه المقدس وكل المؤمنين لأفكارهم البشرية المحدودة ، وكأنهم ثورة شاملة ضد كل المعتقدات المسيحية ، ففي موضوع عقيدة الثالوث الأقدس نجدهم يرفضون هذه العقيدة بشدّة مُدَعين بأنه فُرِضَ على المسيحية في المجمع النيقي عام 325م من قبل الأمبراطور قسطنطين عندما آمن بالمسيحية ، و التثليث الالهي وثني سبق المسيحية فكان موجوداً لدى البابليين والمصريين والهندوس . لكن في الحقيقة لا علاقة بين الثالوث المسيحي الذي يشكل إله واحد وبين الثالوث الوثني الذي كان يتكون من ثلاث آلهة مستقلة ، فثالوث المسيحية ليس من إبداع قسطنطين أو غيره ، بل أعلنته الكنيسة المقدسة وفق الآيات الكثيرة و البارزة الموجودة في الكتاب المقدس . أي إنه ليس من صنع البشر ، بل هومعلن علناً من قبل الله في آيات صريحة وواضحة مثبتة في عهدي الكتاب المقدس . أجل آيات كثيرة تثبت لنا بأن هناك ثلاث صفات جوهرية في الطبيعة الإلهية الواحدة .
الكتاب المقدس كشف تدريجياً عن سر الله الشخصي ، فالله موجود في صيغة جمع لا بصيغة مفرد ، لأنه ليس الله ( يهوه ) المجرد من الأقانيم بحسب أيمان شهود يهوه واليهود ، بل هو جماعة موحدة متحدة في كيان واحد ، لهذا نجده يتحدث بصيغة جمع منذ العهد القديم ومن الآية الأولى في سفر التكوين والتي تقول ( في البدء خلق الله " ألوهيم " السموات والأرض ) " تك 1:1 " هنا نجد ألوهيم هي بصيغة الجمع وترد كأسم لجلالة الإلهية ، نجدها في سفر التكوين الفصل الأول وفي سفر المزامير ( 41 أو 42 وكلك 71 أو 72 ) ومفرد ألوهيم هي ( أيلوه ) إذا المتحدث هو جمع وليس مفرد . كذلك نقرأ في نفس الفصل الآية ( وقال الله لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا ) " تك 26:1 " هنا نجد صيغة جمع أيضاً للمتكلم ، لهذا نقول لو كانت هذه الآيتين فقط تتحدث عن هذا الأمر لتركنا البحث عن الموضوع ، إلا أن هناك تدريج وتقدم نحو كشف هذا السر ، لكن نقرأ أيضاً آيات كثيرة في العهد القديم أيضاً تتحدث بصيغة جمع كالآية ( هوذا آدم قد صار كواحد منا ) " تك 22:3" . أما في " تك 7:11" ( يقول ( هلم ننزل ونبلل هناك لسانهم ) هنا المتحدث أيضاً جمع . أما أشعياء النبي فكتب لنا في " 16:48 " ( ...كنت حاضراً هناك " الإبن " . والآن ، قد أرسلني السيد الرب " الآب " وروحه " الروح القدس " بهذه الرسالة ) بدأ الثالوث يتوضح أي وبحسب ترتيب الآية ( الأبن والآب والروح القدس ) وقد نجد الروح القدس أولا في بعض الآيات أو الآب في ألكثير من الآيات .
أما في العهد الجديد فالله كشف لنا هذا السر العظيم في مشهد رائع عند عماد أبنه يسوع في نهر الأردن حيث أنفتحت السموات وأنكشف السر وبحسب النص ( وللوقت ، إذ صعد من الماء ، رأى السموات قد إنفتحت والروح القدس مثل حمامة قد نزل واستقر عليه ، وكان صوت من السماء قائلاً : أنت أبني الحبيب بك سررت ) " مر 10:1 " فالصوت القائل أنت أبني لا يمكن أن يكون إلا صوت الآب . أي الآب في السماء والأبن على الأرض والروح القدس بين السماء والأرض . كذلك تكرر المشهد بصيغة أخرى على جبل التجلي .
كذلك في العهد الجديد نصوص كثيرة نجد فيها الثالوث الأقدس بكل وضوح ، منها وصية الرب يسوع لتلاميذه ( فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) " مت 19:28" إنه كشف صريح وواضح لإله واحد في ثالوث أقدس والذي به يعتمد كل أتباع المسيح الحقيقيين وبحسب وصية الرب في ( مت 9:28 ) ، نفهم من لفظة ( بإسم ) بصيغة مفرد تدل على الطبيعة الإلهية الواحدة التي فيها يتبادل الأب والإبن والروح القدس حياة داخلية سرية صاخبة في المعرفة الكاملة ، والحب الدائم بينهم . نلاحظ لم يقل بأسماء " الآب والإبن والروح القدس " لأن الثلاثة هم واحد
أما في رسائل الرسل فنقرأ ( أسألكم أيها الأخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح القدس أن تجاهدوا معي في الصلوات إلى الله من أجلي " رو 30:15 "  . أيضاً ( ولقد كان بعضكم كهؤلاء ولكنكم قد اغتسلتم وتقدستم وبررتم باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا ) " 1قور11:6 " . أما البركة الرسولية للقديس بولس والتي يعطيها كل كاهن لرعيته بعد القداس الإلهي ، فيقول ( ولتكن معكم جميعاً نعمة ربنا يسوع المسيح ، ومحبة الله ، وشركة روح القدس . آمين ! ) " 2 قور 13:13 " . وهذه آية أخرى يظهر فيها الثالوث الإلهي ( وبما إنكم أبناء له ، أرسل الله إلى قلوبنا روح أبنه " الذي هو روح الآب أيضاً "  منادياً : أبا ، يا أبانا ) " غل 6:4" . وهذه نصوص أخرى في العهد الجديد عن وحدانية الثالوث ووحدة المسيح الكلمة مع الطبيعة الإلهية .
أما الرسول يوحنا فقد وضّحَ لنا الثالوث في هذه الآية ( فإن هناك ثلاثة شهود في السماء ، الآب والكلمة والروح القدس ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ) " 1 يو 7:5 " ( طالع كذلك الآية " يو 14: 16 ، 26 ) كما كتب في سفر الرؤيا " 15:11" ( إن ملك العالم قد صار لربنا ولمسيحه فهو يملك " لم يقل يملكان " إلى دهر الدهور ) .
( يكونون كهنة لله وللمسيح ويملكون معه " لم يقل معهما " ألف سنة ) " رؤ 6:20 " وسيكون فيها عرش الله والحمل " لم يقل عرش الله والحمل بالمثنى لأنهما واحد " فيعبده عباده " لم يقل يعبدهما عبادهما " وينتظرون وجهه " لم يقل وجههما " . شهود يهوه حَرفوا هذه الآية في ترجماتهم الرسمية ويترجمون بدل " يعبده عباده " أي المسيح الرب ، إلى " يؤدون له خدمة مقدسة " مع أن الفعل اليوناني يعني يعبدون وليس يؤدون .
أخيراً نقول : غاية رفض شهود يهوه لعقيدة الثالوث الأقدس مخالفين تعاليم الكتاب المقدس ، وكل المذاهب المسيحية التي تؤمن بهذه العقيدة هو لكي يقفوا جنباً إلى جنب مع اليهود الذين لم يفهموا هذا السر الموجود في أسفار العهد القديم أيضاً .
سؤال يفرض نفسه ويقول : الرب يسوع قال ( .. وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) إذاً باسم من يتعمدون شهود يهوه ؟
ليمجد الثالوث الإلهي المقدس 



175
الشيطان يعرف ويعلن لاهوت المسيح وشهود يهوه يرفضونه
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة هو الله ) " يو 1:1 "
كل المذاهب المسيحية تؤمن بأن المسيح هو الله المتجسد ، وقد تم إعلان لاهوت المسيح في كل المجامع الكنسية الأولى بأن المسيح الكلمة هو ( اللوغوس ) الأبن الأزلي الموجود مع الله منذ الأزل ( رؤ 8:1) ، في ثالوث الله الأزلي . وبعد تجسد المسيح في العذراء بالروح القدس لم يحدث أي تغيير في ثالوث الله الأزلي والأبدي  ، فيسوع لم ينفصل ولو للحظة عن الله الآب عند التجسد ، بل أعلن ذلك السر وهو في الجسد وقال ( أنا والآب واحد ) ( أنا في الآب والآب فيّ ) وهذه الوحدة أزلية تربطهما لأن الله بكل اقانيمه محبة ( الله محبة ) كما وضحها لنا يوحنا البشير في بداية أنجيله . ولادته من الآب أزلية ، وحتى ولادته البشرية . يعّبر عن أزلية المسيح  القديس يوحنا ذهبي الفم عن ما كتب في مقدمة أنجيل يوحنا ، قائلاً ( في حين بدأ كل الأنجيليون الآخرون بالتجسد ... فإن يوحنا ، قد تجاوز عن كل شىء آخر : الحبل به ، ولادته ، تربيته ، نموه ، ليتحدث مباشرة عن ولادته الأزلية ) . ولكون هذا الأرتباط أزلي ، إذاً لا يمكن القول أن الأبن مخلوق لأنه هو بالطبيعة متحد بالآب ، والآب لا يمكن أن يخلق شيئاً بذاته إلا بالأبن ، أي بالكلمة ( اللوغوس ) الناطقة ، فعندما يقول ( كن فيكن ) والكلمة تلك هو الأبن أي ( به خلق كل شىء وله ) . كما تثبت لنا الآية بوجود يسوع مع الآب منذ الأزل ، ( وعندما ثبت الرب السماء ، وحين رسم دائرة الأفق حول السماء ، وحين رسم دائرة الأفق حول وجه الغمر ، كنت هناك ) " أم 27:8 "  أي كان الأبن في الآب ، والآب في الأبن منذ الأزل أي قبل الخلقة ، وهذه الوحدة تربطها المحبة ، فالأب يحب الأبن ( طالع يو 20:5) والأبن يحب الاب ( طالع يو31:14 ) والأبن هو المحبوب ( أف 6:1 ) إنه حب أزلي متبادل بين الآب والأبن ، فالآب هو مصدر الحب ، ومحبة الآب تسكب في الأبن بالروح القدس قبل خلق عالم المادة وحتى أرواح الملائكة .
أما بدعة شهود يهوه التي أسسها تشارلز ت. راسل بعد سنة 1870 فيتجاهلون كل الآيات التي أعلنها الكتاب المقدس عن لاهوت المسيح وأزليته ليجعلوه من دون كل المسيحيين مخلوقاً كباقي الخلائق . فكل محاولاتهم لجعل ( اللوغوس ) مجرد كلمة ( مخلوق ) بدلاً من الإيمان به كشخص أو اقنوم أزلي لله الآب ، فهذا الإعتقاد لا يمكن أعتباره خطأ ً فحسب ، بل إيماناً فاسداً يتقصدون به ضرب المسيح كإله من إله ، ينكرون ثالوث الله ويعتبرونه من تعاليم الشيطان لأن يسوع عندهم هو في رتبة أقل من ابيه ، بل هو أيضأ رئيس الملائكة ميخائيل ، كما يعلّمون جماعتهم بأن المسيح كان إنساناً صالحاً فوق الطبيعة . لا يمكنهم أ يعّرفوا أتباعهم أن الرب يسوع هو يهوه رغم قوله ( أنا والآب واحد ) ، لهذا قاموا بتحريف كل نص في الكتاب المقدس يَعلِن أن يسوع ( هو الله ) كالآية ( يو 1:1 . و ، أع 28:20 . و يو 3:17 ز و ، قول 9:21 . و ، رؤ7:1 ) وغيرها . غايتهم من ضرب ثالوث الله المقدس هو لمجاملة اليهود الذين يسيرونهم بطرف أصبعهم ، فشهود يهوه هم يهود بملابس مسيحية كما وضحت هذا في مقالاتي التالية ( شهود يهوه جماعة صهيونية ترتدي ثياب المسيحية . و اليهود وشهود يهوه وجهان لعملة واحدة ) . لهذا من عقائد شهود يهوه عدم الإيمان بجميع الطوائف المسيحية ، أو بصليب المسيح ، ولا بكل الكنائس وبدون إستثناء وإعتبار أن مبدعها هو الأبليس ، بينما الكتاب المقدس يقول عن الكنيسة ( أرعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه ) أي بدم يسوع الله ، ولا خلاص إلا بدم المسيح .
بعد هذا الشرح لنقارن من هو الأفضل في موضوع الأعتراف بلاهوت المسيح ( الشيطان أم شهود يهوه ).
المشكلة  التي كان يسوع يعانيها من الشيطان هو أعترافه بيسوع علنأ بأنه أبن الله ( أي الأقنوم الثاني الكلمة ) ، وكذلك هو قدوس الله ، فكان يسوع يزجره لكي يسكت وذلك لكي لا يعرف قادة اليهود هذه الحقيقة منذ البداية لكي يستطيع أن يتمم نشر رسالة إنجيله المقدس ويؤسس عهداً خلاصياً جديداً . لكن عندما أكتمل نشر رسالته وسلم نفسه لقادة اليهود ، سأله رئيس الكهنة قائلاً ( أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا : هل أنت المسيح إبن الله ؟ فأجابه يسوع : " أنت قلت " ) " مت 26 : 63-64 " أي ، نعم أنا هو .
 بدأت أعترافات الشيطان بيسوع في أيام التجربة أي قبل أن يبدأ بنشر رسالته ، فسماه في تجربتين ب ( إبن الله )  و إبن الله الكلمة هو الله كما دونه لنا يوحنا في ( 1:1) . في التجربة الثانية قال الشيطان ليسوع ( إن كنت إبن الله فأطرح نفسك إلى الأسفل ... فقال له يسوع ... لا تجرب الرب إلهك ! ) هنا أعتراف صريح وواضح من يسوع للشيطان بأنه ربه وإلهه . وعندما طلب الشيطان من يسوع السجود له ، قال له ( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) أي أنت يجب أن تسجد لي ، لأني ربك وإلهك .
لفظة ( الإبن ) تشير إلى الطبيعة الإلهية الأزلية ليسوع الكلمة مع الآب الأزلي ، فكلمة الآب أيضاً أزلية ، وهكذا كتب لنا الأنبياء عن كون المسيح هو ابن الله ، فداود تنبأ في " مز 2: 7، 8 " بأن المسيح هو أبن الله . ودانيال كتب عنه كإبن الإنسان جاء لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة ، سلطانه سلطان أبدي لا يزول ( طالع دا 7: 13-14 ) والتعبد هو لله وحده . أما إشعيا فعبر عنه بأن :  اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً ... ( أش 9: 2-7  ) ويوحنا عبّر عنه أيضاً كإبن الله الوحيد ، وقال ( والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً ) " يو 1: 5 ، 14 " . ويسوع نفسه يسمي الله أبوه ، أي إنه أبن الله ، كقوله ( ... أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ) " يو17:5" . وأنا والآب واحد .
والشيطان يعترف بهذه البنوة ، فيقول ( ما شأنك بنا يا يسوع إبن الله ؟.. ) " مت 29:8 "
كذلك صرح الشيطان للمسيح قائلاً ( أعرف من أنت ، أنت قدوس الله ! ) " مر 24:1 "  وأيضاً  قال له معترفاً بلاهوته ( ما شانك بي يا يسوع ابن الله العلّي ! ) " مر 7:5 " .
 بطرس الرسول عبّرَ عن هذه البنّوة الأزلية ليسوع قائلاً ( أنت المسيح ابن الله الحي ! ) " مت 16:16 " . وآيات كثيرة وواضحة دونت لنا على صفحات أسفار الكتاب المقدس تثبت لنا بأن المسيح هو إبن الله المتجسد وهو الله الأقنوم الثاني الذي جاء لأجل خلاصنا .
أما شهود يهوه فأولاً يعتبرون التثليث ليس من تعليم الكتاب المقدس وذلك للنيل من يسوع وأعطائه رتبة أقل من أبيه ، وبأنه ليس مساوي للآب في الجوهر ، وليس ابن الله ، بل هو مخلوق روحاني ، فيعتبروه تارة رئيس الملائكة ميخائيل ، وتارةً أخرى أنه إلها لكنه ليس الله . ولا يعترفون به ك " أبن الله "  لأنه بحسب هرطقتهم هو كائناً مخلوقاً ، أي محدد بزمان وليس أزليأ ، بل أول الخلائق ، فيحاولون جاهدين بتجريده من لاهوته لهذا اضطروا إلى تحريف الآيات الخاصة بلاهوته . فمثلا قاموا بتحريف الآية ( لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً ، وفيه تدركون الكمال ، إنه رأس كل صاحب رئاسة وسلطة ) " قول 9:2" وهذه الآية مكملة للآية ( فقد شاء الله أن يحل به الكمال كله ) " قول 19:1 " وبهذا وضح الرسول بولس أن كمال الله كله قد حل بالمسيح من غير تحديد ، حلولاً جسدياً ، أي إنه إله وإنسان . أما الهراطقة الذين أطلقوا على مذهبهم ( شهود يهوه ) فهم بالحقيقة أعداء ليهوه لأنهم حرفوا كتابه المقدس ومنه نص الآية التي ذكرناها وشرحناها ( قول 9:2 ) فتم تحويرها إلى الآتي ( لأن فيه يحل كل ملء الخاصية الإلهية جسدياً ) كذلك الآية الأنجيلية ( .. وكان الكلمة هو الله ) " يو 1:1 " حوروها إلى ( ... والكلمة كان إلهاً ) .  الآن نلاحظ التزوير المتعمد من قبلهم فنجد ( الخاصية الإلهية ) الغير موجودة في كل نسخ الكتاب المقدس لدى جميع المذاهب المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية . لنسأل ونقول ، لماذا تم تبديلها في ترجمتهم ؟
الجواب : لأنهم يريدون أن لا يعلم أتباعهم أن ( كل ملء اللاهوت ) يحل بالمسيح جسدياً ! كما تم حذف ( كل ) لأنها تعني ( الكل ) وتم حذف ( ملء ) التي تعني ( ملء ) ، والرب يسوع هو الله ، حتى عندما كان في الجسد ، فلا عجب من أفعال هؤلاء الذين أنشطروا من المسيحية لكي يصبحوا خداماً لليهود فيسيئون له متجاهلين لاهوته ، بل يعملون متعمدين من أجل طمس لاهوت المسيح وذلك بإهمال القرينة في آيات الكتاب المقدس الذي هو أسلوبهم المحبب في التحريف ، وأهم موضوع لهم هو جعل المسيح مخلوقاً لكي ينالون رضى أسيادهم الذين صلبوا المسيح .
لكي نثبت لشهود يهوه كتابياً بأن يسوع هو الإله الذي يحمل كل صفاة الله نذكر بعض الآيات :
الصفة                                                     رقم الآية والأصحاح           
الله                                                                يو 1:1
الإله الحق                                                       1 يو 20:5
الإله القدير                                                       أش 6:9
رب الأرباب                                                    رؤ 14:17
الأزلي                                                          رؤ8:1 و ميخ 2:5
النور                                                           يو 12:8
الحياة                                                          يو 4:1 ، 6:14
مانح الحياة                                                    يو 21:5
كلامه حياة                                                   يو 24:5
القدوس                                                       رؤ 7:3
المخلص                                                      أع 12:4
المعبود                                                       في 10:2 -11 . و ، دا13:7 -14
ختاماً نذّكرهم بقول الرب يسوع لكي يتوبوا ويعودوا إليه نادمين فيكون لهم الخلاص، قال :  ( أقول لكم إن كل كلمة باطلة يقولها الناس يحاسبون عليها يوم الدينونة . لأنك تزكى بكلامك وبكلامك يحكم عليك ) " مت 12 : 36-37 " والمجد لله دائماً .


176
تكريم الثالوث الأقدس لمريم العذراء
بقلم/ وردا إسحاق قلّو

كرّمَ الله العذراء مريم على لسان ملاكه بقوله ( السلام عليك يا ممتلئة نعمة ) وهذه النِعَمة هي من محبة الله لها لأنها المختارة  التي ستحمل إبنه الوحيد ، ومن أحشائها تعطيه الجسد ليصبح عَظمً من عظامها ولحمً من لحمها ” الرب معك ” أي سيبقى معها بأستمرار ولا يفارقها ” مباركة أنتِ في النساء ” أي أكرم حتى من حواء قبل الخطيئة ، إنها حواء الثانية التي أعادت للأولى كرامتها ”  .
الله هو الذي أختار مريم لكي تكون هيكلاً مقدساً يحمل إبنه يسوع ، إنها تابوت العهد الذي يحمل الله المتجسد فتصبح له أُماً ، وهنا لا نقصد أم اللاهوت الذي خلقها ، بل أم يسوع الإنسان الذي هو إله لتصبح أم الله الإنسان . علماً بأن لاهوت المسيح أتحد بناسوت يسوع ليصبح إبن الله وأبن الإنسان معاً في أحشاء مريم .
الله لا يشمل مريم بخطيئة الأبوين منذ أول كيانها في بطن أمها لأنها موجودة في فكر الله ومخططه الخلاصي الذي أعده قبل أن يخلق آدم  ، خلصها بالوقاية لا بالمعالجة وذلك بفضل إبنه المنتظر ، ومن أجل كرامة إبن الله لكي يحل في جسد طاهر يليق به ، ولا يمكن أن يحل في جسدٍ لوّثته الخطيئة . كان هذا الإمتياز لها من لدن الله ، فهو حلقة من حلقات سلسلة الفضائل والإنعامات وعظائم التي منيّ بها الله القدير لها ، لهذا قالت ( القدير صنع بي عظائم ) ” لو 49:1″ ومن إحدى عظائمه حفظها عذراء أثناء الحمل وبعد الولادة وهذا ما وضّحهُ لنا الله على لسان نبيه أشعياء ( ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو اسمه عمانوئيل ) ” أش 14:7″ أي إنها ستبقى عذراء أثناء وبعد الولادة . وهذا ما أكده الرسول متى في ” 22:1 ” . إذاً لفظة ( العذراء ) يعني ديمومة بتوليتها كتكريم لها . كتّمَت مريم هذا السر لأنها لوفاهت به لما صدقها أحد . كما كرمها الله لأنها والدة أبنه ، فعندما زارت مريم نسيبتها أليصابات ، سلمت عليها ، فهتفت أليصابات بأعلى صوتها لتعلن عن ذلك الإكرام بدافع الروح القدس الذي أعلن لها هذه الحقيقة ، فقالت ( مباركة أنت في النساء ! ومباركة ثمرة بطنك ! من أين لي أن تأتيني أمُ ربيّ ؟  فإنه ما إن وقع صوت سلامك في إذني حتى قفز الجنين إبتهاجاً في بطني ) ” لو 1: 43-45 ” .

أما الرب يسوع فقد كرم أمه كثيراً لكي يصبح لنا قدوة لتكريم أبوينا ، ولأنها أحدى وصايا الله العشرة ( إكرم أباك وأمك ) وهناك من يعتقد بأن يسوع كان قاسياً معها في عرس قانا الجليل عندما قالت له ( لقد نفذ خمرهم ) فكان رده ( مالي ولك يا إمرأة لم تأتي ساعتي بعد ؟ ) ” يو 4:2″ . فنقول العذراء هنا لم تطلب من يسوع أن يحل المشكلة ، بل عرضت عليه الخبر ،  ليس إلا . وجواب يسوع لا يعنى به الرفض أو الزجر لأمه كما يظن البعض الذين يريدون الطعن بها  ، فإنه لم يقل ( ما لك ، وما لي يا إمرأة ) فكلامه لا يدل على الإحتقار أو الأزدراء ، لكن هناك كلام ممحي ما بين السطور فعلينا أن نبحث عنه لكي نعلم بأنه في الحقيقة لبى يسوع طلبها في الحال وكرمها عندما نهض لكي يتمم طلبها ، والدليل واضج جداً وهو أن مريم لم تصمت بعد رد يسوع لطلبها ، بل فتحت فمها المبارك لكي تصدر أوامر للخدام بأسم أبنها لأنها تأكدت بأنه قام ليلبي طلبها ، ولم يردها إلى مكانها خائبة . فصاحت وسمع يسوع وجموع العمال صوتها ، فقالت ( مهما يأمركم به فأفعلوه ! ) وطلبها هذا وصوتها سيستمر إلى يوم القيامة لكي تقول لأبناء كل الأجيال ( أعملوا ما يقوله لكم يسوع في إنجيله المقدس ) .

كان يسوع يعلِم قبل مريم بأن أهل العريس هم بحاجة إلى مساعدة ، لكنه لم يحرك ساكناً لأنه يريد أن يأتي إليه أحد ويطلب منه ليعطيه ، ويسوع لم يرد في كل حياته التبشيرية أحداً طلب منه طلباً إلا وأعطاه .

أما قول يسوع لأمه ( يا إمرأة ) فليس المقصود به الأنتقاص أو عدم الأحترام ، ولنفرض بأنه قال لها يا أمي ، فهذا ليس لصالحنا نحن ، لأنها ستصبح أمه فقط ، لكن عندما كان يخاطبها في كل المناسبات ( يا إمرأة ) فهذا يعني تكبيرها وتعظيمها وتكريمها كسيدة لكي يجعلها أم لجميع البشر ، وليس أمه فقط . وهذا القصد صار واضحاً عندما قال لها على الصليب ( يا إمرأة هذا هو أبنك ) والمقصود يوحنا الحبيب وبشخص هذا الرسول صارت أماً لجميع المؤمنين به ، أي أم الكنيسة . كما هناك من المتحججين يقولون بأن يسوع نكرها عندما قال للجموع الذين أخبروه بوجودها مع أخوته في الخارج بقوله ( من أمي ومن أخوتي ؟ . لأن من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي ) ” مت 48:12 ” فنقول كان هناك أعتقاد يقول بأن شرف الإنسان قائم بآبائه وأجداده ، أي بحسب نسبه ، فنراه يلفت نظرهم إلى ما هو أفضل من القرابة لخلاص أنفسهم ، وهو إتمام مشيئة الله  وهذا الشرف يوازي شرف قرابة المسيح الدموية ، والدليل هو قوله ( لأن كل من يعمل مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأمي ) إذاً يسوع لم يحتقر أمه بل كرمها أفضل تكريم لأن كلامه كان مديحاً لها ، لأنها أفضل من أتمت مشيئة الله بقولها الصريح للملاك ( ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك ) . كذلك نطالع رد يسوع على الإمرأة التي مدحت والدته مريم بقولها ( طوبى للبطن الذي حملك وللثدين الذين رضعتهما ) ” لو 11: 28 ” فكان رد الرب لها ( بل طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه ) فهناك من يظن بأن الرب أستخف بأمه حين امتدحتها تلك المرأة ، لكن رد يسوع كان عظيماً حيث رفع تفكير تلك المرأة إلى ما هو أسمى ، أي سماع كلمة الله وحفظه لكي لا تتعجب تلك المرأة بأمهِ من الناحية الجسدية بما يشمل الكرامة الزمنية ، ففلسفة المسيح هي أن شرف القرابة الجسدية مع المسيح محصور في بعض الأفراد فقط بحكم الطبيعة ، اما الشرف الأسمى والأفضل ، اي القرابة الروحانية معه فهو معروض لكل الناس بدون تمييز وبإمكان الجميع أن ينالوا هذا الشرف بسماعهم لكلمة الله والعمل بها ( طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها ) فهو قريب من يسوع . أيضاً هنا تكريم آخر للعذراء لأنها أول من سمع وآمن وحفظ كلام الله وحسب النص الأنجيلي القائل ( وكانت أمه تحفظ ذلك الكلام كله وتفكر به في قلبها ) ” لو 51:2 ” .

ختاماً نقول : بان يسوع قد كرم أمه عند الصليب ولم يتركها لوحدها بل أمّنَ لها من يحفظها ويخدمها بأكرام وهو تلميذه الحبيب يوحنا الذي لم ينكره أبداً بل رافقه في بيت قيافا وعند الصليب ، ويوحنا يعلم بأن مريم هي أم يسوع من الناحية الجسدية والدموية ، ومن الناحية الروحية هي أفضل الناس التي حفظت كلامه وخدمته حتى الموت على الصليب . فلبى يوحنا طلب يسوع لكي تصبح أمه وأم جميع البشر ، لأنها حواء الثانية وتريد من الجميع أن يؤمنوا بأبنها لكي يكون لهم الخلاص . كما علينا تكريمها بالصلاة لها لكي تشفعنا عند أبنها ، أنها أمنا وتسعى إلى خلاصنا .

وليسوع الرب كل المجد

177
سلام الراوي يقترف جريمة تَحريف الآيات لأجل الطعن بلاهوت المسيح
بقلم / وردا إسحاق فلّو
نشر الكاتب سلام الراوي مقالاً بعنوان ( آية اليوم ... يسوع كان عاملاً ماهراً عند يهوه الله في الخلق ) " أمثال 30:8" وإليكم رابط المقال :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,968910.0.html
الكاتب ( سلام الراوي ) هو أحد المنتمين إلى طائفة شهود يهوه المنحرفة عن خط المسيحية ، هدفه الأول من نشر مقالاته في هذا الموقع هو الطعن بكل العقائد المسيحية وأصبح معروفاً لدى كل الأخوة ( الكتبة والقراء ) وفي مقاله ( آية اليوم ... يسوع كان عاملاً ماهراً عند يهوه الله في الخلق ) " أمثال 30:8" . نجد بكل وضوح  التحريف الواضح جداً للآية المذكورة ، فلفظة يسوع غير موجودة في المصادر الأخرى ، ولم تكن معروفة أبداً في العهد القديم ، بل الملاك قال لمريم ويوسف ولأول مرة  بأن يسمى المولود ( يسوع ) . لهذا نسأل ونقول : هذا الأسم غير موجود في كل النسخ عند مختلف المذاهب المسيحية ، وكذلك لا يوجد في كل الكتب المقدسة عبارة " عاملا ماهراً عند يهوه الله في الخلق ؟ " أم هذا موجود في نسخة شهود يهوه فقط ، أو الكاتب هو الذي أقترف هذه الجريمة وحوّرَ الآية من أجل إهانة شخص الرب يسوع ؟
لنتطلع أولاً على سبع نصوص لنفس الآية أي ( أمثال 30:8 ) من الكتب المقدسة للكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت ، ومن ثم نقارنها بالنص الذي كتبه هذا الشخص وجعله عنواناً لمقاله :
1-    ( وكنت عنده مهندساً ، وكنت في نعيم يوماً فيوماً ، ألعب أمامه في كل حين )  النسخة الكاثوليكية – منشورات دار المشرق – بيروت 1986
2-   ( وكنت عنده طفلاً وكنت في نعيم يوماً فيوماً ، ألعب أمامه في كل حين )  النسخة الكاثوليكية   - الرهبانية اليسوعية  - بيروت 1989
3-   ( وكنت حياله بأمان ، وفي بهجة يوماً بعد يوم ، ضاحكاً أمامه كل حين ) النسخة الكاثوليكية – دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط .
4-   ( كنت عنده صانعاً مبدعاً . وكنت كل يوم لذته ، أفيض بهجة دائماً أمامه )   التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – النسخة البروتستانتية .
5-   نفس النص في الرقم ( 4 ) النسخة البروتستانتية – الكتاب المقدس – كتاب الحياة – الطبعة السادسة 1995  .
6-   ( كنت عنده صانعاً ، وكنت كل يوم لذته ، فرحة دائماً قدامه )  النسخة الأرثوذكسية القبطية  - موقع الأنبا تقلا
7-   ( كنت عنده صانعاً ، وكنت كل يوم لذته ، فرحة دائمة قدامه  ) نسخة السريان الأرثوذكس
طبعاً لم نجد في كل هذه النسخ لا لفظة " يسوع " ولا " عاملاً عند يهوه الله في الخلق " . إذاً أقترف الراوي جريمة كبيرة بحق الكتاب المقدس وهي التحريف من أجل الطعن بشخص المسيح ليجعله عاملاً عند إلهه  " يهوه " . إله مجرد من الأقانيم كإله اليهود . كذلك جعله مخلوقاً  وبحسب قوله ( أول مخلوقاته كان الكائن الروحاني المعروف ب " الكلمة " ) يعتبره أول خلقه ، وبعده خلق الملائكة والكون ، ويعزز كلامه بالآيات الأولى من أنجيل يوحنا ، وهنا أيضاً نجد تحريف واضح لم نجده بكل النسخ الموجودة لدى كل المسيحيين بمختلف مذاهبهم ، قال ( في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة إلهاً . 2 هذا كان في البدء عند الله ) " يو 1: 1-2 " التحريف واضح جداً وهو ( وكان الكلمة إلهاً ) وفي كل الأناجيل نجدها ( وكان الكلمة هو الله ) لكن شهود يهوه يعتبرونه إلهاً وليس ( الله ) والكاتب ( سلام الروي ) أراد أن يعبر عنه بكل حقده فأعتبره كائناً روحانياً مخلوقاً خوّله الله كناطق بلسانه ، ويعطف على المسيح قائلاً ( أن سائر الأشياء وجدت بعدئذ بواسطته ) أي ليس به ، بل بواسطته ، وهذا الرأي يناقض الآية  ( به كان كل شىء وبدونه ما كان شىء مما كان ) " يو 3:1 " وكذلك الآية ( فإنه فيه خلق الكل ، ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين ، الكل به وله قد خلق ) " قول 16:1 " هذا الكل يخص المخلوقات وليس الرب يسوع الخالق ، فإذا به تم الخلق ، فأنه هو الخالق لأن المخلوق لا يقدر أن يخلق , فالله الآب خلق كل شىء منذ البدء ( الأزل ) بكلمته الناطقة " كن فكان " والكلمة هو الله  يسوع " الأقنوم الثاني " . إذا لم يقتنع الراوي بأن المسيح الكلمة هو الله من النص الواضح الذي حرّفه وهو ( وكان الكلمة هو الله ) " يو 2:1 ط فنكتب له آية أخرى تثبت لاهوت المسيح الخالق ، قال الرسول بولس : ( عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكته كرز بين الأمم ) " تي 16:3".
 كما كتب سلام الرواي قائلاً ( يهوه خلقني بداية طريقه ، أول أعماله منذ القدم . 23 منذ الدهر أقمت منذ البدء ، من قبل أن كانت الأرض ) " أمثال 8: 22،23" .
الرد : هنا نجد تفسير جماعة شهود يهوه ينطبق تماماً لتفسير ( أريوس ) الذي أعتمد على الترجمة اليهودية السبعينية لكي يثبت بأن المسيح كان مخلوقاً ، وكما يدعي الكاتب ( الراوي ) والبدعة التي ينتمي إليها ، فآريوس أعتمد في حجته على نص الآية بحسب الترجمة السبعينية ( الرب خلقني أول طرقه ) إلا أن أثناسيوس الرسولي أثبت له أن الأصل العبري للكلمة تفيد معنى الولادة وكأن المعنى " الرب ولدني " فولادة الأبن من الآب أزلية ، فلا يجوز أن يكون الآب ولو للحظة بدون كلمة أو الروح ، والثلاثة وجدوا منذ الأزل لا يحددهم زمن . فولادة الأبن من الآب هي ولادة نور من نور ، إله حق من إله حق ، حكمة نابعة مولودة من الآب ، وهي حكمة الخالق الذي خلق كل شىء بحكمته . المسيح ليس مخلوق بل مولود ، وهذا ما تقر به الكنيسة  بقانون الإيمان ، وتشهد له كل المذاهب على التي تجامل اليهود .
في مقالي السابق المنشور في هذا الموقع والذي كانة عنوانه ( إنكار شهود يهوة لقيامة جسد المسيح )
قام بتحريف الآية  : ( فسقطنا كلنا على الأرض وسمعت صوتاً ينادي باللغة العبرية قائلاً : شاول ،
شاول لماذا تضطهدني ؟ يصعب عليك أن ترفس المناخس )
" أع 14:26 " حرف النص إلى :
( الثور الذي يرفس المناخس لا يجلب الأذى إلا لنفسه ) هذا النص لا نجده في كل نسخ الكتاب المقدس ولكل المذاهب ، فهل موجود فعلاً في كتاب شهود يهوه ، أم سلام الراوي أبدعه كما يحلو له ؟
كما أقول : لو نقرأ ما جاء في ترجمة شهود يهوه الحديثة للكتاب المقدس عن هذا الموضوع فنجد الآتي ( يهوه نفسه أنتجني في بداية طريقه لأكون باكورة إنجازاته منذ زمن طويل ) ثم نقرأ في عدد 30 ، يقولون ( وبعد ذلك ، وقفت بجانبه كأول عامل وصرت الشخص العزيز يوماً بعد يوم ، وكنت فرحاً دائماً قدامه ) . التحريف واضح جداً لا يحتاج إلى تعليق .
يشير لولادة يسوع الأزلية ميخا النبي ، فيقول ( أنت يا بيت لحم منك يخرج لي " ولادة يسوع بالجسد " الذي يكون متسلطاً ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل ) أي لا بداية للاهوته ، فيسوع هو كلمة الله وحكمته فلا يمكن أن يكون مخلوقاً ، لأنه لا يمكن وجود الآب ولو لفترة بدون حكمة وبدون قوة ، فأزلية الأبن أقنوم الحكمة هي أزلية الله الآب نفسه ، وبهذا يكون معنى الآية ( الرب خلقني أول طرقه ) أي وجدني ، أي ولدت من العذراء مريم بالجسد ، أي ( مولود وغير مخلوق ) لأن المسيح تجسد من بطن العذراء بالروح القدس كأول طريق الخلاص الذي أنتهى بالصلب والموت والقيامة والعودة إلى عرشه ، ومن ثم أرسال الروح القدس لتكوين الخليقة الجديدة ( الكنيسة ) التي هي جسده وهو رأسها ، ولكن يسهل تصور أن الأبن أقنوم الحكمة لا يمكن أن يكون مخلوقاً ، أي أزلية الأبن هي أزلية الله نفسه ، وبهذا يكون معنى الآية ( الرب قناني ) أن الآب يقتني حكمة أزلية ، وهنا يتضح التمايز بين الأقانيم ، فالآب يقتني ، والأبن هو المُقتنى ، والله بكل أقانيمه أقتنى الحكمة التي تتحدث عانها الفصول الثامن والتاسع والعاشر من سفر الأمثال . سنوضح أيضاً الأقانيم الثلاثة وعلاقتها مع بعضها منذ الأزل في مقال لاحق . أخيراً نقول للكاتب " سلام الرواي " ألا تقرا تحذير الله لمن يتحداه ويحرف كتابه والذي دونه لنا كاتب سفر الرؤيا في هذا النص :
 ( ... إن زاد أحد شيئاً على ماكتب فيه ، يزيده الله من البلايا التي ورد ذكرها ، وإن أسقط أحد شيئاً من أقوال كتاب النبوءة هذا ، يسقط الله نصيبه من شجرة الحياة ، ومن المدينة المقدسة ، اللتين جاء ذكرهما في هذا الكتاب )  " رؤ 18:22-19 " .
ولربنا وإلهنا يسوع كل المجد

178
إنكار شهود يهوه لقيامة جسد يسوع
بقلم/ وردا أسحاق قلّو
قال يسوع لليهود ( أنقضوا هذا الهيكل ، وفي ثلاثة أيام أقيمه ) " يو 19:2"
في عيد القيامة نهنىء بعضنا نحن المؤمنين بالمسيح القائم من بين الأموات ، فنقول ( المسيح قام ) فيكون الرد ( حقاً قام ) لنسأل ونقول كيف قام ، هل بالروح فقط ، أم بالجسد أيضاً ؟ الجواب بالروح والجسد ، لهذا لم يجد النسوة ولا بطرس ويوحنا جسد المسيح في القبر ، لأنه قام . الأدلة كثيرة حول قيامة المسيح بالنفس والجسد ، فالملاكان قالا للنسوة ( إنه ليس هنا ، ولكنه قد قام ! ) " لو6:24 " . وبعد ذلك ظهر بالنفس والجسد لمريم المجدلية ، كما ظهر لكل التلاميذ ، وتناول عندهم السمك ، وأمر توما لكي يضع يده في جنبه المطعون لكي يؤمن . تحققت نبؤة يسوع لليهود عندما قال لهم (أنقضوا هذا الهيكل ، وفي ثلاثة أيام أقيمه ) كان يقصد هيكل جسده الذي قام من بين الأموات ، وليس هيكل سليمان الذي سيهدم سنة 70 م . كما أكد مراراً موضوع قيامته بعد ثلاثة أيام لتلاميذه .
إيمان المسيحيين منذ خطاب بطرس في يوم العنصرة وحتى اليوم مبني على عقيدة قيامة المسيح من بين الأموات ، والتي لولاها لكان تبشيرنا وإيماننا باطلين وكما شرح لنا الرسول بولس عن قيامة المسيح بكل وضوح ودقة في ( 1 قور : الأصحاح 15 ) فيوم قيامة الرب من بين الأموات أعتبرته المسيحية عيداً عظيماً ألغى كل أعياد اليهود المذكورة في الفصل (23) من سفر اللاويين . كل المذاهب المسيحية تؤمن بقيامة جسد المسيح من القبر ولم ينال منه الفساد كما تنبأ بهذا داود النبي ، وأكده الرسول بطرس بعظته الأولى ، قائلاً ( ... لن تدع وحيدك القدوس ينال منه الفساد ) " أع 27:2" . أما طائفة شهود يهوه فتنفرد لوحدها فتنكر قيام جسد المسيح من القبر خدمتاً لليهود وضد المسيحية . وهكذا جعلوا من أنفسهم فرساً تمتطيه اليهودية لمحاربة المعتقدات المسيحية ، لكن عبثاً يحاولون هم وكل المتهودين مثلهم في ضرب صخرة المسيحية ، وغايتهم العودة إلى الخلف وتطبيق الشرائع اليهودية التوراتية التي انتهت بمجىء المسيح . وهكذا نرى بأن شهود يهوه يخدمون اليهودية بضرب المسيحية ، لا وبل يقلدونهم في أعمالهم الحاقدة ضد المسيح وعهده الجديد .
لليهود كتاب أسمه ( توليدوت يشوع ) وهذا الكتاب محشو بالشتائم على ربنا يسوع وأمه مريم البتول الطاهرة والتي يعتبرونها زانية ، وشهود يهوه يعتبرونها بأنها فقدت عذراويتها بعد الولادة . علماً بأن حتى الأسلام يؤمنون بأنها عذراء . شهود يهوه يدّعون بأن جسد المسيح بقي في القبر لأن المسيح قام بالروح فقط والجسد قد سرق . هذا ما إدعاه ( رثرفورد ) خليفة راسل والذي أسس ( شهود يهوه بعد راسل ) وذلك لكي يؤيد أخوته اليهود في كذبتهم عندما قالوا بأن تلاميذه قد سرقوه عندما كان الحراس يخلدون في نومهم . رثرفورد الذي ألف بعد 1800 سنة قصة جديدة فبدل أن يقول كاليهود بأن التلاميذ قد سرقوه ، قال الملاك هو الذي سرقه فأخرج الجسد وأخفاه بأذن الله الذي سيظهره من المخبأ لجميع قبائل الأرض في العصر الألفي ، وهذا الأدعاء يتناغم مع أخفاء الملاك لجسد موسى في مكان مجهول ، والغاية لكي لا يكون يسوع أفضل من نبي أسيادهم اليهود . كما يزعمون أيضاً بأن يسوع المسيح أخترع له أجساداً كثيرة كان يظهر بها لتلاميذه ، ومن ثم أفناها سريعاً ، ويقولون بأن تلك الأجساد تختلف عن الجسد الممجد الذي ظهر به لبولس الرسول في طريق دمشق ، علماً بأنه لم يظهر لبولس إلا على شكل نور لامع من السماء أوقعه على الأرض " طالع أع 4:9 " . كل هذه الأفتراءات اليهودية وخدامها من شهود يهوه لا أساس لها أبداً ، كما يزيد شهود يهوه من الطين بلة فيقولون : 1-  نفس الإنسان غير روحية فتفنى بالموت فناء البهائم . 2- الوصايا العشرة وكل الناموس القديم ملغاة . إذاً لم يعد الزنى والسرقة وشهادة زور ... إلخ محرمة ، لذا نرى في بعض المصادر أنهم أباحيون ، على حسب ما نعرف من آثار اليهود في بعض الفرق والمذاهب التي ابتكروها كشهود يهوه . 
ختاما نقول : المسيح قام بالجسد وظهر للكثيرين ، وحسب وعده أرسل الروح القدس إلى الكنيسة لكي يحميها من الضلال ، فلا تهمنا أبواق شهود يهوه التي ظهرت بعد تسعة عشر قرناً .
لا يجوز بقاء جسد المسيح في الأرض لأنه ليس مخلوقاً من تراب ليعود إلى التراب كآدم وذريته ، بل هو من السماء ، من الروح القدس الذي حل في أحشاء العذراء مريم ، فكان عليه أن يعود إلى السماء لأنه سماوي . فالأرضي يعود إلى الأرض ، والسماوي يعود إلى موطنه الذي هو في الأعالي ، فعلينا عندما نصلي إليه أن نطلب من ما هو فوق حيث يقيم عن يمين القدرة وكما رآه الشهيد أسطفانوس .
كتب لنا الرسول بولس عن هذا الموضوع في " 1 قور 47:15 " قال ( الإنسان الأول من الأرض ترابي . الإنسان الثاني " الرب " من السماء . كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضاً . وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً ) إذاً ما هو سماوي إلى السماء يعود ، ولا يجوز أخفائه كجسد موسى الترابي في التراب .
المسيح هو كنزنا في السماء ، فعلينا أن نشخص نظرنا ألى حيث هو كنزنا ، فالإنسان المؤمن بالمسيح وبموته وقيامته نفساً وجسداً يدخل في سره وفي عهده وفي قطيعه فيكون مستحقاً لكي يدخل في راحته الأبدية عند الله الخالق ، والمحفوظة لشعب الله المؤمن بأبنه الوحيد ( طالع عب 9:4 ) .
ولربنا القائم من بين الأموات المجد والتسبيح والسجود .    

179
قصة مار كوركيس الشهيد بين الأسطورة والواقع
بقلم / الفنان التشكيلي وردا إسحاق قلّو
مار كوركيس هو أحد أبطال الكنيسة الذي ولد في الربع الأخير من القرن الثالث واستشهد عام 307م على يد الطاغية دقلديانوس. كرمت الكنيسة الجامعة هذا  القديس بشكل عام والكنيسة الكلدانية بشكل خاص , فسُميت كنائس كثيرة باسمه  ومنها كنيستان في بغداد ودير في الموصل في منطقة ( بعويرا). أما كنائس  ابرشية العمادية فهناك كنيسة مانكيش والتن وفي ابرشية زاخو ودهوك فهناك  كنيسة فيشخابور وشيوز وكذلك بالنسبة الى ابرشيات الموصل والقوش واربيل …..الخ. أضافة الى كنائس الكلدان في المهجر. كما كُرِّم هذا القديس بتخصيص يوم عيد له تخليداً لذكراه فتقام القداديس والأحتفال بمهرجانات خاصة تسمى  ب(شيري)، حيث تقدم كل عائلة نذورها فتجتمع معاً وتطبخ لتكوين مائدة مشتركة من أكلته الشهيرة المسمى (هريسة دمار كيوركيس). وهذه المناسبات لن  تقتصر في تلك القرى فقط بل جالياتها في العالم تقدم نفس النذر وفي يومه  تعبيراً عن حبها وأيمانها بهذا الشفيع  العظيم .
قصة مار كوركيس كنا نسمعها في قرانا فكانت  تتلى علينا من كتيب باللهجة الكلدانية تبدأ القصة: كان بعد سوريا مدينة  اسمها بيروت وبعدها تأتي قصة التنين. نفهم من هذا بأن كاتب القصة كان  عراقياً وذلك لأن سوريا تقع بين العراق ولبنان، لكن القصة كانت تبدوا وكأنها أسطورة من نسج خيال الكاتب حيث هناك تنين متحدي ظهر في نبع العين  الذي يسقي بيروت واشترط التنين بشكل أو بآخر مع أبناء المدينة لكي يفتح لهم الماء مقابل بنت شابة ومعها طبق طعام. سؤال وماذا لو ارسل له ولداً  هل كان  يعلم  فيعارض أو يرفض ؟
أما  ملك المدينة فطلب من أهلها بأن تكون أبنته الوحيدة خاتمة بنات بيروت، لكن رغم ذلك وصل دورها ووصل القديس الى العين أيضاً فبدأت المعركة بقتل  التنين بالرمح وأنقاذ الشابة من أنياب الموت بللت بنت الملك كفها بدم التنين ولطخته على ثوب القديس لمقابلة والدها لغرض تكريمه. لا نعلم كيف  كتبت هذه القصة وفي أي زمن؟ هل أن الكاتب الفها من أيقونة القديس التي  رسمها أحد الفنانين؟ وهل هناك تنين فعلاً في مناطقنا ؟ الجواب كلا لا يوجد مثل هذا الحيوان لا قديماً ولا في زمن  المسيح ورسله ولن يكتب أحداً عن التنين شيئاً عدا يوحنا الرائي في سفر  الرؤيا, وما رآها في الروح وليس في الجسد, كتبه لكي يرمز لاهوتياً الى ما  يقصد. فالتنين يرمز الى الوثنية أو الى الأبليس عدو الكنيسة.
أذن لنضع تلك القصة جانباً، ونبحث عن رموز أيقونة مار كوركيس  الشهيرة التي أصبحت شعاراً معروفاً على مستوى الكنائس الكاثوليكية  والأرثودكسية. نشاهد فيها مار كوركيس ممتطياً صهوة جواده الأبيض ومُتسلحاً  كمقاتل كما نقرا من تعابير وجهه بأنه كان مستعداً بكل شجاعة وثقة . وهكذا  الحال الى حركات فرسه  في لحظات الطعن .
مار كوركيس  الضابط والقائد العسكري المسلح يرمز الى الرب يسوع ذلك المنتصر الذي غلب  العالم ، فقال لرسله: (ثقوا أني قد غلبت العالم) سلاح القديس مار  كيوركيس كان الرمح والدرع والخوذة،
 وهذه هي الأسلحة المطلوبة للقتال في المسيحية وعلى كل مؤمن أن يتسلح بها لكي  يقاتل عدوه بدقة وثبات، لكن  هذه الأسلحة والتي ذكرها الرسول مار بولس هي  سلاح النور، والنور هو الرب يسوع فقال عنها الرسول  بولس: (البسوا الرب يسوع المسيح” أي تمثلوا به)، أنه سلاح الله الكامل، به نقاوم الشر، حيث الدرع الذي يغطي منطقة الصدر يرمز الى البر والقداسة  في القلب والأستعداد الكامل لنشر بشارة السلام ، والسلام هو حذاء للأقدام.  أما خوذة الرأس فترمز الى الخلاص. أما الرمح والسيف
فيرمزان الى كلمة الله الحي أي سيف الروح الذي بها  يطعن العدو, وليس السيف الذي قصده الرسول بطرس لفهمه الخاطىء لكلام الرب  فقطع به أذن عبد رأس الكهنة. أذن سيفنا هو صليبنا ورمز الصليب هو التضحية,  لكي نضحي من اجل خلاص محبينا كما فعل الذي أحبنا قبل أن نحبه. أي  نأخذ من ال (أنا) التي هي لنا ونعطي الى الآخر لكي يخلص أي الى ال (انت) لكي  نكون (نحن) بالمحبة فنكون معاً في الكنيسة الجامعة .أذن سيفنا هو سيف  المحبة لأن حربنا ليست ضد ذوي اللحم والدم بل ضد الرئاسات ضد أسياد العالم  حكام هذا الظلام. ضد قوى الشر الروحية ” أفسس 6/ 11-17″ . أما البيت  والفتاة في الأيقونة فيرمزان الى الكنيسة المقدسة عروس المسيح، فبنت الملك  العروس المرتدية ثوبها وحلتها وتاجها تنتظر متى يأتي عريسها المسيح  ليخلصها، هنا نجد مار كوركيس كان رمزاً للمسيح لكي يخلص تلك العروس.
أما الفرس الأبيض فراكبه هو الأبن الصادق  الذي يقض ويحارب بالعدل” رؤ 19/ 11″. هنا أيضاً يرمز القديس الراكب على  الحصان الأبيض ليقتل التنين الى الرب الذي قاتل التنين المتمثل بالوثنية وعبادة الأصنام والسجود لها كما تقول الآية: ( وسجد الناس التنين لأنه رهب الوحش سلطته، وعبدوا الوحش وهم يقولون:”من مثل هذا الوحش؟”
“ومن يجرؤعلى محاربته؟ ” الرب حاربه وغلب  مملكته. نعم قتل الشيطان “التنين” فخرج الماء من النبع الى العالم كله حيث  ماء النبع يرمز الى كلمة الحياة التي أنتشرت في العالم . قتل التنين فماتت  الوثنية، كذلك مات الموت معها  بموت الرب وقيامته. إذن قصة مار كوركيس ترمز الى الرب الذي حارب مملكة  الشر وغلبها بكلمته واستشهاده على مذبح الصليب وقيامته، هكذا كان  ماركوركيس مثالاً في البطولة والنصر والأستشهاد لذا أختارت الكنيسة المقدسة  عيده كأول عيد بعد ذكرى قيامة الرب، وذلك في يوم  24- نيسان من كل عام  .
سيرته الذاتية
ولد مار كوركيس بالقبادوقية من أب عسكري أسمه  أنسطاسيوس وأم تدعى ناؤبستا. ولما صار أبن العشرين سنة توفي والده فتقلد  وظيفته في عهد دقلديانوس الذي كفر وأمر بعبادة الأصنام. فحزن القديس ففرق  أمواله على الفقراء وصرف عبيده وتقدم الى  الملك معترفاً بالمسيح له المجد بعد أن رأى منشورات الملك ضد المسيحية  فثار سخطه عليها فمزقها، فصرخ مار كوركيس أمام الأمبراطور وسط ديوانه  قائلاً: ( الى متى تصبون غضبكم على المسيحيين الأبرار؟ وتكرهون الذين عرفوا الأيمان الحقيقي على أن يتبعوا الديانة التي أنتم في شك منها لأنها باطلة ؟  فأما أن تؤمنوا بها أو لا تقلقوا بحماقة المتعبّدين للمسيح) . حاول الملك  تهدئته عن طريق وزيره وكما وعده بمزيد من الرتب العسكرية اذا جحد مسيحه.  فرفض العروض الزائلة، فعذبه  كثيراً .  لكن  الرب كان يشفي كل جروحه، فأحتار الملك في تعذيبه  فاستحضر ساحراً اسمه أثناسيوس، وهذا أحضر كأساً من السم وتلا عليه أقواله  السحرية ثم قدمها للقديس، رسم القديس علامة الصليب المقدس على الكأس  وشربها ولم ينله أذى فآمن الساحر بالرب يسوع عندها أغتاظ الملك فقطع رأسه  وناك اكليل الشهادة.
عندئذٍ غضب الملك فأمر بعصر  القديس حتى أسلم الروح، فطرحوه خارج المدينة، لكن الرب يسوع أقامه حياً، وعاد أيضاً الى المدينة. فرآه الجميع وآمن بسببه في تلك اللحظات ثلاثة  آلاف وسبعمائة نفس. أمر الملك بقطع رؤوسهم فنالوا جميعهم أكليل الشهادة.  حضر عند دقلديانوس بعض الملوك، فقالوا للقديس: نريد أن تجعل هذه الكراسي تورق وتثمر فصلى الى الرب فأستجاب له. أخذوه بعد ذلك الى مقبرة وطلبوا منه أن يقيم من بها فصلى الى يسوع  المسيح فأقامهم وتحدثوا اليهم ثم عادوا فرقدوا. قدمت له أمرأة فقيرة أبنها  الأعمى والأصم والأخرس، فصلى عليه ورشم  الطفل بالصليب، فشفى من جميع أمراضه. استمر دقلديانوس في تعذيبه فتعب  ومل فأخذ يلاطفه فوعده بزواج أبنته اذا بخر للآلهة، فخادعه القديس بأنه  قبل العرض ففرح الملك وأدخله القصر. وبينما كان يصلي سمعته الملكة وهو يقرأ المزامير فطلبت منه تفسيرها فوضح لها كل شىء من بدأ الخليقة الى تجسد  المسيح فآمنت بالرب يسوع.
كان الملك مشغولاً بأمر أبلاغ  سكان المدينة للحضور لكي يروا مار كوركيس وهو يبخر لآلهة الملك. فلما  أجتمع الجميع عند الأصنام وقف مار كوكيس وصرخ في الأصنام بأسم الرب يسوع  مخلص العالم ففتحت الأرض فاها وابتلعت جميع الأصنام، فخزى الملك ومن معه.  فدخل حزيناً الى قصره فقالت له الملكة: ( ألم أقل لك لا تعانده لأن الاهه  قوي؟). فعلم من كلامها بأن القديس قد أمالها هي الأخرى الى الأيمان فدفعه الغيظ الى أن أمر بتمشيط جسمها وقطع رأسها فنالت أكليل الشهادة. أخيرأً رأى دقلديانوس أن يضع حدأ لتلك الفضائح التي تلحقه، فقرر قطع رأس القديس،  فنال ماركوكيس أكليل الشهادة. أخذ جسده المبارك أحد المسيحيين ولفه بأكفان فاخرة ومضى به الى بلده، وبنوا على اسمه كنيسة كبيرة.
لتكُن شفاعته معنا جميعاً ولربنا يسوع المسيح المجد  دائماً

180
هكذا نتحدى فيروس كورونا
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( الساكن في ستر العلّي ، في ظل القدير يبيت )
https://e.top4top.io/p_1568bgbyi1.jpg
أيماننا بقوة الخالق الذي مات من أجلنا ، هو قوتنا ورجائنا ، لأنه وعد قطيعه بأن لا يخافوا ، فالذي يثبت في الإيمان سيمتلك الثقة الكافية لتحدي كل المصاعب والتجارب والأمراض ، فبالصبر والإيمان سنحصل على كل ما نرجوه . يقول لنا الكتاب المقدس ( وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى ) " رو 8: 24-25 " . الله لا يرد خائباً من يطلب منه الشفاء بثقة ، أنه يصغي إلى صلواتنا وطلباتنا ويستجيب لنا لأنه هو القائل ( أسألوا تعطوا . أطلبوا تجدوا ... ) " مت 7: 7-8 " والقديس يعقوب يؤكد لنا في رسالته عن قوة الصلاة لأجل الشفاء من الأمراض ، قال ( وصلاة الإيمان تشفي المريض ، والرب يقيمه ، وإن كان قد فعل خطيئة تغفر له ) " يع 5:15 " . فعلى المؤمن أن يحفظ الآيات الخاصة بالشفاء من الأمراض ليدعم بها صلواته وطلباته .
في القرون الأربعة الماضية ضربت البشرية أمراض مختلفة كالطاعون والكوليرا والأنفلونزا الأسبانية التي بسببها مات مئة مليون إنسان في جميع أصقاء العالم ، وهذه السنة ظهر وباء جديد سميّ ( كورونا ) وسرعان ما غطى كل القارات فأصاب الملايين ، ومات الآلاف ، وسّبَب الخوف والقلق والإرباك في مؤسسات الدِوَل ، فقررت الحكومات إغلاق حدودها ومطاراتها ، بل تم سجن العوائل في بيوتها لتعتكف لوحدها لأجل الحد من الإصابات ، وهكذا تم غلق أبواب الكنائس ودور العبادة والشركات والمطاعم ودور الترفيه وحتى الحدائق العامة . فهل هذا الوباء وقع بسبب غضب الله لقلة الإيمان ؟ الله يستعمل عصا التأديب ضد البشرية عندما تكثر الخطبئة على الأرض وقد تصل ضربته إلى الإبادة الجماعية كما حصل في أيام نوح ، أو على مستوى المدن كسوم وعمورة ، أو تخص الضربة بالمؤمنين به فقط  إذا أبتعدوا منه وكما كان يفعل مع شعبه المختار في العهد القديم . إلهنا إله غيور يرشدنا إلى الطريق المستقيم المؤدي إلى خلاصنا ، لهذا قال ( إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم ، تأتي عليك جميع هذه اللعنات وتدركك ) " 15:28 " .
فعلى المؤمنين اليوم أن يذكروا الوصايا ويعملون بها ، وإن بدأت الكوارث تهددهم وخاصة هذه الأزمنة ، والرب يسوع ذكر هذه الأوبئة التي ستقع في المستقبل ، قال ( تكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن عدة .. ) " مت 7:24 " . إذاً الحل الوحيد هو العودة إلى الله وتطبيق وصاياه في وقت الأمراض والأوبئة ، ففي ( مز 91 ) نلتمس العناية الإلهية لنا ، وهو من أبرز المزامير التي تتناول هذا الموضوع ، ومن آياته التي تعطي لنا الرجاء ( الرب ينجيك من الوباء والخطر ) ( 3:91 ) ثم يعود ليقول ( لا تخشى من خوف الليل ، ولا من سهم يطير في النهار ، ولا من وباء يسلك في الدجى ... ) " 5-7 " . فلاحظ بأن الوباء قد ذكر في مقدمة الأخطار المخيفة التي قد تحصد الألوف أو ملايين الأرواح ، كما نلاحظ أيضاً التكرار على مراحم الله وحمايته للمؤمنين به من الوباء ومن مختلف الكوارث التي تهدد سلام الإنسان . سلاح الشرير هو زرع الخوق والهلع بين البشر ليضعف إيمانهم ويبعدهم من الله .
أخيراً نقول ، علينا أن نحفظ على ظهر القلب هذا المزمور لنرتله في وقت الضيق وبكل إيمان وثقة ليصبح لنا دعاءً  ينعم لنا السلام والصحة على أن نثق بمن نصلي إليه . وعلينا أن لا ننسى بأن الشيطان قد حفظ هذا المزمور وأقتبس منه مقطعاً مقطوعاً من آية أستخدمه في تجربته ضد الرب يسوع عندما قال له ( إن كنت إبن الله ، فأطرح نفسك إلى أسفل ، لأنه قد كتب يوصي ملائكته بك فيحملوك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر ! ) " مت 6:4 " .
يقول المزمور للمتكلين على الرب ( فلن يصيبك شر ولن تقترب بلية من مسكنك فإنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك في جميع طرقك على أيديهم يحملونك لئلا تصدم قدمك ) " مز 91 : 11-12 " فإن كان الشيطان قد حفظ هذا المزمور فكم يجب علينا أن نحفظه لنرفعه إلى العلي بإيمان وثقة لننال منه الشفاء من كل الأمراض . ولألهنا المجد الدائم .
 


181
العلاقة بين الفصح اليهودي والمسيحي ومعنى خبز الفطير
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) " يو 54:6"
عيد الفصح ، كان في البداية إحتفالاً يهودياً عائلياً يمارس ليلاً في يوم الرابع عشر من نيسان . وكان يقدم للرب حيوان صغير مولود السنة نفسها وذلك لأستمداد البركات الإلهية . أي يبدو إنه يعود إلى زمن ما قبل موسى النبي ، وقبل خروج الشعب العبري من مصر . بعدها قال الرب لموسى ( سبعة أيام تأكلون فطيراً . وفي اليوم الأول ترفعون الخمير من منازلكم ، فإن كل من أكل خبزاً من اليوم الأول إلى اليوم السابع ، تفصل تلك النفس من إسرائيل ) " خر 21:12 " .
عند خروج الشعب العبراني من مصر أمر الرب موسى ، وقال ( منذ الآن يكون لكم هذا الشهر رأس الشهور وأول شهور السنة .
 خاطباً كل واحد أن يأخذ حملاً لعائلته بحسب بيوت الآباء ، لكل بيت حملاً ، فإن كان أهل البيت أقل من أن يأكلون حملاً ، فليأخذوه هم وجارهم القريب منهم بحسب عدد الأشخاص الموجودين هناك فيكون الحمل بحسب ما يأكل كل واحد ، حمل تام حولي يكون لكم ، من الضأن أو المعز تأخذونه )
" خر 12: 2-5" ولطعام الفصح اليهودي معاني وتفاصيل دقيقة مع ضرورة أكل الحيوان بأكمله لوجود علاقة بين الطعام والعبور من البحر نحو أرض جديدة . فمعنى عدم إبقاء أجزاء من الحيوان بدون أكل هو أن يترك الشعب العبري وراءه أرض العبودية ، وله صفة خاصة متعلقة بعشاء الفصح ، فكل العناصر التي يتألف منها العشاء هي مغذية روحياً ، ولها معاني عميقة في وجدان المشاركين . والمقصود بالحيوان الحولي والذكر ( الحولي ، هو أن لا يتجاوز عمره سنة واحدة ) . لماذا يجب أن يكون ذكراً ؟
لأنه رمز للحمل الإلهي الذي سيأتي في ملء الزمان ويذبح عن البشرية كلها .
 في الليل الذي تناول به الشعب العبري الخروف وضعوا جزء من دمه على قائمتي الباب وعارضته . لكي يعبر
من ذلك البيت الملاك . وهكذا نجى الرب أبكار اليهود من الموت ، بينما ضرب الملاك كل أبكار المصريين في
 تلك الليلة ، فالحمل كان الضحية بدل الحياة لأبكار الشعب العبراني .
ما معنى خبز الخمير ، ومعنى الفطير ؟
عندما أعد الحمل على النار ، فتم أكله هكذا وبأمر من الرب ( ويأكلون لحمه في تلك الليلة مشوياً على النار ، بأرغفة فطير مع اعشاب مرةٍ يأكلونه ) "خر 18:12 " . الخمير الفطير والأعشاب المرة التي ترافق أكل الحمل المشوي له معنى . فالخميرة ترمز إلى الشهوة والخطيئة التي تكبر وتختمر كل الجسد وتسقطه في الرذيلة ، لهذا يجب أن يجرد الخبز من الخميرة لكي يصبح فطيراً ، وبهذا يعني إنهم رفعوا خميرة الأهواء والخطيئة من بينهم إستعداداً لعيش الفصح .
القديس بولس تكلم في رسالته إلى القورنتيين عن فصح المسيح ، فأشار إلى نزع الخميرة من النفس ، ودعى المسيحيين إلى الإحتفال بالفصح الجديد ، بعد أن تركوا الخميرة القديمة ، خميرة عاداتهم السيئة . فقال ( إفما تعلمون أن قليلاً من الخميرةِ يخمر كل العجين ؟ ) وقال (طهرو أنفسكم من الخميرة القديمة لتكونوا عجيناً جديداً لأنكم فطير . قد ذبح حمل فصحنا ، وهو المسيح ، فلنعيد إذاً فطير الصدق والحق، لا بالخميرة القديمة ولا بخميرة الخبث والفساد ) " 1 قور 5: 6-8 " . في عيد الفصح كان اليهود يطرحون الخبز الخمير ولا يأكلون إلا الخبز الفطير ، عملاً بما أوصاهم موسى زمن خروجهم من مصر " خر 1:12" . أما المسيحيون ففصحهم هو المسيح الذي مات وقام من أجلهم مرة واحدة فيجب عليهم أن ينبذوا كل شر وخطيئة ويحيوا حياة النقاوة والحق .
أما الأعشاب المرة فهي تحتوي على طعم العبودية القاسي ، فعلى الشعب المؤمن ألا ينسى هذا الطعم المرّ لكيلا يقع ثانية في العبودية .
 أما معنى الفصح فيشير إلى فعل العبور ، وكلمة عبري التي اطلقت على الشعب اليهودي جاءت من عبور
 الرب فوق بيوت اليهود إلى بيوت المصريين ليضرب أبكارهم ، لأن الرب ( يعبر من فوقكم )
 " خر 13:12" . ففصح الرب هو العبور فوق بيوت العبرانيين الذين تناولوا الفصح وصبغوا أعتاب دورهم
 بالدم . فعلى الإنسان اليوم أن يسهر أيضاً لكي ينتظر مواعيد الرب ويكون متأهباً لساعة لقاءه مع العريس كما
فعلوا العذرارى الخمس .
ختاماً نقول ، أن الفصح اليهودي ليس حدثاً ماضياً فحسب ، بل هو حدث ينظر نحو المستقبل حيث فصح المسيح . فإن كان الله قد خلص شعبه في الماضي ، فهذا يعني أيضاً إنه سيخلص شعب العهد الجديد . هكذا يجعلنا نحن المؤمنون في حالة العبور ، لكن ليس من عبودية المصريين إلى أرض الميعاد ، بل من أرض الميعاد إلى الديار الأبدية ، فعلينا أن نستعد ونتأهب لتقبل النعمة الإلهية لنصبح أحراراً والنعمة الإلهية مجانية تعطى للمؤمنين والتي تعيدهم إلى النور .
في الفصح المسيحي يجتمع المؤمنين في شركة مع ربهم ، محل الله الحقيقي إنه يشرك المؤمنين مع المسيح في موته وقيامته اللذين حررهم من عبودية الخطيئة والموت .
  هنا إتصال واضح بين الفصح اليهودي والفصح المسيحي ، لكن الوضع تغيّر بالأنتقال من عهدٍ إلى عهد بواسطة فصح المسيح ، به أكتمل الفصح لأبناء العهد الجديد بعد موت وقيامة المذبوح الإلهي . فاللقاء مع الرب القائم يتم بالفصح الأرضي المقام في الأفخارستيا على مذابح الكنائس ، والإشتراك به ، وتناوله سيهيئهم إلى العبور إلى السماء . وفي الحقيقة ، كلمة ( فصح ) لا تعبر فقط عن سر موت المسيح وقيامته ، أو الأحتفال بسر الأفخارستيا فقط ، بل يشير إلى الوليمة السماوية التي نحوها نحن سائرون  .
ولربنا القائم من بين الأموات المجد دائماً
 
 

182

موت وقيامة المسيح ونزوله إلى الجحيم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

https://a.top4top.io/p_1560pb8r31.gif

 

 ( مع المسيح صلبتُ ، لإحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا فيّ . فما أحياه الآن في الجسد ، فإنما أحياه في الإيمان ، إيمان أبن الله ، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي ) " غل 20:2"

تجسد المسيح إبن الله لكي يموت على خشبة الصليب من أجل أن يفتح باب الخلاص لكن من يؤمن به فيكون له القدرة في المشاركة في نور الله والحياة الإلهية . تجسد المسيح ليجعلنا أبناء الله .

لنسأل ونقول : لماذا مات يسوع مصلوباً ، ألم يكن لله أن يخلص الإنسان من دون موت أبنه ؟ وهل كان موته على الصليب لإرضاء الله الآب ؟

مات يسوع على الصليب لكي يدفع ثمن الخطيئة عن بني البشر ، لعدم قدرة الإنسان أن يدفع الفدية عن خطيئته ، لهذا فالله المحب للبشر لم يرد أن يتركنا في الموت ، فأرسل أبنه الوحيد لكي يأخذ جسداً بشرياً ويموت كإنسان مجرد من الخطيئة ، أي ذبيحة إنسانية كاملة الأوصاف ، مقبولة كاملة ومرضية من قبل الله . فموت المسيح هو مطلباً من الآب وليس من الشيطان ، لهذا فإن الثمن دفع إلى الآب وليس إلى الشيطان . لأن ليس من مصلحة الشيطان أن يموت الإبن ويخلص بدمه المراق على الصليب البشرية من قيودها .

الله الآب ليس محتاج إلى ذبيحة الأبن ، لكن قبل ذبيحة إبنه ليس لأنه كان يطلبها بأي شكل من الأشكال ، وإنما بسبب من تدبير الله لأنه كان يجب أن يتقدس الإنسان بإنسانية الله المتجسد ، كان يجب أن يحررنا بنفسه ونؤمن به وبعمله على الصليب ، نتعلم منه المحبة والتضحية من أجل محبتنا ، ومن أجل خلاص الآخرين ، هو مات وقام كي نموت نحن عن خطيئتنا ونقوم قديسين طاهرين .

قبل يسوع الصليب طوعاً ، وذهب إليه بإرادته لكي يذبح على خشبة الصليب ( كشاة سيقت إلى الذبح لم يفتح فاه ) " أش 7:53" . قَبَلَ الموت طوعاً كتعبير أخير ونهائي عن الإلتزام بالمحبة المواجهة للخطيئة حتى الشهادة . والمحبة ليست خانعة ، ويجب أن لا نقبل الشر ، إنما نواجهه من أجل خلاص الخاطىء ، معنى قبول يسوع الصليب هو لأظهار محبته وقدرته الإلهية للتحدي ، ففي التجسد أخلى ذاته ، وعلى الصليب مات بين المجرمين ( إن موت المسيح على الصليب هو دينونة الدينونة ) كما قال القديس " مكسيموس المعترف " لهذا كان صليب المسيح جهالة لليهود وجنوناً للوثنيين . مات المسيح الإنسان على الصليب فشارك الإنسان في الموت ، نزل إلى جحيم المأساة البشرية ، أي إلى جحيمنا فاخبره . مات بسبب حبه للبشر ، لكي تصير الإنسانية حباً بقبولها الموت حباً بأخوتهم . ولكي تصير إرادة الإنسان منسجمة مع إرادة الله .

موت المسيح الإنسان على الصليب يشكل هزيمة كبيرة للشيطان ، لأنه ولأول مرة يموت إنساناً بدون خطيئة ، دون أن يخضع مرة للشيطان وخداعه . مات المسيح وقام من بين الأموات فحدث الإنتصار على الصليب أولاً وعلى الموت ثانياً بموت يسوع الإنسان مات الموت. وهكذا تحول الصليب من أداة معاقبة المجرمين إلى علامة النصر والحب والتضحية من أجل الآخر فوطئه لحظة موته على الصليب .

يقول اللاهوتي " فلاديمير لوسكي " ( الآلوهية في المسيح بقيت متصلة بجسده النائم في القبر ، في " النوم الأبيض " لسبت النور . ومتصلة ايضاً بروح يسوع المنتصرة والتي حطمت أبواب الجحيم ... القيامة حاضرة في موت المسيح ) .

في حياتنا الزمنية صلبان . وقد لا يكون الصليب إختيارياً بالنسبة لنا ، ولكن حمل الصليب إختياري بسبب الإيمان والحب . فالسير في أثر يسوع الذي أخلص للحب رغم الصليب . وهو إصرار إختياري أساسه الحب  .

فالصليب الذي نختاره لكي نحمله ، إن كان صليب حبّ ، سيحررنا ليس لأنه يحمل الألم ، وإنما لأننا نحوّله إلى أداة لخدمة الآخرين بسبب محبتنا لهم ،  وهكذا يحررنا من الأنغلاق الذاتي لكي ننفتح لأجل حاجة الآخر .

مسيح الله صُلِبَ على آلام الإنسان ، ولكن أحد وجوه الله الأخرى هو وجه القدرة ، والوجه الآخر للمسيح المصلوب هو المسيح القائم . كما أن الوجه الآخر ليسوع المصلوب هو يسوع المنتصر على الموت بالقيامة . إذاً ، لا يبقى الله مجرد إله شارك مصلوب بسبب محبته ، لأن الوجه الآخر للمحبة المشاركة هو الحب الفاعل من أجل المحبوب .

في كل ألم نتمسك خلاله بالمسيح فنحن نشاركه في تلك اللحظات في صليبه ، ولكن الله لا يتفرج على آلامنا ، وإنما يبقى حاضراً فيها بطريقة لا ندركها . في قلب مآسينا التي تحرقنا من كل جهة ، فيرمي في قلب نارها  ندى إلهي ، قوة إلهية ، تعضد قوتنا الإنسانية ، كي نتجاوز موتنا ، في قلب كل جحيم نحياه ، ينزل المسيح إلى جحيمنا ويمنحنا قوة القيامة ، وهذا ما نراه عند دانيال عندما نَقَلَ صورة الفتية الثلاثة الذين وضعهم نبوخذنصر في النار ، فلبثت الحيرة أن أعترته ، فهب مسرعاً وقال لمشيريه ( ألم نطرح ثلاثة رجال موثوقين في وسط النار ؟ ... أني أرى أربعة رجال ... ومنظر الرابع شبه بإبن الآلهة ) " دا 3: 24-25" . لا يزيل الله النار ، لكنها لا تعود تميتنا روحياً ، إذ في قلبها يوجد يسوع ، وهو الذي يمد لنا جسراً لنخرج من الموت إلى الحياة .

بصليب المسيح وقيامته أخمد الله العطش العميق والدائم الذي كنا نشعر به تجاهه بسبب خطيئتنا التي دفع ثمنها يسوع على الصليب ,

ليتمجد أسم المصلوب والقائم من بين الأموات  ،
وكل فصح وأنتم بخير وفرح المسيح القائم

 

 

183



الجمعة العظيمة وسر الصليب

بقلم / وردا إسحاق قلّو

https://l.top4top.io/p_15595f9o11.jpg

أرسل الله الآب إبنه الوحيد لخلاص البشر ، فتجسد وشارك الإنسان في حياته اليومية ، فذاق الألم والجوع والإهانة وأخيراً الموت على الصليب . تألم من أجلنا وترك لنا مثالاً ليقتفي آثاره كل إنسان . قدَمَ جسده على الصليب كما تُقَدِم الضحية على المذبح لأجل أن يحمل خطايا جميع البشر ، فكان هو الكاهن والذبيحة على صليب الجلجلة يوم جمعة الآلام ، بل الجمعة العظيمة في حياتنا المسيحية لأن في نهار تلك الجمعة دفع المسيح ثمن الخطيئة لله الآب على الصليب . مات رئيس الكهنة على الصليب حاملاً خطايانا فاشترانا بدمه الزكي ، مات لكي يحيا كل من يؤمن به وبعمل صليبه . قال الرسول بطرس ( هو نفسه حمل خطايانا في جسده  "عندما كان مصلوباً " على الخشبة ، لكي نموت بالنسبة للخطايا فنحيا حياة البر ) " 1بط 24:2" . فالصليب هو أداة المصالحة بدم المصلوب الإله ، فعلى الصليب ألتقت السماء مع الأرض فتمت المصالحة ، وبسبب عمل الصليب أقترب الشعب اليهودي مع الشعوب الوثنية ، كذلك تم هدم حاجز العداوة بين الناس ، وبين الناس والله فأنشق حجاب الهيكل الذي كان يَقسِم القدس عن قدس الأقداس ، والذي كان يرمز إلى وجود حجاب فاصل بين الخاق والمخلوق ، ففتح الطريق بين البشر وخالقها لأن المصالحة قد تمت بدم إبن الله على الصليب .

الصليب أداة قضى بها الله على الحقد والكراهية والعداوة والبغض فتحقق السلام والمصالحة الحقيقية ، قربً البعيدين والغرباء من بعضهم لكي يدخلوا جميعاً في بيت الله ، ليصيروا أبناء الوطن الواحد ، أبناء شعب الله القديسين ( طالع أف 2: 18-22 ) .

الصليب حقق المصالحة والسلام والوحدة بين المختونين وغير المختونين ، الجميع نقلوا إلى ملكوت المحبة ( قول 20:1 ) فكل المؤمنين نزلوا إلى قبر المعمودية ليدفنوا مع المسيح ، ثم قاموا مع المصلوب أحياءً ( قول 12:2 ، أف 6:2 ) .

فهم عمل الصليب جنون في نظر البشر المعتمدين على حكمة هذا العالم ، أما قدرة الله وحكمته فتفوق حكمة وعلم البشر ، بل حكمتهم عند الله جهالة ، فلا يمكن تصوّر جنون الصليب وقبوله فكرياً وعلمياً أو عاطفياً إلا إذا حاولنا الإنفتاح على سرّ العلاقة بين المسيح والله الآب . ففي سر التجسد يكشف المسيح إنسانية الله ، أما في موته على الصليب ليس إلا النهاية المنطقية والسخية في آن معاً للتجسد ، طريق الله يتحمل المسؤولية الكاملة تجاه إنسانيتنا وخطايانا ، فوجود أبن الله على الصليب ، يظهر لنا الله ذاته بأنه كُلّي التعزية لجميع الناس .

المسيح الذي فتح ذراعيه على الصليب كان يحتضن كل البشرية بحبه ، وكان يريد الخلاص للجميع لأنه مات لأجل الجميع . فسر الصليب هو أسلوب حياة مسيحية ، فالمسيح الذي دفع الثمن هدِمض حاجز العداو بين الله والبشر ، وبين البشر مع بعضهم ، فالمصالحة شاملة ، والسلام شامل ، والكنيسة هي واحدة جامعة للجميع . فحدث الصليب يعلن به المصلوب تأسيس الكنيسة المقدسة ، فعندما طعن بالحربة أسس أسرار الكنيسة وخاصة المعمودية ( الماء الخارج من جنبه المطعون ) والأفخارستيا ( الدم ) . أسس نظاماً جديداً وشعباً جديداً ، بل عهداً جديداً بين السماء والأرض ، وإعلان الأنجيل في العالم ليس شيئاً آخر غير إعلان سر الصليب المقدس ، وكما يفعل الكاهن بحضور المؤمنين معه في سر الإفخارستيا حيث تقدِم على مذبح الكنيسة . بالأعتماد على سر ولغة الصليب تُرِض البشارة بين الأمم بشجاعة حكماً نقدياً على واقع عالمنا ، وتميّز بين ما هو باقٍ حقاً وما يصيبه الزوال .

المسيحيون يفتحون صلواتهم وإحتفالاتهم بإشارة الصليب التي تربط بها إعتراف ثالوثي ، وفي كل الكنائس يتوجه نظر المؤمنين إلى الصليب ، فعندما ننظر إلى الصليب سنجد القوة والأمل في الخلاص ، لأن في الصليب كنوز لا تفنى ، نجد فيه الحب والقوة والفخر والفرح ، لكن ليس من دون آللآلام ، بل بالرغم منها ، وبهذه الأمور البسيطة يجد سر الصليب مكانه الحقيقي وأهميته في حياتنا المسيحية . والصليب هو تاج لمعابدنا المقدسة وراية أيماننا . أخيراً نقول لربنا المصلوب :

بصليبك المقدس خلصت العالم


184
خميس الأسرار يوم غسل الأرجل والقلوب
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://f.top4top.io/p_15506a98d1.jpg
( إن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض )
خميس الأسرار ، عيد من أعياد الكنيسة المقدسة يسبق عيد الفصح ، وله أسماء كثيرة ، كخميس الفصح ، والعشاء الأخير ، و العشاء السري ، و خميس العهد الذي يسبق جمعة الآلام . في تلك الليلة قضى يسوع الساعات الأخيرة مع التلاميذ ، وتلك الساعات كانت فاصلة بين الرب الإله المتجسد  ومع تلاميذه اللذين لم يدركوا أقواله حتى في اللحظات الأخيرة وهم في البستان ، لهذا لم ينفذوا طلبه بالسهر معه في البستان في الساعة الأخيرة ، بل أستغرقوا في سبات النوم .
في ليلة خميس الأسرار ، غسل يسوع أرجل الأثني عشر ، فماذا كان يعني بغسل أقدام تلاميذه ؟
أولاً علينا أن نتحدث قليلاً عن موضوع غسل أرجل الضيوف الذي كان عادة يهودية قديمة . كان الزائر يُستَقبَل بأحترام منذ دخوله في الباب الخارجي فيبدأ خادم البيت بغسل أقدام الضيف . في ذلك الزمان لم تكن الأحذية المستخدمة تحافظ على كل أجزاء القدم ، بل كانت على شكل صندل مربوط بسيور ، قال يوحنا المعمدان (  ... لست أهلاً أن أحل سيور حذائه .. ) " لو 16:3 " . إضافة إلى كون الشوارع والطرقات غير معبدة أي ترابية  صيفاً وطينية شتاءً . والجلوس في البيت كان أتكاءً على الحائط وعلى أرض مفروشة ، لهذا كان يجب تنظيف الأرجل قبل الدخول ، فكان الضيف يشعر بأحترام ، وقد كانت تطهر بطيب أو تدهن إذا كان فيها جروح ناتجة بسبب السير في الطرقات الوعرة داخل وخارج المدينة . علينا أن لا ننسى أيضاً مثل السامري الصالح الذي غسل وطهر ودهنً جروح الغريب .
https://l.top4top.io/p_15501xh2x1.jpg
عاتب الرب يسوع سمعان الفريسي عندما كان ضيفاً في بيته ، قائلاً ( ... إني دخلت بيتك ولم تقدم لي ماء لغسل قدمي ! ... أنت لم تدهن رأسي بزيت ! أما هي فقد دهنت قدمي بالعطر ) " لو 7: 44-46 " بهذا فضح يسوع رياء وقلة محبة سمعان له قياساً بمحبة اللإمرأة الخاطئة في بيته التي قامت بغسل أرجله بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ودهنتها بالعطر وقبلتها بسبب محبتها لسيدها ، وقد ثمن يسوع أيمانها في المثل الذي قاله لسمعان وقدّرَهُ بعشر أضعاف إيمان صاحب البيت .
موضوع غسل الأرجل قديم جداً في المجتمع اليهودي ، لم يكن يقوم بهذه الخدمة سيد البيت ، بل الخادم الذي هو واجب من واجباته ، لهذا نقرأ في الكتاب المقدس بأن أبينا أبراهيم لم يغسل أقدام ضيوفه الثلاثة ( الرب مع ملائكته الأثنان اللذان أرسلهما لتدمير سادوم وعمورة ) ، بل قال لهم أبراهيم ( ... دعني أقدم لكم بعض ماء تغسلون به أرجلكم وتتكئون تحت الشجرة .. ) " تك 4:18 " . كذلك يوسف الصديق لم يحضر ماءً لغسل أرجل أخوته الأعزاء القادمين من أرض بعيدة ، بل شمعون أخيه قَدّمَ لهم ماءً ليغسلوا ارجلهم " تك 24:43 " . إذاً يسوع السيد والمعلم أخذ دور الخادم ليخدم تلاميذه بغسل اقدامهم ، لهذا أمتنع بطرس من غسل أرجله لأنه يعلم بأن هذا العمل لا يليق بالسيد بل بالخادم . أنحنى يسوع أمام أرجل تلاميذه أولاً ، لأن العمل يحتاج إلى الأنحناء ، لكن ليس الجسد فقط ، بل الفكر أيضاً ، أي الإتضاع الكامل  ، نتيجة محبة المتضع للآخر . غسل يسوع أقدام الأثني عشر بما فيهم يهودا الأسخريوطي رغم علمه المسبق بخيانته ، لكنه استمر بمعاملته كباقي التلاميذ ليس ضعفاً منه أو عدم علمه بما يقوم به ، بل بسبب عدالته ومحبته للجميع إلى آخر لحظة ، وفي اللحظة الأخيرة في البستان عندما تقدم إليه الأسخريوطي لحظة تسليمه بقبلة الخيانة ، قال له يسوع ( يا صاحب ) ولم يقل يا خائن . يسوع غسل أرجل تلاميذه لتواضعه ولمحبته لهم ولكي يتعلموا هم درس التواضع ، لهذا قال ( تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ) " مت 29:11" .
على العشاء بعد غسل الأرجل كشف يسوع سر خيانة يهوذا عندما أعطى له اللقمة التي أغمسها ، بعدها أنفصل عنهم يهوذا منطلقاً لتنفيذ مخطط الخيانة .
بسبب محبة المسيح لتلاميذه أصبح لهم كالخادم فطهر أرجلهم لكي يتطهر جسدهم كُلُهُ وكأنه إستحمام . قال لبطرس الذي طلب أن يغسل رأسه أيضاً ( من أستحم صار كله نقياً .. ) " يو 10:13 " وهذا الغسل ليس لغرض الجسد فقط ، بل للنفس أيضاً وكأنه عماد ، لهذا قال لهم ( أنتم الآن أنقياء ... ) " يو 3:15" . طهرهم لكي ينطلقوا للتبشير لأجل تطهير البشرية من بؤس الخطيئة بنشر بشرى الأنجيل بينهم  . كما أمرهم الرب يسوع بعد الغسل بأن يغسلوا أرجل بعضهم بعضاً " 15:13" . إذاً لم يغسل أرجلهم فحسب ، بل عقولهم وقلوبهم أيضاً فعلمهم المحبة والتواضع نازعاً منهم حب الذات والكبرياء والتسلط الذي كان متعشعشاً في عقولهم إلى آخر أيام خدمته معهم ، طلب أبني زبدي حول جلوسهم على يمينه وعلى يساره غير دليل على أنانيتهم . فالمطلوب من كل من يريد التتلمذ في مدرسة المسيح أن يتحمل أثقال أخوته بالمحبة ، ليحملوا هم أيضاً أثقاله كما حمل سمعان القيرواني الصليب عن المسيح في طريق الجلجلة .
هكذا أعد المسيح تلاميذه للأنطلاق في خدمة التبشير بأقدام طاهرة ( ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام ... ) " رو 15:10 " .
تم إعداد أقدام التلاميذ للتبشير بعد تطهيرها بالماء كما يتطهر المعمد الداخل إلى المسيحية والذي يستحق تناول السر الثاني مباشرةً وهو سر القربان المقدس ( الأفخارستيا ) لأن خطاياه قد غفرت بالمعمودية ، إذاً تلاميذ المسيح أستحقوا بعد غسل أقدامهم بأن يتناولوا جسد ودم المسيح الذي قدمه لهم بعد الغسل . كان ذلك التناول الأول في كنيسة الرب الذي قدم لهم جسده الطاهر على شكل خبز . ودمه على شكل خمر ، قائلاً لهم ( هذا هو جسدي ) ( هذا هو دمي ) وهكذا طهر قلوبهم وأجسدادهم في ذلك اليوم وأسس في تلك الساعة سر الأفخارستيا ، ثم قال لهم ( أعملوا هذا لذكري ) أي أسس سر الكهنوت أيضاً في نفس اليوم ، لهذا " عيد الكهنة " يصادف في هذا اليوم المبارك .
بعد قيامته من بين الأموات نفخ فيهم نفخة الكهنوت المقدس لكي يكون لهم سلطان لمغفرة الخطايا . كل هذه الأسرار أسسها يسوع في خميس العشاء الأخير لهذا يسمى بخميس الأسرار ، وكل أسرار الكنيسة المقدسة أسسها الرب يسوع  . مجداً لاسمه القدوس .



185
يسوع أقام لعازر المنتن لأنه واهب الحياة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
(أنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا) " يو 26:11 "
خصصت الكنيسة المقدسة يوم الجمعة الأخيرة من الصوم الكبير تذكاراً لأقامة يسوع صديقه لعازر من بين الأموات . وفي الأحد التالي تحتفل بيوم النصرة يوم دخول الرب الى أورشليم ، وبعدها تدخل الكنيسة في أسبوع الآلام المقدس .
كان لعازر من قرية بيت عنيا القريبة من أورشليم ، أخواته مريم ومرثا اللواتي تحدثنا مع المسيح أكثر من مرة ، أما لعازر فلم يدوّن لنا الأنجيل أي حديث له مع الرب أو الرب معه لأنه كان ينتمي إلى مدرسة الصمت والأصغاء إلى صوت الرب كما كان البتول مار يوسف .
أنفرد الرسول يوحنا في سر قصة أقامة لعازر من بين الأموات ، أما الأناجيل الأزائية الثلاثة فلم تذكر شىء عن هذه المعجزة .
كان الرب يسوع يحب عائلة لعازر التي كانت تستقبل يسوع وتلاميذه في بيتها وتقدم لهم الخدمة وتستمع إلى كلمات رسالته السماوية . ومن ذلك البيت كان يسوع ينطلق إلى أورشليم .
عندما أقتربت ساعة يسوع لكي يسلم نفسه طوعاً للموت ، أراد أن يثبت لليهود والعالم بأنه هو المسيح المنتظر ، وهو الإله واهب الحياة ، وله سلطان حتى على الموت . فأحيا الموتى وأحيا نفسه ، فغلب الموت بموته .
قبل موت يسوع مَرِض صديقه لعازر ، وبدأ المرض يهدد حياته وفي وسط تلك الآلام أرسلت مريم ومرثا رسالة إلى يسوع لكي يحضر لينقذ حبيبه لعازر فجاء في تلك الرسالة ( يا سيد هوذا الذي تحبه مريض ) عندما نتأمل بهذه الكلمات نلتمس عدم وجود طلب إلحاح يأمر المسيح بالحضور رغم شدة المرض ، والسبب يعود إلى فهم الأختين لرسالة المسيح ظناً منهن من أن تكون خدمته في نشر الأنجيل أكثر أهمية من طلبهن ، وبالرغم من العلاقة التي بين الجانبين . فمريم هي التي دهنت الرب بالعطر ومسحت قدماه بشعرها ( يو 2:11) وهي التي جلست عند قدميه في دارها لكي تستمع إلى أقواله عندما كانت تخدمه مرثا . لكن رغم تلك العلاقة كان الطلب لا يتعدى حدود أخبار المسيح بالمرض فقط ، علماً بأن المسيح يعلم بكل شىء وحتى وإن لم تصل له الرسالة لأنه الإله العالِم بكل الخفايا ، لهذا عندما مات لعازر قال لتلاميذه ( لعازر حبيبنا رقد ) . لم يرد على الرسالة ، ولم يشأ الذهاب لأنقاذه من المرض ، بل سمح للموت لكي ينال منه . وبعد موته أخبر تلاميذه بأن لعازر قد نام ، لم يقل مات . وكذلك قال للذين كانوا يبكون وينوحون على بنت يائيرس رئيس المجمع المائتة ( لا تبكوا ، لم تمت ، إنما هي نائمة ) " لو 52:8" . لماذا كان يسوع يدعوا الموت نوماً ؟ الجواب ، لأنه كان يقلل من حجم الموت فيسميه نوماً أو رقاداً ، ولكونه قادراً أن يعيد الحياة لمن يشاء وكما أعاده للشاب الوحيد لوالدته الأرملة . كما كان يقصد في قوله أنه نائم وذلك لكي يخفف من ثقل الحزن على أهل الميّت . .
أكمل يسوع الحديث مع تلاميذه قائلاً ( لكني سأذهب لأوقضه ) . إذن المسيح لن يذهب إلى لعازر عندما كان مريضاً ، بل أنتظر موته لكي يصل إلى قبره بعد أربعة أيام . وبعد ذلك قال لتلاميذه " لعازر مات " وكيف علم بأنه مات ؟ لأنه في لاهوته كان يعيش كالحاضر الغائب ، وأنه إله موجود في كل مكان ، لهذا كان يعلم بموت لعازر دون أن يخبره أحد .
عدم وجود يسوع في بيت عنيا لشفاء لعازر كان خيراً للتلاميذ لكي يقوّي إيمانهم بعد أن يروا المعجزة . كان بأمكانه أن يشفيه بكلمة منه عندما قرأ الرسالة دون أن يذهب ، لكنه أراد أن يموت لكي يكرمه ويعمل له الأفضل وهو أعطاءه بركة الأقامة من بين الأموات ولكي يكون خبر أقامته تأثيراً وسبباً لأيمان الكثيرين . وبهذا يثبت المسيح قوته وقدرته في أيامه الأخيرة وسلطانه ولاهوته للجميع بأنه هو الإله الخالق . أما سبب بقائه أربعة أيام فلكي يتحدى معتقد اليهود الذين كانوا يؤمنون بأن روح الميت تحوم حول الجسد ثلاثة أيام ويمكن أن تعود اليه لهذا قصّد بأن يقيمه في اليوم الرابع لكي يقطع كل الحجج ، أضافة إلى أن الجثة تبدأ بالتفسخ وكما قالت مرثا ليسوع ( يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام ) ومن الناحية الطبية نقول بأن كل خلية في جسد لعازر قد ماتت وأنقطعت كل الآمال ولا مجال للعلم أن يعطي تفسيراً أو تبريرا لعودة الحياة إلى تلك الجثة إلا إذا خلق من جديد . فنقول هل أقام الرب يسوع لعازر ، أم خلقه من جديد وأعاده كما كان ؟ الجواب ، خلقه لكي يقوم بكامل عافيته وبرهن لكهنة اليهود وللعالم وللتاريخ بأنه الرب الإله واهب الحياة . وكذلك سيفعل مع كل الموتى في يوم القيامة العظيم . قال القديس أوغسطينوس ، يسوع يشير بقيامة الأشخاص الثلاثة الذين أقامهم إلى قيامة نفوسنا لكي يهبنا القيامة والخلاص .
أبنة يايرس ، لم يناديها بأسمها لكي تقوم " مت 9" ولا أبن ارملة نايين " لو 7" بينما لأقامة لعازر صرخ بصوت عظيم ، لماذا ، هل ليسمع لعازر في القبر ، أم ليسمع كل الواقفن ويجذب إليه أنظارهم وأفكارهم ؟ أما لماذا ناداه بأسمه " لعازر " فيقول القديس أغسطينوس : لو لم يقل يسوع " لعازر " لكان كل الأموات الذين في القبور قد قاموا ، وهكذا في يوم القيامة عندما ينادون الموتى بالقيامة فذلك الصوت سيسمعه كل الموتى ويقومون .
كان لإقامة لعازر تأثيراً كبيراً في المجتمع اليهودي ، فكثيرون من اليهود الحاضرين في وقت أقامته آمنوا بالمسيح ، أما البقية الباقية فلن يؤمنوا لقساوة قلوبهم فذهبوا بالخبر إلى قادة اليهود الذين قرروا الأجتماع في مجمعهم لكي يخططوا لقتل المسيح بسبب أعماله الخارقة ، وآياته الكثيرة وخاصةً بسبب أستقطاب الناس أليه ، وهذا ما أخافهم ، فقالوا ( ماذا نصنع ، بأن الإنسان يعمل آيات كثيرة ؟ ) وهذه المعجزة تفوق كل المعجزات ولا يمكن مقارنتها بغيرها من المعجزات لأن لعازر المنتن قد عاد إلى الحياة والناس يتحركون نحو المسيح لكي يبايعوه ، وهذا ماحصل في يوم دخوله إلى أورشليم راكباً على جحش أبن أتان ، وبدأ قادة اليهود يخافون على مناصبهم وسلطانهم وهيبتهم ، لهذا حولوا الموضوع إلى سياسة فقالوا عنه ، يريد أن يصبح ملكاً . هكذا ولأجل التخلص منه كانت هذه حجتهم لبيلاطس بأن يريد أن يصبح ملكاً ونحن لا ملك لنا إلا قيصر رغم كرههم لقيصر وللأستعمار الروماني . وكل هذا الأعتراف والتنازل أمام بيلاطس كان لأجل التخلص من وجود المسيح بينهم . كذلك أقنعوا الشعب الذي بايعه بمقاومته بقولهم لهم ( أن تركناه هكذا ، يؤمن الجميع به ، فيأتي الرومان ، ويأخذون موضعنا وأمتنا ) لهذه الأسباب قرروا الخلاص من يسوع ، وكذلك قتل لعازر أيضاً لأن وجوده في الوسط اليهودي خطير لهذا يقول الكتاب ( فقرروا رؤوساء الكهنة أن يقتلوا لعازر أيضاً ، لأن كثيرين من اليهود كانوا يهجرونهم بسببه ويؤمنون بيسوع ) " يو 12: 10-11 " .
ختاماً نقول : المسيح هو واهب الحياة لأنه هو ( الطريق والحق والحياة ) لهذا قال لمرثا ( أنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا ) " يو 27:11 " كما كرر كلامه ، فقال ( ألم أقل لك أن آمنت ترين مجد الله ؟ ) " يو 41:11 " فنادى يسوع لعازر بصوت عالٍ قائلاً ( لعازر أخرج ) سمع الميت صوت الله ، وهكذا سيسمعون كل الموتى صوته في يوم القيامة لكي يقوموا من قبورهم .
خرج لعازر والأكفان تشّد جسده والمنديل رأسه ، فأمر يسوع لمن حوله ( حلّوه ودعوه يذهب ! ) وهكذا تم أطلاق لعازر من قيود الكفن وقيود الموت ومن سجن القبر لكي يحيا مع المسيح وفي المسيح الذي أقامه ، ونحن أيضاً سيقيمنا في يوم الدينونة الأخير لكي نجتمع معه على السحاب فنبقى معه إلى الأزل في السماء ، قال الرسول بولس ( أما نحن ، فإن وطننا في السموات التي منها ننتظر عودة مخلصنا يسوع المسيح ، الذي سيحول جسدنا الوضيع إلى صورة مطابقة لجسده المجيد ، وفقاً لعمل قدرته على إخضاع كل شىء لنفسه ) " في 3: 20 -21 " .
ولربنا يسوع المسيح المجد دائماً

186
إبنة ستالين بين تجاذب الشهوات إلى التوبة والإيمان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://j.top4top.io/p_1534qznt21.png
سفيتلانا أبنة الماريشال جوزف ستالين زعيم الإتحاد السوفيتي السابق . ولدت سنة 1926 وهي أصغر أبنائه ، والبنت الوحيدة لوالدها . توفي أخوها الغير الشقيق ياكوف خلال الحرب العالمية الثانية في الأسر عام 1941 ، كما توفي شقيقها الثاني فاسيلي في عام  1962  في موسكو بسبب إدمانه على الكحول .
https://b.top4top.io/p_15348o6181.jpg
كَتَبت سيرتها الصاخبة التي تحتوي على أخبار سقطاتها المتلاحقة ، وتوباتها العابرة . وسفراتها الكثيرة وزواجاتها المتكرر ، وإنجابها البنين والبنات ، وذلك في كتابها ( عشرون رسالة إلى صديق مجهول ) تروي فيها إعترافاتها صراحةً ، عَرّت بها نفسها أمام القراء من كل ما فعلت في حياتها كإعتراف علني ، في منزل والديها ، والمدرسة ، وفي أثناء سفراتها ، والمال بين يديها تنفقه بدون حساب . كانت من النساء الشهوانيات الفالتات في دنيا الهوى منذ وجودها في بيت والدها الزعيم ستاين وزوجته الثانية أمها التي تزوجها وهي في السادسة عشر من عمرها وهو في السابعة والثلاثين . سبق وأن دخل جوزف ستالين إلى الكلية الأكليريكية ليصبح كاهناً ، لكنه أنقلب إلى دكتاتوراً سفاحاً وعدواً للمسيحية حتى أنه حرّمَ ذكر أسم الله والمسيح في بيته وفي كل روسيا وبلدان الإتحاد السوفيتي الخاضعة لسلطته . كما رفض تعميد أولاده في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية . هذا الذي راح يصّفي خصومه السياسيين الذين كانوا يزاحمونه على السلطة ، فَضَحت ستيفلانا في كتابها جرائم والدها قبل وأثناء رئاسته وحتى وفاته عام 1953 .
https://e.top4top.io/p_153481pkm1.jpg
كتبت ستيفلانا في أحدى رسائلها ( تَرَبينا على يد والدين ملحدين كمدرسة علمانية مثل كل مجتمعنا المادي في العمق والملحد ، بحيث لم يكن أحد يتحدث عن الله مطلقاً ) . جدتي لأبي كانت قروية شبه أمية ترَملت باكراً ، لكنها كانت تغذي ثقتها بالله ، وكانت تقّية وعاملة تحلم بأن تجعل من أبنها كاهناً ، غير أن حلمها لم يتحقق لأن والدي هجر الأكليريكية في الحادية والعشرون من عمره . وكذلك جدتي لأمي كانت تحدثنا عن الله بكل سرور ، ومنها سمعتُ لأول مرة كلاماً عن النَفس وعن الله ، وكان الله بالنسبة لها مصدر الحياة . والدتي كانت في خصام مستمر مع والدي . صدرَ بياناً رسمياً بأن والدتي ماتت بإلتهاب في الزائدة ، أما هي فتركت لنا رسالة بأنها أنتحرت برصاصة في القلب أثر خِلاف حاد مع ستالين . كانا يتحابان ، ويتباغضان في الوقت عينه ( لم يستطيعا أن يعيشا معاً ، ولكنهما لم يستطيعا أن يعيشا منفصلين رغم عدم وجود سلام وهدوء في المنزل إلا في أثناء غياب أحدهما . قالت عنهما صديقتها زوجة الرفيق مولوتوف ( لم يكونا زوجين كاملين ، ولكن يا لهما من زوجين ! ).
   بدأت سفيتلانا وهي في السادسة عشر من عمرها بمغامرات عاطفية مع الموسيقار اليهودي ( ألكسي كابلر ) وكان يزيدها من العمر مرتين ، فكان يصحبها إلى المسرح والرقص والغناء ، ويقدم لها الكتب الخاصة بالحب والجنس ، فهامت به وبمواهبه فكان لها الأكثر حُباً وخبرة على وجه الأرض ، وهذا ما كان يسحِرها . عاشا معاً حياة رومانسية وعلاقات جنسية دون أولاد ، أنتهت بإلقاء حبيبها في مخيّم الإعتقال من قبل والدها ، وهي تلقت صفعتين موجعتين من يده .
بعد ألكسي كابلر راحت تراود الشاب ( سيرج بن بيريا ) رئيس البوليس السري ، ورفيق والدها ، إلا أنه لم يتجاوب معها ، فتحولت إلى يهودي آخر يدعى ( غريشا مدروزوف ) موظف عادي ، فولدت له إبناً ودعته ( جوزف ) بإسم والدها ، ولكن تهديدات والدها الديكتاتور فتحت باب الطلاق والإنفصال . ثم كان زواج آخر مؤقت من شخص عادي اسمه يوري ، ولدت له ( كاتيا ) وانتهى الزواج الذي دام سنتين .
أصيب ابنها جوزف بمرض شديد ، فكان ذلك تحولاً في حياتها ، وفي عام 1953 تيتمت سفيتلانا بوفاة والدها الزعيم جوزف ستالين فاستبدلت أسم عائلته بعائلة أهل والدتها الليوييفا.
في تلك المرحلة الحافلة بالزواجات الفاشلة والمآسي العائلية ، استفاقت على الإلتجاء إلى الله والصلاة من أجل شفاء إبنها جوزف ، فكتبت في أحدى رسائلها :
( للمرة الأولى في حياتي ، وأنا في السادسة والثلاثين من عمري ، طلبت إلى الله أن يشفيه ، فسمعني وشفاه . ولم أكن أعرف الصلاة بما فيها صلاة " الأبانا " لكن الله صالح ولم يكن له إلا أن يستجيب صلاتي ) . وأضافت ( من المحزن جداً أن نعيش بدون الله في القلب ) . ورغم ذلك ظلت مترددة بين تجاذب الشهوات الجنسية ودواعي الآخرة . بعد مرور فترة من الزمن ، أجتاحها شعور بحضور الله في حياتها يدعوها إلى الإيمان والتوبة الصادقة ، قالت ( فطلبت من بعض أصدقائي أن يرافقوني إلى الكنيسة لأقبل سر المعمودية على الطقس الأرثوذكسي في 20 أيار 1962 ، فكان فرحي كبيراً بالتعرف إلى المسيح على الرغم من جهلي الكلي للعقيدة المسيحية ) .
تعمدت بطريقة سرية عن الأهل والأصدقاء في عام 1967 .
 إختارت إبنة ستالين الحرية الغربية فغادرت موسكو إلى بلاد الله الواسعة ، إلى لندن ، ومنها إلى الهند ، ثم إلى سويسرا ، ومنها إلى أميركا حيث تجنست وتزوجت للمرة الرابعة وأصبحت أماً لثلاثة أولاد ( بنتين وصبي ) ، ولم تلبث أن طلقت زوجها الأمريكي ، وبقيت أحدى بناتها معها . سافرت إلى إنكلترا حيث أعتنقت المذهب الكاثوليكي . وكانت الفترة تراودها بشدة في الولايات المتحدة الأمريكية ،  كما كتبت : ( بدا لي أن إمكانية حياة عادية هادئة قد بلغتني ، لكن الأضطراب والمرارة قد أستوليا عليّ ، فأنتهى الأمر بالطلاق ، وكانت حياتي الروحية مضطربة كحياتي كلها ، إذ وجدتني أمام ديانة مسيحية أميركية متعددة المعتقدات وأنا كنت في حاجة إلى أن أكتشف أين هي الديانة الصحيحة في وسط تعددية الطوائف ، كان لي تَيَهان فكري في الدين ، أتصلت بالمراسَلة بكاهن كاثوليكي إيطالي ، ومعه أخذت أتقرب من الكنيسة الكاثوليكية ... واسهمت المطالعة الدينية والأتصالات الشخصية بمؤمنين كاثوليك فتقربت أكثر وأكثر من الكنيسة الكاثوليكية ).
في سنة 1976 ألتقيت في كاليفورنيا بعائلة كاثوليكية ( روز ومايكل ) فأمضيت في منزلهما سنتين ، فتقواهما وإهتمامهما بي وبأبنتي قد حَرَكاني نحو العمق ، لقد أصبحت أبنة ستالين قريبة جداً من الهدف الذي تسعى إليه . صادفتها بعض الصعوبات ، منها إنها تخاف أشتهار أمرها وإنتشار الخبر ، إذ كانت وسائل الإعلام الأمريكية تلاحقها وتترصدها .
بعد خمس عشر سنة في أميركا أنتقلت إلى لندن ، ومنها إلى كمبرج التي تم فيها أرتدادها النهائي الراسخ ، كتبت ( في يوم مصقع من أيام كانون الأول 1982 ، كان عيد القديسة لوسيّا من أسبوع الميلاد الذي كنت دائماً أحبه تحقق القرار المنتظر منذ زمن بعيد بأني دخلت حضن الكنيسة الكاثوليكية في بادىء الأمر ، نظراً لجذورها الأرثوذكسية ، أستصعبت مسألة الأعتراف السري عند الكاهن ، إى أنها تغلبت على هذه الصعوبة : أما القربان فكان لي ضرورة حياة ... كما إني كنت أعتقد بأن حب مريم العذراء هو شأن يخص الفلاحين والمزارعين السذج من أمثال جدتي ، غير إني عدت فاقتنعت بها فقلت : من كان يستطيع أن يكون محاميَّ الوحيد سوى أم يسوع ؟ فهي التي قربتني منها ، هي تلك المباركة بين النساء ، والتي تطوبها جميع الأجيال ... ) .
كانت روسيا تناديها للعودة إليها ، ففي سنة 1984 عادت إلى موسكو ، فاستقبلت إستقبالاً رائعاً ، وقدمت لها الدولة منزلاً فخماً تقيم فيه مع ابنتها . وبعد سنة تعِبَت من المدينة فكتبت إلى الرئيس ميخائيل غورباتشوف ( لست مرتاحة ، موسكو لا تعجبني ، لم أكن أتصورها هكذا ، أريد أن أعيش في جورجيا أرض والدتي ، وأن أضع ابنتي على أتصال مع شعبها ) فجاءها الأمر بالإنتقال إلى العاصمة تفليس حيث شعرت بارتياح وحيث يمكن لأبنتها أن تتابع دروسها ويكون لها رفاق وأصدقاء . وبعد مدة قصيرة احتقرت الكرامات والهدايا . وفي أوائل نيسان 1986 ، غادرت بلادها ومسقط رأسها بصورة نهائية .
في الختام تبين بأنها ذهبت لتقضي فترة حياتها التائبة في دير للراهبات المحصّنات في إيطاليا عاكفة على أعمال التوبة وكتابة مذكرات حياتها الصاخبة التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي . ثم عادت إلى مدينة ويسكنسن الأمريكية لتقضي حياتها الباقية في دار للمسنين حيث توفيت في 22 تشرين الثاني 2011 عن عمر 85 عاماً ، مزودة بالأسرار المقدّسة ، وأذاعت وسائل الإعلام العالمية نبأ انتقالها من هذه الحياة الفانية إلى ملكوت الآب السماوي .
المصادر
1-   كتاب المرتدون شهود الحقيقة – الجزء الثاني   للأب أغناطيوس سعادة 
2-   تقارير عن ابنة ستالين على النت مع الصور
 



187
مار يوسف مدرسة الصمت والإصغاء

بقلم / وردا إسحاق قلّو

الصمت والإصغاء هي علاقة بين المؤمن والخالق كالصلاة ، لا وبل هي أمتداد لعمل الصلاة ، حيث في وقت الصلاة يبتعد المؤمن عن هموم هذه الدنيا ومصالحها لكي يزداد قرباَ من خالقه ، فهموم العالم تُعكر تفكير الإنسان بالله وبالحياة الأبدية ، والبعيدين عن الله كثيرين غارقين في مشاكل هذه الدنيا التي لا طائل منها . فطوبى للعيون التي تتوجه نحو الرب وتبصره ، وطوبى للآذان التي تسمع صوته رغم الأنهماك في الأعمال الدنيوية . اذاً الصلاة هي الوسيلة المثلى للتحدث الى الله بها يفتح الإنسان قلبه وفكره ليصارح خالقه لأجل الإقتراب منه ولمعرفته والوصول اليه ومن ثم الإتحاد به بالشعور بيد الله القوية العاملة بذات المؤمن . المُصلي هو المتحدث الى الله , فمتى يستطيع الله أن يرد الى المتحدث اليه ؟

أولاَ وقبل كل شىء يجب أن نثق بالله بأنه يسمع صلواتنا وعلينا أن نسلم ذواتنا له بثقة كاملة ونقول له كما قالت أمنا مريم : (....فليكن لي بحسب قولك)" لو 28:1" . كل أنواع الصلوات تدل على الكلام مع الله أي نحن نتحدث وهو يصغي . فمتى نستلم الجواب اذاً ؟ متى نجلس أمام قدميه لكي نستمع الى كلامه كما فعلت مريم أخت مرثا ؟ للحصول على الرد ، علينا أن ننتمي الى مدرسة الصمت والإصغاء لكي نصغي الى جواب الرب .

مدرسة الصمت والأصغاء هي صلاة من نوع آخر ، فيها نصغي الى صوت الخالق لكي نتعلم منه لأنه إلهنا ونورنا , فما علينا الا أن نقول له كما قال النبي صموئيل ( تكلم يا رب وعبدك يصغي) " 1 صم 10:3" . يكون المُصلي في هذه اللحظات في حالة سكينة وصمت ، هذا الصمت الذي قيل عنه بأنه صوت الله لمن يفهمه, فمن يريد التأمل بالله عليه أن يلتزم الصمت ويصغي . هكذا سيهجر العالم الخارجي لكي يدخل الى عالمه الداخلي حيث يجد فيه السكينه والهدوء والسلام هكذا سيجد نفسه وجهاَ لوجه أمام الله الذي هو نبع الحياة . قال باسكال عن الصمت:

( أن مصائب الأنسان ناجمة عن كونه لا يتجاسر على الأختلاء بالصمت في غرفته) . الرب يضع في النفس الصامتة السلام والرضا فيشعر الأنسان بالقوة والسعادة والطمأنينة لأنها مؤمنة بأنها في لقاء خاص مع الخالق فتبقى مشغولة به دون أن نعرف كيف ,أما العقل والمخيلة والشعور الداخلي لا تستطيع فصلها من فرحها وسعادتها وتعمل لكي لا ينطفي فيها نور الله وكما قال الرسول بطرس على جبل التجلي, بأن لا يغادر المكان وبصمت لأن الله كان المتحدث في التجلي.أن من يستطيع الأرتقاء الى هذه المرحلة والى هذه النعمة المعطاة من الله له لا يشعر في تلك اللحظات بأنه على الأرض , لأن محبة الله جعلت تلك النفس كأنها من سكنة السماء . الله يتحدث الينا في تلك اللحظات من خلال روحه القدوس العامل فينا وفي الكنيسة المقدسة فعلينا أن نسمع الى صوت الله الصادر عن طريق آبائنا الروحيين وهو يحثنا للأصغاء اليهم بقوله : ( أصغوا الى أقوالهم ) وكما أمرنا الآب لكي نصغي الى صوت أبنه بقوله: ( هذا هو أبني الحبيب الذي عنه رضيت فله أسمعوا )"مت 5:17" . أما الأبن فيقول لنا ( أن الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أياه. لن يعطش أبداَ...) " يو 4: 3-14" و " يو 37:7" وهذا هو صوت الروح في الكنيسة الذي يقول لنا : (من سمع فليقل تعال أيها الرب يسوع. ومن كان عطشان فليأت . ومن كانت له الرغبة فليستحق ماء الحياة مجاناَ) " رؤ 17/22" .

سر نجاح المؤمن هو في اصغائه لصوت الرب وعليه أن يميز هذا الصوت في حياته اليومية ويجب أن يعرف ذلك الصوت بسرعة ويصغي اليه أنه صوت الراعي الصالح , وخرافه يعرفون صوته ويتبعوه . قد يكون ذلك الصوت منخفض وخفيف لكن المتدرب على سماعه يشعر به عن طريق ضمير أيمانه , أنه يميز كل صوت غريب يعارض مشيئة الله في حياته , أو يأتي بتفكير لا يناسب معتقداته الروحية , فيشعر بالخطر لأن صوت الرب يوقضه.

اذاَ صوت الصمت صلاة وفضيلة لمن يمارسها من أجل اللقاء مع الله وبمقدار حُبّهِ للصمت يبتعد عن هذا العالم ليقترب الى العالم الآخر فيزداد حكمة بقربه من الله الذي يريدنا أن نصغي اليه أكثر من الكلام اليه فيعود الى النفس المزيد من الفوائد فتبتعد تلك النفس من الوقوع في خطايا وتجارب , هكذا ستنال أحترام الناس ومحبتهم. واذا اراد المؤمن أن يتكلم فينبغي أن يكون له هدف صالح ونية طيبة بناءة فتحل حكمة الله عليه بدلاَ من الأندفاع والطياشة البشرية, لأنه منتفع من كلام الله الصادر اليه وهو في حالة الأعتكاف والأصغاء وفي هذه الأثناء يستطيع أن يقدم الى الله طلبات دون أن ينطق بكلمة وبأيمان راسخ فيستجاب له كما أستجاب يسوع لحاملوا المخلع "مر 5:2" . وكذلك لنازفة الدم التي لمست ثوبه دون أن تنطق بكلمة "مر 28:5" وكذلك دموع الخاطئة وطيبها " لو 7: 37-38".

الحياة الروحية تبدأ بمخافة الله , كما قال الكتاب المقدس ( رأس الحكمة فخافة الله) " أم 10:9" حيث بسبب تلك المخافة ستُطبّق وصايا الله , لكنه عندما يمارس الحياة الروحية ويصبح قريب من الله لا وبل صديقاَ له فيمتلأ من محبة الله فلا يعود يهابه أيضاَ أن الله سيسكن فيه ويسلم ذاته له , هكذا سيشعر بالمتعة والأمان فيزول الخوف فتبرز المحبة والقوة فيطرح الخوف خارجاَ.هكذا أستطاع الآباء الرهبان القديسين أن يعيشوا لوحدهم في قلايات ومغاور وشقوق الأرض في الصحاري والجبال لا يهابون المخاطر لعشرتهم مع رب الحياة الذي أحبوه أكثر من العالم , فسلموا له ذواتهم وطبقوا قوله : (أترك كل شىء وأتبعني) لأن محبة هذا العالم حسب قول الرسول بولس عداوة لله.

على كل مؤمن أن يُدرّب ذاته على سماع صوت الرب والأصغاء الى ندائه , وأن لا يهمل ذلك الصوت المنخفض الذي يهمس في داخله. وما أعظم النتائج عندما نعمل بنصيحة الرب ونسير بأرشاداته لأنه النور الذي يضىء ظلمة قلوبنا وأفكارنا . وكلامه سراج لخطايانا أنه صوت الراعي الصالح وكما كتب الشاعر عن هذا الصوت قائلاَ:

صوت حبيبي أسمع حيث هداني أتبع

من أجلي مات بالصليب يا له من حب عجيب

محبة القديسين الفائقة لله لن تجبرهم للأبتعاد أو النفور من الناس , بل كانوا يسمحون للناس بزيارتهم وكانوا الزائرين يطلبون صلواتهم وشفاعاتهم . كذلك كان أولئك القديسين يتجولون في الكنائس والأديرة ويلتقون بالمحتاجين اليهم ، أو يؤسسون مدارس قرب الأديرة لتعليم التلاميذ وخدمتهم. الوحدة مع الرب والأبتعاد عن العالم أو الموت عنه ليس عملاً سلبياً أو أنانياً بل هو عمل أيجابي , الغاية منه للتقرب من الله والأتحاد به والأبتعاد عن مصادر التجارب. هذا هو الهدف من الوحدة فهناك قديسين مثل مار أنطونيوس الكبير ومار أثناسيوس الرسولي قضي كل منهما ثلاثين سنة في قلايته المغلقة لن يروا فيها وجه أنسان أختبروا فيها ثمار السكون والخلوة الكاملة مع الله والتحرر من العالم الباطل فأمتلأ ذهنهم من الله وحده, وفي مذاق السكون يحيا الأنسان في الصلوات. السكون سيعلم الأنسان كل شىء وهكذا تخرج صلاة الى الله من قلب المؤمن دون أن تتحرك الشفاه أو اللسان وبعد ذلك السكون تأتي فترة السماع لرد الرب في داخل الأنسان والتمتع به حيث الله سيعطي المصلي قوة وأنتصار وحكمة ومواهب .

أذاً ما على المصلي الا أن يعطي لله قلبه, انما يعطيه فراغه والله يملأه حتى يفيض وحتى يقول كفانا ( ملا 10:3) . هكذا عاشى القديسين مع الله والروح في أجسادهم أو في خارجها حيث تخطف لكي تصبح حرة طليقة مع الله , وقد أختبر قديسين كثيرين هذه الحالة فعاشوا في الروح تاركين الجسد والنفس لوحدها كما عاشها الرسول بولس فقال : ( في الجسد أم خارج الجسد ؟ لست أعلم , الله يعلم ) " 2كو 2:12" . وكذلك الرسول يوحنا الحبيب قال عن نفسه ( ..., فأخطفني الروح يوم الرب, فسمعت خلفي صوتاً كصوت البوق يقول: أكتب ما تراه.....) "رؤ 10:1" وهكذا عاش قديسين كثيرين وعيونهم مفتوحة صامتين صائغين الى الله وهو يكشف لهم أسراراً كثيرة وهم في حالة روحية, أنهم لم يهربوا من العالم, بل أرتفعوا على مستوى العالم فكان هذا سر عظمتهم وسر أعجاب الناس بهم والأعتراف بقدسيتهم. فمن كان له آذان للسمع, سيسمع ما يقوله الروح للكنائس .على الأنسان أن يضبط لسانه لأن الذي يتحدث كثيراً , يخطأ كثيراً والعكس هو الأفضل وكما يقول الكتاب في" أم 19:10" ( كثير الكلام لا يخلو من معصية و أما الضابط شفتيه فعاقل) . أما الرسول يعقوب فقال في " 19:1" ( يجب على الأنسان أن يكون سريعاً الى الأستماع بطيئاً عن الكلام...) لهذا كان المرنم يطلب من الله أن يضع باباً حصيناً لشفتيه لكي يتكلم قلبه مع الله , وكما قال رجل روماني ( سكّتْ لسانك لكي يتكلم قلبك مع الله) .

الأنجيل المقدس يعطي لنا أمثلة كثيرة عن مدرسة الصمت والأصغاء حيث لا ينطق المنتمي اليها كلمة واحدة لأنه سلم ذاته بكليتها الى الله والله يوعظ فيه وهو يسمع اليه فيقوده الى الكمال الروحي . هذه المدرسة بدأت في العهد الجديد منذ بدايته وأفضل مثال ومدرسة لنا هو القديس البتول مار يوسف خطيب مريم الذي لم ينطق ببنت شفة في الأنجيل المقدس بل كان صامتاً أمام أرادة الله وكان في صمته جواب لله , ورساثل الله له عن طريق الملاك كثيرة وكان جوابه للملاك الصمت أي الخضوع والرضى لما يقوله الله له , وهكذا خدم الرب والعذراء بسكوت دون أن يتفوه بكلمة واحدة وكما نرى أن الأنجيل لن يُدوّن لنا أي كلام له ولم يناقش الملاك عندما قال له في الحلم : ( لا تخف أن تأتي بأمرأتك مريم الى بيتك )" مت 8:1" ولم يعرض له شكّهِ بمريم الحامل , لم يرد على ملاك الرب كما ردّ زكريا الكاهن. وهكذا لم ينطق يوسف البار بكلمة عندما قال له الملاك خذ الصبي وأمه الى مصر . وكذلك بالنسبة الى أمر العودة الى أرض الوطن وأخيراً لم يتحدث الى يسوع ليعرف سبب بقاءه في الهيكل بل كانت المتحدثة مريم عندما قالت : ( يا بني لم صنعت بنا ذلك ؟ ) لكن وحسب العادات والتقاليد الأجتماعية اليهودية ووجود يسوع في الهيكل بين العلماء الرجال كان على يوسف أن يتكلم كرجل مع الرجال أضافة الى كونه رب الأسرة . السبب اذن يعود الى أن يوسف قد أدرك سراً فكان يعمل به لخدمة أبن الله ومريم بالصمت وهكذا كانت حياته كالناسك الذي يعيش في القلاية بعيداً عن الأحداث , فما كان عليه الى الأصغاء والتنفيذ بكل أيمان. كما نجد في الأنجيل المقدس طالباً آخر أنتمى الى هذه المدرسة وهو لعازر, الصديق المحبوب للرب الذي أقامه من بين الأموات. كان لعازر أخ مريم ومرتا اللتان تحدثتا كثيراً مع يسوع فسجل لنا الأنجيل الكثير عنهما لكن لن يسجل عن لعازر أي كلام رغم العشرة الطويلة مع الرب الذي كان يحبه وبكى لأجله ( 35:11) . كما لم نسمع من لعازر حتى كلمة الشكر للرب وهو خارجاً من القبر بعد القيامة وبعد أن نهض من رباط الكفن .

علينا أن ندرك أهمية مدرس الصمت والأصغاء ونفهم رموزها ودلالاتها ونفهما لكي نستطيع أن نعيشها . هذه المدرسة تعلمنا الأصغاء الى صوت الله من خلال معلمينا ومرشديننا الروحانيين وعلى كل مؤمن أن يلجأ ويعيش بسكينة الصمت والأصغاء الى الله الذي هو معلمنا الأعظم فيعطي لنا الكثير , أكثر مما نقرأه أو نتحدث به , لأننا في حالة الصمت والأعتكاف نموت عن هذا العالم لكي نحيا في الرب الذي نعطي له ضعفنا ونأخذ منه القوة والنعمة والصبر وحياة روحية جديدة وبسخاء وكما يقول الرسول يوحنا ( ليس بكيل يعطي الروح ) " يو 24:3" . فالذي يريد الخير والراحة لنفسه فعليه أن يبحث عن الله وكما قال داود النبي الذي أكتشف هذه الحقيقة وعاشها : ( أما أنا فخير لي الإلتصاق بالرب) " مز73" .


188

الفضائل الإلهية الثلاثة
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرسول بولس ( أما الآن ، فهذه الثلاثة باقية : الإيمان والرجاء والمحبة ، ولكن أعظمها هي المحبة ) " 1 قور 13:13 "
هناك سبع فضائل . الأربعة منها تسمى بالفضائل الأدبية الأساسية والتي تناولناها في موضوع عنوانه ( الفضائل الأدبية الأساسية في حياتنا ) وهي ( الفطنة ، والعدل ، والقوة ، والقناعة ) . ولكل إنسان تقي أن يقتنيها وحتى وأن كان غير مؤمناً . تطرق عليها الفلاسقة اليونانيين . والآن علينا أن نتخطى نحو الأمام لكي ننظر إلى فضائل أخرى إلهية هي ( الإيمان والرجاء والمحبة ) وهي الفضائل المميزة والباقية التي ترتقي بالمؤمن نحو الكمال الروحي . تناول موضوعها القديس بولس في رسالته إلى أهل قورنتوس إصحاح (13) وفي رسالته إلأولى إلى أهل تسولونيقي . قدمها لنا في وحدتها التي لا تتجزأ ، فقال ( لا ننفك نذكر ما أنتم عليه من نشاط الإيمان وجهة المحبة وثبات الرجاء بربنا يسوع المسيح ، في حضرة إلهنا وأبينا ) " 1 تس 3:1" . كما كتبوا عن هذه الفضائل آباء الكنيسة الأوائل ، كذلك نجدها في التعاليم المسيحية . وهذه الفضائل تميّز المسيحي الذي يتوشّح بصفاةالفضائل الأدبية والتي تأتي من التربية التي يكوّنها الإيمان والرجاء والمحبة . وهذه الفضائل الثلاثة تُشكِل الجواب الإجمالي على الله الثالوث الذي يكشف عن ذاته بيسوع المسيح ,
لنتناول كل فضيلة لوحدها لنصل إلى مبتغاها لندرك أهميتها في حياتنل المسيحية :
1- الإيمان : هو الرضى الذي نبديه لله الذي يكشف عن ذاته ويحضر لنا ويوّجه إلينا كلامه . إن فعل ( آمن ) وأسمه ( الإيمان ) يردان بتواتر في العهد الجديد ، لأن الإيمان يرسم لنا نقطة الإنطلاق نحو الله ، فالمؤمن بالله يعلن إيمانه ، ويقول ( أؤمِن ... ) والذي يعني الإقرار بالإيمان الشخصي وإعلانه على الملأ . فكل المؤمنين في الكنيسة يعلنون إيمانهم في الأحتفال الإفخارستي . أو في صلاة شخصية . والإيمان لا يأتي من عند الإنسان ، لأنه بقدراته لا يستطيع إكتشاف حقيقة الله ، بل الإيمان هو هبة من الله للإنسان ليعترف قائلاً ( نعم ) كما قال الكثير من أنبياء العهد القديم ، وقالتها مريم للملاك . فالإيمان هو الأساس الذي نرتكز عليه ، لأن بدونه لا شىء فينا من الله . فإن لم يكن لنا الإيمان نظل منغمسين في الشكوك والخطيئة ، وبعدم معرفة الله . فمن متطلبات العماد هو الإيمان أولاً . وإن كان المعمّد طفلاً يجب أن يكون أهله مؤمنين معمدين وبإرادتهم يقدم الطفل للعماد ، والأشبين يقول عنه ( آمين ) وهو يكررها عندما يكبر قبل تناوله سر الأفخارستيا . فعندما يعيش الإنسان في الإيمان المسيحي فسيحيا في الفضائل الإنسانية وينعش في أعمال الخير النابعة من إيمانه . ومن الصعوبات التي تترتب على المؤمن سببها عدم تغذيته للأيمان الحقيقي ، والإيمان يتعرض للتجارب التي هدفها دفعه نحو الإنحدار والإنحراف والسقوط . لذا يجب دعم الإيمان بالصلاة وقراءة الكتب المقدسة والمشاركة في الأسرار الكنسية ، هكذا يتطهر الإيمان ويحافظ على أستقراره ونموه ، بل يتقّوى ليصبح أكثر نقاءً ، وبه نكشف وجه الله في حياتنا .
2- الرجاء : للمؤمن المسيحي هدف فعليه أن يعيش في رجاء ، والرجاء هو أمتداد المؤمن نحو المستقبل ، والثقة بأن المستقبل سيتحقق له بدون شك ، لهذا الرجاء يحتاج إلى صبر وثبات واللتان تدعمان الأنتظار ، فرجاء المؤمن يأتي من فوق ، من الله المعطي للمواهب . إذاً الرجاء فضيلة إلهية ليس أصلها أرضي ، بل سماوي ، لهذا لا تنمو هذه الفضيلة إنطلاقاً من حياتنا الشخصية ، أو من تعليمنا أو من قوة إيماننا أو من ذكائنا ، إنما الله هو الذي يهديها لنا لكي نعيش في أستسلام كلي بين ذراعي الله الذي يفيض فينا هذه الفضيلة وينميها ، لهذا فضيلة الرجاء تجعلنا مشاركين في حياة الله نفسها . وهو سر لا يوصف ولا يمكن شرحه بدقة لأنه يفوق التمييز ، لهذا السبب قال القديس بولس (فإننا قد خلصنا ، إنما بالرجاء ، ولكن الرجاء متى رأيناه لا يكون رجاء ، فما يراه الإنسان لماذا يرجوه بعد ؟ ) " رو 24:8" . والرجاء الذي لنا من الله وعطاياه لا نستطيع أن ندرك مزاياه بقدراتنا الحسية كما ذكر بولس في رسالته ، قال ( ما لم تره عين ، ولا سمعت به إذن ، ولا خطر على قلب بشر ذلك ما أعده الله للذين يحبونه ) " 1قور 9:2" . فالرجاء إذاً هونوع من قوة المعرفة الحدسية بصورة خارقة العادة ، ونحن بقدراتنا لا يسعنا أن ندرك الخير اللامحدود الذي ينتظرنا . الرجاء يدفعنا نحو فضيلة أسمى وهي فضيلة المحبة ، أي يدفعنا نحو الله و ( الله محبة ) لنلتقي به بشخص يسوع الذي سيأتي كملك ومعه أورشليم السصماوية ، أي الحياة الجديدة مع الله ، وما نرجوه هو أن نحيا إلى الأبد معه في حضن مجد الآب ، وفي ملء هبة الروح . وهذا موضوع الرجاء المسيحي .

3- المحبة : هي أسمى الفضائل الإلهية وأعظمها . الله خلق الإنسان لكي يحب ، وهناك علاقة بين المحبة والحب المسيحي ، فالمحبة المسيحية ترتكز على وحي نابع من ذات الله ( الثالوث ) والتي تستقر في يسوع المتجسد . فالله أحبنا ونحن خطتة وجاد بأبنه الوحيد " يو 16:3" فأعادنا إلى ما قبل الخطيئة ، لهذا قال يسوع ( كما أحبني الآب ، فكذلك أحببتكم أنتم أيضاً . أثبتوا في محبتي . إذا حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي ، كما أني حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته ... وصيتي : أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم ) " يو 15: 9-11 " . ومن هذا النص نفهم محبة الأقانيم الثلاثة في بعضها ، محبة الآب للأبن . المحبة التي هي شخص الروح القدس . ثم محبة الإبن لنا ، وتتجاوب معها محبتنا للأبن ( اثبتوا في محبتي ) وبعدها تاتي المحبة التي بها نحب بعضنا بعضاً . إلا أن كل شىء يأتي من محبة الله التي عبّرَ عنها يسوع المسيح . المحبة هي وصية الله لنا لكي نحب الله أولاً ( طالع مر 12: 29-30 ) والقريب ثانياً ( مر 31:12 ) وبهتين الوصيتين نكمل الشريعة . وفي العهد الجديد علمنا يسو أن نندفع إلى ما هو أعمق في موضوع المحبة ، فيطلب منا أن نحب أعدائنا أيضاً ( لو 27:6 ) هذه هي الأشكال الثلاثة للمحبة ( محبة الله ، محبة القريب ، محبة العدو ) قد نراها منفصلة بعناوين مختلفة لكننا نحتاج إلى عوان واحد فقط ، بل إلى كلمة واحدة وهي ( المحبة ) لكي نعيش كاملين أمام الله والبشر . إذاً لا أيمان ولا رجاء بدون محبة . فمحبتنا للعدو يجب أن تسبقها مغفرة مجانية . ولأجل المغفرة نحتاج إلى قوة للأندفاع إلى تنفيذها والتي تأتي من صليب المسيح الذي هو المسيح أولاً غفر على الصليب صالبيه . فالحب الإلهي يصحح ويشجب جميع إنحرافات الحب البشري حيث تتسرب الأنانية والإنغلاق وحب الذات .
أخيراً نقول : قيل ( حين تمر الفضيلة بمحنة ، والرذيلة تزدهر يصبح البشر ملحدين ) من دون شك ، هذا هو العائق الأعظم في وجه الإيمان بالله والرجاء بخلاصه وبمحبته للبشر . المحبة هي من الله ومنه تنشأ وتنمو فينا لكي نحب الجميع كما أحب يسوع الصغار والكبار والفقراء والخطاة والبرص والمرضى والأعداء ، هكذا يجب أن نقتدي بالمسيح الذي مات من أجل الجميع ، والذي يريد المزيد من المحبة فعليه أن يذهب إلى الأبعد من المحبة البشرية ، والتي تنبع من محبة الله الأزلية وتمتد نحو الأبدية إلى الخير الحقيقي فائق الطبيعة ، والمطلق للذين يعيشون المحبة .

189
الفضائل الأدبية الأساسية في الأيمان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( الفطنة – العدل – القوة – القناعة )
الفضائل مفردها ( الفضيلة ) والتي تعني الإستعداد الثابت لصنع الخير فيسمى صاحبها الإنسان ( الفاضل ) الذي يعمل أعمالاً صالحة ، لأنه يمد يده دائماً نحو عمل الخير بإرادته وقوته وبكل فرح .
أتت كلمة الفضيلة من العالم اليوناني ، وإننا نجدها في الفكر الفلسفي لسقراط ، كما يقدمها أفلاطون وأرسطو ، والقديس أمبروسيوس تحدث عنها مستنداً إلى كتابات شيشرون ، لهذا لا ينبغي أن نستهين بالحكمة الوثنية الكبيرة , كما أننا نجدها في الأسفار التي دوّنت باللغة اليونانية كسفر الحكمة ، حيث جاء ( إذا كان أحد يحب البر ، فأتعابها هي الفضائل ، لأنها تعلّم القناعة  والفطنة  والبر  والشجاعة  التي لا شىء للناس في الحياة أنفع منها ) " حك 7:8" .
في العهد الجديد لدينا الفضائل الإلهية الثلاث وهي ( الإيمان والرجاء والمحبة ) وهي فضائل متميّزة التي كتب عنها القديس بولس في رسالته الأولى أهل تساولونيقي " 3:1" قال ( لا ننفك نذكر ما ،تم عليه من نشاط الإيمان وجهد المحبة وثبات الرجاء بربنا يسوع المسيح ، في حضرة إلهنا وأبينا ) . لكن بالإضافة إلى هذه الفضائل هناك أربعة فضائل أخرى يتوشح بها المؤمن وهي ( الفطنة والعدل والقوة والقناعة ) والتي تسمى بالفضائل الإنسانية ، تأتي من نفس التربة التي يكوّنها الأيمان والرجاء والمحبة .
وهذه الفضائل السبعة معاً تقد لنا الصورة الكاملة للإنسان المؤمن الذي يحظى بملء إفتداء يسوع الرب وتضرم القلب ليصبح الإنسان روحياً . فلنتناول الفضائل الإنسانية الأربعة لنتعرف على أهميتها في حياتنا المسيحية :
1-   فضيلة الفطنة : تنشأ هذه الفضيلة في الإنسان نتيجة ممارسة التمييز ، والذي به يعتاد الإنسان إلى إصدار الأحكام بموضوعية وبحسب إرادة الله . وتكمن في الغريزة الروحية التي تدفعنا إلى إتخاذ قرارات صائبة ، فلا تقبل أن نقبل كل شىء على علاّته ، بل أن نغربل الأخبار قبل أن نصدر أحكامنا وقراراتنا . فالفطنة تنشأ فينا لأنها ثمرة الروح القدس ، وتحتاج الفطنة المسيحية الى الصمت والهدوء لكي تلد منها الحكمة التي تعالج كل المواقف في حياتنا . فبطرس الرسول استخدم فضيلة الفطنة والتميّز عندما أصغى إلى الروح القدس الذي كلمه في رؤيا وهو يصلي فوق السطح ، لهذا أصدر قراراً جريئاً تحدى به الشريعة اليهودية فدخل إلى بيت ترنيليوس الوثني بكل شجاعة ليعلم البشرى السارة له وللوثنيين ولأول مرة ، ومنحهم سر العماد . هكذا نحن أيضاً يجب أن نستخدم هذه الفضيلة في حياتنا المسيحية .
2-   فضيلة العدل : العدل ضروري في حياة المجتمعات كافة وهو الذي ينظم العلاقات بين البشر ، فالجميع مدعوين لبذل طاقاتهم في سبيلها ، فإذا كانت كلمة ( الفطنة ) نادرة الوجود في الكتاب المقدس ، فإن كلمة ( العدل ) نقرأ عنها في العهدين كثيراً . تقول الآية : ( لا تجوروا في الحكم ، ولا تحاب وجه الفقير ، ولا تكرم وجه العظيم ، بل بالعدل تحكم قريبك ) " أح 15:19 " وكذلك طالع ( مز 111و112 ) فالعهد القديم يعتبر هذه الفضيلة مهمة في تكوين النظام الإيجابي لبناء الخير وتنظيم علاقة البشر مع بعضهم ومع الله ، فعلى الإنسان أن يكون عادلاً وكاملاً .
أما في العهد الجديد فنقرأ عن فضيلة العدل ، يقول ( أيها السادة عاملوا عبيدكم بالعدل والمساواة ... ) " قول 1:4" . العدل هو الميزان الذي يعطي كل أمرىءٍ حقه ، وهكذا فأن للعدل قيمة أجتماعية بها يُعترَف بحقوق الجميع ، فالعدل يمس نوعاً ما حقوق كل إنسان . كما للعدل بعداً إلهياً ، فإذا كان على الإنسان أن يكون عادلاً ( فعدل الله ) هو الصفة التي بها يبقى الله أميناً للعهد . فإن الله لا يكتفي بأحترام حقوقنا ، بل يخلصنا من ظلم العبودية والمتسلطين ، وهو المنتقم من الذين يعملون ضد العدل . فالعدل الإلهي الذي ينبع من الله ، ينفخه الله في قلوبنا ، إنه مصدر رحيم للخلاص ، كما إنه يتجاوز العدل ليغفر للخاطىء التائب ، ويعلمنا العهد الجديد أن نتسابق في طريق العدل . قال ( إن لم يزد بركم على بر الكتبة والفريسين ، لا تدخلوا ملكوت السموات ) " مت20:5" . وهكذا تعليمنا نحن أيضاً يجب أن نتجاوز خط العدل المألوف لكي نستطيع أن نغفر حتى لأعدائنا ، ونصلي من أجلهم ، فيقول ( أحبوا أعداءكم ، وصلوا من أجل مضطهديكم ) " مت 44:5" وهذا هو العدل المدهش الوارد في أقوال الرب يسوع .                                                                    العدل تجاه الله يسمى ( فضيلة الديانة ) أو التقوى ، فيتوقف الأمر إذاً على عدل خاص نمارسه تجاه الله . فالديانة هي العدل الذي يعرف إنه مدين ليقدم لله من طاعةٍ وسجودٍ وتسبيح وحب وإكرام . الديانة فعل عدل ، دون الوصوا إلى إلغاء الدين ، يعبّر عن ذاته بمواقف عميقة وصحيحة ، مثل التسبيح ، والصمت الداخلي ، والإصغاء ، والشكر . الله مَثَلنا الأعلى في العدل والمساوات ، الذي يجري لنا العدل نحن الفاسدين والخطا والمساكين ، هو الذي يغفر لنا لكي نحن نغفر لمن يخطأ إلينا لنتصالح مع الجميع ، وبعدها من حقنا ان نقول له ( ليأتِ ملكوتك ! ) .                                
3-   فضيلة القوة : القوة فضيلة أدبية تدفع الأنسان إلى الثبات في الصعوبات وتوَلي المثابرة لعمل الخير ، وتجعل الإنسان قادر على عمل الصلاح في كل الظروف . القوة تحررنا من الخوف والغصة والقلق . وفي ساعات الظلم والألم . ولممارسة فضيلة القوة ميدان واسع جداً ، لأن هذه الفضيلة ضرورية في مجالات كثيرة لمقاومة التهديدات، والتغلب على الخوف ، ومجابهة الملل والضجر والحياة الصعبة . لذلك فالقوة هي إحدى الفضائل الإنسانية الأدبية المهمة ، وعلى كل شخص أن يهتم بتربيتها وممارستها كما تتيح لنا هذه الفضيلة إلى التغلب على الخوف من الموت . فالشهداء الذين اندفعوابأرادتهم إلى الأستشهاد متحدين الموت بقوة مسلحة بالجرأة والجسارة والأيمان الذي تحدى بطش الأعداء ، بل تحديهم لهم أدى إلى أستسلام الكثيرين منهم للأعتراف بإيمانهم بالرب الذي يعبده أولئك الأبطال . وهذه القوّة عبّر عنها الرسول بولس ، قائلاً ( بأن هنا الكنز نحمله في آنية من خزف ... يضيف علينا من كل جهة ... تقع في المآزق ... نطارد ... نصرع ... ولكننا نقاوم لتظهر في أجسادنا الفانية حياة المسيح أيضاً ) " 2قور 4: 7-11" . فالأستشهاد يعبّر عن القوة المسيحية تعبيراً أسمى . غنه الفعل الأمثل للقوة المسيحية . أخيراً نتأمل بيسوع القوي الذي تحدى كل القوى الظالمة وهو على الصليب ، لأن القوة موهبة من الروح القدس تنشأ من الصليب ، ومن عمل الصليب نستمد القوة ، لأن الصلوب كان هو الله المتجسد .
4-   القناعة : .فضيلة من الفضائل الأساسية التي هي الطاقة الخاصة بإرضاء الغرائز والأشواق الشخصية بصورة متزنة وبأعتدال . وتنضَم إليها فضائل أخرى عديدة يمكن فهمها بشكل أسهل : السيطرة على الذات ، النظام والقياس والتناسق ، والإتزان ، وضبط النفس ، وهذه كلها تصرفات ذات أهمية كبيرة . ومصدر القناعة هو الأقتداء بسيرة يسوع المسيح لكل نتشَبّه بالله فنعيش في رضى وقناعة بالروح الذي يقودنا إلى الله ، وهذا يتم بالأقتداء بالمسيح لأنه هو نموذج الأتزان وضبط النفس ، فيه نجد بهاء القناعة ، وفي قديسيه ، فالقديس فرنسيس الأزيزي كان مقتنعاً برغيف خبز واحد لكل يوم ، ومحباً للجميع وحتى للمخلوقات الحيوانية والجامدة . فالقناعة هي فضيلة أدبية التي تلطف إغراء اللذات وتجلب الأتزان والسيطرة على الأرادة والغرائز وتحفظ الرغبات ضمن حدود النزاهة ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية / العدد 1809 ) كما علينا أن نمارس القناعة في حياتنا اليومية ، كقناعة في إدخار الأموال ، وفي تناول الطعام ، واللباس ، والمسكن ، والقناعة في تنظيم الغرائز الجنسية ( طالع رسالة بولس إلى أهل رومة ) لأن الأمر هنا يهدف إلى الألتزام بالعفة وحفظ الحواس من أجل الأرتقاء نحو القداسة .     
           أخيراً نقول : القناعة تضع لنا ميزاناً لأستخدام الخيرات المادية كالمال ( أما الذين يطلبون الغنى والمال ، فانهم يقعون في تجارب كثيرة ، والى شهوات كثيرة وعميقة تجردهم من كل ما هو صالح و تدفعهم إلى الشر والهلاك . وحب المال أصل كل الشرور ) " 1 طيم 6: 9-10 " .
 ومن القناعة نحصل على ضبط النفس لكي نعيش حياة مستقرة ومتزنة ومنعشة وفي هدوء وسلام ، بعيدين عن رغبات الجسد الكثيرة وشهواته . لهذا تقول الآية ( لا تتبع ميولك ورغباتك ، وفي شهواتك لا تسلك ) " سير 2:5 " . أما بطرس الرسول فكتب عن القناعة قائلاً ( كونوا عقلاء قنوعين ، لكي تقيموا الصلاة ) " 1بط 7:4" .
                                   ولإلهنا القدير كل المجد
ملاحظة : إلى اللقاء في مقال آخر عن الفضائل عنوانه ( الفضائل الإلهية الثلاثة ) .

190
كنيسة العائلة ودورها في التنشئة
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( لأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة بأسمي فهناك أكون في وسطهم ) " مت 18:20"
العائلة المسيحية هي نواة الكنيسة المقدسة ، بل هي كنيسة صغيرة ، ومدرسة للتعليم والتأديب والتهذيب والصلاة . فيها يتربى الأطفال في كنف العائلة المؤمنة . فالزوجان يجب أن يعيشا حياة طاهرة مع الميسح الذي هو ثالثهم . والثلاثة هم واحد ( ما جمعه الله لا يفرقه إنسان لأنهما جسداً واحداً ) يصبحان جسداً واحداً موحداً مع المسيح الذي باركهم في سر الزواج المقدس . والمسيح هو باني ذلك البيت وحافظه لأنه إن لم يبني الرب البيت فباطلاً تعب البناؤون " مز 1:127" وبوجود المسيح في العائلة يحل السلام والإيمان والحكمة . ولكي تكون العائلة أكثر وفاءً للمسيح فيجب أن يكون لها مذبحاً عائلياً للصلاة التي تطهر البيت من أفكار عدو الخير . طبعاً هنا ليس المقصود بالمذبح كمذبح الكنيسة الذي تجرى عليه تقديم الذبيحة الألهية . بل مذبح البيت تقدم عليه الصلوات والتراتيل وتتلى كلمة الله كل يوم أمام أفراد العائلة ومن أكثر من سفر ، كما يتم شرح كلمة الله لكي تدخل في القلوب والعقول فترشد الجميع إلى حياة القداسة ، وكما يقول المرنم ( كلمتك سراج لخطايا ونور لسبيلي ) " مز 105:119 " وكلمة الله ترشد الجميع إلى طريق الخلاص الأبدي . ومن دراسة كلمة الله كل يوم يتربى الجميع وخاصة الأطفال حياة الصلاة كل يوم ، وبسبب الصلاة يتبارك البيت وأهله ، ويدرك الأبناء أن للصلاة قوة تصنع آيات كما يقدمون لله طلباتهم الخاصة . إضافة إلى صلوات المخدع الفردية ، وهكذا يتعلم الأبناء معنى الصلاة وأهميتها ومعنى الخشوع أثناء الصلاة . ومذبح البيت مهم ومطلوب لأن الله يريد أن نقدم له التسبيح ونرفع له الصلوات في كل حيت ، وليس في الكنيسة فقط . هكذا تنمو الفضيلة بين أبناء العائلة فيتعلم الأبناء مخافة الله منذ نعومة أظافرهم . لذلك يقول الحكيم ( أدِب أبنك فيريحك ويعطي نفسك لَذّات ) " ام 17:29" تعليم وصلوات العائلة هو غذاء روحي مهم ومطلوب ، وهو أهم من كل تعليم لأنه يسلح الأولاد بالسلوك الحسن ، والقوة ، ويضعهم في المسار الصحيح نحو الهدف ومتهيئين للمصاعب والتجارب فلا يهابون من الضيقات والإضطهاد ومن مشاكل هذا العالم ، يتلذذون بحمل الصليب كل يوم ،  بل لا يهابون من الموت .
كذلك في مدرسة البيت ينبغي قراءة سيرة القديسين والشهداء الأبرار كيف قدموا أجسادهم للموت طوعاً من أجل نشر كلمة الله والدفاع عنها ونشرها . كما يجب أن يكون الزوجين مثالاً صالحاً لأبنائهم فس سلوكهم وإيمانهم ومحبتهم لبعضهم وللآخرين ، مع التدريب على فضيلة ضبط النفس في أوقات الضرورة كما يقول الرسول بولس ( من يجاهد بضبط نفسه في كل شىء ) " 1قور 25:9 " والذي يساعد الزوجين على محاربة الغضب هو ضبط النفس وأساسها المحبة التي تتحمل كل شىء ، والمحبة التي ربطهم في الزواج المقدس تحفظهم في القداسة ، لأن المحبة تتأنى وترفق وتتحمل كل شىء ، وتصبر على كل شىء " 1 قور 13: 4-7" . وهكذا سيتحمل كل عضو في العائلة ضعفات الآخرين بسبب الوداعة والمحبة التي يعيشها المؤمن .
 ومن مذبح العائلة سيتعلم الجميع سر التوبة والمصافحة والمصالحة ، ومن ثم ممارسة سر التوبة والأعتراف المتواتر . وهكذا يرشد الزوجين الأبناء إلى أب الأعتراف لكي يتناولون جسد الرب ودمه في الكنيسة بأستحقاق . وهكذا سيؤدي الزوجان دورهما الحقيقي في مدرسة العائلة ويصبحا قدوة ناجحة لأبنائهم متحملين المسؤلية الكبرى لتربية الأولاد أكثر من الكنيسة لأن البيت هو المدرسة الأولى التي ينمو فيها الطفل أيمانياً ، ويسوع سيتمم عملهم ويثبته عندما يشترك جسده بأجسادهم ، ودمه بدمائهم في سر الأفخارستية وحسب قوله ( من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيّ وثبتُّ فيه )


191
شهود يهوه وحدهم يستخدمون لفظة يهوه
بقلم/ ورداإسحاق قلّو
في أسفار الشريعة تسميات عدة لله ، منها ( يهوه ) ويهوه ( الله ) رفض أن يشرك اليهود معه أي إله آخر . لكن تُقرأ في الترجمة اليهودية اليونانية ( كيريوس ) أي ( رب ) . كان اليهود يكتبون أسم ( يهوه ) ولا يلفظونه منذ القرن الرابع ق.م . فكانوا يلفظون عوضاً عنه ( أدوناي ) وهذه اللفظة واسعة الأستعمال جداً في طول العهد القديم ، وترد مرادفة للفظة ( يهوه ) ويهوه هو رب الأرض ، بالعبرية ( أدون ) " يش 11:3 و 13 ) " مز 5:57 " و " ميخا 13:4" . كما تظهر لفظة ( أدون ) إلى جانب لفظة ( يهوه ) بكثرة ( أدون يهوه ) " خر 17:23 و 23:3 " ( أدون يهوه إله أسرائيل " أش 24:1 و 15:3 و 16:10" وفي المزمورين 13:90 و7:114" يستعمل المرنم ( أدون ) بدل ( يهوه ) . وكذلك الأمر في أشعياء ، كما نلاحظ في فص6 ( رأيت أدون جالساً ... ) ( يهوه الصباؤوت ..) ( 3 و 5) ( ثم سمعت صوت أدون " رب " قائلاً ... ) " 8" ... فقلت إلى متى أيها السيد ( أدون ) ؟ فقال ... ) "11" . كما ترد في العهد القديم كثيراً جداً عبارتا ( الله يهوه ) أو ( يهوه الله ) كما ترد مثيلتاهما ( ادوناي يهوه ) وأيضاً ( ادون يهوه الصباؤوت ) " أش 4:3" وعاموس ( 5:9) ( طبعاً في الترجمات الجديدة نجد لفظة ( الرب ) .
بعد هذه المقدمة نقول : أن اليهود انفسهم تخلو عن تسمية ( يهوه ) فلم يترجموا لفظة يهوه إلى اليونانية ، بل ترجموا مرادفتها أي ( أدون ) ( رب ) لهذا لم تظهر قط لفظة ( يهوه ) باليونانية التوراتية . واليهود كانوا قسمين ، أولهما في قلسطين يتكلمون بالآرامية ، والثاني في الشتات ولغتهم كانت اليونانية . فالناطقين باليونانية هم الكثرية ، يكتبون وينطقون لفظة ( كيريوس ) أي (رب ) في كل صلواتهم . المسيحية عندما ظهرت تسلمت من اليهود الناطقين باليونانية العهد القديم اليوناني فوجدوا فيه لفظة ( كيريرس ) فكانوا يطلقونها على الآب وعلى الأبن بدون تفريق .
لفظة (يهوه) قديمة ، أقدم من ظهور الله لموسى المدّوِن في ( خر 3: 14-15) ويهوه هي صيغة فعل المضارع بالعبرية من فعل ( هيه ) أو ( هوه ) وأضيف عليها ( ياء ) المضارعة العبرية لتصبح ( يهوه ) . واليهود ترجموها إلى اليونانية قديماً ( كيريوس ) .
يختصر الكتاب المقدس لفظة ( يهوه ) هكذا ( يا هو ) ، ( يه ) أما ( ياهو ) فموجودة في اللغة الآرامية والتي تعني ( يا ذلك ) .
نقرأ في سفر الخروج ( 3: 13-15) قال موسى لله ( فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم ؟ ) فقال الله لموسى : ( أهيه الذي أهيه ) وعناها ( أنا الذي هو أنا ، أو الكائن الدائم ) وأضاف : ( هكذا تقول لبني أسرائيل : أهيه " أنا الكائن " هو الذي أرسلني إليكم ) .
 الحاخام اليهودي ( زاوي ) ترجم لفظة ( يهوه ) بلفظة ( رب ) . كما ترجم اليهود السبعينيون لفظة ( يهوه ) بلفظة ( رب ) ( كيريوس ) فسار العهد القديم في نهجهم . فكان اليهود قبل الميلاد وبعده يسعون إلى ترجمة لفظتي ( أهيه ) و ( يهوه ) بالأستناد إلى المعنى الفلسفي اللاهوتي الوجودي الذي استنبطوه منهما . ولم يكونوا حرفيين كشهود يهوه الذين يعيدون عجلة التاريخ إلى الخلف 2300 سنة ، هل يعبّرون بهذا عن حبهم وإخلاصهم لليهود أكثر من حبهم للمسيحية علماً بأن اليهود بعد المسيحية لم يستخدموا لفظة ( يهوه ) مطلقاً ؟ الجواب نعم يعبرون عن حبهم وولائهم لليهودية أكثر من المسيحية .
أما في المسيحية فترجمات كل المذاهب لم يذكروا لفظة ( يهوه ) علماً بأن الكنيسة لم تسقط كلمة ( يهوه ) ، بل أعتبرتها تدل على الآلوهه ، فتقول أن الآب ( يهوه ) والأبن ( يهوه ) فيكون أسم ( يهوه ) مستمراً في الكنيسة عبر أسم يسوع المسيح ، لكن لا كإله رهيب مخيف نخشاه كما خشي اليهود أسم ( يهوه ) فأسقطوه من النطق ، بل كإله متجسد حبيب وقريب . عليه فعلق وجودنا كرجاء أوحد وكمخلص علماً أن العهد الجديد لم يذكر لفظة ( يهوه ) أيضاً ، ولم ينطقها يسوع المسيح وحتى آخر دقيقة من عمره قبل أن يسلم روحه استبدل لفظة يهوه بلفظة ( يا أبت ) أي أمتنع في أخطر لحظات عمره عن إستعمال ( يهوه ) . أما بولس الرسول فاستشهد بالآية فقال بدلاً من ( يهوه ) ( الله  الحي الذي صنع السموات والأرض ... ) كذلك استشهد بأسفار اللاويين ، وحزقيال ، وإرميا ، فاستبدل (يهوه) ثلاث مرات فكتبها ( الله ... الرب ... الرب ) فلماذا استبعد يسوع وتلاميذه لفظة (يهوه ) فأبعدوا عنا خطر الدعوات المشابهة لدعوة شهود يهوه اليوم في تلك الفترة .
يا لحكمة الله التي تفوق كل علم ووصفٍ !  

192
صوم في المسيحية … أهميته وغاياته

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكُلِّ كلمة تخرج من فمِ اللهِ ) ” مت 4:4″

بالصوم والصلاة والتأمل بكلمة الرب والطعام يحيا الإنسان روحياً وجسدياً . فالصوم في العهد الجديد ليس فريضة رغم تحديد الكنيسة أوقاتاً للصوم ، بل الصوم هو أحتياج يسعى إليه المسيحي بسبب إيمانه . ففي وقت الصوم يجد وسيلة لضبط الأهواء والشهوات لكي تنسجم حياته مع وصايا المسيح الذي يقوده إلى الصلاح والمحبة ، لهذا يجب أن يعزز الصوم بفضائل أخرى لكي تتم الغاية . لفظة ( صوم ) تبدأ بحرف الصاد ويجب أن ترافقها فضائل أخرى تبدأ بالعربية ب حرف ( الصاد ) أيضاً وهي ( صلاة – صفح – صدقة ) أي أربع فضائل تبدأ بحرف الصاد . لا يجوز الصوم عن الطعام لوحده ، لهذا قال الرب بالصوم والصلاة ، لكن الطعام الذي لم نتناوله في وقت الصوم يجب أن نصدقه للفقير ، كما يجب تطهير النفس في وقت الصوم بالصفح لمن أخطأ إلينا لكي يصفح لنا أبانا الذي في السموات ذنوبنا .

في العهد القديم حدد الله أصواماً لأبناء شعبه المختار . ففي سفر زكريا حدد أشهر الصوم وهي ( الرابع والخامس والسابع والعاشر ) وغايتها لتنظيم العبادة في تلك الفترة . كما نقرأ عن الأصوام التي فرضت على شعوبها ، الصوم الذي صامه اليهود في عهد أستير وموردخاي ( أس 4 ) وصوم عزرا ( 21:8 ) ونحميا ( 1:9 ) وصوم في زمن يوئيل النبي ( يؤ 2 ) .

في العهد الجديد لم يحدد المسيح أوقاتاً للصوم ، ولم يأمر تلاميذه للصوم رغم معارضة اليهود له بقولهم ( لماذا يصوم تلاميذ يوحنا … وكذلك الفريسيين أيضاً ، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون ؟ ) ” لو 33:5″ فقال لهم ( هل يسطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم ؟… ) ” مر 19:2″ فعلاً بدأ تلاميذه بالصوم عندما صعد العريس إلى السماء وحتى حلول الروح القدس عليهم في يوم العنصرة .

 في المذاهب المسيحية الرسولية نجد أصواماً وأعياداً . فالأعياد يستعد لها بالأصوام ، وليس من الأصوام نختمها بالأعياد ، لأن الصوم هو لأستعداد الجسد والنفس للعيد ، وفي العيد يجب أن نتطهر ،  أو للغاية التي نصوم لأجلها . والصوم هو زمن التوبة والمصالحة والفرح ، إنه ليس زمن الحزن لأنه زمن الأرتداد عن الخطيئة ووقت الجهاد ضد الشر . الصوم محبب للنفوس المؤمنة مهما كان ثقله ، أنه أختبار للنفس .

 الصوم مستمر منذ بداية المسيحية فكرته وطقوسه نابعة من الكتاب المقدس والتقليد الكنسي ، الغاية منه هي الأبتعاد ما للجسد والبحث عن ما للروح وذلك بالإنشغال في وقت الصوم بالصلاة والقراءات والتأمل والتراتيل وبكل ما يقربنا من الله ، فيه نصوم من الخطيئة أولاً ومن الطعام ونغفر لمن أساء إلينا ، ونكسر خبزنا للفقير ( أش 58:6 ) إضافة إلى الصلاة المرفوعة في وقت الصوم إلى السماء ، والحضور في بيت الرب . كما للصوم غايات صحية للجسد ، عكس ما يضن البعض . نقرأ عن دانيال النبي الذي رفض قوانين القصرالبابلي في تناول طعام وشراب الملك لكي يظهر بأكثر قوة وصحة ومنظر ، لكنه تحداهم بتناول طعام الصوم من البقول والطعام القليل ورغم ذلك وجدوه يوماً فيوماً بمنظر وصحة أفضل من كل الفتيان في القصر . فالصحة هي هبة من الله لأن المؤمن يتناول أيضاً وصاياه أيضاً فيكتمل الطعام الحقيقي . لهذا قيل ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ) ” مت 4:4″ . فليس الطعام يحيينا ، بل الله يحيينا . كان الرب يسوع جائعاً عندما كان ينتظر تلاميذه على بئر يعقوب فجلبوا له الطعام وطلبوا منه أن يتناول ، لكنه قال لهم ( طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ) ” يو 32:4″  . فعلينا نحن أيضاً أن نهتم بما للروح قبل أحتياجات الجسد ، كما يجب أن لا نسعى لطلبات الجسد على حساب الروح ، ففي الصوم اختبارات ، لا نمتنع عن الطعام بقدر ما نتناول وليمة دسمة من كلمة الله المقدسة لكي نشبع الروح .  الصوم هو غذاء الروح وبه نرتقي إلى عالم الروح ، وقد لا يحدث أبداً بأي طريقة أخرى ، أي الصوم يرتبط بالصلاة من أجل نتائج أفضل لهذا قال الرب لتلاميذه الحائرين في إستخراج الروح النجس من الإنسان ( هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشىء إلا بالصلاة والصوم ) ” مت 21:17″ . إذاً بوسع الصوم أن يحدث ارتقاءً سامياً إلى العالم الروحي .

نختصر كلامنا بالقول : يتدرج الصوم بالأمتناع عما يطيب من الطعام ، ثم الصوم على صعيد النفس والسيطرة على الأهواء ، ومن ثم الصوم على صعيد الروح ، حيث يتجلى التأمل الصومي في أعلى مراحله ، أي تتدرج مراحل الصوم ( البداية من إقتراف الخطايا ومن الطعام ومروراً بالأفكار ، ووصولاً إلى الأرتقاء بالروح ) ولا يمكن للمؤمن أن يفضِّل صوماً على صوم ، فكل الحالات واجبة ومفيدة للجسد والنفس ، وعلينا أن نفكر دائما بالصوم ونعيشه لكي نعود إلى الرب بقلوب صافية متذكرين قوله:

( … ، أرجعوا إليَّ بِكلِّ قلوبكم ، وبالصوم والبُكاءِ والنوحِ ) ” يؤ 12:2″

صوماً مقبولاً للجميع

 

193

وعي وجهل يسوع الإنسان
بقلم / وردا إسحاق قلّو
عاش يسوع سر البنوة الإلهية ، فللبحث ما بين كينونته كإنسان وأبناً لله معاً ، نقول ، عندما كان إنساناً كان عليه أن يقبل كيانه من الله لكي يكون الله مرجعيته ليعيش إنسانيته بعيداً عن علاقته الأزلية مع الله كأقنوم الكلمة . لكن علاقة يسوع الإنسان مع الله تختلف حتماً عن علاقة أي إنسان مخلوق مع الله . لأن يسوع غير مخلوق ، بل أزلي متجسد ، وهو أبن الله الأزلي ، ومن خلال حياته الأرضية تنكشف لنا علاقته الأزلية مع الآب . وبما أنه صار إنساناً فيجب أن يشبه الإنسان في كل شىء خلا الخطيئة ( عب 15:4 ) . هناك مسألتان يجب أن نتناولها بأهتمام في حياة يسوع الإنسان وهي وَعيّه وجهله للأمور .

ففي مسألة وَعي يسوع ومعرفته بالأحداث وحكمته وتعليمه ونبؤاته بالمستقبل كانت تنبع من وحدته الجوهرية مع الآب . فعلمه لم يكن من هذا العالم ، بل تعَلمَه من أبيه السماوي وبحسب تصريحه ( ليس تعليمي من عندي ، بل من عند الذي أرسلني ، ومن أراد أن يعمل مشيئة الله يعرف ما إذا كان تعليمي من عند الله ، أو أنني أتكلم من عندي ) " يو 7: 16-17" .

حياة يسوع كلها تشهد لنا بأنه كان واعياً بعلاقته البنوية مع الآب رغم كونه إلاهاً يعيش في الجسد . فسلطته في الكلام أثناء الحديث كانت تتجاوز سلطة المعلمين والأنبياء . سلطته كانت فوقية ومتميزة ، وكلامه خارق للعقول ومحيّر للأذهان ، كما كان يتميّز عن باقي البشر عندما كان يدعو الله ( ابتِ ) فكان على وعيّ تام بأنه أبن الله الوحيد ، ولم يخفي حقيقته أمام الناس كلياً . كان يزجر الشياطين عندما كانوا يكشفون حقيقته علناً وبكل وضوح ( نعلم من أنت أنت قدوس الله ) وذلك لعرقلة خطته في نشر رسالته كلها في السنين المقررة ، لهذا نراه في أيامه الأخيرة وبعد أنتهاء رسالته أصبح واضحاً أمام الجميع ، ترك أسلوب التحدث بالأمثال ، وبدأ يتحدث صراحةً بأنه هو المسيح أبن الله . عندما كان يعلن سر أقتراب ملكوت الله والذي جعله حاضراً من فترة تبشيره في شخصه وفي أعماله وكلامه ، فكان هدفه منها مصالحة بني البشر مع الله ، ومن ثم يهب حياته من أجل الكثيرين ( مر 24:14) . كان يسوع يَعي بذاته بأنه مرسل من قبل الآب لأجل خلاص العالم ، بدأ به بصورة سرية فأحب جميع البشر وحتى الخطاة وأقترب منهم لكي ينقذهم من الهلاك الأبدي . أنه أحب الجميع رغم نقد قادة اليهود له ، لأنه أراد أن يبذل نفسه من أجل الجميع ( غل 20:2) .

وعن وعي المسيح وعلمه يتحدث عنه اللاهوت المعاصر ويعتبر الأخبار المنقولة لنا عن طريق الأناجيل من شهادات واضحة تخبرنا عن أسرار المسيح بشكل واضح ومفهوم .

أما عن جهله في بعض الأمور ، فالأناجيل تذكر لنا صراحةً أن يسوع كإنسان كان يجهل بعض الأسرار ، كقوله ( أما ذلك اليوم ، وتلك الساعة ، فلا يعرفهما أحد ، ولا ملائكة السموات ، إلا الآب وحده ) " مت 36:24" . كذلك ساعة مجىء الملكوت والتي هي مصير رسالته . وتذكر الرسائل وتقول : مع كون ابن الله متسامياً على الملائكة ، لا يعرف كل شىء ، ويسلِم أمره للآب في فعل طاعة تامة ( طالع " فيليبي 2: 5-11" و " عب 5: 10" .

وإذا كان تواضع المسيح وموته على الصليب شَكاً لنا ، ويمس الصورة التي تنسجها أفكارنا عن الله ، فمن شأنهما أن يدعانا نكشف الوجه الحقيقي له . وجه إله محب بيسوع الإنسان . لقد صرح بأنه لم يستطيع جمع أبناء أورشليم ( مت 37:23) ومن هذا الأخفاق وبالرغم منه بقي أميناً ، وبقي رجل الإيمان الذي قبل ذاته كهبة من أبيه الذي له الملك وإليه يعود تحقيق لمخطط الخلاصي لبني البشر.

أخيراً نقول ، يجب أن نربط بين وعي يسوع وجهله وسلطته . فيسوع من حيث هو ابن الله ، يقبل ذاته بكاملها من الآب إلى حد التألم والتمزق والموت على قمة الجلجلة . كان إنساناً خاضعاً لقوانين الله وبإرادته ومنذ حداثته ، يقول عنه لوقا البشير ( كان ينمو في الحكمة والقامة ) " 52:2 " لكن ذلك النمو لم يقتصر على ما هو للجسد فقط ، بل للروح أيضاً ، وكإنسان كان يملك وجهاً حقيقياً يتجلى فيه حنان الله للبشر . هذا الوجه تم تشويهه على الصليب ، وبذلك الوجه والجسد المطعون ينبغي أن نفتح عيوننا ونتأمل جيداً لكي نصل إلى سر محبة الله للبشر التي تتجلى في سر الفداء .
وليسوع الرب المجد الدائم

194
يونان النبي كان آية لأهل نينوى
https://i.top4top.io/p_1498ryclm1.jpg

وردا أسحاق عيسى القلًو
هوذا أعظم من يونان ههنا ) مت 31:21
يونان بن أمتاي ، من أهل حب حافر . وهو أبن الأرملة الزانية في صرفت صيدا ، طالع 3 مل 18:17) الذي أقامه أيليا من الموت .
وهو أحد الأنبياء الصغار في العهد القديم . ذكره سفر الملوك الثاني في ( 25:14 ) قبل أن يذكر في سفر يونان . صار آية لأهل نينوى ، وبسبب أنذاره لهم آمنوا ، فتابوا ، وصاموا ، ولبسوا المسوح ، فكان لهم الخلاص . وما زال أحفادهم المؤمنون في بلاد ما بين النهرين وبمختلف طوائفهم ملتزمون بهذا الصوم الذي يسمى بصوم الباعوثة ، ولمدة ثلاثة أيام . وهناك الكثيرين يصومون ثلاث أيام متواصلة . تقدم الكنيسة أثناء هذا الصوم صلوات خاصة ترفع الى محضر الرب . كما يصوم أبناء الكنيسة القبطية هذا الصوم الذي يسمى بصوم نينوى ولمدة ثلاثة أيام أيضاً ، يبدأ من 18 – 20 شباط . ويوم الخميس الواقع بعد الصوم مباشرة يقام قداس عيد يونان النبي .

نقرأ في سفر يونان النبي رواية تتناول أمر الله الى يونان لأرساله بمهمة أنذار أهل نينوى الخاطئة . تمرد يونان على الله فرفض تنفيذ الأمر وبصمت وحتى وأن هلك ، مقابل أن يهلكوا أهل نينوى أيضاً . السبب يعود لكونه يهودي لا يدرك محبة الله وخطته الخلاصية لكل الأمم ، فتمرد . وبسبب تمرده أستطاع الله أن يزرع الأيمان في قلوب البحارة على ظهر السفينة التي كانت تقل يونان الى ترشيش ومن ثم في أهل نينوى كلها .

نجد يونان في هذه القصة وحيداً متمرداً حاقداً مكتئباً أنانياً فوصل اليه الأمر الى أن يطلب الموت بسبب يقطينة . وهكذا لم يفهم رسالة الله كما في ( يو 2:4) . أخيراً وفي جوف الحوت الذي حوله يونان الى مكان التأمل والصلاة القلبية ، لا وبل الى منبر، صرخ منه صرخة قوية الى الله يعبر من خلاله عن سلطان الموت عليه وهو في جوف الحوت ، والتي هي صورة بقاء المسيح في باطن الأرض ( لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام ، هكذا يكون أبن الأنسان في قلب الأرض ) ” مت 4:12″ . كما طلب يونان من الرب الخلاص وبصوت شكر وطاعة لكي يتمم أمره فيذهب الى نينوى .

رغم ضعفات يونان الكثيرة أحبه الله فأتصف معه بطول الأناة ، وأراد أن يكون هو سبب خلاص أهل نينوى فلم يفكر بأختيار غيره ، لا وبل كرمه في العهد الجديد أيضاً بقوله ( كما كان يونان آية لأهل نينوى ، هكذا يكون أبن الأنسان لهذا الجيل ) ” لو30:11” .

من خلال قرائتنا لسفر يونان النبي نصل الى نقاط التشابه والتناقض بين يونان والرب يسوع ، نختصرها

١ رفض يونان رسالة الله الى نينوى

١ قبل يسوع الرسالة الى العالم من أجل خلاص البشرية

٢ هرب يونان من وجه الله الى البحربأتجاه ترشيش

٢ أطاع يسوع الله حتى الموت فقال : لتكن لا حسب مشيئتي بل مشيئتك

٣ سبب تمرد يونان على كلام الله ، لكون أهل نينوى أممين لا يهود

٣ يسوع أراد الخلاص للعالم كله فمنح الحياة لكل من يؤمن به

٤ تعرضت السفينة التي أقلت يونان لعاصفة شديدة كادت تحطيمها

٤ تعرضت سفينة الرسل الى عاصفة أستطاع يسوع أن ينتهر الأمواج والأمطار والبحر لكي يكون الهدوء والسلام

٥ رسالة يونان لم تنال منه شيئاً

٥ رسالة المسيح كلفته التعذيب والصلب والموت

٦ يونان أبتلعه الحوت ثلاثة أيام وخرج من جوفه حياً وتائباً

٦ يسوع دفن في القبر ثلاثة أيام لكي يخرج بجسد ممجد . هنا نلتمس بكل وضوح بأن يونان كان رمزاً للمسيح وأكد ذلك الرب بقوله في(مت4:12

٧ أسم يونان يعني الحمامة . القي يونان المتمرد ” أي الخاطىء” في البحر . هنا يرمز الى موت المعمودية فخرج يونان آخر تائباً ومطيع لكلام الله

٧ دخل يسوع في مياه الأردن فحل عليه الروح القدس على شكل حمامة ، وهكذا يخرج من يدخل في ماء المعمودية أنساناً آخر لأنه يولد ولادة جديدة

٨ نقل يونان رسالته الى نينوى بأسلوب التهديد

٨ نقل المسيح رسالته بمحبة وسلام وفرح ، فزرع الملكوت في القلوب

٩ رغم كون أهل نينوى أشراراً فقد قبلوا رسالة يونان التهديدية المجردة من كل معجزة

٩ كانت رسالة المسيح تحمل البشارة وكانت مصطحبة بآيات ومعجزات كثيرة لكن خاصته لن تؤمن به . لهذا فضل المسيح أهل نينوى عليهم ، قائلاً بأنهم سيدينونهم لأنهم تابوا

١٠ تاب كل أهل نينوى فغضب يونان

١٠ الرب يسوع والسماء كلها يفرحون بخلاص كل خاطىء يتوب

ليقبل الرب صومنا وصلاتنا في هذا العام ويزرع السلام وينشر العدل والحرية في العالم وخاصة في بلاد النهرين أرض أبراهيم

 

195
اليهود وشهود يهوه وجهان لعملةٍ واحدة

بقلم / وردا أسحاق قلّو
منذ فترة تبشير المسيح بملكوت الله كان عدوه الأكبر والمقاوم لرسالته هم اليهود ، وكذلك في فترة الرسل أندسوا في المسيحية لتعويج سبل الرب المستقيمة ، فعانوا منهم ارسل مراراً وفي كل مدن اليهودية وخارجها وصولاً ألى أوربا وغيرها . فبولس الرسول الذي كسب أهل غلاطية إلى المسيح أحبوه وتعلقوا به ، لكن اليهود المندسين بين صفوفهم قاوموه بشدة بتعليم آخر لهذا وضع بولس قاعدة شهيرة لكي تبقى خالدة لكل المسيحيين عبر الأجيال ، قال ( حتى لو بشرناكم نحن أو بشركم ملاك من السماء بغير الأنجيل الذي بشرناكم به فليكن ملعوناً ! ) " غل 8:1" . وهكذا اليوم يحاول اليهود نشر تعاليم أخرى عن طريق فصائل شقيقة ومتحالفة معهم كشهود يهوه لزرع الشك ومقاومة تعليم الأنجيل المقدس بأستخدام أساليب خاصة في التفسير وذلك بوضع المعنى في قوالب أخرى بإخفاء بعض الحقائق والأعتماد على أسلوب التقيّة والتستر ، هكذا ينشرون الفساد . أهدافهم الواضحة نلتمسها من بعض البدع كشهود يهوه والسبتيين الأدفنتيست والمورمون وجمعية العالم الجديد وغيرهم . فشهود يهوه الواقعون تحت سيطرة اليهود ، ويعملون لحسابهم ، وفي خدمتهم ضد المسيحية يستخدمون أساليب يهودية مزينة بنشوة عقائد مسيحية ، غايتهم تشويه المعاني ، وتزييف آيات الكتاب المقدس ، مع إلغاء عقائد مسيحية كثيرة تؤمن بها كافة المذاهب المسيحية ، وخاصة الكنيسة الرسولية التي أستلمت تعليمها من الرسل والآباء الأولين .
ذكر القديس ترتليانوس في القرن الثالث ، أن الشىء الجديد الذي أتت به المسيحية متميزة عن اليهودية هو الإيمان بأن الآب والأبن والروح القدس هم الله الواحد . واليوم شهود يهوه يشاطرون اليهود بنفس الأعتقاد فلا يؤمنوا بالثالوث الأقدس ، كما هناك خلاف كبير بين اليهودية والمسيحية حول الآب والأبن وشهود يهوه يشاطرون اليهود بهذه العقيدة ، فأيمانهم في هذا يشبه أيمان الكاهن الأسكندري آريوس الذي ظهر في القرن الرابع ، وهو أيضاً أنكر لاهوت المسيح والتثليث فكفرته المسيحية في مجامعها الأولى ، هكذا تكَفّر اليوم المسيحية كافة جماعة شهود يهوه الضالة والغرقة بأفكار اليهود . 
أبدى يسوع المسيح آرائه بالعهد القديم وقيَّمَ أهميته وعلّمَ المؤمنين به ليفهموا ذلك العهد على ضوء العهد الجديد ، لكن اليهود يرفضون ذلك التعليم ويحتجون به ليعصوا على المسيح ليستمروا بالعيش كعادتهم بقساوة القلب والتمرد ومقاومة كل ما جاء به المسيح له المجد في العهد الجديد .
تحالف المتهودون المعاصرون وخاصة شهود يهوه الذين لا يريدون الأصغاء لصوت الحق ، بل الجدل معهم جميعاً مرهق وعقيم ، يحاولون تضليل محاوريهم باللجوء إلى الأستشهاد بآيات من العهد الجديد الذي شوهوه على هواهم . فمن واجبنا نحن المسيحيين أن نرد عليهم بقوة لأن تعليمهم هدام ، بل هم أعدائنا ، ويعملون لمصلحة اليهودية تحت عباءة مسيحية . لم يكتفوا بنكرانهم للثالوث وللاهوت المسيح فحسب ، بل أعتقادهم الخاطىء لمستقبل روح الأنسان بعد الموت وعن الآخرة وغير ذلك نجد في إيمانهم ضلال وكفرً وإلحاد ، بدون شك إنهم دعاة الصهيونية ، بل هم لوحة أعلانية رخيصة تنشر عليها الدعايات الصهيونية ، طالع مقالنا السابق " علاقة شهود يهوه بالصهيونية العالمية " على الرابط :
https://f.mangish.net/forum.php?action=view&id=9975
كذلك هم أدوات مطيعة بيد اليهود لتهديم الكنيسة على حساب الكنيس اليهودي ، لهذا لا نجد لهم كنيسة كما لباقي المذاهب المسيحية ، بل قاعات للأجتماع أو ساحات الملاعب . لا علاقة لهم بالمسيح والمسيحية ، بل هم قريبين من اليهودية وخدامها رغم إستخدامهم للكتاب المقدس بعهديه . لا يكترثون لأقوال المسيح ونصائحه لليهود حول موضوع عدم إيمانهم به عندما قال ( ... ستموتون في خطاياكم ، لنكم لم تؤمنوا بأني أنا هو ، تموتون في خطايكم ) " يو 24:8 " . أما الرسول بولس فقال عن اليهود ( شعب عاص ، متمرد ) " رو 21:10" كذلك سماهم بأعداء الله " رو 28:11 " واليوم شهود يهوه يعاندون ويقاومون تعاليم الأنجيل ووصاياه خدمتاً لمبادىء الدين اليهودي ، فهم واليهود وجهان لعملةٍ واحدة ، وهم أيضاً سيموتون في خطاياهم .

نطلب من الرب يسوع أن يرسل روحه ويجدد أفكارهم ليؤمنوا ويعترفوا ويعودوا إلى كنيسته المقدسة الممجدة .

والمجد ليسوع الرب المنتصر  


196
مؤهلات يسوع الإنسان
https://g.top4top.io/p_1498ixwwp1.jpg

بقلم / وردا إسحاق قلّو

عندما نتأمل بيسوع كإنسان والذي تجسد ودخل في التاريخ في ملء الزمان ، برزت شخصيته في عصره وتأثر بتعليمه وسلطانه على ذلك المجتمع تأثيراً كبيراً بسبب الإنقلاب الذي قام به ضد القوانين والشرائع فغيّرَ مجرى التاريخ وقسّمه إلى قسمين ، ، الأول قبل ميلاده ، والثاني بعد الميلاد ، وأسس عهداً جديداً ومؤسسة دينية مكملة لكل ما جاء به موسى والأنبياء التي انتهى دورها بعد صلبه وقيامته من بين الأموات .

فمن هو يسوع ، وماذا كانت رسالته ، وما مدى أنفتاح معاصريه عليها وتقبلهم لفلسفته الجديدة ؟

عندما خلق الله الإنسان ، خلقه كاملاً وحسناً ، ولكنه لم يخلقه في كمال مطلق ، رغم خلقه للإنسان على صورته كمثاله ، فكان الإنسان ينعم مع الله في سعادة دائمة في جنة عدن إلى أن عصى على قوانين الله فسقط ، وبسقوطه أنقطعت العلاقة بين الخالق والمخلوق . برجل واحد ( آدم ) أنقطعت العلاقة وبدأت المعانات من الألم والجوع والعطش والموت ، ولأجل إعادة علاقة البشرية مع الله ، تحتاج إلى آدم جديد يحمل مؤهلات خاصة لكي يدفع الثمن ليعود الإنسان كالسابق طاهراً أمام الله وتعود معه العلاقة . فالإنسان الوحيد المؤهل لهذا الدور هو يسوع المسيح ، آدم الثاني الذي يحمل مؤهلات كثيرة ، هذا الذي (يدعى اسمه عجيباً مُشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ) إنه يسوع المخلص الوحيد للعالم كله ، بتجسده تحققت النبؤات في لحظة شهد لها التاريخ في تلك الحظة تم إتحاد الآلوهة بالناسوت فانبعث الرجاء والفرح والأمل لكل إنسان يريد الخلاص . وهذا الإله المتأنس يبحث عن خلاص كل إنسان ، لهذا يبحث عن الخراف الضالة فيأتي إليها ويطرق بابها ، فإن فتح له الباب يدخل ويتعشى معها ويعطي لها الحياة الجديدة ، كما للرسول متى العشار ، وزكا القصير ، وتلميذي عماوس اللذان فقدوا الأمل وأرادوا العودة إلى ما كانوا قبل الإيمان بيسوع . وهكذا على كل إنسان ، لا وبل الخليقة كلها تئن شوقاً للعودة إلى خالقها .

ينبغي على كل إنسان أن يتهيأ لإستقبال ذلك الرب الذي تجسد ومات من أجله ، فعليه أن يكرس له بعضا من وقته في الصلاة وقراءة الكتاب المقدس بدلاً من تخصيص كل وقته للأمور الحياتية الزائلة مع الزمن . هناك أشياء مهمة في حياتنا ، لكن هناك ما هو أهم منها لخلاصنا ، لهذا قال يسوع لمرتا ( مرتا مرتا إنكِ في هم وإرتباك بأمور كثيرة ، مع أن الحاجة إلى أمر واحد ، فقد اختارت مريم النصيب الأفضل ، ولن ينزع منها ) .

أسئلة تبحث عن معنى الحياة الأفضل ، والطريق الصحيح المؤدي إلى الحياة الأبدية ، والمسيح هو الطريق والحق والحياة . إنه الطريق الوحيد الذي يشبع فيه عطش الإنسان .

ليسوع الإله مؤهلات كثيرة تفوق الإدراك . يستطيع أن ينفذها إذا فتحنا له باب القلب ، مهما كانت خطايانا ، لأنه المعلم الحاذق ، والخالق الذي يعلم بكل أسرارنا وضعفاتنا ، لكنه يحبنا ولهذا جاء من أجل أنقاذنا . فالسامرية الخاطئة التي كانت فخورة بسامريتها ، أخطأت الظن بيسوع المسيح الذي تنتظره وهو يتحدث معها ، كما كانت على شىء من البطء في الفهم ، لكن يسوع الذي أراد خلاصها رفعها إلى موضوع آخر أسمى من ماء البئر ، ومن العبادة في السامرة أو اورشليم  إلى ماء الروح ، وعبادة الله بالروح .

كان ليسوع مؤهلات كثيرة لأقناع البشر بالإضافة إلى تعليمه الذي نشره بسلطان ، كان له قدرات عجائبية في صنع الآيات حيث فاق كل الأنبياء والمرسلين بمواهبه ، تلك المواهب فجرّت آباراً لا تنضب في صحراء قلوب الناس فحول الزانيات إلى مؤمنات ومبشرات بالكلمة ، وحول العشارين والمدمنين إلى رسل وتلاميذ ، وما تزال قدراته ووجوده في العالم كما كان في زمانه لأن المسيح كائن في الأمس واليوم وإلى الأبد ، أنه معلم لكل الأجيال ، ولقب المعلم نُسِبَ إليه ثلاث وثلاثون مرة في الأناجيل ، أي بقدر سنين عمره على الأرض ، وعلم هذا المعلم ليس من هذا العالم ،  وهدف تعليمه الألهي هو لخلاص الإنسان ، كل إنسان ، فكل من يفتح له باب قلبه ويؤمن به ويتعمد ، يدخل في سِرِهِ فيكون له الخلاص ، وهذا التعليم ليس منه فحسب ، بل هو رسالة من الآب السماوي الذي أرسله لخلاصنا ، فمن يؤمن به يؤمن بالذي أرسله ، ويكون له الخلاص .

ليتمجد أسمه القدوس

 



197
شهود يهوه جماعة صهيونية ترتدي ثياب المسيحية
بقلم / وردا إسحاق قلّو
شهود يهوه هم من أخطر الطوائف المنشقة والمعادية للمسيحية ، ولا يمكن أعتبارهم مسيحيون لأنكارهم للاهوت المسيح وإعتبار المسيح هو الملاك ميخائيل الذي خلقه الله كأول الخلائق ، كما ينكرون الثالوث الأقدس ، والصليب ، ومعتقدات أخرى كثيرة. يتنبؤون مراراً بنبوءات كاذبة عن نهاية العالم . مستقلين عن كل الطوائف المسيحية ولا وجود أي علاقة تربطهم بالمسيحية ، بل هم الأقرب إلى اليهودية من المسيحية ، ولهم علاقة واضحة باليهودية والصهيونية لهذا يصفهم الباحثون بأنهم مجموعة صهيونية ترتدي ثياب المسيحية ، سنختصر الموضوع بالنقاط التالية التي تفضح أعمالهم المشينة ضد المسيحية ولصالح الدين اليهودي ، وكما يقول الرب ( من ثمارهم نعرفونهم ) :

1- لايعترفون بالطوائف المسيحية كافة ، لهذا سموا طائفتهم بشهود يهوه تميّزاً عن كل الطوائف المسيحية .

2- ليس لديهم كنائس كباقي الطوائف ، بل قاعات عامة للأجتماعات ، وفي القاعات ، أو في الملاعب الرياضية . كما يحضرون المحافل التي تعقد ثلاث مرات في السنة .

3- معبدهم لا يسمى كنيسة ، بل قاعة ملكية ، وتكون مجردة من الصلبان والأيقونات والتماثيل .

4- لا يؤمنون بالصليب ، بل يؤمنون بأن المسيح علق على خشبة . خلافاً لكل الطوائف

5- إسم إلههم هو يهوه والمسيح هو رئيس مملكته .

6- يفسرون الكتاب المقدس وفقاً لمفاهيم خاصة بهم

7- يستغلون أسم المسيح والكتاب المقدس للوصول إلى هدفهم المنشود مع الصهيونية العالمية وهو إقامة دولة دينية دنيوية للسيطرة على العالم ، ويعتقدون بقرب الحرب التحريرية التي سيقودها المسيح وسيكونون هم جنوده .

8- يعرضون النصوص الواردة في أسفار العهدين لأستخدامها في مصلحة شعب إسرائيل وما لااقاه من مشاكل وإضطهاد وقتل وتهجير وما ارتكب من معاصٍ حتى جاء إلى أرض الميعاد بقيادة موسى إمتثالاً لأمر يهوه .

9- معتقداتهم قريبة من معتقدات اليهودية أكثر من المسيحية فيقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تقرب من إسرائيل واليهود فيقومون بنشرها .

10- لا يؤمنون بالروح وخلودها ، ولا بالثالوث الأقدس .

11- يشاطرون اليهود في تقديس بعض الكتب وعددها 19 كتاباً .

12- يمر العضو الذي يريد الأنتماء إلى دينهم بمراحل معقدة فيخضع إلى شروط قاسية.

13- على المؤمن بهذه العقيدة الأيمان برموز اليهودية الشهيرة وهي : أ- تبني ( المينورا ) وهي شمعدان سباعي الذي هو رمز اليهود الديني والوطني . ب- تبني النجمة السداسية ( نجمة داود ) والتي هي رمز اليهود كما هو الصليب رمز المسيحية . ج- يبني أسم يهوه بدل الله ، ويكتب بالخط العبري ، وكان هو أسم الله عند اليهود قديماً .

14- هناك من يخطأ فيعتبرهم طائفة مسيحية منشقة كباقي الطوائف البروتستانتية ، لكن حقيقتهم هم منشقين من البروتستانتية أولاً ومن السبتيين الأدفنتيست ثانياً ، وأخيراً أصبحوا واقعون تحت سيطرة اليهود بشكل واضح فيتبنون العقائد اليهودية ، ويعملون لأهداف اليهود وليس للمسيحية .

15- لهم علاقة وطيدة بأسرائيل وبالمنظمات اليهودية العالمية كالماسونية .

16- تدعمهم الصهيونية العالمية مالياً لهذا يبالغون في تصدير آلاف الكتب والنشرات والصحف ويوزعونها مجاناً ، مما يدل على قوة رصيدهم المالي . كما لهم دور صحافة ، ودور للنشر ، ولكل منها إدارة خاصة بها . كما لديهم مكاتب للترجمة والتأليف ، ولجان عليا لتفسيرالكتاب المقدس وفق عقيدتهم .

17- أتهم النازيون شهود يهوه بالترويج للصهيونية .

18- وجودهم محدود جداً في البلدان العربية لأيمان قادة العرب بأن لشهود يهوه علاقة مع الصهيونية العالمية .

19- لهم تعاون كبير مع المنظمات المماثلة التي تعمل لصالح اليهود وتستفيد هذه المنظمة من أعضائها في أعمال الأستخبارات والجاسوسية والدعاية .

20- يمتازون أعضائها بالطاعة العمياء لرؤسائهم .

نطلب من الرب يسوع أن يفتح بصيرتهم ليؤمنوا بمبادىء الكنيسة الجامعة المقدسة التي أسسها ويعملون بها لكي يكون لهم الخلاص

198

يوحنا المعمدان … أعظم مواليد النساء

بقلم / وردا إسحاق قلّو
 
( لم يظهر بين من ولدتهم النساء أعظم من يوحنا المعمدان … ) “مت 11:11 “

تحتفل الكنيسة بيوم عماد الرب يسوع على نهر الأردن على يد النبي يوحنا المعدمان ويسمى هذا العيد بعيد الدنح ، والذي يصادف يوم 6 كانون الثاني ، كما خصصت الكنيسة للنبي يوحنا تذكاراً في يوم 11 من نفس الشهر . إسم يوحنا ، أو يوحنان يعني ( الله الحنان ) أو ( الله يحن ) . وصفه الرب بالأعظم في مواليد النساء . إنه الصوت الصارخ في البرية ، يقول : ” أعدوا طريق الرب . وأصنعوا سُبلهُ مستقيمة ” لماذا يعطي العهد الجديد أهمية كبير ليوحنا المعمدان بعد يسوع ويعتبره من الأنبياء الكبار ؟

للقديس صفات عظيمة ، وتسميات كثيرة منها المعمدان ، لأنه عمد الرب . والنسيب ، لوجود صلة القرابة بينه وبين يسوع ، لأن القديسة حنة والدة العذراء تُعَد إبنة خالة القديسة أليصابات  التي زارتها العذراء وخدمتها عندما كانت تحمل بمن يمهد الطريق لأبنها الإله . كما يعتبر يوحنا شهيداً ، لأنه شهد للحق وبكل شجاعة وتحدى هيرودس الملك بسبب أعماله الخاطئة . كما يعتبر يوحنا رسولاً ، والملاك المرسل من قبل الله للبشر يسمى رسولاً . والرسول يعتبر ملاكاً أيضاً ، فيوحنا هو الملاك المرسل في مهمة إعداد الطريق ، وكما تقول الآية ( هأنذا أرسل ملاكي فيهيىء الطريق أمامي ) ” ملا 1:3″ كما تعطف على هذه الآية الآية التالية ( ها أنا أرسل قدامك رسولي الذي يعد الطريق ، … ) ” مر 2:1″. لكون يوحنا عظيماً اختير لأعداد الطريق أمام الرب المتجسد ، إمام الملك الإلهي ، وإعداد الطريق أمام الملوك القادمين ، فكان إعداد الطريق يبدأ بتسوية المرتفعات لكي يصبح الطريق سهلاً أمام الملك ، وتسبق مجيئه فرق خاصة للحماية والأستقبال ، هكذا صنع يوحنا سبل الرب مستقيمة . كان يوحنا أبن الكاهن زكريا ، وكان يعتبر أبن الكاهن كاهناً يحتل مكانة والده ، كذلك والدته أليصابات كانت من نسل هارون الكاهن ” لو 5:1″ .  كما يعتبر يوحنا نبي للعهدين القديم والجديد . فللعهد القديم هوالنبي الأخير الذي ظهر بعد غياب أنبياء ذلك  القديم بخمس قرون . وفي زمن العهد الجديد سجد ليسوع وهو في بطن أمهِ . وكان يوحنا نذيراً من بطن أمهِ ، لهذا قيل عنه ( لأنه عظيماً أمام الرب ، وخمراً ومسكراً لا يشرب ، ومن بطن أنهِ يمتلىء من الروح القدس ) ” لو 15:1″ .

 ولد يوحنا قبل المسيح بستة أشهر ، أعد له جمهوراً من الناس وعمدهم بمعمودية الماء على نهر الأردن ، كما عمَدّ الرب وشاهد الروح القدس نازلاً من السماء كأنه حمامة ، و سمع صوت من السماوات يقول للرب الذي عمّدهُ : ( أنت أبني الحبيب ، بك سررت كل سرور ! ) ” مر 10:1-11 “. لهذا أعتبره المسيح ( أفضل من نبي ) ” مت 9:11″ . جاء بروح إيليا النبي ، وهنا المقصود بطقسه وقدرته النبوية  وليس المقصود بأنتقال روح إيليا إلى جسد يوحنا أبداً ، فالآية تقول ( ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوتهِ … ) ” لو 17:1″ كما قلد يوحنا حياة  إيليا في أمور كثيرة كعيش حياة التجرد في البرية والجبال ، وكما كان إيليا رجلاً قوياً تحدى الملك آخاب وزوجته أيزابيل الوثنية ، هكذا تحدى يوحنا الملك هيرودس وهيروديا التي تزوجها هيرودس وهي زوجة أخيه فيلبس ” مر 17:6″ . إيليا تعرض للتهديد والمطاردة من قبل إيزابيل بسبب قتله لكهنة البعل بعد أن طلب النار تنزل من السماء على ذبيحته ، هكذا يوحنا حذّرَ هيرودس من العذاب في النار التي لا تطفأ . عاش يوحنا بتولية إيليا وتعرض في السجن إلى ظلم كما عاش إيليا مطارداً ومظلوماً  .

يوحنا المعمدان كان صديق العريس السماوي ، وصديق العريس هو ذلك الخادم الذي يعمل بكل جهده لخدمة وراحة العريس ، وهكذا عمل يوحنا للمسيح ، كما تنازل عن بعض تلاميذه ليسوع  كيوحنا الحبيب وأندراوس وهما التلميذان اللذان سبقا كل التلاميذ في الأيمان بيسوع بعد أن هاجروا يوحنا ، لم يغر المعمدان من يسوع بسبب هذا ولا بسبب سماعه بأن يسوع بدا يعمد هو أيضاً ، علماً بأن يسوع لم يعمد الآخرين ، بل تلاميذه كانوا يعمدون ، بل عبّر عن رأيه للذين أبلغوه ، فقال ( ينبغي أن ذلك يُزيد وأني أنا أنقص ) ” يو 30:3″ .

نطلب شفاعتك يا يوحنا العظيم  وصلواتك لكي نقتدي بك ونعد طريق الرب للساكنين في ظلام هذا العالم ، والمجد للرب يسوع . 


199
صار الله بشراً حتى نصير نحن الله
القديس / أثناسيوس الكبير ( 295م – 373 )
إعداد / وردا إسحاق قلّو
حلّ كلمة الله اللاجسدي وغير مائت في بلادنا ، رغم أنه لم يكن بعيداً عنها من قبل ، لم يترك أيّ جزء من الخليقة خالياً من حضوره ، بل ملأ الكل ، فهو باقٍ لدى أبيه ، لكنه يجعل ذاته بيننا من أجل إنقاذنا بإظهار محبته....
وإذ أخذته الشفقة على جنسنا ، متحنناً على ضعفنا ، ومتنازلاً إلى فسادنا ، غير راضٍ أبداً أن يسود الموت علينا ، حتى لا يهلك ما أنشأه ، ولا يضيع سدّى عمل أبيه ، أتخذ جسداً لا يختلف عن جسدنا ....
إن من يتحدث عن الخصائص البشرية للكلمة ، يعرف أيضاً ما يختص بألوهيته ....
وعندما يتحدث أحد من دموعه ، يعرف أن الرب يظهر بدموعه خاصيته البشرية ، وبإقامة لعازر خاصيته الإلهية . ويعرف أن الرب قاسى الجوع والعطش ، وفي الوقت ذاته أشبع بطريقة إلهية خمس آلاف نفس بخمسة أرغفة ويعرف أن جسده البشري مكث في القبر وأقيم بكونه جسد الله ...
صار الكلمة بشراً حتى نصير نحن الله ، وبجسده صار منظوراً ، حتى تكون لدينا فكرة عن الآب غير المنظور ، تحمل إهانات الناس حتى يكون لنا نصيب في الخلود . لم يلحقه أي ضرر ، بكونه كلمة الله غير الزائل وغير الفاني . لكنه هكذا أنقذ من الخطر الناس المعذّبين الذين من أجلهم تحمّلَ كل هذا .
( مدخل إلى آباء الكنيسة جزء 3 ) 

200
ميلاد الكلمة وبدأ المعركة بين التنين والمرأة وطفلها

بقلم/ وردا إسحاق قلّو
( … ثم وقف التنين أمام المرأة وهي تلد ، ليبتلع طفلها بعد أن تلده ! .. ) ” رؤ 4:12″
إمرأة تقية ، تستعد لكي تنجب ولداً ، تبكي لأنها تعيش في الآلام ، وتخاف من مكائد العدو لأنه قد يباغتها في أي لحظة . إنه شخصية خفية يخطط للهجوم على مولودها بعد ولادته لكي يبتلعه .
وضعت المرأة الطفل الإلهي الذي أعد لكي يملك العالم بعصا من حديد ( رؤ 5:12) اختطف الولد إلى عرش الله في الحال ، وشارك الله في سلطانه الأبدي كما كان قبل الولادة . بقيت المرأة في الصحراء تحت تهديد التنين ، والتنين هو صورة الشيطان ( طالع رؤ 3:12 ، 4، 7 ، 9،13،16 ) وَ ، رؤ 2:20) إنه الحية الكبيرة ، تنين أحمر اللون بلون الدم ، والذي يمثل قوى الدمار والعداوة والسلطة الشيطانية ، له سبعة رؤوس ، وعشرة قرون ” رؤ 3:17″ أي يمتلك صورة مرعبة تتحدى الخيال ، ويتوخى بصورته أن يظهر الهمجية ، غايته خطف الطفل وأبتلاعه . فما يذكره سفر الرؤيا يرتبط مع قصة الحية في العهد القديم التي أغوت حواء ، هكذا في العهد الجديد يريد أن يقضي على حواء الجديدة ونسلها .
المرأة هنا تمثل صورة تقليدية لشعب الله الذي هرب إلى الصحراء من فرعون ، فحافظ عليه الله في الصحراء وأطعمه المن والسلوى ، وأسقاه الماء الخارج من صخرة المخلص ” خر 16. عد 11 ” . كما نلاحظ أيضاً التشابه بين المرأة في سفر الرؤيا كيف أعطيت جناحي نسر عظيم ” رؤ 14:12″ على مثال ما أعطي لشعب الله في الخروج ” 4:19″ ( حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ ) .
بدأت المعركة بين الحية والمرأة ، فقذفت الحية من فمها نهراً لكي يبتلع المرأة ( هنا الماء يرمز إلى الشر والعدوان ) لكن الله خلص المرأة . أراد التنين أن يبتلع الطفل يسوع المولود من إمرأة في ملء الزمان ( التنين هنا يمثله هيرودس الملك الذي تحقق من المجوس عن أخبار الطفل المولود ليبتلعه ) لكن الله أنقذه مع أمه بأرسالهم إلى مصر .
هيرودس أسلم ذاته طوعاً للشيطان فأراد أن يقتل الطفل الإلهي المولود في مملكته ، فبدلاً من أن يذهب مع المجوس ليسجد له ، حاول بكل قدرته قتله ، والطفل تجسد من أجل خلاصه وخلاص البشرية كلها ، بهذا لعبَ هيرودس دور التنين والحية القديمة الذي وقف أمام المرأة ليبتلع ولدها متى ولدت ” رؤ 14:12″ .
هكذا شعب الله في العهد القديم تَحّمل آلام كثيرة عبّرَ عنها الكتاب المقدس بآيات كثيرة مشابهة لما جاء في العهد الجديد ، منها ( كنا أمامك يا رب كإمرأة قاربت الولادة ، تتوجع وتصرخ في مخاضها ، كنا كمن يتمخض عن ريح ، لم نخلص الأرض ولم يولد من يقيم فيها فتصير آهلة عامرة  ) ” أش 26: 17-18 ” .
ثم يأتي العون من الله فيطعن التنين ويعيد الموتى بالقيامة ، يقول ( تحيا موتاك وتقوم أشلاؤهم … وفي ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم المتين لوياثان الحية الهاربة الملتوية ، ويقتل التنين الذي في البحر ) ” أش 19:26 و 1:27 ” .
التنين والحية القديمة منذ البدء دفعت الإنسان لكي يقف معه ضد الله الخالق . كان الشيطان يقف أمام الله كمفتري فيتذكر أمامه خطايا البشر ( زك 3: 1-2) أي كان يلصق الخطيئة بالإنسان أمام الله .
 جر التنين بذنبه ثلث نجوم السماء ورماها على الأرض ( دا 8 :10 ) و ( رو 9:3) الجميع هم تحت نير الخطيئة ( كنتم أمواتاَ بزلاتكم وخطاياكم … كنا بالطبيعة أولاد الغضب ) ” أف 2: 1-3″ .
في العهد الجديد نجانا المسيح بعد أن غسلنا بدمه وحررنا من خطايانا ( رؤ 5:1) فما عادت إتهامات التنين تؤذي المؤمنين بالمسيح . قال بولس الرسول ( ما من هلاك الآن للذين في المسيح يسوع ) : رو 1:8″ فسقط الشيطان بسبب إيمان المؤمنين بالمسيح والتبشير باسمه ، لهذا قال يسوع لتلاميذه ( كنت أرى الشيطان يسقط من السماء كالبرق ) ” لو 18:10 ” وقال يسوع ( الآن يلقى رئيس هذا العالم خارجاً . وأنا متى ارتفعت عن الأرض ، جذبت إليّ جميع البشر ) .
السماء لانستطيع أن نراها بعيوننا ، بل بالإيمان فقط . كما إننا لا نستطيع أن نرى الله إلا بالإيمان . فالمؤمنون المجّذرون في الله ومسيحه يشاركون يسوع في حياتهم ويشهدون له فأنهم يعتبرون سماويين ومقيمين منذ الآن في السماء . أما الأرض فهي مستوى الظاهر التي نراها ، أما الذي يرفض الله فإنه حتماً من نصيب الشيطان ومملكته الأرضية . كل من يشاركون بموت المسيح يشاركون في انتصاره على الشيطان ، اختاروا المسيح في حياتهم بسبب العمل بوصاياه ، قال ( لأن الذي يريد أن يخلص حياته يخسرها ، ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي وسبيل البشارة يخلصها )[ ” مر 35:8″ .
المرأة هي الكنيسة أيضاً التي تحتوي على المؤمنين بالمسيح ، جذورها تبدأ من تاريخ إسرائيل ، والثانية في العهد الجديد التي ستلتحق بالكنيسة السماوية وهناك ستلبس الأكليل ، علامة الغلبة . وفي بعدها الحالي الأرضي ، ماتزال غارقة بالآلام والأضطهادات . الشعب المسيحي يلد المسيح في المغارة من مريم العذراء لكن الصورة تمتد إلى أورشليم السماوية حيث شعب الله الجديد في عالم جديد . وهكذا نكون في النهاية أمام ولادة المسيح الكامل ، ولادة البشرية الجديدة من خلال العبور العمادي في الموت والقيامة . المسيح لم يبقى تحت سلطان الموت كما اراد التنين ، بل قام ، هكذا سنقوم جميعاً .

التنين اليوم هو مجموعة من القوى المعادية للكنيسة ( المرأة ) وتلك القوه تهاجم عمل الله . وللتنين أسماء كثيرة في الكتاب المقدس منها ( الحية القديمة ، أبليس ، الشيطان ، مضّل المسكونة ، كذاب وأبو الكذاب ) واجبه إضطهاد المرأة ( الكنيسة ) ونسلها ومقاومة عمل الله القويم . الشيطان لا يكل ولا يهدأ ومع ذلك فكل أعماله هي في مهب الريح .

انتصر الطفل المولود على الشيطان وغلب كل أسلحته منها الموت عندما قام منتصراً وارتفع إلى السماء ، أما المرأة ( الكنيسة ) فتعيش في غياب ربها الآن ، ولكنها في يده وهو معها في كل حين إلى أنقضاء الدهر رغم صعوده إلى عرشه السماوي ، وهو يحميها ويحملها على جناح النسر العظيم . ما أستطاع التنين أن يصيب الكنيسة ، فأستمر في قتال باقي أبنائها ، أي نحن الباقين ، لكن الذي يعيش تحت كنف الكنيسة ووصاياها لا يخاف شيئاً ، وكما فعلوا الأجداد وأنتصروا ( غلبوا بدم الحمل وبكلمة شهادتهم ) . المسيح يدفع كنيسته إلى درب الآلام متحدياً التنين ، فالآلام والضيق التي تمر بها الكنيسة تدل على صدقها وإيمانها بمخلصها ، فلا مسيحي بلا صليب ولا كنيسة بلا آلام إلى أن تلتحم بالكنيسة السماوية الممجدة . 
ليتمجد أسم المولود بيننا

201
تأملات روحية في تجسد الكلمة الإله
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال الرسول بولس ( ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله أبنه مولوداً من أمرأة تحت الناموس ) " غل 4:4 " ، بهذا تمت نبؤة النبي أشعياء " 14:7" ( ها العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعو أسمه عمانوئيل ) ، لكي يصالح البشر لنفسه " 2قور 18:5 " .
ولد الرب يسوع من عذراء مخطوبة ليوسف وأسم العذراء مريم " لو 27:1 " وقد أكد الأنجيل عذراويتها ليعلن أن المسيح ليس من ذرية آدم . كذلك ينبغي أن تكون ولادة الإله معجزية تفوق الوصف وتليق بولادة أبن الله . هذا ما وضحه لنا النبي حزقيال عندما تحدث عن الباب الشرقي " حز 44 :1-2" الملاك جبرائيل كان قد بشر مريم ودعاها " الممتلئة نعمة " وأن كانت مخطوبة للقديس يوسف ، لكنها قد سبقت تلك الخطوبة ، وخطبت نفسها لله لأنها كانت منذورة للهيكل ، وكانت قد أعلنت عفتها وكرست نفسها لله لكي تصبح عروس للروح القدس وبعدها أم الكلمة المتجسد . وكما أعدت نفسها لله ، فالله أيضاً أعدها لنفسه فصارت هيكلاً مقدساً لأبنه ولروحه القدوس ، فحل روحه عليها ، وقوة العلي ظللها ، لذلك القدوس المولود منها دعى (أبن الله ) " لو 35:1 " . أنه من المذهل أن يحل ملء اللاهوت في بطن العذراء ، أنه تنازل ألهي من أجل خلاص البشر فولدت العذراء مشتهى الأمم ، قدوس بلا عيب ، فتأهل أن يحمل خطايا العالم على الصليب كأنسان كامل ، وذبيحة طاهرة ومقبولة .
 العذراء نالت أعظم تكريم بين النساء عندما صارت أماً لأبن الله القدوس . ونلنا نحن البشر بنوتنا لله بالأيمان والمعمودية وبالفداء العجيب . لهذا نزل من السموات وتجسد لكي يفتقدنا ويصالحنا مع السماء . الإنسان لا يستطيع الصعود الى السماء لكي يصالح الله ، لهذا نزل من السماوات وتجسد لكي يصالحه بأبنه الموعود . وبهذا النزول أخلى ذاته ، وأخذ شكل العبد ، وصار في (الهيئة كإنسان ) "في 2: 7-8 " . لم يشأ أن يرهب الأنسان بلاهوته ، أنما كسبنا بتواضعه ومحبته وبأعماله المعجزية التي أعطت للبشرية بعداً آخر . ميلاده في حضيرة الحيوانات كان درساً آخر في التواضع والبساطة العجيبة ، لم ينزل بمواكب الملائكة وأنما ولد من عذراء يتيمة يرعاها نجار بسيط . ولد الرب في مذود ولم يعرفه أحد . لكن أعلن ذاته لبعض الرعاة ولثلاث ملوك مجوس يمثلون الأمم . أي أعلن ذاته للفقير والغني لأن الخلاص هو للجميع ، وهذه الولادة البسيطة علمت بني البشر للأبتعاد عن العظمة والمظاهر الزائلة ، هذا الطفل المولود في المذود هو الملك الذي سيملك على بيت يعقوب الى الأبد ولا يكون لملكه أنقضاء " لو 33:1" . عاش الطفل الإلهي طفولة مجهولة بعيدة عن الشهرة ، لا وبل كان في بدايتها مهدداً بالقتل من قبل هيرودس ، فهرب مغترباً في أرض مصر فباركها . عاد الى أرض الوطن لكي يعيش قصة الأتضاع وحب الفقراء . جاء لكي يبشر المساكين ويعصب منكسري القلوب وينادي للمسبيين بالعتق ، وللمأسورين بالأطلاق " أش 1:61 " .
طفل المذود علّم البشرية الإتضاع وأخلاء الذات والأبتعاد عن مجد العالم ، هذا الذي لم تسعه السماء والأرض ، يتضع ويعيش حياة البساطة والحب معنا حتى دعانا نحن التراب أخوة له " رو 29:8 ، عب 17:2 " بل شركاء في الميراث الأبدي " أف 6:3" . أخيراً نقول لمن نفتخر بأسمه القدوس . مبارك هو يوم ميلادك ، نتمنى من الجميع يالأحتفال ليس بيوم تجسد الإله فحسب ، بل بالإيمان به والأقتداء بحياته والعمل بوصاياه لكي يتجسد في قلوبهم ، فيكون لهم الخلاص .
ليشع نور ميلادك أيها المسيح في ظلمة القلوب البعيدة عن رسالتك الإلهية المقدسة . ولك كل المجد والتسبيح.

202
الكلمة صار جسداً ، فرأينا فيه قمة الخليقة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

كان اسمه منذ ولادته ( الله معنا ) فإذا كان الله معنا فيجب أن يكون مثلنا في الصورة الإنسانية ، وبفكر أنساني ، وبشعور إنساني ، بل يجب أن يكون أفضل من البشر في إنسانيته وسيرته وطهارته . ومن ذا الذي جسد هذه الصورة المتعددة الأوجه والصفات كأفضل إنسان في التاريخ غير يسوع ( الله يخلص ) فإذا كان المولود من العذراء هو الله ، فكيف يمكن التوفيق بين الله المتجسد ، والإنسان الذي يعيش مع البشر عندما يتعلق الأمر بشخص يسوع إبن مريم الجليلية ، والذي قال أن الله هو أباه ، ونحن اليوم ندعوه ، معلمنا ، وربنا ، ومخلصنا ، بل كانت شهادة حية عبر العصور عكست صورة وجه يسوع عبر التاريخ ومنذ ولادته بأنه هو ذلك الناصري الذي هو المسيح أبن الله المنتظر .

رُسِمَ المسيح من قبل رسامين كثيرين فهل كانوا ينظرون إلى النموذج الحقيقي في عمق ذاته ؟ مهما يكن من أمر فإن هذه الصّوَر بعيدة كل البعد عن جوهر الإيمان المسيحي في أغلب الأحيان لأن عقل الأنسان المحدود لا يمكن أن يدرك اللامحدود ولو كان منظوراً في الجسد . وهكذا بالنسبة إلى الممثل الذي يمثل دور المسيح ، لأنه لا يستطيع الوصول إلى بعد سر المسيح الذاتي المشترك بين اللاهوت والناسوت ، فهل تدرك أبعاد كل كلمة تقال في يسوع المتجسد ، أي أن تفصح عن جوانب شخصيته وهويته من حيث هو هبة الله ذاته لنا ، وليس مجرد نبي كبلقي الأنبياء . هناك مسالك كثيرة للبلوغ إلى ذلك الهدف كالبعد التاريخي والذاتي والخلاصي ، والبعد الخلاصي هو الأفضل الذي يهم الإنسان في الواقع . ومن خلال هذه الأبعاد يكشف مجد الله في وجه الإله المتجسد ، فالمتجسد يمثل قمة الفعل الخلاق .

ان الوجود السابق ليسوع قبل التجسد يُعَبر عن تساميه على التاريخ ، قال ( ... قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ) " يو 58:8" ، فالوجود السابق له يعني أنه لا يأخذ جذور وجوده من التاريخ وحده ، بل أنه يتجاوز التاريخ ، وقد أكد لنا العهد الجديد على هذا الوجود بأشكال شتى ، وعلى سبيل المثال ، أكد بولس أن يسوع هو ( الأبن الحبيب للآب ) وهو صورة الله غير المنظور ، كذلك هو الذي فيه ، وبه ، ومن أجله ( خلق كل شىء ) " قول 1: 13-20" . ويوحنا الرسول يتكلم في مدخل أنجيله قائلاً ( في البدء " أي منذ الأزل " كان الكلمة ، والكلمة كان مع الله ، وكان الكلمة هو الله ، هو كان في البدء مع الله ....) " يو 1: 1-18 " .

لليونانيين حكمة تعتبر الجسد سجن النفس ، فتجسد الإله في جسد كان أمراً صعباً للقبول به . ففي مثل هذه البيئة الفكرية اليونانية كان على المفكرين المسيحيين أن ينشطوا في أيجاد التعابير التي تعكس وحدة يسوع الإنسان مع الله .

ومن الغنوصية انبثقت حركة دينية تعرض الخلاص عن طريق المعرفة والهروب من العالم الفاسد ( كالجسد ) لنيل الخلاص . وهذه الفكرة تضاد الخلاص المسيحي الذي افتتحه الله بمجيئه في الجسد .

قاوم القديس ايريناوس اسقف ( ليون – فرنسا ) أحد الخصوم العنيدين للغنوصية ، فقال : إذا كان المسيح لم يتخذ جسداً حقيقياً ، على حد قوله ، لما نلنا الخلاص ، لأن الخلاص لا يتحقق إلا لما ضمه المسيح إليه . فلقد كتب في بحثه ضد الهرطقة . ( أن كلمة الله صارت ما نحن ، لنصير نحن ما هو ) " إيريناوس ضد الهراطقة 5 " .

عن المدخل المزدوج لفهم سر المسيح كإله وإنسان والوحدة بينهما فكانوا في القرن الرابع في الأسكندرية ينظرون إلى سر المسيح انطلاقاً من أصله الإلهي ، بوصفه الكلمة الإلهية ، بالرغم من كون هذا المدخل قميناً بأن يخفف من حقيقة إنسانييته ، بل أن يهملها ( منظور " الكلمة – الجسد " ) أما في إنطاكية فكانوا يركزون بالأحرى على إنسانية يسوع ، غير أن هذه النظرية اللاهوتية عن ( الإنسان – الكلمة ) التي تعطي الأولوية لأصالة يسوع الإنسانية ، لم تكن صلبة بما يكفي لتسند إتحاده مع الله وآلوهيته . إن الأشكالية الأساسية لهذين المدخلين هي كيف أن الله تدخل في التاريخ ليقاسم البشرية وضعها الجسداني ، كيف يمكن التأكيد في الوقت عينه على تسامي الله المتعالي عن العالم ، وعلى ولوجه التاريخ بالشكل الذي تم بواسطته الكلمة المتجسدة ؟ لقد عملت الآريوسية على إرغام الكنيسة إلى توضيح مفرداتها لحماية إيمانها المهدد من قبل النزعة العقلانية اليونانية . آباء مجمع نيقية ( 325) واجهوا آريوس بالبرهان عن أن يسوع هذا الإنسان الذي تألم من أجل خلاصنا في عهد بيلاطس البنطي ، هو من كيان الله ذاته . وهذا ما تعنيه عبارة ( المساوي لله في الجوهر ) وبهذا ركز الآباء المجمعيون على سمو الله المطلق إزاء العالم ، مع محافظتهم على فكرة أن هذا السمو لا يتعارض مع الصلة المطلقة لله مع البشر . أي هناك وحدة بين الطبيعتين في شخص يسوع الإبن الأزلي لله ، والإنسان يسوع ما هو إلا شخص واحد الذي هو الأبن الأزلي .

في يسوع الإنسان صار الله إنساناً حقاً ، وفيه اقترب الله واقعياً من البشر . الله صار إنساناً ، ليصير الإنسان إلاهاً بأتحاده مع المتجسد الإله .

( المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة ) 

 

203
الإله الأزلي وميلاده الزمني

بقلم/ وردا أسحاق قلّو
(في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ، هكذا كان في البدء عند الله) ” يو1:1 “
يسوع المسيح هو الأقنوم الثاني في ثالوث الله والمولود من الآب في الأزل ، وهو كلمة الله الناطقة ، به خلق الله كل شىء ، وبغيره لم يكن شيئاً مخلوقاً . فيسوع قبل ميلاده في الزمن كان يقوم بأعمال ألهية لا تحصى . به خلق الآب الكون كله ما يرى وما لا يرى . كل ذلك خلقه الله بالكلمة ، هذا ما قاله الرسول يوحنا ( أنظر يو 1: 3،4 ) . وهكذا يؤكد لنا القديس بولس قائلاً ( الذي هو صورة الله غير المنظور ، بكر كل خليقة ، فإنه فيه وله خلق الكل … الكل به وله خلق ) ” كول 15:1 ) .
أما شهادة المسيح عن أزليته والذي هو مولود من الآب قبل كل الدهور والمساوي للآب في الجوهر ، فيقول ( … أنا والآب واحد ) ” يو 30:10 ” فالآب الأزلي الذي هو في المسيح عندما كان المسيح في الزمن ، أي أن المسيح أيضاً كان في الأزل قبل التجسد ودخل الزمن عندما تجسد ليصبح أبدياً ايضاً بعد الجسد ، وليس لملكه أنقضاء .
وقال الرب يسوع عن علاقته المباشرة مع الآب عندما كان يناجيه ( كل ما هو لي فهو لك ، وكل ما هو لك فهو لي ) ” يو 10:17 ” . وهو تصريح لا يمكن أن يصدر عن أنساناً مخلوقاً ، لأن معنى قوله هو ، أنه المساوات الكاملة بينه وبين الآب . وهذا الذي كان السبب الذي دفع اليهود الى رجمه لأنه جعل ذاته معدلاً للآب ، وفي أعتقاد اليهود الله واحد لا شريك في ذاته وذلك لعدم أيمانهم بالتثليث ( يو 18:5 ) .
وفي صلواته المرفوعة الى الآب ، قال ( ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك .. ) ” يو 21:17 ) . كذلك يتحدث عن أزليته فيقول للآب ( مجدني أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ) ” يو 5:17 ” . كما قال لليهود ( قبل أن يكون أبراهيم أنا كائن ) ” يو 58:8″ . وأكد أيضاً وجوده في مكان وزمان بقوله لنيقوديموس ( ليس أحد صعد الى السماء إلا الذي نزل من السماء ، أبن الأنسان الذي هو في السماء ) ” يو 13:3″ وأنه هو الخبز النازل من السماء ، وهو واهب الحياة للمؤمنين به .
أما عن دخوله في الزمن فقد تنبأ الأنبياء بمجيئه . قال عنه أشعياء النبي ( … ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو أسمه عمانوئيل ) ” 14:7″ . كما يوصفه أشعياء قائلا ( لأنه يولد لنا ولد ونعطى أبناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ) ” 6:9″ . ودانيال النبي رأى رؤية في أزلية المسيح ومجيئه وأبديته ، فقال ( كنت أرى في رؤية الليل ، وإذا مع سحب السماء مثل أبن إنسان ، أتى وجاء الى قديم الأيام ، فقربوا قدامه ، فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً ، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي وملكوته ما لا ينقرض ) ” دا 7: 13-14″ .
أما النبي داود الذي تحدث عنه كثيراً فقال عن الرب يسوع الأزلي والأبدي ( الى دهر الدهور سنوك . من قِدَم أسَستَ الأرض والسموات . هي عمل يديك . هي تبيد وأنت تبقى وكلها ثوب تبلى كرداء تغيرهن فتتغير وأنت هو وسنوك لن تنتهي ) ” مز 102: 25-17″ . كما وصفه في مزمور آخر بأنه ابن الله والمساوي له والقادر أن يدين الأشرار وحسب المزمور ( فالآن تعقلوا أيها الملوك ، تأدبوا يا قضاة الأرض . قبلوا الأبن لئلا يغضب … طوبى لجميع المتكلين عليه ) ” مز 2: 10-12 ” .
يسوع ظهرفي العهد القديم لأبراهيم قبل تجسده لأنه كان موجوداً منذ الأزل وكذلك ظهر ليشوع والفتية الثلاثة في أتون النار ، ولدانيال النبي ويهوشع الكاهن العظيم .
أما في الزمن فتقول الآية : ( فلما تم الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً لإمرأةٍ ، مولوداً تحت الناموس ) “غل 4:4″ .أي أنه أخلى ذاته من مظاهر آلوهيته وحل بقوة الروح القدس في أحشار العذراء مريم وبكامل لاهوته . وكان أخلاء ذاته من مجده الألهي هو الحل الوحيد لخلاص البشرية دون أن يدركوا بني البشر خطته الخلاصية لأنقاذهم ، لأنه لو عرفوا أنه رب المجد المتجسد لما صلبوه ، فلم تحدث المصالحة ” 1قو 8:2 ” وهكذا تجسد وتجسدت معه محبته للعالم أجمع فداس المعصرة لوحده دون أن يكلف الأنسان ذاته لمشاركته لكي لا يهلك كل من يؤمن به ” يو 16:3″ .
الكثيرين يدركون موضوع ميلاد المسيح الزمني وتفاصيله ، لكن القليلين منهم يفهمون معنى وجوده قبل كل الدهور ، والذي به عمل الآب الوجود كله ” عب 2:1 ” .
يسوع هو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” عب 3:1 ” وهو صورة الله غير المنظور ، لهذا قال لرسله ( الذي رآني فقد رأى الآب ) ” يو 9:14″ .
قال عنه الرسول يوحنا ( الذي كان في البدء ، الذي سمعناه ورأيناه بعيوننا ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة … ) ” 1يو 1:1 ) .
أما الرسول بطرس فشهد للأله المتجسد قائلاً ( لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناه بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه ، بل قدر كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من الله الآب كرامته ومجداً إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت ) ” 2 بط 1: 16-18 ” وهنا يتحدث عن تجلي صورة الله الآب على وجه الأبن على جبل طابور . كذلك الرسول بولس شهد للتجسد الألهي في المسيح بشهادات كثيرة منها ( عظيم هو سر التقوى ” أي سر التجسد “ الله ظهر في الجسد ) ” 1 تي 16:3″ . فكل من يؤمن بالله المتجسد يكون له الخلاص ، والذي لا يؤمن لن يرى حياة أبدية ، بل يمكث عليه غضب الله ( طالع يو 3: 16، 36 ) .
تجسد يسوع وأخذ جسداً بشريا من العذراء مريم ومات على الصليب ثم عاد الى مجده بعد أن أتم رسالته مؤكداً لتلاميذه قبل الصعود ( ها أنا معكم كل الآيام والى أنقضاء الدهر ) ” مت 20:28″ .
ليتمجد أسم الله المتجسد بيننا

204
في الفقير كنز ثمين

بقلم / وردا أسحاق قلّو

 ( … جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي) ” مت 42:25″

لأجل البحث عن المسيح والوصول إلى ذلك الكنز الإلهي الثمين علينا البحث عن الطريق الأفضل المؤدي إليه . لا نستطيع بلوغه بمواهبنا وطاقاتنا ، بل علينا أن نركز بعقولنا وقلوبنا بأقواله ووصاياه المدونة لنا في كتاب الحياة لكي نسير بثقة نحوه بخطوات ثابتة وصحيحة فنصل إلى مكان وجوده ، كما فعلوا الرعاة والمجوس ، فكان لقائهم مع ذلك الطفل الفقير المولود في حضيرة الحيوانات عظيماً .

قبل الأنطلاق يجب أن نعطي لأنفسنا القليل من الراحة والهدوء لكي نفكر بعد القراءة والصلاة والطلب من الرب لكي يكشف لنا مكان حضوره في هذا العالم لكي نذهب ونلتقي به ، وهذا البحث يحتاج إلى جزء من عمرنا ، وذلك بتخصيص لحظات كل يوم من أجل الوصول إلى ذلك الإله العجيب المتواضع الغني الفقير.

آيات كثيرة في الأنجيل المقدس تدعونا إلى البحث في مراعي الفقر . وللفقر أوجه كثيرة يجب أن نتعرف عليها ، كالفقر من المال ، والسلطة ، والكبرياء … وغيرها . كل إنسان يبحث عن واحدة منها ليكبر في هذا العالم ، لكن المطلوب هو أن يجتهد لكي يكون فقيراً فيها لكي يستطيع أن يجد الرب ويبعه ، كما قال الرب للشاب الغني . فمكان سكنى الرب هو في المساكين الفقراء ، فأذهب وبع ما لديك ووزعه على الفقراء ، وتعال أتبعني . هو المكان المفضل لحضور رب المجد . لهذا قال يسوع ( طوبى للمساكين بالروح ، فأن لهم ملكوت السموات ) ” مت 3:5 ” يعني بأن كنز الملكوت هو في الفقر . فعلينا أن نحب فقرنا . كما يجب أن لا ننسى حياة المسيح على الأرض ، كان فقيراً منذ ولادته في المغارة ، وكذلك عندما كان شاباً لم يكن له مسند يسند عليه رأسه ، وعندما رفع على الصليب سلبت منه حتى ملابسه الملطخة بدمائه ، فعلينا أن نقتدي بسيرته الطاهرة ، وهكذا يجب أن ننظر بجرأة إلى كنزنا المخفي وهو الفقر الذي يتواجد فيه المسيح . لا نستطيع أن نعيش حياة الغنى والفقر معاً ، فلا بد أن ننظر إلى طرف واحد من العملة ، الطرف الذي فيه صورة قيصر أم الطرف الذي نقرأ فيه أسم الله لهذا قال الرب ( لا يمكن لأحد أن يكون عبداً لسيدين ، لأنه أما أن يبغض أحدهما الآخر وإما أن يلزم أحدهما فيهجر الآخر لا يمكنكم أن تكونوا عبداً لله والمال معاً ) ” مت 24:6 ” .

علينا أن لا نخجل من الفقر أونعلن حبنا للفقير، بل أن نتباهى به لأن المسيح يعيش في الفقراء ، وقد علمنا نحن أيضاً بأن نعيش فقر الأنجيل . كما علينا أن نفرح عندما نلتقي بفقير أو محتاج أو سجين أو مظلوم أو غريب ونسمع إلى أخبار آلام الناس وأحزانهم لأن فيهم نستطيع أن نكشف الله ولا نتردد في مساعدتهم مهما بلغ الفقر فينا ، وحتى وإن نقسم بيننا الرغيف الواحد ، ولا نفكر بأن نقرضهم لكي يعيدوا لنا القرض ، وكما أوصانا الرب ( أقرضوا دون أن تأملوا أستيفاء القرض ، فتكون مكافأتكم عظيمة ، وتكونوا أبناء العلي ) ” لو 35:6 ” . عندما نقرض فقيراً فيعني إننا نقرض الله الساكن في الفقير ، وهكذا يصبح الله مديون لنا وسيوافي دينه لنا ويباركنا دون أن نشعر في هذه الدنيا وفي الآخرة .

إذاً الفقراء يملكون كنزاً ثميناً معروضاً على قارعة الطريق أو في الأحياء الفقيرة أو خلف القضبان وكنزهم هو أنهم لا يستطيعوا أن يعيدوا لنا أفضالنا ، وهذا ما يدفعنا إلى نكران الذات من أجل محبة الآخر والتضحية من أجله  . لهذا أمرنا يسوع قائلاً ( ولكن إذا أقمت مأدبة فأدع الفقراء والكسحان والعرجان والعميان ، فطوبى لك إذ ذاك لأنهم ليس بإمكانهم أن يكافئوك فتكافأ في قيامة الأبرار ) ” لو 14: 13-14″ . ومن هنا نفهم بان أجرنا محفوظ والأموال التي صرفناها لهؤلاء الفقراء مخزونة لنا في كنوز السماء . إذاً الفقير هو الذي يغنينا وهو الذي يفتح عيوننا إلى المسيح الفقير ، هذا هو ما يعطيه لنا الفقراء . هكذا يعيش المسيح في وسطنا وفي كل منا فنتحد به أتحاداً خفياً وندرك بأنه يعيش من خلالنا ونحن ندرك ونشعر بأنه بيننا ويريد أن نكون معه جسداً واحداً ، فنعلم بأن في الفقر غنى ، لأن الرب يكافئنا ويباركنا في هذا العالم وفي حياتنا الأزلية معه ومع القديسين والأبرار .
ولطفل المغارة الفقير المجد دائماً .

205
ماذا قال بابا شنودة عن شهود يهوه ؟
إعداد / وردا إسحاق قلّو

شهُود يَهْوَه مجمّع للبِدَع والهرطقات شهود يهوه ليسوا بدعة واحدة تأسست منذ قرن و رُبع ، بل هي مجموعة من البدع وتحريف للكتاب ، وهى ضد الدين عمومًا .:
هم ليسوا مسيحيين على الرغم من إیمانهم بالأناجيل الأربعة.

وبكل كتب العهدين القديم والجديد:
لم ينتسبوا للمسيح بل ليهوه أحد أسماء الله في العهد القديم
لا يؤمنون بقانون الإيمان المسيحي، ولا بالعقائد المسيحية الأساسية.

يعتقدون أن المسيح هو أول خلق الله
يعتقدون أن الكنائس كلها من عمل الشيطان ، يستخدمها الشيطان لخداع الناس. وأن هناك كنيسة واحدة بناها يهوه.
لهم بِدَع كثيرة تشمل الأريوسية ، والتهود، وبدعة الصدوقيين في عدم قيامة الأرواح.

ينكرون جميع الأديان، ويرون أنها كلها من عمل الشيطان
ضد الحكومات
ينادون بأن كل الحكومات من عمل الشيطان، وأنها ُتشكِّل نظام العالم الفاسد. وأن كل أنظمة العالم ُتدار بيد الشيطان الذي يهزأ بالله. ولذلك لا يدينون بطاعة للحكام.

لا يوافقون على الانخراط في الجيش والتجنيد

لذلك ينادون بمقاطعة الحكومات والانتخابات والتجنيد والقومية والزعماء.

يعتبرون تحية علم الدولة أو الانحناء أمامه، عبادة أصنام،

اعتقاداتهم في المسيح:

يعتقدون أنه إله قدير، ولكن ليس الله القدير.ومع ذلك خلق كل المخلوقات كمهندس أو مساعد لله.يرون أن كلمة الله (اللوغوس) بمعنى أنه كليم الله .وأنه الملاك ميخائيل، ورئيس جند الرب، ومارشال يهوه العظيم

يعتقدون أن وجوده مر بالمراحل الآتية:

أ- مرحلة قبل التجسد كإله، أصله كائن روحي (ملاك) وله اسم الملاك ميخائيل.
ب - مرحلة وجوده الأرضي، كإنسان كامل، مساوٍ لآدم تمامًا .
ج- مرحلة القيامة وما بعدها والصعود، في أجساد كونها لنفسه.
د- مرحلة بعد الصعود – أصبح روحًا وغير منظور.


يعتقدون أن غرض نزوله من السماء هو أن يشهد لملكوت يهوه.لا يؤمنون بالطبيعتين – في وقت واحد – للمسيح: إمَّا إله فقط وقت خلقه، أو إنسان فقط لكي يتمم عملية الفداء يرون أن المسيح مات على خشبة وليس على الصليب. وأن علامة الصليب هي علامة وثنية.يعتقدون أن جسد المسيح المصلوب لم يقم، وإنما أخرجه الملاك من القبر وأخفاه بقوة الله الخارجة. والمسيح ترك بشريته إلى الأبد.نادوا بمجيء المسيح ثانية سنة 1914 ، ودخوله الهيكل سنة 1918 وتأسيسه حكومة بارة. وظهر أنها نبوءات كاذبة.

قالوا إن المسيح – كرئيس جند الرب – سينتصر على الشيطان في معركة هرمجدون، ويؤسس مملكة الله.

وهكذا يقضي على كل حكومات العالم وأنظمته الفاسدة.يقولون بزواج الملائكة، وأن الشيطان يثير غرائزهم، وإنهم اتخذوا أجسادًا وزنوا مع النساء، وأنجبوا انس ً لا هو الجبابرة.ويقولون أن الخلود هو ليهوه فقط. أمَّا خلود البشر، فهو كذبة اخترعها الشيطان.لا يؤمنون بالخطية الأصلية ولا بأن الحكم على آدم قد شمل أولاده..

يرون أن الدين ذل، وأنه فخ ولصوصيه، وأنه لا يُحرِّر بل يُقيِّد. وأن كل الأديان تعرقل عبادة يهوه. وأن الله
بريء من الأديان، وقد حاربها المسيح.وبإنكارهم أيضًا مساواة الابن للأب، ينكرون الثالوث القدوس. ويرون أن الذي أدخل هذه العقيدة هو قسطنطين الملك.يرون أن الإكليروس هو هيئة الشيطان ، وأن الكهنوت تأسيس بشري يجب أن يزول، وينكرون وجود رئيسا له.لا يؤمنون ببناء بيوت الله. ولذلك ليست لهم كنائس. والمعمودية يمكن أن تكون عندهم في بانيو.ويرون أنهم هم وحدهم سفراء يهوه على الأرض، وأنهم هيئة الله الخاصة.لا يوافقون إطلاقًا على نقل الدم، مهما احتاج المريض إلى جراحة خطيرة لإنقاذ حياته
شهود يهوه لا نقبلهم في بيوتنا لأنهم يشككون في الدين ،ويخرجوننا عن إيماننا . وقد قال القديس يوحنا الرسول في ذلك " إن كان احد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام ، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة "(2 يو 1 : 10 )وشهود يهوه لا يدخلون بيتاً لمجرد زيارة اجتماعية ، بل لكي ينشروا معتقداتهم ، ولكي يفتحوا الكتاب المقدس حسب ترجمته الخاصة المرفوضة من جميع الكنائس والتي غيروا فيها لكي تتفق مع معتقداتهم الخاصة ولكي يضلوا بها السامعين ..الكتاب المقدس لم يقل إنك لم تتعامل مع المُخالفين لك في الدين حتى لو كانوا عبده أوثان..(1 كو 5 : 10 ) أما الذي يزورك بهدف واحد هو أن يشكك في دينك فهذا أبتعد عنه حرصاً على سلامة أفكارك من شكوكه وهذا ما يفعله شهود يهوه فكل زيارتهم هي لنشر معتقداتهم وتوزيع نبذات وكتب بنفس القصد وليس لهم هدف غلا هذا ، أن يشهدوا ليهوه حسب تعليمهم الخاص ولم يقل القديس يوحنا الرسول لا تقابل أى إنسان يختلف معك في العقيدة وإنما قال :" إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم " أى يأتي بقصد أن يخرجك عن التعليم السليم الذي تسلمته من الكتاب ومن الكنيسة فالذي يأتي ليشكك لا تقبله في بيتك


206
مصير الروح بين الرقاد ويوم الدينونة
بقلم / وردا أسحاق قلّو

الحياة الحاضرة فرصة لتقبل خلاص الله ومحبته  قبل أن يدخل الإنسان في عالم مكتنف بالغموض . عالم مجهول لا نعرف أسراره ، فعلى كل إنسان أن يتأكد من خطورة الخيار في حياته الزمنية ، له مطلق الحرية لكي يبقى أميناً مع الله وفي قطيعه بدلاً من أختيار الموقف المتحجر والرافض لطريق الخلاص . هناك خطورة ومصير مجهول يدعونا من هذه الحياة إلى إتخاذ الحذر واليقظة الدائمة ، وهذا الموقف هو محوري في تعليم الإنجيل ووصاياه .

الإنسان في يومه الأخير سيخرج من الزمن إلى اللازمن ، من المكان إلى المجهول . فالموت هو نهاية لحياة الجسد ، فكيف يكون مصيره كروح ما بين لحظة الموت ومستقبل الروح الذي يبدأ بعد خروجه من الجسد ؟

أول سؤال يبرز في أذهاننا هو : أين سيكون مكان الروح الذي هو جوهر الإنسان إلى يوم الدينونة المخيف ؟ المكان في الآخرة لا يشبه مكان الحياة الحاضرة . بالموت تسقط كل الحجب ، فالإنسان العاري سيواجه نور الله الذي سيكشف خفاياه ، بل أعماق أعماقه ، فهل هي الدينونة الأولى ؟ هناك لا يستطيع الإنسان أن يخفي خطاياه أو يبرر ذاته بتبريرات يخفي بها خطاياه كما حاول آدم بسبب غبائه أن يختفي بين الأشجار بدل أن يواجه ربه ويطلب منه الرحمة ( تك 8:3) . هناك بعد الموت لا يبقى للإنسان شىء لإرواء عطش كيانه الجديد إلا أن ينهل من خوائه الذاتي ، فإذا به يلتهب عطشاً كالغني الذي طلب من أبراهيم ليرسل إليه لعازر بنقطة ماء يبلل بها لسانه ، وهل للأرواح ألسنة وأجساد ؟ أم علينا أن نفكر بهذا لما هو للروح . أما عن الدينونة أصلاً في اللغة اليونانية في كتاب العهد الجديد فتعني التمييز ، وعبر هذا التمييز يتحدد مصير الإنسان أمام نور الله . وبالأحرى أن الإنسان سيحدد مصيره بنفسه فيُمَيز هل سيستحق بأن يكون مع الله ، أم عليه أن يتغرب عنه إلى الأبد ، وهكذا سيحكم عليه بعذاب الغربة وإنابة الضمير ، ولا شىء يستطيع أن يساعده لنسيانها ، بل سيتذكر دائماً كل خطاياه التي اقترفها في حياة الجسد ليكشف فيها كل الجوانب الخافية عليه حتى ساعة رقاده إن لم تبدأ تلك الشعور منذ ساعة رقاده الأخير . تحدث أحد الآباء قائلاً ، سألت مريضاً في ساعته الأخيرة بعد أن ناولته الأسرار المقدسة عن شعوره في تلك اللحظات ، فأجابه : أنني أتذكر الآن كل الخطايا التي أقترفتها في حياتي . أما الزعيم السوفيتي العظيم ستالين فوصفت لنا أبنته ساعة موته فقالت ( كان غاضباً وخائفاً ينظر إلى شىء أو شخص لا نراه نحن ، وكان مرعوباً من الموت ) أي عكس الإنسان الذي يموت في الرجاء والذي يعتبر تلك الساعة ساعة فرح وإن كانت قاسية جداً كموت الشهيد الأول ( مار أستفانوس ) بينما كان الراجمين يرجموه بالحجارة بقسوة ، كان يرى السماء مفتوحة وأبن الإنسان واقفاً عن يمين الله ! . كان ستالين على سريرٍ مريح وبأفضل مكان وحوله الحماية لكنه كان مرعوباً ، هذا هو الفرق بين شعور المؤمن وغير المؤمن في تلك الساعة .

الإنسان الذي يعيش حياة طاهرة نقية وبحسب وصايا الله يجد نفسه في حالة إنفصال الروح عن الجسد في الله ، تلك اللحظة يشير إليها الرب يسوع عندما كان على الصليب ، فقال للمصلوب الذي آمن به ( الحق أقول لك ، ستكون اليوم معي في الفردوس ) ” لو 43:23″ . فللمؤمن الرجاء القوي في أن يلاقي المسيح ولا يموت أبداً ، بل سينتقل من الموت إلى الحياة الأبدية ، فيخطف لحظة موته إلى السماء ليبقى مع الرب على الدوام (1 تس 4: 15-17 ) . إذاً لا قدرة للموت أن يفصل المؤمن عن المسيح الذي صار رأس للبشرية كلها والبشرية هي الجسد . بالإيمان أتحد المؤمنون بالمسيح وبجسده السري ( 1 قور 27:12 ) . إذاً لا سلطة للموت على المؤمنين لأتحادهم الأبدي بالمسيح ، فالموت الذي يفصل الإنسان عن الجسد ، لا يستطيع أن يفصله عن المسيح ( طالع رو 8: 35- 39 ) .

الحياة للمؤمن هي المسيح ، والموت له ربح بسبب . لماذا ؟  لوجود لقاء أبدي بالرب الذي يلي مباشرةً بعد موت الجسد ، ولا ينتظر أبداً يوم الدينونة ، بل سيلتقي بالخالق  ويزيل عنه الألم والغربة التي عانى منها وهو في الجسد .

 الجسد هو خيمتنا الأرضية تسكن فيه الروح ، عندما تهدم في ساعة الموت فلنا بيت أعده الله لنا ، لم تشّده الأيدي ، فعلينا أن نثق بأننا عندما نهجر الجسد سنقيم في جوار الله ( 2 قور 5 : 1 و 6-8 ) .

لنسأل ونقول ، هل تلك هي الساعة الأخيرة للمؤمنين ، وماذا عن يوم القيامة والدينونة العظيمة عندما يأتي الرب مع ملائكته القديسين بمجد عظيم ؟ المؤمن الذي انتقل روحه إلى أحضان الله بعد الموت مباشرةً ، لا يدان في يوم الحساب وحسب قول الرب

 ( اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاة ) ” يو 24:5″ . لكن لكي يبلغ الجميع حالة نهائية لمصيرهم فلا بد من أكتمال الكيان الجماعي للإنسان وذلك بإجتماع البشرية كلها في نهاية التاريخ ، فالمسيحية بقدر ما تؤكد أهمية فردية الإنسان ، كذلك تؤكد أهمية ارتباط الشخص بالجماعة أي المؤمن بالكنيسة لكي يتحقق ملْ أبعاد كيان الإنسان بالمسيح الذي وحّدَ الطبيعة البشرية لكي تتواجد في كل شخص . يجب أن نكون جميعنا معاً لكي يكتمل مصير كل واحد منا ، علينا إذاً ان ننتظر بعضنا بعضاً . كما في الآية ( هؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان ولكنهم لم يحصلوا على الموعد لأن الله قدر لنا مصيراً أفضل فلم يشأ أن يدركوا الكمال بدوننا ) ” عب 11: 39-40″ .

بعد أنتقال الروح بعد الموت إلى السماء عليها أن تنتظر يوم القيامة ، يوم قيامة الأجساد ، فتتحول أجسادها المقبورة أو المحروقة إلى أجساد ممجدة تلتحق بأرواحها . في ذلك اليوم سيكتمل الكيان الشخصي للإنسان ، فالروح التي كانت تخلد لوحدها ، والتي تعتبر قلب الكيان وخلاصته ، لكنها ليست الكيان كله إلا عندما تتحد مع الجسد.

في الختام نقول : في يوم رقاد المؤمن تلتقي روحه الطاهرة مع الرب وفي يوم الدينونة ستقام الأجساد لتلتقي بأرواحها ، وفي ذلك اليوم سيلتقي كل الأبرار ، وتلتحم الكنيسة المضطهدة المجاهدة مع الكنيسة السماوية الممجدة بفرح لا يوصف ، فيوم الدينونة الأخير يعني الأكتمال والتتويج للأنفس المنتصرة ليصبح كل شىء لهم جديداً ، وحسب قول الجالس على العرش

( سأصنع كل شىءٍ جديداً )

207
شهود يهوه وحدهم يستخدمون لفظة يهوه
بقلم/ ورداإسحاق قلّو
في أسفار الشريعة تسميات عدة لله ، منها ( يهوه ) ويهوه ( الله ) رفض أن يشرك اليهود معه أي إله آخر . لكن تُقرأ في الترجمة اليهودية اليونانية ( كيريوس ) أي ( رب ) . كان اليهود يكتبون أسم ( يهوه ) ولا يلفظونه منذ القرن الرابع ق.م . فكانوا يلفظون عوضاً عنه ( أدوناي ) وهذه اللفظة واسعة الأستعمال جداً في طول العهد القديم ، وترد مرادفة للفظة ( يهوه ) ويهوه هو رب الأرض ، بالعبرية ( أدون ) ” يش 11:3 و 13 ) ” مز 5:57 ” و ” ميخا 13:4″ . كما تظهر لفظة ( أدون ) إلى جانب لفظة ( يهوه ) بكثرة ( أدون يهوه ) ” خر 17:23 و 23:3 ” ( أدون يهوه إله أسرائيل ” أش 24:1 و 15:3 و 16:10″ وفي المزمورين 13:90 و7:114″ يستعمل المرنم ( أدون ) بدل ( يهوه ) . وكذلك الأمر في أشعياء ، كما نلاحظ في فص6 ( رأيت أدون جالساً … ) ( يهوه الصباؤوت ..) ( 3 و 5) ( ثم سمعت صوت أدون ” رب ” قائلاً … ) ” 8″ … فقلت إلى متى أيها السيد ( أدون ) ؟ فقال … ) “11” . كما ترد في العهد القديم كثيراً جداً عبارتا ( الله يهوه ) أو ( يهوه الله ) كما ترد مثيلتاهما ( ادوناي يهوه ) وأيضاً ( ادون يهوه الصباؤوت ) ” أش 4:3″ وعاموس ( 5:9) طبعاً في الترجمات الجديدة نجد لفظة ( الرب ) .
بعد هذه المقدمة نقول : أن اليهود انفسهم تخلو عن تسمية ( يهوه ) فلم يترجموا لفظة يهوه إلى اليونانية ، بل ترجموا مرادفتها أي ( أدون ) ( رب ) لهذا لم تظهر قط لفظة ( يهوه ) باليونانية التوراتية . واليهود كانوا قسمين ، أولهما في قلسطين يتكلمون بالآرامية ، والثاني في الشتات ولغتهم كانت اليونانية . فالناطقين باليونانية هم الكثرية ، يكتبون وينطقون لفظة ( كيريوس ) أي (رب ) في كل صلواتهم . المسيحية عندما ظهرت تسلمت من اليهود الناطقين باليونانية العهد القديم اليوناني فوجدوا فيه لفظة ( كيريرس ) فكانوا يطلقونها على الآب وعلى الأبن بدون تفريق .
لفظة (يهوه) قديمة ، أقدم من ظهور الله لموسى المدّوِن في ( خر 3: 14-15) ويهوه هي صيغة فعل المضارع بالعبرية من فعل ( هيه ) أو ( هوه ) وأضيف عليها ( ياء ) المضارعة العبرية لتصبح ( يهوه ) . واليهود ترجموها إلى اليونانية قديماً ( كيريوس ) .
يختصر الكتاب المقدس لفظة ( يهوه ) هكذا ( يا هو ) ، ( يه ) أما ( ياهو ) فموجودة في اللغة الآرامية والتي تعني ( يا ذلك ) .
نقرأ في سفر الخروج ( 3: 13-15) قال موسى لله ( فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم ؟ ) فقال الله لموسى : ( أهيه الذي أهيه ) وعناها ( أنا الذي هو أنا ، أو الكائن الدائم ) وأضاف : ( هكذا تقول لبني أسرائيل : أهيه ” أنا الكائن ” هو الذي أرسلني إليكم ) .
 الحاخام اليهودي ( زاوي ) ترجم لفظة ( يهوه ) بلفظة ( رب ) . كما ترجم اليهود السبعينيون لفظة ( يهوه ) بلفظة ( رب ) ( كيريوس ) فسار العهد القديم في نهجهم . فكان اليهود قبل الميلاد وبعده يسعون إلى ترجمة لفظتي ( أهيه ) و ( يهوه ) بالأستناد إلى المعنى الفلسفي اللاهوتي الوجودي الذي استنبطوه منهما . ولم يكونوا حرفيين كشهود يهوه الذين يعيدون عجلة التاريخ إلى الخلف 2300 سنة ، هل يعبّرون بهذا عن حبهم وإخلاصهم لليهود أكثر من حبهم للمسيحية علماً بأن اليهود بعد المسيحية لم يستخدموا لفظة ( يهوه ) مطلقاً ؟ الجواب نعم يعبرون عن حبهم وولائهم لليهودية أكثر من المسيحية .
أما في المسيحية فترجمات كل المذاهب لم يذكروا لفظة ( يهوه ) علماً بأن الكنيسة لم تسقط كلمة ( يهوه ) ، بل أعتبرتها تدل على الآلوهه ، فتقول أن الآب ( يهوه ) والأبن ( يهوه ) فيكون أسم ( يهوه ) مستمراً في الكنيسة عبر أسم يسوع المسيح ، لكن لا كإله رهيب مخيف نخشاه كما خشي اليهود أسم ( يهوه ) فأسقطوه من النطق ، بل كإله متجسد حبيب وقريب . عليه فعلق وجودنا كرجاء أوحد وكمخلص علماً أن العهد الجديد لم يذكر لفظة ( يهوه ) أيضاً ، ولم ينطقها يسوع المسيح وحتى آخر دقيقة من عمره قبل أن يسلم روحه استبدل لفظة يهوه بلفظة ( يا أبت ) أي أمتنع في أخطر لحظات عمره عن إستعمال ( يهوه ) . أما بولس الرسول فاستشهد بالآية فقال بدلاً من ( يهوه ) ( الله  الحي الذي صنع السموات والأرض … ) كذلك استشهد بأسفار اللاويين ، وحزقيال ، وإرميا ، فاستبدل (يهوه) ثلاث مرات فكتبها ( الله … الرب … الرب ) فلماذا استبعد يسوع وتلاميذه لفظة (يهوه ) فأبعدوا عنا خطر الدعوات المشابهة لدعوة شهود يهوه اليوم في تلك الفترة .
يا لحكمة الله التي تفوق كل علم ووصفٍ

208
واجبات الملائكة لبني البشر

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك ) " مز 11:91 "

منذ الأزل كان الله موجوداً بأقانيمه الثلاثة ، قبل أن يخلق الكائنات المرئية والغير المرئية كالأرواح التي أوجدها لخدمته أولاً فهم ينفذون أوامره لأنهم جنود في خدمته ( مز 103: 20-21 ) ، خلقها لتسجد له  . الملائكة أنواع منها تخدم في عرش الرب وتسمى " ساروفيم " . . أشعيا النبي الذي رأى عرش الرب ، تقدم إليه أحد تلك الملائكة ووضع جمرة على شفته لتتطهر . أما خارج العرش فهناك نوع آخر من الملائكة تسمى " كاروبيم " ( طالع أش 14 ) كذلك تكلم عنها النبي حزقيال في ( 22:11 ) .

 بعد أن خلق الله البشرية قامت بعض الملائكة  بخدمة الذين سيرثون ملكوته ( عب 1: 6،14) . ومن واجبات الملائكة أيضاً حراسة المؤمنين كما يقول المزمور ( ملاك الرب يخيم حول خائفيه وينجيهم ) " 7:34" ولكل مؤمن ملاكٍ حارس . عندما كان المؤمنون مجتمعون في بيت مريم أم يوحنا " مرقس " كانوا يصلون من أجل الرسول بطرس المسجون والذي أنقذه ملاك من عند الرب ، فقالوا للخادمة رودا التي أخبرتهم بأن الطارق على الباب هو بطرس ، ( لعله ملاك بطرس ! ) " أع 15:12" . الملائكة موجودين حولنا ويقدمون لنا الخدمة لكي نخلص ، وخاصة الأنسان الذي يخاف الله " مز 7:34" .نقرأ في سفر العبرانيين "14:1" فيقول ( .. فليس الملائكة إلا أرواحاً خادمة ترسل لخدمة الذين سيرثون الخلاص ) . يفرحون بتوبة خاطىء . كما هم يرفعون صلوات المؤمنين إلى الله و( رؤ 4:8 ) وهكذا للأطفال أيضاً ملائكة يحرسونهم ، لهذا قال الرب يسوع للجموع ( أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات ) " مت 10:18" .

الملائكة أرواح ، لهذا لا نستطيع أن نراها بعيون الجسد ، بل بالروح ، لأنها كائنات روحانية ، فبالنسبة للمؤمن هم حقيقة أيمانية يدخلون في عمق الإيمان المسيحي . كان النبي إليشع يرى جيوش الرب أكثر من جيوش آرام . تضّرعَ إلى الرب لكي يراها خادمه أيضاً ، فقال ( يا رب أفتح عينيه فيبصر . ففتح الرب عيني الخادم ، وإذا يشاهد الجبل يكتظ بخيل ومركبات نار تحيط بأليشع ) " 2مل 17:6" .أما النبي دانيال فرآهم ( كانوا ألوف ألوف تخدم الله . وربوات ربوات واقفة أمامه ) " دا 10:7" هم على شكل طغمات مختلفة ، لها أسماء تتناسب مع الوظيفة التي يعملون فيها . بعضهم تنتهي أسمائهم بأسم الله ( ئيل ) كميخائيل الذي هو رئيس الجند ، ومعنى اسمه ( من مثل الله ) وبالسريانية ( منيلي مخ آلها ) " دا 21:10 ن 1:12"  وجبرائيل ( جبروت الله ) وروفائيل ( رأفت الله وحنانه ) .

الملاك الحارس يحفظ الإنسان ويحرسه كما حفظ أبن طوبيا " 13:3" ورفعوا صلواته " 12:12" والملاك شفى طوبيا " طو 15:12" كذلك يحملون الناس على أيديهم " مز 11:91 " وينقذونهم من أعدائهم ومن الضيقات ( دا 18:3 ، 49،50 ) .

 للملاك القدرة على أكتشاف الأسرار الإلهية لبني البشر كما فعل ميخائيل ( طالع دا 13:10 ) . كما للملائكة دور في الشفاعة ، فالملائكة تشفعت إلى الله من أجل أورشليم المهدمة (70) سنة بسبب غضب الله على شعبها فرحم الله ذلك الشعب " زك 9:1" . أما في سفر الرؤيا فنقرأ عن شفاعة الملائكة للبشر ( وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله ) " 3:8" وشفعوا البشر بقولهم وهم يرنمون ترنيمة جديدة قائلين ( مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت وأشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمه ) " رؤ 9:5" يشفعون بني البشر بسبب محبتهم للإنسان ، بل يفرحون بسبب خاطىء واحد يتوب " لو 10:15" .

 ومن واجبات الملائكة تفسير الأحلام ( طالع مز 40: 3-4 ، دا 15:7 ، 16:8 و 9 و 10 ) .

 في العهد الجديد  كانوا يؤدون وظائف متعددة ، فكانوا ينقلون رسائل الله إلى المختارين كبشرى الملاك جبرائيل لزكريا الكاهن ، وللعذراء ومار يوسف البار وللمجوس وإلى بطرس وكرنيليوس قائد المئة ، وللنسوة في القبر المقدس ، وفي نهاية الزمان ، قبل ظهور المسيح في السماء سيرسل ملائكته القديسين فينفخون ببوق عظيم الصوت ليجمعوا المختارين من الجهات الأربع ، من أقاصي السموات إلى أقاصيها " مت 31: 24"

 وفي السماء تخدم البشر أمام العرش الإلهي , فهناك ملاكاً يقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب ، ويعطي بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين أمام الله  ( رؤ 8: 3-4) . ومن واجباتهم معاقبة الأشرار ، فنجد ملاكاً يقف بسيف ملتهب أمام جنة عدن ( تك 24:3) وملاكاً آخر يرسله الله ليهلك أورشليم بسبب إحصاء داود للشعب ، وملاك الرب قتل 185 ألفاً من جيش سنحاريب الملك ( 2مل 35:19) كما قتل الملاك كل أبكار المصريين في الضربة الأخيرة . والملاك منع بلعام بن بعور عندما كان ذاهباً غلأى ملك موآب ( عد 22:22) . وفي سفر الرؤيا أيضاً نقرأ : ملائكة الرب يصبون جامات غضب الله على الأشرار الذين لم يتوبوا عن شرهم " رؤ 16:1-21" .

ختاما ً نقول ، هناك أعداد كثيرة من الملائكة شقطوا في الخطيئة بسبب كبريائهم وخبثهم . أشعياء النبي يوَضّح أسباب سقوطهم فيقول ( كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح ، كيف قطعت إللى الأرض يا قاهر الأمم ، وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات ، أرفع كرسي فوق كواكب الله .... أصير مثل العليّ ، لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب ) " أش 14 : 12-14 " . والملائكة حسب التعليم الكاثوليكي ، هم حقيقة أيمانية تدخل في صلب الإيمان المسيحي ، كتبت ‘نهم ألأسفار المقدسة على مدى التاريخ كيف كانوا يخدمون القصد الإلهي ، فهم غلقوا الفردوس بعد سقوط الإنسان ، وهم حاموا لوط وأخرجوأ عائلته من سادوم ، هم أنقذوا هاجر وأسماعيل ، هم قادوا شعب الله ، هم بشروا بالولادات والنبؤات والدعوات . وأخيراً الملاك جبرائيل بشرى مريم بتجسد وولادة أبن الله منها . وأن الأسماء الأبرز بين الملائكة فهي أسماء رؤساء الملائكة ( ميخائيل وجبرائيل وروفائيل ) .

لتكن شفاعتهم معنا جميعاً

209
علاقة ضمير الإنسان بخلاصه

بقلم / وردا اسحاق قلّو

شعر الإنسان بعد سقوط الأبوين في الخطيئة ، بأن للخطيئة ثقل كبير على الضمير الذي يشعر به الإنسان بالذنب فيدفعه إلى التفكير للوصول إلى ما هو أفضل . فالخطايا تعذب الضمير ، والضمير يعارض العمل الخاطىء ويؤنب فاعله فيدفعه إلى البحث عن الحلول التي تريح النفس .

منذ القدم هناك من لجأ إلى عبادة النجوم والأصنام وآلهة غريبة كثيرة معتمدون إليها من أجل الوصول إلى راحة الضمير . دون أن يعلمون بأن الله الواحد هو الذي وضع ناموس الضمير في ذات الإنسان . بعد السقوط في الخطيئة بدأ الإنسان بالشعور بأعماله الخاطئة بسبب الضمير  . فقوانين الناموس الذي وضعها الله في شريعة موسى كالقتل والزنى والسرقة وشهادة الزور كان الأقدمون يعرفونها جيداً ويعملون بها . فأول جريمة قتل حدثت في التاريخ كانت لقايين عندما قتل أخيه هابيل فشعر في الحال بجريمته ، لهذا قال لله الذي سأله عن أخيه ( ذنبي أعظم من أن يحتمل ) " تك 13:14 " إنه ضميره ، فأعترف . وبحسب الضمير عاش يوسف الصديق أميناً لله فأجتنب خطيئة الزنى مع زوجة فوطيفار لأنه كان يشعر بأن في ذلك العمل شر وخطيئة تهين الله الخالق لهذا قال ( كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله ) " تك 9:39" . فخطيئة الزنى أيضاً كانت معروفة قبل الناموس ، وكذلك الحال مع باقي الخطايا .

لا حجة للإنسان لأقتراف الخطيئة وحتى الذي لم تصله شريعة موسى ، أو بشارة العهد الجديد ، لأنه يمتلك الضمير ، والضمير هو الذي يقضي لكل إنسان ويشعره بالعمل الخاطىء قبل أن يرتكبه لكي يمنعه من ممارسته ، لهذا قال الرسول بولس ( إذن الأمم الذين ليس عندهم الناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس ، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم . الذين يطهرون عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم شاهداً أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينهما مشتكية أو محتجة في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب لأنجيلي ، على يد يسوع المسيح ) " رو 2: 14-16" .

لهذا نقول ، على كل إنسان أن يشعر بأن الضمير الذي يشعره  بالذنب هو دليل وبرهان على وجود الله فيه والذي لا يقبل الخطيئة ، والله هو الذي وضع ذلك الإحساس في داخله لكي يشعر بالذنب ، والله سيحكم عليه من خلال ضميره امام الدينونة الأخيرة . الضمير يدفع الإنسان إلى محبة الجميع لكي لا يقترف الخطيئة ضد أخيه الإنسان ، فالدينونة تطالبه بالمحبة التي كان يحملها للآخرين . فالإنسان الذي لا يحب أخيه الإنسان الذي يراه، لا يستطيع أن يحب الله الذي لا يراه كما يقول الكتاب .

الضمير هو الشريعة أو " الناموس " لمن ليس له شريعة ، ، لكننا نقول أيضاً الخلاص بطريقة الشريعة صعب جداً لأن على الإنسان أن يكمل كل بنود الشريعة دون أن يتجاوز على واحدة منها لكي ينال الخلاص . تقول الآية ( لأن من حفظ كل الشريعة وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل ) " يع 10:2"

يقول الكتاب ( أجرة الخطيئة هي الموت ) أي سفك الدم . فالذبائح الحيوانية التي كانت تذبح عن الخطايا المرتكبة ، دماء تلك الضحايا كانت فقط تغطي الخطيئة إلى حين دون أن تغفر كلياً ، فأول ذبيحة قدمت لله كانت لهابيل  والتي كانت من أبكار غنمه " تك 4:4" واستمر تقديم الذبائح التي كانت رمزاً لذبيحة الذبح العظيم ( ذبيحة المسيح على الصليب ) ، تلك الذبيحة التي رآها أبراهيم عندما أراد أن يذبح ابنه أسحق فرأى المسيح المذبوح على خشبة الصليب ، فكتب يوحنا في أنجيله قول المسيح  ( أبوكم أبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح ) " 56:8" . فطريق الخلاص هو الإيمان بتجسد المسيح وموته الكفاري على الصليب ، وهناك تم دفع ثمن الخطيئة فتمت المصالحة بين الله الخالق والمخلوق الخاطىء . فالإيمان بعمل الصليب ، وبموت ، وقبر ، وقيامة المصلوب من بين الأموات ، ينال الإنسان الخلاص مع الإلتزام بوصايا الفادي وأعماله المدونة في إنجيله المقدس .

المسيح تجسد ومات من أجل خلاص كل من يؤمن به ، وبحسب قول الرسول يوحنا ( كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله ) " 1يو 1:5" كذلك ( فلا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة ، بل الإيمان العامل بالمحبة ) " غل 6:5" أي الإيمان المقترن بالأعمال التي تبرهن صدق إيمان الإنسان ، فالإيمان المجرد من الأعمال فهو مَيّت ، والأعمال الصالحة تأتي من محبة المؤمن لأخيه الإنسان . ومن فيه المحبة ، فيه الله لأن ( الله محبة ) والله يحرر الإنسان ويعطي له الخلاص الأبدي .

ولألهنا القدير المجد دائماً

 

210
يهوه العهد القديم هو يسوع المسيح
بقلم / وردا إسحاق قلّو
قال ملاك الرب لمريم ( وها أنت ستحبلين ، وتلدين أبناً ،  وتسمينه يسوع ... ) " لو 31:1"
يهوه هو أحد أسماء الله القديمة المستخدمة في العهد القديم . وكان اليهود من بعد سبي بابل حتى مجىء المسيح في مرحلة خوف ورعب من ذكر أسم يهوه ، فكانوا يكتبونه ولا يلفظونه خوفاً من غضبه وإحتراماً له . فكانوا يلفظون عوضاً عنه كلمة ( أدون ) ( رب ) . كما لم يكن معروفاً لهم بأن الله ( يهوه ) له ثلاث أقانيم . وكل أقنوم فيه هو ( يهوه ) مع وجود التوحيد في ذات الله الواحد .
 ظهرت في الكتاب المقدس وخاصة في سفر أشعياء في الفصول الأربعينية والخمسينية عبارة أخرى بديلة منها وهي ( أنا هو ) و بالعبرية ( أني هو ) كما في الآيات ( أنظروا الآن ، إني أنا هو وليس إله آخر معي... ) " تث 39:32" و ( ... أنا الرب " يهوه " أنا الأول والآخر ) " أش 4:41" . و ( ... أنا هو الأول والآخر ) " أش 12:48" . أعتبرت الترجمة السبعينية ( أنا هو ) معادلة لأسم الجلالة " يهوه " أو الله ، وهذا واضح من الآية ( أنا هو الرب " يهوه " وليس هناك آخر ) " أش 18 :45" . إذاً ( أنا هو ) يعنى به ( الله أو يهوه ) لكن لا يقصد به الله الآب فقط " كما يقصدون شهود يهوه بسبب عدم إيمانهم بالتثليث " بل المسيح هو المقصود أيضاً ، لأن المسيح والآب واحد وحسب قول يسوع ( أنا والآب واحد ) إذاً يسوع هو صورة مطبوعة عن جوهر الآب ، وإن رفعنا ذهننا نحو الإلهيات لفهمنا أن للأبن والآب جوهراً واحداً .
لهذا من حق يسوع أن يقول عن نفسه ( أنا هو ) لهذا نجد في العهد الجديد ( أنا هو ) بكثرة في كلام يسوع الرب والتي تعني ( أنا المتكلم معك ) ويعني بهذا ( أنا الله المتكلم معك ) لهذا السبب عندما قال يسوع لليهود في البستان ( أنا هو ) أرتدوا إلى الوراء وسقطوا . كذلك قالها لتلاميذه ( أنا هو ، لا تخافوا ) " مت 27:14 " . وهكذا نجد لها نظائر في العهد القديم استخدمها الله الآب عندما قال لأبراهيم ( ... لا تخف لأني معك ) " تك 24:26" و ( أنا الله إله أبيك ، لا تخف ... لا تخف ) " أش 41: 13-14" .
أستعمل يسوع عبارة ( أنا هو ) مراراً ، فقال ( أنا باب الخراف ... أنا الباب ... أنا الراعي الصالح ... أنا الراعي  ) " يو 10: 7، 9 ، 11 ) وكذلك ( أنا الكرمة الحقيية ) ( أنا خبز الحياة .... أنا الخبز الحي ... ) ( أنا نور العالم ... ) ( أنا الطريق والحق والحياة ) وهذه الجمل لا يستطيع إنسان أن ينطقها على نفسه لأن قائلها يخرج من الحدود البشرية ليدخل في حدود الآلوهية ، لهذا فالكنيسة اعتبرت يسوع منذ البداية هو ( يهوه ) كالله الآب . ورأت أن هذه التسمية تتعلق بسرمدية الله ، وتُعبّر عن الجوهر الألهي ، ويسوع الأبن هو أبن الجوهر ، فإن كان هو أبن الله ، وكلمة الله ، وخالق الكون يقول ( أنا هو ) وهي نفس الكلمة التي قالها الله لموسى ( أهيه الذي أهيه ) . يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أن عبارة ( الكائن ) تعني ( سرمدياً ) وأن ما تعنيه عبارة ( في البدء كان الكلمة ) " يو 1:1" فهي أن الله الأبن موجود دوماً . موجود بدون بداية ، موجود من الأزل وإلى الأبد في حضن الآب . لهذا لم يقل يسوع ( كنت قبل أن يكون أبراهيم ) ولكن قال ( أنا كائن ... ) والكلمة تدل على إنه أزلي سرمدي لأن الكلمة لا تحدد أي زمن خاص .
لنسأل شهود يهوه ونقول : هل تؤمنون أن يسوع هو يهوه ؟
الجواب نجده في أنجيل البشير لوقا " 1: 31-33و35" قال ملاك الرب لمريم ( وها أنت ستحبلين ، وتلدين أبناً وتسمينه يسوع ، إنه يكون عظيماً ، وأبن العلي يدعى ، وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الدهر ، ولن يكون لملكه إنقضاء ، فالقدوس الذي يولد منك يدعى أبن الله ) . إذاً سمي يسوع حسب قول الملاك قبل أن يحبل به " لو 21:2" ..
شهود يهوه يعترفون بأن معنى يسوع هو ( يهوه المخلص ) أي الله المخلص . ومريم قالت لأليصابات ( ... وتبتهج روحي بالله مخلصي ) " لو 47:1" ، لهذا نقول لشهود يهوه : إذا كان ملاك الرب قد أعطى هذا الأسم لمريم ويوسف ، فهل هناك حاجة إلى العناد بأن يهوه يطلق فقط لله الآب وليس للأبن ؟ ! سبب عنادهم هو لأنهم يفهمون المعنى فقط من العهد القديم ، لكن الوحي لمريم في العهد الجديد هو أعظم من الوحي لموسى في العهد القديم ، والعهد الجديد وضّحَ لنا الحقائف بنور كلماته الواضحة جداً ، فعندما تقول أليصابات لمريم ( أم ربي  ) تبين للجميع بأن يسوع هو الرب ، وهو يهوه ، وهو الله لأنه الكلمة المتجسد " يو 1:1 " . لماذا إذاً يحاول شهود يهوه إضاعة الحقائق الواضحة في العهد الجديد ، ولماذا يفضّلون البقاء في العهد القديم  فقط ؟ وحتى في العهد القديم يسوع هو الله بأستشهادنا بالآية ( ها أن العذراء تحبل ، وتلد ابناً ، ويدعى عمانوئيل ، أي الله معنا ) " أش 14:7" وتولى تفسير ( عمانوئيل ) المركب من ( عمانو ) أي معنا ، و ( أيل ) فأيل هو أسم من أسماء الله في العهد القديم ويعني بالعبرية ( إله الآلهة ) ويسوع أيضاً هو ( رب الأرباب ، وملك الملوك مثل الله الآب ) .
يسوع هو يهوه المخلص والفادي وغافر الخطايا بدمه ، فلماذا العودة إلى العهد القديم ونحن لدينا يسوع ( يهوه المخلص ) السبب هو لكي يحطمون يسوع المخلص الذي لا يعترفون به اليهود ، وهم خدام اليهود ، ومسَيّرين من قبلهم ، علماً بأن اليهود أبطلوا النطق بأسم يهوه فينطقون عوضاً عنه ( أدون ) أي ( الرب ) فلا يستخدمون اليوم لفظة ( يهوه ) أبداً  . كما أن يسوع نفسه لم يلفظ أسم ( يهوه ) على فمه أبداً ، فما هو سبب أستخدام شهود يهوه هذا اللفظ من دون الجميع ؟ . 
ختاماً نقول لشهود يهوه بما أنكم تعترفون أن أسم يسوع هو ( يهوه المخلص ) كما تعترفون بأن أسم يسوع هو تصغير للفظة ( يهوشاع ) والتي تفسيرها أيضاً ( يهوه المخلص ) وهذا ما موجود في كتابكم ( ليكن الله صادقاً ) الصفحة ( 4 ) إذاً لماذا تعتبرون الله الآب ، أو الله المجرد من الأقانيم حسب أيمانكم هو الوحيد يهوه ؟   وأخيراً نقول لكم : لماذا ينتحل يسوع لنفسه أسم يهوه ، وكلام يهوه ، ووظائف يهوه ، إن لم يكن هو يهوه ؟
ليتمجد أسمه القدوس .

211
هذه لم يفعلها يسوع في حياته
بقلم / وردا أسحاق قلّو
يسوع هو الإله الظاهر في الجسد ( 1 تي 16:3) فصار إنساناً فسمى نفسه ( إبن الإنسان ) جاء لكي يفدي الإنسان الخاطىء بعمل الصليب ، فعلى الصليب دفع ثمن الخطيئة . إنه لم يقترف خطيئة في حياته الأرضية كباقي الأنبياء ، ولن تشمله خطيئة الأبوين ، وأنه ليس من ذرية آدم ، لهذا لم يطلب لنفسه يوماً المغفرة من الله الآب كباقي المرسلين وسائر البشر لأنه وحده قدوس الله ( رؤ 4:15) .
عمل آيات ومعجزات كثيرة بقدرته الذاتية ولم يطلب الإذن يوماً من الله الآب قبل عمل المعجزة ، لأنه والآب واحد ومساوين في الجوهر. كل ما قاله المسيح كان فيه الحق والصواب ، ولم يخطأ أبداً ، لهذا لم يعتذر من أحد ، ولن يسحب كلاماً قاله ، بل كان معصوماً ومنزهاً عن الأخطاء ، ولم يقترف الخطيئة ولو حتى في فكره ، ولا بأقواله ، ولا في أعماله ، بل لم يكن في فمه مكراً ( 2 قور 21:5 . 1بط 22:2 ) .
يسوع الإنسان لم يتزوج ، ولم يكن له محظية أو من الجواري كما كان لأنبياء كثيرين ، بل كان بتولاً نقياً ، قدوساً ، بارك النساء وأكرمهن بأقواله . لم يشتهي شيئاً من هذا العالم الذي خلقه هو بكلمته يوم الخلق . كان له مشاعر الحب والرحمة ، لكن ليس الحب الذي يتوخى شهوة الجسد ، بل حب الآخر والتضحية من أجله وبدون مقابل . إنه أسمى حب ، وقد علمنا بأن نحب الناس مثله كهذا الحب ، فقال ( ليس لأحد حب أعظم من هذا ، إن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ) " يو 13:15" .
عندما وصل التلاميذ إلى بئر يعقوب وجدوا يسوع يتحدث مع السامرية الزانية ، تقول الآية ( ... تعجبوا من انه يكلم إمرأة ، لكن أحداً لم يقل ماذا تريد منها ؟ أو لماذا تحادثها ؟ ) " يو 27:4 " لكن بعد ذلك عرفوا بأنه أراد أن ينقذها من طريق الفساد إلى طريق الخلاص ، وبسببها كسب يسوع كل أهل بلدة سوخار .
يسوع  جاء لكي يخلِّص الخطاة ، هكذا ينبغي أن نكون مثله ونقتدي به لكي لا نشتهي شيئاً من هذا العالم ولأننا أخترناه  لنا رباً ومعلماً ومخلصاً وحبيباً ونصيباً ، فعلينا أن نرفض كل ما يدنس الجسد بخطايا هذا العالم وشهواته .
كان يسوع رجل سلام فلم يستعمل القوة ، ولم يضرب أحداً ، ولم ينشر مواعظه بالحيلة أو فرضها على السامعين ، بل بالمحبة والإقناع بقوة النعمة وحتى مع أشد الخاطئين ، وبهذه الطريقة حوّلَ التعساء والمجرمين إلى حملان مطيعة ، واللصوص والعشارين إلى مبشرين ، لم يهدد أحداً رغم قدرته وجبروته وسلطانه على الناس والطبيعة ، لهذا وَبَخَ أبني زبدي عندما أرادا أنزال العقاب على مدينة سامرية . إنه المعلم الإلهي الذي علمنا أن نحب أعدائنا ، ونبارك لاعنينا . ونحسن إلى مبغضينا ، ونصلّي لأجل الذين يسيئون إلينا ويطردوننا ( مت 44:5) . يسوع لن يهدد فحسب ، بل لم ينتقم من صالبيه وهو على الصليب ، بل طلب لهم المغفرة .
يسوع لم يخرج من فمه كلاماً بذيئاً ، بل كان يحترم الجميع ، ولم يقاوم الشر أو الشتيمة بمثلها ، قال عنه بطرس ( ... إذا شُتِمَ لم يكن يَشتِم عوضاً ، وإذا تألم لم يكن يهدد ) " 1 بط 23:2 " .
لم يأتي إلى هذا العالم لأجل ترقية الذات وتمجيدها ، لهذا كان جِدّياً وواضحاً في كلامه وأقواله لهذا لم نقرأ في الإنجيل بأنه قد ضحك يوماً ، كذلك لم نقرأ عنه بأنه قد تمرض وصار ضعيفاً أمام المرض . لم يمرض مطلقاً ، ولا يجوز ذلك ، والسبب يعود إلى أنه كان مجرد من الخطيئة ، والخطيئة هي كانت سبب المرض والضعف والمعانات والموت ، بل نقول لم يمت لأنه كان يحمل خطيئة ، بل مات عن الخاطئين لكي يدفع ثمن الخطيئة .
ختاماً نقول ، هذه الأمور لم يفعلها يسوع لأنه قدوس وإله متجسد ، بل هو صورة الله المرئية والملموسة بين البشر . إنه الإله الذي ينفرد بكل هذه الصفاة من دون البشر ، ولا يوجد إنسان ينافسه بكل ما فعله ، والحياة الطاهرة النقية التي عاشها وتعليمه وعجائبه التي بها تحدى كل تعليم وكل سلطة دينية وسياسية . غيّرَ العالم بتعليمه وأدهش الجميع بمعجزاته ، وتحدى كل قوانين الطبيعة ، وهو الذي أكمل الناموس ، كما إنه الديان الذي سيدين العالم .
له المجد كل المجد الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين    


212
أسلوب وغايات شهود يهوه في تشويه الأفكار

بقلم/ وردا أسحاق قلّو

تشارلز ت . راسل الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لجماعة شهود يهوه ، عندما كان مراهقاً راودته وأزعجته أفكار جهنم ، ومصير الأشرار في النار الأبدية ، فبدأ يكتب على الجدران عبارات تحذر الناس من الهلاك في تلك النار المحرقة ، فأخذ يبحث عن حل ليطمئن على  مصيره الأبدي . وهكذا كان يعيش قبله مارتن لوثر بأوهام ، قبل أن يدخل إلى الدير  ليصبح كاهناً . دفعت راسل تلك الأفكار إلى الأنشقاق من البروتستانتية لينتمي إلى جماعة السبتيين الأدفنتيست الذين ينكرون عقيدة وجود الجهنم فاقتنع وتشبع من تلك العقيدة الخاطئة

عند بلوغه الثامنة عشر من العمر أختلف مع السبتين أيضاً في عقيدة ( الكفارة ) فأنفصل عنهم ، ثم كوّنً له جماعة مستقلة دون أن يدرس اللاهوت . وبعد ذلك صار له ديناً مستقلاً عن كل المذاهب المسيحية ، أستخدم أساليب كثيرة لقيادة جماعته منها الكذب ، فأدعى بمجىء المسيح القريب ، ومنذ تلك الفترة التأسيسية أصبح الكذب عند خلفائه تقية من أجل الخداع ، يستخدمون آيات الكتاب المقدس بغزارة محاولين ربح الضعفاء . عندما يتم محاصرتهم أثناء الحوار يتَبعونَ أسلوباً أعتباطياً بارع الدهاء لأجل زرع الشك وربح الخصم . فعندما يتم محاصرتهم وفضحهم بآية أو نص قاطع يتملصون فيكون ردهم سيل من الآيات لأجل التحدي ، لكن لا نجد فيها ما يربط لموضوع ، أو يربطون الحوار بموضوع آخر للخروج من المأزق .كذلك يدّعون أن نسخ الكتاب المقدس التي يستخدمها المقابل ترجمتها غير صحيحة لكي يتوهم بأن كتابه محرف . العهد الجديد أقل أهمية عندهم من العهد القديم مدعّين بأنه قابل للتأويل ، أو أمتدت أليه أصابع التلاعب ، وهذا الأسلوب هو مسطرةً يهودية مشهورة في تاريخ البدع ، غايتها زرع زوان الشك في الأفكار .

شهود يهوه مبدعون في نشر طرق خاصة للتفسير والتأويل مع تحريف بعض النصوص عن معانيها الأصلية والغاية منها لأضاعة الحقائق الجوهرية في المسيحية ، ومصلحته تصب في وعاء دينهم الجديد المغاير لكل معتقدات المذاهب المسيحية . كذلك لا ننسى أسلوب التملص والخفاء والأعتماد على الكذب . لهذا فالجدال معهم مرهق جداً . وحتى في ترجمتهم الأنكليزية للعهد الجديد تم تشويهها . لكي نقطع عليهم دابر التملص سنذكر النصوص الأصلية من اليونانية والعبرية ، هذه اللغات الأصلية التي يجهلوها قادتهم الذين يدعّونَ كذباً بمعرفتها ، فراسل ورثرفورد لم ينعم الله عليهم بمعرفة اللغتين الأصلية ، ومنهم تعلموا شهود يهوه بعد تسعة عشر قرناً بعد المسيح . في الترجمة السبعينية لم نجد لفظة ( يهوه ) حيث كانت تكتب ( كيريوس ) والتي تعني الرب . سنتناول أسم ( يهوه ) في مقال مستقل ، ولمذا فضلها شهود يهوه على لفظة ( الرب ) من دون كل الفصائل المسيحية ؟

العهد القديم كتب باللغة العبرية والقليل من السريانية وتم ترجمته إلى اليونانية من قبل اليهود الذين كانوا يتكلمون اليونانية . كما ألف اليهود مؤلفات دينية كثيرة باليونانية ، ومن المؤلفين اليهود فيلون الفيلسوف المعاصر للمسيح ، أّلّف كتبه باليونانية ، فاليهود المتشتتين كانوا أكثر عدداً من يهود الآراضي المقدسة ، فالترجمة اليونانية الشهيرة ب ( السبعينية ) كانت المرجع الأكبر الذي استشهد به كتَبة العهد الجديد . كما أستمرت اللغة اليونانية لغة للكنيسة حتى القرن الثالث في روما نفسها وفي بعض الكنائس لحد اليوم . فالكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية كانتا أمينتين في نقل التراث المسيحي المكتوب باليونانية إلى اللغات الأخى بكل أمانة ودقة ، فمن هو راسل وخلفائه الذين ظهروا بعد 19 قرناً لكي يفرضوا نسخ كتابهم على النسخ الأصلي المتداولة في كل الكنائس الأصلية !

ختاماً نقول : غاية شهود يهوه من الحوار هو لتشويه الأفكار ، فعقائد دينهم لا تتفق مع تعاليم الأنجيل المقدس ، وهم بعيدين كل البعد عن كل الطوائف المسيحية في أمور كثيرة بسبب تعاليمهم وتفسيرهم لآيات الكتاب المقدس لمصلحة اليهودية  . فالجهد الذي نبذله معهم ضائع لا محال . والمسيح المخلص ليس من نصيبهم لكونهم أعداء الأنجيل ، لهذا من الأفضل عدم الحوار معهم ، بل طردهم وغلق الأبواب بوجوههم وتحذيرهم لعدم العودة . كذلك عدم قبول دعواتهم وكتبهم ، هكذا نُطبِق وصية الرسول يوحنا لكل المؤمنين الحقيقيين ، قال :

( إن جاءكم أحد بغير هذا التعليم ، فلا تستقبلوه في بيتكم ، لأن من يسلّم عليه ، يشاركه في أعماله الشريرة ) " 2يو 10-11 "     

 

 

213
علاقة شهود يهوه بالصهيونية العالمية

بقلم / وردا إسحاق قلّو
اليهود الأرثوذكس في العالم هم أكثر اليهود تشدداً وعنصرية ، وعيونهم كانت دائماً شاخصة نحو أرض الميعاد ، أرض أجدادهم التي وهبها الله لأبيهم أبراهيم وذريته لتأسيس دولة يهودية وإعادة بناء هيكلهم المزعوم . كما إنهم منذ أيام أبراهيم ينتظرون مجىء المسيا لكي يؤسس لهم دولة . والمسيا هو المسيح الذي دفعوه للموت على الصليب . لكنهم ر يعترفوا بمجيئه ، ولا بالمملكة التي أسسها منذ يوم العنصرة . وشهود يهوه الذين يستخدمون الكتاب المقدس في عقيدتهم يعملون مع اليهود لتأسيس دولتهم ، فيقولون أن مسيا مؤلف من يسوع وكنيسته ليسوغ لهم العمل كاليهود، و أن المسيا سيأتي قريباً  لتأسيس تلك الدولة ، وفعلاً تنبأ مؤسسهم تشارلز ت . راسل بأن المسيح سيأتي في عام 1914 واعتبر هذا العام هو عام حلول ملكوت الله على الأرض ، كما أعلنوا بأن المسيح عاد إلى السماء في خريف العام نفسه .
سياسة شهود يهوه مبنية على سياسة التستر ، وهذا المبدأ معمول به من قبل البدع المتهوده ، فإن دققنا في مراجع شهود يهوه لرأينا بأن هدفهم الأخير يدور على أواخر الأيام بعودة اليهود إلى أرض فلسطين والعمل على إعادة هيكل سليمان الذي يبشر شهود يهوه كاليهود بأقتراب زمن بنائه من جديد ، وهذا هو أحد البراهين التي تثبت حقيقة شهود يهوه بأنهم الأقرب إلى اليهودية من المسيحية ، فالمسيحيون مؤمنون بأنهم هم هياكل الله الحي الذي يسكن فيهم ، أما هيكل الحجارة فقد تنبأ يسوع بزواله إلى الأبد في ( مت 24 ) . تمت النبوءة بقيام الرومان بهدمه ولم يتركو حجراً فوق حجر وحتى حجار الأساس وإلى غير رجعة ، وبعدها تم تشييد كنيسة المسيح ليترك بيتهم خراباً ( مت 38:23) . عن أورشليم الجديدة نقرأ في ” رؤ 21: 9-27″ ( … ولم أرى فيها هيكلاً ، فأن الرب الإله القدير والحمل هما هيكلها … ) فأورشليم الجديدة التي ينتظرها كل مسيحي ستكون خالية من هيكل سليمان الفاني ، لأن الله والحمل ” الأبن “ هما هيكلها فلا تحتاج إلى هياكل تبنيها الأيادي ، وهكذا يكون الكلام عن إعادة بناء هيكل سليمان وتقديم الذبائح الحيوانية كفراً بمضمون النص ونكراناً لذبيحة الحمل الخلاصية . فإن كانوا يؤمنون بالمسيح وأقواله وأسفار عهده الجديد ،   فلماذا يؤيدون شهود يهوه اليهود ويعملون لصالحهم ؟
هدف بناء الهيكل نجده في كتب الرؤى اليهودية والتفاسير التلمودية التي تسند اليها الصهيونية العالمية ، وقد لا يخلو كتاب من كتب شهود يهوه من الدعاية للصهيونية ، فمنذ ايام مؤسسهم راسل كان أسمهم ( تلاميذ التوراة ) ولماذا لم يسموا طائفتهم ب ( تلاميذ الأنجيل ) ؟ الهدف واضح لأنهم يعملون لليهودية لا للمسيحية . وبعد راسل جاء رثرفورد عام 1916 فبدأ بتأليف كتاب عنوانه ( ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً ) في هذا الكتاب نقرأ نبؤة له تخدم بكل وضوح الصهيونية العالمية والتي تنادي بعودة ابراهيم وأسحق ويعقوب وسائر آباء العهد القديم إلى الحياة الحاضرة عام 1925 لتأسيس الأمبراطورية الصهيونية العالمية ، لكن كذبت نبوءته ايضاً ، كما كذبت كل نبؤات راسل .
في عام 1931 أمر رثرفورد بتبديل أسم جماعته إلى ( شهود يهوه ) ولفظة ( يهوه ) هو أحد أسماء الله في العهد القديم وكانوا اليهود يستخدمونه في عهد التوراة . وسبب أختيار شهود يهوه لهذا الأسم هو للأقتراب من اليهود والأبتعاد عن المسيحية . كذلك ليثبتوا إخلاصهم للصهيونية ، ألف رثرفورد الكتب التالية  ( الحكومة المنشودة و الخليقة و وقيثارة الله و المصالحة و الحياة)  تخدم وتدافع عن  اليهودية والصهيونية ، ففي كتاب ( الحياة ) ذكر علناً هذه العبارة ( رفع الله غضبه عن اليهود واصبحوا من سنة 1914 اصحاب السلطة التي ستدير دفة العالم ) وكذلك ( أن اليهود يجب أن يتسلموا فلسطين ) إلى جانب هذا كله ملئوا كتبهم وخاصة في أيام رثرفورد رئيسهم بالشتائم الفاحشة على الكنائس المسيحية حتى صوروا الكاثوليكية بأنها تجسيداً شيطانياً . وعلينا أيضاً أن لا ننسى حقد حلفائهم اليهود على روما بأنه قديم ودفين أحياناً وواضحاً أحياناً أخرى .
شهود يهوه يلعبون اليوم دور اليهود الذين كانوا يشَوّهون تعليم بولس الرسول . إذاً هم جماعة سياسية في ثياب الحملان يستخدمون الكتاب المقدس كوسيلة وحجة للخداع ، والكذب عندهم تقية .
كتب رثرفورد أيضاً تشهد لنا بأنه داعية صهيوني كبير ، عمل في العلَن لصالح الصهيونية ، علماً بأن الصهيونية أنفسهم يتسترون على أهدافهم لئلا يستيقظ الغير على خطتهم . كما أنه كان يهيمُ عشقاً لمؤسس الصهيونية ( ثيودور هرزل ) . كما لشهود يهوه اليوم كتباً أخرى تدعو للصهيونية .
 ألف الأب الماروني ( جبرائيل فرح البولسي ) كتاباً عنوانه ( وجهاً لوجه مع شهود يهوه ) أحتوى على النصوص الصهيونية وتدابير الحكومات العربية والقضاء العربي وسواهما حتى عام 1970 . بعد إصدار هذا الكتاب قررت الحكومة اللبنانية بتحريم وجود شهود يهوه على أرض لبنان لعلاقتهم بالصهيونية .
وفي العراق نجد كنائس مختلفة لكل الطوائف وحتى السبتيين الأدفنتيست لهم كنيسة في بغداد في شارع النضال ، قرب ساحة الأندلس ، ولكن لا يوجد أي معبد لشهود يهوه في العراق كله لنفس السبب ، لأن الحكومات العربية يعتبرونهم طابوراً خامساً يخدمون الصهيونية ، لهذا يمنع وجودهم ، أي خطرهم ليس دينياً فحسب ، بل سياسياً هو الأخطر.
كما لشهود يهوه عقائد أخرى ضد المسيحية  ويعملون لمصلحة اليهود ، لهذا يُعتبرون من أكثر الفصائل المنشقة من الطوائف البروتستانتية عداءً للمسيحية التي تتأثر بالأعمال العدوانية لهذه الشرذمة التي تنفق ملايين الدوارات للنشر ، وحيثما حَلّوا نجدهم ينشرون سمومهم بدهاء اليهود الصحافي ، لكن دون تلبية الجماهير لطلبهم ، فلم يستقبلهم إلا المغفلين ، لهذا نجدهم أقل طائفة عدداً ، وأكثرهم تعقيداً .   

214
الله يمتحن والشيطان يجرب ، فهل هناك خطأ في ترجمة صلاة الأبانا؟

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( أختبرني يا الله وأعرف قلبي . أمتحني وأعرف أفكاري ) " مز 23:139 "

عالمنا تعريه الخطيئة ، وكل إنسان هو فريسة للتجربة ، حتى المسيح الإله المتأنس تعرض لتجارب وأختبرها وفاز فيها وإلى آخر لحظاته وهو على الصليب ، غلب الخطاة الذين صلبوه ، فقال للآب ( يا أبتِ ، أغفر لهم ، لأنهم لا يدركون ما يفعلون ) " لو 34:23" . كذلك قديسين كثيرين أظهروا جبروتهم في إقهار التجرب والمجرب . إذاً التجربة ليست أمراً عسيراً لا يمكن قهرها ، بل على كل مسيحي أن يقتدي بسيده ، معتمداً على القوة التي يمنها له الروح القدس الساكن فيه والذي يقّوي الضعف البشري فيصبح بطل المحبة والصفح والتواضع ، هكذا يصبح الإنسان أميناً لدعوته ، ولكل إنسان دعوة شخصية فعليه أن يحققها ، وسيحققها إذا كان أميناً لشريعة الله الموجودة في أعماق كيانه .

 لايجوز للمؤمن التأثر بتقاليد هذا العالم ، بل أن يعمل بحسب الوصايا ، لهذا قال بولس ( لا تتشبهوا بهذه الدنيا ، بل تبدلوا بتجدّد عقولكم ) " روم 2:12 " وشهادة إيمان المؤمن توقظ ضمير العالم الفاني .

الله لا يجرب الإنسان ، لكن الإنسان هو الذي يسقط في التجارب بسبب شهواته ، والمجرب هو الشيطان . الله يسمح للشيطان بأن يجرب الإنسان ، لكنه يحدد له إطار التجربة وإلا لكانت الأبالسة تسحق البشرية سحقاً وتبيدها . الله سمح للشيطان لكي يجرب أيوب البار ، لكنه حدد له حجم التجربة . كذلك سمح للشيطان أن يجرب أبنه الوحيد يسوع . إذاً المجرب هو الأبليس الذي يجرب الإنسان ليسقطه في حبال تجاربه بسبب حسده اللامحدود لبني البشر الذين يعبدون الله ، وكما تقول الآية ( بحسد أبليس دخل الموت إلى العالم ) " حك 24:2" .

هناك من يظن بأن الله يجرب الإنسان ليقّوي أيمانه به . الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله يحبه ، فلا يجرب أحداً . لهذا لا يجوز أن نقول بأن الله هو الذي جربني ، وهذا واضح في رسالة يعقوب " 13:1 " ( إذا جرب أحد فلا يقُل : " إن الله يجربني ! " . ذلك لأن الله لا يمكن أن يجربه الشر ، وهو لا يجرب أحداً )  . إذاً الله لا يجرب ، بل  يمتحن إيمان الإنسان ، فالذي ينجح ، ينال المكافأة ( طوبى لمن يتحمل المحنة بصبر ، فإنه بعد أن يجتاز الإمتحان بنجاح ، سينال " أكليل الحياة " الذي وعد به الرب محبيه ! ) " يع 12:1"

 وهناك إختلاف كبير بين الإمتحان والتجربة . فالإمتحان هو أختبار مستوى إيمان الإنسان . أما التجربة فالغاية منها هو التحريض والخداع لأجل إضعاف الإنسان ودفعه إلى عمل الخطيئة كما فعلت الحية ( صورة للشيطان ) مع حواء . وللشيطان أسماء كثيرة مثل ( مجرب ، كذاب ، مخادع ، أبليس ، ألمبيد ، ألمضلل ،والتنين الذي يرمز إلى الحية القديمة وغيرها ) .

الله أمتحن مختاريه كأبينا أبراهيم  وطلب إليه التضحية بأبنه الوحيد ، أبن الوعد أسحاق ( تك 1:22) وكانت غاية الله معرفة ما في قلب ابراهيم فقط ، لهذا عندما رأى بأنه أندفع بكل حرية وأرادة إلى تنفيذ أمر ذبح أسحاق ، أرسل ملاكه لكي يمنعه لأنه تأكد بأنه إنسان تقي ومطيع . فالمؤمنين الأقوياء لا يهابون الإمتحان ، بل كانوا يصلون إلى الله لكي يختبر أيمانهم ، وكما في المزمور " 2:26" ( إسبر يا رب غوري وأختبرني ، محّص بالنار كليتي وقلبي ) . فالمؤمن يعلم بأن الله المحب عادل وغايته من الإمتحان هي لفحص قلوب المؤمنين به ويعرف ما في داخلهم ، فلماذا يخاف المؤمن من الأختبار ؟ الله المحب أختبر شعبه عندما أخرجهم من أرض مصر فجعلهم يسيرون في الصحراء القاحلة بدون ماء ، فبدأ الشعب يتذمر عليه في ( مَسّة ومريبة عندما عانى العطش ) " خر 17 " في هذا الإمتحان تبين أن الإنسان يميل دوماً إلى الحاجة الزمنية أكثر من ميوله  وإيمانه بوعود الله ، وأخيراً ينكر الله فيسقط في الخطيئة . في سفر القضاة يتحدث عن " إختبار ، وأمتحان " الله لبني أسرائيل ، فيقول في " 1:3 " ( وهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليختبرهم بني أسرائيل الذين لم يخوضوا أي حرب من حروب أرض كنعان ) وقال في "4:3" ( وقد أبقاهم الرب ليمتحن إسرائيل بهم ... ) .

 أما الإنسان فلا يستطيع أن يمتحن الله بفرض شروطه على خالقه لأخضاعه لمتطلباته وأحتياجاته ، فالله هو الذي يعرف حاجة المخلوق ، لهذا طلب منه في العهد الجديد بأن يطلب البر أولاً والباقي سيزاد له .

الله قاد شعبه في البرية وكان يسير معه ، وهناك أراد أن يمتحن شعبه " مت 2:8 " . كذلك قاد روح الله أبنه يسوع بعد المعمودية إلى البرية لهدف محدد وهو (لكي يجربه الشيطان ) . إذاً لا يمنع الله من أن يدخل أبنه في تجربة المجرب ، لكن لا نقول بأن الله رغب في إمتحان أبنه لأنه يعرف بأنه قدوس ومساوي له في الجوهر فلا يحتاج إلى إمتحان .

الأبليس المجرب هو كأسد يزار يبحث عن فريسة يبتلعها ، فعلينا أن نقاومه بالرسوخ في الإيمان والتواضع والصلاة . كما علينا أن نتحمل التجارب لأنها آلام هذا الدهر . تحًملنا للآلام والتجارب هو تحدي حقيقي ضد المجرب ، ويظهر من خلالها الإيمان الحقيقي للإنسان ، بل النجاح في التجربة هو نتيجة جهاد مقدس لنيل أكليل البر .

هناك من يقول : أن الله يعرف كل شىء قبل حدوثه ، إذاً لماذا يمتحن الإنسان لكي يعرف ؟ في الحقيقة الله لا يحتاج إلى تأكيد أو برهان من خلال أمتحانه للإنسان ، بل يريد أن يبرهن للشخص الممتحن أو للشعب أو أمة على محدوديتهم وأبراز مستواهم الحقيقي لكي يعودوا إلى أيمانهم وثقتهم بالله ، ولكي يتأكدوا هم هل يعيشون بحسب وصايا الله أم هم بعيدين عنها ، وهذا ما ألتمسناه في أمتحان الرب للشعب العبري في موضوع المِن ( فقال الرب لموسى هاءنذا ممطر لكم خبزاً من السماء فيخرج الشعب ويلتقطه طعام كل يوم في يومه ، لكي أمتحنهم ، أيسلكون على شريعتي أم لا ) " خر 4:16 " وهكذا أستطاع الله أن يفرز الضعفاء من بين الشعب ، والمطلوب من هذا الإيمان الأكبر والألتزام بوصايا السماء ، فكل أختبار للإنسان هو إمتحاناً هدفه تربية الإنسان للثقة بالله ووعوده .

ختاماً نقول : الإمتحان هو من الله المحب للإنسان لكي يبرهن له محدودياته ومستواه الإيماني ، كما فعل مع الرسول فيلبس ، فقال له ( من اين نشتري خبزاً ليأكل هؤلاء ؟ ) وإنما قال هذا ليمتحنه ، لأنه هو يعلم ما هو مزمع أن يفعل ( طالع يو 6: 5-7 ) . أما عبارة ( لا تدخلنا في التجارب ) الموجودة في صلاة الربية ، فمن الأفضل أن تكون ( لا تسمح بدخولنا في التجارب ) وهذا هو المقصود بها . وبسبب صلاتنا وتذرعاتنا كل يوم إلى الله سيبعدنا من التجربة ، وكما قال يسوع لتلاميذه في البستان ( صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة ) " لو 40:22" . لأن التجربة كما وضحنا تأتي من عدو الخير، من قوى الشر المتمردة .

كما لا يجوز للإنسان أن يعمل العكس فيجرب الله بشروط المساومة في الطلبات بسبب الطمع والأنانية ، وهذا ما يرفضه يسوع حتى في أثناء صلاته المؤلمة في البستان ( لتكن لا حسب مشيئتي ، بل بمشيئتك ) وكذلك على الصليب . علينا أن لا نجرب الله لنكشف وجوده بيننا ، بل علينا أن نثق بكلامه فهو يقول ( هاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم ) " مت 20:28 ".

ليتبارك أسمه القدوس 

 


215
قانون الإيمان ليس من صنع البشر يا شهود يهوه

بقلم/ وردا أسحاق قلّو

الحقائق الإيمانية المثبتة في قانون الإيمان النيقي موجودة منذ القرون المسيحية الأولى ، بل قسم منها هي ملخص لآيات في العهد القديم ، فقانون الإيمان هو ملخص للعقيدتنا المسيحية ، وتؤمن به كل الطوائف المسيحية ، أما الذين يرفضون الإيمان به فلا يعتبرون مسيحيين كشهود يهوه والسبتيين الأدفنتست .
قانون الإيمان يحتوي على عقائد مسيحية كثيرة مثل التوحيد ، والتثليث ، والأعتراف بلاهوت وناسوت المسيح ، ولاهوت الروح القدس ، وكذلك عقائد التجسد ، والفداء ، والمعمودية ، والحياة في الدهر الآتي .
تم تنظيم قانون الإيمان وأصداره بعد المجمعين المقدسين ( نيقية 325م والقسطنطينية 381م ) من قبل كل الكنائس في الشرق والغرب ، وهو قانون الأيمان ( العماديّ ) لأنه أول أعتراف بالإيمان يجرى في المعمودية التي تمنح باسم الآب والأبن والروح القدس ( طالع مت 19:28) فبنعمة المعمودية نحن مدعوون إلى الإشتراك في حياة الثالوث الإلهي هنا في هذا العالم في ظلمة الإيمان ، وهنالك بعد الموت في النور الأزلي . فحقائق الإيمان المعترف بها أبان المعمودية مرجعها إلى الأقانيم الثلاثة ، وقانون الإيمان يتكون من ثلاث أقسام مترابطة ، يبدأ اولاً بالأعتراف بوحدانية الله ( نؤمن بإله واحد ) لأن الله واحد بطبيعته ، وجوهره . وبعد ذلك بالله الآب ، وبعده الأبن ، ويليه الروح القدس .
شهود يهوه يقولون ، أن قانون الإيمان هو من صنع الإنسان الغير معصوم . أتخذت فكرته من المعتقدات الوثنية السابقة والأمبراطور قسطنطين أجبر قادة الكنيسة لوضع هذا القانون الذي يحتوي على التثليث .
الجواب هو كل الكنائس أجتمعت لوضع هذا القانون الذي هو ملخص الإيمان المسيحي وكان رداً على البدعة الآريوسية التي تنكر لاهوت المسيح ، واليوم بدعة شهود يهوه والسبتيين  أيضاً يشاطرون الآريوسية بنفس الإيمان والذين يدعونَ بالأيمان بالكتاب المقدس بعهديه ، لكن حسب ترجمتهم الخاصة ، كما لا يؤمنون بكل العقائد المسيحية ، وخاصة المثبتة في قانون الأيمان ، علماً بأن كل فقرة من قانون الأيمان لها شواهد كثيرة من آيات موجودة في الكتاب المقدس . والآن سنقسم قانون الأيمان إلى ثلاثون فقرة ، وكل فقرة ننسبها إلى آيات من الكتاب المقدس لكي نثبت بأن قانون الإيمان ليس من صنع البشر ، بل من الكتاب المقدس وحسب الفقرات التالية :

1- نؤمن بإله واحد ، الآب ضابط الكل ( تك 17:1 . تث 4:6  أش 6:44 . عب 3:1 . يع 19:2 )

2- خالق السماء والأرض ( تك 1:1-31 . أي 38 )

3- وكل ما يرى وما لا يرى ( يو3:1 . قول 1:15-16 )

4- وبرب واحد يسوع المسيح ( يو 1:1 . يو 16:3 . أع 28:20 . 1 قور 5:12 قول 15:1 )

5- أبن الله الوحيد ( مز 7:2 . مت 17:3 . يو 18:1 . يو 16:3 )

6-المولود من الآب قبل كل الدهور ( يو 1:1 -2 . 58:8 . قول 16:1 .في 6:2 )

7- نور إله من إله ، نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ( يو 1:1-19 . يو 12:8 . يو 35:12 . يو16:27-28)

8- مساوي للآب في الجوهر (يو 30:10 . 14: 10-11 . 17:: 22-23 )

9- الذي به كان كل شىء ( يو 1:3-10 . قول 16:1 )

1- هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا  ( يو 16:3 . 1يو14:4 . 1 تي 5:2 )

11- نزل من السماء ( يو 13:3 ، 31 . يو 6: 12-38 )

12- وتجسد من الروح القدس ( لو 35:1)

13- ومن مريم العذراء ( أش 14:7 . لو 1: 35-46)

14- وصار إنساناً ( يو 14:1 . في 2:14-17)

15- وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي ( مت 27: 24 – 31 )

16- تألم ومات وقُبٍر ( مر15: 16-46)

17- وقام في اليوم الثالث كما في الكتب  (  قور 15: 3-4 . لو 24: 1-12 .مت 12: 38-40)

18- وصعد إلى السماء ( لو24: 50-53 . مر16: 16-19, أع1: 9-11. مز18:68 أف8:4)

19- وجلس عن يمين الله الآب ( رو34:8 . أف 20:1 )

20- وأيضاً يأتي بمجد عظيم ( دا 7: 13-14 . زك 5:14 . مت 16: 24-27 . يهو14-15

21- ليدين الأحياء والأموات ( رؤ 20 : 11-15 . أع 42:10 )

22- الذي لا فناء لملكهٍ ( مز 13:145 . دا 14:7 . لو 33:1 )

23- ونؤمن بالروح القدس ( تك 2:1 . مت16:3 . أع 2: 1-4 )

24- الرب المحي المنبثق من الآب والأبن ( يو 26:15 )

25- الذي هو مع الآب والإبن يسجد له ويُمجد ( مت 17:3 . لو 22:10 . يو 24:4 )

26- الناطق في الأنبياء (أع 17:2-18 . 43:10 . 2 بط 21:1 )

27- وبكنيسة واحدة ، جامعة ، رسولية ( 1قور 12: 12-13. أف2: 19-22 . 2 تس 15:2 )

28- ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ( مت 16:3 . يو 5:3 . أع 38:2 . 8: 36-40 . أف 5:4 )

29- وننتظر قيامة الموتى ( 1 قور 15: 12-58 . 1 تس 4: 13-17 )

30- والحياة في الدهر الآتي ( رو 8: 17-25 . 2بط 13:3 )

آمين


216
معنى إنكار صلب المسيح وصليبه

بقلم / وردا إسحاق قلّو
https://5.top4top.net/p_136597wuj1.jpg

( لأنه وإن كان قد صُلِب من ضعف لكنه حيّ بقوة الله ) " 2 قور 4:13 "
كانت عبادة اليهود تعتمد على الذبائح الحيوانية التي تقدم صباحاً ومساءً للتكفير عن الخطايا التي اقترفوها . وكل تلك الذبائح ما هي إلا رمزاً وإشارة إلى ذبيحة الذبيح الأعظم ، الرب يسوع المسيح على الصليب . لهذا فمن المستحيل أن يزيل دم الثيران والتيوس خطايا بني البش ، لذلك قال المسيح عند مجيئه إلى هذه الأرض ( أن الذبائح والتقدمات ما أردتها ، لكنك أعددت لي جسداً بشرياً ، فالحيوانات التي كانت تذبح وتحرق أمامك تكفيراً عن الخطيئة ، لم ترض بها ... ولكن المسيح كاهننا الأعلى ، قدم ذبيحة واحدة عن الخطايا ) " عب 10: 4-7 " .
إذاً كل من ينكر عمل ذبيحة الرب على مذبح الصليب ، فإنه ينكر كذلك موته وقيامته بالجسد أيضاً وكما يفعلون شهود يهوه الذين ينكرون قيامة المسيح فيقولون ( أن ملاكاً سرق جسده من القبر ) بينما العهد الجديد كله قائم على قيامة المسيح والتبشير بها . كذلك ينكرون كل نبؤات الأنبياء الذين تنبأوا عن صلب وموت المسيح على مذبح الصليب ، فكل كلام النبؤات في العهد القديم والجديد يدوران حول المسيح على مذبح الصليب والذي يحتل معظم أجزائهما إذ لم يخل سِفرٍ فيهما من الكلام عن صلب المسيح وموته سواء أكان عن طريق الرمز والأشارة أو التصريح الواضح .
عقيدة الصليب إذاً هي عصب المسيحية ودمها . هذه العقيدة التي امتدت طقوسها وعبادتها وأعيادها وممارساتها عبر التوراة والأنبياء والأنجيل ، فكما تمتد الأعصاب إلى كل أعضاء جسد الأنسان من الرأس إلى القدمين . هكذا جرت في هيكل الديانة المسيحية هذه العقيدة . فالعبادة في يوم الأحد بدلاً من السبت هو لأنه تذكار يوم قيامة الرب من بين الأموات وألنتصار على الموت آخر أسلحة الأبليس . ومنذ بداية المسيحية جعل الرسل الأطهار يوم الأحد لأقامة الشعائر الدينية وخاصة كسر خبز المائدة المقدسة لكي يتناولوه معاً ليكون تذكاراً للعشاء الرباني الذي يرمز إلى موت المسيح وقيامته في يوم القيامة المجيد ، ولكي يكَمِلوا الذكرى التي طلب منهم يسوع عملها ، حيث قال ( كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس تخبرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكروني إلى أن أجيء ) . كذلك عيد القيامة أعتبروه المسيحيين منذ بداءة المسيحية ( عيد الفصح العظيم ) إنه لأحياء ذكرى قيامة المسيح من بين الأموات . كما أن العادات المرعية ، فأنهبالرغم من كون الصليب موضوع عار وتحقير وإزدراء عند الوثنيين الذين كانوا يعتبرون المسحيين بكونهم من أتباع المصلوب ، فإن المسيحيين نظروا إلى الصليب بعين المحبة والشكر لأنهم آمنوا بالمصلوب على الصليب لأنه قدم ذاته ذبيحة كفارية عن خطاياهم وفدية عن نفوسهم ، وخلاصاً لأرواحهم ، فجعلوه موضوع فخرهم ، وعنوان مجدهم وآلة إنتصاراتهم ، وكما يقول الرسول بولس ( وأما أنا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وانا للعالم ) " غل 14:6" وبالرغم من الإضطهادات التي وقعت عليهم كانوا ينقشون الصليب على القبور ، وعلى أبواب كنائسهم ، وأحجبة هياكلها ، وعلى أواني الكنسية وملابس الكهنوت .
وفي المعمودية يرسمون المتعمدين بالصليب ، وكذلك عند رسم الميرون المقدس . وعند بدأ كل صلاة أو عند نومهم وقيامتهم ، وعند تناول الطعام أو بدأ العمل . لأن المسيح المصلوب هو أساس بحثهم وإيمانهم . ولا يزال الصليب عند أمم كثيرة علامة السلام والعطف وإنكار الذات وحب التضحية من أجل الآخر وكذلك لعمل الخير ، وحتى في ساحات القتال يظهر ( الصليب الأحمر ) رمز المحبة والسلام . فالمجاهدون المؤمنون الذين يحملوه على خط النار والمواجهة بين الخصمين ، هم يضمدون جراح الأصدقاء والأعداء في أرض المعركة. كما نرى الصليب يتقدم جنازات المسيحيين ، وهكذا تغلغل الصليب في كل العبادات المسيحية وطقوسها وتعاليمها ، وعلى الصليب بنيت جميع العقائد المسيحية .
في الختام نذكر بعض الآيات من العهدين عن الصليب المقدس ، وما حدث عليه من الوقائع ، فمن ينكر الصليب وعمله ، ينكر المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات بالنفس والجسد .
1-شدة آلام المسيح ( مز 22: 14-15 . لو 40:22) .
2-آلام المسيح وصمته في إحتمال الآلام  ( أش 53: 4-6 و 6 و 12 . دا 26:9 . مت 28:20 ).
3-صبر المسيح وصمته في إحتمال الآلام ( أش 7:53 . مت 63:26 . مت 27: 12-14 ).
4-   فساد منظره على الصليب ( أش 52: 14و53 . يو 5:19 ) .
5-تسمير يديه ورجليه على الصليب ( مز 16:22 . يو 19 ) .
6-الأستهزاء بالمصلوب ( مز 22 : 7-8 , مت 27: 39-44 ) .
7-سقيه خلاً ومرارة ( مز 21:69 . ومت 34:27 ) .
8-إلقاء القرعة على ثياب المصلوب ( مز 18: 22 . مت 34:27 ) .
9-   إحصاؤه مع الأثمة ( أش 12:53 . و مر 82:15 ) .
10-موت المسيح على الصليب ( أش 12:53 . مت 50:27 ) .
11-لم تكسر عظامه ( خر 46:12 . مز 20:34 . يو 19: 33-34 ) .
12-طعن المصلوب ( زك 10:12 . يو 19 : 34-37) .
وآيات أخرى كثيرة في العهد الجديد تتحدث عن الصليب والمصلوب ، سنذكر أرقام 12 عشر آية أيضاً للأطلاع على حقيقة الصلب وقوة المصلوب ، وأهمية الصليب المقدس في حياتنا المسيحية
1-   ( أع 36:2 )
2-   ( أع 10:4)
3-   ( 1بط 2: 21 و 24 )
4-   ( 1قور 2:2)
5-   ( في 8:2 )
6-   ( في 18:3)
7-   ( 1 قور 18:1)
8-   ( 1 قور23:1)
9-   ( غل 20:2 )
10-   ( غل 14:6)
11-   ( قول 20:1 )
12-   ( 2قور 4:13)
لينوِر نور الصليب المقدس قلوب الساكنين في ظلام هذا العالم لكي يؤمنوا ويكون لهم الخلاص

217
التثليث في بدعة المريمين وعند الأسلام

بقلم / وردا أسحاق قلّو

1-    التثليث في بدعة المريميين

قبل أن نبدأ بدراسة ثالوث المريمين علينا أن نتعرف على أصحاب هذه البدعة أولاً . أصحاب هذه البدعة كانوا من المصريين الذين كانوا يؤمنون بتثليث ثلاثة آلهة هي ( أوزيرس وأيزيس وحورس) , وهذه الآلهة منفصلة من بعضها البعض لكن المؤمنين بهذه العقيدة كانوا يؤمنون بالثلاثة في آنٍ واحد ، أي بثلاث آلهة . .
كان أصل المؤمنين بالعقيدة المريمية  يعتقدون بأن إله أوزيرس هو الرجل الذي تزوج من الإمرأة أيزيس فأنجبوا الأبن حورس
. عندما جاءت المسيحية التي تؤمن بالثالوث آمنوا بها لأنهم شبهوا تثليثهم بتثليثها فأخذوا أفكاراً منها وأعتقدوا بها بما يوافق مبادىء معتقدهم فكّوَنوا منها عقيدة جديدة , لا وبل تثليث جديد تم صياغته كبدعة جديدة فأدخًلوا العذراء في الثالوث لكي تصبح من ضمن ألهة ألههم الثلاثي . فاعتقدوا بأن الآب تزوج منها فأنجبت الأبن . هؤلاء الدخلاء الى المسيحية نادوا بأن مريم هي إلهة عوضاً عن كوكب الزهرة التي هي ملكة السماء , فكانوا يعبدونها ولهذا أطلقوا على أنفسهم ب : ( المريميين ) أو ( الكوليريديانيين) نسبة الى الفطير الذي كانوا يقدمونه الى العذراء   . قاوم هذه البدعة القديس أبيقانيوس أسقف قبرص ، وذكرهم في كتابه ( الشامل في الهرطقات ) في القرن الرابع الميلادي . كما ذكرهم ( المقريزي ) في كتابه ( القول الأبريزي ) . ولم يمر القرن السابع إلا وأبادهم المسلمون وأنتهت هذه البدعة .

أراد أتباع هذه البدعة  أن يختلطوا مبادىء دينهم القديم ، بالدين الجديد ( المسيحية ) فاعتبروا مريم هي ملكة السماء والإله الموجودة في السماء ، لهذا أطلقوا على مذهبهم أسم ( المريميين ) فأصبح ثالوث دينهم الجديد يتكون من ( الآب – الأم – الأبن ) يعتقدون بأن الله الآب تزوج من مريم وأنجبت منه المسيح . حوربت هذه العقيدة من قبل الكنيسة منذ ظهورها وحرمت من شركة الأيمان  فأرسلت إليهم القديس أوريجيناوس فحرم بدعتهم وأعتقادهم ، كما حوربت بدعتهم بمختلف الوسائل وتم عزلهم عن الكنيسة ، في الجزيرة العربية وكان يسود فيها الجهل والتخلف وفيها وجدوا لهم حرية العبادة إلى أن جاء الأسلام وحاربهم وأبادهم . . ، وهذا واضح من الآيات القرآنية التالية :
1- ( إذ قال الله عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) ” مائدة 116″
المقصود هنا محاربة أفكار تلك البدعة وليس المسيحية . يظن بعض المسلمين بأن هذه الآية وغيرها كانت موجودة في أنجيل المسيحيين فعندما لم يعثروا على تلك الآيات في الأنجيل في هذا العصر يقولون بأن الأنجيل محرف ، أو قد حذف منه آيات , والحقيقة واضحة بأن تلك الآيات لم تكن موجودة أصلاً في أنجيل المسيحيين . وهذه أية أخرى من كتاب المريميين نقلها لنا القرآن في سورة الأنعام ( 101) تقول ( بديع السموات والأرض أني كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) إنه اعتراف آخر ضد المريميين الذين كانوا يؤمنون بأن مريم هي صاحبة أو زوجة لله ومنها أنجب الولد . وجاء تأكيد آخر في القرآن بأن الله لم يلد ولم يولد في الآية ( قل هو الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ) إنه رد واضح على بدعة المريميين بأن هناك ثلاث آلهة حسب ثالوث المريميين . ويستمر كتاب المسلمين بتكفير تلك البدعة بآية أخرى من سورة المائدة ( 73) ويقول ( لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) وهذه الآية أيضاً هي تأكيد للمعنى المذكور التي تنفي وجود ثلاث آلهة .
2- الثالوث الأقدس في قرآن المسلمي
                                       
قبل أن ندخل في موضوع التليث في القرآن نقول : القرآن يشهد بآيات كثيرة لصحة الكتاب المقدس بعهديه ، وشهادته صريحة ، وتلك الآيات لا تقبل التأويل وقد وردت في عدد من السوّر منها :

( إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون ، الذين اسلموا للذين هادوا ، والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) ” سورة المائدة 47″ .

هنا شهادة واضحة لصحة التورات وإنها هدى من الضلالة ، ونور لبيان الأمور التي يحكم بها النبيون .

( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وأتيناه الأنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمؤمنين ) ” سورة المائدة 49″

أي أن المسيح صدّقَ على التوراة إنها حق وكذلك أنجيله الذي فيه هدى ونور وموعظة ، جاء مصدقاً لما قبله من الكتب الإلهية .

ومن الآيات القرآنية  التي تؤيد بأن الله حفظ كتابه المقدس نذكر الآيات التالية:

1-      ( إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون ) ” سورة الأنعام 34″

2-      ( لا تبديل لكلمات الله ) ” سورة يونس 64″

3-      ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ، ولا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ) ” سورة الإنعام 115″

4-      ويمضي القرآن في شهادته لصحة الكتاب المقدس فيقول ( وانزلنا الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ) ” سورة المائدة 51 “

5-      آيات كثيرة أخرى طالع سوّر ( الفتح 23 . الكهف 27 . البقرة 136 . يونس 94 ) وغيرها 

بعد أن تعرفنا على موقف القرآن من صحة الكتاب المقدس نقول لمن يدعي بتحريف الكتاب المقدس ، مزاعمه تجعله مخالفاً لنصوص القرآن الصريحة التي تشهد بصحة الكتاب المقدس بأنه حق لا يأتـيه باطل والله قادر على حفظ كتابه المقدس . والقرآن لا يشهد لصحة الكتاب المقدس فقط ، بل يؤيد في كثير من النصوص معتقدات مسيحية منها التثليث في الذات الإلهية وكما تؤمن به المسيحية .

الأسلام لم يقف ضد ثالوث المسيحية ، لأن المسيحية تؤمن بأن الله واحد له ذات واحدة ” الآب “ ، وناطق بالكلمة ” الأبن “ وحي بالروح ” الروح القدس “ . كذلك القرآن يشهد للثالوث الأقدس في آياته بكل وضوح ، منها الآية :

( .. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) ” نساء 171″ .

الله ” الآب “ وكلمته ” الأبن “ وروح منه ” الروح القدس “. ونحن المسيحين لم نقل أكثر من هذا .

كذلك يقول القرآن في آيات أخرى : إذ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (سورة آل عمران 3: 45) . وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (سورة البقرة 2: 87) . نلاحظ هنا صورة التثليث قد انعكست على مرآة القرآن . فأبرزها بهاتين الآيتين وأمثالهما، والمسلمون يرتلونهما دون انتباه لما فيهما من المطابقة عند المسيحيين ، لفظاً ومعنى . على أن اسم الجلالة في الآية هو الآب ، كما يُستنتج من تسمية المسيح بالابن ، أو بالكلمة كما في أنجيل يوحنا الأصحاح الأول ، فيقول بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم  . ثم ان الكلمة وروح القدس المذكورين في القرآن هما الأقنومان المتممان لخواص الثالوث المسيحي ، لفظاً ومعنى ، فإن الآية : وأيدناه بروح القدس تشمل المؤيِّد ، والمؤيَّد ، والمؤيَّد به ، وكل منها أقنوم ممتاز بخاصته الذاتية. ويبدو الفرق بينها في أسرع من لمح البصر . فإن المتكلم هو غير الكلمة ، كما أن المؤيِّد ، هو الله ، غير المؤيَّد وهو الكلمة أو الابن ، والمؤيِّد غير المؤيَّد به ، وهو الروح القدس . وتلك هي أقانيم الثالوث في المسيحية ، لا خلاف فيها بيننا وبين أخوتنا المسلمين.

 

الآن لندرس كل أقنوم في ذات الله لوحده.

الآب

 في العهد القديم يقول النبي أشعياء ( يا رب أنت أبونا ) ” أش 8:64 ” وفي العهد الجديد يقول الرسول بولس ( لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له ) ” 1 قور 6:8″ كما قال أيضاً ( .. بل نلتم روح بنوة به نصرخ ” أبا !أبانا ! ) وبهذا نلنا التبني جميعاً مقام أبناء الله ” غل 5:4″ . والمسيحية لا تؤمن بأبوة الله من الناحية التزاوج والتناسل  كما كانوا يؤمنون جماعة المريميين ، بل هو تعبير مجازي كأب للكون كله .

الأبن

الأبن ليس مولود من الآب ولادة جنسية ، والأسلام لا يتعارض بقوله أن الله لم يلد ، فالمسيح هو إبن الله ، أي هو من الله ، وكما يقول المسيح ( أنا في الآب والآب فيّ ) وكلمة الأبن مجازية أيضاً ، كما يقال أبن البلد ، أو أبن الجبل ، أو أبن البادية ، أو أبن السبيل ، أي لا يقصد بها التناسل ، وهذه الفكرة عينها نقرأها في القرآن في سورة البقرة ” 215″ ( قل ما أنفقتم من خير قللوا الدين والأقربين واليتامى والمساكين وأبن السبيل ) يقول المفسرون المسلمون ” إبن السبيل ” تشير إلى المسافر . إذاً المسيحية والأسلام متفقين بأن ” إبن الله ” لا يقصد بها التوالد التناسلي لأن الله روح ، بل يقصد بهذا القول تنسيب المسيح إلى الله ليس إلا ، فالله هو الآب والمسيح هو الأبن .

الروح القدس

الروح القدس واضح في الكتاب المقدس وكذلك في قرآن المسلمين الذي يدعوه روح الله وقد ورد في آيات كثيرة منها

1-      سورة يوسف “87” ( ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ) .

2-      سورة البقرة آية ” 87″ ( وأتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

3-      سورة المائدة ” 110″ ( أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس )

هكذا أتضح لنا بأن القرآن وعلماء المسلمين يشهدون لعقيدة الثالوث الواحد المساوية لعقيدة المسيحيين بأن الله ثالوث ، مع وجود التوحيد في الأقانيم ليكون الله ” الواحد الأحد ” .

ختاماً نقول : الله ثالوث يتكون من الآب لقب الأبوة الجوهرية في الله . والأبن لقب كلمة الله المتجسد . والروح القدس ، روح الله القدوس

ولإلهنا مثلث الأقانيم كل المجد

share

218
ܫܗܪܐ ܕܨܠܝܒ̇ܐ .. عيد الصليب وقوة الصليب والمصلوب
بقلم / وردا أسحاق قلّو
https://3.top4top.net/p_1348fsbq41.jpg

قال الرسول بولس ( وأنا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ) " غل 14:6 "
تحتفل الكنيسة بعيد الصليب المقدس في يوم 14 أيلول – سبتمبر كل عام ، وذلك بأقامة قداديس ورفع تراتيل خاصة بهذه المناسبة ، مع أشعال النيران فوق الكنائس والبيوت وعلى قمم الجبال والتلال إكراماً للصليب المقدس ويسمى بلغة السورث ( شيرا دصليوا ܫܗܪܐ ܕܨܠܝܒ̇ܐ).
نشكر الرب المصلوب الذي أسَّرَ القلوب والعقول على أختلاف درجاتها وميولها وأتجاهاتها في العالم كله ، لا بقوة السيف ولا بأغراء المال ، ولا بالفلسفة ، بل بسر الصليب الذي لا يدركه الناس بالبرهان ، فكان الصليب لليهود عثرة ولليونانيين حهالة ومع ذلك فقد اقتدر الصليب أن يهدم الحصون والظنون وكل علو يرتفع ضد معرفة الله القديرة . فمجداً للمصلوب على الصليب الذي أخضع العالم برسله الفقراء الأميين الذين نادوا بإله مصلوب له يجب السجود والعبادة والأيمان به كمخلص البشرية كلها ، وقد أستجاب الناس نداءهم في مدة وجيزة . والمسيح الذي افتدى الإنسان بالصليب وبمذلة تألمه لا بالقوة والحكمة البشرية ، بل يجهالة الكرازة
استخدم الصليب في العهد القديم كأداة للأنتقام من المجرمين ، والكتاب المقدس – العهد القديم ، يقول أن كل من يعلق على خشبة فهو ملعون . لكن المسيح تحمل تلك اللعنة بعمله الفدائي على خشبة الصليب ، وقد عبّرَ عن هذا العمل الرسول بولس بقوله ( المسيح أفتدانا من لعنة الناموس ، إذ صار لعنة لأجلنا ، لأنه مكتوب " ملعون كل من علق على خشبة ) " غل 13:3" . أما في العهد الجديد فحول الرب يسوع الصليب إلى مذبح مقدس قدم عليه جسده لكي يذبح عليه فديةً عن خطايا البشر . فعلى الصليب مات المسيح من أجلنا ، أنه منتهى الحب . وعلى الصليب فتح جنب الفادي بالحربة لكي يعطينا سراً جديداً وهو الأفخارستيا ، وحينذاك ولدت الكنيسة من جنبه المقدس . وهكذا يقدم يسوع جسده ودمه على مذابح الكنائس عبر الأجيال غذاءً أبدياً تحت شكلي الخبز والخمر ويستمر هذا العطاء حتى مجيئه الثاني كشهادة حب متواصل مع محبيه .
الصليب الذي استخدمه الرومان كأداة تعذيب وأنتقام من الخارجين على القانون ، فهل كان المسيح مجرماً أو ضعيفاً ليصلب ، أم كان موضوع صلبه مفاجئاً له ، وهل كان موصوفاً ومذكوراً بتفاصيل دقيقة في نبؤات أنباء العهد القديم ؟
الجواب : المسيح لم يكن مجرماً أو ضعيفاً ، بل قوياً ومتحدياً ، جاء إلى هذا العالم لهذا الهدف الذي تنبأ به الأنبياء قبل تجسده . فصلبه على الصليب حدث لأتمام كل تلك النبؤات الكثيرة عنه والتي تحدثت عن تفاصيل صلبه ، وقد أعلنها العهد القديم في ( مز 22، 31 ، 69 ) وفي ( أش53) و ( أرميا31 ) و ( زكريا 9، 10 ، 12 ) وغيرها . إذاً صلب المسيح كان بمشورة من الله وعلمه المسبق ، ودم المسيح كان معروفاً منذ تأسيس العالم ( طالع أع 23:2 و 1 بط 18:1 ) .
وبإرادته شرب كأس الموت قدم نفسه طوعاً لصالبيه ، لهذا قال لبطرس ( أعد السيف إلى غمده ! الكأس التي أعطاني الآب ، ألا أشربها ؟ ) " يو 11:18 " وبعد ذلك حلت ساعته ، لهذا قال لقادة الفرقة في البستان ( هذه ساعتكم وسلطان الظلمة ) " لو 53:22" .
على الصليب أظهر يسوع بضعفه وصمته وتحمله للآلام ما هو أعظم من القوة ، وتحدى الصالبين ، فعندما كان يبدو ضعيفاً أمام أنظارهم ، كان جباراً قوياً ومتحدياً لسلاح الموت . وَصَفه الشاعر جبران خليل جبران ، قائلاً ( وأنت أيها الجبار المصلوب الناظر من أعالي الجلجثة إلى مواكب الأجيال ، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابة من ألف ملك على ألف عرشٍ في ألف مملكة ) ، بل نقول ، عندما كان يسوع على الصليب كان كالملك الجالس على عرشه ، وعرشه كان أعلى من كل العروش ، حينذاك كان أقوى من كل قوة . فقوة الصليب والمصلوب هي قوة الحب والتضحية وهي قوية كالموت ( نش 6:8 ) . يقول الكتاب ( وليس لأحد محبة أعظم من هذه : أن يبذل أحد حياته فدى أحبائه ) " يو 13:15" وبسبب حب الذي أحبنا الله الآب به ، بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية . " يو 16:3" .
قوة الصليب هي قوة الحق الذي انتصر على الباطل وعلى مؤامرات قوات الظلمة وتحالف الشيطان مع اليهود والرومان . وفي ذلك اليوم تحالف العدوين هيرودس وبيلاطس ضد المسيح ( ... لكن الساكن على عرشه في السموات يضحك ، الرب يستهزأ بهم ) " مز 2: 1-4" على الصليب حدثت المصالحة بين السماء والأرض عقب موت المسيح مباشرةً ، لهذا ( حجاب الهيكل قد أنشق إلى أثنين من فوق إلى أسفل ) " مت 27: 20-51 " أي أزيل الحاجز الذي كان يفصل الله عن الإنسان منذ يوم سقوط الأبوين . أنتهى زمن المقاطعة والأنفصال والعقاب بسبب المصالحة ، لهذا تقول الآية ( الله كان في المسيح مصالحاً العالم مع نفسه غير حاسب لهم خطاياهم ) " 2 قور 19:5" .
الصليب هو علامة الغلبة التي ظهرت كعلامة صليب نوراني للأمبراطور فسطنطين وهو ذاهب إلى الحرب ، وسمع الصوت السماوي يقول له ( بهذه العلامة تنتصر ) فىمن وأنتصر ... هكذا ستظهر آية أبن الإنسان ( علامة الصليب النوراني ) في السماء بنور عظيم في نهاية الزمان ، تسبق ظهور المسيح ، وسترى تلك العلامة كل عين من بداية الخليقة إلى نهايتها حيث ستقوم كل نفس من بين الأموات ، وينوح في تلك الساعة غير المؤمنين ( مت 30 :24) .
على كل مؤمن أن يحمل الصليب في حياته ويسير خلف المسيح ، وبعد موته سيحمله الصليب إلى من مات لأجله على صليب الجلجثة .
الصليب هو الطريق الضيق المؤدي للحياة الأبدية ( مر 34:8 ) .
الصليب يعلمنا الصبر وتحمل الضيقات والأضطهاد والحزن وأوجاع المرض بلا تذمر وحتى الموت وكما فعل المسيح ( إذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب ) " في 2 " .
كل صلوتنا نبدأها برسم الصليب ولرسم إشارة الصليب علينا ضم الأصابع الثلاثة الأولى معاً من اليد اليمنى تعبيراً وأعترافاً بأن الله ثالوث . اما طوي الأصبعين الأخيرين على راحة اليد فترمز إلى طبيعتي المسيح كأبن الله وأبن الإنسان " لاهوت وناسوت " ، أو أنه إله تام وإنسان تام . وراحة اليد ترمز إلى رحم العذراء والدة الإله حيث وَحَّدَ أبنها الطبيعتين عندما تجسد في بطنها .
برسم الصليب ترتعب وتهرب قوى الشر . الصليب الذي تحول من علامة عار إلى علامة فِخارٍ وانتصار نضعه فوق معابدنا وعلى صدورنا ، والملوك على تيجانهم ، وبعض الدول على أعلامها .
تعترف كل الطوائف المسيحية بالصليب وعمل الصليب لأنه جوهر أيماننا . وتحت ظِلّهِ نجتمع لأن الجميع يؤمن بأن على الصليب التقت الرحمة والعدل الألهي من أجل خلاص العالم ، فالصليب هو مركز دائرة عقيدتنا المسيحية ، والذي لا يؤمن بالصليب من الطوائف المنشقة فلا يحسب مع الشعب المسيحي وعليهم ينطبق قول الرسول بولس :
 ( أن الصليب عند الهالكين جهالة ) " 1قور 18:1" أما عندنا نحن المؤمنين بالرب المصلوب وبعمل الصليب المقدس ، فالصليب هو جوهر إيماننا . بالصليب تعترف كل الطوائف المسيحية ، وتحت ظله تجتمع لأن الجميع يؤمن بأن على الصليب ألتقت الرحمة والعدل الإلهي من أجل خلاص العالم ، فالصليب هو مركز دائرة عقيدتنا المسيحية ، والذي لا يؤمن بالصليب لا يحسب مع الشعب المسيحي . .
ختاماً نقول للمصلوب : نشكرك يا سيد في عيد صليبك المقدس ، لأنك احتملت من أجلنا ظلم الأشرار فعرضت ظهرك للجلد بالسياط ، وخدك للطم ، ووجهك للبصق ، وكتفيك لحمل الصليب الثقيل . سمروك على الصليب ، وعيروك باستهزاء . سقوك خلاً وأنت ينبوع الحياة . كانوا اشقياء وأغبياء لا يعلمون برب الخلاص ، لهذا طلبت لهم من الآب الرحمة والغفرن لأنهم لا يعرفوك أيها الإله الجبار .
وبصليبك المقدس خلصتَ العالم .


219
الفرق بين التثليث في الوثنية والمسيحية وآراء شهود يهوه

      بقلم / وردا أسحاق قلّو

1-عقيدة التثليث في الوثنية وهل لها علاقة بالتثليث المسيحي؟
عقيدة التثليث كانت موجودة في بلدان وحضارات مختلفة من العالم . في الهند مثلاً كان هناك ثلاث هيئات أو أقانيم كانوا يطلقون عليها : (براهما وفشنو وسيقا ) ، فالأول هو الآب وهو المسؤول عن الخلق . والثاني الأبن ، هو المسؤول عن الحماية والحفظ . أما الثالث فهو المهلك . كذلك في الهند هناك فريق آخر يعتقد بأن بوذا أيضاً ذو ثلاث أقانيم حيث أنه الألف ، والواو ، والميم . أي الأول والوسط والأخير وكما نقصد في المسيحية بالمسيح .
كذلك المصريين كانوا يؤمنون بتثليث ثلاثة آلهة وكل إله كان يتكون من ثلاثة أقانيم . المجموعة الأولى كانت مكونة من الآلهة : ( أوزيرس وأيزيس وحورس) ، أما المجموعة الثانية فكانت آلهتها : ( أمنون وكونس وموت) . أما المجموعة الثالثة فلها : (خنوم وسانيت وعنقت) . لكن في كل مجموعة من هذه المجاميع لا تكّون إلهاً واحداً بل ثلاثة آلهة ، وهذه الآلهة منفصلة من بعضها البعض لهذا المؤمنين بهم كانوا يؤمنون بالثلاثة في آنٍ واحد.
كان كل إله من هذه الآلهة هو إله خاص بقسم من أقسام مصر , فلكي يوحد قدماء المصريين هذه الأقسام ويكوًنوا منها مقاطعة واحدة موحدة كانوا يقرنون آلهة كل ثلاثة أقسام معاً فيكوِّنوا منها مجموعة واحدة ، فجعلوا فوق كل هذه المجاميع التسعة التاسوع المصري العظيم برئاسة (رع) . الثالوث كان موجوداً في مختلف بقاع العالم .
 أما في بلاد ما بين النهرين فكان في بابل يعتقدون بثالوث مكون من : ( آب وأم وأبن) . الآب هو نمرود مؤسس مملكتهم الذي تزوج من سميرة أميس فأصبح إلهاً ( الثالوث هنا مكون من الآب والأم والأبن المولود منها والذي هو في الوقت ذاته زوجها ) لأن الأم في أعتقادهم هي الأصل..
أما عند الزرادشتية في بلاد فارس ، فهم لوحدهم لا يؤمنون بالتثليث بل بإلهين رئيسيين هما : ( أورمازدا) وهواله الخير و (اهرمان) وهو اله الشر , معتقدين بأن الأول سيبقى الى الأبد والثاني سيزول نهائياً من الوجود هذا هو معتقد الديانة الزرادشتية كما يشبه هذا المعتقد بالعقيدة اليزيدية في العراق بإله الخير وكذلك بالملك طاووس أي اله الشر ( الأبليس)
يقول بعض الهراطقة بأن ثالوث المسيحية هو تقليد لثالوث الديانات الوثنية التي سبقت المسيحية ، لهذا نقول،
إن كان هناك عقيدة الثالوث في بعض الأديان الوثنية كالهندية والبابلية والمصرية فلا بد من وجود أختلافات جوهرية كبيرة بينها وبين التثليث المسيحي  . فعند المقارنة لا نجد أي تقارب بين العقيدة المسيحية في موضوع التثليث وغيرها من العقائد ، فهؤلاء كانوا يؤمنون بعدد من الآلهة ، وإن كانوا ثلاثة ، فأيضاً نجد أختلافات واضحة بينها ، منها أن ثالوث المسيحية يتمتع بالتوحيد ليكّون من ثالوثه إله واحد فقط عكس تلك الأديان الذين كانوا يؤمنون بثلاث ألهة ، فالمصريين مثلاً كانوا يؤمنون بالآلهة ( أيزس وأوزوريس وحورس ) فهذا الثالوث كان يتكون من ثلاث آلهة مستقلة في مجموعة من آلهة أخرى هي ( رع ، وحورس ، ووست ، وونوت ، وشو ، وجب ..إلخ ) ولا توجد أي وثيقة مكتشفة تثبت أن هناك ثالوثاً من الآلهة في إله واحد كالمسيحية .
إذا وجدنا في تثليث المسيحية الآب والأبن كما في الوثنية  ، فالأبن لم يأتي من الآب بالتناسل كما كان لدى الشعوب الوثنية .  كذلك ليس هناك فرق في زمن الآب والأبن والروح القدس لأن للثلاثة نفس الزمن ، بينما كان هناك أختلاف بين عمر الآب والأبن عند الوثنيين ، أي أن الآب أكبر عمراً من الأبن ، والأبن لم يكن موجوداً قبل أن يولد ، بينما يسوع له المجد كان موجوداً قبل أو يولد من العذراء   ، وقبل آبراهيم كما قال لليهود ، لا وبل قبل كل المخلوقات ، بل كان موجوداً منذ وجود الله الآب . إذاً الفروقات واضحة جداً بين تثليث المسيحية والوثنية .
رآي شهود يهوه
جماعة شهود يهوه ينكرون عقيدة التثليث ويتهمون الكنيسة بأن الأمبراطور قسطنطين فرضها على المسيحية بالقوة وفكرتها هي وثنية  ، فلبى طلبه مجمع نيقية وبلوَرها بصيغة قانون الأيمان ، ولتنفيذ أوامر الأمبراطور تم تدعيم تلك العقيدة وإبراز مبادئها  فقام كبار أساقفة المسيحية بعقد مجامع دينية فيما بينهم سُميت بالمجامع المقدسة أتموا فيها وضع أسس المسيحية الجديدة ، وأهمها قانون الإيمان المسيحي. الإيمان الثالوثي.. الثالوث الذي صنعته أيدي المجامع الكهنوتية وقدمته للبشر لعبادته . إذاً لنسأل ونقول هل عقيدة التثليث التي يؤمن بها كل المسيحين على مختلف الطوائف هي من صنع البشر أم  من الوحي الإلهي الموجود بكل وضوح في الكتاب المقدس ؟
الغريب جداً هو أن شهود يهوه التي تتخذ من الكتاب المقدس كتاباً لها ولا تؤمن بوجود الثالوث الأقدس ، فتنفي وجود الثالوث في ذات الله رغم تأكيد الكتاب بآيات كثيرة في العهدين وكما ذكرنا الكثير منها في العهد القديم وسنذكر في هذا المقال آيات كثيرة من العهد الجديد  . بل يعتقدون بأن الله هو ( يهوه ) المجرد من الأقانيم . أي إله بدون نطق " الكلمة " وبدون روح " الروح القدس " والسبب لأنهم يشاطرون اليهود بأيمانهم وذلك بعدم الأعتراف بوجود الثالوث رغم وجود آيات كثيرة في أسفار العهد القديم .
 قانون الأيمان النيقي الذي يعترف بالثالوث الأقدس كل فقرة فيه مأخوذة من آية أو آيات من الكتاب المقدس ( وسنكتب مقالاً خاصاً يؤكد ذلك ) فالإيمان بعقيدة الثالوث ليس نظرية فلسفية أخترعها الفكر البشري كما يظنون ، ولا تصورّاً عقلانياً عن الله ، ولا هو مفروض من قبل السلطات الأرضية ، إنما هو تعبير عن ظهور الله ظهوراً ذاتياً بتجسد أبنه يسوع في ملء الزمان " غل 4:4" بقوة الروح القدس ، فالله هو الآب الذي تجسد وظهر لنا بأبنه المولود من إمرأة . ولأجل فهم الموضوع علينا الأطلاع على ما جاء في العهد الجديد الذي ينقل لنا هذا السر بكل وضوح .

2-الثالوث الأقدس  في العهد الجديد ( المسيحية )
الثالوث الأقدس واضح جداً في العهد الجديد بعد تجسد الأقنوم الثاني أعلن الثالوث الأقدس على مياه نهر الأردن
بعد عماد المسيح على يد يوحنا المعمدان ( خرج لوقته " الأبن " من الماء ، فإذا السموات قد انفتحت فرأى روح الله " روح القدس " يهبط كأنه حمامة وينزل عليه ، وإذا صوت من السماء " الآب " يقول : هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت ) " مت 3: 16-17" .  تكرر حضور الثالوث على جبل التجلي بحضور الرسل الثلاثة " بطرس ويعقوب ويوحنا " ( طالع لو 9: 28-36) . أيضاً نذكر بعض الآيات التي توضح لنا الثالوث الأقدس بكل وضوح في العهد الجديد :
1-   قال الملاك لمريم ( الروح القدس يحل عليكِ ، وقوة العلي تظللكِ ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله ) " لو 35:1 " . الآية توضح لنا وجود الأقانيم الثلاثة " الروح القدس – العلي " الآب " وأبن الله " الأبن " .
2-   قال يسوع للسامرية ( ولكن تأتي ساعة ، وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق ) " يو 23:4 " هنا المتحدث هو الأقوم الثاني ، والآب يسجد له هو الأقنوم الأول ، والروح الذي يساعدنا في السجود هو الأقنوم الثالث ، كذلك لفظة الحق الأخيرة تعني يسوع ، وبحسب قوله ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) .
3-   قال الرب يسوع ( وأما المعزي ، الروح القدس ، الذي سيرسله الآب بأسمي ، فهو يعلمكم كل شىء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم ) .
4-   قال يسوع لتلاميذه ( أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) " مت 19:28" .
5-بولس الرسول يؤكد لنا الثالوث في البركة الرسولية التي بدأت منذ العصر الرسولي فصار التعليم بالثالوث والصلاة له لا ينقطع ولحد اليوم ، فالصلوات تبدأ وتختم برسم الثالثوث على الجبين " الآب " وعلى الصدر " الأبن " وعلى الكتف " الروح القدس " وتنتهي ، لكن في كنائسنا الشرقية نضيف المقطع الأخير فنقوا : الإله الواحد آمين  . علماُ بأننا نفهم موضوع التوحيد لألهنا ، ولماذا لا يرد المؤمن في كنائس الغرب المقطع الأخير ؟ السبب هو لأن الكنائس في الشرق الأوسط تعيش في وسط أسلامي ، فلكي لا نتهم بأننا نعبد ثلاث آلهة لهذا السبب أضطرت الكنيس في البلدان الألامية أن يتمموا الثالوث بالمقطع المذكور . أما نص البركة الرسولية لبولس فهو ( نعمة ربنا يسوع المسيح ، ومحبة الله ، وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين ) " 2 قور 14:13" .
6-   الرسول يوحنا وضح لنا مفهوم الثالوث والتوحيد بقوله ( فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والأبن والروح القدس ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ) " 2 يو 7:5"
قبل كل صلاة نرسم الثالوث ونردده لأهميته وأعترافاً به والقديس " يوحنا كرونشتادت " يعطي لنا تفسيراً أعمق في رسم الثالوث ويقول
أشارة  رسم الصليب فيه الإعتراف بالثالوث الأقدس ( الآب والأبن والروح القدس ) . فيه أعتراف بوحدانية الله كإله واحد . فيه أعتراف بتجسد الأبن وحلوله في بطن العذراء " عندما نضع أصابعنا على البطن " . فيه أعتراف بقوة عملية الفداء التي تمت على الصليب بأنتقال يدنا من اليمين إلى الشمال . فيليق بنا إذن أن نرسم الصليب بحرارة الإيمان . 
إلى اللقاء في مقال آخر عنوانه ( التثليث في بدعة المريميين وعند الأسلام ) .

220
الثالوث الأقدس في العهد القديم

بقلم / وردا أسحاق قلّو

في المقدمة يجب أن نعلن إيماننا بوجود إله واحد غير محدود ، ومن يؤمن به فحسناً يفعل ( يع19:2) لكننا نؤمن بوجود ثالوث في وحدانية الله القدوس لأنه لا يمكن لهذا الإله الموجود قبل كل الأشياء أن يكون بلا وجود ذاتي ، هذا الذي خلق كل شىء بكلمة ناطقة لا يمكن أن لا يكون ناطقاً بكلمة . أيضاً نقول لا يجوز لله الذي خلق الكائنات الحية ومنها الأنسان ، أن يكون غير حي بالروح . لهذا السبب يجب أن يكون في اله الواحد ثالوثاُ موحداً . فعلينا أن نبحث في معتقدات ( العهد القديم – الوثنيين – العهد الجديد – المريميين – القرآن ) لفهم الموضوع . لدراسة الموضوع في كل هذه الأديان والمعتقدات يجب تقسيمه إلى ثلاث أجزاء لكي يتسنى للأخوة القراء قرائتها وفهمها بسهولة ، وتحت ثلاث عناوين هي ( 1- الثالوث الأقدس في العهد القديم. 2- التثليث في الوثنية والمسيحية والفرق بين العقيدتين . 3- التثليث في بدعة المريميين وعند الأسلام  ) ، الآن نتناول الثالوث في العهد القديم .   

العهد القديم

          الثالوث الأقدس عقيدة ايمانية بإله واحد مثلث الأقانيم ، وهذا المعتقد يحَيّر العقول . جذور هذا التعليم متأصل بتعاليم الكتاب المقدس الذي يعلمنا بأن الله واحد في ثلاثة أقانيم مرتبطة بثالوث واحد موحد . أي ثمة اله واحد يحيا في ثلاثة أقانيم ، وكل منها اله كامل الألوهة ، وفي الوقت ذاته يختلف عن الآخرين بصفات يتميز بها وحده دون الآخرين. فالآب هو المبدأ ، يلد أو المنبثق ، والأبن مولود ، ليس مخلوق ، والروح القدس منبثق من الأثنين معاً. هؤلاء الثلاثة ومع الأختلافات في صفاتهم , لهم طبيعة واحدة وصفة الألوهة الغير المجزأة بينهم مما ينفي كونهم آلهة ثلاثة ، لأن الجوهر واحد والطبيعة واحدة . كل أقنوم هو مالك هذا الجوهر والأختلاف هو في الأفعال .
لأجل توضيح حقيقة الله في الثالوث علينا أن نبحث عن كلامه في كتابه المقدس الذي يعلن لنا عن صورته الحقيقية  .  الله خلق الإنسان على تلك الصورة الثلاثية  ،  فالإنسان المكُون من الجسد ، والنفس, والروح ، تختلف كل منها عن الأخرى لكنها تجمع معاً لتكون إنساناً واحداً . أي هناك تعددية في الوحدانية  . هكذا وضع الله طبيعته الألهية ، الآب ، والأبن ، والروح القدس . ليسوا ثلاثة آلهة بل أله واحد موحد في ثلالوث واحد . يجب أن يكون الله كذلك ليمارس الحب والكلام والسمع . أي الآب المصدر ، والأبن الكلمة الناطقة الخالقة ( اللوغوس )، والروح القدس النور .  الله اللامحدود هو سر ثالوثه فلا يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يدرك اللامحدود الموجود في ثالوث الله المقدس.الله هو كامل بثالوثه ، والكمال يفترض الوحدة التامة وانتفاء تعدد الألهة كما يتهمنا البعض بأننا نعبد ثلاثة آلهة كما كان الأسلاف يفعلون كالأله الثلاثي في بابل وفي الهند وفي مصر .
 الله منذ الأزل هو المبدأ هو ما نسميه ( الآب) والموجود فيه هو ما ندعوه ب (الأبن) لأن الأثنان واحد في واحد حسب قول الرب يسوع ( أنا والآب واحد ) ( أنا في الآب والآب فيّ ) .  هناك ترابط بينهما نتيجة الحب بين الأثنين , وأنطلق منهما روح المحبة وهو بشكل طبيعي أقنوم كامل الألوهة وهذا الكمال في كل منهما هو ما يجعلهما كامل الفردية دون أن تنفصل في جوهرها. هذا الأعتقاد  كان صعباً لأبناء العهد القديم لهذا لن يفصح الله عن عقيدة الثالوث  في العهد القديم الى أن كبرالأنسان في الأيمان عبر أزمنة طويلة ، لهذا كان ينادي الإنسان قديماً كأنه مجرد من الأقانيم كما في الآية  :  ( أنا الرب الهك ولا اله آخر غيري) أي أن الله لم يكشف عن ذاته للإنسان بصيغة الثالوث ، فآمن الإنسان في تلك الحقبة بالله الواحد علماً بأن الثالوث واضح جداً في أسفار العهد القديم ومنذ الآية الأولى والثانية من سفر التكوين التي تقول : ( في البدء خلق الله السموات والأرض ...  وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله : ليكن نور فكان النور)  " تك 1: 1-2" .  هنا نجد كلمة خلق التي يعنى بها الأقنوم الثاني أي الرب يسوع لأن الله كان يخلق بالكلمة , والكلمة هو يسوع الذي خلق الله به كل شىء  " يو 1-3" والله يعنى به الآب. وروح الله هو الروح القدس .أي أن الله في هذه الآيه يتكلم بكل وضوح بثالوثه الموحد ، لأنه حي بروحه وناطق بكلمته . في قصة خلق آدم تقول الاية ( وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ) "تك 26:1 " هنا الله يتكلم بصيغة جمع أي مثلث الأقانيم . كذلك هنا يتحدث بصيغة الجمع ويقول  ( هوذا الإنسان صار كواحد منا ) " تك 22:3"
     أظهر الله ذاته لنا بصيغة مفرد تارة وبصيغة جمع تارة أخرى فيقول : ( أسمع يا أسرائيل الرب الهنا رب واحد) لكن هذا الواحد هو بصيغة جمع فيقول : ( نعمل الإنسان على صورتنا كشبيهنا) صيغة الجمع واضحة أيضاً . الله عندما كان يتكلم فيتكلم بصيغة ثالوث لكنه عندما يخلق أو يصنع شيئاً فأنه يصنعه بصيغة مفرد أي يعمل بالتعددية ويصنع بالتوحيدية. كما يقول في هذه الآية ( هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر) فكلمة منا هي جمع ، لماذا؟ لكي تشمل الثالوث كله. وكما قال عن برج بابل  : ( هلما ننزل فنبلبل السنتهم) أي بصيغة الجمع ثم يضيف قائلاً ( فنزل الله) أي بصيغة المفرد. إذاً كان الله يعمل مع الإنسان بصيغة مفرد وجمع . هكذا وبسبب عدم تهىء الأنسان لقبول مبدأ الثالوث كان فقط يلمح له بوجود الجمع في ذاته وكما يقول في أشعيا " 4/6"  ( من أرسل ومن يذهب من أجلنا ؟ ) كلمة أرسل يعني بها الله المفرد  , ومن أجلنا يشير الى الثالوث بأكمله. هكذا أظهر ثالوثه لشعبه المختار معلناً عن ذاته في المزمور " 17/33"  :  ( بكلمة الله أسست السموات وبنسمة فيه كل جندها) أي الله الآب ، وكلمته الأبن ، ونسمته أي روحه القدوس.
    نذكر بعض الآيات التي ترمز الى التوحيد في العهد القديم :( أنا هو الرب الهك الذي أخرجتك من أرض مصر.... لا يكن لك الهة أخرى أمامي) " تث 5: 6-7" , ( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر) " 1مل 6:8" . (يا رب ليس مثلك ولا اله غيرك) " 1 أخ 20:17" . ( أليس آب واحد لكلنا؟ أليس اله واحد خلقنا؟ ) " ملا 10:2" وغيرها من الآيات.
    يتكلم أشعياء النبي على لسان يسوع المسيح قائلاً  :  ( منذ وجوده أنا هناك , والآن السيد الرب أرسلني وروحه)  " أش 16:48"   هنا نجد المرسِل الذي هو الآب والمرسَل أي المسيح وروح الأرسال . كما يوضح النبي أشعياء مساوات الأقانيم الثلاثة في قداستها فيقول : ( السرافيم واقفون فوقه ....  وهذا نادى ذاك وقال  : قدوس , قدوس , قدوس , رب الجنود. مجده ملء كل الأرض)    "أش 6: 2-3" قصد النبي بكل كلمة قدوس أقنوم فشمل الأقانيم الثلاثة بالتساوي.
      مزمور" 45  " يقول : ( كرسيك يا الله الى دهر الدهور, لذلك مسحك الله)  اذاً هل هناك الهين؟ الجواب كلا حيث يقول لبني اسرائيل :( أسمع يا أسرائيل الرب الهنا رب واحد) , لكن الأثنان هما الأب والأبن ،  وكذلك يقول المزمور :( قال الرب لربي ...) أي ألآب والأبن ، كما تتوضح صورة الأبن وتنطق بكل وضوح أمام الله الآب فتصبح واضحة في المزمور "2" حيث يقول :( الرب قال لي أنت أبني واليوم ولدتك) . وكذلك يقول: ( يقبل الأبن لئلا يغضب) "أم 30/ 4-5" ( من صعد الى السموات ونزل؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من قاس الأرض بالشبر من وزن الجبال ما أسمه وما أسم أبيه أن عرفته ؟) أسمه الله واسم ابنه يسوع المسيح , اذاً توضح لنا بأن في العهد القديم يوجد أبن الله , وكان اليهود يعرفون هذه الحقيقة حتى في زمن المسيح بأن لله أبن لذا أرادوا رجم يسوع لأنه قال أني ابن الله , أي انه كالله , فقالوا له نرجمك لا بسبب أعمالك بل لأنك تجعل نفسك اله وأنت انسان . أما هوشع فيقول في "7/4" : ( ترنمي وافرحي يا ابنة صهيون لأنه أنا ذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب) المتكلم هنا هو الرب يسوع وفي عهد يوشع ،أي العهد القديم ويضيف :( فتعلمين بأن رب الجنود قد أرسلني اليك ) أي الآب .
أما أشعياء النبي فقد كتب آية في سفره  تثبت لنا الثالوث الأقدس ، يقول ( هوذا فتاي الذي أعضده مختري الذي رضيت عنه نفسي قد جعلت روحي عليه فهو يبدي الحق للأمم ) "1:42" فأقنوم الآب هو المتكلم ، وأقنوم الأبن " فتاي " ، وأقنوم الروح القدس هو " روحي " أي روح الله المتكلم .
   الروح القدس يذكر بوضوح في العهد القديم وإن لم يكن واضحاً كما في العهد الجديد . وفي بعض الآيات يذكر أقنوماً واحداً أو أقنومين معاً .
أما عن أقنوم الروح القدس فلم يذكر كثيراً في هذا العهد ، نقرأ عنه في المزمور "50" يقول ( وروحك القدوس لا تنزعه منه) اضافة الى الآية الثانية , الأصحاح الأول من سفر التكوين ,تقول: (  وروح الله يرف على المياه) . أما صوئيل النبي فقال لشاؤول الملك عندما تخرج من هنا تصادف جماعة من الأنبياء فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول الى رجل آخر . هذا الروح كان الروح القدس الذي يتنبأ . وهناك آيات أخرى تتناول الثالوث الأقدس لكي يعلن الله عن أسرار ثالوثه المقدس الذي لا يسعه الكون كله . إذا كانت عقيدة التثليث شبه مخفية عن البعض في العهد القديم ، ففي العهد الجديد بعد تجسد الله الكلمة ظهر الثالوث على نهر الأردن أثناء معمودية يسوع وعلى جبل التجلي .
إلى اللقاء في مقال أخر عنوانه ( التثليث في الوثنية والمسيحية والفرق بين العقيدتين )

221
آيات من العهدين تثبت أنتقال العذراء إلى السماء ܫܘܢܵܝܐ ܕܥܕܪܐ

  بقلم / وردا أسحاق قلّو
 
https://2.top4top.net/p_1320tsuav1.jpg

( ثم ظهرت آية بينة في السماء : إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها ، على راسها إكليل مِن أثني عشر كوكباً ) " رؤ 1:12 "                               
أنتقال مريم العذراء إلى السماء هي عقيدة أيمانية كاثوليكية . أنتقالها يرتبط بعصمتها من كل الخطايا وحتى من خطيئة الأبوين الأصلية لكونها " محبول بها بلا دنس "  . بسبب الخطيئة جاء المرض والموت على البشرية ، لكن العذراء بريئة من دنس الخطيئة ، إذاً يجب أن لا يكون للموت سلطانًاً عليها ، نعلم بأن أجرة الخطيئة هي الموت . كما قد كتب ( ليس إنسان بار ، ولا واحد ... ) " رو10:3"  فيجب على الجميع أن يذوقوا الموت ، لكن مريم يجب أن لا يجوز أن تخضع لهذا العقاب لأنها مستثنى من هذا الشرع ، لأنها لم يكن لها حصة في خطيئة الأبوين لكونها موجودة قبل وجود آدم وكل الخلائق في مخطط الله الخلاصي للبشر ، لكي تصبح هيكلاً مقدساً يحمل القربان الأول السماوي . وبها حققت خطة الله الخلاصية لبني البشر بعدالسقوط ، فتنبأ الكتاب ، قائلاً عنها  ( فهي تسحق رأسك ، وأنت تترصدين عقبه ) .
العذراء أستثنيت من العقاب لأن ، محبة الآب ملأتها ، ونعمة الإبن خلصتها ، والروح القدس قدسها ، ومعها بدأت شركة الروح القدس بين الله والإنسان وجعلها الله نموذجاً لعمل الثالوث في كل إنسان مستحق للقداسة .
فبما أن مريم كانت بريئة من الخطيئة ، فلم يكن لازماً لها أن تموت ، بل أن تستمر على الدوام حية ، وأما أنه كان يلزمها أن تموت لمجرد حبها لأبنها لكي تنتقل وتكون بقربه ، ولأنها كانت ترافقه في حياتها الزمنية حتى ساعة موته باكية ومتألمة في طريق الجلجلة وتحت الصليب على حبيبها الذي فارقها ، وقد عبّرَ عن هذا الألم سفر مراثي أرميا " 16:1" فقال عنها ( لذلك أنا باكية وعيناي تنبعان المياه ، لأن المعزي أبتعد عني ) . ماتت العذراء ميتتاً صالحة ، وكان يجب أن تموت أيضاً لكي لا يحسبها الكثيرين أفضل من أبنها الذي مات . مات لأنه حمل خطايا العالم ، وأجرة الخطيئة هي الموت .
 ماتت مريم لكن يجب أن لا يبقى جسدها المقدس على هذه الأرض ، بل ينقل بمعجزة إلى السماء ، فكما إنها بمعجزة حبلت بالرب وولدته وهي عذراء وبدون أن تشملها لعنة مغاض الولادة كباقي النساء " تك 16:3" كذلك كان انتقالها إلى السماء بمعجزة دون أن ينال من جسدها الفساد .   
يسوع حفظ أجساد قديسين كثيرين من الفساد ،  فكيف لا يحفظ الجسد المقدس الذي حبل به ومنه أخذ جسده المبارك ، فكان لائقاً إذاً أن يمجد ذلك الجسد المملوء من النعم ( لو 28:1)  وأن لا يترك على هذه الأرض إلى يوم القيامة ليقوم مع الأموات ، بل رفعه إلى السماء لأنه جسد مميز ، إنه جسد أم الله وأم الكنيسة . هكذا ينبغي أن لا نقارن أم الله بعبيده . كذلك كان يفضل عدم بقاء ذلك الجسد المبارك على الأرض لكي لا يحول المؤمنون قبرها إلى معبد ويعبد من دون الله ، ولهذا السبب أيضاً أخفى الله أجساد أخنوخ وموسى وإيليا .
هناك من يظن بأن من يؤمن بعقيدة أنتقال العذراء إلى السماء سيساويها مع أبنها الذي صعد إلى السماء ، لكننا نقول الفرق واضح جداً وهو إن يسوع الإله قام وصعد بقدرته الإلهية ، أما مريم فقد تم نقل جسدها من قبل أبنها تطويباً لها، ولكي تصبح  بكر المنتقلين إلى السماء من بني آدم ، وأنتقالها إلى السماء روحاً وجسداً هو علامة لقيامة وأنتقال كل المؤمنين إلى السماء بواسطة أبنها يوم الدينونة العظيم ، عندما تتغيرتلك الأجساد الحيوانية إلى ممجدة كصورة جسده الممجد ( فيل 3: 20-21) .

كيف نثبت كتابياً أنتقال جسد العذراء إلى السماء ؟

 نقول : كان موت العذراء كالباب الذي عبرت من خلاله الى أبنها بالنفس ، والله أراد أن يرفعها اليه بالجسد أيضاً ، فتحدث الله لنا عن هذا الأنتقال على فم أنبيائه في العهد القديم قبل ولادتها . نتناول بعض الآيات التي تثبت لنا حقيقة أنتقال الجسدين المباركين " يسوع والعذراء " إلى السماء ، منها ( قم أيها الرب إلى موضع راحتك أنت وتابوت عزتك ) " مز 8:131"  . لنسأل ونقول ، من هي تابوت عهد الرب وعزته ؟ إنها العذراء مريم ، فتابوت العهد المغلفة بالذهب لكي يحفظها من الفساد يرمز إلى العذراء مريم المليئة من النعم التي حفظتها من فساد الخطيئة لكي تكون أناءً نقياً يحمل جسد الرب يسوع كما حمل تابوت العهد لوحي الشريعة والمن والعصا ، والتي كانت ترمز إلى المسيح له المجد .
كما أن سفر نشيد الأناشيد يوصف لنا صعود العذراء إلى السماء بالجسد ، يقول (من هذه الطالعة من القفر كعمود بخور معطرة بالمر واللبان وكل عطور التاجرِ ؟ ) "6:3"  . (من هذه الطالعة من القفر المستندة على حبيبها ) " 5:8" .

أما العهد الجديد :
كانت وصّية الرب يسوع لتلميذه يوحنا على الصليب ( هذه أمك ) فكانت بلا شك ومنذ تلك اللحظة مع يوحنا الى يوم رقادها . فهل كتب الرسول يوحنا شيئاً عن مصير جسد العذراء بعد الموت؟ ولماذا قبر العذراء خالي من الذخائر ، وهل كتب الرسول يوحنا شيئاً عن مصير جسد العذراء ؟ كما نعلم كان أسلوب يوحنا في الكتابة مخالفاً لأسلوب الأناجيل الأزائية فلم يكتب الأحداث كما هي ، بل عبر عنها بأسلوب مغاير وحسب الرؤى التي كان يراها ، فكتب عن العذراء بعد رقادها وانتقالها الى السماء بعد أن رآها في رؤية وهو في جزيرة بطمس فقال ( وأنفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله ، وحدث بروق وأصوات رعود وزلزلة وبرد عظيم ) " رو 19:11"
 هنا نجد تكرار ذكر تابوت العهد . وكما ذكرنا تابوت العهد القديم كان يرمز الى العذراء مريم ،  لكن هنا لا يقصد يوحنا اللاهوتي تابوتاً مادياً بل العذراء التي حملت المسيح ، لان السماء عالم آخر وهو عالم الأرواح فلا يمكن أن تظهر الأشياء المادية ، بل كان جسد العذراء الممجد .
بما أن الله الذي حفظ جسد العذراء على الأرض في البتولية وكمال القداسة ، فكان يجب تكريم ذلك الجسد لأن لا ينال منه الفساد وأن لا يبقى على هذه الأرض بل ينقل إلى جوار أبنها في السماء .
نقلوا لنا الآباء الأوائل منذ القرون الأربعة الأولى وبلغات عديدة وقد تحدوا بشدة كل البدع لكي يحافظوا على الوديعة التي تسلموها من الرسل الأطهار، لكننا لم نجد كتابات لهم يدافعون بها ضد من يقاوم هذا الإيمان ، بل كان الجميع متفقين على عدم بقاء جسد العذراء على الأرض .   
تحتفل الكنيسة الكاثولكية بعيد أنتقال العذراء بالنفس والجسد  في يوم 15 آب من كل عام أعلنه البابا بيوس الثاني عشر في 1/11/1950م  . الكنيسة تؤمن بأن الرب يسوع أستقبل والدته مع أجواق الملائكة وأكرم ذلك الجسد الطاهر الذي حمله تسعة أشهر ، ومنه أخذ جسدا أنسانيا ، أنه جسد والدته التي أرضعته ونذرت نفسها لكي تكون أمه وأمته وحسب قولها للملاك الذي بشرها . فالعذراء التي كرمت الرب وخدمته ، هو أيضاً أكرمها ويكرم كل من يحبه ويعمل بوصاياه
قيل عن العذراء بعد رحيلها ومنذ الأيام الأولى ظهرت عجائب وشفاءات كثيرة من قبرها وذاع خبر تلك المعجزات في الأوساط اليهودية فقرروا أخراج جسدها وحرقه ، فلما فتحوا القبر لم يجدوا فيه غير رائحة البخور العطرة فآمن الكثيرين منهم . كما يقول التقليد بأن جسد مريم حملته الملائكة إلى السماء وأخفي ذلك عن أعين الرسل عدا توما الرسول الذي كان في بلاد الهند وقت نياحها ، لكنه رأى تلك الرؤية العجيبة وهو الذي أخبر الرسل وقال:
لقد حملتني سحابة لملاقات جسد العذراء في الهواء ، وناداه أحد الملائكة قائلاً " تقدم وتبارك من جسد كلية الطهر " ففعل . ثم أرتفع الجسد إلى السماء ، أما هو فأعادته السحاب الى الأرض . 
 بعدها ذهب توما الى أورشليم لمقابلة الرسل الذين أخبروه بنياحة العذراء ، فطلب منهم أن يرى بنفسه الجسد المبارك ، إنه نفس توما الذي لم يؤمن بقيامة المسيح إلا بعد أن يراه ويلمس آثار المسامير في جسده ، لهذا كشفوا له التابوت فلم يجدوا إلا الأكفان فحزنوا جداً لأعتقادهم بأن اليهود قد سرقوه ، فأخبرهم توما عن الرؤية التي شاهدها في الطريق فتأكدوا وآمنوا بأن ما رآه يوافق نهاية اليوم الثالث الذي انقطع فيه صوت تسابيح الملائكة التي كانوا يسمعونها عند القبر لمدة ثلاثة أيام ، هكذا صنع لها القدير عظائم وكما تنبأت بأنشودتها ، ومن تلك العظائم إنتقالها العجائبي إلى السماء. وهكذا تمت مشيئة الله برفع جسد العذراء ونفسها إلى كما الحب الإلهي . كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة بهذا الأنتقال وتحتفل به .
ختاماً نقرأ عن عقيدة أنتقال العذراء إلى السماء بالنفس والجسد هذه الأسطر :
 إن مريم بانتقالها إلى السماء تدعونا اليوم لنعيد النظر في نوعية إيماننا وصلاتنا ومحبتنا . إنها تريد أن ننتقل من اليأس إلى الرجاء ، من الخطيئة إلى البرارة ، من الحقد إلى المسامحة ، إنها تدعونا لكي نزيل الحواجز من أعماقنا فننفتح على الله وعلى الآخرين بالمحبة والتسامح والغفران ، وخاصة الذين يجمعنا معهم الايمان الواحد ، وان لا نجعل من الألفاظ والتعابير الفلسفية واللاهوتية وحتى من الطقوس والمذاهب والقوميات حاجزا يبعدنا ويفرّقنا عن بعضنا بل نتمسّك بما يوحدنا جميعا ، جوهر ايماننا الذي لا يختلف عليه مسيحي حقيقي واحد يعيش في العالم ... ألا وهو يسوع المسيح إبن الله مخلص البشرية ... انجيل واحد .. معمودية واحدة ... وذبيحة الاهية واحدة تضمنا جميعا الى جسد يسوع السري ، الذي يتمثل بكنيسة واحدة ، جامعة ومقدسة ورسولية ، فنعيش بالمحبة والاخوة ونحقق رغبة يسوع في الوحدة المسيحية الحقيقية الشاملة لنبني معا ملكوت الله على الأرض
أقبلي صلواتنا وطلباتنا يا مريم ملتمسين منك الشفاعة عند أبنك الإله الذي مات لأجل خلاصنا ، إنك عظيمة عند الرب


 




222
تجلي المسيح دعوة لنا للتجلي ( ܓܠܝܵܢܐܵ )
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( أن الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله ) " رو 19:8"
التجلي يعني التغيُر ، أي يتبدل شكل المتجلي إلى حالة أفضل وأوضح . الجسد يحجب الحقيقة المخفية في الأنسان . أختار يسوع قمة جبل طابور العالية لتصبح أفضل مرصد ينظرون تلاميذه إلى الفضاء . من تلك القمة حصل اللقاء بينهم وبين كائنات سماوية أتت من عالم الفضاء الخارجي لتتحدث مع يسوع أمام التلاميذ ، فتجلي يسوع على تلك القمة يعني كشف لاهوته المخفي في ناسوته ، فأثبت لتلاميذه أنه إله مخفي في الجسد الذي سيتحرر منه بعد موته على الصليب بقيامته من بين الأموات . بتجليه على الجبل أعطى لهم درساً مهماً لكي لا يصبح صلبه عثرة لهم . ومن هنا نلتمس العلاقة بين التجلي وبيوم الآلام وذلك عندما أخذ النعاس التلاميذ الثلاثة في الجسمانية عندما كان يسوع يصلي للآب في ساعته الأخيرة كيف نال منهم النعاس ، وهنا أيضاً أثقلهم النعاس ويستلمون للنوم ويحرمون أنفسهم من رؤية ذلك المشهد العظيم . كان المنظر  صورةً حية للملكوت على الأرض ، حضر الثالوث والأنبياء العظام بوجود التلاميذ المختارين الثلاثة ، وهكذا نحن أيضاً ننام في حضرة الرب عندما يتجلى لنا بروحه القدوس عندما يهبط من السماء على مذبح الكنيسة في سر الأفخارستيا أمام أعيننا
التاريخ يحمل لنا قصص عن التجلي ، كتجلي الله لموسى على جبل سيناء كلهيب نار في وسط العليقة ( خر 2:3 ) ولأيليا في جبل حوريب في صوت منخفض هامس  (1 مل 19) لكن هناك أختلاف ما بين تجلي جبل طابور والتجليات السابقة ، وذلك لظهور أمور مدهشة وثلاثية ، والرقم ثلاثة يرمز إلى الكمال ، هناك ظهر الثالوث الأقدس بشكل مرئي ومسموع ، فالآب من خلال الصوت المسموع ، والأبن المتجلي إلى حيقته ، والروح القدس في الغمام المنير . أصبحا الثلاثة حقيقة واحدة مع يسوع ، فالثلاثة أصبحوا واحداً ، لهذا كتب ( لم يروا يسوع إلا وحده ) كما كان الثالوث كاملاً في يوم خروج يسوع من نهر الأردن بعد العماد  ، لكن هنا المنظر أوضح بوجود شهود من السماء " النبيين " ومن الأرض " التلاميذ " . كذلك نجد أكتمال العدد ثلاثة بحضور ( موسى وأيليا والمسيح ) هؤلاء الثلاثة يمثلون ثلاث عهود أيضاً (الشريعة – الأنبياء – النعمة ) ، والمضال المزمع نصبها ثلاثة ، والتلاميذ أيضاً ثلاثة لكي يشهدوا مشاهدين وشهود عيان لعظمة يسوع المتجلي على الجبل المقدس .
على الجبل ( أشع وجهه كالشمس ، وتلألأت ثيابه كالنور ) هنا تم أكتشاف الغير المنظور في المسيح من خلال جسده المنظور ، كذلك تجلى الروح القدس على شكل غمام ، أما في العنصرة فتجلى على شكل ألسنة كأنها من نار ، كعلامة منظورة ، وكذلك سماعهم لصوت ريح شديدة كعلامة مسموعة . أما الآب فتجلى بشكل محسوس بالصوت المسوع من قبل التلاميذ عندما قال ( هذا هو أبني الحبيب ، فله اسمعوا ) .
تجلى يسوع على شكل نور ، لأنه نور من نور ، والنور لم يأتي إلى يسوع من الخارج ، كما أتى لموسى من الله فصار وجهه يضىء عندما رآه الشعب . نور المسيح برز من داخل أعماقه ، أي من ذاته ، فوجهه لم يضاء كموسى فقط ، بل كان يشع ، وحتى ثيابه تلألأت ، أي أن نور المسيح خاص ، ووجهه عكس حقيقة مجده الخاص ، وليس مجد الله فحسب كموسى ( طالع 2 قور 13:3 ) .
على الجبل جدد يسوع صورة الجمال الأرضي بالجمال السماوي . نحن المؤمنين به مدعوين إلى أن نعكس صورة مجد يسوع بوجوهنا وسيرتنا وطهارتنا أمام العالم . فإذا كان المسيح الأنسان هو المرآة التي فيها شاهدنا المجد الألهي ، هكذا يجب أن نكون نحن ايضاً المرآة التي تعكس صورة المسيح الحقيقية للعالم ، فلا يجوز أن نشّوه صورة المسيح في سيرتنا فنصبح كأبناء هذا العالم ، بل أن نتجلى أمامهم بصورتنا المسيحية الحقيقة ، قال الرسول ( ولا تشاكلوا هذا الدهر ، بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ) " رو 2:1"
الأنسان هو صورة الله ، والله خلقه على صورته ، فالخليقة كلها تنظر مشاهدة صورة تجلي أبناء الله الحقيقية " روم 19:8" .
في الأزمنة الأخيرة يجب أن نتغيّر لنظهر صورتنا الكاملة بقوة المسيح كما تغيرت صورته على الجبل ، وهذا ما قاله الرسول بولس فكتب ( الذي سيتغيّر هيئة جسدنا الوضيع فيجعله على صورة جسده المجيد ) " فيل 21:3" .
في الختام نتأمل بالروح وكأننا على جبل التجلي مع الرسل ونحن نشاهد وجه يسوع المشع وثيابه البضاء المتلألأة لكي تنغرس فينا الوقائع التي حدثت هناك عندما التقى السماويين مع الأرضيين ، وعندما ننزل بأفكارنا من الجبل المقدس ، نطالع كلمات الرسول بطرس الذي شاهد وسمع وشهد للتجلي ، فيقول لنا في رسالته الثانية 1: 16-19
( وقد أطلعناكم على قدرة ربنا يسوع المسيح وعلى مجيئه ، ولم يكن ذلك منا أتباعاً لخرافات مصطنعة ، بل لأننا عاينا جلاله . فقد نال من الله ابيه إكراماً ، إذ جاءه من المجد صوت يقول : ( هذا هو أبني الحبيب عنه رضيت ) وذاك الصوت قد سمعناه آتياً من السماء ، إذ كنا معه على الجبل المقدس ) .
 



223
سر وحدتنا معاً في المسيح
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي ) ” يو 21:17″ ..
نقرأ في العهد القدييم بأن الله أنزل لشعب أسرائيل المن في صحراء سيناء لكي يتناولوا من كل يوم بدلاً من الطعام المألوف ، فكان المن هو خبزهم اليومي . كان ذلك المن رمزاً للخبز الذي سينزل من السماء لبني العهد الجديد ، والذي هو جسد ودم المسيح . لهذا قال ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) ” يو 54:6″ . يسوع هو كلمة الله الذي نزل من السماء إلى الأرض ، فكيف يستطيع أن يعطي جسده ودمه لكل الأجيال لكي يستطيع أن يتحد بكل مؤمن به ليصبح مع كل منهم جسداً واحداً موحداً ! نقرأ في الأنجيل المقدس بأن يسوع في الليلة التي سلّمَ ذاته طوعاً أحتفل مع تلاميذه الأطهار أحتفالاً فريداً وأسس لهم في تلك الليلة سراً جديداً وهو سر الأفخارستيا ، حيث أخذ خبزاً وشكر وبارك وكسر ، ثم ناول التلاميذ قائلاً خذوا فكلوا هذا هو جسدي ، وهكذا فعل مع الكأس الذي بسبب قوله هذا هو دمي تحول إلى دمه الحقيقي ، أنه أعظم حب هو أن يبذل ذاته من أجل خلاصهم ، ويقدم ذاته طعاماً أبدياً لكل المؤمنين به عبر الأجيال بعد أن أعطى التفويض للتلاميذ وخلفائهم لعمل ما عمله لكي يعطى لكل الأجيال ما أعطى لهم فيستمر تجسد المسيح في كل الأزمان فينل ذلك الخبز السماوي ليتجسد على مذبح الكنائس في الخبز والخمر بقوة الروح القدس الذي يطلب نزوله كاهن الرعية بأيمان صادق وبحضور المؤمنين فيتحول إلى جسد ودم المسيح الحقيقي وبدون أدنى شك ليتناوله المستحقين فيكون قريباً منهم ، بل يمتزج جسده ودمه معهم لكي يصبح مع كل منهم واحداً ويغفر خطاياهم . إذاً نقول : أن الأفخارستيا بذرة الخلود الأبدي تدخل في الأنسان لكي تحييه ، وهي ستقيمه من بين الأموات بما أن المسيح هو فينا بجسده ودمه ، هكذا قد أخبأ فينا الحياة بفضل جسده ودمه ، وقد طمرها مثل بذرة خلود تطهرنا من كل فساد فينا الآن , وبأنتظار القيامة تمارس الأفخارستيا منذ حياتنا الحاضرة في يسوع الذي يتلقاها قوة الخلاص ، قدرة حضوره في المؤمن لا تقتصر للقضاء على الموت الأبدي فحسب ، بل تطرد أوهامنا وشكوكنا وضعفنا وعدم ثقتنا بالخلاص فيخمد شريعة الجسد التي تعذبنا بضراوة ، ويحرك محبتنا نحو الله ويكبح ضعفنا وتجاربنا ، بل لا يحاسبنا على خطايانا التي قد أرتكبناها ، بل يعتني بنا إلى أن نلتقي به في السماء ، و جريح مثل السامري خير دليل لهذا الهدف . ألتقى مع تلميذي عماوس ، ومن بعدها أتحد بهم بعد أن كسر خبز الحياة وناولهم وبعدها لا داعي لبقائه أمام أنظارهم ( أختفى عن أعينهما ) ” لو 31:24 ” . وهذا لا يعني بأنه فارقهما ، لأن أدراكنا ليسوع وأختفائه عن أنظارنا هما الحدث ذاته ، لماذا ؟ لأننا يحب أن ندرك بأن الرب يسوع يعيش فينا عندما نتناوله في القربان المقدس . هكذا أعطى لنا روح الحب الذي يملكه ، فإذا لم نراه بأعيننا ، كما غاب عن تلميذي عماوس ، لكنه صاحبهم بالروح لكي يعودوا إلى أورشليم التي هي مركز الأيمان التي تركوها بسبب فقدانهم الأيمان بعد موته . هكذا يصاحبنا نحن أيضاً ، فلنؤمن بذلك ونقول مع الرسول ، لسنا نحن أحياء بعد ، بل المسيح هو الذي يحيا فينا ” غل 20:2 ” .
إذاً عندما نجتمع حول مائدة الأفخارستيا التي تعد على المذبح ونتناول من نفس الخبز ونشرب من نفس الكأس ، نقول ( هذا هو جسد ودم المسيح ) فيصبه المسيح الحي بيننا ويتجسد فينا ، أنه هو الذي دعانا للوليمة السماوية ، فإيماننا به لا يقتصر على أنه أبن الله الذي جاء في الماضي ، بل هو مسيح اليوم ، يعيش فينا ومن خلالنا يكمل خدمته الألهية لغيرنا . هذه المعرفة الروحية بالمسيح الذي يعيش فينا هي التي تسمح لنا أن نثبت تماماً سر تجسد أبن الله وموته وقيامته كما دونت في الكتب . وهو المسيح الذي فينا ، هو الذي يكشف لنا المسيح في التاريخ .

فالأفخارستيا هي التي تجمعنا معاً في مكان واحد لتوحدنا في جسد المسيح الواحد وتؤكد لنا بأن المسيح أصبح يعيش في وسطنا وفينا ، وهكذا نميزه نحن أيضاً كما ميزوه التلميذان . كما يصبح هو سبب في وحدتنا فنصبح جسداً واحداً كما يقول مار بولس ( فلما كان هناك خبز واحد ، فنحن على كثرتنا جسد واحد ، لأننا نشترك كلنا في هذا الخبز الواحد ) ” 1 قور 17:10 ” . الأفخارستيا إذاً هي التي تخاق الوحدة ، ونحن اللذين تلقينا جسد ودم الرب نجد أتحاداً جديداً فيما بيننا ، ويسوع يدعونا إلى أن نكون جسد الجماعة الواحد المتوحد به ، وبهذا العمل يشهد حضور المسيح في العالم . والأفخارستيا هو أعظم حدث يحدث في العالم كل يوم . ليتبارك أسم الرب.

224
مواقف مشتركة بين إيليا والمسيح وبعض الأنبياء
بقلم/ وردا أسحاق قلّو
إيليا من الأنبياء الكبار ، ظهر قبل المسيح بتسعة أجيال . أليهود يعتبرونه نبياً عظيماً في قدراته المعجزية وبتحديه لسلطات زمانه ، كما ينتظرون عودته ليمهد الطريق أمام المسيح المنتظر ، لهذا سألوا يوحنا المعمدان الذي كان يعد الناس ويرشدهم إلى التوبة ، فقالوا له ( ... إيليا أنت ؟ ) . أما الشعب المسيحي فيعتبره بطلاً من أبطال العهد القديم لأنه دافع عن الله بجرأة وكان صلباً قي مواقفه لمواجهة التحديات من أجل إبراز الحق والعدل والعودة من عبادة الأصنام إلى عبادة الله الخالق .
كان إيليا صوتاً صارخاً في ظلمات عصره لهذا تكرمه الكنائس الرسولية بتسمية كنائس وأديرة بأسمه وتلمس منه الشفاعة وتعتبره رجل الإيمان والمعجزات والعمل الدؤوب
إيليا ويسوع :
بعد هذه المقدمة القصيرة نبحث عن نقاط التلاقي بينه وبين يسوع المسيح فنجد بأن يسوع له المجد قد صام أربعين يوماً وأربعين ليلة في الصحراء قبل الشروع ببشارة الأنجيل والذي بدأها بأختيار أثني عشر تلميذاً . الحياة في الصحراء تعني الأستعداد للدخول في مرحلة حياتية جديدة ، أو إلى أرض جديدة كالشعب العبري . هكذا صام إيليا كالمسيح بعد أن تناول طعاماً خاصاً من يد الملاك ثم انطلق في سفر طال أربعين يوماً وأربعين ليلة .
المسيح قدم نفس ذبيحة على الصليب من أجي خلاص العالم .
أما أيليا فقدم ذبيحته على جبل الكرمل على مذبح بناه على أثتي عشر حجراً والتي كانت ترمز إلى أسباط بني إسرائيل .
المسيح جاء لخدمة كل البشر وليس لخراف يهود الضالة فقط . كذلك تلميذ إيليا شُفيّ نعمان السرياني من البرص بهذا يؤكد بأن الخدمة يجب أن لا تقتصر باليهود فحسب ، بل لكل البشر .
يسوع بقي وحده في بستان الزيتون بعد أن هرب تلاميذه ، وقبل هروبهم  صلى إلى أبيه السماوي لكي يرفع عنه الكأس . كذلك فعل إيليا عندما قدم شكواه إلى الله ، قائلاً  ( ... لقد قتلوا أنبيائك وهدموا مذابحك ، وبقيتُ أنا وحدي وهم يريدون قتلي ... ) " رو 2:11" .
 ركع كذلك على ركبتيه على جبل الكرمل متضرعاً إلى الله لكي يقبل ذبيحته داحضاً مزاعم كهنة البعل فاستجاب الله له . أما ذبيح المسيح فكانت على جبل الجلجلة .
يسوع لم يُقبَل في بلدته الناصرة كنبي ، كذلك إيليا لم يكرم في بلدته فذهب إلى الصرفة التابعة لصيدون وهناك أحيا إبن الأرملة " 1 مل 22:17" . من هنا تكمن أهمية البحث في واقعة مماثلة في الأنجيل لنقرأ قصة أحياء يسوع أبن الأرملة في نائين .
في بستان الزيتون جاء ملاكاً ليعزي يسوع في نزاعه الأخير ويشجعهُ . كذلك تراءى الملاك لأيليا في الصحراء فشجعه وحرره من اليأس الذي استولى عليه .
المسيح أرتفع إلى السماء أمام أنظار تلاميذه بجسده ، وبعدها أرسل لهم روحه القدوس واستقر على تلاميذه في يوم العنصرة فانطلقوا للبشارة . كذلك أرتفع أيليا إلى السماء أمام أنظار تلميذه إليشاع واستقر روحه على إليشاع لينطلق لأتمام رسالته ، كما هناك نقاط ألتقاء بين حياة إيليا وإليشاع
أيليا وموسى :
هرب إيليا من وجه إيزابيل الملكة ، كذلك هرب موسى من فرعون مصر . صام الأثنان أربعين يوماً وأربعين ليلة وأنتهى هرب الأثنين على جبل حوريب المسمى ب ( جبل سيناء ) هناك التقى موسى مع الله أمام عليقة مشتعلة ، وبعدها أستلم منه لوحي الوصايا . اما أيليا فقد أستلم الوصية من الله بعد حديث منخفض بينهما وفي جَوٍّ من الريح والزلزلة والنار أيضاً ، ثم أمره الله بأن يذهب ويمسح ياهو ملكاً على بني أسرائيل ، وحزقيال ملكاً على آرام ، وتلميذه إليشاع نبياً . هكذا تم تسليم موسى رسالة إلى الشعب العبراني ليصبح هو قائده ، وإيليا أيضاً أنجز المهمة التي كلفَهُ بها الله .
قبل إنطلاق إيليا في سفره قدَمَ لهُ الملاك طعاماً سماوياً خاصاً . كذلك في صحراء سيناء أطعم الله الشعب اليهودي ألمن والسلوى . والطعامان المقدمان لأيليا ولشعب موسى يرمزان إلى الخبز السماوي الحي الذي يتناواه المؤمنون بالمسيح في العهد الجديد في القداس الإلهي والذي هو قوتاً روحياً يحيى به كل مؤمن يستحق تناوله .
سار إيليا أربعين يوماً ، كذلك قضى الشعب العبري مع موسى أربعين سنة في الصحراء قبل دخوله إلى أرض الميعاد بدون موسى .
أيليا ويوحنا المعمذان :
عاش يوحنا حياة إيليا في الفقر والنسك والتجرد وإعداد الشعب إلى التوبة ، فكانت حياته مشابهة لأيليا لهذا ظن اليهود أنه النبي إيليا المنتظر الذي يعد لهم الطريق لمجىء المسيح بعد أن طال إنتظارهم وشوقهم لكي يخلصهم من المستعمرين ، أجل رسالة يوحنا مماثلة لرسالة إيليا ، وحياتهم متشابهة .
إيليا دعى إلى التوبى والبر والعدالة والتخلي عن عبادة الأصنام . أما يوحنا فكان يعدهم إلى التوبة لأن ملكوت الله قريب . أحاب وزوجته إيزابيل حاولوا إنهاء حياة إيليا والنخلص منه ، أما يوحنا فقد تم إنهاء حياته بسبب قسوة هيرودس الملك وهيروديا لأن يوحنا كان يوبخهما علناً على سلوكهما . شن إيليا حرباً على كهنة البعل ، كذلك يوحنا سن حرباً كلامية على الفريسيين والكتبة لسوء تصرفهم وإلتزامهم بقشور الإيمان دون الألباب .
إيليا كان يتمنطق بالجلد ، وقوته كان ما تقدمه إليه الغربان على ضفة نهر كريت . أما يوحنا فكان يلبس الجلود أيضاً ، أما قوته فكان جراد وعسل البرية .
إيليا رد قلب الآباء على البنين ، ويوحنا عُرف أيضاً بذلك .
 وأخيراً لم يعد إيليا لأكمال ما كان يعتقد الأقدمون بشكل مباشر ، بل عاد بروحه التي تجلت غيرةً وأندفاعاً في يوحنا المعمذان ، ثم تجلت كمالاً في السيد المسيح حتى أن كل من يسير بوحي هذه الروح يستحق أن يكون قريباً من الله كما كان لأيليا الذي تجلى مع موسى ويسوع على جبل التجلي .
ولربنا يسوع كل المجد


225
أيليا  لم ينتقل إلى السماء حياً

بقلم / وردا أسحاق قلّو
http://www.m5zn.com/newuploads/2019/07/16/jpg//m5zn_5e0022097ad689c.jpg
( ما أعظم مجدك يا أيليا بعجائبك ، ومن له فخر كفخرك ؟ أنت الذي أقمت ميتاً من بين
الأموات ، وأهبطت الملوك إلى الهلاك ، وبكلام الرب أغلقت السماء ، وأنزلت النار ثلاث مرات )
” سير 48:  4-6″
أيليا هو أحد الأنبياء الكبار الذين آمنوا بالله الواحد الأزلي . ظهر في القرن التاسع ق. م . في مطلع شبابه وإلى يوم أنتقاله عاش حياة النسك والزهد والتقشف مكرساً حياته للصلاة والتأمل . ولد في قرية " تشّبه " لهذا يدعى بأيليا التشّبي ، لكنه عاش في جلعاد ” 1 مل 1:17″ .
أسمه الحقيقي ( بريشوع ) لكن بعد قيامه بتقديم المحرقة على جبل الكرمل ، نال رضى الله والشعب الذي كان حاضراً فأنحاز إليه تاركين عبادة البعل الذي شجعت عليه الملكة أيزابيل ، حينذاك تم تبجيله وتعظيمه فسمي ( أيليا ) أي ( الله هو الكائن والقدير ) . آمن به الشعب منذ ذلك اليوم بأنه نبي الله المقتدر
ما كان يمتلكه أيليا من هذه الدنيا ، قطعة من جلدٍ لف بها حقويه وفوقها عباءة مقلمة . كان هدفه الأول الأتقاد غيرّة من شريعة الله . أما الشعار الذي أتخذه في حياته فكان ( غيرّة بيتك أكلتني ) وهذه الغيرّة جلبت له القوّة والشجاعة والأندفاع لنقد سلوك الناس وحتى الحُكام والملوك ، وبسبب تهديداتهم أنتقل إلى ضفاف نهر كريت هرباً من المتربصين به شراً ، وكانت الغربان تأتيه بالقوت الكافي لحاجته ، وظل هناك إلى أن جفت مياه النهر ، فأمره الرب بالأنتقال إلى صرفت صيدا في لبنان فسكن في بيت أرملة خاطئة وأجرى هناك أعجوبتين ، هي زيادة الدقيق والزيت ، وأحياء أبن الأرملة الميّت .
بعد علِم الملكة أيزابيل بما حل بكهان البعل بعد المحرقة فقد غضبت جداً فهددته بالموت قتلاً ثأراً لكهنتها . فأنتابه الخوف الشديد فهرب إلى جنوب بئر سبِع طالباً من الله أن يأخذه إليه لأن حياته أصبحت في خطر ، فأرسل أليه ملاكاً يشجعه ويقوّيه واعداً أياه بالحفاظ عليه من كل سوء ، ثم قدم له طعاماً خاصاً لم يذق مثيلاً له . كما زَوَدَهُ بالماء وألحَّ عليه أن يأكل كثيراً لأن سفراً طويلاً ينتظره . إنصاع إلى توجيهات الرب وأكل مما قُدِمَ له الملاك ، ثم انطلق في سفرٍ دام أربعين يوماً إلى أن وصل إلى جبل سيناء . لم نتناول تفاصيل حياته الطويلة ، بل نختصر ونقول ، إنه كان صوتاً صارخاً في برية هذا العالم . بل صوت الحق في دنيا البُطلِ ، يرد قلب الآباء إلى أبنائهم . لم يساوم على الحق أبداً . قضى عمره متنقلاً يُلَبي صوت الضمير ، صوت الله الصارخ في داخله ، لهذا لم يعِش لذاته ولم يبلغ من دنياه مجداً زائفاً ، بل عاش لربه  .
بعد هذه المقدمة عن حياته ، ندخل في قصة أنتقاله العجيب الغامض إلى السماء  بعد أن كان برفقه تلميذه النبي أليشاع . وفيما كانا يتحدثان إذا مركبة نارية وخيلٍ نارية قد قد فصلت بين الأثنين ، فطلع إيليا في العاصفة نحو السماء ، أما إليشاع فكان ينتظر إليه صارخاً ( يا أبي ، يا أبي ، يا مركبةِ أسرائيل وفرسانه ) ثم لم يره بعد .
أخنوخ وإيليا ظل أنتقالهما سراً مكتوماً يحتاج إلى تأمل ودراسة للوصول إلى حقيقة موتهما . الكثيرين يعتقدون بأنهما أنتقلا إلى السماء بأجسادهما . فهل يجوز ذلك ، ألا يتناقض ذلك تعليم الكتاب المقدس ؟ الآن سندقق في قصة أنتقال إيليا فنقول : الكثيرون يعتقدون بأنه أنتقل إلى السماء حياً بجسده في عربة نارية . عندما ندقق ملياً بالأمر فلا نستطيع الوصول إلى دليل قاطع يثبت بانه أنتقل إلى السماء بالمركبة ، بل إنه صعِدَ إلى السماء فقط . فهل المركبة النارية أحرقت جسده وحولته إلى رماد ، أو هل روح الرب حمل جسده ورماه على أحد الجبال أو في أحد الأودية ؟ ( طالع 2 مل2: 15-17 ) .
لنفرض أن لا ذكر لموت إيليا في العهد القديم ، فهل يعقل أن يكون قد انتقل غلى السماء حياً بنفسه وجسده ؟ أم هل يعقل أن يبقى حياً في هذا الكون مختفياً في مكان ما ؟ الأحتمالان مرفوضان كتابياً ومنطقياً ! إذاً إيليا مات بطريقة خفية وأنتقل بالروح إلى ربه ، لكن يشوع بن سيراخ كشف لنا السر وحسم الموقف المتأرجح وفيه نجد جواباً شافياً ، قال ( … وقام إيليا كالنار وتوقد كلامه كالمشعل ، بعث عليهم الجوع ، وبغيرته ردّهُم نفراً قليلاً ز أغلق السماء بكلام الرب وأنزل منها ناراً ثلاث مرات . ما أعظم مجدك يا إيليا بعجائبك ومن له فخر كفخرك … وخطفت في عاصفة من النار وفي مركبة من خيل نارية … ولم يستولِ عليه أحد . لم يغلبه كلام رقاد الموت جسده تنبأ . صنع في حياته الآيات وبعد موته الأعمال العجيبة ) ” سير 48: 1-15 ” . إذاً إيليا قد مات .
صعود الإنسان إلى السماء بجسده يتناقض تعليم الكتاب لأن أجسادنا يقول الرسول ( لا يسعها أن ترث ملكوت الله ، كما لا يمكن للمنحل أن يرث غير المنحل ) ” 1 قور 50:15 ” .كما قال بولس ( إنه سيغّير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ) ” في 21:23″ . كما إنه لا أحد صعد إلى السماء بجسده إلا المسيح وحسب قوله ( وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، إبن الإنسان الذي هو في السماء ) ” يو 13:3″ فالمسيح صعد إلى السماء بجسده أمام أنظار تلاميذه . كما نقول ، لا يجوز لأي إنسان أن يدخل السماء بعد الخطيئة لأن باب السماء ظل مغلقاً ومفتاح الدخول إلى السماء هو صليب المسيح الذي عليه دفع المسيح ثمن الخطيئة , إذاً لا بد لأخنوخ وإيليا أن يموتا أولاً جسدياً وينتظران موت الرب وقيامته وصعوده إلى السماء ليكون هو بكر الصاعدين . إذاً نفهم من هذا بأن إيليا صعد إلى ربه بالروح ، والرب أخفى جسده كما أخفى جسد موسى . ولماذا أخفى الله أجساد هذين النبيين العظيمين ؟ الجواب لأن الشعب اليهودي آمنوا بقدرتهم فكانا عظيمين في عيون الشعب العبري ، فلكي لا يبقوا ملتصقين بهم بعد الموت ، أراد الله أن يخفي أجسادهم لكي لا يقوم الشعب بتكريمهما أو تحويل مراقدهما إلى شُبه معابد للآلهة فيصرفون الفكر والعبادة نحو الله الخالق وكما تفعل بعض الأديان لأوليائها فيكرمون مراقدهم بزيارتها وتكريمها إلى حد العبادة أكثر من عبادتهم لله .
العربة النارية فصلت بين إيليا وإليشاع ، وهذا لا يعني أن إيليا صعد بالعربة إلى السماء . الشعب لم يقتنع بصعود جسد إيليا إلى السماء فلم يقتنع بكلام إليشاع الذي أوصاهم بعدم البحث عليه ، بل ؟ يقول الكتاب ، أن خمسين رجلاً بحثوا ثلاثة أيام عنه على غير طائل ، بل ظلوا يقولون كيف مات ، وأين هو ؟ والجواب بقيّ خفياً عليهم .
في كنائسنا الشرقية فقط يقولون عنه إيليا الحي لأيمانهم الخاطىء بأنه ما يزال حياً مستندين إلى الطريقة التي اختطف فيها ، إضافة إلى العجائب التي توالت على يديه حياً وميتاً . أما كنائس الغرب فلا يلفظون كلمة ( الحي ) . اليهود أنتظروا عودة إيليا لكونهم يؤمنون بأنه حي ، لهذا عندما شاهدوا يوحنا يعيش حياة إيليا الفقر والنسك والتجرد ضنوا إنه إيليا فسألوه ( أانت أيليا ؟ ) فقال ( لا ) . بل ظن البعض أن يسوع نفسه هو إيليا ” مت 14:16 ” .
  إيليا عاد لكن لا كما كانوا يظنون ، بل عاد بروحه التي تجلت غيرةً وإندفاعاً في يوحنا المعمدان ، ثم تجلت كمالاً في الرب يسوع حتى أن كل من سار بوحي هذه الروح استحق أن يكون قريباً من الله كما كان لأيليا الذي تجلى مع موسى ويسوع على جبل التجلي .” مت 17 ” .   
ليتمجد أسم الرب بأنبيائه وقديسيه

226
المسيح ليس ملاكاً ، بل خالق الملائكة والكون

بقلم / وردا أسحاق قلّو
( به كان كل شىء ، وبدونه ما كان شىء مما كان ) " يو 2:1"
الله أزلي بأقانيمه الثلاثة  ، وهو موجود قبل كل الوجود ، وبكلمة منه خلق الملائكة لخدمته ، ووضع لهم رتب وأسماء وواجبات ، ولهولاء الخلائق أدوار منذ لحظة وجودها كخدام ووسطاء ، لكن المسيح كأقنوم ثاني هو الأسمى من كل تلك المخلوقات الروحية ، وهو الكلمة الإلهية ، به ينطق الله كلمته فيخلق كل شىء ، أو يأمر بحدوث أشياء ، فبه خلق السموات والأرض ، ومليارات الكواكب والنجوم ، وبغيره لم يتكون أي شىء مما تكون " يو 3:1" ومن تلك المخلوقات بني البشر ، خلقهم طاهرين على صورته ومثاله ، لكن الإنسان كسر وصايا الخالق فسقط في الخطيئة . أراد الله أن ينقذ الإنسان بواسطة أبنه الوحيد ، فأرسله إلى عالمنا ليفتديهم بذبيحة طاهرة لا عيب فيها على صليب الجلجلة . بتسجده أنتزع دور الوساطة من الملائكة الذين كانوا يمتلكون أدواراً في الرئاسة والسلطة ، لهذا يقول الرسول ( وإذ نزع سلاح الرئاسات والسلطات ، فضحهم جهاراً فيه ، وساقهم في موكبه ظافراً عليهم ) " قول 15:2" . إذاً بعد أنتصار المسيح على أقوى سلاح للعدو وهو الموت ، فبقيامته أخضع كل الملائكة لسلطته وأخضعهم تحت أمرته . كان لليهود معتقدات منحرفة حول التعبد للملائكة نددها الرسول بولس في رسالته إلى أهل قولوسي ، فقال (ولا يحرِمنّكم أحد إياها رغبة منه في التواضع وفي عبادةِ الملائكة ..) " قول 18:2" أجل لفهم موضوع دور الملائكة لم يكن سهلاً في بداية المسيحية بسبب الأفكار اليهودية الموروثة . الله كلم أبناء العهد القديم مراراً فكشف لهم في كل مرة عن جزء من الحقيقة ، حتى جاء العهد الجديد ليكشف لنا عن تمام الحقيقة . لهذا وضّح لنا صاحب الرسالة إلى العبرانين الفرق بين المسيح الممجد ، وبين الملائكة فيعقد في شرحه مقارنات بين المسيح والملائكة نقرأها بوضوح في الرسالة إلى العبرانيين 1: 2-4"  فيقول الله ( جعله وارثاً لكل شىء وبه أنشأ العالمين . هو شعاع مجده وصورة جوهره ، يحفظ كل شىءٍ بقوةِ كلامِه ، ولما طهر العالم من الخطايا ، جلس عن يمين ذي الجلال ِ في العلى ، فكان أعظم من الملائكة بمقدار ما للأسمِ الذي ورثه من فضلٍ على أسمائهم ) وقال أيضاَ ( ولتسجد له جميع ملائكة الله ) " عب 6:1 " فكيف يظنون شهود يهوه أن المسيح هو رئيس الملائكة ؟ وكيف يسجد له إذاً ؟ أليس السجود هو لله وحده ؟ إنه الله الظاهر في الجسد . ولمن من الملائكة قال الله له يوماً ( إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءَكَ موطئاً لقدميك ) " مز 1:99 " وهل لله يمين ويسار ؟ طبعاً لا ، أليس بهذا نحدد الله الذي يملاً الكون كله ؟ إذاً الآية هذه تعطف إلى آيات أخرى لنفهم الغاية . ، ومنها وصف يسوع علاقته الحقيقية مع الآب فيقول ( أنا والآب واحد ) " يو 30:10" أو قوله ( أنا في الآب والآب فيّ ) " يو 14: 10-11"  .فالمقصود في يمين الله لا يعني كونهما متجاورين ، بل متحدين في واحد . لاهوتياً يعني بيمين الله "قوته "، لأن اليمين رمز العظمة والقوة . وهكذا نعري إدعاء ( شهود يهوه ) ونقول بأن المسيح ليس رئيس الملائكة ، بل الإله الذي يسجد له كل الملائكة ويخدموه  . الله رفعه ليكون رئيساً ومخلصاً فأعطاه أسماً فوق كل أسم لكي تجثو ليسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع هو رب لمجد الله الآب " في 2: 9-11" .

يقول الكتاب المقدس أن الملائكة ليسوا إلا أرواحاً خادمة ترسل لخدمة الذين سيرثون الخلاص . ومن هنا نفهم سمو يسوع على الملائكة يستند إلى استشهادات عديدة من التورات ، وهذا يعني أن النظريات المعاصرة عن هذا الموضوع ارتبطت بالفكر اليهودي ، لهذا نددها بولس الرسول في رسالته إلى أهل قولوسي . في العهد الجديد تتوضح الصورة جيداً لكي تبرز العلاقة بين المسيح وملائكته بأنها علاقة أساسية برزها يوحنا من بداية سفر الرؤيا بأنهم خدام المسيح ، فيقول ( هذه رؤيا أعطاها الله ليسوع المسيح ، ليكشف لعبيده عن أمور لا بد أن تحدث عن قريب . وأعلنها المسيح لعبده يوحنا عن طريق ملاك أرسله لذلك ) " رؤ 1:1" . ومن الآيات التي تلي هذه الآية نفهم بأن يسوع هو المسيطر ، وهو الذي يمسك بكل الأمور بيده وكما تقول الآية ( فإبن الإنسان يمسك في يده اليمنى الكواكب السبعة ) " رؤ 16:1 " والكواكب السبعة هي الملائكة " طالع رؤ 20:1" وبما أن الملائكة السبعة والرقم (7) يرمز إلى الكمال ، أي يشمل كل الملائكة ، فهم إذاً جميعاً بيد المسيح وهو يسود عليهم ، وهم يطيعون سلطانه لا كرئيس الملائكة كما يدعون جماعة شهود يهوه ، بل كخالق وسيد وإله له سلطان عليهم .

أسفار العهد الجديد لا تتعارض فيما بينها ، فكل ما كتبه يوحنا يتفق مع كل كتابات بولس وغيره ، وكل تلك الكتابات تهتم بالتعمق بالإيمان القويم حول كون المسيح هو الرب وإله ومخلص وأقنوم ثاني لله رغم التيارات الفلسفية التي كانت موجودة في الحضارة الهلنستية ، أو في الديانة اليهودية ، فالأعتقاد بالملائكة كوسطاء بين الله والعالم كان موضوعاً مشتركاً بين العالم اليهودي والهيلنستي ، وأنتقل إلى المسيحية الأولى عن طريق اليهود الذين آمنوا بالمسيح ، والمسيحية وضعت لإيمانها بهذا الموضوع أسس جديدة ليؤمن بها كل مسيحي بأن المسيح هو أكبر من كل الخلائق ، بل إلهها وخالقها .

ليتمجد أسم الرب يسوع إلى أبد الآبدين   


227
لاهوت الروح القدس وآراء شهود يهوه
بقلم / وردا أسحاق قلّو
الروح القدس بحسب إيماننا المسيحي هو الأقنوم الثالث في ذات الله ، وقد وضع في الترتيب الثالث بعد الآب والأبن ، لكن هذا لا يعني بأنه أقل شأناً وأهمية ، لأنه روح الله ، لهذا يقول الرسول ( ولا تحزنوا روح الله ، الروح القدس الذي به ختمتم ليوم الفداء ) " أف 30:4 " . ، بل هو الله ، لأن الله روح ( الله روح ، فلذلك لا بد لعابديه من أن يعبدوه بالروح وبالحق ) " يو 24:4" فعندما نقول الروح القدس نعني به الأقانيم الثلاثة ، لهذا نقرأ قول الرسول بطرس لحننيا وسفيرة ( إن الكذب على الروح القدس معناه الكذب على الله ) " أع 5 " . إنه روح السيد الرب " أش 1:61" . إذاً هو الله ، وهو روح الله الآب ، وكذلك هو روح أبنه يسوع ، لهذا تقول الآية  ( ... أرسل الله إلى قلوبنا روح إبنه .. ) " غل 6:4 " الروح القدس هو واحد مع الآب والأبن ، وليسوا ثلاث آلهة  ، وبحسب قول الرب يسوع ( تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) " مت 19:28" لم يقل بأسماء ، بل باسم ، لأن الثلاثة هم في وحدة أزلية دائمة . كما أن اللاهوت يعلمنا بأن الروح القدس هو الخالق والمحي ، وأشترك منذ البدء " الأزل " مع الآب والأبن في خلق الكون كله ، لهذا يقول المزمر ( ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض ) " مز 30:104 " ونحن المؤمنين نصفه عندما نعلن إيماننا بأنه أقنوم الحياة ، فنقول ( الرب المحي ) والموجود في الكون كله ، لهذا يقول داود الملك مخاطباً الله ( أين أذهب من روحك ... إن صعدت إلى السماء ، فأنت هناك ، وإن فرشت في الهاوية فها أنت ) " مز 7:139" والله هو الموجود في كل مكان ، هذا الروح يسكن في الأنسان المؤمن أيضاً ويكبته على الخطيئة ، كما يكشف له أسراراً ، ويفحص كل شىء  حتى أعماق الله " 1قور 10:2" وأسرار الله لا يعرفها أحد إلا روح الله " طالع الآية التالية . كما أن الروح يرشد الإنسان إلى الحق لهذا كتب يوحنا قائلاً ( ولكن ، عندما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كله ) " 13:16" . كما أن الروح القدس قادر على كل شىء ، لهذا وصفه أشعياء ب ( روح القوة ) " أش 2:11" . كما يمنح المؤمن المواهب ( 1قور 12 " وهو أيضاً ( روح النعمة ) " عب 29:10" و ( روح القداسة ) " رو 4:1" وكذلك هو روح الحكمة والمشورة والفهم ... الخ . بعد ان أعطينا التعريف اللائق بالروح القدس وأهميته وتناولنا صفاته الإلهية نبدأ بالرد على إدعاءات جماعة شهود يهوه الذين يعتقدون إنه ليس شخصاً ، بل مجرد قوة إلهية فعالة فينكرون بأن الله ثالوث فيؤمنون بأن ( يهوه ) واحد لا شريك له ومجرد من الأقانيم ، بينما الكتاب المقدس يثبت الثالوث الذي تؤمن به كل الطوائف المسيحية . الآيات التي ذكرناها وغيرها تثبت أن الروح القدس هو واحد من الأقانيم الثلاثة الإلهية ، يسكن فينا ويتكلم عنا ، كما قال الرب يسوع لتلاميذه ( لأن لستم أنتم المتكلمين ، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم ) " مت 20:10" كذلك يتكلم مع أبناء الكنيسة ويعلمهم ماذا يفعلون ، كما قال لأبناء الكنيسة في أنطاكيا ، قال لهم ( إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه ) " أع 3:13 " الروح القدس هو المعلم ، والمخبر ، والمدافع ، والمُعين ، والمرشد الذي يقود المؤمنين ، وهو الذي يفرز الرعاة الصالحين ( يو 14 ، 16 ، أع 28:20 ) كما أنه ( يشفع ويعزي ) " رو 26:8" . كل هذه الأدلة توضح كذبة إدعاء جماعة شهود يهوه .
الروح القدس هو الذي يعطي للمؤمنين الحرارة للعمل ، والله يريد أن نكون حارين في الإيمان كخدام لهيب نار ، لا نتوقف من العمل في وزنات المسيح كخدام لله الماثلين أمام عرشه في السماء ، وكما نعلم أن الحرارة توجد في الأنسان الحي ، وتغادره عندما يموت ، هكذا يجب أن ننمي حرارة الأيمان بالصلاة الحارة ، كذلك خدمتنا ينبغي أن تكون حارة نابعة من القلب ، ومحبتنا للآخرين وخاصة في موضوع التوبة والغفران . إلهنا حار كالنار ، بل ( إلهنا نار آكلة ) " عب 29:12" فعندما حل الروح القدس على التلاميذ في يوم العنصرة ، حل على شكل ألسنة كأنها من نار ، فألهب قلوبهم وأرواحهم للخدمة ، ومنحهم قوة ، وتحولوا جميعاً إلى شعلات من نار أنتشرت في المسكونة كلها فأشعل العالم بنار الكرازة ونورها . كل من تدخل نار الروح القدس في قلبه يلتهب من الداخل ليصبح حاراً في الروح . الله يلفظ الأيمان الفاتر ، لهذا قال لكنيسة لاودكية ( إني أوَبِخ وأؤدب من أحبه ، لذا كن حاراً وتب ! ) " رؤ 19:3 " .
ختاماً نقول هذه الأدلة تفند إدعاء جماعة شهود يهوه بأن الروح القدس ليس قوة الله فقط ، بل الكتاب المقدس يوضّح ويثبـت لنا وجوده و بأنه أقنوم ثالث ، والله أرسله بعد صعود يسوع لكي يبقى مع الكنيسة ويرشد أبنائها إلى طريق الحق ، وحسب الآية ( وأما متى جاء ذاك ، روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ) " يو 13 16 .
ليتمجد روح الله القدوس إلى الأبد.


228
شهود يهوه محترفون بتحريف الكتاب المقدس

بقلم / وردا أسحاق قلّو

في وحي الكتاب المقدس يقول الروح القدس بأن الكتاب المقدس كله موحى به من الله . لهذا يتذر الله الإنسان من تحريف ما جاء به الله للبشرية  وحسب للآية ( لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب : إن زاد أحد شيئاً على ما كتب فيه ، يزيد الله من البلايا التي ورد ذكرها ، وإن اسقط أحد شيئاً من أقوال كتاب النبءة هذا ، أسقط الله نصيبه من شجرة الحياة ومن المدينة المقدسة ، اللتين جاء ذكرهما في هذا الكتاب ) " رؤ 22: 18-19 " . إذاً يجب الحفظ على محتويات الكتاب كما هي ولا يجوز تغيير أو حذف أو زيادة في نصوص الآيات ، واللذين يترجمون الكتاب إلى لغة ما يجب أن يتقنوا اللغة العبرية واليونانية جيداً ، وكذلك اللغة المنقول إليها . إضافة إلى حصولهم على شهادات لاهوتية ليكونوا بالمستوى المطلوب من الدقة لتجنب الأخطاء . لكن جماعة شهود يهوه أرادوا الحصول على نسخة جديدة من الكتاب المقدس تتطابق مع تعليمهم فأبتدعوا لهم كتاباً جديداً تم ترجمته بمعرفة لجنة متكونة من خمس أعضاء في نيويورك ، أربعة منهم أكملوا الدراسة الأعدادية فقط ، وليس لديهم أي معرفة باللغات الأصلية التي كتب بها الكتاب المقدس ، بل أدعوا بأنهم يتقنونها ، فتشارلز ت . راسل مؤسس هذه الجماعة ، أدعى معرفته للغة اليونانية ، لكن تبين أمام المحكمة عدم معرفته بحروف الأبجدية اليونانية . كذلك فريدريك فرانس الذي كان أحد القادة الخمسة الذين اشتركوا في ترجمة الكتاب ، هو أيضاً إدعى إنه يعرف العبرية واليونانية بدون أن يبرز أي وثائق تثبت ذلك . وعندما وقف هو بنفسه أمام محكمة في اسكوتلاندا وحلف اليمين ، فشل في إمتحان بسيط لقراءة اللغة العبرية ، أما مستواه الثقافي فكان طالباً في السنة الثانية من الكلية وقد تم فصله منها ، وإدعى كذباً أنه حصل على منحة دراسية من مؤسسة ( رهوديس ) . ومن القادة الأولين ، جوزيف رذرفورد وناثان نور . أضاء هذه الزمرة المحترفة بالكذب والخداع صاروا شهوداً ليهوه . وهؤلاء ألفوا كتاباً جديداً و فسروه على هواهم بطريقة أنتزاع الآيات من نصوصها ووضعها في مكان غي مكانها لكي تخدم أهدافهم ، يفسرون الآيات لمقاصد لا يعنيها نص الآية ، أو أستخدام جزء من الآية أو النص . في عام 1961م قامت ( منظمة برج المراقبة ) بطبع الترجمة التابعة لهم تحت أسم :
   The New World Translation Of The Holy Scriptures
 وتسمى بالأختصار NWT
في هذه النسخة تم تحريف وتغيير نصوص كثيرة . رفضت منظمة برج المراقبة تدوين أسماء المترجمين ، لهذا فلا توجد أي جهة علمية تُصدق على صحة تلك الترجمة التي تحتوي على أخطاء مقصودة ، مع الإضافة والتغيير في الكلمات . لنبدأ من مقدمة أنجيل يوحنا "1:1" وبعدها سنذكر أيضاً آيات محرفة من العهد القديم . تقول الآية ( في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ) تم تغيير النص الأخير ليصبح ( الكلمة صار إلهاً ) . الغاية من هذا التحريف هو للأنتقاص من آلوهية المسيح ، أي أن المسيح ليس الله وكما هو موجود في نص الآية . لكن آية اخرى تثبت بأن كل لاهوت الله حل في جسد يسوع الإنسان ، فتقول ( لأن فيه حل كل ملء اللاهوت جسدياً ) " قول 9:2 " . جاء في أنجيل برج المراقبة النص التالي ( لأن فيه يحل كل ملء الخاصية الإلهية جسدياً ) نلاحظ هنا ( الخاصية الإلهية ) وهذه الكلمات لا توجد أبداً في النص اليوناني ، والغاية من إدخالها هو عدم الأعتراف بأن المسيح الإنسان قد حل به كل ملء لاهوت الله . غايتهم من هذا التحريف هو إظهار الرب يسوع على إنه مخلوق من قبل الله ، وهو أول خليقته متجاهلين الآيات التي تثبت آلوهيته . كما يأتون بآيات أخرى ظاهرها يبين بان الرب يسوع قد خُلِقَ ، لكن غاية الآية المربوط بآيات أخرى يعني غير ذلك ، وأما عن غايتهم من ذلك فهو محاولة للأقناع بان يسوع قد خلق ، أي له بداية ، أو هو باكورة إنجارات الله ، أو أول أنتاج قام به الله لأثبات أن يسوع ليس أزلياً كالله . جماعة شهود يهوه هي من أكثر الجماعات المنحرفة في الخداع والتشويه يقفزون من آية إلى أخرى ، ماهرون في تحريف حقائق الكتاب المقدس ، وخاصة في موضوع الأساءة إلى المسيح ، ففي ترجمتهم للآية " قول 15:1" ( الذي هو صورة الله الغير منظور ، بكر كل خليقة ) هنا رغم أن النص صحيحاً لكن يقرأون الآية ويفسرونها تفسيراً خاطئاً . إذ هم يساوون بين لفظة ( البكر ) و ( أول الخليقة ) وهذا مخطط من قادتهم . والصحيح هو أن المسيح هو صورة الله غير المنظور ، وليس ( خليقة الله غير المنظور ) . المسيح هو قبل كل شىء وبه خلق كل شىء ، فالتلاعب في التفسير هومن ضروريات هذه المجموعة لدعم مقاصدها في أن المسيح ليس الخالق ، بل هو مخلوقاً من قبل يهوه . وإنه الإبن الوحيد عندما خلقه يهوه بحسب إعتقادهم . كذلك لأعتمادهم على " مز 7:2 " ( ... أنت أبني ، وأنا اليوم ولدتك ) لكن هذا النص ليس له  اي مرجع لما يسمى ( خليقة ) ويسوع الكلمة هو أزلي كيهوه . يقول عنه ميخا في سفره ( ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل ) " 2:5" ومن هنا نقول لم يوصف أي مخلوق بالأزلي ، لأن الله وحده هو الأزلي كما يقول المزمور عن يسوع شخصياً ( قبل أن أوجدت الجبال ، أو كوّنت المسكونة ، أنت الله من الأزل وإلى الأبد ) " 2:90" . وهكذا يفسرون آيات أخرى أو يحرفونها من أجل جعل المسيح مخلوق ، نقرأ في سفر الرؤيا ، في رسالة إلى لاودكية ، الآية ( إليك ما يقوله الحق ، الشاهد الأمين الصادق ، رئيس خليقة الله ) " 14:3" أقتبسوا منها عبارة واحدة وهي ( بداية خليقة الله ) وأصبحت لديهم برهاناً قاطعاً بأن الرب يسوع قد خلق . لككنا نقول القواميس اليونانية الأصلية جاءت بلفظة ( بداءة أو بداية ) بالمعاني التالية : ( مُراقب – مصمم- سبب- أصل- منبع- مصدر ) إذاً الرب يسوع هو المصدر والمنبع والخالق ، أي ليس مخلوقاً .

نقرأ في الأنجيل بأن يسوع لا يمنع من يسجد له لأنه ( الله المتجسد ) فنلاحظ بأن التلاميذ سجدوا له ، وأعترفوا بآلوهته ، فتوما قال له ( ربي وإلهي ) والمجدلية مع رفيقتها عند القبر تقدمتا ومسكتا بقدميه وسجدتا له " مت 9:28 " . لكن جماعة شهود يهوه يؤمنون بأن السجود هو ليهوه وحده ، أما المسيح فله ( الأنحناء ) فقط ، لهذا استبدلوا كلمة السجود بالإنحناء له .
أما عن موضوع خضوع الإبن يسوع لله الآب فنقول : تقتبس هيئة شهود يهوه آية من 1 قور 15: 28 وهي: ( ومتى أخضع له الكل فحينئذٍ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكلّ لكي يكون الله الكلّ في الكلّ ) . وتقول الهيئة إن هذه الآية تدلّ على أن المسيح هو أدنى مرتبة من الآب لأنه خاضع له ( وحتى بعد موته وقيامته وصعوده إلى السماء كان يسوع لا يزال غير مساو لأبيه ) .1 قور 11: 3؛ 15: 28 (كتاب يمكنكم أن تحيوا إلى الأبد... ص 40).
: يفسر المونسيور د. بولس الفغالي وهو عالم في تفسير الكتاب المقدس ومعلقاً على تفسير هذه المجموعة حول خضوع يسوع للآب ، فيقول إن أردنا أن نجاوب حرفياً، نقول إن كلمة "خضوع" لا تعني عدم المساواة بالضرورة، وإلاّ فكيف نفهم أنه ينبغي أن تخضع النساء للرجال (أف 5: 22) أيعني ذلك أنهما غير متساويان على المستوى الانسانيّ... وأن يخضع المؤمنين لرئاسات والسلاطين (تيط 3: 1). فهل هم آلهة نخضع لهم؟ وعندما يقول كونوا خاضعين بعضكم لبعض (1 بط 5: 5)، فهل يعني ذلك أن المؤمنين غير متساوين؟ وكيف نفسّر ما جاء في 1 كور 14: 32 "أرواح الأنبياء خاضعة للأنبياء"؟
- أما بخصوص "الكلّ في الكلّ"، فنقرأ أن المسيح فيه يقوم الكل (كو 1: 17)، وهو الذي يملأ الكل في الكل (أف 1: 23)، وأنه كائن إلهاً على الكل (رو 9: 5)، وهو الكل وفي الكل (كو 3: 11)... وهكذا نفهم أن الله والمسيح هما الكل في الكل... لكن لا يجوز أن نفسّر هكذا أو أن نجاوب هكذا بأن نجتزىء نصوصاً وآيات لنخدم أفكارنا المسبقة، والأسلوب السليم هو:
- النصّ لا إطاره: قورنثوس مدينة تجاريّة في اليونان، تمتلىء بالفساد والفجور الأخلاقي والدينيّ. وقد عانى أعضاؤها أشدّ أنواع الصراعات والانقسامات ممّا أضطر الرسول بولس للكتابة إليهم بعد سماعه بأخبارهم من أهل خلوة، وبعد جملة أسئلة أرسلوها إليه للاستفهام عنها.. وقد عالج بولس جميع هذه المشاكل وأفرد نصاً عن القيامة (الفصل 15) ليجاوب المنتقدين الذين تأثّروا بالفلسفة اليونانيّة (التي تقول إن الجسد شّر، وإن الروح تكون بمفردها بعد الموت) ويردّ على أولئك الذين لا يؤمنون بقيامة الموتى...
- مستوى التفسير الأول (من الآية إلى النصّ): تأتي ( آ 28) ضمن فقرة تتكلم عن كون المسيح باكورة ، ورأس الجسد ( الكنيسة ) وممثلها . وبالتالي فالخضوع لا يتم من الكتف ، بل من الرأس وما دون ، لأنه ممثل البشرية وهو بهذه الصفة سيقدم الخضوع حُبياً وليس كالعبد ، إلى الآب ، لأن يحبه ويهبه ( للآب ) كل شىء . فكل ما للمسيح هو للآب ، وكل ما للآب هو للأبن ( يو 10:17) وذلك أنطلاقاً من علاقة المحبة التي تربطهما معاً

أما عن تحديد وقت المجىء الثاني للمسيح له المجد ، فقد تنبأ الدجالون ، قادة شهود يهوه بمجىء المسيح فأعلن مؤسسهم راسل أن المسيح عاد غلى السماء في خريف عام 1914 بشكل غير منظور ، وهو الآن يحكم العالم من خلال منظمة برج المراقبة .

وفي عام 1918 أعلن الممثل القانوني اراسل ( جوزيف رذرفورد ) في أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1918 م أن الملاك ميخائيل مع ملائكته قد حاربوا أبليس وجنوده وطرحوهم من السماء إلى الأرض ، لذا جاء ليضع حرباً مع جوزيف وأتباعه ، ومات الكذاب جوزيف عام 1942.

أما فريدريك فرانس فقد أشتهر بإعلان نبوة كاذبة ، فقال : أن المسيح قد عاد إلى الأرض في عام 1975 لكننا لا نعلم في أي بقعة من الأرض حل ! وبعد سنتين مات فرانس ، ومن الكذابين اللذين أعتمدت عليهم هذه الجماعة ( جوهانز جيرير ) الذي كان يعمل ساحراً فكان مبدعاً في تحضير الأرواح ، وقد ألف كتاباً عنوانه ( الأتصال بالعالم الروحاني لله ) وقد أشاع على إنه رأى ترجمة للعهد الجديد وهي آتية إليه في شكل ( حروف كبيرة ومضيئة وقد مرّت الكلمات أمام عينيه ) وفي مرات أخرى أدعى أن زوجته هي ( الوسيط الروحاني لله في العالم ) أي أن زوجته هي التي كانت تُسيّره كما يحلو لها ، وهي التي نقلت إليه الأجابات الصحيحة من ( رسالة الله إلى القس جيرير ) وعند فحص نسخته " العهد الجديد " وجد إنه يشير لصفة دائمة إلى أرواح الله ، وليس إلى روح الله . أي بصيغة الجمع ، وهذا يدل على إنه كان يتصل بأرواح أخرى كان يعمل بتحضيرها ، وغيره من مستحضري الأرواح أعتمدت عليهم هذه الجماعة ن وعمل تحضير الأرواح يحرمه الكتاب المقدس ( طالع لا 31:19) .

أما عن عقيدة التثليث ، فلا يعترفون بها أبداً لأنهم يحبون ( يهوه ) بدون أقانيم . فلا تثليث في إيمانهم ، بل يعتبرون كل طوائف المسيحية على خطأ لأيمانها بالتثليث مدعين أنه عندما اعتنق الأمبراطور قسطنطين المسيحية عام 325م قام بتحريف العقيدة المسيحية وأدخل عليها التثليث الذي كان يؤمن به كل من ( البابليون والمصريون والهندوس ) من قبل . أما الرد على هذا الإدعاء فهو : التثليث واضح جداً في العهدين ، وأقره المجمع المقدس في نيقية عام 325م بفيادة القديس أثاناثيوس مدافعاً عنه ضد الهراطقة أمثال شهود يهوه اليوم . كما نقول لهذه الجماعة الضالة ، أن يقرأوا ويتأملوا ملياً بالآيات التالية التي تؤكد موضوع الثالوث الأقدس :

من الآية الأولى والثاني في سفر التكوين نجد الثالوث المقدس واضحاً ( في البدء خلق الله " ألوهيم " السموات والأرض ... وإذ كانت الأرض مشوشة ومقفرة وتكتنف الظلمة وجه الحياة ، وإذ كان روح الله يرفرف على سطح المياه ) " تك 1: 1-2" . الله يتحدث بصيغة جمع لا بصيغة مفرد لأنه ثالوث فيقول ( وقال الله نعمل الأنسان على صورتنا كشبهنا ).

أما في " تك 7:11" يقول ( هَلُمَ ننزل ونبلل هناك لسانهم ) . أما أشعياء النبي فقد كتب في " 16:48" 0 ..منذ وجوده أنا " الأبن " هناك والآن السيد الرب " الاب ط أرسلني وروحه " الروح القدس " . أي الآب والأبن والروح القدس .

أما العهد الجديد فالثالوث ظهر في يوم عماد الرب " مت 16:1 " وعلى جبل التجلي . كذلك هو واضح في وصيته الأخيرة لتلاميذه قبل الصعود إلى السماء ، قال ( فأذهبو وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن  ) " مت 19:28.

أما الرسول بولس فأعطانا البركة الرسولية ، قال ( نعمة ربنا يسوع المسيح  ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم ) " 2 قور 14:13" .

جماعة شهود يهوه الضالة لا يعترفون بأن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد وكما هو مكتوب ، وذلك لكي يمررون أكاذيبهم على أتباعهم ، لهذا حذفوا كل كلمة صريحة تعلن أن الرب يسوع هو الله .

يؤمنون بأن يهوه لا يجوز أحد أن يشاركه في صفاته وتكوينه ، وهذا التعليم يناقض ما جاء في الكتاب المقدس عن صفات الله التي هي نفسها صفات المسيح ، مما يدل على أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد . نظهر بعض الآيات للتي تتأكد آلوهية المسيح للأطلاع :

( يو1:1 ) ( 1يو20:5) ( أش6:9) ( رؤ8:1) ( يو 12:8 ) ( يو 21ك* ) ( يو 24:5) ( رؤ 7:3) ( أع 12:4) ( في 10:2-11) (دا 13:7) .

ختاماً نقول لجماعة شهود يهوه ، لا تقدموا لنا مسيحاً ناقصاً مزيفاً ، بل مسيحاً كاملاً حقيقياً ، ولا أنجيلاً محرفاً ، بل أنجيلاً صحيحاً وكاملاً . الله لا يحاسب الأنسان في الدينونة الأخيرة  إذا لم يكن مؤمناً ببرج المراقبة ، بل بأيمانه بالمسيح الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت ، ولنا فيه الفداء بدمه لغفران خطايانا ، أنه الأبن الذي حررنا لنكون أحراراً ، وليس بغيره الخلاص ، وليس إسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص ، كذلك هو الإله الواحد الوسيط بين الله والبشر .

ليتمجد أسم يسوع الله الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين

المصادر


1- الكتاب المقدس

2- كتاب جماعة شهود يهوه يحرفون الكتاب المقدس

3- كتاب أ تحيوا إلى الأبد ص40

4- من مؤلفات وأعمال المونسيور د. بولس الفغالي

229
ملكوت الله وآراء شهود يهوه الخاطئة
بقلم / وردا أسحاق قلّو
في العهد القديم نقرأ عن الله الخالق هو الملك الجالس على عرش قدرته . أما في العهد الجديد فيصف يسوع الرب نفسه بالملك ، وكان يسوع الملك الذي قال لبيلاطس مملكتي ليست من هذا العالم ، فرد عليه بيلاطس ( فهل أنت ملك إذن ؟ أجابه ( أنت قلت ) أي نعم . فَضَلَ يسوع إستخدام (ملكوت السموات ) بدل ( ملكوت الله ) إحتراماً وتقديراً للعزة الإلهية رغم كونه هو الإله المتجسد بيننا . وكذلك لأن اليهود كانوا يتجنبون ذكر أسم الله ، أو كانوا لا يتلفظون ألبتة أسم الجلالة ( الله ) فكانوا يستبدلون أسم الله بلفظة ( أدوناي ) أي السيد ، وملكوت الله له معاني عديدة يصعب التميز بين معانيها ، خصوصاً أن ملكوت الله حاضر بيننا بحسب أنجيل لوقا ( 2:71) ومتى ( 28:12) وفي بعض النصوص لم يحضر الملكوت بعد ( مر 15:1 ) ومن معاني الملكوت ، التقوى في القلب " مت 33:6" ( فأطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ، وهذا كله يزاد لكم ) ، ويسوع ينذر الناس قائلاً ( توبوا فقد أقترب ملكوت السموات ) " مت 11:3" . وفي اعمال الرسل إشارات كثيرة من الرب القائم الذي تراءى للمؤمنين لمدة أربعين يوماً وكان يكلمهم بما يخص بملكوت الله . وهكذا علّمنا يسوع الصلاة الربية لنقول ( ... ليأتِ ملكوتك .. ) والملكوت هو ذلك الكنز المدفون ويحتاج إلى من يبحث عنه ، أو هو الجوهرة المدفونة في قلوبنا فعلينا أن نكتشفها ونعيش حياة الملكوت الطاهرة ونحن على هذه الأرض ، ويسوع الرب قال ( أن ملكوت الله في داخلكم ) " 20:17" . كذلك الملكوت هو الله ، هو يسوع الموجود في قلوبناً ، هو الروح القدس الذي أخذ من أجسادنا هيكلاً له . كما يشبه الملكوت بحبة خرذل ، إنها صغرى الحبوب كلها فعلينا أن ننميها لكي تكبر في داخلنا لنشعر بوجودنا في ملكوت هذه الأرض . ملكوت السموات إذاً تتجلى على هذه الأرض بحضور الله في داخل الإنسان فيملك عليه ، إنه فينا وبيننا جميعاً وحسب قول الرب ( ... فها أن ملكوت الله بينكم ) " لو 17: 20-21 " .
الله محبة ، إنه يحب كل الناس ويريد الخلاص للجميع ، وليس لفئة واحدة ، عكس ما يعتقدون جماعة شهود يهوه الضالة ، ففي كتاب برج المراقبة 1973/5/1 ص 213 ، يصّوِر الكتاب الله بأنه ملكاً طاغية يقتل ويبيد . إله شهود يهوه يستخدم قوات ملائكية تحت إمرة المسيح لتنفيذ حكم إعدام الأشرار ( إن الذين سيقتلهم يهوه سيكونون من طرف الأرض إلى الطرف الآخر ) " راجع كتابهم ( الحق الذي يقود إلى الحياة الأبدية ) ص 97-98 " . ليس لهذه الجماعة أي محبة مسيحية لغيرهم ولا إنتماء قومي أو وطني للبلد الذي يعيشون على أرضه ، ويبررون موقفهم بقول الرب يسوع ( إن مملكتي ليست من هذا العالم ) إنه إستخدام خاطىء ، والصحيح هو أن المسيح قال عن نفسه هو ، وذلك لأن طبيعة ملكوته ليست سياسية عسكرية قومية كما كان هدف اليهود الذين كانت أمنيتهم تحريرهم من الأستعمار الروماني ، بل كان كلام المسيح خاص بشخصه فقط ولم يقصد أن على أتباعه التخلي عن كل إنتماء وطني ، بل هو نفسه كان يحب وطنه ويشعر بالحزن لأن أهاه في الناصرة لم يتجاوبوا معه ، كما بكى على أورشليم ( لو 41:19) وتنبا بالأسى والحزن عن حصارها وتميرها ، وعن عدم معرفة أهلها بزمن مجيئه . لهذا نقول بأن منظمة برج المراقبة أخطأت التفسير ، هذه المنظمة التي أعطوا لها الحق المطلق لتفسير الكتاب المقدس ، هؤلاء الذين ترجموا الكتاب المقدس كما يوافق عقيدتهم فقاموا بحذف وتحريف وتغيير وتبديل العبارات والآيات لكي تدعم تعاليمهم الخاصة ، وسميت نسختهم ب ( ترجمة العالم الحديث ) ويزعمون بأن القيادة الإلهية تأتي فقط من برج المراقبة ، ورجالها اليوم هم بمثابة الرسل في الكنيسة ، وأنها القناة الوحيدة على الأرض ، وهذا الإيمان يقودهم إلى عدم الأعتراف بجميع الكنائس ، بل أعتبار منبع كل الكنائس هو الشيطان .
أما تشارلز راسل المؤسس الحقيقي لجماعة شهود يهوه فوضع نفسه في مرتبةٍ أعلى من الرسول بولس ، وقال ( إن أراد الناس أن يختاروا بين قراءة الكتاب المقدس وكتبي ، فالفضل لهم أ يقرأوا كتبي ) . خدع جماعته بإعلان أكذوبته التي أدعى أن المسيح قد جاء إلى العالم عام 1914 م واعتبر هذا العام هو سنة حلول ملكوت الله على الأرض .
قال يسوع لتلاميذه ، الروح القدس ينزل عليكم فتنالون قوّة وتكونون لي شهوداً ( لم يقل تكونون شهوداً ليهوه ) بل ( لي ) " أع 1: 6-8" فالملكوت الحق هو الشهادة لصلب وموت وقيامة يسوع إبتداءً من الذين رأوه ميتاً ثم حياً ، وعلى هذا الأساس نقول لجماعة شهود يهوه ، لا يكفي أن يكون المرء شاهداً ( ليهوه ) إله العهد القديم ، بل لله الثالوث كما في عهد النعمة والمصالحة .
ليكون المؤمن مسيحياً حقيقياً وعاملاً في الملكوت من هذه الأرض ليشهد للجميع ولقيامة الرب يسوع من بين الأموات ، والحال أن حركة شهود يهوه لا تشهد أبداً لقيامة المسيح ، بل تقول ( إنه لم يقِم بالجسد المصلوب ، بل قام بالروح في جسد آخر) والرد على هذه الهرطقة نقول : إذا قام بجسد آخر فمعنى ذلك أنه لم يقم ، بما أن الجسد المصلوب لم يقم ، إذاً أين ذهب ؟ ومن أخفاه ؟ وما حالته ؟
الرسول بولس قال لأهل روما عن طبيعة الملكوت ، فقال  ( ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً ، بل صلاح وسلام وفرح في روح القدس ) " رو 14: 17-19" .أما حركة شهود يهوه فإنها تعد أتباعها  بأكل وشرب للأبد على الأرض ، والخلاص يكون لمائة وأربعة وأربعون ألفاً فقط من الصنف السماوي ، وهذا الإيمان الخاطىء جاء بسبب تفسيرهم الحرفي لقول أشعياء النبي ( .. يقيم الرب القدير مأدبة مسمناتٍ لجميع الشعوب ، مأدبة خمر صافية معتقةٍ ، مأدبة لحوم وأمخاخ ) " 6:25" ومن قول الرب في العشاء الأخير لتلاميذه ( أشتهيت بشوق أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم . فإني لن آكل منه بعد حتى يتحقق في ملكوت الله ) " لو 22: 15-16" . وعن الخلاص سيكون لبعض آلاف فقط ، بل الله أرسل أبنه الوحيد ليخلص كل من يؤمن به ، فهو يريد الخلاص للجميع .
 ختاماً نقول : جماعة شهود يهوه تزعم أن الموضوع الرئيسي للوحي الإلهي هو إعلان مقاصد الله المتعلقة بملكوت الله على الأرض بقيادة الرب يسوع أبن الله . أما الكتاب المقدس فيعلن لنا أن موضوع الوحي والخلاص هو ربنا يسوع المسيح له المجد ، لهذا قال لليهود ( فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية . وهي التي تشهد لي . ولا تريدون أن تأتوا إليّ لتكون لكم الحياة ) " يو 5: 39-40 " كذلك طالع ( 2 تيمو 1: 9-10" ..
 كما نقول لشهود يهوه ، ملكوت الله يبدأ من هنا , فالملكوت هو هيمنة الله الوجدانية العقلانية على العقول والقلوب عن طريق الله والإنسان . ومحبة الإنسان لله تبدأ من محبته لأخيه الإنسان ، لكل إنسان مهما كان معتقده ، والمحب لكل البشر هو محب لله خالق البشر ، والمحبة تطرد الخوف ، فأبناء الملكوت هم قوم لا يخافون الرب ليحميهم في معركة هرمجدون ( رؤ 16:16 ) حيث سيدمر الأشرار ! لأن الله ساكن في المؤمن وهو يدافع عنه . كذلك الملكوت هو مسيرة وراء المسيح والإقتداء به ، لأن التلميذ ليس أفضل من معلمه ( حامل الصليب ) لهذا يجب أن نقول كبولس ( أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي فيه أصبح العالم مصلوباً عندي ، وأصبحت أنا مصلوباً عن العالم ) " غل 14:6 " ، علينا إذاً بصليب المسيح الذي مات المسيح عليه من أجلنا ، لا ببرج المراقبة ، فصليب الفداء هو راية الملكوت وراية المسيحية ، وعنوان الأنتصار ، بل هو موضع الأفتخار لكل مسيحي .
ولإلهنا يسوع المنتصر المجد إلى دهر الداهرين 

230
عمل الروح القدس في حياتنا وفرق وجوده في العهدين
بقلم / وردا أسحاق قلّو
(... الذي يأتي بعدي .... هو يعمدكم في الروح القدس والنار ) " مت 11:3"
الروح القدس هو روح الله ، وأحد أقانيمه الثلاثة ، يعمل في الأنسان المؤمن المعمذ كدليل يرشده وينور طريقه نحو الخلاص .
في العهد القديم بعد سقوط الأنسان في جنة عدن وحتى يوم العنصرة ( حلول الروح القدس على التلاميذ ) لم يوضح لنا الكتاب عن كيفية حلول الروح القدس على أي إنسان وحتى على كبار الأنبياء كموسى ، بل كان الله يضع من روحه عليهم وليس فيهم . وهذا واضح من قول الله لموسى ( أجمع إليّ سبعين رجلاً من شيوخ إسرائيل الذين تعلم إنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه ، وأقبل بهم إلى خيمة الإجتماع فيقفوا هناك معك . فأنزل أنا وأتكلم معك هناك ، وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم ... ) " عد17:11" .  يتضح لنا من هذه الآية بأن الروح لم تكن في موسى ، بل عليه . وأنتقلت على السبعين وليس فيهم كما يحصل في العهد الجديد . كذلك نقرأ في في سفر صموئيل خبر وصول شاول إلى جبعة فقابلته مجموعة من الأنبياء ، فحل على شاول روح الله وتنباً في وسطهم ( 1صم 10:10 ). وعندما رفض الله شاول وأختار داود ، نقرأ الآية ( فتناول صموئيل قرن الزيت ومسحه أمام أخوته ومنذ ذلك اليوم فصاعداً حل روح الرب على داود ... ) " 1 صم 13:16" . كما كتب أشعياء النبي وقال ( روح السيد الرب عليّ ، لأن الرب مسحني ... ) " أش 1:61 " وغيرها من الآيات . والسبب هو أن الروح القدس لم يحل في أي أنسان في العهد القديم ، بل عليه  إلاّ بعد صعود الرب يسوع إلى مجده ، فأرسل ذلك الروح في اليوم الخمسين ( عيد البنطيقوسطي ) على شكل ألسنة كأنها من نار ، قد أنقسمت فوقف على كل منهم لسان  فأمتلأوا من الروح القدس ( أع 2: 2-3) . أي الروح هنا ليس عليهم ، بل فيهم ، وهذا هو الفرق في وجود الروح القدس ودوره في الإنسان خلال العهدين القديم والجديد . والفرق الآخر هو أن الروح القدس الذي كان يحل على الأنسان في العهد القديم يمكن أن يفارقهم إذا أخطأوا إلى الله ، فالله يأخذ ذلك الروح من عليهم ويهبها لغيرهم كما فعل مع شاول . أما الروح القدس الذي نناله في سر الميرون المقدس فلا يترك الأنسان حتى لو ترك الإيمان .
 في العهد القديم بلبل الله ألسنة الناس في بابل بسبب أبتعادهم عن الله ( تك 11: 1-9) ، أما في العنصرة فأعاد الروح القدس توحيد الألسنة لكي يفهم الجميع صوت الرب على لسان بطرس والرسل.
 للروح القدس أسماء وثمار وأعمال ومواهب كثيرة ، وهذا الروح منبثق من الآب والأبن ، يحل على المؤمن بالمسيح بعد العماذ فيولد ذلك الإنسان ولادة جديدة ويعمل الروح فيه كعطية مجانية من الله لبني البشر ، إنه تطبيق لنبؤة يوئيل النبي القائل ( ..أفيض من روحي على كل البشر .. ) " أع 18:2"  أما عن الدور الأول لهذا الروح هو قيادة الإنسان في الإيمان وحسب قول الرسول ( ليس أحد يقدر أن يقول يسوع الرب إلا بالروح القدس ) " 1 قور 3:12 " . ولا أحد يستطيع أن يعترف بالمسيح الإله إلا بقدرة الروح القدس ، لهذا يقول الكتاب ( لأنك إن أعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت ) " روم9:10" .
قال يوحنا المعمدان ( أنا أعمدكم في الماء من أجل التوبة ، واما الذي يأتي بعدي .... هو يعمدكم في الروح القدس والنار ) " مت 11:3" . فالمعمودية بالروح هي شرط أساسي من شروط الخلاص ( من آمن وأعتمد خلص ) " مر 16:16 " .
الروح القدس هو الذي يبكت الإنسان على خطاياه ويدفعهُ إلى التوبة والأعتراف ، وهذا ما قاله يسوع عن الروح ( ومتى جاء الروح القدس يبكت العالم على خطيئته )" يو 8:16" وبدون التبكيت لا يتوب الإنسان ، وبدون التوبة فلا يوجد مغفرة ، بل هلاك (لو 13: 3-5 ) . في يوم الخمسين شعر جمهور غفير من اليهود المجتمعين في أورشليم بتبكيت الروح القدس ونخسوا في قلوبهم نتيجة سماعهم لكلمة الله على فم الرسول بطرس ، فسألوا بطرس وباقي الرسل : ( ماذا نعمل أيها الإخوة ؟  فأجابهم بطرس ، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح ، فيغفر الله خطاياكم ) " أع 38:2" . إذاً التوبة والأعتراف أولاً ، ومن ثم المعمودية بالماء والروح القدس فيتجدد الإنسان ويولد من جديد ليصبح خليقة جديدة ( طالع 2 قور 17:5 ) .
الروح القدس هو معلم لأبناء الكنيسة المقدسة وكما قال الرب لتلاميذه ( وأما المعزي الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم ) " يو 26:14 " . الروح القدس هو مصدر القداسة ومعطي القوة للمؤمنين ( روم 4:1 ) لهذا السبب قال يسوع ( لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ) إنها قوة إلهية  به يقدس قوة وقدرة الإنسان ، لهذا قيل ( لا بالقدرة ولا بالقوة ، بل بروحي قال رب الجنود  ) " زك 6:4" . وبقوة الروح يحيى الإنسان ( روح الله هو كَوّنَني ، ونسمة القدير أحيَتني ..) " أي 4:33" .
من فوائد الروح القدس في حياتنا ، إنه سيقيمنا من بين الأموات ، كما أقام المسيح ( طالع رو 11:8" كما إنه يثمرنا ، والثمر الروحي هو دليل الحياة الروحية ( وأما ثمر الروح ، فهو المحبة والفرح والسلام ، وطول الأناة واللطف والتعفف ) " غل 5: 22-23" .
 الروح القدس يعطينا الحكمة والفهم ( أش 1:11) ورأس الحكمة مخافة الله ( مز 10:111) فالإنسان الذي لا يخاف الله لا يخلص ، لأن مخافة الله هي التقوى الحقيقية .
الروح القدس يشفع فينا ، فالمسيح ليس الشفيع الوحيد عند الآب ، بل الروح القدس أيضاً ( طالع رو 26:8 ) علماً بأن شفاعة يسوع الكفارية تختلف عن باقي الشفاعات . طالع مقالنا عن هذا الموضوع على الرابط:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,71955.html

كذلك الروح القدس هو روح النعمة والصلاة ( أفيض على بيت داود وسكان أورشليم روح النعمة والتضرعات ) " زك 10 :12 " وهنا المقصود زمن العنصرة .
 في الختام نقول : الروح القدس هو روح التبني التي يختمنا في المسيح يسوع ويشهد لنا إننا أبناء الله ( يو 12:1 ) . كما يقول الكتاب ( إذا آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس ) " أف 13:1 "
نحن المؤمنين نلنا الروح القدس بعد العماد بمسحة الميرون المقدس لكي نثبت في المسيح ، لا يجوز أن ننال الروح القدس قبل العماد ، وهكذا بعد عماذ المسيح في نهر الأردن نزل عليه الروح القدس . و مسحة الروح القدس التي ننالها بعد المعمودية تثبتنا في الإيمان المسيحي ( وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس والمسحة تعلمكم كل شىء ... وتثبتكم ) " 1 يو 2: 20 ، 27 " للمزيد طالع ( 2 قور 1 ) .
نطلب من الرب يسوع ليرسل روحه القدوس فيتجدد وجه الأرض

231
[/العنصرة … هل حل الروح القدس على التلاميذ مرتين ؟

بقلم / وردا أسحاق قلّو

http://www.m5zn.com/newuploads/2019/06/10/jpg//m5zn_de9424d6af8ad2b.jpg

( جئت لألقي على الأرض ناراً ، فلكم أود أن تكون قد أشتعلت ؟ )[/color]” لو49:12″
عيد العنصرة هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ في اليوم الخمسين بعد قيامة الرب من بين الأموات   ، ويسمى ( بنطيقوسطي ) ، وهو يوم ميلاد كنيسة المقدسة .
أنتهت رسالة الرب على الأرض فصعد إلى السماء ليجلس على عرشه الذي نزل منه ، لكن الراعي الصالح لا يترك قطيعه لوحده ، بل وعد بأرسال المؤيد إليه ، إنه الفارقليط ، وعمل الفارقليط هو كعمل المحامي القدير المدافع عن الشخص الذي يوشك الحكم أن يصدر عليه ، فهو المُعين بأرشاده وسلطته وقوته ، إنه المعزي والمٌعين لأبناء الكنيسة المجاهدة.
أنذر الرب تلاميذه قائلاً بأن العالم سيبغضكم من أجل أسمي ، وهذا يتطلب إلى مجابهة أكبر القوى في العالم وبشجاعة ، لهذا أرسل الرب إليهم الفارقليط لكي يسندهم ويتحدث عنهم ليكون بمقدورهم الأستمرار في نهجه حتى موعد مجيئه ، وحسب قوله ( لكني أقول لكم الحق ، لإنه خير لكم أن أنطلق ، لأنه أن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ) ” يو 7:16 ” . الفارقليط هو نار الروح القدس .
 النار كثيرة الورود في الكتاب المقدس ، وتدل على ما يطهر أو ما يهلك ، أما نار الروح القدس الذي نزل على التلاميذ حسب وعد الرب يسوع صاحَبَ حلولهِ آيات عجيبة ومنها موهبة التحدث باللغات وقد صَدّقها الغرباء من اليهود القادمين من أرض الشتات المحتشدين في أورشليم ، وتسبب هبوب ريح عاصف دفعهم إلى الحضور أمام التلاميذ ، فحصلوا على الإيمان بسبب وعظة بطرس الذي تحدث عن صلب يسوع وأعجوبة قيامته وصعوده إلى المجد . 
الروح النازل على التلاميذ أخذ مما للمسيح من أسرار لكي يخبر أبناء الكنيسة به ، وكما قال يسوع له المجد: ( ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم به ) ” يو 14:16 ” 
بعد عشرة أيام من صعود الرب والتلاميذ إلى العلية مع العذراء مريم حل الروح القدس عليهم كألسنة من نار ” أع 2:3-4″ وهذه النار ألهبت  قلوبهم الضعيفة وأرواحهم ومنحتهم القوة فتحولوا الى شعلات من نار أنتشرت في المسكونة كلها ، فأشعلوا العالم بنار الكرازة ونورها ، فهل هذه النارهي التي قال عنها يسوع في قوله :
 ( جئت لألقي على الأرض ناراً ، وما أشد رغبتي أن تكون قد أضطرمت )
 ” لو 49:12″ .
 يسوع هو الله ، والله هو النار، وكما تقول الآية ( إلهنا نار آكلة ) ” عب 29:12″ و” خر 17:24″
والله هو المحبة . إذاً النار التي زرعها الله هي  كناية عن الله والمحبة ، وهي أيضاً رمزاً للقداسة الحية والمطهرة للذنوب  . فكل من تدخل هذه النار في جوفه سيلتهب من الغيرة والقوة ليصبح حاراً في  الروح ” رو 11:12″. لهذا السبب لم يهدأوا الرسل المعروفين بالخوف  والضعف  والهزيمة بعد القاء القبض على سيدهم ، بل أشتعلت فيهم نار الغيرة والشجاعة  للعمل لأن الروح زرع فيهم المواهب فأخذوا يتكلمون بلغات غير لغتهم ،  فعندما تجمع الناس حولهم بسبب سماعهم ذلك الصوت السماوي المدوي سمعوا الرسل  يتكلمون وهم جميعاً يفهمونهم كل حسب لغته . فدهشوا ، وتعجبوا وآمنوا بسبب عظة بطرس الأولى والذي أشار بها إلى نبؤة يوئيل النبيعن حلول الروح القدس ، فقال :
( يقول الله في الأيام الأخيرة ، أني  أفيض من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويرى شبانكم رؤى ، ويحلم  شيوخكم أحلاماً ، في تلك الأيام أفيض من روحي على عبيدي كلهم ، رجالاً ونساءً فيتنبأون)  “أع 17:2″
 أنضم في ذلك اليوم المقدس نحو ثلاثة  آلاف نفس الى الإيمان . إذاً نار الروح القدس هو قوة من فوق ، كما هو درساً مهماً نأخذه من عطايا يوم الخمسين . فكل من يلتهب قلبه من هذا النارفلا أحداً يستطيع أطفائها .   مثال : لما طلب قادة اليهود من بطرس ويوحنا أن لا ينطقا البتة  بهذا التعليم ولا يعلما بأسم يسوع الناصري فكان الرد ( … نحن لا يمكننا أن لا نتكلم ) ” أع 4: 18-20″ و السبب يعود الى الروح القدس الذي كان
 يعمل فيهم كنار.  فبطرس الذي نكر المسيح بسبب خوفه ،  بعد حلول روح الرب عليه محا منه ذلك الخوف فملأ العالم تبشيراً وتعليماً ، ولم يستطيع أن يصمت رغم السجون  والجلد والتهديد والإهانة ، و لم يصمت أبداً حتى على الصليب المقلوب .   الكلام الذي ينطقه الإنسان الذي يعمل به روح الله ، يكون مدوياً في آذان سامعيه ، فيترك فيهم آثار عميقة  لأنها منبثقة من مصدر ناري ذو تأثير إلاهي ، فبولس الرسول عندما كان أسيراً عند فيلكس الوالي ، تكلم عن البر، والعفاف  ، والدينونة . خاف الوالي من كلمة هذا الرجل الأسير لأن كلامه كان نارياً ومدوياً ومخيفاً في قلب الوالي” أع 25:24 ” وهكذا يطلب بولس من المؤمنين أن يكونوا حارين في الروح ، لأن روح الله الحال فيهم يشعلهم بحرارته ” رو 11:12  الروح القدس الذي أرسله الأبن الينا يساندنا كمغتربين في هذا العالم  لبنيان الكنيسة ، ونشر كلمة الأنجيل لتنوير العالم . فالروح القدس يعطي للمؤمن المعمذ والممسوح بالزيت المقدس القوة والتبرير بأسم المسيح وبروح إلهنا ” 1 قور 11:6″ . هكذا يولد الإنسان من جديد لأنه يغسل بالميلاد الثاني ، ويجدد بالروح القدس ” تي 5:3″ . هذا الروح يعلن للمؤمن  أسرار الله والملكوت ويرشده الى  المعرفة، فيشهد للمسيح بأنه الرب . فلا أحد يستطيع أن يقول ( يسوع الرب )  إلا بالروح القدس ، كذلك سيعطي الروح المواهب للمؤمنين وذلك عندما يسلكون بحسب الروح ، وهذه هي ثمار الروح القدس :  ( محبة ، فرح ، سلام ، طول الأناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف ) ” غل 22:5″  وهكذا يعرف المؤمنون من ثمارهم . الروح القدس يعمل في كل أسرار الكنيسة ، وكل الأسرار تعطي عن طريق الكاهن الذي يتمم السر ، والسر يعمل في المؤمن الذي يمارس ذلك السر .
هل حل الروح القدس مرتين على التلاميذ؟
  أعطي الروح القدس للرسل مرتين ، الأولى في أول لقاء الرب بهم بعد  قيامته من بين الأموات ، حيث التقى مع الرسل العشرة بغياب توما عندما نفخ  في وجوههم وقال لهم ( أقبلوا الروح القدس . ومن غفرتم خطاياهم غفرت لهم ، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت ! ) ” يو 23:20″  يجب أن لا ينتابنا الشك بأن توما قد حرمه الرب من تلك النعمة والتي هي نفخة  الكهنوت المقدس . لأنه ( وبعد ثمانية أيام ، إذ كان تلاميذه مجتمعين ثانيةً داخل البيت وتوما معهم ، حضر يسوع …. ثم قال لتوما ” هات أصبعك إلى هنا … ) ” يو 20: 26-29 ” لكنه لن ينفخ في توما كما نفخ في باقي التلاميذ .  يجيب على هذا السؤال القديس كيرلس الكبير قائلاً بأن هذا  يربط بين نفخة الروح القدس لتلاميذ الرب وبين ما قام به موسى عندما اشتكى  الى الرب من ثقل الشعب عليه ، فأمره الرب بأن يجمع سبعين شيخاً لكي يساعدوه  في الخدمة . فنزل الرب في سحابة وتكلم معه وأخذ من الروح الذي على موسى وجعله على السبعين شيخاً . فلما حل عليهم الروح تنبأوا .  أما الرجلين الداد وميداد الغائبين عن الأجتماع فحل عليهم روح الرب أيضاً  وهم في المحلة وتنبئا رغم كونهما خارج الخيمة .
  يضيف الأنبأ كيرلس ويقول  هكذا توما أخذ النفخة لخدمة الكهنوت مع عدم تواجده ” عد 11: 10-29 . المرة  الثانية حل الروح القدس على التلاميذ  في يوم الخمسين  . أما مواهب الروح القدس فمختلفة ، لكن الروح واحد ، وهناك خدمات وأعمال مختلفة ( طالع المواهب الروحية في ” 1 قور 12 ” ) . الروح القدس غيَّرمن طبيعة التلاميذ الضَعيفة ، فأخذوا  قوة للشهادة والكرازة والخدمة . هذه القوة التي وعَدهُم بها السيد عندما قال لهم ( ها أنا أرسل أليكم موعد أبي ، فأقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قِوة من الأعالي ) ” لو 49:24″ .
نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين مع العذراء مريم في العلية على شكل ألسنة ( كأنها من نار ) ” ” أع 3: 2-4″  . نور الروح القدس أنار التلاميذ ، وبقوته جعل منهم رسلاً فتهيأوا لبشارة العالم . كما أن نور هذا الروح غيّرَ الوثنيين أيضاً بغير علمهم في الغالب فتلقنوا بكلمة الحق الذي حررهم من الظلاو . وهذا الروح يهيأ في كل الأزمنة عشاقاً للحقيقة فيعلنوا إيمانهم معترفين بنور المسيح . كنيسة المسيح بدأ تاريخها مذ ذاك فبدأ تاريخها بعد أن تعمدت بنار الروح القدس .الذ هو  المعين السماوي الموعود ، بل إنه إتمام لوعد الرب يسوع لتلاميذه الذين ملأوا به .
 ترمز النار الى قدرة أعمال الروح القدس . وهكذا عمدّوا الرسل البشرية بالنار والروح كما أشار يوحنا المعمدان الذي بشر بالمسيح قائلاً (…هو سيعمدكم في الروح القدس وبالنار ) ” لو 16:3″  مكثت قوة الروح القدس مع التلاميذ على الدوام فكانوا يشهدون للرب بدون خوف .
أما الفرق بين حلول الروح القدس في العهد القديم على الأنبياء والملوك وبين حلوله في العهد الجديد هو،  في العهد القديم قد يفارق الروح من حل عليهم ” 1 صم 14:16 ” ولكنه في العهد  الجديد لا يفارق المؤمنين المعمدين وحسب قول معلمنا يوحنا الرسول ( … وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابته فيكم ) ” 1يو27:2″ . لكن عندما يخطئون المؤمنون يحزنون الروح القدس ” 1 تي 30:3  أو يطفئون  قوته وحرارته ، لكن الروح لا يسكت بل يستمر في العمل ويبكت الخطيئة لكي  يقود ذلك الخاطىء الى التوبة ” يو 8:16″ . أما الحارين في الروح كالرسل ، فعاشوا حياة التقوى والجهاد ، فاستمر الروح عاملاً فيهم بقوة .
سنكمل الموضوع بموضوع آخر عنوانه ( عمل الروح القدس في حياتنا ) .
ولروح الله القدوس المجد دائماً 
 

232
الصعود (ܣܘܠܩܐ ) يثبت آلوهية المسيح
بقلم/ وردا أسحاق قلّو


 


كتب داود النبي عن الصعود ، قال ( صعدت إلى العلى وأسرت أسرى ، وأخذت البشر ، حتى المتمردين ، هدايا  ) " مز 18:68 ، كذلك طالع أف 8:4 "
تحتفل الكنيسة بيوم صعود الرب إلى السماء بعد أن بقي على الأرض أربعون يوماً بعد قيامته ليلتقي مع المؤمنين من أجل أن يثبتهم في الأيمان ، ويوضح لهم موضوع القيامة ، وكذلك أعدادهم لمرحلة التبشير وإعلان ملكوت الله في العالم أجمع . نفخ يسوع في الرسل نفخة الكهنوت ، ووعدهم بأرسال المُعَزّي الذي سيرشدهم ويذّكرهم بكل ما قاله لهم أثناء خدمته معهم .
 يوم الصعود كان يوم توديع المؤمنين للرب إلى السماء . غادر هذا العالم ليعود إلى عرشه السماوي ، لم يختفي عن أنظارهم فجأة كما حصل في لقاءاته معهم بعد القيامة ، بل انطلق من الأرض لكي يروه بعيونهم ، ذلك الذي صعد في مجد متحدياً قانون الجاذبية الأرضية ، وعدنا نحن أيضاً بالصعود متحدين أيضاً جاذبية هذا العالم بجاذبية قوته الإلهية لكي يجذبنا إليه وبحسب وعده ( وأنا إن أرتفعت أجذب أليّ الجميع ) " يو 36:12" . بعد الصعود توقفت ظهورات المسيح بجسده المرئي . ظهر لبولس ولقديسين آخرين لكن بطرق آخرى كعلامة للمؤمنين بأنه حاضر في العالم بطريقة عجائبية يومياً إلى نهاية هذا العالم وبحسب وعده ( وها أنا معكم كل الأيام إلى أنتهاء الزمان ) " مت 20:28".
عاد يسوع إلى السماء الذي جاء منه ، وكما صرح لنيقوديموس ، قائلاً ( ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ، أبن الإنسان الذي هو في السماء ) " يو13:3" أي رغم كونه حينذاك مع نيقوديموس ، كان في الوقت نفسه في السماء ، لأنه الإله الموجود في كل مكان وزمان .
صعد يسوع وجلس على يمين قدرة الله وكما قال لرئيس الكهنة أمام مجلس الشيوخ ( مر 62:14) أبصره القديس أسطفانوس أثناء رجمه ، وكان يسوع قائماً عن يمين الله ( أع 7: 55-57 ) ,
موضوع صعود المسيح إلى السماء بقدرة يثبت آلوهيته ، فكما أن ميلاده المعجزي وقيامته من بين الأموات بقوته الذاتية لكونه هو واهب الحياة تثبت آلوهيته ، كذلك بصعوده المجيد إلى السماء أثبت قدرته الآلوهية للجميع . بعد الميلاد مباشرةً ظهر ملاك الرب ، وفي القيامة أيضاً ظهر ملاكان . كذلك في الصعود ظهر رجلان بثياب بيض ليقولا للتلاميذ المودعين لربهم ( ...هذا الذي أرتفع عنكم إلى السماء ، سيعود منها مثلما رأيتموه منطلقاً إليها ) " أع 11:1" . لماذا رجلان وليس ملاكان ؟ هناك من يعتقد بأن الرجلان كانا موسى وأيليا كما ظهرا على جبل التجلي للرسل الثلاث . سيأتي يسوع أيضاً بمجد عظيم على سحاب السماء مع ملائكته القديسين ، حينذاك سيجذبنا نحن المؤمنين به على السحاب ، فنكون معه في كل حين ( طالع 1 تس 17:4 ) .
صعود المسيح هو الأنتصار الأخير وخاتمة زيارته إلى شعوب الأرض . بعد صعوده أعلن ذلك الأنتصار ، وبيّنَ للجميع مركزه الحقيقي بعد جلوسه عن يمين الآب السماوي ، يقول الكتاب ( فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة ، وكل أسم يسمى ليس من هذا الدهر فقط ، بل في المستقبل أيضاً ، وأخضع كل شىء تحت قدميه ) " أف 1: 20-21" . إنه الأنتصار النهائي على أعداء البشرية ، وهّم الخطيئة والشيطان المحرض لها والموت الأبدي .
يسوع الذي صعد إلى السماء هو كنزنا الأبدي الثمين ، فعلينا أن نرفع أبصارنا إلى العلا ، حيث المسيح الجالس على يمن أبيه ، وكما أوصانا بقوله ( لأنّهُ حيثُ يكون كنزكَ هناكَ يكونُ قلبكَ أيضاً ) " مت 21:6" . والرسول يقول ( إذ نرفع أنظارنا عن الأمور المنظورة ونثبتها على الأمور غير المنظورة إنما هي إلى حين ، وأما غير المنظورة فهي أبدية ) " 2قور 18:4 ".  وعطية حياتنا الأبدية والمجد الأبدي هي الأتحاد بالمسيح الصاعد إلى السماء ، هذا الذي قال لأبيه ( إني أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ، ليكونوا واحداً كما نحن واحد ) " يو 22:17 .
المجد لأسم يسوع الصاعد إلى عرشه السماوي


233
العريس يسلم عروسته للأعداء لتأديبها
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( في الليالي على فراشي طلبت من تحبه نفسي ، طلبته فما وجدته ) "نش 1:3"
أختار الرب شعباً له من ذرية أبراهيم الذي كان من أور الكلدانيين . من هناك أنطلق أبراهيم إلى حاران الآرامية إلى أرض كنعان في الألف الثاني ق. م . لكنه لم ينسى بلاد آبائه لهذا أبى أن يأتي بأمرأة لأبنه من بنات الكنعانيين ، فأتى لأسحق برفقة من عشيرته ، ويعقوب تزوج من ليئة وراحيل بنات خاله لابان بعد أن خدمه لمدة عشرين سنة ، ورغم تلك الخدمة الطويلة كان لابان يسلب حقوق يعقوب . هرب يعقوب بزوجتيه وأولاده وغنمه فطارده لابان لكي ينتقم منه ، لكن الله تجلى له في الحلم وهدده لكي لا يلحق بيعقوب الأذى ، لكن هل توقف بني ( الأم ) من الأنتقام من ذرية أبراهيم ؟
يعقول هو أبي الأسباط الأثني عشر ، ومن نسله كان شعب الله المختار الذي يسميه سفر ( نش ) عروس الله ، والله يناديه ( يا حبيبتي ) . الله حافظ على شعبه منذ البداية ، وأراد من أمة الله المختارة أن تسير وفق وصاياه لكي يحميها من أعداءه . هو الذي أخرجها من ظلم فرعون في مصر بيد قوية ، وأختبر أيمانها لمدة أربعين سنة في صحراء سيناء ، وأعدها لأستلام أرض الميعاد , أخبر موسى الشعب بكل وصايا الله للعمل بها قبل دخوله إلى الأرض الجديدة التي سيهبها الرب لهم لكي يعبدوه من دون آلهة غريبة ، ويخافون تعاليم الرب لكي لا يغضب عليهم ويسلمهم إلى أيدي أعدائهم .
دخلت العروس ( أمة الله ) أرض الميعاد التي وهبها لهم في أرض كنعان بعد أن طرد منها شعوب كثيرة . بنوا في أورشليم هيكلاً عظيماص للرب بدلاً من خيمة الأجتماع التي كانوا ينقلونها معهم في رحلاتهم . ليعبدوا فيه الله خالقهم . والله أحبهم كمحبة العريس لعروسته ، وكذلك أحبت العروس عريسها ، فقالت عنه ( يا من تحبه نفسي " قلبي " ) إنها ناطورة لكم الرب في بيت أسرائيل ، لكنها خسرت خيراتها بسبب خيانتها ، زنت مع آلهة أخرى وكسرت الوصايا ، فأخذ منها الكرم ، كما قال أشعياء ( أقول لك ، ما أفعل بكرمي : أزيل سياجه فيصبح مرعى ماشية ، وأهدم جدرانه فتدوسه الأقدام ) " أش 5:5 " . فبدل أن تعمل العروس في كرمها ، حكم عليها بالطرد إلى أرض غريبة ، لكي تعيش في المنفى . سلمهم العريس إلى بني أمهم لكي يصبحوا لهم خداماً كما كان يعقوب خادماً في بيت خاله لابان ، فيعيدون عبيداً في بيت الآخوال بنو نبوخذنصر الظالم وكما كانوا لفرعون عبيداً ، عادوا إلىأعمال السخرة التي يفرضها عليهم مضايقوهم وبلا رحمة في أرض بابل ولمدة سبعون سنة عقاباً لهم لأنهم تركوا الرب ألاههم الذي أخرجهم من مصر . وهكذا أيضاً أنتقم الله من شعبه المختار في العهد الجديد عندما خانه ليعبد إله الإلحاد في جمهوريات الأتحاد السوفيتي وأيضاً لمدة سبعون سنة وبعدها عاد إلى إلهه الحقيقي بقوة كما عاد شعب أسرائيل من بابل .
سلم الله عروسته ( شعبه ) بيد نبوخذنصر ملك بابل الذي دمر أورشليم والهيكل وسلب كل أوانيه المقدسة وأقتاد شعب أسرائيل إلى بابل كأسرى مذلولين ، وبنوا الأخوال هم الذين أساؤوا معاملة شعب أورشليم .
كلمات الكتاب المقدس تحدثنا عن العروس المنفية إلى ديار الأخوال ، هناك تعيش في أنتظار وشوق عميق إلى عريسها الحبيب . إنها مشتتة بين الشعوب الوثنية بلا راعي ، ترعى في مراعي الغرباء بعيدة عن جبال أسرائيل وبلا راعي . العروس هو الراعي الصالح الذي كان يجمع غنمه ويعيدها إلى حظيرتها الأصلية وهي كانت تعرف صوته . وكما يقول النبي حزقيال في ( 34: 12-15 ) .
لا تعلم العروس إلى متى ستعمل في كرمة الأعداء ، إلى متى تبقى شاردة بسبب خيانتها ، حتى تستعيد إلى مسكنها على جبل صهيون ؟ صارت العروس الخائنة كأمرأة شاردة مطرودة ، وكل همها هو أن تعود إلى عروسها وراعيها . إلى ذاك الذي قيل عنه في " إر 10:31 " ( من بدد إسرائيل يجمعها الآن ويحرسها كراع قطيعه ) بددها وحكم عليها تخدم قطيع رعاة بابل . هناك وعلى أنهار بابل كانت العروس المهانة ترتل وتقول :
( على ضفاف أنهار بابل جلسنا وبكينا عندما تذكرنا أورشليم ، هناك علقنا أعوادنا على أشجار الصفصاف ، هناك طلب منا الذين سبونا أن نشدو بترنيمة ، والذين عذبونا أن نطربهم قائلين : أنشدوا لنا ترانيم صهيون ) " مز 137: 1-3 " .
 بدل أن تفلح العروس كرمها وتعمل لحسابها برب عريسها ، حكم عليها بسبب خيانتها بأن تسبى إلى أرض غريبة ، وهناك عاشت في المنفى مهانة ، تعمل في كرم الكلدانيين ، كروم نبوخذنصر ، هناك عاشت في العبودية .
بعد تلك العقوبة ، تابت العروس ، فعاقب الرب أعدائها ، وسلم بابل إلى أعدائها الفرس لكي تعود العروس إلى حضن العريس .
 التوبة في البرية أو في السبي هي بداية أعراس جديدة للدخول إلى أرض كنعان ، وهناك ينتظرها العريس ، فقالت العروس لعريسها ( أين ترعى غنمك ؟ يا من تحبه نفسي ) هكذا عادت العروس إلى عريسها . بعد العودة من المنفى اقترب منها الحبيب واحتضنها بين يديه ، يسندها ، يعزيها ، يضمها ، حينئذ تنهدت العروس معربة عن سعادتها فقالت ( شماله تحت رأسي ، ويمينه تعانقني ) " نش 6:2" . صارت العروس بين يدي الحبيب القديرة ، يديه الحنونة . أنها اليدان التي تحميها وتضمها ، هي حركتان يقوم بهما الله المحب ، يفعل كما تفعل الأم التي تحضن طفلها ، أنه صراع طاهر كصراع يعقوب مع الملاك ، كان الملاك يسند بيديه رأس المصارع بعزم وحنان كحنان الأم لرضيعها ، وفي الوقت عينه تدخِل ركبته في وركه ، قهر يعقوب ، أنه طفل بين يدي أمه وحبيبه . أنه صراع  النفس التي تعود إلى الرب وتعيش في حضنه ، هناك سترى الأمان والراحة .
بعد فترة العقوبة وسماح الرب لعروسته بالعودة إلى دارها من بابل ، هل عاد جميع شعب اسرائيل المسبي إلى أسرائيل رغم التسهيلات التي قدمها لهم المستعمر الفارسي لأجل العودة وبناء الهيكل والذي أعادة لهم كل أواني الهيكل المقدس ؟ الجواب كلا ، بل العائدون بحماس إلى أرض الوطن والذين ساهموا بأعادة بناء الهيكل كانوا قِلة قليلة . كان على جميع الشعب المنفي من أرضه العودة إليه كما أعاد الرب جميع أسرائيل من مصر ( أش 16:11).لن يهتم كل الشعب بالعودة ، وحتى العائدون كان قسماً منهم حاملين معهم عادات الأمم الوثنية وآلهتها ، بل متزوجين قسماً منهم من الأمميات . والمؤسف جداً أن القسم الآخر فضلوا البقاء في بابل التي فضلوها على أرض الميعاد التي وهبها الرب لهم . فهل سيرثون تلك الأرض الغريبة كمواطنين اصلين في بلاد النهرين مهما طالت أقامتهم عليها ؟ الجواب كلا ، فرغم خدمتهم فيها بكل أمان ولأكثر من 2500 سنة ، تم أهانتهم وقتل الكثرين منهم وطرد الباقين مع الأستيلاء على ممتلكاتهم في نهاية أربعينات القرن الماضي ليعودوا مهانين إلى أرض كنعان ، أرض الآباء والأنبياء التي وهبها الله لنسل آبائهم أبراهيم وأسحق ويعقوب . وبسبب خيانتهم أخذ العريس الكرم منهم ، وأعطاه للأمم . لو عاد كل ذلك الشعب إلى أرض الميعاد بعد سقوط بابل لكان الكثيرين منهم قد آمنوا برسالة العريس ( يسوع المسيح ) له المجد عندما تجسد في أرضهم كما آمن الكثيرين من اليهود به كرسل وتلاميذ الرب وجمهور غفير فكان لهم الخلاص .
ليتمجد أسم العريس ، رب المجد

234
نشيد الأناشيد ... حب ، خمر ، قبلات  بين الحبيبين

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( طوال الليل على مضجعي طلبت بشوق من تحبه نفسي ، فما وجدته ) " نش 1:3 "

نشيد الأناشيد سفر من أسفار الكتاب المقدس الذي يُعبِّر عن حب الله لشعبه ، ولكل مؤمن به ، إنه حب روحي مقدس ، وكأنه كلام غزل .بين العريس والعروس . العروس تبحث عن حبيبها وتسعى إلى اللقاء به ، أو أنه سيصل إليها لكي يخطبها ويتزوجها ليسكنا معاً . نجد فيه جمال الحب الزوجي الطاهر .  يقال بأن سليمان الملك ألف مئات الأناشيد في القرن العاشر ق.م . وسفر (نش) هو واحد اً منها ، بل هو أفضلها .
لفهم لغة التخاطب بين العريس والعروس ، يقول ، هناك حب عاطفي بينهما ، وكلمات غزل طاهر في خد العروس ، في نهديها ، في عنقها ، في قامتها ، وحتى في أنفها . العروس تتحدث لتعبر عن حبها مع حبيبها ، فتارة تخاطبه بصيغة الغائب ، وأخرى وكأنه حاضر ، أو هو يخاطبها  ، فيقولا لبعضهما ( حبك أطيب من الخمر ) "10:4" و ( أشرب خمري ) " 1:5" و ( سرتك كأس مدورة ، لا تحتاج غلى خمرة ممزوجة  ) " 2:7" وكذلك ( كلامك خمر طيبة ) " 10:7 " . يكرر موضوع الخمر سبع مرات على شفاه الحبيبة والحبيب والذي يرمز إلى كمال العذوبة ، لأن الخمر يرمز في الكتاب المقدس إلى الفرح . يقول سليمان في سفر الجامعة ( أسلم جسده للخمر ) " 3:2" لأن الخمر يفرح قلب الأنسان ( مز 15:104) على أن لا يدخل الشارب في حدود السكر ، أي الخطيئة . الخمر الممزوج يرمز غلى الفرح الموجود في المؤمن ومصدره الروح القدس الساكن فيه .  كما أن الخمر في العهد الجديد يربط مع الحب ، فأولى معجزات يسوع كانت تحويل الماء إلى الخمر في عرس قانا الجليل ، وهناك أظهر مجده لأول مرة لتلاميذه فآمنوا به ( يو 11:2 ) . يسوع يعطي ويفيض . خمر قانا ربطه الرب بخمر العشاء الأخير بقوله للعذراء ( ساعتي لم تأتي بعد ) لأنه لن يأتي ليعطينا هذا الخمر ، بل أعطى لنا خمر دمه في الليلة الأخيرة ، في تلك الليلة حول الخمر إلى دمه الحقيقي وأعطاه لمختاريه ( لو 20:22 ) . خمرمن العريس ( الله ) إلى العروس ( الكنيسة ) .
نشيد الأناشيد يتضمن علامات حب بين الحبيب وحبيبته وتعَبّر عن كل مسرات هذه الدنيا ، كالخمر ، والقبلات ، والطيب أيضاً له دور كبير في كل أصحاح ، ويذكر عشر أنواع من الطيوب ، كالعطر ، الناردين ، الكافور ، المرّ ، البخور ...الخ ، ويقول ( رائحة عطورك تتجاوز كل عبير ) العطر يسحر الحبيب لكي يجذبه إلى حبيبته ومن ثم يدخل بها إلى أخاديره ( غرفة النوم ) أي إلى الحياة الحميمة , تقول العروس بفرح ، ادخلني الملك أخاديره . والملك هو ذلك المحبوب المعبود . هو ملك الشعب وعريسه . إذاً العريس هو الله ، وشعبه المختار في العهد القديم كان العروس . أنه حب طاهر بين الأثنين ، فكان العريس يدعو عروسته ( أختي العروس ) " 12:4 " كذلك كان صوت حبيبي يقرع الباب ويقول ( أفتحي لي يا أختي ، يا حبيبتي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ) " 2:5 " كذلك العروس تخاطبه قائلة ( ليتك كنت أخي الذي رضعته أمي ) " 1:8"  .
في هذا السفر قصة حب ، يبدو حباً عاطفياً ، لكنه يفوق طبيعة الحب الجسدي لأنه حب خاص بالله مع شعبه . وحبنا نحن شعبه اليوم معه . وبواسطة هذا الحبيب سنكون على مستوى من الحب الناضج والمقدس لكون مستعدين دائماً لأستقباله ، إنه العريس . فمتى جاءنا وإن لم نكن مستعدين لأستقباله إذا طرق بابنا فأنه يمضي ويَعبِر . العريس استحلف بنات أورشليم بأن لا يقطعن على العروس راحتها ، بأن لا يُيقضها من رقادها . أو إنها هي لا تريد أن تنهض وتقتح له الباب رغم الطرق ونداء العريس ( يا لأختي ، يا حمامتي ، يا كاملتي ، أفتحي ) أما هي فتجيبه بجواب مقرون بالأعذار الواهية لكي لا تقوم وتفتح له الباب ، فتقول ( خلعت ثوبي فكيف ألبسه ؟ غسلت رجليّ .. ) أي إنها في راحة ولا تريد أن ترهق نفسها وتستقبل حبيبها الغالي . أو إنها تقول له ( أنا نائمة وقلبي مستفيق ) أي إنها غير مستعدة لأنها ما بين السهر والنوم ، إنها تشبه التلاميذ الثلاثة في مشهدي التجلي والنزاع عندما سيطر النعاس عليهم ، لهذا وبغهم العريس قائلاً ( ما بالكم نائمين ؟ ) . على كل المؤمنين أن يستعدوا لفتح الباب للمحب الذي يطرق باب قلبهم وهو يقول ( هاءنذا واقف على الباب أقرعه ، فإن سمع أحد صوتي وفتح الباب ، دخلت إليه لأتعشى على قُربٍ منه ) " رؤ 20:3" . علينا أن لا نتأخر بفتح باب الأيمان للرب وكما فعل القديس أوغسطينوس الذي تأخر بالأيمان  بالعريس ، فقال له ( أحببتك متأخراً أيها الجمال القديم الجديد . أحببتك متأخراً ، حين ينكشف هذا الجمال قريباً . حين يكون هذا الوجه مُشعاً ، حينئذ تبدو الخطورة بأن نميل عنه ولو لحظة . نعم لقد كنت معي ، ولكني من فرط شقاوتي لم أكن معك ) وهذا ما يطلبه العريس من الجميع بأن لا يتأخروا لأستقباله ، لأن التأخير هو خيانة للحبيب .
العروس أرادت أن تصور جمال حبيبها فاستعملت 22 أداة تشبيه منها ، الألوان ، المعادن الثمينة ن الحجارة الكريمة ، العطور ، الطيور ، عناصر الكون ، المياه ، الأرض ، الأزهار وغيرها . إلا أن جمال ذاك الذي ترسمه في مخيلتها يتعدى بعظمته حدود الكون والوصف . وحبه لا حدود له . لكن إيمانها يصنع المعجزة فيحول ألمها إلى نشيد ومديح يتيح لها خيالها أن تصور بنات أورشليم ، خليلها وأميرها الغائب القريب البعيد . جمال حبيبها لا يُعضبَر عنه بالكلمات لأنه جمال مطلق وثابت لا يتحول ، إنه الوجود الحقيقي ، بل أصل الوجود ن لا ينمو لأنه كامل ، ولا ينقص لأنه أبدي 

الله هو الملك والعريس . سأل بيلاطس البنطي يسوع ، فقال ( إذاً ، أنت ملك ؟ ) أجاب يسوع ( أنت قلت ) " يو 37:18 " . فكل ما يدور في هذا السفر وكأنه قصة حب بين الحبيب وحبيبته ، بل هو حب البشرية لخالقها ، وحب المسيح لعروسته ( الكنيسة ) .
عندما خانت العروس عريسها في العهد القديم ( شعب أسرائيل ) تركها لوحدها ، فجاء العدو من الشرق ليخطفها إلى بابل ، ومن هناك استنجدت بالعريس لكي يعيدها إلى مكان تواجده على أرض الآباء لتقترب منه في جبل صهيون . كانت العروس في بلاد النهرين تتنهد وتنتظر مجىء العريس ، فكانت تبكي وترفع التضرعات لكي يأتي إليها ولا يتأخر في المجىء ليعيدها من أرض الشتات إلى بيتها في أرض الميعاد . كانت العروس تحلم بالعودة لكي تلتقي به في هيكل قدسه ، فكانت تدعوه بكلمات الحب المليئة بالحرارة . وهذا هو أسلوب الرب للفاترين في الأيمان لكي يدخلهم إلى حياة أيمانية حارة تعيدهم إلى الحب الحقيقي الذي يربط بينهما , أرادت العروس ان تعود إلى أورشليم التي هي سرّ ة الأراضي المقدسة ، والواقعة في قلب الأرض ، وهذا ما نقلته الأسفار المنحولة . تقول الآية ( سرتك كأس مدورة ) تشير إلى أورشليم التي فيها العريس ، وأي عروس لا تستطيع أن تصل إلى حبيبها إلا إذا أستندت على ذراعه ، فحينذاك يكمل حب الحبيبة مع الحبيب فلا شىء يستطيع أن يفصله ، كما قال الرسول بولس ( فمن يفصلنا عن محبة المسيح ؟ ... ) " روم 8: 35-38" .
( ثدياك تؤأما ظبية ) وصف الثديين بأنهما مثل توأمي ظبية إشارة إلى الوحدة والانسجام ، كما ان في الثديين إشارة إلى ما سيتمتع به ذلك الشعب من شبع ودسم في ذلك الحين ، كما تقول الآية "افرحوا مع أورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها. افرحوا معها فرحا يا جميع النائحين عليها لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزيانها. لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها"(أش66: 10و11). كما يرمز الثدين إلى الخصب ، فأرض كنعان خصبة ، وتزرع في كل فصول السنة ، كذلك يظن أن الثدين يدلان على جبلي عيبال وجرزيم والتي تشير إلى حلم كبير وهو توحيد الأخوين المنفصلين ( أسرائيل ويهودا ) فيجدا من جديد أنهما أمة واحدة مشتركة ليصيرا من جديد شعباً واحداً ، وهذا يرمز إلى موضوع الوحدة بين الخبز والخمر في سر الأفخارستيا ، وإلى رمز وحدتنا نحن شعبه في العهد الجديد معه في تناولنا لنتاج أمتزاج الخبز والخمر لنتحد مع العريس  ، وهكذا الكنيسة الأم تلد أولاداً لله من كل البلدان  . توسلت القديسة تريزيا الأفيلية في آخر أيامها بعريسها وقالت له ( يا ربي وعريسي ، ها قد جاءت أخيراً الساعة التي تشوقت إليها كثيراً ، الآن جاء وقت الأتحاد ، جاء الوقت الذي نسير ببركة الله ) .

أما في العهد الجديد ، فالعريس هو الرب يسوع ، والعروس هي كنيسته ، إنه الملك ، فلقب العريس والملك يليق بالمسيح وحده ، بل هو الذي أطلق على نفسه العريس عندما سأل متى يصومون تلاميذك ؟ فقال ( هل يستطيع المدعون إلى العرس أن يصوموا ما دام العريس معهم ؟ ) " مر 19:2" أنه الملك المطلق على كل الأمم ( ملك الملوك ورب الأرباب ) الملك والعريس هو الذي يجذب العروس إليه لأن العروس لوحدها لا تستطيع أن تدخل إلى خدر العريس وتشرب من خمره . فالمبادرة تأتي من العريس وحده ، فيقول ( انهضي يا حبيبتي ، يا جميلتي ، وتعالي معي ) " 10:2" . أما عبارة ( ليقبلني بقبلات فمه ) أوليقبلني ، أمسكني ، أجذبني ، فهي ترمز إلى دخول العروس في حياة العريس فيمتلك الواحد الآخر ، ويبرز الفرح والبهجة . الحبيبة العروس كفرد أو شعب ، أو أمة تعبد الرب وتفرح بحبه الذي يفوق كل مسكر. كما قال زكريا النبي ( تفرح قلوبهم كما من خمر ... يفرحون وتبتهج قلوبهم بالرب ) " زك 7:10 " الحب هو أكثر من الخمر تأثيراً . وفي الختام نقول ألتقت العروس ( شعب أسرائيل ) بحبيبها عندما عادت من بابل إلى أرض الحبيب بعد أن عادوا إلى رشدهم وتابوا . أما شعب العهد الجديد فسينطلقون من هذه الأرض الغريبة إلى الأرض التي يسكن فيها العريس ، وأعد فيها منازل كثيرة لهم . لا يستطيعون لوحدهم الذهاب ، بل العريس هو الذي سيجذبهم وهناك سيتم الفرح الدائم ، وحسب قول العريس ( لا يستطيع أحد أن يأتي أليّ إن لم يجذبه الاب ) " يو 44:6"
وللعريس المحب لكنيسته المقدسة  المجد دائماً    

ملاحظة : سنتناول سفر نشيد الأنشاد بمقال آخر عنوانه ( العريس يسلم عروسته لأعدائها لتأديبها )


235
آلوهية يسوع الأنسان
بقلم / وردا أسحاق قلّو
( في البدء كان الكلمة ، كان الكلمة مع الله ، وكان الكلمة هو الله ) " يو 1:1 "
منذ البدء كان يسوع الكلمة متحداً مع الله في ثالوث أبدي مقدس ، وكان هو اللوغس الأزلي الذي به خلق كل شىْ . إنه إله من إله ، مساوي للآب في الجوهر . تجسد بين البشر بعد أن اتخذ له جسماً لأنقاذ الأنسان الخاطىء المتمرد ، وأنهاء جريمة العصيان على الله .
الأنسان الذي تمرد بمحض إرادته ، وليس عن جهل ، فلأجل خلاصه ينبغي أن يدفع ثمن جريمته ، وبما أنه عاجز لأن يدفع لله ثمن خيانته ، فقرر الله بسبب محبته للأنسان أن يرسل أبنه الوحيد لكي يفتدي بأرادته من أجل المصالحة وأعادة العلاقة .
إذاً كان يلزم أن يتخذ يسوع جسداً بشرياً مليئاً بالنعمة لكي ينتصر على أهواء الجسد ويتحدى التجارب والخطيئة كإنسان ، فناسوت المسيح ليس مجرد إنسان مرسل لمهمة الفداء فحسب ، بل كان عمله حراً ، نابع من أرادته الذاتية . فالمسيح الذي أخذ جسداً ونفساً ، ألهها بلاهوته ( فإنه فيه ، جسدياً ، يحل الله بكل ملئه ) " قول 9:2" . بل كل إنسان أيضاً مخلوق على صورة الله ، والله الذي أقامه سيداً على الخليقة كان عليه أن يتصرف وفق تلك الصورة ، وكما فعل يسوع الأنسان ، هكذا كانت تتوضح صورته الحقيقية أمام الخالق وأمام بني البشر .
بتجسد المسيح أتحد لاهوته بناسوته إتحاداً أبدياً كاملاً . فلا يجوز الفصل بينهما ولو للحظة ، لأنه صار كيان واحد بطبيعتين . لن تنقض طبيعته الإلهية عندما أخلى ذاته وأتخذ صورة عبد ، وهذا ما أوضحه لنا القديس بولس ، بقوله ( إذ إنه ، وهو الكائن في هيئة الله ، لم يعتبر مساواته لله خلسة ، أو غنيمة يتمسك بها ، بل أخلى نفسه متخذاً صورة عبد ، صائراً شبيهاً بالبشر ، وإذا ظهر بهيئة إنسان ... ولكي يعترف كل إنسان بأن يسوع المسيح هو الرب ، ليمجد الله الآب ) " في 2: 6-11" .
كان يسوع أنساناً مسيطراً على التجارب ومطيعاً حتى الموت فبلغ الكمال في الناسوت ، وأنكشف على حقيقته بعد القيامة بأنه متحد مع الله . وهذا الإتحاد لا يتعلق بهذه الحقلئق فحسب ، بل كان موجوداً منذ الأزل ، وفي حياته الأرضية تحقق تدريجياً للمؤمنين به أنه أبن الله . والتلاميذ أنفسهم لن يستطيعوا أن يكتشفوا آلوهية المسيح إلا في النهاية . وهذا ما نلتمسه من الأناجيل بأن هناك براهين كثيرة تثبت بأنهم كانوا عاجزين بمعرفة آلوهيته عندما كان معهم رغم مشاهدتهم لأمور عجيبة حصلت أمامهم كسماع بعضهم صوت الله على جبل التجلي عندما قال الله الآب  ( هذا هو أبني الحبيب ... ) في مشهد التجلي نستوعب حقيقة المسيح كإنسان وإله . هناك ظهر نور الألوهة ونعمتها الفائضات يؤلهان الجسد المنظور نفسه ويظهران من خلاله . فإبن الله المتجسد أتحد بالأنسانيتنا  كما يتحد هو مع كل مؤمن يتناوله بأستحقاق في سر الإفخارستية ويجعل جسده هيكل لاهوته .
المسيح هو صورة منظورة لله الغير المنظور ، ليسه مجرد إنسان فقط ، بل هو صورة حقيقية لله كما قال للرسول فيلبس ، ليس بعقله وقدراته فحسب ، بل بكيانه كُلهُ ، بنفسه وجسده وروحه . إنه إنسان ( آدم الجديد ) وإله باعث الحياة ( كائناً روحياً يمنح الحياة ) " 1 قور 45:15 " فالمسيح الإنسان بموته وقيامته أسس عهداً جديداً ، فلم يغفر خطيئة المؤمنين به فحسب ، بل حذفها ، لأنه دفع ثمنها لكل من يؤمن بسر الصليب وعمله الخلاصي . كذلك يؤكد لنا بولس الرسول بأن المسيح المتجسد هو الله ( .. جاء المسيح حسب الجسد ، وهو فوق الجميع الله المبارك إلى الأبد ، آمين ) " رو 5:9"
ختاماً نقول ان المسيح هو أنسان كامل ، وإله كامل ، فهناك وحدة بين اللاهوت والناسوت ، نفهمه إنساناً ويتحدث بأقوال كثيرة كإنسان ، وتارة أخرى أنه يتحدث ويعمل كإله . نذكر بعض أقواله
تعمد على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن ( إنسان )
حضور اقنوم الآب والروح القدس عليه بعد خروجه من الماء ( إله )
دخل إلى بيت زكا ( إنسان )
قال : حصل خلاص في هذا البيت ( إله )
عطش فطلب الماء من السامرية الخاطئة ( إنسان )
كشف كل أسرار السامرية ( إله )
صعد مع التلاميذ إلى جبل طابور ( إنسان )
نور ساطع يشع من وجهه ومن ثيابه ( إله )
صام اربعين يوماً ثم جاع ( إنسان )
جاء الملائكة ليخدمونه ( إله )
دعي إلى عرس قانا ( إنسان )
حول الماء خمراً ( إله )
علق على الصليب ( إنسان )
)قام من بين الأموات ( إله )
قال على الصليب أنا عطشان ( إنسان )
اليوم ستكون معي في الفردوس ( إله )
أخذ يوسف الرامي جسده ولفه بأكفان مع الطيب ( إنسان )
قام من بين الأموات بجسد ممجد ( إله )

ولربنا يسوع كل المجد


236
أختار المسيح تلاميذ جهال ليخزي بهم الحكماء والأقوياء

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرب لتلاميذه ( لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَمًا وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا.) " لو15:21".
نبدأ أولاً بالعهد القديم فنجد بأن الله هو الذي أختار لخ خداماً كأبراهيم من أور الكلدانيين ، فترك هذا كل شىء وتبع صوت الله لأنه آمن بصاحب الصوت ، أي ( بالإيمان أبراهيم لما دُعيَ أطاع ... فخرج وهو لا يعلم إلى أين ) " عب 8:11 ". كذلك أختار يعقوب  بدلاً من أخيه الأكبر ، وأختار يوسف من بين الأسباط الأثني عشر ، وأبنه الصغير عن منسى الكبير ، وكذلك أختار داود أصغر أخوته  , لماذا ؟ لأن الله لا يشبه البشر في الأختيار . الأنسان ينظر بالعينين لكي يختار ، أما الله فينظر إلى القلب ( طالع 1 صم 7:16" وقد أعترف داود بذلك بتفصيل رائع في " مز 139" .
 وهكذا في العهد الجديد أختار الرب يسوع  رسله وتلاميذه السبعين على غرار أختياره لأثني عشر سبطاً وسبعين شيخاً . ولماذا أختار الرب أثني عشر فقط ، وماذا يرمز هذا العدد ؟ العدد 12 هو حاصل ضرب 3 في 4  والعددان يرمزان إلى الثالوث الأقدس ، وإلى جهات العالم الأربعة التي أشار إليها يسوع في وصيته الأخيرة للرسل ، قال ( أذهبوا إلى العالم أجمع ، وأكرزوا بالأنجيل للخليقة كلها ... ) " مر15:16).
أختار المسيح أثني عشر تلميذاً من كل تلاميذه وسماهم رسلاً ، أسمائهم ( طالع لو 6: 13-16) . أما مؤهلاتهم ، فكانوا جميعاً من المستويات العامة البسيطة والفقيرة ، معظمهم كانوا يمتهنون مهنة الصيد التي كان كل فقير يعمل بها لكسب قوته اليومي . لم يذكر الكتاب شيئاً عن مواهبهم العلمية ، لأنهم كانوا من عامة الشعب .
ما هي حكمة يسوع في تحدي الحكماء والمتعلمين بجهال غير متعلمين ! ألم يحتقر الله الجاهل في آيات كثيرة من الكتاب المقدس ، فيقول(وَالْجَاهِلُ يَنْشُرُ حُمْقاً) " أم 13: 16". كذلك قال عن الجهلاء بأنهم يحتقرون الحكمة والأدب " أم 7:1" . بل وصف شفتي الجاهل بالمهلكة ، بقوله (فَمُ الْجَاهِلِ مَهْلَكَةٌ لَهُ وَشَفَتَاهُ شَرَكٌ لِنَفْسِهِ) " أم 18: 7 ". هل غاية الله هي ألغاء العلم والمعرفة لكي تحل محلها البساطة ، أي تحدي للحكمة هذا الهالم بحكمة جديدة من الفوق ، بأعتبار أي حكمة أرضية هي شيطانية مرفوضة فعلى الله أن ينتقم منها ويزولها ، لذلك قال أشعياء في " 14:29" (سأنتقم من هؤلاءالمنافقين ، فأبيد حكمة الحكماء وارفض فهم الفهماء ) وهكذا في العهد الجديد يصف الرسول بولس حكمة هذا العالم بالجهالة ، فيقول ( لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله لأنه مكتوب " إنه يمسك الحكماء بمكرهم " )"1قور 19:3" . والرسول يعقوب يصف حكمة هذا العالم بالشيطانية ، بقوله ( ليست هذه الحكمة نازلة من عند الله ، بل هي أرضية بشرية شيطانية ) " يع15:3 " . لهذا فضل الله الجهلاء المؤمنين به على الحكماء والفلاسفة والأقوياء ، لهذا قال الكتاب (لان جهالة الله احكم من الناس وضعف الله اقوى من الناس ) " 1 قور 25:1" لهذه الأسباب أختار الرب يسوع تلاميذاً جهال ، وبهم قاوم حكمة المتعلمين وأخزاهم ، لهذا قال الرسول (اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ) "1 قور1: 27" .
بهؤلاء البسطاء أستطاع يسوع أن يتحدى العالم بعلمه وعلمائه وحكامه الأقوياء ، هؤلاء يجب أن يغزو العالم بسياسة جديدة وسلاح جديد  ، لهذا لم يحملوا سيوفاً لأن سيدهم زجر الأكبر فيهم عندما ضرب بالسيف ، فقال له ( رد سيفك إلى غمده ! فإن الذين يلجأون إلى السيف ، بالسيف يهلكون ) " مت 52:26 " . كانت هذه الخطوة الأولى في التعليم الجديد لكي يخضع الأقوياء لهم بقوة المحبة . هؤلاء الفقراء تبعوا المسيح عندما دعاهم وقبل أن يختبروا دعوته . كانت دعوة يسوع لهم بسلطان فيه قوة لجذبهم أليه وترك أعمالهم وأهلهم . تبعوه بمللء إرادتهم وحريتهم لمجرد قوله لكل منهم ( أتبعني ) . لما تبعوه علمهم نكران الذات أولاً ، فقال ( مجاناً أخذتم مجاناً إعطوا ، لا تقتنوا ذهباً ، ولا فضة ، ولا نحاساً في مناطقكم ، ولا مذوداً للطريق ، ولا ثوبين ، ولا أحذية ، ولا عصا ، لأن الفاعل مستحق طعامه ) " مت 10:8-10" . وأكثر من هذا أخبرهم بأنهم سيتحملون في المستقبل الظلم والأضطهاد بسببه ، ولا يكون لهم أي مكافئة في هذا العالم ، بل في السماء الموعود ، هناك سيضعهم على يمينه . تبعوه وتعلموا هؤلاء الجهال في مدرسته الجديدة ولمدة ثلاث سنوات علماً جديداً وآمنوا به وأعترفوا المعلم ، والراعي الصالح ، والمخلص.  أختبروا آياته وقدراته ، وسمعوا أقواله ووصاياه وتعليمه ، فآمنوا به وأعترفوا بأنه المسيح إبن الله . تلقوا منه التعليم الكامل ، وألتقوا به بعد القيامة ، ونفخ فيهم نفخة الكهنوت ، وأعطاهم سلطاناً للحل والربط ، وألتقوا به يوم الصعود ، فأوصاهم بأن يبقوا في أورشليم لكي يلبسوا القوة من الأعالي ( قوة الروح القدس ) وبعدها ينطلقون في مسيرة التحدي ، ويغلبون العلماء والحكماء وفلاسفة هذا العالم ويغلبوهم . بعد العنصرة أنطلقوا وبشروا بأسمه القدوس فكانت لهم قوة جبارة متحدثين بألسنة جديدة لم يسبق لهم تعلمها ، فأذهلوا العالم ، وكان الرب يؤيدهم بقوات ومواهب ، فعملوا المعجزات كأقامة الموتى ، وشفاء المرضى ، وأخراج الشياطين ، وغيرها ( طالع 1 قور 12 و. مر 16 ) . يسوع لم يتركهم بعد الصعود ، بل وعدهم بأنه سيرافقهم إلى نهاية الدهر . هؤلاء الضعفاء أصبحوا أقوياء ولم ينكروا سيدهم الذي عاشوا معه ولمسوه بأيديهم وشاهدوه بأعينهم ، وسمعوه بآذانهم ، ورأوا معجزاته ، لهذا كانوا لا يهابون الموت ، بل كانوا يستخفون من تهديد خصومهم ، مؤمنين بقول الرب لهم ( ثقوا أنا قد غلبت العالم ) . ليتمجد إسمه القدوس .


237
التشابه بين ميلاد المسيح وقيامته

بقلم/ وردا أسحاق قلّو

في ميلاد المسيح وقيامته دروساً مهمة ومتشابهة ، وعجيبة ، وخارقة ، يعجز العلم والعقل من تفسيرها لأنها لإله قدير متجسد في عالمنا ، أسمه ( عجيباً ، مشيراً ، إلهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام ) " أش6:9" . نبدأ بميلاده الزمني الذي كان معجزة عظيمة لم تحصل في التاريخ ولن تتكرر، إنه المولود من الأزل . ولد بيننا من إمرأة  لم تعرف رجلاً ، فكان في حياته الأرضية أم بدون أب ، عكس ما كان في السماء ، كان له أب بدون أم . تجسد في أحشاء البتول من الروح القدس ، لأنه أبن الله .

أما قيامته فكانت بأرادته وسلطانه . لم تتكرر في التاريخ أيضاً ، غلب الموت بقيامته العظيمة ، أنه رب الحياة والموت ، إنه القيامة بذاتها ، وكما قال لمرتا أخت لعازر ( أنا القيامة والحياة ...) " يو25:11" .

ولد من مريم تاركاً بتوليتها مختومة . هكذا قام من بين الأموات وخرج من القبر تاركاً الأختام الرومانية على الحجر سليمة . والحجر دحرجه الملاك بعد القيامة أمام الحراس المذعورين ليبرهن للعالم سلطانه على الطبيعة وقوانينها . وهكذا دخل وخرج إلى حيث كانوا التلاميذ والأبواب مغلقة . بدخوله خلف الأبواب المغلقة وخروجه منها  أمام التلاميذ أثبت لهم بأنه الرب القائم من بين الأموات .

في الميلاد ظهر ملاكاً للرعاة وبشّرهُم ، ثم ظهر لهم جمهور من الجند السماوي ينشدون إنشودة الميلاد . أما في القيامة فظهر أيضاً ملاكان عند القبر وتحدثا مع النسوة ، فقالا ( لماذا تطلبن الحي بين الأموات ، ليس هو هنا ، لكنه قام ... ) " لو 6:24" .

دخل إلى العالم في أحشاء مريم بطريقة لم يدخلها أي أنسان إلى العالم لأنه قدوس الله " رؤ 7:15" . وفي قيامته أيضاً أثبت آلوهيته ، لأن الموت دخل إلى العالم بسبب الخطيئة ن ولكنه إله قدوس بلا خطيئة ، لهذا استطاع أن يقوم في اليوم الثالث وكما قال لتلاميذه قبل الصلب . لهذا عبر عنه الرسول ، قائلاً ( تبرهن أبن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات ) " رو 4:1 " .

في الميلاد حملهُ سمعان الشيخ ، وقال ( الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عينيّ أبصرتا خلاصك ) " لو 2: 29-30" والملاك قال ( ولد لكم مخلص ) .

في القيامة يقول الكتاب ( مات لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا ) " رو 25:4" . يقول مار بولس ( لأنك أن أعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلِصتَ ) " رو9:10" .

في الميلاد حصلنا على الفرح عندما بشَرنا الملاك ( ها أنا أبشركم بفرح عظيم ، يكون لجميع الشعب ، إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ) " لو 11:2 ) هنا يثبت الملاك آلوهية المسيح المولود .

في القيامة كان للتلاميذ فرح ورجاء ( ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب ) " يو 20:20" .

ميلاد المسيح قوبل بالمقاومة من قبل هيرودس الملك وحاول قتله لكي لا ينافسه على كرسي الحكم الأرضي .

أيضاً قوبلت قيامته بمؤامرة رؤساء الكهنة والشيوخ عندما أخبرهم الحراس الرومان بحقيقة القيامة ، فدفعوا لهم الرشوة وقالوا لهم ، قولوا أن التلاميذ أتو ليلاً وسرقوه ونحن نيام " مت 28: 12-15 " .

الشيطان هو الذي كان يحرض على مقاومة المسيح منذ ولادته وحتى موته ، وبعد قيامته لكي لا يؤمن به أحد ، لأنه كذاب ، ومقاوم ، ومعاند ، وكذاب ، ومضلّ ، ومهلك ، بذل كل جهوده لكنه فشل . وآخر أسلحته كان الموت ، لكنه أيضاً فشل بقيامة المسيح الذي غلب الموت بالقيامة ، وهكذا سنقوم نحن أيضاً بأجساد ممجدة فنولد ولادة أبدية لا تعرف الموت ، وبأجساد ممجدة تليق بالسكنى في ديار الرب العجيبة ، فيعطى لنا كما كتب   

( مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ)" (1 كو 2: 9)

 


238
قيامة المسيح مع الأدلة وثورة التغيير
بقلم / وردا أسحاق قلّو
http://www.m5zn.com/newuploads/2019/04/19/jpg//m5zn_077d412ef603291.jpg
 ( فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ ) " كول 1:3 "
تَجَسَدَ المسيح في عالمنا فصار واحداً منا لكي يموت على الصليب ، وعلى الصليب يدفع فدية خطيئة الأنسان . فالصليب والقيامة هما حدثان أساسيان في إيماننا المسيحي ، وفي خلاصنا . شاء المسيح أن يموت مصلوباً أمام الجميع لكي لا يُنكِر موضوع الصلب من قبل اليهود ، وتم توثيق صلبه في سجلات الدولة الرومانية مع أسباب صلبه التي علقت على الصليب بأمرمن الحاكم بيلاطس البنطي الذي سلمه للموت رغم أعترافه ببرائته . لكن قيامته من بين الأموات وبسبب تواضعه لم يظهرها إلا للقليلين ومنهم الحراس . فبسبب قيامة المسيح حدث تغَيّيرَ وتطوَرَ وتحرير النسان من الشك ، أجل قِوة القيامة هي اقوى من كل شىء .  القيامة غيّرَت أمور كثيرة ، في جماعة المؤمنين أولاً ، فتحول حزنهم إلى فرح ، وشبح الموت إلى حياة جديدة ، والخوف إلى فرح ، وجبنهم إلى شجاعة ونحدي . وضعفهم إلى قوة ، والأمل بعد الخيبة . القبر الذي كان فيه الجسد المقدس كان مقفولاً بأحكام ، ومختوماً بأختام ، ومحروساً من قبل حراس مدججين بالسلاح . لكن في فجر يوم الأحد وجد الحجر مدحرجاً ، والقبر فارغاً ، والأكفان مرتبة مع منديل الرأس وهذا برهان واضح بأن جسد المسيح غير مسروق ، لأن ليس للسارق أن ينزع الأكفان ويرتبها ، بل عليه الهروب بالجسد مع الأكفان ، أو على الأقل نزعها ورميها بدون ترتيب من أجل الوقت للهروب قبل أن يشعروا الحراس . إذاً المسيح لم يسرق جسده ، بل قام بقدرة خارقة وخرج من الأكفان وتركها مُرتبَة مع المنديل . وبسبب منظر قيامتع المخيف هرب الحراس المذعورين من موقع الواجب .
الحجر يرمز غلى الحجاب الحاجز بيننا وبين الرب ، لكن في يد المسيح مفتاح الحياة ، يفتح ولا أحد يغلق ، وبذلك صار لنا ممراً مفتوحاً ليس لكي ندخل إلى القبر مثل النسوة ، بل إلى الفردوس السماوي .
كانت شهادة الحراس الأولى قبل أستلامهم الرشوة من قادة اليهود ، بأن زلزالاً عنيفاً قد حدث ومنظر لملاك كان بالبرق ، وثوبه ابيض كالثلج . بعد القيامة مباشرةً حضر النسوة فشاهدن ملاكين في داخل القبر وأخبروا النساء بقيامة السيد . وبعد خروجهن من القبر ألأتقى القائم معهن وتحدث مع المجدلية . كم ألتقى يسوع القائم مع بطرس وكل الرسل فغيّرَ حياتهم جميعاً ، وكذلك ألتقى مع تلميذي عمواس الذين تركوا أورشليم خلفهم  ليعودوا غلى قريتهم وحياتهم السابقة بعد أن صلب سيدهم ، ألتقوا مع القائم من بين الأموات فعادوا في الحال إلى أورشليم ، إلى دائرة أيمانهم . آمن جميع التلاميذ ، ومنهم توما الغائب الشكاك فقال للقائم ( ربي وإلهي ) أي شهادته كانت أقوى أعتراف بالقيامة وبآلوهية المسيح.
جسد المسيح القائم هو حالة تجلي جديدة لن يتغيّر بعد القيامة ، ولكنه صار في وضع ممجد ، وقد سبق وأن أعطى للرسل الثلاثة عربوناً لها على الجبل المقدس . أصبح جسده جسداً روحياً مرئياً وملموساً ، لكن لا يجوز لأحد أن يلمسه ، لهذا لن يلمسه توما الذي أراد لمسه ، بل رفعه الرب إلى درجة الأيمان وأعترف بقيامته دون أن يلمسه ، كذلك لم يسمح للنسوة أن تلمساه رغم ما كتبه الرسول متى ( وأمسكتا بقدميه ) " مت 9:28 " هذه الآية تعطف إلى آية أخرى لتكتمل المعنى ، حيث قال يسوع ( لا تمسكي بي ! فإني لم أصعد بعد إلى الآب ) " يو 17:20" . ظهر يسوع للكثيرين وألتقى بهم ثم صعد إلى السماء ليجلس بذلك الجسد عن يمين القدرة .
حدثت تطورات كثيرة بعد القيامة ، فتغيَرَت حياة المؤمنين الذي فقدوا الرجاء بسبب موت سيدهم . بالقيامة كسرت شوكة الموت لكي يصبح للمؤمن فرح وتغيير للدخول إلى عالم النور . رغم وضع أجسادنا تحت التراب لكب تتفسخ كالحنطة التي تزرع في التربة ، لكن ينبت لنا جسداً جديداً لا يقبل الفساد . وقد وصف لنا الرسول بولس هذه الحالة ، وقال ( يزرع الأنسان في فساد ، ويقوم في عدم فساد . يزرع في هوان ، ويقام في مجد . يزرع في ضعف ، ويقام في قوة . يزرع جسماً حيوانياً ، ويقام جسماً روحياً ) " 1قور 15: 42-43"
. فقيامة المسيح عملت تطوراً عجيباً للأنسان بقيامة الأجساد الممجدة لاحقاً وكذلك قيامة الروح التي ستلحق بذلك الجسد ، فلم يبقى للموت الثاني سلطاناً على القائمين بالرب يسوع إلى عالم الأرواح ، وهناك الحياة الأبدية والخلود . القيامة زرعت الفرح في التلاميذ " يو 20 : 20 " . القيامة اعطت للمؤمن بالقائم الحرية لأنها حررته من قبضة الشيطان ، ومن الموت الثاني ، لهذا نقرأ عن ثورة التحرير من الموت الأبدي تحدياً واضحاً له ، يقول ( أين شوكتك يا موت ، أين غلبتك يا هاوية ) " 1قور 55:15" طالع أيضاً " عب 14:2" .
ثورة المسيح في التغيير لا تقتصر في القيامة فحسب ، بل في تعليمه المبني على المحبة والعدالة . التغيير لايحصل بدون جهد جهيد وإرادة قوية وثابتة ، لأن ملكوت الله يحتاج إلى جهد أيضاً ، والمجاهدون يأخذونه عنوة ، هذه هي ثورة الأنجيل ، إنها ثورة المحبة المسيحية والتسامح ، فالمسيح القائم من بين الأموات أعطانا مثالاً على هذه الثورة حينما أوصانا قائلاً ( أحبوا أعداءكم ، وأدعو لمضطهديكم ، وأحسنوا إلى من يبغضكم ، قتكونوا بني أبيكم الذي في السموات ، الذي يطلع شمسه على الأشرار والأخيار ) " مت 5 : 44-45 " وهكذا يجب أن يثور كل واحد على ذاته ليستحق الملكوت .كلاك المسيح واضح لا لبسَ فيه ولا غموض ، قال ( إن لم يفِق بِركُم بر الكتبة والفريسيين ، لا تدخلوا ملكوت السموات ... فإن أحببتم الذين يحبونكم ... أو ليس الوثنيون أيضاً يفعلون ذلك ؟ ) " "مت 5 : 20 ، 46-47 " فكل مؤمن بالمسيح يجب أن يكون المثل الأعلى للآخرين ، لا يتوقف ، بل يتخطى إلى الأمام ليعمل من أجل تغيير العالم بقوة الروح الساكن فيه ، وهذا ما يطلبه منا القائم من بين الأموات في إنجيله . أي أن يكون المسيحي نور العالم وملح الأرض ، والخميرة في العجينة " طالع مت 5: 13-14" .
ونتائج قيامة المسيح من بين الأموات أعطت لنا الرجاء إلى حياة جديدة مع المسيح ، ومن الأدلة المادية والبراهين القاطعة لقيامة المسيح ، هو ظهوره حياً للكثيرين بعد القيامة . قال الرسول بطرس في عظته الشهيرة يوم العنصرة ( يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات ... وهذا أخذتموه بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه ، الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ) " أع 22:2" .
أثناء الصلب والقيامة تحققت عشرات النبؤات التي تطابقت مع تلك الأحداث ، كما تحققت نبؤات المسيح نفسح عن ذاته .
القيامة حولت رمز الصليب الذي كان يرمز إلى العار ، إلى أفضل علامة وفخر ، بل إلى علامة الأنتصار وشعار وعلم للمسيحية يحمل أسراراً كثيرة ، وبه يفتخر كل مؤمن كالرسول بولس . ظهر المسيح بعد القيامة للرسول يوحنا الرائي ليقول له ( أنا الحي وكنت ميتاً ، وها أنا حيّ إلى الأبد الآبدين ، ولي مفاتيح الهاوية والموت ) " رؤ 8:1" .
المسيح قام لأنه واهب الحياة ومصدرها ليقيمنا معه في الحياة الأبدية ونسكن في المنازل التي وعدنا بها ، وعلينا أن نشهد للعالم ونقول
قام المسيح ... حقاً قام  

239
مشاهد جمعة الآلام وأرتباطها بيوم القيامة

بقلم / وردا أسحاق قلّو
http://www.m5zn.com/newuploads/2019/04/16/jpg//m5zn_fabf0ea94db394e.jpg

جمعة الآلام يوم مميز في حياتنا المسيحية ، لأن في هذا اليوم حصل حدث كبير في التاريخ . جريمة كبيرة وقعت . أنها أكبر الجرائم حجماُ في التاريخ . خالق الكون حُكمَ عليه بالموت . لا وبل في ذلك اليوم حصل أيضاً خلاص لجميع الأمم . هذا الحدث وأهميته يعرفه كل مؤمن ، لهذا يعبرون عن أيمانهم ومحبتهم للفادي بحضورهم في الكنائس ومشاركتهم الصلاة أكثرمن كل الأيام والأعياد .
في يوم الجمعة الذي سبق الفصح اليهودي ، عقد رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب أجتماعاً تآمرياً ضد يسوع الناصري بعد ألقاء القبض عليه ، لينزلوا به عقوبة الصلب حتى الموت والتخلص منه ، فصدروا الحكم ضده . لما رأى يهودا الأسخريوطي أن الحكم قد صدر على يسوع ، ندم على جريمته فرد قطع الفضة الثلاثين الى رؤساء الكهنة والشيوخ معترفاً بخطيئته ، وبعدها ذهب وأنتحر .
المشهد الأول
 قاد رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ يسوع الى بيلاطس . نشاهد يسوع واقفاً أمام الحاكم بيلاطس البنطي لكي يسمع الى أسئلته ، حيث قال له
( أأنت ملك اليهود ؟ )
أجابه ( أنت قلت ) أي ( نعم أنا هو ) وجِهَت ضد يسوع أتهامات كثيرة من رؤساء الكهنة والشيوخ ، لكن السيد المسيح التزم الصمت . فقال له بيلاطس ( أما تسمع ما يشهدون به عليك ؟ )
 لكن يسوع لم ينبس بكلمة واحدة ، فتعجب الحاكم كثيراً ، علماً بأنه يعلم ببرائته ، وبأنه سلم اليه عن حسد وحقد ، لهذا قال ، أنا لا أجد فيه علة . الشعب أزداد هياجاً طالباً صلب يسوع . أقتنع بيلاطس أنه لا فائدة من أصراره لأن فتنة ستنشب بالأحرى . فأطلقه اليهم
كان المشهد رهيباً . بيلاطس الذي يمثل عدل الدولة الرومانية العظيمة كان واقفاً بين ملك الملوك وملك البر ، آدم الثاني من جهة ،  وبين بارأباس المجرم المحترف الشهير الذي كان يمثل آدم العتيق . عدالة الحكم الروماني أطلقت المجرم الفاجر الذي كان يمثل الخطيئة  ، لكي تحكم على البراءة بالأعدام . أجل حكم بيلاطس على يسوع  البرىء بالبراءة والأعدام في قرار واحد . أنه قرار عجيب حقاً . والأغرب من ذلك أراد أن يبرىء ذاته من الجريمة بعد أن حكم على يسوع بالموت ف
غسل يديه قدام الجميع قائلاً : ( أني برىء من دم هذا البار ) "مت 24:27 " . وما يزال بيلاطس في الجحيم يغسل يديه محاولاً أزالة الدم الغالي ، دم الفادي الطاهر الذي حكم عليه بالموت ، لكن يديه تبقى ملطخة ولن تغسل الى الأبد بل ستكون شاهداً عليه في يوم الدينونة الرهيب . كان بيلاطس يعلم بأنه برىء . والرب أراد خلاصه فأرسل له رسالة عن طريق حلم زوجته التي حذرته بشدة فقالت ( لا تتدخل في قضية هذا البار ) " مت 19:28 " لكن بدون جدوى . أرتكب بيلاطس حماقته ، فكان عليه أن لا يغسل يديه أمام الناس بل أن يعترف بخطأه ويطلب من المصلوب المغفرة والعفو والتوبة والأعتراف بدموع كما فعل بطرس الرسول ، لكي يغفر له عن ذلك الحكم الغريب في التاريح وهو
( نظراً لبراءة يسوع الناصري ، حكم عليه بالصلب حتى الموت).  الرب يسوع برىء من جهة بره الشخصي ، فيحسب خاطئاً لأن الآب وضع عليه أثم جميعنا وحسب ما هو مكتوب في " 2 قو  21:5" ( جعل الذي لم يعرف الخطيئة ، خطيئة لأجلنا لنصير نحن بر الله ).
. هذه هي محبة الله للبشر أفدى بأبنه من أجل خلاص كل من يؤمن به .
المشهد الثاني
سار الرب يسوع في طريق جلجثة الطويل حاملاً صليبه الثقيل الى أن وصل الى قمة الجلجثة المخيف . كان المشهد هناك رهيباً لأن رب المجد جرد من ثيابه وصلب عارياً أمام الجميع وبين لصَين . يسوع على الصليب في الساعات الثلاث الأخيرة التي قضاها على الصليب قبل أن يسلم الروح ، قال للص اليمين ( اليوم تكون معي في الفردوس ) " لو 43:23" .
 " بينما كان في بداية الأمر ذلك اللص غاضباً جداً وكان مع اللص الآخر يعيران الرب ، لكن سرعان ما تحول ذلك الغضب الى أيمان وتوبة وأعتراف بيسوع ، فقال له ( أذكرني في ملكوتك ) .
 أما الآخر فبقي مصراً على موقفه وخطيئته ولم يقبل التوبة فمات في طريق الهلاك . وهكذا يمثل بني البشر أحد هؤلاء المصلوبين ، فهناك من يقف الى يمين الرب في هذا العالم وهم المؤمنون الذين يطلبون الغفران والخلاص . أما الواقفون عن يساره فهم الذين يرفضون التوبة والأعتراف به وبعمل صليبه المقدس .
في يوم القيامة سنرى المشهد بوضوح ، حيث يقوم الراعي بجمع جميع الأمم ، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره
 مت 25: 31-33 "
على الصليب أراد المجرب أن يجرب يسوع كآخر محاولة له وذلك لكي يتخلى عن خطته ، أي موته على الصليب من أجل خلاص العالم .
 فتحدث المجرب على ألسنة رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ قائلاً
(خلص غيره ، أما نفسه فلا يقدر أن يخلص ! ... فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به!) " مت 47:27".

لما رأى يسوع أمه والتلميذ يوحنا الذي كان يحبه واقفاً بالقرب منها ، قال لمريم ( أيتها المرأة ، هذا هو أبنك ) ثم قال ليوحنا ( هذه هي أمك ! )
 بهذا كرم الرب أمه لكي تصبح أم البشرية كلها بشخص يوحنا الحبيب . صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً ( ألوي ألوي ، لما شبقتني ) أي ، إلهي إلهي لماذا تركتني . ظن الواقفين بأنه ينادي أيليا ، قال بعد ذلك ( أنا عطشان ) فناوله خلاً .
فذاقها وقال ( قد أكمل ) فصرخ بصوت عظيم ، وقال ( يا أبتي ، في يديك أستودع روحي 1 وإذ قال هذا ، وأسلم الروح . أعترف به قائد المئة ، فقال ( حقاً كان هذا الأنسان أبن الله ! )" مر 39:15".

المشهد الثالث
في هذا المشهد نشاهد الشواهد الطبيعية التي شهدت للأله المصلوب فنرى أن (حجاب الهيكل أنشق ستاره الى شطرين من الأعلى الى الأسفل . بهذا أزيل الحجاب الحاجز بين الله وبني البشر فتمت المصالحة . على الصليب تمت الرحمة والعدل الألهي . أما الأرض فقد تزلزلت وتشققت الصخور ، وتفتحت القبور، وقامت أجساد كثيرة لقديسين كانوا قد رقدوا لكي يشهدوا لهذا الخلاص العظيم  . نعم الطبيعة أيضاً شهدت بموت الرب وحزنت له أيضاً فحل الظلام على الأرض كلها فتحول الشمس الى ظلمة والقمر الى دم قبل أن يجىء يوم الرب المخيف) " لو23: 44-45 " و " مت 29:24"
 هنا تربط أحداث الصليب بيوم القيامة أي بمجيئه الثاني . فمشهد الجلجثة يشهد لمشهد نهاية العالم . فصلب يسوع على الصليب وموته هو فرح وخلاص للبشرية لهذا طلب منه الشرير أن ينزل من الصليب . عمل موت الرب طوعاً على الصليب من أجلنا ، هو نابع من محبة الله الآب أيضاً لبني البشر وحسب المزمور " 24:118"
( هذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعُهُ الرَّبُّ، نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فيه )
أنه يوم الرب العظيم
جمعة الآلام هي رسالة حب من الخالق الى المخلوق ، مفادها تقديم الآب أبنه الوحيد ذبيحة لأجل خلاص بني البشر . إذاً في جمعة الآلام نجد المحبة والفرح وليس الحزن ، لأن فيه التقت السماء مع الأرض فتمت المصالحة وبدأ الخلاص . أذاً حصل شىء عظيم في ذلك اليوم العظيم الذي يسمى ب ( الجمعة العظيمة ) وصف الأحداث الطبيعية في يوم الصلب تُحَدِث عن صورتها في نهاية العالم ،  في ما حصل على الجلجثة وما سيحصل في يوم القيامة وأحداثها قبل ظهور الرب فتؤكد صدق النبوات . فكل من يؤمن ويدعو الرب  سينجو من الهلاك ومن الدينونة . في سفر ملاخي " 19:3" أيضاً ربط المجىء الأول بالمجىء الثاني ، فقال
 ( فهوذا يأتي اليوم المضطرم كالتنور وكل المتكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشاً ، ويحرقهم اليوم الآتي ، قال رب الجنود ، فلا يبقى لهم أصلاً ولا فرعاً ) .
ولربنا المصلوب ، المجد دائماً

 


240
غاية يسوع من غسل أرجل التلاميذ
بقلم / وردا أسحاق قلّو
http://www.m5zn.com/newuploads/2019/04/14/jpg//m5zn_fe656bb8b396883.jpg

( فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم ، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض ) " يو 14:13"
غسل أرجل الضيف كانت  خدمة قديمة و سارية في المجتمع اليهودي أحتراماً وتقديراً للضيف . أبينا أبراهيم أعد الماء للضيوف الثلاثة الذين استقبلهم في باب الخيمة ، فقال لكبيرهم (دعني أقدم لكم بعض ماءٍ تغسلون به أرجلكم وتتكئون تحت الشجرة ) " تك 3:18" . . كذلك فعل لوط فقال لنفس الملاكين القادمين إلى سادوم من عند عمه أبراهيم  ، قال لهما ( ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما ثم تبكران وتذهبان ) " تك 2:19 " . فهذه العادة تدخل في مهمة خدمة الضيف ، وإن خالف صاحب البيت ولم يبادر بتقديم هذه الخدمة ، فيضطر الزائر للدخول إلى بيته بأرجل متسخة ، وقد يلومه كما فعل يسوع بسمعان الفريسي ، فقال له ( ... إني دخلت بيتك ولم تقدم لي ماء لغسل قدمي ! .. ) " لو 44:7" . وكان لكل بيت أجران حجرية مملوئة بالماء يستخدمها اليهود لتطهير الداخلين إلى البيت ، كالأجران الستة التي حول الرب يسوع الماء فيها إلى خمر" يو 6:2 " . ومن شروط هذه الخدمة لكي تكون ناجحة ومرضية فيجب أن تبرز بعض العلامات في مُقَدِم الخدمة ، منها المحبة الصادقة للضيف ، وتلك المحبة المحسوسة يجب أن تكون واعية ، وأن يحولها صاحبها إلى فعل عملي ملموس لكي ينجح في أكتساب عاطفة الآخر . فيسوع المسيح عى أساس المحبة قام وفعل هذا العمل مع تلاميذه . إنه معلمهم وإلههم الذي أختارهم وأحبهم لأنهم خاصته ، ورباهم بتعليمه ونورهم بروحه القدوس . وأخيراً بادر في غسل اقدامهم لكي يعلمهم التواضع ، لأن الأتضاع يحافظ الأنسان المؤمن من التعالي والكبرياء ، فكل خدمة للآخر إن لم تقترن بالمحبة لا تنفع شيئاً (1 قور 13 ) فما قام به الرب يسوع لأجل تلاميذه كان يحتاج إلى التواضع والأنحناء ، ولماذا غسل أرجلهم فقط ولم يغسل رؤوسهم وأياديهم كما طلب منه بطرس ؟ غسل أرجل الجميع فقط ، لكي تتطهر . غسلها بالماء الذي يرمز إلى النقاء ، وإلى الحياة الطاهرة ، كما يرمز إلى المعمودية ، وإلى عمل الروح القدس . أعد أرجل التلاميذ للأنطلاق للخدمة والتبشير ، ولا داعي لغسل المزيد لأن الجسد كله صار نقياً . بعد الأنتهاء من الغسل ، سألهم قائلاً ( أفهمتم ما عملته لكم ؟ أنتم تدعونني معلماً وسيداً وقد صدقتم ... فعليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أرجل بعض ) " يو 13: 12-14 " أمرهم بذلك لكي لا يفكروا كأبني زبدي اللذان أرادا مواقع أفضل بين التلاميذ ، فنصح الجميع أن يكونوا خدام كسيدهم الذي صار لهم خادماً .
في الختام ، نقول : الرب غسل أرجل تلاميذه فهيأهم للأنطلاق للتبشير بكلمة الأنجيل بعد أن يرسل إليهم المعزي . ورفع من شأنهم ومستواهم عندما يبشرون ، فقال ( الحق الحق أقول لكم من يقبل الذي أرسله ، يقبلني ، ومن يقبلني ، يقبل الذي أرسلني ) " يو 13: 20 " ونحن اليوم نتعلم من هذا الدرس دروس كثيرة في الخدمة ، وهي أن نغسل دموع البائسين ، والحزانى ، والمرضى ، والمتألمين . خدمتنا تشبه خدمة السامري الذي مسح جروح الرجل الجريح في طريق أورشليم أريحا ، وعقمها بالخمر ، ودهنها بالزيت ، وتحمل خدمته إلى أن نال الشفاء التام .

ندعوك أيها الرب لتغسل نفوسنا من الحقد والكراهية وحب الأنتقام ، وتزرع فينا المحبة لكي يكون لنا نحن أيضاً نصيباً معك ، لأنك بهذا ستنزع منا كل ضعف ، وتمسحنا من كل خطيئة ، وتعطي لنا من نعمك ، وكذلك درساً في المحبة والتسامح والغفران ، وتعلمنا التواضع الذي هو أساس القداسة ، وعلينا نحن أيضاً أن نخضع لوصاياك كتلاميذك لكي نكون متهيئين لغسل أقدام بعضنا  ، بل خدمة بعضنا البعض في غسل  كل عمل شرير بيننا لكي تتطهر قلوبنا لتتسع لمحبة العالم كله.
  ليمجد أسم ربنا يسوع إلى الأبد

241
الجواب على رد السيد متي أسو المحترم على المقال ( العلاقة بين المسيحية والأديان الأخرى )
رابط المقال ( العلاقة بين المسيحية والأديان الأخرى )
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=931727.0

رابط رد الأخ متي أسو على مقالي
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,931839.0.html
أخي العزيز متي اسو ، قبل كل شىء أطلب منك عندما تريد نقد أي كاتب على آرائه فأنقده بموضوعية وأحترام ولا تعتبره عدواً لك لمجرد أنك لا تشاطره الرأي ، وهكذا ستصل معه بالنقاش الحر إلى أقرب مسافة من الهدف ، وإلى ما هو أفضل للجانبين . لم أجد في ردك أي كلمة احترام لكاتب المقال ، بل وصفتني مرة بكاتب المقال ، وأخرى بالسيد وردا ، وهكذا إلى النهاية .  كما ألتمست من هجومك الواضح واللامبرر ، وحقدك البارز وأسلوب نقدك البعيد كل البعد عن نص الموضوع بأنك لم تفهم شىء . هل قرأت الموضوع جيداً ، أم هذا هو مستواك في المواضيع الدينية وكما أعترفت أنت وقلت في السطر الأول ( لأني لست لاهوتياً ولا متعمقاً بالأيمان المسيحي ، لكن من القليل الذي أعرفه أحاول سبر غور ...الخ ) . لا أعتقد أنك قرأت الكتاب المقدس ولو لمرة واحدة ، أما أنا فأقول ، أكتب في اللاهوت منذ ثلاثة و عشرون سنة ، ودرست اللاهوت  وقرأت مئات الكتب الدينية ، ولي 404 مقالاً وأكثرها لاهوتية ومنشورة في كل المواقع ، كما لي عشرات المقالات مكتوبة بخط اليد ستطبع وتنشرلاحقاً بعون الرب ، وهذا ليس للتباهي أو تحدياً لشخصك بل لكي أقول لك ، لو لم أكن بمستوى الكتابة فلا أكتب وخاصة في الأيمان وسأذكر الأسباب لاحقاً .
يا أخي المحترم ، إذا لم تكن متعمقاً بإيمانك المسيحي كما تفضلت ، إذن أنت غير مؤهل لنقد الآخرين ، وهذا واضح جداً من آرائك المتذبذبة ، وإتهاماتك الباطلة لي بأنني أقصد الأسلام تحديداً بقولك ( أما الأديان الأخرى التي يقصدها ، فمن الواضح إنه يقصد الأسلام ...الخ ) لا، بل أنا أقصد كل الأديان ولم أحدد ديناً ولم أهاجم أحداً، بل أقصد الحوار مع الجميع بدون تمييز . أنت هاجمت الأسلام مرات عديدة وبكل حقد وذكرت آيات واضحة قرآنية تعادي المسيحية واليهودية ، ساذكرها وأنقلها باللون الأحمر . علماً بأن نقد الأسلام أو غيره خارج عن نص الموضوع . غايتي من الموضوع يا أخي المحترم هي فتح الحوار ومد الجسور بين الأديان والشعوب لكي تعيش بسلام وتآخي مع بعضها ، وفي الوقت ذاته أنه نوع من التبشير وبأسلوب حضاري ومقبول من قبل الجميع ، وهذا ما تفعله الكنيسة الكاثوليكية اليوم ، فقداسة البابا فرنسيس زار الأمارات لهذا الغرض ووصل إلى نتائج مرضية مع الطرف الآخر . وهذه الأيام يزور المغرب زيارة رسولية لنفس الغرض . أي لتكريس العلاقة والمحبة بين الديانتين . وهذا نابع من تعليم الكتاب المقدس في العهدين ، والبطريرك مار روفائيل لويس ساكو عينه الكرسي الرسولي لكي يكون عضواً في لجنة حوار الأديان ، كما أن الحوار مستمر مع أخوتنا المسيحيين أيضاً في الطوائف الأخرى لتوحيد كنيسة الرب .
أنت للأسف تجهل وصايا كثيرة من الكتاب المقدس الذي يحتوي على آيات كثيرة للعمل مع مؤمنوا الأديان الأخرى ومهما زادت الأضطهادات فعلينا الأستمرار ، والمسيحية تطلب الحوار أكثر من الأديان الأخرى .
 إذن قولك هو الغريب وليس رأي ، قلت ( فكلما زاد إضطهاد المسيحية والمسيحيين ، كلما زاد عدد الذين يوجهون اللوم والأتهامات الباطلة لهم ...الخ ) جوابي هو، المحبة المسيحية لا تسقط بسبب الأضطهاد ، فالمحبة ثابتة لا تتزعزع ( طالع التفاصيل في أنشودة المحبة للرسول بولس في " 1 قور 13 " ) اليوم يا أخي متي سأفتح لك دورة تقوية لكي تتعرف على مبادىء المسيحية الأساسية وأرجو أن تنفع منها . .
أما سؤالك عن عنوان المقال فأقول ، أنه يتفق مع تعليم الكتاب المقدس الذي يحث المؤمنين إلى محبة الجميع ، أي مؤمني الأديان والمعتقدات الأخرى وحتى وإن كانوا ملحدين ، فالله يحبهم ويريد لهم الخلاص ، وسفر يونان غير مثال . الله أجبريونان النبي لكي يذهب إلى نينوى الوثنية وينذرها لكي تتوب ، لأنه وكما كتبت أنت ( أن الله هو أب لكل البشر أنه يشرق بنوره على الصالحين والطالحين ... ) الآن هل أكتشفت ضعفك ومستواك يا أخي متي ؟ تارة ترفع الكرة ، وأخرى تكبسها نحو الأرض ، وهكذا تتناقض آرائك . فإذا كان هذا مستواك لماذا تنقد , ولكي أختصر لك هذه الفقرة بأن محبتنا هي شاملة ولا حدود لها ولكل البشر وبما فيهم أعدائنا الذين أوصانا الرب لكي نصلي لأجلهم ونحبهم ، فالرب أختصر الكلام بهذه الآية ( أحبب قريبك كنفسك ) والمقصود بالقريب كل أنسان نلتقي به مهما كان معتقده ، وإذا لم تفهم من هو قريبك كاليهودي الذي سأل المسيح من هو قريبي ، فطالع أنت أيضاً مثل السامري الصالح .
كتبت ( كل المسيحيين يؤمنون بالخلاص بالمسيح وحده ...الخ ) وأنا قلت بأن المسيح هو الطريق الأقصر إلى الله ويجب أن نلتزم بوصاياه ولا ننكرها أثناء الحوار ، لكن يجب أن لا نذكر ما يستفز الآخر من الآيات كقول الرب سيأتون أنبياء كذبة من بعدي ، أو غيرها ، ولا الطرف الآخر سيقطع عنا الطريق بما له من آيات . لكن يجب أن نحوار الجميع لأجل خلاصهم لأن الله يريد خلاص الجميع لأنه أب الجميع كما تفضلت أنت وكتبتها ، فهناك فرصة لخلاص الأخوة في الأديان الأخرى لأن الله يا عزيزي متي يشبه الراعي الذي لا يريد أن يفقد شيئاً ( طالع يو 11:10 ) لهذا يجمع ويوّحد كل أفكار وعواطف تلك الشعوب ويسددها نحو الصواب وإلى النور لكي يجعل من كل تلك الشعوب شعباً واحداً ، بل رعية واحدة . لهذا قال الرب يسوع في " يو 16:10 " ( ولي خراف أخرى ليست من هذا القطيع " أي ليسوا مسيحيين " فهذه يجب أن آتي بها لتكون الرعية واحدة والراعي واحد ) ولهذا اريد أن تعلم بأننا نحن المسيحيين نريد الخلاص للجميع لكي يصبحوا جميعاً من حصة المسيح لا من حصة الشيطان الذي يريد السقوط لكل البشر ,
 فكما كتبت في مقالي علينا أن نقترب منهم ونعزف معهم على أقرب وتر مشترك بيننا وبعد ذلك ننتقل إلى الأوتار الأخرى ، أنهم سيتأثورن فعلاً بمحبتنا ومبادئنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا القويم ، لهذا نرى بأن البابا فرنسيس ذكر أثناء زيارته للمغرب ما هو المشترك بيننا وبين الأسلام والذي هو الله ، لم يقل المسيح ، بل الله فقال ( إننا مسيحيين ومسلمين ، نؤمن بالله الخالق والرحيم ، الذي خلق البشر وجعلهم في العالم حتى يعيشوا إخوة ، يحترم بعضهم بعضاً في التنوع ، ويساعد بعضهم بعضاً عند الحاجة ، وقد عهد أليهم بالأرض ، بيتنا المشترك ، كي يتعاونوا في المحافظة عليها بمسؤولية ، ورعايتها للأجيال القادمة ) أنا أفسر حسب المبادىء الكاثوليكية ، فان كنت من طائفة أخرى فأنت حر برأيك .
وكل أمة على الأرض حرة ، لأن الله خلق كل أنسان حر ، فتستطيع كل الشعوب أن تعتبر نفسها بأنها الأصح في إيمانها والأقرب إلى الله . وكذلك كل إنسان يعتبر نفسه وحيد لدى الله ، ومحبوب وكأن نفسه هي وحدها على الأرض . لهذا يجب أن نؤسس علاقة بين المسيحية  وغيرها من الأديان لكي يتعرفون على مبادئها وتعليمها .
تعليقك على الأقتباس ( والله سيدين غير المسيحيين ...إلخ ) فقلت لا أدري لماذا عمد الكاتب إلى جعل الأمر ملتبساً . جوابي لك هو . الأمر واضح جداً لكن أنت الذي عكرته برأيك وأنت تهاجم المسلمين به ، فكتبت من آياتهم ، منها ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب العناق ....الخ ) الآن قل لي هل أنا أهاجم أحداً ، أم أنت تهاجم المسلمين مرات عديدة ، ولم تفهم ما ذكرت بأن الأدانة تكون حسب شريعة الأنسان ، حسب رأي الرسول بولس ، فإذا كانت أعماله صالحة وفيه المحبة لبني البشر فإن ذلك الأنسان فيه الله ، لأن ( الله محبة ) وإن لم يكن يؤمن بالله أو يتعرف به ، لأن الله يريد خلاص كل الأمم ، وللمزيد طالع الأصحاحين ( 10 و11 ) روم ، فستجد فيها رحمة الله الشاملة ومتاحة للجميع وأن الله لم يخلق الغير المسيحي ليهلكه إن كان صالحاً وكريماً ومحباً للبشر .
أما ردي على تعليقك في النقطة الثالثة ( منذ بدء المسيحية ...) أتهمتني وقلت بأن الكاتب يحاول خلط الأمور علينا .... أي أمور تقصد ؟ أنا ألاحظ أنت لا تستطيع فرز الأمور وفهمها كما هي ، وكما يريد الأنجيل ، بل كما تريد أنت بأفكارك البعيدة عن الأيمان المسيحي ، وتريد أن يكونوا المسيحين محترمين من قبل كل الأديان ولا يجوز أضطهادهم في صلواتهم ويعيشوا بسلام . يا أخي العزيز الكنيسة بلا صليب لا تعتبر كنيسة ، لهذا قال يسوع لتلاميذه سأرسلكم كخراف بين ذئاب خاطفة . بل عدت مرة أخرى لتهاجم المسلمين فذكرت آية أخرى من كتابهم وهي ( ومن يتبع غير الأسلام ديناً ...إلخ ) ولم تكتفي لأن حقدك واضح تجاههم ، وتتهمني بأنني أهاجمهم ، وأضفت آية أخرى ، وهي ( ولن ترضى عنك اليهود والنصارى ... ) ورأيك حول موضوعي كان مركز على تلك الآيات التي لا علاقة لها بالموضوع . وزاد حقدك لي فقلت ( لماذا لا يذهب صاحب المقال إلى أخيه المسلم والأبتسامة على وجهه ليحدثه عن الأخوّة الأنسانية ويقنعه ... ) إذاً قداسة البابا فرنسيس الذي يذهب إليهم والأبتسامة على وجهه خاطىء ، وأنت العالم والخبير والمملوء بمحبة الأنجيل . أترك حقدك وفكر بهدوء بما يطلبه منك الأنجيل .
 رابعاً : كتبت ( أخطر ما قاله كاتب المقال هو ، فلنتعامل مع الآخر بإسم الله .... ) .
الأقانيم نحن نؤمن بها ، أما الآخرين فلا يؤمنون بها ، فكيف تبدأ معهم الحوار بالقول بأن المسيح هو الله ولا خلاص إلا به وكما تقول الآيات التي ذكرتها ( 1و 2 و3 ..الخ ) فأقول هو أيضاً سيقول لك بما يؤمن به ويعتقد بأنه الأفضل . إذن علينا أن نبدأ بما يربط بيننا أولاً دون أن ننكر مسيحنا واقواله وكما وضحت في المقال .
خامساً : عدت إلى حقدك مرة أخرى وقلت
من يفرض على من ؟
من يهدد من ؟ ‏
من يستعمل القوة ضد من ؟
امر هذا الرجل فعلا غريب ...هل يريد كاتب المقال منا ان نستمرّ في سرد آيات ‏الرحمة ؟

وتقصد الأسلام أيضاً . أما عن أمري فليس غريب عن التعليم المسيحي ، بل أنت ملوث بأفكار وآيات الآخرين وتريد أن نترك آيات الرحمة ، ونأتي بغيرها . أنا لا أريد أن أخرج من خط المسيح المرسوم بدمه ، كما تفعل أنت وأسلوبك صار مثلهم بسبب العدوى لأنك تسمع إلى بعض المواقع والبالتوك وغيرها فصار أسلوبك هجومي مثلهم وحفظت آياتهم فتتحدى حتى أخوتك المسيحيين مثلي بطريقة ، العين بالعين والسن بالسن ... وتريدنا أن نحاورهم نحن أيضاً هكذا ؟ لا نحتاج إلى سيف يا حبيبي لكي ننشر البشرى لأننا خراف بين ذئاب خاطفة ، والخروف يجب أن يكون وديعاً، ولا يهاب من ضرب الأعناق ، لأن الضارب بالسيف لا يستطيع أن يأخذ النفس أيضاً .
في الخاتمة قلت لي ، نواياك واضحة وباطلة ، بل نواياك باتت واضحة وتجلت للجميع ، وتفقد أسلوب الحوار ، وكما فعلت بالأخ ميخائيل ديشو الذي نقدك ، وللأسف أنت بعيد كل البعد عن الروح المسيحية ومتأثر بسياسة القوة والتحدي . تريدنا أن نحمل السيف ونترك آيات الرحمة كما فعل بطرس ليدافع عن سيده ، لهذا زجره المسيح قائلاً ( أغمد سيفك ، فكل من يأخذ بالسيف يهلك... )" مت 53:26 "  أنت ما تزال بفكر بطرس قبل أن يفهم رسالة المسيح فأراد أن يدافع بالسيف .
ختاماً أطلب منك يا أخينا متي بأن لا تكتب في ما أنت تجهله . وقد أعترفت بأنك لست لاهوتياً ولا متعمقاً بالأيمان المسيحي ، لهذا أقدم لك هذه الوصية وأقول عن هذه المهمة بأنها الأصعب في هذا الكون ، لأن تفسير الكتاب المقدس يحتاج إلى دراسة وإلى أخلاق مسيحية ملؤها المحبة للجميع ، وإلى التعليم في المدارس المختصة مع الأستمرار في القراءة لكي لا يجلب المعلم أو الكاتب لنفسه الدينونة ،  وهذا هو رأي الرسول يعقوب في رسالته ، قال لكل منا  ( يا أخوتي ، لا تتسابقوا كي تجعلوا أنفسكم معلمين لغيركم فتزيدوا عدد المعلمين ! وأذكروا إننا ، نحن المعلمين ، سوف نحاسب حساباً أقصى من غيرنا ) " يع 1:3" .
أما رأي الرب يسوع في من يصبح حجر عثرة لأحد الصغار في الأيمان ، فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى ويطرح في البحر ( لو 2:17 ) .
 والرب يسوع ينورك ويحفظك يا أخينا العزيز متي أسو ، مع محبتي وتقديري 
الكاتب
وردا أسحاق قلّو
وندزر – كندا

242
العلاقة بين المسيحية والأديان الأخرى

بقلم / وردا أسحاق قلّو

 أكثر المسيحيون يؤمنون بأن الخلاص هو بالمسيح وحده ، وهو النافدة الوحيدة إلى الله ، وليس بغيره الخلاص ، فهل هذا يعني بأن الله بعيد عن مؤمني الأديان والمعتقدات الأخرى ؟ منذ العهد القديم عندما كان اليهود يظنون بأن الخلاص هو لهم وحدهم ، وهم شعب الله المختار ، كان الله يمد يد الرحمة للشعوب الوثنية كشعب نينوى ، كما يوحي العهد القديم إلى أنفتاح مذهل على الشعوب الأخرى في ما بين النهرين وغيرها . وكذلك شملت محبة ورحمة المسيح في حياته على الأرض أناس أممين كالكنعانين والسامرين وغيرهم ، فعلينا أن نتعلم من أن الكتاب المقدس يحتوي على أجوبة العديد من الأسئلة الدقيقة التي تطرح دائماً في إطار الحوار بين المسيحية ومؤمني المعتقدات الأخرى . وهذا ما يدفعنا إلى التقارب والحوار مع شعوب الأديان الأخرى بمد جسور المحبة بيننا والأنخراط بحوار مشترك نصل فيه إلى دراسة الأفكار العميقة حول الأمور اللاهوتية والمواقف الروحية التي لا بد منها للقيام بمثل هذا الحوار .
 منذ بدء المسيحية أراد بعض المؤمنين التقوقع على أفكارهم القديمة الموروثة من اليهودية ، فحاولوا إرغام الوثنيين المنتمين إلى المسيحية أن يحفظوا الشريعة ويختنوا كاليهود ، رافضين الأنفتاح مع الأمم ، فتم عقد مجمع أورشليم ( أع 15 ) من أجل حل هذه المشكلة ، هكذا اليوم يرفض البعض العمل مع أبناء الديانات الأخرى بمحبة وتآلف وأحترام والعيش المشترك ، وكذلك من أجل أيصال نور الأنجيل إليهم .علماً بأن التعددية الدينية لا تتطلب من المسيحي أن يتخلى عن شهادته للمسيح في سبيل أحترام الآخر والتعامل معه . فكل من لديه الأفضل ، هو الذي يسهم في أغناء الجماعات الأخرى وبروح التواضع والأحترام مع الأستعداد للأصغاء إلى الرأي الآخر . لماذا الخوف إذا كان نور عقيدنا أقوى علماً بأن المسيحانية هي الموضوع الأساسي في علاقة المسيحي مع أبناء الأديان والمعتقدات الأخرى .
المطلوب من كل مسيحي هو الألنزام بالمسيح والأقتداء به ، وفي الوقت نفسه ينفتح على شهادة الآخرين بفرح وثقة ، ومن واجبه أن يعمل مع الآخر لكي ينوره بأفكاره وإيمانه وأخلاقه وصدقه ، لأننا نحن المسيحيون نور العالم . فعلينا أن لا نخفي النور بل أن نعرضه للعالم . وهكذا بالنسبة إلى الكنيسة بشكل عام مدعوة إلى التعامل مع التعددية الدينية بطرق لاهوتية تؤول إلى فهم أعمق لعقائد الأديان بالتحاور المستمر والعمل على تعزيز العلاقة معاً بمحبة . لا يوجد في اللاهوت المسيحي العداء ، أو اللامبالاة تجاه الأديان الأخرى ، وخاصةً في هذا العصر ، لأن الأساليب التي أنتهجتها الكنيسة قديماً عندما كانت تنتقل مع حكومات بلدانها المستعمرة من أجل التبشير ، كان يفسر الدين من قبل تلك الشعوب ديناً ظالماً لأنه قادم مع المستعمر ، أي فرض عليهم بقوة السيف . أما اليوم فالطريقة تغيرت ، والخبرة الجديدة لا يجوز نقلها إلى الآخرين بتلك الزقاق القديمة ، بل بزقاق جديدة .
الله واحد لجميع الأمم وصفات الله الحقيقي ومبادئه ووصاياه للبشرية واحد ، أنه يحب الجميع ، لهذا نرى في الفصول الأولى من الكتاب المقدس بأن الله لا يتحدث عن أية جماعة مفضلة أو مختارة ، بل يتحدث عن عائلة بشرية واحدة منحدرة من آدم وحواء ، وكل أنسان خلقه الله على صورته ومثاله ويريد الخلاص للجميع . وحب الله للأنسان هو بدون شروط ويريد الخلاص للجميع ، ولأجل حبه لنا يدعونا إلى الأقلاع عن حياة تتمحور حول الذات والدخول في نمط عيش محوره حب الله بأشتراكنا مع الآخر بمحبة والعيش المشترك .
الكثير من المسيحين لا يرضون الأهتمام بالمسلم والبوذي واليهودي والهندوسي وغيرهم ، فيفضلون العيش المنعزل ، ولا يريدون الحوار معهم أو الأقتراب منهم لقناعتهم بأن عقائدهم باطلة ، وتعليم الأنجيل واضحة للخلاص ، تختصر بقول الرب ( لا يأتي أحد إلى الآب إلا بي ) و( لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ ) وغيرها من الأقوال التي تخص بالخلاص بالمسيح وحده ، أما الله كثالوث فألقوه جانباً ، وأخفقت المسيحية أقله في وجهها التبشيري البروتستنتي في إيجاد قاعدة للتعاطي مع الشعوب التي تحيا في إيمان آخر وكل ما يمكن القيام به لأجل خلاصهم هو دعوتهم إلى قبول المسيح رباً وسيداً . ، فتقتصر العلاقة آنذاك على المجال التبشري دون سواه . لكن هذا الموقف الصلب والصعب على الشعوب الأخرى يتعارض مع مجمل تعاليم الكتاب المقدس ، لأن الله هو محور رسالته ، وفي الله يجد كل إنسان كيانه ، والله سيدين غير المسيحي على أساس شريعته ( طالع روم 2 ) . فمن يطبق شريعة الناموس كما يريد الله فلماذا لا يدخله الله في ملكوته ، قال الرب ( وستأتي أناس من الشرق والغرب ، ومن الشمال والجنوب ، ويتكئون في ملكوت الله ) ” لو 29:13″ .
أجل الكثير من البروتستانت لا يعير لله أو لعقيدة الثالوث إلا أهتماماً صورياً ، فمحبتهم تتركز بشخص المسيح فقط ، نعم المسيح هو الطريق الأقصر للخلاص ، لكنه علمنا أيضاً بأن نتكل على الله الآب أيضاً ، فعلمنا صلاة الأبانا التي تحثنا إلى محبة الله الآب ، كما أرسل لنا الروح القدس لكي يقودنا إلى الله . فلنتعامل مع الآخر بأسم الله بدلاً من المسيح ،  علماً بأن اللاهوت بشكل عام يتمحور حول الله كثالوث وليس كأقنوم ، هكذا يتيح للمسيحيين المجال للوقوف إلى جانب مؤمني الأديان الأخرى كأبناء الله الواحد من دون أن ينكر المسيحي شهادته بالمسيح وأنجيله .
 فالتعددية الدينية لا تجبر المرء أن يتخلى من مبادئه المسيحية ، فرسالة الكنيسة هي ( الكتاب المقدس ) والذي يتركز على رسالة واحدة شاملة ، وهي رسالة الله لكل أنسان ، وتتوخى خلاص الجميع . وكل الرسائل الأخرى في المسيحية تجد نفسها ضمن تلك الرسالة ، كالشهادة للمسيح ، وعمل الرحمة التي يقوم بها المسيحي من أجل خدمة الآخر ، والتعاطف مع المنكوبين ، والمظلومين ، والمشردين من الأديان الأخرى وغير ذلك هي قسم من رسالة الله التي لا تعرف لها حدوداً ، والكنيسة تكتشف من جديد دورها كجماعة خادمة للجميع ، لا كجماعة تدين الآخرين . كل معتقد يفهم الله بطريقته . المسلم يفهمه بطريقته ، والهندوسي يتوجه نحو الله بطريقة أخرى مغايرة ، أما في البوذي فنجد نكران الذات من أجل الخلاص ، والأيزدي يعبد الله بطريقة أخرى وقد تكون تعاليم إلهه أكثر رحمة وسلام ومحبة من إله الكثيرين ، وللهندوسي مفهوم خاص للواقع البشري يختلف كلياً ، إذ إنهم يستعملون مفاهيم خاصة بهم ( كالولادة الجديدة ) وتطورات دورة الحياة ، فكيف يمكن أن يتجسد ( الخبر السار ) داخل تقاليدهم ؟ كيف يمكنهم فهم رسالة الأنجيل ؟ إنهم يقبلون المسيح كمعلم كبير ، وكقدوة وقديس … الخ . يجب أن لا نفرض عليهم شروطنا . لندع المسيح يكون لهم ما يكون . لأن طريقة فرض الأنجيل كجزء لا يتجزأ من تبشيرنا يدخل في مجال فرض الديانة على الآخر ، وهذا كان السبب الذي حال دون إعتناق المهاتماغاندي للمسيحية كديانة ، رغم أنه قد تعلم منها الصدق والفضائل الأخرى . كما أعترف وقال عن المسيح ( إنه قدم نفسه ضحية من أجل مصلحة الآخرين بما في ذلك أعدائه ، وأصبح فدية عن العالم لقد كان مثالياً ) . الهندوسيون  يشعرون بالتتلمذ للمسيح إذ في ود الكثيرين أن يقبلوه علانية ، كما أنهم يرون بأنهم غير ملزمين بالتتلمذ للمسيح علناً ، أي يكفي أيمان القلب .
أما شيخ الأزهر أحمد الطيب ، فقال على قناة النيل المصرية ( أنه تأثر بعظة المسيح على الجبل ، إنها موعظة جميلة ورقيقة ، وأنا أحياناً أتغنى بها وتدمع عيناي ) . المسلمون يؤمنون بأن المسيح هو من كبار الأنبياء وهو من روح الله ، ويصفون المسيحية هي الأقرب إلى دينه ، لكنهم يحتاجون إلى حرية إبداء الرأي لأعلان إيمانهم دون أن يمسوا بأذى من أتباعهم .
فالحوار والعلاقة بين المسيحية والأديان الأخرى هو الهدف المطلوب في الكتاب المقدس وعلى المسيحي أن يحب الجميع ويعمل لخدمتهم لكي تتجلى في أعماله المحبة والرحمة للغريب ( طالع مثل السامري الصالح ) . وحتى عندما نبشر الأمم بالمسيح في الفضائيات وغيرها من الوسائل الحديثة يجب أن نحاورهم بكل محبة وأحترام دون أن نطعن بما لديهم بل أن نعرض ما لدينا بوضوح ومحاورتهم بالأدلة والبراهين وبأسلوب حضاري والأحترام للآخر.
في النهاية نقول : كل الأديان تبحث عن الحق . فبوذا قال في نهاية حياته : لا زلت أبحث عن الحق . أما محمد نبي الأسلام فقال عن المسيح ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ) . و(حتى الوثنيون الذين بلا شريعة فيبدون بآرائهم عن الحق حسب الشريعة المكتوبة في قلوبهم ، وتشهد لهم ضمائرهم وأفكارهم  في داخلهم ..) ” روم 2: 14-15″
أما يسوع فقال عن الحق ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) ” يو 6:14″
 وهكذا بالحوار تتقارب الآراء وتزيد العلاقة والمحبة ، ومن خلال الحوار يحصل التبشير بكل محبة . علاقة الله بالأنسان هي علاقة حب من دون شروط ، وليس بالأمكان أن تكون بالفرض والقوة والتهديد ، لأن الحب هو عمق كيان الله ، والله كله محبة ، وهكذا يجب أن تكون العلاقة بين أنسان وأخيه الأنسان مهما كان معتقده ، ونور الكتاب المقدس يضىء الطريق أمام المسيحين للعيش مع أبناء كل الأديان والمعتقدات . في الكتاب المقدس تعليمات ووصايا تدعو إلى الأنفتاح وقبول وتحمل الآخر ، كما يعلمنا سبل التعامل مع الجميع ، فتعليمه يحررنا من ذواتنا لنتمكن من العيش معاً كجماعة بشرية متوحدة تبحث عن الحق والحق سيحرر كل من يبحث عنه .
ولله المحب للجميع كل المجد دائماً .

243
                                   غاية يسوع من التحدث بالأمثال

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( لهذا السبب أكلمهم بالأمثال : فهم ينظرون ولا يبصرون ، و يسمعون دون أن يسمعوا  أ و يفهموا )" مت 13:13 "

علينا أولاً ان نتعرف على لفظة ( المثل ) والغاية من الأمثلة في الكلام .
 المثل هو صياغة خاصة لقصة قصيرة بشكل مميز يدعو السامع إلى البحث عن الحقيقة ، وفي عمق المثل نجد غاية وهدف . في المثل يستطيع أن ينقل المتحدث ما يريده إلى المستمع ، فالمثل لغة خاصة تختصر كلام كثير بين قوسي المثل . بالمثل يمكن نقل الفكرة التي لا يستطيع المتحدث نقلها للآخرين بالكلام المباشر لأن الواقع الذي يعيش فيه لا يسمح بحرية التعبير عن الرأي ، لكن بالمثل يستطيع أيصال الفكرة إلى السامعين والتأثير على أفكارهم لجعلهم يرتدون عن مواقفهم لصالح آرائه

قد لا يستطيع المتحدث فعلاً نقل ما يريده بحرية إلى الخصم كفرد أو مجموعة ، لهذا يصيغ كلامه على شكل مثل لا لأجل الخداع ، بل لحصر المقابل ، ولكي يعترف بالحقيقة عاجلاً أم آجلاً . المثل ليس كلاماً مُعقداً ، او مشفراً يحتاج إلى جهد لفهمه ، بل هو رأي مختصر يحتاج إلى فهم رموزه لأجل الوصول إلى معنى أعمق.
فالسامري الصالح ( المسيح ) هو ( العهد الجديد ) الذي أهتم بالأنسان فداوى جروحه بالزيت والخمر ( أسرار الكنيسة المقدسة ) أما الكاهن ( عهد الشريعة ) واللاوي ( عهد الأنبياء ) فلم يستطيعوا شفاء الأنسان المريض في الخطيئة . السامري الصالح أخذه إلى الفندق ( الكنيسة ) لكي يستمر بتداويه بأسرارها المقدسة ، ومن ثم رحل السامري ( صعد إلى السماء ) ودفع إلى صاحب الفندق قطعتي من الفضة ( الكتاب المقدس بقطعتيه ، القديم والحديث ) ووعد صاحب الفندق (الأساقفة والآباء الكهنة ) بالعودة في المجىْ الثاني لمكافئتهم . إضافة إلى هذا التفسير اللاهوتي ، قصد الرب بمثله  لأحد علماء الشريعة  اليهودية الذي كان يظن بأن الشعب اليهودي هو الأطهر والأرحم وله فقط الخلاص ، بهذا المثل أجبره يسوع لكي يقول بأن الذي يعمل الصلاح هو الأفضل

إذاً للمثل أسلوب لغوي ، وممتع ومُسَلي ، غايته الوصول إلى فكرة ذات قيمة أخلاقية لها مخزى ، كما يحمل المثل فكرة جوهرية عميقة للوصول إلى الغاية . كما تدفع المستمع إلى التفتيش عن المعنى الرمزي للمثل لكي يساعده للوصول إلى المعنى الروحي . فالمثل هو تلك النافذة التي من خلالها نتطلع إلى الحياة بنظرة جديدة ومعاصرة . اما سبب اختيار يسوع هذا الأسلوب في التبشير فكان لكي لا يُفهم معنى كلامه في حينها فيتصدى له اليهود مباشرةً ويمنعوه من أكمال رسالته . كذلك للجدال بموضوعية ولأستمرار الحوار معهم بمختلف فصائلهم وبهذه الطريقة كان ينقل ما يريده لهم بصورة غير مباشرة أو غير مفهومة ، لأنهم لم يستطيعوا فهم فلسفته ومقاصده ، وبعد ذلك سيأتي وقت التفسير ، وهكذا أستطاع أن ينقل رسالته الشاملة إلى العالم عن طريق التحدث معهم . أجل كان هذا الأسلوب أفضل من الدخول معهم في نقاش مباشر وواضح لما فيه من أحتمالات الرفض والمقاومة أو التصفية الجسدية للخلاص منه قبل مجىء ساعته المحددة ( لو 53:22) . وبهذه الطريقة كان يحارب معتقداتهم الخاطئة والقوانين الأنسانية التي صاغوها وكانوا يفرضونها على وصايا الله لهم . كما قال ( كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع ) " مت 13:15 " . وهكذا كان يعمل للتغيير لأجل غسل العقول بدون أن يدخل مباشرةً إلى الموضوع المطروح . فمثلاً لم يحاور سمعان الفريسي في بيته عندما أثار بفكره موضوع المرأة الخاطئة التي دخلت بيته وجلست عند اقدام المسيح وبللتها بالعطر ومسحتها بشعر رأسها وتقبلتها أمام الجميع . لا يحتاج يسوع لأن يخبر سمعان مباشرةً لما يدرور في فكره ويفضح نواياه أمام الجميع ، بل أقنعه بمثل بسيط ومفهوم فدفع سمعان إلى الأعتراف من هو الأفضل ، كما علمه من خلال المثل إلى المحبة والتسامح ، وجعله يعلم بأن تلك الخاطئة قدمت له أكثر مما قدم هو له في بيته . وهكذا فتح المثل لسمعان آفاقاً جديدة لكي ينظر إلى المرأة بعين الرحمة والمغفرة ، وبهذا المثل أيضاً حصر يسوع سمعان في زاوية ضيقة ، وبين أختيارين لا غيرهما ، وهي أما الحفاظ على وصايا آبائه وينكر محبة الله وغفرانه ، أو يقبل التعليم الجديد ويبتعد عن طقوس العهد القديم . وهذا المثل أجبر سمعان لكي يفهم المسيح ويبرر المرأة ، ومن ثم يشعر بأنه ليس الأفضل ، ومثله فعل الفريسي في الهيكل ففضل ذاته أمام الله على العشار الخاطىْ.

كان يسوع يفسر أمثاله لتلاميذه عندما كان ينفرد معهم ، أو كانوا هم يسألونه عن تفسيرها كمثل الزارع . فغايته من التحدث بالأمثال كانت لكي لا يفهموه اليهود في وقتها ، وبهذا تمت بهم نبؤة أشعياء الذي قال ( سمعاً تسمعون ولا تفهمون ، ونظراً تنظرون ولا تبصرون ، لان قلب هذا الشعب قد صار غليظاً ،... ) " مت 13: 14-15 "

كذلك حتى ملكون الله شبهها بأمثال ، كالخميرة ، والبذرة في الأرض وغيرها

ختاماً نقول : أن الأمثال استعملت قبل المسيح من قبل الآباء ، لكن  يسوع صاغها بأسلوب معاصر فيه طعماً مشوقاً وكأن المثل قصة قصيرة جميلة يتلذذ السامع بها , كما في المثل سمة خاصة تربك وتسلي وتفاجىء السامع بمفاهيم سماوية عظيمة ، لما في المثل عمق ورؤى جديدة ، وله نوافذ فكرية وروحية لم يصلها أحد من قبله فنادى بأفكار جديدة مناهضة لأفكار ومعتقدات السامعين ، كما فيه فكرة روحية لخلاص الأنسان  ، كل أنسان وليس اليهود فقط . فملكوت الله ليس صعب المنال ، بل هو خطوة صغيرة يتخطاها كل أنسان فتقوده إلى الخلاص . فبثورة الأمثال أستطاع يسوع أن يهز بها أوتار روح المستحقين فكسبهم إلى أفكاره

ليتمجد أسم يسوع المخلص الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور  




244
الصوم … بدايته – غايته – قوته

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( من جميع شجر الجنة تأكلا أكلاً ، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكلا منها ) “تك 2: 16-17”
كان الصوم أول وصايا الله للأنسان ، عندما أمرهم بالصوم من ثمار شجرة الخير والشر . وسبب سقوط الأبوين في جنة عدن كان لعصيانهم وتمردهم على تلك الوصية .
الصوم هو تطبيق الفرائص والوصايا التي يفرضها الله على الأنسان على مر التاريخ . فالصوم هو تعبير عن الحب الحقيقي لله أولاً بتطبيق وصاياه ، ولبني البشر ثانياً . ذلك عندما يجعل الأنسان الصوم فرصة له للأحساس بفقر الجائع فيرحمه ، وبسبب تلك الرحمة النابعة من القلب سيحصل من الله الطوبى

( طوبى للرحماء ، فإنهم سيرحمون ) ” مت 7:5 ” .
 في العهد القديم بدأ الصوم في أيام موسى وحُدِدَ له المواعيد لتطبيقه ( زك 19:8 ) صام الشعب العبري ،  وصام كبار الأنبياء أيضاً كموسى وأيليا وحزقيال ودانيال ويوحنا المعمدان ، كما صام شعب نينوى تعبيراً عن التوبة والأنسحاق للعودة إلى الله .
 في العهد الجديد كان يسوع الرب بكر الصائمين . صام في البرية أربعين يوماً مع الصلاة إلى الله قبل دخوله في التجارب الثلاثة ، وبعدها أنطلق إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة أعلان ملكوت الله للعالم . تلاميذه لم يصوموا عندما كان معهم ، وقد رد على سؤال تلاميذ يوحنا المعمدان عندما قالوا له:
( لماذا نصوم نحن والفريسون ، ولا يصوم تلاميذك ؟ ) فقال لهم
( هل يقدر أهل العرس أن يحزنوا ما دام العريس بينهم ؟ … ) ” مت 14:9″ عندما أرتفع يسوع إلى السماء بدأ التلاميذ بالصيام . كما كانوا يصَلّون ويصومون قبل أختيار الخدام الجدد لرسامتهم ” أع 13: 2-3 ” . للصوم قوة كبيرة ضد عدو الخير ، لهذا قال يسوع لتلاميذه الذين فشلوا في أخراج الروح الشرير من الشاب
( هذا النوع لا يطرد إلا بالصلاة والصوم ) ” مر 29:9″ .
 لم يحدد يسوع أوقاتاً للصوم كالعهد القديم ، بل ترك الأمر للكنيسة عبر الأجيال ، لكنه علم أبناء العهد الجديد كيف يصومون لكي يحصلوا على مكافئة من أبيه السماوي (مت 5 : 16-18 ) .
 الغاية من الصوم ليس الأنقطاع عن الطعام فحسب ، بل على الصائم أن يلجم لسانه  وحواسه ، فاللسان كالنار يحرق ( يع 3 ) . اللسان يعبر عن كل ما يخرج من الفكر والقلب ، لذا يجب أن يصوم المؤمن من الخطيئة أولاً ، كما يجب التهيأ للصوم قبل الصيام بتطهير القلب لكي يصبح الجسد كله طاهراً في فترة الصوم.
 يجب أن يرافق الصوم فضائل أخرى كالصلاة والصدقة والصفح . فالصوم مرتبط بالصلاة والتأمل لكي يسدد قدرات الصائم للتركيز في عالم النور والخلاص الأبدي . البعض لا يستطيعون الصوم من الطعام لأسباب صحية ، أو بسبب العمر أو لأسباب أخرى ، فالصوم ليس فريضة على الجميع ، كذلك لا يجوز الصوم بالأكراه ، بل بدافع المحبة لله والرغبة في الأرتقاء في حياة الطهارة ، وهكذا سيعّبر الصائم عن صدق أيمانه  ، فالذي لا يستطيع الصوم من الطعام عليه الصوم من أمور أخرى كالتي لا تليق بسلوك المسيحي ، وهكذا يتخطى نحو الله ، مع تعزيز فترة الصوم بالقراءة في الكتب المقدسة والتأمل بوصايا الله والعمل بها ، هكذا سيتحول نظر الصائم من حب العالم المنظور إلى العالم الغير منظور.
أما عن الصدقة فعلى الصائم أن يتنازل إلى مستوى الفقير لكي يتعايش معه في الفقر ويتصدق له بما صام لكي يشعر الفقير بمحبته ( طالع أش 58: 5-7 و مت 4:4 ) .
الصوم هو حب لله من خلال الأنسان ، وفرصة ثمينة للأحساس بالآخر لكي يرحم . الصوم إذاً مدرسة يعلِم الأنسان الرحمة والأتضاع أمام الخالق والمخلوق ،  فيقاوم كبريائه وشهواته ويقاوم تجارب المجرب التي تكثر في أيام الصوم ، هكذا يجعل الصوم مقدساً
( قدسوا صوماً ، نادوا بالأعتكاف . أجمعوا الشيوخ وجميع سكان الأرض للأجتماع في هيكل الرب إلهكم وتضرعوا إليه ) ” يوء 14:1 ” .
كما يطلب الصوم من الصائم بالصفح عن المذنبين إليه ، فالذي يغفر للناس زلاتهم ، يغفر له الله أيضاً ، وهذا ما نطلبه من الله الآب في الصلاة الربية فنقول ( أغفر لنا زلاتنا كما نحن أيضاً نغفر لمن أخطأ إلينا )

صوماً مقبولاً للجميع

245
مريم أم الله ، والله خالقها

بقلم/ وردا أسحاق قلّو
 
نؤكد أولاً بأن يسوع المسيح هو أبن الله وحسب قول الملاك للعذراء  في يوم البشارة ، قال ( إن الروح القدس سينزل عليكِ وقدرة العليِّ تظللكِ ، لذلك يكون المولود قدوساً وأبن الله يدعى ) ويسوع أبن الله المولود من مريم هو الأقنوم الثاني في الثالوث الألهي المقدس ، أي أنه الله .   

بعد هذا ننتقل إلى مريم العذراء التي هي أعظم إمرأة في التاريخ ، لها شأن رفيع لكونها أبنة الآب وأم الأبن وعروس الروح القدس ، فعظمتها لا تدرك لأنها أسمى من كل البشر والملائكة . وصفها القديس أفرام السرياني بأنها :

( الخليقة الأكمل والأجمل ، فالساروفيم لا يساوونها في القداسة ، والكاروبيم لا يتوقعونها في الجمال ، وجيوش الملائكة هم دونها في الطهارة ، فهي إذاً أعلى من الملائكة في كل شىء .فما أولاها بأن تكون أرفع شأناً من الناس ، إنها قديسة في جسدها ، جميلة في روحها ، طاهرة في أفكارها حادقة في ذكائها ، كاملة جداً في عواطفها ، عفيفة ، حازمة في مقاصدها ، صافية في قلبها ، رفيعة الشأن ، مليئة بجميع الفضائل ) .

أكرمتها الكنيسة المقدسة بألقاب كثيرة منها ( أم الله ) وهذا اللقب هو بمثابة أكليل منح لها . ألقاب العذراء كثيرة وكل لقب جاء في حقبة زمنية لأسباب كثيرة منها لاهوتية ، فيجب أن تدرس جيداً لكي لا يسقط المؤمنون في الشك ، فسبب أحتفاظ الكنيسة لفترة طويلة من تسمية مريم بهذا اللقب فكان لوجود مذاهب وهرطقات في تاريخ الكنيسة كالمريميين والوجوديين وغيرهم ، لهذا لم يطلق عليها هذا الأسم منذ البداية لكي لا يساء الفهم فيعتبرونهم هم ايضاً هراطقة .  حان الوقت في مجمع أفسس عام ( 431)  م . فأعترفوا المجتمعون من قادة الكنيسة علناً بهذا الأسم لكي ينهوا الجدالات التي كانت تحدث سابقاً . بعد أن قرر المجمع أن للرب يسوع طبيعتين إلهية ةإنسانية متحدة مع بعضها في شخص الأنسان يسوع المتجسد ، وأن مريم هي أن هذا الأنسان ذو الطبيعتين الإلهية والإنسانية ، أي أنها أم الإله يسوع ، ويسوع الإله ، الكلمة هو الله ( .. والكلمة هو الله ) " يو 1:1 " . نقرأ في كتاب تاريخ الكنيسة بأن القديس غريغوريوس الذي عاش في القرن الرابع أي قبل مجمع أفسس ، قال ( إبن الله أتخذ له جسداً من مريم العذراء ، لذلك حقّ لمريم أن تدعى أم الإله).

أما رأي الكنيسة الأرثوذكسية القبطية ، فقال البابا كيرلس الكبير ( تجسد " الله الكلمة " وولد من أمرأة حسب الجسد ، والذي حدث أنه أخذ من العذراء القديسة جسداً وأتحد به أتحاداً حقيقياً . لذلك نعتقد أن العذراء القديسة هي والدة الإله . كما تعتقد كنيسة الأسكندرية بأن العذراء مريم إذا لم تكن قد ولدت الله ، فلا يجب أن نسمي المولود منها الله ، ولكن حيث أن الكتب الموحى بها تدعى الله المتجسد وبطريقة بشرية ، لذا تدعى التي ولدته والدة الإله ).

قبل المجامع الكنسية الأولى كانوا يلقبون مريم بألقاب قريبة جداً من هذا اللقب منها موجودة على صفحات الأنجيل ، كأم الرب " لو43:1 " و "أم أبن العلي ، وأم أبن الله ، وأم الكلمة الإلهية ، ووالدة خالق الكون ، وأم المسيح المتجسد وغيرها .

أما ملافنة الكنيسة في القرون الأولى فكانوا يجدون أنفسهم ضعفاء أمام فهم موضوع مريم لأنها ليست كباقي البشر لكونها أم الخالق ، والمختارة من السماء لكي تحمل أبن الله المتجسد , فلا يجوز مقارنة أم الله بعبيد الله ،علماً بأنها هي أيضاً أمه وأمته ، فلا شبيه لها لا في السماء ولا على الأرض من المخلوقات ، لهذا نجد الملفان مار أفرام السرياني يعترف للرب يسوع قائلاً ( إن كانت أمك لا تدرك ، فمن يستطيع فهمك ؟ ) والكنيسة المقدسة تقول عنها ( طوباك يا مريم ، كم جزيلة هي خيراتك ، إذ لا تستطيع الألسن ترديدها . طوباك كم عظِمتِ بولادتك ملك الملوك ، رب وسلطان ما في السموات وما الأرض وما في الأعماق . من يستطيع مدحك لكونك معين الخيرات السماوية )..

ومار نرساي في القرن الخامس فله أنشودة لميلاد المسيح يسمي فيها مريم والدة ذلك الذي خلق آدم والخليقة . أي أم الله الخالق . أما مار باباي الكبير الذي ألف 83 مؤلفاً ، فعبّرَ عن يسوع والعذراء ، فقال ( أخذ جسداً من طبيعةِ أمهِ ، وليس من طبيعة الله ، الله الكلمة من طبيعة الآب ، ولأنه متحد ، لذا يقال عن الطوباوية مريم والدة الله . ولدت أنساناً بطبيعته ، وولدت الله ، لأنه متحد بالأنسان).

أما البطريرك مار طماثاوس الكبير الذي حاور الخليفة المهدي ، فيقول ( ان أيماني بيسوع ربنا هكذا هو : أنه إله كامل ، وأنسان كامل إبن واحد ، وإن مريم البتول ولدت الإله  الكامل والأنسان الكامل ، أبن واحد ، الذي هو المسيح ربنا . ويقول ، أن الأنجيل علمنا بأن للمسيح طبيعتان ، فلا بد إذاً ، أن البتول القديسة هي أم الله وأم الأنسان معاً ) .

أما مار كوركيس وردا مطران أربيل في القرن الثالث عشر ، كتب عونيثا ( تراتيل ) كثيرة ، أما عن العذراء مريم فلا أحد يضاهيه في كتاباته الكثيرة عن هذه المبجلة . فيقول عنها في أحد التراتيل ( هذه هي التي حل فيها الله ومنها ظهر إبن الله ) " أي أم الله " وفي صلاة الصعود ، قال ( من الأزل كان الإله الكلمة ، الإبن البكر ، إبن البتول )

للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية أتحدت مع بعضها في شخص المسيح ، وأن مريم هي أم هذا الأنسان ذو الطبيعة الإلهية والإنسانية ، أي أنها أم الإله يسوع ، ويسوع الكلمة الإلهية هو الله

مريم أصطفاها الله وأعدها لتكون الأناء المختار الذي يحمل المتجسد الإله ، لهذا نجد صورة مريم في سفر الأمثال قبل ولادتها ، فقال في " أم 22:8 " ( إلهي خلقني أولى طرقه ) كذلك طالع التكملة في الآيات اللاحقة من 23-31 .

كانت أم الله ، هي نفسها بدون شك ، نعمة من الله ، هذا أمر أكيد ، ولكن لا يبدل أي شىء كان في أنها تصير أم الله في حرية إيمانها ، فالنعمة لا تبطل الحرية ، بل ترفع من شأنها وتحررها .

ختاما نقول : الأسفار المقدسة دونت آيات كثيرة تتنبأ بهذه القديسة قبل ولادتها بمئات السنين ، والعهد الجديد على لسانها يقول ( ستطوبني جميع الأجيال ) " لو 48:1 " كما يعترف نفس الأصحاح بأنها ( أم ربي ) والرب هو يسوع الإله الذي هو إله من إله . أما الكنيسة والملافنة القديسين فنسجوا لعظمتها مدائح كثيرة وألقاب وتسميات مثبتة في الحُذرا وكتاب الكَزا . فللعذراء أكثر من 178 لقباً منها ( أم الله ) ووالدة الله ، والدة عمانوئيل ، ووالدة الكاهن الأعظم ، ووالدة الحبر وعظيم الأحبار ، والدة النور ، والدة المسيح ، وأم يسوع إلهنا ، أم ربنا ، أم ملك الملوك ، أم أبن الله ، أم أبن العلي ، تابوت العهد ، أم المعونة ... إلخ

بل جسدها الطاهر تحول إلى فردوس وسكن فيه الله بلاهوته ، هذا الذي لا يسعه الكون كله ، أنها كتلك العليقة التي حملت الله دون ان تحترق .

مريم ليست أم الله فحسب ، بل أم الكنيسة ، وهي الكنيسة قبل الكنيسة . هي الهيكل الحقيقي الذي حمل القربانة الأولى الحية في أحشائها . يقول عنها القديس أمبروسيوس بأنها ( مثال الكنيسة ) وشخصيتها الجماعية لا تخص بالمسيحيين فقط بل هي أم كل أنسان حي ، هي بديلة حواء ، فهي أم كل الأحياء والله يريد خلاص جميع البشر ، وهي تُقَدِم أبنها الإله كمخلص للجميع . فالجميع مدعوون إلى الخلاص بأبنها الفادي . فمريم هي أم أبن الله وأم جميع البشر ، وللجميع تقول

( أعملوا ما يقوله لكم "يسوع  في الأنجيل " .)

لتكن شفاعة العذراء مريم  مع جميع البشر

 




246
التحدي في التجارب الثلاثة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

بعد عماد يسوع على نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان أقتاده الروح إلى البرية أربعين يوماً ، وأبليس يجربهُ . جَرَبَهُ بالتجارب الثلاثة ، وفي تلك الأيام تبرز الفضائل الثلاثة في يسوع الأنسان وهي ( الفقر والتجرد والتواضع ) .
في البرية يوجد مقام التوحد والتصوف والأعتكاف والأختلاء والصمت . أنه مكان التعبد والتأمل بالله بعيدين من ضجيج العالم ، والأنفراد مع الخالق من أجل أمتحان الذات وتطهير النفس قبل الدخول إلى مرحلة جديدة في الحياة كما فعل موسى وشعبه في أرض سيناء أربعين سنة قبل دخولهم أرض الميعاد . وكذلك الأنبياء العظام كأيليا ويوحنا المعمدان والكثير من الأنبياء القديسين والنسلك ، وهناك تعرضوا لتجارب الشيطان العنيفة ، لكنهم صمدوا لمعرفتهم بأن الصحراء هو الطريق المؤدي إلى الأيمان الصافي والرجاء الخالص ، والصحراء ما هو الطريق السري المؤدي إلى القداسة ، فمن تحدوه محبة المخلص يمعن في الصحراء ، وهناك يتشبث بحياة الأيمان .
الشيطان المجرب هو ملاك ساقط له القدرة في قراءة ما في قلب الأنسان ، كما يدرك نواياه وفهم طرقه وإيمانه ، بل يقرأ ما في فكره فيبادر في رسم خطته لأيقاع الأنسان في تجربةٍ ذكية رسمها له متظاهراً له بالمحبة المحشوة بالخبث والحسد والعداء ، فيستخدم كل قدراته لأسقاط الخصم . فخطته الأولى للأنسان في جنة عدن بدأت بظهوره على صورة حية لكي يحاور حواء فأقنعها بحواره متظاهراً بأنه يريد خدمتها ، ويريد أن يصل بها إلى مستقبل أفضل ، فنال منها ومن بعلها .
غاية المجرب من تجربة الأنسان هي أسقاطه ودعوته إلى الأنضواء تحت راية معسكره البعيد عن الله ، وهكذا أراد أن يتحدى آدم الجديد يسوع المسيح ، فحدد له الوقت المناسب لأيقاعه ، الوقت الذي جاع فيه يسوع في نهاية صومه الأربعيني ، أعد له ثلاث تجارب في البرية  ، فبدأت المعركة بين قادة جيشين عظيمين ، قائد معسكر الخير وقائد معسكرالشر . كانت المجابهة وجهاً لوجه في أرض المعركة وبكل حرية . الله الآب سمح للشيطان أن يجرب أبنه الوحيد . أما غاية الشيطان المتمرد فكانت أفساد خطة الله لخلاص البشر بأبنه المتجسد ، فأعتزال يسوع عن العالم في تلك البرية ، هو أولاً لكي يتمهد للدخول في مرحلة حياتية جديدة ، وهي الدخول في مرحلة أعلان البشرى وأعلان ملكوت الله للعالم ، ومن ثم التضحية على الصليب . ففي البرية دخل يسوع في صومٍ وصلاة وزهد وصمت وكأنه ترك العالم كالناسك لكي يبقى منفرداً مع الله . كان يسوع في تلك الأيام في صراع مستمر مع قوى الشر. وهو صراع البشرية بقيادته ضد قواد الظلمة . وعلينا نحن أيضاً أن نستعد لخوض مثل تلك المعارك الروحية مع عدو الخير . فكل مؤمن عليه أن يتوقع من الشرير تجارب يومية متنوعة وكما فعل مع سيده الذي انتصر على المجرب في حياته الأرضية ، ليس في التجارب الثلاثة فحسب ، بل في كل حياته  .

بدأت التجارب الثلاثة في البرية :

التجربة الأولى : تجربة التحدي ، فقال ليسوع ( إن كنت إبن الله ، فمر أن تصير هذه الحجارة أرغفة . ) " لو 3:4"  ، وبعدها يبدو الشيطان مكترثاً بسبب جوع يسوع ، فطلب منه تحويل الحجر إلى خبز ليأكل متظاهراً بأنه لا يريد أن يكون جائعاً وهو إبن الله والقادر على القيام بهذه المعجزة . علينا أن نفهم خطط المجرب في حياتنا اليومية وفي مجتمعنا الأستهلاكي الباحث عن المزيد من المنافع من أجل أمتلاك المزيد ، بينما الأنجيل يعلمنا حياة الفقر ، ويسوع علمنا أن نصلي ونقول ( أعطنا خبز الكفاف ) .

كان رد يسوع للشيطان ( ليس بالخبز يحيا الأنسان ، بل بكل كلمةٍ تخرج من فم الله ) فالغذاء الأول المطلوب هو غذاء الروح بالعمل بمشيئة الله ووصاياه ، وبكلمته المدونة في الأنجيل ، والتجرد من متطلبات الجسد والأكتفاء بخبز الكفاف . أي أن الأنسان يحتاج إلى خبز الروح قبل خبز الجسد ، فعلينا أن نسأل الله عن خبز الروح أولاً لهذا علّمنا يسوع قائلاً ( أطلبوا البر أولاً والباقي يزاد لكم ) .

التجربة الثانية : أعد الأبليس خطة أشد حذقاً وخطورة ودقة من الأولى ، عندما أخذ يسوع وأوقفه على حافة سطح الهيكل العالي ، وقال له ( إن كنت إبن الله فألق بنفسك إلى الأسفل ، لأنه قد كتب ، يوصي ملائكته بك ، فيحملونك على أيديهم ...) فجاء رد يسوع له بآية أيضاً ، فقال ( مكتوب أيضاً ، لا تجربنّ الرب إلهك ) . مت 4: 6-7" .

هذه التجربة خاصة بحب الظهور ، والبحث عن الشهرة والقدرة على الإغراء بكل الوسائل وبأي ثمن . الغريب في هذه التجربة هو كلاماً مدعوماً بآية من الكتاب المقدس . غايته دفع المسيح إلى الكبرياء عندما يرمي بنفسه من الهيكل أمام الناس والملائكة تحمله قبل وصوله إلى الأرض فيزيد شأنه أمام الناظرين ، أي يقود يسوع إلى طريق آخر عكس الطريق الذي سار فيه منذ ولادته في المذود وبكل تواضع لكي يعلمنا الأتضاع . ولهذا الأسلوب يقود الأبليس الكثيرين إلى هذا الفريق لكي يجردهم من حياة الفقر والتواضع ومن أجل الشهرة وأبراز النفس وأستعراض القدرات أمام الآخرين لكي يبتعدوا عن خط الأيمان القويم الذي يدعوهم  إلى التواضع .
التجربة الثالثة : قاد الأبليس يسوع إلى قمة جبل عالي جداً لكي يغريه بممالك العالم وعظمتها ، فقال ( أعطيك هذه كلها إن جثوت لي ساجداً) ، كان جواب يسوع له من الكتاب أيضاً فقال ( إذهب ، يا شيطان ! فإنه مكتوب : للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) " مت 4: 10-11" .هكذا يجب أن نأمر المجرب بمغادرتنا بعدم الأصغاء إلى أغرائاته . بهذه الطريقة يقود الكثيرين إلى السقوط وينتصر عليهم بالخداع بأقناعهم بحياة أفضل وبالطموح إلى السلطة الزمنية للسيطرة على الآخرين وعلى أموالهم ، وهذا هو نوع من العبادة والسجود للأصنام المصطنعة التي يفضلن الكثيرين عبادتها ، أي عبادة الشيطان وأغرائاته .

نختصر أغرائات الأبليس من التجارب الثلاث ، بما يلي :

1-   حب التملك وحب المال والعالم.

2-   حب الظهور ، أو المجد الزمني والشهرة وتكريم العالم.

3-   حب السلطة والسيطرة على الآخرين بالقوة ، ورفع الذات بالكبرياء ، وبهذا يقود الأنسان إلى نكران الحب من أجل الأنانية وحب الذات .

الأنسان مدعو إلى أن يعبد الله ، لا لأن يُعبد ويكرِم من قبل الناس ، فهو مدعو إلى التواضع لكي يواجه كل حيّل الشيطان . يجب أن نصارع ميولنا في الطمع بممتلكات هذا العالم لأنها تحيدنا عن رسالتنا الأنجيلية ، لهذا تحتاج غلى ثقافة إيمانية . بعد أن ننظر إلى غاية التجربة علينا أن نميزها لكي نتحداها بقوة إن كانت لا تتفق مع مبادئنا المسيحية .

ختاماً نقول : لنسأل الرب لكي يعطينا النِعُم الكافية لكي نعيش أقوياء في التواضع إزاء التجارب لكي نبقى أوفياء لوصايا الرب لنا ، ولكي لا ننكره في التجارب كما فعل بطرس ، بل أن نتحدى التجربة مهما كانت بقوة أيماننا وننتصر عليها كما أنتصر يسوع على كل تجارب الأبليس وقاومه في حياته فحرر أجساد كثيرة من البشر من الأرواح الشريرة التي كانت تسكنها . أما خاتمة أنتصار يسوع على الأبليس فكانت على الصليب ، هناك كان التحدي والصراع القوي والأخير ، طلب من يسوع لكي ينزل من الصليب ، ليس حباً به بل لكي لا تكمل خطة الخلاص ، صمد يسوع حتى الموت وبموته قضى على كل خطط الشيطان التي أعلنها بقيامته وأنتصاره حتى على الموت ، وبهذا أنتهت سلطة سيد هذا العالم وحسب الآية ( يطرد سيد العالم إلى الخارج ) " يو 31:12 " والصراع سيستمر مع نسل المرأة (رؤ 11:12" لأن العدو لا يمل بل يستمر في الصراع وإن كانت هزيمته مثبتة مسبقاً بحسب قول الرب لتلاميذه :

( ثقوا أنا غلبت العالم )

 



توقيع (وردااسحاق)
فأنا لا أستحي بالأنجيل ، لأنه قدرة الله للخلاص ، لكل من يؤمن ( رو 16:1 )



247
المنبر الحر / العقل والأيمان
« في: 15:22 02/02/2019  »

العقل والأيمان

بقلم / وردا أسحاق قلّو

خلق الله الأنسان عاقلاً ناطقاً ومفكراً لكي يدرك ويبدع ويقرر فيعمل ضمن المحسوس ويقتنع ويقنع الآخرين بالمنطق مع إثبات الأمور بالدليل والبرهان القاطع ، ومصدر هذه القدرة هو العقل الذي له المقدرة على التفكير وأصدار القرار . بهذا كرمً الله الأنسان وفرزه عن الحيوان ، كما وضع كلمته في ضميره ، وذلك الصوت يكبته على أخطاءه لأنه صوت  الحب الألهي الذي يعطي للأنسان جمالاً ونقاوة ، ولكي يبحث عن الحق والعدل ويحب كل مخلوق

تاريخ الأنسان هو عبارة عن طريق مستمر يتجه نحو الخالق ، فالأنسان وإن كان بعيداً عن الله أو لن يسمع حتى بوجوده يشعر بصوت قوةٍ خفيةٍ في داخله فيُمييز الخير عن الشر، ويحث العقل للأبتعاد عن عمل الشر ، أو حب الذات لكي يستطيع أن يشارك الآخرين في الحب والعطاء

العقل يبرهن الحقائق بالمنطق  ، أما الأيمان الذي هو هبة ألهية للأنسان فيخلق الثقة في الأنسان ، وقوة للتحرك بخطوات ثابتة ومدروسة نحو ه ويتعامل معه كل يوم . فالأيمان يجب أن يرتقي إلى محبة الجميع لكي يتحول إلى حالة نفسية ضرورية الوجود في حياة المجتمع  ، وغايته أيضاً هي إرواء ظمأ الأنسان للحقيقة . إذاً هل للعقل والأيمان هدفاً واحداً وغاية واحدة ؟

للعقل كيان مستقل ، وللأيمان كيان آخر مختلف ، العقل مستعد لفهم حكم الله ورسائله السماوية ، لكنه لا يستطيع إدراك أسرار الله بالعلم ، علماً بأن الأنسان في حالة أكتشاف دائم وتطور لكن في عالم المادة الملموسة فقط ، والله موجود في الماضي والحاضر والمستقبل ، وموجود في كل أنسان كروح لا يستطيع العقل أن يدرك عمقه وأبعاده وطريقة وجوده

 ، اما الأيمان فهو الفرح والبهجة والحياة الحقيقية والذي يفكر لا بالعقل ، بل بالروح . فالأنسان الروحي يختلف عن الأنسان الجسدي الذي يعتمد على العقل . فبولس الرسول كان يرى أن الأنسان الروحي يستطيع أن يرى ما  لا يراه الأنسان بالعين ويفكر بالعقل ، فقال   

"لقد أعلنه لنا الله بروحه. لأنّ الرّوح يفحص كلّ شيء حتى أعماق الله. فمَن مِن الناس يعرف ما في الإنسان إلّا روح الإنسان الذي فيه؟ فهكذا أيضًا، ليس أحد يعرف ما في الله إلّا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الرّوح الذي من العالم، لكي نعرف ما أنعم به علينا الله من النعم. ونتكلّم عنها لا بأقوال تعلّمها الحكمة البشريّة، بل بما يعلّمه الرّوح، معبّرين بالروحيّات عن الروحيّات. إنّ الإنسان الطبيعي لا يقبل ما هو من روح الله، فإنّه جهالة عنده، وليس في وسعه أن يعرفه، لأنّه بالرّوح يُحكم فيه. أمّا الإنسان الروحيّ فإنّه يحكم في كلّ شيء، ولا أحد يحكم فيه. لأنّه "من عرف فكر الربّ فيعلّمه؟ أمّا نحن فعندنا فكر المسيح" (1قو 2/ 10-16) .

الفرح الذي يعيشه المؤمن بسبب أيمانه لا يتوخى المتعة الزمنية الضيقة ، بل هو سعادة داخلية يشعر بها الأنسان بالسلام والطمأنينة والتفاعل مع الكون بقناعة وحتى وإن كان يحمل صليب الألم والأضطهاد والظلم بسبب الفرح الداخلي الذي يعطيه موهبة المحبة للجميع ، وهنا يتجلى نمو الروح وغناه في فرح الأنسان ، فتزداد روحه غنى وجمال ، كما يقول الرب ( ستفرح قلوبكم وما من احد يسلبكم هذا الفرح ) " يو 22:16" .

أما هدف العقل والأيمان فيجب أن يكون واحد ، وهو العمل من أجل الحق والمساوات للوصول إلى الحقيقة ، فطريق العمل والمثابرة لهذا الهدف واحد وهو حياة الأنسان ومستقبله . لا يجوز أن يتحرر العقل عن الأيمان ، فالذين ادعوا بأن العلم الذي وصل إلى القمة بسبب العقل لا يحتاج إلى الأيمان أو الدين ، بل اعتبروا الدين أفيون الشعوب والعقول ، وهذا نابع من جهل حقيقة وجود الأنسان والغاية من وجوده ومستقبله ، وطريق الحياة التي يحب أن يسلكه ، فالأيمان هو أساس حياة الأنسان ، والحياة هي عمل أيماني مستمر ، بل الأيمان بشكل عام هو ظاهرة حياتية ضرورية وبدون الحاجة إلى الدخول في عمق أهداف الأيمان وغاياته . الأيمان هو المعلم الأفضل لرسم الحياة الفضلى في المجتمع . قال أحد الملحدين ، لولا وجود الأديان لكنا نضطر لصنع الأديان لكل نسَيّر الشعوب . وهكذا فشل الألحاد وبرز الأيمان ليعيد عافيته في دول الألحاد . والكلام موجه أيضاً إلى المجتمعات الرأسمالية التي نشأت على حساب ظلم الفقير وأستغلاله ، فصعدت طبقات برجوازية على ظهور الطبقات الفقيرة وطمس الأيمان ، بل تعمل إلى أزالته لأنه الصوت الصارخ في برية تلك الأمم وإنه ينادي من أجل الحق والمساوات . عندما نتصفح أوراق التاريخ فنجد بأن الأيمان يضطهد فيهبط كموجة البحر لكنه لا يتلاشى ، وسرعان ما يرتفع فوق قوة المضطهدين فيظهر الحق . كما يجب أن نفرز بين الأيمان الحقيقي والأيمان الذي يصنعه الأنسان بأسم الله فيتحول إلى قوة مدمرة للشعوب ويتسلط على العقول وينحدر بالمجمع إلى الهاوية فيفقد السلام وتظهر المنازعات والحروب والأضطهاد والتدمير بأسم الأيمان .

في الختام نقول : غاية العقل والأيمان القويم يجب أن تكون واحدة ، وهي القضاء على إستغلال الأنسان والعمل من أجل الحق والمساوات ، وهذا يتم باستخدام العقل من أجل أبراز العدل ، والأيمان ينير العقل لصالح الأنسان لكي يسمو العقل فيفكر ليعمل لخدمة الشعوب بالتساوي . كذلك نقول ، العقل ينير الأيمان ايضاً بالعلم والمعرفة ، وهكذا يجب أن يتكاتف العقل مع الأيمان من أجل وحدة عمل مشتركة لخدمة حياة بني البشر .

أبدى القديس توما الأكويني برأيه عن هذا الموضوع ، قائلاً ( الوحي " الأيمان " والعقل ، ما دام كل منهما سبيلاً إلى الحقيقة ، يجب أن يتفقا ، وليس من الجائز أن يعلم الوحي ما يأباه العقل ) ، هذا القول منطقي ومقبول .

أما الرب يسوع ، فقال ( تعرفون الحق والحق يحرركم ) " يو 32:8" . وأخيراً نقول ، الأيمان قوة تحرر عقل الأنسان لكي يفكر بالحق ويعمل للعدل والخير والسلام لخدمة الجميع




248
لماذا نعبد أصنام الطائفية من دون الله ؟

بقلم / وردا أسحاق قلّو

الله خلق الأنسان على صورته ومثاله ، عاقلاً وحراُ ، خلقه لكي يقدم له العبادة والسجود ، ووضعه فوق كل المخلوقات على الأرض . العلاقة تستمر بالصلاة التي هي صلة بين الخالق والمخلوق ، وكذلك بتطبيق وصايا الله ، فعلى أتباع الديانات السماوية أن تعطي لله الأولوية المطلقة في نظامها الأجتماعي والتربوي والأيماني ، كما يجب على كل مواطن أحترام كل أنسان ينتمي إلى طائفة أو دين آخر يعيش على أرض الوطن ، وبخلاف ذلك يبرز نظام الطائفية العنصرية التي تنوي إلى السيطرة بأعطاء الكرامة والأحقية لكتلتها ، فتعمل إلى تسخير المصالح الأجتماعية لأبناء طائفتها بالقوة عن طريق المتنفذين القابعين على كراسي السلطة فيتسلطون على الطبقات الضعيفة  ،. يدعمون موقفهم عن طريق السياسة أو في دور العبادة لما لديهم من  شيوخ وقادة كتل ووجهاء ، فيفتون بأسم الله ، وهكذا يذبح الله على مذبح الطائفية ، بل يحتجب ليغيب خلف أهداف تلك المجموعات المسيطرة على زمام الأمور ، بل يستغل أسم الله فيسخروه لمصالح آنية تخدم تلك الطائفة التي يجب أن تكون فوق
الجميع ، كما يضعون أسم الله على أعلامهم وشعاراتهم لخداع البسطاء . يسعون إلى السيطرة على كل ممتلكات الدولة ، فأعضائها الروحيون والسياسيون يختارون ابناء طائفتهم لأعلى المناصب وأهمها ، فيتقاسمون الكراسي السيادية والوظيفية كما يتم تقسيم الغنائم بأسم الله ، بل تقطع رؤوس الأبرياء بأسمه ، وهكذا يتسلطون على كل شرائح المجتمع الضعيفة ، بينما يجب أن يكون المتدين في الطائفة مضحياً خادماً وأميناً وأول من يعمل وآخر من ينتفع في المجتمع ، بل خادماً للجميع ، وهذا ما قاله المسيح للحوارين عندما طلب منه بعضهم  المناصب ، فقال ( أن رؤساء الأمم يسودونهم وعظمائهم يتسلطون عليهم ، أما أنتم فلا يكون ذلك فيما بينكم ، بل من أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن للكل خادماً ، ومنأراد أن يكون فيكم أولاً فليكن للكل عبداً ) " مت 20: 26-27" . إذاً الذي يريد أن يكون وجيهاً فعليه أن يكون مضحياً وتقياً وخادماً للجميع ، وعلى المجتمع أن يكون واعياً في أحترام الجميع بأكرام فلا يجوز فرض الغني على الفقير ، أو أبن الطائفة المتسلطة على الآخر وقد يكون غير متخصص في وظيفته أو أقل قدرة في العمل ، فتلك المفارقة تدعم وجود الطائفييين ، علماً بأن الطائفة وجدت لخدمة الأيمان الصحيح بتقديم العبادة والطاعة إلى الله وخدمة المجتمع لكي تكون قدوة ومثالاً صالحاً . وبتعبير آخر الطائفة هي في خدمة الله والمجتمع ، أما هم فيجعلون الله في خدمة الطائفة  ومصالحها  ، لأن ذلك تشجيع وتأييد لأبراز الأستبداد والتعسف الذي يدفع تلك الكتل لقمع وأستغلال المجتمع ، فيتحولون هم إلى آلهة بشرية وأبناء الشعب إلى عبيد  ، هكذا رفض الكثيرون من الطائفيين الله لأنهم يعتبرونه متحدياً لوجودهم  ، وإنه لم يعد لهم من خيار سوى رفضه أو أستخدامه كوسيلة لخداع الناس ، ولكونهم جالسين على كراسي الخلفاء الأوليين أصبحت صورة الدين مشوهة أمام الكثيرين وخاصة الشباب لأنهم فسروا الله من خلالهم بأنه ذلك الجبار المحب للقادة الظالمين الذي نسى الفقير ، لهذا برز الألحاد بين الشباب فزاد العدد  إلى ملايين الملحدين في العراق ومصر وأيران والسعودية وغيرها من الدول التي يقود سياستها     
 قادة الطوائف من شيوخ وأئمة وأحفاد الأولياء .   
الدين بشكل عام هو نظام مقدس غايته خدمة المجتمع بالعدل والمساوات فلا يجوز استغلاله ، فالذي يتظاهر بالتدين ويظلم القريب منه ، لم يعد لله مكانة في داخله لأنه بهذا يفقد واجباته الصحيحة نحو الدين ،  فالذي يستغل الدين وأسم الله بسبب حبه للكتلة المتسلطة أكثر من حبه لله فنراه يقدم الولاء والحب لسادة طائفته أكثر من ولائه وحبه لله . يقدم الحب والطاعة والأحترام  لأولئك السادة أوحتى إلى من هم في قبورهم  أكثر من الخالق ، فيجعلون ذلك الشخص هو المرجع الأعلى ، والهدف الأول ويخصص له أياماً لتقديم الحب والطاعة وبدموع سخية وحتى بأيذاء النفس حباً له ، لكن لا يخصص لله أي يوم ليقدم له الشكر والعبادة والتسبيح . بل نقول من شتم أسم الله ( سبحانه ) لا يحاكم ، لكن من تعدى على واحد من الأولياء أو أبنائهم وأحفادهم الموتى أو الأحياء فالويل لذلك الرجل ، حتماً سينزل عليه  كل الغضب والأنتقام وبدون رحمة أو محاكمة ، فمن هو الأفضل في مجتمعنا إذاً ، الخالق أم المخلوق ؟
هكذا العقلية الطائفية لا تبقى لله قيمة ووجود ، لأنها تسعى إلى تعظيم ذاتها وتثبت وجودها . واقعياً صارت الطائفة بديلة لله رغم عبادتهم له كلامياً وظاهرياً ، والولي يتحول من العبد إلى معبود ، وحتى وإن كان أقل علماً وفهماً وحكمة من الكثير من السادة ، لكن يكفي أنه حفيد السلف الصالح ، وهل هناك صالح وبدون خطيئة غير الله ؟ هكذا تم تحويل الله في بلداننا إلى وسيلة للوجود ، علماً بأنه هو هدف الوجود
هؤلاء الطائفيين الذين نشروا الفساد والتخلف والفتنى وأستغلال الفقير ورفض الآخر  نقول لهم . الأنسان الذي لا يحب أخيه الأنسان في وطنه مهما كانت هويته ، فأنه يرفض وجود الله في حياته ، أي ( من لا يحب أخاه " الأنسان " الذي يراه ، فكيف يحب الله الذي لا يراه ؟ ) أجل محبة الله تكمن في محبة الأنسان ، لأن المحبة هي محك الأيمان الصحيح وقياس أصالته ، فلا أيمان ولا تدين سوى ب ( الأيمان العامل بالمحبة )   أما الذي يخصص حبه لأولياء وأبناء طائفته فأنه يتعمد لزرع الحقد والكراهية والتفرقة بأسم إلهه المبتدع فيقتل بإسمه ويفرض أفكاره على كل شرائح المجتمع عبر مكبرات الصوت ووسائل الأعلام أو بالتهديد أو غيرها من الوسائل دون أعطاء وزناً لله الحقيقي المحب لكل البشر الذي يتحاشى الأنانية وفرض النفس والقوانين الطائفية المقيتة على وصاياه الألهية . وهكذا يجعل من طائفته كتلة منغلقة على مصالحها الدنيوية ، بل تؤله تلك الطائفة ذاتها فتتغرب عن الله الحقيقي ، فتصبح عدوة الله ، وذلك لأن للغريب والعدو صورة واحدة ، فالغريب هو مجهول أيضاً
الأيمان الحقيقي بالله هو هبة من السماء للأنسان لكي يعلمه التواضع والمحبة للجميع ، فهذه النعمة لا يستحقها الطائفي ولا يشعر بها أو يعمل بمسؤليتها المباركة التي تدعو الأنسان إلى زرع العدل والمساوات بين أبناء المجتمع . المجتمعات المتطورة تطورت بإزالة الروح الطائفية من التعليم والأعلام والقوانين وغيرها . الحل هو فضح أعمال الطائفية في مجتمعاتنا ومجابهة معاقلها ورموزها ، وعدم الولاء لهم وسماع فتاويهم ، بل قلب تحصيناتهم وأزالتها ، لأن معادلتهم بين الدين والدولة زائفة ، قوانينهم وشعاراتهم منسوجة لأغراض أنانية بأسم الله ، يسّخرون المشاعر الدينية لمآرب ضيقة بعيدة عن خط الأيمان القويم  . كم يجب الألتزام بعمل سياسي وأجتماعي مشترك لبناء دولة حديثة ترتكز على قوانين مدروسة تحكمها طاقات متعلمة وواعية لا تنتمي إلى أي كتلة طائفية لكي تخدم كل شرائح المجتمع بالتساوي ، وتوزع الوظائف والمسؤليات والخيرات على أساس المصلحة العامة ، هكذا سيزرع الفرح في الأرض والسماء ، وتخدم كرامة الأنسان التي لا تنفصل عن كرامة الله الذي له المجد الدائم إلى الأبد   



249
هل يتناقض تعليم بولس مع المسيح والرسل في موضوع الخلاص ؟

بقلم/ وردا أسحاق القلّو

( دراسة تحليلية لآراء المسيح والرسل ومار بولس حول الخلاص بالأيمان ، والأعمال ، والنعمة )

خلاص الأنسان يبدأ بالأيمان أولاً ، والأيمان هو أختيار وأنتماء يأتي كهبة للأنسان من السماء . لا يأتي عن طريق العقل والعلم والمنطق . الأيمان هو الذي يعطي الثقة بالهدف الذي يؤمن به وكما قال الرسول بولس ( أما الأيمان فهو الثقة بأن ما نرجوه لا بد أن يتحقق ، والأقتناع بأن ما لا نراه موجود حقاً ) " عب 1:11" ففي المسيحية يبدا بالأعتراف بيسوع المسيح أولاً ، ومن ثم تسليم الذات له ، وقبوله رباً ومخلصاً ، وكما تقول الآية ( ... لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ) " يو 16:3 " نقول ، وهل الأيمان يكفي للخلاص ؟ هذا ما يعتقده الكثيرون مكتفين ببعض الآيات كهذه ( فسألوه : " ماذا نفعل لنعمل ما يطلبه الله هو أن تؤمنوا بمن أرسله ) " يو 6: 28-29 " أي آمن فقط ، بهذا ينكرون عمل المعمودية ، فلا يلتزمون حتى بالآية التي تقول ( من آمن وتعمد خلص ) " مر 16:16 " أي التوبة والأيمان أولاً ، ومن ثم المعمودية ، وحسب الآية ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم بأسم يسوع المسيح .... ) " أع 38:2 " . أنهم يلجأون إلى مبدأ الحذف والتلخيص والترشيق علماً بأن هذه الآية تسبقها آية أخرى تحث المعمدين إلى العمل بعد العماد ، فتقول ( أذهبوا إلى العالم أجمع وبشروا الخليقة بالأنجيل ) 

 كذلك يستخدمون آيات في غير محلها لتمشية غاياتهم وأهدافهم لكنها لا تصمد أمام التفسير الصحيح للكنيسة الجامعة , هذا الأسلوب الهادف الى التمرد والأنشقاق ليس لصالح كنيسة الرب الذي يريدها واحدة موحدة كما هو والآب واحد , أستعمل مارتن لوثر ذات الأسلوب فأراد حذف رسالة يعقوب , لأنها توضح أهمية الأعمال مع الأيمان أكثر من كل الأسفار , والذي هو مدار بحثنا هذا . الكنيسة هي جسد المسيح التي تلج فيها الناس بالمعمودية كما من باب , أما الذي هو خارج الكنيسة فتقع ضرورة تبشيره على عاتق المؤمنين . إذاً على كل مؤمن معمد أعمال وواجبات ووزنات ، وهذه الأعمال ترافق ذلك الأيمان دائماً  لأنهما كجسد واحد مرتبط لا يجوز الفصل بينهما لأن غايتهما واحدة مقدسة لأجل خلاص الجميع ( الله يريد أن جميع الناس يخلصون ويبلغون الى معرفة الحق) " 1 تي 4:2" .  الأيمان نابع من تعليم الأنجيل ، وما كتب فيه ما هو الا رؤوس نقاط لأفكار الله اللامحدودة , أو عناوين لدروس عميقة وعظيمة تتسرب الى أذهان كبار المفسرين وحتى الصغار منهم , وما يؤدي الى سوء فهمهم للحقائق لدى البعض ، نشأت مذاهب وفلسفات لاهوتية خاطئة أدت بمفكريها للوصول الى مفاهيم ملؤها الكفر والهرطقة فتورطوا معهم أناس آخرين , كفلسفة آريوس وغيره . يجب أن يكون للمفسر رؤية ثاقبة مبنية على أساس من الأيمان والأطلاع واللجوء الى الروح القدس لكي يلهمه للوصول الى التفسير الصحيح , وإلا سيصطدم بجدار من الأخطاء دون أن يشعرفيصبح عثرة للآخرين , والرب يسوع يحذر الجميع من تلك الأخطاء التي تنقل الى صغار المؤمنين بقوله ( من سبب في عثرة واحد من هؤلاء الصغار كان الأجدر به بأن يعلق في عنقه حجر الرحى ويطرح في عمق البحر) . أذن علينا جميعاً أن نقرأ ونفهم كل آية تتحدث عن موضوع نريد أن نتناوله ولا نتوهم بأن تعليم يسوع يختلف عن تعليم بولس , وبولس عن يعقوب ويوحنا , ونركز الآن الى ما يعنيه موضوع الأيمان والأعمال وحسب أقوالهم لكي نعلم في الأخير بأن للرب والرسل جميعاً رأياً واحداً ولا يوجد مجال للأختلاف والتناقض بل الأختلاف يعشعش فينا لقلة أيماننا ولسبب تفسيرنا الخاطىء وكبريائنا الذي لا يسمح لنا بالتنازل للطرف الآخرلكوننا ننتمي الى فئة طائفية كنسية لا نريد أن نتنازل لغيرها وهكذا نهين الأنجيل المقدس لا وبل نتهم المسيح والرسل بأنهم هم الذين قالوا ذلك معززين كلامنا بآيات وأقوال دون أن نعرف المناسبة التي قيلت فيها تلك الآيات  ولماذا وما هي الغاية .أو لماذا تتناقض تلك الآيات ظاهرياً مع آيات أخرى عن نفس الموضوع وكيف تتلاقى مع بعضها لأنها لا بد وأن تلتقي في تفسير واحد  ، وعلى هذا الأساس نبحث عن رأي بولس مقابل رأي يسوع ويوحنا ويعقوب وغيرهم في موضوع الأيمان والأعمال. ما قاله الرسول بولس في رسالتيه الى روما "3: 20-31" وغلاطية "16:2" هدف واحد ومقصد واحد وهو أن معرفة الأنسان للشريعة غير كافي لنوال الخلاص , بل لربما أدت به تلك المعرفة الى المعصية , أضافة الى ما قصده بولس هنا كان لمقاومة فكر اليهود الداخلين الى المسيحية وكانت غايتهم العمل بالناموس كما كانوا وبتقديم الذبائح الموسوية لهذا قال لهم بولس أن أعمال الناموس لا تبرر لأن المسيح هو الذبيحة الحقيقية التي نتبرر بها لا بأعمال الناموس.كان فهم مارتن لوثر وتفسيره لها خاطئاً ومن هذه الفكرة أقتنع بأن الأنسان يخلص لمجرد الأيمان هكذا أستمرت أفكاره وتوسعت فكوَن له عقيدة للتمرد عن الكنيسة الكاثوليكية وقد ساعدته الظروف التي كانت تمر بها الكنيسة لكي تتبعه جموع من المؤيدين الذين تورطوا بأفكاره وبنوده التي وصلت الى (95) بند منها اسرار الكنيسة المقدسة كلها عدا المعمودية ، والأفخارستيا الذي مارسها كمجرد عمل تذكاري ليس الا . هكذا استمرت عقيدته بالأيمان المجرد من الأعمال ، الأعمال التي طلبها منا الرب أن نعملها لكي نمجد بها اسمه القدوس فيعلم العالم بأننا نور العالم وحسب قوله ( فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات )" مت 16:5" . ما بينه بولس في "رو 7/ 7-12" قائلاً ( الشريعة اذاً مقدسة والوصية مقدسة عادلة صالحة) وحسب قول الرب (  أنني آتي لا لألغي الناموس بل لأكمله لذا يجب أن نحفظ الوصايا فالذي لا يحفظ الوصايا ويعمل بها فأنه كاذب على نفسه وعلى الناس ) . وكما يقول الرسول يوحنا ( فالذي يدعي أنه قد عرفه، ولكنه لا يعمل بوصاياه ، يكون كاذباً ولا يكون الحق في داخله. أما الذي يعمل بحسب كلمة المسيح، فأن محبة الله تكون قد اكتملت في داخله.... كل من يعترف أنه ثابت في المسيح , يلتزم أن يسلك كما سلك المسيح) " 1يو 2/ 4-6" . أما بولس فقال في غلاطية ( ولكننا اذ علمنا أن الأنسان لا يتبرر على أساس الأعمال المطلوبة بالشريعة بل فقط بالأيمان بالمسيح , آمنا نحن أيضاً بالمسيح يسوع لنتبرر على أساس الأيمان به لا على أساس أعمال الشريعة لأنه على أعمال الشريعة لا يتبرر أي أنسان) . لماذا قال بولس هذه الآيات والتي لا يعني فيها الأيمان المجرد من الأعمال وينفي من خلالها ما أوصى به يسوع بعدم الأكتفاء بالأيمان الخالي من الأعمال والمحبة والألفة والرحمة , هذه الرحمة التي أكد عليها الرب في "مت 18: 21-35"و " مت25: 34-46" و" 1بط 8:3" بأن الذي يرحم أخاه لا يخشى الدينونة لأن الله يعامله بالرحمة كما عامل الناس بالرحمة. (بالكيل الذي تكالون يكال لكم ) . ووضحها يعقوب في "13:2" قائلاً ( تكلموا واعملوا مثل الذين سيدانون بشريعة الحرية لأن الدينونة لا رحمة فيها لمن لم يرحم. فالرحمة لا تبالي بالدينونة ). اذاً كان قصد الرسول بولس هو محاربة أفكار اليهود المبنية على العمل بالشريعة لأجل الخلاص وهذه العقيدة كانت تشكل حاجزاً كبيراً بين اليهود وأبناء العهد الجديد , فما أراده بولس هو ازالة هذا الحاجز ومحاربته بقوة لكي يتسنى لليهود أن يروا ما وراء الحاجز من جديد, ولكي يقتنعوا ويؤمنوا بالمسيح وبما  في الأنجيل  . بولس يعلم جيداً وكما هو واضح من كلامه في الرسائل الأخرى وسنتناول قسماً من أقواله لاحقاً بأن هناك صلة بين الأيمان والأعمال وأن الأيمان لا يكون صادقاً صحيحاً إلا اذا اقترن بالأعمال الصالحة ، فكما أن الجسد بلا روح ميت , كذلك الأيمان بدون أعمال ميت كما قال الرسول يعقوب في " 26/2" . أما الرب يسوع فقال ( الغصن الذي لا يثمر يقطع ويطرح في النار) الأيمان لوحده عقيم وكما يوضحه لنا الرب في مثل السامري الصالح " لو 37/10"  أي أعملوا أعمالاً صالحة الى جانب أيمانكم وكذلك قصد الرب هو ( لم آتي لألغي الناموس بل لأكمله) .  قال عالم الشريعة ليسوع كيف أرث الحياة الأبدية فقال له ماذا قالت الشريعة فقال ( أحبب الرب الهك... واحبب قريبك كنفسك) فقال له ( أعمل هذا فتحيا) ولم يكفي العمل بالشريعة فقط بل ( من آمن وتعمد أيضاً ). كلام يسوع وبطرس ويعقوب ويوحنا يدعو الناس الى المحبة ( لا يناقضون تعليم بولس في رسالتيه الى روما وغلاطية) ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة لا من الأيمان لهذا يجب أن لا نقول من يؤمن يعمل أعمالاً صالحة, بل يجب أن يرتقي الأيمان الى مستوى المحبة ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة وكما وضحها بولس نفسه في أنشودة المحبة .  بعد ذلك اراد بولس أن يوضح ما يريده من اليهود بالتركيز الى موضوع المحبة التي تشمل مقطعي الشريعة ، أي محبة الله والبشر، اضافة الى الأيمان بيسوع المخلص، وهكذا سيتوحد كلامه وتعليمه مع يعقوب الذي يقول ان ذلك الأيمان لا يكون صادقاً صحيحاً الا اذا عمل صاحبه بتعليم المسيح, وهذا ما قاله الرب في آخر عظته على الجبل ( ... بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات)" مت 20/7" . القديسون نالوا المكافئة بسبب أيمانهم المقترن بأعمالهم وكما تقول الآية ( يقول الروح: أجل فليستريحوا منذ اليوم من المتاعب لأن أعمالهم تصحبهم ) "رؤ 13/14" هذه الأعمال مطلوبة من كل مؤمن وأكدها الرسول بولس بنفسه قائلاً ( لا بد أن نقف مكشوفين أمام عرش المسيح , لينال كل واحد منا استحقاق ما عمله حين كان في الجسد أصالحاً كان أم رديئاً )" 2 قو 10/5" وهكذا أكد لنا الرسول بولس على أهمية الأعمال الصالحة لكي نعلم بأن تعليمه وتعليم الرب والرسل تعليم واحد فقال (وأن يفعلوا خيراً ،  ويكونوا أغنياء بالأعمال الصالحة ...) " 1تيم 18:6" 

  هكذا يتكاتف الأيمان مع الأعمال النابعة من المحبة وبحجم المحبة التي فينا سنحاسب ، وكما قال أحد القديسين ( عندما يغيب هذا العالم سيحاسب كل واحد منا بقدر المحبة التي فيه) . وهذه المحبة هي  ( لله والبشر) و كما ذكرنا في مثل السامري. إذاً الله سيحاسبنا في يوم الدينونة الأخيرعلى الأيمان والمحبة التي تخرج منها الأعمال فيقول للمؤمنين به والمجردين من الأعمال والواقفين على يساره ( ابتعدوا عني أيها الملاعين الى النار الأبدية  ...) فيجيبه هؤلاء المؤمنين به قائلين( يا رب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً......وما أسعفناك؟) فيجيبهم قائلاً ( الحق أقول لكم :بما أنكم لم تصنعوا ذلك لواحد من هؤلاء الصغار فلي لم تصنعوه) . ( كذلك طالع مت 25:35-45).
قال يسوع لسمعان الأبرص" الذي كان مؤمناً فقط" : (أنت ما دهنت رأسي بزيت معطر أما هي فبالطيب دهنت قدمي...... ) " لو 7/ 45-46" . أي الأيمان والعمل الذي يعبر عن الأيمان الصادق، فلهذا يقول يسوع  ( فمثل من يسمع كلامي هذا فيعمل به كمثل رجل عاقل بني بيته على الصخرة....) " مت 7/ 18-22" . فالمؤمن هو كالشجرة الطيبة ، فليس للشجرة الطيبة أن تثمر ثماراً خبيثة وبالعكس، وكل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقى في النار. فمن ثمارهم ( أعمالهم) تعرفونهم . أما المؤمن المجرد من الأعمال فيحتقره يسوع لأنه يشبه التينة المورقة الجميلة التي رآها بدون ثمر " أعمال " فلعنها وهكذا الغصن الذي لا يثمر يقطع من شجرة المسيحية . نعم المؤمن بالرب فقط يستطيع على أساس الأيمان أن يعمل المعجزات وحسب قول الرب ( لو كان لديكم أيمان بقدر ذرة خردل تستطيعون أن تنقلوا الجبال ) لكن الأيمان لا يكفي وقد وضح الرسول بولس ذلك لكي نعلم بأن تعليمه وتعليم المسيح والرسل واحد , وما قصده في رسالتي روما وغلاطية لا ينافي تعليم الأنجيل ورسائل الرسل , وأن الأيمان لوحده لا يكفي , فوضح مؤيداً قول الرب الذي قال للمؤمنين اللذين قالوا بأسمك تنبأنا وبأسمك طردنا الشياطين ...الخ , أي امتلاكهم للمواهب نتيجة الأيمان فقط أي تلك الأعمال غير نابعة من قلب محب وكما قال الرب في "مر 16/ 17-18"  . نستنتج من رأي الرب يسوع وبولس ما يلي:-
1- أنعم الروح القدس بهذه المواهب على الناس في الكنيسة لخير المسيحيين في ذلك العهد أذ كانت السلطة الكنسية في أول نشأتها لم تنظم شؤونها الا قليلاً .المواهب على اختلاف أنواعها وغرابة بعضها وما كان يصحبها من ضجة كان خطراً يهدد بوضوح الأضطراب بين المؤمنين. ذلك دعا بولس الى الكلام على المواهب وموجزه:-
أ- أنها كلها من الروح القدس الذي كان يحل بالمؤمنين.
ب- يعظم قدرها على قدر ما تخدم الجماعة.
ج- النبوة أعظم شأناً من التكلم بلغات في حين أن أهل قورنتوس كانوا معجبين بموهبة التكلم بلغات.
ت- المحبة تفوقها جميعاً.
2- الموهبة تخول من ينالها القدرة على شرح أسمى حقائق الديانة المسيحية, تلك التي تتصل في الذات الألهية وفي أنفسنا, (طالع عب 1/6 و 26/ 6-26) .
3- تشرح الحقائق الأولى للديانة المسيحية ولا سيما ما يتصل بالمسيح وهناك فضائل أخرى وهي الرجاء والمحبة ( طالع 1 قو 13 ) ما يقصده بولس فيها هو أن لا نبقى نتراوح في رقعة الأيمان بل علينا أن نتحرك بخطواتنا الى الأمام لكي نمر ونعبر من خلال مرحلتي الرجاء والمحبة وأن المحبة هي المرحلة النهائية التي قال عنها بولس بأنها أعظم الفضائل. يوضح بولس ذلك بأن المواهب النابعة من الأيمان كتكلم بلغات الناس والملائكة بدون محبة فما هي الا نحاس يطن أو صنج يرن . أي أن الأعمال الناتجة من الأيمان المجرد من المحبة لا تفيد , فقال  ( ولو وهبت لي النبوة.... ولي ألأيمان لنقل الجبال ...ولم تكن لي المحبة فما انا بشىء . ولو فرقت جميع أموالي وقدمت جسدي ليحرق  ولم تكن لدي المحبة فما يجديني ذلك نفعاً ). فعندما نقدم خدمة للرب يسوع أساسها المحبة لا الأيمان به فقط لا يرفضها. أذن الحياة المسيحية مراحل وكالتالي:
 الأيمان بالمسيح بأنه المخلص ونسلم ذاتنا له. بعد أن نعيش كمؤمنين به ن ثم ننتقل الى المرحلة الثانية وهي مرحلة الرجاء بالخلاص فيترعرع هذا الرجاء الذي أساسه الأيمان لكي يصل الى مرحلة أخرى وهي الثالثة التي هي المحبة . في هذه المرحلة تظهر فينا الأعمال الصالحة المطلوبة ، عندئذ سنحب كل الناس ونعمل لأجل الله أولاً ومن أجل الناس ثانياً وأخيراً من أجلنا وكما عمل الرب يسوع ليلاً ونهاراً. كان يصلي في الليل ويعمل للناس في النهار . هكذا يريد الرب من كل واحد بأن لا يؤمن به فقط بل يعمل أيضاً .  يسوع سلم لكل مؤمن وزنات من العمل لخدمة الأخرين ، فعلى المؤمن بأن يعمل بهذه الوزنات ويزيدها لآن الرب سيحاسبه عليها بشدة , وينزعها من كل مؤمن لا يعمل ، ويسلمها للمؤمنين الذين يعملون . الرب أعطى لكل مؤمن وزنات وحسب قدرته من أجل خدمة الغير بمحبة فقال ( ان أعظم عمل يقوم به الأنسان هو أن يضحي من أجل محبيه) فبالمحبة يعمل للمحبين وبالمحبة يخدمهم .  فما قصد بولس في "1 قو 13" وهو أروع ما كتبه لنا حيث أبرز فيه لب المسيحية وهدفها الذي هو المحبة , وليس المقصود بالمحبة الشهوة التي تتوخى منفعتها الضيقة . بل الفضيلة التي تحمل صاحبها على أبداء المعروف الى القريب وكما أراد الرب وحسب قوله ( كونوا رحماء كما أن أبوكم السماوي رحيم) " لو 6 / 36" . كما يعلمنا بولس أن الله هو ينبوع المحبة ، أيده يوحنا الأنجيلي في رسالته حيث يقول عنه ( الله محبة) لماذا؟ لأنه أحبنا قبل أن نحبه" 1يو 4/ 19" , فضحى بأبنه من أجل خلاص الخاطئين" رو 8/5 . 8/ 32-39" وهذه المحبة هي أيضاً لدى الأبن والروح القدس وتنتقل من الآب والأبن والروح القدس الى كل مؤمن معمد , أنها الوصية الكبرى أي المحبة هذه الوصية التي نادى بها كل الرسل . فعلى كل مسيحي أن يكون محب ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة كما تقول الآية ( الرجل الطيب " المحب" من الكنز الطيب في قلبه يخرج ما هو طيب. والرجل الخبيث من كنزه الخبيث يخرج ما هو خبيث, لأن لسانه يتكلم بما يفيض من قلبه) "لو 45/6". الرب يسوع أذاً لا يريدنا أن نلتزم بالأيمان فقط بل يجب أن نتصف ونلتزم بالفضائل الأخرى لكي تظهر المحبة في أعمالنا, هذه الأعمال التي تعبر عن صدق أيماننا لله والناس وهي ثمار المحبة ، والمحبة هي قمة الأيمان لهذا قال الرب للمؤمنيين به في "لو 46/6" ( لماذا تدعوني يا رب يا رب ولا تعملون بما أقول ؟ ) . كل من يأتي اليَ ، ويسمع كلامي فيعمل به .( اي الأيمان +الأعمال) , فكما أن الشجرة الجيدة تعرف من ثمارها هكذا الرجل الصالح يعرف من صلاحه في أفكاره وكلامه وأعماله.  قمة الأيمان هي المحبة وثمرة المحبة هي الخدمة الصالحة ، أي من المحبة تخرج الأعمال الصالحة. يسوع الرب يريدنا أن نعمل ما للروح أكثر مما للجسد فعلينا أن نوظف ما للجسد الفاني لخدمة الروح الخالد لهذا قال  ( بيعوا أموالكم وتصدقوا بها واجعلوا لكم أكياساً لا تبلى , وكنزاً في السموات لا ينفذ , حيث لا سارق يدنوا ولا سوس يفسد ...) " لو 33/12" . كذلك قال للشاب المؤمن الغني الذي حفظ الشريعة منذ حداثته ( بع لديك وأعطيه صدقة للآخرين واتبعني) . هذه الأعمال تأتي من الحنية والحنان والعطف ...ألخ وكل هذه لا تخرج من الأيمان بل هي صفات المحبة وتعبر عن المحبة الصادقة . وهذه المحبة يجب أن نعطيها لمن هو أكثر حاجة الى الرحمة والمساعدة لذا قال الرب  ( لا تدع الى وليمتك كل من يستطيع أن يدعوك الى وليمتك فتنال المكافأة عن صنيعك ولكن اذا أقمت مأدبة فأدع الفقراء والكسحان والعرجان والعميان. فطوبى لك اذ ذاك لأنهم ليس بامكانهم أن يكافئوك. فتكافىء في قيامة الأبرار) . أي هناك حساب ومكافأة على الأعمال . الذي يؤمن ويعمل يشبه ( طالع لو 6/ 47-49 ) . أيمان بولس وتعليمه لا يختلف أبداً عن تعليم يسوع وباقي الرسل في موضوع أهمية أعمال المؤمنين ، فيسوع قال ( فإن أبن الأنسان سوف يعود في مجد أبيه مع ملائكته ، فيجازي كل واحد حسب أعماله ) " مت 27:16 " وكذلك يقول بولس في رسالته إلى أهل روما ( فإنه سيجازي كل أنسان بحسب أعماله ) " رو 6:2 ) . كذلك قال في غل 6:5 (لا نفع للختان ولا لعدم الختان ، بل الإيمان العامل بمحبة ) .إذاً لا يعفى المسيحي المؤمن من الأعمال الى لحظة دخوله الى الحياة الأبدية وحسب الآية ( لأن من دخل في راحة الله يستريح من أعماله كما استراح الله من أعماله ...) " عب 10/4" . كما قال بولس ( جميع الناس قد خطئوا فحرموا مجد الله ن لكنهم برروا مجاناً بنعمته ) ويقصد بولس بأن الخلاص ليس بالأيمان ، بل بالمحبة ومصدره النعمة ، فالنعمة لا تأتي بالعطاء ، وقمة العطاء هي كل شىء ، أي الوصول إلى حالة الفقر والحاجة إلى الله ، والله لا يمكن أن يملاً كأسنا بالنعمة لكي نخلص إذا لم تكن فارغة ، بل كانت مملوءة بأفتخارنا بأعمالنا كالفريسيين ، والنعمة تتجدد وتتزايد بالمحبة والعطاء ( طالع لو 26:19 ) فحياة أيماننا عبارة عن تغذية مستمرة للروح وبناء الفرح الداخلي ، والذي يطمر النعمة فينا هي الخطيئة التي تمحي المحبة فتموت النعمة . نكرر قول الرسول يعقوب الذي هو خلاصة قصيرة ومفيدة لكل ما قاله يسوع والرسل وهو ( أن الأيمان بالله الواحد لا يكفي. لأن الشياطين أيضاً تؤمن بهذه الحقيقة ، لكنها ترتعد خوفاً وهذا يؤكد لك أيها الأنسان الغبي , أن الأيمان الذي لا تنتج عنه أعمال هو أيمان ميت. أبوسع الأيمان أن يخلص؟ ) . وهكذا بالنسبة الى الأعمال بدون الأيمان بالمسيح باطلة.
ولربنا يسوع الذي نؤمن به ونعمل له , كل التسبيح والمجد الى أبد الدهور.





250
تجلي الله في العالم المنظور

   بقلم / وردا أسحاق قلّو

إذ إنه ، وهو الكائن في هيئة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله " في 6:2"

الله غير منظور ، وصفاته أيضاً غير منظورة ، لكن قدرته الأزلية تُعَبّر منذ خلق العالم وهي مدركة بمخلوقاته ( طالع رو 1: 18-20) . وإستناداً إلى هذا القول أكد لنا التقليد المسيحي أن الأنسان يستطيع الوصول إلى معرفة الله من خلال المخلوقات التي تتجلى فيها صفات الله غير المنظور .
 بيّنَ الفلاسفة أن الكائن الأسمى يتجلى من خلال الكائنات ، والمطلق من خلال النسبي ، فلفظة ( التجلي ) تعني حضور الغير المنظور حضوراً منظوراً . إلا أن غير المنظور بحضوره في العالم يبقى غائباً عنه ، فهو حاضر غائب في الوقت نفسه ، حاضر من خلال تجليه . ويمكننا إدراك مفهوم ( تجلي الكائن ) من العلاقة بين الكلمة والفكرة ، فالفكرة تتجلى في الكلمة ، إلا أن هذا التجلي يتسّم بسمتين متلازمتين ، فالسمة الأولى هي أن الفكرة ليست أمراً مكتملاً داخل فكرة الأنسان وتبرز إلى خارجه بواسطة الكلمة المنطوقة أو المكتوبة ، وإلا لصارت الكلمة غريبة عن الفكرة وبعيدة عنها . إنما الفكرة حاضرة في الكلمة حضوراً مباشراً دون وسيط . هكذا يتجلى الكائن والمطلق والله ، متسماً بهاتين السمتين ، فتجليه ليس غريباً عن كيانه ، أنما هو كيانه بالذات الحاضر في تجليه . وتلك هي السمة الأولى ، ثم أن تجليه لا يستنفد كيانه كله ، إذ أن الكيان الذي يظهر لنا إنما هو كيان المطلق والله ذاته ، ولكن من حيث إنه يتجلى ، أي إنه يبقى حتماً فرق وبُعِد ومسافة بين الكائن في ذاته وتجلّي هذا الكائن ، وتلك هي السِمة الثانية . تجلى الله في العهد القديم بواسطة الوحي ، وفي الكَون ، وفي تاريخ الخلاص ، إلا أنه لا يزال فيذاته أوسع بكثير مما ظهر للبشرية ، فإنه قريب منا وبعيد عنا في آن واحد ، وهو نفسه الذي يظهر ، ولكن فقط من خلال تجليه ، كما ظهر في العهد الجديد في شخص أبنه يسوع ، واليوم يظهر لنا في الكنيسة ، فيتجلى في أسرارها ليحضر بيننا ، كما يظهر لنا في الأيمان . في العهد الجديد وعلى الجبل تجلى في شخص المسيح ، وكل ما قاله العهد القديم رآه العهد الجديد في المسيح ، فهو الحكمة ، والنور ، وخبز الحياة ، والماء الحي ، والراعي الصالح ، والملك ، والطريق والحق والحياة ، وفيه تمت الكتب المقدسة ( لو 21:4 ) وبه صار ( ملكوت الله في ما بيننا ) " لو 21:17" . الله تجلى في المسيح " في 2: 6-8" . كذلك المسيح تجلى في كنيسته ، في حظوره وغيابه ، فالكنيسة هي أستمرار لحضوره وإن كان غائباً عن الأنظار . فهو في وقتٍ واحد حاضر بيننا ، وغائب عنا على مدى التاريخ . والبعد الثالث هو ترقب مجيئه الثاني وإنتظار حضور المسيح الدائم ، وهو يتضمن الغياب على مدى الزمن . كما يتجلى المسيح اليوم في إيماننا ، فالأيمان هو موضوع تجلي المسيح وتجلي الله بالمسيح . ففي أيمان المسيح يتجلى الله ، وفي أيمان الكنيسة يتجلى المسيح الإله ، وفي رجائها يتجلى ملكوت الله فينا . نلاحظمعاً وجود القرب والبعد ، الحضور والغياب ، فالمسيح يتجلى في الكنيسة المؤمنة ، إلا أن الكنيسة لا تستنفد حضوره . والملكوت يتجلى في الرجاء المسيحي ، إلا أن هذا الرجاء لا يستنفد حضور الملكوت . ومحبة الله تتجلى في محبتنا للقريب . إلا أن هذه المحبة لا تستنفد حضور محبة الله .
كذلك الله يتجلى في صلاة المؤمنين ، فعندما يدخل المسيحي في الصلاة يتجلى له الله في الوقت نفسه قريباً وبعيداً ، حاضراً وغائباً ، ويدرك معاً إنه يشترك في الطبيعة الإلهية وأنه لا يزال إنساناً خاطئاً ، تلك هي خبرة القديسين المسيحييم الذين بقدرٍ ما يتحدون مع الله بصلواتهم ، ويصارعوه بإيمانهم ، ويدخلون في عالمه ويدركون كثافة الظلام التي تكتنفهم .
 وهكذا يتجلى الله في صلاة الجماعة أيضاً وحسب قول الرب ( أَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِم ) " مت  20 :18 " في الصلاة يتجلى لنا عمل الله فيفتح كياننا البشري لنمتلىْ من نعمة الله التي أنعم بها على البشر منذ البدء ، وفي المسيح وأخيراً علينا في الروح القدس ، كما علينا أن نعلم بأن كياننا الذي أشترك في الطبيعة الإلهية لم ينصهر بعد في كيان الله ، وإن الخطيئة لا تزال فينا تبعدنا عن قداسته ، وهذه هي المفارقة التي لا بد لنا أن نعيش فيها مادمنا على هذه الأرض ، والتي نختبرها كل مرة ندخل في الصلاة من غير أن تحملنا إلى اليأس ، كما تجلى الله في عمل المؤمن كما يتجلى في صلاته ، لأن العمل هو ثمر الأيمان ، فإن بين الله وتجليه في العالم مسافة مستمرة ، وهي المجال الذي يندرج فيه عمل الأنسان ، وعمل الأنسان مطلوب ، بل سنطالب به ( طالع مت 25: 35-36 ) فنعمة الله تطلب من الأنسان أن يملأها بأيمانه وعمله ، أي بالأيمان العامل .
 المجد الدائم لله المتجلي فينا


251
تأنس الله لكي يتأله الأنسان

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( من أكل جسدي وشرب دمي ثبتَ فيّ وأنا فيه )"يو 56:6"

http://www.m5zn.com/newuploads/2018/12/12/jpg//m5zn_d4cf43ed357e423.jpg

في البداية نقول أن لفظة ( إله ) تثير القارىء لأعتقاده بأن الأنسان سيرتقي إلى مستوى الله الخالق اللامحدود القدرة ، والمطلق الآلوهة . الكتاب المقدس واضح في عهديه القديم والجديد بأن الملاك أو الأنسان لا يجوز أن يصبحا آلهة  ، فعن الملاك ( طالع أشعياء 14 ) وعن الأنسان ، نقرأ عن ملك صور الذي تكبر وقال أني  طالع ( حز 28:2 ) و العهد الجديد كتب لنا عن هيرودس الملك الذي أراد الشعب أن يألهه  ( ... فصرخ الشعب : هذا صوت إله لا صوت أنسان . ففي الحال ضربه ملاك الرب .. ) " أع 12: 22-23 " . أراد الأنسان أن يبحث عن طريق يوصله إلى مستوى الله لكي يحصل على قدرات فوقية يتعظم من خلالها كما هو الله ، فالأنسان المخلوق على صورة الله ومثاله ،لا يستطيع أن يصبح كخالقه أو بمستواه بقدراته الذاتية بدون إرادة الله . عندما تناول الأنسان من ثمار شجرة الجنة كان يحاول أن يتأله بقدراته الذاتية فسقط ، وكانت سقطته عظيمة ، فالأنسان لم يستطيع أن يترفع إلى الآلوهية بقدراته ، علماً بأنه مدعو إلى الآلوهة ، والآلوهة لا يمكنه بلوغها بقوته الذاتية ، بل يحصل عليها هبة يهبها الخالق له بدافع حبه للمخلوق ، وبه ينال الحياة الروحية والخلاص فيتحد مع الخالق ليتأله معه ، فالله هو الوحيد الذي يستطيع أن يتحد مع الأنسان لكي يملأ قلبه مما له ، فمحاولة آدم في خطف الآلوهية بالقوة الذاتية كانت برهاناً للأنسان بأنه لا يستحقها ولا يستطيع أن ينالها من دون الله علماً بأن آدم كان باراً وبدون خطيئة .  لهذا تجسد الله لكي يخلص الأنسان فوَضع الأنسان على الطريق الصحيح . مات الإله المتأنس جسدياً من أجله بسبب محبته للبشر لكي يقدم له جسده ودمه في سر الأفخارستيا مجاناً، ومن خلال التناول يتحد الأنسان مع الله وحسب قول الرب ( من يأكل جسدي ويشرب دمي يحيا فيّ وأنا فيه ) " يو 56:6 " .  فسبب تجسد وتأنس المسيح هو لـتأله الأنسان . كيف يتم الأتحاد ؟
في ملء الزمان تأنس يسوع في المكان والزمان لكي يشمل الخلاص العالم كله ، فإن حقيقة التجسد تعني أن الخلاص قد شمل للجميع . فإن حقيقة التجسد تعني أن الخلاص بدأ من حبة صغيرة زاخرة بالوعود ، فالله الكلمة تجسد في أحشاء فتاة من الناصرة أسمها مريم والممتلئة من النعم ، فأصبح كلمة الله جسداً في أحشاء تلك الأمَة الوضيعة التي أصبحت ، بين بني آدم ، أول من يستفيد من الخلاص ، بل أول من أتحدت مع الله جسدياً فحملت القربانة الحية النازلة من السماء . وبواسطتها حصل أول أتصال بين الله والبشر .
في الأفخارستيا تقدمة مجانية تحتوي جسد ودم يسوع الإله الذي مات من أجل الجميع ، ولكي يوّحد البشرية مع بعضها ، وبالأفخارستيا يتحد الله مع البشرفي وحدة ملؤها الحب . فالمسيح الإله المتأنس هو وحده الذي أعاد العلاقة بين الله والبشر . فوّحدَ البشر في جسد واحد يمثل الكنيسة المقدسة في وحدة جوهرية متجانسة . فالذي ينتمي إلى كنيسة الرب عليهِ أن يضحي هو أيضاً كما ضحى له المسيح فيتخلى عن ذاته وأنانيته لكي يستطيع المسيح أن يدخل إليه ويتحد معه إتحاداً أبدياً ( والكلمة صار بشراً وخيّمَ بيننا ) " يو 14:1 " فكل وحدة خارج إطار المسيح محكوم عليها بالفشل لأن الوحدة تحتاج إلى تضحية . وخلاص أُمة يحتاج إلى من يموت عنها كذبيحة لينقذها ، وفي تلك الذبيحة هناك شروط لكي تكون كاملة ومقبولة . تنبأ قيافا بموت واحد من أجل خلاص أمة ، فقال ( .. من الأفضل ان يموت رجل واحد فدى الأمة ... ) " يو 50:11 . لم يكن قيافا يدرك ما يقول ؟ و نحن نقول ، ليس عن أمةٍ واحدة فحسب ، بل ليجمع أيضاً شمل أبناء الله المشتتين . فالمقصود كان موت المسيح عن العالم أجمع . كما يجب أن يموت الأنسان مع المسيح ليتحد به . نحن المؤمنين متنا معه في المعمودية ، وقمنا معه في الأفخارستيا . لهذا قال يسوع ( من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) " يو 54:6 " .
الأنسان الغير المؤمن يعيش حياة الجسد ، أما من يدخل في سر المسيح فيرتفع من مستواه البشري إلى مستوى الحياة الأبدية . يجب أن نموت مع المسيح لكي نحيا ونتحد مع الله . بموت المسيح أصبحنا أبناء الله . فالقربان المقدس هو موت المسيح في الأنسان الذي يتناوله بأستحقاق ، وموت الأنسان في المسيح  . أنه موت متبادل كحَبةِ التربة التي تموت في البذرة  حتى تحيا ، والبذرة التي تموت بين ذرات التربة في الأرض تحيا بها حبات التربة ، والوحدة تتم من خلال العطاء المتبادل بين التربة والبذرة ، هكذا نحن لا نستطيع أن نترقى إلى مستوى أعلى إلا إذا دخلنا في حياة الله فنتحد به بواسطة أبنه المسيح . فجسد الأفخارستيا هو الوسيلة الوحيدة لضم كل خلية بشرية إلى جسد يسوع السري فيتحد بالمسيح  الذي هو أبن الله و أبن الأنسان الذي أراد أن ينقل للبشر آلوهيته التي في الجسد ، فهدف التجسد كان لرفع الأنسان إلى الآلوهية ( أي تأنس الله حتى يتأله الأنسان ) . الأنسان لا يستطيع أن يتأله بقدراته إلا إذا أتحد مع الله عن طريق أبنه المتأنس ، بمعنى أن الآلوهة التي كانت للمسيح أراد أن يشركنا فيها الله في يسوع الناصري من خلال جسده السري ، وهذا ما يتم عن طريق التناول المقدس ، ومن خلال التناول تصبح آلوهية المسيح لنا ، فنتأله معه بأتحادنا الأبدي معه فنصبح معه جسداً واحداً وهو رأسنا.
والمجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة



252
المولود الألهي ... يدعى اسمه عجيباً

بقلم / وردا أسحاق قلّو


( لأنه يولد لنا ولد ونعطي أبناً ، ويدعى أسمه عجيباً مشيراً ألهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام )
" أش 14:7"
نقرأ في أسفار العهد القديم نبوات كثيرة تتجاوز 300 نبؤة ، نقلها لنا أكثر من 30 نبياً تنبأوا بمجىء المسيح الكلمة . وصف بعضهم حياة المسيح المتجسد منذ فترة البشارة والميلاد حتى موته على الصليب وقيامته وصعوده . ومن أبرز الأنبياء الذين نقلوا لنا تفاصيل حدث ميلاد أبن الله هو أشعياء النبي قبل ثمانمائة سنة قبل ميلاد المسيح . فسفر أشعياء هومن أغنى الأسفار التي سردت لنا تفاصيل ميلاد المسيح وصفاته الإلهية . كتب عن ميلاده ، وأضطهاده من قبل هيرودس الملك منذ ولادته ، وسبب هروبه إلى مصر . كما تناول النبي مواضيع أخرى عنه كحلول الروح القدس عليه ، وعن معجزاته وتبشيره ، وعن موته على الصليب .
فعن ميلاد المسيح كتب ( لأنهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَم ) " 6:9 ".
وكذلك عن الحمل به من العذراء ، قال (هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ " )
"14:7 " , وفي تفسيرهذه الآيلا نجد في هذا الطفل أمور عجيبة ، وفي نص الآية لكي نفهم لفظة ( عجيباً ) علينا أن نتناول الصفات العجيبة في هذا الطفل الإلهي بالتفصيل ، منذ البشارة ، وحتى موته على صليب الجلجلة .
حياة يسوع تحمل أسراراً خفية ، فطبيعة حياته مختلفة عن باقي الأنبياء . فيه تظهر الطبيعة الإلهية وهو أنساناً . أعماله المتجسدة في الآيات التي عملها أمام الناس تحمل قدرة خارقة تتحدى الطبيعة وقوانينها ، هذا الذي كتب عنه بأنه نزل من السموات ، ويصعد إلى السموات ، وهو الذي ينزل ويجمع الريح في حفنته ويثّبت أطراف الأرض ، وغيرها من القدرات التي تثبت لنا على أنه قادر على ل شىء لأنه أبن الإله .
كان تجسده في أحشاء العذراء عجيباً ، فحبلت به بدون زرع بشر ، وإنما بالروح القدس " لو 35:1 " . وولدته العذراء ولادة عجيبة وحافظ على عذراوية أمه لكي تكون ولادته عجيبة تفوق الأدراك وتليق بولادة أبن الإله . أنه ليس من نسل رجل ، بل من نسل المرأة . وأبن نسل المرأة هو الذي سيسحق رأس الحية ( طالع تك 15:3 ) وهذا الموضوع العميق وصفه لنا الرسول بولس بقوله ( عظيم هو سر التقوى . الله ظهر في الجسد ) " 1تي 16:3 " . والسبب لكونه إلهاً عجيباً .
في العهد القديم ظهر على شكل ملاك لمنوح والد شمشون الجبار ، فسأله عن أسمه فأجابه ( لماذا تسأل عن أسمي وهو عجيب ؟ ! . وصعد ملاك الرب في لهيب نار الذبيحة التي قدمها منوح إلى السماء ، قال منوح لأمرأته لا بد مائتان لأننا  قد رأينا الله ) " قض 13: 18-22 " .
أما في العهد الجديد فنقرأ عن حياته العجيبة وحكمته الإلهية بدون أن يتعلم من أحد ، بل كل علمه وكماله لم يكن من هذا العالم ، لهذا تعجب به أعدائه فقالوا ( لم نسمع قط إنساناً يتكلم بمثل كلامه ! ) " يو 46:7 " . كان فيه كل كنوز الحكمة والعلم ، فحيّرَ علماء الشريعة بحكمته منذ أن كان صبياً " لو 2 " . كان عجيباً في السَير على سطح المياه ، وأنتهار البهر وأكات العاصفة ، فتعجب به تلاميذه " مت 25:14 و مر 39:4 " كما تعجب به الكثيرين فآمنوا به بسبب إقامته الموتى وخاصةً لعازر المنتن " يو 11 " وأعماله الكثيرة في شفاء المرضى بكلمته الناطقة ، أو باللمس . كما كان عجيباً في طهارته وقداسته ، لهذا تحدى منافسيه بقوله ( من منكم يبكتني على خطيئة ) " يو 46:8 " .
كان عجيباً في أقواله وآرائه عن ذاته بأنه مولود قبل أبراهيم ، بل أنه موجود منذ الأزل ، وتحدى الجميع بقوله ( أنا والآب واحد ) " يو 30:10 " وهكذا كان يقارن نفسه بالله الآب متحدياً اليهود بقوله ( من رآني رأى الآب .. وأنا نور العالم .. وأنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا ، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد )"يو 11: 25-26 "  . وكذلك قال ( أنا هو خبز الحياة ، من يقبل إليّ فلا يجوع ) " يو 35:6" . إضافة إلى قوله العجيب ( أنا هو الطريق والحق والحياة ، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بيّ ) " يو 6:14 " .
أما عن قوله العجيب الذي لا يستطيع أن يدركه السامعين ، فهو ( حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة بأسمي هناك أكون في وسطهم ) " مت 20:18 " وقوله ( تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوت إبن الله فيقةم الذين فعلوا الصالحات لقيامة الحياة ، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة ) " يو 28:5" وعشرات الأقوال الصريحة التي أعلنها أمام الجميع .
كما كان هذا المولود الإلهي عجيباً في محبته وحتى لأعدائه فغفر على الصليب للمصلوب على يمينه ، وطلب من الآب المغفرة لصالبيه وهو على خشبة الصليب .
ختاماً نقول : ألم يكن الإله المتجسد المولود في المذود عجيباً لأنه قَدَسَ الفقر بميلاده ؟ إلم يكن عجيباً عندما تدخلت الطبيعة للأعلان عن ميلاده ، فنجم السماء أرشد المنجمين المجوس من الشرق لكي يذهبوا للسجود لهذا الطفل العجيب والغريب ؟ وهكذا أمر هذا الطفل العجيب ملائكته لكي يبشروا الرعاة الفقراء  ولكي يسمعوا ترتيلة الملائكة وهم ينشدون أنشودة السماء ؟ ألم يكن عجيباً وهو طفلاً مولوداً في حضيرة الحيوانات لكنه أرعب الملك هيرودس ؟ غادر هذا العالم ولم يكتب حتى أنجيله . لكن كلماته وصلت إلى كل أصقاع العالم ، بواسطة أثنا عشر رسولاً تخرجوا من مدرسته فكسبوا العالم كله بمحبتهم وبقوة كلمته وحكمته التي وهبت لهم من الأعالي ، وترجم كلام أنجيله  إلى ألفي لغة ولهجة ليبرز أنجيله فوق كل الكتب ، وعبر كل العصور . كان عجيباً في تحديه للعالم ، فقال ( ثقوا أنا غلبت العالم ) . وفي مجيئه الثاني ستسجد له كل ركبة في السماء وعلى الأرض ومن تحت الأرض ،
نطلب من هذا الطفل العجيب أن يفتح بصيرة الذين لم يؤمنوا به لكي يتوبوا ويسجدوا له كالرعاة والمجوس لكي يولد في قلوبهم فيكون لهم الخلاص . نقول مع الرسول بولس
( أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ) " 1 تي 4:2 "   

253
زيارتي إلى الأماكن المقدسة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

 ( فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق ، قد وقفت أقدامنا في أبوابك يا أورشليم ) " مز 1:121

الأماكن المقدسة . تلك البقاع التي اختارها الرب يسوع فتجسد وولد وترعرع على ترابها ، ومر في طرقاتها وبشّرَ في مدنها وقراها . قضى فيها كل سنين عمره كفقير منذ الولادة وحتى الموت . ومن تلك الأرض أنطلق إلى السماء بجسده الممجد أمام أنظار المئات ليدخل مرة أخرى في اللازمن . فمن يزور تلك الديار المقدسة بإيمان وخشوع وقلب مضطرم بالحب لسيده ومخلصه سينال النعم والبركات وحياة مسيحية أكثر نقاوة  . الزيارة هي دعوة لكل مؤمن لكي فيبتعد عن أرضه وأهله وعشيرته متجهاً إلى تلك الديار التي أختارها الله لأبينا أبراهيم ونسله ، فأبراهيم الذي سمع الدعوة ، ولبى الطلب ( أترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك وأنطلق إلى الأرض التي أريك ) " تك 1:12" . أبراهيم أطاع الله ، فتجلى له وكلمهُ وباركهُ ، كذلك أيليا النبي أنطلق في مسيرة مباركة إلى جبل حوريب فألتقى بالرب من خلال نسيم لطيف وسمع صوتاً يدعوه ويحدثه ( طالع 1مل 19: 12-13 ) هكذا يجب على الذي يزور تلك الأماكن أن يشعر بلقاء الرب ليعيش في كنفه ويتبرك بعطاياه الكثيره ويغيّر حياته فيسمو ويرتقي نحو الأفضل . أديان كثيرة عرفت الزيارة إلى أماكنها الدينية المختارة منذ القدم . فعند الرومان والهندوس كانوا يزورون أقدس الأماكن الخاصة بمعتقداتهم . أما شعب الله المختار فكانت الزيارة لديهم فريضة لزيارة الهيكل المقدس في ثلاث أعياد مقدسة خلال سنة واحدة ، وهي ( الفصح – العنصرة – المظال ) كانوا يقدمون خلالها الذبائح تكفيراً عن خطاياهم . وفي عودتهم كانوا فرحين يرتلون بأورشليم قائلين ( أن نسيتك يا أورشليم فلننسى يميني ويلتصق لساني بحنكي أن لم أذكرك ) " مز 137: 5-6" .
أما المسلمين فقلدوا اليهود واعتبروا الزيارة إلى الكعبة حجاً ، وأعتبروا الحج ركناً من أركان دينهم ، وهم كاليهود أيضاً يقدمون الأضاحي الحيوانية لمغفرة خطاياهم في عيد الأضحى .
أما نحن المسيحيين فأُلغيت الذبائح الحيوانية بعد موت حمل الله على الصليب ، هذا الذي دفع الثمن كاملاً للعدل السماوي فحرر الأنسان .
كانت زيارة الهيكل مفروضة عند اليهود على كل من بلغ الأثني عشر سنة ، وما زيارة يسوع إلى الهيكل مع والديه في عيد الفصح عندما ضاع  إلا زيارة مفروضة عليه ، وكانت تلك الزيارة الأولى له ، وكانت ترمز إلى زيارته الأخيرة لأورشليم والتي فيها أسلم نفسه طوعاً للصلب من أجل خلاص كل من يؤمن به وبعمل صليبه المقدس ومن الصليب انطلق الى أورشليم السماوية .
الزيارة في المسيحية بدأت في القرن الرابع الميلادي بعد أن تم بناء الكنائس الضخمة من قبل الملكة هيلانة المؤمنة في مكان بشارة الملاك للعذراء في الناصرة ( كنيسة البشارة ). وفي مكان مولد الرب في بيت لحم ( كنيسة المهد ) ، ومكان موته على الصليب ، ومكان وضع جسده في القبر ( كنيسة القيامة ) وغيرها من الكنائس . 
لزيارة الأماكن المقدسة معنى ديني عميق ومهم ، لهذا على الزائر أن يتهيأ نفسياً وروحياً أولاً قبل الأنطلاق في رحلته التي يجب أن تبدأ أولاً بالصلاة والتأمل وسماع الوعظات وقراءة الكتب المقدسة والأشتراك في الأسرار الألهية قبل الرحلة  . الغاية الأساسية من الزيارة ليست لمشاهدة آثار ومناظر كما يفعل السائح الذي يتمتع بالمشاهدة وألتقاط الصور وشراء الهدايا ، بل لكي يتمتع بالصلاة المشتركة مع المجموعة للعبادة والتأمل العميق في المكان المقدس وكذلك بمستقبل حياته الروحية طالباً من الرب الذي مات من أجله في تلك الديار أن يدخل إلى قلبه ويغيّر حياته نحو الأفضل ، بل ليصبح معه كياناً واحداً ( وأما ما أقترن بالرب فصار وأياه روحاً واحداً ) " 1 قور 17:6 " . فالأشتراك مع الجماعة في الصلاة يخلق منهم كنيسة صغيرة على مثال الجماعة المسيحية الأولى التي كانت تعيش قلباً واحداً ونفساً واحدة ( أع 32:4 ) كما على الزائر أن يتأمل بالعذراء مريم منذ زيارته التي يجب ان تبدأ من الناصرة قرية العذراء وذلك لأن للطوباوية مريم تأثير خلاصي للبشر ، وهذا لن يولد عن حتمية ما ، بل ينبع من رضى الله ويصدر عن فيض استحقاقات أبنه الوحيد ، انه يرتكز على وساطته ، ويتعلق بها تماماً ، ويستمد منها كل قوته ، وهذا لا يعيق أتحاد المؤمنين بالمسيح بطريقة ما ، بل يعززه ( المجمع الفاتيكاني الثاني / دستور عقائدي في الكنيسة عدد 60 ) . وهكذا بالنسبة إلى زيارة أماكن القديسين وأضرحتهم ، هم أيضاً شفعاء لأبناء الكنيسة المجاهدة وطلباتهم مسموعة من قبل الرب . بعد هذه المقدمة سأبدأ بالتحدث عن زيارتي مع المجموعة التي كان يقودها الأب سرمد باليوس راعي كنيسة العائلة المقدسة في وندزر – كندا إلى الأراضي المقدسة  ، والتي بدأت من يوم 15 -9 – 2018 وأنتهت يوم 26 – 9 - 2018.
نزلنا في مطار اللد في العاصمة تل أبيب يوم 16 – 9-2018 والمطلة على البحر المتوسط . أقول عن اللد بأنها كانت في زمن المسيح مدينة صغيرة مر فيها بطرس وشفى مُقعداً أسمه ( أينياس ) " طالع أع 9: 32-35 " . أما تل أبيب الحديثة التي بنيت في تلك المنطقة  فمعنى أسمها هو ( تل الربيع ) وباللغة العبرية ( أفيف ) وأصل الكلمة أكدي ، أي من اللغة الأكدية ، حيث جاءوا به اليهود من بلاد النهرين  ، من اللد أنتقل بطرس إلى يافا ونحن أيضاً دخلنا إلى يافا الملتصقة بتل أبيب ، يفصل بين المدينتين شارع أسمه ( باركون ) . زرنا في يافا أول كنيسة بأسم القديس بطرس ، يعلوها برج عالي يشبه برج كنيسة الساعة في الموصل . بنيت تلك الكنيسة في يافاعلى آثار بيت سمعان الدباغ القريب من ساحل البحر  ، كان الرسول بطرس ضيفاً فيه ، فعندما كان يصلي فوق سطحه ، رأى رؤية فشاهد وعاء نازل من السماء وفيه أنواع الحيوانات الدابة ( طالع أع 10: 9-12 ) وعندما انتهت الرؤية سمع صوت الطرقات على الباب ، فإذ هم رجال بعثهم قائد المئة ( قرنيليوس ) أليه . وفي يافا أيضاً أعاد بطرس الحياة إلى تلميذة أسمها ( طابيثا) أي ظبية بعدما أرسلوا التلاميذ إلى بطرس للحضور من اللد القريبة إلى يافا يتوسلون إليه للحضور من أجلها ( أع 9 : 36-41 ) . يافا مدينة قديمة عمرها يتجاوز 3300 سنة . ومن يافا رجعنا إلى تل أبيب ومنها توجهنا إلى القيصرية التي كان فيها القائد قرنيليوس والقريبة من يافا قطعها بطرس ورجال قائد المئة بيوم واحد ، وفي بيته ألقى عظته فآمن الجميع وأعتمدوا وتكلموا بلغاتٍ غير لغاتهم ( طالع أع 10 ) . كانت رحلتنا في اليوم الأول مطابقة لرحلة بطرس المدونة في سفر أعمال الرسل ، أي كنا نسير وفق النصوص وترتيبها .
أنطلقنا من هناك في رحلة طويلة نحو الشمال فوصلنا إلى جبل الكرمل . قضينا الوقت في الطريق بالتراتيل والصلوات ، نزلنا على الرابية التي عليها عمل أيليا المحرقة ، وتحدى جماعة أيزابيل الوثنية السفاحة . وعلى ذلك الجبل العالي المغطى بالغابات متنوعة الأشجار شيد جماعة الروم الكاثوليك الكرمليين كنيسةعلى مكان المحرقة تسمى بكنيسة ( المحرقة ) تقع على قمة الجبل ، وأمام الكنيسة نصب عالي يحمل تمثال ما أيليا وبيده سيف يقتل به إله البعل .

 تأمل الأب الكاهن بنص الموضع في وعظته التي قدمها لنا في القداس الذي أقامه في نفس الكنيسة ( أول قداس في رحلتنا ) وقال بأن الله لا يقتل أحداً بل قتل الوثنية وأزال عبادتها ( 1 مل 18- 40 ) لهذا تمرد الشعب على إله أيزابيل وآخاب الملك وتبعوا إله أيليا المنتصر .
كرمل تعني ( كرم أيل ) أي كرم الله . يوجد على سطح تلك الكنيسة مخطط مرسوم من أسهم موجهة صوب الأماكن الأثرية والمدن المحيطة بالجبل وخاصة نحو الشرق والشمال الشرقي ، كجبل الطابور والناصرة  ،  تقع على شمال الشرق من جبل الكرمل ، وجبل التجلي يقع الى الشرق وغيرها .
وهذا هو المخطط مع صورة المجموعة :


جبل الكرمل مطل على وادي فسيح يُزرع ثلاث مرات في السنة لخصوبته . حقل نابوت اليزرعيلي القريب من قصر الملك في السامرة كان سبب غضب الله على آخاب ، فأرسل أليه الملك أيليا لينقل أليه هذه الرسالة  ( في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضا ) " 1مل 19:11 " . ولما سمع أخآب هذا الكلام، شق ثيابه وجعل مسحاً على جسده، وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت . فكان كلام الرب لأيليا ( هل رأيت كيف اتضع أخآب أمامي ؟ فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه ، بل في أيام ابنه أجلب الشر على بيته ) " 1مل 11: 27-29 " . أقسمت أيزابيل  لقتل أيليا فهرب إلى جبل حوريب ودخل إلى مغارة وبات فيها ، وهناك تجلى له الرب وأعطى له أوامر.
من جبل الكرمل أتجهنا نحو مدينة الناصرة التي تبعد 105 كم شمال أورشليم . أسمها أرامي  ܢܨܪܬ . كانت قرية صغيرة في عهد العذراء ومار يوسف ، واليوم فهي مدينة كبيرة مبنية على سفح الجبل ويبلغ عدد سكانها حوالي 85 ألف ، 30 % من المسيحيين . تحيطها مدن وقرى ( المشهد ، عين ماهل ، إكسال ، وكفركنا ، وعيلوط ، الرينة  ) وتعتبر الناصرة من المدن الأكثر قداسة في المسيحية كأورشليم وبيت لحم . وعلى أسمها دعي المسيح  ( ناصرياً ) . قبل وصولنا إلى مدينة الناصرة وصلنا إلى سلسلة من الجبال منها جبل الخوف ، تعلوه قمة صخرية بارزة إلى جهة الجنوب ذات شكل مخيف ، وعلى حافة تلك القمة أصعدوا اليهود يسوع ليطرحوه إلى الأسفل بسبب قرائته في كتاب النبي أشعيا ، وبعد القراءة قال ( اليوم تم ما قد سمعتم من آيات ... وقاموا يدفعونه إلى خارج المدينة وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى الأسفل ، إلا أنه أجتاز من وسطهم وأنصرف ) " لو 4: 21-30 "
وصلنا إلى الناصرة ونزلنا في فندق ( كولدن كراون ) المطل على معظم أحياء المدينة وبقينا فيه خمسة أيام . في صباح اليوم التالي بدأت رحلتنا إلى أهم الكنائس في المدينة ، ففي الناصرة يوجد الكنائس التالية :
كنيسة البشارة لللاتين الكاثوليك


داخل الكنيسة



1-   كنيسة البشارة للاتين الكاثوليك : كما تسمى بكنيسة الملاك جبرائيل .وهي أكبر الكنائس في الشرق الأوسط ، تتكون من طابقين ، في الطابق السفلي يوجد بيت العذراء ، يستطيع الزائر أن يرى منه الدرج المؤدي إلى غرف البيت الصغير ، تعلو الكنيسة قبة جميلة على شكل سلة مقلوبة . في هذا المكان حضر الملاك جبرائيل على العذراء وألقى عليها السلام الملائكي . الكاتدرائية كبيرة وبنائها جميل ، نجد على جدرانها تماثيل غائرة وبارزة وعليها صلبان خماسية تمثل جروح المسيح الخمسة ، ومريم موجودة تحت الصليب ، مريم تمثل الكنيسة ، فيجب إذاً تشيّد الكنيسة المقدسة  تحت الصليب ، ويبقى المؤمنون تحت ثقل الصليب إلى يوم مماتهم فيرفعهم الصليب إلى السماء . باب هذه الكنيسة جميل جداً  عليه منحوتات برونزية للعذراء مريم التي ترمز إلى الكنيسة ، ويوحنا الرسول ، تم تشبيهه  بالنسر ،  فلاهوته العميق الخارق يرمز إلى بصر النسر الخارق ، وترتيب هذه التماثيل على الباب الرئيسي للكاتدرائية ( بابان ) تبدأ من ميلاد المسيح وحتى صلبه وحسب التسلسل التالي ( الميلاد – الرعاة – المجوس – يسوع في الهيكل – شمعون الشيخ وحنى – مذبحة أطفال بيت لحم – الهروب إلى مصر – الناصرة ، كذلك طفولة يسوع وحياته الخفية – معمودية يوحنا – التبشير – صليب المسيح – القيامة ) . أما الباب الواقع على اليسار فهو أصغر من الباب الرئيسي ويتكون من باب واحد فقط عليه المنحوتات التالية ( آدم وحواء مع الحياة في جنة عدن وبداية الخلق – طرد الأنسان من الجنة – ميلاد أول طفل حسب العهد ومقتل هابيل من قبل قايين – سفينة نوح " رمز المعمودية " – خصن الزيتون - قوس قزح ، عهد الله مع نوح ، يرمز إلى آلوهية يسوع .- أبراهيم وأسحق والذبيحة الألهية – الكبش ، يرمز إلى الذبيحة الإلهية ) . كل هذا الصرح الجميل العظيم لبناية الكاتدرائية تم تشييده بتبرعات المؤمنين من جميع الأمم المؤمنة ، وهو تطويب لأمنا العذراء ، والمبني على بيتها البسيط . الله خلق الأنسان على صورته ومثاله ، لكن بعد السقوط طرد الأنسان من الجنة إلى الأرض ، ومن الأرض إرتفع إلى الأيمان للعودة ثانية إلى الله ، والله أخيراً أرسل أبنه الوحيد لكي يضمن للأنسان عودته إليه .
أجتمعت المجموعة في كنيسة صغيرة ملتصقة بكنيسة البشارة الكبيرة لحضور ثاني قداس ألهي أقامه لنا راعي خورتنا ، وبعد القداس أتجهنا نحو كنيسة مار يوسف .
2-كنيسة مار يوسف : هذه الكنيسة قريبة جداً من كنيسة البشارة وعلى بعد مئة متر ، تفصل بينهما ساحة مشتركة  ، وأمام كنيسة مار يوسف  يوجد تمثالاً له من البرونز وهو جالساً . الكنيسة مبنية على بيت القديس ، وتتكون من ثلاث مذابح في الطابق العلوي ، وتحت الكنيسة الطابق الأرضي فيه بيت القديس يوسف ، هناك درج ينزل إلى الغرف شاهدنا بعضها . تم أكتشاف أمام بيته أيضاً منجرة ومخزن وحمام .                                                     مار يوسف شخصية محورية بين العائلة المقدسة والله عن طريق الملاك . يوسف الصامت كان يصغي إلى الملاك وينفذ أوامره ، فعلينا نحن أيضاً أن نقتدي به لأنه مدرسة عظيمة ، مدرسة الصمت والأصغاء والطاعة ، علينا أن  نصمت أيضاً أمام الزمن ونتحمل ضيقاته بصبر والله سينقذنا .
كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس


3- كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس : المبنية على عين ماء العذراء ، ومن تلك العين كانت العذراء تأخذ الماء إلى البيت ، ويقال على تلك العين ظهر الملاك أولاً للعذراء لكي يبشرها لكنها خافت فتركت جرتها وهربت إلى بيتها ، لكن الملاك جبرائيل ظهر لها في البيت أيضاً لكي يلقي عليها السلام الملائكي .  عين العذراء الموجود داخل مغارة عميقة ( 5 م ) ويسمى ب ( بئر مريم ) . شربنا من بئر ماء مرتفع أسس لتسهيل أستعمال مائه من قبل الزائرين . وهناك من يأخذ ماءً من ذلك النبع إلى بلده .
بئر العذراء

وفوق مذبح الكنيسة نجد لوحة للبشارة , في أسفل الكنيسة توجد مغاور تعود إلى القرن الأول الميلادي وتشكل جزءاً من القرية القديمة . كما هناك كنائس أخرى في الناصرة  لم نزورها وهي :
4- كنيسة المجمع . 5- كنيسة البلاطة . 6- كنيسة يسوع الشاب ( السالزيان ) . 7- كنيسة القديس أنطوان ( المارونية ) . 8- الكنيسة المارونية الجديدة .
أشهر الجبال الموجودة في منطقة الناصرة هي : جبل الخوف – جبل الكرمل – جبل الطور أو التجلي – جبل التطويبات  - جبل جرمق ) .
كنيسة قانا الجليل



في اليوم التالي أتجهنا نحو بلدة  قانا الجليل . قانا باللغة الفينيقية ، وهي لغة البلاد الأصلية تعني ( الأحمر ) ومنها أخذوا العرب أسم ( الأحمر القاني ) .. أتجهنا نحو الجنوب لنمر بقرية رينيه الملتصقة بالناصرة ، وبعدها قرية المشهد المبنية على سفح الجبل ، وتليها قانا الجليل الواقعة في أسفل الجبل كما تسمى ب( كفر كنا ) وهناك بلدة أخرى بنفس الأسم  ( قانا الجليل ) في شرق قضاء الصور بلبنان . يوجد في أسفل كنيسة قانا الجليل في الناصرة أجر يشبه الأجران في عهد المسيح وهذه صورته :

أهل قانا الجليل قدموا لنا الخمر فشرب الجميع . دخلنا إلى كنيسة قانا الجليل وهناك تم تجديد زواج خمس كبلات من المجموعة من قبل كاهن كنيستنا الجليل ، وتم تزويدهم بشهادات تجديد الزواج المنظمة من قبل أدارة تلك الكنيسة .
   تركنا بلدة قانا وأتجهنا نحو الجنوب صوب مدينة طبرية التي بناها الملك هيرودس الكبير وسماها بأسم الملك طباريوس قيصر الأول في سنة 20 م .
   في سنة 132 أمر الأمبراطور بأخراج كل اليهود من أورشليم إلى طبرية . أصبحت المدينة عاصمة الرومان لفترة من الزمن . وطبرية قريبة من بحيرة طبرية ، وللبحيرة ثلاث أسماء وهي:
1-   بحيرة طبرية .  2- كينيرت ، بالعبرية ((כנרת ) وتعني القيثارة . 3- بحر الجليل .
طول هذه البحيرة 41 كم وعرضها 17 كم وعمقها 46م أي 153 قدماً وهو عدد السمكات التي تم أصطيادها من قبل التلاميذ عندما أمرهم الرب بطرح شباكهم إلى يمين القارب . والبحيرة منخفضة عن سطح البحر ب ( 213) م من سطح البحر ، وتعتبر ثاني أخفض مسطح مائي بعد بحر الميت . ماء البحيرة حلواً .
سكان مدينة طبرية الآن هم من ( المسيحيون – اليهود – الأسلام – الدروز وغيرهم ) وإلى جنوب المدينة وادي فسيح يحتوي على مزارع للفواكه المتنوعة كالمنكة الذي تم تطوير زراعته وأنواعه من قبل اليهود فتنضج في مواسم مختلفة . والتفاح بألوانه المختلفة والموز وغيرها من الفواكه أما النخيل الذي يزرع في الجنوب وخاصة في أريحا فكل شجرة تنتج محصولاً يصل إلى 1500 $ سنوياً . تعتبر الزراعة أول دخل قومي لدولة اليهود وتأتي بعدها السياحة.
أنحدرنا نحو الجنوب فوصلنا إلى قرية المجدلة ( قرية مريم المجدلية ) كانت في حينها قرية الصيادين ، بعدها وصلنا إلى بحيرة الطبرية في طريقنا إلى كفرناحوم . تلك المدينة الشهيرة القديمة التي لعنها المسيح فوجدنا فيها مجمع يهودي قديم والذي دخله المسيح . غاية ذهاب يسوع إلى المدينة  هو لجعلها مركزاً للتعايم والأعاجيب ، ولأنها كانت أكبر مدينة في زمانه في تلك المنطقة . فيها بيوت قادة الرومان ، وكانت المدينة غنية لكونها مركز الكمارك لكل الشعوب الذين يعبرون إلى سوريا ، مثل ( اليونانيون – الرومان – السامرين – الوثنيين – اليهود ) فكانوا يدفعون ضريبة الكمرك هناك . المعبد الذي دخله يسوع مازالت جدرانه شاخصة وكذلك أعمدة مسرح المعبد ، وكما هو واضح في الصورة التي التقطناها مع مجموعتنا على مسرح المعبد:

في عام 1894 تم شراء المعبد والمنطقة المحيطة به من المسلمين من قبل الرهبان الفرنسيسكانيين وبدأوا بالحفر والتنقيب باحثين عن آثار مسيحية ويهودية ،كما شيدوا كنيسة جميلة مدورة مرتكزة على أعمدة فوق تلك الآثار وذلك لكي تبقى الآثار شاخصة ومن بين تلك الآثار بيوت كبيرة كل منها يتكون من 24 غرفة ومنها بيت بطرس الواقع تحت الكنيسة الجديدة وهناك دخل يسوع وشفى حماة بطرس . البيت واقع إلى غرب المجمع ببضعة أمتار فقط . الأحجار المستخدمة في البيوت صغيرة لكن المستخدمة في جدران المعبد كبيرة تتراوح ما بين 60 – 80 سم طولاً و 60 سم عرضاً . سبق وأن لعن المسيح كفرناحوم ، قائلاً ( وأنت يا كفرناحوم ، أتراك ترتفعين إلى السماء ؟ سيهبط بك إلى الجحيم ) . زلزالاً دمر هذه المدينة كلياً . خرجنا من هناك وأبتعدنا على مسافة 500 م لندخل إلى كنيسة أسمها ( تكثير الخبز ) المبنية على المكان الذي عمل يسوع معجزة تكثير الخبز والسمك . منذ القرن الرابع الميلادي بدأ المسيحيون ببناء الكنائس وعاشوا مع اليهود بسلام إلى  سنة 614م جاء الفرس ليدمروا معظم الكنائس ، لكن تم تجديدها لاحقاً . دخلنا إلى كنيسة تكثير الخبز وصلينا فيها . أما عن معجزة تكثير الخبز فيقال ، يسوع صلى على رغيف واحد فقط فزاد العدد إلى الآلاف وأعطاها لتلاميذه ليوزعوها على الجمع الغفير البالغ 5000 شخص ما عدا النساء والأولاد فأكل الجميع وشبعوا ، ثم رفع التلاميذ أثني عشر قفة ملأوها بما فضل من الكسر ( مت 14 ) .
من هناك أنتقلنا إلى جبل التطويبات الواقع إلى جنوب كفرناحوم ، والجبل مطِل على وادي الحمام الذي يحده من الشرق ، أما بحيرة طبرية فتقع إلى غرب الجبل .
كنيسة التطويبات

صممها وبناها المهندس الأيطالي ( برلوسي ) والتي تحي ذكرى التطويبات وعظة المسيح على الجبل ، وذلك في عام 1937م . والكنيسة على شكل ثماني الأضلاع نجد على كل جانب أحدى التطويبات  الثمانية . بينما تزين الأرضية رموز الفضائل السبعة وهي :
1-   الأيمان 2- الرجاء – 3- المحبة. والتي تشكل الفضائل اللاهوتية . أما 4- الفطنة 5- العدل 6- القوة 7- القناعة ، وهذه هي الفضائل الأدبية .
   على ذلك الجبل ألقى يسوع موعظته على جموع الناس المحتشدة ، وكان  الموضوع عن التطويبات الثمانية ( مت 5 ) .
في عام 2000 ألقى البابا القديس مار يوحنا الثاني موعظته على نفس الجبل على 75 ألف مؤمن كانوا حاضرين في جبل التطويبات . شيّدَ الرهبان الفرنسيسكانيون ديراً على ذلك المكان للراهبات الفرنسيسكانيات وسمي ب ( دير جبل التطويبات ) . خارج الدير كان هناك كنيسة صيفية مسقفة بألواح الخشب ، والمقاعد مسطبات خشبية ، هناك أقام لنا الأب الكاهن القداس الثالث وأشترك الجميع في تناول القربان المقدس . من هناك  أنطلقنا إلى ساحل بحيرة طبرية وجلسنا في قارب كبير وكان عددنا مع طاقم القارب خمسون راكباً . قطعنا مسافة كبير داخل البحيرة في جو رائع وتأملنا بيسوع الذي كان يبحر مع تلاميذه في تلك البحيرة الواسعة . نهر الأردن ينبع من الأراضي السورية ويمر بتلك البحيرة ويخرج منها ليروي كل الأراضي الزراعية ويستمربالجريان إلى أن ينتهي في بحر المَيّت .
على ساحل تلك البحيرة أختار الرب الرسل الأوائل بطرس وأندراوس وأبني زبدي ، وعلى ماء تلك البحيرة سار الرب . بعد القيامة ظهر يسوع للمرة الخامسة بعد قيامته من بين الأموات على ساحل تلك البحيرة ، فقال لتلاميذه ( يا فتيان ، أما عندكم سمك ؟ أجابوه ( لا ) فقال لهم ألقوا الشبكة إلى يمين القارب ، تجدوا )  " يو 21 ".
القارب الذي كان يحمل التلاميذ يرمز إلى الكنيسة ، أما الأسماك التي صادوها فترمز إلى جماعة الكنيسة . أما الصياد الأعظم الذي علم التلاميذ الصيد فهو الرب يسوع .
بحيرة طبرية طبيعية محاطة بجبال وتلال ، وتسمى ببحيرة الخلاص لكثرة التعليم الذي علم الرب فيها وعلى ساحلها للجموع . وفي تلك البحيرة وقف الرب العاصفة عندما زجر الريح والبحر فأطاعوه . العاصفة ترمز إلى الشر الذي أراد به الشيطان تحطيم السفينة ( الكنيسة ) لكن الرب أنتهر عمل الشر فهدأت العاصفة ، وكنيسة المسيح لا يقوى عليها الشر .
في المكان الذي كان فيه الرب عندما صاح إلى الرسل هل لديكم سمك ؟ كان يعد لهم سمكاً وخبزاً على الجمر . على نفس المكان تم تشييد كنيسة تسمى ( كنيسة الرئاسة ) المطلة على البحيرة وهناك قال الرب لبطرس ثلاث مرات ( هل تحبني يا بطرس ؟ ) أرعى خرافي ...

كنيسة الرئاسة على بحيرة طبرية


جبل التجلي ( جبل طابور )
في اليوم التالي انطلقنا من الناصرة إلى جبل طابور ( جبل التجلي ) والقديس بطرس فيسميه ب ( الجبل المقدس ) " 2 بط 18:1 "  ويسمى أيضاً ب ( جبل طابور) أو تابور كما هو مذكور في سفر القضاة ( 6:4 ). الجبل بارز لوحده كهرم ضخم يقع إلى شماله جبل حرمون ( جبل الشيخ ) وسمي بهذا الأسم لأن الثلج يكسو قمته وقتاً طويلاً من السنة .
جبل التجلي عليه تجلى الرب أمام تلاميذه الثلاثة ( بطرس – يعقوب – يوحنا ) وهو أقدس مكان وقف عليه يسوع وأكتمل معه الثالوث الأقدس ( الآب والروح القدس ) ، كما حضر هناك موسى الذي يمثل العهد القديم ، وأيليا الذي يمثل عهد الأنبياء ، أما المسيح فكان يمثل العهد الجديد . كل هؤلاء حضروا على ذلك الجبل العظيم العالي والبالغ أرتفاعه 588م عن سطح البحر ، أو 1600 قدم .
كنيسة جبل التجلي الكاثوليكية



على الصخرة التي تجلى الرب يسوع تم بناء كنيسة كاثوليكية جميلة بين عامي 1919- 1924 سميت ب ( كنيسة التجلي ) هندسها المهندس المعماري ( أنطوني بارلوزي ) كما صمم كنائس أخرى في الأراضي المقدسة . بنيت الكنيسة على بقايا كنيسة بيزنطية بنيت في القرن الخامس والسادس . الكنيسة من الداخل لها ثلاث صحون ، تفصلها صفين من الأعمدة تحمل أقواس السقف . أمام المذبح وسقفه توجد جدارية كبيرة من الفسيفساء توضح موضوع التجلي . في مقدمة الكنيسة يوجد برجان تحمل نواقيس . وعلى جانبي مدخل الكنيسة أيضاً هناك مصليان لموسى النبي . يظهر موسى في جدارية مرسومة على مذبح المصلى ، وهو يستلم لوحي الوصايا العشر . أما المصلى الواقع من الجهة الأخرى فمخصص للنبي أيليا . وهناك كنيسة أخرى بنيت في القرن الثاني عشر . كما نجد دير للرهبان الفرنسيسكان بالقرب من الكنيسة ، شيّد في عام 1873م . يستقبل هذا الدير الرهبان الجدد لمدة ثلاث أسابيع لممارسة الرياضة الروحية وذلك لفحص أيمانهم وقدراتهم لكي يقرروا هل يصلحون للأنضمام إلى سلك الرهبنة وتكريس النفس ليسوع مدى الحياة أم لا . وفي نفس الدير هناك مصحة للمدمنين يتم شفائهم بعزلهم ، وبممارسة الصلاة والتقوى من أجل الشفاء . كما يوجد على نفس القمة  كنيسة أرثوذكسية متواضعة تم بنائها عام 1862م بنيت من أموال بعض الناس من رومانيا مكرسة للنبي أيليا . كما هناك إلى الجانب الشمالي الغربي للكنيسة كهف يسمى بكهف ملكي صادق ، بحسب الروايات المسيحية كان هناك لقاء بين أبراهيم وملكي صادق ، والكهف كان معروفاً للزوار المسيحيين في العصور الوسطى .
في كنيسة التجلي أشتركنا في الذبيحة الألهية وتناولنا الجسد المقدس ، مع سماعنا للوعظة من الأب الفاضل التي تناولت موضوع التجلي . وكان ذلك القداس الرابع في رحلتنا المباركة .

الكنيسة الأرثوذكسية على جبل التجلي



الطريق المؤدي إلى الجبل متعرج وصعب للسيارات الكبيرة التي لا تستطيع الصعود إلى القمة ، بل فقط تصل إلى وسط الجبل ، وبعدها يتم تحميل الزوار على السيارات الصغيرة .إلى قمة الجبل الواسعة التي يبلغ طولها 300 م وعرضها أكثرمن 100 م  . في القديم كان يجب قطع الطريق إلى القمة سيرا على الأقدام وذلك بصعود 4300 درجة للوصول إلى القمة . من على الجبل يمكن رؤية جبال كثيرة كجبال السامرة ، وجبل الكرمل الى الغرب ، وشرقاً جبال الجولان ، وشمالاً الجليل الأعلى وجبل الشيخ الواقع في الأراضي السورية واللبنانية .
في كنيسة التجلي أقام كاهن رعيتنا القداس الرابع ، وتناولنا الأسرار المقدسة ، وشرح لنا الكاهن في وعظته موضوع التجلي . تأملنا فيه جيداً في ذلك المرتفع المقدس والتمسنا من الموضوع ثلاثيات كثيرة منها : حضور الثالوث الأقدس - حضور ممثلين العهود الثلاثة - حضور ثلاث تلاميذ - مقترح ثلاث مظال - المكان يرسم لنا أيضاً مثلثاً يتكون من الناصرة إلى الشمال حيث طفولة المسيح . وجبل التجلي يرمز إلى لاهوت المسيح . أما قرية نائين الواقعة على الغرب من الجبل ، وفيها أقام الرب وحيد الأرملة ، فترمز إلى قيامة المسيح . جبل التجلي منظره جميل مكسو بغابة كثيفة من أشجار السنديان والسرو والصنوبر وكينا والزيتون . ويوجد على سفح الجبل ثلاث قرى أكبرها دبورية الواقعة على السفح الغربي للجبل ، في أحدى مطاعمها أخذنا قسطاً من الراحة بعد النزول وتناولنا الغداء .  قرية الشبلى ، على السفح الشرقي . وقرية أم الغنم على سفح الشرق الجنوبي للجبل .
نزلنا من جبل الطابور وأتجهنا نحو الغرب قاصدين بلدة نائين التي تتوسطها كنيسة مبنية على المكان الذي أقام الرب يسوع أبن الأرملة . يسكن البلدة يهود من أثيوبيا ، وعرب ، لكن لا يسكنها اليوم مسيحياً واحداً .
بعد اليوم الخامس تركنا فندق الناصرة متوجهين نحو أورشليم بأتجاه الجنوب ، فمرت سيارتنا في وادي هرمجدون ( طالع رؤ 16:16 ) ، وبعدها مدينة الجنين التي هي من مدن السامريين . وقرية مجدو الواقعة على يمين الطريق ، وبعدها وادي عارة ، ثم مدينة كفرقاسم ، وبعدها وصلنا إلى مدينة بيت لحم ، هناك نزلنا في فندق جديد أسمه ( قصر جاسر ) المتكوّن من سبع طوابق . الفندق قريب من قبر أمنا راحيل .
في صباح اليوم التالي أنطلقنا إلى أورشليم ، زرنا جبل صهيون أولاً وفيه بناية العشاء الأخير ، وكنيسة نياحة العذراء ، وكذلك كنيسة صياح الديك المبنية على بيت قيافا .

بيت قيافا وكنيسة صياح الديك


 في بيت قيافا حُكِمَ على يسوع يهودياً بالموت . وعلى ذلك المكان شيّدَت كنيسة أسمها ( كنيسة صياح الديك ) ، هناك نكر بطرس المسيح ثلاث مرات وبعدها سمع صياح الديك ، فبكى وتندم ، وعلى قبة الكنيسة صليب وفوقه يوجد ديك .

سجن منحوت في صخرة في الطابق السفلي لبيت قيافا سجن فيه المسيح لمدة 13 ساعة
 في بيت قيافا سجن منحوت في قلب الصخرة واقع في الطابق السفلي ، فيه تم سجن المسيح 13 ساعة ، شكل السجن مربع ، قياساته أربع أمتار عرض وأربع أمتار طول وأربع أمتار أرتفاع . نجد على أحد الجدران تقبان المسافة بينهما 2.5 م كان يثبت فيها الزناجيل التي يربط بها السجين , وفي أرضية السجن حفرة صغيرة لوضع الماء والخل ، وكان السجين يجلد هناك . طريقة أنزال السجين إلى السجن كان من فتحة دائرية قطرها 60 سم تبدأ من الطابق الثاني  وسمك الصخرة من أرضية ذلك الطابق إلى سقف السجن أكثر من متر ونصف . نزلنا جميعاً إلى السجن عن طريق درج حجري ، رفعنا الصلاة والتراتيل هناك ، وبعد ذلك قرأ الأب الكاهن النص الخاص بذلك المكان الرهيب فلمس الحزن والبكاء جميع الحضور ، كان عددنا 47 شخصاً ، وأخيراً رتلنا وصعدنا إلى الطابق الثاني
تمثال يسوع وهو مقيد في بيت قيافا



 حيث تمثال يسوع وهو جالساً مقيداً بالحبال ينظر بأتجاه الساحة التي كان فيها بطرس يسطلي حول النار مع بقية الموجودين وهناك نكر ربه ثلاث مرات . بيت قيافا كان مبنياً من ثلاث طوابق ( العلوي كان فيه المحكمة - الوسط البيت - والسفلي السجن ) من هناك أرسل المسيح في صباح يوم الجمعة إلى بيلاطس ليحاكمه ، وبدوره أرسله إلى هيرودس لكون المسيح جليلياً . بيت قيافا كان مبنياً على قمة جبل لكي يراقبون حراسه الناس . أسوار القدس تقع إلى اليسار والمبنية على أرتفاع 12 م . على أبواب تلك الكنيسة نجد رسومات ليسوع في علية صهيون ( العشاء الأخير ) وعلى الباب الأيمن والأيسر نجد بطرس يقول أنا لا أنكرك والرب يرد عليه  وفوق صورة بطرس نجد صورة الديك والذي يرمز إلى نكران بطرس للرب ، لكن نكرانه للمسيح الرب يختلف عن نكران يهودا ، لأن بطرس الذي عاند وقال ، لا أنكره ، نكره وتاب فشملته رحمة الرب ، أما يهودا فلم يتوب بل فضّلَ الموت شنقاً على التوبة .
 في هيكل الكنيسة الرئيسي نجد جدارية كبير للرب واقفاً مقيداً بسلاسل وحوله من الجهتين أعضاء السنهدريم يحاكمونه ، في الجهة اليمنى هناك لوحة كبيرة للعشاء السري . أما في الجهة اليسرى فهناك لوحة أخرى تبين يسوع وهو يتحدث مع قيافا اللابس بدلته الكهنوتية وجالساً على الكرسي . هناك تنبأ قيافا قائلاً
( أنه خير أن يموت رجل واحد عن الشعب ) " يو14:18 "

 في ساحة القصر نار مشتعلة والجالسين وحولها من الحراس وبطرس واقف معهم  . في الساحة الخارجية للكنيسة المبنية على قصر يافا  نجد تمثال لبطرس مع ثلاث شخصيات تمثل الذين قالوا له أنت كنت مع يسوع ونكر.

إلى جانب سياج الساحة يوجد طريق قديم من مدرجات حجرية ، هذا كان الطريق الذي سيق به يسوع من البستان إلى بيت قيافا . هناك جدارية منحوتة بطول عشرة أمتار وعرض خمسة في البوابة الخاجية يظهر فيها يسوع مقيداً بحبال واليهود يقودونه إلى بيت قيافا ، كما في الصورة التالية :


تركنا كنيسة صياح الديك متجهين إلى علية صهيون حيث بناء العشاء الأخير الواقعة في الطابق الثاني . قاعة جميلة في تصميمها ترتكز على عمودين متقابلين في وسط القاعة ، يسمى المكان ( علية صهيون ) في ذلك المكان أسس الرب سر القربان المقدس ، وهو مكان حلول الروح القدس على التلاميذ ، فالكنيسة أسسها الروح القدس في يوم العنصرة في تلك القاعة . حاول المسلمون السيطرة على المبنى فبنوا فيه محراباً للصلاة ، كما ثبتو على جدرانه آيات قرآنية ما زالت موجودة ، لكن الحكومة اليهودية تمنع الآن المسلمين من الصلاة فيها لتصبح مزاراً للجميع . يوجد في القاعة وعلى مرتفع قريب من أحدى الجدران تمثال لشجرة الزيتون عليها عنب وكؤوس فوق أذرع وأغصان الشجرة ترمز إلى عمل المسيح للأفخارستيا في علية صهيون . الصليبيون هم الذين بنوا ذلك البناء على مكان العلية القديمة ، ويعتقد بانه كان بيت التلميذ مرقس . أما في الطابق السفلي فنجد قبر داود النبي .

كنيسة نياحة العذراء ( رقاد العذراء )  :



" فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لأمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ» ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ " ( يوحنا 19 : 26 – 27 )
العذراء مريم ظلت في بيت يوحنا الرسول حتى يوم نياحتها . وفوق أطلال بيت يوحنا شيدت هذه الكنيسة من قبل الآباء الفرنسيسكان في القرن الحادي عشر ، تم هدمها سنة 1490م ، على اثرها تم تشييد كنيسة باسلوب الفن الروماني والتي أخذت شكل حصن من القرون الوسطى ، والكنيسة تتكون من طابقين ، العلوي مزين بالفسيفساء والبرونز . والسفلي فيها تمثالاً لنياحة العذراء مريم من الخشب والعاج موضوع على تابوت ، وفوق التمثال قبة مرتكزة على ست أعمدة ، والقبة مزينة بمناظر من الموزائيك فيها صور ( حواء ، راعوت ، نعمي ، أستير ) . ويحيط المكان بفسحة بيضوية ترتكز على أثني عشر عموداً ، أي بعدد رسل المسيح .



هناك جدارية لنياحة العذراء عليها  كل رسل المسيح عدا توما ، يظهر في اللوحة يسوع يحمل أمه على كتفيه وكأنها طفلة . توجد أيضاً جداريات أخرى توضح للزائرين موضوع النياحة . الكنيسة حالياً هي ملك الرهبان البندكت الألمان.
 بعدها غادرنا تلك الكنيسة واتجهنا إلى بيت ساحور ، وهو مرتفع جبلي في بيت لحم ، هناك أستلم الرعاة من الملاك نبأ ولادة الطفل الألهي . في ذلك المرتفع دخلنا إلى كهف واسع من الداخل محفور من قبل الرعاة الذين كانوا يحتفظن بقطيعهم تحت سقف ذلك الكهف من البرد والثلوج والأمطار . الكهف يسع لحوالي مئة خروف . ويسمى ذلك المكان ( حقل الرعاة ) . أستخدمت كأول كنيسة بالمنطقة والتي كانت تعرف بسهل ( بوعاز ) نسبة إلى ما ورد في التوراة . أيمانياً نحن أيضاً يجب أن نحفر مغارتنا بيدنا كالرعاة لكي يأتي يسوع الإله ويولد فيها ، وهذا ممكن بالعمل على تطهير نفوسنا وتنظيم سيرتنا حسب أوامر الأنجيل المقدس . على بعد عشرة أمتار فقط نجد كنيسة صغيرة دائرية أسمه كنيسة الرعاة .

 كنيسة الرعاة



تم تشييدها عام 1952 م . في داخلها مذبح واحد ، وعلى جدرانها جداريات مرسومة بالألوان الزيتية تتناول موضوع تبشير الملاك للرعاة وكذلك الجوقات الملائكية التي تنشد ليوم ميلاد الرب ( المجد لله في العلى ! وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة ! ) " لو 2: 13-14" . فوق باب الكنيسة الخارجي نجد تمثالاً برونزياً للملاك وبيده بوق ينفخ فيه ليعلن البشارة للرعاة ، وفوق الكنيسة ثلاث نواقيس كبيرة وقبة .  ومن ذلك المرتفع انحدرنا كما فعل الرعاة نحو الأسفل بأتجاه مكان مولد الطفل يسوع في مغارة بيت لحم ، تقع الآن في قلب مدينة بيت لحم ، شيد عليها كاتدرائية كبيرة تسمى ( كنيسة المهد ) .
كنيستي المهد والقديسة كاترينا
 وهي الكنيسة الأولى من بين الكنائس الثلاثة العظمى التي بنيت في زمن الملك قسطنطين في بداية القرن الرابع ، وكان ذلك استجابة لطلب الأسقف مكاريوس في المجمع النيقي 325م ، وفي السنة التالية زارت المكان الملكة هيلانة ، وبعدها تم التنفيذ . الكنائس الكبيرة التي بنتها الملكة هيلانة هي ثلاثة ( 1- المهد . 2- القيامة . 3- الزيتون بالعبرية ( يونا ) وغيرها من الكنائس .
دخلنا إلى كنيسة المهد من باب ضيق وقليل الأرتفاع تحيطه ثلاثة أحجار كبيرة منحوت
ة ,
مدخل كنيسة المهد


 في داخل الكنيسة  نجد كنيستين الأولى كنيسة المهد مبنية على مكان مولد الطفل ، يزورها المؤمنون بكثرة لها مذبح واسع وعالي ، ومن سقفها تتدلى ثريات كبيرة وجميلة وعلى جدرانها ايقونات كثيرة وقناديل قديمة . في الجانب الأيمين من مذبح الوسط نجد درج ينزل من تحت مذبح الوسط إلى مكان مولد الطفل . في بداية الدرج وعلى الجدار نجد أيقونة أم المعونة وتحتها هدايا ذهبية كثيرة كالمحابس والحلقات والحلي المختلفة مهداة من قبل الزوار تكريماً للعذراء وأبنها الإله . في نهاية الدرج نصل إلى الطابق الأرضي نجد كهفاُ صغيراً تحته نجمة فضية موضوعة على مكان مسقط رأس الطفل . وحول النجمة مزين بالمرمر ومكتوب عليها باللاتينية ( هنا ولد المسيح يسوع من مريم العذراء ) تتدلى من سقف الكهف نحو النجمة خمسة عشر قنديلاً تمثل كل الطوائف المسيحية .
مكان مولد الطفل يسوع


مذبح المغارة الصغير فوق مكان مولد الطفل يسوع


وعلى بعد ثلاث أمتار هناك موقع المذود ، فيه وضعت العذراء طفلها بعد الولادة . بقينا في ذلك المكان المقدس ثلاث دقائق وكما يسمح لكل زائر لنترك المكان من درج حجري آخر يصعد بأتجاه كنيسة ( القديسة كاترينا ) لندخل إلى جانب هيكلها الرئيسي .
في بيت لحم تذكرنا دخول العذراء ومار يوسف الفقيران اللذان أضطرا إلى اللجوء إلى مغارة الحيوانات لكي يولد أبن الله كأفقر فقير بين الحيوانات ومن ثم يضجع على القش ، والحيوانات تقوم بخدمته وذلك بتدفئته من البرد القارص بواسطة زفيرها لكي يبعث في جسد ذلك الطفل الصغير الدفْ . إنه درس سماوي مهم يعلمنا حياة البساطة والفقر ، فعلينا أن نتقبل الدرس بفرح ونفهم ولادة يسوع في تلك المغارة بأنها ولادة رائعة ومدهشة لأنها ردمت الهوى بين أغنى إله مقتدر وبين الفقير ، ذلك الطفل الصغير أمر ملائكته أن يبشروا أولاً أفقر الناس وهم الرعاة وبعدها جاء الملوك المجوس ليشمل خلاصه كل فئات المجتمع .

كنيسة المهد من الداخل

صحن كنيسة المهد


[color=black]كنيسة المهد عبارة عن مجمع ديني كبير يحتوي على مبنى الكنيسة بالإضافة إلى مجموعة من الأديرة والكنائس الأخرى التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة فهناك الدير الأرثوذكسي في الجنوب الشرقي، والدير الأرمني في الجنوب الغربي ، والدير الفرنسيسكاني في الشمال الذي شيد عام 1881 م لأتباع الطائفة اللاتينية، وتمت توسعة الكنيسة في عام 1999.
تقام الطقوس الدينية يومياً في كنيسة المهد من قبل الطوائف المختلفة (الروم، اللاتين والأرمن) بحسب جدول للصلوات وضع في الفترة العثمانية وما زال يعمل به حتى يومنا هذا، كما تم في الفترة العثمانية تحديد حقوق وصلاحيات كل طائفة متواجدة في الكنيسة وهو ما يسمى الـ "ستاتو كوو"، والجدير بالذكر أنَّ بتلك الكنيسة هنالك ثالثة طوائف رئيسية (الروم الأرثوذكس، اللاتين والأرمن) ولكن يتم السماح للأقباط والسريان مرتان في السنة بالصلاة داخل الكنيسة. تعد الطقوس الدينية لدى الطوائف الشرقية أساس التحليق في سماء الإيمان القويم لأنها تخاطب كل حواس المؤمن: فالأعين تتمتع بجمال الأيقونات المقدسة، وتشنف الآذان بسماع الترانيم الروحية الغنية بمضامينها العقائدية وألحانها العذبة ، وأما رئتا المؤمن فتمتلئان بشذى الروائح العطرة المنبعثة من البخور المقدس وبواسطة هذه الرموز ينتشي المؤمن روحيًا وجسديًا ليكون مستعدًا كي يمجد الخالق بكل قلبه وبكل قدرته .

مدخل كنيسة سانت كاترين


 وصلنا إلى كنيسة ( سانت كاترين) المبنية على عشر أعمدة طولاً ، يقابلها عشرة أخرى لتقطع الكنيسة إلى ثلاث مذابح كبيرة . في هذه الكنيسة يقام قداس الميلاد كل سنة يحضره رؤساء الدول وسفراء ومسؤولين ، ويتم نقل القداس عن طريق الفضائيات . أقام أبينا الكاهن قداساً على المذبح الأوسط ، وهو القداس الخامس في رحلتنا  ، وتناولنا جسد الرب في ذلك المكان المقدس . والكنيسة ذات المذابح الثلاثة  رائعة الجمال ، مذابحها ، سقفها ، أعمدتها ، جدارياتها . مقاعدها . وساحتها الخارجية.
كنيسة سانتا كاترينا من الداخل



 
للكنيسة سقف جميل ومذبح كبير  وفي نهاية الكنيسة وعلى جدار اليمين جدارية كبيرة برونزية يظهر فيها النبي صموئيل وداود ويس والد ه ووالدته . والنبي يمسح داود بالزيت المقدس ليصبح ملكاً بلا عرش بديلاً لشاول وعلى تلك الجدارية نجد تمثال البابا بندكتس السادس عشر وضع عندما زار البابا المكان في عهده .
داود ولد في تلك المدينة ، فكان على المسيح الذي يدعى أبن داود أن يولد أيضاً في نفس المدينة ، فالمرسوم الذي أصدره أغسطس قيصر والذي كان يقضي بأحصاء سكان الأمبراطورية أجبر كل مواطن بأن يكتتب في منطقته ، لهذا كان على مار يوسف أن يأخذ العذراء من الناصرة إلى بيت لحم في منطقة اليهودية لكي هناك يولد المسيح أبن داود .
تحت كنيسة سانتا كاترينا يوجد مقابر صغيرة الحجم يعتقد بأنها كانت لأطفال بيت لحم الذي أمر هيرودس بقتلهم " مت 16:2"  .
وصف كنيسة سانتا كاترينا من الداخل
[/color]يرتبط تاريخ الكنيسة المسمى ب (  البازيليك ) منذ بنائها بتاريخ المدينة فهي بمثابة قلب المدينة النابض يمكن الوصول إليها من البازيليك عبر بابين ، أحدهما إلى اليسار فور الدخول إلى البازيليك والآخر من المدخل الجانبي لهيكل الأرمن أو مباشرة من دير الفرنسيسكان
يؤدي إليها رواق من العصور الوسطى غاية في الجمال . تمّ ترميمه عام 1949. تقوم الكنيسة على بقايا دير القديس هيرونيموس القديم . على الجانب الجنوبي للرواق تمّ اكتشاف كنيسة صليبية مع رسومات للعذراء .
على الجانب الأيمن ( للداخل إلى الكنيسة ) تحت الهيكل الجانبي يُحتفظ بتمثال الطفل يسوع والذي يعرض ليلة عيد الميلاد في المغارة . قبل بلوغ هذا الهيكل نجد درجاً يهبط بنا إلى مغارات تحت الأرض.
ملاحظة : الموقع لن يتحمل كامل الموضوع
لمتابعة القراءة اضغط على الرابط ادناه 
https://goo.gl/L6qXLv


254
القديس قفريانوس هل كان منكيشياً؟
بقلم / وردا أسحاق قلّو
كونوا قديسين لأني أنا قدوس " 1 بط 1: 16"
نقرأ في قصة الخلق بأن الله خلق الأنسان على صورته ومثاله ( تك 26:1 )
الأنسان المحدود الذي خلقه الله  لايصل إلى صفات الله الغير محدود ، كالأزلية ، والقدرة إلى الخلق ، ومغفرة الخطايا ، وغيرها ، بل خلقه على صورته في الطهارة والنقاوة ، وبهذا يصبح مماثلاً لصورة الله ، فعلى الأنسان أن لا يفقد نقاوته ، ليبقى جسده هيكلاً لسكنى الروح القدس ( 1 قور 16:3 ) . الأنسان يسوع المسيح كان صورة الله الغير المنظور ، فكيف يستطيع الأنسان أن يرتقي إلى تلك الصورة . عبّرَ الرسول يوحنا عن هذا الموضوع قائلاً ( كل من يعترف أنه ثابت في المسيح ، يلتزم أن يسلك كما سلك المسيح ! ) " 1 يو 6:2 "
فالنفس الأنسانية التي تريد أن تسلك سلوك المسيح ، يكون النسك ومهاجرة هذا العالم الطريق الأفضل للأرتقاء ، ولكي تجاهد الجهاد الحسن في طريق الروح ، وهكذا سيرتفع بنيان النفس ويكتمل ، وذلك بالتوبة أولاً ، وبالصوم ، والصلاة ، والسهر ، ونكران الذات ، وتمارين النسك بكل أنواعها ، والزهد ، والفقر ، والطاعة ، والعفة ، والدموع ، وأنسحاق النفس ، والصبر ، والأحتشام ، والتقشف ، والأنقطاع من الكلام بألتزام الصمت لفترات ، وذلك للتفرغ إلى التأمل في السماويات ، كما يقول الآباء القديسين إن للنفس الناطقة ثلاث قوى وهي،
 ( الشهوة والغضب والفكر ) ومنها تولد بقية القوى . ومن الأعمال التي تصون النفس عن الخطيئة  هو الأعتزال عن الناس لأجل الأخلاء في الصوامع والأحتباس فيها ، وعدم مخالطة العالم إلا لغاية الخدمة والتبشير ، هكذا يطهر العقل والفكر الذي يسعى نحو الخلاص . حصر الطوباوي مرقس الناسك هذه الممارسات بثلاث أبواب من النسك ، وهي ( الصلاة بدون أنقطاع – تطهير الأفكار – تحمل المصاعب ) فإذا صعدت النفس هذه المدارج ، أصبحت منزلاً للروح القدس ، وقمعت الأهواء ، وتسامت عن الجسد ، وسيطرت عليه . وأضحت كالفارس الشجاع يطارد الأهواء وتطأ الشهوات . وكالأجيج تضطرم بمحبة الرب وتحرق كل شىء يعترض سبيل المسيح الوهاج . وهكذا تمتلىء النفس من محبة القريب التي منها تنتج محبة الله  ، وحسب قول الرسول يوحنا  " طالع 1 يو 4: 20-21 " . فمحبة الله تبدأ من محبة البشر فتحطم النفس المحبة شِباك المجرب ، وتبطل حيّلِه بالتجائها إلى القوة الإلهية الخفية فيصبح جسد ذلك الأنسان مسكناً للمسيح ، ولأبوه ، وروحه القدوس ، ليصبح ذلك الأنسان في عالم آخر ، في الملكوت الذي يبدأ من هنا ، من داخل الأنسان يبدأ الملكوت . أجل رغم كون الجسد في هذا العالم ، فالعقل ينغمس في خفاء الروح لينسى العالم وما فيه ، وقد يعتريه الذهول عدة أيام دون أن يشعر ، وذلك بأنخطاف الروح من الجسد لكي يعيش مع السماويين ، او السماويين معه على الأرض ، وكما حدث مع قديسين كثيرين كالأنبا سوسائيس الذي حينما قرع تلميذه الباب ليدخل عليه ، صرخ عليه قائلاً ( أهرب يا أبراهام ولا تدخل إلى هنا ، فليس هذا المكان خالياً ) وهذا حدث مع الآخرين كالقديس فرنسيس الأسيزي . نعلم من هذا ، أن المرء إذا تنقى ذاته من الأهواء الخارجية والداخلية وصار تصرفه فوق الطبيعة ،
فإلى هذه المراتب ، وإلى هذا المجد أرتقى الكثيرين إلى مصافى القديسين حيث حلقوا فوق العالم بأيمانهم وأعمالهم ، هؤلاء الذين نروم التطرق إلى قصصهم ومنهم القديس الربان قفريانوس . هذا الراهب الذي شيّدَ الرب على يده ديراً مقدساً في نحو نهاية حياته في مقاطعة بيرتا الواقعة في بلاد مركا. تدعى ( بيث مغوشي ) , هذا ما نقرأه في كتاب . .
علق الأب ألبير أبونا في حاشية  الصفحة ( 260 ) فكتب ( لا نعرف موقع قرية " بيث مغوشي " بالتأكيد ، إلا إنها في منطقة بيرتا ، أي في مركا الغربية ، وهنا ما يميزها عن بيث مغوشي أخرى تدعى الآن مانكيش مركز ناحية الدوسكي ) .
نقول : تعليقه هذا هو أعترافه بعدم التأكد من الخبر ، فقال ( لا نعرف موقع بيث مغوشي بالتأكيد ) والغريب أنه يؤكد فيقول ( إلا إنها في منطقة بيرتا أي في مركا الغربية وهذا ما يمييزها عن بيث مغوشي أي " مانكيش " ) . نقول للأب الفاضل ، أين الدليل ، وأين البرهان ، وعلى أي مصدر أعتمدت ؟ كما نسأله قائلين وهل يوجد ( بيث مغوشي أخرى غير مانكيش دوّنت في المصادر ؟ ) أضافة إلى هذا يضيف قائلاً ( أن هذا اللقب "مغوشي " أطلق عليها لميل أصحابها الأولين وسكانها إلى المجوسية ) نقول فعلاً كانت بيت مغوشي الحالية " مانكيش " تؤمن بالمجوسية قبل أيمانها بالمسيح . فكنيسة مانكيش الحالية التي تم تجديد بنائها ما بين سنة 1928 – 1933 وجدوا في أساسها آثار تدل على أن الكنيسة قد بنيت على معبد مجوسي .
بمكن القول إنها تعد من المناطق الأولى التي انطلق منها التبشير لنشر المسيحية في بلاد النهرين . وذلك لوجود إشارات تاريخية على مرور مار توما في منطقة مانكيش .
ولمار توما صومعة جميلة باسمه في جبل مانكيش ، بل أجمل صومعة بين صوامع جبل مانكيش المنحوتة من قبل نحاتين محترفين نحتاً هندسياً غائراً دقيقاً  . فبعد التسلق على الصخرة وعلى أرتفاع متران نصل إلى الباب الذي أرتفاعه 80 سم وعرضه 50 سم . نجد في الداخل فسحة مربعة للجلوس ، وحولها من الجهات الثلاث يوجد ثلاث مقاعد على شكل أسرة حجرية في نهايتها مخدة حجرية ، وبعد كل سرير تأتي حجرة منحوته  على شكل قوس ، كانت تستخدم لوضع الأمتعة ، وبعدها تأتي حجرة أخرى صغيرة كانت تستخدم لوضع الكتب المقدسة . الصومعة منحوتة نحتاً هندسياً دقيقاً في داخل صخرة ضخمة وعالية وأمام الصومعة قوس حجري يحمي  الصومعة من دخول الأمطار والثلوج ، وتحته مساحة كبيرة للجلوس . ، الآن تستخدم كمزار لأستقبال المؤمنين والواقعة في منتصف سفح الجبل مقابل بلدة مانكيش ،  وقد تم تشييد جسر مؤخراً على نهر مانكيش مع فتح طريق للسيارات للوصول إلى ذلك المزار
صومعة مار توما في جبل مانكيش /الصورة منشورة على غلاف مجلة الفكر المسيحي / أنقر الرابط
http://www.m5zn.com/newuploads/2018/12/06/jpg//m5zn_743efba557c5733.jpg

 الباحث الفرنسي ( بيير بيرييه ) وهو عضو الأكاديمية العلمية الفرنسية – باريس . قدم بحثاً بعنوان ( توما الرسول ، اول مبشر بالمسيحية في الصين ) ذكر هذا الكهف في تقريره ، قال ( أما توما فلديه بأسمه كهفان واحد في الصين ، وآخر في شمال العراق في قرية مانكيش ، منطلقه لتأسيس كنيسة نينوى ) أي من مانكيش أنطلق التبشير إلى سهل نينوى  ، وهذا هو رأي مترجم المقال المنشور في مجلة الفكر المسيحي العدد ( 477-478 ) عام 2012 والذي زار الكهف وصوره ونشر صورة الكهف إلى جانب المنحوتات الصينية في كونغ وانغ شان التي تعود إلى القرن الأول للميلاد . تم نشر هذه الصور في غلاف المجلة الخلفي  ، وأضاف المترجم الذي لم يكتب أسمه وعلى الأكثر هو رئيس تحرير المجلة " المطران يوسف توما " كتب في حاشية الموضوع ما يلي ( يعني إسم مانكيش بالآرامية "  ذاك الذي لمس "  ) وهذا تفسير ثاني ( مَن كشلي ) أي ( من لمس ) والمقصود هو مار توما الذي أراد لمس جروح المسيح مقابل أيمانهِ ، قد يكون أسم منكيش مشتق من هذا التفسير  . وقد وضح الدكتور عبدالله رابي هذا التفسير في كتابه ( منكيش بين الماضي والحاضر) ، فقال : قد يكون الأسم مشتقاً من ( منكيشية ) أو ( منكاش ) الكلدانيتين ومعناهما ( الذي لمسه ) كناية عن ( مار توما ) متلمذ المشرق الذي لمس جروح المسيح وجنبه المطعون إذ يوجد جوار القرية دير وكنيسة على أسم مار توما في لحف الجبل الواقع جنوب مانكيش ويبعد زهاء نصف كيلومتر .. ( صحيفة 25 ) 
 كذلك نلتمس من كتاب الرؤساء الذي تناول قصة هذا القديس بأن قرية هذا القديس قد خربت قبل عودته إليها من بلاد اليونان ، هذا الخبر أيضاً يخدم صحة كون قرية القديس هي " مانكيش الحالية " وذلك لأن أهل مانكيش لحد اليوم يعتقدون بأن قريتهم قد هاجروها لفترة فتركوها خراباً وقبل رحيلهم منها وضعوا لهم على قمة الجبل المقابلة للقرية نصب من الصخور لكي يبقى لهم دليلاً بعد العودة  ، أنه نصب كبير من صخور ضخمة وضعوها على بعضها  فتكون منها شكل أنسان نصفي تجريدي يشبه الأعمال النحتية التجريدية . وما يزال النصب في مكانه ، ويسمى ب ( قطرا ددِكر ) أي " صخرة الذكرى " ، ويقتنع كل من يشاهده عن قرب بأن العمل ليس طبيعياً بل مصطنعاً . 
كما أضاف لنا كاتب القصة ، فقال ( أتوا إلى ربان برجل من قرية شمرخ جربه الشيطان وقد مزق جسمه بعضات ، وهذا شفي بسهولة بصلاة الربان . وعاد إلى بيته مسروراً بمجد الله ) علق الأب ألبير في الحاشية على قرية شمرخ ، فقال ( لا تزال " شمرخ " معروفة بهذا الأسم ، وهي في وادٍ يقع جنوبي مانكيش خلف الجبل ، وفي هذه القرية دير مار أبراهام الذي لا تزال بقاياه ظاهرة إلى اليوم ) ردنا :  أجل يوجد قرية خلف جبل ، مباشرة خلف الكلي الموجود فيها الكهف وفيها آثار للدير ، بل أسم القرية الكردية المؤسسة على ذلك المكان تسمى الآن( ديره ك شنك ) أي دير النساء ، والمقصود دير الراهبات . لكن أسمها القديم كان ( شمرخ ) . وبقرب قرية ( ديره ك شنك ، أي شمرخ ) يوجد نهر صغير يسمى لحد الآن ب ( نيرا دشمرخ ) أي ( نهر شمرخ ) بأسم القرية القديم .
 كتب الدكتور عبدالله رابي في كتابه المذكور أعلاه ص60 بأن في ذلك الدير الواقع خلف جبل منكيش  كان للناسك ( مار أبراهام ) الذي يقع في ( شمرخ ) خلف الجبل ، وكان يعمد المؤمنين القادمين أليه . أدلة كثيرة في كتاب المرجي تثبت بأن ( بيث مغوشي ) هي منكيش الحالية  لوجود العديد من مواقع القبور التي يتم الدفن فيها على الطريقة المجوسية في عقارات القرية من جميع جهاتها. ولهذه الأسباب يقول الدكتور عبدالله رابي في نفس الكتاب ، يحتمل أن يكون الطوباوي ( قفريانوس ) من بيت مغوشي  التي شيدَت على آثارها منكيش الحالية .  وأنا أقول : إذا كانت منكيش هي المقصودة ، إذاً قد يكون هذا الراهب القديس أول من أسس الرهبنة في جبل مانكيش الملىء بصوامع الرهبان وصهاريج منحوتة لخزن المياه

نبذة قصيرة عن سيرة القديس
ولد القديس قفريانوس في بيث مغوشي من أبوين مؤمنين قاما بتربيته تربية حسنة فبذلا جهدهما في تعليمه ، ففي مدة وجيزة أنهى المزامير والتعليم الذي يلقى للأولاد في كنيسة قريته . وعندما بلغ سن الشباب ، أختار طريق الروح فشاء أن يقدس نفسه لعمل الرب ، وأن يسير في سبل النسك والطهارة . فرحل إلى المدرسة المقدسة التي في قرية ( مقبثا ) التي كانت في غاية الأزدهار، وهي من المدارس التي اسسها الطوباوي ربان باباي الملفان ، وكل تلك المدارس البالغ عددها 24  تقع ما بين جبل عقرة والزاب تسمى بلاد مركا شكلها الجغرافي مثلث متساوي الساقين قاعدته نحو الشمال فس سلسلة جبال العقرة وراسه في ملتقى الزاب مع نهر الخازر  ( طالع نقاط حاشية ص 127 من كتاب الرؤساء ) . أي أن مركا ليست قرية مركا الواقعة الى شمال شرق زاخو .
لم يذكر المرجي زمن ولادة قفريانوس ، لكن المدرسة التي أسسها الطوباوي ربان باباي الذي ولد في قرية ( جبيلتا ) الواقعة في مقاطعة بيث كرماي شرقي دجلة وشمال تكريت . وقد أستملكها الخليفة المتوكل لأنجاز مشروع النهر الجعفري في سنة 860 م أي أقل من عشر سنوات بعد تأليف كتاب الرؤساء من قبل توما المرجي ( طالع الحاشية رقم "1 " ص 125 الرؤساء )  .أي ان القديس قفريانوس قد عاش في القرن التاسع الميلادي .أما رأي الدكتور رابي في كتابه ( منكيش بين الماضي والحاضر ) ص 62 ، فيقول ( لم يحدد المرجي  الزمان الذي عاش فيه قفريانوس بدقة  - بينما يشير الأب ( ألبير أبونا ) مترجم الكتاب إلى العربية في الهامش أعتماده على أن حوادث حياة قفريانوس جرت في أشد مراحل الخصام بين النساطرة والأرثوذكسيين ، اي منذ القرن الخامس الميلادي ) ،.

بعد أن نال قفريانوس  قصداً من الثقافة في علم الأسفار المقدسة ، وفي كتب التدبير الألهي وشروحها ، كان مختاراً من قبل الله ليكون فاعلاً ومقرباً منه ، وعلة فوائد كثيرة لدى تحقيق الهدف، كما كان صموئيل وأرميا وبقية القديسين ، فلما بلغ سن الرجولة ، لم يدع الله العالم بالأمور الخفية  والمستقبلية ، والمشرف على أدارة الأمور كلها ، أن يصبح ذلك الشخص المستحق الطوبى حصة العالم . بل أضرم قلبه بمحبة أقوى من النار التي دفعته إلى أورشليم لرؤية البلاد المقدسة حيث أظهر المسيح للبشر التدبير الذي حققه بحسب الجسد لأجل خلاصهم .
عقد قفريانوس العزم ، وكفر بالحب العالمي وبمحبة الآباء والأخوة والقرابة ، فحمل الكتاب المقدس وأنطلق ببسالة ، يقطع الطريق ويجتاز المراحل وكأنه سائر بلهف على بيت والده الذي لم يره منذ عهد بعيد . ولما وصل أورشليم ، سجد في الأماكن المقدسة كلها ، في موقع عماد الرب في نهر الأردن ، والهيكل ، والجلجلة ، والقبر ، والعلية ، وجبل الزيتون ، وهذه الأماكن التي فيها تم خلاص جنسنا بواسطة أبن جنسنا الأله . أبتهجت نفسه وروحه واستراح من تعبه ومن جهد الطريق ، فشكر الله الذي مداه الرجاء به إلى السير لرؤية تلك الأماكن التي وطئتها قدماه المخلص ، ومن هناك تابع السير إلى جبل سيناء حيث قدم الشكر للرب كعطور ذكية الرائحة في المغارة التي سكنها النبي موسى والتي فيها أوحى الرب أليه خلقة العالم . وهناك كلم الرب أيليا النبي ، فأشرق الرب نوره على عقل الشاب القديس قفريانوس وأعده للتقدم بأطراد في طريق لا شائبة فيها . ومن هناك أنطلق إلى الأسكندرية ، ومنها إلى برية مصر حيث مكث مدة كان فيها يتردد على الأديرة ، وهناك سجد عند مراقد القديسين انطونيوس  وفاخوسيس وأواخريس وأرسانيس ومقاريس وسرافيون النساك الأبرار . فأكتسب قدوة ومثالاً صالحاً من منظر القديسين هناك وأتعابهم . وكالنحلة الفطنة التي تقيم في خليتها شهداً من العروق والأعشاب ، وبعد أن توغل في الحياة الرهبانية واندمج في سلك النساك الطاهر في أحد الأديرة ،  هناك أشتغل في الجمعية حسب قانون الآباء ، مكث في ذلك الدير زماناً معيناً ، ففكر هذا اناء المصفى في أن يصبح ناسكاً . 
أنتقال القديس من برية مصر إلى جزيرة في بلاد اليونان
سمع قفريانوس أن في بلاد اليونان جزيرة يتوفر فيها الهدوء والنخيل والأشجار للقوت ، وفيها لا يحتاج إلى خدمة أحد . فطلب إلى بعض التجار فحملوه في سفينتهم وأوصلوه إلى هناك . ولما دخلها شكر الله لأنه هيأ له المكان وسر به وأحبه وأعتبر نفسه كأنه في جنة عدن . فكان السكوت يربي الصوم والصوم ينمي الصلاة والخدمة ، ومنها انبثق الأبتهاج والتضرع اللذان كان يصعدهما ليل نهار على من أحبه ، فطاف البحر والبر في سبيل تكميل إرادته بالتجرد عن كل شىء . مكث هناك زمناً طويلاً بدون أن يعرف به أحد وهو يطوف في ذلك القفر ويتمرس بضروب الجهاد الذي تقتضيه  السيرة النسكية ويقتات بكمية ضئيلة من التمر والحشائش التي يأخذها من الأرض وتحمل هذا البطل الصنديد من الجهادات القاسية والضيقات من أهواء الجسد ومكر الأبالسة الماردين ، هناك اختبر العزلة والزهد وصعوبة ومرارة النسك وبطش الأعداء الذين يهاجمون المتوحد المسكين والمرارة التي يتجرعها ليل نهار مع دموع عينيه ، جهاده ليس ضد اللحم والدم كما قال الرسول بولس ، بل ضد الرئاسات والسلاطين وولاة هذا العالم ، عالم الظلمة والأرواح الشريرة التي تحت السماء ، شرع ينتصر في البرية ويتربى في الضيقات فيذوي الجسد ويضعف وتستنير النفس وتتلألأ لأقتبال غنى الأمجاد . قضى هناك سنين عديدة لوحده ، ذات مرة قوم من التجار اللذين تفككت سفينتهم لجأوا إلى الجزيرة وألتقوا به ، وكانوا قد سمعوا عنه من الذين أتوا به إلى هناك ، تبارك ذلك القوم بالقديس الذي كانوا يفتشون عنه وتركوا له شيئاً من قوتهم وزودهم ببركته وقفلوا عائدين ليخبروا الناس بمكانه وموضع أقامته فلجأ إليه الكثيرين للشفاء ، ليس الذين يأتون اليه فحسب ، بل البعيدون الذين لم يروه ، حينما كانوا يدعون بأسم إله قفريانوس الناسك وسرعان ما كانوا ينالون الشفاء من أمراضهم ، وكذلك الملاحون الضاربون في البحر ، فمتى كانت الأمواج المتلاطمة تضايقهم سرعان ما تبدأ والخصم يسكن بأسم القديس وصلاته . قضى في تلك الجزيرة أربعون سنة وبعدها نال الأذن من الرب ليعود إلى بلده وقريته ( بيث مغوشي ) قرية آبائه وأجداده التي قد خربت قبل مجيئه ، فدفعته النعمة إلى أن يأتي ويسكن في الغاب الواقع تحت الدير الذي يؤسسه دون أن يعلم به أحد ، لكن في أيام الثلج خرج بعض الصبيان للصيد فدخلوا في الغابة التي كان فيها فوجدوا مظلة صغيرة مقامة فوق حجر  ، ولما توغلوا أبصروا رجل الله جالساً متستراً داخل حجرة ، فتجاسروا ووجهوا إليه حرابهم مهددين لعدم معرفتهم أنه رجل قديس . لكن عندما كلمهم بوداعة وخرج وباركهم ، ثم شجعهم قائلاً لهم ( أنا رجل متسول وقد أتيت هنا مساء الأمس واليوم أمضي فعودوا إلى قريتكم وها أنكم ستلاقون أيلاً فأمسكوه وأفتلوه وأمضوا إلى بيوتكم ). تم كل شىء كما قال لهم واخبروا سكان القرية بذلك القديس ، فخرجت القرية برمتها لكي يروا القديس الذي ارسله الله لهم ليصبح لهم كموسى يقف في وجه اعدائهم ، وصلوا إليه وخروا أمامه وأخذوا يقبلون أسماله ، أما هو فلم يرفع بصره إلى أحدهم ، بل كان منتكس الرأس والدموع تنهمر من مقلتيه ، وبعدها أمرهم بالعودة متنبأ لهم بقوله ( قوموا يا أولادي وعودوا الآن إلى منازلكم ، لأن رئيس كنائس هذه البلاد ومديرها قادم إلى قريتكم ، أما أنا فسأمكث هنا غداً وبعد غد ) فباركهم وصرفهم ، فعادوا إلى بيوتهم . في مساء ذلك اليوم فعلاً أتاهم مطرافوليط البلاد ( للأسف لم يذكر المؤلف أسمه لكي نعرف الزمن ، طالع حاشية "2 " ص265 الرؤساء ) وهو يطوف زائراً قطعان رعيته فقصوا عليه خبر وقوفهم على أمر رجل الله العظيم وعن زهده وحيلته وكيف أنه أخبرهم عن مجيئه عندهم في مساء اليوم عينه ، فلما سمع المطرافوليط ذلك نزل في الغد عند القديس مع جمع غفير من الكهنة وأساتذة مدرسة صورا وطلابها . ولما أحس الشيخ المبارك بذلك قام في الحال لأستقباله لأنه رأى الأسقف القديس من بعيد منحنياً ومستنداً على عصا وهو يخر ويسجد ثم يقوم ، فخف إلى لقائه وخر على وجهه على قدمي المطرافوليط ، وذهل الأسقف كثيراً من الهيئة البادية على الطوباوي ، إذ كان يشبه شبحاً لفرط زهده المتواصل . وقال الشيخ القديس للأسقف باكياً ( لماذا لم آت أنا أليك كعبد إلى سيده ، بل أنت أيها الأب القديس أتيت أليّ ، أنا الخاطىء الذي لا أستحق أن أسجد لسيادتك ) يا للتواضع السامي ويا للعقل الزاخر بالحكمة !! إنه يعرف أكرام الكهنوت واجب . طلب منه الأسقف ان يعلمه كيف قدم هذه البلاد ومن أين أقبل ؟ فأطلعه على الأمور الصغيرة وتغافل عن الكبيرة . فقام الأسقف وأمسك بيد الشيخ قفريانوس وطاف به في المكان الذي فيه الهيكل والدير . وقال له ( بأمر الرب هذه هي حصتك ، فأبنِ وشيّد ، وأقبل أخوة وتلمِذ ، وسيرضي الرب عملك وسيركَ في طرق وصاياه . فإنَكَ ستعظم  وتزداد ويرث بنوك الأ راضي التي حواليك ، وفي وسط زمر النساك الذين تلدهم ستلاقي وجه الديان في يوم مجيئه ) ثم رسم له مقياس الهيكل المقدس ، ورحل لمواصلة زيارته .
بناء الهيكل والدير
 أقبل المؤمنون من القرية والقرى المجاورة لبناء الهيكل والدير ، وفي أيام قلائل تم البناء , يذكر في الحاشية "1" ص266  ، أن الدير يقع بالقرب من قرية صورا المسماة ( كفرا صور ) أي الصخرة الحمراء . هناك في جبل مانكيش إلى الغرب من دير مار توما صخرة كبيرة حمراء تسمى ( شيَئا سموقا ) .  لجأ الى القديس خمسون راهباً أفاضل مطبوعون على مثال أبيهم الروحي ، أقام منهم بعض رهبان صنعوا هم أيضاً قوات باهرة في هذا العالم ، وكان الرب يؤازرهم ويسد لهم أحتياجتهم . أمضى قفريانوس نحو عشرين عاماً منذ مجيئه وإلى وفاته . شاخ وهرم وأضنته الألام وضعفت أعضاؤه من فرط زهد السنين ، في السنين العشرين الأخيرة لم يقتات بغير خبز وماء قراح . كان ختام أيام عامل الرب النشيط بالأتعاب المضنية التي تسيل العرق في سبيل الحياة الجديدة . وقد نال من ربه رؤى وصنع عجائب ومعجزات على غرار الأنبياء والرسل  . نذكرعناوين بعض منها : 1- أخراج الشياطين من ممسوسين كثيرين . 2- أشفاء مخلع من بطن أمه . 3- أزال وباء الجمال في منطقة بيث كرماي ( كركوك ) . 4 رجل وأمرأة من بيت بغاش لم يرقا ولداً ،زودهم الربان بثلاث أقراص من " حنانا " ، فارزقهم الرب بولد وأبنتان .5- شفاء أمرأة مشلولة من " صيان " في منطقة الزيبار .6- إعادة البصر إلى عينا أمرأة من منطقة كارا ز 7- شفاء رجل من قرية "صيان " من قرحة خبيثة، أمره أن ينزل ويسبح في النهر الجاري تحت صومعته . فنال الشفاء التام . 8- شفاء رجل مؤمن من مرض ثقيل أشتد عليه حتى كادت روحه تزهق ، وكان من قرية بيث تلي ( برطلة ) . 9- شفاء قطيع كبير من ضأن من وباء أهلك منه أغناماً كثيرة . 10- شفاء أمرأة فيها نزف منذ عهد بعيد حتى كادت روحها تزهق فشفاها بصلاته . نكتفي بهذه العناوين القليلة وما لنا من الأطالة لأن عجائب القديس كثيرة جداً وفي مناطق عديدة كبراري مصر والجزيرة اليونانية التي عاش فيها أربعون سنة ، وكان القديس يخفي الكثير . ( لمعرفة المزيد من معجزاته طالع الفصل السادس من كتاب الرؤساء ) ، وقد تم ترك الكثير المعجزات لغزارتها .  وأيضاً نقول ، هذا الموجود هو القليل من الكثير من القوات العجائبية التي صنعها القديس قفريانوس ، أما الباقي فلا يعرف بها إلا القديس والرب الذي أعطاه تلك القدرات والمواهب .
موته
حان الأوان لينتقل إلى جوار ربه فأجتمع بأخوته الرهبان وقال لهم ، أني ماضي في طريق آبائي فاحترسوا على نفوسكم وعلى كل التعليم الذي قبلتموه ، ولا تغفلوا عن مواعيد الصلاة والأختلاء في صوامعكم وعن تقديم السجود والتضرعات عوض العالم وعوض نفوسكم ... لا تقضوا أيام حياتكم بالبطالة فإن ساعة الموت خفية عنكم ... فلا تبدلوا حب سيدكم بالحب الذي كفرتم به مرة قبل عهد بعيد ، لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا ثياباً زائدة عن استعمالكم ... ولما
نصحهم وحذرهم ، أمرهم بالأقتراب منه ، وشرع بتقبيلهم واحداً واحداً ويودعهم ، وأخيراً سجد متوكلاً على رأس عصاه كيعقوب ، وصلى وبارك الكنيسة وأولادها والرعاة والمدبرين لأجل الملوك والسلاطين ، ورسم اشارة الصليب المقدس على ديره ، وهكذا بينما كان فمه يشيد بمجد الله ولسانه يشكره ، مد رجليه دون ما وجع  وفتح فمه المقدس ولفظ أنفاسه .
بعد وفاته أجرى الرب أعجوبة على قبره لم يعمل مثلها في حياته ليعرف الكل أنه حي عند الرب وقريب منه ليتشفع لديه .. كانت أمراة مؤمنة من قرية (بيث ماروث ) قد حظيت بآيات هذا القديس مدة حياته ، ومنحت ابناً بصلاته وبواسطة "حنانا "أخذته منه ، فألم بولدها مرض واشتدت عليه وطأته ، ولما عرفت أنه سيموت لا محالة ، أقتدت تلك المؤمنة بأيمان الشونمية بأليشاع ، فقررت بأن تأخذه إلى مار قفريانوس الأب الروحي لأبنها ، فركبوا الأتان وأمرت خادمها أن يقودها سريعاً  ، مات أبنها في الطريق ، فنزلت وكفنته دون أن يتزعزع أيمانها , وصلت إلى الدير ودخلت بيث الشهداء وألقته عند قبر القديس وعكفت على الصلاة مثل القديسة حنة أم صموئيل وأخذت تبكي وأبكت الحاضرين ، وكانت تقول ( يا عبدالله مار قفريانوس إن الهبة التي منتحتيها في حياتك ، استعدها بموتك ...فأني لم أطلب منك جثة هامدة ....الخ ) وشاء الرحمن ، الذي أمر أن يشرق النور من الظلمة ( تك3:1 ) وقال أن كل شىء مستطاع للمؤمن ( مر 23:9) وكل ما تطلبونه بالصلاة تنالونه ( مت22:21  ) ، أن يمجد الله خادمه في موته أكثر منه في حياته ، فعادت نفس الولد إلى جسده ، ونادى والدته حسب المعتاد عندما كانوا الرهبان في صلاة الليل ، فلما لاحظت ان الولد شرع يتململ طفقت تسبح الله بصوت عالي ، فعلم الرهبان من صوتها أن الولد عاد إلى الحياة ، فقالوا ، دخلنا نحن أيضاً إلى بيت الشهداء ورأيناه جالساً قدام أمه ، ومع الحياة التي رجعت اليه استعاد صحته التامة . فأخذ الجميع يسبحون الله مدهوشين . وذاع مجد الرب بسبب ذلك في البلاد كلها . وقد قامت تلك المؤمنة بوفاء وعدها كالقديسة حنة فنذرت أبنها لله ، ولما كبر الولد أخذته إلى الدير وتركته فيه وعادت ، فتتلمذ وصار راهباً . وكانت تأتي لرؤيته كل سنة ، وتجلب له ثياباً كأم صموئيل ، فنشأ راهباً صالحاً وأنهى حياته في نفس الدير وحسب ارادة الله له المجد والوقار والسجود والولاية والتعظم ، إلى أبد الدهور . آمين
المصادر
1-   الكتاب المقدس
2-   كتاب الرؤساء – توما المرجي – تعريب ألبير أبونا
3-   منكيش بين الماضي والحاضر – دكتور عبدالله رابي
4-    مجلة الفكر المسيحي العدد ( 477-478 ) عام 2012


255

ربان صوما مبعوثاً للملك المغولي وللبطريرك الى أوربا لتحرير الأراضي المقدسة

أعداد / وردا أسحاق قلّو

ربان صوما ، راهب من بكين رحل الى بغداد مع رفيقه الراهب مرقس ( الجاثاليق مار يابالاها ) . عينه البطريرك أميناً للقلاية وزائر عام في البطريركية .

عان المسيحيون الظلم في عهد الملك أحمد بن هولاكو الذي كان ضعيف الأدارة ، قليل المعرفة ، حاقداً على البطريرك ، وكانوا المحيطين به يسيرونه كما يشاؤون ضد المسيحين ، وبسبب تحريضهم أضطهدوا المسيحيون بضراوة . وفي فترة جلوس الجاثاليق يابالاها على كرسي كنيسة المشرق النسطورية ، وصلت وشاية كاذبة الى الملك ضد البطريرك والربان صوما متهمين إياهما بأن قلبيهما هما مع الملك أرغون بن أباقا الملك وكتبا الى الخان ملك الملوك رسالة ضدك . لهذا أمر أحمد بالقاء القبض عليهما ليصبحا نزيلي السجن لفترة زادت عن الأربعين يوماً بعد أن جرد البطريرك من الأدارة الملوكية والوسام . بعد أن تجلت الحقيقة للمحكمة وكشف مضمون الرسالة التي أعيدت اليهم ،  تم أطلاقهما من السجن  فتوجه الجاثاليق الى مدينة أورمية وهناك تراءى له في حلم الليل بأنه لم يرى وجه الملك أحمد بعد ذلك اليوم . جهز أحمد جيشه وسار به الى خراسان ليقبض على الملك أرغون الذي كان يحب المسيحيين . كانت غاية أحدم قتل أرغون وذريته ، وبعدها قتل الجاثاليق ، فأنقلبت عليه الخطة لكي يسقط هو في الحفرة التي أعدها لأرغون ، فبعد أن ألتحم الجيشان تشرذمت عساكر أحمد وغالبيتها أنضمت إلى قوات أرغون ، ثم أُسِرً أحمد وقتل .

حلم البطريرك حلماً آخر وقد سبق وأن حلم أحلاماً كثيرة تم تفسيرها فكانت تطابق ما يحصل في المستقبل . في هذا الحلم وقبل أن يسمع بمقتل الملك أحمد ، تراءى له أن شاباً وسيماً يدخل عليه ، حاملاً طبقاً مغطى بمنديل ، قائلاً له : ( قم وكل الموجود في هذا الطبق ) مكشفه الجاثاليق فوجد رأس رجل مطبوخاً . بعد أنتهى من أكله ، ولم يُبقَ منه غير عظام الفكين ، سأله الشاب ، أتعلم ماذا أكلت ؟ فأجابه ، لا . فقال له ، أنه رأس الملك أحمد .

نهض الجاثاليق من نومه مذعوراً ، وبعد أيام سمع بنبأ مقتل أحمد ففرح ، ليس لموته ، بل لأستلام أرغون زمام الحكم . أرغون ملك من ملوك المغول الذين ساندوا المسيحيين وساعدهم كثيراً . وكانت منزلة مار يابالاها تسمو في عينيه ، وكان يزداد البطريرك إكراماً لديه ولدى حاشيته ، بل كان يسند المسيحيين في مملكته من كل قلبه . لهذا أراد فتح بلاد سوريا وفلسطين لغرض تحرير الأراضي المقدسة من الأستعمار العربي . لكن لا يمكنه القيام بهذه المعركة لوحده دون مساعدة ملوك الغرب المسيحيين له . طلب من البطريرك أن يرسل أليه رجلاً حكيماً ، جديراً بمهمة مبعوث إلى أولئك الملوك ، فأختار البطريرك الربان صوما لكونه متمكناً من اللغة واللباقة في الكلام فكلفه للقيام بهذه المهمة مع وفد مرافق له .

أرسله الملك مع ثلاثين فارساً ومحملاً برسائل وهدايا تليق بقداسة البابا والملوك الذين سيقابلهم . وصل صوما الى العاصمة قسطنطينية ( أسطنبول ) أولاً عن طريق البحر وقلبل ملك الروم ( أندرونيقوس ) ففرح صوماً فرحاً عظيماً ، وقال للملك عندما سأله عن حاله بسبب طريقه الطويل والشاق : حين ألتقيت ملكاً مسيحياً نسيت أتعابي ومشقاتي ، أدامك الرب زار كل الكنائس والأديرة ومنها كاتدرائية ( آية صوفيا) التي فيها ثلاثمائة وستون باباً من المرمر ، أما القبة التي فوق المذبح فلا يمكن لأنسان أن يصفها ومدى ارتفاعها وعضمتها . كما زار ذخائر القديسين هناك ، وأخيراً زار الملك بعد أن أعطى له الرسائل والهدايا ، وكذلك رد عليه الملك.

بعد ذلك غادر الى أيطاليا عنطريق البحر فوصل الى روما العظمى فدخل مع وفده كنيسة الرسولين بطرس وبولس ، وبعدها أراد مقابلة قداسة البابا ، لكن للأسف البابا قد وافاه الأجل قبل وصولهم الى روما ، فأستقبل من قبل 12 كاردينالاً وأجلسوه فيما بينهم وسألوه عن عناء الطريق الطويل ، وعن البلد الذي جاء منه وعن غايته . فأجابهم بأن ملك المغول وجاثاليق كنيسة المشرق أوفدوني لمقابلة قداسة البابا بشأن مهم يخص أورشليم وحملاني رسائل بهذا الخصوص . بعد ثلاثة أيام بادروه بأسئلة ، فقالوا له : في اية جهة تقع بلادكم ، وما الغرض من مجيئك ؟ فجاوبهم . ثم قالوا له أيم يسكن الجاثاليق ومن بشركم بالمسيحية ؟ فأجاب ، في بغداد يسكن ، ومار توما الرسول ومار أدي وماري هم الذين تلمذوا ديارنا . قالوا له ، ما منصبك : قال ، أمين القلاية ورئيس التلاميذ ، وزائر عام في البطريريكية . وفي ذات الوقت أنا موفداً من قبل ملك المغول ، كما أحيطكم علماً بأن آبائنا ذهبوا الى بلاد المغول وحتى أن عدداً من أبناء الملوك أقتبلوا العماد، وأن الملك أرغون لشدة محبته للجاثاليق ، تباحث معه حول رغبته في فتح سوريا وفلسطين ، وعليه فهو يطاب مساعدنكم لأنقاذ أورشليم ، ولهذه المهمة أختارني وأوفدني لأنني مسيحي ، ولتثقوا بوفادتي . سألوه عن معتقده ، هل ينتمي لمذهب قداسة البابا أم لغيره ؟ أجابهم : نحن في الشرق لم يأتي أحداً ألينا من البابا ، وأن الرسل الذين ذكرتهم هم تلمذونا وليومنا هذا نتمم الطقوس التي سلموها لنا . طالت أسئلتهم في هذا المجال لغاية معرفة عمق أيمانه وعن قانون الأيمان الذي يؤمن به ، فأقتنعوا بأيمانه القريب من أيمانهم .

زار كل الكنائس والأديرة والذخائر الخاصة بالقديسيين وتبارك بها بعد جولات كثيرة وبعدها قالوا له لا يمكننا نحن الكرادلة أن نعطيك الجواب على مهمتك حتى ينتخب البابا الجديد . بعدها زار ملك روما وبعدها سافر الى باريس ليقابل الملك فرنسيس الذي أرسل بأستقباله جمعاً غفيراً فأدخلوه بأبهةٍ وأجلال عظيمتن ، وبعد ثلاث أيام من أقامتهم قابلهم الملك بوقار ، قائلا لصوما : من أجل ماذا أتيت ؟ ومن الذي أرسلك ؟ أجابه الربان صوما : انا رسول الملك أرغون وجاثاليق كنيسة المشرق ، أتيت بشأن يخص أورشليم ، ثم اطاعه على كل ما أوصي به ليبلغه الى الموفد اليهم ، بعد أن أعطى له الرسائل والهدايا . رد عليه ملك فرنسا قائلاً : إذا كانت للمغول الذين لم ينتسبوا بعد الى المسيحية هذه الرغبة في أنقاذ أورشليم من أيدي العرب ، فكم يجب أن تكون رغبتنا أشد وأقوى من رغبتهم ؟ فإن شاء الرب سنخرج بقواتنا ، قال له صوما : والآن ، وبعد أن رأينا عظمة مملكتكم ، وهيبة جبروتكم بأن أعيننا ، نطلب منكم أن توصوا أبناء المدينة لكي يطلعوننا على الكنائس ومراقد وذخائر القديسين ، فأمر الملك بأطلاعهم على العجائب التي تنفرد بها فرنسا . بقي شهراً هناك وأخيراً قابل الملك وقال للراهب : أنني سأرسل معكم واحداً من كبار أمرائنا ليسلم ردنا إلى الملك أرغون ، ثم أعطاه هدايا وملابس فاخرة ، بعدها غادر صوما ووفده الى ملك أنكلترا فوصلوه بعد عشرين يوماً .

خرج أليهم الملك أدوارد وقابلهم بفرح واعطى له الربان الرسائل والهدايا التي أرسلها له الملك والجاثاليق ففرح بها الملك كثيراً . ولما تباحثا بشأن تحرير أورشليم ، أزداد فرحاً ، وقال : إننا نحن ملوك أوربا قد حملنا راية الصليب ، ولا ينغص حياتنا غير هذا الموضوع وقد أزدادت رغبتي بهذا الشأن لدى سماعي منك بأن الملك أرغون يسعى بهذا أيضاً . كتب الملك أدوارد رسالة الى الملك أرغون وقال فيها مايلي : متى تريد أن نلتقي في الأراضي المقدسة ؟

طلب من الربان صوما أن يقيم ذبيحة ألهية ، فكرس الربان صوما الأسرار بحضور الملك وعظماء مملكته وتناول الملك الأسرار من يد الربان ، بعدها أقام الملك مأدبة فاخرة على شرف الربان صوما . بعدها طلب صوما كعادته من الملك لكي يوصي من يطلعونه على ما لديهم من كنائس وذخائر القديسين . أخيراً قال له الملك أدورد ، هكذا تبلغوا الملك أرغون ، كذلك أبناء المشرق ، إن الذي رأيناه لا يضاهي شىء آخر ! إذ لا توجد في بلاد أوربا كلها عقيدتان ، بل واحدة فقط معترفين بيسوع المسيح ، وكلهم مسيحيون . اضاف الملك قائلاً للربان والوفد المرافق له ، كون الملك واحد من الذين شاركوا في حملة صليبية سابقة أيام كان شاباً . لا شىء أحب إلى قلبي من حمل الصليب مرة أخرى وأستعادة القبر المقدس .

أتجه صوما مع وفده نحو روما فمر ببلاد المادان ( ألمانيا ) وألتقى برجل فاضل وهو زائر رسولي كان في طريق إلى روما فتبادلا السلام وتعانقا بحب المسيح . قال الزائر لصوما ك أتيت إلى هنا للقاء بك إذ سمعت عنك بأنك رجل فاضل حكيم وتنوي زيارة البابا . فقال له صوما : ماذا أقول لك أيها الأخ الحبيب ؟ لقد أتيت مبعوثاً من الملك أرغون وبطريريك المشرق إلى قداسة البابا بشأن يخص أورشليم ، فهيذا قد أنقضت سنة منذ مجيئي وبابا لم ينتخب بعد ، فبماذا سأجيب المغول لدى عودتي ؟ هؤلاء المغول قوم قلوبهم أصلب من الصوان ، أنهم يرغبون تحرير المدينة المقدسة ، أما الذين تخصهم فغير مبالين ، لا بل لا يقدّرون هذه الرغبة أبداً ! فماذا أقول لهم ؟ لست أدري! قال له الزائر بالصواب تكلمت ، وعندما أعود سأنقل كلامك إلى الكرادلة وأهتم بأمر الأستعجال في أنتخاب البابا . وفي ذات يوم أرسل البابا ساعياً إلى الربان صوما ومرافقيه للمجىء إلى روما ، فوصلوا اليها وقابلوا البابا الجديد وكان نفس الأسقف الذي قابلهم في زيارتهم الأولى وأسمه ، نيقولا ( أنتخب نيقولا الرابع في شباط سنة 1288 ) .

عند وصولهم أرسل أليهم البابا جمعاً غفيراص لأستقبالهم . دخل صوما للحال على الحبر الأعظم فرآه جالساً على عرشه ، ركع الربان صوما أمامه وقبل رجليه ثم يديه ، بعدها عاد الى الوراء ويداه مضمومتا على صدره ، ثم قال لقداسته ليدم كرسيكم يا أبانا إلى الأبد . وبعد أن رأيت وجهكك أستنارت عيناي ، فلن أعود إلى بلادي كسير القلب ، فشكراً للعناية الألهية التي أهَلّتني لأتطلع على محياك . ثم أعطى لقداسته الهدايا والرسائل التي أرسلها الملك أرغون والبطريرك ، وكذلك قدم البابا له هدايا مع الرسائل الخاصة به ، كما أكرم الربان صوما أكثر من المعتاد وكان ذلك اليوم منتصف الصوم الكبير ، طلب منه البابا البقاء معهم للعيد وذلك للتعرف على عاداتهم فأجاب الربان سمعاً وطاعة ، فخصص له قداسته دراً لينزل فيه بعد ذلك طلب صوما من البابا لكي يقدم لهم هو ذبيحة ألهية كي يطلعهم على طقسهم الشرقي ، فأذن له وأجمع حشد كبير من المؤمنين ليشاهدوا كيف يكرس الأسرار في الشرق . فلما رأوا ذلك أغتبطوا وقالوا : ان اللغة فقط هي مختلفة ، أما الطقوس فواحدة ، كما حضر صوما كل المناسبات التي أقيمت في أحد السعانين وخميس الفصح وجمعة الآلام وسبت النور والفصح وتناول الأسرار من يد قداسة البابا .

بعد موسم الأعياد طاب صوما من قداسة البابا إذناً للعودة إلى دياره ، فأجابه : أننا نرغب في أن تمكث فيما بيننا ، وسنحرص عليك حرصنا لحدقات عيوننا . فشكره الربان على كل أحساناته له وقال سأبلغ الملك على كل فضائلكم ، وطلب من البابا بشىء من الذخائر الخاصة بالقديسين . فأعطاه منها قطعة من ملابس الرب ، وكذلك من غطاء الرأس الذي كانت السيدة مريم العذراء تستخدمه ، وأرسل إلى الجاثاليق تاجه الخاص المصنوع من الذهب الخالص والمرصع بالأحجار الكريمة ، ومع حلة لأقامة الذبائح الألهية حمراء اللون ومطرزة بالذهب ، مع جوربيه المرصعين بالجواهر ، بالأضافة الى نعليه وخاتم أصبعه . كما أعطاه تفويضاً من قداسته بسلطة بطريركية على أبناء المشرق ( وهذا دليل على أن لبابا روما السلطة على الشرقيين وبطاركتهم لأنه خليفة بطرس الرسول الذي سلم الرب الخراف والغنم والنعاج تحت وعيته ) ومنح الربان صوما تفويضاً بكونه هو الزائر العام على كل المسيحيين ومنحه بركته ، ثم أعطاه نفقات الطريق بلغت ألفاً وخمسمائة مثقال من الذهب الأحمر . كما أرسل بركاته للملك أرغون . وبعد ذلك عانقه وقبله ثم اطلقه . أما الربان صوما فشكر النعمة الألهية التي أهلته لكل هذه الأنعامات وعاد عام 1288م .

 وصل صوما والوفد المرافق له الى الملك أرغون مسلمه الرسائل والهدايا من قداسة البابا والملوك ، وحدثه عن الحفاوة التي استقبل بها وعن الأعاجيب التي شاهدها ، ومن عظمة وأبهة ملوك الغرب ففرح الملك أرغون وشكر قائلاً : لقد أتعبناك كثيراً وأنت المتقدم في السن ، لهذا سأبني لك كنيسة في عاصمتنا ، كما أرسل إلى الجاثاليق يابالاها وسلمت له الهدايا والرسائل و الغاية من هذا الموضوع ليست لكي نذكر ما اهده صوما من كنائس وأديرة وذخائر وأخبار لقاءاته مع الملوك ومع قداسة البابا ، بل الهدف الأول كان لكي يحث ملوك الغرب لكي يقفوا مع الملك المغولي أرغون في معركة تحرير أورشليم بعد فشل الغرب في الحروب الصليبية ، لكنهم لم يحركوا ساكناً ، بل ظل الحال كما كان .

في نفس سنة وصول الربان صوما ، وفي شهر أيلول ، ذهب أرغون لزيارة البطريرك مار يابالاها في شهر أيلول والذي كان قد عمد أبن الملك أرغون ، كما كان قد أمره بأن يتناول الأسرار المحيية , هكذا نمت كلمة الحياة وأزدهرت بشارة الأنجيل على الأرض ، وبعد ها مات الملك ومات معه الأمل في تحرير الأراضي المقدسة من أيدي الفاطميين . كانوا المسلمين يسيئون معاملة الحجاج المسيحيين للأراضي المقدسة .

أستفادت كنيسة المشرق من زيارة صوما الى البابا فكان لهذه الزيارة ثمار روحية وبداية علاقة بين الكنيستين وأخذت تنمو وتكبر ، وأستمر الجانبان بالمراسلات لأجل المزيد من التقارب والوحدة .

وأخيراً شاخ الربان صوما وطعن في السن ، وفي شهر تشرين الثاني من عام 1293م طرحته الحمى الشديدة في الفراش وأشتد عليه المرض وأزدادت آلامه وبقي على حاله حتى وصل الجاثاليق مار يابالاها أليه وبعد أن شاهده فارق الحياة وأنتقل راحلاً إلى الأقداس الأبدية ، أورشليم السماوية ، فأغتم مار يابالاها لوفاته فبكاه بكاءً مراً حتى وصل صوته عناء السناء ، وأقام له مأتماً حضره جمع غفير .

ليرحمه الله ويقيمه مع قديسيه في ملكوته الأبدي ويوَحِد كنيسته المقدسة تحت سقف واحد ، أنها جسده الطاهر وهو رأسها ، ليتمجد أسمه القدوس إلى الأبد .

 

 

المصدر

كتاب تاريخ مار يابالاها الثالث الجاثاليق والربان صوما

 

256

رسامة الراهب مرقس ميطرافوليطاً ثم بطريركاً بأسم يابالاها

أعداد/ وردا أسحاق قلّو

الراهب مرقس هو من بلاد الصين جاء الى بلاد النهرين مع صديقه الراهب صوما في زمن المغول . أختار بطريرك كنيسة المشرق الراهب مرقس لكي يرسمه مطرافوليطاً ، والمطرافوليط هو رئيس أساقفة ، أي المطران الذي يكون تحت أمرته عدة أساقفة ، ودرجته هي أقل من البطريرك ، وبأمكانه أن يرسم مطارنة وأساقفة وحتى البطريرك ، أما الأسقف فبأمكانه فقط أن يرسم الكهنة والشمامسة . كما لا يمكن للمطرافوليط أن يرسم أسقفاً أو مطراناً إلا بمعاونة أسقفين أو مطرانين .

أرتأى الجاثاليق مار دنحا أن يرسم الراهب مرقس مطراناً لكي يمنحه موهبة الرسل . فعندما أخبره بالأمر قال ، أمر سيدي هو بمثابة المسيح ، والذي لا يطيعه ، فقد عصي الأمر ، لكنه قال له هو والراهب صوما الذي قرر البطريرك أن يجعله زائراً عاماً . إننا لن نأت من بلادنا

لنعود أليها ثانيةً ، خاصتاً بعدما عانيناه من المشاق في الطريق وإننا غير مستحقين هذه العطايا . فأجاب الجاثاليق ، أنتما المؤهلان لمثل هذه العطايا وبنقاوتكما تليق الهبة . فقالا سمعاً وطاعة . قال البطريرك لمرقس ، حتى الآن لم يدع أحد من الأساقفة أو المطارين باسم مرقس لهذا قررت أن نكتب اسماء عدة ونضعها على المذبح ، وبعد ذلك نسحب واحدة منها ليكون ذلك الأسم هو البديل . ففعل وكان الأسم المختار ( يابالاها ) وتفسيره ( هبة الله أو عطية الله ) . تم رسامته بوضع يد البطريرك مار دنحا وكان المرسوم أبن خمس وثلاثين عاماً . عَيّنه راعياً لأبرشية خطي وأونغ . ثم سلمهما رسائل تفويض كل حسب مهمته . بعد أيام قلائل وردت أنباء مفادها أن الطريق الذي سلكاه الراهبين عند مجيئهما مقطوعة تماماً بسبب الخلافات بين الملوك ، ولا يمكن أن يسلكها أحد . فعاد الطوباويان الى صومعتهما التي في دير مار ميخائيل في ترعيل حيث مكثا نحو سنتين .

ذات ليلة كان مار يابالاها مستغرقاً في النوم فرأى حلماً وكأنه في داخل الكنيسة الكبرى ، وفيها صور القديسين يتوسطهما صليب . حين مد يده ليتبارك منه تمددت ذراعه ، فكلما مدّها كان طولها يزداد والصليب يرتفع الى أعلى حتى بلغ سقف الهيكل وهناك أمسك به وقبله . وعند مغادرته الكنيسة رأى أشجاراً باسقة تحمل أصنافاً مختلفة من الفاكهة . فقطف من تلك الثمار وأكل ، ثم أخذ يوّزعَ منها على الجمهور الغفير المحتشد هناك ، فأكلوا هم أيضاً . ولما أستيقظ من نومه ، كشف للربان صوما قائلاً : لقد حلمت الليلة حلماً أفزعني . قال له الربان ، قل لي ما هو حلمك ؟ فلما قص عليه الحلم ، فسره له قائلاً : إن إطالة ذراعك حين مددتها لتتبارك من الصليب ومن صور القديسين ، لهي أشارة الى إنك ستبلغ منزلة عظيمة ، كمنزلة الآباء . وأما أكلك من ثمار تلك الجنينة وأطعامك للشعب المتجمهر هناك ليأكلوا هم أيضاً ، فتفسيره هو أنك ستنعم بالنعم السماوية التي ستحل عليك وستمنحها للشعوب لتتنعم بها هي الأخرى . وفي ليلة ثانية ، شاهد مار يابالاها حلماً ثانياً ، إذ وجد نفسه متربعاً على عرش عال ومحاط بجموع غفيرة وهو يعلمهم . وكلما أطال في حديثه ، كلما تمدد لسانه ، حتى خرج بعيداً عن فمه متفرعاً الى ثلاثة فروع ، وفي رأس كل فرع شىء يشبه لهيباً من النار فتعجب الجموع المحتشدة هناك ومجدت الله . ولما استيقظ من نومه روى ما شاهده في الحلم للربان صوما ، فقال له : إن هذا ليس حلماً ، بل رؤية ، وهذا لا يختلف شيئاً عن الروح التي حلت على الرسل على شكل ألسنة من نار . كذلك سيحل عليك حقيقةً الروح القدس ، ويُعهد أليك الكرسي البطريركي لتخدمه وتُدَبر شؤونه.

أثناء حدوث تلك الرؤى لمار يابالاها كان ماردنحا حياً يرزق في بغداد ، غير أنه كان يعاني من مرض وكثيرون من الآباء والرهبان كانوا يحلمون أيضاً بمثل تلك الأحلام ، وبعد أيام قليلة ذهب مار يابالاها الى بغداد لزيارة الجاثاليق مار دنحا ليحصل منه على البيرون ( وهي القبعة التي يضعها المطران على رأسه خلال أحتفالاته الطقسية ) وكذلك على الصولجان التي يستعملها المطران داخل أبرشيته . ما أن بلغ مشارف بغداد حتى لقيه شخص فقال له ، لقد رقد الجاثاليق ، فأنتابه حزن عظيم ، وبقلب منكسر عجل في السير حتى بلغ باب الكنيسة ، فلما دخلها ، رأى جموعاً كثيرة تبكي الجاثاليق . فتقدم من المسجى وألقى بعمامته ، ومزق ثيابه وبكاه بكاءً مُراً حتى سقط على الأرض مغشياً عليه . وبعد ساعة أستفاق فعمروه عمامته وطيبوا خاطره . وبأنتهاء الصلاة دفن مار دنحا .

في اليوم التالي اجتمع الآباء لأنتخاب شخص جدير ليرتقي السدة البطريركية ، وكان الحاضرون : مطران عيلام رئيساً ، ومطران الصين ومطران طيرهان ( قرب السامراء ) ومطران الطورانيين والمطرافوليط مار يابالاها ، ومعهم أشراف ووجهاء وفقهاء وأطباء بغداد . أستقرالأنتخاب على شخص مار يابالاها ، وكان سبب أنتخابه هو أن الملوك القابضين على ناصية الحكم في بلاد النهرين كانوا مغولاً ، ولا أحد سوى مار يابالاها يعرف طبائعهم وعاداتهم ولغتهم . ولما أبلغوه أعترض معللاً بأنه أنسان ضعيف الأرادة ، قليل المعرفة بالتعاليم الكنسية ، وليس طليق اللسان ولا يعرف حتى الكلدانية والتي يحتاجها في كل الأمور . لكنهم أزدادوا ألحاحاً فأذعن لرغبتهم ، فقدم له الخضوع كل الآباء ووجهاء وأشراف بغداد . ذهب الى دير ما ميخائيل فاستقبله الرهبان وواسوه لوفاة البطريرك وأخبر الربان صوما بأنتخابه ، فقال له : أنها الأرادة الألهية فلا يمكنك الأعتراض . فلنذهب الى الملك أباقا فإذا طاب له سنأخذ منه التفويض لك . ذهبوا مع الآباء الأساقفة الى الملك في أذوربيجان الفارسية ودخلوا الى الملك وأخبروه بوفاة الجاثاليق ، وقترحوا له أن بفوضوا المطران مار يابالاها ليأخذ مكانه ، هذا الذي كان قد جاء من الشرق لزيارة أورشليم . فبماذا يأمر الملك ؟ فأجاب : أن نقاوة الأفكار والنيات ، لأمر يدعوا الى العجب ! وإن الله لناصر الذين يحبونه ويعملون بحسب أرادته ، أنها مشيئة الله ونحن نتمم مشيئته وتلبيةً لرغبة المسيحيين نقول : ليتبوأ هو الكرسي ويكون رئيساً عليهم ثم أمسك بيد مار يابالاها قائلاً له : تشجع ودبر شعبك ، وأن الله سيأخذ بيدك، ثم أخذ العمامة الملقاة على كتفي الجاثاليق ، وعمّرَ بها رأس مار يابالاها ، ثم اهدى له عرشه الخاص والمغطى بفرو حيوان حديث الولادة وأعطاه وساما من ذهب وهدايا أخرى كثيرة مع الختم الكبير الذي كان للجثالقة أسلافه مع صرف مبالغ مالية كثيرة التي يحتلجها في مراسيم الرسامة . وبعد ذلك عادوا الى بغداد ومنها الى الكنيسة الكبرى ، كنيسة كوخي . وهناك نال وضع الأيدي فجلس على كرسي ساليق وقسطيفون .

صلواته وشفاعته تكون معنا جميعاً

 
المصدر

   تاريخ مار يابالاها الثالث الجاثاليق والربان صوما . تعريب الشماس خيري فومية

257
 

راهبان من الصين في رحلة إلى بلاد النهرين

أعداد / وردا أسحاق عيسى

بعد نشرنا للمقال ( بداية العلاقة بين كنيسة المشرق وبابا روما عام 1288 ) سنستمر بنشر معلومات أخرى عن الراهبان صوما ومرقس (الجاثاليق مار يابالاها لاحقاً ) لمعرفة المزيد من المعلومات التفصيلية عنهما.

ولد الربان صوما في مدينة ( خان – باليغ ) أي الصين عاصمة مملكة الشرق من أبوين مسيحيين تقيين طعنا في السن دون أن ينجبوا من يرثهما، واضبا في التضرع الى الله لكي يكرمهما بذرية فيعزيان . سمع الله صلاتهما فترحم عليهما وأستجاب فحبلت المرأة ثم وضعت أبناً سمياه صوما ، أعتنيا بتربيته عناية فائقة ونال النعم عند معلم ماهر وهذباه في تعليم الكنيسة ، ثم تأهل لنيل درجة الكهنوت فأرتقى الدرجات الدينية حتى أصبح قنكايا ( ساعور ) كنيسة بكين . كان متواضعاً ومتقداً بنار الأيمان التي كانت تحرق قلبه والتي طهرت نفسه النقية من كل دنس لهذا أحب الله فوق كل شىء وبدأ حياة التقشف فأمتنع عن أكل الزفرين وشرب الخمور . لكن عندما علم أبواه برغبته أغتنما غماً لا يوصف لأنهما أرادا منه الزواج . فقالوا له أيرضيك أن يرثنا الغرباء ؟ لكنه واظب في طريق الجهاد الروحي لينل المزيد من الفضائل . أقتنع والديه بأنه لم يتمم رغبتهما فتركاه وشأنه . فوزع كل ما كان يملك من الملابس والمقتنيات على الفقراء . ثم أقتبل الأسكيم الرهباني ، فحلق رأسه لكي يعمل في كرم الرب ، فأنزوى في صومعته وحبس نفسه لمدة سبع سنين ، وبعدها غادر بعيداً عن الناس ولمسافة يوم واحد فوجد مغارة على مقربة منها نبع ماء ، فشكر الله على نعمته التي أهلته لهذا الهدف فسكن هناك في خلوةٍ وهدوء ، لكن خبره أنتشر في تلك الأصقاع فتهاتفت الجموع لزيارته وكانت تكرمه غاية التكريم . جاء اليه شاباً يدعى مرقس فألقى عليه السلام ( الجاثاليق يابالاها لاحقاً ) ، فحياه وسر به واستقبله بفرح , وبعدها سأله عن أصله وعشيرته فأخبره أنه جاء من مدينة ( كوشنغ ) وقد استغرق في مجيئه خمسة عشر يوماً ، قال له ، ولما بلغني صيتك ، تركت كل شىء وقصدتك ، فلا تخيبني وتضع عوائق لتقضي على رغبتي . قال له صوما : يا أخاه ! إن هذا الطريق صعب للغاية ، لا يكاد يتحمل الشيوخ صعابه ، فكيف يمكن لشاب مثلك بلوغه ؟ وألح عليه الربان صوما لكي يعود الى أهله فلم يقتنع مرقس ، حينذاك دعاه الربان والبسه رداءً من الصوف ، ثم أخذ يختبره ، وبعد ثلاث سنين ، حلق شعر رأسه ، وأقتبل الأسكيم من يد مار نسطوريوس رئيس الأساقفة ، فأخذ يمارس الزهد والتقشف والإنقطاع عن تناول الطعام حتى المساء ، فجدّ الرهبان في ذلك الجبل بأعمال الطهارة والقداسة فعزاهما الله الذي كرسا له ذاتيهما .
أرتأيا يوماً ترك صومعتهما والتوجه نحو الغرب لزيارة أورشليم المقدسة . فوزعا كل ما لديهما على الفقراء ، فلما عرف الناس بنيتهما أحاطوا بهما ليثنوهما عن عزمهما قائلين : الطريق بعيد وملىء بالمخاطر فلا تستطيعا الوصول الى هناك أبداً . قالوا أننا كفرنا بالعالم ، فأعتبرونا ميتين عنه ، فلا التعب يفزعنا ولا الخوف يرهبنا . فقط صلوا لأجلنا محبتاً بالمسيح .  وصلَ الخبر الى أمير المدينة التي كانوا فيها فحاول أبقائهما وأقناعهما بأنهم يسعون في طلب الرهبان والأساقفة من الغرب ليأتوا الى ديارنا( الغرب يعنى به بلاد  النهرين ) فكيف ندعكما ترحلان عنا ؟ لكن الراهبان لن ينثنيا عن عزمهما ، فأقتنع الأمير وخصص لهما هدايا من ذهب وفضة وملابس ودواباً للتنقل وودِعا بالبكاء الممزوج بفرح .

وصلا الى خراسان في بلاد فارس ونالا بركة أسقف المدينة ، ومن هناك ذهبا الى أذوربيجان وبعدها أرادا الأنتقال الى بغداد ليقابلا الجاثاليق مار دنحا . لكن صادف بأنه كان موجوداً في مراغة الفارسية فلقياه هناك وزادت فرحتهما وأطمأنت سريرتهما وهدأت أفكارهما بلقياه كأنهما يشاهدان المسيح في شخص البطريرك مار دنحا ، ثم قالا له كثيرة هي مراحم الرب علينا . سألهما عن الجهة التي قدموا منها فأجاباه قائلين ، من بكين مدينة الخان ملك الملوك ، أتينا للتبرك معكم وإذا وجدنا فرصة وترحم الله علينا ، فإننا مزمعان زيارة أورشليم المقدسة . . أستأذنوا من البطريرك لكي يسافروا الى بغداد للتبرك من ذخائر مار أدي والآباء ومن ثم الى مناطق أخرى ، فقال أذهبا يا أبناي والمسيح الإله يمنحكما طلباتكما الى الكنيسة الكبرى ( كنيسة كوخي العظيمة ) ثم الى دير مار ماري الرسول وتباركا من الذخائر التي في تلك الديار . وبعد عودتهما ذهبا الى باجرمي للتبرك بذخائر مار حزقيال ، ومن هناك دخلا مدينة أربيل التي كان كل سكانها مسيحيين وفيها أربع كنائس ، وبعد ذلك سافرا الى الموصل وسنجار فنصيبين وماردين في تركيا وتباركا بذخائر مارأوجين . ثم قصدا جزيرة بازبدى ، ثم الى دير مار ميخائيل في منطقة حلب السورية وقد أبتاعا لهما قلاية فاستقبلهما الرهبان هناك بفرح فارتاحت أفكارهما المرهقة من مشاق الطريق الطويل .

لما سمع الجاثاليق مار دنحا بأنهما رتبا أمر أقامتهما في دير مار ميخائيل أرسل في طلبهما فقاما وذهبا عنده للحال وطلب منهما الأقامة معه لكي تعم فائدتهم على الجميع ( المقصود هنا لأستخدامهما كوسطاء مع ملوك المغول ). فقالا له ، ما يأمرنا به أبونا أياه نعمل . فقال لهما أذهبا الى الملك أباقا لتحصلا على المنشور منه ( أباقا الملك هو أبن الملك هولاكو من مملكة المغول ) قالا له ( سمعاً وطاعة ) . السبب الذي دفع البطريرك لأرسالهما الى الملك لأنهم يعرفون لغته لكونهم من تلك البلدان فينالوا منهم التقدير والأحترام  . فلما وصلا الى الملك سألهما عن بلدهما وعن غايتهما . فكشفا له عن جميع نواياهما ، عندئذ أمر الملك وزراءه تلبية جميع طلباتهما وأن يعطوا لهما المنشور المطلوب . فأرسلا المنشور الى الجاثاليق مع المرافق الذي أرسله البطريرك معهم ، أما هم فأنطلقا نحو أورشليم ، الهدف الذي جاءا من أجله . وصلا مدينة أنيمطو أو ( آني ) والتي كانت عاصمة مملكة أرمينيا ، أندهشا بعظمة بناء كنائسها وأديرتها وجمال هندستها . ثم دخلا جورجيا . ليسلكا منها طريقاً سهلاً . وما إن بلغا تلك المناطق حتى بُلِغا من أهالي تلك المناطق بأن الطرق مقطوعة الى أورشليم بسبب السلب والأقتتال الدائر هناك . رحلتهما الى جورجيا ومنها الى أورشليم ليسلكا طريقاً سهلاً وآمناً ، لكن لنسأل ونقول ، لماذا أتجهوا نحو الشمال ومنها نحو الشرق لزيارة أورشليم . فهل أخطأ النساخ بأستنساخهم كلمة جورجيا ؟ أم ليس المقصود جورجيا الحالية ؟ ولماذا لم يقتدوا طريق غرب بغداد الى الأراضي المقدسة كما فعل المجوس في زيارتهما للرب المولود ، أم هذا الطريق كان مغلقاً ؟

قرروا العودة الى الجاثاليق لأنهم قالوا إن الفرصة غير مناسبة بسبب أحداث الطرق لزيارة أورشليم . ففرح الجاثاليق مار دنحا بعودتهما كثيراً .

سنواصل في كتابة سيرتهما في مقالات لاحقة .

المصدر

كتاب تاريخ مار ياهبالاها الثالث الجاثاليق والربان صوما

 

258
بداية العلاقة بين كنيسة المشرق و بابا روما عام 1288

بقلم / وردا أسحاق قلّو
وندزور – كندا


http://www.m5zn.com/newuploads/2018/11/10/jpg//m5zn_93df6c902dfcbc4.jpg
الكنيسة التي أسسها يسوع هي كنيسة واحدة موحدة في الجسد والروح ، ولها رب واحد هو رأسها ، وأيمان واحد ، ومعمودية واحدة ( أف 4:4-5 ) وبهذا تعترف كل الكنائس التي تتلو قانون الأيمان النيقي . الشيطان وحده هو عدو الكنيسة ، وهو الذي يحرك بعض الرؤساء وكبار اللاهوتيين بزرع الهرطقات في عقولهم من أجل تقسيم كنيسة الرب . أما الرب يسوع فأسسها واحدة ، ويريد أن تحافظ على وحدتها ، فطلب من الله الآب بأن يحفظ جميع المؤمنين به في كيانٍ واحد موحد ، فقال ( لا أدعو لهم وحدهم بل أدعوا أيضاً للذين يؤمنون بي عن كلامهم فليكونوا جميعهم واحداً كما أنك فيّ ، يا أبتِ ، وأنا فيك فليكونوا هم أيضاً فينا ليؤمن العالم بأنك أنت أرسلتني ) " يو 17: 20-21 " . فالكنيسة يجب أن تكون واحدة ، لأنها جسد واحد ، ورأس هذا الجسد هو الرب يسوع وحده ( طالع أف5 ) .
علينا الآن أن نبحث عن وحدة كنيسة المشرق المنشطرة إلى عدة كنائس وبطريركيات ، وعقائد . وعن السبل الكفيلة لوحدتها مع بعضها أولاً ، ومع كنيسة روما  ثانياً .
http://www.m5zn.com/newuploads/2018/11/10/jpg//m5zn_df19701c7c9e89c.jpg
نقرأ في تاريخ كنيستنا المشرقية بأن أول أتصال بين الكنيستين ( كنيسة المشرق والكنيسة الكاثوليكية في روما ) كان قبل زيارة البطريرك مار يوحنا سولاقا الى روما مع بعض رجال الأكليروس الذين عارضوا سياسة توريث كرسي البطركية في كنيسة المشرق في بلاد النهرين ، والذي تولى كرسي البطريركية في فترة ما بين ( 1553-1555) وأختيل في العمادية بسبب معارضيه الذين أنشق من كنيستهم ليصبح أول شهيد في كنيسة المشرق الكاثوليكية .
فمتى كان أول أتصال بين الكنيستين الشرقية والغربية ؟ كانت كنيسة المشرق مستقلة عن باقي الكنائس الواقعة الى الغرب من بلاد النهرين ، وخاصة عن كنيسة روما البعيدة ، وذلك لموقعها الجغرافي والسياسي ، لأن بلاد ما بين النهرين التي كان فيها كرسي البطريرك الذي كان يقود كل كنائس بلدان المشرق وصولاً الى الصين . كان يحكم أرض بلاد النهرين وبلاد فارس سياسياً منذ بداية المسيحية حكومة الأمبراطورية الفارسية التي كانت تعادي الأمبراطورية الرومانية ، فكانت حدود بلاد النهرين الغربية الحد الفاصل بين الأمبراطوريتين ، فالسلطات الفارسية كانت تعتبر كل علاقة بين الكنيستين تعاون مع الطرف المعادي . وبعد مجيء الأسلام أستمرت العلاقات المقطوعة الى زمن الجاثاليق مار يابالاها في زمن هولاكو وعائلته ، فبدأ بأرسال أول مبعوث الى بابا روما في أيفاد خاص من قبل الملك المغولي أرغون الذي أراد تحرير الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين لصالحه ولمصلحة المسيحيين الذي كان يسندهم في فترة ولايته . البطريرك مار يابالاها القادم من بلاد الصين والمرسوم بطريرك على كرسي كنيسة المشرق في بلاد النهرين أنتهز تلك الفرصة التاريخية الثمينة لكي يقترب من الكرسي البابوي ومن ثم توحيد الكنيستين . أختيرالأب الراهب برصوما صديق البطريرك القادم معه من الصين وأصلهم من مدينة بكين  . أستجاب الراهب برصوما لهذا الطلب ، وقال : أنا مشتاق جداً لمثل هذه المهمة وراغبها . فكتب الملك أرغون رسائل ووصايا ومراسيم أمبراطورية للملوك الغرب والى بابا روما . أضافة إلى رسائل البطريرك ما يابالاها الى البابا .
وصل الراهب برصوما الى روما في سنة وفاة البابا هونوريوس الرابع الذي توفي في 3 نيسان 1287 م ، فأخذ صوما يتجول مع الوفد المرافق له في بلدان أوربا لمقابلة ملوكها مع تزويدهم بالرسائل التي ارسلت لهم من قبل الملك أرغون ملك المغول ومن الجاثاليق مار يابالاها ، فأستقبلوه في روما أثنا عشر كاردينالاً وسألوه عن بلاده وعن الغاية من زيارته ، وعن الرسل الذين بشروا بلاده بالمسيحية ، وعلى مذهبه . بعد الأجابة طلبوا منه بأن يعرض لهم صورة عن أيمانه ومعتقده ، فقال لهم : ( أؤمن بإله واحد غير منظور ، أزلي ، لا بداية له ولا نهاية ، الآب والأبن والروح القدس . ثلاثة أقانيم متساوية وغير منفصلة ، لا يوجد بينهم من هو الأقدم ولا الآخر . لا طفل ولا شيخ . وهم في طبيعة واحدة وجوهر واحد ، ، بثلاثة أقانيم ، الآب الوالد ، أبن مولود ، وروح منبثق . وفي ملء الزمان . واحد من الأقانيم الثالوث الأقدس ، الأبن ، لبس أنساناً كاملاً ، يسوع المسيح أبن مريم البتول القديسة ، وأتحد به فأصبح شخصاً واحداً ، وبه خلص العالمين بلاهوته الأزلي من الآب ، وفي ناسوته الزمني ولد من مريم . إتحاد لا ينفصل ولا يتجزأ مدى الدهور . إتحاد غير ممزوج ولا مخلوط ولا مركب . وإن هذا الإبن المتحد هو إله كامل ، وإنسان كامل بطبيعتين وإقنومين ، شخص واحد ) .
بعدها جرت محاورة بينهما عن الأيمان فلم يقتنعوا بكل أجاباته لأنه لم يكن يعرف بما ورد في بعض المجامع المسكونية بدقة ، لكنهم أحترموه لفصاحة كلامه . في شباط من سنة 1288م أنتخب البابا نيقولا الرابع على كرسي مار بطرس فأرسل مطراناً وجمعاً غفيراً لأستقبال الربان صوما القادم من البلدان الأوربية بعد زيارته لها مع الوفد المرافق له . بعد أيام أذن له البابا بأقامة ذبيحة ألهية ليشاهد كيف تكرس الأسرار المقدسة لدى كنيسة المشرق . فلما رأوا ذلك أغتبطوا وقالوا : أن اللغة فقط هي المختلفة ، أما الطقوس فهي واحدة ، وكان ذلك اليوم الأحد السادس بعد الصوم الكبير . وبعد ذلك أعترف عند قداسة البابا ، وتناول القربان من يد البابا نيقولا الرابع ، ونال مغفرة الخطايا . أرسل قداسة البابا نيقولا الرابع هدايا كثيرة إلى البطريرك مار يابالاها منها التاج والخاتم وبدلة القداس وغيرها .
بعد هذه الزيارة استمر تبادل الرسائل بين البابا ومار يابالاها ، كما أرسل البابا عدداً من الرهبان الفرنسيكان ولأول مرة الى كنيسة المشرق لتبدأ العلاقات بين الكنيستين نحو الوحدة ، حيث بدأت تلك الوفود البابوية تثقف الأكليروس في كنيسة المشرق التي سمعت روما بوجوها مؤخراً ، فبدأت ثمار روحية تكبر وتنمو . وهكذا استمرت المراسلات في زمن البابا اللاحق مار بندكتس الحادي عشر التي حملها له الأخ يعقوب الدومنيكي سنة 1304م . وهذا جزء من نص رسالة البطريرك مار يابالاها الى قداسة البابا :
بأسم الأب والأبن والروح القدس
الى الأب الأقدس مار بندكتس

من يابالاها الغريب القادم من بلاد بعيدة ، الذي بنعمة ربنا يسوع المسيح أختير ليكون جاثليقاً وبطريركاً للمشرق كله ، راجياً قداستكم منحنا بركاتكم ومحبتكم ، وينحني أمامكم بسلام متواضع بمراحم ربنا يسوع المسيح.
الى الأب الممتلىء قداسة ، والصالح المملوء من الهبات الروحانية ، الى وكيل ربنا يسوع المسيح ورئيس الديانة المسيحية ، والجالس على كرسي الطوباوي بطرس الرسول راعينا ورئيسنا . الى أب الآباء ، الى ملك الملوك الفائق القداسة ، البابا بندكتس ، الذي ألبسه الله بدلة القداسة والوقار والهيبة ليحفظ الله بصلواتكم ، من الأضرار والضيقات والأضطهاد جميع الذين اقتبلوا رمز الصليب وسموا به بين أعينهم . تعلم قداستكم بأن الراهب المؤمن والقديس يعقوب من جمعية القديس عبدالأحد ، سدد الله خطاه في الطريق التي اختارها ، وليثبته فيها ، قد اتانا وأعلمنا بأن الله الكلي القدرة ، الذي وهب قداستكم أعانه الله وحفظه ، النعمة التي هي أكبر من كل النعم والتي هي الكرسي الأول والعرش الرسولي ، أي أب عام لكل المطارين الذي درجته البابوية هي فوق كل الدرجات التي في الكنيسة الرسولية الكاثوليكية . هذا هو أيماننا بيسوع ربنا ، إذ نؤمن بأنه إله كامل وإنسان كامل بشخص واحد . كامل بالآب وكامل بوالدته ، نؤمن بأن مريم أمنا هي قديسة بتول حبلت وولدت إلهنا وربنا يسوع المسيح الأنسان الكامل والمتحد بإله كامل .... إلخ .

وكانت العلاقات في عهد مار يابالاها بين الكنيستين اللاتينية والنسطورية وكأنها واحدة . وفي تلك الرسائل يعترف البطريرك بسلطة البابا ، والبابا بسلطة الجاثاليق . وهكذا بيَّنَ البطريرك النسطوري عن رغبته في الوحدة وبكل صراحة . كما أرسل رسالة أخرى الى البابا بندكتس عام 1304 م عثر عليها الكاردينال تيسران في خزانة ( أرشيف ) الفاتيكان وفيها يوافق مار يابالاها الثالث على مقترحات الأتحاد بين الكنيستين ويبرز فيها قانون أيمانه الكاثوليكي ، وقد أملأه عليه من دون ريب يعقوب ده آرلس سود تيش رئيس دير مراغا ، مع ذلك يعترف البطريرك وبصراحة بضعف سلطته على أساقفته ليجتذبهم الى الأتحاد ، رغم جهوده ، يرفض النساطرة في أغلبيتها الأنضمام الى الكنيسة الكاثوليكية ، وهذا ما يحصل اليوم أيضاً ، بأن المشكلة ليست في البطريرك ، بل في الأساقفة المعارضين لهذه الوحدة . 
أعمال المجمع الذي عقده مار طيمثاوس الثاني الذي خلف مار يابالاها في عام 1318م تشجب المجمع جميع الأتصالات التي جرت بين الكنيستين . وهكذا أسدل الستار للأسف الشديد على كل ما تم أنجازه نتيجة تلك الأتصالات والتي كان يأمل بها مار يابالاها التقرب من روما وتوحيد الكنيستين  فقطعت العلاقة من قبل البطريرك مار طيمثاوس الثاني وأنقطعت المراسلات وكل الأتصالات فاجهضت كل تلك المحاولات التي كان يأمل به سلفه التقرب من كنيسة روما من أجل توحيد كنيسة الرب يسوع . والى زمن مجىء البطريرك مار يوحنا سولاقا الذي تحدى المعارضين لكي يوحد كنيسة المشرق مع كنيسة روما ونال أكليل الشهادة بسبب تلك الوحدة  .
 كما حاول البطريرك مار نخا الرابع لتوحيد الجزء الباقي من كنيسة المشرق مع الكنيسة الكاثوليكية في عهد بطريرك الكنيسة الكلدانية مار روفائيل بيداويد فقابل بابا روما وتم الأتفاق على معظم البنود الرئيسة لكن أيضاً أجهض ذلك الأتفاق من قبل معارضين من تلك الكنيسة رغم رغبة بطريركهم في تلك الفترة للوحدة قائلاً بأن المسيح يريد ان تكون كنيسته واحدة. أما في زمن البطريرك مار لويس ساكو الذي حاول منذ أول سنة لجلوسه على كرسي البطريركية الكلدانية بأن يكون موضوع توحيد كنيسة المشرق في مقدمة أعماله فذهب الى الجاثاليق مار دنخا الرابع مع وفد من المطارنة الى شيكاغو لتنشيط تلك العلاقة التي بدأوا بها من أجل وحدة الكنيسة وحتى وإن كلفته تلك الوحدة النزول من عرش البطريركية ، لكن للأسف طلب منه توحيد القومية أولاً ، وهذا الشرط لاعلاقة له بالأيمان ، علماً في كنيسة المشرق الآشورية مؤمنين من قوميات أخرى كالهنود . أجل هذا ما طرحه أحد مطارنة مار دنخا . وهكذا كان مار يابالاها أيضاً يعاني من بعض أساقفته ، فقد أعترف بكل صراحة بضعف سلطته على أساقفته ليجتذبهم الى الأتحاد رغم جهوده . وتبين لاحقاً بأن أحد معارضيه كان خلفه مار طيمثاوس الثاني .
وهذه الأيام أيضاً بدأ الحديث ومحاولات التقارب بين الكنيستين الشقيقيتين الكلدانية والآشورية بتجديد المحاولات من أجل كنيسة مشرقية واحدة أولاً ومن ثم توحيدها مع كنيسة الغرب . فنقرأ هذه الأيام عن تجديد البطريرك مار لويس ساكو لمحاولة التقارب والوحدة التي باتت ضرورية للحفاظ على كياننا اليوم ، فاستغل مناسبة ذكرى ال ( 700 ) لوفاة اللاهوتي المشرقي الكبير ( عبديشوع الصوباوي النصيبيني ) لكي يدفع عجلة الوحدة نحو الأمام مع كل أطياف كنيسة المشرق . للمزيد طالع هذا الرابط.

http://saint-adday.com/?p=26604&fbclid=IwAR2Rm4wfmIo6nin-VXDC9gopHIDNEG5mVse_hTCFJQ59wOqjZ01oxYX0bxY
كذلك الجاثليق مار كيوركيس صليو الثالث بطريرك كنيسة المشرق الآشورية بدوره زار قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان وألتقيا يوم الجمعة 9 تشرين الثاني 2018 على مائدة واحدة في القصر الرسولي في الفاتيكان ، وأشار إلى عمل اللجان المشتركة بين الطرفين من أجل التخطي نحو الوحدة ،  وسبق وأن ألتقيا قبل عامين أيضاً . للمزيد طالع الرابط التالي
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=913052.0


نطلب بصلواتنا المرفوعة كل عام من أجل الوحدة ، أن تتوحد كنيسة المشرق وكل الكنائس في العالم لتصبح كنيسة واحدة ، وهكذا يتم الفرح في السماء والأرض ويتمجد أسم الرب يسوع .
 
المصادر
1-   تاريخ كنيسة المشرق للأب د. يوسف حبي
2-   تاريخ كنيسة المشرق للأب ألبير ابونا
3-   تاريخ مار يابالاها الثالث الجاثاليق والربان صوما . تعريب الشماس خيري فومية
4-   رسالة البطريرك مار ساكو التالية

http://saint-adday.com/?p=26604&fbclid=IwAR2Rm4wfmIo6nin-VXDC9gopHIDNEG5mVse_hTCFJQ59wOqjZ01oxYX0bxY
5-   لقاء قداسة البابا مار فرنسيس مع الجاثليق مار كيوركيس الثالث بطريرك كنيسة المشرق الآشورية .
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=913052.0





259
تجسد الله الكلمة في المادة

بقلم / وردا أسحاق قلّو
وندزر – كندا


 ( وأما ما أقترن بالرب ، فصار وأياه روحاً واحدة ) " 1 قور17:6"                                     

نبدأ أولاً بقراءة تاريخ الكون لنلتمس منه وجود الله في عمق المادة التي خلقها بكلمةٍ منه . فمتى بدأ تجسد الله في الخليقة ؟
نستطيع أن نقول بأن التجسد بدأ من الذرة الأولى التي خلقها الله . ففي الأنفجار الكوني العظيم بدأت الخطوة الأولى في التجسد ، لأن الله كان يعمل في ذلك التكوين ويخلقه بكلمةٍ منه ، والكلمة هو المسيح الموجود منذ البداية  وكما نفهمه من أول آية من أنجيل يوحنا ، وكذلك دوَّنَ لنا في الآية الأولى  من رسالته الأولى ( ذاك الذّي كانَ منذ البدء ، ذاكَ الّذي سَمعناه ، ذاكَ الّذي رأيناهُ بِعينَينا ، ذاكَ الّذي لمسته يَدانا مِن كلمةِ الحَياة )
وكذلك نقرأ في أول آية أيضاً من سفر التكوين ( في البدءِ خلق الله السموات والأرض ) ، فلا يمكن أن ندرك عملية تطور الخليقة إلا بموجب هذا الوجود الفعال الذي جعل المخلوقات تتطور . كان لله حضوراً في كل شىء ، كما علينا التركيز على ( الكلمة) ووجوده في عملية الخلق ، أنه المسيح الذي نؤمن به بأنه الأول والآخر . كان حياً وسيزل ، والكون كان يحمل وجوده منذ البدء ، أي كان حاضراً منذ بدء العالم . وبعد أن خلق الله الأنسان ظهر له في جنة عدن فزار آدم ساعة نسيم المساء " تك 3:2" كما ظهر الله الكلمة مع ضيقين غامضَين زاروا أبراهيم وشاركوه في الطعام على مدخل الخيمة " تك 18:8" وكذلك تجسد في هيئة ملاك لكي يقاتل يعقوب الذي حاربه بقوة وفرض عليه يعقوب شروطه لكي يباركه " تك 32" إنه شرك النار ، حيث السحابة المعتمة أو المضيئة التي كانت تصاحب الشعب العبري في رحلاته ، كان رمزاً للتجسد وحضور الله بينهم " خر 21:13" وكذلك تجسد لموسى في صورة عليقة مشتعلة . في كل هذه الحالات كان الرب يظهر بنفسه ، ويختفي في الوقت نفسه ، وهكذا كان يتجسد بحضوره في خيمة المعبد التي كانت ترمز إلى بيت الله .
وفي هيكل سليمان عند أفتتاحه ظهر كسحابةٍ ملأ المكان كله ، لأن الله لا تسعه المعابد والبيوت ( فأنه هل يسكن الله حقاً على الأرض ؟ إن السموات وسموات السموات لا تسعك ، فكيف يسعك هذا البيت الذي بنيته ؟ ) " 1مل 28:8 " فالرب يقول ( السماء عرشي والأرض موطيء قدمي ، فأي بيت تشيدون لي ؟ ) " أش 1:66" . وهكذا كان وجود الله الكلمة في تابوت العهد رمزاً ، والتابوت كان رمزاً للعذراء التي حملت الكلمة في أحشائها ، بل حملت أول قربانة حقيقية لمدة تسعة أشهر . مريم كانت بيت القربان ، وفيها تجسد الكلمة تجسداً حقيقياً ، ومنها أخذ له جسداً بشرياً فبدأ تجسد الله لكي يظهر بين الناس ويعلمهم طريق الملكوت فتقدس العالم به . كما أراد الله أن يتجسد بثالوثه على جبل التجلي أمام تلاميذه ليعرفوه على حقيقته قبل أن يقدم الكلمة ذاته ذبيحة مرضية لله الآب على الصليب . قبل موته أراد أن يقدم جسده ودمه لتلاميذه في العلية على شكل خبز وخمر ، لأنه لا يمكن أن يعطي جسده الحقيقي ودمه الحقيقي لكل الأجيال ، فمَثَل الجسد بالخبز ، والدم بالخمر . وهذا  يعني حرفياً تحول الجوهر ، أو بتعبير آخر ، الخبز والنبيذ اللذَين ليسا إلا طعاماً مادياً أصبحا على أثر تقديسه لها عاملين لوجوده الحقيقي ، أي حدث تحول للجوهر فتحول من جوهرِ إلى جوهر . وهكذا يحدث عندما يرد الكاهن في القداس الإلهي نفس الكلمات على الخبز والخمر لكي يهبط عليها الروح القدس فيحولها إلى جسد ودم المسيح وليس إلى رمزهما .
نعم المادة تبقى كما هي في بنائها الذري والجزئي إذا ما تم تحليلها مختبرياً بعد التقديس . أي الخبز سيبقى خبزاً ، والخمر كذلك . من الناحية الطبيعية والكيمياوية . أما الجوهر فإنه يقف في مستوى آخر والذي يختص بمظهر هذه الحقيقة غير المادي . قبل التقديس لم يكن للخبز والخمر إلا طعاماً عادياً ، لكن بعد التقديس تغيّرَت بحسب غاية المسيح وبكلمات الكاهن إلى الجوهر ، إلى جسد المسيح نفسه ودعامة حضوره الحقيقي . هنا كل شىء يتم على مستوى الحواس .. والنية .. ومن هنا نفهم نحن المؤمنين معنى الوجود الحقيقي للرب المتجسد في القربان فلا نتجرأ بتدنيس ذلك الخبز أو الخمر عمداً لأننا نعلم بأننا سنصيب المسيح نفسه في الصميم لكوننا نعلم بأن الرب حاضر في الأفخارستيا حضوراً حقيقياً . وهذا ما نسميه منهج الأيمان بالحضور الحقيقي للمسيح في الأفخارستيا . كذلك يهين الرب الذي يتناول جسده ودمه بدون أستحقاق ، أو لكونه لا يرى فيه جسد الرب المتجسد وكما يقول الرسول ( فمن أكل خبز الرب أو شرب كأسه ولم يكن أهلاً لهما فقد جنى على جسد الرب ودمِه ) " 1 قور 27:11 " كذلك طالع الآية "29 " .
 من يأكل جسد المسيح ويشرب من دمه يشترك في آلوهته وحسب الآية ( من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيّ وثبتُّ فيه ) " يو 56:6" وهكذا يحصل الأنسان إلى مرتبة الآلوهية ، فالقربان هو ثمرة الحياة عكس ثمرة شجرة معرفة الخير والشر التي أوقع المجرب الأبوين بها بقوله ، إن أكلتم من ثمارها ستصبحون آلهة . علماً بأن الشجرة الأولى كانت ترمز إلى الشجرة الثانية أي المسيح ، وبالمسيح نشترك في الآلوهة  الحيقية .
الأفخارستيا نعمة إلهية مجانية في متناول كل مؤمن يريد ، والجميع مدعويين إلى تلك الوليمة وبدون مقابل  فالمسيحية في سر الأفخارستيا هي فوق كل المعتقدات لأن المسيحية هي الدين الوحيد الذي يسعى إلى تأليه الأنسان لكي يصبح سامياً ومتواضعاً ومحباً للجميع ، وهكذا تجمع المسيحية بين القمة الشاهقة والتواضع العميق ، لهذا قال الرسول بطرس في رسالته الثانية " 4:1 " ( أثمن المواعيد وأعظمها ، لتصيروا شركاء الطبيعة الإلهية في أبتعادكم عما في الدنيا من فساد الشهوة )  . ليس بقدرتنا ، بل بمحبة الآب لخاصته لكي يدعو أبناء الله ( طالع 1يو 1:3 ) فعلاً من يتناول القربان بأستحقاق سيصبح أبن الله ، فعلينا أن نُقَدِّر هذه النعمة السماوية ونشعر بها عندما نتقدم من سر الأفخارستيا .
ولربنا المتجسد بيننا كل المجد . 


260
 

التنجيم والعرافة والبعد الرابع وعالم الأرواح

بقلم / وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

( فلا تسمعوا أنتم لأنبيائكم وعرافيكم وحالميكم وعائفيكم وسحرتكم …  لأنهم إنما يتنبأون لكم بالكذب.. ) ” أر 27: 9-10″
لجأ الإنسان منذ العصور القديمة بسبب خوفه من الطبيعة والمستقبل إلى البحث عن وسائل يلجأ إليها لكي تحميه ، فظن بأن الكواكب والنجوم تسيطر على حياته ومصيره ، لهذا كانت غاية بناء برج بابل هي للوصول إلى تلك الآلهة وعبادتها ، وبهذا نقض الأنسان العهد والميثاق الذي أبرمه الله معه ، فبلبل الرب الإله ألسنتهم فتشتتوا في الأرض . بلغ أهتمام البابليين بالأفلاك إلى درجة التأليه ، فكان عطارد يسمى بإله تيبو ، وجوبيتر الإله مردوخ ، وزُحل إله نابو ( الملك البابلي نابولاسر مؤسس سلالة بابل الحديثة سمى أسم أبنه الأكبر ” نبوخذنصر ” وتفسيره هو ” أيها الإله نابوأحمي أبني ” ) .

 سبب رد الله على االبابليين في الفصل (11) من سفر التكوين  لأنهم ضلوا وعبدوا الأفلاك السماوية . كذلك الفراعنة راقبوا النجم سيريوس لتحديد المواسم الزراعية وفترات طوفان النيل ولأسباب دينية . كما أهتم الصينيين بالتنجيم لنفس الأهداف فنظموا لها الطقوس للعبادة وكانت العرافة أرثاً متناقلاً من جيل إلى جيل في خدمة البلاط الملكي  وكذلك في بلاد النهرين ومصر كان للعراف شأن كبير لأنه يؤخذ بنصائحه وأرشاداته  في الحرب ، فكان لفرعون ونبوخذنصر سحرة وعرافين ، وعند الأغريق كان النبي غالباً كاهنة أو نبية تجلس في أحد معابد الآلهة وتحمل رسالة النصح والأرشاد والتنبؤ بالغيب إلى من يتردد أليها ، فأزدهرت وتطورت العرافة في بلاط الملوك ككاهن البراهمن الذي كان خبيراً في علم الرموز والظواهر ومستشاراً لدى الملك والحاشية الملكية هكذا تمت ممارسة السحر والتنجيم وعبادة الكواكب من قبل الأمم الوثنية .  كذلك لجأ الأنسان إلى التغيير حباً للبحث عن معتقد جديد ووسائل جديدة تغنيه عن معتقداته السابقة ، وكما فعل الشعب العبراني في صحراء سيناء ، بعد صعود موسى إلى الجبل لملاقاة الله ، أجبروا هارون لسبك عجل من الذهب لعبادته بدلاً من الله الذي أخرجهم من أرض مصر بيد قوية ، كما لجأ بعض ملوك أسرائيل لعبادة الكواكب والنجوم كالملك منسى ( طالع 2 أخ 33: 2-13 ) فشيّد في بيت الرب مذابح ولجأ إلى السحرة والعرافات وأصحاب الجان وارتكب الشر والفحشاء مما أثار غضب الرب عليه فأذله ، لكنه تاب وأعترف بأن الرب لا سواه هو الله . كذلك أبنه آمون الذي سار في طريق أبيه ولم يتب فمات قتيلاً ( 2 أخ 33: 21-24 ) . كما مات قتيلاً شاول الملك الذي عصا الوصايا الإلهية وأستشار عرافة ( 1صم 28 ) .

واليوم لجأ إلى الألحاد والعولمة بدلاً عن المعتقدات الموروثة .

 لماذا كان الإنسان القديم يلجأ إلى العرافين والمنجمين ؟

 الجواب : للأعتقاد السائد آنذاك بأن الإله يحتل جسد نبي ويتفوه بفمه فيسمى ذلك النبي  بالهاتف الإلهي
السحر- مصدره –  غايته – أنواعه
ما هو السحر : السحر هو محاولة من البشر للتأثير على مجريات حياتهم وحياة الآخرين أو على الأحداث بشكل عام بطرق تعتمد على تدخل الأرواح الشريرة . فالأتكال على تلك الأرواح أو عبادة آلهة أخرى هو أقتراف خطيئة الزنى .
فمفهوم الزنى في الكتاب المقدس له ترجمتين وهي

Fornication & Adultery

فالكلمة الأولى تستخدم للزنى بين رجل وإمرأة غير متزوجين . أما الثانية فتستخدم فقط للزنى الذي يحدث بين المتزوجين ، والأثنان هو زنى جسدي ، أما الزنى الآخر فهو زنى روحي وذلك عندما يعطي الشخص ذاته لعبادة إله آخر غير الله ، لذلك نجد في حزقيال ” 23 ” يقول ( زنت يهوذا وزنت إسرائيل ) ” ويعني عبدت إلهاً آخر . فالآية تقول ( النفس التي تعطي نفسها للجان ، والشيطان ، فالله يجعل وجهه ضد تلك النفس ) ” لا 6:20-7″ .
الطقوس والممارسات السحرية منتشرة في كل أصقاع العالم قديماً وحديثاً ، ليس عند الشعوب الفقيرة فحسب ، بل حتى المتحضرة منها ، والغاية من السحر هي الوصول إلى هدف أو السيطرة وأخضاع الطبيعة أو الخصم . يتم السحر بممارسة طقوس غامضة وشعائر لها علاقة بقوى شيطانية . وغاية الشيطان منها هو أخضاع أكبر عدد من البشر لسلطته وأبعادهم عن خط الأيمان ، لهذا ندد الكتاب المقدس السحر في اسفار عديدة منها ( أح 27:20 و تث 18: 9-14 و حز 13: 8-9 و إر 14:14 وغيرها أضافة إلى العهد الجديد .
أنواع السحر:
1-    السحر الأسود : يهدف إلى التأثير على الأنسان وألحاق الأذى به وذلك بمساعدة قوة شيطانية . والسحرة أنفسهم يكونون ملبوسين بالسحر الأسود ويقترفون خطايا مميتة بسبب أيمانهم وأفعالهم . العهد القديم حرمها والقانون الروماني حارب ممارستها والكنيسة في العهد الجديد تحرم كل أنواع السحر وتنبذ كل أشكال العرافة واللجوء إلى الشيطان للحصول على قدرات فائقة الطبيعة تستخدم ضد القريب . فالأنسان الذي يلجأ إلى مداخلات شيطانية  ينكر الأيمان ويبتعد عن الله ، فمن الأفضل أن يلجأ إلى الكنيسة وإلى الطب والعلم لمعاجة الأمراض والحالات النفسية أو المشاكل الأجتماعية.
2-    السحر الأبيض : يستخدم للحصول على صحة أو لتأمين سعادة عن طريق ممارسة أعمال سحرية باللجوء إلى القوى والقدرات الخفية التي تعمل خارج قدرة الله وهي وليدة الشيطان ومخالفة لمبادىء الأيمان ومعطيات الله العادلة ، والتشكيك بعنايته لكل مؤمن . وحتى وأن قصد في هذا العمل توفير الصحة لشخص مريض ، حيث أنها مخالفة جسيمة وأهانة لفضيلة الأيمان ، فالكنيسة تحظركل الممارسات السحرية بما فيها التطيّر واللجوء إلى العرافة .

3- مناجاة الأرواح وتحضيرها : هي القيام بأستدعاء أرواح شيطانية بحجة تحضيرأرواح الموتى للدخول في تواصل معها ، ومن ميزات مناجاة الأرواح هناك الشخص المستحضر الذي يعمل بصورة مباشرة مع القوى الشريرة ، كما يستخدم معه وسيط كالطفل مثلاً يستدعي الأرواح بالممارسات الغيبية أو يقرأ للحضور ما تقوله له الأرواح أو يشاهده في المرآة . كل الأرواح التي تظهر في جلسات المنادات للأرواح تعزى إلى أرواح الشياطين . أستحضار الأرواح هو بديل الأيمان واللجوء إلى الله كما فعل الملك شاول الذي لم يسأل إلهه ، بل لجأ إلى عرافة لتحضر له أرواح الموتى ليسألها ، لهذا تعتبر الكنيسة هذه الأعمال خطيئة لأنها تنطوي مراراً على ممارسات عرافية أو نوع من السحر.
 أفلاطون تَعرَفَ على عرافين كُثراً يدخلون في حالة وساطية فتتغير أصواتهم وتتبدل معالمهم فيتنبؤون بأحداث مستقبلية . وتحدث فعلاً عن عراف أسمه ( أوربلكس ) كان يتكلم من بطنه ، وأكَدَ أن ما يتفوه به ناتج عن صوت لروح آخر يتكلم بواسطته .
أما موضوع استحضار الأرواح فما هو إلا إستحواذ شيطاني والتي يقسم عليها الكهنة من أجل الشفاء أو لغايات أخرى . فبنات الإله أبولون وزوس كن مستحوذات لهذا كانت أصواتهن تتغيّر وأجسادهن ترتجف وتنتفض مع حركات فجائية للرأس المخلوع إلى الوراء . وكانت أنفاسهن متوترة ، يلهثن منها ، وكل هذه الحالات ما هي إلا من المس الشيطاني أو حالات هستيريا . الأنسان الذي تسلطت عليه الأرواح يسمى ( بالممسوس ) أي به مس شيطاني ، لأن الأرواح الشريرة قد مسته فحولته عن الخط السوّي فيصبح مجنوناً . وكلمة مجنون أصلها من ( الجن ) أي أستحوذت عليه الجن .

 أما سلوك ذلك الأنسان فينسب إلى عوامل غيبية خارقة لأرواح خبيثة أتخذت من ذلك الأنسان مسكناً وأداة لها . لهذا كان يترك المجانين يهيمنون في البراري والأماكن المقفرة أو بين القبور كالمجنونان اللذان التقيا بالرب يسوع . كانت الأرواح الشريرة تستحوذ على الأنسان وما تزال ، لهذا فالأنجيل الذي يحتوي على الكثير من قصص طرد الشياطين والأرواح الشريرة يؤكد بأن تلك الأرواح لا تتمكن من أخضاع الأنسان وأنقياده إلا عندما يتنازل عن أيمانه أو بسبب خطاياه الكثيرة لهذا كان الرب يسوع ينذر الذين يشفيهم بأن لا يعودوا إلى الخطيئة . كما هناك من يسلمون أنفسهم طوعاً لتلك الأرواح بل يعبدونها ففي العالم اليوم الكثيرين من المنتسبين إلى عبادة الشيطان يقيمون الطقوس وأعمال سحرية مناقضة للعقل والعلم والأيمان
أسماء أشهر الكتب السحرية العربية

 

1-    شمس المعارف الكبرى :  كتاب يتعلق بالجن والسحر : كتبه الأمام أبي العباس أحمد بن علي البوني ، توفي عام 622ه  وهو من أكثر كتب السحر خطورة ، يقع الكتاب في أربع أجزاء بمجلد واحد و 600 صفحة .
2-    كتاب خواص الحروف والكواكب : نفس المؤلف
3-    السر المظروف في علم بسط الحروف : نفس المؤلف
4-    الأسماء الأدريسية : نفس المؤلف .
5-    الكشف في علم الحرف : نفس المؤلف
6-    اللمعة النورانية : نفس المؤلف
7- اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجن :يشمل هذا الكتاب على كثير من مهمات الفوائد الروحانية والعزائم والطلاسم وأبواب المحبة وحل المربوط ، وعلى خلخلة الهوى الكبرى الصحيحة المجربة .
8- الجواهر اللماعة : في أستحضار ملوك الجان في الوقت والساعة . تأليف الأستاذ الكبير الشيخ علي أبو حي الله المرزوقي .
9-    الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في السحر والطلاسم والنجوم .
. تأليف الشيخ محمد الكشناوي الغلاني ، المتوفي عام 1153. الكتاب يتحدث عن حركة الكواكب والأبراج ودرجات الفلك .
10- السحر الأحمر : عبدالفتاح السيد الطوخي
11- السحر العجيب في جلب الحبيب : نفس مؤلف السحر الأحمر وكُتُبه تسخر الجان لحل العقد والمشاكل كما يدعي المؤلف .
12- كتاب غايات الحكيم : المؤلف سهر بن بِشِر . يتطلع الكتاب إلى علم التنجيم والفلك والطالع ، ترجم إلى اللاتينية في القرن 12 وبعدها نقل الى اليونانية .
13- السحر الأسوَد : يقال بأنه كتاب فرعوني ، وجِدَ في مقبرة فرعونية باللغة العبرانية . كان لأحد الفراعنة الذي رماه في بئر جافة عندما علم بقرب وفاته لكن تم أكتشاف مكانه وأخراجه وأستخدامه لسنين طويلة إلى أن وصل إلى شخص غير معروف قام بترجمته إلى العربية ، ويقال أنه أقوى من كتاب شمس المعارف . يحتوي الكتاب على طلاسم ورموز وطقوس والتي تستدعي الأبليس وليس الجان كما الحال في باقي الكتب .

14- مفاتيح الكنوز في حل الطلاسم والرموز : المؤلف الشيخ محمود أبي المواهب الخلواني الحنفي . يركز هذا الكتاب على الطلاسم والرموز وتسخير قوى الماورائيات لخدمة البشر . يتضمن تعويذات للحظ الجيد أو ألحاق الأذى والضرر بالآخرين ، والكتاب متداول على نطاق واسع .
15- أصول علم الحرف وضوابط الآفاق : للحكيم سقراط .
الوسائل التي يستخدمها المنجمون والسحرة:
1- استخدام ورق اللعب : تستخدم أوراق اللعب لمعرفة الأحداث القريبة أو المستقبلية من خلال سحب أوراق اللعب ، وهذا النوع رائج جداً في أيامنا ، ظهرت في القرن الثاني عشر في الهند ، لها علاقة بالتنجيم وبتعاليم الخفائية ورموزها وقد تستخدم الشعوذة أحياناً بأساليب أو طقوس سحرية مدعية معرفة المستقبل .
   2- الضرب بالرمل : استخدم هذا النوع في بابل وآشور والهند وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوربا في العصور الوسطى  . تفرش الأرض بالرمل ويضع ضارب الرمل أمامه رقعة من الخشب أو ورق المقوّى أو الحجر ويسمى ( تختا ) حيث تجلس عليها الأرواح على حد زعمه . ضرب الرمل يعني فتح ( الأرض – الأم ) وهنا يكمن خطرها السحري ، لهذا هي من بين الممارسات التي  يحضرها الأيمان المسيحي .

   3- قراءة الكف : فن من الفنون السحرية لقراءة المستقبل وذلك بتفسير خطوط الكف الكثيرة ويميّز بينها ثلاثة خطوط رئيسية لها علاقة بالكواكب : هي خط القلب والرأس والحياة وخط النصيب وخط الأحساس . تختلف التوقعات بأختلاف أنحرافات هذه الخطوط وتتطلب هذه التقنية موهبة خاصة لا تكتسب بالممارسة ، بل تفترض أمتلاك الشخص لوساطة روحية تمكنه من قراءة هذه الخطوط التي لا تعني شيئاً في حد ذاتها وهنا يكمن الخطر الكبير من مبدأ القدرية أو الجبرية واليد اليسرى تنبىء بما هو مكتوب .
4- قراءة الفنجان : بدأت ممارسة هذه الوسيلة في القرن السابع عشر . خطرها لا يقل عن باقي الوسائل وبخاصةً عندما تستعين قارئة الفنجان بقواها الوسائطية فلا تعود هذه الوسيلة مجرد مضيعة للوقت أ بل تعاملاً غير مباشر مع الأرواح .
    5- ضرب المندل : يمارس هذا النوع من خلال التأمل بزجاجة مملوءة بالزيت أو الماء ، ويتم تبخيرها وتلاوة بعض الكلمات السحرية المبهمة لأجل أستحضار أرواح ( الجان ) كما يسمونها . هذه الوسيلة ، هي من وسائل التعامل المباشر مع الأرواح كما في الجلسات الأرواحية الأخرى .
   6- البندول الحساس :  قد يدخل عمله ضمن الخرافة إذا أدعى أكتشاف أحداث المستقبل للأنسان ، أو قراءة عمق الشخص وأكتشاف أسراره .
    7- الراديستازيا أو القنقنة : هي خاصيّة تكون في بعض الأشخاص تمكنهم من ألتقاط الإشعاعات المنطلقة من الأجسام . يستعمل عادةً للبحث عن المياه الجوفية والكنوز المخبأة وذلك بحمل قضيب من الخشب ، طرفه متشعب إلى فندين ، يمسك ويُترك الطرف أفقياً ، ومتى ما وجدت في جوف الأرض مياه ، ينحني طرف القضيب تلقائياً ليشير إليها . أستخدم البابليون الراديستازيا ، فاستعانوا بها لتحديد روزنامات فلكية فيها تحديد لأوضاع الكواكب عير المرئية ! كما عرفها أيضاً الفراعنة . تظهر رسوماتها على جدار الهياكل القديمة . اليوم ، يعرف بالقنقن النوّاس الذي يستعمل من قبل العرافين للبحث عن المفقودين فوق خريطة معينة ، أو لتشخيص الأمراض . يستعمل القنقن النواس فوق جسم المريض وحيث وجد المرض يتحرك النواس مشيراً إليه ، وفي الكتاب المقدس آية تدين هذه الممارسة ( طالع هوشع 4: 12-13) .

رأي الكنيسة بهذه الممارسات والأعتقادات وغيرها تناقض وصايا الله في الكتاب المقدس وخاصةً عندماتصبح نهجاً دائماً في حياة الأنسان لأن تلك الممارسات تبعده عن الثقة بالله وتدفعه إلى ترك الصلاة وممارسة الأسرار المقدسة فيصبح ضرباً من الخرافة .

رأي الكتاب المقدس في التنجيم والعرافة

( طوبى للأنسان الذي لا يتبع مشورة الأشرار ، ولا يقف في طريق الخاطئين .. )  مز1:1
التنجيم هو الأنحراف عن الأحساس الديني . تُعبّر عنه أعتقادات وممارسات غير عقلية أو غير منطقية يلجا إليها الأنسان الخائف من الخطر فيلجأ إلى العرافين والمنجمين . الأنسان الذي يلجأ إلى التنجيم فهو يسلم نفسه طوعاً إلى غير الله . فتصبح النجوم والكواكب آلهة له فيقتنع بأن لها سلطة عليه . فعليه أن يلتزم بالممارسات الوثنية وهي عبادة الكواكب فيلغي الله من حياته علماً بأن الله هو الذي خلق تلك الكواكب والنجوم ، فكيف يُترَك الخالق لِيعبَد المخلوق . الله خلق الكواكب لفصل النهار عن الليل ولتحديد الأزمنة والأوقات بما أن هذا الكون خاضع للزمان والمكان ( تك 14:1 و مز104: 19 ) . الله خلق الأنسان على صورته ومثاله وسَلَطهُ على الطبيعة والمخلوقات كلها ليخضعها ويقدمها ككاهن ذبيحة مُرضية تمجيداً لله العلي لأن حياته أفخارستية قربانية ، صلاة شكر وأتحاد دائم مع خالقه . لهذا حذر الله بإن لا يمارس الأنسان أعمال التنجيم أو يلجأ إلى عرافة ( أح 19 : 26 ، 31 ) و ( أح 20 : 6،27) . الأنسان المؤمن يجب أن يتحدى السحرة والعرافين والكتاب المقدس يشهد على قدرة الله العاملة في المؤمن والتي هي أكثر قوة من قدرات السحرة فمثلاً يوسف الصديق أنتصر على العرافين ( تك 41 ) وموسى على سحرة مصر ( خر 7: 10-13 ، 8: 1-3 ، 9: 8-12 ) قاوم الساحران المصريان ( ينس ويمبريس ) ( طالع تيمو 8:3 ) . أما دانيال فأفحم الحكماء الكلدانيين (دا 14:2 و 14 :5 ) وأثبت لنبوخذنصر بأن الله وحده يعرف الخفايا ، ( لا يستطيع ساحر أو حكيم أو مجوس أو منجم أن يطلع الملك على السر الذي الذي طلبه ، ولكن هناك إله في السماء يعلن الخفايا ) ” دا 27:2″ .  لهذه الأسباب أوصى الرب العبرانيين أن يهدموا مدن الأمميين عن بكرة أبيها وكل ما يمت بصلة إلى ممارستها حتى لا يتأثروا بها ( تث 20 : 16-18 ) في العهد الجديد أيضاً كان هناك سحرة معروفين كسيمون ( أع 8: 9 ) وباريشوع ( أع 13: 4-12) والعرافة في فيليبي ( أع 16: 16-18 ) كل هؤلاء وغيرهم تحَدوهم الرسل بآياتهم وقدراتهم وكشفوا للناس بأن السحرة والعرافين ووسائلهم هي من الأعمال الشيطانية الوثنية لا تتفق مع تعاليم الله ( قول 2: 8-9 ) .

قديسين كثيرين صمدوا بوجه الشياطين وتجاربهم وتهديداتهم المريعة التي كانت تداهمهم كالقديس أنطونيوس الكبير، وهناك آباء وأساقفة أختبروا وجود الشيطان ، كما أكد الروحيون مراراً أن الشيطان لا قدرة له علينا إن لم نتواطأ نحن معه ونسلمه زمام أمرنا ، أنه كالصفر لا قيمة لوحده ، أنه عدم مطلق لكن عندما تضع رقماً عن يساره فيصبح رقماً ، هكذا الشيطان عاجز حيالي إن لم أقدِم لمسعاه الخبيث فيضاعف أثرها المؤذي في حياتي وحياة من حولي .

يخصص أسقف الأبرشية كاهناً لطرد الأرواح الشريرة التي تدخل في الشخص أو في البيت ، ومن أسباب دخول تلك الأرواح النجسة هو كثرة الخطيئة المميتة أو بسبب السماح للسحرة والمتصلين بالأرواح الدخول إلى البيوت وطلب منهم تعاويذ شيطانية أو أسباب مشابهة . ويجب على كل كاهن أن يكون مهيئاً لمحاربة الأرواح الشريرة ، وطرد تلك الأرواح يتم بصلاة خاصة تسمى ( التغريم و التقسيم والتكريس ) يقوم بها الكاهن  عندما يتأكد بأن الشخص ممسوس فعلاً . يستخدم الكاهن في طرد تلك الأرواح ما يلي :

1-    الماء المقدس
2-    الزيت المقدس
3-    البخور
4-     شموع تشعل في البيت مع الصلاة
5-    صلوات التكريس التي هي درع البيت

الأرواح الشريرة تهاب من الأسرار المقدسة والمواد المستخدمة فيها كزيت الميرون وزيت مسحة المرضى المقدس والقربان المقدس .
الفرق بين علم الفلك والتنجيم

هناك فرق بين علم الفلك الفيزيائي والتنجيم ، فعلم الفلك يدرِس وضعية الأفلاك السماوية ، وتحركاتها ، وطبيعتها المادية بهدف وضع قوانين علمية لها . أما التنجيم أو ما يعرف بالأوروسكوب أو الأبراج فهو وسيلة من وسائل العرافة ، يحاول أن يعرف ويحدد تأثير حركة الكواكب والنجوم في الحياة الأرضية بهدف التنبؤ بالأحداث المستقبلية ، فهناك فرق شاسع بين علم الفلك والتنجيم . فالفلك هو علم دقيق يخضع لمنهج علمي واضح ضمن معايير علمية معترف بها هدفه دراسة الأفلاك والأجرام السماوية ولا يبحث أبداً عن تأثير تلك النجوم في الحياة الأرضية ، لذا نرى أن موقف علماء الفلك عموماً من المنجمين هو موقف عدائي ورافض ويدحضون ممارستهم التي يعتبرونها غير علمية ولا منطقية وإن أعتمدت على المنهج الأستدلالي الذي تعتمده بعض العلوم كالرياضيات مثلاً . إذا بحثنا في تاريخ العلوم سنجد أن غالبيتها كان لها أساسات أمتزجت بممارسات شعبية وأساطير وتطّير ومعتقدات لا علاقة لها بالعلم ، فمن الخيماء القديمة ولد علم الكيمياء . ومن التنجيم ولد علم الفلك مع الأشارة إلى أنه كان هناك زمن اختلطت فيه العلوم مع تلك الأساطير إلى أن تم الفصل بينها ، فعلم الفلك كان مرادفاً للتنجيم في القرون الوسطى فقد ظهرت في تلك الفترة أبحاث تنجيمية كثيرة ضلت الناس وأربكتهم مما استدعى تدخل السلطات الزمنية أولاً ثم الكنسية لأن التنجيم كان جزءاً لا يتجزأ من العلوم كالطب والزراعة والفلك وغيرها. وكان للمنجم مراكز في بلاط الملوك ولهم أدواراً كبيرة في أصدار القرار . عمدت الكنيسة مضطرة الى محاربتها فنالت عرضاً من بعض العلماء الجديين . وبعد أن تم الفصل بينهما عادت الأمور إلى نصابها وتوضحت مقاصد الكنيسة التي لم تعد تحارب العلماء ، بل شجعتهم وكما هو واضح  من الوثائق الصادرة من المجمع الفاتيكاني الثاني في دعم العلوم  . فأعتراض الكنيسة في تلك الحقبة للعالم غاليلو كان السبب ذاته ، أي الأختلاط بين العلم والتنجيم وكأنها واحد وذلك بسبب أستفحال هذه المشكلة .

البعد الرابع و عالم الارواح

     لأجل معرفة  البعد الرابع وما يحتويه من أسرار وتأثير على عالم المادة ،  وكذلك للغوص في أعماق عالم الأرواح وأنواعها ، فعلينا أولاً البحث في عالم  المادة لكي نلتمس الحوادث والخروقات ، وخاصة التي هي خارج سيطرة العلم  والمعرفة والطبيعة  ، ونبحث عن القدرات التي تتعامل معها أو تتحكم بها لكي  نستطيع الوصول الى عمق الموضوع لدراسته وفهمه والأستفادة منه .
 أننا  نعلم ونؤمن بأن الله هو الأله الواحد الفريد الخالق لكل شىء ، لهذا نضع هذه  الأفكار المزعجة أمام أنظارنا ونتأمل بها مستندين الى نور الكتاب المقدس  فيتضح لنا بأن الخليقة كلها بما يرى وما لا يرى تحتوي على ثلاث أرواح وهي
1- روح الله القدوس ( الروح القدس )   2- روح الأبليس 3 – روح الأنسان ( الأنسان الباطني )
تسمى هذه المجالات الروحية بالبعد الرابع . إذاً ما هي الأبعاد الأخرى ؟
قبل أن نتناول موضوع البعد الرابع علينا معرفة الأبعاد الأخرى ( الأول والثاني والثالث ) وبعدها ننتقل إلى البعد الرابع
   تعلمنا من علم الهندسة البعد الأول والذي هو أقصر مسافة مرسومة بين نقطتين ، أي الخط المستقيم
 أما  البعد الثاني فيتكون من أضافة عشرات أو مئات أو ألوف من الخطوط المرسومة  الى جانب الخط الأول لكي نحصل على شكلاً آخر وهو المستوي . البعد الأول دخل في البعد الثاني فصار من ضمنه وينتمي اليه ويخضع الى قوانينه  وسيطرته
وهكذا لو وضعنا عشرات أو مئات او ألوف او ملايين من المسطحات  على بعضها فسيكون لنا جسماً له حجم وهذا الشكل يسمى بالبعد الثالث الذي دخل  فيه البعد الثاني فيخضع له ويتحكم به البعد الثالث لأنه صار جزءاً منه .  ومن الأمثلة على البعد الثالث الحجر والسيارة والأنسان والكرة الأرضية  والكواكب السيارة والأجرام السماوية …الخ

 من سيتحكم على عالم المادة ( البعد الثالث ) ؟

الذي يتحكم على البعد الثالث ويسطر عليه هو البعد الرابع ، وكيف نفهم البعد الرابع من منظور الخيال العلمي ؟ تخيّلَ العالم ألبرت أنشتاين مؤلف النظرية النسبية الخاصة بأن الأبعاد الثلاثة المعروفة هي ليست ثلاثة أبعاد ، ولكنها أربعة بأضافة الزمن لها ، على أعتبار الزمن يعد موجود في الكون وإن لم نكن نشعر به ، وأعتبرت النظرية النسبية هذا البعد الذي من الممكن أن نشعر به ووضعه في الأعتبار بما غيَّرَ من القياسات التقليدية المتعارف عليها في الفيزياء . وتخيّلَ أنشتاين أن الزمن هو عامل محسوس في الأبعاد الثلاثة التي من الممكن تخيلها على أنها أبعاد رياضية . أضاف أنشتاين الزمن كأحداثي فيزيائي جديد للقيام بتلك المعادلات الرياضية التي من الممكن استخدامها في الحسابات الكونية في الفضاء الخارجي . فإذا كان البعد الرابع زماني فإننا نستطيع أن نتخيَّل الوضع كأنه سلسلة أو فلم ، فإن شكل الجسم في لحظة معينة قد يتغيَّر في اللحظة التي تليها ، وهذا البعد الذي تطرق أليه أنشتاين قد يكون البعد الرابع الذي نتحدث عنه بعداً مكانياً أي أن البعد الزمن يندمج مع الأبعاد المكانية ليشكل الزمكان .

في أوائل القرن العشرين أدرك عالم الرياضيات هيرمان منكوفسكي أن نظرية النسبية لأنشتاين وَصَفَت الكون بأربع أبعاد ، وكما يرى منكوفسكي أن البعد الزمني يندمج مع الأبعاد المكانية الثلاثة ليشكل الزمان والمكان ( الزمكان ) لهذا أسقط الزمن من الأعتبار .
وهناك أيضاً نظرية الأوتار التي تقول بأن المادة تتكون من ( 11 ) بُعد وهي ( س، ص، ،ع ، الزمان ، وسبعة أبعاد أخرى ) وهذه النظرية لا تزال قيد التطور ولم تثبت لحد الآن . كما تقول هذه النظرية بأن عالمنا المكون من ثلاث أبعاد متجاورة مع عوالم متشابهة أخرى وهو ما يكوّن البعد الرابع كما أن عالمنا ثلاثي الأبعاد ويتكون من عوالم لا نهائية ثلاثية الأبعاد . نقول وهل يمكن جمع الكواكب مع بعضها لتشكل بعداً رابعاً ، أم كل كوكب مستقل عن الآخر يشابهه لأنه ينتمي إلى عالم البعد الثالث ؟

أستحدث علم جديد يسمى ( باراسيكولوجي ) والذي يعني ( علم ما وراء علم النفس ) وهناك من يسميه بعلم ( القابليات الروحية ، أو الحاسة السادسة ، أو علم الخارقة ، أو علم النفس الموازي ) يبحث علمياً حالات إدراك عقلي أو تأثيرات على الأجسام الفيزيائية دون تماس مباشر معها لا يخضع للقواعد العلمية المعروفة . يتضمن دراسة ظاهرتي الأدراك وراء الأحساس والتحريك ( القدرات المفترضة لتحريك الأشياء عن طريق التركيز العقلي ) كما يبحث في علم الخوارق ، ويجاوب عن الأسئلة المحيرة حول المس الشيطاني . أسس أول مختبر لعلم النفس الموازي من قبل ج. ب. راين في أواخر العشرينات من القرن الماضي بجامعة ديوك بكارولاينا الأمريكية , يجب التفريق بينه وبين علم النفس طبقاً لمفاهيم فرويد لأن جمال علم النفس بعيد عن الباراسيكولوجي لأن علماء علم النفس لا يؤمنون بظواهر المس الشيطاني ، أو الجن أو البحث عن المجهول فيما وراء المادة في عالم الأرواح . إذا فشل هذا العلم أمام العلم الحقيقي ولا نستطيع بهذا العلم الوصول إلى حقيقة البعد الرابع  .
وهكذا لا نستطيع بالعلم أن نكتشف بعداً آخراً لأن كل ما يكتشفه العلم يعود الى عالم  المادة الذي هو البعد الثالث وقوانينه . علينا إذاً البحث عن الذي خلق هذه الأبعاد ويسيطر عليها ويحتويها لكي نستطيع الوصول الى البعد الآخر والذي نسميه  البعد الرابع . وهل هناك أبعاد أُخرى؟ الجواب هو : أن عقل الأنسان المحدود  لا يستطيع أن يستوعب أكثر من البعد الثالث ولا يستطيع أيضاً أن يصل الى  أعماق بعد الرابع لكي يفهم كل أسراره بما يمتلك الأنسان من قدرات عقلية محدودة تنتمي الى البعد الثالث فعليه اللجوء الى بعده الرابع الموجود في ذات الأنسان ( البعد الثالث ) لكي يكشف له هذا السر وهوالروح الأنسانية  ، والروح كما يقول لنا الكتاب المقدس يكشف لنا أسراراً في عمق الله ، وقد تكون هناك أبعاداً أخرى أعمق من البعد الرابع في الذات الألهية لا يدركها العقل الأنساني المنتمي إلى البعد الثالث .
لنلجأ إذاً إلى الكتاب المقدس ونقرأ الآية في أول سفر ” تك 2:1 ” ونتأمل بها
: ( … وكانت  الأرض خربة وخاوية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف على وجه المياه ) .
 الأرض المغمورة تمثل البعد الثالث ، أما روح الله فهو البعد الرابع الذي كان يسيطر عليها ، ففي الّلغة اليونانية  القديمة التي هي لغة
الكتاب الأصلية  تفسر عبارة  روح الله يرف على وجه المياة التي كانت تغطي الأرض ، أي كان روح الله يحتضن لا وبل يحتوي  الأرض الخربة ( البعد الثالث ) هذا  بالنسبة الى الكرة الأرضية فقط . وهكذا كان يحتضن كل أجزاء البعد الثالث من  كواكب ومجرات أخرى في الكون كله . هذا الروح الألهي الذي خلق هذا الكون  ينتمي الى البعد الرابع ، وهو الذي يحتضن ويسيطر على عالم المادة ويخلق فيه  الخير والجمال أو الموت ، وأخيراً الزوال ( طالع 2 بط 3 ) . نعم هكذا كان روح الله الخالق يحتوي البعد الثالث للأرض ويسيطر عليه الى حين خلق الحياة  فيه والتي تنتمي الى البعد الثالث كالأنسان والحيوان والأشجار … الخ وحسب  قول الكتاب

( فخرج أمر جديد من آخر عتيق وأنبثق حياة من الموت وتكون جمال  من قبح وحل الغنى محل الدمار والخراب ).
   
 هكذا عرفنا أن البعد  الرابع هو الروح وهذا الروح الذي لا يرى ، علينا أن نؤمن به كما نؤمن بوجود الله ، والله لا يرى ، كذلك نؤمن بوجود الملائكة ، ووجود ارواح أخرى  وكلها لا ترى بعيوننا المجردة ، وهذا هو الفرق بين الأيمان والعيان .  الروح  يدخل في الإنسان أيضاً لأن كل إنسان هو كيان روحي كما هو كيان جسدي   ، فالإنسان يحتوي في كيانه على البعد الثالث والبعد الرابع  وأنه ليس مجرد  حيوان آخر ناطق ، بل يمتلك بداخله بعداً رابعاً له السلطان على البعد  الثالث ،  فعندما يستطيع الإنسان أن ينمي مجاله الروحي من خلال التركيز في  رؤيا أو حلم ما ، يستطيع عندئذ أن يسيطرعلى البعد الثالث أي عالم المادة  ويغيره ويمنح الجمال لكل قبيح والشفاء لكل مرض بالأرتقاء في الإيمان المطلوب  من كل مؤمن أن يطور فيه البعد الرابع لكي يستطيع الوصول الى الله أي علينا  أن لا نفكر في أجسادنا كيف تنمو وكيف تصح ، بل بالحري علينا أن نفكر في أرواحنا كيف تنمو وتلتصق بالله فنصارعه كما فعل يعقوب ، نصارعه بصوم وصلاة  منتصرة الى أن نأخذ منه البركة  والبر كابينا يعقوب .لهذا قال لنا الرب 
 : ( لا تفكر ماذا تأكل وماذا تشرب بل أطلب البر أولاً والباقي يزاد لكم ) 

 روح الأنسان المقيدة في الجسد ضعيفة فعليها أن تقترن بروح الله لكي تصبح قوية ومثمرةً . وحسب الآية ( وأما ما أقترن بالرب فقد صار وإياه روحاً واحداً .. ) ” 1 قور 17:6 “
وأن أشتركت روح  الأنسان مع الروح القدس ، سوف تستطيع أن تشترك الجسد معها ، وتقوده في  العمل الروحي فيسيطر على عالم المادة ، وقد يستطيع الروح أن يرفع الجسد الى الجو كما أرتفع يسوع أمام ألأنظار ، وكذلك قديسين كثيرين وهم في الحياة  وكما كان حصل مع القديسين الأيطاليين مار فرنسيس الأسيزي الذي أرتفع جسده عن الأرض وهو يصلي . كذلك الراهب الأب بادري دي بيو  ، هذه واقعة حصلت له وكما دونت في  كتاب “ القديس البادري بيو الكبوشي “:  في نهاية الحرب العالمية الثانية  قاد عميد القاعدة العسكرية الأمريكية سرباً من الطائرات ليقصف مستودعاً  للذخيرة الألمانية قرب سان جيوفاني روطوندو الأيطالية . لكن القائد فوجىء  برؤية راهب يرتفع من الأرض باسطاً ذراعيه فوق الهدف والمنطقة ، واذا بجهاز  الطائرات يتوقف ولا يلبي الأوامر لضرب الهدف . أغتاظ القائد بعد محاولات  فاشلة ، وقال من يكون هذا الراهب الذي يعرقل المهمة ؟ أبتعدت الطائرات عن  الهدف ورمت قاذفاتها في البحر . بعد فترة من الزمن سمع القائد الأمريكي عن  الراهب الكبوشي فأنطلق الى سان جيوفاني روطوندو لكي يتحقق الأمر . ما أن  دخل الى سكرستيا الكنيسة فشاهد بين الرجال وعدد من الرهبان البادري بيو  فعرفه على الفور فقال : ( هذا هو الذي شاهدته سائحاً في الجو ) لكن البادري  بيو دنى منه ووضع يده المكممة على كتفه وقال له : ( أذن ، أنت الذي كنت  تنوي أغتيالنا جميعاً ) فدهش القائد ، وتحرك قلبه عند نظرة ذلك الراهب .  كان الناس يرون ذلك الراهب في بلدان عديدة من أيطاليا وفرنسا وأميركا دون  أن يسافر الى تلك البلدان ويشتمون رائحة زكية تنبىء بحضوره . وهكذا قد  يغادر روح الأنسان الى عوالم أخرى لوحده فيسمى بالأنخطاف الروحي ، وهذا ما  يحدث لقديسين كثيرين فيشاهدون رؤى ويتحدثون بها أو يمتنعون من البوح ببعض  أسرارها .  قد يخطف الروح الجسد معه وهل يعلم ذلك الأنسان بنفسه ؟ هذا ما  حدّثَ للرسول بولس وحسب قوله

( أعرف رجلاً مؤمناً بالمسيح ، أختطف الى  السماء الثالثة منذ أربع عشرة سنة  أبجسده ؟ لا أعلم ، أم من دون جسده ؟  لا أعلم …. أختطف الى الفردوس ، وسمع كلمات لا تلفظ ولا يحل لأنسان أن  يذكرها ) ” 2 قور 12: 1-2 “

علينا أن نميّز بين الحالة التي كان فيها بولس  في هذا الحدث الذي أختطف فيه الى السماء ، وبين حدث طريق دمشق الذي تحدث  اليه القائم من بين الأموات وكل المكاشفات والأسرار التي حظي بها الرسول كانت بالروح الذي هو البعد الرابع.
 .
     هكذا نستطيع نحن المسيحيين بقوة الله أن نكشف كل  شيء بواسطة الروح الذي يكشف لنا كل شيء فنعمل أشياء كثيرة ونتحكم بها بقوة  الإيمان ، والأيمان ينتمي إلى البعد الرابع . قال يسوع 

( إذا كان لديكم إيمان بقدر حبة خردل تستطيعون أن تنقلوا الجبال ) .
أي بالبعد الرابع نسيطر على البعد الثالث وقوانينه ، كما علينا أن نعلم بأن
روح الأنسان + روح الله ، أقوى من ، روح الأنسان + روح الأبليس
روح  الأبليس أقوى من روح الأنسان لأنه الأبليس كان ملاكاً ، فعندما فقد طهارته بسبب سقوطه ، لم يفقد  طبيعته ، فلا تزال له الطبيعة الملائكية وطبيعة الملاك هي أقوى من البشر  وكما يقول يعبر الكتاب عن قوة الملائكة ( المقتدرين قوة ) فللأبليس قوة قوية أقوى من قوة الأنسان وصفها الرسول بطرس ، قائلاً
 ( أبليس خصمكم كأسد يزأر ، يجول ملتمساً من  يبتلعه هو.. ) ” 1 بط 8:5 “
يمكن الحصول على قدرات معجزية عندما تتحد روح الأنسان مع الأرواح الشريرة فتعمل معجرات ، لكنها لا تستطيع تحدي قدرات روح الأنسان عندما تتحد مع روح الله . فسحرة فرعون الذين كانوا يمثلون ( روح الأنسان + روح الأبليس ) تحداهم موسى لوحده الذي أتحدت روحه بروح الله الخالق  ، كما تحدى يوسف الصديق سحرة وعرافي فرعون في تفسير حلمه ، هكذا فعل أيضاً النبي دانيال الذي فسر حلم نبوخذنصر من دون كل سحرة والمنجمين البابليين . والبعد الرابع أستطاع الفتية الثلاثة أن يتحدوا البعد الثالث ( أتون نار ) الذي أعده ملك بابل لحرقهم لأن النار ( البعد الثالث ) لا تستطيع أحتواء البعد الرابع ، وهكذا بالنسبة إلى دانيال الذي ألقي في جب الأسود الجائعة فشلت في أبتلاع جسد دانيال الذي كان يعيش في البعد الرابع الأنساني + الألهي .

كل المعجزات والقدرات الخارقة ( الآيات ) التي صنعها تلاميذ المسيح والقديسين من بعدهم كانت نتيجة أتحاد قوة أرواحهم بروح الله القوية فسيطروا على كل قوانين البعد الثالث كالأمراض وأعادة الأرواح إلى أجساد الموتى وأخراج الأرواح النجسة من الأجساد وغيرها . وبقوة ذلك الروح الذي كان يدافع عنهم ويلهمهم في نشر الرسالة في العالم كله ، أستطاعوا أن يتحَدّوا العلماء والفلاسفة والمقتدرين من حكماء هذا العالم ومن المتكلين على الأرواح الشريرة.

الوسائل التي تستخدم عند العرافة والمنجمين

 

يستعمل المنجم عادة خارطة فلكية حيث يحدد تاريخ الولادة وموقعها الجغرافي مستعيناً بمجموعات من المعطيات والحسابات ، وهي نتيجة مقارنات لأوضاع فلكية معينة ، يبدا التنجيم عندما يحاول المنجم أن يستلخص ويستنتج التوقعات من خلال خريطة السماء وأستناداً إلى تأثيرات فلكية لكواكب ونجوم غالباً ما تكون ممتزجة ومعقدة للغاية ، فيغدو الأستنتاج وليد الغريزة السرية لدى المنجم ، أكثر منه نتيجة لحسابات هذه الأوضاع الفلكية والدليل على ذلك أختلاف التوقعات من منجم إلى آخر ، لهذا نقول : تصبح خارطة السماء وسيطاً مادياً أو ركيزة مادية كما في أوراق اللعب ( تارو ) أو فنجان القهوة وباطن الكف وغيرها من الوسائل .
دخول الوساطة من أرواح غريبة
عندما يكون المنجمموهوباً بعد أن يسلم نفسه لأرادة الشيطان يصبح وسيطاً روحياً بأمتياز بين الأنسان وتلك الأرواح الشريرة . وهذه الوساطة تكون محفوفة بالمخاطر الروحية المهلكة لأن المنجم والشخص المستشير يكونان في وضع تواصلي أتحادي على مستوى معيّن من الذبذبات الدماغية ( ألفا ) وتلك الأمواج نشبهها بموجة الراديو تمكّن من تدخل كائنات روحية غريبة ، تستغل هذا الوضع التواصلي لتُملي على المنجم أو العراف ما تريده ، لهذا نرى بأن المنجم يحدد فعلاً بعض مميزات الشخص النفسية وبعض ميوله وتطلعاته المستقبلية رغم كون تلك المعلومات محدودة تعرفها تلك الكائنات الروحية الشريرة بحكم وضعها وعلى مرأى من الرب الذي يسمح بها لحكمةٍ لديه لا ندركها . يقول الأب تورنيول دي كلو رداً على سؤال ( أي سلطة للأرواح النجسة علينا ؟ ) . الجواب : إن لهذه الأرواح سلطة ذات طبيعة ملائكية تفوق كثيراً الطبيعة البشرية ، لكن هذه السلطة محدودة وخاضعة لمدى الأذن الألهي بها . ولو لم يكن الأمر كذلك لسحقتنا هذه الأرواح وأبادتنا . فإلهنا يسمح للأرواح النجسة بتجربة جميع الناس وبتعذيب عدد كبير منهم بوجه خاص . إن إلهنا اللامتناهي الحكمة ، يدير الأمور بشكل ينجم عنه خير أكبر حين يحدث الشر . وهكذا فإن التجربة التي يتعرض لها الإنسان تتيح له الفرصة ليعرب عن حبه للرب ولينمو في نعمة هذا الحب .

كما يقول القديس توما الأكويني أن التنبؤ والتنجيم هي من أفعال الشياطين . سواء أستعان العراف مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة بالأرواح الشريرة ، ففي الحالتين هناك تدخل لهذه الأرواح ، يعلق أوريجانيس من جهته على الموضوع قائلاً : أنه أستباق معرفة الله للمستقبل هو عمل الشيطان .

يقول العلم : عندما يطلب العراف أو المنجم من عناصر مادية محدودة لصفاتها الفيزيائية مثل التارو وأوراق اللعب وخطوط الكف وخارطة الفلك … الخ معلومات تتجاوز ماهيتها الفيزيائية ، يتخطى النطاق العلمي ليدخل في نطاق الوساطة الخفائية الروحية . فالكواكب لا تستطيع أن ترد علينا الجواب إذ يأتينا بطريقة غير مباشرة من الكائنات الروحية لا نعرف ماهيتها . يحصل الأمر ذاته عندما نسائل خطوط الكف أو الفنجان وغيرها ، فهي لا تملك جواباً فالذي يجيب هو الروح التي تمكن العراف بعد أن صار وسيطاً روحياً يخضع أرادته الحرة لتدخلاتها . فالتوقعات التي يصل أليها المنجم ليس مصدرها الوسيلة التي يرتكز عليها ، بل مصدرها هو ( عالم الأرواح ) حيث قوات الشر الروحية ، وهذا يحصل عند الهندوس وممارسة اليوغا والتأمل التجاوزي فإن ترداد المانترا بأنتظام يدخل بنا على مستوى ذبذبي معيّن يسمح بتدخل قوى الهواء ، كما يسميها الكتاب المقدس ، فمراكز الطاقة الخفائية في جسم الأنسان بحسب العلوم الباطنية وعددها سبعة تقع في أسفل العمود الفقري .
 كتب الأب الكاثوليكي جوزيف ماري فرليند الذي تعرف إلى العلوم الباطنية ومارس التأمل التجاوزي ، والعرافة ، والتنجيم والسحر فبل أرتداده إلى المسيح ، يخبرنا عن أشخاص كثيرين ألتجأوا إليه بعد أن مارسوا التنجيم والعرافة ووقعوا في حبائل الشيطان فعانوا من المشاكل النفسية والجسدية التي عجز الطب عن شفائها ، ولم يبرؤوا إلا بصلوات التقسيم التي أقامها الإخوة الرهبان ، فاستعادوا تدريجياً البراءة الأصلية ، براءة أبناء الله والحرية الحقيقة بالروح القدس ، هؤلاء قد واظبوا على أستشارة الأبراج الفلكية يومياً في المجلات والصحف ففقدوا إحساسهم الداخلي بحرية القرار ليقعوا رهينة التبعية المرضية. والسبب الأساسي الذي يدفع هؤلاء إلى تلك الممارسات ، برأي الأب فرليند ، هو عدم ثقتهم بالله ، وعدم تسليمهم لمشيئته المطلقة .

كما أشار الأب فرليند إلى خطورة تفعيل القوى الخفية في الإنسان ، ويسرد قصة منجم أرتد عن أفعاله بنعمة الرب ، ولقد أخبره أنه منذ طفولته المبكرة ، راحت تراوده رؤى وظواهر غريبة عن أحداثٍ مستقبلية تتعلق بالأهل والمحيط العائلي . كذلك راودته أحلام كاشفة واحاسيس مسبقة طوّرها فيما بعد من خلال ممارسته التنجيم .

إن الكثيرين ممن يشعرون أكثر من غيرهم بقدراتهم الخفية ، غالباً ما يتمنّون ضمنياً لو يكونون مثل الأشخاص العاديّين لأن معرفتهم المسبقة لأحداث المستقبل من خلال الرؤى أو الحدس أو الأحلام ، يجعلهم يعيشون في الخوف والقلق والأضطراب ، إذاً جميع تقنيات تفعيل هذه القوى الباطنية مرفوضة مسيحياً ، كالتأمل التجاوزي واليوغا والتنويم المغناطيسي وغيرها . هناك كتب ومنشورات حديثة تدّعي تفعيل القوى لتصبح قوى خارقة كتلك التي تحددها الباراسايكولجي من تيليباتيا والمعرفة المستقبلية أو الحاسة السادسة ، وهذه الأعمال تبعد الأنسان عن الله لكي يعتمد على قدراته الذاتية . كما تقول بأن الباراسيكولوجي فشل أمام العلم والأيمان .   

رأي علماء الفلك في التنجيم

يشن علماء الفلك حرباً على المنجمين لأنهم يدعون المصداقية والمنهجية العلمية ، في حين يرون خلاف ذلك ، لأن المنجمون يستعينون بوسائل علمية كالحاسوب لأضفاء الروح العلمية على التنجيم وتدعيم توقعاتهم وتأكيد صحتها ، يكفي أن يدخل المرء الذي يريد أن يكشف طالعه بعض التفاصيل الشخصية كتاريخ الميلاد ومكان الولادة . فالحاسوب لا يبتدع شيئاً جديداً لأنه ستند أساساً إلى معطيات قديمة تعود إلى القرون الوسطى ، حتى أن بعضها قد أعتمده المنجمون منذ ألفي سنة وأكثر . فالتقنيات الحديثة ليست كافية لأعطاء التنجيم المصداقية الحقيقية ، وتبقى هذه الممارسات ضمن نطاق الخفائية والتطيّر . والمنجمون لا يأخذون بالبعد الثالث في السماء أي العمق ، وبالتالي فأن تحديدهم للأبراج مبني على تقديرات خاطئة ، فعلماء الفلك يشيرون ألى كمية المادة التي للأفلاك ويقولون انه لو كان هناك تأثيرا مزعوماً للكواكب على الحياة الأرضية بما فيها الأنسان فيفترض أن يكون نسبياً ويعتمد على بعد الكوكب وقربه من الأرض . وهكذا يتجاهل المنجمون أحداثاً فلكية مهمة جداً كالأنفجارات الشمسية وهي من الأكتشافات الفلكية الحديثة , ويتجاهلون أيضاً تغيرات كونية أخرى كالأنفجارات المجرية والنجوم وتغيرات دورية ثابتة مثل المغناطيسية الأرضية التي تكون بحسب تغييرات النشاط الشمسي دورتها 11 سنة وهذه حقيقة علمية أكيدة . كما يقول العلماء بأن هناك أختلاف في التفسير ، فيعطون نتائج مختلفة ، فتأثير الكواكب إذاً لا يتعدى مستوى الفيزيائي في الحياة الأرضية ، وهو أيضاً نسبي للغاية ومحدود ولا يطال مجال الأرادة والحرية الشخصيتين ، فكل تلك الممارسات  ليس علماً ، بل تطيراً وخرافة ، وفي كل الممارسات التي تقوم بها العرافة نجد خطر الأستحواذ الشيطاني أو المس من الأرواح الشريرة ( طالع أف 2و 6) وهي التي انتصر عليها المسيح بتجسده وقيامته ( 1بط 22:3) .

ورد ذكر الأرواح الشريرة في العهد الجديد 333 مرة وبأسماء وألقاب كثيرة منها ( الشرير ، أبليس ، الشيطان وملائكته ، ملاك الهاوية ، المضاد المقاوم …الخ ) .

 الأنسان الذي يمارس تلك الممارسات الوثنية سيعرض إلى الأستعباد من قبل تلك الأرواح ويدخل في خطر تفعيل قواه الخفية ، تلك القوى التي تتكلم عنها الباراسيكولوجيا ( التخاطر – الحاسة السادسة  ، … ) والموجودة في اللاوعي الأنساني وقد أشار إليها سيغموند فرويد ، فقال ( أن في اللاوعي نوعاً من التخاطر إذا طورها الأنسان ونماها تسمح له بمعرفة أفكار الناس ) ، كما أشار أليها برغسون في كتابه ( التطور الخلاق ) وسماها بالحدس الذي يكشف المستقبل . هي الرغبة الغريزية . عن كولن ولسون ، يقول ، تلك الرغبة السرية في الأنسان التي تحثه على كشف المستقبل والأستحواذ على القّوة والنفوذ ذو الخلود ، هي من روح هذا العالم ، هي في الحقيقة ( صدع ) في نفس الأنسان ، يستغلها الشيطان للأيقاع بنا وإيهامنا إننا نمتلك المقدرة والقدرة الكاملة التي تمكننا من التحكم بأقدارنا ، لنصير آلهة مثل الله قادرين على التمييز بين الخير والشر ( تك 5:3 ) هذه هي الخديعة الروحية . فتفعيل قوى الأنسان الخفية بتقنيات العلوم الباطنية سيسقط الأنسان في حبائلها ، نساك متدينون ألتبست عليهم الأمور فأستضافوا الأبالسة بهيئة ملائكة ( ولا عحب فالشيطان نفسه يتزيأ بزي ملاك نور ) ” 2قور 14:11″ . لذا نصح الأنجيلي يوحنا بأختبار الأرواح أكانت من عند الله أم من عند الشيطان .
تكملة الموضوع على الرابط التالي :
https://mangish.net/forum.php?action=view&id=9854

261
علاقتنا العمودية مع الله والأفقية مع البشر ترسم الصليب

بقلم / وردا أسحاق قلّو

http://www.m5zn.com/newuploads/2018/09/10/gif//m5zn_80b34b90d5634b4.gif
 
علاقتنا العمودية مع الله ، والأفقية مع البشر ، ترسم لنا صورة الصليب الذي سيحملنا إلى الله . فكيف نفهم هذه العلاقات من قول الرب (تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ ) " لو 27:10 ".
الله خلق الأنسان لكي يحيى حياة سعيدة وطاهرة مُلؤها المحبة ، فعلى الأنسان أن يفهم الحياة ويحب كل مافيها من أفراح وحتى الصعوبات التي قد تكون مجدية عندما يتحملها بسبب إيمانه فكل شىء سيسير نحو الأفضل ، لأن الأيمان هو منبع عمل الأنسان والأساس الذي يهبه القوة للأندفاع نحو الأمام فيتخطى الصعاب . فالأيمان بالله علاقةً شخصية ، وكنز لا يفنى ، والهدف الحقيقي للوصول أليه ، فعلى المؤمن أن يخصص لله كل حبه النابع من قلبه وعقله وقدرته . و حب الأنسان لله يجب أن لا ينفصل عن حبه لأخيه الأنسان . فالأيمان بالأنسان هو كنز رائع أيضاً . ولا يجوز أن نحب الله الذي لا نراه ونبتعد عن أخينا الأنسان الذي نراه ونعيش بجانبه . فالبشر يحتاجون قبل كل شىء أن يحبوا بعضهم بعضاً مهما كانت الفوارق بينهما كالغنى والفقر والثقافة والمعتقد واللون والجنس ، مستقيمين كانوا أم لصوصاً ، صالحين أو أشراراً ، مع أنه لا يوجد أنسان شرير تماماً كالأبليس .
المسيح الذي وُلِدَ في المذوَد تألم في حياته فأُذيق الأهانات والجروح ومن ثم الموت على صليب الجلجلة . حياته كانت ثورة ضد الواقع الفاسد . وأنتفاضة شجاعة غايتها تجديد حياة البشر نحو الأفضل ، فالمسيح الذي هو أبن الله تجسد بين البشر لكي يشاركهم حياتهم ويصير لهم قدوة ويعَلِمهُم العمل ، بدأ بالتواضع والكتمان والتضحية ، وأفضل عمل يقوم به الأنسان مع أخيه الأنسان في علاقة أفقية ملؤها المحبة المدعومة بالعمل هو أن يضحي من أجل محبيه . هكذا نخلق علاقة أفقية حميمة عابقة بالتآخي والتضامن مع الآخرين ، وهكذا يشعر كل أنسان بأخيه الأنسان بالمحبة القمرونة بالعمل الصالح لهذا يمد لغيره يد التعاون والرعاية كما ترعي الأم وليدها ، هكذا يتم المحافظة على كرامة الأنسان وحقوقه . ويجب أن تتطور هذه العلاقة بين فرد وآخر ، وبين جماعة وأخرى ، بل بين أفراد السلطة وأبنائها ، فالسلطة القابعة على كراسي الحكم عليها أن لا ترعى مصالحها الشخصية على حساب أفراد المجتمع وحريتهم ومصالحهم . فالدولة التي تشدّق بحقوق الأنسان وتجعل ذاتها حامية لأبنائها وهي تسلب خيراتهم وكرامتهم ، بل يمتد طمعها إلى إمتهان كرامة شعوب من دول أخرى بحجة الذود عن مصالحها الخاصة وبطرق مجردة من الأنسانية ومن أحترام حقوق الأنسان ، علماً بأن كل أنسان هو أبن الله ومفتدى بدم كريم وإن لم يؤمن بالله . وله الحق أن يعيش بحرية وكرامة في هذا العالم الكبير . فعلى الأنسان مهما كان معتقده في المجتمع عليه أن يجرد نفسه من أنانيته ومن حبه لهذا العالم الزائل ، فعليه أن يعلم بأن قلبه مثقوب ولا يخزن أي شىء من الماديات سوى الحب ، ولا شىء يروي قلبه لكي يقطن فيه غير الحب . وحسب المحبة التي يحملها الأنسان إلى الله سيحاسب ، أما الأنسان الذي لا يملك المحبة لبني البشر فسينكره الله ، ويقول له ( لأني جعت فلم تطعموني ، وعطشت فلم تسقوني ، كنت غريباً فلم تأووني ، عرياناً فلم تكسوني ، مريضاً وسجيناً فلم تزوروني ! ) " مت 25: 41-42 " .
فالحب هو أعظم قوة في العالم لأنه نابع أولاً من الله المحب للبشر، ومن البشر له ( عمودياً ) ومن البشر إلى البشر ( أفقياً ) . والحب لا يقتصر على جانب العمل فقط ، بل حتى في العبادة . فعندما نرفع صلواتنا وتسابيحنا إلى الله فعلينا أن نرفعها بالحب الصادق الذي عَلّمهُ لنا المسيح . فالذي يتحدث إلى الله عليه أن لا ينسى الأنسان . فمن يدع الله يعيش في قلبه وحياته وسلوكه لا يعد قادراً  على إزدراء الأنسان مهما كان خاطئاً وقاسياً وشاذاً ، فالأنسان الذي يعيش بهذه العلاقة مع الله يكون مستعداً بأن يدعو الله إلى قلبه لكي يتحد جسد الله ( الأفخارستيا ) مع جسده ، ليس في يوم الأحد فحسب ، بل في كل يوم . البابا بيوس العاشر قد صرح قائلاً ، أن كل مسيحي في حالة أستعداد حسنة يسعُهُ التناول يومياً . إذاً الله يدعونا أن نذهب إليه كل يوم ونحظر الوليمة ليس بالملابس الملائمة للوليمة فقط بل بقلب طاهر يستحق تناول جسد ودم يسوع الطاهر . يسوع الفقير ، فالذي يحب يسوع عليه أن يحب كل فقير لأن السميح هو رمزاً لكل فقير . فإذا أردنا تأسيس علاقة مع المسيح فعلينا أن نبدأها مع الفقراء ، لا مع الأغنياء الذين ليسوا بحاجة إلى ولائمنا ومساعداتنا ، لهذا يقول الأنجيل ( الويل للأغنياء ) و ( طوبى للفقراء ) فعلينا أن نجتهد في هذه الحياة لكي نعيش فقر الأنجيل . الأنجيل الذي يحتوي توصيات كثيرة تقودنا إلى الطريق القويم المؤدي إلى الله . والأنجيل يأمرنا قائلاً ( أتركوا كل شىء ، بيعوا كل ما تملكون ، ) هكذا فعل المؤمنون في عهد الرسل ، فلا مفر لكل من أبتغى أتباع المسيح من أن ينهج هذا النهج . إذاً يجب أن تلتقي وتتلاقى وتتحد علاقتنا بالله مع علاقتنا مع البشر كما تلتقي خشبتا الصليب . فالصليب يرمز إلى هذه العلاقة . فالذراع العمودي يرمز إلى علاقتنا العمودية مع الله , الصليب إذاً هو الميزان الذي يعلمنا واجباتنا نحو السماء والأرض بدقة . والذراع الأفقي يرمز إلى علاقتنا الأفقية مع البشر لكي يكتمل الهدف علينا أن نعيش العلاقتان وكأنهما علاقة واحدة .
المؤمنون جميعاً يمثلون الكنيسة المقدسة ، فالكنيسة يجب أن تكون قريبة جداً من فقرائها أولاً ، ومن فقراء العالم كله ، عليها أن تفكر بالناس الذين ينفقون جوعاً في بلدان كثيرة من العالم . فجياع العالم هم صوت صارخ في ضمير البشرية كلها . القديس فرنسيس الأزيزي كان يحسب جميع الناس أخوة ، وكذلك  قد دعى جميع عناصر الكون أخوة وأخوات ، وعاش معها في تناغم وأنسجام وحافظ على سلامة الخليقة وما فيها ، وتلمس بعمق علاقته الأفقية مع الناس والطبيعة ، وهكذا يجب أن ينهج كل أنسان من أجل نشر الحق والعدل والمحبة بين أبنار الله المنتشرين في كل مكان . فالمجتمعات التي تسودها المحبة تمد جسور التعاون مع كل الشعوب ، وتؤسس علاقة حقيقية بين المجتمعات . وواجب كل مؤمن أن يسأل نفسه ويقول ما يسعني أن أساهم لتخفيف البؤس في العالم ؟ هكذا نبدأ بالخطوة الأولى لتأسيس العلاقة بين كل طبقات المجتمع بما يرضي الله . على كل أنسان أن يؤمن بالأخر كما يؤمن بنفسه لكي يكمل وصية الله ( أحب قريبك مثل نفسك ) أي آمن بذاتك مثلما أؤمن بك . آمن بالآخر مثلما تؤمن بذاتك هكذا تتطور العلاقة فيتمدد الأنسان إلى أمام .
مساعدة الأنسان لخيه الأنسان لا تقتصر على الماديات فحسب ، بل على الصلاة المرفوعة لأجل المتألمين ، لأن للصلاة ثماراً مدهشة ، فعندما ترفع الكنيسة صوتها غلى الله لهدف ما فحتماً سيتغيّر شىء ما وحسب وعد الرب ( إن طلبتم شىء بأسمي فستنالونه ) فالسماء تستجيب في الساعة التي لا يتوقعها الأنسان . فالصلاة هي رسالة من أنسان يشكو بأسه إلى الله . أنها أتصال نابع من قلب الأنسان إلى قلب الله ، أنها علاقة روحية بين الأنسان والله فلا بد من الأستجابة . هكذا نعيش الناموس على صليب المسيح ، والصليب يرفعنا إلى عرش الله .
بصليبك المقدس خلصت العالم



262
شهادة الشهداء ... شجاعة ، تحدي ، تضحية ، محبة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

( لا يوجد حب أعظم من هذا ، أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه ) " يو 13:15 "
الإنسان المؤمن بالمسيح ووصاياه ، عليه أن يحب قريبه كنفسه ، وإن أستطاع فأكثر، وذلك بأن ينكر ذاته من أجل الآخرين بسبب تلك المحبة الصادقة ، فالعطية أفضل من الأخذ ، إذا نريد أن نتعرف على قدر محبة الصديق لنا ، فعلينا أن نلتمس أستعداده للخدمة التي يقدمها ، وقمة الخدمة التي يقدمها الأنسان من أجل الآخرين هي الشهادة والموت من أجلهم كما فعل رب المجد الذي أحب العالم كله فأستشهد من أجله . بهذه الطريقة أختبر الله محبة أبراهيم له عندما طلب منه ترك أرضه وأهله وعشيرته من أجله ، وأبراهيم لَبَ الطلب عندما سمع صوت الله  في داخله . كما أختبر الله صبر أبراهيم عندما قال له سأعطي لك نسلاً ، لكنه تأخر كثيراً إلى أن شاخ أبراهيم كثيراً ، ثم أعطاه . وهكذا أستمر أيضاً بأختبار محبة أبراهيم ، فقال له : قَدِّم لي أبنك وحيدك الذي تحبه أسحق محرقةً لي . فنجح أبراهيم في هذا الأمر أيضاً .
يريدنا يسوع أن نكون له أولاً ، فعلينا أن نفضله على كل ما نملك ، فالذي يحبه من كل قلبه وفكره وقدرته عليه أن يفضله على كل ذويه وأمواله لكي يستحقه. فشرط الحب الحقيقي هو التضحية من أجل الهدف . وحتى وأن كان الطَلَب الأستشهاد من أجله . فالشهداء عشقوا هذه المحبة ورحبوا بالموت في أي لحظة وأستعدوا لها ، بل أستهزأوا بالأمراء وتحملوا كل أشكال العذابات لأنهم لن يهابوا الموت ، فكان الولاة يشعرون بتصاغر أمامهم ، تحدوا الظلم بقوة وشجاعة ، فكانت قوتهم وصمودهم أعظم من قوة الحاكم الذي كان يأمر بتعذيبهم ، فكانوا أؤلئك الأبطال في الأيمان مأسورين بالجسد أمام الوالي أما نفوسهم فكانت حرة وتسعى إلى الحرية الحقيقية كالقديس ماركوركيس الشهيد الذي أمسك منشور الأمبراطور دقلديانوس ومزقه ورماه في الطريق ، لم يبالي من قرار الوالي أثناء التعذيب .لأنه لا تهمه الحياة الحاضرة بل كان يسعى للحصول على حياة أفضل مع المسيح . فالشهداء جميعاً قدموا حياتهم بخوراً مُرضية أمام الله ومن أجل تثبيت الإيمان ونشر الكلمة في العالم أجمع لخلاص الكثيرين . الشهداء تركوا كل شىء بسرور، فهناك من يُقبض عليهِ ، وهناك من يذهب ويسلم نفسه طوعاً من أجل الشهادة ، فكانوا يتعرضون مواكب الولاة الذين كانوا يعملون بكل طاقاتهم لأبادة كل أتباع المسيح في الطريق فيصرخون إلى من يصادفوه قائلين ، أيها الوالي نحن مسيحيين ، دون خوف من التعذيب أو السجن أو الموت لكونهم لا يعطون قيمة لهذه الحياة الزائلة ، بل كانوا يسعون للحصول على آلام وأكاليل بجهادهم المقدس لكي يضمنوا لهم حياة أفضل في الآخرة . فالشهداء جاهدوا الجهاد الحسنً وقدموا حياتهم كلها لله من أجل تثبيت الإيمان ونشر الكلمة في العالم أجمع . تركوا كل شىء بفرح وساروا في ذلك الطريق الشائك ، فهناك من يُقبَض عليه وهناك من يذهب ويتحدى بتسليم ذاته طوعاً من أجل الشهادة والأستشهاد لنيل أكليل البر المعد له وكما قال الرسول بولس في ( 2تي 4 : 6-8 ).
 سبب أندفاع الشهيد إلى الأستشهاد هو للشهادة بالأيمان بالمسيح . لهذا كانوا يصرخون بوجه الحاكم مهما كان معروفاً بشدة قساوته وبطشه في التعذيب أو القتل بدون خوف ، فهناك ولاة قدموا لهؤلاء القديسين الأبطال عروضاً ووقتاً للتفكير من أجل أن ينكروا إيمانهم ، فكان رد أولئك الأبطال سريعاً ، لا حاجة لنا إلى التفكير ولا إلى المزيد من الوقت لأننا قد أنتهينا من هذا الأمر وقررنا بأن نكون للمسيح الإله وحده . كما كانوا يفرحون عندما يقبضون عليهم أو عندما يسَلّمون أنفسهم لأولئك الطغاة لرغبتهم الدخول الى الملكوت من باب التضحية والموت .
اليوم أصحاب الإيمان الضعيف في المسيحية يقولون ، لماذا ترك المسيح كنيسته لتعيش الأضطهاد المستمر ، ولماذا تركنا بدون سلام علماً بأنه قال : سلامي أعطيكم ، سلامي أترك لكم ؟ ولماذا قال ثقوا أنا غلبت العالم ؟ الجواب هو أن المسيح قال أرسلكم كخراف بين ذئابٍ خاطفة ، لكي نصبح نوراً للعالم . أرسلنا نوراً لكي نضىء ظلام القلوب . كما أن المسيح لم يؤسس كنيسة بدون صليب ، لهذا قال من يتبعني لينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني . كما قال لمؤمنيه ( لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصيته ، ولكن لأنكم لستم من العالم ، بل أنا أخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم ) " يو 19:15 " . فسبب أضطهاد المسيحيون هو لكونهم مسيحيون فقط .
 قال أحد الشهداء قبل أن يقتله أرهابي داعشي ( إننا لسنا كفرة ، بل مسيحيون ) . فأطلق عليه النار. هكذا غلب النور على الظلام فنال الفرح الدائم ، لأنه نال معمودية ثانية هي معمودية الدم التي تعمد بها يسوع على الصليب ، وأشار إليها لأبني زبدي عندما قال (...هل تستطيعانِ أن تشربا الكأسَ التي أشربها أنا ؟ أو أن تتعمّدا بالمعموديةِ التي أتعمّدُ بها أنا ؟ ) " مر 38:10 " . إنها معمودية الأستشهاد ، فالشهيد هو الذي يغلب المعركة ، لأنه ينال أكليل المكافأة  ، بينما القاتل سيكون مصيره كمصير القاتل بيلاطس البنطي الذي أمر بقتل المسيح . ودماء الشهداء ستبقى تصرخ إلى الله من أجل الأنتقام ، وكما دَوّنَ لنا يوحنا الرائي ( رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ، وصرخوا بصوت عظيم قائلين : حتى متى أيها السيد القدوس والحق ، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض ) " رؤ 6: 9-10 "
أجل أسم المسيح الذي نحمله هو سبب إضطهادنا . قديماً في العصر الروماني والفارسي والأسلامي وحتى اليوم ، فالذي يستثنينا من الأضطهاد والتصفية الجسدية هو أنكارنا للأيمان بالمسيح والأعتراف بعقائد تلك الخراف الضالة  . وحتى وإن كان المسيحي مواطناً صالحاً ومنتجاً ومتفوقاً بعلمهِ وأخلاقهِ ومواهبه وسيرتهِ وحاملاً كل الفضائل كالأمانة والصدق والمحبة والأحترام ، سيبقى في نظرهم كافراً وغريباً يستحق الأضطهاد . فليفرح المؤمن بالأضطهاد ، لأنه حمل الصليب ، فليتلذذ بحلاوة التعذيب والظلم والتفرقة العنصرية لأجل الذي صلب من أجله ظلماً . لا يأخذنا العجب إذاً من بُغضِ وأضطهاد العالم لنا وحتى في دول الغرب التي تركت الإيمان من أجل المصالح الدنيوية والتمتع  بالحياة الحاضرة . لهذا أخبرنا الرسول بطرس قائلاً ( أيها الأحباء ، لا تستغربوا نار الأضطهاد المشتعلة عندكم لأختباركم وكأن أمراً غريباً قد أصابكم ! وإنما أفرحوا : لأنكم كما تشاركون المسيح في الآلامِ الآن ، لا بد أن تفرحوا بمشاركته في الأبتهاجِ عند ظهورِ مجدهِ . ) " 1 بط : 12-13 " .
ليتبارك أسم يسوع المسيح بكر الشهداء



263
 

رسل وتلاميذ المسيح … تعليمهم .. واجباتهم .. أسمائهم

بقلم / وردا أسحاق عيسى

 وندزر – كندا

قال يسوع لتلاميذه ( لم تختاروني أنتم ، بل أنا أخترتكم وأقمتكم لتنطلقوا فتثمروا …) “يو16:15”

المسيح هو الذي اختار له الرسل والتلاميذ ، فقال لهم ( ..بل أنا أخترتكم .. ) . هو فرزهم من العالم . لم يختَر علماء وأثرياء ، بل فقراء وجهلاء وأنتدبهم ليشهدوا لتعاليمه ، بل أن الله قد أختار ما هو جاهل في العالم ليخجل الحكماء . أختار الله ما هو ضعيف في العالم ليخجل به المقتدرين ، لهذا قال الرسول بولس ( فانظروا أيها الأخوة إلى دعوتكم ، فليس فيكم كثير من الحكماء بحكمة البشر ، ولا كثير من الأقوياء ، ولا كثير من ذوي الحَسَبِ والنَّسَب . ولكن ما كان في العالم من حماقة فذاك ما اختاره الله ليُخزي الحكماء ) ” 1 قور1: 26-27 ” ” .
 ليس بالعلم يترقى الأنسان ويعلِم أسرار الله ، بل سيظل المتعلم عاجزاً عن أستجلاء أسرار الله ، في حين أنه بالأنوار السماوية التي تقرب الأنسان من الله هي الصلاة والتواضع فحسب ، هي التي تدفع الروح الساكن في الأنسان أن يكشف له أسرار الله ، فللرسل والتلاميذ الغير متعلمين قال الرب يسوع ( أنتم أعطيتم معرفة سر ملكوت السموات ، أما سائر الناس فكل شىء يلقى إليهم بأمثال ، فينظرون نظراً ولا يبصرون ، ويسمعون سمعاً ولا يفهمون …) ” مر 12:4″.
 كثيرون هم الذين يرومون الأرتقاء في سلم العلم ، ولكن طوبى لمن يزهد فيه حباً بالرب يسوع كالرسل والتلاميذ . الرب عندما يسكب حكمته على لسان أحد مختاريه فيعده لإفحام أفصح الفصحاء من المتسلحين بالعلم والمعرفة .
 قلب المؤمن عندما يتكلم بصدق ، ينفذ تأثيره إلى أبعد من كل ما يستطيعه أرباب العلم أو البلاغة . قال الرب لتلاميذه : الروح القدس يتكلم عنكم ( طالع يو 13:16 ) والروح القدس هو أعظم عطية للمؤمن . لهذا كان كلام المبشرين يخص قلوب مستمعيهم فأستولت الحيرة على أعتى المثقفين . كان يصل كلام البشارة إلى أعمق الأعماق فيصيبون المستمعون بالدهشة أولاً ومن ثم يستسلمون إلى الإيمان بعد أن كانت كلمة الحب الإلهي تلمس قلوبهم .   
العثور على الله لا يحتاج إلى دراسة مستفيضة ، ولا إلى شهادات وكتب كثيرة ، فالعلم ينفخ ، والحب يبني ، فالصلاة الخاشعة والتهجُّد ينقذان من النفوس أكثر ، بما لا يقاس ، من كلّ ما يستطيع إنقاذه أبلغ عظات اللاهوتيين . كذلك الألتزام بالسلوك وفق الأنجيل هما الطرق الأقصر إلى الله وأفضل ما يجب أن يعرفه الأنسان هو يسوع الفقير المصلوب عن العالم ويقتدي به.

أجل رسل وتلاميذ المسيح لم تكن خلفيتهم الثقافية مرموقة ، ولم يكن لديهم مناصب معروفة في مجتمعهم ، بل كانت أعمالهم معروفة في الصيد والجباية . وغاية يسوع من ذلك هو تحدي الفهماء والمتعلمين وحكماء هذا العالم . أدخل يسوع هؤلاء التلاميذ في مدرسته ولمدة ثلاث سنوات علماً بأنه لم يدرس في أي مدرسة ، ولم يحصل على شهادة من هذا العالم ، لكنه تحدى علماء اليهود فدهشوا منه قائلين ( من اين له هذه الحكمة وهذه المعجزات ؟ ) ” مت 54:13 ” . عبّرَ الرسول بولس عن مصدر حكمة المسيح قائلاً ( فأن المسيح هو قدرة الله وحكمة الله . ذلك لأن ” جهالة ” الله أحكم من البشر و ” ضعف ” الله أقوى من البشر ) ” 1 قور 25:1 ”  إذاً لنقول اليوم مع الرسول ( لنا حكمة نتكلم بها … ليست من هذا العالم ، ولا من رؤساء هذا العالم الزائلين ، بل أننا نتكلم بحكمة الله المطلوبة في سر ، … لم يعرفها أحد من رؤساء هذا العالم ) ” 1 قور 2: 6-8 ” .
 كان أسلوب تعليم المسيح لتلاميذه بالتسليم والتقليد وتنفيذ الأرساليات التي كانت تحت قيادته . فتعليم الرسل والتلاميذ كان من خلال وجودهم معه والسماع على مواعظه ، ووصاياه ، والتشرب من روحه وتعليمه وقدوته ، ومن ثم الأمتثال به وبسيرته وشخصيته ومثاله بعد أن يتجرد التلميذ من كل شىء . فثمن أتباع المسيح غالي جداً ، فعلى من يتبعه أن يحبه ويفضله على كل ما يملك من الأهل والمال وما في هذا العالم ليصير هو كنزه الوحيد ( طالع لو 9: 57-62 ) كما قال يسوع ( إن جاء ألي أحد ، ولم يبغض أباه وأمه وزوجته وأولاده وأخواته ، بل نفسه أيضاً ، فلا يمكنه أن يكون تلميذاً لي . ومن لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يمكنه أن يكون تلميذاً لي ) ” لو 14 : 26 – 27 ” . وختم كلامه لكل من يريد أتباعه ليصبح تلميذاً له بقوله ( كل واحد منكم لا يهجر كل ما يملكه ، لا يمكنه أن يكون تلميذاً لي ) ” لو 33:14 ” فقوانين الأنتماء إلى مدرسة المسيح صارمة جداً ، ومن يريد أن أن يكون تلميذا له في أي وقت من الزمن فعليه أن لا ينظر إلى الوراء حيث الماضي ومقتنيات هذا العالم لكي يستطيع أن يتفرغ للمسيح الذي قال ( ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله ) ” لو 62:9 ” هكذا يستعد الأنسان لحمل الصليب وأتباع السيد في طريق جلجلة هذا العالم .
ما معنى التلميذ والرسول ؟ التلميذ هو من يصغي ويتعلم ويدرس عند المعلم ويسير حسب تعاليمه . وبعد أن يتلقى العلم يستطيع هو أيضاً أن يعلم الآخرين . أما الرسول فهو التلميذ الذي يرسله معلمه بعد التعليم . فكل مؤمن مسيحي بعد أن يلقي العلم من مدرسة المسيح ( الكنيسة المقدسة ) عليه أن يكون رسولاً للآخرين وهكذا سيتمم الوصية الأخيرة للمعلم الأكبر ، يسوع المسيح لكل المؤمنين ، قال ( أذهبوا إلى العالم أجمع ، وبشروا الخليقة كلها بالأنجيل ) ” مر 15:16″ فالأنطلاف في طريق التبشير هو أرسالية كما كان المسيح يرسل الرسل الأثني عشر ومن بعدهم التلاميذ ال ( 70 ) ، كان يرسلهم أثنين أثنين  . فحتى الرسل قبل الأرسال كانوا تلاميذاً في مدرسة المسيح . بعد صعود المسيح أرسل الروح المعزي الى الكنيسة فأصبح كل أبناء الكنيسة مؤهلين للأرسال . فالروح القدس هو الذي كان يعلمهم ويرشدهم ويذكرهم بأقوال المسيح . مهمة الرسول هي توصيل رسالة البشرى الى العالم والتي تختصر بقول الرب لبني البشر ( أن ملكوت الله قريب ) .
صوت الرسول هو صوت الرب الصارخ في ظلام هذا العالم ، لهذا قال يسوع لتلاميذه السبعين ( من يسمع لكم يسمع لي ، ومن رفضكم يرفضني ، ومن يرفضني ، يرفض الذي أرسلني ) ” لو 16:10 ” .
 لفظة رسول بمنظور الأنجيل تعني كل مؤمن يقتدي بالمسيح ويكرس ذاته كلياً له . أختار المسيح أثنا عشر رسولاً وهذا يناسب الأثني عشر سبطاً في العهد القديم ” طالع عدد 26″ ، وأعطى للرسل سلطة التعليم والتبشير و قيادة الكنيسة . واليوم الأساقفة هم الجالسين على كراسي الرسل وبيدهم كل الأمتيازات التي أعطاها الرب لرسله ، والرسول له أمتيازات خاصة أكثر من التلاميذ ، بل هم يقودون التلاميذ ، وتلاميذ اليوم هم الآباء الكهنة . الرسل الأثني عشر الذين دعاهم يسوع على الجبل أعطى لهم سلطان وواجبات وسماهم رسلاً وأسمائهم هي

سمعان ” بطرس “ هامة الرسل الذي أعطى له الرب بعد قيامته السلطان في قيادة القطيع وسماه أيضاً ” الصخرة “. يعقوب وأخيه يوحنا ” أبناء زبدي ” وكانوا هؤلاء الرسل الثلاثة يشكلون الحلقة الأقرب الى المسيح والمحيطة به ، وقد أختار حضورهم معه في بعض المواقف من دون الرسل . أندراوس أخو بطرس ، وفيلبس وبرثلماوس ” نثنائيل ” ومتى وتوما وهؤلاء الخمسة يشكلون الحلقة الثانية . أما الحلقة الأخيرة فهم أخوة الرب ، يعقوب بن حلفي ، سمعان القانوني ، ويهودا ” تداوس ” ويهودا الأسخريوطي .

 أما عن التلاميذ السبعين الذين فرزهم الرب من بين المؤمنين للخدمة وأرسلهم أثنين أثنين للتبشير بكلمة الأنجيل الى كل مدينة وموضع بقيادته وأرشاده ، قال لهم ( الحصاد كثير ، ولكن الفعلة قليلون ، فأطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله إلى حصاده ، فأذهبوا 1 ها أني أرسلكم كحملان بين ذئاب … ) “ لو 2:10 ” , التلاميذ السبعين في العهد الجديد عددهم يساوي عدد شيوخ بني أسرائيل الذين فرزهم موسى من بين شعبه ، لهؤلاء  أعطى الرب مهمة صعبة أيضاً فالذي يصبح تلميذاً للمسيح عليه أن يكون مستعداً للشهادة من أجل أسمه القدوس ، وأرساليتهم إلى العالم أرسالية بشرى مفرحة وسلام وشفاء وعطاء بالمجان .
من الآيات التي توضح لنا عدد الرسل والتلاميذ في العهد القديم ، فهي ( ثم بلغوا إيليم حيث كانت أثنتا عشر عين ماء وسبعون نخلة . فخيموا إلى جوار عيون الماء ) ” خر 27:15″ . فالرقم ( 12 ) هنا يرمز إلى عدد الرسل والأسباط . أما الرقم ( 70 ) يرمز إلى شيوخ بني أسرائيل وإلى عدد تلاميذ المسيح في العهد الجديد , وبرسل وتلاميذ  روى المسيح العالم وأشبعه من كلمته وأنقذه من العطش والجوع ، والمقصود ليس الجسدي ، بل الروحي لخلاص النفوس .

العهد الجديد لم يكتب لنا قائمة بأسماء التلاميذ إلا أسماء محدودة منهم مثل ( مرقس – لوقا – اسطفانوس – برنابا – أبولس- تيطس – فيلبس- سوستانيس- سلوانس – تيخيكوس – سمعان – كلوبا- أرستارخوس – وأريستوبولس ) لكن في الكنيسة اليونانية التي تمتلك المصادر الأولى وباللغة اليونانية الأصلية لديها قائمة كاملة بأسمائهم ،

 

 ومذكورة في طبعة :

Orthodox Study Bible

في الصفحتي 818- 819

كل المصادر تشير إلى أن عدد التلاميذ هو (70 ) تلميذا عدا نسخة واحدة يونانية تحتوي على 72 وقد وضعت أثنين بين قوسين .

أدناه قائمة التلاميذ السبعين ومكان تبشيرهم :
1- مرقس Mark-the Evangelist : كاروز الديار المصرية، استشهد عام 68 بشر في لبنان وسوريا وقبرص وروما.
2- لوقا Luke : طبيب ورسام، لازم بولس في أسفاره، كتب الإنجيل وأعمال الرسل، استشهد علي يد نيرون. وهو أحد تلميذيّ عمواس.
3- برنابا / يوسف Barnabas: زميل بولس في الخدمة، استشهد في قبرص مسقط رأسه.
4- متياس Matthias : حل محل يهوذا الإسخريوطي الخائن، بشر آكلي لحوم البشر، عذب كثيرًا، تنيح بسلام.
5- يسطس Justus : رُشِّحَ ليحل محل يهوذا الإسخريوطي، بشر في بتروبوليس وأصبح أسقف لها.
6- كليوباس Cleopas : أحد تلميذيّ عمواس، بشر في بلاد عديدة ثم مات.
7- أسطفانوس Stephen :هو أول السبعين، أول الشمامسة، أول الشهداء.
8- فيلبس Philip : أحد الشمامسة، بشر في أشدود وقيصرية وأسيا، تنيح بسلام.
9- برخورس Prochorus : شماس، خدم مع يوحنا الحبيب، أصبح أسقف علي نيقوميدية، تنيح بسلام.
10- نيكانور Nicanor : شماس، استشهد رجمًا في قبرص عام 76م.
11- تيمون Timon : شماس، بشر في قبرص، أسقف علي أحد مدن البلقان، استشهد مصلوبًا.
12- برميناس Parmenas :شماس، لازم أورشليم لرعاية الفقراء والأرامل.
13- نيقولاوس Nicolaus/Nicolas : كان شماس، ضُل كيهوذا الإسخريوطي، اعتنق بدعة، أبغضه الرب.   
14- حنانيا Ananias : أسقف دمشق، عمد شاول الطرسوسي ، استشهد رجمًا.
15- لعازر Lazarus :أقامة السيد من الأموات، أسقف قبرص، تنيح بسلام.
16- أندرونيكوس Andronicus : سجن مع بولس، خدم مع يونياس الرسول، أسقف بنوتياس.
17- يونياس Junia: نسيب بولس الرسول لكنه آمن بالمسيح قبله، تنيح بسلام بعد تحمل شدائد كثيرة.
18- أرستوبولس Aristobulus: أسقف علي أحد مدن اسبانيا، استشهد رجمًا.
19- فريسكا Prisca : أسقف علي خورانياس، تنيح بسلام .
20- يهوذا / برنابا (أداي) Judas/Barsabas : بشر الأمم بقرارات مجمع أورشليم، رفيق سيلا، كان واعظ مقتدر.
21- سلوانس Silvanus : سلوانس العروف باسم سيلا، خدم مع بولس، أسقف علي تسالونيكي.      
 22- أولمبايس Olympas شارك بطرس الرسول شدائده،استشهد بعده بيوم واحد.   
23- تيطس Titus : تيطس من جزيرة كريت واسقفًا لها، خدم مع بولس.      
24- أغابوس Agabus : تنبأ عن جوع شديد واضطهاد، بشر في أنطاكية.   
25- فورس Phorus :رافق بولس وبشر في أماكن كثيرة، تنيح بسلام.   Phorus   
26- كاربوس Carpus : خدم في اليهودية، أسقفًا علي ترواس، تنيح بسلام.      
27- أبفراس Epaphras ابفراس هو خادم غيور خدم في كولوسي، لاودكية، هيرابوليس، نال إكليل الشهادة.   
28 - أبفرودتس Epaphroditus : خدم ابفرودتس في فليبي، خدم مع بولس، نال إكليل الشهادة.      
29- مناسون    Mnason : قبرصي، خدم في قبرص، نال إكليل الشهادة.   
30- أمبلياس Amplias :  خدم في رومية، أصبح أسقف علي أحد مدن روسيا، استشهد.      
31- اوربانوس Urbanus/Urban :عاون بولس كثيرًا، أسقف علي مكدونية، نال إكليل الشهادة.      
32- سمعان الدباغ Simon-the tanner : استضاف بطرس، كرز في بيزنطية، نال إكليل الشهادة.      
33- أستاخيس Stachys : خدم في رومية، نال إكليل الشهادة.         
34- أبلس Apelles :أسقف هيراكليا، تنيح بسلام بعد جهاد عظيم.      
35- أبينتوس Epenetus: خدم أبينتوس في رومية، سيم أسقفًا علي قرطاجنة، تنيح بسلام.      
36- هيروديون Herodion : ولد في طرسوس، خدم في تيراس واستشهد فيها رجمًا.      
37- قدراطس Quadratus : يوناني، بشر في مدينة مغنيسية، استشهد في آثينا.      
38- أسينكرتيس Asyncritus :خدم في رومية، تنيح بسلام.      
39- غايس Caius : خدم في تسالونيكي، بشر في أنطاكية، نال إكليل الشهادة.      
40- أرسترخس Aristarchus : مقدوني، بشر ارسترخس في اليونان، سافر مع بولس، تنيح بسلام.   
41- أفتيخوس Eutychus : خدم افتيخوس مع يوحنا الحبيب، خدم مع بولس، بشر في سبسطية، تنيح بسلام.
42- سمعان كلوبا Simeon, son of Cleopas :ابن شقيق يوسف النجار، أسقف أورشليم، استشهد عن عمر 120 عام.
43- مناين Manaen : كرز وعلم في أنطاكية، تنيح بسلام.
44- فليغون Phlegon : خدم في رومية، تنيح بسلام.
45- هرماس Hermes : أشتهر بأنه جامع الفضائل .
46- لينس Linus : أول أسقف علي رومية واستشهد هناك.
47- كوارتس Quartus :بشر كوارتس في أسبانيا، كرز مع بولس الرسول في كورونثوس، استشهد في أسبانيا.
48- بتروباس Patrobas : خدم في رومية ، أسقف برتوبياس ، تنيح بسلام.
49- زيناس Zenas : المشهور بالناموسي لعلمه الغزير، خدم في كريت، تنيح بسلام.
50- فليمون Philemon : ولد فليمون في لاودكية، خدم في كولوسي، كتب له بولس الرسول رسالة، تنيح بسلام.
51- أرخبس Archippus : أرخبس هو ابن فليمون، واسقف كولوسي، دعاه بولس بالمتجند معه.
52- أنتيباس Antipas: ذكر في سفر الرؤيا، أسقف برغامس، نال إكليل الشهادة.
53- ترتيوس Tertius : خدم ترتيوس مع بولس الرسول، صار أسقف علي أيقونيا، تنيح بسلام.
54-لوكيوس القيرواني Lucius: علم في أنطاكية، أقيم أسقف علي كنخريا.
55- أنيسيفورس Onesiphorus : خدم في أفسس وبارسنيه، والي أفسس سحله علي الصخر والشوك حتي استشهاده.
56- تيخيكوس Tychicus : خدم تيخيكوس في أسيا الصغري، رافق بولس الرسول في بعض أسفاره.
57-سوستانيس Sosthenes : سيم أسقفًا، استشهد برميه في البحر فمات غرقًا.
58- نركيسون Narcissus : خدم نركيسوس في رومية، رافق بولس، رسم أسقفًا لأثينا.
59- أخانيكوس Achaicus : خدم في كورونثوس، زار بولس الرسول في سجنه.
60 - أرتيماس Artemas : خدم أرتيماس مع بولس الرسول.
61- بوديس Pudes : خدم تروفيموس مع بولس الرسول، رسم أسقف علي روما.
62- تروفيموس Trophimus : خدم تروفيموس مع بولس الرسول، رسم أسقف علي روما.
 63-سوسيباترس Sosipater : سوسيباترس هو يوناني، صاحب بولس الرسول، رسم أسقف علي أيقونيه.
64-فرتوناتوس Fortunatus : كورونثوثي، خدم فرتوناتوس مع بولس في أفسس.
65- نيريوس Nereus : خدم في روما.
66- أرسطوس Erastus : أرسطوس هو واحد من رفاق بولس الرسول، رسم أسقف علي أورشليم.
67- أكيلا Aquila : كان اكيلا صديقًا لبولس الرسول، خيام.
68- ألكسندروس Alexander : ابن سمعان القيرواني، رسم أسقف علي افينون بفرنسا.
69- روفس Rufus : الابن الثاني لسمعان القيرواني، رسم أسقف علي تيباس.
70- ياسون Jason : طرسوسي، أسقف علي طرسوس، كرز بالمسيح في تسالونيكي.

                 
  والمجد الدائم للرب يسوع

264
شعب الله المختار في العهدين
بقلم / وردا اسحاق عيسى
وندزر – كندا
( أما الذين قبلوه ، أي الذين آمنوا بأسمه ، فقد منحهم الحق في أن يصيروا أولاد الله ، وهم الذين ولدوا ليس من دم ، ولا من رغبة جسد ، ولا من رغبة بَشَر ، بل من الله ) " يو 1: 12-13 "
الله خلق الأنسان وكوّنَ منهُ شعوباً وقبائل كثيرة . وكل تلك الشعوب هي أولاد الله . فالله لن يفرق بين أولاده ، بل يحب الجميع ويريد الخلاص للجميع ، لكن أختياره لشعب على وجه التحديد من بين الأمم فهذا عائد إلى حكمته وخطته التي تصب في محبةٍ خصوصية لزمن ما لكن هذا لا يعني بأنه لم يحب الأمم الأخرى .
أختار الله العبرانيين في العهد القديم لا لأستحقاقاتهم وطهارتهم ، ولا بسبب عددهم ، بل بسبب محبته ورحمته الخاصة ، ولكي يسلم لهم رسالة ويقطع معهم عهد ، فعلى الشعب أن يحفظ وصاياه وإلا فإنه لا يعترف بهم " تث 7 " هكذا قطع الله العهد مع الشعب العبري بدم ذبيحة " خر 8:24" فكان على الشعب أن يلتزم بوصايا الله وتعليمه . هكذا أفرز الله هذا الشعب الذي صار مملكة من الكهنة " خر 6:9" . ومهمة هذا الشعب لم تقتصر لخلاصهم فقط ، بل لكي يكونوا شهوداً للإله الواحد بين الأمم " أش 8:44 " خرج ذلك الشعب من صلب أبينا ابراهيم الذي أختاره الله من أرض أور الكلدانية ليذهب إلى أرض كنعان ، وأحفاده سيخرجون إلى مصر بسبب المجاعة ويلجئون إلى أخيهم يوسف الذي صار عوناً لهم وخلاصاً ، وهناك تكوّنَ شعب كبير قادهُ الله بيد قوية الى خارج مصر بقيادة موسى فنقله إلى صحراء أربعون سنة أستعداداً لدخول إلى أرض جديدة أفرزها لهم . وكيف أزيحت الشعوب الساكنة في تلك الأرض ؟ النصوص الكتابية تتكلم بوضوح عن أمر الله للشعب بأن يقتل أعداؤه ويبيدهم ، غير أن هذا الأسلوب لا يتفق مع عدالة الله ، بل مع عقلية الشعب العبراني ، وتم تنسيب تلك القضية إلى الله ، وإن أنتصاراتهم على الأمم تعني نصر الإله الحي على الآلهة الأخرى المتمثلة بالأصنام ولكي يملك الإله الواحد الحقيقي على الأرض الوثنية " 1مل 15:8 " وهي الأرض التي وعد الله بها آباء العبرانيين مع أنها لم تكن لهم يوماً تشجيعاً لأيمانهم بالإله الواحد والتي تُعَبِر عن فكرة لاهوتية بوعد مادي جغرافي أقليمي محدد ، فأكدوا بأن الرب وعد هذه الأرض للأجداد في تلك الحقبة الزمنية بإغراء ، حيث كان الشعب ضيّق الآفاق محدوداً ، متعصباً لأبناء قومه ، وشديد الوعي لكرامته ، وكما هو الشعب اليهودي اليوم منطوياً ، منعزلاً ، عنصرياً .
لم يتمكن العهد القديم أن يجعل ذلك الشعب كاملاً " عبر 19:7 ، 9: 9 ، 1:10 " ولم يبقى شعب العهد القديم مقدساً لكثرة خطاياه وخيانته التي جلبت عليه العقاب والجلاء والشتات ، وكما يقول صاحب المزمور " 31:89 " لهذا وعد الله منذ تلك الأيام بخلق شعباً جديداً يحمل قلوباً متغايرة " حز 26:36" ومع ذلك الشعب سيقطع الله عهداً جديداً " إر 31:31 " وسيكون شعباً مقدساً " أش 12:62 " وهذا الشعب لم يكن من الشعب العبري ، بل سينزع الكرم من ذلك الشعب ويُسَلِمَ للأمم لكي يشمل شعب الله المختار في العهد الجديد جميع شعوب الأرض " أش 2:2 " وهكذا سيشترك كل إنسان مع العبرانيين في البركة الموعودة لأبراهيم " إر 2:4" وذلك عن طريق وسيط عظيم هو عبد الرب المتألم " أش 6:42 " فإختيار الله للعبرانيين كشعب مختار كان خطوة أولى لعهد أبدي جديد مع الناس لكي يكون شعباً جديداً وأُمة جديدة تتجمع فيه كل الشعوب مع إله إبراهيم " مز 10:47 " وتولد في هذا العهد جميع الشعوب في المدينة المقدسة " مز 87 " سيجمع الله شمل البشرية بعد أن تشتت وتفرقت بسبب كبريائها في برج بابل " أش 18:66 " " زك 17:14 " .
في شعب الله المختار ستكون شريعة الرب في القلوب لا على ألواح الحجر " إر 33:31 ، مز 36: 27 " وإبن داود سيمتلك على جميع الأمم " مز 2 و 72" .
الأرض الجديدة التي وهبها الله لشعب العهد القديم ولزمن محدد هي أرض كنعان . أما الأرض التي وهبها لشعب العهد الجديد فهي أرض مقدسة " حز 34 و إر 31 " وهذه الأرض
أبدية في عالم الخلود ، عالم مخلوق من جديد " أش 17:65 " وهكذا تتوحد هناك جميع الشعوب والأوطان " هو 20:2 " " أش 65: 17-20 " .
العهد الجديد مقطوع بدم المسيح " 2 قور 61:6 و عب 10:8 " شعب مقدس قَدّسَهُ المسيح بدمه " عب 17:2 ". يدخل المرء في هذا الشعب من باب الأيمان أولاً ليصبح أبناً لأبراهيم المؤمن " غل 7:3 ، رؤ 3:8 " وهكذا نكون شعباً جديداً مختاراً ، أمةً مقدسة " بط 9:2 " وهذه الآية تقابل الآية " خر 5:19 " أبناء هذا الشعب هم أبناء أورشليم السماوية " غل 26:4 " . وبموت المسيح أزال الحاجز بين الشعب العبراني والشعوب الأخرى " أف 14 :2 " 
ولإلهنا المجد والتسبيح

265

المؤمن لايموت وليس له قيامة ثانية


بقلم / وردا أسحاق عيسى القّلو
وندزر – كندا


قال الرب يسوع ( من سمع كلامي وآمن بمن أرسلني فله الحياة الأبدية ، ولا يمثل لدى القضاء بل أنتقل من الموت إلى الحياة ) " يو24:5 "

قضاء الله وملكه يبدأ على الأنسان وهو في الحياة ، أي زمن قضاء الله قد حلّ ( رؤ 11: 15-18 " والمؤمنون بالمسيح يشاركون الله في ملكه وقضاءه العادل ويعلنوها لكل أنسان بصورة واضحة ، وهذا الواجب هو جزء من حياة كل مسيحي وكما وضحَهُ يوحنا في " رؤ 9:1" بأن يشارك المؤمنين في المحنة والملك والثبات . الأنسان الذي يؤمن بالمسيح وينال المعمودية يموت مع المسيح ، لكنه بعد أن يخرج من ماء المعمودية . يقوم مع المسيح هذه هي قيامته الأولى والأخيرة ولا قيامة ثانية له ، ولم يكن بعد ذلك أمام مواعيد محفوظة لمستقبل بعيد . وهذه هي ميزة خاصة من الله لكل مسيحي . فسفر الرؤيا لا يريد التحدث عنها ، وذلك لأن المؤمنين ينالون منذ هذه الحياة الخلاص الأبدي لكي يستثنوا من الدينونة ، لأن لا دينونة للمؤمن . فالمؤمنين يعيشون في ما وراء الدينونة فلم يعد للمؤمن أن يخاف من الموت الثاني " رؤ 11:2 و 6:20 " فموت الجدسد للمؤمن هو باب الفرح الذي من خلاله يدخل الى السعادة الأبدية  . أما الغير المؤمن فيموت الموت الأول في الجسد ، ومن ثم الموت الثاني بعد الدينونة العظيمة . فالمؤمن منذ حياته على هذه الأرض وقبل أن يموت جسدياً يعيش حياة جديدة ومنبعثة ، تجعل منه أنساناً سماوياً ، لهذا قال يسوع للمؤمنين به ( ... فها ملكوت الله في داخلكم ) " لو 21:17 " .
  وقد أكد هذه الحقيقة سفر الرؤيا في مواقع عديدة منها " 7: 9-17 و 12:10 و 14: 1-5 و 15: 3-4 ) بل هم أحياء في السماء يرتدون ثياباً بيضاء منتصرين حاملين بأيديهم سعف النخل ويهتفون لله الجالس على العرش . إذاً جميعهم قد نالوا القيامة الأولى ولا قيامة ثانية لهم في تفسير آيات سفر الرؤيا . نعم حياة المؤمن في الحياة تكون مهددة قبل موت الجسد ، لأنه قد يضعف ويسقط وينكر الأيمان . والذي ينكر المسيح سينكره المسيح أيضاً . لهذا لا يجوز للكنيسة أن تطوب المؤمن أو تعلن قداسته قبل موت الجسد . أما الذي يحيا مع المسيح في حياته الزمنية فلن يموت أبداً ، بل ينتقل إلى الحياة الأبدية " يو 5: 25-26 " .
 لا سلطان إذاً للشيطان على المؤمن الحقيقي ، بل المؤمن يعيش في السماء وهو على الأرض ، هكذا تتلاقى الكنيسة المجاهدة مع الكنيسة السماوية الممجدة ، فالمؤمنون على هذه الأرض يمارسون الدينونة والملك والكهنوت مثل المسيح ، فالمسيحيون هم المنتصرون مع المسيح الذي لم يكن من هذا العالم لهذا قال لبيلاطس ( ليست مملكتي من هذا العالم ) " يو 36:18" .
المسيح هو آدم الجديد ، فليكن كل مؤمن به آدم جديد لكي يلغي سقطة آدم القديم . هكذا يتيح للأنسان الجديد أن يقصر المسافة بينه وبين الله لكي يعود صديقاً له كما كان آدم قبل السقوط أو الموت الأول بسبب الخطيئة ، هكذا يستطيع المؤمن بالمسيح أن يحيا على هذه الأرض وكأنه في فردوس الله ، فليس للموت الأول والثاني سلطاناً عليه . فكل مسيحي وهو في الحياة يعيش الأزمنة الأخيرة علماً بأن الأزمنة الأخيرة قد بدأت منذ موت المسيح على الصليب وقيامته .
أما الزمن الذي نعيشه الآن نحن اللأحياء المؤمنين ، والألف سنة التي يذكرها سفر الرؤيا في الأصحاح العشرين فتدل على الزمن الممتد بين مجىء المسيح الأول ( بعد التجسد ) ومجيئه الثاني لكي يدين الغير المؤمنين به ، والذين كانوا موتى وهم أحياء وحسب قول الرب ( دع الموتى يدفنون موتاهم ) " لو 60:9" . فالمؤمنون الأحياء هم منذ الآن مع الحمل المنتصر . و في القيامة يأتي المسيح مع ملائكته القديسين ، سيعلن الموت النهائي للخطاة وللأرض والسماء ، ويدان كل خاطىء غير مؤمن ومصيره سيكون الهلاك الأبدي مع التنين والوحش" رؤ 3:12" والنبي الكذاب " 11:13 و 2:19 " أنه الموت ، والموت هو آخر عدو يشكل الوجه المظلم للخليقة " رؤ 4:21" وهو ثمرة رفض الأنسان لله بأرادته وحريته .
 أخيراً نقول : طوبى لمن آمن بإبن الله المتجسد ، وإن مات مثل لعازر سيحيا ، لأن جميع المؤمنون به أحياء ( طالع مت 32:22 و لو 20: 37-38 ) أما الغير المؤمنين فحتى في حياتهم الأرضية هم أمواتاً ، وفي القيامة سيقومون للقضاء ( يو 39:5 ) .
المؤمن سُجِلَ أسمه منذ الآن في سجل الحياة ، كتاب الحمل ، أنه من القديسين الذين شاركوا في القيامة الأولى ، فلا سلطة للموت الثاني عليه .
والمجد الدائم للمسيح المنتصر


266
المقصود بغضب الله وأنتقامه
بقلم / وردا أسحاق عيسى القلّو
وندزر - كندا

هل الله هو إله غضب وأنتقام ، أم إله محبة؟
لله صفاة ثابتة لا تتغير تثبت بأنه إله رحمان ، وإله مُحِب وعادل ورحوم وطويل الأناة . وكل صفاة الله تربط بالمحبة لأن الله محبة ( 1يو 16:4) فهل يمكن أن تنضح المحبة الغضب والأنتقام؟ الجواب كلا ، لكن حكم الله تجاه الخاطىء يجب أن يكون عادلاً . فعندما يخطأ
الأنسان على أخيه الأنسان ، يقول الله ( لِيَ الانْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ) " عب 30:10" وقيل (لأن الرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق) "مز  135: 14 " أي أن الله العادل بحكمه هو الذي يحكم بين الظالم والمظلوم بحسب عدله الإلهي فلا يظلم أحداً ، بل يهتم بكل شىء حتى بأصغر الأمور التي قد نحسبها نحن البشر غير مهمة ، فالاية تقول ( أما أنتم فشعور رؤوسكم كلها محصاة ) " مت 30:10 " أي أنه يهتم بكل شعرة في رؤوسنا ولا تسقط ورقة من شجرة بدون علمه ، فكيف لا تسهر عين الله على الأنسان لتشهد على ذنوب الخاطئين والمسيئين إلينا . فالمحبة الإلهية عادلة وعارفة لجميع الأمور وقادرة على التحكم بالعدل والحكم الصادر علينا أن لا نفسره أنتقاماً نابعاً من غضب الله . لأن الله لا يغضب ، بل يحكم بالمساوات ، فلكي نفهم بدقة عبارة ( غضب الله ) نقول ، عندما يرفض الأنسان محبة الله المقدمة له مجاناً فيعمل ضد إرادة الله ودستوره المعلن للجميع فإنه بهذا يتمرد و يطعن الله في الصميم . فبدلاً من أن يستجيب للحب الإلهي بكل حرية يقوم برفض تلك العطية لكي يعتمد على قدراته الذاتية مما يدفع الله إلى صيغة أخرى نحوه وهي " الغيرة الإلهية " فكما أن الحب البشري مقترن بالغيرة على قدر ما يوليه للمحبوبة من أحترام وتقدير واهمية ، هكذا فالغيرة الإلهية  تطلب من الإنسان أن لا يشوِب حبه تجاه خالقه . لأن الله يريد حُباً خالصاً لا أثر للتملك فيه وحتى في وقت الضيق والآلام ،وإلا فستضعف العلاقة بين الأثنين . حب الله يحتاج إلى تضحية ، فلا يجوز أن يُفَضّل أي شىء على الله لأن الله إله غيور . فالذي يفَضِل الأهل والمال والمراكز وغيرها عليه فلا يستحقه ( طالع مت 37:10 ) . إذاً الله لا يغضب ، بل الأنسان هو الذي يقوم بتعطيل مفعول الحب الإلهي فيه نتيجة أهماله أو عدم الأعتراف به ، فالله لا يقتل ولا ينتقم من أجل التأديب ، ولم ينتقم يسوع الله المتجسد من أحد ، بل طلب الغفران حتى لصالبيه . فعلينا إذاً أن لا نشبّه الله بنا فنقول بأنه يغضب وينتقم ، فنقول ، أن الله في العهد القديم كان يبدو إلهاً منتقماً وغضوباً يبطش بالبشر ويبيد الشعوب كما فعل في الطوفان ، وفي مدينتي سدوم وعمورة وقتل أببكار المصريين واليهود الذين خالفوا قوانين موسى في برية سيناء وغيرها فغالباً مايبرر ذلك على أنها تأديب من الله للأنسان ، لكن هنا التفسير يتناقض مع الحرية التي اعطاها الله للأنسان ، فلهذا يرغمهم بالعنف للخضوع . مما يدعنا نحن أيضاً أن نحكم على الآخرين ونبطش بهم لتأكيد سلطاننا وبأسم الدين ، وبهذا نظن بأننا نقدم خدمة له . فموسى يأمر سبط لاوي بأن يقتلوا جماعة من الأسرائيلين الذين عبدو العجل الذهبي . ويشوع بن نون يبيد مدن كنعانية إبادة كاملة . وأيليا ذبح 450 كاهناً من كهنة البعل . وهكذا أبيدة شعوب في أرض كنعان وأقيمت مملكة جديدة على أشلاء جثثهم . هذه الصورة تقترن مع أقتراب عهد المسيح بصورة النار التي تحرق الأعداء ( ها هي ذي الفأس على أصول الشجر فكل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقى في النار . .. الذي يأتي بعدي ... يأخذ المذرى بيده وينقي بيده فيجمع قمحه في الأهراء ، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفاً ) " مت 3: 10-12 " لكن المسيح في عهده الجديد لا ينتقم ، بل وضع شريعة الله الجديدة .سجن يوحنا المعمدان وكان يظن في سجنه بأن المسيح سينتقم له ، لهذا أوفد إليه بعض التلاميذ ليقولوا له ( أأنت الآتي ، أم آخر ننتظر ؟ ) " مت 11:2-3 " . يسوع أدرك مقصده فأجاب قائلاً ( أذهبوا فأخبروا يوحنا بما تسمعون وترون أن العمي يبصرون والكسحان يمشون ، والبرص يبرأون ، والصم يسمعون ، والموتى يقومون ، والفقراء تحمل أليهم البشرى ، وطوبى لمن لا يشك فيّ ) " مت 11: 4-6 " . المسيح قلب المفاهيم الشائعة عن نمط تدخل الله في الأرض وعن موضوع الغضب والأنتقام ، فبين لنا بأن الله لا ينتقم ولا يقبل الأنتقام لهذا أنتهر أبناء زبدي الذين أرادوا الأنتقام من قرية السامريين بطلب من السماء ناراً تأكلهم ، أنتهرهم يسوع وأنتقلوا إلى قرية أخرى . وهكذا نجد يسوع حين إلقي القبض عليه في بستان الزيتون كيف تصرف بحكمة بعيداً كل البعد عن أسلوب التحدي والغضب والأنتقام فعاتب بطرس الذي أراد الدفاع عنه ، فقال له ( أغمد سيفك ، فمن يأخذ السيف بالسيف يهلك ، أو تظن إني لا أستطيع أن أسأل أبي ، فيمدني في الساعة أكثر من أثني عشر فيلقاً من الملائكة ؟ ) " مت 25:26 " . كان يسوع الأله يعلو اقتداره على العنف لأنه محبة ، والمحبة تحتوي على الحب الجنوني للمحبوب إلى حد قبول وتحمل الأهانات والمعانات من أجل محبته للجميع والمحبة لا يصدر منها الأنتقام والغضب . إنه يحب الجميع ، وعلمنا لكي نحب حتى أعدائنا ونصلي لأجلهم ، فقال ( أحبوا أعدائكم ... وتكونوا أبناء العليّ ... كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم .. ) " لو 6: 35-36 ".
فكيف نفهم غضب الله ؟ وماذا يقصد بالغضب في الآية ( من يؤمن بالأبن فله الحياة الأبدية ، ومن لم يؤمن بالأبن لا يرى الحياة الأبدية ، بل يستقر عليه غضب الله ) " يو 36:3" وهنا لا يقصد بأن محبة الله ستتحول يوماً إلى رغبة في الأنتقام من كل المخالفين لوصاياه ، بل المقصود هو أن كل من يغلق قلبه دون محبة الله المقدمة له مجاناً  ، فأنه يجعل من نفسه خارج المحبة والحياة ، وفي الأخير يصبح حب الله المرفوض منه عذاباً له ، وإن بقي على حاله سيبقى فيه العطش إلى الله الذي هو ينبوع الحياة الذي يروي الأنسان فتشمله الآية
( تركوني أنا ينبوع المياه الحية واحتفروا لهم آباراً مشققة لا تمسك الماء ) " أر 13:2 " .
كما علينا أن لا ننسب كل ظاهرة طبيعية لله ، وخاصةً عندما تكون مدمرة للطبيعة والبشر كالرعد والرياح والفيضانات والأمراض . بل علينا أن نفهم الأمور بألهام الروح الساكن فينا لكي ندرك المعنى روحياً ولا نفكر بالأنتقام والغضب ، بل بالنور والسلام والحب ، وهكذا سيتحول قلب وفكر الأنسان غلى المحبة فلا يطعن قلب الله بأصراره على أختيار طريق التمرد والموت بدل التجاوب مع نداء الحب الصادر من السماء أليه لكي يستقر فيه الفرح والحب والسرور .
رسالة المسيح الخلاصية هي للأخيار والأشرار على حد سواء ، وان الله يريد خلاص جميع الأمم ( أن الله لا يشاء موت الخاطىء ) " حز 23:8 " . إذاً الله لا ينتقم ، لا يقتل البشر في سبيل التأديب ، إنما الأنسان قد حول هذا السلطان الرهيب لكي يطعن قلب الله المحب في الصميم بأصراره على اختيار طريق الموت بدل التجاوب مع نداء الحب المجاني المعطى له من الله المحب .
ولألهنا المحب المجد والتسبيح

267
عيد العنصرة ولاهوت الروح القدس

 
بقلم / وردا أسحاق عيسى القلو
وندزر - كندا

تحتفل الكنيسة المقدسة بمناسبة حلول الروح القدس يوم الخمسين بعد قيامة الرب من بين الأموات فخصصت في يوم العنصرة صلوات ووعظات وترانيم لكي يفهم المؤمن علاقة الروح القدس وأهميته في حياتنا وخلاصنا . ففي لاهوت الروح القدس دروس كثيرة ورموز وأسماء ، كما له ثمار وأعمال ومواهب كثيرة ذكرت في أسفار الكتاب المقدس . كما كان الروح القدس يعمل أيضاً في العهد القديم ، والفرق بين تأثير الروح القدس في العهدين هو أن الروح القدس كان يفارق الأنسان الخاطىء كما فارق شاول الملك فباغته روح نجس ( 1صم 14:16) والروح النجس قاده إلى أن يترك الله ويلجأ إلى عرافة لكي تخبره عن مصيره في حربه ضد الفلسطينيين . كما نقرأ في العهد القديم عن هذا الروح القدوس ، يقول المرنم (لا تطرحني من أمام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني ) " مز 11:51 " . لكن في العهد الجديد الروح القدس الذي يناله المؤمن في سر التثبيت ( مسحة ميرون ) فيسكن الروح القدس في الأنسان المعمد ولا يفارقه وحتى وإن عاش في الخطيئة ، بل يعمل فيه ويبكته لكي يتوب ويغيّر مسيرة حياته الخاطئة ، لأن المؤمن المعمد قد ختم بختم الروح القدس الأبدي الذي لا يزول وحتى وإن نكر المسيح وتحول إلى معتقد آخر ، فعندما يتوب ويعود الى الكنيسة لا يجوز تعميده . أي المعمودية سر لا يعاد وكذلك الميرون ، بل على ذلك الأنسان ألذي أنكر المسيح وعاد تائباً ان يعترف عند الكاهن لكي يحصل على حلَة فيعود إلى قطيع الرب .
 الأنسان الذي يعيش في الخطيئة يُحزِن الروح القدس الذي فيه ويطفي عمله إذا أصر على البقاء في الخطيئة ، لهذا يقول الرسول بولس ( لا تطفوا الروح .. ) " 1تس 19 :5" .
يوم حلول الروح القدس على الرسل الأطهار وبحضور العذراء مريم ولدت الكنيسة وأمتلأ التلاميذ بالروح القدس الذي نزل عليهم على شكل ألسنة نارية عندما كانوا يصّلون بنفس واحدة كانوا يمتلئون بالروح القدس " أع 31:4 " كما كان اسطفانوس مملوءً بالروح القدس " اع 5:6 " . وبرنابا الرسول كان رجلاً صالحاً وممتلئاً بالروح القدس " أع 24:11" . وكذلك بطرس الرسول " أع 8:4" وشاول الطرسوسي أيضاً أمتلأ من الروح القدس " أع 71:9 ، 9:13 " وتلاميذ أنطاكية بسيدية " اع 52:13 " ونحن أيضاً يمكن أن نمتلىء بالروح القدس عندما نترقى بحياة البر والقداسة والنقاوة ، وحتى الجنين في بطن اليصابات أمتلأ من الروح القدس ، فالحياة المسيحية الطاهرة ليست فقط تؤهل صاحبها للأمتلاء من الروح القدس بل تعاين الله " مت 8:5" .
عيد العنصرة هو يوم ولادة الكنيسة المقدسة ، فكما يولد المعمد ولادة جديدة من الماء والروح ليصبح أبناً لله هكذا بنزول الروح القدس على أبناء الكنيسة ولدت الكنيسة وتأسسها الروح القدس . قال الرب لنيقوديموس ( إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) " يو 5:3" فالمعمودية هي ميلاد روحي سماوي من الروح القدس ، وشرط أساسي للخلاص ( طالع مت 19:28 . أع 38:2 ، 38:8 ، 18:9 ) .
الروح القدس يقود المعمد الممسوح إلى الأيمان بالمسيح ، لهذا قيل ( ليس أحد يقدر أن يقول يسوع الرب إلا بالروح القدس ) " 1قو 3:12 " والروح القدس الذي نؤمن به هو رباً وإلهاً ومساوي للآب والأبن في الجوهر ، وهذا ما نقوله في قانون الأيمان ، كما نقول ( انه الرب المحيي ) .
عندما نزل الروح القدس على العالم أبكته على الخطيئة " يو 8:16 " وبدون هذا التبكيت لا يتوب الأنسان الخاطىء وإن لم يتوب فيهلك في خطيئته حسب قول الرب ( إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون ) " يو 58:13 " . لهذا ففي يوم العنصرة عندما حل الروح القدس على التلاميذ أبكت الجموع المحتشدة على خطاياها عندما سمعوا وعظة الرسول بطرس فسألوا ماذا نعمل أيها الأخوة . فأجابهم بطرس  ( توبوا وليتعمد كل واحد منكم بأسم يوع المسيح ، فيغفر الله خطاياكم وتنالوا هبة الروح القدس ) " أع 37:2 " . وهكذا بمقتضى نعمة الله المجانية ورحمته ولطفه وأحسانه قد خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس .
الروح القدس هو معلمنا ومرشدنا وحسب قول الرب يسوع ( وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب بأسمي فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم ) " يو 26:14" ولا تكفينا الولادة الجديدة من الروح القدس بل نتجدد به ونسلك الطريق ونكمله بالروح فنعيش لا حسب الجسد بل حسب الروح لذلك فهذه هي العلامة التي تثبت بأننا أولاد الله بالروح ، لأن الله روح فعلينا أن نسلك حسب ما يقودنا الروح في الطريق القويم ( لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ) " رو 14:8" وهكذا يقودنا الروح القدس نحو طريق القداسة والكمال ، وهذا الروح دعي في الكتاب المقدس بأنه روح القوة ، وروح القداسة ( أش 1:11 ، رو 4:1 ) لهذا قال الرب لتلاميذه ( لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ، وتكونون لي شهوداً في أورشليم ... ) " أع 8:1 " وبسبب الروح القدس نثمر ثماراً روحية لأنه هو دليل للحياة الروحية ، لهذا يقول الكتاب ( واما ثمر الروح فهو محبة وفرح وسلام وطول أناة ، لطف ، صلاح ، أيمان ، وداعة ، تعفف ) غل 22:5 ، 23 " وبدون هذه الثمار لا خلاص للأنسان . كما يعطينا الروح القدس روح الحكمة ومخافة الله لأنه هو روح النعمة والصلاة والشفاعة ، فليس الرب يسوع هو شفيعنا الوحيد عند الآب ، بل الروح القدس أيضاً . لهذا يقول الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية ( الروح أيضاً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ) " رو 26:8".
فلا خلاص بدون قوة الروح القدس الذي هو روح النعمة والصلاة . وبالروح القدس أيضاً نصبح اولاد الله بسبب أيماننا بالمسيح والميلاد من الروح القدس في المعمودية وصرنا أولاد الله ( وأما كل الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بأسمه .. ) " يو 12:1 " .
أما الرسول يوحنا فيقول ( وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس .. والمسحة تعلمكم كل شىء وتثبتكم ) " 1 يو 20:2 ، 27 " .
 وختاماً نذكر قول الرسول بولس عن عمل الروح القدس فينا للتثبيت في المسيح ، قال ( الذي يثبتنا في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا ) " 2قو 21:1 ، 22 " ولذلك يسمى سر مسحة الميرون ، وهو بمثابة وضع يد الرسل على المؤمنين المعمدين فكان يحل الروح القدس عليهم ويثبتهم في المسيح ، وهكذا كل من ينال مسحة الميرون المقدس .
نطلب من الرب يسوع أرسال روحه القدوس لكي يتجدد وجه الأرض ويفتح بصيرة الكثيرين .


268
النار الألهية المحرقة
بقلم / وردا أسحاق قلّو
وندزر – كندا
( ألهنا نار حارقة )
" عب 18:12 "
هناك وسائل طبيعية قد تتحول إلى قوة عدائية تدمر الحياة في الكرة الأرضية  فيها مثل الماء والنار والرياح ، إذا ثارت هذه بقوة ستلحق الدمار والموت والفناء . نار هذا العالم يلحق الأذى والتدمير فيحرق الغابات والمدن والقرى وحتى البشر والحيوان ، وهذه النار تحتاج إلى وقود لكيتستمر ، لكن نار الله لا تحتاج إلى مادة لكي تشتعل . نار الله إذا دخلت في المادة لا تحرقها وتفنيها لأنها نار خلاقة لكونها من الله الخالق ، فالله لا يصدر منه أي شر ضد الطبيعة التي خلقها في الحسن والجمال ، فمثلاً النار التي كانت تشتعل في العليقة على الجبل رآها موسى كمنظر غريب ومذهل وذلك لأن النار لا تحرق العليقة ( خر 3:1-6 ) فدخل موسى في التفكير الذي دفعه الى العجب والذهول من ذلك المنظر العجيب ، فبدأ يفكر بنوع النيران المشتعلة في العليقة والتي لا تحرق ، بل كانت تنير العليقة وبسبب النار تميّزت عن العليقات الكثيرة المحيطة بها ! ولماذا لن تحترق العليقة ، وبماذا يرمز هذا المنظر ؟ أنها نار الله العجيبة والتي ترمز إلى وجوده ، كما كانت تظهر ليلاً على شكل عمود مشتعل أمام شعب أسرائيل في البرية لكي تنير لهم الطريق وتقودهم الى الهدف . العليقة المشتعلة دون أن تحرق كانت بسبب وجود نار الله فيها وهو الذي كان يحميها علماً بأن إلهنا نار آكلة ( تث 24:4 و عبر 29:12 ) والعليقة كانت ترمز الى العذراء مريم التي حبلت من نار الروح القدس منذ أن سلم الملاك عليها . ونار الروح القدس عندما يحل في المؤمن بعد المعمودية والتثبيت يجعل قلب الأنسان كالعليقة المشتعلة فيحرق قلبه القديم دون أن يستهلكه مادياً فيتحول إلى قلب نقي طاهر بقوة نار الله الخلاقة . الله يغفر ويحرق الخطايا بنار محبته ، وهكذا تغفر كل خطايا الأنسان المعمذ مهما كانت بسبب تلك النار الألهية اللتي لا تحرق أحساناته وعاداته الفاضلة في شجرة حياته ، بل كل غصن يابس به يحرق لكي يعود اليه الأنسان الأول قبل الخطيئة ، هكذا يتحول بسبب النار الألهية الى شخص آخر ، بل يولد ولادة جديدة من الماء ونار الروح القدس الذي تعمد به  . وكما شهد يوحنا المعمدان قائلاً عن نارالمسيح ( أنه سيعمدكم بالروح القدس والنار ) "لو 16:3 " .  ومن يذق نار الله ويختبرها سيشعر بأنه تغيّر ونضج روحياً فيسلم ذاته لله كعجين طري ليخبزه كما يشاء فيصبح ثمراً ناضجاً .
نار الروح القدس لطيف ووديع وشفاف ، لكن عندما يتذمر الأنسان ويشتكي سينطفي ذلك النار المقدس في عمقه ، لكنه لا يتركه إلى الأبد ، فعندما يعود الخاطىء إلى رشده ويصلي ويطلب المغفرة سيعود يشتعل لكي يرشده النار إلى الطريق القويم . لكن هذا النار سيتحول في يوم الدينونة إلى نار آكلة ، فمخيف هو الوقوع في يد الله الذي سيحاسب كل أنسان بحسب عدله حساباً مجرداً من الرحمة .
نار الروح القدس التي حلت على التلاميذ يوم الخمسين على شكل ألسنة كأنها من نار ، كانت نار إلهية فأمتلأوا جميعاً منها فسلحهم ذلك الروح بمواهب كثيرة فتغيروا كلياً وتشجعوا وبدأوا يتحدثون بلغات أخرى وينشرون الكلمة بكل جرأة وبحكمة إلهية تحدّوا بها قادة اليهود والحكماء وخرجت منهم آيات كثيرة نالت إعجاب الجميع فتغيروا كما تغيروا أولئك الشاردين من بستان الزيتون تاركين إلههم لوحده . أولئك الرجال تحولوا إلى أبطال غلبوا العالم كله . الله لا يريد الأنسان الخائف البارد في إيمانه ، لأن الخوف هو أساس لكل الشرور وبسبب الخوف أنكر بطرس ربه ثلاث مرات .
بنار محبة الله يتحول الأنسان الى شخص آخر فعال لا يهاب الموت ليتأكد ذلك الأنسان بأنه تحول كالعليقة في البرية إلى عليقة مشتعلة دون أن تحترق وبقوة تلك النار المشتعلة في قلبه سيتكلم بجرأة وينشر الرسالة بدون خوف لهذا نقلوا الرسل البشارة  إلى كل أصقاء العالم فغلب المسيح العالم بهم .
كما نقرا عن النار الإلهية التي تغيّر الإنسان عندما نقرأ موضوع دعوة الله لأشعياء النبي حين وضع ملاك الرب جمرة على فمه كي يسخِرهُ في إعلان كلام الله لشعبه . فاللسان والنار يرمزان لتكريس الرسول للتبشير ، وكل مسيحي بعد المعمودية ينال قوة الروح القدس لكي يتهيأ وينطلق للتبشير .
أخيراً نقول : يارب أضرم فينا نار محبتك وأسكن في قلوبنا كما في العليقة لكي تطهرنا وتحرق فينا بنارك المقدسة كل شىء لا يليق بالقداسة ، هكذا نعيش مسيرة الأحتراق الداخلي بنارك التي تحرق خطايانا كما تحرق النار كل الشوائب الملتصقة بالذهب بينما لا تحرق النار الذهب في البوتقة ، بل تنقيه ، لنتذكر إذاً بأننا معمذون بالروح والنار ، وتلك النار هي نار حبك الألهي لنا وستبقى تتقد فينا لكي تحرق في عمقنا كل الأفكار الخاطئة لنبقى معك ولك.
هكذا نطلب منك أن تجعل قلوبنا كالعليقة المشتعلة بنار محبتك لنتحدث من خلالها إلى الآخرين فيكون لهم الخلاص . نار الروح القدس الذي ينير طريقنا إليك ينشلنا من حب الأرضيات لنسعى للوصول إلى كنوز السماء وربنا يسوع هو كنزنا الأعظم الذي يقود فكرنا وقلبنا نحو السماء ( لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً ) " مت 21:6" .
فليتقد نار روح الله القدوس في قلوبنا ويطهرنا من كل دنس


269
 
كيف نفهم أيقونة مار كوركيس في ضوء ما اعتمده الفنان روفائيلو لرسمها

بقلم الفنان التشكيلي / وردا أسحاق عيسى قلّو

  لوحة مار كوركيس في الرابط التالي - بريشة الكاتب

http://www.m5zn.com/newuploads/2018/04/21/jpg//m5zn_a2d749558418929.jpg

       
غالباً ما يطلق على هذا القديس بأمير الشهداء . أستشهد في عهد الأمبراطور دقلديانوس . لديه معجزات كثيرة ، وهو شفيع لبلدان كثيرة ، والكنيسة الكاثوليكية جعلته نصيراً لها فأعلنت قداسته في مجمع عام 404 م الذي أقيم في روما في عهد البابا جلاسيوس الأول .
في فرنسا نجد كنائس كثيرة باسم هذا القديس ، وفي روسيا القيصرية رسموا صورته على حصون كثيرة وأنشأت الأمبراطورة كاترين وساماً رفيعاً سمته وسام جاورجيوس ، وكان على شكل صليب منقوش في وسطه صورة القديس ، كان يمنح للقادة المنتصرين في المعارك . كما أتخذته روسيا شفيعاً لها قبل الثورة البلشفية 1923م . ومن ثم أعادته روسيا الجديدة بعد الشيوعية شفيعاً لها .
أما بريطانيا ففيها 152 قرية بأسمه ، وصورته منقوشة على الجنيه ، وتعتبر عيده عيداً قومياً وعطلة رسمية تسمى ( جنيه الذهب البريطاني ) . أما في لبنان فهناك خليجاً بأسمه تقع عليه مدينة بيروت .وهكذا يكرم في اليونان وجورجيا المشتق اسمها من أسم القديس وزامبيا والبرتغال وفلسطين والنمسا وأيطاليا . أما في العراق فللقديس النصيب الأكبر في عدد الكنائس والمذابح التي سميت بأسمه تكريماً له .كما له أسماء كثيرة منها كوركيس ، جاوروجيوس ، جاؤرجيوس ، جرجس ، جريس ، جورج وغيرها .
بعد أن نتمعن بجدارية مار كوركيس  جيداً لنسأل ونقول من أين أخذ الرسام الأيطالي الموهوب روفائيلو فكرة رسم الأيقونة بهذا الشكل ؟ طبعاً لا توجد أيقونة مرسومة بطريقة كيفية وبحسب ذوق وتفسير الفنان لوحده ، لأن الأيقونة بحد ذاتها هي قصة لموضوع ما من الكتاب المقدس أو سيرة ذاتية لقديس ، ففكرة رسم أي أيقونة يجب أن تدرس دراسة دقيقة من قبل آباء الكنيسة مع الرسام قبل الشروع في رسم الأسكيتشات التخطيطية للموضوع والتي تقدم الى اللجنة مرة أخرى للأتفاق الأخير عليها بعد دراسة الموضوع من الناحية التفسيرية واللاهوتية وكذلك الفنان يبدي بآرائه لشرح موضوع الألوان وتوزيع المساحات والمنظور وغيرها قبل أن يبدأ بالرسم .
أيقونة مار كوركيس جاءت فكرتها من سيرة حياة القديس الذي كان ضابطاً في الجيش الروماني ، فعليه أن يرتدي قيافة عسكرية كاملة ويكون بحالة أستعداد للقتال . لكن الحروب التي يخوضها أبناء الكنيسة ليست
مع ذوي الدم واللحم ، بل مع أجناد الشر الروحية " أف 12:6 " لهذا يجب أن يعبر الرسم عن الأثنين ، ملابس الجندي الروماني الذي يرتدي الخوذة والدرع والبدلة العسكرية ونطاق على الخصر ، أضافة إلى تقلدهُ للسيف والرمح ، وإلى ركوب الحصان لكونه ضابطاً . كل هذه التجهيزات والأسلحة فسر غاياتها الرسول بولس كالآتي : الخوذة التي تؤمن سلامة الرأس ترمز إلى الخلاص الذي يتحكم على أفكار الأنسان . اما الدرع الذي يغطي منطقة الصدر فيرمز إلى البر والقداسة لأنه يعطي القلب الذي هو نبع القداسة وحسب قول الرب (... من القلب الطيب يخرج الطيب .. ) وكلمة الرب التي في القلب تمنحه وتنقيه لأنها فاحصة القلب والأفكار " عبر 12:4" وكذلك تغسله وتطهره من كل عيب " أف 26:5 " .
أما الحزام الذي يحيط وسط المحارب ليشد قامته لكي يكون قادراً على السيطرة والتحكم في كامل بدنه ، يعني أن المؤمن يمنطق حقويه بالحق والصدق والأمانة ، ومطلوب منه أن يكون مستعداً لمساعدة المحتاج كما قال داود النبي ( إنما خير ورحمة يتبعاني كل أيام حياتي ) " مز 6:23 " .
 السيف الذي يحمله القديس فيرمز إلى كلمة الله التي هي أقوى من السيف ذو الحدين ، أنه كلمة الله التي حملها مار كوركيس لهدم معاقل الأبليس ، فسيفه لم يكن سيف الحروب الجسدية ، بل سيف الحروب الروحية ، أي الصليب المقدس الذي رسمه الفنان على جنب القديس ، أنه سيف المحبة الذي به غَلِبَ العالم .
أما الفتاة والبيت التي رسمها الفنان خلف الفارس فيرمزان إلى عروس المسيح ، أي كنيسته المقدسة التي حاربها تنين الوثنية وبحث عنها ليلتهمها " رؤ 13:12" .
مار كوركيس هو الرمز للرب يسوع الراكب على الحصان الأبيض الذي يقصي ويحارب ممالك الأمم بالعدل ، تقول الآية ( ثم رأيت السماء مفتوحة ، وإذا حصان أبيض يسمى راكبه الأمين الصادق الذي يقضي ويحارب بالعدل ) " رؤ 11:19" . فالحصان الأبيض بين ألوان الأفراس الأربع في سفر الرؤيا يدل على أنه المناسب للمسيح ، كما نرى فيه الكرازة الأنجيلية التي كان يكرز بها القديس مار كوركيس ، بل يرمز إلى المسيح نفسه ، ثم نقرأ عن الحرب والجوع والوباء في سفر الرؤيا ، وفرادة الفرس الأبيض ، فالقوس بيد الفارس ( الرمح بيد مار كوركيس ) نقرأ عنها في العهد القديم قوس الله وسهامه ، أي أحكام الله وعقوباته ( طالع عنها في تث 32: 41-42 . حب 3: 8-9 ) وفي ( حز 5: 16-17 ) ( أرسل عليهم سهام الجوع القاتلة ، سهام التدمير والوحوش الضارية وأنزل فيهم الوباء والدم بسبب الحروب ) . كذلك في ( رؤ 8:6 ) نجد نفس الرمز وهو القوس ( السهام ) المرتبطة بالنكبات عينها . وهكذا نستنتج رمزاً من الفارس الأبيض وهو دينونة الله الأخيرة . والفارس الأبيض هنا معه أكليل يجسد أحكام الله ، ويوضح أن وظيفة الفارس الأبيض ( المسيح ) الرئيسية هي أن يحارب ويدين وفي نهاية الوحي نرى بوضوح أن الديان هو المسيح نفسه ( رؤ 2:6) وفي ( رؤ 19 : 11-16 ) يدعى راكبه الأمين الصادق ويسمى بعد ذلك ( حكمة الله ) " رؤ 13:19 " ( وكان يرتدي ثوباً مغمساً بالدم ... ) وهكذا رسم الرسام عباءة حمراء للقديس . العباءة الحمراء التي يرتديها القديس ترمز إلى ثياب الرب المخضبة بالدم ، وكما أن المسيح لوحده داس المعصرة وحسب قوله في أش 3:63 ( دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد ، وطئتهم بسخطي ودستهم بغضبي فأنتضح عصيرهم على ثيابي فلطخت ملبوسي كله ) هكذا نرى القديس الذي يرمز الى المسيح هو وحده قضى على التنين الذي يمثل الوثنية التي كانت تسجد لأصنامها الشعوب . التنين في " رؤ 20:1-3 " يدخل في ضمن المثلث الشيطاني ( التنين 3"12 ، وحش البحر 1:13 ) وحش الأرض أو النبي الكذاب ( 11:13 ، 20:19 ) إلا أن التنين الذي هو الحية الجهنمية والشيطان . جائت ساعته ، كان حاضراً في التاريخ منذ السقطة الأصلية " تك 1:3 " . كان تدخل المسيح الفارس السبب في هزيمة الحية القديمة ( التنين ) . فكرة الموضوع أخذت من هذه الآيات ، فصارت أيقونة جميلة وشعاراً لهذا القديس العظيم وأبرز تكريم  يخلد نضاله  البطولي .
نطلب شفاعة مار كوركيس الشهيد وصلواته ليحفظنا جميعاً

   



270
على الصليب التقى اللص كياسا مع المسيح وتعمد


وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا

في العهد القديم والى يوم صلب المسيح كان يعتبر الصليب أداة لعنة يستخدم للأنتقام من المجرمين الخارجين عن القانون . لكن الرب يسوع حوله الى أداة خلاص ، الى مذبح جديد أختاره لكي يقدم ذاته فدية عن العالم أجمع . وعليه التقت السماء مع الأرض فحدثت المصالحة وأنتصر الحب الإلهي العجيب ليعطي الحياة لكل من يؤمن بالمصلوب وبعمل الصليب الكفاري المقدس . لقد فتح باب الرجاء وحتى للذين تملكهم اليأس وتسلط عليهم الأبليس وأغلق عليهم بالخداع والوهم والتضليل لكي يقطعوا كل الأمل فيسيروا في الظلمات . لكن عمل المسيح على الصليب فتح للجميع باب الرجاء والحياة الأبدية وباب النصرة والخلاص . فهل هناك حباً أعظم من هذا ؟ من أجل هذا الحب أُهين رب المجد وبصق عليه وتحمل كل العذابات كالجَلِد وأكليل الشوك ، وحمل الصليب في طريق الجلجلة الطويل ، سمر على خشبة الصليب ، أرادوا أن يسقوه خلاً ، وأخيراً فتح جنبه بالحربة لكي تخرج منه آخر قطرة دم فيطهر بها البشرية من الخطيئة .

صلب المسيح بين لصين لكي يحسب مع الأثمة ( مر 27:15 ) . تحت الصليب كان الحضور والمجتازون  يجذفون على المسيح المصلوب ومعهم كهنة اليهود قائلين ( يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك أن كنت أنت أبن الله فأنزل عن الصليب ) ” مت 39:27″ . لا يعلمون ماذا يقولون . لا يعلمون أنهم بصلبهم للمسيح نقضوا هيكل جسده . فهيكل سليمان كان رمزاً لهيكل جسد الرب ، فعلى الصليب هدموا ذلك الهيكل وأنه فعلاً سيقيمه بعد ثلاثة أيام وبعد قيامته سينتهي مفعول هيكل سليمان والرومان نقضوا ذلك الصرح العظيم بعد عدة سنوات وألى الأبد لكي يبني له المسيح صرحاً بديلاً وهي الكنيسة المقدسة جسد الرب الجديد في عهد جديد . رغم أقوالهم وتجديفهم على الرب تحت الصليب أستشفع لهم عند الآب قائلاً ( يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) ” لو 34: 23″ . وهذا هو الفرق بين الظلمة والنور ، بين الحقد والمحبة ، بين الخطيئة والبر .

   صراع عظيم حدث بين الصليبين المحيطة بيسوع . أتفق اللصان معاً برأيِ واحد في ساعتهم الأخيرة ، ساعة الظلام كما عبر عنها الرب في ( لو 53:22 ) فشتموا وسخروا وعيّروا المصلوب بينهم وكأنهم مع اليهود اللذين صلبوهم  ( مت 27: 42-44 ) . دفعهم المجرب في تلك الساعة لكي يهينوا هم أيضاً رب المجد ، لهذا كان اللصان يعَيران المسيح  . لكن صمت المسيح وتأثير أكليل الشوك على رأسه ضَغَطَ بشدة على ضمير وعقل وفكر وقلب أحد اللصين ، وهو المصلوب على يمينه فحدث تَغيير ، لا وبل تطهير في قلبه القاسي ، فوقع أنقلاب سريع في هذا المصلوب الذي كان يعيش في يأس عظيم فاقد الرجاء والذي كان بينه وبين الموت لحظات لكي تنقل روحه من على الصليب الى الموت الأبدي . كان الموت يتشبث جداً به ، بينما بصيص الرجاء كان يصارعه أيضاً في الداخل من أجل أنقاذه ، نور المسيح الذي بقربه بدأ يعطي له الرجاء فبدأت معركة في داخله بين الحياة والموت . كان الصراع في قمة الشراسة بضراوةِ بالغة لم يشهد التاريخ من قبل تحدياً سريعاً كهذا وأصراراً من أجل الأنتصار ومن أجل قتل الموت الذي كان يتحدى تلك النفس . أستمد مصلوب اليمين قوته وقدرته وثقته من الدم البرىء المسفوك على صليب الوسط وكما أعترف ببراءة المسيح لصديقه ، وفجاة وبسرعة خاطفة ومذهلة !! وقبل أن ينال الموت منه حدث شىء جديد لم يخطر على بال أحد ، فإذا بلص اليمين ينقلب على لص اليسار ليحسم الصراع بينهما لصالح المصلوب في وسطهما ، فالتفت الى اللص الآخر وانتهره بشدة وبصوت مسموع لكل الحاضرين قائلاً ( أحتى أنت لا تخاف الله ، إذ أنت تحت الحكم بعينه ، أما نحن بعدل لأننا نلنا أستحقاق ما فعلنا ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ) ” لو 40:23″ . لقد أعترف بأنهم مستحقين العذاب والموت ، أما المسيح فهو برىء لأنه لم يفعل ما يستحق الصلب . ولم يكتفي بتوجيه كلامه الى لص اليسار والذي عبر أولاً من خلال صليب الوسط لكي يسمع يسوع هذا الكلام بوضوح . بل أراد أن يقدم أعتذاره وتوبته وأيمانه للمصلوب الى يساره معبراً عن ندمه قائلاً :

( يا يسوع أذكرني عندما تجيء في ملكوتك ! ) ” لو 42:23 “

حدث تغيير في داخل لص اليمين فأنكسر قلبه القاسي فأستبدلت قسوته بالرقة ! وبغضه بالحب ! وحقده وكراهيته وشراستة بطلب التسامح والغفران !

وهكذا يأتيه الرد السريع من الفادي الذي أهانه هو وصديقه قائلاً :

( الحق الحق أقول لك : إنك اليوم تكون معي في الفردوس ! ) ” لو 43:23″

 يا للبهجة والفرح … والرجاء والأنتصار بسبب الحب الألهي العجيب ، وهكذا حصل فرح في السماء بتوبة خاطىء ومهما كانت خطاياه وجرائمه ، لا وبل كلمات المصلوب التائب أصبحت كصلاة ترددها الأجيال فتقول للرب ( أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك ) . وهذا اللص هو أول من دخل الفردوس قبل أن يصّعِد الرب النازل الى الهاوية آبائنا الأبرار الى الفردوس المعد لهم .

طوبى للص الذي نال الخلاص . يقال أن أسمه كان ( ديماس ) وفي كنيستنا الشرقية نسميه ( كياسا ) . تنظم كنيستنا في اليوم الثاني من عيد القيامة وأثناء القداس مسرحية كياسا تحمل في مضمونها خلاص لص اليمين ودخوله الى الفردوس كأول مؤمن بالمصلوب الألهي ، وأول من مات معه . أجل آمن ذلك اللص في لحظاته الأخيرة قبل أن ينال الموت الأبدي منه . قبل المسيح توبته وأيمانه فنفذ له طلبه بأن لا يذكره في ملكوته فقط بل سيكون معه في فردوس النعيم بعد لحظات . فعلى كل من فقد الرجاء في الخلاص أن يقرأ قصة هذا اللص ويتمسك بالرجاء ويؤمن برحمة الله الواسعة ومهما كانت حلكة الظلام التي تحيط به .

هناك من يخطىء يتفسير قصة خلاص ( كياسا ) بأنه خلص بدون نوال سر المعمودية ، لهذا يقللون من أهمية هذا السر متحججين بهذه القصة وبالآية التي تقول ( آمن فقط ) متناسين الآيات التي تدعوا الى المعمودية ( من آمن وتعمد خلص ) ( فأذهبوا إذن ، وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس ) . إذن لنسأل هذا السؤال ونقول ، هل أعتمد لص اليمين فنال الخلاص ؟ الجواب : نحن نعلم بأن في المسيحية سر العماد يناله المؤمن أما بمعمودية الماء والروح القدس ، أو بمعمودية الدم ، أو بمعمودية الأشتياق الى العماد . فأي نوع من المعمودية نال الطوباوي ديماس أو كياسا وهو على الصليب ومن عمده ؟

نقول أولاً حدث تغيير في قلب ديماس الخاطىء فغيّر موقفه الهجومي على المسيح لكي يهاجم صديقه ، لا وبل لكي يهاجم الشيطان وخططه وطرقه وكأنه فعلاً أمام الكاهن لينال العماد فيكفر بالشيطان وسبله لأنه عرف الحق والحق حرره . والحق هو المسيح المصلوب بجنبه ( أنا هو الطريق والحق والحياة ) فبدأ يرى بصيص النور في الأفق وهذا النور دفعه الى الأعتراف بالمسيح المصلوب ، فبدأ يهاجم الشر والشرير وكأنه يمارس فعلا طقس المعمودية بمهاجمة طرق الأبليس فيعلن أمام الناس وأمام المسيح جحده للشيطان كما يفعل كل من يريد أن ينال المعمودية كشرط أول لأكمال المرحلة الأولى من سر العماد . المرحلة الثانية أعترف بخطاياه لمصلوب اليسار بصوت مسموع للجميع ومنهم الرب يسوع حيث النداء الموجه من لص اليمين الى لص اليسار كان أولاً يمر من صليب الوسط فسمعه الرب ، بعد الأعتراف بخطاياه ، ترك مصلوب اليسار لكي يلجأ الى مصلوب الوسط ليقول له ( اذكرني في ملكوتك ) أنه أعتراف صريح بآلوهية المسيح ومملكته السماوية . هكذا أكتمل طقس المعمودية بعد أعترافه بالمسيح رباً وألهاً وملكاً بقوله ( ملكوتك ) وهذا ما قاله المسيح في نفس اليوم لبيلاطس ( مملكتي ليست من هذا العالم ) . كان كياسا يعني بكلامه للرب : نجني يا رب . وهكذا يأتي دور الكاهن في المعمودية لكي يكتمل هذا السر وينال العماد والخلاص بعد الأعتراف بالخطايا وأعلان الأيمان وتسليم الذات الى يسوع المخلص . والكاهن الأعظم هو المسيح الرب على رتبة ملكيصادق الذي قال ( … اليوم ستكون معي في الفردوس ! ) ” لو 43:23″ وهكذا تحول اللص الى أبناً لله فأنكسرت شوكة الموت وحصل فرح في السماء ، بعد المعمودية تمسح كل الخطايا ، وبعد كلام يسوع للمصلوب ( اليوم ستكون معي في الفردوس ) تعني غفرت كل خطاياك ، لأنه لا أحد يدخل الى الفردوس دون أن يتطهر من كل الخطايا ، أي نال المعمودية . ونوع هذه المعمودية هو الشوق ، أي شوق المؤمن الى العماد لهذا فالكنيسة الكاثوليكية تعتبر كياسا معمداً بمعمودية الشوق . فما هي معمودية الشوق ؟ هي الايمان الحقيقي والوجداني بالمسيح ، لمن لم تتح له الفرصة لتحقيق المعمودية بالماء. أو يستشهد من أجل أيمانه قبل العماد فينال معمودية الدم ، فمعمودية الشوق تجعله يَخلُص بسبب إيمانه وحبه للمسيح.

وهكذا أحتوت أحداث ذلك اليوم العظيم قصة أخرى تحت الصليب والخاصة بخلاص قائد المئة الوثني الذي تأثر بتلك الوقائع المرئية والمسموعة فأعترف بالحقيقة بعد أن طعن جنب الرب بالحربة فخرج في الحال دم وماء ، والتي هي رمزاً للمعمودية والأفخارستيا فأعلن هو الآخر شهادته وأيمانه بقوله ( بالحقيقة كان هذا الأنسان باراً ) ” لو 47:23 ” ويذكر التاريخ بأنه آمن واستشهد حباً لمخلصه .

وهكذا سيقول يسوع لكل من تعلقت نفسه بالرجاء ويعلن أيمانه بالمصلوب الإلهي ومهما نال منه الفساد بسبب خطاياه الكثيرة ( الحق الحق أقول لك ، ستكون معي في الفردوس )

ليتبارك أسم الرب المصلوب

 

271
أول قداس ألهي أقامه يسوع لتلميذي عماوس بعد القيامة
بقلم/ وردا أسحاق عيسى
 
http://www.m5zn.com/newuploads/2018/03/23/jpg//m5zn_888e40ffc4d0652.jpg

القداس الألهي الذي يقام في كل كنائس العالم اليوم أسسه الرب يسوع في علية صهيون بعد أن بيّنَ لتلاميذه الأثني عشر كلمته الألهية ، أخذ رغيفاً وبارك ، وكسرً ، وأعطى لتلاميذه ، وقال ( خذوا ، كلوا : هذا هو جسدي ! ) . ثم أخذ الكأس ، وشكر ، وأعطاهم ، قائلاً ( أشربوا منها كلكم ، فإن هذا هو دمي الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ) " مت 26:26-27" .
وهكذا أسس الرب يسوع هذا السر العظيم وأمر المؤمنين بتكراره ، فقال ( أعملوا هذا لذكري ) . لهذا تقام الذبائح الإلهية في العالم أجمع ، وفي اليوم التالي من خميس الفصح قدّمَ ذاته طوعاً على الصليب لكي يعطي جسده ودمه فدية عن خطايا البشر في العالم كله .
بعد ثلاثة أيام ورغم إخبار التلاميذ من قبل النسوة بخبر قيامة المسيح من بين الأموات ، ترك تلميذي عماوس ( وهم من التلاميذ السبعين ) أورشليم متجهين إلى قريتهم عماوس التي تبعد نحو سبعة أميال من أورشليم فأصبحت أورشليم خلف الظهر ، وهذا يعني الأبتعاد عن مركز الهدف ، والسبب يعود إلى ضعف الأيمان فقطعوا الأمل بسيدهم . أجل غادرا أورشليم مدينة الخلاص والفداء ليعودوا إلى قريتهما ، أي إلى وضعهما السابق الذي كانوا به قبل لقائهم وأيمانهم بالمسيح . فقدوا الأمل بالخلاص والفداء ( لو 21:24 ) .
إن عمل أسرار الكنيسة يمكن تصورها على مثال عمل المسيح مع هذين التلميذين ، ومن هذه الرواية نستطيع أن نستلخص العناصر الهامة التي تتضمنها الأسرار . بالأسرار نلتقي مع المسيح ليفسر لنا نحن أيضاً أحداث حياته ويساعدنا في العيش في ضوء حياته وموته وقيامته . كما أن هذه الأسرار تأتي من الله . فالمسيح الإله هو الذي جاء إلى التلميذين وسألهما ، وفسر لهم الكتب ، وكسر لهم الخبز ليتناولا ، وهو الذي فتح بصيرتهما ليعرفاه . التلميذان لم يعرفاه عندما تراءى لهما ، بل عرفاه عند كسر الخبز . فلكي نقتدي بالتميذين لأجل اللقاء مع الرب ، هو أن نصغي نحن أيضاً إلى كلام الله ونسلم ذواتنا له ، ومن ثم الأنفتاح على عمله والتماس حضوره فينا فاتحين له قلوبنا كما فعلوا ( فألحا عليه قائلين ، أقم معنا ... فأستلما سر الأفخارستيا ) .
 وهكذا خارج أورشليم ألتقى المسيح مع الرجل الحبشي عندما أرسل يسوع وبقوة الروح القدس فيلبس نائباً عنه لكي يلتقي به وكما ألتقى هو بالتلميذين ( أع 26:8 -27 ) فعندما نال الحبشي سر المعمودية أختفى فيلبس كما أختفى المسيح عن تلميذي عماوس .
كذلك خارج أورشليم ألتقى الرب مع شاول الطرسوسي وقاده إلى من ينيب عنه ليعمده وهو حنانيا في دمشق ( أع 9: 1-9 ) وبعد نوال بولس سر المعمودية ولد ولادة جديدة وتغيرت حياته لكي يعود إلى أورشليم كتلميذي عماوس بعد أن تغيرت حياته .
كذلك يعمل يسوع القائم والمنتصر معنا في الداخل لكي يغيّر نظرتنا ويميل أفكارنا لكي يساعدنا على أكتشاف ما لم ندركه . كل أسرار الكنيسة المقدسة لها فاعلية تكمن في تقريبنا من الرب يسوع ، ليس فقط لأنه هو يحبنا ، بل أولاً لأننا نحن نريد أن نقترب منه ونلتقي به .
تلميذي عماوس كانوا يسيرون في الطريق المدبر لأورشليم لوحدهم لضعف أيمانهم وهما يجران ورائهما أذيال الفشل بسبب خيبة الأمل بأقوال سيدهم لهم قبل الصلب ، عائدين إلى قريتهما كالذين يعودون من المعارك الخاسرة لأيمانهم بأن الرب الذي آمنوا به قد رقد في القبر فأنقطع الرجاء ، فمات الأيمان في القلب وأندثر . لكن سرعان ما يظهر لهم رجل غريب ، بل يتظاهر أنه غريب لكي يرافقهم في مسيرتهم وتظاهر بشكل عجيب وكأنه لا يعلم بما حدث في أورشليم ! هذا الغريب أقام لهم أول قداس ألهي بعد القيامة ، أنه الرب يسوع .
فإذا أردنا التعرف على مراحل القداس الذي نمارسه اليوم ، فنقول ، القداس يتكون من ثلاث مراحل ، وهي : المرحلة الأولى ، مرحلة القراءات والوعظ ، والتي تأخذ الجزء الأول للقداس . وتليها المرحلة الثانية ، مرحلة أعلان الأيمان . ومن ثم الدخول الى المرحلة الثالثة والأخيرة وهي الأفخارستيا ، لتناول جسد الرب . نلاحظ بأن هذه المراحل قد تمت فعلاً بحضور الرب نفسه وكان التلميذان ( كليوباس ) وصديقه ملتزمين الصمت يصغيان بدقة الى القراءات الكتابية التي كان يقرأها لهم الرب ، فبدأ بالعهد القديم الذي تنبأ بتجسد وصلب وموت المسيح ، ومن ثم العهد الجديد وكيف تمت النبؤات ، وبعدها الوعظ حيث فسر لهما كل سر.
أما المرحلة الثانية فهي ، عندما ، أقتربا من قريتهما فتظاهر المسيح بأنه ذاهب إلى مكان أبعد ، لكن بسبب أيمانهم بكلامه أثناء الطريق قرروا أن لا يفارقهما ، بل أن يدخل لينزل عندهما ، وهذا بمثابة الأعتراف بما سمعوه منه ، أو أعلان أيمانهم له لهذا لا يرغبون الفراق ، أنه أعلان أيمانهم بكل ما قاله لهم ، لهذا أرادوا أن يبقى معهم ففتحوا باب بيتهم وقلبهم لكي يدخل ويتعشى معهم ، وبهذا يطبقون طلبه في " رؤ 20:3 " ( هاآنذا واقف على الباب أقرعه ، فإن سمع أحد صوتي وفتح ، دخلت إليه لأتعشى على قرب منه ، وهو على قرب مني ) .
أما المرحلة الثالثة والأخيرة من القداس ، دخل لينزل عندهما وحسب أيمانهما ، بل ليدخل معهم إلى مرحلة الأفخارستيا . فأخذ الخبز ، وبارك ، وكسر ، وأعطاهما ، وكأنه يقول لهما بعد أن أعطاهم الخبز ( خذوا ، كلوا ، هذا هو جسدي ! ) وفي هذه المرحلة أنفتحت أعينهما وعرفاه ، لأن جسد الرب الذي هو العشاء الحقيقي صار بأيديهم ، فأنفتحت أعينهم لكي يؤمنوا بأن رب المجد ليس في القبر ، بل معهم لأنه قام من بين الأموات.   
إذاً عليهم العودة إلى أورشليم مركز الأيمان وبعد أن أستلموا من المسيح جسده المبارك الذي قدمه لهم بيديه المباركتين . بواسطة مادة الخبزالمبارك برز الأيمان الحقيقي فيهم وأستوطن المسيح في قلوبهم التائقة لعيش النعمة الألهية .
وهكذا أنتهى القداس الألهي وتحولت خيبتهم الى فرح وهيبة وقوة وأندفاع وحماس ، لأن يسوع القائم شق بنوره ظلمة قلوبهم وزرع فيهم الرجاء فقرروا في الحال العودة إلى أورشليم لكي يخبروا الرسل بلقائهم مع الرب وسماعهم لكلمته المقدسة ، وتناولهم للخبز الذي قدسه وباركه ومن ثم قدم لهما . هكذا نحن أيضاً يجب أن لا نفقد الأمل في طريق حياتنا بالمخلص بسبب التجارب والضيقات والأمراض وغيرها ، بل لنرى بعيون الأيمان المسيح الذي يرافقنا ونشعر بخطواته لكي تحترق قلوبنا في صدورنا كتلميذي عماوس فنعيش مع المسيح السائر معنا في الطريق المؤدي إلى الملكوت لأننا نحن أيضاً لا نستطيع أن نراه إلا إذا صمتنا لكي نسمع إلى صوته الصادر من أعماقنا فتتحول خيبتنا نحن أيضاً إلى هيبة فيضرم فينا نار الخلاص . إذاً على كل مؤمن أن يفتح للمسيح باب قلبه ويصغي لصوته كتلميذي عماوس وهو واقف على الباب يقرع لكي نفتح له فيدخل . وبعهدها يعطي الوعد في السماء للذين يطلبونه بإيمان ، لهذا قال ( من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه ) " رؤ 21:3" .
 وهكذا ستصل وعود الرب لتلاميذه في العشاء الأخير إلى كل مؤمن لكي يتعشى معه في ملكوته وحسب قوله ( وأنا أعين لكم ، كما عين لي أبي ملكوتاً ، لكي تأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ) " لو 29:22" .
 هكذا الغالب سيجلس على عرش المسيح المنتصر ويشترك في ملكوته . ومن هم الذين سيغلبون هذا العالم ويلتقون بالمسيح غير المؤمنين به بأنه هو أبن الله ( طالع 1 يو 4:5-5) ويعملون بوصاياه ، هم الذين يلتقون به ، لا في طريق عماوس ، بل في ملكوته الأبدي .
ولربنا القائم من بين الأموات المجد كل المجد


272
اليهود هم الذين دمروا الهيكل
      بقلم / وردا أسحاق عيسى
[/color]وندزر – كندا
( أنقضوا هذا الهيكل ، وأنا أقيمه في ثلاثة أيام ) " يو 19:2 "
 
الهيكل الذي بناه سليمان الملك كان صرحاً عظيماً يتباهون به اليهود لعظمة أبنيته . تم بنائه في عام 970. ق . م  وقد أستغرق في بنائه 46 سنة حسب قول اليهود للرب يسوع الذي تنبأ بزواله ، عندما كان ينظر أليه الرب مع تلاميذه ، قال لهم ( ... لن يبقى هنا حجر على حجر إلا ويهدم ! ) " مت 2:24 " . دَوّن الرسول متى هذه النبؤة بعد تهديم الهيكل من قبل القائد الروماني تيطس . سمع اليهود بتفاصيل نبؤة يسوع وتفاصيل الحصار على مدينتهم ودمار الهيكل قبل أن تكتب في كتب العهد الجديد ، أو قبل أن يهدم الهيكل ، لكنهم لم يكترثوا ، ولم يبحثوا كهنتهم في الكتب لكي يتأكدوا من قول الرب ، لهذا حزن المسيح ( طالع لو 41:19 ) . حزن لأنهم لم يفهموا معنى قوله ، ولم يسعوا لمعرفة زمن مجيئه اليهم ، ولا عن مصيرهم ! لهذا كانت خطاباته نحوهم قاسية للغاية .
 كان يوبخهم على ريائهم وقساوة قلوبهم وطيشهم لما مارسوه هم وأجدادهم من جرائم قتل بالأنبياء والمرسلين أليهم ( مت 23 ) . لهذا قال عنهم الرسول بولس ( ... اليهود الذين قتلوا الرب يسوع والأنبياء وأضطهدونا نحن أيضاً ، وهم لا يرضون الله ويعادون الناس جميعاً .. ) " 1تس 2: 14-15 " . لقد ندد يسوع الرؤساء وأنبأهم بالعقاب القادم وزوال الهيكل تأكيداً لما أعلنه لهم أرميا النبي في كتابه ، قال ( ولكن إن عصيتم هذه الوصايا ، فقد أقسمت بنفسي يقول الرب أن يتحول هذا القصر إلى أطلال ٍ ) " أر 5:22 " لهذا أكد يسوع قائلاً (هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا ) " لو 35:13 " . كما تحدث  يسوع عن موضوع تنجيس المكان المقدس بعبارة ( رجاسة الخراب ) الموجودة في سفر دانيال " 27:9 " حول السبعين أسبوعاً . أما البشير لوقا فلن يتحدث عن التنجيس لكنه أكتفى بكلمة ( خراب ) ويعني بها الدمار لأورشليم مع هيكلها فقال ( وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا ) " لو 20 21 " نفهم من نبؤة دانيال بأن المقصود يرتبط بأحداث سنة 70 م التي دمر فيها الرومان الهيكل . أما البشيرين متى ومرقس فيتحدثون أيضاً عن علامات تنجيس الهيكل المقدس فترتبط كتاباتهم مع نبؤة دانيال حول موضوع مجىء أبن الأنسان على سحاب السماء ( دا 7: 13-14 ) أي نهاية العالم ، والأسئلة المطروحة من قبل التلاميذ للرب  كانت تنعكس إلى أحداث ما وراء تدمير الهيكل ، أي نهاية العالم ومجىْ أبن الأنسان الذي سيقيم مُلك الله . وهذا موجود عند دانيال الذي يتحدث عن مجىء المسيح على سحاب السماء ، فكان جواب الرب يسوع لهم يتناول موضوع مجيئه ونهاية العالم ، بل ندد يسوع بأن سبب تدنيس الهيكل هو اليهود أنفسهم قبل أن يأتوا الرومان إلى الهيكل  وذلك بسبب المشاريع المادية التي أسسوها في ساحة الهيكل للبيع والشراء من أجل الربح المادي ، لهذا طرد الباعة وقال للكهنة ( جعلتم بيت أبي مغارة للصوص ) " مت 13:21 " وهذا ما تنبأ به أرميا في " 11:7 " كما أشار يسوع إلى موضوع آخر وهو تذكيرهم بجرائمهم المتعلقة بسفك دماء الأبرار والأنبياء في الهيكل ( طالع 23 : 23-35) . إذاً الموضع تحول من رجاسة الهيكل إلى القتل المتعمد ، هذا بعد أن تحدث عن موضوع رجاسة الهيكل وتدنيسه ، لهذا سيكون مصيره ليس فقط التدنيس والتدمير المادي فحسب ، بل نهاية العبادة فيه ، لهذا لا يعني المسيح في تدمير الهيكل ومدينة أورشليم والهروب منها بعد أن تحاط المدينة بالجيوش الرومانية ، بل قصد الهروب من العبادة في الهيكل الذي أنتهى دوره في تقديم العبادة لله لكي يحل محله معبد آخر وهو كنيسته المقدسة التي ستكون جسده المبارك ، أي أنه لم يأمر بمغادرة أورشليم المحاصرة ، بل مغادرة اليهودية كديانة وترك طقوسها .
اليهود لم ينجسوا الهيكل فقط ، بل هم الذين هدموه . والمقصود بالهيكل في قول يسوع ليس هيكل سليمان الذي دمره تيطس وفسباسيانس بعد أن تخلى الله عنه ، بل المقصود هو جسد المسيح نفسه ، فالمسيح هو هيكل الله الحقيقي النازل من السماء ، وجسده المبارك هو مكان حضور الله بين البشر ، وهو الذي جاء ليدعو الجميع ليشاركوه هم أيضاً في جسده لكي يصبح هو رأس الجسد ، ولكي يصبحوا هم معه هيكل الله على الأرض ، أي الكنيسة المقدسة بديلة هيكل سليمان . فالكنيسة اليوم هي خادمة لبني البشر كمؤسسها يسوع ، وهذا هو سر وسبب وجودها ، وهي أمتداد للكنيسة السماوية . فالمسيح إذاً عندما قال لليهود ( أهدموا هذا الهيكل وأنا أقيمه بثلاثة أيام ) لم يقصد بكلامه هيكل سليمان الذي أنتهى دوره بعد المسيحية ، ولا تأثير له حتى لو بقي ، أو حتى لو شيدوه يهود اليوم للمرة الثالثة وببناء أكثر جمالاً ، لأن اليهودية قد أنتهت ، لكن اليهود لم يفهموا معنى قول المسيح لهم ، لهذا قالوا له وهو على الصليب ( يا هادم الهيكل وبانيه ... خلص نفسك ) . لم يحصلوا منه الرد على الصليب ، بل تحداهم بقيامته بعد ثلاثة أيام فأكد لهم ببناء هيكل جديد وهو جسده القائم من بين الأموات لكي يثبت لهم وللبشرية كلها بأنه سيد الحياة والموت ، وكذلك سيقيم جسد أبناء الكنيسة لكي تحيا معه حياة أبدية . والكنيسة تسير في درب الصليب ، درب الآلام لتعيش كلامه الذي ( إن كانوا أضطهدوني ، فسوف يضطهدونكم أيضاً ) " يو 20 :15 " فالمسيح قصد هيكل جسده هو الذي سيهدم من قبل اليهود ، أجل هم الذين دفعوه للصلب رغم معارضة بيلاطس البنطي ، بل رغم دفاعه عنه ، لأنه لم يجد فيه ذنب . هم كانوا السبب في صلبه وموته . فعندما مات على الصليب تمزق حجاب هيكلهم  ، أي تمزقت اليهودية إلى الأبد ( طالع مت 27: 51 ، مر 38:15 ، لو 45:23 ) .
 المسيح مات وقام قبل هدم الهيكل . أنه الهيكل الحقيقي للعهد الجديد الذي يسكن فيه الله كما كان في الهيكل القديم . والمؤمنون به هم حجارة حية في هذا المعبد الجديد الذي لن تصنعه الأيادي ، والذي ليس لملكه أنقضاء . ليعلم اليهود جيداً بأن المسيح الذي دفعوه للموت ، هو نفسه مسيحهم المنتظر والموعود ، لكنهم أصروا على قتله فدمروا هيكلهم الحقيقي , أنه الحمل المذبوح الذي رآه يوحنا الرائي واقفاً بين الشيوخ ( رؤ 6:5) أي المسيح الممجد الذي سيأتي في يوم الحساب المخيف ليدين بحسب عدله الألهي كل أنسان وله ستسجد كل ركبة ،
وللمنتصر القائم من بين الأموات المجد الدائم في كل أوان


273
يسوع واهب الحياة أقام لعازر المنتن
بقلم/ وردا أسحاق عيسى
http://www.m5zn.com/newuploads/2018/03/17/jpg//m5zn_6df75662300c6ce.jpg
( أنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا ) " يو 26:11 "
خصصت الكنيسة المقدسة يوم الجمعة الأخيرة من الصوم الكبير تذكاراً لأقامة يسوع صديقه لعازر من بين الأموات . وفي الأحد التالي تحتفل بيوم النصرة يوم دخول الرب الى أورشليم وبعدها تدخل الكنيسة في أسبوع الآلام المقدس .
كان لعازر من قرية بيت عنيا القريبة من أورشليم ، أخواته مريم ومرثا اللواتي تحدثنا مع المسيح أكثر من مرة ، أما لعازر فلم يدوّن لنا الأنجيل أي حديث له مع الرب أو الرب معه لأنه كان ينتمي إلى مدرسة الصمت والأصغاء إلى صوت الرب كما كان البتول مار يوسف .
أنفرد الرسول يوحنا في سر قصة أقامة لعازر من بين الأموات ، أما الأناجيل الأزائية الثلاثة فلم تذكر شىء عن هذه المعجزة .
كان الرب يسوع يحب عائلة لعازر التي كانت تستقبل يسوع وتلاميذه في بيتها وتقدم له ولتلاميذه الخدمة وتستمع إلى كلمات رسالته السماوية . ومن ذلك البيت كان يسوع ينطلق إلى أورشليم .
عندما أقتربت ساعة يسوع لكي يسلم نفسه طوعاً للموت ، أراد أن يثبت لليهود والعالم بأنه هو المسيح المنتظر ، وهو الإله واهب الحياة ، وله سلطان حتى على الموت . فأحيا الموتى وأحيا نفسه فغلب الموت بموته .
قبل موت يسوع مَرِض صديقه لعازر ، وبدأ المرض يهدد حياته وفي وسط تلك الآلام أرسلت مريم ومرثا رسالة إلى يسوع لكي يحضر لينقذ حبيبه لعازر فجاء في تلك الرسالة ( يا سيد هوذا الذي تحبه مريض ) عندما نتأمل بهذه الكلمات نلتمس عدم وجود طلب ألحاح يأمر المسيح بالحضور رغم شدة المرض ، والسبب يعود إلى فهم الأختين لرسالة المسيح ظناً منهن من أن تكون خدمته في نشر الأنجيل أكثر أهمية من طلبهن ، وبالرغم من العلاقة التي بين الجانبين . فمريم هي التي دهنت الرب بالعطر ومسحت قدماه بشعرها ( يو 2:11) وهي التي جلست عند قدميه في دارها لكي تستمع إلى أقواله عندما كانت تخدمه مرثا . لكن رغم تلك العلاقة كان الطلب لا يتعدى حدود أخبار المسيح بالمرض فقط ، علماً  بأن المسيح يعلم بكل شىء وحتى وإن لم تصل له الرسالة لأنه الإله العالم بكل الخفايا ، لهذا عندما مات لعازر قال لتلاميذه ( لعازر حبيبنا رقد ) .  لم يرد على الرسالة ، ولم يشأ الذهاب لأنقاذه من المرض ، بل سمح للموت لكي ينال منه . وبعد موته أخبر الرب تلاميذه بأن لعازر قد نام ، لم يقل مات . وكذلك قال للذين كانوا يبكون وينوحون على بنت يائيرس رئيس المجمع المائتة ( لا تبكوا ، لم تمت ، إنما هي نائمة ) " لو 52:8"  . لماذا كان يسوع يدعوا الموت نوماً ؟ الجواب ، لأنه كان يقلل من حجم الموت فيسميه نوماً أو رقاداً ، ولكونه قادراً أن يعيد الحياة لمن يشاء وكما أعاده للشاب الوحيد لوالدته الأرملة . كما كان يقصد في قوله أنه نائم وذلك لكي يخفف من ثقل الحزن على أهل الميّت . .
أكمل يسوع الحديث مع تلاميذه قائلاً ( لكني سأذهب لأوقضه ) . إذن المسيح لن يذهب إلى لعازر عندما كان مريضاً ، بل أنتظر موته لكي يصل إلى قبره بعد أربعة أيام . وبعد ذلك قال لتلاميذه " لعازر مات " وكيف علم بأنه مات ؟ لأنه في لاهوته كان يعيش كالحاضر الغائب ، لأنه إله موجود في كل مكان ، لهذا كان يعلم بموت لعازر دون أن يخبره أحد .
عدم وجود يسوع في بيت عنيا لشفاء لعازر كان خيراً للتلاميذ لكي يقوّي إيمانهم بعد أن يروا المعجزة . كان بأمكانه أن يشفيه بكلمة منه عندما قرأ الرسالة دون أن يذهب ، لكنه أراد أن يموت لكي يكرمه ويعمل له الأفضل وهو أعطاءه بركة الأقامة من بين الأموات ولكي يكون خبر أقامته تأثيراً وسبباً لأيمان الكثيرين . وبهذا يثبت المسيح قوته وقدرته في أيامه الأخيرة وسلطانه ولاهوته للجميع بأنه هو الإله الخالق . أما سبب بقائه أربعة أيام فلكي يتحدى معتقد اليهود الذين كانوا يؤمنون بأن روح الميت تحوم حول الجسد ثلاثة أيام ويمكن أن تعود اليه لهذا قصّد بأن يقيمه في اليوم الرابع لكي يقطع كل الحجج ، أضافة إلى أن الجثة تبدأ بالتفسخ وكما قالت مرثا ليسوع ( يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام ) أي من الناحية الطبية نقول بأن كل خلية في جسد لعازر قد ماتت وأنقطعت كل الآمال ولا مجال للعلم أن يعطي تفسيراً أو تبريرا لعودة الحياة إلى تلك الجثة إلا إذا خلق من جديد . فنقول هل أقام الرب يسوع لعازر ، أم خلقه من جديد وأعاده كما كان ؟ الجواب ، خلقه لكي يقوم بكامل عافيته وبرهن لكهنة اليهود وللعالم وللتاريخ بأنه الرب الإله واهب الحياة . وكذلك سيفعل مع كل الموتى في يوم القيامة العظيم .  قال القديس أوغسطينوس ، يسوع يشير بقيامة الأشخاص الثلاثة الذين أقامهم إلى قيامة نفوسنا لكي يهبنا القيامة والخلاص .
أبنة يايرس ، لم يناديها بأسمها لكي تقوم " مت 9" ولا أبن ارملة نايين " لو 7" بينما لأقامة لعازر صرخ بصوت عظيم ، لماذا هل ليسمع لعازر في القبر ، أم ليسمع كل الواقفن ويجذب أليه أنظارهم وأفكارهم ؟ أما لماذا ناداه بأسمه " لعازر " فيقول القديس أغسطينوس : لو لم يقل يسوع " لعازر " لكان كل الأموات الذين في القبور قد قاموا ز وهكذا في يوم القيامة عندما ينادون الموتى بالقيامة فذلك الصوت سيسمعه كل الموتى ويقومون .
كان لأقامة لعازر تأثيراً كبيراً في المجتمع اليهودي ، فكثيرون من اليهود الحاضرين في وقت أقامته آمنوا بالمسيح ، أما البقية الباقية فلن يؤمنوا لقساوة قلوبهم فذهبوا بالخبر إلى قادة اليهود الذين قرروا الأجتماع في مجمعهم لكي يخططوا لقتل المسيح بسبب أعماله الخارقة ، وآياته الكثيرة وخاصةً بسبب أستقطاب الناس أليه ، وهذا ما أخافهم ، فقالوا ( ماذا نصنع ، بأن الأنسان يعمل آيات كثيرة ؟ ) وهذه المعجزة تفوق كل المعجزات ولا يمكن مقارنتها بغيرها من المعجزات لأن لعازر المنتن قد عاد إلى الحياة والناس يتحركون نحو المسيح لكي يبايعوه ، وهذا ماحصل في يوم يوم دخوله إلى أورشليم راكباً على جحش أبن أتان ، وبدأ قادة اليهود يخافون على مناصبهم وسلطانهم وهيبتهم ، لهذا حولوا الموضوع إلى سياسة فقالوا عنه ، يريد أن يصبح ملكاً . هكذا ولأجل التخلص منه كانت هذه حجتهم لبيلاطس بأن يريد أن يصبح ملكاً ونحن لا ملك لنا إلا قيصر رغم كرههم لقيصر وللأستعمار الروماني . وكل هذا الأعتراف والتنازل أمام بيلاطس كان لأجل التخلص من وجود المسيح بينهم . كذلك أقنعوا الشعب الذي بايعه بمقاومته بقولهم لهم ( أن تركناه هكذا ، يؤمن الجميع به ، فيأتي الرومان ، ويأخذون موضعنا وأمتنا ) لهذه الأسباب قرروا الخلاص من يسوع ، وكذلك قتل لعازر أيضاً لأن جوده في الوسط اليهودي خطير لهذا يقول الكتاب ( فقرروا رؤوساء الكهنة أن يقتلوا لعازر أيضاً ، لأن كثيرين من اليهود كانوا يهجرونهم بسببه ويؤمنون بيسوع ) " يو 12: 10-11 " .
ختماً نقول : المسيح هو واهب الحياة لأنه هو ( الطريق والحق والحياة ) لهذا قال لمرثا ( أنا هو القيامة والحياة ، من آمن بي وإن مات فسيحيا ) " يو 27:11 " كما كرر كلامه ، فقال ( ألم أقل لك أن آمنت ترين مجد الله ؟ ) " يو 41:11 " فنادى يسوع لعازر بصوت عالٍ قائلاً ( لعازر أخرج ) سمع الميت صوت الله ، وهكذا سيسمعون كل الموتى صوته في يوم القيامة لكي يقوموا كلعازر من قبورهم .
خرج لعازر والأكفان تشّد جسده والمنديل رأسه ، فأمر يسوع لمن حوله ( حلّوه ودعوه يذهب ! ) وهكذا تم أطلاق لعازر من قيود الكفن وقيود الموت ومن سجن القبر لكي يحيا مع المسيح وفي المسيح الذي أقامه ، ونحن أيضاً سيقيمنا في يوم الدينونة الأخير لكي نجتمع معه على السحاب فنبقى معه إلى الأزل في السماء ، قال الرسول بولس ( أما نحن ، فإن وطننا في السموات التي منها ننتظر عودة مخلصنا يسوع المسيح ، الذي سيحول جسدنا الوضيع إلى صورة مطابقة لجسده المجيد ، وفقاً لعمل قدرته على إخضاع كل شىء لنفسه ) " في 3: 20 -21 " .

ولربنا يسوع المسيح المجد دائماً
 

274



للكنيسة وجهان ... طاهر وفاسد

بقلم / ورداأسحاق عيسى
وندزر – كندا

http://www.m5zn.com/newuploads/2018/02/14/jpg//m5zn_405221e10ccde0e.jpg
( وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تتقوى عليها ) " مت 16 :16"
الكنيسة التي أسسها الرب يسوع هي مؤسسة بشرية تحتوي على نعمة الله وشعبه المقدس . لها رئيس واحد وهو الرب يسوع ، وفي أسرارها المقدسة تكمل حضور المسيح على الأرض ، لهذا يجب أن تكون الكنيسة أيضاً واحدة موحدة لأن رأسها واحد ، المسيح الذي مات من أجلها . فالكنيسة هي شعب الله المختار المدعو الى الخلاص ، وهي التي تجعل لله حضوراً محسوساً في هذا العالم على مدى القرون . أنها تدعو العالم للتعرف على شخص يسوع المخلص والأيمان به وبعمل صليبه المقدس ، فهي التي تهيأ المبشرين بالأنجيل ، كما هي وسيلة لنقل الأيمان ونور الأنجيل إلى العالم ، أنها موضوع الأيمان الكامل والمطلوب . وفي الكنيسة يعلن شعبها أيمانه في قانون أيمان الرسل الأطهار ، فيعلنون أيمانهم بإله واحد ، الآب ، والأبن الوحيد ، وبالروح القدس المحي ، وبكنيسة واحدة مقدسة ، وبغفران الخطايا ، وأخيراً بقيامة الأجساد والحياة الأبدية في الدهر الآتي . لا تفرض الكنيسة على مؤمنيها بأن يعلنوا أيمانهم هذا ، بل هم مدعوون كي يعلنوا ذلك الأيمان بالكنيسة وبالله . ويجب أن لا نفصل بينهما لأن الله هو الذي أسس الكنيسة وأعطانا أياها لكي تكون بيتنا الثاني ، أنها الكنيسة المجاهدة المضطهدة ( ها أنا أرسلكم مثل الخراف بين الذئاب ... ) " مت 16:10" ، كما أنها الصورة المرئية للكنيسة السماوية الممجدة . فيها سرَين رئيسين بين أسرارها ، هما أعمدتها الروحية ، وبها ننتمي إلى جوهرها ، هما سر المعمودية التي نعلن من خلاله أيماننا بأسم الآب والأبن والروح القدس فنموت في الرب ونقوم معه ، وسر الأفخارستيا ، حيث تتهيأ الكنيسة أبنائها المؤمنين للأجتماع حول مائدة المسيح المقدسة لتناول جسده المبارك ودمه الغافر للخطايا ، فمن خلال المعمودية والأفخارستيا يصبح الشعب كله جسداً واحداً مع جسد يسوع السري فيربطه في عهد الحب وسر الوحدة . فالكنيسة التي لا تقدم لشعبها هذه الأسرار ليست كنيسة رسولية . لأن الكنيسة الحقيقية تقدم لشعبها جسد المسيح المكسور للعالم كطعام روحي أبدي ولكل الأجيال إلى يوم مجيئه . لكن رغم ذلك فأن لتلك الكنيسة الطاهرة التي هي عروس المسيح والذي غسلها بالماء  وأخذها لنفسه عروساً ( ليقدسها مُطَهِراً أياها بغسل الماء بالكلمة ) " أفس 26:5 ". للكنيسة أيضاً وجه فاسد ، فيها ابناء قديسين وآخرين خاطئين يرتكبون الخطايا المميتة بسبب ضعفهم في مقاومة التجارب المستمرة التي يدفعهم اليها قائد الشهوة ، والطمع ، والحسد ، والكراهية ، وحب الأنتقام ، والمال الذي هو أساس لكل الشرور، وهو الإله المنافس لألهنا الحقيقي ، فلا نستطيع أن نخدم سيدين ( مت 24:6 ) .
من بين الخاطئين نجد بعض آبائنا الروحيين الذين يشوهون صورة الكنيسة المقدسة ، فبسبب حبهم للمال يبيعون أسرار الكنيسة المقدسة بالمال ، بل يحددوها بأسعار ، وكلام المسيح واضح ( مجاناً أخذتم ، مجاناً أعطوا ) " مت 8:10 " . أو يشوهون وجه الكنيسة أمام العالم بسبب أعمالهم المشينة كالتحرش بالأطفال مما يضعون المراجع الكنسية أمام المحاكم لتدفع الثمن ، أو تواجدهم في أماكن واللهو والقمار . وهكذا تشَوّه صورة الكنيسة في الأعلام العام بسببهم. والى غير ذلك من الأعمال التي تعكس سلباً على الكنيسة المقدسة .
   كذلك العلمانيون ، فكل مسيحي معمد ومثبت بمسحة الميرون هو كاهن ، فعليه واجبات كهنوتية يقدمها في حياته وأعماله كذبائح روحية والشهادة للمسيح الرب في كل مكان  ، لكن هناك أعداد كبيرة من المؤمنون الضعفاء يشوهون صورة الكنيسة بأفعالهم الخاطئة والتي بسببها يبقون بعيدين عنها زمناً طويلاً ، وهكذا يفسدون صورة وجه الكنيسة أمام العالم . وقد يعود البعض إلى قطيع الرب بعد التوبة والمصالحة كما فعل الأبن الشاطر .
كتب المونسيور الدكتور بولس الفغالي في كتابه ( رؤيا القديس يوحنا ص262) ما يلي :
الكنيسة في وضعها الحالي مسلّمة إلى الأمم ، وترتبط في الوقت عينه بعالم السماء والملائكة كما بعالم الأرض . أجل هناك وجهان للكنيسة : نراها بوجه المجد والأمان إن نظرنا اليها على ضوء مخطط الله . بينما نجدها مذلولة ومتألمة وفي خطر قتال غير متكافىء إن تطلعنا فقط الى ظروف حياتها الحاضرة . والكتاب المقدس يقول لنا ، الكنيسة هي هنا وهناك . هي الكنيسة عينها ، وهذه الأزدواجية التي تصلها هي جزء مكمل وضروري لكيانها في زمن النبؤة هذا . هذا هو وضعها الحالي.
إذن علينا أن نعترف بما مكتوب لنا عن هذا الموضوع في الكتاب المقدس ولا نخاف لأن وكما تقول الآية ( حيث كثرت الخطيئة ، تتوافر النعمة أكثر جداً ) " رو 20:5" . فحيث تكون الوعود مكسورة مراراً يقف وعد الرب ثابتاً لكي ينقذ المؤمن الضعيف ويدعوه الى المشاركة بالمائدة وبأستحقاق . علينا أن نغفر للخاطىء وحتى وإن كان أباً روحياُ ، الكنيسة هي مؤسسة بشرية ، لهذا ليست معصومة عن الخطأ ، وهي بحاجة إلى مغفرة مستمرة ، والمسيح الحي فيها يقبل المغفرة وكلنا ضعفاء وليس هناك طاهراً كما قال الرسول في " رو 10:3 " ( أنه ليس بار ولا واحد ) ونحن جزء من أؤلئك الذين نلتقيهم وبهم نلتقي مع المخلص بمغفرتنا لهم ومساعدتهم للعودة الى طريق الصواب . فإذا كان بيننا كاهن خاطىء فعلينا أن لا نتحداه ، بل علينا أن نتحمله ونسمع أقواله المأخوذة من تعليم الكنيسة ، لا ندينه ونشهره لكي لا ندان ، بل تحدينا له يكمن في تحمل أخطائه وأعطائنا له الصورة المسيحية الحية الحقيقية في حياتنا . المسيح كان يعلم بخطايا يهودا الأسخريوطي وبكل أعماله لكنه تحمله ولم يطرده رغم علمه بخيانته .
 من خلال السلطة الدينية قد نجد من يجرحنا في كلماته أو أفعاله أو في طلباته ،  ونحن لدينا حساسية عالية لكي ننقد ونهاجم ونتأثر سلباً على خدام الكنيسة فنتظاهر بالتحدي ، والعناد ، والتمرد ، والرفض ، فننسى المحبة والمغفرة والمصالحة والعمل من أجل وحدة الصفوف ، كما ينبغي لمن لديه سلطة في الكنيسة أن يكون حكيماً ورحوماً ومحباً وغافراً من أجل ردم كل هِوة تظهر بين الجماعة .
ختاماً نقول ، للكنيسة وجهان ، وجه يصلي ويعلم ويبشر ويدعوا إلى التوبة والمصالحة والأعتراف من أجل التطهير والأستعداد للمشاركة في مائدة الأفخارستيا فيرتبطون مع الجماعة في عهد المصالحة والوحدة , وكذلك الكنيسة ترسل المؤمنين في خدمة وتعطي لهم الأسرار المقدسة لكي يكونوا دائماً مستعدين لملاقاة العريس .
أما إذا كان هناك أعضاء خارجين من حرية الأيمان الصادق إلى العبودية من أجل ممارسة الخطيئة فعلينا أن لا نحسبهم أعداء ، بل أخوة ، فنعمل من أجل أعادتهم الى أحضان الكنيسة لكي يكونوا من نصيب الرب لا من نصيب الشرير الذي يسعى الى هلاكهم . هكذا نحصل للسماء فرحاً عندما نعيد خاطىء إلى التوبة والمصالحة والوحدة مع جماعة الكنيسة المقدسة . لنتذكر قول الرب ( ثقوا ، أنا قد غلبت العالم ) " يو 33:16" .
ولراعيها الصالح يسوع المسيح المجد دائما


275
هكذا عاش يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت

بقلم / وردا أسحاق عيسى
وندزر - كندا
 http://www.m5zn.com/newuploads/2018/01/15/jpg//m5zn_cf4339a13e6881c.jpg
فَقَالَ الرب   ( ... لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ .. ) مت 12: 40
لنبحث أولاً عن شخصية يونان النبي وعن أفكاره وأيمانه ، فنكتشف بأنه كباقي اليهود يمتاز بالعنصرية ، لأنهم يؤمنون بأن الخلاص هو لشعب الله المختار فقط ، فأبى أن يذهب إلى نينوى ليحذر شعبها من خطاياهم التي وصلت إلى محضر الله ، ولكي لا يتوبوا فيغفر لهم ، بل أراد أن يهلك الشعب الآشوري الذي تعدى مرارا على شعبه وأخذوا الكثيرين منهم سبايا إلى أرض آشور . لهذه الأسباب قرر يونان أن ينطلق بعكس الأتجاه ، نحو الغرب ، إلى مدينة ترشيش فتبقى نينوى في خطيئتها ، والله سيدمرها كسدوم وعامورة ، وبحسب عدله الألهي لأن ( أجرة الخطيئة هي الموت ) .
إذن كان يونان في الظاهر يمتاز بشخصية ذات صفات لا تليق بنبي مختار لما كان يحمله من الحقد وحب الأنتقام ، والتمرد ، والعصيان ، وروح التحدي والأنتقام ، كما كان مقاوماً لأرادة الله ووصاياه . وكان عديم الشفقة حتى على الأطفال الأبرياء والحيوانات لذلك أشعره الله بقساوة القلب . برز ضعف وأيمان يونان بأستغلاله لمحبة الله وطول أناته ، فصاغ يونان هذه الكلمات بقوله لله ( لأني عرفت أنك إله رحيم رؤوف بطىء الغضب كثير الأحسان ، ترجع عن العقاب ) " يون 2:4".  ومن جهة أخرى كان يونان النبي رمزاً للمسيح ، فهناك أوجه التشابه كثيرة بين يونان الرمز ويسوع المرموز إليه . قال يسوع لليهود ( لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى ، كذلك يكون أبن الأنسان لهذا الجيل ) " لو 30:11"كذلك ( ... لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ .. ) " مت40:12". للمزيد عن هذا الموضوع طالع مقالنا ( يونان النبي رمزاً للمسيح ) على الرابط:
https://mangish.net/forum.php?action=view&id=1364
كان الله بأستطاعته أن يختار رسولاً آخر في هذه المهمة ، لكنه أراد أن يكون يونان هو المخبّر لا غيره ( أنه لصراع بين الله والأنسان ) هكذا تصرف مع يونان بدقة وترتيب ، فأظهر له قوته الخارقة للطبيعة وقوانينها المسيطرة على البحر وما فيه ، وعلى العاصفة والقرعة الوثنية لكي يؤمنوا أؤلئك الوثنين بقدرته ووجوده ، وهكذا كانت يد الله وأرادته واضحة في دوران نينوى وسكونها ، وهكذا بالنسبة الى اليقطينة التي أفرحت يونان . لهذا تحداه ورصد مسيرته وبسببه هيّج البحر فقام جميع الركاب ليصلوا إلى آلهتهم ، أما هو فلن يكترث حتى من الموت ، لأن موته سيقابل موت كل أهل نينوى .
أعترف يونان أمام قبطان السفينة بعد أن وقعت القرعة الخرافية عليه ، وقعت بحسب أرادة الله ، قائلاً ( خذوني وألقوني في البحر فيسكن البحر عنكم فإني عالم أن هذه الزوبعة إنما حات بكم بسببي ) . ألقي يونان في البحر فنزل في المياه ( كمن ينزل في مياه المعمودية ) . أمر الرب حوتاً كبيراً ليبتلعه . صار الحوت بالنسبة له كالقبر لمدة ثلاثة أيام ( وهكذا يغطس المعمد في الماء ثلاثة مرات) . وهناك صلى إلى الله القدير لكي يسمع صلاته، فسمعه الله ليكشف به للأجيال سراً وهو آلام يسوع في الجلجلة وعلى الصليب ومن ثم بقائه في القبر ثلاثة أيام ليخرج منتصرا على سلاح الموت . بعد خروج يونان من المياه إلى اليابسة تغير كمن يخرج من مياه المعمودية.
نهض ضمير يونان في جوف الحوت فتاب وصلى ، مسلماً أرادته إلى الله الذي سمع صلاته من جوف الحوت أو كمن هو في القبر . لم يمثل يونان المسيح في القبر بالجسد لأن يونان لم يمت ، بل بالروح ، لأن روح المسيح بعد الموت نزلت إلى الهاوية ثلاثة أيام . " أع 27:2" .  وهكذا نقول أن الضربات التي كانت معدة لنينوى أن لم تتب ، تم توجيهها إلى اليهود بسبب رفضهم للأيمان بالمسيح ، وجهت إلى اليهود من قبل جيوش تيطس وفسباسيانس سنة 70 م .
أمر الله الحوت لكي يقذف يونان  إلى اليابسة ، فخرج كمن يخرج من جرن المعمودية لكي ينطلق مبشراً لكلام الله . ذهب الى نينوى وعمل بحسب أرادة الله .هكذا فشلت أرادة يونان وتنازل عن كرامته وأفكاره وحقده لكي يعمل بحسب خطة وأرادة الله لكي يكون الخالق هوالغالب المنتصر .
كيف بقي يونان ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ في جوف الحوت ؟
كيف عاش يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام بلياليها ؟  " يون 17:1" .
قد تبدو القصة للبعض أسطورة لا يمكن تصديقها . كتابياً نقول ( الله هو الذي حفظ  يونان حياً في بطن الحوت ) . أما علمياً فنقول ، يجوز بقاء الأنسان حياً في جوف الحوت  لهذه الأسباب : كتبت أحدى الجرائد الأمارتية في مطلع الألف الثالث قصة عنوانها ( نبي يونس من جديد في بطن الحوت ) وكذلك أحدى الجرائد الفرنسية ، بالأضافة إلى الصحف الأسكتلندية في حينها . هذه القصة واقعية فعلاً وعجيبة ، ملخصها : كان أحد قادة قوارب الصيد في أسكتلندا المسمى ( جيمس بارتلي ) يصطاد في البحر فأبتلعته أحد الحيتان ، وبعد ثلاثة أيام ذهبت نفس المجموعة إلى نفس المنطقة فوجدوا الحوت ، فقام أحد الصيادين بألقاء قنبلة عليه فمات . تم سحبه إلى السفينة لأجل تقطيعه ، فلما فتحوا فاه وجدوا صديقهم حياً بعد مرور 36 ساعة على أبتلاعه ، فسمي ب ( يونان الثاني ) وهكذا أخمدت القصة النيران الموجهة ضد قصة يونان النبي .
وفي عام 1953 م حدثت قصة مشابهة لبعض البحارة في بحر الشمال  بين هولندا وأنكلترا حيث ألتقوا بحوت ضخم ، دخلوا في معركة معه وفي الأخير تمكنوا من قتله وأخراجه ، ومن ثم حقنه بمواد خاصة حتى يحتفظوا به من الفساد . كلن طول الحوت 84 قدماً ، أي ما يزيد عن 25 متراً . قلبه كان بحجم بقرة ، أما رأسه فكان يشكل ثلث طوله ، وكان بمثابة غرفة طولها نحو ثمانية أمتار . أحضروا فتاة بالغة فنزلت إلى فمه وأختفت تماماً في فكه الأسفل ليبرهنوا للعالم أنه من الممكن أن يبتلع الحوت لا شخصاً واحداً ، بل عدة أشخاص . أطلق على الحوت ( حوت يونان ) وقد خصص له سفينة لتحمله وتطوف به العالم كله .
 في عام 1955 تم أحضاره إلى مصر ، فعرض في ساحة التحرير في قلب القاهرة داخل سرادق كبيرة برسمٍ قدره خمسة قروش مصرية .
أما عن طرد الحوت ليونان بعد ثلاثة أيام فهذه الحقيقة يؤكدها العلماء أيضاً ، قائلين : أن طبيعة الحوت في الصيد ، هي أن يفتح فمه ليبتلع أشياء كبيرة ، ورغم ذلك فإن أمعاءه دقيقة جداً لا تسمح بمرور شىء غير صغار السمك ، فلهذا يبلع الحوت أشياء كثيرة مع كميات ضخمة من المياة وبنوع من الضغط يطرد الماء من فتحة في أعلى الرأس ليبقى في فمه ورأسه الأجسام الصلبة فينسحب منها الأسماك الصغيرة إلى أمعائه ويقذف الأجسام الكبيرة . لذلك كان لا بد من قذف الحوت من يونان للتخلص منه .
 لكن المعجزة الحقيقية هي أن يبقى يونان حياً ويعيش في وعي وصلاة تأملية في داخل الحوت ثلاثة أيام محفوظاً بلا شك بقدرة سماوية من الموت ، ومن خطيئة تمرده لكي يتوب إلى الله أولاً ، ومن ثم يخرج من جوف الحوت حياً معافاً ليكمل أرادة الله من أجل خلاص شعب نينوى .
ولألهنا المجد الدائم

276
رحيل إدارة الأرهاب الأسلامي للبيت الأبيض

بقلم / وردا أسحاق عيسى

وندزر - كندا

 ( لاتفرح بسقوط عدوك ، ولا يبتهج قلبك إذا عثر ) " أم 17:24"

علينا أولاً أن لا نفرح بسقوط أعدائنا كأشخاص ، بل علينا أن نفرح بسقوط خططتهم وسياستهم وشرورهم التي دفعتهم الى تدمير شعوب وسلب خيراتها . فالشر الذي نشرته الأدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما وهيلاري كلينتون وذلك بدعمهم لحركات أسلامية أرهابية في الشرق الأوسط والعالم ، كحركة أخوان المسلمين في مصر وداعش في العراق وسوريا وليبيا . وكذلك السكوت على ما تقوم به دول الخليج بدعم الأرهاب لتدمير بلدان كثيرة في الشرق الأوسط ، فشعوب تلك البلدان المنكوبة بسبب الحروب المفروضة عليها بدأت الآن تبتسم لمجىء الربيع الحقيقي لا الربيع العربي الذي أسسه أوباما وذراعه الأيمن هيلاري كلنتون . فعلاً كان ربيعاً زاهياً للجماعات الأرهابية لكي تبعث في الأرض فساداً ودماراً ورعباً وقتلاً وأرهاباً . أختار أوباما الأخوان المسلمين ودعمهم مادياً وسياسياً لكي يرتقوا الى كرسي الحكم في مصر ومن أجل تدمير حضارتها وأمنها وأقتصادها وشعبها . لم يعد ذلك الربيع ربيعاً في قناعة أي أنسان عاقل ، بل الربيع الذي تنظره تلك الشعوب المظلومة والشعب الأمريكي والعالم هو ربيع ترامب الذي يعتبروه الأمل المنتظر لأنقاذ أميركا أولاً مما زرعه أوباما وكلنتون ، ولكي يُبيّض صفحة أميركا السياسية أمام العالم . وكذلك لأنقاذ الشعوب المظلومة التي تم تدميرها بمليارات نفط الخليج التي تدعم خطط أوباما وكلنتون لتدمير الشرق الأوسط . لنهنىء أولاً الشعب الأمريكي لأنهم لفظوا سياسة الشريرين وأبوا أن ينتخبوا كلنتون المدعومة بدولارات الخليج والتي كانت تظن بأنها المنتصرة لا محال ، وما ترامب في نظرها إلا مراوغ مغمور لا شأن له في السياسة ولا خبرة له في الحروب مثلها ، ولا في قيادة أعظم دولة في العالم ، وبسبب غرورها وكبريائها وثقتها بنفسها قَدَمَت لترامب نصائح من باب عطفها له لكي ينسحب من الأنتخابات أستهانتاً به ، وحتى أعضاء حزب الجمهوريين الذي كان من واجبه أن يدعم ترامب ، هم أيضاً لم يقتنعوا به ، بل ظنوا أنه من الأفضل له أن ينسحب . أما أوباما فدعم كلنتون ليس لأنهما من حزب واحد فحسب ، بل لأنهما أصدقاء في سياسة سرية وعميقة لزرع الشر ودعم الحركات الأسلامية المتطرفة في العالم والمدعومة من قبل السعودية وقطر . وفي عهدهما نُسِجَت مؤامرة لتدمير بلدان ونهبها . فقطر الصغيرة الصديقة باتت كبيرة جداً برزت لكي تتحدى بلداناً كبيرة كروسيا وبلداناً عربية كثيرة وبرزت قناتها الفضائية ( الجزيرة ) التي فاق أعلامها الكاذب كل الفضائيات وأصبحت معروفة عربياً وعالمياً .

  أوباما وكلنتون هم سمحوا للجيوش السعودية ودول الخليج والتي تقودها السعودية لأجتياح اليمن وتدميره لهذا لم نسمع بأي أعتراض أمريكي ، بل تم الأعتداء بمباركة أمريكية وبأسلحتها وكأن اليمن لم يكن بلداً مستقلاً . بينما تم تدمير العراق من شماله الى جنوبه وما يزال الأعتداء مستمراً لمجرد دخول جيوش صدام الى الكويت .

كما أراد أوباما وكلنتون تدمير مصر بأخوان المسلمين الذين حكموها ، فلولا قيادة ذلك البلد العسكرية الحكيمة التي أجهضت خطة الشريرين وضاعت مليارات الدولارات الأمريكية التي أعطاها أوباما للرئيس المخلوع مرسي ، والتي كانت ثمن لجزء من سيناء ولأجل تقسيم وتدمير مصر . فهل سيسعى ترامب الى وضع حركة الأخوان في قائمة الحركات الأسلامية الأرهابية ومن ثم العمل على محاربتها وملاحقة قادتها ؟

أوباما دعم كلنتون في الأنتخابات لكي تفوز لكونها شريكته الأولى في سياسته المعادية لأميركا أولاً ، لهذا بذل كل ما بوسعه لأجل توصيلها الى كرسي الرئاسة ، فتجرع في تصريح له ، لم يصدر عن رئيس أمريكي سابق حين قال ( لو فاز ترامب لن أخلي البيت الأبيض ) فهل أوباما هو الذي أمر نوري المالكي بأن لا يخلى كرسيه لأياد علاوي عندما فاز على المالكي ؟ وهل كان المالكي مدعوما ً من أوباما ، وهل أوباما هو الذي أمر المالكي بسحب قواته وتسليم الموصل الى داعش ؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الى أجوبة مقنعة . في الأسبوع الأخير من أنتهاء ولاية أوباما أتهم وزير خارجيته جون كيري السيد نوري المالكي بأضعاف الحكومة العراقية وتبني الميليشيات الطائفية وسبب بتمدد تنظيم داعش وتسليم مدن عراقية الى التنظيم . فرد عليه المالكي قائلاً : أن داعش صنيعة أدارة الرئيس باراك أوباما والتي تسببت في أراقة الدماء في العراق وسوريا واليمن . إذاً من هو الطاهر البريء ؟

كان أوباما مغروراً ويمتلك ثقة عالية بأن كلنتون هي التي ستفوز ، ويجب أن تفوز حسب أعتقاده لكي تحافظ على الأسرار التي رسمها لتدمير أميركا وأوروبا بأسلمتها وتدمير دول وشعوب أخرى . ففي عهده تم تأسيس مدراس ومعاهد وكليات أسلامية في أميركا وآلاف الجوامع التي تعلم الشر والحقد على الأراضي الأمريكية ، وهو الذي أبدع في أدخال المائدة الرمضانية الى البيت الأبيض وهو يشارك المسلمين كل عام في الفطور الرمضاني .

 أصبحت سياسة أوباما الداعمة للأرهاب واضحة جداً في الأشهر الأخيرة وأمام الكونغرس الأمريكي وذلك عندما أنفرد بالوقوف أمام أقرار الكونغرس بقانون 11 سبتمبر الذي يعطي الحق في مقاضات السعودية الداعمة للأرهاب لكي تدفع ثمن جريمتها ، فكان رد أعضاء الكونغرس واضحاً وقوياً بوجه أوباما ففضحوا ميوله وسياسته ضد بلاده لصالح السعودية داعمة الأرهاب ، وهو الذي أراد أزالة معتقل كواتاناموا لكن ترامب صرح ببقائه . فهل هناك شكوك بأن باراك حسين أوباما لم يكن مسلماً عندما جلس على عرش أميركا رغم أدعائه بأنه مسيحياً فوضع يده اليمنى على الكتاب المقدس لكي يخدع الشعب الأمريكي والعالم ، وهذا جائز في الأسلام ويسمى بسياسة ( التقيّة ) أي سياسة الكذب والخداع لأجل الوصول الى الهدف ولخدمة الأعتقاد .

أوباما هو الذي صنع داعش وأختار كلنتون لقيادته لغرض تدمير البلدان العربية الآمنة وخاصةً التي تحتوي على أقليات مسيحية لأبادتها وتهجيرها وبهذا يقدم هدية لأسياده ملوك السعودية الذي أنحنى أمام ملكها منذ السنة الأولى لتوليه الحكم على أميركا العظمى ، لهذا دمر العراق وسوريا ومصر ونيجيريا وجنوب السودان كما كانت أثيوبيا أيضاً تحت نصب أعين الثنائي أوباما وكلنتون . وهذا المخطط أعلنه ترامب خلال حربه الأنتخابية مع كلنتون فأتهمهما خلال خطابه في ولاية فلوريدا بتمويل تنظيم الدولة الأسلامية في العراق وسوريا بمساندة وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون مفسرا في خطابه عن الأسباب ، وأشار أن كليهما يتحملان جريمة أرهاق دماء الأبرياء على يد داعش .

نجحت خطة أوباما وكلنتون وملوك الخليج في أبادة الأقليات في الشرق الأوسط حسب خطط مخابرات أوباما وخططه المرسومة لمنظمة داعش التي تم دعمها بأموال قطر والسعودية وبقية الدول الخليجية التي تعاظمت بسبب الدعم الأمريكي . بعد أنتهاء حكم أوباما وكلنتون ستعود تلك الدول الى حجمها الحقيقي ، بل سيأتي اليوم الذي به سيعودون الى ركوب الجمال في تلك الصحارى الرملية ويسكنون الخيام كأجدادهم ، فالبترول لم يعد مطلوباً لكي تدافع عنهم الدول العظمى كالسابق ، فحينذاك قد تحتل تلك الأراضي من قبل الدول المحيطة كأسرائل أو أيران دون أن يتحرك لنجدتهم أي من أصدقائهم السابقين .

في عهد أوباما وكلنتون برز نشاط الحركات الأسلامية في الشرق الأوسط وأوربا والعالم ، بل خططت تلك الدول الخليجية وبمساعدة تركيا وبدعم من أوباما المتأسلم لأسلمة أوربا وذلك بضخ آلاف المشردين الأرهابيين من سوريا والعراق وأفغانستان الى أوربا ، بل كان أوباما يضغط على الأتحاد الأوربي لغرض أنضمام تركيا المسلمة الى الأتحاد الأوربي ، لكنه فشل . كذلك ستبدأ أنجيلا ميركل بالتقهقر والأنكماش بعد أختفاء الثنائي من البيت الأبيض وستدفع ثمن قبولها لهؤلاء الأرهابيين الحاقدين اللابسين ثياب اللجوء ، أنها لم تعترف بخطأها لحد اليوم رغم العمليات الأرهابية التي قاموا بها هؤلاء المجرمين والتي هزت أوربا كلها . هكذا بعد دخول ترامب الى البيت الأبيض سيبدأ البحث عن السموم التي زرعها أوباما وكلنتون في السياسة الأمريكية ، وسيتم البحث عن العملاء المسلمين الذين كانوا يعملون مع أوباما وكلنتون مثل هوما عابدين السعودية ( نسأل ونقول ، من هي هوما عابدين ؟ هوما هي السكرتيرة الأولى لكنتون وكاتمة أسرارها ، وهي أخت حسن عابدين الذي كان شريكاً مع شيخ الأرهابيين يوسف القرضاوي وصديقاً لحسن نصيف القيادي في تنظيم القاعدة . وهوما كانت طالبة في أحدى الجامعات الأمريكية مع أصدقائها اللذين فجروا أبراج نيوورك التجارية ، فلنتخيل دور هذه الأرهاربية لو فازت كلنتون وجعلت هوما رئيسة موظفي البيت الأبيض ؟ ) وكذلك أعضاء من الأخوان المسلمين الذين كانوا معاونين ومستشارين لهذين الشريرين ، فكان النظام السعودي ودول الخليج يدعمون كلنتون في الأنتخابات بالمال والأعلام والصلوات والصوم والدعاء ويحلمون بجلوسها على عرش أميركا .

 نجاح ترامب كان كقنبلة حديثة لن يتوقع نجاحها أحد ، وهذه القنبلة ستمتلك تأثيراً بارزاً في السياسة الأمريكية الجديدة ، لأن ترامب سيكشف كل خطط أوباما وكلنتون المعادية للشعب الأمريكي والبلدان الأخرى وخاصةً في الشرق الأوسط ، وسيبدأ عهد أفول وذبول وأضمحلال النظام الوهابي الفاسد والحاقد ، ونظام خميني وأحلامه التوسعية ، وسينقض الأتفاق النووي الأخير بين أوباما والنظام الأيراني والذي كان لصالح أيران ، سيعمل ترامب الى ألغائه أو تجميده . كما أنه لام أوباما وكلنتون لأطلاقهما لحرية أيران في المنطقة فأعطوا العراق كله هدية لأيران بعد أنسحاب الجيش الأمريكي عام 2011 وسمحوا لنظامه بالهيمنة على المنطقة والتدخل الواضح في ضرب وتدمير البلدان الثلاث ( العراق وسوريا واليمن ) . وهكذا سيزول حلم الأخوان في مصر وسيتم محاربة حقد أردوغان ضد أوربا والمنطقة العربية .

أخيراً نقول هل سيبحث ترامب في ملفات أوباما وكلنتون لتحويلهما الى المحاكم كمجرمي حروب ولكونهما سبب تدمير بلدان آمنة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن ، مع محاسبة البلدان التي دعمت تلك الجرائم بأموالها وفتاويها وبأراضيها كالسعودية والقطر وتركيا وباقي دول الخليج ؟

نتأمل بزوغ ربيع جديد فيه العدالة والسلام ونهاية لسياسة الحروب والتدمير والتشريد ، كما نأمل في بزوغ سياسة العدالة في أميركا والعالم . فهنيئاً للشعب الأمريكي لسقوط الشريرين ولبداية عهد جديد لأميركا والعالم في زمن الرئيس دونالد ترامب.




277
من بلدتي منكيش : الأب البروفيسور شليمون أيشو صارا



بقلم : فرنسيس كلو خوشو

أعداد الموضوع وطبعه بالعربية الكاتب وردا أسحاق عيسى مع أضافاته الجديدة التي تناسب مقام الراحل صارا ككاهن ودكتور ومؤلف ومترجم وأستاذ ومبدع .
ملاحظة : النقاط أدناه هي صور عن الموضوع يمكن مشاهدتها في الرابط الموجود في نهاية الموضوع وهي النسخة الأنكليزية
يقول الكاتب فرنسيس : في هذه السلسلة من بلدتي منكيش ، أوِد أن أعرفكم لبعض الشخصيات الأستثنائية من بلدتنا . يجب أولاً أن ننظر الى مستوياتهم العلمية والعملية وأنجازاتهم وأبداعاتهم لكي نقف أمامهم بأحترام ، ومن ثم نوثق ما لديهم لنا وللأجيال لكونهم مفخرةً لنا ولبلدتنا .

 

 1

 

 Father Dr Solomon

الأب د. شليمون أيشو صارا





كان الأب شليمون صارا أستاذاً في اللغات واللسانيات في جامعة جورج تاون Georgetown university واشنطن العاصمة الأمريكية . وكان خبيراً في العلوم التالية : الأصوات ،الأصوات اللفظي ، الأصوات الكلاسيكية العربية ،الخليل وسيبويه ، أبن سينا ، والكلاسيكية العبرية ، Hayyuj ولغويات الميدان ، وحاسوب لغة البرمجة ، واللسانيات العامة . ولد شليمون صارا في منكيش في أول من أيار عام 1930. والداه أيشو صارا . والدته أشو كلو صارا ( أنتقلت الى رحمة الله وكان عمر شليمون عشر سنوات ، فذاق طعم اليتم منذ نعومة أظافره ) . تخرج من مدرسة الأبتدائية في منكيش وكان من المتفوقين ، سافر الى بغداد ليعيش في بيت عمه

( كان عمه دنو طباخاً في كلية بغداد وكان السبب في قبول شليمون في تلك الكلية . وشليمون هو أبن أخ لوقا القصاب ) .

كانت كلية بغداد مدرسة ثانوية نموذجية للأولاد فقط والذين تتراوح أعمارهم ما بين 11-18 سنة . كانت مدرسة أهلية كاثوليكية أسسها وادارها الآباء اليسوعين الأمريكان من مدينة بوسطن في عام 1932 وسرعان ما أنتشرت شهرتها في العراق فأنتمى اليها أبناء الأغنياء والمشاهير .

 

 

 

2

 

شليمون صارا سنة 1950

 

 

أنا فرنسيس ، كان لي الشرف لأني كنت أحد طلاب تلك الكلية في أوائل الستينات حيث كانت تجربة عظيمة في حياتي الدراسية وعلى أساسها بنيت ثقافتي ومستقبلي من الطلاب المنكيشيين الذين درسوا في كلية بغداد : عميد ساوة عيسى " كان ساوة من البارزين في ميدان الرياضة في الكلية " ميخائيل أيشو موكا ، مرقس أسحاق ، د. جورج أيشو سوسو ، هرمز ميخو مرخو ، ، ، د. شمعون دنخا قلو ، د. كوركيس ميخو قلو ، حنا شمعون موكا ، مرقس جبو قلو ، فريد شمعون داود ، خالد سورو قلو ، د. أوميد بطرس مرخو . لذا كان حضور بلدتي منكيش متميزاً في الكلية بالتأكيد . ، الأب صارا هو أول منكيشي وصل الى الولايات المتحدة الأمريكية في شهر أيلول عام 1950 الى شادوبروك في ليونكس ، ماساشوستس ، بعد أن قرر الأنضمام الى جماعة اليسوعين لكي يصبح كاهناً يسوعياً .



3

شادوبروك ، لينوكس ، ماساشوسي

 

الآباء اليسوعيين هم أعضاء في جمعية يسوع ، وهي جماعة دينية دولية ، أسسها القديس أغناطيوس لويولا في القرن السادس عشر . تولى الأب صارا الدورات التحضيرية للكهنوت في معهد لتدريس المبتدئين ، والدورة مدتها سنتان وتكون مكرسة لأستعراض الدراسات الكلاسيكية والفلسفية . ركز الأب صارا على دراسة الفلسفة في كلية ويستون مقاطعة نيو أنجلاند لجمعية يسوع ، وتخرج في عام 1957 ، ثم عاد الى العراق ليُدَرِس في كلية بغداد لمدة ثلاث سنوات ، ثم عاد الى كلية ويستون لدراسة اللاهوت . بعدها بدأ بدراسة الدكتوراه في اللغويات في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة . حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1968 وكُلِفَ لتعليم اللغة في جامعة جورج تاون ، فبدأ يُدَرِس طلاب البكالوريوس والدراسات العليا كما كان مشرفاً على طلاب رسائل الدكتوراه وعمل فترة رئيساً للقسم



4الأب صارا عام 1957 في كلية بغداد

 

كان لي شرف اللقاء مع الأب صارا في مناسبات عدة خلال فترة وجوده في واشنطن العاصمة ، ألتمست من تلك اللقاءات بان الأب صارا كان يتحلى بروح عالية ، هادىء الطبع وكان منبر العقل ومحباً للعلم ، كان يغمر الفرح قلبه عندما يلتقي بأحد أبناء قريته ، كان طيب الذكر مثل تاجر حكيم جمع كنز من العلوم والمعرفة ، فقد عكف على القراءةِ والتعليم والتأليف والترجمة ، أضافة الى الكنوز الروحية من العفة والصلاة وخدمة المذبح . كانت سيرته تتميّز بالطهر والتواضع ، كما كان نموذجاً حياً يقتدى به بسيرته الطاهرة . كان لقائي الأول مع الأب صارا في أواخر عام 1986 عندما كنت أبحث في مكتبة الكونغرس ( Library of Congress) الكتب الموجودة أو المتاحة هناك لغرض الحصول منها ما هو مفيد لتجميع كتابي الذي هو بعنوان ( النهرين التوأمين : الآشوريين ، الكلدان ، والسريان ، الماضي والحاضر

“Twin Rivers Bibliography: Assyrian, Chaldean and Syrian Past and Present.”

هذا الكتاب هو شبه موسوعة صدر في سنة 1987 ويتكون من ستة عشر فصلاً تضم معظم أسماء الكتب التي صدرت عن تاريخ بلاد ما بين النهرين كما يحتوي على ملحقين لسندات الكتب السريانية في مكتبة الكونغرس في واشنطن العاصمة الأمريكية لغاية سنة 1987 ، ونتيجة هذا اللقاء أنتهى الأب صارا عن كتابة مقدمة لكتابي ( الصورة أدناه ) وكان ذلك شرفاً كبيرا لي وسأبقى ممتناً ومفتخراً بتلك الكلمات التي هي لمسة من كتاباته الرائعة في كتابي .





5

 

مقدمة كتاب " النهرين التوأمين " للأب صارا



في رحلتي الثانية الى واشنطن فور لقائي بالأب صارا شعرت بالأمان وبحرارة اللقاء ، لم يضجر من كثرة الأسئلة التي طرحتها له ، بل كان صدره واسعاً ينتظر مني المزيد من الأسئلة ، وكان حقاً كنز من المعرفة في الأيمان ، والفلسفة ، وعن الأوساط الأكاديمية وخصوصاً دروس الحياة ، وفي علم اللغات . في تلك الرحلة ذهبت اليه محملاً بالهدايا . أحضرت له الرمان من حديقة بيتي في ولاية كاليفورنيا ، والذي بدأ بسببها حوار مطول بيننا عن الأيام الخوالي في منكيش . ونحن نتذكر كم كنا سعيدين بأختيار الرمان المناسب من الشجرة ، وكيف كنا نفتحها يدوياً ونتناولها بطريقة بعيدة عن أصول الأتكتيت الحديث . وهذا الموضوع دفعنا الى مواضيع عديدة ناقشنا خلالها ذكريات كثيرة وجميلة عن طبيعة حياتنا في منكيش والتي تربطنا مع بعضنا بأواصر قوية مشتركة تبرز في مثل تلك اللقاءات خلال تلك الزيارة أخذني الأب صارا في جولة داخل الحرم الجامعي لجامعة جورج تاون ، بما في ذلك قسم اللغات واللغويات Department of languages and linguistics حيث يعمل ويُقيم في الحرم الجامعي . وكانت وحدته السكنية بسيطة جداً ومريحة . لا تحتوي على جهاز التلفاز أو غيره من الأجهزة الحديثة . بل كانت جدرانها الأربعة مغطاة بالرفوف المليئة بالكتب . وكل شىء حوله كان بسيطاً يتسم بالتجرد ، كراهب في صومعته ، وهذا التجرد جعله مصوناً من كل ميل سافل ، فقمع أهواءه وكبح حواسه ونظّمَ سيرته نحو خالقه أتذكر سألته مازحاً فقلت له ، يا ابتاه أأنت تعيش مع الكتب ؟ فعبّرَ قائلاً أنا أحب الكتب . فتذكرت مقولة الكاتب الكندي  روبن شارما Robin Sharma الذي يقول  عامة الناس لديهم تلفزيونات كبيرة ، لكن العظام لديهم مكتبات كبيرة ) والأب صارا هو واحداً من هؤلاء العظام . طرحت له هذا السؤال : كيف التحقت مع الآباء اليسوعيين؟ أجابني ، أنه في أواخر الأربعينات من القرن الماضي ونتيجة أحتكاكه مع الآباء اليسوعيين عندما كان طالباً في كلية بغداد ، شعر بدعوة الله له الى الكهنوت . اجل الله هو الذي يختار تلاميذه كما أختار الرسل الطهار ، فالله هو الذي أصطفاه وأختاره منذ صباه كما أختار صموئيل النبي وأختصه لخدمته . سمع صارا صوت الدعوة ولبى الطلب كأبراهيم الذي سمع صوت الرب في قلبه فترك عشيرته ومدينته العظيمة أور ليرحل بعيداً . هكذا سمع الأب صارا صوت الرب الذي يدعوه الى الكهنوت فأندفع بدون تردد لتلبية النداء السماوي فترك أهله وقريته وبلده ، بلاد أبيه أبراهيم ليرحل بعيداً عن أهيال الجسد وأنحراف الأهواء تاركاً كل شىء في الخلف لكي يتفرغ لأتباع صوت الله في قلبه سألته ، ما هو الفرق بين الكاهن عند اليسوعيين وبين كاهن في الكنيسة الكلدانية ؟ أجاب قائلاً : كهنة اليسوعيين يختلفون عن بقية الكهنة في الكنائس الخرى لأنهم يعيشون في مجتمعٍ متماسك

Tight - knit community

ولهم نذور خاصة بهم وعليهم أتباعها ، وتابع قائلاً ، ليس للآباء اليسوعيين أبرشيات لأدارتها ، بل هم العلم والتعليم ولفهم الأيمان الكاثوليكي ، وبدورهم يسعون لأيصال العلم والأيمان الى الآخرين . سألته أيضاً عن أعماله اليومية ، فأوضح لي أن اليسوعيين أشخاص عاديين لديهم دعوة خاصة في التدريس ، ومساعدة الطلاب وأعداد المحاضرات والألتزام بالدوام الرسمي ، وأضاف قائلاً أنه شخصياً يصلي كل يوم ، ويقوم بخدمة القداس الألهي وتناول وجبات الطعام مع أخوته الكهنة . أتذكر بوضوح خلال جولتنا معاً ، مررني بمقبرة لآباء اليسوعيين وقال لي هنا سأرقد . أشعر بالحزن لمجرد التفكير بتلك الكلمات ، لكنني أنا أثق بأن الأب صارا يستريح الآن بسلام بين زملائه وأخوته الراقدين على رجاء القيامة





6

الأب شليمون صارا سنة 1959





منذ تلك الرحلة ، زار بعض أعضاء عائلتي الأب صارا للأستشارة وتقوية العزم وخاصة أبنتي ( شانن ) عندما كانت في واشنطن في دورة تدريبية ، زارت الأب صارا في مقره فأخذها بجولةٍ في الحرم الجامعي لجورج تاون في محاولة منه لجعلها تشعر بالراحة وتعبيراً عن ترحيبه ومحبته . تقول ، انه أخذني الى محل لبيع الهدايا في الجامعة فسألها لأختيار أي شىء تريده لكي يبقى عندها لذكرى الزيارة . وقالت أنها لا تزال لديها هدية تذكارية من تلك الجامعة في مكتبتها . كذلك زاره أبني ( أندرو ) في وقت لاحق ورحب به هو الآخر وخرج معه وهذا تعبير صادق عن محبته وتقديره لأنه ككاهن مسن ليس هناك ما يدفعه الى الخروج ، لكن كان يحب أن يلتقي بمن يعرفه ويخدمه ويقدم له واجب الضيافة وخاصة من أبناء قريته الغرباء في مدينة واشنطن العظيمة يُعتبر الأب صارا أحد كبار اللغويين في وقتنا الحاضر . وكان معروفاً على نطاق واسع ، لدراسته الدقيقة للغة العربية وخدمته لها بمؤلفاته . وكان مؤثراً في تحليل نحو اللغة العربية للغوي المعروف ( سيبويه ) . ونشر كتاباً عن سيبويه : اللغة العربية وقواعدها : ( سيبويه ( الميل ) : نص ، الترجمة ، والملاحظات وتحليل  في عام 2008

“Sibawayh on Limalab (Inclination): Text, Translation, Notes and Analysis” in 2008

وفي نفس الموضوع كذلك ساهم بعدة مقالات في مجلة اللغة العربية التقليدية ، المجلة الدولية اللأكترونية

( JALT )

كما ساهم الأب صارا في دليل أكسفورد للغة العربية " اللغويات " ، الذي حرره جوناثان أوينز بعنوان :

العربية الكلاسيكية ليكسيكو جرافيكالي " ترتيب أبجدي ، المعجمية " التقليد “

The Classical Arabic Lexicographical Tradition.”

ونشر كتاب آخر بعنوان : ( معجم علم الأصوات ، تلفظي ، الصوتية ، السمعية الأنكليزية والعربية ) عام 1999 , “A Dictionary of Phonetics, Articulatory, Acoustic, Auditory English- Arabic” كذلك نشر كتاب بعنوان : ( أبن سينا : مقال في الصوتيات العربية ) في علم 2009 “Ibn Sina: A Treatise on Arabic Phonetics” كما نشر قاموس آخر على أمبيرا Embera وهي لغة الهنود الحمر في أميركا الوسطى التي تحكي في بنما وكولومبيا والأكوادور بعنوان ( قاموس ثلاثي من أمبيرا الأسبانية - الأنكليزية ) عام 2001 “A Tri-Lingual Dictionary of Embera-Spanish-English.” كما أنه قام بتجميع قواميس اللغات الأفريقية . أنتدب أيضاً من قبل الجيش الأمريكي لأنتاج عدة مجلدات تعليمية لدورات في اللغة العربية الفصحى الحديثة وفي اللهجة العراقية لمعهد اللغة ( DLI ) في مونتيري بولاية كاليفورنيا أعد الأب صارا أطروحته الدكتوراه وكان واحداً من أول العلماء لدراسة قواعد اللغة من لغته الأم " الكلدانية " وكان عنوان أطروحته ( وصف الكلدانية الحديثة : نهج الهيكلي الوظيفي ) سنة 1969 . وعن الموضوع ذاته ، نشر أول كتاب أعده بعنوان

( وصف الكلدانية الحديثة ) سنة 1974 “A Description of Modern Chaldean قَدَمَ هذا العمَل أول وصف للغة الكلدانية الحديثة من وجهة نظر الوظيفة والهيكل . وفي مقدمة كتابه يعتبر مكان الكلدان الحديث مع اللغات السامية في المجموعات الثلاث الرئيسية وفقاً للتوزيع الجغرافي للناطقين بها

1- اللغات السامية شمال شرق بلاد ما بين النهرين  العراق

أ-الأكادية القديمة

ب- البابلية

ج-الآشورية

ومن هذه الثلاثة جاءت الآرامية الشرقية : اللهجات الحديثة التالية

أورمية Urmiah

تورعبدين Turabdin

الكلدانية الحديثة Mangeshi

2- اللغات السامية شمال الغرب ( في سوريا وفلسطين )

3- اللغات السامية في جزيرة العرب وأثيوبيا

يدل كتابه على أن اللهجة التي كانت موضوع التحليل هي اللهجة المنكيشية ، ووصف أن جميع المتحدثين بها هم من سكان البلدة وجميعهم هم مسيحيين ، ويصف بأنه كان هو ، المخبِر الخاص Infomant ، لكون لهجة منكيش الكلدانية الحديثة لغة طفولته ، اللغة الأولى التي تعلمها ، يقول أنه تحدث بها لعشرين سنة بدون أنقطاع



7

 

 كتاب البروفيسور صارا 1974 وصف فيه الكلدانية الحديث.

 

كان الأب شليمون أيشو صارا حقاً شخصية رائعة وعالماً رائعاً ، كما كان يمتلك روح المجاملة ، ولطيف الطبع ، كريماً ومحباً للمساعدة

في 8 أب - أغسطس 2016 بارح الحياة الزمنية الأب شليمون أيشو صارا الى الحياة التي لا تبلى في ديار العليين بعد أن تقدم في عمر الشيخوخة  عن عمرٍ ناهز 86 سنة وفي مركز صحة كامبيون The compion health center في ويستون Weston, Mass

وهذا المركز يقدم الخدمة لكبار السن المتقاعدين والعاجزين من أعضاء جمعية يسوع Society of Jesus أما رسالة المركز فهي

العثور على الله في كل شىء وجميع الأشياء في الله أخيراً أقول : كل من رأى هذا الرجل تأثر في شخصه وسيرته وعلمه . أنتقاله الى عالم البقاء كان خسارة كبيرة ، وحزن عميق يبقى في قلوبنا ، كما خسره عالم اللغويات ، وآباء اليسوعيين لأنه خدمهم بتفاني وأنتج لهم الكثير من المجلدات . كما كان أنتقاله الى العالم الآخر خسارة كبيرة لمجتمعنا وخاصة لأبناء قريتنا العزيزة منكيش .
وما يسعني الآن إلا أن أقول له أرقد في سلام المسيح يا أبونا شليمون صارا

واليكم النسخة الأنكليزية على الرابط أدناه

http://mangish.net/from-my-home-town-mangeshi-dr-solomon-eshoo-sara-s-j/




278
مجزرة الكنيسة البطرسية والأرهاب الأسلامي

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر - كندا

سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ

"يو 2:16"

مجزرة جديدة ، بل أنتصار جدبد سجله أبطال الحركات الأسلامية الدموية التي تسمى بالصحوة الأسلامية . هذه الغزوة كانت على الكنيسة البطرسية في قلب القاهرة ، متحدية السلطة . نشعر كلنا برد فعل عندما نسمع من قادة المسلمين بأن هذه الأعمال تتناقض مع فكر الأسلام الحنيف ، لكن كذبهم هذا ومكرهم لا يتفق مع تأييدهم ودعمهم لهذه الحركات الأرهابية ومنها الأخوان المسلمين والقاعدة وداعش والنصرة وحماس وغيرها . فالأزهر أعلن بأن جماعة داعش ليسـت كافرة ، من باب أن قادة الأزهر لا يحبذون مصطلح الكفر لمن نطق بالشهادتين رغم كون الذين يدمرون بلدهم هم والأخوان والسلفيين وغيرهم . وهكذا بالنسبة الى شيوخ السعودية الذين يدعمون الأرهاب بفتاويهم المسمومة وتحريض الشباب للذهاب الى الجهاد لأجل تدمير بلدان عربية مسلمة . وما يزالون يجاهدون هم ونسائهم من أجل أنجاح الربيع العربي بأموالهم وشبابهم وفتاويهم . وهل الأسلام برىء من هذه الأعمال ؟ أم هذه الأعمال المشينة لم تكن غريبة يوماً عن الأسلام منذ نشأته لحد اليوم وكما يقولون الأعلاميين وكتاب مسلمين مثقفين راغبين بأن يقولوا الحق كسيد القمني و أبراهيم عيسى وأديب وأسلام البحيري وفاطمة ناعوت ويوسف الحسيني وغيرهم يشيرون الى أن أعمال الأخوان المسلمين أو الدواعش وغيرهم موجودة بحذافيرها في كتب التراث الأسلامي ، والأسلام عبر التاريخ فعل مثل هذه الأعمال ، بل أكثر منها كقادة الأسلام الذين يسمونهم ( بالخلفاء الراشدين )

فأبو بكر الصديق كان يحرق المعارضين لسياسته ، وبسبب تأثر أبراهيم السامرائي بسيرته أسمى نفسه بأبو بكر البغدادي لكي

يقتدي بسيرته ، وهكذا كان يفعلون زعماء السلف الصالح الذين يعتبروهم اليوم أسوة حسنة . فالأخوان المسلمين في مصر والعالم يقتدون بأبو بكر وعثمان وعمر بن الخطاب وغيرهم ويسيرون على نفس الدرب للوصول الى نعيم الحواري .

نقول للذين يدعون بأن الأسلام برىء من هذه الأعمال بأن عناصر العنف والقتل والسلب بأسم الدين قائمة في القرآن والأحاديث وفي كل أدبيات المسلمين ، لهذا من الصعب جداً أن يقبل المسلم من لا يشاطره في دينه وعقيدته وأن يندمج معه لأن ثقافة المسلم مبنية على العنف والقتل والأنتقام وما أكثر الآيات والأحاديث التي تقف موقف التضاد مع ثقافة الآخر ، فكيف يريد الغرب أن يدمج ثقافة المسلم مع ثقافة الغرب التي تأسست على مبادىء الأنجيل المقدس ؟

عرس جديد في الكنيسة البطرسية والذي يتعانق مع عرس سابق وقع في كنيسة النجاة في بغداد . يقدم عرس الكنيسة البطرسية 24 شهيداً نالوا أكليل الشهادة بعد تناولهم جسد الرب المقدس في الربع الأخير من القداس الألهي . بدأت الكنيسة بتشييعهم في موكب أرضي مقدس رافقهم بابا الكنيسة المرقسية المضطهدة مع الأساقفة والكهنة والمؤمنين وكذلك رئيس الدولة وشيوخ الأزهر اللذين يتلذذون بالسير خلف جنازة ضحاياهم ، يبدون حزانى من الخارج أما من الداخل فهم ذئاب خاطفة لا رحمة لها . أستمر الموكب من الكنيسة الى مثوى الشهداء الأخير وأنتهى في السماء ليستقبلهم رئيس الكنيسة السماوية والأرضية ، أنه ملك الملوك ورب الأرباب والحاكم العادل للذين قتلوا هؤلاء الأبرياء .

الضحايا هم من النساء والأطفال لأن المنتحر فجر نفسه في الجزء الخلفي من الكنيسة . سيكون حكم الرب عادلاً في يوم الدين وبدون رحمة لكل من أشترك في تدبير هذه الجريمة .

المسيحي يعيش في هذا العالم بثبات في أيمانه وعقيدته ومحباً لكل البشر ، ويصلي من أجل أعدائه كما صلى سيدهم لصالبيه فوق الصليب . المسيح الذي صلب من أجل العالم يسري في دم كل مسيحي وفي فكره وروحه فأن عاش فللمسيح يعيش ، وأن مات فله أيضاً يموت .

لنسأل ونقول لمن تعمل هذه الأحزاب الأسلامية ، ومن هم الداعمين لها سياسياً ومادياً ولوجستياً ؟

تبدو كل الأحزاب الأسلامية بأنها تعمل من أجل مقاومة الغزو الأمريكي والغربي على منطقة الشرق الأوسط ، فتبدا أولاً على شكل ميليشيات أرهابية كداعش والنصرة لكنها لم تصطدم يوماً بالجيش الأمريكي ، بل زادت أعمالها لتدمير العراق بعد خروج الجيش الأمريكي من العراق لكي تحتل ثلث العراق وأجزاء كبيرة من سوريا بدعم من جبهة النصرة السورية التي تحولت الى شبه دولة بمباركة السعودية والقطر وتركيا . وهكذا بالنسبة الى أخوان المسلمين المدعومين من تلك الدول أستطاعوا الوصول الى كرسي الحكم بقيادة الرئيس مرسي الذي أستلم دعماً من أميركا قدره 8 مليار دولار لتدمير مصر ، والآن الرئيس المنتخب ترامب يسأل عن مصير تلك المبالغ . لولا حكمة وقدرة وشجاعة الجيش المصري بقيادة الرئيس سيسي الذي قاد أنقلاباً سريعاً أجهض فيه كل خطط أميركا وحلفائها لكانت مصر اليوم ممزقة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن التي دمرتها السعودية .

هذه المنظمات الأرهابية المتوحشة قد لا تكون من صنع الغرب ، بل نشأت بسبب تمويلها وتغذيتها بأيديولوجية الكراهية النابعة من كتب الدين الأسلامي ومن حكومات الدول الأسلامية المعروفة التي تدعم هذه الحركات وتلك الآيديولوجية المتطرفة التي تدرس في مدراس ومعاهد وكليات أسلامية كما تذيع على منابر الجوامع والفضائيات والصحف اليومية من أجل زرع الحقد والكراهية وحب الأنتقام والتحريض الى الجهاد المقدس لقتل الأبرياء وتدمير بلدان بأموال البترول التي كانت دائماً السبب الرئيسي في دعم التطرف وزرع الحقد والعدوانية في العالم العربي . فالشرق الأوسط يدمر نفسه بنفسه بعيداً عن أميركا وأوربا واسرائيل . نعم هم المستفيدين من هذا الوضع المشين وذلك لأجل حصر العنف والحقد والأنتقام الأسلامي في الدول الأسلامية نفسها بعيداً عن أراضي الغرب وهذا من حقهم ، لكن كان عليهم أن يحافظوا على الأقليات المضطهدة وخاصةً المسيحية المسالمة والتي لا تعادي الغرب ولا الأسلام ، بل تعيش في وسط الأضطهاد الأسلامي منذ نشأته الى اليوم . كذلك لأجل مصلحة الغرب الذي يبيع لهذه الدول وخاصة السعودية ودول الخليج الأسلحة الحديثة وتكنولوجيا الخراب لأجل أنعاش أقتصاده . لهذا يسكتون عن جرائم الأخوان وداعش والسلفية وغيرهم مراقبين للمشهد من وراء الستار ، لكي يظلون طرفاً ثانوياً في اللعبة ذاتها وكأنهم أبرياء ، ويستفيدون لما يحدث ، متفرجين الى الخراب والدمار والحروب ويعملون على أطالتها دون أن تستهلك أسرائيل وأميركا وأوربا دولاراً واحداً لأن مجانين السعودية والقطر يقومون بالواجب ويتقنون هذا الدور لأجل عيون أسرائيل والغرب . الغرب لا يمنع أعمال الأرهابيين ما دامت لا تمس دولهم إضافة الى دفع هذه الدول الى صراع مستمر لكي تتدحرج يوماً بعد يوم نحو هاوية الخراب والدمار الكامل وبأيدي أبنائها . فالذين يدعون بالأسلام والحفاظ عليه كالسعودية والأخوان في مصر هم الذين يدمرون الأسلام ويفضحونه لصالح الغرب ، يصرفون المليارات من فوائض بترولهم للأرهاب ولصحوة الخراب التي تسمى بالصحوة الأسلامية والتي لا تنتقم من أميركا بل من بلدان أسلامية وشعوبها وخاصة المسيحيين منهم الموجودين في بلدانهم رغم كونهم هم الشريحة الأصلية في المجتمع والبعيدين كل البعد عن السياسة وعن الغرب الملحد الذي لا يكترث أبداً لموضوع أبادتهم من قبل أبناء هاجر ، ولفظة هاجر تطلق على جبل سيناء ، في بلاد العرب وكما يسميه الكتاب المقدس ، وهم يمثلون أورشليم الأرضية ، فأنها مع بنيها في العبودية . أما المسيحيين فهم أبناء سارة العاقرة السيدة ، أي أبناء الحرة . فأنه قد كتب ( أفرحي أيتها العاقر التي لا تلد ، أهتفي بأعلى صوتك أيتها التي لا تتمخض ، لأن أولاد المهجورة أكثر عدداً من أولاد التي لها زوج ! ) المسيحيون هم أولاد الوعد كأسحاق ، ولكن ، كما كان في الماضي المولود بحسب الجسد ( أسماعيل ) يضطهد المولود بحسب الروح ( أسحاق ) ، كذلك أيضاً يحدث الآن ! ( طالع غل4: 21-30 ).

ليرحم الله شهداء الكنيسة البطرسية ولذويهم الصبر والأيمان

 

279
الذكرى المئوية لأبادة المسيحية في تركيا وبمباركة المانيا
 
مائة سنة مضت على تنفيذ أكبر المذابح العنصرية والعرقية في التاريخ الحديث والتي حصدت ما بين مليون الى مليون ونصف أرمني ، ونصف مليون سرياني وكلداني وآشوري مع طرد أكثر من مئة ألف يوناني والسيطرة على أملاكهم .
لنبدأ بالشعب الأرمني الذي كان شعباً حضارياً ومبدعاً ومنتجاً يتقن كل الحرف الصناعية والشعبية فكان مصدراً منتجاً للدولة العثمانية . أما الترك فمنذ أعتناقهم الأسلام لم يكونوا يوماً أصحاب حضارة وبناء وتطور وسلام بل أصحاب سيوف وخيول مارسوا فنون القتال فخاضوا حروب ومعارك كثيرة مع شعوب أرقى منهم تطوراً لأجل السيطرة على ممتلكاتهم  وبلدانهم وكما فعلت الفتوحات الأسلامية منذ بداية الأسلام ، وخاصةً بعد أن حكم النظام العثماني آسيا الصغرى وأحتل الوطن العربي لمدة خمسة قرون فحول تلك البلدان المستعمرة الى صحراء قاحلة وجعل من أهلها عبيداً للحكم العثماني .  بعدها تدفقت جحافل العثمانيين في داخل أوربا فدمرت شعوب البلقان واحتلت جزء كبير من دولة المجر . كان الأستعمار العثماني على تلك الشعوب أكثر عنفاً وقساوة ، فكان أستعماراً عنصرياً وحاقداً وعقيماً من كل الخدمات الضرورية كشق الطرق وبناء الجسور والمدارس ومراكز صحية أو غيرها من المشاريع الخدمية للشعوب المحتلة . ورغم ذلك لم نسمع يوماً من تلك الشعوب المسلمة وخاصةً في الوطن العربي أن تقول عن العثمانيين ( الأستعمار العثماني ) لمجرد كونه مسلماً ، وبهذه الحجة أحتلوا بلدانهم كل تلك الفترة وقد عانوا من ذلك الأستعمار العنف والنهب والأستغلال حيث كانوا العثمانيون مجردين من الرحمة والأنسانية  .
   بعد هذه المقدمة ندخل الى مرحلة نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين حيث أضاف العثمانيون على سجل تاريخهم الأسود أبشع المجازر بالشعوب المسيحية في داخل تركيا بسبب تأييد الأرمن لروسيا وكان من الطبيعي أن يتجه الأرمن صوب روسيا ضد الأتراك فأصبحت روسيا بالنسبة الى الأرمن الحامي التقليدي لهم . كما شجعتهم التصريحات الصادرة عن قيادة كنيستهم . ففي آب 1914 ، صرح البطريرك الأرمني في أشميادزين بأن القيصر الروسي هو حامي الأرمن جميعاً ، وجعل من الواجب تقديم العون للجيش الروسي ، كذلك صدر تصريح رسمي من الروس يناشد الأرمن ضد الأتراك . وبعد أن أصبح موقف الأرمن واضحاً للحكومة التركية أمر الوالي العثماني عبدالحميد الثاني بتنفيذ مجازر لقتل وأبادة مئات الآلاف من المسيحين المنتمين الى قوميات متعددة . المجازر قد بدأت قبل ذلك التاريخ أي بين عام 1894 – 1896 م تحقق ضمن تخطيط منهجي ومركزي صادر من إدارة الحكومة العثمانية وقيادتها لأبادة كل أرمني وسرياني وكلداني وآشوري في الأمبراطورية . أستمرت المجازر في الحرب العالمية الأولى حيث أمرت السلطات العثمانية في يوم 24 – نيسان -1915 بالقاء القبض على المئات من المثقفين والمفكرين والمسؤولين الأرمن وأعدامهم في ساحات أسطنبول . بدأ الفرمان الكبير ليشمل كل المسيحيين بمختلف أطيافهم . فهناك مقولة شهيرة لوزير الداخلية العثماني طلعت باشا قال فيها ( سوف يتم أفناء وإبادة جميع الأرمن القاطنين في تركيا وحتى النساء والأطفال والعاجزين منهم ، لا يهم الوسائل المستخدمة للأبادة ولا يجوز أن يتحرك مشاعر الشفقة تجاههم ) . كان القتل متعمد ومنهجي يطبق وفق أوامر صادرة من القيادات العليا ، لهذا اعتبرت هذه المجازر من جرائم الأبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث نظراً الى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من أجل إبادة كل مسيحي واقتراف أبشع الفضائح بحق مئات الآلاف . قُتِل الرجال بالضرب مع الأعتداء على النساء والفتيات ، فتم القضاء على 75 %  من أبناء هذه الشعوب لمجرد كونهم مسيحيين . أما البقية الباقية من الأطفال والنساء والشيوخ فاطلقوا في الصحراء الجنوبية المؤدية الى شمال سوريا في ظروف قاسية ، ومن الأراضي السورية انطلقوا صوب العراق ولبنان وفلسطين ومصر . مات الكثيرين بسبب العطش والجوع . أما الذين وصلوا الى البلدان العربية فوجدوا فيها الأمان والأحترام والملاذ الآمن . عكس ما كانوا يظنون العثمانيون بأنهم سيقتلون من قبل العرب ليكملوا ما بدأوه هم . الترحيل بدأ في ربيع عام 1915 .
يتفق المؤرخون بأن قتلى الأرمن تجاوز المليون وأيدت هذا العدد جريردة نيويورك تايمز الصادرة في 15 كانون الأول 1915 . والأرمن يقولون بأن عدد قتلاهم قد تجاوز المليون والنصف .
كتب السفير الأمريكي في تركيا ( هنري مورغنطاو ) في مذكراته بأنه شهد لمآسي وفجائع من نكبات ومذابح من خلال تقارير ووثائق رسمية حصل عليها بأن الحكام العثمانيين وضمن تخطيطهم وبأيعاز منهم أمروا بارتكاب مجازر كثيرة بحق هذه الشعوب بعيدين كل البعد من مرأى ومسامع العالم . فالصحافة العالمية لم يكن يتاح لها أن تعرف شيئاً عما يجري في أرجاء الأمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف . كما أن أهتمام الصحافة الأكبر كان في تغطية وقائع الحرب الطاحنة بين ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية من جهة ، والعالم من جهة أخرى . لهذا لم يكن بوسع بريطانيا وروسيا وفرنسا التأثير على تركيا العدوة في تلك الفترة . أما أميركا فلم يكن لها في تلك الحرب ثقلاً سياسياً يؤهلها للضغط على حكومة الأتراك . لهذا يعترف السفير الأمريكي هنري مورغنطاو ويبيّن مدى مسؤولية المانيا فقط في هذا الصدد لأنها كانت الدولة الوحيدة القادرة على ردع حليفتها تركيا على سلسلة مظالمها الرهيبة . لا وبل أعطت ألمانيا الضوء الأخضر لها لكي تشجعها على جريمتها فأطلقت يدها تجاه الأرمن . وقد كشف السفير عن مواقف حاقدة للسفير الألماني في الأستانة ( فانكنهايم ) الذي كان يعكس عن سياسة بلاده بلؤمٍ وخبث . وقد مدح مرة وبدون مبالات ، فقال ( من حق الأتراك أن يفعلوا بالأرمن ما يرونه ضرورياً لحماية مؤخرتهم وهم في حالة حرب ) وحين تمت المجازر وبدأت مرحلة التهجير من أجل التغيير الديموغرافي المتقصد والأضطهاد والأبادة الواضحة كان موقف السفير الألماني السكوت المخجل عنها ، لا وبل قال وبكل وقاحة ( سأساعد الصهاينة ، ولكنني لن أفعل شيئاً من أجل الأرمن أبداً ... ) وهكذا تناول كتاب السفير الأمريكي ( قتل أمة ) أدق المراحل التي مرت بها الأمة الأرمنية في تلك الفترة .
       أما موقف ملك ألمانيا المخزي فكان لا يمثل بعدم التدخل ومنع هذه المجازرفقط ، بل صرح مراراً بأنه يصبو بكل عواطفه أن يكون الدين الأسلامي الذي سماه بالحنيف محترماً ومعززاً في أوربا وأن تكون حرية المسلمين مكرمة من لدنه أينما وجدوا بحيث لا تقوى عليهم زعازع الأنكليز ولا زماجر الفرنسيين . ولكي يؤكد صدق كلامه وحبه للأسلام الذي كان يبيد المسيحية في تركيا وكما أبادها في القرون السابقة في كل بلد حل فيها ، أمر هذا الملك المجرم بتشييد مسجداً حاكى أجمل مساجد الشرق في الوقت الذي كانت دماء المسيحيين تهراق في تركيا  ، كما شيد مع المسجد منارة شاهقة . نعم في 13 تموز 1915 أي بعد الأبادة ويوم سيق الباقين الى خارج تركيا . وقد شهد هذا الملك المقبور بنفسه أفتتاح هذا المسجد . كما حضر الأفتتاح والأحتفال الشانع السفير التركي في المانيا . هكذا كانت مواقف المانيا المشجعة للحكومة التركية لكي تتمادى وبكل حرية لأصدار فتاوي الشر لأجل أبادة المسيحية على أراضيها . وهكذا شعر المسلمون في الشرق بتقرب المانيا منهم فأعتبروا مسلمو الهند والباكستان وأيران وتركيا الأمبراطورية الألمانية كمحامي للأسلام في العالم . لهذا نرى اليوم ملايين الأتراك في ألمانيا ، فهل هم مخلصون لها أم سيتحولون الى قنابل مدمرة لمستقبل المانيا واستقرارها ؟ لا وبل بهم سيتجلى عدل الله وأنتقامه من دماء المسيحيين التي أريقت في تركيا والتي تصرخ اليه كما صرخ دم هابيل قائلة ، أنت المنتقم لنا ولأخلاصنا لمسيحيتنا ، وبأولئك المسلمون ستأتي ضربة الله على ألمانيا .
  إذا أردنا البحث ودراسة عقلية الأتراك وحقدهم تجاه العالم المسيحي فعلينا أن نفهم أولاً الحقيقة الأساسية في عقليتهم الحاقدة المليئة بالأحتقار المطلق لجميع العروق البشرية عامةً وللمسيحية  خاصةً . فالغرور المشوب بالخِبِل هو العنصر الذي يبين بشكل شبه كامل نفسية هذا الجنس الغريب . فبالنسبة الى المسيحية فللأتراك كلمة شائعة في وسط قومها يستعملوها ضد المسيحيين وهي كلمة ( كلب ) . وفي ظنهم ان هذا التعبير غير مبالغ فيه ، أنه ينظر الى جيرانه الأوربيين على أنهم أقل قيمة من حيواناتهم . ( يا ولدي ) قالها أحد الأتراك لأبنه ، وأضاف قائلاً ( هل ترى ذلك القطيع من الخنازير ؟ بعضهم أبيض وبعضهم أسود . بعضهم صغير وبعضهم كبير . أنهم يختلفون عن بعضهم البعض في بعض الأمور ولكن كلهم خنازير ) . هذا هو الوضع أيضاً مع المسيحيين . لا تنخدع يا أبني ان هؤلاء المسيحيون تكمن فيهم حقيقة واحدة وهي أنهم خنازير . نعم أن الحافز الديني مَثَلَ التعصب عند الغوغاء الأتراك والأكراد المدفوعين من الأتراك لذبح المسيحيين بحجة ( خدمة الله ) علماً بأن المخططين للجريمة هم من قادة الأتراك الذين كانوا عملياً ملحدين عن الأسلام . فكانوا لا يحترمون حتى مبادئه ، لكن الباعث الوحيد عندهم كان لتمرير سياسة الدولة المجرمة على هؤلاء البسطاء .
أما عن حجة الأتراك في أبادة الأرمن من قبل السلطات العثمانية فيعود الى أن أرمينيا كانت خاضعة للحكم العثماني . وكانت تنادي وتطالب بالحقوق والحرية والأستقلال أعواماً كثيرة ، كما تطالب اليوم الأمة الكردية في جنوب تركيا للحصول على حقوقها كما فعلوا أكراد العراق . هكذا بدأ الشعب الأرمني بالميل الى الجانب الروسي المعادي للدولة العثمانية  لأجل الوقوف معهم لنيل تلك الحقوق ، فأعلنوا حرباً ضد الأتراك ومثّلت بالشعب التركي وقاومت بشدة كل من يقف في سبيلها . فهذا التعصب القومي هو الذي دفعهم الى أتخاذ موقف العداء مع الحكومة وقد أدت تلك المواقف أحياناً الى مجازر رهيبة كتلك التي حدثت في عام 1895 وعام 1909 وبسبب تلك المواقف أصبحوا الأرمن ضحايا مذابح متكررة خلال العقود الثلاثة التي سبقت الحرب الكونية الأولى فصاروا أعداء للدولة العثمانية  وتمنوا سقوطها أمام الحلفاء وفي مقدمتهم روسيا . ففي 20 نيسان 1915 سيطر 2500 أرمني مسلح على بلدة وان وأسسوا فيها حكومة أرمنية مؤقتة وهاجمت قواتهم الجيوش التركية  في الخطوط الخلفية من الجيش التركي لغرض خلق الرعب والهلع مع قتل كل جندي تركي فقتلوا ما يقارب 40 ألف تركي فقط كما أعترف الكاتب والباحث التركي الدكتور أحمد أمين ، وما هذا العدد أمام ضحايا الأرمن التي فاقت المليون ونيف .فبسبب هذه التجاوزات قررت الحكومة العثمانية التخلص من الأرمن والقضاء عليهم قضاءً مبرماً من أجل أستئصالهم من الدولة العثمانية  فكان رد الحكومة التركية سريعاً ومجرداً من الرحمة . ففي 11 حزيران 1915 أصدرت الحكومة التركية بلاغاً رسمياً ضد الأرمن لملاحقتهم والبحث عنهم لأجل أبادتهم أو ترحيلهم فبدأت عمليات أجتثاث الأرمن . لكن الحقد التركي ضد المسيحية لم يكتفي بمحاربة الأرمن والسيطرة على مدنهم وقراهم وأملاكهم ، بل شمل جميع الفئات المسيحية الأخرى كالسريان والكلدان والآشوريين حيث أفسحت الحكومة الظالمة المجال واسعاً أمام أطماع الناس وجشعهم وحقدهم للمسيحية  ، فتأثر حوالي مليوني مسيحي بأعمال الأتراك الوحشية فظهرت عصابات همجية في كل أنحاء تركيا ، كما أستغلت العشائر الكردية التي حرضتها الحكومة التركية ضد المسيحيين فكانت لهم فرصة ثمينة للنيل من المسيحيين السريان في مناطقهم فبدأوا بالتعدي والتنكيل والأبادة والسلب والتدمير لجميع القرى المسيحية  على مختلف مذاهبهم وأعراقهم فقضت مجازرهم الرهيبة على معظم سكانها في ظروف مأساوية يندى جبين البشرية لها خجلاً . كانت الحكومة التركية واقفة مع تلك المآسي موقف المشجع في كل أنحاء تركيا . أجل لم يكن الشعب الأرمني الوحيد في ضمن قائمة الأبادة التركية بل طال السريان والكلدان والآشوريين واليونان . فاليونان في الحقيقة كانوا أول الضحايا حيث تم تهجيرهم  في الأشهر التي سبقت الحرب . فهُجِرَ مائة الف شخص من بيوتهم على ساحل البحر المتوسط وارسلوا الى الجزر اليونانية  وفي مدة 3-4 أشهر فقط . لكن كان هذا التهجير سلمياً في أكثر الأحيان . أي لم يتعرضوا الى أبادة جماعية . فعبر عنهم قائد الشرطة القسطنطينية ( بدري بيك ) أن الأتراك طردوهم بنجاح . فبطرد اليونانيين من تركيا يعني بأن الحقد العثماني كان يشمل كل المسيحيين لكونهم مسيحيين فقط أي تلك المواقف لم يكن دافعها بسبب مواقف الأرمن ضد تركيا بل كان السبب ديني وعرقي ومنذ تأسيس الدولة العثمانية فكان له التأثير الأكبر على مواقف الأتراك ضد المسيحيين .
أما عن جرائم الأتراك بحق السريان والكلدان والآشورين فحُكامهم كانوا يأمرون عساكرهم لكي يطوفون الأسواق لكي يضربون ويقتلون كل نصراني . ومنذ عام 1815 نصب يونس الأربلي حاكماً على ماردين فحدثت في أيامه مشاغب وفتن بين السركجية والداشية والعمريان أذ كانوا يطوفون الأسواق يضربون ويقتلون النصارى . ولما تولى الحكم أحمد أغا السلحدار ، ألقى القبض على بطريرك السريان اليعاقبة 1817 وزجه في السجن فحامى عنه الخواجا الياس شادي إذ أتخذته الحمية المسيحية وكان ذا نفوذ فأقتداه بثلاثة وثلاثين كيساً من اليرة العثمانية ، إضافة سبعة أكياس فاضطركل المسيحيين السريان والكاثوليك ببيع أوقاف مسيحية كثيرة فأنقذوا البطريرك . في عام 1884 أتخذ السريان الكاثوليك على الأرمن الكاثوليك في مسألة الدين فصوب الأتراك نحوهم سهام الغضب فنكلوهم أشد التنكيل وفتكوا بوجهائهم في مناطق الماردين . كما كان للبروتستانت طائفة في جنوب البلاد بدأت منذ عام 1859 والتي بدأها المرسل وليمس القس البروتستانتي الأمريكي . وفي عام 1904 بنوا لهم غرب ماردين مسكناً يتضمن مدرسة ومستشفى . أما الكنيسة الكلدانية فبدأت منذ أنفصالها من النسطورية عام 1552 فعرفت الكثلكة في ماردين بمساعي البطريرك يوحنا شمعون الثامن وهكذا كانت المسيحية منتشرة بكل طوائفها في الدولى العثمانية .
في عام 1915 قام أعداء المسيحية على قدم وساق فأثار المشاغب والفتن فألقوا المسيحين في السجن ومثلوا بهم وقتلوهم وخاصةً الوجهاء وتوسلت النكبات الفظيعة لتشمل نصارى دياربكر وأورفا وخربوط وسيواس وساسون وما جاورها من القرى . شمّرَ وجهاء المسلمين بديار بكر وكتبوا الى كل قادة الأكراد والعشائر وأمروهم بقتل النصارى ونهبهم بعد تسليحهم بالأسلحة الكافية وصرحوا لهم أن يوافوا عند الظهيرة الى جامع ولي جامي ويطلقون البنادق وينادوا ( محمد صلوات ) فيخرجون من الجامع ويهاجمون الكنائس ودور النصارى واسواقهم ويقتلوا ويسبوا بدون رحمة . لبى الأكراد الطلب وأنضموا الى المؤامرة فقتلوا نصارى دياربكر وحرقوا ما بقي من البضائع في السوق فتحولت المدينة الى أتون عظيم لا ترى سوى الدخان الصاعد الى الجو . أرسل من ديار بكر مع عشرون ضابطاً رسائل الى ماردين يقولون فيها ( لو كنتم حقاً مسلمين لأفتعلتم بماردين ما أفتعلناه بديار بكر) فبدأ المسلحون بالشر طبقاً لمشورتهم فجرى في تلك الولايات من الفظائع فاق ما جرى في ديار بكر . نذكر أسماء أبرز المجازر التي قامت بها حشود الأتراك والأكراد ضد السريان والكلدان والآشوريين في تركيا. 1- دياربكر 2- ماردين 3- ديركة 4- ويران شهر 5- رأس العين 6- دير الزور 7- سعرت ( قتل فيها مطرانها الشهير مار أدي شير بأبشع الطرق وبعد مماته قام أحد الجنود بقطع أصبعه لأنتزاع خاتم الأسقفية . كان ذلك في آب 1915 .) لم يبقى من أبرشية سعرد قريةً واحدة . 8- جزيرة أبن عمر وخاصةً نافروي القريبة من زاخو . ( ففي ليلة 28 آب 1915 القي القبض على المطران مار يعقوب أبراهام أسقف الجزيرة فبدأوا بضربه وتعذيبه ثم أطلقوا عليه ثلاث أطلاقات ثم حملوه الى خارج البلدة ( الجزيرة ) وعروه وتركوا جثته المباركة على ضفاف دجلة ) . 9- كوبوران 10- دير العمر ودير الصليب . 11- مذيات وصلح 12- كنو جوزة وباتة 13- فلث ومعن كيفا 14- الصور 15- نصيبين ودارا 16- قلعة المرأة 17- معصرتا وبافاوادبنابيل 18- البنابلية 19- المنصورية 20- القصدر 21- تل الأرمن 22- فيشخابور ، قتل الكثير من أهلها في قرية خاتك السورية بعد أن عبروا دجلة لكي يحتموا هناك معتمدين على أقوال مختارها المجرم نايف مصطو . أما الباقين فهربوا الى سنجار . 23- أبرو 24- باز 25- جيلو 26- هاكاري 27- طاقيان  وغيرها من القرى في تلك المناطق الحدودية مع العراق . أما المدن والقرى الأرمنية فكثيرة تغطي كل خارطة تركيا ، ومواقعها مبينة في الخارطة أعلاه .
في الختام نقول : نعم كان هناك قوى أجنبية مثل روسيا وبريطانيا دفعت الأرمن والآشوريين بالقيام بثروات معادية ضد الحكومة التركية ، فألقت الفساد والحقد والتحريض في قلوبهم للعمل ضد حكومة بلدهم لأضعافها وذلك طمعاً بأحتلال وأستعمار تركيا . فتلك التحريضات هيجت الأرمن في داخل العاصمة فهاجموا الباب العالي ظانين أنهم سيفوزون وينتصرون . لكن ذلك لم يكن لمصلحتهم ، بل كان يصب في مصلحة الأنكليز أولاً الذين خططوا لأبتلاع البلاد دون غيرهم . وهكذا خرج الأرمن من مبادىء مسيحيتهم القائلة ( على كل نفس أن تخضع للسلطات الحاكمة ، فلا سلطة إلا من عند الله ، والسلطات القائمة مرتبة من قبل الله . حتى من يقاوم السلطة ، يقاوم ترتيب الله ، والمقاومون سيجلبون العقاب على أنفسهم ) " رو 13: 1-2"  . كذلك فعل الأنكليز مع الأشوريين ووعدوهم بالمستقبل الزاهر فدفع الآشوريين الثمن . هكذا كانوا المسيحيين في تركيا ضحايا وعود روسيا والأنكليز الكاذبة فدفعوهم الى نار الحقد التركي المبيت ضد المسيحية فتلك المواقف والحجج بررت الحكومة التركية لكي لا تفرق في أبادة الأرمني والسرياني والكلداني والآشوري واليوناني . بين الكاثوليكي والأرثوذكسي والنسطوري والبروتستانتي . نعم لولا تحريض الأنكليز وروسيا لتحريك المسيحيين في تركيا لكانت المسيحية باقية لحد اليوم .
كما تفضلنا بأن الحقد التركي ضد المسيحية كان واضحاً منذ نشأت الدولة العثمانية ، فهذا الحقد أستمر لعمل تلك المجازر قبل مئة عام وسيبقى الى الأبد لأنه متخمر في العقلية التركية . فاليوم أيضاً تركيا تتمم جرائمها لأبادة المسيحية فهي الطرف المشارك مع أعداء المسيحية اليوم والمتمثل بدول الخليج الممولة للأرهاب و بأشراف أسرائيل فموقف تركيا مع هذا الحلف واضح جداً . تركيا اليوم أصبحت البوابة الوحيدة التي من خلالها تمر كل جنود الدواعش الى سوريا والعراق . لا وبل حتى العجلات العسكرية المستوردة تعبر عن طريق تركيا  والسلاح وكل الأحتياجات الأخرى وفي مستشفياتها يتم معالجة جرحى الأرهابيين . وما تزال تركيا تلاحق الأرمن والمسيحين من مختلف الطوائف في سوريا والعراق ، وستبقى مواقف تركيا معادية وواضحة ضد المسيحية وتتحدى العالم كله بعدم أعترافها بكل تلك الجرائم وأميركا تساندها وتتغاضى عنها لأجل مصالحها . فهل سيأتي اليوم الذي ستشهر به أميركا والمعسكر الغربي ورقة الأرمن بوجه تركيا في المنظمة الدولية لكي تعترف بجريمتها وتدفع الثمن ؟
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد – كندا
المصادر
1-    قتل أمة    هنري مورغنطاو / السفير الأمريكي في تركيا 1913- 1916
2-    لمحة تاريخية عن مذبحة جزيرة ابن عمر    شفيق عبدالأحد الجزراوي
3-    القصارى في نكبات النصارى   الأب أسحق أرملة
4-    فيشخابور   الأب ألبير أبونا




280
المسيحيون (ن)  والنصارى ( ن )





لنسأل أولاً ونقول ما هي النصرانية ؟ أين كان موطِنها ؟ وما هي المسيحية ؟ اليس من الجهل أن نقول للمسيحي أنك نصراني ؟ طبعاً الفرق كبير بين النصرانية والمسيحية.



وهذا الفرق أضلّ الكثيرين لعدم معرفتهم بأن النصرانية كانت مُحتجزة في مكانٍ واحد وهو الجزيرة العربية , أي في المكّة والمدينة والحجاز فقط . النصرانية هذه أهملها المؤرخين وأهملوا تطوراتها وأحزابها وأرضها بسبب موتها وأنقراضها لأن جليدها انصهر في بوتقة الأسلام الناشئ في الجزيرة العربية آنذاك وحسب الحديث (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا ادع الا مسلماً )
. ولكي لا يدور بحثنا بعيداً عن منشأ النصرانية , ولماذا استقروا في الجزيرة وكيف انقرضوا بعد ظهور الأسلام وبقيت المسيحية التي كان موطنها خارج حدود جزيرة العرب . النصرانية كانت في جزيرة العرب والمسيحية في العالم كله وكانت تابعة الى روما, وأنطاكية وأورشليم والقسطنطينية والأسكندرية . هذه البطريركيات الخمسة كانت مركز ومرجعيات لكل المسيحيين قبل الأنقسام .



هناك حقائق مُبهمة مطمورة في عمق التاريخ ومن حقنا أن نبحث عنها لأظهارها وتشخيص الحقائق لنا وللأجيال , دفَنها البعض فترك الله حرية البحث عن حقائقها للأنسان لاحقاً لأظهارها مهما كانت محجوبة أو مغشوشة . في هذا الزمان ظهرت الحرية والتكنولوجيا والأتصالات السريعة المباشرة مع كل العالم , فبأستطاعة الباحث الحصول على المعلومات التي يريدها وهو جالس في مكتب داره خلف شاشات التلفاز والكومبيوتر أو بواسطة الهاتف وبدون خوف أو تهديد عكس ما كان في السابق حيث كانت الأفواه مطبقة بأحكام , والأقلام خالدة في سباتها المظلم. الله يساعد الأنسان في أظهار الحقائق التي يخفيها التاريخ اذا أراد الأنسان البحث عنها. الله النور لا يريد شيئاً مخفياً بل سيكشف كل شىء على حقيقته فينقشع الظلام بالنور ونحن ابناء النور لا وبل نور العالم ( أنتم نور العالم).



لنبدأ اذن من فترة ظهور المسيحية ونشأة الكنيسة وانقسام اتباعها منذ عهد المسيح الى شطرين وهم ( سًنة) أي من أتبعوا سًنة الرسل , هؤلاء الذين اعتبروا المسيح إلهاً حقاً وأقاموا الأنجيل دون التوراة للخلاص. و(شيعة) أي الذين شاعوا عن التعليم القويم والمبادىء الأساسية التي قصدها المسيح, كانوا من أصل يهودي , أعتبروا المسيح رسولاً فقط . أقاموا التوراة والأنجيل معاً دستوراً لهم . فكرة السًنة والشيعة عاشتها المسيحية قبل الأسلام لكن دون أن تسمى بها . هذه الأسرار المخفية يجب أن تكشف وتفسّر بدقة بدون خوف أو شك أو تردد .



نعم المسيح له المجد تبعته فئتان الأولى (مسيحية) والثانية (نصرانية) . أصبح بين الطائفتين فروقات كثيرة وجوهرية بحيث لا نستطيع أن نسميها طوائف بل أديان مستقلة عن بعضها . فلكل كنيسة أمة ودين وتاريخ وكتاب وقيادة مستقلة وهذه الحقيقة يجب الأعتراف بها بعد أن توضحت صورتها جلياً . نعم الأختلاف الموجود بين المسيحية والنصرانية هو أختلاف عقائدي كالأختلاف الموجود بين دينين مختلفين لهذا لا يجوز أن نسمي النصراني مسيحياً وبالعكس . فالذي لا يوافق هذا الرأي فأنه جاهلاً للأمور أو عدواً يريد أن يجمع الأثنين في واحد كاتماً كل الحقائق والأسرار خوفاً من المحيط الذي عاش فيه . حتى اليوم الكثيرون يظنون بأن المسيحيين هم نصارى وبعض المسيحيين يعتقدون ذلك نسبةً الى المسيح الناصري لكن عمق الفكرة هو أكبر من هذا الأعتقاد وللتوضيح يجب أن نبحث عن أصل المجموعتين لهدف الوصول الى حقيقة كل منها.



النصرانية : ماهي وكيف نشأت ؟ النصارى هم شعب أسرائيل من اليهود الذين كانت لديهم الغيرة والأيمان بالتوراة وقوانين الشريعة. آمنوا بالمسيح وتعليمه دون أن يتنازلوا عن عقائدهم اليهودية متخذين المسيح رسولاً لهم . أنعزلوا عن اليهودية مع الأحتفاظ بتعاليمها القائلة بأن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد , وأخذوا التوراة والأنجيل (أنجيل متى العبري المنحول فقط) كتاباً لهم ، لهذا قال عنهم القرآن في سورة "المائدة 68": (قل يا أهل الكتاب, لستُم على شىء حتى تقيموا التوراة والأنجيل وما أنزل اليكم من ربكم). كذلك شهد الأنجيل بالخلاف بين المؤمنين فقال الرب ( ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً. جئت لأفرق بين المرء وأبيه, والبنت وأمها. والكنة وحماتها. فيكون أعداء الأنسان أهل بيته) " مت 10: 34- 35" . يقصد بالسيف الخلاف في الأيمان وهذا الذي يُفرّق حتى ما بين أفراد عائلة واحدة . لماذا لم يتخذ النصارى يسوع رباً وإلهاً لهم ؟ الجواب لكي يحافظوا على تراث آبائهم القديم دون تحريف فآمنوا بالمسيح كرسول فقط لكي لا يكفروا بالله الواحد الأحد وحسب أيمانهم الأول . فلا يكون أحداً شريكاً معه وحسب الآية " تث 4:6" ( أسمع يا أسرائيل , أن الرب الهنا هو رب واحد) . هذا الأيمان موجود منذ وجود المسيح وفي عهد الرسل الذين قاوموهم بشدة لغرض تحرير أفكارهم من اليهودية وقوانينها وعدم الألتزام بها بعد عهد النعمة . أضافة الى تشييعهم لموسى والتوراة على حساب المسيح وأنجيله .  لهذه الأسباب أضطرت الكنيسة الأولى الى أنعقاد أول مجمع كنسي عام ( 50) وكما دونه لنا سفر أعمال الرسل وذلك لأثارة اليهود النصارى قضية كبيرة في أنطاكية لكي يلزموا الوثنيين عند دخولهم المسيحية بتوراة موسى وخاصةً مبدأ الطهور وهذا واضح من الآية " أع 5:15" : (وقام بعض الذين كانوا على مذهب الفريسيين ثم آمنوا فقالوا : يجب أن يُختن الوثنيين ويلزموا الحفاظ على شريعة موسى ) الفريسيون المؤمنين هنا هم من النصارى يفرضون قوانينهم وأيمانهم على أيمان الكنيسة لهذا عقدت الكنيسة مجمع أورشليم الذي قاده الرسول بطرس وبحضور الرسول يعقوب وبرنابا وبولس فخرج المجمع بالقرارالتالي " أع15: 27-30"(لقد حسن لدى الروح القدس ولدينا ألا يلقي عليكم من الأعباء سوى ما لابُد منه , وهو اجتناب ذبائح الأصنام والدم والميتة والزنى) ، أي لم يجدوا الناس بالطهور كما أراد النصارى من المجمع . أي أن باب الدخول الى المسيحية ليست اليهودية ومعتقداتها. لهذا كانوا النصارى اليهود يعادون الرسول بولس بشدة وطال ذلك العداء الى النهاية وتحداهم بولس بقوة وأنذر الرسول بطرس ولامهُ لكي لا يُجاملهم على حساب مبادىء المسيحية. لهذه الأسباب كان النصارى يعادون بولس بشدة فقال عنهم في " غلا 4:2" ( الأخوة الطفيليون الكذابون , الذين دسوا أنفسهم بيننا ليتجسسوا حريتنا) . كذلك كتب في "غلا 1: 7-8" ( الذين يريدون أن يبدلوا أنجيل المسيح) وهكذا أشتدت الحرب بينهم فقال عنهم : ( أحذروا الكلاب. أحذروا أعمال السوء . أحذروا أهل الختان) ، هنا أهل الختان هم اليهود النصارى .أعداءالأنجيل الصحيح وحسب الآية "رو 38:11" (وهم من حيث الأنجيل أعداء) وهنا واضح جداً بأن المقصود ليس اليهود الذين لا علاقة لهم بالأنجيل بل المقصود هم نصارى اليهود..



المسيحية : ماهي وكيف نشأت ؟ المسيحيون هم الذين آمنوا بالمسيح والأنجيل لكي يصبحوا أبناء عهد جديد هذا العهد الذي أكمل العهد القديم . وهم من اليهود الذين تركوا كل قديم وتحرّروا منه كالرسل والتلاميذ وكذلك من الأممّيين وهم الأكثرية في المسيحية . المسيح لم يلغي الشريعة بل جاء ليكملها " مت 17"5" أو نقول أنه نسخها الى الأفضل , نذكر بعضاً منها: 1- الزواج والطلاق وتعدد النساء. 2- الطهور. 3- الوضوء. 4- تحريم الأطعمة. ...الخ . الديانة اليهودية كانت قومية وكذلك أرادت النصرانية أن تكون مثلها . أما المسيحية فهي أممية والمسيح هو مُخلص العالم كله . لم يأتي فقط لخراف بني أسرائيل الضالة.



بما أن النصرانية هي أكثر قرباً من اليهودية ومعتقداتها لذا أستطاعت أن تسيطر في أورشليم واليهودية أكثر من المسيحية التي تفرقت في العالم الى سنة 325 عندما أصدر الملك قسطنطين بلاغاً مهماً للأمبراطورية أعتبر فيه المسيحية دين الدولة الرسمي , ونظراً لكون الرومان هم المُسيطرون على الأراضي المقدسة ولغرض أهتمام السلطة المسيحية الجديدة وخاصةً القديسة هيلانة بالتراث المسيحي وبناء الكنائس المسيحية هناك .  شعرت النصرانية بالخطر فقد انهزموا من غضب الرومان الى بلاد فارس وبأمر من بابا الكنيسة النصرانية في بصرى الشام . لكنهم لن يجدوا هناك الحرية الدينية فلجأوا الى الجزيرة العربية هذه المنطقة الصحراوية التي كانت مسرحاً لكل المعتقدات فأنتشر فيها بسرعة فدخلت فيها قبائل عربية كثيرة يشهد المؤرخون وأهل السيرعامة. فيقول أبن قتيبة : ( أن النصرانية كانت في ربيعة غسان وبعض قضاعة ) . أما اليعقوبي فيقول عن التنصر في الجزيرة ( تميم وربيعة وبني تغلب وطىء ومذجح وبهراء وسليخ وتنوح ولخم) كما يضيف اليعقوبي قائلاً ( أن أقواماً من قريش كانت أول الداخلين في هذا الدين) أما الجاحظ فيقول ( كانت النصرانية قد وجدت سبيلها بين تغلب وشيبان وعبد القيس وقضاعة وسليخ والعياد وتنوخ ولخم وعاملة وجذام وكثير بن بلحارث بن كعب) . يقال لولا مجىء الأسلام لدخلت كل قبائل قريش والجزيرة في النصرانية بعد أقل من مئتي سنة ، لكن بعد ظهور الأسلام قام بتصفية جميع الأديان والمعتقدات في الجزيرة لتبقى الجزيرة للأسلام فقط ولحد هذا اليوم . لكن هل أنتهت معتقدات النصرانية بعد انقراضها في الجزيرة أم انتقلت الى الدين الجديد ( الأسلام ) ؟ نذكر بعض الطقوس والعادات التي كان النصارى يمارسونها :-



1- الختان :- الختان كان عهد الله مع شعبه اليهودي لكي يميزه عن باقي الشعوب . أنتقل الى نصارى اليهود وألتزموا بحرفيته , لا وبل أرادوا ختان كل من يدخل الى المسيحية لكي تصبح اليهودية هي الباب الذي من خلالها يدخل الأنسان الى المسيحية. لكن المسيحية رفضت طلبهم بقوة. أنتقل الى الأسلام . فأعتبره الأسلام سنًة ومكرمة للنساء.



2- الوضوء :- فريضة يهودية انتقلت الى النصارى والمسلمين . شرعها موسى قبل الصلاة والأكل والأحتفالات المقدسة. غسل الأيدي الى حد المرفق وكذلك الأرجل .



أما الرجل الذي فيه السيلان أو يكون جسده يقطر زرعاً , أو لمس ميتاً , أو قتيلاً , أو حتى القبر. وكذلك بالنسبة الى المرأة التي يسيل الدم من جسدها أو الطمث أو التي وَلَدت, فيجب في في كثير من الأحوال غسل الجسم بكامله والوضوء الشامل هو في كل يوم للتطهير. كان الغسل قبل الأكل والصلاة وبعد الجماع . وكما يتم الوضوء بالرمل أو التراب ان لم يجد الماء.



3- الخمر :- حرمته النصارى فقط بعد دخول الأسينيين في دينهم دون اليهود والمسيحيين. كانت جماعة الأبينيون من النصارى يحرمون الخمر حتى في القربان وكما تعمل اليوم الفصائل الأنجيلية المنشقة بأستخدامها عصير العنب الغير المخمر. كان القربان عند الأبيونيون يتكون من خبز وماء لا خمر فيه. وهكذا اعتبر القرآن الخمر رجس من عمل الشيطان , فأجتنبه الأسلام.



4- لحم الخنزير :- محرم في اليهودية , التزمت النصرانية بتلك الفريضة وحسب شريعة موسى الخاصة بتحريم بعض الأطعمة . أما المسيحية فأباحت كل الأطعمة فأعتبرتها مقدسة . عاد الأسلام الى الشريعة لكي يحرم لحم الخنزير.



5- التحريض على الزواج :- حرمت البتولية في اليهودية والنصرانية ,علماً بأن الأبيونية مارستها. فرضت النصرانية الزواج على الشباب فرضاً . أما الأسلام فاعتبرالزواج ضرورة قسوة لا وبل نصف الدين . أما رأي القرآن بالرهبنة المسيحية فأعتبر الرهبان لا يستكبرون وحسب الآيات المكية , حيث كان الأسلام في فترة وجوده في مكة الى جانب المسيحية . أما رأي الأسلام بالرهبنة في المدينة فأتهمهم بأكل أموال الناس بالباطل.



6- الصيام :- صوم اليهودية والنصرانية كان حسب كتاب التلمود والمنشا الذي ينص( أن أول نهار الصيام هو الوقت الذي يقدر المرء فيه أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأزرق) وهذا ما موجود عند الأسلام أيضاً .



7- الصلاة :- حسب النصرانية والأسلام ثلاث مرات في اليوم . كانت قبلة النصارى واليهود أورشليم وكذلك كانت عند الأسلام ( أولى القبلتين) الى أن توسع الشقاق بينهم وبين اليهود فحولت الى مكة .



8- الطلاق :- حللت النصرانية الطلاق وتعدد النساء كما في اليهودية "تث 24 :1-4" لكنهم يعتبرون الطلاق أمرأً بغيضاً عند الله" ملا 16:2". كان لا يحق للرجل أكثر من أربع نساء وهو الزواج العدل وحسب ( تلمود ك 3, في النساء) . من حق الرجل وحده الطلاق . طبق الأسلام هذه الفريضة حرفياً .



9- القربان والكهنوت :- النصرانية وكما في الأبيونية يحتفلون بالخبز والماء بدلاً من الخبز والخمر.الفصح اليهودي يقام مرة واحدة في السنة ويقدمون ذبيحة الشكر.النصارى الغوا دور الكاهن كما في الكنائس الأنجيلية اليوم . أما في اليهودية فكان دور الكاهن واضح ولا يجوز ممارسة الطقوس وتقديم الذبائح بدون الكاهن. أما القرآن فلا يوجد فيه شىء واضح , أي ينكرها ولا يقرها , لا وبل لا يتحدث عن القربان والكهنوت.



10- أنجيل النصارى :- هو من حرف واحد ( أنجيل متى العبري المنحول أو الآرامي المفقود) ولهذا لا نستطيع اليوم أن نرى في قرآن الأسلام آية واحدة من الأناجيل الأخرى ولا من رسائل بولس الرسول الذي كان عدواً للنصارى .



11- المسيح :- النصارى يتخذونه رسولاً خلت من قبله الرسل وهو من نسل أبراهيم, فلهذا أرادوا أن يتهود كل من يريد أن يدخل النصرانية أولاً لكي يتبارك بأبراهيم.



هكذا الأسلام أيضاً ينكرالتجسد والفداء والتثليث وبنوة المسيح لله والصلب .



12- قتل المسيح :- النصارى ينكرون صلب المسيح, لكن يعترفون بصلب عيسى أبن مريم لأنهم كانوا يعتقدون بأن الله لا يسمح بموت المسيح ذلك الملاك الطاهر القدوس (وليس ابن الله) في أيدي القتلة الخطاة. أنما سحبه فصلب اليهود عيسى وقتلوه .ولكن لا بد لعيسى أن يقوم, فأرسل الله المسيح من جديد الى عيسى في القبر فحل الله فيه روحاً فقام عيسى من بين الأموات . لهذا كان النصارى يؤمنون بأن للمسيح أقنومان وطبيعتان .أما في المسيحية فللمسيح أقنوم واحد وطبيعتان . أما الأسلام فأيمانهم مقارب الى النصارى بأعتبار المصلوب الحقيقي ليس المسيح بل شبه به.



ختاماً نقول بأن المسيحية والنصرانية دينان ولكل منهما رئاسة مستقلة . ولا يعني شيئاً حرف (ن) الذي يثبت على بيوت المسيحيين في الموصل من قبل جماعة داعش على أنهم نصارى ، فالمسيحيين ليسوا نصارى لأن لكل منهما ( المسيحيين وانصارى ) كان له أنجيل مستقل وكنيستين متنافرتين ومتعاديتين . وكانوا في صراع مستمر . ولكل منهما جماعة ومنذ تأسيس المسيحية في زمن المسيح وأن كان الكثيرين لا يفهمون معنى الآيات التي تتحدث عنهم فهذه مشكلتهم . للأزدياد من الآيات التي توضح لنا الموضوع سنكتب بعضاً منها ( أع 20:21) ( غلا 1: 6-9) (غلا 14:2) ( غلا 5: 1-6) (يهو 3-4) (1 يو 2: 18-23,ا: 3-4) ( 2 بط 2: 20-22) .



هذه الحقائق وغيرها يعتبرها البعض غريبة ومذهلة لذا لا يستطيعون أدراكها بسهولة بل يعتبرونها مفاجئات بالنسبة الى ما يمتلكونه من معلومات لهذا لا يستطيعون أن يتحملوا سماع هذه الحقائق أو مناقشتها لأيمانهم وأيمان أجدادهم الذي طال قرون عديدة لهذا سيستمر النزاع الى أن يزال ذلك التعصب فيدركون بأن المسيحيون هم الذين أكملوا الشريعة بالأنجيل وحسب قول الرب ( ما جئت لأنقض بل لأكمل) "مت 17:5" وهكذا آمنت المسيحية بالمسيح فأتخذوه رباً والاهاً ومخلصاً لهم . أما النصارى فآمنوا بأن تكميل الشريعة بالأنجيل هو تثبيت للشريعة وأن المسيح هو رسولاً لا إلهاً .



نطلب من الرب يسوع مخلصنا وفادينا أن يفتح بصيرة العائشين في الظلمة لكي يكون لهم الخلاص . يسوع المسيح الذي حفظ كنيسته الحقيقية المبنية على صخرة الأيمان .المسيحيين وليس النصارى هم السائرين خلف تعليم المسيح . يسوع الرب  سيأتي ليدين كل ظالم أختار الظلام بدل النور ، وكل من أضطهد كنيسته المقدسة ، له المجد الى الأبد  .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد - كندا

281
جنة عدن بين الحضارة والأيمان .. وموقعها الجغرافي
( أخذ الرب الأله آدم ووضعه في جنة عدن ليفلحها ويعتني بها ) " تك 8:2 "
http://www.m5zn.com/newuploads/2014/01/13/jpg//m5zn_9d35dcb4dab44fb.jpg

جنة عدن ذكرها الكتاب المقدس في الأصحاح الثاني من سفر التكوين . 
أين هو موقعها الجغرافي من خارطة العالم اليوم ؟
لم يذكر الكتاب المقدس موقع هذه الجنة ، لكنه كتب عنها بوجود أربع أنهر عظيمة تجري فيها وذكر أسماء تلك الأنهر . للبحث عن موقع تلك الجنة يجب أن نبحث في ما أتحفتنا به الأكتشافات الآثارية التي تنقب في صفحات التاريخ المدفون تحت الأرض ومنها نكشف أسراراً خفية تتلائم وتتناغم أخبارها لما هو مكتوب في الكتاب المقدس .
بما أن موضوع جنة عدن هو من المواضيع التي تحتل الصفحات الأولى من سفر التكوين  أذاً علينا أن نبحث عن أقدم المصادر التي تمتلكها أقدم حضارة وهي حضارة سومرلكي نحصل منها على أفضل المعلومات عن جنة عدن ، علماً بأن جنة عدن سبقت حضارة سومر بقرون من السنين .
أسم جنة عدن المتداول في ثقافة سومر هو ( أيدنو ) أو ( أدن ) أي عدن ولا علاقة بأسم مدينة عدن اليمنية بهذا الأسم ، علماً بأن اليمنيون يدعون بأن جنة عدن كانت عندهم وكذلك تدعي بلدان كثيرة بأن تلك الجنة كانت في بلدانهم وفيها خلق آدم وحواء . فالأفارقة يدعون بأنها كانت قريبة على خط الأستواء وتحديداً بين كينيا وتنزانيا . والأثيوبيون يقولون بأنها كانت في الحبشة . والهنود الحمر في أميركا الشمالية يقولون بأنها كانت قرب جبال كولورادوا المرتفعة جداً . أما اللبنانيون فيحددون مكانها في بلدة إهدان اللبنانية والتي تطور أسمها من عدن الى إهدان . وهناك من يعتبر بلاد أرمينيا أي جنوب شرق تركيا الحالية ، كان فيها جنة عدن ، لأن نهري دجلة والفرات المذكورين في الكتاب المقدس ينبعان من أرضها . أما سكان ما بين النهرين فيقولون أنها في بلاد سومر في جنوب العراق ومن سلالة أبناء الجنة أنحدر أب الآباء أبرام ( أبراهيم ) وهكذا . علينا الآن أن نبحث في مصارد الدين وأفضل مصدر هو الكتاب المقدس ، سفر التكوين ، مع قراءة تقارير الآثاريين وآخر ما توصلوا اليه من أكتشافات عن موقع جنة عدن ، وهكذا سنصل الى نتيجة تدحض كل تلك التوقعات فنجد جنة عدن في أرض أخرى لا نستطيع أن نرى سطحها اليوم .
 حسب قرائتنا للأكتشافات الآثارية الجديدة  ولما وصل اليه البحث والتنقيب الحديث مع فك شفرات ورموز الكتابات القديمة المكتشفة ، تم الوصول الى الحقيقة المتوارية عن جنة عدن التي ظلت مكتومة عبر آلاف السنين .
 تم الوصول الى تحديد مكان جنة عدن وحسب المعلومات التي توصل اليها الخبراء المختصين بأنها لا تعدو أن تكون سوى منطقة سهل واسع  يسمى اليوم بالخليج العربي والذي يبدأ من مصب شط العرب شمالاَ وحتى مضيق هرمز جنوباً . أي أرض جنة عدن كانت في السهل الذي تغمره مياه الخليج اليوم .
كيف غمرت المياه جنة عدن ؟
http://www.m5zn.com/newuploads/2013/12/30/jpg//m5zn_6feebd0d8ec74b3.jpg
 
 قبل ذوبان الجبال الجليدية كانت هذه المنطقة من أخصب البقاع على الأرض تسقيها أربع أنهر عظيمة بحسب الأكتشافات الأثرية وهذه الأنهر هي :-
1- نهرالكارون القادم من أراضي بلاد فارس ( أيران ) .
2- نهر البطين الذي كان يجري في الجزيرة ماراً بسهل جنة عدن .
3- نهر دجلة ( حداقل ) .
4- نهر الفرات ( فراتو ) .
وهذه الأنهر الأربعة تتطابق مع الأنهر المذكورة في سفر التكوين الذي يذكر بأن تلك الأنهر كانت تسقي جنة عدن وأسمائها حسب الكتاب المقدس هي :-
1- نهر جيحون الذي يحيط بأرض كورش أي بلاد فارس والمقصود به نهر كارون والذي يجري لحد اليوم .
2- نهر فيشون أي نهر البطين .
3- نهر حداقل أو ( دقلث بالآرامية ) الذي هو نهر دجلة الخالد .
4- نهر الفرات أو ( فراتو ) أو ( برات بالآرامية ) .
 علينا أن نتعرف على معلومات تاريخية عن تكوين سطح الأرض ونقارنها بما هو شكل الأرض اليوم ، فنجد أختلافات كثيرة لأن الكرة الأرضية تعرضت الى تقلبات كثيرة نتيجة عوامل البيئة من الفيضانات والزلازل وزحزحة قارات مما أدى الى تغيير خارطة وجه الأرض فبعد ذوبان الجبال الجليدية حدث أرتفاع كبير في مستوى سطح البحر فحدثت فيضانات عارمة ومدمرة أدت الى أكتساح مساحات كبيرة من السهول المنبسطة لتحولها الى مستنقعات مائية كبير . وكانت تلك السهول يوماً من أخصب المناطق وكانت تأوي ألحجم الأكبر من الكثافات السكانية في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ ، ومن الأمثلة على ذلك سهل البحر الأبيض المتوسط حيث أندفعت مياه الأطلسي اليه من مضيق جبل طارق قبل خمسة ملاين سنة . وقبل 7600 سنة أندفعت مياه البحر المتوسط الى سهل البحر الأسود ، حيث كان قبل الطوفان الكبير يأوي مدن وقرى وفيه حضارة عريقة لكن بعد الطوفان الكبير الذي أدى الى عبور مياه المحيطات عبر البحر المتوسط مندفعة بقوة هائلة عبر مضيق بوسفور مما أدى الى أنسحاب سكان ذلك السهل الأخضر الى الشرق والغرب والشمال. للمزيد عن موضوع الطوفانات في التاريخ ، طالع مقالنا السابق
( طوفان نوح بين الأساطير والعلم والأيمان )  . وعلى الرابط :
http://mangish.com/forum.php?action=view&id=3227
 
هكذا حدث أيضاً لأبناء سهل ( يدنة ) أو أدن أو عدن لما حدث فيضان عظيم ولثلاث مراحل أندفعت فيها مياه البحر العربي والمحيط الهندي بقوة عبر مضيق هرمز فغُمِر سهل عدن الأخضر، ويعتقد بأنه حصل في نفس الفترة التي غُمِرَ سهل البحر الأسود . كان سهل يدنة كجنة هذه الأرض فهرب الساكنين فيه الى دلتا فسيوبوتاميا أي ( ما بين النهرين ) فسكنوا في أقرب منطقة من بلادهم والتي هي أرض سومر التي تقع جنوب ما بين النهرين حاملين معهم حنين أرضهم المعطاة وجمال تلك الجنة الخضراء التي فقدوها بسبب ذلك الطوفان المدمر . وهؤلاء الناجون نقلوا الى الأرض الجديدة أفكارهم وثقافاتهم وخبراتهم في الزراعة والحياة لأنهم كانوا من أقدم الشعوب المنحدرين من الأب الأول آدم . أستعيدت قصتهم في ملحمة كلكامش على نحو أحد يحاكي ما حدث لهؤلاء القوم مع نقل الحدث الى مستويات أخرى من التوظيف الأسطوري والملحمي .
أرض الخليج الحالي أي أرض عدن ( يدنة ) كانت أرضاً غير مأهولة وفضاء ممتدا لأكثر من 200 ألف عام حيث استوطنها الانسان القديم . كانت هذه المساحة أرض خضراء تتوفر فيها أنواع عديدة من النباتات وتكثر فيها الحيوانات التي كانت توفر الغذاء الدائم للساكنين عليها .
بعد أن عرفنا موقع جنة عدن علينا أن نبحث عن ما هو قريب بين الدين وبين ما نقلته لنا الحضارات القديمة  في سومر والتي تعود الى الألف الثالث ق.م نبحث عن ما كان موجود في جنة يدنة وما هو موجود في سفر التكوين . نلاحظ في تلك الجنة وحسب ما وصل الينا من تلك الحضارة كان هناك شجرة والتي يسميها الكتاب المقدس بشجرة الحياة . وأدناه صورة لوحة طينية يظهر فيها رجل ( الذي نسميه آدم ) وأمرأة أي ( حواء )  تتوسطهما شجرة الحياة ذات سبع سعفات والرقم سبعة يرمز الى الكمال . نرى ثمار متدلية من أخصان الشجرة ، كما نجد الأفعى خلف المرأة ، وغاية الحية خلف المرأة هي لأغواء المرأة . أما تفسير اللوحة بحسب الأسطورة فله تفسير آخر .
http://www.m5zn.com/newuploads/2013/12/23/jpg//m5zn_852c4039b2d8dca.jpg
أما عن موضوع خلق الأنسان حسب تفسير تلك الحضارة فنقرأ :
موضوع قصة الخلق حسب تلك الحضارة ، هو موضوع سيدة الحياة ( التي ندعوها حواء ) ... في التراث السومري حواء ما هي الا سيدة الضلع ( ننتي) .... واسطورتها تقول ، أن الاله أنكي أله الحكمة في أريدو، هو من قام بإرسال ننهارساك الى دلمون ( بحرين حالياً ) وهنالك قامت بزراعة ثمانية من النباتات ، وعندما ذهب أنكي دلمون أكل هذه النباتات الأمر الذي أغضب ننهارساك فصبت عليه جام غضبها وأصابته بعدة أمراض ولأن أنكي هو واحد من الآلهة الرئيسية . أجتمعت الآلهة الأخرى وطلبوا من ننهارساك أن تغفر له خطيئته وبالفعل أوجدت ننهارساك ثمانية معبودات كل واحدة مختصة بشفاء جزء من جسم أنكي ومن بين هذه المعبودات سيدة الضلع التي كانت مختصة بشفاء الاضلع ، و التي أصلحت اضلاع أنكي... وهي حواء ( سيدة او مانحة الحياة ) هي ذاتها الموجودة في التوراة والتي تقابلها (أنها خلقت من ضلع آدم ) .
أما عن أهم منطقة في جنة عدن فكانت بحرين الحالية والتي كانت تسمى دلمون ( تلمون ) ، والتي تقع حالياُ كجزيرة  في الخليج العربي وتتميز بموقع استراتيجي وكانت تشكل نقطة اتصال بين بلاد الرافدين ومجان التي هي سلطنة عمان الحالية ، وبلاد اليمن والجزيرة العربية بالاضافة الى حوض وادي جرادا في الهند .
جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد و التي وجدت في بلاد الرافدين ودلمون كانت هي أرض الخلود حيث أن النصوص المسمارية القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة تذكر انها كانت تعج بالنشاط والحيوية ،  ففيها بنيت المستوطنات من مدن وقرى كثيرة و فيها المعابد المقدسة كما يوجد فيها مئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال و الأحجام . وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة و تقدم الصناعة و التجارة ، وكل هذا يدل أن الحياة والتطور طالا سنين كثيرة في هذه الأرض . لقد لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي نهر السند ، وأنحاء الجزيرة العربية الأخرى وعمان
السومريين هم الذين أطلقوا على دلمون أرض الخلود ، وان اسطورة الطوفان التي يرد ذكرها كثيرا في حكايات السومرين الدينية وحكايات البابليين ، قد وردت في نصوص اسطورة ( أتو نوبشتم السومري) ، ( زيوسدرا البابلي ) . التي تحدثت كذلك عن الاسباب التي ادت الى حدوث الطوفان وعن كيفية نجاة بطل القصة ، وعن رحلته الى ارض الخلود دلمون .
وقد دلت اللأكتشافات الأثرية في قلعة البحرين على أنها تتشكل من خمس طبقات ، السفلى طبقة سومرية ، والثانية آكادية ، والثالثة تعود الى الأسكندر المقدوني .. الخ
ان هذا يدل في الواقع على ما ذهبنا اليه في السابق عن وجود ذلك الاتصال بين حضارات وادي الرافدين المتعاقبة وبين هذه الجزيرة المهمة .
في الختام . نقرأ من بعض المصادر آراء تقول أن كتبة يهود عندما كانوا في الأسر في مدينة بابل والقريبين من الملك نبوخذنصر ، منهم دانيال ، حزقيال ، نحميا ، وعزرا ( وخاصة الأخيرين ) هم الذين سرقوا من تراث ميسوبوتيميا الى التراث اليهودي وأسبغوا عليه صبغة دينية تتناغم مع أيمان معتقداتهم اليهودية حيث وأسبغوا عليه صبغة دينية كجنة عدن وقصة الخلق السومرية وقصة الطوفان وبرج بابل ، فنقول لهم أن مؤلفوا الكتاب المقدس لم يستقوا معلوماتهم بأي طريقة من الحضارات القديمة ، بل كل ما دونوه في كتبهم كان موحى اليهم من السماء " 2 تي 16:3"  ولا سيما تقاليد ثقافة ما بين النهرين . والفرق بين فترة موسى الذي كتب الشريعة بما فيها سفر التكوين وفترة السبي البابلي وكانوا هؤلاء الأنبياء من ضمن المسبين هي أكثر من الف سنة . من الواضح إننا نرى أموراً مشتركة في سفر التكوين وبعض النصوص السومرية والأكدية والبابلية ، فلا عجب في ذلك لأن شعب الله المختار كان له صلة بمختلف شعوب الشرق . ولكن علم الآثار يدل ايضاً على أن المؤلفين الذين أعادوا النظر في الفصول الأولى من سفر التكوين وأضفوا عليها اللمسات الأخيرة لم يكونوا مجرد مقلدين عميان ، بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفرة بين أيديهم والتفكير فيها بالنسبة الى التقليد الخاص بشعبهم . المقارنة بين نصوص الكتاب المقدس والروايات المتعلقة ببداية العالم ، وأبطال العصور الأولى لا تخلو من الفائدة في نظر قارىء الكتاب المقدس ، نذكر منها الرواية البابلية عن خلق العالم على يد الأله مردوك ، ومغامرات البطل كلكامش والتي تحتوي على رواية بابلية للطوفان أو الأبراج الشامخة التي شادتها حضارة ما بين النهرين أكراماً لآلهتها وكما كان يفعلون المصريون ببناء أهرامات تخليداً لفراعنتهم . ومن أشهر الأبراج التي بنيت في حضارة ما بين النهرين برج بابل .
هكذا نفسر أيمانياً تلك القصص بأطار أيماني فنقول على سبيل المثال عن رواية خلق العالم الذي ترنَّم به صاحب المزامير ( مز 8 و 104 ) ويذكر فيه سفر أيوب الذي يعتبر من أقدم الأسفار ( أي 38) وسفر أشعياء (40 ) . وكذلك وضع آدم في جنة عدن في وضع المسيح ، أي آدم الجديد الذي غير الأنسان العتيق ( طالع رسالة بولس الى رو 5 و 1 قور 15 ) ورواية الطوفان كخلقة لمآساة نهاية الزمن ( طالع مت 25 ) .
اللاهوت اليهودي والمسيحي يقرأون سفر الخلقة الأول ليطلعوا على سر منشأ العالم  وعلى معنى مصيره ، ويكتشف المراحل الأولى من العمل الألهي في سبيل البشر ، فسفر التكوين يؤصل حياة الأفراد والأمم في أرادة الله الذي يحب كل البشر.
ولألهنا الخالق المجد دائماً
بقلم
وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا
المصادر
1- الكتاب المقدس .
2- كتاب طوفان نوح    تأليف العالمان الأمريكيان – وليم ريان و والتر بتمان .
3- نظرية زحزحة القارات حسب العالم فيجنر .
4- تقرير د. بهنام أبو الصوف .




282
أكتشافات علمية عجيبة في ميلاد أبن الله
( ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولوداً من امرأة ...) "غل 4:4"
بسبب سقوط الأنسان في الخطيئة أبتعد عن الخالق . وبما أن المخلوق ليس له القدرة للعودة والمصالحة ، ، لأنه لا يستطيع الوصول اليه لمصالحته .
فأراد الله بسبب محبته الفائقة أن يفتقد الأنسان ويحرره من الخطيئة ويصالحه مع نفسه " 2 كو 18:5" لهذا قرر الأقنوم الثاني الكلمة النزول الى الأنسان فأخذ شكل عبد وصار في الهيئة كأنسان " في 2: 7-8" . ولد من العذراء مريم في مذود للحيوانات لكي يعلمنا التواضع والبساطة . أعلم ميلاده للرعاة الفقراء ، وللمجوس الذين يمثلون الأمم الغريبة لكي يعلمنا درساً آخر وهو أن الخلاص ليس لشعب واحد بل لكل الأمم . ومن هنا نعلم بأن الخلاص شمل الجميع ، من الفقير المتمثل بالرعاة ، الى الغني الميسور الذي مثل بالملوك الثلاث . الملوك المجوس رأوا الطفل بعين الرجاء ، رأوه ملكاً سمائياً أعظم منهم ، لا وبل الهاً قديراً ، لهذا خروا وسجدوا له وقدموا له هدايا ذات رموز . هكذا نحن اليوم يجب أن يرتقي أيماننا الى الرجاء بذلك المولود العظيم ، كما قال الرسول بولس ( فأننا قد خلصنا ، إنما بالرجاء ولكن الرجاء متى رأيناه لا يكون رجاءً ؛ فما يراه الأنسان لماذا يرجوه بعد ؟ ) " رو 8: 24-25"
نعم عندما جاء ملء الزمان أخلى الأبن ذاته وترك عرشه السماوي وأخذ له جسداً من العذراء فصار في الهيئة كأنسان فولد من أمرأة متمماً نبؤة أشعياء النبي " 14:7"  . بميلاد المسيح من العذراء جسدت مريم وعد الله لأبراهيم " تك 6:15 " . تم وعد الله لأبراهيم لأن الله ساهرٌ على كلمته ليتممها " أر 12:1" . ولدت العذراء مشتهى الأمم ، قدوس الله ، بلا عيب لكي يكون ذبيحةً مُرضية ، وبه ترفع خطية العالم . وبهذا العذراء الفقيرة صارت أعظم نساء العالم ، طوَّبتها وستطوبها جميع الأجيال " لو48:1"  ونالت كرامة لأنها صارت أماً لأبن الله المتجسد . أنجبت أبن الله بدون زرع أنسان ، أنها الأرض المقدسة التي حملت المخلص لجميع الأمم ، أنها الجسر الذي أنتقل من خلالها الرب من السماء الى الأرض ، ولد الرب الأله من العذراء التي أسمها مريم " لو 27:1 " . أكد الأنجيل عذراويتها ليعلن أن المسيح ليس من زرع بشر ، بل هو أبن الله وهذا الرابط يؤكد لنا أن دم المسيح يتكون من 23 كرموسوم من والدته ، وكرموسوم واحد من أبيه السماوي . علماً بأن دم كل أنسان يتكون من 23 كرموسوم من الأب و23 كرموسوم من الأم  هذا الفيديو ينقل لنا تفاصيل هذه الحقيقة التي أخفيت منذ عام 1981 :
http://www.youtube.com/watch?v=pEDqexaX8Gs

حزقيال النبي أعلن لنا عندما تحدث عن الباب الشرقي ، فقال : (هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ، ولا يدخل منه أنسان ، لأن الرب اله أسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ) " حز 44: 1-3" . وهكذا خرج منها تاركاً باب عذراويتها مقفلاً لكي تبقى عذراء ، هكذا ولدالطقل الألهي بطريقة عجائبية معجزية تليق بولادة أبن الله القدير .
أما البرهان العلمي الثاني فيتعلق بعدة آيات نذكر آيتين لها علاقة بهدف الموضوع ، تقول الآية ( أراه وليس حاضراً أبصره وليس بقريب . يسعى كوكب من يعقوب ويقوم صولجان من أسرائيل فيحطم طرفي موآب ويريح جميع بني شيت ) " عد 17:14"  وكذلك النجم الذي ظهر للمجوس ( طالع مت 2: 1-21 ) أنه الكوكب الذي ظهر للمجوس وأرشدهم الى بيت لحم فبظهوره الغريب في ملء الزمان أقتنع المجوس بسره . كذلك كان اليهود يؤمنون أن مثل هذا الأقتران حصل يوم مولد موسى ، وأنه لا بد  سيحصل يوم مولد المسيح ( مسيا ) ، وقد اكتشف العالم الطبيعي كبلر أمر هذا الأقتران في القرن السابع عشر . فقد لاحظ كبلر أول أقتران بين المشتري وزحل في الشهر الأخير من سنة 1603 . ثم أنضم أليهما ، في السنة التالية ، كوكبان ، أحدهما مارس ( المريخ ) وبحث كبلر في الموضوع ووجد أن اقتران مثل هذا حصل حوالي سنة 6 ق.م ونحن نعلم أن المسيح ولد سنة 4 ق.م وهذا يعني أن ظهور النجم للمجوس لم يكن أمراً غريباً . المجوس كان أيمانهم موروثاً من عبادة النجوم في الأزمنة القديمة وكان معظمهم من الكلدانيين وأرض كلدان في زمن ميلاد المسيح كانت مستعمرة من قبل الفرس المجوس وحضارة علم الفلك ترعرعت جداً عند الكلدان فتوصلوا الى أعظم حضارة فلكية وحيث نشأ دين وثني لعبادة الأجرام السماوية بسبب تبحرهم في عالم الفلك  . وبمقدار ما كان علم الفلك نافعاً للبشر ، كان التنجيم والزعم بالغيب تزييفاً للحقيقة وخرقاً لأرادة الله التي ترفض القول بالغيب ما لم يوحي به من الله
ولألهنا القدير المولود في المذود المجد الدائم الى الأبد
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد - كندا  
 

283
لا ترفس المناخس يا رئيس أوباما
( كما يكون حاكم الشعب يكون وزراؤه ...) "سير 2:10"
رغم مرارة الحزن والغضب تجاه الأحداث والكوارث التي تلقاها الأنسان المسيحي في بلدان الشرق الأوسط ورغم كونه المكون الأساسي والأصيل في تلك البلدان الا أنه يعيش مضطهداً ومستصغراً ومسلوباً للحرية والأرادة ، لكن رغم ذلك أستطاع الصمود مئات السنين من أجل البقاء في أرض الآباء لكي يشهد للحق ، أضافة الى كونه راضياً عن ذلك الظلم لأنه يؤمن بأن الرب كان يسمح بهذا الألم فلا بد سيأتي من وراءه مجد وتعزية ومكافئة . هذه هي معادلة مسيحية مجربة منذ قرون وأختبرها الشعب المسيحي منذ القرن الأول من أنطلاقة المسيحية . فهيرودس أساء الى الكنيسة " أع 1:12" فقام بقتل الرسول يعقوب بن زبدَي بالسيف ، ولما وجد أن عمله يرضي اليهود فقبض على بطرس الرسول والقاه في السجن ، لكن مصيره يقول الكتاب ( لبس هيرودس الحلة الملوكية ، وجلس على كرسي الملك وجعل يخاطبهم فصرخ الشعب : " هذا صوت اله لا صوت أنسان ! ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله ، فصار يأكله الدود ومات ) " أع 21:12" . وهكذا لندخل الى عصرنا ونقرأ أحداث أضطهاد المسيحية في جمهوريات الأتحاد السوفيتي لمدة 70 سنة وكما أضطهد نبوخذنصر شعب الله المختار عندما سباه الى بابل 70 سنة وبعد ذلك تدخل الله وأطلقهم . الشيوعية أساءت الى كنيسة المسيح لكن بعد تلك الفترة التي قررها الرب أسقط الشيوعية بيد خادم كنيسته وراعيها الطوباوي ما يوحنا بولس الثاني وبحسب المراحل المدونة في مقالنا السابق ( البابا أسقط الشيوعية فتمت نبؤة العذراء ) وكما في الرابط التالي :
http://mangish.com/forum.php?action=view&id=2902
الله رحم تلك البلدان لأنها أطلقت حرية الكنيسة وزار رئيسها ميخائيل خورباتشوف البابا وعاد الأيمان الى روسيا وباقي البلدان الأخرى ، لا بل الآن روسيا هي الدولة الأكثر تعاطفاً مع مسيحي العالم وخاصة الشرق الأوسط ضد معسكر الغرب الملحد الذي صار الهم الأول له المال ، ولأجل المال يقفون مع أعداء الكنيسة لضربها وأزالتها وأضطهاد أبنائها وطردهم وفق منهج ومخطط مدروس ومتفق عليه مع الدول التي تغذي الأرهاب في العالم كدول الخليج النفطية وعلى رأسهم السعودية . تشير رسائل وزارة الخارجية الأمريكية الداخلية التي حصل عليها موقع ويكيليس ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تلك الرسائل ، بأن ملايين الدولارات تصل الى جماعات متطرفة من بينها القاعدة وحركة طالبان ، قالت الصحيفة أن مذكرة سرية أرسلتها وزيرة الخاجية الأمريكية هيلاري كلينتون في حينها أظهرت فيها أن سكان السعودية ودول الخليج هم الداعم الرئيسي للعديد من الأنشطة المتطرفة . أما الآن فقد توضحت الصورة بأن دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية وقطر هم رأس الحربة الأمريكية في المنطقة من أجل تحويل الأنظمة العلمانية الى دينية أرهابية متخلفة كما حدث في العراق لتدميره وتفتيته وزرع بذور العداء بين كل مكونات الشعب وضرب المسيحية بقوة والعمل من أجل تهجيرها وكما يبغي قادة الأرهاب في دول الخليج ، وهكذا الحال في تونس وليبيا ومصر وأخيراً سوريا والتركيز الأساسي هو ضد المسيحية .

نقول للرئيس أوباما لا ترفس المناخس .
وهل تعرف معنى الكلام يا أوباما ؟ وهل تقرأ الكتاب المقدس فعلاً ؟ قبل أن تصل الى كرسي الحكم تظاهرتَ للعالم بأنك أنساناً وديعاً ومحباً للسلام وتعمل من أجل رفع الأقتصاد الأمريكي وغيرها من الوعود الطنانة فأنتصرت على لغة خصمك هيلاري كلينتون وأنتصرت . لا وبل خدعت العالم كله أنك رجل سلام وهمك الأول هو السلام العالمي ، فخدعت كل المنظمات الأنسانية فحصلت على جائزة نوبل للسلام . من بعدها بدأت حقيقتك تتجلى بوضوح للعالم فقُدتَ معركة الربيع العربي المشؤومة لتدمير الشرق الأوسط وما زلت تقودها في سوريا . نجحتَ في الوقوف مع أرهاب الأحزاب الأسلامية المتطرفة وتمويلها . نجحت في تهجير المسيحيين من العراق وسوريا وفلسطين ومصر وفتحت أنت وحلفائك في أوربا أبواب بلدانكم على مصراعيها لهجرة المسيحيين لتفريغ المنطقة من هذا العنصر الأساسي والمهم في المنطقة . والآن حدثَت مشكلة بينك وبين رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا مار فرنسيس بابا الفاتيكان بسبب أعتراضه لمشروعك الأرهابي ضد المسيحية ، وأخيراً في ضرب سوريا . فتقلد هذا الجبار في الأيمان سيفه ( تقلذَ سيفك على فخذك أيها الجبار ) " مز 4:44" فأستطاع البابا تعبئة مليار وربع مؤمن للصوم والصلاة ضد مشروعك الشيطاني فاستخدم سياسة السماء التي هي أقوى من سياستك ، وسيفه يتحدى سيفك ، لأن سيفه هو ( سيف قاطع ذو حَدّين ) " عب 12:4" . استخدم سلاح الأيمان القوي الذي هو أقوى من كل قوتك التدميرية ، بعد ذلك أستطاعت القوات المسلحة السورية من تطهير دير عطية وما حوله ، فقمت بقطع العلاقة مع الفاتيكان وسحبت السفير وأعضاء السفارة في يوم 25-11-2013 بدون أعلان رسمي الى سفارتك في روما . وبعدها تم تحريض المرتزقة للهجوم على بلدة معلولة المسيحية التي تتحدث الآرامية ، لغة المسيح ، وتم الأستيلاء على نصف البلدة فقام المجرمون بقيادتك برفع الصلبان من على ست كنائس مع أختطاف 12 راهبة كمخطط تهديدي للمسيحية وأنتقاماً من البابا ، أخططفوا الراهبات على نفس خطة أختطاف المطرانين وبأشراف الشريك الآخر تركيا المخضرمة في أبادة المسيحية والتي ما تزال وستبقى يداها ملطخة بدماء مليون ونصف أرمني وكلداني وآشوري وسرياني وسيعيش العالم الذكرة المئوية قريباً لتلك المجزرة المؤلمة وأنت تكلف أولئك المجرمون لأبادة المسيحيين في المنطقة مرة أخرى . نعم يا سيادة الرئيس لقد وضعت يدك بيد المجرمين وأنت من تُحرِك الأحزاب الأرهابية في العالم كالقاعدة وجبهة النصرة والداعش والسلفية الجهادية وأحرار الشام وأخوان المسلمين في سوريا وشهداء يرموك والجماعات الأسلامية المتطرفة الأخرى وقد أتيت بهم من 112 دولة ولفرنسا يد طويلة في تحريك هذه العصابات الأرهابية من أجل أسقاط نظام الأسد . لنسأل ونقول وهل النظام القادم سيعطي حرية التدين والعيش المشترك كما يعطيها الأسد ؟ في سوريا هناك السِنة و70% من الجيش السوري هو من السِنة ، وفي سوريا هناك الشيعة والعلويين والمسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك والأنجيليين والدروز واليزيدية وغيرها من المعتقدات ، بينما حليفك الأكبر في السعودية لا يسمح لبناء كنيسة واحدة لأكثر من مليون ونصف عامل مسيحي في السعودية . صرخ البابا الآن متحدياً ظلمك فأستجاب له كل العالم المسيحي وأيدوه المسلمون المعتدلون وقالوا ، بابا روما يطالب بعدم ضرب سوريا الأسلامية وشيوخ الأسلام يطالبون بتدميرها . ستخسر يا أوباما لأنك لا تستطيع أن ترفس المناخس . وهل تعرف ما هي المناخس يا سيادة الرئيس ؟ وهل تعلم من قال هذا القول ولمن ؟ قاله الرب يسوع لشاؤل الطرسوسي لمقاومته الكنيسة المقدسة حيث كان يسعى الى تدميرها مثلك ، فهل تعرف ماذا كانت النتيجة ؟ واجهه رب المجد في طريق دمشق وقال له ( صعب عليك أن ترفس مناخس ) والمنخاس هو قطعة من حديد ، دقيقة الرأس ، يستعملها بعض الناس في نخس حيواناتهم لتسرع في العمل أثناء الحراثة أو في البيدر . لهذا نحذرك قائلين ، لا تقاوم سبل الرب المستقيمة ، ولا تقف مع قوات الشر ولا تقاوم كنيسة الله التي أقتناها بدمه . ثمن الكنيسة التي تدمرها وتشّرِد أبنائها هو دم الله الغالي الثمن ، لا تستغل طول أناة الله ، أنه ينظر من سمائه ويسمح لك بأضطهادها لزمن لكن يخطىء من يظن بأنه لا ينتقم ، لأنه قال ( لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم . أن يوم هلاكهم قريب والمهيآت لهم مسرعة ) " تث 35:32"
أترك يا سيدة الرئيس طرقك الملتوية وخططك التي تنسقها مع قادة الشر في دول الخليج وتركيا . خطتكم تنكشف للعالم أجمع والأخيرة أكتشفها السفير السوري في الأردن د. بهجت سليمان فأعلن ما قاله وزير خارجيتك لملك السعودية وهو يعاطفه بالكلام لكي يقنعه ، هكذا تتحدثون مع الملك وكأنه هو الأعظم منكم ، والعالم يتذكر زيارتك التاريخية له وكيف أنحنيت أمامه كما ينحي العبد لسيده . أما ما قاله وزيرك جون كيري للملك المعظم ، فقال :
اسمح لي يا جلالة الملك أن أدخل وإياك للملف السوري فمنذ البداية دعمنا الثورة وآزرناها وقلنا على بشار الأسد أن يرحل ودعمنا المعارضة وكنا نتمنى أن تبقى المعارضة في الأزقة والشوارع وأن لا تنتقل للجبال والخنادق . ولكن هناك من استعجل الأمر واعتبر أن ذلك سيسرع في انهيار النظام . ولكن وجهة نظرنا كانت مخالفة مع أننا لم نعترض على ذلك . آزرنا المعارضة بكل قوة زودناهم بالسلاح وفرضنا عليهم جميعاً ضغوطات من أجل الوفاق والوحدة وكذلك مارسنا ضغوطاً على النظام وعزلناه وحاصرناه كل ذلك دعماً للثورة السورية . ولكن الذي أضر بالثورة السورية هو كثرة الطباخين حيث أفسدت الطبخة وشعطت كما تقولون في العربية فالكل أصبح قائداً للثورة السورية ، والكل له قراراته ، والكل له جماعته ولكن للأسف الكل يتصارع مع الكل . كنا حريصين على وحدة الجميع ولكن للأسف فشلنا ، فقطر أصبحت قائدة وتركيا أصبحت كذلك والبعض عندكم ، وإسرائيل أطلت بأنفها ، كل ذلك حسب وجهة نظرنا مكن النظام من الصمود وأصبح قادراً على المواجهة. حذرنا منذ البداية من أن عسكرة الثورة السورية ستصب في مصلحة النظام ولكن لم يسمعنا الكل وانجررنا تحت رغباتهم بهذا العمل حيث قدم لنا البعض نفسه كخبراء للشعوب العربية وبالشعب السوري، كنا نقول لهم أهم مقومات أي دولة أو انهيارها هو الجيش نسألكم أين يقف الجيش . كنا نعرف أن نظام بشار الأسد محاط بنواة صلبة من الجيش يصعب اختراقها ولكن البعض كان يزودنا بمعلومات مضللة ويقول لنا أن الجيش سيفقد الثقة في بشار ، فقط مسألة أيام والبعض تحدث عن ساعات.
سأروي لك يا جلالة الملك ما حدث في قصة واحدة ، أمير قطر السابق اتصل على عجل طالباً مكالمة الرئيس أوباما أن بحوزته معلومات هامة يجب أن يطلعه عليها وكان الوقت بعد منتصف الليل حسب توقيت الولايات المتحدة والرئيس خلد إلى النوم ، إلحاح أمير قطر على مكالمة الرئيس دعا مستشاريه إلى إيقاظه . أمير قطر أخبر الرئيس أوباما ما يلي :
رئيس الوزراء رياض حجاب سيتوجه بعد ساعات إلى رئاسة الوزراء ليعقد مؤتمراً صحفياً يعلن انشقاقه عن النظام ودعمه للثورة كل ذلك سيترافق مع تحركات وانتشار الجيش السوري خاصة في المدن الأساسية وأن هناك اتفاقاً قد جرى ما بين قيادة الجيش وقيادة الثورة على أن يوجهوا نداءاً وإعطاء بشار الأسد فرصة من الوقت لمغادرة سوريا وإن القطريين قد مارسوا ضغوطاً كبيرة من أجل اتمام ذلك لأن البعض في سوريا يريد قتل واعتقال الرئيس وعدم تمكينه من مغادرة سوريا . أمير قطر أبلغ الرئيس أوباما أيضاً أن كل ذلك أصبح ناجزاً والمسألة خلال ساعات . الرئيس أوباما أخبر مستشاريه وأبلغهم بالموضوع وطلب منهم أن تقوم الفرق التلفزيونية الموجودة في تركيا بالتحرك الفوري إلى سوريا من أجل مواكبة الحدث وبتنا ننتظر ساعات وساعات ولا شيء يحدث في سوريا لنفاجأ في ساعات المساء بطلب أردني أن نساعدهم عبر الأقمار الاصطناعية في البحث عن رياض حجاب رئيس الوزراء السوري حيث أخبر الأردنيين أنه في الطريق إليهم ولكنه لم يصل ومن المحتمل ان يكون قد القي القبض عليه أو قتل وبعدها بساعات تم التعرف على رياض حجاب مغادراً الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية متنكراً بزي امرأة ، هذا ما حصل يا جلالة الملك. هل تعلم يا جلالة الملك أن القطريين أبلغوا الإسرائيليين بذلك قبل أن يبلغوننا ، هل أبلغوكم ؟ اتصلنا بالأردن لنعرف حقيقة ما يجري، أبلغنا الأردنيون أن لا علم لهم بذلك ولم يلحظوا أي تغيير مهم في سوريا وفي حركة الجيش . هذا ما يحصل يا جلالة الملك ، أضاعوا فرصة سوريا بأحلام طوباوية وتخيلات وهمية والخاسر الأكبر حتى الآن هو الشعب السوري .
لندخل بالتفصيل يا جلالة الملك أيضاً بموضوع مهم فقد أبلغنا الأمير بندر بأنه ليس مثل قطر وطلب منا مهلة شهرين إلى ثلاثة أشهر لإنهاء الأزمة السورية أعطيناه وسهلنا عليه وحشدنا له كل الحلفاء ونحن مقتنعين تماماً أن ذلك غير ممكن . استطلاعاتنا ودراساتنا ومعلوماتنا تفيد أن بشار الأسد يومياً يزداد قوة ويستعيد ثقة البعض يوماً بعد يوم.
ختاماَ نقول سر قوة النظام السوري هو في رؤيتهم الصائبة لحقيقة المؤامرة التي نسَّجتها لهم يا سيادة الرئيس مع الأنظمة الرجعية العربية في الخليج وفتاوي شيوخ الأرهاب ك د. يوسف قرضاوي وغيره وتحت عباءة مشروع الربيع العربي ( لا وبل الخريف العربي الأسود ) وأطلاق الحرية والديمقراطية ، فالله وكنيسته المقدسة لا ينخدعون بالأباطيل لكي يقفوا مع الباطل ، بل يقفون مع الحق ، وتظليلك للحقائق أنت وقيادتك السياسية لا يقبل بها البابا ولا كل مؤمن مسيحي لكي يصفق لجرائمك ، أرتكبت جريمة أخرى سيسجلها لك التاريخ وهي سحب أعضاء سفارتك من الفاتيكان يوم 25 -11- 2013 ، أنه أعلان حرب ضد صوت الله . والله سينتقم مع من يقف مع الظالم ولن يسمح بالظلم ، أنه الآن يسمع ، وينظر ، ويكتب . أما أعمالك الشريرة في سياسة العراق وسوريا ومصر وغيرها والتي كانت نتيجتها نزف دماء الأبرياء وحرق الكنائس وتشريد المسيحيين ومع هذا تريد من البابا أن يقف الى جانبك في تدمير الكنيسة التي أسسها الرب في تلك البلدان قبل الفي سنة . كم هي خطيئتك كبيرة يا سيادة الرئيس ؟ وكم ستجني من الشوك الذي تزرعه ، ستجني حسكاً والماً وأنتقاماً بسبب أعمالك الأرهابية ؟ بل أنت من تقود الأرهاب العالمي وتدعمه ، بعملك هذا تدين نفسك بنفسك ، لو كنت تريد أن تنشر الحرية الحقيقية المجردة من مصالحك الدنيئة فأفرضها على الأنظمة الحاكمة لكي تنشر كلمة الحق التي مات من أجلها المسيح مصلوباً لكي يأتون هؤلاء العائشين في الظلمة وفي ظلم قادتهم ، الى حظيرة الخراف الوديعة الذي يقودها المسيح لكي تتم فرحتنا بأعمالك الصالحة فتمتلي أجران المعمودية في الكنائس من الذين سيرون النور لكي يصبحوا أبناء النور، فيعم السلام والفرح في بلدانهم ، فيرأسهم قادة أمناء لا سراق ومجرمين ، وهكذا يكون الفرح في بلدانهم وفي العالم الذي سيتحرر من أعمالهم الأجرامية ، وكذلك يكون الفرح في السماء .
وفي الأخير نُحَذّرُك قائلين ( لا ترفس المناخس يا رئيس أوباما ) . بل أتقي الله وأذهب لزيارة البابا نادماً على فعلتك وأنحني لا الى مستوى يده ، بل الى سيور حذائه .
طوبى للرجل العظيم الرئيس فلاديمير بوتن الذي زار البابا ونال بركته .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد - كندا

284
أسرار حضارة سومر تهز العالم



في البداية ، علينا أن نبحث عن صفحات التاريخ المليئة بمعلومات زاخرة وآثار عريقة لكي تضيف لنا أضافات أصيلة غيرمسبوقة عن التطور والتقدم الذي حصل في تلك الحقب الزمنية . من خلال قراءتنا لكل ماهو مكتوب عن حضارات العالم وتاريخها يتبين لنا بأن الأنسان البدائي الذي بدأ حياته في الصيد أولاً ومن ثم الأستيطان والشروع في الزراعة وصناعة بعض الأدوات الزراعية والمنزلية التي كانت تفي بمتطلباته المعيشية وتحافظ على ديمومة حياته .
كانت الحياة على مر العصور سلسلة متصلة من حلقات التطور وكل حضارة كانت تتطور بمقدار الأبداع والرقي الحاصل في حياتها اليومية فأزدهرت بعضاً منها حتى بلغت أعلى الدرجات من سلم الأبداع في التاريخ . ففي العصر الحجري القديم وُجِدَت أوان حجرية ذات مقابض وعليها رسوم لحيوانات ونباتات . كما وُجِدَت آلات مصنوعة من حجر الصوان والعظام .
برزت حضارات قديمة في العالم ، ففي بلاد الرافدين كانت الحضارتين السومرية والبابلية من أبرز حضاراتها . وهنالك الحضارات الأخرى في مختلف مناطق العالم مثل مملكة سبأ في اليمن ، والحضارةالأغريقية ، والصينية ، والفرعونية ، والفينيقية ، والرومانية ، وحضارة المايا . وتعتبر الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين من أقدم حضارات العالم والتي تعود الى الألف السادس ق.م مع وجود فارق زمني طويل مع الحضارات الأخرى .
أول ظهور للتطور في أرض سومر (الحضارة السومرية) كان في مجال الزراعة أولاً، فأنتقلوا من مجتمع أستهلاكي تَمثّـل بالصيد والبحث عن الأثمار والنباتات البرية الى مجتمع زراعي منتج ومدجن للحيوانات للأستفادة من حليبها ولحومها وجلودها ، حيث دبغوا الجلود وغزلوا الصوف وعرفوا الخياطة . وهكذا بدأت الحضارة في بناء القرى والمدن وفي التجارة والثقافة والفنون التشكيلية والموسيقية فصنعوا آلات موسيقية مختلفة ونظّموا السلم الموسيقي وأسسوا فرق للأنشاد في المناسبات وفي المعابد .
أوّل أبجدية عرفها التاريخ القديم كانت في بلاد سومر، حيثُ أكتُشِفَتْ في شظايا الألواح الطينية المدونة بالخط السومري . وعاشت الكتابة السومرية لمدة 2000عام وكانت لغة للتواصل بين الداخل والخارج بل وأصبحت أداة ناطقة للأجيال القادمة لكي يقرأوا من خلالها تفاصيل تلك الحضارة القديمة . اما في الطب والهندسة وبناء القصور الضخمة والزقورات وتخطيط وبناء المدن الكبيرة فقد سبقوا كل حضارات العالم . كما أبدعوا في الصناعة والتجارة والفنون وأدارة شؤون الدولة وسن القوانين والأنظمة ونشرها على مسلات خاصة . كما ويُعتبرون من أول الأقوام الذين تفننوا في صناعة السفن العملاقة وتعاملوا مع البحار برسم خرائط ملاحية تسير عليها السفن فوصلوا الى بلدان بعيدة . كما كانوا سباقين في علم الفلك .
تم العثور على خاتم سومري يعود الى الألف الرابع ق. م مرسوم عليه بدقة خارطة كونية تبين المجموعة الشمسية . وتبين أن عدد الكواكب عشرة أضافة الى الشمس والقمر . كان السومريون يعدون الشمس والقمر كوكبان لذلك يصبح عدد الكواكب أثنا عشرة كوكباً . وتبين خارطة النظام الشمسي على الختم موضع كل كوكب بالنسبة الى الشمس ، وحجم كل منها ، مع معلومات فلكية ومسافات تطابق ما تم الوصول اليه في العصر الحالي في علم الفلك . كما وضعوا التقويم الشمسي والقمري وثبتوامواعيد الفصول . وصنعوا العدسات المقعرة والمحدبة والمرايا العاكسة . كما سبقواغيرهم في سباكة الذهب والفضة والمعادن الأخرى وتفننوا وبدقة في صناعة المجوهرات.
جاء أسم سومر في زمن الحثيين اي قبل الألف الثالث ق.م . ومن أهم المدن السومرية المعروفة ( أور - أوروك - لارسا - كيش - وأريدو) وأطلق على أراضي سومر أسم ( ميزوبوتوميا ) أي بلاد ما بين النهرين ، وبلاد ما بين النهرين لا تقتصر بمنطقة سومر المعروفة في جنوب العراق فقط بل تشمل كل الأراضي العراقية أضافة الى الأراضي السورية المحصورة بين حدود العراق الغربية وضفاف نهر الفرات في داخل سوريا شرقاً وجزء من جنوب تركيا شمالاً ، أما من الجنوب فتشمل كل دول الخليج بما فيها سلطنة عمان . أذاً الحضارة التي نشأت في ما بين النهرين هي أقدم من حضارة الصين والهند ومصر واليمن وغيرها . لكن هل كانت هذه الحضارة هي الأقدم وعلى نفس الأرض ؟
عثر على صحيفة حجرية منحوتة أسمها ( صحيفة الملك ) وهي من الصحف القديمة المحفوظة في خزائن الملك لهذا سميت بصحيفة الملك ( الرابط في أدناه لصورة تلك الصحيفة)
صحيفة الملك
هذه الصحيفة هي من أكثر الآثار غرابةً لما تحتوي من كنوز ومن أخبار تاريخ تلك الحضارة وهي منقوشة على حجر وهذه الأخبار تعود الى 400 الف سنة سبقت السومريين . فكيف كانت تلك الحضارة يا ترى ؟ ما موجود في تلك الصحيفة المهمة جداً والمحفوظة جيداً ، لا تصل اليها يد التحريف ، والمعلومات التي فيها تشيرالى أن السومريين كانوا يقسمون التاريخ الى قسمين . القسم الأول ما قبل طوفان نوح والثاني ما بعده . ذكر في تلك الصحيفة بأن ثلاث آلهة جاءوا من السماء على الأرض وظهرت رسوماتهم على لوحات جدارية مع مركبات غريبة ذات أجنحة وأسمائهم :
(Nebhilim, Nefilim, Elohim)

من الغريب أن نرى أسم ألوهيم بين هذه الأسماء فآلوهيم هو أسم الله القدير وكما ورد في أسفار العهد القديم . وهل ذلك الإله هو مثلث الأقانيم ؟ يقال أن الآلهة الثلاثة المذكورين هم أبناء أله واحد ، والملاحظ أن الميثالوجيا السومرية تؤكد بأن الصلوات الدينية كانت توجه الى الآب الخاص بالآلهة الثلاثة المذكورين وبصيغة توحيدية والذي كان يعتبر اله السومريين وكان يسكن في كوكب نيبيرو . ومن ذلك الكوكب جاء أبناء ذلك الإله لزيارة أرض سومر.
الحضارة اللاحقة أبدلت أسم كوكب نيبيرو بأسم كوكب مردوخ ، أي على أسم ألههم الأعظم . كما نستغرب من وجود معتقدات دينية عند تلك الجماعات تشبه الى حد ما معتقدات المسيحية اليوم .
ففي الكتاب المقدس يقول الرسول بطرس في رسالته الثانية 8:3 ( ولكن . أيهاالأحباء . عليكم ألا تنسوا هذه الحقيقة .. أن يوماً واحداً في نظر الرب هو كألف سنة . وألف سنة كيوم واحد ) وهذا يقرب الى المعتقدات المدونة في القصص السومرية . حيث كانت تعتقد الحضارة التي كانت تسكن في كوكب نيبيرو بأن سنة واحدة هناك تعادل 3600 سنة وكان يطلق عليها وحدة ( سار ) عندما وصلت الآلهة الأولى على الأرض كان عمرها 120 سار أي أن عمرها كان 432 ألف سنة بالزمن الأرضي .
نستنتج من هذا بأن هنالك حضارة أخرى كانت قائمة على أرض ما بين النهرين وتحديداً في أرض سومر المعروفة في جنوب بلاد ما بين النهرين ، حيث كانت تعيش في زمن ما قبل طوفان نوح . ولمعرفة المزيد عن آثار الحضارة التي عاشت في أرض سومر قبل الطوفان وعن ملوكها طالع بحثنا السابق ( طوفان نوح بين الأساطير والعلم والأيمان ) وفي الرابط التالي
http://mangish.com/forum.php?action=view&id=3227

العلم والمكتشفات الحديثة تعلمنا بأن الأرض تعرضت الى طوفانات شاملة أخرى سبقت طوفان نوح دمرت كل حضارات هذا الكوكب . وكان هناك حضارات متطورة جداً في كواكب أخرى لكنها لم تتعرض كواكبها الى مثل تلك الكوارث . بل أستمرت في التطور والتقدم العلمي والحضاري ، لهذا فهي الآن أفضل منا في العلم والتكنولوجيا وبأمكانها اليوم أيضاً أن تصل بمركباتها الفضائية المتطورة والسريعة جداً الى كوكبنا بسهولة وتستطيع أستمكان وأحتواء مراصدنا ، وتعلم جيداً بعلومنا وحضاراتنا المتخلفة بالنسبة لهم فتتعامل مع حضارتنا كمعاملة الرجل البالغ مع طفل . وهذه المركبات هي ما نطلق عليها اليوم بالصحون الطائرة. وللدول المتقدمة وخاصة أميركا أسراراً كثيرة عن تلك الصحون وأماكن تواجدها . وقد تكون الآلهة الثلاث هي من تلك الكواكب ومنذ ذلك الزمن كانت متطورة ولها القدرة للوصول والهبوط على أرض أفضل حضارة على الأرض في ذلك الزمان . وفعلاً للدول الثمان المتطورة اليوم علم بنشاطا تتلك الكائنات القادمة من كواكب أخرى على الأرض . وتلك الحضارات العريقة تزورنا دائماً وتتجسس علينا وتحصل على أسرارنا ومراحل تطورنا وتعبرها بواسطة أجهزة أستمكان دقيقة منصوبة في أماكن مختارة لكي تعبرها الى كواكبها أو الى مركباتها المتنقلة ، تابع هذا المقطع لفيديو يصوِر ويُعلِق على أجهزة تنصت لتلك الكائنات
http://www.youtube.com/watch?v=umwlABDaa_g
صرح وزير الدفاع الكندي السابق ( بول هيليير ) عام 2006 بأن هناك سبع أجناس فضائية زارت الأرض ، وهناك تعاون أمريكي معها . كما صرح الوزير قائلاً : أنني أطلعت على تقارير رسمية حساسة في أميركا تشير الى نشاط فضائي على الأرض بعلم الدول الثمان الكبرى وتعاملها مع تلك المخلوقات . كما أكد في 2013 أن هناك كائنات غريبة حية موجودة على الأرض حالياً وأن أثنين منها على الأقل ربما يعملان مع الحكومة الأمريكية . للمزيد طالع هذا التقرير
http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=13652

لنعود الى حضارة سومر القديمة . أي سومر ما قبل الطوفان ، حيث عثر على جدول دون فيه أسماء ثمان ملوك سومريون حكموا بلاد سومر مايقرب ربع مليون سنة . أي أن متوسط حكم كل واحد منهم يزيد عن 30 الف سنة . اللوحات الطينية تحدثنا أن عمر الأنسان قبل الطوفان كان يصل الى أكثر من الف سنة ، ولا عجب في ذلك لأن الكتاب المقدس أيضاً يذكر لنا عمر أكبر معمر في التاريخ وهو أبينا متوشالح الذي عاش تسع مئة وتسعاً وستين سنة ومات " تك 27:5" وهو الآخر عاش قبل الطوفان . أما ما بعد الطوفان فقد قل عمر الأنسان كثيراً لكي لا يتعدى المئة سنة وخاصةً بعد فترة الأسباط.
سنتاول في مقال آخر عن حضارة سومرية عريقة أخرى وفي أرض أخرى من أرض سومر تحمل أسراراً أخرى تثير عجب العالم . ليحفظ الله كنوزحضارات أجدادنا من العابثين والحاقدين لأننا بتلك الآثار نفتخر اليوم وسيفتخرون بها أجيالنا أيضاً.

بقلم
الفنان التشكيلي
وردا أسحاق عيسى
ونزرد - كندا



285
الكهرمانة

علي بابا والأربعين حرامي

ننصب الكهرمانة هو من أعمال النحات محمد غني حكمت. ولد الفنان في بغداد عام 1929 ورحل من هذه الدنيا حزيناً بعيداً عن بغداد في عام 2011 في عمان -الأردن
الفنان محمد غني، غني عن التعريف، وغنيٌ في كثرة أعماله الفنية. وهو أكثر الفنانين أعمالاً في ساحات بغداد ولديه أعمال كثيرة في مدن عربية كثيرة. أبدع منذ بدايته الفنية وهو طالباً في روما. أصبح ذا شأن كبير مع الأيام بمنحوتاته الخشبية والنصب البرونزية والحجرية والرخامية التي زينت ساحات بغداد وحدائقها. ولحد اليوم تقام له ثلاث نصب أخرى في ساحات بغداد وهي
   

أنه من أشهر الفنانين العراقيين، ومن النحاتين العرب المعروفين والبارزين على الساحة الفنية العربية منذ أواسط القرن الماضي. نقاد الفن، أطلقوا عليه شيخ النحاتين. تتمَيّز أعماله بلون خاص ممزوج مع فن حضارة وادي الرافدين الضاربة في التاريخ. نجد في جدارياته وأعماله، القوة والدقة والأبداع والجَمال، تحكي لنا عن أساطير (ألف ليلة وليلة) و (السندباد البحري) و (الكهرمانة) و (شهرزاد وشهريار) و (بساط الريح) و (الجنية والصياد) و (حمورابي) و (المتنبي) و(جدارية مدينة الطب، وموضوعها هو أجراء عملية جراحية يقوم بها الطبيب والفنان التشكيلي خالد القصاب نحتها عام 1967) وغيرها من الأعمال. وبالإضافة الى كل هذه الأعمال، أشترك في روما مع الفنان الكبير جواد سليم في أنجاز تماثيل نصب الحرية. كما صمم هدية العراق الى مقر منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في باريس


عشق هذا الفنان الفن السومري والبابلي وتأثر بالأختام السومرية لهذا قال عن نفسه: من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري، أو بابلي، أو آشوري، أو عباسي  
أما قصة نصب علي بابا والأربعين حرامي. فأنها إحدى أشهر القصص والشخصيات ذات الملامح الشرقية. وهي من القصص الخيالية المعروفة. تدور أحداث القصة حول حطاب بسيط يدعى علي بابا يسمح بالصدفة كلمة السر التي تفتح باب المغارة التي يختبئ بها عصابة اللصوص وكنوزهم. وبفضل كلمة السر (أفتح يا سمسم) تمكن علي بابا من الحصول على الكنوز المخبأة في المغارة. لكن اللصوص علموا بمكان تواجده من خلال جاره الحاسد الذي وشى به، فقرروا اللصوص الذهاب الى بيته لقتله واسترجاع الكنوز لولا لا فطنة زوجته مرجانة. في البدء أرسل اللصوص جاسوساً ليعرفوا بيت علي بابا وأمروه بأن يضع علامة على باب داره لكي يذهبوا اليه في الليل لقتله. فقامت مرجانة بعد رحيل الجاسوس بنقل العلامة ووضعها على باب الجار السيء. فذهب اللصوص وقتلوا الجار فنجا علي بابا.
أما قصة القضاء على اللصوص الأربعين، فتبرز بنت علي بابا كبطلة للقضاء على اللصوص واسمها ( قهرمانة ) وليس كهرمانة . كانت تتصف بالذكاء والشجاعة. ووالدها كان يمتلك خاناً لأيواء المسافرين. وكان لديه عربة يضع عليها عدداً من الجرار، يقوم بملئها بالزيت صباح كل يوم ليبيعه في سوق المدينة.
في إحدى ليالي الشتاء القارس. نهضت قهرمانة من فراشها بعد سماعها صوتاً غريباً فشاهدت عدداً من اللصوص اختبأوا في تلك الجرار الفارغة. شاهدتهم لأنهم أطلوا برؤوسهم لمراقبة رجال الشرطة الذين أحاطوا المنطقة. أخبرت والدها، فقام بأحداث أصوات في الخان، فأخفي اللصوص رؤوسهم، فقامت قهرمانة بصب الزيت في تلك الجرار، فأخذ اللصوص بالصراخ، فجذبت أصواتهم رجال الشرطة وأمسكوا بهم.
تم تشييد هذا النصب في ستينات القرن الماضي في شارع السعدون في الساحة التي تقع عند مفترق الطريق بين الكرادة خارج وكردة داخل.
في السنين العشرة الأخيرة. أظهر اليابانيون أعجابهم واهتمامهم بهذا النصب، فبادروا الى أعادة صيانته، فغرسوا ساحته بالوهور والتقطوا صوراً أمامه، كما تم طلاء الجرار باللون الأخضر الذي لا يناسب مع الشكل الفني للنصب.
المؤسف جداً في هذا النصب هذه الأيام هو، أنه لا يعد يصب زيتاً ولا ماءً كما في هذه الصورة

فما هو السبب يا ترى؟ هل لفقر العراق؟ وهل العراق الذي إيراداته السنوية العالية أكثر من أي زمان والتي تجاوزت 100 مليار دولار فقيراً؟ نعم عراق اليوم فقير. موقعه اليوم يقع خلف جميع الدول العربية عدا اليمن. أما تسلسله الإجمالي عالمياً من حيث الحريات، والسلامة، والتعليم، والاقتصاد، فهو في التسلسل ال( 131) من بين 142 دولة . من يسرق هذه الأموال؟ هل خرج كل اللصوص المختبئين في جرار علي بابا وحكموا العراق الجديد فنهبوا خيراته وكنوزه ؟ أذاً لا داعي لقهرمانة أن تصب في جرارها زيتاً ولا ماءً لأن الجرار فارغة من اللصوص . رحمة الله عليك يا عراق ويا علي بابا .
بقلم الفنان التشكيلي
وردا أسحاق عيسى
ونزرد  - كندا




287
الجندي المجهول القديم والمرتقب وجريمة أعدام الفنون


لبلدان كثيرة رموزاً شاخصة ترمز الى الجنود المجهولين الذين سقطوا ضحايا الدفاع عن تربة وطنهم .

من هو الجندي المجهول ، ومن أين ولدت فكرة تشيّد النصب تخليداً لذكراهم ؟

الجنود المجهولون هم أؤلئك الأبطال الذين لقوا حتفهم في معارك الشرف دفاعاً عن تربة الوطن ، ولم يعثر عن جثثهم أو لا يمكن التعرف عليها لتسليمها لذويهم ، فقررت حكوماتهم بتكريمهم بتشيّد نصب تذكاري يليق بعملهم البطولي . أول ضريح للجندي المجهول يعود الى عام 1858 وهو ضريح ( جندي المشاة ) في الدانمارك بعد حرب سكيلسفيغ الأولى . ويليه ضريح أحداث الحروب الأهلية في أميركا ، أقيم عام 1866. أما بعد الحرب العالمية الأولى فقررت بعض الدول كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأيطاليا بتكريم شهدائها بتصميم نصباً فنياً أو ضريحاً في أرض العاصمة أو بالقرب منها يرمز الى قبر ذلك الجندي المجهول .

في الحرب العالمية الأولى أصبح عدد الجنود الذين لم يكن بالأمكان التعرف على هويتهم عدداً هائلاً. فبدأت فرنسا عام 1920 بتأسيس أول ضريح لجنودها المجهولين في ساحة ( الايترال) الآن تسمى ساحة ( شارل ديغول ) تحت قوس النصر . هكذا بدأ بلدان كثيرة بتكريم شهدائها أيضاً .

أما العراق فبعد ثورة 14 تموز طلب الزعيم عبدالكريم قاسم بتصميم وتنفيذ نصب للجندي المجهول. نقول وهل للعراق جنود مجهولين فقدوا بعد تأسيس دولة العراق الحديث ؟ هل خاض العراق معارك بعد تلك الفترة لكي يكون له جنوداً شهداء مجهولين ؟ أم هل نقدر أن نعتبر العراقيون الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولى في الجيش العثماني والذين سيقوا الى تلك المعارك عنوة ً فقتلوا في أرض المعركة ، أولئك المظلومين هل نعتبرهم جنود عراقيون أم مرتزقة في الجيش العثماني ؟

أختار الزعيم عبدالكريم قاسم المهندس المعماري رفعت كامل الجادرجي لتصميم نصب الجندي المجهول في أرض أختارها الزعيم وهي ساحة الفردوس التي أعتبرها بوابة دخول الجيش العراقي لتحرير بغداد من النظام الملكي .


تم تصميم وتنفيذ النصب في عام 1959 من قبل المهندس رفعت الجادرجي . ومن هو الجادرجي ؟ رفعت الجادرجي ولد عام 1926 وهو أبن الصحفي العراقي المعروف كامل الجادرجي الذي كان أشهر الصحفيين في عقد الثلاثينات من القرن الماضي . أكمل رفعت دراسته في مدرسة ( هامر سميث للحرف والفنون ) في بريطانيا وبعدها عاد الى بغداد لكي يقدم لها خدماته العمرانية والفنية . أعطى أهتماماً كبيراً للمباني المعمارية التراثية خاصة في شارع الرشيد ، كالشناشيل المتكونة من النوافذ الخشبية والتيجان والأقواس الظاهرة في المباني المطلة على شارع الرشيد ، والمقرصنات الحديدية البارزة في المباني . أشترك الجادرجي في معارض عالمية عديدة والخاصة بمسابقات التصاميم المعمارية . أنجز عشرات المشاريع العمرانية كمهندس معماري في بغداد ، منها مبنى دائرة البريد والأتصالات في السنك . ومبنى أتحاد الصناعات العراقي . نال جوائز كثيرة ومنها جائزة الشيخ زايد عن كتابه ( في جدلية وسببية العمارة ) كما له مؤلفات كثيرة . كما كان أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد بين عامي 1984-1986 وكذلك في قسم العمارة في مدرسة (بارتلت )  بلندن . ومحاضراً في فلسفة الفن والعمارة والأنتروبولوجيا وعلم الأجتماع في جامعة السودان وتونس والبحرين . كل هذه المشاريع والمؤلفات والقدرات والمواهب التي كان يمتلكها ، لكن كان نصب الجندي المجهول الأبرز في حياته . هذا النصب التذكاري الذي صممه وأدخل فيه الفن والمعمار الهندسي والخدع البصري والبساطة في المظهر لأن النصب كان على شكل جدارمقوس عالي شبه مدبب في الأعلى . أما في قاعدتيه فيوجد نافذتين على شكل هلال ونهايات الهلالين هي قاعدة النصب . كان هذا النصب يحمل الكثير من المعاني الفنية والحضارية أضافة الى كونه رمزاً وطنياً شامخاً . بعد تنفيذه تم تغليفه بنوع من الحجر الأبيض الأيطالي الذي تم أستيراده لتغليف النصب وكذلك لتغليف جدار وقاعدة نصب الحرية الذي هو من تصميم الجادرجي أيضاً . نجد في نصب الجندي المجهول قياسات دقيقة وفضاءات وزوايا وأنحدارات مصممة ومبنية على أسس علمية حديثة ، تعود جذورها الى الحضارة السومرية القديمة والرومانية . تعاقبت أنظمة الحكم في العراق الى أن جاء حكم البعث . في عاد 1977 ألقي الجادرجي في سجن أبو غريب لمدة 20 شهراً . لا نعلم الأسباب . أما سبب أطلاق سراحه ، فكان في فترة أستعداد العراق لأستضافة مؤتمر عدم الأنحياز طلب صدام حسين مقابلة أشهر المعماريين لتكليفهم بأعادة التنظيم العمراني لبعض المناطق في العاصمة فأخبر بوجود أشهر المعماريين في السجن . أمر بأطلاقه ليتفرغ لتلك المهمة . وهذه القصة تشبه قصة يوسف الصديق الذي كان منسياً في السجن لحين الحاجة اليه لتفسير أحلام فرعون . نفهم من هذا بأن الجادرجي كان تحت أنظار السلطة قبل هدم صرحه الفني في ساحة الفردوس .  في 4 تشرين الثاني 1982 تم تهديم النصب لوضع تمثال الرئيس صدام في نفس الساحة . وكان قد شيّد في حينها نصب الجندي المجهول الذي صممه الفنان خالد الرحال في ساحة الأحتفالات الكرى قرب قوس النصر .



نسأل ونقول هل كانت فكرة تشيّد النصب الجديد نابعة من فكر القيادة العراقية ؟ أولاً الفكرة لم تكن في عهد صدام حسين بل في عهد الرئيس أحمد حسن البكر، طرحت في حينها من قبل النحات العراقي خالد الرحال ( أنه نفس الفنان الذي طرح فكرة وضع تمثال عبدالكريم قاسم في نصب الحرية وهنا يخطط لنصب جديد يكون السبب في أعدام النصب الذي أعده الزعيم ) . طالع مقالنا :

http://mangish.com/forum.php?action=view&id=4380

أذاً الرحال هو الذي زرع البذرة في عهد البكرفنمت في عقول القيادة الى أن نضجت في عهد صدام فتم التهديم فتحقق حلم الرحال .



غادر الجادرجي العراق في عام 1993 واستقر في لبنان وأسس هناك مركز أبحاث حمل اسمه وتفرغ للبحث عن فلسفة العمارة ونظريتها . عاد الى بغداد بعد أن غادرها لمدة عقدين حاملاً معه تصاميم لأعادة بناء النصب في مكانه الأصلي . يقول الجادرجي : ( أقوم بأنجاز التصاميم الأولية للنصب بعد أن تم تكليفي من قبل الجهات الحكومية لغرض أعادة أنشائه في مكانه وبالطراز ذاته وهذا شىء هام بالنسبة لي مثلما كان النصب يشكل أهمية استثنائية عند أنشائه لأول مرة ) . نقول : هل سيعيد النصب فعلاً مكانته وجماله وهيبته كما كان في السابق ، أم سيبقى معدوماً رغم أنشائه ؟ يقال بأنه سيكون في النصب الجديد تعديلات وأضافات مثل أدخال التكنولوجيا الحديثة والأضاءة الليزرية والألوان . صرح المهندس المعماري حميد عبد أنه سيشرف على بناء النصب بينما الجادرجي البالغ من العمر 87 سنة سيقوم بزيارة موقع العمل وحسب ما تسمح صحته .

نقول بأن النصب سيبقى معدوماً حتى بعد تشييده لسببين ، الأول : لأنه فقد هيبته بعد تشييد فنادق شاهقة حوله فأرتفاعه الذي كنا نراه شاهقاً سيظهر وضيعاً بين تلك الأبراج . أما أجيال اليوم والمستقبل فلا يعطوا له أهمية تليق به كما كان في تلك الحقبة . أما السبب الثاني : لا يجوز أن يكون في مدينة واحدة نصبين للجندي المجهول وأن كان للبلد نصبين فيجب أن يكون كل منهما في مدينة كما هو الحال في مصر ( القاهرة والأسكندرية ) .

من أين جاءت فكرة أعادة النصب القديم ، ومن ثم هل سيُنتقِم من نصب الجندي المجهول الذي صممه الرحال وكلف الدولة أموالاً طائلة أضافة الى القيمة الفنية والحضارية والمعنوية والجمالية التي يحملها النصب ؟ العراق معروف قديماً في أعدام وتدمير معالم تراثية قديمة ورموز للأضرحة والمعابد الدينية لمعتقدات كثيرة  ، لم تسلم من معاول الحاقدين والمنتقمين . أما العراق الجديد فثورة 14 تموز منذ أيامها الأولى ألقت بتماثيل الملك وجنرال موت في النهر بدلاً من الأحتفاظ بها في متاحف لكي تحكي للأجيال تاريخ تلك الفترة . ألم يكن الملك فيصل الأول مؤسس الدولة العراقية ؟ وهكذا فعلوا برموز عبدالكريم قاسم فأزيل كل شىء له حتى شعار العراق الجميل وعلمه .


في الختام نقول ما زلنا مرضى ولم نشفى من أحقادنا ونسير على خطى أسلافنا فأمسكنا نحن أيضاً معاول الحقد والأنتقام في أيادينا فكسرنا بها أبواب المتاحف منذ فجر ثورة العراق الديمقراطي الجديد . وما زلنا نهدم بكنوزنا الفنية ، منها سرقت لتصهر لغرض الحصول على مادة البرونز التي تتكون منها . هكذا فقد العراق الكثير من الأعمال الفنية لفنانين رواد كجواد سليم وخالد الرحال واسماعيل فتاح الترك  وغيرهم . أما مخطط الهدم فمستمر وسيشمل نصب الشهيد وقوس النصرالذي هو على شكل سيفين ممسوكتان بيدي صدام حسين وتحته 5000 خوذة للجنود الأيرانيين ، ويرمز القوس الى هزيمة ايران في القادسية الثانية  . كذلك يشمل المخطط أزالة نصب اللقاء الذي يرمز الى الوحدة الوطنية .  ونصب الجندي المجهول الذي فيه قبر الفنان خالد الرحال . كل هذه الأعمال الأنتقامية مثبتة في قوائم تصفية الحسابات . أنها قوائم أجتثاث البعث ورموزه . وهكذا تم تفجير تمثال رأس الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور باني مدينة بغداد وأخذ الرأس الى مكان مجهول .



كما سرق تمثال رئيس الوزراء العراقي لفترة منتصف العشرينات ( عبدالمحسن السعدون ) في ساحة النصر - شارع السعدون . كما قطعت أجزاء من تمثالي شهرزاد وشهريال في أبو نواس . كذلك أزيلت تماثيل قادة الفرق والفيالق التي كانت على ضفاف شط العرب وغيرها.

فقد العراق تماثيل وآثار لا تقدر بثمن وسيفقد كل معالمه المتميزة وفنونه المعاصرة اذا لم نعقل لكي تهدأ فينا عاصفة الحقد والأنتقام .

بقلم الفنان الشكيلي

وردا أسحاق عيسى

ونزرد - كندا 







290
مراحل تنفيذ نصب الحرية في فلورنسا ( أيطاليا)



في يوم 23 آذار 1959 وصل الفنان الكبير جواد سليم الى روما والتقى بالفنان النحات محمد غني حكمت الذي كان يدرس فن النحت هناك .غاية ذهاب الفنان جواد الى أيطاليا هو لتنفيذ مشروع نصب كبير يمثل حرية الشعب العراقي . هيأ جواد تخطيطات للمشروع من بغداد لكن تلك التخطيطات الفنية الثمينة فقدت في الطائرة التي أقلته الى روما . بدأ يتذكر ما أنجزه فأعاد رسمها في أيطاليا .
كان للفنان محمد غني مشغلاً خاصاً ( ستوديو)يعمل فيه أعماله المميزة التي تعجب بها أحد المهندسين المعماريين فطلب منه نحت ثلاث أبواب لكنيسة جديدة قرب روما .

تصادف وصول جواد الى روما في تلك الفترة ، لكن رغم ذلك قال غني : هيئت لجواد مكاناً للعمل ولوحة كبيرة من الخشب وقطعاً من الطين الأصطناعي فبدأ جواد ينحت القسم الوسط من الجدارية . يضيف غني قائلاً كنا نعمل معاً هو في الطين وأنا أؤمن الخشب ، أي أنضم الفنان محمد غني الى العمل مع جواد . يقول غني ، قال لي جواد قبل الشروع في العمل ، هل تعلم أن مكافئتي من هذا المشروع هي ثلاثة آلاف دينار فقط . فأستغربت ! فقال لي ( خفت أن يرفضوا العمل أن رفضت ، علماً بأن هذا سيكون أول عمل نحتي كبيريوضع في الشارع العام . والناس لا يسألون عن قيمة المكافأة ، ولن تكتب تحت النصب ، لكن العمل الفني وحده سيبقى خالداً في التاريخ ) . كان كلامه درساً بليغاً لي ، فمرت السنين وحين قال لي أمين العاصمة في بغداد طالباً عمل مصغر تمثالي لعلي بابا وأربعين حرامي ( أنا لي فقط600 دينار مكافأة ، هل تقبل بها أم لا ؟ ) فتذكرت قول جواد ، فقلت موافق.
وصل الى روما المهندس المعماري رفعت الجادرجي وهو مصمم نصب الحرية معمارياً على شكل لافتة كبيرة ، وهو الذي اقترح أن يُنفذ النصب من قبل النحات جواد سليم بعد موافقة الزعيم عبدالكريم قاسم ، فاجتمع مع جواد وكنت معهم للبحث عن معامل قص الحجر ولأختيار الأفضل والملائم لجو العراق الحار . تم أختيار نوع من الحجر الأبيض ليغطي أرضية نصب الحرية .
يقول الفنان محمد غني في مذكراته بدأنا بالبحث عن مشغل كبير للعمل لا يقل ارتفاعه عن 8-10 أمتار لغرض البدء بعمل النصب ، فوجدناه في فلورنسا . طلب جواد من وزارة الأسكان لكي أكون مساعداً له في تنفيذ العمل فجاءت الموافقة . جلب جواد عائلته الى فلورنسا ( زوجته وأبنته زينب )واستأجر بيتاً والتحقت بهم . بدأنا بالعمل بتاريخ 10-5-1959 في تمثال المرأة التي تمثل الحرية ، حاملة المشعل .


كان جواد مستمراً في استذكار المواضيع المرسومة على الأوراق المفقودة فينحتها على الطين ويعدل بها ويغير ويضيف على الطين ويحذف من أجل الوصول الى الأفضل . أما أنا فقد اخذت طبعة جبسية على مصغر لأمرأة الحرية تحمل المشعل وبدأت أخطط عليها تقسيم المربعات ومثله على الحائط الخشبي لأجل تكبير العمل . وكان العامل يرفع لي الطين للأعلى وأنا أضعه فوق التخطيط فبدأ شكل المرأة يظهر على السطح الخشبي تمثالاً نعمل له النموذج الجبسي لغرض الصب .
بعد أن نكمل الأعمال يأتون العمال المختصون بأخذ القوالب الجبسية لينقلوها الى المصهر في مدينة بستويا ، وفي المعمل يغلفون القوالب بالشمع ويضعونها في فرن خاص لأذابة الشمع ثم يبدأون بأذابة مادة البرونز ويسكبونها في تلك القوالب لتظهر النتيجة تمثالاً من البرونز .
كنت أذهب مرة كل أسبوع الى مصهر البرونز في بستويا لملاحظة ومراقبة العمل وتنظيف الزوائد الشمعية التي تظهر على سطح العمل وأقوم بتشذيبها وتعديلها .
كان عملنا اليومي مستمراً من الصباح حتى رجوع زينب من المدرسة ونركب الحافلة الى البيت حيث لورنا زوجة جواد قد هيأت لنا الغداء . بعد أستراحة الظهيرة نعود بالحافلة الى العمل حتى الغروب وهكذا كل يوم عدا الأحد حيث نخرج لزيارة أحدى الكنائس المهمة لمشاهدة ما فيها وما عليها من رسوم على الجدران ومن تماثيل ونقوش جميلة من الفسيفساء . أو نقوم بزيارة قصور عصر النهضة حيث المعمار المميز وهكذا كنا نبحث عن الأعمال الفنية والمعمارية حتى في القرى المجاورة .
قبل حلول يوم 14 تموز 1960 طلبت الحكومة العراقية من جواد أن يسرع بأنجاز النصب لأفتتاحه في هذه المناسبة الوطنية ، فأضطر جواد أن يوعز بصب تمثال المرأة حاملة المشعل بمادة البرونز لكن للأسف النتيجة لم ترضي جواد لكن تم شحنها الى بغداد وتعليقها لوحدها على سطح جدارية نصب الحرية .تأثر جواد بهذا النصب التعجيزي وبسوء تنفيذ صب تمثال المرأة فبدأ يفكر ويقلق صامتاً بالأضافة الى الأخبار التي كانت تصله من بغداد ، فأصيب بالأنهيار العصبي فأضطرنا أنا وزوجته بنقله الى المستشفى واخبرنا السفارة بالأمر . يوقف العمل الى أن جاء رفعت الجادرجي مع بعض أعضاء السفارة العراقية وأخرجو جواد من المستشفى على كفالتهم وبدأ جواد باسترجاع عافيته بعد حواليالشعر والنصف . بدأنا بمواصلة العمل في الأستوديو كالمعتاد الى أن أنهينا العمل .
شحنا كل الأعمال الى بغداد وسافر جواد وبعد وصوله أرسل لي رسالة مع الأستاذ فاضل البياتي مدير الأشغال العام ورئيس لجنة النصب التذكاري حاملاً لي رسالة من الفنان جواد سليم مؤرخة في 7-1-1961 وكانت تلك آخر رسالة يكتبها جواد في حياته ، طلب بها سرعة أرسال اللحام الأيطالي ( كاريبالدي )مع كمية من أسلاك النحاس لغرض القيام بلحام القطع الموضوعة تحت جدار النصب في ساحة التحرير .
قمت بالأجراءات اللازمة مع السفارة وحينها التقيت بزميل الدراسة الذي أصبح في السلك الدبلوماسي وهو هاني النائب . بعد السلام سألته عن جواد فقال لي ( مات ) !! كانت كلماته كالصاعقة فلم أستطيع الكلام . كانت لحظة لا توصف من الألم وكان ذلك في 30-1-1961 . أنهيت معاملة أرسال العامل دون ان أخبره بالخبر المؤلم وكتبت رسالة الى الصديق الرسام سعد الطائي في بغداد لغرض مساعدته وترجمة اللغة الأيطالية ، كما طلبت منه أن لا يخبره بوفاة جواد .

أعطيت كاريبالدي صوراً فوتوغرافية للنصب وعليها مواقع توزيع مفردات المواضيع مؤشرة بالأرقام والسنتمترات كان جواد قد خططها وهكذا تم وضع الأشكال البرونزية على جدار النصب ( لأن جواد مات قبل تعليق البرونز على الجدار ) .
أخبرني كاريبالدي أنه أكمل المهمة بفخر وكان آسفاً لفقدان الفنان الكبير جواد سليم ، مات الفنان جواد سليم ليبقى عمله شاخصاً وخالداً يتحدى السياسات المتعاقبة والمتناقضة في مبادئها وأهدافها . توفي جواد صبيحة يوم 23 كانون الثاني 1961 ، وشيع جثمانه بعد الظهر من معهد الفنون الجميلة في الكسرة (آنذاك) بجمع مهيب الى مثواه الأخير في مقبرة الأعظمية . من أبرز مرافقي النعش الفنان الكبير فائق حسن ، وأخو جواد الفنان سعاد ، وأسماعيل الشيخلي ، وفرج عبو، وعميد المعهد والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري . غابت الشمس الحمراء خلف الأفق ، وبقيت أعماله الفنية تحكي لنا وللأجيال قصة عبقريته النادرة التي أنتهت بعد عمر قصير ولن تعود . ليرحمه الله برحمته .
في المقال القادم سنشرح كل مجسم في النصب والمتكون من 14 جزءاً .

بقلم الفنان التشكيلي
وردا أسحاق عيسى
ونزرد – كندا


291


هل كان الزعيم عبدالكريم دكتاتورياً مع الفن ؟



نبدأ بالمقدمة لكي ننظر قليلاً الى صورة الحكم المَلكي الذي أعتبر حكماً ظالماً مستبداً وأزالته أصبح واجباً مقدساً . فهل كان ظالماً ؟ أم هو الذي أسس العراق المستقل وأسس له نظاماَ سياسياً ورسم له الحدود الرسمية مع دول الجوار وشكل وزارت ودوائر وبنى المستشفيات والمدارس وكل دوائر الدولة الخدمية والمهمة لخدمة المواطن، كما شق الطرق في الصحاري والجبال وبرزت الثقافة والفنون، وأستخرج النفط لكي يكون ثروة وطنية. كما كان السلام يعم طول فترة وجود المَلكية. لم يسجل التاريخ لنا أسم شخصية واحدة قامت بسرقة خيرات الشعب و ...الخ . أقول أنا لست رجل سياسة لكن الحق يجب أن يقال . فلو قسنا تلك الفترة بالفترات التي حكمت العراق قبل المَلكية أي فترة مئات السنين من حكم العثمانيين ، فلم نقرأ في تاريخهم الأسود بناء مدرسة واحدة أو مستوصف أو أي مشروع خدمي يذكر. أما ما بعد ثورة 14 تموز ، فنلاحظ بأن الأحزاب برزت وتكاثرت وتصارعت فيما بينها فخلقت الحروب والنزاعات دفع الشعب ثمنها فسالت الدماء في الشوارع ولم يقف النزيف لحد هذه الفترة التي نسميها بالحكم الديمقراطي الحر الناتج من الأنتخابات النزيهة .
نعم كان الزعيم عبدالكريم وطنياً ونزيهاً وعسكرياً ناجحاً بأمتياز ، لكنه فشل في قراءة السياسة وفهمها فأعطى الثقة والحرية للجميع الى أن صار هدفاً للكثيرين

أما عن متن موضوعنا الفني فنختصره بالآتي : أول عمل فني بعد الثورة كان شعار الجمهورية الذي صممه الفنان الكبير جواد سليم .  قلب الشعاركان مستلاً من تكوين في مسلة ( نرام سين ) يحتوي على شمس صفراء في المركز تحيط بها السيوف ، وداخلها نجمة مثمنة . قال الزعيم عبدالكريم قاسم شارحاً الشعار ولافتاً أنظار الحضور الى لون النجمة المثمنة : ( هذا اللون ليس أحمر ، بل هو بني محروق ، وهذا يعني أن لنا لوننا الخاص من الأشتراكية ، يختلف تماماً عن اِشتراكية الأتحاد السوفيتي ) . من مآسي الفكر العسكري هنا والمثمثل بضابط كبير وهو الزعيم عبدالكريم تدفعه مغامراته ومنصبه العالي الى الأعتقاد بقدرته على أيجاد فلسفة أشتراكية جديدة أولاً . وثانياً فرض أفكاره على أفكار الفنان العراقي الكبير مثل جواد سليم الذي كان يمتلك حساً فنياً وقدرات فنية كبيرة وثقافة تاريخية ترتبط بجذورحضاراتنا القديمة أضافة الى ثقافته الفنية المعاصرة

كلف الزعيم عبدالكريم المهندس المعماري والفنان التشكيلي رفعت الجادرجي بتنفيذ ثلاث نصب فنية تقام في ساحات بغداد تخليداً لثورة 14 تموز. بادر الجادرجي بتخطيط النصب الأول وهو نصب الجندي المجهول نفذه على شكل طوق عالي تم تنفيذه في ساحة الفردوس بناء على رأي الزعيم لأن المكان كان يعتبره البوابة التي مربها جيشه للسيطرة على بغداد. تم تنفيذ المشروع بعد سنة من الثورة

أما النصب الثاني فنفذه الفنان الكبير فائق حسن على جدار عالي في ساحة الطيران، شرق حديقة الأمة . نٌفِذ َبعد مرور عامين من الثورة
.
أما الثالث فهو عبارة عن لافتة كبيرة نفذها رفعت الجادرجي معمارياً بطول خمسون متراً، أي بعرض حديقة الأمة ، وبأرتفاع عشرة أمتار، وعلو اللافتة من الأرض ستة أمتار. وطلب من الفنان الكبير جواد سليم ملىء تلك المساحة بعمل فني يجسد ثورة 14تموز ، فقال له ، أن هذا العمل لم يكرر منذ عهد الآشوريين. تم تنفيذه عام 1962م.
السؤال ، هل طلب الزعيم وضع صورته على الجدارية لكي يصبح من ضمن موضوع الجدارية ؟ قال الجادرجي أنه لم يطلب مباشرة غير أنني فهمت ذلك من حديثه معي عندما رأى التخطيط الأول فقال : ( الجدارية لا توضح الثورة بشكل حقيقي ) . فهل حقيقة الثورة في العمل تكمن في صورة القائد ؟ وهكذا أستمر الزعيم بالحديث مع الجادرجي فشرح له كثيراُ منذ أن قام بالسيطرة على بغداد ، وفي نهاية كلامه قال له . هل فهمت ؟ فقال الجادرجي ، لا . لكن محاولات الآخرين كانت تنطق بوضوح لوضع صورة القائد على الجدارية .
أرسَلَ الفنان جواد سليم من مدينة فلورنسا ( أيطاليا ) الى رفعت الجادرجي آخر لمساته على رسم الجدارية على صورة فوتوغرافية بطول مترين وأرتفاع 70 سم بيَّنَ فيها العمل النهائي للجدارية ، فشرح رفعت لعبد الكريم ما يرمز له كل قسم . بعد أن تأمل الزعيم ملياً بها قال : (هذا النصب جيد ولكنه لا يمثل ثورة 14 تموز بالذات ،قد يكون نصباً رومانياً أو نصباً في أي مكان آخر) . وهذا ما كان رفعت يتجنبه خاصة بعد أن أصبح الزعيم يشار اليه بـ (الأوحد) والجماهير تهتف باسمه ليل نهار ، فكيف بنصب بهذا الحجم يخلو من تمثال الزعيم الأوحد ؟ لذا أراد أن يكون تمثاله في منتصف النصب! وفي هذه المحنة برز النحات خالد الرحال بفكرةٍ خبيثة فأبدى أستعداده لنحت صورة لعبدالكريم في النصب . أصبحت الفكرة واضحة جداً وعلى أثرها سافر رفعت الى فلورنسا ليضع حداً للنغمة الجديدة الخاصة بأضافة صورة شخصية الى نصب الحرية لكنه لن يتفوه لجواد عن الموضوع لكي يسير العمل حسب المخطط . عادت الشائعات بسرعة وخاصة عندما علم جواد من خالد الرحال أن النصب سيرفض من قبل الزعيم بسبب الصورة ، وأنه سيكلف بهذه المهمة بدله ، فجن جنون جواد وارتبك خاصة وأن السفارة العراقية في روما لم تتعاون معه آنذاك لنفس السبب ، فعلى أثر ذلك أصيب بأنهيار عصبي أدى الى دخوله مستشفى الأمراض العقلية. الأمر الذي دفع رفعت الى السفر حالاً الى روما مرة أخرى لأحتواء المشكلة فأخرجه من المستشفى لكي يكمل صب التماثيل الباقية مع الفنان محمد غني حكمت .
من الشهود الذين قرأو الفكرة الطبيب خالد القصاب ، وهو من جماعة الفنانين التشكيلين الرواد . أنه أول طبيب وصل الى المستشفى الذي نقل اليه الزعيم بعد أصابته بأربع أطلاقات نارية في شارع الرشيد ، أعتقد مهاجموه أنه مات . وكان سائقه قد قتل . فتطوع سائق سيارة أجرة لأخذه الى المستشفى ، فأمره الزعيم بالذهاب الى مستشفى الرشيد العسكري ، ثم أمره في الطريق أن يعرج على مستشفى السلام الأهلي التابع لجماعة السبتيين الأدفنديست ، تخوفاً من ملاحقة المهاجمين له لربما سمعوه يطلب من السائق التوجه الى مستشفى الرشيد . يقول الدكتور القصاب أمضيت معه شهراً في المستشفى أزوره كل يوم مرتين أتاحت لي الفرصة للتعرف الى شخصية الزعيم عن قرب . بعد خروجه من المستشفى ، كنت جالساً بجانبه في السيارة في أحد الأيام ورأيت أن الوقت مناسب لكسر هذا الصمت والتوتر. ففتحت موضوعاً جديداً، بدأت أتكلم عن جواد سليم وما نكن له من أحترام كبير. سمعني الزعيم ولكنه لم يعلق بأي شىْ، وبقي صامتاً ، شعرت عندئذ أنه كان منزعجاً منه ، ربما بسبب ما شاع آنذاك من أنه طلب من جواد أن ينحت وجهه ويضعه في نصب الحرية، لكن جواد رفض ذلك .
بقي الجادرجي يبحث عن الحقيقة التي يؤمن بها والخاصة بعدم وضع صورة الزعيم في الجدارية، فسأل والده كامل الجادرجي فيما لو وضعت صورة عبدالكريم على الجدارية ماذا سيحصل ؟ فأجاب الوالد: مع اول أنقلاب سوف يتم تفجير الجدارية أنتقاماً من عبدالكريم. وفعلاً أثبتت الحقائق التاريخية تلك الحقيقة. فبعد أنقلاب شباط 1963 قاموا بتدقيق حسابات الصرف على تنفيذ نصب الحرية، فلم يجدوا ما يدين الفنان رفعت الجادرجي أو عبدالكريم قاسم لكي ينتقموا

في المقال التالي سنتناول خطوات العمل في فلورنسا بأشتراك الفنان محمد غني حكمت .
ليبقى نصب الحرية عالياً وخالداً مع أسم الفنان المبدع جواد سليم
بقلم الفنان التشكيلي
وردا أسحاق عيسى
ونزرد - كندا
المصادر
1- كتاب الدكتور خالد القصاب ( ذكريات فنية )
2- مذكرات المهندس رفعت الجادرجي

292

كنيسة القديسين تشارك سيدة النجاة في البكاء
ما حصل في كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة في بغداد هو نتيجة الحقد الدفين المحتقن في قلوب فئات متعطشة الى الدماء فتلك الفاجعة لن تأتي من فراغ بل هي عملية مفبركة ومدروسة ومدعومة من قبل جهات مقتدرة تمتد جذورها الى عمق السلطات الحاكمة والغاية من تنفيذ تلك العملية الأستفزازية وغيرها في العراق والشرق الأوسط هي لأعلان حرب على الوجود المسيحي ، فتلك العمليات نابعة من التعصب الديني الناتج من تحريض شيوخ المساجد المستمر عبر السماعات وبعلم ومسمع السلطات ناهيك عن التحريض والتعليم والتموين المباشر والغير المباشر من جهات كثيرة ومتعددة ، ولد التعصب والحقد وتدرج الأمر الى التطرف ، وصولاً الى الأرهاب وتنفيذ الخطط المرسومة للوصول الى تلك الغايات اللاأنسانية التي تنفذ بدقة ضد المكون أو المعتقد الآخر مستندين الى آيات وأحاديث تكفر المسيحي وتدعوه كافراً أو أبن الذمي أو نصراني ... الخ  . بلا شك معذورون هم المتعلمون وجهالهم عندما يقرأون ويسمعون تلك الفتاوي التحريضية والآيات فيتفاعلون معها فتدفعهم الى حالة التعصب والغليان فيصبون نار غضبهم على من يحسبونهم بالكفار معتقدين بأنهم يقدمون لله خدمةً جليلة والله سيكافؤهم بأجر عظيم .
    في العقود الثلاثة الأخيرة برزت تنظيمات صوفية متطرفة ووصلت الى سدة الحكم في بعض الدول كأفغانستان وأيران فنضجت في تلك البلدان ثمار التطرف والحقد والأنحراف الذي سيطر على وسط المثقفين والعقلاء وعلى الأحزاب العلمانية وعلى المتدين الوسط أو الغير المتدين من المسلمين فأصبح الجميع مرفوضين عند تلك التنظيمات التي تريد من كل مسلم أن يكون مجاهداً أو أنتحارياً حاراً لا يهاب الموت لا وبل يبحث عنه . أما غاية ذلك الجهاد الأعمى هو لأسلمة العالم بالطرق والأساليب التي ترسمها تلك الجماعات التكفيرية والتي تسمى جماعة التكفير والهجرة  أما موقف المسيحي فهو أنه لا يريد أن يرد الشر بالشر ، ولا القتل بالقتل ، لأن السيف الذي يحمله هو سيف المحبة الذي ورثوه من السيد المسيح وتربوا على تعليم أنجيله المقدس ، لا ينتقمون لأنهم مؤمنين بقول خالقهم بأنه هو المنتقم الوحيد .
     وصلت ثقافة الحقد والقتل الى العراق فضربوا المسيحية بكل قوة وحقد ، غايتهم أفراغ البلد من المكون المسيحي لغرض أعلان دولة العراق الأسلامية على غرار طورا بورا والقم ، فقتلوا وهددوا وأحرقوا الكنائس ونهبوا وأختصبوا بوحشية لا نظير لها ، أما العالم فلم ينطق ببنت شفة بل كان يغطي ويبرر قائلاً بأن الفتنة هي على الجميع وأخيراً دفع الحقد تلك الجماعات الضالة لكي تنتهك حرمة كنيسة سيدة النجاة الممتلئة بالمؤمنين ونفذوا فيها مخططهم الأجرامي الشيطاني لقتل الأبرياء المصلين بوحشية فسالت دماء الشهداء والجرحى باسم الله أكبر.
أما السلطات والمرجعيات الدينية فكعادتها عبرت عن أسفها وأستنكارها . لكننا نسأل ونقول لماذا لا نسمع من أحدى المرجعيات الأسلامية في العراق تحريم قتل المسيحي المسالم في العراق أو مصر أو السعودية أو ليبيا..ألخ . وهكذا أنتقل الوباء الى مصر علماً بأن مصر  هي منبع الوباء منذ أكثر من خمسون سنة . في أقل من 38 سنة وقعت 161 حادثة ضد الأقباط ، أي بواقع حادث كل شهرين ، ومن أبرز تلك الحوادث حصل في عيد مولد الرب 2010/1/6 في نجع حمادي ، هذا الحدث الذي هز الضمير العالمي فتعاطف الكثيرين مع الحدث لكن هل أتخذت الدولة أجراءات مناسبة للحيلولة من عدم تكرار تلك الجريمة ؟ يقال عن مصر أم الدنيا أما في حقيقتها فهي أم الأرهاب ومصدره الأول ، لا وبل هي مدرسة تفريغ المجرمين الى العالم ومن أكبر مدارسها هي جامعة الأزهر التي يفتخر بها كل مصري لأنهم ينظرون اليها بأنها الصرح العلمي والديني العظيم في مصر . نعم مصر هي في طليعة الدول التي تنشر الشر في العالم أبتداءاً بدول الجار . فمثلاً في عام 1998 عبر مسلم سوداني عن علاقتهم مع أخوتهم المسيحين هناك قائلاً بلهجته المحلية : (أحنا كنا زي السمن على العسل لحد ما جالنا المبعوثين المصريين وخاصة مدرسين اللغة العربية ، علمونا التعصب، لكن أحنا مكناش كدا أبداً ) .
    نعم جماعة الأخوان المسلمين هم أول حركة دينية سياسية في العالم أسسها الشيخ حسن البنا في النصف الأول من القرن الماضي ، نمت وترعرعت بوضوح وحرية وحتى وأن أطلقت عليها السياسة المصرية مسمى الجماعة المحظورة، الا أن الواقع يثبت عكس ذلك ، فقد تسللت تلك الجماعة وتقدمت في السياسة المصرية فأقتحمت 90 مقعداً في البرلمان المصري حالياً ، فماذا كان سيحدث لو لم تكن هذه الجماعة تحمل أسم محظورة ؟ كما نسأل ونقول أين رصيد 12 مليون قبطي في السلطة وما هو دورهم في السلطة والسياسة وأدارة البلد ؟
   دول الغرب في سبات عميق بل في غباء عظيم لأنها تنظر الى ما آلت اليه تلك التنظيمات المتطرفة التي برزت وسيطرت على الشرق الأوسط ووصلت سمومها الى الغرب أيضاً بمنظور ضيق ، لا وبل تريد أن تطبق الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط كله ، وهذا ما تتمناه تلك التيارات للسيطرة على كراسي الحكم . كان على الغرب أن يسند الحزاب العلمانية التي تعيش بخوف وقلق من تلك الحركات التي تهدد وجودها . تقوم بعضاً منها بمغازلة تلك الحركات لأجل التخلص من شرها لكن  تلك الحركات لا تساوم أبداً بأهدافها بل تريد السيطرة بأقرب فترة . فالسادات مثلاً جامل الأخوان على حساب الأقباط فكرموه بأطلاقة صغيرة في جبينه ، وللأسف نلاحظ اليوم خليفته يعزف أيضاً على نفس الوتر ، فعندما تضرب تلك الذئاب الخاطفة اقباط مصر، فالرئيس لا يسمع ولا يرى لا وبل لا يكترث لكي يجامل عدوه الأكبر أنه كمن يصب زيتاً على النار، فالنار لا تحرق الضعيف فقط بل ستطاول على الجميع ، فاذا كان هدفها الأول أزالة المسيحية فذلك النار لا يطفىء بل يبحث عن الحطب لديمومته ، فالمادة الثانية التي ستغذيه هو المسلم الغير متدين أو الوسط في أيمانه  لأن تلك الحركات الحاقدة تريد من الجميع أن تركع لها وتعشق التطرف والكراهية ومحاربة الآخر وهذا يحتاج الى مبدأ التعصب والأنعزالية والتطرف والأنحراف من أجل خدمة أهدافها الدموية وفتح جبهات كثيرة وغزوات عديدة للسيطرة على العالم كله . القاهرة لوحدها تحتوي على الف منارة مسلحة بمكبرات الصوت وفي كل حارة يوجد جامعان او ثلاثة يبثون منها سموماً وحقداً ضد الصليبيين أولاً والكفار واليهود وغيرهم  وبدون أدنى أحترام لمليونين قبطي في العاصمة .كذلك يستخدمون وسائل كثيرة للتحريض وزرع الحقد والفتنة عبر الفضائيات والأذاعات والتلفزيون المحلي والصحف ودروس الدين وغيرها أما الدولة فهي في سبات متعمد .
  أخيراً وبعد مرور سنة من حادثة نجع حمادي وفي زمن ميلاد المسيح ولأجل زرع الخوف والقتل وأظهار الحقد نفذوا أبطال الله وأكبر وعدهم بعد أن ضربوا كنيسة سيدة النجاة بضرب كنائس مصر أيضاً وسرعان ما تم تنفيذ الوعد وبدقة في كنيسة القديسن في الأسكندرية فأستشهد 21 مؤمنا والعدد في تزايد من الجرحى البالغ عددهم 79 . بعملهم هذا تحدوا كل قدرات مصر الأمنية والسياسية والعسكرية وهذا دليل واضح على قدرة وقوة نفوذ تلك الفئات في الشرق الأوسط كله . سيسيطرون على مصر أيضاً لأن النظام يجاملهم ويقدم لهم الدعم الكافي لتلك العمليات فالسلطات المصرية التي ترى الأعتداء على متجر مصري أو نهب صائغ أو أنتهاك حرمة بيت قبطي أو أختطاف شابة قبطية للتعدي عليها وأجبارها للأستسلام أو قتل السواح الأجانب في مناطق متعددة من مصر  أو الهجوم على كنيسة بأنها حوادث عرضية ، وأن أرادت السلطة أن تعبر عن رأيها فتقول بأن ما حصل كان نتيجة عمل رجل معتوه أو مجنون . فلنسأل ونقول هل أصبحت أم الدنيا كلها بلد المجانين ؟ فلنسميها أذن أم المجانين . أما تقارير وزارة الداخلية المصرية فلا يقبلها عقل أنسان لأنها صادرة من أصحاب العمائم المشحونة بالكراهية ضد الأقباط المسالمين وهكذا لا نصدق ما يصدر من العدالة المصرية ، فالمجرمون يدخلون من باب المحكمة المصرية ويخرجون من شبابيكها أبرياء .
 تفجير كنيسة القديسين في 2011/1/1في الأسكندرية سرق فرحة العيد ورأس السنة ولأجل زعزعة الأيمان والأمن فأرهقت الدماء البريئة فأرتفع صوت البكاء والنحيب في كل مصر لكي تشارك الكنيسة المصرية العريقة كنيسة العراق في آلامها ولكي تحمل كنيسة القديسين جروح سيدة النجاة التي صارت رمزاً للكنيسة العراقية الشهيدة . أما قداسة البابا شنودة فعبر عن رأيه في قداس ليلة العيد في 6 / 1 /2011 عن هذه الجريمة وبحضور عدد كبير من الوزراء والسفراء والمسؤولين حيث قدم للعالم درساً أخلاقياً في عصر فقدت فيه الأخلاق ، كما عزى أسر الشهداء قائلاً بأن ملوك المجوس قدموا للملك المولود ذهباً ولباناً ومراً ، أما أنتم فقدمتم له دماء أبنائكم الغالية .
  سيف هيرودس المجرم حصد رؤوس أطفال بيت لحم الأبرياء أما اليوم فالمنظمات الشيطانية تحمل ذلك السيف لتحصد به أبرياء كنائس العراق ومصر والعالم .
نطلب من الطفل الألهي المولود ان يفتح بصيرة هؤلاء العائشين في ظلمة الأبتعاد عن نور أنجيله المقدس لكي يكون لهم الخلاص  والحياة الأبدية . ولألهنا المجد دائماً
بقلم
وردا اسحاق عيسى
وندزر - كندا

293
الأحزاب الأسلامية وعقيدتها الى أين ؟

الشرق الأوسط مزيج من الأقوام والأديان والمعتقدات ، فعلى جميع هذه الأطياف العيش معاً بمحبة وتآلف لأن أيذاء أي أنسان مهما كانت أنتماءآتهِ هو أيذاء للأنسانية والمجتمع عامةً ولأبناء ذلك المعتقد خاصةً .
الميسحيين الذين يعيشون الى جانب الأسلام منذ مئات السنين هم أكثر من المسلمين أخلاصاً وأصالة وأمانة ومحبتهم للوطن ، لأنهم السكان الأصليين فلهذا يجب أن تكون لهم حقوق أكثر من المسلمين ، لأن الأسلام هو الذي دخل عليهم فاتحاً وغازياً ومستعمراً وأعتبر المسيحية في ذمة الأسلام ، فأعتُبر المسيحي من أهل الذمة وحُسِب مواطناً من الدرجة الثانية أو الثالثة ، بهذا المفهوم فأن حقوق المسلم يجب أن تكون في المقدمة ولا يجوز للمسيحي أن يحكم مسلماً ، أي لا يجوز للمسيحيين أن يصيروا أولياءً على المسلمين .
لهذا السبب نظّم عمر بن الخطاب هذا النظام ضد النصارى في الشام على شكل عهدة سُميّت بأسمه (العهدة العمرية) ، هذه العهدة متكونة من ثمانية وعشرون بنداً مجحفاً فأجبر المسيحيين على التوقيع على بنودها والعمل بها وهم مجبرين ومستصغرين أمام المسلمين ، أستمر العمل بهذه الوثيقة الى هذا اليوم في الكثير من البلدان الشرق أوسطية .
عاشت بلدان المنطقة تحت ظل قوانين الدين الأسلامي وفي عصور مختلفة بعد الأسلام بين المد والجزر ، ففي بعض الفترات يهدأ الغضب الأسلامي عندها تتنفس الطوائف الغير المسلمة الصعداء ، وفي ألأزمنة اللاحقة بعد ذلك تثور كالبركان فيبدأ العنف الطائفي ففي فترة الأستعمار العثماني الشرس للشرق الأوسط والذي فُرض قوانينه بأسم الأسلام عاشت المسيحية آنذاك تحت ظلم وعبودية وأضطهاد الأتراك فقتل مئات الآلاف من الشعوب المسيحية كالأرمن والآشوريين الكلدان السريان في منطقة جنوب شرق تركيا في مجازر بشرية علنية بسبب أنتمائهم الديني وكما كان ذلك الأستعمار يتصف بالوحشية والشراسة ضد العرب المسلمين فأستغل وأحتل كل بلدان المنطقة ونهب خيراتها ونشر فيها الجهل والتخلف لا وبل حاول نقل الكعبة الى أستنبول لكي تصبح قبلةً للمسلمين .
كان يحارب اللغة العربية من أجل فرض اللغة التركية فتسربت كلمات عديدة من تلك اللغة الى اللغات المحلية والتي تستخدم لحد هذا اليوم ، رغم كل هذا الأستعمار والأضطهاد نرى شيئاً مخجلاً وهو لم نسمع يوماً من أحد يقول (ناصر أخاك المسلم أن كان ظالماً أو مظلوماً) ،
علماً بأنهم أستعمروا المنطقة لأكثر من خمسة مئة سنة دون أن يقدموا أية خدمة للمنطقة بل فُرض الجهل والتخلف والحرمان والعبودية وعلى جميع الأصعدة ، أستمر ظلمهم الى أن دخل الجيش البريطاني والفرنسي الى المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى فحررها من ذلك الكابوس الذي جثى قروناً على صدور أبنائها . وعلى مبدأ الأستعمار العثماني وفي نفس الطريقة تقريباً أن لم تكُن أكثر قام المستعمرون الجدد بتشكيل دول نظامية فرسموا لها الحدود وبدأوا بتقديم الخدمات اللازمة لهم كالمستشفيات والمدارس ودوائر الدولة وشق الطرق في الصحارى والجبال الوعرة ومن ثم أخراج نفطهم المدفون في أعماق الأرض . 
لم يطول هذا الأستعمار أكثر من أربعون سنة لكن رغم ذلك أعتبر أستعماراً غازياً وسارقاً فينسبون سبب تأخر وتخلف المنطقة اليه ، نعم تأسست دول عربية وأسلامية وبعدها وولدت أفكار تأسيس الأحزاب والحركات الدينية العنصرية المتطرفة أبتداءً من حزب اخواننا المسلمين الذي أسسه حسن البنا في مصر وبعده جاءت الحركة الوهابية في الجزيرة العربية التي منها ولدت القاعدة التي يقودها أبن لادن وجماعته .
أما في فلسطين فبرزت حركتي الحماس والجهاد الأسلامي وبعد ظهور هذه الأحزاب بسبب الديمقراطية الغربية الغير مسؤولة التي تريد اميركا فرضها في المنطقة فازت حركة الحماس على الحركة الفلسطينية التي يقودها أبو مازن ، وهكذا ستنتصر الأحزاب الأسلامية الأخرى في أي بلد تدخله الحرية بسبب تحريض رجال الدين بفتاويهم فيجبر المسلم الساذج الى الطاعة لتنفيذ مطاليب الفتوى وبكامل حريته المبنية على الجهل أولاً وبسبب فشل الأحزاب العلمانية من تقديم أي جديد له وللوطن في كل سنين نضالها الفاشل الملىء بالمواعيد الكاذبة والمصالح الفئوية الضيقة .
اما في العراق فبرزت أحزاب شيعية كثيرة وفي مقدمتها حزب الدعوة الأسلامية وأحزاب سنية أخرى وهكذا تسقط الديمقراطية التي يريدها الغرب أمام أفكار الحركات الدينية التي تعمل من أجل مصالح أتباعها فقط وخاصة القادة الذين فشلوا في تقديم أي جديد للشعب الذي أختارهم ديمقراطياً . هكذا سقطت الديمقراطية منذ البداية وسقطت معها كل تباجيح ووعود الغرب ومنظمات حقوق الأنسان التي تريد فرض الديمقراطية وزرعها في أرض وعرة لا تناسبها فتثمر ثماراً لا تليق بها فتعكس سلباً على المنطقة والعالم بأسم الدين ، حيث تتشبث القيادات السياسية في عروشها زمناً طويلاً فمثلاً يغازل حسني مبارك الأحزاب الأسلامية ضد المسيحية فيطبق آذانه وأنظاره لكي لا يسمع ولا يرى الأحداث مقابل تأييد الأسلاميين له لكن عليه أن يتذكر سلفه السابق السادات الذي غازلهم بكل وضوح واعطى لهم مساحات كبيرة من الحرية ضد الأقباط الى أن قامت تلك التيارات المتطرفة بأختياله .
ومن أبرز الرجال المشاركين في أطلاق النار عليه كان أيمن الظواهري الساعد الأيمن لأبن لادن ، الأسلاميون الذين لا يفكرون في التقدم ، بل في أعادة المنطقة الى بداية الأسلام فكل ما لا يناسب سياستهم يجب أن يزال فمثلاً تماثيل البوذا العريقة في تاريخها وتراثها وفنها لم تسلم من أياديهم فماذا نقول لو أستلم الظواهري الحكم في مصر الم يفجر كل كنوزها بما فيها الأهرامات العملاقة ؟ دين تلك الفئات مُسيس أي أسلاموي فكيف يستطيع أن يزرع السلام والوئام في المجتمع الذي يتكون من عدة أطياف ؟
نفس السياسة تنتهجها الدولة الأخرى حكومة السودان تجاه الآخر وخاصة ضد المسيحية
 وكذلك القذافي الذي نراه مبشراً دينياً في أيطاليا وأوربا وأفريقيا وهداياه هي نسخ من القرآن وأنجازاته هي دفع الملايين لنشر الأسلام وبناء الجوامع كما له الفضل على الأسلام بتأليفه لكتابه الشهير) الكتاب الأخضر .)
السؤال الذي يطرح نفسه هو :
كيف أصبح القذافي علامة في الدين الأسلامي وهو لم يدرس الفقه ؟ المعروف عنه أنه ضابط  خريج الكلية العسكرية  (بغداد - العراق) . أما حمايته فهم قطيع من الجنس اللطيف وكل خطبه تنضح سموماً عنصرية وعدائه ضد المسيحية ويدعو قادة العرب والأسلام الى أخلاء المنطقة من المسيحيين الذين يعتبرهم الطابور الخامس .
ومن جهة أخرى هو الذي وضع يده بيد أميركا وسلم لها كل أسلحته الثقيلة ومفاعله النووي الذي خسر فيه الملايين من أموال الشعب ، هكذا يخدع شعبه ويخدع الأسلام بأفكاره الشاذة
أما الجزائر فقد أكتوت بنار الحركات الأسلامية ونشاطات تلك الفئات ما تزال ظاهرة هناك وفي المغرب كذلك وبنفس المستوى .
 أما تونس فتعيش بأمان وسلام وتتقدم في مسيرتها لأنها لا تسمح للأفكار الدينية أن تظهر في السياسة أبداً ، لهذا نرى ثوب تونس أبهى وأطهر من جاراتها المكتوية بنارها .
أما بالنسبة الى أيران الأسلامية التي تحرق علناً كل أموال الشعب في التسليح وبناء المفاعلات النووية وتحدي العالم كله بسياستها ونشر أفكار التطرف في العالم والتدخل في سياسة المنطقة برمتها أوصلت ذلك البلد العريق الغني الى مستوى الدول الفقيرة وهكذا ستستمر في تلك السياسة المعادية للعالم كله الى أن يدفع الشعب الثمن غالياً .
وهكذا الحال بالنسبة الى الأحزاب الدينية في أفغانستان وباكستان ونيران تلك الحركات لا تجلب الى تلك البلدان إلاّ الدمار والفقر .
أما لبنان الثقافة والساحة والأنفتاح الذي كان يحتوي أطيافاً كثيرة فكان نموذج للوحدة والتآلف وقبول الآخر . أتفق الحقد العربي والأسلامي ضده فتسابقت أيران الشيعية مع السعودية السنية في سباق سني شيعي لتدمير هذا البلد الجميل وزرع نار الحقد والتحزب فيه فولدت الأحزاب الدينية التي تتحدى اليوم السلطة والجيش في قوتها وأسلحتها وأمكانياتها وخاصة حزب الله الذي تدعمه أيران .
أما سوريا فدورها واضح في تدمير لبنان والعراق بل هي الطريق الأمين بين الحركات الأرهابية الأسلامية والعراق لكنها اكثر سيطرة على الحركات الدينية على أراضيها .
أما البلدان الأكثر تأثيراً في نشر التطرف والحقد في المنطقة فهي مصر والسعودية وأيران ،
 الأزهر في مصر زود العالم بآلاف الشيوخ والفقهاء الذين تنضح السنتهم سموماً بسبب الفتاوي التحريضية ضد الأديان الأخرى ، في القاهرة مثلاً ألف مأذنة وعلى كل منها مكبرات ضخمة يصفون في وعضاتهم النصارى بالقردة والخنازير وبالكفرة ويدعون الى قتلهم علماً بأن في القاهرة مليونا مسيحي والحكومة لمصرية تؤيد ذلك التطرف بسكوتها الذي يعبر على تأييدها لتلك السموم الشيطانية ، أما السعودية فهي معقل الوهابية والسلفية التكفيرية وهي الكفيلة في تزويد العالم بالأنتحاريين الذين لا يهابون الموت بل يبحثون عنه لأنه الباب المؤدي الى الحواري .
كان لآل سعود حصة الأسد في تدمير العراق الجديد بأموالهم وبالأنتحاريين المؤمنين المتسلحين بأفكار مساجد الجزيرة الذين يبعثون بهم الى مساجد العراق والى الأحزاب السنية المناهضة للمذهب الجعفري فبدأت الفتنة منذ بداية العراق الجديد  .
وهكذا أيران الذي أستقر العراق في حضنه ويرضعه من حقده كما يرضع ويدعم الحماس وحزب الله وحركات شيعية أخرى في مصر واليمن والسودان وغيرها .
أخيراً نختتم المقال في كردستان العراق الذي يعتبر شاذاً بالنسبة الى محيطه حيث سيطرت الأحزاب العلمانية على زمام الأمور في الداخل على الأحزاب الدينية الكردية التي هي مشكلتها الوحيدة وكذلك سيطرت بقوة على حدودها لكي تمنع تسرب التيارات الضالة الحاقدة الى اراضي الأقليم وهذا كان سر نجاحها أضافة الى الوحدة االناجحة بين الحزبين الرئيسيين من أجل بناء منطقة ديمقراطية حرة وأمينة لهذا نجد جميع الأطياف تعيش في سلام ووئام وتآخي ومحبة لهذا تعتبر كردستان النموذج الأمثل للحرية والديمقراطية . لكن هل تستطيع كردستان أن تنعم في هذه الأجواء وتستمر أذا سيطرت الأحزاب الأسلامية في العراق وأعلنت الدولة الأسلامية العراقية كأيران ؟ أم ستصبح كردستان حينذاك بين مطرقة أيران وسندان حكومة بغداد الأسلامية؟ الجواب ستصبح كردستان الهدف الوحيد والجسم الغريب في جسد الدولة الأسلامية الشيعية الكبيرة والله يستر العالم من التطرف الأسلامي الذي هو العدو الوحيد للعالم أجمع .
بقلم
وردا اسحاق عيسى
 وندزر-كندا

294
ارجو التفضل بنشر هذا الموضوع الذي هو الأول و سنرسل لكم مواضيع اخرى لاحقا, مع الشكر.

صفحات: [1]