عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - حسين ابو سعيد

صفحات: [1]
1

لم أكن اصدق ان الكون مخلوق بهذه الهشاشة
قراءة في رواية شاي مع ماريو فيتالي للروائي البحريني احمد جمعة
حسين أبو سعود

ان قراءة الروايات رغم انها ممتعة  لا تخلو من مشقة والروائي الناجح يستطيع من خلال أدوات السرد جعل القارئ يتألم ويفرح ويبتهج ويحزن حسب الاحداث ودقة التصوير ورواية (شاي مع ماريو فيتالي) للكاتب البحريني احمد جمعة هي رواية غنية ومكتنزة ولكنها غير معقدة ولغتها واضحة ورفيقة بالقارئ، وهي كغيرها من الروايات المتميزة زاخرة بأحداث الحب والخيانات والسفر والغزل والجنس والموت والولادة وتفاصيل أخرى كثيرة لها علاقة بالحياة العامة للناس ولا ادري ان كان الكاتب هو بطل القصة ام انه متقمص ومجرد مبدع للقصة، فالبطل هو كاتب خليجي قريب السبعين عنده زوجة وابنتان.
فيتالي الإيطالي دوره في الرواية ليس رئيسيا رغم انه عنوان الرواية وهل يكفي حدث عابر عبارة عن مجرد تناول شاي مع فيتالي ان يكون عنوان لرواية طويلة؟ انها قناعة السارد وربما يكون اختيار الاسم بسبب الموسيقى الخاصة الموجودة في اسم ماريو فيتالي وبالإضافة الى فيتالي كما اسلفت هناك احداث وهناك ام واب وزوجة واخوة كل منهم له مواقف وقصص واهات ومرض وموت ورحيل ونجاح واخفاق، اذن فالرواية ليست حكاية أحادية فحسب والكاتب له نفس طويل وتركيز واضح وقلم سيال والصفحات تناهز الستمائة صفحة.
الكتاب كان رفيقي في الحدائق العامة والمقاهي وكان معي في الباص والقطار وحتى في المطارات في اسفاري المتكررة.
يتفرد الكاتب في أسلوبه في رسم مواجهات المظلوم مع الظالم والجلاد والضحية (ص 571) ويذكر الصفات العجيبة لضباط التحقيق في الشرق، انهم قساة هدفهم كشف الجريمة بالإيقاع بالمتهم ونزع الاعتراف منه باي وسيلة.
من هو ماريو فيتالي الذي يتصدر اسمه غلاف رواية بهذه الفخامة؟ وماذا فعل؟ أيكفي انه عشيق صوفيا وصديق القرمزي وموقفه الشهم من جلاده: اعرف انك غاضب مني فانا مسرور لأني حققت عدالة الأرض قبل عدالة السماء لان الحساب هناك اصعب (ص584) وهو لا يبرئ نفسه ويقول في ص 627: لست فخورا ان قلت بانني ارتكبت جرائم ربما ادفع ثمنها في حياة أخرى.
ولا أنكر بان الكاتب قد يتعرض الى مساءلة في بعض أجزاء الرواية منها كيف كانت مرام وندى يتفاهمان مع ماريو فيتالي وباي لغة؟ ومنها استخدامه بعضا من غرائب التعبير ولا أدرى هل هي أخطاء ام أمور يقصدها الكاتب مثل: شعر بوخز في صدره الايسر ص182، ورغم وعورة المناخ ص377، والابحار في صحراء محيطات مائية ص 396، وتأبط فتى نحيف كتف فتاة ص 486، وهي تمسك بيدها غصن شجرة عنب ص 496، وفاق اعجابه بآلهة من الهة عصور الخالقون ص 542، وتوغل في الغبار تلون بالشمس الليلية وكنس الشارع بخطواته التي تنشر أوراق الأشجار السوداء ص549.
انا لا أرى ان مهمتي تنحصر في تلخيص الرواية لان في ذلك افساد لمتعة القارئ
وجهده ولكن الاحداث تتسارع بعد صفحة 500 لعالم كله في خطر، خطر الحروب والاوبئة والأسلحة الوبائية والجرثومية ويعبر عنها كلها بالغبار الارجواني.
المرأة كانت حاضرة في الرواية والجنس كان حاضرا أيضا ولكن بحذر مع ان البعض يتصور بان ادراج المشاهد الصريحة هي من مقومات نجاح الاعمال الروائية.
مايا سعود رغم انها امرأة ثرية وارستقراطية وراقية ولكنها قد يخفق قلبها لإنسان عادي مهنته الكتابة وتصارحه برغبتها رغم انها محاطة برجال كثيرين.
ان معاناة اللاجئين لا يعرفها الا لاجئ ولكن الكاتب بثقافته الواسعة العابرة للحدود وخبرته في الكتابة استطاع ان يجسد ادق التفاصيل عن أحوال المهاجرين واللاجئين.
القرمزي كان في رحلة غامضة لا مفر منها وما أكثر رحلاتنا وتصرفاتنا التي لا مفر منها والعالم غارق في حالة طوارئ وقد يعود الى نقطة الصفر مع بدء خليقة جديدة ص11.



2
ليلة بنغالية بامتياز ولكن في أربيل
حسين أبو سعود
لفت نظري وانا في الطريق من مطار أربيل الى الفندق عددا كبيرا من البنغاليين، كانوا في المطار وفي الأسواق والمحلات والفنادق، رايتهم كذلك ليلا في الحديقة المقابلة لقلعة أربيل يبيعون الشاي والقهوة والعاب الأطفال ولمست من اهل المدينة تعاطفا كبيرا تجاه هذه الشريحة ويصفونهم بالصدق والأمانة، ويبدو ان الحكومة المحلية هناك لا تريد ان تتعرض لهم بسوء لأنهم يسدون حاجة المدينة الى اليد العاملة الرخيصة علما باني كل من سألته من البنغاليين عن الإقامة قال بانه لا يحمل أي إقامة مشروعة.
كان سكني في فندق مقابل قلعة أربيل يعني وسط المدينة تماما حيث المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات والكرزات والملابس، رأيت البنغالي حارسا لمسجد وعامل نظافة وبائع فواكه وتمور وحتى اللبلبي والباقلاء وكلهم يتكلمون العربية بلهجة عراقية.
يبدؤون عملهم في الصباح الباكر ويستمر طوال النهار لينتهي بعد منتصف الليل عندما تغادر العوائل مقاعد حديقة النافورة مقابل القلعة ويهرع كل واحد منهم الى فراشه علما بانهم يسكنون على شكل مجموعات في البيت الواحد وقد ينام في الغرفة الواحدة اكثر من سبعة اشخاص.
وفي الفراش ومع ظلمة الليل تبدأ الهواجس والمواجع وتهيج الاحزان وتزداد الاشواق الى الاهل والزوجة والأطفال، كلهم عندهم موبايلات وفي كل لحظة ينظرون الى الشاشة لعل رسالة او خبرا يأتي عبر الواتساب او الفيسبوك وقد يلجأ البعض الى الأفلام الإباحية لإشباع رغباته الفطرية وهروبا من الكبت الجنسي المفروض عليهم، كلهم بلا نساء وما عساهم وهم بشر يفعلون امام جمال النساء المتواجدات في الأسواق والحدائق واجسادهن المغرية وما اكثرهن في مدينة سياحية مثل أربيل.
رجال بعواطف مكبوتة لا يحق لهم احتضان امرأة وتقبيلها فضلا عن الاقتران بها كلهم بلا نساء فاين تذهب شهواتهم ورغباتهم.
كلهم بلا اقامات وبلا كفيل وفيهم من كل الاعمار اشكالهم متعبة ومنهكة عليها اثار الذل والارهاق ولكنهم رغم ذلك يضحكون وقد يتبادلون النكات والطرائف وهناك ألف سؤال وسؤال في عيونهم ويبتسمون دائما لأنهم ضعفاء وغرباء، لا يستطيعون السفر لأنهم لن يتمكنوا من العودة ثانية، وتتخلل السنوات الطويلة التي يقضونها هنا موت الإباء والامهات وزواج الاخوان، أولادهم يكبرون، الشهور تتعاقب والسنوات تمر والعمر ينقضي وهم يذوبون في المنافي كالشمع ،هؤلاء  كانوا يوما أطفال يتطلعون الى العيش الرغيد والمستقبل الضاحك وكانوا قرة عين لوالديهم، فرحوا بهم وقضوا طفولة بهيجة رغم الصعوبات بصحبة اهاليهم وعندما كبروا وجدوا انفسهم في وضع مزري مليء بالبطالة والمرض والجهل والمشاكل والفقر ولم يبق امامهم سوى الهجرة  وكانت المحطة القادمة أربيل وكانت أربيل رحيمة بهم وقد وصلوا من قراهم ومدنهم عبر رحلة سفر شاقة ومتعبة، قطارات مطارات مدن نقاط تفتيش بهذلة اهانات خوف من حرس الحدود وشرطة الداخل ومن بلد الى بلد الى ان وصلوا واستقروا في اربيل، وكل بنغالي في النهاية عبارة عن حقيبة سفر فيها بعض الصور والعطور الرخيصة  والملابس وجواز سفر منتهي الصلاحية ، يقيمون ولكن بصورة غير قانونية في بلد غريب.
عدت الى غرفتي في الساعة الثانية عشرة ليلا وصورهم تتقافز في ذهني وظللت افكر بهؤلاء وبحياتهم الصعبة ثم شعرت بالنعاس ولعلي نمت ولكن فجأة رأيت ان باب الغرفة مفتوح على مصراعيه ليدخل منه عشرات المهاجرين من البنغاليين وتزاحموا حول سريري فجلس البعض على الأطراف والبعض ظل واقفا، امتلأت الغرفة بهم هذا يضحك وذاك ساهم وغارق في الخيال واحدهم كان يبكي، مسحت دموعه وكانت ساخنة جدا انهم يشتاقون الى اعزاءهم ومرابع صباهم وطفولتهم، كنت اتفرس في وجوههم وأقول كم من البنغاليين يتواجدون الان في لندن ونيويورك ودول الخليج ينعمون بالعيش الرغيد والاستقرار.
عندما استيقظت في الصباح علمت بأنهم زاروني في حلمي من كثرة تفكيري بهم فكانت ليلة بنغالية بامتياز ولكن في أربيل وتساءلت قائلا: اذن متى يستقر هؤلاء وأين وكيف وهم بلا اقامات ينتظرهم يوم اسود يصاحبه اعتقال وسجن وتسفير قسري، وقد بدأت حملات التفتيش فعلا في بغداد ضد المقيمين بصورة غير قانونية واعتقالهم وسجنهم ثم تسفيرهم قسرا والعودة الى المربع الأول من المعاناة.
ملاحظة: ان المثال البنغالي ينطبق على جميع اللاجئين والباحثين عن العمل من مختلف الجنسيات في مختلف دول العالم.


3
متى يعلنون وفاة العرب؟
حسين أبو سعود
متى يعلنون وفاة العرب عنوان لقصيدة مطولة من ديوان لنزار قباني صدر قبل أربعين عاما يذم فيها العرب والعروبة ويتنبأ بوفاتهم.
انا ما تورطت يوما بمدح ذكور القبيلة ولكنني شاعر قد تفرغ خمسين عاما لمدح النساء،
لماذا؟ هل لأنه يئس تماما من رجال العرب وخلفاء العرب وفرسانهم.
هذه القصيدة هي على شكل سؤال يتكرر بإلحاح في هذه الايام بعدما جرى ويجري في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان وليبيا و و و ولو كان الشاعر حيا الى يومنا هذا ماذا كان سيقول عن حياة العرب وموت العرب وهو يحاول منذ الطفولة رسم بلاد
تسمى مجازا بلاد العرب
أحاول رسم بلاد لها برلمان من الياسمين
وشعب رقيق من الياسمين
كيف ينسى الناس دروس الخيانة والعمالة وماضيهم الأسود وطهرهم المعدوم ولا ارث لهم سوى الحروب والخيانات والغزو، وكيف يستطيع ان يلغي كل الأحقاد وكل الحروب وملايين المتضررين واللاجئين والنازحين ويمنحهم فضاء من الياسمين ويعيد كتابة تاريخ العرب بلا خيانة ولا حمالات حطب
وداعا قريش
وداعا كليب
وداعا مضر
ان نزار قباني ليس الوحيد بين الشعراء ممن يحلمون بسماوات صافية واقمار مضيئة وعواصم بهيجة وعلاقات وطيدة ولكنه في النهاية يقررعنهم ويقول:
وحين افقت اكتشفت هشاشة حلمي
فلا قمر في اريحا
ولا سمك في مياه الفرات
ولا قهوة في عدن
 ويظل الحلم يراود الجميع رغم ان لصوص الأرواح واعداء الحياة ازالوا الغابات وبساتين النخيل وجففوا البحيرات والاهوار ورغم ان اليأس يسكنهم ويسيطر عليهم فيبحث عنهم نزار عن الأمان والوطن في حضن الحبيبة ورائحتها فيقول:
أحاول ان احبك خارج كل الطقوس
وخارج النصوص
وخارج كل الشرائع والأنظمة
أحاول سيدتي ان أحبك في أي منفى ذهبت اليه
لأشعر حين اضمك يوما لصدري
باني اضم تراب الوطن
وبعد ان كثر الدجل والنفاق وكثرت المافيات والمليشيات والأحزاب وصار الكل يريد ان يهاجر، حتى ضباط الهجرة في البلاد العربية يحلمون بالهجرة والشاعر مذ كان طفلا:
يحاول قراءة كتاب يتحدث
عن انبياء العرب
وعن حكماء العرب
وعن شعراء العرب
فلم أجد الا قصائد تلحس رجل الخليفة من اجل حفنة رز وخمسين درهم
ولم ار الا جرائد تخلع اثوابها الداخلية لاي رئيس من الغيب يأتي
 واي عقيد على جثة الشعب يمشي
ماذا يفعل العرب غير النوم على بحار النفط وتخزين الأموال ولكنهم رغم الملايين يشحذون، من يبكي العرب والعروبة؟ لا أحد.
وانه برغم التطبيع والذل والهوان والحروب الاهلية فان البعض ما زال يمجد العرب ويشيد ببطولاتهم الورقية وتاريخهم الذي اضاعوه ببيعه رخيصا للمستعمر.
إذا أعلنوا يوما موت العرب، ففي اي مقبرة يدفنون
ومن سوف يبكي عليهم،
وليس هنالك حزن وليس هنالك من يحزنون
العروبة شعر ولا دواوين
وجيوش ولا من جيوش
وفتوحات ولا من فتوح
قتلى وجرحى على شاشة التلفاز
عيوننا متسمرة على التلفاز بانتظار النصر يأتي الينا من الله
أيا وطني جعلوك مسلسل رعب
نتابع احداثه في المساء
فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء
قبل أربعين من السنين كتب شاعر عربي وهو نزار قباني:
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني ما رأيت العرب!!!!


4
كركوك في الماضي
حكايات من الماضي الجميل (قراءة في كتاب)
حسين أبو سعود
الحنين للماضي شعور جميل يجعل الشخص يتمنى عودة الأيام الخوالي بذكرياتها واحداثها والحنين موجود بالفطرة ولكن تزداد نسبته من شخص لآخر وكم من غريب حنّ الى موطنه وأهله وقضى الليل ساهرا باكيا تبلل دموعه الوسادة ولا أحد يسمعه ويظل على حاله من المكابدة والشوق حتى يغلبه النوم.
قال مصطفى صادق الرافعي عن الشوق: هو حبل من الحنين التف حول القلب وكلما نبض القلب كلما اشتد حبل الحنين على القلب وضاق عليه فاذا التقى المشتاق بمن يروم رؤيته انفك حصار حبل الحنين عن القلب.
وقال الامام بن حزم: فالشوق قد يكون لخل او لأرض ترعرعت فيها او لجماد لا حراك فيه، الا ترى إنك تشتاق لبيتكم القديم عند رؤية اطلاله.
والله ما لمحت عيني منازلكم         الا توقد جمر الشوق في خلدي
ولا تذكرت مغناكم وارضكم         الا كان فؤادي طار من جسدي
وكل شعب له حكايات وتقاليد وتراث يجدر تذكرها وتخليدها بتوثيقها خوفا عليها من الاندثار بمرور الزمن، وقد تصدى المربي الكبير الأستاذ ييلماز شكر بك اوغلو لهذا الباب فخلد الكثير من الحكايات والامثال الشعبية الخاصة بتركمان العراق ولا سيما تركمان كركوك في كتابه الموسوم (حكايات من الماضي الجميل) المتكون من 460 صفحة من القطع المتوسط، وقد كتب مقدمة الكتاب الاديب المعروف محمد خورشيد قصاب اوغلو رئيس تحرير مجلة الفنار الشهرية حيث اسهب في الحديث عن الكتاب والكاتب بأسلوب شاف كاف وكان له دور كبير في اعداد وطباعة ونشر هذا الكتاب.
الكتاب بقلم فنان و مربي  ومثقف وانسان وهو تركماني القومية ولكن بنفس وطني غير متعصب لقومية او لحزب او طائفة وكان مديرا لإعدادية كركوك وتخرج على يديه المئات بل الالاف من الطلبة العرب والكرد والتركمان والمسيحيين شغل بعضهم مناصب عليا في الدولة، وكما قلت فان الكاتب مسكون بالفن والثقافة والفلكلور وهو خريج اكاديمية الفنون الجميلة، وكان له نشاط بارز من خلال الاعمال  الاذاعية والتلفزيونية في القسم التركماني، ويبدو من مواضيع الكتاب بان المؤلف غارق في حب المدينة حيث ابحر في تفاصيلها الزمكانية وضمنه صور الماضي حلوه ومره، ليله ونهاره ووجدته يحسن استخدام عنصر التشويق فيجعل القارئ يتوق الى ان يكمل الكتاب في يوم وليلة فهو يحدث القارئ عن فصول السنة فيشعر بالنشوة في الصيف وبالبرد في الشتاء.
الكتاب مؤلف من كلمات ولكن لهذه الكلمات قدرة على الاخذ بيد القارئ والتجول به في مناطق المدينة المختلفة ويوقفه امام المطاعم والسينمات والمساجد والمقابر والمحلات والحمامات والأسواق والمكتبات والمدارس وحتى صالونات الحلاقة وانه لم يغفل شيئا وإذا حدث فليس ذلك عن اهمال وانما دون قصد والعتب على الذاكرة، ذكر الاحياء والاموات، المقيم والمهاجر، ذكر أصحاب المناصب والشقاوات والفقراء وارباب المهن ولم ينس التقاليد والعادات في الأعياد والاعراس وايام محرم وليالي رمضان وحفلات الختان.
لقد ذكرني الكتاب بأمور كثيرة من الماضي انستني الأيام جلّها لقد ذكرني بجيراني واعادني للطفولة والشباب وللكاتب أسلوب جميل يتحدث فيه مع المناطق كما تحدث مع الصوب الكبير ص(458) فتعاتبه المنطقة الفلانية في حديث حزين فيرضيها الكاتب بالكتابة عن تفاصيل كثيرة عنها ، أسواق ومناطق واشخاص ومناسبات وله قدرة عجيبة في حصر المصطلحات وشرح الحكايات بدقة وتفصيل ولم يترك جانبا الا وذكره، ذكر الأطعمة والمخابز و وسائط النقل والألعاب والاغاني والامثال والاهازيج وذكر أسماء بعض الأفلام السينمائية التي كانت مشهورة في تلك الأيام مثل أبو جاسملر وهرقل وطرزان وماشستي فضلا عن الأفلام الهندية ، ومن الأطعمة ذكر : شروب ، علّوجة، كريم استيك ،ازبري، ريواز ،لوزينة، بيض اللقلق، شعر البنات، وذكر صباحات كركوك ومكونات الفطور مثل القيمر والجبن والحليب والباجة واللبن والكاهي والباقلاء واللبلبي وغيرها، وتحدث عن ليالي الصيف والنوم على السطوح والفنرات التي تربط بالطائرات الورقية وهي فوانيس مصنوعة من الورق الملون الخفيف توضع فيها شمعة صغيرة فتتحول السماء الى انوار طائرة جميلة تدخل البهجة الى النفوس.
وعرّج على سوق الهرج وهو سوق تاريخي يباع فيه كل شيء مثل الساعات والدراجات والراديوات والبراغي والدرنفيسات والأدوات المنزلية والملابس المستعملة ويرتاد هذا السوق شريحة كبيرة من الناس ، ولم ينس الكاتب ظاهرة الشقاوات وقصص بطولاتهم التي تستهوي الجميع وقد قضى نظام  البعث على هذه الظاهرة بعد المجيء الى السلطة سنة 1968، وذكر الكاتب عيد الجيش والفعاليات التي كانت تجري في كركوك من استعراض وتوزيع حلوى الجيش والصمون العسكري والتقاليد المصاحبة لسوق الشباب الى التجنيد الالزامي وكانت كركوك مقرا للفرقة الثانية وكان قائدها حينها اللواء الركن إبراهيم فيصل الانصاري رحمه الله.
وبقي ان نقول ان ما من مطبوعة الا وتحتوي على بعض الأخطاء النحوية والاملائية والمطبعية وهذا ما حدث مع الكتاب ولكن العتب كل العتب على المصحح اللغوي الذي ذكر اسمه في الصفحة الأولى وهو الأستاذ محمد علي نورالدين وكان المفروض ان لا يذكر اسمه لأنه لم يصحح شيئا البتة ولا اظنه قد بذل جهدا او اتعب نفسه في التصحيح.
وقد يؤاخذ الكاتب على تركه لبعض الامثال التركمانية على حالها بلا ترجمة مما يصعب على القارئ العربي معرفة المعنى رغم انه ترجم بعض الامثال ولكنه ترك البعض بلا ترجمة كما في ص (106)، ويتساءل الكاتب في بعض أماكن الكتاب عن العلاقات غير المنطقية بين الكلمة ومعناها باللغة التركمانية والحق بان بعض الاهازيج او الامثال قد تكون جميلة بلغتها الاصلية الا انها لا تعطي معنى عند الترجمة مثل اهازيج الأطفال ليلة العيد حيث يقولون:
يارن بيرامدي بير قاشوغ عيراندي أي غدا عيد ملعقة من اللبن فالعلاقة مفقودة بين ملعقة اللبن وليلة العيد، وكذلك (قيزلار يولداشي) ويقابلها بالعربية أبو بريص والترجمة الحرفية هي صديقة البنات وكيف يكون هذا الحيوان صديقا للبنات وهو مخيف ومرعب.
ويتضمن الكتاب عددا من الصور ذات العلاقة بالمواضيع المختلفة لكنها بالأبيض والأسود ونحن نعيش مرحلة متطورة في الطباعة الرقمية الملونة، وأتمنى لو يتلافى الكاتب هذا الامر وباقي الثغرات في الطبعات القادمة، واما عنوان الكتاب(حكايات من الماضي الجميل) كان يجب إضافة اسم كركوك عليه كي يستقيم المعنى لان الكتاب خاص بكركوك وأهالي كركوك ويكون العنوان حكايات كركوكلية او حكايات  من ماضي كركوك وخيارات أخرى متاحة للكاتب ، واما غلاف الكتاب فانه رغم جماله مزحوم بالصور وكانت صورة واحدة منها كافية لتوحي بالمعنى والحال في الغلاف الخلفي توحي بقلة خبرة من لدن المصمم.
وفي الختام أقول بان أكثر حكايات الكتاب تصلح لتكون مادة لفيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني لأهميتها، ويظل الحنين الى الماضي مستمرا والذي بقي في المدينة ولم يغادرها مثل الأستاذ الكاتب فان حبه لها يزداد يوما بعد يوم واما الذي غادر كركوك وغاب عنها عقودا طويلة فانه يزداد شوقا وحنينا اليها.


5
كلنا مع الشيخ الابراهيمي ولكن !!!!
حسين أبو سعود
كلنا نعرف ان الشيخ جعفر الابراهيمي هو خطيب مفوه خلوق متكلم له بصمته الواضحة على المنبر الحسيني وله تأثير على مستمعيه لبلاغته وفصاحته  وصدقه مع نفسه ولهذا نحن تعجبنا عندما فقد البوصلة في حديثه عن الفنان المصري محمد رمضان فصار يسب ويشتم ويستخدم  بعض الكلمات التي لا تليق به كداعية الى الله وكخطيب حسيني عليه مسؤوليات ولا تليق بالمنبر الحسيني الذي وجد أصلا للإصلاح حيث قال عن الرجل بانه(مخنث وداعر واسود وقذر وقبيح )خلافا للهدي الإلهي كما في القران الكريم: وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن وقوله تعالى: وقولوا للناس حسنا وقوله تعالى :ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن، وما تلفظه الشيخ هو سباب وشتائم ثم ان المسالة لم تكن بحاجة لكل هذا التهويل فالشيخ ليس معصوما وقد شطح قبله الشيخ حميد المهاجر عندما وصف من يرتدي الكمامة في كربلاء بالمنافق وقبله الشيخ الراحل احمد الوائلي رحمه الله عندما قال عن الذين يقومون ببعض الاعمال تحت ستار الشعائر بانه لو يظفر بهم سيدفنهم في البالوعة وهو من هو في سمو اخلاقه وكثرة علمه ويعلم بان الدفن في البالوعة لا يجوز شرعا ولا عقلا ولا يمكن معاقبة احد بهكذا عقوبة ولكنها كلمة خرجت في لحظة انفعال وهو بالتأكيد لا يعنيها حرفيا، وهناك الكثير غير هؤلاء تلفظوا ببعض الالفاظ المجازية التي لا تعتبر عيبا كبيرا فيهم لان ذلك ممكن الحدوث ولكن الغريب بان الابراهيمي الذي لا تنقصه الكلمات البديلة في إيصال الرسالة المطلوبة لم يعتذر عن هذه السباب والشتائم علما بانه ليس المطلوب منه الاعتذار عن اصل الموضوع وانما الاعتذار عن كلمات مخنث داعر قذر قبيح واسود ولا سيما كلمة اسود وهي كلمات خرجت في غير موضعها فالخطباء ومنهم الشيخ الابراهيمي أصحاب مشروع انساني وديني نبيل وعندهم الادب والأخلاق والنقاء والبلاغة والفصاحة ولا يمكن ان يصعب عليهم اختيار الكلمات اللائقة والمناسبة.
والحق ان أسلوب الابراهيمي الذي اشعل الجو وشغل الساحة ما بين مؤيد ومعارض قد اعطى أهمية وشهرة إضافية  لمحمد رمضان وتجاهله كان افضل لان هذا الفنان ليس هو الخصم الحقيقي وانما هم أولئك الذين دعوه للمجيء الى العراق وساهموا في إقامة الحفل وتنظيمه وكذلك الذين حضروا  الحفل من أبناء وبنات العراق الذين اغرقوه بالساعات الثمينة لأن رمضان جاء وذهب وقبله جاءت أليسا وقد يأتي غيرهم غدا.
ان كلمة الأسود لا يمكن تبريره ابدا لان محمد رمضان هو اسود البشرة فعلا والاعتذار عن هذه الكلمة أفضل من توجيه المعنى قسرا الى أمور أخرى لا تتوافق مع العقل، ثم لماذا لم ينتقد محمد علي كلاي الأسود والذي يمارس رياضة الملاكمة عاريا الا من الشورت وعندنا مثال في التاريخ وهو ان أبا ذر الغفاري عيّر َبلال الحبشي بلونه واصفا إياه بابن السوداء والحادثة مشهورة.
نحن مع الشيخ الابراهيمي في انتقاده لما حصل ونتمنى منه باعتباره شخصية مؤثرة ان يستمر في رفع الصوت ضد نقص الخدمات والبطالة والكهرباء والرشاوي والمرض والجوع وغيرها من مظاهر الفساد ويطالب بإغلاق الملاهي ومنع المسرحيات الهابطة المخزية.
انا لم أكن اعرف محمد رمضان وقد دفعني الفضول الى معرفته فاستمعت الى عدد من اغانيه فلم اجد سوى التهريج ولكن هذا لا يعني ان نوجه اللوم له وننسى الجهة التي قامت بدعوته  فاللوم يجب ان يوجه الى الافراد والجهات التي تقف وراء هذا الفساد والافساد.
مرة أخرى وأخيرة أقول بان الشيخ الابراهيمي خطيب مفوه واديب ولديه فصاحة وكنايات وخبرة في الموعظة الحسنة والكلمة الطيبة قد تؤثر إيجابا في المطرب المصري الزائر وكم من ضال ومجرم غيرتهم كلمة وهل الحب الا كلمة؟.

6
أدب / وقائع العودة
« في: 17:46 21/09/2020  »


وقائع العودة

قصص قصيرة جدا
حسين أبو سعود

١
بعد سنوات الغربة عدت الى الوطن
نظرت في المرآة
فلم أجد نفسي
٢
سألت عن اصدقائي الشباب
أشاروا إلى زاوية بالمقهى وجدتهم متسمرين
على الكراسي، يلعبون الدومنة ويدخنون
ذكّرتهم بنفسي
فلم يتذكرني منهم أحد
٣
كل شيء كان موجودا
البيت/المسجد/العصافير/القمر
إلا طفولتي
قيل إنها هربت
٤
 كنا نحب بعضنا
كانت إنسانة طيبة رقيقة ندية كهبة نسيم
عندما عدت وقفت امام بابها، قيل لها بأن رجلا سبعينيا اسمه فلان يقف على الباب يريد أن يراك
قالت وهي تسعل: لا اريد ان أراه
٥
اخي الكبير كان يتمنى العودة بعد التغيير ولكنه
مات في الغربة أثناء إعداد الحقيبة
٦

اخي الاخر كان
معقدا ومقعدا يتلعثم حين يتكلم
عرضت عليه العودة
قال اخاف أن اعود فأموت
قلت سبحان الله
صرتَ تخاف من الوطن اذن
٧
عندما رأى الكذب يلبس ثياب الصدق ورأى الظلام يجلس على صدر النور
ورأى الحقيقة تخنق الحلم، سلّم نفسه إلى أقرب مركز للشرطة
طلبا للحماية
٨
عندما خرجنا من الوطن
الكلٖ خرج ولم يعد



7

نص جاف من زمن الكورونا
حسين أبو سعود
قد يبيد الكورونا ثلاثة ارباع البشر، ثم يموت الفايروس متعبا من الرقص على جثث الموتى، وتشرق شمس جديدة ويأتي أناس جدد قد يهمهم معرفة سبب الإبادة وسبب الكارثة التي اودت بحياة اسلافهم، ولكن هل سيفهمون لغتنا ام ستولد معهم لغات جديدة.

كنا أقواما لا نستوعب الدرس
نتبادل الأقنعة حد الإدمان
نستعرض بالأخلاق كما عارضات الأزياء
صداقاتنا مؤقتة
الاصدقاء يستبدلون بعضهم كل أسبوع
نبيع الوهم المغلف للعابرين
لا نصدق أنفسنا
ولا نريد تسليم الأمانة
نغني خلف الكواليس للحروب
نتعانق في النهاية من الخلف
بعضنا ينظر نحو الغرب
وبعضنا ينظر نحو الشمال
الجدران عارية داخل المباني
والمتحركات عارية داخل الهياكل
ينتابنا نعاس شديد امام لوحة امرأة عارية الذراعين
ترمق العشرات الذين يتناوبون النظر اليها
النياشين والأوسمة تخلت عن عظمائها الذين تحولوا الى تراب وتماثيل
في المقابر وفي المتاحف
كنا لا نفتقد ابتسامات المقعدات على الكراسي المتحركة
ولا نفعل شيئا
لم نكن نعرف كيف يفكر الأطفال
لم نكن نعرف ماذا نريد
لم نكن نستحق الحياة
فهاجمنا الكورونا


8
قواعد العشق الخمسون
حسين أبو سعود
بالأمس قتل شمس التبريزي وشارك في قتله علاء الدين ابن جلال الدين الرومي والليلة مات عزيز مؤلف رواية الكفر الحلو بعد صراع مع مرض السرطان في أحد مستشفيات قونية حيث يرقد مولانا جلال الدين الرومي الذي تحول من عالم دين الى عاشق صوفي، اغواه بذلك الدرويش شمس التبريزي.
وغادرت ايلا الامريكية عشيقة عزيز وزوجة ديفيد قونية الى أمستردام بدلا من نورثامبتون حيث زوجها واطفالها الثلاثة بعد ان خسرت كل شيء تلبية لنداءات القلب والجسد.
ذهبت الى فراشي في الثالثة فجرا ولكني لم أستطع النوم، انا لا اشبه شمس التبريزي الا في بعض الأشياء، ولا احمل من صفات الرومي شيئا لكثرة اوزاري وذنوبي، واما عزيز الهولندي المتحول الى الإسلام الصوفي دون ان يجهد نفسه بدراسة المذاهب الإسلامية الأخرى، ارتحل الى كثير من مدن العالم شرقا وغربا، كان يعلم شيئا واحدا حقيقيا وهو انه سيموت قرب معشوقه جلال الدين الرومي، وهذا ما حصل وحضر جنازته الصوفيون وغير الصوفيين، لقد كان مقبولا من الجميع، كيف لا  وقد كان عفيفا حارب شهوات النفس بكل ثبات وتبنى عددا من الايتام ولم يؤذ أحدا في حياته، ماذا يريد الانسان اكثر من هذا كي يكون مقبولا.
انا اختلف عن جلال الدين الرومي لأنه صدق شمس التبريزي بان قواعد العشق اربعون وانا أقول ان قواعد العشق لا تنتهي ابدا وكل العشاق يستطيعون ان يخترعوا قواعد جديدة في كل يوم وكل ارض وكل مناسبة.
كنت أتمنى ان استمر معك رغم الفوارق الكبيرة بيننا لا سيما فارق السن ولكني أخاف ان اٌطرد من حياتك وانا في أرذل العمر ولن أجد حينها ملاذا من الوحدة والخوف والمطر، لن اقوى على مشاركة المشردين والسكارى الشوارع الخلفية للمدينة المرطوبة.
لا اريد ان اشوه علاقتنا يوما او احمل عنك صورة غير التي رسمتها لك في مخيلتي، ها انا قد اعدت لك كل شيء واودعتك كتبي كلها واهديتك مفكرة الجيب الانيقة التي تنظم لك حياتك لمدة عام، ويعطيك إحساسا بأهمية الوقت ويشعرك بان الحياة قصيرة والأيام تجري بسرعة نحو النهاية، وباختصار شديد لن أجد مثلك في الدنيا رغم أنك لست على ما اشتهي تماما.
معذرة مولانا جلال الدين فانا لن ارضخ لصرخات شمس التبريزي طالبا مني ان احرق كتبي على رؤوس الاشهاد وابعثر اوراقي التي كدستها منذ أكثر من نصف قرن في الهواء.
قررت ان أكون قويا ولا افعل ذلك مع علمي بان هذه الأوراق وهذه الكتب سوف تٌلقى بعدي في القمامة كما يتم التخلص من ملابسي واقلامي ونظاراتي وادويتي الباقية، نعم وعدت التبريزي بحرق الكتب والأوراق والتخلص من الملابس ذات الماركات العالمية والاكتفاء بثوب من الصوف الأسود لستر عيوبي ونواقصي ونزواتي، واسير بمفردي في الدروب المظلمة بحثا عن النور والنقاء.
******
العمر ينتهي ولكن الآمال لا تنتهي والاعمال لا تنتهي وقصص الماضين لم تكتمل.
********
ساجئ الى قونية عن قريب لا لكي اخرج جثة شمس التبريزي من البئر ولا لكي اقرأ الفاتحة عند راس مولانا الرومي وانما بحثا عن قبر عزيز الروائي الهولندي في المقبرة الإسلامية القديمة، ساجئ الى قونية عن قريب لا لكي اموت هناك بلا حبيبة لان أجمل الميتات ما كان في حضن حبيبة
*******
صغيرتي يقول شمس التبريزي في قاعدة من قواعده: ليس من المتأخر مطلقا ان تسال نفسك هل انا مستعد لتغيير الحياة التي احياها؟ هل انا مستعد لتغيير نفسي من الداخل؟
إذا غادرت المدينة في فجر غد، قد اغادر في فجر يوم من الأيام الا ان اثاري ستظل ماثلة في كل مكان حتى صوتي يظل متحفزا في زوايا البيت يغني المواويل الحزينة.
سترينني في كل مكان بعد ان كنت ترينني في مكان واحد واعلمي انت لست منتصرة وانا لست مهزوما ولكنه القدر وسطوته التي لا تقارع.
رغم المرارات فانا مدين لك بالكثير من لحظات السعادة التي اوهمتيني بها على انها حقيقة، لا قيمة للحياة بلا عشق
قاعدة العشق الخمسون: كل الانتصارات في العشق هي هزائم وكل هزائم العشق هي انتصارات
تهيئي لوداعي.
كان الفراغ من قراءة رواية قواعد العشق الاربعون للكاتبة التركية اليف شفق
ترجمة خالد الجبيلي في اليوم الأخير من عام 2019

9
تقرير الاذاعة البريطانية عن المتعة في العراق فاشل فاشل
حسين أبو سعود
تخوف الكثيرون من الشيعة من عزم الإذاعة البريطانيةBBC  على بث تقرير عن المتعة  في العراق وطالبوا اتباعهم بالتوقيع على حملات احتجاج لمنع بث هذا التقرير ولكن الBBC لم ترضخ لهذه النداءات والمناشدات والاحتجاجات وبثت التقرير في موعده ولم يحدث له أي صدى وكان تقريرا فاشلا بامتياز لأنه لم يكن عن الدعارة السرية ولم يكن عن المتعة، وانما كان محاولة يائسة بائسة لتشويه سمعة الشيعة، ثم ان موضوع المتعة تم تناوله وانتقاد بعض تفاصيله من كثيرين من الشيعة انفسهم قبل السنة ، ولا علاقة له بالدعارة الا عند ضعاف النفوس، وتجارة الجنس رائجة منذ القدم في جميع انحاء العالم وتجارة ابتزاز الأطفال موجودة في كل المجتمعات والقوادة مهنة اقدم من التشيع والتسنن والتهود والتنصر.
ان التهويل والخوف من تحقيق صحفي يراد منه الشهرة وقد يراد منه حقوق الانسان اتضح انه خوف لا مبرر له ورب ضارة نافعة حيث خدم التقرير الشيعة خاصة بعد ان قامت ال BBC بعرض ما توصلت اليه من انتهاكات على اعلى مقام شيعي وهو مكتب السيد السيستاني وكان الرد واضحا وهو استنكار كل أنواع الاستغلال الجنسي والتنديد بكل أشكال سوء استخدام الدين من قبل ضعاف النفوس.
استغرق اعداد التقرير عاما كاملا  في ثلاث اكبر مدن شيعية وهي الكاظمية وكربلاء والنجف ولم يعثروا طوال هذه الفترة الا على ثلاثة اشخاص احدهم شيخ معمم والأخر خادم عتبة والأخير رجل عادي بملابس عادية لا يمثل الا نفسه، واما خدام العتبة ليس من الضروري ان يكونوا من رجال العلم .واما الشيخ المعمم فهو واحد من الاف المعممين فضلا عن انه مجهول لم يشتهر بين الناس و ان كان في كلامه أي إساءة فهي ليست ملزمة لاحد ، وجميل ان لا يكون في كل هذه المحافظات سوى ثلاثة يسيئون استخدام الدين، وقد وضع مكتب السيد السيستاني النقاط على الحروف وبشكل واضح في نهاية التقرير وهذا موضع تقدير ان ذهبت ال BBC الى مكتب رسمي يمثل المذهب بعد ذهابها الى الشارع لرصد ما فيه وأفاد المكتب بان هذه جرائم يعاقب عليها القانون.
كان التقرير يركز بين الفقرات على مشاهد للعتبات والأسواق والمحلات والشوارع ولا علاقة لها بالزواج المنقطع او الدائم، وما علاقة المذهب بتلاعب البعض وسوء استخدامهم للدين؟ وما علاقة المذهب بشخص يبتز واحدة ويصورها ويتاجر بها؟ اليس هذا يحدث لدى كل الأديان والمجتمعات؟ ألا يحصل هذا في أمريكا او الهند وسريلانكا؟ وما علاقة التقرير (53 دقيقة) بزيارة الأربعين؟
اسم التقرير هو (تجارة الجنس السرية في العراق) والتركيز على ثلاث مدن شيعية متجاورة يعكس النية الفاسدة لصاحبة التقرير والا فان العراق فيه شمال وجنوب ووسط فاين التحقيق من باقي المدن العراقية، وتكرار اظهار صور الاضرحة والعلماء هي حيلة صحفية ماكرة لشد الانتباه.
ان أكثر الأمور التي ظهرت في التقرير مثل المحاكم ومشاكل الناس ونزاعاتهم وتقاضي مبلغ معين مقابل اجراء العقد واستغلال الارامل والمطلقات كلها أمور عادية موجودة في كل المجتمعات في العالم ولا علاقة لها بالتشيع ولا بالمرجعية ابدا.
المتعة او الزواج المنقطع امر واقع وموجود في ادبيات وكتب المذهب وهو امر غير مسموح به قانونا حتى في معاقل الشيعة أنفسهم كالنجف وكربلاء ويتجه الناس نحو الزواج الدائم لأنه يوفر لهم الاستقرار العاطفي المطلوب.
لا شك في وجوب تقنين المتعة لمنع ضعاف النفوس من سوء استخدامه وحذف الفقرات المتعلقة بعمر الفتاة من الرسائل العملية الحديثة كما فعل السيد السيستاني وهذا هو الاجتهاد وهي خطوة موضوعية خاصة وان الزمن قد تغير ونحن مع التخلص من كل ما يسيئ الى المذهب من فتاوى قابعة في بطون الكتب القديمة وشكرا لمراسلة الإذاعة البريطانية لأنها ختمت التقرير بتوضيح موقف الشيعة على لسان اكبر مراجعها بان هكذا أمور غير قانونية ومستنكرة ومدانة وانه لا يجوز استخدام الزواج الموقت للاستغلال  اللاإنساني وان الممارسات الغير مشروعة التي يقوم بها البعض سببها ضعف هيبة القانون .
وعليه فقد انقشعت السحابة السوداء وانتهى الامر.


10
زيارة الأربعين للتغيير لا للجمود
(قصة خيالية عن المرجعية)
حسين أبو سعود
في الثامن من صفر سنة 2030 ميلادية اجتمع مراجع النجف الكبار كعادتهم كل أسبوع لتدارس الأوضاع التي تهم الطائفة بغرض توحيد الكلمة وتم اثناء الاجتماع بحث التقرير المقدم من سيدة باكستانية متخصصة في البيئة كانت قد زارت العراق في زيارة الأربعين حذرت فيه من كارثة بيئية حقيقية تهدد العراق بسبب الاستخدام المفرط للصحون والملاعق والكاسات البلاستيكية اثناء مواسم الزيارة لا سيما في زيارة الأربعين حيث يفد الى مدينة كربلاء الملايين من الزوار، وذكرت الخبيرة بان انهار العراق واراضيها الزراعية سوف تتأثر كثيرا حيث يستهلك الزائر الواحد 6-8 كاسا بلاستيكيا في اليوم الواحد وقد يتم استهلاك 3000-5000 كاس في حرم الامام الحسين لوحده في اليوم الواحد ،وفي المدينة الواحدة يتم استهلاك عدد مخيف من الملاعق والصحون البلاستيكية، وتساءلت الخبيرة: اين تذهب كل هذه الكمية من البلاستك، انها ترمى في كل مكان في الأنهار والمجاري والنفايات وهي تحتاج الى 400 سنة لكي تتحلل في التربة  وبالنتيجة تتضرر البيئة وتتلوث  بل وتتسرطن الأرض والمياه الجوفية ولن تعود صالحة للزراعة ابدا.
وقد ابدى العلماء قلقهم البالغ إزاء ما ورد في هذا التقرير وتم اتخاذ قرارين مهمين في هذا الصدد وبالإجماع أولهما هو ضرورة عقد اجتماع اخر يدعى اليه متخصصون وخبراء في البيئة والصحة العامة وعدد من المسئولين من ذوي العلاقة لبحث هذا الموضوع الخطير ، والقرار الثاني هو توجيه نداء الى المشاركين في زيارة الأربعين بضرورة اصطحاب ملقة وصحن وكوب لكل زائر للحد من ظاهرة الاستخدام المجنون للبلاستك ، وتوقع العلماء ان يستجيب الزوار لهذا الطلب حفاظا على صحتهم وبيئة العراق وترشيد الانفاق على هذا العدد الهائل من الاواني والصحون والملاعق والكاسات البلاستيكية وتوفير مليارات الدنانير وانفاقها في أمور اكثر فائدة.
وقبل ان ينفض الاجتماع اقترح أحد العلماء اصدار فتوى بتحريم استعمال التنباك لمدة ثلاثة أيام في كربلاء، يوم قبل الزيارة ويوم بعده، فحدث خلاف حاد بينهم على ذلك حول جواز التحريم المؤقت وهل التنباك او التبغ حرام باعتباره من الخبائث ام انه حلال ومباح وانتهت تلك الجلسة الفقهية بالاكتفاء بتوجيه نداء ورجاء للزوار يطلب منهم الامتناع عن التدخين طوعا لمدة ثلاثة أيام في مدينة كربلاء اثناء زيارة الأربعين اسهاما في الحفاظ على البيئة.
وفي الختام اتفق الجميع على تعميم قرار الصحن والملعقة والكاس وكذلك نداء عدم التدخين على أصحاب المواكب وشركات السياحة والسفر وعلى المسئولين فضلا على وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيذ.
-25 صفر 2030 م: يقال ان اغلبية المشاركين في الزيارة قد استجابوا عن طيب خاطر لنداء المرجعية حتى لم يُر في يوم الأربعين ولا قبله او بعده بيوم أحدا يدخن السجائر والشيشة في مكان عام، كما شوهت ظاهرة غريبة بين زوار الداخل والخارج حيث كان كل زائر يحمل ضمن متاعه ملعقة وصحنا وكوبا من مادة الفافون او الالمنيوم مما اثار دهشة العالم والمراقبين على سرعة تجاوب الزائرين مع المرجعية.
شكرا للمرجعية الواعية


11
زيارة الأربعين يقض مضاجع الطغاة ولكن
من قصص الخيال المذهبي
حسين أبو سعود
في الأول من صفر اجتمع جميع قوى الظلام في مدينة الجوصل في الحيرة  وهي مدينة تعتبر معقلا للخوارج وبني امية والدواعش وحضر الاجتماع كل من الحجاج وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وهرقل وهتلر والبغدادي والزرقاوي والقذافي وعبد الستار العبوسي وناظم كزار وكل ظلمة التاريخ وطواغيته وبحضور مستشارين من إسرائيل والمخابرات العالمية الراعية للإرهاب والقتل والدمار وشعروا بقرب نهايتهم عندما وصلت اليهم معلومات مؤكدة عن تجمع الشيعة في ارض يقال لها كربلاء لأداء زيارة اسمها زيارة الأربعين وتصادف يوم العشرين من صفر متخذين شعارا ثوريا بعنوان (يا لثارات الحسين).
لقد شعر هؤلاء الظلمة بان هذه هي أواخر ايامهم لان عدد الزوار سيصل الى ما يقرب من عشرين مليونا اغلبهم من الشباب مكونين جيشا يعتبر اكبر جيش عقائدي في التاريخ كلهم مزودين بالسيوف يرومون الثأر من المحسوبية والرشوة والفساد والتجبر والدكتاتورية وكل ما هو ضد الإصلاح.
نقلت وكالات الانباء بان الناس بدأوا يتوافدون زرافات ووحدانا مشيا وبالسيارات قادمين من جميع انحاء العالم، من السعودية والكويت والبحرين وإيران ومن مدن العراق بل وحتى من أذربيجان وباكستان.
في 15 صفر نقلت وكالات الانباء بان الاستعدادات قد اكتملت لإيواء هؤلاء واطعامهم وسيجتمع هذا العدد المخيف على صعيد كربلاء وسيزحفون لدك معاقل الشر مرورا بالعاصمة وكل المدن التي تأوي المارقين والقتلة والفاسدين، سيدوسونهم بحوافر الخيل واطارات العجلات وهم ينادون (هيهات منا الذلة)
في يوم 18 صفر بدأت الاعداد تتزايد وكربلاء تحتويهم بصورة اعجازية، يا الهي ماذا سيحدث لنا، ضعوا المتاريس، لا لن تنفعنا المتاريس ولا الدبابات ولا الخنادق، من يحمينا من غضبة الشعوب ومن غضب أناس يقودهم الحسين والعباس.
ليلة العشرين من صفر وتعني اقتراب ساعة الصفر، العالم وكالات الانباء ، الأقمار الصناعية والسفارات كلها في حالة انذار والعيون كلها شاخصة نحو النجف وقم بانتظار الأوامر من قادة الشيعة ومراجعهم.
صباح الأربعين صدرت الأوامر مجتمعة بتوجيه السيوف نحو الهامات والاكتفاء هذه السنة أيضا بشج الرؤوس ولطم الصدور وجلد الظهور.
وصلت الاخبار بذلك الى المجتمعين في مدينة الجوصل فتنفس الجميع الصعداء وخلدوا الى النوم طلبا للراحة بعد فترة طويلة من الترقب والقلق والخوف، ومع زوال الشمس من يوم الأربعين بدأ الزوار بالانصراف تعتليهم اثار التعب والعناء بسبب المشي والتطبير واللطم وغيرها من الممارسات التي يسميها البعض شعائر وصاروا ينزلون الصور واللافتات المكتوبة عليها (هيهات منا الذلة).
وهكذا انجلت الغبرة وانقشعت غيوم الخوف عن الظالمين الذين عادوا ادراجهم لممارسة ظلمهم مرة أخرى، والسلام

12
روايات الغلو في الحسين عليه السلام (دافع خفي)
حسين أبو سعود

لا يشك اثنان بان  في روايات المسلمين سنة وشيعة الكثير من الموضوعات والغلو وقد لا يشك شيعيان بان كتب الشيعة بالذات زاخرة بروايات الغلو ، وقد صرح الائمة بأنفسهم بوجود من كذب عليهم ودس  في كتبهم الروايات الموضوعة ولعل اكثر الاحاديث التي وضعت في الفضائل كانت من نصيب الامام علي عليه السلام ثم الامام المهدي المنتظر ولم يسلم الامام الحسين من هكذا روايات لا يمكن لعاقل ان يصدقها كلها او بعضها، اذكر منها القول المنسوب (زورا) الى الامام الصادق عليه السلام: من زار الحسين كان كمن زار الله في عرشه ، وقوله : من احب الاعمال الى الله تعالى زيارة قبر الحسين عليه السلام ، وعن الرضا عليه السلام قوله: من زار قبر ابي عبدالله بشط الفرات كان كمن زار الله  فوق عرشه.
ويعتبر المغالون كل من لم يزر الحسين ناقص الايمان ووضعوا في ذلك رواية على لسان الامام الصادق عليه السلام: من لم يأت قبر الحسين حتى يموت كان منتقص الايمان، منتقص الدين، ان ادخل الجنة كان دون المؤمنين فيها.
ولم يكتف الغلاة بذلك بل حاولوا مقارنة زيارة الامام الحسين بالحج والعمرة ووضعوا في ذلك روايات متضاربة متناقضة أورد منها واحدة مذكورة في كتاب كامل الزيارات، عن الامام الصادق (ع) قوله: من زار قبر الحسين يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم وألف ألف عمرة مع رسول الله وعتق ألف ألف نسمة وحملان ألف ألف فرس في سبيل الله وسماه الله عزوجل عبدي الصديق آمن بوعدي وقالت الملائكة صديق زكاه الله من فوق عرشه وسمي في الأرض كروبا.
وأعطى هؤلاء للإمام الحسين خصوصيات لا يحتاجها أصلا كقولهم بان اكل التراب حرام الا تربة الحسين ولبس السواد مكروه الا على الحسين والجزع مكروه الا على الحسين وغيرها ومن الواضح بان هذه الاقوال التشريعية انما وضعت في عهد ما بعد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أكمل الدين واتم النعمة وبلغ ما انزل اليه من ربه بكل امانة وصدق وحلاله أصبح حلالا الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة.
وفي موسم العزاء أعنى محرم وصفر تتزين العتبة الحسينية المقدسة بالكثير من اللافتات المكتوبة بخط حسن تحوي مثل هكذا روايات، وفي الأعوام السابقة أصدر مكتب أحد المراجع بيانا في بداية المحرم يحوي بعض النصائح والارشادات للخطباء والمبلغين بدأ برواية واضحة الوضع وهي: من زار او مشى نحو الحسين عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (وما تأخر).
أقول لا شك بان هذه الروايات التي لا يحتاجها الحسين مطلقا قد ساهمت في الغلو بحب الحسين وتحويل الطقوس والزيارة الى هدف.
الحسين عليه السلام عظيم ولذكراه حرارة في قلوب المؤمنين لا تنطفئ وهناك الكثير من الاحاديث المروية في فضله ومكانته ولعل قول الرسول الاكرم:(حسين مني وانا من حسين ) يكفيه ليكون من اشرف الناس واعلاهم مقاما ، واكثر ما يخيفني هو ان تكون مثل تلك الروايات المجعولة هي سبب حب الناس للحسين بهذه الطريقة، أقول لكي لا يكون حب الحسين هشا يجب التخلص من كل الروايات التي وضعها الغلاة لدوافع سياسية او اقتصادية يراد منها تحقيق أغراض خاصة ونحن من كثرة هكذا روايات بتنا لا نعرف أنحن شيعة ام غلاة، وكما اسلفت باني لا اشك قيد انملة بان مثل هذه الروايات لم ولن تضيف للحسين شيئا فهو سيد شباب اهل الجنة بالإجماع وان اشتهاره وانتشاره وتربعه على القلوب لم تأت من هذه الروايات بل ولم تأت نتيجة ما حدث يوم عاشوراء فحسب وانما هناك سر لهذا العبد الصالح المطيع لله ولرسوله لا يعلمه الا الله تعالى.
ولم يتوقف هؤلاء عند الحسين بل غالوا في قداسة مدينة كربلاء أيضا حتى قالوا بانها ستزف الى الجنة وانها افضل من الكعبة وقد حدث ما يشبه الشجار بين مكة وكربلاء فأوحى الله الى مكة ان تسكت وتخسئ والا خسف بها الأرض ان هي تفاخرت على كربلاء ، علما بان كشف حقيقة  مثل هذه المقايسات بين الارضين لا تحتاج الى جهد كبير او معرفة بالرجال واصول الحديث لان زيارة الحسين لا علاقة لها  ابدا بالحج والعمرة حتى تقارن بها فالحج عبادة منصوصة من الله والزيارة لا تتعدى كونها تعبير عن المودة والمحبة تحولت مع الأيام الى عشق لا نص فيه وهي ليست شعائر الله ولا شعائر حسينية وانما هي شعائر عاشورائية تختلف في طبيعتها من دولة الى أخرى حسب عادات كل بلد وتقاليدها ومدى تأثرها بالبيئة وعليه فان البكاء على الحسين وزيارته ليست لوحدها الطريق الأمثل والاسهل الى الجنة لان الجنة طريقها محفوف بالأيمان والعمل والشفاعة.
السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته


13
أدب / هذيان في الوقت الضائع
« في: 02:33 28/07/2019  »

هذيان في الوقت الضائع


حسين أبو سعود

أتأمل التماثيل الواقفة تحت المطر
اراها تبتسم
 وتحت اشعة الشمس تبتسم
اشعر بان الزمان قد انسلخ مني
انسلخ مني المكان
وكأني أقف وسط الماء ولا ماء
وسط الصحراء ولا صحراء
لم اعد اكترث بالمباني المخيفة
الساعة التي في يدي تمشي واقفة
ووجوه الصبايا كما قطع الرخام لا تسبب الاثارة
حتى الشخصيات التاريخية يتحولون الى مواد للتندر
نحن مساحيق بانتظار الرياح
تأكلنا المدن المزدحمة
وكلما زرعت بذورا أنبتت أشجار قزمة
اتوسد حقيبتي الصغيرة في المحطات الرطبة
أخاف من قطاع الطرق
انتظر خروج الناس من المسارح اخر الليل
كي ألقى اخر النظرات على المقاعد الفارغة
واقتنع بصور النهايات
نهايات الأشياء
لم يعد لهذا اللهاث مغزى
والكائنات تنصهر فتكون كائنا جديدا
مضحكا مخيفا
انام على الأرض الجرداء
 فينطبع نصفي الأعلى الذي فيه قلبي على التراب
وإذا نهضت انهض بدون رأسي
أخفي جسدي الذي يمشي بلا وجه بقطعة خشب
اين امضي الان
والبيوت صارت تضيق
والانهار بدأت تجف
نصفي في مدينة والنصف الاخر في مدينة أخرى
اسير بلون بشرتي السمراء نحو نقطة لن ابلغها
أقف امام بائع الاناناس
اساله من اين الطريق نحو نفسي
والأطفال الذين يولدون هذا المساء
مازالوا يحلمون بغد أفضل
وقطعة من خبز أكبر
هنيئا للذين ماتوا قبل هذا اليوم
لقد ملأت الزهور المقابر
التغيرات المناخية ستأتي على كل شيء
حتى الوجنات الوردية


فيينا في 29 مايو 2019

14
المنبر الحر / دكة الأوزار
« في: 08:03 24/07/2019  »

حسين أبو سعود
في ساعات الصباح الأولى كنت قد تركت ورائي كل ما عندي من شغف بالأشياء هناك عند النهر الأسود عند دكة الاوزار قابلني الشيطان، رأيت وجهه المقسوم الى نصفين، نصف قبيح ونصف مليح.
رغّبني، هددني أخافني ، جلس قبالتي كان يمد اياديه الالف نحوي، يدغدغني، يتلمس اعضائي، يهيجني، يحيطني بحنان خبيث، صرخت بأعلى صوتي المبحوح، اريد ان اغتسل الغسل الأخير، اريد ان يدرج اسمي في قائمة الانقياء، اتركني اذهب بسلام واطفئ الشمعة الأخيرة بسلام.
ادار عينيه نحو الشمال، تنحنح حتى اهتزت الأرض من تحتي، فشعرت باني سأستسلم مرة أخرى لا محالة.
اخذني الخوف بعيدا نحو مهاوي الضلال وظلمات الرعب، وكنت بحاجة لكي يسدل الستار واتخلص من هذا الكابوس المرعب، وفجأة هطل مطر خفيف أزال الألوان من على تمثال الشيطان حتى اضمحلت حروفه ش ي ط ا وقبل ان يضمحل حرف النون سمعت من خلفي وقع اقدام، التفت وإذا بطفلة تبدو تائهة يعتليها علامات الحيرة، رشيقة كعود الخيزران شعرها الطويل استرسل كالشلال على الكتفين، نظراتها كانت تستجدي الحنان والدفء والأمان.
ما ان رأتني ورأت اثار الشيب الذي يعتليني، وامارات الحكمة في عيوني فتحت ذراعيها واحتضنتني، بقيت على تلك الحال فترة من الزمن امتدت لأعوام، ثم شعرت ان الطفلة بدأت تكبر فانتفض نهداها كقطة مترقبة واستطالت يداها وصارت تصل الى أماكن ابعد في جسمي، وانفاسها صارت تثيرني حد التحفيز، جسدها صار اكثر امتلاءا واكتنازا، التصاقها صار مثيرا للريبة ، يا الهي انها جسد امرأة في العشرين يحمل في انحائه شهوات كل نساء الجزيرة، شعرت انها ملّت من الوقوف بهذه الطريقة، ثنتني بلطف حتى اجلستني على اريكة خشبية مغطاة بورود حمراء وصفراء قطفت للتو فصارت تنظر اليّ وانا اتعمد النظر نحو الأفق تارة ونحو الأرض تارة، تكلمت عن نفسها قليلا وتكلمت عني كثيرا، كانت تعرف عني كل شيء منذ كنت جنينا قلقا في بطن امي حتى شيخوختي اليائسة مرورا بأدوار الطفولة والصبا والشباب والكهولة تعرف عني كل الاسرار التي نسيت بعضها ولم اعد اتذكرها، شعرت بدوار ثم شعرت بجفاف مرير في حلقي وبدأت اثار الظمأ الازلي فتسارعت دقات قلبي، غابت عني قليلا لتاتي لي بكاس من الكريستال الأصفر فيه شراب لذيذ افقدني الوعي بالكامل، تحركت الأشجار من حولي لتكون ستارا عازلا عن الفضاء الممتد والأرض الممتدة، قامت المرأة بحركة وكأنها كانت تطفئ الانوار فصرت اشعر وكأني في قارب واسع من اللذة والشهوة والراحة تصاحبها ارتعاشات تقطر حنانا ولذة.
ظللت هكذا اتقلب بقوة واندفاع نحو الأعلى والاسفل واليمين والشمال حتى ارتخت كل مفاصلي وشعرت برغبة قوية في النوم، فقامت المرأة بسرعة مذهلة تجمع ملابسها الشفيفة وهربت باتجاه خامس ماسكة نعليها بيدها اليمنى، اختفت، وجدت نفسي عاريا مثقلا بالأوزار مرة أخرى، جالسا على دكة الاوزار، سمعت صوت الشيطان وهو يضحك بصوت مخيف يريد ان يقول لقد خسرت الجولة الأخيرة.
وجدت النهر الذي صار اسودا من كثرة من اغتسل فيه من المذنبين وتطهروا قبل ان يغادروا هذا المسرح، وجدت النهر ينحب وقد جف ماؤه حتى اخر قطرة والاسماك التي كانت تتقافز في تلك المياه تختنق ببطء الواحدة بعد الأخرى وقبل ان اختنق انا أيضا من الحسرة ونغزات الضمير رأيت في الضفة الأخرى الأنبياء والصالحين وهم يمدون أيديهم الى اكداس من البشر الذين يريدون العبور، ناديتهم كثيرا فلم يرد عليّ أحد، رفعت يدي ملوحا لهم بقطعة من قماش ابيض تحول بعض بياضه الى سواد، لوحت لهم فلم يرني أحد.
لقد خسرت الجولة الأخيرة أيضا
29 نوفمبر 2018

15

حسين أبو سعود
لفتت انتباهي في منطقة الخالص وانا في الطريق الى كركوك لافتة كتب عليها (مرقد فخرية بنت الحسن ) وقلت في سري : لماذا لم تشتهر هذه العلوية كما اشتهرت اختها  شريفة بنت الحسن في الحلة التي تروى عنها كرامات مدهشة  رغم القول بان الحسن ليس له بنت بهذا الاسم، والحق بان العراق من شماله الى جنوبه ملئ بالمراقد والمزارات التي تنسب الى اهل البيت ولست هنا بصدد تكذيب او تصديق هذه النسبة، ولكن مقام  ما يسمى بإمام عباس في وسط كركوك يحتاج الى قول من المتخصصين لأنه رغم قدمه متواضع جدا فهو مجرد بناء اخضر صغير على شكل قبة كتب عليها بخط ردئ ( مقام امام عباس)وفيه كوة او رف لإشعال الشموع والبخور تعلوها بعض الاعلام الخضراء ويقع البناء في المنطقة المعروفة بنفس الاسم في منطقة قوريه وسط كركوك القديمة.
أخبرني أحد الأصدقاء الخلص وهو ثقة ثبت يعمل في نفس المنطقة بان مكان المقام تغير ثلاث مرات في حياته وتأتي النساء لإشعال الشموع فيه في ليالي الجمعة.
لا ادري متى وكيف ولماذا جاء العباس الى كركوك وقد تكون النسبة لاحد الصالحين ممن يحمل نفس الاسم ، علما بان كركوك فيها مزارات أخرى منها ما هو  موجود في منطقة امام قاسم التي يسكنها اغلبية من الاكراد ينسب الى قاسم بن الامام موسى بن جعفر عليه السلام وللمزار بناء مشيد يزوره الكثيرون للتبرك وقراءة الفاتحة وهي ليست تابعة للوقف الشيعي بحال علما بان الامام الكاظم له أبناء وبنات كثر اذ لا تخلو مدينة في ايران من مزار ينسب الى احد أبناء الامام الكاظم عليه السلام الذي يقال بانه تزوج بسبعين امرأة وقيل غير ذلك واذكر بان المؤرخ المحقق الاديب صالح الطائي قد كتب كتابا في هذا الباب يدفع فيه التهمة عن الامام ويفند كونه مزواجا، وكان موفقا في بحثه والنتائج التي توصل اليها.
وفي العراق مزارات عدة لأنبياء ذكرهم القران لست هنا بصدد تعدادهم وذكر أحوالهم ولكني أخص بالذكر نبي الله دانيال عليه السلام الذي يقع قبره في قلعة كركوك وله مزار وبناء مشيد يعلوه قبة فضية يقصده الزوار على مدار السنة، ولم ينل الأنبياء في العراق ما ناله الائمة من اهتمام ومراقدهم في ابنية متواضعة بسيطة عليها اثار القدم.

16
الياسري أول وزير داخلية مهني بعد السقوط
د- حسين أبو سعود
كانت المحاصصة وما زالت تنهش في جسد الدولة العراقية منذ التغيير سنة2003 وكان التنافس يصل أوجه على حقيبتي الداخلية والدفاع، وأستطيع ان أؤكد بان جميع وزراء الداخلية الذين تناوبوا على المنصب كانوا يمثلون جهات سياسية ولم تكن لهم علاقة من بعيد او قريب بمهام الداخلية واعبائها وان كانوا محاطين بالمستشارين المتخصصين، ولم يخطر على بال أحد ان يأتي يوم ويتم فيه اختيار ضابط كفوء قضى سنوات طوال من عمره في الوزارة نفسها وزيرا للداخلية يعرف العاملين فيها من ضباط ومراتب ويعرف نقاط ضعفهم وقوتهم.
الداخلية العراقية ليست داخلية اية دولة أخرى، فالعراق دولة فيها أحزاب وتيارات وعشائر واديان ومذاهب و  و ، دولة مرت بحروب طويلة الأمد و تعرضت للاحتلال ، اذن فالمهمة صعبة جدا لا سيما وان السلاح بيد الافراد والأحزاب والعشائر والمليشيات، والمجتمع يشهد أنواعا جديدة من الجرائم  ولا سيما المخدرات ، مجتمع ليس بالإسلامي ولا بالعلماني ولا ليبرالي مجتمع من نوع خاص دخله الانترنيت والستالايت والموبايل بشكل مفاجئ احدث فيه تغييرا كبيرا بالإضافة الى التغيير الجذري الذي حصل في نظام الحكم والتدخلات الأجنبية القريبة والبعيدة ، وقد احسن دولة رئيس الوزراء الاختيار عندما اختار للداخلية ضابطا كفوءا  متمرسا مهنيا خبيرا وهو بالإضافة الى صفاته المهنية اكاديمي واديب وله مؤلفات عدة وهو النسابة العارف بشؤون العشائر هذا فضلا عن انه الانسان المتواضع الكريم المحب للخير وما دخل عليه احد في حاجة الا وخرج مبتسما راضيا وماذا يريد المواطن من المسئول غير هذا؟.
اذن فان اختيار الدكتور الفريق ياسين الياسري لهذا المنصب يعد تحولا نوعيا في مسار وزارة الداخلية العراقية لاسيما انه حاز على ثقة البرلمان، نعم لقد جاء عدة وزراء داخلية وذهبوا دون ان يتركوا بصمة واضحة والامل كبير في ان الوزير الجديد سوف يدخل التاريخ ويسجل بين طياته صفحات مشرقة من المهنية والتغيير الحقيقي وإقامة الامن والأمان وإعادة بغداد مدينة عصرية بلا حواجز ولا اسمنتيات ولا جرائم وإعادة الجمال والحياة والحركة اليها ليس بغداد فحسب وانما لكل المحافظات العراقية.
نعم معالي الوزير مهمتك صعبة جدا ولكنك اقوى منها.
aabbcde@msn.com


17
المنبر الحر / ليالي شيراز
« في: 18:44 28/06/2019  »
ليالي شيراز
حسين أبو سعود

أين أنا من شيراز وليالي شيراز وقد القى بي الزمان في اقصى المنافي الباردة ؟، ولكن عندما يدور الزمان دورته تصبح كل المستحيلات ممكنة، وكل الصعاب سهلة، وهكذا وجدت نفسي في مطار المدينة تنتظرني ارملة شاعر شيرازي رحل الى العالم الاخر حزينا كما يرحل الشعراء، كانت تتكئ على عصا محفورة بالزخارف ومعها ابنها الشاب الذي يهوى الشعر هو الاخر، وللشعراء طقوس دافئة في الاحتفاء بالضيوف والترحيب بالغرباء.
اذن انا في شيراز، الحلم القديم، مدينة الكلمة الانيقة والعبارة الرشيقة والحروف المنمقة الممزوجة برائحة النارنج والورد الجوري المكتنز، شيراز سعدي وحافظ وعدد آخر كبير من الشعراء والخطاطين والفنانين والموسيقيين والمغنين والعشاق.
بعد قليل تغرب شمس شيراز ويبدأ المساء الملون وبعده الليل الطويل الجميل، كنت متعبا من السفر، وبعد كل ما يمكن تقديمه لمسافر قادم من الصقيع قيل لي هذه غرفة الشاعر الراحل وهذا سريره، هذه كتبه ودواوينه وهذه مثنوياته وقوافيه على الجدران وعلى النوافذ وعلى أطراف السرير.
ألقيت بنفسي على السرير، وأرحت رأسي على الوسادة، وصرت أقرأ في أبيات نزلت عليّ من اجنحة المروحة المعلقة في السقف:
اعطيتك للماء، فلوثتك تلاطم الأمواج
أجرّك نحو الشعر كي تدخل سفر الخلود
 كل شيء بدأ من لا شيء
انا لم أكن أؤمن باي شعر واي دين، الامر ليس مضحكا
انظر اين اوصلنا لا شيء واحد
شعرتُ باني سأنام يقظا هذه الليلة، ثم رأيت فيما يرى النائم وكأن سفينة شراعية رست على شاطئ البحر، بحر شيراز، ولكن لا بحر في شيراز، لا أدرى رست السفينة على شاطئ بحر، أحب السفن عندما تلقي المراسي على الشواطئ وإذا بنساء او قل فتيات فارعات جميلات يرتدين ملابس شفافة ملونة تبرز كل المفاتن، بيضاوات وسمراوات، أبنوسيات، قمحيات، تمر الواحدة منهن امامي تحرك راسها وكأنها تؤدي التحية مع ابتسامة منعشة، فتيات من كل بلاد الأرض، اصطففن امامي على وقع موسيقى إيرانية حزينة تشبه تلك التي تصاحب القاء شعر حافظ وسعدي.
قالت احداهن: نحن جئنا لنأخذ حافظ وسعدي الى جزيرة بعيدة يهيمن الربيع على فصولها الأربعة، وفيها الأنهار العذبة والطيور المختلفة، فيها حوريات الأرض، جزيرة أعدت للشعراء، شعراء العالم الذين يموتون، فرأيت الشاعر حافظ ينهض من قبره ملفوفا بقصائده العصماء ليرفض مغادرة الضريح، كما باقي شعراء الأرض الذين رفضوا ترك قبورهم:
-   كيف اغادر واترك الأرواح التي في القبور من حولي، انهم ارباب الرسم والغناء والخط والزخرفة والشعر؟، كيف اغادر أشجار النارنج من حولي، هذه الأرواح التي حلت بفنائي تلوذ بي كل ليلة عندما ينزل القمر وتقترب النجوم من الأرض، كيف اترك العشاق الذين يأتون بمعية معشوقاتهم الى هذا الضريح كل يوم وليلة؟
لن اغادر ولن يجبرني شيء على المغادرة واشعاري تحوم حول قبري كل صباح ومساء تختلط بترانيم الكمان والعود والسنطور والقانون.

نساء الجزيرة الفاتنات تقدمن نحوي، احطن بي عن قرب، صرت اشم رائحة الانوثة المنبعثة من اجسادهن واشعر بحر انفاسهن، يا إلهي كيف افعل بين هذه الأجساد المكتنزة والصدور الناهدة؟ شعرت بأنني في منجم من الشهوات، دعتني احداهن الى مرافقتهن في السفينة المبحرة الى جزيرة النساء، قررت في اعماقي ان لا اذهب لوحدي مع عشرات النساء في آن واحد رغم الكبت والجوع والشبق، لا اثق بهن البتة:
-اعتذر عن المجيء فانا لست بشاعر ولا علاقة لي بأي باب من أبواب الفن، ولست من اهل شيراز انا عابر سبيل، ثم أني قد تجاوزت الستين انتظر مصيري القريب.
فقالت أجملهن: لا بأس يكفي أنك رجل ولا رجال عندنا في الجزيرة، ونحن نعيش في عذاب ولوعة، نريد رجلا او رائحة رجل
دمعت عيناها، تسللتُ من بينهن لأتخلص من حركاتهن التي يندى لها الجبين.
توجهت الفتيات وهن يحملن معهن باقات من النرجس وشتلات النارنج بانكسار واسى وخيبة نحو السفينة التي صارت تبتعد عن الساحل شيئا فشيئا.
فجأة نما الى اذني صوت الاذان فاذا به ينبعث من مآذن ضريح (شاه جراغ) وإذا بي ملقى على فراش شاعر ارتحل من هذه الدنيا قبل سنين.
لن انام بعد اليوم على أسرّة الموتى ولا على أسرّة الشعراء.

18
المنبر الحر / نحو اسلام جديد جدا
« في: 11:43 18/02/2018  »
نحو اسلام جديد جدا
حسين أبو سعود
 اين نجد الإسلام الصحيح؟ سؤال طرحه علي أحد المتعبين من شباب هذا العصر، وصار هذا السؤال يكرر نفسه في داخلي أيضا، وصرت اردد بتلقائية: اين أجد الإسلام الصحيح؟ اجده عند علماء المذاهب، اجده في الدول العربية والإسلامية، في الشرق او في الغرب، اجده في الكتب والمحاضرات والمكتبات، هل ابحث عنه في ممارسات الناس؟ ثم ما الفائدة من البحث عن الأصل.
ان رجال الدين من جميع المذاهب لم يحلوا مشاكلنا بل فرقوا الدين وجعلوا الناس شيعا ورغبوهم في المذاهب بدل الدين الواحد ونحن ليس عندنا مشكلة كبيرة اذ نتوارث المذاهب أبا عن جد بدون تحقيق او تمحيص ولكن ماذا يفعل المسلم الجديد فهل يعتنق المذاهب ام يعتنق الدين؟ وقد وجدت ان المسلمين بكافة مستوياتهم الافراد والعلماء والحكومات والساسة لا يريدون الإسلام صراحة واحتدم النقاش حول البديل، هل هو المذاهب ام العلمانية ام الديمقراطية؟ ولكي يخرج الساسة من دائرة الاحراج كتبوا لبلدانهم دساتير وضعية ابتدأوها بان القران هو احد مصادر التشريع (وليس المصدر الوحيد)وضاع الواحد منا امام الاسلام السني والشيعي والسلفي والمتطرف والمعتدل الخ وصار البحث عن الإسلام اشبه بالرحلة الشاقة الموجعة الخطيرة بل والمميتة أحيانا، وقد اجتمعت جميع القوى على طمس الإسلام وتشويهه وترغيب الناس في اعتناق المذاهب بدل الدين، ولقد وصل الامر الى درجة التناحر والتقاتل وصرنا نتحدث عن الثراء الحضاري والزخارف الإسلامية للتغطية على جرائم القتل والصراع الدموي اليومي، وصرنا جزافا نعتبر الكتب  الفلسفية والمؤلفات المذهبية والخلافية ثراء ثقافيا، وجاء دور التكفير وفق المصالح او الاملاء الخارجي بالوهم.
اين ابحث عن الإسلام الحقيقي وكل جهة تكفر الأخرى جهرا وعلنا.
ان عملية البحث تحولت الى منزلق خطير في زمن أصبح فيه مصطلح (فصل الدين عن الدنيا وعن الحكم) مطلبا ملحا حتى وضعت العلمانية امام الإسلام والإسلام امام العلمانية ورجال الدين بدلا من ان يحلوا المشكلة صاروا هم المشكلة وفرقوا الدين الواحد وجعلوا الناس شيعا.
فهل نحتاج نحن الى رجال الدين فعلا لا سيما وان احكام الدين كالصلاة والصيام وباقي الفروع واضحة ولا اجتهاد فيها، وقد يحتاج الانسان الى بعض الاجتهاد في المستحدثات فقط. والفتوى جهد بشري يحتمل الخطأ والصواب وليس نصا مقدسا وعليه فانه يجب ان يتم اصدار الفتوى عن طريق الاجتهاد الجماعي وكما ان النظام البرلماني هو الأسلوب التطبيقي للشورى فكذلك الاجتهاد الجماعي هو الأسلوب الأمثل للتوصل الى الحكم الشرعي الصحيح والاقرب لا سيما ان الاجتهاد الفردي هو اشبه بالاستبداد بالرأي ومخالف لنظرية الشورى الواجبة.
اين الخلل؟ الخلل في كثرة القادة ووجود عشرات المراجع في المذهب الواحد مما يمنع الاتفاق على ابسط الأشياء مثل تحديد يوم العيد مثلا او تحديد لباس المرأة وحجابها، وكل واحد منهم يتصور انه يمتلك الحقيقة المطلقة واذا سئل احدهم عن مهنته قال : رجل دين فيجتهد ليبدع في مجال عمله فيخترع وينشئ المذاهب والفرق و الملل والنحل ويؤلف ويحلل ويفسر على أسس ظنية بحتة ، ويقضي اكثر اوقاته  في تخيل الاحكام ويجد لها الفتاوى المناسبة، كأن يقول كما في كتب الفقه : يدك طالق او رجلك طالق فتبدأ معركة الكل والجزء والمنطق واللامنطق، ويختلفون على ولاية الفقيه والتحكم بالأموال علما بان الفقيه من أي مذهب كان ومهما علت رتبته فانه ليس فوق القانون ولا الشريعة فهو محكوم بالنص.
الحاجة اذن ملحة لإعادة جوهر الإسلام او الخروج بإسلام جديد يجمع المحاسن، واما العلماء الذين حققوا انجازات غير يسيرة منها تقسيم الدين الى مئة وثلاث وسبعين فرقة كل واحدة تختلف عن الأخرى في المضمون والشكل حتى بات من الصعب معرفة الأصل من النقل عليهم ان يتوقفوا الى الابد ويتركوا المجال لنا للبحث عن اسلام جديد جدا بدلا من اسلامنا الذي ضاع في التفاصيل.




19
المرأة مشكلة عالمية
حسين ابو سعود
هل المراة مشكلة عالمية حقا؟ كمشكلة فلسطين او مشكلة التصحر مثلا ،فالدلائل كلها تشير الى انها مشكلة فعلا ، اذ لا تكاد ترى منزلا الا وفيه مشاكل مزمنة احد اطرافها هي المراة، ولا نجد امراة  معذبة الا ونجد وراءها عدة نساء ، وكثرة البرامج والمقالات والكتب التي تتناول حل المشاكل الاسرية وكيفية التعامل مع المراة تنبيء بان هناك مشكلة فعلا، ونرى الكتاب والكاتبات في انهماك دائم لترقيع مالا يمكن ترقيعه في تكرار ممل لاسطوانة حقوق المراة، وقد قال احدهم عن المرأة الرقيقة: بان المرأة قاسية لا تعرف الرحمة احيانا وهي مضطربة دائما لكنها تمارس الافتعال لتبدو هادئة وعندما تفقد اسلحتها كلها تهدأ قليلا، وقال اخر : المراة ليست لغزا، انها ببساطة انسانة صعبة في التعامل وانها من اكبر اسباب الشجارات والمهاترات والجرائم.
ان اقوال الفلاسفة والحكماء في المراة تستحق التأمل، وكذلك تناول الاديان للمراة ينبئ بانها قضية وحتى الحضارة الغربية لم تنصف المراة بل واساءت استخدامها كثيرا وانزلها الى حد العري، وقال احد العارفين باحوال المراة بان الرجل لا يتزوج ليخلق المشاكل ولكن المراة تتزوج لتخلق المشاكل وهذا فرق جوهري فالمراة تكرر نفس الاخطاء التي ارتكبتها ولا تستفيد من الدروس والعبر والتجارب،وهي جوهر رديء في حلة قشيبة، هي تريد ان تنافس في كل شيء وتزاحم في كل شيء وهذ يضرها اكثر مما ينفعها ، يسلبها انوثتها، فالتزاحم يسلب الانوثة ويخالف الرقة، فالمراة في بعض الاحيان تطمر جمالها في وحول غيها ومجونها وجنونها وتهورها، تهدم بيتها بيدها احيانا ولولا ان العصمة بيد الرجل لتهدمت اكثر البيوت وتشردت معظم الاسر اذ لم يكن من العبث ان تكون القوامة للرجل داخل الاسرة، وان معظم الداعيات لحقوق المرأة هن من الفاشلات في الحياة الزوجية اتعبتهن شهوة السيطرة، لهن كيد عظيم تختار الاوقات العصيبة لكي تملي شروطها وهي احيانا تحول حياة اطفالها ولا سيما الرضع منهم الى جحيم لا يطاق ولا تهتم للترسبات الخطيرة في نفسية الطفل.
رضخ المجتمع في العالم الاسلامي للمرأة لها فسمح لها بالخروج والعمل، وسمح لها العلماء بكشف وجهها وكفيها علما ان الخطاب الديني تجاه المراة ليس موحدا حتى داخل البلد الواحد  والدين الواحد وتساهل معها فقهاء الشيعة حتى جعلوها تسافر وتحج بلا محرم (اذا امنت الخطر) ، و في بعض دول الديمقراطيات العريقة أعطيت المرأة حق التبرج ولم تعط حق التحجب وسمحوا لها بالخروج في المظاهرات والعمل كمضيفة طيران تجوب البلدان بلا محرم وفي بعض الدول الاسلامية البسوا المضيفة نوعا من الحجاب واطلقوا لها العنان ، واشركوها في البرامج الدينية في القنوات الفضائية الاسلامية فصار الرجل ينظر اليها طوال فترة البرنامج دون اي تذكر لغض البصر والنظرة الاولى التي له والثانية التي عليه.
نحن عندما نعزل المراة عن الرجل ونجعلها مخلوقا اخر فنخصص لها يوما نسميه يوم المراة او نخصص لها وزارة المراة او نقول حقوق المرأة نساهم في تفاقم المشكلة، علما بان مشكلة المراة هي المراة نفسها وليس الرجل  فالحماة التي تجهد نفسها في البحث عن عروس لولدها وتاتي بها وسط مظاهر التفاخر والفرح  الى بيتها تتحول بعد فترة قصيرة الى عدوة لدودة لها ، فماذا اعطت بلقيس وزنوبيا  وبينظير بوتو وحسينة واجد و وبندرانايكا وانديرا غاندي للمراة اكثر مما حصلت  عليه من الرجل، وماذا منع زين العابدين بن علي عن المرأة وهو رجل وماذا حرم الرئيس حسني مبارك المراة منها.
ان المرأة العربية لا تستطيع ان تميز مصلحتها ولا تتساءل لماذا لا تحترم بعض الدول الغربية المنقبات اللاتي اخترن النقاب عن رضا وقناعة وسلوك كما انها تحتم علينا احترام  السافرات ولا تتساءل ما هي مصلحة الدول العظمى في ان يكون أكثر من 30% من البرلمانيين في العراق من النساء، وما مصلحتها من قيادة المرأة للسيارة في السعودية مثلا،
فالمراة مخلوق خلقها الله فيما بعد لاسعاد الرجل ويجب ان يكون هذا الهدف المقدس نصب عينيها فان اذته فهي مقصرة مع انوثتها قبل كل شيء وليس عبثا ان تكون القوامة للرجل داخل الاسرة.

20
المنبر الحر / قطط أزمير
« في: 10:23 09/12/2017  »
قطط أزمير
حسين أبو سعود
يقال بان هناك مدن لا تنام ، كلنا نعلم بان المدن تنام كما ينام الانسان وتستيقظ كما يفعل ذلك الانسان والحيوان ، ولكني لم اكن اسمع بان بعض المدن تدخل في سبات شتوي قد تستغرق اشهرا عديدة ، ومنها المدن النائية في البلدان الفقيرة  حيث تنام عندما يغطيها الثلوج وتتوقف فيها عجلة الحياة فيقتات أهلها على ما ادخروه في الفصول الأخرى من السنة، على عكس المدن الثلجية في البلدان الغربية التي تستمر فيها الحياة كالمعتاد رغم الجليد ، وقد قيل لي بان مدينة قوشاداسي التركية الساحرة تدخل في سبات شتوي نهاية الشهر العاشر، فقلت لألحق بها قبل السبات ، فوصلت مطار ميلاس بدروم في الساعة العاشرة ليلا في بداية شهر أكتوبر ، واستغرقت الرحلة بالباص من المطار الى الفندق في مصيف قوشاداسي حوالي الساعتين   ، ويقع فندق تاتليساس على تلة يجعلها تطل على البحر مباشرة ليستطيع النزيل مشاهدة حركة السفن في زرقة بحر ايجة المقابلة للسواحل اليونانية.
لم أستطع النوم في الليلة الأولى بسبب ما يسمى بتغيير الفراش وظللت اراوح بين السرير وبين الشرفة المطلة على المدينة التي نامت تماما بعد منتصف الليل في أحضان البحر مستندة على الجبال المكسوة بأشجار دائمة الخضرة.
اذن انا الان في تركيا ارض العثمانيين التي عرفنا عنها منذ ايام الدراسة المبكرة ولكننا شغفنا بها أكثر بعد مسلسل حريم السلطان الشهير الذي يحكي قصة السلطان سليمان القانوني، وخفايا الحرملك، ولا أحد ينكر النجاح الهائل الذي حققه المسلسل مما دعا القائمين عليها الى انتاج جزء ثان وثالث للمسلسل وبعد ذلك بدأت شركات انتاج أخرى بإنتاج مسلسلات مشابهة منها مسلسل (ارض العثمانيين).
بدأت رحلة الاستكشاف في اليوم التالي فصحوت على جو صحو مشمس وطبيعة خلابة وبحر يمتد بزرقته بعيدا ليلتقي بزرقة السماء ، ترى في شوارع المدينة أشجار الفواكه كالليمون والعنب والبرتقال وقد رأينا في أحد البيوت شجرة يتدلى منها رمانات مكتنزات  ناضجة كما تتدلى الاضوية الحمراء من الثريا فتمنح النفس حالة من الانتعاش والراحة، وقد لفت نظري وجود الكثير من الكلاب الضالة في الشوارع الا انها تمتاز بكونها اليفة لا تسبب أي ازعاج للمارة.
وقد تذكرت كلاب بريطانيا ودول اوربا الغربية كيف تقضي اعمارها في بحبوحة من العيش في منازل مكيفة مزودة بكل وسائل الراحة وكل كلب بريطاني له ملف طبي يتابع من خلاله صحته والتطعيم المنتظم وغيرها، كما توجد في المدينة قطط كثيرة تظهر فجأة عندما يجلس الانسان في المطاعم المنتشرة على الشوارع والساحل طلبا لبقايا الطعام، وبعض الكلاب لها علامات خاصة عبارة عن قطعة معدنية مثبتة على الاذن ليوحي بانها أي الكلاب محمية وتحت اشراف بلدية المدينة.
ومن الأشياء الملفتة للنظر كثرة وجود ما يسمى بالخرز المضاد للحسد وهي خرزة زرقاء عليها صورة العين ، فهي على المباني وعلى الجدران وعلى الأرض وفي المحلات حتى يشعر الزائر للمدينة بان هناك امر ما يختلف عن المدن الأخرى مثل كثرة الحسد او الايمان الزائد بالحسد والخوف من أثاره الضارة، وقد لا نستغرب لو اعتقد عوام الناس بذلك ولكن ان تعتقد الحكومة أيضا بالحسد فهو امر لا تخلو من ظرافة وغرابة، وقد شاهدنا البلدية تضع من هذه الخرز على المقاعد الاسمنتية والارصفة وغيرها ،وان هذه الخرز التي تباع في المحلات بكثرة على شكل اساور وقلائد وميداليات تستهوي النساء كثيرا حتى النساء الغربيات اللائي يكثرن في هذه المدينة ضمن الالاف المؤلفة من السياح الأجانب الذين يتقاطرون على المدينة في رحلات جوية مستمرة على مدار الساعة عن طريق مطاري بدروم وازمير حيث تعتبر هذه المدينة الوجهة المفضلة لهم لأسباب عديدة منها المناخ وجمال الطبيعة والرخص ويقال بان المدينة تتحول في اشهر الصيف الى عالم اخر  يصعب وصفه من كثرة السياح والحركة والنشاط، والمدينة بشكل عام مدينة فنادق ومقاهي ومطاعم تقدم الاكلات التركية الشهية المعروفة بلذتها وتنوعها ، وهي أيضا مدينة تسوق حيث تكثر فيها الأسواق المؤقتة  مثل سوق الجمعة المخصصة للفواكه والخضراوات الطازجة والاجبان القادمة من البساتين المجاورة وسوق الأربعاء المخصصة للألبسة لمختلف الاعمار من الجنسين بأسعار زهيدة نسبة الى أسعارها في الدول الاوربية.
وتوافد الغربيين على هذه المدينة تمثل الهجرة المعاكسة للبشر حيث نرى مثلا ان أهالي الهند وباكستان يتمنون الذهاب الى دول الخليج للعمل فيما يأتي امراء الخليج وأهله الى باكستان لغرض صيد الحبارى فيمكثون فيها بالأشهر في فصل الشتاء فيستفيد الأهالي من وجودهم من الناحية المادية، وان الاتراك يرغبون في الذهاب الى اوربا وخاصة المانيا لطلب الرزق ونجد بالمقابل قوافل الاوربيين يأتون الى تركيا بحثا عن خفايا وحكايا التاريخ ودفء الطقس والراحة والاستجمام وهكذا كما يقول المثل (الناس بالناس والكل بالله).
لقد ارتأيت ان اذهب في احد أيام الرحلة الى جزيرة ساموس اليونانية حيث غادرت العبارّة ميناء قوشاداسي بسعر 30 جنيه استرليني للذهاب والعودة والتي ابحرت لمدة ساعة ونصف في البحر لتصل الى ساموس، وبإجراءات بسيطة في الجوازات خرجنا الى عالم اخر وثقافة مختلفة واطعمة مختلفة علما ان الجزيرة هي اقرب للسواحل التركية منها الى اليونان حالها حال جزر الكناري التي تقع بالقرب من السواحل المغربية ولكنها تابعة إداريا لإسبانيا، و واحة البريمي التي تقع داخل أراضي دولة الامارات العربية المتحدة ولكنها تابعة لسلطنة عمان، وكم من الحروب التي جرت الويلات على الشعوب بسبب الخطوط الوهمية للحدود ، وقد وقعت حروب بين تركيا واليونان ولكن على الأرض القبرصية أدت في النهاية الى تقسيم قبرص الى قسم تركي وقسم يوناني كما حاربت ذات يوم  السعودية مع مصر ولكن على ارض اليمن وهكذا ، وان مسافة من البحر تفصل بين تركيا والجزيرة اليونانية كافية لتخلق اختلافا في الثقافة واللغة والديانة ، ويقال بان هناك قرى في البحرين تفصلها شارع واحد فقط تختلف فيما بينها في اللهجة، سبحان خالق الالسن ومنوع اللهجات والألوان .
اكررواقول بان إجراءات الجوازات في ساموس كما في قوشاداسي التركية كانت سهلة وبسيطة اذ لا سؤال ولا جواب سوى مطابقة الصورة بنظرتين احداها لصورة الجواز والثانية لوجه حامل الجواز، على عكس الدول العربية التي تنظر لكل داخل اليها وخارج بعين الشك والريبة.
لقد تعودنا على رؤية اسراب الحمام في كل مكان وعلمنا بان الحمام ذو اللون الرمادي مع خطين اسودين على الجناح هو الحمام البري الحر الطليق كما هو حمام الحرم في مكة والمدينة والمراقد المقدسة والاضرحة ولكننا مع الأسف لم نعد نراها في تلك الأماكن المقدسة بسبب مشاريع التوسعة وغيرها كما راينا اختفاء الحمام من اشهر معالم لندن وهو ساحة الطرف الاغر حيث كان الزوار يأتون اليها لالتقاط الصور التذكارية مع الحمام الذي يقف على الايدي والاكتاف لالتقاط الحب والتقاط الصور واما الحمام من الألوان الأخرى فهو الداجن الذي يهتم بتربيته المولعون بتربية الحمام في المنازل ولكن حمام ساموس يمتاز بلونه الأبيض الناصع ، جلست على ساحل الميناء والقيت ببقايا الخبز لحمامة بيضاء كانت بالقرب مني واذا بسرب من الحمام الأبيض جاء بسرعة فائقة قد تكون نتيجة  لتبادل الإشارات الخفية بينها وقد لا تكون هناك إشارات وانما مجرد احاسيس ومشاعر تتولد عندها فتجتمع الى مكان الوليمة ( انما هي أمم امثالكم ) وجميل ان يشعر الطائر بالأمان فيأتي ويقترب من الناس ويمشي بين السيارات دون خوف ولا وجل من امساك او دهس وصادف وقت صلاة الظهر فلم اجد غير ارض ترابية في احد المتنزهات فعفرت جبيني في اخشع صلاة اصليها بلا سجاجيد ولكونها صلاة قصر فغمرني حالة من الخشوع والهدوء وتذكرت قوله تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) ويقال بان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام كان من التراب فتقع مساجد الانسان السبعة كلها على التراب لتدخل الى النفس الشعور بالتواضع.
وفي الساعة الخامسة عصرا حان موعد العودة ومغادرة هذه الجزيرة الهادئة ذات البيوت القديمة والازقة الضيقة عائدين الى قوشاداسي ومعنى كلمة قوشاداسي بالعربية عش الطير، وكانت لنا سفرة الى مدينة ازمير التي تبعد عن قوشاداسي مسافة ساعة وربع بالباص المريح الذي يلتزم بالوقت بشكل دقيق وملحوظ.
ينتاب الانسان الذي يزور  المدينة أي مدينة لأول مرة شعور بالرهبة، وعندما دخل الباص المدينة وتوقف في محطة الباصات  الذي يسمى (تيرمينال) رأيت حركة عجيبة لا تتوقف توحي بان الناس كلهم في تنقل مستمر حتى السفر الأخير وان البعض يستعجل مصيره بالانتحار كما ان هناك فئة تستعجل مصير الاخرين أيضا وبدون وجه حق فتفخخ سيارة مثلا لكي تقتل مئتي نفس بريئة دفعة واحدة رغما عنها ، نفوس كانت تحب الحياة وترغب في العيش فيسمون ذلك جهادا يطلبون به رضا الله تعالى، وهناك أناس في المتاريس في سوريا مثلا يقنصون بعضهم بعضا،  واهل ازمير عند ساحل البحر يسترخون مع النسائم العليلة ما بين عازف لوحده وبين من ارسل صنارته وسط الماء ليصيد قوت يومه من السمك او من ينظر الى حركة المراكب المستمرة في البحر ، أقول البعض في بلدانهم يبنون للأجيال والبعض ليس لهم سوى التقاتل المستمر لحصاد الأرواح مثل سوريا والعراق ومصر واليمن وغيرها من الدول المرشحة للذبح.
ومع غروب الشمس في ازمير يتعالى صوت الاذان من المسجد الواقع وسط منطقة السنجق بصوت تركي محبب ورخيم ذو رجع حزين، الله أكبر الله أكبر فقلت كبيرا كبيرا وسبحان الله بكرة واصيلا وقال المؤذن: اشهد ان لا إله الا الله فقلت جل جلاله وعز نواله وعلا شأنه، وقال: اشهد ان محمدا رسول الله فقلت صلاة وسلاما عليك يا حبيبي يا رسول الله يا نبي الرحمة والإنسانية،
ما أجمل هذا الصوت الذي اوصله العثمانيون الى اقاصي الدنيا، نعم صوت يدخل الروح والقلب فينعشهما ويمدهما بالأيمان.
والظريف عند العودة كان يجلس الى جانبي شاب في مقتبل العمر وبيده مسبحة لم تفارقه طوال الرحلة وقد وضع سماعة  يستمع من خلالها للأغاني التركية وكان الصوت مسموعا لأنه لم يكن يضعها على اذنيه وانما على رقبته فتذكرت نكتة الصديقين العربيين في أحد الملاهي حيث الخمر والنساء وهما في حالة سكر فعطس أحدهما وقال الحمد لله فشمته الثاني بقوله يرحمك الله فأجاب الأول يهدينا ويهديكم الله.
وبعد سبعة أيام من الراحة والاستجمام في أسواق المدينة وسواحلها ومرتفعاتها ومطاعمها وبين أهلها وناسها كان لزاما ان نغادر وهكذا تنتهي القصص وتصل رحلتنا الى نهايتها، وجاء صوت الإعلان بالتركية والانجليزية بما معناه: تعلن الخطوط الجوية عن اقلاع رحلتها المتجهة الى لندن وعلى المسافرين على متن هذه الرحلة التوجه الى البوابة استعدادا للصعود الى الطائرة وسفرة سعيدة.
وداعا قوشاداسي، وداعا عش الطير





21
المنبر الحر / علمني نهج البلاغة
« في: 13:08 19/11/2017  »
علمني نهج البلاغة
حسين أبو سعود
كان كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب في مكتبتي منذ زمن طويل دون ان اقرأ منه شيئا ولا أدرى لماذا كنت احتفظ به؟ هل من باب التفاخر مثلا؟ ام ان الوقت لم يكن يسعفني لقراءته ام ان المادة جافة وصعبة الفهم، ومهما يكن من امر فقد اتخذت قبل أعوام قرارا حازما جازما بضرورة التفرغ التام لقراءة النهج من الغلاف الى الغلاف ممسكا بالقلم الأحمر للتأشير على الفقرات المهمة والتي تحتاج الى تفكير وتبصر فتوقفت عند الكثير من مفرداته ومعانيه واحداثه لاسيما تلك التي لها علاقة بالأحداث السياسية والحروب فاحدث في داخلي انقلابا فكريا مروعا، وبعد الانتهاء من القراءة وجدت لزاما علي ان اكتب في ذلك كتابا وأسميه  (علمني نهج البلاغة) واذكر فيه مع الشرح النصوص التي غيرت عندي الكثير من المفاهيم الموروثة المغلوطة، ولكن بسبب الوقت والتسويف وطول الامل لم اكتب شيئا فقلت في سري (مالا يدرك كله لا يترك جله)  فشرعت في كتابة هذا المقال المختصر لأذكر فيه ما تعلمت من نهج البلاغة وقبل ذلك اود ان أقول بان الشيعة يقدسون هذا الكتاب ولكن لا يقرؤونه ولا يتمعنون في معانيه وخاصة تلك التي تتعلق بالصحابة وامهات المؤمنين ولو قرأه المرء بتمعن وروية وحياد لتغيرت عنده المفاهيم الخاصة بهذا الشأن ، أقول لقد علمني نهج البلاغة التوحيد وما ادراك ما التوحيد ، فهو درب الخلاص والنجاة  وعلمني نبذ الغلو والشرك وخفف عندي غلواء الحقد وعلمني الحب والتعايش وغير نظرتي لأزواج النبي ولا سيما السيدة عائشة، علمني ان لا أكون سبابا ولا شتاما ولا لعانا وغيّر نظرتي للصحابة والخلفاء الراشدين.
علمني نهج البلاغة حسن الخلق والادب مع الاخرين وعلمني الزهد والكرم وكظم الغيظ.
علمني نهج البلاغة العفو والحب والنصيحة والتضحية والإحسان والادب والصبر والإخلاص والورع والتوكل والثقة بالله وذكر الموت وخدمة الناس.
علمني نهج البلاغة القدرة على تمييز الصحيح من المتناقضات والابتعاد عن الخرافات والمبالغات.
وباختصار أقول لقد علمني نهج البلاغة احترام أمهات المؤمنين وعدم التجرؤ والتجاوز والتطاول عليهن، وترك السباب والشتم واللعن والتنابز، نعم لقد انتزع من قلبي الكثير من الكراهية والبغض والحقد وعلمني ادب الخلاف مع الاخرين.
عرفت الامام علي عليه السلام من خلال الكتاب بصورته الحقيقية، لان عليا على المنابر هو غيره في نهج البلاغة فلا حقد ولا خنوع ولا اعتزال للمجتمع، عرفته بشرا يأكل ويشرب ويجوع ويتزوج ويتعبد ويجهد نفسه في العبادة وللفائدة أقول بان هناك كتاب مغمور اسمه لا يحضرني اسمه ويحتوي على الكثير من القصص الخرافية والشرك والغلو أحدث عند بعض العامة خلطا عجيبا فصاروا ينسبون بعض الاخبار الغريبة الى كتاب النهج وهو في الحقيقة ليس منه وانما من الكتاب الباطني الذي يحتوي على جملة من الاسرار.
ويظل كتاب نهج البلاغة كتابا مهما وسفرا جليلا وقد لا يكون كل ما فيه صحيحا حيث تحدّث بعض الفضلاء في صحة نسبته للإمام علي (ع) ولكن لا احد يستطيع ان يجزم بان كل ما في الكتاب منتحل ومجعول ومن تأليف المتأخرين.
سلام على هذا العملاق وهذا المعلم والمربي يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.

22
سماحة المرجع وزيارة الأربعين
حسين أبو سعود
تعوّد سماحة المرجع الأوحد للشيعة ان يجلس الى الناس في الحضرة العلوية المقدسة عصر كل يوم الى ان يحين موعد صلاة المغرب فيؤم المصلين وقبل ان يعود الى بيته يزور الامام علي عليه السلام ويعاهده على الاستمرار في خدمة الناس وما حاد سماحته عن هذه العادة اليومية رغم بلوغه التسعين من العمر.
وفي يوم من أيام شهر صفر القريبة من زيارة الأربعين علم من الناس بان احد المواكب قد تبرع أصحابه بمصاريف الاطعام لضحايا فيضانات دجلة التي تسببت في تشريد المئات من العوائل ، وعرف أيضا ممن استقبلهم في ذات اليوم بان موكبا للشباب من أهالي الديوانية قرروا عدم المشي الى كربلاء هذا العام والتوجه مشيا على الاقدام نحو القرى المجاورة وهم ينادون (ياحسين) لترميم المدارس  وتصليح أبوابها والشبابيك ومقاعد الطلبة ، وقيل لسماحته بان مجموعة أخرى كانت تمشي  نحو كربلاء كل عام توجهت بالكامل للقتال مع الجيش ضد المارقين على الحدود.
انبسطت اسارير المرجع الأوحد لكل ما سمع وبارك هذه الخطوات فخطرت حينها  على باله فكرة فجمع مستشاريه وبطانته وجلاسه  وصهره الوحيد وهو (تاجر ورع تقي نقي غير معمم) فشاورهم في الامر الذي صار يقلقه، الفكرة كانت ان يطلب من كل زائر مبلغ عشر دولارات تدفع يوم الأربعين الى حساب بنكي خاص تم فتحه لهذا الغرض تشرف عليه إدارة مالية خاصة اسمها لجنة الأربعين أعضاءها شيعة من بلدان مختلفة ومن المتخصصين بإدارة واستثمار الأموال يجتمعون الكترونيا على الدوام و يجتمعون  مرة في غرة كل شهر عربي وجها لوجه داخل العتبة الحسينية المقدسة فيقررون ويتدارسون كيفية الاستفادة من الأموال المجموعة في يوم الأربعين والتي تم تقدير مجموعها بثلاثمئة مليون دولار يتم جمعها في يوم واحد باعتبار ان عدد الزوار قد يصل الى ثلاثين مليون زائر من مختلف انحاء العالم ، وقيل ان البعض تبرع بمئة دولار والبعض بألف دولار واكثر فالحسين له حرارة في قلوب المحبين ومن سبق له وأعطى ذهبه وقطع يده  وضحى بأولاده  في سبيل الحسين لن يتردد في المساهمة بهذا الصندوق الذي يتسم بالشفافية في الحسابات ولا علاقة له البته بمكتب المرجع الأوحد .
وفي موسم الأربعين سنة 2049 ميلادية تم تنفيذ الفكرة عمليا بمباركة سماحة المرجع الأوحد وكانت النتيجة مبهرة تفوق التوقعات وقد قرر القائمون على لجنة الأربعين تقسيم المبلغ على عشرين وإقامة عشرين مصنعا انتاجيا في مختلف الصنوف كالمواد الغذائية والمنسوجات والدراجات والمراوح والسجاد وغيرها حيث تم توفير فرص عمل لأبناء كربلاء والمناطق المجاورة حتى لم يبق فيها أي عاطل عن العمل ، فغطى الإنتاج حاجة السوق المحلية ووصل حد التصدير الى الخارج بسبب الجودة العالية والإخلاص في العمل وتم اطلاق اسم شهيد من شهداء كربلاء على كل مصنع فهذا مصنع حبيب بن مظاهر للألبان وذاك مصنع الحر الرياحي للملابس الجاهزة ومصنع جون للأضوية الكهربائية  وهكذا.
وصلت اخبار هذا النجاح الباهر الى اسماع المرجع الأوحد للطائفة فتهللت اساريره وقرر خوض التجربة في العام القادم  وفي كل عام حتى يكون لكل شهيد من أصحاب الحسين مصنعا باسمه ليذكرهم الناس على الالسنة لإحيائهم جميعا عن طريق احياء ذكرهم عملا بالتوجيه المقدس المروي عن الامام(احيوا امرنا ، رحم الله من احيا امرنا) ويقال بان هذه الأموال ظلت تنمو وتنمو حتى بلغ أرباحها أرقاما خيالية طائلة فأمر سماحة المرجع الأوحد باستخدامها في فتح المدارس النموذجية وانشاء البنوك الإسلامية اللاربوية وبناء المستشفيات والجامعات والجسور والطرق وغيرها ، وانتشر خبر هذا النجاح في العالم حتى قيل لقد اثمرت أخيرا زيارة الأربعين بالقضاء على الفقر والامية والمرض واستخدام أموال الطائفة بطريقة شفافة وصحيحة وتم رفع شعار عالمي بكل فخر واعتزاز وهو (الوجه الحضاري لأربعين الامام الحسين عليه السلام)
*القصة خيالية ولكنها قابلة للتطبيق

23
كربلاء بين العَبرة والعِبرة
حسين أبو سعود
بعد ان أصبح الحسين عليه السلام عالميا، يذكره من في أدنى الأرض واقصاها وصارت كربلاء مدينة ذات شأن كبير بسبب الزيارات المليونية المتكررة لها فضلا عن ملايين أخرى تتابعها عبر القنوات الفضائية في المناسبات الدينية، صار لزاما على المسلمين بكافة طوائفهم السعي لفهم الامام الحسين فهما جديدا، واخراجه من المظهر الكرنفالي المحض الى الحالة التطبيقية، لان الحسين عليه السلام ضاع ما بين البكاء والجزع والطقوس، وصارت كربلاء تعني النوح والجزع او كما قال الشاعر عن دخول شهر محرم الحرام:
محرم فيه الهنا محرم   الحزن فرض والبكاء محتم
وقد انتبه المخلصون من رجال الدين الى ان الطقوس الظاهرة طغت على الكنوز الباطنة الباهرة للنهضة الحسينية المباركة وتحولها الى بكاء محض فقالوا بان الحسين ليس عَبرة فقط وانما هو عِبرة أيضا ، والبعض يقدم الأول على الأخير والعكس صحيح ، والحق بان الطبقة المثقفة بدأت تبدي الضجر من الطريقة القديمة والأسلوب التقليدي في التعامل مع نهضة الحسين عليه السلام، فالحسين لا يسلب العقلاء عقولهم ويدخلهم في دائرة الجنون وانما يمنح  الانسان العقل والحكمة والتدبر وتقنيات الإصلاح، وعلينا ان نبحث عن الاليات العلمية والعملية لمعالجة الروايات وكيف نتخلص من البكائيات والروايات المتناقضة في ذلك، وانا شخصيا لا استطيع ان اتفاعل كثيرا مع رواية : ان كل الجزع ممنوع الا الجزع على الحسين ، ولا استطيع ان اتفاعل مع (ان التعامل مع واقعة كربلاء يجب ان يظل في دائرة البكائيات بأشكالها المختلفة)، وهناك خطباء كبار احجم عن ذكر أسمائهم يلتزمون خط النياحة البحتة والمغالاة في ذلك في حين ان المثقفين يدعون الى تقليل الاعتماد على الجانب الحزائني والانطلاق للإصلاح والتغيير، وهذا الامر ان بقي على حاله  قد يؤدي  يوما الى ان  ينتفض هؤلاء على المنبر الحسيني التقليدي وظهور نوع جديد من المنابر كما حدث للكاثوليك مع البروتستانت.
اننا الان نعاني من مشكلة كبيرة وهي ان ما من رواية الا ولها رواية تناقضها مما يجعل العوام في حيرة بالغة من الامر، وهناك رواية تطالب الناس بعرض كل ما يرد اليهم على كتاب الله فان وافقته فبها والا ضربها عرض الحائط مع وجود رواية مناقضة لها وهي بما معناه لا تُكذبوا كل ما يرد اليكم بل (ردوها الينا لعلها صدرت عنا)، فكيف مثلا يوفق العقلاء بين رواية وصية الحسين لأخته زينب الحوراء في قوله لها: اخية اني اقسم عليك فأبري قسمي ، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ، و وصيته لنسائه :انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن وجها  لكن زينب والنسوة في روايات أخرى فعلن عكس ذلك ولم يعملن بالوصية فضربت زينب براسها مقدم المحمل فشجته وخرجت مع باقي النساء كما في زيارة الناحية :خرجن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات .فكيف نوفق هذا العمل مع قولها البليغ السديد ليزيد عندما عيّرها بفعل الله بعصابتها وسألها كيف رأيت فعل الله: ما رأيت الا جميلا وقولها اللهم تقبل منا هذا القربان، وما اشتهر عنها انها تحلت بالصبر الجميل وأنها قالت انا لله وانا اليه راجعون عندما اصابتها المصيبة امتثالا لقول الله تعالى كما في الآية الكريمة: (وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون)
ان حالات الضجيج التي تحدث كل عام في الزيارات من خلال الأناشيد والقراءات واختلاط الأصوات بالأصوات من خلال مكبرات الصوت هي الجزع بعينه في غياب المنطق وعدم الاستفادة من توحيد الارسال لمكبرات الصوت من خلال غرفة إذاعة موحدة تبث المحاضرات المفيدة والتلاوات الجميلة وغيرها.
نحن كبشر نحزن لفراق الحسين لا لموته اذ لا يعقل الحزن على فوز أحد والامام علي عليه السلام يعلن عن فوزه وهو يقسم على ذلك بقوله (فزت ورب الكعبة) عندما ضربه الاشقى على رأسه وهو قائم في المحراب، والعكس صحيح اذ قد يفرح الانسان على فراق احد لأنه مؤذي كالحجاج مثلا ولكن يحزن لموته لأنه سيؤول الى مصير صعب للغاية.
وعن الجزع أقول انه وردت روايات عدة تشير الى كراهية الصلاة بلباس اسود لان الأسود يقلل من ثواب الصلاة ويكره أيضا الطواف بلباس اسود ويكره الجزع على الميت ، والجزع هو غير الحزن والبكاء والجزع يعني العويل والصراخ وشق الجيب والضرب على الرأس واللطم على الوجه ، ثم ان الاسترجاع والصبر والهدوء في التعامل مع الحدث افضل واجمل فصبر جميل والله المستعان والنفس المطمئنة تقول : اللهم تقبل منا هذا القربان ، وتقول : ما رأيت الا جميلا عملا بالآية الكريمة: وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )، وهذا اقرب الى اخلاق اهل البيت ، وكذلك بكاء السيدة الزهراء المتواصل الذي أدى الى نفرة الجيران ثم الطلب منها ان تبكي في الليل وتسكت في النهار او العكس، مما يصور السيدة بانها سيدة جزوعة وتبكي بصوت عال حتى يسمعها الاخرون، والحالة البكائية لها تفصيل ليس هذا محله وقد يسعفني الوقت في تناولها في بحث اخر.
وفي الختام أقول ان البكاء إذا كان تصرفا فطريا فان الجزع هو تصرف فيه تكلف و يجب عدم الإساءة الى النهضة الحسينية المباركة من خلال مظاهر الجزع والزحف على الخدود وجرح الجسد بمختلف الوسائل وغيرها من المظاهر كبداية للوصول الى فهم جديد للحسين يوائم التغيرات الجديدة في الحياة ومجاراة التطورات الحاصلة في الوقت الراهن.



24

الفهم الصحيح للحسين فهم خاطئ
حسين أبو سعود
عندما ارى الفساد والرشاوي وسوء الادارة يعم البلدان الاسلامية أقول بان المسلمين لم يفهموا الاسلام ولم يفهموا محمدا ولم يفهموا الحسين عليه السلام ، والامر ضاع بين الغلو المطلق والاستهانة المطلقة بين الفريقين، وهناك تسجيل على اليوتيوب لشخص يقول بلهجة حجازية بان جد الحسين هو من حكم عليه  بالموت وهذا طبعا كلام قديم بانه عليه السلام قتل بسيف جده استنادا الى احاديث إطاعة ولي الامر ، ويبدو ان الذين قتلوا الحسين اعني بهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسنان النخعي إنما نفذوا بفعلتهم  قول الرسول وارتكبوا جريمة القتل الشنيعة بفتوى ، ويتمادى هذا الدعي في الجرأة فيقول : (لو كنت انا مكانهم لكنت أنفذ السنة النبوية الشريفة عليه ولا أكون مغفلا او غبيا ) اي ان من يتورع عن قتل الحسين  هو غبي ومغفل وان قتل الحسين عنده عقيدة وعبادة مع ان قتلة الحسين لم يكونوا مستندين على الحديث ولم يفكروا به أصلا وإنما هو السلطان وهدايا السلطان وقد قال قائلهم: اشهدوا لي عند الامير باني اول من رمى.
ويضيف هذا الدعي بان الحسين أخطأ ودفع ثمن خطئه لأنه أراد ان يشق عصا المسلمين.
اذن كيف نفهم الحسين؟ وأهل السنة والجماعة لهم عدة افهام، فالاحناف البريلوية والأحناف الديوبندية والسلفية كلٌ له فهم خاص وبعضهم يرى بان أمير المؤمنين يزيد بن معاوية برئ من دم الحسين تماما وانه لم يأمر بقتله وكتبوا في ذلك كتابا سموه (أمير المؤمنين يزيد المفترى عليه).
كيف نفهم الحسين وقد قال عبد الله بن حوزة عندما رأى الحسين يضرم النار في خندق حفره خلف المخيم ليأمن ذلك الجانب قال: استعجلت بالنار يا حسين؟ وكأنه على يقين بان الحسين من أهل النار، وقد اشتهر عن مرتكبي مجزرة كربلاء تعجيلهم بحز الرؤوس لئلا تفوتهم فريضة العصر.
هل نحن الذين خلقنا هالة القداسة حول الأئمة وأنها لم تكن موجودة في السابق؟، كما كانوا ينادون الرسول الاكرم ب (يا محمد) بلا ألقاب ويتهمونه بعدم العدل في التقسيم، او كما كانوا يحاربون عليا ويحاربون الحسن ويقتلون الحسين.
على اي حال فان مظلومية الحسين مستمرة الى يومنا هذا  وهذا الاستمرار  هو سر تألقه وبقاءه حيّا الى أبد الابدين في قلوب المحبين ومشاعرهم، أقول المظلومية مستمرة لان كل عصر فيه قتلة جدد للحسين وقد يكونون من السنة او الشيعة فالحسين يُقتل كل يوم ويتألم كل يوم لحال هذه الأمة الفاسدة التي تحتاج الى إصلاح مستمر، اذن فالحسين يُعمل له كل شيء من رايات وطعام ولطم ومآتم ولكن لا يتم مجرد التفكير برسالة الإصلاح التي حملها ودعا اليها وضحى من اجلها بكل غال ونفيس واذكر باني التقيت ضابطا كبيرا يضع الأسماء الخمسة لاهل الكساءعلى لوحة في مكتبه الأنيق، ويعلق شارة عليها اسم الامام علي واتخذ من أنشودة حسينية نغمة لجواله لكنه يستخدم كل ذكاءه ومكره و دهائه في تعقيد معاملات الناس بدلا  من إيجاد المخارج القانونية لتسهيل امورهم ومعاملاتهم ثم يقول بانه حسيني وصاحب موكب ويؤمن بمبادئ الحسين ومثل هذا النموذج الكثير الكثير، أليس في هذا ظلما للحسين ولرسالته الإصلاحية ؟
أليس التجار واصحاب المحلات الذين يكذبون ويغشون الناس ويرتشون يظلمون الحسين ويسيئون الى رسالته الإصلاحية؟
أليس هذا مصداق للظلم المستمر الواقع على ثورة الحسين.
أقول بان الحسين بن علي لم يهزم عندما سقط صريعا، والسيد محمد باقر الصدر لم ينتصر الا بعد الشهادة.
فهل من قراءة جديدة للأمام الحسين تصحح مفاهيمنا تجاهه وتخرجنا من دائرة البكاء الى دائرة العطاء والبناء ليؤدي بالنهاية الى تخليد ذكرى سيد الشهداء.



25
أدب / رسالة ممزقة من راحل مزمن
« في: 21:12 02/09/2017  »


رسالة ممزقة من راحل مزمن



حسين ابو سعود


حملتك في وريدٍ سري
ساعةَ سعدٍ مسروقة
وشهقةً موجعة ًمخنوقة
وكلما الحّ عليّ البوحُ
اتعثرُ على حصاةِ الطريق
انهضُ بعسرٍ بالغ
امضي
تاركاً خلفي آثارَ آهةٍ محروقة
سأرمي بها شهقتي في البحر ِ
كي تمحو وجعَها الامواج
٢
مدي يدكِ اليمنى
تلقفي ريشةً خائفة ً من الغرقِ
عرضيها للشمس الدافئة
اغسلي عن نهايتيها
آثار القلق
لم يبق عندي شغل شاغل
سوى اعداد حقيبة السفر
٣
كل امطار الارض
وكل انهار العالم
لا تروي ظمأ العاشقين
ولا كل المباهجِ
تُشبع رغبات القديسين
٤
وقبل أن انشد علنا ً أغنيتي الأخيرة
وقبل أن تصل الروح إلى النزع الاخير
انتزع روحي من قفصها
اضعها على حافة النهر
كي ترحل مع اي حلم يهوى الغرق
٥
من وحي محرابك المنير
ومن بقايا عذابك الكبير
اقتنص فرصة التنفس لمساماتي
ابقِ هنا ساعةً اخرى
واشهدي المدنسين في ساعة الفجر
كيف يرمون اوزارهم في النهر الجاري
وبعدها ارحلي برفق الخائفين
لأبقى الساهر الوحيد بين كل الكواكب
واكون الناسك الوحيد في معابد الوالهين
لأجد لذة الفناء
على أطراف لساني
٦
لا احد يعيدني من عالمي الانقى
الى سيرتي الاولى
سوى امراة شبقة
تقسم بمفاتنها ان كلما ارتاح الجسد
تعبت الروح
وهذه روحي تكتب عني
وهكذا نحن انصاف المجانين


لندن أغسطس ٢٠١٧


26
السلفية الشيعية نغمة جديدة
حسين أبو سعود
عندما رأيت الدين وقد تحول الى مهنة ومصدر للرزق وجسرا لتحقيق الأغراض الذاتية ألزمت نفسي بالعمل المتواضع لإزاحة الغبار عن بعض الحقائق بالدعوة الى تجديد النظر في مسائل دينية وفقهية وتاريخية من خلال تصحيح الخطأ والمفاهيم وتبني مقولات مختلفة باعتماد التحليل الموضوعي للحوادث التاريخية على ان هذه المحاولة يجب ان لا تثير الحساسية السلبية لدى البعض.
اذا كانت السلفية تعني العودة الى السلف الصالح فلن نجد بيننا سلفية حقيقية لا عند السنة ولا عند الشيعة، وقد أفصح السلفيون السنة عن عقائدهم من خلال ممارساتهم وخطاباتهم وأدبياتهم ، ولست هنا بصددهم في شيء ولكني صرت اسمع في الآونة الاخيرة نغمة جديدة باسم السلفية الشيعية، يريدون بذلك المتشددين من الشيعة او بعبارة أوضح وافصح ( الغلاة) حتى قيل جهلا بان كل من يمارس التطبير واللطم والزحف عند مراقد الأئمة وضرب السلاسل واللعن  هو سلفي شيعي وهذا الفهم الخاطئ للأمور هو خطر كبير فهؤلاء وبكل بساطة هم غلاة الشيعة وليسوا بالسلفية ، ومن يضع عالما كبيرا مجتهدا مثل السيد محمد حسين فضل الله في خانة السلفية الشيعية فهو مخطئ، فالسيد فضل الله كان ضد التشدد وضد الغلو، و هو الذي يدعو الى التأسي بالسلف الصالح من حيث التسامح والتعايش والتآخي وتجاوز الخلافات بالتي هي احسن ، وان السلفي الحقيقي لا يرتبط بحالة الكراهية للآخرين وازدراءهم، فالسلفي الحقيقي لا يتحمل معنى اخر غير الصفاء والنقاء والطيبة والتسامح، وأما الممارسات التي يرتكبها العامة والخرافات والخزعبلات التي احاطت نفسها بها لا يمكن انصافا ان تنسب الى السلفية الشيعية  على ان السلفية الشيعية الحقيقية لم تأت بعد وأنها ستأتي ولكن على أيدي المثقفين الشيعة وهم كثر ممن يَرَوْن ضرورة التأسي بالإمام علي بن ابي طالب في كل الأمور وتبني نظراته الصائبة الى كل المشاكل وهم اقرب الى الاعتدال منه الى التطرّف  وعندهم الجرأة الكافية لمناقشة الروايات وتصحيحها متخذين بعض المراجع مثلا اعلى لهم مثل السيد محسن الأمين العاملي والسيد فضل الله والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم وان الساحة لا تخلو في زمن من الازمان ممن هم  امثالهم من العلماء العاملين الذين يهمهم وحدة الاسلام والمسلمين.
والسلفية في نظري تعني إعمال الفكر وإعادة النظر والتدبر كما فعل ابن عباس مع الخوارج عندما خرج إليهم ودعاهم الى اعادة النظر في الآراء والمواقف فأعاد عدة آلاف منهم الى صفوف الشرعية.
السلفية تعني العودة الى ما قبل عصر التدوين وحشو مئات الألوف من الموضوعات والاكاذيب في احاديث الفريقين على حد سواء وصارت الأمة تعاني منها على مدى قرون ، والسلفية اذا كانت  تعني العودة للسلف الصالح فهو شرف وان كان غير ذلك اي التكفير والذبح فهو انتحال وسفه وضياع ، وقد اعجبني قيام الزيدية بتطوير وتحوير مذهبهم ليكونوا اقرب الى أهل السنة والجماعة وانا ارى بان على السنة والجماعة ان يقابلوا ذلك بالمثل وكذلك الشيعة عليهم ان يحوروا ويغيروا ويبدلوا ( في الأمور الشكلية الظاهرية)  ليكونوا اقرب الى اخوانهم المسلمين حتى تسير القافلة بوئام وصفاء وإلا فان هناك اخطار حقيقية تنتظر المسلمين ككل وليس الشيعة  او السنة او الزيدية، فالسلف الصالح ليس عندهم التشدد الموجود لدى سلفية اليوم، وهذا هو الخليفة الثالث عثمان بن عفان يصرف المدافعين عنه حتى لا تراق دماءهم وكذلك الامام الحسين يدفع مناصريه الى التخلي عنه ليلة عاشوراء واتخاذ الليل جملا حرصا على حياتهم، وهذه صور رائعة من التسامح والحرص على الدماء، اذن فهناك خطأ كبير في فهم السلفية ، ثم ان السلف ليس كله صالحا فبعض السلف قد ارتد ومنهم من انقلب على عقبيه ومنهم من اثار الفتن وأضرم نيران الحروب وقُتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين وتم نفي ابي ذَر الغفاري وضرب ابن مسعود وغير ذلك من الأمور ، ولكن السلف الصالح يعلمنا ان نقول عن البغاة ( اخوة لنا بغوا علينا) ويعلمنا ان احد أطراف القتال في الجمل عندما رأى خصمه صريعا وقف عند راْسه وصار يكنيه ويعاتبه بلغة الاسى الشفيقة ، والسلف الصالح يوصي بقاتله خيرا ومن السلف الصالح من يقول ( قوموني اذا رأيتم فيّ اعوجاجا) والسلف من كان فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ومالك الأشتر وسلمان الفارسي وهم آيات عظام في التحلي بالصبر والحلم والتحمل والإنسانية .
وعليه فان السلفية الشيعية لا تعني الغلو والغلاة ، والتشيع الحقيقي لا يعني اللعن ابدا ويكفينا في ذلك حادثة عمرو بن الحمق وحجر بن عدي حيث نهاهما الامام علي بن ابي طالب عن اللعن فرضخوا لهذا النهي وعملوا به وفي العصر الحاضر نرى جهود السيد فضل الله ومرتضى العسكري والخامنئي في تحريم اللعن وقد تجاوز السيد السيستاني كل روايات الكراهية فقال عن أهل السنة والجماعة: لا تقولوا عنهم اخواننا بل قولوا أنفسنا.
والحق هو ان لو تخلص بعض الشيعة من آفة اللعن والسب وعادوا الى السلف الصالح لاجتاحوا العالم بالمحبة والتسامح وهي مبادئ دعا اليها أهل البيت على مر العصور ولا سيما انهم الامتداد الطبيعي للرحمة العالمينية المحمدية.
وفي النهاية أقول ان السلفية سلفية والغلاة غلاة ولا يجوز الخلط بينهما تحت اي ستار.



27
عوامل الاخفاق في مؤتمرات التقريب بين المذاهب
د. حسين ابو سعود
يذهب البعض الى ان  مؤتمرات التقريب بين المذاهب الاسلامية هي مؤتمرات رتيبة تعبر عن الترف الفكري والثقافي وأنها لم تحقق اي نسبة ولو ضئيلة من النجاح لاسيما وان المواضيع التي تطرح فيها هي مواضيع متكررة ولكن بألفاظ مختلفة وقد وجدت بان شطرا من هذا الكلام صحيح وذلك من خلال تجربتي التي تمتد لسنوات طويلة  في مجال التقريب كوني عضوا مؤسسا لمنتدى الوحدة الاسلامية في بريطانيا وعضوا مؤسسا في مركز ايسيكس الاسلامي  فضلا عن المشاركة في الكثير من الفعاليات الهادفة الى التقريب بين المذاهب، وقد رأيت ان الخص عوامل الاخفاق في مؤتمرات التقريب بما يلي:
١- اغفال عنصر الشباب والأطفال والنساء في هذه المؤتمرات لا سيما وان الأمهات الطائفيات يغذين الأطفال بالأفكار الطائفية لأنهن لم يتلقين التوجيه الصحيح ،ويلاحظ ان اكثر الحضور في هذه المؤتمرات أناس من كبار السن ، وغياب العنصر الشبابي الذي يستطيع مواصلة المسيرة لفترة أطول.
٢- الغياب الكامل لدور الحكومات الاسلامية في هذه المؤتمرات، علما بان الدور الحكومي اكثر فاعلية وتأثيرا ،خاصة  الحكومات المعنية اكثر بقضية التقريب مثل السعودية وإيران ومصر وتركيا والعراق ، والحكومات بسلطانها وامكاناتها التشريعية والمادية تفوق بتأثيرها إمكانات منظمات المجتمع المدني  وتفوق الجهود المبذولة  للأفراد في هذا المجال.
٣-الافتقار الى الصراحة المطلوبة في نقد الذات وطرح الأفكار ونقد كتب الروايات والحديث والتفاسير عند الطرفين وعدم تبني سياسة واضحة وصارمة في منع اعادة طبع الكتب التاريخية الخاضعة للجرح والتعديل واهمال الروايات التي تؤدي الى تكريس الطائفية وان كانت صحيحة في نظر البعض.
٤-التكرار الممل في المواضيع المطروحة وان كانت تصاغ كل مرة بلغة جديدة وألفاظ اخرى وان المتلقي العادي ليس على استعداد لسماع الأفكار المكررة والمستهلكة التي لم تحقق شيئا على ارض الواقع.
٥-وجود اجندات سياسية واضحة للقائمين على هذه المؤتمرات والمشاركين فيها مما يفقدها القداسة المطلوبة، لا سيما وان التقريب هو هدف سماوي سام يدعو اليه القران من خلال الآية القرآنية الكريمة: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
٦-عدم وجود متابعة حقيقية للتوصيات الصادرة من المؤتمرات وتطبيقها كلها او بعضها مما يؤدي الى تحويل المؤتمرات الى منبر خطابي وكلام منمق وصرف أموال وإطعام وسفر وفنادق فقط لا غير.
٧-كثرة المحاور المطروحة للمناقشة وقصر الوقت الممنوح للأبحاث، وعادة يُطلب من اصحاب البحوث الاختصار دون السماح بمناقشة الكلام المُقال فيتحول البحث الى مجرد كلام في هواء ،كما ان يوما او يومين ليس كافيا لحل مشاكل عالقة منذ الف سنة ويزيد.
٨-الافتقار الى الصدق والاخلاص لدى بعض المشاركين ،اذ انني اعرف اناسا اعترفوا على أنفسهم بالطائفية فضلا عن معرفة المجتمع لهم بهذه الصفة يتحدثون امام الملأ ضد الطائفية ،ومثل هذه الازدواجية تفقد المصداقية وتعطل سير عجلة التقريب الى الامام اذ ان الصدق والاخلاص من اهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها المشارك في مؤتمرات التقريب.
٩- تكرار الوجوه في جميع المؤتمرات وهي وجوه يربطها الاتفاق في وجهات النظر وان اختلفت مذاهبهم وبعضهم من ذوي الذمم المشتراة مسبقا ،وغياب العنصر الأهم وهم المخالفين المختلفين لان التقريب لا يكون بين المتقاربين اصلا وإنما بين المختلفين والمتباعدين ،كأن يحضر سلفيون الى جانب الشيعة مثلا لتدارس الخلاف المزمن ومحاولة الوصول الى حلول ناجعة تفيد الأمة.
١٠- ان مؤتمرات التقريب توحي للمراقب بان الخلاف محصور بين السنة والشيعة فقط اذ لا نرى فيها حضورا للزيدية والبهرة والإسماعيلية وغيرهم مع ان الصراع ليس كله بين طائفتي السنة والشيعة، وإنما هو بين أطراف سياسية ودوّل وقوى خفية بعض اطرافها ليسوا من المسلمين اصلا، وإغفال دور القوى الخفية الغير إسلامية التي تغذي الخلافات ليل نهار على مختلف الاصعدة.
١١-عدم الاستفادة المباشرة من خبرات الدول المستقرة والتي يتعايش فيها المسلمون  سنةً وشيعة على اكمل وجه وأفضل صورة مثل سلطنة عمان والإمارات ، وقد أراد البعض مرارا ان يزرع فتنة طائفية في الكويت الا ان القيادة الحكيمة للدولة استطاعت وبحزم تطويق الأزمة والقضاء عليها ليعيش المواطنون في سلام ورغد عيش.
١٢- انفراد الشيعة لوحدهم بالدعوة الى مؤتمرات التقريب وغياب المبادرة لدى الاخوة السنة وكأن الامر لا يعنيهم بالدرجة الاولى بوجود التخوف مما يسمى بالمد الشيعي، وانا شخصيا أميل الى منع التبشير بالمذاهب الاسلامية في البلدان الاسلامية دون المساس بالحرية الفردية في التعبد باي مذهب وضرورة إصدار فتوى شيعية بجواز التعبد بالمذهب السني على غرار فتوى الشيخ محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الشيعي.
١٣-  منع المزيد من التأليف في الإسلاميات والسعي لاختصار الكتب الاسلامية وتوحيد معانيها ليتمكن المسلم من قراءتها ومتابعتها والاستفادة منها، فالانسان يحتار الان امام هذا البحر الهائل من الكتب والتأليفات  بل ويعجز من الإحاطة بها إجمالا  فضلا عن قراءتها والتمعن فيها.
١٤- التقليدية المفرطة في الاليات المستخدمة في هذه المؤتمرات وبعضها خاطئة يراد منها مجرد الترف الفكري الذي اصبح من سمات مؤتمرات التقريب، ومشكلة البيان الختامي الذي يصاغ قبل المؤتمر بأيام فلا نجد فيها اي جديد، وإغفال دور لجنة المتابعة لمتابعة التوصيات والمقررات.
وقد تكون هناك عقبات وعراقيل وعوامل اخرى للإخفاق  ولكني اكتفي بهذا القدر خشية الملل واؤكد على أهمية هذه المؤتمرات لان أهدافها نبيلة وسامية ولا ألومها ان هي لم تنجح في تحقيق ما تصبوا اليه ،ولا أنكر بأنها صوت مقدس ومبارك تحتاج الى عمل دؤوب لا سيما وان الخلاف والاختلاف سنة حتمية ، وان كان لا يرقى الى ان يكون رحمة كما يسمي البعض اختلاف الأمة بانه رحمة اذ ان الاختلاف نقمة والاتفاق نعمة لاسيما الاختلاف الذي ينتهي الى سفك الدماء والتناحر والتنابز وقد حرم بعض العلماء المخلصين التنابز الطبقي ووصفوه بانه من فعل  أعداء الإسلام ومرتزقة العدو.


28
أضواء على مشكلة الطائفية في العالم الاسلامي
حسين ابو سعود
بعد ان استشرت الطائفية في بعض المجتمعات الاسلامية وصارت تهدد وحدة المجتمع الاسلامي ظهرت الحاجة الى عقد المؤتمرات والندوات و ورش العمل لبحث هذه المعضلة ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للتخلص من اثارها السيئة ومن هذه المؤتمرات المؤتمر السنوي الثالث لمركز الدراسات الأكاديمية الشيعية الذي عقد في لندن وقد حضرت وقائعه واستمعت الى طروحات المفكرين والعلماء بهذا الشأن وقد وصف احدهم التقريب بانه اكذوبة كبيرة ولكني وصفت ذلك بالحلم المستحيل لتخفيف وطأة كلمة الأكذوبة ، وقد وجدت بان الكل يسعى الى الحل دون معرفة الحل، وقد تحدث احدهم بشكل جميل عن التفاصيل ولكن عندما وصل الى طرح الحل انتهى الوقت المخصص له فأنهى الحديث وكنت متشوقا لأسمع منه الحل المرضي للأطراف وليس الحلول التعجيزية المستحيلة، وقلة الوقت المتاح مشكلة يعاني منها المتحدثون جميعا  في هكذا مؤتمرات اذ لا تكفي نصف ساعة او  ساعة للتعبير عن واقع كئيب ومشكلة قائمة خاصة وان العنوان كبير وملّح وضروري والجواب قد يأتي في ندوات عدة موسعة وليس في ندوة واحدة لان الحديث عن الطائفية ذو شجون وهو حديث الضياع بين الهويات الوطنية والدينية والمذهبية وأيهما يجب ان تتقدم على الاخرى ،في وقت لا تستحق القومية ان نفتخر بها ولا المذهب يستحق ان يُفتخر به باعتباره من صنع البشر.
وقد اعترف غير واحد بفشل الخطاب الشيعي في الشارع السني وذلك لتعدد الخطاب واختلافه بين فئة واُخرى ، وهذه مشكلة كبيرة لان المهتمين بهذا الشأن لا يعرفون ماذا يريدون ولا يقدمون التعريف الصحيح القريب من الحقيقة للمشكلة، فالطائفية داء ونحن لم نبحث عن المناعة الموجودة في الدين الاسلامي امام هذا الداء مع ان المناعة موجودة ولكن لا يريد احد ان يعود الى الاسلام في خضم المذهبية السائدة ،والحكومات تمنع او تسمح للطائفية بالانتشار في حين ان الدولة الشرعية القوية لا ترغب في اي تشرذم وتفرق وتمذهب ، والطائفية ليست جديدة على الساحة وهي موجودة في الغرب ايضا ولكن يُنظر اليها على انها تنوع وفسيفساء في حين ان الطائفية في الشرق تعني الدماء والقتل، ونحن بعد ان ضيعنا الاسلام في المذاهب لم نعد ندري أين نبحث عنه، لقد أغرقتنا المذاهب في بحر الطائفية ولم  يبق للخروج من سبيل في مجتمعات تفتقد فضاء الحرية فلا احد يستطيع ان يكون شيعيا بين السنة ولا سنيا بين الشيعة، وان استطاع احدهم ذلك الا انه لا يستطيع ان يظهر آراءه الشخصية، وهذه مشكلة قائمة حتى بين أبناء المذهب الواحد اذ يصعب إظهار الرأي وفهم الأمور التاريخية وغيرها خشية التسقيط وقد بلغني بان احد المفكرين الإسلاميين قال: لقد وضعت عقلي في صندوق بسبب الخوف من التسقيط لأنه كان يميل الى التشكيك بحثا عن الصحيح.
من العيوب الكبرى للمهتمين في هذا الشأن هو التصور الخاطئ للخلاف وحصره بين الشيعة والسنة كمذهبين فقهيين والامر ليس كذلك البتة ولا يمكن بحال من الأحوال تحميل الدين  مسئولية التقاتل والدماء وتحميل الفقه (ظلما) تبعة الخلافات بين المذهبين فالمسألة سياسية بحتة بدأت من الفترة بعد وفاة الرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام الى يومنا هذا ، والا فما معنى التقاتل في دولة مثل الصومال ولا يوجد فيها شيعي واحد، فالسياسة لعبة ولكنها ليست نظيفة، وقد يكون للشيعة مطالب وللسنة مطالب مشروعة منها قضايا اللعن والسب والشتم وبعض القضايا الفقهية الاختلافية الرئيسية.
وما يقال حول اعادة كتابة التاريخ فانه عمل مستحيل لا يمكن ان يتحقق ، والأفضل منها هو ترك التاريخ اذا لا يخدم الحاضر والمستقبل ، وعلينا إلقاء الجزء القاتم الذي لا يخدم من التاريخ في خانة النسيان بدلا من تنقيحه وإعادة كتابته والبدء بتسطير تاريخ جديد زاهر يبدأ من اليوم لتفتخر به الأجيال القادمة عوضا عن التاريخ المليء بالخلافات والحروب والمشاكل.
ومشكلة هذا المؤتمر تشبه مشكلة المؤتمرات الاخرى وهي انعدام المتابعة للمقررات والتوصيات من خلال لجنة من المختصين المخلصين واصحاب الخبرة، علما بان بعض المؤتمرات تشكل لجان المتابعة لكنها تنحل بانتهاء اعمال المؤتمر فلا متابعة ولا تنفيذ ، وفي كل الأحوال تظل هكذا مؤتمرات جهدا مباركا بلا أدنى ريب ولكن عيب هذا المؤتمر هو كثرة المواضيع والعناوين التي بلغت تسعة محاور في وقت ضيق جدا، والقضية تحتاج الى مؤتمر آخر له محور واحد فقط على شكل سؤال وهو : ماذا يريد الشيعي من السني وماذا يريد السني من الشيعي؟ ولماذا لا يقبل الاخر خطاب الآخر وهذا يحتاج الى استماع عميق للطرفين، أقول هذا من واقع الخبرة في مؤتمرات عديدة مشابهة اشتركت فيها،  لكي لا يكون هذا المؤتمر مجرد ترف فكري كما باقي المؤتمرات.
أحجمت عن ذكر الأسماء والزمان والمكان مخافة التعرض الى نقد ولوم ان انا خانني النقل الدقيق لطروحات المشاركين.

29

لماذا يرفض المسلمون الاسلام؟
حسين أبو سعود
كل ما أفكر في حال الاسلام ينتابني الأسى ويعصرني الالم على هذا الدين العظيم الذي حوله علماؤه الى فرق وشيع ومذاهب ومشارب يتفاخر بعضهم على بعض ويتبادلون التهم ويتنابزون بالألقاب فقالوا العرب أفضل من العجم ، وقالوا القبيلة الفلانية أفضل من الاخرى، ولا أدرى كيف يحكمون وهم أمة ضحكت من جهلها الامم الاخرى كما قال الشاعر.
ان الاسلام في هذا العصر يتعرض لهجمات مختلفة من كل الجهات حتى من ابنائه والمنتسبين اليه فينبري أناس للدفاع عنه وعن مبادئه وقيمه ونرى بأننا نحتاج الى وسائل إعلام كبرى وامكانات مادية هائلة لرد التهم عن الاسلام علما بان كل المشاكل متركزة في البلدان الاسلامية كالفقر والمرض والجهل والتكفير والقتل والتشريد والظلم.
ان المجتمعات الإسلامية تعاني من الفوضى بالرغم من كثرة الجامعات الاسلامية والكليات الدينية والمعاهد اللاهوتية ومجالس الوعظ والإرشاد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمحاضرات اليومية ودولة صغيرة مثل الدانمارك لا يوجد فيها هذا الكم من التوجيه ولكن نجد فيها  الصدق وخدمة البشرية والنظام والنظافة والعلم.
ما السر اذن؟ أهو لان هذا الاسلام الذي بأيدي الناس ليس هو الذي نزل به الله على عبده وان الاسلام الحالي هو صنع انساني بحت (man made).
ان الاسلام المفترى عليه هو المقصود بأفيون الشعوب وليس اليهودية ولا النصرانية، فالكل غير راضٍ عنه، وصار البعض يدعو الى التجديد والتحديث والبعض يدعو الى العودة الى السلف، والبعض يدعو الى الاعتدال والكل يدعو الى قراءة جديدة لفهم الاسلام وكأن الاسلام غير مفهوم منذ ١٤٠٠سنة وقد شاهدنا رجال دين يرتدون العمامة يدعون الى غير الاسلام علنا ويدعون الى العلمانية والديمقراطية كما وصل الحال بأحد رجال الدين ليدعو الى نبذ القران لأنه من تأليف محمد حسب تعبيره.
لقد صارت مواقف الإسلاميين تختلف في القضية الواحدة اختلافا كبيرا اذ لا يصح القول مثلا (موقف الاسلام من الاٍرهاب ) بل يجب القول موقف الشيعة من الاٍرهاب وموقف الحنابلة والاحناف والزيدية والإباضية من الاٍرهاب  اذ لم يعد هناك موقف موحد للمسلمين، وكذلك الحال في النظرة الى المرأة  والى الموسيقى اذ لا يصح ان نسال عن موقف الاسلام ونظرته تجاه تلك القضايا وإنما يجب ان نقول  موقف الشيعة من المرأة او موقف السنة من المرأة وهي بلا شك مواقف مختلفة في قضايا المحرم والزواج والطلاق واشتراط الولي والشهود وكأنهما لم يأخذا هذه الأحكام من مصدر واحد .
اذن ما الفائدة من إنفاق الملايين او المليارات على مراكز الأبحاث والدوريات والفصليات والكتب والمجلات والمحاضرات والأشرطة والفضائيات ومراكز الافتاء والتوجيه والإرشاد ووزارات الأوقاف إذا كانت المجتمعات الاسلامية قد فقدت كل سمات الاسلام وتزاحمت عليها العصبية والتفاخر والتنابذ والطائفية فماذا بقي من الاسلام المحمدي؟
وانا اعلم علم اليقين بأننا لو تخلصنا من المذهبية البغيضة ودخلنا في الاسلام من جديد سنواجه سؤالا  اخر اكثر تعقيدا وهو أي الاسلام هو الصحيح، الاسلام التنويري او الحداثوي او السلفي او المعتدل او الليبرالي ، الاسلام المتفتح ام الاسلام التقليدي، الاسلام العصري ام التقدمي وانا اجد الجميع ينادي بمشروع اصلاحي والحسين بن علي هو اول من اشتهر بالدعوة الى الإصلاح وقد سبقه ابو ذَر الغفاري الذي تم نفيه الى الربذة ومات هناك، اي امة هذه التي انقلبت على أعقابها  بعد موت النبي الاكرم فصرت امام الاسلام الجديد والإسلام التنويري والإسلام اليساري والإسلام الاشتراكي والإسلام الاخواني والإسلام السلفي والإسلام الحنفي والإسلام الجعفري  والزيدي والاباضي والإسلام القادياني اقول : الى كم قطعة يريدون ان يقسموا هذا الدين الحنيف ، يا الهي اكاد لا اصدق ما يجري ، لم يكفهم المئات من الملل والنحل فالإسلام منذ ظهوره الى الان لم يحكم، متى حكم الاسلام ومتى نجح في الحكم وقد ارتد الناس في عهد الخليفة الاول وحروب الردة استنزفت واستهلكت الوقت والجهد والاموال والارواح وانشغلوا بالكامل بالفتوحات الخارجية في عهد الخليفة الثاني وأما في عهد الخليفة الثالث فقد ثاروا عليه في اول فتنة داخلية شهدها الاسلام لم تنته بمقتل الخليفة بل استمرت لتدخل الأمة في ثلاث حروب في عهد الخليفة الرابع وانتهت بمقتله وهو قائم يصلي في المِحْراب  ثم تحول الحكم الى ملك عضوض ، وهكذا ظل المسلمون  يقتلون  المصلحين والقديسين الى يومنا هذا، اذن متى  يحكم الاسلام ويحل مشاكل الامم  والشعوب والإنسانية او يحل مشاكل المسلمين وحدهم فقط؟، فكم قيل عن اسلام بلا مذاهب وإذابة المذاهب وإعلان الوحدة كما قيل بل التقريب بين المذاهب وعدم إلغاء المذاهب وقيل بان المذاهب تخلف فيما قال البعض لا بل انها مظهر حضاري ولماذا يرى البعض بان الاختلاف هو امر ضروري، فأي أهمية في الخلاف مع اننا نرى ان لا باس بالتعامل مع الخلاف والاختلاف كواقع وليس كضرورة.
نعم لقد تأكد بالتجربة الفعلية بان هذا ليس هو الاسلام أعنى الذي بأيدينا بلا شك ولا ريب وعلينا ان نخرج للبحث عنه لان إذا كان غاية الاسلام هو بناء الانسان فأين هو من واقع الانسان الحالي الواقع المتردي الغارق في وحول المشاكل، وانا أعجب من عاقل يقول بان ظهور المذاهب ظاهرة حضارية وينسى الويلات التي جلبتها المذاهب على المسلمين ومن قال بان تقسيم الأمة الى مذاهب عمل حضاري؟ اليست المذاهب تعني التقسيم الذي يكمن وراءه مصالح وأهواء خفية؟ وقد يقال بان واجب المثقف المسلم هو التصدي، وهل لو تصدى المثقف المسلم فانه لن يدخل في صراع جديد مع مثقف مسلم اخر رجعي فيدخل الأمة في دوامة جديدة، وأعجب من مثقف يقول يجب على الاسلام ان يتطور فيدعو الى  ما يسمى باليسار الاسلامي يريد بذلك خلق ما يسمى باليمين الاسلامي معتبرا ذلك مطلبا حضاريا، والمهزلة تصل ذروتها عندما يحذر رجل دين معمم من الدولة الدينية ويعتبرها فخا ويدعو الى دولة مدنية بحجة واهية وهي لأنها تضمن الحقوق وكأن الدولة الدينية تضيع  الحقوق ولا تضمنها ، وهكذا صار المسلمون يرفضون الاسلام بتبني الدولة المدنية وقد شاهدنا في الانتخابات المصرية الأولية حيث اختار نصف الشعب المصري احمد شفيق العلماني فيما اختار النصف الاخر محمد مرسي الاسلامي، وهذا حال كل الشعوب العربية والإسلامية  ففيها الاسلامي وغير الاسلامي وانهمكوا في خلاف بيزنطي مختصره هل ان الدين سياسة ام الدين دين والسياسة سياسة ويجب فصل الدين عن السياسة حتى لم نعد امام دين إسلامي واحد بل  يجد العالم نفسه امام أديان إسلامية جديدة، حتى لجأت الدول الكبرى الى انشاء مراكز أبحاث  في كيفية التعامل مع هذه الأمة الغير مستقرة على رأي واحد وصار من الصعب ان يجتمع الاسلاميون على مفهوم واحد ، وحتى داخل المذهب الواحد وصل التراشق حده عندما صار البعض يدعو الى إصلاح المؤسسات  الدينية والبعض يعارض ذلك التوجه والشيعة مثلا صاروا يطلقون أوصافًا للمرجعية لتمييزها عن بعضها فقالوا: المرجعية الناطقة والمرجعية الصامتة والمرجعية الحكيمة والمرجعية الرشيدة وغيرها.
لقد اختلف المسلمون حتى في كلام الله تعالى من خلال كثرة التفاسير المطروحة على الساحة، فبعضهم قال نحتاج الى تفسير فلسفي والبعض قال لا بل سياسي او تفسير لغوي واجتماعي حتى وصلت التفاسير إذا اعتبرنا الترجمات الى اللغات المختلفة تفاسير الى عشرات الآلاف، كل هذا والدين ليس سوى امر مختصر له علاقة بعادات الانسان وعباداته والهدف منه خلق إنسان سوي عادل شريف نظيف ولكن أين هو هذا الانسان؟
لقد ابتلي المسلم بخوار فكري واسع بسبب كل هذا الكم من التنظيرات الخارجة على شكل مقالات وبرامج في الإذاعة والتلفزيون والكتب والمجلات والحقيقة الناصعة بان العالم الاسلامي متخلف ومتأخر من جميع النواحي وصار شغله الشاغل توجيه الانتقاد للمتصيدين فقد انتقدوا الحلاج وانتقدوا عمرو خالد وانتقدوا السيد فضل الله، وهكذا كان من الطبيعي ان يتم انتقاد احمد القبانجي واحمد الكاتب وامام هذه الامواج من الانتقادات فان انتقاد القبانجي واحمد الكاتب والقرضاوي يكون تحصيل حاصل وهكذا صرنا بثقافة العنف والقاعدة والقتل والسحل ندعو الى الاسلام.
وفي السابق عندما لم نجد شيئا نلتهي به قمنا بخلق فتنة خلق القران وعدم خلقه شارك فيها علماء واعلام ادخلوا البلاد والعباد في بلبلة لا تحتاج اليها والغريب ان كل فكرة لها أنصار واتباع من العوام والمثقفين المبهورين بمصطلحات الحداثة وقد مرت ١٤٠٠ سنة  والمسلمون لم يتفقوا على أقدس شيء عندهم وهو الصلاة، ولم يتفقوا على اسبال اليد او التكتف، ولم يتفقوا على صيغة موحدة للآذان ولا على حجم اللحية وطول الثوب وقصره، فمن يتصدى لتحرير الاسلام من الطائفية والحزبية والمذهبية والتلاعب وتبادل السباب والشتائم، فصار المسلم لا يجد طعم الراحة والسعادة وصارت البلدان الاسلامية لا تجد السير نحو المستقبل .
والحق باني من كثر الأسى الذي يعتمل بداخلي حول مصير هذا الدين بحثت عن اكثر من عنوان لجلب الانتباه الى هذا الموضوع لا سيما وان المقالات عن الاسلام كثيرة جدا جدا وان أكثرها لا تستهوي القرّاء، أقول هذه صرخة ألم:
لماذا يرفض المسلمون الاسلام ويتشبثون بالقومية والطائفية؟
لك الله أيها الاسلام
ارحموا الاسلام يرحمكم الله  او ارتدوا عنه واتركوا لشأنه








30
التربة الحسينية والكتابات الباطلة
لا شك ان صناعة وبيع التربة الحسينية هي تجارة رائجة لا سيما وان الشيعة يرون وجوب استخدام هذه الترب ذات الاشكال والاحجام المختلفة في البيوت والمساجد ولكن لا احد يسأل  نفسه عن مصدر التراب الذي يصنع منه التُرب، هل هو من اطراف القبر  الشريف ام من اطراف المدينة، ولا شك بان القداسة تنحصر في القبر واطرافه واما ما بَعُد عن ذلك لا يكون مقدسا لأنه  تراب عادي يدوسه الناس بالأحذية وتقام عليها الحمامات والمرافق الصحية والمحلات وغيرها وقد يبصق البعض على الأرض، وعلى أي حال فان هذا ليس موضوع البحث وانما هو الكتابات التي تزخرف بها التربة الحسينية وفيها أسماء الله و الائمة عليهم السلام ، ونحن نعلم بان التربة الحسينية غالبا ما تتعرض للانتهاك كأن تداس بالأرجل دون قصد فضلا عن انها توضع على الأرض بمستوى الاقدام وعليها أسماء مقدسة شريفة ، ويحدث أحيانا في المناطق الحارة وبفعل العرق المتصبب من الجبين ان تلتصق التربة بالجبهة حال السجود فتسقط على الأرض عند القيام او تتدحرج فتذهب بعيدا عن متناول يد المصلي.
لقد رأيت ذات مرة  احد الفضلاء على اليوتيوب وهو يتحدث عن رأي السيد السيستاني بالكتابات على التربة فقال انه لا بأس بالكتابات ولكن الأفضل ان تقلب التربة على وجهها والسجود على الوجه الاخر الاملس منها، وانا أقول بان تلك الكتابات فيها بأس شديد وعلى المراجع ان يمنعوا الكتابة على التربة لأسباب منها انها تصرف النظر عن الخشوع والخضوع لله في حال كون الأسماء لمخلوقين من دون الله (ان المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا)، كما ان هناك اتهامات من البعض المخالف بان الشيعة يسجدون للحجر ويعبدونه من دون الله وهذه الكتابات تفتح لهم المجال اكثر للطعن في عقائد الشيعة ، وفي منع الكتابات سد لباب الذرائع، وقد روج البعض بان اكل هذه الترب شفاء وعندما جوبهوا بنصوص حرمة او كراهة اكل التراب والطين يقولون الا تربة الحسين كما في في حالة الجزع فيقال كل الجزع مكروه الا على الحسين ، ولبس السواد مكروه الا على الحسين وكأن الحسين حالة خاصة منفصلة عن جده الاكرم وابيه المرتضى عليه السلام.
انا لا اريد هنا ان أقول بان مساجد الانسان هي سبعة وإذا كان السجود على التربة واجبة فلماذا يتم حجب باقي المساجد عن التراب والاكتفاء بالجبهة لانها ان وجبت تجب عليها كلها وليس الجبهة فقط اذ ترى المسجد قد فُرش بأفخر أنواع السجاد وتكون مساجد المصلي الستة كلها عليها ما عدا الجبين الذي يستقر على طين مطبوخ عليها كتابات بأسماء المخلوقين لا روحانية فيها ويقال انها من تربة الحسين وهي ليست كذلك وانما تؤخذ من تراب ضواحي المدينة  اذ لا احد يسمح بالاقتراب من تربة قبر الحسين.


31

اين نهر الفرات من كربلاء
حسين أبو سعود
كثيرا ما نسمع بنهر الفرات عندما يتحدث المتحدثون عن واقعة كربلاء وكيف ان الحر بن يزيد الرياحي منع الحسين ع ومن معه من الاقتراب من الفرات وكيف ان الحسين ع طلب من أخيه العباس ان يذهب ويأتي بالماء الى العيال العطاشى، وهذا يبين ان الفرات لم يكن بعيدا عن ارض المعركة فكيف اذن ابتعد النهر حتى صار محاذيا للكوفة اذ لا يوجد في كربلاء سوى نهير واحد او بالأحرى جدول صغير اسمه الحسينية  قرب مقام الامام المهدي وهو حديث لا علاقة له بواقعة كربلاء، وقد ذهب البعض فقال ان النهر الذي كان في كربلاء هو نهر العلقمي وليس الفرات ونسبوه الى الوزير ابن العلقمي الذي جاء بعد واقعة كربلاء بمئات السنين ، وهذا ادعاء لا يصمد امام الحقيقة واننا لو نسأل منذ متى كانت دجلة تمر ببغداد فيأتي الجواب بان بغداد بنيت أصلا على نهر دجلة، ومنذ متى صار الفرات يمر بالكوفة والجواب بان الكوفة بنيت أصلا على الفرات والنهران لم يغيرا مجراهما منذ الف سنة ويزيد فلماذا غير الفرات مجراه عن كربلاء؟.
ان اندراس الأنهار وتحول مجاريها لها تواريخ موثقة وهي نادرة الحصول وهذه انهار النيل والتايمز والسين والدانوب والمسيسيبي كلها على ما هي عليها منذ الاف السنين، وهكذا مدن الحلة والناصرية والعمارة والكوفة والموصل لها انهارها الثابتة منذ مئات السنين وقد تقل فيها مناسيب المياه او تزيد ولكنها لم تحول مجراها ولم تختف كما اختفى الفرات من كربلاء.
وعليه فانه يمكن القول بان المعركة وقعت في مكان ما قرب الكوفة حيث نهر الفرات خاصة وان الحسين ع كان يقصد الكوفة في مجيئه ويقال بان المتوكل جرف القبر الشريف واغرقه بالمياه وزرع عليها المحاصيل، واذا كانت شجرة السدر او النبق الذي يقال عن وجودها قرب القبر دليلا فلماذا لم يقتلعها الخليفة مثلا امعانا في الاخفاء.
والحديث يطول حول صحة نسبة المراقد الى أصحابها فهناك قول عن القبر الموجود في النجف هو للمغيرة بن شعبة والا فان قبر الامام علي ع كان مخفيا بأمر منه، وكيف نصدق بان هارون الرشيد اكتشف ذلك عن طريق السباع والغزلان التي كانت ترعى حوله، ومنذ متى صرنا نأخذ ديننا من هارون الرشيد ومن الحيوانات المفترسة.
وقد التقيت مرة خبير اثار سوري متقاعد في دمشق فسألته عن قبر صلاح الدين الايوبي فقال : لا دليل على ان هذا القبر  هو لصلاح الدين وكذلك الحال بالنسبة لقبر السيدة رقية او قبر السيدة زينب في ريف دمشق ومن تكون زينب القاهرة اذن؟، وكذلك الحال بالنسبة للرؤوس الشريفة لشهداء كربلاء، هل هي في الشام او عسقلان او مصر او المدينة ام كربلاء والروايات مستفيضة في ذلك ولكنها متناقضة ومتضاربة ، اذن فان نسبة القبور الى الصالحين لا تتعدى كونها امرا ظنيا لا يمكن اثباته ، وحتى مقبرة البقيع فان الائمة والصحابة مدفونون فيها ولا ريب في ذلك ولكن نسبتها لهم بالاسم قد لا تصح لان المقبرة صغيرة اذ اخبرني احدهم بانها تمتلئ وتفرغ ثم تمتلئ وما زال الدفن فيها مستمرا الى يومنا هذا واما القبور الظاهرة في بداية المقبرة فأكثرها لكبار الدولة العثمانية ، وكذلك الحال مع باقي المزارات فالكلام فيها كثير مثل مزار عون  في ضواحي كربلاء ومزار شريفة بنت الحسن في الحلة وقطارة امير المؤمنين خارج كربلاء.
وعودة الى نهر الفرات وموقعه فقد كان يحلو للبعض ان يقول بان المياه التي تطوف حول قبر ابي الفضل العباس ع هي الفرات وهي كرامة له ولكن بعد الاستعلام من سدنة الحضرة العباسية تبين انها مياه جوفية خطيرة تم معالجتها في حينها عن طريق شركات عالمية متخصصة، وان تلك المياه لا قداسة لها وغير صالحة للشرب أصلا.
اذن اين وقعت معركة كربلاء؟ او بالأحرى اين الفرات من كربلاء؟
سؤال كبير!!!

32
السجينات البريئات
قصة قصيرة
حسين ابو سعود
كاد ان يكون ذلك اليوم عاديا لولا ان رأيت الناس يتراكضون صوب الزقاق المجاور، وكنت في ذلك الوقت فتى يانعا، سألت عن سر هذا التراكض فلم يجبني أحد فهم لا يعيرون الصغار اي اهتمام يذكر، واهتمامهم بالصغار كان يقتصر على إطعامهم وكسوتهم وإدخالهم المدارس فقط، ولكن أين تجاهلهم من سيل الفضول الطفولي؟، فحب الاستطلاع لا يفارق الدم المتوزع ما بين الاوردة والشرايين.
تراكضت مع الناس وانا لا أدرى الى أين تجرني قدماي، ولم أكن اعرف باني سأرى واسمع أشياء أكبر من عقلي بل أكبر من جسمي الهزيل ايضا، وفجأة رأيت ان أتوقف وادس جسمي الصغير بين أكوام البشر.
كانت سيارات الشرطة تضفي هيبة ورهبة على ذلك المكان بصفاراتها المدوية والأضواء المثبتة في اعلى السيارة وهي تدور حول نفسها بدون تعب او ملل،
وما هي سوى دقائق من الترقب والذهول الا وسمعنا صفارات سيارات الإسعاف البيضاء التي اخترقت الجموع بتكبر وخيلاء، فهدأت امام باب البيت المهجور الذي كان يدخله ويخرج منه شخص واحد فقط وهو سعيد أفندي الممرض في المستشفى البيطري، ذلك الانسان الهادئ الرزين الصامت الذي لا يعترف بالصداقات ابدا وكان وحيدا لا أهل له ولا اقارب، كنّا نلاحظ ذلك بوضوح.
كان يخيل إلينا بأننا نعرف عنه الكثير ولمَ لا، السنا جيرانا له؟
ولكن ماذا حدث للعم سعيد الذي زحف الشيب الى راْسه ولحيته وبدا أكثر وَقَارا، وما سر هذا التجمع وسيارات الشرطة والإسعاف فإذا كان سعيد قد مات او أصيب بوعكة صحية فسيارة اسعاف واحدة تكفي لنقله الى المستشفى والمريض عادة لا يكون مصحوبا بسيارات الشرطة ولكن ...
فكرت كثيرا وأطلقت لخيالي الخصب العنان ولكني لم أهتد الى تفسير معقول يرضي فضولي حتى الناس حولي يريدون ان يُسكتوا في اعماقهم صراخ الفضول ولكن ....
يا إلهي ازدادت حركة الشرطة ودب الهرج والمرج في صفوف الجمهور وفجأة اخرجت الشرطة أربع بنات وهن يمشين بارتباك وبمساعدة رجال الشرطة وكن ينظرن ذات اليمين وذات الشمال بذهول وتعجب وملابسهن كانت ممزقة ومتسخة ولم يكنّ ليبالين بالعيون الفضولية المحيطة بهن من كل جانب الا الفتاة الكبيرة حيث كانت تشعر بالخجل والحياء وكانت تغطي وجهها بيدها ذات الاظافر الطويلة وفي النهاية رأيت العم سعيد أفندي وهو مكبل بالحديد والضابط يجره جرا الى سيارة الشرطة.
وفِي غضون دقائق قليلة كانت السيارات قد غادرت المكان، وخلا الميدان لحميدان وجاء دور الجمهور ليدلي كل بدلوه فانتشرت الإشاعات كما تنتشر فقاقيع الصابون في الهواء وتضاربت الآراء وتجرد كل إنسان عن رقابة الضمير فنسج من وحي خياله قصة مشوقة أطلقها بالمجان للعابرين.
الناس في هذه المدينة لا يحبون الرتابة لهذا فهم يترقبون بل ويبحثون عن اي شيء جديد وإلا كيف يقضون ليالي الشتاء الطويلة.
كدت أنسى الواقعة مع الناس بعد ثلاثة ايام لولا اننا رأينا سيارة الإسعاف من جديد وهي تقف بدون سيارة الشرطة هذه المرة امام ذلك البيت وترجل منها شاب نحيل حيث انزل جثة فتاة من السيارة ودخل بها الى البيت وبعد ساعات دخل بعض كبار السن ايضا ليخرجوا بعدها وهم يحملون نعشا صغيرا توجهوا به نحو المقبرة وأتموا مراسم الدفن.
وفِي اليوم التالي وقفت سيارة اسعاف اخرى امام نفس البيت لينزل منها نفس الشاب وهو يحمل جثة فتاة اخرى ودخل بها الى البيت فتدافع خلفه بعض كبار السن كما في المرة السابقة فتم تغسيل الجثة وتكفينها وقصدوا بعد ذلك المقبرة ليتموا مراسم الدفن وفِي اليوم الثالث عاد ذلك الشاب للظهور من جديد نازلا من سيارة الإسعاف وهو يحمل جثة ثالثة لفتاة وحدث مثل الذي حدث في اليومين السابقين.
لا اقول تعجبنا او اندهشنا بل كاد الفضول ان يقتلنا، كيف يمكن للحقيقة ان تكون اغرب من الخيال نفسه واغرب من حكايات جدتي ايام كانت تحدثنا عن الغراب الذي اختطف طفلة صغيرة ورباها وكبّرها ومن ثم زوجها من شاب أحبته وهي في طريقها الى الوكر، ولكن لا يهم لقد ذهب الكثير وبقي القليل فالبنات كن أربعة وقد اُقبرت منهن ثلاث وبقيت واحدة لننتظرها في الغد لتأتي جثة هامدة محمولة على يدي ذلك الشاب .
وأخيرا كان اليوم الرابع، وقفت سيارة حمراء صغيرة امام البيت وترجل منها نفس الشاب ويداه تنعمان بالحرية ولم يكن يحمل شيئا هذا اليوم ودخل الى البيت ومكث فيه قليلا وخرج ليركب في السيارة من جديد وأثناء مكوثه في البيت رأيت ان افحص السيارة بنظري فرأيت في المقعد الخلفي فتاة جميلة عليها آثار الانكسار والإرهاق ولكن جمالها  كان يتحدى الإرهاق ، هي نفس الفتاة الخجولة التي رأيتها  قبل ستة ايام ، ولكن لماذا عاشت هذه الفتاة  ولم تمت كالأخريات ؟ لا ادري ، وفجأة  انطلقت السيارة وتوارت عن الأنظار  ولكن هل ستختفي تفاصيل القصة؟ لا وألف لا ولكن من سيروي لنا التفاصيل ، لقد اختفى كل شيء ، عدت الى البيت خائفا  وجلا والقلق  كان واضحا على محياي  واستسلمت للنوم ولكني استيقظت مرعوبا لأجد أمي وهي تهدئ روعي بعدما سمعتني وانا أهذي اثناء اليوم ولم تشأ أمي ان انام مع اخوتي في غرفتهم فأخذتني الى غرفتها  وكان ابي مازال في متجره الذي أصيب بالكساد في الفترة الاخيرة ، تمددت على سرير أمي وتظاهرت بالنوم وبعد قليل  سمعت وقع اقدام والدي  فأنا أميز خطواته حتى ولو كان يسير وسط طابور عسكري، انه أبي.
دخل الى الغرفة وسأل أمي عن سر وجودي في غرفته هذه الليلة فأفضت اليه بقلقها عليّ بعد ما رأت مني ما يسيء اثناء نومي وأخبرته بأنها رأت ان تكون او اكون بجانبها هذه الليلة على الأقل، وكان الاثنان يظنان باني قد استغرقت في النوم ولكني لم أكن كذلك فسمعت أمي تقول: لماذا تأخرت الليلة يا حاج؟ فأجاب: أيه كنت في مجلس المختار وقد حكى لنا قصة البنات الأربع، فقالت أمي: حقا! ما هي قصتهن بالله عليك فأنا ولهة لمعرفة التفاصيل، فرد أبي: حسنا حسنا ولكني اشعر برغبة شديدة لتناول الشاي فهلا حققت رغبتي؟
وبعد دقائق دخلت أمي الغرفة ومعها إبريق الشاي فصبت له في فنجان كبير وبدأ الوالد بالحديث عن لسان المختار:
ان سعيد أفندي البيطري لم يكن وحيدا في ذلك البيت كما كنّا نظن طيلة السنوات التي كنّا نعرفه فيها، وسعيد هذا كان متزوجا وقد أنجب أربع فتيات وولد واحد كان قد ترك البيت بعد وفاة أمه وهاجر الى العاصمة ليعمل فيها وقد أكمل دراسته ليلا، ولكنه بعد هذه السنين احسّ بشوق طاغ الى أخواته فعاد الى المدينة ولكنه فوجئ بطرد والده له عندما جاء يطلب منه رؤية البنات وكرر المحاولة عدة مرات ولكنه لم يفلح في إقناع الأب، واضطر تحت ضغط الشكوك للذهاب الى مركز الشرطة حيث نجح باستصدار أمر بزيارة البنات بالقوة وحصلت المفاجأة عندما اخرست الشرطة مقاومة الأب حيث عثروا على البنات داخل غرفة تفوح منها الروائح الكريهة وكان الباب مقفلا ولم تكن بالغرفة أية نافذة لتسمح بدخول الهواء النقي او أشعة الشمس الى الداخل.
وكان هذا الأب قد حبس بناته الأربع في تلك الغرفة لمدة عشر سنوات تقريبا وكان هذا الحبس الطويل في تلك المساحة الضيقة هو السبب الرئيسي في وفاة البنات الثلاث حيث تعودن الجلوس القسري الذي اورثهن الشلل ولم يستطعن ان يتكيفن مع الجو الجديد، جو الحرية والهواء النقي فمتن على التوالي ولم يبق منهن غير الفتاة الكبيرة والتي صحبت أخاها في رحلة عودته الى العاصمة حيث مكان عمله.
وهنا أراد والدي ان ينام وتمنيت ان لا يفعل لان القصة لم تنته بعد لأني اريد ان اعرف لماذا فعل سعيد أفندي كل هذا اذ يجب ان يكون الدافع قويا وكدت افضح نفسي لولا ان أمي قالت بأعصاب مشدودة: ولكن لماذا فعل سعيد كل هذا يا حاج؟، وهنا فرحت وارتحت وعدت لأمثل دور النائم الغارق في النوم فاعتدل والدي في جلسته وارتشف الرشفة الاخيرة من الشاي وتابع السرد كما سمعها من المختار: سعيد أفندي هذا كان قد اغتصب احدى الفتيات بعد زواجه بعدة سنوات وقد علم أهل الفتاة بذلك فآثروا السكوت على الفضيحة. ولكنهم هددوا سعيدا وأخبروه بأنهم سوف يفعلون معه مثلما فعل بل سيردون له الصاع بعدة صاعات طال الزمن او قصر، فما كان من سعيد الا ان هاجر عن تلك المدينة التي فعل فيها فعلته المنكرة وجاء الى مدينتنا ولكنه خاف من افتضاح امر وجوده هنا وخاف على بناته الأربع ايضا حيث كان صدى التهديد يرن في مسامعه كل يوم بل كل لحظة فآثر ان يحبس بناته. على هذا النمط الوحشي وينعزل عن الناس، ويعيش وحيدا أسير غلطته التي دمرت حياته وهكذا عاش بدون صداقات ولا زيارات، والآن دعينا من قصة سعيد وليواجه مصيره بعد ايام اذ ستحكم عليه المحكمة بالإعدام شنقا حتى الموت لا محالة وتعالي لكي ......
فقاطعته أمي بانفعال قائلة: الولد الولد
فضحكتُ بصمت بعدما أرضيت فضولي وقلت في سري: ما بال ابي يفكر بمثل هذه الأشياء وفِي مثل هذه الظروف.


33
أدب / الثمن قصة قصيرة
« في: 17:44 24/04/2017  »
الثمن
قصة قصيرة

حسين ابو سعود

اسودت الدنيا في عينيه فجأة وقرر ان يتخلص من حياته، بعد ان أعيته الحيل وسدت دونه كل أبواب الرزق، نعم لقد فشل سليمان في العثور على مقومات الحياة مثل الوظيفة المناسبة والدار الواسعة والدابة السريعة والزوجة المطيعة.
لقد أعد كل شيء لتنفيذ قراره بالانتحار، الوقت المناسب والمكان المناسب.
*****
مطر متقطع والغيوم تلبد السماء والليل ما زال في أوله وسليمان كان يفترش الارض في ضاحية المدينة الصاخبة وقد أمسك بيده أساليب الانتحار العصرية، كومة من حبوب الاسبرين وموس حاد لقطع الشرايين والأوردة وشلال من الشجاعة التي ولّدها الهروب من الواقع وعزم متدفق نحو الصبر لمدة نصف ساعة فقط ريثما ينتهي كل شيء ويرحل سليمان نحو العدم وترحل معه همومه ومشاكله وأمانيه وسنوات عمره الغض ٠
*****
قبل ان تدنو ساعة الصفر بقليل بدأت الرياح تجري بما تشتهي السفن ولعب القدر لعبته وكانت المفاجأة٠
رجل عليه اثار الوقار وهندامه كان يوحي بانه من اصحاب الجاه والمال وسأل سليمان عن سر وجوده في هذا المكان النائي وفِي هذه الساعة ، فانهار سليمان وبكى بكاء مرا وما كان من ذلك الرجل الذي كان يتجول على قدميه في تلك الأمسية بعيدا عن مخيمه ومرافقيه الا ان طلب من سليمان ان يكفكف دموعه ويتهيأ لمرافقته الى المخيم القريب وقد عرف الرجل الذي كان يربو على الأربعين بان في داخل هذا الانسان سرا جديرا بالاكتشاف ورافق سليمان الرجل الى مخيمه حيث رأى الخدم والحشم وهم يهرولون يمنة ويسرة والنيران كانت تعلوها القدور وكان المرافقون من خاصة الرجل يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم ولكنهم قطعوا حديثهم فجأة عندما لمحوا سيدهم وهو يدخل عليهم فهبوا جميعا واقفين ، ولم يجلسوا قبل ان يومئ اليهم الرجل بالجلوس بعد ان أخذ مكانه في صدر المجلس وبدأت النظرات الفضولية تطارد هذا الشاب الغريب الذي احتل مجلسا على يمين الرجل وكانت هذه النظرات تراقب الموقف بحسد وذهول.
طلب الرجل الوقور من الشاب ان يحكي قصته وبدأ الشاب يحكي المأساة بصوت متهدج أشبه ما يكون بالهمهمة حيث كانت عزة نفسه تمنعه من ان يكشف لكل الجالسين أسراره، وبعد ان انتهى سليمان من سرد قصته وبث همومه ابتسم الرجل الوقور وطمأنه وطلب منه ان يرافقه عدة ايام ريثما يحين موعد العودة الى المدينة ليضع حدا لمأساته.

********
رافق سليمان هذا الرجل الوقور في رحلة عودته الى المدينة ووجد نفسه فجأة في قصر منيف تحده الأشجار الباسقة وكانت مظاهر الترف الموجودة في ذلك الزمان بادية على طريقة عيش هذا الرجل ، حيث كان الوحيد في تلك المدينة الذي يملك سيارة بالإضافة الى العربات الفخمة التي تجرها الخيول الأصيلة ، وما كان  من الرجل الوقور الا ان عهد الى سليمان الإشراف على الفلاحين الذين يملؤون أراضيه وبساتينه ووهبه دارا واسعة كما أهداه جوادا من خيرة جياده وطلب منه ان يشرع في البحث عن فتاة الأحلام  ليخطبها له  واختار سليمان ابنة احد الفلاحين بمباركة الرجل الوقور  وكانت الفتاة في غاية الروعة خَلقا و خُلقا وكان الرجل الوقور يتردد  على بيت سليمان كل يوم يجالسه وينادمه ويغدق عليه وعلى زوجته الكثير من فضله وكرمه وإحسانه  وما كان من سليمان الا ان تخلى عن فكرة الانتحار تماما بعد ان التقى هذا الرجل الذي يقطر طيبة وانسانية وأريحية ، هذا الرجل الذي لا يدع يوما يمر دون ان يزور هذين الزوجين و يسأل عن حاجتها وكان يطلب من الزوجة البوح بطلباتها كي ينفذها لها ، لقد كان رحيما عليها لأنها من عائلة فقيرة وزوجة لسليمان  وكان يداعبها ويطيل النظر اليها ويكنيها بأخت البنات ويقصد بناته.
*******
ذات يوم جاء الرجل الى منزل سليمان كالعادة وكانت الجدية بادية على ملامح وجهه وطلب من سليمان ان يهيئ نفسه للسفر الى المدينة المجاورة كي ينجز له بعض الاعمال هناك  وما كان من سليمان الا ان وافق على طلب سيده وحزم حقائبه استعدادا للسفر في مساء اليوم التالي وكان الرجل الطيب قد جهز سيارته لإيصال سليمان الى محطة القطار بنفسه وأوصله فعلا  الى المحطة و ودعه هناك بعد ان أوصاه سليمان بزوجته خيرا ولم ينتظر الرجل مجيء القطار حيث قفل راجعا الى قصره وانتظر سليمان القطار الذي كان عليه ان يصل في الساعة العاشرة مساء لينطلق في إكمال رحلته في الساعة العاشرة والنصف ولكن القطار لم يأتِ في العاشرة ولا في الحادية عشرة وكانت وسائل الاتصال في تلك الأيام  ضعيفة جدا بحيث لا يستطيع ناظر المحطة ان يتلقى شيئا عن أسباب التأخير بشكل سريع، ولكن  الأخبار المشؤومة وصلت في النهاية ، انها الكارثة ، لقد سقط القطار بعرباته وركابه في النهر بعد ان انفجر الجسر بفعل عبوة ناسفة وضعها مجهول ، وقد اعتذر ناظر المحطة من المسافرين وطلب منهم العودة الى منازلهم لاستحالة السفر في تلك الليلة وهكذا عاد المسافرون الى بيوتهم وهم يندبون الحظ الأسود  وعاد سليمان الى بيته مشيا على الأقدام لعدم وجود أية واسطة  نقل في تلك الساعة المتأخرة  من الليل ، كان فرحا وحزينا في وقت واحد ،كان فرحا لأنه سيلتقي بزوجته التي لم يفارقها ليلة واحدة منذ ان تزوجها، وكان حزينا لأنه لم يستطع السفر لينهي اعمال سيده الذي كان كريما معه الى درجة كبيرة ولأول مرة منذ ان تعرف على هذا الرجل الطيب ثم بدأ سليمان يحدث نفسه وهو في طريقه الى البيت عن شهامة هذا الرجل وإنسانيته وافضاله ٠
تراءى البيت لناظره من بعيد وكان التعب قد أنهك قواه والنعاس قد أفقده السيطرة على مشيته خطوة خطوة ومنظر البيت يزداد وضوحا والليل في هزيعه الثاني والسكون يلف الكون لفا مرعبا، ووقع نظره على سيارة ذلك الرجل وهي جاثمة امام منزله فقال في سره بنية طيبة: كم هو إنسان هذا الرجل لقد آثر النوم في بيتي كي يبعد الخوف عن قلب زوجتي الصغيرة، انه لا يريدها ان تشعر بالوحشة، يا الهي كيف أستطيع ان أرد لهذا الرجل جميله وإحسانه.

********
من حسن الحظ انه كان يحمل في جيبه مفتاحا اضافيا للبيت ولم يشأ سليمان ان يزعج زوجته وأباه الروحي في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل، فخلع حذاءه وفتح الباب بهدوء تام وتوجه الى غرفة نوم زوجته وكانت المفاجأة الثانية، سمع صوت زوجته الحنون وهي تبكي وعبارات التوسل والرجاء كانت تنطلق من لسانها:
انت أيها الرجل بمثابة ابي، وقد كنت طيبا معنا الى اخر درجات الطيبة فلماذا لا تكمل إحسانك علينا وتتركني وشأني؟
وهنا اندفع سليمان كالليث الهصور الى داخل الحجرة ليرى الرجل الوقور شاهرا مسدسه محاولا اغتصاب الدمية الجميلة، فوثب سليمان على الرجل الذي لم يعد وقورا وانتزع منه المسدس واراد ان يقتله لولا انه تذكر العقاب الذي سينزل به بعد ان ينهي فعلته ولكنه قبل ان يبصق في وجه الرجل البصقة الاولى والاخيرة سأله عن سر هذا التناقض، فأجابه الرجل:
انه الثمن يا سليمان
بصق سليمان في وجه الرجل واتخذ من الليل ستارا هو وزوجته ورحلا سويا الى المجهول.


34
المنبر الحر / عظوهن ثم عضّوهن
« في: 23:27 08/04/2017  »

عظوهن ثم عضّوهن
حسين أبو سعود
يقال بان امرأة لجأت الى القاضي تشكو زوجها الذي عضّها في أماكن مختلفة من جسدها، وعندما حضر الزوج ومثل امام القاضي، قال له بانه عضها عملا بتعاليم القران الكريم كما في قوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) ويشبه هذا ذلك الصحابي الذي جاء بخيطين ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر عملا بما جاء في القران ايضا (وكُلُوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) 
وهذا الفهم السقيم للأشياء موجود في كل عصر ومصر وقد انتشر هذه الأيام من يطبلون ويزمرون للنيل من الدين الاسلامي  الذي يأمر ويحث على ضرب المرأة كما في الآية الكريمة( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا) وظل المسلمون يتناقلون مقالة الضرب فيما بينهم وكأنهم اكتشفوا شيئا لم يكونوا يعرفونه، ولعمري انه فهم خاطئ فضرب المرأة ليس واجبا إجباريا  وان اكثر الرجال لا يضربون النساء وان اخطأن، والآية لا علاقة لها بكل النساء وإنما بشريحة قليلة منهن وهن اللاتي يُخاف نشوزهن وهؤلاء يجب ان يراعى معهن التدرج القرآني كما في الآية وهي الموعظة اولا  كما في ( عظوهن) وان لم تنفع العظة والنصيحة فالهجر في المضاجع وإذا لم ينفع الهجر ايضا فالضرب الغير مبرح كما هو اتفاق العلماء وذلك لغرض التأديب بدلا من اللجوء الى إرجاع الزوجة الى اَهلها او تطليقها .
لقد روج هؤلاء هذا الفهم الخاطئ وتناسوا عن عمد او عن جهل آيات المودة والرحمة واحاديث الرفق بالقوارير وإكرام الإناث ، والرجال على اي حال ليسوا على درجة واحدة من الوعي ففيهم الشفيق الرقيق والسمح الكريم وفيهم من يساعد زوجته في الاعمال المنزلية ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة  والذي قال في الحث على حسن التعامل مع المرأة  : خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي ، وتناسوا التدرج  في الآية الكريمة التي تبدأ بالعظة والنصح فان اتعظت فلا شيء عليها، وهل النساء ايضا على درجة واحدة من الوعي وهل هُن سواسية في كل الأمور ؟
فالكثيرات لا ولن يحتجن الى العظة والضرب لأنهن يعرفن واجباتهن تجاه الازواج والمجتمع والضمير ،اذن فالآية تخص( اللاتي تخافون نشوزهن ) وأما اللاتي لا تخافون نشوزهن فهن على العين والرأس ولا يجوز تعريضهن للظلم والاستخفاف، وبالمقابل فهناك نساء ناقصات عقل ودين وضمير، تكفر العشير وتعاكس وتشاكس وتسئ الأدب  وتضرب الزوج ، كما ان هناك نساء ساديات يحببن الضرب، ولا يرتحن الا اذا ضربهن الرجل ، وهناك نساء يضربن أزواجهن ويقابلهن الازواج بالرضا والسكوت لنقص عقولهن ومراعاة لمشاعرهن ثم ان هناك في الدول الغربية حالات كثيرة لضرب المرأة فمن يأمرهم بذلك؟ هل هو القران ام السيد المسيح؟ ثم ماذا على الرجل المسلم ان يفعل تجاه زوجته الناشز لكي يحافظ على الاسرة من التفكك؟ هل يطلقها مثلا كي يرضى عنه المجتمع الدولي، والتوجيه القرآني بالضرب ليس واجبا يجب تطبيقه، والإنسان عندما يضرب أولاده وفلذات كبده بداعي التأديب لا يزدريهم او ينقص من مكانتهم ثم ان الله تعالى وهو خالق الرجل والمرأة يعلم ما هو الصالح للاثنين، وهو يعلمنا كيفية التعامل مع المسيء ذكرا كان او أنثى فانه حتى الرجل يُضرب ويؤدب إذا ما ارتكب ما يستحق عليه العقاب. وباختصار أقول بانه يجب قراءة الآية كاملة غير منقوصة وملاحظة التدريج ليتبين المعنى الواضح ثم التيقن من ان الاسلام أعطى للمرأة العزة والكرامة والاحترام والتقدير، لأنها الام والزوجة والأخت والبنت.



35
نزهوا الربوبية عنا ولا تقولوا فينا ما شئتم
حسين أبو سعود
ان الغلو صفة غير محمودة قد تُبتلى به اي فرقة ، وقد ابتلت الطائفة الشيعية بالغلو والغلاة ايما ابتلاء حتى صار الناس ينسبون الى الشيعة كل مبالغات الغلاة وهذا امر بعيد عن الانصاف ، ولما رأيت رواية ( نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم) قد تفشت وانتشرت على الالسن وصار الكل يتغنى بها رأيت لزاما عليّ ان اكتب في هذا لتنزيه التشيع الحقيقي من كل غلو واستشرت عددا من الإخوة المفكرين فأخبروني  بأنهم لا يميلون الى صحة هذا الخبر البتة ، ولعل جميع روايات الغلو هي مكذوبة ومجعولة اما طلبا للثواب وأما عملا برواية ( قولوا فينا ما شئتم) ولا أظن بان عاقلا يصدق ان أهل البيت يطلبون من الناس ان يقولوا فيهم ما شاءوا مقابل ان ينزهوهم عن الربوبية ، فالتنزيه عن الربوبية تحصيل حاصل فضلا عن كوّن العبارة خاطئة اذ لا يمكن التنزيه عن الفضائل والمقامات العليا والكمالات العظمى  والتنزيه يكون عن المساوئ والرذائل وسائر أشكال النقص فهم اي الأئمة منزهون عن المعاصي والدنس والزلل ويكفي في الرواية التي اشتهرت وانتشرت انها غير موجودة أصلا  بهذا اللفظ الضعيف وليست مذكورة في كتاب  ولكن هناك صيغ  اخرى وردت فيها الرواية منها ( اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم) او ( اجعلوا لنا ربا نؤوب اليه وقولوا فينا ما شئتم) و( قولوا انا عبيد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم) و ( اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم).
وإذا كان لا بد من ذكر فضائل الأئمة الذين هم أناس صالحون مكرمون منزهون فليذكر الانسان ما شاء له من فضائلهم شريطة ان تكون تلك الفضائل صحيحة و واردة وليست مختلقة وشاردة، والحديث عنهم يجب ان يكون وفق ضوابط وحدود يعتمد على دليل لان دعوة عوام الناس وخواصهم للقول في الأئمة بما شاءوا او كيفما شاءوا سيفتح بابا كبيرا للوضع والتأليف والغُلو والدس والتدليس  وقول ما ليس بالصحيح الصريح، وأي امام يرضى بان يقال عنه ما ليس فيه وما لم يكن عليه، وهل ينقص الأئمة من الفضائل ما احوجهم معها الى الطلب من الناس ان يقولوا فيهم ما يشاءون، فهذا والله خلاف العقل والنقل وأقول بان هذا الخلل الكبير في المتن يغني الباحث عن الخوض في متاهات السند توفيرا للجهد والوقت ، ثم ان الربوبية ليست لوحدها السقف الذي لا يبلغه مخلوق فهناك النبوة ايضا والتي هي ليست من مقاماتهم بلا شك وفي حديث طويل عن الامام الصادق قوله: اجعلونا عبيدا مربوبين وقولوا فينا ما شئتم الا النبوة.
ونجد ان البعض من أهل الفضل يلجأ الى توجيه كلمة نزهونا الى غير معناها فيقول ان المراد منها هو الابتعاد عن مقام الربوبية والتنزيه هنا  ليس دفع النقص او رفع القبيح، أقول ان هذا الاعتذار عن كلمة نزهونا غير صحيح في هذا المقام لاسيما ان الرواية برمتها غير موجودة في الكتب الحديثية بهذا اللفظ ، وعليه فان ما يلجأ اليه بعض الخطباء من الكذب على الأئمة  والكذب لهم في اختلاق فضائل وقصص غير ثابتة هو عمل حرام ويكفيهم ما ذكره الثقاة عنهم من الفضائل الثابتة وقد ثبت عنهم خلق عظيم وعلم جم وادب رفيع وكرم وفير  ولا يحتاجون مع كل هذا الى اختلاق الفضائل.
ان انتشار هذه الرواية تدل على ان الغلو قد انتشر بشكل كبير حتى صار خطرا يتوجب التحذير من إطلاق هذه الرواية لتبرير الكم الهائل من روايات الغلو في الأئمة ، والغُلو حقيقة واقعة وعندنا من ينظر الى الأئمة على انهم يعلمون الغيب ولهم ولاية مطلقة على الكون وان الله فوض اليهم شئون الخلق جميعا وغيرها من الاعتقادات التي تخالف صريح القران الكريم والشريعة المحمدية الغراء، وكم يكون جميلا لو ان العاطفة الصحيحة تجاه الأئمة تسود النفوس وتحفظها من الانزلاق  في وادي الضلال والتيه ، وهناك روايات كثيرة عن الأئمة لها معنى يستقيم مع العقل والنقل والمنطق كلها تذم الغلو والغلاة ولعل اكثر هذه الروايات وضوحا هي قول الامام علي عليه السلام في نفسه ( هلك فيّ اثنان محب غال  ومبغض قال) وقول الامام الصادق : من أحب الغلاة فقد ابغضنا ومن أبغض الغلاة فقد أحبنا ، الغلاة كفار والمفوضة مشركون.
وعليه فان هذه الرواية إذا سقطت تسقط معها الكثير من روايات الغلو والتفويض وإذا بقيت يجب تحويرها لتقرأ هكذا: نزهوا الربوبية عنا ولا تقولوا فينا ما شئتم) لسد الطريق نهائيا امام الوضاعين والكذابين والمدلسين.





36
ما زالت الدوامة في أوجها
قصة قصيرة
حسين ابو سعود

وضعت ساعتي جانبا اثناء جلوسي الى جانب العجوز التي رأيتها وانا ابحث عن الحقيقة بين كثبان الرمل في الصحراء، ذلك المنظر الذهبي الساحر الذي جعلني أحس بالرهبة لثاني مرة في حياتي وكانت تلك العجوز هاربة هي الاخرى من عالم العنف.
كانت هاربة من قاطعي الأشجار الذين تعج بهم حانات تلك المدينة السادية التي لم تكتشف بعد، ولكنها موجودة فعلا والجهل بالشيء لا يعني ابدا عدم ذلك الشيء.
 حكت تلك العجوز عن مدينتها بتذمر وخوف من المستقبل، ووصفت لي الأشياء وصفا دقيقا، تحدثت عن أشكال التناقض وألوان الناس وظلال القضبان واشياء اخرى لا يندى لها الجبين خجلا لأنها طبيعية مثل التنفس من الأنف.
بكت العجوز كثيرا عندما أتت على قصة الشاب الذي خدعها وأوهمها بالحب والعودة الى الشباب وفلسفته للروح والجسد، بكيت لها انا الاخر وبكت معنا الكثبان والاشجار وأطياف المدينة السادية وكان لا بد لها ان تنهي قصتها بسرعة لتستمع الى قصتي فقد كانت متلهفة لوضع حد معقول لمأساتي بآثارها الواضحة على ملامح وجهي الشاحب ونظراتي كانت تلمح لها بالعجلة في إنهاء قصتها.
وبعد نصف  قرن بالتحديد انتهت من قصتها  والتفتت الي بحنان لم آلفه من قبل  وطلبت إليّ ان ننام بعض الوقت  لنستيقظ بعد ذلك استعدادا لسرد قصتي وفعلا نمنا  بضعة قرون حتى شبعنا  من الكوابيس فايقظنا صياح ديك هارب من سكين فلاح اتخذ من الوادي المجاور سكنا له ، وكان يريد ان يذبح هذا الديك المزعج ليقدمه وجبة لذيذة لضيوفه  الذين طلبوا منه طعاما وشرابا او يقتلوه ويأكلوا لحمه ميتا ، فآثر ان  يفدي نفسه العزيزة بالديك الذي اصبح في اخر عمره مزعجا  بعد ان كان سببا في ولادة الكثير من الدجاج ولكن لماذا اختار الفلاح هذا الديك بالذات فذاك سر لن يتسن لنا ان نعرفه لان الديك لا ينطق كي يبدد حيرتنا  ولم نكلف نفسينا بالبحث عن الفلاح  وشلة العنف  لننقذ احدهما من براثن الاخر لأننا كنّا نفتقر الى السلاح في ذلك الوقت.
اشارت عليّ العجوز الطيبة بمسك الديك وذبحه وسلخه ومن ثم شيه على حرارة الشمس اللاهبة ولكني لم افعل ذلك لأني لم أتعود منظر الدماء فأنا قد نسيت المنظر الذي رايته ايام الصغر للعروس الصغيرة التي زفت الى عريسها قسرا وبقع الدم الحمراء كانت تلطخ ثوب عرسها الأبيض، لقد نسيت ذلك المنظر على يد طبيب نفساني طلب مني ان يكشف عليّ بالمجان فوافقته.
أيه كان ذلك بعد ان احرق هولاكو اخر كتاب وقع في يديه أسيرا في بغداد تلك المدينة التي عشقها هولاكو يوما الى درجة الانانية.
اقتربت مني العجوز برفق وأخرجت من بين اسمالها البالية سيفا طوله عدة سنوات من القهر والحيرة وثقبت في صدري ثقبا صغيرا  فرضعت من دمي خمس رضعات  فصارت بعد وجبة الفطور  الخفيفة هذه ابنة لي بالرضاعة وأصبحت انا محرما لها فلم تعد العجوز تحس بالحرج وهي تبدي لي زينتها الروحية التي تقطر سحرا وروعة ودما، جلستُ مطمئنا على منبر من الرمل الأصفر وتذكرت  قصة رابعة العدوية لأوقف نزيف الدم  وجلست هي بين يدي  او بين رجلي لا فرق ،و وضعت يدها على خدها  واستسلمت للانصات وأطلقت انا العنان للساني الذي كان مكبلا في السابق  ورأيت ان اختصر الكلمات جهد الإمكان ، واقتصرت على وصف الاكاذيب على انها حقائق  ولم اخبرها عن اكتشافي للسراب فكل ما في الامر أني لم أصل الى الماء الذي كان يتراءى لناظري من بعيد  بدأت ُ قصتي بالقول: كانت الكرة الارضيّة تدور حول الشمس كعادتها وكانت أمي الحامل تقف على سطح المنزل  وهي تحدق في منظر الشمس التي كانت تسير نحو الغروب وكانت تفقد توازنها تدريجيا حتى اذا استدارت الكرة الارضيّة  وانقلب عاليها سافلها  وقعت أمي في حضن الفضاء الرحب، وأصبحت تطير كالغيمة في الفراغ حيث لا جاذبية ولا وزن ،ومن هول دهشتها وضعتني غلاما ابلغ من العمر كومة من الآمال والاحلام ولم استقر على نهديها سوى مرة واحدة فقط ضاعت أمي بعده في الفضاء واختفت عن بصري فصرت انظر اليها ببصيرتي، عشت في ذلك الفراغ زمنا لا أستطيع تحديده حتى هبت ذات ليلة ريح صرصر أدخلتني في مجال الجاذبية فجذبتني الكرة الارضيّة لسطحها من جديد بعد ان لفظت أمي الى الفضاء الخارجي والقمتها العدم، رأيت نفسي في مدينة صغيرة وادعة تنعم بالهدوء سألني أهلها عن أصلي وفصلي فلم اجب، سألوني عن اهلي فآثرت السكوت ، سألوني عن وطني فلم انبس ببنت شفة وحين أرادوا ان يمنحوني هوية الانتماء سألوني عن مكان الولادة فأخبرتهم باني ولدت  في الفضاء فضحكوا وسخروا مني وسلبوني حقوق المواطنة ولم تشأ الاقدار لي ان انتمي ومنذ ذلك اليوم وانا أبطن الحب للانتماء وأظهر الكره لهذه الكلمة، ولكنهم اختاروا لي كوخا حقيرا في ضواحي المدينة آوي اليه في المساء لأقضي فيه الليل الطويل وحيدا، وأما النهار فكنت اقضيه وانا ابحث عن المدينة في  تلك المدينة ، وكنت اتلصص لاستمتع بكشف نواياهم المستقبلية.
كانت الاجور  في تلك المدينة زهيدة جدا ولكن كل شيء كان رخيصا مبذولا ، كانت المدينة مليئة بالمتعة الجسدية والروحية  بالرغم من اثار الشيخوخة التي كانت  تغلف البيوت الطينية ذات الدور الواحد والفناء الواسع وبعيدا عن عيون أهل تلك المدينة الطينية نشأت بيني وبين  تلك المدينة علاقة حب عاصفة جعلتني أهيم في غرامها وهامت هي الاخرى في حبي  رغم بعض ممارساتها الشاذة، حيث كانت تسلبني بعض الأحيان ردائي الذي كان يقيني من البرد ومن لسعات الحشرات او كانت تجعلني ابيت الليل طاويا من الجوع  ولكننا في النهاية اتفقنا رغما عن أهلها ان نلعب لعبة الفراشة والنار وكان لا بد ان اهاجر الى مدينة اخرى لأجلب معي عدة الشغل  وفعلا رحلت بعد ان وعدتها بالعودة و وعدتني بالوفاء والحفاظ على الود.
وصلت الى المدينة الجديدة التي تختلف عن الاولى اختلافا جذريا، عشقتني المدينة الثانية واغرتني بقصورها وعماراتها الشامخة، حاولت ان أقاوم إغراءها مرارا ولكني استسلمت في النهاية بعد ان تعرت امامي وعضتني من المكان الذي يؤلمني.
لقد انقضى الوقت المحدد للغيبة ولم أعد الى عشيقتي الاولى بحجج واهية.
ولما استبطأت المدينة الاولى عودتي أرسلت في طلبي رسائل مليئة بالعتاب والدموع والالم والخيبة.
رسائلها كانت ملتهبة وفيها كل أشكال الرجاء والتوسل بالعودة وكل ألوان الاعتذار عن التجويع والتجريد من الرداء ايام البرد القارس، وكانت تحلف لي في رسائلها ان لا تعود الى مثل تلك الممارسات إذا ما عدت الى أحضانها التي ادمنتْ عليّ في حين ان المدينة الاخرى تكتفي بتقديم الإغراءات دون الرجاء والتوسل.
وحيرتي الان يا ايتها العجوز بعد ان انتهيت من قصتي تكمن في الاختيار الى اي المدينتين أنتمي؟، وتذكري ان لا بد لي من الانتماء، تعمدت الاختصار في سرد قصتي على العجوز لأني كنت متلهفا لان ترشدني وتثلج صدري بجواب شاف يبعدني كل البعد عن ظلم احدى المدينتين ولكن خاب ظني حيث كانت العجوز قد اختفت فجأة والدوامة مازالت في أوجها.


37

بكاء الزهراء بين الوهم والحقيقة او بين العاطفة والعقل
حسين أبو سعود
لقد بلغنا من خلال خطباء المنابر بان السيدة فاطمة الزهراء  عليها السلام كانت تبكي أباها الليل والنهار وان شيوخ أهل المدينة قالوا لعلي عليه السلام: يا ابا الحسن ان فاطمة تبكي الليل والنهار وانا نسألك اما ان تبكي ليلا او نهارا وكانت لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء ،فاضطر الامام على عليه السلام الى بناء دار لها خارج المدينة لتنقطع فيها للبكاء سماها بيت الاحزان، والخطباء لم يختلقوا هذه القصة وان بالغوا فيها ولكنهم استلهموها من بُطُون الكتب ، وفي رواية ان الامام كان يأخذها في الصباح الى مقبرة البقيع لتبقى هناك للبكاء حتى الليل ثم يعيدها الى البيت، وتكون بذلك قد فرطت بواجباتها الاساسية تجاه المنزل والزوج والأولاد والمجتمع ولم تعمل عمل الصابرين المحتسبين الذين قال عنهم الله تعالى( وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ) على اننا لا نريد هنا ان ننفي البكاء عنها تماما وإنما  نقول بأنها كانت تبكي ولكن ليس في الليل والنهار وبصوت عال يزعج الجيران وهي التي اسرّ اليها النبي عليه الصلاة والسلام بأمر فحزنت  ثم اسرّها ثانية فتبسمت وفرحت حيث علمت بأنها سريعة اللحاق بأبيها وان مصيرها الى روح وريحان وجنة ورضوان فالموت عند الزهراء ليس بمشكلة كبيرة وإنما هو انتقال من حالة الى حالة ، من الفناء الى البقاء وفي القران ( وللآخرة خير لك من الاولى).
لاشك بان ذلك النوع من البكاء الذي ازعج أهل المدينة هو الجزع المنهي عنه ثم لماذا كانت تبكي؟ وانا لم اجد سوى ثلاثة أسباب ممكنة للبكاء ومن عنده رابع فليأت به مشكورا وأول هذه الأسباب حرمانها من فدك وهو امر لا يستدعي البكاء المستمر عند الناس العاديين فضلا عند اصحاب المقامات الرفيعة مثل السيدة الزهراء وقد قلل الامام على من شأن فدك في كلام له  ومن شاء فليراجع نهج البلاغة ، وثاني الأسباب تحول الناس عن علي في شأن الخلافة فأقول بان الحكم الذي لا يساوي عند علي عفطة عنز ولا شسع نعل لا يمكن ان يكون سببا وجيها للبكاء وأما السبب الثالث فهو وفاة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام وهذا لا شك مصاب جلل وخسارة كبرى ولكن هذا ان صح يخرج السيدة العالمة المعلمة من الصبر والاحتساب الى الجزع والبكاء المتواصل وقد يقول احد بان السبب هو إسقاط المحسن وحادثة الباب وحرق البيت وهي احداث لم تشر اليها السيدة الزهراء في خطبتها المشهورة والخطبة بحد ذاتها فيها هنات بعضها هينات منها انها أنت ونة أبكت من في المسجد.
وأما تصوير السيدة على انها حاقدة على شخص وأنها لا تنسى الاساءة ولا تعفو عند المقدرة وان أدى ذلك الى دخول شخص او أكثر الى النار بسببها فلا تصدق لان هذا مخالف لطبائع رسول الرحمة الذي لم يدع على أحد بالويل والثبور رغم الاذى الشديد الذي تعرض له لا سيما في الطائف وفاطمة امتداد لتلك الرحمة العالمينية ان صح التعبير.
أقول يجب ان نعيد قراءة الزهراء عليها السلام من جديد لا سيما من قبل النساء المواليات ولو إنهن تعلمن منها حسن التبعل فحسب لكفاهن في الدنيا والاخرة لان حسن التبعل هو سر النجاة وسر بناء مجتمع راق سالم سليم و عليهن ان لا يبحثن عن الزهراء في المقابر وإنما في النفوس والقلوب  وهم القائلون بان قبورنا في قلوب محبينا ، اذن فالزهراء بالاتباع وليس باستخدام اسمها الشريف لأثارة النعرات وبث الفرقة، أقول يجب قراءتها من جانب حقيقي  وموضوعي وليس العاطفي المأساوي الموروث وقد كنّا لزمن طويل نبكي بحرقة ونحزن بشدة عندما نسمع بأنها عليها السلام كانت تبكي الليل والنهار بصوت عال حتى اشتكى الجيران وقالوا اما ليل او نهار وهذا يعني بان الصوت كان عاليا جدا وهو خلاف الآداب النبوية ونساء أهل البيت لم يُسمع لهن صوتا ولم يُر لهن شخصا كما وصف احدهم السيدة زينب ابنة الزهراء ، وهي عندما تحتجب عن الرجال تحتجب عنهم جسدا وصوتا ايضا.
ان القراءة الواعية التي أعنيها يجب ان تُخرج الزهراء بمقدار ١٨٠درجة من دائرة فدك، تخرجها الى الزوجة والام والابنة التي تعرف واجباتها جيدا ، وانا ارى انها داعية كبيرة وقوية للوحدة الاسلامية في حين يستخدم البعض هذا الاسم الشريف المبارك لبث الخلافات، وأما الجانب المأساوي فيجب ان يُراعى فيه الشروط الموضوعية من صحة الروايات وتطابقها مع العقل والفائدة المرجوة من إبراز تلك الأحداث والنتائج المترتبة على إظهارها وفاطمة ليست فدكا فقط ولا يجوز لنا ان نظلمها ونجعلها اسيرة بوتقة ضيقة ونحصرها في مجالس مستمرة للطم والنياحة والبكاء ، ولعل هذا المقال البسيط المبسط يكون دعوة للعقل بالتفكر وإعطاء الحجم الصحيح للأحداث التاريخية كلها وارى من المناسب هنا مناقشة متن احدى الروايات التي اشتهرت بين عوام الشيعة وخواصهم ظنا منهم بأنها من مناقب فاطمة ومن فضائلها  وهي تخفي  في طياتها ذما لمن احبها فضلا عن الرائحة الطائفية التي توحي بان اعداءها في النار والرواية وردت بعدة صيغ ولكن بمعنى واحد  أهمها ان الله سماها فاطمة لأنه فطمها ومحبيها من النار ومن رواة هذا الخبر الاربلي والخطيب البغدادي وابن حجر الهيثمي والديلمي عن ابي هُريرة ،وهذا يجرنا الى القول بان الانتقائية في التعامل مع الرواة لا تصح حتى لا نُتهم بالتدليس ونحن قد دعونا في مقال لنا باسم حسبنا المتن دون السند الى التفكر بالمتن اولا اذ قد تنتفي الحاجة للخوض في متاهات السند من الوهلة الاولى اذا تبين بان المتن مهزوز ، وبالنسبة لهذه الرواية أقول اولا بان اسم فاطمة لم يكن اسما جديدا وإنما كانت تطلق على فواطم أخريات سبقنها الى حمل هذا الاسم  اشهرهن السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد والدة الامام علي بن ابي طالب  وهذا الاسم ليس كما اخبر الله تعالى في القران  بشأن يحيى بن زكريا: انا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا.
ثم ان الفطام في اللغة كما في قول البوصيري رحمه الله
والنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
فالفطام يسبقه رضاع وهو الفصال اي قطع الولد عن الرضاع اي تغيير من حالة الى حالة اخرى ويقال افطمت فلانا عن عادته واصل الفطام القطع ومصدره فطم فهل تريد الرواية ان تقول  بان الشيعة كلهم يذهبون الى النار ثم يفطمهم الله وان كان الله فطمها من النار فهي مفطومة والفاطم هو الله  وأي نار دخلتها السيدة لتفطم عنها ، وهكذا يمكن القياس على الكثير من الروايات المتداولة التي يراد منها الغلو لا غير وهناك روايات اخرى تقطر صدقا وعدلا  وهي الاخرى مختلفة في التعبير  موحدة في المعنى منها ان فاطمة هي سيدة نساء أهل الجنة وأنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء هذه الأمة  وكل هذه العبارات تعضد بعضها بعضا، وهذه الروايات عليها اتفاق بين الفريقين وما عليه الاتفاق أفضل مما كان فيه خلاف او شك او ريبة ويكفيها فخرا وعزا وشرفا انها بنت اشرف البشر ويكفيها من أقوال الشعراء ما قاله فيها الشيخ الوائلي رحمه الله
كيف يدنو الى حشائش الداء       بقلبي الصديقة الزهراء
من ابوها وبعلها وبنوها              صفوة ما لمثلهم قرناء
افق ينتمي الى افق الله.               وناهيك ذلك الانتماء
وامام سيل الإضافات التي لا مبرر لها انا أقدر ما ورثناه طوال أعمارنا ولكن هذا لا يمنع من اعادة النظر وإعمال العقل في التعامل مع الشخصيات الاسلامية بعيدا عن الاهواء والمغالاة.



38
أدب / احزان التماثيل
« في: 10:30 18/02/2017  »


احزان التماثيل



حسين أبو سعود


ليلة البارحة
وسط تقلبات الأرق
طفحت جينات الشجاعة
وارتفع منسوب الجرأة في روحي
مررت بالمقبرة القريبة
هذا المسكن الدائمي لذوي الطباع المختلفة
من الجنسين
كاثوليك وبروتستانت
ملحدون ومؤمنون
ألقيت بثقل السنين على السياج الحديدي
الصورة موحشة متوحشة
وذرات الهواء مشبعة بالرعب
بدأ الموتى يتحركون وهم نيام
يريدون الوقوف فلا يقوون على القيام
وبدأت طقوس الضفة الاخرى
طقوس تحكي رغبات الموتى
في العودة الى الحياة
قطة سوداء مرت مسرعةً
جردتني من بقايا الثبات
كانت هاربة من ريحٍ سوداء
وتحول حفيف الشجر الى فحيح أفعى
والحشرات صارت تتطاير بكثافة
وتقلل من نقاء الصورة
ووضوح الرؤية
ورأيت الأزهار البرية بألوانها الزاهية
تتحول الى رؤوس الشياطين
وتنشر الرعب في كل جانب
حطت الخفافيش العمياء على شواهد القبور
وكأنها وجوه المجانين
واكتظ المكان بمخلوقات هلامية
ملائكة من نور
وجن من نار
ودون ان أتردد او اختار
شرعت بالفرار
تتعقبني ثعالب الليل
أي حقيقة أصل اليها بعد هذا العمر
وانا المتفرج الوحيد على المسرحية
حانت مني التفاتة نحو الوراء
فرأيت حارس المقبرة بلحيته الكثة
غارقا في ضحك هستيري
يضحك بصوت عال
انها التماثيل في الليل تبكي
وتضحك وتفرح وتحزن
ارتطمت روحي بتمثال فتح ذراعيه
وضمني
والتقط لنفسه معي صورة تذكارية
انه يشبهني في كثير من الأشياء
قلما يزور المقبرة أحد الا تراكمت في داخله تلال الشهوة
والحنين الى العناق
تسللت من بين ذراعيه القويتين
لأجد كل التماثيل تحيط بي ما بين ضاحك وباك


39
المنبر الحر / بيروت قبل ان اراها
« في: 10:21 11/02/2017  »
بيروت قبل ان اراها
حسين أبو سعود
قبل ان تندلع الحرب الاهلية المدمرة في لبنان كنت قد حزمت حقائبي لزيارة العاصمة بيروت، لان شهرتها في الجمال قد ذاعت كثيرا، وانها كانت مصيفا للنخبة وأصحاب الأموال ولكن الحرب الاهلية أجلت تلك الرحلة لسنوات طويلة جدا حتى شاءت الاقدار ان اختار الخطوط اللبنانية للسفر من لندن الى بغداد عبر بيروت ، وقررت ان اكسر ذلك الجمود الطويل واتوقف لمدة ثلاثة أيام لدى العودة الى لندن، ولكن التوقف الطويل الذي امتد لثمان ساعات في مطار بيروت حفز بعض الذكريات عن لبنان واثارها وبدأت استرجع بعض ما علق في الذاكرة عن لبنان من معلومات عامة.
ما كنت اعرف من لبنان سوى الحمراء وصخرة الروشة وطباعة الكتب  ودور النشر وسهل البقاع والجنوب وحزب الله والاكلات اللبنانية وغيرها، وهذه التي علقت في الاذهان تشبه ما علق في ذهني عن بريطانيا منذ الصغر كالريف الإنجليزي ومدن برمنغهام ومانشستر واكسفورد ومطار هيثرو وغيرها من الأسماء التي كانت رؤيتها مجرد حلم مستحيل ولكنه مع الأيام تحقق ولم يعد يعني لي شيئا لكثرة ما سافرت من مطار هيثرو ذهابا ومجيئا ومن مطارات أخرى محسوبة على لندن مثل مطار ستانستيد وكاتويك ولوتن ، وقد سافرت عدة مرات الى سوريا قبل ان يطالها الاحداث المؤسفة هي الأخرى وكانت ملاذا آمنا للعراقيين، وسوريا التي تجاور لبنان تتشابهان ولكن لبنان لها خصائص فريدة تميزها عن البلدان المحيطة بها.
عندما كانت بيروت تحترق بيد ابناءها كانت سوريا آمنة وتوالت الأيام ليصير العكس تماما، فسوريا صارت تعاني من انعدام الامن ولبنان صارت تنعم بالهدوء النسبي.
قضيت ثمان ساعات من ليل بيروت في قاعة الترانزيت ذات الحركة الخفيفة حيث ان جميلات السوق الحرة أكثر من الزبائن ولا أدرى كيف تحقق هذه الأسواق الربح المادي، لا أدرى، والسوق الحرة في مطار بيروت يختلف كما ونوعا عن السوق الحرة التابعة لمطار هيثرو حيث الفخامة والضخامة والتنوع. ان التجول في قسم العطور الباريسية الفاخرة في أي سوق حرة تعطي إحساسا بالمتعة وفرصة لتجربة الكثير من العطور حيث توضع امام كل مجموعة قارورة للتجربة والرش المجاني.
عندما كنا صغارا كنا نذهب الى السينما في الأعياد فقط، وكانت الأفلام في تلك الحقبة هي أفلام هندية او عربية استعراضية وقد ظل فيلم لبنان في الليل يعرض على شاشة سينما اطلس بمدينة كركوك لأشهر طويلة وكذلك الحال لفيلم (مرحبا أيها الحب) وهو الاخر فيلم لبناني استعراضي  غير هادف ولكنه جميل ومثير لكثرة المطربين  العرب المشهورين الذين شاركوا فيه، وكنا في ذلك العهد نطرب لكل شيء  فكيف لو تطل المطربة الأردنية المعروفة بابتسامتها الساحرة وغمزاتها المثيرة سميرة توفيق وهي بملابسها البدوية تغني: بلّه صبوها القهوة وزيدوها هيل صبوها للنشامى ع ظهور الخيل
وكيف لو اطل المطرب العراقي المعروف رضا علي بمواويله واغانيه وهو ينشد:
طلعت برا البراري رحت اودعهم
شفت المراكب سرت والروج دافعهم
ناديت رب العرش قلت بلكت يرجعهم
او المطربة اللبنانية نجاح سلام ذات الأداء الراقص وهي تغني: يا ريم وادي ثقيف وهيام يونس وغيرها من الأسماء اللامعة ولا سيما المطرب الفريد في أدائه فهد بلان وهو يغني بصوته الرجولي وقامته الطويلة:
واشرح لها عن حالاتي / روحي عليل لأجلها / رح يا طبيب لأرضها / سلملي عل يحبها
وطوال الثمان ساعات التي قضيتها في المطار حيث لم استطع النوم لدقيقة واحدة ازعجتني بعض النداءات التي كانت تذاع عن طريق مكبرات الصوت أقول ازعجتني لأنها كانت بلا معنى، منها اعلان عديم المعنى وهو (يرجى من المسافرين الحضور الى المطار قبل موعد الرحلة بثلاث ساعات) ولا ادري من يستفيد من هذا التوجيه والاحرى ان يبلغ المسافر هذا الإعلان حال استلام تذاكر السفر وليس عند الوصول الى المطار ، والاعلان الاخر هو( يمنع التدخين في المطار منعا باتا) والصحيح ان يقال يمنع التدخين في صالات المطار الا في الأماكن المخصصة  لأني وجدت هناك أماكن مخصصة للتدخين والمدخنين.
وعندما اهتديت الى مسجد المطار استبشرت خيرا وقلت سأنام قليلا ولكن النوم ابى ان يداعب معاقد الاجفان تماما، ولكن أسعدني ذلك المسجد الذي يشبه مساجد المطارات الأخرى فهي صغيرة في المساحة وبسيطة في المظهر الا انها حميمية للغاية اذ لا تجد فرقا بين المسلمين هناك فيصلي الشيعي مع السني في مكان واحد بلا أي حساسية وحزازات.
ومع ساعات الفجر الأولى وطلوع الشمس رأيت بيروت في أحضان الجبال المسكونة بالعمارات السكنية، وجميل ان يرى الانسان مدينة تصحو من نومها فوجدتها جميلة ساحرة محفزة ولم يبق سوى انقضاء الوقت وحلول موعد العودة لأتوقف في بيروت لثلاثة أيام اكتشف خلالها معالم المدينة عن قرب.

40
صدام والعتبة الحسينية
حسين أبو سعود
اذكر بان جدالا حدث بين ارباب السلطة بعد سقوط النظام العبثي حول قصور صدام حسين، وكان منهم من طالب بهدمها والتخلص منها مثلما تم هدم تماثيل الرئيس وتحطيمها لكي لا يظل هناك أي اثر يدل على وجوده فيما تعالت بعض الأصوات مطالبة بالإبقاء على تلك التماثيل كشاهد على مرحلة تذكر الأجيال بصدام وجبروته، واما القصور فقد قيل بانها يجب ان تصان وتتحول الى متاحف باعتبارها ملكا صرفا للشعب وقد حدث الكثير من اعمال التخريب والفرهود لقصور صدام مثلما حدث لقصره الواقع على النهر في الحلة، اذ شاءت الاقدار ان ازور المنطقة مع وفد من الشباب، وقد تم تحويل المباني الملحقة بالقصر الى فندق راق يرتاده كل من يريد مقابل مبلغ من المال.
وفيما يخص علاقة صدام حسين بالعتبات المقدسة في كربلاء اذكر بانه جرى الكثير من التوسعات على الحرمين العباسي والحسيني وربطهما ببعضهما جرى ذلك على حساب الصورة القديمة والشكل التاريخي للعتبتين المقدستين علما بان كل توسعة او إضافة او تسقيف  تتم هي الأخرى على حساب الشكل التاريخي القديم، حتى بات الفرق بين الوضع الحالي للعمارة والوضع القديم اعني ما كان عليه في السبعينات واضحا وكبيرا وعلى أي حال فان ما يهمني في الامر هو الدمار الذي تعرضت له الحضرة الحسينية والعباسية نتيجة القصف الصدامي اكرر القصف الصدامي اثناء قمع الانتفاضة الشعبانية، وقد ارتأى القائمون على العتبتين إبقاء بعض آثار القصف الصدامي الاجرامي للذاكرة وللأجيال فتم كتابة عبارة(هذه آثار القصف الصدامي).
وفي زيارتي الأخيرة للروضة الحسينية وجدت انه قد تم إزالة كلمة(الصدامي) واستبدلت بكلمة وهي تحصيل حاصل(الاجرامي) فصارت العبارة (آثار الاعتداء الاجرامي) بدلا من (الاعتداء الصدامي)، ولا أدرى كيف ولماذا ومتى تم إزالة اسم صدام حسين لتبرئته من هذا القصف كما تم تبرئة الزعيم عبد الكريم قاسم من دماء الضحايا في مجزرة قصر الرحاب، او كما يحلو للبعض ان يقول بان يزيد بن معاوية لم يقتل الامام الحسين وانما قتله عمر بن سعد.
وعندما سألت أحد القائمين على العتبة الحسينية عن سبب إزالة اسم صدام قال بان هذا اسم نجس ولا يصح بقاؤه في الحضرة الحسينية الطاهرة، فضحكت في سري كثيرا من عقول ضحكت من جهلها الأمم وقلت ماذا نفعل بمئات المصاحف الشريفة الموجودة في الحضرة وفيها أسماء الشيطان وفرعون؟ وماذا نفعل بالأسماء النجسة للنجسين أمثال يزيد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن الواردة في مقطع اللعن في الزيارة المأثورة وكيف ننطق هذه الأسماء داخل الحضرة.
أقول انها كانت مؤامرة وحيلة انطلت على إدارة العتبة وتركوا صدام حسين يغادر العتبة بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم وما اشبه هذه الحيلة بحيلة حمل المصاحف في معركة صفين، ولا أدرى باي منطق تم إزالة كلمة (الصدامي) واي مؤامرة تقف وراء شطب الكلمة؟ سوى الجهل المركب والسذاجة المطلقة.
والظريف باني وجدت كلمة (الصدامي) مذكورا مرتين في المتحف الملحق بالعتبة الحسينية ولا سيما في الكتابة التوضيحية الموجودة على شباك المرقد المطهر القديم الذي يرجع تاريخه الى سنة 1938 م والذي تم استبداله بعد سقوط النظام البائد ويلاحظ على بعض من اجزاءه (آثار القصف الصدامي الاجرامي) وقد ورد اسم الجيش الصدامي مرتين في مكانين مختلفين من المتحف.
اكتفي بهذا القدر راجيا من المسئولين الاهتمام بالذاكرة وكل ما يتعلق بالذاكرة كي لا ننسى ولا تنسى الأجيال  القادمة لان من حقها ان تعرف الحقيقة كما هي وبالأسماء.



41
النافع المجدي من أحاديث المهدي
حسين أبو سعود
بعد ان كثر الحديث عن المدعين للمهدوية ومدعي السفارة صدر بيان عن مكتب المرجعية الدينية لتقرر مبدأ الظهور المقدس وتضع ميزانا للتعامل مع روايات العلامات، وانا أقول حسنا فعلت المرجعية، وانه من واجبها التصدي لكل من تسول له نفسه استغلال هذه العقيدة الشريفة لتحقيق اغراضه الشخصية، وقد التقيت شخصا قبل اعوام في احد المساجد فأسرّ لي بان الامام المهدي قد ظهر فعلا ولم يبق سوى الإعلان، ثم رأيته بعد أسبوع فقال لي  على استحياء لقد كانت إشاعة  صدقتها من غير دراية ورواية، كما ان لنا صديقا اخر كان مؤمنا ملتزما الا انه صار يدعي السفارة والاتصال المباشر بالإمام المهدي وهكذا، واذكر بانه قد صدر  قبل أعوام  توجيه السيد السيستاني بتشكيل لجنة لجمع احاديث المهدي وتهذيبها وتشذيبها وتصحيحها وطرح الضعيف وتبني الاحاديث الصحيحة فقط ولكن بيانا اخر صدر بعد أيام يكذب هذا الخبر، واما هذه المرة فقد جاء رد المرجعية ممثلة بسماحة المرجع الأعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله في جواب على سؤال من مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي حول كثرة ادعاءات السفارة وادعاءات المهدوية فجاء في الجواب :ان من اهم واجبات المؤمنين في عصر غيبة الامام هو ان يتعاملوا بتثبت وحذر شديد فيما يتعلق به وبظهوره وسبل الارتباط به وان ذلك من اصعب مواطن الابتلاء ومواضع الفتن في طول عصر الغيبة واستغرب سرعة تصديق الناس لهم والانسياق وراءهم مع ما امروا به من الوقوف عند الشبهات والتجنب عن الاسترسال في أمور الدين فان سرعة الاسترسال عثرة لا تُقال-انتهى.
وأقول ان سرعة الاستغراب هنا في غير محله لان الجرعة التي تُعطى للموالين حول المهدي كثيرة وكبيرة لاسيما الامر بتعجيل الفرج يوميا، مع علم الناس جميعا كما يقول السيد السيستاني (فمن استعجل في ذلك فلا يضلن الا نفسه فان الله سبحانه لا يعجل بعجلة عباده) ووجود رواية عن الامام الصادق بهذا المعنى وهي (هلك المستعجلون ونجا المسلّمون وكذب الوقاتون) فالإمام المهدي ليس في ضيق كي ندعو له بالفرج والاحرى ان نقول عجل الله فرجنا لأننا في ضيق وعسر، أقول ان الجرعة المهدوية المعطاة زائدة حتى صار دعاء ( اللهم كن لوليك)يقرأ في القنوت بدلا عن الادعية القرآنية الراقية التي درج المؤمنون على قراءتها وصاروا يرددون ذلك بصوت عال في القنوت وغيره وكأنهم يؤدون نشيدا وطنيا وليسوا في صلاة يتطلب منهم الروحانية التي تستدعي ان لا يجاهروا ولا يخافتوا ويتخذون بين ذلك امرا وسطا  ، ثم انه لا  يليق ان نلح عليه بإصرار للظهور ونصيح العجل العجل الساعة الساعة يعني ان اترك كل شيء وتعال ونحن نعلم بانه هو الاخر ينتظر مثلما ننتظر امر الله تعالى.
أقول الجرعة كبيرة عندما يقال لهم بان افضل الاعمال انتظار الفرج، فكيف يكون الانتظار افضل الاعمال وهناك النطق بالشهادتين اعني التوحيد الذي يدخل قائله الجنة ويخلصه من النار، ثم اين الصلاة وهو عمود الدين وهو اول ما يسئل عنه العبد فان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها، وأين الصوم الذي هو العبادة التي قال عنها الله عزوجل: انه لي وانا اجزي به، وأين الجهاد وأين الزكاة وغيرها.
ثم كيف يحرم من الانتظار وهو أفضل الاعمال أناس عاشوا قبل ولادة الامام الثاني عشر وغيبته فهذا عمل يختص بمن ولد بعد الغيبة وهذا المعنى لا يستقيم، ثم ماذا جنى الذين انتظروا من ألف عام من الثواب والفائدة الدنيوية؟ أقول بان الجرعة كثيرة لا سيما من خلال التلقين المستمر في كل ركوع وسجود بإضافة (وعجل فرجهم) على الصلوات المحمدية فسئلنا ماذا يعني فرجهم وأي ضيقة هم فيها؟ قيل ان هذا يعني فرجنا نحن بفرجهم فقلت والله هذه لغة جديدة فلماذا لا يقال (عجل فرجنا) كما أسلفنا ليستقيم المعنى بلا حاجة الى التوجيه فنرى ان هذا الشغف المتصنع بالإطالة والاطناب جعل العلماء يكتبون الكتب المطولة في شرح كلمات عديدة.
وقد أخبرني أحد المراجع بانه تلقى بشارة في عالم الرؤيا بانه سيكون أحد 313 من أصحاب الامام المهدي فقلت له من يقول بان الظهور سيكون في حياتك وانت في أواخر ايامك وان عمرك الافتراضي لا يسمح بذلك فقال: بل سأبعث من جديد وقت الظهور ليتحقق الرؤيا
أليس في علماء الشيعة ومراجعهم 313 نفرا يصلحون ليكونوا عداد الجيش المطلوب للعدد المطلوب للظهور.
ومنهم من يعتقد بان الاعمال تعرض على الامام مرة في الأسبوع ولا ادري هل المقصود بالأعمال اعمال الشيعة دون غيرهم ام اعمال السنة أيضا ام اعمال البشر جميعا وماذا يفعل بها؟ فهل يغير فيها كأن يزيد في الحسنات وينقص من السيئات فقيل: لا، اذن ما لفائدة من عرض الاعمال عليه؟ وهل يتم العرض فردا فردا ام على شكل مجموعات؟ فهذا يستهلك وقتا طويلا جدا في الحالتين، وكم ظهر من أناس ادعوا الرؤية مع وجود رواية (من ادعى الرؤية فكذبوه) وذكر لي مرة دكتور حائز على درجة الاستاذية بان الامام المهدي متزوج ويتواجد في مثلث برمودا ولا ادري هل ان زوجته لها خصوصية العيش لألف سنة أيضا ام انه يتزوج بأخرى كلما تموت واحدة أي كل سبعين سنة بالمتوسط وهو معدل عمر الانسان وهل يتزوج انسية معروفة من العوائل كما اشاع احدهم مرة بان الامام اقترن بأخته، ثم هل ان ذرية الامام وأولاده يعيشون العمر الطبيعي للإنسان ام تمتد أعمارهم الى اكثر من الف سنة كما هو الحال مع والدهم؟
وبعضهم من شدة شوقه للأمام المهدي دعا الى ملئ الأرض ظلما وجورا وذنوبا وآثاما لكي يصدق خروج الامام ليملأ الأرض عدلا وقسطا كما في الرواية ، وقيل للمؤمنين بان الامام يتواجد في عرفات كل عام فصار العوام ينشغلون بالبحث عنه غافلين عن الاستغفار وقراءة القران وباقي اعمال عرفة، ويشيع البعض بان الذين يتشرفون بلقائه لن يعرفوه الا بعد ان يذهب ، وانا أرى بان حالة الحيرة والتخبط التي جلبتها الروايات هو نتيجة لتشتت مصادر الفتوى ومن مساوئه علما بان اكثر احاديث المهدي هي غيبيات لا نحتاجها.
اقول الجرعة زائدة بل ومضرة ولها مضاعفات كأن يقول أحد الخطباء من على المنبر بان السيدة الزهراء عندما عصروها بين الباب والجدار نادت: يا مهدي أدركني، والتشكيك بهذه الرواية يدفعنا للتشكيك بالكثير من امثالها.
يقول السيد السيستاني: وليعلم ان الروايات الواردة في تفاصيل علائم الظهور هي كغيرها من الروايات الواردة عنهم عليهم السلام لابد في البناء عليها من الرجوع الى اهل الخبرة والاختصاص لأجل تمحيصها وفرز غثها من سمينها ومحكمها من متشابهها والترجيح بين متعارضاتها). وهذا الكلام مهم لأنه صادر من مرجع كبير وهو العالم المتخصص حيث يقر بوجود أكاذيب وموضوعات والتعارض في الاحاديث فتنة يجب توقيها، وارجو ان لا يكون هذا الجواب صادر من غير المرجع لا سيما واننا تعودنا على الأجوبة المقتضبة والمختصرة من المراجع في حين ان هذا الجواب كان طويلا ومفصلا.
وفي الختام أقول بان عقيدة المهدي لا تختص بالشيعة لوحدهم وليس جميع من ادعوا المهدوية هم من الشيعة فحسب، بل ظهر مدعون في المغرب ومصر والسعودية أيضا ولم ننس بعد حادثة  الحرم المكي الشريف وظهور محمد بن عبد الله القحطاني وعضيده جهيمان العتيبي، والفرق بين السنة والشيعة في هذا هو ان كلاهما ينتظران مهديا وكلاهما يقولان انه من ولد فاطمة الا ان السنة يقولون ان المهدي حسني النسب وغير مولود في حين تقول الشيعة بانه حسيني النسب ومولود ولكنه غائب عن الأنظار، وقد ادعى احد ولد الحسن وهو محمد بن عبدالله بن الحسن ذو النفس الزكية المهدوية كما في التاريخ وكان معاصرا للإمام الصادق عليه السلام، وبالرغم من كون هذه العقيدة مشتركة الا ان السنة لا يولونها أهمية تذكر عكس الشيعة الامامية الذين يولونها الأهمية الكبرى وهكذا ضاع الامر بين الافراط والتفريط .

42
أدب / صورة اخرى عن صهيل التعب
« في: 13:35 30/04/2016  »


صورة اخرى عن صهيل التعب


حسين ابو سعود


أسير مع الخوف
في الطرقات المصفدة بالأغلال
المحكومة بالنهايات الغامضة
المغطاة بالغيوم القاتمة
هذا المسرح الكبير
 ينشطر الى مسارح صغيرة
تحكي قصص الطفولة الهاربة
وسنوات العمر التي تقضت
في المنافي
وفي جفاف المباني
التي تضم غرف صنع القرار
مثل التماثيل التي تنتشر في الحدائق
انظر نحو المارين مشفقا
كلٌ يحمل مصيره في حقيبة
ويحمل في داخله صورة اخرى له
وبعضَ الأحلام
التي تتراقص فزعا من الطبول المجنونة
انادي الراحلين نحو المجاهيل
اتوسل فيهم الوانهم الباهرة
وشغل الأحداث المتداخلة
بعد قليل سينتهي العرض الكبير
وهو العرض الأخير
وينصرف الجميع
نحو بيوتهم التي تأويهم
بالمدافئ وحميمية الحبيبات
والشموع الفتية
وانا أسير
تستوقفني احدى مقابر النصارى
اشعر من صمتها الطويل
براحة الأرواح التي ترقد تحت ظلال الأشجار
المحاطة بالعشب والأزهار البرية
ما هذه اللوحات وما هذي الصور؟
اسأل الذين وصلوا للضفة الاخرى
كيف كان السفر؟


لندن
٢٠/٤/٢٠١٦

43
المنبر الحر / المتحولون
« في: 21:00 24/04/2016  »
المتحولون
حسين أبو سعود
ان الاستحالة مصطلح شاع استخدامه في الفقه الإسلامي وبالاستحالة تفقد المادة خواصها واسمها وتستحيل الى مادة جديدة بخواص جديدة وباسم جديد كتحول الزبيب الى خمر او تحول العنب الى خل وأحيانا يتحول الحرام الى حلال في حالة الاستحالة مثل استخدام الكحول المحرم في الادوية او العطور والمتفق على حليتها بين الفقهاء.
ومن مصاديق التحول، كأن يتحول انسان شيعي الى سني وبالعكس، او يتحول المسلم الى ملحد او الملحد الى مؤمن، وسمعنا بالمسيحي الذي يتحول الى الإسلام والمسلم الذي يتحول الى المسيحية، كما سمعنا بالرجل يتحول الى امرأة بعملية جراحية، والعكس صحيح أيضا كأن تتحول امرأة الى رجل وهكذا.
وهناك حالات يتحول فيها المرء من جنسية الى أخرى فيفقد جنسيته الأولى ويتخلى عنها ليكتسب جنسية أخرى لا علاقة لها بجنسيته الأولى.
وهذه التحولات وغيرها قد تكون عادية جدا ومحتملة ومقبولة لا سيما وإنها لا تسبب ضررا على الغير البتة، وان تسببت في شيء
فالضرر محدود ولكن هناك تحول اخر خطير يختلف عن كل هذه التحولات كأن يتحول الانسان الذي خلقه الله تعالى وأكرمه ونعمه وجعله في أحسن تقويم   وأكرم هيئة كأن يتحول هذا الانسان الى وحش كاسر لا يريق الدماء فحسب بل يمتص الدماء مثل الذي يعرف بـ دراكولا فتراه يتلذذ بتعذيب البشر أينما ظفر بهم ونجد مثل هذه النماذج في دوائر الامن والمخابرات في البلدان العربية والإسلامية.
وهؤلاء الذين لفظتهم الإنسانية والضمير يتواجدون في أماكن شتى من عالمنا العربي ولا سيما في العراق ، واشد هؤلاء وحشية هم الذين يقتلون ولا يدرون لماذا يقتلون، فيقومون بتفجير الأسواق والأماكن المزدحمة ويقومون بإطفاء القناديل المضيئة بالطلقات النارية والمتفجرات ، وتمثلوا بأجلى صورة في مجزرة سبايكر فقتلوا المئات بدم بارد والقوا بجثثهم في النهر الجاري حتى تلون الماء بلون الدم، وهم من نفذوا جريمة عرس الدجيل وغيرها فهؤلاء هم قتلة المدن ولصوص الأرواح لا يفرقون بين المرأة والرجل وبين الأطفال والشباب والشيوخ ولا بين السنة والشيعة او بين المسلم والمسيحي.
هؤلاء المتحولون الى وحوش مفترسة هم أخطر المتحولين.



44
العمامة وجمعها عمائم
حسين أبو سعود
يجب ان لا يكون خافيا على احد بان العمامة ليست حكرا على رجل الدين ورجال الكهنوت وانما هي زينة يغطى بها الراس ، يتزين بها الكبير والصغير والشريف والوضيع والحاكم والمحكوم، وتختلف العمائم فيما بينها في الألوان والاحجام وطريقة الربط حالها حال ربطة العنق او ما يسمى بـ الكرافتة وهناك عمائم بسيطة صغيرة مقابل عمائم ضخمة كبيرة ومعقدة، وفيما يخص عمائم رجال الدين فان الحجم الكبير للعمامة لا يدل مطلقا على كثرة العلم كما ان صغر العمامة لا يدل على قلة العلم ، وكانت عمامة العلامة الفيلسوف الطباطبائي صاحب تفسير الميزان صغيرة ومبسطة كما ان المرحوم الشيخ الدكتور احمد الوائلي عميد المنبر الحسيني أيضا كانت عمامته البيضاء صغيرة.
ولا شك بان أصحاب العمائم هم من مزقوا الدين الواحد وجعلوه مذاهب ومشارب زادت على السبعين ومنهم من أفتوا واراقوا الدماء وسبو العباد ولكن هذا لا يعني ان الجميع على نفس النمط لان فيهم حمامات سلام وأصحاب علم وفهم ودراية وقدموا للبشرية دروسا خالدة في الحب المطلق والتسامح.
اعيد وأقول بان العمامة ليست حكرا على رجال الدين كما انها ليست حكرا على المسلمين وحدهم ولنا في طائفة السيخ خير مثال حيث انهم يتباهون بها ويتمسكون بارتدائها كتقليد ديني مقدس واذكر بان وزير الدفاع الوطني  الكندي الأخير أدى القسم حال تسلمه مهام منصبه وهو يرتدي العمامة التقليدية لطائفته.
وكما قلت فان للعمامة ألوان، بعضها زاهية وقد اختص السودانيون بالعمامة البيضاء الخفيفة والكبيرة وتمتاز بطول القماش المستخدم فيها الا ان العمامة الأفغانية أكبر منها وأكثر طولا منها والتي تتميز بألوانها القاتمة، ولكن أجمل الألوان واروعها هي ما نجدها في العمامة العمانية التي تسمى (مصر) حيث يتفننون في لفها بشكل بديع.
وقد صارت العمامة هذه الأيام علامة مميزة لرجال الدين الشيعة وصارت العمامة السوداء تشير الى ان مرتديها من ال بيت الرسول الاكرم (ص) والبيضاء للشيخ العامي، ولعل لف العمامة الخاصة برجال الدين هو من الفنون الصعبة على طالب العلم تعلمها كما يتعلم المقدمات والالفية والاجرومية، وصادف ذات مرة وجود احد عملاء السافاك في مجلس درس السيد الخميني متخفيا بزي رجال الدين وانتبه السيد لذلك فامر الطلبة ان يفكوا عمائمهم ويحلوها ففعل الجميع ذلك ثم امرهم بلفها  ثانية كما ينبغي ففعل الجميع الا واحدا وهو السافاكي المنتحل الذي انكشف امره.
ولعل أشهر ما قيل في العمامة هو قول سحيم بن دثيل الشاعر المخضرم
انا بن جلا وطلاع الثنايا   متى اضع العمامة تعرفوني
وقد استشهد الحجاج الطاغية بهذا البيت متوعدا اهل العراق واعتقد الكثيرون خطأ بانه هو قائل هذا البيت.





45
تشتيت الجماعة في صلاة الجماعة
نسخة منه للمراجع العظام
حسين أبو سعود
انا افهم جيدا لماذا لا يصلي المسيحي خلف المسلم او المسلم خلف المسيحي وافهم أكثر ان لا يصلي الشيعي خلف السني وبالعكس ولكن ان لا يصلي الشيعي خلف الشيعي فهذا ما لا افهمه ولن افهمه ابدا.
ولعل من أسباب ذلك هي الشروط الصعبة التي وضعها فقهاء الشيعة لإمام الجماعة ولا سيما شرط طهارة المولد والعدالة، ومن فسر شرط العدالة لم يفسرها بعدالة فجعلها امرا صعبا مستصعبا ونتج عن هذا الامر اننا نجد في كل مسجد أناس يصلون فرادى والجماعة قائمة علما بان هناك روايات تؤكد على بطلان صلاة المرء مفردا إذا كانت الجماعة قائمة، او نرى البعض يصلي الجماعة ويقف في الصف ولكن بنية الفرادى بحجة الحفاظ على وحدة الصف، وهذا يعني انه موجود في الصف وغير موجود.
أقول هذا من وحي زيارتي الأخيرة للحضرة الكاظمية، وعندما انهى المؤذن الاذان واذا بأكثر من جماعة قامت في نفس الزمان والمكان وكلها تستخدم مكبرات الصوت فصرنا نركع مع هذا ونسجد مع الثاني في حالة من الحيرة وعدم التركيز والارتباك، وصرت لا ادري أي من هذه الصلوات مجزئة ومبرئة للذمة ، والظريف ان امام احدى الجماعات تحدث بين الصلاتين عن صلاة الجماعة وشروطها، ولا ادري هل ان تعدد الصلوات في المشهد الواحد هو من شروطها؟ ، ولا ادري لماذا لا يتفق المراجع فيما بينهم على توزع الصلوات كأن يصلي احدهم بالناس في صلاة الفجر ويكون نصيب صلاة الظهرين للمرجع الاخر والمغربين لآخر او ان يتوزعوا الصلوات بالأيام كأن يكون السبت للمرجع الأول والأحد للثاني وهكذا فنبدو بذلك امام الاخرين كأمة واحدة تجمعنا الصلاة ولا تفرقنا، وقد اخبرني احدهم بان صلاة الجماعة هي واحدة موحدة في قم ومشهد والامر كذلك طبعا في مكة والمدينة، علما بان الحالة في المشهد الحسيني بكربلاء لا تختلف عن الحالة في المشهد الكاظمي من ناحية تعدد الجماعات وهذا امر مؤسف و مخالف للفطرة السليمة.
اكرر نسخة منه الى المراجع لان الوضع غير طبيعي وهناك خلل يجب تداركه.

46
ندوة : تازة خورماتو هيروشيما العراق
حسين ابوسعود
تحت شعار (تازه خورماتو هيروشيما العراق) أقامت رابطة  الشباب المسلم في بريطانيا بالتعاون مع منظمة حقوق تركمان العراق ندوة مساء يوم الأحد 27 مارس 2016م وذلك على قاعة دار الاسلام في العاصمة البريطانية لندن.
وقد أقيمت الندوة برعاية سعادة سفير جمهورية العراق في لندن الدكتور صالح التميمي الذي ألقى كلمة قيمة جاء فيها: يواجه العراق منذ حزيران عام 2014م هجمة شرسة من كيان داعش الارهابي، هددت وحدة أراضيه وسيادته عليها وهجرت الملايين من أبنائه. لقد استخدم كيان داعش الارهابي شتى انواع القتل والتعذيب بحق المدنيين الأبرياء العراقيين، وقد رأى العالم أبشع الصور التي تتنافى وتعاليم الأديان السماوية. مضيفاً: لقد أكَّد الخبراء الألمان والأوربيين الذين أخذوا عينات من الصواريخ التي أطلقها كيان داعش الارهابي على ناحية تازة خورماتو بأنها كانت محملة بمزيج من غاز الخردل والكلور، حيث عانى سكان ناحية تازة خورماتو من جرائها الحروق الجلدية وحروق في العين والبلعوم والجفاف. لقد كان الأطفال وهم الأقل قدرة على تحمل هذه العوارض ضحايا هذه الهجمة البشعة من كيان داعش الارهابي. وأضاف: إنَّ الاعتداء الأخير والهجوم على الناس الأبرياء في بروكسل والذي تزامن مع الإعتداء الإجرامي على مجموعة من الشباب الأبرياء في ملعب شعبي لكرة القدم في محافظة بابل في العراق يدلِّل على أن الهجمة البربرية لكيان داعش اتجاه كل العالم بمختلف (قومياتهم وأصولهم ودياناتهم. واختتم حديثه بقوله: ونحن على اعتقاد ويقين من أن الجرائم في تازة خورماتو وبروكسل وبابل هي جرائم ضد الانسانية، وتثبت أن داعش هو العدو المشترك لنا جميعاً، وعلينا مواجهته بكتلة وجبهة موحدة وصلبة رغم شعورنا بالحزن لهذه الضحايا البريئة ومشاركتنا الوجدانية لعوائلهم الكريمة. في حين دفع العراق ضريبة كبيرة جراء تمسكه بتعدد نسيجه الاجتماعي والتعايش السلمي بينهم وتمسكه بوحدة أراضيه ورفضه كل أشكال التقسيم، وهو حارب كيان داعش بجهود أبنائه الأبطال من الجيش والمتطوعين والبيشمركة والعشائر نيابة عن دول المنطقة والعالم، لذا يتطلع العراق الى تضامن إقليمي ودولي معه في جهوده لتحقيق الاستقرار الذي سيسمح بعودة العوائل المهجرة داخل العراق وخارجه الى مدنها وأراضيها).
ثم ألقى الاستاذ محمد  سركال مقرر حقوق الأقليات في منظمة حقوق الإنسان الدولية التابعة للأمم المتحدة كلمة مؤسسة إنقاذ  التركمان كلمة باللغة الإنجليزية والتي خاطبت بها الاتحاد الأوربي ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية والى أصحاب القرار بكتابها المرقم العدد: 166
والمؤرخة بـ28/3/2016م ، ومما جاء فيه:
باتت الجرائم ضد الانسانية كثيرة وذلك لشدة التعتيم على مرتكبيها والمنع من إظهار وقائعها، وما يشهده الواقع المأساوي للمواطنين العراقيين الأبرياء وتعرضهم لأكثر من أسبوعين ومنذ 8/3/2016م في ناحية "تازة خورماتو" التركمانية الواقعة جنوبي كركوك الى قصف يومي بالمواد السامة والأسلحة الكيمياوية من قبل مجاميع داعش الارهابية المتواجدة في قرية بشير التركمانية المحتلة أيضا (والتي شهدت هي الأخرى مجزرة ضد التركمان في حزيران 2014م حيث قامت هذه العصابات آنذاك بقتل واغتصاب وحرق جثث النساء وتعليقها على أعمدة الكهرباء).
مؤكداً: إن ما يحصل هو تهديد لحياة أكثر من ثلاثين الف عراقي تركماني من أهالي الناحية الذين هم تحت النيران وأمام تهجير جديد من منازلهم، ومن المحزن أن الحكومة العراقية لحد الآن لم تحرك ساكناً أو تضع حلاً لمأساة أهالي الناحية بالرغم من مطالبة النواب التركمان ومناشدتهم للحكومة بالاسراع بتحرير قرية البشير منذ أول ايام احتلالها، لكنهم لم يجدوا أذاناً صاغية باهتمام الحكومة بهذا الموضوع الخطير متجاهلين ما يحصل وما النتيجة التي ستؤدي بها، حيث وصل عدد الوفيات نتيجة هذا القصف الى ثلاثة أشخاص فيهم طفلتين وإمرأة بالاضافة الى التزايد اليومي للمصابين حيث تجاوز العدد الحقيقي 2600 حالة مصابة بدرجات متفاوتة من مشاكل في العينين والجلد والصدر وأمور أخرى، بالاضافة فان المنطقة شهدت 10 حالات ولادة أطفال مشوهين وميتين ورائحة الغاز متواجدة لحد هذه اللحظة في المدينة مع عدم وجود جهود تطهير للمدينة حقيقية، علماً ان نتيجة فحص دائرة الدفاع المدني في كركوك وجامعة كركوك أثبتت أن الغاز المستخدم هو خليط غاز (الخردل والكلور).
مستنكراً للموقف الحكومي، ومناشدا بارسال فريق متخصص في الأسلحة الكيمياوية وفريق طبي دولي لمعالجة الاصابات الناتجة عن هذه الأسلحة وإصدار قرار لعتبار ما حصل في ناحية تازة خورماتو واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً جريمة إبادة جماعية وإحالة عصابات داعش للمحكمة الجنائية الدولية.
مطالباً اللجنة الدولية بالتحقيق مع الدول التي زودت عصابات داعش بالأسلحة الكيميائية وتسمية الدول الممولة ومعاقبتهم. مضيفاً مطالبته بتوضيح موقف هذه المنظمات وهل سيستمر الموقف المتفرج من كل هذه الجرائم وعدم الأخذ بالمسؤولية المناطة بهم لحفظ أرواح المواطنين والاعتبار لقدسية البشر في الكتب السماوية جمعاء.
وأعاد الأستاذ سركال في الندوة القاء كلمة العراق التي سبق وألقاها مندوب العراق في منظمة حقوق الإنسان للأمم المتحدة في جنيف بعد الجريمة النكراء التي وقعت في ناحية تازة خورماتو، والذي لم تتطرق كلمة العراق الى الجريمة التي وقعت على أهالي ناحية تازة خورماتو لا من قريب ولا من بعيد بشكل خاص، ولا الى المأساة التي يعيشها التركمان في العراق بصورة عامة. وكانت التفاتة ذكية من قبل الأستاذ محمد سركال على إعادة قراءة تلك الكلمة، وأظهر تأسفه الشديد من عدم الشعور بالمسؤولية للمؤسسة العراقية الرسمية لحقوق التركمان ومظلوميتهم والذين يعدّون مكوناً اساسياً من مكونات الشعب العراقي.
وتحدث الإعلامي اللبناني الأستاذ جعفر الأحمر حول تطور الفكر الإرهابي وعن انتشار الحركات والتنظيمات الإرهابية في البلاد الإسلامية والعالم أجمع.
ثم تحدث المحلل السياسي والاعلامي المعروف باسم العوادي في كلمته عن تطور استخدام الإرهابيين الأسلحة الكيماوية بدءا من ضرب الغوطة قرب دمشق سنة 2013م من قبل جبهة النصرة المدعومة من تركيا وقطر وانتهاء بناحية تازة خورماتو التي تم قصفها من قبل داعش المدعوم فكريا وسياسيا ولوجيستي من دول معروفة. وتطرق إلى مظلومية التركمان ووقوفه إلى جانبهم في مأساتهم والتي هي ماساة كل الشعب العراقي.
ثم ألقى السياسي العراقي حميد الكفائي كلمة دعا فيها الجميع الى التكاتف لمواجهة عصابات داعش الإرهابية الذين وصفهم بأنهم قوة شريرة لا تعرف سوى القتل والتدمير ولكنهم ضعفاء لأنهم يقتلون النساء والأطفال وقال بان هناك خلايا نائمة في الدول الغربية ويجب علينا باعتبارنا مهددين ان نسعى ان نجدهم  ونجد من يحفزهم والإبلاغ عنهم .
وكانت للكرد الفيلية مشاركة بالمناسبة حيث ألقى سماحة الشيخ زكي الفيلي رئيس مؤسسة الكرد الفيلية في لندن كلمة ندد فيها بالقصف الاجرامي الذي قامت به عصابات داعش الإرهابية ضد اهالي مدينة تارة وطالب بالرد القوي والسريع على هذا الاعتداء الاثم
هذا وأدار الندوة الاستاذ جواد الخالصي الذي أعطى الكلمة في النهاية لابن مدينة تارة المنكوبة الدكتور عباس الإمامي "رئيس منظمة حقوق الانسان لتركمان العرق في بريطانيا" الذي أنهى الندوة بكلمة ختامية مظهراً تأسفه الشديد على عدم تعرض الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في حديثه أمام مجلس النواب العراقي عن الجريمة التي تعرض لها أهالي ناحية تازة خورماتو بقصفها بأسلحة سامة من قبل تنظيم داعش. وأعلن أن أهالي ناحية تازة يعيشون بحالة مأساوية بكل معنى الكلمة. مظهراً عدد الضحايا التي وقعت جراء الحادث الاجرامي ووقعت اكثر من 2800 ألفين وثمانمائة اصابة بمختلف حالتها، وتم نقل عشرات المصابين بحالات خطرة الى خارج العراق للمعالجة، في وقت وقع عدد من الشهداء من الأطفال والنساء. شاكراً الحاضرين مشاركتهم في مواساة الشعب التركمان الذي أراد إيصال صوت مظلوميته للعالم. خاتماً حديثه بالشكر المتواصل للحضور الكرام على تجشمهم عناء الحضور ودعمهم لمظلومية التركمان في العراق وخصوصاً أهالي ناحية تازة خورماتوا لما تمر عليهم من حالة مأساوية وجريمة الإبادة الجماعية من قبل كيان داعش الارهابي.

47
وزير تكنوقراط .... والوزارة ماذا؟
حسين أبو سعود
يعلم الجميع بان الوزارة اية وزارة ليست مجرد كلمة وليست مجرد وزير  وانما هي وكلاء ومدراء عامون ومدراء وجيش من الموظفين والمستخدمين وقد شاع مؤخرا في العراق مصطلح التكنوقراط، وزادت المطالبات بتعيين وزراء تكنوقراط لوزارات غارقة في الفساد بأكملها دون ان يعلم المطالبون بان الوزير التكنوقراط يجب ان تُسند اليه وزارة تكنوقراطية أيضا والا  سوف لا ينجح ولن يخطو خطوة نحو النجاح لان جيش الفاسدين سيكونون له بالمرصاد وسيفسدون عليه عيشته ويضطرونه لتقديم الاستقالة والهروب بجلده الناعم، واكثر ما اخافه هو ان تؤدي هذه المطالب الارتجالية المتسرعة الى تضييع الوقت والجهد والمال لسنوات أخرى، خاصة واننا نعلم بان لكل وزير بطانته وهم الوكلاء والمدراء وغيرهم وهؤلاء قادرون على افساد النزيه وتوريط البريء، فمن يضمن بانهم  لن يجروا ارجل الوزير التكنوقراطي نحو الوحل، اعني وحل الفساد والرشوة والسرقات والاختلاسات ، ثم كم من الوقت سيعطي هؤلاء كمهلة للوزير الجديد للقيام بالإصلاحات المطلوبة وتحقيق التغيير المطلوب، وهل سيُطلب منه فتح الملفات القديمة في وزارته ليلتهي بها ام انه سيبدأ من جديد حياة جديدة وعفا الله عما سلف.
وإذا افترضنا باننا جئنا بوزير داخلية تكنوقراط، فما عساه ان يفعل مع جيش من الضباط تعودوا على نمط معين من العيش، وان كانت مهمته الأولى إقامة الامن فكيف سيفرض الامن بهؤلاء الذين اثبتوا فشلهم في ضبط الأمن على مدى عشر سنوات ويزيد، وكذلك الحال مع وزير الدفاع التكنوقراط وما عساه ان يفعل مع جيش مبني على المحاصصة نخرت فيه التخاذل حتى أضاع معظم مناطق البلاد وسلم الموصل الى داعش بكل سهولة ويسر.
وعلى ذلك نقيس ما في الوزارات الأخرى، ثم ماذا يريد المتظاهرون من رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي كان الله في عونه؟ ومن اين يأتي بالتكنوقراط؟ هل يأتي بهم من الأطراف السياسية المعروفة كالتحالف والكردستاني ومجموعة علاوي، فاذا جاءوا منهم فالأمر يظل على ما هو عليه ولا تغيير يُرجى على الساحة، وإذا جاء بهم من خارج هؤلاء الذين يريدون نصيبهم من الكعكة العراقية الدسمة فمن يضمن لهم النجاح في أجواء تسودها المؤامرات والمخططات المحبطة؟
أقول: كان الله في عون العراق لقد بدأ الشعب يرفض حتى الديمقراطية التي جاءت بهؤلاء وهي الطريقة المثلى للتخلص منهم أعني عبر صناديق الاقتراع ولو بإجراء انتخابات مبكرة.
وكان الله في عون هذا الأسد المحاط بالصيادين المكرة وهو رئيس الوزراء، فهو الان في وضع لا يحسد، والكل يجر ويعر من جهة، وفي النهاية اقترح على مجلس النواب العراقي التصويت على تغيير اسم العراق الى (جمهورية العراق التكنوقراطية).

48
قصف تازة بالكيماوي.. من المسئول الحقيقي؟
حسين أبو سعود
بعيدا عن الأسلوب التقليدي في توجيه الاتهام المباشر للجهة المنفذة دون دراسة الدوافع وتحديد الارهاصات وتشخيص المسببات أقول بان داعش ليس المسئول عما حدث من مأساة جراء قصف مدينة تازة خورماتو التركمانية بالأسلحة الكيمياوية ، لان داعش عدو شرير يتحكم به ثلة من المتهورين، وليس من العقل ان نتوقع منهم الرحمة او ان نطلب منهم الترفق في القتل وعدم استخدام أسلحة الدمار الشامل  والاكتفاء بالأسلحة التقليدية في قتل أهلنا وشعبنا، لان داعش فئة من المتهورين يمكنهم تدمير الأخضر واليابس وهم أعداء الجمال وشذاذ الافاق ولصوص الأرواح. وأريد هنا ان أطالب بالبحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت الى حدوث هذه الفاجعة الإنسانية بحق أناس مسالمين همهم العيش الكريم دون تدخل من الاخرين في شئونهم والعكس صحيح.
وإذا كان داعش مسئولا عما حدث فهو آخر المسئولين، والمسئولية الكبرى تقع على عاتق الدولة العراقية التي تسوف وتماطل وتضيع الوقت، والا ما معنى عدم تحرير منطقة بشير المحتلة لحد الان؟ ولماذا لا تفتح عدة جبهات مع داعش في وقت واحد خاصة وهي تتمتع بدعم دولي فعلي في مقاومتها لداعش، ثم ان المسئولية تتدرج لتشمل حكومات الدول المجاورة بالدرجة الأولى وحكومات دول العالم الأخرى بالدرجة الثانية
ويزداد عجبي من موقف الاخوة الكرد من هذه المأساة الإنسانية لاسيما وان لهم تجربة قاسية ومؤلمة في حلبجة التي تعرضت لقصف كيمياوي ظالم أدى الى سلب حياة الألاف من الرجال والنساء والأطفال، وكنت أتوقع بانهم ومن واقع معاناتهم سيكونون في المقدمة في الاحتجاج ورفع الصوت عاليا واتخاذ الخطوات العملية بما فيها الرد العسكري السريع لضمان عدم حدوث هجمات مشابهة أخرى على المناطق المكشوفة للتركمان وهم أي الكرد كما قلت ضحايا سابقين للسلاح الكيماوي الغادر، ثم اين رد الحكومة العراقية وأين الحكومة ككل وأين المعتصمون والمتظاهرون في بغداد من هذه المأساة؟، ولماذا لا يضمنون هتافاتهم بعضا من عبارات الاستنكار؟ اين الأحزاب والقوميات والأديان والمنظمات؟
اين المجتمع الدولي؟ اين أمريكا وروسيا؟ اين تركيا وإيران؟ وأين المرجعيات السنية والشيعية؟
ان ما حدث في تازة كان بسبب تقاعس المجتمع الدولي ككل امام احتلال داعش للموصل وبدؤهم بهدم قبور الأنبياء والصالحين والمباني الاثرية مثل منارة الحدباء التاريخية، وتقاعسه امام احتلال سنجار وسبي الايزيديات واغتصابهن.
لقد تحركت دكة الموتى ولم تتحرك ضمائرهم أولاد ... كما قال مظفر النواب: ان حظيرة خنزير اطهر من اطهرهم، سكتوا وخنعوا وتساهلوا حتى استيقظوا على خبر القصف الكيماوي الغادر على منطقة تازة الآمنة المطمئنة ولكن هل تحركت الضمائر كما ينبغي؟
الجواب لا ولعلهم ينتظرون قدوم داعش الى هذه المناطق لقتل الرجال وسبي النساء والأطفال ثم بيعهم في أسواق النخاسة ولكن هيهات، تموت المرأة التركمانية ولا تُسبى.
وأخيرا أقول لكل من تقاعس او تباطئ في التفاعل مع مواجهة داعش بان الخطر قادم وسيجرف الجميع كما السيل ومن حُلقت لحية جاره فليسكب الماء على لحيته.


49
المنبر الحر / العودة من قونية
« في: 21:27 04/03/2016  »
العودة من قونية
حسين أبو سعود
قونية مدينة تركية فيها مرقد مولانا جلال الدين الرومي

تعودت كثيرا ان أقف طويلا امام بوابات المدن المقدسة ،قبل دخولها وبعد مغادرتها ، ووجدت روحي بعد اضطرابها المزمن تشتاق للانعتاق من صخب هذه المدينة والتوجه نحو ضريح مولانا جلال الدين الرومي المحاط بزهور قونية اليانعة وورودها الملونة، اشتهت روحي ان تطيل البكاء هذه المرة امام بوابة مدينة قونية حيث تجليات الأنقياء وصفاء دواخلهم ورقصهم الدائري حول نقطة الحقيقة كما الرقص العبثي للفراشات حول النار المعشوقة.
وصلت المدينة بين الظهر والعصر فصليت هذه المرة رقصا جمعا وقصرا، دورتان بذراعين مفتوحتين في كل مرة
انتشت روحي ونسيت بعض تعبها ووضعت هناك بعض أوزارها التي كانت قد أثقلتها .
اغتسلت سريعا في الجدول القريب وارتديت ملابس بيضاء بلا جيوب ولا أزرار .
ظننت انه من السهل ان اقتحم على مولانا خلوته ولم أدر بوجود أصول وأعراف يجب مراعاتها عند الورود على الصالحين منها الاستئذان ، فلمحت على باب حجرته امرأة حسناء فارعة بارعة ترتدي ملابس شفافة بلون السماء الصافية تكاد تظهر كل مفاتنها، عيناها بحران يلتقيان تحت حاجبين أسودين ساحرين وعلى أنف أقنى مرسوم بمهارة بين خدين كتفاحة شُقتْ الى نصفين ، والشفاه كرزٌ قُطفَ للتو في أوج الموسم والعنق يتسامى كأبريق فضة ، والشعر الكستنائي ينساب على الاكتاف كأنه شلال صغير، والجسد المكتنز يبهر حتى القديسين ويشغلهم عن التسبيح والصلوات.
نظرتْ إليَّ بغنج ودلال وهمست :ما الذي جاء بك؟
قلت اريد التشرف بتراب اقدام المولوي ، فسألتني عن ديني ومذهبي فقلت لها :انا مسلم سني العقيدة ،فدخلت هنيئة ثم خرجت ولم تأذن لي بالدخول فقلت بل انا شيعي المذهب ، فدخلت ثم خرجت دون ان تأذن لي بالدخول وفعلت ذلك عشرات المرات وانا أعدد لها المذاهب واحدا واحداً لعل احدها يروق للشيخ ويحظى بالقبول الحسن فيأذن لي بالدخول ولكن ذلك لم يحدث فعددت لها: اشعري ظاهري زيدي معتزلي سلفي حتى اكملت لها ثلاث وسبعين فرقة وزدت لها عشرا من المذاهب الجديدة، وفي المرة الاخيرة وكان اليأس قد تملكني تماما قلت لها : اخبري مولانا بأني مسلم ومذهبي الحب، وهنا قام الشيخ من رقدته فتهللت أساريره واحتضنني وقال بلهجة المعاتب: لماذا أجهدت نفسك بالمجيء إلينا؟
قلت: جئت لأتعلم العطاء من الزهور التي تحيط بقبرك واتعلم الغناء من البلابل والطيور التي حلت  بفنائك جئت تلميذا يريد ان يتعلم مبادئ العشق الاخر.
فأشاح بوجهه عني قليلا ثم عاد وقال :اخرجْ الان الى الحسناء فهي لك فأقضي منها وطرك حتى تشبع ثم عدْ لي.
ملأ السرور قلبي وخرجتُ مسرعا وكانت الفتاة تنظر في البحيرة المقابلة تراقب منظر الغروب وتتأمل أسراب البط العائدة ، وضعتُ يدي على كتفها برفق بالغ فاستدارت وإذا بها شيخ كبير عليه سمات الدراويش يلبس الصوف الخشن تملأ التجاعيد وجهه الوقور، فتح ذراعيه مبتسما يريد ان يضمني الى صدره فدخلني في حينه خوف كبير وفزع عظيم ، فعدت الى المولوي مستنجدا من هول المطلع وسوء المنقلب وقلت له متوسلا: سامحني أيها القديس النقي التقي فأنا بشر قد غره الشيطان، فنظر إليَّ ملياً وقال : هيامك بالفتاة الحسناء حال الوصول كان سقوطا أولاً ، وخروجك مسرعا من عندي طمعا في وصلها كان سقوطا ثانيا، ولا مجال عندنا للسقوط الثالث، ثم كان حريا بك أيها الرجل ان تبحث عني في مدينتك دون الحاجة للمجيء وتجشم عناء السفر وطي المسافات الطويلة، وانت ان لم تجدني هناك فلن تجدني هنا وان وجدتني هناك ستجدني في كل مكان،
ابحث عني يا ولدي في قلبك.
تحول نظري عنه هنيئة ثم التفتُ فلم أجده كما كان ماثلا أمامي
بحثتُ عنه في قلبي فلم أجده أيضاً .
********
حتى وان تناءت اجسادنا، ستبقى نافذة بقلبي تطل عليك
ومنها أمدك بالرسائل الصامتة
تماما كما يفعل القمر(الرومي)
العشرين من يناير 2016


50
هناء الجنابي، عراق العراقيين في المهجر
حسين أبو سعود
ان المصاب لجلل والخسارة فادحة أعنى رحيل السيدة الجليلة هناء الجنابي (ام مصطفى) هذا الاسم الذي يعرفه أكثر العراقيين في بريطانيا بل ويعرفه الكثير من العرب والمسلمين هنا لان خدماتها لم تكن مقتصرة على مواطنيها فحسب وانما تعدى ذلك ليشمل كل محتاج للمساعدة بغض النظر عن جنسيته او دينه او مذهبه، وهذا شأن العظماء الذين أخرجوا أنفسهم من البوتقة الضيقة للتعصب الى العالم الإنساني الأرحب والى فضاء العطاء بلا حدود ولا شروط.
انا لا اريد ان اذكر خدماتها وجهودها وعطاءاتها الغزيرة الجليلة القيمة ولا هي تحتاج الى مدح وثناء من أحد لأنها ما فعلت كل الذي فعلت من اجل الحصول على مديح او تكريم او وسام لأنها هي من تشرف الاوسمة بإنجازاتها وعطاءاتها.
كانت ام مصطفى نهرا رقراقا لا ينضب معينه من العطاء المستمر وكانت فوق ذلك كتلة من الاخلاق والرفعة والاقدام لان من يتصدى لهموم الناس وخدمتهم يجب ان يتحلى بالإقدام والجرأة والثبات، كل هذا فوق كونها الانسانة الطيبة البشوشة الكريمة.
هي كما قلت امرأة تعدى عطفها على أولادها الى الجالية كلها وكانت تستمع لهموم الاخرين ومعاناتهم وما أكثر معاناة طالب اللجوء فتسعى للتخفيف عنهم وحل مشاكلهم وقضاء حوائجهم، وكان حقا على الجالية ان تسميها (ام العراقيين) أي ام الغرباء والمعذبين.
لماذا ام العراقيين؟ أقول: كم امرأة مسلمة في المملكة المتحدة؟
كم امرأة عراقية في هذا البلد؟ والجواب: كثير ولكن كم هناء الجنابي في بريطانيا؟ أقول واحدة، لأنها باختصار كانت أما حقيقية داخل بيتها وفي خارجه، لقد كانت عراقا للعراقيين في المهجر، وهكذا الام فهي الدفء لأبنائها في الشتاء ونسيم بارد في قيظ الصيف وقطرات ندى في الربيع وأمل مورق في كآبات الخريف.
اذكر جيدا باني عندما زرتها مع اخينا الشيخ الدكتور عباس الامامي عظم الله اجره وأحسن عزاؤه برحيل والدته الكريمة ويبدو ان هذا الموسم هو موسم رحيل الأمهات اذ رحلت ام شيخنا حسن التريكي أيضا في هذه الفترة، رحمهن الله جميعا وتقبلهن بأحسن قبول في اعلى عليين، عندما زرتها اول مرة كنت أظن ونحن في الطريق الى المستشفى باني سأرى امرأة مريضة ضعيفة حزينة كسرها المرض، ولكني رأيت شيئا اخر تماما، رأيت البشاشة الجميلة والثقة العالية والأخلاق الحميدة والابتسامة العريضة.
لقد رحلت ام العراقيين السيدة هناء الجنابي ولكنها ما زالت وستظل تسكن في قلوب المحبين يتبعها الشوق الدفين ويتبعها الحنين، وتظل الذكريات الباقية مع أهلها ومحبيها تغرد صباح مساء تذكر بوجودها الجميل، وستظل الأحاديث تزهو بذكرها العطر.
اروحها الطاهرة سلام وتحية واحترام وتقدير ولها الجنان الفسيحة الواسعة الوارفة وأحسن العزاء لأنجالها وزوجها الوفي الدكتور كمال البصري.



51
المنبر الحر / اسلام اليوتيوب
« في: 13:10 23/02/2015  »
اسلام اليوتيوب

حسين أبو سعود
اليوتيوب وما أدراك ما اليوتيوب وهو هنا كناية عن عالم الانترنت ككل بما فيه الفيس بوك والتويتر والبالتوك  والواتساب وغيرها.
واليوتيوب عالم ملون يدخله الانسان بإرادته  و ﻻ يخرج منه الا اذا شعر بالتعب والارهاق ،وبعد ان شعرت يوما بالتعب واﻻرهاق ظللت استعيد ما رأيت طوال عدة ساعات متواصلة من التجوال في دهاليز اليوتيوب ﻻ سيما ما يتعلق بالدين اﻻسلامي، والحق باني لم اجد الاسلام كدين واحد يدعو الى اﻻعتصام بحبل الله وعدم التفرق،لكني رأيت التفرق والتشرذم واﻻسقاط  الفظيع للافراد والجماعات فهذا عدنان ابراهيم يتحدث ضد عثمان الخميس الذي يتحدث ضد الشيعة وهذا العريفي يتحدث ضد السيستاني ، وذاك الفلاني ضد  العلاني، الشيخ الغزي ضد احمد الوائلي، وياسر الحبيب ضد السيد كمال الحيدري ورأيت الوهابية يردون على الصوفية والصوفية يفندون عقائد السلفية، والبريلوية الاحناف ضد الديوبندية اﻻحناف ، السنة ضد القاديانية الاحمدية، رأيت المسلمين يعادون اﻻسلام  ورأيت رجال دين مثل احمد القبانجي يشكك في صدق النبي وصحة القرآن، رأيت اناسا ( طفشوا) من شيء اسمه الاسلام وبدأوا يحاربونه تحت ستار العلمانية ،وامام هذا السيل من الهجوم الاسلامي على الاسلام يقف خط اخرمن خارج الدين الاسلامي يهاجم الاسلام وهو أمر يعده البعض معقولا  بعض الشئ  امام هجوم المسلمين على المسلمين وعلى الاسلام، أنه عالم في منتهى الغرابة، رأيت في اليوتيوب دعوات الى التجديد والتصحيح ، رأيت الاسلام التنويري واﻻسلام التكفيري واﻻسلام الشيعي والاسلام السني والاسلام السلفي ، رأيت كل هذا واكثر ولكني لم أر أبدا الاسلام المحمدي. أذن اين الاسلام? ومن الصحيح اذن؟ هذا طبعا فضلا عن الخلافات السياسية بين الدول الاسلامية وكثرة اﻻحزاب وفضلا عن الكتب الكثيرة والادبيات الغزيرة في الرد والنقض والتفنيد ونقض النقض وهي بالاﻻف بل بمئات الالوف، وخلصت في النهاية الى ان هذا الدين الذي كان اصلا لعقا على الالسنة، تحول الى تجارة ومكاسب وعجائب وغرائب وطقوس واسقاطات، والانترنيت صار يتناقل هذه العجائب والغرائب والاسقاطات، في( ﻻ وقت) اعني على الفور فتزيد بذلك الهوة بين المسلمين يوما بعد يوم حتى صار حلم العودة الى الاصل  مستحيلا ، بعد تزايد الكتب الإسلامية من حديث وتفسير وعقائد، وصار لكل  مذهب كم هائل من الكتب يحتار معه الذي يريد ان يعتنق الاسلام حديثا  فلا يعرف اين رأس الاسلام وأين اقدامه، واي المذاهب اقرب الى الصحة كي يتبعه ويتعبد بمقتضاه . ولا اقول امام هذا الاحباط الكبير الذي يصيب الروح والجسد في ان واحد سوى قول الله تعالى في هؤلاء:( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)..و انادي بصوت مخنوق :اذن اين الإسلام؟
ان الدين الاسلامي له مشكلة كبيرة وهو اختلاط اﻻصل بالنقل والصحيح بالسقيم والوضعي بالسماوي والابيض بالأسود ولحل هذه المشكلة نحتاج الى خبير ومفكر محايد ومخلص يؤمن بالثابت والمتغير ومثل هذا الخبير عملة نادرة في يومنا المتشظي الى ميول ورغبات وأهواء، وهل يحق لي ان اكرر ندائي واقول ثانية : اذن اين هو الاسلام؟.

52
الشيرازيان وفرحة الزهراء
حسين أبو سعود
عندما يكون الخلاف بين العلماء في حدود المعقول، يقال بأن اختلاف الامة رحمة، واما إذا يصل الخلاف الى درجة الانقسام ما بين محلل ومحرم فتلك كارثة ما وراءها كارثة، وكم انقسمت الامة فيما بينها في الأعياد والممارسات والشعائر والعقائد بسبب العلماء فاختلفوا في وجوب صلاة الجمعة والتطبير والولاية التكوينية والتشريعية ووحدة الأفق وغيرها من الأمور.
وبعد عدة أيام يدخل علينا شهر ربيع الأول وفيه يوم يحتفل الشيعة او بعض الشيعة فيه بما يسمى فرحة الزهراء، وقد اطلعت على كتيب يحمل هذا الاسم وفيه من الروايات المتضاربة متنها الممزقة أركانها المجهولة سندها الكثير، ويقال بان فاطمة الزهراء عليها السلام فرحت في هذا اليوم لأنه يصادف هلاك فلان، مع ان هذا الامر لوحده يحتاج الى تحقيق، ثم قيل تفاديا للحرج لا بل هو يوم مقتل عمر بن سعد بن ابي وقاص على يد المختار الثقفي الذي تعقب قتلة الحسين حتى افناهم.
ولا أدرى كيف عرف القوم بان الزهراء تفرح لموت الافراد، وهي المتوفية قبل حوالي نصف قرن من مقتل فلان وفلان.
ويبدو باني قد ابتعدت عن صلب الموضوع كثيرا، لأني اردت ان أصف كبر الحيرة التي يبتلى بها الناس امام رؤيتين مختلفتين لعالمين كبيرين حول قضية واحدة أعنى بها قضية فرحة الزهراء، الأول هو السيد صادق الشيرازي والأخر هو الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، الأول يقول باستحباب او وجوب الاحتفال بفرحة الزهراء لوجود روايات صحيحة عن الائمة المعصومين بضرورة احياء ذلك اليوم واعتباره عيدا ويوما سعيدا، والآخر يعتبر فرحة الزهراء بدعة سيئة من البدع ولا أساس لمثل هذا اليوم ولا لمثل هكذا فرحة وانه يجب الامتناع عن الاعتقاد به فضلا عن الاحتفال وإظهار الفرحة.
اذن نحن الان امام عالمين كبيرين آيتين عظميين مسلمين شيعيين وكلاهما شيرازيان والفرق الوحيد بينهما هو ان أحدهما سيد والأخر شيخ، فالأول يقول حلال والأخر يقول حرام والأول يقول: نعم، والثاني يقول: لا
الأول يرى صحة الروايات الواردة بهذا الشأن والثاني يرى ضعف تلك الروايات وعدم صحتها، فاين يذهب الانسان العادي مع هذين الاتجاهين وماذا يفعل إزاء هذا الاختلاف؟
وقد سألني غير واحد عن الحل فقلت بعد الاتكال على الله: نحتاج الى شيرازي ثالث يرجح لنا الكفة شريطة ان يكون عالما اية عظمى أي فقيها جامعا للشرائط.
كم أتمنى ان يكون للطائفة مرجعا واحدا أعلى لكي تتوحد الفتاوى وتتوحد الكلمة.


53
محافظة طوز خورماتو .... مازالت جريحة
حسين أبو سعود
في البدء اود ان أنوه بان استخدام كلمة محافظة بدلا من قضاء هو نوع من أنواع استباق الحدث واعلم بان طوز ليست محافظة، ولكن من حق أي انسان ان يحلم بالطريقة التي يريدها، ومحور هذا المقال ليس له علاقة بالمحافظة او القضاء او الناحية ، فالامر مجرد عنوان قد يثير الانتباه، وحديثي هو عن الجرح العميق للتركمان ولا سيما التركمان الشيعة ، حيث لم تبق منطقة تركمانية واحدة لم يستهدفها الإرهاب سواء في طوز او داقوق وامرلي وبشير وتازة خورماتو وحتى كركوك.
اذن فان الجرح كبير شمل جميع مناطق التركمان، ولست هنا بصدد القاء اللوم على الحكومة ولا على الأهالي ولا حتى الأمم المتحدة ولكني اظل استغرب الصمت العالمي المريب لما يحدث مع تركمان العراق ومحاولات الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها بصورة شبه يومية واتعجب كيف ترتفع الأصوات اذا حدث شيئ في فلسطين او أوكرانيا والصومال، دون ان يرف للعالم جفن لما يحدث في المناطق التركمانية، وأتمنى مجرد امنية ان يهتم مراجع الدين السنة والشيعة وعشائر الجنوب والوسط لما يحدث في تلك المناطق لإنقاذ ما تبقى،ووقف نزيف الدم المستمر في تلك المناطق وطوز خورماتو هو موقع حيوي جدا يفصل بين القوميتين الأكبر وفيها أكثرية تركمانية شيعية، ويقع على عاتق اهاليها مسئولية كبرى في هذه المرحلة الحرجة اعني مرحلة الانتخابات التي لم يبق عليها الكثير ويتحدد المصير وقد عُهد الى معالي وزير الرياضة والشباب المهندس جاسم محمد جعفر من قبل أهالي المنطقة ان يرشح نفسه في الانتخابات الحالية ليمثل هذه المنطقة وغيرها من المناطق المحيطة، لعلمهم بانه القوي الأمين المخلص الذي خدم وقدم الكثير لها ومن لا يعلم بانه كان الضاغط الأكبر في مجلس الوزراء لتحويل طوز من قضاء الى محافظة وانه كان وراء التعويضات الكبيرة لعوائل الشهداء والمتضررين من اعمال الإرهاب، وانه كان وراء تشكيل فوج من الأهالي لحماية المنطقة من قبل ابناءها، وهو الذي اشرف على التسجيل للصحوات وهو الذي ترأس لجان الاعمار والتعويضات وهو وهو وهو، والمقال الواحد قد لا يكفي لتعداد منجزاته وهو لم يفرض على مجلس الوزراء اعتبار طوز محافظة فحسب بل تعدى ذلك الى تلعفر أيضا لتكون بذلك ثلاث محافظات تركمانية في العراق مما سيشكل عامل ضغط حقيقي على مجريات الأمور في المستقبل، أقول عمل كل ذلك ولم تثنيه الصعوبات ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها حيث بقي يواصل مسيرته الجهادية بكل ثبات وشجاعة،وبقيت المسئوليةالكبرى الملقاة على الناخبين ليختاروا نهاية هذا الشهر الأفضل والاقوى والأكثر اخلاصا ومن هؤلاء الأستاذ عباس البياتي المرشح عن محافظة بغداد والدكتور عباس الامامي التازة لي المرشح عن محافظة كركوك ، ووصول هؤلاء الى البرلمان كفيل بتشكيل فريق ضاغط قوي في البرلمان لتحقيق اماني الشعب التركماني المظلوم.

54
التركمان وتحديات المرحلة
حسين أبو سعود
لا يخفى بان التركمان هم ثالث قومية في العراق من حيث العدد ولهم تاريخ قديم وطويل في التهميش من قبل الحكومات التي تعاقبت على الحكم رغم وجود الكثير من الكفاءات السياسية والعلمية والفكرية والثقافية التي اثبتت وجودها في ساحات العمل  المختلفة على مدى سنوات طويلة، ومازال التركمان يعانون من التهميش الظالم من قبل جميع القوى السياسية في البلاد، ولعل السبب الرئيسي لذلك هو انقسام التركمان فيما بينهم وتوزعهم على الأحزاب الكبرى، وقد ادرك مثقفو التركمان ضرر ذلك التشرذم والانقسام وصار أصحاب الفكر منهم يدعون الى ضرورة الاستفادة من الأصوات التركمانية في الانتخابات القادمة من اجل انتخاب شخصيات تركمانية مخلصة واصيلة وليست مرتبطة بالدوائر الأجنبية ودول الجوار وادركوا أيضا حقيقة وجود مخططات لتهميش التركمان الى الابد واعتبارها اقلية صغيرة حالها حال الأقليات الأخرى وتم تقسيم البلاد الى ثلاث مجموعات كبيرة هي عرب سنة وعرب شيعة وكرد، علما بان التقسيم الطائفي المنبوذ يكاد يكون معدوما بين التركمان الذين تربط سنتهم بشيعتهم أواصر قوية من المصاهرة والتعايش وخير دليل على ذلك على الصعيد السياسي هو تشكيل قائمة اتحاد تركمان كركوك والذي يضم سياسيين من المذهبين مثل الدكتور عباس التازه لي والدكتور طورهان مفتي كأجراء عفوي طبيعي للتدليل على انه لا توجد حزازات بينهم ، ولعل هذا الشعور الجميل سيساهم هو الاخر في جعل التركمان يختارون لهم الأفضل ولاسيما الشخصيات التي تم التعرف عليهم عن قرب من خلال عطاءاتهم الكبيرة المميزة الفذة وعلى رأس هؤلاء معالي وزير الشباب والرياضة المهندس جاسم محمد جعفر الذي تشهد عليه  إنجازاته الضخمة التي حققها في مدة الأربع سنوات الأخيرة حيث ارتفع بمستوى الرياضة العراقية الى اسمى الدرجات وصار للعراق اسم لامع في مختلف الرياضات في جميع انحاء العالم. فالإخلاص يعمل المستحيل، وقد عمل الوزير المستحيل للارتقاء بالرياضة العراقية الى المكانة التي تستحقها بين الدول.
ومجيئ مثل هذه الشخصية الى البرلمان مرة أخرى كفيل بحفظ حقوق التركمان والسعي الى الى تحقيق اماني التركمان في الحياة الحرة الكريمة وضمان مستقبل أجيال التركمان.
اذن فالمرحلة هذه اعني بها مرحلة الانتخابات البرلمانية هي مرحلة مصيرية جدا واذا ذهبت هذه الفرصة فلن تعود ثانية واقولها للتاريخ والضمير بان فوز المهندس جاسم محمد جعفر هو مسئولية الجميع وليس التركمان فحسب،  لأنه عندما افنى سنوات من عمره في البذل والعطاء المتواصل لم يفعل ذلك من اجل التركمان وانما من اجل العراق ككل ووصوله الى البرلمان امانة في اعناق المخلصين من أبناء شعبنا عربا وكردا وتركمان واقليات خاصة أبناء دائرته الانتخابية لان الذي خدم العراق بالسر والعلن ليس كمن لم يخدم ولم يقدم شيئا.
ولعل اهم ما يميز الساسة التركمان وعلى راسهم المهندس جاسم محمد جعفر والأستاذ عباس البياتي هو اتصافهم بالإضافة الى المصداقية اتصافهم بخصال عديدة واضحة للعيان منها الشجاعة والجرأة والكرم والنزاهة والتدين، وهذه صفات بمجملها تجعل من المرشح رقما صعبا وعملة نادرة يجب التمسك به والالتفاف حوله قبل فوات الأوان وهناك مخططات كثيرة تحاك بالسر والعلن يُراد منها بعثرة الصوت التركماني واذابة هذا المكون الأصيل في الكيانات الكبيرة كما حدث في عهد صدام حسين عندما اجبر الكثير من التركمان على ترك قوميتهم وتغيير القابهم بغية القضاء على التركمان كقومية ثالثة واذابة خصائصهم الثقافية والفكرية في الكيان العربي، وقد شهد  الجميع بان ذلك المخطط قد فشل رغم وجود البعض من أصحاب النفوس الضعيفة التي رضخت لطلبات السلطات في حينها مقابل وجود أسماء جريئة رافضة قدمت  كوكبة من الشهداء على هذا الطريق ، طريق المجد والعطاء.


55
التركمان ومرحلة ما قبل الانتخابات
حسين أبو سعود
ان المتتبع المنصف للشأن العراقي يستطيع ان يجزم بان المكون التركماني هو اكثر المكونات العراقية تضررا ولا سيما بسبب   جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها يوميا حيث سقط عشرات الضحايا وتسجل القضية بدم بارد ضد مجهولين ولم تبق منطقة تركمانية واحدة لم يطالها يد الإرهاب بدءا من كركوك ومرورا بتلعفر وطوز خورماتو وداقوق وامرلي وتازة خورماتو وبشير،هي مجازر ترتكب في وضح النهار ضد شعب اعزل اختار لنفسه ان يكون مسالما يؤمن بالفكر والقلم ولا يؤمن بالخنجر والطعن من اجل الحصول على حقوقه وان كانت مشروعة.
نعم لقد قدم التركمان كوكبة كبيرة من الشهداء وهم من خيرة الشباب من اجل تقدم هذا الوطن وسعادة أبنائه، ويستطيع التركمان ان يفتخروا علنا بأنهم ضد النفس الطائفي والقومي والمناطقي كونهم يفتخرون بدينهم الإسلام ووطنهم العراق لكي يبقى هذا الكيان موحدا متماسكا.
وكان موقف المجتمع الدولي مما يحدث في المناطق التركمانية ، هو موقف ضعيف يصل الى الصفر واعجب من ان مقتل اعلامي واحد في بغداد يثير ضجة كبرى حيث تخرج المسيرات والمظاهرات تنديدا بحادثة القتل والمطالبة باعتقال الجاني وتقديمه الى المحاكمة وهذا امر جيد ومهم للغاية بان يكون لدى طبقات الشعب الوعي المطلوب بما يجري على الساحة، لقد اعجبت بهذه الضجة ولكني تعجبت كثيرا وقلت اين هذه الأصوات من المجازر التي تعرض لها الشعب التركماني على مدى السنوات الماضية بعد مرحلة السقوط ، ولماذا لم يتفاعل معهم شرائح المجتمع، وأين تركيا وأين ايران  وأين جامعة الدول العربية وأين منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة ؟
اذن يجب على الشعب التركماني ان يعي جيدا بانه لن يحصل على أي جواب لهذه النداءات، ولذا يترتب عليه ان يتصدى بنفسه لبناء مستقبله وعلى التركمان سنة وشيعة ان ينتبهوا لهذه الحقيقة ويولوا هذه المرحلة الحرجة أهمية كبرى لان من خلالها قد تتقرر مصير امة بأكملها عن طريق الانتخابات، وعليهم اخذ الحيطة والحذر والتأني في الادلاء بالصوت الثمين للمرشح الذي يستحق ان يمثل الشعب في البرلمان.
لقد عرف الشارع التركماني الكثير من الشخصيات التركمانية التي عملت بإخلاص وتفان منقطع النظير وفي احلك الظروف ضراوة وخطورة، لخدمة المكون التركماني ومن هؤلاء الأستاذ عباس البياتي ومعالي وزير الشباب المهندس جاسم محمد جعفر ، وفيما يخص الأستاذ البياتي فانه شخصية غنية عن التعريف لما له من اسهامات في الدفاع عن قضايا التركمان في البرلمان وخارجه  وانه يستحق بجدارة ان يمنحه أهالي بغداد بكافة مكوناتها ثقتهم بانتخابه للدورة القادمة ، فلقد اثبت جدارة عظيمة  في أداء مهامه  وتفانيه في خدمة الشعب بغض النظر عن الانتماء الطائفي والقومي.
واما وزير الشباب والرياضة فكان الصوت الأقوى للتركمان داخل مجلس الوزراء وخارجه وهو فضلا  عن خدماته الكبرى في خدمة الشباب كفئة مهمة في المجتمع وفي النهوض بالرياضة العراقية الى اعلى مستوى ، وتشهد على ذلك منجزاته العظيمة في بناء الملاعب الضخمة في مختلف مناطق العراق في وقت كان طبقة الشباب يعانون الإهمال وعدم الاهتمام، واما خدماته للشعب التركماني عامة والمنكوبين منهم وذوي الشهداء فقد كان لهم السند القوي والمدافع الحقيقي حيث حصل لهم على حقوق وامتيازات كثيرة كتعويض لهم عن فقدان اعزتهم في العمليات الإرهابية الظالمة. ولا اظن بان مقالا متواضعا مثل هذا يكفي لتعداد منجزات وعطاءات السيد الوزير على الصعيدين الوطني والقومي، ولكنه تذكير للتركمان بان يختاروا من خدمهم وسهر على مصالحهم طوال الأربع سنوات الماضية.
وهذا لا يعني بان نتناسى المرشحين الجدد، أمثال الدكتور عباس التازه لي المرشح عن كركوك الذي يحمل خبرات اكاديمية واسعة وله تاريخ مشهود على جميع الأصعدة كناشط أحب العراق كوطن دون ان يتنازل عن تركمانيته وحبه لقومه وأهله وهو الان عاقد العزم على مواصلة المسيرة الجهادية لغاية تحقيق اماني الشعب التركماني في الحياة الحرة الكريمة.
على ان هناك زعماء تركمان اخرين خدموا القضية التركمانية بكل اخلاص يستحقون الاجلال والتقدير.
وأكرر بان على الشعب التركماني ان يعي جيدا أهمية هذه المرحلة ويتوجه نحو صناديق الاقتراع وانتخاب الأفضل من اجل حياة أفضل.

56
العراق يعود للملكية

حسين أبو سعود
عندما دخلت القوات الامريكية الى العراق دعا الحاكم الأمريكي جميع الأطراف والفصائل العراقية الى اجتماع طارئ ليطلع على وجهات النظر المختلفة في كيفية حكم العراق الجديد، فاقترح السيد عزالدين إبراهيم اعلان العراق دولة ملكية وتنصيب الشريف علي بن الحسين ملكا دستوريا على العراق وقد تمت الموافقة على ذلك بالإجماع وعندما سئل الناطق باسم الفصائل العراقية عن سبب عودة العراق الى الملكية قال لأننا نريد وباسم الشعب العراقي ادانة الانقلابات العسكرية الدموية التي أخرجت البلاد من الشرعية الى اللا شرعية والتي أودت بها الى حروب و ويلات ودماء وسحل وقتل وحصار واحتلال وتفجيرات وتفخيخات و و و ، وإعادة الملكية هي إعادة للشرعية علما بانه قد حصل خلاف حاد على التسمية فمنهم من قال (المملكة العراقية) ومنهم قال لا بل (مملكة العراق)، وان اول دولة اعترفت بالمملكة العراقية الجديدة هي جمهورية كردستان المجاورة التي انفصلت عن العراق بطريقة سلمية نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي تم اجراءه تحت اشراف الأمم المتحدة، وأثبتت نجاحها كدولة مستقلة لا يعيبها شيء سوى انها بلا ميناء بحري تطل من خلاله على العالم ولكنها على أي حال تستخدم الموانئ السورية والتركية وتعتمد عليها في استيراد وتصدير البضائع.
ثم انه جرت انتخابات تشريعية نزيهة في المملكة العراقية الفتية ، وصار البرلمان العراقي يضم جميع مكونات الشعب، وتم بعد فترة  تقديم مقترح الى البرلمان لتحويل البلاد من النظام الملكي الدستوري الى نظام جمهوري ديمقراطي وكان التصويت لصالح المقترح بأغلبية كبيرة ، وقد دب نفس الخلاف بين الأعضاء على التسمية الجديدة للبلاد فمنهم من قال (جمهورية العراق) ومنهم من قال (الجمهورية العراقية) وتم طرح الامر للتصويت فاختارت الأكثرية الساحقة تسمية (الجمهورية العراقية) ، وهكذا عاش العراق دولة مستقلة تزدهر يوما بعد يوم بفضل الأمان السائد في جميع انحاءه بسبب العدالة الاجتماعية التي تبنتها الدولة منذ البداية، ورويدا رويدا وبفضل الخطط السليمة للحكام صار العراق في مصاف الدول المتقدمة من ناحية التعليم والتجارة  والزراعة والصحة والسياحة وغيرها من المجالات ، وصار العراقي يسافر الى معظم دول العالم بدون تأشيرات بسبب تمتع البلاد باقتصاد زاهر وعملة مستقرة وإنتاج وفير، وقد تأثرت امارة دبي سلبا حيث نقص عدد السياح بشكل كبير بسبب تفضيلهم التوجه الى العراق لما يتمتع به من مناخ جميل معتدل شتاء وحار نسبيا في الصيف ، وصار الزوار يأتون بالملايين بقصد زيارة الأماكن المقدسة حتى باتت المطارات  لا تكفي لاستيعاب هذه الاعداد من الزائرين فتم الاستعانة بخبرات عالمية عريقة في هذا المجال، وفجأة ايقظني صوت ام العيال من النوم لتعلن انتهاء الجزء الأول من الحلم الكبير ، حلم الجميع، العراق الحر المتطور الجميل لتقول لي هيا لتناول الفطور  والتهيؤ للذهاب الى المطار والمغادرة نحو العراق (الحقيقي) عراق الموت اليومي والبطالة والفوضى الخلاقة.
aabbcde@msn.com

57
المنبر الحر / شهوات القديسين
« في: 22:03 22/09/2013  »
شهوات القديسين

حسين ابو سعود
الشهوة وما ادراك ما الشهوة؟ انها غريزة تورث المصائب في اغلب الاحيان، اهتمت بها الاديان حتى لا يحترق الاخضر واليابس، والشهوة نار كانت ستحرق الارض وما عليها لو انها لم تُقسّم على البشر كلٌ حسب طاقته ، والشهوة تفوق بحجمها حجم البشر فتم اعطاء سبعة اضعاف ما يُعطى للرجل الى المرأة لحكمة لا تبلغها الاذهان، والشهوة تتكاثر بالانشطار فلا يقدر عليها مُثُل ولا قانون ولا دين، وهي تورث المهالك ان لم يتم السيطرة عليها بالطرق الشرعية المتاحة.
الناس  اسرى شهواتهم ولا عبرة بالحالات الشاذة والفردية ويلجأ الانسان لاشباعها الى عادات سرية مختلفة لا تشكل (العادة السرية) المعروفة اي نسبة فيها لان العادات السرية كثيرة لا تكاد تحصى، وما يقال عن زوجات سليمان وجواري هارون الرشيد وفعلة احد القادة بامرأة مالك بن نويرة  والمطلقات الثلاثمائة لاحد الائمة اللاتي سرن في جنازته واجبار الملوك والزعماء للبسطاء او لرجال الحاشية على تطليق زوجاتهم للاقتران بهن ان هي حازت الاعجاب واثارت الاهتمام، ما يقال عن هذه الامور وغيرها كثيرة جدا ولا تكاد تحصى، وقد شوهد شخص في الكعبة   واخر داخل المراقد المشرفة والبعض في المساجد يبحث عن متنفس لشهوته العارمة او  النائمة التي صحاها اختياريا.
ويتساوى في الشهوة رجال السياسة ورجال الدين والعوام والهوام ، وقد انتبه لذلك الرسول الاكرم (ص) فامر بتسهيل الزواج واشترط الدين والخلق فقط دون الحسب والنسب والمال وغيرها ، كما انتبه لذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) وحديثه مشهور ومعروف مع ام المؤمنين السيدة حفصة ابنته حيث أمر ان يعاد الجنود الى اهليهم كل اربعة اشهر ومنع التأخر عن اتيان الزوجة لاكثر من هذه المدة لا سيما بعد سماعه زوجة احد الجنود وهي تقرأ ابياتا تنضح بالشهوة وقساوة الشهوة:
تطاول هذا الليل واخضل جانبه وأرقني إذ لا خليل ألاعبه
فلولا حذار الله لا شيء مثله لزعزع من هذا السرير جوانبه.
واما علماء العهد الجديد فقد رأوا من الشهوة ما رأوا من تقويض لاركان المجتمع ومن حالات تصعيب الزواج فاقترحوا زواج المسيار  وزواج المسفارعند الطائفة السنية والمتعة او ما يسمى بالزواج المؤقت او المنقطع عند الطائفة الشيعية وقد حلّ الاسلام هذه المعضلة بتعدد الزوجات وتسهيل التزويج واتخاذ الجواري  وهو أمر متفق عليه بين الفريقين، ولو كان نظام الجواري باقيا معمولا به لما زنى الا شقي ، ومن المعلوم بانه كانت في السابق اسواق نخاسة تُباع فيها الجواري باسعار مختلفة ولم يكن هناك احد الا وعنده جارية حتى لو كان متدينا او شيخا كبيرا ، وللجواري فقه خاص له تشعيبات وتفاصيل ليس هنا مجال ذكرها.
وفيما يخص الحكمة  من تخصيص المراة بسبعة اضعاف من الشهوة المعطاة للرجل، توجهت قبل عشرين عاما بالسؤال الى عدد من كبار العلماء والمراجع فلم يجب منهم احد الا اية الله العظمى الشيخ المنتظري  رحمه الله  بقوله ان الامر يشبه ارتواء العطشان العادي والعطشان الذي لم يذق الماء من اسابيع، وكيف يتساويان تقريبا في كمية الماء التي يشربانه وكذلك المراة فانه يكفيها  القدر المتيقن من الجماع، ولكنه لم يعط الحكمة من ذلك ، ولا عيب في ان لا يعرف العلماء سر ذلك لان الله ورسوله اعلم.
ان الحافظ لشهوته شخصية نادرة في كل المجتمعات لذا خصه الله تعالى بان يظله في ظله يوم لا ظل الا ظله لانه عمل صعب جدا،وهو الذي ارى عبده يوسف البرهان فاستعصم، ومقاومة الشهوة مَلَكَة لا يؤتاها الا الاتقى الذي روض نفسه ليلا ونهارا على التقوى والورع كالامام موسى الكاظم عليه السلام الذي استطاع ان يغير تلك الغانية التي بعثها الخليفة لاغوائه في السجن ، وقد استطاع ان يقاوم ويصبر كي يصدق عليه الاية الكريمة(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) وهي الكتبة الموجودة على ضريحه لحد الان.
ولكثرة تواجد النساء في الاسواق ومزاحمتهن للرجال تحدث نوبات من الشهوة عند الرجال بعضها تنفجر كما فعل احد الحمالين ذات يوم صيفي في دولة خليجية عندما احتضن امراة متبرجة من الخلف دون اكتراث بالناس والشرطة والقانون حيث كانت سطوة الشهوة اكبر من التحمل امام جسد مكتنز ابيض غض بض، وقد صدر الهدي النبوي للافراد بان من رأى امراة في السوق فاعجبته فليأت امراته لان عندها ما عندها مع ان ما عندها ليس بالضرورة ماعند الاخريات فلكل فاكهة طعم خاص به وماذا يفعل الالاف من الوافدين في دول الخليج ممن لا نساء لهم في بيوتهم اذ لا تسمح السلطات باستقدام الزوجات الا لفئات معينة ويبقى هؤلاء متزوجون ولكن بالمراسلة.
ولا ادري ما علاقة اكل التفاح بالشهوة لا سيما تفاح الجنة وما حدث بسببه لأبوينا آدم وحواء وقد قرأت للاستاذ الاديب زياد جيوسي في وصفه لكنيسة مار سابا في بيت لحم قوله ان القديس سابا حرم على نفسه اكل التفاح وهو الذي منع النساء من دخول الدير بالمطلق لاعتقاده بان المراة اذا دخلت الدير سيتعرض لزلزال، ويُروى ان مجندة اسرائيلية من قوات الاحتلال تمكنت من دخول الدير فاهتز المبنى، والقديس سابا الذي استن قانون منع دخول النساء الى الدير كان يستقبل والدته حين تزوره خارج الدير دون السماح لها بدخول الدير، ويقول بعض الرهبان ان سبب المنع هو كي لا تكون هناك شهوة تؤثر على التفرغ للعبادة، وفي اليونان جزيرة تسمى اثيوس يقطنها اربعة الاف راهب متوزعون على عشرين ديرا دون ان يكون بينهم امراة واحدة وقد حرم هؤلاء على النساء دخول الجزيرة ولم تطأها قط اي امرأة.
 هل لأن الحياة بلا نساء افضل؟ لا ادري.
والمرأة بصلافتها وعنادها تظل تتحدى الصعاب واكتشاف الممنوع حيث اصرت ملكة النمسا عندما سمعت بذلك على زيارة المكان واستطاعت ذلك ولكن بعد ان حملوها على محمل خاص دون ان تمس قدماها الارض.
والرهبان لهم حق في ابتعادهم عن النساء لانهن يفسدن عليهم صفو العبادة بجاذبيتهن وجمالهن وزينتهن وفتنتهن، وقد سمح الاسلام للنساء بارتياد المساجد للصلاة ولكنه ضاعف الاجر لها ان هي آثرت البقاء في بيتها للصلاة،وقد فرض عليها الحجاب وامرها بالاحتجاب ايضا، والحجاب غير الاحتجاب، فالاول نسخة مطورة لتسيير الامور وتسهيل الاختلاط وقد توقفت عند تعليق من قارئ عربي على موضوع الجزيرة اليونانية حيث كتب يقول: ياليت يكون عندنا جزيرة مثلها! ، وهذا يعكس مدى انزعاجه من المراة ومن تصرفاتها ونزواتها، والغريب في الجزيرة اليونانية انهم يمنعون  دخول اناث الحيوانات ايضا الى الجزيرة، لعلمهم بان الانسان ان لم يجد المرأة لاشباع شهواته يتجه الى من مثله وان لم يجد فانه لا يتوانى عن اتيان البهائم، وهو الذي اتخذ معابد تُعبد فيها الفروج، وكم وردتنا قصص الشذوذ بين (بعض) الرهبان الذين ارادوا مواجهة الطبيعة والفطرة.
هذا فضلا عن زنا المحارم،فكم من خال كان قديسا امام اهله اغتصب بنات اخواته، وكم من عم مأمون اغتصب ابناء اخيه،  وكم من رؤساء دول ومسئولين وضباط شرطة  واطباء خانوا الامانة وراودوا نساء عن انفسهن في وقت كان يجدر بهم ان يكونوا بمصاف القديسين في التعامل مع اناث المجتمع وذكورها لانهم مؤتمنين على الاعراض وقد قال الامام علي عليه السلام (لو تكاشفتم ما تدافنتم ).
والبقية تأتي والحديث عن الشهوات طويل طويل.
aabbcde@msn.com


58
المنبر الحر / وقفة مع الحمقى
« في: 19:28 14/09/2013  »
وقفة مع الحمقى
                                                                                                                    حسين ابو سعود
الحمقى هم شريحة كبيرة من المجتمع بينهم ساسة وقادة واطباء وتجار وغيرهم، والحمق آفة لا تفارق صاحبه من المهد الى اللحد، ولولا الحماقات التي يرتكبها(العقلاء) لكان وضع الكرة الارضية افضل بكثير مما هي عليه الان، وان جميع صور الفهم السقيم يتبناها الحمقى الذين لا يعرفون بانهم حمقى، وقد يكون في داخل كل انسان (احمق صغير) يدعوه الى ارتكاب الحماقات المقصودة وغير المقصودة على ان بعض الحماقات تدعو الى التندر واللطافة وبعضها تجلب الكوارث، وهذا الانسان الاحمق هو الذي قسم البلاد والعباد الى طبقات ودويلات ورسم الحدود الوهمية للاقطار واسس الاحزاب والمذاهب والاديان والفرق والتي ادت بالتالي الى نشوب نزاعات لفظية ولسانية وصلت في النهاية الى القطيعة وسفك الدماء.

والاحمق لا يكاد يستقر على رأي، فهو في تقلب مستمر لا يشعر به، وهو لا يعي بانه في قلق وفي كدح ومعاناة وانما يعتبر نفسه يلهو ويرتع ويلعب.
وفي مقارنة سقيمة قال لي احدهم ذات يوم بان الثائر جيفارا اشتهر في العالم اكثر من المصلحين المسلمين فقلت له : ليس ذلك لانه افضل مكانة ولا اعظم انجازا ولكنه الفهم السقيم لرموز الاصلاح عندنا، ومن لم يفهم المصلحين والقديسين كيف يستطيع افهام الاخرين، ولست هنا بصدد الانتقاص من جيفارا ولا من غاندي او لينين ولكني اؤكد على ان من الاتباع العقلاء الحمقى، او الحمقى العقلاء من لا يحسنون التصرف.

ولعل الحماقة تصل الى اعلى درجاتها الخطيرة عندما يقوم (العقلاء الحمقى) بثقب السفينة التي تقلهم مع الاخرين وهي في عرض المحيط دون الانتباه الى الخطر المحدق بهم، ومثلهم الذين يقومون بتفجير انفسهم مع الابرياء بغية اللحاق بمأدبة غداء مع الانبياء عليهم الصلاة والسلام، واكاد اجزم بان جميع الخلافات السياسية والثقافية والاجتماعية والفقهية لها علاقة بالفهم السقيم للامور، ولا تنسى الانسانية قصة ذلك الصحابي الساذج الذي جاء بخيط ابيض وخيط اسود لكي يتبين من خلالهما موعد الامساك عن الطعام في شهر رمضان، او ذلك الذي ظل يأكل دون ان يشبع امتثالا لقول النبي (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا اكلنا لا نشبع) او ذلك الذي عضّ زوجته امتثالا لهدي القران الكريم الذي يقول (فعظوهن) مع ان الكثير من النساء من اذا اسديت اليها عظة فكأنما القمتها عضّة، او ذاك الذي سمى ابنه (نكتل) تيمنا باحد اخوة يوسف (ارسل معنا اخانا نكتل)، وما اكثر صور الفهم السقيم للامور في هذه الحياة، واقول في الختام بان الحمقى (الحمقى ) هم مكون لطيف للمجتمع ويستطيعون ادخال البهجة والسرور الى النفوس ولكن العقلاء (الحمقى) هم اشد خطرا ينبغي مواجهتهم ولو بالقوة لمنعهم من ارتكاب الحماقات القاتلة من اجل كرة ارضية جميلة.
aabbcde@msn.com


59
شيئٌ عن شيعة العراق
حسين ابو سعود
بعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق سنة 2003 تم تقسيم البلاد تقسيما فريدا ليس هو بالقومي ولا بالمذهبي وانما خليط بينهما حيث تم التقسيم الى سنة و شيعة وكورد، وكأن الكورد ليس بينهم سنة وشيعة، كما تم تجاهل التركمان والمسيحيين باعتبارهم اقليات مما اضطر البعض الى المطالبة باصدار قانون يصرح بعراقية التركمان وانهم كباقي المواطنين في الحقوق والواجبات، وقد رأى العالم الويلات التي جرت على العراقيين بسبب هذا التقسيم الجائر، والذي بموجبه صار منصب رئيس الجمهورية من نصيب المكون الكردي ورئاسة البرلمان من نصيب العرب السنة  ورئاسة الوزراء من نصيب الشيعة، ولا يخفى بان رئاسة الوزراء تعني السلطة التنفيذية التي تتحمل مسئولية الاخفاق والفشل امام التاريخ والبرلمان والضمير، وقد ثبت على ارض الواقع بان الشيعة في العراق امة منقسمة على نفسها لكثرة الاحزاب والمرجعيات، فهم لم يتفقوا حتى في القضايا الدينية والفتاوى بسبب تعدد المراجع والاختلافات بين وجهات النظر، ويظهر ذلك جليا في تعدد صلوات الجماعة في الحرم الواحد كما هو الحال في مرقد الامام الحسين عليه السلام، وهذا يعكس شدة الاختلافات الموجودة بين المراجع واتباعهم، وقد شهدت شخصيا بعض المداولات بين العلماء حول هذا الامر ومحاولة احد آيات الله لتوحيد هذه الصلوات واتحفظ على ذكر الاسماء، ولكنه من الضروري القول بان تلك المحاولات لم تصل الى اي نتيجة.
ان الشيعة من الناحية العقائدية موغلون في الطقوس وموغلون في الماضي واحداثه وقلما ينظرون الى المستقبل ولا يستفيدون من الدروس التاريخية لصالح المستقبل، وقد شهد حكمهم حالات ضعف وتراخي وقلة حزم في تدبير الامور وتسيير شئون الوزارات التي يشغلونها وهذه قصة طويلة تحتاج الى مقالات، والاخفاق في التعامل مع ملفات الامن والكهرباء مشكلة كبرى كما ان عدم التمكن من تعيين وزراء للدفاع والداخلية هو سابقة غبر مشهودة.
وفيما يخص المرجعية وهي اعلى سلطة دينية للشيعة، فقد كثر الحديث عنها ، وقد جمعتني اجتماعات عديدة مع ارباب الفكر والقلم في لندن ، واثناء الحديث بالساعات عن هموم المرجعية  تبين بان هناك من يتعصب للمرجعية حد التقديس مقابل اناس يغمزون ويلمزون بالمرجعية حتى صار البعض يتحدث عن قرب انهيار المرجعية وهذه كارثة كبرى، او ان دور المرجعية  كبير ولكنه ليس بمستوى الطموح ومنهم من يقارنها بمرجعيات فرق الشيعة الاخرى كالاغاخانية  الاسماعيلية والبهرة بغية التفاضل ليصل الى نتيجة بان الاخرين هم الافضل في الاداء والتنظيم، وقد اخبرني غير واحد من العوام بان الشيعة لا يعرفون كيف يحكمون  بل وهم لا يصلحون للحكم وانما يصلحون للمشي  ومسيرات العزاء واللطم وقد سمعت ذلك بنفسي من سائق تكسي شيعي في بغداد ، وهذه فكرة مؤلمة اخذها البسطاء عن المذهب.ويكاد يكون تعدد المراجع سببا لتفرق الامة الى درجة ان لا يتوحد المصلون على امام واحد في مرقد واحد كما قلنا ، وقد دعا العديد من العلماء الكبار ازاءهذه المخاوف الى تطوير المؤسسة المرجعية وتوحيدها حتى لا تفترق الى ما يسمى بالمرجعية الرشيدة والمرجعية الصامتة والمرجعية الناطقة وغيرها من المسميات ، علما بان وحدة المرجعية عامل كبير في توحيد الخطاب الشيعي وتوحيد المواقف من الدول والاحداث والمذاهب وغيرها ، وكذلك فان توحيد المرجعية سيوحد صفوف الشيعة وهذه الوحدة ستكون عامل استقرار للمنطقة والدول المجاورة، وليس على غير الشيعة التخوف من قيادة واعية وموحدة تنظم طموح الطائفة ومشاعرها.
ان المرجعية الشيعية في العهود السابقة لجأت اضطرارا الى محدودية العمل والتفكير بسبب الاوضاع المحيطة التي استدعت الابتعاد عن السياسة ، ولكن بعد التغيير تم اقحام المرجعية في اتون السياسة ووجدت نفسها طرفا هاما وطبيعيا في العملية السياسية وكانت لها مواقف مشرفة يسجلها التاريخ باحرف من ذهب، وقد كان السيد السيستاني صمام امان للعراق بجميع مكوناته ولولا حكمته وحنكته السياسية لكانت الطائفية البغيضة التقمت العراق باكمله واحرقت الاخضر واليابس، والمرجعية الشيعية لا تتمتع بتأييد العشائر والقبائل الشيعية فحسب وانما لها مكانة مرموقة لدى اقطاب السياسة من العرب السنة والكورد والتركمان وباقي الاقليات .
وفي مقارنة بسيطة نجد ان شيعة البحرين ولبنان وايران هم احسن حالا من شيعة العراق لاسباب قد لا تخفى على البعض، وقد عُرف عن شيعة العراق على عكس اخوانهم اهل السنة من العرب والكورد بانهم لا يستفيدون من الدروس السابقة ولم يتعلموا من الكورد كيف توضع الخلافات الشديدة جانبا من اجل المستقبل، حيث قدم الكورد مثالا يحتذى على نكران الذات وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة.
ان الفرد الشيعي الطموح في زمن البعث صار اداة طيعة للدولة ضد مذهبه وطقوسه وشعبه، والشيعة لم يكونوا خارج الحكم في العهد السابق، وقد كان هناك معممون ووزراء ومحافظون ومسئولون كبار من المنتمين  لحزب البعث الحاكم حتى ان المدعو محمد حمزة الزبيدي وهو بعثي شيعي  وصل الى منصب رئاسة الوزراء ، ولا شك بان حزب البعث وعلى رأسه صدام حسين قد ذهب بعيدا في العلمنة ومعاداة العقائد واضطهاد العلماء وسياسة الاقصاء ومنع الشعائر ، وتم قبول الامر الواقع على مضض من قبل الاكثرية ، ولم يكن يجرؤ اي شخص  او قبيلة على التظاهر والاحتجاج في حال اعتقال شخص مظلوم وتعذيبه وقتله واما الان فانه يخرج في مظاهرات واسعة  على غير هدى متجرءا على الدولة للمطالبة بابسط الاشياء لمصالح فردية ضيقة ، ، والذين خرجوا في مظاهرات صاخبة للتنديد بالطريقة الوحشية التي قتل بها الشيخ الشيعي المصري حسن شحاته لم يخرجوا يوما في اي تظاهرة للتنديد بالقتل اليومي للابرياء  في العراق الجريح.
صحيح ان الزمن تغير  والمقاييس تغيرت والناس لها السنة تحكي في اجواء الحرية اللامحدودة ولكن زعماء الاحزاب الشيعية اغفلوا هذا الجانب واغفلوا جانب الضمير والتاريخ وانغمسوا في الخلافات حتى باتوا في خطر حقيقي ، وكنت اميل الى تسمية هذا المقال بـ ( شيعة العراق في خطر ) ولكني احجمت عن ذلك لتخفبف وطأة الكلمة وقد يتبادر الى الذهن لاول وهلة وكمتلازمة لفظية بان الخطر  على الشيعة هو من اهل السنة والجماعة ، فالحق هو بان الخطر المحدق بالشيعة  ليس من اهل السنة لان الصراع بين الطرفين مفتعل وغير حقيقي ، ولكن الخطر على شيعة العراق هو من شيعة العراق انفسهم ومن خلافات ساستهم وتعدد مرجعياتهم، ولقد فشلوا في الالتفاف حول قيادة واحدة قوية كما فعل شيعة ايران بالتفافهم حول السيد الخميني والالتزام بخطه الى الان ، وقد شاهدنا كيف تم احتواء الانقسام الذي حصل في الشارع الاسلامي الايراني في عهد الرئيس احمدي نجاد وذلك من اجل مصلحة الوطن ، وذلك  الاحتواء الحكيم يجب ان يكون مثار اهتمام الباحثين وموضع اطلاع الدارسين لانه جنّب البلاد كارثة حقيقية.
وهذا المقال لا يعنى بقراءة تاريخ شيعة العراق وانما للتنبيه حول ما يجري في الفترة الحالية حيث يحكم الشيعة في اكثر الميادين ويديرون شئون محافظاتهم بانفسهم ولكن بطريقة بطيئة ومتعثرة ، وقد سمعنا شكاوى الناس من ان مكاتب الاحزاب الاسلامية   لايؤمها الجماهير ولا اصحاب الحاجات وان اعضاء البرلمان الا البعض منهم لا يتدخل مباشرة في دوائر الدولة لتمشية معاملات المواطنين التي تعاني صنوف العرقلة والروتين والتاخير والرشوة وغيرها، مع ان قضاء حوائج الناس فضلا عن كونه عبادة فانه من صميم عمل النائب، وذكر لي احدهم بان دوائر الدولة لا تعنى بتنفيذ اوامر وتوصيات المحافظ في بعض المدن وهذا يعكس سقوط هيبة الدولة  من اعين الموظفين، في حين ان توصيات المحافظ في عهد النظام السابق كانت بمثابة اوامر يستلزم تنفيذها فورا في الدوائر الحكومية.
وعليه فان على الزعامات السياسية والمرجعيات الدينية وارباب الثقافة والفكر ان يعملوا جميعا على البحث عن اساليب جديدة وجادة لتوحيد صف الامة كي تستطيع  مواجهة اعباء المرحلة القادمة والتي ستكون صعبة لا محالة بسبب التغيرات السريعة في الاوضاع الاقليمية والدولية.
ولكي لا يُفهم من قبل البعض بان هذا المقال طائفي ، اقول بانه ليس كذلك ابدا وانا اصلا ضد الطائفية غير اني اقوم بشرح حالة قائمة ليس الا.
aabbcde@msn.com


60
الرقابة العامة للمرجعية الدينية في العراق (رسالة دكتوراه)
حسين ابو سعود
بعد تنامي اهمية المرجعية الدينية اثر التغيير السياسي الكبير الذي حصل في العراق عام 2003 م ، وتعاظم دور المرجعية في الاشراف والتوجيه في مختلف مناحي الحياة للفرد العراقي صارت المرجعية موضع الاهتمام من قبل المثقفين والسياسيين وارباب الفكر في جميع انحاء العالم،وتولدت هناك ضرورة ملحة للكتابة والبحث في باب المرجعية ، وكان الشيخ عباس الامامي احد هؤلاء المهتمين في هذا الباب حيث كتب رسالة ماجستير بعنوان (الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث) اجيزت من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في بريطانيا وقد تم طبع الرسالة في حينه في كتاب يحمل نفس العنوان حيث لاقى نجاحا واهتماما من الاوساط الفكرية المختلفة مما حدا به الى توسيع دراسته في المرجعية والتخصص فيها فشرع بالاعداد لدراسة اوسع سماها ( الرقابة العامة للمرجعية الدينية في العراق الحديث) نال بها شهادة الدكتوراه من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في العاصمة البريطانية، وقد اشرف على الرسالة اية الله الدكتور السيد فاضل الميلاني ، وقد ناقش الرسالة كل من الدكتور عبد الحسن السعدي المتخصص في القانون الدولي والدكتور محمد علي الناصري احد اساتذة الجامعة.
وقد اهدى الباحث ثمرة جهده الى روح شخصيتين علميتين كبيرتين احدهما العالم التركماني الكبير الحجة الشيخ حسين علي البشيري والمهندس السيد محمد علي الشهرستاني تغمدهما الله بواسع رحمته وذلك وفاء منه  لكل الذين قدموا ما لديهم من علم وجهد في سبيل الدين الاسلامي الحنيف علما بان الشيخ البشيري هو احد اعلام التركمان في العصر الحديث وقد قضى نجله الاستاذ الشيخ محمد البشيري شهيدا في اقبية وزنازين النظام البعثي بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض له.
والباحث الدكتور عباس الامامي هو الاخر من الشخصيات التركمانية الفاعلة على المستوى المحلي والدولي وله نشاطات بارزة في مجال التقريب بين المذاهب الاسلامية وهو احد مؤسسي منتدى الوحدة الاسلامية في بريطانيا.
وقد تم تكريمه من قبل المركز الحسيني للدراسات في لندن بمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراه حيث احتفى به راعي المركز سماحة اية الله الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي الذي قدم له هدية رمزية بالمناسبة واشاد بجهوده ومنجزه العلمي، فيما القى الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين بالمناسبة قصيدة عصماء بين من خلالها مآثر الشيخ الدكتور الامامي، وقد حضر حفل التكريم اساتذة يمثلون مختلف شرائح المجتمع ومن مختلف الدول بما فيها ايران والعراق ولبنان وباكستان وغيرها،وكان من ضمن الحضور ايضا عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للدراسات الاسلامية الدكتور الشاعر ابراهيم العاتي.
هذا وسيصار قريبا   الى طبع الدراسة في كتاب يتوقع له ان يلقى قبولا حسنا في الاوساط الثقافية والدينية والفكرية مثل كتابه السابق، وان الكتاب يستقي اهميته من انه بحث ابواب الرقابة العامة للمرجعية بشكل موضوعي متخذا المنهج الوصفي والتاريخي والتحليلي بما اهله للتوصل الى نتائج ذات دلالة كبيرة في هذا الباب، وان ما دفع الباحث الى اختيار هذا العنوان للرسالة هو كون المرجعية الدينية كانت ولا تزال تتمتع بالكثير من مقومات القدرة والنفوذ والرقابة لا سيما في العراق الحديث، والمرجعية كما لا يخفى اصبحت محركا لكثير من الملفات والقضايا ومؤثرة في الواقع المحلي والاقليمي والدولي بالاضافة الى كونها تتحمل المسئولية تجاه الدين والمجتمع ،وتعد الدراسة الاولى من نوعها على الساحة الاكاديمية.
واشتملت الدراسة على ثلاثة ابواب فضلا عن التمهيد الذي اشتمل على مناقشة موقع المرجعية الدينية في حياة الامة والمسارات العلمية والاهمية الحضارية لها، واشتملت الابواب الثلاثة على طبيعة ونطاق الرقابة ومصادرها ويشمل مفهوم الرقابة وشرعيتها في النظام الاسلامي والزامية رقابة المرجعية واثارها، والباب الثاني تم تخصيصه لدراسة موضوع (رقابة المرجعية على نظم الوقف) فعرض الباحث فيه مفهوم الوقف في النظم الغربية ورقابة المرجعية لنظام الاوقاف والحقوق الشرعية وتطرق الى الدور التاريخي للوقف في الاسلام واهمية وعرض الاحكام الفقهية الخاصة بالوقف بالاضافة الى رقابة المرجعية على اوقاف العتبات الدينية المقدسة في العراق.
وخصص الباحث الباب الثالث والاخير لرقابة المرجعية في المجالين الاجتماعي والسياسي وضمنها رقابة المرجعية على نشاط المغتربين  العراقيين في بلاد المهجر، وقد قام الباحث اثناء الاعداد للرسالة بعمل استبيان وسط المغتربين العراقيين للاطلاع على اراءهم وتوقعاتهم وتصوراتهم حول رقابة المرجعية الدينية ومواقفها ومسئولياتها ومعتمديها ومكاتبها وغيرها .
وعلى اي حال فالبحث يعتبر ثمرة جهود مضنية للباحث وصل من خلالها الليل بالنهار ليكون امينا في نقله وموضوعيا في طرحه وحياديا في نتائجه التي توصل اليها في بحث اهم جهة رقابية في المجتمع ، اعني بها المرجعية الدينية ولا شك بان الباحثين وغيرهم سوف يستفيدون من هذه الرسالة استفادة عظيمة في البحوث القادمة عن المرجعية الدينية في العراق.

61
قراءة في مجلة قديمة
حسين ابو سعود
كنا في الصغر وبسبب قلة ذات اليد نتبادل مع اصدقاءنا المجلات القديمة ولم يكن يهمنا اسم المجلة او التوجه الفكري لها، واذكر باني كنت استعير من احد اصدقائي مجلة اسمها (المجلة) تصدرها وزارة الاعلام في جمهورية المانيا الديمقراطية التي اتحدت فيما بعد مع المانيا الغربية، وكانت رخيصة الثمن وكان توجهها اشتراكيا كونها تتبع المعسكر السوفييتي حينها،وكان في الوحدة الاندماجية للبلدين خير الشعبين مما عكس حنكة القادة في البلدين ونكران الذات لديهم على عكس حكوماتنا وسياسيينا، واذكر باني كنت اتلهف على كل ما هو عربي بين المطبوعات في منتصف السبعينات وهي بداية التشرد في المنافي، حيث كنت في دولة غير عربية ، وكنت اشعر بفرح غامر اذا ما رأيت مجلة عربية في السوق او بين اكوام الكتب المستعملة المعروضة للبيع على الرصيف ، ولعل اجمل ما في قراءة المجلات القديمة هو عدم الانفعال من الاحداث الموجعة لانها قديمة مضى عليها فترة من الزمن كفيلة بان تخمد نيران العواطف والانفعال والتفاعل.
والوقت الان هو عصر يوم صيفي طويل من صيف لندن الرائع ، هذا الصيف الجميل الذي يقصده مئات الالاف من السياح العرب والاجانب ، وهو صيف يستحق ان تشد اليه الرحال لاعتدال الجو فيه، وهطول بعض الامطار الخفيفة والرذاذ المنعش بين فترة واخرى، صيف بلا بعوض ولا ذباب، في عصر هكذا صيف وبين يدي عدد الاسبوع الاول من الشهر التاسع سنة2004 من مجلة المجلة التي تصدر  من لندن اي ما يقارب العشر سنوات، وجلسة استرخاء وفنجان قهوة وعناوين وصور واخبار وتحليلات، بعضها لها علاقة بما يجري في البلدان العربية الان، وقد لفت انتباهي بعض هذه المواضيع ولا انسى ذكر اسم رئيس التحرير في حينه وهو الدكتور فهد عبد الله الطياش.
ووجدت في الصفحة الثانية صورة كبيرة للرئيس الفنزويلي شافيز وهو يعلن انتصاره في الاستفتاء العام الذي دعا اليه هو بنفسه ليحل مشاكله مع المعارضة في البلاد، وجه دائري حليق وسيم وبدلة في غاية الاناقة، سألت نفسي : اين هو الان؟واذا بالجواب يأتي : لقد غيبه الموت، وخبر عن عرفات اعني الرئيس ياسر عرفات الذي يبعث بضوء اخضر الى رفيقه محمود عباس للعودة الى الاضواء، اذن رحل عرفات هو الاخر  ورحل رؤساء وملوك اخرين .
ووجت خبرا عن شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان يصفه بانه على صفيح ساخن، فاي صفيح واية سخونة بقيت في باكستان ، لقد تغير كل شيئ وتعاقب على الحكم اناس جدد وماتت بينظير بوتو المراة الحديدية المعروفة وتولى زوجها رئاسة الجمهورية ثم وصل الخصم التقليدي لها السيد نواز شريف الى الحكم مرة اخرى بعد ان كاد الامر يخرج من ايدي السياسيين التقليديين بصعود نجم لاعب الكريكيت الاشهر عمران خان.
وهناك خبر ظريف وفيه دعوة من الحكومة السعودية للعراقيين بالتعاون مع حكومة بغداد لانه الخيار الامثل، وقد مرت العلاقات السعودية العراقية بفترات من الفتور والقطيعة حتى سمعنا هذه الايام بتحسن ملحوظ في العلاقات سينتج عنها تبادل السجناء بين البلدين.
خبر:القضاء اللبناني يلاحق صدام حسين وذوو الضحايا اللبنانيين في العراق طالبوا بمبلغ 20 مليون دولار تعويضا عن كل ضحية ، ولا ادري  هل حصل  هؤلاء على التعويض لحد الان ام لا ، لاسيما وقد تم اعدام صدام حسين ولم يبق منه شيئ يذكر علما بان مجلس شورى الدولة العراقية يرفض اعتبار الاجانب المقيمين في العراق والذين راحوا ضحايا في زنازين النظام شهداء لانهم اجانب ولم يكفل لهم الدستور انذاك حق الانتماء الى احزاب وجماعات سياسية في العراق، وفي هذا منتهى الظلم والتعسف لاسيما بحق الابرياء منهم.
وهناك خبر عن القذافي ليس المهم ذكر تفاصيله ولكن المهم هو انه الاخر لم يعد موجودا على الكرة الارضية، وما اسرع ما تنتهي القصص.
ويبدو بان هذا العدد كان مخصصا لموضوع الخصخصة في العالم العربي وهناك مقالات مطولة عن التخصيص في السعودية والكويت ولبنان والامارات والمغرب والاردن وغيرها ولا سيما مصر وما ادراك ما مصر ،  لقد تغيرت الامور فيها ورحل الرئيس مبارك وجاء محمد مرسي وسيرحل مرسي قريبا حسب القراءات الموضوعية للواقع ، ولا ادري هل تم تحقيق الامال في الخصخصة ام انها مجرد خطوات متعثرة ، وضمن الابواب الثقافية صورة  الغلاف لكتاب (محمد مؤسس الدين الاسلامي ومؤسس امبراطورية  المسلمين) لمؤلفه جورج بوش الجد، وهل يعقل ان جورج بوش يكتب عن النبي محمد صلى الله عليه واله.
واخذتني الصفحات عبر الثقافة والفن والاكتشافات الطبية   حتى اوصلتني الى الصفحات الرياضية واذا باخبار عن انطلاقة الموسم الكروي السعودي وفوز نادي الهلال بالبطولة وتسمية اللاعب  المعروف ماجد عبد الله ( المعتزل حاليا) هداف الدورة، وفي الصفحات الثقافية صورة للمطربة اللبنانية نانسي عجرم مصحوبة بخبر عن تفوقها على عشرين مطربة اخرى والظريف ان الصورة وبالرغم من مرور عشر سنوات عليها الا انها لا تختلف كثيرا عما ظهرت عليه  نانسي في حلقات عرب ايدول الذائعة الصيت ، ولكن هل يبقى الشباب الى الابد ام انه زائل كما ان كل شيئ زائل؟ والجواب هو بل زائل كما زال الرؤساء والملوك  ويتغير كما تغيرت المدن وتحولت من مدن آمنة جميلة   الى مدن قلقة تنام وتصحو على اصوات الرصاص.
وهكذا تنتهي الجولة في مجلة المجلة القديمة والى مجلة اخرى قديمة استودعكم الله ..
aabbcde@msn.com

62
محافظ جديد هل يعني كربلاء جديدة؟

حسين ابو سعود
لفت انتباهي ذات مرة عندما دخلت مبنى البلدية في مدينة من المدن لوحة كبيرة كُتب عليها اسماء رؤساء البلديات الذين تعاقبوا على المنصب، فعلمت بان هذه الاسماء قد دخلت التاريخ سواء قدمت شيئا ام لم تقدم، والتاريخ سيذكرهم اما بخير او بشر ،وكذلك الحال بالنسبة للمحافظ او المتصرف او الوالي  او الحاكم ، اذ انه سيكون عرضة للمدح او الذم حسبما يقدم طيلة فترة توليه المنصب، والمنصب لا يدوم بحال من الاحوال ولكن الانجازات تظل تتحدث عن نفسها  على مرّ السنين، وبالنسبة لكربلاء كمدينة لها خصوصية استثنائية كونها واحدة من اهم المدن المقدسة في العالم علما بان كل المدن مقدسة بجوامعها وكنائسها وناسها ، ولكن كربلاء لها ميزة التفوق مما يجعلها جديرة بالاهتمام، وقد اكتسبت هذه المدينة اهمية اسثنائية بعد التغيير الذي حصل في العراق سنة 2003، فصارت مدينة مليونية يفد اليها ملايين من الناس عدة مرات في العام ومن عدة جهات في العالم وبذلك تحتاج الى خدمات خاصة وعناية خاصة ، لا سيما الطرق الخاصة بالمشي اثناء الزيارات حتى لا تتعطل سير المركبات وغيرها من الامور التي لا داعي لذكرها في هذه العجالة.والسؤال الذي يفرض نفسه هو : هل يعني تغيير المحافظ او الوالي او الحاكم شيئا للمدينة وهل يعني تعيين رجل الامن المعروف عقيل الطريحي محافظا جديدا لكربلاء شيئا للمدينة ، علما بان المحافظ في العراق لم يكن يعني شيئا كبيرا في السابق وكأنه مجرد منصب شرفي فخري فقط لا تترتب عليه مسئوليات تاريخية.
الاستاذ عقيل الطريحي رجل قريب من الامن في بلد كان ومازال يعيش الهاجس الامني والاضطراب المستمر مما اكسبه خبرة كبيرة في هذا المجال وليس المطلوب منه ان يلبس بدلة العمال كما فعل محافظون اخرون وينزل الى الشوارع ، لان البناء والتنظيف لا يجلب الامن والعكس صحيح اذ ان الامن يجلب البناء والازدهار والنظافة  والمشاريع والاستثمارات وكل ما هو خير، اذن فعلى المحافظ الجديد ان يرتدي بدلة رجل الامن ويعيد الامن والامان للمدينة المقدسة باقل عدد من نقاط التفتيش وله في مدينة اربيل اسوة حسنة ، اذ لا يوجد فيها سوى نقطة تفتيش واحدة خارج المدينة، واربيل او دهوك او السليمانية هي مدن عراقية وليست اوربية وما امكن عمله هناك يمكن عمله في النجف  او كربلاء  او البصرة ، فالامن اساس كل شيئ واساس كل ازدهار فان انعدم انعدم ماسواه.
واما مدة الولاية الجديدة للمحافظ الجديد ستنتهي لا محالة وقد يضعه الشعب في خانة المحافظين الذين جاءوا وذهبوا دون ان يتركوا اثرا يذكر او تذكره الاجيال بخير بسبب التغييرات الجذرية التي قد يحدثها في هذه المدينة ويرتفع بها الى مصاف المدن المقدسة الاخرى مثل مكة والمدينة ومشهد وقم ، فالرجل منتخب من قبل الشعب وعنده خبرة كافية في الادارة وفي مجال الامن  وما يضره لو دخل التاريخ كمغير لمسار المدينة نحو الاحسن وما ينفعه لو تم تصنيفه ضمن قائمة المحافظين التقليديين الذي جاءوا وذهبوا ولم يشعر بهم احد.
واهمس مخلصا في اذن المحافظ الجديد واقول بان التغيير يجب ان لا يقتصر على المناطق المحيطة بالحرمين وانما يجب ان يشمل جميع مناطق المدينة ولا باس بالاستعانة باستشاريين اجانب او رؤساء بلديات سابقين لمدن جميلة مثل مشهد او بيروت او حتى اسطنبول، وكربلاء كمدينة سياحية دينية تستحق ذلك .
المهمة صعبة والوقت قصير ، فهل سيعني محافظ جديد  ، كربلاء جديدة؟
سؤال لن يجيب عنه سوى الاستاذ عقيل الطريحي.
aabbcde@msn.com

63
التركمان مع العراقيين في السراء والضراء
حسين ابو سعود
ان القول باصالة الشعب التركماني هو من نافلة القول ، والقول بانهم مكون اساسي من مكونات الشعب العراقي هو تحصيل حاصل ايضا، لان المكون التركماني في العراق كان ولم يزل مع اخوته من باقي المكونات يشاركهم السراء والضراء، وقد اثبتت الفيضانات الاخيرة التي ضربت عددا من المدن الجنوبية حقيقة هذا الامر،حيث اصابهم قرح مثلما اصاب القوم ، وشعروا بالحزن والاسى لما تعرض له اخوتهم من عرب الجنوب الى مصاعب وخسائر، ولم يقف الشعب التركماني كعادته مكتوف الايدي ولم يكتف بالمشاعر والاحاسيس وانما قاموا بخطوة عملية جادة في هذا الشأن وذلك تطبيقا لقول الرسول الاكرم (ص): من لم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم، وهذه الخطوة الجادة تمثلت بجمع التبرعات المالية والعينية في مختلف مناطقهم لاسيما ناحية تازة خورماتو ومنطقة تسعين وقرية بشير وليلان وناحية داقوق وغيرها من المناطق التركمانية في داخل وخارج مدينة كركوك ، وقد توافقت هذه الخطوة المباركة مع نداء المرجعية الدينية التي دعت الشعب كله للوقوف الى جانب اخوتهم في المناطق المنكوبة، وتقديم كل غال ونفيس من اجل التخفيف عن معاناتهم ومشاركتهم في هذا المصاب مما يعكس مدى الشعور الراقي بالمواطنة والاحساس بمعاناة الاخرين، وان التكاتف بين ابناء الشعب الواحد في السراء والضراء يجب ان يكون هو حال الامة المختارة الواعية دائما، والوطن كالجسد الواحد كما في الحديث اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وان تأثرت منطقة بسبب الكوارث  الطبيعية فان باقي المناطق تتأثر سلبا ، وقد نشرت وسائل الاعلام قيام التركمان بهذا العمل الانساني من خلال اطلاق مبادرة لجمع التبرعات بغية نقلها وبسرعة الى المناطق المتضررة، وذلك من خلال لجنة منظمة تم تشكيلها من خيرة التركمان لتنفيذ هذا المشروع، وقد جرت العادة عند الشعوب الواعية ان تؤدي الكوارث والفيضانات الى جمع شتات الشعب الواحد وتوحيد الجهود لمواجهة طغيان الكوارث واثارها السلبية ، وقد يؤدي ذلك الى نسيان الخلافات وتجاوزها لمواجهة الخطر الاني الكبير ، وجاءت هذه المبادرة كما ورد في البيان الصادر من اللجنة المشرفة على جمع التبرعات ترسيخا للوحدة الوطنية واثباتا للروح الوطنية والاخوة والمحبة والايثار وبين ابناء الشعب الواحد لبناء عراق موحد اتحادي قوي، والتركمان كما جاء في البيان اقوياء بقوة جميع مكونات الشعب العراقي والعكس صحيح ايضا، والكل اقوياء بحضارة العراق وقوته وشموخه وعزته.
وقد استجاب التركمان بطريقة ايجابية وحماس معهود للمبادرة وتبرعوا بسخاء من اجل التخفيف عن معاناة اخوتهم في الجنوب، وان ما تعرض له التركمان من ارهاب ظالم وتهميش منظم على مدى العقود الطويلة السابقة من قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد، لم يؤثر في وطنيتهم وسعيهم الى التضحية من اجل حفظ وحدة العراق من خلال التبرع لاخوانهم من القوميات الاخرى، علما بان الكثير من المناطق والحسينيات والمساجد والمواكب العزائية التابعة للتركمان قد تعرضت وبشكل مستمر لاعمال ارهاب مفتعلة من قوى الشر والظلام،وقد طالت يد الارهاب والنظام البائد الكثير من رموزهم كالعلماء والكوادر العلمية والشخصيات البارزة.
وهم بذلك اثبتوا للمجتمع الدولي بانهم كشعب يحب الحياة لنفسه وللاخرين عن طريق مساعدة المنكوبين رغم الموارد القليلة والامكانات المتوفرة المتواضعة.
وتركمان العراق الذين كانوا مع اخوتهم يقارعون جميع انواع الظلم في الماضي باتوا اليوم يدا واحدا امام الفيضانات المدمرة الاخيرة التي دمرت المحاصيل واثرت على الحياة العامة للافراد هناك، وسيظل التركمان مكون عصي على كل من يريد السوء بالعراق واهل العراق.

64
رأي حول نظرية الاعلم لدى الشيعة

د - حسين ابو سعود
ان نظرية الاعلم نظرية مستحدثة  وهي في ظاهرها نظرية عقلية مستقيمة وفي باطنها  مخالفة صريحة للعقل لانها مستحيلة و لاشتمالها على الادعاء والفخر و إلغاء الآخر ، لأن كل من يدعي بأنه (الاعلم) ينافي التواضع المطلوب لدى أهل العلم الذين يقولون ( وما أوتيت من العلم إلا قليلا ) وهو يعلم أن فوق كل ذي علم عليم ،وإذا قيل بأن البطانة هي التي تروج للأعلمية وليس الأعلم نفسه نقول بأن البطانة ليست حجة البتة وهي اسيرة العاطفة وعرضة للخطأ و الرغبات . وإن ادعاء الاعلمية من قبل عدة علماء في آن واحد يؤدي الى الطعن في بعضهم البعض.
وما يعطيه البعض من قياس حول ضرورة مراجعة الاخصائي بدلا من الطبيب العام هو قياس فاسد يلجأ اليه مع الاسف الكثير من اهل الفضل والعلم وسنتحدث عن هذا القياس بالتفصيل في موضع آخر .
ان الاعلم يحدده البطانة وليس اهل الخبرة كما هو المفروض وما يُقال عنهم اهل الخبرة هم من البطانة  ، وهناك جانب سلبي وسيء في من يقول بهذا وهو اذا تعدد الاعلمون ( ولايتعددون عقلاً ) اذ قد يتعدد العلماء يعني بأن الاعلم يريد ان يقول بأن المتصدين الآخرين اقل مني علما ولا يجوز تقليدهم وفق نظرية الاعلم وانهم مدّعون بمعنى اخر، والعالم المتواضع لا يقول ذلك اذ لا يليق به ان يقوله وكنت منذ زمن بعيد اريد الكتابة في هذا الموضوع حتى قيّض الله  تعالى لي كتابا وانا بجوار الامام الحسين في رمضان 2012 اسمه (التقليد والاعلمية ومحنة المكلفين) للشيخ عبد الله عبد علي الكناني ورأيت ان وجود الكتاب لا يمنع من كتابة مقال بهذا المعنى نضمنه ما نراه صحيحا في هذا الباب و رأيت انه لزاماً علي ان اظهر للملأ ما اعتقده مع علمي بأني سأواجه سهام المخطّئين ورماح الناقدين المنتقدين او قد اتلقى زهور التصويب .
لقد وجدت بأن المشهور من العلماء يقول بالاعلمية والمغمور لا يقول بذلك اذ لا اتفاق ولا اجماع على ( الاعلمية ) و وجدت بأن المشهور لا يقول بالتبعيض والمغمور يقول بالتبعيض بلا تردد .
ان التقليد امر ضروري في كل المسائل وليس في الدين والشريعة فقط ولكن في كافة مناحي الحياة اذ اننا نلجأ الى من يعرف عندما لا نعرف عن مختلف الامور الحياتية ولا عيب في ذلك وانما هو التكامل ولكن لماذا تقليد الواحد في جميع المسائل ؟ .
وماهو الدليل على تقليد الواحد، وان كان هناك دليل عقلي على تقليد الاعلم فمن يشخص الاعلم في حالة تعدد المراجع ؟ فالتعرف على الاعلم امر مستعصي و ليس في مقدور اي انسان  التوصل اليه بل وحتى الخبراء  لا يستطيعون  ذلك كما يقول صاحب الكتاب .
ان المجتهد لا يعني بأنه احاط بكل العلوم مطلقاً اذ ان فوق كل ذي علم عليم وما اوتي احدٌ من العلم الا قليلاً بل اقول وحتى المجتهد قلّد ويظل يقلّد في الامور التي لا يعرفها فتقليد الاعلم قاعدة تفتقر الى الدقة وفيه اذ ان الطبيب العام يكفي للكثير من الامراض الشائعة والابتلاءات اليومية اذ لا يليق الذهاب الى اعلم متخصص واشهر واعلى واكبر طبيب من اجل مرض عادي شائع ، وعليه فإن اغلب الابتلاءات اليومية في مجال الدين يعرفه رجال الدين العاديين ولا يحتاج الى علّامة فهّامة بحر متبحر ، نعم الا اذا كانت هناك قضايا معقدة وقد تنقضي اعمارنا ولا نحتاجها .
واما احكام الوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج فهي امور يجب معرفتها على كل مكلف والسعي لمعرفتها واجب .
حتى الائمة كانوا يدعون الى الرجوع الى علماء زمانهم ولم يكن الامام يدعو الى تقليده فقط باعتباره الاعلم لعلمه بان علماء الطائفة قادرون على الرد على الاستفتاءات الاكثر ابتلاءً .
المجتهد الذي يقال انه اعلم او الاعلم هو انسان بالنهاية وغير معصوم وقد يحتمل اجتهاداته الخطأ وقد لا يصيب في الاستنباط رغم  بذل وسع مجهوده  ، وله اجر كما هو معلوم  في كلا الحالتين.
والحق باني لا اتفق مع صاحب الكتاب ازاء الكثير من الافكار التي اوردها ولكن الكتاب يحوي الكثير من الافكار المتوافقة التي تعتبر توارد خواطر ولا ادري اينا سبق الاخر اليها لكنه  على اي حال سبقني في النشر لا محالة .
غاية الامر انهم كلهم علماء وايات الله و عظام وثقات عدول يعرفون الخطوط العريضة للاجتهاد والاستنباط  ولا نعرف من منهم متى يصيب ومتى يخطيء ولكن يجمعهم انهم كلهم غير معصومين ولا يوجد اي امكانية لتشخيص الاعلم وان معرفة الاعلم لا تتحقق اصلاً وكفى و الا لو عُرف وجود الاعلم لما جاز تعدد المراجع ، والاعلم عند جماعة ليس هو عند جماعات اخرى وهنا المعضلة .
وقال المحقق الحلى قبل الف عام :ان قلد الاعلم جاز ويجوز العدول الى المفضول .
وعليه فان تشخيص الاعلم ليس واجبا جماهيريا وليس بوسع اي انسان فضلا عن من يسمون بأهل الخبرة  تحقيق ذلك، وهناك قولان للفقهاء في هذا احدهما الجواز والاخر المنع كما يقول الشهيد الثاني وفي كل واحد من الادلة من الجانبين نظر ، ثم لا يرجح احدهما على الاخر .
باختصار لو ثبتت قضية الاعلمية لوجب تقليد مرجع واحد و فسد تقليد بقية المراجع فالاعلم لا يكون الا واحداً ( وانا اقترح استبدال كلمة الاعلم بعبارة اخرى وهي (أعلم من الاخرين او اعلم الجميع او اعلم من الاخر) حتى يؤدي الغرض بوضوح.
ولم اجد في القران شيئاً يوجب تقليد الاعلم ، و القران الكريم لا يكلف الناس شيئا مستحيلا وانما يقول في حالة عدم العلم السؤال من اهل الذكر وهم كثر . والروايات لاتدل على الاعلم فقط بل الاعدل والاصدق  وقد يكون العالم اعلماً ولكنه لا يكون اصدقاً او لا يكون الاعدل  وهكذا فلا يكتمل الانسان تماما .
نعم  ان (الاعلمية)هو دليل عقلي  في حالة اثبات من هو الاعلم  واذا حدث فهو ملزم ، ثم اين الاعلمية في مقبولة عمر بن حنظلة :فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظاً لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه .
ثم ان شهادة الخبير عاطفية ارتباطية فالاعلمية شرط تعجيزي يقول العالم الكبير اية الله السيد محمد العلوي الكركاني :الافضل تقليد الاعلم اذا احرز لكن معرفة الاعلم من الامور المشكلة ولا اشكال في تقليد غير الاعلم . انا اقول بتقليد الافضل الاشهر، واحد الشروط التي وضعها العلماء لمعرفة الاعلم كما يقول صاحب الكتاب في ص99 هو شهادة عالمين عادلين على ان لا يخالفهما عادلان آخران واقول اذا كان هذا هو المقياس فلا اعلم ولا اعلمية ،اذ ان تعدد المجتهدين هو نتاج الاختلاف في شهادات الخبراء .
وما يقال بالشياع المفيد للاطمئنان هو جيد لكنه يسقط المراجع الاخرين ويقول صاحب الكتاب وهو شيخ معمم بأن تقليد الاعلم شرط وضعه العلماء بالدليل العقلي .
وهذا كلام مختصر مفيد وقد يكون من الافضل تقليد الاعلم ولكن كيف التوصل اليه والقران يقول اهل الذكر وهم كثر .
ونحن يجب ان نبحث عن اي تبرير لجواز تعدد المراجع ونعمل به وندعو اليه والا بطل تقليدهم لا سيما وان الاعلم بينهم واحد .
ان كل مرجع يشهد له مجموعة من الخبراء مما ادى الى تعدد المراجع  وتصاعد الخلاف الى درجة التناحر،والتبعيض اذا صح وهو صحيح ينسف نظرية الاعلم بالكامل لا سيما وان بعض المراجع يقولون بان التبعيض في التقليد لا اشكال فيه وقد يجب التبعيض في حالة ثبوت اعلمية كل واحد في مسئلة، وهناك كلام معقول جدا لاحد العلماء يحل المشكلة وهو: ان عرفت الاعلم وجب تقليده وان لم تعرف الاعلم تختار من تشاء للتقليد .
يقول المؤلف وان مسالة تعدد المجتهدين وجواز اخذ الفتوى من اكثر من مرجع واحد في آن واحد تكون مفيدة اكثر لو كان عمل المراجع ضمن  مؤسسة واحدة كهيئة العلماء اقول حتى لو لم يكونوا ضمن مؤسسة واحدة ،و اذا صحت رواية اختلاف امتي رحمة فيكون للمقلد خيار فيختار الاسهل والانسب ولا اشكال ، و وجود علماء مجتهدين اي مراجع يرجع اليهم  الناس في عصر الائمة دليل على جواز تقليد غير الاعلم الذي هو الامام المعصوم .
وعدم اتفاق المراجع على مرجع واحد وهو الاعلم باعتبارهم اصحاب خبرة معضلة كيف يسوغ فرضها على العوام فيما تنكره الخواص ،والاعلمية اذا ثبتت يوجب توحد المرجعية في شخص واحد كما اسلفنا.
الظريف في منهج المؤلف نقله عن المشهور والمطمور والمختلفين والمتآلفين اذ ينقل عن الشيرازي ومحمد علي الطباطبائي وينقل عن السيد محمد حسين فضل الله (ص148 ) واعجبني حديثه عن الحلم الذي يراود الجميع وهو تشكيل شورى للمراجع ضمن مؤسسة توحد الفتوى والجهود .
نحن نتمنى لو تكون هناك آلية مناسبة لتشخيص الاعلم حتى يكون مرجع اعلى واحد للطائفة وتتوحد الفتاوى  وحتى لا يكون عدد من الاعلمين في وقت واحد ومكان واحد وتكون هناك مركزية مهنية في جمع الاموال اعني الحقوق الشرعية.
والمقال  بمجمله انتصار للراي الذي يقول بجواز تقليد غير الاعلم وليس موجها لمن يعتقد بوجوب تقليد الاعلم.
aabbcde@msn.com


65
المنبر الحر / ليالي الأكوادور
« في: 18:58 10/04/2013  »
ليالي الأكوادور   

حسين ابو سعود
في خضم البحث عن عنوان مناسب لهذا المقال تذكرت كتاب ليالي بشاور ، ولمن لا يعرفه فهو كتاب في المناظرة بين المذاهب اجراها احد السلاطين الافغان بين علماء الطرفين ،ولكن هل سيتناول هذا المقال القضايا المذهبية وهو مخصص أصلا لأدب الرحلات، والجواب كلا ولا علاقة لليالي الاكوادور بالليالي ولا بالف ليلة وليلة ، ولكنه على اي حال عنوان لبعض مشاهداتنا في جمهورية الاكوادور الواقعة في امريكا الجنوبية ، لقد هبطت الطائرة القادمة من ليما عاصمة بيرو الى مطار كيتو في الساعات الاولى للصباح ، واذا به مطار بسيط ، والحركة فيه بطيئة ، ويقال بأن هذا المطار هو اصعب مطار للطيارين باعتباره ذو مدرج واحد ويقع وسط المدينة تماما والمدينة محاطة من جهاتها الاربعة بالجبال الشاهقة ، وكان هناك صديق باستقبالنا في المطار فقلنا له بأننا نريد الذهاب مباشرة الى مدينة Guayaquil غواياكل ولكننا نريد ان نتناول الغداء قبل السفر ،  فاخذنا الى مطعم شعبي نظيف ولم يكن لنا خيار غير السمك ، باعتبار ان اللحوم المذبوحة هناك ليست بالحلال لانها غير مذكاة على الطريقة الاسلامية ، فطلبت بعض الخبز فقيل لي انه لا يوجد عندهم خبز ولكن هناك الموز الذي يتناوله السكان بكثافة ، فهو ياتي مطبوخاً ، مقلياً او مشوياً او على شكل رقائق خفيفة ، وتقدم بعض المطاعم الرز ولكنه غير لذيذ البتة ، غير انهم يلتهمونه التهاماً ومن المؤكد بانهم يقولون عن اطباقنا الشهية بانها بلا طعم ، وهكذا فان كل حزب بما لديهم فرحون .
اخذنا مقاعدنا في الباص المريح ، وقبل ان يتحرك دخل علينا شخص يحمل كاميرة فيديو وبدأ يصور المسافرين فردا فردا كاجراء احترازي  للتعرف على الركاب في حالة حصول جريمة ، لاسيما وان البلاد معروفة بانتشارالجريمة حتى قال لنا احدهم بان اكثر اصحاب سيارات التاكسي يتواطئون مع عصابات السلب والنهب ضد الركاب . وصرنا نعيش في حالة من اليقظة والحذر طوال الرحلة ، بل وطوال بقاءنا في تلك البلاد . علما بان اكثر جمهوريات امريكا اللاتينية  مبتلاة بالجرائم وتزداد النسبة في كولومبيا وفنزويلا فيما تم تحذيرنا كثيرا في العاصمة كيتو ومدينة ( غوايا گل ) وقد استغرقت الرحلة من كيتو العاصمة الى مدينة غواياگل التجارية حوالي ثمان ساعات علما بان المسافة لا تتعدى الـ 200 كيلو متر ولكن الطرق المعبدة  جيدا تلتف بين الجبال الشاهقة جدا فصار الباص يسير بين الخضرة الممتدة على طول الطريق والمشاهد الخلابة والشلالات والمناظر الساحرة ويجتاز الانهار الجميلة ، ولم يتوقف الباص الا مرة واحدة لتناول الطعام في مدينة ساحرة اسمها (سانتو رميغو) تكثر فيها المطاعم والفنادق .
واما مدينة غواياگل فهي كبرى المدن في الاكوادور وفيها ميناء تجاري ومبان كبيرة ومصانع ، وهي اكثر المدن سكاناً ، وقد وجدنا فيها جالية مسلمة تتكون من جنسيات مختلفة ، اختاروا العيش في تلك المدينة النائية بحثا عن الرزق والاستقرار واكثرهم يعملون في المطاعم حيث نقلوا(الشاورما) والفلافل والشيشة الى هناك،ويظلون يعملون في المطاعم حتى ساعة متأخرة من الليل، فيعودون الى منازلهم ليناموا حتى ساعة متأخرة من النهار ثم يعودوا الى اعمالهم في تكرار يومي قد يكون ممتعا للبعض ومملا للبعض الاخر كل حسب حالته النفسية، وتحوي المدينة على مبان تعد آية في المعمار لاسيما الكنائس الضخمة الفخمة حيث النقوش الجميلة والزجاج المعشق، ولكن عدد المصلين كان قليلا جدا مقارنة مع حجم الكنيسة التي تستوعب الالاف تقريبا، مع اني رأيت في احد الدكاكين وهو مقر لبعثة تبشيرية خمسة من المصلين يمسكون بايدي بعضهم البعض وهم يصلون على شكل Mediation  ويبدو انهم يعانون من مشاكل نفسية معقدة وهم من البروتستانت، كما لاحظت ان المسلمين قد أخذوا معهم خلافاتهم التاريخية القديمة الى هناك ايضا، الا في مدينة (كوينكا) حيث يخرج الشيعة والسنة كل عام يشاركهم عدد من الاكوادوريين في مسيرة ضخمة بمناسبة يوم المولد النبوي الشريف، حيث تحضر وسائل الاعلام لتغطية هذا الحدث المليء بالاعلام والرايات والالوان الذي يتخلله توزيع الاطعمة والاشربة والحلويات على المارة،وقد دعانا احد الاخوة لزيارة مدينة (Cuenca )لانها مدينة جديرة  بالمشاهدة حسب قوله، فذهبنا اليها فوجدناها كذلك فعلا وقد وجدنا فيها الكثير من كبار السن الامريكان الذين يفضلون قضاء الباقي من اعمارهم في هذه المدينة الساحرة لانها جميلة ورخيصة وآمنة، اذن فهي افضل مكان للمتقاعدين، هي مدينة هادئة مشيدة على الطريقة الاسبانية  القديمة وفيها نهر هادر ينزل من الجبال المحيطة بالمدينة الواقعة اصلا على المرتفعات حيث يشعر البعض بنقص الاوكسجين في الوهلة الاولى تصاحبها اعراض اخرى مثل ثقل في الراس  وضيق في التنفس سرعان ما يتعود عليها الزائر، وتمنيت لو تتاح لي الفرصة لاعود الى هذه المدينة واقيم فيها ستة اشهر متتالية لانجز ما بجعبتي من اعمال ادبية وفكرية غير مكتملة في جو من السحر والمتعة والهدوء والجمال.
لقد اخذونا في احد الايام الى جبال اكثر ارتفاعا والى بحيرات خيالية تنام بين الجبال، ووجدت من الازهار البرية ما لم أر مثلها في حياتي فكان المطر والصحو في وقت واحد ورأيت الغيوم تداعب اطراف الجبال، نعم شعرت بثقل في الراس وضغط في الاذن وضيق في التنفس الا ان متعة الصيد في الاحواض الاصطناعية انستني تلك الاعراض ولعل اعجب ما رأيت هو سمكة كانت ميتة بيد الصياد القاها في البحيرة فعادت اليها الحياة بقدرة قادر حيث تحركت قليلا قليلا حتى استعادت نشاطها كاملا . وقد تعود الناس هناك  على ان يصطادوا ما يشاءون من السمك ليقوم في النهاية صاحب الحوض بوزن السمك المصطاد وقبض الثمن اي انه يبيعه بالوزن.
ولعل اجمل ما في مدينة كوينكا هي الاحواض الكبريتية الحارة المنتشرة في اطراف المدينة ، وبالنسبة لي كانت تجربة فريدة رائعة ان انزل في جو بارد الى حوض ماء كبريتي حار و اكثر من يؤم تلك الاحواض هم كبار السن طلبا للعلاج من آلام الروماتيزم والمفاصل على انني قرأت في احدى الكتب الحديثية بان اتيان هذه الاحواض لطلب الشفاء مكروه من الناحية الشرعية.
وحان موعد العودة الى كيتو عاصمة الاكوادور استعدادا للعودة الى ارض الوطن، فركبنا الباص في الساعة الثامنة مساء لنقضي الليل كله في الطريق، وحدث ما لم يكن في الحسبان حيث هطلت امطار غزيرة ونحن في الطريق بين الغابات الكثيفة والجبال الشاهقة، فتعطل السير تماما بسبب الرياح الشديدة والمطر الغزير ، فتخيلت بان الموت يتربص بنا هنا بعد ان نجانا الله تعالى  من زلازل تشيلي، وتذكرت الجنازة التي رأيناها في مدينة غواياكل حيث كان يتبعها الرجال والنساء معا وبعضهم كان يرفع علما لفريق كرة قدم وكان يمشون بها الى المقبرة حيث اخبروني بانهم يمشون لمسافات بعيدة حتى يصلوا المقبرة  التي هي عبارة عن حاويات توضع فيها الاجساد.
اذن سوف يقتلنا البرد والجوع ان نحن بقينا هنا ، من ينقذنا؟ وقد حدث مثل هذا في الطريق من كابريرو الى سانتياغو حيث قضينا المسافة التي تستغرق اربع ساعات في اثني عشر ساعة ولكن كان معنا في حينه الكثير من الفواكه والبسكويت ، واما هنا  فلا شئ سوى الظلام والرعد والريح والبرق والمطر وريح صرصر عاتية لساعات في الليل البهيم بين مزارع الموز ولا موز .
وهل هناك سوى الله تعالى ينقذنا، وعندما وصلنا الى كيتو في اليوم التالي وكنت متمددا على فراشي الوثير في الفندق وقد ذهب العناء والتعب والخوف تذكرت ليلتي الماضية وتذكرت الظلام والامطار والاعاصير والبرد والجوع، وتذكرت الاية الكريمة ( ان مع العسر يسرا) وهكذا هي الحياة صعوبات ثم تساهيل، وحلاوة الكوارث انها تذكر الانسان بربه وتعيده اليه.
واذكر عندما توقف المطر وبدأت السيارات بالمسير كيف كنا نسافر بلذة ومتعة نحو الفجر الضحوك مع الاشجار والجبال ، و دخلنا  كيتو وقد اسفر النهار وبدأت حركة الناس بالتوجه الى اعمالهم وعندما نزلت من الباص قلت بطريقة لا ارادية وبصوت مسموع : صباح الخير كيتو ، ودخلنا دكانا قريبا يبيع الفاكهة وكنا قد اعتدنا ان نشتري الفواكه الغريبة وما اكثرها هناك ونختار الاشكال العجيبة والالوان المختلفة والاحجام الغير الهندسية،نأكلها كلها وما استعذبنا طعمها كررنا شراءها وما لم نستسغ طعمها لا نشتريها مرة اخرى ، واما اسماءها فلا يمكن حفظها لصعوبتها ، وقبل التوجه الى المطار في الليل دخلنا مطعما لتناول العشاء الاخير، وجبة سمك كالعادة وقد عوّد صاحب المطعم زبائنه على كتابة ملاحظات على الجدار في ذم او مدح الطعام، فما كان مني الا ان تناولت القلم العريض الذي جاء به  وكتبت عبارة (لا اله الا الله وذيلته بتوقيعي، ومن يعرف لعلها ستكون في ميزان حسناتي يوم القيامة.
وبدأ العد التنازلي وآن الاوان  لنقول : وداعا كيتو ، واعلنت المضيفة عن اقلاع الطائرة من مطار كيتو متوجهة الى مدريد، وهكذا تنتهي القصص، فقال زميلي وهو يلوح لمباني المدينة من الطائرة التي بدأت بالارتفاع عن الارض : العودة للاهل له طعم العسل.
ملاحظة: اللغة الرسمية للاكوادور هي الاسبانية اذ استعمرتها اسبانيا لثلاث قرون حيث دخلتها سنة 1534 م وخرجت منها سنة 1830 م.
aabbcde@msn.com







66
الاكوادور من داخل القصر الجمهوري
حسين ابو سعود
عندما تحطمت اسطورة الامة العربية الواحدة على صخرة الخلافات العربية تبين بأن مكارم الاخلاق ليست حكرا على العرب فحسب  وانما هي متوزعة على الشعوب والافراد في جميع انحاء العالم بغض النظر عن الدين والقومية واللون ، وبعد ان عودنا الرؤساء في الدول العربية والاسلامية على وضع خط فاصل طويل بينهم وبين الشعوب وجدت نفسي في الاكوادور داخل القصر الجمهوري وسط العاصمة كيتو . كان ذلك في نهار مشمس جميل ، كنا نتجول في العاصمة بصحبة صديق اكوادوري فرأيت قصرا يتوزع في جوانبه حراس شرف  من الذين يرتدون القبعات الطويلة والملابس المزركشة ، فسألت فقيل لي هؤلاء حرس شرف وهذا المبنى هو القصر الجمهوري ويستطيع كل انسان ان يدخل الى القصر ويتجول بين ارجاءه بعد اثبات هويته . ثم وجدت نفسي لا ارادياً اقف مع مجموعة من الاجانب ينتظرون الدخول الى القصر حيث جاءت فتاة شابة من التشريفات واستلمت جوازات السفر وبطاقات الهوية للمجموعة وبعدها  يمر كل زائر من خلال جهاز الكاشف ويزود ببطاقة تعلق على صدره ، وقبل ان تقوم المرافقة باصطحاب المجموعة الى ارجاء القصر تطلب من كل واحد منا الوقوف على السلم لالتقاط صورة تذكارية وتطلب بكل  ادب عدم استخدام الفلاش عند التقاط الصور بالكاميرات الخاصة كي لا تتعرض محتويات القصر ولوحاتها الفنية الى التلف . وكان الرئيس موجوداً عند الزيارة ولم يكن يفصل بيننا وبين مكتبه الذي كان يحرسه اثنان من حرس الشرف بملابس مهيبة سوى عشر خطوات و وجود الحارسين ينبيء بوجود الرئيس في مكتبه ، وقد طلبت منا السيدة المرافقة تحية العلم الاكوادوري بانحناءة بسيطة . واصطحبتنا  بعد ذلك الى القاعات الفسيحة التي تحوي المقتنيات الرئاسية الثمينة ولا سيما قاعة الهدايا التي اعطيت للرئيس الحالي الذي  رفض ان ياخذ الهدايا التي تلقاها من الدول الاخرى الى بيته ، واكتفى بوضعها للعرض في قصر الرئاسة على عكس سلفه الذي اخذ كل الهدايا الى منزله ، والظريف ان الرئيس لم يُسكن اولاده في الطابق الثالث من القصر والمخصص للسكن لانه لا يريد لاولاده ان  يتعودوا الرفاهية لفترة ثم يغادرون القصر عاجلا ام آجلا فيستوحشون الحياة العادية بعد مغادرة القصر وهذا يذكرني بالكتابة المعلقة على قصر السيف العامر في الكويت وهي ( لو دامت لغيرك لما اتصلت بك ) وكان كل وزير ومسئول يقرأها عند الدخول الى القصر .
والظريف بان الشعب الاكوادوري يكن للرئيس الاسبق الوي الفارو الذي قتلته الكنيسة سنة 1912 كجزء من صراع الكنيسة والدولة ، ويضعون صوره ومقتنياته الخاصة في قاعة الاجتماعات الرسمية ، ويحترمونه على عكس حكامنا الذين عودوا الشعب على قتل وسحل الخلف للسلف ، وعند انتهاء الزيارة التي استغرقت 40 دقيقة ودعتنا السيدة المرافقة بكل احترام واخذت منا بطاقات الزيارة واعادت الينا الجوازات والهويات ثم سلمتنا ظرفاً فيه صورة تذكارية لنا وقالت هذه هدية الرئيس لكم .
والامر الاهم بان هناك ساحة كبيرة تواجه القصر يفصل بينهما شارع عام ، اي ان السيارات تسير بمحاذاة القصر بلا تفتيش ولا حواجز ، والاكثر من هذا بان هناك بعض الدكاكين هي جزء من مبنى  القصر لبيع الهدايا والملابس الشعبية بالاضافة الى دكان حلاق ( اي والله العظيم ) دكان حلاق في الجزء المحاذي للشارع . والساحة المقابلة  للقصر تكثر فيها محلات الملابس والمرطبات وصباغي الاحذية .
وياتي المتظاهرون الى هذه الساحة فيرفعون اللافتات ويطلقون الشعارات ، فتنزل سيدة من قصر الرئاسة (كما رأيت بعيني ) الى هؤلاء لتستمع اليهم وتسجل بعض الملاحظات عن مطالبهم وتتبادل معهم ارقام الهواتف ليتم الاتصال بهم  لاحقا لحل مشاكلهم ، كما قيل لي بان الرئيس تعوّد ان يطل على المتظاهرين من خلال الشرفة القريبة ليوجه كلمة او خطبة على المجتمعين والمتظاهرين وقد حدث في يوم تواجدنا ان اطل الرئيس من الشرفة والقى كلمة في المتظاهرين الذين تفرقوا بعدها بكل هدوء .
والظريف بأني قرأت خبراً بعد ايام من زيارة القصرالجمهوري عن رئيس الاورغواي ( خوسيه موخيكا ) مفاده بان فخامته امر بفتح قصره اي قصر الرئاسة للمشردين وتخصيص 90% من راتبه للاعمال الخيرية ليجسد قيم التضامن مع الشعب .
وهذا ليس من باب المبالغة السياسية فقد سبق له ان احتضن في قصره امرأة وابناءها المشردين حتى اوجدت لهم الدوائر المختصة مأوى مناسبا . وتطلق عليه الصحافة لقب أفقر رئيس في العالم ورئيس الفقراء بسبب تواضعه المطلق ، ثم يوجه الخبر سؤالا سخيفا جدا ومكرراً وهو ( هل يمكن للحكام العرب المسلمين من المحيط الى الخليج ان يقلدوا الرئيس موخيكا بفتح قصورهم للفقراء ويتبرعوا بجزء من رواتبهم للمحتاجين ، يسألون السؤال وهم يعرفون بان الجواب هو :لا بل مليون لا .
فسلام على الرئيس موخيكا وعلى رئيس الاكوادور وعلى كل رئيس يخاف الله في شعبه .
aabbcde@msn.com


67
المنبر الحر / كلاب سانتياغو
« في: 13:29 30/03/2013  »
كلاب سانتياغو



حسين ابو سعود
ان سانتياغو عاصمة تشيلي ، مدينة قد لا تختلف كثيراًعن المدن الاخرى ، الا كلاب المدينة ، فقد وجدت اكثر الكلاب نائمة في الشوارع في وضح النهار ، غير مهتمة بالزحام وحركة الناس واصوات الباعة ، ولعل الاحساس بالامان جعل الكلاب تغمض عيونها عن الخوف وتنام ، ولا انسى ذلك الكلب الذي كان نائما امام القصر الجمهوري عندما اجتمع الناس في الحديقة المقابلة لمشاهدة مراسم استقبال رئيس وزراء كندا الذي كان يستعرض حرس الشرف على السجاد الاحمر ولم يهتم الكلب بجلال المظاهر واهمية الحدث وعزف الجوقة الموسيقية والخيالة ورجال الامن والحراس. اقتربتُ من الكلب فقلت له انهض ايها الكلب ، انظر الى الحراس واستمع الى الموسيقى المهيبة ، فلم يحرك ساكناً حتى اذا انتهت مراسيم الاستقبال وانفض الناس انتفض الكلب ونفض عنه كسل الرقاد وقام ليذهب غير عابئ بما يحدث فقلت له صحيح انك كلب وابن كلب .
وسانتياغو مدينة كبيرة حديثة نظيفة ، وقد شاهدنا في المطار حال الوصول شرطيات ومعهن كلاب بوليسية تحوم حول المسافرين تشم امتعتهم بحثاً عن المخدرات حيث ان دول امريكا الجنوبية معروفة بالمخدرات وقد اخبرنا احدهم بأن الكثير من الشباب مبتلى بداء المخدرات وتضطرهم الحاجة الى المال لارتكاب الكثير من جرائم السلب والسرقة وان سراق تشيلي لهم شهرة واسعة ، وقد سرق احد العابرين جهاز موبايل صديقنا عندما اوصلناه بسيارتنا في طريق العودة من ميناء (فين دي لامار ). وقد وصف احدهم شعب تشيلي بأنهم لصوص وكسالى وكذابين وهو وصف ظالم مبالغ فيه لأني وجدت عند من زرناهم التقدير والاحترام والانسانية ولا ادري من اين ينبع مثل هذا التجني في وصف الشعوب ولعلها نابعة من تجارب شخصية مريرة .
سانتياغو مدينة غالية جداً ولاسيما المطاعم التي تنافس لندن في الاسعار وحتى السمك الذي يتوفر بكثرة في تشيلي التي يحدها البحر لمسافة 6000 كيلومتر الا ان سعره غالي واذكر بأن احد المهاجرين المسلمين قد دعانا الى مطعم يعطي انطباعاً بأننا في حرب حقيقية وليس في مطعم راق ، حيث الديكورات تعتمد على الجماجم وتماثيل الشياطين والسيوف والدروع ، وحتى النادل كان يرتدي ملابس القرون الوسطى ، ويضع على رأسه قلنسوة حديدية ، ولكن الطعام كان لذيذاً على اي حال ، ودعتنا عائلة لبنانية مغتربة الى مأدبة عشاء في شقة تقع على الطابق السادس عشر ، و وقفنا على الشرفة بعد العشاء فصار رب الاسرة يحدثنا عن مواضيع شتى ومنها الزلزال المدمر الذي ضرب تشيلي فأخبرنا بأن هذه البلاد تقع ضمن شريط الزلازل وان الهزات الارضية تحدث فيها على مدار العام ، ولا ادري كيف ينزل الساكنون في العمارات الشاهقة في حالة حدوث هزة ، فكيف ينزل الشيخ الكبير المقعد او امرأة مع رضيعها او الطفل الصغير ، وتمنيت حينها ان ننتهي من العشاء بسرعة لنغادر الشقة ونعود الى حيث نسكن وهو منزل من طابق واحد ، مع ان المبان عندهم مصممة بشكل يحتمل الهزات الارضية ، وفعلا عدنا فأويت الى فراشي ، وغرقت في نوم عميق ، الا ان اهتزاز الارض بشكل كبير افزعني وايقظني من سباتي ، يا الهي ما هذا ، هل حلم ام حقيقة ، الارض تهتز بمقدار ½6 درجة بمقياس رختر كما اخبرونا لاحقا وخرج صاحبي من غرفته وفتحنا التلفزيون واذا به ينشر الخبر عن الهزة الارضية وتبث صورا عن اناس يغادرون مبانيهم بملابس النوم ، ثم عرفنا بان الهزة مرت بسلام ولم تحدث خسائر في الارواح حيث كانت الحياة في اليوم التالي عادية والابتسامات كالعادة  تعلو الوجوه ولكن الزلزال الذي ضرب دولة تشيلي في الستينات كان مدمراً ، وعلى اي حال فالامر بالنسبة لي عادي ولكن ماذا كان يقول رئيس وزراء كندا  الذي كان موجودا في سانتياغو تلك الليلة ؟ .
تشيلي دولة طويلة تختلف مدنها من حيث المناخ والطقس والتضاريس فهناك مدن دائمة المطر والبراكين ومدن لا ينزل فيها المطر ابداً وفيها الجمال والجبال والثمار والازهار والانهار و الشلالات والبحيرات والسماء الصافية ، وفيها  مدينة تسمى ( اكيكا ) توصف بانها سقف العالم وقريبة من السماء حيث ترى النجوم تتدلى كالعناقيد الا ان مناخها حار جداً ، وفيها سواحل ساحرة تتمازج معها الجبال المكسوة بالغابات .
وقد لفت نظري اناقة السكان رجال ونساءً ، كباراً وصغاراً علماً باني لم اجد هذه الدرجة من الاناقة حتى في لندن، علماً بان تجارة الملابس المستعملة مزدهرة في تشيلي حيث تأتي البالات من امريكا وهي مرغوبة لمتانتها ونوعيتها ورخصها ، ولا يكاد احد  يفرق  بينها وبين الجديد لاسيما بعد ان تغسل وتكوى وتباع على عكس البالات التي في بلادنا ، فهي مكشوفة .
 ومن الملفت للنظر في سانتياغو كثرة الشباب وقلة كبار السن والاطفال ، وكذلك كثرة النساء نسبة الى الرجال  حيث اخبرني احدهم بأن نسبة النساء الى الرجال هو 5-1 مع اني لست مجبرا على تصديق هذا الامر لانه لو صح سيؤدي الى كارثة حقيقية .
وبقي ان اقول بان سانتياغو فيها جالية عربية كبيرة قوامها اكثر من 400 الف فلسطيني مسيحي سكنوا فيها من مدة طويلة وبرز منهم الكثير من رجال المال والسياسة فيما نزحت 20 عائلة فلسطينية مسلمة من العراق بعد السقوط بترتيب من الامم المتحدة . وكنت اود ان اتحدث ولو باختصار عن المسلمين في تشيلي ولكني عندما وجدتهم قد نقلوا خلافاتهم الى هذه البقعة البعيدة من الدنيا قررت ان لا اكتب شيئاُ  عن الاسلام في تشيلي ، فهل انا مخطئ ؟
aabbcde@msn.com


68
قداسة البابا ومراجع المسلمين

حسين أبو سعود
مثل الملايين من البشر كنت اتابع وبشغف من على شاشة التلفزيون مراسيم تنصيب الحبر الأعظم البابا فرنسيس الأول في حاضرة الفاتيكان بحضور رؤساء دول ورؤساء وزارات ووزراء من دول مختلفة وبمشاركة وفود رسمية من 131 دولة وكان الاحتفال مهيبا يليق بجلال يسوع المسيح ومقام مريم المجدلية ويعكس الاهتمام الذي يوليه المسيحيون بديانتهم وزعيمهم البابا الذي يعتبر خليفة للرسول بطرس، وقد حضر حفل بداية حبرية البابا فرنسيس الأول وفود إسلامية ويهودية وهندوسية وارثودوكسية وجماعات مسيحية اخرى، ولعل أجمل ما في الحدث هو وحدة المواقف ونكران الذات لأساقفة وكرادلة وبطاركة الكنيسة الذين انتخبوا بطريقة سلسة من بينهم من يمثل الكنيسة في العالم ،حيث كان البابا الحالي حتى الامس القريب كردينالا بين الكرادلة فاصبح نائبا للمسيح على الأرض بمباركة  اكثر من 1200 كاهن و200 مطرانا فقدم الجميع الطاعة والخضوع للبابا الجديد، فكانوا يقبلون يده وهم مقاربون له في السن والدرجة ، وقد سجل البابا السابق موقفا رائعا عندما قدم الاستقالة بسبب عدم استطاعته القيام بأعباء المسئولية الكبرى ، مسئولية خدمة اكثر من مليار مسيحي في العالم، وقبله قام احد البابوات بالعفو عن التركي الذي أراد اغتياله حيث زاره في السجن وتنازل عن حقه هناك وأمر بإطلاق سراحه.
ما علاقة البابا بمراجع المسلمين وما هي أوجه الشبه بينهم؟ وأعني بمراجع المسلمين علماءهم الكبار أمثال شيخ الازهر الشريف في القاهرة ومراجع الشيعة ومفتي السعودية وسلطان البهرة وامير الاغاخانية ومفتي الإباضية، فالبابا يعتبر منصبه سلطة ومسئولية، والسلطة الحقيقية عنده تعني الخدمة لاسيما خدمة الفقراء.
فاين علماء المسلمين من توحيد الكلمة علما بان عدد المسلمين يزيد أيضا على المليار نسمة في العالم، ولماذا لم يحظى علماء المسلمين على المكانة اللائقة التي حصل عليها البابا؟
هل لأنهم يمثلون المذاهب ولا يمثلون الدين؟ ولماذا يستقيل البابا ويبقى
العالم المسلم الفلاني يفتي عنه البطانة بالرغم من وصوله الى أرذل العمر ودخوله في غيبوبة لا يفيق منها الا قليلا.
لماذا يتفق بطاركة الكنائس الشرقية والغربية على زعيم واحد قد يكون من بولندا او الارجنتين ونحن ما زلنا نعيش عقدة المرجع الإيراني والعراقي والافغاني ولا نتفق على صلاة جماعة موحدة في الحرم الحسيني الشريف مثلا؟ ولماذا يخرج البابا للناس ويقبل الأطفال ويسافر الى دول العالم، وعلماؤنا قابعون في صوامعهم لا يرون أحدا ولا يراهم أحد؟ فذاك نائب المسيح وهؤلاء نواب المهدي ونواب الائمة الأربعة، على أنى لا اريد هنا انتقاد علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم وانما اريد استثارة الهمم لتوحيد الكلمة والاتفاق على قيادة واحدة موحدة، ان لم يكن بين المسلمين كلهم فليكن بين المذاهب على اقل تقدير كأن تكون قيادة واحدة متفق عليها للشيعة وقيادة أخرى للسنة ولكن أي اسلام؟ واي سنة واي شيعة وقد تزامن حفل تنصيب البابا مع سلسلة من التفجيرات الدامية في مختلف انحاء العراق راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى في صراع غير متكافئ بين الأبرياء العزل وقوى الإرهاب تحت انظار الحكومة والجيش والشرطة، وتزامن هذا أيضا مع اضطرابات دامية في مصر وفي سوريا وباكستان وأفغانستان بين أطراف كلها تدعي الإسلام والإسلام منها برئ.
كنت متسمرا طوال الوقت امام التلفاز ولكني تلقيت درسا لن انساه في الانضباط ونكران الذات وتغليب المصلحة العليا للجماعة على اهواء النفس.
اطال الله عمر البابا لخدمة الإنسانية.
aabbcde@msn.com




69
المنبر الحر / دقائق من ليل الاسى
« في: 19:31 05/03/2013  »

دقائق من ليل الاسى
حسين ابو سعود
مرة عندما ضاقت به السبل
وانقطع الرجاء
وافتقد الامل
رمى بنفسه من اعلى الجسر في النهر
فلم تكترث المياه به، اكملت مسيرها
اخذته الاسماك وسلمته الى السلطان
ما للشعراء والسلطان
الشعراء ضفاف
وجل علاقاتهم مع النوارس
2
ايتها الأعشاب النحيلة
ابكيني غريبا قَدِمَ من مدن الدفء
هام في حب الأنهار
فهل اخطأ الغريبُ الحسابْ؟
3
قيل لي ان الانهار مثل الامهات
فيا ايها النهر الذي احببته
وقفت على ضفافك
تعقبتك من المنابع حتى المصب
اطعمت النوارس واسراب البط همومي
جئت من مدينة وسعت كل شيء
ولم تسعني
4
هديء ايها النهر روع الامواج ساعة الجزر
ودع احلامي التي تعانق الارق
تتمدد على سطحك في الهواء الطلق
مر بها على الحدائق في الارياف
دعها ترعى الامان مع القرويين
وتستنشق الهواء  النقي مع الطيور
دعها تتفتح مع الزهور
لتتحول هناك الى صخرة
تعيش بصمت بين الجمادات
فلا يتعرض له احد
aabbcde@msn.com

70
لروح قاسم مطرود نوافذ اخرى
حسين ابو سعود
مذ عرفته ، وجدته وديعا للغاية ، يحمل ابتسامته المشرقة على شفتيه سلاحا يهزم به العنف والظلام وضيق الافق، قاسم مطرود كان معنيا بامور اكبر، كان معنيا بالحضارة الانسانية،بعيدا عن القطرية والقومية والحزبية ،كان يؤمن بالانسانية ويؤمن بالسلام المطلق وكان يريد ان يرتقي بالانسان الى اعلى درجات السمو والرفعة، رسالته كانت مقدسة لان الانسان كان عنده هو الهدف  ،الطفل، الشاب ،الشيخ الكبير، الرجل ، المرأة، الاسود ، الابيض.
كنت في العراق عندما علمت بان قاسم مطرود القوي جدا قد ضعف امام المرض وقرر ان يترجل ، ويستسلم ويرحل الى حيث الروح والريحان والجنة والرضوان، الى الرب الغفور الرحيم.
يرحل من دنيا ملتهبة بالحروب مليئة بالمجاعات، ومن صور للبؤس لا يحبها، كان قاسم مطرود يسير في دروب تبدأ بالشعر حالما فيها بعالم جميل مثل ملامحه، ودروبه كانت لا تنتهي، ينثر كلامه الملئ بالالوان على جنبات الطريق يقتات عليه الغزلان والطيور.
لقد آمن بالانسان وصدق في عهده للانسان فيما كان يعمل الاخرون على هدم هذا العالم وتحويله الى رماد.
عندما كان الصديق الراحل يحضر اجتماعات الديوان الثقافي العراقي في دار الاسلام بلندن كان يبدي ملاحظاته بادب جم ويقدم الاقتراحات البديعة الخلاقة وكان دائما يدعو الى التجمع وتوحيد الكلمة ، كان يؤمن بالحوار ويعادي غير الحوار.
خرج من وطنه لا ليستقر في هولندا ولا في بريطانيا، بل ليستقر في العالم اجمع ، كان عربيا لكنه كان يحترم القوميات الاخرى ويعتبرها من اصل واحد، كان عراقيا ولكنه كان يحترم كل دول العالم.
فرض نفسه على الساحة بعطاءه ليُعرف في مصر والجزائر والمغرب وكل البلاد العربية ، كان يحمل العراق معه ليس انتصارا للقطرية وانما انتصارا للحضارة الانسانية.
زرته مرة في المستشفى، رايت ابتسامته وقوته المعنوية تغطي آثار المرض والتعب ، لقد وجدت الضعف في بدنه ولكني لم اجده في لهجته وعباراته، كان ميتا الا قليلا ولكني لم ار ميتا بهذه القوة وبهذه الاريحية ، يمازح زائريه رغم انه لا يقوى على الكلام.
اذكر سفرته الاخيرة الى العراق، السفرة التي اتعبته، رايته في مطار لندن، كنا في نفس الطائرة، وافترقنا في ساحة عباس بن فرناس عندما رايت اهله ومحبيه يعانقوه ويقبلوه ويصطحبوه الى منازل العائلة، كان يطفح بالحياة، لا تفارقه ابتسامته الجميلة ، لله در تلك الابتسامة.
قاسم مطرود لم يخسر الصراع المرير مع المرض، لقد ظل لسنوات يقارعه ويصارعه حتى صادقه ، ولما صادقه أخذه الموت بعيدا ، قيل انه ترجل ، تعب ،اتكئ على جدار الموت ، استسلم ولكن وجهه ظل مبتسما، لقد قسمه الموت على القلوب الطيبة وعلى النفوس الجميلة ليسكن فيها.
كل رحلات قاسم مطرود وهو يجوب الارض مدعوا الى مؤتمرات وندوات كانت طويلة الا رحلته الاخيرة من لندن الى بغداد، فقد كانت قصيرة لم تستغرق سوى ساعات، هنا في لندن اسلم الروح وهناك في بغداد اسلم الجسد، لقد ترجل من مسرح الحياة عملا باحلام مؤجلة وسار نحو عالم اوسع وارحب، عالم لا نهاية له،فلنعنون رسائله بعد اليوم كما كل الراحلين الى السماء ، الى اعلى عليين في جنة الطيبين.
عناوين قاسم مطرود:*
كان قاسم مطرود مدهشا في كل شئ، في ابتسامته وفي اخلاقه وفي عطائه وفي اختياره الحسن لعناوين مسرحياته فهو (مواطن) كان يصرخ (جسدي مدن وخرائط)و (دمي محطات وظل)و(معكم انتصفت ازمنتي) و (لنشرب اذن) مع (عزف على حراك الجمر) كان بين (اوهام الغابة) وبين (رماح الفجيعة) يمارس في (صدى الصمت) (طقوسا وحشية) وكان قبل ان يموت يقول(ليس عشاءنا الاخير)هذا ويكتب(رثاء الفجر) ويحكي قصة (هروب قرص الشمس) على (موتى بلا تاريخ) ويكتبها (مجرد نفايات) على (حاويات بلا وطن) وهو يعلم بان (الجرافات لا تعرف الحزن) وان (الاحلام في وضع منهار) وعندما مات الفنان نطقت (احزان جثة) وصاحت بكل المعاني المشحونة في عناوين قاسم مطرود(ما الذي حدث) وهل انتهى كل شئ؟ جاء صوت واهن ليقول للخائفين من الموت:اطمئنوا فان (للروح نوافذ اخرى) تطل منها .
* العبارات التي بين الاقواس هي عناوين مسرحيات الفقيد

71
التاريخ الزاهر لحمولة آل مناف من آل ياسر(قراءة في كتاب)



حسين أبو سعود
عندما شرعت بقراءة  كتاب التاريخ الزاهر لحمولة آل مناف من آل ياسر لمؤلفه اللواء الحقوقي ياسين الياسري ، كنت مجاورا للحضرة الكاظمية المشرفة وبالتحديد في شهر رمضان للعام 2012 فأضفى الزمان والمكان حلاوة مفعمة بالإيمان إلى متعة القراءة والإطلاع.
لقد عايشني الكتاب مع تاريخ زاهر مشرف لأسرة علوية عريقة، فوجدت  فيهم من خلال الصفحات الكرم والجود والإيثار، ووجدت بين آل ياسر العلماء والأدباء والوجهاء ورجالات دولة من الطراز الأول ، وتبين بان مكارم الأخلاق العشائرية تجبر الفرد على التحلي بها والتخلي عما سواها من لؤم وبخل ودناءة وجبن ، رأيت في الكتاب صورا فوتوغرافية للماضين منهم وأضفت إلى عمري بعضا من أعمارهم وأنا أتخيل ديارهم ومزاراتهم وبطولاتهم عبر الحقب كما اكتشفت ان الحالة القبلية هي أساس قراني وإرادة ربانية كما في الآية الكريمة (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وأنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) وقوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وقد يحتمل معنى تعارفوا تنظيم العلاقات فيما بينهم فصارت بذلك للعشائر عادات وأعراف وقوانين  لايحيدون عنها بل ويجدر الافتخار والتمسك بها.
ان الحالة العشائرية وان كانت متأصلة في بلاد الرافدين أكثر إلا أنها لا تقتصر عليها فقط ولا على الدول العربية وحدها وإنما هي موجودة في إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وغيرها  كما أنها موجودة في الدول الأوربية أيضا ولكن بأضعف صورها حيث توجد بعض الأسر العريقة مازالت تفتخر بحمل لقب العائلة جيلا بعد جيل .
ان هذا الكتاب ليس لآل ياسر فقط ولا لمن يريد معرفة المزيد عنهم وإنما لكل من له ولع بمعرفة القبائل وأصولها وعاداتها وتقاليدها ، والمكتبة  العربية تحتاج لكتاب آخر يحتوي قصص إنسانية مشرفة ومواقف رجولية مميزة لا تنسى لرجالات آل ياسر يستحق أن تخلد و يكتب عنها كما فعل الأستاذ فهد المارك في كتابه (شيم العرب) الذي ضمنه مواقف فريدة لرجال القبائل.
ومن الأمور التي لفتت نظري في الكتاب صور الإجازات المكتوبة بخط اليد التي أعطيت لعلماء أجلاء من آل ياسر حازوا على ثقة المراجع العظام ، وأنا تستهويني الإجازات العلمائية ويبهرني جمال الخط اليدوي وقوة اللغة والصور البلاغية في التعبير وقد وجدت ان خط بعض العلماء  بديع للغاية  كما سلاطين آل عثمان الذين يتميزون بجمال الخط وإتقانه،وقد استوقفني الأسلوب الجميل للعلماء في كتابة الإجازات التي تحوي السجع المحبب ، وكنت احسب في الماضي بان هناك قاعدة خاصة في الدعاء لصاحب الإجازة حتى قرأت هذا الكتاب فتبين بان لكل مرجع أسلوبه الخاص في الدعاء فمنهم من يكتب عن فلان : دامت إفاضاته أو زيد فضله أو دامت بركاته ومن الصيغ الأخرى: دامت توفيقاته أو دام توفيقه وأيده الله  فيما ينفرد آية الله العظمى محمد جواد الطباطبائي التبريزي بكتابة: (أدام الله بركات وجوده)كما في إجازته للسيد حسن السيد ياسر الياسري فيصفه بـ (سيد الاطياب والانجاب فضيلة العلامة السيد حسن السيد ياسر أدام الله تعالى بركات وجوده) والسيد الخوئي (قدس) يكتب للسيد حسن الياسري عبارة (سلمه الله) واحدهم يكتب للسيد ياسر عبارة لطيفة للغاية وهي : (إلى السيد ياسر يسر الله له المعاسر) ، على أن عبارة ( دام ظله) خاصة بالمراجع العظام ويزيد البعض عليها كلمة (الوارف ) فتكون (دام ظله الوارف) وقد كتبت ما يشبه هذا في مقال لي نشرته الكثير من المواقع بعنوان (رسالة في ألقاب الساسة والعلماء ) وفيه فوائد لمن أراد الإطلاع .
إن كتاب التاريخ الزاهر جهد كبير بذله المؤلف لإبراز شخصيات أثَرت في المجتمع العراقي، فكم من الليالي الطوال قضاها ساهرا كي ينجز مثل هذا الكتاب الفريد  رغم مشاغله الكثيرة كونه شغل مناصب  كبيرة في الدولة تستحوذ على كل وقته وجهده ويقول الأستاذ ثامر عبد الحسن العامري في مقدمة الكتاب )وهو بحق تحفة فنية ثمينة ونادرة ، غزير بمعلوماته النسبية والتاريخية القيمة إذ انه بحث نسبي بديع وصحيح لا غبار عليه) كما كتب العديد من الفضلاء مقدمات للكتاب فاثنوا عليه وقيموه أحسن تقييم فيما امتدحه بعض الشعراء بقصائد قوية في معناها ومبناها تحوي صورا من الفخر والاعتزاز، والفخر جائز ومطلوب إذا كان كما قال الشاعر علي الغرباوي :
والفخر في النسب الجليل فضيلة      إن زانه دين وحق معبَر
وجواز الفخر لا يأتي من فراغ  وإنما من القران والسنة والروايات كما يذكر المؤلف ، ففي الآية التي تتحدث عن الشعوب والقبائل فيها دعوة إلى العمل الصالح(إن أكرمكم عند الله اتقاكم)والعمل الصالح حقيق أن يفتخر به، وقول الرسول الأكرم صلى الله عليه واله ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فان صلة الرحم محبة في الأهل وثراة في المال ومنساة في الأثر) وحقيق بواصل الرحم ان يفتخر بفعله  على العكس من قاطع الرحم.
يعود نسب الأسرة الياسرية إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وفي ذلك قول شاعرهم سامي الياسري:
من عزم زيد ، شهيد الحق جدهم          أعطوا الغزاة دروسا حينما ثاروا
وأما اصل التسمية فيعود إلى جدهم السيد ياسر الكبير (الأول) بن السيد شوكة الكبير (الأول) ص49، ويتميز ذرية السيد ياسر الكبير بالكثرة والعدد ويتمركز سكناهم في مدن جنوب العراق ولكنهم توزعوا في باقي المحافظات أيضا فصار جماعة منهم في بغداد وكركوك  بل وحتى في بلدان المهجر بعد الهجرة المباغتة للعراقيين إلى خارج القطر وأنا شخصيا تربطني صداقة حميمة بأحد السادة من آل ياسر في لندن.
إن تشابه الأسماء  يعتبر مشكلة حقيقية للباحث في الأنساب  إلا أن تشابه الأسماء لدى الأجداد لم يثن الباحث من تحري الدقة فأضاف كلمة الأول والثاني والثالث إلى الأسماء المتكررة ، لا سيما اسم السيد مناف الذي يتكرر عدة مرات فيصفه تارة بالأول وتارة بالثاني والثالث  حسب الأقدمية ص83، ويعاني عادة الباحثون في الآثار وتاريخ المراقد الكثير  بسبب تشابه الأسماء فيبذلون جهدا مضاعفا لمعرفة الحقيقة، وقد ذكر المؤلف في ص 318 الخلاف على اصل تسمية لقب (السادة آل ياسر)وهو خلاف ما زال عالقا في أذهان البعض من آل ياسر رغم ان جميع الفروع تنحدر من أرومة واحدة، ويبدي رأيه الشخصي في ذلك استنادا إلى مخطوطات تاريخية قديمة عند تتبعه لمخطوطات كبار النسابين فيخلص إلى نتيجة أن التسمية تعود إلى السيد ياسر الكبير بن السيد شوكة ، وقد لا يهتم البعض ممن لا يهمهم الأمر بأصل التسمية ولكن الأمر في غاية الأهمية لمن يتحرى الدقة وفق قواعد البحث الموضوعي والتوثيق العلمي ، وقد اعتمد المؤلف في بحثه على أكثر من ستين مصدرا فضلا عما هو مخزون في صدور العارفين والنقل الشفاهي .
لقد برز الكثير من آل ياسر في الحوزة الدينية فكان منهم العلماء الكبار ومعتمدي المراجع العظام ومنهم من ضم إلى جانب علم الأديان  طب الأبدان أيضا مثل العلامة الكبير السيد طه السيد  ياسر حيث كانت له دراية واسعة وإطلاع تام بالأمور الطبية لدراسته الطب القديم وبراعته في تشخيص الأمراض وعلاجها ص115، وقد افرد المؤلف للمبرزين من آل ياسر صفحة كاملة مع صورة فوتوغرافية كما فعل مع السيد عيسى الياسري وهو شاعر بارز له خمسة دواوين وقد تم ترجمة شعره إلى لغات أجنبية وحاز على جائزة الكلمة الحرة لعام 2002 من منظمة القلم العالمية في هولندا ، وقد تناول العديد من النقاد أعماله الأدبية بالدراسة والتحليل ص201، كما افرد المؤلف أيضا صفحة خاصة للسيد حسين السيد علي الياسري الذي كان من أعلام الأسرة ومن أوائل الشخصيات التي امتلكت السيارات الشخصية  والتي كانت تسمى حينها (الطرام)حيث قام بشق جادة(شارع) من مركز المدينة تؤدي إلى منزله، واهم ما يميز هذه الشخصية انه عاش 130 سنة ص231، وقد لا تكفي الصفحة أو الصفحتان لبيان مآثر بعض الشخصيات والمؤلف الذي كتب عن الجميع لم يكتب عن نفسه شيئا وهو عين بين أعيان آل ياسر وعلم من أعلامهم ولكني أجد لزاما أن انقل ما كتبه عنه السيد كامل السيد سلطان الياسري في ص 21(عرفت السيد ياسين الياسري خلال معايشتي معه ما ينيف على العقدين من الزمن رجلا طيبا شهما واسع الأفق نبيلا يحب الخير لأهله ولجميع مواطنيه كريم جواد ملتزم خدم أسرته الكبيرة بكل ما يستطيع  وكما قيلت بحقه العبارة الخالدة ( انه سليل العلماء)ص21 .
وأقول بأنه أي السيد المؤلف كأسلافه يحرص أن يترك سيرة حسنة معطرة مليئة بالعطاء تتناقلها الأجيال من بعده علما بان السيادة والانتماء للبيت العلوي الرفيع تكفيه كي يحظى بالاحترام الكامل والمكانة اللائقة ولكن كيف إذا زان ذالك علم وعمل؟.
وقد يكون من الضروري في النهاية القول بان الكتاب طبع للمرة الثالثة في المطبعة العربية في بيروت عام 2011 ويقع في 370 صفحة.
 




72
اولاد مسلم وعرس الدجيل
ما اشبه الليلة  بالبارحة
حسين ابو سعود
لقد مرت على العراق والعراقيين ايام عصيبة لا يمكن وصف قسوتها ابدا ، لاسيما في ايام ما يسمى بالطائفية ، وصار الناس يتحدثون  عن مئات بل الاف المآسي التي تعكس ظلم الانسان للانسان، ويبدو بان هناك قوى خفية وعلنية تعمل الان على اعادة تلك الايام السوداء مرة اخرى ، ولا اريد ان ادخل في التفاصيل لان هذا المقال غير سياسي البتة، وقد اشتهرت من تلك المآسي قصة عرس الدجيل، ولمن لا يعرف القصة اقول بان جماعة ارهابية اعترضت عددا من السيارات في منطقة الدجيل كانت تقل عروسا وعريسا ورجال ونساء في احلى حلة وابهج حالة واطفال في اعلى درجات الفرح والمرح والانطلاق، فتم قتل الرجال والنساء واغتصاب العروس امام زوجها ثم استأصلوا ثدييها بالمنجل، وفي النهاية قتلوها لتتخضب بدل الحناء بالدم لتكون بطلة لقصة مأساوية يندى لها جبين البشرية ان كانت هناك بشرية وجبين ، والقصة برغم مأساويتها وفضاعتها قد لا تشكل شيئا امام الفصل الاخير ،وهو اغراق الاطفال الصغار في نهر دجلة  بربط كتل اسمنتية في الارجل الصغيرة كي لا تبق هناك اي فرصة للعوم والنجاة ، وهكذا تم قتل الاطفال بهذه الطريقة المبتكرة ولا ادري ايهما كان اشد على الطفل ، رؤية اقرانه وهم يبكون ويتوسلون قبل ان يغطسوا في النهر أم مجئ الدور والغرق، اي تجرع الموت غصة بعد غصة  لا لذنب ارتكبوه سوى انهم اطفال.
ثم تذكرت بان هذه الطريقة ليست مبتكرة ، وانما حدث مثلها قبل اكثر من الف عام في منطقة ليست بعيدة عن مكان الحادث ، انها حادثة اولاد مسلم ، او كما يقول غير العرب (طفلان مسلم).
ومسلم هو مسلم بن عقيل بن ابي طالب ابن عم الحسين بن علي وسفيره الى اهل الكوفة الذي قتل بضرب عنقه في اعلى قصر الامارة ثم القيت جثته من فوق القصر  ليلهم الجلاوزة الذين سحلوا نوري السعيد وغيره بثقافة السحل، ويقال بان اولاد مسلم كانا في سجن عبيدالله بن زياد والي الكوفة  فرقهما عن امهما وابقاهما ولا ادري ما حال ام ثكلى تجبر على السفر بدون صغيريها، وما حال دور آل عقيل بلا اطفال صغار كانوا يملأون ارجاءها بالسرور والحبور والحركة .
ان قصة الولدين الصغيرين تتلخص في انهما هربا من سجن ابن زياد ويقال بان السجان اشفق عليهما وسهل لهما سبيل الهرب  وهكذا هام الطفلان المتعبان الغريبان الحزينان على وجهيهما في البراري حتى وصلا مكانا فلجئا الى امراة من العرب آوتهما واحسنت اليهما الا ان ابنها او بعلها واسمه الحارث الهمداني اكتشف وجودهما في البيت فاخذهما الى شاطئ النهر فنحرهما كما تنحر الشياه، ويذكر بان الطفلين عندما أحسا بالنهاية المحتومة في ليلتهما الاخيرة قضيا الليل بالبكاء والصلاة والدعاء  فتوادعا بحرقة فضم احدهما الاخر وشمه وان اكبرهما طلب من الهمداني ان  يذبحه قبل اخيه، لانه لا يقوى ان يرى اخاه يُذبح امام ناظره وهو مقيد بالحبال .
وعندما فصل الرأسين الصغيرين عن الجسدين الغضين الطريين ، حملهما الى الوالي لنيل الجائزة ، و القى بالجثتين في نهر الفرات ، ويردد ارباب المقاتل جانبا حزينا للغاية في هذه القصة وهي ان الجثة الاولى لم تغطس عندما القيت في النهر حتى تم القاء الجثة الثانية فتعانقتا وغطستا معا الى القاع ، لا لتنتهي قصة اخوين عاشا معا وذبحا معا  بل لتبدأ قصتهما وتظل خالدة الى زماننا هذا،ولاولاد مسلم مزار يقع بين النخيل في منطقة المسيب جنوب العراق ويؤمه الالاف من الزوار سنويا ليستذكروا احدى اهم فصول المظلومية الانسانية ، ويستذكروا بشاعة هذا الفاجر  الهمداني وقدرته العجيبة على الذبح ، لقد ذبح كوكبين بل قمرين جميلين خائفين غريبين بلا رحمة ولا وجل ولا تردد ، ويقال بانه عندما دخل على الوالي لأخذ الجائزة ورأى بن زياد المعروف بقسوته وفظاظته الرأسين الصغيرين انتفض من مجلسه وقام وقعد ثلاثا ونادى فيمن عنده : من له ؟ فقام أحدهم وأخذ الهمداني صاغرا الى حيث ذبح الاطفال لتنفيذ القصاص العادل العاجل بحقه في نفس مكان الجريمة .
وانا لا ادري من اكثر فظاعة  من الاخر ومن اسس لثقافة اختطاف الاطفال وقتلهم بالطرق الوحشية،وماذا يدور بخلد هؤلاء عندما يمارسون هذه الفظاعات ضد اطفال ابرياء عزل، ولا ادري ماذا ستفعل مكونات الشعب العراقي كي لا تترك المجال لعودة الطائفية البغيضة مرة اخرى الى العراق بعد ان التهم خيرة ابنائه والقيت جثث اكثرهم في النهروصاروا طعما للاحياء المائية .
وكلما اتذكر حادثة عرس الدجيل اتذكر حادثة اولاد مسلم واقول ما اشبه الغراب بالغراب وما اشبه الليلة بالبارحة .
aabbcde@msn.com


73
في الطريق الى سانتياغو
حسين ابو سعود
سانتياغو هي عاصمة تشيلي احدى دول امريكا اللاتينية،  ولكن ما عسى ان اقول عن رحلة جوية ليلية سوى اننا ركبنا الطائرة في مطار مدريد عند منتصف الليل تماما ، فجئ لنا بوجبة عشاء ثم اطفئت الانوار وغرق الجميع الا قليلا منهم في نوم عميق وقبل الوصول بساعتين اضيئت الانوار مرة اخرى ليتم تقديم وجبة الفطور، فتعلمت من هذا ان كل شئ الى زوال وكل الاوقات تنقضي وبسرعة علما بان مدة الرحلة كانت ثلاثة عشر ساعة ونصف، انقضت في لحظات، وهكذا العمر يمر مرّ السحاب، واذكر ايام الشباب باننا كنا نشعر بالحزن الشديد عندما كنا نشاهد فيلم (ومضى العمر يا ولدي) ونشفق على ابطال الفيلم، ولم ندر يوما باننا سنكون ابطالا لفيلم الحياة وتمضي اعمارنا كلمح البصر ، فنصحو وقد غزانا الشيب وتوزعت على ملامحنا التجاعيد.
عندما صحوت من النوم وجدت عددا كبيرا من المسافرين قد استيقظوا قبلي وهم يشاهدون الافلام من على الشاشات الصغيرة المثبتة على المقاعد، وتعمدت النظر الى الشاشات التي حولي وامامي فما وجدت احدا يشاهد نفس الفيلم الذي يشاهده الاخر وكل واحد اختار لنفسه فيلما معينا، وتذكرت المقولة  المعقولة (لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع)وكم يسحرني الاختلاف والتباين في الالوان والاجناس والمذاهب والاديان والاراء ، وكم يتعبني اولئك الذين لا يطيقون هذا التباين الساحر، وبما ان لغة اهل تشيلي واكثر دول امريكا الجنوبية هي الاسبانية فكانت اكثر الاعلانات خلال الرحلة بالاسبانية ولم افهم منها سوى كلمة (غراسياس)اي شكرا والتي تعلمتها اثناء زيارة لي الى جزر الكناري الاسبانية، وكم هي جميلة كلمة شكرا التي تعبر عن العرفان بالجميل ولها موسيقاها المؤثرة بأي لغة قيلت.
واما نومي فقد كان هانئا لاني حصلت على اربعة مقاعد متجاورة فارغة فتمددت بطولي طوال الرحلة، والظريف باني احظى في معظم رحلاتي بصف من المقاعد الفارغة لانام أثناء الطيران ، ولكن هذا لا يتأتى جزافا بل يحتاج الى تقنية وحذق حيث اظل اراقب المقاعد والمسافرين القادمين وبعد التركيز على مكان معين انتظر اغلاق الابواب  مؤشرا على عدم مجئ  المزيد من الركاب فانتقل فورا الى الصف الفارغ واحط رحالي هناك لانعم برحلة هانئة واحلام سعيدة.
سفرتي الى تشيلي والاكوادور هذه المرة، لم توقظ في اعماقي اي شعور بالتغيير كما كان يحدث ليلة السفر الى اي مدينة أخرى ، فرح ممزوج بقلق،وترقب واحساس لذيذ، فالسفر له لذة وسحر اذا كان اختيارا  على عكس الاسفار الاجبارية، وهكذا المدن التي يدخلها الانسان لاول مرة لها رهبة خاصة اذا كان الوصول في الليل، ويكون الانسان وحيدا بلا صديق، ولم يكن هناك احد ينتظره وهكذا ،وانا في هذه السفرة ثالث ثلاثة ، واذكر باني وصلت ذات صيف بالباص الى امستردام قادما من بروكسل في الليل فشعرت بخوف غريب من كثرة حركة الناس، فاستوقفت شابة جميلة  لأسألها فالجمال يوحي بالامان في غالب الاحيان فسألتها عن اقرب فندق وسالتها ان كانت المدينة آمنة ولا يوجد فيها ما يخيف السائح فأكدت لي بان المدينة اكثر من آمنة ولا احد يعتدي على احد، واذا صادفك احد السكارى او مدمني المخدرات وحاول ان يكلمك فاعراضك عنه يجبره على الانصراف، انها ثقافة البلد.
اقول لم اشعر باي شعور لا فرح ولا حزن ليلة السفر الى سانتياغو ولا ادري فقد تنتظرني هناك مفاجآت جميلة، لم اشعر برغبة ولا رهبة ولا اي احساس وحتى في مطار هيثرو المزدحم حيث ارى الطائرات  تتحرك امامي  ما بين مقلعة وهابطة شعرت امام برودة مشاعري باني كعاشق خانته حبيبته او كصب ماتت اليفته فهو في شغل عما يجري رغم ان كل من عرف بان وجهتنا هي تشيلي والاكوادور كان يتعجب ، واذكر بان احدهم صرخ قائلا :واو معقولة امريكا الجنوبية حتة وحدة  ، فقلت له نعم حتة وحدة  ، لاننا لا نسافر وانما نسفّر كما قدّر لنا في الغيب وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت.
ولا اخفي باني ولكي اخرج من برودة المشاعر بحثت عن مدينة سانتياغو في غوغل واليوتيوب فلم اجد شيئا يثيرني ويحفزني كثيرا ، سوى انها مدينة كباقي المدن وهو ما حدث بالضبط عندما توقفنا في مطار باراخاس في مدريد وهو مطار فاره باذخ قليل الزحمة ، توقفنا هناك لتغيير الطائرة ولكن مدة الانتظار كانت طويلة اي اكثر من عشر ساعات فقررنا نحن الثلاثة ان نخرج في نزهة الى المدينة فاودعنا حقائبنا اليدوية في مكان مخصص للامانات بسعر زهيد واستقلينا باصا ياخذنا الى وسط مدريد وبسعر زهيد ايضا لا يتعدى 2 يورو للشخص الواحد ، فتجولنا في الشوارع المهمة  وسط المدينة فوجدناها لا تختلف كثيرا عن باقي المدن الاوربية  سوى في سحنات الاهالي حيث ان ملامح البشر هنا اقرب الى الملامح الشرقية وقد يكون السبب هو الحكم الاسلامي للاندلس الذي امتد لقرون وقد لا يكون هذا هو السبب.
وبسبب هطول المطر بغزارة على حظنا اضطررنا للهرب من المدينة والعودة الى المطار مبكرا بعد ان تناولنا وجبة الغداء في احد المطاعم العربية، الذي كان يقدم الاكل الحلال بموجب شهادة معلقة في الجدار ويقدم الخمر الحرام في آن واحد، وهذا هو الوضع العام وسألنا عامل المطعم المسلم بن المسلم عن اقرب مسجد هناك لاداء الصلاة فقال انه لا يعرف اي مسجد، ولم اجد ضرورة لسؤاله عن علاقة اللحم الحلال بالخمر الحرام  وكيف التوافق بينهما لانه سيقول لي بالحرف الواحد بانه جاء الى هنا لكسب المال وليس لنشر الاسلام.
وبالنسبة لكون اللغة الاسبانية هي اللغة الرسمية في اكثر دول امريكا الجنوبية فهو بسبب الاستعمار الاسباني لها لفترات طويلة وتذكرت كيف ان دولا صغيرة مثل بلجيكا وهولندا  والبرتغال وبريطانيا وفرنسا كانت تستعمر اجزاء واسعة من هذا العالم ولا ادري من اين  اتت دولة صغيرة كالبرتغال  مثلا بكل هذه الجيوش لتستعمر البلدان الكبيرة في تلك الاصقاع البعيدة .
الطائرة الان على وشك الهبوط بعد اكثر من ثلاثة عشر ساعة  من الطيران المستمر ، واعلم باني لم اوف العنوان حقه ولم اصف الطريق الى سانتياغو لاني لم اشاهد شيئا و لم اكن  قرب النافذة ، والرحلة ليلية فلا جبال ولا سهول ولا انهار والمقال ليس لوصف الطريق وانما لوصف المشاعر والحق اني لم اكن امينا جدا في وصف مشاعري الوجدانية بتفاصيلها لان ليس كل ما يعرف يقال.
aabbcde@msn.com

74
الاجانب في العراق مالهم وما عليهم
قراءة في كتاب اللواء الحقوقي ياسين الياسري
مركز الاجنبي في القانون العراقي



د- حسين ابو سعود- لندن
لاتوجد دولة في العالم ليس فيها اجانب ويكاد لا يوجد شخص لم يحمل صفة الاجنبي  في يوم من الايام لفترات قد تطول او تقصر  بسبب التغرب عن الوطن سواء للدراسة او للعمل او السياحة او العلاج او الحج وغيرها ، وقد ازدادت الحاجة الى انتقال الاشخاص من دولة الى اخرى منذ ان ظهر نظام الدولة كما ورد في مقدمة الكتاب ، وكان لاختيار المؤلف الاية الكريمة (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو ان اكرمكم عند الله اتقاكم) في بداية الكتاب وقع لطيف على النفس، لان في اختيار هذه الاية الكثير من المعاني الراقية للعلاقات الانسانية وهو ايضا دليل على تدين المؤلف والتزامه الخط القراني الذي يؤطر علاقات الشعوب، فكل الناس من ادم وادم من تراب اي انهم من اصل واحد رغم الاختلاف في الجنس واللون  والمعتقد ثم ان الامام علي عليه السلام يقسم الناس الى صنفين : اخ في الدين او نظير في الخلق،فالاجانب اولا واخيرا  بشر يشبهون المواطنين في كل شئ الا في(وثيقة الانتماء) التي تسمى الجنسية او التابعية.
ان مركز الاجنبي تخصص تحتاجه كل الدول والمؤلف اللواء الحقوقي ياسين السيد طاهر الياسري مدير الجنسية العام في العراق متمكن و ضليع في مادته وهو خبير دولي في مجال الهجرة والجنسية لانه  قضى حياته في هذا المجال ،وقد اورد في كتابه القيم (مركز الاجنبي في القانون العراقي) معلومات في غاية الاهمية اذ ان اغلبية الناس لا يعرفون بان للاجانب حقوق عامة وخاصة في الدول التي يقيمون فيها، والكتاب فيه تركيز متناهي في الدقة ، والمؤلف يعّرف الاجنبي بانه هو كل من لا يتمتع بالجنسية الوطنية لدولة من الدول وحتى عديم الجنسية يعتبر اجنبيا كونه منزوع الصفة الوطنية(ص 24) وان مقتضيات العدالة ومبادئ حقوق الانسان يستوجبان معاملته بصورة حسنة وعدم الاساءة اليه على نحو يحفظ كرامته الانسانية لانه اكثر الاجانب ضعفا وشقاء، وعبارة المؤلف هذه تقطر انسانية ورحمة  بالرغم من جفاف القانون، ونرى ان للمؤلف طريقة بحث خاصة فيعطي رأيه وان كان مخالفا لما عليه الاخرون ، فنراه يوجد تعريفا مناسبا لمركز الاجنبي وهو (الوضع القانوني للاجنبي في دولة لا ينتمي اليها بجنسيته والذي  تحكمه مجموعة من القواعد القانونية لتحدد ماله من حقوق وما عليه من التزامات) وهو التعريف الاصح جدا لانه جامع للتعريفات الاخرى خاصة وانه لم يكن للاجنبي مركز قانوني في المجتمعات القديمة ومع مرور الايام وتنامي حاجة المجتمعات لبعضها البعض تغيرت النظرة الى الاجنبي من خلال الاعتراف بحقه اينما حل وارتحل(ص29).
وبالرغم من التطور السريع في حياة المجتمعات الا اننا نرى في بعض الدول العربية والاسلامية حالات مهينة في التعامل مع الاجنبي ، وقد يتعاملون  مع غير المسلمين من الاوربيين مثلا بمعاملة جيدة  لائقة ولكنهم يسيئون التعامل مع المسلمين الوافدين، ونجد في دولة خليجية مثلا  لا توجد حرية تنقل للاجنبي فضلا عن عدم وجود حرية تملك وحرية تجنس  وحق الزواج من المواطنات وحرية التعبير  وهناك تمييز مجحف في سلم الرواتب مع انه اي الاجنبي يبذل  ما يبذله المواطن من جهد وقد يفوقه في بعض الاحيان، كما تمنع  بعض طبقات الوافدين من استقدام زوجاتهم فتحدث مشاكل اجتماعية لها علاقة بالكبت الجنسي او تضع شروطا تعجيزية  لاستقدام الزوجة والاولاد، يحدث كل هذا بالرغم من وجود معاهدات ومواثيق دولية في هذا الباب  والمؤلف يؤكد على حقوق الاجنبي فيقول: انه لا يستطيع الاستغناء عنها كحق الامن وحرمة الحياة الخاصة وحق التملك وحق الانتفاع بالمرافق العامة كالمدارس والمستشفيات منطلقا في بناء رؤيته هذه من المهاهدات الدولية ومن النظرة الاسلامية لموضوع الاجنبي لانها تظل هي الاصح والاجمل كونها نابعة من الرحمة والموضوعية.
ان هذا البحث دراسة قيمة لها قيمة قانونية وعلمية واجتماعية وسياسية كونها تختص بالافراد  والحكومات على حد سواء،والكتاب يلخص  للعرب والاجانب حقوقهم في العراق وما يمكن لهم مزاولتها من اعمال ومهن وحرف كالمحاماة والتصوير والهندسة والطب بنوعيه البشري والبيطري وطب الاسنان وغيرها ،  الا اني ارى ان تكون الطبعة القادمة تحاكي قانون الاقامة الجديد الذي كان في مجلس النواب للمصادقة عليه، لان  قانون الاقامة الحالي الذي اطلعت على مسودته له صفة انسانية كما في حين ان الاقامة في العهد السابق  كان لها صفة مخابراتية ، والقانون الجديد  قد يكون فيه مميزات ونقاط هامة  وجوانب انسانية بعيدة عن التعسف لاثبات حق الدولة في منح او رفض منح الاقامة  وقد اعطى القانون الجديد الحق للاجنبي في الاعتراض على قرار رفض منح الاقامة امام وزير الداخلية وابداء الاسباب (ص118) وحق الاجنبي كما هو حق المواطن في ان لا يتعرض لجميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية وحقه اذا تضرر في المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه وفق القانون(ص166).

وقد صان الدستور العراقي الدائم حق التقاضي للجميع بموجب المادة 19/ثالثا، ولا يوجد في قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ رقم 83  لسنة 1969 المعدل اي نص يمنع الاجنبي من حق التقاضي امام المحاكم العراقية (ص173) وقد فصّل المؤلف في باب حق العمل للاجنبي لان الموضوع متشعب يحتاج الى بيان وتفصيل لاسيما ان العمل مجال مهم وهو من اهم الاسباب الموجبة لبقاء الاجنبي في بلد اخر.
ومن المهم للاجنبي ان يعرف حقه في التملك والمال المنقول وما تسمح به الدولة وما لا تسمح لاسيما في باب تملك العقار وما هو مطلق في ذلك وما هو مقيد وانا شخصيا لم اكن اعرف بان القانون العراقي يجيز للاجنبي تملك العقار شريطة ان لا تتجاوز ملكيته للعقار في العراق دارا واحدة للسكنى ومحلا للعمل اذا كانت له مهنة يزاولها بنفسه(ص206).
هذا وقد اعتمد المؤلف على 61 مصدرا مختلفا في موضوعه و63 قانونا مع جملة من القرارات والتعليمات ذات علاقة بالموضوع بالاضافة الى عدد من المصادر الاجنبية، والكتاب الذي صدر في طبعته الثاني عام 2011 عن المطبعة العربية في بيروت يقع في 246 صفحة.
وقد قسم المؤلف الكتاب الى بابين الاول منهما عن المبادئ العامة في مركز الاجانب وقسمه الى فصول ومباحث ومطالب غطت مفهوم الاجنبي والتطور التاريخي لمركز الاجانب والقيود الواردة على سلطة الدولة في تنظيم مركز الاجانب وكذلك مبدأ المعاملة بالمثل وغيرها، والباب الثاني حول تنظيم مركز الاجانب في القانون العراقي معتمدا قانون اقامة الاجانب رقم 118 لسنة 1978 وغطت فصول الباب الثاني كل ما يخص الاجنبي في العراق بدءا من اجراءات دخوله العراق وانتهاء بخروجه من البلاد جبرا او اختيارا وحقوقه الخاصة والعامة والتزاماته في العراق.
وبقي ان اقول بان مطالعة هذه القراءة للكتاب لن تغن عن قراءة الكتاب باكمله  لما فيه من معلومات قيمة  ومفيدة تنفع الانسان العادي والمتخصص على حد سواء.
aabbcde@msn.com

75
زواج غير مؤقت بنية الطلاق

حسين أبو سعود

لقد أعجبني ما قرأت مؤخرا بان المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة بحث في مشروعية تسعة أنواع للانكحة وهي زواج المسيار والزواج المقيد بالانجاب والزواج بشرط الطلاق ونكاح السر والزواج العرفي والزواج المدني وزواج الأصدقاء ( الفرند) والزواج المؤقت.
وكان من الطبيعي ان تكون هناك حالة من التباين في المواقف والآراء من ناحية المفاسد والمصالح الناشئة من مثل هذه الأنواع ، ولكن مناقشة الزواج المؤقت بالذات في مكة المكرمة أمر له أهمية كبرى نأمل ان يؤدي الى مناقشة قضايا حيوية أخرى قد تفضي الى توحيد العبادات بين المسلمين كخطوة أولى لتوحيد المواقف والخروج من متاهات المذهبية التي فتكت بجسد الأمة الى رحاب الدين السمح، وأقول بأنه لا مانع من بحث قضية الجواري أيضا وإمكانية إعادتها بطريقة تلائم العصر باعتبارها نوعا من الانكحة.
اعني بذلك ملك اليمين ، لاني أرى بان الدين الإسلامي نظم هذه العلاقة بين المالك والمملوك وأعطاها صورة إنسانية توجها بالدعوة الى عتق الرقاب لما فيه من الأجر الجزيل والمثوبة الكبرى ، وجعل الشارع عتق الرقبة كفارة لكثير من الذنوب، على عكس الاستعباد اللاانساني الذي نشهده في عصرنا الحاضر لجنس النساء في شرق الأرض وغربها واعتبارها سلعة رخيصة يتاجر بها بأبشع الصور.
وإذا كان العلماء أعضاء المجمع الفقهي الإسلامي يناقشون حلية تسعة أنواع من الانكحة فهذا يعني انه يمكن الاتفاق بين المذاهب الإسلامية على صيغة جديدة للزواج يراعى فيه الحاجة والمتطلبات الشرعية ليختزل الكثير من المشاكل ويزيل حالات التشنج بين السنة والشيعة في قضية مهمة مثل الزواج المؤقت أو ما يسمى بزواج المتعة والمسلمون متفقون على أصل الزواج ومختلفون على التوقيت.
واقترح بان يُصار الى صيغة زواج غير مؤقت مع وجود شهود وصداق معين معلوم ولكن بنية الافتراق بالطلاق في موعد غير مسمى ، ويمكن التفاهم على شرط الميراث في حالة وفاة احد الزوجين.
وطالما ان المجتهد يمكن ان يخطأ دون ان تكون عليه طائلة أو يناله لوم وإنما له اجر إذا اخطأ ، أقول لنخطئ في تحديد مفهوم جديد لزواج المتعة بتغيير اسمه وأغراضه وآلياته بشكل لائق مقبول من الطرفين يتعدى الآثار النفسية لها ، ونخلص الأجيال القادمة منها.
وإذا كان الفقهاء في القرن العشرين يستطيعون ان يفتوا بعدم رجم الزانية لتحقيق مصلحة اكبر وإخراج لحوم الأضاحي الى خارج حدود مكة أو الحجاز وإرسالها بالطائرات الى الدول الإسلامية الفقيرة أو تجويز أطفال الأنابيب وغيرها من الأمور المستجدة ، فأنهم يستطيعون ان يقدموا لنا صيغة جديدة يتفق عليها ليخفف الوطء على الشباب والشابات في عالم تغير فيه كل شئ خاصة في بلاد المهجر .
ويكون هذا الانجاز مقدمة لخطوات أخرى على طريق توحيد العبادات بين المسلمين لما له من أهمية كبرى في توحيد القلوب وتوثيق الوشائج الروحية بين المسلمين ، فنحن نحتاج الى طريقة جديدة في التفكير والى جرأة في اتخاذ القرارات والتخلص من ارث الماضي الثقيل.
وبقي ان أقول باني شخصيا لا أميل الى زواج المتعة غير اني لا اشك في حليته ، لان نظام الجواري أولى ان يتحسس المرء منه أكثر من زواج المتعة وعلى الآخرين ان لا يتشنجوا من الأمر بهذا الشكل فغاية الأمر انه مباح ولا يجب على المكلف إتيان المباحات كلها .
ونظام الرق لم يقل احد بتحريمه سوى الحكومات حيث خلصوا البشرية من نوع معين من الاستعباد لتبدأ أنواع أخرى من الاستعباد أكثر إيلاما، وأقول لمن حرم نظام الجواري:
حرموه من غير عقل ونقل وحرام تحريم غير الحرام

وهي دعوة الى علماء المسلمين شيعة وزيدية وسنة وأباظية وإسماعيلية ان لا يكونوا هم سبب مشاكل المسلمين وليكونوا سببا شريفا لحل هذه المشاكل فالعلم لا يعني الهيمنة ويجب ان لا يؤدي العلم الى التزمت والغرور ، ويلاحظ الفطن باني لم ادرس المقترح من الناحية الفقهية لاني قصدت بالعنوان البدء بتوحيد العبادات بين المسلمين وليس قضايا الانكحة والمواريث فقط .
aabbcde@msn.com

76
رسالة في القاب الساسة والعلماء

حسين ابو سعود

وبعد فقد قال الفقير الى ربه الكريم والمحتاج الى عطفه العميم ، لقد طلب منا بعض الاحباب من السادة النجباء الاطياب ان نضع لارباب العلم والسياسة شيئا يغنيهم عن البحث والدراسة، :يتعلق بالكنى والالقاب يحوي مختلف فنون هذا الباب، فاستنهضنا الهمم كي نبلغ المراد في القمم، ووضعنا رسالة عصماء في القاب الساسة والعلماء علها تنال الرضا والقبول عند ارباب الفروع والاصول وهذا نصها:
اعلم رعاك الله ان من الالقاب ما تعطى للانسان حال ولادته من قبل ابويه ومنها ما يكتسبه في حياته لأعمال يؤديها او مهام يقضيها كالصادق والامين والكاظم والصديق والفاروق ، وهناك من الالقاب ما تنسب الى بلدان وامكنة ، مثل الشطري والكاظمي والافغاني ، كما يمكن ان ينسب الانسان الى مهنة من المهن كالعطار والسمان والباقلاني والزيات والنجار وغيرها ، كما ان هناك من الالقاب ما تنسب الى العشائر كالعنزي والعتيبي والجبوري ، وقد يكون هناك نوع من التنابز بالالقاب بين الناس مما نهى عنه الاسلام  العظيم بصريح القران الكريم .
ومن الالقاب (الاعظم ) وقد اشتهر به الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان صاحب المذهب واليه تنسب مدينة الاعظمية وفيها مدفنه ، كما كان العثمانيون يستخدمون لقب الصدر الاعظم ولعله بمثابة رئيس الوزراء، واشتهر بهذا اللقب ايضا القائد الاعظم محمد علي جناح مؤسس باكستان . ومن الالقاب الحكيم وهو من الحكمة وصار يطلق على الطبيب الحاذق خاصة الذي يشتغل في الاعشاب ، ويذكرني هذا بطبيب اطفال كنا نعالج عنده في الصغر اسمه (دكتور حكيم ) عُرف بانه رجل مبارك لاشتهاره بمساعدة الفقراء والمعوزين ، وقد كثر الحكماء في القارة الهندية وصار يطلق على المشتغلين بالاعشاب واشتهر منهم الحكيم محمد سعيد مؤسس مصانع همدرد الشهيرة لانتاج الادوية الشعبية من الاعشاب وقد ذاع صيته فصار يعالج الامراء والسلاطين والملوك، وقد كرمته حكومة بلاده بتعيينه حاكما لاقليم السند ، ولكنه قُتل من قبل مجهولين اطلقوا عليه النار وهو في طريقه الى مطبه لعلاج مئات المرضى الذين يتواجدون امام عيادته مع الفجر . كما حمل هذا اللقب علماء من الطراز الاول .وكان يسمى العالم المبرز في مجال الفقه بالحكيم المتأله ومنه صدر المتالهين .
واشتهر من الالقاب ايضا( فخر المحققين) وقد اطلق على العلامة الحلي الذي عرف بالمحقق ولعل الحلي هو اول من سمي بالعلامة في التاريخ وقد توفي سنة 676 للهجرة ، ومنها (امين الاسلام) وهو لقب اختص به الطبرسي المتوفي عام 548 ، وقيل (ثقة الاسلام) للكليني صاحب كتاب الكافي وقد اطلق لقب (شيخ الاسلام )على كثير من المشائخ المتقدمين والمتاخرين، وكان البعض منهم يختص بعدد من الاوصاف والالقاب في آن واحد كأن يقال عنه الامام الشيخ سلطان العلماء ومنتهى الفضلاء خاتمة المجتهدين فخر الملة والدين المقدس (الاردبيلي ) مثلا .
وقيل صاحب المحبرة وهي الدواة الكبيرة وصاحبها لا يكون الا عالما كبيرا نحريرا، وصاحب الدوي جمع دواة هو اقل درجة من صاحب المحبرة وكلاهما ارباب خبرة وحكمة وحل وعقد.
ومن الالقاب القديمة التي اندثرت المولى والميرزا ويعني من كان ابوه من العوام وامه من الشجرة المحمدية المباركة ، وبقي في زماننا الشريف والملا والشيخ والسيد وكلمة السيد الذي يراد منه سيد القوم صار يلقب به اي انسان لدى كتابة الرسائل و يعني ايضا السيد الشريف من اولاد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وكذلك الحال بالنسبة للشيخ فيتعين معناه حسب الجملة فهو شيخ العشيرة او شيخ البلد او الشيخ المسن الكبير والشيخ رجل الدين الضالع في علوم الفقه ، وقد زاد ولع الاولين بالالقاب فصاروا يطلقون القابا واوصافا تستخدم في علم الرجال لغرض الجرح والتعديل كأن يوصف احدهم في معرض التعريف عنه بانه المحقق المدقق الامام العلامة والحبر الفهامة واحد عصره وألسن اهل زمانه واقومهم بالحجة واسرع الناس بالاستحضار .
وفي زماننا اشتهرت من الالقاب حجة الاسلام ثم اية الله العظمى وهناك اية الله الاعظم وهو خاص بالاخباريين ومنهم الاية المعظم الشيخ الاحقاقي الاسكوي نزيل الكويت وله اتباع في الاحساء والبحرين .
وقد استخدم الاوائل ولاسيما اصحاب الدواوين في البلاط السلطاني العثماني لقب (جناب الافخم والاعز) وصاحب الديوان يعرف الالقاب جيدا ولا يليق به الخطأ لانه مخالف للاعراف الدبلوماسية ، علما بان الكثير من المثقفين في زماننا يخطئون في اعطاء اللقب الصحيح للمسئول وذلك عن قلة تجربة وعدم معرفة بمناحي الثقافة العامة ، وقد كتب احد القرويين رسالة الى المرحوم عبد الرحمن عارف وصفه بها بـ مدير الجمهورية العراقية ، كما كتب احد المتملقين رسالة الى احد الامراء يستعطفه في مسئلة فكتب له : صاحب الفضيلة والسماحة سعادة سمو الامير .. ظنا منه بان الاكثار من وصم الالقاب سيؤثر على الطرف المقابل ويعجل في قضاء الحاجة دون ان يدري بانه خروج عن البروتوكول وحياد عن التزام الاصول في مخاطبة الشخصيات الكبرى.
وهناك من الالقاب التي تتقدم اسماء بعض ارباب المناصب يلزم كتابتها حفظا للمراتب مثل : (سماحة ) ويستعمل لكبار العلماء و(فضيلة ) للمتوسطين منهم ، وغبطة (البطريرك) وقداسة (البابا) ونيافة ( القمص) وعظمة ( الشيخ) وسمو (الامير) وجلالة (السلطان او الملك) وقد الغيت في السعودية بمرسوم ملكي وصار يطلق على الملك لقب خادم الحرمين الشريفين، وفخامة (الرئيس) ودولة (رئيس الوزراء) ومعالي(الوزير)وسعادة (السفير او المدير العام ) وعطوفة ( لاادري من !) وهكذا .
وتم الفراغ من تسويد هذه الرسالة لعشر بقين من شعبان الذي يسبق رمضان.
aabbcde@msn.com


77

اسرار زوجية على الهواء مباشرة

حسين ابو سعود

كنت اميل الى اعطاء عنوان آخر لهذا المقال استعرته من قصة انجليزية وهي ( المراة الكاملة ) الا اني ارتأيت غير ذلك لغرض ما في نفسي ، والقصة تتحدث عن شخص ورث الملايين من عمته المتوفاة ، فخرج في ارض الله الواسعة سائحا باحثا عن المراة الكاملة ، وكلما قابل واحدة لم تعجبه لانها اما سمينة جدا او ضعيفة جدا ، هادئة جدا او صاخبة جدا ، بيضاء كالثلج او سوداء كالفحم ، وعندما وصل الى تايلند وجد المراة هناك لطيفة ومحبوبة الا انها قصيرة القامة وخجولة اكثر من اللازم ، وفي بلدان اخرى اذا وجدها طباخة ماهرة فهي طويلة اللسان واذا كانت ذات جمال فهي عديمة الاخلاق وان كانت خلوقة فانها بلا جمال وهكذا دواليك و(على هالرنة وطحينك ناعم ) كما يقول المثل . والقصة تنتهي بعثوره على النصف الآخر في بلده الاصلي لدى عودته اليها، حيث كانت هي الاخرى قد ورثت ثروة كبيرة من اهلها وخرجت تبحث عن الرجل الكامل ، ونهاية القصة تنبئنا بانه اذا كان من حق الرجل الناقص ان يبحث عن المراة الكاملة فان من حق المراة الناقصة ايضا ان تبحث عن الرجل الكامل ، ولن تلقاه لو افنت عمرها في البحث والعكس صحيح ، وان كان لكل قاعدة شواذ ، فانا احد هؤلاء الشواذ في هذه القاعدة (فقط) حيث اني حصلت على المراة الكاملة التي ساتحدث عنها ، معلنا للملأ بما فيهم اخواننا الذين سبقونا بالايمان بانني قد حققت احد الاحلام المستحيلة مكذبا مقولة انه لا توجد امراة كاملة وان ندرت ، وقد استفدت من تجارب الحياة انه ما من رجل لم يتأذى من النساء حتى الانبياء والخلفاء والرؤساء والحكماء والعلماء والفقهاء والاولياء ، ولم تفلح جميع النصائح الذهبية التي تلقنها ام العروس ابنتها قبل وبعد الزفاف في تحسين الصورة القاتمة، لانها نفسها لم تلتزم بهذه النصائح وستقوم عروس اليوم وحماة الغد بتلقين ابنتها نفس النصائح التي لم تعمل بها يوما ، وهكذا تذهب الجهود المبذولة للمصلحين وللمختصين في هذا المجال والبرامج الاذاعية والتلفزيونية الموجهة ادراج الرياح ، وتكرارها اليومي يعكس عدم الالتزام بها .
والظريف باني طوال السنين التي عشتها متنقلا في بلاد الله الواسعة التقيت شخصا واحدا فقط كان يقول بعدم وجود اي مشكلة بينه وبين زوجته فسالته عن السر فاخبرني ببساطة بانه لم يقل لزوجته ( لا) ابدا ، اذن فقول ( نعم) في جميع الحالات الا التشهد هو اكسير مجرب للسعادة الدائمة بين الزوجين .
وكنت الى اليوم اتعجب من شكاوى الرجال الذين تعودوا على ابراز مساوئ المراة ، على انها سليطة اللسان ، ويتعوذ منها الشيطان ، طويلة اليد ، دائمة الجزر والمد ، فتلك تنام الى الظهر وبعضهن حتى العصر، وهذه تهمل نفسها وتحن الى اهلها وتقسوا على اهل زوجها ، كثيرة الطلبات ، غزيرة الرغبات ، ضخمة الجثة ، متورمة اللثة ، نهمة في الاكل ، مقتصدة في البذل ، اذا سارت خارت واذا قعدت اطالت واذا حكمت جارت واذا نظرت حسدت واذا تحركت آذت واذا تكلمت جرحت ، تسبب الارق وتجلب النحس والقلق بسوء المنظر وسوء الخلق ، اعوذ منها برب الفلق ومن شر جميع ما خلق .
هذا ما يقوله الرجال عن زوجاتهم واما انا وكما قلت فان الامر يختلف عندي ، وقد حظيت بالمراة الخرافة فهي تجمع الدين والخلق والحسب والنسب والجمال والملكات المطلوبة الاخرى ، فهي ذكية بلا مكر ولا دهاء ولا حيلة ، حريصة على مالي ، رؤوفة بحالي واحوالي ، لمساتها حنان ، همساتها جنان ، تهتم بالعيال وشعارها الاعتدال ، طبخها لذيذ ونظيف ، اسلوبها مهذب وظريف ، كلامها درر ،عطائها غيث منهمر ، صوتها خفيض ، يبرئ العليل ويشفي المريض ، لا تسهب اذا تكلمت ولا تسرف اذا انفقت ، تغض اذا ابصرت وتخف اذا سارت ، عينها بحر ازرق وجنتها تفاح احمر ، خدها قرنفل اصفر ، تهتم بالاناقة والرشاقة واللياقة ، ملتزمة بالشريعة وتبغض القطيعة ، تحب المطالعة ، وتنأى عن الملاكمة والمصارعة ، رحيمة بالاولاد ورؤوفة بالاحفاد ، تشكر النعم و تصل الرحم ، ولا اذكر طوال سنوات زواجنا ان حدث بيننا خلافات الا ثلاث مرات وهي كالتالي : فقد اختلفنا في المرة الاولى عندما اردت مساعدتها في الطبخ والكنس فرفضت رفضا قاطعا حيث وجهتني الى ضرورة الاهتمام بنفسي ومطالعتي اذ تعرف باني احب قراءة الكتب .
وفي المرة الثانية طلبت منها ونحن في السوق ان تشتري عددا من الفساتين دفعة واحدة الا انها اصرت على شراء فستان واحد فقط ، وانتهى الخلاف دون ان يؤدي الى القطيعة .
والاختلاف الثالث والاخير الذي كاد ان ينتهي بالطلاق حدث عندما اعطيتها مبلغا من المال لشراء قلادة ذهبية فرفضت واصرت على ان احتفظ بالمبلغ لشراء ساعة يدوية لي وهددت بترك البيت الى الابد ان لم افعل ، فانتهى الخلاف ولم يحدث الطلاق لتدخل ابناء الحلال واصدقاء الاسرة .
وبقي ان اقول لكم اعزائي باني معروف بين اصدقائي بسعة الخيال كما اني اعاني من احلام اليقظة الى درجة المرض .

aabbcde@msn.com

78
مشكلة العقل في الحالة الإسلامية

حسين ابو سعود
لا يخفى بان الشيطان هو مشكلة الإصلاح في الحالة الإسلامية ، سواء كان الإصلاح الفردي أو الجماعي ، ولكن البعض يرى ان العقل هو المسئول عن ازدهار أو انهيار أي فكرة ويعتبر العقل هو المشكلة ، إذن هل العقل أم إبليس ؟ ، وهل إن العقل هو مشكلة فعلا ؟ ولماذا لا يعاني القمر في بزوغه والشمس في طلوعها ومغيبها والنجوم والكواكب في حركتها من أي مشكلة وهي لا تحمل عقلا ولكنها تؤدي المهام المنوطة بها باتم حال ، وهل إبليس هو قوى أخرى خارجية قد تكون نابعة من اضطرابات نفسية مثلا ، وأين الاضطراب النفسي في طبيب حاذق لم تحص عنه أية أخطاء طبية ولكنه يؤمن بتمثال ( بوذا ) مثلا ويسجد أمامه أو انه يعبد الله على مذهب يؤمن بالتكفير ويدعو إلى الضغينة ، ونحن نرى بان العقل الحيواني هو عقل خلاق كالنمل والطيور وحتى الحمار الذي يحمل أسفارا يألف صاحبه والطريق اليومي الذي يسلكه ، والعقل الذي يخطط لتفجير عمارة سكنية لا يعرف ساكنيها ولا يعرف عدد الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى فيها هو عقل وعقل فيه مكر ودهاء وذكاء وان أطلقنا عليه العقل الشرير المطلق ، وإذا كان عنصر الإفساد موجودا في تكوين الإنسان فما دور إبليس في تأجيج هذا العنصر ؟ وهل إن أصل الإنسان هو الإفساد وسفك الدماء كما أخبرت الملائكة وكما فعل قابيل بهابيل وكما فعل أصحاب القنبلة الذرية في هيروشيما ، وعندما نرى ان إبليس العاقل قد عصى الله ورفض السجود لآدم ولا نعرف الذي أغواه العقل أم إبليس آخر .
يجب أن لا تكون نظرتنا إلى العقل نظرة فلسفية تعقد الأمور بدلا من تبسيطها وننظر إليه نظرة بسيطة مبسطة وهو الأفضل على عكس نظرة الفلاسفة الذين يعقدون أكثر مما يبسطون بل ويتلذذون بالتعقيد والتهويل . وذكر لي احدهم بتهكم (بان ما يسمى إبليس يقضي الآن فترة تقاعد في جزر الكناري لان الإنسان أصبح أكثر قدرة منه على الإفساد )  ومشكلة هذا الكلام انه منطقي وينسف الكثير من المتراكمات ولن ادخل في تفاصيل كثيرة لأني لا أريد أن أنحى منحاه واتبع خطاه مفضلا البقاء في دائرة الموروثات لان العوام لن يقبلوا سواها ، وعبارات الرجل قوية تعجب المحايد وتلزم المُعتقد ولكنها مرفوضة رفضا تاما من المخالف وهذا بعينه النظرة التقليدية للأمور .
العقل الإسلامي العام غارق في المشاكل والعقل الإسلامي الخاص غارق في الجدل ويفترض أمورا مستحيلة جدلا ولا مانع من أن يفترض جدلا تسليم رئيس أمريكا لبلده لمنظمة حماس ، فأي فرضية وأي جدل مستحيل هذا ، وكل من يقول بان الظلام ضروري لمعايشة النور والرذيلة ضرورية للكشف عن الفضيلة لا يستخدم العكس في ضرب الأمثلة . وماذا لو كانت الأرض مجرد فضائل بلا رذائل ولتكن لها مسمى آخر ، وماذا لو كان هناك حق مطلق بلا باطل وكان للحق اسم آخر حتى لا يحتاج إلى الباطل كي يحدده . الإنسان المسلم ابتلي بالمنطق بدلا من الاستفادة منه والمنطق هو الذي اوجد المذاهب والمشارب والفلسفات وفرق بين أبناء الأب الواحد وان اختلفت ألوانهم ، وان أكثر الجدالات المنطقية والفلسفية والمذهبية هي هذر وهذيان لها قيمة تعقيدية فقط ولدت جرأة الحكم على الأشياء دون الاطلاع عليها ولمسها ، فكم من العوام مقت على سلمان رشدي وانتقد آياته الشيطانية دون أن يقرأ تلك الآيات أو يطلع على الكتاب ويقف على حقيقته ، وكم يكون نقده لاذعا لو انه قرأ الكتاب وتمعن في مراميه ، لقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب المظاهرات التي شارك فيها أناس لم يقرءوا الكتاب وكيف يقرءوه وهو أصلا ممنوع من التداول ، وكم من الناس يخوضون في التهكم والنيل من المذاهب وهم لا يعرفون عنها شيئا سوى الاسم ، والاسم يتحول بالرغم من جماله الباهر ودلالاته الرائعة إلى قبيح ، فكلمة الشيعي وتعني المناصر هي كلمة جميلة لكنها تتحول إلى كفر وزندقة عند البعض ، وكلمة السلفي ومعناها العودة إلى السلف الصالح تتحول إلى مصطلح ممجوج رغم روعة الكلمة ، إنها حالة غياب الوعي الكامل وحتى كلمة المسلم وهي مأخوذة من السلم والسلام والسلامة صارت تعني في دول ( متحضرة ) الإرهاب والتطرف ، كما أن اليهودية وهي دين سماوي صحيح لا يكتمل الإيمان بدونه يتحول بمعناه إلى سبة لتعني مجموعة من المرابين المتآمرين دوما ، وهكذا صار الممكن محالا والمحال ممكنا ، وكم كذبنا المصلحين واعتبرناهم رغم حججهم المقنعة فاشلين ساقطين في أوحال التخبط .
العقل الإسلامي لم يدرك بعد بان العبادات هي خاصة بالإنسان ، وان إطلاق حرية المعتقد دون حرية الرأي والتعبير أمر ضروري ، والحوار عنده تحول إلى جدل والجدل صار يحكمه قانون التناقض فصار أهل الجدل ( الايجابيون والسلبيون ) يصيبون مرة ويخطئون مرات يرقعون هذا ويرتقون ذاك فصاروا أشبه بمتتبعي الزلل والمتناقضات في أفكار المخالفين حتى ذهب البعض منهم إلى أكثر من ذلك فصار يتحدث عن تناقضات في كتب سماوية شريفة مقدسة . الساحة الآن مفتوحة لصولات أهل الفلسفة والمنطق وجولاتهم وان الذي يصل إلى مرحلة متقدمة في هذا العلم يأخذه الغرور وتكون له مكانة بين أقرانه يهابوه ويوقروه لأنه يُصعّب السهل ويجعله ممتنعا على العوام ، ومن لا يحترم هذه الفئة طوعا أو كرها يُرمى بالجهل والضلال .
إن أكثر النظريات الفلسفية هي بهلوانيات  فكرية وألاعيب كلامية ، وكل محاولة لحل التضارب بين النظريات ينتج عنها المزيد من التضارب الذي يحتاج إلى حل ، والى ماذا وصل جهود الكلاميين في قضية التسيير والتخيير مثلا غير الخروج من مأزق إلى مأزق آخر أكثر ضيقا ، وأيهما أبقى وانفع للبشرية أصحاب الآراء الفلسفية أم فيثاغورس ونيوتن و مندل أصحاب النظريات العلمية التي ثبتت صحتها بالبرهان . الإنسان الإسلامي انهمك في دراسة المادية الديالكتيكية والمادية الساكنة والمكان المطلق والزمان المطلق والسكون المطلق والمطلق الساكن وغيرها وقضى عمرا في ذلك ليكتشف بأنه لم يكتشف شيئا وانه كان يدور في حلقة مفرغة مع قلة من المهتمين بهذا الشأن، وأما الأكثرية من البشر فأنهم مشغولون بتسيير العالم تسييرا ماديا عقلائيا بدءا من الطبيب والجراح وانتهاء بالعامل والخباز والنجار وتخلصوا من نزعة التعقيدية الشديدة للفلاسفة في تعليل الظواهر البسيطة التي تمثل السير عكس الاتجاه . الإنسان المسلم يعيش مأساة العقل أو مأساة إبليس  ومن قال بان إبليس يقضي فترة التقاعد في الجزر يعطف عليه ويحاول تخليصه من ورطته ويتلمس له الأعذار بعد أن رأى الإنسان قد أوغل في إفساد الأرض وتدميرها بدافع من طبيعته ومن نفسه التي تأمره بالسوء .
فهل نحن في ورطة ؟
aabbcde@msn.com



79
الدين الإسلامي ، الحاجة الى التجديد أم الإصلاح؟
حسين ابو سعود
عندما نتحدث عن الدين الإسلامي فنحن لا نقصد ذلك الدين السماوي الحنيف الذي بعثه الله تعالى للناس كافة وصدع به الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام وإنما نقصد الدين الموجود بين أيدي الناس والذي حوله العلماء الى مذاهب وفرقوه وصاروا شيعا حتى وصفه البعض بالأفيون ، نقصد دين التناحر والتجاذب والتشرذم ، والذي تحول الى فرق تلعن  كل فرقة أختها وتتهمها بالتحريف والتزوير، وكم كتب الاصلاحيون فيه وطالبوا بتجديد الفكر الديني ونقدوه حتى صار جميع أشكال النقد يحتاج الى نقد جديد ومفيد يخلص الأمة  من هدر الوقت والجهد والمال ، ولعل من وصف الزمن الديني في الفكر الإسلامي بأنه يمتد فوق الزمن التاريخي وقال عنه بأنه لا علاقة له بزمن الناس كان يقصد به الدين الذي بأيدي الناس وليس الدين الذي نزل به الرسول الأمين قبل 14 قرنا ليكون للناس رحمة ومنهاجا وسبيلا للخلاص .
ان الدين الحالي صار يستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال حتى صار لكل مذهب طبقة متخصصة متفرغة سموهم بالعلماء ، وحتى السلفية الذين اختصروا العبادات في الصلوات اليومية وصلاة الجمعة والعيدين قد استهلكوا الكثير من الوقت في الطعن والرد على إخوتهم ممن أسموهم أهل البدع ، في حين ان الغرب هجر الدين او اكتفى بساعات من يوم الأحد  فقط حيث ربطت الحضارة الغربية الزمن بحياة الناس وحركة التاريخ والتطور ليصب في النهاية في صالح الأجيال . ان الانشغال الكبير للإسلاميين بما أسموه فروع الدين لم يخلق عندهم مجتمعا واحدا فاضلا ، بل بنوا أساس معتقداتهم على التعصب الذي دعاهم الى التفاخر بصحة المذاهب التي ينتمون اليها مع ان التعصب أمر مذموم بالاتفاق تخلى عنه الغرب جملة وتفصيلا ، وقد بلغ التعصب والتفاخر والتنابز ذروته حتى صار يشبه الممارسة اليومية بين أبناء المذهب الواحد ولم يبق لنا التعصب وقتا للبناء والعطاء  ، فانحصرت العطاءات المعرفية والفكرية في النقد والنقض والفلسفة مما أدى الى إهمال العمل في المجالات الاقتصادية والتقنية ، فابتلي المجتمع الإسلامي او المجتمعات الإسلامية بحالة مأساوية من الركود والتحجر والاعتماد على الغير ، واثر التعصب على حرية إبداء الرأي مما جعل الحالة السياسية مزرية أيضا، وان الدين الذي يحث أتباعه على التغيير حسب قول الله تعالى ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) حوره الناس الى انتظار طويل لمخلص يأتي آخر الزمان ليغيرهم لأنهم عاجزون عن التغيير وهذا النمط من الانتظار السلبي هو خلاف الفطرة السليمة لان فيه اتكالية واضحة حتى صار المسلم بمختلف انتماءاته المذهبية لا يستطيع العيش إلا وسط أقبية الماضي وحلم العصور الذهبية على عكس الإنسان الغربي الذي صار يعيش الحاضر ويراهن على المستقبل .
لقد كبل التعصب الفكر الإسلامي حتى صار أسير الشرنقة الملتفة حوله فلا احد يجهر بالحقيقة خوف ان تصل به الى المحاكم او هجوم الغوغاء عليه وصار العالم منهم يدعو الى التمسك ( بدين العجائز ) حسب بعض الروايات لأنه الأسلم بعيدا عن المنغصات رغم عناصر الخرافة والانهزام ، وصار العلماء يرعون طبقة كبيرة من البسطاء ويشجعوهم على ان يهيموا في التكايا وينشغلون بجلد الذات او بالسقوط في براثن التطرف ، فالحقيقة التي بين أيدي الناس مشوهة والحقائق المصطنعة تولد الكوارث و الويلات ، والتعصب للمذاهب قاد المجتمع الى درجات متقدمة من التطرف الهدام والاختلاف المسلح وللمفكر ( علي حرب ) كلام جميل في هذا الباب نقله عنه جمال جاسم أمين في مقاله ( بين التطرف والاعتدال ) وهو (التعصب للحقيقة هو ضد الحقيقة ) فكيف لو كانت الحقيقة تشوهت نتيجة التجاذب المستمر بين الأطراف ، لا يستطيع احد مهما بلغ من الصلافة ان يزعم بان المذهب اشمل من الدين لان الدين هو الكل والمذهب هو جزء الكل ومن يأخذ بالجزء يسير به نحو التعصب والتطرف ومن يأخذ بالكل ويفهمه  يصير معتدلا كما يقول هاني فحص . ولا يقبل البعض وله الحق في ذلك بإطلاق لفظ البسطاء على الجموع السائرة بتوجيه الخواص ويحبذ إطلاق اسم الغوغاء عليهم ، علما بان البسطاء هم أنفسهم يسجدون للصنم بوذا ويعبدون النار والبقر والشمس والقمر وكم اثر علم الكلام والفلسفات والهرطقات السفسطائية والخزعبلات في عقول الناس فصاروا جهمية وقدرية ودهرية وأهل رأي  الخ ،وكم كان الأمر جميلا لو بقي العلماء على استنباط المعنى الظاهري للآيات والأحاديث والروايات بدل الغور في المعاني الضمنية الباطنية والتوجيه القسري للمعنى ، فجعلوا الناس عرضة للجدال الذي لا ينتهي ، والإنسان بطبعه يميل الى الجدل ولاسيما الجدل البيزنطي بل وعنده استعداد كما ثبت عمليا لتجاوز الجدل الى سفك الدماء والدخول في دائرة العنف ورسم الخواتيم المفجعة والنهايات الأليمة ، فصار الناس كلهم أبطال لمأساة كبرى وتراجيديا دموية مستمرة ، أين المشكلة ؟ هل هي في العقل أم في العلماء فهناك حقائق لا تتحملها عقولنا منها اننا نرى ان عالما معروفا اقفل سمعه وأعمى بصره كي لا يسمع الآخر ونجده مقتنعا تماما بما ورثه من أسلافه وأساتذته وبيئته فصار يقبل الأساطير والحكايات ويرفض التدقيق والتمحيص بحثا عن النور الحقيقي .
ان المشكلة الحقيقية للمنطق هي انه يعري الأشياء ، لذا قيل بان المنطق قد يتعارض مع المسلمات الدينية والاعتقادية ، ومشكلة الأديان هي أنها ليست كالأحزاب يسهل نقدها ، فنقد المحظور محظور ، وعليه لجأت تلك الطبقة الى أسس منطقية جديدة بدلا من المنطق الأصلي الذي يسوي الأمور ويعدلها ويمنطقها ويضع الأشياء في مكانها الصحيح ويكشف الستر والأقنعة حتى صار المنطق الجديد يجعل الأمر المعقد أكثر تعقيدا ويفترض كل الأمور جدلا ليفتح أبوابا مغلقة ويغلق أبوابا مفتوحة والإتيان بافتراضات تتبعها نتائج تكون بداية لتفاصيل جديدة تدخل العالم في جدالات مفترضة وافتراضات جدلية كلها حقيقية ولكن داخل حدود الوهم ، او انها وهمية لكنها مغلفة بأضواء الحقيقة ، وصار الواحد منا لا يحتاج الى إدخال تعديل جذري او سطحي على النظرة التقليدية للأمور ولا لإحداث تغيير جوهري على تصور الأشياء واكتفى بالسير مع التيار لان المخاطر في السير عكس التيار مهلكة . وقد اخبرني احد المفكرين مرة بأننا لو بدلنا أفكارنا الدينية وغيرنا نظرتنا للتاريخ بغية الإصلاح ستواجهنا عواقب جديدة اخطر مما نحن فيه ، ولو كشفنا الذين زورا الحقائق وحققوا المزورات سنفتح جبهة جديدة أوسع واشمل لألف عام أخرى ، ودون ان اعلق على كلامه أقول باني لا أدافع عن الإسلام بمطالبة النهي عن نقد الفكر الديني لان الأديان كلها من حقها ان تعيش وان كانت بها خرافة فالأديان السماوية لم تعد هي هي وقد طرأت عليها تغييرات فتحولت الى مذاهب وشظايا تشظت وانقسمت ولم تبق الصور الأصلية لان كل محاولة لإعادة النظر تنشأ عنها حالات جديدة فالدواء المفيد مضر في نفس الوقت لآثاره الجانبية ، فكل شيء له جوانب سلبية وأضرار جانبية تكون أحيانا أكثر قساوة من الأصل ، والنظر المعاد قد يأتي بكوارث وما هذه المذاهب والفرق إلا اعادات نظر وإعمال فكر في الأصل فجاء الفرع مشوها لا يشبه الأصل في شيء . وان محاولة حل التضارب بين النظريات ينتج عنها المزيد من التضارب الذي يحتاج الى حلول أخرى .
ان تجديد الفكر الديني عنوان ضخم ولكن أكثر محاولات التجديد يداخلها هجوم خفي ومعلن على الدين ككل وهو سير ضد التيار ، ومثل هذا السير بكامل الوعي يسبب ثورة تشبه ثورة الجياع في مجتمع الأغنياء ، ثم ان الغاية من  نقد الفكر الديني مبهمة وغير محددة الملامح فهل يراد من هذا النقد التشكيك أم التصويب أم الإيضاح والتبيين علما بان جميع نداءات التجديد لم تنتج الإصلاح  المنشود وان كان المنادي مصلحا حقا ، فصوت الإصلاح يُخمد بمختلف السبل ولو بالتصفية ، والسؤال الملح هو هل أن الدين يحتاج الى إصلاح أم تجديد ؟ أم عودة الى الجذور وهذا السؤال يظل بلا جواب الى ما شاء الله .
aabbcde@msn.com



80
الحلال والحرام  في الشعائر الحسينية

حسين ابو سعود

إن آثار الدمار التي خلفها القصف الصدامي في العتبات المقدسة بكربلاء وباستذكار محاولات هدم القبر الشريف وإخفاءه في العهود السابقة يتضح بان الحسين عليه السلام باقِ وهذه المنائر المضاءة التي عادت إلى اشراقتها المعهودة تنبئ بان الحق أبقى من الباطل ، ولا توجد شخصية في التاريخ ينسب إليها الشعائر غير الحسين بن علي وهي ما تسمى بالشعائر الحسينية وهي شعائر أصلها الإباحة لا يؤثم تاركها على عكس الشعائر الدينية الواجبة التي يؤثم تاركها بالاتفاق ، ومع مرور الزمن اختلطت الأمور فصار بين الشعائر الحسينية والدينية خيط رفيع جدا فصار لزاما على العلماء إيضاح الواجب والحلال والحرام والمكروه والمستحب والمباح في الشعائر الحسينية  لحفظها من الانحراف والابتعاد عن لب الشريعة وجوهرها.       
ولا يخفى بأنه قد لحق بالشعائر الحسينية التي بدأت بسيطة كقراءة أشعار الرثاء وإظهار الحزن لحق بها أمور هي موضع خلاف بين أصحاب المذهب الواحد وأنا لا أريد أن أتقمص دور الفقيه لأبين الحلال والحرام والمكروه والمستحب ولا أريد أن اظهر الحسن والقبيح في ممارسات الناس أثناء أداء هذه الشعائر ولكني أجد لزاما علي أن أوجه الأنظار إلى بعض الأمور العامة واضعها تحت مجهر العقل وميزان الفطرة ،وأقول بان الشعائر الحسينية قد تشبه الشعائر الدينية في بعض الأوجه ولكنها ليست من باب التكليف الالهى الذي نزل به الرسول عليه الصلاة والسلام والذي أعلن إكمال الدين وإتمام النعمة في حياته ،فالشعائر الحسينية نابعة من القلب بدافع من الحب والعشق والمواساة يؤجر من أتى بها شريطة أن تكون وفق المعايير الشرعية والحدود الفعلية  ، وارى من المناسب أن اقسم الموضوع إلى نقاط مختصرة مضغوطة المعاني و الدلالات كما يلي
1-   الصور :- اعني بها صور الشخصيات الشريفة كالرسول والأئمة التي صارت مادة للاتجار، وهناك جدل قديم في مشروعية صور ذوات الأرواح ، فضلا عن إن الرسام مهما بلغ في سعة الخيال لا يستطيع أن يصل إلى نصف الحقيقة عندما يرسم الذوات المقدسة للأنبياء والأئمة الأطهار ، وارى لو يكون للعلماء في هذا قول فصل وفتوى واضحة .
2-    التربة الحسينية :- إن التربة الحسينية تصلح أن تكون مصداقا للنص القائل ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )ولكن ذلك لا يبرر للمتاجرين بها أن يضعوا عليها أسماء الخمسة آل العبا أو اسم الحسين والعباس ، لان العبادة يجب أن تكون خالصة لله تعالى ولا يجوز دعوة غيره أبدا ، كما أرى عدم جواز كتابة لفظ الجلالة أيضا على التربة لأنها قد تداس بالأقدام أثناء المرور خاصة أن العوام اعتادوا المشي بين المصلين وأمامهم ، وفي ابسط الحالات نستشكل وضع الأسماء الشريفة بمحاذاة الأقدام ، وارى انه يلزم العلماء تحريم كتابة الأسماء على التربة الحسينية كي لا تتعرض للمهانة .
3-   الجزع : واعني به الجزع غير المبرر أثناء البكاء مثل شق الجيب ولطم الوجه والضرب على الرأس والعويل وغيرها من الممارسات التي نهى عنها الشرع   والتي تحتاج إلى توضيح حدودها من قبل العلماء لا سيما وان الاسترجاع والاحتساب والصبر  والهدوء في التعامل مع الحدث أفضل وأجمل ( فصبر جميل والله المستعان) والنفوس المطمئنة تقول ( اللهم تقبل منا هذا القربان) وتقول ( ما رأيت إلا جميلا) و(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

4-   الإدماء المضر بالصحة  والسمعة عن طريق التطبير و زناجيل السكاكين وتطبير الأطفال رغما عنهم وعلى العلماء إزالة الضبابية عن آراءهم وفتاويهم لأن الفتاوى في هذا الباب قد تفيد التحريم والإباحة في آن واحد وهو أمر خطير ، وقد لا يخطر على بال البعض أهمية فعل العلماء بعدم التطبير دون تقريرهم حيث أننا لا نجد مرجعا يمارس هذه الشعيرة بنفسه ، ونحن  نعلم بان الإدماء هي حقيقة واقعة يجب التعامل معها كأمر واقع ولكن الشرع يفرض بعض الأحكام كما  أن العقل يفرض بعض الأمور  التي يجب مراعاتها .
5-    نزع الملابس أثناء اللطم وكشف الصدر والبطن والظهر وصرف الكثير من الوقت في اللطم ، وما ينتج عن ذلك من أمور مثل مشروعية النظر الى هؤلاء من قبل النساء ولو عن طريق الدوائر التلفزيونية المغلقة أو عن طريق الأشرطة وغيرها ، مع أننا لا ننكر كون اللطم  الخفيف من على الملابس أمرا مباحا إذا كان يراد منه إظهار الحزن و المواساة ، وقد أسعدني هذا العام امتناع الزائرين عن نزع الملابس أثناء اللطم في مدينة كربلاء بسبب المنع الصريح الصادر بهذا الشأن وبصرامة رجال العتبة في تنفيذ هذا المنع .
6-    الإطعام :- لا احد يستطيع أن ينكر مشروعية الإطعام سواء كان بمناسبة أو بدون مناسبة ولكن لا احد يستطيع أيضا أن ينكر حرمة الإسراف في الطعام مما يؤدي إلى إتلاف كميات كبيرة من الأغذية بسبب عدم وجود تخطيط مناسب في توزيع الطعام  بين المواكب وهذا يحدث عادة في المجالس والزيارات وغيرها وهو أمر يحتاج إلى وقفة جادة من المطعمين والمُطعَمين والعلماء
7-   تسبب المواكب والهيئات والمسيرات في سد الطرق العامة والشوارع ، لاسيما وان المدن لا تخلو من مرضى وأصحاب حاجة يضرهم سد الشوارع خاصة في المناسبات الدينية وعلى الحكومة وبفتوى من العلماء محاربة سد الطرق وتامين مسالك سريعة لمرور العربات والأفراد بحرية ويسر
8-   الاختلاط :- لا شك بان اختلاط النساء والرجال في المناسبات العامة هو من الأمور التي لا  يختلف اثنان على حرمتها وعدم جوازها لما تترتب عليها من مفاسد كثيرة لاسيما وان أهل البيت عليهم السلام هم أولى الناس وأولهم في هذا الباب  اعني عدم الاختلاط ،وارتداء النساء للحجاب أثناء الاختلاط ليس عبرة البتة ، وهل الحجاب إلا الاحتجاب . ولنا في نساء المراجع  العظام عبرة حيث لا نراهن إلا محتجبات لا يراهن الرجال في المواسم وفي غير المواسم .
9-   المشي على النار : وهو عادة جاء بها الهنود وادخلوها في الشعائر الحسينية حتى صارت جزءا من عقيدة الكثيرين واعتبروها طقسا مقدسا ربطوه بمواساة أهل البيت أثناء حرق الخيام . ونأمل من المراجع الذين يجيزون هذه الشعيرة أو يسكتون عنها أن يتقدموا العوام في المشي عليها لنأخذ بقولهم فعلا وليس تقريرا ومن قال بان المشي على النار هو شعيرة دينية يضع نفسه في مشكل لا يخرج منها إلا مدحوراً.
10-   التمرغ في الطين : وهو عادة مستحدثة كأن يقوم عدة من الرجال والنساء بالتمرغ بالطين في أحواض أعدت خصيصا لهذا الغرض ، علما بأننا كنا نرى البعض في السنين السالفة يضع قليلا من الطين على رأسه أو كتفه إظهارا للحزن ، وعندما سكت العلماء عن تلك البدعة لبساطتها تطور الأمر الى التمرغ الكلي في الطين وقد شوهد البعض يضع الطين على وجهه بأكمله ما عدا العينين كأنهم يتشبهون  بالهنود الحمر دون ان يشعرون وهذا أمر خطير فيه إفراط كثير يجدر بالعلماء إظهار الرأي الصحيح فيه.
11-   المنابر والروايات : يلاحظ على الكثير من أرباب المنابر عدم توخي الصحة عند نقل الروايات وقيامهم بخلط الغلو والموضوعات و الكذب والشرك مما يؤدي الى الإفساد الواضح الفاضح وهو عكس الإصلاح الذي خرج من اجله أبو الأحرار الحسين ابن علي  كل هذا ونحن نعيش عصر الفضائيات  والبث المباشر ،ولنا في هذا حديث طويل قد نفصله في مقال  ومقام آخر.
12-   تعارض وقت الشعائر مع الفرائض كالصلاة وملاحظة ان البعض لا يكترث بوقت الفضيلة للصلوات المفروضة بحجة ان إقامة الشعائر أفضل  وان الصلاة يمكن قضائها  وأما الشعائر فلا قضاء لها ،أو تحت أي مبرر آخر مع ان كل المبررات مرفوضة في هذا الباب وقد صدرت عن المراجع العظام فتاوى واضحة بهذا الصدد و الأمر في مجمله تحصيل حاصل ولا يحتاج الى فتوى .
13-   التدخين : واعني به التدخين بشراهة في الأماكن العامة أثناء انعقاد المناسبات المزدحمة دون مراعاة لمشاعر الغير وصحة الأطفال والشيوخ والنساء ، فالتدخين أمر مشين ومذموم ولا يمكن تصنيفه إلا ضمن الخبائث ولا عبرة بقيام بعض العلماء والمعممين بممارسة هذه العادة السيئة ، إذ لا يحق لهم ممارسة هذه العادة علنا أمام الناس لاسيما  الأطفال ، خاصة وانهم قدوة وأسوة حسنة و لا يليق  أبدا برجل دين ان يجاهر بالتدخين أمام الملأ كما يجب منع التدخين في المساجد والحسينيات  كليا مراعاة لقدسية المكان .
14-   الإفراط في تقديس الأشياء : من الضروري توخي عدم الإفراط في تقديس الأشياء المنسوبة كالأعلام والرايات والأبواب والجدران وهو دأب الهنود والباكستانيين الذين يسجدون للعلم تعظيما له ويقدسون أي حصان يستخدم كشبيه لفرس الحسين ( ذو الجناح ) ويتبركون بلمسه ،ويتخذون في بيوتهم ومساجدهم بعض المجسمات للأضرحة يتبركون بها وهي عادة هندوسية غير موجودة في العراق وإيران ولبنان ولكن هناك خطرا مؤكدا لانتشار هذه الممارسات كما انتشرت عادة المشي على النار .
15-   الضجيج : ان الزائر لمدينة كربلاء في زيارة الأربعين يجد هيئة عزاء بين كل هيئتين اعني قرب المسافة بين الهيئات والتلاصق بين المواكب الخدمية على طول الطرق الخارجية المؤدية الى كربلاء  وكل منها تذيع  من خلال مكبرات صوت ضخمة قراءات وأناشيد ولطميات مختلفة مما ينتج حالة فظيعة من الضجيج المخالف للذوق والفطرة السليمة  ، والأجدر ربط هذه المراكز بمحطة بث واحدة لنقل محاضرات دينية أخلاقية اجتماعية مفيدة ونافعة عن تهذيب النفس  والحجاب  وتفسير الآيات القرآنية  وغيرها ليستفيد الزائر من مسيره ووقته والتخلص من الآثار الضارة للضجيج.
16-   تعدد صلوات الجماعة في العتبات المشرفة : لقد رأيت لزاما علي  وأنا أتحدث عن الشعائر الحسينية ان أشير الى صلاة الجماعة في العتبات المقدسة ولاسيما تعدد هذه الصلوات في الوقت الواحد وهو أمر مشين و واضح الضعف خاصة وان المصلين هم من دين واحد لهم رب واحد ونبي واحد وقبلة واحدة ، وعلى أئمة الجماعة  في العتبة الواحدة تجاوز هذا الأمر بتوحيد إمام الجماعة وجمع الناس على إمام واحد في الصلاة وهل صلاة الجماعة إلا جمع الناس وليس تفريقهم وهذه مسؤولية تاريخية واجتماعية وأخلاقية يتحمل وزر إغفالها العلماء والمراجع وأئمة الجماعة.
وارى بان جملة ما ذكرنا من أمور وما نسينا ذكره أو اغفلناه كالزحف على الرُكب والنباح والسجود أمام الأبواب تحتاج الى إصلاح فعلي حقيقي يقع الشطر الأكبر من المسؤولية  فيها على عاتق العلماء والمراجع لان لهم القول الفصل في ذلك . وفي النهاية أرى من الضروري التنويه إلى أمر مهم للغاية وهو ما هي المحصلة النهائية لأداء الشعائر الحسينية في حسابات الربح والخسارة  ؟وهذا نوع من المحاسبة الفردية يستطيع كل منا القيام به بعد انتهاء الزيارة أو أداء أي شعيرة من الشعائر الحسينية لحساب درجة التغيير في الأنفس والسلوك  .
ولكي لا تفقد الشعائر جوهرها الحقيقي وتتحول إلى مجرد كرنفال  سنوي  أتمنى على العلماء والمثقفين  تصحيح ما ورد في المقال من أخطاء  وتصويب  ما يرونه صوابا وما التوفيق إلا بالله .
aabbcde@msn.com




81
الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي

بقلم اللواء الحقوقي المتقاعد
عبد الوهاب عبد الرزاق التحافي


من المتفق عليه في قوانين الدول، إن لكل شخص طبيعي خصائص تميزه عن غيره هي الاسم واللقب والأسرة والأقارب والجنسية والوطن والأهلية لمباشرة الحقوق... وتبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حياً وتنتهي بموته .. ومع ذلك فحقوق الحمل يحددها قانون الأحوال الشخصية . (راجع المواد من (34) إلى (46) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 م ) وأصبح معروفا إن في كل دولة تشريعات خاصة ينظم كل واحد منها شأناً من شؤون الشخصية الإنسانية، وأهمها قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون الأحوال المدنية، وقانون السكن... الخ
وفكرة الجنسية وتنظيمها بقانون لم تكن معروفة في العراق منذ الفتح الإسلامي حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، لان معيار تميز (المواطن) عن (الأجنبي) في الدولة الإسلامية كان يقوم على أساس (الدين) وليس (الجنسية). فالمسلمون هم شعب الدولة الإسلامية إما غير المسلمين فهم إما من (الذميين) الذين يعيشون في الدولة الإسلامية في عهد وذمة المسلمين ويتمتعون بكافة الحقوق الخاصة وبعض الحقوق العامة ولا تفرض عليهم التكاليف والخدمة العسكرية ولهم الحق في تطبيق شرائعهم الخاصة، وإما من (المستأمنين) الذين هم ليسوا من أتباع (دار الإسلام) لكنهم يتواجدون فيه لإغراض التجارة أو الزيارة أو بمهمة خاصة، ويحصلون على الأمان على أنفسهم وأموالهم، وليس عليهم أي تكاليف أو أعباء فهم ضيوف على المسلمين ( للمزيد راجع كتاب استاذنا الدكتور – منذر إبراهيم الشاوي – المدخل لدراسة القانون الوضعي – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 1996 – الصفحة 249 وما بعدها ) .
وعندما كان العراق مرتبطا بالدولة العثمانية كان (قانون الجنسية العثمانية) الصادر في 19/ 1/ 1869 م مطبقا فيه حيث كان الشخص بموجبه عثــــــــــمانيا من حيث   ( الجنسية) ومسلما أو نصرانيا أو يهوديا من حيث الديانة ، وبعد استقلال العراق وتأســـيس المملكة العراقية صــــدر أول قانون للجنســــــية في العـــراق رقم 42 لسنة 1924..
وحرصت جميع الدساتير العراقية على إن (الجنسية العراقية وإحكامها يحددها القانون – المادة الخامسة المعدلة من دستور 1925 والمادة الثامنة من دستور 1958 والمادة 18 من دستور 29 نيسان 1964. ) لكن دستور 21 أيلول 1968 أضاف مبدأ إنسانيا هو (لا يجوز إسقاط الجنسية العراقية عن عراقي ينتمي إلى أسرة عراقية تسكن العراق قبل 6 آب 1924 وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية واختارت الرعوية العراقية)


ثم نص على ( يجوز سحب الجنسية من المتجنس في الأحوال التي يحددها قانون الجنسية) لكن دستور  16 تموز 1970 عاد إلى نهج الدساتير العراقية السابقة واكتفى بالنص على (الجنسية العراقية وأحكامها ينظمها القانون )
( للمزيد من التفاصيل راجع كتاب الدكتور رعد الجده – التشريعات الدستورية في العراق – بيت الحكمة – بغداد حزيران 1998 )

وبعد أول قانون للجنسية في العراق رقم 42 لسنة 1924 صدر قانون ثاني للجنسية برقم 43 لسنة 1963، ثم صدر قانون ثالث هو قانون الجنسية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 لكنه لم ينفذ .

ولأن قانون الجنسية العراقي الأول لسنة 1924م  والثاني لسنة 1963م  تم استخدامهما في العهدين الملكي والجمهوري في مواجهة الخصوم السياسيين للحكومة كما في التسفير التعسفي للأجانب المقيمين في العراق بصورة مشروعة ، أو في إسقاط الجنسية العراقية عن بعض العراقيين خلاف رغبتهم ، وما اقترن بالتطبيق السيء لقانون الجنسية من مظالم وماسي إنسانية ، فقد حرص واضعو دستور جمهورية العراق لعام 2005م على النص في المادة الثامنة عشر منه على إن          ( الجنسية العراقية حق لكل عراقي ، وهي أساس مواطنته) و(يعد عراقياً كل من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية ) و( يحظر إسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سبب من الأسباب ، ويحق لمن اسقط عنه طلب استعادتها ، وينظم ذلك بقانون ) و(تسحب الجنسية العراقية من المتجنس بها في الحالات التي ينص عليها القانون ) وأقر الدستور مبدأ استثنائيا وهو ( يجوز تعدد الجنسية للعراقي ) و( على من يتولى منصبا سياديا أو امنيا رفيعا ، التخلي عن أي جنسية أخرى مكتسبة ، وينظم ذلك بقانون ) (ولا تمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق ) و(تنظم إحكام الجنسية بقانون ، وينظر في الدعاوى الناشئة عنها من قبل المحاكم المختصة ) .

فهل استطاع المشرع العراقي لقانون الجنسية الجديد رقم 26 لسنة 2006 إن يتوافق مع جميع الأحكام التي وردت في المادة (18) من الدستور 2005 ؟ وهل استطاع أن يواكب المواثيق الدولية المتعلقة بشؤون الجنسية ؟ أهداني مؤخرا صديقي العزيز لواء الجنسية الحقوقي ياسين السيد طاهر الياسري مدير الجنسية العام في العراق نسخة من الطبعة الثالثة (2010) من كتابه (الوافي في شــرح قانون الجنسية العراقي ) واللواء الحقوقي ياسين الياسري من أعلام الجنسية في العراق ، وهو معروف بين زملائه بخلقه الحميد ووطنيته الأصيلة وأمانته ودقته في أداء واجباته  ، وعلى أساس هذه الثوابت في شخصيته نال ثقة رؤسائه واحترام زملائه ومحبة أعوانه ومعارفه ، لذلك كان جديراً بتحمل أمانة قيادة مديرية الجنسية في العراق .

وقد كان قبل ذلك معاونا لمدير الجنسية العام، ومديرا للجنسية في محافظة واسط وفي محافظة المثنى، وتدرج في مختلف إعمال الجنسية العامة، فأصبح مرجعا محترما في هذا الاختصاص... واهم ما تفوق به الأخ اللواء الحقوقي ياسين الياسري انه جمع بين المؤهل الأكاديمي ( بكالوريوس علوم شرطة + بكالوريوس قانون + دبلوم في القانون الإنساني في معهد الدراسات القانونية والإنسانية في سان ريمو بايطاليا ) وبين الخبرة العملية فهو خبير بشؤون الجنسية في مجلس وزراء الداخلية العرب وعضو المنتدى الدولي لوثائق السفير ( D T 4 F I) .
يتكون كتاب ( الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي) في طبعته الثالثة الصادرة عام 2010 من 323 صفحة في الحجم المتوسط، موزعة على بابين هما:-

الباب الأول: النظرية العامة للجنسية وتناولها بثلاثة فصول:-
الأول : التعريف بالجنسية
الثاني: الطبيعة القانونية للجنسية
الثالث: نطاق سلطة الدولة في تنظيم جنسيتها

وفي الوقت الذي عرف بعض المختصين الجنسية بأنها (رابطة سياسية بين الفرد والدولة) وعرفها آخرون بأنها ( رابطة قانونية بين الفرد والدولة ) اتجه اللواء ياسين الياسري إلى إن الجنسية هي (صفة تلحق بالشخص باعتبارها أمر معنوي غير ملموس ، تربط الشخص (طبيعيا كان أم معنويا) بالدولة بعلاقة سياسية وقانونية واجتماعية ) . ونحن نرجح كون الجنسية رابطة قانونية بين المواطن ودولته تفرض عليه واجبات المواطنة وتقر له حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، على وفق ما يحدده دستور البلاد .

وعن طبيعة الجنسية نحن نؤيد ما ذهب إليه السيد اللواء الياسري بأنها علاقة تنظيمية وليس عقدية ، تضع الدولة أحكامها التفصيلية في قانون خاص على وفق صلاحياتها التشريعية ، لكنها تراعي في تلك الأحكام مصلحتي الدولة والمواطن في آن واحد ، وتلتزم الدولة في تلك الأحكام بمراعاة المواثيق الدولية ذات العلاقة التي هي طرف فيها .

أما الباب الثاني من الكتاب فتناول فيه المؤلف موضوع (الجنسية العراقية) بأربعة فصول هي:-
-   نشأة وتطور الجنسية العراقية
-   جنسية الأشخاص الطبيعية في القانون العراقي
-   جنسية الشخص المعنوي وبعض الأشياء المنقولة في القانون العراقي
-   تنازع الجنسيات والسلطة المختصة بمنازعات الجنسية واثبات الجنسية في القانون العراقي.

وقد أحسن المؤلف في نشر نص قانون الجنسية العراقية الجديد رقم 26 لسنة 2006 في بداية هذا الباب لكي ييسر للقارئ فهم مضامين مواده واستيعاب النظريات المتعلقة بها.

وفي سياق تناوله موضوع (نشأة وتطور الجنسية العراقية ) تطرق المؤلف تحت عنوان ( تمييز الجنسية في بعض المصطلحات الأخرى ) إلى بيان الفرق بين الجنسية والجنس .. وبين الجنسية والقومية ، وكنا نأمل أن يوضح الفرق بين وثيقة الجنسية ووثيقة الأحوال المدنية حيث إن اغلب جماهير الشعب العراقي تطلق خطأ على وثيقة الأحوال المدنية تعبير الجنسية . كما كان من المفيد أن يوضح المؤلف الفرق بين شهادة الجنسية ووثيقة الإقامة لارتباط موضوع إقامة الأجنبي بتجنس الأجنبي .
و يكاد الفصل الثاني من الباب الثاني عن ( جنسية الأشخاص الطبيعية في القانون العراقي ) أن يكون نصف الكتاب حيث بلغ عدد صفحاته (141) صفحة من أصل (318) صفحة. وهذا الاهتمام بجنسية الأشخاص الطبيعية يجسد عناية المشرع العراقي بالإنسان كشخص طبيعي يرتبط بدولته برابطة قانونية تؤمن له حقوقه الإنسانية وتحدد له واجباته الوطنية .
وقد أجاد المؤلف ببيان تفاصيل ( جنسية التأسيس ) وهي الجنسية التي تنظم أحكامها الدولة الوليدة في أول عهدها لمواطنيها وتنتقل منهم لأولادهم وأحفادهم وان نزلوا. و (الجنسية الأصلية ) التي تثبت للشخص منذ لحظة ميلاده استنادا إلى حق الدم أو حق الإقليم أو كلاهما معا، ولو أقيم الدليل عليها بعد ذلك، و ( الجنسية المكتسبة ) هي التي تمنح للشخص بناء على طلبه وبتوافر شروط معينة.. وأوضح المؤلف الفروقات الجوهرية بين الأنواع الثلاثة المذكورة .
كما تناول المؤلف موضوع ( التجنس بالجنسية العراقية ) موضحا ماهية التجنس وشروطه وأحكامه في القانون العراقي وأثار التجنس ، وأهمها أن ليس للمتجنس بالجنسية العراقية أن يشغل منصب رئيس جمهورية العراق أو نائبه ، ولا يجوز للمتجنس بالجنسية العراقية أن يتولى منصب وزير في الحكومة العراقية أو عضوا في مجلس النواب العراقي إلا إذا انقضت عشر سنوات على تاريخ اكتسابه الجنسية العراقية ، وبهذا ساير المشرع العراقي الاتجاهات السائدة في مختلف الدول بهذا الخصوص . أما بالنسبة لفقد الجنسية العراقية فقد أوضح المؤلف إن المشرع العراقي جاء بمبادئ جديدة تختلف عن القانون السابق وهذا المبادئ هي:ـ
1 ـ عدم جواز تجريد العراقي بالولادة من جنسيته العراقية .
2ـ جواز سحب الجنسية العراقية من المتجنس بها في حالات معينة هي قيامه أو شروعه بعمل يمس امن الدولة وسلامتها أو اكتسابه الجنسية بالغش والتزوير
3ـ اكتساب العراقي لجنسية أجنبية لا يؤدي إلى فقده جنسيته العراقية إلا إذا تخلى عنها بإرادته الحرة .
واعتنى المؤلف بموضوع مهم اثار مشاكل عملية واسعة حرص المشرع العراقي على تذليلها لاعتبارات إنسانية ، وهذا الموضوع هو استرداد الجنسية العراقية وذلك في الحالات التالية :-
1-   لمن تخلى عنها واكتسب بإرادته جنسية أجنبية ثم عاد إلى العراق وأقام فيه بصورة مشروعة مدة لا تقل عن سنة واحدة وقدم طلبا إلى وزير الداخلية لاسترداد الجنسية العراقية.

2-   إذا تخلت المرأة العراقية عن الجنسية العراقية لاكتسابها جنسية زوجها غير العراقي تم منح زوجها غير العراقي الجنسية العراقية... وإذا توفي عنها زوجها أو طلقها أو فسخ عقد زواجها ترجع إليها الجنسية العراقية من تاريخ تقديمها طلبا بذلك.
3-   لمن فقد جنسيته من الأطفال تبعا لفقد أبوهم جنسيته العراقية أن يسترد (الطفل) جنسيته إذا طلبها في العراق وأقام فيه لمدة سنة بصورة مشروعة.
4-   رد الجنسية العراقية للعراقي الذي اسقطت عنه الجنسية العراقية لأسباب سياسية أو عنصرية أو طائفية، ومراعاة لحقيقة الحاجة الواقعية والقانونية لأن تكون للشخص المعنوي كالشركة والمصرف الجمعية والمؤسسة، جنسية فقد اعتنى المشرع العراقي في القانون المدني وفي القانون التجاري وفي قانون العقوبات وقانون الشركات ببيان أحكام جنسية الشخص المعنوي.. وقد أحسن المؤلف بتناول موضوع (جنسية الشخص المعنوي وبعض الأشياء المنقولة ) في الفصل الثالث من الباب الثاني من الكتاب.

أما الفصل الرابع من الباب الثاني فقد تناول فيه المؤلف موضوعا يعد من الموضوعات التي أثارت الجدل بين فقهاء القانون الدولي الخاص في مختلف الدول ، ومازالت محل جدل بين رجال القانون والسياسيين في العراق ، وهذا الموضوع المثير للجدل هو أن يكون للفرد الواحد أكثر من جنسية واحدة .

ولم يتردد اللواء الحقوقي ياسين السيد طاهر الياسري في بيان رأيه بـ ( إن ظاهرة ازدواج الجنسية ما هي إلا وضع شاذ يتعارض مع طبيعة الجنسية ووظيفتها .. حيث يتعذر على الشخص متعدد الجنسيات الوفاء بوقت واحد تجاه الدول التي يحمل جنسياتها ) لا من حيث أداء الخدمة العسكرية الإلزامية ، ولا من حيث الموقف الشخصي في حالة نشوب نزاع مسلح بين دولتين يحمل جنسيتهما ، ولا من حيث الوفاء بالالتزامات الضريبية أو في ممارسة المواطن لحقوقه السياسية كالانتخابات والوظيفة العامة ... الخ   
كما أوضح المؤلف وبشكل مفصل ومفيد الوسائل الوطنية والجهود الدولية العلمية والقانونية لمعالجة ازدواج الجنسية ومواجهة المشاكل المترتبة عليها ومع إن المؤلف أشار إن المشرع العراقي قبل بحالة ازدواج الجنسية في قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 التزاماً بما تقرر في دستور العراق لسنة 2005 وفسر هذا الاتجاه الجديد بحرص المشروع على إبقاء صلة العراقي بوطنه على الرغم من اكتسابه الجنسية أجنبية لكي يتيح له فرصة العودة إلى العراق واستعادة وضعه الطبيعي فيه .
ونرى إن القرن الحادي والعشرين شهد في عقده الأول خلال السنوات 2001 – 2011 م تحولات جذرية في تطبيقات القانون الدولي،
وأوضحت الأحكام المستقرة بشأن ( سيادة الدول واستقلالها ، وبشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وبخصوص عدم استعمال القوة العسكرية في تسوية المنازعات بين الدول ، وضوابط التحقيق والمحاكمة في الاتهامات المنسوبة بشأن ارتكاب جرائم دولية ، وسلطات الجمعية العامة ومجلس الأمن بموجب ميثاق هيئة الأمم المتحدة ، كلها أصبحت أحكام قديمة من وجهة نظر التحالفات الدولية الجديدة والسعي المشترك بين أمريكا وأوربا لإقامة نظام عالمي جديد يقوم على عقيدتهما الرأسمالية ومصالحها الإستراتيجية على وفق قانون دولي جديد يكون فيه ( ازدواج الجنسية ) و ( التدخل الإنساني ) و ( تحريض الشعوب ضد حكوماتها ) أمورا ( مشروعة ) ..
وأشاد المؤلف بموقف المشرع العراقي في النص على أن تختص المحاكم الإدارية في الدعاوي الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الجنسية ، لكنه وجه لهذا النص انتقادات موضوعية جديرة بالعناية على أساس إن ليس في العراق الآن محاكم إدارية سوى ( محكمة القضاء الإداري ) المرتبطة بمجلس شورى الدولة المرتبط بوزارة العدل . أما عن إثبات الجنسية العراقية في حالة حصول نزاع بشأنها فيرى المؤلف انه من اختصاص المحاكم المدنية.
وفي ( خاتمة ) الكتاب , أشار المؤلف اللواء الحقوقي ياسين السيد طاهر الياسري إلى تشخيص لـ ( 20 ) عشرين نقص تشريعي في قانون الجنسية النافذ رقم 26 لسنة 2006 .
وربما يكون السبب هو عدم إشراك مختص في شؤون الجنسية في إعداد مشروع القانون قبل إصداره.. ومما يدعو للارتياح إن السيد المؤلف بادر بإعداد مشروع تعديل للقانون لتدارك العيوب والمشاكل الواردة في القانون النافذ، وأعلن المؤلف إن مشروع التعديل سيأخذ طريقه إلى التشريع على وفق السياقات الرسمية في تعديل القانون.
إن الجهد الذي بذله صديقي اللواء الحقوقي ياسين السيد طاهر الياسري في إصدار كتاب ( الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي ) ، يستحق عليه الثناء والتقدير ، لأنه أسهم في نشر الوعي العام بأحكام القانون الذي يعد من أهم القوانين ذات الصلة بعلاقة المواطن بالدولة ، ولان الوعي القانوني في أوساط الجماهير ، وبخاصة بأحكام القوانين الأمنية هو الأساس السليم لسيادة القانون في الدولة واستتباب الأمن والنظام في المجتمع اللذان هما المدخل الضروري لمسيرة التنمية والتقدم والسلام الاجتماعي .
             

 

   


82
قانون الجنسية العراقي ، سلبياته وايجابياته
ياسين الياسري يشرحه شرح الخبير المختص




                                                                                                                                د.حسين ابو سعود
الجنسية مسألة أساسية ومهمة تخص البشر أجمع وبدونها تتعطل باقي المعاملات وعلى وجودها تتوقف جميع الأمور البسيطة منها والمعقدة.
 ان القوانين التي تضعها الدول قد لا تكون لها علاقة مباشرة بجميع المواطنين بل قد تخص فئة دون أخرى إلا قانون الجنسية فإنه يخص كل مواطن صغيرا كان أو كبيرا ، رجلا أو امرأة ، وقد تكون قوانين الجنسية في العراق الملغية منها و النافذة لا تخلو من تعقيدات يعاني منها  المواطن لذا نجد ان دوائر الجنسية في عموم البلاد مزدحمة على مدار العام ، وقد اعتقد المشرع العراقي بأنه عندما وضع القانون رقم 26 لسنة 2006 فانه قدم قانونا واضحا صريحا دون ان يعلم بوجود ثغرات ومواد و نصوص تحتاج الى شرح و توضيح ، و من أحسن من المدير العام  للجنسية اللواء ياسين الياسري ، الحقوقي المتخصص في مادته ليتصدى لشرح الجوانب الغامضة في هذا القانون ، وقد فعل ذلك في كتاب نفيس اسماه ( الوافي في شرح قانون الجنسية العراقي ) وقد وجدته كافيا وافيا شافيا لكل من له اهتمام بهذا الجانب ، والعراق من اكثر الدول التي فيها تعقيدات في باب الجنسية ، وكم حدث فيها حالات انتزاع للجنسية وتسفيرات ثم استعادة للجنسية وغيرها ومازالت هذه التعقيدات موجودة ليومنا هذا حتى ان المواطن الذي يروم الحصول على جواز سفر عليه ان يقدم 4 وثائق في آن واحد منها البطاقة التموينية وهي وثيقة لا يستطيع احد وصف علاقتها بجواز السفر ، ولكنه الروتين والتعقيد المتعارف ، وقد أعجبني افتتاح المؤلف للكتاب بآية قرآنية كريمة (( وفوق كل ذي علم عليم )) وتنم عن تواضع جم منه رغم كونه ارفع مسئول للجنسية في البلاد وقد وزع الكتاب على بابين ضمَنهما فصول ومباحث وفروع ومطالب حتى لم يدع شاردة ولا واردة الا شملها بالتناول والشرح وقد خصص الباب الأول منهما لشرح النظرية العامة للجنسية . ومن الضروري القول بان هذا هو اول كتاب يصدر في العراق عن شرح قانون الجنسية النافذ وقد وصف الكاتب القانون بانه تضمن بعض الأحكام المنصفة هدفها في ذلك إعادة الحقوق المدحوضة الى اصحابها لاسيما وان هناك قضاء تم تخويله للنظر في الدعاوي الناشئة عن منازعات الجنسية ، ولكن القانون المذكور يحتاج الى صياغة جديدة تتسم بالرصانة لان بعض فقراته ركيكة وبعض مواده متهالكة الاحكام ، ومن حسنات هذا القانون سماحه للمواطن بتعدد الجنسيات لأنه يصب في مصلحة المواطن والوطن على حد سواء في أكثر الحالات ، فضلا عن انه يدخل في باب الحرية الشخصية ، علما بان الحنين والارتباط و الحب يظل أولا وأخيرا للوطن الأم ، وقد يرتبط المواطن سياسيا وقانونيا بجهات عدة الا انه يرتبط عاطفيا مع الوطن الأول ومن المعلوم بان من ولد على ارض وترعرع فيها اي بلغ سن الرشد فيها بتعبير قانوني لا يرتبط الا بها بغض النظر عن جنسية الأب ، ويعرَف المؤلف الجنسية بانها ( صفة تلحق بالشخص باعتبارها أمر معنوي غير ملموس تربط  الشخص بالدولة بعلاقة سياسية وقانونية واجتماعية ) وكلمة غير ملموس هي إشارة غاية في اللطافة علما بان المؤلف يكتب بحثه في عصر الحرية الكاملة فجاءت اشاراته صريحة واضحة ، وقد قسم الجنسية الى ثلاثة عناصر وهي الدولة و الشخص والرابطة التي تكون بين الشخص والدولة وهي ذات وجهين هما الحقوق والواجبات ، والمؤلف عندما يذكر الآراء المختلفة في القضية الواحدة لا يترك القارئ في  حيرة بين الآراء فيعطي في النهاية رأيه ورؤيته الصائبة كونها رؤية مرجع في مادته . ولقد خصص الباب الثاني للجنسية العراقية بدءا من قانون 1924 الملغي ببنوده وفقراته والنافذ بآثاره وتبعاته وانتهاءا بالقانون الحالي النافذ ، وحسناً فعل حين افرد الباب الاول لشرح النظرية العامة للجنسية وهو كما يقول مدخل لابد منه لفهم الأساس الذي استند عليه المشرع عندما وضع قانون الجنسية العراقية . ولا أريد هنا ان اشرح بعض التناقضات التي ذكرها المؤلف في مواد القانون الجديد لكي لا افسد على القارئ متعة قراءة الكتاب من أوله الى آخره ، ولكني كنت أتمنى لو يضمن الكتاب بنصوص جميع قوانين الجنسية لأعوام 1924 و 1963 و 1990 والقرارات والتعليمات ذات العلاقة التي صدرت خلال هذه الأعوام لاكتمال الفائدة لأصحاب الاختصاص ولأغراض المقارنة.
 ولعل أجمل ما في القانون هو إلزامه لوزير الداخلية ان يبني رفضه منح الجنسية لطالب التجنس على أسباب معقولة والا فإن من حق طالب التجنس ان يعترض على قرار الرفض أمام القضاء العراقي وهو اتجاه حضاري في غاية الرقي وحتى لا تتسبب الأهواء البشرية في سلب حقوق الآخرين.  و يقول المؤلف عن هذه النقطة القائمة على حقوق الإنسان بانها لم تكن موجودة في ظل القوانين السابقة للجنسية حيث كان يعطي الوزير اختصاصا مطلقا في إصدار القرار وهو نهائي غير قابل للاعتراض ، ولا ادري لماذا ذكر المؤلف في مادة موافقة وزير الداخلية صفحة 167- 168 هذه العبارة (فله أي الوزير أن يوافق على تجنس من توافرت فيه الشروط المذكورة او لا يوافق ولا يلزم بتسبيب رفضه ) في حين انه يتوجب عليه إبداء الأسباب اذا ما تم اللجوء الى القضاء.
ولقد لفت انتباهي كلمة ( غريبة ) في باب زواج غير العراقي من عراقية صفحة 173 في قول المؤلف ( لقد جاء المشرع العراقي في قانون الجنسية النافذ بحالة غريبة للتجنس تكاد التشريعات العربية تهجرها بالوقت الراهن ) أقول يا حبذا لو وصف الحالة بالجديدة وليس بالغريبة لاسيما وان التشريعات العربية أكثرها تخلو من الجانب الإنساني وفيها هضم لحقوق المرأة  ولا يمكن القياس عليها ، والحالة العراقية الجديدة هي كرامة وعزة للمرأة العراقية وخطوة على طريق مساواتها بأخيها الرجل العراقي ، كما تطرق المؤلف الى جنسية الشخص المعنوي وجنسية الأشياء المنقولة ، وقد لا تكون لهذه الأشياء علاقة ظاهرية بقانون الجنسية العراقية ومكانها القانون التجاري او القانون المدني الا انها إضافة جيدة لزيادة المعلومات لدى القارئ وهي معلومة قد لا يعرف تفاصيلها الكثير.
 وفيما يخص التجنس بجنسية دولة أجنبية والروح الوطنية التي تطرق لها المؤلف في صفحة 284 أود ان أضيف بأنه ومن واقع التجربة رأينا ان الحنين الى الوطن الأصلي يظل مستمرا في نفس الإنسان وان اكتسب جنسية دولة أخرى و أكاد اجزم بان روح الوطنية تكاد تكون معدومة في نفوس المتجنسين الذين يشعرون بأنهم طارئين يراد منهم دائما إظهار انتماءاتهم الى المجموعات الاثنية المختلفة في استفتاءات مستمرة في المستشفيات ودوائر الإسكان والمدارس وغيرها بالرغم من حصولهم على جنسية البلد .

 وقد تحدث المؤلف بإسهاب عن حالة اللاجنسية وهي حالة فريدة يمكن وصفها بالمأساوية ، كافحتها القوانين والتشريعات في بلدان العالم ولكنها مازالت موجودة في حالات ( البدون ) في بعض الدول ، وهذه الحالة لها اثار نفسية ضارة على الإنسان والذي يطبق بحقه جميع قوانين العقوبات النافذة اذا ما اقترف خطأ ما ولكن لا تنفذ بحقه قانون عدم جواز بقاء الإنسان اي انسان في حالة اللاجنسية .
وفيما يخص الجنسية العراقية في ظل الفكر الإسلامي أقول باني لم أجد لازمة بين الإسلام والجنسية ، فالإسلام كدين هو ضد القطرية والجنسية ولكنه مع مفهوم الأمة الواحدة ولعل الدولة العثمانية وضعت قانون الجنسية تقليدا للغرب وإلا فان كل مسلم هو من رعايا الدولة العثمانية دون استثناء باعتبارها تمثل السلطنة الإسلامية او الدولة الإسلامية وقد اطلعت مرة على بحث أكاديمي عن الجنسية في الفقه الإسلامي فوجدته حشوا صرفا فيه لوي متكلف لأعناق الأفكار بالقوة وقد أحسن المؤلف بعدم الإطالة في هذا الباب .
 وبعد ان أبلى المؤلف أحسن البلاء في شرح الثغرات ونقاط الضعف وإعطاء البديل واقتراح الصحيح بخبرة المختص الخبير أنهى كتابه بالخاتمة حيث لخص فيها البحث على ان قراءة الخاتمة لن تغن عن قراءة الكتاب بصورة مفصلة فانا انصح وبشدة الجميع بقراءة الكتاب وحتى أولئك الذين ليس لهم مشكلة فعلية مع الجنسية وهم الأكثرية لان الموضوع مشوق ومفيد وفيه ثقافة عالية والكتاب يتكون من 324 صفحة وقد صدرت طبعته الرابعة سنة 2011 بتجليد فاخر من شركة العاتك لصناعة الكتاب في القاهرة . وقد اعتمد المؤلف في بحثه على 45 مصدرا عربيا أدرجها في قائمة المراجع بالإضافة الى عدد من المصادر الأجنبية فضلا عن اطلاعه واستفادته من 22 قانوناً مختلفاً كلها ذات علاقة بالبحث .


aabbcde@msn.com

83


السائق الاجنبي والمراة السعودية


حسين ابو سعود


بالرغم من الموقف الواضح للسلطة الدينية والسياسية في المملكة السعودية  تجاه قيادة المراة  للسيارة الا ان المطالبات بالسماح للمراة في السعودية بقيادة السيارة لم تتوقف باعتبارها حرية شخصية ولان محاسنها اكثر من مفاسد السماح للسائق الاجنبي بالاختلاء بها لفترات طويلة .
على اي حال فان السائق الاجنبي عندما يبدأ عمله مع عائلة يبدؤه كانسان يبحث عن الرزق وهو حق شرعي طبيعي ولكنه مع الايام  يواجه مشكلة الجوع  الجنسي لان الدولة لا تسمح لشرائح معينة  منهم السائقين باستقدام نسائهم الى المملكة وبالمقابل تسمح لفئات اخرى باستقدام الزوجات مع ان الشهوة عند جميع الفئات متساوية، فيبقى هؤلاء من فئة المتزوجين بالمراسلة  وقد اخبرني سائق في الامارات بانه لم ير زوجته خلال عشرين سنة الماضية سوى عشر مرات لانه كان يسافر اليها كل سنتين، ويقضي وطره في الغربة  بالعادة السرية او الزنا فكيف من يجد امراة جميلة قربه تقول له هيت لك وماذا يفعل السائق الاجنبي امام عطر المراة الصارخ ورائحة الانوثة الطاغية والميانة التي تحدث اثناء الخلوات المستمرة لفترات طويلة في السيارة، وما ذا يستطيع ان يفعل امام هيام المراة  وهي ترى نفسها امام شاب قد يكون وسيما في اغلب الاحيان تطفح منه رائحة الشهوة والرغبة لا سيما ونحن نعيش عصر الفساد والانحلال الذي بدأ بدخول التلفونات الى المنازل ثم الموبايلات  التي تحولت الى كارثة حقيقية مرورا بالوباء الاكبر اعني الانترنيت، وقد درجت العوائل على السفر الى الدول العربية والاجنبية في موسم الصيف حاملة معها براكين الشهوة المخزونة والرغبة المكبوتة التي تغذيها الانترنيت والاغاني والمسلسلات وغيرها وكلنا نرى ما يحدث في الصيف في سوريا ومصر ولندن وغيرها من امور يندى لها الجبين.
انا ارى ان تعطى المراة في السعودية حق القيادة فورا وبلا تحفظ والتخلي عن ما يسمى بالاعراف الاجتماعية ، فوا عجبا من اعراف تمنعها من ان تختلي بنفسها في السيارة وتجبرها على الاختلاء باجنبي ملئ بالشهوات في سيارة وهي متعطرة متزينة  في احلى حللها لاسيما وهي خارجة الى ضيافة او سوق او وظيفة، ويستحيل عقلا ان لا تكون هناك قصص مع كل سائق وامراة  كما كانت هناك قصص في الماضي مع الخياطين ومحلات بيع العطور وادوات التجميل والملابس النسائية ، والحق يجب ان يقال بانه ليس من الضروري ان يكون التحرش من جانب السائق الاجنبي بل قد تكون المبادرة والاغراء  من المراة نفسها، وهل تعطرها الا اغراء فالشهوة بلاء ، ويبدو انه لولا الستر لتكشف للناس امور عجيبة وغريبة، ومن الغباء اشتراط سن معين للسائق فان الشهوة لا تخبو بعد الاربعين  عند الرجال ولا عند  النساء، والمراة تميل الى الاجنبي في قضاء الوطر اكثر من ابن البلد لانه كتوم وسكوت يخاف الفضيحة  مع ان المسألة  نسبية ، وقد حدث ان قام السائق بابتزاز المراة بشتى الطرق وان هناك قصصا لو  انكشفت لتهدمت بيوت وانهارت أسر  وقديما قيل :لوتكاشفتم ما تدافنتم ، انه الستار المضروب من قبل ستار العيوب على ان هذه ليست دعوة لاولياء الامور بمراقبة بناتهم وزوجاتهم مع السائقين او الطباخين وانصحهم بان لا يفعلوا ذلك فيسئلوا عن اشياء ان تبد  لهم تسؤهم ولكني انصح الدولة بان تقف وقفة شجاعة  امام الموروث وتتحرر من سطوة الاعراف المحلية والتقاليد وتسمح للمراة بقيادة السيارة وعلى العلماء ورجال الدين تفهم هذا الامر والفصل بين الاف السائقين والاف النساء الذين يختلون يوميا في خلوات غير شرعية ، تحت حماية القانون وان كان ولا بد  فليتم الاستعانة  بسائقات اجنبيات (ههههههه) لانها اهون الشرين مع العلم ان السماح للمراة بقيادة السيارة  لا يقضي تماما على الحاجة الى السائقين الاجانب ، فهناك  من النساء من لا تعرف القيادة وكم من امراة هي تريد رجلا غريبا في البيت على شكل سائق او طباخ او حارس
وفي الختام اقول  اذا كان الامر سيظل على ما هو عليه فانه يمكن  اتخاذ بعض التدابير منها اشتراط ان يكون عمر السائق الاجنبي 50 سنة فما فوق او يتم استبداله كل ستة اشهر حتى لا تحدث  حالة من الالفة والتعود وانس كثير بين المراة وسائقها  . ولحد الان لم يفهم احد مغزى عدم السماح للمراة بالاختلاء  بنفسها واجبارها على الاختلاء بالسائقين الاجانب  : انه التناقض.
aabbcde@msn.com

84
خلافة المراجع واهل الخبرة

حسين ابو سعود

كثر الحديث في الاونة الاخيرة عن الخليفة المرتقب للسيد السيستاني ويبدو لي بان هذا الحديث هو جزء من الحملة  الاعلامية التي تعرض لها هذا المرجع منذ سطوع نجمه بعد التغيير الذي حدث في العراق ، والا فان المتتبع يعلم بانه لم يحدث ان تسبب وفاة احد المراجع في ازمة فراغ ، وذلك بسبب تعدد المراجع في الوقت الواحد علما بانه قد حدث وجود مرجع اعلى في بعض الاوقات، مثل السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد ابو الحسن الاصفهاني الا ان ذلك لم يمنع من وجود مرجعيات عرضية معاصرة لهم ، وقد يكون المرجع العرضي اعلم من المرجع الاعلى الاشهر ، كما في حالة السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي كان اعلم اهل زمانه مع وجود الامام الخوئي ، وقد صرح بذلك لي السيد امير محمد القزويني نزيل الكويت وصاحب كتاب نقض الصواعق عندما سألته نيابة عن جملة من المؤمنين  عن الاعلم  فقال  وهو من اهل الخبرة والدراية بعد تمنع في الجواب بان السيد الصدر هو الاعلم  ، مع اني لا اميل كثيرا الى نظرية الاعلم  واراها صعبة التطبيق  والعالم الاشهر لا يعني ابدا بانه الاعلم  والعكس صحيح، وهناك من الناس وانا منهم من يعتبر تعدد المراجع ظاهرة غير صحية  تؤدي الى انقسام الامة  ويميلون كما اميل الى تشكيل مجلس شورى الفقهاء  يختارون لهم مرجعا أوحد يدير شئون الطائفة ويمثلها سياسيا واجتماعيا، فالمرجع الاعلى الواحد افضل في توحيد الخطاب وتوحيد الفتوى وتوحيد السيطرة على الموارد المالية الكبيرة لخدمة الطائفة ومشاريعها ، فالمرجع هو نائب الامام الغير معين ولا يمكن للامام ان يدعو الناس الى التفرق حول عدة مراجع بدلا من التوحد  والاجتماع على مرجع واحد في الوقت الواحد كما حدث مع السفراء الاربعة في زمن الغيبة الصغرى ، ولعل اسوأ صورة لتعدد المراجع نجدها في تعدد صلواة الجماعة في الوقت الواحد في بعض العتبات المقدسة.
وقد تم طرح اسم اثنين من العلماء لخلافة السيد السيستاني  هما السيد محمود  الهاشمي  الشاهرودي نزيل قم والسيد حسين اسماعيل الصدر نزيل الكاظمية ، ولا ادري لماذا يستعجل هؤلاء على السيد السيستاني الذي يتمتع بصحة جيدة وكما هو معروف فان علمائنا يعمرون طويلا وقد يصل احدهم الى المائة ولكنه يظل يتمتع بالاهلية وصفاء الذهن والضبط.
وقد ذكرت الانباء بانه قد تم  افتتاح مكتب رسمي للسيد الهاشمي الشاهرودي في النجف الاشرف  لهذا الغرض ، ولكن يبدو لي بان الهاشمي لن يحقق شيئا كبيرا ما لم ينتقل شخصيا من ايران الى النجف ، وهذا ما لن يفعله في المستقبل المنظور  ولأسباب لا تخفى على ذوي الالباب، وانا لست بصدد التنظير والدعاية لشخصية علمائية محددة لكي اقول بان السيد حسين الصدر لن ينافس على الخلافة بالرغم من كثرة مشاريعه التعليمية  والثقافية والاجتماعية ولا اقول بان الشيخين اسحاق الفياض وبشير النجفي لن يرتقيا الى درجة الخلافة لاصولهما العرقية فالاول من افغانستان والثاني من باكستان رغم كونهما من المراجع الاربعة المشهورين في النجف مع السيد السيستاني و السيد محمد سعيد الحكيم .
وهناك سؤال برئ يثيره البعض وهو هل للحكومات دور في تعيين المرجع ، اقول باننا كنا نسمع بان شاه ايران يتدخل في هذا الشأن ويقال ان صدام حسين اراد من الشهيد الصدر الاول ان يتصدى للمرجعية لحصرها بيد العرب ولكنه رفض ذلك متنبها الى نوايا الرئيس ولو  فعل ذلك لكان ينجح على الصعيد القطري ولكنه  سيسقط فعليا من الناحية التاريخية وهو ماحدث حيث انتصر الشهيد الصدر معنويا وظل حيا رغم استشهاده لرفضه ان يكون آلة بيد الدولة مقابل العلماء الاخرين.
ويُقال بان ابناء المراجع السابقين لهم دور في صناعة المرجع الجديد ويمثل هؤلاء مركز ثقل كبير  في الساحة مثل ابناء السيد الحكيم وابناء السيد الخوئي وغيرهم وبرز منهم شخصيات كان لهم دورفاعل ومؤثر على الساحة السياسية والعلمية حيث يمضي المرجع الى ربه  ولكن الزعامة السياسية والاجتماعية تظل في ابناءه واحفاده وهذا امر طبيعي للغاية .
وعودة  الى الخلافة اقول بانها تكاد تكون محسومة في بعض الاسر العلمائية مثل اسرة الشيرازي، حيث لا تخرج المرجعية منها الى غيرها بسبب وجود عدد غير قليل من المجتهدين في الاسرة ، وقد شاهدنا كيف رجع مقلدوا السيد مهدي الشيرازي نزيل سامراء الى ابنه السيد محمد الحسيني الشيرازي نزيل كربلاء ثم عودة المقلدين بعد وفاته الى اخيه السيد صادق الشيرازي المعاصر نزيل قم ، ولكني اذكربانه بعد وفاة المرجع الاعلى للطائفة السيد ابو القاسم الخوئي، نشطت بطانة العلماء في توجيه رسائل الى عوام الناس وخواصهم تحوي تواقيع العشرات  ممن يسمون باهل الخبرة فيهم حجج الاسلام وايات الله وفيها تصريح باسم الاعلم الذي يجب الرجوع اليه في الفتوى، وما كان ليحدث اي فراغ بعد السيد الخوئي بالرغم من درجته العلمية الرفيعة لوجود علماء فطاحل مثل السيد الخميني والسيد المرعشي النجفي والسيد الكلبايكاني والسيد الشريعتمداري والشيرازي وغيرهم.
واما اهل الخبرة وهم مجموعة من العلماء لم يعودوا اهل خبرة حقيقية بقدر ما هم  اهل ميل الى اساتذتهم واولياء نعمتهم وتكون لهم اسباب ومصالح ودواعي عاطفية فحدث بينهم اختلاف يؤثر سلبا في وحدة الصف  ، ويعدّ البعض وعدّهم صحيح بان السيد كمال الحيدري المعروف بمناظراته التلفزيونية من اهل الخبرة  ولكنه وجه مؤخرا الكثير من الانتقاد للمراجع المعاصرين مقدما نفسه عليهم جميعا ، ويقال بانه قد تصدى للفتوى معتبرا نفسه الاعلم بين العلماء، ثم قيل انه لم يقل ما قاله البته وما نشر مجرد دبلجة  وفبركة انترنيتية ، وعليه فاننا نخلص الى ان الاوضاع  والظروف هي التي تصنع المرجع ، كما ان المكان له دور مهم جدا في هذا الشأن  فالمراجع الذين لا يسكنون في النجف وقم  لا يحصلون على الشهرة الكافية كما حدث مع السيد محمد حسين فضل الله  الذي عاش في لبنان فظلت مرجعيته محدودة بعض الشئ ، وكذلك العلماء الذين نزلوا كربلاء ومشهد  وغيرها لم يتحقق لهم الشهرة المطلوبة .
واما النداءات العنصرية في صنع المراجع فانها لن تنجح كما حدث ويحدث مع المراجع العرب ومنهم السيد حسين اسماعيل الصدر  الذي يكرر بانه يخدم وطنه العراق في حين لم يسمع احد من السيد السيستاني انه استخدم يوما كلمة وطني ايران ، فايران لم تعد تعني له شيئا في حين صارت  البلدان كلها تعنيه على حد سواء ، فالقطرية والقومية لا تفيد المرجع اذا ردد نعراتها وحمل شعاراتها الفارغة .
aabbcde@msn.com




85
الصح والخطأ في اقليم صلاح الدين
حسين ابو سعود

قيل الكثير في ان الدستور العراقي يكفل حق تشكيل الاقاليم اسوة باقليم كردستان المستقل ولكن  الاعلان عن تشكيل  اقليم يجب ان تسبقه مناقشات ودراسات جدوى  واستحصال موافقات حتى لا يعتبر الاقليم مشكلة بدلا من ان يكون حلا، ولعل  اكبر خطأ في اعلان صلاح الدين هو الاعلان الفردي لمحافظة واحدة  معظم اراضيها مقتطعة من محافظات اخرى،فضلا عن ان صلاح الدين هي محافظة مستحدثة لم يكن لها وجود قبل نظام صدام ، والاسم منسوب الى صلاح الدين الايوبي وهو اسم مختلف عليه ويشم منه رائحة طائفية، لان اطلاق  اسماء مثل ذي قار والقادسية والمثنى لها دلالات تاريخية بعضها تثير الحزازات بين العرب والفرس وبين الشيعة والسنة في حين ان العراق كدولة  لم تعد دولة عربية وان كانت ذات اكثرية عربية،فعراق اليوم دولة متعددة القوميات ورئيسها غير عربي ووزير خارجيتها الذي يمثلها في المحافل الدولية غير عربي، وكان على الحكومة الحالية  ان لا تتاخر كثيرا في اعادة حدود المحافظات الى ما كانت عليه قبل نظام صدام واعادة التسميات القديمة للمحافظات لانها تسميات تراثية ذات دلالات جميلة ترتبط بوجدان الاهالي   فالناصرية والعمارة والكوت  والرمادي  والحلة اجمل بكثير  من ذي قار والانبار وميسان  وكذلك كركوك اجمل من  كلمة التاميم وهكذا.
وكان على صلاح الدين ان تتوحد مع محافظتين اخريتين على الاقل لتشكيل اقليم له مقومات الاقليم من ناحية المساحة والسكان والموارد كما هو الحال في المحافظات التي تشكل اقليم  كردستان لاسيما وان كردستان تطالب بمدينة كركوك الغنية بمواردها المالية علما بان الاقليم له مقومات سياحية قد تغنيها عن النفط اذا تم استخدامها على نطاق واسع، وصلاح الدين وحدها لا تحتمل ان يكون فيها رئيس للاقليم وبرلمان ووزراء ورئيس وزراء دون ان تتوحد مع محافظات اخرى مع تغيير اسم الاقليم الى اسم مرغوب لا يثير المشاكل، ويكون مناسبا في الحجم والامكانات امام اقليم الجنوب المقترح الذي يجب ان يكون تجمعا لاكثر من ثلاث محافظات وانضمام النجف وكربلاء اليه سيعطيه المزيد من القوة ويجعله ينافس كردستان في التطور والرقي .
ولعل التركمان كقومية هم اكثر من يتضرر من اقامة اقليم صلاح الدين  لان مدينة طوز خورماتو تضم عددا كبيرا من التركمان  وهي تعتبر امتدادا مهما لمناطقهم  بدءا من كركوك  وعبرا بتازة خورماتو وداقوق، وانفصال طوز خورماتو عن التركمان من شأنه ان يضعف قوة التركمان في كركوك وغيرها.
ان تشكيل الاقاليم الى جانب اقليم كردستان كان يجب ان يتم منذ البداية لان وضع العراق  الحالي كدولة مركزية ملحق بها فيدرالية واحدة  يدعو الى التعجب  اذ المفروض ان تكون اقاليم عدة او لاتكون ، ثم ان المحافظات  بشكلها الحالي و وجود مجلس محافظة اشبه مايكون بالبرلمان هي مستقلة ، كما رأينا اثناء مشكلة النخيب التي حدثت بين كربلاء والرمادي، والخلاف القائم بينهما على الحدود هي خلافات ستظهرمثلها على السطح بين جميع المحافظات بسبب ما فرضه نظام صدام من تغيير في الحدود الادارية ، كما ان هناك مشاكل كثيرة تنتظر العراق فالبلاد اصلا مهيئة للتقسيم وكردستان اصلا هو اقليم مستقل وفيه جيش قوامه ابناء المنطقة، واي جيش سيكون في صلاح الدين وهل سيكون للاقليم الجديد علم خاص به؟ وقد تكون الشرطة المحلية هي قوة الاقليم لا سيما وان قادتها  هم من الاقليم نفسه والشرطة الاتحادية لن يكون لها حق او حرية الدخول الى هناك اتعقب المطلوبين فتنشأ استقلالية  خطرة في القضايا الامنية ، وهذا هو معنى كلمة مستقل التي تاتي بعد كلمة اقليم.
ومهما يكن من امر فان الاوضاع بعد الانسحاب الامريكي ستشكل تحديا كبيرا لحكومة السيد المالكي والذي اثبت قدرة كبيرة على مواجهة الاوضاع الصعبة والمفاجات ، وسيخرج المالكي منها اقوى من السابق، لاسيما وانه لا ينكر حق تشكيل الاقاليم  ولكنه يعارض النوايا المبيتة  والمراد منها اضعاف سلطة الحكومة المركزية ، ومن حسن حظ العراقيين ان يحكم فيهم شخص ذو همة عالية مثل المالكي الذي يواجه الصدمات التي تتعرض لها البلاد باقل الخسائر ، والدعوة الى تشكيل الاقاليم هي مشكلة حقيقية جديدة  تم خلقها في الزمن الخطأ لاضعاف الحكومة المركزية التي يُرجى لها  ليس سرعة التصرف بل الحكمة في التصرف  ايضا.
aabbcde@msn.com

86
الحسين يملك ولا يحكم

حسين ابو سعود

يقال في التاريخ بان معاوية بن يزيد كان رجلا صالحا اراد ارجاع الحكم المغتصب الى اهله ولكن المتنفذين  من بني امية  عزلوه  وولوا رجلا اخر  بدلا عنه ، وحدث ان اراد المأمون العباسي ان يعيد الحكم الى بني هاشم بتولية الامام الرضا (علي بن موسى بن جعفر) ولاية العهد ولكنه عاد ونتيجة لضغوط قاهرة من كبار بني العباس فدس السم للرضا وتخلص منه ، وظل الحكام بعد ذلك يتشبثون بكرسي الحكم في مختلف العهود حتى جرى التغيير المذهل في العراق عام 2003 وتم بالنتيجة تسليم الحكم  الى الشيعة ، فصاروا يحكمون البلاد بالشراكة مع السنة العرب والكرد، واما في كربلاء فصار الحكم اليهم بالجملة والتفصيل ، فالمفروض ان يتم  اعادة الحكم حالا  الى الامام الحسين بن علي الذي قتل ظلما  على ارض كربلاء قبل اكثر من الف عام  وصار بعد ذلك رمزا لمظلومية  الانسان ، اي انسان ولكن مع الايام انحسرت هذه المظلومية العالمية  لتعبر عن مظلومية الشيعة الذين اختصوا دون غيرهم بالبكاء والندب واللطم ولبس السواد، وصار بعد التغيير لكل عتبة من العتبات المقدسة امانة عامة  مستقلة يشرف عليها اناس من شيعة الحسين ، وصار هناك محافظ ومدراء للتربية والصحة والبلدية والشرطة ، كلهم يحكمون باسم الحسين، اقول يحكمون باسمه  ولكنهم لم يعيدوا الحكم اليه بالكامل  ، وقد شاهد العالم انه بعودة الحكم الى الحسين اعني الشيعة  زاد البكاء وزاد العويل وزاد اللطم وكأن الحسين قد مات للتو والعباس قتل من جديد.
انا لا اريد ان اتكلم عن العراق لاني اعلم بانه كثير المشاكل غارق في التعقيدات، ولكني اتحدث عن كربلاء كمدينة  فيها قومية واحدة يتبعون مذهبا واحدا وكنت اتخيل باني عند دخولي كربلاء سأجد مطارا فارها باسم مطار الامام الحسين الدولي ، ومدينة زاهية متطورة تشبه مكة والمدينة ، واجد جامعة كبرى باسم جامعة الامام الحسين  ومستشفى راقيا  باسم مستشفى الامام الحسين  ومتحفا ثريا  يضم النوادر من الجواهر والسيوف والسجاجيد والثريات النادرة والمخطوطات الثمينة باسم متحف الامام الحسين.
ولكني لم اجد سوى منطقة الحرم الشريف واما باقي انحاء المدينة فهي تعاني من كثير  من مظاهر التخلف ، وسيارات الحسين وكوستراته  تدور في دائرة ضيقة بدلا من الوصول الى كل نقطة في المدينة ، ووجدت ان واردات العتبة لم تصل بعد الى الارامل والايتام والعجزة  والمعوزين في جميع انحاء كربلاء، وان اصحاب القرار  يحكمون نيابة عن الحسين ولايريدون اعادة الحكم اليه ولو اعيد الحكم الى الحسين  فانه سيبني الطرق ويشيد الجسور ويقيم المدارس والمستشفيات ويحفر الابار  ويوفر الماء  الصالح للشرب ويوفر الكهرباء  ويؤسس البنوك اللاربوية ، فالحسين لم يعد فقيرا  وانما بات  قدرة مالية كبرى ووارداته خيالية  وموارده عالمية اذ تجد في ضريحه كل عملات العالم .
الحسين ليس فقط مجالس عزاء وروايات تروى وصدور تلطم وتوزيع طعام بصورة عشوائية  ، فالحسين نظام والحسين قيام  وحركة وتغيير ، الحسين منجد ومنقذ ومعاون ومساعد وحاكم، الحسين لم يعد جسدا مسجى في كربلاء ، فالحسين وصل الى امريكا واوربا واستراليا وله ممثليات  في جميع انحاء العالم تسمى(حسينيات) وان تحولت الى مجرد اماكن للطم والبكاء والاكل والشرب، ولو كان الحسين يستطيع ان يغير العالم  فكيف لا يغير كربلاء فقط كمرحلة اولى ، لا يفعل ذلك لانه لم يتسلم الحكم بعد ، والحكام جعلوا الناس ينظرون الى الحسين  قبرا مذهبا  وضريحا يلجأ اليه الباكون ، انهم يقتلون الحسين مرة اخرى ويظلمونه مجددا  ورضوا بظلمه وهم يقرأون في الزيارة :لعن الله امة ظلمتك ولعن الله امة قتلتك ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به .
اقول لا ترضوا بقتله وظلمه بعد اليوم و دعوه يخرج من ضريحه الى الحياة ، ليقودنا ويغيرنا ويغير الاوضاع المحيطة بنا ، دعوه يحكم وسلموه فدك ، فضريح الحسين هو الفدك الحقيقي الذي يغذي الجميع ويطعمهم الخيرات، والحسين صار معنا وصرنا معه  كما في الزيارة يا ليتنا كنا معكم فاين التضحية المرجوة والايثار المطلوب ام ان قراءة الزيارة  المأثورة هي لقلقة لسان وحسب.
لقد انتظر الحسين 1400 سنة كي يحكم فيما اراد الطغاة غير ذلك باخماد نوره كما فعل اخر الطغاة  الذي بذل جهده في القضاء عليه وجعله مجرد ضريح مذهب وعمارة خالية الا من المظهر ،  ولكنه قضى دون ان ينجح في مساعيه. فيا ايها الناس  ويا ايها الخواص وايها العوام  لا تنظروا الى الحسين قبرا مذهبا بل انظروا اليه حاكما واسمعوا له واطيعوا لعلكم تفلحون ، فلقد جاء الدور الحقيقي للحسين  الذي اصبح اليوم امبراطورية مالية واخلاقية وانسانية ، فلا يكونن احد سببا في تحجيم هذا الدور بعد اليوم ، وكربلاء لم تعد المدينة المنسية ومسئولية النهوض بها تقع بالكامل على عاتق امناء العتبة المقدسة وعليهم السعي المتواصل في قضاء حوائج الناس ورفع الحيف عنهم ،ولو بقي  في كربلاء فقير واحد او جائع واحد او متسول واحد او مريض واحد لم يحصل على العلاج ومعوق واحد لم يجد الرعاية وامي واحد لايعرف القراءة والكتابة وارملة واحدة لا تجد القوت لاطفالها  يعني بان الحسين لم يحكم بعد، واخوف ما اخافه  ان ياتي يوم ويحكم فيه الطاغوت في كربلاء ولكن باسم الحسين ، ولو حكم الحسين فان الجميع سيشبع وستشبع حتى كلاب المدينة وقططها وطيورها.
وقد احزنني تعدد ائمة صلاة  الجماعة في الوقت الواحد في  الحرم الحسيني فالحسين يوحد وهؤلاء يفرقون.
لقد تأكدت بنفسي من ان الحسين يملك فقط ولا يحكم ، فمتى يحكم؟
aabbcde@msn.com


87
لم يبق له في كربلاء شيء

بقلم حسين أبو سعود

إهداء : إلى عباس الهندي الذي غادر كربلاء إلى الأبد.
لم يعد أحد يرى عباس الهندي الذي أعتاد على حضور صلاة الجماعة يوميا وكان يحرص أن يكون  في الصف الأول دائما, سألوا عنه فقيل : انه أجبر على مغادرة البلاد بتهمة الإقامة الغير المشروعة منذ ثمانين عاما , لقد كان وديعا مسالما مثل باقي الغرباء .
                  (1)
نصف قرن من الاضطراب , من مدينة إلى مدينة من لون إلى لون ، كتب عباس الهندي عن الفراشات والنار والأنهار والأشجار وأنواع الثمار, وإناث العصافير والجوع, كتب عن الدروب والغروب والسماء والماء وعن البيوت والشهوات والنهايات والأسرار التي تتلظى خلف الأبواب وأحاديث الخفاء , وعن الذعر والخوف من المعلوم والمجهول , وكتب عن المقتول المسحول بلا خطيئة , كتب عن كل شيء ولم يبق سوى أن يكتب الفصل الأخير ويرتاح , ويضع لنفسه بيديه نهاية من حلوى قبل أن يقذفه الجلاوزة خارج الحدود لعبارة كتبت بالخط الأحمر : ( حامله مشكوك في تشيعه ومخالف لقانون الإقامة الجديد ).
             (2)
ماذا بعد ؟ وقد أنكرتك المدينة , وأنكرتك الشوارع المدججة بالمسلحين , لقد رأتك القباب الذهبية وأنت تستجدي الأزقة نظرة حب قديمة , وتستجدي مديرية الجنسية معاملة فيها شيء من الحنان.
ماذا بعد ؟ في مدينة يلفّها الغبار عنوة فتنعدم الرؤية حتى لا تبصر الأم أولادها , ماذا بعد ولم يبق من الماضي سطر واحد.
حتى رائحة الماضين تقاسمتها قواطع الاسمنت .
عندما أتذكر أبعد من الطفولة , وأرى الباعة المتجولين عند باب العباس يبيعون المباهج على الزوار , أذكر أمي التي ماتت دون أن ترى الذل على جبيني في هذا العهد الجديد , حسنا فعلت إن ماتت في المنفى , فتزاحم القبور في وادي السلام يجلب الأسى.
لم يبق في ليل كربلاء , سوى البعوض , والخوف من عودة التتار.
أيها الواقف بانتظار القافلة, أجمع أشلاءك , أجمع أشياءك جيدا وارحل صوب مدن تنام مبكرا بلا منائر, فالنورس في بحيرة (الفلنتاين) فتحت نوافذها جيدا بانتظار الفتات المعهود ولباب البرتقال , ومقعدك هناك بين الجليد اشتاق لمواويل عراقية.
ارحل وخذ معك العراق, أغسله على ضفة البحيرة بوجع مشوب بالأشواق.
أيها الواقف بأنتظار القافلة بلا أوراق , أرحل قبل هجمة التتار وقبل الاختناق وسط حصار الغبار فللدنيا سماء واحدة , وقمر واحد والنجوم تتشابه جدا.
ماذا افعل هنا ؟ غريبا في كومة من الشجن ,
 في رقعة تسمى مجازا وطن ،
والى متى ابحث عن أمي بين العباءات المهرولة بين الحرمين  ، بين العباس والحسين , فلا أمرآة تشبه أمي , ولا شيء تبقى لي في هذه المدينة سوى حقيبة أدس فيها أسمي ورسمي وجسمي ،وروحا تتطلع إلى صمت المنافي بأنين موجع .
ماذا أفعل في مدينة مضايفها لا تجير الدخيل ؟ ماذا أفعل لوحدي مع الدمع السخين , وغربتي الجديدة؟.
ماذا أفعل ولا أسم لي في سجلات النفوس , والأقدام العمياء تدوس وجعي المغروس في حلمي , وقبل أن يعثر على مكمن الغريب , ويُجر بجراحاته الى قصر الإمارة ويُقتل ثانية في لفح الظهيرة , علي أن أرحل .
سأرحل غدا قبل طلوع الشمس ,
 سأرحل غدا والناس نيام.
             (3)

غاية الأمر, طائر جاء يبحث عن أمان, يبحث عن مكان, لم يجد له عشا وسط الأعاصير, فعاد مره أخرى إلى المجاهل فلا أحد شعر بالمجيء
ولا أحد شعر بالرواح , وهكذا جراح الغرباء
مدينة تسكن وسط الغبار، ليس لي فيها دار ولا جار, ولا زوج من الحمام الأبيض، لم يبق لي فيها شيء.
غاية الأمر أن قلقا جديدا يضاف على قلقي
 وليال أخرى تضاف إلى أرقي .
كربلاء في نيسان 2011.
تصحيح:وصلت الأخبار المؤكدة بان عباس  لم يغادر كربلاء وقد توفي   في اليوم الأخير من شهر مايو 2011 عن عمر يناهز الثمانين ،حيث فاضت روحه مع الفجر إلى بارئها  في مكان غير بعيد عن حرم الإمام الحسين، وهكذا شاء الله أن يوارى جسده الثرى في مسقط رأسه ومدينته التي أحبها وانتظر 35 عاما كي يعود إليها.
رحمه الله واسكنه فسيح الجنات
aabbcde@msn.com



88
وأد التاريخ بين الحقيقة والخيال

حسين ابو سعود
عندما أتذكر الحروب  وأهوالها  والخسائر الفادحة التي تخلفها في الأموال والأنفس والآثار الضارة لها والتي تمتد لعقود من الزمن ، أتأمل أسبابها ، فأجد  اغلبها بدوافع اقتصادية بغية السيطرة على الأرض والثروات إلا الحرب الطويلة بين سنة المسلمين وشيعتهم أجد أسبابها  تاريخية بحتة منشئها الفهم الخاطئ جدا للتاريخ وكيفية تناوله والاستفادة منه، ولان السبب التاريخي لنشوب الحروب يعتبر عارا  على أطرافها وسبة على عقول قادتها، فقد لجأ تجار هذه الحرب التاريخية الى صبغها بصبغة دينية و تجنيد الأقلام ورجال الدين لها لتحويلها الى حرب مقدسة وان كانت تزهق الأرواح وتهلك الحرث والنسل وتستهلك الجهد والمال والوقت معا، والعالم يرى ويشاهد ما يحدث من تفجيرات في باكستان وأفغانستان والعراق مصبوغة بطابع  الطائفية البغيضة، علما بان الدول الإسلامية التي تعتبر نفسها بمنأى عن هذه الحوادث سيطالها يد الإرهاب في يوم ما إذا لم يتم القضاء على الفتنة واستئصالها من الجذور ، ألم تكن أفغانستان قبل الانقلاب الداودي دولة آمنة لا يكاد يسمع بها احد، ألم يكن العراق في يوم ما  واحة للأمن والسلام وحب الإنسان للإنسان، فتحول الى ارض لا ترتوي من الدماء، بسبب تراكمات تاريخية واهية دخلت عليها عوامل معاصرة فزادتها تعقيدا.
ويبدو أن أحد أهم أسباب الفرقة والخلاف هو أننا نتمسك بالأحداث ولا نتبع القادة ،فقد حذر القران الكريم وهو كلام الله تعالى المُلزم لكل احد من الفرقة والخلاف لأنه مدعاة للفشل، ولعل أكثر من ابتلي في التاريخ الإسلامي بالخصومات هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي حذّر  من الخصومة  بقول له : إن للخصومة قحما ( أي مهالك) ويدعونا الى عدم استهوان التقريب والصلح والوحدة بقول آخر له( وليس رجل احرص على جماعة امة محمد وألفتها مني، ابتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب)، وهو يتعامل مع المخالفين له بهذا الدعاء العذب: وفقنا أن نراجع من هجرنا وان ننصف من ظلمنا وان نسالم من عادانا)، أي لنهجر الماضي وننظر الى المستقبل، والقران الكريم يقول : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون –التوبة/109) وفي آية أخرى(ولتنظر نفس ما قدمت لغد- الحشر/18) وأما الأمس فليس أكثر من أن نتأمل فيه الحوادث التاريخية وأخبار الأقوام السالفة للاستفادة والاعتبار فقط .
وقد وجدت أن طائفة الاحمدية أذكى من الطوائف الأخرى  في هذا الباب فنأت بنفسها من الدخول كثيرا في متاهات الماضي وأغلقت أبواب الخصومة مع الآخرين وتفرغت للدعوة الى معتقدها فنتج الانتشار الواسع والسريع للقاديانية في العالم .
ولعل قيام علماء الزيدية المتأخرين بإجراء بعض التعديلات على المذهب مما قربه الى المذهب السني، قد جنبهم الكثير من المشاكل والصراعات التي لا طائل منها ، وفي هذا استفادة من تجارب الماضي فتعلموا كيف يكونون مع الآخرين رغما عن وجود روايات التنفير والتكفير والكراهية.
وفيما يخص (وأد التاريخ) كمصطلح أقول باني كنت قد دعوت في محاضرة سابقة في العاصمة البريطانية الى وأد التاريخ معترفا بأنه دعوة خيالية نرجسية مستحيلة  الغرض منها الخروج من اسر الماضي الى رحاب المستقبل حرصا على جماعة امة محمد عليه الصلاة والسلام ، ولكن هذه الدعوة  الهلامية صارت أكثر نقاط  المحاضرة تركيزا من قبل الحاضرين، فتأرجح المصطلح عندها بين الحقيقة والخيال، علما بان أصوات العقلاء أمام الكم الهائل من المتناقضات في سجلات التاريخ تتعالى من آن الى آن، البعض يدعو  الى قراءة جديدة للتاريخ فيما يدعو آخرون الى كتابة جديدة له، وما بين القراءة والكتابة دعوت الى شئ بين ذلك عوان، ألا وهو  وأد حقيقي لأحداث التاريخ لأنه آخر الدواء وآخر الدواء الكي طالما أن تلك الأحداث تؤدي الى مذابح وإراقة دماء ، وسيكون (وأد التاريخ) عملا إصلاحيا كبيرا بعد الإفساد الذي حصل (و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها- الأعراف/56) وطالما أن الشيعة والسنة  لا يعذرون بعضهما في قضايا الماضي ، وهم الأولى والأجدر  فدينهم  يدعوهم الى ذلك صراحة ، لا سيما بان هناك أحداث  في التاريخ الإسلامي يجب تجاوزها  ونسيانها وعدم إخبار الأجيال عنها منها السقيفة والجمل  وفدك وغيرها لأنها نزاعات كانت بين الطبقات العليا من الصحابة وأقربهم الى عهد الرسالة .
إن هذه  الأمة منذ مئات السنين لم تستطع أن تقوم بقراءة هادئة عقلائية مسئولة للتاريخ  ولا استطاعت أن تعيد كتابة التاريخ وحذف كل ما من شأنه إثارة العامة والانتقاص من رموز كل طرف وحذف جميع المساوئ والإبقاء على  المحاسن فقط بل الزيادة عليها ولو كذبا لان الكذب في إصلاح ذات البين جائز كما هو واضح، وتلقين الأجيال بإتباع سياسة العفو و(الله عفو يحب العفو) وقد عفا الرسول  عليه الصلاة والسلام عن من قاتلوه وقتلوا أهله وأصحابه، والإمام علي عليه السلام عفا عن أهل الجمل ، والحسن عفا عما سلف وهكذا نعفو ونترك الحساب الى يوم الحساب اعني الآخرة ، فالدنيا عمل بلا حساب والآخرة حساب بلا عمل .
ألم تنس الدول الغربية حروبها العالمية المدمرة ؟
ألم ينس أكراد العراق خلافاتهم ومشاكلهم التي استمرت لسنين طويلة من اجل الغد الأفضل والمصلحة العامة؟
ألم تنسى الألمانيتان خلافاتهما ؟
ثم ماذا يعني استذكار ما حدث في صفين والجمل ، وما الفائدة  إذا كانت تسبب حساسية قاتلة ، فهذه دول الغرب لا تستذكر التاريخ على طريقتنا ولكنهم يقرؤونه للمتعة الذهنية  وأما الدروس  فقد تم استخلاصها والاستفادة منها ، فنحن لا نستطيع أن نقرا التاريخ للتاريخ ، بل نقرأه للانتقاص من الشخصيات وإذكاء الخلافات.
الأسبان وأدوا التاريخ وهم لا يحتاجون الى وأده بسبب الروح الرياضية التي يتحلون بها ، وقد التقيت مرة احد الأسبان  وسألته عن حقده على العرب الذين حكموا بلاده فقال مبتسما : لماذا نحقد على أناس غادرونا  بذكر أحداث عفا عليها الزمن بل نحن نذكر وجودهم من خلال آثارهم العمرانية الرائعة.
 البابا وأد التاريخ بتبرئة اليهود من صلب المسيح.
الإمام علي وأد التاريخ في مواضع كثيرة  ولا سيما في الجمل
الرسول الأكرم فعلها في فتح مكة بقوله: (اذهبوا وانتم الطلقاء)
التوبة النصوح تئد تاريخ المذنبين
الحج يئد ماضي الإنسان  ويعيده كما  ولدته أمه
السجاد لم يتعقب قتلة أبيه
أطراف الحربين العالميتين وأدوا التاريخ.
إن وأد التاريخ ليس هروبا كما يبدو بل انه شجاعة ، وان كان ولابد من الدوران في متاهات التاريخ والعيش في وهم السنة والشيعة فلنعمل بنصيحة الشيخ الغزالي المعاصر رحمه الله بالالتفات الى بساتين  التاريخ وليس مزابله، والتقارب بدلا من اتهام البعض للبعض في أطول نزاع بين الإخوة في العالم ، فهل نزر نحن وازرة  الآخرين والله تعالى يقول:ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – الأنعام/164.
ثم أليس  تلك امة قد خلت، و ألم يقل عنها الله تعالى (تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون- البقرة/134).
وعندما يقول ( فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون-المائدة /48 ) يعني العمل من اجل المستقبل وترك خلافات الماضي الى الخالق، ألا يعني ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد) العمل للمستقبل؟ ، وهل عملية الإصلاح ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت- هود/88)و(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها- الأعراف/56) إلا عملية مستقبلية يراد منها تقويم الأخطاء ودرء الفساد (ولا تبغ الفساد في الأرض – القصص/77)،(وأصلحوا ذات بينكم )،( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم –الحجرات /10 ) ،( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما- الأنفال/1)
أليست هذه كلها دعوات الى وأد الماضي وتبني المستقبل( ألسنا جميعا امة واحدة؟(إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون- الأنبياء/92).
ثم أليس تقديم الاعتذار ثقافة عالية سامية  لدرء مفاسد اكبر  واخطر ، وهل تقدم الدول الاعتذار للدول الأخرى إلا لحصر الخلاف  ومنعه من التفاقم كي لا يصل الى حد إراقة الدماء.
لقد حكم العرب اسبانيا لعدة قرون فما شغل الأسبان أنفسهم بالماضي ونحن ما زلنا نحارب على بستان لا نعرف أين موقعه ونجتر أحداثا ذهب أبطالها الى ربهم  فظللنا نراوح في مفاهيم الإمامة وهل هي بالشورى آو النص، وهل ولد المهدي فعلا أم انه سيولد في آخر الزمان، وما شأن العوام إذا ما استمات معاوية بن أبي سفيان على الخلافة وحارب من اجلها أو ثار زيد بن علي ومحمد بن النفس الزكية لطلب الرئاسة وهم أناس قد ماتوا واندثروا  وربهم أولى بهم يؤاخذهم أو يغفر لهم أو يفعل شيئا آخر بهم غير هذا أو ذاك، وما يعنيني هو الغد ، هو المستقبل فالأجيال أمانة في الأعناق.
اكرر مرة أخرى وأخيرة بان (وأد التاريخ) مجرد دعوة هشة وان كانت مطلوبة لان القوة الثالثة اعني القوى الظلامية الباطنية التي تريد للأمة أن تعيش في التاريخ وتراهن على الماضي لجعل الأمة تعيش في التاريخ هي أقوى من القوى الأخرى وأكثر سطوة وتمويلا، ونظل نأمل  أن تقرر الأمة الإسلامية  وتختار ما تريد  : الحاضر أم المستقبل ؟.
aabbcde@msn.com

89
متطلبات المرحلة والواجب تجاه المالكي

حسين ابو سعود

لا احد ينكر بان الوضع الحالي في العراق، هو وضع صعب جدا ، يتطلب لتخطيه تظافرجميع الجهود وجهود الجميع من اجل اخراجه من آثار سنوات القهر الى الوقوف على أعتاب المستقبل الزاهر ، ولا شك بان الجميع يبني الكثير من الآمال على الحكومة الحالية، التي يفترض أن تكون حكومة بناء واعمار وأمن، لا سيما  وان الحكومة الحالية قد انبثقت من الإرادة الوطنية الصرفة، وجاءت بأصوات الشعب، كما أنها تمثل جميع الأطراف  التي شاركت في العملية السياسية، وهو أمر حسن ومطلوب لتخطي المرحلة الصعبة، ويجب بعد تشكيل الحكومة التي جاءت بعد مخاض عسير  أن تختفي جميع مظاهر العنف والمواقف السلبية للأطراف السياسية في البلاد، وقد ابتهج الشعب العراقي لقيام الدول  الشقيقة والصديقة بتهنئة القادة العراقيين بمناسبة تخطي الأزمة السياسية  وتشكيل الحكومة، ويتمنى الشعب أن لا تكون هذه التهاني مجرد لقلقة لسان وإنما يجب أن تتحول الى خطوات عملية لمساعدة العراق في تعجيل الخطى نحو المستقبل، عن طريق  التعاون في شتى المجالات اقلها المساعدة في مكافحة الإرهاب، وعلى الدول التي لم تبادر لحد الآن الى تقديم التهاني، الإسراع ومد اليد نحو الشعب العراقي لمساعدته في الخروج من مرحلة الألم الى مرحلة الأمل والبذل والعمل، وإعادة التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء أسوة بباقي الدول.
إن الإنصاف يدعونا عندما نتحدث عن واجبات الحكومة تجاه الشعب والمجتمع الدولي،أن نتحدث أيضا عن واجبات الشعب والمجتمع الدولي تجاه الحكومة ، وهذه الواجبات تزداد أهمية وثقلا بالنسبة لأعضاء مجلس الوزراء إذ يتحتم عليهم كما قال السيد رئيس الوزراء  أن لا يكونوا وزراء للأحزاب والكتل والقوميات التي ينتمون إليها بل يكونوا وزراء للوطن بكافة أرجاءه وللشعب بكافة أطيافه، وأزيد بالقول أن عليهم الإسراع في تقديم الاستقالة  من تلقاء أنفسهم في حالة الفشل والإخفاق في القيام  بأعباء الوزارة دون إحراج رئيس الوزراء .
وللصحفيين ورجال الإعلام واجب كبير تجاه الحكومة  بالمؤازرة والمساندة وعدم التشويش ، وهذا الواجب ينسحب على جميع أفراد الشعب ، الكبير والصغير ، الرجل والمرأة ، بغض النظر عن الانتماء والهوية والقومية والطائفة، وإننا عندما نؤازر السيد المالكي فإنما نؤازر الشرعية  ونؤازر العراق، فالمالكي أصبح رمز العراق وأي معاداة له هي معاداة للشعب والشرعية وموالاته موالاة للشعب والشرعية ، فالعراق يستحق منا وقفة شجاعة لبناءه وإعادته الى المجتمع الدولي دولة عصرية منتجة آمنة، إذن فكلٌ له واجب تجاه الحكومة الحالية، حتى الدول العربية والإسلامية وغيرها لها واجب تجاه الحكومة ، اعني تجاه العراق أرضا وشعبا ومستقبلا.
لقد تبين بصورة جلية بان التأخير الذي حصل في تشكيل الحكومة كان في صالح الشعب والوطن ، لأنه تسبب في توحيد الكلمة واتفاق الجميع على طريقة العمل، بغض النظر عن السلبيات الموجودة والتي لا بد منها لتجاوز الواقع الصعب المرير ،ولكن هذا الاتفاق التاريخي سيأتي بنتائج باهرة في الانتخابات القادمة ويرسم خارطة طريق نحو الانطلاق من اجل البناء.
إن المهمة الملقاة على عاتق الحكومة الحالية وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، مهمة صعبة للغاية ولكنها ليست بالمستحيلة على رجل قاد البلاد في أحلك الظروف واثبت قدرة كبيرة في الإدارة وشجاعة في المواجهة وعزما على التغيير، ولكنه بالإضافة الى استحقاقه للتهنئة يستحق منا المؤازرة الكاملة والمساعدة التامة لإعانته على إكمال المشوار الصعب وتحرير العراق من آثار الماضي.
aabbcde@msn.com

90
ما مشيت نحو كربلاء  ولكن القلب مشى



حسين ابوسعود
الزمن يمر والسنوات تتعاقب وذكر الحسين  يزداد رفعة علوا ، إنها الكرامة الكبرى  التي خص بها الله تعالى الإمام الحسين عليه السلام، دخل محرم فأعادتني مظاهره  سنة واحدة الى الوراء عندما كنت في العراق وتذكرت المشاة الذين عايشتهم  عن قرب ، رأيت مئات الألوف في مسيرة طويلة لا نهاية لها رأيت الرجال والنساء ، الكبار والصغار ، الأصحاء والمرضى ، رأيت المضايف على طول الطريق وفيها أناس نذروا أنفسهم لخدمة الزوار وإطعامهم، نعم ما مشيت حينها بل كنت متوجها الى كربلاء بالسيارة  ولكن القلب كان يمشي معهم والنفس كانت تهفو  إليهم  والروح كما باقي الأرواح  تشتاق الى دوحة  الفداء والتضحية، حيث يجتمع على صعيد تلك المدينة  ملايين العشاق والمحبين، في ظلال الأنوار القدسية والتجليات النقية  للإنسانية الحقيقية المتمثلة بالتضحية والإيثار  والعطاء وحب الخير للناس .
وقد حدثني احد الأخوة الذين لا يرون ضرورة المشي بأنه عندما وصل  بالسيارة  الى ما يقرب  25 كيلومترا من كربلاء  منع رجال الأمن السيارات  من التقدم أكثر لاستحالة ذلك بسبب كثرة الناس وامتلاء الطريق المؤدي الى كربلاء بالزوار ، فلم يبق  أمامه والقول له : إلا المشي نحو المدينة  مع المشاة اضطرارا ، لقد كان المنظر مروعا والمشهد مؤثرا، لم نشعر بالتعب  والإرهاق مع التدفق المليوني وكثرة المواكب المنتشرة على جانبي الطريق، ولقد تمنيت حينها لو أني كنت  قد نويت المشي ابتداء لكثرة ما رأيت من المواقف الإيمانية  والمشاهد الإنسانية، وكانت اللغة السائدة حتى بلوغ المدينة هي لغة القلوب .. انتهى كلامه.
لا شك أن الشعائر الحسينية  في تطور  ولا جدال  في دخول أشياء جديدة عليها  قد تكون أكثرها تتنافى  مع المراد الأصلي للشعائر  ولكن المشي  السنوي  أصبح حقيقة واقعة ولا تقدر  قوة في الأرض على إيقافه مهما بلغت درجة تأثيرها ثم انه أمر مباح لا شيء فيه، المشي صار قضية عالمية إذ لا تبق وسيلة اعلامية في الدنيا لا تراقبها وتنقل أحداثها  مع العجب الشديد من احتواء مدينة صغيرة مثل كربلاء لهذه الحشود البشرية.
المشي في ظاهره حالة عفوية جميلة مقدسة يراد منه ربط أحداث  النهضة الحسينية بإحداث الحاضر والمستقبل، وينبغي أن تكون رحلة  تربوية ثقافية  اجتماعية دينية هادفة وماراثون روحي نبيل، ليعود الزائر  من مشيه وقد تعلم أشياء كثيرة تفيده في تغيير نفسه الى الأحسن، يعود إنسانا جديدا يحب العمل والبذل والإنتاج.
 المشي واقع  ويجب التعامل معه بموضوعية وواقعية تامة لتحقيق مقاصد عليا في التربية والتوجيه الجماهيري، ويجب أن لا يقتصر واجب الدولة  على الجانب الأمني فقط بل يمتد ليشمل التركيز على جانب الخدمات وتخصيص مسارات مريحة  للمشاة غير الطريق المخصص للسيارات.
عاشوراء  سواء شئنا أم أبينا حالة متجذرة في شعور المسلمين بجميع طوائفهم ، والمطلوب هو الإتباع الواعي للإمام الحسين وتحويل هذا الإتباع الى ظاهرة واضحة مرئية منتجة مفيدة مؤثرة فاعلة مغيرة ، وكما قال العلامة محمد تقي المدرسي مؤكدا على الإتباع الواعي  غير العشوائي: يجب أن نعتبر الأئمة أحياء يعيشون بيننا وليسوا أموات.
وهذا قول يحتم علينا أن لا نحول عاشوراء الى مشروع بكاء صرف بل نحوله الى مشروع عمل مستمر  وتغيير الكثير من الممارسات وان لا نجعل الحسين كما نريده بل نكون كما يريدنا هو ، والمنابر الحسينية يمكن لها أن تتحول الى جامعات مفتوحة  تعطي كل ما يحتاجه الإنسان من علوم في حياته اليومية ، وتحويل الحسين الى قضية عالمية ، لا سيما وانه لم يبق ارض على هذه الدنيا لم يصل إليها صوت الحسين وذكره ، فالحسين جامع للكلمة موحد للأمة ، وعلينا أن نعيد القيادة للإمام الحسين ليقود المسيرة بسيرته  السمحة ،  لنحصل على التغيير الفعلي الحقيقي ، يجب أن نعيد فهم الحسين ،نفهمه كما هو وليس كما نشتهي نحن ، وللأسف فان كثيرا من خطباء المنبر الحسيني لا يعرفون كيف يقدمون الحسين الى العالم بالطريقة الصحيحة ، فثورة الإمام ثورة سلمية إنسانية ومستمرة وستبقى ما بقيت الدنيا، وقد تعلم السيد الخميني عليه الرحمة من الثورة الحسينية  ما جعله يقوم بأعظم ثورة  سلمية معاصرة في التاريخ الحديث حيث كان المتظاهرون وفيهم الرجل والمرأة والطفل يحملون الأزهار مقابل بنادق  السلطة ، وسلمية الثورة الحسينية هي نفسها التي ألهمت السيد السيستاني ليقوم  بدوره السلمي المشهود في العراق  والذي نتج عنه  حقن الدماء  وإقرار حرمة النفوس والأعراض والأموال  في دولة وكانت مقبلة على حرب أهلية طاحنة و أحداث دموية مريعة.
فسلام على الحسين يوم ولد ويوم نال الشهادة غريبا مظلوما ظامئا ويوم يبعث حيا مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
aabbcde@msn.com

91
تركمان العراق والدبلوماسية المتأخرة


حسين ابو سعود
إن فترة السبعة الأشهر التي مرت على ظهور نتائج الانتخابات في العراق أكدت على وجود سباق حقيقي على المناصب شاركت فيه جميع الكتل السياسية، وقد كان السباق صعبا والعملية كانت معقدة لدرجة  ان اضطر الفرقاء الى اللجوء للدول الأخرى  والقيام بزيارات مكوكية الى مختلف العواصم لكسب الدعم والتأييد، ولإظهار حقيقة أن المطبخ السياسي العراقي يقع خارج الحدود وليس داخلها، وما المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية بدعوة الأطراف السياسية للاجتماع في الرياض إلا دليل آخر على أن الحل العراقي يأتي من الخارج دائما علما بان الاتفاق الأخير على تقاسم المناصب السيادية لم يتم هو الآخر في العاصمة بغداد وإنما في مدينة اربيل وبرعاية كردية وهو أمر حسن على أي حال .
التركمان هم القومية الثالثة من حيث العدد في العراق ولهم تاريخ قديم في التهميش من قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بالرغم من بروز الكثير من الكفاءات التي اثبت قدرتها على العمل السياسي والقيادي في مختلف المجالات ، وكانوا يتطلعون الى وضع أفضل في ظل التغيير الذي حدث في العراق بعد 2003، ولكن ذلك لم يحدث حيث تم تقسيم العراق الى ثلاث مجموعات كبيرة وهي  عرب سنة وعرب شيعة وكرد، ولا شك بان التقسيم الطائفي منبوذ غير مطلوب يجب على العراقيين التخلص منه آجلا أم عاجلا لأنه مدمر ومرفوض شرعا وعقلا ونقلا و في السر والعلن ولا معنى للإصرار على تكريس هذا الأمر مع إن المجتمع العراقي اقدر على التعايش بين المذاهب وله في ذلك تاريخ طويل ، وأما التقسيم القومي فهو أمر واقع يجب القبول به فالقومية العربية مثلا حركة عريقة ولها رواد ولا عيب في اعتبار التركمان قومية ثالثة لها استحقاقاتها السياسية والوطنية .
التركمان ينقصهم وجود مجلس سياسي أعلى يرعى شئونهم ويوحد خطابهم يضم جميع الفصائل والأحزاب التركمانية دون أن يضر ذلك بتحالفاتها مع القوى الكبيرة وانضواءها تحت مظلتها  كما هو حاصل الآن ويحل هذا المجلس محل الصوت الغائب المشتت  الضعيف لهم .أقول مرة أخرى بان تقسيم العراق الى سنة وشيعة وأكراد تقسيم غير صحيح فأما سنة وشيعة والأكراد فيهم سنة وشيعة  وأما عرب وأكراد وتركمان ، واذا قيل أكراد فليقال عرب وتركمان ايضا و تقسم بينها المناصب السيادية  الكبرى حسب الأكثرية العددية.
التركمان لم يكونوا طرفا في تأخير تشكيل الحكومة العراقية وقد نأوا بأنفسهم بعيدا عن الخلافات والمشاكل  وهم قومية مسالمة لا تؤمن بالعنف وحمل السلاح بوجه الأخوة من أبناء الوطن الواحد وليس لهم ميليشيات مسلحة، وهذا المنحى السلمي جعل الجبهة التركمانية تنضوي تحت لواء القائمة العراقية برئاسة  السيد أياد علاوي في حين انضم الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق الى كتلة دولة القانون  برئاسة السيد نوري المالكي ، وقد حقق الأخير مكاسب منظورة على الصعيد السياسي من هذا الانضمام بسبب السياسة الصحيحة المنتهجة والدبلوماسية الذكية التي بدأت منذ التغيير حيث اجتمع عدد من قياديي الاتحاد مع السيد اشرف قاضي المبعوث الخاص للأمم المتحدة في بغداد باعتبار أن الأمم المتحدة معنية مباشرة بمراقبة  أوضاع الأقليات وإنصافهم ، واستمرت هذه الدبلوماسية الهادئة الى يومنا  هذا وكان آخر حلقاتها الاجتماع في القاهرة مع أمين عام جامعة الدول العربية حيث طالبه النائب التركماني عباس البياتي بالعمل على أن يكون للتركمان منصب نائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الوزراء، والتركمان يعلمون بان مصر دولة مهمة لها عمق عربي ودولي ، وان التحرك الدبلوماسي المتأخر ليس متأخرا شريطة أن لا يتوقف حتى ضمان تحقيق الأماني ولو في المستقبل البعيد، وعلى التركمان أن يأخذوا وجهة نظرهم الموحدة  الى كل دول العالم وعلى رأسها أمريكا  وبريطانيا بالإضافة الى إيران وسوريا وتركيا والسعودية والكويت وغيرها  لان لهذه الدول اثر خفي في تسيير الأوضاع في العراق.
التركمان مكون أساسي  وبعد مهم من الأبعاد السياسية والاجتماعية في المعادلة العراقية حسب قول النائب البياتي وأي تجاهل متعمد لهم قد يؤدي الى ظهور مظاهر متطرفة عير محببة على الساحة.
إن الكلام عن إشراك التركمان في المناصب السيادية كلام قديم جديد وكانت القوى السياسية قد اتفقت في عهد السيد إبراهيم الجعفري  على تعيين شخصية تركمانية لمنصب نائب رئيس الوزراء وتم اختيار  الدكتورة أنيسة آوجي لشغل المنصب وهي تركمانية سنية ، ولكن تم تجاهل هذا الأمر وتغييبه بالكامل دون معرفة المسئول عن هذا التهميش الغير مبرر مع أن الشخصيات التركمانية التي تسلمت مناصب كبرى كالوزارات اثبتوا كفاءة ونزاهة وقدرة على النجاح في العمل السياسي والمجال الإداري ولمع منهم وجوه عديدة كان لهم أثر بارز على التاريخ العراقي المعاصر.
يمكن للتركمان أن يلعبوا دورا أساسيا في الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في العراق بفضل الموقع الجغرافي والسكاني لهم حيث تقع مناطقهم ضمن شريط يفصل بين مناطق العرب والكرد، ويرى زعماء التركمان بان حكومة الشراكة يجب أن تستوعب التعددية المجتمعية بعدالة وتوازن والتهميش القسري سيكون له نتائج غير مرضية لان الكبت يولد الانفجار.
ويذكر بان مجلس الأمن الوطني الذي تشكل في السابق من 19 عشر عضوا لم يكن بينهم تركماني واحد على أن المطالبة الحالية بمنصب سيادي واحد ليس هو غاية الطموح بل يجب العمل للحصول على وزارتين وعدد من وكلاء الوزارات  والسفارات حسب النسبة السكانية ويمكن أن تكون لأمريكا باعتبارها راعية العملية السياسية في العراق دور في هذا المجال كما يجب على تركيا  ايضا أن تقوم بواجبها القومي تجاه التركمان ابتداء وتمارس ضغوطا منوعة لتمكينهم من الحصول على حقوقهم المشروعة كمواطنين أصليين ، وتظل الحاجة لتوحيد الصف التركماني من الداخل من خلال تشكيل مجلس أعلى للتركمان يضم جميع الأطراف يقوم بوضع استراتيجيات  وخطط لمواجهة التحديات المستقبلية ، وبقي أن نقول بان الوقت ما زال في صالح التركمان شريطة توحيد الكلمة.
aabbcde@msn.com


92
مناصب سيادية بلا تركمان
حسين ابو سعود
التركمان هم القومية الثالثة من ناحية العدد في العراق، وقد ابتهجوا شأنهم شأن المكونات الأخرى للشعب العراقي عندما تم الإعلان عن الاتفاق التاريخي على تقاسم المناصب السيادية لان ذلك يؤدي الى تشكيل الحكومة والبدء ببناء الدولة والتنمية، وقد شهد العالم بأجمعه  على سباق المناصب السيادية في العراق الذي يعتبر أطول سباق في التاريخ حيث استغرق ما يزيد على سبعة أشهر من الزمن، كلٌ يريد حصته من المناصب السيادية إلا التركمان وهم أصحاب حق باعتبارهم المكون الثالث، وكان يمكن ان تكون لهم رئاسة البرلمان وتكون رئاسة الجمهورية للكرد ورئاسة الوزراء للعرب، هذا إذا كان التقسيم على أساس قومي، وان كان على أساس مذهبي فان التركمان يمكن تمثيلهم مع السنة والشيعة معا باعتبار ان فيهم سنة وشيعة مع العلم  بان التناغم الموجود بين سنة التركمان وشيعتهم يندر وجوده بين القوميات الأخرى إذ تجمعهما أواصر قوية من المحبة والتعايش والتصاهر.
المناصب السيادية ليست قليلة لكي يتم تهميش التركمان منها ، فهي لم تعد رئاسات ثلاث بل صارت أربع رئاسات  بعد ايجاد الرئاسة الجديدة للمجلس الوطني للاستراتيجيات ولكل رئاسة عدد من النواب وكان يجب على القوى السياسية الكبيرة ان تجد للتركمان مكانا فيها من باب التقدير للموقف التركماني الهادئ المسالم.
على أي حال ، لقد تم الإعلان عن الرئاسات الأربع وانتهى كل شئ ولم يبق هناك أمل كبير للتركمان في المناصب السيادية ، ولكن الأمل في نفوس الشعب التركماني سيظل قائما ومتقدا في الجولات القادمة ، وهذا يتطلب من القيادات التركمانية ان تتبنى إستراتيجية جديدة من خلال مجلس سياسي أعلى يضم كل الأطراف على ان يظل كلٌ في موقعه يخدم من خلاله القضية التركمانية ، ويقوم هذا المجلس بوضع الاستراتيجيات والخطط لمواجهة التحديات المستقبلية لتركمان العراق ومحاولة توحيد الكلمة في مثل هذه الأوضاع بغية الحصول على ما يمكن من حصة وممارسة ما يمكن من ضغوط بجميع الوسائل المتاحة، وهو آمر مارسته جميع القوى  منذ إعلان نتائج الانتخابات الى الآن وهو حق مشروع للجميع.
ويبقى العتب قائما على المجموعات السياسية الكبيرة بسبب تهميش التركمان وحرمانهم من المناصب السيادية ، على أمل ان تعي الزعامات التركمانية المنضوية تحت لواء القوى السياسية الكبيرة أهمية التكاتف ومتطلبات المرحلة ، ولتمضي هذه الفترة كما هي والتخطيط لما بعد الأربع سنوات القادمة ، بفرض الشروط المشروعة قبل الدخول في تحالفات مع الأحزاب الأخرى لضمان تحقيق المكاسب المطلوبة وان عمر الشعوب أبقى وأطول من السنوات المعدودة ، وليس في الأمر سوى اغماضة عين وفتحها لنجد الأربع سنوات قد مرت مر السحاب  وتصير الأمة أمام انتخابات جديدة ، لكي لا تمر المرحلة القادمة بتهميش آخر متعمد للتركمان  و يحصلوا على منصب سيادي واحد على الأقل بالإضافة الى وزارتين  حتى  يتحقق العدل المنشود في تقاسم المناصب في العراق الجديد.
وارى انه من الضروري جدا الإشادة بالجهود الكبيرة  والمتميزة  التي بذلتها قيادة  الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق المتمثلة بالنائب الأستاذ عباس البياتي الذي أثار هذا الأمر مع الأمين العام للجامعة العربية أثناء اجتماعه به في القاهرة  ضمن المسيرة الفتية للدبلوماسية التركمانية التي يرجى لها أن تؤتي ثمارها في السنوات القادمة، وكان موقف الأستاذ البياتي شجاعا في جلسة البرلمان عندما   أعلن عن الإحباط الذي يشعر به التركمان بسبب عدم تخصيص منصب سيادي لهم مثل نائب لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء ، حيث وضع الجميع علنا أمام مسئولياتهم بكل صراحة ووضوح ، ويمكن لمجلس النواب أن يأخذ هذا الطلب بنظر الاعتبار وإلا فان المرحلة القادمة ستشهد موقفا تركمانيا موحدا صلبا في هذا الشأن والأمل كبير في الزعامات الكردية لتأييد هذا الطلب من خلال ترشيح شخصية تركمانية لأحد المناصب السيادية.



93
المذهبية في العلاقات الإيرانية المصرية

حسين ابو سعود
لا احد يجادل بان مصر دولة عظيمة بشعبها وتاريخها وأدبائها وعلمائها ورؤسائها ونيلها الخالد وحضارتها المبهرة، وإيران هي الأخرى ارض الآداب والفلسفات والشعر والعلم والفكر، إذن فكلاهما في العظمة سواء وان الأمة الإسلامية تحتاج إليهما لقيادة المسيرة الإسلامية المتعثرة.
نعم إن إيران دولة شيعية ولكنها تميل إلى السنة أكثر وتعمل دائما على الاقتراب  من الآخرين ولو أردت أن أحصي ما فعلته إيران من اجل الوحدة الإسلامية فلن اقدر ، ولعل أهمها مؤتمرات التقريب التي ترعاها الدولة، والخطوات الوحدوية الجريئة التي قام بها الخميني الراحل.
على أن التقارب الشيعي الإيراني مع مصر  له تاريخ قديم يرجع الى ما قبل تأسيس دار التقريب في القاهرة ولم يتم اختيار القاهرة ليكون مقرا لدار التقريب جزافا وإنما لأسباب موضوعية منها أنها زعيمة الحواضر الإسلامية ووجود الأزهر الشريف فيها ، ذلك الأزهر المعروف بالانفتاح و الفكر  الغير متعصب، وعلماء الأزهر عُرفوا منذ القدم بسعة الأفق وبعد النظر والتسامح، وأكاد لا اصدق ما صرح به شيخ الأزهر الحالي الدكتور احمد الطيب حول عودة العلاقات الثنائية بين مصر وإيران  الذي طالب بهدم قبر (فيروز ابو لؤلؤة) وهو مزار وهمي (مغلق حاليا) يرتاده بعض العوام في مدينة كاشان الإيرانية ويُقال انه ضريح لأحد العارفين من أهل السنة والجماعة، فشيخ الأزهر ليس رجل دين عادي فكل كلمة تخرج منه محسوبة وتترتب عليها آثار ، فهو وان كان تابعا للحكومة ومعينا من قبلها إلا إن ذلك لا يعني أبدا أن ليس له استقلالية في التصريح والتلميح، فهو يظل شخصية اعتبارية كبيرة، فهو الإمام الأكبر ولا ينبغي له ان يكون طرفا في إيقاظ الفتن النائمة، ولا يليق به أن يربط حادثة تاريخية  بعودة علاقات سياسية مقطوعة بين بلدين إسلاميين مهمين، وكان يجب النظر منه ومن غيره الى خطوة إيران بتغيير اسم شارع خالد الاسلامبولي الى مسمى آخر  بعين الرضا والاعتبار ، فإيران لم تسمي الشارع بذلك الاسم لأنها تتبنى قتل الرؤساء فهي قد رأت بان عودة العلاقات بين البلدين أهم بكثير  من اسم شارع .
وفيما يخص قبر (بابا شجاع الدين ابو لؤلؤة فيروز) يقول عنه الأستاذ وليد الطبطبائي بأنه قبر وهمي لان المذكور  قد نحر نفسه بعد القبض عليه فور قتله الخليفة، إذن فهو مدفون في المدينة، والقبر يعود لأحد العارفين السنّة وكان يجدر المطالبة بتغيير اللوحة المكتوبة على المزار وكفى.
ثم من يتعهد بتوقف المطالب بعد هدم المزار فقد يتم بعد ذلك المطالبة بتنقية الكتب الشيعية، وهو مطلب معقول ولكن هل سيقابله تنقية في كتب  الطرف الآخر، وهل سيقابل هدم المزار بناء قبة على قبر الإمام جعفر الصادق مثلا ، ومن يقول بان هدم المزار لن يؤدي الى فتنة جديدة وإراقة دماء لوجود طائفة قد تعتقد بذلك فالملل كثيرة والفرق غزيرة والأهواء لا تعد ولا تحصى، وليكن ديدن أهل العلم البحث في بساتين التاريخ وليس في مزابله لتقويض الخلاف القائم منذ أكثر من ألف سنة .
وعودة الى مصر وأهل مصر فأشيد بقدرتهم على الانفتاح ولا عبرة ببعض الأصوات المصرية المتعصبة النشاز التي ترتفع بين آن وآخر ولا يليق أن نربط المصالح الكبرى بالمصالح الصغرى وقول الإمام الأكبر أن لا حوار مع إيران قبل هدم المزار يحتاج الى مراجعة وعليه أن يدعم جهود لم الشمل و إعادة العلاقات أولا ثم يدعو الى التباحث في قضايا الأمة ، لان ما بين المذهبين ليس مجرد مزار وهمي وعليه أن يكون  من اول المرحبين بعودة العلاقات بين البلدين المسلمين الكبيرين لان لهما تأثيرا كبيرا على مجريات الأحداث، وحري بمصر أن تكون العمق الاستراتيجي لإيران والعكس صحيح، وليس من الإنصاف أن تكون لمصر علاقات ثنائية وتمثيل دبلوماسي مع الفاتيكان والارغواي مثلا ولا تكون لها علاقات مثيلة مع دولة إسلامية كبيرة مثل إيران، ولا شك بان عودة العلاقات بين البلدين سيكون لها آثار ايجابية في النواحي الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والثقافية والسياسية وستمتد تلك الآثار لتشمل العالم الإسلامي بأسره الذي يعاني ازدياد الفجوة بين الفقراء والأغنياء ويساعد على محاربة الفقر ومكافحة الأمراض وتعزيز التعليم وغيرها ، واتخاذ خطوات استباقية على المظاهر السلبية الكثيرة، وقد شاهدنا نهضة اليابان بالأمس ونشاهد الآن الصين التي تريد أن تحقق ما يسمى بالمعجزة الصينية، التي يجب أن تحفز الشعور بالمسئولية لدى قادة المسلمين تجاه الأجيال القادمة، وأنا أرى بان فتوى السيد الخامنئي بتحريم النيل من الشخصيات الإسلامية فرصة كبرى ليس أمام مصر فقط بل وأمام الدول العربية كلها لتسعى الى تحسين علاقاتها مع إيران، ويتوجب على الجميع الترحيب بالفتوى بلا قيود وشروط ، والتصدي للبعض  الذي أراد في محاولة يائسة للتقليل  من أهمية الفتوى بالقول : إن الفتوى غير مكتملة لأنها لم تذكر حكم الشاتم وانه قال زوج الرسول ولم يقل أم المؤمنين،مع إن هؤلاء يعلمون بان الفتوى ليس مكانا مناسبا للتفاصيل والتفريعات ، والفتوى لاقت الصدى المطلوب بدليل وجود موجة عارمة من الترحيب في أوساط العقلاء وأهل العلم الذين اعتبروها  فتوى جامعة شاملة على اختصارها ومؤدية للغرض.و هؤلاء هم أنفسهم من رحبوا  بإعادة العلاقات السياسية بين إيران ومصر من خلال الخطوة الأولى وهي استئناف الرحلات الجوية بين طهران والقاهرة، وأعربوا عن الأمل في أن تعزز هذه الخطوة الجهود المبذولة لإعادة العلاقات  الكاملة بين البلدين لما فيه صلاحهما وخير الأمة الإسلامية جمعاء.
aabbcde@msn.com


94
على باب البحرين تركت عيوني

حسين ابو سعود

عندما كنت صغيرا كنت أعجب من كلمة البحر ، وكان البحر يعني لي الزرقة الممتدة المتصلة بالسماء ويعني الرزق الوفير والخيال الواسع وصفاء النفس وراحة البال ، فإذا كانت كل هذه المعاني الجميلة تتجه نحو بحر واحد فكيف الحال إذن مع بحرين اثنين ، لا شك إنها تتضاعف وتُضاف اليها قصص طيبة أهل البحرين وبساطتهم ، قصص ظلت عالقة في ذهني منذ الصغر  وتأكدت لي صحة هذه القصص في مرحلة الشباب عندما التقيت الكثير من أهل البحرين في دول مختلفة ، ولكن عندما وجدت نفسي ذات يوم احمل حقيبتي خارجا من مطار البحرين رأيت الأشياء على حقيقتها وقد شممت رائحة الطيبة أولا من ضابط الجوازات في المطار وكان شابا  لطيفا جدا في التعامل لا تفارق الابتسامة محياه وكأنه يعلم بان الانطباع الأول للزائر هو الانطباع الأخير كما يقول المثل الانجليزي وان المطار عنوان للبلد  فكانت الإجراءات عادية سريعة وحسن تعامل فلا تعبئة كروت ولا وجع رأس  وقد أعطيت إقامة ثلاثة أشهر تمنيت أن اقضيها كلها هناك وظلت الطيبة تسير معي حيثما أسير سواء مع سائق التاكسي أو في المطاعم ومع عامة الناس عندما اسألهم عن طريق أو شارع أو داخل مسجد احمد الفاتح حيث وقفت بإجلال أتأمل جمال العمارة وضخامة الثريات وروعة التصميم فضلا عن برودة المكان الذي يعتبر ملاذا للغرباء  من حر الصيف اللاهب وكأنه نسيم الجنة يهب على العباد.
رأيت المصلين في درس بليغ للسواسية يقفون في صف واحد بغض النظر عن مراتبهم وجنسياتهم وألوانهم، وقد دعوت ربي هناك بفنون الدعوات ولم اشعر باني انتمي الى مذهب معين بل لدين واحد ولم أجد تناغما بين المذهبين أجمل منه في البحرين، وبعد الصلاة رأيت مجاميع من السائحين الأجانب يدخلون المسجد وامرأة مبرقعة ترشدهم الى أقسام المسجد وتشرح لهم بطيبة متناهية تاريخ المسجد وسماحة الدين الإسلامي وتقول لهم التصوير مسموح  ولكم أن تلتقطوا الصور التذكارية وكأن لسان حالها يقول انه بيت ربكم وانتم عباده مهما اختلفت دياناتكم، وعندما ارتفع صوت الآذان لصلاة العصر لم يفزع السواح وكانهم يقولون إن الاسلاموفوبيا كذبة كبيرة اخترعها أعداء الإسلام فالمكان يعكس جلال الإسلام وجماله وسماحته.
أحلى ما في البحرين هو الأمان وأجمل صفة لأهل البحرين أنهم طيبون فالطيبة ذكاء والخباثة غباء واذكر باني سالت احدهم عن مسجد قريب فدعاني الى بيته لأصلي فيه وسيتبع ذلك لا محالة شاي وقهوة وقد يؤدي الى وجبة طعام، كل هذا وهو لا يعرفني ولكنه يريد أن يقول للعالم بأنه بحريني، ويمكن لمس الطيبة بوضوح أثناء زيارة محلات بيع الحلوى البحرينية الشبيهة بــ (العمانية) المنتشرة في كل مكان حيث يقدم الحلوى مجانا للتذوق مع القهوة  العربية الأصيلة ، وكنت كلما اشتقت لأكل الحلوى اللذيذة  دخلت أي محل لأتذوقه واخرج مبتهجا مع رغبة في العودة.
لقد سافرت الى البحرين في الصيف ، فقال لي أناس أنت ذاهب للحر الشديد ولن تخرج من البيت ، أخافوني مع إني ابن الحر ، أحبه وعشت معه في دول أخرى ، ذهبت للاسترخاء والرمل الأبيض والهدوء ، وضعت همومي كلها في كيس رميته في البحر وعشت في صفاء مع نفسي لأكثر من عشرين يوما قضيتها في الأسواق والسواحل والمتاحف والحواري الشعبية ، أذهلني تعدد اللهجات في البحرين واختلافها من قرية الى قرية  وقد لا يفصل بينهما سوى شارع واحد ،  وكنت أحب أن اقضي معظم الوقت عند باب البحرين وسط المنامة فاجلس على احد المقاعد وارمق المارة  من الجنسيات المختلفة منبهرا بحركة الناس في كل الاتجاهات ، وكنت إذا شعرت بالتعب ألقيت نفسي في اقرب تكسي ليعيدني الى الفندق وتعرفت على احد السائقين حيث اخبرني بأنه كان يعاني من الكآبة ولكنه تغلب عليها بقوة الإرادة دون اللجوء الى الدواء، وضمن ما قاله لي بان الكآبة مرض العباقرة، مرض الخاصين العميقين والعميق لا يثق بأحد، فهو يرى نفسه مميزا ولكنه غير مفهوم من الآخرين، يغني خارج السرب ولا يستطيع أن يغير العالم، وأكثر المكتئبين مغرورين وحساسين للغاية ويرون في أنفسهم مزايا كثيرة، عجيب إنها صفات تنطبق عليّ أيضا ولكني سأتعلم من هذا السائق البحريني تقنية التغلب على الكآبة بقوة الإرادة .
لقد وجدت الفرد البحريني يعمل في كل المجالات بلا تعال ولا غرور  إذن فهو مكافح وجاد في التعامل  مع الحياة ورأيت المرأة البحرينية  بحشمتها في كل مكان جنبا الى جنب الرجل تشاركه في نهضة وطنها .
إن كان للبحرين أسماء أخرى مثل ديلمون وتايلوس وارادوس فانا أقول بان من أسماءها أيضا ( الطيبة المتناهية) وقبل أن أغادرها قررت أن أجمل هدية آخذها لمن أحب هي علب من الحلوى البحرينية الذهبية اللون وعندما غادرت الطائرة ارض المطار أطللت من النافذة وسلمت على البحرين وأهلها ورأيتني ما زلت جالسا في باب البحرين اردد غناوي عشق  ليلى السيد:
على مودك لأسطر عشق بحريني
واخلي أهل العشق تنطر مواويلي
على مودك لأسطر عشق بحريني
واصيرن للسفن مرسى
واصيرن في العشق موال
واصيرن للسواحل رمال
ويبقى الحديث عن ذكريات البحرين وجولات المحرق والجفير والمنامة وراس رمان وعين عذاري حديث العشق والشوق، حديث الوله والهيام، حديث الأرض التي تحبب نفسها للزائرين فيشتاقون لعناقها من جديد، حديث السماء الصافية التي ترتبط بزرقتها ببحر الخير المحيط بجزر البحرين ، حديث اللؤلؤ والتاريخ السحيق لشعب البحرين الآمن المسالم.
aabbcde@msn.com


95
أول سفيرة للمرجعية في السويد

حسين ابو سعود
لقد دأب البعض على كتابة قصص ناجحة تبدو حقيقية وواقعية ولكن في النهاية يذكر الكاتب بأنه استيقظ فجأة من النوم أو انتبه من وضع خيالي وهو ما يسمى باللهجة العراقية (دالغة) ليعيد القارئ الى مرارة الواقع مرة أخرى ، ولكني لا أريد للقارئ أن يسقط في  هكذا مطب، وأقول بان العنوان قد يكون ساخرا يوحي الى شئ بعيد ولكن المحتوى جدي يصلح ليكون قصة من قصص الخيال العلمي، وما يضير أن تخيل وكالات الأنباء العالمية وهي تنقل خبرا مفاده بان السيدة الجليلة بشيرة الموسوي (مثلا) قد قدمت أوراق اعتمادها  الى ملك السويد كأول سفيرة للمرجعية الدينية للطائفة الشيعية في العالم  للتأكيد على أمرين أولهما تطور المؤسسة المرجعية والثاني الاعتراف بالقدرات النسوية في الإمساك بزمام الأمور وقت الضرورة باعتبارها نصف المجتمع.
ثم لماذا لا تتحول المرجعية الشيعية الى مؤسسة كبرى ويكون المرجع الأعلى كما سلطان البهرة الذي يسمى عندهم الداعي المطلق وكما صاحب السمو الأمير أغا خان  المسمى عند الطائفة الإسماعيلية بــ (حاضر إمام )حيث يتمتع الاثنان بوضع دولي خاص ويتم معاملتهما معاملة كبار ضيوف الدولة أينما يذهبان وتقدم لهما التشريفات والمراسم التي تليق بهما، وطائفة البهرة كما الأغاخانية لها مرجع أعلى واحد وشؤون مالية موحدة وتنظيم فائق الدقة ونظام تكافل اجتماعي حقيقي فلا تجد بينهم محتاجا أو عاطلا عن العمل حيث يؤخذ من أغنياءهم لتدفع الى فقراءهم وان أفقر شخص عندهم يمتلك منزلا متواضعا .
ثم لماذا لا يمكن أن تتحول النجف الى حاضرة زاهرة تضاهي حاضرة الفاتيكان وتضم كربلاء والكوفة ويكون لها استقلال مالي واقتصادي وسياسي كامل ولكنها تظل تتمتع  بحماية الحكومة العراقية لا سيما وان  جميع مقومات نجاح الفاتيكان يمكن أن توجد لنجاح حاضرة النجف الاشرف ، وهناك الكثير من الدول  تحتفظ بمناطق حرة  داخل أراضيها لتسهيل الاستثمار والسياحة وجلب رؤوس الأموال تطبق فيها قوانين وأنظمة  سهلة  ومرنة للغاية لا تتوفر في المناطق الأخرى علما بان النجف صار الآن لها مطار دولي يمكن تطويره ليستقبل جميع أنواع الطائرات مع التأكيد على منح التأشيرات للزائرين عند الوصول وعدم السماح لأحد بمضايقتهم مع توفير جميع متطلبات السياحة الدينية الناجحة وتكون حاضرة النجف دولة حديثة متطورة بكل المعايير والمقاييس.
أنا اعلم بان هذا الكلام مجرد حلم ولكني أقول بأنه ليس المطلوب أن يقوم السيد السيستاني حفظه الله بتنفيذ هذا المشروع وتحقيق هذا التحول التاريخي بنفسه ولكن يمكن له أن يفكر به على الأقل ويضع اللبنات الأساسية والرؤى النظرية له ، لان في هذا رفاه الطائفة وخير العراق ، ونأمل أن  يساعده في ذلك المراجع الثلاثة الكبار من خلال اجتماعات مشتركة تجمع بينهم لدراسة الاقتراحات المقدمة لتطوير المرجعية وتطوير المدن المقدسة ، وتدارس المشاكل التي تواجه الطائفة وأشياء كثيرة أخرى، و لا اكتم القارئ بأنني ارغب أن اسمع بان المراجع قد اجتمعوا جميعا في بيت احدهم لدراسة نتائج الفيضانات المدمرة التي ضربت باكستان وبحث سبل مساعدة المتضررين ...مثلا .. أو دراسة كيفية مواجهة فتنة حرق القران الكريم وفتنة منتحلي التشيع الذي يسيئون الى الوحدة الإسلامية بالتعرض للصحابة وأمهات المؤمنين ، أقول ذلك لأننا نعيش عالما مضطربا صاخبا مليئا بالفتن والمؤامرات والكوارث والأحداث ، والطائفة تحتاج الى توحيد الخطاب لمواجهة الأمور بخطاب موحد يعكس النظرة الحقيقية للأشياء ، وقد يؤدي اجتماع المراجع الكبار وتأسيس حاضرة النجف  الى إجراء إصلاح شامل وكبير للتراث والتخلص من العوالق التاريخية التي  تضر ولا تنفع لتقريب السنة والشيعة  وبالعكس.
ويجب أن يكون للشيعة مرجع أعلى  يمثلهم  ويزور الدول  المختلفة ويلتقي رؤسائها ويتفاعل مع أحداث العالم ويكون له سفراء ومكتب إعلامي فعال، فالإعلام سلاح مهم في عالم ملئ بالحروب والكوارث والآفات والفقر والجهل وهكذا عالم يحتاج  الى رجال يؤثرون في الأحداث، والمرجعية كما هو معروف قوة كبيرة لها مقومات أساسية  متينة ولها أهداف مقدسة شريفة على جميع الأصعدة بدءا من حقن الدماء وتقريب وجهات النظر الى كفالة المحتاجين والمعوزين والأرامل والأيتام وغيرها ، وأنا اعترف بان الفاتيكان عجزت عن أن تكون الممثل الوحيد للمسيحيين في العالم ولكن ذلك لم يؤثر على وضع البابا على الصعيد الدولي، و لن تكون حاضرة النجف الممثل الوحيد للشيعة في العالم فالاختلاف حاصل لا محالة والإنسان مجبول على الاختلاف وميله للخلاف مؤكد، وقد يكون حسد العلماء أنفسهم اشد فتكا بالمجتمع من حسد العامة ، ولكن اختيار مرجع أعلى واحد لن يقضي على نفوذ المراجع العرضيين وتخويل الفقهاء الأربعة الكبار للسيد السيستاني للتصدي للأمور السياسية  لم يؤثر على مكانتهم أبدا،وبقي أن أقول إن كل ما ذكرته ليس سوى وجهة نظر شخصية  لشيعي يحلم  بتطور المرجعية والطائفة وهو حلم مقدس ولا حجر على الأحلام.
aabbcde@msn.com


96
المنبر الحر / أخوكم نوري المالكي
« في: 13:04 07/10/2010  »
أخوكم نوري المالكي

حسين ابو سعود
إن العلاقة بين الرئيس والمرؤوس هي دائما علاقة  التابع بالمتبوع والكبير بالصغير  وهي علاقة عادية كانت موجودة في الماضي وستظل هكذا في الحاضر والمستقبل أيضا ،ولذا نرى إن التاريخ يفرد اضاءات خاصة وصفحات مشرقة لكل زعيم أو قائد  يشذ عن هذه القاعدة، وقد لا يجود الزمان بأمثال هؤلاء إلا قليلا، ونستطيع بلا أي تردد أن نقول بان السيد نوري المالكي هو احد هؤلاء، وهناك أدلة كثيرة تثبت ما ذهبنا إليه ليس هنا مجال ذكرها إذ قد لا تسعها مقالة قصيرة ، لقد أراد المالكي أن تكون العلاقة التي تربطه بالمواطنين هي علاقة أخوة صادقة بكل ما تحمل كلمة الأخوة من معنى يستوجب المشاركة التامة في السراء والضراء في الأفراح والأتراح ، ولعل الفوز الكبير الذي حققه السيد المالكي لوحده في الانتخابات دليل على نجاحه في بناء علاقة أخوة ناجحة مع مواطنيه، كما إن إصرار الشعب على ترشيحه لرئاسة الوزراء خلال الأشهر  العصيبة التي مرت بعد ظهور نتائج الانتخابات دلت هي الأخرى على ان السيد المالكي لم يكن حريصا على المنصب بقدر ما كان حريصا على إتمام رغبة الشعب الذي انتخبه وتحمل المخاطر وذهب الى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليه على إننا لا ننكر أن القائمة العراقية فازت في الانتخابات بفارق عدد من المقاعد ولكن الدستور  لا يسمح بتسنم المنصب إلا بعد إحراز أكثر من نصف مقاعد البرلمان وهو ما لم يتحقق للعراقية ومن هنا يترتب عليها وعلى المجموعات الفائزة الأخرى  أن تعي مسئوليتها كاملة إزاء الوضع الجديد وتساند السيد المالكي في مهمته الصعبة وهذه فرصتهم ليدخلوا التاريخ من باب واسع بتغليب مصلحة الوطن على المصالح الحزبية والشخصية .
إن السيد المالكي في المرحلة الجديدة لن يكون بمنأى عن العداوات  كما كان هدفا لقوى مختلفة بعضها من الأصدقاء  وبعضها من الأعداء وكلنا رأى حالة الاستياء التي انتشرت بين البعض عندما أرسل السيد المالكي رسائل هاتفية قصيرة يهنئ الشعب بالعيد ذيلها بعبارة ( أخوكم نوري المالكي) بدلا من أن يعتبروها خطوة رائدة في بناء علاقة جديدة بين الراعي والرعية  ، والخطوة بحد ذاتها وببساطة متناهية  خطوة إنسانية صادقة رائعة جميلة إبداعية لم يسبقه الى ذلك احد، وهؤلاء إنما أخافتهم  هذه العبارة لأنها ستدخل المالكي أكثر الى القلوب وتقربه من الأفئدة ويفتح بابا جديدا في العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين وبين القادة والرعية وقد تكون سنة بين الرؤساء العراق القادمين وقد يستفيد منها رؤساء وزعماء الدول الأخرى ايضا .
في المرحلة القادمة سيترك السيد المالكي القنوات كلها  مفتوحة مع أبناء الشعب وان علاقة الأخوة  ليست شعارا فقط وإنما هي ممارسة  وعمل وتطبيق والأخ احرص على مصالح إخوته من الآخرين ، وقد بدأ الامتحان الحقيقي للسيد المالكي لان العراق كانت في السنوات الماضية دولة فوضى ومشاكل وكان إقامة الأمن من أولويات الحكومة وقد نجح السيد المالكي في إقامة الأمن  بنسبة كبيرة، وستظل إقامة الأمن من ضمن الأولويات إضافة الى البناء وإعادة تأهيل العراق لينطلق بشكل أقوى نحو الأفق الجديد ويأخذ مكانه الطبيعي في المجتمع الدولي، ولا اشك بان الشعب سيظل سندا للأخ المالكي  في مواجهته للمعارضين لعملية البناء، وسيكون له معارضون كثيرون حاله حال المصلحين الصادقين وهو قادر ومهيأ على مواجهة كل ذلك بشجاعته وحنكته السياسية .
عراق اليوم بحاجة ماسة الى قائد تاريخي يقوده في هذه المرحلة الصعبة التي تكالبت فيه القوى الخارجية والداخلية للإضرار بالعراق .
إن السيد المالكي نجح نجاحا باهرا في حيازة  ثقة الاتجاهات المختلفة لحكومات الدول المجاورة والقوى العالمية بحيث أصبح مرشح حل لا مرشح أزمة كما أشاع البعض للتقليل من قيمة الاتفاق  التاريخي على ترشيح المالكي  فهو إذن مرشح حل للازمة وليس مرشح أزمة الحل.
وأنا على ثقة تامة بان المجموعات المعارضة للمالكي سوف ترضخ بروح عالية من الإحساس بالمسئولية  لصوت الأغلبية وتشمر الذراع لمرحلة البناء دون الإحساس بالخسارة والمرارة وهذه هي الديمقراطية، وعلى الجميع دعم أخيهم وانه نداء من أخيكم المالكي أن هلموا لبناء العراق الجديد.
وتظل عبارة (أخوكم نوري المالكي) الأصدق والأجمل.
aabbcde@msn.com


97
إن لعائشة رب يحميها


حسين ابو سعود

لا يخفى على لبيب بان قذف المحصنات  العاديات عادة مذمومة تستوجب العقوبة فكيف لو كانت المحصنة  هي زوجة أعظم وأفضل رجل في العالم من الأولين والآخرين ، والأدهى أن يصدر هذا الفعل المشين من اناس ينتحلون التشيع ويدعون بأنهم من  شيعة علي  الذي كان يوصي بقاتله ويعفو عن أعدائه، ومن شيعة الحسن الذي فضل التنحي عن الحكم على إراقة الدماء، ومن شيعة الحسين الذي كان يبكي على قاتليه لأنهم سيدخلون النار بسببه ، ومن شيعة السيد السجاد زين العباد العابد الزاهد، ومن  شيعة الباقر  الذي قال :حدثوا الناس بمحاسن حديثنا ، ومن شيعة الصادق الذي قال  : (كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا) شيعة الإحسان والصفح الجميل والعفو والتجاوز والمحبة والتسامح والإيثار ،وأكاد اجزم بان من لا يتبع عليا في تعاليمه وإرشاداته وتقريراته لا يمكن أن يكون شيعيا وان كان في معسكره وهناك فرق بين الشيعي المشايع المتابع وبين الشيعي الكذاب المنتحل ، وقد تبرأ  الإمام علي عليه السلام الذي يدعي كل به وصلا تبرأ من بعضهم كالغلاة والمفوضة والمنتحلة الذين ينتحلون محبته دون طاعته.
أنا شيعي، ولكني لست من  شيعة السباب واللعن والمثالب وإنما شيعة المحبة المطلقة والتفاهم والتناغم، شيعة التوحيد الخالص وحب الرسول وحب كل من أحب الرسول واتبعه بإحسان من الآل والأصحاب والأزواج.
فالشيعي هو من إذا سمع كلام الإمام ارتضاه وعمل به، مثل الذين عقلوا وتراجعوا عن اخذ مال الغنائم في واقعة الجمل بعد قول الإمام علي: من يرضى أن تكون عائشة في سهمه.
الشيعي هو من إذا قال الإمام علي (ان لها حرمتها الاولى) أي نفس الحرمة  التي كانت على عهد رسول الله اتبع القول واحترم السيدة عائشة وباقي أزواجه عليه الصلاة والسلام أمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات.
الشيعي لا يتتبع المثالب والمعايب في كتب المجاهيل أمثال هشام بن الكلبي وغيره.
وبعد كل ما قلناه ينبغي على الأخوة من المذاهب الإسلامية الأخرى أن لا يمعنوا في ظلم الشيعة ويحملوهم أوزار الجهلة وأصحاب الأغراض والمنتحلين، و عليهم أن يعلموا بان أي عمل يؤدي الى إثارة مشاعر المسلمين وتأجيج الضغائن والأحقاد لا علاقة له بالتشيع الحقيقي ولكي لا أكون وحيدا على الساحة  يحمل هذا الفكر فقد اتصلت بالعديد من أرباب العقل والفكر الشيعة لأسمع منهم ويطمئن قلبي فوجدتهم أكثر حرصا على وحدة المسلمين وحرمة المسلمات ولاسيما الأزواج المطهرات.
 ان الاحتفال بوفاة إنسان مات من ألف سنة أو يزيد بدعة منكرة لا يقرها عقل ولم يكن يُعرف عند الأسلاف مثله، وعلينا أن نعي حقيقة إن في كل فرقة فئة باطنية عيارة مكارة مكفرة حاقدة تعمل في الظلام وتأتمر  بأوامر الشيطان، وليس لهؤلاء في الدنيا إلا الخزي إذ لم يتحقق ما أرادوه بدليل إن علماء الشيعة  كانوا اسبق من علماء السنة في التصدي والدفاع عن السيدة عائشة وعرض الرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء لا يختلفون كثيرا عمن وصفهم الإمام الحسن المجتبى بقوله : أنهم الزاعمون إنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتبهوا ثقلي كما في احتجاج الطبرسي، وقد عرفهم السجاد ومحصهم ولم يخرج معهم لقتال ، وهؤلاء هم الذين ملأوا قلب الإمام علي بن أبي طالب قيحا وودّ لو أن معاوية يصارفه بهم صرف الدينار بالدرهم فيأخذ منهم عشرة ويعطيه رجلا من أهل الشام وهو القائل، ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيتي ، وهو القائل لهم : أيها الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواءهم صم ذوو أسماع وبكم ذوو كلام وعمي ذوو أبصار  .
فكم نصح لهم ولم يقبلوا وكم أمرهم فلم يأخذوا ونهاهم فلم ينتهوا.
فالشيعي يجب أن يكون مثل حجر بن عدي الكندي الذي رضخ لكلام الإمام بعد الخطأ فرضي عن قائده وأرضاه في الحادثة الشهيرة عندما كان يظهر اللعن والبراءة من أهل الشام مع صديقه عمرو بن الحمق، فنهاهما الإمام فلم يناقشا أو يجادلا بل قالا : يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك، عكس هؤلاء  الذين لم يمتنعوا إلى الآن عن السب والشتم واللعن  ومن لم يفعل ذلك لم يتأدب بأدب أمير المؤمنين، فها هو الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن البراءة من الناس ويدعو شيعته إلى الاقتراب من المسلمين وحضور جنائزهم وعيادة مرضاهم والصلاة في مساجدهم.
وبقي أن أقول بان السيدة عائشة هي زوج الرسول الأمين الشفيع مات عنها وهي زوجه وهي أم المؤمنين بنص القران وان لها رب يحميها من أصحاب النوايا الشريرة واختم بقول الله تعالى:)أ فمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ) فاطر 8.
وأقول لأصحاب اللغة البذيئة في التعامل مع الآخرين كما قال الله تعالى : (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)الإسراء /53 ، ألا يجدر في النهاية أن نقول صدق الله العلي العظيم.أي والله لقد صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين والحمد لله رب العالمين.
aabbcde@msn.com


98
الدور السياسي للمرجعية الدينية في العراق الحديث
((قراءة في كتاب))



د. حسين ابو سعود
ورد في الاثر ما نصه:  (فأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) و هذه الرواية المنسوبة للامام المهدي عليه السلام  تستمد منها المرجعية الدينية الشيعية شرعيتها، بالاضافة الى صريح الآية المباركة في وجوب العودة الى أهل العلم في حالة اللاعلم كما في قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، إذن المرجعية هي نيابة عامة عن المعصوم وبالتحديد عن الامام المهدي عليه السلام، وهي مؤسسة حقيقية عريقة كانت وما تزال لها دور مباشر في حياة الناس الاجتماعية والسياسية، وقد تميزت مرجعية السيد علي السيستاني في زمننا هذا باشتهارها ليس على الصعيد الأقليمي فحسب بل على الصعيد العالمي أيضاً وصار ذكره على كل لسان.
أصبحت المرجعية الدينية موضوعاً مهما للبحث والدراسة والمتابعة من قبل الدوائر العالمية والمؤسسات الأكاديمية، فكتبت فيها بحوث جامعية عديدة، ، وقد اعد الباحث عباس جعفر الامامي دراسة قيمة في هذا المجال نال بها شهادة ماجستير فلسفة من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن، معتمداً على ما يقرب من مئة مصدر ذكرها جميعاً في نهاية البحث، وقد أشرف على الرسالة أحد الوجوه العلمية المعروفة وهو الدكتور السيد فاضل الميلاني.
وجاءت الدراسة في مئتي صفحة من القطع الكبير، وزعت على ثلاثة أبواب، ويحتوي كل باب على فصول ومباحث ومطالب، غطّى  الباحث من خلالها كل ما يتعلق بالدور السياسي والرقابي للمرجعية في الفترة من 1914 ـ 2009م ، وقد ألحق بالكتاب بيانات ووثائق وفتاوى ورسائل صادرة من مكاتب المرجعية تتعلق كلها بموضوع البحث، مما أدى الى زيادة التوثيق وتعزيز المصداقية، فجاء البحث محكماً مكتملاً مؤدياً للغرض.
وقد تم تخصيص الباب الأول لشرح الظروف المحيطة بتأسيس الدولة العراقية عام 1920م وموقف المرجعية من ترشيح فيصل الأول لتولي العرش  في العراق، وكان موقف المرجعية آنذاك وطنياً خالصاً، حيث سعت لأن يستلم العراقيون مقاليد السلطة بأيديهم ليحققوا السيادة الوطنية لبلادهم، وتحملت في سبيل هذا الهدف الشرعي والوطني الكثير من المحن كالتهجير والسجن وحرمان أتباعها من كثير من الحقوق العامة كالتعيين في دوائر الدولة ومناصبها المختلفة، وفوق ذلك يجزم الباحث بأن المرجعية كانت دوماً الحصن الواقي للأمة من الانحراف والتشرذم، ولم تخلُ حياة مرجع واحد من مواقف مبدئية ازاء قضايا الأمة العادلة بل تعدى ذلك الى دعم حركات التحرر في العالم الاسلامي وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وقد افتى الكثير من مراجع الدين الشيعة بجواز دفع الحقوق الشرعية للقضية الفلسطينية ولفقراء فلسطين، فصار من الطبيعي أن يتفرع من هذا الاهتمام بشؤون الأمة القيام بواجب أخر حيوي وهو الدعوة الى الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب، وللمرجعية في ذلك مواقف ثابتة وواضحة لاعتقادها الراسخ بضرورة لم شمل المسلمين لمواجهة الأخطار والتحديات، وقد لخَّصت المرجعية تصورها للوحدة والتقريب بانه ليس على حساب أي مذهب من المذاهب، بل يتمسك كل طرف بمذهبه والتوحد بالمشتركات التي لا يمكن إحصاؤها من كثرتها، وعلى أن يدافع بعضهم عن الآخر في سبيل مصلحة الاسلام والمسلمين.
وأشار الباحث الى جهود المرجعية الدينية في موضوع الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب معتبراً أن الوحدة الحقيقية ليست في أن يتحول الشيعي الى سني أو بالعكس، بل يتعبَّدُ اللهَ كلُّ بمذهبه مع التعاون في النقاط المشتركة، والظاهر من كتابات الباحث أنه يتصور بأن هذه المصالح تأخذ مساحة واسعة من المفاهيم الاسلامية في الأحكام والعقائد وقسم منها إجتهادات العلماء والفقهاء والمفكرين والتي لاضير فيها، وقد إستنتج الباحث أن التضخيم في الخلاف بين المذاهب منشئه المصالح الذاتية للسياسيين والحكام الذين يريدون تحقيق أهدافٍ معينة من خلال إيقاع الفتنة وتوسيع الفجوة بين المسلمين.
وقد إتَّسمَ ظاهر المرجعية الدينية بالابتعاد عن العمل السياسي المباشر، وذلك لاختلاف مفهوم السياسة من عالم الى آخر، ومن هنا نأت المرجعية بنفسها طيلة عقود طويلة  عن السلطة والتصارع عليها لحفظ إستقلالية الحوزات العلمية وعدم البقاء تحت هيمنة الحكام خاصة، وإن تدخل المرجعية في السياسة مسألة معقدة أثيرت حولها إشكالات كثيرة تناولها الباحث وفنَّدَ معظمها باسلوب علمي واضح، وهذا لايعني مطلقاً أن المرجعية لم يكن لها رأيٌ في الأمور السياسية وتشكيل الأحزاب، ولبعض العلماء دور واضح في تشكيل أحزاب سياسية اسلامية كان لها تأثير على الساحة، علماُ بأن الباحث أشار بشكل كافٍ الى معظم الأحزاب السياسية التي تشكلت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى الى يومنا هذا.
ويدعي الباحث بأن المرجعية تؤمن بأن العمل الحزبي في سبيل خدمة الاسلام له أثر كبير في نشر الفكر الاسلامي وعامل مهم في تأصُّلِ الالتزام الديني في وسط المجتمع من ناحية، ومن ناحية ثانية حماية المجتمع من الافكار المستوردة الغازية .
وقد قدم الباحث مبحثاً طريفاً يخص عمل رجال الدين في دوائر الدولة، ويبدو أنه يعارض عمل رجال الدين كموظفين في دوائر الدولة ، ما عدا المواقع القيادية والتشريعية والقضائية في موارد الضرورة القصوى، لأن العمل في الدرجات الوظيفية المختلفة ليس من شأن رجل الدين لخروج ذلك من إختصاصه و لانحصار عمله  في إرشاد الناس الى أحكام الدين ونشر الفضيلة والثقافة الاسلامية.
وقد وجدتُ ان الباب الثالث المخصص للدور الرقابي للمرجعية هو الأهم في البحث حيث وزع الباب المذكور على ثلاثة فصول تناول فيها مراقبة المرجعية على ذاتها ووكلائها وشرح معنى المراقبة وأنواعها وأهميتها وآثارها على الوضع السياسي وعلى حركة الأمة وعلى الوجود الأجنبي وعلى المنظمات الأجنبية، وموقف المرجعية من سياسة سلطة الاحتلال في العراق.
ويبدو لي أن الباحث قد ابدع في  تناول هذا الباب حيث لم يشر الباحثون من قبلُ الى مثل هذا الأمر، وقد شاهد العالم أجمع مراقبة المرجعية لتصرفات السياسيين وعملهم وحرص هؤلاء على لقاء المرجعية والاستنارة بآرائها وتوجيهاتها الحكيمة.
كما تحدث الباحث عن نظام الاتصال بالجماهير عن طريق الوكالات التي تصدر من المرجعية الى الوكلاء في المناطق المختلفة وتكاد لا توجد منطقة تخلو من وكيل للمرجعية ينظم علاقة الناس بالمرجع وقد لاقى هذا النظام القبول التام في الوسط الاجتماعي.
وقد خلصت من خلال قراءتي للكتاب الى أن الباحث قد وضع أصبعه على الجراح الحقيقية للمجتمع العراقي والخلل الواقع في تأسيس بنية الدولة العراقية، مما نتج عنه مشاكل سياسية معقدة تواجهها البلاد حاليا، ولم يغفل الباحث باعتباره تركماني الأصل تاريخ التهميش السياسي لتركمان العراق فأرَّخ ذلك سياسياً بصورة موثقة.
ومن الجدير بالذكر إن الباحث لم يسلط الضوء على جميع مراجع الدين معللا ذلك بقوله أنه ركز على الفقهاء الذين عاشوا الحدث، وأثروا فيه بشكل مباشر بعد  عام 1914م الى يومنا الحاضر.
ولا شك بأن المرجعية كانت صلبة في مواجهة الانحرافات واستبداد الحكومات، وقدمت في هذا السبيل الكثير من الضحايا وتميزت في مواقفها إزاء الأحداث بالصبر والأناة والحكمة، لا اثر فيها للتسرع واتباع الهوى.
وقد أختلف مع الباحث في بعض الأمور التي اثارها وهذا أمر طبيعي، غير إني وددت أن اثبت مخالفتي له  في تصوره بأن كلمة المرجعية تقابل ( Religious Authority ) أو ( Supreme guardian  ) لأن الترجمة العربية لهاتين الكلمتين لا تعني المرجعية بنظري، فالأولى تعني السلطة الدينية، والمرجعية لا سلطة لها على الأجساد وانما سلطتها على القلوب وهو معنى مجازي، وأما الكلمة الأخرى تعني الراعي الأعلى، حيث تقترب في معناها من (ولاية الفقيه) التي لا يؤمن بها مراجع العراق بالمعنى الواسع للمصطلح حسب فهمي .
ويتمنى الباحث في نهاية بحثه أن يكون قد وُفِّقَ في دراسته وبحثه بقوله: وقد توخيت الموضوعية جهد الامكان متجنبا كل ما من شأنه إثارة الجدل الذي لا طائل منه.
وقد علمت بأن هذا البحث سيصار الى الطبع لذا أنصح المهتمين بترقب صدروه في كتاب ومطالعته بعناية والاستفادة من الأفكار المطروحة فيه بغية التوصل الى حلول ناجعة للمشاكل العالقة ومعرفة المزيد من التفاصيل عن المرجعية الدينية في العراق.
aabbcde@msn.com

99
لماذا تأخرتِ على يحيى السماوي فلقد بلغ الحزن الزبى
لا أحد يحمي القصيدة غير الطفولة

د- حسين ابو سعود




قراءة في ديوان( لماذا تأخرت دهرا) للشاعر يحيى السماوي

أنا وجميع محبي الشعراء الحقيقيين نسأل : لماذا تأخرتِ دهرا على يحيى السماوي؟ انه سؤال يلد ألف سؤال، ولكن لمن نوجه هذا السؤال؟ ، للحبيبة أم للوطن أم للطفولة التي يحلم الشاعر بعودتها ، لقد ضُبط الشاعر أكثر من مرة وهو يشتاق الى الطفولة فيكرر كلمة طفل وطفولة  أكثر من خمس مرات في قصيدة واحدة وهي قصيدة (كامل) التي تتصدر الديوان، هو يعرف من يقدم ومن يؤخر ،  ويعرف كيف يعطي الحق لأصحابه، فقدم الشهيد كامل شياع، قدمه في حفلة عرس كاملة تتضمن عقد القران والمهر والزفة:
النعش هودجه/ لقد عقد القران على الشهادة / قلبه كان المقدم/ والمؤخر؟ لا مؤخر / إن كامل لا يفكر بالطلاق.
يحيى السماوي في حبه للطفولة يذكرني بشاعر  لبناني قديم عشق الطفولة الى درجة انه قال :
لو تمنى أناس رجوع الصبا، تمنيت أنا رجوع الصغر
وهل تشتاق الكهولة إلا الى الطفولة، أ ليس حب الأطفال أفضل العبادات؟ ، ولو بحثنا عن مفردة الطفل والطفولة وتكرارها العذب  في كتابات يحيى السماوي لتيقنا بان هناك طفلا حقيقيا جميلا يسكن في احدى زوايا نفسه، قد يكون في قلبه الكبير
الشاعر يقدم الشهيد ناطقا باسم الطفولة وباسم الطيبين والرياحين وكل المعذبين ويزفه بهذه الصفة الى الفردوس الأعلى:
باسم الحسين / وباسم موسى/ وابن مريم/ باسم كل الطيبين/ باسم البنفسج والقرنفل/ باسم زيتون وتين/ باسم المشرد والممدد والمهدد والسجين/ قد كان مندوب اليقين/ في مهرجان الأمر بالأنوار/ في فردوس رب العالمين.
وهكذا فالنصر كان وسيبقى  للمظلومين في كل الحقب أولئك الذين قاتلوا بالنور و بالنعناع والريحان، بالحرف المناضل وبعشب فلاح وريش حمامة لا بالسيف ، وهذه الأدوات القتالية أقوى من فتاوى التكفير التي تخرج من وراء حرير  العمائم التي تخفي بين طياتها القتلة والمارقين.
إيه من كثرة الترحال والترقب والتوجس والخيبات:
وأعود من سفر خرافي/ لأبدأ في سفر
وقد يعود الإنسان بعد عمر طويل طفلا لا يعلم من بعد علم شيئا ولكن شتان ما بين الطفولتين فالشاعر لا يعني الطفولة المتأخرة وإنما يعني تلك الفترة الماسية التي هربت كالماء من بين الأنامل بخفة ورشاقة، يريد للأشياء الجميلة أن يعيدها
يضاحكني الندى/ فأعود في الخمسين طفلا
إن الهوى/ سيعيد للبستان/ عافية النخيل
فالنخيل تمرض و يصيبها الهزال وقد شاهدت في عزلة لي منظر النخيل ، نخلة منتشية فارعة ناشرة سعفاتها في الفضاء  ونخلة تدلت سعفاتها وارتخت خجلا لأنها لم تعط أكلها، وأخرى حزينة لان السوس هاجم رطبها فمرضت  وهاهو الشاعر يخبرنا ماذا يعيد للنخيل عافيتها ، إذن انه الحب الذي يعيد للشيخ صباه وطفولته.
مشارفة الستين لدى الشعراء لها وقع اليم، وكان يجب أن لا نخفي عن الأطفال منذ البدء حقائق الأمور ، كان علينا أن نعلمهم عن أفول القمر  وموت الزهور وان هذه الدنيا ليست كما هيّ، أكل وشرب ولعب فهناك بعد حفنة من السنين مرض وسهر وأرق  وقلق وهجر وعجب  وتلك الولادات السعيدة يعقبها موت أكيد، اخبروهم إن هناك مسير ولا وصول  وهناك ذهاب ولا قفول ، حتى لا يتفاجئ بها من وصل الى مشارف الستين، حيث لا تبق له سوى الصور يبحث فيها عن دفء مفقود، وشاعرنا يتذكر السماوة وهي ترقص في ألوانها الزاهية  ويذكر قصص الناس هناك، يحن الى محطات القطار وحكايات الجنود والجسور التي تتحمل وطئ الأقدام بسرور على مر الأيام والدهور، إنها نفس مشاعري فانا لست بعيدا عن الستين فأتذكر الأسواق التي تعج بالمكسرات والمعجنات وأنواع الحلوى وأتذكر الأسرّة التي تحتوي الغرباء على أسطح الفنادق في شارع الرشيد في ليالي الصيف، واشتاق الى رائحة خبز التنور ولفات العمبة بالصمون الحار والمهفات التي تأتي بنسيمات منعشة في قيظ الصيف، وتظل الطفولة ويظل العراق السر الذي يبكينا ويشجينا ، وقصيدة على مشارف الستين موجعة مبكية ومن يتمعن في معانيها من الشباب قد يغير مسار حياته أو بعض مساراته لان فيها حكمة وعمقا وفهما ورؤية وموضوعية وحقائق، فيها سخرية من الذين يحتفلون بعيد الميلاد ويرقصون لدنو الموت :
بعضي يريد الدهر يلبسه         ثوبا وبعضي يشتهي اجــلي
ســــتون لا أهلا بقـــافلة         تدني ذئاب الحتف من حملي
قدّ الحبيب القلب من دبر         وأصدقـــاء الزور من قُــــبل
ندمي بحجم رفات أزمنتي        ويحي عليّ غفوت عن زللي
آن الترجل عن ثراك فهل         جـــهزت زاد غـــد لمرتحل؟
اسمع الشاعر يتساءل وقد شارف الستين: لماذا تأخرت دهرا عليا:
لماذا أتيت أوان احتضاري/ لماذا أتيت أوان الخريف
جميع المواعيد فاتت/ ومر قطار القرنفل والياسمين/ العصافير عادت الى دفء أعشاشها / وأنا واقف/ لماذا تأخرت دهرا عليا ؟ / وكنت على بعد  حاء من الباء.
الحلم ، كل شئ مباح في الحلم حتى الاوزار المرتبكة في الحلم تمر بلا مساءلة وغاية العقاب جفاف في الحلق وفتور في الجسد والكوابيس قدر المطاردين
خذلت طماحي، ما جديدك لامرئ/ عاش الحياة مطاردا مخذولا
إذن أحلام المطارد تبدأ جميلة شهية وقد يكون في البدء بصحبة امرأة ثلاثينية مكتنزة ولكن سرعان ما يجد نفسه معها في ظلام دامس وسط بحر متلاطم الأمواج ، وقد تعده تلك المرأة بقبلة أو لمسة أو عناق:
آه / لو أن الذي أوعدني في الحلم – بالقبلة / لا يخلف عند الصحو وعده.
لا ادري لماذا يبدأ الشاعر دائما بالتغزل والعشق لكنه ينهي جولاته بعشق الوطن ولا ادري لو خيّر بين الحبيبة والوطن أيهما يختار ؟ هل يختار الوطن أم يختار مثلي الحبيبة لأنها قد تحل محل الوطن وليس العكس.
وقد يأتي يوم لنكتشف إن كل الخيارات والاختيارات كانت خاطئة فنبدأ بلوم الأنا وبقسوة واضحة :
انا سوطي وجلادي
أعاتبني / لماذا خنت نفسي؟ / كنت ادري أن كوثر عشقها لهب/ وان سفينتي خشب / كذبتُ عليّ / نصرتُ عليّ قاتلتي / برئ من دمائي سيفها / فعلام انتحب ؟
والجواب يأتي منه هو في قوله :
 أيها القلب الذي / ثلثاه من  ماء الفراتين/ وثلث من رماد النخل في محرقة الوجد / وطين البلد: طعنة أخرى وتشفى من عذاب الجسد
أي تعبيرهذا  للخطوة الأخيرة وأي صورة  سلسة للفصل الأخير، انه يتمنى للشعراء موتا سعيدا، موتا هانئا هادئا لذيذا جميلا شرط المرور عبر الطعنة الاخرى ، انه يتسلق الحزن بكل ما عنده من قلق متراكم ليخرج من هذا العالم الهائج لتيقنه أن ليس للقبور إلا الصمت.
في حرب الفضائل مع الرذائل وفي صراع الخير  مع الشر الممتد منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا هناك دائما منتصر ظاهري وآخر باطني ومعسكر الشر هو الأكثر في العدد والأدوات والوسائل ، و ظاهر الحياة الى تدني ونكوص يوما بعد يوم  فهي تسير نحو الحقد والبغض والآلام والفقر والجهل:
لا تقولي إن جرح اليوم / يشفي في غد / كلهم اقسم أن يحرس بيت المال/ باسم الأحد / سادن المحراب / والناطور/ ربّ الدرك السري/ قاضي العدل والشرع / إمام المسجد/ فلماذا ازدادت الفاقة/ واستشرى وباء الفسد؟/ولماذا كلما يوعد بالخبز/ أمير المؤمنين/ ازداد جوع البلد؟.
إذن كيف يرى الشاعر البلد ومستقبل البلد:
مسكين وطني / منطفئ الضحكة / مفجوع الإنسان/ لو كان له مثلي قدم وجواز ولسان/ لمضى يبحث في المعمورة / عن ملجأ أوطان!.
هذا الرجل المحاط بكامله بمظاهر الإحباط وأسبابه ، يقف بصلابة ليتحدى السقوط ويحلم بان يجتمع الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم على بساط واحد، يحلم بذلك بروح وحدوية تقريبية محبة صابرة:
وتقيم جنتها المودة / يجلسون على بساط واحد/ أحفاد عائشة / وفاطمة ومريم / لست تدري / أيهم قنديله (طه) وكوثره (يسوع)
انه يحمل روح الشاعر محمد إقبال في دعوته الى الاقتراب ونبذ صرخات  الفُرقة المفزعة وان كانت صادرة من مقامات دينية معروفة.
هذا الرجل ما زال قويا وقادرا على العطاء رغم مشارفته الستين:
جزت خمسينا وتسعا وأنا        لم أزل طفلا برئ الحمــق
شاخ لكن الهوى أرجــعه        كابن عشرين صبوح الأفق
جربيني تجديني خــــمرة        تسكر الكـــأس وزق العرق
جربي موج جنوني تجدي       نعمــة اللــــذة بعـــد الغرق
فألذ الخمـــــر مـــا عتقـه       عاصـــر التين بدن مغلــــق
وأعجب منه بعد كل هذا التحدي والإقدام  والوصف والتبتل ينسحب ليقول
ربما تأثم عيني إنما    لي فؤاد طاهر العشق نقي
وهل يستقيم العشق مع الطهر إذا التقى العاشقان في ظل شجرة في البيد بعيدا عن أعين الرقباء؟.
وفي الديوان صور خرافية فخمة زاهية تتسم بالترف والقدرة مثل:
-   لو يحسن السيف الهروب لفرّ من / كف تطاعن صاحبا وخليلا
-   وتوضأت بالشمس أبواب البيوت

وكل القصائد الجميلة في الديوان جميلة  وكل الصور الرائعة رائعة  إلا قصيدة سادن الروضة فهي الأجمل والأروع في نظري على الأقل
وأما قصيدة (ضوئية الشامات) فهي من جمالها وروعتها ادعيها لنفسي ببعض التصرف واهديها لمن أحب من الناس:
ليس اتهاما / أنت ما أبقيت لامرأة بقلبي فسحة / ومسحت من مرآة عيني الوجوه / فلست اذكر من تكون مها ومن ليلى  وسلمى/ ومن أكون أنا / أضعت الذاكرة / وحكمتني بهواك ما عشت الحياة / وان يكون كتاب حبك في يميني / حين أُبعث من رماد العشق يوم الآخرة
ليس ادعي / لم أكن ادري بأنك ساحرة/ غيرت ميلادي وعاطفتي/ وشكل ملامحي وجميع عاداتي القديمة
لاتخرجيني منك / ودعيها / مغلقة عليّ الدائرة/ ليجف من عطشي دمي / فأجيئ نهرك مطفئا جمري/ باعذب سلسبيل.
بعض القصائد هي اهداءات الى أشخاص معينين  ولكن الديوان بأكمله وباهداءاته مهداة الى أم الشيماء كي يوقف تساؤلاتها عن ضخامة هذا الألم  وفخامة هذه الألفاظ ومصادر تلك المعاناة:
طالما كنت شراعي فانا مبحر حتى حدود الغرق
لن تغرق أيها الشاعر مادامت هي  شراعك غير إني أقول :  إن من يتأخر في المجئ يسارع في الرحيل  فتهيئ أيها الصديق لأهوال الطريق وهولاكو سيعود بألف وجه ووجه والحياة ستسافر بنا ، وعندما تنطفئ نيران الحروب تولد دروب من رماد يخمد الغروب ألوانها.
من الالتفاتات الجميلة  في الديوان إعطاء معاني الكلمات الصعبة التي يعتقد بان البعض قد لا يعرف معناها جمعها تحت عنوان الهوامش وجعلها في آخرالقصيدة وفي صفحة منفصلة و كنت أتمنى أن يعطي المعانى أسفل كل صفحة لأن ذلك أسرع لتلقي المعنى والتفاعل الفوري مع المفردة ولعله لم يكن يريد أن يشوه جمال الصفحة وجمال الشعر بتوضيح المعاني في نفس الصفحة.
معلومات:
-   يتكون الديوان من 16 قصيدة موزعة على 175 صفحة
-    إصدار دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع – دمشق
-   طبعة أولى 2010.
كلمة أخيرة :
كان خطأ أن أجوب البساتين والحدائق اجمع قطرات الندى أملأ بها بركة تسع جسدي بأوزاره وإخفاقاته فقطرات الندى إذا التصقت ببعضها تكون مجرد ماء يمكن الحصول عليه من أي مكان ومن أي سماء فالندى ندى بخواصه البلورية واستدارته المدهشة ونقاءه الذي لا يبارى، فما فائدة  البناء إذا كان الهدم ينتظر وما فائدة الحياة إذا كان الموت يتربص، وقد كنت قد قرأت هذا الديوان وأنا أغير الأمكنة في حديقة هولند بارك وسط لندن ، كنت اجلس على مقاعد خشبية  حفرت عليها أسماء أناس كانوا قد ملئوا الدنيا يوما صخبا وانجازات ، رحلوا تاركين أحباءهم في زحمة الحياة وحيدين يستحضرون طعم اللذات التي مضت مع الماضين.
aabbcde@msn.com     




100
أنا وعدنان الصائغ تحت سماء غريبة


(قراءة غير نقدية)


حسين ابو سعود
منذ أن عرفت عدنان الصائغ وأنا أتفادى لقاءه إلا ما يجمعني به من أمسيات ثقافية مع إن اللقاء به ليس بالصعب المستصعب، الا اني لا أقوى على مواجهة خصائصه وما يتفرد بها من مزايا، الانكسار الموجع في حديثه، تلألؤ الدموع في عينيه، النجاحات الباهرة التي حققها.
وإذا ما صرت يوما تحت سماء غريبة فعلا، وأنا في الطائرة من لندن إلى دبي قررت أن أواجه عدنان الصائغ وانفرد به واغوص في أعماقه فوجدته كما تخيلته مبدعا صادقا يصنع من الكلمة أسلحة تقض مضاجع الظلمة، ويصوغ منها قلائد تبهر الارواح.
كان عدنان الصائغ في ديوانه(تحت سماء غريبة) وكنت أنا في سماء غريبة لا اعرفها، وهكذا التقينا فصرت اقرأه دون تدخل منه غير اني كنت اشعر به من خلال كلماته وصياغاته ، صرت اقرأه ، ليس قراءة ناقد يتلمس مواطن الضعف قبل مواطن الجمال ، بل صرت اقرأه  قراءة عاشق للكلمة ومحب لعدنان الصائغ وشاعر بوجع المعاناة.
كل يوم نحن  نسافر تحت سماء لا نعرفها وعدنان يفطن لذلك ويأخذنا تحت سماء غريبة، لم اقرأ الديوان من البداية بل بحثت عن قصيدة تحت سماء غريبة أولا، الطائرة تتحول من سماء إلى سماء وكل مجال جوي تعبره الطائرة في الظاهر بحرية ولكنها  بإذن مسبق لا محالة.
لم اقرأ المقدمات التي كتبها الكبار في البداية حتى لا أتأثر أكثر مما أنا متأثر بعدنان الصائغ، وتعمدت قراءتها بعد الفراغ من القصائد الملونة.
رأيت تحت سماءه الغريبة سيلا من المخبرين وعشرات النوافذ ومئات البنات، رأيت التواريخ التي تعود إلى التسعينات والصور المكتنزة والممتلئة بالسكر.
لماذا يعيش البسطاء حياتهم بلا أسئلة؟ عمال المطاعم، الخادمات، الحلاقون، يعملون من الصباح حتى المساء فيتعبون ويعودون إلى منازلهم ليناموا ويصحوا كي يعملوا ثانية من الصباح إلى المساء ويتعبوا ويعودوا إلى منازلهم ليناموا ويصحوا كي يعملوا الخ ، الكل يعرف طريقه، الروتين يحكمهم.
الشاعر له حكايات مع الليل، له شغف بالنوافذ وله رغبة بالتشبث بالأمل:
تغلق البنت شباكها / غير اني ساترك روحي زرقاء مشرعة / علّ نجما وحيدا / بآخرة الليل يعلق بالنافذة
تعبر البنت / تفتح البنت /  تغلق البنت وكأن البنات هن كل ما في الحياة( وهن فعلا كل ما في الحياة) وهناك دائما علاقة بين البنات والقلب
تعبر البنت / يعبر قلبي / وأنسى
وقد استهواني فعلا تاريخ كتابة القصيدة16/8/1993، انه العمر الأجمل للشعراء.
شاعرنا قادم من بلد كان المخبرون فيها أكثر من السكان:
لي وطن في الحقيبة كيف أهربه من عيون المفتش وهو يجوب مسامات نبضي رصيفا رصيفا
ويعود كما نعود كلنا إلى الملاذ الأخير(صدر الأم):
 اعبر جسر البكاء إلى صدر أمي / أرى مدنا نخرتها الجنود / وأخرى رمتني ككلب طرد وراء الحدود.
وهكذا تبقى كل قصائدنا غير مكتملة مثل مشاريعنا المؤجلة ولكن هل نلوم مدننا القلقة التي لفظتنا والتي انتزعتنا من خبز أمهاتنا؟ ولا أريد أن أقول ماذا يختزن(كلب طريد) من معان وإشارات لأني لن ابلغ في الوصف الكفاية، والشاعر يتألق في اختصار تفاصيل المعاناة اليومية للإنسان كهذا الاختصار الرهيب:
طلقة عابرة / ثقبت نومه / فتدفق فوق وسادته - لزجا /  دم أحلامه الخاسرة
الشاعر يدخل حتى بين المرء وزوجه ويصف هروبه إلى الحانة من واقعه المرير ولكن ابواب الحانة لا تظل مشرعة حتى الصباح:
انطفأت أضواء الحانة / وانطفأ العالم /  لكن الرجل المخمور/ ظل يدور/ بحثا عن سبب واحد يوصله للبيت
مدهشة هذه الإشارات لتفاصيل لا يعبأ بها احد،تستوقفني تفاصيل أناس كثيرين، قزم في مطعم جيئ به للاستفادة من شكله ووضعه وإلا فانه لا يستطيع أن يعمل كالآخرين ، عندما يتعب في آخر الليل يستلقي قبل أن ينام، قد يفكر بامرأة طويلة، من يدري، قد يحلم بأمه التي ماتت، من حقه أن يحلم، قد يبكي تحت اللحاف أو في الحمام حد النشيج، غير اني لا استطيع وصف هكذا تفاصيل كما يفعلها عدنان الشاعر الإنسان المحاصر من الحراس والمخبرين والمحققين الجفاة الغلاظ الشداد، ولا ادري متى يفهم الناس بان الشعراء لا يُحاصرون ولا يُضغط عليهم لأنهم شريحة خاصة يجب أن تكون لهم معاملة خاصة وأبواب دخول وخروج خاصة بهم في المطارات والموانئ، ويجب أن يتنقلون بين البلدان بلا جوازات سفر و بلا منة من احد، يُريهم ديوان شعر ويمضي وهو يتساءل   بطريقة جميلة ممتلئة
أين القصيدة؟ غسلتها مع البنطلون المبقع، عاملة البار / كانت تشير لحبل الغسيل/ يقطر بالكلمات.
هو شاعر حقيقي لا يميل إلا للصدق وليس كما الشاعر المتطفل الذي وجدوا جثته في الصباح طافية / فوق زيت المديح
هو يقف مبهورا لا يدري من أي الحلمين يفيق بل من أي الأحلام يفيق، لقد تضاعفت مع مرور الأيام معاناة الإنسان لكنه مولع بالتثنية ، معادلة صعبة أن توزع نفسك بين فتاتين/ بين بلادين:
من أين جاءوا بأسوارهم/ فانتحيت, تراقب / ضوء الصواري البعيدة / يخبو ويصعد / بين الشهيق والزفير/ معادلة مرّة / أن تظل كما أنت ملقى على الرمل / ترسم أفقا وتمحوه.
من ينتبه لهذه الحقائق؟ فكلنا بانتظار الصواري البعيدة نفني أرواحنا ، وكم هي صعبة المعادلات القاسية الموجعة المؤرقة ، أن تنتظر العمر كله في الانتظار  ولا يجئ احد ونكتب على الرمال أسماء والمد يمحوها بكل بساطة ، والشاعر يتوغل في الألم حتى يصل بمعادلته إلى صورة موجعة حد البكاء:
معادلة صعبة / أن أبدل  حلما بوهم، وأنثى بأخرى/ ومنفى بمنفى واسأل أين الطريق؟
طاف أصقاع العالم / لكنه لم يصل / إلى نفسه
لماذا افسد الشعر على الشعراء حياتهم ؟ ومن أين يستدينون أياما صالحة، لماذا يحب الشاعر أن يوغل في عداء الظالمين؟يعرض حياته الندية للخطر؟ أسئلة ! ، إنها جرأة الشاعر  التي قد تجر إليه المهالك او تجره نحو المهالك، ففي قصيدة سذاجة يتحدث عن سقوط دكتاتور واندلاق دكتاتور آخر وقد كتبت القصيدة في بداية التسعينات وفي مدينة بغداد بالذات ، فأين خبأها ؟ وكيف تجرأ على هكذا تفكير؟ انه الشاعر الذي ينكسر أمام دمعة ولكنه يتمرد أمام الظلم وأكثر قصائد الديوان كتبت في التسعينات أي في الزمن الصعب مع إن كل الأزمنة صعبة وكلها لها مشاكلها والأمر كما اخبر الشاعر:
رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه
وماذا يصنع الدكتاتور غير إراقة الدماء
خلف الخطى الصاعدة / إلى العرش/ ثمة دم منحدر على السلالم
غير إن الشعراء لا يرضون بذلك ويختلفون مع الدكتاتور وسعدي الشيرازي يقول لو كلفني كرسي الحكم قطرة دم واحدة لما سعيت إليه.
كل زمن له ضحاياه وكم من ضحايا ذهبت دماءهم سدى وسويت قبورهم على عجل:
في ألبوم الحرب/ وأحصي: كم قنينة – سكبت – هنا، على طاولتي / فوق حفر مقابرهم / التي سويت على عجل
يا لحنيني كلما فكرت في السفر/ قفز من عيني/ طفلان مخضلان بالقرنفل/ والأسئلة ووطن مدجج بالحراس/ وامرأة لا تدري / كيف تدبر المسواق
وهذه المرأة الحائرة موجودة في كل زمان والصور المروعة موجودة في كل مكان.
مقعده في الحافلة/ تابوت مؤقت / هكذا أسبل جفنيه/ إلى آخر المحطة/ دون أن يوقظه صخب العالم.
لكن إلى أين المفر من صخب العالم وتناقضاته إذا لم يكن هناك مطر صيفي يحول لهب الطبيعة الى صبا وانتعاش وكأن المطر يشعر بانه أدى مهمته في الهطول خاصة عندما يلامس أجساد النساء، انه شبق المطر يتحسسه الشاعر بسهولة:
الفتيات يحملن المظلات / خشية الليل / لذا يزعل المطر ويرحل
قطرات المطر/ تتسلل تحت قميصك، يلحس العسل/ وأنا أمام زجاج النافذة/ الحس دموع المطر
ولكن هذا المطر الجميل في الوقع والأثر يتسبب بعض الأحيان في خراب محزن والمطر الجميل يتسبب في حزن عميق إذا داسته الأقدام بلا اكتراث
المطر ابيض وكذلك أحلامي / ترى هل تفرق الشوارع بينهما ؟ المطر حزين وكذلك قلبي/ ترى أيهما أكثر ألما ؟ حتى تسحقهما أقدام العابرين
والمطر قد ينزل في غير مكانه وعلى غير أرضه فتتلقفه المجاري وتذهب به بعيدا عن مهمته الحقيقية وهي ملامسة أجساد الفتيات.
أيها المطر/ يا صديقي المفضل/ حذار من التسكع على أرصفة المدن المعلبة/ ستتبدد مثلي – لا محالة / قطرة ، قطرة / وتجف على الإسفلت / لااحد يتذكرك هنا / وحدها الحقول البعيدة ستبكي عليك.
وللسفر هاجس لذيذ،كل يفكر بالسفر والخروج وان كان سفر العراقي محفوف بالمخاطر الجسيمة دائما ويحتاج الى أموال طائلة ولذا بقيت معظم جوازات السفر على الرفوف دون استعمال تعتليها الغبار.
نصفك- وطن ضائع في البارات / ونصفك الآخر يهيئ حقائبه للسفر/ يلتقي نصفاك كعقربين في ساعة عاطلة / ويفترقان، كغريبين على أرصفة المنافي الحامضة / وأنت مسمر الى النافذة / لا تملك غير جواز سفرك المركون على الرف / تبيض فيها إناث العناكب.
أنها أحلامنا الغير مكتملة، إنها أمانينا الناقصة
قبل أن يكمل رسم القفص/ فرّ العصفور من اللوحة
وماذا يفيد مع هذه الاحباطات المتواصلة سوى أن نطيع الزمن الذي لا يطيعنا
من كثر اختلاف مواعيدك معي/ اضطر دائما/ أن اضبط ساعتي/ على عقارب أعذارك
قدر الشاعر ( الأوهام والسراب والأرق) فهو يرفع رجلا عن سراب ليضع الرجل الأخرى في يأس مطبق.
قالوا لها دموعك كاللؤلؤ / حين حملتها الى الصيرفي / فركها بأصابعه مندهشا لشدة بريقها / لكنه لم يدفع لها فلسا/ إذ سرعان ما جفت بين يديه
وكلما حلّ عقدة / طال حبل المسافة بينهما
الليالي التي بلا ارق/ أنساها على سريري في الصباح
وقبل أن يلقي سؤاله الأخير يعطينا الشاعر عدنان الصائغ درسا بليغا مليئا بالعبر من وحي تجاربه بقوله
كثرة الطعنات/ وراء ظهري / دفعتني كثيرا / الى الأمام
وأما السؤال الأخير هو :
ايتها الوردة / في الذبول الأخير/ لمن تلوحين الآن؟
فأجيب عنها وأقول : تلوح لا لأحد، فلن يجئ بعد اليوم احد.
كتبت في الجو تحت سماء غريبة وآخر عبارة كتبتها عندما حطت الطائرة  على مطار دبي كانت : تلوح لا لأحد، فلن يجئ بعد اليوم احد.
تكملة كتبت على الأرض و تحت سماء أعرفها:
بقي القول بان الديوان ملئ بكم هائل من الجماليات بعض مختبئ وبعض ظاهر غير إن المجال لم يسمح لإظهارها كلها وتوخيت الإيجاز مثل عدنان الصائغ واحسده على قدرة الإيجاز لأنه هو البلاغة ولكون القراءة غير نقدية فلن أقول بان هذه هي الطبعة الثانية للديوان الذي يتكون من 38 قصيدة ومتوزعة على 115 صفحة  وانه من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر  في بيروت  وإنه صدر في عام 2000 ، لا أقول كل هذا لان القراءة عاطفية لا تحتمل لغة الأرقام.
aabbcde@msn.com

 

101
بمن نلوذ من البدع بعد فضل الله
الدكتور حسين ابو سعود
منذ بدايات الشباب  كان يعتمل في داخلي صراع موجع، عندما كنت أرى بعض الممارسات أو اسمع بعض الروايات التي تتنافى مع العقل السليم ولا تتماشى مع المنطق  القويم، وكنت أخال نفسي  حينها متفردا بتلك الأفكار ، وقد انتهى ذلك الصراع وتبددت سحب الشكوك عندما صرت اقرأ  للسيد محمد حسين فضل الله، وقد استقر الاطمئنان في قلبي أكثر  عندما منّ الله عليّ بلقاء السيد في مكتبه في دمشق قبل سنوات بصحبة احد الأفاضل وقد خصنا (قُدس سره) بثلاثة أرباع  الساعة وكان يبتسم لشكوكي وأسئلتي ويأتي بأجوبة مقنعة تبدد حيرتي وتطفئ ظمأ الروح، وكنت قد رسمت له صورة في مخيلتي فلما التقيته وجدته أجمل بكثير من الصورة التي رسمتها له ووجدته أعظم مما حسبته وتخيلته.
لقد تمكن حب الرجل من قلبي ولكن حبه زاد تأصلا  وتعمقا في نفسي  عندما رأيت فيه  الاندفاع القوي نحو الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وإصلاح ذات البين، لقد كان رحمه الله وحدوي المزاج تقريبي الهوى وكان يحرص على توجيه رسائل تقُرأ نيابة عنه في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي تعقد في لندن  بإشراف منتدى الوحدة الإسلامية ، ثم صار يرسل ابنه جعفرا ليشارك شخصيا في المؤتمر وكان حديثه الذي يمثل وجهة نظر والده يحظى دائما بتعاطف الجميع وقبولهم لصدق الطرح وقوته.
السيد فضل الله رجل عالمي النزعة ، إذ لم يكن يدعو الى التعايش بين المذاهب فحسب بل وحتى بين الأديان والثقافات المختلفة وقد علّم من حوله أن يكونوا دعاة بالحكمة والموعظة الحسنة التزاما بالهدي القرآني فجادل الناس بالتي هي أحسن فأحبوه ووقروا مكانته فالسيد رجل حوار وتعايش كجده الباقر عليه السلام الذي قال: صلاح شأن الناس التعايش ، فصار بذلك صوت الاعتدال وصوت العقل والوحدة والحب والتعايش والحرية لأنه تيقن بأهمية هذه القيم وبدونها نظل  في دائرة التراشق والفرقة والخلاف وعبودية الماضي لحقبة أخرى من الزمن.
السيد فضل الله علوي حتى النخاع في نظرته للأمور ، دافع عن الزهراء بأمثل الطرق ولم يزايد على قضيتها، فصار  بذلك موضع احترام القاصي  قبل الداني والمخالف قبل المحالف.
حسنيا كان في الحرص على دماء المسلمين، وكان حسينيا في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و سجاديا  في الورع والتقوى والعبادة وفي مساعدة المعوزين والمحتاجين والأرامل والأيتام.
لقد حدث الناس بمحاسن حديث الأئمة امتثالا لأوامرهم عليهم السلام وكان زينا لهم ولم يكن شينا عليهم في قول أو فعل.
ذبّ عن الدين ودافع عن المذهب  بنبذ البدع والخرافات والضلالات حتى صار موضع انتقاد وهجوم وتكفير من البعض ، وقد تعرض لمحاولات اغتيال عديدة ، ولكنه كان يُغتال يوميا بالقلم لمعرفتهم بان هذا الرجل لو عاش وتُرك لملأ الدنيا بنداءات الحب والتقارب  والتعاون والتآلف وهذا  ما لا ترضاه قوى الظلام التي تعمل على بث الفرقة منذ ألف عام ويزيد، ومن المؤسف وجود مواقع الكترونية أنشئت خصيصا لجعل السيد غرضا للسهام وعرضة للاتهام.
الفكر الإسلامي   فكر مرن يحتاج بصورة مستمرة للتجديد ليلاءم الزمان والمكان  والتجديد يحتاج إلى علم وجرأة  وسداد وتوفيق توفرت كلها في السيد  فضل الله الذي كان من المنظرين الإسلاميين الكبار و ربى جيلا متعلما واعيا  متفتحا وهذا الجيل سيأخذ مشعل العلم والنور الى أجيال أخرى.
السيد فضل الله لم يكن طائفيا ضيق الأفق بل كان عالميا لا سيما وانه يترتب على العالم المجتهد تكاليف  ومسئوليات جمة وصعبة ، وعاها السيد وأداها على أكمل وجه ولم يكن مبتدعا في نظرته العالمية لان الرسالة المحمدية برمتها أصلا رحمة للعالمين وليست لجماعة دون أخرى ، ولكي يصل السيد الى الإنسان في أي عمق وأي لون  أو انتماء أفتى بعدم نجاسة احد من البشر فكلهم في نظره ( نظير في الخلق).
ثم إن السيد لم يفرض آراءه واستنتاجاته على احد وله قول في ذلك سديد وهو:(حتى في الدين فان رجال الدين لا يملكون الحقيقة المطلقة، هم يعطون وجهة نظر).
أنا لست هنا  بصدد عد مشاريعه الإعلامية والإنسانية والاجتماعية والدينية ، وإنما أريد القول : لقد خسر العالم هذا العالم،وقبل فترة قرأت موضوعا عنه بعنوان ( عالم خسره النجف) وأنا اعتقد ليس النجف فحسب بل خسره الإسلام  والعالم وليعذرني الإمام الصادق عليه السلام لأني لم أكن افهم معنى رواية (إذا مات العالم انثلم في الدين ثلمة لا يسدها شئ) حتى رأيت السيد فضل الله مسجى بلا حراك.
على أن السيد يجب أن يظل حيا من خلال إطلاق اسمه على مؤسسات علمية وتربوية ودينية وعلى قاعات ومكتبات ومعاهد أداء لحقه أو بعض حقه.
لقد عرف الشهيد السعيد محمد باقر الصدر  عليه الرحمة قدر هذا الرجل وفضله مبكرا وهو في بدايات  تصديه لشئون الأمة فقال في حقه:كل من خرج من النجف خسر النجف إلا السيد فضل الله فعندما خرج من النجف خسره النجف) ولكن ماذا كان يقول السيد الصدر  الآن وهو يرى ما حققه فضل الله من تغيير هائل في العقول ، لقد كان يقول  بان الدنيا بأكملها خسرته وخسرت وجوده المبارك، فهو قلعة فكرية شامخة  وهو شيعي أصيل موضوعي  وعاقل  وهو مجتهد حقيقي خرج على المألوف بعقل وروية ، ولعل أصوب آراءه  هو عدم  القول بنظرية الأعلم وجواز التبعيض ، انه الوعي الحقيقي الكامل لما يجري من حوله إذ لم يكن أسير الماضي وأحداث الماضي بل كان مولعا بالحاضر  مراهنا على المستقبل، كان يقرأ الإسلام على انه صالح لكل زمان ومكان ولم يكن ليُرضي العوام بفتاويه بقدر ما كان يرضي ضميره المتوقد.
وان كان  لا بد من وصف المرجعيات بالرشيدة والحكيمة والناطقة والصامتة فانا اصف مرجعية فضل الله بالمرجعية المتحركة ، إذ كان يذهب الى الناس كما يأتونه  وكان يحرص على حج بيت الله الحرام لأنها فرصة مناسبة للقاء المسلمين من مختلف البلدان على صعيد واحد وكانت بعثته في الحج لا تعج بطلبة العلم فحسب وإنما كانت مقصدا لذوي الحاجات والمعوزين أيضا.
أقول مرجعية متحركة لأسباب كثيرة منها ظهوره المتكرر على وسائل الإعلام والإدلاء بأحاديث صحفية ومقابلات إعلامية في الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون وهو ظهور مبارك يتفرد به عن أقرانه المراجع ، و لا اخفي باني لم أكن اعرف معنى العالم العامل حتى رأيت هذا العامل ورأيت مشاريعه التي تضم مدارس ثانوية ومعاهد مهنية ومراكز صحية واجتماعية فضلا عن جانب الرحمة المتجلية في مبراته الخيرية التي تأوي الأرامل والأيتام  وتكفل لهم العيش الكريم  سواء  في حياته أو بعد مماته.
 نحن لا ندرك الفراغ الذي  سيتركه السيد الآن ولا شك بان هناك من سيخالطه السرور لغيابه عن الساحة لأسباب لست اذكرها ولكننا ياسيدنا لفراقك لمحزونون، وقد بكيت كثيرا وأنا أرى  الجلد والصبر على وجوه أفراد أسرته وهم يتلقون العزاء من جموع المعزين وأيقنت بان بكائي لم يكن عليه بل على الدين  وعلى التشيع الحقيقي الأصيل، فمن لنا بعده أمام سيل البدع والخرافات ومحاولات تحجيم التشيع من قبل الشيعة أنفسهم، ومن بعده يعطينا الفكر الصحيح ويعطينا غذاء الروح؟ ، ومن يعلمنا أن الدين  يبقى مشعا  رغم الشوائب العالقة ، لقد اظهر السيد فضل الله علمه في وقت لم يظهره الآخرون ، لقد كان واضحا في نداءه ليس لديه ما يخفيه عن الأعين وليس عنده ازدواجية  في الخطاب فالحلال بيّن والحرام بيّن والأصل بيّن والنقل بيّن.
ومن ألقاب السيد فضل الله (المجاهد) وجهاده ضد العدو الصهيوني معروف لدى الجميع ، ولكن اشد من ذلك هو جهاده  ضد الضلالات  والترهات والبدع  والخزعبلات حتى عاداه بنو قومه وعلماء طائفته و وصفوه بما لا يليق بجلال قدره وسمو مكانته.
لقد كان الرجل المؤمن الذي صدق ما عاهد الله عليه فقضى نحبه فرحم الله فضل الله  الذي كان فضلا من الله  منّ به الله على المؤمنين فحمدا لله على فضله، وأقول لمحبيه وأنصاره وذويه : وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.
نعم لقد رحل فضل الله وهذا هو قضاء الله وهذه إرادة الله فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ،اللهم احشره مع من أحب وابعثه ربي مقاما ترضاه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
aabbcde@msn.com

102
الطب البديل في محاضرة بالديوان الثقافي العراقي
عبد الكريم الجواهري
في بداية موفقة  اثر تفعيل نشاطات الديوان الثقافي العراقي  في لندن  اقيم امس ندوة زاخرة بالعلم والمعرفة  على قاعة الديوان  القت فيها الدكتورة نجاة السماوي الشذر محاضرة قيمة عن الطب البديل وكانت الدكتورة نجاة وهي مستشارة في الطب التكميلي متألقة في محاضرتها الرائعة وقد ادار الندوة  المهندس كرم الخزرجي فقدم شرحا وافرا عن تاريخها البحثي والعلمي في بريطانيا والعراق وبعض الدول العربية كما اردفت هي بما خفي عن السيد الخزرجي وقدمت للجزء الثاني من كتابها في الطب البديل والذي تهافت الحاضرون  على شراء نسخ منه ، وتحدثت السيدة نجاة باجمال عن فروع علم الطب البديل و أهميته في الوقت الحاضر كعلم مساعد للطب البشري كما انه طب يعتمد على الدواء الغذائي والأعشاب كعلاج لكثير من الأزمات المرضية والنفسية ، كما انه علم جديد للعراقيين وهناك مسؤولية لنشره والاستفادة منه ، وبعد ما أنهت الدكتورة محاضرتها بدأ دور الأسئلة والأجوبة من الحضور الذي كان متمتعا بما سمع من أمور لها علاقة بصحته وسلامته  وتم تغطية الحدث من قبل عدد من الفضائيات العربية .
ومن الجدير بالذكر قام الديوان الثقافي العراقي  بانشاء مقهى ثقافي يجتمع رواده اسبوعيا على قاعة الديوان  لتبادل الاحاديث الثقافية والعلمية و والادبية والاجتماغية وهو فرصة للتعارف بين ابناء الجالية وتبادل الاراء في جو من الود والحميمية وكان لقاء رائعا أجتمع فيه الطبيب مع الفنان والاديب مع الفلكي وكان الحضور متنوعا من الجنسين وقد دار الحوار حول مواضيع متعددة منها النشاطات القادمة للديوان وقدمت الكثير من الأقتراحات المهمة والتي ستناقش في الأجتماع المقبل للهيئة الأدارية للديوان ، كما لم يخلو اللقاء من متعة الحديث والنكتة والطرائف ، وتم تسمية الاستاذ عبد الكريم الجواهري منسقا لبرامج الديوان ومشرفا على المقهى الثقافي.


كما أعيد الأعلان عن نشاط الجمعة القادمة والذي سيكون محاضرة لأرواء عطش العقول والخيال العلمي والأجابة على العديد من التساؤلات عن بداية الكون والوجود وأين نحن من هذا الكون الرحيب للأستاذ عبد الكريم الجواهري وفي الساعة السابعة وبعدها سيكون اللقاء الثقافي وبنكهة فكرية جديدة وعلى نفس القاعة.


 

103
المنبر الحر / لقد كنت ضد المالكي
« في: 00:22 19/03/2010  »
لقد كنت ضد المالكي
حسين ابو سعود
لا يخفى بان الانتخابات هي حديث الساعة وفاكهة المجالس، وقد دعيت مؤخرا الى جلسة  دينية في بيت احد الأفاضل فكانت الانتخابات  وتأخر نتائجها محور الحديث قبل الجلسة وبعدها  وقيل فيها الكثير وقد أعجبني نبرة الإنصاف عند احدهم وهو مثقف أربعيني  والذي انبرى مدافعا عن  العملية السياسية والانتخابات  بحماس بالغ قائلا بأنه كان ضد المالكي ويعني بأنه يميل الى قائمة أخرى ، وانه أعطى صوته لصالح تلك القائمة ولكنه بعد أن رأى تقدم قائمة دولة القانون استسلم للأمر الواقع واظهر قبوله للنتائج بروح رياضية عالية داعيا الجميع الى مؤازرة الفائز، يعني السيد المالكي ومساعدته في انجاز مهامه لخدمة العراق والعراقيين   احتراما لقرار الشعب واختياره ، وأبدى امتعاضه من تصريح احد السياسيين في مجلس خاص قوله بأنه كان يستكثر نجاحات المالكي وانه لا يريد أن يتحول  المالكي الى بطل قومي لمقاومته قوى الشر والظلام وشجاعته في مواجهة الأحداث وقربه من عوام الناس والفقراء  وأضاف ذلك المنصف  بوضوح تام : الآن وبعد أن فاز المالكي لوحده بأغلبية الأصوات ليس أمامي سوى خيارين ، الأول هو التكابر ورفض النتائج فيخسر العراق وتخسر الأجيال  أو التسليم بالنتائج ومؤازرة الفائز بكل نبل ونكران ذات ، فاخترت الثانية بكل جرأة .
 لقد رأى الرجل النبيل نجاح المالكي وتألقه وحب الشعب له ، وأيقن بأنه سيمثل العراق بعد فوزه ولن يمثل حزبه وائتلافه فقط وسيكون أبا للجميع كما كان طوال السنين الماضية من حكمه ، ويتوجب على كل إنسان حر نزيه شريف أن يؤازر قائده ويساعد العراق بمساعدة المالكي لا سيما  وان المسئوليات تزداد جسامة  عليه بعد الفوز لان المرحلة القادمة تختلف عن المرحلة السابقة ، لأنها مرحلة التغيير والبناء والعطاء .
 هذا الرجل ومثله الكثير من الشرفاء كان يوالي قائمة أخرى  غير قائمة دولة القانون ولا شئ في ذلك  لأنه يمارس حقه الطبيعي وحريته في الاختيار، والضمير الحي يستوجب أن يقبل بالنتائج بروح عالية ،وعلينا جميعا أن نغير نظرتنا تجاه أي شخص أو مجموعة أو زعيم  لا يقبل بنتائج الانتخابات وإلا ما فائدة الانتخابات  وإنفاق الملايين  والجهد والتضحيات ، وان أي مجموعة أو شخص يدخل الانتخابات إنما يقر على نفسه تقبل النتائج وان كانت مخالفة لرغباته، أو انه لا يدخل في الانتخابات من البداية كي لا يلزم نفسه بقبول النتائج، وهذا ما يحدث في الدول المتحضرة حيث يقوم الطرف الخاسر بتقديم التهنئة للطرف الفائز ويتعهد بتقديم كل مساعدة ممكنة له للمضي بالبلاد الى بر الأمان.
وثمة سؤال يفرض نفسه هنا وهو لماذا اختار الناس الأستاذ نوري المالكي مرة أخرى ؟، أقول لقد أحبه الناس لأنه أحبهم، والتفوا حوله أكثر لما شاهدوا بعض السياسيين وقد تكالبوا للإضرار بالمسيرة الديمقراطية لا سيما  أولئك الذين لم يحققوا شيئا يذكر في الانتخابات، فجندوا الأقلام المأجورة بغية تشويه منجزات الآخرين.
أحبوه ليس لأنه الزعيم والقائد بل لأنه الأخ الأكبر ، والأخ احرص الناس على مصالح أخوته، وبهذه  المناسبة فانا لا أريد أن استهين بما حققه الآخرون ولكنه العدل والإنصاف الذي يوجب القول بان المالكي لوحده حصل على ما لم تحصل عليه كيانات كثيرة تآلفت فيما بينها في قوائم مشتركة.
 ولمن يريد مصلحة العراق فالمالكي في الصدارة ومن كان ضده بالأمس صار اليوم معه من باب الإنصاف.
aabbcde@msn.com



104
المالكي فاز قبل إعلان النتائج
حسين ابو سعود
لا يخفى على احد بان وقت الدعاية الانتخابية قد انتهى كما انتهت عملية الاقتراع في الداخل والخارج، ولم يبق سوى فرز الأصوات وإعلان النتائج، ومهما تكن النتائج فان الأستاذ نوري المالكي قد فاز في الانتخابات بإقامة انتخابات نزيهة وعادلة ومنصفة، وانه دخل التاريخ من أوسع الأبواب، فهو بطل الانتخابات وبطل الديمقراطية بلا منازع سواء حصد أكثرية الأصوات أم لم يحصد، لقد ترك للشعب حرية الاختيار، وهيأ لهذه الحرية الأسباب المطلوبة عن طريق اقامة الامن وتكثيف الحمايات  .
لقد كان الأمن من أولويات المالكي لكي يستطيع المواطن اختيار مرشحه الذي يقتنع به دون ضغوط ، وقد شهد العالم  الأيام التي سبقت الانتخابات وكيف أن العراق تحول   الى ساحة عرس حقيقية، لقد كان عرس المطابع والخطاطين وعرس الشعب والميادين والشوارع ، كان عرس العراق بالرغم من بعض المظاهر السلبية التي تم رصدها من قيام البعض بإلحاق الأضرار بملصقات المرشحين وإزالتها وتثبيت ملصقات أخرى بدلا منها، مع إن الشوارع و الميادين كانت تسع الجميع.
لقد وقفت القوات المسلحة كلها وعلى رأسها السيد المالكي القائد العام للقوات المسلحة أمام الإرهاب وقفة شجاعة، على إن الشجاعة معهودة من المالكي منذ تصديه لجميع قوى الشر والإرهاب وهزم الظلاميين كلهم وأعاد للعراق الأمن والأمان حتى صار المواطن يتنقل من محافظة الى أخرى بلا خوف ولا وجل وما أقوله ليس دعاية للمالكي، إذ أن وقت الدعاية الانتخابية قد مضى ولكني استقرأت آراء الناس من خلال حديث الشارع فوجدت إن أكثر الناس يميلون للسيد المالكي لأنه أعاد الأمن والأمان للبلاد وقد وجدت أيضا الكثير ممن لا يؤمن بالانتخابات وجدتهم قد قرروا انتخاب قائمة دولة القانون  دون أن يعرفوا أسماء  من هم في القائمة .
لقد كسب المالكي القلوب قبل الأصوات ومهما تكن النتائج فالمالكي ومن باب الإنصاف قد دخل التاريخ بطلا قاد البلاد في أحلك الظروف وأصعب الحالات، حيث الإرهاب والفساد الإداري والتدخلات الأجنبية وغيرها من المشاكل التي تعصف بأكبر حكومة في العالم في وقت قصير .
ماذا يريد الناس غير الأمان ، وهل الأمان إلا مفتاح للازدهار الاقتصادي والرخاء الاجتماعي ، وكم كانت جميلة تلك الأمسية التي تجولنا فيها بالسيارة في مناطق الكاظمية والاعظمية وقد تبدت الأنوار اللامعة والأضواء الساطعة لمرقدي الإمام الكاظم والإمام أبي حنيفة النعمان ، تجولنا دون أن يسكننا الخوف والتردد.
في مساء السابع من آذار عندما أغلقت مراكز الاقتراع أبوابها تم إعلان انتصار المالكي على الفردية وعلى التسلط والدكتاتورية والإرهاب والفساد وكل المظاهر السيئة، ولم يبق سوى إعلان النتائج الرسمية ليأتي دور تشكيل الحكومة الجديدة، الحكومة التي ستبدأ العمل الحقيقي لبناء  عراق جديد وضع لبناتها السيد المالكي وتحمل الجزء الأكبر من الأخطار والتحديات، وان الشعب الذي تحدى الموت وشارك في الانتخابات إنما يطلب من الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز تقبل الأمر بروح رياضية عالية وتقديم التهاني للفائزين الذين سيحملون أعباء ومسئوليات جسام لإعادة الحياة الطبيعية الى العراق.
المالكي ليس إلا رمز للعراق والعراقيين سواء بقي أم ذهب فانه بطل أقدس الثورات اعني الانتخابات التي جرت في عهده دون تدخل منه في سيرها، ولن ينسى الشعب هذه الروحية العالية وهذا الأداء الفريد له.
ان الأطراف التي حاولت النيل من المالكي وبمختلف السبل لم تستطع تحقيق أغراضها، وقد شاهدنا إحدى الفضائيات وهي تحاول الإساءة الى شخص المالكي  عندما ألقى كلمة عشية الانتخابات حث فيها الناس لاختيار الأجدر وهو توجيه أبوي واضح المعنى ، حاولت الفضائية أن تفسره حسب أهواءها باعتبار أن المالكي أراد التأثير على الناخبين وهو كلام عار عن الصحة بعيد عن الإنصاف ، فيا أيها الناس أنصفوا المالكي  فالانصاف إذا غاب عن مجتمع غابت عنه المثل الأخرى وتحول الى غابة من المفترسين لا تطاق، أقول أنصفوا مواقف المالكي وأداءه وتضحياته سواء  أحرز الأكثرية أم لم يحرز.
لقد انتصر المالكي وانتصر العراق ومبروك لجميع العراقيين انتهاء الانتخابات بسلام وأمان بالرغم من محاولات اليائسين وأما إذا حدثت بعض الخروقات فاقول ان الانتخابات هي حالة جديدة على العراقيين وان الخروقات النسبية تحدث في معظم البلدان، والأمل كبير في أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة انتخابات مثالية خالية من السلبيات ، والى كل من يريد أن يشكك في نزاهة الانتخابات بعد النتائج أقول : إن الانتخابات جرت بمرأى ومسمع من العالم تراقبه أعين المراقبين الدوليين والمحليين وممثلي الأحزاب والصحافة وكانت كل الفضائيات العراقية تنقل الوقائع أولا بأول  بعدسات ذكية ومراسلين أذكى.
aabbcde@msn.com


105
شكرا للعريفي فقد أسدى جميلا
حسين ابو سعود

لأن هذا الرد ليس موجها للشيخ محمد العريفي ، وإنما هو لكل عاقل ومتوازن في هذا العالم . فقد رأيت التريث  في تناول الموضوع حتى تهدأ الزوبعة التي أثيرت و ليتسنى مخاطبة النفوس بهدوء وروية . ولكي أوضح المراد من العنوان حتى لا يساء الفهم  أقول بأن أحد المولعين بالجدال أتصل بي وقال أرأيت كيف عمل العريفي بالسيستاني ؟، فقلت له أنما عمل العريفي على شاكلته ، ولكنه أسدى جميلا للعقلاء من بني جلدته كي لا يقدموا على ما أقدم عليه ، و يعتبروا بما لحق به ، ومن جهة أخرى فقد أسدى جميلا للسيد السيستاني الذي يمن الله عليه بين فترة وأخرى من ينشر فضائله كما في قول الشاعر :-
إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
أقول أسدى جميلا لأني تذكرت حادثة إدخال السبايا على الأمير عبيد الله بن زياد ، وقوله لزينب الحوراء : أرأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ، فقالت : ما رأيت إلا جميلا ، فقال لها : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين .
 فأي غرابة إذن أن ينعت العريفي السيد السيستاني بـ ( .... ) وهو أقل فضلا ومرتبة  وعلما من ابن زياد الذي نعت الحسين ( وهو أعلى مرتبة  وفضلا من حفيده السيد السيستاني) بالطاغية .
 أنه التاريخ يعيد نفسه لا غير !! . ولعمري لقد قذف العريفي قديسا واتهم سيدا مباركا وأساء الى رأس الصالحين ، وان كان هذا شفاؤه فقد اشتفى كما اشتفى ابن مرجانة من ابن فاطمة  ، ولكي لا نتعجب كثيرا من قذف العريفي أقول بان التاريخ يزخر بحوادث القذف الباطل، وقد حدث مع الإمام زين العابدين أن سبّه احدهم وشتمه ، فاعرض عنه بل ودعا له بالمغفرة، وقد قيل  عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله انه مجنون ، قالها مشركو قريش وهم ادني درجة من العريفي  فيما اتهم من هم أعلى درجة منه أعني الخوارج وفيهم الحفاظ اتهموا عليا (وهو من هو) بالكفر .
إذن فمسالة الطعن بالصديقين  ليست من المسائل المستحدثة ، فهي نتاج سلوك نفسي متعثر وغير مستقر قد يكون وراءه حسد وتنافس وأمور أخرى غير واضحة المعالم، ولكن الذي يُقدم على هكذا عمل لاشك وانه يتحلى بجرأة مبينة ، وتقول الروايات بان عددا من رجالات العرب تقدموا الى الحسين بعد أن أثخن بالجراح ليريحوه بحز رأسه فارتعدت فرائصهم ولكن شخصا جبارا منزوع الرحمة تجرأ وقام بهذا العمل وهو شمر بن ذي الجوشن، وان كان الرجل قد طعن السيد السيستاني باللسان فان شمرا طعن جد السيستاني بالرمح وجلس على صدره واحتزرأسه، وان خصوم السيستاني لترتعد فرائصهم من مهاجمته ولكن العريفي تولى هذه المهمة عنهم وفعل ما لم يفعله الآخرون ، ولكن لماذا فعل ذلك ؟! هل كان ذلك تطوعا منه ، أم كان مدفوعا الى ذلك ومجبرا عليه ونحن نعلم بان العريفي عالم ، وإن كان من الطبقة الثالثة أو الرابعة  كما وصفه البعض والرجل بعمله إن كان يريد الشهرة من خلال التعرض لصاحب أكبر قضية في العالم ، أعني  قضية (حقن دماء المسلمين وغير المسلمين في العراق )، فهو والحق يقال  حقق الكثير من الشهرة من خلال مناظراته التليفزيونية وظهوره على الفضائيات ،فلماذا أستخدم منبرا شريفا مثل منبر الجمعة  الذي يفترض استخدامه للإصلاح وليس للإفساد  للنيل من السيد السيستاني  الذي لا علاقة له بما يحدث على أرض اليمن البتة ، وان دعي لذلك فلن يدعو إلا لحقن الدماء ووقف الاقتتال بين الإخوة ، ومن حقه أن يبحث عن الشهرة ، فهو شاب في مقتبل العمر  وأمامه مستقبل واعد ، ولكن ليس على حساب السيد السيستاني الذي تبحث عنه الشهرة مع عزوفه عن الظهور في الصحافة والإعلام  .
وما فعله العريفي لم يكن حرية تعبير الذي هو حق إنساني مقدس لان هذه الحرية لها ضوابط لا تخفى عليه كما انه ليس دعوة الى الله لان الدعوة  تفتقر الى الحكمة والموعظة وهما شرطان كما في الاية الكريمة:( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )، كما لم يكن طرحه يعبر عن موقف سياسي إذ ليس معروفا عنه البتة اشتغاله بالسياسة. إذن فالعريفي إنما فعل ذلك مع السيستاني لغل في صدره قديم ولو دعي لفعل ذلك مع غيره ما فعل، ولو دعي لاستخدام كلمة (فاجر) ضد البابا أو ضد أحد حاخامات اليهود ما فعل .


العريفي مسلم ويجب عليه أن يلقن مريديه في المسجد ، كيف يسلم الناس من يد المسلم ولسانه  ، كما أنه ليس لأحد التذرع بحرية الرد باستخدام ألفظ نابية وجارحة إذ لا يجوز المثلة وإن كان الرجل قد جلب على نفسه نتائج عدم صون اللسان ، مع أن ردة الفعل كانت متوقعة ، لأن ( بني عمه فيهم رماح )  غير ان العريفي لم يتعجب  من ردة فعل الشيعة ، ولكنه أصيب بخيبة أمل كبيرة من عدم مساندة رجال الدين السنة له ، وقد كنت أتمنى أن لا يرد  عليه شيعي أبد ا ، والاكتفاء بردود المنصفين من  أخواننا أهل السنة والجماعة ، لكي يشهد شاهد من أهلها ويثبت أن العريفي لم يكن على شيء لا سيما أنه لم يعتبر من جهوده التي راحت سدى في قناة المستقلة ، وقد يكون العريفي قد تعرض لكلمات حادة وقاسية ، لأنه هو الذي بدا ، والبادي في الفتنة أظلم ، غير أني أجد نفسي مرغما على التزام الأدب الكامل تجاهه  لأن السيستاني لا يسمح بأي حال من الأحوال لأتباعه بالتجاوز على المسيئين ، وهذا تخريج يشبه فعل الإمام علي عليه السلام ، وهو جده ، عندما منع من الإساءة إلى قاتله  بل وأوصى  به كما في الأخبار . والسيستاني شأنه شأن المراجع الآخرين أكتسب برياضاته وزهده وتقواه عصمة ثانوية تمنعه من الدخول في المهاترات  التي يراد منها شغله عن العبادة  و خدمة الناس ، ثم لو أن الشيعة استفتوا السيستاني في الرد على العريفي لمنعهم من الرد ، وكنت أتمنى لو أكون في النجف ، وأطلب الأذن على سماحته ، لكي أستفتيه وأساله عن رأيه بالعريفي وبما فعل العريفي ، وأكاد أجزم بأن قوله لن يتعدى عبارة واحدة وهي : غفر الله له ، أتركوه في شأنه ويتمثل بقوله تعالى : ( أدفع بالتي هي أحسن وكأن الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .
إن العالم بأسره إلا شرذمة قليلة يعرف ويعترف بأن السيد السيستاني يمثل السلام ، وأعداءه يمثلون الحرب ، وهو يمثل المحبة وخصومه يمثلون الحقد والكراهية ، ولن يضيره أن يقف من هو مثل العريفي مقابله ، كما أنه لم يضر موسى وقوف فرعون قباله ، ولم يضر إبراهيم  معارضة نمرود له ، ولم ينفع يزيد عداؤه للحسين .
ولا ادري متى ستعرف هذه الشرذمة القليلة قدر هذا الإنسان المقدس، هذا الرجل العالمي الذي لم يعد شيعيا ولا سنيا ولا رمزا عراقيا صرفا وإنما شخصية عالمية معتبرة لامعة قوية حتى رشحته بعض الجهات لنيل جائزة نوبل للسلام. وقد أثبتت الأيام بان الناس يلتفون حول السيد السيستاني أكثر بعد كل إساءة تصدر من أحدهم ضده ويتعاطفون معه كرجل سلام ..هذا الرجل الذي حافظ على دماء الناس كل الناس ، شيعة وسنة وصابئة ومسيحيين.
الآن وبعد أن انجلت الغبرة وهدأت النفوس ، أحسب إن العريفي وهو الراشد العاقل قد راجع حساباته و ندم على فعلته ، بعد أن أكتشف خطأ ما ذهب إليه ، وكان يتوقع بأن الناس سيتقبلون كلامه بقبول حسن غير انه أسقط في يده  . ولكن هل سيعتذر العريفي أمام الملأ أم إن العزة تمنعه من الاعتذار ، مع العلم أن الاعتذار ثقافة راقية ، وتحتاج الى شجاعة من صاحبها ، فهل يملك العريفي تلك الشجاعة ؟ . فلنعتبر ما حدث سقطة أو زلة ، قد يقع فيها أي إنسان وإلا ما قيمة قول ظاهر البطلان يطلق في حالة غضب أو فورة أو تملق ، لا سيما وأن نبرة الحماس في خطابه كانت مفتعلة، لأنه معروف بروح النكتة وخلط الطرح بالمرح .
لقد حرصت كما أسلفت أن لا يكون هذا الرد مصحوبا بتجريح وانتقاص ، لأن الرد ليس للعريفي وإن كان هو المحرض ، كما أن هذا الرد ليس دفاعا عن السيستاني ، بقدر ما هو دفاع عن الكلمة وعن الحق والإنسانية . وفي الختام أذكر الشيخ العريفي بقول الله سبحانه وتعالى : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ، ثم يرم به بريئا  فقد أحتمل بهتانا وإثما عظيما )وقوله تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) . وألفت عناية السيد السيستاني إلى قوله تعالى : ( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون )
وأقول لكم : رب ضارة نافعة .

aabbcde@msn.com


106
السنة والشيعة: صراع اختياري
حسين ابو سعود

ان ما بين السنة والشيعة ليس خلافا فحسب ولا مجرد صراع بل انه دوامة لا تجرف الجهد والوقت والمال فقط بل تزهق الأرواح وتسفك الدماء لأسباب خارجية لا دخل للتسنن والتشيع فيها، ونحن نعلم بان الله سبحانه وتعالى أراد الخلاف دون أن يأمر به ليمتحن الصابرين أو انه أراد الاختلاف دون الخلاف من قبيل قوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك/هود:11) ولكنه تعالى قد علمنا أيضا أدب الخلاف وتحمل الاختلاف ودعا الى التحاور البناء الذي يوصل الى نتيجة حضارية تخدم البشرية، ولكن ما نعاني منه هو انعدام الرؤية وانعدام الوضوح، ولا ندري إن كان هناك حوار أم لا، وهل هو حوار بين العقلاء والعقلاء أم انه جدال بين الجهلاء والجهلاء أم انه صراع بين الجهلاء والعقلاء، ولا يشك عاقل بان معرفة الآخر تسهل الحوار لاسيما وان التعايش ليس معضلة فكرية يصعب التصدي لها، ولا يجدر بالبشر أن يكونوا كحيوانات الغابة يأكل القوي فيها الضعيف، بعد أن أرسل الله تعالى أكثر من مئة ألف نبي بغية الارتقاء بالإنسان الى مقامات سامية متقدمة تؤهله لعمارة الأرض وبناء الحضارات.
عندما نتأمل بعض المبادئ الميكافيلية في الصراع البشري البشري من قبيل (فرق تسد ) و (الغاية تبرر الوسيلة) نجد لها معنى في الكثير من الأحيان، وان افتعال الصراع على ارض الواقع لا يختلف عن افتعاله على خشبة المسرح وفي التمثيليات والأفلام والروايات، لاشتراكهما في الإثارة والتشويق، وان ابتكارات المؤلفين في هذا المجال هي نقل دقيق عن الواقع المعاش، والشيء الذي صار يحكم العلاقة بين السنة والشيعة هو المنافسة كتنافس شركات السيارات مثلا للسيطرة على السوق التي تحوي جميع أشكال الصراع وصوره، وان أعطيت لها مسميات عقلائية لتخفيف الوطأة، والمنافسة لها أجواء إذا احتدمت تجعل معرفة الفرق بين الجيد والردئ أمرا صعبا، فالمنافسة صراع، والصراع مهنة إنسانية تحوي الكثير من الإسقاط والاحتكار والجشع تحت أقنعة مهذبة كي لا يطالها القانون .

الطرف الثالث

إن الخلاف بين السنة والشيعة ليس خلافا بين طرفين، بل انه خلاف بين أطراف ثلاثة والطرف الثالث هو الأقوى بكل الاعتبارات وكلما حاول الطرفان المعنيان تهوين الأمور تدخل الطرف الثالث بأسلوب خفي وطريقة ذكية ليصّعب الأمور مضيفا حالة من المهابة والقداسة على أمور قد لا تستحق الوقوف عندها .
فالخلافات إما أن تكون حقيقية أو وهمية نحن نفتعلها لنقــــص في قــــدراتنا الفكرية، أو هناك من يدفعنا إليها دفعا ونحن نُساق كما تساق الإبل على إن حل الخلافات الوهمية أصعب بكثير من حل الخلافات الحقيقية.
وكان من السهل علينا أن نلقي بالكثير من المسؤولية في خلافاتنا على عاتق شخصيات وهمية أو حقيقية مثل ( عبد الله بن سبأ) وندين أعماله وأفعاله ونتبرأ منه لكي يحدث حالة من التقارب بين الطرفين، ولكن هناك في الأمة رجال لهم أثر وخطر ومكانة ومقام يقعون في الفخ من حيث لا يشعرون، وقد جمعتني الصدف بأحدهم وهو المحقق الراحل السيد مرتضى العسكري، وحاولت إقناعه بوجود عبد الله بن سبأ كـ (تيار) من باب الاستدلال بالأثر على وجود المؤثر، إذ ليس من المعقول وجود الخلافات الكبرى وعدم وجود من أوجدها وأثارها، ولكنه رحمه الله كان يتحمس لفكرته وبشدة مع الإقرار بأن ما توصل اليه من نتائج مثيرة جدا، وليس لأحد الحق أن يتهمني على اني ممن يقولون بان مذهب الشيعة هو من تأسيس بن سبأ فانا لم اقل ذلك ولا أقوله ولكني اؤمن بان بن سبأ موجود على شكل شخص متخف أو منظمة أو جماعة متخصصة في تأجيج الخلافات وافتعالها، وقد استطاع هذا الخط الخفي إيصال الخلافات الى طريق اللاعودة بكل مكر ودهاء، ومع مرور الوقت تعلم الطرفان افتعال الخلاف وهو جهل مطبق تمخضت عنه كوارث مدمرة .
وكان الخوارج يستطيعون أن لا يخرجوا على إمامهم تفاديا لسفك الدماء وكان مير حسين موسوي مثلا يستطيع أن لا يفتعل الخلاف ضد انتخاب الرئيس احمدي نجاد وكان بوسع الشيخ القرضاوي أن لا يطلق تصريحات من شأنها تأجيج الخلافات بين شقي الأمة في زمن أحوج ما تكون فيه الى التقارب والتوحد، وليت الشيخ الكلباني لم يتحدث عن الشيعة في الزمن الخطأ بالأسلوب الذي اوجد شرخا جديدا في جسد الأمة ولا يستطيع احد أن يدعي بأنه كان مجبرا عليها، ومن اجبر شاعرا موغلا في الحداثة والرمزية مثل (أدونيس) أن يتدخل في مسألة الشيعة والسنة وهو غير مضطر للخوض في هذا الموضوع، ومثله فأن أكثرنا لسنا مضطرين للحديث عن الخلافات بين المذهبين .
ان الحياة محكومة بالتغيير وقوانين التطور، والتغيير سنة والتطوير مطلوب حتى في النظرة نحو الماضي والتاريخ، فلماذا لم تتغير نظرتنا الى الأحداث التاريخية ؟ وذلك لتخفيف وطأة بعض الأحداث لا لشيء إلا لكي نعيش ونكمل المسيرة دون الجمود عند نقطة واحدة، فتلك امة قد خلت والله وحده يحكم فيما كانوا فيه يختلفون، وعلينا الاستفادة من تلك الخلافات لتجاوز شبيهاتها في المستقبل لأن المسيرة مسؤولية يتحملها جميع الأطراف.
لقد اشتهر الخلاف السني الشيعي أكثر من الخلاف الروسي الأمريكي وأكثر من الحروب المخابراتية بين الدول، وبين الألمانيتين وباكستان الشرقية والغربية وكوريا الشمالية والجنوبية وغيرها والسبب في ذلك ليس لأنه خلاف مخيف استهلك المال والجهد والأرواح بل لطول الفترة التي استغرقها هذا الخلاف الذي وُصم بالقداسة وامتلاكه لمقومات الاستمرار، مع ان تعريف الحروب المقدسة يحتاج الى تفصيل اقله أن يشنها الصالحون ضد قوى الشر وحروب الصالحين يُراد منها دائما إنهاء الحروب وليس استمرارها .
نحن لا ننكر بان الحوار المستمر واستمرار الحوار قد ينفع وقد يضـــر ولكن إعادة بناء العلاقات بين السنة والشـــيعة ضمن مشروع كبير تتبناه الحكومـــات ( السعودية والإيرانية والمصرية ) مـــثلا واستبعاد الطرف الخفي الثالث قد تؤدي الى إعادة بناء العلاقات بين الإسلام والمسيحية وبين الدول الإسلامية وأمريكا، فنحن مخيرون في السير نحو الائتلاف ولسنا مجبرين على التمرغ في أوحال الاختلاف، وعلينا جميعا أن نحرص على أن لا نكون ضحايا صناعة الغباء .

107
تلك كربلاء وتلك منازلها



حسين ابو سعود
قبل  كربلاء ، كنا في النجف الأشرف ، عاصمة العلم والثقافة والأدب ، ارض العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء، أرض علي ومن رأى مثل علي رجلا ؟ فهو أول الأئمة عند البعض وخاتم الخلفاء عند البعض الآخر وغالى به البعض حتى صار عندهم إلها يُعبد ، شخصية فريدة لا يجود الزمان بمثله، كنا في حماه وقد حاصرت  ضريحه الآمن الحمايات والحراسات ، وحتى العلماء الأجلاء صاروا بسبب الظالمين والمارقين  وراء الحجب دونهم نقاط لا يمكن اختراقها وهم أحب الناس الى قلوب الناس.
لقد زرنا الكاظمية وزرنا النجف والكوفة والحلة ولكن هل تكتمل الرحلة بلا زيارة للحسين؟ وبلا التصاق بضريحه ، وبكاء عند أعتاب مرقده ، أو دعاء تحت قبته.
لا ادري لماذا تذكرت حيرة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري عندما سالت السائق عن المدة التي تستغرق للوصول الى كربلاء، تذكرت جابرا وهو  يسأل خادمه عطية عن السوادة المقبلة ، ويطلب منه أن ينطلق ليرى، فان كانوا آل الرسول العائدون من الأسر فهو حر لوجه الله تعالى ، وقد ذكرت التواريخ بأنه عاد الى سيده طالبا منه إن يتهيأ لاستقبال الإمام السجاد ومعه السبايا ، اخبرني السائق  الذي كان سنيا  من أهالي سامراء ، أقول سنيا لأني أريد أن اثبت بان الطائفية البغيضة لا تعيش إلا في نفوس أصحابها وأما الشعب العراقي  فانه لا يؤمن بالطائفية ولا يتأثر  بها رغم المحاولات التي بُذلت  لترويجها وتقسيم الناس على أساسها، اخبرني السائق بأننا على وشك الوصول الى كربلاء، فصرنا نعد الدقائق والثواني وأجدني لا أقوى على وصف المشاعر فالأمر فوق الوصف، فنحن في طريقنا الى الحسين وما أدراك ما الحسين ،الحسين الذي أحببناه فأجنّنا حبه، وفجأة هتف السائق بنا لما لاحت له بعض المباني أن تلك كربلاء وتلك منازلها ، ترقرقت الدموع في العيون وتحشرجت الكلمات ، خنقتنا العبرات عندما شاهدنا المنائر الذهبية ثم العلم الأحمر الذي يرفرف فوق القبة الشريفة، إذن نحن في كربلاء ، نحن في مهوى الأفئدة وقبلة العشاق، نحن على مقربة من الحسين الخالد، لقد جاء بنا الحب الأزلي وجئنا إليه بالحب والتحية والسلام من أصدقائنا وأهلينا .
ماذا نفعل بعد هذا العناء ؟ لا شئ سوى الاغتسال كما اغتسل جابر بماء الفرات ، انه التاريخ يكرر مشاهده، كنت امضي نحو الحرم المقدس وقلبي يسبقني إليه، وأنا أرى العشاق من مختلف دول العالم ، رأيت العربي والأعجمي ، رأيت الأبيض والأسود والرجل والمرأة  والكبير والصغير ، رأيت العشق النقي، صرت قريبا أمام  وارث ادم صفوة الله، ووارث نوح نبي الله  ووارث إبراهيم خليل الله، وكم قرأنا  زيارة وارث من بعيد ، صرنا الآن وجها لوجه مع الإمام الحسين ، وجها لوجه مع أبي الفضل العباس قمر العشيرة.
في تلك اللحظة المهيبة تذكرت الطغاة والظالمين ، تذكرت حكومة البعث، فاستندت الى جدار وأنا انظر الى القبر الشريف المحفوف بالذهب والجواهر والأضواء وقلوب المحبين ، وقلت في سري: هل حسبتم إن الحسين قد مات واندثر ، أحسبتم أن الشيب الخضيب والبدن السليب غدا في ذاكرة الأيام نسيا منسيا، تعالوا الى كربلاء وانظروا إليها، هاهو الحسين باق فأين انتم ؟ وأين الظلم والقتل والجور ، لقد جرت مدامعي في كل مشهد في كربلاء ن إلا إنني تمالكت  ومنعت نفسي من البكاء عندما كنا في ضيافة الحسين مرة وفي ضيافة العباس مرة أخرى وأنا أرى العاملين داخل المضيفين يتراكضون أثناء  تقديم الطعام للزوار متفانين في خدمة القادمين لزيارة كربلاء ولكن احدهم لاحظ الدمع وهو يترقرق في عينيّ فسألني عن الخبر  فقلت له كما قال الشاعر :
ما مررنا بدار زينب إلا  فضح الدمع سرنا المكتوما




لقد أثارني منظر الشباب وهم بكامل أناقتهم يخدمون الزائرين بكل سعادة وفخر وعزة، فتذكرت  الذين يخدمون في كيشوانيات المرقد الرضوي  المقدس في مدينة مشهد ممن يتبوءون المناصب العليا في الدولة يسجلون أسماءهم وينتظرون دورهم حتى يتاح لهم فرصة الخدمة  ، أي عشق هذا  وأي فناء في المحبوب ؟.
عندما تجولت في شوارع كربلاء ، رأيت رجلا هزيلا يضع على عينيه نظارات  سوداء سميكة  يجلس على الرصيف  يرمق المارة ، أمعنت فيه وإذا به الحاج عباس صديق الوالد ، عرفته  بنفسي فعرفني ، إذن هنا كان أبي وهنا كانت أمي وهنا الراحلون من أهلي ، إذن هذا هو العباس (أبو رأس الحار) الذي كانت تلجأ إليه أمي في الملمات والصعاب فيجيرها (بإذن الله ) وبعد هذه السنوات الطويلة عندما وقفت أمام قبر العباس ، رمز العطاء  والوفاء ، لم أجده (أبو راس حار) وإنما وجدته ذلك الناصح الأمين ، الشاب الوديع ، العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ، وجدته ساقي عطاشى كربلاء والذاب عن حرم رسول الله ، رأيته مقطوع الكفين ، المثخن بالجراحات ، وجدته لم يزل سببا في إطعام الآلاف وسقيهم ، فسلام عليه يوم ولد ويوم تضرج بدمائه الزكية ويوم يبعث حيا .
بقي شئ واحد وهو إني اقتطعت بعض الوقت، فذهبت الى مكان مولدي ، الى العباسية الشرقية ومنطقة المقلع بالتحديد ، بعد خمس وثلاثين سنة من البعد والغربة والأشواق ، توجهت الى منزل خالتي  الطاعنة في السن، طرقت الباب ، قالت :من ؟ قلت: رائحة أختك ، فخرجت  حاسرة الرأس  بسرعة لا يمكن توقعها من امرأة عجوز، طوقتني  بيديها فصارت تشمني وتضمني  وتقبلني  مرة في خدي الأيسر ومرة في خدي الأيمن ، حتى إذا هدأت أبعدتني عنها قليلا لتنظر إلي فصاحت حسن! قلت : لا بل حسين ، فصاحت بلهجة كربلائية محببة: ياااا  سودة عليّ هاي ليش كبرت ، ثم القت بنفسها عليّ ثانية وهي تقول ريحة باجيتي ، أفيش ،
ها خالة جاي تبقى يمنا بعد ما تروح  مو ؟
فقلت لها بصوت حزين: لا خالة بس ربع ساعة وامشي
مرتبط بالجماعة.
aabbcde@msn.com

108
موعد مع الموت أخلفناه (المنصور ميليا)



حسين ابو سعود
قبل أن يسمى يوم الأحد بالأحد الدامي  بيوم واحد فقط وقفت ثلاث حافلات أمام فندق المنصور ميليا ونزل منها ما يقرب من ستين شابا وشابة جاءوا من مختلف دول العالم ليشاركوا في المخيم الأول للشباب المغتربين معهم عدد من المشرفين والمشرفات، وبالرغم من العناء والإجهاد الناجم من ساعات السفر الطويلة، كانت الفرحة تعلو وجوه القادمين الجدد ، لقد كان  لقاء الأرواح قبل الأجساد بتراب الوطن وهواءه، وقد تربصت قوى الظلام بهذه الفرحة العارمة وأرادت وأدها في مهدها بتفجير هائل قرب فندق المنصور  لتتناقل وكالات الأنباء خبر استشهاد هؤلاء  الشباب والشابات في ثاني يوم تطأ أقدامهم فيه ارض الوطن ، منظر مهول ، أشلاء بشرية جاءت لتفرح وتجدد العهد مع الوطن الجريح، تتناثر أشياءهم وكاميراتهم الرقمية  وملابسهم الأنيقة والهدايا التي جاءوا بها لأيتام الداخل تعبيرا عن الحب والتضامن وجوالاتهم ترن بمختلف النغمات وتتلقى المكالمات من أهاليهم دون جواب .
هكذا أراد الإرهابيون ولكن الله أراد غير ذلك ، أراد لهؤلاء الذين جاءوا محملين بالحب أن يغادروا بالحب ، وان يكملوا رحلتهم كما كان مخططا لها ، أراد لهم  أن يوزعوا أشواقهم على الجوامع والكنائس  وعلى طيور الأضرحة والمراقد ، يمسحوا الحزن عن الجدران والأعمدة ونصب الحرية، لقد كان هؤلاء قد تركوا الفندق قبل  ساعة من الحادث، لقد كانوا وقت الانفجار المروع  ينعمون بالأمان داخل الحرم الآمن للأمام موسى الكاظم، كانوا في حمى الإمام الجواد، كانوا متسمرين حول جمال المشهد وجلال المكان ، حيث تناولوا الطعام في مضيف الإمامين الجوادين الكاظمين ولم يعلم احد منهم  بالتفجير  إلا عند العودة بعد غروب الشمس، حيث طُلب منهم أن يتوجهوا بهدوء تام الى غرفهم لجلب أمتعتهم والعودة نحو الحافلات التي ستقلهم الى فندق آخر وهو فندق بابل، على أن منظر الخراب الذي لحق بغرف الفندق وصالاته  لم يؤثر في معنويات الشباب الذين لم يتعودوا منظر الخراب والدمار  ورائحة الدماء، ولكنهم شعروا بالمعاناة اليومية لإخوانهم في الداخل، وعندما سأل  احد موظفي الفندق شابا مغتربا  عن سبب الزيارة للعراق في مثل هذه الظروف الصعبة قال بصوت واثق وعربية مشوبة بلكنة محببة عليها آثار الغربة: جئنا محملين بحب وردي لدجلة والفرات ، جئنا لنرى أن هل عادت المياه للاهوار  وهل عاد الخرير  الى الأنهار  وهل عج أبو نواس بالسمار، حول رائحة السمك المسكوف
جئنا لنسأل أهلنا :
هل غادرهم الجفاف وأينعت الضفاف،
 جئنا من ارض الصقيع نريد الشمس وريح الصبا والربيع
لقد نادانا العراق ونادانا النرجس والرازقي
لقد نادتنا ذكرياتنا  وذكريات الآباء والأمهات
جئنا نشكو برد المنافي وتعب السفر، وأما الموت: فقد قال تعالى
قل إن الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم، وقال :أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وهو القائل وقوله الحق: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت
 جئنا لأننا نحب هذه الأرض وهذه السماء.



2
تعقيب
لقد وجدت بغداد حزينة لا مبالية، وقد اخبرني غير واحد بان التفجيرات الدامية هي ارحم من القتل الفردي على الهوية ومنظر الجثث العائمة على نهر دجلة والذي كان سائدا قبل عامين وأكثر.
زيارتنا  للمنطقة الخضراء صاحبتها إجراءات أمنية اقل ما يقال عنها بأنها فوق العادة لكنها كانت ودية غير مخيفة ولا تلقي بالرهبة في القلوب لأننا كنا في طريقنا لمكتب شخص أحببناه وانتخبناه وكم كان اللقاء حميميا وجميلا  مع السيد نوري المالكي  رئيس الوزراء وكنا نراه وكأنه  أب بين أبنائه أو أخ بين إخوته، فلا خوف ولا رهبة  ولا تعالي .
و كان وزير الشباب والرياضة  المهندس جاسم محمد جعفر  يتابع أخبار الشباب طوال أيام المخيم ويشملهم برعايته الأبوية  من خلال اللجان التي أمر بتشكيلها  لمرافقة الوفد  في سبيل تهيئة كافة الضروريات وتبديد كافة العراقيل التي قد تواجههم.
ولعل أجمل ما في العراق هو حب الشعب للحياة وقد رأيت الناس يمارسون حياتهم بصورة عادية وكأنهم لم يكونوا في ظلام دامس منذ السبعينات  ، رأيتهم في المسرح الوطني وفي حديقة الزوراء  والأضرحة وفي الأسواق  والمحلات .
لقد آلمني مناظر التفتيش والحراسة المشددة في الروضة الكاظمية المشرفة مع علمي بأنها إجراءات لابد منها لضمان سلامة المكان والزوار ولكنها أماكن يفترض أن تكون آمنة للغاية لا يطالها أيدي الإرهاب وقوى الظلام .
وأخيرا توقفت عن ترديد قول الشاعر  احمد الصافي النجفي:
يا عودة للدار ما أقساها    اسمع ببغداد ولا أراها
لقد رأيت بغداد وشربت ماءها واستنشقت هواءها  ووطأت ترابها ، وأملي أن  أن يعود اليوم لتسفر بغداد عن وجهها الحقيقي بإزالة السواتر الإسمنتية والجدران الصناعية العازلة  وان يعود الناس كلهم أخوة متحابين كما كانوا في الماضي .
بالرغم من كل شئ لقد كان العراق جميلا.
aabbcde@msn.com

109
الصراع صناعة انسانية عريقة


 
د - حسين ابو سعود
يولد الانسان ليدخل في صراع لا ينتهي  مع كل شئ ، مع اخيه الانسان فيقتله كما فعل قابيل  بهابيل ، ومع الطبيعة فيغير معالمها ويجفف انهارها ، ومع زوجه واولاده ( ان  من ازواجكم واولادكم  عدوا لكم فاحذروهم  التغابن:14) وان لم يجد احدا يتصارع معه ، فمع نفسه  ،فهو يريد شيئا وعقله الباطن يريد شيئا آخر فتظهر النفس اللوامة والنفس الامارة  وتنتابه الاحلام المزعجة  والكوابيس ، كل هذا فضلا عن صراعاته مع الكوارث والاوبئة والحيوانات بل وحتى الحشرات .
للصراع صور بعضها بسيطة والبعض الآخر معقدة ولعل اكثرها تعقيدا هو صراع الانسان مع نفسه  وقد سمى الدين الجانب الايجابي  للصراع مع النفس بـ ( الجهاد الاكبر) ثم يتدرج الصراع في الانتشار  والتوسع حتى يصل الى صراع القوى العظمى والمجاميع البشرية الكبرى تحت مسميات مختلفة ، والصراع بانواعه ودرجاته يلتقي صعودا او نزولا في نقطة ما وهي طبيعة الانسان المجبولة على الصراع والمكابدة ومنه قوله تعالى ( لقد خلقنا الانسان في كبد -البلد:4) ولست هنا بصدد البحث عن الصراع المشروع  من غير المشروع  كما يحاول الانسان نفسه وضع اقنعة على بعض انواع الصراعات لتبريرها من اجل اضفاء حالة من السكون النفسي لأطراف عدة بغية استمالة الناس لهذا المعسكر او ذاك لادامة الصراع .
 وهناك من يقول بان الدول الغربية مثلا تخلصت من الصراعات  لتتجه نحو البناء غير اني اعتبر هذا قولا غير دقيق ، لأن غاية ما فعلته هذه الدول بعد تجاربها العميقة انها نقلت الصراع بكامله الى الشرق ، ومن السذاجة  ان نقول بان الصراع السني  الشيعي الذي استمر لاكثر من الف عام ، ليس وراءه قوى خفية علما بان هذا الصراع العريق مؤهل للاستمرار لقرون عديدة اخرى مع التطور الهائل في الاعلام ووسائله ، فالطفرة الاعلامية والالكترونية تساعد على تعميق وتجذير الخلافات اكثر واكثر حيث يستحيل السيطرة عليها بالكامل .
اذن فالغرب معني تماما بادامة الصراعات في الشرق لجعلها تتمركز هناك لكي تعيش هي على اراضيها على الاقل في مأمن.
اقول ان الانسان  مؤهل للصراع قبل خلقه وقد سألت الملائكة  عنه كما في قوله تعالى (قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .  /البقرة:30) وكأنها تعرف طبيعة هذا الكائن القادم المضطرب الذي هو في طور التكوين لكنه مصدر فزع للملائكة مع انه  خُلق في اتم صورة (لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم . / التين:4 ) ولا شك بان  سيدنا ادم هو المقصود بالانسان الاول وقد خلقه الله تعالى باحسن تقويم وخلق له  زوجا(ومن آياته ان خلق لكم  من انفسكم ازواجا . /الروم:21) اوجد الله له زوجا من نفسه لكي يسكن  اليها  وتخمد ثورته ويشعر بالمودة واُودع الجنة  كي يعيش فيها بسلام  وسعادة (وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة و كلا منها رغدا حيثما شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. البقرة:35) فنهاهما عن شجرة واحدة فقط واباح لهما ما سواها  ولكن هذا الانسان أبى الا ان يقرب هذه الشجرة  بالذات، ماذا حدث  بعد ذلك؟( اهبطوا بعضكم لبعض عدو.  الاعراف:24 )  والعداوة هنا  تكرس حالة معينة وتوجبها وهي تبدأ منذ الطفولة المبكرة فنرى الطفل الصغير لا يتقبل مجئ أخ جديد يأتي من بعده لانه سيستأثر باهتمام ابويه ومحبتهما ،وعليه فقد احتاج الانسان  الى انبياء ورسل وائمة هدى ومصلحين يأتون  ليبلغوه رسالات ربه  ولكن هؤلاء يستطيعوا  بلوغ المرام في تغيير العالم وغاية الامر انهم قاموا بتبليغ الرسالة على أتم صورة ( ما على الرسول الا البلاغ . المائدة :99) وقوله تعالى (فما ارسلناك  عليهم حفيظا ان عليك الا البلاغ .الشورى:48)، وهذه الحالة توجب على البشر ان يعلموا بان الصراع كان  ومازال وسيظل ، وعلينا ان نتعلم (فن الابتعاد  عن الصراع ) و (فن معايشة الصراع) فنحن لا نستطيع الا ان نكون طرفا ولا يستطيع الانسان الا ان يكون شرقيا او غربيا ، متدينا او علمانيا ، سنيا او شيعيا وليس له خيار اللاانتماء ، وان اسباب الصراع متوفرة دائما سواء داخل  النفس البشرية او الاسرة الواحدة او الصراع الازلي بين الرجل والمرأة ومحاولة كل طرف السيطرة على الطرف الاخر كما في قوله تعالى(قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى.طه:123).
ويصل الصراع الى اعلى مقاماته فيكون بين الدول العظمى المالكة للاسلحة النووية وضغطة زر من احد الاطراف قد تؤدي الى تدمير العالم باجمعه.
القران الكريم يعطي الحل ولكن اين الذي ينتبه الى خطورة الصراع ؟ ومن الذي يريد فعلا ان يحقق شيئا من الهدي الرباني؟ والله تعالى يقول (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم  شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم اتقاكم  ان الله عليم خبير . الحجرات:13) وهذا ينسف نظرية افضلية بعض الشعوب على بعض كالالمان الذين يعتبرون انفسهم من افضل الشعوب  لنقاء دمائهم ، كما يعتبر اليهود انفسهم فوق الاخرين لانهم شعب الله المختار ولم يسلم العرب من التفاخر بل صارت جميع القوميات تتفاخر فيما بينها كرد فعل طبيعي ولكن هذه الانواع من التفاخر تسقط امام الحديث الشريف ( لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى ).
اذن فالصراع قدر ويجب التعامل مع هذا القدر بحكمة وحذر ولعل اكثر المتضررين من هذا الصراع هم المصلحون وهم الطبقة القليلة التي تحب الخير لنفسها  وللاخرين وهي  تعلم بان اكثر الصراعات  عبثية ومثال ذلك الحرب العراقية الايرانية التي استمرت عشر سنوات  دون معرفة اسباب نشوب الحرب واسباب توقفها ، فقد بدأت من عبث وانتهت الى عبث وصار بين العبثين  خسائر بالمليارات ومئات الالوف من المعوقين والقتلى والجرحى واليتامى والمتضررين ، وهكذا باقي  الحروب ، وهكذا الصراعات ، فان اكثرها عبثية تحكمها شهوة السيطرة و القتل .
وهذا العالم  الذي يعاني الان من المدارس المتطرفة والارهاب  والخروج من المألوف وسفك الدماء هو بسبب الانسان الذي وضع نفسه في هذا المأزق الكبير  والا فالغرب يعلم جيدا بان تقسيم العالم الاسلامي مثلا الى دويلات صغيرة بغرض ادامة الصراع هو خطأ كبير و كان عليها ان تساعد المسلمين على التوحد ليكون لهم خطاب واحد ، حيث ان التعامل مع الخطاب الواحد افضل بكثير من التعامل مع خطابات متعددة والتعامل مع مدرسة فكرية واحدة اسهل من التعامل مع مدارس عديدة، ولكن ليس كل ما يخطط له الانسان يأتي صحيحا ومطابقا للرغبة الانسانية .
يظل الانسان ويظل الصراع ومن يدري قد يكون ذلك في صالحه ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع  وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا . الحج:40) وقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين.البقرة:251).


110



التقريب بين المذاهب  وحوار مع حسين ابو سعود

  منير أديب _ القاهرة
يمكن لك أن تصفه بـ«مهندس الوحدة بين السنة والشيعة»، فهو أحد أصحاب المشروع الوحدوى للتقريب بين التيارين الأقوى فى العالم الإسلامى، رفع دعوته وأطلقها على أرض المملكة المتحدة، حتى تلقى فكرته النجاح ويتم استنساخها فى الأقطار العربية.
إنه الدكتور حسين أبوسعود، أحد مؤسسى منتدى الوحدة الإسلامية بلندن، التقيناه فى العاصمة البريطانية وكان هذا الحوار الذى بدأه قائلاً: فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية فكرة قديمة وليست جديدة كما يظن البعض، وانها بدأت منذ وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما نشبت خلافات بين الصحابة رضوان الله عليهم، ولكنهم حاولوا أن يتلافوا هذه الخلافات من أجل مستقبل الأمة الإسلامية بعقلانية وموضوعية، وهناك أمثلة كثيرة فى هذا الشأن،  وفي العصر الحديث سعت إيران إلى إنشاء مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، والايرانيون هم أول من أعطى فكرة التقريب الطابع العملى من خلال هذا المجمع، ورصدت  الدولة له الميزانية الكافية التى تجعله يؤدى عمله، وتصدى لهذا المجمع أناس مخلصون نجحوا بالتجربة، ولا يخفى على أحد أن فكرة التقريب داخل بعض الدول الإسلامية مازالت فكرة صعبة لغياب الديمقراطية وحرية التعبير وبالتالى لم يتحقق الهدف المنشود.
وعما وصلت إليه تلك الجهود فى دول أخرى يقول: تحقق ذلك فى بريطانيا من خلال منتدى الوحدة الإسلامية لوجود حرية أكبر، ولأن الأجواء فى بريطانيا تختلف عنها فى الدول العربية، فهناك مناخ يسمح بحرية أكبر.
وعن إمكانية تطور أمر التقريب بين المذاهب يضيف: نسعى لتحقيق التقارب فى كل شىء، ولكننا نرى أن نبدأ هذا التقريب بين السنة والشيعة لتأثير هذا التقارب على مذاهب شتى أخرى، فهما يمثلان جناحى الأمة، فإذا ما توحدا توحدت الأمة.
وحول ما إذا كانت هناك قوى ترفض التقريب بين السنة والشيعة يقول: هناك من يرفض، وهذا الرفض من قبل متطرفى كل مذهب، هذا هو الداء الذى نعانى منه، فهناك ثلاث قوى خفية ظلامية تعمل على إثارة الفتنة بين السُنة والشيعة، قوتان من السنة والشيعة وقوة ثالثة لا يعلمها إلا الله، من مصلحتها أن تظل الفتنة مثارة، وأن يظل المسلمون يتقاتلون.
ويوضح د. أبوسعود الأسباب الأساسية للخلاف منها: ما يردده بعض أهل السنة عن الشيعة وما يردده بعض الشيعة عن السنة من أشياء غير صحيحة، وأسباب الاختلاف على سبيل المثال فى بعض العبادات بين السنة والشيعة تعود الى أن التدوين لم يتم فى عصر النبوة، وإنما بعد عصر النبوة بفترة طويلة مما جعل الوضاعون يساهمون بدور ليس بالقليل، وأستطيع أن أجزم أنه ليس هناك مصحف لأهل الشيعة يختلف عن مصحف أهل السنة وإنما هو مصحف واحد ، كما أكد ذلك الدكتور يوسف القرضاوي الذي ذهب الى ايران بنفسه ولم يشاهد مصحفا آخر غير مصحف المسلمين.
ومن الزيادات التى يسميها البعض قول الشيعة «على ولى الله» فهذه لها أسباب سياسية فى المقام الأول ولا غضاضة فى عدم ذكرها من الأذان، وهناك عبارة «حى الصلاة على خير العمل» مثلها مثل «الصلاة خير من النوم» عند السنة فى أذان الفجر، ويعجبنى ما قاله الدكتور كمال الهلباوى، الشخصية الاسلامية المعروفة، تعليقًا على قول الشيعة «على ولى الله» إذ قال: «ومن لا يشهد أن عليًا ولى الله، فهو أفضل من أولياء آخرين».
وعما يُتهم به الشيعة من سب الصحابة يقول: الشيعة لا يسبون الصحابة ولا يستحدثون فى أمر الدين، غير أن الأمة الإسلامية مبتلاة، ومن قبل سُبَّ سيدنا على رضى الله عنه على المنابر عشرات السنين، نحن نأتى للعقلاء بدلاً من العامة، لم يشهد لعالم شيعى له وزنه وتاريخه أن سب الصحابة، ولابد أن ننظر للشيعة على أنهم من شايعوا عليًا كرم الله وجهه، الذى كان يكره أن يكون أتباعه سبابين أو لعانين أو شتامين، الشيعى الحقيقى لا يمكن أن يكون سبابًا أو لعانًا.
وعن تصريحات بعض المشايخ والعلماء ضد الشيعة مثل تصريحات الدكتور يوسف القرضاوى بخصوص المد الشيعى، يقول أبوسعود: يقولون إن الرجل مغرَّر به، فهو عالم جليل على الساحة الإسلامية له إسهاماته و له قدره ووزنه ومكانته فى العالم الإسلامى ، وتصريحاته المتشددة أمر مؤسف للغاية، رغم إجلالنا له .
وعن دعوته الى توحيد العبادات  بين السنة والشيعة يقول الدكتور حسين ابو سعود:  يجب علينا الدعوة الى توحيد العبادات الظاهرية كالصلاة والصيام والحج لأعطاء انطباع بالوحدة الى العالم لما لذلك تأثير على الخصوم ايضا ولا ضير بان يجتمع العلماء من كلا المذهبين  للاتفاق على صورة جديدة للصلاة مثلا  يرضي الطرفين دون المساس بروح الشعيرة  كي يستطيع اتباع المذهبين اداء الفرائض سوية خلف امام واحد ، كما يمكن جمع السنة والشيعة على وقت موحد للافطار وتلافي الاختلاف  الموجود في الوقت الذي يصل في اقصاه الى عشر دقائق بتأخير السنة افطارهم لخمس دقائق فقط مقابل تقديم الشيعة لأفطارهم لخمس دقائق ، ولا شك بان هكذا عمل سيرضي الله ورسوله وفيه للناس صلاح ويكون هذا العمل بداية لتوحيد باقي العبادات  وانا اعرف جيدا  بان هذه الفكرة خيالية يستغربها الناس  ولكن يجب علىّ أن أطلقها، وإن كنت أعلم أن تطبيقها صعب للغاية ولكنها ليست مستحيلة ويجب ان نبدأ الخطوة العملية  الاولى، لقد مرّ اكثر من الف عام على الخلافات  .


111
التفجيرات مصدر قوة لحكومة المالكي ان كنتم لا تعلمون
حسين ابو سعود
قد يبدو العنوان غريبا بعض الشئ لاول وهلة  ولكن الامر سيبدو واقعيا عند اتضاح السبب .
لقد شاهد العالم اجمع من خلال الفضائيات العراقية  المتناقضة في توجهاتها وانتماءاتها شاهدت الاجماع على استنكار عمليات الاربعاء الاجرامية والتنديد بالفاعلين ايا كانوا  و لعله من نافلة القول ان نشير الى توحد كلمة الفئات المخلصة  من الشعب العراقي  واجتماعهم على شخص المالكي الذي اصبح مع الشعب هدفا للاعمال الارهابية  من خلال ضرب الوزارات والمنشآت الحكومية المهمة .
وقد فهم العراقيون بمالا يبقي مجالا للشك بان هؤلاء المهزومين  قد فقدوا المصداقية تماما وفقدوا كل اسناد لهم من الشعب العراقي لانهم وطوال سنوات التغيير لم يقدموا سوى الدمار والقتل الجماعي واستهداف الابرياء.
ماذا نقول عن تفجيرات الاربعاء؟ هل هي موجهة  ضد حكومة المالكي فهاهم الشرفاء من ابناء الشعب قد التفوا حول هذه الحكومة التي عرفوا بانها مظلومة و مستهدفة لا يُراد لها ان تقوم بواجباتها  بالشكل المطلوب كما انهم يعلمون علم اليقين  بان السيد المالكي رجل شجاع الى ابعد الحدود لا تخيفه مثل هذه الاعمال الجبانة  ولن يفر من الميدان فرار العبيد باي حال من الاحوال  ، وعلى العكس  فان هذه التفجيرات ستقوي موقفه وتجمع المظلومين حوله مما تدفعه الى مواصلة السير بعزيمة اكبر لانقاذ الامة مما ابتلت به على ايدي الشرذمة الظالمة .
وقد علم الجميع بان هذه الشرذمة لا تنتمي الى مذهب او دين كما انها لا تنتمي الى الانسانية  الا بالشكل والّا من يجرؤ ارتكاب هكذا جريمة ضد ابرياء وقبل حلول شهر الرحمة رمضان المبارك وقد تترفع حتى الحيوانات عن الاتيان بها ، ومن يفعل ذلك ويخطط له ويموله لن ترف له جفن ولا يحركه ضمير ولا خوف في قلبه من يوم محشر  وحساب .
وهل هذه الاعمال موجهة للانتخابات بغية تعطيلها وتأجيلها  ، فالجواب  لا، لأن فالانتخابات آتية لامحالة لانها اقدس الثورات.
وان كانت موجهة ضد الشعب العراقي اقول لقد تحمل هذا الشعب الاهوال والمصائب ولن تثنيه هذه الامور بفظاعتها  عن المضي قدما لبناء الوطن المستقر الآمن  وما هذه الضحايا التي ذهبت الى بارئها قبل شهر رمضان  سوى كوكبة اخرى تضاف الى آلاف الشهداء الذين رووا بدماءهم الزكية هذا التغيير ، ولا شك بان الشعب  سوف يزيد من تماسكه وتلاحمه وثباته وصلابته واصراره على مواجهة هؤلاء الظلمة الذين أبوا الا لغة الدماء  بقيادة القائد الشجاع  الذي انتخبه بمحض ارادته .
هذه العملية في ابسط احوالها موجهة ضد الشعب العراقي  المتدين الذي يحب المناسبات الدينية ولا سيما رمضان ويبتهج بمقدمه بشتى الصور وقد اراد هؤلاء ان يقتلوا فرحة الشعب  برمضان ولياليه الآمنة التي تتسم بالحميمية والعبادة والجمال ، لقد عرّاهم هذا التوقيت وكشف اوراقهم ونحن نعلم بان من جثم على صدر الوطن  لخمس وثلاثين سنة مذيقا الشعب الويلات تلو الويلات  يستطيع ان يجعل  الشعب العراقي يعيش في ظلام دامس مدة خمسين سنة اخرى ولكن الله يمهل ولا يهمل  وسيأتي ذلك اليوم الذي تنتهي فيه هذه المظاهر  ويعود العراق موحدا متراصا  وشعبه يحب بعضه بعضا، واقول بان هذه الاموال والجهود التي يّراد بها اضعاف حكومة المالكي ستذهب هباء منثورا لان هذه الحكومة  صمدت في اصعب الظروف وستصمد اكثر دون ان يستطيع هؤلاء الجفاة القساة النيل منها  فهذه الحكومة ليست حكومة المالكي بل هي حكومة الشعب الذي اختار ممثليه بكل حرية واوصلهم الى البرلمان وسيتولى الشعب بنفسه حماية هذا الانجاز التاريخي الكبير . واولئك الجفاة  القساة ينتظرهم اليوم  الذي يلفظون فيه انفاسهم الاخيرة ويذهبون الى مزابل التاريخ بلا رجعة في هزيمة نكراء لامثيل لها  وينتصر الشرفاء  ولكن يُراد وقفة اكثر قوة من الشعب العراقي مع قيادته الحالية الممتحنة بامتحان صعب ولكن ليس  من المستحيل اجتيازه ، كما يتوجب على الحكومة ان تبدأ الضرب بيد من حديد وعدم التهاون وعدم المجاملة  مع قوى الظلام فالتاريخ لن يرحم وقد بلغ  السيل من هؤلاء  الزبى وقد كثرت ضحاياهم وانكشفت نواياهم  وقد يرتكبون ما هو افظع قبل حلول العيد نكاية بشعب العراق  ، فهل هذا شرف المقاومة ؟ مقاومة من ؟ مقاومة الشعب في افراحه  واحتفاءه  بشهر رمضان المبارك .
وقد آلمني تصريح لاحدى عضوات البرلمان عندما وصفت الحكومة الحالية بالهشة والضعيفة  وهي تعلم  قوة هذه الحكومة من خلال مواجهتها الواضحة لكتل ظلامية مدعومة من  جميع قوى الشر والظلام  في العالم ، قوى منظمة ولها امكانات مالية لا حدود لها  والجميل في الامر  هو ان جميع الفضائيات العراقية بما فيها  تلك التي  تخالف الحكومة  وتعارضها  استنكرت وادانت العمليات الجبانة  واجتمعت على كلمة واحدة وهي ( لا للتفجيرات التي تستهدف الابرياء) و(لا للظلاميين أيا كانوا ).
واقول لكل من يفكر باضعاف حكومة المالكي  اعني حكومة الوحدة الوطنية :
 الحمد لله الذي جعل اعداء الحق من الحمقى .


112
تازة خورماتو ، لجرحك النازف سلام الفجيعة
حسين ابو سعود


 
بالرغم من ان جراحات التركمان بعد مجازر آمرلي وتلعفر وداقوق وطوز لم تندمل ، لكنهم فجعوا بحادثة  تازة خورماتو ، تلك المدينة الوادعة الوديعة  حيث نفذ الجناة القساة جريمتهم المروعة فسقط المئات من الاطفال والنساء والشباب ما بين قتيل وجريح ، وهم يعرفون تماما  خلو هذه المدينة الصغيرة من المنشآت الحيوية والثكنات العسكرية والقواعد الجوية.
قيل ان الضحايا دفنوا باشلائهم المقطعة المخضبة بالدماء في مقبرة جماعية، وشتان بينها وبين المقابر الجماعية في زمن النظام البائد.
كأني بالامهات الثواكل  يجتمعن كل يوم  لتسلية بعضهن بالنواح والرثاء والبكاء:
وثواكل بالنوح تسعد بعضها     أ رأيت ذا ثكل يكون سعيدا
ولعل احداهن ما زالت تنتظر ان يأتي ولدها من المسجد المهدم، فتصب له طعاما شهيا حتى اذا يئست من مجيئه رفعت الطعام لتلقي نظرة على فراشه وتكوي له ملابسه وتنظر الى احذيته الصغيرة  تمسح عنها الاتربة والغبار ، تلمعها بطرف ثوبها، تعيد ترتيب كتبه ودفاتره واقلامه في حقيبته الصغيرة ، من يدري قد تضع فيها ( لفة بيض) او قطعة من الكيك او الحلوى .
تطيل النظر في لعبه واشياءه ، انها أم جنت في حب وليدها الذي غاب كما يغيب القمر في الليلة الظلماء فيفتقد ،وكأني بها  تنوح على الغصون الطرية الشابة التي ذبلت قبل الاوان، تنوح على ولدها وسندها وعقد جمانها المنضود الذي انفرط كجنبد لم يتفتح بعد وتستحضر قول الشاعر :
راحل انت والليالي نزول     ومضر بك البقاء الطويل
غاية الناس في الزمان بقاء   وكذا غاية الغصون الذبول
بي نزاع يطغى اليك وشوق  وغرام وزفرة وعويل
مطر ناعم وريح شمال      ونسيم غض  وظل ظليل
لقد مارس الاوباش هذه المرة كل انواع الخسة والدناءة والشراسة في استهدافهم البيوت الامنة الواهنة واثبتوا للانسانية بانهم اناس اقل ما يقال عنهم ( مرفوضون ، شذاذ الافاق ،وحوش جفاة ، قتلة قساة ، مجرمون عتاة ، ظلمة فسقة ) والا من يجرؤ على قتل اطفال مناظرهم تسر الناظرين وروائحهم عطور تُشم ، ولله در الشاعر عندما قال:
قد عذلت الجزوع وهو صبور  وعذلت الصبور وهو جزوع
آه على تلك الربوع التي اصبحت قبورا تُسقى بالعبرات ، ورعى الله عرصات كانت يوما مرتعا للعب الاطفال وضحك الكبار وسامر الامهات .
سقى الله  تلك الربوع التي اقفرت من اهلها وعشعشعت حولها العصافير والرياحين وغُلفت بالنسيم البارد.
بالامس كانوا اقمارا بأرجل يملأون الارض فرحا ومرحا فصاروا اشلاء ممزقة لا حراك فيها.
فيا ايتها الريح خذي سلاما الى خدود بلون التفاح افترشت التراب .
سلاما مصحوبا بحرقة الدموع
 خذي سلاما وتحايا لأناس رحلوا لا يُرجى منهم عود ولا رجوع
سلاما لتلك الربوع
سلاما للارض الشاحبة والسماء الحزينة والاشجار التي طأطأت هاماتها كمدا 
سلاما لتازة وهي ربيع
ياناشد الربيع في الربوع اهبط ( تازة) وسل سهلها عن نجوم ساطعات غيبهن التراب وعن ازهار قطفت قبل اوانها ومازالت قطرات الندى ندية على صفحاتها
حقا لقد بكّر الناعي في رثائهم ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
aabbcde@msn.com


113
انعقاد المؤتمر الثالث للحوار الاسلامي المسيحي في لندن



انعقد في وسط العاصمة البريطانية  لندن بمؤسسة " الابرار الاسلامية"  في تاريخ 15 يونيو المؤتمر الثالث للحوار الاسلامي المسيحي  تحت عنوان البحث عن قضايا مشتركة بين المسلمين و المسيحيين، حيث أوصى المشاركون بضرورة خلق حالة من التنسيق لحوار عالمي بين الديانتين في البلدان العربية وغيرها، مع ضرورة محاربة القيم المنحرفة والتطرف المنتشر في العالم.

 و امتد المؤتمر على ثلاث جلسات، الجلسة الاولى حملت شعار " التحديات العالمية و الوسائل الدينية ".
ادار الجلسة الدكتور سعيد الشهابي، و كان اول المتحدثين توفي بيرش و هو رجل دين بريطاني، و تركز حديثه حول الازمة الاقتصادية التي تواجهها البشرية في الوقت المعاصر، و كيف ان الازمة كانت بسبب اتباع الراسمالية التي تبحث عن المصلحة و المال فقط دون النظر الى الابعاد الاجتماعية الاخرى.
فقد اكد ان الغرب يريد تحقيق نمواً اقتصادياً بأي ثمن حتى لو كان على حساب القيم و المبادئ، و بين ان الازمات الاقتصادية تاتي متلازمة مع ازمات البيئة، و العالم المعاصر لا يحترم البيئة، و ان البنوك والمؤسسات الاقتصادية تريد تحقيق الربح عن طريق الربا مما دمر اقتصاد العالم و جعلنا نواجه اكبر ازمة اقتصادية .
بعد ذلك تحث طارق الديواني و هو اقتصادي مسلم، الذي عرف بنفسه و اعطى موجزاً لحياته، و كيف انه اطلع على الديانة المسيحية بسبب والدته و الاسلام لان والده مسلم، و كيف اصبحت لديه معلومات عن الديانتين، و بين كيف ان الاعلام يتجاهل المشتركات بين الاسلام والمسيحية بل ويركزعن نقاط الاختلاف و يثيرها في كثير من المرات،و عاب على المصارف الاسلامية المالية اتباعها طريق المصارف الاخرى و لكن بطرق مختلفة ،فالمصارف الاسلامية كما يقول هي طريق اخر لصناعة الربا و الربح، و اشار الى انه يجب علينا ان لا نسمح للمرابين بالاستمرار بممارسة اعمالهم التي تسببت بكل هذه الازمات للبشرية .
اما الدكتور كمال الهلباوي الذي طرح بحثاً بعنوان  " حضارة        اللا توازن" ، و بين فيه ان في العالم المعاصر لا يوجد توازن بين القوة والعدالة ، و ان العالم متوجه ليكون امريكياً.
و ان صياغة المستقبل هي مهمة عظيمة و صعبة ،ومن اجل تحقيقها يجب ان يتم هناك تعاون كبير بين المسجد و الكنيسة، و ان نبحث عن المشتركات بيننا، بل حتى البحث عن مشتركات مع الدين اليهودي.
و في الجلسة الثانية،التي جاءت بعنوان "الحالات الانسانية و الخبرة الدينية" تحدث فيها القس بيتر و هو شخصية لها تاريخ طويل في الحوار بين الاديان، القس تحدث عن مسؤولية الانسان في هذا الكون و ضرورة الحفاظ على البيئة ، و اكد على ضرورة ان يكون للانسان مبادئ يحافظ عليها و يعمل على نشرها و لكن يجب ان تكون متصلة بالرب.
تحدث بعد ذلك منير شفيق المفكر الفلسطيني المعروف، الذي اكد ان الفكر الاسلامي يفتقر الى الفكر العميق عن النظام الرأسمالي العولمي، وهناك تبسيط شديد في فهم البنوك الربوية .
و اما الدكتور راشد شاز و هو مفكر اسلامي هندي، فقد اكد على وجوب وجود شفافية في تعامل صندوق النقد الدولي و طالب كذلك للتحرك ضد النظام الاقتصادي الحالي.
و في الجلسة المسائية و الاخيرة و التي كانت تحت عنوان "الخبرات الشخصية في اطار التعايش الديني"، حيث ادار الجلسة عبد الوهاب الافندي و اشترك فيها الاستاذ عبد المجيد القطمة والاستاذ جوليان بوند و الدكتور رودني شكسبير، حيث اكد الجميع على ضرورة التعايش  بين اتباع الديانات فيما بينهم، و بحثوا النقاط المشتركة التي تجمع بين ابناء الديانات و تبادل المعلومات و الاستفادة من الكتب المقدسة لخدمة البشرية و التواصل الى حلول للمشاكل العامة لا سيما المشاكل الاقتصادية التي تواجه العالم.
و قد تخللت الجلسات الثلاث من المؤتمر الذي استمر يوماً واحداً فترة من الاسئلة و الاجوبة و المداخلات من قبل الحاضرين.
و في نهاية المؤتمر شكر الدكتور الهلباوي المشاركين و الحضور .
و بعد نهاية المؤتمر لبى المشاركون في المؤتمر الاسلامي الاسلامي و الاسلامي المسيحي دعوة حجة الاسلام و المسلمين السيد مرتضى الكشميري وكيل المرجع الاعلى سماحة اية الله العظمى السيستاني في اوربا و امريكا و المشرف على مؤسسة الامام علي في لندن.
و في مؤسسة الامام علي وهي مكتب الارتباط بالمرجعية العليا ، القى السيد مرتضى الكشميري كلمة اكد فيها بان مرجعية السيد السيستاني حريصة كل الحرص على فتح باب الحوار مع الاخر، و ذكر موقف اية الله العظمى السيستاني عند لقاءه مع وفد من الكرادلة الذين زاروا سماحة السيد ، حيث قال لهم  " انتم اهل العراق "، ولهذا اصبحت المرجعية سداً منيعاً للعراقيين بكل فئاتهم و اديانهم المختلفة.
و اشار الى ان مثل هذه المؤتمرات لها التأثير الكبير في فتح باب الحوار بين اتباع المذاهب و الديانات المختلفة، و انها تساهم بشكل مؤثر في تقليص فجوات الخلاف، و تمنى النجاح لمنتدى الوحدة الاسلامية في مسيرته لتوحيد صفوف المسلمين .

لجنة العلاقات و الاعلام
حسين الناصر الزهيري



114
الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا يكرم سامي قفطان وناهدة الرماح
استضاف الديوان الثقافي العراقي في لندن الفنان العراقي المبدع سامي قفطان والفنانة الرائدة ناهدة الرماح في امسية ثقافية تحمل عنوان (مسيرة السينما والمسرح والتلفزيون العراقي) وقد أدار الندوة الفنان يوسف ماهر الذي قدم الضيفين للجمهور ووصفهما بالرائدين .
وقد تحدثت السيدة ناهدة الرماح عن مسيرتها الفنية وعن تجربتها المسرحية الجديدة في مسرحية (صورة وصوت) ولم تنسى ذكر العمالقة والرواد ممن تركوا بصمات واضحة  على الفن العراقي مثل ابراهيم جلاك وقاسم محمد خليل شوقي وغيرهم كما تحدثت عن اعمالها الاولى في بداية مسيرتها الفنية وعن فرقة مسرح الفن الحديث كما تطرقت الى الفرق المسرحية في الايام الخوالي .
وبعدها تحدث الاستاذ سامي قفطان عن بداياته في السينما عام 1960 وعلاقته بالمسرح ولاسيما المسارح المشهورة وشهوده موجة تحويل دور السينما الى مسارح مثل سينما الاعظمية مع الفنان الراحل راسم الجميلي واخرين وقال بان هذه العملية كانت بدافع مادي وليس فني وذكّر الحاضرين بقاعة الخلد والمسرح القومي وبمستوى التمثيل في تلك الايام وقال بان الفن في العراق شهد في احد مراحله الكثير من الاسفاف والخلاعة والهبوط وكان المشاهدون حين ذاك  يرغبون بمثل هذا الاسفاف واستمرت الحالة وتفاقمت الى ان ظهرت اسماء معروفة استطاعت ان تقدم العمل الهادف النبيل في زمن لم يجد المشاهد متعة حقيقية في التلفزيون العراقي بسبب هيمنة الافلام والمسلسلات المصرية وانحسار هوية الدراما العراقية الحقيقية ، وتسبب ذلك في توجه المشاهد الى المسرح، وبعد التغيير في العراق توقف كل شئ وتوقف المسرح  الا ان هذه الفترة شهدت محاولات شبابية جادة للنهوض بالدراما العراقية في التلفزيون والسينما ايضا حيث يتم الان انتاج افلام احترافية وقد تراجع القطاع  الاهلي في انتاج السينما نظرا لعدم اجازة الكثير من النصوص وغياب المنتج.
واشاد بوعي الجمهور حاليا واتجاهه نحو المسرح مع كونه مشغولا باشياء جانبية اخرى تفقده تركيزه لدى متابعة العمل المسرحي.
وتحدث باسهاب عن السينما العراقية  وبداياتها التي تعود الى الثلاثينات من القرن الماضي والتعاون مع مصر في انتاج الافلام المشتركة والشركات العراقية المنتجة للافلام مثل شركة الصافي والبرهان وغيرها .
وبعد ذلك تم فسح المجال للجمهور بالمداخلة وتوجيه الاسئلة حيث لوحظ اهتمام الحاضرين واشتراكهم في اثراء الحديث ، وقد اجاب الفنان سامي قفطان على اسئلة الجمهور بكل صراحة وموضوعية .
وفي نهاية الحفل  القى الاستاذ شاكر شبع كلمة الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا حيث رحب بالحضور  مع الضيوف ودعا الى مزيد من التعاون مع الديوان الذي يزمع تكثيف نشاطاته في موسم الصيف من خلال اقامة مهرجانه الثقافي الثاني في العاصمة البريطانية يشارك فيه نخبة مميزة من الفنانين والمبدعين العراقيين في الداخل والمهجر .
وبعد ذلك دعا السيد شبع رئيس الديوان الثقافي العراقي الدكتور حسين ابو سعود الى المنصة لتقديم شهادات التقدير  والهدايا التذكارية الى الاستاذ سامي قفطان والاستاذة ناهدة الرماح تقديرا لهما ولخدمتهما للفن العراقي والثقافة العراقية .
ومن الجدير بالذكر فان الثنائي سامي قفطان وناهدة الرماح قد قدما مسرحية مشتركة على مدى يومين في قاعة المركز البولوني  في العاصمة البريطانية بالاشتراك مع الفنانة زينب الجواري  لاقت نجاحا باهرا من خلال الحضور المكثف للجالية العراقية ،وقد شكر مدير الندوة السيدة زينب الجواري نائبة رئيس الديوان الثقافي العراقي  على التسهيلات التي وفرتها لكادر المسرحية للاستعداد والتمرين قبل عرض المسرحية .
شهد - لندن




 

115
الدونمة : مسلمون ام يهود ؟
د- حسين ابو سعود
الدونمة بين اليهودية والاسلام هو عنوان كتاب استمتعت بقراءته كما توقع كاتبه الدكتور جعفر هادي حسن عندما ذكر في السطر الاخير من كتابه ما نصه :هذا ما اردنا الحديث عنه في هذه الطبعة واملنا ان يكون القارئ قد قضى وقتا ممتعا في رحلته مع الكتاب .
والحق انها كانت رحلة شيقة مليئة بالمعلومات والخفايا عن اليهود الدونمة  او المسلمين الدونمة، وقد كنت الى فترة قصيرة لا أميل الى الدراسات التي تعنى باليهود واليهودية حتى قدمت المؤلف يوما في ندوة  عن اليهود في الديوان الثقافي العراقي بلندن  فغرس في نفسي باسلوبه السلس وطريقته السهلة في الافهام بالاضافة الى روحه المرحة ، غرس في نفسي رغبة الاطلاع على الدراسات اليهودية مما جعلني اوسع دائرة معارفي لتشمل اليهود لا سيما ان معرفة المخالف ضروري للتوصل الى صيغة مناسبة للتعامل معه ، وانا شخصيا لا اعتبر اليهود اعداء ولكنهم يعتبروننا اعداء لهم حسب عقائدهم وتعاليمهم مع ان هناك عداء حقيقي قائم وحروب وصراعات ، ومن هنا يتوجب  معرفة طبيعة العدو وتكوين مجتمعه وكيفية تفكيره وقد جعلتني مطالعة الكتاب  اتعرف على الكثير من المصطلحات اليهودية مثل السفارديم والقبلاء والحسيديم والمغيديم والاشكناز والشفعوت والنعيلاه والكبور والقلفاه وتفلين وطاليث وغيرها مما لم اكن اعرفها اصلا.
وفيما يخص كلمة الدونمة فانا كنت اعتقد انها تعني فرقة من اليهود ولم اكن اعرف بان الكلمة تركية تعني العائدون او الراجعون  وقد تبين لي ايضا بانهم كانوا يهود ولكنهم تحولوا الى الاسلام ولما يدخل الايمان في قلوبهم حيث تخلوا عن اسماءهم اليهودية ولكنهم ظلوا يمارسون عقائدهم في الباطن ، وقد اصابني الذهول التام لنفوذهم القوي داخل الدولة العثمانية والمناصب الحساسة والخطيرة التي تبوؤها في الدولة حتى قيل بان السلطان عبد الحميد كان حذرا مترددا بل وغير قادر على القيام بعمل ضدهم  ،واشتهر منهم شخصيات كبرى مثل ابراهام غلانته الذي اصبح عضوا في مجلس الامة واستاذا في جامعة اسطنبول ونسيم مصلياح ممثل مدينة ازمير  في مجلس الامة  وحقي باشا السكرتير الخاص لرئيس الوزراء ومحمد جاود بك وزير المالية  والغريب بان المؤلف وجد في اكثر من مصدر بان مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك كان من يهود الدونمة ايضا (ص 175) ولعل هذا  هو سر ما فعله بالحجاب وبالاسلام والجوامع وهنا  ايضا يزول الاستغراب من متانة العلاقات التي تربط تركيا باسرائيل والاعتراف التركي المبكر بها  لاسيما اذا علمنا  بان زوجة رئيس وزراء تركيا الاسبق بولند اجاويد السيدة رحشان ارال هي من  الدونمة  وكانت ترأس حزب الشعب الجمهوري، ويذكر بان ام السيدة تانسو  جلر رئيسة وزراء تركيا في التسعينات  تنتمي اليهم ايضا.
والكتاب لا يلقي الضوء على اليهود والدونمة واسرائيل فحسب بل يساعد في فهم الصراع العلماني الديني في تركيا لاسيما ابان الامبراطورية العثمانية ، والظريف ان مؤسس الدونمة شبتاي صبي جعلني اعلم ان المدعين لا يختصون بدين دون دين او بمذهب دون مذهب، ففكرة المهدي والمخلص والمسيح موجودة  اذن حتى عند اليهود لاسيما وان المسيح المخلص غير مذكور بشكل صريح في التوراة ولكنها الحاجة الخفية للانسان لمن يخلصه من العذابات المستمرة التي اوقع نفسه فيها .
وكم تشبه عقائد الدونمة عقائد المسلمين في المهدي المنتظر من حيث موطئات الظهور وعلاماته وحكمه للعالم وكيف ان عصره سيكون ذهبيا (تنعدم فيه المجاعة والحروب والصراعات وتعم الرفاهية والسعادة ويزول الحزن والامراض من بينهم بل وتطول اعمارهم .ص 18)، (ويعتقد اليهود ان النبي الياهو ما زال حيا، ولجوء البعض الى التعجيل بظهوره كاستعمال السحر او الاغراق في اقتراف الذنوب او اللجوء لما يسمى بالقبلاء وهو الدعاء –ص-19).
وانا لا استغرب التشابه في العقائد بين اليهودية والاسلام لانهما دينان سماويان بينهما الكثير من المشتركات لوحدة الاصل،واليهود كبعض المسلمين اضطروا الى التوجيه والتأويل عندما تأخر عليهم ظهور المسيح المخلص ولم تتحقق نبوءاتهم التي اخبروا عنا  خاصة وان تحديد المدة والوقت مجازفة  تضع الامور في زوايا ضيقة تشبه المأزق.
وكما تعدد مدعي المهدوية عندنا  فان شبتاي صبي ليس اليهودي الوحيد الذي ادعى دور المخلص وان كان اشهرهم وقد ظهر عندهم عدد لا باس به من ذوي الخيال الخصب مثل ثيودوس وشمعون باركوخبا واسحق عوبادياه وموسى الدرعي وغيرهم، وهؤلاء من شدة ذكائهم ينجحون في جمع عدد كبير من الناس حولهم  بالرغم من معرفة الناس باحوال من سبقوهم من المنتحلين ، وقد حدث ان اتبع اليهود احد المسلمين وهو ابو عيسى الاصفهاني الذي ظهر في نهاية الدولة الاموية وبداية الدولة العباسية ولكن هل لجأ اليهود الى نصرته وتصديقهم اياه لنصوص موجودة في شرائعهم ؟ ام انهم سيظهرون التصديق  والنصرة امعانا في تقسيم المسلمين، وقد قتل الرجل في الري الا ان اصحابه افشوا بانه لم يقتل  ولكنه دخل في كهف في الجبل بانتظار الوقت المناسب للظهور – ص 28، ويحدث عندنا نفس الامر حيث يمرض الرجل ويموت ويدفن ويكون له قبر ثم يقال  انه حي يسمع ويرى كما نسمع ونرى  وانه في جبل رضوى مثلا ينتظر الظهور .
واغلب من يروج لمثل هذه الافكار ثلة من المحتالين يزورون الكلام عن ألسنة القديسين  لابتزاز الحمقى والجهلة باسلوب فيه ذكاء ودهاء ومعرفة بنقاط الضعف لدى العامة .
ودراسة مثل هذه الافكار الباطنية لا تخلو من متعة حقيقية وطرافة وظرافة  لاسيما ان تأسيس مذهب جديد يحتاج لطاقات خلاقة لا تتوفر الا عند الموهوبين، وقد وجدنا ان مؤسسي المذاهب والفرق في جميع الاديان هم علماء الدين انفسهم اذن فان تفريق الدين الواحد  يتصدى له  رجل الدين نفسه.
وارى بان شبتاي صبي المصاب بالكآبة له طموح لا حدود له فهو بالاضافة الى طموحاته السياسية يتدرج في تقديم نفسه للناس من مسيح مخلص الى اب اسرائيل ثم ابن الله البكر   ثم الاله وهو تسلسل طبيعي في عالم التدرج لدى المصابين بلوثات عقلية من جنون العظمة حتى اخذ اتباعه  يشيرون  له بعبارة (سيدنا وملكنا جل جلاله) وكان البريطانيون يراهنون باموال كثيرة على ان شبتاي سيكون ملكا على فلسطين خلال اعوام –ص 81.
وانا لا اعتب على بلفور كثيرا لاعطائه وعدا لليهود لانهم كانوا اصلا مسيطرين على العالم كله وعلى الدولة العثمانية وبريطانيا نفسها وكانوا يعملون على جذب اليهود الى فلسطين التي كانوا يتواجدون فيها اصلا وقد وصل الامر ببعض اليهود ان يستعدوا للذهاب الى فلسطين في زمن شبتاي.
وكان من الضروري ان لا تنتهي هكذا شخصية بمجرد الوفاة فاشيع عنه بانه لم يمت وانه اختفى وسوف يظهر يوما وبدأت  عندهم حالة الانتظار الموجودة لدى المسلمين ايضا وصار اتباعه يختمون صلواتهم  بالدعاء التالي :اللهم  اله الحق  واله اسرائيل الذي يسكن مجد اسرائيل ارسل لنا المخلص العادل منقذنا شبتاي صبي وعجل لنا ظهوره في ايامنا هذه امين .وهم يمارسون الانتظار السلبي فيرسلون النساء والاطفال الى البحر والنهر لانتظار قدوم شبتاي في السفينة والكبار منهم يقفون كل صباح عند ابواب منازلهم يحدقون في الافق انتظارا لقدومه وينادون بصوت عال : نحن في انتظارك .
كما قال اتباعه بان للرجل ولاية تكوينية على الاشياء واشاعوا عنه قصصا لاعمال خارقة  قام بها منها انه شوهد يسير في الشوارع والطرقات مع اتباعه بعد ان اودع السجن المقفول باقفال ضخمة.
ولا يعرف الباحث ما اذا كانت اصول عقيدة الدونمة هي نفسها التي وضعها مؤسسها شبتاي صبي ام انها تطورت بمرور الزمن كما يتساءل في  ص 133، مع انه من المسلمات ان لا يظل دين او مذهب على حاله اذ يتغير ويتطور بتقادم السنين وبالتأثر بالمجتمعات المحيطة والتزاوج، ومن مظاهر التطور لدى الدونمة انقسامهم الى فرق مختلفة حالهم في ذلك حال بقية الاديان والفرق التي انقسمت على نفسها فصارت فروع للدونمة تختلف فيما بينها في بعض العقائد.
ومن الضروري عدم اغفال الجانب الجنسي في حياة هذا الرجل اذ لا تكتمل فصول اي قصة بدون المراة  وقد تزوج شبتاي سيدة يهودية اسمها سارة وهي امرأة غير عادية يحكى عنها حكايات غريبة وتتنبأ للناس بالمستقبل وتقول ان ملاكا قد ظهر لها واخبرها بانها ستكون زوجة المسيح المخلص.
وكان شبتاي يقول قبل زواجه منها ردا على اسئلة الناس بان الروح القدس قد اوحى له بان زواجه من المرأة المناسبة لم يحن بعد ، فهل كان صادقا في ان وحيا ينزل عليه ولو عن طريق الوساوس او الشيطان لاسيما اذا عرفنا بانه كان يعاني من حالة نفسية لازمته طوال حياته تسمى في علم النفس  cyclothmia وهي حالة هيجان ونشاط بالغين يعقبهما حالة انقباض وقنوط – ص 46 .
ومن مظاهر جنونه انه كان يصرخ نحو الشمس يطلب منها التوقف ولكن الشمس لم تتوقف وقيامه باعمال مخالفة لليهودية لااظن  انها كانت بدافع (خالف تعرف)مع اننا لسنا مجبرين على تصديقه ولو بنسبة قليلة طالما ان جماعته يكذبونه ، وقد وصل الجنون عنده الذروة عندما قام بمراسم عقد الزواج بينه وبين التوراة وهو تقليد مضحك لم اجد مثله الا عند بعض قبائل السند حبث يزوجون النساء من القرآن كي لا يتزوجن الرجال طمعا في حصتهن من الميراث وهي حيلة مفضوحة للاستيلاء على الميراث . ومن مخالفاته انه حلل  محرمات الشريعة اليهودية ومنها ما يتعلق بزواج المحارم  لان ذلك كما يدعي يعجل بظهور المسيح المخلص وكذلك الزواج الجماعي اي زواج نساء الفرقة من كل رجالها وطقس تبادل الزوجات او ما يسمى بحج هاكفس (عيد الحمل).
ان شخصية شبتاي صبي تظل بالرغم من كل شئ شخصية قوية جدا وطموحه يفوق التصور فهو قد تحمل مشاق حقيقية من اجل تحقيق مراده وابراز دعوته حيث سافر الى البلدان المختلفة وتحمل مقاطعة رجال الدين له ومحاربتهم ودخل معهم في مناقشات ومطارحات وكان يمشي على قدميه مسافة اميال للتعبد.
وبقي ان اقول بان مؤلف الكتاب  الدكتور جعفر هادي حسن معروف بالموضوعية وعد الحدة في الطرح يستقي معلوماته من مصادرها الاصلية لاتقانه اللغتين الانجليزية والعبرية وهو متخصص بالدراسات اليهودية وله دكتوراه في المادة من جامعات بريطانيا وله كتب كثيرة في الدراسات اليهودية ، و انه بالاضافة الى اسلوبه القصصي الشيق نجده لا يتصدى لمحاربة الخصم بقدر ما يقوم بكشف الحقائق لتقديمها بسلاسة للقارئ العربي وهو يقول في ممقدمة الطبعة الثالثة بانه لم يرد الدخول في متاهات التحليل وانما تعرض للحقائق التاريخية ،وبذلك صار كتابه عبارة عن دراسة نزيهة لا عصبية فيها  ونافعة ومفيدة  لا تسبب اي ملل .ولعل هناك مأخذ واحد على الكاتب  وهو عدم ذكره لبعض الاشياء التي يعرفها عن المادة بحجة انها لاتهم القارئ اذ لاادري كيف استنتج ذلك والا فان في الكتاب امور كثيرة قد لا تفيد قارئ معين وتفيد اخرين وهل الامر الا اطلاع وزيادة معرفة  فيقول في ص 115: (وهناك اقوال اخرى لافائدة كثيرة تجنى من ذكرها)  أو كما يقول في ص 117(وهذه الرسالة لا تبدو مفهومة ولا ضرورة لاجهاد القارئ في نقل العبارات والتي لا يستفيد منها) وارى من الافضل لو انه ذكرها وعرضها على القارئ تاركا له حرية الاستفادة  من عدمها . وقد لايهم القارئ ان يعرف بان هذا هو الطبعة الثالثة من الكتاب وانه من اصدار دار الوراق  في بيروت .
aabbcde@msn.com


صورة غلاف الدونمة

116
دفاعا عن الرياضة والشباب أولا واخيرا

حسين ابو سعود
لا يخفى على ذي عقل بان اشغال من هو في منصب وزير  بقضايا جانبية تلهيه بطريقة او اخرى عن اداء واجباته الرئيسية كما ينبغي ، والرياضة والشباب قطاع حيوي ومهم  ووزارة الشباب والرياضة من الوزارات المهمة للغاية  لانها ترعى الشباب وهم عماد الحاضر وأمل المستقبل ، وقد اثبت معالي وزير الرياضة والشباب المهندس جاسم محمد جعفر قدرة استثنائية في القيام باعباء الوزارة ، واستيزاره للمرة الثانية حيث كان وزيرا للاسكان يعكس مدى ثقة دولة رئيس الوزراء بامكاناته ، لاسيما وان الاخير يقود البلاد في اصعب واحلك مرحلة تمر بها الدولة العراقية .
وانا اكاد لا اشك بان الحملة الموجهة ضد وزير الرياضة و الشباب  هي ليست ضد شخصه فحسب وانما هي موجهة ضد العملية السياسية برمتها  باعتباره احد اهم اركان هذه العملية ، وقد فهم البعض بان الحملة موجهة ضد قومية كبيرة عراقية اصيلة أعني التركمان .
وقد صدق الشاعر العربي حينما قال :
اذا اراد الله نشر فضيلة  طويت اتاح لها لسان حسود
وقد خدمت هذه الاتهامات (الباطلة) معالي الوزير من حيث لا يشعر المغرضون ، فبرز نجمه اكثر وتحول الى رمز وطني كبير  بعد الاعتصامات الجماهيرية  التي جرت تأييدا له في شمال العراق وجنوبه ، وفي كركوك وحدها  تظاهر من يمثلون اكثر من ثمانين منظمة رياضية وشبابية لنصرة الوزير والدفاع عن سمعته الناصعة .
وهو يستحق بلا شك كل تأييد لانه خدم الرياضة وخدم الشباب راغبا في ايصال الرياضة العراقية الى المقام اللائق بها وهو فوق كل ذلك مثال للاداء  والكفاءة والقدرة وحسن الخلق ، فهو ينتمي الى مدرسة تُعلم الصفاء والنقاء والحب والايثار ولا تعلم بحال اراقة الدماء وفنون الاختطاف ونصب الحبائل ، انه ينتمي الى مدرسة تبنت الوضوح والصدق ، وقد عرفه كل من عايشه انسانا مسالما متواضعا نبيلا  محبا للخيريحمل معاني الانسانية بكل قيمها السامية ، ولم يستطع المتصيدون في المياه العكرة وهم لا ينقصهم الذكاء والدهاء ان يجدوا له صغائر الهفولات فكيف بالكبائر مثل فرية (الاختطاف).
ثم لماذا  يلجأ من هو اكبر مكانة وأعلى منصبا الى استهداف من هو أقل منه في الرتبة والشأن؟
ولا يفوتني هنا ان استنكر جميع الطرق الغير قانونية التي تتبعها قوى الظلام في ايذاء الغير كالاختطاف والاغتيال وادعو الله تعالى مخلصا ان يفك أسر جميع المخطوفين والمغيبين مهما كانت انتماءاتهم.
نعم قد لا يروق للبعض قيام الوزير بوضع الرياضة العراقية على الطريق الصحيح ومحاربته العلنية للتسيب والفساد الاداري ولكن ما يفعله هو من صميم واجباته وهو مسئول اولا واخيرا امام الضمير والتاريخ والاجيال ، وعلى الرياضيين وغيرهم النظر الى شدة الوزير في الحق بعين رياضية ،  ويتعاملوا معها بروح رياضية وهل الرياضة الا اخلاق ومعاملة وصدق ؟ وانه من المؤسف حقا ان يُشغل القطاع الرياضي بهكذا امور وانه ليس من واجبات الجمهور الرياضي ان يتابع اخبار الاتهامات بدلا من متابعة الاحداث الرياضية والمباريات والبطولات  ومعسكرات التدريب وغيرها .
والرياضة العراقية ستسير وفق ما هو مخطط لها وستحقق ما يمكن تحقيقه وسيظل الوزير رمزا للعراق ورياضة العراق قبل ان يكون رمزا للتركمان ، وقد اثبت التاريخ بان الارتطام بالجبال الشواهق يؤذي صاحبه فالانقياء لا يسقطون حتى وان ذهبت المناصب فالمنصب  ليس هدفا بذاته ، والتجربة الديمقراطية سائرة والتغيير مستمر بقيادة الاستاذ نوري المالكي يدعمه شعب وفي ملّ وضجر من تسلط الدكتاتورية .
وجميل ان تعرف كل جهة حدودها وجميل ان تعرف الفضائيات بان لها تأثيرا كبيرا على الساحة وعلى عقول العامة فلا تلجأ للاثارة السلبية لئلا تخسر جمهورها خاصة وان وضع العراق الحالي يتطلب الكثير من الحيطة والحذر لتجاوز هذه المرحلة الصعبة . و المراهنة على الاشياء الخاسرة خسارة .

117
التقريب وذكرى المولد النبوي

حسين ابو سعود
تمر هذه الايام  ذكرى المولد النبوي الشريف  فتمتلئ الكائنات لمقدمه بالنور والضياء ، وما من فرقة اسلامية الا وتعتبر هذا اليوم المبارك من اهم الايام ، وتحتفل به  فتنتشر مظاهر البهجة والفرح  في ارجاء العالم الاسلامي، وهذه المناسبة فرصة ذهبية لاعادة الامة الى سابق عهدها من التلاحم والتآزر والتكاتف، ونبذ الفرقة والخلافات ، بعد ان وعت الامة خطورة الخلاف ومضاره وادركت اهمية الائتلاف وفوائده، ولا يخفى على احد الجهود الجبارة التي بذلها علماء الجانبين لرأب الصدع و وحدة الكلمة ، كما لا يخفى بان هذه الجهود لم تأت الثمار المطلوبة والنتائج المرجوة لسبب بسيط وهو عدم تحمس الحكومات في الدول الاسلامية لتبني هذه الجهود ، واستثني من ذلك حكومة ايران التي كانت وما تزال تدعم جهود التقريب ووحدة المسلمين بكل ما اوتيت من امكانات ، وبهذا تكون الحكومات امام مسئولية تاريخية وشرعية كبرى ، كما ان الانصاف يحتم ذكر جهود الحكومة العراقية وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء الاستاذ نوري المالكي التي أولت اهمية كبرى لهذا الجانب بالرغم من انشغالها بمهام صعبة اخرى لبناء العراق الجديد ، وقد شاركت وفود عراقية رسمية في مؤتمرات الوحدة التي عقدت في لندن في الاعوام الاخيرة ، ولكن الجهود المبذولة من حكومة اسلامية واحدة او حكومتين ليست كافية لان المهمة عظيمة  ويتوجب ان يهب الافراد والمؤسسات   والجامعات والحكومات في عمل مشترك كبير  للتقريب بين المذاهب الاسلامية ووضع اسس منطقية للتعايش السلمي تحت شعار التوحيد.
و لاشك بان الامة الآن تعاني من الانقسام وان هناك جدار عال من الشكوك قائمة بين المذاهب ، وقد طرح المفكرون والعلماء المخلصون بعض البدائل منها اعادة كتابة التاريخ ، او التقريب بين الال والاصحاب وغيرها ، ولكننا نجد حالة من عدم التقبل لهذه الطروحات لدى الامة بسبب ما يسمى بـ( حداثة الطرح) وهو أمر مهم يجب التوقف عنده الا اننا نجد ان بعض الاطراف تحاول التشكيك بجهود التقريب سرا وعلنا وتعمل على افشال اية محاولة للتقارب بحجة عمق الخلافات واختلاف العقائد وغيرها من الاعذار الوهمية، وصارت هذه الاطراف تمتهن صناعة افشاء الغل  وزراعته وتوزيعه على عكس الاية الكريمة (  ربنا غفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) ويحسب هؤلاء بانهم يحسنون صنعا ، وقد وصل الغل  عند البعض درجة حتى صار يفشيه عن طريق الفضائيات والانترنيت علنا  وغيرها .
وخروجا من الحالة النظرية البحتة الى الحالة العملية والتطبيقية اقول انه يتوجب ان تشارك اطراف المشكلة في مؤتمرات الوحدة مباشرة ، و أعني باطراف  الخلاف السعودية وايران باعتبار ان الاولى تمثل المدرسة السلفية والثانية تمثل المذهب الشيعي بحضور المعتدلين من المذاهب الاخرى، وأيما مؤتمر لا يحضره مندوبون من هاتين الدولتين لن يحقق الغرض المطلوب ، وارى بان السعودية قد قطعت شوطا كبيرا نحو هذا الهدف باشراك علماء من مذاهب اخرى في هيئة كبار العلماء واتمنى لو يتعدى هذا الامر دائرته الضيقة ليشمل  علماء شيعة من المنطقة الشرقية باعتبارهم يمثلون شريحة رئيسية من المواطنين السعوديين، ولا اجد ان ضررا ما سيلحق بالخط السلفي اذا ما تم ضم عدد من علماء الشيعة الكبار الى هيئة كبار العلماء .
وأرى من الضروري القول باننا كأمة يجب علينا ان نعلم اولادنا واجيالنا الاهتمام بالغد والتوجه نحو المستقبل  لأنه الافضل والابقى من الماضي ، خاصة وان الماضي فيه ما يؤلف وما يفرق وعلينا ان نركز على الامور التي تؤلف بين القلوب لان فيه الخير الوفير والفضل الكبير ، فالمؤمنون اخوة والاخوة نعمة يجب المحافظة عليها.
وارى لزاما عليّ ان انوه الى كلام عقلائي جميل قالها احد المشاركين في مؤتمر الوحدة  المعقود في لندن العام الماضي بدعوة من منتدى الوحدة الاسلامية ، وهو سماحة الشيخ عبد الحليم الزهيري مستشار رئبس الوزراء العراقي ، حيث دعا الى عدم الحديث عن التقريب والمشتركات والمذاهب  والبدء فعلا بمشاريع مشتركة بين الطرفين ، وكأنهما طرف متحد واحد والبدء الفعلي بالتعايش والتعاون الاسلامي ، كأن يتم افتتاح مشروع ثقافي مشترك او مشروع لكفالة اليتيم يشترك فيه الشيعي والسني ويطلق عليه اسما مشتركا لا يشم  منه رائحة الطائفية وبذلك يتم تفويت الفرصة على المتصيدين في الماء العكر ، وفيه تسريع للخطى نحو التكامل والعمل المشترك كأننا امة واحدة  فيها تعددية الرأي يحترمها الجميع.
واتمنى لو تحذوا الدول الاسلامية كلها حذو ايران بجعل الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف لمدة اسبوع واقامة الاحتفالات المشتركة في مساجد الطرفين لزرع ثقافة الحب والتعايش والاخوة في نفوس المسلمين، وهو الهدف الاسمى الذي يدعو اليه القران الكريم كما في قوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
aabbcde@msn.com

118
خالد القشطيني والنكتة السياسية



زينب الجواري – لندن
استضاف الديوان  الثقافي العراقي في العاصمة البريطانية لندن الكاتب المعرف الاستاذ خالد القشطيني الذي القى محاضرة عن النكتة السياسية في الثقافة العراقية ، حيث تحدث عن النكتة بصورة عامة وعن النكتة السياسية على وجه الخصوص بدءا من العهد الملكي حتى يومنا الحاضر  مع اشارات الى عهود سابقة في التاريخ تضمنت تفاصيل  لطيفة وامثلة جميلة اسعدت الحاضرين.
وكان لحديث القشطيني نكهة تاريخية نابعة من قدرته في استدعاء الذكريات والحديث عن الذكرات كما هو معلوم صنعة مؤلمة  لان التعامل مع المدن له جانب موجع لان من عادتها اي المدن انها لا تعرف ابنائها النائين عندما تتغير بتقادم السنين فالعودة للذكرى هجرة ثانية في جسد امعن في الهجرات .
واعقبت المحاضرة مداخلات واسئلة من الحضور وقد اثرت تلك المداخلات الموضوع  لما فيها من اضافات حقيقية  لموضوع النكتة.
هذا وقد ادار الندوة  الدكتور حسين ابو سعود الذي ذكر في مقدمة حديثه انواع النكتة واثرها  على حياة الشعوب وضرورة النكتة لاحداث موازنة  مع حالات الحزن والالم التي يعيشها الانسان ، اذ نجد دائما لو بحثنا جوانب خفية تتسم بالحزن في نفوس المعروفين بالمرح والتنكيت.
والاستاذ خالد القشطيني شخصية ادبية غنية عن التعريف متخصص في الادب الساخر وله عمود في جريدة الشرق الاوسط اللندنية ، وله عدد من المؤلفات منها  حكايات من بغداد القديمة وايام فاتت ومن شارع الرشيد الى اكسفورد استريت وغيرها .
 

119
 

تأبين شيخ بغداد في لندن

اقام الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا  حفل تأبين لشيخ بغداد الدكتور حسين علي محفوظ  الذي وافته المنية في الاسبوع الماضي في بغداد و ووري  جثمانه الثرى  في مسقط رأسه بالكاظمية ، وقد ترك العلامة محفوظ الذي كان يدعى ايضا  بعاشق بغداد اكثر من 1500 مؤلف ما بين مطبوع ومخطوط ، وكان عضوا  في مجامع  علمية عديدة .
وقد بدأ الحفل بآي من القران الكريم تلاها المقرئ مصطفى مرجان ثم سرد مدير الحفل الاستاذ قيس عبد الكريم  بعضا من مآثر الفقيد وآثاره ، وتحدث عن جوانب مهمة من حياته .
ثم قام الاستاذ شاكر شبع  بالقاء كلمة وزارة الثقافة العراقية بالنيابة عن الاستاذ جابر الجابري الوكيل الاقدم لوزارة الثقافة الذي أبى الا ان يشارك في هذا الحفل لتاكيد حرصه على رعاية الثقافة والمثقفين ومشاركتهم في افراحهم واتراحهم ، وقد اشاد في كلمته بجهود شيخ بغداد في رفد الثقافة العراقية والعربية بحثا وتأليفا وتحقيقا في مختلف صنوف المعرفة ، وقال بانه ترك وراءه منظومة متكاملة من الافكار والاراء تغني ميادين الثقافة وان رحيله هو رحيل  رمز من رموز حضارة العراق وكنز من كنوزه المعرفية  والثقافية .
ثم القى الدكتور عبد المحسن عباس استاذ المخطوطات العربية والاسلامية في جامعة اكسفورد البريطانية بحثا  قيما عن حياة الفقيد واثاره وجهوده  في نشر  الثقافة والمعرفة ولا سيما في مجال تخصصه في التراث والتاريخ الاسلامي  ودعا الى تحويل منزله الحالي بما فيه من مكتبة وموجودات اخرى تخص الفقيد الى متحف يستفيد منه الاجيال  وفي ذلك تخليد لذكراه.
كما القى الدكتور علاء امين حبة رئيس جمعية رعاية العراقيين في بريطانيا  كلمة ذكر فيها تفاصيل لقاءه بفقيد العراق الكبير  اثناء زيارته الاخيرة  للعراق وكيف انه وجده علما من الاعلام البارزين وموسوعة تراثية غنية ، فضلا عن صفاته الانسانية الاخرى كالتواضع وحسن الاخلاق ، وأكد على ضرورة  تخليد ذكرى العظماء باطلاق اسماءهم على الشوارع او المدارس والمعاهد تقديرا للخدمات الجليلة التي قدموها طوال حياتهم المكرسة لخدمة العلم والثقافة والتراث.
واخيرا قام الدكتور حسين ابو سعود بالقاء كلمة الديوان الثقافي العراقي حيث قدم التعازي الى ذوي الفقيد متحدثا عن جوانب مضيئة من حياته وانجازاته العلمية الرائدة ولا سيما في مجال التقريب بين المذاهب الاسلامية من خلال كتابه الموسوم ( الوفاق بين المذاهب) والذي يؤكد بعد الدكتور حسين علي محفوظ عن النظرة الضيقة  للاشياء وبعده عن الطائفية والمذهبية .
هذا وقد حضر الحفل لفيف من الشعراء والمثقفين وعلى راسهم نجل الفقيد الذي تقبل التعازي من الحاضرين .
وبعد انتهاء الحفل صرح الاستاذ فلاح شريف المسئول الاداري للديوان الثقافي العراقي بان الديوان قد ازمع على اقامة ندوة فكرية خاصة بالدكتور حسين علي محفوظ يحضره كبار العلماء والمفكرين  يتزامن مع اقامة معرض خاص لكتب الفقيد ومؤلفاته  ، حيث ابدى نجل الفقيد استعداده لاحضار جميع مؤلفات والده لعرضها في المعرض .
زينب الجواري - لندن

120
وزير التربية في الديوان الثقافي العراقي(بريطانيا)



قام الديوان الثقافي العراقي في لندن باستضافة معالي وزير التربية العراقي الدكتور خضير الخزاعي الذي يزور بريطانيا حاليا وذلك في لقاء خاص حضره عدد كبير من وجوه الجالية العراقية ومثقفيها وقد القى معالي الوزير في البداية كلمة سلط من خلالها الضوء على اداء الحكومة الحالية وكيفية معالجتها للمشاكل التي تواجه العراق والعراقيين في هذه الظروف الصعبة ، مؤكدا على اصرار الحكومة برئاسة دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي على المضي قدما في تحقيق الاماني المنشودة للشعب العراقي الذي عانى الامرين طوال سنوات الاستبداد  ، كما تحدث السيد الوزير باسهاب عن هموم وزارته والمعوقات القائمة واعدا بان الوزارة ستبذل كل طاقاتها من اجل المضي قدما بمسيرة التربية والتعليم نحو الافضل ، حيث  قال بان الوزارة  ترعى الان عددا كبيرا من الموهوبين الذين سيكون لهم بصمات واضحة ليس على العراق فحسب وانما على العالم اجمع من خلال التفوق الكبير الذي يرجى لهم في مجالات تخصصهم.
وقام السيد الوزير بالرد على اسئلة المتداخلين والتي جرت في جو من الصراحة والود والاخاء والمحبة  واكد لهم بانه على استعداد لحل جميع المشاكل التي يعاني منها المواطنون  في الخارج والداخل  على حد سواء فيما يخص وزارة التربية  ووعد باستضافة  خمسين طفلا عراقيا من المقيمين في بريطانيا في مخيم كشفي خاص تشرف عليه الوزارة  من اجل ربطهم بالوطن الام .
هذا وقد قام بادارة الندوة الاستاذ شاكر شبع مدير جمعية رعاية العراقيين في لندن.
ومن الجدير بالذكر بانه قد سبق هذا اللقاء عقد  الملتقى الاول للمدارس العراقية التكميلية في بريطانيا حضره  ممثلون  عن المدارس العراقية والذي كان ثمرة ثلاثة اجتماعات تشاورية دعى اليها الديوان الثقافي العراقي تراسها الاستاذ  شاكر شبع المنسق العام لمؤتمر  المدارس العراقية التكميلية ، وتم خلال الملتقى مناقشة جدول اعمال المؤتمر المزمع عقده في ابريل المقبل حول المدارس  العراقية برعاية معالي وزير التربية لبحث المشاكل  التي تواجهها هذه المدارس  واولياء امور الطلبة ، وقد وعد السيد الوزير ببذل كل ما من شانه حل هذه المشاكل وتذليل كافة الصعوبات امام الجهود المبذولة لربط الجالية وابنائها بالوطن الام ، وقال ان الوزارة مستعدة لفتح مدرسة عراقية في لندن اذا ما توفرت الظروف الملائمة لذلك وانها مستعدة ايضا لتزويد المدارس التكميلية في بريطانيا والتابعة للجالية بكل ما تحتاجه من كتب ووسائل ايضاح مع ارسال مدربين متخصصين من العراق يقومون بتدريب الكادر التعليمي لهذه المدارس على احدث وسائل التعليم وسبلها لمواكبة التطور الحاصل في هذا المجال.
هذا وقد اشترك في الملتقى بالاضافة الى ممثلي المدارس العراقية ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني العراقية في بريطانيا ، حيث استمع السيد الوزير الى مداخلاتهم ومقترحاتهم بكل اهتمام واعدا بتحقيق ما هو ممكن .
هذا وقد صرح الدكتور حسين ابو سعود رئيس الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا  قائلا ان الديوان الثقافي يرى من صميم واجباته ربط الجالية بالمسئولين الكبار بصورة مباشرة بطريقة ثقافية حضارية مؤكدا على الاصرار في تقديم المزيد في المجال الثقافي في المهجر ، لاسيما وان النية متجهة الى اقامة مهرجان للطفل العراقي في المهجر ومؤتمر المدارس العراقية التكميلية في بريطانيا في شهر ابريل القادم  اثر نجاح المهرجان الثقافي العراقي الاول في بريطانيا الذى اقيم قبل اشهر  في العاصمة لندن .
وكان الديوان الثقافي العراقي قد اقام موسمه الثقافي السنوي الثاني والذي استمر على مدى سبعة ايام بدءا من اول شهر محرم الحرام تحت شعار ( نحو قراءة جديدة لثورة الامام الحسين  عليه السلام ) استضاف فيها عددا من العلماء والادباء  تحدثوا فيها عن جوانب مهمة في هذا المجال بحضور عدد كبير من الادباء والكتاب والمثقفين العراقيين والعرب بالاضافة الى عدد من وسائل الاعلام  والقنوات الفضائية .
زينب الجواري - لندن

121
رمزية الامام الحسين (ع) في الديوان الثقافي العراقي بلندن
بدعوة من الديوان الثقافي العراقي للموسم الثقافي الثاني والذي اقيم في قاعة الديوان في لندن،  ألقى الباحث والأديب العراقي الدكتور قصي الشيخ عسكر يوم الأحد المصادف 4/1/2009 محاضرة بعنوان رمزية الأمام الحسين(ع)  وقد حضر الأمسية عدد من الأدباء والكتاب والمثقفين العراقيين والعرب وكذلك حضر بعض ممثلي
القنوات الفضائية والصحافة وبعض وسائل الاعلام.                                                                   
                                                                 
في البداية تحدث الدكتور عسكرعن المعنى اللغوي للرمز لكون لغتنا العربية لغة اشتقاقية وضمن هذا الإطار تتحدد العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحيّ، ولأهمية الرمز في حياة البشرية فإن الإنسان يعد حيوانا خالقا للرموز، فإشارات المرور هي رموز وأرقام السيارات رموز، والأنبياء أنفسهم استخدوا الرموز كما فعل زكريا(ع)    والسيدة مريم (ع) أي أن الرمز ارتبط بالخلق والولادة والصوم وأمور كثيرة منها المعنوي والمادي.           
ثم تحدث الباحث عن الإمام الحسين " ع" بصفته رمزا لايخص العرب والمسلمين وحدهم بل هناك أكثر من قائد و أمة  جعلت الحسين رمزا لها مثل الشعب الألباني الذي ألف ملحمة عن الحسين(ع)  حيث انهم  يقرؤها في أيام عاشوراء ويصيح المنشدون فيها يا أبناء ألبانيا ثوروا انتفضوا فقد ثار الحسين(ع)  من اجلكم والملحمة الألبانية معروفة مشهورة في التراث الشعبي والفكري الألبانيين.                                                               

وهناك ايضا المهاتما غاندي الذي استمد ملحمته ملحمة التحرر والسلام من الحسين (ع) حين قال تعلمت من الحسين أن أكون مظلوما وثائرا،  وايضا الشعب المصري العظيم عندما عبر قناة السويس في حرب أكتوبر العظيمة كان يهتف حينذاك بأغنية شاعت على جميع الألسن عنوانها" مدد مدد ياحسين مدد شد حيلك يابلد ".

ثم بين الباحث لم أصبح الحسين رمزا عالميا فأشار إلى أن عظمة الحسين جاءت من كونه تبنى قضية عالمية هي مسألة العدالة حيث يقول في إحدى خطبه " ماأرى الموت إلا سعادة والحياة مع هؤلاء الظالمين إلا برما" ومسالة العدالة كما اشار الباحث تعرضت منذ بدء الخليقة إلى انتهاكات في حين أن الإسلام جعلها إحدى معانيها المهمة التي حاول الحاكم حينذاك محوها إضافة إلى ذلك فإن الحسين(ع)  كان بعيدا عن الانفعال وهذه سمة من سمات العالمية تجلى ذلك في ذبح ولده ومن بينهم طفله الرضيع فكان إلى آخر لحظه لايفكر بالانتقام أو التراجع  وهو بهذا الموقف كان عنوانا يستلهم منه الثوار اللاحقون من مسلمين وغير مسلمين صلابة الموقف وصلابة الرؤية والرؤيا، فالاساس في الأمر هو الثورة من أجل العدالة وليس الغرض هو الانتقام.                                 
                                 
واضاف الباحث والكاتب قصي عسكر، ثورة الحسين (ع) هي وحدها التي حاصرت قرنا كاملا تسلط فيه الأمويون فقد حدثت في بداية الدولة الاموية ثم حاصرتها في نهايته وذلك حين قام الثوار باسم الحسين فقضوا على الدولة الأموية وهي الثورة الوحيدة التي استمرت تحاصر امبراطورية امتدت من الصين الى الاندلس حتى قضت عليها وذلك من الاسباب المهمة التي تجعل من الحسين(ع)  رمزا عالميا.                                         
وفي ختام المحاضرة ألقى الباحث ثلاث قصائد من شعره استوحاها من مناسبة عاشوراء واستلهم فيها رمز الحسين عليه السلام.                                                                                                         
زينب الجواري- لندن

122
مجالس الحسين ولائم فكرية
حسين ابو سعود
يبدو ان ثورة الامام الحسين عليه السلام قد بدأت بعد استشهاده كونها  ظلت  خالدة لاكثر من الف عام والدلائل تشير  الى انها ستبقى ما بقيت الارض، كما لا يخفى بان ثمار هذه الثورة آتت اكلها  بعد سنين من حادثة عاشوراء ، فالحسين نور والله متم نوره وقد وصل هذا النور الى جميع بقاع العالم   وصارت مع الايام مجالسه ولائم فكرية غنية بالعلم والفكر والعرفان والفلسفة  والتاريخ  والحكمة والاخلاق، و  مدارس مجانية يفد اليها الكبار والصغار ، النساء والرجال بلا دعوة توجه اليهم، والمسئولية   هنا تقع على عاتق العلماء والخطباء لتحديد نوعية العلم الذي يقدمونه الى العوام من خلال هذه المدارس التي تبدأ من بداية محرم وتستمر حتى اوائل ربيع الاول .
الحسين عليه السلام هو مربي ومعلم للاجيال بل هو منهاج تربية متكامل ، دون ان تؤثر على هذا المنهاج النقي القويم  شطحات بعض الخطباء وخروجهم عن النص وقيامهم بتحريف الواقعة بحسن او سوء نية .
نعم هناك انتقادات للاساليب التي ينتهجها البعض وترويجهم لافكار ليست من صلب النهضة الحسينية، ويمكن تمييزها اذا كانت لا تدعو الى الاصلاح  لاسيما وان الحسين افصح عن غرضه في الخروج بقوله ( انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي) وايما صوت يدعو الى الفرقة والافساد والفتنة ليس صوتا للحسين .
والتصدي للمنبر لا يعتمد على الصوت الرخيم فحسب وانما يجب ان يتحلى الخطيب بالعلم الصحيح والعقيدة الصحيحة حتى لا ينعكس  ارتقاءه للمنبر سلبا على الناس الذين يتركون منازلهم  لساعات طويلة فيحضرون الى المجلس الحسيني للاستفادة والعبادة ، و قد شاهد الناس من على احدى القنوات مجلسا حسينيا في البصرة يحضره عشرات الالوف يفترشون الشوارع على مرمى البصر للاستماع الى الخطيب الحسيني ، وهنا تتضاعف المسئولية على الخطيب ليقدم ماهو نافع و مفيد من محاسن علوم اهل البيت لا سيما وان الفضائيات ايضا  صارت تنقل هذه الوقائع الى ملايين المشاهدين في العالم وبصورة مباشرة .
واقول حتى مسيرات المشي الى زيارة الامام الحسين يمكن ان يستفاد منها بتعويد المشاة على صلوات الجماعة  وقراءة القران  والوعظ في الطريق واثناء الاقامة  جوار الامام ، وكم حاولت القوى الظلامية والحكومات طمس معالم  النهضة الحسينية بمنع الزيارات وهدم القبور  وغيرها من الاساليب  ولكن التلاحم القوي للناس مع الامام الحسين افشلت كل هذه الخطط وذلك عن طريق المجالس الحسينية ، ولعل السيدة زينب عليها السلام كانت اول منبر حسيني متنقل أوصل اهداف الثورة ونتائجها الى الكوفة  ثم الى دمشق ومنها الى المدينة.
 الحسين احد مشاهير الانسانية واحدد قمم البشرية وعظمته اكبر من ان تحيطها مقالة او كتاب او موسوعة فقد كتبت فيه ملايين الصفحات شعرا ونثرا ودراسة وتحليلا، وستظل البشرية تنهل  من مجالسه النور والعلم والمعرفة والحكمة  ويتوجب على المراجع  العظام  ان يتنبهوا لاهمية هذه المجالس ويراقبوا ما يطرح فيها ، كما  يمكن ان تكون  المجالس الحسينية موضع اهتمام  الحكومات ايضا كونها دروس مجانية لبناء الفرد والمجتمع.
و يمكن الاستفادة  من مجالس الامة واخراجها من التقليدية البحتة كأن يتم توزيع الليالي العشرة على اكثر من خطيب  تجنبا للملل والتكرار كما يمكن ان يكون في الليلة الواحدة اكثر من متحدث  بينهم الاكاديمي والطبيب والمحامي وغيرهم من الاختصاصيين في العلوم الاخرى لتنويع ثقافة الحاضرين وتعميم الفائدة من هذه المجالس المليونية العظيمة.
الحسين اصبح عالميا  في شهرته وتسامى  الى ارقى مدارج العظمة ومن مثله يذكر كل عام بنفس الحماس وقد وصل الى دول اوربا وامريكا واستراليا  واليابان  وغيرها ، وصار الناس يسألون عنه ليتعرفوا على سر خلوده  ونحن نحتاج الى تصور صحيح ومقنع لنقدمه لهم .
المجالس الحسينية مجالس مباركة فيها اكبر تجمع بشري والجانب المأساوي  للمجالس يظل جانبا ثانويا امام الجانب التربوي والتعليمي لا سيما ان الوقت المخصص للنعي في المجلس الواحد لا يمثل شيئا امام الوقت المخصص للجانب التثقيفي، ويجب ان لا ننسى اسهامات الدكتور احمد الوائلي الذي يعد عميدا للمنبر الحسيني في ايصال الاشعاع الفكري  لهذه المدارس الموسمية الى الجماهير   وضيق الطريق على القلة من الخطباء الذي يتطرفون ويغالون ويستخدمون المجالس لارساء الفرقة والبغض مستغلين بذلك حب الناس للحسين واستعدادهم لقضاء الساعات الطوال في هذه المجالس  وبعضهم يتنقل في اليوم الواحد في عدد من المجالس لبناء النفس من الداخل وتعويدها على الزهد والصلاح والتقوى والصلاح ومكارم الاخلاق.
كما انه من الاهمية بمكان ان ننوه الى ان  الحسين ليس للشيعة فحسب كما انه ليس للمسلمين  وحدهم دون سائر الاقوام ، هذه الشخصية الاستثنائية التي استطاعت ان تلوي عنق التاريخ والاحداث ، انتصرت رغم القتل بل جسدت معنى الانتصار الحقيقي وليس الظاهري .
فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين .
aabbcde@msn.com

123
(الدراما العراقية في  ندوة ثقافية في لندن)

اقام  الديوان الثقافي العراقي في بريطانيا ندوة ثقافية بعنوان
(( واقع الدراما العراقية بين الامس واليوم ))
استضاف  فيها الفنانة القديرة فوزية الشندي والناقد والكاتب المسرحي قاسم مطرود وادارت الندوة المخرجة المسرحية زينب الجواري التي استهلت الندوة بنبذة من السيرة الذاتية للفنانة فوزية الشندي قائلة:
فنانة اقترن اسمها بالثقافة الفنية في العراق وهي ثاني فتاة تتخرج من معهد الفنون قسم الفنون المسرحية1964
 واول طالبة تتخرج من اكاديمية الفنون وتحصل على البكالوريوس  واول طالبة تحصل على الماجستير في فن الاخراج المسرحي . ولقد شاركت في 59 عمل مسرحي وتلفزيوني  خلال مسيرتها الفنية والتي تبلغ 40 عاما ، وتعتبر الفنانة فوزية الشندي اول مدرسة للتمثيل المسرحي في العالم العربي ، عملت في 90 حلقة من برنامج لغوي تناول( الفية بن مالك) وقد عرض هذا البرنامج في كل المحطات التلفزيونية العربية بين 1970 حتى منتصف الثمانينات . اما بالنسبة للاذاعة والتلفزيون فهي كانت دائما تميل الى تمثيل الشخصيات العالمية مثل آنا كرنينا ، انتيكونا ،الارض (لبترك بارك) ، و(مروحة الليدي وندرمير) .. هذا وبالاضافة الى تأليفها مسلسلات اذاعية كثيرة منها( ليل طويل في انتظار الفجر، الصفعة ، الليك واليك فقط ، بيت الافاعي)
كما وعملت كمدرسة في معهد وكلية الفنون الجميلة لمدة طويلة وايضا درست لمدة ثمان سنوات في كلية التربية الفنية جامعة اليرموك/ الاردن)
تناولت الندوة الحديث عن الاعمال الدرامية التلفزيونية والمسرحية العراقية التي تركت بصمتها بالذاكرة العراقية مثل تحت موس الحلاق، ابو ضوية، سبع كراسي ، الذئب وعيون المدينة ، النسر وعيون المدينة ، فتاة في العشرين، الاماني الضالة ، ذئاب الليل .ومن المسرحيات النخلة والجيران ، اني امك يا شاكر ، الدبخانة ،الغريب ، وقد ابدت  الفنانة فوزية الشندي رأيها  بهذا الخصوص وقد اشارت الى ضعف البناء الدرامي بشكل عام لغالبية الاعمال  الدرامية التلفزيونية  وايضا ابدت استيائها من تناول بعض المسلسلات  لبعض من الالفاظ البذيئة والتي  لم  يسبق وان تناولت الدراما العراقية  الفاظ تخدش ذوق المتفرج ولا تتماشى واخلاقنا .، كما ولم يخالفها الرأي الناقد قاسم مطرود الا انه اضاف على ان المسرح العراقي بخير وبتطور مستمر خصوصا وهو كان احد حضور مهرجان القاهرة المسرحي  العالمي وقد حصد العمل المسرحي العراقي الجائزة الاولى  في افضل سينوغرافيا والجائزة الثانية لأفضل ممثل ، واسترسل قائلا عندما عرض العمل المسرحي العراقي قال احد اعضاء لجنة التحكيم للمهرجان  ((الان رأينا مسرحاً حقيقيأً )) ..
هذا وبعد الندوة طرحت بعض الاسئلة من الجمهور حول نفس الموضوع على الفنانة  فوزية الشندي و على الناقد المسرحي قاسم مطرود وقد كان الجمهور متفاعلاً جدا وقد ابدى اعجابه بالنشاطات التي يقيمها الديوان الثقافي العراقي مؤخراً، حيث حضر الامسية الثقافية نخبة من المثقفين العراقيين في لندن, وقد وعد الاستاذ حسين ابو سعود رئيس الديوان الثقافي العراقي على التواصل المستمر معهم  من خلال النشاطات  والاماسي الثقافيةالمنوعة والذي من شانها نشر الثقافة العراقية  في بلدان المهجر..
                                                                                 
                                                                                    زينب الجواري- لندن



124
ضجيج في سوق القورية *

حسين ابو سعود

بعد أن تيقنت بان حب المدينة قد تمكن من قلبي وسكن أوردتي كلها صرت إذا خلوت الى نفسي تنفتح أمامي شاشة بحجم المدينة، تنقل لي بالبث المباشر (وبأثر رجعي ) أحداث المدينة وتناقضاتها، وكون الأحداث بالأسود والأبيض لا يؤثر في درجة الوضوح، فأرى رأي العين كركوك الستينات والسبعينات، وقد تعلمت كيف انقل الصورة من منطقة الى أخرى، وها أنا الان اجلس على دكة احد الدكاكين في محلة صاري كهية، واستمع الى أم كلثوم وهي تصدح بأغنية أنت عمري، يأتي الصوت من مقهى عباس بك مشوبا بطقطقات حبات الدومنة و زارات الطاولي وصوت الاستكانات والأطباق وهي تصطك ببعضها، وتعليقات الجالسين، انه الضجيج اللذيذ، حيث نداءات الباعة ووقع أقدام المارة.
وصوت (دللي قادر) يزمجر وهو يترنح بخطى واسعة فيحتل اكبر مساحة من الأرض بعصاه الطويلة ماشيا صوب بيته القريب من القهوة الذي يسكنه مع أخته قدرية تلك المراة العجوز   المتكورة على نفسها، يمشي (دللي قادر) بمهابة واللعاب يسيل من فمه ويتكلم بصوت عال أثناء المشي.
وكان قبل أن يطرق الباب على أخته يدخل الى المقهى فيتناول الطاسة من على الخشبة المثبتة على الاناء الفخاري الكبير ( الحب) بكسر الحاء ويكرع طاسة أو طاستين من ذلك الماء، ولم يكن هو ولا نحن نفكر بالوقاية الصحية فكنا نشترك بالمئات في طاسة واحدة مثبتة بواسطة حبل متين أو سلسلة من الحديد، كي لا يعبث بها احد أو يسرقها.
والتفت فجأة نحو ضجيج آخر لأرى الناس قد تجمهروا حول الملا رؤوف البرزنجي شيخ الطريقة ذو الظفائر المدلاة والوجه السمح، وهم يقبلون يده ويتبركون بمروره بالمنطقة قادما من تكيته في العرصة القديمة قرب المقبرة، وما ان يختفي الملا عن الأعين حتى تحدث جلبة أخرى واذا بــ عركة بين الانضباطية وبين احد أشقياء المحلة وقد قيل لي بأنه تعرض لحادث بالماطور (دراجة بخارية) أقعدته الفراش، وكانت عركاته جديرة بالمشاهدة وكنا نروي تفاصيلها بشئ من الإضافات لأصدقائنا، ولم نكن نحتاج للمبالغة فالرجل كان يمتلك قوة خارقة وتحملا استثنائيا للضربات وكان يواجه بشجاعة عددا من الانضباطية الغلاظ الشداد، ونعرف أيضا انه كان يصرع الشقاوات الآخرين، فصار هو شقي المنطقة بلا منازع، وما رايته يوما ينال من ضعيف أو يظلم أحدا، يحب الصغار ويوقر الكبار.
وبعد أن تنتهي المعركة بهرب البطل من أيدي رجال الدولة أو بوضعه داخل السيارة واقتياده الى المركز، نسمع جلبة أخرى، لقد وصلت سيارة الإعاشة لتجلب الصمون الطازج فيجتمع الرجال والنساء والصبيان لشراء الصمون الاسطواني الحار( المسمى صمون الإعاشة ) فتجعل لنا أمهاتنا منه لفة شهية باللبلبي أو البيض أو أي شي آخر فنتناوله ونحن في طريقنا الى المدرسة إذا كان الدوام مسائيا.
ويستمر الضجيج عازفا على أوتار الذكرى، فأرى موكبا من السيارات تتقدمها سيارة تم تزيينها بالأشرطة الملونة والنفاخات والورود وفيها شاب في منتهى الشياكة وأصدقاءه يغنون ويصفقون وهم يزفونه ليلة عرسه، هلهلة ويرن بو ينه،  دستة جول ويرن آلنة
التون كامر بغلامش يارن اينجه بيلينه  ، هلهلة ويرن بو ينة
ترى لماذا تشدني هذه الصور ؟  ولماذا أراها يوميا تتجسد أمام ناظري كما لو أنها حقيقة، هل هو اليأس المطبق من العودة أم انه التوحد مع الذكرى والحنين الى الماضي بناسه ومبانيه وأحداثه.
أقول نعم إن روحي صارت في هذا العمر لا تطيق برودة المنفى وروتينه القاتل وتشتاق الى الأطفال وهم يلعبون في المحلة والى النساء وهن يتسامرن في الدربونة والى الرجال وهم خارجين من المسجد بعد أداء الصلاة.
لقد ملت روحي انبهارات الحضارة وأضواء المدن البهيجة وتلح في العودة الى حلقات الذكر ومقاعد الدراسة والى أغاني الختان والأعراس الى أيام لم يكن رجال الأمن والاستخبارات قد افسدوا نكهة الحياة اليومية بعد بمسدساتهم التي تظهر من خلف الملابس بشكل متعمد.
احتاج الى الضجيج الذي حدث فجأة في المحلة بعد إعلان وفاة دللي قادر أو ملا قادر وصوت رجل ينادي: دللي قادر اولدي، قدرية يالغوز قالدي
أي: لقد مات قادر المجنون وبقيت أخته قدرية وحيدة.
وأنى لقدرية أن تظل في هذه الزحمة وحدها فالتحقت به بعد أيام قليلة من وفاته لتسطر صورة جميلة من صور الوفاء في هذه الدنيا الفانية.
وكأني بالضجيج الآن تفتعله الجدران والأبواب والنوافذ والشوارع والمناطق (الماس وعرفة وشاطرلو وبريادي وساحة الطيران وغيرها ) حزنا على سركون بولص الذي قضى في إحدى العواصم الباردة فجدد الحزن على جان دمو وعلى الراحلين الذين غيبتهم المنافي في مقابرها الباردة ممن أحبوا كركوك حد العشق والهيام.
ومضة أخيرة:
مصابيح الليل،
 تبكي نورا خافتا،
 تربط شوارع كركوك بأحلام النائين،
 وخطواتهم التي تمشي الى الوراء،
 تملأ كتب التاريخ بقصص التعاسة،
 والطغاة لن يبلغوا التخمة أبدا،
 مادام هناك طفل واحد يتطلع نحو النمو،
 ومادامت الأشجار تنشر أغصانها في الفضاء،
 أ عشق هذا الذي يعتريني أم جنون،
 أم شئ بينهما عوان،
 وايما كان الأمر يا كركوك،
 فدتك أعمارنا الملونة
* منطقة شعبية وسط كركوك
aabbcde@msn.com




126
جابر الجابري في دائرة الضوء
حسين ابو سعود
إن طريق النجاح في أي مجال ليست محاطة بالزهور والعطور  والبشر والسرور وإنما هي محفوفة بالعراقيل والصخور ، وكثيرا من المصاعب لا تنتهي عند بلوغ قمة النجاح، وهناك من الناس  من لا يستطيعون أن يروا النجاح والناجحين،فيصوبون نحوهم كل سهام الحقد والضغينة ، هكذا خلقوا ! يفعلون ذلك ظنا منهم بأنهم سينالون من مسيرة الناجحين ويزرعون حولها بذور الإحباط والفشل، ولكن انى يهتز الجبل بفعل الريح .
واحد هؤلاء الناجحين هو الشاعر الأديب والإنسان جابر الجابري الذي قاد سفينة وزارة الثقافة وسط الأمواج المتلاطمة  في دولة تكاد تكون هدفا لمختلف القوى الشريرة في العالم .وهذا الشاعر الذي عانى الكثير  قبل سقوط النظام السابق آثر أن يكون في الخطوط الأمامية بعد التغيير فأنيطت له هذه المسئولية الكبرى  لثقة القيادة بامكاناته  وكفاءاته، ولا يخفى بان وزارة الثقافة كانت كباقي الوزارات وزارة ثقافات وأحزاب وقوميات وطوائف لاسيما  في غياب  الوزير الأصلي، فصار من الطبيعي أن يكون الرجل الأول في الوزارة عرضة لتناول الألسن الحاقدة الحاسدة، والعراق كما نعلم أخفيت وجهه الحقيقي من قبل الأنظمة السابقة وصار يعرف ببلد الانقلابات  والمؤامرات والحروب والحصار والاعتداء على الجيران ومن ثم الاحتلال  والتفخيخات  والتفجيرات والخلافات وغيرها ، وصار لزاما أن يتقدم شخص شجاع وكفوء ويأخذ على عاتقه  تقديم الوجه الصحيح والمحسن لبلده  الى العالم ويقول لهم بأعلى صوت أن هذا هو العراق ،فقام بتنظيم وتنفيذ العديد من المهرجانات الثقافية منها مهرجان المتنبي في مدينة الكوت ومهرجان المربد في البصرة ومهرجان الحبوبي في الناصرية ولم يكتف بذلك بل اخذ العراق  بثقافته
وتراثه واصالته الى خارج الحدود ليقيم مهرجانات  ثقافية كبرى في عواصم مهمة مثل طهران ودمشق ولندن وغيرها ،ويقدم الثقافة العراقية دون تمييز أو ميل أو انحياز لجهة دون أخرى، وهي مهمة صعبة  لاسيما وان التنوع الثقافي الموجود في العراق لا يوجد مثله في البلدان الأخرى.
وقد فشلت كل المحاولات للنيل من شخصية الجابري وكفاءته إذ لا يخفى على كل ذي عقل بان الجابري ليس المقصود بشخصه وإنما العملية السياسية برمتها مستهدفة من القوى الظلامية ، والا فهو شخص يشهد له القاصي قبل الداني بالأخلاق الرفيعة  والقدرة على الإدارة والكفاءة  ، والحديث عنه لن يتوقف وذلك لنجاحه وإخلاصه وتفانيه في أداء الواجبات .
وقد قرأت  لكاتب عراقي اسمه غفار عفراوي مقابلة أجراها مع السيد الجابري واجهه فيها بأسئلة صريحة للغاية ، فكانت إجاباته تتسم بالهدوء والموضوعية والواقعية  ورحابة الصدر، ونحن لا نحتاج أن نضع ما يقوله البعض عنه أمامه على شكل أسئلة ، خاصة وان توضيح الواضح أمر لا يخلو من صعوبة ، واذكر بان احدهم ويفترض فيه أن يكون مثقفا منصفا قال بانه سمع ورأى الجابري يستخدم كلمات نابية وشتائم ضد احد الصحفيين أمام الفضائيات، فقلت له حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق فلا عقل  ولا فهم ولا دراية ولا كرامة له .
وأقول أيها الناس ان الثقافة وزارة مهمة  وهي وجه العراق الأصلي فلا تهدموا ما يبنيه الآخرون  بجهدهم ووقتهم وسنوات عمرهم وأقول للجابري : أعانك الله ولن يرضى عنك  ال... ولا .... حتى تتبعهم ولن تتبع سبيل المفسدين.
إذن فالجابري ليس في دائرة الاتهام بل في دائرة الضوء..
aabbcde@msn.com

127
الزواج الجماعي خطوة الى الجماهيرية
الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق وفكرة الزواج الجماعي

حسين ابو سعود

منذ بدء تأسيس الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق وضع زعماء الاتحاد ونصب أعينهم مصلحة الجماهير ومشاركتهم في الأفراح والاتراح‘وكان لممثلي الاتحاد حضور دائم في المناسبات وفي الأزمات في جميع المناطق التي يتواجد فيها التركمان،وقد جاء مشروع الزواج الجماعي ليثبت هذا الامرأكثر وأكثر
،حيث تناقلت الأنباء خبر قيام مكتب كركوك للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق  باقامة حفل لزواج جماعي بمناسبة ولادة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.ليدل هذا الحدث على مدى اهتمام الاتحاد بالجماهير ومدى شعبيته في أوساطهم،ولاشك بأن انجازمثل هذه المشاريع الضخمة تحتاج الى عمل مستمر وجهد كبير وإعداد مسبق،وهي استمرار لما قام ويقوم به الاتحاد لخدمة الشعب العراقي عامة والتركمان خاصة وقد استطاع مكتب كركوك تحشيد جميع الأطراف في هذه المناسبة السعيدة حيث حضر المناسبة محافظ كركوك السيد عبد الرحمن مصطفى ونائب المحافظ ومدير شرطة المحافظة وأعضاء من مجلس المحافظة وممثلين من الأحزاب الكردية بالإضافة الى رجال دين،وأن دل هذا  على شي فإنما يدل على مدى الاحترام الذي يتمتع به الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق والمكانة اللائقة التي وصل إليها الاتحاد بعد سنوات من العمل المضني المبني على العقلانية والاعتدال...وقد شكر السيد تحسين كهية عضو مجلس المحافظة ومسئول المكتب السياسي للاتحاد الاسلامي لتركمان والذي أشرف على المشروع شخصيا شكر مؤسسة النجف الخيرية  ومؤسسة أورسن الخيرية اللتان رعتا هذا المشروع بالدعم والاسناد ،والذي وعد بأن يكون هذا المشروع بادئة خير لمزيد من المشاريع المشابهة لخدمة الانسان التركماني وتشجيع الشباب على الزواج من أجل إقامة أسرة سعيدة وإنجاب ذرية صالحة تخدم البشرية بشكل عام والوطن بشكل خاص وقد دعا السيد كهية جميع الجهات السياسية والحكومة ومنظمات المجتمع المدني الى تبني المزيد من هذه المشاريع.
وقد كان لحضور السيد محافظ كركوك هذا الحفل أثرا كبيرا في النفوس والذي أكد في كلمته بأن مثل هذه الفعاليات والمناسبات تزيد من متانة العلاقات الأخوية بين أبناء المحافظة وتساهم في تقليص الفجوة بين المكونات المختلفة للشعب، وقد أعلن بأن الحكومة المركزية متمثلة في شخص السيد نوري المالكي رئيس الوزراء تدعم مشاريع الزواج الجماعي في البلاد خصوصا بين المكونات القومية والدينية لأنها تساهم في  تقوية أواصر المحبة والوحدة والتقارب بين أبناء الشعب الواحد.
 إذن فان جعل السياسة في خدمة الشعب ومشاركته في افراحه واتراحه  من اولويات القيادة الحكيمة للاتحادالاسلامي لتركمان العراق.
وبالأمس القريب أطلع العالم من خلال وسائل الإعلام المختلفة على قيام الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق بإقامة ورشة كركوك لبحث مشكلة كركوك،وجمع الجماعات والفئات المختلفة للشعب التركماني على صعيد واحد بغية توحيد المواقف وتنسيق العمل فيما بينها لمواجهة صعاب المرحلة الحالية وقد أثنى غير واحد من المراقبين على حكمة القيادة في الاتحاد الاسلامي لتركمان خاصة عندما تم طرح المقترح القيم بجعل كركوك اقليما مستقلا وتوزيع مهام الإدارة بين مكونات السكان في المحافظة بطريقة مرضية لجميع الأطراف،وقد وجد هؤلاء المراقبون بأن هذا الطرح العقلائي ينم عن قراءة واقعية للمستقبل ، نابعة عن المنهج الموضوعي المتبع لدى قيادة الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق ممثلة بسعادة النائب عباس البياتي الامين العام للاتحاد.
وقد ظهر الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق في الآونة كقوة جماهيرية لملئ الساحة السياسية العراقية ،خاصة وأن الجماهير بدأت تؤمن بأن الاتحاد الاسلامي يمثلها بالشكل الصحيح ،والتعامل مع الأزمات تتطلب نظرة موضوعية للأمور حتى لا تتفاقم الأزمة وهو ما تفعله تماما قيادة الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق  .
ومن جهة أخرى  وللأهمية الكبرى التي تتمتع بها كركوك على الصعيد الدولي  صار الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق محط الأنظار وموضع اهتمام  الدول الأخرى لتصاعد الدور الذي يقوم به زعماء الاتحاد على المستوى الوطني  حيث صارت  الدول الأخرى تتطلع الى معرفة موقف الاتحاد الاسلامي من القضايا المختلفة ولا سيما قضية كركوك . 


128
المؤتمر الأول للحوار الاسلامي المسيحي في بريطانيا


عقد منتدى الوحدة الاسلامية في بريطانيا يوم أمس مؤتمرا للحوار الاسلامي المسيحي في فندق ويمبلي في لندن لمدة يوم واحد، حيث توزع المؤتمر على جلستين صباحيتين وجلسة مسائية، أعقبها فترة من المداخلات والحوار المباشر، وقد شارك في المؤتمر من الجانب الاسلامي شخصيات علمية عديدة جاءوا من دول مختلفة، ومن الجانب المسيحي العديد من رجال الكنيسة والشخصيات الدينية والعلمية المسيحية في بريطانيا.
وساد المؤتمر جو من الود والألفة والصراحة، وقد إتفق الجميع على ضرورة إستمرار مثل هذه الحوارات لصالح البشرية مع التأكيد على جانب الاخلاص، لأن الحوارات ستؤدي الى رأب الصدع وإذابة المشاكل أمام التعايش الانساني على الكرة الأرضية.
وقد تم إفتتاح المؤتمر بآي من القرآن الكريم حيث تم تلاوة سورة مريم المباركة، ثم قام أحد القساوسة بعد ذلك بتلاوة قليل من الانجيل المقدس.
وذكر أحد المتحدثين وهو الأب بيتر تشالن بأن إستمرار هذه الحوارات ضرورية ومهمة لاشاعة ثقافة السلام بين الأديان في جميع أنحاء العالم والخروج من الفردية الضيقة الى العالمية، وتحدث عن الاقتصاد السلمي في العالم رافضا فكرة الربا من الأساس باعتباره سبب مشاكل الأرض، وقال أن هوية الأرض هو التوحيد أو مملكة الأله حسب الاعتقاد المسيحي ونحن نبحث عن المشتركات بين الأديان ونريد أن ننقل الانسان من حب السلطة الى سلطة الحب، وإن الأبعاد الثلاثة وهي الروحي والاجتماعي والمادي تتداخل فيما بينها.
ثم تحدث الأب رودلي شكسبير وهو أستاذ جامعي سابق في الاقتصاد أيضا حيث أكد على أهمية تنمية روح الحوار بين أتباع الأديان، وتطرق الى فلسفة الروح والجسد، وعقد مقارنة موضوعية بين إعتقادات الأديان في الروح، وتطرق هو الآخر الى الأثر السلبي للربا على الاقتصاد العالمي.
هذا وقد تحدث عدد من المفكرين المسلمين منهم الأستاذ شفيق منير أمين المؤتمر القومي الاسلامي وسماحة السيد كامل الهاشمي من علماء البحرين، والأستاذ عبدالوهاب الأفندي الأستاذ في جامعة ويستمنستر لندن والمفكر الهندي راشد شاز، والداعية كمال الهلباوي من مصر، والأستاذ صلاح الدين أرقه دان من المفكرين اللبنانيين والشيخ محمد الشيخ عمر فضلا عن المداخلات الثرية التي قام بها عدد كبير من المفكرين ورجال الدين واساتذة الجامعات من الطرفين.
وتناولت مداولات هذا المؤتمر عدة زوايا من خلال المفاهيم الخاصة لكل دين وعقيدة منها الاستغلال وحقوق الانسان والاقتصاد العالمي، والبيئة وغيرها، وأن جميع الآراء والأفكار التي طرحت في المؤتمر كان لها ثقل وأهمية لإتسامها بالموضوعية الكاملة والفائدة، إذ يمكن البناء عليها كأساس لحوارات مفصلة أخرى، وأنه بالاضافة الى قضايا الاقتصاد والربا والديون التي ترزح تحتها شعوب العالم تناول البعض البيئة ومشاكلها وأهمية الحديث عنها ولا سيما أن العالم يتعرض لتغييرات مناخية كثيرة في هذه الأيام بسبب سوء إستخدام الانسان للموارد، ويواجه العالم اليوم أزمة كبرى جوانبها إقتصادية ومالية وغذائية، والفقر يتفاقم وأن بعض الشعوب تموت جوعا.
وتحدث الدكتور جعفر هادي حسن عن الصهيونية المسيحية وسيطرتها على مواقع القرار وموارد المال في العالم.
وقد كان هدف القس فرانك جيلي من الحديث عن الروح والجسد هو الرد على الملاحدة الذين ينكرون وجود حياة بعد الموت، وأن الايمان بالآخرة يعتبر من أساس الدين، ومعرفة الروح قضية إيمان بالغيب.
وكانت الكلمة الأخيرة لسماحة آية الله الشيخ محمد باقر الناصري من كبار علماء العراق حيث ثمّن جهود المؤتمرين وتمنى لهم التوفيق داعيا الى إقامة المزيد من المؤتمرات للحوار الاسلامي المسيحي حيث أكد لزوم التفاهم بين أتباع الديانات من منطلق مقولة الامام علي بن ابي طالب والذي يقول(ع): الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وأكد على حقوق الانسان من دون تمييز وتفرقة بين الشمال والجنوب، وبين أوربا وآسيا وأفريقيا، وانتقد البون الشاسع بين الشعوب الغنية والفقيرة الناتجة من التوزيع السيئ للموارد الطبيعية والاستغلال الغير العادل للانتاج.
وفي الختام إتفق جميع المؤتمرين على ضرورة مواصلة الحوار لبحث سبل التعايش السلمي والقيم المشتركة وبناء قاعدة لتنظيم الخلافات، والحوار دون الدخول في معمعة العقائد، لأننا كبشر نعيش في مركب واحد وعلينا التعاون للتعايش سويا بعدالة في توزيع الثروات والانتاج وحقوق الانسان.
وبعد ذلك توجه المؤتمرون الى مؤسسة الامام الخوئي تلبية لدعوة خاصة موجهة لهم من قبل المؤسسة حيث رحب كل من آية الله السيد فاضل الميلاني والأستاذ غانم جواد بالحضور معربين عن شكرهم وامتنانهم لهم في اقامة مؤتمر الحوار الاسلامي المسيحي داعين لهم التوفيق، وبعد ذلك تناول الجميع طعام العشاء.
اللجنة الاعلامية للمؤتمر
عباس الامامي



129
البياتي: جاهزية القوات الامنية تقلل الحاجة لوجود  دائم للقوات الاجنبية



قال النائب عباس البياتي الامين العام للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق ان مسارات التحسن الامني في الوضع العراقي بدت واضحة في الاونة الاخيرة ، يعود ذلك الى شجاعة القيادة  وتطور الأجهزة الأمنية في البلاد.
وإن الوجود الدائم للقوات الأجنبية مرهون بتحسن أداء القوات الأمنية وتجهيزاتها اللوجيستية.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها عضو مجلس النواب عباس البياتي في مؤسسة الأبرار بلندن وهي مؤسسة رائدة في مجال التوعية الاسلامية والدفاع عن حقوق الانسان في العاصمة البريطانية بحضور حشد من المثقفين العرب من مختلف الجنسيات ، وقد أدار الندوة الدكتور سعيد الشهابي رئيس مؤسسة الأبرار الثقافية.
وأكد الاستاذ البياتي على أن لا عودة للبعث الى الساحة السياسية لا فكرا ولا اسما ولا مسمى ولا نظاما وإن البعث لم ولن يعود حتى الى المعارضة السياسية، لأنه حزب شوفيني لا يؤمن بالديمقراطية والراي الآخر فضلا عن إمعانه في الجريمة المنظمة، وإن المادة السابعة في الدستور العراقي الخاصة باجتثاث البعث لم يختلف عليه أحد من السياسيين في العراق الجديد.
وقد تحدث ايضا عن العراق كبلد يضم العتبات المقدسة قائلا: أن العراق ساحة حساسة ومهمة  وإن مسؤولية الدفاع عن هذه الرقعة الجغرافية تقع على عاتق المسلمين جميعا.
كما سلط الأستاذ البياتي الضوء على ما يقال عن الاتفاقيات مع الجانب الأمريكي معتبرا معظم ذلك كلام للتسويق السياسي يراد منه التشويش على العملية السياسية، وأن اي اتفاقية لا ولن تتم بدون عرضها على مجلس النواب الذي يمثل الشعب العراقي، وأن العراق لن تكون ابدا قاعدة للاعتداء على اي دولة من دول الجوار كما أنه ليس هناك نية لبناء قواعد عسكرية في العراق.
ثم تحدث عن التركمان والمادة 140 وذكر بأن مدينة كركوك لها خصوصية اقتصادية إذ إنها تنتج 20% من نفط العراق، كما أن فيها تعددا اثنيا وعرقيا ، والمشكلة فيها ليست مشكلة قومية بل هي مشكلة وطنية تحتاج الى نظرة توافقية ترضي جميع الأطراف هناك.
وردا على سؤال حول اشكالية العلاقة بين الدين والقومية قال السيد البياتي: بأن الاسلام لا يتعارض مع القومية، اذ أن هناك آيات قرآنية تتحدث عن القوم واللسان والشعوب والقبائل، والاسلام ليس ضد القومية كشعور انساني، لا سيما أن القومية امر قدري وجبري وليس امرا ختياريا، وأما الاسلام فانه  عقيدة واختيار، ولم تكن هناك حساسية تجاه القوميات في صدر الاسلام، وما عليه الوضع اليوم من تضاد بين الاسلام والقومية له ثلاثة اسباب رئيسية:
الأول: أدلجة القومية فيما نهى الاسلام عن التعصب حيث ورد في الخبر لا عصبية في الاسلام0 وفي خبر آخر ليست العصبية أن يحب المرء قومه بل العصبية بان يفضل شرار قومه على خيار قوم آخرين.
أما الثاني: هو إقتران القومية بالعلمانية: والعلمانية تعني في احدى معانيها التحرر والابتعاد عن الدين، باعتبار أن الدين في نظرهم يمثل الظلامية والرجعية كما يعلنون ذلك في اعلامهم منذ عشرات السنين.
وثالثا تقديم القومية على الاسلام باعتبارها بديلا عنه، إذن فالقومية كشعور انساني لا يتعارض مع الدين الذين استوعب القوميات والشعوب.
وقد أعقبت المحاضرة فترة للمداخلات والأسئلة شارك فيها عدد من الحضور.
حسين ابو سعود- لندن

130
البياتي .. الأتفاقيات مع أمريكا ينبغي أن تحظى بالإجماع الوطني

لندن 09.03.2008

في لقاء مع الجالية العراقية في العاصمة البريطانية تحدث السيد النائب عباس البياتي الأمين العام للأتحاد الأسلامي لتركمان العراق عن عدة محاور حول العملية السياسية والمراجعة الدستورية والمصالحه الوطنية ثم عرج على أهم التحديات التي تواجه الكتل السياسية في هذه المرحلة ووصف الهدف من زيارته الى بريطانيا للأطلاع على تجربة ايرلندا الشمالية في حل النزاعات بين مكونات المجتمع حيث كانت تعاني من نزاعات مريرة بين الكاثوليك والبروتستانت قائلا بأنه وجد المشكلة الأيرلندية أكثر تعقيدا من المشكلة العراقية وأنه شاهد هناك الحواجز الكونكرتيه والسواتر أكثر إرتفاعا من مثيلاتها في العراق.
وحول الوضع السياسي الحالي في العراق قال بأنه يتجه نحو الإنفراج الحقيقي لأن هناك تقاربات للكثير من المفاهيم المختلف عليها وأن فصلا جديدا بدأ على الساحة العراقية حيث أدركت الكتل السياسية التي كانت حتى الأمس القريب ترفض المشاركة في العملية السياسية بأن عليها القيام بدور مناسب لها  وإحتواء وأحترام الطابع التعددي للمجتمع العراقي وبعدما أدركت بأن الشعب العراقي قد قدم الكثير من التضحيات من أجل العملية السياسية وإعادة بناء الدولة العراقية وأن الأمر الأمر يحتاج الى المزيد من التوسع في أطر العمل السياسي والأقتصادي والأجتماعي والثقافي حيث جاء ذلك بعد سلسلة طويلة من الحوارات المثمرة مع المعارضين للعملية السياسية وبذلك  بدأت السياسة العراقية تقترب أكثر من الواقعية السياسية وأن شكاوى التهميش من قبل بعض الأطراف قد زالت الى حد كبير وغدا هؤلاء يطالبون بضم أفراد الصحوات الى الجيش والشرطة العراقية بعد أن كانوا يفتون بحرمة الإنظمام لها وأدركوا بأن الأرهاب يفتك بالجسد العراقي ومصيره ويزهق آلاف الأرواح البريئة ويدمر حاضر العراق الجديد وعدم السماح لهم بالتستر خلف مسميات أخرى كالمقاومة وغيرها.
وفي نهاية اللقاء توجه الحضور الى النائب البياتي بجملة من الأسئلة التي تهم المواطن العراقي وفي جو ديمقراطي حيث أجاب عليها بأسهاب ولعل أحد أهم الأسئلة كانت حول علاقة الدولة بالأحتلال حيث أجاب البياتي بقوله بأن أمريكا ليست لها نوايا بأقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق ولكن ستكون هناك إتفاقيات تتميز بالشفافية ستبرم بعد موافقة البرلمان العراقي عليها وأن هذه الإتفاقيات ستشبه مثيلاتها من الإتفاقيات المعقودة بين أمريكا ودول الخليج ولن تقوم الحكومة بالتوقيع على أي إتفاقية مع الأمريكان مالم تحظى بالإجماع الوطني.
هذا وقد تحدث الاستاذ البياتي ايضا عن قانون المساءلة والعدالة  وقانون المصالحة الوطنية  وإصدار العفو العام والإستثناءلت الواردة في قانون العفو ، وكذلك المراجعة الدستورية واضافة مواد جديدة للدستور ، والصعوبات التي تواجهها  لجنة مراجعة الدستور في بعض القضايا منها قضية الجنسية وصلاحيات رئيس الجمهورية وغيرها ، وكذلك الامور المتعلقة بالفساد الاداري واهدار المال العام ، واعتبره اخطر من الارهاب باعتباره عدوا سريا  واما الارهاب  فانه عدو علني يمكن التعامل معه.؟
وفي الختام اشاد النائب البياتي بدور المرجعية الرشيدة للسيد السيستاني في الحفاظ على وحدة البلاد ووصف المرجعية بانها صمام امان للسلم والتعايش السلمي بين مكونات  الشعب العراقي ، وان دور المرجعية الرعوي والابوي  كبير ومحوري  في الحفاظ على وحدة الشعب  ووحدة الوطن.
حسين ابو سعود- لندن.

131
عباس البياتي يلتقي الجالية التركمانية في بريطانيا


تدعو ممثلية الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق في بريطانيا جميع أفراد الجالية التركمانية في بريطانيا وأوربا الى حضور اللقاء المفتوح مع الأستاذ عباس البياتي الأمين العام للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق والنائب في مجلس النواب العراقي، والذي سيتحدث عن الوضع السياسي في العراق عامة وأوضاع التركمان عامة وما آل إليه وضع المادة 140 من الدستور العراقي،
وسيتم تخصيص وقت كافي   لطرح الأسئلة المختلفة حول حقوق التركمان في العراق، كما سيستمع البياتي لأفكار ومقترحات الأخوة جميعا في جو من الأخوة و المحبة الصادقة حيث إنها فرصة مناسبة لتبادل وجهات النظر حول آخر المستجدات على الساحة والعمل المشترك من اجل المصلحة التركمانية العليا
وذلك يوم الأحد المصادف 09/03/2008 في تمام الساعة الثانية بعد الظهر، في قاعة الديوان الثقافي العراقي في لندن والمدرج عنوانه أدناه
London, 61 Anson Road, NW2 3UY
 
حسين ابو سعود - لندن

132
المنبر الحر / التفكير والتكفير
« في: 10:33 16/02/2008  »
التفكير والتكفير
حسين ابو سعود
تظهر بين الفينة والاخرى اقوال او فتاوى يطلقها اشخاص ، تترك تبعات ثقيلة على الامة وتدخلها في جولات جديدة من الجدل العقيم  ومنها فتاوى التكفير ، واول اختلاف حدث بين المسلمين ادى الى تكفير الطرف الاخر وقتاله هو ما حدث لمالك بن نويرة في حروب الردة وقتله على يد خالد بن الوليد، فقيل ان  ابن نويرة مرتد كافر يجب قتاله فيما قال اخرون بانه مات على الاسلام الا انه وقومه امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة لسبب ما ،  وبعد حروب الردة تجرأ الخوارج على تكفير مخالفيهم واستباحوا حرمهم واباحوا قتلهم ، فالتكفير ليست عملية بريئة مجردة من التبعات وانما هو عمل يؤدي بالنهاية الى قتل واراقة دماء.
وان من فكر  من الخوارج عاد الى الصف العام ورجع عن التكفير حيث استطاع  عبدالله ابن عباس اقناع جماعة منهم قيل انهم يزيدون على اربعة الاف نفر فاعادهم الى معسكر الامام علي بن ابي طالب .
التكفيري في العادة لا يفكر والتفكيري لا يكفر وان حرف الكاف الذي يتقدم في التكفيرفيشينه ويتاخر في التفكير فيزينه يقلب الموازين راسا على عقب
التكفير لا يستطيع التعامل مع التاريخ والجغرافية والعلوم الانسانية الاخرى بينما الفكر يتعامل مع الحقائق وتفاصيل الحياة اليومية بكل لطف .
ويقال ان  الشيخ جلال الدين الحنفي وهو سني المذهب ذهب الى النجف الاشرف ليطلب من المراجع الدينية هناك اصدار فتوى بتكفير الشاعر معروف الرصافي  لنشره قصائد تحتوي على نفس الحادي ولكن المراجع رفضوا ذلك باعتبار ان اعذب الشعر اكذبه ويمكن تفسيره بعدة معاني ، علما بان الشيخ الحنفي كان متحاملا على الرصافي لاستهزاءه في قصيدة له بعمامة الحنفي الصغيرة واشادة الاخير بشعر جميل الزهاوي الذي كان منافسا للرصافي .
وقد اسقط مؤخرا احد كبار رجال الدين نفسه من انظار العلماء عندما اصدر فتوى بتكفير  شريحة كبيرة من المسلمين لمجرد اختلافه معهم في الرأي، في الوقت الذي كان عليه ان يعمل على رأب الصدع ووحدة الكلمة كجزء من واجب العلماء العاملين تجاه الامة ، وكرد فعل  طبيعي على هذه الفتوى تصدت اقلام من الطرف الاخر للرد ، فتم استهلاك الكثير  من الجهد والوقت والمال والورق على قضية مطروحة من مئات السنين ، ولا ولم ولن يتم الاتفاق عليها وافضل طرق حلها  هو مداراة الطرف الاخر  والتعايش  معه خاصة وان الدين الواحد انتهى بظهور المذاهب المتعددة ، وقد احصت كتب الملل والنحل والفرق اضعاف ما جاء في الحديث من ان الامة ستفترق الى ثلاث وسبعين فرقة ، واضطر المتخصصون الى تأويل هذا الحديث بطرق مختلفة للتخلص من المعضلة ،  وبرزت الحقيقة المرة وهي ان التمذهب والتدين نقيضان لا يلتقيان ابدا ، وان هناك مسؤلية كبرى تقع على عاتق المخلصين من علماء الامة منها التوجه الى التفكير بدلا من التكفير ، فالتفكير يجمع والتكفير يفرق ، وان الايات القرانية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي ترغب في التفكير كثيرة وقد لا تقابلها اية واحدة  او حديث واحد في تكفير اهل القبلة ، والمفكرون اناس على مستوى من الرقي والسمو  فيستطيعون التعايش مع بعضهم مهما كان حجم الخلافات  القائمة بينهم ، والتكفير اعلان عن الهزيمة  ويبدأ حيث ينتهي التفكير ، واما اذا تحول التفكير الى التكفير  فتحل عند ذاك الكارثة، واي كارثة اكبر من ان تقوم جماعة من الخوارج بتكفير  شخصية استثنائية مثل الامام علي بن ابي طالب.
فالتفكير  يعطي الحياة والتكفير يعطي الموت  والقتل والدمار  ومعاداة الجمال حتى يؤدي بالبعض الى التطاول على تماثيل باميان وملوية سامراء وقبة العسكريين  وضريح الجيلاني ، ولو تُرك لهم المجال لنفثوا احقادهم على عجائب الدنيا السبع ونسفوها من الاساس .
فالتكفير خط متعرج يربك العلاقات الانسانية ويربك الاديان والمذاهب والبلاد والعباد ويدخلهم في حروب عبثية لا طائل منها كما حدث في النهروان في الماضي او كما يحدث في العراق وافغانستان في العصر الراهن ، فالحرب يجب ان تكون اخر الحلول للخلافات القائمة التي تحتاج الى فكر وعقل وتفاهم .
التفكير يؤدي في حالة حدوث كارثة طبيعية في مكان ما الى المبادرة بتقديم المساعدات الانسانية للمنكوبين بغض النظر عن اللون والجنس والمعتقد ، واما التكفير فانه يمنع مساعدة من يدخلون في دائرة الكفار كونهم لا يستحقون المساعدة  ومن هنا يتبين بان التفكير ينتهي دائما الى الايجاب  وان بدأ سلبيا ، فهذه الدنيا  ميدان حرب مستمرة وكل له سلاحه فهؤلاء  سلاحهم الكلمة واولئك سلاحهم الخنجر ، مع ان السيف ليس دائما اصدق انباء من الكتب ، وسيظل هذا الصراع قائما  وهذه الحروب مستمرة حتى يحشر الله عباده يوما فينبئهم بما كانوا فيه يختلفون ، فالتكفيري  لا يفكر والتفكيري لا يكفر فهما كما قلنا نقيضان وان تشابهت احرفهما ، وعدم التفكير لدى ارباب التكفير يجعلهم يسعون الى هدم الكعبة وسرقة الحجر الاسود وتحطيم التماثيل وتفجير الاسواق والجامعات  وتفخيخ جسر الائمة، و وأد البنات والبنين والتكفير يقتل الصالحين كما قتل القوم الحسين بن علي ، واما التفكير فانه يعيد الحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين العثماني الى جادة الصواب ، والتفكير يحترم دور العبادة والكنائس والاديرة وقبور الصوفية وتماثيل بوذا ، اذ ان العقل هو من آليات التفكير وهو اشرف واعظم من آليات التكفير الذي يضم كل شئ ما عدا العقل ، فالعقل يأتي مقابل الجهل  كما ان الخير يقابل الشر (دائما ).
وهذا القران الحكيم الذي يخبرنا بانه لا يضرنا من كفر واتخذ له سبيلا غير سبيل الرشاد ووضع لنا قاعدة ذهبية نتعامل بموجبها مع الطرف الاخر ، وهي كما في الاية الكريمة ( لكم دينكم ولي دين )
والفرق بين الكفر والفكر ليس موقع الكاف فحسب .
aabbcde@msn.com

133
إشكاليات التراث الإسلامي وانعكاسها على الواقع
حسين ابو سعود – لندن
تحت عنوان إشكاليات التراث الإسلامي وانعكاساتها على الواقع استضاف الديوان الثقافي العراقي في لندن سماحة الشيخ حسين الاسدي وهو محقق وباحث في مجال التراث الإسلامي، وهو الآن يدرس ويُدرس في الحوزة العلمية، ويشرف على مشروع لتنقيح التراث، وقد بدأ أسس هذا المشروع في بريطانيا فوجد إن المجال لا يتسع له هنا فانتقل إلى مدينة قم  العلمية لاستكمال مشروعه الكبير.
بدأ الشيخ الاسدي محاضرته بقوله: لاشك أن كل امة من الأمم لابد أن تعالج الحاضر لكي تنطلق إلى المستقبل وكل امة تنظر إلى الحاضر يجب أن تستفيد من الماضي، إذن هي في ثلاث حلقات (الماضي والحاضر والمستقبل )، فلا مستقبل بلا حاضر ولا حاضر بلا ماضي، والأمة ارتبطت بموروث ضخم وهو التراث ويتشكل من مفاهيم وقيم ومعلومات
وينقسم هذا الموروث إلى خمسة أقسام:
1-   الموروث العقائدي والذي نشأ على أساسه المذاهب والفرق كالسنة والشيعة والاشاعرة والصوفية والمعتزلة وغيرها.
2-   الموروث الفقهي وهي المدارس الفقهية ويصل عددها إلى تسع مدارس منها الأربعة المعروفة بالإضافة ال المدرسة الجعفرية والاباظية والظاهرية والزيدية وغيرها.
3-   الموروث التاريخي وهو مهم جدا لأنه ظاهرة وصفية يصف الماضي، ونحن امة لا نتعامل مع التاريخ على انه علم وصفي بل انه محرك للأمة.
4-   الموروث الفكري وهو اعم الموروثات الأخرى واشملها وهو جزء مهم غائب في داخل الأمة.
5-   الموروث الشعبي أو الاجتماعي ويشكل العادات والتقاليد والأعراف وهي تختلف من قطر إلى قطر.
وهذه الموروثات كلها تمتزج فيما بينها وتشكل لنا التراث الإسلامي.
وان هناك الكثير من التضارب بين المدارس الفكرية والعقائدية وحتى المدرسة العقائدية الشيعية تنقسم إلى مدرسة إخبارية وأخرى أصولية ويتركز أنصار الإخبارية في البصرة والإحساء والبحرين وهم شيعة امامية اثني عشرية ولكن يختلفون منهجيا عن الأصوليين وهم أكثر تطرفا تجاه الآخرين لأنها تعتمد على الموروث الروائي بلا تنقيح على عكس المدرسة الأصولية التي نجدها أكثر اعتدالا وتنظر للآخرين باحترام وتدخل المدرسة السلفية السنية من الناحية المنهجية ضمن الخط الإخباري ، والإخبارية هم سلفية شيعية لو صح التعبير.
وان الموروث التاريخي والفكري في الغرب يستفاد منه العظة والعبرة ولا تؤثر عندهم على الحاضر كثيرا  وأما نحن فقد اصبحنا  أسرى للتاريخ لا نريد الخروج من أسره أو كما قال السيد الصدر الأول(  بأننا امة تستصحب الماضي ) أي أننا نعيش مع الموتى  ، مع امة قد ماتت وانتهت ،  والمدرسة السلفية الحالية هي مدرسة ماضوية، يريد\ أن يعيش افرادها  الماضي بكل تفاصيله ويفضلون ركوب البغال على ركوب الطائرات.
وان استجلاب الماضي إلى الحاضر بهذه الطريقة قضية خطيرة جدا لاسيما تحويل التاريخ إلى موروث ثقافي وواقع معاش ودين في حين تضع الأمم الأخرى التاريخ في المتاحف.
إن الموروث الثقافي الإسلامي مملوء بالالغام وهي عبارة عن قضايا امتزج بعضها بالآخر نتج عنها مظاهر خطيرة من التعصب والتطرف والعنف ويروى أن ابن أبي العوجاء بث بين أيدي الناس 4000 حديث يحلل بها الحرام ويحرم بها الحلال.
وخلص الشيخ الاسدي إلى القول بان هناك الكثير من الأمور السلبية في الموروث التاريخي الإسلامي يجب أن يتصدى له المسلمون وتنقية التراث من الشوائب العالقة به.
وقد أعقبت المحاضرة فترة من المداخلات والأسئلة أثرت بمجموعها الموضوع لا سيما وان معظم الحضور كانوا من أرباب العلم والثقافة والفكر.
هذا وقد قام بإدارة الندوة الإعلامي المعروف الأستاذ مصطفى حبيب الرئيس السابق للديوان الثقافي العراقي في لندن.
aabbcde@msn.com

134
اليماني الجديد و مسئوليات المرجعية

حسين ابو سعود

لقد أراد الله بهذه الأمة خيرا عندما مرت مناسبة عاشوراء بسلام، وأبطلت الحكومة دعوى اليماني الجديد، بالقضاء على حركته في الوقت المناسب، و إلا لكان هؤلاء قد عاثوا في الأرض الفساد واهلكوا الحرث والنسل وقتلوا العلماء وسفكوا الدماء وروعوا الآمنين الأبرياء.
ولولا يقظة الأجهزة الأمنية التابعة للدولة لكانت الطامة كبرى بسبب الهجمة القرمطية الشرسة الجديدة، لا سيما إن نواياهم الشريرة كانت تريد أن تطال العلماء الأعلام وأبادتهم .
كلنا نعلم بان عقيدة المهدوية هي عقيدة شريفة ولها مكانة عند الناس سنة وشيعة، ولا يتجاوز الاختلاف بينهما كون الإمام المهدي عليه السلام من ولد الحسن أو الحسين وانه مولود قبل أكثر من ألف سنة أو انه سيصلحه الله في يوم وليلة ويبعثه ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا .
وتتبع هذه العقيدة جملة أمور منها ظهور الأعور الدجال واليماني ونزول عيسى عليه السلام وعلامات الظهور الأخرى وأخيرا خروجه عليه السلام، والظريف بان التخبط في هذه العقيدة موجود منذ صدر الإسلام حتى أنكر البعض وفاة محمد بن الحنفية وقالوا انه سيظهر من جديد بعد غياب من جبل يقال له رضوى، وادعاء محمد بن عبد الله الحسني المهدوية ووصولا الى محمد بن عبد الله القحطاني الذي ظهر في الحرم المكي الشريف قبل ما يقرب من ثلاثين عاما ثم قاضي جند السماء الذي هلك قبل أعوام وكذب الله أحدوثته، وقد استطاع نبي قاديان أن يدعي بأنه المهدي والمسيح في آن واحد حتى مضى وخلفه أربعة خلفاء واخرهم مسرور احمد القادياني المعاصر والذي يتبعه الناس بمئات الألوف، ويبدو لي بان هذا هو أكثر المدعين والمتنبئين ذكاء وفطنة إذ لم يشأ أن يصطدم بأي جهة حتى لايتم تصفيته وإسقاطه سريعا، وأما الآخرون فقد غرتهم العظمة بجنونها وزينت لهم السيطرة على العالم، فقاوموا واُسقطوا في ملفات التاريخ ضمن الفاشلين.
وأنا شخصيا أميل كثيرا الى ما ينسب للإمام المهدي بعد انقضاء الغيبة الصغرى والدخول في الغيبة الكبرى عن طريق سفيره الرابع قوله: من ادعى الرؤية فكذبوه، ولعل ما قاله هو لسد جميع أبواب الادعاء والذرائع التي قد تسول للبعض التشبث بها لتحقيق أغراض دنيوية أو شخصية .
ولا يخفى على احد ما كُتب في هذه العقيدة من الكتب والرسائل ولكن هل جميع هذه المكتوبات صحيحة مئة بالمئة ؟
وهل يجب التسليم بها جملة وتفصيلا ؟
أم إن الأمر يتطلب التحقيق والتمحيص وتوخي الحذر عند القبول والرد، ولعل عددا قليلا من الأخبار الصحيحة تكون أفضل من سيل من الروايات الموضوعة التي تبث البلبلة وتسبب عدم الاستقرار، على إن هذا اليماني ( الجديد) لن يكون الأخير إلا إذا قامت المرجعية الرشيدة بواجبها كاملا في الوقوف أمام هذه الدعاوي الباطلة بكل ما أوتيت من امكانات، واذكر إننا قد استبشرنا خيرا لخبر مفاده أن المرجع الكبير سماحة السيد السيستاني دام ظله قد أمر بعد افتضاح أمر قاضي جند السماء وهلاكه بتشكيل لجنة من العلماء والفضلاء والمختصين مهمتها جمع الروايات المتعلقة بالإمام المهدي وتناولها بالتحقيق الدقيق والتمحيص الشديد، وجمع ما يصح من هذه الروايات في كتاب واحد يكتب فيه: ( هذا ما اتفق عليه علماء الشيعة الامامية قاطبة في عقيدة المهدي عليه السلام ) وتقديم مادة خالصة نقية الى الأجيال حتى لا يخدعهم المدعون والمنتفعون وذوو الأهواء، ولكننا صعقنا بتكذيب هذا الخبر من قبل المرجعية، فظل الحبل على الغارب حتى ظهر لنا اليماني وتسبب في قتل العشرات من الأبرياء، وعليه فان خطورة الأمر لا تكمن في الادعاء واستغلال البسطاء، ولكن الخطورة تكمن في ممارسة العنف وسفك الدماء وقتل الأبرياء لفرض الأباطيل، أقول والحالة هذه بان الظاهرة الحالية من كثرة الادعاءات تتطلب المزيد من التأمل والدراسة لاسيما في امكانات هؤلاء بالتغرير بالبسطاء وعامة الناس ومصادر الأسلحة والجهات التي تقف خلفهم وتزودهم بالمال اللازم لاستقطاب الناس، ومنعهم من استغلال تفاعل السذج وعامة الناس مع هذه العقيدة (الشريفة) وطول انتظار الفرج والخلاص، وعلى المراجع اجمع أن يتصدوا بصورة فعلية وجماعية لتمحيص هذه العقيدة وتخليصها من الشوائب وإعلام الناس بمعنى الانتظار، فهاهو البعض يروج علوما معرفتها إذا صحت لا تنفع وجهلها لا يضر منها أن الإمام متزوج وله ذرية وانه يعيش في مثلث برمودا أو في الجزيرة الخضراء أو انه موجود في كل مكان لا سيما في المجالس وفي الحج حتى يتلفت الحاج أحيانا في يوم عرفة يمنة ويسرة ليراه كما يقال له أو اعتمادهم على المنامات والأحلام وجعلها حجة على الناس.
 ولكن هل تتصدى المرجعية وتأمر بتشكيل لجنة من المختصين تقوم بالتلخيص بدلا من الإسهاب، والتخليص بدلا من التوريط،  وتعيين الصحيح ونبذ السقيم من الروايات وتلتفت بجدية لهذه المهمة المقدسة في تهذيب وتشذيب هذه العقيدة الشريفة للمسلمين، وليس عيبا دخول التحريف وأشكال التخريف من تضخيم وتفخيم وإضافة و حذف على عقيدة ما، ولكن العيب كل العيب أن لا يتصدى لذلك من هو أهله، ثم أليس رجال الدين هم الأمناء على الإسلام الصحيح.
aabbcde@msn.com 

135
وانتصر صدام في قضية العلم

حسين ابو سعود

خسر الأكراد جولة العلم وانتصر صدام مرة أخرى عندما اقر مجلس النواب بالأكثرية العلم الجديد بعد( لتي ولتيا )و(هرج ومرج )اقره بعد إزالة النجوم الثلاثة التي كان من الممكن تغيير تفسيرها من الوحدة والحرية والاشتراكية إلى أي معاني أخرى مرضية وما أكثرها كأن ترمز إلى الشيعة والسنة والكرد  مثلا ، وتثبيت عبارة الله اكبر وهي كلمة حق أراد بها صدام باطلا كبيرا وقد انطلت خديعة العبارة على الكثير من الناس حتى ممن نكن لهم الاحترام من الشخصيات الكبيرة التي جاهدت الطاغية ونظامه وقدمت التضحيات الجسام، انطلت عليهم الحيلة مثلما انطلى على أعداد كبيرة من جيش الإمام علي بن أبي طالب حين رفع مخالفيه المصاحف على أسنة الرماح، وكم دعا الإمام أصحابه إلى عدم الالتفات إلى الخديعة لأنهم على مشارف تحقيق النصر الأكبر، وصار ما صار بعد الاعتراض على حكمة القيادة، وما زالت البشرية بشكل عام والأمة الإسلامية بشكل خاص تعاني من تبعات رفع المصاحف والتحكيم وما نجم عنها إلى يومنا هذا.
وقد سمعت احد الشخصيات الكبيرة يقيس عبارة الله اكبر ( الصدامية) بقصور صدام قائلا ":فهل يبرر هدم القصور كونها صدامية، يعني بذلك هل يبرر حذف عبارة الله اكبر كونها كتبت بخط يد صدام على العلم ، مع انه اراد استخدامها ضد دولة مسلمة جارة و تأليب سذج المسلمين ضدها ، والا فالعاقل يعلم بان النظام البعثي ابعد ما كان عن الإسلام وما الاستعانة بهذه العبارة إلا مكاء وتصدية منه.
وينشب خلاف بين الأخوة الكرد والحكومة العراقية على العلم ورفعه في كردستان، وقد تم الاتفاق على حل القضية التي امتد الخلاف عليه عدة سنوات في جلسة البرلمان بإخفاء النجوم الثلاثة وإبراز العبارة التي ثبتها صدام حسين، فهل هذا يعني انتصار الكرد؟
ألم يستطيع الكرد زيادة ضغوطهم أكثر فأكثر لإزالة هذه العبارة (الشريفة)
من العلم لأنه يذكر بصدام وأيامه، الم يكن ممكنا إضافة عبارة (لا اله إلا الله) إذا كان البعض يصر على إبقاء العبارة الشريفة في العلم، والظريف ان هذا العلم بعبارة (الله اكبر ) ظل يرفرف على راس القاضي الذي حاكم صداما وأصدر بحقه عقوبة الإعدام، وقد ذهب شخص صدام وبقي علمه مرفوعا، وهاهو يبقى وبموافقة من البرلمان اعني الشعب ببقاء عبارة صدام، على ان لون العبارة وكيفية كتابتها لن تلغي مدلولاتها أبدا.
وارى بان الأخوة الكرد وكل من تضرر من صدام وزمرته كانوا قادرين على الإتيان بعلم جديد جدا لا يذكر الأجيال بالدكتاتورية والتسلط واستخدام الدين لأغراض شخصية ودنيوية.
وقد نسي مجلس النواب برئيسه ونوابه الثلاثة وأعضاءه إصدار قانون جديد يقضي بعدم جواز تنكيس العلم العراقي من بعد اليوم لأي سبب من الأسباب لان فيه عبارة الله اكبر أسوة بعلم السعودية الذي لا يجوز تنكيسه البتة وبموجب قانون لاحتوائه على عبارة ( لا اله إلا الله ).
وإذا حدث وان تعرض العلم العراقي إلى الإهانة أو الحرق كما تتعرض إعلام الدول المختلفة في حالات النزاعات وفيها عبارة (الله اكبر) فان التبعة تقع كاملة على عاتق الموافقين على هذا العلم، ثم أتساءل لماذا تم اختيار الخط الكوفي بدلا من خط يد صدام ؟ فهل لأنه أجمل الخطوط أم أقدسها ؟ ولماذا لم يستخدم خط الثلث مثلا وهو الأجمل والأروع كما يعرف ذلك أصحاب الفن، وقد أبدع الخطاطون العراقيون في كتابة الآيات القرآنية ولاسيما بخط الثلث وهو أصعب الخطوط، ثم السؤال الأخير: هل تم تمثيل التركمان وباقي الأقليات في العلم الجديد ؟
لا ادري ولكني أقول: لقد تسرعتم في الموافقة على العلم الجديد وقد خسر الكرد الجولة وانتصر صدام في قضية العلم ولو لمدة عام.

136
تأليب الدين على التدخين والمدخنين
حسين ابو سعود

اذكر كيف كان التدخين يوما لا يضر بالصحة حيث كانت علب السجائر لا تحمل التحذير المخيف بالتسبب بالسرطان، وعندما أدركت الحكومات خطورة الوضع ألزمت منتجي السجائر بكتابة التحذير على علب السجائر وهو تحذير لم يؤد الغرض إلا بنسبة ضئيلة، كما اذكر كيف كان المسافرون يدخنون داخل الطائرات في أعالي الجو، ثم تحولت شركات الطيران إلى تخصيص بعض المقاعد الخلفية للمدخنين حتى توجهت إلى منع التدخين مطلقا على رحلاتها وصارت تستخدم ذلك للدعاية بأنها لا تسمح بالتدخين على رحلاتها للترغيب إلى اختيارها حتى صار الناس يرغبون في الناقل الجوي الذي لا يسمح بالتدخين، وهاهي دولة عظمى مثل بريطانيا قد منعت التدخين في معظم الأماكن ولا سيما المطارات ومحطات القطار، فيما قامت فرنسا بالإعلان عن منع التدخين في الأماكن العامة، لتوجه ضربة قاصمة نحو هذه العادة السيئة، والسؤال الذي يفرض نفسه هو متى تقوم المرجعيات الدينية الإسلامية بعمل ثوري موحد بإصدار فتوى موحدة بتحريم التدخين إلى الأبد وبأثر رجعي باعتباره من الخبائث ولا يمكن لذي عقل أن يصنف التدخين ضمن الطيبات مطلقا  ، واعني بالمرجعيات الدينية السنية والشيعية معا وكذلك الزيدية والاباضية وجميع أهل القبلة، لان المسئولية مشتركة أمام الله والتاريخ والأجيال، على ان موقف علماء نجد والحجاز معلوم من هذه القضية وهو التحريم،  وكان التدخين يعتبر من العادات الاجتماعية المنبوذة في منطقة القصيم مثلا، وقد آن الأوان أن ينتهي الخلاف على حرمة التدخين بعد أن زال الخلاف على ضرره الكبير وما صرح به أهل الاختصاص بهذا الخصوص وصار تأثيره لا يقتصر على البشر بل حتى على الأجنة التي في الأرحام، كما يجب على رجال الدين وأهل العلم أن يقلعوا رأسا عن التدخين إذا كانوا قد ابتلوا به إذ لا يليق بهم أن يدخنوا أمام الملأ باعتبارهم قدوة للآخرين،  وما عهد تحريم التنباك ببعيد عن الذاكرة عندما اقلع من كان في البلاط الشاهنشاهي عن التدخين عندما أفتى الشيرازي الكبير بحرمة التنباك وباليته كان باقيا على فتواه بعد زوال السبب.
وقد تحذوا الحكومات الإسلامية حذو فرنسا بدعوة من علماء الدين فتحرم التدخين في الأماكن العامة وتجرمه وتمنع بيعه لصغار السن كمرحلة اولى وعليها أن لا تعبأ بما تحققه من فوائد مالية بهذا الخصوص.
لان الخسارة المتوقعة أكثر من الأرباح المتحققة لا محالة.
 أقول قولي هذا لنحافظ على صحة شبابنا وان يعيش كهولنا شيخوخة سعيدة خالية من الأمراض، وحتى لا يقال بان علماء الدين المسلمين لم يلعبوا دورا في هذا المضمار، فالتدخين لعنة وعلينا إنقاذ اكبر عدد ممكن من الشباب والمراهقين من الجنسين من الوقوع بين براثن هذا الشيطان الفتاك الذي ثبت انه يمهد الطريق أمام الوقوع في جحيم المخدرات أيضا.
وقد سمعت با ن احد كبار العلماء كان يدخن بشراهة ولكنه عندما تصدى للقيادة اقلع عنها دفعة واحدة في إثبات باهر لقوة الإرادة قائلا بأنه لو لا يستطيع كبح جماح نفسه فلا يجدر به أن يقود الناس.
وأدعو بعض العلماء الذين أصدروا فتاوى بتحريم التدخين ابتداء إلى مراجعة فتاواهم وإعادة إصدارها بتحريم التدخين ابتداء وانتهاء ويمنعوا طلبة العلم بأمر عام حازم من التدخين لا سيما وانه إضرار بالصحة والمال والبيئة، ولا أظن بان هناك من العلماء من يعتبر التدخين من المستحبات فهو إن لم يعده حراما يعده مكروها لا محالة، على أني لست متفائلا من موقف الحكومات في الدول العربية والإسلامية من هذا الأمر لأنها لم تفعل شيئا بعد أمام التلوث الكبير الذي تشهده أجوائها بفعل الأدخنة الضارة المنبعثة من السيارات، وانتشار مادة الرصاص السامة في الجو مما زادت من حالات الربو وسودت المبان بفعل الدخان.
ألا فهل تتصدى المرجعيات الدينية للتدخين كما فعلت المرجعية السياسية لدولة فرنسا ؟
وقفوهم انهم مسئولون.
aabbcde@msn.com

137
المنبر الحر / حب الحسين أجنـّهم
« في: 23:39 20/01/2008  »
حب الحسين أجنـّهم
حسين ابو سعود
علم واحد سقط في كربلاء قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بعد قتل حامله وقطع يديه، ارتفعت بدلا عنه مئات الألوف من الأعلام والرايات في جميع أنحاء العالم، في أمريكا وأوربا واستراليا وحتى في الصين واليابان.
يوم واحد من العطش، نتج عنه جريان الماء الزلال البارد على شكل ما يسمى بالسبيل في أرجاء الدنيا باسم عطاشى كربلاء، وامتدت مائدة عامرة تعرف بـ ( سفرة أبي عبدا لله) منذ ألف عام ويزيد وتقدم فيها ألوان الطعام والشراب وفي كل البلدان ويتسابق الناس بالتشرف في المشاركة فيها. وقد رأى العالم بأم عينيه كيف أن هذه المائدة لا تطوى ولا ينتهي معينها.
وان عدة خيام بالية احترقت في اليوم العاشر من محرم شيدت بدلا عنها أجمل وأروع مبان العالم وزينت بالذهب الإبريز وافخر أنواع الرخام والمرمر والمرايا.
وصارت خزائن الأضرحة تحتوي على النفائس التي لا تقدر بثمن قدمها الملوك والأباطرة على مر العصور.
ولو جمعت الدموع الجارية حزنا على الحسين ومن معه لجرت منها انهارا لا تتوقف .
و لا أبالغ إن قلت انه ما كتب ولا قيل في رجل مثل ما كتب وقيل في الإمام الحسين وصار يرثى بكل لغة ولهجة ولا يمكن بحال من الأحوال حصر هذه المقولات والمكتوبات وجمعها مطلقا.
وقد كرهت وجود الحسين وأهل بيته عصابة مارقة فقتلتهم وسبت ذراريهم، فوضع الله حبهم في قلوب المسلمين اجمع بل وتعدى ذلك الحب الى قلوب غير المسلمين أيضا حتى لم يبق منصفا في العالم إلا وأشاد بالحسين ونهضته الكبرى، حتى المهاتما غاندي وهو ليس من أهل الكتاب كما هو معروف قال بأنه تعلم كيف يكون مظلوما فينتصر، تعلم ذلك من الإمام الحسين المظلوم .
وأكاد اجزم بأنه لا توجد طائفة إسلامية في العالم لا تكن الاحترام لهذه الشخصية الاستثنائية مع اختلاف نظرتهم  نحو ه عليه السلام .
وما أن يهل هلال محرم من كل عام حتى يتحول العالم إلى قطعة من حزن وتتشح القلوب قبل الجدران بالسواد.
وقد يختلف غير الشيعة مع الشيعة في مظاهر الاحتفال بالمناسبة، أقول بان الشيعة أنفسهم يختلفون فيما بينهم في الطقوس والشعائر ولكنهم يتوحدون مع غيرهم في كون الإمام الحسين قتل مظلوما، ولكن لماذا  كل هذا الشرف و كل هذه الكرامة التي أعطيت للإمام للحسين ؟
والجواب هو انه كان يريد الإصلاح في امة جده المصطفى، حاملا بذلك راية مقدسة حملها قبله الأنبياء والمصلحون، فهو في الإصلاح وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى .
أليس الحسين كان يبكي على القوم في يوم عاشوراء لأنه لم يكن يريد لهم أن يدخلوا النار بسببه، وكم دعاهم إلى أن ينسبوه ليروا من هو و لا يقتلوه .
 أليس هو الذي قبل عذر الحر بين يزيد الرياحي الذي أوصلهم إلى ما هم عليه عندما ضيق عليهم الخناق منذ وصولهم كربلاء حتى يوم العاشر حيث المصرع، وصار للحر الرياحي شأن من الشأن بمجرد تركه معسكر بن سعد وانضمامه إلى معسكر الحسين، وكذلك الحال مع زهير بن القين الذي كان ينتمي إلى مدرسة سياسية مختلفة تماما .
 الحسين وريث الحسن الذي أصلح الله على يديه فئتين من المسلمين وهو وريث علي بن أبي طالب الذي منع الناس من تقاسم غنائم وقعة الجمل والذي منع جيشه من سب وشتم المخالفين والذي أمر بحمل الحليب إلى قاتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وأوصى بالأسير خيرا، والحسين وريث الذي أرسله الله رحمة للعالمين الذي سأل أهل مكة يوم فتحها عما هو فاعل بهم، فقالوا له: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فانتم الطلقاء دون أن يعمل بهم تقتيلا وتشريدا  انتقاما لما حدث في الماضي كما يفعل الفاتحون .
إذن ماذا يريد الحسين منا كل عام في ذكراه وصوته الحزين ما زال يتردد في الآفاق: هل من ناصر ينصرنا ؟
فهل يتفق المسلمون الآن على نصرة الحسين، ينصرونه بالقلم والفكر والتآزر والتعاون والمحبة والإيثار، ينصرونه بالسير على نهجه المسالم وهو يقول اكره أن ابدأ القوم بقتال .
فيا أيها الناس، الحسين ليس لطائفة دون أخرى، فالحسين لكم جميعا فاتبعوه، وتنافسوا في حبه وخدمته، وليحب كل منا الحسين بطريقته ولا تعتبوا على البعض في أساليبهم فلقد أجنهم حب الحسين، وليتعلم كل منا  منه ، فهذه مجالسه العامرة  مدارس للنور والعلم والهدى .
فالحسين هو الباقي لأنه الحق والباطل هو الزائل لأنه كان زهوقا .
وفي ظل العولمة والطفرة الإعلامية الكبرى وتكاثر اجهزته من انترنيت وأقمار صناعية وفضائيات فالحسين قادم نحو العالمية  سريعا ولا يسبقكم إليه غيركم .
aabbcde@msn.com

138
ما تبقى لي من كربلاء
حسين ابو سعود
ينفرد بذكرياته / يقلبها / يصلح هيئتها / يرمم ما تآكل منها / ولكن اسئلة تتعاظم / تهجس / تتوجس / تشتعل / تتجمهر / ثم تنطفئ عند سقوط رذاذ قادم عليها .
هكذا قال الشاعر حميد العقابي وهو يصغي الى رماده ، غير ان الذكريات ليست رمادا ، انها النار التي لا تنطفئ ، والذكريات ابقى من الحقيقة ، فالواقع مؤقت ومحكوم بفترة زمنية ، وما تبقى لي من كربلاء هي حفنة من الذكريات الا انها غاية في النفاسة ، وان العلاقة بين مدينة الولادة والمولود علاقة ازلية لا تنفك بعامل الهجرة ، وتظل محفورة في الذاكرة ومنقوشة في الاوراق الثبوتية.
انا ولدت في كربلاء وفي محلة العباسية الشرقية بالتحديد ، وذلك قبل اكثر من نصف قرن ، وعليه فان انطباعاتي عنها ستكون قديمة ايضا ، على ان الذكريات التي باتت تؤذيني وتعتصرني  ، تتعاون مع الحنين الذي يجرفني الى الطفولة.
كربلاء ايام زمان كانت تعني كربلاء التنوع حيث الناس الوان واجناس ، وعندما كنا صغارا نتهاوى بدشاديشنا المقلمة  ونتراكض خلف سيارة اللا ندروفر التابعة للبلدية التي ترش الدخان في الفضاء لقتل البعوض وكنا نختفي داخل سحب الدخان دون ان ندري  بان الدخان الذي نبتلعه قد يضر بصحتنا ، والظريف انها لم تكن تضر بالصحة ، حيث كنا نتعقب السيارة من شارع الى شارع دون ان نكل او نتعب ، واحيانا نضع طرفا من الدشداشة  في الفم  حتى  لانسقط  كما كنا نمسك النعال البلاستيكي في ايدينا لنتمكن من السرعة .
وكنا في نفس المحلة نلعب مع الهندي والباكستاني والايراني والافغاني والحساوي ولم نكن نعلم شيئا عن القومية والقطرية والطائفية ، وكنا نذهب للسباحة في عز الصيف في نهر الحسينية الزاخرة بالسلابيح .
واذكر من العباسية الشرقية حمام المشروطة  العمومي ويقابله دار العجزة و لطالما كنت اغافل اهلي لادخل الى الدار واحادث كبار السن فاجد عندهم زخما هائلا من الحنان والرفق والعطف ، ولم اكن ادر بان هؤلاء قد هجروا اولادهم او هجروهم رغما عنهم لاسباب مختلفة .
ولعل من الايام التي لا تنسى يوم غزت اسراب الجراد مدينة كربلاء فحجبت السماء واظلمت الدنيا وكنا نمسك باوراق المقوى ونرميها في السماء لتسقط علينا عددا من الجراد من الحجم الكبير .
واذكر من مناطق كربلاء  الحر وباب السلالمة وباب الخان وباب الطاق والمخيم  .
وكنت اتبع امي من العباسية الشرقية الى حضرة  الامام العباس عليه السلام وكانت تعتقد به كثيرا وتسميه ابو راس الحار وتروي لنا  كيف ان اخي الاكبر قد مرض في صغره واشرف على الموت وتقول : اخذته وهو جسد لا حراك به وذهبت به الى صحن العباس وقلت له : ياسيدي ومولاي هذا ابني البكر ، وهو كما تراه لا يبدي حراكا وانا اريده منك ، وما كان الا لحظات حتى دبت الحركة من جديد في اوصاله وصار يتقلب  يمنة ويسرة  فحملته معافى مشافى .
وكنت ارغب في بعض الاوقات ان اذهب لوحدي الى الحضرة وكان دكان  عمي ملاصقا للحرم الحسيني من الخارج مقابل الحسينية الطهرانية ، التي تجاورها  دار خال والدي الذي كنت اشاهده يجلس على دكة  الحسينية  الطهرانية بعصاه وسنواته الثمانين ينظر في المارة ويستنشق هواء الامن والامان في ظل ابي عبد الله الحسين عليه السلام ، فكنت اتوقف في الطريق الى المخيم ارفع راسي واتامل تانكي الماء العالي وارى اصحاب المقاهي يرشون الماء على الارض فتفوح منها  رائحة زكية ، وكانت هناك دكاكين اخرى اطراف الخزان ، محل بايسكلات ، محل كباب وستوديو ابيض واسود ( ونحن الان في زمن الديجيتال ) ، محل لبيع اللنكات (البالة ) و دكان لبيع خواتم ومسابح وتُرب ، وكان هناك محل لكوي الملابس علمت فيما بعد انه للرادود الشهير  حمزة الصغير رحمه الله وقد اشتهر في ذلك الزمان معه بين الرواديد مهدي الاموي فيما كان نجم ملا وطن في بداية بزوغه ، وما اجمل قصائد حمزة الصغير  في تلك الايام والتي يفتتحها اولا بــ ( آ ياحسين ومصابه ) منها جابر ياجابر ما دريت بكربلا اشصار  وهي قصيدة  خاصة بعودة السبايا في يوم الاربعين ، وتتحول كربلاء في ايام الاربعين الى مدينة كرنفالية من الطراز الاول لايعرف فيها الليل من النهار  لكثرة الحركة والاضواء والزحام وتسمع اصوات الشيخ عبد الباسط وعبد الزهرة الكعبي في كل مكان ذاك يقرأ القران بصوته العذب وهذا يقرأ المقتل بصوته الحزين ، وكنا نخرج مع الخارجين وبايدينا المشاعل لاستقبال  المشاركين في عزاء طويريج  الذين يصلون على شكل مجموعات الى كربلاء سيرا على الاقدام ، وكنا نرى الحصران الممدودة  وعليها التمن والقيمة يتناولها الجميع ببساطة نادرة وتواضع جم ، ولا انسى اليوم الذي دخلت فيه  الى موكب اهل المشخاب بعد ان شممت رائحة التمن العنبر يفوح ، واكلت معهم  دون ان اعرفهم او يعرفوني( انها سفرة ابا عبدالله الممدودة من الف عام ويزيد ) وكنا نرى التنوع في اللبس ، فذاك بالكشيدة وهذا بالعقال وعمائم سود وبيض وعرقجينات ملونة ، وكان والدي يتاجر بالعرقجينات فيشتري بالجملة من الحاج مجيد الصابري احد اكبر متعهدي العرقجينات بكربلاء ، كما كان يشتري الهاونات المذهبة من التاجر( حجي عباس ماي لحم) ويسوقها في كركوك.
 وكم كانت الحركة الادبية والنشر مزدهرة في ذلك الزمان واذكر باني رايت كتابا من اصدار منابع الثقافة الاسلامية باسم ابن السكيت الكوفي لمؤلفه كمال جمعة بهرام وهو استاذي الذي كان يدرسني التاريخ ، وعرفت فيما بعد بانه استشهد في سجون النظام البائد .
و كانت هناك بالاضافة الى مجالس العزاء للرجال مجالس (قرايات ) نسائية في كل بيت تقريبا وكنا ندخل ونحن صغار في كل مجلس تقريبا لاخذ خبز العباس وهو خبز فيه لبن او جبن مع قليل من الكراث او الرشاد او الريحان احيانا ، وكنا نسمع القرايات باللغتين العربية والفارسية ، وحتى حمزة الصغير كان يقرأ باللغتين العربية والفارسية وبطلاقة .
 ولا انسى سراديب كربلاء الباردة  حيث يهرع اليها الاهالي في الصيف طلبا للبرودة وكانوا يقضون ساعات رائعة للقيلولة فيها وكانت جدتي ( بيبيتي) تحتفظ بالرقي في السرداب كي يبرد .
ولم تكن كربلاء بعيدة عن السياسة في يوم من الايام واذكر ان والدي كان ياخذني الى دار اية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الزنجاني  قدس سره وكان معروفا بنشاطه السياسي وكنت اسمع هناك احاديث سياسية مختلفة لم اكن افهمها جيدا .
وكانت كربلاء تغرق في اللون الاسود  ابتداء من اول محرم حتى بداية ربيع الاول حيث المواكب ومظاهر العزاء واللوحات والتكايا  ومواكب الزنجيل المهيبة .
وكان اهل المدينة يهرعون الى الرزازة وهي بحيرة جميلة تقع خارج المدينة  طلبا للنسيم العليل والراحة النفسية  والجسدية .
 وبعد سنوات غادرت كربلاء الى كركوك بصحبة العائلة  الااننا كنا نزورها مرة في العام لقضاء عطلة الصيف فاجدد العهد مع اقراني وخلاني ، ثم غادرت العراق في بداية الثمانينات وظللت اتنقل في ارض الله الواسعة  حتى حطيت رحالي في منفاي البارد وكنت اسمع من  خلالها بان الدولة منعت الحياة في كربلاء  وارادت ان تغير معالمها  فمنعت ( العزيات ) ونشرت المخابرات والامن بين الناس ، وقيل ان حسين كامل دخلها واطلق النار على القباب الذهبية ، و ان جزءا منها  تهدم وصارت كربلاء  لبعض الوقت مدينة اشباح.
ثم قيل انها بعد السقوط انتعشت وازهرت وازدهرت وان اخر مناسبة عاشوراء جمعت حوالي خمسة ملايين  شخص في يوم واحد وعلى صعيد واحد، ولم يعجب ذلك شرذمة من التكفيريين واعداء الجمال فارادوا ايذاء الزوار وتفجير المراقد .
 ولا ادري هل ستعرفني المدينة لو عدت اليها يوما وهل ساجدها كما الفتها ام انها تغيرت ، وهل ستذكر العباسية الشرقية فتاها  ، ذلك الغلام الاسمر المائل الى الصفرة ، النحيف الضعيف الذي طالما غافل ابويه في حر الصيف وخرج الى المحلة والازقة مع اقران له تجمعهم شقاوة الاطفال وفورة الصبا .
وقد حصلت بعد هذه السنوات الطوال على ارقام لبعض اقاربي ومنهم خالتي التي كانت في ظل النظام السابق تخاف من تتبع اخبارنا ، هاتفتها ، سمعت صوتها الخافت، انها تذكرني تماما وتقول :ارفع صوتك خالة ترة ما دا اسمع زين ، خالة اشوكت تجي، اريد اشوفك قبل ما اموت خالة ، بعد عيني بعد روحي متقلي اشوقت تجي ؟
فقلت لها خالة فدوة اروح لج انا ما اقدر اجي هسة عندي ظروف ثم الاوضاع عدكم مو زينة ، بس انت شتردين مني ؟ قالت : لا ماريد شي ، بس اريد احب عيونك اريد اشوفك اشم منك ريحة المرحومة  باجي اختي الجبيرة  وينج باجيتي وانطلقت تبكي وتنتحب في نشيج مرير حزين وتقول : باجي باجي وينج باجي وانقطع الخط.
وهذا كل ما تبقى لي من كربلاء .
فسلام على الحسين وعلى اصحاب الحسين ، وسلام على اهل كربلاء وسلام على مسيرات العزاء وهيئات الزنجيل وعلى حمامات الحرم
وسلام على الطفولة والحلقوم والشكرلمة والخبز بالدهن وبيض اللقلق وشعر البنات واللوزينة وسلام على كل شئ جميل
ويظل الشوق للمنائرالذهبية مستعرا في الاحشاء .
aabbcde@msn.com

139
المنبر الحر / ولا اغتصاب للرجال
« في: 10:36 17/11/2007  »
ولا اغتصاب للرجال


حسين ابو سعود

هو شاب في العشرينات خرج من دور المراهقة  ليدخل في دور اخر لايقل هيجانا عن سابقه ، قال  لي بلهجة مشوبة بالسخرية  ونحن نتحدث عن اهوال الاغتصاب : هل الاغتصاب للنساء فقط ؟اه كم اتمنى لو تغتصبني ثلاث نساء جميلات  فاتقلب بين الاحضان حتى ارتوي .
نظرت اليه بسخرية مشابهة  وقلت له :اذن اسمع هذه القصة : ص كان شابا وسيما ، خرج من بيته لشراء بعض الحاجيات لاهله ، وقفت قربه سيارة وفيها امرأة ذات هيبة وجمال وفتنة ، وباختصار  سحرته ودعته الى السيارة فرافقها متصورا انها لذة  عابرة مع امراة واحدة  ولكنه وجد نفسه في فيللا راقية  و بانتظاره اربع نساء اخريات ، فتقلب بين الاحضان حتى وهن وضعف ، وخارت قواه فتم اعطاءه بعض المقويات ، ثم  لم يعد يدرك شيئا حيث اصيب  بحالة اغماء بعد ساعات متواصلة من الاجهاد والاعياء والاشغال الشاقة ، وحتى اذا شارف على الموت تم رميه في الصحراء القاحلة ، وشاءت الاقدار ان يمر احد الرعاة من قربه فوجد فيه رمقا من حياة فاجتهد حتى اوصله الى الشارع العام ومن ثم تم نقله الى المستشفى حيث مكث عدة ايام وهو يتوسل الحياة ان تعود اليه ثانية ، والمهم انه تعافى وتم الاهتداء الى الفاعلين  اعني الفاعلات واذا بهن من بنات الذوات ولا يمكن الاحتكاك بهن  من قريب او بعيد بسبب العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن ذلك ، واخبرته  بقصص اخرى لاغتصاب النساء للرجال لا تسمح اللغة الصحفية بسردها ، فهل بعد هذا يا صديقي تتمنى ان تتعرض الى اغتصاب نسائي رقيق ، فرأيته وقد تغير لونه وتبدلت لهجته وقال :  لا بل اريد الستر . وعليه فان الاثار السيئة التي تعاني منها الضحية سواء كان رجلا او امراة او طفلا ، لاتطاق ولا يمكن وصفها من خلال الكلمات  ويشبه ذلك الشاب في  تهويماته حال امراة عجوز هجرها الرجال  منذ زمن طويل ، تعرض منزلها  لسطو مسلح  وكانت  تبكي وتقول لماذا لم يكن هناك اغتصاب كما يشاع دائما ، وكأنها لم تكن حزينة على المسروقات وانما على عدم حدوث الاغتصاب .
وصحيح بان هناك  نساء يحبذن التعذيب الجسدي فيطلبن من ازواجهن ان يقوموا بدور الاغتصاب والضرب وغيرها ، الاان هذه حالات سادية ناتجة عن الرغبة الذاتية  ولا يمكن مقارنتها بحالات الاغتصاب الذي تحدث بالاكراه خلاف  الرغبة لما فيها من خوف  وايذاء ورهبة .
على اننا يجب ان لا ننسى توجيه اللوم في بعض الحالات  الى الضحية التي تساهم في جذب الشياطين نحوها بالغنج والدلال الزائد او بارتداء الملابس الغير محتشمة الخارجة عن حدود المعقول  ، ومثل هذا يحدث في الدول الغربية كثيرا حيث  فورة الشباب والسكر واللبس الفاضح وانعدام الوازع الديني .
ان العلاقة بين المراة والرجل منذ بدء الخليقة الى الان ليست دائما مثالية  وان الاديان جاءت لتنظم هذه العلاقة بطريقة او اخرى ولكن الكثيرين  ليسوا راضين على دور الاديان ايضا ويوجهون انتقاداتهم علنا الى بعض الجوانب المتعلقة بالمراة ، والاهم  فانا اجد البعض يدعون الى شنق مرتكبي حوادث الاغتصاب دون  ان يدعو  في نفس الوقت الى شنق الاسباب المؤدية الى حدوث حالات العنف والاعتداء والاغتصاب ، والمراة تتحمل  الدور الاكبر والعبء الاثقل في اقامة مجتمع خال من العنف لاسيما  وهي الام والاخت والزوجة  للرجل الذي يقوم بهكذا ممارسات .
ان معظم حالات الاغتصاب في الدول العربية تظل طي الكتمان  خوف الفضيحة  واخطر ما يميزها هو  استهداف الاطفال مما يجب مواجهتها والتعامل معها بحزم وشدة ،وقد افزعني  معدل حالات الاغتصاب في دولة عربية كبيرة  حيث وصل الى  عشرين الف حالة سنويا مما قد يحث المختصين  على بذل المزيد من الجهود لوقف او تقليل هذا العدد اعني بهم رجال الدين  والتربية والقانون والاجتماع .
وفيما يخص اغتصاب الذكور  فهو امر واقع  بالفعل لاسيما للاطفال الصغار في البلدان الفقيرة ،او ما يسمون باطفال الشوارع ، وهم اكثر الاطفال عرضة للاغتصاب  بسبب الجهل والحاجة ، كما يحدث ذلك في المجتمعات الذكورية ، وهي التي تستقدم الايدي العاملة ( العازبة )  دون السماح لهم باستجلاب عوائلهم بسبب قلة الوارد المالي ، فيظل هؤلاء يعانون من لسعات الغريزة واثارها دون ان يجدوا لاشباعها طريقا معقولا ، هذا فضلا عما ستتعرض له زوجاتهم في بلدانهم الاصلية من اثار سلبية اخرى  بسبب الابتعاد عن الازواج لسنوات طويلة .
وخلاصة القول بان الاغتصاب حالة مستمرة لايمكن القضاء  عليها البتة  ولكن يمكن الحد من انتشارها والاقلال من مرات حدوثها  باتخاذ التدابير الموضوعية من قبل الجهات المختصة والاباء والامهات .
aabbcde@msn.com


140
في رحاب ملكة سولاندا


حسين ابو سعود
ارى من الواجب قبل  البدء بقصتي في رحاب ملكة سولاندا ان اشير الى ان القصة حقيقية بالكامل وتفاصيلها مو ثقة بالاسماء والتواريخ والاماكن ، لذا اقتضى التنويه.
كان ذلك في الشهر الماضي وانا اتجول او اتسكع  لوحدي في اكسفورد استريت وسط لندن ، رايت رجلا في كامل اناقته ترجل من سيارة فارهة واتجه نحوي وقال لي : سيدي هل لك بمرافقتي ، لابلغك رسالة هامة  ، خفت في الوهلة الاولى ولكني شعرت بالاطمئنان عندما اراني بطاقته الذهبية وكانت من نوع فيزا ، وفي الطريق لم يتحدث الرجل بكلمة واحدة فاسحا المجال لي  لكي اتخيل ماهية المفاجاة ، فضربت اسداسا باخماس واسباعا باثمان واتساعا باعشار ، دون ان يخطر ببالي ما كان ينتظرني في القصر الراقي المطل على نهر التايمز ، اجلسوني على اريكة  من المخمل الشاموا لم ار اكثر منها نعومة  غطست فيها للاخر وتمنيت لو يطول عليها  جلوسي ، فدخلت حورية من الحور الطين ، مفاتنها تسبق كلامها ، قدمت نفسها بانها السكرتيرة الخاصة جدا لملكة سولاندا ، وسولاندا هذه دولة صغيرة جدا تقع في منطقة باردة  الا ان جميع  مرافقها مكيفة تكييفا منعشا ، ولا يتعدى عدد سكانها نصف مليون نسمة اكثرهم من النساء  اذ يبلغ  نسبة الرجال هناك 10% فقط تحكمها الملكة (س – م ) وهي شابة تجاوزت العشرين بقليل ورثت العرش من امها التي ماتت من الفرح وادعت انها رأتني في احدى الفضائيات  ، احاول بعث الحياة  في حوادث مرت عليها الف عام ويزيد وقد اعجبت الملكة بي بالكامل وقررت ان اكون زوج المستقبل ، فقلت  بلا فاصلة : قبلت التزويج ، دون ان افكر للحظة واحدة بزوجتي واطفالي ووطني اذ قلت بان اهلي  سيجدون لهم مخرجا واما وطني وابناء وطني فعليهم ان يصبروا  لان الصبر مفتاح الفرج ، وفعلا بدأت اجراءات الاستلام والتسليم ، فصارت الايادي تتلقفني ، تلك تحلق شعري  واخرى تحسن ذقني واخرى تاخذ مقاساتي ، وقد اخذوني الى حمام كبير  مصنوع من المرمر الزبرجدي الاخضر وفيها احواض بلورية ونساء عديدات ، واحدة  تدلك واخرى تمسج وواحدة تعزف على الة الكمان ، فذكرت الحرمان الطويل والذل الذليل ، ولا ادري لماذا خطر ببالي السلطان سليمان القانوني وحز في نفسي ان الموت اختطفه بالرغم  من عظمته وبذخه وترفه وحراسه وامبراطوريته العظمى ، وهناك احسست لماذا ينسى النعيم التفكير بالاخرين ومعاناتهم ، نسيت معاناة الشعوب ومجاعات افريقيا وكوارث اسيا ، والحق باني كنت اعتبر كل من اراها تمر امامي  هي ملكة سولاندا  لجمالها الاخاذ وقدها الممشوق ونعومتها المفرطة ، فكان يقال لي  لا بل الملكة  اجمل وانعم واحلى واشهى واطيب  ، ولكنك لن تراها بهذه السرعة فامامك مراحل كثيرة اخرى منها دورات الاتيكيت والبروتوكول واللغات  وركوب الخيل والسباحة والرماية وقد قام طاقم القصر بتجريدي من ملابسي القديمة  ومافي جيوبي من بطاقات باهتة وعناوين منسية وقصاصات متفرقة ومناديل ورقية ، جاءوا لي باقلام راقية من مون بلان وساعات روليكس واوديمار بياجيه وبدلات من لانفان وربطات عنق من سان لوران وعطور كوتشي ، ولم اكن ادري بان الملكة كانت تنظر الي من خلال كاميرات سرية مثبتة في الاماكن التي اتواجد فيها في القصر الرحب ( وليس الرحاب خوفا من سوء العاقبة ) وصاروا يقدمون الطعام لي بالقسطاس المبين حتى لايزيد وزني او ينقص ، وانا الضعيف امام القوزي والكباب والكبة والدولمة ، وقيل لي ان الزفاف سيكون في مونت كارلو حيث تم حجز فندق باكمله لهذه المناسبة ، وسيتم  التوجه الى هناك بسيارة رولز رويس سوداء فيها جميع وسائل الراحة ، وفعلا بدات دروس اللياقة والنظام والثقافة  وتم احاطتي بجدار لا يمكن  اختراقه من الحماية وسألوني عن تاريخ ميلادي ، فقلت: اعتبروا مولدي اليوم وانسوا الماضي برمته وتراكماته ، وصارت استعدادات الزفاف طاغية في جميع انحاء المملكة وانتثرت اثار الفرح على جميع مرافقها  وانشغلت اجهزة الدولة بمافيها المخابرات  بنشرالسرور والحبور ، وقيل ان الملكة اصدرت اوامرها باعداد فستان الفرح من الساتان الابيض المرصع بالفين ماسة والف ياقوتة  ومئة لؤلؤة ، وستكون هناك العاب نارية واطلاقات مدفعية واضاءات في الشوارع ،وستنهال بلا شك على جنابي  هدايا لاتقدر بثمن من ملوك ورؤساء الدول الاخرى ، والشوكولاته ستاتي من بلجيكا والازهار من هولندا والبوظة من النمسا  والقيمر من المجر الكبير   والفطاير من مصر والباجلاء بالدهن من العراق .
واًخبرت  من الحاشية  بان ملكات سولندا حريصات على عدم استبدال الازواج والبقاء معهم طول العمر وان الملكة الحالية ترغب في انجاب طفل يحمل مواصفات خاصة شكلا ومضمونا ، ولو اردت الاطالة لطال بي المقام غير اني اقول بان البشارة جاءت عن قرب موعد اللقاء بالملكة البارعة في الجمال والدلال والسحر الحلال ، ولاادري لماذا شعرت حينها بالام في مفاصل الركبة، جعلتني اشعر بازعاج واضح وصرت اتلوى  من الالم فجاءت احدى الوصيفات ووقفت على راسي تحركني وتهذي ببعض الكلمات العربية مثل انهض ، موعد الطبيب ، مدارس الاولاد ، فاتورة الغاز والكهرباء ، نظرت اليها مليا واذا بها زوجتي، ادرت ناظري في ارجاء الغرفة فوجدت نفسي  في سريري اليومي المعتاد، وفردة حذاء هنا وفردة هناك والاولاد يتصارخون ويتصارعون على سندويتشات الجبن والبيض، وقد بطل العجب بعد ان ظهر السبب ورايت جريدة ملقاة عند السرير كنت اقرأ فيها قبل النوم عن  زواج الملكة ناريمان من الملك فاروق رحمهما الله جميعا ورحمنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا وكيف انه طلقها فتزوجت باثنين آخرين بعد طلاقها وقلت الحمد لله على النعمة ولا دائم الا وجهه ، وهل الاحلام الا انعكاسات العقل الباطن ؟ اللهم نعم .
aabbcde@msn.com

141
ورود الموسوي تتألق شعرا في لندن

حسين ابو سعود

لا شيء يشبه ليل لندن.. حيث لا شيء سوى الصمت  واوراق الخريف .. وأنت تسمع خطاك ماشياً وحدك باتجاه الكلام .. حيث ترتقب ما يكسر صمتك وصمت الليل فانبرت لنا الشاعرة العراقية  ورود الموسوي ، فكسرت  ذلك الصمت بالشعر. حيث اقامت امسيتها في منظمة للسلام العالمي في منطقة لا نكستر كَيت وسط العاصمة البريطانية لندن .. وبحضور لفيف من ارباب الادب والفن والثقافة .عراقيون ,عرب ، نساء ورجالا .
 علَّ اهم ما ميز الحفل هو تقديم الشاعرة من قبل  شخصية علمية بارزة وهو الدكتور عبد الله الموسوي المستشار الثقافي العراقي في بريطانيا ، وهو خير من يعرف للكلمة قدرها ،وباسلوبه المؤثر والقاءه الرزين قال الدكتور فيما قال :
(يانعةٌ هي نتاج عقدين ونصف من عمرها وانت حين تتصفح الديوان الباكورة تجد عراقية ليس بين مفرداتها اليأس والقنوط وان الانجاز الناضج لا يحدد بعمر النضج الذي يشير اليه علماء النفس والتربية. طافت بها الايام في عرض البلاد وطولها فهي بدأت بالعرض قبل أن تبدأ بالطول .. وهي بين حنايا والدين كانا يدركان ان الطفلة شبت عن الطوق قبل الاوان وان هذا الصمت المطبق خلفه جلجلة كلام .. بعضه لا يدركه مَن حوله.  ان التماع عينيها – وهذا امر ثاقب- واستدارتهما السريعة توحيان ان شيطان الشعر متربع على حافة  اللسان. تشعرك ان كلامها اليومي هو الاخر شعر أو نثر او كليهما)

لتعتلي ورود الموسوي منصة الكلام .. قائلة .. (احترتُ كثيراً في اختيار قصيدة البدء لكني رأيتُ المرآة .. فكنتُ امامها .. انظرني .. أنا ومرآتي واليكم مرآة ..) وكان مطلعها:

تعبٌ يحتضنُ الجبل العاري

 ثم بعد المرآة جاء نص حصار وفيه تقول:

منذ ثلاث صرخاتٍ فقط
دخلتِ المدينة سباتها الابدي

قرأت نصوصاً من ديوانها الاول ( وشم عقارب ) الذي صدرفي بيروت عن دار الفارابي ، ثم القت قصائد اخرى أسمتها– نصوص ما بعد الديوان-  حيث لاقت نصوصها استحسان الجميع ،  وبقي ان اقول ان الاستاذة ورود  الموسوي ليست شاعرة فحسب وانما هي أديبة حيث تكتب كل انواع الادب شعراً ونثراً.. قصة , رواية ومسرحاً .. بل هي فنانة ايضاً فهي مصورة فوتغرافية ولها لوحات رسم تصفها بالمتواضعة .. غير ذلك فهي حافظة للقران الكريم  واستاذة في هذاالشأن بل درست العلوم الاسلامية ودرّستها .. كما وعملت في الحقل الصحفي والاعلامي  وقدمت البرامج الثقافية .. ودارت العديد من المحاور في المؤتمرات الثقافية والانسانية والاجتماعية.  وهي ما زالت تطمح للمزيد حيث تقول( ما زلتُ في اول الطريق).
لقد كان مساء من احلى المساءات / حدث / امسية / شاعرة / مثقفين ، ورود الموسوي لها القدرة على محاورة الاخر ومحاكاته بسهولة فهي تتعامل مع الكلام والاخر بذات المهارة .. تنضد حروفها كما تستثير فيك السؤال .. عن كينونتها كأنسانة ومثقفة.
وقبل ان تنهي الشاعرة المتألقة امسيتها بالتوقيع على الديوان ختمت بقصيدة رحيلٌ آخر:

أرحلُ فالأرضُ نوادٍ غَبرا
والشِعرُ مرايا عُمْرٍ لا يَكتبُ غير الوجع القارص أُذن الموتِ
وخطّاطون على شاهدِ قبري يحتطبونَ الحزنَ بدمعِ اللحظةِ
مسكينٌ شِعرُ البنتِ يحطُّ على جنبِ القبرِ ويرقدُ مثل الإنسانْ....!

وبهذا قدم الموسويان لــ مثقفي لندن نشاطاً جاداً وامسيةً تكللت بالدفء والشعر .. قد تكون فاتحة الاماسي القادمة كما صرحت الشاعرة ورود الموسوي.
aabbcde@msn.com

142
شوق لاحاديث العراق
حسين ابو سعود
قيل ان ام علي وصلت للتو من العراق ، لا اعرفها ، لم اشاهدها من قبل  ، وغاية الامر ان ابنها علي صديقي جمعتنا التشرد والغربة ، واواصر صداقتنا تقوت وتوثقت بداعي الجيرة والحيرة والهموم الكثيرة والكبيرة ، طرقت الباب، دخلت الى الصالة ، رايتها جالسة على الاريكة ، امراة عراقية صرفة ، وقورة ، حنونة في نهاية العقد السادس من عمرها ، ملامحها جنوبية ، لهجتها بغدادية ، نظراتها شمالية ،  معجونة بمياه دجلة والفرات ، وترحيبها يقطر دبسا شهيا ، جلست قبالها قبل ان تاذن لي بالجلوس ، رأيت  في جرغدها أمي وفي جلستها عماتي وفي حركاتها وسكناتها جميع خالاتي ،رايت فيها كركوك وكربلاء ودهوك والرمادي ، رايت فيها السنة والشيعة والعرب والكرد والتركمان والاشوريين ، والصابئة والايزيديين والشبك .
 فقلت لها سيدتي : حدثيني عن العراق ، فانا اشتاق لكل حديث عن العراق .
حدثيني عن لفح الشمس في البصرة وعن هبوب النسيم في اربيل ، حدثيني عن شارع الرشيد والمكتبات  والفنادق والمطاعم والاكشاك، عن شارع النهر وابو نواس ، حدثيني عن كل شئ، عن انواع السمك وانواع البط وانواع الثمر ،حدثيني عن النهار اذا اقبل وعن الليل اذا ادبر ، عن الجيران والصبايا ولعب الاطفال ،عن الزيارات والاعياد والاعراس والمناسبات ، عن الطلاب  والطالبات والمدارس ، عن آثار الحروب ومخلفات الحصار ونتائج الاحتلال  ومعاناة الارامل واحلام اليتامى وتأوهات العذارى وحسرات المعوقين.
حدثيني عن الحقول وتوالي الفصول وعن مزارع الكروم والقصب والبردي والاهوار والمشاحيف وخبز التنور .
حدثيني عن الانهار والسواقي والاعشاب ، والطحالب والسلابيح والبعوض والجراد والفراشات.
حدثيني عن البهجة في عيون الاطفال والخوف في عيون الكبار ، حدثيني عما يجري في الازقة والحواري وعلى السطوح وعن الحدائق والازهار والميادين وملتقيات العشاق، وعن التباريح وخفقات القلب عند التلاقي ونشوة اللقاء ومرارات الفراق ، وعن الاغاني والتواشيح والاناشيد والزغاريد ، عن الاطفال الذين كبروا والكبار الذين ماتوا ،حدثيني عن الشموع والدموع وتمنيات الرجوع ، وعن المصابيح والمراجيح وزحمة الاسواق واصوات الباعة .
حدثيني عن الورود والخدود والياسمين والجلنار والرازقي وعن الحامض حلو والشربت والمناديل والقناديل والشناشيل.
حدثيني عن الوجوه الوجلة ، عن الاقارب والجيران.
حدثيني عن البرتقال الذي يزهو بلونه وعن التفاح حلو المذاق ، عن الخوخ  والمشمش والنارنج والرمان  والرقي .
وقولي لي سيدتي : ما للعراق يحترق كل يوم ، فهل اعجبه ألم الاحتراق ؟
ومتى ينتهي ليل الوطن ؟ ويزهو على رباه سنا الاشراق  ،متى ينهض العراق ؟
وفي هذه الاثناء دخل صديقي علي وبيده صينية مدورة وعليها استكان جاي(سنكين) وقطع من كليجة التمر .
ونظرت ام علي نحوي وعيناها اغرورقت بالدموع وقالت : ولدي كفى اسئلة ودعني احدثك عن العراق .
فقلت : تفضلي ...
aabbcde@msn.com

143
المنبر الحر / ثقافة الطوابير
« في: 11:03 20/10/2007  »
ثقافة الطوابير

حسين ابو سعود
قرأت في صحيفة مصرية ما مفاده بان الرجل المصري الذي يبلغ من العمر  ستين عاما  يقضي عشر سنوات في الوقوف في مختلف انواع الطوابير والتردد على المصالح الحكومية والاهلية  المختلفة  لانهاء معاملات او شراء حاجيات ، وذكرت الدراسة التي اجرتها احدى الجهات في مصر  بان سدس اعمار المصريين يهدر في الانتظار في الطوابير المختلفة ، واقول لا تثريب  عليكم اليوم يا أهل مصر فان اهل  دولة متقدمة كبريطانيا  مثلا قد يهدرون  ضعف ما تهدرون  من اعمارهم في الطوابير والانتظار علما بان الشعب  البريطاني كان الى وقت قصير قد تعود الوقوف في طوابير حتى في مواقف الباصات لولا تدفق اللاجئين من مختلف الاجناس الذين لا يحبذون  الوقوف في الطابور ويصعدون الباص حال وصوله أمام الاعين المفتوحة لعجائز الانجليز وتمتماتهن،وان الوقوف في الطابور في هذه البلاد أمر لا مفر منه البتة  اذ لا يمكن للمرء  ان يستغني من الذهاب الى الطبيب او البريد او ادارة الاسكان والتعليم والبنك ، والامر السئ في هذه الطوابير  هو انك لو خرجت لاكمال اي ورقة ناقصة  ستعود للوقوف من جديد في آخر الصف ، والامر الحسن الذي فيه هو ان الطابور يحوي الرجل والمراة والشيخ والشيخة والشاب والشابة وتكاد الطوابير لا تخلو من وجه حسن يساعد في تخفيف وطأة الانتظار .
وقد لجأت بعض الدوائر الى استحداث نظام الارقام ، حيث ياخذ كل مراجع رقما له عند الدخول ثم ينتظر على الكراسي حتى ينادى عليه ، لان  الانتظار  قد يطول لساعات طويلة ،  والمراجعة الواحدة تعني هدر نهار كامل في الانتظار ، ولا يخفف شدته الا الموافقة على المعاملة وانجازها ، على ان الانتظار قد يورث خيبات امل كبيرة مثل شخص كانت ابنته في الرقم الخامس عشر في قائمة الانتظار للقبول في مدرسة ثانوية ، وبعد عدة اشهر راجع ادارة التعليم ليراها قد صار ترتيبها الثمانين ، وعندما سأل عن ذلك قيل له بان هذه القائمة تزيد وتنقص وترعد وتزبد  وتطول وتقصر  حسب السكان الجدد الذين يفدون الى المنطقة ، فبلع الرجل ريقه وكظم غيضه ورضخ لمرارة الانتظار .
وهناك طابور حضاري آخر اطلق عليه مجازا الطابور البيتي ، اي ان تنتظر   لاسابيع او اشهر  انجاز معاملة  لترسل اليك بالبريد او بانتظار  موعد مع طبيب اخصائي ، قد يصل بعد موت المريض كما حدث مع البعض.
 وقد عودت نفسي  ان اصطحب معي عددا من المجلات والصحف لاقرأها اثناء الانتظار عند اي مراجعة لاي معاملة في اي يوم  لانها قد تستغرق ساعات ، واذكر باني ذات مرة كنت اقف في طابور امام البريد لارسال معايدات الى الاصدقاء في دولة اسيوية ، وكان الجو حارا مرطوبا  ويصادف احد  الايام الاخيرة من رمضان ، حيث تطول الطوابير في مثل هذه الايام  اذ يلجأ الناس الى ارسال المعايدات ، فجاء ضابط برتبة مقدم وتقدم الناس حتى وصل الى الشباك واعطى معايداته دون ان يستاذن  من الواقفين  ولم يعجب هذا الامر احد الواقفين فتمتم ببضع كلمات غير مفهومة  فانتبه الضابط لتذمره فأتى اليه وبادب بالغ اهانه وهدده بالسجن  لو انه نطق بكلمة اضافية ، فبلع الرجل ريقه وخيبته وقال في سره : اللهم اني صائم وان لم اكن صائما  فما عساني افعل لضابط كبير بهذا المستوى.
الطوابير كثيرة منها الطابور العسكري الذي اودى بحياة الرئيس  المصري انور السادات عندما كان يستعرض هذا الطابور وهو في كامل اناقته العسكرية ونياشينه واوسمته .
كما ان هناك طابور الصباح في المدرسة وكم كان المدير يضرب الطلبة بالخيزران امام الطابور عندما كنا صغارا ، اقول ذلك لابين للعالم بان معاناة العراقيين ليست وليدة اللحظة فهي تبدأ منذ الطفولة ، والطوابير العراقية هي اسوأ الطوابير على الاطلاق علما بان الوقوف في الطابور ليس عيبا الا انه عيب وعار وشنارعندما يقف العراقي في طابور ليحصل على تنكة نفط او جالون بنزين ونفط بلاده تعبر المحيطات لتصل الى مختلف البلدان .
وكان لنا جار في السبعينات  يعمل في محطة الوقود ( بانزينخانة) يكفينا  شر الوقوف في الطابور شريطة ان نحمل تنكة اضافية من النفط الى بيته ، وكنا نوافق لان شعورا جميلا كان ينتابنا عندما لا نقف كالآخرين في الدور ، وقصة الطوابير العراقية لا تنتهي وقد تعود العراقي في العهد السابق ان يقف  في الطابور للحصول على اي شئ ، ولم يسلم من الطابور حتى في السجن  ، وقد تعود العراقي على الطابور وادمنه وقد لا يرغب بالتخلص منه لانه اصبح جزءا من ثقافته يقرأ معه الجرائد ويتحدث مع الاخرين ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
وهناك مصطلح يسمى بالطابور الخامس وهو يوحي  الى ان العالم مقسم الى خمس طوابير  وانا ان عرفت معنى الطابور الخامس فلا اعرف معنى الطوابير الاربعة الباقية ، والاهم من ذلك فاننا كأمة  نقف في آخر طابور الامم  وكلما اردنا الوصول الى مقدمة الطابور  يعيدنا حكامنا الى آخره مرة اخرى ، وقديما قيل انتظر ياحمار حتى يجيك الربيع ويجيك معناه يأتيك ( للعلم فقط )
aabbcde@msn.com

144
ويظل الغناء للمدينة مستمرا

حسين ابو سعود
يجلس بين الملل  والرتابة ، وبين الشوق والحنين ، يبحث في جدران المنفى عن جدران بيته القديم ، فلا يجد سوى الصمت والالم والمرارة ، كان ينكر صلته بالنظم والقوافي  الا انه كان يبكي شعرا  عذبا ، ومن اقواله وهو يكابد السهد والسهر الطويل :
من قال ان الماء هو الماء، وان الهواء هو الهواء ، من قال  ان التراب هو التراب  وان التفاح هو التفاح ، فتفاح بلدي احلى الانواع .
يتذكر الايام الخوالي ودفء الاسرة وحرارة اللقاءات ويذكر حتى المجانين في مدينته : المجنون شئ والهبيل شئ اخر ، كان ( جمعة ) بائع الخضار يحبني ، ويرتاح لصحبتي ، وكان يشايع عليا في الخفاء ، غير انه كان يُرمى بالجنون .
خرج الى العالم الارحب لعله يجد له مستقرا ويجد له عملا في الفنادق او في خطوط الطيران او في السفارات ، في السفن او في الموانيء والمطارات ، لقد كان يحب البهرجة والسفر غير انه وجد نفسه يتنقل في المقاهي والمطاعم والبارات يغسل الصحون وينظف الطاولات .
في ليل الغربة ينتابه بين الفينة والفينة شعور غريب ، يخيل اليه انه جائع او يشتهي شايا او سيجارة او خمرا او حبة منومة ثم يكتشف الحقيقة بانه لا يريد سوى امراة ووطن او وطنا وامرأة .
لم تعد الصداقات العابرة تبهره معتقدا بان احلى الصداقات تولد في المستشفيات والسجون واقواها ما كانت منذ الطفولة ، مضى على تغربه ربع قرن من الزمان ، كبر بما فيه الكفاية  ولم يشأ ان يقاتل ليسترد الوطن المسلوب ، فالسالبون  اهله والظالمون اهله وكان يقول رحم الله ايام الاستعمار .
وفي سؤال عن ما هو الوطن ؟ اجاب : الوطن هو الغنى  والاصدقاء والامان فالوطن ليس التراب .
يذكر كيف كان  يتمنى ان تكون له دراجة يذهب بها كل يوم الى الحديقة ومعه ورقة وقلم وكتاب ، ليبتعد عن العمارات السكنية والاوساخ ، انه يعشق الحدائق .
يريد ان يكتب شعرا عن مدينته ، ليس عنده وطن وليس عنده اصدقاء ، يعشق الفنادق الكبرى ، تقتله حركة الالوان فيها ، بلغ الاربعين ، غزا الشيب مفرقه ، لم يعرف حلاوة الزفاف ويجهل رائحة الحناء وبريق خاتم الخطوبة ، لايعرف ان الاطفال يمرضون ، وان المراة تنتابها حالات خاصة  اثناء الدورة الشهرية ، انه لم يتزوج بعد ، ويعجب كيف يتزوج الناس واين يجدون زوجاتهم .
كفر بكل الفلسفات وبكل الفلاسفة وصار لا يحب  من يتعصب لدين او مذهب او من يروج لحزب او جماعة وصار يميل الى المتمردين فقط .
كان اذا سمع صوت طبل او مزمار واناس يرقصون يتكئ على حرمانه وينظر اليهم من النافذة بنهم  ويتعجب : كيف يزف العريس ؟ وكيف تتحلق حول العروس مئات النساء ، كيف جمع العروسان كل هذا العدد من الاقارب  ومن اين أتى بالاقارب ؟
قلت له ماذا تقرأ غير الجرائد والمجلات ، فنصحني ان لا أقرأ الكتب الثقيلة والتاريخية والدينية ، وطلب مني ان اقرأ دواوين الشعر التي كتبتها النساء كي ترق النفس  واتعلم كيف اكون طيبا  وكلفني ان ابلغ  هذه النصيحة  للاخرين من كل الجنسيات .
كل المدن لها عشاق من ابنائها ومن غير ابنائها  ولكل مدينة نكهة ولكل نكهة لذة ولكل لذة رعشة ، رأيته بام عيني وهوينتفض وهو يذكر الكوفة والبصرة  ويذكر حرارة الجو ويمسح عرقه البارد الذي بدا حول انفه كقطرات ندى او كحبات البلور .
وقبل ان ينهي غناءه وقبل ان ينفض مجلس البوح يمم شطر الوطن  فحنّ كالراهب وشكا وأنّ له وبكى ثم سلمني قارورة من تراب .
معادلات : حياة – امرأة ووطن =عذاب
عذاب + فقر + خوف = موت
مات من مات وانا بانتظارك تمتد بي الاعمار  وسكت كل مافي الليل البهيم  ، الا الحب الذي في داخلي فانه مازال يضحك ويبكي ويغني ، ويظل الغناء للمدينة  مستمرا .
aabbcde@msn.com

145
مطابخ سياسية خارج الحدود


حسين ابو سعود
لا احد ينكر بان للسياسة مطابخ تطبخ فيها الدسائس والمكائد والمؤامرات والخطط ، والمطابخ توجد في الداخل والخارج ولكن مطابخ الخارج تعد اكثر خطرا لان  فيها عناصر خارجية دخيلة لا تمت الى الوطن بصلة ولا يهمها مصلحة البلد بقدر ما تهتم لمصالحها ، والذي دعاني الى طرق هذا الباب هو اطلاعي على خبر مفاده قيام  النائب سعد الحريري (لبناني) بايعاز من زعماء الخليج (عرب) لاجتماع بالسيد نواز شريف رئيس وزراء باكستان الاسبق والطلب منه عدم العودة الى باكستان في الحال الحاضر ، وكيف انه لم يذعن لهذا الطلب  فاصر على العودة الى بلاده ولكن تم  ابعاده مرة اخرى الى الخارج  رغما عنه  ، والى جانب هذا الخبر  كانت اخبارا اخرى تتشابه في الطبخ السياسي والتدخل في شئون البلدان الاخرى منها ان ساركوزي (الفرنسي) يعد بالتدخل لمنع انتقال الصراع في العراق  الى المنطقة ، وزعماء دارفور يتهمون الاتحاد الافريقي بمحاباة الخرطوم، ولايخفى امر التدخلات في الصومال وافغانستان والعراق وفي كل مكان ، وقد لا يعرف  الكثيرون بان السفارات الوادعة تقوم هي الاخرى بالتدخل في شئون البلدان المضيفة عن طريق  جمع ادق المعلومات واهمها  وارسالها الى حكوماتها ببريد دبلوماسي سري محكم الاقفال تسمى الحقيبة الدبلوماسية، واحيانا تقوم المراكز الثقافية للدول بنفس العمل تحت ستار نشر الثقافة، لذا فان الدول عادة ما تطلب معلومات كافيةعن السفير المعين لديها وقد ترفض اعتماده اذا لم يكن مرضيا عنه وفق حساباتها ، كما وهناك تدخلات سياسية خارجية تتم تحت ستار الاستثمارات التجارية الضخمة التي تتم في البلدان ولا سيما الفقيرة منها، حيث يتم عبرها املاء شروط قاسية عليها .
 على ان المطابخ السياسية خارج الحدود قد تطبخ احيانا  ما هو صالح للاستعمال كالصلح والتوفيق بين رأسين بالحلال ولكنها قليلة على اي حال  لان المصالح هي التي تحكم الطبخات دائما، ونستطيع ان نعتبر الحروب وكافة اشكال الاحتلال هي تدخلات خارجية قد تحدث على مستوى الافراد ايضا كتدخل الحماة الدائم في شئون منزل كنتها وتدخل الجيران في شئون الاخرين، وقد يتدخل الانسان في شئون  اناس يبعدون عنه مسافات بعيدة كالتدخل الحاصل في الصحراء الغربية، فهناك دول تؤيد واخرى تعارض، وكذلك في كشمير التي منع اهلها من ممارسة حق تقرير المصير وصارت بعض الدول تؤيد الهند واخرى تؤيد باكستان وكل حسب مصالحها .
كما ان غالبية الانقلابات التي تحدث في الدول تكون في الغالب بتخطيط خارجي والامثلة كثيرة ، وقد حاربت مرة السعودية مصرا على ارض اليمن لسنوات طويلة، وقد حدث كثيرا ان يتم البحث عن حلول لمشاكل بلد معين في دولة اخرى والظريف بانه يشترك  في ذلك ممثلون من دول الجوار وغير الجوار وكأنهم اطراف حقيقية ومعنية واصحاب شأن  وقد تدخلت تركيا في قبرص بشكل مسلح بحجة حماية الاتراك في قبرص وكذلك فعلت اليونان بحجة حماية المسيحيين .
ومن مصاديق التدخل اقامة القواعد العسكرية في الدول الاخرى وكذلك السماح للناشطين المطلوبين من الدول الاخرى بدخول اراضيها بغية استخدامهم في المستقبل كورقة ضغط حيث يرفضون تسليمهم  عند الطلب كما ان هناك تدخل من نوع مقدس تطبخ في مطابخ دينية تؤدي بالنهاية الى تكفير الطرف الاخر وتعييره في ممارساته وصرف الاموال الطائلة على ما يسمى بوقف البدع والشركيات يقابله اتهام للطرف الاخر بالتزمت والتكفير ولاادري ان كانت هناك علاقة خفية للتدخل الديني بالاقتصاد كما يحلو للبعض ربط السياسة بالاقتصاد في اكثر الاحيان .
ولكي لا نننسى بان مهنة الجاسوسية هي مهنة قديمة وموجودة على مر العصور وتلجأ الدول الى تجنيد جواسيس لها من مواطني الدول الاخرى وتغريهم  بالاموال والمحفزات لتاكيد تدخلها في شئون الدول الاخرى وتسهيل ما تريد تركيبه في مطابخها السياسية  لتلك الدول ، وقد لانجد مثالا  اوضح وافصح واكمل واشمل  واصفى وانقى  للتدخل والطبخ السياسي الخارجي من العراق حيث تحولت ساحته الداخليه الى ساحة صراع بين اطراف خارجية باقنعة داخلية، حيث تشابكت الامور الى درجة  بدت الرؤية غير واضحة للغاية ، ولم يبق في العالم دولة الا وصارت لها مصالح في العراق واصبحت تتدخل  بشكل او باخر  للحفاظ على هذه المصالح ، واقول اعان الله الحكومة التي ضاعت عليها الطاسة ، فهي عاجزة عن وقف تدخل منظمة ارهابية مثل القاعدة فكيف تستطيع ان توقف تدخل دول قائمة وقوية .
ثم بعد كل هذا يقال ان الدول ذات سيادة  وانها مستقلة في اتخاذ قراراتها فيما نرى بان السياسي الذي يرشح نفسه لمنصب خطير يجب ان يزور الدول المجاورة ليكسب رضاها اولا  والا فانه لا يستطيع اعتلاء سدة الحكم اذا لم يكن مرغوبا من الدول ذات العلاقة حتى وان حصل على نسبة 99% من اصوات الناخبين.  خوش سيادة
aabbcde@msn.com

146
غبار على رسائل الغرام
حسين ابو سعود
 وجدت اثناء البحث عن بعض الاوراق المهمة عددا من رسائل الغرام التي انتهت مدة صلاحيتها ولم تعد صالحة للاستعمال البشري اي فات اوانها وقد علاها الغبار والاتربة، لقد فاتني وفات تلك الرسائل القطار ، وما اسرع القطار في الفوات  لقد فات قطار السعد وفات قطار العمر  وفات قطار الثراء وقطار الصحة وقطار الزواج ، فيا جارة الحزن تعالي اغطيك بجفوني واصد الريح عنك بفنوني وجنوني ، ودعيني ارى دنياي في عينيك ، واريك جمال الدنيا في عيوني ( ولك ياريل  لا تصرخ اخاف تفزز السمرة )، ماذا افعل بهذه الرسائل ايتها الحبيبة النائية ، ولم يبق في العمر بقية لبداية جديدة ، وقد ذويت وذوى معي حبي الاكبر  ، واجتاز العمر المعبر الاخطر ، وها انا اتكئ على عمود الجسر اتفرس بالرائحين والغادين ، ابحث بين الوجوه عن وجه يشبهك ، فالانهار لم تغير مساراتها من اجل عينيك ، ولا الامطار هطلت في غير مواسمها ولم تخضر الصحاري ، غير انك كنت سرا جميلا في جبين الليل ، لم تشأ الاقدار ان تكوني رفيقة اسفاري، لا ادري ماذا فعل الزمن بك وبمحاسن وجهك الوضئ ؟ وكيف تصبحين كل صباح، أما زلت تملئين الفضاء بالصداح كالاطيار  ولا تهتزين امام الاعاصير والرياح كالنخل العراقي الباسق ، فالشمس التي تنتظرينها قد لا تشرق ثانية ، اذ لا يضئ المصباح بلا زيت ابدا ، لكن اخبريني عن وجهك الجميل  ، هل  لازال يقف  عند المداخل  يترقب مجئ القوافل ، فانا الان في ارض لاماء فيها ولا سراب  ولم اجد في رحلة البحث الطويلة شيئا يدوم ، وقد البسني الظمأ الطويل لباس الوقار ويأخذني بعيدا عن النار والعار  والشنار ، ولم يعد الشبق القديم قرمزيا كما كان   ولم يعد يسكنني ويهزني ويعذبني ، ابحث عن نهر جار ادس فيه  جسدي وكأني غريق ابحث في الظلمات عن طريق.
رسائلك امسح الغبار عنها اشمها اضمها ارى فيها كيف جمعنا القدر  وكيف اختلطت عندنا الحواس يومها وصارت الشمس تبزغ قبل القمر ، حتى اذا سكت البلبل  من نزفه ونطق الحجر  ، كنت تطلعين من مخدعك بكامل زينتك تدفعين عني الارق حتى الشفق وتوسعين بضفائرك دائرة البوح وتسكبين دموعك على جرحي .
لم اعد انتظرك ، لقد انتهى كل شئ وانتهت الوليمة واحالتني رهبة المطارات وبرودة المحطات الى درويش نحيل يتسكع على ابواب الصوامع والمعابد يبحث  عن راحة وسكون يغرس ازهارا عند المنعطفات ويغرد مع البلابل  ويتناول الاسى مع الرغيف ، فهذه جميع كتب الفلاسفة خالية من تاريخ الجميلات .
نعم تعصف بي الوحدة في منفاي البارد وانا اجر خلفي سنواتي الخمسين ، واعلق  احيانا قلبي  الحزين على مقبض الشباك كي يتشمس، واسترق السمع لهمهمات ملونة تتراقص في الافق .
لقد الفتني اليمامات والحمامات والفراشات والفتُ القطط البيضاء والازهار البرية وحزم الضوء الملونة ، احيط بالاشياء وتحيط بي الاشياء ، اكشف صدري امام العصافير لتقتات على دفئي ، فالدنيا كلها  من ارض وسماء ونجوم وسهول وجبال تعرف باني اعيش وحيدا بلا حبيبة ، وابكي ولا اجد احدا ابثه شجوني ، وكل الجدران والابواب والنوافذ والستائر تدري باني اذا مشيت أمشي على اصابعي كي لا ينتبه لوجودي أحد فيشي بي الى القاضي باني امارس الحب من طرف واحد خفي ، وهنا كل شئ له قرين ، عينين خدين اثنين اثنين والقبلة لا تزهر الا اذا نامت بين شفتين ، وبقي ان اقول : انتظريني عند اشجار السرو ثانية وستصلك قصيدتي التي كتبتها بدمي في عينيك ، فانا  هنا من الصباح حتى المساء ، ومن المساء حتى الصباح أقرأ اشعاري على الكراسي والوسائد والمناديل، وابيح بين قطع الاثاث اسراري ، واتنزه ليل نهار  مع الشمس والقمر سوية على شاطئ النهر ، وقد أشاعوا عني ظلما  باني امارس الشذوذ مع الوسائد.
سأعيد الغبار على رسائل الغرام ولتمر الايام سراعا .
aabbcde@msn.com

147
رسالة في القاب الساسة والعلماء



حسين ابو سعود

وبعد فقد قال الفقير  الى ربه الكريم والمحتاج الى عطفه العميم  ، لقد طلب منا بعض الاحباب من السادة النجباء الاطياب ان نضع لارباب العلم والسياسة شيئا يغنيهم عن البحث والدراسة، يتعلق بالكنى والالقاب يحوي مختلف فنون هذا الباب، فاستنهضنا الهمم كي نبلغ المراد في القمم، ووضعنا رسالة عصماء في القاب الساسة والعلماء علها تنال الرضا والقبول  عند ارباب الفروع والاصول  وهذا نصها:
اعلم رعاك الله ان من الالقاب ما تعطى للانسان حال ولادته من قبل ابويه ومنها ما يكتسبه في حياته لأعمال يؤديها او مهام يقضيها كالصادق والامين و والكاظم والصديق والفاروق ، وهناك من الالقاب ما تنسب الى بلدان وامكنة ، مثل الشطري والكاظمي والافغاني ، كما يمكن ان ينسب الانسان الى مهنة من المهن كالعطار والنجار والسمان والباقلاني والزيات وغيرها ، كما ان هناك من الالقاب ما تنسب الى العشائر كالعنزي والعتيبي والجبوري ، وقد يكون هناك نوع من التنابز بالالقاب  بين الناس مما نهى عنه الاسلام بصريح القران الكريم .
ومن الالقاب (الاعظم  ) وقد اشتهر به الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان صاحب المذهب واليه تنسب مدينة الاعظمية وفيها مدفنه ، كما كان العثمانيون  يستخدمون لقب الصدر الاعظم ولعله بمثابة رئيس الوزراء، واشتهر بهذا اللقب ايضا القائد الاعظم محمد علي جناح مؤسس باكستان . ومن الالقاب  الحكيم وهو من الحكمة  وصار يطلق على الطبيب الحاذق خاصة الذي يشتغل في الاعشاب ، ويذكرني هذا بطبيب اطفال كنا نعالج عنده في الصغر اسمه (دكتور حكيم ) عُرف بانه رجل مبارك لاشتهاره بمساعدة الفقراء والمعوزين ، وقد كثر الحكماء في القارة الهندية وصار يطلق على المشتغلين بالاعشاب واشتهر منهم الحكيم محمد سعيد مؤسس مصانع همدرد الشهيرة لانتاج الادوية الشعبية من الاعشاب وقد ذاع صيته فصار يعالج الامراء والسلاطين والملوك، وقد كرمته حكومة بلاده بتعيينه حاكما لاقليم السند ، ولكنه قُتل من قبل مجهولين اطلقوا عليه النار  وهو في طريقه الى مطبه لعلاج مئات المرضى الذين يتواجدون امام عيادته  مع الفجر . كما حمل هذا اللقب علماء من الطراز الاول .وكان يسمى العالم المبرز في مجال الفقه بالحكيم المتأله ومنه صدر المتالهين .
 واشتهر من الالقاب ايضا( فخر المحققين) وقد اطلق على العلامة الحلي الذي عرف بالمحقق ولعل الحلي  هو اول من سمي بالعلامة في التاريخ وقد توفي سنة 676  للهجرة ، ومنها (امين الاسلام) وهو لقب اختص به الطبرسي المتوفي عام 548 ، وقيل (ثقة الاسلام) للكليني صاحب كتاب الكافي  وقد اطلق لقب (شيخ الاسلام )على كثير من المشائخ المتقدمين والمتاخرين، وكان البعض منهم يختص بعدد من الاوصاف والالقاب في آن واحد كأن يقال عنه الامام الشيخ سلطان العلماء  ومنتهى الفضلاء خاتمة المجتهدين فخر الملة والدين المقدس (الاردبيلي ) مثلا .
وقيل  صاحب المحبرة وهي الدواة الكبيرة وصاحبها لا يكون الا عالما كبيرا نحريرا، وصاحب الدوي جمع دواة  هو اقل درجة من صاحب المحبرة  وكلاهما ارباب خبرة وحكمة وحل وعقد.
ومن الالقاب القديمة التي اندثرت  المولى والميرزا ويعني من كان ابوه من العوام وامه من الشجرة المحمدية المباركة ، وبقي في زماننا  الشريف والملا والشيخ والسيد وكلمة السيد الذي يراد منه سيد القوم صار يلقب به اي انسان لدى كتابة الرسائل و يعني ايضا السيد الشريف من اولاد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وكذلك الحال بالنسبة للشيخ فيتعين معناه حسب الجملة فهو شيخ العشيرة او شيخ البلد او الشيخ المسن الكبير  والشيخ رجل الدين الضالع في علوم الفقه ، وقد زاد ولع الاولين بالالقاب فصاروا يطلقون القابا واوصافا تستخدم في علم الرجال لغرض الجرح والتعديل كأن يوصف احدهم في معرض التعريف عنه بانه المحقق المدقق الامام العلامة  والحبر الفهامة واحد عصره وألسن اهل زمانه واقومهم بالحجة واسرع الناس بالاستحضار .
وفي زماننا اشتهرت من الالقاب حجة الاسلام ثم اية الله العظمى وهناك اية الله الاعظم وهو خاص بالاخباريين ومنهم الاية المعظم الشيخ الاحقاقي الاسكوي نزيل الكويت وله اتباع في الاحساء والبحرين .
وقد استخدم الاوائل ولاسيما اصحاب الدواوين في البلاط السلطاني العثماني  لقب (جناب الافخم والاعز) وصاحب الديوان يعرف الالقاب جيدا ولا يليق به الخطأ لانه مخالف  للاعراف الدبلوماسية ، علما بان الكثير  من المثقفين في  زماننا  يخطئون في اعطاء اللقب الصحيح للمسئول وذلك عن قلة تجربة وعدم معرفة بمناحي الثقافة العامة ، وقد كتب احد القرويين  رسالة الى المرحوم عبد الرحمن عارف  وصفه بها بـ  مدير الجمهورية العراقية ، كما كتب احد المتملقين رسالة الى احد الامراء يستعطفه في مسئلة فكتب له : صاحب الفضيلة والسماحة سعادة سمو الامير .. ظنا منه بان الاكثار من وصم الالقاب سيؤثر على الطرف المقابل ويعجل في قضاء الحاجة دون ان يدري بانه خروج عن البروتوكول  وحياد عن التزام الاصول في مخاطبة الشخصيات الكبرى.
وهناك من الالقاب التي تتقدم اسماء بعض ارباب المناصب يلزم كتابتها  حفظا للمراتب  مثل : (سماحة ) ويستعمل لكبار العلماء و(فضيلة ) للمتوسطين منهم ، وغبطة (البطريرك) وقداسة (البابا) ونيافة ( القمص) وعظمة ( الشيخ) وسمو (الامير ) وجلالة (السلطان او الملك) وقد الغيت في السعودية بمرسوم ملكي وصار يطلق على الملك لقب خادم الحرمين الشريفين، وفخامة (الرئيس) ودولة (رئيس الوزراء) ومعالي (الوزير)وسعادة (السفير او المدير العام ) وعطوفة ( لاادري من !) وهكذا .
وتم الفراغ من تسويد هذه الرسالة لعشر بقين من شعبان الذي يسبق رمضان.
aabbcde@msn.com

148
المرأة تحكم العالم
حسين ابو سعود
قال احد العارفين  والذي مات حزنا وكمدا بسبب مشاكله  مع زوجته وقوله بالطبع رأي بين الاراء  ولا يعبر بالضرورة عن  رأي الفقير الى الله ، قال  بان جميع مشاكل العالم سببها المراة، لانها هي التي تحكم العالم، تحكمه مباشرة تارة  وبصورة غير مباشرة تارة اخرى ، لانها هي زوجة الرئيس وهي امه واخته وابنته وحماته واحيانا عشيقته ، اذن فهي تتحمل المسئولية بشكل مباشر او غير مباشر، وهي في بقائها خلف الكواليس اقوى منها امام الاضواء ، فالرئيسة المباشرة تكون مقيدة بجملة من الامور منها القانون والدستور والاعراف  والتقاليد والذوق العام  والتاريخ وغيرها ،واما اذا كانت  هي التي تسير امور الدولة من وراء الكواليس ، فانها ليست مجبرة على التقيد بالامور التي ذكرناها .
ولعله من المفيد ان لا نتطرق الى  حكم المراة  في جميع مناطق العالم لان ذلك سيدخلنا في تفاصيل لا يتسع لها مقال عادي ، والا فالكل يعلم بان بريطانيا وهي الدولة الاعظم في العالم يحكمها امرأة ، والى جانبها حكمت رئيسة  وزراء قوية مثل مارغريت تاتشر ، كما ان هناك ملكات يحكمن في عدة دول اوربية اخرى ، وحتى عدوتنا اللدود الودود اسرائيل حكمتهاامراة من وزن غولدا مائير هزمت بجمالها (...) معظم رجالنا ، كما يقال بان هيلاري كلنتون قادمة  ايضا لتكون رئيسة اكبر دولة في العالم .كما ان المراة تحكم في الدول العربية ايضا  وهي ان لم تكن  رئيسة للوزراء  فهي وزيرة وعضوة برلمان ، وكأن توزير النساء موضة او اوامر من جهات غير مرئية ، كما حدث في العراق الجديد حيث تم فرض نسبة كذا بالمئة  من النساء على البرلمان ، وكأن وجودهن في البرلمان ضروري الى درجة ان الامن لا ولن يستتب  الا بوجودهن، مع ان المراة هي ممثلة اصلا في البرلمان من خلال الاخ والابن والزوج والنسيب ، لكنها الموضة الجديدة وهي مقدمة على كل اعتبار ، اقول من المفيد ان لا نتطرق الى حكم المراة في جميع انحاء العالم ونكتفي بالقارة الهندية  التي تحوي على مزيج غير متجانس من الالسن والاديان  والمذاهب والمشارب والالوان والاجناس  والاطياف  ، وفيها اربع دول  كبيرة هي الهند وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا  اضافة الى دول صغيرة اخرى مثل نيبال وبوتان وغيرها مما لا نعرف حالها واحوالها جيدا .
ففي الهند  حكمت السيدة انديرا غاندي ولعلها تعد من اشهر نساء العالم لانها ارتقت بدولة فقيرة معدمة الى درجات  من التطور  حتى جعلتها دولة نووية ، وفي باكستان كانت السيدة  نصرت بوتو زعيمة حزب الشعب و  تنازلت لصالح ابنتها بينظير بوتو  والتي حكمت البلاد مرتين وتتهيأ الان  لتحكم  للمرة الثالثة بعد الصفقة الجديدة  مع الجنرال برويز مشرف ، وقد قتل اخوها مير مرتضى بوتو في عهد حكمها وكان ينافسها ويرى نفسه احق برئاسة الحزب منها ، وخلفته بعد موته السيدة غنوة بوتو وهي سورية الاصل  فتزعمت الجناح المنشق بكل كفاءة وما زالت تترأس ذلك الجناح  بقدرة فائقة ، وقد سبقتها في التشابه السيدة سونيا غاندي الايطالية  زوجة راجيف غاندي التي تراست الحزب بعد وفاة زوجها ، وما زالت  تسعى الى استلام الحكم .
وفي سريلانكا كانت السيدة بندرانايكا  رئيسة الوزراء  وامها ( لااذكر اسمها ) رئيسة للجمهورية في ان واحد  فصار الرجل السيلاني بذلك  يحتسي الشاي السيلاني بين امرأتين حديديتين .
وفي بنغلاديش فالامر لا يختلف كثيرا عن سريلانكا  حيث ان زعيمة الحكومة امراة وزعيمة المعارضة  امرأة ايضا ، يعني بين حانة ومانة ضاعت لحانا ، علما بان زعامة المعارضة اصعب بكثير من زعامة الحكومة ، اعني  بهن  خالدة ضياء زوجة الرئيس السابق ضياء الرحمن  وحسينة واجد ابنة الزعيم البنغالي المعروف شيخ مجيب الرحمن ،  والجدير بالذكر بان جميع نساء شبه القارة الهندية  يحكمن ازواجهن في المنازل باعتبار ان المراة هي التي  تاتي بما يسمى (جهاز ) البيت  من الابرة والقدح حتى الثلاجة والتلفزيون من بيت ابيها .
فهل يكون  ذلك العارف بعد كل هذا مجانبا للحقيقة  لو قال بان المراة تحكم العالم ؟.

aabbcde@msn.com
 

149
المنبر الحر / عبثية الحروب
« في: 23:08 01/09/2007  »
عبثية الحروب



حسين ابو سعود
اكاد لا أمل من الكتابة عن عبثية الحروب ، فانا في حرب مع نفسي وساظل اكتب  عن الحروب وعبثيتها المطلقة ، هذه التي تكلف خزينة الدولة اي دولة مبالغ خيالية ضخمة تفوق ميزانيات التعليم والصحة والاعمار ، وهي بالتالي تكون على حساب المشاريع الخدمية وعلى حساب الفقراء ودافعي الضرائب ، وفي دولة مثل باكستان التي دخلت ثلاث حروب مع جارتها الهند ياخذ الجيش  نصيب الاسد من ميزانية الدولة  فيما يعاني شعبها من انعدام الخدمات الاساسية لاسيما ان حروب اليوم هي حروب مكلفة وليست كحروب عنتر وعبلة او كحرب البسوس.
نحن نسمع كل يوم بحروب جديدة  والتاريخ يحكي عن حروب والجغرافية تحكي عن حروب  ، حروب هتلر ، وحرب امريكا في فيتنام ، حروب التاميل في سريلانكا ، حروب الصوماليين فيما بينهم ، حروب  بين الاخوة  وبين القبائل وحروب باردة واخرى حارة وبعضها دافئة ، الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية ومخاوف الناس من الحرب العالمية الثالثة .
وصرنا نسمع بوزارة الحرب  والكلية الحربية وكلية الحرب الجوية ، والمصانع الحربية والمجهود الحربي والاغاني والاهازيج الحربية والطبول الحربية والمتاحف الحربية ومن الرتب العسكرية : لواء اركان حرب وصار يقال حرب ومحاربين ومحاربين قدماء ، وكنت ارى عندما كنت صغيرا  مبنى كتب عليه جمعية المحاربين القدماء يدخل اليه ويخرج منه مجموعة من  كبار السن  يفتخرون بانهم خاضوا عددا من الحروب في سني شبابهم المبكرة ، وانهم قتلوا واحرقوا واسروا بحجة الدفاع عن الوطن .
 وقد لجأت الدولة الى فرض قانون الخدمة الالزامية لالزام الشباب بالانخراط في الجيش مقابل راتب قليل فيزج بهم بعد تدريب قصير في اتون الحروب ليقتلوا  او يعوقوا او يؤسروا ، والحكام  يعيشون مع ابنائهم في بروج مشيدة بعيدا عن المخاطر ، ولعل اسوأ الحروب هي الحروب الاهلية اي حروب الاخوة الذين يتحولون الى اعداء الداء يحملون السلاح  بوجوه بعضهم البعض ، وقد ابتلى الامام علي عليه السلام بهذا النوع من الحروب فخاض حرب الجمل  وصفين والنهروان ومع ذلك ظل يصف اعداءه  بالاخوان ويقول : اخوان لنا بغوا علينا ، ولكن من انتصر في حرب الجمل ؟ ومن انتصر في النهروان  وصفين ؟
ان هذه الاموال الطائلة التي تنفق على الحروب وما ينتج عنها من اذى  ، وافواج من الثكالى والايتام وهواجس الخوف  لو تنفق على حروب نظيفة مثل محاربة الفساد الاداري والحرب ضد الامية والحرب ضد المخدرات والحرب ضد العنصرية لكان افضل ، ولتم سد الطريق امام تجار الحروب والمرتزقة وباعة السلاح ، وحتى باعة الاسلحة البلاستيكية للاطفال  الابرياء الذين باتوا يخوضون حروبا وهمية على اجهزة الاتاري  والبلاي ستيشن وهم جالسون امام شاشات الكمبيوتر لساعات عديدة ويملئون القرص الصلب hard drive ) ) الخاص بالعقل بمشاهد القتل والقصف والتدمير.
ولنتأمل جمال الكلمات الاخرى الناتجة عن قلب كلمة حرب منها : رحب ، بحر ، ربح ، حبر ، وما أتعس الجهود التي تبذل من اجل ابحاث الحروب والاسلحة الفتاكة من الخناجر الى الاسلحة الكيمياوية لاسيما ان الحروب  اليوم لم تعد مقتصرة على دولتين جارتين مرتبطتين بحدود جغرافية فحسب  بل ان هناك حروب عبر القارات تنفذها صواريخ عابرة للقارات وهي تحمل رؤس نووية فتاكة وصارت حاملات الطائرات العملاقة تتنقل في جميع بحار الدنيا لتاديب الخارجين الى جانب حرب المخابرات .
ويعلم هؤلاء بان اي محاربة للاطراف الضعيفة من قبل الاطراف القوية هي محاربة لله ولرسوله وللانسانية ، فالحرب ضد الجمال لن يأتي بنتيجة مفيدة مهما طالت ، لان سنة الحياة قضت ان يكون المظلوم هو المنتصر وان خسر المعركة كما نجد في حادثة كربلاء ، فالحسين  قد انتصر على يزيد لا محالة  وان اثخن بالجراح ورُفع راسه على اسنة الرماح وسيق من بلدة الى بلدة حتى وصل الى الشام ، فالامور تقاس بالعاقبة والعاقبة للمتقين .
aabbcde@msn.com

150
المنبر السياسي / حرب بلا راء
« في: 13:04 25/08/2007  »
حرب بلا راء


حسين ابو سعود
الحرب كلمة مكونة  من ثلاث حروف لو حذفنا منها حرفا واحدا فقط من الوسط لتحول الى كلمة مغايرة تماما بالمعنى، وشتان ما بين الحرب والحب ، ويكفي الحروب عبثية انها تنتهي دائما بالخسارات الفادحة وسفك الدماء وزهق الارواح ، حيث يحاول دائما الخيرون واصحاب العقول الراجحة ايقافها بشتى الطرق ، كما يكفي ان مشعليها هم من ذوي الافق الضيق ومن محبي الظهور  وناشري الشرور ، ولا احد يتمنى استمرارالحروب  وهي الى توقف مهما طالت  واستطالت ، ويقال ان  حرب داحس والغبراء  استمرت الى نحو من اربعين  عاما ولم تحقق اي نتيجة تخدم البشرية ، ولنا في التاريخ الحديث مثلا اكثر وضوحا وهو الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمانية اعوام التهمت خيرات البلدين وقتلت اكثر من مليون شخص من الطرفين اضافة الى مئات الالوف من الاسرى والمعوقين والمفقودين فضلا عن الدمار والخراب الذي لحق بالمدن والقرى والمصانع والجسور وغيرها ، واما الاثار الاقتصادية فهي من الفظاعة بحيث لا يمكن حصرها وان اثارها السلبية  التي امتدت خارج  الدولتين لتشمل الدول المجاورة ايضا ستظل الى عشرات السنين ، وتعتبر هذه الحرب اكبر عملية اهدار للثروات في التاريخ، وكان نتيجتها ان توقفت بدون ابداء الاسباب  واجرى فريقا البلدين مباراة ودية لكرة القدم على ارض الكويت وكأن شيئا لم يكن ، اذن هي  العبثية بعينها.
وكذلك الحال حول نتائج حرب الكويت فانها  هي الاخرى تقطر جهلا وعبثية.
وفي بعض العهود تم رفع شعار (الجيش للحرب والاعمار ) مع ان الجيوش لا تكون للحرب  بقدر ما تكون للدفاع ، لذا نرى بان الدول لاتسمي وزارة الدفاع بوزارة الحرب ، وقلما تجد من يسمي الكلية العسكرية بالكلية الحربية ، لان شن الحرب امر مستهجن والدفاع امر مطلوب بالفطرة ، والجيش مؤسسة انسانية اخلاقية يسهر افرادها لينام الاخرون ، وترى هذه المؤسسة المهنية سباقة للنجدة في الكوارث والاوبئة والفيضانات .
والحروب انواع و اقلها وطأة هي الحرب الكلامية ولكنها خطيرة باعتبارها الشرارة الاولى  وانها ستؤدي حتما الى المواجهة المسلحة ، وهناك حرب الاشاعات وحرب النجوم ، والحرب المقدسة وهذه الاخيرة تحتاج الى تشخيص دقيق من اجل تصنيفها ضمن الحروب المقدسة التي تُشن ضد قوى الشر  والظلام وقطاع الطرق والمجرمين والمخدرات  وغيرها  ، واما اطلاق اسم الحرب المقدسة على الحروب الدينية فانه  يحتاج الى تأني وتأمل وتوقف.
وقد قال احد العارفين عن الحرب :ماذا رايتم في تقوس حرف الراء الذي يتوسط  الحرب ، اسقطوا هذا الحرف لتتحول الحروب المختلفة الى الحب الكلامي وحب الاشاعات وحب النجوم ، واتمنى لو يسقط الطباعون حرف الراء عن عمد وسبق اصرار اثناء تنضيدهم للحروف  مستقبلا  حتى يسود الصفاء والوئام والمحبة .
واتعجب  في بعض الاحيان من استعمال عبارة اسلحة الدمار الشامل ، وكيف تكون محرمة فيما تكون اسلحة الدمار غير الشامل محللة شرعا  وعقلا ونقلا ، وهل هناك فعلا اسلحة  محرمة واسلحة محللة واسلحة مستحبة، ومن حلل الاسلحة التقليدية وحرم غير التقليدية ؟  ، والظريف باني سمعت بان رئيس جمهورية تركمانستان قد ازال كلمة (اوف) من امام اسمه عبد الرحمانوف لانه ثلاثة ارباع الخوف الذي نشره الكلاشنكوف والسيمينوف والتكتريوف ،ولان هذه الاسلحة تقتل الرجال وتيتم الاطفال وترمل النساء ، وتثكل الامهات وتهلك الحرث والنسل .
فهل وجدتم اكثر عبثية من عبثية الحروب ، انها العبثية المطلقة .
aabbcde@msn.com

151
انتحاريون ولكن شرفاء


حسين ابو سعود
لن انجر في هذه العجالة الى بحث حلية الانتحار او حرمته، لان ذلك سيجرنا الى نقاشات غيبية محضة غادرناها مذ عرفنا انها عقيمة ، مع علمنا بان من يذهب من هذه الدنيا سيرى اعماله ذرة ذرة ، خيرا فخيرا وشرا فشر وان الله تعالى الذي وصف نفسه بانه شديد العقاب  قد وصف نفسه بانه ارحم الراحمين ايضا وان رحمته سبقت غضبه ووسعت كل شئ  وانه كتب على نفسه الرحمة .
فنحن نسمع بالانتحار والمنتحرين يوميا وفي جميع انحاء العالم ، والاسباب المؤدية الى الانتحار تتراوح بين كونها نفسية واجتماعية ومالية وغرامية، وقد تختلف طريقة التنفيذ من حالة الى اخرى ، فهناك من يطلق رصاصة على راسه من مسدسه الشخصي  وبعضهم يلجأ الى شنق نفسه او بتناول السم او قص الوريد وبعضهم يحبذ ان يلقي نفسه من طابق علوي ليرتطم بالارض ، ومنهم من يلجأ الى صعق نفسه بالكهرباء  ، وهكذا تتعدد الاسباب والانتحار واحد والنتيجة واحدة
ان لكل حالة من حالات الانتحار خصوصياتها ، ولسنا مخولين بان نقود الناس الى الجنة او الى النار ، كما لا اود  ان اصنف الانتحار واعتبره شجاعة فائقة او جبن فائق وهروب من الواقع ، لان كل  حالة مرهونة بظروفها ، غير اني اريد ان اشير الى حالات من الانتحار التي لا تؤذي الا صاحبها  مثل انتحار كاتب عراقي في سوريا مؤخرا ، حيث ترك رسالة برأ فيها الاخرين من دمه ، وذهب الى ربه يحمل معه اسرارا مشوقة قد تكون في غاية الحزن والاسى والاحباط والانكسار، فيما قام  آخر وهو لاجئ افريقي بالانتحار في دولة اوربية بعد ان اعلمته السلطات  برفض طلبه وامكانية ابعاده واعادته الى بلده( المحبوب )  مع ولده الصغير ، وبما ان الرجل كان قد عمل المستحيل ليخرج من المدن المظلمة الى المدن  المضيئة ، ومن الحواري الحزينة الى الاحياء البهيجة ، ولم يرد  ان يعود مرة اخرى مصحوبا بالخيبة والفشل ، وقد قرر الانتحار ليجبر السلطات على الاحتفاظ  بولده الصغير وتجنيبه الضياع والتشرد في بلده الاصلي ، وهذا ماحدث بالضبط حيث قررت السلطات ( الرحيمة ) منح اللجوء لولده الصغير بعد ان سجل الرجل اسمى صور التضحية والايثار .
وفي حالة اخرى  جرت في احدى نواحي كركوك عندما اقدم شاب على الانتحار امام حشد من الناس احتجاجا على الانقطاع المستمر للكهرباء في مدينة تقع قرب محطة ضخمة لتوليد الكهرباء ، كما ذكرت الصحف ان شابا يمنيا انتحر بعد عودته من الحج حيث قرر التخلص من حياته دون ان يحدث اضرارا تذكر للاخرين  ، فغادر  الحياة على طريقته كفصل اخير من قصته وهو الفصل الاكثر اثارة .
ولكن شتان ما بين هؤلاء  وبين الصنف الاخر من الانتحاريين الذين ينأون بانفسهم عن المعسكرات والاعداء ويحبذون تفجير انفسهم ( الزكية ) امام الجامعات والاسواق الشعبية  ومدارس الاطفال وداخل سرادقات مجالس العزاء ، او عند حشد من البنائين والعمال والكسبة او في مقهى  او مطعم ، متقربين بذلك الى الله تعالى الذي حرم قتل النفس البشرية بلا سبب ، وستظل البشرية والمتخصصون في علم النفس والاجتماع والاقتصاد يجهلون الاسباب  التي تدعوا هؤلاء الاشقياء التعساء الى الموت مع قتل عدد اخر من الابرياء في آن واحد ، والى ان  تهتدي الى تفسير عقلائي لما يحدث تظل البشرية مهددة من قبل هؤلاء ، ولا ندري من سيكون الضحية القادمة  ، وانا لله وانا اليه راجعون .
.
aabbcde@msn.com

152
المنبر الحر / فن قلب الحقائق
« في: 11:21 07/08/2007  »
فن قلب الحقائق


حسين ابو سعود

هناك مثل عراقي مشهور يقول ( الكذب  المصفط احسن من الصدق المخربط ) اي ان الكذب اذا جاء بشكل مرتب ومتسلسل افضل واحسن من الصدق الغير منظم والغير مترابط ، ولا شك بان الكذب هو مظهر جلي  من مظاهر قلب الحقائق وتقديمها بصورة مغايرة للواقع ، ولعل اول مغالطة او محاولة لقلب الحقائق قام بها الشيطان عندما رفض الانصياع لاوامر الخالق بالسجود لادم بحجة انه مخلوق من نار  ، والنار افضل من الطين ، ولا ادري كيف استخلص فكرة افضلية النار  على الطين ، وظل قلب الحقائق مستمرا منذ ذلك الزمان الى الان  وسيظل حتى قيام الساعة ، وقد تطور هذا الفن في عصرنا الحالي بشكل مذهل بفضل الخدع السينمائية والتلفيق الالكتروني وانتشار اجهزة الاعلام الرقمية التي توصل الخبر من اقصى الارض الى اقصاها في (لا وقت) ، وعندما سألت احد الصحفيين المخضرمين عن ادق الدقائق في فن قلب الحقائق قال :
 هذا الفن هو صياغة الاخبار بالمقلوب من دون ان يشعر المتلقي انه مقلوب ، كأن يقال :لم تنفجر  اية قنبلة في سوق الشورجة ولم يقتل في ذلك الانفجار اكثر من ثلاثين شخصا ، كما لم تصب اي من الدكاكين باضرار ولم تهرع قوات الامن وفرق الاطفاء وسيارات الاسعاف الى مكان الحادث لاجلاء القتلى والجرحى واخماد النيران التي تلتهم المحلات .
ومن مصاديق قلب الحقائق تحريف الروايات التاريخية ووضع الاحاديث وتزوير الوثائق والمستندات ،  و ان التاريخ بشكل عام والتاريخ الاسلامي بشكل خاص يحتوى على امثلة حية لقلب الحقائق سواء جاءت بنية حسنة اونية سيئة ، ولقلب الحقائق احيانا فوائد ظاهرة واخرى مستترة ليس هنا مجال حصرها ، وله  طرق منها التدليس والتلبيس  والتبليس المشتق من فعال ابليس .
ومن مظاهر قلب الحقائق نرى ونسمع باقتتال الاخوة وهم اعداء في فلسطين وتفخيخات الاخوة في العراق ومعاناة الجياع في سلة الخبز العربي وانتصارات الجنجويد واحداث دارفور والصومال وغيرها ، كل هذا و
الناس هناك يتزاوجون ويتصاهرون  ويطلقون ويبيعون ويشترون ويختنون اولادهم وكأن شيئا لم يكن .
وانا لااريد ان امارس اي نوع من قلب الحقائق في هذه العجالة حيث  لا اريد ان اقول بان النساء هن خير من يجدن فن قلب الحقائق ، عن طريق الانكار العلني لما ترتكبه من حماقات يومية بحق الرجل ، ولا اريد ان اقول بانهن يُجدن قلب الحقائق بقدرتهن على استعمال المساحيق وادوات المكياج لتغطية بعض عيوب الزمن ، لانني لا ارغب في ان اقول في المراة شيئا ليس فيها اصلا ، وقد سمعت احدى المذيعات في احدى الفضائيات تقول بان الخطة الامنية الحالية قد حققت اغراضها بالرغم من وجود المفخخات وتزايد الضحايا واعلان حالة الطوارئ في المستشفيات والبقية تاتي تباعا .

153
المنبر الحر / قرصان ماليزيا
« في: 12:35 28/07/2007  »
قرصان ماليزيا
حسين ابو سعود
كلمة القراصنة  وهي جمع قرصان تبعث بالخوف والذعر في النفوس ، لان قراصنة البحر يقابلهم على الارض قطاع الطرق  ، وان عملية القرصنة تحتاج الى جرأة وخبرة وقوة وضمير ميت ،ولكننا منذ الصغر احببنا القراصنة الذين كنا نراهم في الافلام فقط ، لشبابهم الغض وحماسهم المتقد وما يصاحب عملياتهم من مناظر طبيعية خلابة ورحابة الجو وصفاء البحر فضلا عن الممثلات الحسناوات ، حيث كنا ننبهر بجمال البطلة وبتقاسيم جسدها الممشوق ونحن في مجتمع يسيطر عليه الكبت الجنسي بشكل فظيع مما ادى الى تعطيل الكثير من المواهب وامات فينا روح الابتكار والابداع .
انا لا اتذكر بالضبط قصة فيلم قرصان ماليزيا ، لمرور وقت طويل على مشاهدتي  له ، الا اني اتذكر ماليزيا جيدا لاني زرتها  ذات مرة وقضيت سبعة ايام رائعة في ربوعها ، حيث وجدت الشعب الماليزي في قمة اللطافة والظرافة وحسن الضيافة ، وهو يتكون من ثلاث قوميات رئيسية هي المالي والصينيين والهنود ، تربطهم علاقة جميلة  من الود والتفاهم والاخاء ، ولعل اجمل ما في المجتمع الماليزي هو الامان ، وعدم الخوف من الامن والمخابرات ، حيث وقفنا مع عشرات السياح من مختلف الجنسيات  امام القصر الملكي نحمل كاميراتنا ونلتقط الصور كيفما نشاء دون خوف او ترقب  في زمن حرمنا فيه من الوقوف امام القصر الجمهوري، ومجرد المرور بالسيارة من امام القصور الرئاسية كانت كارثة ، فان اسرعنا ورطنا وان ابطأنا شكوا في امرنا  كما حدث مع احد  الاخوة العرب الذي زار العراق في السبعينات ، فاقسم واغلظ في القسم  ان لايزور العراق ثانية ما دام فيه رمق، ولعله قد غير رايه الان  بعد ان تغيرت الاوضاع كلية في العراق وصار الامن والامان في متناول الجميع وفي كل الاوقات .
ان اقتسام السلطة وهو من اصعب المعضلات في العالم  يجري  في ماليزيا   باسلوب سلس مرن راق حيث يتناوب زعماء الولايات ا لتي تتكون منها الاتحاد الماليزي  اعتلاء العرش لفترة معقولة  على عكس العراق  الذي شهد امرا لاسابقة له وهو اعتلاء سدة الرئاسة لمدة شهر واحد لكل عضو في مجلس الحكم ، والجدير بالذكر باننا شاهدنا في احد ايام  اقامتنا في ماليزيا  حركة غير عادية بين الناس وكان البشر (بكسر الباء) يعلو وجوههم ، فسالنا ان كان للقوم عيد لا نعرفه ؟ فقيل لنا بان هذا اليوم سيشهد انتاج اول سيارة صنع محلي 100% وقد قرر الشعب باكمله اهداء السيارة الاولى لجلالة الملك تقديرا واحتراما وعرفانا بالجميل ، ولعل اجمل ذكرى احمله عن تلك الديار هي قول موظف الجوازات  عند المغادرة وهو يبتسم : هل اعجبتكم بلادنا ؟ قلنا نعم : قال اذن كرروا الزيارة  او كما نقول بالعراقي الفصيح ( اذا طاب الكم عاودونا )  على عكس بعض او كل الدول العربية التي تتعمد تعيين  ثلة من الغلاظ الشداد المزعجين المخيفين في المطار  ليكونوا اول  واخر من يلتقي به السائح عند الوصول والمغادرة مهمتهم اعطاء الانطباع الاول والاخير عن البلد الى الوافدين  .
فلم قرصان ماليزيا ، له اثر لاينسى في النفس حاله حال الافلام الرائعة في الزمن الرائع مثل هرقل وابو جاسملر وماشيستي وطرزان ، و هذا الفلم جعلنا نحب دولة ماليزيا قبل ان نراها ولم نكن نعلم بانها دولة تسير نحو التكامل  بخطى واثقة في الوقت الذي نسير فيه من انقلاب  الى انقلاب حتى افضينا الى الاحتلال الكامل ، وصرنا نقتل بعضنا البعض على الهوية ، حتى يئسنا من احتمال عودة بغداد  مرة اخرى عاصمة  للثقافة والادب والعلم والفلسفة والحب .
وبقي ان اقول بان الشعب الماليزي مضياف ومحب للحياة الا ان عيبهم الوحيد هو ان عيونهم صغيرة ولا ادري كيف اقتحموا عالم الالكترونيات الذي يتطلب عيون كبيرة مفتحة ، والظريف انهم يعيروننا بكبر عيوننا لانها  لا ترى درب المستقبل بالرغم من اتساع الحدقات وجمال الاحورار فيها  ، ولانها خلقت للقتل باعتراف الشاعر  العربي الذي قال :
ان العيون التي في طرفها حور     قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
aabbcde@msn.com.

154
المنبر الحر / ذل اللجوء
« في: 00:39 21/07/2007  »
ذل اللجوء
حسين ابو سعود
اسمه سعيد وهو شقي ، تخصص في الفنون المسرحية، ووصل الى هذه البلاد ليعمل في غسل الصحون  وتقشير البصل ، داخل محل شاورما  بعيدا عن العيون، رأيته في حديقة الهايد بارك انتقى له زاوية مهجورة ، مستندا على جذع شجرة هرمة يرمق المجهول وهو ينفث دخان سيجارته في الفضاء ، سلمت عليه ، فابتسم ، جلست عنده بلا استئذان ، فقال لي: من العراق أنت ايها الغريب ؟
قلت : نعم وكيف عرفت ذلك ، قال :  من شارة الذل المرتسمة على جبينك ، انها نفس الشارة التي احملها ، ومضى يقول وكأنه لم يتكلم منذ سنين :
انا لاجئ ومرفوض لاني لم اتقن صياغة القصة ، اذ لم يخبرني احد بان القصة تحتاج الى حبكة درامية واثارات مفتعلة ، مع اني متخصص بالفنون المسرحية ولكني رسبت في الامتحان العملي الفعلي ، فانا رغم كل الامطار وكل الانهار في المنفى اشعر بالظمأ ،تغلفني المرارات من كل جانب ، اقف حزينا مكسورا مقهورا منهزما امام دائرة الاقامة ، اجدها جافة لا احاسيس لها ، البناية صماء بكماء مغلقة لاتضحك ولا تبكي وابوابها المضللة تشعرني بالاختناق ، يغلقون الابواب بعد انتهاء الدوام ويغادر الموضفون الى منازلهم غير عابئين بحزني  وانكساري ومرارات انتظاري ، وساعي البريد الذي يمر ببابي كل يوم لا ياتي الا بفواتير الماء والهاتف والكهرباء  ، ويخطر على بالي احيانا ان اقوم من مكاني ، واحزم امتعتي لاعود ادراجي ولكن الى اين ؟

فذلك الوطن المملوء بالعذاب والاحقاد والالغام قد لفظني ولفظته ،وقد تحولت الحدود الوهمية الى حقيقة تمنعني من دخول البلدان النظيفة والمدن الوضيئة
.
لقد غادرت الوطن الى الابد بعد ان قبلت جدران بيتي وبابه الخشبي.
انا والالاف مثلي اصبحنا اجسادا بلا ارواح وبلا قلوب ، وصرنا نتناول في الفطور سندويتشا من الحزن وغداؤنا الظهر طبق من الاشواق وفي الليل  نخلط بعشائنا مرارات الغربة ، هناك متسع من الحزن .
على احر من الجمر او ابرد من الجليد اصارع الوهم في النفق الطويل الذي لا يؤدي الى فضاء ، لم يبق لي احد ، لقد مضوا جميعا ، لقد قضوا جميعا ، مع من سيلتم شملي ؟ حتى امي التي (طشت ) طاسة من الماء  خلفي بعد سفري على امل العودة ، ماتت ، وصارت عظاما .
كان يغالب دموعه ، لم يتمالك نفسه فبكى بحرقة بالغة ، بكيت معه اخذت بضع قطرات  من دموعه ، خلطتها بعناية مع بضع قطرات من دموعي والقيت بها نحو السماء ، فما نزلت منها قطرة ، وقلت : يارب تقبل منا هذا القربان .

155
الطفل العراقي ... وقفة عاطفية

حسين ابو سعود
عندما يتوزع صوت الاذان ساعة الفجر في الفضاء  يمغط النيام اجسادهم ،و ليس للفقراء الا ان يفيقوا ويتهيئوا بعد الصلاة للبحث عن الرزق لسد الرمق اليومي ، ولاسيما طبقة  العمال غير المهرة  يتجمعون في أماكن معينة بانتظار من يأتي لياخذ معه مجموعة منهم خاصة لاغراض البناء، وهذا المنظر العادي يتحول الى لوحة مأساوية  عندما نجد بين الواقفين اطفال او شبان في عمر الزهور  تتطلع عيونهم الى فرصة عمل يومي ، والحسرة  تعبث باحلامهم الوردية  عندما يشاهدون اطفالا آخرين يتوجهون الى المدارس بملابس نظيفة حاملين معهم كتبهم وكراريسهم.
على ان المجالات التي يعمل فيها الاطفال  تتعدى مجال البناء لتشمل جميع مرافق الحياة ، والطفل العراقي باوضاعه الرثة وهو يتجول بين السيارات  وسط الشوارع المزدحمة  والزوايا المليئة بالنفايات ، يفعل ذلك منذ تأسيس الدولة العراقية ولم تتحمل اي حكومة من الحكومات التي جاءت وذهبت عن طريق الانقلابات  مسئولية الطفل  ولم يرحمه احد ، بل ان هذه الحكومات اهملته وظلمته وجنت عليه حتى جعلت منه صباغ احذية وبائع علك ومتسول محترف  وعرضة للانحراف والاغتصاب  والاجرام، مع ان  حق الطفل محفوظ في الشرائع السماوية وفي المذاهب الارضية ، وصار توفير الرعاية والحماية له مسطورا في الدساتير والقوانين وأما حال صغار  العراق في الرزية  لم تختلف عن حال الكبار  بحال من الاحوال  ، وحتى العاب الطفل العراقي بسيطة يخترعها لنفسه من علب الشخاط و(تايرات البايسكلات)  والطيارات الورقية ، فصارت طموحاته محدودة للغاية  مع ان ذكاءه لا ولن يختلف عن ذكاء الاخرين في دول العالم الاخرى الذين يخوضون الحروب الوهمية خلف لعبة البلاي استيشن ، الا ان الطفل العراقي  كما يقال حظه مايل  وهو المنتمي الى بلد النفط والخيرات وبلد الاضرحة والزيارات وبلد الزراعة و(التجارات )، وقد اضرت به الحكومات  حتى شربته عقائد الحزب الواحد والتصفيق للرؤساء وعلموه اناشيد الجندية  ، وتم تعويده على اصوات الانفجارات  والحروب واثار الحصار حتى تجرع سم الاحتلال وصار يعاقر اهوال التفخيخ  والقتل اليومي ، ووصل الامر  الى زرقه هذه الايام بحقن الطائفية والقومية والحزبية ، وحتى تجار لعب الاطفال  استهدفوه ولم يرحموه فصنعوا له  المسدسات والرشاشات والدبابات البلاستيكية ، واغروه على شرائها ، فوجهوه الى العنف بدلا من توفير العاب التسلية البريئة والمشجعة على  الاستكشاف لاسيما ان لعب الاطفال فيها فوائد جمة  يتوخى منها  الاتيان بنتائج ايجابية عن طريق كسب مهارات جسمية وعقلية وذهنية.
وليس هذا فحسب بل وصار له من التهجير نصيب فاجبر على مرافقة والديه الى خارج الحدود بحجة التبعية او بداعي الهروب من سطوة النظام  والتوزع في ارض الله الواسعة فلم يبق  في العالم منطقة لا يوجد فيها طفل عراقي  وبعضهم وصل الى المدن المضيئة وصار يتمتع بحقوق الطفل وبعضهم توزع على ارصفة المدن في دول الجوار معرضا نفسه لمختلف انواع البلاء ، وقد رأيت مرة في السيدة زينب بدمشق طفلا متورد الخدين في صباح شتائي بارد ينظر الى المارة يستجديهم صبغ احذيتهم مقابل مبلغ بسيط يخفيه عن اهله ليشتري به سندويتش فلافل يسد به رمقه ويدفع عن تقاسيمه آثار الشحوب ، وقد يسرح خياله وهو يمسح الاحذية فيتخيل لعبة جميلة يداعبها بانامله ، وقال الطفل الجميل الذي كان  يسعل من آن الى آن  انه يتيم عراقي اضطر للعمل لمساعدة امه المريضة المفجوعة .
والحقيقة هي ان الطفل طفل  سواء كان عراقيا ام صوماليا او هنديا تجمعهم البراءة والطهر وقد قدرت منظمة  العمل الدولية في عام 2005 عدد الاطفال العاملين في العالم بــ  250 مليون طفل تتراوح اعمارهم  بين 5 – 14 سنة يتركز 61% منهم في اسيا ، ولكن  وضع الطفل العراقي له مزايا مأساوية خاصة فهوالذي حُرم في بلده حتى المياه الصالحة للشرب وشبكات الصرف الصحي  المناسبة ، وقد حدث في العراق  تراجع ملحوظ في معدلات  التحاق الاطفال بالمدارس في مختلف مراحل الدراسة وان 22% من اطفال العراق لم يلتحقوا اصلا بالمدارس ، وقد ذكرت منظمة رعاية الطفولة التابعة للامم المتحدة بان هناك اكثر من خمسة ملايين طفل يتيم في العراق و900 الف معاق ، وان اكثر من الف طفل  قتلوا واصيبوا بسبب الالغام والذخائر الغير منفجرة  لعدم  استطاعتهم  تجنب مثل هذه الاخطار ، فضلا عن الاعداد المتزايدة  ممن يعانون سوء التغذية الحاد والمزمن  ، وباختصار نقول بان جميع الاوضاع المأساوية التي يعيشها العراقيون تنسحب بالضرورة على الاطفال بصورة مباشرة .
اقول ان الطفل العراقي يختلف في بعض احواله عن اطفال الدول الفقيرة الاخرى لانه ضُرب من  قبل حكومته بالاسلحة الكيمياوية وتعرض للاشعاعات الضارة  وزج باباء الاطفال في حروب عبثية بدءا من حركات الشمال  ثم حرب ايران  ثم الكويت ثم امريكا  ثم حرب العراق على العراق  ، مما نتج عنه قتل واسر واعاقة  اعداد كبيرة منهم ترتبت اثارها القاسية على ابنائهم ، وتكدس  الطفل العراقي في الملاجئ والمخابئ اثناء الغارات ،وصار الان هدفا بسيطا لعصابات الخطف الذين يطالبون بالفدية  فضلا عن انهم  يشكلون لقمة سائغة للجريمة والمخدرات والعنف والبغاء ، وليس هذا فحسب بل قامت عصابات التكفير وحثالات الشقاة الجناة العتاة باستهداف مدارس الاطفال وتفجيرها في جرائم يندى لها الجبين الانساني .
فالطفل العراقي يحتاج اذن الى رعاية خاصة بعد الظروف الصعبة التي مر بها من خلال سن تشريعات  خاصة لحمايته ، والمسئولية في ذلك لا تقع على عاتق الحكومة العراقية لوحدها بل ان على المجتمع الدولي وعلى راسها امريكا عليها ان تقوم بدور اساسي في ذلك ، وان القوى التي تتدخل في افغانستان والصومال  والعراق عليها  ان تضع الاطفال ايضا نصب عينيها وتوفر الحماية المطلوبة لهم ،  وتحشد الطاقات والامكانات لدفع الفقر والجهل والامية والبطالة والجريمة عنهم ، والتركيز على التوجيه الاجتماعي والارشاد الثقافي  واشغال المدرسة والمسجد والحارة بمثل هذه المهمات ، علما بان  المجرمين الكبار  كانوا يوما اطفالا  وان هؤلاء الاطفال قد يكونون  غدا في دائرة الاجرام  .
وعلى الدولة الاستفادة من القوانين المتبعة  في الدول الاخرى  الخاصة بحقوق الطفل  واقامة المزيد من الملاعب والنوادي ودور الحضانة ورياض الاطفال  وقاعات الالعاب وابعادهم عن الشوارع ومخاطرها وانتزاع مظاهر العسكرة من الحياة اليومية والاهتمام بالمناهج ، فالطفل العراقي حالة خاصة ويحتاج الى اعادة بناء مع التاكيد على الجوانب العلمية والاخلاقية والتربوية في شخصيته وتنمية خياله وتحفيزه على الابداع  وانشاء مكتبات خاصة ثابتة وسيارة للطفل .
وفرض التعليم الالزامي حتى المرحلة المتوسطة على الاقل ، كما ان هناك ضرورة لتنظيم عمالة  الاطفال وتهذيبها  خاصة وانه لايمكن  في العصر الحاضر  ولا في المستقبل القريب منع هذه  الظاهرة  بسبب الظروف الخاصة التي تمر بها اكثر الاسر العراقية ولكن يمكن تشغيلهم في اعمال تتناسب مع طاقاتهم واعمارهم وتكوينهم  الجسدي  ، ولا اكون مبالغا  لو اقول بان الطفل العراقي يحتاج الى وزارة خاصة كما تم استحداث وزارة للمهجرين لكي تتولى متابعة شئون الطفل العراقي ( المظلوم ) بالتنسيق مع الوزارات الخدمية الاخرى للدولة ، لان الطفل اصلا بحاجة الى رعاية وان افضل العبادات  هو حب الاطفال كما في الحديث ، فالطفل يعني الحياة باجمل صورها  فهو اليوم ببهجته وهو الغد باشراقته ، وان هذا المخلوق  الجميل يحتاج الى حنان ودفء ورعاية وميزانية سخية ، فالاطفال هم الربيع والورود والسلام وكل شئ جميل  ، ومن حق اطفال العراق ان يعيشوا كما باقي الاطفال في العالم  مع اننا لا نطمح ان يصل مستواه الى مستوى الطفل الهولندي مثلا الذي تم تصنيفه على انه اسعد طفل في العالم ، ولكن يجب ان ياخذ نصيبه على الاقل .
واذا أُريد بناء العراق يجب بناء الطفل العراقي  ، ولتحقيق ذلك يمكن الاستفادة من خبرات العراقيين الموزعين في دول العالم فان لديهم الافكار والامكانات العلمية والفكرية  الكافية لوضع برامج توعية سليمة خاصة بالطفل .
والطريف باني قرأت خبرا نشر مؤخرا مفاده ان الاطفال البريطانيين هم الاكثر تعاسة وبؤسا  بين اطفال العالم المتقدم ، وان المراهقين في بريطانيا هم  الاكثر تعاطيا للكحول والتدخين والمخدرات  ، وقد امتص هذا الخبر( الصادم )  الكثير من اليأس الذي يحيط بمستقبل الطفل العراقي ، ولا سيما ان بريطانيا هي من اغنى دول العالم ، فيما استطاعت  جمهورية التشيك التي لا تصنف ضمن الدول الغنية تحقيق مستوى افضل لاطفالها قياسا بالدول الغنية الاخرى .
ولا بأس ان اختم بقصة احد الشخصيات العراقية الناجحة الذي ذكر  بانه قد قضى طفولة يائسة بائسة ، ابتدأت بمحاولات الاطفال الاصحاء ممارسة دور( الشقاوة) في المحلة لغرض السيطرة على الاطفال الاخرين  ومرت بمراحل صعبة منها الفقر المدقع للعائلة مما دفع الوالدة  الى اجباره على بيع ( اللبلبي والباجلا)  في الصباح الباكر ثم العودة لاخذ الكتب والذهاب الى المدرسة ، وكان الطفل يعطي الكثير من اللبلبي ( للمشترية) حتى ينتهي بسرعة ولكن والدته التي كانت تنظر اليه بنظرة ملئها الحنان والاحساس بالذنب  تقنع باي مبلغ ياتي به ولو كان قليلا ، ليس هذا فقط بل كان  يجد صينية من مواعين المحلبي بانتظاره عندما يعود من المدرسة فيضطر وسط الاحراج الشديد من اقرانه الى حملها والجلوس في زاوية بالمحلة ينتظر بيعها والاطفال الاخرون يسرحون ويمرحون ويلعبون ، واذا ترك الصينية ليلتهي بلعبة او فعالية يأتي الاشرار  ليعبثوا او ياكلوا المحلبي بدون دفع فلوس ، وكان الانكسار يصل عنده الى اعلى درجاته  اذا جاءت كرة طائشة وبعثرت ما في الصينية ومرغتها بالتراب ، وذلك ليس  لان امه ستعاقبه بالضرب وانما لان ذلك سيزيد في انكسار قلب امه  التي كان يعشقها ، وما كان عليها ان تفعل وهي المراة التي لا معيل لها  ولا ضمان اجتماعي توفره الدولة للمعوزين ، انها لقمة العيش  وما اصعبها ، وانها البراءة التي عبثت بها يد الزمان  ، وانه الثمن الفادح الذي يدفعه الاطفال لأمر ليسوا مسئولين عنه .
فرعى الله الطفولة نهرا عذبا ، وحفظ اطفال العراق واطفال العالم من كل مكروه .

aabbcde@msn.com

156

لا (عراق ) في غوغول

حسين ابو سعود
لقد بلغت استخدامات الكومبيوتر حدا يصعب حصره, فصار يحل المعادلات الرياضية الصعبة و يعطي نتائج دقيقة وباهرة لكل عملية بعد ان يتم تغذيته بالمعلومات المطلوبة , و قد قامت مجموعة متخصصة بالابحاث الاستراتيجية بادخال المعلومات الاتية عن العراق في الكومبيوتر بغية الحصول على نتيجة سريعة وحتمية للوضع العراقي في الحاضر والمستقبل :
 اسم الدولة : العراق , الجمهورية العراقية , جمهورية العراق
تعرضت الدولة لعدة انقلابات ناجحة في عام 1958 و 1963و 1968 و عشرات الانقلابات الفاشلة تم فيها عمليات قتل و سحل و تصفية لكثير من القادة والرفاق.
دخلت البلاد في سلسلة من االحروب بدات من حركات الشمال ضد الاكراد و مرورا بحرب ايران و الكويت ودخلت في حصار طويل انتهى باحتلال البلاد من قبل الامريكان و البريطان والرومان و الطليان و العوران و اسقط عليها قنابل بالاطنان , بعدها بدات فتنة طائفية من الطراز الاول ينتج عنها يوميا هدم اضرحة و مراقد و مهاجمة مساجد و كنائس و عمليات اغتيال , و تم اكتشاف العشرات من المقابر الجماعية.
دخلت فيها ثقافة جديدة وغريبة تسمى بالمفخخات وهي لا تفرق بين الرجال والنساء والاطفال و العجائزو الحيوانات والنباتات و الجمادات
يقال انها دولة نفطية و لكن لا احد يعرف اين يذهب نفطها اذ شوهد المواطنون يقفون في طوابير طويلة للحصول على البنزين  و الكيروسين و البيض و النعلان والاستكانات و (علج ماي)
اطفال العراق في الشوارع يسرحون و يمرحون و يُمْنعون الماعون و يعملون في جميع المهن حتى صبغ الاحذية
دولة ينتشر فيها البعوض وباقي  الحشرات كانتشار الامية و البطالة و الامراض ,
تحتوى الدولة على قوى ضاربة مسلحة مختلفة تسمى المليشيات اخذت على عاتقها فرض القانون , و
 يجمعها الايمان المطلق بمبادئها و اهدافها .
 دولة توضع لها خطط امنية , لاتحقق اغراضها بسبب التدخلات الاجنبية من الدول المجاورة  وغير المجاورة و لاسباب اخرى مجهولة .
القوميات :عرب ، كرد ، تركمان ، كلدواشور
الاديان والمذاهب: سنة ، شيعة ،مسيح ، شبك ،سلفية ، ايزيدية ، متصوفة ،ملاحدة
الاحزاب: لايمكن حصرها.
هذا و قد تم عمل   ignoreللكثير من الحقول المطلوبة الاخرى بسبب ظهور اعراض غريبة على جهاز الكومبيوتر, و بعد ذلك تم الضغظ ببركة الله على الزر Enter , و ليتهم لم يفعلو فقد بدأ الجهازبضرب اخماس باسداس باثمان و يُصدر اصوات غير مالوفة و بدات تظهر كلمات بالبنط العريض الاحمر (تهجيرات تسفيرات ، تصفيات ،  انقلابات  ، تفخيخات ، تفجيرات ، ثورات ،  ابادات ، مقبرات جماعيات ، فتنات طائفيات طرازات اولات )لا حظوا  ركاكة  ترجمة الكومبيوتر. ثم ظهرت النتيجة و كانت:Such country does not exist
 اي :مثل هذه الدولة غير موجودة , و يفترض ان تكون قد انقرضت من زمن بعيد .
وقد توقع الخبراء نتيجة  انها دولة ضعيفة او مريضة ومغمى عليها او انها آيلة للسقوط او متجهة نحو التقسيم مثلا.
اذن فالاسباب الطبيعية تقول : لاتوجد دولة على الخارطة بهذه المواصفات و لكن الواقع يقول بانها موجودة و لها هيئات رئاسة ثلاث و شعار وعلم يتوسطه كلمة الله  اكبر و لها وزراء و سفراء و ادباء و شعراء و علماء , و الدليل الاكبر على وجود هذه الدولة نزوح المئات من اهله الى الدول المجاورة و غير المجاورة يوميا ينقلون معهم اخبار الوطن بدون رتوش و اما  الدليل الاعظم  على وجودها هو رؤية الناس على سجيتهم في برنامج (يوميات مدينة ) و هم ينعمون بالامن و الا ستقرار و الهناء و العيش الرغيد.
aabbcde@msn.com

157
كركوك ، فلا أكف عن مغازلتها  ولا هي تتمنع

حسين ابو سعود

منذ ان اجبروني على الخروج من حضنك وانا احلم بك في كل اغفاءة ، احلم بصباحك المشرق ، حيث يتوجه البنات والبنين الى مدارسهم ولم أكن اهتم للمسافة الطويلة بين بيتنا في سوق القورية ومدرسة الامين الابتدائية وانا احمل كتبي واحرص على وضع كتاب الانكليزي في المقدمة حتى يعرف الناس باني في الصف الخامس الابتدائي ثم في السادس حسب الوان الكتاب الذي يتغير كل سنة ، وكنت كباقي الطلبة نفعل نفس الشئ حتى في المتوسطة والاعدادية ، واذكر المتوسطة الغربية وثانوية الحكمة ثم ثانوية الاماني المسائية ، ولو شاء الزمان وعدت اليك يا مدينتي  سوف اعاود الكرة  وامشي  حتى المدرسة لاثما الابواب  ولامسا جدران المنازل التي تستر الاسرار  والمباهج وامر على المقاهي والمطاعم واملأ رئتي بروائح الكباب وادخنة الناركيلات وساذرع  سوق القورية طولا وعرضا واقف امام محلات الطرشي والتوابل وباعة الاقمشة والمخابز واعرج الى احمد اغا  وساقضي ساعة هنية  في حمام الفرح العمومي  واتناول الشاي بالدارسين  ، ثم شارع الاوقاف واتوقف طويلا امام سينما العلمين وقد اتجه من تحت مبنى المحاكم  نحو سينما الحمراء لا ستحضر افلام فريد الاطرش بالاسود والابيض.
ولا انسى ان نسيت جبين كركوك الساطع اعني القلعة الشامخة بالرغم من احزانها ومعاناتها عبر سنين القهر والعزلة .
آه  يا صيف كركوك ويا حر الظهيرة عندما يسترخي الناس في قيلولة مريحة كنت اتسلل الى المحلة حيث ينتظرني اصدقاء آخرون ، فنجلس في ظل ظليل تحت طارمات  البيوت ونسترسل  في تأليف  الفورطات الخارقة ، وفي العصاري عندما تهرع الصبايا الى اسطح المنازل فيرششن الارض بالماء فتتصاعد رائحة التراب الطيبة وينصبن الكلل البيضاء حيث ينام الاهالي تحت ضوء القمر .
آه يا ايتها المظاهر النابضة بالحياة في كركوك ايام زمان ، القيمر والكاهي والبقلاوة والزلابية والدولمة ،الشوارع والسينمات، العربنجية والمطيرجية  ، السكارى والدراويش ، الحسينية والمساجد ، الاسواق وضجيج الباعة والعمال ، نهر الخاصة والجسر الفاصل بين الصوبين، المقاهي والدومنة والطاولي والمحيبس في رمضان ، استقبال الحجاج ، الموالد ، مجالس التعزية والسكاير والقهوة المرة ، حفلات الختان والاعراس والخوريات والدبكات ، اغاني سعد الحلي وحسن زيرك واكرم طوزلو  وبنت الريف ، ومناطق  الماس وعرفة ورحيم آوى وتبة ملا عبد الله وامام قاسم  وصاري كهية وكاور باغي والمصلى ، العرب والكرد والتركمان والارمن والاثوريين والصبة ، السنة والشيعة.
أ أحكي عن الصباح المشرق لكركوك ام عن الظهر المسترخي ام العصر الطري  ام المساء المنعش ام أحكي عن الطيبة والبساطة ، أ احكي عن العباءات والجراويات  ودشاديش الاطفال المقلمة ، ام عن السهر حتى الصباح بانتظار العيد حيث دواليب الهواء والالعاب والملابس الجديدة والنشوة .
أياتي ذلك اليوم واذهب الى قرية امام زين العابدين في شهر رجب واطلب منه مرادي وارش الملبس على رؤوس الزائرين والتقي بالقادمين من الشمال والجنوب والشرق والغرب  تجمعهم الطيبة والوئام والصفاء .
أ يأتي ذلك اليوم واغمض عيوني للمرة الاخيرة في دفء المدينة وتحت سمائها الازرق المليئة بالطيارات الورقية والنجوم اللامعة ويحتويني ترابها الى الابد.
احبك كركوك فاحبيني
وساعود قريبا فاقبليني
فهذا اسمك يراوح
مابين قلبي وجبيني
غازلتك فغازليني .

aabbcde@msn.com

158
تنزيه الشيعة من التهم الشنيعة

حسين ابو سعود

وهو ما املاه استاذنا العلامة والحبر الفهامة على جملة من تلاميذه وعلى اتباعه ومريديه فجاءت رسالة سديدة بمطالب جديدة  سماها ( تنزيه الشيعة من التهم الشنيعة والافتراءات الوضيعة ) وهي بشكلها المختصر فاقت كل تفصيل معتبر .
الحمد لله الذي خلق الانسان ،،علمه البيان وجعل لكل شئ قدرا وميزان، والصلاة والسلام على خير العباد في كل آن، وعلى كل من سمع الكلام واتبع احسنه ونبذ الخصام واستهجنه ، وهو الذي جعل اصحاب العقل  فئة راشدة وجعل معهم الجاحدة والملاحدة ، ولوشاء  لجعل الناس امة واحدة ، وان الاسلام دين وحبل متين  ليس فيه فرق ولا مذاهب ولا اهواء ولا مشارب ولكن الناس اختلفوا ولم يأتلفوا خلافا لاية الاعتصام وسنة الالتزام ، وبقيت منهم طائفة جعفرية سموا الامامية الاثنا عشرية ، تركوا تناقضات الرواة والتزموا بالائمة الثقاة والاعلام الهداة ، ولكن مما اقتضت به سنة الحياة ان علقت بطريقتهم بعض هنات هينات ، فصاروا عرضة للعتاب واللوم من خواص وعوام القوم ، وتمحور المخالفون حول بعض التهم والظنون ، منها شبهة النيل من اكارم الصحابة المتصف منهم بالنبل والنجابة ، وهي تهمة مردودة ومحاولة غير محمودة، فمواقف الامام منهم اشهر مما على العلم من نار من يوم ماصار في السقيفة ما صار  حتى ساعة  ما حدث في فتنة الدار، والشيعة على نهجه سائرون  منذ حقب وقرون .
وما اثير من غبار حول المتعة ، اريد منها التشويش وتشويه السمعة ، وغاية الامر انه مباح ونوع مشروح من انواع النكاح ، فلا يؤثم تاركه ولا يحمد سالكه ، وهم يرغبون في العقد الدائم، تجنبا للزيغ والشبهات والمآثم ، ولا ينبغي الخلاف على موجود فقد او على مفقود وجد ، ثم ان الامر فيه تفصيل واسهاب وتطويل.
واما السجود على التربة  ، طلبا للمثوبة والقربة ، فهو من (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ) ومن تركه لم يلق في ذلك آثاما وشرورا ، فتجزئ لذلك الورقة من النبات او الكاغد قبل تحبيره بالدواة ، وانما توضع التربة طلبا للخشوع ، وابتغاء الانكسار والخضوع، فهو بذلك مندوب وامر مشروع .
وما يقال عن العزاء  واللطم ويزعمون ان الدين به لايستقم ، فعندنا ما نلزم به الخصم ، فمايقولون: في الصوفية  وما يفعلون ، فما جاء نتيجة لثورة العواطف تشبه ما ينتج عن فورة العواصف ، وما يقبح فعله عند المخالف يحسن صنعه عند الموالف ، وهل فيما يفعله الناس على الدين جريرة ؟، ومن فقد منهم البصر لا يحرم البصيرة .
وما روجه البعض من تحريف القران ، مردود عليهم بقدرة الرحمن ، وما عليه الاجلاء والعلماء ، هو امر  واضح بجلاء وهو ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) والشيعة على هذا الدرب سائرون ، ولهذه الاية محافظون  ، ومن اراد الحق الصريح فليعمد الى الدليل بلا تهجم وتجريح ، ويقارن بين مصاحفنا ومصاحفهم ، فيجدها عينها  لا تخالفهم ، وينتهي بذلك كل قول سقيم ، يطلقه مارد او شيطان رجيم ، طلبا لشق الصفوف بتحريف الكلم والحروف .
وتبقى قضية الروايات الضعيفة ، وفرزها من الاحاديث النبوية الشريفة ، فقد وضع الائمة  لها احسن ميزان ، وهو عرض الحديث على آيات القران ، فان وافق فبها وانعم وان لم يوافق فلا تحلل ولاتحرم ، واضربها عرض الجدار، بلا تردد في الامر ولا انتظار ، ونطالب اهل الانصاف والدراية بترك التعصب وفنون الغواية ،  وعدم خلط  روايات الغلاة والمفوضة ، وما فيها من اخبار محرضة ومغرضة ، باحاديث النبي وآله  التي تبين حرام الدين وحلاله ، بأتم شكل وصورة  ، لم تبق غامضة او مستورة ، الا وكشفت عنها الغطاء ، وقدمتها  للناس بابهى حلة واجمل رداء ، وقد نبه الائمة الكرام الى كثرة الوضاعين وصانعي الكلام ، وكشفوا عن وجوههم القناع لكي يعرف الحق من الباطل اذا اشتد الصراع ودعوا الى الإخبار بمحاسن الحديث ونبذ الضعيف والخفيف والغثيث .
فيا ايها الناس انتبهوا  من الدسائس الوضيعة وتقربوا من بعضكم البعض سنة وزيدية وشيعة ، وتخالطوا بالمعروف وانبذوا التخاطب بالرماح والسيوف ، وهذه دعوة صادقة للتآلف ونداء للتكاتف والتحالف ، وترك ما حدث في الماضي الباهت السحيق والنظر الى الغد المشرق ذو اللمعة والبريق ، واطلبوا بذلك وجه الرحمن، ورضاه في كل حين وآن ، فهو الداعي الى الاعتصام، بحبله  المتين والالتئام .
ووقانا الله شر الدنيا  الفانية واسكننا جنة قطوفها دانية .ثم الصلاة على المصطفى سيد البررة والكرام وآله ومن تبعه باحسان من الانام .
تمت.
(وبعد فقد رأينا كتابة شروحات وافية مستفيضة عن كل شبهة اوردها الاستاذ في رسالته لاجلاء الغبار عن الغوامض من الاراء والاخبار ،اذا امهلنا العمر واسعفتنا الصحة في قوادم الايام  ، طالبين بذلك وجه الله بغرض التقريب بين اراء المسلمين وتهوين الخلافات القائمة منذ قرون ،متطلعين الى الغد الذي يتطلب الاتحاد والتكاتف ولاسيما نحن نعيش العولمة باجلى صورها ، حيث صار التعايش أمرا محتما ليس بين المذاهب فحسب بل وبين الاديان المختلفة ، وحتى بين المؤمن والمشرك ولاسيما في بلاد المهجر  حيث الجار من اليمين يهودي ومن اليسار بوذي ويسكن في نفس الشارع نصارى ومجوس وملاحدة ، وكم هوّن الامام علي عليه السلام هذا الامر واختصره قبل اربعة عشر قرنا بقوله الرائع : الناس صنفان ، اما أخ لك في الدين واما نظير لك في الخلق) .
aabbcde@msn.com

159
آفاق السياحة الدينية في العراق

د – حسين ابو سعود

كلما تصفحت المطبوعات التي تخص السياحة تنتابني حالة من الالم والاسى لغياب اسم العراق من الخارطة السياحية مع انه المرشح الاقوى لتصدر قائمة الدول السياحية في العالم لما فيه من امكانات هائلة في هذا المجال ، واتذكر كيف ان السياسات البعثية العبثية الخاطئة قد اعادت السياحة ولا سيما السياحة الدينية في العراق مئة سنة للوراء و اخرجت البلاد من نور التواصل الى ظلمة العزلة ، ليس بحرمان العالم من  الاستنارة  بشعاع العراق فحسب  وانما بحرمان شعب العراق من ابسط حقوق التواصل مع العالم بحجب الفضائيات ومنع  الانترنيت وحظر استخدام الهواتف النقالة ، فيما اتذكر كيف كان العراق في الستينات حيث كنا نشاهد الزوار من مختلف البلدان في بغداد وكربلاء والنجف ، سحنات مختلفة ، لغات متنوعة ، ثقافات متعددة تؤثر وتتاثر بالمجتمع العراقي ، مع ان العراق بالرغم من امكاناته السياحية الفريدة لم يعد يوما ضمن الدول السياحية ، لانعدام الاهتمام بهذه الناحية ، ولا اذكر حتى مجئ البعث الى السلطة وجود فندق واحد من فئة الخمس نجوم في مدينة كربلاء مثلا ، والباصات التي كانت تنقل المسافرين  بين المدن في تلك الحقبة كانت بدائية تفتقر الى وسائل الراحة والرفاهية مقارنة  مع الباصات الايرانية الفارهة التي كنا نشاهدها في المدن العراقية المقدسة او مع الباصات الفخمة التي كانت ترد من دول الخليج.
وكان النظام قد انتبه في بعض الفترات الى الخطأ الذي ارتكبه في حق السياحة الدينية ففتح المجال لزيارة المجموعات دون الافراد من باكستان  كان يسيطر عليها رموز النظام مقابل رسوم اشبه ما تكون بالخاوة . وقد وقع النظام الحالي في بداية السقوط في نفس الخطأ عندما صرح احد المسئولين عن السياحة الدينية بانه بحث مع الايرانيين سبل تنظيم الزيارات الجماعية ، وانه فرض رسوما اقل مما كان يفرضها عدي صدام حسين في حينه ، وانا اقول انه يجب التخلص الكامل من موروثات الماضي وعدم مقارنة الحاضر بالماضي  و معرفة ان السياحة صناعة لها اصولها وقواعدها وان هناك دول تعتاش منها بالكامل ، و فتح الباب  على مصراعيه امام المجموعات  والافراد الراغبين في الزيارة حقيقة ، وينبغي ان يعرف بان السياحة الدينية لا علاقة لها بالحكومة الدينية، فالمسالة تجارة واقتصاد والتجارة تحتاج الى اخلاق  وامان ، وانا لست متخصصا في الاقتصاد  لكي اقول كم تربح السعودية  مثلا من السياحة الدينية الا ان صديقا مكيا ( واهل مكة ادرى بشعابها ) قد اخبرني بان موسم الحج والعمرة يغنيهم عن العام كله  وما يحققونه من ارباح في ذي الحجة ورمضان تكفيهم مؤونة السنة.
وهناك دول ادركت اهمية هذا الجانب اعني السياحة وما يمكن ان تحققه من عائدات فاتجهت نحوها بكل امكاناتها مثل الهند ومصر ولبنان، وإن ايران من الدول التي تهتم بالسياحة والسفر بشكل جدي يمكن الاستفادة من تجربتها حتى ان كراجات النقليات في المدن الايرانية الكبيرة والتي تسمى عندهم بالترمينال هي أشبه بالمطار حيث المطاعم ومحلات بيع التحف والهدايا وأماكن العبادة والمرافق الصحية وبعضها مزودة بفنادق مناسبة، وهذه ماليزيا استقبلت 4.38 مليون زائر خلال الربع الأول من عام 2006 وهذا يعني بأن عندها استعداد لاستقبال أكثر من عشرة ملايين سائح سنويا ، في حين استقبلت سورية ثلاثة ملايين سائح عربي في العام الماضي بالرغم من إمكاناتها المحدودة ، وإنها وضعت خطط لجذب 8 مليون سائح عام 2010 مما يكفل لها تحقيق عائدات قيمتها 25 مليار ريال سعودي.
وقد دأبت الدول على وضع دراسات واصدار احصائيات عن عدد الزوار تقل أو تكثر بما فيها دول أمريكا الجنوبية، وأما نحن في العراق فلم تعمل الحكومة على الترحيب بالقادمين إن وجدوا كسائحين، إذ كانت الحكومة السابقة تفرض رقابات أمنية على الزائرين وتنظر اليهم بنظرة الشك والريبة بدلا من أن تحسسهم بأنهم ضيوف أعزاء لهم قيمة حتى يحدّثوا الآخرين بحسن الضيافة وسهولة الاجراءات لدى عودتهم الى بلدانهم.
فالسياحة تحتاج الى أجواء من التسامح وإشاعة ثقافة الابتسامة بدءا من موظف الجوازات في المطارات والمنافذ الحدودية البرية والبحرية، لأن الانطباع الأول هو الانطباع الأخير.
أما وقد سقط النظام الديكتاتوري والعراق مقبل على تغيير جذري فيتوجب على الحكومة إيلاء أهمية كبيرة للسياحة بعد الانتهاء من تثبيت دعائم الأمن وتحافظ بشكل جدي على الآثار والأضرحة والمراقد والأسواق القديمة وتخليص البلاد من الأسماء ذات الدلالات الطائفية للمناطق وإعادة الأسماء التأريخية القديمة، وإن رقصة الموت يجب أن تتوقف، وأن ينتهي هذا الجنون الذي يقتل البشر ويهرب الآثار وينهب المتاحف ويخرب الأضرحة والمباني التأريخية ، ويعتدي على الملوية، وقد تمتد الأيادي الآثمة على طاق كسرى وغيرها من الآثار الانسانية الخالدة، ما لم توضع حراسات مشددة على تلك المعالم التأريخية والدينية والحضارية لأنها ثروات انسانية كبرى ، وهي وإن كانت ملكا العراق ولكنها مشاعة للبشرية جمعاء، وأكاد أجزم بأن إعادة الآثار المخربة الى وضعها الأصلي تكاد تكون مستحيلة كما هو الحال مع قبة الامامين العسكريين في سامراء.
إن العراق يحتاج الى إعادة إكتشاف قدراته السياحية، فهو عراق الحضارة والشعر والأدب والتأريخ والحاضر والمستقبل، عراق المنائر والأضرحة والتنوع المناخي، عراق القوميات واللغات والأديان والمذاهب والثقافات والأطعمة، العراق حالة فريدة من التنوع الذي يحتاجه السائح.
ثم إن السياحة تؤدي الى تلاقح الأفكار والحضارات والرؤى، والشعب كالفرد إذا انعزل توحش، ومن حق بغداد أن تنفتح على العالم، ومن حق البصرة أن تنافس دبي والكويت، ومن حق كربلاء أن تضاهي مكة المكرمة في العمران والخدمات، فالعراق أفضل مكان للسياحة العائلية خاصة وإن مواطني دول الخليج يرغبون السفر مع أسرهم ويريدون لذلك مكانا نظيفا وآمنا ، فالخمور والدعارة ليست قواما حقيقيا للسياحة الناجحة كما هو شائع، وبالاضافة الى السياحة العائلية فهناك من يبحث عن السياحة الثقافية والعلمية والأدبية، والعراق موطن الحضارات المتنوعة ، وفيها طرز البناء والعادات والتقاليد منذ عهود أكد وآشور وسومر الى حاضرة النجف الأشرف التي تضم أقدم جامعة علمية دينية شيعية في العالم أجمع، درس فيها أناس من باكستانوالهند وايران وآذربايجان ولبنان وحتى القفقاس وغيرها من البلدان ، فاستوطنوا هناك منذ مئات السنين وجلبوا معهم عاداتهم وثقافاتهم وتقاليدهم ، وباختصار  نستطيع القول  وبكل ثقة بان العراق  يشكل وجهة مفضلة للسياح الذين ينشدون السياحة الدينية والعائلية والثقافية وحتى الترفيهية البحتة ، فهذه منطقة كردستان تعد جنة الله على الارض وفيها كل مقومات السياحة الناجحة من مناخ  وطبيعة وحسن ضيافة وامان ولا يمكن حصر امكاناتها الهائلة في المجال السياحي ، كما وهناك السياحة الداخلية وهي لا تقل اهمية عن السياحة الخارجية حيث يزور  اهل الشمال الجنوب في الشتاء ويزور اهل الجنوب الشمال في الصيف .
وامام هذه الطموحات  لجعل العراق وجهة سياحية مفضلة من الطراز الاول يجب الاهتمام بالسائح وتوفير اقصى درجات الراحة والامان له بدءا من تسهيل منح التاشيرات مرورا  بتسهيل التمديد اذا اراد السائح ذلك لدواعي المرض او الرغبة في الاستزادة ، كما يمكن استثناء رعايا جنسيات معينة من  الحصول على التاشيرات  ومنحهم اياها في المطار مباشرة لدى الوصول ، والتنبيه على موظفي الجوازات في المطارات بضرورة استقبال  الوافدين بابتسامة عريضة تشعرهم بالود والامان ، وتسهيل عملية تفتيش الامتعة والاكتفاء بتمريرها  تحت جهاز الاشعة لتوفير الجهد والوقت . ومن ثم حماية السائح من حالات  النصب والاحتيال والسرقة  كونهم هدفا سهلا للنشالين والنصابين ، واذا ما دخل السائح الى المدينة يجب ان يجد ما يريده متوفرا وبسهولة ولا سيما وسائل النقل المريحة والمكيفة والامنة والمتوفرة على مدار الساعة، بالاضافة الى الطرق المعبدة السريعة ، كما يتوجب الاهتمام  بالمطاعم من حيث الجودة والاسعار والنظافة ، واقامة سلسلة من الفنادق بمختلف الدرجات ابتداء من فئة الخمس نجوم نزولا الى تلك التي لا تخضع للتصنيف، وان يراعى في تصميمها وطريقة الخدمة فيها الطراز العراقي الذي يعكس الثقافة المحلية .
وبالمقابل يجب البدء بحملات توعية للشعب  باهمية السياحة وكيفية التعامل مع السياح و اقامة معاهد سياحية في الداخل لتعليم اللغات وكيفية التعامل مع السياح ، ولاعداد الكوادر المتخصصة وتوفير التدريب اللازم للراغبين في العمل في هذا المجال ، وتقديم منح سنوية للدراسة في مجال الفندقة والسياحة في الخارج  للوقوف على آخر المستجدات في هذه الصناعة المزدهرة.
وعلى الدولة اصدار مجلة شهرية او دورية متخصصة تعنى بشئون  السياحة في العراق وبلغات عديدة وتوزع في جميع انحاء العالم  مجانا ويمكن الاكتفاء  بمجلة سياحية تصدرها الخطوط الجوية العراقية توزع خلال الرحلات الجوية على المسافرين مع تزويد السفارات بنسخ منها لتوزيعها في المكان المناسب ، و تحتوي المجلة على تحقيقات واخبار وصور ودعاية وترغيب ، يصاحب ذلك استحداث وزارة للسياحة او مكتب سياحي يرتبط برئاسة الوزراء مباشرة  يقوم بحملات دعائية في العالم  ويقيم المهرجانات  السياحية المتنقلة في دول العالم للتعريف بامكانات  السياحة في العراق ، ولعل فتح الباب امام الاستثمارات الاجنبية في المجال السياحي يؤدي الى ازدهار السياحة ايضا.
ومن الجدير بالذكر ان الحكومات توفر  لبلديات المدن المقدسة كما هو الحال في السعودية وايران امكانات كبيرة تساعدها على تجميل الحدائق وتنظيف المدن وتخطيط الشوارع  ومراقبة الفنادق والمطاعم وتزويدها بتقنيات للتخلص من النفايات والقمامة لتوفير جو ملائم ونظيف ومريح للوافدين ، ومن الاهمية بمكان ان نقول بان السياحة الدينية في العراق لا تحمل طابعا طائفيا ابدا اذ ان مراقد الائمة يتساوى في زيارتها جميع طوائف المسلمين من سنة وشيعة وبهرة وزيدية كما ان هناك مراقد مهمة اخرى تحظى باحترام باقي المسلمين مثل مرقد الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان  في الاعظمية وكذلك مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني  وسط بغداد فضلا عن مزارات اقطاب الصوفية ، وقد لا يعرف البعض بوجود معبد مقدس لطائفة السيخ  في بغداد سيفتح المجال  لمئات الالوف منهم  للزيارة اذا ما توفرت اجراءات الامن والامان  فضلا عن وجود اضرحة لأنبياء وكنائس قديمة ذات شأن للاخوة المسيحيين .
وهذه كلها تفتح المجال امام الفقراء واصحاب الخدمات بالاستفادة من ازدهار السياحة     فضلا عن العائدات التي ستدخل خزينة الدولة او العائدات التي سيستفيد منها التجار ، وان التاريخ سيحمل النظام السابق مسئولية خسارة العراقيين للعائدات السياحية منذ توليه الحكم بسبب سياسة  الحروب المتواصلة  مع الاكراد وايران والكويت وامريكا والاحتراب الداخلي الحالي .
ومهما  يكن من امر فان الآت افضل من الماضي ، ويجب  الاستعداد للسياحة الدينية القادمة ووضع الخطط لاستيعاب التدفق المتوقع للزوار لتقديم موسم زيارة ناجح سواء في عاشوراء  او الاربعين والزيارات الشعبانية والرجبية ، فهذه المراقد لا تخلو من الزوار على مدار العام ، ويتوجب على الدولة مراقبة الجودة  السياحية لضمان افضل  واجود خدمة سياحية للزائرين الراغبين في قضاء اجازة صيفية او شتوية او دينية ليعود السائح الى بلاده محملا بذكريات جميلة ويحدث الاخرين عن الجمال والسياحة والامان والضيافة والتسهيلات والفنون والترفيه والتسلية والتسوق.
ولنسمي السياحة الذهب الابيض ليقف الى جانب الذهب الاسود والذهب الاخضر أعني ( الامكانات الزراعية الهائلة) في دعم اقتصادنا ، وانقاذ اطفالنا  من الضياع في الشوارع ، وان الحروب المستمرة  في شمال العراق حرمتنا من الاستفادة  من امكانات  السياحة هناك ، كما ان السياسات الرعناء  للنظام السابق وعيون المخابرات  افسدت متعة زيارة المراقد والاضرحة ،كما ان النظام بدد ثروات البلاد النفطية بطريقة جعلت المواطنين يقفون في طوابير طويلة من اجل صفيحة من الكيروسين  والشعوب الاخرى تصدر نفطها وتبني بعائداتها اوطانها .
كل البلدان تضج بالحركة الا العراق ، صمته مطبق ،  وحزنه شامل، وساعاته ترجع الى الوراء ، وليس لنا الا ان نحلم ، والاحلام قد تتحقق يوما والشعوب الحية لا تعرف اليأس ، ودعونا نأمل الافضل وننشد الاحسن ، وان غدا لناظره لقريب .
aabbcde@msn.com[/b][/font][/size]

160
المنبر الحر / الظمأ في كل مكان
« في: 13:43 06/03/2007  »
الظمأ في كل مكان

حسين ابو سعود

كيف ابدأ وليس للمساءات بدايات في وطني
ابحث عن اول الخيط
واخر الخيط
ابحث عن عنتر خرافي ياتي من صوب القدس
او من زحمة السند
فلا ارى غير العجائز
اتخذن من النميمة مهنة
اراهن في كل الولائم والماتم
يتعاطين الزيف والدجل
ابحث عن شئ يخلصني من ارقي
فلا ارى من شرفتي غير اللصوص
والبعوض
 والجراد الاسود
تطلع الشمس على ليل ثان
ويتكور الهم على هم اخر
وتلك الصبية الدميمة
تجلس كالخنجر في بطن الصبح
تـُشبع اباها نظرا
وابوها يبيع الخبز البارد للفقراء
تطرد الصبية ذبابة من على خدها
فتحط اخرى
الصبية لا تمل من طرد الذباب
ولاتمل من التمني
اه متى يتقدم الي رجل؟

*0********************
ما حال صبية  يتيمة في العيد
حلمها عطر ومنديل وثوب جديد
وما حال غريب يهيم على وجهه كالشريد
 لا يعرف اين
 وماذا يريد
فمتى تعودين واعود
لقد ذبحني الفراق من الوريد الى الوريد

161
من بلقيس الى سارة خاتون
حسين ابو سعود

نهاية سارة خاتون جعلتني أتأمل في النهايات الحزينة للبشر ولاسيما النساء الطموحات بدءا من بلقيس حتى سارة خاتون  ورأيت ان النتيجة  واحدة وهي الفناء (السريع المريع)، ولو جمعنا ساعات المسلسل لما تعدت 30 ساعة عدا المقدمات والموسيقى التصويرية ،هي عمر انسان كامل ولد وتعذب ومات  كما يقول المثل الصيني وتخللت الولادة والموت محطات  من الفرح والمرح ميزتها  الوحيدة انها لا تدوم ، والهنود عندهم تكنولوجيا اكثر تقدما  فضغطوا عمر انسان يولد ويكبر ويحقق نجاحات باهرة ويحب ويتزوج ويشيخ  ويموت في ثلاث ساعات فقط ، وانما سميت بعض الاحداث  بالفيلم الهندي  لانها مليئة بالاثارة والضحك والبكاء والغنى والفقر  والخير والشر في حياة انسان واحد  اذا سألته كم لبثت فيقول لبثت يوما او بضعة ايام وقال سيدنا نوح عليه السلام عن هذا العمر الطويل الذي عاشه ( 950سنة ) بانه مثل بيت له بابان ، دخل من باب وخرج من الاخر .
سارة خاتون  قصة النجاح والفشل والصغر والكبر والليل والنهار  والصحة والمرض والالم والامل والعفة والفجور والظلام والنور  والصعود والنزول  ، لم يبق منها سوى اسمها اطلق على منطقة قائمة الان باسم ( كمب سارة ) وان اكثر من يسكنون فيها لا يعرفون  عن صاحبة الكمب شيئا ولولا المسلسل لم اكن اعرف من هي سارة في كمب سارة كما اني  لا اعرف من هي راغبة خاتون  التي اطلق اسمها على منطقة اخرى ببغداد، وقد ينبري كاتب موهوب ومخرج طموح  فيسبران غور التاريخ ويبحثان عن راغبة خاتون  ويخلداها في مسلسل  جديد .
اذن فان كل مدينة او منطقة يحمل اسمها قصة وقد تكون هناك قصص اكثر اثارة خلف اسماء البصرة والسماوة والناصرية والسليمانية والمقدادية ، فمن هو المقداد وماهي قصته ومن هو محمود المحمودية ؟ فهذه المقابر مليئة بالقصص غيبها التراب وانستها السنين ، وقد تكون قصصا رائعة في المحتوى  وتصلح لتكون مادة جيدة لا عمال درامية هادفة يستفيد منها البشر .
ولا ابالغ  لو اقول باني ظللت حزينا جدا بعد الحلقة الاخيرة من المسلسل ، فرحت افكر في اسماء المدن ومعانيها ، وقلت ما علاقة الفلس بالطين في فلسطين وما يسوى الفلس امام الدينار ، وما كان  سيؤول اليه مصير تلك البقعة لو كان اسمها دينارطين مثلا ، وما معنى  الخرطوم في عاصمة السودان وهل توجد هناك  قرى تابعة لها باسم الانياب  العاجية ، وماذا تعني كلمة تل ابيب  ومن يدري فقد تكون اسم أبيب منسوبا لعجوز مرابية  شمطاء خرقاء عوجاء شوهاء عوراء جرداء عجفاء قوراء حوزاء (ولا تسالوني عن معاني هذه الكلمات  لاني لا اعرف معناها ) وكان في مدينة كركوك منطقة  اسمها  (تبة ملا عبد الله ) والتبة معناها تل ولكن ليس على ذكر تل (ابيب) وكلمة الملا يمثل جانب الخير في الغالب الاعم ولكن من هو عبد الله ، وكنا نذهب الى هناك لزيارة احد معارف والدي فكانوا يقدمون لنا اطايب الطعام مع الخبز اللواش (الرقاق) فاحببت المنطقة واهلها بسبب هذا الطعام ، يعني حب مصلحة او حب طفولة .
واقول ان من تصدى لسارة خاتون واخرج هذا العمل الجميل يستطيع ان يتصدى لراغبة خاتون  ايضا  وباقي الحكايات البغدادية ويستخدم قدراته في التحوير والتطوير والتدوير والتمرير  للاحداث ليعطينا عملا مشابها تمتد حلقاته طوال الشتاء ، فنحن بحاجة الى عبق الماضي ، ورائحة الوطن ، مع ان منطقة راغبة خاتون  هي اشهر  من منطقة كمب سارة ، واكاد اجزم  بان اكثر اهالي  راغبة خاتون  لا يعرفون عنها شيئا ، وقد تولدت عندهم بعد سارة خاتون  رغبة جامحة في معرفة احوال راغبة وانجازاتها وتاثيرها  على الاحداث في عصرها .
ولا اخفيكم بان (سولة) اسماء المدن قد امتدت عندي وذهبت بنفسي  ذات صباح خريفي الى منطقة في لندن اسمها (سفن سسترز) اي الاخوات السبع وسألت اناسا كثيرين عن الاخوات السبع  بدءا من عامل المحطة حتى بائع الجرائد مرورا باصحاب الدكاكين والمارة ، فلم اجد عندهم قصة واحدة من الاخوات السبع وما زالت الحسرة قائمة .
aabbcde@msn.com[/b][/font][/size]

162
لنحيا نحن ويموت الوطن
[/color]
حسين ابو سعود

جمعني واياه شارع ثم مقهى وفنجان قهوة وذكريات وآلام واشواق واحزان ، لقد تحادثنا كثيرا في الوطن وهموم الوطن فقال لي : ماذا افعل بوطن  رفسني عندما كنت ابكي على بابه والقمني لسعات البرد في المنافي ، ماذا افعل بوطن ركل فيّ الطفل البرئ واخرج من بطنه الحيات والعقارب  واودعني السجون الرهيبة ، واطلق عليّ البراغيث والصراصر  والعناكب ، ماذا افعل بوطن مزق دفاتري ونثر ذكرياتي في الفضاء ، مزقني ومزق جسمي وطارت الغربان باحرف اسمي ، لم نموت ويحيا الوطن ، لنحيا نحن ويموت الوطن،وظل يرسل الكلام كالشعر حزينا  فقلت له رويدك ايها المتعب ، لا تندفع كثيرا ، فاي القولين عندك افضل ، كلامك ام ما قاله الشاعر : بلادي وان جارت عليّ عزيزة ، اهلي وان شحوا عليّ كرام ؟
فشهق شهقة اهتز لها سائر جسده واختنق بالعبرات  وجرت دموعه سخينة  من عينيه  وصار يبكي بكاء الفاقدين، وقال : بل  هذا الكلام افضل ، ولكن ماذا افعل  ففي داخلي روح غريبة ونفسي نفس كئيبة ، وسنين العمر امام عيني تتناقص  ورهبة الموت تتراقص ، وقدغرست قلبي ينبوعا على جانب الدرب  ليغسل المارون فيه احزانهم، ثم ماذا افعل  انه اليأٍس الكبير ، الياس من الناس والاحزاب و السياسيين  والمليشيات والدول المجاورة وغير المجاورة ، قلت نعم  يئست من هؤلاء ولكن هل يئست من الله ايضا ؟فقال : ولاييأس من روح الله الا القوم الكافرون .
فقلت له : لقد اخبرني قادمون من البقاع الحزينة ان هناك صبحا جميلا ينتظرنا خلف اسوار المدينة ، تتراقص حوله الفراشات واسراب من القطا ، وذلك الصبح الجميل يحمل في صدره الرحب الوانا من الاماني والوعود والهلاهل والزغاريد ، يتربع ذلك الصبح القريب على بساط اخضر تحمله اكف الاطفال  ، فتعال نغني بصوت عال لذلك الصبح الجميل وبكل اللغات  وننزع المخاوف والقلق  من قلوبنا التي فقدت البريق والالق ، وننثر في دربه باقات من النرجس البري ، وانا مثلك حتى الامس فقد كنت اظن ان الحزن سرمدي حتى رايت الفرح وكنت اظن ان الليل لا نهاية له حتى بدد الصبح بتباشيره ظنوني ، فاي شئ يفصل بين الشتاء والربيع غير الامل الضاحك .
صحيح باننا قد تجاوزنا الخمسين وراحت زهرة الشباب الى غير رجعة ولكن الوطن  سيقبلنا لو عدنا اليه على علاتنا  بشيخوختنا  وضعفنا  وذبولنا ، سنرقص مع الفجر كثيرا وقبل ان تتبدد الالوان  من رمال الصحراء ، ألا تستمع للضوضاء يتسرب  مع الصبح من شقوق ابواب المنافي ويوقظ العصافير ؟ ، ألا تنظر  الى رحابة الفضاء التي ستاخذنا على بساط واسع بهيج وتوصلنا  بين غناء وبكاء الى دجلة والفرات والى المسكوف والشناشيل والبلم العشاري والى المراقد والاضرحة ، والى الكبّة الموصلية ولبن اربيل.
وعندما ان سمع صاحبي بالكبة واللبن نظر اليّ نظرة اعادتني الى احضان امي لكثرة ما فيها من حنان ، فبكينا معا وضحكنا معا  وشر البلية ما يضحك وخيرها ما يبكي ، ثم سألته : ما تقول الان  يا أخا العرب ؟ فقال صادحا : ميحانة ميحانة ، غابت شمسنا الحلو ما جانة  ، حيك حيك بابا حيك ، الف رحمة لبيك ، هذوله العذبوني ، هذولة المرمروني وعلى جسر المسيب سيبوني .
وسالته مرة اخرى :من يموت اذن ويدفن في العراء بلا غسل ولا كفن؟ فقال : بل نموت نحن ويحيا الوطن
نموت نحن يوميا من اجل ان تعود الاشراقة  الى وجه العراق.
ومازال الامل يحدوني في اختفاء  مظاهر الاقتتال  ويحمل كل منا وردة حمراء او بيضاء بدلا من البندقية ونطلقه شعارا موحدا:لنوقف هدم الوطن من اجل الاطفال .
وتعال يا صاحبي ننزوي في زاوية دافئة ونقرأ معا رسالة وصلت للتو من العراق ، فقد تحمل اخبارا سارة .
aabbcde@msn.com[/b][/font][/size]

163
عودة الشيخ الى نزار قباني

حسين ابو سعود
ما منا أحد الا وقد خفق قلبه يوما بالحب للحب ،وما منا احد لم يسمع بنزار قباني الشاعر المتفرد في فنه ، وقد اخبرني شيخ ستيني يحمل شهادة دكتوراه في الرياضيات بان اعراض المراهقة تظهر عليه من فترة الى اخرى
لا سيما عندما تتلاقى نظراته صدفة مع صبية جميلة في باص او مقهى او سوق، وتزداد الاعراض حدة اذا ارتسمت ابتسامة خجولة على شفاهها، وانه يشتاق للعودة الى اشعار نزار قباني على غرار عودة الشيخ الى صباه وهو كتاب مشهور يتداوله عادة كبار السن ويحتوي على طرق تقويه الباه في زمن لم تكن الفياغرا معروفة  فيه ويذكر ان شخصا مشاكسا اشترى حبة فياغرا واهداها الى جده ( اليائس تماما) حيث رفض اخذ الحبة باعتبار  ان العطار ليس بمقدوره ان يصلح ما افسده الدهر ولان كل شئ قد انتهى  وقد فات القطار  وذهب الشباب الى غير رجعة ، فقال الحفيد لجده : تناول الحبة فان آتت اكلها فاعطني 50 ريالا  على سبيل الهدية ، وفي صباح اليوم الثاني وجد مظروفا  قرب سريره وفيه مئة ريال  مع كلمة شكر فاراد ان يعيد الخمسين الزائدة الى جده فقال له باستحياء انها هدية من جدتك  واذا عدتم عدنا .
فالنظرة الى الجمال لا تشيخ ابدا اعني الجمال بجميع اشكاله ، الازهار والوانها  والسماء وصفاءها والنهر وانسيابه والشلال وهديره والعصافير وزقزقاتها وغيرها من مظاهر الجمال ، وهل هناك شئ اجمل من المرأة بين هذه الاشياء الجميلة ، واذكر مرة صادفتني فتاة شابة جميلة تتقدم الي بغنج ودلال  وتعلو شفاهها الوردية ابتسامة وردية مثلها ، فاعادتني في تلك اللحظات الى الصبا والشباب والمرح والمراهقة  فهيجت فيّ المواجع وانستني امراض الشيخوخة  والشيب والوقار ، وتذكرت نوم الوالدين في صيف المدينة اللاهب وخلو الشوارع والمقهى القريب واغاني ام كلثوم وفيروز، وخطرت على بالي ايضا قصة  ذلك الشيخ الثمانيني الذي ماتت زوجته فذهب في اليوم الثالث بعد الوفاة الى سوق النخاسة واشترى له جارية يافعة قائلا : لا اريد ان القى الله عزبا ! وكم من شيخ مهيب اسرته ظبية اعني صبية بلحظها الفتاك  وسهام نظراتها ، وهكذا هو القلب  يظل بين الرجاء والتشبث بالسراب الذي تحول الان الى حقيقة ، وتذكرت  قول الشاعر مصطفى جمال الدين واستحضرته جيدا  لاقوله لها ان هي اقتربت مني : سيدتي ماذا ارى عريش كرم ام مقل – ام زورقان سابحان في غدير من عسل –  طافا بنا فصفق الحب وعربد الغزل - وجمرتان تسرجان الليل والبدر أفل.
يالله ماذا يحدث لي فها انا اعود الى صبايّ مرة اخرى وافقد الوقار  وكالتائه المحتار اقف بلا سلاح على خط النار ، وعليّ ان اختار  بين الموت على صدرها ام بين دفاتر الاشعار ، لقد صرت كالبحار الذي فقد البوصلة وصار يعاني الدوار بعد ان اضاع النهار في النهار  ، ياستار ياستار اكاد افقد توازني وانهار  ولاستند قليلا على الجدار  ياستار.
رحمك الله ايها السيد الحبوبي، هل حالك مثل حالي  ام ان الذي دعاك الى قول الغزل امر آخر :
لست ادري وربما كنت ادري – اي ظبي عشقت من آل فهر – عاقدا للنطاق يعقد فيه-ثقل اردافه بدقة خصر – ما بخديك من وميض سناء - ماء حسن يموج ام ومض جمر- قل لنا ايها البديع جمالا أ (بلندن) يوسف أم بمصر ؟ - لاح كالشمس مشرقا وسقاني - من لماه السلاف من غير عصر- فتراني والسكر سكر هيام - اذ سقاني والخمر خمرة ثغر.
هاهي الحسناء ذات الملامح العربية  مازالت تقبل نحوي ، يالهي أعني على امري وارحم شدة ضري ، سأقول لها : لقد احببتك من اول نظرة وساهديك جميع دواوين نزار قباني والكثير الكثير من الاغاني والاماني والعطور والمناديل واهمس لها :
لي في محبتكم شهود اربع- وشهود كل قضية اثنان - خفقان قلبي واضطراب جوانحي - ونحول جسمي وانعقاد لساني.
لقد اقتربت البلوى ولم يبق بيني وبينها سوى البوح فقالت لي :عمو وين محطة اجورد رود فقلت : حوالي مئة متر نحو اليمين فردت : شكرا جزيلا عمو  واستدارت نحو اليمين فاستدار معها شمالي ويميني وعقلي وقلبي وروحي وجوارحي وشيبي ووقاري وكل قصائد اشعاري ، ورمقت الغزال الرشيق حتى دخل المحطة واختفى عن الانظار ، فوجدت نفسي اردد قول الشريف الرضي : وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب .
كل هذا الترقب واخره عمو ، عمو بعينج ، وساعد الله قلب عمو بابا فالكل يناديه عمو.

aabbcde@msn.com     [/b] [/font] [/size]

164
تربية الابناء للآباء

حسين ابو سعود

قد يكون العنوان غريبا بعض الشئ ولكن الامر في حدود الامكان وقد يتعلم بعض الاباء من ابناءهم وقد يلقن الابناء دروسا بليغة لآبائهم، بصورة ودية او عدوانية .، وكان احد الاباء يقول بان عقوق اولادي لي يذكرني بعقوقي لوالدي ، الا ان الجرعة  التي اتلقاها مضاعفة ، وتنبعث من قرارة نفسي حالة من الارتياح بعد حالة الامتعاض والاسى ، لان ذلك  سيكفر ذنوبي ويجعل روح والدي ترتاح في عالمها المجهول وهي تراني اتعذب  من عقوق الاولاد، وكأني به يقول  ذق ما طالما اذقتنيه والله سريع الحساب ، مع اني بدأت  اشعر بما كان يعانيه والدي خاصة في حالة اصابة احد الاولاد بمرض او حمى ، فاشفق عليه عندما اراه طريح الفراش لا يقدر على  الحراك، وهناك قصة غاية في الغرابة سمعتها عندما كنت في البادية حيث قضيت فيها قرابة عام واحد من اجمل سنوات عمري وخلاصتها ان شخصا كان قد حمل اباه الشيخ النحيل على كتفه بحجة التنزه في البراري، فادخله الى كهف ووضع على فوهة الكهف صخرة كبيرة ليسد على ابيه طريق العودة ، وقد يكون المسكين قد  قضى هناك من الجوع والخوف  والبرد والحزن ، وبعد سنوات تبدو طويلة ولكنها اشبه ما تكون  بحلم سريع الانتهاء شاخ هذا الرجل فحمله ابنه الشاب ارضاء لزوجته على كتفه بحجة التنزه في البراري وكان يسير باتجاه الكهف نفسه، فشعر الرجل بدنو نهايته المتطابقة مع نهاية ابيه ، فقال لابنه : يابني انا اعلم الى اين تاخذني وما هي نواياك واخبره بها فتعجب الولد وقال له كيف عرفت ذلك فاجابه الاب لاني فعلت نفس الشئ مع والدي الشيخ ، عندها انعطف الولد وعاد بوالده الى المنزل، فساله الاب عن سبب تصرفه فقال : لا اريد ان تتكرر القصة معي ويحملني ولدي بعد سنوات الى نفس المصير .
اذن ليس من السهل  ان يربي الانسان عدوا  له في بيته فيتحول مع الايام الى ذئب مفترس يقض عليه مضجعه وينقض عليه في ضعفه وشيخوخته، فالامر هو نوع من انقلاب السحر على الساحر ، وهناك قصة اخرى سمعتها  من احد الوعاظ عن درس بليغ آخر اعطاها ولد صغير لوالده  عندما طلب منه ان ياخذ بطانية الى الخرابة المقابلة لبيته في برد الشتاء  حيث الجد الشيخ يرتجف من البرد، فقام الولد باحضار  مقص ليشق البطانية الى نصفين قائلا لابيه سآخذ النصف الى ابيك واحتفظ بالنصف الثاني لاعطيها لك عندما تكبر وتشيخ وتهرم وتأتي الى داري طلبا للدفء والامان ، وقد وعى ذلك الرجل الدرس فخرج الى ابيه حافيا وأتى به الى الدار فاطعمه وسقاه ودفاه واكرم مثواه .
وقد لا يكتفي الابناء بتربية اباءهم بل ويعاقبونهم  بشتى العقوبات  المنصوص عليها في ( قانون العقوبات البغدادي ) وهل هناك عقاب ووجع  اكثر من ان  يأتي  الولد في نهاية العام الدراسي ببشارة الرسوب ، وهل هنالك وجع اوقع على القلب من ان يجد الاب في حقيبة ابنه علبة سجاير او كمية من المخدرات مثلا ، واذكر عندما كنت صغيرا كنا نذهب الى دار جدتي  في كربلاء ويقابلها دار للعجزة  كنت اتسلل اليها لاجد المسنين كيف عوقبوا  من قبل ابنائهم وتركوهم يموتون حزنا وكمدا في دور العجزة ، وهذا امر يحدث في كل مكان حتى في دول الخليج واوربا .
ويحدثنا القران  عن محاولة سيدنا ابراهيم عليه السلام لتوجيه ابيه ونهيه عن الشرك ،كما يذكرني ذلك باخوين هادئين طيبين مؤدبين اعطيا ابويهما المتشاكسين دائما درسا بل دروسا في المحبة والهدوء والايثار ، وكنا نسمع  صوت الابوين بصورة يومية وهما يتشاجران ويتبادلان السباب والشتائم وكسر الصحون والمواعين.
أقول قولي هذا ولا يسعني ان احصر جميع دروس التربية التي يقدمها الابناء للاباء  لانها كثيرة وتختلف في الطريقة من دولة الى اخرى  باختلاف الثقافات والاديان والعادات ،  وانا شخصيا عندي طفل في الخامسة من عمره  يوجهني دائما  ويقول لي افعل كذا ولا تفعل كذا وكيف تنهانا عن امر وتاتي بمثله فذلك عار عليك عظيم ، فاجد نفسي بلا اختيار احتضنه فاضمه واشمه واشبعه لثما وتقبيلا ، فيشعر هو بالدفء والامان ، واقول في سري : وما يدريك ما سيكون عليه هذا الحمل الوديع غدا ، وهو ان لم يتحول الى عدو لدود ( اريد حياته ويريد قتلي ) كما قال الامام علي عليه السلام فانه سيهجرني لا محالة الى امراة ينكحها  ودنيا يصيبها ويتركني حسب سنة الحياة أكابد الشيخوخة وحدي ، يارب احفظه ووفقه مهما كان .

aabbcde@msn.com[/b][/font][/size]

165
مازال الحسين يدعو الى الاصلاح

حسين ابو سعود

الحسين بن علي عليه السلام هو سبط الرسول صلى الله عليه وآله وريحانته في الدنيا وسيد شباب اهل الجنة في الاخرة ، ومع ذلك فقد عاش مظلوما  ومات مظلوما  وبقي مظلوما الى يومنا هذا  بسبب ما تعرض له من افراط وتفريط ، ومن مظاهر مظلوميته في حياته هو معاصرته للفتن والحروب التي اودت بحياة ثلاثة من الخلفاء الراشدين واثنين من ( العشرة المبشرة) حتى جئ به الى كربلاء بدعوات من وجوه الكوفة ، واذا عزى المتخصصون المظلومية الى الطريقة البشعة التي قُتل بها واصحابه واهل بيته حتى لم يسلم الطفل الرضيع من وحشية القوم فذبحوه من الوريد الى الوريد بسهم اطلقه الشقي حرملة بن كاهل ، فانا اعزي المظلومية الى جهل القوم بحقه ومقامه  الى درجة ان يتجرأ  احدهم عندما رأى اصحاب الحسين  يضرمون النار في خندق حفروه من الجهة الخلفية للمخيم  لاتقاء حملات القوم من الخلف لا سيما ان عددهم كان قليلا جدا مقارنة مع العدو وهو عبد الله بن حوزة فيقول  : أتعجلت بالنار يا حسين ؟ فكيف قال الرجل ما قاله وهل كان يعني ما يقول ام كان يدلس ؟ ، وهل كان هذا النمط من التفكير هو السائد على عقول جيش ابن زياد في ذلك الزمان ؟.
لقد خرج الحسين كما صرح بنفسه للاصلاح في امة جده عليه الصلاة والسلام  وانه لم يخرج أشرا ولا بطرا ، والاصلاح هو خط الانبياء كما يصرح القران في قوله تعالى على لسان شعيب النبي :  ( ان اريد الا الاصلاح ما استطعت  وما توفيقي الا بالله  عليه توكلت واليه انيب . هود /88) ، وقد جعل الله  الخير في الاصلاح كما في قوله تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. النساء /114).
وقد أتى الله تعالى المصلحين ولا سيما الامام الحسين عليه السلام أجره في الدنيا والاخرة ، وهو الذي قال ) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة انا لا نضيع أجر المصلحين . الاعراف 170)، واما اجره في الدنيا فبعض مصاديقه هو تشريفه بالذكر الدائم منذ 1400 سنة وقبره بات مهوى لافئدة المسلمين ووصلت راياته الى مشارق الارض ومغاربها بدون استعمال سيف ولا اراقة دماء  ، اذ لا توجد قارة على وجه الارض لا يذكر فيها الحسين واصحابه  في كل عام  ، واما في الاخرة فلا نعلم ما أعد الله له من قرة أعين على ان القران اعتبر الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله  احياء عند ربهم يرزقون والحسين فخر الشهداء وسيدهم بلا منازع .
وهذه منابر الحسين تنشر الثقافة والعلم والدين والعرفان والادب  والتربية والاخلاق والمعرفة  والتاريخ واستثني منها المنابر الطائفية الضيقة التي تسئ اكثر مما تفيد ، وايما منبر  لا يدعوالى الاصلاح لا ينتمي الى الحسين عليه السلام  ، ومن الخطأ التصور بان الشيعة ينفردون باحياء هذه الذكرى ، فالسنة ايضا يحتفلون ويحيون هذه المناسبة ولكن  بطريقتهم الخاصة ، وحتى المغالون في التطرف يذكرون الحسين فيقولون لقد قتل سيدنا يزيد سيدنا الحسين ( فرضي الله عنهما جميعا)، مع ان عكس الاصلاح هو الافساد ويقابل المصلح من الجهة الاخرى المفسد كما في قوله تعالى ) والله يعلم المفسد من المصلح . البقرة/220) فالحسين اذن اسم مبارك اجراه الله تعالى على كل لسان واراد له الخلود  ، والا  كيف ترتفع ملايين الرايات في مختلف انحاء العالم مقابل راية واحدة سقطت من حاملها يوم كربلاء  ، وما هذا الطعام والشراب الذي يبذل بالاطنان منذ 1400 سنة  مقابل جوع وعطش عدة ايام ، وكيف ارتفعت القبة الشامخة  والمنائر الذهبية مقابل خيام بالية احترقت في يوم العاشر من محرم فذهبت مع الريح وقام  مقامها هذا العز و هذه الكرامة وهذاالذكر المستمر بمختلف لغات العالم  .
فالحسين هو  الداعي المطلق  للاصلاح وهوابن سيد الاصلاح علي بن ابي طالب عليه السلام   الذي عاش في كنف الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه تسكنه روح الصلح والاصلاح، وكان مثالا للتعامل الراقي معهم وبذل المشورة لهم بكل اخلاص ويتجلى كل هذا بوضوح في ارساله الحسن والحسين للدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان (رض) حتى لا تكون قتل الرؤساء سنة بين الناس ، وهو أخ الامام الحسن الذي قال عنه الرسول الاكرم انه سيد ويصلح الله به بين فئتين من المسلمين ، و دخل فعلا في الصلح مع معاوية وحقن دماء المسلمين .
والحسين عليه السلام في كربلاء لم يبدأ القوم بقتال بل طلب منهم لاتمام الحجة ان يدعوه يرجع من حيث أتى ، كما انه طلب من اصحابه  ان يتفرقوا عنه ويتخذوا الليل جملا لان القوم يريدونه شخصيا .
وعليه فان المرحلة الراهنة التي تمر بها الامة يتطلب من جميع المسلمين الاستفادة من رسالة الاصلاح الحسينية كي لا تضيع تضحياته الجسام  سدى ، فالحسين  المصلح باق ما بقي الدهر  وما ابقى الله ذكره الا لينير الدرب للتائهين ويستفيد منه الناس في مختلف العصور ، على ان خط الفتنة والخراب والافساد الذي يقف قبالة خط الاصلاح لن ينتهي بل سيزيد شراسة  كلما التف المسلمون حول الحسين ، ولكن  هذا الخط الاقوى (ظاهرا)  ليس الابقى على ارض الواقع والا فأين قتلة الانبياء والاولياء والمصلحين ؟ أين قتلة الحسن والحسين ؟ ، وان التضحية من اجل الاخرين هو قدر الانبياء والائمة  وتبقى علينا كيفية الاستفادة  من هذا القربان العظيم والتضحية الكبرى التي قُدمت على طريق الانبياء  ، طريق الاصلاح ، وما احوجنا ان نستفيد من ثورة الامام الحسين فيالصلاح و  الصلح والاصلاح   والله لا يضيع أجر المصلحين .

 aabbcde@msn.com[/b][/font][/size]

166
حكايات الانهار  التي جفت

حسين ابو سعود

 استيقظ اهالي المدينة ذات فجر على هرج ومرج ونواح وصياح، فتبين ان النهر الذي يشق المدينة يعاني الجفاف، فتجمع الرجال والنساء والاطفال على الجسر الوحيد يشهدون طقوس الاحتضار ويتطاولون لرؤية قاع النهر ، وكان المراهقون يلتصقون بالنساء بحجة التدافع ، وكنت طوال الوقت استرق النظر الى امراة بدينة مات عنها زوجها في حرب عبثية التصق بها شاب يافع من الوراء ، وكنت ارى في عينيها اشراقة الظمأ الازلي وهي تتجاهل وجود الشاب حتى لا يجفل ويتوقف عن الصهيل ، وكنت ارى يده الطويلة تمتد من تحت ابطها ليعبث بصدرها المتوثب، كان يتصبب عرقا من شدة التوتر ويتمنى موت الانهار يوميا كي يدس باشيائه  في اشياء النساء ، وفجأة جاءت سيارات الشرطة وسيارة اسعاف كبيرة بحجم النهر، فتفرق الاهالي وافترق النقيضان فمضت المراة في سبيلها والشاب ينظر اليها وينتظر منها التفاتة ذات معنى ولكن دون جدوى ، وفي اليوم التالي ظهرت الصحف بخبر عن النهر الميت وقد وجدوا  في قاعه بضع سمكات تختنق وثعبان مائي وملابس داخلية نسائية واقلام مكسورة وجمجمة بشرية وحقيبة مقفلة تحتوي على اوراق صادرتها السلطات فورا ولم يعرف عنها شيئا لحد الان ، وقيل ان الاحداث تسارعت في المدينة فشوهد ذلك الشاب اليافع  محاطا بالجلاوزة وهو يصرخ : انه الجوع / العطش / الجفاف
انه شوق النوارس للضفاف
ومنذ ذلك اليوم تكشفت العلاقة بين الانطفاء والاشتهاء،
وقد قال لي احد العارفين : ان مثل هذه الامور تحدث عندما ينطفئ الرجاء  في المدن القلقة .
 

بعد ك
اخذت قلبي الى النهر القريب
غسلته من الادران
والاوزار
والشبق الآتي
فبدا بعد الغسل قلبي
نقيا كالطفل
النتيجة ابهجتني
وعندما اردت ان اعيده الى صدري
لفظه جسمي
ومنذ ذلك اليوم
اعيش بلا قلب
(2)
لم أر نهرا مثل الحزن في النقاء
ولم أر شيئا ينقيني
كالبكاء
وصرت اذا ما جاءني البلاء يوما
اضفت اليه من عندي كربا
فصرت واياه كربا وبلاء
(3)
تتجاذبني الدنيا والدين
وهذا القلب الحزين
مرة في الغرب
ومرة في الشرق
وعندما كان يوم الفصل
اتخذت القرار بملء ارادتي
فصبوت الى الدنيا
وفي ّ شوق الى المعابد
(4)
ومن ازواجكم عدو
ومن اولادكم عدو
هم العدو فاحذرهم
اهبطوا
بعضكم لبعض عدو
فتعودوا العيش ايها البشر بلا اصدقاء
(5)
لا يدخل الجنة اسود او ابيض
ولا عربي او أعجمي
لايدخل الجنة
الا من اتى الله بقلب سليم
صدق الله العظيم
 

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]

167
المنبر الحر / باي حال عدت يا عيد
« في: 01:52 22/10/2006  »
باي حال عدت يا عيد
حسين ابو سعود

هناك ارتباط قوي جدا بين العيد والامان اذ لا يعقل ان يخرج الناس الى اداء صلاة العيد تحت قصف الطائرات ولا يمكن للاباء ان يسمحوا لابنائهم بالخروج الى المراجيح وهناك خوف من التفجيرات العشوائية في كل مكان ، والتي لا تفرق بين امراة ورجل وطفل ، واكاد اجزم بان اعياد ايام زمان كانت اجمل من اعياد هذا الزمن الصعب، يوم كنا نستعد للعيد قبل مجيئه بايام بشراء الملابس الجديدة واهتمام النسوة بصنع الكليجة حيث يجتمعن كل يوم في دار لمساعدة اهلها في اعداد  صواني الكليجة  ثم طقوس الذهاب الى الفرن  واعادة الكليجة المطبوخة في قدر او زنبيل ومحاولة استغفال الوالدة في الطريق واكل ما يمكن اكله  من الكليجة الحارة الشهية.
وكم كان الواحد منا يتمنى لو تتاح لبنت الجيران  الاثيرة فرصة المجئ الى البيت  بحجة المساعدة في اعداد الكليجة لعله يحظى بنظرة او ابتسامة او لمسة ، وعلى ذكر الكليجة يقال بان صحفيا سأل احد المسئولين العراقيين في الخارج عن اماكن تواجد التمر  فقال في الكليجة .
وفي ليلة العيد كنا لا نستطيع النوم بانتظار الصباح لنرتدي الملابس الجديدة ونذهب الى بيوت الاقارب  للحصول على العيدية ، وكنا نخرج على شكل مجموعات تعلونا البشر والفرحة والانطلاق، ونذهب الى اقرب دكان لبيع السجاير فنشتري عددا من (جكائر المزبن) بواقع فلس واحد لكل سيجارة ، ويبدو ان التدخين كان جزءا اساسيا من  طقوس العيد.
كما ان الذهاب الى السينما عدة مرات كان امرا لا بد منه في العيد ، وكانت افلام ايام  زمان تزخر بالاثارة فكنا  نصفر ونصفق للبطل وهو يأتي بالخوارق ، حتى نخرج من السينما مشحونين ونريد ان (نتعارك)مع اي احد نراه امامنا ، لا سيما اذا كان الفيلم عن ماشستي او هرقل او ابو جاسملر.
واما الافلام الهندية مثل سنكام  او ام الهند فكانت  تجري دموعنا الصافية على الوجنات مصحوبة بالانات والونات ، واما افلام المرح مثل لبنان في الليل ومرحبا ايها الحب فكانت تملأنا بالفرح والنشوة المفرطة  لبعض الوقت  ، كما كانت الافلام الصامتة لشارلي شابلن وطرزان  توفر قسطا من المرح والانبساط باسعار اقل للفقراء .
وكانت شهيتنا للاكل تنفتح في العيد بشكل غير طبيعي وكنا لا نتوقف عن الاكل ولا سيما داخل وخارج السينما حيث المرطبات واللبلبي والباقلاء والكرزات والعلك والحامض حلو واللوزينة واللقم او الحلقوم وبيض اللقلق وشعر البنات وكرات الشامية الحمراء.
و لا انسى احد الاعياد في الستينات عندما فتحت عيني على اصوات المكبرات من الجوامع : الله اكبر الله اكبر الله اكبر ، لا اله الا الله والله اكبر ولله الحمد، وكان هذا الترديد الشجي بمثابة اعلان عن العيد ، وادرت نظراتي في ارجاء الغرفة فوجدت ان كل شئ متغير فالاثاث ليس اثاثنا ، يا الهي قد اكون احلم ! ، لا لا لست احلم ، فهذه الغرفة تشبه غرفة جارنا ابو فهد ، نعم انها هي ، فعلمت بعد ذلك بان سقف غرفتنا قد تهدم بفعل الامطار الغزيرة وكنت مع اخوتي الصغار نغط في نوم عميق بانتظار العيد ، فهرع الجيران وحملونا الى بيتهم دون ان نشعر بشئ.
انتقلنا بعدها الى بيت عمي وبقينا هناك لاشهر حتى تم بناء الغرفة من جديد، الا ان تلك الحادثة لم تنغص علينا عيدنا فعشنا كل لحظة من لحظاته في الذهاب الى السينما والتجول في الشوارع ولاسيما منطقة عرفة التي يذهب اليها اكثر اهالي كركوك في الاعياد، وكأني بانعدام الامن والامان في عراق اليوم لا ينهي الفرحة في قلوب الاطفال ، والتفجيرات العشوائية لن توقفهم من لبس الجديد والخروج الى المراجيح وترقب العيديات من الاهل والمعارف ، وعلى طاري العيد قال صاحب حملة حج لجماعته: اذا شديتوا حيلكم على المناسك راح نرجع الى الوطن قبل العيد  انشاءالله حتى تعيدون بين اهلكم واحبابكم ، وكل عام وانتم بخير.

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]

168
صباح الخير ايها العالم
حسين ابو سعود

يا الله ماأجمل الدنيا وما اجملكم ايها الناس ، وما اجمل لغاتكم وتنوعكم والوانكم واشكالكم واحجامكم ، اطفالكم ، رجالكم ، نسائكم ، شيوخكم ، شبابكم ، ما اجمل العالم  وما أروع هذه الطبيعة الغناء والعصافير والفضاء ، والامطار والارض والرواء ، والفصول والحقول والعطاء ، والمدن والغابات  والصباحات والمساءات ، وحكايات الجدات  وترنيمات الامهات .
فلماذا الحروب وعندنا السلام ، ولماذا الدجل وعندنا الصدق ، ولماذا الاذى وعندنا الرضى والحب ، ولماذا النصب والاحتيال واللؤم والخداع والاحابيل وعندنا الامانة والمروءة والايثار وحسن المعاملة .
ومرة قالت مريضة عربية لطبيبتها النفسية البريطانية : انا اخاف من الثعابين ان تهاجمني واحلم بها دائما ، فقالت لها : لاتوجد ثعابين في بريطانيا  وان وجدت فهي ليست سامة ،ثم هل هناك  اجمل من الثعبان في رشاقته  وانسيابيته وطريقة مشيه والوانه الزاهية ، وكم اتمنى ان ارى الثعبان حقا وحقيقة ، ويبدو ان المريضة كانت تعني في عقلها الباطن  تلون الثعابين البشرية وخطرها على بعضها البعض لكثرة ما رأت في حياتها من تبدل وتلون وتغير في الاطباع .
وكان العراق في يوم من الايام مكانا آمنا للنبات والحيوان والبشر ولاسيما حمامات الاضرحة التي شعرت بالامن والامان فنزلت من القباب الى الايوان تتناول حبات القمح التي جلبها لها الانسان ، مثل حمام بريطانيا التي تدخل بين السيارات في الشوارع دون خوف من الدهس والجوع والاختطاف .
وحتى السنجاب نراه في الحدائق العامة يقترب من الناس لياخذ ما تيسر من الفستق والبندق من المولعين باطعام السناجيب ،وقد وجدت السناجيب  نفسها في دولة اسيوية ترتعد من بعد عشرة امتار لو رات الانسان فتتقافز حتى تختفي عن الانظار .
وحتى طائر البوم الذي جعلناه علامة للشؤم ،جاء به الاوربيون فاحبوه واحبهم فعاد اليفا يقف على اكتاف طلاب الابتدائية ويلتقط معهم الصور التذكارية، وكأن لسان حاله يقول: قد اكون دميما ولكني لست فظا و لا غليظ القلب، ،واذكر ان صديقا قد اخبرني عندما كان يدرس الطب بانه قد توصل الى اسلوب يقضي على مرض الايدز تماما وينهي وجوده من العالم كليا وبعد التي واللتيا والتعهد بعدم افشاء السر لغرض الحصول على براءة الاختراع اخبرني قائلا ان الاسلوب هو تغيير اسم المرض الى مسمى اخر فلا يبقى ايدز واحد في العالم، وعلى فكرة فان صديقي الان يشرف على برنامج طبي يضم اربع مستشفيات كبيرة في السعودية ، والمرض مازال باقيا . اذن فالبساطة اسهل واحسن واجمل وافضل من التعقيد .
الم اقل لكم ان الحياة جميلة وما عليك  ايها الانسان الا ان تكون جميلا لترى الحياة جميلا واذا حدث ان طعنك احد بخنجر في خاصرتك اليسرى  ادر له الخاصرة اليمنى حتى تموت مظلوما فتدخل الجنة  ويدخل الظالم الى جهنم وبئس المصير ، وقديما قيل ان الحياة جميلة  تنغصها الزوجات .[/b][/size][/font]


169
رسالة الى الارهابيين الشرفاء
حسين ابو سعود

الى روح الشهيدة س ص ع التي تضرجت بدمائها في شهر رمضان برصاص الارهابيين

ايها الارهابيون الشرفاء ومن اين لكم الشرف وانتم تثيرون في النفوس الاشمئزاز والقرف ، لقد دخلنا في العشرة الثانية من شهر رمضان، فاقتلوا المزيد من الابرياء وانتهكوا المزيد من الحرمات، اثكلوا الامهات ، يتموا الاطفال ، كثروا الارامل،
الله الله في المساجد فهدموها  ،و في التجمعات ففرقوها
ولا تنسوا العشرة الاخيرة  من هذا الشهر المبارك ، احرموا الناس من لذة العبادة واحرموا الاطفال فرحة العيد بالتفخيخ والتهديد والوعيد ، ولا تخافوا من الذنوب التي  اثقلت اوزاركم ولا تهابوا الارواح التي ستلاحقكم، ودوسوا باحذيتكم صرخات الضمير التي ستقض مضاجعكم ، فالجنة التي صورها لكم شياطينكم بانتظاركم حيث الزقوم والضريع وستسقون من كاس من غسلين لن تظمأوا بعدها ابدا ، شدوا المئزر واشحذوا نصل الخنجر ، وعليكم بليلة القدر فلا تضيعوها فالقتل فيها بالف من مثله، فمن قتل منكم واحدا سيجازى بألف.
لقد الاوان فانشروا الاحزان واشيعوا الفرقة واثيروا الاشجان، ولا تفرقوا بين النساء والرجال والولدان ، وبين الطفل الصغير والشيخ الكبير، لاترعوا فيهم الا ولا ذمة ولاتكشفوا عنهم الغمة ، فاقتلوهم حيث ثقفتموهم واقعدوا لهم في كل طريق، اذيقوهم عذاب الحريق.
ايها الجناة الجفاة والزناة الحفاة ، افقئوا العيون ، وابقروا البطون ، وكونوا كالوسواس الخناس وكونوا شر امة اخرجت للناس.
يا اسوأ الماضين ويا أشر الآتين ، يا بقايا المرفوضين الملفوظين، عليكم بالابرياء والمعدمين.
ايتها الحثالة المعروفة بالجور والنذالة والانحطاط والسفالة ، متى ترتوون من دماء الكسبة والعمال والشيوخ والاطفال ، ايتها المردة والخنازير والقردة ،.
ايها القتلة السفلة ، ماذنب سعاد و زينب ورباب وما ذنب المنائر والقباب، ايها الانذال الانجاس والوحوش الارجاس ، الا تخافون قلة الزاد واهوال المعاد ، الا تراعون  حرمة الشهر الفضيل .
يانسل اللخناء ، ويا اقل شانا من الجبناء ، أعلى الاطفال والنساء تستأسدون؟ وضد العزل من الناس تتمترسون والقباب والاضرحة تستهدفون .
يامن روعتم الطيور وحرمتم  الاطفال متعة السرور  ، لقد خسرت الصفقة وبارت التجارة بالخسارة.
فيا ايها الشياطين ان كنتم لا تخافون الله ورسوله، وان لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في دنياكم وفي تفكيركم.
وماذا تقولون لو سئلت الشهيدة باي ذنب قتلت ؟وماذا تجيبون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، ما لكم ايها السفهاء كيف تحكمون .
لقد آذيتم الانبياء ولا حقتم الصالحين والاولياء ونحرتم الحسين في كربلاء ، لقد نبشتم القبوروزرعتم الرعب في الشوارع، وروعتم المصلين في الكنائس والجوامع، اي حقد يدفعكم واية ضغائن تحرككم.
والله لا أدري !!!
يارؤوس المرتدين ويا وجوه الخوارج، يا بقية التتار لقد ذهبتم بعارها والشنار ، يا اعداء الورد والقداح، سيخرج الصباح يوما من بين الجراح ، ويهزم الظلام، ويهزم الذئاب، فيا اعداء الجمال و الانهار والظلال وادعياء الضلال ، سينهض يوما هذا العراق ، وسيزهر الدم المراق عن شمس ساطعة تنور العالم ، أليس الصبح بقريب ؟

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]



170
المنبر الحر / فتّـاح فـال
« في: 23:33 09/10/2006  »
فتّـاح فـال
حسين ابو سعود

ما زال فتاح الفال شخصا مهما في حياتنا اليومية منذ القدم وهو البصار والنجومي او من يفتح المندل او قارئ الفنجان ، وهو متخصص بمعرفة الماضي والحاضر والمستقبل ، وعنده قدرة  على الاتيان بالمحبوب والانجاح في الامتحانات وجلب الرزق وتحقيق فرص العمل  واخضاع الزوج واركاعه وكشف السارق وشفاء الامراض وطرد الارواح الشريرة  ، كل ذلك عن طريق القراءة واعداد الرقي والتعاويذ والحجاب ، اي انه يحمل بيده مفتاح كل شئ .
وليس صحيحا ما يقال بان النساء هن من يترددن على هؤلاء دون الرجال  وان كانت نسبتهن اكثر من الرجال لاسباب معروفة منها عاطفتها الزائدة مع قلة خفيفة في العقل وحبها في الوصول الى مبتغاها بسرعة فائقة دون توخي الاسباب ، ولكن الرجال  ليسوا باقل من النساء في التردد على فتاحي الفال ، ومن بين هؤلاء مشاهير واسماء لامعة في دنيا الفن والادب والرياضة ، وقد وصل فتاح الفال الى القصور الرئاسية ايضا ليكشف للرئيس عن اعداءه ونوايا بطانته واسرارا اخرى قد يحتاجها في ادامة ملكه والحفاظ على كرسيه الوثير .
وبعض هؤلاء المنجمين  نجح في بلاده وامتدت شهرته الى الافاق فسافر الى دول اخرى اكثر ثراء فتحقق له هناك ما اراد حتى صارت القنوات الفضائية تتسابق فيما بينها على استدراج فتاحي الفال وتخصص لهم ساعات من البث لبرامجهم التي تحقق عادة  نجاحا اكثر من البرامج العلمية والرياضية مثلا ، ويتساوى في الذهاب الى فتاح الفال الجهلة والمثقفون  والفقراء والاغنياء ، كما يتفاوت فتاحو الفال في نسبة التوفيق فمنهم من يتخذ له مكتبا انيقا مكيفا ومنهم من يفترش الرصيف ومعه ببغاء مدرب على التقاط بطاقة من مجموعة بطاقات كتب عليها معلومات  تنطبق على اكثر الناس .
ومهما يكن من تاثيرهم وابداعهم والتزامهم بوعودهم الا انهم يظلون ارباب دجل وشعوذة ويخلطون هذا الدجل بالدين والدين منهم براء ، اذ يظلون  كذابين وان صدقوا ، وقد حرم الدين  الحنيف الذهاب اليهم  والاستعانة بهم والاعتماد عليهم ، ويقال ان رجلا وجد بين ملابسه تعويذا ففتح خيوطه فوجد فيه ورقة داخل ورقة داخل ورقة  فيها حبات من الفلفل الاسود وعود ثقاب  ولوزة واحدة  وكتابة رديئة  بالزعفران (الحاق الواق الباق + -*=هذه المراة المسكينة زوجها يتاخر في المجئ ليلا فعليه ان يبكر وان بكر فقد بكر وان لم يبكر انشالله عمره مابكر ويطبه طوب ) اي يطبه مرض اي في ستين داهية اي الى جهنم وبئس المصير ، فاللهجات تختلف والدجل واحد .
وذكر لي مرة احد الظرفاء انه وجد في مخدته شيئا صلبا ففتحه واذا به تعويذ صنعته امه له لكي لا يعترض  على بيع اللبلبي  والباجلا كل صباح قبل الذهاب الى المدرسة .
وكان احد الضباط الكبار يلجأ الى ساحر نوراني الطلعة  سريع الدمعة  طويل القامة عليه اثار الاستقامة ، وقد نلت شرف مرافقته وفيض مجالسته فاكتشفت فيما بعد  بان الرجل يحتفظ بعدد من التعاويذ المعدة سلفا داخل اكياس  نايلون ويودعها المجاري حتى تخيس وتبدو قديمة وتكتسب رائحة كريهة ويخرجها عند الطلب فيضيف بقلمه المبارك اسم الضحية مع اسم الام فيتخيل المسكين انه اتى بالسحر من مكانه المخبأ فيه .
ولا شك بان هؤلاء اناس اذكياء يعرفون نقاط الضعف لدى الاشخاص وقد قال لي شخص هندي قضى عمرا طويلا في استحصال هذه العلوم والفنون بان 95% من مدعي هذا الفن لايجيدونه وهم ارباب دجل وشعوذة يستغلون ضعف الشخصية واستفحال الوهم لدى الزبون فيعالجون الوهم بالوهم  ، وسلامتكم من الوهم .

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]

171
المنبر الحر / اختلاف امتي نقمة
« في: 23:51 08/10/2006  »
اختلاف امتي نقمة
د – حسين ابو سعود

لا يمكن لكل ذي عقل سليم ان يصحح متن الحديث الذي اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه واله ( اختلاف امتي رحمة )  حتى وان كانت عنعنات السند عبارة عن سلسلة ذهبية من العيار الثقيل ، فالحديث ليس فيه نبرة نبوية و ليس من المعقول ان يدعو رسول الوحدة والتفاهم والمحبة الى الاختلاف وما يتبع الاختلاف من تناحر وتشاجر وتنابز ، وهو الذي يشبه المؤمنين في توادهم وتراحمهم بالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وهل هناك مثل أعم وأشمل واروع من الجسد الواحد،و لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق نقمة وهذا محال في شرع العقلاء ، فالعلاقة بين الاختلاف والرحمة تكاد تكون معدومة وان وجدت فيحددها الكلام الحق وليس الروايات وافرازات الرواة وقد قال تعالى : ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك . هود /119.
ثم اي اختلاف وقع في عهد الرسول لكي يعتبره رحمة فالاختلاف مذموم مذ تبناه الشيطان عندما رفض السجود لادم ومنذ وقع بين هابيل وقابيل فقتل احدهما الاخر في اول اختلاف دموي في التاريخ البشري ، ومنذ اختلفت الامم  مع الانبياء والصلحاء الذين ارسلهم الله تعالى على مر العصور والازمنة.
وفي العهد الاسلامي كان الاختلاف اكثر شناعة كما حدث في الجمل وصفين والنهروان وفي واقعة كربلاء والحرة  والاختلاف بين بني امية وبني العباس و بين العباسيين والعلويين والاختلافات التي نشات بين ائمة المذاهب وهم كثر وان اشتهر منهم خمسة اعني الامام جعفر الصادق والائمة الاربعة ، فالاختلاف شقاق كما قال تعالى ( ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق وان الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد . البقرة /176).
والاختلاف بغي  كما في قوله تعالى (واتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ان ربك  يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . الجاثية /17) ،  وقد توعد الله المختلفين بالعذاب العظيم كما في قوله تعالى (و لا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم .آل عمران /105) فهذه الاختلافات  التي تسببت في سفك الدماء وقتل الابرياء وارباك مسيرة الامة لا يمكن ان يباركها الرسول ويعتبرها رحمة.
ولعل واضع هذه المقولة وضعها في عهود الخلافات المذهبية لتبرير وجودها وتمرير مخطط التفريق على السذج من ابناء الامة باعطاءها غطاء شرعيا بحجم قول النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد وجدت غير واحد من العلماء الاجلاء يصححون هذه المقولة العوجاء باعتبار ان بعض الاختلافات الفقهية تؤدي الى حل مشاكل الناس ويأتون ببعض الادلة والامثلة التى لا تقوى على  الصمود امام الحق الصراح وهو الدين الذي يدعو اهله الى الاخذ بما جاء به الرسول والانتهاء عما نهى عنه وعدم الاختلاف  خوف تفرق السبل والفشل وذهاب الريح والنبي عليه الصلاة والسلام يطلب منا  ان ناخذ  منه مناسكنا ونصلي كما رايناه يصلي  اي ان نتبع ما جاء به من ربه بلا زيادة ولا نقصان.
وهذه الاختلافات الشنيعة  في العقائد والعبادات والممارسات تدل على ان هناك من تدخل وزاد  فيها وطرح منها حسب اهوائه واهواء من لهم مصلحة كبرى في زعزعة استقرار هذا الدين ، وكسر عرى الوحدة بين المسلمين ، الذين تحولوا من ابناء دين واحد الى ملل ونحل ومذاهب ومشارب وطوائف وطرائق يحارب بعضهم بعضا ناسين او متناسين العدو او الاعداء الذين يتربصون بهم الدوائر.
وهذا القران الكريم يزخر  بالايات الكريمة التي تنبئ عن مضار الخلاف والاختلاف وفوائد التوحد والائتلاف ، ويدعو الجميع الى الاعتصام بحبل الله  و عدم التفرق ، ليس هذا فحسب بل انه يتبرأ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، فالمذاهب الكثيرة لا تتوافق مع الدين الواحد والدين عند الله الاسلام ، ومن يبتغ غيره  اعني المذاهب  الوضعية فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين.
وان الامم  التي اختلفت كان مصيرها الزوال  والفشل واما التي اتحدت وتوحدت حول كلمة الحق فقد افلحت  وقويت شوكتها فوصل نورها الى المشرق والمغرب ، فهذا شهر رمضان ، جاء بالخير والبركة فجيئوه بالوحدة والتضامن ، وانها دعوة مخلصة لتوحيد العبادات لا سيما الظاهرة منها كالاذان والصلاة ووقت الافطار في رمضان ومناسك الحج.
ومسئولية هذا الامر يقع بالدرجة الاولى على عاتق المسلمين المقيمين في دول المهجر حيث المساحة الكافية من الحرية والامن واحترام الاراء وان ناخذ العبرة مما جرى ويجري في افغانستان والعراق وباكستان من تناحر وقتل على الهوية بين المسلمين انفسهم بسبب الاختلاف ، وقد قال تعالى : وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون ، فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون، فذرهم في غمرتهم حتى حين .
فهل بعد هذا كله نقول : ان اختلاف الامة رحمة ؟

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]


172
المنبر الحر / نكات حزينة
« في: 12:56 01/10/2006  »
نكات حزينة
حسين ابو سعود

لا احد ينكر التاثيرات الايجابية للنكتة على النفس البشرية ، حيث يحتاج الانسان الى الترويح بعد ساعات العناء والتعب  والارهاق .
ويحسب البعض خطأ بان النكتة تتوقف على التمسخر من السذج والحمقى والحولان او من به عاهة ،ويقال ان رجلا  قفز بالمظلة فارتطم بالارض وهو يقول خخخخخخخمسة، ولما سئل عن ذلك قال ان المدرب طلب مني ان اعد للعشرة ثم اضغط على زر فتح المظلة  وانا شخص مصاب بالتلعثم والتأتأة ، فهذا  الرجل المسكين يحتاج الى دمعة  بعد ان تكسرت ضلوعه ولا يجدر الضحك عليه،  ومثلها  نكتة الطفل الغني الذي طلب منه مدرس العربية ان يكتب موضوعا انشائيا في طفل فقير ، فكتب : كان هناك طفل فقير جدا وامه كانت فقيرة  وسائقهم كان فقيرا  وخادمتهم كانت فقيرة بل وحتى المزارع الذي يعمل في حديقتهم كان فقيرا ايضا .
ان النكتة في العادة تعتمد على طرفين ، طرف رابح (مبسوط على الطريقة اللبنانية) وطرف متضرر (مبسوط على الطريقة العراقية ) ونحن نضحك على المتضرر المقهور على حساب اعصابه ومعاناته ، حتى الموت هذا الحدث الجليل  لم يسلم من ارباب النكات فهذا احول يمشي في جنازة امه ويصيح : آخ هم امي وهم خالتي، ووحدة ارادت ان تقتل زوجها فوضعت له مسدسا في  المرقة ،وآخر كسر ساعته لما سمع ان كل انسان يموت في ساعته  ثم حمد الله على ان ساعته كانت من نوع اوماكس وليس روليكس، ومرة واحد رمى خطيبته  من فوق جبل  فماتت وقال : اباي ما تتحمل مزح ، ومرة مات والد احدهم فسأل الدفان عن ارخص قبر فقال له : بالميت تسعين الف فرد عليه : واذا الميت من عندنا.
ومن النكات الحزينة  نكات الانذال وقد رأى احدهم شخصا يغرق ويطلب النجدة فرد عليه : اسمح لي  يا اخي هذا يومك وارضى بنصيبك ، ومرة سال فقير جائع احد الانذال شيئا ياكله فاعطاه فاتح شهية ، وتحدث احدهم يوما مع عميان عن نعمة البصر .
ولذوي العاهات نصيب وافر من نكات الشامتين ولاسيما الاقزام ، حيث عطس احدهم فضرب راسه بالارض ومات ، واراد قزم آخر ان ينتحر فرمى نفسه من الرصيف .
وكما قلت ان النكتة ضرورية وهي كالغذاء للروح حيث نحتاج للضحك  في الزمن الذي نعيشه ، زمن البؤس والشقاء والمصائب ، وان النكات التي توضع عن الرؤساء والبطرانين والاغنياء معقولة للغاية واما ان تستهدف الفقراء والمحتاجين والسذج فالامر لا يخلو من اجحاف .
 وفي كل دولة  هناك جماعة يكونون عرضة للنكات  اكثر من غيرهم وبعض هذه الجماعات  تغضب من استهدافها بالنكات  وبعضها تفرح وتتقبل الامر بصدر رحب ، وهناك نكات آنية لها علاقة بالوضع السائد في البلد كنكات الحروب والحصار وانقطاع الكهرباء  والارهاب ، ومرة دخل ارهابيون منزلا واحتجزوا النساء  كرهائن فضحك الرجل قائلا اول ما دخلتم عرفت انكم من الكاميرا الخفية  والحقيقة انا ضيف  وهؤلاء ليسوا اهلي .
ومن النكات  الحزينة  تلك التي تستهدف الرموز الدينية كالانبياء والاولياء او احوال جهنم  واهوالها  وكذلك النكات الطائفية وكيف تكون رائحة النكتة اذا كانت الطائفية نفسها نتنة .
وكنا قد سمعنا  بالنكات القديمة حيث تشعر بالغبار يتطاير منها وهي تحكى ، كما سمعنا بالنكات التي تفعل مفعولها بعد يومين اي انها تفهم متاخرا ، وعزاؤنا مع النكات الحزينة  هو ان النكات تنقسم الى قسمين احدهما نكات  حلوة و القسم الاخر  نكات  بايخة  وغاية ما نستطيع فعله  هو تصنيف النكات الحزينة ضمن النكات البايخة ويا دار ما دخلك شر .

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]

173
ايها التركمان  لا تضيعوا انفسكم مع العربان
حسين ابو سعود

ايها التركمان لا تضيعوا انفسكم مع العربان ، هذه العبارة الصحيحة الفصيحة  الصريحة قالها  بالنص الدكتور محمود المشهداني  رئيس مجلس النواب في جلسة البرلمان بتاريخ 25 /9/2006 مخاطبا الاعضاء التركمان في المجلس  اثناء مناقشة لجنة تعديل الدستور ، قالها عندما طالب الاستاذ سعد الدين اركينج رئيس الجبهة التركمانية باضافة عضو تركماني الى لجنة تعديل الدستور .
وقد رفض رئيس المجلس الطلب فورا من دون اخذ راي اعضاء المجلس، وقد منع الاستاذ عباس البياتي الامين العام للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق من الكلام قائلا  بان من حق رئيس الجلسة ان يقطع الكلام غير المثمر، والحق ان من حقه ان يمارس حقه في قطع الكلام غير المثمر ولكن كيف عرف بان كلام الاستاذ البياتي غير مثمر وهو لم يسمح له بالكلام اصلا وانما قال له : ايها التركمان توحدوا اذا تريدون ان تكون لكم ميزة وحتى نستطيع ان نتعامل معكم وانتو متفرقين بين الكتل السياسية ، منين تريدون تغرفون ) وقد اعقب كلامه  بابتسامة عريضة.
ولا احد ينكر طبع المشهداني المتسم بحب المزاح والدعابة الا ان كلامه  هذا يحمل بين طياته الكثير من الموضوعية والدقة ، نعم لقد قالها بالبنط العريض : ايها التركمان اتحدوا ولا تضيعوا انفسكم مع العربان ، لان التوحد سيجعل للصوت التركماني وزنا وقدرا واهمية .
ويبدو لي ان الطريقة القاسية التي استخدمها المشهداني يقصد منها اعلام التركمان الى حقيقة شأنهم واهمية توحدهم ولايقاظهم من سباتهم ،خاصة وان الطيور قد طارت بارزاقها وتم تقاسم الكعكة العراقية تماما  ولم يبق منها الا الفتات، والا هل يعقل ان لا يحصل التركمان وهم القومية الثالثة في البلاد الا على وزارة واحدة مع ان استحقاقهم هو منصب سيادي واحد مع وزارتين اثنتين ، نعم انه اصاب كبد الحقيقة واسدى نصيحة تاريخية للتركمان بضرورة التوحد  وعدم اضاعة الفرصة ، خاصة وانه قد أقر بكون التركمان مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي .
هذا وقد رأى القادة التركمان والشعب التركماني  مدى الحيف الذي لحق بهم ومدى التهميش المتعمد الذي تعرضوا له  منذ سقوط النظام الى الان ، وانا لا اريد ان اخطئ القيادات التركمانية في تحالفاتها مع الاحزاب الاخرى لان هذا امر له محاسنه ايضا ، حيث ان التوزع على الكتل السياسية والتحالفات القوية القائمة  توصلهم الى البرلمان لا محالة فهم مع انقسامهم وتوزعهم وصلوا الى البرلمان بعدد لا باس به من الاعضاء.
ويمكن لهم البقاء على هذا النمط شريطة ان يشكلوا فيما بينهم مجلسا اعلى للحركات السياسية التركمانية مهمتها تنظيم البيت التركماني بعيدا عن الخلافات الطائفية العقيمة وبعيدا عن المصالح الفردية الانية ، وسوف يظهرهم هذا المجلس  ككتلة واحدة وان توزعت تحالفاتهم ، وان ولائهم الاول والاخير يكون للقضية التركمانية العليا ، ولا سيما ان المرحلة حرجة للغاية  تتطلب سرعة التحرك وسرعة اتخاذ الموقف الموحد لمواجهة التسلط الجديد للجماعات القوية الموجودة على الساحة السياسية.
ويظل مسالة اندماج التركمان في حزب سياسي واحد مؤثر وقوي حلما صعب التحقيق او قد يكون مستحيلا ، ولكن تنسيق المواقف  من خلال مجلس اعلى للحركات  السياسية التركمانية يبدو ممكنا وعمليا ، وليقبلوا ما قاله الدكتور المشهداني بروح رياضية عالية ويفكروا بمصلحة الجماعة ويفضلوها على المصالح الفردية ، فالوقت عصيب والتحديات كبيرة  ولنردد جميعا : ايها الزعماء والسياسيون التركمان اتحدوا قبل فوات الاوان  و لا تضيعوا انفسكم فمستقبل الاجيال امانة في اعناقكم.

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]

174
من الحمار ، الطحان ام الحمار ؟
حسين ابو سعود

بالرغم من التقدم العلمي الهائل الذي  حققه الانسان الا انه ما زال يشكك في غباء الحمار ويعتبره مخلوقا في غاية الذكاء والكياسة ويعرف كل فنون السياسة، وكسله يشبه تجاهل العارفين لما رأو الجهل فاشيا في العالمين ، حتى لا توكل اليه المهمات ولا تطلب منه رأيا في الشدائد والملمات .
ولم استغرب عندما علمت بان الحمار هو شعار الحزب الديمقراطي الامريكي ،دليلا على النباهة والعقل الراجح وقوة التحمل .
وقد قيل مؤخرا ان حزبا جديدا ظهر في العراق باسم حزب الحمير ، وهو ادعاء غير دقيق لان حزب الحمير كان موجودا قبل اكثر من نصف قرن ، واتذكر باني كنت اعمل لدى خياط ( عسكري – ملكي) في شارع الاوقاف بكركوك ، وضعني والدي عنده لتعلم صنعة ، وقبله كنت اعمل لدى خياط آخر في نفس الشارع  كان يطلب مني ان اهفه بالمهفة في ظهاري صيف كركوك اللاهبة ، وكان يضربني بالمسطرة كلما غفوت او سهوت  اثناء الهف  وعندما شكوت امري الى والدي نقلني الى الخياط الاخر ، الذي تعلمت منه اشياء كثيرة منها وجود حزب للحمير اعضاءه اناس محترمون ، ينهقون فيما بينهم بصوت خفيض كنوع من التحية  ، وعندهم افكار عقلانية جدا في الاحداث التي كانت سائدة آنذاك .و لا اخفي باني وجدت عند هذا الخياط خيرا وفيرا لاسيما عندما كان صاحب البدلة يأتي لاستلام بدلته فيعطيني بخشيشا  محترما لا تقل عن المئة فلس  وكانت تكفي لاكل نفر كباب  و قنينة سينالكو مع قطعة داطلي بالشيرة  .
كما علمت من استادي الخياط ان هناك فرعا آخر لهذا الحزب وقد يكون هو الاصل في جمهورية مصر، وان رئيسه هو حامل الحذوة الحديدية ، وللحزب مجلة خاصة ناطقة باسم الحمير الجدد.
وللحمار اسماء معروفة اخرى منها المطي والزمال والخر والاشك والدونكي والبعض ترقى فصار بغلا ومنهم من آثر البقاء في الغابات مؤثرا اسم الحمار الوحشي على الحمار المدني ومفضلا  لبس البجاما المقلمة والتعرض للاسود الجائعة  على حياة الدعة والسكون في المدينة.
يمارس الحمار في المدينة جميع حقوقه فهو ينهق اذا جاع ويرفس من لا يعجبه و  يمشي متى يحلو له المشي غير آبه بلسعات القمجي، وله موقف نضالية معروفة وله حصانة من الجراثيم والحر والبرد ، اذن فنعته بالغباء  غباء كما يتبين من قصة الطحان والحمار، فالغبي هو الانسان الذي لا يعرف  ماذا يريد بالضبط ويقضي عمره بالجدل البيزنطي وعدم الرضا حتى ربط الحمار بعصا غليظة وحمله الانسان وكان الانسان ظلوما جهولا ، واما الحمار فانه قوي وجلد ونشيط ولكنه شوه سمعته بنفسه فهو أذكى غبي واغبى ذكي ،  ويعرف طريقه جيدا اذا هو سار فيها مرة او مرتين ، وكان احد العارفين يردد مقولة : يا ليتني كنت حمارا من حمير اليمن أصعد الجبال وانزل فلا يؤاخذني احد في عقل او رأي او دين او سياسة ، وعندما سئل لماذا اليمن ؟ فقال : امعانا
في العزلة عن الناس .
وكان في محلتنا  صبيا اسمه برمي ظهرت عليه فجأة علامات الحمرنة والقوة الفائقة  ، وكان يحمل اثقل الاحمال بلا  تأوه ولا تعب ، وعند مواجهته اعترف بانه يتناول كل الحليب الطازج الموجود في ثدي الحمارة  التي يوقفها صاحبها في الزقاق كل صباح  ويذهب الى السوق لشراء الحاجيات اليومية الضرورية ، وانه يفعل ذلك  منذ اكثر من عام ، فمنعه ابوه بعد ذلك اليوم  من رضاعة الحمير الا ان اثار القوة ظلت عنده الى يومنا هذا .
وللحمير احجام اذكاها الحمار الصغير  ذو الذيل القصير ويتواجد في الهند وهو نحيف رشيق ويتميز بالسرعة الفائقة في الجري  لاسيما بعد وضع قليلا من الفلفل الاحمر في مؤخرته اثناء سباق الحمير  الذي يعقد اسبوعيا من قبل الاهالي .
 والحمار في اوربا  هو من العجائب الغرائب التي نادرا ما ترى بالعين المجردة وكان احد الظرفاء قد رأى حمارا يستخدم للترفيه عن الاطفال  في مدينة ساحلية  ، فالتقط لنفسه صورة مع الحمار  لشدة اعتزازه به وارسلها الى اهله كاتبا خلفها : على فكرة انا اللي على اليمين  ، حتى يميزه اهله .
ولعلي في هذا المقال اريد ان ادلل على صحة نظرية داروين في الارتقاء والانكفاء بقول ان القرد الذي صار انسانا  اخذ يخجل من فعاله ويريد ان يكون حمارا هذه المرة اذ لا فرق بين الدونكي والمونكي الا بالزعيق والنهيق.

aabbcde@msn.com [/b] [/size][/font]


175
كيف تتخلص منك السمنة

د – حسين ابو سعود

كانت السمنة الى عهد قريب علامة الصحة والعافية والنعمة، وكان يقال بان فلانا متعافي ومستصح ومريش اذا كان بدينا ، ولكن الطب الحديث غير هذا المفهوم  وتوصل الى حقيقة ان السمنة هي مصدر الكثير من الامراض البسيطة منها والخطيرة ويا ليته لم يفعل ذلك، وكنا نقرأ الارشاد الرباني في القران الكريم (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) والتوجيهات النبوية بعدم الاسراف في الاكل دون ان نتوقف عندها ودون ان نتفكر بها ، وكان احدهم يفهم من الحديث النبوي الشهير (نحن قوم لا ناكل حتى نجوع واذا اكلنا لا نشبع) اي لا نشبع ابدا ونظل نأكل  ونأكل حد التخمة طالما ان الطعام متوفر و من يضمن لنا رزق الغد؟ ، وقد جمعني مرة خوان مع عدد من طلبة العلم الشباب في الكويت  فصرنا ناكل بنهم وكأننا ناكل لاول مرة ، فتذاكرنا التوجيه النبوي الشريف بتقسيم المعدة الى ثلاثة اثلاث ، ثلث للطعام وثلث للماء وثلث للهواء ، فانبرى احد ظرفاء المجموعة لشرح ما فهمه من الحديث مطبقا اقواله عمليا  فقال :واما انا فاعمل  بثلث الحديث فاملأ ثلث الطعام طعاما وثلث الماء طعاما باعتباره يحتوي على الماء اصلا ، واما ثلث الهواء فاملئه طعاما ايضا لان الهواء سيجد له منفذا كيفما كان   .
وقد فارقني الزمان عن شخص ظريف يقال له فلان ابو الجرايخ (يعني وين ما اكو جريخة  صاحبنا موجود ) ولا ادري ما اصل الجريخة ، هل هي من الجرخ اي الدولاب او من اللحم المجروخ اي المثروم  وهو الاشهر ، المهم انه كان يحتفظ بقائمة للاعراس والموالد والفواتح واي مناسبة يوزع فيها الطعام  ويذهب اليها مع مجموعته الذين هم على شاكلته ، ولا يكاد يمر يوم بلا وليمة ، و هناك بعض اهل الفضول يتصيدون الطفيليين فيحرجونهم بالسؤال عن من دعاهم  فيقولون  : نحن من اهل العروس  او العريس حسب الضرورة ومقتضى الحال ، وذات مرة قالوا نحن من اهل العروس فرد عليهم صاحب الوليمة : ولكن هذه المأدبة هي عقيقة المولود الجديد وليس عرسا.
وكان هذا الفلان رشيقا للغاية بالرغم من كثرة اكله وشراهته ونهمه ، ومن الحكم البليغة التي كان يقولها انه يتمنى ان يُدعى الى وليمة في يوم ربيعي معتدل ويظل يأكل ويأكل من اطايب الطعام والوان الشراب حتى لا يقوى على القيام فينقل الى المستشفى  ويموت هناك (شبعان ،رويان ،دفيان) بين يدي ممرضة جميلة حتى لا يظل اي داعي للحزن عليه .
وكان الرجل مولعا بالكباب العراقي ويقول   بعدم جواز أكله بدون الكرفس والسماق والطرشي ، وقد قال العارفون بان سر اللذة في الكباب العراقي هو ربع كيلو الشحم الذي يخلط مع كل كيلو لحم ، وعلى ذكر الشحم ، كنا مرة في رحلة صيد نتناول  الطعام على مائدة احد افراد الاسر الحاكمة وكان سمينا بدينا يتناول الشحم ( اللّية) بنهم ويقطع لضيوفه قطعا منه يطلب منهم أكله لانه لذيذ ومفيد، وفي العام القابل سمعت بان الرجل توفي الى رحمة الله ( رويان شعبان دفيان).
وقبل ايام كنا مدعويين الى حفل زواج ارستقراطي في لندن ، فكانت المائدة عامرة للغاية تضيق باللحم والدجاج والسمك وانواع المرق والحلوى والعصائر، فتذكرت صاحبي الطفيلي الظريف ودعوت له بالمزيد من الولائم والجرايخ الدسمة .
وقديما كنا نقول: ناس تاكل دجاج وناس تتلقى العجاج ، فصرنا في زمن اصبح فيه اكل الدجاج في متناول الجميع حتى مللناه في عصر النقانق و البيتزا  وصار المثل : ناس قسمتها ضيزى وناس تاكل بيتزا ، فاصبح حالنا افضل من هارون الرشيد لانه لم يكن يعرف البيتزا والكنافة  والهامبورجر .
وعودة الى السمنة ، اقول بان الكرشة محبوبة مكروهة ، محبوبة لانها دليل الوجاهة والنعمة، وليس من الانصاف اضاعتها بعد اكتسابها خلال سنين طويلة ، ومكروهة لانها تجلب الامراض والاسقام وتثقل الحركة ، وقد رايت في مآدبنا العامرة بالدسم الكامل اناسا يلتهمون كل شئ ولكنهم يصرون على شرب البيبسي من نوع دايت بحجة تخفيف الوزن  مع ان العلم الحديث اثبت ان الدايت له مضاعفاته ايضا ، اذ ان كل طعام له فوائد وله مضار واشيع اخيرا بان المشاوي وهي اطيب وافضل اكلة صحية تسبب في سرطان البروستاتا، وان  اكل الطماطم مفيد للجسم ولكن الاكثار منه يسبب  البطء في نمو الاظافر فلا يستطيع الانسان ان يحك ظهره  الا باستعمال عصا . وكذلك البرتقال الكوستاريكي فهو غني بالفيتامينات الا ان تناول قشرته نيا يؤدي الى ارتخاء شحمة الاذن وهكذا ..وعلى اي حال فانا كنت قد صممت قبل عشرين سنة ان ابدأ بتخفيف الوزن  فعلا عن طريق الريجيم والرياضة ، وقد ذهبت الى الطبيب المختص فاشار علي باتباع ريجيم معين وهو تناول الخضار والفواكه لمدة شهر كامل ، فقلت له : قبل الاكل ام بعد الاكل ؟، ثم طلب مني  ان امارس الالعاب لمدة ثلاثة اشهر فعدت اليه وقد زاد وزني اكثر واخبرته باني بدأت العب الدومنة والطاولي بواقع اربع الى خمس ساعات يوميا ولكن النتيجة كانت سالبة فطلب مني ان اتمشى لعدة ساعات يوميا لمدة شهر واحد فعدت اليه بعد  المدة ووزني زاد عن السابق، واخبرته باني اتمشى بالسيارة لمدة ثلاث ساعات يوميا ولكن دون نتيجة واضطررت الى ترك هذا الطبيب لعدم معرفته طرق تخفيف الوزن وقد قال لي : استمر على هذا المنوال حتى تتخلص السمنة منك..

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]


176
المنبر الحر / عاشت الاسامي
« في: 22:37 24/08/2006  »
عاشت الاسامي
د – حسين ابو سعود

اذا اردنا ان نعرف اسم شخص ما  نقول له بصيغة الاستفهام : الاسم الكريم ؟ فيقول احمد او محمد  ويدعونا الادب  ان نقول له : عاشت الاسامي ولكن ماذا نقول للرجل اذا قال بان اسمه : طاعون او حرب او فرعون ،فافضل عقلا ان نقول : ماتت الاسامي وبئس المصير.
وفي الاثر بان خير الاسماء ما حمد وعبد  ويحرص الناس على اطلاق تسميات مقبولة على محلاتهم وشركاتهم ، و تحرص  الحكومات على ان تكون للمدن والشوارع والمناطق اسماء  ذات دلالات  مناسبة على الاقل ، اذ لا يحق للدولة  ان تطلق على مدينة ما اسم مدينة الموت  مثلا او يسمى احدهم  شركته بشركة الخاسرين لما للاسم من تاثير على المسمى، فالذين يريدون لابنائهم ان يكونوا شجعانا  يسمونهم بـ  حيدر واسد  وعنتر ومن اراد ان يكون  ابنه سخيا يسميه حاتما وليس حاتم الطائي واذكر  بان احدهم  تطرف كثيرا  فسمى ابنه ( عمر بن عبد العزيز ) ليكون عادلا.
وفيما يخص التسمية فبعض الازواج يختارون اسماء اولادهم وبناتهم قبل الولادة  بعد معرفة الجنس عن طريق الاشعة والبعض الاخر يختار اسماء لذريته  قبل ان يتزوج والبعض يمضي الايام والليالي في التفكير دون ان يستقر على اسم يرضيه ويرضي باقي الاطراف ومع ذلك تراهم يقعون في المحذور خاصة ان بعض الاسماء تكون محببة في لغة وممجوجة في لغة اخرى ،واصرف النظر عن ذكر الامثلة لانها في الغالب تخدش الحياء العام .
وهناك اسماء تعرف منها جنسيات اصحابها فلا يمكن مثلا ان يكون  مطشر الا عراقيا وشمندي الا مصريا وعبداللات الا اردنيا ، كما ان بعض الاسر الحاكمة تراوح في  تسمية ابنائها وبناتها ضمن دائرة ضيقة من الاسماء، ويقال بان الحسين بن علي عليه السلام قد سمى اولاده كلهم عليا فهذا علي الاكبر وذاك الاوسط والاصغر وهكذا ، وانه سمى بناته كلهن بفاطمة فهذه فاطمة الكبرى وتلك الصغرى وهلم جرا .
وفي السابق كان الناس يعطون المولود  بالاضافة الى اسمه الكريم اسما وكنية ولقبا وهو بعد رضيع ، والبعض كان يحصل على لقبه بعد البلوغ نسبة الى انجازاته مثل ابو العباس السفاح ومروان الحمار ومسيلمة الكذاب ، وعلى النقيض نرى اطلاق القاب حميدة على البعض الاخر مثل الصادق والامين والكاظم ، وقد ثبت ان  رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد غيَر اسماء بعض الاشخاص، ومن هنا جاءت عمليات تغيير الاسماء في عهدنا الحاضر ، وان بعض الدول تجيز للانسان ان يغير اسمه فقط دون اسم ابيه وعائلته ، وذلك عبر اجراءات معقدة كالنشر في الصحف واللجوء الى المحاكم وغيرها ، في حين تعطي الدول الاوربية للانسان  الحق في تغيير اسمه واسم عائلته ولكنها لا تسمح بتغيير تاريخ الميلاد منعا للتلاعب والاحتيالات ، ونحن في مجتمعاتنا مبتلين ببعض الاسماء غير المحببة ،  يتمنى اصحابها تغييرها للتخلص من الاحراج الى الابد لولا صعوبة الاجراءات  .
وجرت العادة في ايران وباكستان وافغانستان ان يتم تسمية الابناء باسماء مركبة   منعا لسحر صاحبه من قبل الحساد والعذال لان السحر لو اصاب اسما فيخطئ الاخر  ويقل الضرر تبعا لذلك  ، وقد تعرض احد الاخوة الباكستانيين الى موقف لا يحسد عليه في مطار جدة الدولي عندما منعه  موظف الجوازات من الدخول لان اسمه  ينافي العقيدة الاسلامية وهو ( الله  ديتا ) ولم يزل المسكين يعاني في المطار حتى  تم اقناع الموظف بان هذا اسم مركب ومعناه عطية الله .
على اني رايت لدى غير العرب  بعض الاسماء العربية  الجميلة حقا و المستقاة من القران الكريم مثل :  لنا وآتنا  ولا ريب وغيرها ، وان كان هؤلاء لا يتوفقون دائما في اشتقاق الاسم الصحيح من المصحف ، وكان رجلا ينادى باسم (نكتل) قائلا بان والده اشتق هذا الاسم من القران وهو اسم اخ  النبي يوسف كما في الاية الكريمة ( ارسل معنا اخانا نكتل).
واذكر ذات مرة  ان  جاءني مسلم هندي يستشيرني في تسمية مولودته الجديدة وقال بانه اختار اسم حمير وهو  مستخرج من القران لانه يتناغم موسيقيا مع اسم ابنته الاخرى نمير ، فاخبرته بان حمير هو اسم جمع ومفرده حمار  للذكر وحمارة للانثى وعندما عرف المعنى ولى مندهشا لا يلوي على شئ.
ومن المفارقات اللطيفة  في اسماء النساء سؤالي لبائعة  محل  في لندن عن اسمها  لولعي بمعرفة معاني الاسماء فقالت بان اسمها فاسية وهي كلمة عربية  لا تعرف معناها فقلت لها ادعي ربك ان لا تكون الكلمة  عربية حتى يتغير معناها  ونصحتها بان تضع شدة على السين اذا هي ذهبت الى دولة عربية ليكون  الاسم نسبة الى مدينة فاس المغربية وليس الى الفاس الذي وقع في الراس ، وعلى ذكر اسماء البنات سال احد الحمقى فتاة عن اسمها قالت له : اسماء  فقال : اها يعني مو اسم واحد .
لقد رايت من الناس من يحرص على ان يكون اسم ابنه فريدا من نوعه لم يجعل له  من قبل احد سميا ،  ويذهب البعض الاخر الى تسمية ابناءه باسماء تطلق على الجنسين مثل صفاء وسعاد وصباح وبعضهم يسمون الذكر باسم الانثى مثل وداد ونساء باسماء رجال  ورجال باسماء حيوانات  ونباتات وظواهر طبيعية ولله في خلقه شئون  ، فيما يحرص علماء الدين على عدم تسمية ابنائهم باسماء خفيفة الظل اذ لا نجد بين ابنائهم من هو سمير او انيس او زمعة ، والظريف ان بعض الدول في العالم النايم تتدخل في وضع الاسم باعطاء صلاحيات للمسجل لمنع تسجيل بعض الاسماء لاعتبارات طائفية او اخلاقية او ما يتعلق بالذوق العام .
وينتابني العجب من بعض الارجوزات لفرسان العرب الذي يثبتون حق التسمية للام ، حيث جرت العادة عند الحروب  ان المقاتل عندما يخرج للبراز يرتجز ببعض الابيات  وكان اشجع العرب علي ابن ابي طالب يفتخر عندما يرتجز ويقول: انا الذي  سمتني امي حيدرة، او كما قال الامام الحسين عليه السلام للحر بن يزيد الرياحي : ما اخطات امك عندما سمتك حرا ، ويبدو ان العرب كانوا يعطون للام حق التسمية تكريما لها ومكافاة لتحملها  مشاق الحمل والوضع والتربية .
وعليه فانه ينبغي على كل معقد من اسمه ان يتفاءل خيرا ولا يلوم والديه والبدء بمعاملات تغيير اسمه ويرتجز مثل الفرسان ويقول : ايها الناس انسوني وانسوا اسمي وعنواني ... وعاشت الاسامي.
aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]


177
نحن والسيستاني ..  من يقلد من ؟
د – حسين ابو سعود

بعد  سقوط النظام  البعثي في العراق تعالت اصوات هنا واصوات هناك تتميز بالنشاز تجمعها الطوباية والتهريج والنشاز، وهي تنال  من المرجعية الدينية ممثلة بالمرجع الاعلى السيد السيستاني:-
متى يتكلم السيستاني، ومتى يصدر فتوى الجهاد ضد امريكا ، ومتى يؤلب ضد ايران ، ومتى يحشد الناس ضد تركيا ، ومتى يستنكر موقف السعودية ومتى ينتقص الكويت ، ومتى يستهجن تصريحات الرئيس الفنزويلي ،
لماذا سافر السيد الى الخارج ولم يبق في العراق ، ولماذا تلقى العلاج في لندن ولم يتلقاه في باريس ، لماذا عاد الى العراق بعد العلاج ولم يبق في الخارج، لماذا لا ينتقد الاكراد ويفتي ضد التركمان ويؤلب ضد العرب ،
لماذا تكفل فلان ، ولماذا لم يفت بحل المليشيات ، لماذا لم يصدر بيانا يدين فيه نمور التاميل ويؤيد جبهة البوليساريو.
ولاحظوا باني لم اضع علامات الاستفهام امام هذه الاسئلة  لانها تحتاج الى اكوام منها اخشى نفاذها من الحاسوب.
اقول سيل من التوجيهات (المقدسة) التي تصدر من قبل العلمانيين والمؤمنين والقوميين  والملاحدة ومن السنة والشيعة والعرب والعجم الى مقام المرجع يطلبون منه تأليب اليمين ضد اليسار واليسار ضد اليمين وكأن الرجل كاتب عرضحال يكتب لهم ما يملون عليه مقابل دراهم معدودة ، ولم يبق ايها السادة الا ان تكتبوا انتم ما تشاؤن من بيانات باقلامكم الشريفة  وتطلبون منه تثبيت التوقيع والختم المبارك عليها دون ان يقرأها ، وهذا لن يحدث مطلقا.
 فيا ايها الناس متى ستعرفون بان الامام السيستاني هو المرجع الاعلى للطائفة الشيعية في العالم  وانه يعرف متى يتحرك  فلا  تجبروه على الحركة ويعلم متى يتحدث فلا تملوا عليه ،  وكفى توجيهات لاتتحقق.
وبدأ بعض المثقفين المحسوبين على جهات معروفة بالاصطياد في الماء العكر باشاعة ان السيد المرجع قد توسط في دعم بعض الجهات في الانتخابات  وانه غير راض عن ادائها ، وان الذين دعمهم قد خيبوا اماله تماما وعليه ان يتبرأ منهم علنا ، مع ان اصحاب هذه النغمة يعلمون علم اليقين بان امال السيد المرجع لا تلتقي الا مع امال الجماهير ، وانه يدعو للعراق الكبير وليس لمجموعة دون مجموعة ، وان الرجل الذي اعتبره العالم صمام الامان للشعب العراقي لايمكن ان يكون مع جهة ضد جهة ولن يكون  الا مع الحق ضد الباطل .
كما خرج البعض يطالب بدهاء بفتوى للسيستاني يدعو فيه الى الجهاد ضد الارهابيين ليؤدي ذلك الى اشعال فتيل حرب اهلية لا تبقي ولاتذر ، وكأن السيد منعهم من قتل القتلة لو ثبت انهم قتلة ، واقول من منع الحكومة واصحاب  الشان من قتل القتلة  والمفخخين ومن قال بان تطبيق القانون يحتاج الى فتوى ؟
كل هذا الضجيج المفتعل وكأنه ليس في العراق ساسة وزعماء وعلماء غير  السيستاني وان كان هذا الامر يظهر بجلاء علو مكانة السيد ورفعة مقامه، غير ان هؤلاء يريدونه ان يتبعهم لا ان يتبعونه وهم يعرفون جيدا بان من استطاع العيش في اجواء مكهربة كالتي كانت في عهد صدام يستطيع العيش في اجواء مثلها او اسوأ منها و لن ينجر الى شباك المتامرين ، واذا كانت هناك جبهة واحدة مقابل السيد الامام في العهد البائد فقد تعددت الجبهات الان وهي تعمل يائسة على النيل من المقام العالي للسيد وتوريط المرجعية في امور نأت عنها في مختلف الادوار.
وفي خضم هذا الجو اليائس وامام هذا السيل من التوجيهات اللامسئولة نجد فيضا من الفكر النير  من اقلام منصفة تقطر تفهما واحتراما وتقديرا للمواقف الجليلة لسماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله، حتى دعا بعضهم الى منحه جائزة نوبل العالمية للسلام ظنا منهم بان ذلك سيوفي حق هذه الشخصية المقدسة.
فيا ايها الناس : من يقلد من ؟

aabbcde@msn.com[/b][/size][/font]



178
منصب سيادي للتركمان ليس آخر الطموح

حسين ابو سعود

ان تعيين شخصية تركمانية في منصب نائب رئيس الوزراء أمر مفرح في حد ذاته لأنه جاء نتيجة للجهود المضنية المتواصلة للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق الذي بات واحدا من أهم الأحزاب التركمانية الفاعلة وأكثرها تأثيرا في الساحة السياسية بدفع من قيادتها الحكيمة المخلصة ، ولكن التوصل إلى تحقيق هذا الأمر ليس نهاية لطموح الشعب التركماني ، ولن يكون آخر ما يسعى اليه الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق فالمشوار ما زال طويلا والجهاد ما زال في أوله ، وتلاحم الشعب التركماني مع قياداته المخلصة كفيل بمواصلة الجهاد وتحقيق أماني الشعب في الحرية والكرامة والمساواة.
وكان الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق أول من دعا إلى منح منصب سيادي واحد للتركمان  بالإضافة إلى وزارتين احدهما خدمية والأخرى سيادية ، وان قبول القليل لا يعني التنازل عن الكثير ، ولكنها الحكمة التي يتحلى بها قادة الاتحاد الإسلامي وتغليب مصلحة الوطن على مصلحة الأفراد، وقد شهد الأعداء قبل الأصدقاء على حنكة الأستاذ عباس البياتي الأمين العام للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق وحكمته السياسية المتوافقة مع تعاليم الدين الحنيف في قيادة هذا المركب وسط بحر متلاطم الأمواج وظروف غير مواتية يصعب فيها العمل السياسي ، ولاسيما حالة انعدام الأمن وكثرة أعمال العنف التي ينفذها  الظلاميون والمصلحيون .
ولن يكون ذلك اليوم بعيدا عندما نرى التركمان وقد حصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية والاقتصادية بشكل كامل وصار لهم تمثيل مناسب في الحكومة والبرلمان والسلك الدبلوماسي والسلم الوظيفي في مختلف دوائر الدولة .
ولن يكون ذلك اليوم بعيدا عندما تستعيد مدينة كركوك مكانتها وتأخذ نصيبها من الاهتمام العمراني والاقتصادي أسوة ببقية المدن ويعيش في ظل رخائها وأمنها الأخوة جميعا من تركمان وعرب وكرد وأرمن وآشوريين وغيرهم ، وان التآخي ومنح الحقوق سواسية للجميع هو ما يدعو إليه الاتحاد الإسلامي  ويعمل من اجله على أن ذلك مرهون  بوقوف التركمان بجميع أطيافهم إلى جانب الأستاذ عباس البياتي ومؤازرته والنصح له، ليتمكن من الاستمرار في تحدي الصعاب والعمل مع القوى السياسية الرئيسية الأخرى في البلاد من اجل ضمان الحقوق الأساسية للشعب التركماني ، ونأمل أن تأتي نتائج الانتخابات لصالح الأغلبية من أبناء الشعب العراقي وهو حاصل لا محالة حيث ستتمكن القائمة 555 من إحراز أكثرية الأصوات ويستطيع الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق من خلال موقعه المتميز في الحكم من تحقيق أماني الشعب التركماني .

وفيما يخص المنصب السيادي الحالي الذي ستشغله الدكتورة أنيسة اوجي فهو حدث مهم في تاريخ التركمان وان جاء متأخرا خاصة وان الحكومة الحالية على وشك الرحيل ، ومجئ حكومة أخرى تبقى لمدة أربع سنوات ، وكان البعض يرى بأنه كان من المفروض تخصيص منصب رئيس الجمهورية للتركمان باعتباره منصبا شرفيا بحتا وتقاسم رئاسة الوزراء وهي رأس السلطة التنفيذية ورئاسة البرلمان وهي رأس السلطة التشريعية بين القوتين الأعظم الشيعة والأكراد، كما كان من الممكن تقاسم المناصب الثلاثة الكبرى بين العرب والأكراد والتركمان فيكون منصب رئيس البرلمان من نصيب التركمان.
إن مسئولية انصاف التركمان تقع على عاتق الأطراف جميعا عربا وكردا وسنة وشيعة باعتبار التركمان  القومية الرئيسية الثالثة في البلاد .
وعلى أي حال فان التركمان سيثبتون كفاءتهم من خلال السيدة اوجي أيضا في القيام بأصعب المهمات وفي أعلى مناصب الدولة وهناك مثال حي شاهده العالم اجمع فضلا عن العراقيين وهو معالي وزير الاعمار والإسكان المهندس جاسم محمد جعفر الذي أشاد بكفاءاته الجميع حيث كسب سبق الرهان في كونه مثالا في الكفاءة والنزاهة وحسن التدبير ، وهل تتطلب الوزارة إلا الكفاءة والنزاهة ؟ ، وقدم الدليل الكافي على كون التركمان قادرين على المشاركة الفعالة في السلطة والقيام بأعبائها على الوجه المطلوب .
ولا شك بان الشعب التركماني يستحق التهنئة على هذا المكسب على أمل تحقيق كامل المطالب في ظل الحكومة القادمة التي ستكون ذات شرعية مطلقة باعتبارها وليدة انتخابات حرة نزيهة يشارك فيها الشعب العراقي بكامل أطيافه
.




aabbcde@msn.com
 [/font]

179

أحزان ليلية في رطوبة المحطات

حسين  ابو سعود

الديكور عادي جدا ، شارع عريض، متاجر مختلفة  تغص بالعربي و الأعجمي، وطفل صغير جميل  يمسك بنطاله بيد ، واليد الصغيرة الأخرى امتلأت بطرف  ثوب امرأة ما، ولكن هل هي حقا امرأة ما ؟
 خطواته تتسارع ، يتعثر ، يطلق صرخة كسولة ، تتجاهل المرأة  المارة ، تنحني فتوقف ابنها على رجليه وتنفض التراب عن وجهه وصدره وفخذيه ، وتفتح حقيبتها بعنف فتخرج منها منديلا لتمسح به  انف الطفل المدلل ، ويسقط منها جواز سفر  وقبل ان تعود الى السير ويعود الطفل  الى سيرته الأولى ، تضم جواز السفر الى  صدرها وتمسحه وتكاد ان تقبله قبل ان تودعه ظلام الحقيبة بين قارورة العطر واحمر الشفاه والعملات والكثير من العناوين.

•   *  *  *  *

كنت أقف على كومة من الأحزان ، وأنا ارمق هذا المنظر المألوف ، والثواني بدأت تتلوى ملونة  مثل الثعابين ، استطالت فصارت ساعات مملة.
إيه مساء الزوابع والمطر الأسود
آه من نفسي ومن ذاك الموعد
والانتظار في ليل العذارى السنة نار
والخبز اليابس في ملاجئ الأطفال، أغلى أمنية.

•   *  *  *  *

وتهب الريح ، حمراء عاتية،اختارتني تلك الريح من بين ذلك البحر البشري لتخطفني الى أقبية فسيحة لا سقوف لها ومحطات مهجورة إلا من العناكب ونعيق الغربان .
-   محطة..
أنا الآن في قرية وادعة عجوز ، الفلاحون يهرعون الى الأكواخ مع نسمات العصر الطرية ويتركون الحقول للأشباح والمنفيين ، إنهم يعملون طول النهار وعرضه ولكنهم يبيتون في أحضان الفلاحات والأطفال جوعى ، والحقول تضيق كل يوم والنهر الآتي من الأعالي يهدد بالجفاف ..
الولادات والأعراس والوفيات عندهم مثل حك الرأس وقتل القمل، والليل في تلك القرية كان قصيرا مثل شاب هرم قزم.
وقبل الشروق تركت عند المداخل آلام ظهري والتهابات مفاصلي وحفظت ماء الوجه فطردت نفسي الى حضن الريح من جديد ....
-   محطة أخرى.
الناس هنا يأكلون وينامون ويرتعشون على بعضهم البعض والعمارات عندهم تناطح السحاب والضباب وتضيق على الطيور رحابة الجو .
المال  ثم المال وجداول الإنفاق .
الليل هنا أضواء وأصداء وأشلاء وأغنيات مزيفة
 والنهار مداخن ومطاحن ولهاث وبيئة ملوثة .
جبت كل الأزقة والشوارع ، سألت كل الناس ،
لاجواب ، صمت صاخب ، صخب  صامت ، كل الفنادق محجوزة .
 وقبل ان ارحل ،
ألصقت على الجدران بعض النصائح ، بعرقي المتصبب وبعض اللعاب الذي جف.
وقبل ان ارحل ،
امتزج عطر الشواء ببعض روائحي ..
-   محطة ثالثة...
المدن ذات البوابات، والصناديق المثقلات بالأسرار والحكايات والمصابيح تداعب العطور في الجذور وقطرات الندى تلاعب صفحات الزهور .
-   أنا     ... أين أنا؟
الصدى:
-أنت في ضاحية ..
- أين الناس وما سر هذه الألوان الزاهية ؟
- ......
-كيف شكل الأطفال عندكم ؟ وهل تحب نساؤكم ويحرقهن الشوق الى رسالة؟
-........
- هل فيكم معذب ؟ أين تدفنون موتاكم ؟ أين مقابركم ؟
- ضحكات .. ريح .. هدوء .. ريح .. فزع .. ريح .
وتركت عندهم تمنياتي ورجع الصدى وبقايا أغنياتي .
أردت ان اقرأ لهم بضع صفحات من التاريخ واسمع منهم بعض الحكايات .
أردت ان أريهم الشقوق في باطن  قدمي المتعبتين ، ولكن هيهات فهم صم بكم عمي لا يفقهون ...

•   *  *  *
يا أيتها الأبواب المغلقة  انفتحي .
ويا سماء اهطلي مطرا باردا .
وادفني سحب الدخان ولتغوص ركبتاي في الوحل ..
آه من الانتظار / النار / الجحيم ،
في هذا الطابور الطويل  حيث اللهاث والعرق والتدافع والروائح الكريهة .
سوف يأتي دوري ، ويسألني موظف التأشيرات من خلال الفتحة  الصغيرة عن جواز سفري ووجهتي .
سوف اسكت لأسمع الموظف الذي تضايق من برودة مكيف الهواء
-   من الذي يليه ..
الديكور ما زال عاديا والشارع ليس إلا امتداد لقفار أخرى والمتاجر تفصدت بالسلاسل والحديد .
لا طفل ولا نساء جميلات .
لا شئ في الليل / الدنيا
سوى كلاب سائبة و حارس ليلي نائم ......
aabbcde@msn.com

صفحات: [1]