ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: Dilawer Zengi في 19:07 04/04/2011

العنوان: يوسف ملك علم من أعلام الفكر والسياسة الكلدوآشوري (1899-1959م)
أرسل بواسطة: Dilawer Zengi في 19:07 04/04/2011
يوسف ملك
علم من أعلام الفكر والسياسة الكلدوآشوري
 (1899-1959م)

بقلم: دلاور زنكي.
أن يحب المرء وطنه وشعبه، ويسعى في سبيل أمن بلاده ورخاء شعبه ورفاهيته ويذود عن حمى أرضه فتلك أمور بدهية لا غرابة فيها وليست بدعة من البدع. إنها فطرة في كل إنسان سويّ. وسجية من سجاياه أن يملأ عشق الوطن وحب الأهل قلبه وينعما فكره وإحساسه، وقد يطغى هذا العشق ويتفاقم هذا الحب فلا يبقى في نفسه ومجمل كيانه تعلّقٌ بغير قومه وأرضه وكل ما يمتُّ إليهما بصلة. ولكننا قد نعثر على سيرة إنسان في سفر من الأسفار أو نسمع باسم رجل اتسع قلبه ورَحُبَتْ نفسه فأحب البشرية جمعاء وحمل هموم الإنسانية فنافح عن البؤساء وكافح عن المضطهدين، وجاهد ودافع عن الحقوق المهضومة وانتصر للشعوب الرازحة تحت نير الطغاة الغاشمين. من هؤلاء العظماء الذين قلما تجود بمثلهم الأيام المفكر والسياسي الفذّ "يوسف ملك" الآشوري الكلداني الذي وصفه أحد الكتاب بقوله: "المناضل القومي والمدافع الحر، المستميت في الدفاع عن أبناء جلدته وحقوق جميع المظلومين... ليث بابل ونسر آشور ابن تلكيف البار". لقد كان هذا الرجل العظيم يحامي عن الشعب الكردي ويدافع عن حقوقه وينتصر له بقلمه الذي ينضح جرأة وبسالة ويكتب عشرات المقالات على صفحات الجرائد والمجلات ونبّوه بأحوال الأكراد ويشيد ببطولاتهم وحضاراتهم في المحافل والمؤتمرات العالمية في زمن غابت فيه كلمة الحق واستبدت الأنانية والأطماع والجشع بالميول والنزعات، في زمن لا يبالي أحد بغير منافعه ولا يأبه لآلام الآخرين الملهوفين.
في التاسع من شهر نيسان عام 1931م غادر مدينة بغداد متوجهاً إلى مدينة حلب ليكون شاخصاً في مؤتمر كردي-آشوري يتدارس فيه المؤتمرون أحوال الأكراد والآشوريين. إلا أنه لم يعد إلى بغداد بل توجّه إلى "بيروت" استتب به المقام واستقرت أحواله وبدأ يكتب عن كردستان والشعب الكردي في صحيفته "الوطن" التي أسسها. وفي بيروت كان على صلة دائمة مع آل بدرخان وهم: (جلادت وكامران وروشن) وخاصة الأمير: جلادت بدرخان الذي كان يقيم آنذاك في بيروت يتدارسان ويتداولان الشؤون الأدبية والفكرية والسياسية وكل شأن فيه صلاح الأمة الكردية. وكان يفيض في هذا الموضوع في مقالات باللغة الانكليزية والفرنسية والتركية في الصحف الأجنبية. وكان يجهر بالحقيقة دون تهيّب أو حذر وكان شعاره تغليب الحقيقة والحق على الأباطيل دون مبالاة بالعواقب. وظل يوسف ملك طوال حياته يدافع عن القضيتين الكردية والآشورية بتواز بينهما ويعتبرهما قضية كردستانية واحدة والمسؤول عن اضطهاد الشعبين وقتلهما هو الاستعمار البريطاني.
يقول: "وصلتنا رسائلكم مع الشكر وسننشرها. لا يضايقكم التأخير وأنتم تعلمون أن مجال الأكراد في النشر يأتي في مؤخرة جميع أمم الأرض، لا لأنها أفضل من أمتكم بل لأن غاصبي وطنكم لا يستغلونه لخيرهم إلا عن طريق جهلنا القهري.
يرجى من الأكراد الذين يراسلون رئيس التحرير ويطلبون إليه نشر رسائلهم ان يحذفوا كل مديح وشكر له، وهو يقدر لهم عواطفهم.
ان المديح لا يشجعه، ولا يزيد في عزمه. أنه يعمل لبلاده، وأن أمنيته القصوى هي تحرير كردستان. فإذا تحررت، وستحرر عاجلاً أم آجلاً، ويحكمها أبناؤها وتكون أمنيته الأخرى نقل جثمانه إلى أرض الوطن (أي كردستان).
والله لا يحتاج إلى شهود على صدق ما يقول."

كان المفكر والسياسي يوسف ملك قد نال ثلاث جوائز سنية (أوسمة) من الحكومة البريطانية وبعد أن استبان أن بريطانيا نكثت بوعودها ونقضت عهدها للشعوب المضطهدة في نصرتهم ومدّ يد العون إليهم للخلاص مما يلحقهم من ضيم وهضم لحقوقهم واغتصاب لأراضيهم أعاد الجوائز إلى الدولة البريطانية معتذراً بأنه غير ملزم بقبول جائزة ممن لا تقترن أقواله بأفعاله.

وهذه نص الرسالة:
نشرت هذه الوثيقة في جريدة الوجدان، عدد خاص 333/13 في 4 تشرين الأول عام 1956م.

الأوسمة المعادة
كان رئيس التحرير (يوسف ملك) قد أعاد أوسمته الثلاثة إلى الحكومة البريطانية لأن بعد أعمالها البربرية في قبرص لن تبقى صالحة لترمز إلى حقوق الإنسان أو كرامته وقد توالت إعادة أمثال هذه الأوسمة في أقطار كثيرة.
                                        بالبريد المضمون
20 آذار 1956م.
إلى سفير حكومة صاحبة الجلالة البريطانية في لبنان، بيروت.
يا صاحب السعادة،

أعيد مع هذا الكتاب الأوسمة الثلاثة الأتي ذكرها، الواحد منها يمثل " الحرب العظمى في سبيل المدنية 1914-1919" التي منحتني إياها حكومة صاحب الجلالة البريطانية الملك جورج الخامس. أما الأخرى فهي: وسام 1914-1918، وسام 1920.
أعيد هذه الأوسمة إلى مصدرها الأصلي تعبيراً عن احتجاجي على نفي صاحب الغبطة رئيس أساقفة قبرص، مكاريوس الثالث، وزملائه الثلاثة الآخرين لا لجريمة ارتكبوها بل من أجل دفاعهم عن حق مواطنيهم في تقرير المصير والحرية- هذا الحق الذي طالما نادت به انكلترا ذاتها ووقعت على عهود دولية بهذا الشأن كميثاق الأطلسي.
ان نفي المجاهدين الأحرار المناضلين لخير بلادهم ومواطنيهم لا يتفق قطعاً والمبدأ الذي منحت من أجله هذه الأوسمة، لذلك أردها تمسكاً مني بمبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها وتقديراً لجهاد صاحب الغبطة مكاريوس وزملائه ومواطنيه في سبيل تحقيق هذا المبدأ.
واني يا صاحب السعادة خادمكم المطيع.
يوسف ملك


الجواب البريطاني
السفارة البريطانية: بيروت، 23 آذار 1956م.
(الرقم ميم ألف -101يو-11)
السيد يوسف ملك              ص.ب857 بيروت
سيدي،
أوعز إلي القائم بأعمال سفارة صاحبة الجلالة ان أعلمك باستلام كتابك المؤرخ في 20 آذار الذي أرفقته بثلاثة أوسمة بريطانية.
إننا ستعلم وزير حرب صاحبة الجلالة بقرارك لإعادة هذه الأوسمة وبالأسباب التي حملتك على هذا العمل، وإلى أن نتلقى تعليماته عن هذا الموضوع ستبقى الأوسمة أمانة.
واني سيدي خادمكم المطيع
(ا.جي. غراهام)
المقدم، الملحق العسكري
****

تقول الروائية الداغستانية: "لكثير من الناس أفضال علينا ولكننا قد ننسى أمرهم اذا طال الأمد بيننا وبينهم".
إن للمفكّر الآشوري الكلداني: يوسف ملك و للباحث التركي د. إسماعيل بشيكجي الذي أفنى زهرة شبابه وأمضى سنوات طويلة في السجون والزنزانات التركية وأمثالهما فضلاً ومنة في أعناق الأكراد قاطبة، وعرفاناً ببعض هذا الجميل وجب أن تحفظ ذكراهم في ذهن كل كردي وفكره. وتنقش أسماؤهم على كل الأفئدة وعلى كل ذكرة.

حياته:
ولد في بلدة " تل كيف / تل الحجر"  يوم 15 آذار 1899 . توفى والده ججو فرنسيس عطار وهو في السادسة من عمره فتكفله خواله آل كلوزي الذين دفعوه للتحصيل العلمي، فادخل مدرسة القديس يوسف في بغداد ودرس اللغات العربية والفرنسية والانكليزية والتركية ، ومن ثمّ مدرسة الرشيدية والأمريكان في البصرة حتى عام 1915 ، التحق بالجيش الانكليزي بصفة مترجم وهو في السادسة عشرة من عمره ، بعدها شغل منصب المعاون الشخصي للحاكم السياسي الانكليزي في سامراء وبغداد وأخيرا الموصل. أضطر الى مغادرة بغداد والتوجه الى حلب في سوريا حيث حضر مؤتمرا ( كرديا – آشوريا ) ، ثم ذهب الى بيروت، حيث تعرّف على بعض قياديي ومؤازري منظمة أيوكا التحررية لغرض التعاون وتنسيق الجهود ، خاصة وان هذه المنظمة كانت تقاوم الانكليز من اجل حرية واستقلال قبرص .
في ايلول 1933 رحل الى جنيف لتدويل القضية الآشورية أمام عصبة الأمم، عاد بعدها الى بيروت ليؤسس جريدته المشهورة ( آثرا ) أي الوطن، حيث أصدرها في 15 حزيران عام 1938. باللغات العربية والآشورية والانكليزية والفرنسية.
عندما تسلم حسني الزعيم (كردي الأصل) منصب رئيس الدولة السورية، زاره يوسف ملك بدمشق لتهنئته، فاستقبله رسمياً كاستقبال الرؤساء والملوك، وعرض عليه منصباً رفيعاً في حكومته، فرفضه بإباء كونه منشغلاً بقضية بني جلدته. وقد وعده الزعيم بإيجاد حل منصف لمشكلة الآشوريين الساكنين على ضفاف الخابور، غير إنّ المنية عاجلته اغتيالاً.
في أيار 1956 أتفق يوسف ملك مع صاحب جريدة "الوجدان" السيد: فؤاد البدوي المحتجبة على إصدار أعداد خاصة لنشر الآراء الحرة ومظالم الاستعمار،  فأصدر العدد الأول من جريدته السياسية الأسبوعية " الحرية " بتاريخ 18/كانون الثاني 1957م يدافع فيها عن حق شعبه وشعوب المنطقة المظلومة.
وأخيراً راودته المنية، فاسلم روحه الطاهرة لخالقها في مساء الجمعة الموافق 26 حزيران 1959م.  وأقام أصدقاء الفقيد ومعارفه حفلا ً تأبينيا ً ضم أركان السفارات العراقية والإيرانية واليونانية في بيروت وعدد كبير من الشخصيات اللبنانية الرسمية ومراسلي الصحف اللبنانية والأجنبية وقد افتتحت الحفل الأميرة الكردية روشن بدرخان ثم تعاقب الخطباء يحددون مناقب الفقيد الراحل يوسف مالك منهم المحامي جورج صالحي وابنة الزعيم الآشوري ملكور شليمو والدكتور اديب معوض والمحامي ناظم بطرس (ابن أخ الفقيد) و ريمون لوار نقيب مراسلي الصحف الأجنبية ويوسف كتو وعبد الله الحاج والأب أوغسطين صادق وغيرهم. وهكذا رحل صديق مخلص للشعب الكردي وابن بار للأمة الآشورية.

من مؤلفاته :
1- (فواجع الانتداب البريطاني في العراق ).. باللغة العربية ، طبع في بيروت عام 1932 .
2- (الخيانة البريطانية للآشوريين) .. مجلد كبير باللغة الانكليزية طبع في الولايات المتحدة  عام 1935 ، يعد موسوعا ضخما ومرجعا سياسيا هاما باشر بتدوين مسوداته وهو منفي في قبرص ثمّ أكمل فصوله في جنيف، ترجمه إلى العربية الأستاذ يونان ايليا يونان عام 1981 .
3- (سميل مقبرة الجبابرة المغرر بهم) .. نشره باللغة الانكليزية عام 1938 وترجمت الى الفرنسية.
4- (كردستان او بلاد الأكراد) .. باللغة العربية صدر عام 1945 وهو بحث سياسي حول القضية الكردية وحقوقهم .
5- (خليفة إبليس) ..  باللغة العربية صدر عام 1945 يتناول فيه فريقا خطرا من الدجالين والمشعوذين بالمنطق بأسلوب لاذع .
6- (قبرص وبربرية الأتراك في القرن العشرين )... كتاب سياسي صدر عام 1955 تناول المؤلف فيه بالبحث المشكلة القبرصية والحوادث الدامية التي وقعت في استنبول وأزمير ليلة 6-7 أيلول 1955 .
7- (ذكرى الأمير جلادت بدرخان) .. وضعه بالاشتراك مع المحامي منصور شليطا في تموز 1952 تخليدا لذكرى مرور عام على فقدان صديقه الأمير الكردي الكبير (أمير بوتان) باعث النهضة الكردية القومية والسياسي المحنك واللغوي الضليع .
8- (في ذكرى الدكتور فيليب عبده مبارك) .. كراس خاص لتخليد صديقه .
9- (من هو عبد الله الحاج) .. كتاب يتناول تاريخ حياة وسيرة صديقه النائب الجرئ والخطيب المفوه عبد الله الحاج الذي رددت قاعة البرلمان اللبناني أصداء خطبه النارية .

المصادر:
-رواد من الشرق والغرب: يوسف ملك جندي مجهول تيه قومه/يوسف ناظر/ مجلة القيثارة العدد (107) لسنة 12/1997م.
-سمكو الجباري، جريدة الأهالي العدد الثالث، السنة الأولى، الاثنين 1 تموز 2002 م. وهي جريدة سياسية ليبرالية مستقلة تصدر عن منظمة أصدقاء الديمقراطية-العراق.
-فاروق كوركيس، يوسف ملك الكاتب والمفكر الكلدوآشوري (1899-1959).
- جريدة الوجدان، عدد خاص 333/13 في 4 تشرين الأول عام 1956م. صاحبها ورئيس تحريرها: فؤاد البدوي. المدير المسؤول: اسكندر البستاني. رئيس تحرير القسم الخاص: يوسف ملك. بيروت- لبنان.