عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - كفاح محمود كريـم

صفحات: [1] 2
1
مقارنات حضارية للبحث عن الخلل!
كفاح محمود
    في خضمّ المراوحة التي تعيشها معظم بلداننا في الشرق الأوسط منذ مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، والمتمثل ببطئ تقدمِها إلى الأمام وفشلها الذريع في تطوير مؤسساتها وتنمية الإنسان فيها، تتبادر إلى الأذهان والألسن مقارنات بينها وبين مجموعة دول أخرى لا تختلف كثيراً عنها؛ مقارنات تنتج أسئلة تبحث عن إجابات رغم أن الأمر لا يتعلق بتلك الإجابات الإنشائية أو التبريرية في معظمها، بل هو البحث عن مكامن الخلل البنيوي الذي يتعلق بجملة من المرتكزات في البناء والأسس والتركيبات التربوية والاجتماعية وربما العقائدية، وما يلحق بها من عادات وسلوك متوارث، ناهيك عن التأويلات والتفسيرات لكثير من النصوص والعقائد والنظريات في مجتمع قَبَلي وأسري يرتبط عضوياً بالبداوة والزراعة، وما يتعلق بهما من قوانين وضوابط وارتباطات؛ ولذلك ذهبنا إلى محاولة لمقاربة مجتمعات هي الأقرب في ظروف تكويناتها وطبيعة تركيباتها الاجتماعية والاقتصادية.
   فعلى سبيل المثال، الثورة الصينية التي وقعت في 1949، وكانت بحق حدثاً مهماً في قارة آسيا، تبعها بعد سنتين حدث لا يقل أهمية في قارة أفريقيا ألا وهو الثورة المصرية عام 1952م، والثورتان حدثتا في مملكتين من أعرق ممالك التاريخ، مملكة مصر وارثة ممالك الفراعنة أعظم حضارات الدنيا، وممالك الصين وحضاراتها الغائرة في أعماق الزمن، والمثير أنّ الثورتين الصينية والمصرية تصنفان على يسار الحركة السياسية في العالم آنذاك، وهناك الكثير من التشابهات بين الدولتين والشعبين فيما يتعلق بالتاريخ والحضارة التي تمتد في كليهما إلى عدّة آلاف من السنين، إضافةً إلى التشابه في نسبة الفقر والأمية العالية قياساً لكثافة السكان، مع انخفاض مريع لإنتاجية الفرد والمجتمع إبان قيام الثورتين،
   وربما بعدهما بسنوات ليست طويلة ما حدث في كوريا ثم قيام الثورة العراقية في تموز 1958م والكثير من التشابهات بين هذه الدول وأنظمتها الاجتماعية المحافظة وما جرى فيها خلال عدة عقود من الزمن المزدحم بالإنجازات في بعضها والمتقهقر في بعضها الآخر. ورغم أن مجموعة دول الصين وملحقاتها في تايوان وهونغ كونغ، وكوريا وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، خاضت حروباً وصراعات كثيرة، لكنها رغم ذلك وبعد ما يزيد على سبعين عاماً بقليل استطاعت أن تُحدث تغييراً نوعياً كبيراً في مسار تقدمها وشكل ومضمون حضارتها، وبالذات في الصين العظمى والصغرى في تايوان والأصغر في هونغ كونغ، وما حصل من تطور مذهل في كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، ومقارنة مع مجموعتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عما حصل خلال ذات الحقبة الزمنية من تقهقر مريع وحصاد هزيل في بلداننا، ندرك البون الشاسع بين دولنا وأنظمتنا وبين تلك المجموعة التي كما قلنا لا تختلف ظروف تكوينها وموروثاتها وكيف غدت دول مثل العراق وسوريا ومن ماثلهما من أنظمة ودول بقياسات زمنية واجتماعية وسياسية متقاربة قياساً إلى ما حدث في الصين الصغيرة منها والعظمى، وما نتج في كوريا وكثير من بلدان جنوب شرق آسيا التي لا تختلف كثيراً عن دولنا وشعوبنا.
   هذه المقارنة وما تنتجه من أسئلة تقودنا إلى البحث عن مراكز القوة في المجموعة الأولى التي أنتجت لنا تقدماً مذهلاً خلال هذه السنوات السبعين في كل من الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، وفي الطرف الآخر، أي في مجموعتنا هنا في الشرق الأوسط عموماً، وحصرياً في دول الحضارات القديمة، أين تكمن نقاط الضعف والخلل التي تسببت في هذا الانهيار والتقهقر والانكفاء؟
   وكما يقول الأطباء فإن التشخيص نصف العلاج، خاصة عند إجراء مقارنة بين الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية مجموعتنا في الشرق الأوسط والتي تتشابه كثيراً في طبيعة مجتمعاتها وأوضاعها، هذه المقارنات قد تقودنا في رسم خارطة طريق للأجيال القادمة لا تعتمد ذلك الكم الهائل من الموروث المربك والمعيق وما يلحقه من عادات وتقاليد ونظريات وتأويلات اجتماعية ودينية أثبتت فشلها على أرض الواقع، وكان الاعتماد عليها سبباً رئيساً لفشل كل أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وحان الوقت رغم كل ما جرى أن نعتمد مرتكزاً أساسياً للتقدم دونما شعارات رنانة ألا وهو التعليم الحديث والتأهيل البشري ضمن سياقات حضارية معاصرة لا تخضع لتلك الموروثات التي أثبتت فشلها في حياة شعوبنا وأنظمتنا.
kmkinfo@gmail.com

2
الشعوب وصناعة الأصنام البشرية
كفاح محمود
   لقد ورثت النخب السياسية التي تولت الحكم في العراق بعد 2003 تراكماً سلوكياً وفكرياً وأنماطاً من الممارسات التي كان يمارسها الرئيس السابق صدام حسين ويستخدمها مع تمتعه بكاريزما عالية مدعمة بقوة وشدة في التعامل وإفراط في الإنفاق من المال العام، حتى أصبح بنظر العراقيين وغالبية الشعوب العربية إمبراطوراً يمتلك كل مقدرات العراق وله حق التصرف بها لوحده دون غيره.
   هذا الإرث وغيره من الموروثات التاريخية تحول بدراية أو بدونها الى سلوك لدى كثير من الزعامات السياسية التي تبلورت خلال العقدين الماضيين، وأصبح جزءاً من ممارساتها اليومية في تقليد شخصية صدام حسين أو غيره بوعي أو كشعور انعكاسي وتحصيل حاصل لتراكم تاريخي من الحكم الفردي والشمولي المتكلس في الذاكرة الفردية والاجتماعية، ورغم أن صدام حسين في تاريخنا المعاصر يكاد أن يكون الأكثر تميزاً في هذا السلوك الطاغي في الفردية المطلقة إلا أن جولة سريعة في دهاليز التاريخ القريب والبعيد سنجد فيها المئات من أمثاله في مجتمعات مثقلة بالتخلف وغياب الوعي إلى درجة أن كل ما حدث في العراق وفي العديد من البلدان المتشابهة معه من تغييرات ترقيعية في النظام السياسي لم تزل تلك المتكلسات المتوارثة في التفكير والسلوك، بل ربما زادت اكثر في توالدها منذ تحطيم الأصنام الحجرية التي صنعها الانسان قبل آلاف السنين بديلة لرب يعبده أو قوة يخشاها أو مرجع يعود إليه في انكساراته وهزائمه حتى يومنا هذا، حيث تم استبدال الحجارة بالإنسان في صناعة الأصنام!
   هذه الصناعة بحد ذاتها هي عملية بحث عن ملاذ او ملجئ يهرب اليه الفرد والمجتمع من حالة الانكسار للخلاص من التردي المتراكم، ولعلنا نتذكر قصة الحذاء الذي قذفه أحد الصحفيين بوجه الرئيس الامريكي في بغداد وتهافت كل وسائل الاعلام العربية على ذلك الحذاء الحدث الذي حولته خلال ساعات إلى رمز من رموز المقاومة والوطنية، وحولت الصحفي إلى شخصية تكاد تنافس عنترة بن شداد في ذاكرة التراكم الانكساري!
   وبجولة سريعة في تاريخ منطقتنا المعاصر نرى أن هزائم الحروب في أربعينات القرن الماضي أفرزت ثورة مصر وزعيمها الرئيس عبدالناصر، كما أنتجت هزائم حزيران عام 1967م صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي، وأخيرا انتجت ماكنة الهزائم بعد اجتياح لبنان وسقوط بغداد العشرات من المنظمات المتطرفة والميليشيات وزعمائها التي تعمل ليل نهار في تخدير شعوب هذه المنطقة وسوقها الى أتون حروب مدمرة وانتكاسات جديدة كما حصل في هزيمة حزيران وحرب الخليج الثانية وسقوط بغداد وتدمير لبنان واخيراً ذبح غزة من الوريد الى الوريد تحت شعاراتهم وعنترياتهم الفارغة التي جاءت كالعادة صدى لتلك الماكنة الإعلامية العوراء التي تستهين بعقول الناس كي تحول تلك الهزائم المخزية الى انتصارات وهمية تشبه ذلك الانتصار البائس في حرب الخليج الثانية وجعله (ام المعارك) بعد تدمير العراق بالكامل، واعتبار تدمير غزة وقبلها لبنان انتصاراً لفرسان الأمة ومجاهديها؟
   إن إطلاق وتداول تسمية الرئيس أو القائد على رؤساء مجموعات مسلحة وميليشيات وأحزاب واختزال الشعب أو الأمة فيها، هو بحد ذاته انعكاس لشعور داخلي متأثر جداً بسلوك صدام حسين وأمثاله في التاريخ، وهي أيضاً بداية عملية تصنيع أصنام بشرية وإدامة ثقافتها في بيئة نفسية واجتماعية لم تتغير بإسقاط نظام صدام حسين، وما زالت تعاني من تراكمات نفسية واجتماعية أدت الى الفشل في تكوين دولة ونظام سياسي معاصر تسوده القوانين وأسس الدستور تحت مظلة المواطنة، حيث بدلاً من إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع والدولة لجأت تلك الأحزاب والمجموعات والأفراد تحت مطرقة تلك الأنظمة الفاسدة وتراكماتها وبغياب الوعي وتسيّد النظام القبلي والمذهبي وانتشار الفساد المالي والإداري إلى تقزيم الدولة بمجموعات مسلحة وميليشيات تتزعمها شخصيات مافياوية تحولت الى حيتان للفساد الذي ينخر مفاصل الدولة والمجتمع.
   لقد اثبتت تجارب الشعوب أن إقحام الدين ورجالاته والقبيلة ورموزها وأنظمتها في تكوين وإدارة الدولة سيربك عملها ويزيد الفجوة بينها وبين بقية مكونات وتوجهات الشعوب، خاصة وان القبيلة كنظام اجتماعي في مجتمعاتنا محل احترام وتقدير له ولرموزه حاله حال الدين وقدسيته، ولذا فالنأي بهما عن الدولة والسياسة سيحفظ لهما مكانتهما ويبعد الدولة من ارهاصات تشابك وتشتت مراكز القرار ومن ثم اضعاف سلطة القانون والدولة واقحام هذين المكونين في الاعيب السياسة واداء الدولة، ولعل في تجارب دول أوروبا وأمريكا واليابان وكوريا دروس تؤكد أن طريق الخلاص يبدأ بالعلم والمعرفة والتربية الحقة وبناء دولة السلام والعدالة والعلم بعيداً عن هذا الإرث المتكلس في ذاكرة وسيكولوجية هذه الشعوب.
kmkinfo@gmail.com

3
مَن يُصلح الملح إذا فسِد؟
كفاح محمود
   لا تكاد جلسة أو سهرة أو لقاء يخلو من حديث عن الفساد والإفساد، فأينما وليت وجهك في وسائل النقل أو المقاهي والمناسبات وفي الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة، حيث امتلأت بالدراسات والبحوث عن ظاهرة ظنّ البعض إنها ولدت للتو، بل ونسي الكثير بأننا في بلاد يزدحم فيها القيل والقال وكثرة السؤال، وتعج فيها أشكال وألوان من الفساد المتراكم ليس اليوم بل عبر حقب التاريخ وغيومه المدلهمة ككتل الليل الظلماء، كما أن هذا المطر الملوث بالسحت الحرام لم يهطل في هذا الشتاء فقط، ولم تلد الفضيلة اليوم كي تعادي الرذيلة بشكلها المزركش والمعاصر، إنه صراع محتدم بين الأخلاق العليا والأخلاق الدنيا، بين عزة النفس ودناءتها، وأكوام من التربية الفاسدة وحقب من الحكم الأعرج، وأكداس من الموروثات التي تبيح المال العام وتستسهل الاغتناء دون القيم والنبل؟
   منذ البدء كان الفساد إنسانياً يبدأ في البيت والمدرسة وينتهي في دوائر الحكومة من القاعدة حتى الهرم ولا ينتهي في دهاليز السجون وغرف الإعدام، لأنه في الأساس إنتاج تربية منحرفة مذمومة رغم كل ما يحيط بها من زركشة وتجميل وإغراء في السلطة والمال والنساء، فهي أساس النخر في أبدان الدول والكيانات كما هي علة النفس والروح حينما يسقط الإنسان عن مجموعة ما فطر الله به خلقه من عزة في النفس وطهارة في القلب واليد.
   هذا الزمن القاتم ينتج سيلا من الأسئلة المرة عن الفساد والافساد في دول ورثت أقدم حضارات الانسان، لكنها عجزت من أن تضع لها قانونا يحترمه الجميع ويؤمن به ويطبقه، عجزت عن مسائلة أي موظف مسؤول أو وزير أو حاكم يتقاضى معاشاً لا يتوافق إطلاقاً مع حجم قصره أو عمارته أو عدد سياراته ونفقاته وغنائه الفاحش خلال سنوات قليلة جداً ولا يُسأل عنها أو يُحاسَب؟   عجزت عن محاسبة كيفية تحول الوزارات الى ممالك وإمارات أما للأشخاص وعوائلهم وعشائرهم وأما للأحزاب دونما الوطن والشعب، حيث يتصرف المسؤول وزيراً كان أو نزولاً لأصغر مدير، كأمير أو مالك لتلك الوزارة أو الدائرة متنمراً ومشعراً المواطن بأنه ذي فضل عليه أو أنه أعلى شأناً منه علماً بأنه ما تمّ توظيفه إلا لخدمة هذا المواطن؟
   في طوفان الفساد هذا وفي لحظة من صحوة الضمير وفي الانتشاء قال أحد كبار الفاسدين، لقد سرقتُ وأنا تلميذٌ صغير طباشير من الصف، ثم ذات سنة وأنا ما زلت دون الثانية عشرة من عمري سرقت مدفأة نفطية من مدرستي يوم الجمعة وأخذتها للبيت، رحبت بي أمي وشعرتُ بأنها سعيدة جداً، لم تسألني من أين أتيت بها ولم يسأل والدي عن مصدرها حينما عاد إلى البيت، أحسست بأن الأمر عادي وقد أسعدتهما بذلك!
وفي سقوط نظام الرئيس صدام حسين تجلى هذا الانحراف الجماعي بشكل واضح وامام مرأى الجميع، وفي خضم عمليات السلب والنهب العلني شاهدتُ أحد الموظفين الذي كان يؤم المصلين أحياناً بغياب الإمام، قد ملأ سيارته البيك آب بمقتنيات من أحد المعسكرات القريبة من بيته قلت له ما هذا يا رجل: أجابني وهو فرح بأنها غنائم(!) وهنا الالاف ان لم يكونوا مئات الالاف فعلوها في أنفالات* كوردستان وغزوة الكويت وقبلها فرهود اليهود وأخيرا فرهود العراق!
   لم تأت هذه السلوكيات من فراغ بل جاءت كناتج متراكم لمنظومة تربوية اجتماعية متوارثة عبر الأجيال، لا ترى السرقة عملاً دنيئاً ولا الاختلاس أو نهب المال العام جريمة مخلة بالشرف، وتدرك شعوب منطقتنا إن معظم عمليات النهب والسلب التي جرت في تاريخ بلدانهم منذ الغزوات وحتى اليوم، نتيجة لتلك الموروثات المتأصلة إلا من رحم ربي، حتى أن فاعلها لصاً كان أو فاسداً أو مرتشياً أو مختلساً كان يعتبر إنساناً شجاعاً يتباهى بلصوصيته كما يتباهى اليوم فاسدو الدولة بما جمعوه من سحت حرام معتبرين عملهم فرصة العمر في تحصيل الأرزاق!؟
أين الحل وما سبيله؟
   سؤال أكثر إيلاماً من إجابته التي يحتار المرء فيها مع تلاطم أمواج الفساد تحت حكم نظام سياسي فاسد من أخمس قدميه حتى قمة رأسه، فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح القاضي والجلاد شخص واحد، وغدى الفساد وينابيعه وأسباب انتشاره اقرب للمشروعية والمقبولية الاجتماعية،  واختلطت احاديث الجميع فاسدين وغير فاسدين، في هستيريا الاستعراض والقيل والقال من حديث العامة والخاصة دونما إيجاد حل لإيقاف هذه الحمى النزفية التي تنخر الأجساد والكيانات، وتحيل الأوطان الجميلة إلى مساكن هزيلة وفنادق بائسة يضمحل فيها البشر ويهزل؟
وفي خضم هذا الطوفان هل ما زال الملح نقيا أم جرفته أمواج الفساد فتلوث؟
وهل ما يزال الكي آخر العلاج أم انه سيحرق الأخضر واليابس!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•   الأنفالات: تسمية أطلقها نظام الرئيس صدام حسين على حملات عسكرية لإبادة الكُرد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وذهب ضحيتها 182000 مائة واثنين وثمانين ألف مواطن مدني معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
kmkinfo@gmail.com

4
الديمقراطية القلقة بين السلطة والمجتمعات المضغوطة!
كفاح محمود
  تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.
ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات.
  وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.
   لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.
  وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف.
  وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم.
  إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي  كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.
kmkinfo@gmail.com

5
العشوائيات السياسية والمعارضة الهجينة!
كفاح محمود 
    كما في العشوائيات السكنية التي انتشرت حول المدن الكبرى في العواصم والمدن والتي استولت على مساحات واسعة من الأراضي والممتلكات العامة في غياب سلطة القانون واضمحلال العدالة الاجتماعية وضعف الدولة، والتي ضمت أناس بسطاء من بيئات مختلفة غالبيتها ممن يصنفون تحت سقف خط الفقر او الحالمون بتملك تلك الأماكن بنظرية واقع الحال، او ممن تركوا بيئاتهم الاصلية ونزحوا أو هاجروا الى تلك العشوائيات السكنية والسلوكية أملا في تحقيق هدف مرتجى خارج سياق القانون وبفرض واقع الحال.
   اردتُ بهذه المقدمة أن ادخل الى واقع آخر لا يختلف كثيرا عن تلك البيئات التي أنتجت هذه العشوائيات، حيث الأوضاع السياسية التي أنتجتها عمليات التغيير القيصرية في غالبية دول الشرق الأوسط الموبوءة أصلاً بضعف سلطة القانون وتخلخل العدالة الاجتماعية، من ارتفاع مستويات خط الفقر المدقع مع انخفاض مريع في الوعي والتعليم، يتم تدمير الناتج القومي واستهلاكه في بناء ترسانات أمنية وعسكرية وأسوار من هياكل الحماية للنظم السياسية ومفاصلها، هذه النظم التي تحولت وبالذات جمهوريات الانقلابات ودول الربيع العربي المخدرة بالديمقراطية المستوردة إلى عشوائيات سياسية واسعة، انتشرت فيها أنماط عديدة من النظريات الفكرية والسلوكية التي بلورت نمطاً من الديمقراطية الفوضوية والعشوائية الناتجة من طبيعة مجتمعاتها ذات الإرث المتكلس من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية التي تجمعت فيها هذه الفعاليات السياسية ومن مختلف الشرائح والطبقات والتوجهات، القبلية والقومية والدينية والمذهبية ومن كل الطبقات الاجتماعية.
   هذه الديمقراطية التي تم إنزالها بمظلة خارجية فوق مجتمع تركزت في مفاصله موروثات اجتماعية قبلية ودينية تتقاطع تماما مع هذا الأسلوب في الحياة الاجتماعية والسياسية، وخير دليل على ذلك التجربة الديمقراطية الأخيرة في العراق منذ عقدين من الزمان، ناهيك عن تجربتي تركيا وإسرائيل اللتين فشلتا في الخروج من قوقعة القومية المفرطة والدينية المتزمتة، التي لم تنجح في خلق مجتمع مدني حديث يقوم على مبدأ المواطنة الجامعة، بل حصل العكس، حيث الافراط في العنصرية والتشدد الديني سواء في تركيا او إسرائيل، ومن ثم في العراق حيث انتجت التجربة كائنا سياسياً مشوهاً ووضعاً اجتماعياً قلقا اختلطت فيه تلك المصطلحات المستوردة مع المتكلسات الوراثية في بنائه الاجتماعي والديني المحافظ. إن مفهوم المعارضة في التجربة الجديدة سواء في كوردستان التي استقلت ذاتيا سنة 1991م والعراق عموما منذ 2003م هو الاخر انتج ضمن البيئة الاجتماعية وموروثاتها القبلية والدينية كائناً سياسياً هجيناً لا مثيل له حيث تشترك الأحزاب المتنافسة جميعها في السلطة، وتقوم في ذات الوقت بدور المعارضة وهي شريكة أساسية في الحكم ومخرجاته وامتيازاته، خاصة في ابتداع نظام المحاصصة الوظيفية والمناصبية، وعلى مختلف مستويات السلطة، حيث يمارس الجميع الحكم والاستئثار بعطايا وامتيازات الدولة المشرعنة من السلطة التشريعية بشكل مريع جدا، ناهيك عن ان كل هذه الأحزاب والمكونات عبارة عن دويلات لديها دكاكينها الاقتصادية وأذرعها العسكرية (الميليشيات).
   ولا تختلف بقية الأنظمة التي انبثقت من الانقلابات أو من التغييرات الفوقية بمساعدة الدول العظمى عن التجربة العراقية في ممارساتها ومضمون تفكيرها ٳلا بالعناوين والأسماء، وقد أضاعت فرصة ذهبية لبلورة معارضة وطنية تحت ظلال المواطنة الجامعة، حيث تتكالب كل القوى على اقتطاع جزء من الدولة لتحويلها إلى دويلة وبقرة حلوب، حتى وصلت الأمور إلى درجة بيع وشراء المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية بما يمنع قيام أي شكل من أشكال الدولة الحديثة، بل على العكس أصبحت الدولة في هذه البيئة التي تهيمن عليها ثقافة القبيلة والطائفية والمناطقية عبارة عن غطاء أو إطار لهذا الشكل المشوه سواء في العراق أو في بقية هذه المنظومة من الدول التي تحتاج إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي وفي كثير من المفاهيم والنظم الاجتماعية أكثر من حاجتها إلى تداول السلطة بأدوات مشبوهة وصيغ لا تختلف في مخرجاتها عن طبيعة الأنظمة الدكتاتورية.
   ما يتم ممارسته اليوم في هذه المجموعة من الدول التي اجتاحتها عواصف التغيير المدعوم خارجياً لا علاقة له بالديمقراطية التي عرفناها في الدول الغربية عموماً، رغم أنها ترتدي عباءة الديمقراطية وتستخدم بعض أدواتها في الظاهر وتبطن في داخلها نظاماً شمولياً متشدداً بأدوات دينية أو مذهبية أو عنصرية حتى أصبحت الديمقراطية في بلداننا كالعاهرة المحجبة.



6
الناسُ تتلظى و(العجايا) تستعرض!
كفاح محمود
   لقد كشفت كارثة احتراق قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية الى الشرق من الموصل عاصمة محافظة نينوى، حقيقة أن الدولة لا يمكن أن تأخذ مجراها وقوتها وديمومتها بوجود مجموعات مسلحة وميليشيات مهيمنة على مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وأثبتت تلك المأساة التي راح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، في أول كارثة من نوعها بعد ملجأ العامرية في العاصمة العراقية أبان حرب الخليج الثانية، بأنه حان الوقت لفتح ملفات هذه المجاميع والفصائل المسلحة وما تحتويه من تنظيمات ومافيات وزعامات تخفي وراء وجودها فضائح تزكم الأنوف وهي تستعرض عضلاتها بين الأهالي وتتدخل في الصغيرة والكبيرة في شؤون الدولة بما يعيق ديمومتها ويشيع الفوضى والفلتان على حساب هيبة الدولة ومكانتها.

بعد سقوط النظام بسنوات أبتلي العراق وخاصة المدن بتلك الجماعات والميليشيات التي تمركزت في النقاط التي تدر وتنزف أموالاً كالمنافذ الحدودية والموانئ ونقاط السيطرة الثابتة والمتحركة بين المدن، إضافة إلى الشركات الأجنبية والمحلية والمشاريع بكل مستوياتها وتجارة الخمور والمخدرات والأسلحة، حيث تفرض على الجميع أتاوات وبدل مرور وبدل ما يُسمى بالحماية وضرائب وتبرعات إجبارية، وهذا ما يحصل اليوم من البصرة وحتى الموصل وغرباً من ربيعة وسنجار وحتى عرعر على الحدود السعودية، حيث تنتشر مافيات مسلحة وزعامات ميليشياوية بتجهيزات عسكرية وإمكانيات لا تمتلكها الدولة تُشيع الرعب والإرهاب بين الأهالي وفي تلك المراكز لتفرض هيمنتها على صناديق الأموال والضرائب والدخول والخروج وابتزاز الأموال.

والعجيب أن رؤساء هذه العصابات التي شرعنت نفسها بعباءة أجهزة الدولة ومؤسساتها، يتجولون في المدن والقرى بأرتال من أحدث السيارات وبعشرات من عناصر الحماية مرتدين أزياء تشبه أزياء رعاة البقر في أميركا، بل عن قادة تلك المافيات أطلقوا لحاهم وشعر رؤوسهم وكأنهم قراصنة البحار، علماً بأن غالبيتهم أنصاف أميين وغير متعلمين اشتروا شهادات مزورة من جامعات مشبوهة في لبنان وإيران، وجمعوا حولهم أفواج من العاطلين عن العمل برواتب مغرية في تشكيلات شبه عسكرية من أفواج وألوية بحجة الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب، وأصبحت شماعة الإرهاب واحدة من أهم وسائلهم للإيقاع بأي شخص لمجرد معارضته لهم أو وقوفه بالضد من ارتزاقهم، وهذا ما يحصل في العديد من مدن العراق الغربية والشمالية الغربية وصولاً إلى ميناء البصرة وبقية المنافذ الجنوبية والشرقية مع إيران والكويت والسعودية.

لقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى اقطاعيات مالية ضخمة تساندهم أذرع تنفيذية وقضائية، بل ونجحوا من خلال تلك الأموال في صناعة أحزاب كارتونية امتدت الى كراسي البرلمان، وهذا ما اتضح في كوارث عديدة حصلت خلال السنوات الماضية بسبب حمايتهم للفساد المستشري في مفاصل الدولة وآخرها كارثة قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية إلى الشرق من مركز مدينة الموصل ذي الغالبية المسيحية والتي راح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث أشرت التحقيقات الأولية إلى تورط العديد من زعماء تلك المافيات والميليشيات بشكل أو بآخر في تلك الكوارث، بحمايتهم لأصحاب تلك المشاريع أو مالكين لها أو فاعلين رئيسيين فيها لأغراض انتخابية أو سياسية عدوانية.

إن ما تقوم به هذه المجموعات وزعمائها يذكرنا بالمثل الدارج في الشعبيات العراقية "عجايا والدنيا عيد"* حيث ما يزال هذا المثل يستحوذ على موقعه كأقوى توصيف لفعاليات وسلوكيات وحتى أزياء رؤساء الجماعات المسلحة والميليشيات التي انتشرت ونمت بشكل سرطاني خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد نجاح القوات العراقية والبيشمركة والتحالف الدولي في القضاء على الهيكل الإداري لتنظيمات الإرهاب التي كانت تسيطر على عدة مدن عراقية وكردستانية، وتحول هؤلاء القراصنة إلى أبطال كارتون ونمور ورقية تمثل على مسرح الانتصار على الإرهاب، بينما تقوم بأعمال لا تختلف كثيراً عما كانت تقوم به تلك التنظيمات الإرهابية إلا اللهم بفارق الزي والملابس حيث عرف عن عناصر تنظيم الدولة الزي الافغاني أو الباكستاني، بينما يرتدي أبطال الكارتون من زعماء العصابات أزياء قراصنة البحار وممثلي هوليود في أفلام رعاة البقر.


7
الكُرد ليسوا معارضة بل أصحاب قضية!
كفاح محمود
لم يكن الكرد طيلة تاريخهم المعاصر معارضة سياسية في كل انتفاضاتهم وثوراتهم في الأجزاء الأربعة من وطنهم كردستان الذي تم تجزئته وتقسيمه على اربع دول، ولعل السبب الأهم في عدم كونهم معارضة رغم تصديهم لأكثر الأنظمة شوفينية ودكتاتورية ان أهدافهم لم تكن الوصول الى السلطة في أي جزء من تلك الأجزاء، خاصة وانهم أي الكرد لم يكن لهم سابقا كيان سياسي مستقل او شبه مستقل كي تتبلور لديهم معارضة سياسية على نمط المعارضات المعروفة في النظام السياسي الديمقراطي او الشمولي، وكانت كل احزابهم وجمعياتهم وحركاتهم انما تعمل من اجل تحقيق الهدف المشترك لشعب كوردستان المجزئ في أربع دول ضمت إليهم هذه باتفاقيات استعمارية بحتة وتم حرمانهم من إقامة كيانهم السياسي حالهم حال بقية الشعوب والأمم في العالم، رغم ان تجربة الاقليم الفيدرالي في العراق منذ 1992 حققت كثير من النجاحات لكنها لم تنجح في بلورة معارضة وطنية محلية لكون الإقليم ما يزال جزء من دولة ضمن نظام اتحادي، وكانت الصيغة الانجح هي ائتلاف القوى الرئيسية في الإقليم.
   ودون الخوض المفصل في دهاليز التاريخ وصفحاته المكتظة، فان شعب كوردستان عبر تاريخه المعاصر شهد عشرات الانتفاضات والثورات ضد الأنظمة التي حكمته بعد تقسيم وطنه وتوزيعه على اربع دول هي تركيا وايران والعراق وسوريا، ولكل جزء تاريخ حافل بالانتفاضات والثورات التي نجحت احداهم في النصف الثاني من القرن الماضي وتحديدا في 1946 من إقامة اول جمهورية في شرق كوردستان (ايران) وعاصمتها مهاباد، ولم تمض سنة واحدة حتى تم اسقاطها بتعاون النظام الإيراني مع دول الجوار حوله، وتحولت تلك الجمهورية الفتية الى حركة تحررية فيما بعد امتدت الى بقية الأجزاء حتى تبلورت الى ثورة عارمة قادها الزعيم مصطفى البرزاني في أيلول 1961م حيث استمرت حتى توقيع اتفاقية السلام في 11 اذار 1970 مع الدولة العراقية بعد ان حققت اول اعتراف حكومي بحق شعب كوردستان في إقامة كيان سياسي مستقل ذاتيا، ورغم ما شاب التجربة من انتكاس وانقلاب من قبل الدولة العراقية على الاتفاقية لكنها كانت اول اعتراف رسمي بالكيان السياسي الكردستاني.
   وفي كثير من المؤتمرات او أجهزة الاعلام تنتقد قوى المعارضة السياسية القيادات الكُردية  في الدول التي ضُمت اليها كردستان لتعاملها مع الأنظمة الحاكمة دون أن تدرك بانها ليست معارضة من اجل السلطة او الإصلاح، بل كانت وما تزال تحمل قضية وطن وثورة شعب من اجل الانعتاق والحرية ولآجل هذه الهدف كانت تتعامل مع الجميع حينما تتوفر فرصة للسلام والحوار، والدليل على ذلك تعاملها مع كل الأنظمة التي حكمت العراق منذ تأسيس مملكته على ايدي البريطانيين عام 1921م كحركة ثورية تمثل قضية شعب ووطن تمت مصادرة ارضه لحسابات استعمارية بحتة بصرف النظر عن طبيعة ذلك النظام وشكله وليس كمعارضة سياسية من اجل السلطة او الإصلاح.
  ويتذكر الجميع وخاصة الذين عاصروا تلك الحقبة ان قيادة الحركة الكردية كانت في صراع دموي حاد مع أي نظام من تلك الأنظمة وخاصة في العراق، لكنها حينما تتوفر فرصة للتباحث والحوار كانت تعلن وقف عملياتها والتفاوض معها، حيث أوقفت عملياتها مع النظام العراقي بعد انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم وذلك لمنحهم فرصة للتفاوض، وكذلك فعلت مع عبد السلام عارف واخيه، ثم بعد ذلك مع البكر وصدام حتى 1975 وما تلاها من سنوات مريرة خاض فيها شعب كوردستان حرب إبادة همجية بكافة الأسلحة المتاحة للنظام بما فيها المحرمة دوليا، ناهيك عن القتل الجماعي لعشرات الالاف من المدنيين في جينوسايد الانفال، ورغم ذلك حينما توفرت فرصة للسلام والتفاوض في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ذهب البارزاني وبقية القيادات الكردية الى بغداد عبر بحر من دماء الشهداء لكي تتفاوض على مستقبل كوردستان ووضعها السياسي والدستوري.
  وخلاصة القول فان الحركة التحررية الكردستانية وقياداتها وفعالياتها السياسية لم تناضل من اجل مقاعد في السلطة التنفيذية او البرلمانية التي تهيمن على أجزاء كردستان، بل كانت تعمل من اجل اهداف أخرى لا علاقة لها بما تفعله المعارضة في بقية البلدان، هذه الأهداف التي ترتبط بحق تقرير المصير للشعب وتحرره وتمتعه بالاستقلال حاله حال بقية الشعوب والأمم سواء كان هذا الاستقلال فيدراليا او كونفدراليا او تام، وحتى يتحقق ذلك ستبقى القضية الكردية في بلدان التجزئة من أهم أسباب عدم الاستقرار والتقدم لتلك الدول.
kmkinfo@gmail.com




8
إشكالية المعارضة في الشرق الأوسط

كفاح محمود

   واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملية التحول للنظام الديمقراطي في معظم دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها الشمولية بمساعدة خارجية مفصلية، هي كيفية التعاطي مع قوى المعارضة الجديدة، خاصة وأن غالبية الحاكمين بعد تغيير أنظمة دولهم كانوا معارضين سواء في الداخل وهم القلة أو في الخارج وهم الغالبية وتعرضوا لظروف قاسية سواء من كان منهم يعمل في الجبهة الداخلية او الذين غادروا البلاد ولجأوا الى دول الجوار وانطلقوا منها للعمل، وقسم ثالث لجـأ الى أوروبا او أمريكا للعمل السياسي والإعلامي الذي يتعلق بالرأي العام ومراكز القرارات الدولية، والصورة جلية في كل من العراق وايران وسوريا وليبيا وغيرهم من مناطق أخرى في العالم.
   هذه التحديات توزعت على مجموعة عوامل او مؤثرات أهمها ما يتعلق بعدم تبلور ثقافة المواطنة التي تصدعت وتشوهت بل وتلاشت في كثير من البلدان ذات التنوع الاثني والديني والمذهبي، ناهيك عن التكلسات الشعورية التي أصيب بها غالبية المعارضين من الظلم والاضطهاد والاغتراب من قبل النظم المستبدة والتي تحولت هي الأخرى أي تلك المشاعر لدى العديد ممن اعتلوا دفة الحكم بعد التغيير الى شعور بالانتقام مستخدمين ذات الأساليب في التعامل مع من يخالفهم الرأي الى الحد الذي أصبح الانتقام المنظم ديدنهم بحجة انهم من اتباع النظام السابق!
   وقد تجلى ذلك في سلوك الحاكمين بالعراق وليبيا وايران حيث تعرض اتباع النظم السابقة والمحسوبين عليهم حتى من أقاربهم او أصدقائهم الى عمليات اقصاء وابعاد واضطهاد وظلم كبير وصل الى درجات تجاوزت مستويات ظلم النظم السابقة، واعادت ذكريات بائسة من سلوكيات الأنظمة الشمولية بما أعاق عملية التحول الى النظام الديمقراطي، بل حصل العكس وبدلاً من إقامة دولة مؤسسات وقانون تحولت البلاد الى محكوميات ميليشياوية ممغنطة بفكر شمولي طائفي ضيق وعقلية قومية أو دينية متطرفة، حولت هذه البلدان إلى مراكز تكثف فيها الظلام ففقدت البصر والبصيرة وغمرت البلاد بكم هائل من الدكتاتورية البديلة والفساد!
   ولعل أبشع ما يُمثل التعاطي مع المعارضة بعد تغيير الأنظمة الشمولية تتجلى في العراق وإيران وتركيا حيث مارست الميليشيات العراقية عمليات تصفية لعشرات الآلاف من المشتبه بهم فقط كونهم إما بعثيين أو متعاونين أو متعايشين مع منظمات الإرهاب أبان احتلالها للمدن والقرى، وغدت هذه التهمة حجة كافية لإعدام آلاف من الرجال وتغييب عشرين ألف شخص نسبة عالية منهم دون الثامنة عشر من العمر، ناهيك عما تقوم به إيران في إبادة المعارضين لها في الداخل بل ولم تكتف بذلك فقامت قواتها الجوية والمدفعية والصاروخية بقصف مخيمات اللاجئين من مواطنيها في إقليم كوردستان، وذات الفعل تقوم به تركيا في ملاحقتها لمعارضيها في العراق، أما ليبيا فحدث ولا حرج من الاقتتال والتصفيات على حساب السلم والأمن الاجتماعيين.
   إنها إشكالية معقدة تعود في الأساس إلى فقدان بوصلة التربية والتعليم وأسس بناء الدول والمجتمعات، والفشل في معالجة مخرجات وتداعيات تلك الأنظمة الشمولية وما خلفته بعد انهيارها بعقلية معاصرة وبروح وطنية خالصة، لكن الذي حصل للأسف هو هيمنة العقلية الدينية والقبلية والمذهبية العنصرية المتشددة والمتطرفة في معظم مفاصل الدولة ومؤسساتها التي استخدمت كل هذه الوسائل والأدوات لإنتاج سلطة تشريعية بذات المواصفات، وقد نجحت فعلا في تعطيل القوانين والدساتير لصالح اغلبية أصحاب تلك الادوات وأعرافها البالية وتفسيراتها وتأويلاتها المنحرفة، والتي كانت وما تزال سبباً مهماً لعدم تقدم هذه البلدان ذات الإرث التاريخي والحضاري والثروات الهائلة، حيث التقهقر والبطالة والفساد وانتشار الميليشيات والسلاح والمخدرات.
kmkinfo@gmail.com



9
في العراق تضرب الأمثال وتقاس!
كفاح محمود
   يتمتع العراقيون بكافة مكوناتهم واطيافهم بل ويتميزون عن كثير من الشعوب بوفرة امثالهم التي تعبر عن قصص او حكم او تختصر تجارب ونصائح، ومثلها أيضا ما تسمى عراقيا بـ (الحسجة) التي تتميز بها مجتمعات وسط وجنوب العراق، وهي نوع من أنواع البلاغة في القول والشعر كما أنها تختزل في أماكن أخرى مقولة (إياك أعني فاسمعي يا جارة) بأسلوب فكاهي أو على شكل تساؤل عن بعد، وفي كل المعاني هي وبقية الأمثال صيغ متقدمة من صيغ التعبير عن الرأي وتصوير لقطات واقعية من حركة الفرد والمجتمع.
   وفي مقالنا هذا سنتناول واحد من تلك الأمثال التي تطرقنا اليها في مقال سابق قبل سنوات وهو (لا تطلب الدبس من النمس)، وللوهلة الأولى وأنا استمع لهذا المثل العراقي ظننته يقصد ذلك الحيوان الذي يرعب الأفاعي ويصطادها بسرعة مذهلة، لكنني أدركت فيما بعد أن الدبس والنمس مفردتان شكٌلهما الدارج المحلي للتعبير عن الرجاء الذي ليس في محله، وقد تداولتهما الأجيال في توصيف أولئك الذين لا يرتجى منهم خيراً، والدبس هو عصير التمر المعروف، أما النمس فهي مفردة لها معاني عديدة وما يعنينا واحدة من تلك المعاني وهي النتانة وليس الحيوان المعروف كثيرا في افريقيا وجنوب شرق آسيا، والنماسة تعني الوساخة أي عدم النظافة تحديداً، وهي بالتالي تعني النتانة في السلوك السياسي اذا ما تم تكييفها في توصيف التعاطي السياسي المنحرف!
   وإذا كانت الامثال تضرب ولا تقاس للتخلص من حرج المعني بـ (إياك أعني فاسمعي يا جارة) فإن المستنقع الذي صنعته بعض القوى الممغنطة بالشمولية وعقلية تكثيف السلطة بيد فرد او مجموعات ميليشياوية على غرار ما مر به العراق منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، فأنها هنا تضرب لتقاس على أولئك الذين يصرون على إبقاء كرة المشاكل السياسية تتدحرج لتكون عائقاً امام تطبيق الدستور ومواده الفيدرالية وتمنع ردم الحفر والعوائق امام تبليط الطرق بين بغداد واربيل!
   وما يحصل اليوم من كر وفر ومن جولات مكوكية بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد وتوقيع اتفاقيات وتفاهمات، لا يكاد حبرها يجف حتى يتم الإيعاز الى فرق الأغلبية في البرلمان كي تلغيها وتنقلب عليها، كما حصل في تشريع قانون الموازنة أو قبلها في اتفاقيات كثيرة مع بغداد، لتصبح مهزلة ومسرحية مثيرة للأشجان والسخرية معاً، حيث توهم البعض أن الطاقم الحاكم الحالي في العراق قادر على حل تلك الإشكاليات التي صنعتها الدولة العميقة منذ استحواذها على كراسي السلطة باستخدام سلالم صناديق الفتاوى والطائفية والسحت الحرام وديمقراطيتها العرجاء، ونجحت في تنفيذ مشاريع أزمات واشكاليات لتحقيق الأهداف المنشودة في إقامة نظام أيديولوجي ذي خلفية دينية مذهبية، وإلغاء ما جاء في الدستور، بعد فرض نظام الأغلبية الذي يتيح لهم تشريع قوانين او رفض اتفاقيات مع الإقليم، بل ويطمحون لتعطيل الدستور ومحاولة افراغه من مضامينه الفيدرالية من خلال تجريد الإقليم من صلاحياته بفرض حصار اقتصادي عليه واللعب على معاشات موظفيه وإشاعة الفرقة بين احزابه ومكوناته السياسية.
   إن ما يجري اليوم وتداعيات الوضع الإقليمي يؤكد أن المشهد القادم لن يكون أفضل مما مضى إن لم يكن أسوء، حيث تبلور نظام شمولي فوضوي بأذرع ميليشياوية مشرعنة تمتلك أذرعاً متنفذة في البرلمان ومفاصل الدولة المهمة وجهازها المالي تسبب في انهيار الدولة التي تعود اليوم الى المربع الأول حيث تعجز أي قوة داخلية من إحداث تغيير جذري في طبيعة هذا النظام المعقد كما كان نظام صدام حسين، حيث وقعت البلاد تحت احتلال كان يفترض أن يكون محرراً لكنه للأسف بعد عقدين من الزمان جعل ثلثي السكان يحنون الى وحشية النظام السابق بعد ان غدت دولتهم واحدة من أفشل دول العالم وأكثرها فساداً تحت وطأة حكم نماسة الميليشيات!

kmkinfo@gmail.com

10
الهجرة الى اوروبا واقنعة العبور المرّ
كفاح محمود
   يضطر قسم من المهاجرين الى (الجنة الموعودة أوروبا) اختلاق وتأليف قصص مأساوية من خيالهم الخصب والمتخم بألم مغامرة الرحيل الى تلك الجهة من الكرة الأرضية لتمرير وتبرير لجوئهم، وقد شهدتُ شخصياً حالات كثيرة واستمعت الى الكثير من تلك القصص والروايات التراجيدية، ولعل أكثرها سخرية تلك التي يتقمص صاحبها ديناً ليس دينه أو مذهباُ ليس مذهبه بل وقومية أو عرقاً ليس مما يوصف حقيقته، كل ذلك من أجل قبول لجوئه، ومعظم تلك القصص مبررة للتغطية على حقيقة هجرته وأسبابها ولا أقصد هنا الجميع ولكن هناك ظاهرة متداولة ومبررة لدى كثير من المحامين في تلك الدول وخاصة في أوقات الحروب والكوارث التي تصنعها الأنظمة الطاغية والأحداث الكارثية كما حصل في غزوات داعش الإرهابية ضد المكونات غير المسلمة مثل الإيزيديين والمسيحيين والشيعة والكاكائيين والعلويين وفتح أبواب اللجوء والهجرة لهم في دول أوروبا وغيرها، وقد تقمص العديد من اللاجئين مأساتهم وادعوا انتسابهم لهم، كما قام غيرهم ببهلوانيات أخرى لتمرير عبوره ولجوئه وخاصة أولئك الهاربين من الخدمة العسكرية أو المحكومين غيابيا بأحكام على جرائم جنائية لا علاقة لها مطلقاً بحرية الرأي أو الاضطهاد القومي أو الديني أو السياسي، كالقتل والسرقات والاختلاس والمخدرات وزنا المحارم والاغتصاب، وقد بانت حقيقة كثير منهم بعد سقوط أنظمتهم والاطلاع على ملفاتهم الشخصية، خاصة أولئك الذين عادوا ليمثلوا أدوار المعارضين السياسيين وضحايا الأنظمة الدكتاتورية.
   ومن بشاعة اللعب على الحبلين أن العديد من هؤلاء الممثلين اللاجئين عادوا الى أوطانهم بعد أن حصلوا هناك في بلدان المهجر على مواطنية تلك الدول وتقاعدها، عادوا للبحث عن حقوق مفترضة بل وتبوؤا مناصب مهمة في دولهم الأصلية مع تعويضات خيالية، ولعله من المفيد أن نذكر أن افواجاً جديدة تأثرت بهؤلاء الممثلين البارعين في صناعة قصص للعبور بها الى تلك الجنان على حساب أوطانهم بل وفي كثير من الأحيان حتى على أنظمتهم السياسية بادعائهم أنها اضطهدتهم بينما الحقيقة انهم كانوا أكثر الناس استفادة منها ولم يكن هروبهم ولجوئهم إلا بسبب  تداعيات جرائم اقترفوها بحق المجتمع والدولة وليس بحق النظام السياسي.
   وما حدث مؤخراً من أحد الأشخاص في حرقه للقرآن وادعائه بالاضطهاد إلا واحدة من تلك القصص التي يتم استثمارها وممارستها لإثبات مصداقية القصص المؤلفة للحصول على مواطنية تلك الدول وهي ليست غريبة أو الأولى من نوعها لكن الغريب ردود الأفعال المبالغ بها دون دراية، حيث منحت تلك الردود ذلك الشخص وأمثاله سمة الدخول لدول المهجر وحمايتها، فقد أثبتت تطورات الأحداث في بغداد والاستثمار السيء للحدث بأن من يقف وراء تلك الانفعالات إما يتاجر بشعارات ومزايدات لتمرير برامج معينة لاستثمارها انتخابياً، أو لإعطاء أفواجٍ أخرى من الشبيبة فرصة لاستثمار تداعيات تلك الردود لصناعة قصص جديدة للهجرة، وفي كلا الحالتين لم يستفد من كل ما جرى إلا الذين ذكرناهم آنفا مع مافيات تهريب البشر وأصحاب القصص والمغامرات ومن ينوي تقليدها لاحقاً، ناهيك عن كونها سلماً يستخدمه مهرجو الانتخابات في استثمار تداعياته كحدث سياسي او طائفي او ديني كدعاية انتخابية مبكرة ورسائل تساهم في تكريس أكذوبة حماة الدين والعرض والأرض من متسلقي سلالم السلطة وأدواتها!
kmkinfo@gmail.com




11
هل ما يزال طالب الولاية لا يولى؟
كفاح محمود
   واحدة من أكثر المقولات شيوعا في دولنا حينما يدور النقاش حول تولي أشخاص لإدارات في شتى مفاصل الدولة ومستوياتها هي (الرجل المناسب في المكان المناسب) التي تعكس حالة التذمر لدى الأهالي بسبب تولي مجاميع من الفاسدين والفاشلين او غير المؤهلين لمواقع سلطوية وبأساليب بعيدة عن السياقات الإدارية والتكنوقراطية وفي بازارات يتصارع فيها طلاب السلطة على الامتيازات والتكسب وليس لخدمة تلك المؤسسة او الموقع ومن ثم خدمة الاهالي، حيث يحمي وطيس بازار المناصب في العراق ليصل الى عشرات الملايين من الدولارات للمناصب العليا ومئات الالاف للمناصب الأقل شأنا في مواردها وليس في مكانتها.
   حينما تشتد تلك الصراعات وتتبوء تلك الشخصيات كراسي السلطة والإدارة ندرك عظمة مقولة (لا يولى طالب الولاية) وروعتها في إعطاء صلاحية الاختيار لهيئة رأي أو جهة تشريعية أو حاكم عادل، لكي يمنع ذلك التهافت والمتاجرة بالمناصب التي ابتليت بها بلداننا ناهيك عن التوسط والرشاوى التي ترافق عملية التنصيب بعيدا عن الكفاءات والاستحقاقات المهنية وميزان الرجل أو المرأة المناسب والمناسبة في المكان والمنصب المناسب، ولا شك بأن ذلك هو الطريق الأقصر والأسلم لتحقيق الهدف المرتجى في تقدم مجتمعاتنا وأداء حكوماتنا وإداراتها بعيداً عن الوساطات والبيع والشراء لكراسي السلطة والمناصب.
   ولعل الكثير من المصطلحات الشعبية الدارجة تنطبق على العديد الغالب من متبوئي المناصب في بلداننا وخاصة تلك التي تشبه عريس الغفلة الذي يؤتى به على غرة أو دون سابق إنذار لتزويجه من مطلقة كي يصح إعادتها شرعيا إلى زوجها الأول، أو ربما يؤتى به زوجا لتغطية فضيحة ما، وفي كل الأحوال ليس عليه إلا حمل لقب زوج شرعي لتفادي مشكلة معينة ولملئ فراغ محدد حتى أجل مسمى!
   في معظم بلداننا الشرق أوسطية وخاصة العربية منها ومن شابهها عالم عجيب ورهيب هو عالم المناصب والإدارات على مختلف مستوياتها ودرجاتها وامتيازاتها الكارثية وقد اردت بمسمى عريس الغفلة ان الج هذا العالم المقزز الذي يأتي بالمغامر من حلبات الجريمة أو العصابة أو النكرات إلى أعلى المراتب في الدولة، كما قال عنه ومارسه ذات يوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (نحن نطلق صراح المتهم من على كرسي الإعدام إلى الشارع فوراُ ومنه إلى كرسي الوزارة )، وليس أدل على فوضى المناصب وتقلدها في بلادنا من الانقلابات وما جرى بعدها من أحداث أدت الى دفع أفواج من النكرات والمغامرين وحمقى العسكريين والفاسدين وبقالي السياسة الذين حولوا دولنا إلى هذا الشكل المعوق بعد ما يزيد على قرن من تأسيسها؟
   لقد واجهت شعوب هذه الدول التي انتجت تلك الأنظمة المعاقة سياسيا وثقافيا واخلاقيا وموروثها المشحون بالألم والإحباط واليأس تحديات وكوراث أكبر من تحملها أدت الى قبولها بأي تغيير حتى لو كان خارجياً كما حصل في العراق حيث كانت شعوبه تتأمل خيراً بسقوط نظامه الطاغي وبداية حقبة جديدة يفترض أن تكون بالضد تماماً من سابقتها التي اندثرت مع سقوط النظام، لكن الأمور لم تك هكذا في بلاد قضت أكثر من نصف عمرها تحت ظل أنظمة دكتاتورية وزعماء متخلفين أنتجت أجيالاً وأنماطاً من السلوكيات والثقافة البائسة التي نشهدها اليوم في شكل النظام السياسي وأداء عناصره سواء في البرلمان أو الحكومة ومؤسساتها.
   فقد حملت سفينة الديمقراطية المستوردة مجموعة من الأحزاب وكتلها واصطفافاتها المذهبية والقبلية مئات النكرات والمتخلفين ممن يحملون لقب عريس الغفلة، الذين حملتهم ثقافة البداوة والعقلية العشائرية أو الطائفية المقيتة لكي يكونوا في مواقع بريئة منهم تمام البراءة، وهم يشغلونها بالتأكيد لحساب منظومة المحسوبية والمنسوبية الخارجة بالتمام والكمال عن أي مفهوم للمواطنة والكفاءة والقيادة، فقد امتلأت مجالس الاقضية والمحافظات والبرلمان وكل الوزارات دون استثناء بالمئات من الراقصين على كل الحبال منذ زعيمنا الأوحد وحتى بطل التحرير القومي ومختار زمانه، وهم يقومون بواجباتهم في تدمير البلاد وإفسادها حتى غدت الأكثر فسادا وفشلا في العالم حسب توصيف مؤسسات الشفافية العالمية؟
   بعد عقدين من تغيير نظام الحكم وتطبيق مفترض لنظام ديمقراطي يضع الانسان المناسب في مكانه المناسب؛ يخرج علينا أحد الوزراء معترفا بأنه تلقى مكالمة هاتفية في منتصف الليل من زعيم احدى الميليشيات تبلغه بانه أصبح وزيرا لوزارة يفترض ان يكون وزيرها على اقل تقدير من علماء البلد!
  وتبقى مقولة لا يولى طالب الولاية موقوفة عن التنفيذ حتى يظهر الشخص المناسب الذي يعتلي مكانه المناسب!
kmkinfo@gmail.com

12
الديمقراطية وتنمية الانسان
كفاح محمود
تنهمك الدول النامية وغالبية دول العالم الثالث بوضع خطط للتنمية في بلدانها سواءً أكانت غنية أو فقيرة في مواردها، ورغم أن بعضها حقق نجاحات عمودية في مجالات التصنيع أو الزراعة إلا أن غالبيتها أغفلت جوانباً غاية في الأهمية تلك التي تتعلق بنوعية الإنسان وأدائه الإنتاجي والاجتماعي والسياسي ودوره في عملية التطور النوعي للبلاد في مختلف القطاعات. وباستثناء مراكز المدن المهمة التي تتكثف  فيها الأنشطة الثقافية والسياسية والجامعية، فإن غالبية ما حولها من بلدات وقرى وتجمعات بشرية تعاني من إشكاليات معقدة في نظامها ووضعها الاجتماعي والوطني وما تمتلكه من ثقافة وتعليم، ناهيك عن ارتفاع مخيف في نسبة الأمية الأبجدية والحضارية رغم التقدم الهائل في وسائل التواصل والإنترنت، إذ ما يزال إهمال الدولة والإرث الاجتماعي الثقيل متكلساً في السلوك والعادات والتقاليد المرتبطة منها بالأديان والمذاهب أو بالأعراف الاجتماعية، ناهيك عما تفعله الأميّة والبطالة والفقر المدقع في تشويه وإلغاء مفهوم جامع للمواطنة والانتماء الموحد للوطن، حيث يُذيب الفقر وتدني المستويات المعيشية وانعدام العدالة كل هذه المفاهيم في المواطنة والانتماء والولاء بل يلغيها لصالح مفاهيم وتركيبات أخرى لا علاقة لها بالوطن والأمة.
إن عملية التحول للنظام الديمقراطي ليست قراراً تتخذه هيئة عليا في البلاد أو يتضمنه دستور دائم، بقدر ما هي نهج تربوي وسلوك اجتماعي، وليست ممارسات سطحية لا علاقة لها البتة بالفكر والنظام الديمقراطي، بل إن ما نشهده اليوم في بلداننا لا يتجاوز كونه ديمقراطيات فوقية تحاول اختزال هذا الفكر والنظام بعملية تبادل مواقع السلطة عن طريق الانتخابات التي تخضع لذات الأدوات التي استخدمتها النظم الشمولية في الشرق الأوسط والعالم الثالث في مجتمعات تعاني من ضعف في التعليم وأميّة بأشكالها المتنوعة تسود قطاعات واسعة من الأهالي في المدن وبشكل أوسع في الأرياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها أمية وطنية.
ولا شك بأن هناك عاملين مهمين يعملان على إضعاف واضمحلال الثقافة الوطنية التي هي القاعدة الأساسية للنظام الديمقراطي؛ هذين العاملين يستخدمان كأدوات وسلالم لتسلق السلطة، وهما الشحن الديني أو المذهبي أو التكثيف العشائري، وفي الحالتين يتم مسخ النظام الديمقراطي وإضاعة فرصة لبلورة مفهوم جامع للمواطنة خاصة في البلدان متعددة المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية، حيث تتلاشى فكرة المواطنة أمام الجهالة والضبابية في مفهومها الذي يُقزم البلاد ويختزلها في عرق أو قومية أو دين أو مذهب أو قبيلة أو فرد، وهي برأيي واحدة من امتدادات البداوة وتراكم التخلف والتجهيل المتعمد من قبل معظم الأنظمة التي تسلّطت على البلاد، وذلك من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين خاصةً في العراق منذ قيام مملكته مطلع القرن الماضي وحتى تقزّيمها في حزب أو عرق أو دين أو مذهب؟
إن ما يواجه العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومن ماثلهم في التكوين السياسي والاجتماعي اليوم ليس إرهاباً منظماً وتدخلات مخابراتية وسياسية أجنبية بقدر ما هو هذه الحاضنات الأمية والعقلية المسطحة التي أصبحت بيئة صالحة لانتشار الفساد والعصابات والميليشيات وأفواج من الإرهابيين والقتلة وتجار السياسة والمخدرات، تحت خيمة الولاء الديني والمذهبي والعنصري خارج أي مفهوم للانتماء الوطني الجامع خاصة في بلدان تعج فيها المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية.
بلداننا اليوم بأمس الحاجة إلى تنمية الإنسان وتأهيله وطنياً أكثر من حاجتها الى تنمية في مجالات أخرى، لأن تنميته وتأهيله هي القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها كل تنمويات البلد، وبدونها لا يكتمل إعمار ولا تصنيع ولا إنتاج، إنها حقاً عملية إعادة تأهيل مجتمعاتنا بدءاً من رياض الأطفال وصعوداً حتى البرلمان!
kmkinfo@gmail.com

13
الشرق الأوسط وشماعات الموت
كفاح محمود
   الشمًّاعة وجمعها شَمَّعات أو العلًّاقة وهي قطعة أثاث يمكن تعليق الملابس عليها، والشماعة عبارة عن مجموعة من الخطافات الملحقة بجدار وتستخدم بشكل أساسي لتعليق المعاطف والسترات والسراويل ولتخزين الحقائب والمظلات وعصي المشي والأحذية وغيرها من الأشياء، هذا ما جاء في تعريفها بالموسوعة الحرة (ويكيبيديا)، وهذه الشماعات او العلاقات نجحت الأنظمة السياسية الشمولية في شرقنا الأوسط بتطويرها واستخدامها كوسيلة لإدامة حكمها وديمومته، ورغم اختلافها مع بعضها حد الاقتتال أحيانا، الا انها تشترك في نمط السلوك والتفكير، ومن أبرز ظواهر تلك المنظومة من التفكير والسلوك هو تعليق أسباب تشبثها بالسلطة بشماعات الشعارات التي تداعب الجانب العاطفي للشعوب سواء كان دينياً او مذهبياً او قومياً، وهي تستخدمها أيضا لتعلق عليها كثير من إرهاصاتها وأسباب فشلها أو مبررات قيامها بأمر ما مخالف للقوانين أو الأعراف، لتكون سبباً مقنعاً للتمويه واستغفال الشعوب وإدامة حكمها، وهي بذلك أي تلك الشماعات تكفي لكي تكون مبرراً لاتخاذ أي إجراء أو تمرير أي قانون أو مشروع خارج سياقات القوانين المتعارف عليها دستورياً، ولعلّ أكثر الدول والأنظمة استخداماً لهذه الشماعات نجدها في العراق وسوريا وليبيا واليمن وإيران والعديد من الأنظمة المشابهة لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي السائد في هذه الدول.
   ولعل أخطر استخدام لتلك الشماعات هي التهم الموجهة لمعارضي النظم السياسية خارج إطار القضاء، ففي أواخر خمسينيات القرن الماضي حينما بدأت مرحلة الحكم الشمولي في العراق بمذبحة العائلة الملكية، كانت تهمة أي معارض للنظام هي شماعة الرجعية والعمالة للإمبريالية والاستعمار، ثم تطورت لتشمل القومية والتدين، وكانت العروبة والكردية والإسلامية السياسية تهمة كافية لتعلق صاحبها على المشنقة او التصفية الصامتة، وما كادت أن تنتهي تلك الفترة بانقلاب 8 شباط 1963م حتى بدأت موجة انتقام وحشي وصلت الى درجة إصدار بيان حكومي سيء الصيت اسمه البيان 13 الذي أباح قتل كل معارض للبعثيين وفي مقدمتهم الشيوعيين وبقية اليساريين، وقد أتاح هذا البيان لكل شخص لديه مشكلة مع شخص آخر أن يتهمه بالشيوعية او اليسارية أو المعارضة لكي يتم إعدامه فوراً، وخلال أسابيع من شهري شباط وآذار 1963م غرق العراق في حمامات دماءٍ ومذابح قتل فيها الآلاف من المواطنين لا علاقة لأغلبيتهم بالسياسة وتعليق تصفيتهم على شماعة الشيوعية والإلحاد والمعارضة للنظام.
   إنها شماعات الموت التي حولت البلاد الى صراعات دموية حادة مهدت لحروب داخلية طاحنة في كوردستان العراق ومن ثم مع الشيعة والسنة ايضاً، راح ضحيتها مئات الآلاف من خيرة أبناء وبنات العراق ومن كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والسياسية، لا لشيء إلا لكونهم معارضين او مشتبه بمعارضتهم أو أقربائهم، كما كانوا يصنفونهم حتى الدرجة الرابعة من القرابة، ناهيك عن الحروب الخارجية مع إيران والكويت والتحالف الدولي أدت الى تدمير العراق لعشرات السنين القادمة.
   والمؤلم ان كل هذه الفواجع وحمامات الدم والمآسي لم تنتج معارضة قادرة على إسقاط تلك الأنظمة الا بمساعدة خارجية، كما حصل في ليبيا وأفغانستان وايران وسوريا الى حد ما، وفي العراق تحولت المساعدة الى احتلال العراق وأسقاط هيكل نظام الأنفالات والأسلحة الكيماوية والمقابر الجماعية والجيش الشعبي والأمن الخاص وبقية مؤسسات صناعة الموت، وقد توفرت فرصة ذهبية امام النخب السياسية وشعوب تلك البلدان رغم مرارة الاحتلال لإعادة بناء الدولة والخروج من ظلمات النظم الشمولية، لكن للأسف ورغم النجاحات التي تحققت في عدة ميادين إلا أنها اصطدمت بإرث متكلس من السلوك وطريقة التفكير التي لم تختلف كثيرا عن سابقاتها من الأنظمة، بل ربما تجاوزتها في أحيان عديدة، ليس في العراق فحسب بل في كل من ليبيا واليمن وايران وأفغانستان، وبدلاً من دكتاتور واحد وجيش واحد وأجهزة أمن واحدة، انشطرت الى العشرات حيث فرخت الأجهزة الخاصة بصناعة الموت العديد من الجماعات المسلحة والميليشيات الدينية والمذهبية المتطرفة، وكما تتوالد القطط الشباطية توالدت الشماعات فأصبحت شماعة داعش والبعث والسيادة والحشد المقدس وتحرير القدس والصهيونية والتطبيع والطائفية وكل واحدة من هذه الشماعات ترسل صاحبها الى ما وراء الشمس، وترسل البلاد الى حقبة من الصراعات الأكثر عنفاً ودموية من الأنظمة السابقة.
   وخلاصة القول لقد نهضت اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا بعد حروب طاحنة مدمرة وتحولت الى قوى عظمى خففت من وطأة الاحتلال في إعادة بناء البلاد وإعمارها، لكن ما حصل لدينا وبعد عقدين من الزمان وأكثر من ألفي مليار دولار كناتج قومي، أكد بما لا يقبل الشك بأن ثقافة الشماعات وعدم قبول الاخر بل والإصرار على إبادته متكلسة في النظام التربوي والاجتماعي ليس للنخب الحاكمة فقط بل حتى لدى غالبية المحكومين.
   إن البناء والتقدم ليس في المباني الشاهقة بل في إعداد وبناء العقول الشاهقة!

kmkinfo@gmail.com


14
التغيير الفوقي والبديل المشوه!
كفاح محمود
   ربما كانت إيران وبعدها العراق الدولتان اللتان شملهما التغيير الفوقي أو  الربيع السياسي المصنع الذي استبدل نظامين شموليين في دولتين مركزيتين صارمتين بأنظمة اشبه ما تكون بماكنة تفريخ دويلات تحكمها عقليات شمولية تنافس ما سبقها في الصرامة والعنف وما حصل في إيران والعراق من تعدد مراكز القرار وتشتت مؤسسات الدولة خير دليل على أن البديل لم يكن الا وليداً مشوها صنعته عقود طويلة من الحكم الشمولي المستبد، حيث عانت ولا تزال معظم دول الشرق الأوسط ومن دكتاتور أوحد أو حزب قائد، يفرض ثقافة أحادية لا تقبل الآخر إلا قطيعاً مطيعاً مستكيناً، رغم أن كل عمليات التجميل التي صاحبت هذه الأنظمة بإضافة مؤسسات كارتونية كالبرلمان والمنظمات الجماهيرية وغير الحكومية والأحزاب المستنسخة تحت شعارات سطحية كالديمقراطية والاشتراكية المفرغة تماماً من محتواها كما حصل في العراق وسوريا وإيران وغيرهم منذ عقود.
    وإزاء هذا النمط من محاربة واحتواء قوى المعارضة الحقيقية وإفراغها من مضمونها سواء باستنساخها أو تصفية عناصرها في ظل نظام بوليسي مخابراتي محكم، أدركت أنها غير قادرة تماماً على إحداث تغيير نوعي في طبيعة تلك الأنظمة من خلال العمل المتاح لها في مساحات ضيقة جداً وربما مهيمن عليها، فاختارت واحداً من خيارين إما حمل السلاح وبدء حرب عصابات أو الهروب الى الخارج والعمل من خلال الصحافة والإعلام، وللأسف ومع بعض التأييد لتلك المحاولات إلا أنها هي الأخرى لم تنجح في تغيير تلك الأنظمة حتى تدخل الطرف الثالث (الدولي) كما حصل في كل من إيران وأفغانستان وبعدهما العراق وما تلا ذلك في ليبيا وتونس واليمن وأفغانستان ثانية وغيرها.
    إن ما حصل بعد التغيير الذي أزاح هيكل إدارة تلك الأنظمة لم يتجاوز الفوضى لأنه فشل في تغيير ثقافة المجتمعات التي أدمنت الشمولية في نظاميها الاجتماعي والسياسي، وتم غسل أدمغتها بشعارات وأفكار وسلوكيات طيلة عقود من الزمن، حيث ترسبت فيها أفكار وسلوكيات تلك الأنظمة، وبدأت بعد سنوات قليلة من التغيير استخدام آليات الديمقراطية المفترضة لإيصال مجموعات وكتل طارئة الى مواقع السلطة دونما اختيار حقيقي حر من قبل الشعب، وبتأثير بالغ وهيمنة قبلية ومذهبية بل ومناطقية، ناهيك عن الدور الكبير للمال السياسي وثقافة المحسوبية والمنسوبية التي حولت معظم مؤسسات الدولة ووزاراتها الى إمارات قبلية او مذهبية واجتماعيه من ذات انتماء مسؤوليها، حتى غدا كثير من السلوكيات في تلك المؤسسات أقرب الى صبينة سياسية وإدارية أطاحت بهيبة الدولة ومؤسساتها ورموزها.
    إزاء هذا النمط من الحكم فقد المواطن الكثير من آماله وتطلعاته في نظام بديل مختلف عن الأنظمة السابقة، خاصة وانه واجه بعد التغيير الفوقي صراعا على السلطة بين مجموعات متناحرة تمتلك أذرعا مسلحة مهيمنة وتمتلك أسلحة وتمويلاً خارجياً وداخلياً مما أهلها لتسلق سلالم المؤسسة التشريعية والتنفيذية من خلال هيمنتها على صناديق الاقتراع وإرهاب الأهالي او تخديرهم بشعارات دينية ومذهبية وقبلية أدى إلى إرباك عملية تأسيس نظام جديد حتى وصل الأمر الى أن تحولت تلك المجموعات الى دولة داخل الدولة، تمتلك سجوناً ومحاكم واستثمارات مالية وفرض ضرائب وأتاوات جعلت المواطن المجروح من دكتاتوريات الأنظمة السابقة، يحن اليها بل يتمنى للأسف عودتها الى الحكم الشمولي وقوة الدولة والقانون على حكم مهجن تتقاسمه الأديان والمذاهب والعشائر ومجموعات مسلحة لا هوية لها ولا انتماء الا إرهاب الأهالي والهيمنة على مقدراتهم تحت شعارات مخدِرة، مستغلة العمليات الإرهابية لمنظمة داعش التي أصبحت تمنح هذه المجموعات شرعيتها بغياب الدولة وضعف مؤسساتها العسكرية والأمنية.
    إن المشكلة الحقيقية تكمن في التراكم الهائل لثقافة أحادية وتربية تلقينية ومنظومة اجتماعية تكلست فيها عادات وتقاليد وأعراف تتقاطع كليا مع أي توجه مدني ديمقراطي حقيقي، ولذلك فنحن إزاء تحدٍّ لا علاقة له بطبيعة النظام السياسي بل في النظامين الاجتماعي والتربوي اللذين ينتجان هذه الأنظمة، ويدعمانها بأدوات قبلية ومذهبية وعنصرية.

15
حقيقة السلطات الثلاث!
كفاح محمود
   طبقا لأغلب دساتير العالم تتكون مؤسسات الدولة الرئيسية من ثلاث سلطات هي السلطة التشريعية المناط بها تشريع القوانين ومراقبة السلطة الثانية وهي السلطة التنفيذية التي يقع على عاتقها تنفيذ ما تقرره السلطتان التشريعية والقضائية، اما السلطة الثالثة فهي السلطة القضائية وهي سلطة المحاكم في تطبيق القوانين التي تصدر أساسا من السلطة التشريعية والقرارات واللوائح المنسجمة مع الدستور، ولا شك بأن العديد  من القراء سيقودهم العنوان إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تتكون منها الدولة بالمفاهيم السياسية والدستورية، وبصرف النظر عن طبيعة النظم السياسية في غالبية دول الشرق الأوسط ومن شابهها في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، فإن السلطات الثلاث مجرد أدوات بيد الحاكم وليس المحكوم، وإن ادعا البعض بأن إحداهن أي التشريعية منتخبة من قبل الشعب فهي بالتالي سلطته، على اعتبار أنهم استخدموا صناديق الاقتراع لانتخاب ممثلي الشعب!
  وفي واقع حال هذه الدول وموروثاتها من التقاليد والعادات والأعراف المرتبطة ارتباطا جنينيا مع الدين وتفرعاته ومع النظام القبلي وتكويناته فإن السلطات الثلاث في حقيقة الأمر ليست كما يُعرفها المفكر أو المشرع الدستوري السياسي، بل هي سلطات أخرى بلبوس ومسميات تلك السلطات حيث يكون المحتوى الديني والمذهبي والنظام القبلي ورموزه ومجموعة العادات والأعراف الاجتماعية هي السلطات الحقيقية، بعيداً عن أي مفهوم مهني لتلك السلطة، حيث يحتل المحتوى أعلاه ورموزه من شيخ القبيلة ورجل الدين ومنظومة العادات مكانة القانون في توجيه بوصلة الحكم والفصل في كل القضايا، وما يحصل اليوم من تجارب في البلدان التي أُسقطت نظمها السياسية السابقة كما في العراق واليمن وإيران وأفغانستان والسودان وليبيا تعطي أفضل نماذجٍ لدول سلطات رجال الدين والمذهب والقبيلة والعادات. ورغم أن معظم هذه البلدان عاشت في تاريخها السياسي تحت حكم أنظمة شمولية والعديد منها كان يدعي اليسارية أو الليبرالية أو العلمانية أو الاشتراكية، لكنها أي هذه الأنظمة فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث تغيير أفقي نوعي في تربية وسلوك تلك المجتمعات التي بقيت في تفاصيل حياتها خارج تأثير الحكم تمارس تلك الهيمنة غير المرئية لرجال الدين والقبيلة والتقاليد الموروثة، وبمجرد غياب الدولة إثر سقوط نظامها السياسي نهض ذلك التأثير المتكلس في ذاكرة وعقلية المجتمعات بدون استثناء وهيمنت الأعراف الدينية وتفرعاتها المذهبية والنظام القبلي ورموزه ومنظومة العادات والتقاليد، وكان ذلك جلياً في تجارب كثير من دول المنطقة ومن شابهها في عدة قارات، حيث توغلت سلطة التشريع الديني وهيمنة رجال الدين وشيوخ العشائر وأعرافها على معظم مفاصل الدولة وبالذات الأمنية والعسكرية، حيث بدأت تلك السلطات تدير الدولة من خلال الأحزاب ومصداتها الميليشياوية التي تسلقت سلم الانتخابات بتأثيرات الفتاوى والدعم القبلي وموروثاته في توجيه بوصلة الناخبين، مما أدى الى هيمنتها على أعلى سلطة في البلاد، وبذلك كانت السلطات الثلاث في معظم هذه البلدان لا تتجاوز سلطة الدين والقبيلة والتقاليد والأعراف، تحت عباءة ذات العناوين السياسية والدستورية  للسلطات!
kmkinfo@gmail.com


16
بين الأنفال والرفحاء.. آلام الماضي ومرارة الحاضر!
كفاح محمود
   مرت خلال الأيام الماضية ذكريات مأساوية مؤلمة تعرضت لها البلاد من كوردستانها وحتى وسط وجنوب سهلها العظيم، حيث واجهت شعوب العراق ومكوناته كوارثاً وفواجعاً كبيرة، كانت أكثرها مأساوية تلك التي بدأت بعمليات الإبادة الجماعية للكُرد في سبعينيات القرن الماضي، حيث استهدف النظام الكُرد الفيليين الذين فقدوا عشرات الآلاف من خيرة شبابهم وهجّر الباقين منهم إلى خارج العراق بعد سلّبهم كلّ ممتلكاتهم ومقتنياتهم لا لشيء إلا لكونهم كُرداً، ثم تلى تلك العملية بعد أقل من عشر سنوات حملة إبادة البارزانيين في عام 1983 حيث بلغت أعداد المغيبين إلى الأبد ثمانية آلاف مواطن من الذكور حصرياً، معتقدين باستهدافهم للذكور في هذه العشائر إطفاء قدحة المقاومة والثورة لدى هذا الشعب وإبادة تلك الجينات المحركة للمقاومة والكبرياء.
   وما أن انتهت تلك الجرائم البشعة حتى بدأت مرحلة الأنفال الكبرى وهي إحدى أخطر عمليات الإبادة الجماعية التي نفذها النظام العراقي السابق سنة 1988م في كردستان العراق، وقد أوكلت قيادة الحملة إلى علي حسن المجيد الذي كان يشغل منصب (أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي) وبمثابة الحاكم العسكري مطلق الصلاحيات في المنطقة، وقد أطلق على تلك الحملات اسم (الانفال) نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم، والأنفال تعني الغنائم أو الأسلاب، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم التي أخذت من الكفار بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة، وقد قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي وأفواج ما يُسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام العراقي آنذاك لمحاربة أبناء جلدتهم وقد تضمنت العملية ستة مراحل وانتهت بالمرحلة الأخيرة في منطقة بهدينان في 6 أيلول 1988م، وكانت نتائجها تدمير آلاف القرى والبساتين وتهجير نصف مليون مواطن وإسكانهم في مجمعات وقرى أشبه بالمعتقلات، واعتقال 182 ألفاً من الأطفال والنساء والرجال ونقلهم إلى جنوب ووسط العراق وإبادتهم هناك.
   وفي الجانب الآخر وتحديداً بعد هزيمة الجيش العراقي في الكويت وانتكاسة انتفاضة الجنوب والوسط نفذ النظام حملة ظالمة استهدفت المنتفضين الشيعة وعوائلهم حيث قتل الآلاف من الشباب المعارضين برميهم في النهر، وآخرين ألقي بهم من مبانٍ مرتفعة وتم التمثيل بجثث القتلى بعد إعدامهم، وتعرض آخرون للحرق أو الاغتصاب أو التعذيب، وهو ما دفع آلاف المشاركين في الانتفاضة وعوائلهم إلى اللجوء للمملكة العربية السعودية، التي استقبلتهم في محافظة الرفحاء وبنت لهم مخيماً لائقاً بالقرب من الحدود العراقية، وبقي هذا المخيم موجوداً حتى عام 2006 عندما أغلقته السلطات السعودية، بعد حصول العديد منهم على إقامات في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وهولندا وسويسرا والسويد، وهناك اختلاف في أعدادهم إذ تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود 21 ألف شخص خلال سنوات 1991-2003، فيما تشير أرقام وزارة الخارجية السعودية إلى 35 ألف شخص، واليوم يستفيد من الامتيازات المخصصة لهم أكثر من 150 ألف شخص، حيث منح قانون خاص بهم رواتب لكل من أقام في ذلك المخيم ولو لمدة أسبوع واحد، سواء أكان رب العائلة أو فرداً من العائلة، بحيث تم تحديدها بنحو مليون ومئتي ألف دينار عراقي، إضافة إلى شمولهم بالعلاج والسفر والدراسة المجانية على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، مع منحهم قطع أراض ووظائف لأبنائهم.
   وفي المقابل تجاوز عدد ضحايا النظام السابق من الكُرد الربع مليون شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لم يتم تعويضهم بالمطلق سواء ضحايا الكرد الفيليين أو ضحايا عشائر البارزانيين أو ضحايا حلبجة والأنفال مع تأكيد مواد دستورية بتعويضهم إلا أن الحكومة العراقية لم تعوضهم رغم مطالبات برلمان الإقليم وحكومته ورئاسته منذ 2005 وحتى يومنا هذا. ومن هنا ندرك المأساة الكُردية والتعاطي مع قضاياها حيث الكيل بمكيالين عنصريين طائفيين حرمتهم من أبسط حقوقهم، حالهم حال أقرانهم من المواطنين العراقيين في تعويض ضحايا النظام السابق. وبمقارنة سريعة بين تكريم وتعويض ضحايا انتفاضة الجنوب والوسط مع ضحايا الكُرد في مأساة الفيليين والبارزانيين وحلبجة والأنفال، ندرك حجم الظلم والغبن وحقيقة التفرقة العنصرية المقيتة في التعامل مع الكُرد وقضاياهم، رغم أن الدستور نص على تعويض جميع ضحايا النظام السابق بالتساوي إلا أن ضحايا ومتضرري النظام السابق الذين شهدوا كل مآسي الكُرد هم الذين حرموهم هذه المرة من كل حقوقهم!؟
   وبعد ذلك يأتي مَن يسأل الكُرد:
لماذا الاستقلال أو كما يفهمونه الانفصال!



17
منظمات التوحش والفوضى الخلاقة!
كفاح محمود
    بين إدارة التوحش وإدارة الفوضى الخلاقة شعرة لا تختلف عن شعرة معاوية التي رفض قطعها بينه وبين من يختلف معه، وفي كلتا الادارتين نتائج لا تختلف عن بعضهما الا بالوسائل المستخدمة والعناوين وبعض الشعارات، ففي إدارة التوحش تكون النتيجة هيمنة تلك الإدارة على السلطة وإقامة نموذجها الحياتي، كما يعتقد مؤلف كتاب إدارة التوحش أبو بكر ناجي حيث يقول:
"   أن هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحشة" وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن "إدارة التوحش" إلى أن تستقر الأمور".
   وهي ذاتها الأهداف في إدارة الفوضى الخلاقة حيث يسميها (مايكل ليدين  Michael Ledeen   ) الفوضى البنَّاءة أو التدمير البناء وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامين في 2003، وهذا يعني الهدم، ومن ثم البناء، ويعني إشاعة الفوضى، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء حسب، المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة.
   وبالعودة قليلا الى الوراء ومنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا انتشرت منظمات شبه عسكرية وعصابات منظمة وميليشيات بمختلف التسميات والايديولوجيات، وبمشتركات سلوكية واحدة تقترب من التوحش وتتجاوزه  في أحيان كثيرة، ولكي لا نغوص كثيراً في تاريخ هذه المنظمات التي كانت باكورتها في عشرينيات القرن الماضي والخوض في تفاصيل النتائج والافعال التي قامت بها وما تزال تمارسها سرا وعلانية، فقد تم تأسيسها خارج المؤسسات العسكرية بغياب الدولة تارة وبتوجيهها تارة أخرى وعلى خلفيات أيديولوجية او عنصرية او سياسية متطرفة، إما كأذرع سلطوية رديفة للمؤسسات العسكرية والأمنية وإما مستقلة تعمل بتوجيه سياسي او ديني او قومي متطرف، وتخضع في مجملها لحكم مطلق من شخصية متفردة مع مجموعة مغلقة، تتحكم فيها منظومة فكرية وسلوكية غاية في التشدد والقسوة مختزنة موروثات تاريخية وتأويلات مقولبة في إطار امتلاك كلي للحقيقة المطلقة بما يجعل الآخرين المختلفين في موقع الاتهام والاعدام، ولا يقتصر وجود ونمو هذه التنظيمات على مجتمع بذاته فهي تنتشر في مشارق الأرض ومغاربها أينما وجدت بيئة صالحة لنموها وتطورها.
    إن منظومة أفكار هذه التنظيمات ومن يوجهها ويقودها هي من أخطر مفاتيح الكوارث التي تعرضت لها العديد من مجتمعاتنا، خاصة ما كان منها مرتبط بالعقائد الدينية والمذهبية، ناهيك عن تلك التي تعتمد العنصرية القومية الفاشية او الحركات الثورية المتطرفة التي شهدنا كوارثها في كمبوديا وفيتنام ولاوس ورواندا والعديد من الدول الأخرى، ومن الضروري جداً أن نتعرف جغرافياً على ينابيع تلك العقائد، فهي الأخرى ذات تأثير بالغ على تطبيقاتها وتفسيرات نظرياتها، والبيئة هنا تتحكم بشكل كبير في نوعية السلوك، وهي بالتالي ترسم خريطة الانتماء لتلك البقعة الجغرافية أو المكانية، وما بين البداوة والمدنية مساحات واسعة امتلأت بصراعات من كل الأنماط، بما فيها التي أنتجت بحوراً من الدماء، حتى استطاعت البشرية تجاوز تلك المرحلة للوصول إلى أشكال أكثر تطورا.
    وفي البداوة لا نقصد بعض قيمها الخلاقة في الكرم والشجاعة، بل نستهدف مرحلة من مراحل تطور البشرية في السلوك البدائي الذي يؤشر لمرحل اولية من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني ابتداءً بالبداوة إلى المدنية المعاصرة، مرورا ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من حضارة وقيم مدنية خلاقة، رغم إصرار هذه التنظيمات على التقهقر والانجرار دوماً إلى الوراء وما كان يكتنزه من بعض التوحش والانغلاق. وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليس لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وقبلها في ألمانيا ومحرقة اليهود، وفي فيتنام وحربها مع الولايات المتحدة ومذابح الخمير الحمر في كمبوديا، ومثلها في لبنان ومخيمات اللاجئين فيها، وفي أنفال وكيمياويات الموت بكوردستان والمقابر الجماعية في جنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوربا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقاً حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سواداً وكارثية هو استنساخها، دينياً أو مذهبياً أو قومياً، كما فعلت منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي لتنتج لنا جريمة القرن الواحد والعشرين التي وقعت في سنجار غرب العراق ابان غزوة داعش في أغسطس 2014م.
    وبنظرة فاحصة للبيئة التي ينتمي لها عناصر هذا التنظيم، كونه الاحدث في البدائيات الدموية المعاصرة، يظهر خروج غالبية عناصره من مجتمعات قبلية مدقعة الفقر، تعاني من أمية ابجدية وحضارية وثقافية حادة، حيث يتم غسل ادمغتها بسهولة وتعبئتها بكم هائل من الحقد والكراهية المؤدلجة من قبل كوادر فاشية تتربع على رأس التنظيم، وتعاني هي الأخرى من تعقيدات نفسية واجتماعية وفكرية، أقرب ما تكون في توصيفها إلى السادية والسايكوباثية، كما ظهر ذلك في عمليات التقتيل التي تفننت في تنفيذه ذبحاً أو خنقاً أو حرقاً أو إغراقاً أو تقطيعا، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، أو الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال، أو السلق بالماء او الزيت المغلي، ناهيك عن عمليات الاغتصاب الوحشية التي تعرضت لها الاف النساء الايزيديات والتي أدت الى موت المئات منهن.
    هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكم هائل لأفكار وسلوكيات أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبي والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان، سواء كان دينياً أو عرقياً أو فكرياً أو سياسياً، وإن كان قد استبدلت عناوينه ومسمياته، لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدائية التي ترجمت تفاصيلها مذابح ومحارق حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سوريا وما حصل ويحصل في عفرين وقبلها في سبايكر وسنجار وسهل نينوى، ناهيك عن كارثة لم تظهر تفاصيلها بعد لعشرات الآلاف من المغيبين السنة بتهمة التعامل مع داعش.
    إن مجرد تحطيم هياكل تلك المنظمة العسكرية لا يعني الانتهاء منها، فما تزال البيئة التي أنتجتها كما هي، بل إن ردود الأفعال على جرائمها أنتج مجاميع أخرى من المنظمات والميليشيات الانتقامية التي تسلك ذات النهج والوسائل وبشعارات مخدرة لضحايا تلك الجرائم مما يعطيها الى حد ما نوع من الشرعية في غياب مؤسسات قوية للدولة سواء في الجانبين الأمني والعسكري أو في الجانب الثقافي والتربوي والتوعوي، وهذا يعني ان سلسلة انتاج هذه الكائنات البدائية ما تزال فعالة بوجود ذات البيئة والأفكار التي انتجت داعش وأخواتها.

kmkinfo@gmail.com



18
عقدة (السيد الرئيس)!
كفاح محمود
   بسبب التراكمات التربوية والاجتماعية والدينية الموروثة او التي تتعلق بالمناهج الدراسية الجامدة عبر عشرات السنين، والبناء القبلي لمعظم مجتمعاتنا التي تمنح الشيخ صلاحيات تشبه صلاحيات الدكتاتور في النظم السياسية الشمولية، تكلست مجموعة من القيم والسلوكيات التي حولت الكثير ممن يتولون أي مسؤولية إدارية صغيرة كانت او كبيرة الى دكتاتوريات قزمية تحاول تقمص شخصية الرئيس او شيخ القبيلة، من خلال اسقاطات سلوكية وسايكولوجية بالغة في معظم المجتمعات العربية والإسلامية وتأثيراتها على الفرد وموقعه الوظيفي اجتماعيا او إداريا، حيث يتقمص في سلوكه وتصرفه شخصية الرئيس او الملك في الموقع الذي يشغله تدرجا من اصغر مدير دائرة أو مفوض شرطة مرورا بشيخ العشيرة ورجل الدين، وليس غريبا أن يكون ذلك السلوك مرتبطا في الأساس بسلوك ابٍ متسلط بإفراط او معلم مستبد في المدرسة او رجل دين متشدد لا يقبل الحوار والنقاش صعودا الى شيخ العشيرة ومن ثم الى اعلى الهرم في الحكم المطلق للفرد.
  ولا عجب في ذلك لأن منظومة التقاليد والعادات والتفسيرات الدينية الداعمة مع التراكم التربوي والاجتماعي وحتى الديني يدعم هذا التوجه والرمزية في الحكم، ولا أظنه عيباً في مجتمعات ما تزال في بدايات انتقالها إلى نمط آخر من الحياة السياسية والاجتماعية وما يواجهها من صراعٍ عنيف بين النظام الذي تعيشه والنظام البديل، خاصةً وأنه ليس من الضرورة أن يكون البديل سياسياً فقط، بل إن المتغيرات التي أنتجتها الكهرباء ومشتقاتها في عالم الاتصالات والإنترنيت والتواصل الاجتماعي أحدثت ارتباكا شديداً في عملية الانتقال المفاجئ إلى النظام الجديد دونما المرور في سياق التطور الطبيعي للمجتمعات وتعاملها مع معطيات الحضارة الجديدة، فكانت أشبه ما تكون في صدمتها بنتائج غزوة بدوية كالتي كانت تحصل بين القبائل قبل عشرات السنين، مما أدى الى تعطيل الانتقال النوعي واستبداله بمظهرية سطحية لم تتعدى الشكل الخارجي وإكسسواراته في السلوك أو الثقافة، والذي أنتج هجينا غريبا لا يمت بأي صلة لا بالنظام الأول ولا بالبديل المرتجى!
    نعود الآن إلى عقدة (الرئيس) المفرط بالرئاسة، كواحدة من تلك العقد التي واجهتها عملية التغيير الاجتماعي والسياسي في معظم هذه البلدان، وخاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها اما بانقلابات او بمساعدة قوى خارجية كما حصل في العراق وليبيا واليمن وسوريا وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، خاصة العقد الموروثة من أنظمتها السابقة، وفي مقدمتها عقدة (الرئيس القائد) المفرطة التي أنتجتها الدكتاتوريات السياسية والاجتماعية وما يرتبط بها من كاريزما وصلاحيات مطلقة كانوا يتمتعون بها ويستخدمونها في تخدير الغالبية من الأهالي الذين يمتلكون استعداد الاحتواء (القطيعية) من هكذا كارزميات بصرف النظر عن طبيعة سلوكها، ولعلنا نتذكر تلك الجموع الغفيرة التي كانت تتغنى بهم وما زالت تمارس ذات السلوك مع غيرهم اليوم.
   ومن هنا وبسبب هذا التراكم الموروث سيكولوجيا واجتماعياً تشعر كثير من الزعامات التي أنتجتها مرحلة الانقلاب الى الوضع الجديد وبغياب دولة المواطنة وهشاشة القانون، إنها تشغل ذات الموقع الذي شغلته تلك الشخصيات في النظم الشمولية، ابتداءً من اصغر مدير دائرة يتوهم نفسه امبراطورا وحتى اعلى المستويات حيث تتقمصها وتقلدها بشكل أعمى، وإزاء ذلك يبدو من الصعوبة بمكان إحداث تغيير مهم وبسرعة في هذه التركيبة من الأمراض الاجتماعية والنفسية والسياسية المتكلسة، مالم تبدأ حملة تطهير وتنوير كبيرة تشارك فيها كل النخب المثقفة والأكاديمية بمختلف توجهاتها وعلى كل المستويات، ابتداءً من الأسرة والمدرسة ومناهجها التي تكرس هكذا سلوك وخاصة في مبدأ المواطنة الجامعة، وتنقية التعليم من عملية تعبئة الرؤوس بالمعلومات واستبدالها بمناهج معاصرة نقدية عملية بعيدة عن المتوارث من الخرافات والاساطير والهيمنة البدوية في التفكير والسلوك، وإلغاء تداخل النظام القبلي او الدين مع الدولة بالتأكيد على مدنية الدولة والنظام، وإن أي موقع في الدولة أو في النظام الإداري والتشريعي والقضائي ما هو إلا عمل وظيفي مقابل أجر لخدمة المجتمع وأفراده، وليس منةً أو هبةً من أحد، بل هي وظيفة اجتماعية أو سياسية أو تشريعية لخدمة الأهالي دونما تأليه أو تفرد أو امتيازات مبالغ بها على حساب الآخرين.
kmkinfo@gmail.com


19
ثقوب التاريخ ومثلث الموت!
كفاح محمود
  في مثلث برمودا حيث الانحدار الى المجهول، لم يكتشف علماء البحار ودهاقنة المخابرات كلهم ما بعد الانحدار الى أعماق العتمة والنهاية الأبدية من ذلك الثقب الشيطاني المرعب بأضلاعه الثلاثة التي تشمل أضلاع المثلث؛ فلوريدا (بالولايات المتحدة الأمريكية) وجزر برمودا (تابعة لبريطانيا) وجزر البهاما، وبصرف النظر عن صحة ودقة الاخبار المتداولة عن اختفاء السفن والأفراد في هذا المثلث، إلا أنه أصبح كمصطلح متداول يعبر عن خفايا مرعبة أكثر إثارة من ثقب الأوزون الذي لا يعرف حقيقته مليارات البشر، بينما يتحسس علماء البيئة شكل الكوارث التي ستصيب البشرية مستقبلاً نتيجة هذا الثقب الذي يسمح لنفوذ أنواع وكميات من الأشعة الكفيلة بتحويل السرطان الى كورونا سريع الانتشار والدمار.

   وما بين ذلك المثلث المفترض وبين ثقب الأوزون تظهر بين حقبة وأخرى ثقوب التاريخ المظلمة التي تفعل فعلتها في الانحدار والجذب المرعب للأفراد والمجتمعات، وتساعد في انتشار رهيب لأشعة الكراهية والأحقاد التي تُسرّعُ في نشوب حروب ومآسي وكوارث أكثر إيلاماً من صيحات وفواجع ضحايا برمودا أو ثقب الأوزون أو اختناقات كورونا، فقد أثبتت الأحداث بأن تلك الثقوب تظهر في بيئة الحاضر المتخلف وانعدام وضوح رؤية المستقبل مع تكلس ظواهر الفقر والبطالة وانعدام العدالة، حيث تنهمك تلك المجتمعات ونخبها في عمليات النبش بين طبقات التاريخ وصفحاته التي كتبت قبل مئات والاف السنين بعقلية ومزاج وثقافة تلك الحقب، بل وكثيرا ما يتحكم في تصوير ووصف أحداثها مشاعر ذلك الشاهد أو المدون سلباً وايجاباً معاً أو ضد.
  إن الإيغال في تفاصيل التاريخ ووقائعه وخاصة تلك التي تتعلق بالصراعات العقائدية أو العرقية أو الجغرافية يقود في كثير من الأحيان إلى الانجذاب عبر تلك الثقوب والانحدار من خلالها الى مستنقع تدوير الصراعات القديمة وتفعيلها وإشاعة الكراهية والأحقاد التي تؤدي الى ما يفعله ثقب الأوزون ومثلث برمودا، بدلاً من التعامل مع معطيات العصر الحديث ومخرجاته العلمية والثقافية والتربوية، والعِبر والدروس المأخوذة من التاريخ بقراءة نقدية دقيقة لتطوير الحاضر وبناء أسس المستقبل، خاصة مع إدراكنا لحقيقة مهمة جدا، وهي أن مدوني التاريخ من المؤرخين أو الشهود هم بشر مثلنا تتحكم فيهم غرائزهم وعواطفهم ونزعاتهم ومدى نزاهتهم.

   إن العبر أو الدروس التي يؤخذ بها يجب أن تخضع للمساءلة والتمحيص، خاصة تلك التي تدور حول ما يكتبونه، هل هو مجرد نقل ووصف لوقائع منقولة لهم ام كانوا مجرد شهداء عليها وعلى تفاصيلها، ثم هل هي آراء ووجهات نظر ومواقف المدونين من الأحداث والصراعات بكل أشكالها ومواصفاتها، أم انها كتبت بحرفية ومهنية دقيقة، ومن هنا نستطيع الى حد ما أن نوظف تلك العبر والدروس المستخلصة للعبور الى المستقبل.
 
  لقد أكدت الأحداث والصراعات إن ثقوب التاريخ والانغماس فيها، أقوى جذباً وانحداراً من مثلث برمودا، ونتائجها أكثر كارثية من تأثير تلك الأشعة التي تمر عبر ثقب الأوزون، وقد شهدت البشرية في تاريخنا المعاصر الكثير من تلك الكوارث التي وقعت نتيجة المرور من تلك الثقوب المرعبة، وما خلفته لحد اليوم من تناحر مذهبي وعرقي وجغرافي بين الشعوب.

   لا تنبشوا دهاليز التاريخ ففي بعض طياتها ما يكفي شعوبنا قرونا اخرى من التناحر والكراهية والاحقاد!

kmkinfo@gmail.com



20
الديمقراطيات المهجنة
كفاح محمود
    منذ أن تأسست الكيانات السياسية الحديثة في الشرق الأوسط بعد اتفاقية سايكس- بيكو، حاولت غالبية النُّخب السياسية ومفكريها وواجهاتها من القوى والجمعيات والاحزاب على نقل التجربة الديمقراطية الغربية إلى تلك الكيانات، دونما دراسة التراكم القيمي والديني والاجتماعي المتوارث في تركيباته، ورغم الكم الهائل من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها تلك القوى، إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى لطموحاتها وما انتجته لم يتعدى ديمقراطية هجينة لا ترتكز على اية قاعدة ولم تتجاوز صناديق الاقتراع الخالية تماما من الرابط الأساسي والمرتكز الأهم الا وهو المواطنة التي تُشكل النسيج المحبوك لمكونات المجتمع، وقد فشلت تماما في ترسيخ تلك الفكرة التي يتمتع فيها الإنسان بحريته الكاملة في التعبير عن الرأي وتقرير المصير والعقيدة والانتماء واحترام الرأي الآخر، ولعلّ تجارب لبنان وتركيا وإسرائيل هي الأكثر قرباً مما كانت تطمح إليه تلك القوى، إلا أنّها للأسف اصطدمت بإرثٍ هائل من تراكمات قبلية ودينية ومذهبية جعلتها وبعد سنوات ليست طويلة في حقل الفشل الذريع، حيث تمزّق لبنان بين القبائل والطوائف، بينما غرقت تركيا في عنصرية تسببت بمقتل وتهجير ملايين الأرمن والكُرد على خلفية مطالبتهم بأبسط حقوقهم الإنسانية والديمقراطية، وفي إسرائيل التي بشّرَ الكثير من مفكريها وسياسيي الغرب بأنها ستكون نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإذا بها تتحول إلى دولة دينية عنصرية في تعاملها مع سكانها من غير اليهود.
   أما بقية دول الشرق الأوسط وبعد حقبة الدكتاتوريات الحزبية والفردية التي اسقطتها او ساعدت على اسقاطها قوى خارجية استطاعت اختراق جدرانها الداخلية مستغلةً العِداء الشعبي لأنظمتها، كما حصل في كلّ من إيران والعراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث تدخلت بشكل مباشر في إسقاط هياكل تلك الأنظمة أو تدجينها ومن ثم الانتقال إلى استنساخ تجاربها الديمقراطية في مجتمعات ما تزال تعاني من إشكاليات بنيوية وتربوية واجتماعية ناهيك عن الصراعات العرقية والدينية والمذهبية التي انتجتها اتفاقيات استعمارية في فرض كيانات ودول على تلك المجموعات، وما يحدث اليوم في هذه الدول من فوضى وفساد وتناحر ناتج أساسي من فرض نظام سياسي على مجتمعات يتشتت فيها الولاء والانتماء بين الدين والمذهب والقبيلة والمنطقة على حساب الوطن الجامع والمواطنة الرابطة، هذه المجتمعات التي تعتمد في أسس بنيتها التربوية والاجتماعية على الرمز الفردي ومرجعيته، ابتداءً من الأب ومروراً بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص الأمير أو الملك او السلطان او الرئيس القائد، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابها التاريخية العظيمة على مجالس ملحقة بالقائد الرمز.
   ومن هنا نستنتج أن أي تغيير خارج التطور التاريخي للمجتمعات بأي وسيلةٍ كانت سواءً بالثورات أو الانقلابات أو التغيير الفوقي من قبل قوى خارجية لن تعطي نتائج إيجابية بالمطلق، بل ستنعكس سلباً ربما يؤدي إلى مردودات كارثية على مصالح البلاد العليا على مستوى المجتمع أو الفرد ولسنوات طويلة جداً وهذا ما حصل ويحصل اليوم في العراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث يتمّ فرض مجموعة من الصيغ والتجارب الغربية في بناء نظام سياسي واجتماعي بعيد كل البعد عن طبيعة تلك المجتمعات ووضعها الحالي وخاصةً ما يتعلق بالنظام الاجتماعي والتربوي والقيمي لمجتمعات هذه الدول، ولعلَّ الأهم هو إن صيغة الديمقراطية الغربية ليست من الضرورة أن تكون هي الحل أو العلاج لمشاكل هذه الدول ومجتمعاتها التي تختلف كلياً عن المجتمعات الغربية في الموروثات الاجتماعية والدينية ومنظومة العادات والتقاليد التي تتقاطع في مفاصل كثيرة مع الصيغ الأوروبية لتطبيقات الديمقراطية.
   ولو عدنا قليلاً إلى بعض النماذج من النظم السياسية لبعض دول المنطقة لأدركنا كنوزاً كثيرة من تجاربها الناجحة التي أدت إلى تطور المجتمعات تربويا وعلمياً وثقافيا  وإدارياً، هذه النماذج التي اعتمدت العدالة والتطور العلمي تدفعنا للبحث عن سرِّ نجاح تلك التجارب وصيغها في إدارة الدولة التي تواكب منظومة مجتمعاتنا القيمية والاجتماعية والتربوية هذا اليوم، بما يعزز مبدأ العدالة والقيم الخلاقة والحداثة التي تُكرس المعرفة والتطور الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي في نظام يعتمد العدالة والمساواة والمواطنة بما يحفظ خصوصياتنا التي نختلف فيها تماماً عن طبيعة وسلوكيات المجتمعات الغربية.
  kmkinfo@gmail.com



21
تصادم الهويات في الشرق الاوسط
كفاح محمود
   
   لقد كان وما يزال الشرق الأوسط نقطة ارتكاز عالمية قلقة تتنافس وتتصارع وتتوازن فيها وعليها القوى الدولية الكبيرة اقتصادياُ وعسكرياُ، ليس اليوم بل عبر حقب التاريخ تعرضت هذه المنطقة من العالم الى صراعات بين الاقوام والكيانات حتى احتضن ترابها ملايين المتصارعين في حروب قاسية، سادت فيها اقوام ثم بادت، واختلطت الأعراق فيها والانساب حتى تشابهت السحن والعادات، ورغم ذلك لم تنجح معظم تلك الكيانات من أن تضع خارطة طريق لتنظيم تلك الهويات على أساس التفاعل وملاقحة الحضارات بديلا للتصادم والاقصاء الذي انتج عشرات الحروب وأضاع مئات الفرص الذهبية للتطور والتقدم.
    إن اتفاقية سايكس بيكو السرية بين بريطانيا وفرنسا عام 1916م وموافقة إيطاليا وروسيا على تقسيم قلب الشرق الأوسط وتوزيع غنائمه بينهم عقدت أوضاع المكونات الأصغر لولا أن اتفاقية سيفر في عام 1920م منحتهم بارقة أمل لتحقيق مطالبهم في إنشاء دولة كردية، الا أن معاهدة الصلح في لوزان بعد ثلاث سنوات أي في عام 1923م  ألغت اتفاقية سيفر ونسفت تلك الاحلام التي وعدت الكرد بتحقيق حلمهم في إقامة دولتهم كبقية الشعوب التي نالت استحقاقاتها كجزء من مخرجات تلك الاتفاقيات، وأعطت إشارة بدء حقبة محن الصراعات الدموية التي وصفها احد الدبلوماسيين الامريكان في حفل توقيع معاهدة الصلح بان الموقعين عليها انما وقعوا على حقبة من الحروب والمآسي!.
    فعلا تحققت نبوءة الدبلوماسي الأمريكي حيث مزقت تلك الاتفاقية في لوزان العيش المشترك بين المكونات المختلفة عرقياً وثقافياً، دينياً ومذهبياً، وكانت بداية لاشتعال الحروب وحقبة التصادم بعد سنوات ليست طويلة وبالذات بعد قيام دولة تركيا الحديثة التي وضع أسسها كمال أتاتورك وما تلاها من أنظمة الانقلابات في كل من العراق وسوريا وإيران بمختلف توجهاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكنها كانت تشترك تماما في معالجاتها لقضية المكونات وبالذات المكون الأكبر في الشرق الأوسط الذي أهمل في اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان واقصد هنا الكرد في أجزاء وطنهم المجزء الى أربعة اقسام في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا، حيث فشلت تلك الأنظمة في إيقاف عجلة التصادم وإقامة دولة المواطنة التي يرتقي فيها الانتماء على كل الهويات والثقافات، لأنها اختزلت المواطنة في الانتماء إلى القومية الأكبر والانصهار فيها، واستخدمت عمليات التتريك والتفريس والتعريب سيئة الصيت مع الكرد وغيرهم.
    إن المنطقة اليوم تدفع ثمن تلك السياسات الفاشلة والشمولية في إقصاء المكونات القومية والعرقية، وما يحصل الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومتوقع أن يحصل في المغرب والجزائر وليبيا والسودان، إنما يؤكد فشل وانهيار الأنظمة الشمولية القومية والمذهبية المتشددة، التي ما تزال على نهج إلغاء الآخر المختلف قوميا أو دينيا أو مذهبيا، وفرض إرادة المكون الأكبر دون الأخذ بحقوق الآخرين الشركاء في الأرض والمال، مما يرفع وتيرة التصادم بين الهويات القومية والعرقية والمذهبية، وخير دليل على استمرار هذا النهج هو النزف الدائم في فلسطين وتركيا وايران وسوريا واليمن ولبنان، التي خسرت فرصا ذهبية للتطور والتقدم لما حباها الله بثروات وامكانيات تتفرد بها في المنطقة.
    إن ما يجري اليوم من دوامة العنف والعنف المضاد وما يتعرض له إقليم كردستان العراق من هجمات صاروخية ومدفعية تركية وايرانية لملاحقة معارضيهما الهاربين الى العراق منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يؤكد وبعد قرن من الزمان على فشل تلك الاتفاقيات القديمة، وفشل الأنظمة والكيانات التي تستمد قوتها وتطيل بقائها في السلطة على هذا التصادم الدموي بين الهويات القومية والثقافية، وقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأخطاء فظيعة وقعت فيها الدول العظمى وتسببت في انتاج مآسي وكوارث بين الشعوب، وحريٌ بها اليوم وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا التي كانت تتقاسم العالم، وما تزال تهيمن على مقدراته ومستقبله، أن تعمل مع ممثلي المكونات المتضررة في هذه الدول، لوضع أسس خارطة طريق جديدة لاتفاقية دولية ضامنة، ترسم حدودا للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات، بما يضمن حقوقها السياسية والثقافية من خلال تشريع قوانين لحمايتها وإتاحة فرصة لإنشاء نظام جديد في المنطقة بعيدا عن ذلك الإرث الفاشل من سياسة الشراكة القسرية والاحتواء، وتطوير نظم الإدارة السياسية والثقافية والاقتصادية بما يمنح تلك المكونات حقوقها إما بنظام فيدرالي كالنموذج العراقي في حل القضية الكردية او باستفتاء على حق تقرير المصير كما حصل في كل من جيكوسلوفاكيا وتيمور الشرقية وجنوب السودان والعديد من الأقاليم والدول الفيدرالية المتعددة الهويات كما في بلجيكا وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

22
دهاليز التاريخ والأوطان الثلاث!
كفاح محمود

   منذ عدة عقود تعرضت مجموعة مجتمعات في شرقنا الاوسطي الى تغييرات فوقية اما بسبب الصراعات السياسية البينية او نتيجة حروب قاسية أحدثت تشويهات غائرة فيها، ناهيك عن فقدان قود الدولة وهيبتها امام تكوينات أخرى بديلة لها او مدسوسة في جسدها كما يحصل في لبنان واليمن وسوريا والعراق حيث يفقد المجتمع عذريته في الامن والسلم الأهلي، وتنهار أواصر النسيج الرابط بين مكوناته فينحدر الفرد تحت طائلة الخوف والبحث عن السلام الى بدائل لوطنه بحثا عن الحماية والشعور بالأمان، ويبدو ذلك جليا في هذه المجتمعات ومثيلاتها منذ تكوين أنظمتها السياسية، خاصة تلك التي خاضت صراعات سياسية واجتماعية حادة بسبب الانقلابات العسكرية والتناحر السياسي الدموي على السلطة، حيث فقدت عذريتها السياسية والأمنية والاجتماعية وتحولت الدولة الى اللا دولة بغياب قانون متفق عليه لتفاصيل الحياة، فتقزّم المجتمع وانكمش إلى مجموعة اوطان تحتضن افراده وتوفر لهم الأمان الذي افتقدوه بغياب الجامع الوطني، تلك الملجئيات الجزئية أو الأوطان البديلة التي التجأ اليها الفرد تكمن في القبيلة والدين والمال.
   وفي هذه الطوابق الثلاث من الأوطان البديلة: القبيلة والدين والمال، ينكفئ فيها الفرد متحصنا بها في غياب مفهوم المواطنة والانتماء الجامع لوطن ولدولة تنظم حركة الحياة وحدودها وترسم خارطة القوانين ومؤسساتها، هذا الهروب يضطر فيه الفرد الخوض في دهاليز التاريخ والموروثات الاجتماعية في العادات والتقاليد وتركيباتها في محاولة للبحث عن السلام وتهدئة روعه وارتباكه النفسي إزاء فقدان الدولة للقانون الأساس وتطبيقاته في حياة تلك المجتمعات القلقة، وفي خضم هذا الارتباك النفسي والاجتماعي يفقد المجتمع ذلك النسيج الوطني المنتج للمواطنة ويتحول الى مجموعة تكوينات غير متناسقة لا يجمعها مشترك لا تشعر بحاضرها البائس ولا ترى بصيص امل في القادم من الأيام وسرعان ما تنحدر الى دهاليز التاريخ في محاولة للبحث عن البدائل او حقائق الأحداث لاستنباط ما يخرجها من ازمتها.
   وفي صفحات التاريخ سرعان ما تصطدم بأوجه المدونات التاريخية للأحداث، تلك المدونات التي أكدت الأيام انها كتبت برؤى مختلفة وأمزجة متناقضة، بل ومواقف معادية أو متحالفة مع الحدث وعناصره وأسبابه ومسبباته، وهي بالتالي تحتاج إلى أدوات ووسائل غاية في الدقة والمهنية والتحقيق، لأن الحفر في التاريخ بمعاول مثلومة، ربما تقودنا إلى دهاليز معتمة، أو تفاجئنا بأحداث تعيد ذاكرتنا إلى ما لا يشتهيه البشر، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن التاريخ ليس صفحات مقدسة أنزلتها الملائكة من السماء، إنما هي أحداث وثّقها بشر مثلنا، تتحكم فيه الغرائز والعواطف والحب والكره والانفعالات، وهو في الآخر يكتب من خلال زاويته التي ينظر منها إلى الأحداث، على خلفية معلوماته أو مشاعره تجاهها، وكيف يراها حسب تلك الميول، ومن هنا ندرك أن التاريخ ليس كتاباً مقدساً لا يخضع لتلك العوامل، وهو بالتالي مجموعة احداث يراها كاتبها في تلك اللحظة التي وثّقها، ولذلك علينا أن نتوخى الدقة في قراءتها، والاهم قراءة صاحبها الذي دونها؛ لذلك أرى أن الطريق الأقصر في بناء مجتمع معاصر بعيداً عن دهاليز أولئك الذين سجلوا تلك الوقائع تحت ضغط أمزجتهم، سواء أكانت تلك الصفحات معتمة أم مضيئة، أن نؤسس بنياننا على العلم الحديث والاستنتاجات بثقافة نقدية استنتاجية لكل ما سطره الأولين في توثيق الأحداث التي ورثت تداعياتها هذه المجتمعات، لكي نصل إلى مجموعة معطيات نبني على أساسها مجتمعاتنا الحديثة، وكلما تعلمنا أكثر، تعلم أبناؤنا وبناتنا أكثر، دونما العودة الببغائية والصنمية إلى التاريخ وصفحاته، فمن يبني حاضراً جميلاً لن يحتاج العودة إلى الماضي لكي ينظر إلى المستقبل.
kmkinfo@gmail.com


23
صناعة الثورات والانقلابات
كفاح محمود

   بعيدا عن الخوض في تاريخ العديد من الثورات العالمية واسبابها ودوافعها ومدى تأثيرها في المجتمعات التي حدثت فيها، خاصة تلك التي تسببت في إراقة دماء الآلاف من البشر أو ربما بسببها ارتفع منسوب الضحايا إلى الملايين، ويصح العكس أيضا في ثورات ناعمة كالتي اعتمدها المهاتما غاندي في الهند، لكن ما يهمنا هنا هو الخوض في غمار ثورات وانقلابات وقعت في الشرق الأوسط والكثير من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وبسببها سالت دماء كثيرة وضاعت فرص ذهبية للتطور والإزدهار بسبب التقاتل على السلطة، وبعيداً عن التعريف السياسي والفلسفي والفكري للثورة وأسبابها وأساليبها وأهدافها وبسؤال بسيط يمكننا فتح لغز كثير من عمليات التغيير الفوقية التي حصلت في دول الشرق الأوسط، والتي ادعت بأنها ثورات بمفهومها السياسي والفكري والاجتماعي خاصة تلك التي وقعت في العراق وليبيا وسوريا ومصر واليمن والسودان، بما فيها ما حصل في بلدان ما يسمى بالربيع العربي الذي ماتزال شعوب تلك الدول تدفع فاتورة باهظة لتداعياتها دون أن تحقق الحد الأدنى مما كان يرتجى منها.
  وهذا السؤال يكمن في مَن المستفيد من تلك العمليات التي ساهمت فيها كثير من الدول وأجهزة الاستخبارات العالمية، وإذا ما نحينا الشعب جانبا لأنه لم يكن المستفيد بالمطلق باستثناء اكسسوارات لا تسمن ولا تغني من جوع، استخدم أصحاب تلك العمليات شعارات تخديرية كوسيلة للوصول الى السلطة لتثبيت وتكريس دعائم حكمهم ومخططهم الذي يخفي الكثير من المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة، قلنا اذا ما نحينا الشعب جانباً سندرك من هي تلك القوى المستفيدة من العمليات سواء في الداخل حيث يهيمن حزب أو فرد أو مكون قومي أو ديني أو مذهبي على الحكم ويحيله الى دكتاتورية مقيتة، كما حصل في انقلابات العراق وسوريا واليمن والعديد من دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخارجياً تلك الدول التي حققت مصالحها ضمن مشروع الهيمنة على المنطقة سواءً أيام الحرب الباردة أو ما بعدها في الصراع الأمريكي الروسي، ثم الروسي- الصيني مع أمريكا وأخيراً الصراع الإيراني والتركي على كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولة الهيمنة عليهم من خلال أذرع سياسية وميليشيات مسلحة.
  وبالرغم من بعض الهفوات هنا وهناك فقد تصدرت الثورة الكردية والفلسطينية والجزائرية قائمة الثورات التي تستحق أن تحمل تلك الصفة بتعريفاتها الحقيقية وليس السلطوية بما تميزت به من تأثير اجتماعي وسياسي وثقافي لغالبية الأمة، والتي أحدثت على الأرض تغييرا جذريا في مفاصل مجتمعاتها رغم ما واجهها من تحديات وربما انقلابات او انقسامات إلا أنها حررت الجزائر وحققت خطوات متقدمة للاستقلال الذاتي في كل من كردستان وفلسطين، وهذا لا ينفي وقوع عمليات تغيير لم ترتق الى مستوى الثورة الحقيقية بسبب تآكلها أو تفرد قيادتها بالسلطة وإخضاع غالبية الأمة إلى هيمنتها المطلقة كما حصل في العراق وإيران والدول متعددة المكونات، حيث أن  تداعيات تلك الانقلابات أكدت أن المستفيد الرئيسي لم يكن الشعب، فقد تحولت بعد سنوات قليلة إلى دكتاتوريات وأنظمة شمولية لا تسمح لغيرها بالمشاركة في الحكم إلا تابعا، ولا تقبل المعارضة الحقيقية بل وتنفي بالمطلق التعبير عن الرأي ما لم يكن لصالحها أو مؤيداً لها، وبذلك سقطت عنها صفة الثورة التي اعتمدت شعار من أجل الشعب أساساً لانطلاقها، فأصبح الشعب في حكمها أكثر بؤساً مما كان عليه في حكم غيرها، والنماذج التي تؤكد ذلك عديدة بل طاغية على تلك التي نجحت نسبيا بإحداث تغييرات جذرية لصالح شعوبها.
kmkinfo@gmail.com



24
سلالم الدكتاتورية والديمقراطية!

كفاح محمود

   ليس من المعقول أن يقفز مغامرٌ عسكري أو مجموعة سياسية إلى دفة الحكم المطلق ما لم تكن هناك بيئة تقبلهم وسبق لها أن أعدتهم تربوياً وسلوكياً، وتتقبل أسلوب القفز إلى كرسي الحكم، معتبرةً هكذا مغامرة عنتريّة نمط من الشجاعة الفائقة، حيث أتاحت لهم متراكمات التربية الاجتماعية استخدام درجات هذا السلم السحري لكي يعتلوا منصة ما نسمّيه بالنظام الدكتاتوري، ولا عجب أن تكون أولى صور اعتلاء تلك المنصة هي نشوة النصر الذي تتراقص له أكف المعجبين والمؤيدين من الشعب والتي تطغي على أي صوت معارض أو مختلف، لكي تبدأ حقبة التكتيم والإلغاء التي تصل إلى حدِّ التكفير أو الاتهام بالخيانة العظمى لفارس الأمة ومقدامها، وإباحة قتله تحت مختلف التسميات.
 
 وبداية سلمنا هذا وفي درجاته الأولى حكايات جدتي التي تسبق النوم كي تترسب جيداً في الذاكرة الرطبة المليئة بأحلام الفارس العنتري أو إرهاب عذابات القبر، مروراً بأبطال أفلام الكارتون السوبرمانية والمسلسلات العربية والتركية وأمثالهما من مصانع إنتاج الأبطال الأحرار والعبيد السعداء،  ثمَّ تلحقها الصفوف الأولى للدراسة الابتدائية وأساليبها الكارثية في التربية والتعليم التي تعتبر الطفل وعاءً لملئه بالمعلومات دونما نقد لحقائقها أو إدراك لعلاقتها بحياة الطفل ومجتمعه، بل وتكرس في معظمها ذات مفاهيم تلك الحكايات، وبذلك يتمّ تهيئة التربة لزراعة البذور الأولى لشجرة "نفذ ولا تناقش" في أجواء لا تقبل الأشياء المختلفة عن تلك النصوص الخشبية، تتبلور في ذاكرة الطفل وثقافته شخصية الفارس الأوحد والمنقذ الأعظم الذي لا يُناقش لكون حقائقه مطلقة ابتداءً من الأب والمعلم وإمام الجامع أو الكنيسة وصولاً إلى شيخ القبيلة وصعوداً حتى القائد الضرورة بكل أشكاله وعناوينه وجنسياته.
إن منظومة العادات والتقاليد والبناء الاجتماعي والديني المتشدد وتراكمهم كموروثات سلوكية تقترب من الأعراف والقوانين كفيلة بمنع تطبيقات أي نظام ديمقراطي بشكل شفاف سواء في تداول السلطة ومدى التأثير السلبي الطاغي على عملية انتخاب أي مرشح سواء للبرلمان أو الرئاسة، وقد اتضح ذلك بشكل جلي في الانتخابات التي جرت وتجري في بعض البلدان العربية وخاصة في العراق وسوريا وليبيا وايران ومثيلاتهم في الشرق الأوسط، ولذلك لا مناص من إعادة النظر في آليات عملية التغيير التي يعتقد الكثير من أنها تبدأ من هرم السلطة، في الوقت الذي تؤكد تجارب الشعوب في الديمقراطيات العريقة إن البدايات تبدأ في الدرجات الأولى للارتقاء وهي العلم والمعرفة والتربية والتعليم بمناهج معاصرة علمية بعيدة عن تلك التراكمات الموروثة، وكما في الإرث الاجتماعي ومناهج التربية والتعليم القديمة وتأثيرها البالغ على عدم قبول النظم الديمقراطي، فان سلم الديمقراطية هو الآخر بحاجة ماسة الى إعادة النظر في كل تلك الموروثات والتخلص من السيئ منها وتكريس الجيد فيها لخدمة اعتلاء المجتمع سلم قبول الاخر وغرز مفهوم المواطنة التي تتجاوز الانتماء القبلي والديني والعرقي والقومي، وهي الأسس الأولى لبناء جيل الديمقراطية الصحيحة وليست تلك التي يتصورها البعض كبسولات أو معلبات يتناولها الفرد لكي يكون ديمقراطياً.!
   
 



25
تركيا وإيران والدرس العراقي!
كفاح محمود

    طيلة أكثر من مائة عام ومنذ اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من تمزّيق لكثير من البلدان وتجزئتها لتأسيس كيانات سياسية على أنقاض حقوق مكوناتها، توالت على دفة الحكم في العديد من بلدان الشرق الأوسط وخاصةً (تركيا وإيران وسوريا والعراق) أنظمة سياسية عديدة ومختلفة عن بعضها في الأسماء والعناوين والتوجهات، وربما في آليات تسلق سلالم السلطة أو القفز إليها ببهلوانيات انقلابية، وبعيداً عن تفاصيل تلك الأحداث في كلّ من تركيا وإيران وسوريا وما جرى فيها خلال قرن من الزمان، نتناول بعض مجريات ما حصل في العراق كنموذج ودرس للدول الأخرى؛ فمنذ تأسيس مملكته وهو في دوامة عنف مع المكونات الأصغر، وغارق في حروب عبثية داخلية وخارجية حتى الكارثة الأخيرة التي دمرت البلاد وتسببت في وقوعه تحت الاحتلال، رغم أن الكثير ونحن منهم كنا متفائلين بإحداث تغيير نوعي في شكل النظام ومكنوناته ومؤسساته وطريقة تداول السلطة فيه، حيث بدأت مرحلة يفترض أنها ديمقراطية تستخدم التبادل السلمي للسلطة من خلال مؤسسات وآليات ديمقراطية، إلا أنها اصطدمت وخلال عقدين من الزمان بتحديات خطيرة وإرث ثقافي سياسي معقد للغاية، في مقدمته عدم تبلور مفهوم للمواطنة الجامعة وهيمنة مد ديني مذهبي قبلي مريع تسبب في انتشار الفساد وانحلال الدولة.
   لقد كان الجميع يتوقع إن تغييراً حاداً سيحصل بعد إزاحة الحكم الشمولي خاصةً فيما يتعلق بالمشكلة الأساسية ألا وهي القضية الكردية، لكن الغريب أن كلّ هذه الأنظمة اختلفت في كثير من الأمور، لكنها اتفقت جميعها على ذات الثقافة في التعامل مع كوردستان وقضيتها وإن اختلفت الأساليب والادّعاءات؛ فمنذ اندلاع ثورة أيلول الكردية عام 1961م، وحتى يومنا هذا، لم تختلف القوى المضادة في مواقفها وخطابها مع تلك الثورة ومخرجاتها، فقد استخدمت ذات المصطلحات والتوصيفات للحركة التحررية الكردية التي استخدمتها الأنظمة السابقة وإن اختلفت إيديولوجياً معها، ففي تقييمها لتلك الحركة تنعتها تارةً كونها انفصالية وتارةً أخرى انعزالية أو شعوبية أو عميلة للاستعمار والصهيونية، حتى أصبحت هذه الأوصاف والمصطلحات عاملاً مشتركاً بين جميع الأنظمة المتعاقبة على الحكم ليس في العراق وحده، بل في سوريا أيضاً حيث كانت تعتبر مواطنيها الكرد إلى قبل سنوات جالية أجنبية، وقامت سلطاتها بتجريد أكثر من ربع مليون مواطن كوردي سوري من وثائقهم الرسمية وإسقاط جنسيتهم واعتبارهم مقيمين أجانب، لا لشيء بل لأنهم من القومية الكردية فقط، وكذا الحال في إيران التي أدلجت العداء للكرد قومياً بصهرهم في القومية الفارسية وطائفياً بإبادتهم كونهم من السنة، وحدث ولا حرج عن النظام التركي وسلوكه الشوفيني الذي لا يُنافس عليه مع القضية الكردية ثقافياً وسياسيا.

   اليوم وبعد سنوات مريرة من الصراع الدموي والتضحيات الجسيمة، نجح الكرد في تطوير نظام الحكم الذاتي -الذي أقرّته اتفاقية 11 آذار 1970- إلى نظام فيدرالي تمّ اعتماده من جهة واحدة عام 1992م من قبل البرلمان الكردستاني الذي انبثق بعد انتخابات أجريت في المناطق المحررة إثر انتفاضة ربيع 1991م والتي اعتبرها قرار مجلس الأمن 688 ملاذاً آمناً.

   ورغم إن ثقافة عدم قبول هذا الواقع كانت وما تزال متكلسة لدى بعض الجهات السياسية وميليشياتها التي لا تُخفي عدائها في الأصل لوجود أي كيان كوردي بأي شكل من الأشكال، والذي اتضح جلياً في الاستفتاء الذي أجراه شعب كوردستان يوم 25 أيلول 2017م، حيث أماطت اللثام عن وجهها الذي لا يختلف عن الأنظمة السابقة في العراق والأنظمة الحالية في تركيا وإيران وسوريا، إلا أن الدستور الذي نجح الساسة العراقيون عرباً وكرداً وبقية المكونات في صياغته وتشريعه كفِل النظام الفيدرالي معترفاً بفيدرالية كوردستان بكافة مؤسساتها وتشريعاتها، جعل حل القضية الكردية في العراق تجربة نموذجية يُحتذى بها لحل تلك الإشكالية التي أنتجتها اتفاقية سايكس بيكو في كلّ من تركيا وإيران وسوريا.

   وخلاصة القول إن دوامة العنف والعنف المضاد في تركيا وإيران وسوريا لن تتوقف مهما طال الزمن وتنوعت الأسلحة ومستوياتها دونما حل حقيقي للقضية الكردية في هذه البلدان، ولعلَّ درس العراق هو الأكثر فائدة لها لاختصار الطريق الذي لو استمر ستبقى هذه الدول متخلفة غير مستقرة ينخر فيهما الصراع الدموي ويُسرع في انهيارها آجلاً أم عاجلاً.



26
المنبر الحر / متحجرات الادارة؟
« في: 14:46 12/11/2022  »
متحجرات الادارة؟

كفاح محمود

   في علم الاثار هناك ما يطلق عليه مصطلح المتحجرات  (Fossils) وهي بقايا كائنات حية عاشت في الماضي ثم ماتت وانطمرت بعوامل الطبيعة ومضى عليها آلاف او ربما ملايين السنين، حيث تتحول بتقادم الزمن في مكانها الى مواد حجرية او كلسية، ولا اعني هنا الخوض في موضوعة تلك المتحجرات إلا ما أقصده في تكلس أصحاب المناصب والإدارات في مكانها حتى وصلوا إلى مرحلة من التحجر السلطوي الذي حولهم إلى هياكل خشبية مزركشة على الطريقة الهندية، هؤلاء الموظفين السلطويين الذين أحالوا دوائرهم إلى مستنقعات آسنة بالفساد، وأصابوا بقية العاملين معهم أما بالإحباط أو الكسل أو الفساد من خلال التصاقهم بكراسي الإدارة.

  وتبدوا هذه الظاهرة من متحجرات الإدارة في البلدان المتخلفة سواء كانت غنية أو فقيرة، فهي تعاني من هذا المرض المستشري في مفاصل إداراتها والذي تحول إلى مشكلة آلاف المدراء العامين والوزراء ووكلائهم الذين التصقوا وتحجروا فوق كراسي أو مكاتب الإدارات التي تولوها منذ سنوات مملة وطويلة حتى يخال المرء أن تلك المؤسسات إنما ورثوها من ذويهم حالها حال أي من الأموال المنقولة وغير المنقولة؟
 
  هذا التحجر الإداري او السلطوي جعل أصحابه يتصرفون وكأن مديرياتهم أو وزاراتهم ضيعة مملوكة لهم، حيث يوهمون مرؤوسيهم بأنهم نعمة الله عليهم وأن لا بديل لهم، بل أن البديل هو خراب تلك الدوائر، وتتضح هذه الظاهرة في العراق ومعظم البلدان الشرق أوسطية، التي ينتاب فيها ذلك المسؤول شعور طاغ من النرجسية والتشبث بالموقع والشعور بالسلطنة، فقد أدمنت تلك الإدارات العامة والعليا وحتى الصغيرة منها مواقعها حتى أصبحت ممالك صغيرة ضمن الدولة، يتصرف فيها المدير أو المسؤول وكأنه وارث الدولة في تلك المؤسسة، وربما كان ذلك مبرراً في الأنظمة الشمولية التي لا تثق ببقاء أي مسؤول فترة طويلة في موقعه خوفا من تبلور أو تكلس مجاميع من الناس حوله ليؤسس شيئا يثير مخاوف النظام، الا ان ما يواجهنا اليوم في معظم الدول التي تغير هيكل نظامها فيما يسمى بالربيع العربي او كما حصل في العراق منذ عقدين هو مواصلة الالتصاق والتكلس على كراسي الإدارات، وبالذات ما دون كرسي الوزير او النائب، وما يترتب على ذلك من انتشار عنقودي للفساد المالي الذي طفح بشكل جعل هذه الأنظمة ومنها العراق في مستويات لا يحسد عليها تحت سقف الفساد، في ظل إدارات نافست المياه الراكدة في تعفنها وانتشار رائحتها التي تزكم الأنوف؟
 
   ويبقى السؤال المهم في عملية التغيير؛ هل ستنجح التظاهرات التشرينية او غيرها سواء في العراق او بقية بلدان الحبو الديمقراطي والطائفية المقيتة في إزاحة هذه المتحجرات الإدارية من دوائر الدولة وغيرها من المؤسسات التي يعشعش فيها وزراء ومدراء ومسؤولين كبار وصغار، نمت حولهم عناقيد من بكتيريا الفساد ومجاميع من الانتهازيين والوصوليين الذين مسخوا تلك المراكز وحولوها الى إمارات وملكيات شخصية وتسببوا في تأخير نهوض البلاد وتقدمها وإضاعة فرص ذهبية للانتقال إلى الضفاف الأخرى مع النخب الكفؤة والأصيلة على حساب الأكثرية من السكان؟

kmkinfo@gmail.com





27
حق تقرير المصير والارهاب المنظم

كفاح محمود

   مما لا شك فيه أن حق التقرير المصير حق طبيعي مثبت في العهود والاتفاقيات الدولية من الناحية النظرية، ويعني باللغة الانكليزية اصطلاحاً (self-determination) وتفسيره منح الشعب أو السكان المحليين إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها بشكل حرّ وبدون تدخل خارجي، ويُنسب هذا المصطلح إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية وودرو ويلسون مع أنه جرى قبله استخدام مصطلحات مشابهة،  حيث كان مبدأ حق تقرير المصير في جوهر اتفاقية فرساي التي وُقعت بعد الحرب العالمية الأولى، وأمر بإقامة دول قومية جديدة في أوروبا بدلاً من الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الألمانية، وفيما بعد كان هذا المبدأ أساس المطالب المناهضة للاستعمار، بمعنى الدعوة إلى إلغاء السيطرة الأوروبية الاستعمارية على أفريقيا وآسيا.
  وبعيداً عن الخوض في تفاصيل التاريخ التي تسكن معظمها أبالسة المستعمرين الذين قسموا كعكة الأوطان فيما بينهم، وخاصة في الشرق الأوسط حينما مزقوا أوطان العرب والكورد وصنعوا ممالكاً على مقاساتهم وضموا أراضي كوردستان إلى تلك الكيانات في تركيا والعراق وسوريا وإيران، وحينما اعترضوا على ذلك قامت الدنيا ولم تقعد فاستخدموا كل الوسائل لقمع تلك الشعوب حيث يرهبونهم من تبعات مناداتهم في الاستقلال وما سيحصل من كوارث، حتى أن البعض منهم وخاصة (الحنون جدا) قال  بأنه مع حقنا في تقرير المصير وحتى مع الاستقلال، لكنه يخشى علينا من تركيا وإيران، وأننا سنكون دويلة محاصرة ستنهار حالها حال شقيقتها في كوردستان الشرقية، التي اغتالها التوافق السوفييتي الإيراني بصفقة غير طاهرة، بالضبط كما كان يرهبنا صدام حسين وحزبه والقذافي ولجانه الشعبية وبعث سوريا وأسده، من أن أي محاولة لإزالتهم من الحكم ستقوم القيامة، بل هدد صدام حسين بأنه سيحيل العراق إلى حفنة تراب إذا اخذوا الحكم منه، بهذه الثقافة والعقلية تعاملت معظم الأنظمة العنصرية والمحتلة لكوردستان في أجزائها الأربعة، مع طموحات شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليون نسمة، يرفض الاستكانة ومحاولة إلغائه، ويصر على أن يمارس إنسانيته وحريته وخياراته الاجتماعية والثقافية والسياسية وبشكل حضاري، دونما الذهاب إلى خيارات أخرى لولا انه اضطر إزاء عمليات الإبادة، إلى الدفاع عن نفسه، كما حصل في معظم الثورات والانتفاضات عبر تاريخه.
    لقد تجاوزت تلك الحكومات في تعاملها مع الكوردستانيين حتى إسرائيل وجنوب أفريقيا في تعاملهما مع السكان الأصليين سواء الفلسطينيين أو الأفارقة، حيث استنسخت وببشاعة ثقافة الاستيطان وعملت على تطويق كوردستان بحزام ناري من مواطنين مستقدمين من مناطق اخرى لا يمتون أصلا للمنطقة أرضاً وتاريخاّ وشعباً بأي صلة، كما حصل في الحزام العربي بسوريا ومثيله في العراق حول كوردستان وبلداتها، والتي تبخرت في الساعات الأولى لسقوط تلك الأنظمة واستبشر المواطنون خيرا في استعادة حقوقهم وبلداتهم وقراهم، لكن الأحداث التي مرت بعد إسقاط نظام صدام حسين، أثبتت أن تلك العقلية متكلسة في كثير من مراكز القرار الجديدة حيث تم تكريس ذات السلوكيات التي مورست مع شعب كوردستان، حيث تم إقصائه وتهميشه بأساليب خبيثة، ربما أكثر إيلاماً مما حدث سابقاً، فقد تم محاصرة الإقليم وإشاعة الكراهية والحقد ضده وضد قياداته ورموزه، والعمل على شق صفوفه والعودة إلى سياسة تصنيع ما كان يسمى بـ (الجحوش) ، كما يسمونهم في كوردستان، وبدلاً من ميليشيات ومفارز شبه عسكرية تم تصنيع أحزاب كارتونية وشخصيات عميلة، ناهيك عن سرقة حصة الإقليم من الموازنة لخمس سنوات متتالية (2014- 2018) وقطع مرتبات الموظفين والبيشمركة وحصة الإقليم من الأدوية والوقود والقروض.
  لا نريد الخوض في تفاصيل المآسي التي سببتها حكومات العهد الديمقراطي، منذ أول حكومة بعد نيسان 2003 وحتى الأخيرة، فلم تتغير خارطة الطريق التي استخدمتها كل حكومات بغداد منذ قيام المملكة العراقية وحتى يومنا هذا، وما تحقق في كوردستان إنما أنجزه شعب كوردستان وفعالياته السياسية والاجتماعية بصموده أمام الحصار والتآمر والحرب التي شنتها منظمة الإرهاب الدولي داعش، أو تلك الهجمات التي تشنها الميليشيات الخارجة على القانون، منذ أكثر من سبع سنوات، والتي لا تختلف في مخرجاتها وأهدافها عن جرائم الأنفال والحرب الكيماوية والحصار الذي استخدم ضد الاقليم منذ سنوات، كل ذلك دفع الشعب الكوردستاني في 25 ايلول 2017م الى الإستفتاء بأسلوب مدني حضاري للتعبير عن رأيه فيما يتعرض له من شركائه المفترضين في الوطن، حيث أعلن 93% منه موافقته على الإستقلال.
  وبدلاً من التعامل الحضاري مع قيادة الاقليم حول نتائج الإستفتاء كما فعلت بريطانيا مع سكوتلاندا، وذلك بإجراء حوار مستفيض إما لحل كل الاشكاليات التي كانت سبب الإستفتاء والذهاب الى عدم تنفيذ نتائجه، أو تطوير النظام الفيدرالي بشكل أوسع، إلا أن الطرف الآخر رفض أيّ حوار بالمطلق واختار الحسم العسكري ففرض الحصار ومنع الطيران وأغلق الحدود وشن حرباً بالتعاون مع إيران وخبرائها العسكريين على الإقليم في ثلاثة معارك مفصلية كانت تستهدف فيها العاصمة أربيل لإسقاط الشرعية والكيان السياسي للإقليم، ورغم فشل كل تلك المحاولات ومرور خمس سنوات على إجراء الاستفتاء فإن الظروف التي أدت إلى قيامه ما تزال كما هي بل ربما أصبحت أسوء مع تغول وتنمر الميليشيات والجماعات المسلحة الخارجة على القانون والمدعومة خارجيا والتي تستهدف الاقليم بكافة أسلحتها في محاولة منها لإيقاف عجلة التقدم والازدهار التي فضحت فسادهم وفشلهم في إدارة الدولة.

kmkinfo@gmail.com


28
الحكم بين السلطة والمعارضة

كفاح محمود
 
    تحدد النظريات السياسية نوع الحكم السائد في الدول بين شمولي وفردي (دكتاتوري) وديمقراطي، ناهيك عن طبيعة الحكم بين جمهوري وملكي وثيوقراطي، وفي كل الانواع هناك تفرعات وتوصيفات وربما نظريات وقوانين تدعم كل منها وتمنحها شرعية الدستور الذي فرضته على تلك الدولة ونظامها السياسي، وفي بحثنا هنا لن نتطرق الى تلك التفاصيل التي غدت من المفاهيم السائدة والمعروفة خاصة في بلداننا التي ادمن الاهالي فيها السياسة بعيدا عن كونها مهنة كباقي المهن حيث ترى الغالبية من الأهالي ومن كل الشرائح منهمكة في الحديث والتحليل والتمحيص في قضايا السياسة، ولذلك سنتعرض لمسألة غاية في الأهمية خاصة في البلدان ذات التجارب الديمقراطية الحديثة التي يتم استنساخها على الطريقة الغربية بعيداً عن واقع وظروف مجتمعاتنا التي تختلف في العديد من مظاهر الحياة وممارساتها وتراكم عاداتها وتقاليدها التي أصبحت جزءاً من شخصيتها كمجموعة وكفرد.
  هذه المسألة تتعلق بالسلطة وكيفيتها بعيداً عن نوعها كما ذكرنا في مدخل مقالنا هذا، حيث السؤال الأهم في ماهية السلطة هدفاً أم وسيلة لتطبيق برنامج يتعلق بالحاكمين سواء كان فردياً أو شمولياً أو ديمقراطياً ومدى علاقته بالأهالي من السكان واستحقاقاتهم المواطنية في الحقوق والواجبات، وإزاء ذلك هل يمكن أن يعترض البعض على كيفية التطبيق وحيثياته فيما يتعلق بالوطن والمواطن، وهذا يقودنا الى فكرة المعارضة الوطنية وتبلورها سواء على شكل أشخاص مستقلين أو أحزاب ومنظمات مجتمع مدني.
  هذه المعارضة التي لم تتبلور بعد في كثير من البلدان حديثي التجربة الديمقراطية حيث  تم تقزيم مفهوم المواطنة وحصره بالولاء للفرد الحاكم أو للحزب المتفرد وبذلك واجهت تلك الأنظمة الجديدة إرثاً متراكماً من حب التسلط والانتقام بما يُغيب المواطنة المنتجة لمعارضة وطنية.
  من المعلوم أن أولى دوافع ظهور المعارضة يكمن في حدوث التناقض بين الحاكمين والمحكومين، أو بين الفائزين بالسلطة وبين الخاسرين، مما يدفع مجموعات تتفق فيما بينها على منظومة عمل يطرح بدائل للمشروع الحكومي أو البرلماني يتضمن اتجاهات ومقترحات إصلاحية لما يظنوه هدماً سياسياً واجتماعياً، وهكذا ممارسة تصطدم دائما بموروثات سياسية وقبلية او اجتماعية لا تمتلك إرثا ولا منظومة تربوية في السلوك الديمقراطي الذي يعتمد أساساً على قبول الآخر مهما كان مختلفاً في الرأي أو في الحجم.
  وفن المعارضة وثقافتها يقوم في الأساس على فكرة المواطنة وقبول الآخر المختلف كما أسلفنا، وهي بالتالي ضرورة رقابية وتنافس من أجل الوطن وليس من أجل اقتسامه، وهي الأخرى تتصف بتعدد أشكالها ووسائلها ومكان تواجدها وأسلوبها في التعبير عنها، وهنا يقول الاستاذ خيري منصور:
  "منها ما يولد في المنفى وما يرتهن لإرادات دولية كما ان منها ما هو اصيل ولا يخرج عن الثابت الوطني، لكن ما شهده العالم العربي في خريفه السياسي الذي ارتدى قناعاً اخضر اً من معارضات كان وما يزال يراوح بين ما هو راديكالي ويطرح شعارات تعجيزية وما هو واقعي وقابل لأن يترجم ميدانيا، والفيصل في الحالتين هو الدور الخارجي في تغذية وتسليح المعارضة الحالمة بالسلطة حتى لو كان ذلك على خازوق او على دبابة عدو"
  وواضح جدا هذا التعريف وتطبيقاته في الساحة العراقية والسورية والليبية ومدى تأثير العامل الخارجي الذي يهيمن على اتجاهات البوصلة السياسية سواء كانت في السلطة او ما يسمى بالمعترضين عليها الذين يصرون هم ايضا على اعتلاء كراسي السلطة بأي ثمن كان، ولذلك ستبقى فكرة المعارضة مجرد حديث نظري لا يمكن تطبيقه واقعا لأن ثقافة المواطنة ما تزال تتأرجح بين الانتماء للوطن والولاء الجزئي، وفي كلتا الحالتين تبقى السلطة متفردة حتى فيما يسمى بالديمقراطية مالم تتطور وترتقي ثقافة المواطنة والولاء الوطني الجامع المشترك للجميع.

29
الشرق الأوسط والتجارب الديمقراطية العرجاء!
كفاح محمود
   ثلاث تجارب للتطبيقات الديمقراطية على الطريقة الغربية تم استنساخها في ثلاث دول من دول الشرق الأوسط بداية ووسط القرن الماضي، وفي مقدمتها ديمقراطية أتاتورك في تركيا بعد اضمحلال الإمبراطورية العثمانية الشمولية وانحسار الحكم التركي في آسيا الصغرى بإعلان الجمهورية التركية التي اعتمدت العلمانية أساساً لتجربتها في الديمقراطية، تلتها بعد ذلك وفي عام 1943 التجربة اللبنانية التي وضعت لبناتها الأولى الدولة الفرنسية، وما لبث بعدها بسنوات قليلة إعلان دولة إسرائيل ومعها تجربتها الديمقراطية على الطريقة الأوروبية، وفي التجارب الثلاث واجه المشرعون والمفكرون السياسيون تحديات كبيرة في عملية التطبيق، وخاصة ما يتعلق بمواجهة البنية الاجتماعية ومكوناتها والولاء الديني والمذهبي والعرقي المتشدد الذي أعاق تقدم ونجاح ذلك النظام رغم بعض النجاحات التي تحققت على المستويين الاجتماعي والسياسي، لكنها بقيت تصطدم بجدران الانتماءات العابرة للمواطنة الجامعة، بما جعل برلماناتها لا تمتلك تلك المصداقية في تمثيل المواطنة الحقة، وبقيت مجالس تمثيلية للأحزاب واتجاهاتها حصرياً.
   في التجربة الأولى، ورغم القوانين الصارمة التي أصدرها أتاتورك في حينها لصناعة شخصية وطنية فوق الانتماءات الثانوية كما كان يتصور، محاولاً إذابة مكونات رئيسة تكاد أن تتجاوز في تعدادها النصف من سكان جمهوريته في بوتقة عنصر واحد هو العنصر التركي، مانعاً أي استخدام لثقافات أخرى، لغة وتقاليد وفلكلور، وصل إلى حد منع استخدام قبعات معينة تعكس فولكلورا مغايراً، فشل في قمع الكرد والأرمن، وتسببت سياسته باقتراف مجازر وحروب إبادة، ومن ثم استمرار الانتفاضات وأعمال المقاومة لسياسته حتى يومنا هذا بما منع طموح تركيا في دخول النادي الأوروبي ومعاييره.
   وفي الثانية، ورغم بعض النجاحات اللبنانية هنا وهناك، إلا أنّ الأساس الخاطئ الذي بنيت عليه التجربة الديمقراطية انتهى بلبنان إلى الحال الذي يعيشه اليوم من تشرذم وتسلط قوى طائفية مرتبطة بمشاريع إقليمية لا علاقة لها بالمطلق بلبنان وشعبه، مما جعل مجلس نوابه وسلطته التنفيذية سلطات طوائف وبيوتات لا تمت بأي صلة لمفهوم البرلمانات وتعريفها الديمقراطي، وكذا الحال في الثالثة بعد اعلان دولة إسرائيل التي ادعت أنها واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط لكن ما يحصل فيها من صراعات على مدار الساعة وليس الأيام ومنذ إعلان تأسيسها يؤكد عكس ما تدعيه وما يذهب إليه البعض في اعتبارها دولة ديمقراطية على النمط الأوروبي.
   خلاصة القول، إن التجارب الثلاث وما تلاها في كل من إيران الشاه ومصر ومن ثم الديمقراطيات المستنسخة في العراق وتونس وليبيا والسودان، اصطدمت جميعها بحقائق تؤكد أن النمط الأوروبي لا يمكن تطبيقه في مجتمعات لم يتبلور فيها مفهوم حر جامع للمواطنة وما تزال تعاني من تعدد الولاءات القبلية والطائفية والدينية وحتى المناطقية، ناهيك عن التبلور العرقي والقومي الذي لم يرتقِ بعد إلى مستوى المواطنة الجامعة لكل هذه الانتماءات، وهو بالتالي، أي النمط الأوروبي، يصلح في مجتمعات تجاوزت ظروفها التاريخية منذ زمن طويل وتطبيقها في مجتمعاتنا يعطي نتائج عكسية تماماً، وهذا ما يحصل فعلاً، وخير نموذج في ذلك ومنذ قرابة العقدين في العراق، حيث فشلت كل قواه السياسية وحتى الاجتماعية من إنتاج برلمان يمثل الشعب العراقي تحت مظلة مفهوم المواطنة، بل حصل العكس تماماً، إذ تحول البرلمان إلى مجلس للأحزاب التي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مجموع الأهالي الذين يرفض غالبيتهم حتى فكرة الاقتراع.
   في المقابل، نجحت بعض دول المنطقة في إنتاج مجالس للشورى هي الأقرب إلى سيكولوجية مجتمعاتها وثقافاتها المتأصلة، سواء في التقاليد والعادات أو في مسألة تعدد الولاءات، بحيث منحت فرصة الانتخاب وبنسب محدودة وشروط ملزمة إزاء نسبة أخرى في الاختيار والتعيين على خلفية البناء الاجتماعي المتوارث والقيمة المعرفية والمكانة الاجتماعية والاستشارية للأعضاء المختارين، وهي الأقرب إلى فكرة مجالس الأعيان والشيوخ واللوردات في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول التي تضع بعض الكوابح في مجالسها التشريعية لكي لا تتغول أو تتسيد، وإن اختلفت عملية الاختيار.
   ولذلك نرى أن الناتج الانتخابي في معظم دولنا لا يعبر حقيقة عن الصورة الأصلية لواقع مجتمعاتنا بسبب الخلل الكبير في الناخب والمنتخب، مما يتطلب إجراءات جدية للارتقاء بمستوى الاثنين من الناحية النوعية تؤهلهم كمرشحين وكناخبين بمستوى تمثيلي رفيع، وفي مقدمة تلك الإجراءات ضرورة إيجاد ضوابط مشددة للناخبين، بدءاً من رفع سقف العمر إلى 25 سنة مع شرط إكمال الدراسة الثانوية على الأقل، ناهيك عن مجموعة ضوابط أخرى تجعل عملية الانتخاب بمستوى شروط الترشيح ومميزاته، مما سيشجع الناخبين على ضرورة التعلم لممارسة حق ليس رخيصاً أو سهلاً، بل يحتاج إلى جهد ومميزات تؤهله للقيام به، وفي ذات الوقت يبدو أن رفع سقف العمر للمرشح أيضاً بات ضرورياً مع التشديد على مسألة المؤهلات العلمية والمعرفية وضوابط اجتماعية وأخلاقية أخرى تؤهله للجلوس على كرسي البرلمان ممثلاً للشعب لا لحزب أو عشيرة أو دين أو مذهب أو عرق فقط.
kmkinfo@gmail.com

30
دولنا بين الحكم والحوكمة؟

كفاح محمود


   في معظم الدول ذات النظم الشمولية، بحزب واحد او قائد أوحد، تتكثف   اضواء التوصيفات في وسائل الدعاية والاعلام والتوجيه على (المنقذ والمخلص والمحرر ورمز الامة والقائد الضرورة والزعيم الأوحد) وهو دائما الحاكم المطلق باسم الشعب أو الرب أو الامة، مستبعدة او مهملة  جوانب او عناصر أخرى في تركيبة النظام، هي الاساس في صناعة التفرد والاستبداد، ويبدو ذلك واضحا وجليا في معظم دول الشرق الاوسط، حيث شماعة الدكتاتور العملاقة التي تتحمل اوزار كل ما يحصل في تلك المجتمعات، وكأنما منظومة الحكم وملحقاتها وثقافتها الاجتماعية والسياسية التي تتحكم في كل مفاصل المجتمع والاقتصاد بريئة مما يفعله الدكتاتور، وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتد لعشرات أو مئات السنين وتكثيفها في فرد بذاته، هو في الاصل نتاج نظام بدوي قبلي في الفكر والسلوك، حتى لكأنك تشعر وأنت تقرأ التاريخ الغابر، ما زلتَ تعيش في أجواء وفضاءات خلفاء بني أمية والعباس وحتى ورثتهم من بني عثمان؟
    في دمشق وبيروت كما في بغداد قبلهما، وما يحصل اليوم من صراع دموي عنيف في اليمن وليبيا، ليس كما تسوق له بعض وسائل الإعلام من انه صراع بين الزعماء وبين الشعوب، بل هو صراع بين الشعوب ومنظومة الدكتاتوريات الفردية والاجتماعية ونظمها الفكرية والثقافية والمذهبية، التي كثفت كل مساوئ التاريخ في السلطة التي استقطبت حولها شتى مظاهر التسلط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، وسخرت لأجل ذلك كل ما على الأرض وباطنها من كفاءات واموال وثروات وقوة وسلاح، حتى غدت إمبراطوريات بوليسية تحكمها مجاميع من انصاف المثقفين ومدعي الخبرة والمعرفة وافواج من الانتهازيين والوصوليين.
    لقد شهدنا سقوط هيكل نظام صدام حسين، لكننا لم نشهد سقوط منظومة الانتهازيين والفاسدين التي سرعان ما كيفت وضعها مع المستجدات الادارية الجديدة بعد السقوط مباشرة، حتى تغولت واصبحت تمتلك وتهيمن على مفاتيح الثروة والحكم في البلاد وعلى كل المستويات الحكومية والبرلمانية والفعاليات السياسية، بل وغدت ظاهرة اجتماعية تتكثف في مفاصل مكونات المجتمع القبلية والعشائرية والدينية، وبدلا من دكتاتور واحد اصبح لدينا العشرات الذين تطوف حولهم حلقات الانتهازيين والوصوليين واللصوص والطبقات الرثة التي اعادت تدويرها لتبدأ مرحلة جديدة من الفساد والافساد ليس في العراق وحده بل في سوريا ايضا التي تعوث في الارض فسادا، فصائلا وميليشيات ومرتزقة،  حيث أدرك السوريون بكل انتماءاتهم ومكوناتهم ان المشكلة ليست بشخص رئيس النظام فقط، بل في المنظومات الثقافية والسلوكية التي أنتجها النظام السياسي منذ عشرات السنين من الحكم المطلق، واصبحت سلسلة حلقاتها متصلة ببعض وبرأس النظام وتنظيمه ومؤسساته، وهي مجاميع كبيرة من اللصوص والقتلة والانتهازيين ونكرات المجتمع.
   حقا لقد أسقطت مجموعة انظمة في منطقتنا، وبصرف النظر عن الكيفية والالية التي أسقطت فيها هياكلها، فان سقوط صدام حسين لم يكن على أيدي الأمريكان وقواتهم  فحسب، بل حصل ذلك الانهيار قبل سنوات طويلة من التهريء، يوم قرر إهانة شعبه وقتله، سواء في كوردستان أو في الأهوار أو في الرمادي أو مع جناح من أجنحة حزبه، وكذا الحال في سوريا واليمن وليبيا ولبنان وإيران فقد سقطوا تماما في ذاكرة شعوبهم قبل أن تسقط هياكل انظمتهم ورموزها.
   إننا اليوم بأمس الحاجة إلى حوكمة قبل حاجتنا الى حكومة، وإلى عدالة ومعرفة أكثر من حاجتنا الى استنساخ تجارب شعوب اخرى لتصنيع نظام سياسي هجين وعملية تداول تمثيلي للسلطة!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحوكمة أو الحكمانية: هي تدعيم مراقبة نشاط المؤسسة او الحكومة ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها، وهي مصطلح جديد في العربية وُضِع في مقابل اللفظ الإنجليزي (governance)، وهي ايضا الحكم إلى أفضل الأشياء بأفضل العلوم.

kmkinfo@gmail.com


31
شماعة اسرائيل وشيطنة السلطة!

كفاح محمود

   يقولون أن الشياطين تسكن في التفاصيل، وقد أثبتت أحداث بدايات القرن الماضي أن تلك الشياطين صنعت مجموعة إشكاليات في قلب الشرق الأوسط على أنقاض الدولة العثمانية، لتتركها للاستثمار في المستقبل لا لسواد عيون شعوب المنطقة، بل لمصالح اقتصادية وسياسية طويلة الأمد ترتزق منها تلك الشياطين وسدنة ممالكها ودولها من حروب وصراعات أشار اليها أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في حفل توقيع اتفاقية لوزان 1923م حينما قال للموقعين أنكم توقعون على بحور من الدماء بين شعوب هذه الكيانات والدول!
   تلك الإتفاقية التي أنتجت ممالك وإمارات وجمهوريات وملوك وأمراء ورؤساء قادة ليس لهم مثيل إلا في صفائح بريطانيا وشركائها الذين يكتنزون أسرار العالم وحكوماته، وفي خضم صناعة تلك الدول تم إدغام فلسطين وكردستان في كيانات سياسية مصنعة من ركام المؤامرات والمصالح الدولية، لتفرض واقعا في فلسطين تحول فيما بعد مصنع لإنتاج  حروب التحرير التي شنتها الأنظمة السياسية حفاظا على بقائها في السلطة المحمية بأجهزة الدعاية ووسائل الاعلام وأئمة المنابر وما فعلته بملايين البشر بتخديرها وتسطيح عقولها بالإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين، وكذا الحال في كردستان التي قسموها على أربعة كيانات، حاولت تلك الدول إذابة شعبها في كياناتها القومية تعريباً وتتريكاً وتفريساً، وكما لملموا اليهود من كل اصقاع الدنيا فعلت تلك الكيانات في كردستان تارة بحرب إبادة وأخرى بتهجير وثالثة بإذابتهم في قومية تلك البلدان.
    واليوم وبعد أكثر من سبعين عاما على ضياع فلسطين التي ما تزال راقصة بلا جسد، تنتهكها المزايدات وأعراف الملالي وسلاطين الظلام وعقود من تهميش العقل واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب لإدامة كرسي الحكم، اليوم وبعد ما يقرب من أربعين عاما على توقيع اتفاقيات السلام والإعتراف المتبادل بينها وبين كل من مصر والأردن وفلسطين وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى المنامة، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والإستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا ولبنان والخليج، وجولات حزب الله وحماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية معها في تل أبيب أو على الحدود سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الإعلام البائس وخطاب المزايدات وعنترياته الفارغة، ورغم ذلك ما تزال شماعة إسرئيل أهم أسلحة الدول الراديكالية والأحزاب الشمولية في الشعارات والمزايدات الساذجة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل التي أصبحت تهمة بائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع.
   إزاء هذا الكم الهائل من استغفال الرأي العام يتساءل المرء هل كان زعماء مصر وهم قادة أعظم دول العرب وأكثرها تضحيات من أجل فلسطين، بل وأكثر قادة العرب نضالا من أجلها، خونة وعملاء، وذات التساؤل عن ملوك الاردن والمغرب والبحرين والامارات والسودان وقادة فلسطين يسارا ويمينا، وحتى يهدينا رب العباد ونخرج من دوامة النفاق السياسي والازدواجية، ستبقى الاسئلة تتناسل كلما علقت دولة فشلها على شماعات اسرائيل كما تفعل اليوم ايران، وجريمتها في قصف اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق بصواريخها الباليستية لتعمية العيون عن رؤية حقيقة سياساتها الفاشلة في كل الدول التي تحاول جعلها مجالاً حيوياً لمشاريعها الفاشلة.
   كردستان وعاصمتها التي تحولت إلى جزيرة للأمن والسلام والازدهار في بحر من الفوضى والإرهاب ليست بحاجة الى علاقة أو تطبيع مع إسرائيل لا في اربيل عاصمتها ولا في بغداد عاصمة العراق الاتحادي، لسبب بسيط هو أننا لم ننجح في إقامة علاقات طبيعية فيما بيننا كما ينبغي، فما زلنا متنازعين نكيل لبعضنا اكثر التهم قساوة، بل ان ما قتل منا بأيدينا في احترابنا منذ تأسيس مملكتنا وحتى يومنا هذا يفوق أضعاف ما قتلتهم إسرائيل في حروبها معنا!؟
   حقاً اننا أحوج ما نكون إلى التطبيع فيما بيننا قبل التفكير بالتطبيع مع إسرائيل!

kmkinfo@gmail.com

32
الازدراء والتمزيق المجتمعي
كفاح محمود
   يعتقد الكثير من شبيبة اليوم خاصة أولئك الذين شهدوا ما سمي بالربيع العربي، وقبله في العراق حينما ازاحت الولايات المتحدة نظام الرئيس صدام حسين وحزبه عن دفة الحكم، وما تلى ذلك في كل من سوريا واليمن وليبيا وكثير من بلدان الشرق الاوسط ذات التعددية القومية والدينية والمذهبية، بأن ما حصل في تلك البلدان من ازدياد وتيرة العنصرية والطائفية وما يصاحبهما من اقصاء عرقي وقومي بشكل مفرط، هو وليد هذه المرحلة أي مرحلة ما بعد تولي معارضي تلك الانظمة دفة الحكم، وخاصة الأحزاب الدينية أو المذهبية، التي عاشت وترعرعت في ظل وكنف مجموعة من المدارس والمعتقدات السياسية ومنهاجها المعروفة، خاصة في العراق ابتداءً من مدرسة الزعيم ومقاومته الشعبية مرورا بمدرسة البعث وحرسه القومي وجيشه الشعبي، وانتهاءً بما أنتجته تلك المدارس من تجارب يتم استنساخها اليوم، بل والإبداع في تطوير أساليبها بمختلف المناهج وممارسات أنظمتها السياسية والقمعية، تلك المدارس التي كرست مفاهيم السلطة الفردية والحزب الواحد وطرق هيمنته واندساسه في كل مفاصل الدولة وزراعة العيون والآذان في كل دائرة ومدرسة ووحدة عسكرية على طريقة جمهورية جورج اورويل في روايته (1984) حتى غدت الدولة برمتها عبارة عن منظومة كاميرات للمراقبة والتصنت.*
   هذه المدارس والغيوم السوداء التي سادت منطقة الشرق الاوسط وخاصة الكيانات والدول متعددة المكونات الدينية والقومية مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان وتركيا وايران ودول شمال افريقيا، حيث سادت ثقافة الاقصاء والتهميش بل والانتقاص من تلك المكونات، ففي سوريا والعراق أشاعت معظم الانظمة السياسية ومفاصلها المتنفذة ثقافة اقصائية وازدرائية ضد مكونات دينية ومذهبية وعرقية وبأشكال مختلفة ووسائل متعددة، باستثناء فترة قصيرة جداً من الحكم الملكي العراقي، وتحديداً في السنوات الأولى لتأسيس المملكة العراقية، والى حدٍ ما فترة أقصر من حكم الزعيم عبد الكريم قاسم او نور الدين الاتاسي، وما عداها ومنذ انقلب البعثيون وحلفائهم على النظامين في كل من دمشق وبغداد، حكم البعثيون البلاد منذ شباط 1963 في العراق وحتى إسقاط هيكل حكمهم في نيسان 2003، مع وجود فترة قلقلة بين 1963 و 1968 التي انقلب فيها العوارف على الحرس القومي، لكنهم لم يختلفوا في نهجهم السياسي عما سبقهم إلا بالعناوين والأسماء.
   لقد مورست ضد المكونات الأصغر سواءً كانت قومية أو دينية مذهبية، كل أنواع الاضطهاد حيث التغيير الديموغرافي وسياسة التعريب في العديد من المدن والقرى الكردية في كوردستان العراق، وما ماثلها في سوريا حيث الاحزمة العنصرية واسقاط الجنسية عن مئات الالاف من الكرد السوريين، ناهيك عن الإقصاء والانتقاص باستخدام وسائل دعائية اجتماعية، تزدري تلك المكونات بفيض من النكات والطرائف التي تظهرها بشكلٍ ساخر أو منتقص، وتشكك في أهليتها، بل وتهينها في نهجها الديني أو انتمائها العرقي وحتى الاجتماعي، ونتذكر جميعا طوفانات النكات والقصص أو الطرائف المفبركة التي كانت أجهزة المخابرات وبعض المؤسسات تقوم بنسجها وإشاعتها للتداول بين الأهالي، وليس ببعيد عن الذاكرة تلك التي كانت تستهدف جنوباً (الشروك والمعدان) وازدرائهم وإظهارهم بأنهم أُناس بدائيون وأجلاف، وشمالاً الكرد والتركمان والمسيحيين عموما، الذين ينتقصون في آدميتهم ومواطنتهم بأنماط من القصص والنكات المفبركة، التي تظهرهم أغبياء وحمقى، وكذا الحال غرباً مع (الدليم والمصالوة) كما كانوا يقولونها، وإظهارهم بالبخل والحماقة والتخلف.!
   وما يجري اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتحديدا في المناطق المختلطة من عمليات تغيير ديموغرافي عرقي او مذهبي هو استمرار لذلك النهج الذي مزق هذه البلدان ومجتمعاتها، حيث التطرف الديني والمذهبي والعرقي الذي يساهم في إحداث تمزيق شديد في البنية المجتمعية للسكان وينذر بخطر داهم يضعنا جميعاً أمام مسؤولية تاريخية ووطنية إزاء هذا النهج المدمر الذي يُشيع التمزق والاحتراب، بل ويشيع احباطا وانتكاسة خطيرة لدى مساحات واسعة من الاهالي في التوجه الديمقراطي لبناء المجتمعات وانظمتها السياسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رواية 1984 التي كتبها الصحفي البريطاني جورج اورويل George Orwell في عام 1949م.







33
نوروز الحرية والسلام والتعايش
كفاح محمود
    منذ أن أسقط كاوه دكتاتورية الضحاك قبل 2722 عام والشعب الكوردي ومن جاوره من شعوب هذه المنطقة تحتفل سنويا بشعلة النار التي أضاءت طريق الحرية والانعتاق وأشرت بداية العام الجديد في يومه الأغر نوروز، تلك الشعلة التي أوقدها كاوه الحداد حينما انتصر على تلك الدكتاتورية الظالمة، غدت عنوانا ورمزا للانعتاق ولليوم الجديد على مدى ما يقارب من ثلاثة آلاف عام.
    نوروز هذا اليوم الجديد توزع على خارطة شعوب الشرق الأوسط وحمل في كل ارض من أراضيها لونا من ألوان الربيع واسما من أسماء تلك الشعوب دون أن يختلف في مضامينه أحد منهم، فهو عيد الحرية والربيع والشجرة والخصوبة واليوم الجديد والى آخر ما اجتمعت على تسميته والاحتفال به كل ربيع من كل عام، من الهند إلى مصر مرورا بكوردستان في أجزائها الأربعة وإيران والباكستان وكثير من شعوب ودول آسيا وأوروبا.
   وخلال آلاف السنين سادت حضارات ثم بادت ونهضت دول وإمبراطوريات وأخرى أزاحها الزمان وانكفأت، وبقيت شعلة نوروز كما هي تضيء للقادمين عبر الأجيال طريق الحرية والانعتاق واليوم الجديد في ساعة الزمن وتقويم التاريخ، وبقيت أعالي الجبال وذراها في كوردستان منذ أوقد قائدها الأول شعلة الحرية وأذن باليوم الجديد، تتحول مع الساعات الأولى لنوروز إلى مشاعل للضوء والنيران في احتفال مهيب عبر الأجيال ترافقه دبكات الشباب والصبايا وزغاريد النسوة وأهازيج الأطفال وتمتزج فيه أجمل ألوان فلكلور كوردستان في الملبس والغناء والرقص في أجمل كرنفال لإشاعة السلام والأمن الاجتماعي والتعايش بين الناس جميعا دونما تفريق في اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو المكان، ففي أيام نوروز هنا في كوردستان العراق كما في بقية أجزاء كوردستان الأخرى، يخرج الكورد وأصدقائهم من كل الأطياف والأجناس في رحلات وكرنفالات جماعية إلى المروج والحدائق والساحات، حيث الدبكات الشعبية المعروفة تصاحبها فرق للغناء احتفاءً باليوم الجديد وبربيع كوردستان الخلاب وبشكل عفوي مثير تجتمع فيه آلاف مؤلفة من العوائل ومئات الالاف من القادمين العراقيين من كل محافظات العراق حيث تختلط أنواع الفلكلورات العراقية والكوردستانية في لوحة اجتماعية سياسية تُعبر عن اللحمة الوطنية العراقية من اقصى جنوب البلاد الى أقصاها غربا وشرقا تحتضنهم كوردستان بمحبة وتعايش قل نظيره في منطقتنا عموما.
   ان نوروز يمثل عنوانا بارزا للانعتاق والمحبة والتعايش والسلام ونحن اليوم احوج ما نكون الى ذلك النسيج الذي تحبكه تلك المشاعر النقية والمخلصة في العيش المشترك الذي يحمي الجميع ويحرص على حقوق الجميع بما يعزز مفهوم المواطنة الحقة في دولة فيدرالية ديمقراطية تعددية حرة.

kmkinfo@gmail.com






34
لعنة الرئاسة في العراق

كفاح محمود

    شاعت منذ اواسط القرن الماضي معلومة في أوساط الآثاريين والباحثين عن اللقى مفادها إن مجرد إزعاج مومياء اي فرعون من فراعنة مصر في الحفر والنبش أو السرقة والمتاجرة يؤدي الى ما سُمي بـ (لعنة الفراعنة) التي تقود صاحبها الى الموت او الجنون او العوق كما يدعي كثير من الذين اصيبوا بهكذا مصائب إثر تحرشهم بتلك المومياءات، وسواء ان كانت هذه المعلومة دقيقة أم مجرد تكهنات أو تأثيرات سايكولوجية أو عضوية فإنها اعتبرت سببا لكثير مما أصاب الضحايا الذين دفعوا حياتهم ثمنا لما فعلوه من ازعاج لتلك المومياءات كما يدعون هم وأقربائهم، وبعيدا عن مصر وفراعنتها وتحديدا في قلب بلاد ما بين النهرين بغداد ومنذ ذات التوقيت أو أكثر بقليل عن قبور الفراعنة ومحنطاتهم من الملوك والأمراء المصريين فإن تلك اللعنة وإن اختلفت الاسباب قد أصابت كرسي الحكم في العراق بعد السطو عليها في تموز 1958 وقتل كافة أفراد الاسرة الهاشمية الحاكمة، باختلاف المستهدف من اللعنة، حيث تلاحق تلك اللعنة كل من يجلس على ذلك الكرسي المشؤوم!.
   لكن لعنة كرسي الحكم في العراق تختلف كثيرا عن تلك التي في مصر، حيث الصراع المستميت من أجل الجلوس عليها وليس مجرد إزعاج لجثة هامدة محنطة منذ الاف السنين، وأسباب هذه الصراعات كثيرة ومعقدة لانها ترتبط بالموروث المتكلس عبر مئات السنين من حكم الأمير والسلطان والملك والرئيس والقائد، وسلطاتهم المطلقة وامتيازاتهم اللا محدودة التي دفعت كثير من المغامرين للإنقلاب والجلوس على ذلك الكرسي الذهبي، كما حصل في معظم بلدان الشرق الاوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية منذ أكثر من نصف قرن، ومن ضمنها العراق الذي حطم الكرسي الملكي ليضع كرسيا للجمهورية في تموز 1958م بإنقلاب عسكري دموي، نصب فيه مجلسا رمزيا للسيادة ورئيسا متفردا للوزراء يقوم مقام الملك مطلق الصلاحيات بزي جمهوري وشعارات تقدمية، ما لبث بعد خمس سنوات حتى أطاح به مغامرون آخرون من رفاقه ليتم تنصيب (الرئيس المؤمن عبد السلام عارف) هذه المرة، والذي لم يهنأ هو وشقيقه عبد الرحمن كثيرا بالحكم، اذ استولى مغامرون آخرون في انقلاب ليلي على الرئيس ونفيه الى خارج العراق لإجلاس جنرال آخر هو المهيب أحمد حسن البكر على كرسي الحلاق الذهبي، الذي لم يتمتع بالجلوس عليه منفردا بل شاطره نائبه المدني صدام حسين حتى أزاحه بالكامل من الكرسي ومن الحياة ليمارس دوره كمنقذ للامة وقائد للضرورة ونعمة من نعم السماء كما وصفه ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي!.
   لاحقته اللعنة هو الآخر كأقرانه ممن سبقوه على كرسي الحلاق، لكن هذه المرة كانت على يد الولايات المتحدة التي أسقطته وأعدمته هو وأركان قيادته، لتنتهي واحدة من حقب الرئاسة العراقية المثيرة وينتهي معها ذلك المنصب المثير ويتحول الى مجرد وظيفة تشريفية بروتوكولية في نظام برلماني غير مكتمل يعتمد رئيسا للوزراء بصلاحيات اوسع، مع تقزيم كبير في حجم المنصب على خلفية ذلك الإرث الثقيل للرئاسة وما تركه من آثار نفسية سلبية المجتمع السياسي وغير السياسي، فقد عمل مؤسسو النظام الجديد على تقليص صلاحياته وتكثيفها بيد رئيس الوزراء الذي ترشحه الكتلة الاكبر في البرلمان العراقي الواقف على رجل واحدة بسبب إصرار البعض على عدم تشكيل الجزء الثاني والاهم من البرلمان الا وهو المجلس الاتحادي.
    ولكي تُدعم العملية السياسية بين مكونات العراق الرئيسية (الكورد والشيعة والسنة العرب) في نظام توافقي فقد اتفقوا على عُرفٍ وزعوا من خلاله الرئاسات الثلاثة على الشيعة ولها منصب رئيس الوزراء كونها الغالبية المفترضة لعدم وجود تعداد عام للسكان، وللسنة العراقيين العرب منصب رئاسة البرلمان، بينما منح منصب الرئيس للكورد على اعتبار إقصائهم تاريخيا عن هكذا مناصب منذ تأسيس المملكة العراقية، وحصل اتفاق مشابه في إقليم كردستان ايضا وفي ذات الفترة أي في 2006م، حيث اتفق الحزبان الرئيسيان على ان يكون رئيس جمهورية العراق للاتحاد الوطني مقابل ان يكون رئيس الاقليم من الديمقراطي الكوردستاني، وبوفاة الرئيس طالباني واعتذار الرئيس بارزاني عن تمديد رئاسته او الترشح لها من جديد، يعتقد الديمقراطي ان ذلك التوافق انتهى ويجب ان لا يكون المنصب حكرا لحزب معين تحت أي مبرر، بل ان الديمقراطي طلب من الاتحاد ترشيح اي شخصية اخرى من قياداته تنال رضا الديمقراطي وبقية الاحزاب ليكون مرشح المكون، لكنهم اصروا على ترشيح السيد برهم صالح (الذي سبق وأن اعترض عليه الديمقراطي في انتخابات 2018م وتم فرضه من قبل نواب الشيعة والسنة نكاية بالديمقراطي)، مما اضطر الديمقراطي الى ترشيح منافس له في حينها، وقد تكرر الموقف ثانية بعد انتخابات اكتوبر 2021م بإصرار الاتحاد على اعادة ترشيح الرئيس لدورة ثانية دون توافق مع منافسه الرئيسي الذي دفع الى السباق مرشحه القوي هوشيار زيباري وزير الخارجية والمالية السابق، وحينما شعر الطرف الثاني أي الاطار التنسيقي بحتمية فوز السيد زيباري تعقدت الامور اكثر خاصة دخول إيران على الخط من خلال مشاركة السفير الإيراني والقوى الشيعية المنافسة للتيار الصدري بالضغط على المحكمة ورفض ترشح السيد زيباري بقرار وصِف بانه ظالم وسياسي، مما دفع الحزب الديمقراطي الى تقديم مرشح آخر هو وزير الداخلية في حكومة الاقليم، والذي تم ترشيحه في المرحلة الثانية التي اعترض عليها البعض وطعنوا في شرعيتها، وقد اكدت المحكمة الاتحادية الطعن والقت الكرة في ملعب مجلس النواب، مشترطة الترشيح من خلاله وليس من هيئة رئاسته!.
  وهكذا أصبح فريقا الصراع؛ الشيعي حول السلطة والكوردي لكسر الإرادة، أحد أهم أسباب توقف او انسداد العملية السياسية، وواضح جدا أن الإطار يضغط باتجاه عدم نجاح عملية انتخاب الرئيس الا بمشاركته في الحكومة التي يصر التحالف الثلاثي على تشكيلها تحت شعار حكومة الاغلبية الوطنية المرفوضة من قبل الاطار ومن الاتحاد لكونهما سيخسران مواقعا تمتعوا بامتيازاتها ومكاسبها طيلة ما يقرب من عقدين من الزمان، وربما أيضا الخشية من فتح ملفات الفساد الكبيرة التي تضم عشرات المليارات والصفقات المريبة، والغريب انهم جميعا أرادوا إضعاف وظيفة رئيس الجمهورية وتقليص صلاحياته، لكنهم اكتشفوا أنه رغم ذلك مفتاح لتسمية رئيس الوزراء الأقوى في البلاد والأمضى في الرفض أو الموافقة على كثير من القوانين والمشاريع والأحكام.
kmkinfo@gmail.com



35
المنبر الحر / الفرهود والفرهدة!
« في: 23:18 14/02/2022  »
الفرهود والفرهدة!

كفاح محمود

   الفرهود مصطلح ظهر في منتصف اربعينيات القرن الماضي في العراق، ولا علاقة له بالمعاني المعجمية في اللغة العربية، بل هو مصطلح تم تكييفه من مفردتين هما؛ فرَّ و اليهود؛ ليصبح بالتداول فرهود إشارة لعمليات السلب والنهب التي تعرضت لها بيوت ودكاكين المواطنين اليهود الذين انتابهم الرعب فهربوا من بيت الى بيت بهلع تاركين بيوتهم واماكن عملهم في الثاني والثالث من حزيران 1939 وما تلاها من سنوات حيث وقعت مجازر شنيعة بحقهم، فقد قتل في اليوم الاول 179 يهوديآ من العمال والکسبة والتجار وأصحاب المحلات التي احرقت بعد نهبها وسلب ما فيها من بضائع واموال، وهكذا غدت كلمة الفرهود تعني عمليات النهب والسلب الجماعية المشرعنة والمبررة على خلفية دينية او سياسية او اجتماعية.
 
  ولسنا هنا بصدد تلك العمليات البشعة التي طالت مواطنين عراقيين ذنبهم الوحيد هو ديانتهم بقدر ما هو تسليط الضوء على ثقافة الفرهدة التي رافقت حياة هذه الشعوب بدءا بالغزوات التي كانت قاعدة لانطلاق هذه الثقافة والسلوك البدائي الذي ما يزال يُمارس حتى يومنا هذا وبأشكال مختلفة، ربما اكثر شيطنة وتطورا من تلك التي حصلت مع اليهود، ففي معارك الأنفال سيئة الصيت نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها ما يقرب من ربع مليون انسان كردي تم تهجيرهم بالقوة من كوردستان العراق الى صحراواته الجنوبية، ليدفنوا هناك وهم احياء، حيث تمت فرهدة اموالهم ومقتنياتهم في القرى والبلدات التي هُجِروا منها، ولم تمض الا سنوات قليلة حتى عادت ذات الفرهدة الى الكويت ابان الغزو العراقي لها، وبعدها باشهر بدأت عمليات النهب والسلب في مدن كوردستان إبان الهجرة المليونية التي وقعت عام 1991م بعد هزيمة العراق وانسحابه من الكويت، وهجومه على كوردستان وتهديده للأهالي باستخدام الأسلحة الكيماوية، مما أشاع الهلع والرعب بين المواطنين الذين التجأوا الى الجبال ومنها الى تركيا وايران، وقد تجاوزت اعدادهم المليوني نسمة من الاطفال والنساء والشيوخ الذين تركوا كل شيء لينجوا بانفسهم، مما اتاح للرعاع القادمين من كل حدب وصوب وبتسهيل من الدولة في نهب وسلب كل محتويات تلك البيوت والمحلات والأسواق.

    لم تمض إلا سنوات اخرى حتى بدأت عمليات الفرهدة بعنوان الحواسم في اواسط 2003 والتي طالت كل دوائر الدولة ومخازنها ومقراتها في معظم المحافظات والبلدات العراقية، وهذه المرة كانت باوامر وتعليمات القيادة التي اسقطها الامريكان لكنهم لم يسقطو ثقافة الفرهود، حيث عادت هذه المرة مشرعنة بأنظمة وقوانين، وتحت شعار حصانة البرلماني والوزير وملحقاتهم منذ 2003 وحتى يومنا هذا حيث عشرات المليارات تذهب إلى  جيوب هذه الشرائح من الموظفين ذوي الدرجات الخاصة في سابقة لم تحصل في معظم انظمة العالم التي تشابه الوضع العراقي، ناهيك عن الفرهدة في المال العام تحت غطاء المشاريع الوهمية والمكاتب الاقتصادية للاحزاب الحاكمة وللميليشيات التي تسيطر على معظم معابر الحدود العراقية وموانئه.

   في معظم عمليات السلب والنهب كان الرعاع هم الذين يقومون بالعملية حينما تفقد الدولة قوتها او تنهار، أو أن توجه وتُسهِل الدولة تلك المجاميع  لتنفيذ العملية كما حصل في الانفال والهجوم على الاقليم لقمع انتفاضته في 1991م حيث سهلت الدولة عمليات الفرهدة للرعاع، وما يجري اليوم ومنذ 2003 هو شكل آخر للفرهدة حيث انقلبت المعادلة وتمت عملية تبادل للمواقع!

  فمن يا ترى يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!

kmkinfo@gmail.com

36
الرئاسة بين الألقاب والأفعال!

كفاح محمود

     لم يتعود العراقيون أو غيرهم من شعوب المنطقة إجمالا على استخدام مصطلحات التفخيم والتعظيم على الطريقة التركية أو الإيرانية في مخاطبة الما فوق الا في أوقات فُرضت عليهم، فكانت دخيلة وليست اصيلة، خاصة في العهد الملكي حيث سادت مفردات البيك والباشا المستوردة من فلكلور الدولة العثماني، وباستثناء ذلك كان المصطلح العسكري (سيدي) هو الأكثر شيوعا، وفي كل ذلك كانت هناك ثقافة تصاحب الكثير من العاملين في إدارة البلاد وعلى مختلف المستويات مستمدة من ارث غائر في التاريخ يتكثف دوما في ثقافة وسلوك وتعاطي الحكام من الملوك والرؤساء في مجمل منطقتنا وبالذات بلادنا.
    ولم يعد خافيا على الجميع أن الرئيس الأسبق صدام حسين ورفيق عقيدته اللدود حافظ الأسد وأمثالهم كانوا الوحيدين ممن يستحقون المحاكمة والعقوبة على ما اقترفوه بحق الشعب والوطن تحت مختلف التسميات والشعارات، وربما لا أكون متطرفا إذا ما قلت إن (سيادتهم) كانوا مدرسة انتجت جحافل من الدكتاتوريين الصغار الذين ترعرعوا في كنفهم وحينما استقام عودهم بدلوا جلودهم بجلود أحدث واكسسوارات أجمل والقاب أفخم، ليس في جمهورياتهم فقط بل في كل البلدان التي اجتاحتها حمى التغيير الفوقي والتداخل الجراحي على ايدي جراحين أجانب.
   ولكي ننصفهم أيضا فان نماذجهم هذه لم تنتج وتصنع خلال العقد الماضي أو حتى العقود المنصرمة، بل تمتد جذورها إلى قرون عديدة من العقلية والثقافة المغلقة والسلوك الأحادي المكثف بشخص واحد أو عدة أشخاص والذي تسبب في ما آلت إليه مجتمعاتنا حتى هذا اليوم، حيث البون الشاسع بين الأفعال والالقاب، وبين الشعارات والتطبيق على ارض الواقع، فلم يك البعثيون وغيرهم ممن أتيحت لهم فرصة الانقلاب والتفرد في الحكم والسلطة أصحاب هذه المدرسة في العنف والإرهاب وإلغاء الآخرين، بل هم نتاج منظومة فكرية وتربوية متراكمة عبر مئات السنين، ربما كانوا مبدعين في ترجمة تلك الأفكار والأهواء إلى الحد الذي لم ينافسهم أحد فيما مضى من الأيام، بل ان الخلف تجاوز السلف في العديد من الأفعال والالقاب، هذا الخلف الذي توقع الكثير من الشعوب أن يكون البديل الأفضل الذي نزفت تلك الشعوب دما ودموعا من اجله عبر عشرات السنين، وبصرف النظر عن آلية التغيير ومشروعيته، فقد كان مفترضا أن يكون البديل في الحد الأدنى متناقض تماما مع من سبقه في استئثار للسلطة وتشبث بالمناصب.
     كنا نتوقع جميعا ربما حتى ضحايا السقوط أن يكون البديل مغايرٌ تماما لما كان أيام (القائد الضرورة والحزب القائد) وتنتهي والى الأبد مصطلحات (البيعة ونريدك يا صدام أنريدك والأسد او نحرق البلد وملك ملوك افريقيا)، بل تمادى الكثير من الحالمين أن تتوقف مسيرات القطيع في تأييد الرؤساء والقابهم، لكن الذي حصل هو تكاثر يوغليني انشطاري لأولئك الرؤساء، فأصبحنا بدلا من قائد أوحد للضرورة نمتلك العشرات من مختاري العصر وأئمة الأمة ومخلصيها.
     كنا نتوقع جميعا أن ننتهي من القنوات الإعلامية الحكومية التي تمجد الحكومة وتوهم الشعب بعظمة القائد ومنجزاته، وأن يتم وضع حد للنظام القبلي وتحجيم رموزه من الشيوخ وذيولهم ومنع تدخلهم في الشأن الحكومي والسياسي، وفصل الدين عن الدولة والسياسة، فإذ بنا تحت ظلال السيوف وسطوة الطائفية وحكم المضايف!
    إذن المشكلة ليست بالرئيس صدام حسين او ملك الملوك القذافي او القائد الدكتور الأسد أو بشخوصهم وحتى بنظامهم، بل في منظومة السلوك التربوي والأخلاقي والأجتماعي المتكلس والمتوارث كعادات وتقاليد وممارسات فعلية لا تتفق مع معسول الكلام وشعارات الاستهلاك العاطفي والغريزي للجماهير المغيبة، تلك الشعارات المخدرة الغارقة بالنرجسية والدكتاتورية وعقلية المؤامرة والاعتقاد بأن كل مخاليق الله إنما خلقت لخدمة الشيخ والأغا والباشا والبيك ومن ثم القائد الضرورة وملك الملوك وأهدافهم المقدسة سواء كان هذا الرئيس رئيسا للوزراء أو الجمهورية ثم نزولا للادني حسب الترتيب الاجتماعي والاداري بدءً بشيخ القبيلة ومرورا بالمدير العام وانتهاءً برؤساء الأبواق الاعلامية وطباليهم!.
   حقيقة؛ كانت التوقعات والطموحات كبيرة بكبر أوجاعنا وعمقها، لكن ما حدث كان صغيراً لا يتلاءم مع الزلزال الذي وقع في نيسان 2003 وما بعده في بقية البلدان التي تعرضت لهزات الطائفية والعرقية وتدمير شبه تام للبلاد على أيدي الاحتلال سواء كان أجنبيا أو محليا، إقليميا أو إرهابا دوليا؟

kmkinfo@gmail.com
   



37
الوطن وتعدد الولاءات والانتماءات!

كفاح محمود كريم

   بغياب مفهوم جامع للمواطنة انتشرت وسادات انماط كثيرة من المفاهيم والادبيات السياسية والاجتماعية التي تُذيب الوطن والشعب في بوتقة الدين والمذهب والعشيرة والقرية او المدينة، حتى اصبح الولاء لاحداها يسبق الولاء للوطن الجامع والانتماء للشعب الاكبر، وتصدر هذا الولاء او الانتماء للمذهب او العشيرة قائمة الاولويات على حساب المفهوم الجامع، وقد لعبت الأحزاب الدينية والمذهبية دورا كبيرا في تقزيم المواطنة وحصرها في طائفة بذاتها او دين بعينه، وساندها بشكل كبير النظام العشائري وتقاليده التي ترتقي في كثير من ممارساتها على نظام الدولة ومن ثم القانون.

   إن مسألة التداخل السياسي بين الدين والوطن والانتماء في بلداننا وكيفية اقحام الدين في السياسة وشؤون الدولة وكيف يحق لنظام او حزب او مجموعة فرض تعاليم دين بذاته على مواطني تلك الدولة متعددة المكونات الدينية والمذهبية ، حولت  الوطن في ظل مختلف انواع الانظمة الحاكمة فيه (ملكية وجمهورية وديمقراطية ودكتاتورية واسلامية) الى مجرد شعارات ومهرجانات واغاني واناشيد لتمجيد القائد او الحزب او الدين والمذهب، بعيدا عن اي مفهوم للمواطنة التي تنضوي تحتها كل هذه المسميات او الكائنات، فهي بالتالي اصغر منها بكثير، لكنهم اي اصحابها عملوا لسنوات طويلة على تقزيم الوطن واذابته في شخص دكتاتور او في كيان حزب مهما كبر أو صغر لن يتجاوز الا نسبة ضئيلة من مجموع ابناء وبنات الوطن.

   يتساءل الكاتب والناشط المصري مدحت قلادة قائلا: كيف لنا ان نمزج او نخلط الدين بالنجاسة، وحينما سألته عن النجاسة قال: إن الدين قداسة والسياسة نجاسة، فكيف يحدث ذلك، متهما السياسيين في شرقنا بالتعاون مع بعض ممن يسمون انفسهم رجال الدين بممارسة النجاسة ويقصد فيها التحايل والكذب وربما التنافس غير الشريف من اجل الوصول الى السلطة، والوصول الى السلطة في بلداننا تستخدم كل المعاصي من اجل الكرسي، حتى وان كانت عبر ما يسمى بصناديق الاقتراع، وهي بذلك تبتعد كل البعد او تتقاطع بالمطلق مع المرتكزات الاساسية للدين الذي يعتمد أسس قيمية وروحية مقدسة لا يمكن التلاعب في ثوابتها، ومجرد ادخاله أو استخدامه في السياسة كاحزاب او مجموعات سياسية غرضها الوصول الى دفة الحكم هو تدمير لكيان الدولة وتحويلها الى دكتاتورية تحرق الاخضر واليابس، وتشويه للدين ونقائه الروحي، وبالتالي فان هذا النمط من الانظمة التي تُقزم الاوطان وتذيبها في شخص دكتاتور أو في كيان حزب سياسي او مذهب ديني او دين بذاته على حساب المواطنة التي تضم مختلف مكونات المجتمع عرقيا وقوميا ودينيا ومذهبيا، تؤدي الى انماط من القساوة التي تحدث عنها مدحت قلادة في مقاله (قساوة وطن)، تلك القساوة التي انتهت الى جرائم للابادة الجماعية (Genocide) والتطهير العرقي (Ethnic cleansing) كما حصل في كوردستان العراق فيما سٌمي بالانفال وحلبجة، او مثيلاتها التي تعرض لها الايزيديون عبر تاريخهم هم والارمن في كوردستان تركيا والعراق، وفي كل هذه الجرائم تم مزج الدين بالسياسة معتمدين على فتاوى منحرفة او اطلاق اسماء ايات قرآنية على تلك الجرائم، كما في (الانفال) التي استخدمت كعنوان لجرائم تهجير الكورد وتغييب ما يقرب من مائتي الف مواطن مدني ودفنهم احياء في صحراوات جنوب ووسط العراق، وكذا الحال في جرائم منظمة داعش الارهابية ضد الايزيديين في كارثة سنجار عام 2014م التي راح ضحيتها الاف القتلى وسبي آلاف النساء والاطفال باستخدام نصوص دينية في وطن تهيمن عليه احزاب دينية مذهبية لا تقبل الآخر وتتحمل وزر تغييب الاف مؤلفة أخرى من الرجال والشباب دونما محاكمة لا لسبب الا لكونهم من طائفة دينية مغايرة لهم.

   اوجاعنا في اوطان الشرق الاوسط لا حصر لها، فقد تبعثر الوطن بين الدين والمذهب والعشيرة والحزب والقرية والشيخ والدكتاتور، واصبحت الوطنية في ظل هذه الكائنات مجرد اغنية او نشيد او شعار اجوف أو سلم لأعتلاء كراسي السلطة ليس الا!

kmkinfo@gmail.com











38
المنبر الحر / ما شاف وشاف!
« في: 14:02 18/12/2021  »
ما شاف وشاف!

كفاح محمود كريم

   شافَ ويشوف كلمة عربية فصيحة لها معاني كثيرة من أبرزها نَظَرَ ورأى، ويستخدمها العامة من غالبية أهل العراق، ولعلّ أجمل استخداماتها هو المثل الذي توجتُ به مقالتي هذه " ماشاف وشاف!" للتعبير عن أصحاب النعم الجديدة والمفاجئة وغالباً المشكوك في أمرها، ويأتي المثل للتعبير الناقد لحالة شاذة في الغنى والثراء السريع، أو اعتلاء المناصب والوجاهة خارج قوانين وأعراف التسلسل الطبيعي للتطور الوظيفي أو الاجتماعي من خلال عملية مشبوهة غير طبيعية، وما أكثرهم في يومنا هذا في البلدان التي تعرضت لتغييرات حادة دون سياقها الطبيعي، وبتدخلٍ جراحي أدّى إلى ظهور أعراض غير متوقعة أو مدروسة، ففي العراق ومنذ 2003، حيث أسقطت الولايات المتحدة الهيكل الإداري للنظام العراقي السابق دون أي برنامج مدروس لبديل يفقه مشاكل العراق البنيوية والاجتماعية والسياسية؛ وذلك باستخدام عناصر لا تمتلك في جلّها أي جذور عميقة أو معرفة دقيقة في معضلة العراق منذ تأسيس كيانه السياسي في عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، حيث كانت الأدوات التي استخدمت في معظمها من العناصر التي طافت على السطح فجأة، وهم في غالبيتهم أناس يعرفهم الأهالي من النكرات والمغمورين لكنهم الأكثر حيلة أو فهلوة في التعامل مع الوضع الجديد، والقصة ليست حصريا بالذين يلعبون في السياسة، بل اصبحت ظاهرة امتدت الى كل مفاصل الدولة واوجهها الأكاديمية وبازار الشهادات والعسكرية والامنية خاصة الرتب الممنوحة (الدمج) والاقتصادية وبالذات مكاتبها التابعة للاحزاب والكتل والميليشيات التي تمتص ثروات البلد وابنائه، ناهيك عن العصابات التي تهيمن على معظم الانشطة المالية والاقتصادية تحت مختلف التسميات والعناوين.

    ولغرض مصادرة او احتواء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية تم ترتيب الوضع الجديد الذي يعتمد على صناديق الاقتراع في الجلوس على كراسي الحكم بأذرع ميليشياوية لضمان السيطرة على الناخبين في عملية التحول من النظام الشمولي إلى النظام الجديد، حيث بدأت تلك القوى بتأسيس ميليشيات من الشرائح العاطلة عن العمل والمسطحة الوعي والمخدرة بشعارات طنانة باستخدامها كأدوات لإيصالها إلى دفة الحكم بشرعية الديمقراطية المفترضة، واتضح هذا جلّياً في انتخابات 2018 التي تميزت بعمليات تزوير هائلة لم يعترض عليها أي حزب أو كتلة، بينما قامت الدنيا ولم تقعد حينما بدأت بواكير الوعي لدى الناخبين، خاصةً في مناطق نفوذ تلك القوى التي أثبتت فشلها في الحكم بكل أشكاله ، حيث رفضت الغالبية من السكان رغم كل التأثيرات أن تمنحهم الشرعية؛ ولذلك تراهم منذ ظهور نتائج الانتخابات التي كشفت جزءًا من حقيقتهم، يهددون بإسقاط أو إلغاء نتائج الانتخابات لأنها لم تلبي رغبتهم في البقاء على كراسي السلطة التي لم تنجح في تحويلهم إلى رجال دولة خلال أكثر من ثمانية عشر عاماً:
  ليبقى الطبع غالباً على التطبع في نظام الذي (ما شاف وشاف!؟).

kmkinfo@gmail.com



39
البرلمان وقميص عثمان!

كفاح محمود كريم

   في الديمقراطيات الحديثة التي أنتجتها عمليات التغيير الفوقية سواءً فيما سُمي بالربيع العربي أو التي تميزت بتداخل جراحي أمريكي أوروبي عربي كما في العراق وليبيا، ورثت بالكامل ذات النهج الذي ساد أنظمة الحكم قبل عمليات التغيير أو التجميل التي استهدفت الهياكل الإدارية وخاصةً السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحولت مع التغيير الفوقي الذي حصل إلى ما كان يُسمى بـ (مجلس قيادة الثورة) الحاكم المطلق في تلك الدول؛ وذلك باستخدام أدوات ديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع ذاتها التي كانت تُستثمر من قبل الأنظمة السابقة، وبغياب أي مفهوم للمواطنة الجامعة أو أي وعي ديمقراطي وطني حر. مع تراكم متكلس للإرث الاجتماعي والديني والقبلي البدوي من العادات والتقاليد والتركيبات الاجتماعية القديمة، تحولت هذه الأنظمة المستحدثة إلى أنظمة شمولية أكثر تشدداً من التي سبقتها، خاصةً في تغليب مكوّن على آخر في بلدان متعددة المكونات كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، التي استبدلت العقيدة القومية بأخرى مذهبية وميليشيا دينية ومذهبية بدلاً من ميليشيا قومية وحزبية فرضت هيمنتها على الشارع الانتخابي وأدواته في صناديق الناخبين، ناهيك عن آلاف مؤلفة من رجال الدين وملحقاتهم وأجهزة دعايتهم التي اعتمدت منابر المساجد والحسينيات والمناسبات الدينية من خلال شعارات ونصوص وفتاوى دينية ومذهبية وأعراف قبلية لاحتواء العامة من الأهالي المغيبين تعليماً وثقافةً ووعياً واللاهثين وراء لقمة العيش بسبب البطالة والفقر المدقع!.
 
   وفي التجربة العراقية وبعد أن أسقطت الولايات المتحدة هيكل نظام حزب البعث الشمولي، تم تشريع دستور دائم حظي بتصويت الغالبية العظمى من الناخبين العراقيين في عام 2005، حيث أقرَّ الدستور الجديد النظام البرلماني بمجلسين الأول للنواب والثاني اتحادي يضم ممثلي مكونات العراق بما يشبه الكونغرس الأمريكي والعموم البريطاني والجمعية الوطنية الفرنسية، لكنه فشل منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا بإنشاء الجزء الثاني للبرلمان (المجلس الاتحادي) بما خلق شكوكاً في قانونية ودستورية مجلس النّواب لدى الكثير من خبراء الدساتير والنُّظم البرلمانية في الداخل والخارج، وأتاح فرصة لهيمنة القوى الراديكالية المفعمة بالأيديولوجية الدينية ذات التوجه المذهبي بحجة الأغلبية العددية (تخميناً) لعدم وجود أي تعداد عام للسكان منذ أكثر من ربع قرن وبالاعتماد على تكهنات وتقديرات لا يمكن اعتبارها سنداً قانونياً يؤهل تلك القوى للاستحواذ على كل مراكز القرار السياسي والأمني والعسكري والمالي الذي ادى الى بلورة ملامح  اللا دولة التي تناصب الدولة العداء وتعمل على اضعاف مفاصلها وهيئاتها الى الحد الذي يحول العراق من نظام ديمقراطي برلماني مفترض إلى نظام شمولي بأدوات ديمقراطية، حيث أكدت نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر 2021م والتي أظهرت تراجعاً كبيراً لتلك القوى التي وقفت سرا وعلانية وراء مشروع اللادولة، ورغم ما بذلته من محاولات الهيمنة على صناديق الاقتراع  باذرعها العسكرية وفصائلها الميليشياوية، وإصرارها على إلغاء تلك النتائج أو إشاعة الفوضى وتعطيل الدستور والحياة السياسية، فان مشروع الدولة تقدم بشكل كبير ازاء تقهقر تلك القوى التي كانت قد اعتبرت البرلمان ليس أكثر من قميص عثمان تثبت به شرعيتها، وسُلماً تعتلي به منصة الحكم والتفرد كما حصل في تنصيب رئيس الجمهورية خارج اطار العرف السائد وفرض مرشح حزبي باستخدام اغلبيتها، ناهيك عن تشريع قانون الحشد الذي يتقاطع مع المادة الدستورية التاسعة أولاً، والتي تنصّ على أنه:
"يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة"
   أي بمعنى المنع الكامل لانشاء أي فصائل أو جماعات مسلحة خارج المنظومة العسكرية الرسمية للبلاد، إضافة الى الممارسات والكيانات التي أسستها رغم منعها وتحريمها في الدستور حسب المادة السابعة أولاً والتي تنصُّ على أنه:
"  يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون".

   
وللأسف ليس الحال في بقية دول الحبو الديمقراطي (ليبيا وسوريا واليمن) أفضل من العراق، حيث غياب مفهوم جامع للمواطنة وانعدام أي وعي ديمقراطي وطني، مع هيمنة التيارات الدينية المذهبية وشيوخ القبائل والعشائر والمال السياسي والتدخلات الإقليمية في ظل فساد مالي مريع أدّى إلى انحدارٍ خطيرٍ في مستويات المعيشة وتدهور الخدمات وانتشار البطالة وأعمال الجريمة المنظمة من قبل جماعات مسلحة وأذرع ميليشياوية لمعظم الكتل والأحزاب المهيمنة على البلاد، بما يُعيق أي تطور نوعي للتطبيقات الديمقراطية وفشل ذريع لنظام الحكم وعمليته السياسية.
 
   إن نتائج الانتخابات الاخيرة اثبتت فوز اصحاب مشروع الدولة امام تلك المجموعات المنفلتة التي تحاول اضعاف الدولة لحساب فوضى اللا دولة واذرعها المسلحة، وما الصراع الحالي بين الرابحين والخاسرين في سباق الانتخابات حول النتائج، الا اصرار تلك القوى على ايقاف عجلة تقدم واستقرار البلد الذي انتفض شعبه وعاقب تلك الكيانات التي تسببت في انحداره وتقهقره، وهي بالتالي فرصة تاريخية جدية للانعتاق من هيمنة العقلية الشمولية التي كانت تمثلها قوى الخاسرين، وعكس ذلك فان العراق سيقع بالكامل في حقبة سوداء أكثر ظلاما وتطرفاً من الأنظمة السابقة التي حكمته منذ 1958 ولحد يومنا هذا!.

kmkinfo@gmail.com




40
استفتاء كوردستان.. الفعل ورد الفعل!

كفاح محمود كريم

   بينما اتفقت كل من إسكتلندا وانكلترا على توحيد المملكتين لتشكيل المملكة العظمى في الاول من أيار 1707م بعد مفاوضات معمقة بين برلمانيهما، تم الحاق الجزء الجنوبي من كوردستان والذي كان يضم معظم ولاية الموصل الى المملكة العراقية بعد أكثر من قرنين من قيام المملكة المتحدة، وتحديدا بعد الاتفاق مع تركيا عام 1926م، حيث وعدت الحكومة العراقية والبريطانية الكورد بمنحهم حقوقهم السياسية والثقافية لموقفهم الذي أيدوا فيه انضمام ولاية الموصل الى مملكة العراق في استفتاء عصبة الأمم، ورغم تلك الوعود الا ان ما حصل في واقع الحال بعد اكتمال مملكة العراق وترسيم الحدود مع تركيا، كان مجرد عمليات تسويف وترقيع تطور فيما بعد الى سلسلة قاسية ومريرة من الحروب المدمرة والاضطهاد العنصري الذي صاحبته عمليات إبادة جماعية وتغيير ديموغرافي قومي حاد تعرضت له معظم مدن الحدود الداخلية لكوردستان بدءاً من سنجار ومرورا بالشيخان ومخمور ثم كركوك وانتهاءً بخانقين ونواحيها وبقية البلدات والقرى التي تم تهجير سكانها وتوطين آخرين تم جلبهم من جنوب ووسط العراق ليحلوا محلهم.
   ولكي لا نخوض غمار تاريخ مؤلم وتفاصيل جارحة على مدى اكثر من مائة عام، نرحل بسرعة الى قرار برلمان وحكومة كوردستان في 25 أيلول 2017م لاجراء الاستفتاء بعد أن تعرض الاقليم الى حرب غير معلنة وحرمانه من حصته في الموازنة السنوية العامة لخمس سنوات كاملة (2014-2018) والبالغة قرابة خمسون مليار دولار، حيث واجه فيها الإقليم حصارا خانقا، خاصة وان تلك السنوات كانت في معظمها حربا ضروس مع واحدة من اعتى قوى الإرهاب في العالم قديما وحديثا، حيث تركت الحكومة الاتحادية قوات البيشمركة تواجه مصيرها لوحدها دون أي امداد عسكري او فني او مالي، ولولا تجربتها النضالية التاريخية بالقتال والصمود ومساعدة التحالف الدولي وايران لما استطاعت من تحطيم اسطورة الخوف لداعش وتحرير سنجار ومخمور وحماية الإقليم وكيانه السياسي من الاحتلال.
   هذا الاستفتاء الذي جرى ذاته في إسكتلندا قبل ثلاث سنوات من اجرائه في كوردستان وتحديدا في أيلول من عام 2014م، ذلك الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1961م والذي يُعرف سياسيا ومهنيا بأنه عملية تعبير عن الرأي في قضية محددة بأسلوب سلمي حضاري، وبينما تهافت زعماء بريطانيا العظمى على أدنبرة عاصة الإقليم محاولين اقناع قادته بالعزوف عن قرارهم بوعود لحل المشاكل ومنح صلاحيات أوسع للإقليم دونما تهديد او وعيد او تجيش للعسكر والميليشيات، نفذ الاسكتلنديون استفتائهم الذي أظهر إن اكثر من نصف الناخبين ارتضوا في هذه المرحلة البقاء ضمن الجسد البريطاني، وفي المقابل كانت النتيجة في كوردستان معاكسة تماما حيث اختار اكثر من 92% من ناخبي الإقليم الاستقلال عن العراق!.
   وبمقارنة بسيطة بين الفعلين وردود الأفعال تجاههما من قبل بريطانيا والعراق نرى البون شاسعا بين السلوكين والفرق رهيبا بين تفاعل البريطانيين مع قضية استفتاء واستقلال اسكتلاندا وبين ما ذهب اليه قادة العراق من ردود أفعال كارثية أدت الى اعلان حصار خانق على كوردستان وشعبها  بالتعاون مع كل من ايران وتركيا في محاولة لأسقاط كيان الإقليم، حيث شنت القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي هجمة شرسة بمساعدة إيرانية وتركية اجتاحت فيها المدن والقرى  الكوردستانية خارج إدارة الإقليم والمعروفة بـ (المتنازع عليها) والتي نظم الدستور اعادتها الى أحضان الإقليم بالمادة 140، حيث باشرت تلك القوات بإعادة عقارب ساعة التعريب والتهجير والتشويه الديموغرافي الى ما كانت عليه أيام حكم البعثيين، بل ان تلك القوات شنت هجومها في ثلاث محاور في التون كوبري ومخمور وسحيلة لاحتلال عاصمة الإقليم ومحافظة دهوك ولولا الصمود والقتال الشرس الذي خاضته قوات البيشمركة واسناد المواطنين وبقية مؤسسات الإقليم لوقعت كارثة في حرب أهلية لا يعلم نتائجها الا الله.
   واليوم وبعد أربع سنوات من تلك العملية وبمقارنة سريعة في ردود الأفعال لاستفتاء اسكتلندا وكوردستان ندرك ما كنا نفتقده من حضارة سياسية وإنسانية مدنية في التعاطي مع ابسط حقوق الانسان وتعبيره عن رأيه تحت ظلال قاتمة لدكتاتوريات بغيضة ترتدي رداء الديمقراطية العرجاء المشوهة المحكومة بالعقلية الاقصائية والشمولية وأذرعها الميليشياوية المؤدلجة.






41
ديمقراطيات الشرق وصناعة الآخر!
                                                                                                     
كفاح محمود كريم

   شهدنا في حقبة الجمهوريات الشعبية عملية تصنيع الآخر من الأحزاب التي يتم برمجتها في أقبية أجهزة المخابرات وقيادة الحزب القائد وإطلاقها كأحزاب حليفة أو معارضة إذا اقتضى الأمر في إكمال اكسسوارات الديمقراطية المفصلة على قياسات تلك الأنظمة الشمولية بامتياز، ولا تتجاوز كونها أقراصاً مهدئة أو علاجاً سحرياً يرمم بناءات المجتمع الاقتصادية والسياسية الآيلة للسقوط والموبوءة بأمراض تكلست عبر أزمان ودهور، ومناهج تربوية أكل عليها الزمان وشرب، متغافلين كونها ممارسة وسلوك ومنظومة أخلاقية لا يمكن حصرها بتداول السلطة السياسية فقط وهي بالتالي امتداد لتحضر المجتمعات وتقدمها في كل مضامير الحياة بدءًا من القراءة والكتابة والتحول من البداوة إلى المدنية وصولاً إلى أعلى مراتب التقدم الاجتماعي والاقتصادي في قبول الآخر، هذا القبول الذي يعتبر من أهم مرتكزات الديمقراطية وممارساتها على الصعيدين الاجتماعي والسياسي وهي بذاتها العلة الأكثر تعقيداً وربما السبب الأكثر خطورةً في ضآلة فرص نجاح معظم التجارب السياسية التي مرّت وتمرُّ بها منطقة الشرق الأوسط عموماً والمحيط العربي خاصةً، وهي بالتالي سبباً رئيسياً لنكوص المجتمعات وبطئ تقدمها.

   إن مسألة قبول الآخر والتعاطي معه ليس وصفة جاهزة للتنفيذ والأخذ بها بقدر ما هي نتاج نظام تربوي ومعرفي واجتماعي يقوم على أساس النقد البناء الذي ينسجم فيه البناء الفردي والمجتمعي بما يحفظ حقوق الاثنين ومصالحهما وتتوازن فيها مصالح البلاد العليا مع مصالح الفرد المواطن دون ما تمييز في العرق أو الدين أو الرأي، وهي بالتالي معادلة تنسجم فيها واجبات الفرد مع حقوق المجتمع بما يعزز قيام دولة متقدمة ومجتمعات متماسكة، ترتكز على نظام تربوي يبدأ من الأسرة والمدرسة وصولاً إلى الجامعات و مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، وفي كل ذلك تحتاج عملية التحديث هذه إلى دور الأم والأب والمعلم والمناهج التربوية والمعرفية الحديثة بدرجة أساسية لوضع أسس صحيحة في تكريس مفاهيم البناء الديمقراطي للمجتمع ومنها بالتأكيد المرتكز الأساسي الأكثر أهمية وهو قبول الآخر.

   لقد اعتادت معظم الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه المنطقة وغيرها من العالم المولعة بالشموليات والأوحديات أن تبتكر نماذج من الديمقراطية الممسوخة وتمنحها أسماء وأصناف ومواصفات بحسب نماذج تلك الأنظمة وطبيعة سلوكها حيث ابتكرت الكثير من هذه الأنظمة أنواع وأصناف من الديمقراطية للالتفاف حول مفهومها الحقيقي في تداول سلمي للسلطة وقبول الآخر واحترام الرأي المختلف، وهي بالتالي تنتج (آخراً) حسب ما يتوافق مع نظامها لتزين به تجاربها السياسية وأنظمة حكمها الاستبدادية، ولعلنا نتذكر تلك الأحزاب والجمعيات التي صنعتها دوائر المخابرات لتشكل بها جبهات وطنية تدعي قيادتها للدولة كما رأيناه في بغداد ودمشق وأمثالهما في تصنيع ما كان يُسمى بالجبهة الوطنية والتقدمية ومن ثم الالتفاف على عناصرها الأصلية ومحاولة إفراغها وتصنيع (آخر) حسب القياسات والمواصفات المطلوبة من النظام الحاكم وتزيين عمليته السياسية بأحزاب و(آخرٍ) مدجن بموجب ما تقتضيه مصالح النظام والثقافة الأحادية.

   وللأسف ورغم التغييرات الحادة التي حصلت في هذه البلدان إلا أن متكلساتها التربوية والاجتماعية والسياسية ما تزال تفعل فعلتها في تشوية عملية التحول إلى النظام الديمقراطي باستخدام أدواته بعقلية شمولية معتمدة  هذه المرة النزعات الدينية والمذهبية والعشائرية بشكل مطلق بما يزيد الطين بلة يُراكم فيه هذا الإرث من القيم البالية والتجارب الفاشلة التي كرستها الأنظمة السابقة سياسياً واجتماعياً ونفسياً، بما يعيق أي محاولة لإحداث تغييرات نوعية في بنية المجتمع وتوجهاته وفصل الدين عن الدولة وإعطاء المرأة دورها الأساسي الفاعل في تطوره وانتقاله من ثقافة القرية والبداوة إلى الثقافة المدنية والسلوك الديمقراطي وقبول الآخر  الحقيقي.

kmkinfo@gmail.com





42
الإرهاب بين الحاكم والمحكوم!

كفاح محمود كريم

   بين الحاكم والمحكوم في بلداننا قصة لا تنتهي وبحر من الكراهية والبغضاء والنفاق والتدليس والعداء والاتهامات وتبادل المواقع على كراسي الحكم المغمسة ببحور من الدماء والدموع، تاريخٌ من العلاقات المنحرفة والمشبوهة تحكمها القوة بالسطو على السلطة والانقلاب عليها أو بسلطة صناديق الاقتراع التي ينقاد إليها القطيع في انتخابات بائسة تتحكم فيها أدوات معطِلة للعقل والفكر والاختيار الحر، تاريخ مغمس بالدماء منذ فجر الرابع عشر من تمّوزحينما أسقط بضعة ضباط حكم الهواشم في العراق والذين أوكِل إليهم عرش المملكة التي أسسها البريطانيون والفرنسيون بموافقة الروس في بلاد النهرين، وكيف بدأت سلسلة الاتهامات للعائلة المالكة وعمالتها لبريطانيا وغيرها من الدول الاستعمارية، واعدين الأهالي بإقامة جمهورية عراقية خالدة تسود فيها العدالة والمساواة، حيث لم تمضِ إلا سويعات قليلة حتى أبيدت العائلة المالكة عن بكرة أبيها أطفالاً ونساءً وشيوخاً، ثم توالت تحت مقاصل الاتهامات تصفية الآلاف من العراقيين سواء في ما سمي في حينه بثورة عبد الوهاب الشواف وعمليات القتل والسحل خلف السيارات لكل من عاد الجمهورية الخالدة، لكي تُعاد الكرة ثانيةً وبعد سنواتٍ قليلة ليُبَشر القاتل بالقتيل في سلسلة دموية حينما انقلب البعثيين على الزعيم وأقاموا حمامات دماء للشيوعيين واتباع الزعيم الأوحد في شباط 1963 والتهمة جاهزة هي الأخرى، ولكن بلباس ديني هذه المرة حيث الكفر والشعوبية والإلحاد!
   في عودة البعث الثانية تمّوز1968، بدأت سلسلة أخرى أكثر بشاعة ودموية وأمواج من الدماء تتلاطم في مجرى الرافدين، حاملةً معها شعارات كُتِبَ عليها بأن هذه الدماء تعود لعملاء الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، حيث تمّ تصفية المئات بتهم وهمية أساسها أنهم في الأصل معارضين لسلطة البعث وأسلوبها في سرقة الحكم وممارسته، لكن للأسف لم تكتفِ تلك الأمواج بآلاف مؤلفة من أبناء وبنات العراق، حتى عاد البعث ليدفن مئات الالاف من أبناء وبنات كوردستان وهم أحياء في صحراوات الجنوب سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويكتب على مقابرهم أنهم من الجيب العميل والمتمردين من عملاء الاستعمار والرجعية، لا لشيء إلا لأنهم كورداً طالبوا بأبسط حقوقهم الإنسانية، وفي كل هذه المآسي يصرّ نظام الحكم على أن تهمة هؤلاء الضحايا الأساسية هي العمالة لأمريكا وإسرائيل، وأزعم أن 90% منهم لا يعرفون أين تقع أمريكا ومن هي إسرائيل، لكنها تهمة تسمح للقاضي بإصدار حكم الموت على مقترفيها، وبذلك وكما قال صدام حسين في دفوعاته في المحكمة الجنائية أنهم لم يتجاوزوا على القانون، وأن لهم الحق بالتصفية كما تصفى الحبوب من الشوائب!؟
   أنها ثقافة الحكم والمحكوم في بلداننا حيث التهم الجاهزة لكل من يختلف مع الحاكم حتى يومنا هذا، ولا شيء يتغير إلا بعض المصطلحات يتم استبدالها بأخرى أكثر حداثة مثل تهمة الإرهاب الجاهزة وشماعة داعش والبعث التي ابتلعت وما تزال تبتلع آلافاً من المغيبين، ناهيك عن تهمة العمالة  في اصطوانة أمريكا وإسرائيل التي ما تزال تدغدغ مشاعر ميليشيات العراق والحاكمين في إيران وأذرعها الممتدة في لبنان واليمن وسوريا، الذين يهددون ليل نهار بملاحقة معارضيهم من (الإرهابيين) المتواجدين في كوردستان، ويقصدون بذلك آلافاً من المعارضين لحكمهم وآلافًا مؤلفة من اللاجئين الكورد الهاربين من (جناتهم).
   العجيب المقرف أن جيل السياسيين الجدد في إيران والعراق يتناسون أن آبائهم وأجدادهم كانوا أيضاً معارضين لحكامهم ولاجئين في العراق وفي كوردستان وفي إيران، وكان نظام الشاه وصدام ينعتونهم بذات النعوت، فما الذي تغير بعد هذا البحر الهائل من الدماء والدموع، ومن هو يا ترى الإرهابي بين الحاكم والمحكوم!؟
kmkinfo@gmail.com



43
الأمية الوطنية والبناء الديمقراطي

كفاح محمود كريم
   
   في معظم دول الشرق الأوسط وغالبية الدول العربية يعاني سكان الريف والقرى وأطراف المدن والبلدات الصغيرة من فرق شاسع في الوعي والثقافة وما يرتبط بهما سياسياً واقتصادياً وحضارياً مقارنة بمراكز المدن الكبيرة رغم التقدم الكبير في التعليم ووسائل الاتصال والتواصل، حيث ما يزال الإرث الاجتماعي المتراكم في هذه المجتمعات متكلساً في السلوك والعادات والتقاليد وخاصة المرتبط منها بالأديان والأعراف، بعيداً كل البعد  عن الحداثة والقوانين المعاصرة، حيث تساهم الأميّة الأبجدية والحضارية مع الموروث في التركيبات الاجتماعية القديمة بشكل كبير على إضعاف مفهوم جامع للمواطنة والانتماء الموحد للوطن، وهذه اشكالية معقدة واجهت وما تزال تواجه عملية التحول الديمقراطي في غالبية هذه البلدان وخاصةً الدول ذات النظم الشمولية في الشرق الأوسط والعالم الثالث عموماً، حيث تسود الأميّة بأشكالها المتنوعة الأبجدية والحضارية والسياسية المستشرية في قطاعات واسعة بين الأهالي في المدن وبشكل أوسع في الأرياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها أمية وطنية، وأعني بذلك الجهالة بالوطن والمواطنة و تقزّيم البلاد واختزالها في قرية أو مدينة أو قبيلة، بسبب التكلس البدوي في الشخصية مع تراكم التخلف الحضاري والتجهيل المتعمد من قبل معظم الأنظمة التي تسلّطت على البلاد، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين خاصةً في الدول الحديثة كالعراق وسوريا منذ قيام كيانيهما السياسيين مطلع القرن الماضي وحتى اليوم حيث تم تقزّيمها في حزب أو عرق أو دين أو مذهب أو دكتاتور.

   في العراق مثلا كانت هناك محاولات جدية في نهاية سبعينيات القرن الماضي للقضاء على الأميّة الأبجدية حصرياً، لكنها فشلت حالها حال التعليم بشكل عام نتيجة سلسلة الحروب التي شنها النظام على كوردستان وما تبعها بعد ذلك في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات لكي تعقبها حرب الكويت التدميرية وما تلاها من حصار وتحطيم شبه كلي للدولة العراقية، حيث تسببت في انهيار البلاد وتدهور مريع في المستوى المعاشي والتعليمي والتربوي، وبدلا من وضع خطط لمعالجة تلك الانهيارات ذهب النظام الى وضع برنامج منظم ومشدد لعسكرة المجتمع وغسل أدمغة الأهالي وتسطيح عقولهم ووعيهم بتكثيف الولاء للدكتاتور وحزبه وما فعلته أجهزة دعايتهم في تقزّيم المواطنة واختزالها إلى درجة إلغاء مفهوم العراق كوطن للجميع واعتباره قطراً في كيان خيالي وطوباوي، وبناء منظومة سيكولوجية وفكرية لدى الفرد لا تتعدى مجموعة شعارات الحزب ووصايا القائد ومفردات الحرب والعسكرتاريا والعدو المفترض الذي يهدد البلاد ويستهدف العرض والأرض والدين!؟ 

   وقد أدّى ذلك إلى تفشي أمية في المفاهيم الوطنية وغياب مفهوم المواطنة الحقة لتكريس مجموعة قيمية ضمن أيديولوجية (الحزب القائد) حيث أغلقت دائرة معلومات الفرد وثقافته وتطلعاته وانتمائه على شخص القائد الضرورة وأيديولوجية الحزب الحاكم الشمولية والمطلقة والتي لا تقبل الآخر المختلف إلا من خلال تبعيته وانقياده كلياً لثقافة القطيع التي كرستها مبادئ ذلك الحزب وسلوكيات رئيسه، مما أدى خلال أكثر من ستين عاما إلى ظهور طبقة واسعة من الأهالي ذات الوعي المسطح والمستكين تماماً والذي تكون على أساس (نفذ ثم ناقش) وساهم في تشويه بناء الشخصية الإنسانية وقتل عنصر المبادرة، وبالتالي عمل على نمو أنماط من السلوكيات والتعقيدات والتناقضات الحادة بين طيات تكوينها النفسي والاجتماعي مثل الانهزامية والتملق والسذاجة وفقدان الثقة والتردد والقسوة والأمعية وثقافة الاستكانة والانقياد وغياب الرأي والتفكير.

    إن ما يواجه العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ومن ماثلهم في التكوين السياسي والاجتماعي اليوم ليس إرهاباً منظماً وتدخلات مخابراتية وسياسية أجنبية بل هو هذه الحاضنات الأمية المسطحة التي أصبحت بيئة صالحة لانتشار العصابات والميليشيات وأفواج من الفاسدين والإرهابيين والقتلة وتجار السياسة والمخدرات، تحت خيمة الولاء الديني والمذهبي والعنصري خارج أي مفهوم للانتماء الوطني الجامع في بلدان تعج فيها المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية ويغيب عنها اي مفهوم للمواطنة الجامعة.
kmkinfo@gmail.com

44
دولة النقيق السياسي!
كفاح محمود كريم

   من أبرز تداعيات اتفاقية سايكس بيكو وتأثيراتها الاجتماعية والسياسية هو قيام مجموعة من دول وأنظمة خارج خيارات شعوبها التي رفضت تلك الاتفاقية ودخلت في صراع بيني نتيجة الادغام والدمج، كما توقع حينها أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في حفل توقيع تلك الاتفاقية، حيث قال:
   (إنكم توقعون على صراعات وعداوات تنتج بحور من الدماء في هذه الدول)، وفعلاً تحققت نبوءات ذلك الدبلوماسي الحصيف في السنوات الأولى لانبثاق تلك الممالك والدول وبدأت الصراعات والتنافسات التي عبر عنها ملك العراق الأول، حينما وصف المجتمعات العراقية قائلاً:
   (لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت)
   هذا الواقع المرير لم يكن حكراً على سكان بلاد النهرين في العراق وكوردستان، بل كان يشمل معظم بلاد الشام في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بسبب التعددية القومية والدينية وعدم تبلور مفهوم جامع للمواطنة الحقة، حيث التفرد والإقصاء للمكونات الأصغر باستخدام القوة والعنف، حتى طلت على الجميع حقبة الانقلابات وجمهورياتها الدموية التي أنتجت دول النقيق السياسي وخطاباتها النارية وشعاراتها الطنانة ومزايداتها بقوت وحقوق الناس والمواطنة سواء بشعارات قومية تهييجية أو باستخدام وتوظيف الدين والمذهب والرب في تجارة سياسية مقيتة، وقد تجلى ذلك مع مطلع الستينيات حيث نجح ميشيل عفلق أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي المؤسسين في تقديم ذلك الفلكلور القومي بصيغة مطورة لجمهور متهالك ومحبط وحالم بدولة  مترامية من الخليج إلى المحيط، تنشد فيها الأمة نشيداً واحداً و ترفع رايات الثورة العربية من أقصى المشرق العربي إلى أقصى مغربه، دون أن يفقه ما وراء ذلك من شعارات براقة تدغدغ العواطف والغرائز وتشيع العنصرية لتسحق أمامها حقوق كل المكونات المختلفة التي تسكن في ذات المنطقة الجغرافية.

   لقد جاءت تجربتهم في العراق عام 1963 على أنقاض الجمهورية الأولى التي حاولت إنشاء دولة عراقية بعيدة عن ذلك الفلكلور السياسي، هذه التجربة التي أبدعت في إنشاء مدارس العنف وتكميم الأفواه والتفنن في عمليات الاغتيال والتصفيات وإنشاء العصابات الإيديولوجية التي ستحرر الأمة وتوحدها، وتقضي على العملاء والمتآمرين على مستقبلها من (الشيوعيين والأكراد والشعوبيين الشيعة) الذين يعيقون تطور وتقدم الثورة العربية وحزبها (الطليعي)، وهكذا وخلال أقل من عامٍ واحد نجح، ميشيل عفلق، في ترجمة وتطوير فكرة الغزو التي كانت منتشرة بين القبائل في الفلكلور السياسي والاجتماعي، وتحويلها إلى مجموعة من القوانين والنظريات الإيديولوجية والشعارات، حيث لم تمضِ فترة طويلة حتى أعلنت دولة البعث في العراق والتي تميزت بغزواتها الكبيرة شمالاً في كوردستان وشرقاً في ايران وجنوباً في الكويت، ناهيك عن أذرعها في لبنان وسوريا وإرتيريا واليمن والسودان لتأسيس قاعدة انطلاق نحو بناء مجتمع إيديولوجي يذيب ويصهر كل الأفكار والمعتقدات والقوميات والأديان والألوان في بوتقة فلسفة حزب واحد وقومية لا غيرها إلا تابعاً. 

   وبذلك توج أصحاب النقيق السياسي فارسهم ملكاً لمشارق الأرض ومغاربها وشيخاً لكل الغزاة الباحثين عن أمجاد هولاكو، ليندفع هذه المرة بغزوته الأخيرة العارمة الكاسحة بجيشه الخامس محاولاً ابتلاع الكويت أرضاً وشعباً، لكن هذه المرة كانت اللقمة أكبر كثيراً من حلوقهم فاختنقوا وانكفئوا في حدود دولتهم ليصبوا جام غضبهم على مواطنيهم بعد هزيمتهم النكراء وفشل دولة النقيق التي أنتجت خلال أربعين عاماً أكثر من مليون قبر وما يقارب النصف مليون معاق جسدياً ونفسياً ومئات الآلاف من السراق والمنحرفين والانتهازيين والمتملقين والمختلسين وملايين من البشر تحت سقف الفقر المالي والعلمي والثقافي وآلاف مؤلفة من المستكينين ومثلهم ممن أدمنوا النقيق والجريمة والدعارة السياسية والارتشاء والسادية.

   إن ما أنتجته دولة النقيق في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن ومن ماثلهم في الهرج والمرج السياسي، لم يتعدَّ إلا ما نراه اليوم من أفواج الأرامل واليتامى والمعاقين، وإنشاء دولة اللا دولة ضمن كيان الدولة لينخر فيها البؤس والتخلف والفقر والتقهقر المرعب في كل مناحي الحياة، والأخطر من كل ذلك إنها قتلت وبسبق الإصرار والترصد شيئاً اسمه المواطنة واغتالت احساساً اسمه الانتماء للوطن، لأنها وبجدارة فائقة أشاعت الرعب والإرهاب والخوف لدى الشعب من خلال أذرع ميليشياوية طائفية أو قبلية شتت وشرذمت الانتماء والولاء في زوايا قبلية ومذهبية دينية ضيقة.
kmkinfo@gmail.com

45
كائناتنا السياسية بين داروين وجورج اورويل!

كفاح محمود كريم

   ربما كان السيد تشارلز داروين* (رحمهُ الله وغفرَ له) محقاً إلى حدٍ ما في إرجاع أصل الأنواع لدى بعض الأحياء إلى القرود، وربما أيضا، لو أمد الله في عمره حتى يدرك أصل بعض الكائنات الأخرى وخاصة السياسية منها التي نشأت في خضم الربيع العربي وبعد 2003 حصريا،  لأكتشف أصولا غير القرود ينتمي لها هذا البعض الآخر، ويقينا فأن المرحوم تشارلس دارون كان يعني ما يعنيه من سلوكيات وظواهر سيكولوجية و (إفتراسية) أكثر مما يعنيه في التطور العضوي (Organic evolution )، ولو كان الله قد أطال بعمره حتى يومنا هذا، وأدرك الكيانات التي تأسست برغبة كل من بريطانيا وتركيا وحلفائهما بين شواطئ البحر المتوسط والخليج العربي، لأكتشف إن كثير من الكائنات العاقلة بين الساحلين قد تطورت من الضفادع سلوكيا، لما تمتاز به هذه المخلوقات العاقلة من صفات متطابقة مع أصولها غير العاقلة، حيثُ تطور النقيق في الجيل الأكثر رقياً إلى ثرثرة غير متناهية في الشعارات والتحليلات المؤدلجة لمعاناة الأمة وقدرها في الوحدة والتحرر وإنقاذ البشرية من الأفكار (الإمبريالية والشيوعية والخمينية والشعوبية...) والى آخر هذه السلسلة التي لا تنتهي من الأعداء المفترضين للأمة والوطن والثورة والسيادة ووالخ!.

   وفي اللعب على الاتجاهين (اليمين واليسار) نرى ان التكيف لدى هذه الكائنات السياسية يأخذ نمطاً آخراً يَطلقُ عليه أتباع السيد دارون بالتكيف البعدي Postadaptation))، إذ تحاول الكائنات أن تتكيف للبيئة التي تعيش فيها بأفضل صورة دونما تأثير على أصل الأنواع، وكان هذا جليا في التكيف والتحول ما بعد 2003 لكثير من اتباع تلك الكائنات التي نجحت بالانتقال السلس للمرحلة الجديدة ومستلزماتها في الأداء والشعارات، خاصة وان (القائد الضرورة) قد انت مجموعة قوانين تساعد على التحول السريع فقد اتخذ (مجلس قيادة الثورة) قراراً أعتبر بموجبه كافة سكان مملكته (وإن لم ينتمو) من نفس الأنساب والأصول، ومن يشك في ذلك (من القوميات والأعراق الأخرى) فما عليه إلا مراجعة مسؤول أختام الأنساب والأصول في ديوان الرئاسة الموقر، كي يجد لأبيه مكانا (فوق الشجرة) وبذلك أصبح لدينا خلال أقل من نصف قرن جيوشا جرارة من الحرس القومي والجيش الشعبي وجيش القدس والتي تطورت هي الأخرى بقفزات نوعية إلى منظمات وميليشيات وحشود تعج بها سوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن.

   لو أدرك السيد تشارلز داروين (غفر الله ذنبه) البعض الآخر بعد سقوط دولة النقيق، لأكتشف أصولا وأنسابا أخرى غير القرود والضفادع، فقد دلت السنوات الثماني عشر المنصرمة على وجود علاقة سلوكية وسيكولوجية بين كثير ممن شغلوا مواقع الكائنات السابقة وبين كائنات أخرى مثل الذئاب والثعالب والحيتان، وما أدراك ما الحيتان، تلك وربُ العرش العظيم؛ أكبرُ من كل مصائبنا منذ مذبحة الحسين ومحرقة حلبجة حتى غزوة سنجار، حيث تطورت طفيليات بدائية لا تكاد ترى بالعين المجردة، خلال بضع سنوات إلى حيتان مفترسة، تأكل الأخضر واليابس، الحلال والحرام، دونما صوت أو حركة، والمذهلُ في تطورها السريع هذا وهي تلتهم حولها كل شيء، إنها لا تستخدم أي سلاح في الالتهام سوى أنها توقف نمو وتطور كل الأشياء فيما حولها، عكس ما تفعله النماذج المطورة من الثعالب، حيث التحايل والتملق والتدليس والنعومة والتخصص في علم (من أين يؤكل الكتف) وكيف تضربُ (البواري)، أو ربما تختلف كثيرا عن تلك الأجيال المعدلة عن الذئاب، فالذئب يقتل كي يأكل وهؤلاء يقتلون على الهوية لمجرد القتل ليس إلا، ربما هي (أنيفالات) مصغرة تمتد في أصولها إلى اولئك الوحوش؟. 
   والغريبُ إن هذه الأنماط من السلوكيات تتعايش سلميا مع بعضها البعض رغم اختلاف أصول تطورها والبون الشاسع بين ما كانت فيه وما أصبحت عليه، ربما يكون جورج اورويل محقا بطروحاته في روايته (مملكة الحيوان) حينما إنقلبت الصفات المتأصلة على المكتسبة وكان ما كان؟
   أعتقد والعلم عند الله أن مستر تشارلز داروين لو كان قد أدرك هذه الأيام لأعاد النظر في آرائه وأيقن إننا أولاد آدم مخلوقين من تراب، وإن بقية الكائنات هي التي تطورت من بعضنا وليس العكس كما كان يعتقد!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تشارلز روبرت داروين (1809- 1882) عالم الطبيعة والبيولوجيا الذي اشتهر بنظريته حول التطور والانتقاء الطبيعي.
* چورچ اورويل: كاتب روائي بريطاني من أصل بنغالي، اسمه الحقيقي إريك آرثر بلير، ولد في 25 يونية سنة 1903 وتوفي في 1 يناير سنة 1950م.
kmkinfo@gmail.com
     


46
العراق من الدولة المغلقة الى الدولة المنخورة!
كفاح محمود كريم
   تتذكر شعوب كثير من بلدان الشرق الأوسط وخاصةً في سوريا وليبيا والجزائر والسودان وإيران والعراق ما حدث بعد انقلاباتها السياسية خاصةً في عملية بناء المؤسسات العسكرية والأمنية، وما رافقها من غلق الدولة واقفالها لحساب أجهزة الامن والمخابرات وبقية المؤسسات التي تتحكم بالفرد وحياته الخاصة وعلاقاته وتضعه دوما محك شكوك حتى لمجرد علاقة عادية مع أي اجنبي في بلاده، وتجلى ذلك اكثر في النموذج العراقي للدولة المغلقة منذ ستينيات القرن الماضي حيث أطبق نظام الحزب الواحد من خلال أجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات وميليشيا الحرس القومي والجيش الشعبي على دائرة حركات ونشاط الفرد حتى في حياته الشخصية أو أي علاقة أو تواصل مع أجنبي داخل البلد حتى وإن كانت مع أولئك العاملين في المشاريع الحكومية الصناعية منها أو الزراعية، حيث تؤدي مثل هكذا علاقة إلى التحقيق والترهيب وربما التغييب، وبذلك أصبحت الدولة عبارة عن مستشفى مغلق للمصابين بأمراض وبائية يمنع اختلاطهم مع الآخرين، ناهيك طبعاً عن أمواج الأسئلة والتحقيق حينما يحاول المرء استصدار جواز سفر أو السفر للخارج. 
  لا نريد الدخول في تفاصيل تلك الحقبة المغلقة، لأننا كنا ننتظر أن يكون البديل مغايراً، لكن ما حصل بعد نيسان 2003 وباستثناء بعض الإكسسوارات، كان كارثياً حيث تحولت الدولة من دولة مغلقة إلى دولة منخورة، وتبين أن دودة الأرضة ليست لوحدها قادرة على نخر الأشجار، فقد أثبتت النظم السياسية الراديكالية وبالذات تلك التي أنتجتها الانقلابات تحت مسميات الثورة في معظم بلدان العالم الثالث سواء في أمريكا اللاتينية أو في كل من أفريقيا وآسيا، وبشكل متميز في دول الشرق الأوسط العربية منها والإسلامية منذ أن أطاحت بريطانيا وأمريكا وحلفائهما بتلك الأنظمة حيث تفوقت على الجميع في ظهور وانتشار دودة أرضة سياسية وعسكرية وأمنية في هياكل تلك الدول وخاصة التي انتجها الربيع العربي وابتلعتها الدول المحيطة بها، فقد كشفت عملية إماطة اللثام مؤخراً عن قتلة أحد الناشطين العراقيين، مدى هول حجم النخر الكبير والخرق المريب داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية التي تم إذابة معظم الميليشيات ذات الولاءات المختلفة في بوتقة المؤسستين اللتين يفترض أنهما تأسستا على ثوابت المواطنة والولاء للوطن والشعب وليس لحزب أو دين أو مذهب أو دولة أجنبية تحت أي ذريعة كانت، مما يؤكد أن إعادة تشكيل القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية بعد 2003، لم يعتمد على تلك الثوابت حيث انهارت المؤسستين في أول تحدٍّ لهما مع الإرهاب في حزيران 2014م، وسقوط ما يقرب من ثلثي أراضي العراق ومدنه تحت سيطرة منظمة تنظيم الدولة الإرهابية.
   إن الدولة المغلقة التي انفجرت على نفسها، أنتجت لنا دول منخورة حتى العظم كما هي الحال اليوم في سوريا وليبيا والعراق من خلال عمليات الخرق التي قامت بها الأحزاب والميليشيات المتطرفة بشقيها السني والشيعي والتي تمّت إذابتها ودمجها مع المؤسستين العسكرية والأمنية حتى تلاشى الانتماء والولاء وتشتت ما بين تلك القوى على حساب مفهوم المواطنة والجيش والأمن الوطنيين اللذين يفترض أن يكونا فوق الانتماءات السياسية والدينية والمذهبية والمناطقية، بما يؤهلها أن تكون ممثلة لكل الشعب ومكوناته على اختلاف أطيافه وانتماءاته، وما يحصل اليوم هو نتاج صناعة قوى ميليشياوية لحماية النظام خارج المؤسسات السيادية المعروفة كالجيش والشرطة والامن الوطني، كما في الحرس القومي والجيش الشعبي في العراق وسرايا الدفاع في سوريا واللجان الشعبية في ليبيا والحرس الثوري في إيران ومؤخراً في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن ميليشيات مذهبية ذات ولاءات عابرة للحدود تحت ذات النهج في الشعار القومي (أمة عربية واحدة) ولكن بإيقاع ديني ومذهبي، يمنحها بعض صلاحيات الرب في الحكم بدلاً من الحكم باسم الأمة!
   في النتيجة فشلت الدولة المغلقة حينما انفجرت عليها شعاراتها لكي تلد لنا دول منخورة بشعارات دينية مذهبية كما هي الان في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وايران، وبقي الخلل الرئيسي في بنية هذه الدول المتعددة المكونات قوميا ودينيا ومذهبيا، والمتمثل في اقصائها للآخرين ومركزيتها لحساب مكون واحد مهما اختلفت الشعارات وطبيعة النظام الجديد الا انها تقاتل من اجل الهيمنة والتفرد ومركزة القرار والسلطة والمال بيد فئة واحدة مع اكسسوارات للزينة كما كانت سابقا، لكي تستمر حقبة تلد أخرى وتبقى حليمة في بلادنا على عادتها القديمة حتى قيام الساعة!؟
kmkinfo@gmail.com


47
السلطة وشيطنة الملائكة!

كفاح محمود كريم

   لا أزعم أن سكان بلادنا و أشقائهم جغرافياً في الشرق الأوسط ملائكة، لكنني واثق من أن بساطة غالبيتهم تجعلهم الأقرب إلى كثير من الصفات الطيبة التي تميزها النوايا الحسنة والذكاء الفطري وصفاء السريرة والذهن، ورغم ذلك لا أنفي أيضاً أن الشياطين تسكن في كثير من المفاصل والتفاصيل والزوايا المخفية لدى معظم النخب، خاصةً وأن السلطة والمال تُفجر مكامنَ غير مرئية لدى طلابهما، وهذا ما شهدناه خلال عشرات السنين من حكم الأنظمة السياسية التي تولت بلدان هذه الجهة من العالم وخاصةً أوسطها وبلادها الشامية وذي الرافدين.
   وقبل الخوض في سباق الملائكة والشياطين على كراسي السلطة في بلداننا وفي الشرق عموماً والأوسط منه خصوصاً، دعونا نتطرق إلى العقائد التي توجه الجالسين أو القافزين إلى تلك الكراسي التي غدت واحدة من أخطر مفاتيح كوارث الشرق، والعقائد هنا لا تعني الدينية حصرياً وإن كانت جزءًا منها، فهي تشمل كل شيء يؤمن به الإنسان ويحيله إلى برنامج إيديولوجي يعمل على التميز في تطبيقه، ومنه بالتأكيد العقيدة الدينية والسياسية والقومية، ومن الضروري جداً أن نتعرف جغرافياً على ينابيع تلك العقائد، فهي الأخرى ذات تأثير بالغ على تطبيقاتها وتفسيرات نظرياتها، والبيئة هنا تتحكم بشكل كبير في نوعية السلوك، وهي بالتالي ترسم خريطة الانتماء لتلك البقعة الجغرافية أو المكانية، وما بين البداوة والمدنية مساحات واسعة امتلأت بصراعات من كل الأنماط بما فيها التي أنتجت بحور من الدماء، حتى استطاعت البشرية تجاوز تلك المرحلة للوصول إلى أشكال جديدة من السلوك والعقائد، المرتبطة بجغرافية المكان والبيئة وتأثيراتها على أنماط السلوك وتطبيقات العقائد، والبداوة ليست تلك القيم التي يتداولها البعض عن الكرم والشجاعة، بل هي ذلك السلوك البدائي الذي يؤشر مرحلة متخلفة من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني من البداوة إلى المدنية المعاصرة، مروراً ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هو عليه الآن من حضارة وقيم خلاقة، رغم إصرار البعض على التقهقر دوما إلى الوراء ببقايا تلك الثقافات الآيلة للسقوط والاندثار.

   وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية بدوية بدائية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليست لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وقبلها في المانيا ومحرقة اليهود، وأدركنا مذابح الخمير الحمر في كمبوديا ومثلها في لبنان وفلسطين وفي أنفال وكيمياويات الموت بكوردستان والمقابر الجماعية في جنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوروبا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقاً حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سواداً وكارثيةً هو استنساخها دينياً أو مذهبياً أو قومياً، كما فعلت منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي.

   ونظرة فاحصة لبيئات انتماء عناصرها يؤكد انتشارها في المجتمعات القبلية والأمية الأبجدية والحضارية وفي مناطق الفقر المدقع مادياً وثقافياً وتربوياً، حيث يتم استغلال كل هذه المواصفات من قبل مجاميع فاشية، يعاني أغلب عناصرها من اشكاليات سيكولوجية وفكرية، أقرب ما تكون إلى السادية والسايكوباث، كما ظهر في عمليات التقتيل الذي تتفنن تلك العناصر بتنفيذها ذبحاً أو خنقاً أو حرقاً أو إغراقاً، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، وكذا الحال في عمليات الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال حتى الموت.

   هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد ليلة أمس، بل هو تراكم هائل لسلوكيات وأفكار وعقائد أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبي والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان، سواء ديني أو عرقي أو فكري أو سياسي، وإن كان قد استبدل عناوينه ومسمياته لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدوية البدائية التي يترجم تفاصيلها بهمجية أدركنا سلوكياتها في حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سوريا وما حصل ويحصل في عفرين وقبلها في سبايكر وسنجار وسهل نينوى، ناهيك عن كارثة لم تظهر تفاصيلها بعد لعشرات الآلاف من المغيبين السنة بتهمة التعامل مع داعش!
 
   إن الكثير من حاكمي هذه البلدان في العراق وسوريا ومعظم بلدان الشرق كانوا أقرب الى الملائكة في سلوكهم قبل أن يتسنموا مقاليد الحكم، لكنهم تحولوا إلى شياطين وطغاة حينما جلسوا على كرسي السلطة!؟

kmkinfo@gmail.com









48
الموروثات الدكتاتورية والبناء الديمقراطي!

كفاح محمود كريم

   واحدة من أهم وأخطر ما يواجه مجتمعاتنا وهي في خضم عمليات تغيير اجتماعي وسياسي هي تلك المنظومة من السلوكيات والثقافات المتوارثة عبر أجيال وحقب زمنية ليست قصيرة، ابتداءً من الأسرة وسلطة الأب أو ولي الأمر، وانتهاءً بالقائد الضرورة مروراً بكل من تسلط على عباد الله وإن كان عددهم اثنان فقط، لكي يمارس فيها نرجسيته وتفرده. فإذا كانت البداوة مرحلة من مراحل تطور مجتمعاتنا وما زالت كثير من سلوكياتها تتمركز في مفاصلنا التربوية والاجتماعية، مضافاً إليها إكسسوارات قروية وقبلية كرست تفرد الشيخ و الأغا، الذي تطور تدريجياً كمفهوم للتسلط والأحادية في من يتولى إدارة أي مؤسسة أو حركة أو حزب في حياتنا، حيث تتجلى اليوم في الكثير من سلوكيات أولئك الذين يحملون شعارات الديمقراطية خاصةً في مرحلة ما سمي بالربيع العربي الذي صبغ بلدان البداوة السياسية بألوان الدماء والدموع منذ سنوات على أنقاض أنظمة أوحت لنا جميعاً، أن دكتاتورياتها أفضل بكثير من ديمقراطية البداوة الجديدة، تلك الدكتاتوريات التي أنتجت مشروع داعش مختصرة كل أفكار وتوجهات من أرادوا بناء دولة الوحدة العربية أو الإسلامية وصهر وإذابة كل ما هو خارج مفهومي الانتماء لغير العرب أو الإسلام في بوتقة هذا المشروع، وعودة سريعة لمكامن نشوء وبلورة الدكتاتورية اجتماعياً وتربوياً وتطورها سياسياً ندرك دقة ومصداقية ما يقوله علماء النفس في إحدى نظرياتهم حول عالم الطفل الذي يرى نفسه مركزاً للمجتمع الذي يدور حوله، بل وفي خدمته وتحت تصرفه، وبوجود بيئة تساعد على نمو هذا الشعور وتعملقه ودلال أسرته يتحول هذا الكائن المدلل تدريجياً إلى دكتاتور لا شريك له في هذا العالم، ابتداءً من تحوله إلى رب أسرة ينتج سريرته ويكاثرها في أبنائه أو بناته، أو مدير دائرة يُشعر معيته بأنه فيلسوف عصره وأن استبداله سيوقف حياة وتطور تلك الدائرة، ولك أن تقيس أخي القارئ كلامنا هذا على مديرك العادي وصولاً إلى من يتولى إدارة المنكوبين من العباد، فيصبح رئيساً عظيماً وضرورة أو حتمية تاريخية، يتطلب من بقية الكائنات الدوران حول كوكبه الدري.

   إن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية وقبله القاعدة ومجمل الحركات العنصرية والدينية والمذهبية وخاصة داعش، ليست طارئة أو وليدة الربيع البائس، بل هي نتاج ثقافة وسلوك متراكم من مئات السنين، وخبطة معقدة من الثقافة الدينية البدائية والسطحية والسلوك البدوي وعقلية القرية وبنائها الاجتماعي والتربوي، وهي بالتالي الحلقة الأخيرة في سلسة الأحزاب العنصرية القومية أو الدينية التي تطمح لبناء دولة ايديولوجية، أساسها العرق العنصري أو الدين المتطرف والمتشدد، وما يتبعه من مذاهب وطوائف، ببناء فكري متعصب أحادي التفكير، لا يقبل الآخر إلا عبداً مطيعاً أو ملحاً مذاباً في بوتقته الفاهية، وعلى ضوء ذلك ولأن دورة تربية مجتمع بأكمله من الطفولة حتى النضج تستدعي زمناً ليس قصيراً، بل حقبة طويلة لسبب بسيط هو أن المربي ذاته هو الذي أنتج هذه السلوكيات، ولأن الكثير الكثير يؤمن بأن مجتمعاتنا لا تتحمل هذا النمط من النظم الاجتماعية والسياسية، وهي سعيدة جداً بوجود الفارس والرمز، بسبب تراكمات هائلة من العادات والتقاليد والتركيب النفسي والاجتماعي والتربية الدينية الأحادية الاتجاه. عليه وجب البحث عن حلول وخيارات أخرى غير هذه النظم أو أن يتحول الجميع إلى دكتاتوريين لكي لا يُتهم أحد بأنه قد تفرّد بالآخرين!؟

   وحتى يتحقق ذلك الهدف وحماية لأجيالنا القادمة من ظهور دكتاتوريات متوحشة تبتلعهم علينا أن نبدأ من السنوات الأولى لحياة الطفل في تهيئة بيئة صالحة لنمو كائن ديمقراطي لا يعتبر أن المجتمع كله خلق من أجله، بل يؤمن بأنه خلق من أجل المجتمع، وتعديل تلك المشاعر والسلوكيات الغرائزية وفق أسس تقلب المعادلة، فيتحول من كوكب تدور حوله كل الكواكب، إلى نجم يدور هو حول كوكب اسمه المجتمع، ويشعر بأنه جزء من عالم وعليه خدمته لإثبات انتمائه له دونما شعور بالفردية الطاغية، ومن هنا تبدأ حكايتنا حيث يستمر هذا الطفل باعتبار كل العالم يعمل لأجل تنفيذ رغباته أو العكس، فإذا جمعنا طفلنا المدلل واعتبرناه في جمعه يمثل مجتمعاتنا الشرقية، ندرك ونكتشف حقيقة اللبنات الأولى في بناء الديمقراطية أو الدكتاتورية.
kmkinfo@gmail.com             
   




49
جمهورية الموت الأخرس!

كفاح محمود كريم

منذ ثلاثينيات القرن الماضي والموت الأخرس يجتاح العراق ومكوناته التي أدغمت في كيان واحد من قبل البريطانيين والفرنسيين ومساندة الروس والأتراك دونما أي اعتبار لرأيهم أو أخذ موافقتهم أو اعتراضهم، باستثناء بعض الاتصالات مع الكورد ومنحهم وعود هشة أثبتت السنين كذبها ومراوغة الحاكمين الذين استفردوا بالحكم واستهانوا بالعدالة في كل حقبهم منذ التأسيس وحتى اليوم، حيث دشنوا أولى مجازرهم في آب 1933، التي راح ضحيتها الآلاف من الآشوريين في محافظتي الموصل ودهوك، ثم فرهود اليهود في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، وما تلاه من تصفيات جماعية للمعارضين الشيوعيين والكورد والعشرات من المذابح والمجازر ومحارق الموت الكيماوي ما بين الأنفال وآخر صفحاتها الداعشية المأساوية في سنجار وسبايكر ورائحة الموت في الخسفة وآلاف المغيبين في زمن الطائفية، تاريخ يختصره صوت الموت الأخرس!

   في الأنفال كان عنوان الموت كورديًا اختلط بصمت الدفن الأخرس وأنين السبايا وصراخات الأطفال وصوت البلدوزرات وهي تدفن الضحايا أحياءً لتبعثر صراخاتهم وآهاتهم!
   في الخسفة صدى الموت ورائحة الحياة المتعفنة، تدل على الزمن الصفر!
في سبايكر كان صوت الرشاش والمسدس يطغى على الدين وحشرجات الموت واحتقان الموج المخنوق بنافورة الدم الراقص على صيحات الله أكبر!
   في الرابعة من تراجيديا الموت الأخرس، ينقطع الصوت كاملاً ويبدأ زمن الموت الأصم والأبكم للمغيبين والمعذبين من ضحايا ثقافة الحقد المقدس والانتقام الأسود!

   في الأربعة الدفينة والقادم من خامسها أو سادسها، يرقص ذات المجرم على حبال الموت مستعرضا قوافل الشهود في أمواج النهر النازفة وريح الصحراء الخرساء وأنين السبايا المكتوم وصدى الخسفة المتعفن وحقد التاريخ الأسود وثقافة الانتقام البدائية، حيث تنبأ الأحداث والتحضيرات وما تقوم به الميليشيات من نشر أفكار فاشية تلغي الآخر بالمطلق، وتختزل بلاد الرافدين ومكوناته وأديانه ومذاهبه في أمة مقدسة واحدة، معتبِرةً نهجها وميليشياتها تمثل كل العراق وتصهر كل مكوناته في بوتقة أفكارها وفلسفتها على طريقة (إذا قال صدام قال العراق) ومن يعارض ذلك يستحق الموت الزؤام.
   أنها حقاً نذير شؤم هذه المظاهر الخارجة عن نسق الحضارة والدولة وافتراضيتها الديمقراطية، وولادة ذات الأفكار التي اختزلت العراق منذ نصف قرن تقريباً بحزب واحد وأمة واحدة وقائد واحد فدفنتهم جميعا في بحر الدمار والفقر والانهيار، مظاهر تُنذر بحروب كارثية وظهور بوادر لبلورة دكتاتورية جديدة أكثر مأساوية وطغياناً من سابقتها!
   
kmkinfo@gmail.com


50
بين سنجار وغزة.. مهرجانات للتهريج!

كفاح محمود كريم

   في مطلع ثمانينيات القرن الماضي والحرب مع ايران في أوجها، وفي بلدتي سنجار الواقعة قرب الحدود السورية في اقصى الشمال الغربي من العراق، وللتغطية على فضائع تلك الحرب العبثية وإشغال الرأي العام بأعداء مفترضين، كانت السلطات تختلق قصص وروايات لتمريرها على الأهالي، حيث قتلت قوات الامن اثنين من الرعاة عند الحدود الدولية المغلقة مع سوريا التي وقفت الى جانب ايران في تلك الحرب، وأدعت بانهما مخربين قادمين بأوامر من النظام السوري للقيام بأعمال تخريبية في العراق، حيث نقلت الجثتين الى ساحة في سوق المدينة الرئيسي، ليبدء مهرجان الرقص على جثث الموتى، باحتفال كبير حضره قائممقام القضاء ومسؤول حزب السلطة وكل ادارييها المدنيين والعسكريين وجمهور غفير من الاهالي أجبر على الحضور، في مشهد مقرف من الشعارات والهتافات مع تسابق مقزز في ركل الجثتين معلنين انتصارهم على المخربين المعارضين للحزب والثورة وسط هتافات تمجد الحزب والقائد وتدعو الى تحرير كامل تراب فلسطين من الصهاينة وعملائهم من امثال اصحاب هاتين الجثتين والنظام السوري الذي ارسلهما!؟

   وبعد عدة ايام ظهرت حقيقة تلك الجثث واصحابها، واكتشف الاهالي بانهما لشخصين من الرعاة البسطاء الذين لا يعرفون الجمعة من الخميس كما يقولون ولا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالمعارضة ولا يفقهون شيئا غير مهنتهم في الرعي واصوات اغنامهم، حالهم حال اولئك الهاربين من الخدمة الالزامية الذين توهموا بمرور سيارة الشرطة التي كانت تقل القائممقام بالقرب من مكان اختبائهم، حيث ظنوا انهم يستقصدونهم، فاطلقوا نيران بندقيتهم التي قتلت القائمقام واصابت شخصا اخر، وفوجئنا جميعا ببيان الحكومة الذي اعتبرهم عملاء الامبريالية والصهيونية الذين يعرقلون مهمة العراق في تحرير فلسطين!

   واليوم حيث يعيد التاريخ نفسه في سنجار كما في غزة، بعناوين جديدة وبعث جديد، لكنهم بذات العقلية في التهريج والمزايدات، وايهام الناس ببطولات فارغة تعتم على جرائم وممارسات هدفها السلطة والمال، وقد تذكرت الحادثتين في مدينتي وانا اراقب (دقاقين الثوم بعكوسهم)* من الذين يرقصون على مآسي الآخرين ويتاجرون بقضية شعب تسببوا هم وانظمتهم وأحزابهم وحركاتهم في ضياعه وتشتت قضيته وتجزئة كيانه الى حكومتين متعاديتين، حيث أقاموا مهرجانات (الانتصار العظيم) التهريجي على الكيان الصهيوني في بغداد وصنعاء ودمشق وطهران وبيروت على خرائب غزة وانين الثكالى من رجالها ونسائها واطفالها الذين فقدوا أكثر من 243 من أحبائهم الذين قتلوا في القصف الجوي وإصابة أكثر من 1900 شخص آخر، ناهيك عن نزوح 75 الف مواطن وتدمير العديد من ابراج غزة وبنيتها التحتية من المصانع والخدمات.

   وهكذا ومنذ مأساة 1948 وفي نهاية كل حرب مع اسرائيل يعلن جنرالات السياسة وخطباء المنابر الانتصار الباهر على العدو الصهيوني بأقامة مهرجانات وإعلان خسائر العدو التي هزت كيانه وزلزلت الأرض تحت اقدامه، وتنبري جوقات المهللين والطبالين من مجاميع الدعاية وغسل الدماغ بايهام العامة بالنصر الألهي على العدو الكافر، مستخدمين العقائد الدينية اسوء استخدام لتوظيفها في تكريس كذبتهم وفضيحتهم التي شهدنا تفاصيلها منذ حرب حزيران المخزية، ومرورا بحرب اكتوبر التي تم تصويرها بالنصر الساحق، وصولا الى حرب حزب الله التي أشاعت فيها اجهزة دعايته بأن الائمة شاركوا جميعا بتلك الحرب التي دمرت لبنان وبيروت ولم تنهض لحد اليوم، وأخيرا في مسلسل الهزائم والاكاذيب والاستثمار القذر لقضية شعب اوهموه بانهم سيحررون وطنه حتى وان تم تدميره بالكامل، طالبين منهم الصمود والاستمرار بالبقاء في المخيمات ودول اللجوء حتى تبقى كراسيهم مؤمنة وحكمهم مستمر ورايتهم خفاقة!

   انها مسارح التهريج التي يرقص على حبالها تجار الشعارات الذين حولوا واحدة من اكثر قضايا الشعوب مأساوية في فلسطين الى مهرجانات استعراضية دعائية تتلذذ بعذابات ضحايا تلك الحروب التي يدفع ثمنها شعب تم تمزيقه وتوزيعه على كل انظمة واحزاب الشعارات والتهريج الاعلامي، وعلى مدينة سنجار واهاليها الذين رفضوا العودة اليها بعد أن غزاها فرسان المزايدات والتهريج والارهاب من داخل البلاد وخارجها باسم الدين تارة وبأسم العراق وكوردستان تارة اخرى!

* مثل من الدارج المحلي يضرب على الفضوليين الذين يهرسون الثوم بمرفق ايديهم!

kmkinfo@gmail.com



51
اطلبوا العلم من الصين ولكن!

كفاح محمود كريم

   بين الأسئلة المثارة هنا واجوبتها المرة كمٌ هائل من الاحداث في حقبة زمنية تزيد قليلا على سبعين عاما، بين مجموعتين من دول العالم في منطقتين متباعدتين، لكنهما متقاربتين في التكوين الاجتماعي والارث الحضاري، هذه الاسئلة التي تبحث عن خلل بنيوي يتعلق بجملة من المرتكزات الأساسية في البناء والتركيبات التربوية والاجتماعية وربما العقائدية وما يلحق بها ممن عادات وسلوك متوارث، ناهيك عن التأويلات والتفسيرات لكثير من النصوص والعقائد والنظريات في مجتمع قبلي وأسري يرتبط عضوياً بالبداوة والزراعة وما يتعلق بهما من قوانين وضوابط وارتباطات، ولذلك ذهبنا إلى محاولة لمقاربة مجتمعات هي الأقرب في ظروف تكويناتها وطبيعة تركيباتها الاجتماعية والاقتصادية رغم ادراكنا لمرارة الأجوبة والفرق الشاسع في اسلوب التفكير والتطبيق، لكنه ومن باب استخراج مكنونات العلل للوصول الى نصف التشخيص على الأقل انطلقنا من عام 1949م حيث سجل التاريخ السياسي والاجتماعي للشعوب حدثاً مهماً في قارة آسيا، وهو انطلاق الثورة الصينية العارمة بقيادة الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ، والتي احدثت زلزالا اجتماعيا واقتصادية في سدس العالم على الأقل، ولم تمضِ إلا ثلاث سنوات بعدها حتى شهدت قارة أفريقيا حدثاً كبيراً قاده أحد الضباط الثوريين عام 1952م، في انقلاب عسكري ربما الأول من نوعه في المنطقة وفي واحدة من أقدم ممالك العالم ألا وهي مملكة مصر وارثة ممالك الفراعنة التي أسقطها الزعيم القومي جمال عبد الناصر، ورغم ان الفرق شاسع بين الحدث الأول الذي جاء افقيا وبين الحدث الثاني الذي استهدف رأس النظام عموديا، الا انه أي انقلاب مصر كان حدثا غير وجه الشرق الأوسط برمته، بل وجه أفريقيا وحركاتها التحررية فيما بعد، والمثير أنّ الحدثين الصيني والمصري يصنفان على يسار الحركة السياسية في العالم آنذاك، وهناك الكثير من التشابهات بين الدولتين والشعبين فيما يتعلق بالتاريخ والحضارة التي تمتد في كليهما إلى عدة آلاف من السنين، إضافةً إلى التشابه في نسبة الأمية والفقر العالية قياساً لكثافة السكان، مع انخفاض مريع لإنتاجية الفرد والمجتمع إبان قيام الثورتين، وما  حدث بعدهما بسنوات ليست طويلة إثر قيام الثورة العراقية في تموز 1958م والكثير من التشابهات بين هذه الدول وأنظمتها الاجتماعية المحافظة وما جرى فيها خلال عدة عقود من الزمن المزدحم بالإنجازات في بعضها والمتقهقر في بعضها الآخر.
   لقد خاضت حكومات وشعوب تلك الدول حروباً وصراعات وانقسامات وانقلابات وثورات كثيرة متشابهة أحياناً ومختلفة إلى حدّ ما في أحيان أخرى، لكنها رغم ذلك وبعد ما يزيد على سبعين عاماً بقليل استطاعت أن تُحدث تغييراً نوعياً كبيراً في مسار تقدمها وشكل ومضمون حضارتها، وبالذات في الصين العظمى والصغرى في تايوان والأصغر في هونغ كونغ، وما حصل من تطور مذهل في كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورا، وإزاء ذلك علينا أن نتساءل عن الفروقات بينهم وما حصل خلال ذات الحقبة الزمنية من تقهقر مريع وحصاد هزيل في بلداننا، وكيف غدت دول مثل مصر والعراق وسوريا ومن ماثلهم من أنظمة ودول بقياسات زمنية واجتماعية وسياسية متقاربة قياساً إلى ما حدث في الصين الصغيرة منها والعظمى، وما نتج في كوريا وكثير من بلدان جنوب شرق آسيا التي لا تختلف كثيراً عن دولنا وشعوبنا.
   أين مراكز القوة في المجموعة الأولى لكي تقدم هذا المنتج المذهل خلال هذه السنوات وتصل إلى ما هو عليه الآن من تقدم مبهر في كل من الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة؟
   وفي الطرف الآخر، أي في مجموعتنا هنا في الشرق الأوسط عموماً، وحصرياً في دول الحضارات القديمة مصر والعراق وسوريا، أين تكمن نقاط الضعف والخلل التي تسببت في هذا الانهيار والتقهقر والانكفاء؟
   هل هو الفرق بين الثورة الحقيقة والانقلاب العسكري، أم انها تراكم هائل من الافكار والسلوك والتطبيق؟

   الأسئلة كثيرة ومؤلمة لكنها مثيرة أيضاً رغم آلامها، فهي تبحث عن تحديد مكامن الخلل بجرأة وشفافية، وكما يقول الأطباء فإن التشخيص نصف العلاج، خاصة عند إجراء مقارنة بين الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية هذه المجموعة مع مصر والعراق وسوريا التي تتشابه كثيراً في طبيعة المجتمعات وأوضاعها ونقطة الشروع فيها، وبذلك ربما ننجح في وضع خارطة طريق للأجيال القادمة لا تعتمد ذلك الكم الهائل من الموروث المربك والمعيق وما يلحقه من عادات وتقاليد ونظريات وتأويلات اجتماعية ودينية أثبتت فشلها على أرض الواقع، بل كانت السبب الرئيس لفشل كل أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
   ويبقى السؤال الأهم: هل ما يزال طلب العلم متاحا من رفاقنا أهل الصين، أم انه كفر والحاد!



52
التعايش في إقليم كوردستان
                                                                                                           
كفاح محمود كريم

   لقد تعايشت في كوردستان اعراق وديانات ومذاهب وأجناس عبر مئات السنين، حتى قبل نشوء الكيانات السياسية الحديثة، وكما هي تضاريس هذه البلاد واختلاف أشكالها بين الجبال والسهول والوديان، توزعت الكتل البشرية وانتماءاتها في العرق والدين، بين الكورد والكلدان والآشوريين والأرمن والسريان، ومن العرب والتركمان، في كل معتقداتهم الدينية والمذهبية، حيث جمعتهم ارضا تمازجت فوقها كل الحضارات حتى غدت في يومها الأول نوروز سفيرة الانسانية الى كل العالم، جمعتهم القرى والمدن، قمم الجبال وأطراف الوديان، حيث اشترك الجميع في التاريخ والجغرافيا، وفي الحروب والعلوم والآداب، حتى تشابكت الأحداث والمشاعر والأحاسيس.
   اختلطت دماؤهم ودموعهم في كل الحروب التي  خاضوها معا من اجل الحياة أو من أجل بعضهم، اختلطوا وتناسبوا فامتزجت أنسابهم وألوانهم وسحناتهم حتى لم تعد تفرق بين العربي والكوردي، أو بين الكلداني والآشوري، لم يكن هناك أي صراع بين كل هذه المكونات والأعراق وبالذات بين العرب والكورد، بل ليس للكورد إخوة وأصحاب غير هذه المكونات من العرب وغيرهم من الأعراق والديانات، لقد كان الصراع مع الأنظمة السياسية التي حكمت الجميع واستهانت بحقوق الآخرين أقواما كانوا أم أديان، وكان الجميع ضحايا لتلك الأنظمة الدكتاتورية وأساليبها القمعية والظالمة التي تعرضت لها هذه المكونات وخاصة الكورد والكلدان والاشوريون عبر تاريخهم من حروب شنتها الأنظمة الدكتاتورية والشوفينية والتي زادتهم قوة وإيمانا بقضيتهم وبعلاقتهم التاريخية النقية مع الشعب العربي، ولم تترك رغم مأساتها (أي تلك الحروب القاسية) أي أثرٍ للحقد أو الانتقام، ولعل ما حدث في انتفاضة آذار1991م، بعد أن تحررت كوردستان من دكتاتورية النظام السابق وكيفية التعامل مع عشرات الآلاف من الجنود والضباط وحتى مع الكثير من الموظفين العرب العاملين في محافظات الإقليم، دليل على نقاء الشعب الكوردستاني بكافة مكوناته وأطيافه ونظافته من الاحقاد او الانتقام.
    أن ما يؤكد متانة العلاقة الانسانية مع الشعب العربي وقوف الكثير من المثقفين والمفكرين والسياسيين والنخب الصحفية والاعلامية والناشطين  مع جبهة الكورد وكوردستان ومناصرتهما من اجل حقوقهم في الشرق الاوسط عموما، وهذه فلسطين وفصائلها تشهد روعة ومتانة العلاقة بين الشعبين والثورتين الكوردية والفلسطينية منذ انبثاقهما وتعاون معظم المنظمات الفلسطينية مع الثورة الكوردية في كثير من المجالات، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، ولم يبقَ متسع من ثرى الشام والعراق وفلسطين والكنانة حتى طوى آلافا مؤلفة من خيرة مقاتلي كوردستان من المسلمين والمسيحيين والايزيديين في حروب العرب والمسلمين عبر قرون وقرون، فاختلطت الدماء والرفات، وامتلأت مقابر الشهداء رجالا جاءوا من كوردستان دفاعا عن العروبة والإسلام.
    إن التعايش الأبدي في كوردستان عبر التاريخ القديم والحديث يؤشر حضارة راقية لدى كل سكان هذه المنطقة من العالم، ليس هنا في كوردستان العراق فحسب وإنما هناك أيضا في اجزائها الثلاثة الاخرى، حيث يتعايش المسلمون والمسيحيون والايزيديون من الكورد والعرب والكلدان والاشوريون والارمن في تسامح وتعاطي خلاق  منذ أجيال وأجيال، فقد كانت كوردستان برمتها وما تزال تنتهج مبدأ التعايش والتسامح الراقي والنبيل بين الأديان والمذاهب والأعراق برغم محاولات المتطرفين من العنصريين عرقيا أو دينيا تمزيق هذا النسيج إلا إن طبيعة تركيبة السكان الاجتماعية والسيكولوجية والأخلاقية لا تسمح بنشوء هكذا توجهات أو أفكار والدليل هو تحول هذا الإقليم إلى ملاذ آمن لمئات الألوف من المضطهدين مذهبيا ودينيا وحتى عرقيا من كل أجزاء العراق الأخرى، وما يشهده الإقليم حاليا من نهوض ثقافي وحضاري لجميع مكوناته يدلل على هذا النهج السامي والأفكار النبيلة التي يتميز بها هذا الشعب الذي يقول ان كل الشعوب تسكن اوطانها الا نحن وطننا يسكن فينا، حيث تراه وتسمعه في كل الاغاني والأناشيد والحان الموسيقى والفلكلور والحكايات واساطير الاولين، حتى أصبح عنوان الانتماء لكل الاعراق والاديان في التسامح والتعايش وقبول الآخر.

kmkinfo@gmail.com
 



53
القدس بين سوق المزايدات وتجارة الشعارات!

كفاح محمود كريم
    ابتليت مجموعة الدول المتخلفة سياسياً بأنماط من أنظمة حكم وأدواتها السياسية المتمثلة بالأحزاب أو الأفراد وأذرعهما من الجماعات المسلحة والميليشيات العقائدية خارج إطار الدولة ومؤسساتها، وقد ظهرت بشكل جلي هذه الأنماط بُعيد إسقاط الهياكل السابقة لتلك الدول بحجة كونها أنظمة دكتاتورية على أيدي الدول الكبرى، التي أسست معظمها قبل مائة عام تقريباً في اتفاقيات فيما بينها بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وأبرز تلك الدول هي سوريا والعراق، التي تعرضت إحداهما إلى عملية إسقاط هيكل نظامها السياسي المتمثل بصدام حسين وحزبه وعسكره وأجهزة مخابراته وأمنه، والثانية أبقت على هيكل حكمها مقلم الأظافر، وتبدو الصورة أكثر وضوحاً لو عبرنا الحدود العراقية السورية والتي لا تكاد تشعر بوجودها وذلك بفضل (الروح الجهادية) للميليشيات الشغالة ليل نهار ومن الجهتين بالجهاد التهريبي لتحقيق ما عجز عنه الرئيس الأسبق صدام حسين في إقامة دولة الوحدة قومياً، لكنه فشل بسبب تشبث طيب الثرى الأسد الكبير بكرسي الوحدة، إذن إذا ما عبرنا إلى الشقيقة سوريا حيث تكتظ بأنواع وأشكال وألوان الميليشيات وعلى مختلف القياسات والمذاهب والطرق والاجتهادات من أقصى يسار الشيعة إلى أقصى يمين السنة ناهيك عن مخلفات القاعدة وداعش، حيث سترى ما لم تراه العين وتسمعه الأذن من شعارات وأسواق للنخاسة السياسية والمذهبية والقومية وحتى اليسارية المتطرفة وألوانها التي تنافس ألوان الدول الأفريقية الزاهية، خاصةً في مناطق الإدارة الذاتية الحائرة بين أحضان أمريكا وإيران ودمشق وقنديل!
    ولعل أبرز بضائع سوق المزايدات وأكثرها رواجاً عند العامة في هذه الدول هي البضائع ذات الاكسسوارات الدينية والقومية، وما يتعلق بها من نكهات أخرى مضافة عليها، خاصةً ما يتعلق بفلسطين وعاصمتها الأبدية القدس التي أصبحت ومنذ أربعينيات القرن الماضي ابرز البضائع وأكثرها استخداماً للشعارات والإعلانات وعناوين الشوارع والطرق والجيوش، وليس بعيداً والحمد لله جيش القدس الذي أسسه النظام السابق من متطوعين اجباريين، بلغت أعدادهم قرابة السبعة ملايين مجاهد لتحرير القدس، حصل ذلك بعد أن اعتبرت إيران وجمهوريتها الإسلامية كربلاء والنجف في ثمانينيات القرن الماضي طريقها إلى القدس، ونحمد الله أن التجربتين العراقية في (جيش القدس) والإيرانية في شق (طريق القدس) تُستكمل اليوم في (يوم القدس العالمي) ومهرجاناته واستعراضاته العسكرية وميليشياته الولائية جداً، حيث ما تزال تقاوم وتقاتل وتناضل وتجاهد الكيان الصهيوني من على منابر الجوامع والحسينيات، وعبر مهرجانات في مدن وعواصم تبعد آلاف الكيلومترات عن إسرائيل، من صنعاء الحوثيين إلى لبنان حزب الله مروراً بالعراق الولائي وسوريا الأسد، دون أن يصل هذا الكيان إلا صدى تلك الخطابات النارية وتصفيقات وصرخات آلاف المحتفلين في ساحات بغداد وبيروت وطهران!
    سوق المزايدات هذا وتجارته بالشعارات هو الجامع الرئيسي والثابت الرابط لكل من الأنظمة الشمولية عربيا واسلاميا، مضاف اليها أذرعها العابرة للحدود مثل القاعدة وتنظيم الدولة وما فرخوه من منظمات للنصرة وامثالها، إضافة الى السوق المركزي للبازارات السياسية وميليشياتها التي تُشكل اللا دولة في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا حيث يجتمعون جميعهمُ في توجه واحد وثقافة شعاراتية واحدة نجحت في تبليط طرقا مختلفة وصولا الى القدس بعد سنوات ضوئية!
kmkinfo@gmail.com


54

العراق بين شماعتين!

كفاح محمود كريم

   منذ سقوط النظام الملكي وبدء حقبة الانقلابات وما رافقها من أنظمة الحكم الشمولي الفردي أو الحزبي أو الطائفي وحتى يومنا هذا، انتصبت في مسرح السياسة العراقية عمودياً وأفقياً شماعتين يعلق عليهما الحاكمين مبررات وجودهم على كرسي الحكم وضرورة بقائهم مع بقاء تلك المبررات، والشماعتين إحداهما إسرائيل وما يلحق بها من مصطلحات الإمبريالية والصهيونية والاستعمار، والشماعة الثانية البعث وداعش، ويكفي اتهامك أو وصفك أو تعليقك بإحدى هاتين الشماعتين حتى ترى طريقك إلى الجحيم دون محكمة أو محامي دفاع!

   في الشماعة الأولى ومنذ 1958، تمّ تعليق آلاف مؤلفة من العراقيين بمختلف مشاربهم السياسية من أقصى اليمين وحتى أقصى اليسار على مشانق هذه الشماعة لكونهم كانوا معارضين إما للزعيم الأوحد أو للقائد الضرورة، ومن نجى بنفسه ترك البلد مهاجراً إلى كل أصقاع الدنيا، أو قُتلَ مناضلاً وهو يقاوم تلك العقلية الطاغية، ويتذكر العراقيون كورداً وعرباً سنةً وشيعة مسيحيين وايزيديين وبقية المكونات أن تلك الأنظمة لم ترحم أياً منهم لكونه من مذهب الحاكم أو قوميته أو حتى منطقته إذا كان معارضاً، حيث عُلق الجميع على مشانق تلك الشماعة، التي أتذكر واحدة من أكثرها بؤساً وسخريةً في صيف 1972م، حيث أطلق هاربين قرويين من الخدمة العسكرية النار على سيارة شرطة أعتقدوا أنها  تتجه إليهم دون أن يعرفوا من في داخلها، وكان في حينها قائمقام أحد الأقضية يقوم بزيارة قرية صغيرة في أحد الجبال القريبة من المدينة وقد أردوه قتيلاً، ظناً منهم أنها (أي سيارة الشرطة) تلاحقهم، بعد ساعات من الحادث صدر بيان من الحكومة يقول بالنص إن ”عملاء الصهيونية والشركات الاحتكارية، قاموا باغتيال الرفيق القائمقام”، والغريب أن نائب رئيس البرلمان العراقي بعدما يقرب من نصف قرن من هذه الحادثة يتهم (أزلام النظام السابق بتخطيط وتنسيق مع داعش) بحرق مستشفى ابن الخطيب!!؟

   أما الشماعة الثانية التي جاءت بديلاً معدلاً عن الأولى بعد 2003 فهي تتضمن تهمتين جاهزتين، وهما البعث والنظام السابق ومن ثم داعش وما يتبعهما، وقد صمموا للاثنتين قوانين هلامية قابلة للتأويل كيفما يشتهي الحاكم، هما المادة 4 إرهاب، ويقع ضمن تعريفاتها أو تأويلاتها إمكانية اعتقال أو تغييب شخص أو آلاف الأشخاص دونما تحقيق ولمجرد الاشتباه، والقانون الثاني الاجتثاث وما يتبعه من توجيه اتهام لأي شخص أو مجموعة بأنهم كانوا ضمن أو مع النظام السابق وحزبه، وقد أدى ذلك إلى تدمير مستقبل مئات الآلاف من الأشخاص والأسر التي إما هاجرت تاركةً كل شيء وإما أنها تعيش ضنك الحياة والملاحقة وقطع الأرزاق.

   هذه التراجيديا السايكولوجية المليئة بمركبات النقص والخوف والرعب من أعداء مفترضين لا وجود لهم، أدت إلى نشوب حروب تدميرية أوصلت واحد من أثرى دول الشرق الأوسط وأكثرها ثروات ومعرفة إلى أفشل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي في المنطقة والعالم، والأخطر أن هذه الشماعات أصبحت من أهم المرتكزات في التركيب النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات حتى أمسى الشك والتوجس والخوف يستحكم في الكثير من سلوكهم بعد أن  استشرت هذه الظاهرة واتسعت حتى غدت جزءًا من التركيب النفسي لملايين المواطنين على المستوى الاجتماعي في التعاطي مع كثير من الظواهر ومفردات النشاط اليومي للإنسان.

   إننا أحوج ما نكون إلى عملية تغيير اجتماعي تربوي جذري أكثر من حاجتنا إلى إصلاحات ترقيعية في الهياكل السياسية ومؤسساتها التي ينخر فيها الفساد، فالمرض المستشري وجروحه قد لامس العظام!

kmkinfo@gmail.com

55
كوردستان والمحيط العربي

كفاح محمود كريم

   أثار حديث الرئيس نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان في قناة الشرقية نيوز مؤخرا ارتياحا كبيرا في الاوساط العربية الرسمية والشعبية عامة، وفي الاوساط العراقية بشكل خاص، وبالذات في جزئه الذي تحدث فيه عن العلاقات بين عرب العراق وبين شعب كوردستان وقياداته عبر التاريخ وتطرقه الى ان الخلافات المتراكمة اليوم بين بغداد واربيل هي خلافات عائلة واحدة، رغم ما تقترفه الجماعات الخارجة على القانون والميليشيات السائبة ومن يدعمها بالتعدي على الاقليم واشاعة الكراهية والاحقاد ضده، وما يحصل اليوم ليس غريبا ولا جديدا فمنذ تأسيس مملكة العراق مطلع القرن الماضي، حاولت كل الانظمة المتعاقبة على حكم بلاد ما بين النهرين، مملكة كانت أم جمهورية تخريب العلاقة بين العرب والكورد من خلال تلك الحروب التي كانت تشنها على كوردستان لأخماد انتفاضاتها وثوراتها، لكنها ورغم كل المأسي لم تنجح في تخديش العلاقة بين الشعبين الكوردستاني وبين عرب العراق وبقية دول العالم العربي، حيث حافظت حركة التحرر الكوردية في جميع مراحلها على الأواصر المتينة بين الكورد وبقية الشعوب العربية، بل كانت من أولويات الخطاب السياسي للانتفاضات والثورات الكوردية على مرّ التاريخ، لِما يجمع القوميتين من ثوابت ومشتركات تاريخية وجغرافية في مختلف مناحي الحياة، وحتى أيام الثورات الكوردية كانت المناطق المحررة من كوردستان دائماً ملجئاً للمعارضين والثوار العراقيين على مختلف انتماءاتهم السياسية، بل كانت ساحة لنضالهم ضد الديكتاتورية بدعم لوجستي واستراتيجي من قبل قيادة الحركة التحررية والكوردستانية.

   وحينما تمتع الإقليم باستقلال ذاتي إثر انتفاضة آذار 1991م وإعلان الفيدرالية كأول قانون يصدره البرلمان الكوردستاني في أواسط 1992م، تحول الإقليم إلى ساحة لنضال كل العراقيين من مختلف مشاربهم السياسية، حيث فتحوا فيه مقراتهم ومكاتبهم وكل ما يتعلق بنشاطهم السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي، وقد تمتع إقليم كوردستان منذ ذلك الحين بعلاقات طيبة مع الدول المجاورة له، خاصة مع كل من إيران وتركيا وسوريا، والتي تميزت بعلاقات إيجابية وتعاون في كل المجلات نتيجة لنجاح الدبلوماسية الكوردستانية التي قادها الرئيس مسعود بارزاني منذ الأيام الأولى لاستقلال الإقليم عن نظام بغداد، و انبثاق أول برلمان كوردستاني مهد الطريق لتشكيل حكومة ائتلافية هي الأولى من نوعها في التاريخ الكوردي المعاصر بعد حكومة القاضي محمد في جمهورية كوردستان عام 1946م.

   وبعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين وأسست النظام السياسي الجديد إثر اعتماد دستور دائم للبلاد، الدستور الذي أقرّ واعترف بفيدرالية كوردستان وكيانها السياسي ومؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، قاد الرئيس مسعود بارزاني وفريقه منذ 2006 عملية بناء علاقات دبلوماسية رصينة مع المحيط العربي بشكل خاص، حيث تم إرساء قواعد متينة للعلاقات الكوردستانية العربية وعلى مختلف الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال زيارات رسمية لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والأردن وليبيا وجمهورية مصر العربية، والتي أدت إلى تمتين العلاقة وفتح ممثليات وقنصليات لها في عاصمة الإقليم وبداية انفتاح كوردستاني واسع على المحيط العربي الذي طالما فعل الإعلام الأسود فعلته في تشويه تطلعات الإقليم الكوردستاني وشعبه نحو الحرية والتقدم وعلاقته التاريخية بالعرب شعوباً وفعاليات سياسية عبر موروث كبير من الإيجابية والعلاقة المتميزة بين الشعبين المتداخلين جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، رغم ما فعلته أنظمة مستبدة تفوح منها رائحة الشوفينية والعنصرية المقيتة وإعلامها الأسود طيلة نصف قرن من حروب مدمرة للبلاد والعباد، وتشويه متعمد لقضية شعب شقيق له تاريخ طويل معفر بقوافل الشهداء من أجل قضايا العرب ونضالاتهم عبر العصور منذ تشاركوا في الأرض والمصير.
   
   إن ما يجري اليوم من بعض المجموعات المتطرفة في اشاعة الكراهية ضد الكورد باستخدام الوتر الطائفي تارة والوتر القومي تارة اخرى سيصطدم بجدار صلب من العلاقة التاريخية بين العرب والكورد سبق لأعتى الدكتاتوريات أن فشلت في اختراقه، هذه المجموعات الميليشياوية تعمل منذ سنوات وتطمح أن تحيل الخلافات السياسية بين الاقليم والحكومة الاتحادية الى فتنة قومية او طائفية مقيتة، من خلال العمليات الارهابية التي تقترفها ضد الاقليم، وقراءة سريعة للتضامن العربي والعالمي مع كوردستان بعد قصف مطارها من قبل ميليشيات ارهابية دليل على صلابة هذا الجدار وقوة الاقليم وسمعته ومكانته عربيا وعالميا، ومتانة الاواصر بين كوردستان والعرب سواء في العراق او بقية الدول العربية الاخرى.

kmkinfo@gmail.com


56
الديمقراطية والبيئة الاجتماعية المعاقة!

كفاح محمود كريم

   يُرجع الكثير من علماء النفس والاجتماع ظواهر الانتهازية والتدليس، وما يرافقها من كذب واحتيال الى الخوف سواء ما كان منه في السنوات الأولى لحياة الانسان وتكريسه تربويا، او نتيجة منظومة الاستبداد الاجتماعي والتربوي والديني الذي أنتج جملة من العادات والتقاليد التي تقف بالضد من أي محاولة للحداثة ودمقرطة المجتمع والنظم السياسية. ورغم انها أي الانتهازية كسلوك اجتماعي أو سياسي من انتاج الخوف والرعب الذي تولده الانظمة القمعية الدكتاتورية منها وحتى بعض النظم الديمقراطية، وهي في واقع الحال واحدة من اخطر الظواهر التي أفرزتها تلك الأنظمة الى جانب الاستبداد الاجتماعي والتربوي على مستوى الاسرة والمدرسة، صفا بصف مع منتج آخر للخوف وهو الكذب وفقدان الثقة بالنفس وبالآخر، حيث اصبحت الانتهازية والتملق والتزلف بنات شرعيات للكذب السائد في مجتمعات الأنظمة الشمولية والبوليسية التي تحتضنها بين طيات تكوينها القبلي والعشائري أو في مؤسساتها الإدارية وصولا إلى قمة الهرم، وقد دفعت البشرية خسائر فادحة حتى استطاعت مجتمعاتها المتحضرة حل هذه الإشكالية بالتربية الحديثة والديمقراطية الاجتماعية والسياسية واحترام حقوق الإنسان بصرف النظر عن العرق والدين واللون والجنس.
   لقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجس إلى درجة الخوف من الآخر بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، تسبقها دوما سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.
   لقد مارست الطبقة الحاكمة سواء كانت فردا أو حزبا أو شريحة اجتماعية، ضغوطا هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة وخير مثال على ذلك تلك المجاميع التي أنتجها النظام الدكتاتوري من خلال مؤسساته القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم منذ بدأ حقبة الانقلابات في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وايران والسودان وبقية الدولة الاخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارات المحافظات والمدن وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.
   وبدلا من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والأغا وأحيانا كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين إلى مستويات اعلي وأكثر تطورا، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي وأحيانا كثيرة الاقتصادي السابق لها إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرف.
   وخلال عقود قليلة تحولت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشارا من غيرهم في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدة سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن بحثا عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية تستغل سذاجتها لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة.
   إن الديمقراطية ليست تداولا سلميا للسلطة من خلال صناديق الاقتراع في مجتمعات مشتتة الانتماءات والولاءات، بقدر ما هي عملية إحداث تغييرات اجتماعية تربوية جذرية تشمل كل مناحي الحياة وطبقات المجتمع، وبخاصة ما يتعلق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، وتحديث أساليب التربية والتعليم والانتقال من التلقين وصناعة القطيع إلى التربية النقدية والمبادرة وحرية التعبير وقبول الآخر المختلف، وإزاء ذلك لا يمكن إتمام أي عملية تحديث مع وجود مد عشائري في ثقافته وسلوكياته وتركيباته وطغيانه على النظم الاجتماعية والسياسية، وستبقى هذه المظاهر من اكبر التحديات والمعوقات الحقيقية في طريق إحداث أي تغيير باتجاه بناء مجتمع مدني ديمقراطي.

kmkinfo@gmail.com






57
كوردستان وبقايا الإمبراطوريات!
                                                                                                           
كفاح محمود كريم
   
   ما بين التاريخ والجغرافية تتأرجح كوردستان الوطن والقضية منذ أكثر من قرن من الزمان بين بقايا ثلاث إمبراطوريات حكمت هذا العالم وشاخت، بل وغابت عنها الشمس حتى اضمحلت وتحولت إلى دويلات تتقاتل من أجل إعادة أمجادها التي ذهبت أدراج الرياح، وما زلتُ أتذكرُ كما الآن حوار صحفي أجري في أواخر عام 1979 م، مع زبيغنيو بريجنسكي وكان في حينها مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، حينذاك تحدث عن أزمة الشرق الأوسط في برنامج تلفزيوني أمريكي، مشيراً إلى مناطق مؤهلة للالتهاب الشديد غير مراكز السخونة المعروفة آنذاك بين العرب وإسرائيل أو بين تركيا واليونان أو حتى بين الهند والباكستان بعيداً إلى حدٍّ ما من الشرق الأوسط، وحينما طلب منه محاوره أن يحدد تلك المناطق قال له اذهب إلى الخارطة وضع إصبعك في مركز التقاء بقايا ثلاث إمبراطوريات شرقية حكمت مساحات واسعة من كوكبنا الأرضي وكان لها سيطرة وسطوة في حينها،   وانا أستمع لذاك الحوار سارعتُ إلى أطلس مدرسي كان على طرف المكتبة حينها، وسبقت الصحفي إلى حيث التقاء تلك الإمبراطوريات وبقاياها اليوم في مثلث يعرف الآن بالمثلث العراقي التركي الإيراني الساخن حد الاتقاد.

   لقد انتهت حقبة الإمبراطوريات الكلاسيكية بسقوط إمبراطورية آل عثمان لكي تبدأ حقبة أخرى من دول القبائل والعشائر وتحديداً بعد معاهدة سايكس بيكو ومن ثم لوزان التي أرست خارطة تلك الدول إلى يومنا هذا على أنقاض معاهدة سيفر وعلى حساب الكورد والأرمن والفلسطينيبن وغيرهم ممن قامت على أشلائهم هذه الدول وبقايا إمبراطورياتها المريضة، وخلال أكثر من قرن من الزمان سالت بحور من الدماء في حروب الوجود والبقاء والصراع على الأرض والثروات، خاضتها أنظمة تلك الدول من بقايا الإمبراطوريات مع مكونات تلك الإمبراطوريات التي عملت على إذابتها في بوتقة الدول وقومياتها السائدة وإصرارها على إعادة الحياة لتلك المنظومة الإمبراطورية المتوفاة؟
   وخلال عشرات السنين من الصراع المستميت وترليونات الدولارات من الأموال وملايين من الضحايا والمعاقين والعديد من الحروب من أجل الحصول على المفاتيح السرية للإمبراطوريات الحديثة، وهي خفايا وخبايا الأسلحة النووية التي تعتقد هذه البقايا إن امتلاكها سيعيد إليها ما فقدته وسيمنحها صفة العضوية في النادي النووي ومهمة (إخصاء) الآخرين من حولها، فلم تتقدم هذه الدول أنملة واحدة بالاتجاه الصحيح، بل على العكس تقهقرت إلى الوراء وهي تظنُّ إنها إنما حققت انتصارات وهمية باهرة كانتصارات (قادسية صدام والأنفال وأم المعارك والحواسم)، هنا في هذا الجزء من البقايا الإمبراطورية وما يقابلها من الطرف الآخر إلى الشرق في إيران التي انتهجت طرقاً دينية للوصول إلى النادي النووي على حساب تقهقر عشرات الملايين من البشر الذين ما زالوا ُيستخدَمون كفئران تجارب لدى هذه الأنظمة النووية جداً، وما يجري في آسيا الصغرى التي أصبحت تُسمى بعد تقزيم الإمبراطورية العثمانية بدولة تركيا الحالمة بعضوية النادي الأوروبي الذي سينقلها إلى مستوى أكثر تحضراً كما تعتقد، يدلل على فشل اتجاهاتها القمعية مع مكوناتها وأعراقها وبالذات ما يحصل بالقرب من المثلث الملتهب؟.

   خلاصة القول تساؤل مر: ألا تكفي مائة عام من الصراعات العبثية عبرة لحكامها وأنظمتها التي لم تنجح في إبادة او إذابة المكونات الأصغر عددا مثل الكورد أو احتوائهم في دويلات تمَّ تصنيعها لمصالح استعمارية ليس إلا، حقاً أنه سؤال يختزن آلام وويلات عاشتها شعوب هذه المنطقة بما فيها الغالبية، التي فقدت فرصاً ذهبية للانتقال إلى مستوى أكثر رقياً وازدهاراً، ولعلَّ في تجربة العراق وما حصل فيه من صراعات وحروب وما أنتجته من تشرذم وتقهقر في بلد يُعتبر من البلدان الغنية جداً في العالم، درسٌ بليغ لتركيا وإيران وسوريا لاختصار واختزال الزمن والخسائر والركون إلى حلول حضارية وسلمية لصراعاتها مع الكورد، لأن الإصرار على الخيار الآخر لن تجني منه إلا مزيد من التقهقر والتخلف والدمار وضياع فرصة ذهبية وتاريخية لتطور شعوبها التي تأن من الفقر والعوز والخوف في ظل أنظمة رثّة تسخر إمكانيات دولها لإبقائها في دفة السلطة على حساب السكان الغالبية منهم والأقلية، حقاً أنه المثلث الملتهب كما قال المستشار الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي، يأن تحت سياط أنظمة تعيش أحلام يقظتها على عذابات الشعوب وحقوق الإنسان في العيش بحرية واستقلال وسلام بعد أن فشلت وهي في أوج عظمتها من أن تحافظ على بقائها وديمومتها، فهل سيكون هذا المثلث مفتاح هِدايتها أو ربما تشرّذمها وانهيارها!؟

kmkinfo@gmail.com
 


58
لا أغلبية حاكمة في العراق!
كفاح محمود كريم

   يذهب البعض من الكتل السياسية منذ سنوات الى موضوع استخدام صيغة الأغلبية في اتخاذ القرارات او التشريعات بديلا عن صيغة التوافق بين المكونات الرئيسية في البلاد العراقية، وفي بيئة سياسية مضطربة ومؤسسات غير مكتملة التكوين خاصة في المؤسسة التشريعية التي ما تزال تعمل بنصف هيكلها مع غياب مجلس الاتحاد الذي يعتبر فلتر امان لجميع المكونات، وبرفض ممنهج لأي توجه لتطبيق النظام الفيدرالي خاصة بعد عرقلة طلبات البصرة وصلاح الدين والانبار ونينوى، مع ايقاف تطبيق المادة 140 وقانون النفط والغاز وتعدد مراكز القرار في المؤسسةالعسكرية، كل هذه الامور مع تعطش الكتل الكبيرة لتكريس نظام شمولي اتضحت ملامحه بعد اكثر خمسة عشر عاما من اختراق كل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية بالشكل الذي حولها الى نظام اقرب ما يكون الى نظام الحزب الواحد ولكن بصيغة المذهب الواحد، وهذا يتجلى واضحا فيما عُرف في السنوات الأخيرة بالدولة العميقة التي تسيطر على مقاليد الحكم بشكل متشدد بمساندة اذرع عسكرية تكاد تكون بديلا للمؤسسة العسكرية والأمنية بل تتفوق عليها في العدة والعدد، اما من خلال هياكلها او من خلال اذرعها الممتدة في جسد المؤسسة العسكرية والأمنية، وهكذا يمكن لنا أن ندرك هذا التنظيم الشمولي للنظام السياسي الذي يحاول قادته فرض نظام الأغلبية لتعزيز او شرعنة هذا الشكل من الدكتاتورية.
     في العراق ومنذ تموز 1958م حاولت الأنظمة المتعاقبة إضافة اكسسوارات شكلية تجميلية على هيكل ادارتها بصناعة أدوات زينة سياسية على شكل افراد او أحزاب كارتونية يفترض انها من مكونات أخرى غير الحاكمة لكنها سرعان ما انكشفت ولم تنطلي على الأهالي حتى انهيار نظام صدام حسين وسقوط تلك الصيغة الأحادية التي حكمت البلاد اكثر من ستين عاما، حيث بدأت مرحلة جديدة بعد اسقاط ذلك النظام تبلورت في وضع أسس نظام يعتمد في تكوينه على مشاركة كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، بما يؤسس تدريجيا لدولة المواطنة في ظل دستور يضمن حقوق كل المكونات ويحقق بقاء البلاد اتحادا اختياريا بين كل هذه الأطراف في نظام فيدرالي يمنحها حقوقها في الإدارة الذاتية وبتوافق في اتخاذ القرار الاتحادي بما لا يدع مجالا لأي انفراد أو تفرد على حساب الآخرين، ولأجل ذلك كانت التوافقية التي ميزت طبيعة الحكم طيلة السنوات المنصرمة وحافظت على وحدة البلاد وعدم تجزئتها.
     ان طبيعة تكوين الدولة العراقية وشكل نظامها السياسي منذ تأسيسها وما تخللها من صراعات وحروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم مرة أخرى، سواء كانت سياسية أو قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى، فالعراق يتكون وواقع حاله منذ تأسيسه من قوميتين رئيسيتين هما العرب والكورد، ومن الناحية الدينية بأكثرية عددية مسلمة منقسمة الى مذهبين رئيسيين، تعقبهما الديانة المسيحية فالايزيدية والصابئة واليهود، ينتمون في أصولهم وقومياتهم إلى أكثرية عربية وكوردية تشاركهما مكونات أخرى من الآشوريين والتركمان والكلدان والسريان والأرمن، حيث أظهرت السنوات الماضية ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة ثلاث اصطفافات واضحة جدا تتكثف فيها ثلاث تكتلات مذهبية وقومية هي: الكتلة الشيعية والكتلة الكوردستانية والكتلة السنية، التي تمثل مكونات العراق الرئيسية، ورغم وجود تداخلات في المكونات الثلاث كوجود كوادر شيعية في الكتلة السنية والكوردستانية، أو الكوردية والتركمانية في الكتلة الشيعية وكذا الحال في الكتلة الكوردستانية الذي تضم مكونات غير كوردية مثل الاشوريين والتركمان والكلدان والسريان والعرب، إلا أن واقع الحال وما يجري من تجاذبات وصراعات يمثل حقيقة المكونات الرئيسية للبلاد التي تتوزع جغرافيا ايضا حول العاصمة بغداد، في الجنوب والفرات الأوسط، والغرب وبعض من الشمال والشرق، والشمال مع بعض من الغرب والشرق لتكون اقاليما جغرافية وتاريخية متناسقة ومتجانسة، تتوحد جميعها حول عاصمة تاريخية لا تقبل ثقافتها الا أن تكون ملكا لكل المكونات والأديان والمذاهب، تلك هي بغداد التي تتقاسم فيها اليوم المكونات الرئيسية والأخرى مواقعها الاتحادية في السلطات الثلاث بطواقم مترهلة ومتداخلة بغياب إعلان الفيدراليتين الاخريتين في كل من الجنوب والفرات الأوسط والغرب مع التلكؤ في حل مسألة المناطق المتداخلة بين إقليم كوردستان ومحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.
   ورغم بعض الاصلاحات التي جرت هنا وهناك الا ان صدى ما قاله الملك الهاشمي فيصل الأول في اول انطباع له عن مجتمعات بلاد الرافدين وهو يقود او مملكة عراقية معاصرة انتجتها اتفاقية سايكس بيكو ما يزال يرسم ذات المشهد منذ 1921م
  (إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية، فهي والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسّيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد).*
     وللأسف الشديد لم يكن حكام البلاد حكماء الى الدرجة التي يدركوا فيها حقيقة مكونات العراق ويؤسسوا بموجبها دولتهم العتيدة، فاستولت مجموعة لكي تهمش الأخرى وتلغي وجودها أو تستعبدها طيلة عقود سوداء من التكوين الخطأ، دفعت البلاد والعباد الى الدمار والخراب في حروب عبثية في الداخل والخارج، حتى تعرضت البلاد الى الاحتلال الكامل طيلة ما يقرب من عقد من السنين، وهي ما تزال تأن تحت جراح الاحتراب غير المعلن والاختلاف الشديد حد التنازع بين مكوناتها الأساسية، التي ما زالت بعض النخب السياسية فيها تتغنى بعراق مركزي تنصهر فيه كل مكوناته لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية تارة والقومية تارة أخرى والمذهبية تارة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات يكون اتجاهها واحد بالتأكيد هو غير العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي!؟
   خلاصة القول لا اغلبية حاكمة في العراق لأن رديفها الدكتاتورية واقصاء الشركاء الاخرين، ولا بديل للنظام الفيدرالي او الكونفدرالي لأعادة بناء دولة عصرية تقوم على أساس المواطنة الصحيحة والشراكة الحقيقية الا النظام الشمولي المقيت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.

kmkinfo@gmail.com




59
كوردستان وصفحات من تاريخ التجزئة!

كفاح محمود كريم

   مثل ما قسم المستعمرين الكبار الوطن العربي إلى  دول  وإمارات، قسموا كوردستان إلى أجزاء وأدغموها في أربعة كيانات هي تركيا وإيران والعراق وسوريا في اتفاقية سايكس بيكو، ومنذ ذلك الحين والشعب الكوردستاني رافض لهذا التقسيم والاحتواء بشتى الوسائل، خاصةً وأن انتفاضاته كانت قد بدأت مع مطلع القرن العشرين وتحديداً في عام 1907، حيث قاد الشيخ عبدالسلام بارزاني انتفاضة عارمة ضد الحكم العثماني بعد أن رفضت تلك السلطات تلبية مطاليب شعب كوردستان واستخدمت القوة في قمع تلك الانتفاضة، وأسر قائدها وإعدامه في مدينة الموصل في  14 كانون الأول 1914م، ومن حينها وبدون الخوض في التفاصيل التاريخية للأحداث فقد فرضت الحرب على شعب كوردستان بسبب مطالبته بحقوقه المشروعة في العيش الحر على أرضه وممارسة حقه في تقرير مصيره، وواجه أشكالاً مختلفة من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية التي تفننت في قمعه، ومارست كل الأنظمة أساليباً وحشية في محاربة ثوار الشعب الكوردستاني المعروفين بالبيشمرگة، وهو مصطلح كوردي يعني أولئك الرجال والنساء الذين يستبقون الموت في تحقيق أهدافهم أثناء الحروب، حيث قاتلوا ببسالة كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق بأسلحة بسيطة لم تتجاوز البنادق وبعض المدفعيات المتوسطة في مقاومة جيوش امتلكت أحدث الأسلحة الثقيلة والطيران بكل أشكاله منذ قيام المملكة في مطلع عشرينات القرن الماضي بعد اتفاقية سايكس بيكو وحتى كارثة حلبجة وبادينان وباليسان وكرميان التي تعرضت للقصف الكيماوي المكثف بمختلف أنواعه أواخر الثمانينات، بعد أن فشلت قنابل النابالم التي استخدمت هي الأخرى قبل ذلك بعشرين عاماً، ناهيك عن تشكيل أفواج وألوية من المرتزقة العاطلين عن العمل أو من خلال شيوخ وأغوات العشائر الذين عرفوا في المنطقة بــ (الجحوش) حيث جندتهم الحكومات ضمن ما كان يُسمى بالأفواج الخفيفة مثل (فرسان صلاح الدين الأيوبي) و(سرايا أبو فراس الحمداني) لاستخدامهم في مقاتلة أبناء جلدتهم.

     ورغم محاولات الزعيم عبدالكريم قاسم في إرساء الأمن والسلام في كوردستان وإجراء إصلاحات مهمة بالتعاون مع الزعيم مصطفى البارزاني إثر عودته من منفاه في الاتحاد السوفييتي بعد قيام ثورة 14 تموز 1958م ، إلا أن الطاقم الذي كان يحيط بالزعيم عبدالكريم عمل على تخريب كل تلك المحاولات مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة ثانيةً والتي تحولت إلى ثورة عارمة في أيلول 1961م، حيث استُخدم ضدها شتى أنواع الأسلحة، تحديداً بعد الانقلاب على عبدالكريم قاسم، حيث أسس انقلابيو شباط 1963 ميليشيا أطلقوا عليها أسم (الحرس القومي)، وكانت مسؤوليتها تصفية كل المعارضين لهم من تقدميين وديمقراطيين عراقيين وكوردستانيين؛ وذلك من خلال عمليات الاغتيال التي شملت آلاف من خيرة الكوادر في بغداد وكوردستان، ثم تلى ذلك وبعد انقلابهم على الرئيس عبدالرحمن عارف في 17 تموز 1968م أن استخدموا الجيش بقساوة لإحراق كوردستان بالنابالم وبراميل البنزين والديناميت، حتى أسسوا ميليشيا (الجيش الشعبي) التي فتكت بكوردستان ونفذت عمليات التهجير القسري للكورد إلى جنوب وغرب العراق، ومارست أبشع أنواع القتل والتعذيب والإرهاب والسلب والنهب بحق الأهالي، يداً بيد مع ما كان يُسمى بــ (الأفواج الخفيفة)، حتى بلغ عدد القرى التي تم تدميرها بالكامل أكثر من 4500 قرية بما تحويه من مزارع وبساتين ومساجد وكنائس ومدارس ومراكز صحية، وتهجير سكانها إلى صحراوات العراق الجنوبية، ومن ثم إبادتهم ودفن الكثير منهم وهم أحياء، حيث بلغت أعدادهم أكثر من 182 ألف نسمة من النساء والأطفال والشيوخ، في واحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية بعد الحرب العالمية الثانية.

     ويتذكر الجنود العراقيون وحتى عناصر تلك الميليشيات التي كانت تقاتل إما أمام الوحدات العسكرية أو تأتي لتمسك الأرض بعدها، ماذا كانوا يفعلون بالأهالي، وكيف كانت تتعامل معهم قوات البيشمرگة حينما يقعون جرحى أو أسرى بأيديهم، وكيف يتخلى البيشمرگة عن حصتهم في المأكل والمشرب والأغطية لصالح الأسير أو الجريح، بينما كانت أجهزة الاستخبارات العسكرية والأمن العسكري يتفننون بتعذيب الأسرى والجرحى حتى الموت أمام الأهالي في مراكز القرى أو البلدات أو المدن، وحينما شنّ داعش هجومه الهمجي على العراق وكوردستان منتصف 2014م، تصدت لها قوات البيشمرگة ببطولة أذهلت وأتثبت للعالم أجمع جدارتها وبسالتها في القتال، واحترامها لقوانين الحرب والتعامل مع أسرى وجرحى العدو، وحققت انتصارات أبهرت الرأي العام العالمي بما جعل من مصطلح (البيشمركة) مصطلحاً عالمياً متداولاً يرمز للبسالة ولانتصار المدنية والحضارة على التخلف والإرهاب، رغم أنها قاتلت بأسلحة بسيطة مقارنة بتلك التي تمتلكها داعش، وهي وما تزال تعاني من حصار الذين يقودون المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد سواء في التسليح أو التدريب أو الرواتب والمخصصات، ورغم ذلك فرضت نفسها كمعادلة حضارية ومؤسسة مهنية تحترم القيم العليا للإنسان والحضارة، وأصبحت احد اهم الرموز العالمية في مكافحة الإرهاب، خاصة في حربها الضروس مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

kmkinfo@gmail.com




60
نفط كوردستان وسلم تسلق السلطة!

كفاح محمود كريم

   واحدة من استثمارات نفط كوردستان واستخداماتها الدعائية والانتخابية هي موضوعة استثمار حكومة كوردستان للثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي تحول الى سلم لتسلق الاحزاب والاشخاص الى كرسي مجلس النواب في بيئة شعبية مسطحة بل وفي معظمها تعاني من غسل شديد في الدماغ والوعي والحقيقة التي تحاول تلك القوى تشويهها او اخفائها، فقد دأب البعض من المصابين بعمى الحقائق وثقافة إقصاء الآخر وإلغاء حقوقه على خلفية التفرد والهيمنة، بالخروج بين الفينة والأخرى بتصريحات لتأجيج الرأي العام خاصة أيام الدعايات الانتخابية أو صناعة الأزمات، حيث يتحدثون عن عدة آبار هنا وهناك تم حفرها واستثمارها بعد 2003م كما جاء في الدستور، وهي لا تتجاوز في أعلى إنتاجياتها 450 الف برميل يذهب اكثر من نصفها الى الاستهلاك المحلي واستحقاقات الشركات التي تستخرجها، وتستقطع معظمها من الحصة السنوية لاقليم كوردستان من الموازنة السنوية، بينما يتناسون مليارات البراميل التي شفطوها من آبار كوردستان في كركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية المستقطعة عبر ما يقرب من مائة عام، وأحالوها إلى حديد ونار وغازات سامة أحرقت أجمل مدن وبلدات وقرى كوردستان؟

   لقد كانت كركوك الهدف الأول للبريطانيين، ومن جاء بعدهم  سار على نهجهم في مصادرة ما تنتجه ارض كوردستان منذ اكتشاف النفط فيها مطلع القرن الماضي، حيث يحدد الدكتور كاظم حبيب مستويات الإنتاج من حقول كوردستان في كركوك مقارنة مع ما كان ينتجه العراق خارج الإقليم منذ 1927 ولغاية 1989م فقط: 
( بلغت مشاركة حقول كركوك 73,25 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية، في حين كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989.

  لقد أنتجت كوردستان نفطا بما قيمته 184.9 مليار دولار أمريكي من عام 1927 ولغاية عام 2000 من إجمالي إيرادات العراق البالغة لنفس الفترة 252.5 مليار دولار أي بنسبة قدرها 72.2 بالمائة من إيرادات العراق بأكمله. )


   لقد استخدمت تلك الأموال الطائلة من نفط كوردستان المنهوب في حرق كوردستان وشعبها طيلة ما يقرب من سبعين عاما، حيث  تعرض هذا البلد إلى التدمير الشامل في بنيته التحتية البشرية والاقتصادية والحضارية والصناعية، كما أنها كانت وسيلة في  تدمير وحرق وأنفلة كوردستان وتعريب مدنها واستقدام مئات الآلاف من سكان محافظات جنوبية ووسطى، وما تعنيه هذه العمليات من تهجير مئات الآلاف من الكورد إلى الجحيم أو إلى مهاجر أخرى، كما حصل في كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي بعد عام 1975م،  وزرع ما لا يقل عن عشرة ملايين لغم في أرض كوردستان لوحدها.

   والطامة الكبرى أن الكثير ممن أتوا بعد سقوط النظام، يغرسون رؤوسهم في رمال وعقلية وسلوك النظام السابق في موقفهم من موضوع كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي، وموضوعة النفط في الإقليم ويتعالون على مآسي ثمانين عاما من السرقة والسحت الحرام وبحور من الدماء، التي سالت نتيجة لتلك العقلية المتخلفة والشوفينية المقيتة وفرص التقدم والازدهار التي اغتيلت على أيديهم، ويتناسون ما جرى بعد مؤامرة 1975 ضد شعب كوردستان الأعزل لكل من ساهم فيها أو سهل تنفيذها، ولعلني أستذكر فقط أن ما حدث لإيران والعراق والجزائر والاتحاد السوفييتي بعد هذه السنة لم يكن ( ربما ) محض صدفة، أن تغرق إيران والعراق والجزائر في بحور من الدماء وتتفتت الإمبراطورية السوفييتية إلى دويلات عاجزة ينخر فيها الفقر والذل.

   لقد ولى زمن التفرد والهيمنة فالكوردستانيون فهموا تاريخهم جيدا وعرفوا أعدائهم وأصدقائهم، وهم يبنون بلدهم كما يشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأنهم بناة بارعون ومخلصون كما كانوا مقاتلون أشداء، وأدركوا جيدا هم وأصدقائهم وشركائهم المخلصين في الوطن إن الحياة الجديدة لم تعد تتحمل شوفينيات مولودة من أرحام متعفنة غادرها الزمن.

   إن فرصة ذهبية أمامنا في إنجاز عراق جديد نتعايش فيه جميعا يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية، ويعوضنا عما فاتنا طيلة مائة عام تقريبا، بعيدا عن الثقافة الشوفينية أو المذهبية الضيقة أو العنصرية المقيتة، والتعامل مع ثوابت الدستور بما ينميها ويطورها في التطبيق والسلوك، والتوجه إلى كوردستان بما ينميها ويعوض خسارتها من ثروتها المسروقة وفرصها في التطور والتقدم خصوصا مع تجربتها خلال السنوات العشرين الماضية التي تمتعت فيها بقسط من الأمان والسلام، حيث أنجزت تطورا كبيرا وملحوظا في كل مناحي الحياة وبإمكانيات بسيطة قياسا لحصتها الطبيعية في الثروة الاتحادية.

   إن كوردستانا قوية ومزدهرة وآمنة ستكون سندا قويا لعراق اتحادي وان أي تطور في أي جزءٍ من العراق الاتحادي هو تطور وقوة لكل هذا الاتحاد.


kmkinfo@gmail.com




61
في يوم المرأة: النساءُ تُقتلُ أم تنتحر في بلادنا؟

كفاح محمود كريم

   ربما كان عنوانا صادما لكنه في واقع الحال يُعبر عن مأساة كبيرة تتمثل في ارتفاع نسبة ما يسمى بالانتحار لدى النساء، وفي معظم المجتمعات من المدينة الى الريف، رغم ارتفاعها في كثير من الاحيان في المدن والبلدات الصغيرة، الا انها تعكس نمطا مخيفا اذا ما عرفنا بعض الحقائق التي تؤكد ان معظمهن يُدفعن الى عملية تقتيل انفسهن خارج ارادتهن، أي بمعنى هناك عملية قتل مع الاصرار والترصد والتنظيم وهي جريمة كبرى وإن خففتها بعض الاعراف والتقاليد، والمشكلة الأكبر هي ان حالات الانتحار ارتفعت تدريجيا منذ 2003 وحتى اليوم، حيث تُشير دراسة لمركز البحوث التابع لمجلس النواب العراقي نشرت عام 2014 تحت عنوان "انتشار الانتحار في العراق – اسباب، ومقترحات" تسجيل 1532 حالة انتحار بين عامي 2003 و2013، بالاعتماد على إحصائية "مجلس القضاء الأعلى"،  وبمقارنة تلك الأرقام مع ما سجلته المفوضية العليا لحقوق الإنسان للفترة بين 2015 و2017 والبالغة أكثر من 3000 حالة، نكتشف تضاعف حالات الانتحار مرات عدة، خاصة بين النساء، وبحسب إحصاء مجلس القضاء الأعلى، فقد واصلت أعداد المنتحرين تصاعدها عاماً بعد آخر، إذ سجل عام 2013 النسبة الأعلى لحالات الانتحار بـ439 حالة انتحار، تلاها عام 2012 بـ276 حالة انتحار، ثم عام 2011 بواقع 253 حالة، و2010 بـ161 حالة، وعام 2008 بـ103 حالات، و2009 بـ95 حالة، ثم عام 2007 بـ64 حالة، و2006 بواقع 51 حالة، و2005 بـ46 حالة، و2004 بـ31 حالة، و2003 بواقع 13 حالة.

   أعود الى يوم او عيد المرأة الذي اعتدنا على الاحتفال به والتنافس فيه على القاء الكلمات الطنانة خاصة من بعض الرجال، ولن أخوض في تفاصيل يوم المرأة أو عيدها بقدر اهتمامي بأمرٍ آخر، ربما يُكَدِر هذا العيد ويفرغه من محتواه وهو أكثر أهمية ربما لأنه يتصل بشكلٍّ مباشر بحياة المرأة ووضعها في مجتمعاتنا الشرقية عموماً وباستثناءات لا تخضع للقياس العام، فمعظم من ينادي بحقوق (الحرمة) إنما يتجمل كذباً وادعاءً أو أنه يبغي منفعة لا علاقة لها أبداً بالنساء وخاصةً اللائي من حوله. حيث يمارس ازدواجية لا مثيل لها في إعطاء وجهين مختلفين تماماً، فهو ينادي في المحافل العامة بحقوق المرأة والمساواة وما إلى ذلك من كليشة المجتمعات المخملية التي ينفش فيها ريشه أمام نساء خلق اللّه، بينما يمارس دور دكتاتور شرقي مع زوجته أو معيته من بنات آدم وحواء.

   هذه الاستثناءات ربما كما قلت لا تخضع في حجمها الحقيقي لأي قياسٍ يُذكر، والدليل على ذلك هو هذا الوضع المتردي لوضع النساء في ظل دولة تأسست منذ ما يقرب من قرن من الزمان وما زلن صاحبات تاء التأنيث الساكنة أكثر سكوناً من تائهن ومراوحة في مكانهن، بل قل معي إن أوضاعهن في تقهقرٍ مستمر منذ أصبحن يمثلن عقلية الرجل في مجلس النواب ويتبرع لهن بعدد محدود من المقاعد التي لا تمثل في حقيقتها إلا ثقافته، ومع جلّ الاحترام لمبدأ تمثيلهن في المجالس التشريعية إلا أن ما حصل ويحصل في بلاد كانت تتعامل مع النساء قبل خمسين عاماً أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، ولعلَّ ارتفاع معدلات ظاهرة قتل النساء أو كما يطلق عليها انتحارهن يؤكد بما لا يقبل الشك دور الرجل الرئيسي في هذه المجازر المشرعنة تحت أبوابٍ شتى، فما من امرأة مقتولة أو منتحرة إلا وكان ورائها رجل دفعها للانتحار غصباً عنها وخارج إرادتها، وقد أكدت كثير من ملفات الانتحار النسائي إنهن قتلن بأسلوبٍ انتحاري، أي بمعنى وضع السم بالقوة في أجوافهن أو حرقهن، وقد استمعت ذات يوم قبل سنوات إلى اعترافات امرأة حول كيفية وفاة ابنتها المنتحرة، والتي انتشرت دعاية في القرية بأنها على علاقة برجل من غير دينها، قالت أمها إنّ والدها قال ادخلي ابنتك في الحمام وحينما أدخلتها إلى هناك كان يحمل صفيحة من النفط الأبيض سكبها عليها بالكامل ثم أشعل فيها النيران وقفل باب الحمام وأجبرني أنا أيضاً على مغادرة البيت، حتى عدنا بعد ساعات لكي نرى كومة من الفحم، وبالتأكيد قيدت القضية لدى القضاء الخاضع لأعراف البداوة والعشيرة ضد الفتاة ذاتها متهماً إيّاها بأنها قد انتحرت غسلاً لعار أبيها، وهناك الكثير الكثير من هذه الجرائم التي تقع في مجتمعاتنا تحت سقف العادات والتقاليد بينما يمارس القضاء أبشع أدواره في التستر عليها وإشاعتها تحت مبررات وأعراف بالية وكاذبة ليس إلا!

   ويبقى السؤال الأكثر مرارة حول هذه الازدواجية القاتلة لدى كثير من الرجال والنساء في موضوعة الموقف من حقوق المرأة كإنسان يعيش في مطلع الألف الثالث، ويجبرها على الموت انتحاراً لأسباب واهية وكاذبة وخارجة عن الشرع الذي لديه آلية لو نفذت كما أراد الله لما شهدنا قتل امرأة كل قرن من الزمان، وبعد ذلك هل أن الربيع العربي والكوردي والإيراني والتركي وغيرهم ممن يشابهنا ربيعاً ذكورياً ليس إلا، وأن كل ما يحصل الآن هو مجرد تغيير في الأسماء والعناوين، بل أن ما يحدث اليوم في كل من العراق واليمن وسوريا وليبيا وغيرهم، يعيد النساء إلى حقل الحريم والقتل انتحاراً تحت مظلة أعراف وقضاء تقيّده قوانين الخيمة والصحراء والقبيلة والقرية!؟

kmkinfo@gmail.com


62
في ذكرى اتفاقية آذار:
أربيل- بغداد والمراوحة في المربع الاول!

كفاح محمود كريم

   قبل خمسين عاما من الان وتحديدا في الحادي عشر من آذار 1970م، وقعت بغداد واربيل اتفاقية سلام بين الحكومة العراقية وقيادة حركة التحرر الكوردستانية بعد مفاوضات طويلة ومجهدة قادها من الطرف العراقي الرئيس الاسبق صدام حسين، وكان حينها نائبا للرئيس احمد حسن البكر، وبين الزعيم مصطفى البارزاني قائد حركة التحرر الكوردستانية، تلك الاتفاقية التي ارست سلاما بعد سنوات قاسية ومؤلمة من الحرب بين الطرفين، وقد اعتمدت تلك الاتفاقية على منح كوردستان والمناطق ذات الاغلبية الكوردية حكما ذاتيا ضمن جمهورية العراق، ومنحت الاتفاقية فترة انتقالية لمدة اربع سنوات للتطبيع وازالة آثار الحرب ومن ثم تطبيق نظام الحكم الذاتي.

   ما حصل للاسف الشديد بعد الاتفاقية باقل من سنة محاولات مأساوية لتدمير الاتفاقية وفي مقدمتها محاولة اغتيال الزعيم البارزاني باستخدام بعض رجال الدين من قبل مديرية الأمن العامة، وما توالى بعدها من فقدان الثقة، وعودة اساليب التغيير الديموغرافي للمناطق ذات الاغلبية الكوردية، ومن ثم صياغة قانون للحكم الذاتي من طرف واحد، اقتلع من كوردستان مدن سنجار وكركوك وخانقين وبلدات اخرى ذات اغلبية كوردية عمل النظام على تشويهها ومحاولة سلخها من جسدها الكوردستاني، هذه المحاولات ادت الى فشل الاتفاقية وعودت العمليات العسكرية وكانت بداية لخراب العراق وتدميره بسبب تداعيات ما حدث إثر ذلك.

   نعود للمناطق الكوردستانية تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا التي رفض النظام السابق شمولها بقانون الحكم الذاتي وادام فيها عمليات التغيير الديموغرافي وهي مجموعة من أجمل مدن كوردستان العراق، تقع عند التخوم الجنوبية والشمالية الغربية والشمالية الشرقية من الإقليم ابتداءً  بسنجار وزمار في الزاوية الشمالية الغربية إلى سهل نينوى والشيخان ومخمور وكركوك في جنوبها وصولاً إلى الزاوية الشمالية الشرقية في مندلي وخانقين وأطرافهما، هذه الحواضر التي نقشت تاريخ حضارة الإنسان بأحرف من نور، تعرضت وخلال أقل من قرن إلى هجمةٍ همجية متخلفة عاث منفذوها في الأرض فساداً ودماراً لعشرات السنين، مقترفين أكثر الجرائم قساوة بحق سكانها الأصليين، حيث التغيير الديموغرافي المتخلف والقانون العنصري المقيت (قانون تصحيح القومية) وتهجير السكان الاصليين ونقل سكان اخرين من مناطق الجنوب والوسط، وعمليات التبعيث القسري الذي طال أناس لا يجيدون حتى لغة الأمة التي أراد البعثيون توحيدها تحت شعارهم المثير (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) فوأدوا أوّل محاولة لتوحيد سوريا والعراق وأعدموا رموزها!

   هذه المدن التي عبثوا بتكوينها وأشكالها ومكنوناتها، وأرادوا تقبيحها بأساليبهم العنصرية المقيتة، بتمزيق أوصالها وتعريب سكانها بمشاريع عبثية أنفقوا عليها عشرات المليارات من الدولارات ومئات الآلاف من الضحايا، هذه المشاريع العبثية انهارت خلال ساعاتٍ بعد سقوط نظامهم، وتهاوت أمام حقيقة تلك المدن وهويتها التي أرادوا تغييرها بشكل عنصري، ولكي يثبت سكانها الأصليون وقياداتهم تمسكهم بالقانون واحترامهم له طالبوا بأن تكون كل إجراءات محو آثار التغيير الديمغرافي قانونية ولا تستخدم فيها أساليب قسرية خارج القانون، ولأجل ذلك تمّ تثبيت تلك الإجراءات في قانون إدارة الدولة ومادتها 58 عام 2004م، وبسبب الأوضاع السياسية وتحضيرات الانتخابات وكتابة الدستور مطلع 2005م، تمّ ترحيلها إلى الدستور وتثبيتها في المادة 140 التي وضعت خارطة طريق تتضمن ثلاثة مراحل هي التطبيع والإحصاء ومن ثم الاستفتاء على تبعية تلك المدن بين إقليم كوردستان أو الحكومة الاتحادية، لكن للأسف ومنذ 2005 وحتى يومنا هذا عملت كل الحكومات المتعاقبة على المماطلة في تنفيذ تلك المادة بحجج واهية تؤكد أن ثقافة العنصرية متوارثة للأسف بأشكال وعناوين مختلفة لكنها واحدة في السلوك والتصرف، فقد اتضح أنها متكلسة في توجهات الكثير من الحاكمين الجدد الذين وبعد ما يزيد على 20 عاما أثبتوا بما لا يقبل الشك أنهم ينتهجون ذات الطريق، حيث منعوا تطبيق المادة 140 من الدستور، بل وعملوا جاهدين على إبقاء كل آثار التشويهات التي تركتها الأنظمة السابقة دون أي تغيير يذكر، بل بانت تحضيراتهم في تشكيل قوات مخصصة لاقتحامها واحتلالها بعد أن تحررت في نيسان 2003، وحصل ما لم يتوقعه الجميع حينما اجتاحوها لمجرد خلاف سياسي بين الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية، وأقحموا القوات المسلحة والحشد الشعبي وفصائله وبإشراف مباشر من الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومشاركة خبراء ومستشارين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني في المعارك التي جرت بعد 16 أكتوبر 2017م في كل من التون كبري وسحيلة، في خرق فاضح وخطير للدستور الذي يحرم استخدام القوات المسلحة في النزاعات السياسية داخل العراق، بل ولكل قيم المواطنة والشراكة والتوافق.

   ومنذ ذلك الحين تمّ استباحة تلك المدن من قبل ميليشيات طائفية يتحكم في سلوكها التعصب القومي والمذهبي الذي دفعها إلى إعادة كل مشاريع التغيير الديموغرافي والترحيل القسري واضطهاد السكان الاصليين كما يجري الآن في سنجار وكركوك وطوزخورماتو وداقوق وخانقين، حيث  تأن هذه المدن من أوجاع الهيمنة التي لا تختلف عن أي احتلال عسكري لدولة أو مدينة، فقد قتل المئات من أبنائها وتمّ حرق مئات المحلات التجارية لأصحابها الكورد، ناهيك عن تهجير مئات الآلاف من سكانها الذين ما زالوا يرزحون تحت ظروف قاسية في مخيمات النازحين، ويخشون العودة إلى مدنهم بسبب الانفلات الأمني وسيطرة الميليشيات على مقدرات تلك المدن التي بدأت منظمة داعش التوغل في مفاصلها لغياب أي خطة أو برنامج لمكافحتها، خاصة وان القوى المهيمنة على تلك المدن منهمكة في عمليات التهريب والتجارة السوداء وتنفيذ أجندات إقليمية لربط إيران بمنابع النفط وسواحل البحر الأبيض المتوسط.

   وللأسف الشديد ما تزال هذه المناطق بمدنها وبلداتها تخضع لذات السلوك، رغم اسقاط النظام الذي تسبب في الكثير من مأساتها، وهي اليوم خربة مرعوبة تعيش في ظلام مدلهم من العنصرية والتطرف المذهبي والديني، ترتع فيها خلايا داعش التي أحيتها الميليشيات ثانية، حتى لا يكاد المرء يفرق بين الأثنين، بعد أن عاشت طيلة 17 عاما من الامان والسلام والازدهار.
 

kmkinfo@gmail.com




63
في ذكرى الزعيم مصطفى البارزاني
كفاح محمود كريم
   يبدو أن الربيع فصلاً كوردستانياً بامتياز، حيث تحتضن أيّامه منذ مطلعها وحتى نهاياتها أكثر أيّام الكورد فرحاً وحزناً، جمالاً وقبحاً، ألماً ومسرة، وبين هذه وتلك تمنح الطبيعة الخلابة أجمل ما فيها لذلك الكوردي الذي يقطر حبّاً للحياة وعشقاً للعمل والجدية والإخلاص، تُخفف عنه آلام الأيام وأحزانها وتُثير في خلجاته عشق الحياة بالصمود والتحدي، ممزقاً كتل الظلام المدلهم من حوله، ليبتدء في يومه النوروزي الجديد إيقاعات الحرية والانعتاق في هذا الشهر المثير بجمال طبيعته وأحداث أيّامه، حيث تمرّ العديد من المناسبات التاريخية في حياة شعب كوردستان، ويختلط فيها الحزن والفرح بين تاريخ خالد يشيع الأمل والسرور وتاريخ حزين يتذكره الناس بألم، ففي منتصف هذا الشهر وقبل ما يزيد على قرن من الآن، ولد الزعيم التاريخي للكورد وكوردستان الملا مصطفى البارزاني عام 1903م، وفي الأول منه وقبل 42 عاماً، أي في عام 1979م، ارتحل بعد أن نقش على سلاسل جبال وطنه ملامح المستقبل القادم لشعب يرفض الاستكانة ويصرُّ على إثبات هويته الإنسانية المعطاء، ليكون بحق رمزاً تاريخياً كبيراً يمثّل نهضة شعبه ووطنه.
   ليس من السهل ولوج حياة رجل اختزل تاريخ شعب عبر أكثر من ألفين وسبعمائة عام، لكنه ببساطة الحكماء أوحى لنا جميعاً بأن الحياة رغم تعقيداتها أصغر من أن تعترض إرادة الإنسان وتحدياته الصادقة فشق طريقه عبر قساوة الطبيعة والحياة واتجه نحو الشمس، حاملاً راية الحرية لشعب يمزقه ظلام التخلف والاضطهاد، فلم يكن الزعيم مصطفى البارزاني مجرد ثائر يقود شعبه للانعتاق، بل كان خلاصة لحقب من الأزمان منذ كاوه الحداد وحتى انتفاضة آذار 1991م، حيث أختزل تاريخاً ومارس سلوكاً، أصبح فيما بعد نهجاً ومدرسةً للتربية والأخلاق، وفلسفةً في التعامل والتعاطي مع مستجدات وثوابت الحياة، من خلال إدراكه منذ البداية لحقيقة شعبه ووطنه المشكل من التضاريس الحادة والمتناقضة بين تخوم حمرين وشنكال جنوباً وحدود آسيا الصغرى شمالاً، فاندفع بكل ثقل التاريخ وإرثه باتجاه الشرق علّه يجد ضالته بين أحضان مهاباد، فكانت خطوته الأولى باتجاه الشمس، هناك كان المخاض الأصعب والولادة الأعسر والقرار المستحيل، اجتمعت فيه كل وحوش الشرق المفترسة حاملة معها جوع العنصرية وفقر الشوفينية وانتهازية الرفاق الحمر آنذاك، متربصة تلك الولادة لتنقض على الوليد افتراساً وتمزيقاً.
   في قلب هذه التراجيديا كان البارزاني مصطفى قد أدرك استحالة ديمومة الوليد في طوفان من الهمجية والبربرية، فتداعت الأحداث واندفعت قطعان البهائم الهائجة لتفترس وتسحق فرسان الشمس، ولأنه أدرك كل ذلك فقد حمل الوليد بين أضلعه واندفع مع ثلة من رجال الشمس في كل اتجاهات الأرض من حوله شاقاً طريقه المعروف في رحلته الأسطورية إلى وطن الرفاق الحمر، ليستقر هناك في استراحة الثوار وليمنح ذلك الوليد فرصة النمو والحياة، ولم تكن سنوات الرحيل إلى (الاتحاد السوفييتي) إلا مرحلة للتأمل والتهيؤ لحقبة خطيرة في تاريخ هذا الشعب الذي سيبدأ أولى خطواته نحو تحقيق ذاته في خضم عالم مليء بالتناقضات والأستقطابات في دنيا الحرب الباردة التي جاءت على أنقاض حربين قذرتين لتقاسم (العبيد) و(الغنائم) من إمبراطوريات ودول القبائل والعشائر. وكان أهم نتاجات تلك الحرب الباردة ما أطلق عليه في أدب شعوب الشرق بالثورات والانقلابات التي أنتجت أنظمة إما مصنعة بالكامل في دهاليز ودوائر المتصارعين الكبار أو تمّ احتوائها لاحقا من قبلهم.
   لقد أدرك البارزاني هذه الحقائق قبل عودته إلى بغداد عاصمة (الجمهورية الخالدة) التي عاد إليها بعد تغير الشكل وبقاء المضمون، وكان يعرف جيداً أن إقامته في الجمهورية الأولى ليست طويلة وأنه ذاهب إلى حليفه الأبدي وحضن وليده الذي خرج به قبل اثنتي عشر عاماً، ويقيناً كان البارزاني في تأملاته يرى كاوه الحداد في وجوه أولئك الذين يحتضنون جبال كوردستان باحثين عن طريق إلى شمس الحرية، وقد أدرك بحسه التاريخي وتحليلاته العميقة أن الخطوة الأولى ستكون حتماً من قلب كوردستان وليس من بغداد، التي ما أن وصلها حتى اكتشف إنها واحدة من نتاجات الحرب الباردة التي أفرزتها حروب العبيد والغنائم وكان (الوليد) ضحية من ضحاياها، فكانت بعد فترة وجيزة ثورة الخريف (11 أيلول 1961) بعد أكثر من 2661 سنة من ثورة كاوه الأول التي أزاحت ظلام القهر والعبودية، لكي تتبعها عشرات الثورات والعديد من الأمارات والمشيخات، لكنها لم تحدث خرقاً تاريخياً وتحولاً اجتماعياً نوعيا كما أحدثته ثورة البارزاني.
   البارزاني الذي كان قائدا ميدانياً ينتج الفلسفة ولا يؤلفها ويطلق عنان الثورة ولا ينظِّر لها، كان بحد ذاته منظومة من السلوك والتربية والتعامل الإنساني الذي يقترب في تفاصيله من زهد الزاهدين وصوفية الناسكين، عمل جندياً وقائداً في آنٍ واحد دونما أن يُثقلَ على حركة وقانون الحرب، ويتحسس مشاعر العدو وأفراده ويفترض دائماً أنهم ضحايا مجبرين ويوصي بجرحاهم وأسراهم حتى من كان منهم قاسياً في أدائه الواجب أثناء الحرب، وقد أقرّ الفصل بين الأنظمة والشعوب منذ البداية، وبشر الآخرين بأن مفتاح الحل هو الديمقراطية في تحقيق أهداف الشعب سواء ما كان منه في كوردستان أو في العراق ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، مؤكداً بشكل دائم بأن العرب والكورد ضحايا الدكتاتوريات وأنه لا خلاص إلا باحترام حقوق الآخرين والاعتراف بهم، فلم يكن البارزاني قائد ثورة فحسب، بل كان تاريخاً من الحكمة والفلسفة والزهد ابتدأت بالشيخ عبدالسلام بارزاني والشيخ احمد البارزاني وما اورثوه من منظومة سلوكية وتربوية واخلاقية.
كان الرجل بسيطاً متواضعاً نقياً أبيض القلب واليد، أبعد نفسه عن هالات والبروتوكولات الرئاسية وبيروقراطيتها ومظاهرها، ووضع حوله خيرة رجال الثورة وأكثرهم طهارة وإخلاصا في المال والإدارة، وبذلك اخترق أدق مشاعر وأحاسيس شعبه حتى حسبه الناس أباً وعماً وأخاً كبيراً. واليوم بعد أن أصبح رمزاً ونهجاً وعنواناً لنهضتنا وحكاية شعبنا منذ كاوه الحداد وحتى يومنا هذا، يحق لنا أن نسأل:
   هل ما زلنا ننتهج ذات النهج والسلوك، وهل يعرف الجيل الجديد أن الأسس الأولى ولبناتها في حياة اليوم إنما وضعها مصطفى البارزاني ورفاقه؟ فهل وافينا الرجل حقه!!؟
kmkinfo@gmail.com





64
المنبر الحر / السلطة السابعة!
« في: 20:56 12/02/2021  »
السلطة السابعة!

كفاح محمود كريم

   فصل السلطات وتقسيمها إلى ثلاثة، صاغه المفكر السياسي الفرنسي، شارل لوي دي سيكوندا، وهذا الفصل للسلطات اعتُبر أحد مبادِئ الديمقراطية، وكان نموذج للحكم الديمقراطى للدول، حيث تمَّ تأسيس أوّل نموذج في فصل السلطات من قبل الرومان القدماء، ودخل حيّز الاستخدام الواسع النطاق في الجزء الأول من الجمهورية الرومانيّة، وفي إطار هذا النموذج، فإن الدولة مقسمة إلى فروع أو سلطات، كلّ سلطة (يُفترض) منفصلة ومستقلة في صلاحياتها عن بعضها، والسلطات الثلاث هي: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وقد أضيف لهم السلطة الرابعة وهي سلطة الصحافة والإعلام المفترض أنها تراقبهم كما تفعل المعارضة، وفي تقسيم أو توزيع آخر للسلطات خاصة في بلداننا التي ما تزال في مرحلة الحبو الديمقراطي، يرى البعض أنها سبعة أو اكثر: تبدأ برئيس الجمهورية ثم رئيس وزرائه ثم الوزير وبعده المحافظ ثم القائمقام ويليه مدير الناحية، وأخيراً سلطتين في سلطة واحدة تُشكل لنا في مجتمعاتنا أهم وأخطر السلطات رغم أنها تأخذ التسلسل السابع، ألا وهي سلطة شيوخ العشائر والقبائل والممثل المزدوج لهم ولبقية السلطات السابقة وهو المختار!

   وفي معظم دول الشرق الأوسط ومن شابهها في العالم منذ تسلط الأنظمة الشمولية، خاصةً تلك الدول التي تمّت صناعتها في أقبية وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية إثر انهيار إمبراطورية بني عثمان، وقيام ممالك ومشيخات وجمهوريات الدول العربية، والجميع يمنح نفسه تفويضاً إلاهياً أو وكالة عامة مطلقة من الشعوب المخدرة بثقافة وسلوكيات القطيع المستكين، تلك الوكالة التي منحت  شرعيتها كيانات وهيئات (نفذ ثم ناقش) إما بمجلس قيادة الثورة أو بولاية رجال الدين والطائفة المطلقة، أو بالعادات والتقاليد البالية وأوامر ورغبات شيوخ العشائر والقبائل وملحقاتهم من رجال الدين والمخاتير، فقد تحولت تلك الممارسات الشمولية إلى ثقافة وسلوك عام يمارسه معظم المسؤولين ابتداءًا من رئيس الجمهورية وصولاً إلى السلطة السابعة التي يصفها أحد مخاتير القرى، والذي يصرُّ على أنه هو السلطة السابعة حسب تسلسله الإداري للسلطات التي ذكرناها أعلاه، والتي تنتهي بمختار القرية الذي يؤكد على حقه في التحدث باسم الشعب أي باسم أهل القرية أو الحي الذين عينوه مختاراً، وهي ذات الصلاحية التي يمنحها لنفسه شيخ العشيرة حينما يتحدث ويصرح ويأمر ويُنهي باسم كل أفراد عشيرته نساءً ورجالاً أطفالا وشيوخاً، خاصةً حينما يأمر الناخبين منهم بمنح أصواتهم لمرشحي برلمانات هذه الدول، والغريب الكل يتحدث باسم الشعب ويدعي تمثيله بالمطلق ابتداءًا بمقدمي بعض البرامج الحوارية ومروراً بالنواب وزعماء الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والوزراء، الذين يتكاثرون أكثر من القطط الشباطية، وكل من هبَّ ودبَّ في دول ومجتمعات غالبيتها ما تزال تسأل الهبوط على القمر حلال وإلا حرام!

   ويبدو إزاء هذا الحال المُزري في شكل وتكوين مجتمعاتنا وسلوكيات وعادات وتقاليد ونظام التربية المدرسية والاجتماعية في الغالب من الشعب، ومن خلال سطوة الشيوخ والآغوات وملحقاتهم، نحن أحوج ما نكون إلى انتخاب السلطة السابعة منهم أولاً، خاصةً وقد ثبتت جدارتهم في إيصال الكثير إلى مراكز السلطة التشريعية والتنفيذية بالتعاون مع مجاميع من رجال الدين والأعمال، وهم بالتالي يستحقون تعيين بقية السلطات الست الأخرى!!؟
   وإزاء ذلك أيضا يتراءى سؤال مقلق وهو: هل كانت هذه الظاهرة من أسباب اندلاع ثورة تموز 1958م التي شوهها العسكر وتم ابتلاعها بعد سنوات قليلة من قبل نفس الطبقة وبمسميات أخرى؟

kmkinfo@gmail.com


65
العراق بين حانة ومانة! *

كفاح محمود كريم

   منذ انتخابات 2005 وانتاج اول مجلس نواب على الطريقة الغربية بنكهة قبلية قومية طائفية، والمؤسسة التشريعية العراقية ناقصة التكوين، حيث نص الدستور في مادته 48 على ان البرلمان يتكون من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الاتحاد، ورغم الحاح القوى الكوردستانية ومنذ الدورة الاولى لمجلس النواب على اصدار قانون مجلس الاتحاد والمباشرة بعمله استكمالا قانونيا، الا ان الاطراف المهيمنة على مراكز القرار استخدمت اسلوب المماطلة بحجج واهية منذ ذلك الحين، على خلفية مشروع آخر لم يعلن لتلك القوى غايته استخدام بعض اليات الديمقراطية للوصول الى الهدف الاساسي في مركزة الدولة وتكثيف السلطات وحصرها بمكون واحد، وفي هذا السياق يرى كثير من المراقبين والقانونيين ومتخصصي الدستور، ان كل ما صدر من مجلس النواب يعتبر باطلا في ظل غياب مجلس الاتحاد، وهذا ما اجمع عليه اغلب فقهاء الدساتير في الدول العربية والاقليمية.

   هذا السلوك في عدم تأسيس مجلس الاتحاد والمحكمة الدستورية يؤشر الى محاولة فرض نظام شمولي باستخدام هياكل ديمقراطية عرجاء كما في مجلس النواب والمحكمة الاتحادية التي لا تعتبر محكمة دستورية بل محكمة عادية اوكل اليها مهمة (الدستورية)، كما اوكل لمجلس النواب في تشريع قوانين منذ 2005 وحتى الان حسب مقاسات ما يسمى بالأغلبية، واخرهما قانون اخراج القوات الاجنبية وقانون الاقتراض الذي تسبب في تعقيد الوضع السياسي والعلاقة مع الاقليم بشكل خطير، والأنكى من كل ذلك تغول مجلس النواب واستحواذه على صلاحيات السلطة التنفيذية وارباكها بتدخلات ومشاريع طائفية بحتة تهدد المصالح العليا للعراق وكيانه السياسي، وما يحصل الان في محاولة تحجيم الاقليم وصولا لفرض النظام المركزي الشمولي التي تتضح سماته اليوم، ما هو الا خرق للنظام الاتحادي وصيغة التوافق بين المكونات لحساب مكون واحد، ومن خلال تفحص ما يجري منذ 2005 وحتى ظهور الميليشيات الولائية وتعملق نظام اللا دولة بدأت الدولة بالانحسار التدريجي لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية لطائفة معينة مع ملحقاتها التي تمت  صناعتها او تدجينها لصالح تلك الاغلبية، خاصة وان احتلال داعش وما ترتب بعدها من هيمنة تلك الميليشيات على معظم محافظات المكون السني، لم يبقِ امامها الى الجدار الكوردي وحصريا جدار مسعود بارزاني، الذي بقي صامدا رغم ما تفعله هذه الاغلبية التي امتدت اذرعها الى كافة مراكز القرار العسكري والامني والاقتصادي، ناهيك عن النفط بكل مراحله من البئر وحتى التصدير، والمعابر الحدودية ومعظم العصب الاقتصادي والمالي في البلاد.

    من هنا ندرك تماما لماذا بقي البرلمان بجناح واحدة، والنفط والغاز  بدون قانون والمادة 140 لم تطبق، وشركة سومو حكرا لأصحاب الاغلبية، ناهيك عن 55 مادة دستورية وقانون متوقفة تماما أو مخترقة من قبل الذين  يرفضون أي طلبات لتحويل محافظة او ثلاث محافظات الى اقليم، بل باشروا حربهم على الاقليم باجتياحهم للمناطق المشمولة بالمادة 140 باستخدام القوات المسلحة والميليشيات الطائفية في اكتوبر 2017م، فارضين حصارا اقتصاديا كبيرا على الاقليم وقطع حصته لخمس سنوات متتالية وتخفيضها فيما بعد من 17% الى أقل من 13% في محاولة لتحجيمه وزعزعة كيانه، مستغلة انخفاض اسعار البترول والازمة المالية الخانقة بسبب الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك اؤكد بان الانتخابات القادمة إن تحققت لن تختلف عن سابقاتها الا بجديد اخطر وهو هيمنة التيارات المتشددة في البيت الشيعي السياسي وتحويل مجلس النواب الى سلطة تشريعية تنفيذية مركزية، مع وجود حكومة ضعيفة مُسيرة، ومؤسسة عسكرية اضعف، يقابلهم نظام اللا دولة ومؤسساته الميليشياوية التي احتوت معظم المؤسسة الامنية وتشكيلاتها على غرار التجربة الايرانية وربيباتها في لبنان واليمن.
 
* مثل شعبي مفاده ان رجلا تزوج بامرأتين الأولى صغيرة اسمها حانة والثانية كبيرة اسمها مانة والشيب لعب برأسها، فكان كلما دخل الى حجرة حانة تنظر الى لحيته وتنزع منها كل شعرة بيضاء وتقول يصعب علي أن أرى شعرا شائبا بهذه اللحية الجميلة، ثم يذهب الى حجرة مانة فتمسك لحيته وتنزع منها الشعر الأسود وهي تقول له يغيضني أن أرى شعرا اسود بلحيتك وأنت رجل كبير السن والقدر، ودام هذا الحال على هذا المنوال الى ان فقد لحيته تماما، فرأى بها نقصا وقال: بين حانة ومانة ضاعت لحانا!

66
المنبر الحر / فلم ايراني ناقص!
« في: 19:20 29/01/2021  »
فلم ايراني ناقص!

كفاح محمود كريم

   منذ أيّام تعرض وسائل التواصل شيئاً من إنتاج واحدة من الميليشيات التي تستخدم الكاتيوشا في التعبير عن رأيها، وهذا الشيء الذي أطلقوا عليه "فلماً قصيراً" بدا ناقصاً في فكره وأخلاقياته وتقنياته وتمثيله، ولم يتجاوز وظيفته الدعائية الساذجة، حيث عبر عن نمط تفكير ومستوى وثقافة الجهة التي أنتجته، والمتطابق تماماً مع سلوكها في التعبير عن الرأي وتشويه الحقائق، ويبدو أن العمل الدعائي هذا جاء كمحاولة لترجمة تمثيلية زعيم حزب اللّه في حديثه عن البارزاني أبان هجوم "داعش" على مخمور، والتي صرح بها قبل فترة مدعياً أن سليماني زار الرئيس بارزاني، مُبدياً استعداد بلاده للمساعدة، علماً أن سليماني هاتف الرئيس ولم يزره، وقد ذكر ذلك الرئيس بارزاني في أكثر من مناسبة وأمام الرأي العام، والفلم الناقص الأخير نجح حقيقةً في تحويل تصريحات نصر اللّه وادعاءاته التمثيلية إلى فلم قصير بائس لا ينقصه إلا الصدق والأخلاق.
   ما يُستشف من هذه اللعبة هو إسقاطات سايكولوجية تُعاني منها هذه الجهات ليس مع البارزاني شخصياً فقط، بل مع البيشمركة كقوة أثبتت جدارتها عالمياً وتحولت من قوات لحماية الإقليم إلى رمز عالمي لمكافحة الإرهاب وتدميره، هذا الإسقاط هو مجموعات مركبات نقص متراكمة تاريخياً تُعاني منها كثير من القوى السياسية، التي تعاملت مع القضية الكوردية وخاصةً في السنوات الأخيرة سواء في العراق أو ايران أو بقية دول الجوار، التي فشلت في أن تقدم نموذج إنساني مزدهر لشعبها، أساسه قبول الآخر والتعايش السلمي الذي تميز به إقليم كوردستان منذ استقلاله الذاتي في 1992 وقيام مؤسساته الدستورية.
   حرب "داعش" التي استهدفت كوردستان وتجربتها وكيانها كانت حرباً أيديولوجية عنصرية بالمطلق، وإقليمية تناغمت فيها الأهداف والوسائل وإن ظهرت إيهاماً بعض الاختلافات هنا وهناك؛ ومصيرية لكوردستان وكيانها، وقد أكّدت الشواهد ونتائج ما حصل على أن "داعش" ليست مجرد منظمة دينية عقائدية غرضها بسط نفود الدين وشريعته بمنظار قادتها، بل مشروعاً تدميرياً هدفه كل المكّونات العرقية والقومية والدينية المختلفة مع نهجه وفي مقدمة ذلك إقليم كوردستان وشعبه، حيث أدرك الرئيس مسعود بارزاني مدى خطورة هذه الهجمة، فلم يجلس في مكتبه ليدير حركات قواته ودفاعاتها، بل اندفع إلى الخطوط الأولى للقتال ولم يكن لوحده، بل أخذ معه كل من يستطيع حمل السلاح من أولاده وإخوته وأبنائهم، موزعاً إيّاهم على جميع خطوط المواجهة مع غزوات داعش، حيث شعر المقاتل ربما لأوّل مرّة في تاريخ الحروب أن القائد العام وأبنائه وإخوته يقاتلون جنباً الى جنب مع الجنود حالهم حال أي جندي في السلاح والذخيرة والمأكل والمشرب، حتى كتب اللّه لهم جميعاً النصر وحمى كوردستان وأرضها وشعبها من تلك الهجمة الهمجية المتوحشة.
   لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية حكراً كما يدعي لمذهبٍ بعينه، بل أنه نجح في جمع كل المذاهب تحت خيمة عنصرية متوحشة، مفعمة بالغرائز والأحلام المريضة، مستغلاً الخلافات ومندساً بين كل الأطراف، وليس عجيباً ما أظهرته وسائل الإعلام ومعلومات أمريكية مهمة عن تعاون وثيق بين جهات إيرانية وتركية وسورية وعراقية مع هذا التنظيم، الذي استُقبِلَ بالورود في كثير من المدن والبلدات من قبل أولئك الذين تلوثت أياديهم وجيوبهم بدماء الكوردستانيين وأموالهم في الأنفال وعمليات النّهب والسّلب التي رافقت كل حروب أنظمة العراق ضد كوردستان، حقاً كان فلماً ناقصاً بكل الاعتبارات أمام حقيقة ناصعة غدت رمزاً عالمياً في الحروب ومكافحة أعتى قوةً في الإرهاب عبر التاريخ، تلك هي بطولة البيشمركة وقائدها ولوحة النصر العظيم الذي رسمته دماء 1755 شهيداً و10 آلاف جريح من البيشمركة، حمّت فيها إقليم كوردستان وكسرت أسطورة "داعش" الإرهابية.
kmkinfo@gmail.com

67
الانتخابات العراقية والنزاهة!

كفاح محمود كريم

   تنّهمك الطبقة السياسية العراقيّة في ترتيبات إجراء انتخابات جديدة مبكرة منذ أكثر من سنة، ردّاً على احتجاجات تشرين 2019، التي أدّت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والدخول في ماراثون المرشح البديل لحكومة الانتخابات المقترحة، وفي خضم هذا التهافت على إنتاج برلمانٍ بمجلسٍ واحد على ما يبدو خلافاً للدستور، تتكاثر الأحزاب تكاثراً شباطياً وانشطارياً، حيث تقترب من 300 حزب تحت مُسميات تبعد عنها الشبهة بالطبقة السياسية التي تتحكم بالنظام البديل لنظام الرئيس صدام حسين منذ 2003، والتي رفضتها تظاهرات ملايين العراقيين في بغداد وفي الوسط والجنوب العراقي، وهي في حقيقتها عملية تمويه لاستنساخ أحزاب وكتل بعناوين مختلفة عن النسخ الأصلية المتنفذة، وهذه المرة بأذرع ميليشياوية تُهيمن على الشارع، وعلى شريحة واسعة من المراهقين المغامرين والمهوسين بالنشاط الميليشياوي، مستخدمةً أجهزة دعاية تقدمها مجموعة كبيرة من الفضائيات المؤدلجة التي تستثمر نزعات طائفية وقبلية وعرقية في توظيف إشكاليات محلية ودينيّة وخارجية ومن بينها الخلافات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بما يتناغم مع إذكاء الشعور بالمظلومية، جرّاء فشل تلك الأحزاب من إحداث تغيير نوعي في طبيعة حياة مواطنيها، وتعليق الأمر بشماعة الإقليم، للتغطية على كميات الفساد الهائلة التي رافقت حكمها منذ إسقاط نظام البعث وحتى يومنا هذا.

   وفي خضم هذا المشهد المعقد من الصراعات السياسية البينية والخارجية، والتورط في إشكاليات إقليمية ودولية لا مصلحة للعراقيين فيها، يبدو أن إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة صعباً إن لم يكُ مستحيلاً في هكذا بيئة ومجتمعات تغصّ بالأمية الأبجدية والحضارية، وتتحكم فيها الأعراف القبلية والطائفية، وتفتقد إلى أبسط مفاهيم المواطنة الجامعة، وتُشرف عليها هيئة انتخابية مرتهنة لطبقة سياسية، أثبتت فشلها الذريع وتسببت وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً في وصول البلاد إلى هذا المستوى من الانحدار، حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعدم وجود محكمة اتحادية دستورية مكتملة، ناهيك عن طبيعة المجتمع ونسيج عاداته وتقاليده التي تؤثر بشكل بالغ على نوعية من يصل إلى هيئة التشريع، فإذا كانت الديمقراطية حلاً لكثير من مشاكل النّظم السياسية في العالم، فإن أحد أهم أدواتها ووسائلها في تداوّل السلطة بواسطة صناديق الاقتراع ليست حلاً لمشاكل مجتمعنا، بل بالعكس تماماً غدّت كارثة أكثر إيلاماً من الشموليات التي انفرد فيها حزب قائد ودكتاتور أوحد، وما يجري اليوم في معظم بلداننا الشرق أوسطية تحديداً وفي العراق خاصةً منذ 2003، يؤكد على فشل استخدام هذه الآليات وأدواتها في هكذا بيئة، وضرورة البحث عن وسائل وأدوات أخرى غير تلك المعتمدة في دول الديمقراطيات العريقة والمجتمعات التي تختلف كلياً في تركيبتها الاجتماعية والقيمية عن مجتمعاتنا، مع الحفاظ على روحية النظام الديمقراطي والعمل على تكريسه تربوياً وتعليمياً واجتماعياً، بدءاً من الأسرة والمدرسة لإحداث تغييرات نوعية في بناء المجتمع وتهيئته لتطبيقات ديمقراطية ناضجة.
kmkinfo@gmail.com

68
العراق مملكة الألغام!

كفاح محمود كريم

   حينما وضع موظفو الخارجية البريطانية والفرنسية وبالتوافق مع الروس والطليان خارطة توزيع إرث امبراطورية آل عثمان في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، لم يهتموا كثيراً لرغبات الشعوب في هذه المنطقة وإنما تحويلها إلى مصادر اقتصادية ومراكز نفوذ من خلال معاهدة سرية بين الدول التي ورثت تلك الولايات وهي فرنسا والمملكة المتحدة وبمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا حيث قسمت الاتفاقية فعلياً الولايات العثمانية خارج شبه الجزيرة العربية إلى مناطق تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا أو تحت نفوذها،  فخصصت الاتفاقية لبريطانيا مايُعرف اليوم بـ فلسطين والأردن وجنوب العراق ومنطقة صغيرة إضافية تشمل موانئ حيفا وعكا للسماح بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، أما فرنسا فتسيطر على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان، ونتيجة اتفاق سازونوف- باليولوج المشمول فإن روسيا ستحصل على أرمينيا الغربية بالإضافة إلى القسطنطينية والمضائق التركية الموعودة بالفعل بموجب اتفاقية القسطنطينية (1915). وافقت إيطاليا على هذا الاتفاق سنة 1917 عبر اتفاقية سانت جان دي مورين بحيث يكون لها جنوب الأناضول، أما منطقة فلسطين ذات الحدود الأصغر من فلسطين المنتدبة اللاحقة فإنها ستكون تحت "إدارة دولية".

   وما يهمنا في هذا الإرث السيء الموبوء بالأمراض المزمنة، هو تأسيس مملكة في بلاد النهرين من ويلايتي البصرة وبغداد في بادئ الأمر ثم إلحاق ولاية الموصل التي كانت تضم كل من كوردستان الجنوبية الحالية نهاية عام 1925م، هذه المملكة التي أراد مؤسسيها أن تكون مملكة ألغام ، لا يمتلك خرائط توزيع ألغامها إلا أصحاب الشأن في بريطانيا وفرنسا، حيث كانت تمنح كل حاكم يتولى حكم هذه المملكة أو الجمهورية مجموعة مفاتيح للعبور من خلال تلك الألغام والمضي في حكم شعوبها، بينما احتفظت بمفاتيح خطيرة أخرى أخفتها عنهم لإستخدامها في الوقت المناسب حينما تحاول تلك الأنظمة أو رموزها الخروج من دائرة المؤسسين كما حصل في نهاية الخمسينيات مع العهد الملكي أو مع الزعيم وبعده صدام حسين حينما توهموا بأنهم يقودون مملكة حقيقية.
   والمتتبع لتاريخ هذه المملكة منذ إعلان قيامها وحتى يومنا هذا يدرك مدى التناحر والتنافس والاحتراب بين أنظمتها ومكوناتها، وبين المكونات ذاتها، سواء كانت عرقية أو قومية أو اجتماعية قبلية، وصدق مليكها الأول في توصيفه لها حينما قال: ( لايوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل تكتلات بشرية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعون بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة...)، والواضح جداً أن الحال لم يختلف اليوم عمّا كان عليه قبل مائة عام، إن لم يكن قد انحدر أكثر وتفاقمت فيه الأمور إلى المستوى الذي نشهده اليوم، ورغم إن كل الأنظمة كانت تدرك الخلل الخطير في أسس تكوين تلك المملكة، إلا أنهم وبدون استثناء ورغم ظهور محاولات خجولة هنا وهناك لإيجاد حلول في مسألة التكوين كانت كلها ترقيعية غير جدية تعتمد التكتيك والتحايل للعودة إلى الأسس القديمة البالية، وخير شاهد تلك المحاولات في حل القضية الكوردية وفك الاشتباك والارتباط القسري بين كوردستان ومملكة الألغام منذ اتفاقية 11 اذار 1970م وحتى اليوم، وما يجري من إجراءات للإنقلاب على الدستور ومحاولة تقزيم الكيان السياسي للأقليم والعودة إلى نظام الحكومة المركزية الكثيفة ابنة مملكة الألغام!

   لتطهير هذا الحقل من الألغام يجب العودة إلى المربع الأول وإعادة صياغة كيان سياسي كونفيدرالي، أو كيانات سياسية تلبي رغبة المكونات المدموجة قسراً، والانتهاء من رواية مملكة الألغام المرعبة!

kmkinfo@gmail.com

69
ما اشبه اليوم بالبارحة!

   أيام نظام صدام حسين وما قبله ممن حكموا العراق، كانت واحدة من أكثر التهم الموجهة لقيادة حركة التحرر الكوردية هو احتضانها لكوادر الاحزاب العراقية المعارضة وفي مقدمتها الاحزاب الشيعية الحاكمة اليوم (قوات بدر والدعوة والمجلس الاعلى) ناهيك عن بقية الاحزاب الاخرى، وكان النظام يصفهم بالمجرمين وعملاء إيران وجواسيس اسرائيل والصهيونية العالمية، وما أشبه اليوم بالبارحة فقد صرح أحد نواب كتلة فتح البدرية (النائب عنهم حامد الموسوي) الأقليم واللاجئين اليه قائلا:
   "إن الاقليم بات ملجئا ومحطا للمطلوبين للقضاء العراقي، وان بعضهم اتخذوا من كردستان منطلق لتوجيه الاعلام المحرض على قتل العراقيين!"
   فعلا التاريخ يعيد نفسه ولكن بأسماء وعناوين مختلفة لكنها أكثر بؤسا!


كفاح محمود
المستشار الاعلامي في مكتب الرئيس مسعود بارزاني
9 كانون ثاني 2021م

70

دودة الشجرة والافواج الخفيفة!

كفاح محمود كريم

   شكلّت الأنظمة العراقيّة المتعاقبة ومنذ ستينيات القرن الماضي، مجاميع من الموالين لها في كوردستان على شكل أفواج شبه عسكرية من بعض شيوخ العشائر وأغواتها المرتبطين بتلك الأنظمة، لقاء أموالٍ طائلة كانت تُدفع لهم كرواتب لأبناء عشيرتهم مقابل اعفائهم من الخدمة الإلزامية العسكرية والعمل تحت أوامر وتوجيهات دائرة الاستخبارات العسكرية او الامن المحلي، لمعاداة ابناء جلدتهم واستخدامهم في الحملات العسكرية للجيش ضد الثورة الكوردية وأثناء الهجوم على القرى والبلدات، ولم تكن واجباتهم تتعدى البحث عن الثوار او المعارضة وتفتيش القرى والبلدات وما يرافقها من عمليات سّلب ونّهب، أو أحيان أخرى أمام القطعات العسكرية لتفجير حقول الألغام، وفي العادة كان الأغا أو الشيخ أو آمر الجحفل او الفوج أو السريّة، يستحوذ على رواتب عناصره مقابل عدم التزامها بالدوام إلا في واجبات محددة ومحصورة جداً كما ذكرنا، وهذه التشكيلات التي يطلق عليها رسمياً اسماء (الأفواج الخفيفة) أو (فرسان صلاح الدين) أو (سرايا أبو فراس الحمداني)، كانت تُعرف لدى أهالي كوردستان بأسماء اخرى يعبرون فيها عن سخريتهم وازدرائهم منهم.

   أما في الحقل السياسي فقد اعتادت معظم الانظمة الشمولية تجميل شكلها  السياسي بصناعة اكسسوارات سياسية على شاكلة احزاب للزينة من الموالين لها، باستخدام بعض الشخصيات التي تمّ اغراؤها بالمال أو المناصب، لتجميل ما كانت تدعيه بالتعددية، فقد استنسخت شموليات الشرق الاوسط خاصة في العراق وسوريا هذا النمط من صناعة احزاب رديفة للاحزاب المعارضة الحقيقة على شاكلة احزاب التجميل في بعض دول اوروبا الشرقية في حينها، حيث استنسخوا نماذج من شخصيات مفصولة او مطرودة من الاحزاب الحقيقية لتصنيع احزاب يسارية او قومية او كوردية، وتقديمها على أنها ممثلة للشعب العراقي والكوردستاني، ونتذكر جميعاً تلك الأحزاب الكارتونية وخاصة في كوردستان والتي كانت سرعان ما تتبخر بعد ساعات من أي اتفاق بين قيادة الحركة الكوردية وبين الحكومة العراقية في حينها.

   وللاسف استمرت تلك الثقافة سائدة في معظم من تولى الانظمة الجديدة التي اعقبت عملية ازالة سابقاتها الشمولية، خاصة هنا في العراق ولدى بعض مفاصل النظام السياسي الجديد بعد 2003، حيث دأبت ومنذ السنوات الأولى للحكم على إحياء تلك الكّيانات، خاصة مع اقليم كوردستان ومن وراء السلطات الدستورية في الاقليم، حينما اقترحت مكافأة تلك الكيانات التي خدمت الانظمة الدكتاتورية السابقة برواتب تقاعدية، وقد أفشلت سلطات الإقليم تلك المحاولات البائسة في بثِّ الرّوح لكيانات ميتة، مما دفعها هي وغيرها ممن أدمنوا عدم قبول الآخر الى خيارات بديلة في  السنوات الأخيرة حيث كثّفت جهودها بشتى الوسائل لشراء ذمم أو استخدام واستمالة مجاميع وبذات الثقافة الشمولية سيئة الصيت لتكوين كيانات او مجموعات تعمل لصالحها وخاصةً في البرلمانين الاتحادي والإقليمي، لتنفيذ أجندة تلك الأحزاب المهيمنة، وشق الصف الكوردستاني وتشتيته.

   ويقينا أنها حققت بعض التقدم في هذا الاتجاه، وفتحت جيوب هنا وهناك، واستطاعت تشجيع بعض المستائين او المنشقين من الأحزاب الرئيسية في كوردستان واستمالتهم، وذلك باستغلال الخلافات السياسيّة الداخليّة لصناعة أحزاب كارتونية أخرى، لاستثمارها واستخدامها حين الطلب على شاكلة الأفواج الخفيفة ولكن بتطوير جديد وموديلات أحدث، ولقد أكّدت الأحداث قبل وبعد الاستفتاء وحتى يومنا هذا استمرار هذا النهج المعادي للإقليم وشعبه وطموحاته، خاصةً وأنهم جربوا القوّة العسكرية بعد 16 أكتوبر في محاولة اجتياح الاقليم، إلا أن فشلهم جعلهم يعيدون النظر بالاتجاه الآخر، وذلك بفتح جيوب على طريقة نظام البعث الّذي كان  يستخدمه في تلك الكيانات ولكن هذه المرّة بدون اسم وزي عسكري، بل من خلال مجموعات برلمانية واعلامية وصحفية تقوم بالواجب لتنفيذ مآربهم بشكل غير مباشر.

   إنها "دودة الشجرة" كما يصفها شعب كوردستان.

 


71
كوردستان سلم الحاكمين في العراق!
كفاح محمود كريم
   منذ أن قامت جمهورية العراق في 14 تموز 1958 وإعلان الزعيم عبدالكريم قاسم أنها جمهورية العرب والكورد، مضمناً ذلك في مادة دستورية تؤكد شراكتهما في الجمهورية العراقيّة، والعنصريون القوميون يحاربون أي توجّه لبناء دولة مواطنة تحترم كلّ المكوّنات ولا تقتصر على مكوّن واحد كَبُرَ حجمه أم صَغِر، وخاصةً ممن كانوا حول الزعيم الّذين استماتوا من أجل تخريب العلاقة بين زعيم حركة التحرر الكوردستانية العائد للتو من منفاه في روسيا وبين الزعيم عبدالكريم، والتي أدّت إلى اندلاع الثورة الكوردية المعاصرة في 11 أيلول 1961م، وخلال ما يقرب من عقدٍ من الزمان حاول الوطنيون العراقيون وقيادة الثورة الكوردية إيقاف إطلاق النّار والبدء بالحوار والتفاوض كما حصل في عهد رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز، تلك المحاولة التي اغتُيلت بسبب سلوك ذات المجموعة التي تسببت في اندلاع الثورة، حتى اتفاقية آذار 1970 والتي اعترفت بحق الكورد في الحكم الذاتي لأوّل مرّة في تاريخ العراق، لكن للأسف الشديد وحينما اقتربت القيادتين العراقيّة والكوردستانية من تطبيق الاتفاقية عَمِلتْ ذات المجاميع العنصرية على تخريبها وتفصيل قانونٍ للحكم الذاتي على مقاسات حزب العربي الاشتراكي وبقيادته، مما دفع القيادة الكوردستانية إلى رفضه وعودة أعمال العنف التي استمرت قرابة سنة، انتهت باتفاق إيران والعراق بجهود هنري كيسنجر وهواري بومدين، وتوقف العمليات العسكريّة وتنفيذ قانون الحكم الذاتي البعثي.، حتى اندلاع ثورة كولان في ربيع 1976م التي استمرت حتى آذار1991م، حيث انتصرت إرادة الشعب واستقلت كوردستان ذاتيا بمساعدة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي، ليطوي الكوردستانيين صفحات الماضي ويشرعوا في بناء مؤسساتهم الحقيقية للحكم الذاتي، وخلال أقل من سنة أجروا انتخابات أنتجت أوّل برلمان كوردستاني شرع قانون الفيدرالية وجعلها مطلباً أساسياً في أوّل تفاوض مع بغداد، وبسبب المناطق الكوردستانية التي تعرضت للتعريب والتبعيث والاستيطان في كركوك وسنجار وخانقين وغيرها، فشلت المفاوضات مع حكومة صدام حسين، حتى أسقطت أمريكا وحلفائها ذاك النظام، فأسرعت قيادة الإقليم بالذهاب إلى بغداد في محاولةٍ تاريخية لبناء دولة عصرية مدنية أساسها المواطنة، لكن للأسف وخلال سنوات قليلة جداً ظهرت نوازع التفرد بالسلطة وإقامة دكتاتورية من خلال صناديق الاقتراع الممغنطة بفتاوى مرجعيات دينيّة ومذهبيّة وقبليّة مُضافة للتعصب القومي، والعودة إلى المربع الأوّل باستخدام قضية كوردستان ومطالب شعبها سلماً لتسلق السلطة أو مبرراً لاستمرار دكتاتورياتها، ومنذ 2003م حيث بدأت تلك النوازع العنصرية بالعودة إلى الاستثمار للحصول على أصوات الناخبين من العامة السذج، وخاصةً في المناطق المختلطة أو الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، مبتدئة من الموصل حيث كان الشعار الترهيبي لدفع الناخبين لتأييدهم هو إرهابهم من البيشمركة على خلفية ادّعاءات مختلقة وأن الكورد يبغون السيطرة على الموصل وضمها للإقليم، وكذا الحال في كركوك مضاف إليه التهييج الطائفي والذي امتد إلى ديالى ومحافظة صلاح الدين.
   واليوم ومنذ سنوات يستخدم معظم الطامعين بكراسي الحكم ذات السلوك وبإضافة طائفية متميزة في إشاعة الكراهية والحقد ضد الإقليم وشعبه وقياداته، حيث وصلت الذروة في معاداة كوردستان بعد أن عجزوا في اللحاق بازدهارها وتقدمها في 2014 بتسليم الموصل وتلعفر وسنجار ومخمور والحويجة وسهل نينوى لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وانسحاب كلّ القطعات العسكرية الضخمة من هذه المناطق وترك أسلحتها الثقيلة والمتوسطة مع مليارات الدولارات أموالاً ومنتجات لذلك التنظيم، الذي تأملوا فيه احتلال كوردستان وتدمير ازدهارها وتجربتها، لكن النتيجة كانت تحطيم "داعش" عند حدود الإقليم على أيدي البيشمركة وطيران التحالف الدولي ومساعدة الأصدقاء في مخمور وأطراف كركوك وغرب سحيلة، ومع تحطيم تلك الأسطورة ضربت الحكومة العراقية حصاراً خانقاً على الإقليم بقطع حصته من الموازنة السنوية ولخمس سنوات متتالية، ومن حينها وأجهزة الدعاية التابعة لهم تبثُّ قصصاً مختلقة عن سرقة النفط في كوردستان، وأن الكورد يعيشون على نفط البصرة، وكذا الحال مع قصص أخرى استخدموها لتسطيح الرأي العام وتحويلها إلى سلم لتسلق السلطة كما فعل حيدر عبادي حينما شعر بفشله في مكافحة الفساد وتنفيذ وعوده الخيالية، فاستخدم ورقة كركوك وأثار الرأي العام العراقي وترهيبه بقيام الدولة الكوردية وطرد العرب منها، واستقدم الجنرال سليماني وعناصره وميليشيات موالية لإيران لاجتياحها وبقية المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، متأملاً أن يحجز ولايته الثانية كما فعل سلفه المالكي.
   وكالعادة كلما اقتربنا من موسم الانتخابات، ارتفعت أسعار المزايدات على معاداة كوردستان وحقوقها، والبازار لا يختلف عن مهرجانات الشعر في القذف والمدح منذ ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا، فيتبارون بشتى أنواع وأشكال الدعايات والتلفيقات والترهيبيات،  مستهدفين عقول العامة من الأهالي تارةً بالتعصب القومي والقبلي وأخرى بالشد الطائفي، مسخرين عشرات الفضائيات والإذاعات وبرامجهم الحوارية لتوجّيه الناخبين إلى كوردستان وعمي أبصارهم عن حقيقة ما يجري في محافظاتهم وبلداتهم التي تأن فقراً وحاجةً وبؤساً، وهم لا يعرفون أن منقذيهم قد استحوذوا على 87% من موازنات العراق طيلة 15 سنة دون أن يقدموا لهم إلا الشعارات والممارسات التخديرية، وها هم اليوم أيضاً يستخدمون معطيات انتفاضة تشرين التي قامت ضدهم، مع شعاراتهم حول البعبع الكوردي لتسلق سلطة الانتخابات المبكرة التي لن تختلف في نتائجها إن حصلت عن سابقاتها إلا بالأسماء والعناوين.
   مالم تحل قضية كوردستان جذريا وبروح دستورية وطنية إنسانية خالصة، سينمو ويتطور التيار العنصري والطائفي باتجاه إدامة الصراع واحتدامه ليتآكل فيه العراق منخورا بالفساد والعسكرة والدكتاتورية والتقهقر، فكما هي كوردستان سلما لاعتلاء الحكم، هي ذاتها سببا في انهياره وسقوطه!
kmkinfo@gmail.com

72
استنساخ التجارب الفاشلة!

كفاح محمود كريم

     نتذكر سبعينيات القرن الماضي وبداية تحويل البلاد العراقية إلى حقلٍ لتجارب البعث القومية، وتقزّيم العراق بتحويله إلى قطر وشعبه إلى جزء من أمة مفترضة لم يثبت التاريخ المعاصر حقيقة كينونتها الفعلية، واستيراده على تلك الخلفية، ملايين المصريين والمغاربة وغيرهم من سكان تلك البلاد التي افترضها تشكل دولة موحدة ذات يوم، ليؤسس منها نواة ذلك الكيان الذي كان يخدّر به الأهالي، وهو كيان الوحدة والحرية والاشتراكية الذي انّهار قبل سقوطه أبان الاحتلال الأمريكيّ، حيث سقط في ضمائر الناس ولم يتحول طيلة ما يقرب من نصف قرن في البلدين السوري والعراقي إلى فكر أو ثقافة اجتماعية، ولم تنصهر تلك الارتباطات بالوطن الأم على حساب الوطن المفترض في دولة الوحدة، وكذا الحال مع بقية التجارب العاطفية التي دفعت شعوبها أثماناً باهظة لتلك المغامرات الوحدوية الفاشلة، سواء في ليبيا أو مصر أو سوريا أو اليمن، حيث انتهت جميعها إلى نتائج بائسة، أدّت الى تباعد أكثر بين شعوبها، بل بين مكوّنات تلك الشعوب.

    في دول الخليج تجاوزت اعداد العمالة الاسيوية حتى عدد سكان بعض دولها، مما ترك ظلالا قاتمة على كثير من السلوكيات لدى الاطفال والشباب، وفي التجربة العراقية والليبية حيث فُتحت أبواب البلاد أمام كل من هبَّ ودبَّ وبتسهيلات لا مثيل لها في كلّ بلدان العالم، دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح المجتمع العليا والأمنَين الاجتماعي والأخلاقي المتعلق بالعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية، فدخلت البلاد أفواجاً كثيرة من الباحثين عن العمل والغنى في بلاد نفطية، تسرّب من خلالها أيضاً أعداد كبيرة من الفاشلين والمجرمين وأصحاب السوابق والسراق والمزورين وأنماط كثيرة من المنحرفين في مختلف أنماط القيم والعادات والتقاليد إلى مجتمعات كانت وما تزال خاماً ومحافظاً ونقياً بالمقارنة مع الجهات التي قَدِموا منها، وفي مرحلة حرب ضارية انهمك بها النظام العراقي والليبي مع دول الجوار، والتي أدّت إلى إفراغ البلاد من الأيدي العاملة من سن 18- 30 عاماً، حيث تمّ تجنيدهم جميعاً للحرب، إضافةً إلى تجنيد ما فوق هذه الأعمار في قواطع ميليشيا ما كان يُسمى بـ"الجيش الشعبي" أو اللجان الشعبية في ليبيا، مما أتاح دخول هذه الفئات الوافدة إلى كلّ مفاصل الحركة الحياتية في الدولة والمجتمع وبملايين الرجال من المصريين والمغاربة والسودانيين واليمنيين والارتيريين وغيرهم من البلدان العربية، الذين اندفعوا أفواجاً في معظمهم من الفلاحين غير المؤهلين والعمال غير الفنيين وقلة نادرة من الاختصاصات العلمية والأكاديمية، إضافةً إلى أعداد كبيرة من خريجي السجون والمشبوهين وحتى المحكومين الهاربين.

   ولكي نكون منصفين فإن مجتمعاتنا كانت الأنظف حتى دخول تلك الأفواج، وهنا لا أقصد الشريحة الأكاديمية والخبرات الفنية فهي تستحق كلّ التقدير والاحترام؛ هذه الشرائح التي كانت تنتقد السماح لهذه الأفواج بالدخول إلى العراق متهكمة بأننا أفرغنا لهم كلّ السجون في بلدانهم إلى حد أن شوارعهم تنظفت من الرعاع والمجرمين والمتسولين، الذين نقلوا إلى مجتمعاتنا أنواعاً رهيبة من فيروسات الانحراف بكلّ أشكاله من (الفهلوة) والتي تجاوزت كلّ أنواع (الكلاوات) العراقية البسيطة قياساً بما استورد لها القائد الضرورة، واليوم وبعد أكثر من سبعة عشر عاماً على سقوط تلك التجربة المريرة، وأكثر من ربع قرن على فشل وهجرة تلك الملايين التي فشل النظام في توطينها، تركت ورائها مخلفات سلوكية غريبة، تسببت في تمزيق النسيج التربوي والقيمي والسلوكي في مجتمعاتنا، يعود البعض إلى ذات الثقافة الفاشلة سواء في المبدأ أو التطبيق فيفتح الأبواب أمام هجرات وزحف من أنماط بشرية تحت أغطية قوميّة أو مذهبية متعصبة، لا هم لها إلا الارتزاق ونخر الوطن ومسخ عاداته وتقاليده دون أي وازع يمنعها، فهي لا تنتمي إطلاقاً إلا لمصالحها الذاتية ولا يمكن سلخها من انتمائها الأصلي مهما كانت تلك الأطروحات التي يطرحها منظرو القومية الشوفينية والتعصبية الدينية أو المذهبية، حيث فشلت كلّ هذه المحاولات في العراق واليمن وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان التي اجتاحتها حمى القومية المفرطة أو التعصب الديني والمذهبي.

kmkinfo@gmail.com
 



73
تعددت الاسماء والدكتاتورية واحدة!

كفاح محمود كريم

   منذ زمنٍ طويل وفي نهاية كلّ أربع سنوات ودون سابق إنذار وخلال عدّة أيام قبل إجراء عمليّة تداوّل السلطة في الولايات المتحدة، تنطلق وسائل الإعلام العربية والعراقيّة والشرق أوسطية بالتحديد بضجةٍ إعلامية واهتمامٍ مبالغ به جداً بالانتخابات الأمريكيّة، حيث ينقسم ضحايا الإعلام الموجّه بين فريقي الجمهوري والديمقراطي وبشكلٍّ مثيرٍ أكثر من الانتخابات نفسها، بل وبحماسٍ يزايد على الأمريكيين الّذين يجهل غالبيتهم من هو الرئيس الأمريكي!؟

   هذا الاهتمام المبالغ به جداً من قبل قنوات التلفزّة والإذاعات والمحللين السياسيين، يذكرنا بالدارج المحلي الّذي يصفُ حالة هؤلاء بالّذين (يتبللون قبل المطر)، حيث التهويل والتحليل من النتائج، وكأن الفائز في تلك الانتخابات إما سيدمر المنطقة أو سيخفض مستوى الفقر في هذه البلدان  ويقلل نسبة وفيات الأطفال ويرفع مستوى معيشة هذه الشعوب، بل أن إيحاءات بعضهم تؤشر بأن أحدهم سيكون سبباً في تمتع شعوب هذه المنطقة بسلامٍ وديمقراطيةٍ تختفي فيها الصراعات القَبلية وعبادة الأوثان البشرية، والكارثة أن معظم الواقفين خلف كواليس الدبكات الإعلامية للانتخابات الأمريكيّة، يدركون أن ثوابت الخارجية والبنتاغون واحدة لا تتغير، والدليل القضيتان الفلسطينية والكوردستانية، اللتان ما اختلف في أبجدياتها أي رئيس أمريكي من كلا الصنفين!

   والمشكلة التي تواجّه معظم النّخب السياسيّة والإعلامية في معظم دولنا هنا في الشرق الأوسط وخاصةً تلك التي أُزِيحَ حكامها بالقوّة، هي أن البديل هو استنساخ عملية تداوّل السلطة على الطريقة الأمريكيّة في بلدانٍ غابت عنها ومنذ عشرات السنين مظاهر المدنية وانكفأت في دهاليز النُّظم البدائية، التي أنتجت أنظمة الانقلابات وممارساتها في تكريس نظام الرئيس الضرورة والحزب الأوحد ومن ثم الاحزاب والميليشيات الربانية وشدها الانفعالي العاطفي وفتاوى من يقف ورائها، لتكون واحدة من أدواتها ووسائلها التي تسيطر فيها على الغالبية المسطحة في المدن والقرى من خلال نظامٍ بائسٍ يلغي بالتمام والكمال أي مفهومٍ راقٍ للمواطنة والانتماء لشعب أو أمة أو وطن، فما بين ديمقراطيات الغرب واستنساخاتها في الشرق، تُصنع أنماط من الديكتاتوريات المشرعنة بأدوات تداوّل السلطة عبر صناديق الاقتراع الممغنطة بالفتاوى أو بالولاء القبلي أو المذهبي، ليتم تنصيب أوثان بشرية بدلاً عن دكتاتوريات الجمهوريات والرؤساء الملهمين، فمجالس الرئاسة وقيادة الثورة ومجالس الشعب والنواب والبرلمان والجمعيات الوطنية والشورى في بلداننا الشرق اوسطية عموما، تتكاثر وتتناسل لتنتخب قائدا اوحدا او اماما مكلفا من الرب(!) او ملهما لايقبل التقسيم الا على نفسه لأنه وحده لا شريك له الا السلطة والمال!
   وهكذا تبقى ايقونة الشرق وهويته وبصمته في استنساخ تجارب لا صلة لها بالمطلق بنظامه التربوي والاجتماعي والتعليمي لاعادة تدوير حكم البداوة منذ الازل وتحت مختلف العناوين والتوصيفات!


kmkinfo@gmal.com



74
لا تصنعوا من الوهم قصص لبطولات فارغة!

كفاح محمود كريم

   قبل ثلاث سنوات وفي غفلةٍ من الزمن وبالاستعانة بالجنرال، قاسم سليماني، وحفنة من أهل الدار، اندسوا خلسةً في مناطق كوردستانية خارج إدارة الإقليم والمُسماة دستورياً بــ"المناطق المتنازع عليها" كما ورد في المادة 140 من الدستور العراقي، الذي وضع لها خارطة طريق لإنهاء ازدواجية علاقتها بين المركز والإقليم، وبخرقٍ فاضح للدستور الذي يحرم استخدام القوّات المسلحة في النزاعات السياسية بين الحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات، اجتاحت ميليشيات منضوية تحت الحشد الشعبي وبمساعدة القوّات المسلحة العراقية وبإشراف مباشر من، قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني مدن كركوك وسنجار وسهل نينوى وخانقين، وحاولت التقدم باتجاه أربيل عاصمة الإقليم من عدّة محاور في التون كبري ومخمور وأخرى في خاصرة دهوك، إلا أنها باءت بالفشل الذريع، حيث واجهت جداراً صلباً ومقاومة عنيدة من قوّات بيشمركة كوردستان، كلفها خسائر كبيرة في العدة والعدد، اضطرتها إلى وقف هجماتها والتقهقر إلى خطوط دفاعاتها، ووقف زحفها إلى الإقليم وعاصمته أربيل.

   واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات من تلك العملية، التي أحدثت شرخاً كبيراً في العلاقات بين الإقليم وشعبه من جهة وبين العراق وحكومته من جهةٍ أخرى، بل وكشفت نوايا الكثير من مفاصل الإدارة السياسية والتشريعية المبيتة ضد مكاسب شعب كوردستان وحقوقه الدستورية إلى الحد الذي استخدموا فيه مصطلحات غير دستورية لتقزيم الإقليم وإلغاء هويته السياسية، وفرض الحصار عليه بالتعاون مع كل من تركيا وإيران، مما تسبب في تقهقر شديد في العلاقات مع بغداد وإعادتها إلى المربع الأوّل.

   ورغم تداعيات تلك السياسة الخاطئة وتردي أوضاع البلاد بشكل مريع وفي كل النواحي، ما يزال البعض يحاول صناعة قصص وهمية لبطولات فارغة، يحاولون فيها صناعة نمر من ورق حينما يتحدثون عن أحداث كركوك وكأن رئيس الحكومة في حينها بطل من أبطال معارك الحرب العاليمة الثانية، وهم يدركون جيداً وفي مقدمتهم السيد العبادي بأنه لولا الصفقة التي عقدت بين مجموعة من الاتحاد الوطني وبين الجنرال، قاسم سليماني، وقيادات في الحشد الشعبي لما دخل كركوك إطلاقاً، والغريب أنهم يتحدثون عمّا حصل حينها، معتبرين تلك الأحداث المشينة عملية لفرض القانون، بينما هم ومن يعتبرونه "بطلاً" كانوا عاجزين عن فرضه في منطقتهم الخضراء، والأنكى من كل ذلك أنهم يتحدثون عن نصرٍ وهمي، متبجحين بقصصٍ واهية يعرف حقيقتها السيد عبادي، وهي أنه لولا تلك الصفقة، لما تحقق هذا الاجتياح المدّبر خلسة.

   إن الإجراءات التي اتُخذت إثر دخولهم المشين إلى كركوك واقحام القوات المسلحة في الخلافات السياسية خرقاً للدستور، ومنعهم لاستخدام اللغة الكوردية وعزل مئات الموظفين والإدارات من مناصبهم لكونهم من الكورد، وتهجير قرابة 180 ألف مواطن، ناهيك عن مقتل المئات من الكورد وحرق بيوتهم ومحلاتهم ومقرات أحزابهم كما حصل قبل عدّة أيّام في حرق مقر واحد من أعرق الأحزاب الكوردستانية والعراقية، وأكبر حزب كوردي عراقي في البرلمان، وإهانة علم الإقليم الدستوري، مما يدلُّ على الكم الهائل من الكراهية والحقد على الكورد وكوردستان، مما أشاع شعوراً مأساوياً لدى الشارع الكوردي، حينما يعجز عن وضع فرق بينهم وبين سلوك علي كيمياوي أبان النظام السابق، حيث أثبتت الأحداث والسلوكيات أنها امتدادٌ لتلك الثقافة التي دمرت البلاد والعباد طيلة أكثر من نصف قرن، ويقيناً ستكون النهايات ذاتها التي ينتهي إليها الشوفينيون في كل زمان ومكان.

kmkinfo@gmail.com

75
سنجار والجرح الايزيدي النازف!

كفاح محمود كريم

   في الثالث من آب 2014 تعرضت مدينة سنجار (شنكال) واطرافها لغزوة همجية من قبل منظمة داعش التي سبق لها وان اجتاحت كامل محافظة نينوى العراقية، ولم يتبق امامها الا سنجار الواقعة الى الشمال الغربي من مركز مدينة الموصل بحدود 120كم، والتي حاصرتها قوات داعش من كل الجهات نهاية تموز وبداية آب 2014م، الا من ممر جبلي ضيق على الحدود السورية العراقية، وقد أدت تلك العملية المتوحشة الى قتل الألاف وسبي أكثر من ثلاثة الاف وخمسمائة امرأة ناهيك عن استعباد الاف من الاطفال واعتبارهم جواري مع امهاتهم تم عرضهم للبيع في اسواق أعدت لذلك في مناطق سيطرة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، كما أدت تلك الغزوة البربرية الى تدمير شامل للمدينة ونواحيها، بما في ذلك المساجد والكنائس والمعابد والمزارات الايزيدية، ولم تنجو منارة سنجار الاتابكية التاريخية من هوس ارهابهم وتدميرهم فنسفوها واحالوها الى كومة من تراب.

   وفي الذكرى السادسة للكارثة اصدر مكتب انقاذ المختطفين الإيزيديين التابع لحكومة كوردستان، وهو الجهة الرسمية التي اعتمدت الامم المتحدة على احصاءاتها، خلاصة لنتائج ما حصل في سنجار المدينة والقضاء منذ 3 آب 2014 وحتى شهر ايلول من هذا العام 2020م:

• عدد الشهداء في الايام الاولى من جريمة الابادة 1293 شهيد.
• عدد المختطفين 6417 منهم : الاناث 3548 الذكور 2869.
• عدد الايتام التي افرزتها الجريمة 2745 يتيم ويتيمة.
• عدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة من قبل داعش  68 مزار ومعبد .
• عدد المقابر الجماعية المكتشفة في شنگال حتى الان 83 مقبرة جماعية ،إضافة الى العشرات من مواقع المقابر الفردية .
• أعداد الناجيات والناجين من قبضة داعش الإرهابي كالاتي :
المجموع : 3537 منهم النساء :1201 الرجال : 339 الأطفال الإناث :1043 الأطفال الذكور :954.
• عدد النازحين نحو 310.000 نازح
*المتبقون حتى ايلول 2020 : 2880 منهم: الاناث : 1304الذكور : 1576 .

   حينما نقرأ هذه البانوراما الرقمية ونرى ما حصل في مدينة سنجار من خراب كلي، ونستمع قصص الاهالي نستذكر كوارثا انسانية مماثلة سبقتها في تاريخ البشرية المعاصر، ففي التاريخ القريب لن تنسى الاجيال جرائم البوسنة والهرسك وما حصل في سراييفو بيوغسلافيا القديمة على ايدي المتطرفين والمتشددين الصربيين عرقيا ودينيا، وفي التاريخ الابعد قليلا في  اليابان التي تعرضت لمأساة القصف النووي على ناكازاكي وهيروشيما، ناهيك عن حرب الابادة في رواندا وفيتنام وكمبوديا، وفي كل هذه الكوارث الجرمية لم تكن القضية مجرد معركة أو صراع بين الاطراف بقدر ما كانت اعتداء على الجنس البشري عموما، ولا ننسى ما حصل في حلبجة وكرميان وبادينان من قصف كيماوي، وما فعله أدولف هتلر في افرانه سيئة الصيت لليهود، وكذا فعل صدام حسين وقبله الطورانيين بالكورد والأرمن، جميعهم وان اختلفت اسبابهم ومبرراتهم استهدفوا قيم إنسانية وأخلاقية عليا، استدعت اهتمام العالم بأسره باعتبار ما فعلوه جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكورد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.

     واليوم وبعد عشرات السنين من تلك الجرائم التي إدانتها البشرية المتمدنة، تظهر للوجود مجاميع من الفاشيين العنصريين الكافرين بكل  أخلاقيات المدنية والحضارة الآدمية، لكي يتجاوزوا كل مجرمي التاريخ بأفعالهم ويستبيحوا مدنا وبلدات وقرى لواحدة من أقدم ديانات الأرض التي وحدت الله وعبدته دونما رياء أو تمظهر أو مزايدة، أولئك هم الايزيديون الذين يُحاربون عبر مئات السنين من قبل فاشيين وعنصريين قوميين ودينيين ويهدفون إلى إلغاء وجودهم وإبادتهم أو إذابتهم في بودقة كيانهم الفكري والثقافي والقومي، وما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم يك معركة أو غزوة محلية أو إبادة بشرية فقط، بل كانت جريمة بحق الآدمية ومبادئ وقيم الأخلاق والحضارة، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من المتوحشين الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول والتتار أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به، مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات منحرفة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية، واندفعت أفواجا جائعة للدماء والمال والجنس، والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى.

     وخلال اقل من ثلاثة أيام تم للإرهابيين احتلال مدينة خالية من أي حياة بشرية متمدنة، حيث قتل من قتل واسر من أسر وهرب من هرب، ورفضت هذه المدينة وقراها أن تقبل حكم هؤلاء الهمج مختارة الموت أو الهجرة على استعبادهم، إلا من وقع تحت أسرهم من النساء والأطفال، وبذلك يسجل تاريخ الهمجية واحدة من أبشع عمليات الإبادة والاستباحة للسكان بما يجعل القضية إنسانية عالمية أكثر من كونها عملية إرهابية أو صراع سياسي أو ديني، حيث استهدفت السكان لسببين رئيسيين أولهما قومي كوردي وثانيهما ديني ايزيدي مسيحي شيعي حيث تعرض المسيحيون على قلتهم في المدينة لخيارين إما الإسلام أو دفع الجزية، بينما يقتل الشيعي والايزيدي إن رفض اعتناق عقيدتهم ومذهبهم، وهذا ما حصل فعلا للمكونين الدينيين، مما تسبب كما ذكرنا في إخلاء السكان لبيوتهم وقراهم واللجوء إلى مناطق آمنة في كوردستان.

     وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة كما يقزمها البعض، بل كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية، ومعظمهم من القرى والصحاري أو ما تسمى بالجزيرة المحيطة بالمدينة وقراها، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على الاقتلاع من أراضيهم وترك كل شيء حفاظا على النساء والأطفال، وقد سقطت آلاف الأسر  بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وسبايا وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم بالتزويج القسري في أسواق المدن والبلدات التي استباحوها.
     إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم، وقد آن الأوان للعالم المتحضر أن يتخذ قرارات واليات لحماية هؤلاء السكان في كل أنحاء العالم، وملاحقة منفذيها اينما وجدوا وفي أي زمان ومكان، كما حصل لمجرمي النازية والفاشية بعد الحرب العالمية الثانية.

* ملاحظة: هذه الإحصائيات معتمدة لدى الأمم المتحدة وهي لا تشمل الخسائر المادية في الاملاك والاراضي والثروة الحيوانية والزراعية والسيارات والمعامل .....الخ.
 
مكتب انقاذ المختطفين اللإيزيديين

 kmkinfo@gmail.com

       
 
 




76
تمنيات وردية في بيئة بائسة!

كفاح محمود كريم

   هناك مثل انكليزي يقول: "A fish rots from the head down " وترجمته ان السمكة تتعفن من الرأس إلى الأسفل، ورغم ذلك ذهب الفنان المسرحي الكبير يوسف العاني في احدى مشاهد تمثيلياته الى ذيل السمكة وهو يشمها مما أثار استغراب البائع او السماك قائلا له: إنَّ المشتريين يشمّونها من الفم ليتأكّدوا أنها صالحة أو خايسة، ضحك المشتري بازدراء، قائلاً: أعرف ذلك جيداً، لكنني أردّت التأكّد من أن العفونة قد وصلت إلى الذيل أم لا!؟

   وما بين رأس السمكة وذيلها يكاد يضيع البلد وكثير من بلدان الربيع العربي التي سقطت بمستنقع الفساد حينما سقط دكتاتورييها من اعلى الدرج الى اسفله، والذي يحاول ورثتهم تنظيفه من الاسفل، مستهدفين موظفين صغار من (العظامة) هنا وهناك لضربهم على طريقة عنترة بن شداد ( كنت اضرب الضعيف ضربة يهتز لها قلب القوى)!

   بهذه المقدمة السريعة أردت أن أدخل إلى عالم التمنيات الوردية في بيئة فاسدة وبائسة، كانت وما تزال تعكس شكل المجتمعات في معظم الدول التي طالتها عمليات التغيير الفوقية وأزالت هياكل أنّظمتها السياسيّة متمثلةً بالرئيس وطاقمه، وفي مقدمتها العراق، حيث تراكم هائل من ثقافة القطيع والخوف المتكلس في أدق تفاصيل الشخصية الفردية والمجتمعية ناهيك عن مناهج تربوية ترّبى ملايين البشر عليها، ديدنها الخضوع والاستكانة وعبادة الفرد والأفكار البالية والعقل الوعائي لمعلومات ببغائية لا تعرف النقد ولا الاعتراض ولا صناعة الرأي المختلف.

   لا شكّ أن معظم هذه البلدان وبدرجات تكاد تكون متقاربة، تعاني من إشكالية معقدة في تطبيق حلول غير واقعية أو زراعة بذور في أرض غير ملائمة لإنباتها ونموها، وخاصةً ما يتعلق بتداول السلطة والهيئات التشريعية التي تخضع قوانينها لسلطات اجتماعية، لم تنجح كلّ المحاولات في إزاحتها أمام تقدم فكرة المواطنة، فما تزال كراسي غالبية مجالس النوّاب محجوزة لاصحاب تلك السلطات الاجتماعية والدينية إلى حدٍّ ما، وخاصةً سطوة الشدّ القبلي والمناطقي والاستقطاب المالي (شراء وبيع الاصوات)، ناهيك عن ممارسات دكتاتورية بعباءة ديمقراطية تبررها الأعراف والتقاليد والفتاوي الدينية.
   
   إنّ الّذين يصرّون على عملية التنظيف، عليهم البدء من الرأس في أعلى الدرج، فقد أثبتت التجارب وفي كلّ أشكال الأنظمة الإدارية والاجتماعية والسياسية، أنّ الفساد فيروس يصيب الكبار وينتشر في البيئة التي تضعف فيها الدولة ومفاصلها، ويتولاها المتسلقين من المنفذين الصغار لبرامج الكبار الذين يُطلقون عليها هنا في الدارج العراقي بـ (العظامة) وحصتهم من الصفقات لا تتجاوز الأذن من الجمل، لقد استشرى الفساد في هياكل الدولة العليا، وخاصةً في السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى غدا دولة أقوى من الدولة ذاتها، مالكاً كلّ أذرعها العسكرية والأمنية والاقتصادية. هذه اللادولة تقوم على ثلاث أسس هي :

- الذراع العسكري المتمثل بالميليشيات مع اختلاف تسمياتها وطروحاتها الدينية والمذهبية والعشائرية
- الذراع الاقتصادي المتمثل بالمكاتب الاقتصادية للأحزاب والميليشيات والسيطرات التي تفرض الأتاوات والضرائب
- الذراع الأمني المتمثل بأجهزتها الاستخبارية ومعتقلاتها وسجونها السريّة وعمليات الاختطاف والاغتيال والتغييب لآلاف من الشباب بتهمة كاذبة.


   هذه الأذرع الثلاث، ترتبط بها شبكة من مئات الشركات الوهمية والمكاتب بمختلف الاختصاصات العقارية والمصرفية والسفر والسياحة والقنوات الفضائية والمنافذ وتهريب النفط ومشتقاته، ناهيك عن عمليات بيع وشراء وتهريب العملة، ولدى كلّ هذه المؤسسات ممثلين في معظم الوزارات الحلوب، بل حتى في السفارات والممثليات خارج البلد، أنها شبكة معقدة بدعم إقليمي خطير أكبر من مجرد إصلاحات سطحية أو جانبية، إننا إزاء عملية جراحية كبرى تستأصل بقرار وقوة رؤوس الفساد والإفساد، لكي تنٍهار كلّ هذه الشبكات!
   افعلها وسترى عشرات الملايين معك، فلا تستبدلهم ببضع أصنام!


kmkinfo@gmail.com


77
الشرق الاوسط وضرورة اعادة الترسيم عربيا!

كفاح محمود كريم
   
   في مقاله الأخير بصحيفة إيلاف الدوليّة "متى يُكسر الجمود في ملفات الشرق الأوسط؟" تطرق الكاتب، حسن إسميك، إلى تقرير أو دراسة أصدرها "معهد لندن للاقتصاد والسلام"، وذهب إلى استنتاج يقول، إنَّ: "منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لا تزال الأقل سلاماً واستقراراً في العالم"، وعلى ضوء هذا الاستنتاج أو المؤشر يتسائل الأستاذ، إسميك:
لماذا لا يزال الشرق الأوسط يعيش دوَّامة العنف والجمود السياسي حتى الآن؟
   وقد أجاب الكاتب على كثير من التساؤلات والظواهر والعُقد السياسيّة، وخاصةً عقدة القضية الفلسطينية الّتي فَشِلتْ الأمم المتحدة ومجلس أمنّها في حلّها وإقناع أطراف النّزاع بصيغة مقبولة للتعايش، حتى انبرى الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات،  في خطوةٍ جريئةٍ بزيارته لإسرائيل واضعاً خارطة طريق عقلانية لإنهاء الصراع، ورغم ما تعرض له الرجل من ظلمٍ كبير من ذوي القربى ومن أصحاب الشأن الفلسطيني على الأرض، وأقصد معارضي خطوة السلام الّتي جاءت متأخرةً كثيراً لما بدأه الراحل الحبيب بورقية، إلا أنها كانت الأفضل في كلّ مشاريع السلام بين الطرفين المتنازعين اللذين حولا الشرق الأوسط إلى واحدة من أكثر بؤر الصراعات والحروب في العالم.
   لا شك ان الصراع العربي الاسرائيلي كان احد اهم نتائج التفاهمات البريطانية الفرنسية الروسية في تقسيم المنطقة، لكن وفي ذات السياق علينا أن ندرك أيضاً أن قضية اخرى كانت تحت الرماد رغم ان نيرانها بدأت بالانتشار منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وقد غدت اليوم اي القضية الكوردية ووطنها المجزءالأكثر إثارةً بعد انصياع كثير من أطراف الصراع العربي الإسرائيلي إلى صيغة أكثر مقبولية في التفاهم السلمي بدلاً من الخراب والدمار، والذهاب إلى خيار الصلح وقبول الآخر مقابل سلامٍ دائم وتطورٍ متلاحق كما حصل مؤخرا في سلسلة التقارب والتصالح الاسرائيلي العربي زنمزذجه الاحدث مع الامارات، فالقضية الكوردية وخاصةً في جزئيها الجنوبي والغربي في سوريا والعراق، ناهيك عن الجزء الأكبر في تركيا والآخر في إيران، أصبحت تشكل التحدي الأكبر بعد القضية الفلسطينية، وهذا المشهد يؤشر إلى حقيقة مهمة جداً لا يهتم بها الكثير، وهي بتقديري أساس هذا الوضع في الشرق الأوسط، وهو التأسيس الخطأ والإجباري لدول المنطقة بمقص استعماري لم يلتفت إلى نتائجه التي تحصد كوارثها الشعوب.
   أن قضية فلسطين وكوردستان وبقية المكوّنات المُذابة في الكيانات التي تشكلت بمصالح اقتصاديّة بحتة مطلع القرن الماضي، هي الأساس الخفي لكل الصراعات الدائرة اليوم، وخاصةً ما يتعلق منها بالمكوّنات العرقية والقومية والدينية، ناهيك أصلاً عن طموحات بقايا الإمبراطوريات الثلاث اللاتي حكمن الشرق وأطرافه لحقبٍ زمنيّةٍ طويلة في تدوير أحلامهم بإعادة سطوة ونفوذ تلك الإمبراطوريات التي سادت ثمّ بادت، وهي العثمانية والعربية والفارسية، والصراع النازف اقتصادياً في محاولات امتلاك وسائل تمنحهم قوّة الإمبراطوريات الغابرة، ألا وهو السلاح النّووي كما تفعل إيران وكما فعل صدام حسين ومعمر القذافي، وكما تمتد تركيا بحثاً عن الطاقة تارةً وبسط نفوذها تارةً أخرى بأحلام الولايات كَبديلٍ إسلامي شعوبي.
   أن الصراع الإيراني التركي المخفي في العلن والمتوقد شيعياً وسُنياً تحت الرماد، يشبه في أصله الصراع الأمريكي الروسي ولا علاقة له البتة بالمذاهب والقوميات، بل بالامتدادات الجغرافية مستخدمين فيه الدين والمذهب كسلاحٍ مخدر، وكذا الحال في الدكتاتوريات العربية وشعاراتها من المحيط إلى الخليج ومن البحر إلى النهر وصولاً الى القدس!
   في خضم هذه الصراعات والتداخلات المعقدة لمجموعة دول جعلت من الشرق الأوسط ساحةً لبسط نفوذها وسوقاً لبيع منتوجاتها، بل وحروباً بالوكالة على حساب الشعوب في العراق وكوردستان وفلسطين وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والسودان، أمامنا نماذج قريبة لحلّ هذه العقد  المستعصية ألا وهي النموذج اليوغسلافي أو السوفييتي والنموذج الجيكوسلوفاكي لإعادة ترسيم المنطقة وفق حاجات السكان والمكوّنات وطموحاتهم في الاستقلال بديلاً عن الحروب ونتائجها التي تدور منذ قرن من الزمان دون أن تحقق السلام المنشود والتطور لهذه الشعوب ودولها.
وأجزم أن كثير من ملفات المكوّنات وفي مقدمتها الملف الكوردستاني تستطيع الدول العربية ذات الشأن أن تساهم في حله وإنهاء مشكلته بأي نوع من أنواع الاستقلال والتحالف الذي يطمح له الكورد سواء بالصيغة العراقية أو بتطويرها إلى الكونفيدرالية وإجبار كل من تركيا وإيران على إتباعهم شاؤوا أم أبوا، هكذا دور سيعمل على حلحلة قضايا مؤجلة حالياً وخطيرة جدا مستقبلا،  كقضية الأقباط والأمازيغ وغيرهم.


78
مستقبل العراق بين السلطة والمال!
كفاح محمود كريم
   لامتلاك المال والسلطة طريقان، طريق سهل جدا لا يتطلب الا قليل من الفهلوة والتخلي عن بعض الثوابت الرئيسية، وطريق وعِرٌ جدا وامتحانه عسير، وفي نهاية المطاف ينتهي الطريقان الى اختبار عويص يخرج منه معدن الرجال والنساء، وتظهر فيه حقيقة الفرد والمجتمع، بل ويفصل بين الحرية والعبودية، وفيه أيضا يكرم المرء أو يُهان.
   بهذه المقدمة المقتضبة ادخل الى صلب قضيتنا في العراق، هذه البلاد التي لا تختلف عن أي بلاد في الأرض الا في حظها السيء وإداراتها الأسوء، منذ تأسيس كيانها السياسي مطلع القرن الماضي بإرادة اجنبية وهي مجرد إدارات تسلطت بغفلة من الزمن التعس والاستغلال البشع لتخلف الأهالي وفقرهم، مستغلةً شتى أنواع المفاتيح الغرائزيّة والدينيّة والعنصريّة لتبرير استمرارها في الاستحواذ على المال والثروة والحكم وترك الأهالي يتلظون فقراً تغطيهم أكداس من "اللنكات والبالات" في الملابس والأفكار والثقافات، حتى حولوا البلاد إلى سوق شعبي لبيع وشراء المستهلكات، ولكي يدرك قراءنا من خارج البلاد العراقية، ما تعنيه "اللناكات والبالات" كمفردات ومتداولات شعبية عراقيّة موروثة تعطي صور بلاغية في التوصيف، قد لا ترتقي له الفصحى في كثير من الحالات، خاصةً لدى القراء العراقيين، ولكي يكون قارئنا على دِراية بمعنى هذه المفردات الدارجة، علينا أن نعرف معناهما في الفصيح، فـ "اللنكة" تعبر عن أي شيء قديم بسبب الاستخدام وليس بالزمن فقط، وكذا الحل في "البالات" التي تصف الملابس المستخدمة، والتي تكثر اليوم في أسواق العديد من مدن الشرق الأوسط، وتضاعفت كثيراً بعد اندلاع مهرجانات الربيع العربي الدامي، وهي في معظمها قادمة من أوربا وأمريكا بأكداس معفرة بمشاريع الديمقراطية والعولمة ومراكز ومعاهد تعليمها، التي انتشرت بكثافة تشبه غزارة دكاكين منظمات المجتمع المدني وأسواق هرج ومريدي العراقية!
   ولكي تتضح الصورة اكثر دعوني استعير اللفظتين الدارجتين اللتين تعبران عن المواد المستهلكة وأحياناً كثيرة المهترئة، للتعبير عن شريحة من السياسيين والإعلاميين المستخدمين والمستهلكين كثيراً إلى درجة ربما أكثر من اللنكات أو البالات، حيث وصل حال بعضهم إلى درجة مزرية تقترب من الرثاثة والاندثار، رغم كل الإكسسوارات والمنشطات الداعمة من الممولين، والتسميات والعناوين الممنوحة لهم على شاكلة مدير معهد أو مركز كذا للديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصةً أولئك الذين أنتجتهم تخمة السحت الحرام ونافورة الإعلام ومفرخات السياسة البلهاء في بلدان ما يزال سياسيوها اللصوص يصرّون على نزاهتهم باسم الرّب والكتاب المقدس والأمة العظيمة، حالهم حال رفاقهم في داعش الإرهاب التي ادّعت وكالتها للرّب على الأرض، وقيامها بواجباته المفترضة على أساس عقيدتها الفاسدة، في ذبح وسلق وحرق وتقطيع المختلف معهم كما حصل في سنجار وتلعفر وسبايكر، التي سبو نسائها واستعبدوا أطفالها وقتلوا آلافاً من شبابها وشيوخها، لا لشيء إلا لأنهم لا يجيدون الشهادة على طريقتهم ولا يعرفون الوضوء كما يشتهون هم!
   هؤلاء المستهلكين حدّ الرثاثة، لا لكونهم مخضرمين، بل لكثرة استخدامهم من ممولين وأصحاب أجندات وأموال، ينفذون من خلال مواسم الأزمات والوفرة المالية ليقدموا خدماتهم في بيئة فاسدة تستدعي استخدام المستخدم وأن كان مستهلكاً كما يفعل الكثير من الساسة والإعلاميين، وما يُسمون بالخبراء الاستراتيجيين ومدراء معاهد ومراكز ما يُسمى بالديمقراطية أو كما ينطقها بعض الأهالي تهكماً "الديموغلاجية" أي ديمقراطية الحرامية وحكمهم، حيث عجت السوق السياسية العراقية وبازار الفضائيات وقاعات مزايدات المشاريع بالمئات من هؤلاء الحاملين لعناوين لا أساس لها في تكوينهم أو قابلياتهم أو تأهيلهم، فتراهم منتشرين في البرلمان والحكومة والإعلام ومنظمات أو دكاكين ما يُسمى بالمجتمع المدني ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ولكي لا نظلمهم ونفرق بين "اللنكة"و"البالات"، فإن "اللنكة" خير ما تنطبق على الكثير من شاغلي كراسي البرلمان والحكومة وملحقاتها في جميع الوزارات،  وخاصةً غالية الثمن التي تحولت الى اقطاعيات ومغارات علي بابا، أما "البالات" فخير ما ينطبق عليهم هذا التوصيف هم إعلاميو الصدفة وفضائيات البذاءة وأصحاب دكاكين ما يُسمى بمراكز ومعاهد الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تأسست في السنوات الأخيرة لبيع وشراء كافة أنواع المشاريع والكوبونات والمقابلات الفضائية مدفوعة الأجر، بعد أن فشل أصحابها بالاستئثار على منصب في أفشل دولة بالعالم؛ ففتحوا دكاكينهم لبيع أكداس من "اللنكات والبالات" السياسية والإعلامية وحسب المقاسات والأحجام!
   إن ما جرى اليوم في عروسة الشرق والبحر المتوسط بيروت الحضارة من محاولة إزالتها من الوجود لصالح الهمج، وما يجري في عراق سومر وبابل واور واكد وآشور وميديا لمسخه وتشويهه، هذه البلاد التي تعوم على بحور من الثروات وتعلوها أجمل وأثرى ما في الطبيعة من تضاريس ومياه وخصوبة، وتسكنها أقوام وأعراق لو أتيحت لها فرصة التحرر والتقدم وحق تقرير المصير، لأقامت حضارة تفتخر بها الإنسانية جمعاء، وما يجري فيها اليوم إزاء هذا الكم الهائل من الفساد والافساد، من محاولات تغيير الوضع لا يمكن له النجاح بالترقيع والمسكنات، فقد غارت غرغرينا الفساد المالي والسياسي في اوصالها، ولن يشفى منها الجسد الا ببترها، لأن الأوباش العنصريون والمتطرفون قومياً ودينياً، أحالوها إلى دولة للبالات واللنكات، تعج فيها عصابات ومافيات باسم الرّب تارةً وباسم المذهب تارةً أخرى، وما هم في حقيقة الأمر إلا كما يقول العراقيون "سلّابة نهّابة"، حولوا البلاد إلى ركام وخراب، فباتت أكثر بلدان العالم فساداً وفشلاً وتخلفاً بعد أن كانت منارة للحضارة والتقدم لكل البشريّة.
   انه تحدي كبير بدأ في تشرين 2019 وتخضبت فيه شوارع العراق وشبابه وشاباته بدماء زكية، فهل نجح فيروس كورونا المرض وغرغرينا الفساد في ابطاء المسيرة، ام ان الأيام المقبلة تُنبأ بتحولات تنزع فيها البالات واللنكات، وتستعيد البلاد ازيائها الاصلية الزاهية!؟

kmkinfo@gmail.com


79
العراق بين غزو الكويت وغزوة سنجار!
كفاح محمود كريم
   لقد عانت شعوب العالم من ثقافة الغزو وسلوكياته البدائية وخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية ولمئات السنين بين القبائل والعشائر، وتسببت في انهر من الدماء والدموع، وكوارث مرعبة اختلطت فيها الانساب وتاهت بين الغازي والمغزي، ورغم كل اشراقات الإسلام وبقية الأديان وسماحتها لكنها لم تنجح لمئات السنين في ايقافها بالمطلق فاستمرت بين كثير من تلك العشائر والاقوام حتى الى ما قبل اقل من مائة عام، حيث تقلصت مساحاتها بين القبائل بانتشار المدنية والتعليم والوعي الإنساني، لكنها انتقلت الى اشكال وأنماط أخرى تمارسها دول وأنظمة سياسية أو منظمات دينية او قومية او عرقية تحت عناوين واهداف عديدة، معتمدة ذات النهج والسلوك في الغزو البدائي، فتقتل الرجال وتستعبد الأطفال وتسبي النساء، ثم تمارس تجارة البيع والشراء!
   ولعل العراق كان واحد من تلك الساحات التي مارست الغزو على مستوى العشائر والقبائل ثم بعد أن انحسرت، أخذت طابعا آخرا تمارسه السلطة الحكومية او منظمات دينية متطرفة، وفي كل الحالات كانت نتائجها كارثية يدفع فاتورة حسابها الأهالي، ورغم أن كوارث العراق كثيرة ولا تحصى إلا إن أكثرها إيّلاماً ومأساةً، هي تلك التي وقعت في شهر آب من عام 1990 وآب 2014، حيث دفع فواتيرها شعب العراق مالاً ودموعاً ودماء، والعجيب أن الكارثتين تنبعان من ذات النهج والتفكير الشمولي والعقائدي الإقصائي، ففي الأولى قرر شخص واحد أن دولة بأكملها شعباً وتاريخاً وحضارةً يجب إلحاقها كمحافظة من محافظاته التي كانت تأنُّ تحت وطأة العبودية، وخلال ساعات ورغم أنف كلّ الحكماء والعقلاء وتهديدات الأعداء ونصائح الأصدقاء، غزا الكويت بشكلٍّ همجي بربري، وضمها إلى مملكة الفقر والرعب والإرهاب في سابقةٍ لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أدّت عملية غزو الكويت إلى تدمير العراق ومنشآته الصناعيّة والزراعيّة والثقافيّة والعلميّة والبُنى التحتية من الطرق والجسور ومحطات الكهرباء والماء وكل المعامل المنتجة على مختلف اختصاصاتها، ناهيك عن مقتل مئات الآلاف وتدمير الجيش العراقي كلياً وإخراجه عن الخدمة الفعلية، خاصةً في قوّاته الجويّة والمدرعة والصاروخيّة، وقد دفع العراق منذ ثلاثين عاماً أكثر من خمسين مليار دولار تعويضات للكويت وما يزال يدفعها مقطوعة من أفواه أبنائه وبناته!
   ولأن نهج ذلك النظام، الّذي تسبب بتلك الكارثة كان مزروعاً في عقول من اتبعوه أو أيدوه، خاصةً أولئك الذين استقدمهم قبل إسقاط نظامه، وهم عدّة آلاف من الإرهابيين العرب والمسلمين من كلّ أصقاع العالم وجلّهم من تنظيمات القاعدة والفرق المتطرفة والمتشددة دينياً أو قومياً، حيث أنشأ لهم معسكرات وتدريبات لمساعدته في مقاومة التحالف الدولي والعمل خلف خطوط العدو، وحينما سقطَ (داحت) تلك المجاميع من المنحرفين ونظمت نفسها تحت قيادات قاعدية الأصل، انشقت لتؤسس عصابة جديدة أصبحت فيما بعد تُسمى بــ" تنظيم الدولة الإسلامية داعش "، التي انضم إليها الكثير من الضباط وعناصر المخابرات والاستخبارات والأمن الخاص للنظام وبقايا فدائيو صدام.
   ومع ضعف النظام السياسي الجديد ومناكفاته وفساد قياداته وخصوماتهم فيما بينهم، استطاع التنظيم وبالتعاون مع مفاصل مهمة في الحكومة الاتحادية وملحقاتها أن يسيطر على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك واقترب من ثغور كوردستان، لكي يوقع واحدة من أبشع جرائم العصر في سنجار أو شنكال كما يطلق عليها أهاليها، وهي مدينة تقع في الشمال الغربي من مركز الموصل بحدود 120 كم، وتضم غالبية إيزيدية كوردية، حيث وقعت الكارثة الثانية والتي تعدت في تفاصيلها ومآسيها كل ما حدث من حروب في التاريخ المعاصر، حيث غزّت مجاميع من شذاذ الآفاق والأخلاق والأديان مدينة آمنة، تضم بين ثناياها أكبر الديانات في العراق وكوردستان بعد الإسلام والمسيحية، ألا وهي الإيزيدية، وخلال أيّام قليلة من اجتياح المدينة وقرّاها تمّ قتل واختطاف آلاف المواطنين من الرجال والنساء والأطفال، وحسب هذه الإحصائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والحكومتين العراقية والكوردستانية، وكنتائج لجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها داعش أو ما يُسمى بـ ( تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ) بحق الإيزيديين بتأريخ 03-08-2014 حيث تمّ توثيق الجرائم والانتهاكات، التي طالت مدينة سنجار وأطرافها وبالأرقام وحسب الجدول الآتي:
- عدد الشهداء في الأيّام الأولى من جريمة الإبادة 1293 شهيداً من الشباب والشيوخ.
- عدد المختطفين 6417، منهم: الإناث 3548 والذكور 2869 وغالبيتهم من الأطفال.
- عدد الأيتام الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم 2745 يتيماً ويتيمة.
- عدد المقابر الجماعية المكتشفة في المدينة وأطرافها حتى الآن 83 مقبرة جماعية، إضافة إلى العشرات من القبور الفردية.
- عدد المزارات والمراقد الدينية التي أزيلت من الوجود من قبل داعش 68 مزار ومعبد.
- عدد النازحين بلغ نحو 360,000 نازحاً، وهم جميعاً من سكان القضاء.
- عدد الذين هاجروا منهم إلى الخارج يقدر تقريباً بمائة ألف نسمة.

   وإثر ذلك تمّ تشكيل خلية أزمة من قبل حكومة كوردستان، أطلق عليها مكتب تحرير المختطفين، حيث استطاعت ومنذ 2015 وبمختلف الوسائل إنقاذ الكثير من النساء والأطفال، وحسب الجدول أدناه:
   مجموع المحررين والمحررات 3530 منهم 1199 من النساء و339 من الرجال و1041 من الأطفال الذكور و951 من الأطفال الإناث، وما يزال هناك أكثر 1308 من النساء و1579 من الرجال مفقودين ويتم البحث عنهم.
   وبين 2 آب 1990 و3 آب 2014 تمتد خيوط الكوارث، التي نسجها الفكر المتطرف والعنصرية القومية البغيضة والطائفية المقيتة، والتي تمثلت بنظام شمولي لا يقبل أحداً غيره، ومجاميع أصولية عمياء كفرت بكل القيم والمعاني السامية للإنسانية لتقترف ذات الجرم أو الغزو الذي قام به صدام حسين في الكويت وقبلها في كوردستان وأنفالاتها، هذه الغزوات التي قادت البلاد والعباد إلى كوارث ستبقى نتائجها وجروحها لعشرات السنين القادمة!
kmkinfo@gmail.com

80
سنجار المدينة التي انهارت عند اسوارها الحضارة!

كفاح محمود كريم

    أطلقت الامارات العربية المتحدة مسبارا الى المريخ في سابقة علمية فضائية تسجل لها وهي تكسر قيود التاريخ كما اطلق عليها الكاتب حسن إسميك في مقاله ( في سيرة المدن التي كسرت قيد التاريخ: "أبو ظبي نموذجاً") والذي تحدث فيه عن التطور الكبير الذي شهدته الإمارات العربية المتحدة وذروته في إطلاق مسبار إلى المريخ، وقد اعادني الحدث والمقال قليلا إلى التاريخ غير المقروء بل المشهود، وتحديدا منذ تأسس هذا الاتحاد الفيدرالي الاختياري بين إمارات مترامية ومشتتة هنا وهناك قبل نصف قرن، وبقيادة رجلٍ حكيمٍ لم يتخرج من جامعة أكسفورد أو من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية ليكون جنرالاً ينقلب على رفاقه بانّقلاب، ولم يكن رئيس حزبٍ يتآمرُ مع مخابراتٍ دولية لكي يتسلم مقاليد الحكم، أو يزور الانتخابات لكي يفوز ويتحكم برقاب عباد الله، ولم يعرف عنه انه رجل دين او عالم فقه أو امام معصوم، بل كان انسان (ملئ هدومه) كما يقول الاخوة المصريين، إنسانٍ عفويٍ حكيمٍ مخلصٍ لنفسه ولقيمه وللوطن الذي ينتمي له، أنه الإنسان زايد، الذي تعجب ذات يوم من أن لا يكون لفردٍ من أبناء شعبه بيتاً يملكه، ومن هنا بدأت الحكاية، وضع اصبعه على مكمن الجرح في هذه الأوطان التي تفتقد للانتماء اليها كمسكن، من هنا كانت النبضة الأولى بل القدحة التي اطلقت فيما بعد مسبار الامارات الى المريخ!

   أنه الانتماء للوطن بملكية دار السكن!

   وما بين دار السكن والانتماء للوطن تسلل الروائي جورج أورويل الى الفناء الداخلي للدار ليدرك أي مواطن يسكن فيه وتحت أي حكم يعيش في هذا الوطن المقهور بكاميرات وعيون روايته (السيد الرئيس) المزروعة في كل الشوارع والازقة وربما حتى في غرف النوم، حتى أدرك في روايته 1984 شكل الأنظمة التي تحكم هذه الشعوب المغموسة بالتاريخ وفتوحاته وسبياه، ثم ما لبث ان أسس مملكته أو جمهوريته بعد تلك الرواية في (مملكة الحيوان)، لكي يعطينا نموذجاً لمن يحكم بلداننا خارج دائرة الإنسان.

    في دول الوطن التي خرجت عن جمهوريات اورويل، واكتشفت ان الانسان يبحث في البدء عن مكان يأويه، فكان الكهف ثم تطور حتى أصبح وطن، وفي الوطن كانت الحلقة الاولى في الانتماء، شعر مؤسس دولة الامارات ان البداية في احترام الوطن والانتماء اليه هو سكن يليق به ومدرسة تليق بأطفاله، ومشفى يستدركه اذا مرض، ومستقبل آمن اذا توالت سنين العمر، ومنها انطلقت وفتحت أبو ظبي أبواباً ومساراتٍ إلى العلى، بينما في وطني الذي قامت على اديمه اقدم حضارات البشر ما تزال انياب التوحش غائرة في جسده، وفي مدينتي سنجار أو شنكال بكوردستان العراق، والتي قال عنها المؤرخ والآثاري الأمريكي سيتون لوئيد في كتابه (انتصار الحضارة) ان  أهاليها اسسوا أول قرية زراعية قبل سبعين الف عام، نعم سبعين الف عام، وعلماء الحضارات يدركون ماذا تعني بناية قرية ودورا للسكن وحقولا يزرع فيها القمح،  سبعون الف عاما من التقدم والتطور لم تمنع أصحاب فلسفة ( التوحش والغزو) من اقتراف اكبر جريمة بحق الانسان والادمية، ففي الثالث من آب أغسطس 2014م انّهارت عند أبوابها حضارة آلاف السنين من تطور الإنسان النوعي والثقافي والسلوكي، بل ونسيت كل معاناة البشرية وتعب علمائها في كل مجالات الحضارة حينما داهمتها مجاميع من المتوحشين الآدميين، لكي يهجموا الدور على ساكنيها  ويحرقوا حقولهم وحنطتهم حتى التي تحجرت منذ الاف السنين، قتلوا كل الذكور العزل الذين وقعوا في اسرهم، واستعبدوا آلافاً من الصبية والأطفال، ولم  تشبع غرائز القتل والدمار في دواخلهم فسبوا آلافاً مؤلفة من الصبايا والنساء، بل وأسسوا لأول مرة بعد مئات السنين من المدنية اسواق النخاسة لبيع وشراء النساء في واحدةٍ من أقذر ما شهدته البشرية في العصر الحديث من سلوك يندى له الجبين!

 إن ما حدث في سنجار والموصل واطرافهما جعلنا ندرك تراكماً تاريخياً من السلوك الاجتماعي والسياسي التي فرضته الأنظمة الحاكمة منذ قرن الزمان، والتي كانت تعتبر الإنسان المختلف دينياً ومذهبياً وقومياً من الدرجة الثانية أو ربما بدون أي درجة، فهو ما لم يكن عبداً لها لا يساوي حتى ثمن الطلقة التي يعدم بها رمياً بالرصاصة التي كانت تستحصل قيمتها من ذويه، بينما كان الاخرون يعملون من أجل تمليكه داراً للسكن، نعم دارا للسكن، لم نكن نطلب منذ البداية الا دارا للسكن، لكنهم رفضوا ذلك واعتبروه تمردا وعصيانا وانفصالا، فبدأت دوامة العنف ونافورة الدماء طيلة أكثر من سبعين عاما، تصلبت فيها العبرات في الانفال وتاهت الأوطان في حلبجة وتوقفت الحياة في أكثر من خمسة الاف قرية حينما دفنوا سكانها احياءً في صحراوات العراق ليتوقف معها الانتماء!

    حينما فشلوا في ابادتنا ومنعنا من بناء دار للسكن، شنوا غزواتهم المعروفة بالأنفال مستخدمين ذات الاسم القرآني لأبادتنا، وحينما فشلوا عادوا الكرة ثانية، لكن هذه المرة دونما استنفار قومي بل استخدموا ظلال راية الإسلام والقرآن، ليؤسسوا من جماجم أطفالنا (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، ويخطفوا اكثر من ستة الاف صبية وامرأة كسبايا بعد أن قتلوا اضعافهم من الرجال والشباب والفتيان، وما تزال اكثر من ثلاثة آلاف امرأة كوردية إيزيدية مسبية ومستعبدة من قبل من ادّعى أنه يمثل الرّب وشرعه ودستوره في مقاتلة غير المسلمين حتى يؤمنوا بدينهم وإلا فدماؤهم مُباحة ونساؤهم مسبية وأطفالهم مستعبدة، لاحظ أننا في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، والمفجع إن كل هذا حصل أمام مرأى ومسمع كل دول المسلمين ومجتمعاتهم وقادتهم ملوكا ورؤساء وامراء وأئمة وشيوخ عشائر ومنظمات مجتمع مدني، لكن وبمرارة لا توصف لم نسمع أو نرى رفضاً علنياً ولا تظاهرة مضادة ولا تحريماً لما جرى من جرائم بشعة وسلوك منحرف لم تشهده المجتمعات البشرية المعاصرة.
   بعد كلف هذا كيف إذن لنا أن نتوقع نهوضا لبلدٍ بهذه التراكمات من الجرائم بدءاً من الأنفال والمقابر الجماعية ومروراً باعتبار الكورد من جنس الجن، وانتهاءً بإبادتهم، كونهم من الإيزيديين!؟
    لقد كسروا عند أبواب أبو ظبي قيود التاريخ، وارتحلوا الى المريخ، وعند بوابات مدينتي سنجار في كوردستان العراق استخدم المتوحشين تلك القيود ليحطموا جماجم الأطفال ويقيدوا النساء بسلاسل ارثهم الرث في أسواق النخاسة، بل ليحرقوا كل ما له علاقة بالحضارة والمدنية، ثم ارتحلوا الى دهاليز التاريخ وتركوا لنا جروحا لن تندمل، ودار سكن مهدد بالحصار وقطع الارزاق!؟

kmkinfo@gmail.com

81
هل الانتخابات المبكرة هي الحل؟
كفاح محمود كريم
   مع بدء انتفاضة تشرين العراقية عام 2019م، واشتعال الوسط والجنوب العراقي، ذي الغالبية الشيعية، ضد الحاكمين الذين يدعون أنهم مخلصو الشيعة، رُفعت عشرات الشعارات وفي مقدمتها وربما الأكثر تداولاً ودغدغةً لعواطف الغالبية من الشباب، وهي إجراء انتخابات مبكرة بدلاً من إسقاط النظام الذي كان شعاراً مركزياً لما سُمي بــ"الربيع العربي" الذي انقلب إلى شتاءٍ قارس، وعلى خلفية أن هذه الانتخابات ستغير خارطة الوضع السياسي في البلاد، متناسين تماماً التراكم التربوي والاجتماعي والولاء العشائري والمذهبي والقومي وواقع الحال المؤلم الذي لا تؤثر فيه أي انتخابات مبكرة بالشكل الذي يطمح له المنتفضون، خاصةً وأن مفاتيحاً خطيرة تمَّ استخدامها مع غالبية مخدرة بالأيديولوجيات الدينية والمذهبية والقبلية البعيدة تماماً عما يطمحون إليه من إصلاح، في دولةٍ ورثت نظام "نفّذ ثمّ ناقش" ومؤسسات إعلامية وتربوية وثقافية تعتمد شعار " إذا قال صدام قال العراق"، وهي تغوص في مستنقع الفساد والإفساد تحت يافطات الديمقراطية والحرية التي ناضلنا من أجلها عقوداً مريرة، فتحولت تلك الشعارات إلى أنماط من السلوكيات الممسوخة اختلطت في معمعتها الكثير من الأوراق، إلى الدرجة التي امتزجت فيها الألوان بما جعلت الكثير منا يصاب بعمى الألوان تارةً وحيرة العقول وذهولها تارةً أخرى!؟
   إنَّ ما يجري في بلادنا، لا يمكن وضعه تحت أي عنوان متفق عليه ضمن أفكار وفلسفات منظري الأنظمة السياسية في العالم سواءاً الشمولية منها أو الديمقراطية أو التي بينهما، فهي مزيج مسخ من مفاهيم لا علاقة لها بأي معرف سياسي أو تقليد إداري، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقولون، وتحول بقالي وتجار البلاد الصغار منهم والكبار، وخاصةً أصحاب الصفقات المشبوهة وأبطال غسل الأموال القذرة ومهربي المخدرات والنفط والذي منه، إلى زعماء أحزاب وكتل ومن ثمَّ وزراء ونواب وما بينهما من وكلاء وممثلين ومدراء عامِين وسفراء وقناصل ( نص ردن ) لا يصلح أفضلهم أن يكون موظف استعلامات أو علاقات عامة في دائرة بسيطة أو فندق عادي، أصبحوا بقدرة قادر بين ليلةٍ وضحاها في الزمن السيئ، قادة هذا البلد المنكوب بدولته منذ تأسيس كيانه في غفلةٍ من أصحاب العلاقة من المالكين والورثة؟
   ورغم كل ما يحدث من طوفان في دماء المساكين من أولئك المتظاهرين من الأهالي، فإن معظم هؤلاء الذين يتحدثون باسمهم، وخاصةً مِن الذين ركبوا الموّجة ونصبوا أنفسهم محامين يترافعون عنهم سواء أكانوا يحملون لقب نائب أو وزير أو زعيم كتلة وما دونه، وصولاً إلى ( أبو إسماعيل الموديرن ) من الشرطة الاتحادية أو المحلية، الذين تحول قسم مهم منهم إلى طرف ثالث بعد أن كانوا دلالين لبيع المساجين والمعتقلين، وخاصةً أولئك المتهمين بالفقرة (4) إرهاب الأبرياء منهم والمجرمين، ولكل رأس منهم سعر محدد حسب فعلته الجهادية في الذبح أو اللغف، كما هي تسعيرة مرشحي مجلس النّواب في دوراته السابقة من قبل شيوخ العشائر وبعض الأحزاب والكتل، صعوداً إلى جدول أسعار المواقع الوزارية والوظيفية العليا، مدنيةً كانت أم عسكرية، التي اختفت هذه المرّة مع الكابينة الأخيرة، كل هؤلاء دونما استثناء يهيئون الأمور للانتخابات المرجوة، ويناضلون بشراسة وعناد وبتجارةٍ عالية المستوى من أجل الاستحواذ على مقاليد ومفاتيح الحكم وخزائن الأموال، بعيداً عما جرى من أنهار دماء ودموع وكتل مدلهمة من الظلام طيلة السنوات الماضية، وبعد كل ما جرى بعد إقالة، عادل عبد المهدي، من مسرحيات المرشحين لرئاسة الوزارة لأجل التسويف والتملص من آثار التظاهرات، فقد أركنت أخيراً الرئاسة لشخصية مقبولة الى حدٍّ ما من الطرف الآخر، وعلى مضض من الطبقة الحاكمة، وبتأييد أمريكي واضح وإيراني مجامل على مضض، نجح الكاظمي نسبياً في إيصال مجموعة وزراء معظمهم لا تنطبق عليهم لحدّ الآن التوصيفات واردة الذكر في مقالنا، خاصةً وأنه يتمتع بمقبولية من الكورد والسنة العرب، تزيد رصيده وأوراقه في اللعب مع المجموعات المنفلتة التي وُصِفت بــ"الوقحة"، سواء أكانت سياسية أو ميليشياوية، وإزاء ذلك نحن أمام عدّة أسئلة مريرة في مقدمتها:
   هل بدأت مرحلة تجفيف أسواق وبازارات المناصب؟
وهل سيتركون رئيس الوزراء يتصرف أم ستبدأ مرحلة جديدة من الالتفاف والاحتواء وتغيير البوصلات لصالح الطبقة الفاسدة في الحكم؟
   الأسابيع القادمة، ستكشف جدّية الحكومة في إجراء تغييرات نوعية تقنع الأهالي بإجراء انتخابات جديدة، يعول عليها البعض بأنها ستغير الخارطة السياسية للبلاد، وحتى ذلك الحين يبقى السؤال الأهم هو:
   هل إن الانتخابات في هكذا مجتمعات هي الحل؟
شخصياً أشك في ذلك، ولكن ربما تحدث معجزة في بلادٍ أدمنت المعجزات، والتي ما زالت تعتبر الكورد قوماً من الجن!؟
kmkinfo@gmail.com

82
حصاد النيران بين الرماد والتهجير!

كفاح محمود كريم

   منذ أكثر من عام، اكتشفت قوى الصراع في العراق وسوريا سلاحاً جديداً أكثر فعالية وخطورة في تطبيقات الأرض المحروقة وتفريغها من سكانها، دونما إراقة دماء او عمليات قتل وابادة، بل تحرق كل شيء له علاقة برزق وغذاء الانسان وتضعه أمام خيارين أحدهما مؤكد وهو الإفقار والإذلال، وثانيهما الإرهاب الذي يؤدي إلى التهجير والترحيل وترك المنطقة لتلك القوى صاحبة براءة اختراع هذا السلاح المستجد، مثل شقيقه (كوفيد19) الذي بدا بالانتشار بشكلٍّ غامض، ورغم قدم هذا النوع من السلاح واستخداماته، الا انه أدخل في الخدمة والتطبيق الفعلي السنة الماضية، وكانت ساحته التجريبية في كل من سوريا والعراق وخاصة في المناطق المختلطة عرقيا ودينيا ومذهبيا، وفي العراق بالذات المناطق التي تسمى المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كوردستان وخاصة في سنجار وكركوك وسهل نينوى ومخمور وخانقين ومندلي  وصلاح الدين، حيث حقق نجاحاً كبيراً في إدخال الرّعب بين مواطني تلك المناطق، بل ومنع مئات الآلاف منهم من العودة إلى بلداتهم وقراهم التي رحلهم منها في البداية نظام صدام حسين ليكمل بذلك خارطته من المحيط إلى الخليج تحت ظلال رسالته الخالدة، وحينما أسقطته أمريكا رجعوا إلى بيوتهم وبساتينهم، وما لبثوا إن أعادوا لها حركة الحياة التي لم تستمر طويلاً حيث فقست بيوض ذلك النظام الفاشي لتخرج (صواصي) داعش بلحى الحملة الوطنية الإيمانية سيئة الصيت، ولتستكمل البرنامج المعروف بالتغيير الديموغرافي والتعريب، مضافاً اليها هذه المرّة فكرة الأسلمة ووسائلها في الذبح والسبي والاستعباد كما شهدناها حينما استباحوا الموصل وسنجار وتلعفر وسهل نينوى، وأنفلوا الاف النساء والاطفال من الايزيديين وهجروا مئات الالاف منهم والذين يعيشون حتى يومنا هذا في مخيمات النازحين منذ 2014م.

   السلاح الجديد هذا تمّ تطويره ليشمل المختلفين عرقياً ودينياً ومذهبياً في مناطق سيطرت عليها قوّات الحشد الشعبي، التي تأسست بفتوى من مرجعية الشيعة العليا في العراق لغرض مكافحة داعش ودرء خطرها عن كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، لكنها هي الأخرى طوّرت نفسها فأصبحت بديلاً للمؤسسة العسكرية، واتسعت مهامها فامتدت إلى مناطق ساخنة حول كوردستان، وفي داخل سوريا لحماية المزارات الشيعية كما أعلنت العديد من فصائلها هناك، المهم هناك أصابع اتهام مباشرة للعديد من التشكيلات المتشددة والمتطرفة مثل داعش ومثيلاتها ومَن على شاكلتهم من المستفيدين في سياسة التغيير الديموغرافي آنفة الذكر، ومعهم بالتأكيد تلك الأدوات التي استخدمتهم السلطات تاريخيا لتغيير هويات البلدات والمدن والقرى في المناطق الكوردستانية المختلطة والتي تقع خارج إدارة إقليم كوردستان، وبغياب قوّات البيشمركة بعد احداث أكتوبر 2017م أصبحت هذه المناطق مرتعاً لتلك العناصر والتنظيمات الإرهابية والميليشيات الوقحة التي تسببت في ترحيل وتهجير عشرات الالاف من السكان، ومنعت مئات الالاف من ضحايا داعش النازحين للعودة الى مدنهم وقراهم.

   لقد استخدم السلاح الجديد بشكلٍّ واسعٍ هذه السنة، حيث امتد إلى محافظات عراقية أخرى، مما يؤكد أن نهجاً جديداً لتلك القوى المستخدمة لهذا السلاح وإن تعددت تسمياتها وعناوينها، نهج تمّ تطويره هو الآخر بإضافة نكهات دينية ومذهبية على أساسه العنصري أصلاً، ويبدو ومن البقع الجغرافية التي يتعرض لها هذا السلاح أن هدفاً مشتركاً وواضحاً من استخدامه، وهو تدمير البنية الزراعية والإنتاجية للغذاء لادامة الاستيراد للفاعل الأجنبي، وإفراغ المنطقة من سكانها استكمالاً لبرامج قديمة في احداث تغييرات ديموغرافية عرقية ومذهبية للفاعل المحلي، وبين هذا وذاك بقيت سوريا تحت شعار بشار الأسد أو نحرق البلد وبقي العراق حفنة تراب كما اراده صدام حسين!

kmkinfo@gmail.com

83
كوردستان والحزام الناري!
كفاح محمود كريم
   تتعرض كوردستان مع تشكيل أي حكومة عراقية جديدة، او تمرير مشروع في البرلمان، او إقرار الموازنة السنوية، لحملة منظمة وموجهة لأشغال الرأي العام وتخديره، وبالذات الغالبية المسطحة من السذج المخدرين بالشعارات وهيمنة بعض رجال الدين وخزعبلاتهم، ناهيك عن النفس العنصري وإشاعة الكراهية والحقد بين المكونات، حتى غدت هذه الحملات أقرب الى الامراض والاوبئة التي تنتشر بين أوساط السياسيين والإعلاميين والبرامج الحوارية التي تنشط وتظهر اعراضها الوبائية مع المناسبات أعلاه.
   وكما للأمراض والاوبئة اعراض تظهر على المصابين بها، فان شبيهاتها في السياسة وأجهزة الدعاية والاعلام الموجه، تظهر اعراضها  على بعض (السياسيين) وملحقاتهم من النواب ومن يلهث وراء منصب ما أو سحت حرام، فقد عرّف الاطباء بعض أنواع التهاب الجلد بأنه الحزام الناري وهو مرض جلدي ناتج عن التهاب فيروسي شديد يصيبه في مناطق متعددة من الجسم، ويتسبب في آلام حادة لفترة ليست طويلة، ثمّ يغادره بعد انتهاء حضانته، وفي السياسة يتكون هذا الحزام النّاري من ثلاث أوبئة، تنتشر بين الفينة والأخرى حسب حركة الرياح خارجية كانت أم داخلية في كوردستان أو حولها، وثالثها مستجدة حملتها رياح هبت من الشرق وانتشرت في الاصقاع، فيروس كان مع خطورته أضعف من أن يواجه تحديات كوردستان وأهلها، حتى أصبحت نموذجاً أفضل من دول في أوروبا بتدابيرها شعباً وحكومة.
   والمشكلة الأكبر تكمن في وبائين آخرين يظهران مع بداية تشكيل حكومة عراقية جديدة او تمرير قانون او مشروع مفصل على قياس مكون واحد في محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، وهاذين الوبائين هما:
   الأول جنون البقر السياسي كما أسميناه في مقال سابق (جنون البقر السياسي وعقدة كوردستان) وأعراض المصاب به نوع من الهيجان الذي يشبه الى حد كبير هيجان ثيران المصارعة، حيث يستخدم المريض معظم أعضاء جسمه وخاصة الرأس في النطح أو الرفس دون أن يعرف السبب أو أصل المشكلة حيث تثيره الألوان فقط!
   أما الثاني فهو (المجلوب) كما يسميه الأهالي في بلادنا، أو المصاب بداء الكلب نتيجة تعرضه الى عضة كلب مجنون أو أجرب، وفي شكله السياسي تبدو عليه حالة من التشنج والاحتقان والصراخ والرغبة الشديدة في الهجوم المستمر، حسبما يتم تلقينه من غرفة الكونترول، والفرق بينه وبين سابقه أنه مبرمج ومدفوع مثل أي جهاز الكتروني أصم، يتلقى معلوماته وأوامره من عراب مصاب هو الآخر بالجمرة الخبيثة.
   هذا حالنا في كوردستان مع هذه الأوبئة التي أصابت بلادنا العراقية عامة، وكوردستان بشكل خاص حيث أصبحت عقدتهم منها، شماعة  يعلقون عليها مخازيهم وفشلهم في إدارة الدولة وديمومة بقائهم في السلطة، ثم بعد ذلك يحملون الكورد كل هزائم العرب والمسلمين من الأندلس وحتى  فلسطين، وهكذا دواليكم حيث تبين إن كوردستان حسبما أظهرت أعراض جنون البقر وداء الكلب السياسيين لدى البعض بأنها سبب الحرب مع ايران وخسارة شط العرب، واحتلال الكويت، وفرض الحصار، وظهور فيروس كورونا، وانهيار أسعار النفط لأنها أي كوردستان أغرقت أسواق العالم بكميات مهولة تجاوزت 250 مليون برميل يوميا، وأخيراً فقد ثبت بأنها تقف وراء انتحار سعاد حسني في عام 2001 حينما دفعتها من شقتها في ستيوارت تاور غرب لندن، إضافة الى انها تصدر المفخخات الى بغداد من مقرات داعش والبعث في عاصمتها أربيل، ومن هذا المال حمل جمال!
   قليل من الحياء أيها المرضى، إن كنتم قد فقدتم عقولكم فحافظوا على نقطة الحياء في جباهكم!
kmkinfo@gmail.com

84
جنون البقر السياسي أم عقدة كوردستان!
كفاح محمود كريم
   ونحن منهمكون في متابعة اخبار الوباء المستجد سواء من الإذاعات او القنوات الفضائية أو من وسائل التواصل الاجتماعي التي تقلد وكالة أعماق الداعشية، وانعزالنا في البيوت عن العالم الخارجي بسبب الحجر الإجباري، هرباً من توحش "كورونا" الذي فاق في إرهابه الإعلامي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأذرعه السياسية والميليشياوية، يخرج علينا فجأة ودون سابق إنذار إلا من تراكمات لا يعلم بها إلا الله ومسببيها، أحد المسطحين المصابين بجنون البقر السياسي ، متأثراً بمقال أحد الزملاء في تحميل الكورد كل تبعات ما جرى للعراق من حروب وغزوات وقادسيات وأمهات معارك وحواسم، وأن الكورد ومطالبتهم بأن يكونوا مواطنين حالهم حال غيرهم من سكان العراق سبباً لكل تلك الكوارث، مؤكداً أن اتفاقية 11 آذار 1970 بين الدولة العراقية وحركة التحرر الكوردية بزعامة ملا مصطفى البارزاني كانت منحة من (أبو عداي) كما أسماه ويقصد بها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بينما حقائق التاريخ أكدت أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات أعقبت إنهيار الآلة العسكرية العراقية في حربها أيام الرئيس البكر، وقاد تلك المفاوضات صدام حسين كما ذكر ذلك الرئيس مسعود بارزاني في لقائه مع قناة "MBC"، مدعياً أن صدام حسين أعطى نصف شط العرب لإيران مقابل إيقاف تسهيلاتها للحركة الكوردية، ثم أردف في حديثه المتلفز أن حرب صدام حسين وأمام إيران الخميني، كانت بسبب تلك الاتفاقية، وذهب أكثر في خياله العلمي حيث ربط بين غزوة الكويت واعتبارها المحافظة 19 وعودة الفرع إلى الأصل على أساس كونها كانت قضاءً تابعاً للمحافظة، أراد صاحبنا تحويلها إلى إقليم، لكن رفاقه في البيت السياسي الشيعي رفضوا ذلك لأنها ضد رغبة رفاقهم في الأرجنتين!
   عموماً لم يتوقف خيال صاحبنا ومرارة مشاعره عند غزوة الكويت، بل ادّعى أن أمريكا شنّت حربها على العراق عام 2003 بسبب الأكراد، وأن كل ما يجري منذ 2003 ولحد اليوم من إنجازات عظيمة سواء كانت عظيمة في فقرها أو فشلها أو ما قدمته من إنجازات هائلة لأهالي الجنوب والوسط، الذي ادّعى هو وغيره من المسطحين بشعارات مذهبية أساسها أن الكورد من جنس الجن، وأن إقليم كوردستان يعيش على نفط البصرة، بينما أهل البصرة يتضرعون جوعاً وعطشاً بسبب فشله في تحويل محافظتهم إلى إقليم وحصوله على 17% اسوة بإقليم كوردستان، وكما ادّعى أن سكان محافظته أكثر من سكان إقليم كوردستان!
   كنت أتوقع وهو يسترسل بعصبية ان يربط بين انتشار كورونا في العالم وإقليم كوردستان، او ان الكورد يقفون وراء ما يحصل في اليمن خاصة وقد تم اكتشاف قرية هناك سكانها في الأصل من الكورد!.
   حقيقة شرُّ البلية ما يضحك في هؤلاء الذين فقدوا صوابهم واتجاهات بوصلتهم في الحياة، وأصبح الحقد والكراهية سبباً لفقدان توازنهم إلى درجة اختلاق وفبركة قصص وإطلاق أكاذيب ومهاترات في زمن لم يعد باستطاعة الفرد أن يكذب حتى على نفسه، إلا أن هؤلاء من خريجي وزير الدعاية النازي غوبلز ما زالوا يصرون على شعار أكذب واكذب ، حتى يصدقك الناس!   والأنكى من كل ذلك وأنا على يقين بأنهم جميعاً يعرفون الحقيقة، لكن الحقد والسحت الحرام قد أعمى بصرهم وبصيرتهم، فتراهم سكارى وما هم بسكارى، فيهم أعراض جنون البقر الهائج في زمن كورونا الخانقة!
   حمى الله العراق فقد طغى فيه الفساد والإفساد، وانتشر بين حكامه واذنابهم الكذب والغش والافتراء، ووقى كوردستان الامل المنشود من شرورهم وشظايا مؤامراتهم وصواريخ أكاذيبهم وفبركاتهم.
kmkinfo@gmail.com

85
كركوك ونفط كوردستان

كفاح محمود كريم

     لطالما كانت كركوك وبقية المدن الكوردستانية التي تعرضت لتغييرات ديموغرافية لسلخها من كوردستان سبباً رئيسياً لفشل معظم المحاولات لحل القضية الكوردية في العراق، حيث دأبت كلُّ الأنظمة المتعاقبة على تكريس سلخ هذه المناطق بحجة أنها مرتكزات استراتيجية لقيام دولة كوردستان، كما اعترف بذلك الرئيس الأسبق صدام حسين، الّذي أكّد في لقائه مع الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، بأنه يقرُّ بأن كركوك مدينة كوردية لكنه يدرك أيضاً أنها قاعدة اقتصادية لقيام الدولة التي لا يريدها، وبالتأكيد كذا الحال لبقية المدن بحجة أنها إما سلة غذاء وبوابة كوردستان العراق على كوردستان سوريا أو إيران، وبين هذه المبررات والحجج دفع الأهالي فيها ثمناً باهضاً كضحايا لسياسة التعريب والتهجير واستقدام مواطنين من جنوب ووسط العراق وإسكانهم بدل السكان الأصليين، وبعودة سريعة إلى الوراء وتحديداً إلى مسألة النفط في كركوك تعطينا إضاءة لحقيقة ما حدث ويحدث منذ اكتشافه فيها وحتى اجتياحها من قبل قوّات الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي في أكتوبر 2017م بعد هزيمتها أمام تنظيم "داعش" في 2014م وصمود قوّات البيشمركة ومنع سقوط المدينة بيد تنظيم الدولة الإرهابي كما حصل في الموصل وتكريت والأنبار.

   في البدء، استخدم البريطانيون سياسة التغيير الديموغرافي في هذه المدينة بعد اكتشافهم للنفط، حيث منعت شركاتهم تشغيل العمال والموظفين الكورد واستقدمت أيدي عاملة رخيصة من خارج المدينة ومن أطرافها، ثمَّ ما لبثت أن وطنتهم قرّب مقراتها أو في مركز المدينة، ويبدو أنهم (أي البريطانيين) لم ينسوا ثورة محمود الحفيد ودعوته لاستقلال كوردستان فوضعوا أيديهم على مربط الفرس كما يقولون، وبعيداً عن الخوض في دهاليز التاريخ المؤلمة، خاصةً وإن أجهزة الدعاية الموجّهة في بغداد أو من خارجه تشنُّ هذه الأيّام عبر أبواقها هجمة دعائية لتأجيج وتأزيم العلاقات بين بغداد وأربيل،اللتان نجحتا في رسم خارطة طريق لحل تلك العقد المتعلقة بالنفط ومعاشات الموظفين، ولكي تتضح صورة واحدة من صور التضليل الدعائي، نستذكر رقمياً في حسبة عرب كما يقول الدارج المحلي ما أورده الدكتور كاظم حبيب الخبير الاقتصادي المعروف في دراسة له عن واردات نفط كركوك والعراق عموماً:
   "لقد أنتجت كوردستان نفطاً بما قيمته 184.9 مليار دولار أمريكي من تاريخ إنتاجه 1927- 1934 ولغاية عام 2000 من إجمالي إيرادات العراق البالغة لنفس الفترة 252.5 مليار دولار أي بنسبة قدرها 72.2 بالمائة من إيرادات العراق بأكمله، بينما كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989".

   وبدلاً من أن تُنفَق تلك المبالغ الطائلة على تطوير البنى التحتية لتلك المنطقة وإقناع بل وإغراء أهاليها بأفضلية البقاء مع الدولة العراقية، استخدموا تلك الأموال من نفط كوردستان المنهوب في حرق كوردستان وشعبها طيلة ما يقرب من سبعين عاماً، وقاموا بعمليات همجية في تهجير سكانها واستبدالهم بأُناس استقدموهم من وسط وجنوب العراق لتعريب المدينة بعد تقطيع أوصالها، وتعرض هذا البلد إلى التدمير الشامل في بنيته التحتية البشرية والاقتصادية والحضارية والصناعية، كما إن واردات نفطه كانت وسيلة في  تدمير العراق وحرق وأنفلة كوردستان وتشويه مدنها، كما حصل في كركوك والموصل وسنجار وزمار وخانقين ومخمور ومندلي بعد عام 1975م، وزرع ما لا يقل عن عشرة ملايين لغم في أرض كوردستان لوحدها، وللأسف ومنذ 2003 ومع ارتفاع كبير في أسعار النفط لكن إيراداته سُرِقت من قبل الحاكمين في بغداد، والطامة الكبرى أن الكثير ممن أتوا بعد سقوط النظام، لا يختلفون كثيراً عن سلوك وممارسة نظام البعث رغم أنهم يدعون بتقاطعهم مع ثقافة النظام السابق وجرائمه ضد كوردستان وشعبها، إلا أن مجمل سلوكهم وتصرفاتهم وموقفهم من موضوع كركوك والموصل وسنجار وزمار وخانقين ومخمور ومندلي، لا تختلف قيد أنملة مما سبق، بل أزعم أنهم لو كانوا يمتلكون قدرة ووسائل ذلك النظام لما امتنعوا عن القيام بما فعله في الأنفال وغيرها. أنهم وبعد سنوات قليلة كشفوا عن لثامهم بعد فشلهم في قيادة العراق، فاستخدموا شماعة كوردستان لتعليق أسباب فشلهم في موضوعة النفط في الإقليم وتعاليهم على مآسي ثمانين عاماً من السرقة والسحت الحرام وبحور من الدماء، التي سالت نتيجة لتلك العقلية المتخلفة والشوفينية المقيتة وفرص التقدم والازدهار التي اغتيلت على أيديهم، بل ويتناسون ما جرى بعد مؤامرة 1975 ضد شعب كوردستان الأعزل لكل من ساهم فيها أو سهل تنفيذها، ولعلّني أستذكر فقط أن ما حدث لإيران والعراق والجزائر والاتحاد السوفييتي بعد هذه السنة لم يكن ( ربما ) محض صدفة، أن تغرق إيران والعراق والجزائر في بحور من الدماء وتتفتت الإمبراطورية السوفييتية إلى دويلات عاجزة ينخر فيها الفقر والذل.

   لقد ولى زمن التفرد والهيمنة فالكوردستانيون فهموا تاريخهم جيداً وعرفوا أعدائهم وأصدقائهم، وهم يبنون بلدهم كما يشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأنهم  بُناة بارعون ومخلصون كما كانوا مقاتلين أشداء،وأدركوا جيداً هم وأصدقائهم وشركائهم المخلصين في الوطن أن الحياة الجديدة لم تعد تتحمل شوفينيات مولودة من أرحام متعفنة غادرها الزمن، وأن مجرد إطلاق تصريحات تتهم الكورد وتشهر بهم ما هي إلا بقايا تلك الثقافة الأنفالية التي تعتمد رائحة الخردل وغاز الأعصاب في مفاهيمها، وهي تمثل تلك المدرسة التي شهدنا نهاية رموزها في المحكمة الجنائية العراقية الكبرى، حينما أسدلت الستار على فصل من فصول التاريخ الأسود للبلاد، والذي يحن البعض أو يحاول إعادة تصنيعه ثانية!؟

 إنَّ فرصة ذهبية أمامنا في إنجاز عراق جديد نتعايش فيه جميعاً، يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية، ويعوضنا عمّا فاتنا طيلة ثمانين عاماً بعيداً عن الثقافة الشوفينية أو المذهبية الضيقة أو العنصرية المقيتة، والتعامل مع ثوابت الدستور بما ينميها ويطورها في التطبيق والسلوك، والتوجّه إلى كوردستان بما ينميها ويعوض خسارتها لِما يقرب من مائة عاماً من ثروتها المسروقة وفرصها في التطور والتقدم، خصوصاً مع تجربتها خلال السنوات الماضية التي تمتعت فيها بقسط من الأمان والسلام، حيث أنجزت تطوراً كبيراً وملحوظاً في كلّ مناحي الحياة وبإمكانيات بسيطة قياساً لحصتها الطبيعية في الثروة الاتحادية.

   إنّ كوردستاناً قوية ًومزدهرةً وآمنةً ستكون سنداً قوياً لعراق اتحادي، وأن أي تطور في أي جزءٍ من العراق الاتحادي هو تطور وقوّة لكل هذا الاتحاد.

kmkinfo@gmail.com




86
القرش الأبيض واليوم الأسود!

كفاح محمود كريم

   نتذكر جميعا ما من حدث أو مرض أو وفاة أو رزق أو زواج إلا وقيل فيه مثلا أو أقصوصة، حتى غدت "قالت جدتي" أو كما قال فلان أو يقول المثل، عادة كلامية في التحادث والتوصيف في بحر من الأمثال والحكم والعنعنات التي لم نعرف أولها ولم نستبشر بآخرها، حتى خرج علينا من قال إن الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه تحدث عن فيروس كورونا وكأنه في عصرنا هذا، ولكي لا نحتكر نسج القصص وفن صناعة التأويلات والتفسيرت والروايات ذات الخيال الذي لا يختلف عن الخيال العلمي إلا باعتبار الأرنب من الحشرات، فان العديد من أشباه ما عندنا في الغرب ينحون ذات النحو في توليفيات ومقاربات لجسم وصفوه بالميت سبب كل هذا الفزع والإرهاب الذي تجاوز إرهاب مجاهدي الذبح والسلخ والسلق والخنق والحرق في ما سمي اختصارا لوحشية بني ادم بـ داعش!
   أعتقد إننا أكثر شعوب العالم صناعةً وصياغةً وتداولاً للأمثال والحكم، ناهيك عن إنَّ منطقتنا هي الوحيدة من الكوكب الأرضي التي انبثقت منها الأديان، وظهرت على أديمها الرُّسل والأنبياء والأولياء والتلامذة والصحابة والأئمة وو..إلخ، أولئك الذين نقلوا لنا رسالات أو شرائع أو طرق أو نصائح أو حكم أو نظريات لأجل أن تترتب حياتنا وتنتظم علاقاتنا الاجتماعية وننتقل من البداوة والتخلف إلى المدنيّة والإنسانيّة التي أرادها الله أن تعمر الأرض وتشيع العدالة والقيم العليا، والتي بشر بها حمورابي ربما قبل الكثير من الأديان هو وفراعنة مصر قبل أن يأتيهم طوفان النبي موسى.
   ومنذ ذلك الزمان يطلق حكماؤنا والعوارف كما يوصف أهل المشورة، نصائحاً وأمثالاً غدت في الكثير منها ما يقرب من القوانين والأعراف، حتى مالت كفة الميزان لها في كثير من الأحكام، فما بالك وموروثنا الشعبي الذي يرسم لكل حالة وصفاً أو حسجةً أو مثلاً، والغريب أن آلاف الأمثلة والنصائح لم تحدث تغييراً مفصلياً في الذي استهدفته في عملية التقويم، وخاصةً أولئك الّذين في عليين من المجتمع والدولة والنُّخب، كما هو في التعاليم الدينية، حيث يتحدث بها الأغلبية لكنهم بعيدون جداً عن تطبيقاتها، وهكذا دواليك عن كثير من الادعاءات حينما نقارنها مع التطبيقات الميدانية.
   عموماً لكي ندخل في صلب موضوعنا عن القرش الأبيض، بدءاً من الأسرة ووصولاً إلى الدولة، وكيف نجحت أو فشلت في استخدام ذلك القرش في ما نحن فيه الآن، ومنذ أن بدأ فيروس كورونا يجتاح المجتمعات البشرية في الكوكب بادِئاً بالصين وأهلها، حيث العالم منهمك بوضع شتى الخطط والترتيبات لكي يقي سكانه همجية هذا الكائن الميت كما يقولون، حتى وصلت العديد من الدول التي تحترم القرش الأبيض وتجيد التصرف به إلى توزيع كميات منه للأُسر والأفراد التي انقطعت بها السبل بعد إيقاف حركة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، خاصةً أولئك الّذين يعتمدون على أكتافهم كما يقولون في لملمة أرزاقهم ذات الأجر اليومي أو الأسبوعي، لكن في المقابل أيضاً وفي الدول التي لا تعرف قيمة القرش الأبيض، وتصنع بسياساتها الأيام السوداء، بانت عوراتها في التبذير والفساد المالي وظهر بؤس حالها أمام أوّل تحدٍّ جدي كشف استهتارها في التصرف بالقرش الأبيض على مستوى الأسرة وصعوداً إلى الدولة، حيث سيواجه العالم تداعيات اقتصادية واجتماعية غاية في الصعوبة بسبب هذا الانهيار السريع في أسعار النفط وتوقف الشركات والمعامل، ناهيك عمّا تركه منع التجوال والحركة من آثار سيئة جداً على الوضع المالي لكلا الطرفين الأسرة والدولة.
   وبينما ينهمك العالم ليل نهار يداً بيد مع العلماء الباحثين عن علاجات للمرض من أجل هؤلاء المتضررين، تنشغل معظم شعوبنا المخدرة بالشعارات والروايات والميثولوجيا التي تتآكل بسبب كثّافة استخدامها، حالها حال تلك الأمثال والحكم التي أصبحت أقرّب للتندر والسخرية منها إلى التقييم والعبرة، في خضم فوضى عارمة للفساد والتشرذم وتعدد الولاءات والزعامات ضاع فيها القرش الأبيض بين حاكمٍ يحسب نفسه نصف إله، وبين جاهل يصرُ بأنه النصف الثاني منه!

kmkinfo@gmail.com


87
الانتفاضة العراقية والانتخابات المبكرة؟

كفاح محمود كريم

   منذ اندلاع الاحتجاجات في العاصمة بغداد وأطرافها من الوسط والجنوب العراقي، والكل ينادي بتبكير الانتخابات كحل سحري للأزمة العراقية المتأصلة، ليس اليوم أو منذ سنوات، بل منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي الأول في مملكته مطلع عشرينيات القرن الماضي، ولكن هل فعلاً ستغير الانتخابات المبكرة المشهد السياسي المتكلس منذ عشرات السنين؟ إذن دعونا نتذكر في فاتحة كتابتنا ما قاله أوّل ملك كلفته بريطانيا بحكم المملكة التي أنشأتها من ولايتين عثمانيتين، وهما: بغداد والبصرة، والتحقت بهما ولاية الموصل بشروط بعد سنوات. قال الملك فيصل الأوّل الهاشمي  حينما سُئل عن شعب العراق: "لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أية فكرة وطنية، مُتشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أية حكومة كانت".

   ماذا بعد؟
   بعد ما يقرب من نصف قرن من قيام مملكة فيصل الأوّل في العراق وما قاله الملك الهاشمي؛ قال علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الكبير إنَّ: "الشعب العراقي منشق على نفسه، وفيه من الصراع القبلي والطائفي والقومي أكثر مما هو في أي شعب عربي آخر باستثناء لبنان، وليس هناك طريقة لعلاج هذا الانشقاق أجدى من تطبيق النظام الديمقراطي فيه، حيث يُتاح لكل فئة منه أن تشارك في الحكم حسب نسبتها العددية"، مضيفاً "ينبغي لأهل العراق أن يعتبروا بتجاربهم الماضية".

   اليوم وبعد قرن من الزمن على هذا الكلام،  الذي قاله رجلٌ عاقل أُختير ملكاً من مملكة عظمى ليكون على عرش كيانها الجديد في الشرق، وبعد نصف قرن تقريباً على ما قاله وشَخصّه واحد من كبار علماء الاجتماع في العالم، يبقى السؤال المُلِح ونحن نداوي جروحاً غائرة بمسكنات ليست إلاّ، السؤال: هل ابتعدنا كثيراً عن توصيفهما، وهل أحدثت كلّ أنظمة الحكم التي توالت على اغتصاب إدارة العراق تحت مختلف التسميات، تغييراً للأسباب التي جعلتهما يوصفان شعب العراق بهذا الوصف!؟ أنا أشك في ذلك أمام جملة من المعطيات والتداعيات التي أحدثتها عمليات التغيير الفوقية للنظام السياسي والاجتماعي في البلاد، ثمّ انحدارها السريع بعد 2003 إلى مستويات أدنى من التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولكن ولأن الآمال أكبر دائماً من المآسي دعونا نفترض نوايا حسنة وصادقة لدى البعض بإحداث تغييرات حادة في العملية السياسية لصالح الأهالي ووضع أسس لإنجاح تلك الانتخابات بحيث تذهب إلى إنتاج برلمان محترم ومقبول من الأغلبية وذلك يستدعي بادئ ذي بدء تشريع مجموعة قوانين تضع قاعدة للانطلاق إلى تلك الانتخابات، وفي بداية تلك القوانين تشكيل هيئة نزيهة للانتخابات، وإن عجزت تلك الأطراف عن  تشكيلها، فتوكل العملية برمتها إلى الأمم المتحدة لحين تشكيلها من قبل البرلمان المنتخب.

   أمّا الأمر الثاني الأكثر أهمية، هو قانون الانتخابات وخاصةً ما يتعلق بالدوائر الانتخابية، لأن القانون الحالي لا يلبي رغبة الأهالي والكثير من الفعاليات السياسية والاجتماعية، وهو بذلك أحد أهم العثرات أمام إنتاج برلمان مقبول، خاصةً وأن قانون الأحزاب هو الآخر لا يلبي طموح الأهالي بإنتاج بيئة سياسية نظيفة مع وجود أحزاب دينية ومذهبية شمولية التفكير تمنع إجرّاء أي تقدم أو تغيير لصالح الدولة المدنية المعاصرة.

   والخلاصة، هي أن أي انتخابات مبكرة لن تصلح بهذه السرعة المتوقعة الحال العراقي، إذ إننا أمام تحدي كبير يستوجب وضع قاعدة تربوية تبدأ من المدرسة والأسرة لتنتهي بمجموعة قوانين صارمة تفصل الدين عن السياسة والدولة، وتبعد أي تأثير قَبَلي أو عشائري على مجريات الحياة السياسية والقانونية، بما يعزز مكانة الدولة وقوانينها خارج أي اعتبار غير اعتبار المواطنة الحقة، ودون ذلك لن تحدث الانتخابات مبكرة كانت أم متأخرة إلا بعض الإصلاحات الترقيعية التي لا تغير بشكل جذري ما راكمته سنوات طويلة من التربية الخاطئة والتعليم الفاشل وتسلط رجال الدين والمذاهب وشيوخ القبائل والعشائر على مقدرات الأمة والبلاد.

kmkinfo@gmail.com


88
الديمقراطية وقطار السلطة!

كفاح محمود كريم

   تجربتان متشابهتان إلى حدٍّ ما في كل من لبنان والعراق مع وجود نقاط اختلاف هنا وهناك، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما في تركيبات المجتمع ومكوناته، وطبيعة التجربتين اللتين تمّ تطبيقهما في نظاميهما السياسي، وهما: التجربة الفرنسية في لبنان والبريطانية في العراق، ورغم الفارق الزمني بينهما إلا إن نتائجهما الكارثية كانت متطابقة جداً، وخلاصتها ما نشهده اليوم من انتفاضة عارمة ضد التجربتين الفاشلتين في تطبيقهما لنظام تداول السلطة بآليات ديمقراطية وروحية شمولية للوصول إلى الحكم المطلق، وفي خضم ذلك يتسائل المرء، هل أنجز العراقيون وقبلهم اللبنانيون نظاماً ديمقراطياً تحت مظلة المواطنة الحقة وقبول الآخر أم أن هناك سلوكاً آخر، وربما أهدافاً أخرى تختبئ وراء كواليس أو طوابير الواقفين أمام صناديق الاقتراع منذ أكثر من خمسة عشر سنة في العراق وأكثر من سبعين سنة في لبنان؟ وفي العراق مثلاً هل ما يجري الآن من احتجاجات في الشارع الذي استخدم من قبل الحاكمين وسيلة لتسلق صناديق الاقتراع وصولاً إلى عرش السلطة؟ هل يؤشر تغيراً نوعياً في وعي وتفكير وسلوك الغالبية المحكومة بشعارات دينية ومذهبية وأيديولوجية قومية؟
 
    مهما كانت الإجابة على السؤالين فإن النخب السياسية والاجتماعية الحاكمة والمتنفذة تمارس دورين في آن واحد؛ دور الحاكم باسم الديمقراطية وباسم الرب، ودور بدأت تستخدمه مع بداية ظهور الاحتجاجات وهو ركوب موجتها واحتوائها من الداخل برفع شعاراتها تارةً وتارةً بالعمل كطرف ثالث لتشويه سمعتها وتجريمها، ولكي ندرك بعض مواطن الخلل نعود إلى نظام تداول السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في مجتمعات لم ترتقِ إلى مستوى مفهوم المواطنة الجامع، وسط تعددية الولاءات والانتماء الذي يتجاوز مفهوم الوطن والشعب، ويذهب بعيداً إلى جزيئات أصغر في التكوين وهي وحدات القبيلة والعشيرة أو الدين والمذهب أو المدينة والقرية، حيث لم يتجاوز في أحسن الأحوال فوضى إعلامية أطلقوا عليها ظلماً بأنها خلاقة، فتحولت وسائل الإعلام فيها إلى أجهزة دعاية وإعلان ليس إلا، وتقزَّمت فيها الديمقراطية إلى صناديق اقتراع يجمعون حولها الناخبين بفتاوى رجال الدين أو تهييجات العصبية القبلية أو العشائرية، مستخدمين المال في عملية غسل سياسي لشراء الأصوات، وفي هذا الاستخدام لا تفرق العملية عما كانت عليه أيام النظام الشمولي السابق أو مثيلاته ممارسة لثقافة القطيع تحت شعارات مضللة ومهيجة سواء كانت دينية أو قومية عنصرية أو أيديولوجية الحزب الواحد الأوحد، وللأسف كانت طبيعة النظام السياسي في كلتا الدولتين العراقية واللبنانية بلبوسه الديمقراطي متشابهتين مع فروقات هنا وهناك، إلا إنهما استخدما الأهالي كوسيلة لتداول السلطة عن طريق الدين ومذاهبه والقبيلة وبيوتاتها وطوابير الناخبين وصناديق الاقتراع، وهي نفس الوسيلة التي استخدمتها كل الأنظمة الشمولية وبمختلف الشعارات والأيديولوجيات في غياب مفهوم رفيع للمواطنة.
 
   إن ما يجري اليوم ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في كل من العراق ولبنان يؤكد إن وعياً نوعياً بدأ بالتبلور يتجاوز تلك الجزيئيات التي اعتمدتها معظم الأنظمة الحاكمة وهي الديانة ومذاهبها أو القومية وتعصباتها أو المناطقية ومكوناتها الاجتماعية في القبيلة والعشيرة والبيوت، بعد أن أثبتت فشلها في إدارة الحكم، هذا الوعي الذي يرسي قواعداً جديدة لنظام ديمقراطي على أسس المواطنة الجامعة خارج تعددية الانتماء والولاءات، وبعيداً عن قطار السلطة الديمقراطي الذي يستخدم الأهالي تحت ضغط ديني أو مذهبي أو قبلي لتحقيق مآربه السلطوية.

kmkinfo@gmail.com


89

للحقيقة وجه واحد أم وجوه؟

كفاح محمود كريم

هل للحقيقة وجه واحد أم أوجه متعددة؟
   سؤال مؤرق فعلاً، حيثما ينظر كل واحد منا من زاويته إلى ذات المشهد، تلك الزاوية التي تخفي خلفية معلوماتية أو عاطفية تجاه ذلك المشهد أو الحدث، ومن هنا تتعدد الزوايا وتتعدد منها الرؤية أيضاً، ومن هنا ينظر إبراهيم الزبيدي كاتب المقال (بيان آذار العراقي ومسلسل الآلام الطويل) البعثي الصدامي، الذي عمل ردحاً من الزمن ينظر للأمور من زاوية الشعار القلق ( نفذ ثمّ ناقش) الذي خدم تحت مظلته قيادة صدام حسين وعدنان طلفاح، ودفع العراقيون عرباً وكورداً شلالات من الدماء لتلك الثقافة وشعارها الاستعبادي، الذي اعتمده كاتب المقال في معظم ما يتعلق بأطروحاته السياسية والفكرية، وبالذات تلك التي يرى فيها قضية الكورد وكوردستان، مبتعداً بسبب تلك العقلية عن حقائق التاريخ وأصل الصراع وإن تعددت زوايا النظر إلى ثوابت حاول تشويهها أو استبدالها بفرضيات ترضي نسيجه الحسي المفعم بالعنصرية تجاه قضية الكورد.

   والغريب أنه استخدم (لولا) بشكل مثير لكي يوصل حلقات سلسلة حروب النظام السابق باتفاقية آذار والخلاف حول قانون الحكم الذاتي الذي أرادوه تفصيلاً على قياساتهم وليس تحقيقاً لطموحات شعب كوردستان، فهو يتناسى جملة حقائق بعيدة جداً عما ينظر إليه من زاوية "نفذ ثم ناقش"، وهو الذي مارس وعايش عمليات اغتيال آلاف الشيوعيين والمعارضين بعد أيام من انقلاب البعثيين على عبد الكريم قاسم على أيدي الحرس القومي، وشيوع ثقافة التصفية الجسدية والإبادة الجماعية لكل من يعارضهم في نهجهم وشموليتهم، وبالتأكيد فهو ينظر إلى حل القضية الكوردية من خلفية صيد السمك بالتفجير على عادته أيام صباه مع صدام حسين مواطنه في تكريت التي نشأ فيها وترعرع على أفكار وثقافة القتل الجماعي للأسماك بالتفجيرات، فلا عجب إذن أن يعتبر ما حققه الشعب الكوردي من إنجازات بنضال طليعته الثورية البيشمركة وتضحيات مئات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، منّة من نظام رفيق دربه صدام حسين، وهو الذي يستسهل الصيد كالفرسان باستخدام التفجير والإبادة الجماعية في الأنهر كما كان يفعلها وصدامه مع الكورد! لقد كانت اتفاقية 11 آذار التي مضى عليها اليوم خمسون عاماً كما قال عنها أحد أبرز مهندسيها الرئيس مسعود بارزاني: "إنها نصر لإرادة شعب كوردستان وصموده وتضحيات الپێشمه‌رگة والكوردستانيين، التي أرغمت النظام على الاعتراف، لأول مرة وبشكل رسمي، بحقوق شعبنا"، لا كما يصورها إبراهيم الزبيدي، محاولاً تشويش القارئ بكونها بداية خراب العراق، وتلفيقات أساسها الفشل في فهم أصل الصراع، والمضحك المبكي إن الكاتب الخارج من دهاليز ثقافة قصر النهاية، يعتبر كل حروب العراق الداخلية والخارجية مع الكورد والشيعة والسنة وإيران والكويت والسعودية، وعمليات التصفية الجسدية لآلاف العراقيين من عبد الرزاق النايف وحتى أكثر من نصف القيادة القطرية لحزب البعث مروراً بآلاف الشيوعيين الذين قتلوا بعد أيام من سيطرة الحرس القومي على الحكم 1963 وما تلاها من جرائم الأنفال والمقابر الجماعية، كلها اعتبرها الكاتب من نتائج اتفاقية آذار(!؟).

   حقاً أنها مهزلة فكرية تظهر مدى بؤس تلك الثقافة التي حولت العراق إلى حفنة تراب كما أرداها صراحة رئيس الكاتب وملهم تفكيره وثقافته، ورحم الله أحمد سعيد المذيع المصري الذي قذف إسرائيل في البحر إذاعيا،  فخسر سيناء برمتها ومعها الجولان والضفة الغربية، لكنه أبقى لنا ما نتذكره به، وطيب الله ذكر الفنانة دلال شمالي التي كانت سبب هروب الزبيدي خارج أسوار المعتقل الكبير أو جنة رفيقه ورئيسه الضرورة.

kmkinfo@gmail.com

90
العراق بين كورونا السلطة والفيروس؟

كفاح محمود كريم

   بعد طامة كبرى استمرت لنصف قرن تقريبا من الوعود الكاذبة والشعارات الجوفاء المهيجة، لشعب لم يرى طريقا لخلاصه من كثرة الأدعياء بأنهم هم المخلصون ولا غيرهم، حتى فقدوا الأمل بكل شيء بل تمنى الكثير منهم أن يحكم البلاد أي مستعمر يخلصهم من حكم قرقوش المتوارث في السياقات والسلوك والنتائج، حتى أطلت علينا امريكا وحلفائها ومريديها الذين انقلبوا عليها اليوم بفعل إمامة ايران للمقاومة ضد الشيطان الأكبر الذي أجلسهم على كراسي الحكم!

   ولكي تكون الصورة أوضح والمشاهد أكثر ترابطا تعالوا نعود قليلا إلى بدايات الفجيعة التي زرعت أفيون السياسة التسلطية في أديم ارض لملمتها بريطانيا لتؤسس منها مملكة يحاول مليكها جمع شتاتها وشعوبها وقبائلها دونما أن يفلح لسنة واحدة إلا بالحديد والنار، ورغم ذلك قاوم الرجل جالسا هو وأبنائه وأقربائه على كرسي الحكم حتى وقع انقلاب أو ثورة 14 تموز 1958 كما يشتهي البعض تسميتها، لتبدأ حقبة جديدة من تاريخ هذه البلاد التي تميزت بخطاب سياسي ناري، كأنه يتوقد لهيبا أو خارج للتو من أفران صهر الحديد مبتدءاً بحرف السين العاري تمامًا، لا من معطف ولا ساتر ولا حتى من ورقة تين تستر عوراته التي لا تظهر إلا بعد ذهاب النشوة والتحشيشة بعد سنين، حيث تظهر العورات والعاهات بعد أشهر قليلة  لا تتجاوز السنة بعد كل انقلاب جمهوري وتلاوة بيانه الأول الذي يحرق الأخضر واليابس بالحماسة وأناشيدها اللاهبة التي تبدأ باسم الرب وخاصة النشيد الناري (الله أكبر فوق كيد المعتدي) الذي تمّ إنتاجه وتداوله أيام العدوان الثلاثي على مصر 1956م، حتى اهتدت إلينا مشكورة الولايات المتحدة، وأسقطت هيكل نظام حرف السين العاري لكي تفتح الآفاق أمام عملية تفعيل لصدى ذلك الحرف الذي خدر شعوبنا لحقبة من الآمال والتطلعات التي تآكلت وسط لهيب نيران الحروب الداخلية منها والخارجية، حتى اطلينا على جمهورية ديمقراطية برلمانية أساسها صناديق الاقتراع ومرتكزاتها شيخ القبيلة ورجل الدين وبقال السياسة، في بلد مصاب بالأمية الأبجدية والحضارية منذ تأسست مملكته وحتى بدأت دودة الأرضة السياسية المتدينة تنخر فيه فساداً وتشرذماً حتى غدى كالدويلات الأندلسية معاد تدويرها بالميليشيات ومافيات السلب والنهب باسم الدين تارةً وباسم الرب تارةً أخرى!

    ولكي لا ننسى البدايات في هذا الحرف الخارج من نشوة السكر مترّنحاً بين أروقة قصور الحكام، دعونا نتذكر جميعاً خطابات الزعيم عبد الكريم النّارية، التي كانت توقد فينا نيران الثورة وتحلقنا  في فضاءات خيال جمهورية أفلاطون الخالدة، وإذ بنا نتهاوى بعد سنين قصار لندرك أن اللعبة بأكملها لم تتجاوز صراعات السلطة فيما حول الزعيم، وقد يكون الرجل منها برّاء، كما قِيل من المناوئين له والمقربين في وصفه إنصافاً بعد حين، لصفاء سريرته وبراءته وربما عقليته العسكرية المهنية، وقبل أن يصحو حرف السين من سكرته جاؤوه زوّار الفجر من رفاق العقيدة والسلاح أتباع ميشيل عفلق، لكي ينهوا الزعيم وسينه، ويعتلوا عرش الجماجم والحبال المزينة بأفواج من حرف السين المطعم بالشعارات الخلابة وأحلام وطن يمتد على الأفق جناحاً، حتى تمادى فرسانه شمالاً بأنفالهم وجنوباً بمقابرهم الجماعية، لتستمر أسراب السين وسوف تخدر الملايين بوطن الوحدة والحرية والاشتراكية الذي يمتد من ضفاف الخليج وحتى سواحل المحيط، بشعارات خلابة فعلت فعلها في تخدير الشعب وإحباطه، حتى فاق بصعقة الاحتلال الذي أستورد لإسقاط نظام الخطب النارية وأسراب السين المخدرة، واستبدالها بأجيال معدلة ومحدثة منها، ولكن هذه المرة باستخدام الدين والمذهب اللذان سيحققان الجنة الموعودة لملايين تهرول يومياً وراء قائد للضرورة أو شيخ للعشيرة أو رجل دين يتاجر به.

   لقد انتظر هذا الشعب كثيرا حتى مل منه الانتظار والصبر، فانفجر في أول أكتوبر 2019 ليعبر عن ذاته وإحباطه ويأسه ممن يحكمون باسم الرب والدين والمذهب، فهل يا ترى سيصمد أمام كورونا السياسة والفيروس!؟

kmkinfo@gmail.com

91
أشجع الفرسان الجبناء الجوع والفساد!

كفاح محمود كريم

   بعد أن فشلت كل محاولات المعارضة وغير المعارضة من منشقي البعث والمؤسسة العسكرية المؤدلجة، من إسقاط نظام صدام حسين بانقلاب أو انتفاضة، شنّت الولايات المتحدة وحلفائها حرباً شاملة على العراق بعد غزوه لدولة الكويت، والكل توقع أنهم سيسقطوه، لكن الذي حصل إنهم اكتفوا بتحطيم العراق وبنيته التحتية والفوقية، وأعادوه كما وعد رئيسهم إلى حقبة ما قبل الكهرباء، وكأنهم كانوا قد استمعوا إلى صدام حسين وهو يخاطب إيران بأنهم لن يأخذوا مكانه إلا والعراق حفنة من تراب، وحققت أمريكا وحلفائها العرب تلك النبوءة أو التهديد، فانسحبوا بعد أن سلّموا العراق حفنة من تراب ولكن بيد صدام حسين، ولكي تتم عملية التدجين فرضوا حصاراً مقيتاً على العراق شعباً وحكومة لسنوات طويلة وقاسية فعلت فعلتها في تكريس العبودية على أيدي أشجع الفرسان الجبناء (الجوع والفقر) ووسائل النظام ورجالاته، محطمين صفحات ومراكز خطيرة في السلوك والقيم الاجتماعية، تكريساً للاستكانة وثقافة القطيع لدى الرئيس ومرؤوسيه، حتى اكتمل البرنامج ونضجت الطبخة لتبدأ مرحلة جديدة هذه المرة بالتدخل العسكري وإنهاء نظام صدام حسين وحزبه واحتلال العراق، والبدء بتأسيس نظام جديد مغاير تماماً للنظام السابق، وبداية تبلور حقبة جديدة من التاريخ السياسي والاجتماعي والحضاري للبلد.

   ومنذ الاشهر الاولى للاحتلال بدأت مظاهر وبوادر الفساد التي حولت العراق خلال 17 عاما الى واحد من اكثر بلدان العالم فسادا وفشلا، لكن الغريب أن الكل يتحدث عن الفساد المستشري بين معظم مفاصل الدولة الحديثة دونما التطرق أو التركيز على أساسيات هذا الفساد وصناعته، ألا وهو بيع وشراء المناصب التي كانت حتى سنوات قبل سقوط النظام تكليف وليس تشريف، بل كانت حملاً ثقيلاً على المكلّف أيام العهد الملكي، وكثيراً ما كان المرشحين يعتذرون عن تولي تلك المناصب احتراماً لأنفسهم وللوظيفة، خاصة وأن الأخيرة لم تكن مغرية بامتيازاتها آنذاك كما هي الآن سواء في الحكومة أو البرلمان أو العسكر، ولعل من أهم أسباب نشوء هذا البازار الذي كاد أن يمحي أي شعور وطني أو إحساس بالمواطنة الرفيعة والانتماء الحر، هي تلك الامتيازات الهائلة التي خلقت بيئة خصبة لا للتنافس بل للتقاتل من أجلها، وتركين الوطن وأخلاقيات الوظيفة العامة ومسؤوليتها في زاوية مظلمة لا موقع لها في أجندة المكلف، لأن عينه وعقله بالتأكيد على الامتيازات وعلى مساحات الثراء الفاحش والعمولات والسحت الحرام، حتى تحولت مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية إلى إقطاعيات وعمولات وأسواق للصفقات، والشركات الوهمية التي تمتص ميزانية البلد إلى درجة تم تصنيفه واحد من أفشل بلدان العالم وأكثرها فساداً، فلم يكتفوا ببازار المناصب الوزارية والإدارية العامة في المركز والمحافظات، بل وصلت الأمور مؤخراً إلى أن يتهم المكلف بتشكيل حكومة جديدة أطرافاً متنفذة في البرلمان بدفع مبالغ لأعضاء مجلس النواب لعدم حضور الجلسة أو رفض منحه الثقة، وهذا يعني أن صفات أخرى تتبلور الآن لشراء أو بيع منصب رئيس الوزراء في بلد لم تعد غالبية قواه السياسية المتنفذة تلتزم بما كتبته من وعود وتعهدات للأهالي، وخاصة الدستور الدائم للبلاد الذي لم يعد أكثر من كتاب مركون على رفوف مكاتب المسؤولين للتجمل به ليس إلا!
   ورحم الله من أخبرنا بالتراث القائل إنهم كانوا يصنعون آلهتهم من التمر، وحينما يشتد بهم الجوع يلتهمونها، وما أشبه أحفاد اليوم بأجدادهم في الأمس!.

kmkinfo@gmail.com



92
كلهم داعش وإن اختلفوا!

كفاح محمود كريم

   يبدو إن مقولة تعددت الأسباب والموت واحد تتطابق تماما مع نتائج ما سنبحثه في هذا المقال عن تعدد المسميات والعناوين لكيان أو أصل فكري واحد، وما تسببه تلك التعددية من مآسي وكوارث لشعوب ودول، وكما إن الموت نتيجة حتمية وان تعددت أسبابه، فان الخراب والدمار نهاية مؤكدة لسلوكيات تلك الكائنات وان اختلفت في أسمائها ونقطة شروعها، وهي بالتالي من إنتاج تراكم هائل من ثقافات وتقاليد بدائية متخلفة ما تزال تتكلس في مفاصل النظم السياسية الشمولية وملحقاتها، وعودة سريعة إلى تاريخ لم يمض عليه سوى نصف قرن، سندرك ترجمة حقيقية لتلك الثقافة المقيتة في الغزو والنهب والسلب والتدمير.

   دعونا نتذكر أيام حكم البعثيين ومقولات صدام حسين الشمولية، وخاصةً تلك التي استخدمها الكثير شمّاعة للتخلص من التوظيف في حزبهم، وأصبحت مقولة طالما رددها كل محاصر من المستقلين والمنتمين لأحزاب ممنوعة حينها، تلك المقولة التي غدت سُلم النجاة، وهي واحدة من أقوال صدام حسين عندما خاطب مجموعة من الموظفين، قائلاً:
   (إنَّ الموظفين المخلصين بعثيين وإن لم ينتموا) وفي واحدة أخرى قال: (العراقي بعثي وإن لم ينتمِ)، وكأنما المنتسب لحزبهم معصوم من أي شائبة، وهو مثال مفترض للإخلاص والوطنية، ويمتلك الحقيقة المطلقة التي تؤكد سيادة وتميز وتفوق تلك الطبقة أو القومية أو العرق أو الدين والمذهب، وهكذا بقية أصحاب هذه النظريات التي تؤدلجها لدعم بقائها الأبدي في السلطة!

    ورغم التضحيات الجسام والخسائر الفادحة التي خلفتها تلك النظريات والأفكار، وشهدنا قسم كبير منها في بُلداننا الشرقية عموماً والشرق أوسطية خاصةً، ابتداءاً من مصر ومروراً بالعراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر وانتهاءاً بإيران التي كمنافستها تركيا ما رأت غير المذهب وسيلة لإعادة امبراطوريتها إلى الظهور بعدما حكم الزمن عليها بالزوال، تدخلت قوى عظمى لتغيير نمط تلك الأنظمة على افتراض أنها ستأتي ببديل يختلف في نهجه ويقترب من التجارب الأوربية في نُّظم المؤسسات والتبادل السلمي للسلطة، وابتدأت في العراق حيث أسقطت عسكرياً الهيكل الإداري لنظام صدام حسين وحزبه، وألغت بجرة قلم مؤسسات مضى على تكوينها عشرات السنين منذ تأسيس مملكة العراق مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكنها لم تدرك - تلك القوى- أن مجرد إسقاط هيكل الحكم لا يعني انتهاء ثقافته وسلوكياته التي تكرست في عقلية معظم الأهالي بمن فيهم الكثير من الحاكمين الجدد، وخاصة فيما يتعلق بالثوابت الأساسية، وهي النظام الديمقراطي الجديد وقبول الآخر واحترام مؤسسات الدولة والقانون المشرع.

  إن نشوء تنظيمات مسلحة خارج المؤسسة العسكرية مدعومةً من السلطة يعكس هذه العقلية مهما كانت الأسباب الموجبة، بما فيها تلك التي أسسها النظام السياسي لغرض خدمته في تحقيق مآربه، خاصة تلك التي ادّعى فيها احتواء العشائر وتسليحهم بوحدات تحت مسميات مختلفة، وهو ما فعله نظام البعث الأول في الحرس القومي والثاني في الجيش الشعبي، وفلول الأفواج الخفيفة (الجته) في كوردستان، ولاحقاً الميليشيات المسلحة التي نشأت على أسس مذهبية، وما يحدث اليوم وخاصة بعد اندلاع التظاهرات في الوسط والجنوب العراقي، وعمليات التصفية المنظمة للناشطين في تلك الاحتجاجات فراداً وجمعاً، يؤكد أن هذا النهج ما يزال أسير ثقافة الغزو التي رافقت المجتمعات عبر آلاف السنين، وتسببت في إنتاج الانقلابات والميليشيات والقتل باسم الرب تارةً وباسم القومية تارةً أخرى، وهي اليوم وبدون استثناء، استنساخ لعمليات وفعاليات القاعدة وداعش، وما تفعله الميليشيات اليوم ليس في العراق فحسب وإنما في كل من سوريا وإيران وليبيا واليمن ولبنان، اختراقا للقانون تحت أي مسمى أو تكييف خارج المؤسسة العسكرية، إنما هو امتداد لفكرة الغزو البربري والإرهاب الداعشي وأن اختلفت التسميات.

kmkinfo@gmail.com



93
العراق من مملكة المؤسسات إلى جمهوريات الانقلابات!

كفاح محمود كريم

   حينما كُلّف الشريف فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي، ثالث أبناء شريف مكة الحسين بن علي الهاشمي، بتولي مملكة العراق التي تأسست على خلفية اتفاقية سايكس بيكو، وإثر تداعيات الثورة العربية الكبرى، كان يراود الشريف حسين بن علي والد الأمير فيصل طموح العائلات المالكة العربية في المنطقة، لتولي زعامة دولة العرب، ونقل نظام الخلافة الذي انهار في إسطنبول إلى إحدى العائلات العربية المتنافسة، وهي: العائلة السعودية في نجد والحجاز كونها الأسرة الحاكمة في الأراضي المقدسة الإسلامية مكة والمدينة، والعائلة الهاشمية زعيمة الثورة العربية الكبرى في شمال الجزيرة وبلاد الشام والعراق، والعائلة الحاكمة من سلالة محمد علي في مصر، ولكون الإنكليز أيضاً لم يجدوا شخصية في كل العراق تتبوأ هذا المكان، لاعتبارات كثيرة ربما في مقدمتها الصراعات الداخلية بين الشيوخ والأعيان وحملات التسقيط والتشهير فيما بينهم أمام البريطانيين دفعهم لترشيح فيصل الأول ملكاً على العراق، وأسباب كثيرة أخرى.

   عموماً نجحت بريطانيا في إقامة مملكة جديدة في الشرق الأوسط بعد إقناع أعيان وشيوخ ولايتين، هما: ولاية بغداد وولاية البصرة، بينما استمرت بالتفاوض مع ولاية الموصل التي كانت تضم معظم كوردستان الجنوبية الحالية، والتي وافق غالبية سكانها من الكورد على الانضمام للملكة الجديدة بشرط تلبية مطالبهم السياسية والثقافية، وبناءً على ذلك باشرت بريطانيا وطاقم من رجالات الدولة في الولايات الثلاث ببناء مؤسسات المملكة الجديدة على النمط البريطاني، متأملة أن تكون حكومة الكيان الجديد مهتمة بتطوير نوعية الإنسان وتأهيله لإشغال تلك المؤسسات، ورغم الأخطاء والهفوات الكثيرة نجح البريطانيون والتاج الهاشمي ورجال الدولة العراقية الحديثة في إنشاء مؤسسات تشريعية وتنفيذية تحت مضلة التاج الملكي، تمتعت فيها شعوب الولايات الثلاث بنمط مخالف جداً للنظام العصملي، ولولا بعض المجموعات التي التفت حول الملك غازي وعبد الإله وتطلعاتهما، إضافةً إلى بدايات تبلور توجهات قومية ويسارية قننت فكرة المواطنة في بلد متعدد المكونات، لما انحدرت الأمور حتى تهاوى كل شيء مع ظهور أوّلى الغزوات السياسية أو الانقلابات التي أسقطت المملكة العراقية، وأَبادتْ خلال ساعات العائلة الهاشمية بعد استسلامها، لتبدأ حقبة جمهوريات الانقلابات التي استمرت تنصيب الحاكم المدني الأمريكي رئيساً لجمهورية العراق بديلاً لفيلسوف الانقلابات، ومن ثمّ إجراء الانتخابات العامة بعد عشرات السنين من الحكم الشمولي والأمية الديمقراطية والسياسية لدى عموم الشعب، ومن ثمّ تكلّيف مجاميع من الهاربين واللاجئين ممن تركوا البلاد تتضرع جوعاً وعبودية بمهام من قبل الحاكم المدني الأمريكي، وهم في غالبيتهم مغامرون طامعون بالسلطة والمال لا يرتقون إلى مستوى رجال دولة.

   وعبر ما يزيد عن ستين عاماً عاشت الدولة العراقية أكثر مراحلها تخلفاً وانحداراً، مع وجود مساحات هنا وهناك أنجزها المخلصون من أبناء وبنات العراق والذين أُوهموا بأن من يقودهم إنما يخدم الوطن ويناضل من أجله! ثلاث جمهوريات انقلابية مزّقت البلاد وأرجعتها مئات السنين إلى الوراء، وأضاعت عشرات أخرى من مستقبلها إن لم تكن أكثر، انقلابيات خارج إطار القانون وتحت سقف ثقافة البداوة والغزو، استولت على السلطة والمال، وسبت العباد والبلاد وحولتهم إلى قطعان من العبيد تحت مقصلة الإرهاب تارةً باسم القومية وتارة أخرى باسم الله ورسالته الخالدة، فأنتجت أجيالاً من الكسيحين وعياً وفكراً وسلوكاً، ومجتمعات ساذجة مسطحة تحكمها الخرافة وثرثرات دواوين الشيوخ والأغوات وخطباء الجوامع ومخاتير القرى والأحياء، الذين ما برحوا يمضغون ما ورثوه عن أجدادهم من خزعبلات وأعراف التحريم والتحليل.

   بعد أن أحالت جمهوريات الزعيم وعارف والبكر- صدام الانقلابية، بلاداً كانت مهداً لولادة حضارات الحرف والقلم والساعة، إلى خرائب ومآسي واغتيالات وأحزاب ميليشاوية، وأجيال من المتوحدين فكرياً وسياسياً، وقوافل من المتخلفين واللصوص والعصابات من خريجي مدارس ثقافة الانقلاب والميليشيات، بعد أن أحرقوا كوردستان بانفالاتهم القذرة وأسلحتهم الكيماوية البشعة، ختموها على طريقة الجاهليين الأوائل باستقدام جيوش العالم على شعوبهم، لكي تنتهي تلك الحقبة بالحواسم المخزية، وتبدأ حقبة الجيل الثاني والثالث من تلاميذ تلك المدارس، التي مررها برايمر وشركائه لإقامة نظام مسخ بلبوس ديمقراطي ومؤسسات تعشش فيها الخرافات الغيبية وثقافة العبودية والتوحد السياسي، حتى غدت البلاد مرتع للعصابات السياسية بمؤسسات لا تمتلك إلا عناوينها ومجموعة من الشعارات الرنانة، بينما ينخر الفساد وحيتانه في جسد البلاد التي صادرها اللصوص باسم الرب والدين والمذهب والعشيرة، فتحولت وارثة الحضارات والممالك والإمبراطوريات إلى إمارات ميليشاوية لا يُعرف فيها الحق من الباطل، إن تُعارضها فأنت كافر وإن تحايدها فأنت عبد وإن تؤيدها فأنت فردٌ في قطيع، والذين أسقطوا آخر جمهوريات الانقلابات حلفاء لأمراء تلك الإمارات.

kmkinfo@gmail.com


94
التاريخ لا يغادرنا بل يلاحقنا!

كفاح محمود كريم

   يبدو أن مقولة التاريخ يعيد نفسه، أو يتم تدويره سلوكياً لتنفيذ ذات الأهداف ما تزال سارية المفعول، وكما يقول الكاتب الاورغواني إدواردو غاليانو: (التاريخ لا يقول وداعاً، التاريخ يقول سأراكم لاحقاً )، وهذا ما يتجلى اليوم في واحدة من أكثر الاحتجاجات الشعبية عفوية وشجاعة في الساحة العراقية الجنوبية والوسطى بما فيها العاصمة بغداد، وفي وسط شيعي حيث كانت الطبقة الحاكمة تدعي بأنها تلبي رغبته وتعبر عن مظلوميته، فإذ به وبعد خمسة عشر عاماً من حكمها باسم المذهب سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، ينتفض انتفاضةً قل نظيرها في التاريخ الاجتماعي والسياسي العراقي منذ تأسيس دولته على أيدي البريطانيين والفرنسيين وحلفائهم بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، محطمًا أصناماً صنعت هيبتها من تخريفات وتخديرات لا أصل لها إلا كوسيلة للتسلط والاستحواذ على السحت الحرام والنفوذ الجائر.

   فمنذ اندلاع الحملة الاحتجاجية الإصلاحية في العراق أوائل أكتوبر الماضي، والأحزاب السياسية الحاكمة وخاصة الدينية وبقايا القوى الشمولية ومخلفات التنظيمات الإرهابية، تبتكر أنواعًا من وسائل الاختراق أو ركوب الموجة لتغييرها من الداخل أو احتوائها، فدفعت أجهزة دعايتها ومنابرها ومهرجيها إلى ادعاء وقوفها مع المتظاهرين حاملة أهدافهم ومشروعهم في الإصلاح، وحينما لم تنطلي تلك الدعايات الفارغة وفشلت في احتوائها أو تمثيلها، أنزلت طرفها الثالث غير المرئي، متخفياً وراء بندقية قنص في المباني المطلة على أمكنة التظاهرات لتفجر رؤوس فتية وفتيات وتزرع الرعب والموت كي يتوقف الآخرين، لكن الأمور لم تكتمل كما اشتهتها قيادات تلك الأحزاب أو مسؤولي دوائر أمنها، ولم تنثني عزيمة أولئك الشباب والشابات فاستمرت وتيرة التظاهر والاحتجاج بابتكارات جديدة لم تتعدَ سلميتها بل ومدنيتها المتحضرة، التي اعتمدت أنواعًا من الفنون الإبداعية كالرسم والغناء وحلقات الشعر وحملات التنظيف للشوارع والأزقة والأنفاق، ما أبهر أولئك الواقفين على الحياد ليتم ضمهم إلى تلك الحملات الاحتجاجية الناعمة.

   ورغم مئات من القتلى وآلاف من الجرحى ومجازر الناصرية الصامدة والنجف المنتفضة، إلا أنها لم تنتج أي رد فعل للعنف المضاد، ولم تسجل أي عملية عنفية للمتظاهرين والمحتجين رغم محاولات البعض دس عناصر مخربة في أوساطهم إلا أنهم لم ينجرو ورائها، ما دفع أولئك الذين استهدفتهم الحملة الفراتية والجنوبية والبغدادية إلى تدوير ممارسة سابقة تعود إلى أكثر من ربع قرن مضى، لاختراق واحدة من أرقى التظاهرات وهي في أروع صورها وأجمل لوحاتها التي امتزج فيها لون الدماء مع دموع الثكالى وألوان تلك اللوحات التي زينت شوارع وأنفاق بغداد تعبيراً عن رفض هذا النمط المتخلف من الحياة الذي فرضته أحزاب ظلامية شَوَهت المبادئ السامية للأديان والمذاهب، وحولتها إلى دكاكين سياسية حقّ عليها القول.

   وحينما وقع انقلاب 8 شباط 1963 ضد الزعيم عبد الكريم قاسم وجمهوريته، كان الزعيم في مقره بوزارة الدفاع، ورفض مغادرتها، ما دفع المئات من مؤيديه إلى التجمع حول مبنى الوزارة لإظهار التأييد له والدفاع عنه، ودارت معركة قاسية بينه وبين الانقلابيين الذين حاولوا الاندساس بين مؤيدي الزعيم، رافعين صوره وذات الشعارات، حتى تمكنوا من اختراق صفوفهم واقتحام وزارة الدفاع، إلا أن الزعيم نجح في الخروج منها واللجوء إلى قاعة الشعب بعد انتهاء معركة وزارة الدفاع لصالح القطعات العسكرية المُحاصرة لها، ولكن تمّ اعتقاله في صبيحة التاسع من شباط واقتياده إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون وإعدامه هناك.

   واليوم ما أشبهه بالبارحة، حيث يتم استعارة تلك الممارسة البهلوانية التي مارستها مجاميع من الانقلابيين الذين رفعوا صور الزعيم وشعاراته ليندسوا بين أوساط مؤيديه وينفذوا إلى عرين الزعيم واعتقاله والإجهاض عليه، وما حصل قبل أيام يؤكد أن القوى المهيمنة على كرسي الحكم، ومن ماثلهم في النهج الشمولي من بقايا النظام السابق ومخلفات التنظيمات الإرهابية، وبعد سقوط حاجز الخوف واختراقه من قبل المنتفضين، وانهيار تلك القدسية المصنعة خصيصًا لديمومة حكم الفاسدين المتخلفين، وتبخر ما يسمى بهيبة الادعاء بحكم الله ووكلائه على الأرض، تحاول تدوير ذات الممارسة الانقلابية التي مارسها انقلابيو شباط 1963، لوأد الاحتجاجات التي بدأت تنجز تغييرًا اجتماعيًا أفقيًا وسياسيًا عموديًا، لا لإسقاط العملية السياسية فحسب بل ولأبعاد الأحزاب الدينية ونهجها عن الحكم وعن السياسة وفصل الدين عن الدولة والسياسة لإقامة دولة مدنية عصرية تحت مظلة القانون والمواطنة.


kmkinfo@gmail.com




95
إشاعة الكراهية والتمزيق المجتمعي!

كفاح محمود كريم

   يعتقد الكثير من شبيبة اليوم خاصة أولئك الذين شهدوا إسقاط الولايات المتحدة لنظام صدام حسين وحزبه، بان ما حصل في البلاد وخاصة ظهور الطائفية المذهبية والتفرقة الدينية أو الإقصاء العرقي والقومي بهذا الشكل المفرط، هو وليد هذه المرحلة أي مرحلة ما بعد تولي معارضي نظام البعث دفة الحكم، وخاصة الأحزاب الدينية أو المذهبية، التي عاشت وترعرعت في ظل وكنف مجموعة من المدارس والمعتقلات السياسية ومنهاجها المعروفة، ابتداءً من مدرسة الزعيم ومقاومته الشعبية مرورا بمدرسة البعث وحرسه وجيشه القومي والشعبي،  وانتهاءً بما أنتجته تلك المدارس من تجارب يتم استنساخها اليوم، والإبداع في تطوير أساليبها بمختلف المناهج وممارسات أنظمتها السياسية والقمعية، تلك المدارس التي كرست مفاهيم السلطة الفردية والحزب الواحد وطرق هيمنته واندساسه في كل مفاصل الدولة وزراعة العيون والآذان في كل دائرة ومدرسة ووحدة عسكرية على طريقة جمهورية جورج اورويل في روايته (1984) حتى غدت الدولة برمتها عبارة عن منظومة كاميرات للمراقبة والتصنت.*

   هذه المدارس والغيوم السوداء التي سادت سماوات العراق وأراضيه بعد تأسيس مملكته بسنوات، أشاعت ثقافة اقصائية وازدرائية من قبل معظم النُّظم السياسية العراقية ضد مكونات دينية ومذهبية وعرقية وبأشكال مختلفة ووسائل متعددة، باستثناء فترة قصيرة جداً من الحكم الملكي، وتحديداً في السنوات الأولى لتأسيس المملكة العراقية، والى حدٍ ما فترة أقصر من حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، وما عداها ومنذ انقلب البعثيون وحلفائهم على نظام الزعيم قاسم، حكم البعثيون البلاد منذ شباط 1963 وحتى إسقاطه في نيسان 2003، مع وجود فترة قلقلة بين 1963 و 1968 التي انقلب فيها العوارف على الحرس القومي، لكنهم لم يختلفوا في نهجهم السياسي عما سبقهم إلا بالعناوين والأسماء.

   لقد مورست ضد المكونات (الأصغر) سواءً كانت قومية أو دينية مذهبية كل أنواع الإقصاء باستخدام وسائل دعائية اجتماعية، تزدري تلك المكونات بفيض من النكات والطرائف التي تظهرها بشكلٍ ساخر أو منتقص، وتشكك في أهليتها، بل وتهينها في نهجها الديني أو انتمائها العرقي، ونتذكر جميعا طوفانات النكات والقصص أو الطرائف المفبركة التي كانت أجهزة المخابرات وبعض المؤسسات تقوم بنسجها وإشاعتها للتداول بين الأهالي، وليس ببعيد عن الذاكرة تلك التي كانت تستهدف جنوباً (الشروك والمعدان) وازدرائهم وإظهارهم بأنهم أُناس بدائيون وأجلاف، وشمالاً الكورد والتركمان والمسيحيين عموما، الذين ينتقصون من آدميتهم ومواطنتهم بأنماط من القصص والنكات المفبركة، التي تظهرهم أغبياء وحمقى، وكذا الحال غرباً مع (الدليم والمصالوة) كما كانوا يقولونها، وإظهارهم بالبخل والحماقة والتخلف.!

   في حصيلة سنوات طويلة من ممارسة هذا الكم الهائل لثقافة الانتقاص والاستهزاء، تكلست أنماط من الكراهية والازدراء بين مفاصل اجتماعية واسعة من المكونات، التي تعرضت جميعها إلى هذا النمط من التسقيط والاستصغار، سواء بين الكورد والعرب، أو بين السنة والشيعة، وبقية المكونات، ناهيك عن عقدة ابن المدينة من الريفي أو (الجرياوي أو الكوندي بالكوردية) واعتباره دوما منتقص المدنية ومحط السخرية، مما أنتج مع وجود بيئة صالحة لتفعيل هذه الأحاسيس المليئة بالكراهية، ما نشهده اليوم من طائفية وعنصرية مذهبية وقومية وحتى مناطقية، وصلت إلى حد الإقصاء والالغاء والتكفير ومن ثم إباحة القتل والابادة، تصل في ذروتها الى دعوات لحرب مقدسة.

   وما يجري اليوم من عمليات تطهير مذهبي وعرقي في المناطق المختلطة عمل على إحداث تمزيق شديد في البنية المجتمعية للسكان، وهذا ما نشهده اليوم في نينوى والأنبار وصلاح الدين وأطراف بغداد وشمال الحلة وكركوك وديالى، مما ينذر بخطر داهم يضعنا جميعاً أمام مسؤولية تاريخية ووطنية إزاء حرب ستحرق الأخضر واليابس، ولن تكون نتائجها أفضل من تلك النتائج التي وصل إليها البعثيون وغيرهم في تحويل العراق إلى حفنة تراب، وضياع فرص ذهبية لتقدمه وتطوره ووجوده.

   وصدق من قال هذا المطر من ذاك الغيم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رواية 1984 التي كتبها الصحفي البريطاني جورج اورويل George Orwell في عام 1949م.




96
العراق بين التأسيس الاول والثاني!

كفاح محمود كريم

   بعد ما يقرب من قرن على تأسيس دولة العراق بمملكة شاء فيها البريطانيون وشركاؤهم الفرنسيون واتباعهم من بقايا دولة ال عثمان ومجاميع من المشايخ، أن تكون كياناً سياسياً رغم أنف ساكنيها، وبالشكل الذي اختاروه وبالملك المستورد من دولة أخرى، لعدم توفر الشروط التي طلبوها في المرشحين من الولايتين اللتين تشكلت منهما مملكة العراق في 1921م، بعد كل هذا الزمن وأحداثه وما رافقه من تولي أكثر النُّظم فشلاً في العالم، قياساً بما تمتلكة هذه الأرض من ثروات ومكونات بشرية مختلفة، لم تستطع مكونات هذه المملكة ومعارضاتها بمختلف مشاربها وتوجهاتها وانقلاباتها من إسقاط النظام الشمولي وإحداث تغيير نوعي وتأسيس كيان جديد يرضيها ولو بالحد الأدنى لشكل الدولة، حتى قررت الولايات المتحدة وحلفائها وبذريعة امتلاك الإدارة السياسية فيها لأسلحة مفترضة في مجالي الذرة والكيمياء، اللتان تشكلان مساساً بالخطوط الحمراء لمجال تلك الدول الحيوي، رغم إن الأسباب الحقيقية لا علاقة لها البتة بتلك الهياكل الاسطوانية لما يسمى بالصواريخ أو مسرحيات امتلاك العراق لمشاريع طموحة في صناعة قنبلة نووية بائسة على غرار ما تستنسخه إيران اليوم لتلك المسرحيات الهزيلة!.

   وعشية إسقاط هيكل نظام حزب البعث ومؤسساته الإدارية، كان العراقيون يحلمون بنظام على النمط الأوربي لكون الأمريكان هم أصحاب مشروع التأسيس الثاني للدولة العراقية بعد انهيار مشروعي بريطانيا وفرنسا، ولكن الأحداث التي تلت عملية الإسقاط أثبتت إن الأمر لا يتعلق بأصحاب المشروع فقط، وأن المؤسسين مجرد منفذين لآلية التأسيس، بمعنى أن البَناء غير مسؤول عن نوعية مواد البِناء ومكوناتها، وبذلك ربما يتحمل جزء من المسؤولية، وتبقى المسؤولية الأكبر لنمط ونوع وشكل أدوات ومواد البِناء.

   وبالعودة إلى مدى تأثير الزمن، وهو أكثر من ثمان عقود بعد التأسيس الأول على شعوب ومكونات العراق تحت ظل أنماط مختلفة من الحكام والنظم السياسية ومقارنتها بالحقبة الثانية، نكتشف أن لا تغيير نوعي أو فرق مهم بين الحقبتين، إلا اللهم بالعناوين والأسماء والمظاهر، وبقي الأصل محافظاً على نوعيته ونمط تعاطية وتعامله وسلوكياته، ما يؤكد أن التأسيسين كانا بعيدين عن أصل المشكلة التي يعاني منها هذا الكيان السياسي والاجتماعي، والذي ينحصر تماماً بطبيعة الولاء والشعور بالانتماء لدى المكونات والمجاميع البشرية في هذه البلاد، وهي حصراً مكوناته القومية والدينية، المذهبية منها تحديداً، بعد الفشل الذريع في إنتاج مفهوم رابط لمواطنة جامعة.

   لقد فشلت الطبقة السنية الحاكمة طيلة ثمانين عاماً في التأسيس الأول من أن تقنع الشيعة بأنها خيارهم الأخير، بينما فشلت الطبقة الشيعية الحاكمة من إقناع السنة والكورد بأنها خيارهم الأخير في التأسيس الثاني، وكذلك الحال في كوردستان، حيث يصرّ شعبها على الانعتاق والاستقلال في التأسيسين، رغم كل ما فعلته الحاكمة السنية والحاكمة الشيعية بمحاولاتهما في تجميل نظاميهما السياسي بإشراك ممثلين من كليهما ومن الكورد في الحكم، إلا أن النتائج كما نراها اليوم ويدركها المواطن تسير من سيء إلى الأسوء، خاصة خارج إقليم كوردستان الذي تمتع باستقلالية نسبية منحته تميزاً عن بقية أجزاء الدولة وكانت سبباً في ازدهاره وتطوره، ورغم اعتراف كل النخب السياسية الحاكمة بنجاح الإقليم إلا أنهم يصرون على نظام مركزي شمولي وضعت لبناته في التأسيس الأول، رغم إلغائه في الدستور في التأسيس الثاني واستبداله بالنظام الفيدرالي، إلا أنه يتعرض اليوم إلى حرب شعواء من قبل الشموليين القوميين والمذهبيين المصرين على ذات الأدوات والوسائل التي أفشلت دولة الثمانين عاماً من الشمولية.

   خلاصة القول ما نشهده اليوم يؤكد بأنه لا خيار بعد الفيدرالية أو الكونفيدرالية إلا العودة إلى الشمولية. وهذا يعني بداية التَفتت وعودة دويلات الأندلس من جديد.

kmkinfo@gmail.com

97
حكومة كوردستان بلا أحزاب دينية!

كفاح محمود كريم

   أصيبت أحزاب الإسلام السياسي بهزيمة كبيرة في انتخابات  2018التي جرت في إقليم كوردستان، حيث تقهقرت شعبيتها عن الدورات السابقة بشكل مثير دفعها إلى أن تقصي نفسها من المشاركة بالحكومة الجديدة، رغم محاولات الحزب الأكبر وهو الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي قاد عملية الاستفتاء في 25 أيلول 2017 وحصد إثرها غالبية الأصوات في البرلمان الكوردستاني، حاول إقناعها بالمشاركة رغم ضآلة مقاعدها في البرلمان، إلا أنها اختارت أن تكون خارج التشكيلة الحكومية، بل أنها رفضت تعديل قانون رئاسة الإقليم، ولم تصوت لمرشح الأغلبية في رئاسة الإقليم، ولا لرئيس الوزراء في محاولة لخلق كائن جديد باسم المعارضة، خاصة وإنها خاضت تجربة مريرة في اشتراكها بالكابينات السابقة وادعائها بأنها تحارب الفساد وتتهم الحكومة بأنها ضالعة فيه وهي جزء منها ومنه!

   هذا السلوك المهجن لصناعة معارضة بين المشاركة في الحكومة ومعارضتها في البرلمان استخدمته حركة كوران (التغيير) في دورتها الأولى بعد انشقاقها عن الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولم تجنِ ثمرا من ذلك التهجين، بل خسرت الكثير من أصواتها في الانتخابات الأخيرة، ويبدو إن الأحزاب الدينية حاولت استنساخ عملية التهجين في الدورتين السابقة والحالية، وها هي تحاول ثانية إقناع شارعها بأنها ستكون خارج السلطة التنفيذية لكي يتسنى لها معارضتها، رغم إن النتائج الأخيرة كانت مخيبة لأمالها في الجلوس على مقاعد برلمانية تعطيها نفوذا اكبر، بل على العكس  أعطت مؤشرا أكد إن شعبيتها النسبية التي كانت قد تحققت في دورات سابقة من الانتخابات إنما جاءت بسبب خلافات الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والاتحاد) وادعائها بأنها تحارب ظاهرة الفساد، مما تسبب في تورمها على شاكلة الأعراض الجانبية لبعض الأدوية، هذا التورم سرعان ما انكمش في الانتخابات الأخيرة وظهر حجمها الحقيقي ليس في الشارع الانتخابي فحسب بل لدى مساحات واسعة من الأهالي التي تؤمن فطريا بأنه لا علاقة للدين بالسياسة، وان الدين علاقة روحية ثابتة بين الفرد ومعتقداته، لا يمكن التلاعب بها وإدخالها في عالم السياسة المتقلب.

   وعلى ضوء تلك النتائج أقصت هذه الأحزاب نفسها عن المشاركة بالحكومة ظنا منها بأنها سترضي ما تبقى من مؤيديها، وتلملم مؤيدين جدد لصفوفها مستقبلا، وبذلك ولأول مرة منذ استقلال الإقليم ذاتيا وتشكيل حكومته الأولى في 1992م، تأتي الكابينة التاسعة لحكومة كوردستان خالية من أحزاب الإسلام السياسي، مما يعطي رغم كل التفسيرات انطباعا أوليا باتساع مساحات الثقافة المدنية وتكريس نظام علماني يحترم الأديان لكنه يبعدها عن فضاءات السياسة وإدارة الدولة، كمقدمات مهمة لتشريع دستور دائم للإقليم، تعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية على تحقيقه خلال دورتها الحالية.

kmkinfo@gmail.com



98
العشوائيات السياسية!

كفاح محمود كريم

   كما انتشرت العشوائيات السكنية حول المدن خلال العقود الأخيرة في كثير من بلدان العالم وخاصة بلدان الشرق أوسط، فان ظاهرة نشوء العشوائيات السياسية بدأت تنتشر هي الأخرى في معظم الأنظمة السياسية الشمولية، وخاصة تلك التي تم تغييرها خارج نسق التطور الطبيعي للمجتمعات بكل أشكالها ومظاهرها، فحينما تخرج الأمور عن سياقاتها القانونية أو المتفق عليها كأعراف أو قواعد تأخذ مأخذ القانون في إرساء النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تدخل إطارا أخرا بعيدا عما اتفق عليه، ويصبح عشوائيا لا يخضع لأساس منظم سواء كان قانونيا أم دستوريا، ويقترب من الفوضى واللا مسؤولية وعدم الانتماء، حيث شهدنا في مراحل غياب القانون وتسلط نظم اجتماعية بالية سواء كانت قبلية أو محرفة من معارف دينية سطحية أو ناتجة من أمزجة تخضع لسلطة المال والفساد، نمو مستوطنات عشوائية تتجمع فيها مختلف المستويات الاجتماعية، لكنها تتوحد تحت نظام اللا  قانون لتكون أول تعريف للعشوائيات السكنية التي تتطور تدريجيا لتشكل نمطا أخرا من السلوك والتفكير، ينتج ويؤسس لهياكل سلطوية لا انتماء لها إلا حاجياتها بصرف النظر عن كونها مشروعة أم غير مشروعة، كما حصل ويحصل اليوم في كثير من البلدان التي تم تغيير أنظمتها عموديا بشكل عشوائي خارج مراحل تطور النظم الاجتماعية والتربوية والسياسية ومنذ ما يقرب من نصف قرن.

   وتزامنا مع الظهور الجنيني لتلك العشوائيات وبدء مرحلة الانقلابات وتغيير الحكم بالقوة العسكرية الداخلية أو الخارجية وهيمنة قوى طارئة على مقاليد الحكم، ظهرت بواكير العشوائيات السياسية التي رافقها تشكيل مصطلحات ممسوخة أو مستنسخة من المدارس العالمية للنظم السياسية والاقتصادية وخاصة المدرستين الاشتراكية والرأسمالية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ونشوء دول الفلك الروسي وأنظمته الديمقراطية الشعبية، هذه المصطلحات الممسوخة من المدرستين انتشرت بعد أول انقلاب عربي في مصر وانطلاق شعار اشتراكيتنا العربية، المصنعة من مزيج ماركسي- رأس مالي لكي تلائم البيئة العربية والإسلامية على حد تبرير مصنعيها، هذه المصطلحات التي استُنسخت أو مُسخت من قبل تلك الأنظمة، التي أحدثت تغييرا فوقيا وفرضت هذه الأنماط السياسية والاقتصادية، مقحمة بلدانها في تجارب فاشلة ذهب ضحيتها ملايين من البشر ومليارات من الأموال، وضياع فرص ذهبية للتقدم والتطور، كما في اشتراكية البعث في سوريا والعراق واشتراكية عبد الناصر في مصر وليبيا والجزائر وغيرهم، وكذا الحال في الديمقراطيات العشوائية التي أنتجت برلمانات مشوهة تتحكم بها مجموعات من شيوخ القبائل والعشائر وفتاوى رجال الدين المتاجرين بالدين والسياسة معا، وبدعم مطلق من السحت الحرام الذي أنتجته ماكينات الفساد ومنظوماتها، حيث لا قيمة للانتخابات ونتائجها بسيطرة هذه العوامل على كل مفاصل التغيير والتداول في السلطات.

   ومن جهة أخرى ففي غالبية دول منطقتنا الموبوءة بانعدام سلطة القانون وفقدان العدالة الاجتماعية وارتفاع مستويات خط الفقر المدقع مقابل انخفاض مريع في الوعي والتعليم، يتم تدمير الناتج القومي واستهلاكه في بناء ترسانات عسكرية وأسوار الهياكل الأمنية للنظم السياسية وعناصرها في مفاصل الدولة، حيث تحولت بلدان هذه المنطقة وخاصة جمهوريات الانقلابات والربيع العربي إلى استهلاكيات واسعة، انتشرت فيها أنماط عديدة من العشوائيات السكنية والفكرية والسياسية، بل استطيع أن ازعم إننا إزاء بلورة نمط من الديمقراطية الفوضوية التي يمكن تسميتها بالديمقراطية العشوائية الناتجة من ذات البيئة التي تجمعت فيها شرائح (تعبانة) من المجتمعات على مختلف مستوياتها، ابتداءً من التجمعات أو الإحياء وصولا إلى نمط التفكير العشوائي الناتج من بيئة تلك العشوائيات.

   إن فرض نظام تداول السلطة على الطريقة الغربية في مجتمعات لم يتبلور فيها وعي وطني جامع ومفهوم للمواطنة وبنية تربوية وتعليمية تؤسس لقيام نظام اجتماعي وسياسي تقدمي ديمقراطي، بالتأكيد سيؤول إلى الفوضى التي نشهدها سياسيا واجتماعيا في معظم هذه البلدان وفي مقدمتها العراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث التقهقر والانكفاء في دهاليز أنظمة بالية متخلفة تتحكم فيها مجموعات وشلل طارئة من الشيوخ الفاسدين وحيتان السحت الحرام ورجال الدين المنحرفين الذين أقحموا قداسة العقائد في متاجرات السياسة فشوهوا الدين والسياسة معا، وأنتجوا على مقاساتهم ديمقراطية عشوائية أسوء من سابقاتها الأنظمة الدكتاتورية، ولا تختلف في مضامينها عن سلوكيات تلك العشوائيات التي نمت وترعرعت حول المدن الكبيرة.


99
المنبر الحر / افهموا الدرس..!
« في: 12:04 26/05/2019  »
افهموا الدرس..!

كفاح محمود كريم

   منذ تأسيس مملكة العراق وحتى يومنا هذا، ولعنة الحرب والدمار عالقة بذيول دشاديش حكامها، فما من ملك أو رئيس، إلا وحلم بأنه عنترة بن شداد ليستيقظ صباحا فيتوهم انه نابليون بونابرت أو جنكيزخان، وكانت أولى تدريباتهم في كوردستان منذ مذبحة سميل ضد الأشوريين وحتى محرقة حلبجة والأنفال وما تلاها من محاولات لاجتياح الإقليم وإلغاء وجوده قبل ما يقارب السنتين، وعبر التاريخ السياسي والعسكري للعراق منذ 1958م حينما أسقطوا الملكية وحولوها إلى جمهورية، بدأ التهافت على عسكرة الدولة والمجتمع، فكلما بلطوا شارعاً أو بنوا جسراً اشتروا طائرة أو دبابة لمشروع حرب لا مناص منها، كأنما تلك الثقافة البائسة التي يمارسها القروي أو البدوي أيام زمان حينما تكثر أمواله فيحتار ماذا يفعل بها، فإما الزواج على رأس زوجته أو زيجاته أو شراء بندقية كخطوة أولى لمشروع استثماري في القتل، وهكذا حال معظم أنظمة الحكم التي توالت على (اغتصاب) العراق.

   والمصيبة الأكبر تلك التي وقعت بعد تسلط حزب البعث والتيار المتطرف فيه على كل مفاصل الدولة العسكرية والأمنية، أولئك الذين قفزوا إلى القصر الجمهوري ليطبقوا نظريتهم الانقلابية في تموز 1968م، وأوهموا الناس بأنهم ورثوا دولة من خرائب وأطلال، فباشروا بتبليط عدة شوارع وبناء عدة مجمعات سكنية ومجموعة مستشفيات ( ليبلشوا ) أي ليشرعوا في حروب ما زلنا ندفع فواتيرها إلى أن يشاء الله، ويهتدي خلفائهم في بناء دولة مدنية تعتمد العقل والحكمة والعلم والثقافة والتحضر أساسا في قوة البلاد الدفاعية والهجومية، بدلاً من الطائرات والدبابات والمدافع، كما فعلت ألمانيا وشقيقتها إمبراطورية اليابان بعد انتكاستيهما العظمى في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الدرس بليغاً والخسائر أعظم، ولكن الأكثر روعة ونُبلاً وفروسية هو موقف الحكماء فيهما، حينما قرروا ترك لغة السلاح والتسلح واستبدالهما ببناء دولتيهما وتطوير مجتمعاتهما في إطار مدني متحضر، أنتجوا خلال أقل من نصف قرن دولتين عظيمتين في تطورهما الحضاري والتقني والعلمي والاجتماعي وفي كل نواحي الحياة حيث تغطى وفرتهما المالية ما تنتجه ثلث دول العالم؟

   وفي بلادنا التي اكتوت بنيران حروب فاقت في مجموعها حرباً عالمية عظمى خسرت فيه الأخضر واليابس،  وتحولت البلاد من أغنى  بلدان العالم وأثراها وأجملها إلى أفقرها وأفشلها وأوسخها، وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على إسقاط نظام الانقلابات، فشلت الإدارة الاتحادية في إقناع الشارع العراقي بأنها البديل الأفضل رغم هامش الحرية، فقد تقهقرت الخدمات بشكل مريع حتى تحولت إلى أزمة كبيرة لا يمكن حلها بهذه العقلية، خاصةً وأنها شرعت منذ فترة إلى ذات الثقافة في بناء ترسانة عسكرية في بلاد أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر والآخرين يعانون من نقص كارثي في الطاقة بكل أنواعها، وتدهور مريع في الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية إضافة إلى انعدام حلقات مهمة من الصناعة والإنتاج، وتحول نمط الحياة إلى نمط استهلاكي بعد إغراق الأسواق بالمستوردات الزراعية والغذائية من دول الجوار حتى توقفت معظم أنواع الصناعة والزراعة، ولم نعد نملك خارج إقليم كوردستان إلا النفط والمزارات الدينية!؟

   يبدو أن الحاكمين اليوم لم يفهموا الدرس الذي تلقنه نظام صدام حسين ومن يأتي إلى حكم العراق إلى أبد الآبدين كما يقولون، فهو الذي كان يمتلك واحدا من أكبر وأقوى جيوش المنطقة، وسخر إمكانيات دولة من أثرى دول العالم للتصنيع العسكري والتسلح، بل إن أغنى دول العالم في الخليج كانت حليفته بل مرضعته خلال عقد كامل من الحروب، فماذا أنتج، وإلى أين وصل هو وجيشه وحكومته وحزبه الذي بناهم خلال ما يقارب أربعين عاما بآلاف المليارات وملايين العراقيين من القتلى والجرحى والمعاقين والمحرومين!؟

   فهل انتهى الدرس كما قال الممثل محمد صبحي في مسرحيته (انتهى الدرس يا غبي) لكي نقول افهموا الدرس إلا يكفي ما جرى عبرة لمن لا يعقلون ولا يفقهون!؟

kmkinfo@gmail.com

100
ديمقراطيات الشرق الكمالية!

كفاح محمود كريم

   لكي لا تبتعد كثيرا عزيزي القارئ وتذهب إلى أبو تركيا الحديثة كمال أتاتورك فيما وصفته هنا بالكمالية، حيث اقصد ما اعتدنا على تسميته هنا بالكماليات وهي المواد أو الأجهزة المكملة أو التجميلية مثل الإكسسوارات وبعض الديكورات من تحف ولوحات وثريات مما يوصف لدى غالبية الأهالي بأنها من الكماليات غير الضرورية، ومن هذا التوصيف أو التشبيه أحاول  الدخول إلى مفاهيم وتعريفات لنظام اجتماعي وسياسي في جزئيته المتعلقة بتداول السلطة وعملية الانتخاب، محاولا كشف عورات هذا النمط مما يسمى بالديمقراطية في دول الأمية الأبجدية الحضارية وتعددية الانتماء والغالبية المدقعة، وعدم بلورة مفهوم المواطنة مع طغيان القبلية والطائفية والمناطقية.

   بين ديمقراطية الغرب والديمقراطيات الشرقية وخاصة الديمقراطيات الشعبية سيئة الصيت التي حكمت مجموعة من الدول بعد الحرب العالمية الثانية وأنتجت مجموعة كائنات سياسية للزينة فقط، حالها حال الإكسسوارات التجميلية تشبها بتعددية الأحزاب في الديمقراطيات الغربية، وكنا قد أطلقنا عليها في مقالات سابقة (أحزاب الزينة)، والفارق بين الديمقراطية الغربية وديمقراطيات الزينة بون شاسع لا يسمح بإجراء أي مقارنة نوعية، خاصة وان الآليات المستخدمة هي ذاتها، تعددية الأحزاب وصناديق الاقتراع والانتخابات والاستفتاءات، لكن حقيقة الأمر تختلف كليا في الكيف والنوع والدوافع فيما يتعلق بالذين يضعون أرائهم في صناديق الاقتراع، ناهيك عما يسمى بالديمقراطية المركزية وما تلاها من سفسطة البعث وقبله التيارات القومية التي أسست مسارح للتطبيل والتزمير فيما سمي بالجمعية الوطنية أو مجالس الشعب أو الاتحاد الاشتراكي أو الهيئات الاستشارية (الشورى) وأمثالها ممن تشترك جميعها في صفات فقدان اللون والطعم والرائحة.

   أما ما يحدث هذه السنوات من تجارب في البلدان التي اكتسحتها العصا الأمريكية والأوربية من محاولات تطبيق النظام الغربي في تداول السلطة بالاعتماد على الناخبين وممثليهم في البرلمان، فهي أكثر سخرية من تلك الأنظمة المطرودة، حيث تستخدم ذات الصناديق التي استخدمها البعث واللجان الشعبية وأحزاب المؤتمرات القومية والاتحادات الاشتراكية ومجالس الشعب والشورى، واستبدل الرفيق البعثي أو الأخ في اللجان الشعبية وأمثالهم في كوادر تلك الأنظمة إما برجال دين أو رؤساء ميليشيات أو فتاوى دينية أو مذهبية أو أوامر صارمة من الشيخ العام للقبيلة، فهم ايضا يقومون بواجب التلقين للناخب المسكين المصاب أصلا بفقدان الوعي السياسي والبلاهة الفكرية والحضارية، بل أنهم طوروا بعض الآليات في التصويت، إذ أنهم يؤجرون وثائق الناخبين فترة التصويت بما انعم عليهم الله من أموال، بدفوعات حسب قانون الشارب والمقص، ويصوتون بشكل جماعي بدلا عنهم حفاظا على راحتهم ووحدة الموقف والمصير والسيادة!.

   وإزاء ذلك وهذا النمط من السلوك تنصاع الغالبية العظمى وتحت ضغط مختلف أساليب السيطرة الدينية أو المذهبية بفتاوى رجال الدين، أو رغبة شيخ القبيلة أو العشيرة، أو برضوخها لإرادة سيد الشجعان الجبناء الفقر لانتخاب مرشحي أولئك المهيمنين على النظام السياسي، في طوابير مراكز الانتخابات ليحظى كل ناخب منهم إما بدجاجة أو كارت موبايل أو فرصة تعيين أو سندات تمليك أراضي ولكن بعد فوز المرشح المعني، وذلك بتلقين الناخب القطيعي المصاب بالبلاهة السياسية أصلا باسم المرشح والحزب والكتلة.

   ترى ما الذي اختلف لدينا عما شهدناه منذ تأسيس هذه الدول والكيانات السياسية من قبل موظفين من وزارتي خارجية بريطانيا وفرنسا، فالدكتاتورية لم تزول بإسقاط هياكلها الإدارية، ففي السابق كان الحزب الحاكم والقائد الضرورة يوجه حتى الأسرة الواحدة بالتوجه إلى صندوق الاقتراع وتحديد اسم المرشح أو الفئة التي تنتخبها الأسرة، واليوم تم استبدال الرفاق الحزبيين برجال الدين والشيوخ والسحت الحرام، ولان المجتمع لم يتغير ولم ينتج بيئة لتطور نظام جديد، بل حصل العكس تماما في معظم الدول التي أسقطت أنظمتها عموديا، ولم يعد من المستطاع الاعتماد على رأي غالبية السكان المسيطر عليهم دينيا ومذهبيا وقبليا واقتصاديا، ولذلك فان المنتج على مستوى المؤسسات التشريعية والتنفيذية لن يرتقي في نوعيته مستوى نوعية السكان ووعيهم وحرية الاختيار لديهم، وبهذه التساؤلات وغيرها نكتشف حقيقة مشهد النظام السياسي الذي يطلقون عليه بالديمقراطي، وهو في الأصل لم يختلف كثيرا عن كل النظم السياسية التي سبقته منذ نصف قرن على الأقل، ويبدو إن زمنا طويلا سيتم استهلاكه مع كل فرص التقدم حتى نصل أفقيا إلى نوعية رفيعة تؤهل الناخب لاختيار صحيح ينتج مؤسسات تمثيلية أو تنفيذية حقيقية يعتمد عليها في بناء الدولة.

   وحتى ذلك الحين سيبقى القطيع يتمتع بديمقراطيات الزينة، بينما تستمر حيتان السياسة والاقتصاد تمارس عملها في البقاء والتكاثر!

kmkinfo@gmail.com


101
كرسي الحكم وخراب البلد

كفاح محمود كريم

   احتار العراقيون بين الاحتفال بسقوط نظام صدام حسين وبين إهماله على خلفية إن الإسقاط كان بيد الأمريكيين وليس العراقيين، وان ما حصل بعده كان أسوء مما مضى، كما احتار العرب في عمان والقاهرة ودمشق وبيروت والجزائر وصنعاء بين كونه قائد عروبي قدم لهم خدمات كثيرة وبين دكتاتور آذى شعبه مقابل تلك الخدمات، وبين هذا الرأي وذاك يمتد زمنا من الثامن من شباط 1963م وحتى التاسع من نيسان 2003م، تلك الحقبةٌ الزمنية ونظامها الذي لم يعرفه عرب تلك العواصم ولا كثير من الذين كانوا يهرولون وراء مزايا وامتيازات العمل معه، حقبة ضمت أحداثاً ومآسياً؛ وحروباً وعمليات إبادة غيبت مئات الآلاف من الكورد والعرب، وأوهمت الناس بمستقبلٍ زاهرٍ فإذ بهم في بحر من الظلمات، خدرت ملايين العرب بشعارات وردية وصورت لهم وطناً افتراضياً يمتدُّ من المحيط إلى الخليج، فإذ بهم أصحاب الحقبة السوداء يئدون أول وحدة بعثية قبل ولادتها بين دمشق البعثية اليسارية وبغداد البعثية اليمينية حسب تصنيفهما لبعضها الآخر.

   كذابون مُتاجرون مُزايدون متلونون متأرجحون، من الكويت محافظة عراقية إلى اعتبار احتلالها خطأ قاتل، ومن العدو الفارسي الصفوي إلى الجارة العزيزة ايران وأثمانها على عشرات الطائرات العراقية، منافقون ومراوؤن، في الصباح مع السوفييت والسهرة مع الأمريكيين، لا عهد لهم ولا وعد، اتفقوا مع الكورد وخانوهم، ومع الشيوعيين فأبادوهم، ومع القوميين العرب والمستقلين فأذابوهم في بوتقتهم.

   قتلوا الرضع والأطفال والنساء والرجال، ودفنوا ألاف مؤلفة وهم أحياء، عبثوا بمفاتيح الغرائز واستعبدوا البشر بإيديولوجية مقيتة، إنها حِقبة لا ينافسها في التردي والسوء إلا من جاء بعدها من الفاسدين واللصوص والقتلة الأوغاد الذين حولوا العراق إلى افشل دولة في العالم، إنهم عصابة حكمت حقبة ملوثة أرادوا فيها أن يحولوا العراق إلى قرية وعشيرة وليس وطنا وشعبا، تارة باسم العروبة وأخرى باسم الاشتراكية وثالثة باسم الحملة الإيمانية، فرضوا الحزب على الجميع دونما استثناء من تلاميذ الابتدائيات وحتى الجامعات والعساكر، فلا مدرسة ولا جامعة ولا وظيفة بدون تزكية من منظمات حزبهم، حولوا المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ميليشيا إرهابية، فأصبح العراق برمته مجرد فرع من فروع حزبهم، باستثناء القلة القليلة التي رفضت الانتماء لهم وعاشت ضنكها بين الاستدعاء والمراقبة والحرمان والاعتقال والهجرة، بسبب رفضها الانتماء لهم أو العمل معهم لأي سبب كان، إنهم عصابة توالت على حكم البلاد وارضخت الجميع إلى قوانينها وتعليماتها، وحينما شعرت أن بعضا منها يرفض ذلك فتكت بهم شر فتكا!.

   وبين الفرح بسقوطهم أو الأسى، يمتد هذا التاريخ الدموي وخلاصته؛ قسم صدام حسين الذي وعد فيه أن يجعل العراق حفنة من تراب لمن يريد إزاحته من على كرسي الحكم، وما حصل ويحصل من نيسان 2003 ولحد اليوم في عراق البعث وصدام حسين يدرك جيدا حقيقة الواجهات والعناوين التي عملت تحتها وورائها منظمات وأحزاب وحركات وشخصيات وما تزال تعمل ليل نهار في تهديم العراق وإفشال إي محاولة للخروج من نفق ذلك النظام!

kmkinfo@gmail.com


102
المنبر الحر / سقط صدام.. ولكن!
« في: 23:43 17/04/2019  »
                             سقط صدام.. ولكن!

 

كفاح محمود كريم

 

  بين الثامن من شباط 1963م والتاسع من نيسان 2003م، حقبةٌ زمنية ضمت أحداثاً ومآسياً؛ كذلك حروباً وعمليات إبادة غيبت مئات الآلاف من الكورد والعرب، وأوهمت الناس بمستقبلٍ زاهرٍ فإذ بهم في بحر دماء، خدرت ملايين العرب بشعارات وردية صورت لهم وطناً افتراضياً يمتدُّ من المحيط إلى الخليج، فإذ بهم أصحاب الحقبة السوداء يئدون أول وحدة بعثية قبل ولادتها، كذابون مُتاجرون مُزايدون متلونون، في الصباح مع السوفييت والسهرة مع الأمريكان، لا عهد لهم ولا وعد، اتفقوا مع الكورد وخانوهم، ومع الشيوعيين فأبادوهم، ومع القوميين العرب والمستقلين فأذابوهم في بوتقتهم، قتلوا الرضع والاطفال والنساء والرجال، ودفنوا الاف مؤلفة وهم احياء،عبثوا بمفاتيح الغرائز واستعبدوا البشر بايديولوجية مقيتة، إنها حِقبة لا ينافسها في التردي والسوء إلا من جاء بعدها من الفاسدين واللصوص والقتلة الأوغاد، انهم عصابة فاشية حكمت حقبة ملوثة أرادت فيها عراقا كما تهوى نفوسهم المريضة بداء الدكتاتورية والطغيان والعنصرية والفاشية المقيتة، تارة باسم العروبة واخرى باسم الاشتراكية وثالثة باسم الحملة الايمانية، فرضوا الحزب على الجميع من تلاميذ الابتدائيات وحتى الجامعات، فلا مدرسة ولا جامعة ولا وظيفة بدون تزكية من منظمات حزبهم، حتى حولوا المؤسسة العسكرية والامنية الى ميليشيا لحزبهم ولرئيسهم، فاصبح العراق برمته مجرد فرع من فروع حزبهم، باستثناء القلة القليلة التي عاشت ضنكها بين الاستدعاء والمراقبة والحرمان ممن رفض الانتماء لهم او العمل معهم لأي سبب كان.

 

   ويتذكر العراقيون الذين عاصروا أول ستينيات القرن المضي وأحداثها خاصة تلك التي صممت لإيقاف أولَّ مشروعٍ لبناء دولة عصرية عراقية، ومنذ الساعات الأولى لانقلاب البعثيين على الحكم في العراق إبان حكم الزعيم قاسم، بانت عوراتهم وأفكارهم الدموية التي خلفت خلال أقل من شهر الآف الجثث في شوارع بغداد وأزقتها من المناوئين على مختلف مشاربهم وأعراقهم ومذاهبهم السياسية والدينية، ولم تكُ الموصل وكوردستان بأحسن حالاً من بغداد في حصتيهما من المغتالين والمغيبين تحت شعارات البعث وأفكاره المغلقة، وما يزال صدى صرخة والدتي ووالدي حينما تمت قراءة البيان الأول لِمَ سُمي بـ"عروسة الثورات" ترن في مسامعي، وهي تقول: "انهجم بيت العراق".ممزوجة اليوم وأمس بأصوات انفجار السيارت المفخخة في الموصل حتى قبل سيطرة داعش عليها، وصيحات الله أكبر أثناء ذبح بني أدم على أرصفة دورة اليرموك في مدينة الموصل سنوات منذ عام 2006 وما بعدها، مقترنة بذات الصيحات حينما كان فدائيو صدام يذبحون عشرات النسوة من محضياتهم بتهمة الدعارة، تلك الصيحات التي تكررت صباح 17 تموز 1968م حينما أعلن الراديو عودتهم الثانية، وبداية لحمامات من الدماء لا أول لها ولا آخر، وهروب ملايين من أبناء وبنات العراق ممن اختلفوا معهم فكرياً إلى كل أصقاع العالم، بينما ذاق الأمرين أولئك الذين التصقوا بأراضيهم، وفي مقدمتهم الكورد الذين قدموا مئات الآلاف من الشهداء والمغيبين من أجل أن تبقى كوردستان نقية رغم كل أساليب التغيير الديموغرافي العنصري الذي استخدمته تلك الثورة الفاشية!

 

   لقد عجز العراقيون من إسقاط ذلك النظام المعقد اجتماعياً وسياسياً وأمنياً، حتى وصل الأمر بتمني غالبية الأهالي زواله حتى وإن كانت الشياطين بديلاً له، ولم يكن هناك مناص إلا بدولة عظمى أو تحالف عالمي يعمل من أجل إسقاط نظام الأنفال وحلبجة والقبور الجماعية، نظام المفوضين الأمنيين والمعتمدين والرفاق الحزبيين، الذين تعودوا على إرهاب الأهالي بتقاريرهم ومساوماتهم، بل وحتى استعدادهم لإعدام آبائهم أو أقربائهم وأصدقائهم قَرابينَاً للنظام ورئيسه، ولأجل ذلك ولدراية الولايات المتحدة وحلفائها بأن العراقيون لن يستطيعوا إسقاط ترسانة نظام صدام الإرهابية، ولمصالحها الاستراتيجية في المنطقة خاصة مع بدء الأتراك بالابتعاد من أفقهم وبتعملق إيران على خلفية ايديولوجية دينية، شنوا حرباً عالمية لإنهائه وتحطيم هيكله الإداري والعسكري، لكنهم فشلوا في اقتلاع ثقافته وسلوكه المتكلس في مفاصل غالبية من يحكم هذه البلاد منذ أيام الحجاج وحتى يومنا هذا.

 

   لقد تم إسقاط صدام حسين وتشتيت حزبه وتقتيل معظم كوادره المتقدمة، فهل فعلاً انتهت حقبة صدام والبعث على أرض الواقع مع غالبية انتهازية تصفق لكل من يتبوء موقعاً مهماً في الدولة فما بالك إذا كان يدعي بأنه وكيل الله وأنبيائه على الأرض!؟

   فعلاً انهجم العراق بمجيئهم وبرحيلهم!


103
شعلة نوروز اطفأت نيران داعش.. ولكن!

كفاح محمود كريم

منذ أن استطاع كاوه الحداد أن يحطم جبروت الدكتاتورية والاستبداد في شخص الملك الضحاك وتصبح شعلته عنوانا للحرية والانعتاق، لم ينتصر الكورد انتصارا عالميا وانسانيا كما حصل خلال العامين الاخيرين من القرن الواحد والعشرين، حيث نجحت قوات البيشمركة في كوردستان العراق والمقاتلون في سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية من تحطيم هيكل منظمة ما يعرف بتنظيم الدولة داعش، وأسقطت خلافتها المزعومة منذ 2014 حينما أعلنها مغامر عقائدي مهووس بالذبح على الطريقة الشرعية والمسمى أبو بكر البغدادي، وكتبت عليهم المذلة والعار إلى يوم يبعثون، بعد أن حاولوا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مبتكرين كيانا مسخ، يقتات على الدماء والسحت الحرام، ويعتمد الاغتصاب والسلب والنهب غنائم لقيام دولته السوداء تحت أجنحة الظلام.

   مرة أخرى يفعلها المقاتلون الأشداء أبناء كوردستان ورجالها البواسل في قوات البيشمركة والقوات المسلحة العراقية، حينما حطموا أسطورة الخوف الهولاكي الذي اعتمدته داعش في إسقاط المدن والبلدات، بسلوكياتها الهمجية المتوحشة في فنون القتل والتمثيل بالجثث، أو ببسالة أبطال قوات سوريا الديمقراطية حينما مرغت أنوفهم وجباههم في أوحال المذلة والانكسار أمام جحافل الضوء والحضارة، فحينما كانت داعش تضع الأسرى في أقفاص الحديد وتحرقهم، كانت قوات البيشمركة وسوريا الديمقراطية تمنح أسراهم فرصة التمتع بإنسانيتهم وحقوقهم الآدمية، معالجة جرحاهم ومحافظة على حياة أسراهم، انه البعد الضوئي بين حضارة هؤلاء وهمجية وبدائية أولئك الوحوش الخارجين من بواطن التاريخ المظلمة ودهاليزه السوداء.

   صحيح نجح هؤلاء الأشاوس في تحطيم ذلك الكيان المرعب وهيكله العسكري، لكن قراءة وإصغاء لنساء أولئك الجبناء الذين سلموا نسائهم وأطفالهم بيد أعدائهم، يتوقف المرء أمام هذا الكم الهائل من الفكر ألظلامي وعمليات غسل الادمغة وإملائها بتلك العقائد الفاسدة، حتى كأنك وأنت تصغي لهم تحلق خارج فضاء هذا الكون وحضارته، إنها فعلا مأساة أكثر تعقيدا من كيانهم المسخ.

   لقد سقطت دولة السبي والاغتصاب، لكن خرافتها ما تزال تعشش في أدمغة مئات الآلاف من النساء والشباب والتلاميذ الذين تتم تربيتهم وتلقينهم بعقائد فاسدة، وفهم متطرف للديانة أو المذهب، إلى درجة تبيح قتل المختلف والتفنن في إبادته والاستحواذ على أمواله وبنيه وبناته، في واحدة من أبشع مسوغات العقائد لتبرير الجرائم تحت مظلات الديانة والمعتقد، والأكثر خشية إن رد الفعل سيكون أبشع لدى الكثير ممن يشابههم في السلوك حتى من الضحايا، وقد شهدنا جميعا عمليات الانتقام من عناصر داعش الذين وقعوا في اسر بعض الفصائل سواء في العراق أو سوريا، ولذلك نحن أمام دوامة أو حلقات من الفعل وردود الفعل في مجتمعات متخلفة وبيئات تتحكم فيها قيم بدوية وقبلية مغمسة بعقائد ساذجة من أشباه الأميين الذين نصبو أنفسهم وكلاء للرب أو الأنبياء، ومزيد من الضحايا ذبحا أو حرقا أو استعبادا.

   إن اخطر ما يواجه حكومات الدول العربية والإسلامية هي كيفية تطهير العقول من بذور تلك الأفكار وانتزاعها قبل نموها وانتشارها، خاصة وان معظم المناهج الدينية التي تدرس من الابتدائيات وحتى الجامعات الإسلامية المتخصصة ما تزال تلقن طلبتها تعاليم متشددة ومتطرفة في تكفير الآخر المختلف، وإباحة قتله إن لم ينضو تحت مظلتها، أو اعتباره منتقص الآدمية والمواطنة، مما يجعلها قاعدة للانطلاق إلى الذروة في إقامة دولة على نسق ما قدمته لنا داعش منذ 2014 ولحد إسقاطها في الموصل وباغوس.

   لقد اطفأت شعلة نوروز هذا العام نيران داعش السوداء، فهل سينجح الاخرون في تجفيف منابع خرافتها وافكارها الظلامية!؟

kmkinfo@gmail.com

 





104
الخروج من دائرة الفعل ورد الفعل

كفاح محمود كريم

   في 25 أيلول 2017م ذهب شعب إقليم كوردستان إلى الاستفتاء حول مصير علاقته مع الجزء الآخر من العراق، بعد محاولات عديدة خلال أكثر من قرن لرأب الصدع وبناء علاقة متينة تحكمها قناعة هذا الشعب بضرورة بقائه في دولة اتحادية ديمقراطية مع العراق العربي، إلا إن ما حدث بعد الاستفتاء أشار إلى أن صيغة التعاطي مع قضية كوردستان وشعبها ما تزال كما كانت منذ تأسيس المملكة العراقية، حبيسة نهج واحد وإن اختلفت الوسائل والأدوات وفي مقدمة ذلك نهج الإقصاء والتهميش، بل واستخدام أكثر الوسائل بشاعة في الإبادة سواء بالأسلحة الكيماوية كما حدث في حلبجة وبقية المدن والقرى الكوردستانية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي أو كما حصل في فرض الحصار على شعب كوردستان، بحرمانه من حصته في الموازنة السنوية وقطع مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين منذ 2014م، بغية تجويع الشعب وإشاعة الفوضى ومحاولة إسقاط فيدرالية كوردستان من خلال استخدام القوات المسلحة وملحقاتها في اجتياح المناطق المستقطعة من الإقليم بسياسة التغيير الديموغرافي التي استخدمها البعث منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

   وبعيداً عن التأويلات والتفسيرات وما سوقته وتسوقه أجهزة دعاية السلطة في اتهاماتها للإقليم وشعبه وقيادته، تبقى الحقيقة ثابتة في قانونها بعيداً عن الجزئيات؛ ولأن لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، كما قال إسحق نيوتن عالم الفيزياء المثير في قانونه الثالث، ولكون حركة الحياة واحدة في أساسها والنظم السياسية كائنات حية، وسلوكها وأفعالها الجمعية تعتبر فعل واقع ومؤثر كفعل أي جسم أو كتلة في تأثيرها، فإن التهميش والإقصاء وهضم الحقوق والاضطهاد كأفعال وسلوكيات كان لها ردود أفعال بذات القوة كما قال لنا عالم الفيزياء دونما أن يدرك إن في السياسة كتل وأفعال وانعكاسات تنطبق عليها نظريته وقوانينه.

   لقد أدت عمليات الاضطهاد والتهميش والإقصاء لشعب إقليم كوردستان وحقوقه، إلى ردود عنيفة تمثلت بالانتفاضات والثورات منذ مطلع القرن الماضي بانتفاضة الشيخ عبد السلام بارزاني (1909-1914) وحتى قرار الاستفتاء في 25 أيلول 2017م، حيث جربت كل الأنظمة التي حكمت هذه البلاد مختلف الأفعال السيئة في التحايل والتسويف والكذب والمراوغة وصناعة الخيانة وأفواجها أو أحزابها الكارتونية، وأنواع الحروب البرية والجوية والكيماوية ولم تحقق إلا المزيد من الخراب والدمار والدماء للعراق، واليوم وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على إسقاط دكتاتورية البعث وصدام حسين، وبعد سنة من اجتياح كركوك وسنجار وخانقين، فإن عمليات التغيير الديموغرافي جارية بشكل بشع مضافاً إليه التغيير المذهبي في كركوك والموصل، والتطهير العرقي والمذهبي في طوزخورماتو، وفي سنجار عادت عملية صناعة (الأفواج الخفيفة) سيئة الصيت بمسميات مختلفة ومبدأ واحد، ناهيك عن محاولات إعادة تدوير صناعة قوميات وأحزاب كارتونية، وكذا الحال في سهل نينوى وخانقين ومخمور وزمار، وهذا يعني إن الفعل الذي أنتج الثورات وبعدها الاستفتاء ما يزال قائماً، مما يطلب من الحكومة الجديدة ورئيسها الذي يتمتع بمقبولية من لدن زعماء كوردستان، أن تعي خطورة ما يحدث وأن تدرك جيداً العلاقة بين الفعل ورد الفعل، وتعرف حقيقة شعب لا يرتضي إلا أن يعيش حراً أبياً إما في دولة اتحادية تعددية ديمقراطية بشراكة حقيقية أو في دولة حرة مستقلة آجلا أم عاجلاً.

kmkinfo@gmail.com

105
كوردستان بين الإقصاء والاستفتاء!

كفاح محمود كريم

   بعد أكثر من سنة من إجراء استفتاء كوردستان ما يزال البعض يربط بينه وبين إعلان الدولة والاستقلال، مدعيا بأن العملية برمتها مؤامرة إمبريالية صهيونية يراد منها تقسيم البلاد واقتطاع جزء من أراضيها وسيادتها، دونما الغوص في الأسباب والمسببات، بل دونما فهم عقلاني لعملية الاستفتاء كممارسة إنسانية ديمقراطية متحضرة، باتهامات أدمن عليها منذ تأسيس مملكة العراق، ومن يعارض حكامها فهو عميل وخائن يستحق القتل والإبادة، كما فعلوا منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اجتياح كركوك واستباحتها مع شقيقاتها. المدن التي عملوا منذ قرن على تشويهها ديموغرافيا وبأسلوب عنصري مقيت، هذا السلوك ممزوج مع فعالياتهم التي شهدناها في الأنفال والمقابر الجماعية، والمدن التي أحرقت بالأسلحة الكيماوية خير دليل على ثقافة التعامل مع الآخر المختلف تحت مضلة دكتاتورية قومية أو مذهبية رعناء.

   تصور الكثيرون إننا إزاء مرحلة جديدة من قيام نظام سياسي يضع أمام أنظاره كل تلك المشاهد المرعبة، مستخلصا منها دروسا ترسم له خارطة طريق جديدة تبنى على أساسها دولة يعتز بها مواطنوها، وتعوضهم عما فاتهم من فرص ومن خسائر نتيجة تلك المآسي، كما حصل في الكثير من البلدان التي تسببت أنظمتها النازية أو الفاشية في كوارث ومآسي للشعوب، لكن ما حصل خلال أربعة عشر عاماً بعد أن أسقط الأمريكان نظام حزب البعث ورئيسه صدام حسين، وخاصة في التعاطي مع ملف كوردستان، لم يختلف كثيراً عما نالته خلال فترة الحصار أو عما قبله بإقحام القوات المسلحة وتوابعها في حل النزاعات مع الإقليم بأخطر خرق للدستور؛ وذلك باجتياح المناطق المستقطعة من كوردستان والمشوهة ديموغرافيا والمعروفة بالمناطق المتنازع عليها وهي ليست كذلك؛ لأن النزاع الحقيقي هو مع من أحدث فيها تغييرات اجتماعية وقومية ومذهبية بغرض سلخها من كوردستان، ولذلك أفرد لها قانون إدارة الدولة المادة 58 والتي لم تنجز بسبب ذات العقلية الحاكمة، وفي عملية تمييع وتسويف تم دفعها إلى الدستور الدائم والتي عرفت بالمادة 140 التي يناضل الحاكمين في بغداد على عدم تنفيذها، بل العمل المضاعف من أجل إلغائها وعودة سياسة التعريب والتغيير الديموغرافي إلى كل من سنجار وكركوك وخانقين وطوزخورماتو وسهل نينوى، بذات الإدعاءات التي كانت الأنظمة السابقة تسوقها وتكيفها قانونيا.

   لقد بدأت عمليات الإقصاء والتهميش لكوردستان وشعبها بعد أقل من سنتين من دورة حكم المالكي الأولى، واستمر لحين إفراغ وزارة الدفاع والداخلية والمفوضيات المستقلة والكثير من الوزارات المهمة من الكورد، حتى بلغت نسبة وجودهم في الجيش أقل من 2% بعد أن كانت بحدود 20%، وهكذا دواليك في الخارجية وبقية الوزارات، وقد بلغ هذا التهميش والإقصاء ذروته بعد تحطيم الهيكل العسكري لمنظمة داعش، وتوهم البعض في إزالة الإقليم وإنهاء الفيدرالية. فما حصل في كركوك وسنجار ومخمور وزمار وطوزخورماتو أكد النية السيئة في اجتياح العاصمة أربيل وإسقاط فيدرالية كوردستان تحت غطاء ضبط الأوضاع وحفظ القانون كما كان يصرح عبادي وغيره ممن استهوتهم سلطة التفرد والاستبداد.

   إن التهميش والإقصاء وهضم الحقوق كان وراء كل ثورات وانتفاضات شعب كوردستان منذ مطلع القرن الماضي وانتفاضة الشيخ عبد السلام بارزاني (1909-1914) وحتى قرار شعب كوردستان وقائده مسعود بارزاني باستفتاء 25 أيلول 2017م، حيث جربت كل الأنظمة التي حكمت هذه البلاد مختلف الأساليب في التحايل والتسويف والكذب والمراوغة وصناعة الخيانة وأفواجها أو أحزابها الكارتونية، وأنواع الحروب البرية والجوية والكيماوية ولم تحقق إلا مزيد من الخراب والدمار والدماء للعراق، واليوم وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً على سقوط النظام الدكتاتوري، وبعد سنة من اجتياح كركوك وسنجار وخانقين، فإن عمليات التعريب جارية بشكل بشع مضافا إليها التغيير المذهبي في كركوك والتطهير العرقي والمذهبي في طوزخورماتو، وفي سنجار عادت عملية صناعة الجحوش والعملاء وتصنيع قوميات وأحزاب كارتونية، وكذلك الحال في سهل نينوى وخانقين ومخمور وزمار، مما يستدعي من الحكومة الجديدة ورئيسها الذي يتمتع بمقبولية من لدن زعماء كوردستان وأحزابها، أن تعي خطورة ما يحدث وأن تدرك جيداً العلاقة بين الإقصاء والاستفتاء، وتعرف حقيقة شعب لا يرضى إلا أن يعيش حرا أبيا بكامل حقوقه وتطلعاته في دولة اتحادية تعددية ديمقراطية بشراكة حقيقية.

kmkinfo@gmail.com

106
لكي يصبح البرلمان محترما!

كفاح محمود كريم

   في كل دول العالم وتجاربها السياسية هناك خدمة عامة يقوم بها المواطن لدفع ضريبة مواطنته وانتمائه لدولته ووطنه، وإزاء تلك الخدمة يتقاضى ما يسد مصاريفه بالحد الأدنى أو المتوسط واقصد بالخدمة العامة تحديدا الجندية حيث أنها تمثل ارفع أنواع الخدمة الوطنية العامة، ونتذكر جميعا مقدار مرتباتها وامتيازاتها وهي بالتالي رمزية لا تتعدى مصاريف جيب لأنها في الأصل ضريبة وطنية سواء كانت تطوعية أو إلزامية، وبالتالي فهي تقدم في أي وقت أو ساعة اعلي مستويات الخدمة وهي الدفاع حتى الموت عن الوطن ومصالحه العليا.
   بعد إسقاط نظام حزب البعث في العراق وبعض أنظمة الحزب والقائد الأوحد في ما سمي ببلدان الربيع العربي، تعرضت هذه المفاهيم والمصطلحات إلى تغييرات حادة أفقدتها معانيها الأصلية، وتحولت مؤسسات الخدمة الوطنية إما إلى ميليشيات مناطقية أو حزبية أو دينية أو مذهبية، وتلاشى أي مفهوم جامع للمواطنة وخدماتها الرفيعة، أو إلى قيادات لا يجمعها إلا التكسب ونهش المال العام تحت مسميات الامتيازات الواقية والحمايات القبلية، التي أدت إلى تفكك المجتمعات وتباعد الارتباطات بين مكونات وطبقات تلك الشعوب والدول.
   وبتحول الخدمة الوطنية إلى ارتزاق أو احتراف، لم يعد هناك رابط أو جامع غير المال الذي أصبح الطرف الثاني في معادلة العمل الوطني، وبذلك نمت طبقة من المتكالبين على المراكز القيادية في النظم السياسية البديلة، وأصبحت مؤسسات الدولة وسلطاته بازار أو سوق لبيع المناصب كما يحدث في العراق وأقرانه من دول الديمقراطيات العرجاء، حيث تحولت السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى مصادر للإثراء والصفقات التجارية والاستحواذ على المال العام تحت مسميات عديدة اقلها الامتيازات وأبشعها بيع وشراء المناصب، بينما نرى في معظم البلدان المتحضرة منح الامتيازات والتكريم للفنانين والأدباء والعلماء والمتميزين في إبداعاتهم ومواهبهم، حيث يتدافع الجميع من أجل توفير أرقى المستويات والفرص للناجحين في أعمالهم ودفعهم إلى الأمام، في الوقت الذي يتنافس في بلداننا الكثير من أجل إرباك الناجحين والمتميزين ومحاولة كبح جماحهم وتقدمهم وإفشالهم.
   وفي الانتخابات الاخيرة التي جرت في 12 مايو 2018م سألت أحد المرشحين لعضوية مجلس النواب عن دوافع ترشيحه فرد متألماً ومتعجباً من سؤالي، قائلا بعد أن سرد لي حالة البلاد، وكيف لا يرشح نفسه وهو أمام هذا الكم الهائل من الفساد، وبالتأكيد كان يعني ٲنه المنقذ والمخلص وٲنه سيفعل كذا ويستدعي الفاسدين ويحاسبهم في البرلمان، على غرار الاستدعاءات التي حصلت للوزراء والمسؤولين في الدورات السابقة، والتي أنتجت أجيالا من الحيتان لا مثيل لها في العالم، وبعد التي واللتان اعترف الأخ بأن وضعه تعبان، وبأن آخر ملجأ له هو البرلمان لتحسين أحواله بامتيازات حرامية الوطنية ومتسلقي سلم الديمقراطية العرجاء.
   هذه الامتيازات التي تجاوزت مثيلاتها في كل بلدان العالم قياسا بالمستوى المعاشي لتلك البلدان، بل أصبحت هدفاً لكل مُتاجر ومُغامر للحصول على كنز علي بابا ولصوصه الثلاثمائة وملحقاتهم من وزراء الغفلة وتُجار الصفقات القذرة، حتى أصبح البلد واحداً من أفشل البلدان وأفسدها في العالم، وأصبحت مدنه بما فيها العاصمة بقايا مدن كانت ذات يوم حواضر، ترتع فيها اليوم عصابات وميليشيات ونكرات اعتلت منصات الحكم والإدارة في أبشع حقب التاريخ التي تمر فيها الشعوب.
   تلك الامتيازات والسحت الحرام أو مغارة علي بابا ( مجلس النواب والحكومة والرئاسات الثلاث ) التي أصبحت بيد مجاميع من اللصوص والمتاجرين وأصحاب القومسيونات السياسية بعد استحواذها على كلمة السر في دخولها والهيمنة على معظم مفاصلها، حتى ليكاد المرء لا يفرق بين أولئك الذين يحملون على أكتافهم أعباء وطن جريح وبين طوفان الفاسدين الذين تجاوزوا أصحاب القضية بمزايداتهم وتقمصهم لشخصيات الوطنيين والمناضلين والمصلحين، بل إن أغلبهم فبرك له قصة نضالية على أيام حكم حزب البعث مُدعياً بأنه ٲحد أبطال المقاومة والمعارضة، وتبين بعد ذلك ٲنه مفصول لأسباب أخلاقية تتعلق بذمته في الاختلاس أو خيانة الأمانة أو الهروب من الخدمة الإلزامية أو القيام بالٲعمال الدنيئة، وقصص هؤلاء يعرفها العراقيون جيداً.
   وحينما تسأل ٲحد القائمين على الحكم لماذا كل هذه الامتيازات لموظفين بالخدمة العامة؟ يٲتیك الجواب بكل تفاهة وصفاقة بأنها تحمي صاحبها من الانحراف أو الاختراق من الأجنبي، حيث يجب أن يتمتع برفاهية لا مثيل لها لكي لا يخون وطنه ويصبح جاسوساً أو عميلاً لدولة أجنبية.
   أي منطق أو مبدأ وطني هذا وأي أخلاق تلك التي تدفع القائمين على السلطة والمال والتشريع بالربط بين الوطنية والانتماء والشرف الشخصي والمال وامتيازاته للنواب والوزراء وكبار المسؤولين؟
   بالله عليكم أية وطنية هذه التي تشترى بالامتيازات، وأي شرف تصونه الأموال؟
  هُزلت ورب الأكوان والأديان!
   وعلى هذه الأسس المخجلة وبالمقارنة تحت ذات المبدأ لن تبقى علاقة طاهرة ولا شرف مُصان ولا غيرة، لأنها وضمن هذا السياق سيتم حمايتها بالامتيازات ابتداءً بالزوجة والٲم والأخت وهكذا دواليك في عرف فاسد وسلوك منحرف لتبرير واحدة من أخزى السرقات واللصوصية باسم حماية المسؤول والنائب من الانحراف والجاسوسية.
   ولكي نستطيع أن نجعل الأهالي تحترم البرلمان وأعضائه والحكومة ووزرائها وكبار المسؤولين ولا ترتعب منهم وتحقد عليهم بسبب ليس امتيازاتهم غير العادلة وحماياتهم من عصابات العشائر والميليشيات، علينا أن نعمل من اجل رفع الامتيازات لكي يُصان الشرف والوطن، دونما ذلك ستبقى طبقة المسؤولين الكبار سلعة تُباع وتُشترى، حالها حال أي بضاعة يتم تداولها في الدكاكين!
   علينا أن نذهب إلى تشريع قوانين حديثة للخدمة الوطنية تلغي كافة الامتيازات الحالية وفي كل المستويات معتمدة على تشريعات قانون الخدمة المدنية أو تعديلاته بما يتوافق مع وضع البلاد وتجارب الشعوب الأخرى، واعتبار تلك الوظائف خدمة عامة حالها حال الجندية وبرواتب تقع ضمن سلم الرواتب ودرجات الوظائف مع مخصصات الموظفين التي كانت سائدة مثل بدل السكن والإيفاد وبشكل معقول لا يستفز الأهالي ووضعهم، واستبدال الحمايات بأفراد من الشرطة المحلية وبعدد معقول يتم تحديده حسب الحاجة الحقيقية مع مراعاة الوضع الأمني سلبا وإيجابا.
kmkinfo@gmail.com

   


107
ماكينة الفساد وتفريخ الاحزاب!
كفاح محمود كريم
   بعد ما يقرب من مائة عامِ على تأسيس مملكة العراق وستين عاماً من الحكم الجمهوري الدموي، وتجربة ممارسة تداول السلطة بدون انقلابات منذ خمسة عشر عاماً، تندفع عشية انتخابات البرلمان الأخيرة أفواج من الكيانات والكائنات السياسية على شكل أحزاب تجاوزت أعدادها 204 كياناً سياسياً، يندر أن يجد الباحث بينهم أكثر من عشرة أحزاب بمفهومها المعروف سياسياً وتاريخياً في العراق وكوردستان، مما أدى إلى إنتاج برلمانِ مُعاق يعاني أصلاً من شللٍ نصفي كونه يعمل بنصف هيئته، لأن المجلس الاتحادي معطل ومرفوض من قبل الحيتان المذهبية والقومية، ويتمتع أعضاؤه أي أعضاء هذا النصف رغم عَوقهِ بامتيازاتٍ لصوصية لا مثيل لها في كل دول العالم الغنية والفقيرة، مما جعل التكالب على تلك المواقع وتأسيس الأحزاب واحدة من أكثر عمليات الفساد بشاعةً في العالم السياسي.
   دعونا نعود قليلاً إلى الوراء حيث عرفت النخب العراقية النظام الحزبي مع مطلع القرن الماضي وتأسيس جمعية الاتحاد والترقي، وباستثناء ذلك لم تكن هناك خارطة سياسية حزبية إلا بعد تكوين المملكة العراقية، حيث بدأت بعض النُّخب بتأسيس جمعيات وأحزاب عمودية لا علاقة لها بالأهالي إلا بالاسم فقط، باستثناء الحزب الشيوعي العراقي وما تلاه من ولادة أحزاب قومية يسارية. كانت معظم الأحزاب الأخرى لا علاقة لها بالأهالي  إلا وقت الانتخابات كما يحصل الآن بعد ما يقرب من مائة عام. فقد ساد في العراق في فترة مابين  1921 وحتى 1958 نمط من تداول السلطة على الطريقة الغربية، حيث نجح البريطانيون في إقامة نظام ملكي برلماني تتبادل فيه النخب السياسية حينذاك كراسي الحكومة والبرلمان، لكنها ما لبثت أن انتهت بانقلاب عسكري دموي نفذته مجموعة من الضباط بتأييد بعض الأحزاب التقدمية والقومية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، هذا الانقلاب أو "الثورة" كما أُطلِق عليها، أجرت تغييراً حاداً في بنية النظام السياسي وأعلنت بديلاً للمملكة العراقية "جمهورية عراقية " اختلف مؤيدوها وعناصر تكوينها فيما بينهم لتتحول الجمهورية الخالدة إلى بحر من الدماء إثر انقلابٍ آخر أطاح بها وبزعيمها الأوحد في الثامن من شباط عام 1963 لتبدأ سلسلة من الحروب والصراعات لم تنتهِ حتى يومنا هذا!
   بعد هذه النبذة السريعة نعود إلى أيامنا المنحوسة هذه في ظل أحزاب الزينة وحسد العيشة التي تكاثرت وانشطرت بشكل سرطاني مُذهل يُعبر بشكل واضح عن تكالب مجاميع البحث عن السحت الحرام تحت يافطات بدأت بمنظمات أو دكاكين المجتمع المدني، وانتهت إلى أحزاب بيتية وعشائرية لا تمت بأي صلة إلى الواقع الاجتماعي ولا إلى حاجيات الأهالي، لأنها منتوج سيئ لمنتِج فاسد ومرحلة بائسة اختلطت فيها الألوان والأذواق، حتى لا يكاد المرء يميز بين الصالح والطالح!
   أقول قوليَ هذا في بلاد تأنُّ من جروح حروبها وقادتها وأحزابها وأنا أرى بلاداً حافظت على رصانة مجتمعاتها وتطورها واستقرارها وعززت أمنها وسلمها الاجتماعيين بلا مزايدات ولا شعارات فارغة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والعشرات من الدول والمجتمعات الشبيهة بدولتنا، لا تتجاوز أحزابها الخمسة عشر حزباً، تتداول السلطة فيما بينها حسب أدائها وتنفيذها لبرامجها المعلنة للجمهور دونما امتيازات ولا معاشات مغرية تتكالب عليها الذئاب.
   صدقاً لا خيرَ في دولةٍ كَثُرت أحزابها!
kmkinfo@gmail.com



108
العراق والتغيير الديموغرافي الخطير!

كفاح محمود كريم

   ربما كان البريطانيون الأوائل في إحداث التغييرات الديموغرافية التي تخدم مصالحهم وخططهم في تأسيس مملكة العراق، حينما استقدموا مئات العمال من مناطق بعيدة عن كركوك وإهمال أهاليها في الاستفادة من الاكتشافات الأولى للنفط في أراضيها، مما دفع زعماء كوردستان عبر التاريخ باتهامهم في إحداث تغييرات ديموغرافية عنصرية لصالح مجموعات أخرى، والاعتماد على تلك التوجهات والأساليب من قبل كل من حكم بلاد النهرين بمختلف الوسائل والأشكال، حتى تفاقمت بعد التغيير الحاد في النظام السياسي العراقي وتحوله إلى نظام جمهوري بانقلاب قاده الزعيم عبد الكريم قاسم، حيث بدأت من حينها عمليات تغيير ديموغرافي شمل معظم محافظات العراق ومدنه.

   تحت طائلة إنصاف الفقراء والمعدمين وصغار الموظفين المدنيين والعسكريين تم بناء عشرات  الأحياء السكنية حول المدن وكانت تظم في معظمها نازحين من الريف أو من بلدات أخرى قريبة أو بعيدة، سرعان ما تحولت تلك الأحياء إلى اسفنجة سكنية سحبت أعدادا هائلة من سكان الريف أو البلدات النائية إلى مراكز المدن والعاصمة تحديدا، وقد تطورت عمليات التغيير الديموغرافي وان اختلفت التسميات في حقبة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي منذ انقلابه في شباط 1963 وحتى إسقاطه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تكثفت في إحداث تغييرات عنصرية أو مذهبية حادة على المدن التي يطلق عليها اليوم في الدستور العراق بالمناطق المتنازع عليها، وهي مناطق تعرضت إلى عمليات تعريب حادة كما حصل في كركوك وخانقين ومخمور وسنجار وسهل نينوى ومناطق أخرى.

    لقد نجح نظام حزب البعث في ترييف معظم المدن العراقية وفشل في تمدين أي قرية من قراها طيلة ما يقرب من أربعين عاما من حكمه، الذي تفاوت بين التوجه الاشتراكي على طريقته الخاصة بإلغاء طبقة العمال وتحويلها بجرة قلم إلى موظفين، ونقل مئات الآلاف من الأرياف إلى المدن، خاصة شرائح الأميين وأنصاف المتعلمين كعناصر في الجيش والأمن والمخابرات والشرطة والجيش الشعبي وبقية أجهزته الخاصة، وتوطينهم في مراكز المدن بتسهيلات كبيرة، وتحويلهم إلى أدوات طيعة لتنفيذ برامجه السياسية، وبين تحوله الكلي إلى النمط الديني بإعلانه الحملة الوطنية الإيمانية التي فرضت تعليمات وتفسيرات دينية مشوشة، والاتكاء على رجال الدين تارة وعلى شيوخ العشائر تارة أخرى، أولئك الشيوخ الذين افتتح لهم دائرة خاصة في ديوان الرئاسة، مقسما إياهم إلى ثلاث موديلات أو درجات.

   وبعد أن أسقطت الولايات المتحدة الهيكل الإداري لنظام الدكتاتور صدام حسين في نيسان 2003 جاء النظام البديل الذي افترض معظم العراقيين بأنه سينتهج أسلوبا مغايرا ونظاما أكثر عدالة وتطورا، مكملا لذات النهج في إحداث تغييرات كارثية على المجتمعات العراقية وثقافاتها، فقد أصبحت معظم مدن العراق وحواضره التاريخية مجرد قرى كبيرة انتعشت فيها العادات والتقاليد القروية، وتعملقت البداوة في السلوك والممارسات التي قزمت دور القانون وهمشته إلى درجة إحلال نظامها وتقاليدها بدلا عنه في كثير من القضايا، بل إن قوانين العشيرة وأعرافها غدت هي سائدة تساندها مجاميع من المعممين ورجال الدين المسيسين الذين يفرضون إتاواتهم وقوانينهم وتفسيراتهم الخاصة للهيمنة على الأهالي، الذين يعانون من فقر مدقع وصل في آخر إحصائياته إلى ما يقرب من 40%، وأمية استشرت في نصف السكان المنتج تقريبا وبطالة خطيرة حولت غالبية الشبيبة في سن الإنتاج إلى الالتحاق بالميليشيات والمجاميع المسلحة سواء تحت غطاء الدولة أو التي تعمل لحساب شخصيات أو قوى أجنبية.

   والمراقب لحركة المدن العراقية سواء كانت مراكز محافظات أم مراكز أقضية بعد 2003، فبعد أن كانت الأمور محصورة في المناطق الكوردستانية التي تعرضت لتلك العمليات أصبحنا الآن أمام مشكلة عويصة جدا، خاصة بعد أن نجحت منظمة داعش الإرهابية في تمزيق كثير من الأنسجة الرابطة بين الأديان أو بين المذاهب وفقدان الثقة تماما بين تلك المكونات التي تعرضت للإبادة والاسلمة، مما دفع نمطا آخرا لتغيير الديموغرافي وهو التغييرالمذهبي الذي تتعرض له كثير من المدن والبلدات، حيث فقدت هذه المدن الكثير من خصوصياته المدينية وهويته الحضارية لحساب هويات جديدة مزينة بأنماط غريبة من السلوك والثقافات، دفعت سكانها ونخبها الاجتماعية والسياسية تحت ضغط هائل من النظام المذهبي والعشائري بامتياز إلى الانغماس بهذه الثقافات تحت طائلة الفقر والبطالة والسوط العقائدي، بحيث لم تعد ترى ما يشعرك كمراقب أو باحث في العراق خارج إقليم كوردستان بان حركة الحياة تتقدم إلى أمام، بل على العكس تماما حيث يسودك شعور بالتقهقر إلى الوراء، وأنت تشهد مظاهر دينية متطرفة ومتشددة، وسلوكيات قروية وبدوية بدأت طاغية على مظاهر المدنية والمدينية.

   حقيقة ما حصل يبدو كارثة اجتماعية وتربوية خطيرة جدا لا يمكن إصلاحها بوقت قصير، بعد أن استخدم الدين في تأصيل تلك المظاهر بدعم مطلق من العقلية القبلية التي أصبحت ملاذا آمنا بفقدان سلطة القانون وضعف مؤسسات الدولة واستشراء الفساد في معظم مفاصلها بغياب مفهوم رفيع للمواطنة، مما يتطلب إحداث تغييرات جوهرية في المناهج التربوية والتعليمية وأساليبها، والفصل الكلي للدين عن السياسة ونظام الدولة وقوانينها، مما يحفظ قدسية الأديان وهيبتها بعيدا عن المناكفات والمنافسات السياسية، ويتيح للنظام السياسي ومؤسساته اختيار أنجع وأحدث التجارب الحضارية للنهوض بالمجتمعات التي نخرتهاوخربتها النزعات القبلية والدينية العنصرية والمتطرفة بمختلف أشكالها ومسمياتها.


kmkinfo@gmail.com



109
بعد نوبل الايزيدية.. لكي لا تتكرر مأساة شنكال!

كفاح محمود كريم

     حينما قُصِفت ناكازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية، لم تكُ القضية مجرد معركة أو صراع بين أمريكا واليابان بقدر ما هي اعتداء على الجنس البشري عموما، لأنها لم تستهدف مؤسسات عسكرية معادية بل مجموعات بشرية مدنية لا حول لها ولا قوة، وكذا الحال حينما استهدف أدولف هتلر اليهود كمجموعة بشرية بحجة إن ديانتهم وسلوكهم مغاير لعقيدته فأبادهم في محارقه، وفعلها نظام بغداد في 1987 - 1988 فيما عُرف بمعارك الأنفال الذي استهدف مئات الآلاف من الكُرد في حلبجة وبقية مدن وبلدات وقرى كُردستان العراق، وكذا فعل الإيرانيون حينما اصدر الإمام فتواه الشهيرة بإبادة الكُرد في إيران بذريعة انتمائهم لحزب ينادي بالحرية والاستقلال، وفي تركيا التي نهضت أبان حكم أتاتورك وكانت باكورة أعمالها حملات الإبادة ضد الأرمن والكُرد بدايات القرن الماضي، وفي كل هذه الحملات التي أحصاها المراقبون الايزيديون بأكثر من سبعين حملة أو (فرمان) كما يطلق عليها العثمانيون والايزيديون أيضا، لم تكن هذه الأنظمة والدول تستهدف عرقا أو دينا بقدر ما كانت تستهدف القيم الإنسانية والأخلاقية العليا التي ناضلت البشرية آلاف السنين من اجل تكوينها وبلورتها كسقف عالي ونبيل للمكونات والمجتمعات الإنسانية وخط احمر في التعامل الراقي بين البشر، ولذلك فإنها استدعت اهتمام العالم بأسره واعتبارها جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكُرد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.

     ما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم يك معركة أو غزوة محلية أو إبادة بشرية فقط، بل كانت جريمة بحق الآدمية ومبادئ وقيم الأخلاق والحضارة، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من المتوحشين الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها فجر الثالث من آب 2014م بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول والتتار أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات من الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به، مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات منحرفة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية، واندفعت أفواجا جائعة للدماء والمال والجنس، والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى، وخلال اقل من شهر تم للإرهابيين احتلال قضاء سنجار البالغ أكثر من 350 ألف نسمة، حيث استباحوا مركز القضاء وكافة نواحيه وبلداته وقراه، وقتل خلال الأيام الأولى 1293 شخص خلفوا وراءه 1759 يتيما، واختطفوا 6417 شخص منهم 3548 من الإناث و2869 من الذكور غالبيتهم العظمى من الأطفال.1-2
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
     وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة كما يقزمها البعض، بل كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية في إشاعة الكراهية واستخدام النصوص الدينية بتفسيرات مزاجية متطرفة وخارجة عن المألوف عبر مئات السنين، من خلال الاعتماد على عناصر بدائية مغلقة من أشباه الأميين الذين تمت عملية غسل أدمغتهم وبرمجتها لاقتراف تلك الجرائم، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على اقتلاعهم من أراضيهم وتركهم لكل شيء حفاظا على النساء والأطفال، بعد مقاومة شرسة من الأهالي والمدافعين عن المدينة وقراها بأسلحة وذخيرة متواضعة أمام عناصر سيطرت على مخازن الأسلحة في الموصل والتي كانت تضم مئات الدبابات والدروع والمدفعية الأمريكية الحديثة وآلاف القطع من الأسلحة المتوسطة والخفيفة بكامل ذخيرتها التي استخدمت في غزوة سنجار وتسببت في مقتل وإبادة آلاف الأسر بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وسبايا وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم وعرضوا الآلاف منهم للبيع في أسواق النخاسة التي استحدثوها في المدن والبلدات التي استباحوها.

     إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم، وقد آن الأوان للعالم المتحضر بعد أن منح نادية مراد جائزة نوبل، وهي ابنة قرية كوجو التي أبيدت بقتل كل رجالها وسبي نسائها وأطفالها، نادية مراد كانت واحدة من تلك النساء اللاتي وقعن بأيدي أولئك المتوحشين الذين اغتصبوها وأبادوا أسرتها وعشيرتها، آن الأوان أن يتخذ العالم وبرمته والدول العظمى خاصة قرارات واليات لحماية هؤلاء السكان في كل أنحاء العالم، لكي لا تتكرر ثانية سنجار أخرى!

مصادر وتوضيحات:
1- شنكال هو الاسم الكُردي الذي يتداوله السكان ويتكون من مقطعين شنك ومعناه الذهبي أو الجميل جدا، وآل بمعنى الجانب أو الطرف، و سنجار هو الاسم الرسمي للمدينة وهو اسم آشوري أصله سنجاره أو شنخار.
2- هذه الأرقام رسمية صادرة من المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة الأوقاف بإقليم كُردستان العراق، وهي معتمدة لدى الأمم المتحدة.
 

       
 
 



110
أحزاب الزينة.. العراق أنموذجا!

كفاح محمود كريم

    اعتدنا على أدوات أو نباتات أو حيوانات للزينة، والحمد لله إننا أدركنا كائنات أخرى للزينة والإكسسوارات التي ابتدعتها دول المنظومة الأوربية الشرقية إبان الحكم الاشتراكي، ولا أقول الشيوعي لأنهم جميعا لم يرتقو إلى تلك المرحلة حسبما جاء في النظرية الماركسية اللينينية، بل وسقطوا قبل الوصول إليها بمئات السنين، فقد كانت تُحكم من خلال قيادة حزب واحد للدولة تحت شعار دكتاتورية ذلك الحزب، الذي قرر انه لوحده يمثل الطبقات الكادحة وتحديدا العمال والفلاحين وأحيانا بعض البرجوازيين، كما تفعل الأحزاب الدينية اليوم في احتكارها تمثيل الرب والدين والحكم باسمه، وخلال سنوات من حكمهم بعد الحرب العالمية الثانية ابتدعوا أنواعا جديدة للزينة السياسية، بعد أن أصبحت الوسائل الأخرى مكروهة كونها برجوازية استهلاكية، وغير منتجة في بلاد هوسها الإنتاج، وكانت هذه الكائنات الجديدة أحزابا تم تصنيعها وتجميلها لكي تكون حليفة للحزب القائد، ويمارس من خلالها مسرحياته الديمقراطية الشعبية في الانتخابات والمجالس البرلمانية الكوميدية، وهذه الأحزاب كانت للزينة فقط ليس إلا، وقد استخدمت لاحقا على طريقة المجلس الوطني أيام حزب القائد الضرورة في العراق، واللجان الشعبية أيام ملك ملوك افريقيا في ليبيا العظمى.
تجارب بعيدة
     أحزاب الزينة هذه انتشرت انتشار النار في الهشيم بين دول الجمهوريات الثورية والوراثية، وخاصة في شرقنا الأوسط الجاذب للتجارب بعيدة المدى، لتطبيقها على شعوب غالبيتها من الأميين المشبعين بثقافة القطيع، وما تزال نسبة الفقر والبطالة تهشم طموحات أكثر من ثلثهم لحد الآن، والثلثين الآخرين منغمسين في الولاءات الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية، ولا يهمهم سوى توظيف كل أتباعهم وتحويلهم إلى كتل من التنابلة والاتكاليين، وخير نموذج للدول التي تميزت بصناعة أحزاب الزينة بعد الدول الأوربية الشرقية هو العراق الذي ما يزال يقف على رجل واحدة منذ مائة عام حتى اتكأ على ركبتيه لا قدميه!
      في العراق نجح حزب البعث وفريق صدام حسين من تصنيع مجموعة أحزاب، تم استنساخها على طريقة النعجة دولي من عناصر اكتشف علماء البعث فيها استعدادات نفسية وجينية للانحراف، ووجدت فيها من يدلها ويوفر لها تلك البيئة، وفعلا تم تطويرها واستنساخ أعداد كبيرة منها لتكون أحزابا للزينة والإكسسوارات، وشهدنا بعد فشل تحالف البعث والديمقراطي الكوردستاني في آذار 1970 وإصدار قانون للحكم الذاتي بشكل انفرادي ومحاولة فرضه على الديمقراطي، حيث أدت تلك الوصاية أو الاحتواء، إلى عودة العمليات العسكرية إلى كوردستان وبتعاون وثيق بين ايران والعراق وتغطية مهمة من بعض الدول الكبرى، ودفعت إلى تصنيع تلك الأحزاب التي ستوافق على قانون البعث للحكم الذاتي، وإيهام الرأي العام الداخلي والعالمي بأنهم ديمقراطيون يعملون على تنفيذ اتفاقية آذار، لكن (الجيب العميل وهو زمرة صغيرة متمردة على القانون رفضت إرادة شعبنا الكوردي في شمالنا الحبيب)، كانت هذه أهم العبارات التي استخدمتها أجهزة دعاية وإعلام نظام الرئيس صدام حسين لتبرير إعلان تصنيع الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الثوري الكوردستاني وجبهة تحرير كوردستان، بموديلات جديدة واستنساخ لبعض العناصر من تلك الأحزاب وإعادة تدويرها لتكون بديلا عن النسخة الأصلية التي تحولت إلى متمردين وانفصاليين على توصيف أجهزة دعاية البعث ومن ورثها منهم من أحزاب السلطة اليوم، فبعد سنوات ليست طويلة من ذلك رأى منظروا تلك الحقبة بأنهم يحتاجون إلى توسيع الجبهة الوطنية والقومية فألحقت بهم مجاميع بذات المواصفات من عناصر شيوعية وتقدمية، بعد فك أو تمزيق التحالف بين الشيوعي العراقي والبعث العراقي.
مقاليد السلطة
     مع أواخر عقد السبعينيات وبتولي صدام حسين مقاليد السلطة برمتها، اتجهت عقارب ساعة النظام إلى مرحلة جديدة دشنها الرئيس صدام حسين  بالحرب مع ايران، التي ابتلع فيها حزب البعث أو علس كما تقول الدارجة العراقية، تلك الكائنات السياسية المسخ تدريجيا، وانتفت الحاجة لأحزاب الزينة الملساء التي بدت أكثر رخاوة، وربما تبخرت تدريجيا أو اندمجت اندماجا قذافيا، بعد أن منح أعضائها نفس درجات الرفاق في حزب الأمة العربية المجيدة، حيث برزت مع المرحلة الجديدة أمور أكثر زينة وبهرجة للمشهد السياسي والاجتماعي العراقي من الأحزاب، في دولة الانتصار على (العدو الفارسي المجوسي الإمبريالي) إلى آخر قائمة التسميات التي أنتجتها دوائر الدعاية والإعلام البعثي ضد معارضيه، حتى وان كانوا ملائكة أو ممن يتغدون ويتعشون مع الأنبياء والرسل، والتي ما زالت تستخدم بجدارة من تلاميذ ومريدي القائد الضرورة حتى يومنا هذا.
     ولكي تكتمل مشاهد الزينة خاصة بعد تبخر الأحزاب المستنسخة، ابتكر الرفاق شعبة لشيوخ العشائر في ديوان الرئاسة وتم تصنيف هؤلاء الشيوخ إلى ثلاث موديلات وهي شيوخ ألف وبعدها باء وآخرها جيم، وعرفوا حينها بشيوخ التسعين، ولم ينسو تزيين السنة العراقية فجعلوا معظم أيامها أعيادا ومناسبات مقاربة لعدد أيام السنة الكبيسة أو الحبيسة، لدرجة إن العراقي لا يستطيع حك رأسه من كثرة الأعياد والمناسبات، فذاك يوم البيعة والآخر للنخوة، وهناك للميلاد والربيع والشجرة، وبقربه للبيعة والشرطة وبجانبه يوم الأيام، وهكذا كان العراقيون يرقصون على أنغام وطن شد على الأفق جناحا منذ مطلع الفجر وحتى الليل الأخير من اليوم ذاته، لتستمر تلك الأيام والأعياد بالتكاثر والتوالد حتى جاءت الحواسم في نيسان 2003 وانتهت حقبة مزينة بالدماء وأشلاء الضحايا، وأنغام الأكاذيب والشعارات الفارغة وعساكر البهرجة والانكشاريات الشعبية والادعاءات المزرية، التي ابتكرها نظام من أكثر نظم العالم دكتاتورية طيلة أكثر من ثلاثين عاما عجاف.
     للأسف الشديد فان إسقاط الهيكل الإداري لذلك النظام لم يسقط تلك الثقافة البائسة والتربية المنحرفة ولم تسقط مع سقوط التجربة المريرة في العلاقات مع معطيات الحياة في حقولها المختلفة، في عراق يتدحرج إلى الأعلى تارة ويتسلق إلى الحضيض تارة أخرى، فعادت فيروساتها تنشط من جديد منذ الأشهر الأولى لسقوط النظام، لكي تنمو في ذات البيئة التي أنتجتها الأحزاب التي ورثت الحكم بشكل مضطرد خارج أجواء المختبرات هذه المرة، لتتميز بتفوقها أكثر من الجيل الأولى كونها تخرجت من أقبية مخابرات دول الجوار، وأضافت لأيام العراقيين عطلات ومناسبات أفضلها حزين وأتعسها حائر باليوم الوطني للدولة العراقية، فقد عادت ماكينة تصنيع أحزاب الزينة ثانية لإنتاج موديلات أكثر حداثة وشيطنة، حيث تم تدجين أفرادها في عواصم الدق والرقص على أنغام ذبح شعوب العراق وليبيا واليمن وسوريا وسرقة خزائنهم، سواء في دول الجوار أو ما بعد الجوار، فامتلأت مسارح ومعارض السياسة الجديدة في العراق وتلك البلدان بأحزاب لا للزينة فحسب، وإنما للتوحش والتقهقر والقباحة والسرقة والإفساد، وغصت مدنها بمقرات أحزاب وأسماء أمناء عامين ومكاتب سياسية رنانة، تم تصنيعها وفبركتها إما في ما تبقى من تنظيمات أحزاب السلطة السابقة، كالبعث ورجال مخابراته واستخباراته، ممن انقطعت بهم السبل بين الشعارات التي كانوا يتداولونها صباحا ومساءا، والنتيجة ما حصل لهم ولنظامهم خلال اقل من عشرة أيام لدولة تم بناؤها في أكثر من ثلاثين عاما، إضافة إلى ما أنتجته دهاليز مخابرات الدول الجارة والعزيزة، من موديلات جديدة ومحدثة حيث أضافت لها قوات مسلحة على شكل ميليشيات تحكم باسم الرب ووكلائه على الكوكب، وبدلا من حزب واحد لله أصبح لدينا عشرات الأحزاب الربانية كلها تنطق باسمه وتنفذ شريعته، وأصبح بمقدور أي إمام جامع في قرية أن يفتي أو يشرعن قانونا واجتهادا في الجهاد والنكاح، حتى غرقت البلاد ببحر من الدماء والدموع.
     وبملاحظة سريعة لما يحدث اليوم في العراق وبقية ما يسمى بالربيع العربي، وطيلة السنوات الماضية، ندرك انه نتاج تلك الفترة المظلمة من تاريخ هذه البلدان وتربية أنظمتها لعدة أجيال من الأهالي الذين ينفذون اليوم ما تعلموه خلال عشرات السنين، وشاهدوه وهم أطفال وفتية وشباب، ابتدءاَ من كرنفالات الإعدام التي كانت تنفذها الأنظمة في الشوارع والساحات العامة، وكيل الاتهامات الكاذبة جزافا لكل من يعارضها، وانتهاء بتلك المشاهد البائسة والقاتلة من برنامج صور من المعركة الذي كان يبث يوميا ولثماني سنوات متصلة في العراق وليبيا في حربها مع تشاد وسوريا في احتلالها للبنان، وتظهر آلاف الجثث الممزقة الأشلاء أو عمليات دفنها بالبلدوزرات على أنغام الأناشيد الوطنية، إلى تسطيح عقول ووعي الناس بتصنيع أحزاب وجمعيات مما كانت تسميه بالاتحادات والنقابات المهنية والفرق الفنية، التي لا هم لها ولا غم إلا التغني بالقائد الذي لا مثيل له في الدنيا وربما لو بقوا عدة سنوات أخرى لقالوا انه متعهد الآخرة أيضا.
تنوع عرقي
إن فشل تبلور مفهوم المواطنة خاصة في الدول ذات التنوع العرقي والقومي والديني، يعود بالأساس إلى الطبيعة القبلية لهذه المجتمعات، وفشل أنظمتها السياسية بفصل الدين عن السياسة بل عن الحكم برمته، وإبعاد فلسفته عن التعليم بكل مراحله، إلا ما يؤكد وجوده كمعتقد للإفراد وجب احترام خصوصيته في حدود الخاصية الشخصية ليس إلا، وما لم تنجح النخب السياسية والتكنوقراط من وضع دستور عصري، يؤكد على تعريف مدني للمواطنة، تسود فيه لغة القانون والانتماء الوطني فوق النظام القبلي والديني، ويرتقي على كل هذه الانتماءات، ويحظر أي تنظيم سياسي على أساس ديني أو مذهبي أو عنصري، بما يكفل حقوقا متساوية لكل الإفراد بمختلف أعراقهم وقومياتهم وأديانهم، لن ينجح أي حزب أو مجموعة أحزاب في إقامة نظام ديمقراطي تسوده العدالة في كل مناحي الحياة.

kmkinfo@gmail.com
 


     















111
هل فعلاً الديمقراطية هي الحل ؟
كفاح محمود كريم
    عاشت بعض ممالك الشرق الأوسط منذ تأسيسها وحتى بدء عصر الانقلابات العسكرية فيها، نوعما من الهدوء والاستقرار وممارسة نمط من النظم السياسية تفوح منه أحيانا رائحة الديمقراطية المتعلقة حصريا بانتخابات البرلمانات أو البلديات أو مجالس الشورى، لكن ذلك الهدوء والاستقرار النسبي لم يدم طويلا، حيث بدأت مجموعات من الضباط أطلقت على نفسها تسميات عديدة كان أبرزها الضباط الأحرار وفيما بعد ذلك بمجالس قيادة الثورة، سواء في مصر أو العراق أو ليبيا ومن شابههم من أنظمة جمهورية، بالانقلاب العسكري وتغيير النظام الملكي إلى جمهوري مع إكسسوارات الاشتراكية والديمقراطية التي مورست جميعها بأشكال من النظم والنظريات متأرجحة بين الاشتراكية والديمقراطية الشعبية أو المركزية، والمفصلة على مقاسات القائد الملهم والرئيس الضرورة وملك ملوك أفريقيا وأحزابهم التي ادعى الزعماء بأنها تحمل رسالة مقدسة إلى الشعوب!
    هذه التمثيليات الديمقراطية التي كانت الأنظمة السابقة تمثلها على مسرح الدكتاتوريات الشرقية عموما، سواء هنا في العراق ومسرحنا الكبير منذ أكثر من خمسين عاما، أو بقية الجمهوريات الثورية على إيقاع ما كان يسمى بالمجلس الوطني أو مجلس الشعب أو اللجان الثورية، وما يتبعها من ممارسات انتخاب القائد أو ما كان يطلق عليها بالبيعة ونسبها المعروفة 99.99  عاشتها شعوب هذه المنطقة من دول الشرق الأوسط والتي ضربتها عواصف تسونامي والتغيير الأهوج، بالاحتلال مباشرة كما حصل في كل من افغانستان والعراق أو بواسطة التحسس النائي كما في ليبيا وسوريا أو عن طريق وسائل الإعلام ذات الفولتية العالية جدا كما في تونس ومصر واليمن.
خبرة دول
    ودعونا الآن نرحل قليلا إلى ما كان يحلم به ويعمل من أجله ملايين من خيرة أبناء وبنات هذه الدول من كل الشرائح والطبقات، ألا وهو إقامة نظام سياسي متوازن يعتمد التداول السلمي للسلطة على أساس دستور عصري وحضاري يليق بإنسان الألفية الثالثة، يمنع التفرد بالسلطة والقرار، ويشيع حضارة حقوق الإنسان وقبول الآخر، ويتيح حرية الاختيار دونما أي شكل من أشكال الاحتواء أو الاستغلال الديني أو المذهبي أو العرقي، لكن ما حصل أثار أسئلة غاية في الألم والإحباط، والسؤال الأكثر إيلاما بعد ما حصل خلال هو:
    هل إن مجرد تغيير الهياكل الإدارية للأنظمة السياسية ستتيح فرصة للانتقال إلى نظام اجتماعي وسياسي كما كنا نطمح إليه؟

    ما يحدث الآن بعد سقوط تلك الأنظمة ورغم استخدام آليات التداول السلمي للسلطة إلا إن العملية برمتها تتعرض لكوابح لا تختلف عن تلك التي كانت تستخدم من قبل الأنظمة الشمولية في السيطرة والقيادة للرأي والتمثيل الشعبي أيام مجالس الشعب وبرلمانات تلك الأنظمة الاستبدادية، وهذه الكوابح ربما أكثر خطورة وإلغاء للرأي الشخصي الحر وحرية التعبير وتشويههما، حيث تتكثف حول الأعمدة العقائدية الدينية أو المذهبية (الفتاوى) وفي أوجه أخرى عرقية عنصرية تهبط أكثر إلى الانتماء العشائري، ومن ثم إلغاء أي نوع من أنواع السلوك المدني الجمعي الذي يبلور مفهوما للمواطنة التي يفترض أن تكون معيارا للتمثيل الشعبي في مجتمعات متعددة التكوينات العرقية والدينية والمذهبية، هذا إضافة إلى نسبة الأمية المتصاعدة بشكل مخيف والإحباط الكبير الذي أنتجته عملية سقوط تلك الأنظمة من تدمير للبلدان وخاصة للأمن والسلم الاجتماعيين في مجتمعات بدوية وقروية ما تزال مشوشة الانتماء إلى موروثاتها وما تكلس في سلوكياتها عبر حقب زمنية ليست قصيرة وبين معطيات جديدة وفرتها عملية اختراق حاجز الخوف من جمهوريات الرعب!
ضفة الخوف
    وعلى ضوء ذلك وفي الضفة الثانية بعد اختراق ضفة الخوف والرعب ماذا جرى وماذا يجري من هرج ومرج وفوضى أطلقوا عليها صفة الخلاقة، الآن وفي برلمانات ما بعد الدكتاتوريات التي أسقطتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، التي تحبو باتجاه تأسيس دول للمواطنة تقوم على أعمدة الديمقراطية الغربية، في مجتمعات شرقية تؤمن أساسا في بنيتها التربوية والاجتماعية بحكم الفرد وسلطته، إبتداء من الأب ومرورا بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد، المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص عنترة بن الشداد أو أبو زيد الهلالي أو الزعيم الأوحد أو ملك ملوك إفريقيا أو القائد الضرورة أو سلطان زمانه، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابهم (التاريخية) برلمانات من نمط (اموافج- موافق) كناية للتبعية المطلقة والتأييد الأعمى لرأي القائد، كونه يمتلك سلطة لا متناهية، ولا أحد في الأرض يفهم مثله، وعليه فأنه دائما على حق ويمتلك مفاتيح مستقبل وسعادة الأهالي!
    وعلى هذه الأسس تم تكوين برلماناتهم والية انتخاب أعضائها، حيث يتذكر العراقيون والسوريون والليبيون واليمنيون والمصريون، وحتى إخواننا في الجيرة أهل إيران وتركيا وبقية الشعوب المبتلاة بثقافة الشرق المريض، كيفية ترشيح ودعم أي عضو لكي يجلس على كرسي (اموافج) بالبرلمان، حتى وان كان معارضا، فهو مطبوخ في مطبخ القائد وقيادة حزبه ومخابراته، ولكي لا نشتت انتباه القارئ سنتحدث عن النموذج العراقي سابقا ولاحقا، في إيصال هؤلاء الأشخاص، إلى تلك الكراسي في زمن الرئيس المعدوم صدام حسين ومن سبقه من قادة العراق المعدومين في الغالب، إلا من سقطت طائرته أو أرسل على عجل إلى عاصمة للسياحة والاصطياف، حيث يتم تبليغ منظمات الحزب والشيوخ وأعمدة القوم لتوجيه أتباعهم لانتخاب شخص معين لكونه مرشح الحزب أو القائد، وبهذه الطريقة يصل هؤلاء الأصنام إلى كراسي المغفلين في ما يسمى بالبرلمان.
أنظمة شمولية
    واليوم بعد أن أزالت الولايات المتحدة وحلفائها هياكل تلك الأنظمة الشمولية، مدعية أنها تعمل من اجل إقامة نظم ديمقراطية على أنقاض تلك الخرائب، دونما إدراك للكم الهائل من الموروثات التربوية والاجتماعية والعقائدية والسياسية، في مجتمعات تعاني أصلا من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب، اللذان لا ينافسهما أي انتماء، والغريب أنها لم تدرك كيف ستكون مؤسساتها الدستورية والديمقراطية والية انتخاب أعضائها؟
    ما حصل عندنا في العراق وبالتأكيد هو ذاته في ليبيا أو سوريا لاحقا أو مصر واليمن وبقية دول المختبر الديمقراطي، هو نفسه الذي كان يستخدم من قبل الزعماء وأحزابهم العظيمة، حيث يتم تجييش القبائل والعشائر والرموز الدينية والمذهبية، وبتمويل من الكتل والأحزاب، لإيصال مجموعة من الأصنام إلى قبة البرلمان مقابل امتيازات مالية، وهذا ما حصل فعلا منذ 2005 ولحد آخر انتخابات في العراق بشقيه الاتحادي والإقليمي، حيث يذهب إلى تلك المقاعد مجاميع من الأشخاص الذين يدعمهم الحزب أو الكتلة بإسناد عشائري وديني أو مذهبي يذيب شخصية المرشح، بحيث لو انه تجرأ وترشح بنفسه دونما دعم لتلك المؤسسات، لما حصل إلا على أصوات عائلته وبعض أقربائه!؟
    واليوم يجلس على كراسي (اموافج) مجاميع تمثل واحدة من افشل دول العالم، وأكثرها بؤسا وتعاسة وفقدانا للأمن والسلم وأي مظاهر للتقدم والازدهار، حيث يستخدمون في آليات الترشيح والانتخاب ذات الآلية التي كان يستخدمها عرابوهم في الأنظمة السابقة، بالاعتماد الكلي على العشيرة والدين والمذهب والحزب أو الكتلة، ويمارسون ثقافة (اموافج) وان اختلفت المواقع والعناوين، وبغياب المواطنة والانتماء الوطني وسيادة الانتماء القبلي والديني المذهبي، أصبحت برلماناتنا مسارح لتمثيليات بائسة وسيرك غجري ساذج!
    وإزاء ذلك كله يبقى السؤال الأكثر إلحاحا هل إننا أصبحنا بمستوى ممارسة الديمقراطية؟

    وهل هي فعلا علاج أمراضنا المزمنة والمتكلسة؟ أم علينا أن نبحث عن علاجات أخرى نداوي بها جراحاتنا قبل ولوج عالم صناديق الاقتراع ومن يمثل الأهالي وأي أهالي نمثلهم، بعيدا عن تأثيرات رجال الدين والمذهب وشيوخ العشائر وأغواتها الذين يحركون بوصلة تمثيل الأهالي في العشير والمذهب والدين وهم الغالبون!؟
     وحتى يتم ذلك يستوجب إعادة النظر في جميع مناهج التربية والتعليم، من البيت إلى المدرسة إلى الجامع أو الكنيسة، لكي نستطيع تحويل التلميذ من وعاء يتم تعبئته بالمعلومات الببغائية إلى ناقد وسائل ومتفاعل، ومن إنسان ينتمي إلى قرية أو مدينة أو قومية أو دين إلى مواطن ينتمي إلى وطن وشعب دونما فوارق، حينها يمكن لهذا المواطن أن يختار وينتخب شكل النظام ووسيلة الحكم وهيئاته التشريعية والتنــفيذية باطمئنان وأمان على حاضر ومستقبل شعبه ودولته.


112
المنبر الحر / فاكهة البيت مرة!
« في: 19:31 09/08/2018  »
فاكهة البيت مرة!

كفاح محمود كريم

  متلازمتان في المعنى والمقصد (فاكهة البيت مرة) و(عقدة الخواجة أو الأجنبي) واللتان تعبران عن شعور بالنقص تجاه الآخر الغريب، والأجنبي في الأولى ليس بالضرورة من بلاد الواق واق، بل هو ما يتعدى البيت أو العشير أو القرية، وينطبق على سلوكيات الكثير في رغبتهم بالتعامل أو الاستنجاد أو التعاون أو التحكيم أو التصالح، وخاصة في الإشكاليات بين الأشخاص أو العشائر، وكذا الحال حينما يتم التعامل مع متخصصين في مجال ما مع وجود ذات الكفاءات في البيت، التي اعتبرتها هذه الثقافة أو السلوكيات مرٌة، فذهبت إلى فاكهة من خارج البيت، وينطبق الثاني على عقدة مستعصية لدى شعوب منطقتنا عموما وهي تلك العقدة التي تسمى: عقدة الخواجة، والخواجة هنا هو الخبير الأجنبي الذي يبهر هذه المجتمعات، علما إن ما فيها من خبراء وإمكانيات ربما لا تضاهي الأجنبي بل تتفوق عليه، ولعل جامعات ومراكز البحوث في أوربا وأمريكا وكندا تشهد على مئات العلماء الكبار والأساتذة الإجلاء والمتخصصين في معظم المجالات، الذين تحولوا إلى أعمدة ترتفع عليها حضارة الغرب، بينما تعمى الإبصار عنهم حينما يحتاج البلد إلى خبراتهم، فيذهب عُمي البصيرة من المسؤولين إلى خبرات عادية جدا قياسا بأولئك الأفذاذ!

  حقا هي واحدة من مركبات النقص ليس على مستوى الأفراد بل حتى المجتمعات والنخب، وقد تسببت بتعطيل وهجرة عشرات الآلاف من الخبرات نتيجة التهميش والإقصاء، سواء ما كان منها خارج البلاد أو في داخله، بسبب الفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة، والصفقات السوداء التي تعقد مع تلك الشركات أو الأشخاص المصنفين بالخواجة، مضافا إليها القبول المحلي لتلك الشركات الأجنبية أو الخبراء المستقدمين وخاصة مدربي أندية كرة القدم للقيام بمهمات ينفذها الخبير المحلي أفضل بكثير لو توفرت له ذات الإمكانيات والأجور، لكنها الثقافة السائدة لدى قطاعات واسعة من الأهالي والمؤسسات، حتى أصبح هذا الأجنبي أو الغريب خبيرا في النفط أو الإنشاءات أو الزراعة أو الطب وبقية الحقول التي تغص بلادنا بخبرائها وعلمائها، لكن حالهم حال فاكهة البيت التي كنا صغارا لا نتلذذ بها فنذهب إلى البساتين لكي نستحوذ عليها ونأكلها بنهم!

 والغريب إن الخواجة تطور من خبير إلى أن أصبح عراب لأخطر مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم يقتصر على حقل معين بل انتشر كالوباء، فما بالك حينما يلتف الجمع حول عالم دين مستورد، وكأنه قدم للتو من اجتماع للصحابة والأولياء، فيسألونه عن الحلال والحرام، بينما قد بح صوت إمام الجامع وخطيبه في مايكروفونات المساجد ولا من سميع أو مريد، وذات الحالة انسحبت على معظم مفاصل الحياة في الصناعة والزراعة والتجارة والجامعات والمستشفيات، ناهيك عن الإعلام الذي فاض به تنور الديمقراطية وقلب شعار ( فاكهة البيت مرة ) رأسا على عقب، فأصبح يعج بالخبراء العصاميين الذين تدرجوا من جايجي وحارس وفراش وعنصر حماية إلى أن أصبحوا مصورين ومخرجين ومقدمي برامج، بعصامية عفت مدرائهم الذين يوصفون بان لا مثيل لهم في الدنيا والآخرة من استيراد خبراء من الخواجات أو استدعائهم لتقديم المشورة والخبرة الفائقة والاعتماد على فاكهة البيت رغم مرارتها!

  ولكي لا يزعل الخبراء والأجناب كما تقال في الدارج المحلي لوصف الغريب، فان الأمثال تضرب ولا تقاس، والدليل إن قنواتنا الإعلامية المباركة أثبتت العكس، فأصرت إصرارا على حلاوة فاكهة البيت وأسقطت  الخواجة، وأبقت على رعايته الأبوية!

kmkinfo@gmail.com     
                                                                                                     
                                                                                                                                             أوائل آب 2018م



113
اطمئنوا هنا كوردستان!

كفاح محمود كريم

   بعد عملية المراهقين الإرهابيين في عاصمة إقليم كوردستان ومحاولتهم تمثيل فلم اكشن إرهابي على طريقة أفلام داعش، اتصل بنا العديد من الأصدقاء والمحبين من كل أنحاء البلاد يسألون عن تطور الأوضاع، خاصة وان كثير من القنوات المحلية العراقية رقصت على حبال الإعلام الفاسد وروجت لفوبيا ورعب في الإقليم،وضخمت الحادث وأضافت له توابل إيرانية من قبيل اندلاع مظاهرات وحدوث انفجار في مبنى المحافظة، ولم أجد جوابا للسائلين ابلغ من: اطمئنوا هنا كوردستان!

   وكنت اعني ما يدور في أذهان كل الأحبة والأصدقاء وحتى الحاسدين والأعداء، في أن كوردستان ملاذ آمن وواحة للسلام والمحبة والوئام، وان مجتمعاتها هي الطرف الأهم في المعادلة الأمنية، الذي يشكل جهاز الأمن الطرف الآخر، وبالطرفين تم تمتين هذا الجدار الأمني الذي لم يسمح بانتقال تلك الفيروسات إلى جسد الإقليم إلا بانتهاكات واندساسات ضئيلة جدا وبين سنوات وسنوات، كما يحصل في أكثر بلدان العالم تطور وتقدما.

   في العملية الأخيرة التي نفذتها مجموعة صغيرة من الصبية المراهقين، لم تتجاوز أعمارهم سن البلوغ ( 15 و18 سنة )، كشفت مدى تأثر هذه الشريحة بالإعلام الأسود أو بالعقد العصبية السياسية السوداء الداخلية منها والخارجية أو برجل دين متشدد، بل وأشرت إلى قصور واضح في المنظومة التربوية والاجتماعية، وفي أداء منظمات الشبيبة والمجتمع المدني وأئمة الجوامع وبعض علماء الدين، وانتشار تداول الأسلحة وسهولة الحصول عليها، مما يستوجب تطوير وتفعيل ومتابعة أداء هذه المؤسسات والمنظمات ودعمها بذات المستوى في دعم الجيش والأمن.

   وبعيدا عن ثقافة المؤامرة والاتهامات فان متابعة سريعة لتسجيل كاميرات المبنى التي صورت دخولهم، تبين مدى ارتباكهم وقلة تدريبهم ونوع الأسلحة المستخدمة وهي مسدسات عادية، وحتى اختيار التوقيت في اقتحام المبنى وهو الساعة السابعة صباحا يؤكد كما أرى إن العملية لا علاقة لها بتنظيم الدولة داعش، التي عرفت بدمويتها ووحشيتها وتدريب عناصرها عكس ما شاهدناه في أداء هؤلاء المراهقين، ربما إنهم متأثرين كثيرا بأفعال وأفلام داعش لكن تنفيذهم بعيد جدا عن نمط تطبيقات داعش، ويبدو أنهم وقعوا تحت تأثير سياسي أو ديني موجه لم تكشف عنه بعد التحقيقات الأولية، وفي حقيقة الأمر لم أكن أتمنى تصفيتهم بهذه السرعة، وكنت أفضل معالجة الأمر بمحاولة إلقاء القبض عليهم ومعالجتهم نفسيا وتربويا، لكن رأي الطرف الأمني يختلف في معالجة هكذا عمليات.

   عموما ما يزال هناك أكثر من سؤال، وربما الأهم هو لماذا الآن ولماذا اربيل المحصنة، ومن المستفيد في صرف أنظار الإعلام والرأي العام عما يجري في البصرة عاصمة الجنوب وبغداد عاصمة الاتحاد؟ وحتى نجد الجواب:
       اطمئنوا هنا اربيل عاصمة كوردستان!

.....................................
مشاهد من عملية اقتحام مبنى محافظة اربيل 23 تموز
https://youtu.be/WnqQEJwbVyA
kmkinfo@gmail.com
                                                                                                                                           أواخر تموز 2018م

114
المنبر الحر / التسقيط والتصعيد!
« في: 10:59 25/07/2018  »

التسقيط والتصعيد!

كفاح محمود كريم

   ظاهرتان متناقضتان أو سلوكيات تختزل ثقافة أو حضارة أو تربية في نتائجها وآلياتها، تلك هي ما يُعرف اليوم بالتسقيط ونقيضه في التصعيد، ولعلّ بواكير التسقيط الاجتماعي والسياسي مارسه البعثيون في بدايات الستينيات من القرن الماضي مع الزعيم قاسم ومع الشيوعيين كأفراد أو مجموعات، بل مارسوها أيضا مع مدن ومجتمعات، كما كانوا ينشرون طرائف عن الكورد والشروك والمعدان، حتى وصل بهم الأمر إلى إطلاق صفات ذميمة على مدن بأكملها كما في ناصرية الثقافة والفن والأدب والحضارة فجعلوها شجرة للخباثة وهي ينبوع للطيبة.

    هذا السلوك يعتبر من أسوأ أنواع السلوك العدواني غير المعلن في مجتمعاتنا على المستوى الخاص والعام، وهو بتقديري ينمُ عن إصابة صاحبه أو أصحابه بمرض سياسي أو نفسي وتربوي، تترجمه أفعال مكتومة تشبه في نتائجها ما تفعله حشرة الأرضة في نخرها للأشجار أو البيوت، والخطورة تكمن في الصمت والكتمان أثناء أداء عملها أو ممارساتها، وإذا كانت تلك الدودة أو الحشرة تفعل ذلك بحثاً عن الماء والكلأ دونما قصد إلا إشباع غريزتها، فٲن الإنسان هنا يفكر ويخطط ويبرمج كيف يهدم صرحاً لا يستطيع ارتقائه، حتى إن نجح بذلك بشعر لا بسعادة الانتصار وتحقيق رغبته في الارتقاء،  بل بتدمير ذلك الصرح الشاهق الذي عجز عن اعتلائه؛ وبذلك "ساوى حيطانه" كما يقول الدارج المحلي.

    للأسف الشديد انتشر وترعرع هذا السلوك أو الشعور في البيئة التي تساعد على نموه، وهي بيئة التخلف والفساد والتقاتل على المناصب والامتيازات بعيداً عن الهدف السامي في مؤسسات الدولة والأحزاب والجمعيات وحتى المنظمات منذ العام 2003 ولحد اليوم، لكنه بدون أعراض ظاهرة، وهنا تكمن خطورته حيث لا تظهر الأعراض إلا وقد حقق صاحب هذا الشعور برنامجه، فهو يعمل ليل نهار لا كمنافس يشق طريقه إلى ذات المنزلة التي وصل إليها رفيقه، سواء أكان في أعلى مستويات المسؤولية أو في اختصاصه أو درجته الوظيفية، ولذلك تراه يستخدم كل الأساليب لتسقيط غريمه الناجح أو المتميز، وهنا أتحدث عن ظاهرة للأسف الشديد انتشرت حتى تسببت في تآكل وتهجير واستقالة أو إبعاد الآلاف من أولئك الناجحين في أعمالهم أمام أ؍ناس لا همَ لهم إلا إزاحة الناجحين وتدميرهم ليتسلقوا مواقعهم، مما أدى إلى اكتضاض جامعات الغرب والولايات المتحدة وكندا واستراليا بآلاف المبدعين الهاربين من بلدان الأمراض الأخلاقية المزمنة.

   وفي الوقت الذي يعمل هؤلاء في إسقاط الناجحين يعمل الآخرون في منافستهم على دفع منافسيهم للارتقاء إلى مواقع أعلى تتيح لهم تبوء مواقعهم ولكن بسمو ونبل، وهنا نتوقف عند التصعيد النقيض للتسقيط حيث يعمل الفرد والمجتمع على دعم ودفع المتميزين والناجحين إلى اعتلاء مواقع ومراتب ومراكز أعلى، كي يتاح للآخرين تبوء أماكنهم، وهكذا دواليك في إنتاج أفواج من المتميزين يقابلهم أفواج من الفاشلين الذين اعتلوا مواقع رفيعة ومتقدمة في دول الفشل والفساد، بينما ترتفع حضارة الكثير من البلدان الجاذبة لهذه القامات والأعمدة من ضحايا الفاشلين والطارئين في عمليات التسقيط والتهميش والإقصاء، تنحدر بلاد الفاشيين والفاشلين والانتهازيين والفاسدين إلى الحضيض.       

تموز 2018م

115
الألقاب وطبقة الفاسدين!

كفاح محمود كريم

   سابقا وربما قبل نصف قرن أو أكثر بقليل، كانت الألقاب إلى حد ما تعبر عن حقيقة حامليها، سواء كانت تلك الألقاب أكاديمية كدرجات علمية أو مهنية كالمعلم والمهندس والطبيب والفيتر والجقماقجي والدباغ، وهكذا حسب المهنة والتخصص فيها وصولا إلى الأستاذية (البروفيسور) أكاديميا و(الاوسطة) أو الخبير مهنيا، وفي الجانب الاجتماعي وطبقاته كانت الألقاب من قبيل الشيخ والأغا وعميد الأسرة تعبر عن موقع الشخص في مجموعته الاجتماعية، وهي وباستثناء عميد الأسرة القابلة للانتقال أو التغيير فان الشيخ والأغا تكون متوارثة دوما في القبائل المعروفة بترتيبها ورمزية مرجعيتها القيادية.

   وباستثناء هذين الحقلين توجد ألقاب أخرى تطلق على الذي يقوم بتأدية احد الفروض الدينية وهو الحاج ويلتصق هذا اللقب بصاحبه حتى وان ابتعد كثيرا عن فلسفة دينه وتعاليمها، حتى وصل الأمر بإطلاقه على كبار السن بصرف النظر عن حقيقته أو دينه، ومؤخرا على زعماء الأحزاب وقيادات الحشد الشعبي، وكذا الحال باللقب النسبي أي بالانتماء إلى نسب آل البيت، حيث يطلق على من يدعي انه من أحفاد أي كان من آل البيت، بما تمنحه هذه الصفة واللقب من تشريف اجتماعي مبالغ به كثيرا، متناسين إن الكثير من أقرباء الرسول لم يدخلوا الإسلام بل قاتلوه وقتلوا، والغريب إن هذا اللقب أو الصفة تطلق على ملايين العراقيين منذ 2003 وحتى اليوم، ويلحق هذا النمط من الألقاب تسميات أو مناداة على شاكلة مولانا وسيدنا وشيخنا والزاير والزايرة، إضافة إلى لقب الملا الذي كان يطلق على أي شخص مجرد انه يقرأ ويكتب وخاصة آيات القرآن في الريف تحديدا، حتى انتشر فأصبح ملازما لأمام الجامع ورجل الدين.

سنترك الماضي قليلا ونعود إلى سنواتنا هذه وتحديدا بعد 2003 حيث انتشرت ظاهرة الألقاب العلمية والاجتماعية التي تمنح للأشخاص على خلفية تجميلية أو مجاملة أو نفاق اجتماعي لا علاقة لها بحقيقة اللقب وخلفيته، وربما كانت هذه الظاهرة محاولة لاستنساخ تسميات وتوصيفات من أيام العهد العثماني وما تلاه من ممالك وإمارات، وما تزال تستخدم على المستوى الرسمي ألقاب على شاكلة السعادة والنيافة والعطوفة والدولة والغبطة والبيك والباشا، ناهيك عن توصيفات التعظيم للملوك وحاشيتهم وأسرهم، وبالتزامن مع عودة هذه التوصيفات عموديا، وظهور طبقة الفاسدين سياسيا واجتماعيا وماليا، واستحواذها على مواقع ومناصب خطيرة في الدولة كواحدة من التداعيات والتغييرات الحادة التي أنتجتها الحروب وما حصل بعد نيسان 2003، خاصة مع اتساع مساحات الفساد ونشوء طبقات من حديثي النعمة والسحت الحرام التي تحولت هي الأخرى إلى ظاهرة، بل تبلورت منها طبقة جديدة لا تنتمي للطبقات الثلاث المعروفة وهي الفقيرة والمتوسطة والغنية، وربما بتعبير أدق أو توصيف يليق بها هو الطبقة الرثة والطفيلية المعدية وبائيا!

   دعونا الآن نبدأ بالشيخ وما يعني حقيقة وتزويرا، والشيخ كما يعرف الجميع أما انه من أسرة شاخت على عشيرة أو قبيلة، فأصبحت هذه التسمية تلاحق أبنائها، حتى جاء صدام فانشأ دائرة للعشائر والشيوخ في ديوان الرئاسة، وصنف الشيوخ إلى ثلاث درجات أ،ب،ج، وبموجب هذا التقسيم صنع صدام حسين ألاف الشيوخ الطبع أي الدمج أي المزورين، حتى شاع مصطلح جديد في تعريف الشيوخ وتفريقهم عن بعضهم وهو: ( شيوخ التسعين ) أي أولئك المستحدثين والدمج كما يقال للضباط على شاكلتهم ممن طافوا على سطح العراق الجديد، بالتأكيد لا علاقة لنا هنا بشيوخ الدين مع علمنا بظهور شيوخ دينيين على شاكلة شيوخ التسعين وما أكثرهم اليوم، ولا يحتاجون إلا لحفظ عدة نصوص قرآنية أو نبوية مع لحية بسيطة وعمامة سوداء أو خضراء أو بيضاء، وتبدأ المهمة، وحينها يصعب التفريق بين هؤلاء جميعا، فقد أصبحت مفردة الشيخ تطلق تحببا أو تجملا أو نفاقا وتدليسا، ولا تحتاج إلا إلى ملابس فخمة ويفضل أن تكون شعبية فلكلورية وسيارة فخمة وتفضل أن تكون بيك آب دبل قمرة، ومسبحة خشنة وكم موبايل ونفر يتابع حركات صاحب التوصيف، وجيب ليل وخذ كذب وثرم حكي للصبح!

   أما الدكتور وهذه الصفة التي أهينت وهي بريئة ممن يستخدمها ظلما وبهتانا، فبعد أن كانت صفة للطبيب أو درجة علمية في اختصاص أكاديمي معين، أصبحت هي الأخرى مثل سابقتها الشيخ تمنح لكل من يعرف كم مصطلح أجنبي أو ينظم كم جملة من المصطلحات السياسية ويخرج على مشاهدي التلفزة خبيرا استراتيجيا، أو يشتريها فخريا لأنه فلتة زمانه، وهكذا دواليك في الباشا التي كانت ذات يوم رتبة اعتبارية أيام مملكة بني عثمان وما تلاها من ممالك وإمارات، ثم بدأت بالتلاشي مع ظهور الجمهوريات، لكنها عادت ثانية في أيامنا المهجنة هذه لكي تقدم صفة تجميلية منافقة للعلاقات العامة!

   وفي هذا الطوفان من الألقاب والرتب العسكرية وحتى نعثر على أصحابها الحقيقيين، تتبلور طبقة رثة ربما لم يصفها كارل ماركس في طبقاته للمجتمع وبذلك ستكون الطبقة الرابعة!

kmkinfo@gmail.com
                                                                                                                             أواسط تموز 2018م


116
المنبر الحر / طبيخ المكادي!
« في: 18:43 24/06/2018  »
طبيخ المكادي!
     
كفاح محمود كريم

     ما يحصل اليوم في كل من سوريا والعراق ولبنان والعديد من بلدان شرقنا الأوسطي التعبان، يشبه إلى حد كبير طبيخ المكادي أو الشحاتين على الدارجة المصرية، وطبيخ المكادي كما تنطق هنا في العراق والموصل تحديدا، مصطلح من الدارجة المحلية يعبر عن تلك الحالة المزرية التي نعيش تفاصيلها منذ سنوات ثقيلة سوداء، وهي بالتالي تعني تلك الخلطة الرهيبة من المتناقضات المجموعة في سلة واحدة أو قدر واحد، كما يفعل الشحاذ أو الشحات أو المكٌدي وهو يستجدي ويجمع الأكل في إناء واحد ظهيرة كل يوم من بيوت المحلة، فيصبح خليطا مقززا في أشكاله وألوانه وروائحه!

     لقد استلبت الموصل وتحولت إلى طبيخ مكادي أيام حكم داعش، حيث اختلط فيها الحابل والنابل، وخلال أربع سنوات عجاف تعفن ذلك الطبيخ وتأملنا بأنه سيقتل أولئك النكرات الذين احتلوها في غفلة من الزمن والأخلاق، لكن تحريرها أصبح لعنة لا تقل عن احتلالها، فها هي مدينة خربة تنتشر فيها الغربان وتتفسخ فيها الجثث، ثم تعرض في المزاد للبيع، ويعود المكادي لكي يلملموا بقايا الطبيخ في مدينة لم تضاهيها حاضرة في ما بين النهرين، عادوا بلبوس جديد وعناوين مختلفة، لكنها في الأصل واحدة، فالإرهاب لا دين له ولا مذهب، كالفساد الذي يجمع كل الحرامية وأبناء السحت الحرام على إناء واحد، والغريب أنهم كما يقولون قدم في الجنة وأخرى في جهنم، يلعبون على كل الحبال والمتناقضات، معظمهم كانوا مع داعش أو جل أقربائهم معهم، واليوم ذات الصورة مع الحكومة والحشد، بل أصبحوا يؤسسون لحشود تحت إمرتهم، ويتولون عملية اعمار ما خربوا!

     ليس غلوا أو تجنيا أن أدخل بهذه التشبيهات إلى مطبخ السياسيين وعجقتهم المقرفة في شرقنا الأوسط وتناقضاته المثيرة للاشمئزاز قبل الاستغراب، ورحلة سريعة إلى تحالفات وتجمعات المتناقضين حد الاقتتال تعطينا لوحة ومشهد الحاضر والمستقبل الذي لا يبشر كثيرا بالخير على الأقل في المرئي منه، خاصة في العراق وسوريا، حيث تجتمع وتتحالف وتتعاون وتتآمر معظم الأحزاب والحركات وعرابيها من دول الإقليم وما بعد الإقليم، ففي العراق يجمع النفط كل الحرامية وان اختلفوا في الدين أو المذهب أو السياسة أو العرق، فهم في الآخر يرضعون من ثدي واحد، ويتقاضون أتعابهم أو لصوصياتهم من ذات الأنابيب والآبار، وفي السياسة لا تستغرب أخي القارئ أن يدفع الحشد الشعبي مرتبات فصائل لحزب العمال الكوردستاني القادمين من تركيا وملحقاتهم في سوريا إلى جبل سنجار مثلا، بينما أبواق الدعاية السياسية في بغداد تعمل ليل نهار للدفاع عن سيادة العراق، خاصة وان الأشقاء الأتراك يجولون في السيادة العراقية ويلعبون بها طوبة (كرة) كما يقول الدارج العراقي، دون أن تهتز شعرة وحده من شوارب أو سكسوكات أهل السيادة ووحدة الأراضي!

     وفي العراق أيضا يتحالف (الملحدين الكفار) على توصيف الأحزاب الإسلامية للشيوعيين، مع المؤمنين للعظم من أحزاب الدين ومذاهبه، ولا تؤثر فكرة الجنة الموعودة ولا جهنم الكفار على عقيدتهم البروليتارية وماديتها التاريخية، ولا عجب فان الحزب الذي ناضل كل حياته ضد الامبريالية والرأسمالية والأفكار الخيالية يتبوأ اليوم كراسيه في برلمانهم وحكومتهم وتحالفاتهم، وما زلنا في العراق حيث يجتمع الأعداء في تحالفات وراء الكواليس وأحيانا أمامها أيضا، فلا تستحي أمريكا من تعاونها مع ايران في العراق والسماح لها بالتمدد، ولا يخالف شريعة ايران الإلهية والامامية التحالف مع الشيطان الأكبر والتعاون معه في نفس الدولة ومع نفس الأشخاص والأحزاب، ولا تستغرب غدا أن يتحالف الإقليم أيضا ضمن اللعبة السياسية مع من هدد كيانه وشن حربا عليه، أو مع سلفه الذي هدد الإقليم بطائرات F16 !

     وفي سوريا الطامة الكبرى، وعليك أخي القارئ أن تفوض أمرك لله وتضبط  أعصابك من الضحك أو النواح مما يحصل هناك من تحالفات الضوء والظلام والعدو والصديق، حتى بلغت الأمور بأنك لم تعد تفرق بين النصرة والشبيحة أو بين جيش الإسلام والقوات الديمقراطية جدا، والأغرب في هذا الطبيخ، ذلك التعاون المريح والناعم بين أنقرة ودمشق، وبين دمشق وواشنطون، وبين إيران الشيعية الصفوية وبين تركيا السنية الاخوانية، تعاون حتى العناق بين الأمريكان والروس والأتراك والإيرانيين في باليه تراجيدي كوميدي تضحك له إسرائيل وعصاتها السحرية الخلابة، التي يرقص على حركاتها العديد من الذين يصرعوننا ليل نهار بالعدو الصهيوني الغاشم، وهم يتبادلون معه الأسرى والمقايضات غير المعلنة في لبنان والشقيقة الكبرى ايران التي احتضنت بأخوة إسلامية لدودة كل مجاهدي القاعدة وهيأت لهم مسالك الذهاب والإياب، وفي هذا الإناء الذي ضم مختلف أنواع الأكلات والحركات والأحزاب والحكومات والميليشيات، لا عجب أن ترى إن تنظيم الدولة ( داعش ) استهدف أكثر الدول والأنظمة متانة من الناحية الأمنية واخترق خطوطها وضربها في العمق، بينما يقف عاجز تماما عن الاقتراب من الحدود المقدسة لإيران أو إسرائيل أو كثير من النائمين رغد على ضفاف الخليج، والأكثر مأساوية في هذا المطبخ والطبيخ الدموي، إن المتقاتلين جميعهم لا يعرفون أي شيء عن هذه التحالفات بين من يقاتلهم أو يصالحهم، حتى امتلأت سطلة الشحاذ بأنواع الطبخات، ونتيجة ارتفاع درجات الصراع والحرارة تفسخ الطبيخ وتسمم الشحاذ البائس، وهو بين الحياة والموت والمشتكى لله وحده!

kmkinfo@gmail.com
أواخر حزيران 2018م


 


117
العدالة بين الدكتاتورية والديمقراطية

كفاح محمود كريم

     ربما في الحقبة الأولى لتأسيس الدولة العراقية لم تظهر الدكتاتورية بمعناها السائد اليوم من خلال الأنظمة الشمولية المنتشرة في عالمنا الشرقي، لأسباب كثيرة في مقدمتها محاولة الهواشم مع البريطانيين في استنساخ النموذج الملكي الانكليزي وتطبيقه في المجتمعات العراقية القبلية والمحافظة دون الاهتمام بالبعد الزمني والحضاري بين الكيان الجديد والمملكة العريقة، ورغم ذلك ولمكانة البيت الهاشمي وامتداداته من ناحية النسب بالنبي محمد، فان النموذج حقق بعض الاستقرار والهدوء، وربما إلى حدا ما القبول من المكونات العرقية والقومية غير العربية، لكن هذا النموذج لم يستمر طويلا، حيث نجحت ثلة من العسكر في انقلاب دموي أدى إلى إبادة العائلة المالكة ومحاولتها في تأسيس ديمقراطية برلمانية ودكتاتورية ملكية مشرعنة، بل ووأد تلك الوليدة الجميلة التي حملت اسم الديمقراطية، لكي تلد طفلا مدللا جديدا يحتل مكانها ويكون مركزا للعالم واهتماماته!

     يقول علماء النفس في إحدى نظرياتهم حول علم نفس الطفل إنه يرى نفسه مركزا للعالم الذي يشعر بدورانه حوله، بل وفي خدمته وتحت تصرفه، وبوجود بيئة تساعد على نمو هذا الشعور وتعملقه ودلال أسرته يتحول هذا الكائن المدلل تدريجيا إلى دكتاتور لا شريك له في هذا العالم، ابتداءً من تحوله إلى رب أسرة ينتج سريرته ويكاثرها في أبنائه أو بناته، أو مدير دائرة يُشعر معيته بأنه فيلسوف عصره وأن استبداله سيوقف حياة وتطور تلك الدائرة، ولك أن تقيس أخي القارئ كلامنا هذا على مديرك العادي وصولا إلى من يتولى  إدارة المنكوبين من العباد، فيصبح رئيسا عظيما وضرورة أو حتمية تاريخية، يتطلب من بقية الكائنات الدوران حول كوكبه الدري!.

     وإزاء هذه البيئة هناك بيئة أخرى معاكسة لها في كل التفاصيل، وخاصة تلك التي تكمن في تربية هذا الطفل الدكتاتوري وتعديل مشاعره وتقليمها وفق أسس تقلب المعادلة من كوكب تدور حوله كل الكواكب، إلى نجم يدور هو حول كوكب اسمه المجتمع، ويشعر بأنه جزء من عالم وعليه خدمته لإثبات انتمائه له دونما شعور بالفردية الطاغية، ومن هنا تبدأ حكايتنا حيث يستمر هذا الطفل باعتبار كل العالم يعمل لأجل تنفيذ رغباته أو العكس، فإذا جمعنا طفلنا المدلل واعتبرناه في جمعه يمثل مجتمعاتنا الشرقية، ندرك ونكتشف حقيقة اللبنات الأولى في بناء الديمقراطية أو الدكتاتورية.       

     لقد ابتليت منطقتنا بأنماط من هذه السلوكيات والثقافات المتوارثة عبر أجيال وحقب زمنية ليست قصيرة، ابتداءً من الأسرة ودكتاتورية الأب أو ولي الأمر، وانتهاء بالقائد الضرورة، مرورا بكل من تسلط على عباد الله وإن كان عددهم اثنان فقط، لكي يمارس عليهما نرجسيته وتفرده، فإذا كانت البداوة مرحلة من مراحل تطور مجتمعاتنا وما زالت تتمركز في كثير من مفاصلنا التربوية والاجتماعية، مضافا إليها إكسسوارات قروية وقبلية  كرست تفرد الشيخ والأغا، الذي تطور كمفهوم للتسلط والأحادية في من يتولى إدارة أي مؤسسة أو حركة أو حزب في حياتنا، فإنها اليوم تتجلى في الكثير من سلوكيات أولئك الذين يحملون شعارات الديمقراطية في زمن الربيع العربي الذي صبغ بلدان البداوة السياسية بألوان الدماء والدموع منذ سنوات على أنقاض أنظمة أوحت لنا جميعا، أن دكتاتورياتها أفضل بكثير من ديمقراطية البداوة الجديدة، تلك الدكتاتوريات التي أنتجت مشروع داعش مختصرة كل أفكار وتوجهات من أرادوا بناء دولة الوحدة العربية أو الإسلامية وصهر وإذابة كل ما هو خارج مفهومي الانتماء لغير العرب أو الإسلام في بوتقة هذا المشروع.

     إن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية وقبله القاعدة ومجمل الحركات العنصرية والدينية والمذهبية وخاصة داعش ليست طارئة أو وليدة الربيع البائس، بل هي نتاج ثقافة وسلوك متراكم من مئات السنين، وخبطة معقدة من الثقافة الدينية البدائية والسطحية والسلوك البدوي وعقلية القرية وبنائها الاجتماعي والتربوي، وهي بالتالي الحلقة الأخيرة في سلسة الأحزاب العنصرية القومية أو الدينية التي تطمح لبناء دولة إيديولوجية، أساسها العرق العنصري أو الدين المتطرف والمتشدد، وما يتبعه من مذاهب وطوائف، ببناء فكري متعصب أحادي التفكير، لا يقبل الآخر إلا عبدا مطيعا أو ملحا مذابا في بوتقته الفاهية، وعلى ضوء ذلك ولان دورة تربية مجتمع بأكمله من الطفولة حتى النضج تستدعي زمنا ليس قصيرا، بل حقبة طويلة لسبب بسيط هو أن المربي ذاته هو الذي أنتج هذه السلوكيات، ولان الكثير يعتقد بان مجتمعاتنا لا تتحمل هذا النمط من النظم الاجتماعية والسياسية، وهي متمتعة بوجود الفارس والرمز، بسبب تراكمات هائلة من العادات والتقاليد والتركيب النفسي والاجتماعي والتربية الدينية الأحادية الاتجاه، علينا البحث عن خيارات أخرى وتعديلات مهمة للعديد من النظريات والتجارب لكي تتناسب مع معطيات مجتمعاتنا وارثها الثقيل من الحكم الشمولي، فإذا كانت العدالة هي الأساس في كل التجارب والنظريات السياسية والاجتماعية في بناء الدولة، إذن لا يهم استخدام أي نظرية أو نموذج أو تطبيق أو تعديل لتحقيق ذات الهدف السامي ألا وهو العدالة بصرف النظر عن التسميات والعناوين، والمهم أن تتحقق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما يرتقي بالمجتمع ومؤسساته إلى مستويات إنسانية متحضرة.

    أليس غريبا في شرقنا الأوسط وربما في العديد من البلدان التي تشبهنا، أن تُفتقد أوجه كثيرة للعدالة بين تفاصيل وتطبيقات الديمقراطية، بينما تنتعش تحت ظلال أنظمة مستبدة لكنها عادلة!

kmkinfo@gmail.com             
    أواسط حزيران 2018م



118
ديمقراطية الدكتاتورية الحديثة!

كفاح محمود كريم

     يقول علماء النفس في إحدى نظرياتهم حول علم نفس الطفل إنه يرى نفسه مركزا للعالم الذي يشعر بدورانه حوله، بل وفي خدمته وتحت تصرفه، وبوجود بيئة تساعد على نمو هذا الشعور وتعملقه ودلال أسرته يتحول هذا الكائن المدلل تدريجيا إلى دكتاتور لا شريك له في هذا العالم، ابتداءً من تحوله إلى رب أسرة ينتج سريرته ويكاثرها في أبنائه أو بناته، أو مدير دائرة يُشعر معيته بأنه فيلسوف عصره وأن استبداله سيوقف حياة وتطور تلك الدائرة، ولك أن تقيس أخي القارئ كلامنا هذا على مديرك العادي وصولا إلى من يتولى  إدارة المنكوبين من العباد، فيصبح رئيسا عظيما وضرورة أو حتمية تاريخية، يتطلب من بقية الكائنات الدوران حول كوكبه الدري!.
     للبيئة أعلاه بيئة أخرى معاكسة لها في كل التفاصيل وتكمن في تربية هذا الطفل وتعديل تلك المشاعر وتقليمها وفق أسس تقلب المعادلة، فيتحول من كوكب تدور حوله كل الكواكب، إلى نجم يدور هو حول كوكب اسمه المجتمع، ويشعر بأنه جزء من عالم وعليه خدمته لإثبات انتمائه له دونما شعور بالفردية الطاغية، ومن هنا تبدأ حكايتنا حيث يستمر هذا الطفل باعتبار كل العالم يعمل لأجل تنفيذ رغباته أو العكس، فإذا جمعنا طفلنا المدلل واعتبرناه في جمعه يمثل مجتمعاتنا الشرقية، ندرك ونكتشف حقيقة اللبنات الأولى في بناء الديمقراطية أو الدكتاتورية.       

     لقد ابتليت منطقتنا بأنماط من هذه السلوكيات والثقافات المتوارثة عبر أجيال وحقب زمنية ليست قصيرة، ابتداءً من الأسرة ودكتاتورية الأب أو ولي الأمر، وانتهاء بالقائد الضرورة، مرورا بكل من تسلط على عباد الله وإن كان عددهم اثنان فقط، لكي يمارس عليهما نرجسيته وتفرده، فإذا كانت البداوة مرحلة من مراحل تطور مجتمعاتنا وما زالت تتمركز في كثير من مفاصلنا التربوية والاجتماعية، مضافا إليها إكسسوارات قروية وقبلية  كرست تفرد الشيخ والأغا، الذي تطور كمفهوم للتسلط والأحادية في من يتولى إدارة أي مؤسسة أو حركة أو حزب في حياتنا، فإنها اليوم تتجلى في الكثير من سلوكيات أولئك الذين يحملون شعارات الديمقراطية في زمن الربيع العربي الذي صبغ بلدان البداوة السياسية بألوان الدماء والدموع منذ سنوات على أنقاض أنظمة أوحت لنا جميعا، أن دكتاتورياتها أفضل بكثير من ديمقراطية البداوة الجديدة، تلك الدكتاتوريات التي أنتجت مشروع داعش مختصرة كل أفكار وتوجهات من أرادوا بناء دولة الوحدة العربية أو الإسلامية وصهر وإذابة كل ما هو خارج مفهومي الانتماء لغير العرب أو الإسلام في بوتقة هذا المشروع.

     إن تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية وقبله القاعدة ومجمل الحركات العنصرية والدينية والمذهبية وخاصة داعش ليست طارئة أو وليدة الربيع البائس، بل هي نتاج ثقافة وسلوك متراكم من مئات السنين، وخبطة معقدة من الثقافة الدينية البدائية والسطحية والسلوك البدوي وعقلية القرية وبنائها الاجتماعي والتربوي، وهي بالتالي الحلقة الأخيرة في سلسة الأحزاب العنصرية القومية أو الدينية التي تطمح لبناء دولة ايديولوجية، أساسها العرق العنصري أو الدين المتطرف والمتشدد، وما يتبعه من مذاهب وطوائف، ببناء فكري متعصب أحادي التفكير، لا يقبل الآخر إلا عبدا مطيعا أو ملحا مذابا في بوتقته الفاهية، وعلى ضوء ذلك ولان دورة تربية مجتمع بأكمله من الطفولة حتى النضج تستدعي زمنا ليس قصيرا، بل حقبة طويلة لسبب بسيط هو أن المربي ذاته هو الذي أنتج هذه السلوكيات، ولان الكثير الكثير يؤمن بان مجتمعاتنا لا تتحمل هذا النمط من النظم الاجتماعية والسياسية، وهي سعيدة جدا بوجود الفارس والرمز، بسبب تراكمات هائلة من العادات والتقاليد والتركيب النفسي والاجتماعي والتربية الدينية الأحادية الاتجاه، عليه وجب البحث عن حلول وخيارات أخرى غير هذه النظم، أو أن يتحول الجميع إلى دكتاتوريين لكي لا يُتهم أحد بأنه قد تفرّد بالآخرين!؟

kmkinfo@gmail.com             
    أوائل حزيران 2018م

 

119
غزوة كركوك وعاصفة الانتخابات!

كفاح محمود كريم

     حينما شعر أولئك الذين صنعوا آلهتهم من التمر بالجوع سارعوا إلى التهامها، وفروا من الدستور إلى حيث كان يقول دكتاتور العراق الكبير صدام حسين:
     ( ليس لدينا قانونا كالقرآن فنحن الذين نصنع القوانين والدساتير وفي أي لحظة نلغيها ونعدلها بما يخدم مصلحتنا!).
     لقد أدرك غالبية الكوردستانيين وقياداتهم وفي مقدمتهم البارزاني إن برنامج أعداء الفيدرالية اكتمل وهم قاب قوسين من تطبيقاته، واجتياح الإقليم وإلغاء كيانه وتجربته والعودة لا إلى المربع الأول بل إلى ما دونه، فسارعوا إلى إجراء الاستفتاء تعبيرا إنسانيا وقانونيا وأسلوبا مدنيا متحضرا للرجوع إلى رأي الأهالي في مسألة مصيرية تتعلق بحياة ملايين من البشر، إلا أنهم اعتبروا ذلك وبعنجهية بدائية إن هذا السلوك معادي لهم، وهو يمس أساسيات الدولة العراقية ( حسب تفسيرهم )، تلك الدولة التي وصفتها ديباجة الدستور ووضعت أقفالا ومفاتيحا للدخول والخروج منها، ووصفت العراق الجديد بأنه (عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز، ولا إقصاء.) وإذا كان هذا هو القفل فان المفتاح في هذا النص الذي ختم الديباجة هو: (إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً).
     ورغم ذلك اختاروا لغة الدماء والاجتياح وإيقاف العمل بالدستور، وخرقه باستخدام القوات المسلحة لحل النزاعات مع الأقاليم والمحافظات، هذه القوات التي تم تعريفها دستوريا في المادة التاسعة أولا/ أ: (لا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة)، ورغم ذلك تم احتلال كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتهجير أكثر من 180 ألف مواطن منها وحرق بيوتهم وسرق ونهب ممتلكاتهم، بل وان أول بيان إعلان احتلال كركوك تم منع استخدام اللغة الكوردية من قبل قائد العمليات العسكرية لمنطقة كركوك اللواء علي فاروق، رغم إن اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية في العراق إلى جانب العربية كما جاء في المادة (أولاًـ اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ).*

     وإزاء غزوة كركوك التي مزقت روحية الدستور مستهدفة أكثر من 92% من شعب وكوردستان، فقد جاءت الانتخابات العراقية الأخيرة لتؤكد جملة من الحقائق، في مقدمتها فشل مشروع الإقصاء والتهميش لحركة التحرر الكوردستانية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه مسعود بارزاني، الذي اكتسح صناديق الاقتراع في كوردستان متقدما على مستوى العراق والإقليم، مما يتطلب إعادة النظر ومراجعة العلاقات بين أربيل وبغداد بعيداً عن التعصب والتوتر وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين، مرحلة فرضتها إرادة الشعبين العراقي والكوردستاني، العراقي حينما رفض أكثر من نصف سكانه التصويت احتجاجا على فشل الحكومات وبرلمانها، وكوردستانيا هذا الإصرار على التمسك بقيادته وحركة تحرره الوطني والقومي الذي رفض كل نتائج غزوة كركوك وتداعياتها، وأصر على الديمقراطية والحوار والانتخابات، التي أفرزت واقعا جديدا يتطلب أن يكون العراق وكوردستان تحت حماية الدستور والشراكة الحقيقية، لا تحت تصرف أولئك الذين ينظرون بعين واحدة ويلتهمون مقدساتهم نزولا لرغباتهم الغرائزية المقيتة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رابط منع استخدام اللغة الكوردية من قبل قائد عمليات كركوك:
www.youtube.com/watch?v=iPV3j6WCa1k

120
حقول العبادي وبيادر البارزاني!

كفاح محمود كريم

     من الأمثلة العربية الجميلة حول الأوهام أو التوقعات غير الجدية مقارنة مع واقع الحال هو حسابات الحقل والبيدر، حيث أنها في الحقل ربما تعطي مع أوهام الربيع التي تشبه الربيع العربي، انطباعا مزينا بالغرور والتصور المبالغ، كما كان يتوقع رومانسيو الثورات من نتائج فوضويات الربيع العربي وماسيه، فما حصل للسيد عبادي وطاقمه من الذين أوهمتهم بنادقهم المهترئة وعقولهم القاصرة، بأن الطريق إلى قلعة اربيل سيكون بسهولة الاندساس إلى كركوك عبر مجموعة هزيلة، سهلت لهم غزو كركوك وشقيقاتها من بنات المادة 140 من الدستور، إن حساباتهم الحقلية تلك لم تتطابق مع بيادر البارزاني وحزبه، تلك البيادر التي حصد فيها البارزاني ما كان يتوقعه ويصر عليه في الانتخابات العراقية الأخيرة، وقبلها في الاستفتاء الذي جرى يوم 25 أيلول 2017م وحصد فيه الأغلبية من الأصوات.

     حينما قرر الفارون من الدستور إلى حيث صدى مقولة دكتاتور العراق الكبير صدام حسين ( ليس لدينا قانونا كالقرآن فنحن نضعه وفي أي لحضه نلغيه أو نعدله!)، أدرك الكثير هنا في إقليم كوردستان وفي مقدمتهم مسعود بارزاني إن برنامجهم اكتمل وهم قاب قوسين من تطبيقاته في اجتياح الإقليم وإلغاء كيانه وتجربته، والعودة لا إلى المربع الأول بل إلى ما تحته، ولذلك جاء الاستفتاء تعبيرا إنسانيا وقانونيا وأسلوبا مدنيا متحضرا للرجوع إلى رأي الأهالي في مسألة مصيرية تتعلق بحياة ملايين من البشر، إلا أنهم اعتبروا ذلك وبعنجهية بدائية إن هذا السلوك (غير دستوري) وانه يمس أساسيات الدولة العراقية، التي وصفتها ديباجة الدستور ووضعت أقفالا ومفاتيحا للدخول والخروج منها، تلك الديباجة التي وصفت العراق الجديد بأنه:
     (عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولا تمييز، ولا إقصاء.)
     وإذا كان هذا هو القفل فان المفتاح في هذا النص الذي ختم الديباجة هو:
     (إنّ الالتزام بهذا الدستور يحفظُ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضاً وسيادةً).
     ورغم ذلك اختاروا لغة الدماء والاجتياح وإيقاف العمل بالدستور، وخرقه باستخدام القوات المسلحة لحل النزاعات مع الأقاليم والمحافظات، هذه القوات التي تم تعريفها دستوريا في المادة التاسعة أولا/ أ:
     (لا تكون أداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة)
     ورغم ذلك تم احتلال كركوك والمناطق المتنازع عليها، وتهجير أكثر من 180 ألف مواطن ( حسب إحصائيات الأمم المتحدة في العراق وكوردستان ) وحرق مئات البيوت وسرق ونهب ممتلكاتها في طوزخورماتو، بل وان أول بيان لإعلان احتلال كركوك تم فيه منع استخدام اللغة الكوردية من قبل قائد العمليات العسكرية لمنطقة كركوك اللواء علي فاروق، رغم إن اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية في العراق إلى جانب العربية كما جاء في المادة أولاً:
( اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان للعراق ).*

     ولان الاستفتاء والانتخاب والاعتصام والتظاهر اساليبا مدنية متحضرة للتعبير عن الرأي، فقد استخدمها شعب كوردستان وقياداته للتعبير عن الخطر الذي يداهم الإقليم وشعبه، والذي أكدت مجريات الأحداث صدق ما ذهب إليه مسعود البارزاني من أن الاستفتاء جاء نتيجة (عدم تطبيق حكومة بغداد للدستور.)، وعليه قامت الدنيا ولم تقعد عند أولئك الذين ينظرون بعين واحدة ويريدون أن يروا العالم بزاويتهم الشمولية التي كلفت العراق منذ تأسيس كيانه السياسي، آلاف مؤلفة من الضحايا والفرص الذهبية للتقدم والتطور، إلا أنهم يصرون عبر كل مراحل التاريخ على إبقاء هذه البلاد على هذا النحو الذي هي فيه اليوم!
     لقد جاءت الانتخابات العراقية الأخيرة لتؤكد جملة من الحقائق، في مقدمتها فشل مشروع الإقصاء والتهميش لحركة التحرر الكوردستانية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه مسعود بارزاني، الذي اكتسح صناديق الاقتراع في كوردستان متقدما على مستوى العراق والإقليم، مما يتطلب إعادة النظر ومراجعة العلاقات بين أربيل وبغداد بعيداً عن التعصب والتوتر وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين، مرحلة فرضتها إرادة الشعبين العراقي والكوردستاني، العراقي حينما رفض أكثر من نصف سكان العراق التصويت احتجاجا على فشل الحكومات وبرلماناتها، وكوردستانيا هذا الإصرار من شعب كوردستان وتمسكه بقيادته وحركة تحرره الوطني والقومي الذي رفض كل نتائج غزوة كركوك وتداعياتها وأصر على الديمقراطية والحوار والانتخابات التي أفرزت واقعا جديدا تأمل فيه البارزاني أن تتم مراجعة للعلاقات بين أربيل وبغداد بعيداً عن التعصب والتوتر، وأن تكون تلك الانتخابات بداية لمرحلة جديدة بين الجانبين، لا تخضع لحسابات كارثية أكل عليها الزمن وشرب، بل على معطيات واقعية تتعامل مع حقيقة البيادر المنتجة للخير والسلام والازدهار، وليس للهيمنة والتهميش والإقصاء!.

* رابط منع استخدام اللغة الكوردية من قبل قائد عمليات كركوك:
https://www.youtube.com/watch?v=iPV3j6WCa1k

121
وفاز أصحاب الاستفتاء!

كفاح محمود كريم

     راهن الكثير من صناع الأزمات سواء في بغداد أو في غيرها من عواصم الخلاف الأبدي مع الآخر المختلف، بأن عملية الاستفتاء التي جرت في أيلول سبتمبر 2017 جاءت بالضد من مطامح الأغلبية الكوردستانية، وستتخرج أصحابها من فضاء قيادة المشروع الحضاري الكوردستاني والعراقي، ولعله من المفيد أن نذكر أيضا كل تلك الإجراءات التعسفية التي استهدفت في رأس رمحها رمز الاستفتاء والمشرف عليه السيد مسعود بارزاني، محاولة إخراجه من حزمة قيادة حركة التحرر الكوردستانية التاريخية، كما كانت تفعل خلال عقود طويلة مع الزعيم ملا مصطفى البارزاني، ثم تعود مستكينة مكسورة لتبدأ مفاوضاتها معه!

     اليوم أيقن الجميع إن كل الطرق مغلقة أمام من يريد حلا حضاريا حقيقيا للقضية الكوردية باستثناء طريق البارزاني وحزبه، الذي اكتسح الانتخابات العراقية العامة في إقليم كوردستان ليحقق دوما ريادته وزعامته للمشهد السياسي والاجتماعي في كوردستان العراق، وصدق المثل العراقي الدارج  ( كل الشرايع زلك والعبرة من عندنا ) في توصيف ما قاله الرئيس الأسبق صدام حسين عشية البدء بمفاوضات السلام نهاية 1969 مع الزعيم ملا مصطفى البارزاني حينما قال:

     " لا يمكن التفاوض حول حقوق الكورد وقضيتهم مع أي جهة أو شخص إلا مع البارزاني والبارتي ويقصد الديمقراطي الكردستاني "

     في غزوة كركوك أراد أصحابها وعسسهم في الإقليم من شلة النفط والدولار إقصاء أصحاب الاستفتاء، وتهميش دور الزعامة البارزانية لمشهد التاريخ الكوردي حاضرا ومستقبلا، فجاءت عاصفة الانتخابات العراقية لتكتسح تلك الآمال والتوقعات وتزيح المستور من المؤامرات في ضرب أصحاب الاستفتاء في عقر دارهم، لتؤكد نتائجها أنهم أساس البناء في كيان الإقليم، وما يزالون الدرب الأوحد للمرور عبره في تحقيق الأمن والسلام لا لكوردستان فحسب وإنما لكل العراق.

     حقا أنها فرصة ذهبية للفائزين بكرسي الحكم في بغداد للمرور الأخير ربما عبر بوابة البارزاني الذي خذلته ضباع السياسة المحلية والإقليمية، وانتصرت له إرادة الملايين من الذين أرادت بغداد معاقبتهم بسبب مشاركتهم بالاستفتاء، فوقفوا بجانبه رغم عسرة المعيشة ولؤم الحاكمين على المال والسلطة في بغداد، وقال الجميع إننا مع بغداد المواطنة ودولة الشراكة الحقيقية وإلا فان بطاقة الاستفتاء الحمراء ما تزال في جيب الحكم!

kmkinfo@gmail.com
                                                                                                                          أواسط أيار 2018م


122
ديمقراطية الشيخ والملا والدينار!

كفاح محمود كريم


     في واحدة من أكثر الصور إثارة  تلك التي تجلت في التطبيقات الديمقراطية الغربية على بلدان تتحكم في مفاصل حركتها الحياتية الدقيقة موروثات مئات السنين من حكم شيخ القبيلة وعالم الدين (الملا) والدينار، تلك الصور الدخيلة تماما على أنماط السلوك والعادات في هذه البلدان، التي تعاني أساسا من إشكاليات في تكوينها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وخاصة ما يتعلق بمفهوم العدالة ومصادر قوتها، هذا الثلاثي الذي اثبت قدرته على إفشال معظم التجارب التي تم تطبيقها في مختبرات تلك الشعوب ودولها، وهنا استذكر كلاما لمواطن بسيط من عامة الأهالي وهو يتحدث بزهو عن عظمة الشعب ومقدرته على إفشال  تلك التجارب، وكان يقصد الأنظمة وتجاربها، ابتداءا من محاولات الهواشم في تكوين دولة مواطنة برلمانية ديمقراطية على غرار الأسطوات البريطانيين، لكن هذا الشعب العظيم نجح في تحويل برلمان الملك إلى مضيف من مضايف الشيوخ بكل عاداته وتقاليده، حتى انتصر الزعيم ورفاقه من الضباط الأشاوس في إبادة الهواشم وبرلمانهم وحكومتهم، والبدء بتأسيس الجمهورية الخالدة واشتراكيتها المزعومة، التي ما برحت أن أبيدت هي الأخرى، لكي ينتصر البعث ويشرع في تأسيس دولة حزبه المنشودة من الخليج إلى المحيط، والتي تمخضت فولدت الأنفال وغزو الكويت، وسرعان ما انهارت هي الأخرى وفشلت اشتراكيتنا الخاصة جدا!
     بعد حروب داخلية وخارجية استمرت طيلة ما يقرب من ثمانين عاما، أنتجت مئات الآلاف من القتلى والمعاقين ودمرت بلادا كانت توصف ذات يوم بالبلد الأغنى، فشلت بتميز سلسلة من التجارب السياسية والاقتصادية التي تم تجريبها حتى أدرك الغرب وقائدته أمريكا إن هذه التجارب والأنظمة أصبحت سلوكا وراثيا تاريخيا، بل أن الأخير أي نظام القائد الضرورة التصق بكرسي الحكم ومفاصله الاجتماعية والنفسية حتى لم يعد أي عراقي يجرأ بمجرد التفكير بتغييره، وكما قال احدهم بأنه لولا جيوش الغرب لحكم العراق أحفاد صدام حسين وأبنائهم، وادعى الولايات المتحدة بأنها جاءت لتنقذ العراق وشعبه، وبدأت بتطبيق برنامجها الديمقراطي معتمدة وبشطارة على ذات  الثلاثي التاريخي الشيخ والملا والدينار، الذي أفشل كل التجارب السابقة، مبررة ذلك بأنها موروثات اجتماعية مقدسة لا يمكن المساس بها!   
     ولنبدأ من حيث انتهت أوضاع هذه البلاد بقيام الفاتحين الجدد من الأمريكان وحلفائهم بإسقاط آخر الأنظمة الدكتاتورية فيها، وإدخالها في مدرسة الديمقراطية الغربية منذ خمسة عشر عاما، خاضت فيها ثلاثة امتحانات اقصد انتخابات كانت نتائجها جميعا ما نشهده اليوم في بلاد تم وصفها بالدولة الفاشلة والافسد في العالم حسبما جاء في تقرير منظمة الشفافية الدولية نهاية العام 2017م؛ حيث إن ثلثها مدمر في الاحتلال والتحرير، وثلثها الثاني يعاني من الفاقة والعوز والفقر وتردي الخدمات، وثلث ثالث محاصر ومحارب لكونه ازدهر وبازدهاره فضح عوراتهم فأراد الخروج من هذه العجقة المريبة.
     تحت ظل هذه الظروف وهذا الواقع المزري تخوض بلادنا امتحانها الرابع بأكثر من ثمانية آلاف مرشح  يتهافتون على حجز كراسيهم في بنك يسمى البرلمان، وامتيازات لا نظير لها في كل العالم المتقدم منه والمتخلف، وينتظرون موافقة ما يزيد على أربعة وعشرين مليون ناخب، غالبيتهم تنخر في مكنوناتهم العميقة ثقافة العبودية والقطيع القبلي أو المذهبي أو التكسبي، ولا يهمهم إطلاقا إلا رضا الشيخ أو المرجع أو الجيوب، بعيدا عن أي مفهوم ناضج للوطن والمواطنة الحقة.
     مدارس الديمقراطية الغربية التي فتحتها أمريكا وبعض بلدان أوربا في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا وقبلهم أفغانستان، أتت أكلها وأنتجت بلدانا خربة تعبث فيها أفواجا من الفاسدين والانتهازيين، وكرست ثقافة القرية والعشيرة والتناحر المذهبي والديني تحت غطاء الحرية والديمقراطية العرجاء، مدارس بمستويات عالية تفتتح لمجتمعات تعاني في الأصل من أمية أبجدية وحضارية وثقافية واجتماعية، ولا تقدر على إدراك مفاهيم قبول الآخر، واستبدال نمط حياتها بحياة جديدة لا تقبل رؤساء آلهة ولا أحزابا مخولة من الإلهة في حكم البشر، مجتمعات أدمنت على النظم التربوية والدينية والقبلية التي تكرس ثقافة الشمولية والعبودية وتلغي بشكل مطلق أي توجه نقدي، بل تعتبره كفرا وإلحادا، أو عمالة للأجنبي والمستعمر!
     في هذه المدارس تتساوى ( الكرعة وأم الشعر - القرعاء ) كما يقول الدارج المحلي، أو مثل ما وصفه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني (إن صوته وصوت أي نكرة آخر في الانتخابات واحد!) بمعنى إن أفواجا لا نهاية لها من الناخبين المسطحين من الذين لا يعرفون الخميس من الجمعة، يقودهم شيخ القبيلة أو رجل الدين بفتاويه المزاجية، أو الحاجات الأساسية وخاصة المال، هم الذين سينتخبون المرشح الفلاني دون النظر أو ربما حتى دون أي دراية عن أي شيء، إلا ما ينحصر في ما ذكرته وعلاقته بالثلاثي الديمقراطي (الشيخ والملا والدولار).

     الشيخ الذي حاول الرئيس احمد حسن البكر تهميشه ومن ثم إلغاء دوره في محاولة لتأسيس دولة مواطنة، اغتالها صدام حسين القروي وأنشأ بدلا عنها دولة العشيرة والقرية، هذا الشيخ الذي نُفخ فيه في تسعينيات القرن الماضي حتى أطلق على موديلاته الثلاث ألف وباء وجيم بشيوخ التسعين، أصبح الأداة الضاربة والآمرة لرئيس العشائر والقرى.

     والملا بشطريه السني والشيعي وتحت ظلال حكم الطبقة السياسية الحالية، أصبح هو الأخر أداة كما كان أيام الحملة الإيمانية الوطنية التي أنتجت هذه الأفواج من الملالي والمعممين والإرهابيين والفاسدين حتى النخاع، يساق من قبل هذه الطبقة كواحد من أهم وسائل النفوذ الاجتماعي، وسلم رباني للصعود إلى جنات السلطة والمال.

     والدينار وما إدراك ما الدينار وما سحره وتأثيره في صناديق الاقتراع ونتائج الانتخابات، ولكي لا نقسِ في جلدنا لذاتنا هنا، فهو وشقيقه المهيمن الدولار، هذه العملة العالمية التي دست انفها في انتخابات أعظم الدول وأعرقها في المضمار الديمقراطي، فما بالك فيمن إيراده السنوي لا يتجاوز ألف دولار، أي اقل من ثلاثة دولارات يوميا، ويدفع له مائة دولار لشخطة قلم أو لشراء بطاقته الانتخابية، هذا الدولار الذي يستخدم في شراء مناصب الدولة العراقية، ابتداء من مدير الناحية ووصولا إلى رئيس الحكومة، فما بالك بالأغلبية التي تتاجر على قد حالها بأصواتها، ولم يعد يهمها أو أساسا لا يهمها من سيجلس على الكرسي سواء في برلمان التهريج أو حكومة الصفقات والأكاذيب.
     مظلومة هذه البلاد بآفاتها وحليمتها التي تعود اليوم إلى عادتها وسلوكياتها، وان تغيرت وسيلة العودة من الزعيم الأوحد والحزب القائد والرئيس الضرورة إلى مختار العصر وقائد النصر، تحت ظلال أحزاب الله والإسلام والمذاهب تارة، وأحزاب الأمة الخالدة تارة أخرى، حيث تجتمع اليوم الأدوات الثلاث:
     شيخ القبيلة وشيخ المذهب وسيد الجيوب الدينار، لرسم خارطة العراق الجديد بأكثرية من الانتهازيين والوصوليين وتجار المناصب وعمولات الفساد والإفساد، وصدق من قال ستفوز نفس الوجوه ليس لأنها نخبة واعية، بل لأننا أغلبية جاهلة!.

kmkinfo@gmail.com
أواخر نيسان 2018م





123
لا تطلب الدبس من النمس؟

كفاح محمود كريم

    للوهلة الأولى وأنا استمع لهذا المثل العراقي الجميل ظننته يقصد ذلك الحيوان الذي يرعب الأفاعي ويصطادها بسرعة مذهلة، لكنني أدركت فيما بعد إن الدبس والنمس مفردتان شكٌلهما الدارج المحلي للتعبير عن الرجاء الذي ليس في محله، وقد تداولتهما الأجيال في توصيف أولئك الذين لا يرتجى منهم خيرا، والدبس هو عصير التمر المعروف، أما النمس فهو درجة من درجات النظافة البائسة التي تقع بين النظيف وبين القذر أو الوسخ، وليس الحيوان المعروف كثيرا في افريقيا وجنوب شرق آسيا، والنماسة تعني الوساخة أي عدم النظافة تحديدا، حيث يصعب كثيرا أن تطلب شيئا لذيذا أو نظيفا من شخص غير نظيف!

     بهذه المقدمة أردت أن ادخل إلى موضوعين متشابهين رغم البون الشاسع بينهما، الأول يتعلق باعمار المدن المخربة اقصد المحررة من داعش، والتي قلب التحرير عاليها على ناصيها، فكانت مدن من الذاكرة ليس إلا، والثاني هو المستنقع الذي صنعته بغداد بين كوردستان والعراق، وكيفية ردمه وإعادة فتح الطرق بينهما، ففي الأول يطلب سكان المدن المخربة اعمار مدنهم وبقية البلدات من الحكومة الاتحادية التي تغص في بحيرة من قذارات الفساد واللصوصية، حتى حولت كل مدن البلاد إلى خرائب وان تكن لم يمسسها داعش، فليست البصرة بأحسن حال من الفلوجة، أو المحاويل أفضل من سنجار، بفضل مكرمات وبركات برلمان الفساد وحكومة الأكاذيب والادعاءات، أصبحت البلاد من افسد وافشل البلدان، ويأتي بعد كل ذلك الموصلي أو الانباري أو السنجاري ليطلب منها إسعافه واعمار مدنه، والانكى في هذه التراجيديا إن مجاميع من الفاسدين والمغرر بهم ومثلهم أو أكثر بكثير أولئك الطامحين في السحت الحرام من الامتيازات وصفقات الفساد من كعكات برلمان المهازل، حيث التبشير بأن الدبس بين أصابعهم وهم الذاهبين إلى ظلال قبة البرلمان والملوثين بأطماع الثراء الفاحش وكعكات إحدى نائبات الدورات الثلاث!

     تلك هي والله رجوة الدبس من النمس!

     أما الثانية فهي ما يحصل الآن بين العراق وكوردستان فهي بحق مهزلة ومسرحية مثيرة للأشجان والسخرية معا، حتى توهم البعض إن الطاقم الحاكم الحالي في العراق، قادر على حل تلك الإشكاليات وهو صانعها منذ سطى على كراسي السلطة باستخدام سلالم صناديق الديمقراطية العرجاء والصفقات الصفيقة وفتاوى أئمة السياسة والدين، إشكاليات تم تجميعها في دوائر صناعة الأزمات وتعقيد المشكلات، لتحقيق الأهداف المنشودة في إقامة نظام ايديولجي ذي خلفية دينية مذهبية، وإلغاء ما جاء في الدستور، بعد فرض نظام الأغلبية الذي سيتيح لهم إجراء تعديلات تفصله على مقاساتهم.

     إن المشهد القادم لن يكون أفضل مما مضى إن لم يكن أسوء، حيث التوجه لفرض دكتاتورية الأغلبية بشرعية برلمانية تسيطر عليها قوى الحشد الشعبي التي أدغمت في العملية السياسية والبرلمانية خلافا للدستور كونها مؤسسة عسكرية مذهبية مؤدلجة، مما سيقصي تماما بقية المكونات التي تختلف معها فكرا وعقيدة وانتماءا، وبذلك تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ولم يعد هناك دبسا يطلب ولا نمسا يلاحق الأفاعي!

kmkinfi@gmail.com
أواسط نيسان 2018م





124
هذا العراق.. الشعب أم الحكومات!
كفاح محمود كريم

     في واحد من الأحاديث النبوية المثيرة التي اختلف المفسرون في معانيها رغم وضوح كلماتها، شبه النبي محمد (ص) الشعوب بحاكميها حينما قال ( كيفما تكونوا يولى عليكم )، وبصرف النظر عن تصنيفات علماء الأحاديث في ضعف أو قوة الحديث المنسوب للنبي، إلا انه جاء معبرا بدقة عن حال الشعوب والحكومات أو الزعماء في منطقتنا عموما، ومطابقا لما شهدته هذه البلدان والشعوب في انعكاس خلاصة ما يختزنه الشعب من ثقافة وسلوك في تصرفات حكوماته أو زعمائه ملوكا كانوا أم رؤساء، ومعنى الحديث كما هو واضح أن الوالي والأمير يكون من جنس المولى عليهم ( الرعية ) فإن كانوا صالحين كان مثلهم، وإن كانوا فاسدين كان مثلهم، والحالة التي يكونون عليها يكون عليها ولي أمرهم.

     ولعله من المفيد أن نذكر أيضا الدارج العراقي الشهير ( عاب شي لا يشبه أهله ) الذي عبر عن ذات المعنى في توصيف دقيق لما شهده العراق من سلوكيات المرؤوسين قبل الرؤساء، وما فعلته الآلاف المؤلفة بل الملايين من تصنيع دكتاتوريين بمختلف الموديلات والأنواع، ابتداءً من شيخ القبيلة وصعودا إلى الملك المفدى أو الزعيم الأوحد أو الرئيس الضرورة، حتى ظن البعض منا أنه مرض عضال وميؤوس من شفائه، خاصة وأن فرصة إسقاط ذلك النظام على أيدي الأجانب، منحنا فرصة إعادة بناء الدولة بمعايير جديدة، في مقدمتها البدء من أول درجات السلم وهي المدرسة، لكننا فوجئنا بتراكم هائل من ثقافة متكلسة لدى كل الأدوات التي تم استخدامها، وهي موروثات عبر مئات السنين وربما تحتاج إلى مئات أخرى لتغييرها جذريا!

     إذن ونحن نجلد أنظمتنا السياسية دوما بمختلف أشكالها، لا ننسى أننا  نادرا ما نجلد أولئك الذين صنعوا تلك الأنظمة، وبالتأكيد أولئك ليسوا بالعشرات أو المئات بل بالملايين الذين شهدوا عبر التاريخ، قراءة أو معاصرة، وهم بالتالي يمثلون منظومة الثقافة والأخلاق والعادات والسلوك الاجتماعي الجمعي لكل هذه الشّعوب التي أذابتها في بوتقة قوانين الخيمة والإبل ، غزوات البدو مستخدمة الدين وسيلة وحصان طروادة للهيمنة وفق سياقات الغرائز بعيدا عن أي مفهوم حضاري نوعي باستثناء مظاهر لا تمت لبواطن السلوك بأي صلة، ولقد شهدنا جميعا في مجتمعاتنا الشرقية عموما والعربية والشرق أوسطية بشكل خاص، التأثر حد البلاهة بالمظاهر الأوروبية دونما الولوج إلى أعماق حضاراتهم، أو على الأقل إلى بدايات إنتاج تلك المظاهر.

     وفي معظم التجارب الديمقراطية في منطقتنا وبالذات التجارب الثلاث الأقدم؛ التركية والمصرية والإيرانية، والى حد ما اللبنانية والعراقية الْمَوؤدَة في تموز 1958م، لم تنجح في إقامة دولة المواطنة بين سكانها المختلفين عرقيا ودينيا ومذهبيا، وبقيت الصراعات محتدمة رغم الإكسسوارات التي استخدمت في كل هذه البلدان، خاصة بين المذهبين الشيعي والسني والأديان ( المسلمين وبقية الأديان الأخرى ) والأعراق وما يحصل منذ قرن من الزمان من عمليات إبادة جماعية عضوية أو ثقافية للأعراق المختلفة عن العرق السائد ( الكورد والامازيغ والعرب والتركمان وبقية الأعراق الأخرى ).

     وبنظرة متفحصة لسلوك أي أسرة وأفرادها من عموم الأهالي في أي مدينة أو قرية،  تظهر بشكل جلي أنماط التربية والسلوك التي أنتج نظامها السياسي ومواصفاته  عبادة الفرد وعدم قبول الرأي الآخر، بدءا من الطاعة العمياء للأب والأم والمعلم وشيخ القبيلة وعالم الدين أو إمام الجامع صعودا إلى مستويات الإدارة بمختلف أشكالها، دون وجود أي أثر لثقافة نقدية تناقش وترفض أو تقبل أي فكرة أو رأي، تحت مختلف التبريرات الدينية التي تصل حد التكفير والاتهام بالإلحاد وإقامة حد القتل، أو الاتهام لمجرد مناقشة الأب أو الولي بالخروج عن القيم الأخلاقية مما يسقط الفرد اجتماعيا أو تربويا، وبذلك ودون أن نشعر، سادت شمولية اجتماعية ودكتاتورية باتت مقبولة عرفيا واجتماعيا ودينيا وتربويا، تواقة لصناعة أي دكتاتور لمجرد سيطرته على مكامن  القوة، مما أنتج في آخر عمليات التكاثر الأميبي لهذا السلوك مجموعة الأنظمة التي صدق من وصفها (كيفما تكونوا يولى عليكم ).

وحتى تحقيق ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ستبقى عجلة الدكتاتورية الاجتماعية والدينية والقبلية قبل السياسية تسحق آمالنا وتطلعاتنا نحو مستقبل محترم!

125
هل الديمقراطية صناديق اقتراع فقط؟

كفاح محمود كريم

     عاش العراق منذ الانقلاب على الملكية في تموز 1958 وحتى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وحزبه من قبل التحالف الدولي في نيسان 2003، نظاما شموليا وان اختلفت التسميات والإكسسوارات من مجلس السيادة إلى الاتحاد الاشتراكي إلى المجلس الوطني العراقي وصولا إلى برلمان العشائر والأحزاب الدينية والمذهبية، ولم تختلف الأنظمة في جمهوريات الزعيم والعوارف والبعثيين عن بعضها إلا بسمات رمزية لم تؤثر على النهج العام للنظام الذي استمر حتى يومنا هذا بوتائر ترتفع تارة وتهبط تارة أخرى.

     لقد ظن العراقيون إن الغرب وبقيادة الولايات المتحدة سيعينونهم على إحداث تغييرات جذرية في البنية السياسية والاجتماعية والثقافية بعد إزالتهم لهيكل إدارة صدام حسين وأجهزته القمعية، لكن ما حدث خلال السنوات التي تلت 2003 أكدت إن تلك الظنون ما هي إلا اضغاف أحلام متهرئة، فبعد ثلاث دورات برلمانية مارس خلالها العراقيون انتخابات يفترض أنها اختلفت عن انتخابات حزب البعث ومن سبقه في حكم بلاد الرافدين، أنتجت لنا دولة تم تصنيفها من ناحية اللصوصية بأنها دولة فاسدة بامتياز، حسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 لمنظمة الشفافية الدولية الذي  أظهر إن خمسة بلدان عربية هي الأكثر فسادا في العالم وهي العراق والصومال وسوريا واليمن والسودان، والأكثر فسادا تعني إن غالبية مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث ينخر فيها الفساد وخاصة الفساد المالي الذي ينتجه فساد التربية والأخلاق، بمعنى إن الذين أنتجوا السلطة التنفيذية بشقيها رئاسة الوزراء والجمهورية هم منبع هذا الفساد، والغريب إن كل شرائح الشعب تتهم البرلمان وأعضائه وأحزابه وسلطاته التي أنتجها باللصوصية، ورغم ذلك وبعد أسابيع قليلة يبدأ ماراثون الانتخابات العراقية الرابعة بمشاركة الآلاف من مرشحي الأحزاب والمستقلين والعشائر والأديان والمذاهب والتكتلات والشركات، للوصول إلى مجلس إدارة بنك البرلمان العراقي، في بلاد تغص بالفساد والمفسدين، وتشتت الانتماء وتمزق أنسجة المواطنة لحساب دشاديش العشائر والمذاهب، تتبارى فيها منذ الآن جوقات وكروبات جديدة من احدث موديلات مساحي الجوخ الانتهازيين والمتملقين جامعي أموال الرشاوي والسحت الحرام، بالتعاون مع بعض المسؤولين المتمرسين بالفساد والإفساد، من اجل تولي مناصب المشهد السياسي القادم، بدعم من مفاصل مهمة في الحكومة وغيرها ممن يمتلكون مفاتيح السلطة والمال.

     إن ما يجري الآن ومنذ سنوات عجاف يدفع إلى الرأي العام أسئلة مريرة، تدور دوما حول خيارات الناخب وقراءاته لحقيقة ما يحدث ومنذ 2005 مقارنة مع واقع الحال اليوم، ووعود أولئك الذين منحهم صوته على أنغام التدليس  والرشاوى وولائم السحت الحرام، واكتشف أنهم أصلا بحاجة ماسة إلى تأهيل تربوي واجتماعي وأخلاقي، أسئلة تتعلق بشخص الناخب وتأهيله وسلوكه وثقافته، وهل هو فعلا بمستوى اختيار الأفضل لخدمة البلاد وتمثيل الشعب في البرلمان؟

     هذا الناخب الخارج من سرداب الشمولية المسجون فيه منذ عشرات أو ربما مئات السنين في ظل ثقافة الاوحدية التي تحدد الانتماء للعشيرة والشيخ، أو للقرية والمدينة، أو للدين والمذهب، بعيدا عن مفهوم الوطن والشعب في مجتمعات أدمنت النظام الشمولي، وعشقت حتى الوله الفارس المقدام والقائد الملهم، ولا يمكن أن تتحول إلى النظام الديمقراطي بين ليلة وضحاها، كما لا يمكن لها أن تستوعب رئيسا لبلادها كموظف من الموظفين على الطريقة الأوربية، بل إن كل ذلك يتناقض كليا مع نهجها وتربيتها وسلوكياتها الاجتماعية والدينية التي تفرض نظاما شموليا صارما من البيت إلى المدرسة إلى الجامع.

     ما يحصل اليوم وغدا في لعبة المارثون الديمقراطي المشوه للتسلط، لا يتجاوز الإكسسوارات التجميلية لشكل النظام البديل، الذي تم تأسيسه إثر نجاح العملية الجراحية التي استأصلت حزب البعث ورئيسه من هيكل السلطة، حيث حافظ النظام الجديد على معظم الأنشطة الحيوية والسلوكية للأنظمة السابقة، بل تجاوزها بامتياز، ولذلك لا أمل منظور في أي نتيجة مختلفة عما سبق منذ 2005 ولحد اليوم، إلا اللهم مزيدا من الفساد ومزيدا من أفواج السراق وأجيال مطورة من الدكتاتوريين الجدد.

    ترى هل الديمقراطية صناديق اقتراع أم تربية وأخلاق، وإن كل ما جرى كان مسخا وسلما لارتقاء الفاسدين والانتهازيين والفاشلين من السياسيين ورجال الدين!؟

kmkinfo@ggmail.com
أواخر آذار 2018م

126
إنهم يلتهمون الدستور!

كفاح محمود كريم

     قبل ما يقارب من ألف وخمسمائة عام ، وفي الجاهلية الأولى كان بعض من ( أجدادنا العظام ) يصنعون آلهتهم من التمر، وحينما يمسهم الجوع ( يتناوشون ) تلك الآلهة فيلتهمونها دونما خوف أو وجل، هؤلاء ( ألأجداد العظام ) كانوا أيضاً يدفنون فلذات أكبادهم من الإناث ( خشية إملاق ) أو عار ، وهم أنفسهم كانوا ( يستدعون الفحول ) لزوجاتهم في أول عمليات تحسين النسل في التاريخ، وبحسب الخارطة الجينية فان هذا النوع من البشر ما يزال يعيش ويتكاثر ويمارس هذه الثقافة وان اختلفت العناوين والتسميات، وقد أثبتت التجارب والأحداث عبر التاريخ بالمقارنة الحرفية الدقيقة بين ملتهمي آلهتهم قبل ألف وخمسمائة عام، وبين ملتهمي القوانين والدساتير اليوم هذا التطابق والاستمرارية، كما أكدت المقارنة السلوكية بين أولئك الذين كانوا يمارسون زواج المباضعة مع هؤلاء الذين يستقدمون الأجانب ويستقوون بهم على أبناء جلدتهم وبلدانهم!

     لا نريد ضرب الأمثلة بقدر ما نبغي التأكيد على إن تلك السلوكيات مستمرة رغم ما فعلته الأديان والحركات الإصلاحية خلال مئات السنين مع تلك المجموعات في الجاهلية الأولى وما تلاها من جاهليات حتى يومنا هذا، التي طالما يتكثف تمركزها في مفاصل القيادات السياسية لبلدان الشرق، والشرق الأوسط حصريا، حيث تتضح وبشكل جلي استمراريتها مع وجود تغييرات سطحية في العناوين والأسماء، بينما حافظت تلك المحركات الثقافية لذلك السلوك على نوعيتها وتطبيقاتها العملية بشكل ميداني، في معظم هذه الدول وخاصة تلك التي ابتلت بتنوع المكونات العرقية والدينية والمذهبية.

     بمراجعة سريعة لدساتير معظم دول الشرق الأوسط وخاصة الشمولية منها، يكتشف المرء بأنها دساتير مثالية تضم مواد وفصول الحريات وحقوق الإنسان وتداول السلطة والانتخابات ومعظم آليات النظم الديمقراطية العريقة، لكنها في واقع الحال بعيدة جدا عن تلك المفاهيم، فالعناوين هي ذاتها لكن التفاصيل متعارضة جدا، ولعلنا نتذكر الدستور العراقي المؤقت أو مشروع الدستور الدائم الذي تمت مناقشته أشهرا طويلة قبيل إسقاط نظام صدام حسين، والذي احتوى في حينها على مواد أساسية تتعلق بحرية التعبير والمظاهرات والانتخابات وتداول السلطة، وكذا الحال مع الدستور السوري والمصري واليمني والإيراني، حيث تركز جميعها على النظام الديمقراطي وعلى حرية الفرد وحقوق الإنسان، وهي بالتالي من أقسى دول العالم مع مواطنيها، بل ارتكبت أشنع الجرائم بحقهم، ولم تمنعها تلك الدساتير من اقتراف كوارث مروعة بحق دولها وشعوبها.

     واليوم وبعد عاصفة الربيع العربي الترابية التي أحرقت الأخضر واليابس تحت يافطة الديمقراطية وإسقاط النظم الشمولية، يغلب الطبع على التطبع وتعود تلك الثقافة لتحرك الطواقم التي ورثت كراسي الحكم وخزائن الأموال في الدول التي اجتاحتها العواصف الهوجاء، لتلتهم الدساتير والقوانين كما التهمت محركاتها الأساسية قبل مئات السنين آلهتها المصنوعة من التمر، بل تطابقت في معظم تلك السلوكيات، فبدلا من أن تستدعي فحولا لتحسين النسل استنجدت بجيوش أجنبية لمحاربة أهلها، وهي بالنتيجة تعطي نفس المعاني إن لم تك أقبح!

     ترى بعد أن حولوا الأديان إلى سلالم ومفاتيح، والدساتير إلى كراسي وسياط، أي ديمقراطية هي الحل مع هذه الكائنات!؟

kmkinfo@gmail.com
أوائل آذار 2017م

127
إقليم كوردستان بين الاتهامات والحقائق!

كفاح محمود كريم

     عودنا رئيس الحكومة الاتحادية في بغداد على تصريحاته التي تتدفق منذ إجراء الاستفتاء في كوردستان وحتى تصريحاته الأخيرة التي تضمنت سيلا من الوعود التي لم يتحقق منها أي شيء، حيث أكد هذه المرة على إن الحوارات مستمرة رغم وجود من يبعدنا عن بعضنا، ومن هذا التصريح يفهم المرء خيوط اللعبة سواء بين التحالف الوطني أو في ما بين كتلة القانون وأجنحتها مع إقليم كوردستان.
     
     في معظم تصريحاته يحاول الانتقاص من الإقليم بل ويعمل على إقصائه وتشويه سمعته وتسطيح الرأي العام بمعلومات غير دقيقة ومشوشة، ولعل تصريحاته المكررة حول الحدود والمنافذ والمطارات والمعاشات ومنذ عدة أشهر خير دليل على عدم مصداقية ما يذهبون إليه في أنها غير خاضعة للسيادة الاتحادية، حيث يخفي من خلال هذا التكرار المستمر حقيقة أخرى تتقاطع تماما مع أطروحاته، وهي إن السيطرة على كل الحدود العراقية التركية والعراقية الإيرانية من جهة كوردستان لقوات حرس الحدود الاتحادية المشكلة منذ عام 2005م وهي تتبع وزارة الداخلية الاتحادية تجهيزا وتسليحا وأوامرا، أما موضوع مرتبات الموظفين وحجته بأنها يجب أن تخضع للتدقيق فإنها فرية أخرى إذا ما قارنا ما موجود في إقليم كوردستان والبالغ مليون وربع المليون موظف بضمنهم المتقاعدين ومنتسبي الرعاية الاجتماعية، مع الأجزاء الأخرى من العراق حيث يقترب عدد الموظفين من ثمانية ملايين موظف ما بين حقيقي وفضائي، ناهيك عن المخالفات الكبيرة في موضوع التعيينات الوهمية في المؤسسات العسكرية والأمنية وغيرها من المؤسسات الخاصة، ولم نسمع بان الحكومة الاتحادية طلبت من أي من محافظات العراق إخضاع موظفيها للتدقيق، علما بان الإقليم يستخدم وعبر شركات عالمية غاية في الدقة والتطور أسلوب البايومتري لتحديد وكشف أي خلل أو تجاوز أو تكرار هنا أو هناك.

     ويدرك العراقيون قبل الكوردستانيين مدى تطور مطار اربيل الدولي ودقة توقيتاته وخدماته ونظافته قياسا حتى بمطار بغداد الدولي وبشهادة سلطة الطيران الاتحادية والدولية، وهو يرتبط منذ افتتاحه مع سلطة الطيران الاتحادي، بل ولا تقلع منه أو تهبط فيه طائرة إلا بموافقة الحكومة الاتحادية، وما يفعله رئيس الحكومة الاتحادية مجرد قرار سياسي يتم استثماره دعاية انتخابية بعد أن نجحت وسائل الدعاية التي يسيطر عليها هو وحزبه من إشاعة الكراهية والحقد ضد الكورد وكوردستان، مما يزيد في شعبيته وصولا للولاية الثانية!

      أما تصريحه حول طموحات الكورد ومنها الاستقلال التي تطرق اليها حينما قال لصحيفة اليوم السابع المصرية:
(البعض لا يريد حل الأزمة ويصر على إقامة وطن قومي للأكراد وهذا حلم وطموح، لكننا نرفض ذلك بشكل كامل)
     يذكرنا هذا التصريح بتصريحات قادة العراق ممن سبقوه وآخرهم الرئيس الأسبق صدام حسين الذي كان يؤمن بحقوق الكورد ودولتهم لكنه يريدها فوق كوكب آخر(!)، وهكذا حال كل من تسلم مسؤولية هذه البلاد المنكوبة بحكامها، حيث اختارت تلك الحكومات الطريق الأكثر سهولة والأعظم همجية في التعاطي مع القضية الكوردية، وشهدنا جميعا نهاياتها المأساوية وما خلفته للعراق من دمار وتخلف وفقر وتدهور.

     إن هذه الحقوق والطموحات والآمال لا توقفها عمليات الحصار وحظر الطيران وقطع الموازنة والرواتب والتصريحات النارية واللئيمة، فقد جرب نظام البعث كل أسلحة الدمار الشامل، وكانت النتائج منذ 1958 وحتى يومنا هذا سقوط تلو سقوط، وفشل ذريع في كل مجالات الحياة، حتى غدت دولة العراق واحدة من افشل وافسد دول العالم، في الوقت الذي كان يفترض أن تكون عكس ذلك تماما بعد إسقاط نظام البعث.

     وأخيرا ربما يستطيع رئيس الحكومة الاتحادية أو أغلبيته في البرلمان أن تؤثر على خيارات شعب كوردستان حينما تتباهى حكومته بما تقدمه للمواطنين  وتقنعهم باتحاد اختياري حقيقي ومشاركة فعلية نقية نابعة من الإيمان بأننا شركاء اصلاء في هذا الوطن، لا أن يعمل من أجل إفراغ الإقليم من مفهوم الفيدرالية والعودة إلى الحكم المركزي الشمولية، وتهيئة الطريق لأغلبية تتمكن من تعديل الدستور وإلغاء الفيدرالية وتكريس مفاهيم أخرى تم إسقاطها بإسقاط نظام صدام حسين، وإزاء ذلك تمنينا لو قارن بين ما يفعله منذ اختار الحل العسكري واجتياح كركوك، وكيف تصرفت بريطانيا العظمى مع شعب وقيادة اسكتلندا حينما قررا الاستفتاء على الاستقلال، وأن لم تفعل تصريحاته الكثيفة  فعلتها في مسح الذاكرة نرجو أن يتذكر كيف تصرفت هذه الدولة العظمى مع جزء من شعبها!

     التأثير على الخيارات ليست بفرض الحصار وخنق الشعب وغلق المطارات وإيقاف التعامل مع البنوك وإشاعة الكراهية والتشكيك في كل أمر يتعلق بالإقليم ومحاولة غلق المنافذ لتجويع شعب من خمسة ملايين إنسان، واستقدام الأجانب والاستعانة بهم لإذلالهم!؟

     الم تفعل كل ذلك ( لشعبك العزيز في شمالك الحبيب! ) وما تزال!

kmkinfo@gmail.com
أواخر شباط 2018م


128
شماعة الدستور والفهلوة!

كفاح محمود كريم

في الدارجة العربية سواء في العراق أو في مصر مفردات بليغة تتجاوز في معانيها الوصفية الدقيقة حتى ما يقابلها في الفصيح من لسان العرب، ولعل مفردة ( الكلاوجي) و(الفهلوي) نموذجين جيدين في تداولهما الكثيف بين عامة الناس، ويعبران بشكل دقيق عن الشخص الكذوب أو اللعوب أو (الحنقباز) وهي مفردة تركية (hokkabaz) تعني ذات المعنى، ومتطابقة جدا مع مفهوم مفردتي كلاوجي وفهلوي التي تطلق على الشخص الذي يمرر أكاذيبه على الناس بأساليب المراوغة والتحايل، ولم تمر في تاريخ العراق السياسي مرحلة تكاثر فيها هذا النمط من السياسيين، وتطور بهذا الشكل المثير، كما هي الآن منذ 2003 وحتى اليوم وخاصة اليوم، بعد أن أتموا دراساتهم المعمقة والعالية في الفساد والإفساد وفازت البلاد بتصنيفها أفشل وأفسد بلد في العالم!

     لقد كشفت أزمة الاستفتاء في كوردستان صفحات مهولة من طبيعة النظام السياسي المفترض أن يكون جديدا يختلف عما سبقه من أنظمة حكمت العراق وأوصلته إلى الدمار والخراب، فلم يمنعه الدستور الذي كتب لأول مرة بتوافق الجميع، من أن يتم خرقه في اخطر مواده التي تحرم استخدام القوات المسلحة في حل النزاعات بين الأقاليم والمحافظات وبين الحكومة الاتحادية، فقد اجتاحت القوات المسلحة العراقية وميليشيات الحشد الشعبي المشكلة بفتوى المرجعية لمحاربة داعش وحماية المراقد الشيعية، فإذ بها تحتل كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، وتهجر أكثر من 180 ألف مواطن من أهاليها إضافة إلى حرق  وتدمير ونهب وسلب مئات البيوت والعمارات والشركات المملوكة للكورد في هذه المدن ناهيك عن قتل المئات من أبنائها وفصل أعداد كبيرة من موظفيها على خلفيات عرقية شوفينية، هذا الدستور الذي وصف بأنه دستور دائم اتفق عليه كل العراقيين بمختلف مكوناتهم ومشاربهم، وتم تصديقه بغالبية كبيرة من الناخبين اقتربت من 80%، إلا إن حاله لم يكن يختلف عن حال كل الدساتير التي صدرت وصدقت في العراق منذ حمورابي وحتى الآلهة المصنوعة من التمر المعبودة طيلة أيام السنة والمأكولة في الشتاء!؟

     ولا يختلف اثنان بان معظم الدساتير التي كتبت وصدقت كانت مثالية ومعاصرة مع وجود خلل هنا وهناك، إلا أنها لو كانت طبقت لما حصل للعراق ما حصل منذ تأسيسه وحتى كتابة دستوره الأخير، حيث غلب الطبع على التطبع، وكما استخدمت الأنظمة السابقة الدستور شماعة لفرض ما تريد، يلعب الحنقبازيون الجدد ذات اللعبة الدستورية في إرهاب الأهالي وكبح جماحهم، وقد تجلى ذلك في سلوك الحكومة الاتحادية ورئيسها مع الأزمة بين بغداد وإقليم كوردستان، في التلاعب بالدستور ومواده على طريقة الثلاث ورقات التي يلعبها الفهلوية في مصر وعلى طريقة الحنقبازيين أو الكلاوجية في العراق، حيث الكذب والمماطلة والتحايل وقلب الحقائق وإيهام السذج بأقاويل وحكاوي مختلقة، كما يسوقون إن الإقليم كان يحتل كركوك ويضطهد سكانها واكتشافهم لمقابر جماعية (هي أصلا من صناعة داعش) للعرب أو التركمان، حتى بدأت الأمور تتكشف وتنفضح ألاعيبهم ومسرحياتهم الهزيلة، فتحول الشارع في اربيل وبغداد إلى غير ما كانوا يطمحون إليه، وأصبحوا محل تندر وسخرية الأهالي وهم يزايدون في تصريحاتهم ووعوداتهم لشعبهم العزيز في شمالهم الحبيب!؟

     وإذا صحت التسريبات الإعلامية حول تصريحات الرئيس الأمريكي في توصيف الوفد العراقي الذي زاره مؤخرا، فقد أحسن الوصف وبرأ ذمته وهو يقول:
     " أبرع مجموعة من اللصوص، قد سبق له أن التقاهم ".
     

kmkinfo@gmail.com
أواسط شباط 2018م

129
مجهولو النسب السياسي!

كفاح محمود كريم

     استفزتني الكاتبة المبدعة أحلام أكرم  في عنوان مقالها حول مشكلة مجهولي النسب كمعضلة اجتماعية تعاني منها بعض البلدان، وبالذات مصر التي خصتها الكاتبة كظاهرة مدعمة بأرقام موثقة، وقد وفقت في طرحها كموضوع اجتماعي وشرعي مهم جدا، في بلد نعتبره القدوة والمرجع في تحدي المشكلات العويصة ووضع حلول لها، وكلي ثقة إن صوت الأستاذة أحلام أكرم سيطرق أبواب الأزهر الشريف وعلمائه الإجلاء، مثلما سيطرق أبواب قصر القبة حيث ينشغل فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي كي لا يتركه لمنافسيه!

     قلت استفزتني لأنها سحبتني إلى كارثة اكبر بكثير من مجهولي النسب اجتماعيا، لأنها بالتالي لن تؤثر كثيرا على مصير الشعب أو الأمة والدولة، مقارنة بكارثتنا التي أنتجتها ديمقراطية العشائر وفتاوي رجال الدين والمذاهب، وهذا الكم الهائل من مجهولي النسب السياسي الذين يقودون الدولة والمجتمع إلى النهاية الحتمية، خاصة وإنهم يتوالدون كالقطط الشباطية دونما توقف، ولا يعرف لهم شجرة للنسب السياسي منذ تم تأسيس المملكة العراقية وحتى وقبل سنوات، حيث اعتلى كراسي السياسة وملحقاتها من البرلمان والحكومة منذ نيسان 2003م أفواج من الفاسدين والنكرات التي استحوذت على كل شيء، في بلد مباح منذ تأسيسه للسراق والفاسدين إلا من رحمهم ربي، وهم قلة لا تخضع للقياس العام، أفواج تتكاثر وتقلد بعضها، بل وتبدع في تطوير أساليبها باستخدام حتى المقدسات الدينية، ناهيك عن تشويهها لتجربة في إدارة الحكم ( الديمقراطية ) ومحاولة اغتيالها بالاعتماد الكلي على الأديان والمذاهب والانتماءات القبلية، التي تفقد بين طياتها أي حرص جامع لانتماء وطني خالص، فانتشرت مجاميع اللصوص في كل مفاصل الدولة وزواياها الرطبة، حيث ورد للعراق خلال تسلطها على الحكم ما يزيد على ألف مليار دولار، كان بإمكانها أن تبني عراقين أو ثلاثة بمواصفات أوربية راقية، لكن اللصوص من رجال السلطة ومجهولي النسب السياسي حولوها إلى حساباتهم، بمشاريع وهمية وصفقات مريبة ابتداء من حقول الطاقة بما فيها الكهرباء والنفط وحتى الدفاع وصفقات الأسلحة والغذاء، ناهيك عما يجري في التعليم والصحة والميليشيات.

     لقد أكدت قوائم الأحزاب التي أجازتها الحكومة ومفوضية الانتخابات والتي تجاوزت المأتي حزب سياسي، فيضان عارم من الأحزاب الكارتونية مجهولة الجذور والنسب السياسي، إلا اللهم من كان منها من إنتاج دوائر مخابرات أجنبية، أو انشطارات محلية لأحزاب رئيسية تستخدمها كواجهات لها، وفي كل الأحوال لا تمثل هذه الفيضانات من الأحزاب ظاهرة صحية بل تعكس مدى التناحر والهبوط السياسي، في دولة لم تتجاوز أحزابها الحقيقية منذ تأسيس كيانها السياسي قبل مائة عام أكثر من عشرة أحزاب رئيسية معروفة، لكنها نافورة الفوضى التي اعترت كل بلدان ما يسمى بعاصفة الربيع التي عجزت من تقديم بديل مقنع للمواطن الذي يدفع فاتورة هذه الفوضى، خاصة السياسية منها والإعلامية.

     في بريطانيا العظمى حزبان رئيسيان ( العمال والمحافظين ) وثالثهما ( الأحرار ) منذ مئات السنين، وفي الولايات المتحدة الأعظم حزبان متنافسان منذ أزل تأسيسها ( الجمهوري والديمقراطي ) وهكذا دواليك في بقية الديمقراطيات، إلا في عراقنا الديمقراطي للعظم وبشهادة كل رجال الدين والمخاتير وشيوخ العشائر ورجال الأعمال المصنعين بعد 2003م حصرا، حيث إن مجهولي النسب السياسي والإعلامي أصبحوا ظاهرة اكتسحت العراق بعد نيسان 2003 ووصلت ذروتها بعد صدور قانون الأحزاب، حيث انطلقت مجاميع من الطامحين للوصول إلى مغارة علي بابا والكنز المخزون، ورحم الله أستاذنا الجليل محمد حسنين هيكل حينما وصفها بعصابات سطت على بنك فقِد صاحبه!؟
 

kmkinfo@gmail.com
أوائل شباط 2018م

130
ليست دعوة للدكتاتورية ولكن!

كفاح محمود كريم

     بدأت مهرجانات السيرك الديمقراطي العراقي في وقت مبكر قبل مطلع العام الجديد 2018، في أحداث كركوك والمناطق المتنازع عليها، وشماعة الدستور التي أصبحت اليوم واحدة من أكثر العاب التسلية السياسية في بلاد صنفتها مؤسسة الشفافية الدولية بأنها واحدة من أفشل دول العالم وأفسدها، حيث أضاعت مئات المليارات في عمليات سرقة ومشاريع وهمية، ورفعت نسبة الفقر إلى ما يزيد عن ثلث السكان، مع تخلف مريع في قطاعات التعليم والتعليم العالي والصحة والبلديات والصناعة والزراعة، وارتفاع خطير في مستويات الأمية والأمراض ووفيات الأطفال، ناهيك عن تدمير عشرات المدن ومئات القرى على خلفيات مذهبية أو عرقية، وتهجير ملايين من سكانها خارج وداخل البلاد.
 
     ليس العراق وحده بل كل البلدان التي عصفت بها مسرحيات الربيع العربي، حيث أنفجع العراقيون قبل غيرهم من شعوب الشرق فجأة وبدون سابق إنذار، وبعد حقب طويلة من النوم الهادئ تحت ظلال الدكتاتوريات بشتى أنواعها ومسمياتها، من الأسرة حتى المدرسة والجامع والقرية والعشيرة وصولا إلى دكتاتوريات برلمانات العشائر والفتاوى، انفجعت هذه الشعوب بالانتخابات وصناديق التدليس والنفاق والتخلف، فيما يسمى بإقامة نظام الديمقراطية الغربية بين شعوب اقل ما يقال عنها إنها متخلفة، وتعاني من فقر دم هائل ونقص كبير في تكوينها الاجتماعي والسياسي، وهو الانتماء للوطن أو الشعب، حيث يتكلس في تركيبها الثقافي والاجتماعي مكون آخر أكثر قوة ونافذية، ألا وهو الانتماء إلى العشيرة أو للدين والمذهب أو للعرق، وبتطرف غريب، وتحت سقف هذا الانتماء أدمنت النظم الشمولية عبر مئات السنين، حتى عصفت بها عاصفة ما يسمى بالربيع العربي، وخلاصتها ومن دون أي مقدمات أو تطور تاريخي تدريجي إقامة وفرض بشكل فوقي نظام غريب كليا عن سلوكها وثقافتها وتركيباتها الاجتماعية التي تحتاج إلى عقود طويلة لتغييرها، حيث بدأت الأصابع الأوربية والأمريكية بعملية جراحية خطيرة رافقتها عملية إرضاع قسري لفرض هذا النوع من الغذاء المستورد كليا من مصانعهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، لتحيل تلك الدول وأنظمتها السياسية والاجتماعية إلى ركام تفوح منه رائحة الموت والدمار والمستقبل المجهول، وأصبحت في أفضل نماذجها ما نراه اليوم عراقيا وسوريا ويمنيا وليبيا والقادمات كثر، وكما قال الباشا نوري السعيد حينما أخبروه بأن ضباطا يجتمعون لأجل انقلاب يزيحه ومن معه، قال:
( إن فعلوا ذلك سيرفعون غطاء ( السبتتنك ) أي مخزن المياه الثقيلة، وستخرج كل عفونات البلاد ).

     عاصفة فوقية جعلت كل هذه الشعوب تلعن تلك الساعة التي سقطت فيها أصنامها ودكتاتورياتها التي تميزت بالظلم والطغيان، لكنها أمنت للأغلبية المستكينة أبدا في شرقنا المؤمن حتى العظم بالواحد الأحد، الأمن والسلام وستر الحال والأحوال، بينما فقدت على بوابات الديمقراطية العرجاء كل ما تبقى لديها مما تركته لهم تلك الأنظمة، حيث لم تنجح الأنظمة البديلة من تحقيق ابسط الأمور التي كانت تتمتع بها تلك الشعوب بشكل أفقي، بل على العكس كان في العراق مثلا لص واحد ودكتاتور أوحد وحزب واحد وجيش واحد، أصبح لدينا اليوم جملة من الدكتاتوريات وجيوش مقدسة بالعشرات وأحزاب تتكاثر كالقطط الشباطية، لا يعرف لها أب ولا أصل، ناهيك عن آلاف اللصوص الذين يتبعهم مئات الآلاف من الذين يستفيدون من سرقاتهم، وربما بحجهم أيضا ممن يتمنون لو أصبحوا مثلهم، وفي هذه المتوالية أتذكر جوابا لأحد البعثيين وأنا اسأله إن الشعب يرفضهم ويجاملهم من الخوف والإرهاب، ضحك وقال معلوماتكم غير دقيقة، والحقيقة إننا في الهرم بضع مئات من الآلاف، يتبعنا ضعفهم ويقلدنا أضعافهم، ويتمنى أن يكون مثلنا عدة إضعاف، وبذلك فان الأغلبية معنا!؟

     لم تختلف الأمور ضمن هذه المعايير، فقط أضيف لها الجانب الديني الأكثر تأثيرا، خاصة ما يتعلق بالفتاوى والصراع العقائدي مع المختلف الآخر، وعمليات التكفير والإقصاء والاحتواء وصناعة المجالات الحيوية عبر ثقافة ( الأفواج الخفيفة - الجته ) وشبيهتها اليوم بالحشود العشائرية، وإضفاء صفة التقديس على تلك الأفواج، ناهيك عما يفعلونه بالأغلبية المسطحة من الأهالي باسم الدين ورموزه وفتاويه حتى تحولت إلى قطعان لا تعرف الجهات الأربع في مهرجان تهريجي مضحك باسم الانتخابات، لتأسيس دورة جديدة لبرلمان أهم ما يميزه هو امتيازات أعضائه وقراراتهم القراقوشية، والذي لا يصدق عليه التوجه بالسؤال من أي مواطن ليبي أو عراقي أو يمني أو سوري عما كان فيه قبل مهرجانات التهريج الديمقراطي وكيف أصبح حاله الآن!

    ليست دعوة للدكتاتورية بل دعوة لغلق الطريق أمام من يستخدم سلالم الديمقراطية لصناعة دكتاتوريات لا تختلف عن أولئك الذين استخدموا السطو بالانقلابات!

     إنهم يفرضون الديمقراطية عموديا بينما تنمو وتنتعش الدكتاتورية أفقيا!


kmkinfo@gmail.com
أواخر كانون ثاني 2018م

131
كوردستان والعراق إلى أين؟

كفاح محمود كريم

          الخوض في بواطن التاريخ بقدر ما يطلعنا على بعض الحقائق لكنه أيضا صورة قاتمة لما حصل على الأقل خلال قرن من الزمان، ومن هنا أريد أن استعرض وبسرعة لكي لا أثقل على القارئ بصفحات مؤذية من تاريخ هذه المنطقة، التي ما زالت تغلي وتندفع حممها من براكين وضعت أسسها عبر التاريخ، لتحرق الأخضر واليابس لأقوام سكنت هذه المنطقة الموبوءة بالعقائد والإيديولوجيات والقبلية والعنصرية والطائفية المقيتة، حمم تحولت إلى حروب ومآسي وكوارث كما وصفها احد الدبلوماسيين الأمريكيين أبان توقيع اتفاقية لوزان وراح ضحيتها ملايين البشر من مختلف الأقوام والأعراق والأديان والمذاهب، ولعل ما حصل للأرمن والكورد نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين بداية لتلك الكوارث والمآسي، وما يؤكد إصرار العنصريين بكل أشكالهم القومية والدينية والمذهبية على الشمولية المقيتة هو تلك الحمم التي تندفع بضراوة وما تزال حرائقها مستعرة، وها هي داعش وردود أفعالها الطائفية تمثل آخر مبتكرات المآسي في العراق وسوريا.

     وفي العراق وكوردستان العراق ومنذ أكثر من مائة عام عمل الكوردستانيون على إنشاء دولة مدنية متحضرة ديمقراطية مع شركائهم العرب وغيرهم من شعوب هذه المنطقة من العالم، دولة تعتمد أسس المواطنة في بنائها الاجتماعي والسياسي، وكانت الخطوة الأولى بعد اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت، أن منحوا ولاية الموصل العثمانية هويتها العراقية في استفتاء عصبة الأمم بالربع الأول من القرن الماضي، أملا في أن يحقق الشركاء الآخرين في المملكة العراقية ( ولاية بغداد وولاية البصرة ) وعودهم في تنفيذ مطالب شعب كوردستان في شكل الدولة وأساسياتها وحيثياتها بما يضمن حقوقهم الإنسانية والثقافية والسياسية، وطيلة ما يقرب من ثمانين عاما لم يتلق الكورد من وعود الحكومات المتعاقبة في بغداد وعلى مختلف مشاربها وتوجهاتها، إلا الحروب المدمرة التي استخدمت فيها أبشع أنواع الأسلحة، بما في ذلك المحرمة دوليا كالأسلحة الكيماوية والعنقودية والنابالم، ناهيك عن عمليات الأرض المحروقة، التي أتت على أكثر من ثلث كوردستان في عمليات الأنفال سيئة الصيت ( ثمانينيات القرن العشرين )، والتي ذهب ضحيتها ما يقرب من ربع مليون إنسان، وتدمير خمسة آلاف قرية بما فيها من بساتين وينابيع ومنشآت، إضافة إلى قتل أكثر من ثمانية آلاف بارزاني وتغييب مئات الآلاف من الكورد الفيليين في وسط العراق، وإسقاط جنسياتهم العراقية وتهجير عوائلهم إلى إيران ( سبعينيات القرن العشرين )، وأتباع سياسة الصهر القومي والتغيير الديموغرافي لسكان المدن الكوردستانية المتاخمة لحدود العراق العربي مثل كركوك وسنجار وزمار ومندلي وسهل نينوى ومخمور والشيخان وعقرة وغيرها طيلة نصف قرن ( 1958- 2014 )، وأخيرا تسهيل احتلال أجزاء من كوردستان العراق من قبل منظمة داعش الإرهابية واقتراف واحدة من أبشع جرائم التاريخ بحق الايزيديين والمسيحيين في كل من سنجار وسهل نينوى ( حزيران وآب 2014 ).

     ورغم تلك الكوارث والمآسي بقي الكورد يعملون ويناضلون من اجل تأسيس دولة مواطنة متحضرة ديمقراطية، تحفظ العراق موحدا بشراكة حقيقية وتوجه مخلص لمعالجة جروح الماضي وتعويض السكان عما أصابهم من ويلات، وبهذه الروح ذهبوا إلى بغداد في آذار 1970 حينما تصوروا إن القائمين الجدد على الحكم ينوون التعامل مع القضية الكوردية بجدية، وفعلوها قبل ذلك في الستينيات مع عبد الرحمن البزاز، لكن الحقيقة كانت غير ذلك لدى الطرف الثاني، حيث سياسة فرق تسد التي اتبعتها كل الأنظمة مع شعب كوردستان وقياداته، وفرض مشاريع هزيلة كما فعلوا في تجربتهم البائسة فيما سمي بعد 1975 بقانون الحكم الذاتي الحكومي، الذي انهار وبدأت سلسلة جديدة من الكوارث والمآسي والحروب التي راح ضحيتها خيرة أبناء كوردستان وبناتها، وخيرة شباب العراق ممن تورطوا في تلك الحروب القذرة مجبورين غير مخيرين، دونما أن تنتج تلك الصراعات إلا الدمار والتقهقر والتخلف للبلاد، حتى اسقط التحالف الدولي مطلع الألفية الثالثة نظام صدام حسين وحزبه الذي تسبب في معظم مآسي العراق وسوريا.
   
     لقد تخلى الكوردستانيون عن استقلالهم الذاتي الذي فرضته انتفاضة الربيع 1991 وأقرته قرارات مجلس الأمن الدولي ( قرار 688 )، وتسارعوا إلى بغداد حفاظا على وحدة العراق وبناء دولة المواطنة والشراكة الحقيقية تحت خيمة ديمقراطية حقيقية ونظام مدني متحضر، والمساهمة في تأسيس دستور دائم يحفظ للبلاد وشعوبها كل الحقوق والامتيازات ويحترم خياراتها وتطلعاتها في دولة اتحادية اختيارية ( من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية، ولا عقدة مناطقية، ولا تمييز، ولا إقصاء ) و ( إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضا وسيادة.*

     وبعد أكثر من عشر سنوات ( بعد تشريع الدستور الدائم ) من وضع هذه الوثيقة الجامعة وشروطها في الالتزام، ماذا حصل وماذا جنينا غير تحول النظام تدريجيا إلى نظام ديني طائفي بحت، بعد أن اتفقنا على أن يكون بلدا ديمقراطيا مدنيا، فاذ به يتحول إلى بلد للميليشيات التي منحت نفسها تفويضا ربانيا بمصير البلاد والعباد، فأصبح العراق من أفسد وأفشل دول العالم، حيث استخدمت القوات المسلحة في حل النزاعات بين الأقاليم والمحافظات وبين الحكومة الاتحادية، كما حصل مؤخرا في اجتياح المناطق المتنازع عليها والخاضعة للمادة 140، في خرق خطير للدستور الذي يحرم ذلك إطلاقا، ذلك الاجتياح الذي استقدمت من اجله قوات أجنبية وتسبب في إحداث شرخ كبير بين العرب والكورد والتركمان وفي تهجير أكثر من 180 ألف مواطن من تلك المناطق، ناهيك عن عمليات النهب والسلب والحرق التي تعرض لها المواطنين في كركوك وطوزخورماتو على خلفية عرقية أو مذهبية على أيدي القوات المسلحة والميليشيات.

     وقائمة الخروقات طويلة ومليئة، وأخطرها محاصرة الإقليم اقتصاديا بحرمانه من حصته في الموازنة العامة لأربعة سنوات ( 2014 – 2017 ) والبالغة أكثر من خمسين مليار دولار، مع قطع كافة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، والعمل على تحجيم وإلغاء الفيدرالية من الدستور وذلك بغلق كافة مكاتب تمثيل إقليم كوردستان في السفارات العراقية وتعطيل وإيقاف تطبيق معظم المواد المتعلقة بتأسيس الأقاليم، بل ومحاربتهم كما حصل مع مطالب شعب البصرة والانبار وصلاح الدين ونينوى، وكذلك تعطيل قانون النفط والغاز وتطبيقاته والمادة 140 وعدم إجراء تعداد عام للسكان، والقائمة تكبر لتمتد على كل مساحة العراق ومكوناته، حتى أصبح اليوم واحدا من افشل دول العالم وأكثرها بؤسا ورعبا وفسادا، ناهيك عن إن سيادته في الأصل مثلومة باختراقات دول الجوار وما بعد الجوار تحت مختلف التسميات والعناوين، حتى غدت عاصمته تحكم من قبل عصابات ومافيات مسلحة تستمد شرعيتها من الرب والدين والمذهب وفي كل حي وشارع، حيث الميليشيات وحكم قراقوش والصراع الطائفي المقيت، لهذه الأسباب ولأن شعب كوردستان يختلف كليا عن شعب العراق عرقيا وقوميا وثقافيا وتاريخيا وحضاريا وجغرافيا، فإنه بعد أن فشل خلال قرن من الزمان في بناء دولة مواطنة، وأن يكون شريكا حقيقيا في كيان مختلق غصبا عن الشعبين، قال كلمته بشكل سلمي متحضر، وطلب أن يكون الشعبين شجرتين مثمرتين باسقتين، لا شجرة واحدة معلولة بثمار مشوهة، لكي يسود السلام بعيدا عن الصراعات الدموية والسياسات العنصرية والطائفية، وحينما قرر الاستفتاء على مصيره انبرت العنصرية والشوفينية والمصالح لقمع توجهاته، فضرب الحصار عليه أرضا وجوا لإذلاله وكسر إرادة شعبه وإبقائه تابعا منتقص الارداة والحرية!

    ترى بعد كل ذلك كوردستان والعراق إلى أين!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نص من ديباجة الدستور الدائم

kmkinfo@gmail.com
أوائل كانون ثاني 2018م


132
دولة المواطنة بين العراق وكوردستان؟

كفاح محمود كريم    


      منذ تأسيس المملكة العراقية في منطقة عرفت بالعراق تاريخيا واختلف المؤرخون في تسميتها وأصولها، لكنها رغم تلك الاختلافات احتضنت حضارات وأقوام سادت ثم بادت كما يقول طيب الذكر احمد زكي في مجلته (العربي الكويتية)، وكانت هذه المنطقة لتميزها الجغرافي ووقوعها وسط عقدة مواصلات، تربط معظم القارات أرضا وجوا وبحرا، محط اهتمام وأطماع كثير من الدول والإمبراطوريات وفي مقدمتهم آخر إمبراطوريات الزمن السيئ الذي أنتج كيانات في هذه المنطقة وغيرها من مناطق الشرق الأوسط على حساب شعوبها ومكوناتها وخدمة لمصالحها فقط.

    وكردستان حالها حال عربتان ( الوطن العربي ) راحت ( بالرجلين ) كما يقولون، وتم تمزيقها إلى أربعة أقسام وشقيقتها العربية إلى أكثر من عشرين قسما، حسب أمزجة العرابين ومصالحهم، وبينما أراد المستفيدين أن تكون أقسام عربستان أكثر من عشرين دولة، ضموا أجزاء كوردستان إلى أربعة دول، فما ذكرت كوردستان إلا وعنوان إلحاقها ملتصق بها كما في كوردستان العراق وايران وتركيا وسوريا، وبينما حاول العرب خلال قرن من الزمان إنشاء وطن قومي يضمهم جميعا ليكسروا طوق التجزئة ويلغوا تلك الكيانات التي أنشأها الاستعمار، ذهب الكورد إلى فكرة إنشاء الدولة وضم الأجزاء الأربعة في حلم لا يختلف كثيرا عن الحلم العربي!

    وكما فشل الحلم العربي في إنشاء أي وحدة حتى ولو بين كيانين من كيانات العرب، فشل الكورد أيضا في مشروعهم لتوحيد الأجزاء الأربعة في مشروع واحد، إلا اللهم تلك المشاعر التي تربط الشعوب ببعضها في اللغة والجغرافية والعقائد والعادات، ولذلك نشأت أطروحات أكثر واقعية في الجزء الذي ضمته اتفاقية سايكس بيكو للعراق، حيث المطالبة بحقوق المواطنة ومفرداتها في الثقافة والسياسة والشراكة، إلا أن النظم السياسية المتتالية على حكم العراق لم تنجح بإقامة دولة المواطنة وفشلت بعد ذلك في إقناع الكورد بالتعايش الحر وأجبرتهم تحت الضغط العسكري والأمني والاقتصادي على التعايش ألقسري، مما تسبب في اندلاع الانتفاضات والثورات والحروب التي ما تزال مستعرة حتى الآن بأشكال مختلفة.

    ما حصل في اجتياح القوات العراقية لكركوك وبقية المناطق المستقطعة من كوردستان في 16 أكتوبر 2017م يؤكد استمرار ذات النهج الذي اتبعته كل النظم السياسية العراقية في فرض التعايش القسري على أكثر من خمسة ملايين إنسان ذهبوا في 25 سبتمبر 2017م إلى صناديق الاقتراع ليعبروا عن رأيهم في التعايش مع العراق، فقامت الدنيا ولم تقعد، في بلد يحاول فيه الأمريكان إجراء عملية جراحية لفرض نظام سياسي ديمقراطي غربي على تركيباته الاجتماعية التي وصفها مؤسس مملكته فيصل الأول:

 

« باعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت».

    ورغم سلسلة الانقلابات الدموية التي بدأتها (ثورة) تموز 1958م وادعت إنها تهدف إلى بناء دولة مواطنة عصرية، تشترك فيها كل المكونات القومية وخاصة الشريكين الأساسيين العرب والكورد، إلا إنها انتهت بمجازر وحروب إبادة اعتقد الكثير إن ذروتها كانت في جرائم الأنفال وحلبجة، لكن الأحداث أثبتت إن ما ذهب إليه ملك العراق الأول كان حقا خلاصة حضارة هذه التركيبات التي ما أن زال عنها حكم القانون حتى ساد نظام النهب والسلب والفرهود، ولعل الخلاصة الأكثر بؤسا لمن لا يزال يعتقد أنها وريثة حضارات عظيمة، تلك المناظر التي شهدها العالم اجمع في (الحواسم) التي بدأت بالمتحف العراقي وانتهت اليوم بعمليات النهب والسلب والحرق لمواطنين في كركوك وطوزخورماتو فقط لأنهم كورد!

    إن ما يجري اليوم من استقطابات مذهبية في تشكيل تكتلات لخوض انتخابات في مجتمع قبلي لا ولاء له إلا للعشيرة والمذهب والعرق، بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة من التطبيقات ( الديمقراطية ) الشكلية، والادعاءات بتأسيس دولة مواطنة من خلال شعارات أثبتت أحداث كركوك والمناطق المتنازع عليها، بأنها إكسسوارات لتزيين قباحة السلوك الطائفي والعنصري المتكلس في ذهنية غالبية من يتسلط على حكم البلاد العراقية، هذه الأحداث والاستقطابات الأخيرة اغتالت أي محاولة جدية من التيارات المدنية أو التقدمية لتأسيس هكذا نظام، ودفعت إلى الأمام الخيار الفيدرالي الحقيقي أو الكونفيدرالي لثلاث مكونات أساسية ( كوردستان والسنة والشيعة ) لم ينجح سكان هذه البلاد وقياداتهم في إذابتهم في بوتقة دولة المواطنة طيلة ما يقارب من مائة عام.

Kmkinfo@gmail.com
أوائل كانون ثاني 2018م

133
مراحل تطور ( الحيتان ) العراقية ؟

كفاح محمود كريم


     دعونا بادئ ذي بدء تعريف حيتاننا الأكثر شهرة في العالم، فهي لا تشبه أي كائن  على الأرض بمواصفاتها لأنها مخلوقات مائية هلامية ناعسة تنحدر من سلالات رخوة وملساء، تطورت بسرعة مذهلة وغادرت مياهها لتنتقل إلى المدن والقصبات، لتنشئ مستعمراتها وعشرات المستوطنات وتمتص ما حولها من ماء ودماءٍ وأموال دونما أن يشعر بها أحد، إلى أن يصاب بالجفاف من دمائه وأمواله ورطوبته، هي إذن ليست تلك المخلوقات التي احتاجت ملايين السنين لكي تتطور في فسلجتها ووظائف أعضائها، لقد اختصرت الزمن أو أحرقت المراحل على ثقافة أهل الانقلابات والأحزاب الجدا ثورية والانقلابية في دفع دولهم إلى الأمام وابتداعهم للخطط الخمسية والانفجارية التي أنتجت هذه القطعان من الحيتان الوديعة الملساء.

      ولكي لا نجهد أنفسنا في البحث عن الجذور الأولى لهذه الكائنات، ونستقدم من القبور السيد داروين أو مندل، فإننا سنتناول نوعين مهمين منها، وهما النوعان اللذان يعيشان معنا ويمارسان ( نشاطيهما الحياتي ) وسط مجتمعاتنا التي اكتظت بهما.
   الأول؛ بدأ بالتحول مع قيام جمهوريتنا العتيدة في 1958 من مخلوقات انتهازية مسطحة الأدمغة هلامية الأشكال عاطلة عن العمل والتفكير، جائعة وغرائزية الطباع، لا تنتمي إلى أي طبقة أو عرق أو دين أو مذهب معين، فهي تستخدم كل هذه ( المقتنيات والتقنيات ) من اجل عملية تطورها إلى حيتان وديعة ملساء، جاءت من العصر الملكي ودخلت الحقبة الجمهورية الخالدة وهي ما زالت تهتف للملك المفدى عبد الكريم قاسم، لا خباثة في ذلك بل هذه كل معلوماتها وثقافتها ونيتها الصافية النقية، وسرعان ما تغلغلت و ( إندحست ) إلى مفاصل الأحزاب الثورية جدا والرجعية جدا جدا والقومية أو الدينية جدا جدا جدا، والى الجمعيات والمنظمات التي كان من المفروض إنها تمثل مخلوقات إنسانية، فأصبحت خلال سنوات مراتع للحيتان. 
       
    وخلال سنوات قليلة تحولت هذه المخلوقات إلى حيتان وديعة التهمت كل ما حواليها من نِعم الأحزاب والانقلابات الثورية والقوات المسلحة في حروبها ( القومية والتحررية والجهادية المقدسة ) وتأميم النفط وتحويل موارده للعشائر الحيتانية في كل أنحاء العالم لخدمة مصالح الأمة ووحدتها ومستقبلها الذي نشهد اشراقاته الآن، وفي اقل من نصف قرن تحولت تلك المجاميع إلى طبقات وعشائر من أصناف وأنواع رهيبة، لا تمت للإنسان العادي بأي شكل من الأشكال، وانتشرت في ربوع العراق بوداعة تلتهم كل شيء إلا ( الحلال ) تحت ظلال السيوف والمبادئ والوطنيات ومستقبل الجماهير والأمة، ودوما يكون في حمايتها ( المقاومة الشعبية ) أيام الزعيم الأوحد و( الحرس القومي وشقيقه الجيش الشعبي ) أيام بطل القادسيات و ( الحشد الشعبي ) أيام مختار العصر وخليفته المبتسم والمتفائل جدا!


      والغريبُ فيها بل المثير أنها تختلف في كل شيء فيما بينها إلا في السلوك، فهي تتلون مع البيئة التي تعيش وتترعرع فيها، فلا تكاد تعرف ألوانها التي تغيرها من لون إلى آخر  كالضفادع حسب مكان عيشتها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن الرفيق ماركس قدس سره إلى الرفيق المجاهد القرضاوي دام ضله، فهي تتنقل برخاوة وانسيابية رهيبة بين كل هذه العوالم دونما أي خسائر تذكر، سوى نوعية الأقنعة وأساليب التدليس و( الاندحاس)، ورغم ذلك تفاءل العراقيون كما اليوم حتى أطلت ( الثورة البيضاء جدا ) في تموز 1968 لكي تبدأ مرحلة أخرى ( النوع الثاني ) من مراحل تطور وانتشار وتكاثر هذه الحيتان العقائدية المناضلة، التي دربت ودرست في مدارس ومختبرات ومعامل الحزب القائد آلافا مؤلفة من أجيال أكثر تطورا من الحيتان وبكل الأحجام والأشكال والأعراق والمذاهب، وأول الوجبات المطورة كانت تلك التي لبست قناع المقاولين في السنوات الأولى لحقبة الثورة البيضاء جدا، ما لبثت حتى تطورت إلى أنواع زيتونية عسكرية مع مطلع الثمانينات وقيام الحرب بين ( أحفاد القعقاع ويزدجرد )، فانتشرت قطعان من الحيتان المعسكرة بالرتب وأنصافها وأشكالها والزيتوني ودرجاته والمجحشة وأفواجها، حتى غرقت البلاد وطافت العباد وأصبحت الحيتان تصول وتجول في مشارق البلاد ومغاربها، بألوانها الزيتونية ورتبها وأوسمتها التي كانت تقدم بالمناسف والصواني، حتى بدأت (غزوة الأنفال المباركة ) فهبت جموع الجماهير المناضلة ورفاق العقيدة والصناديد من فرسان الأمة لنهب مدن وقرى كوردستان، تتقدمهم أفواج من الحيتان المدربة على امتصاص الدماء والأموال في تمرين تعبوي لمعركة كبرى قادمة لا ريب!

     وجاءت غزوة الكويت العظمى لتبدأ تطبيقات غزوة كوردستان ولتتحول الكويت خلال ساعات إلى ساحة لتلك القطعان من الحيتان التي ( شفطت كل شيء ) وكنست الكويت بأكملها من دولة إلى متصرفية أو محافظة، والمهم في كل هذه الغزوات ديمومتها وبقائها، فمِن (عاش الملك المفدى ) إلى ( ماكو زعيم إلا كريم ) وصولا إلى ( صدام اسمك هز أمريكا ) حتى عصرنا الذهبي مع ( مختار العصر ) وقرينه المبتسم ( بطل الأبطال وقاهر الرجال )، لا يهمها شخص من يحكم أو حزبه بقدر ما تهمها غرائزها في ( اللغف والشفط ) والامتلاك والامتصاص، وهي ذكية جدا رغم رخاوتها وبساطتها في التكيف مع تبدل الأنظمة وتغيير الأسماء والاتجاهات.

     وهكذا دخلت هي الأخرى حقبة ما بعد صدام بشكل مثير في ذكائها واندحاسها بين صفوف ( المناضلين جدا )، بل والمزايدة على أولئك الذين قاوموا صدام وحزبه طيلة ما يقارب من أربعة عقود، لتتبوأ مراكز الصدارة في معظم مراكز القرار وحواليه بدوائر تشبه تلك التي تنتجها قطعة الحجر في بركة ماء، مدربة ومروضة بشكل لم يعد العقلاء التمييز بينها وبين المساكين من أبناء هذا الشعب العجب، فقط إنها بدأت بالتهام الأخضر واليابس وكل ما حواليها من أراض وأبار وأنابيب بترول ومباني وطرق وحتى الأرصفة والمناصب البرلمانية والوزارية ومواقع السياسة والإدارة في الأحزاب التي استطاعوا صناعتها أو التي اخترقوا مفاصلها من الأحزاب العاملة على الساحة.

     ولم تكتفِ هذه الحيتان الوديعة بشهاداتها العليا ضد الكوليرا والتايفوئيد والابتدائية أو المتوسطة فاقتنت شهادات الدكتوراه والتخصص العالي من جامعة سوك مريدي الشهيرة، التي لا تلزم طلبتها بالحصول على أي شهادة قبل الدكتوراه، إضافة إلى شهاداتها الدينية وعمائمها، وهكذا أصبح لدينا أجيالا متقدمة ومتطورة من هذه الكائنات الوديعة والملساء والمتكيفة للعيش في كل المناخات والتضاريس المائية والجبلية وحتى الصحراوية إذا اقتضى الأمر لذلك، فهي أجيال متطورة جدا تليق بالبرلمان والحكومة، وقد حازت على شهادة راقية جدا من منظمة الشفافية الدولية (EITI) حيث أصبحت دولتها من أفسد دول العالم وأفشلها، وسيتم منحها شهادة حسن السلوك في مهرجان التهريــج الديــــــمقراطي ( الانتخابات العراقية ) فتدخل كالفرسان المنتصرين إلى قبة البرلمان لتضع بيضها الفاسد وتنتج حكومة جديدة جدا، غايتها خدمة العراق العظيم والحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه ضد الانفصاليين الذين شكلوا 93% من خمسة ملايين إنسان قالوا لهم لا!؟

     وصلوا معي على نبينا محمد وآل محمد في دولة قراقوش!



kmkinfo@gmail.com
12 كانون ثاني 2018م

134
الفاسدون يدمرون العراق!
كفاح محمود كريم

     تزداد يوما بعد آخر حمى الدعايات الانتخابية في العراق بشكل مبكر مع تساقط الكثير من أوراق التوت عن عورات الأحزاب والكتل الكبيرة التي بدأت بالانشطار الأميبي على طريقة بكتريا اليوغلينا وغيرها من أنواع البكتريا، فأصبحت عشرات الأحزاب بعد أن تخلت عن أسلوب أحزاب أنابيب الاختبار التي استخدمتها في الدورات السابقة لبرلمان إبطال الفساد العالمي، ليكون لدينا بعد التكاثر الأميبي ما يزيد على مائتي حزب مناضل من اجل القطيع الذي ما يزال يساق بالدولار والفتاوى الدينية وأوامر شيخ القبيلة.

     وقد استهل حزب الدعوة وكتلته عملية الانشطار لكي يغلق أي طريق محتمل لحزب أو كتلة أخرى للوصول إلى دفة السلطة والمال، خاصة وان معظم مفاصل الدولة كان قد هيمن عليها منذ توليه مقعد رئاسة الحكومة وملحقاتها، وهذا يعني انه مع كتلته يتحمل كامل المسؤولية فيما جرى للبلاد، لأنه قبل مسؤولية الحكم بل استقتل من اجلها ومن اجل تكريس حكم الحزب الواحد من خلال الاستيلاء على كل مفاصل السلطة السياسية والمالية والعسكرية والأمنية.

     منذ 2005 بلغت إيرادات العراق مئات المليارات منذ تولي كتلة القانون وحزب الدعوة حكم العراق، وارتفع حجم تصدير كميات النفط إلى ما يقارب الضعف عما كان عليه بداية العقد الماضي، مع ارتفاع كبير لأسعار النفط قياسا لما كانت عليه قبل 2003م، وهذا يعني انه كان أمام العراق فرص ذهبية للانتقال بشكل نوعي إلى مستويات حضارية رفيعة، خاصة وانه يمتلك قدرات هائلة بشرية كانت أم ثروات طبيعية، وباستثناء إقليم كوردستان الذي يتمتع باستقلال ذاتي منذ 2003م والذي حقق قفزة نوعية في معظم المجالات، لا نجد في العراق ما يشير إلى أي تقدم مذكور، بل بالعكس انحدرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية إلى حدود خطيرة جدا مع ارتفاع نسبة الفساد بشكل جعل العراق من أفسد وأفشل دول العالم حسبما ذهبت إليه منظمة الشفافية الدولية (EITI).
     والغريب إن كل حملات مكافحة الفساد ومنظماتها الحكومية وغير الحكومية متهمة بالضلوع أو التستر على كثير من ملفات الفساد، ولعل ما يؤكد ذلك إن شخصيات قيادية بارزة سياسية وحكومية متهمة بـ ( هدر أموال الدولة ) وهو تعبير ناعم للفساد، كما في توصيف المالكي  لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الشهرستاني في واحدة من اكبر عمليات الفساد الكهربائي التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات لحل مشكلة الكهرباء في العراق دونما شيء يذكر، وقد ذكر رئيس الوزراء في تصريحات عديدة، انه يمتلك ملفات فساد كبيرة على فلان وعلان من المسؤولين، ويهدد باستخدامها عند الحاجة، فإذا كان ارفع منصب في الدولة يتستر على ملفات الفساد ويهدد باستخدامها لأغراض انتخابية أو سلطوية، فما بالك بالآخرين؟

      وما ذكرناه عن قطاع الكهرباء يعمم على كل الوزارات والمؤسسات، بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية والحشد الشعبي، والتي يقف على رأس هرمها قياديين في الأحزاب الدينية، وللأسف كثير من غير الأحزاب الدينية أيضا، والانكى من كل ذلك أنهم أنفسهم الحاكمين والمنادين في ذات الوقت وفي حمى الدبكات الانتخابية على مكافحة الفساد، فأي دولة هذه التي يحكمها فاسدون أوصلوها إلى الدرك الأسفل من مستويات الفشل والفساد، وما زالوا مصرين على ( قشمرة ) ناخبيهم المخدرين بالشعارات الدينية والمذهبية والأحقاد العنصرية والعنتريات الصدامية.

     إنها إنتاج سايكس بيكو قبل مائة عام حيث صنعت دول وكيانات أساسها فاسد وباطل، لتستمر دوامة الحروب والتناحر، وتنخر فيها فايروسات الكراهية والعنصرية فتتآكل ويدمرها فاسدوها!


kmkinfo@gmail.com
أوائل كانون ثاني 2018م

135
المنبر الحر / من هو كذاب بغداد؟
« في: 20:26 31/12/2017  »
من هو كذاب بغداد؟

كفاح محمود كريم

     في التاريخ السياسي العراقي توصيفات لرؤساء حكوماته منذ تولي الباشا نوري السعيد زمام الإدارة الحكومية، وحتى أخينا المتفائل جدا حيدر العبادي، ومن أبرز تلك التوصيفات ( نوري السعيد قوندرة وسعد جبر قيطانه ) التي ضربت عصفورين بحجر واحدة، تلتها في العهد الجمهوري توصيفة الرئيس المؤمن لعبد السلام عارف، ثم جاء طاهر يحيى وهو من جنرالات الجيش ليتم توصيفه ربما ظلما بـ ( حرامي بغداد )، وفي نفس الحقبة – الستينيات - ظهرت توصيفة أخرى ليهودي عراقي اسمه عزرا ناجي زلخا، سمي في حينها بـ ( ثعبان بغداد ) ثم على ذمة مريدي ميشيل عفلق ( جاسوس بغداد ).

     ودون الخوض في تفاصيل التوصيفات ومدى مصداقيتها، إلا أنها تحولت إلى  متداولات شعبية أصبحت فيما بعد تسبق الاسم كحرف الدال الذي يستقتل عليه اليوم نواب وسياسيو أشهر فساد في العالم، تكثف في عاصمة هارون الرشيد، وسواء صدقت تلك التوصيفات أم لم تصدق إلا أنها صارت لصيقة بأسماء أصحابها، وهنا دعونا وسط هذا الطوفان من الحرامية الذي اغرق حكومات بغداد وبرلمانها منذ إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وحتى يومنا هذا، أن نجد مكروسكوبات ضوئية للبحث عن امكانية وجود كائنات نزيهة في خضم تلك الطوفانات، التي ربما ستبرئ المرحوم طاهر يحيى من ذلك التوصيف، وأنا كلي ثقة بأنه سيخرج بريئا نضيف اليدين مقارنة مع ( المعممين والمؤمنين والتقاة جدا ) من حاكمي العراق وبرلمانه الطاهر إلى العظم، وإذا ما فشلنا في إيجاد هكذا مجاهر متطورة، سنحتاج إلى أجهزة فائقة لكشف الكذب، ولان الكذب كما يقولون أبو الخبائث، ولان شعبنا تشيطن بالتراكم الهائل للحرامية والكذابين فقد أصبح ( يلكفها وهي طايره ) بمعنى انه يفهمها بمجرد أن تخرج من بين شفاه المدعي.

    وفي طوفان آخر للكذابين يحتار المرء من يستحق أن يكون ( كذاب بغداد ) بجدارة، خاصة وان هؤلاء الذين حطت بهم طائرة الأقدار السيئة على ظهور العراقيين يتنافسون في صناعة الكذب وجودته، حتى ( عَبر ) على الكثير من السذج، فمنحوهم أصواتهم في انتخابات العشائر والفتاوى والسحت الحرام، ولكي نترك للقراء حرية اختيار اللقب المميز لمجموعة المضللين، سنذكر هنا أهم التصريحات المضلِلة، وخاصة تلك التي تنطلق بصواريخ حديثة جدا أطلق عليها أسم الدستور، حاملة معها مجاميع من الفيلة إلى كواكب أخرى!

-   في قًسم توليه الحكم قال: انه سيحل المشاكل مع إقليم كوردستان خلال ثلاثين يوما، وبعد اقل من أربع سنوات ضربت المشاكل في مئة!
-   وقال أيضا: وجدنا خمسين ألف فضائي ويقصد كائنات خرافية تتقاضى معاشات في أول غزوة ضد الفساد، أصبح العراق بعد أقل من أربع سنوات من افسد دول العالم!
-   يقول: نحن ندفع معاشات موظفي " محافظات شمال العراق " لأنهم من شعبنا الكوردي، وندقق قوائم أسمائهم، وحكومة شعبه الكوردي تنفي إنها سلمته تلك القوائم!
-   وفي نفخة أخرى: يجب أن نسيطر على الحدود بالدستور، علما إنه هناك ثلاثة ألوية من حرس الحدود التابعين للسلطة الاتحادية إدارة ورواتباً وأسلحة واوامراً، تنتشر على طول الحدود مع تركيا وايران من جهة كوردستان!
-   بعد اجتياح كركوك من قبل الحشد الشعبي أعلن إن نفط كركوك بالكامل أصبح ملك العراقيين، على أساس شعبه الكوردي من المريخ، ويتم تصديره بالتنكرات إلى ايران لصالح الحشد الشعبي ولمن سهل اجتياحهم لكركوك من أشقاء الكواليس!
-   حضر الطيران من والى مطارات كوردستان بدعوى إنها خارج سيطرة سلطة الطيران الاتحادي، علما بأنه لا يمكن لأي طائرة أن تقلع أو تهبط إلا بموافقة بغداد منذ افتتاح تلك المطارات، ولا يمكن لأي أجنبي أن يدخل من خلالها إلا بفيزا من السفارات العراقية!

نكتفي بهذا العدد الصغير من الفيلة ونترك الحكم للقارئ..



136
السكوت أفضل يا رئيس الحكومة!

كفاح محمود كريم

     فاجأنا رئيس حكومة كتلة القانون حيدر العبادي بتصريح (حنون) جدا قال فيه:
 " لن نقف مكتوفي الأيدي حيال أي اعتداء على مواطن في إقليم كوردستان، ودعا سلطات الإقليم إلى احترام التظاهرات"
بينما ذهبت كتلته القائدة أم الأغلبية إلى:
" ضرورة تحرك قوات رئيس الحكومة الاتحادية إلى السليمانية واربيل وإسقاط ( النظام القبلي ) في شمال العراق!؟"

     والسؤال المضحك المبكي بل المستغرب هو هذه الحنية الزائدة على مواطني كوردستان والتي نزلت فجأة، خاصة وإنهم يتعرضون للحصار والتجويع منذ بداية 2014م، حيث قطع حزبه المناضل وقائده المختار حصة الإقليم من الموازنة العامة والبالغة 17% مع إيقاف صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين في سابقة لم تحدث منذ تأسيس الدولة العراقية، وقد بلغت الأموال التي سرقت بموجب النسبة المتفق عليها أكثر من أربعين مليار دولار مجموعة حقوق شعب كوردستان من الموازنة العامة للعراق لأربع سنوات!

     والغريب إن ضمير رئيس حكومة حزب الدعوة لم يتحرك إطلاقا، حينما بدأ حشده الشعبي في انفلة سكان طوزخورماتو وقتل المئات منهم على الهوية القومية والسياسية، ومثلها فعلوا في كركوك وأحرقوا مئات من بيوت ومحلات الكورد وهجروا أكثر من 180 ألف مواطن، بل أنهم أعادوا ببشاعة سياسة التعريب سيئة الصيت إلى كركوك وبقية المناطق المستقطعة من كوردستان!

     الآن فقط يا رئيس الحكومة (المفترض أنها اتحادية) ارتفع منسوب الحنية على مواطني كوردستان، بعد أن بدأتَ برنامجك للقضاء على إقليمهم المزدهر، وتهيئة الأرضية لتنفيذ نظام الأغلبية المذهبية السياسية التي ستعيد صياغة الدستور مع تطلعات حزبك في إقامة نظام ( إسلامي مذهبي ) شمولي يجمع حوله أتباع مستكينين لا حول لهم ولا قوة على سياسة سلفهم في صناعة الجحوش!

     الذين استخدمتهم سيادة القائد العام للقوات المسلحة والحشد الشعبي في السليمانية وبلداتها في حرق ونهب وسلب مقرات الحكومة والأحزاب من البائسين الذين سيطالهم القانون وجدار كوردستان الأخلاقي والنضالي، لا يمثلون أولئك الذين قالوا نعم للاستفتاء في صرخة مدوية سمعها العالم اجمع، عكست رأي 92% من أبناء وبنات كوردستان.

     كنا نتمنى حقا أن تكون صادقا تجاه شعب كوردستان وقيادته التي تعرفها أنت ورفاقك في الحزب والكتلة، التي تعمل على إشاعة الأحقاد والكراهية ضد الإقليم وشعبه ومؤسساته، لا أن تراوغ وتثقف من اجل اكتساحه واحتلاله وتنصيب مكتب تنفيذي وتشريعي على طريقة البعثيين أسلافكم في حكم العراق ودماره.

     كوردستان تسير بوضوح نحو أهدافها، وقد صمدت أمام طوفانات كثيرة، وكانت جبالها مأوى لكم جميعا، عصمتكم من الغرق والهلاك، وها هي اليوم أيضا تحتضن الملايين من أبناء جلدتك ضاق بهم العراق من ظلمه وفساده وطغيانه، فاختاروا الكورد وكوردستان والبارزاني ملاذا آمنا لكرامتهم وشرفهم وحياتهم، وتذكر وأنت تتصور إن ما حصل في كركوك وشقيقاتها الكوردستانية نصرا افتراضيا تعرف جيدا حقيقته المبطنة، إن صداما وجيشه الجرار وكل العالم معه لم يكسر إرادة كوردستان وشعبها وقيادتها، وان ما يجري اليوم بعد الاستفتاء في كوردستان وحولها، للأسف الشديد امتداد بائس لثقافة البعث وداعش، والحمد لله انك أدركت نهايتهما ونتائجهما!

kmkinfo@gmail.com

137
كوردستان بين نقطة الشروع والاستفتاء

كفاح محمود كريم


البداية ونقطة الشروع

     لا أريد أن أغوص في تفاصيل التاريخ ودهاليزه البيضاء أو السوداء خشية من أبالسة السياسيين العنصريين والمتشددين الدينيين الذين يقبعون دوما في التفاصيل، بقدر ما أريد الإشارة إلى نقاط الشروع لحركة الاستقلال الكوردستاني منذ بدايات القرن الماضي وحتى الاستفتاء الأخير في 25 سبتمبر الماضي، وبلورة ديناميات جديدة من خلال قراءة دقيقة لتلك الصفحات من التاريخ وخاصة طبيعة تعامل كلُ من حكم العراق مع القضية الكوردية.

     لقد قاد الشيخ عبد السلام البارزاني 1909-1914م انتفاضة شعبية في كوردستان العراق كأول حركة تحررية في القرن العشرين تمتلك أهدافا سياسية واضحة، نجحت في إيصالها إلى الحكومة العثمانية، التي جن جنونها فشنت حملة عسكرية كبيرة على مناطق نفوذ الحركة في بارزان واعتقلت الشيخ عبد السلام ورفاقه، ثم أعدمتهم في مركز ولاية الموصل بداية 1914م.

المملكة الجديدة وبسط النفوذ

     لم تنطفئ جذوة الثورة بل استمرت حتى وقعت المنطقة بأسرها تحت طائلة اتفاق وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا ( سايكس بيكو ) لتأسيس كيانات تخدم مصالحها فقط، فظهرت للوجود في هذه المنطقة مملكة عراقية من ولايتين هما البصرة وبغداد، وحينها كانت ولاية الموصل تضم كل كوردستان الجنوبية المسماة اليوم كوردستان العراق، وبعد مفاوضات عديدة بين الأطراف الأربعة البريطانيين والفرنسيين والأتراك والكورد اتفقوا مع الكورد على أول استفتاء حول تبعية الموصل، بعد أن وعدوهم بتحقيق مطالبهم وأهدافهم السياسية والثقافية إذا ما صوتوا إلى جانب انضمام الولاية إلى المملكة الجديدة، وبذلك منح الكورد وهم الغالبية هوية العراق لولاية الموصل، وهنا يقول ادمونس في كتابه عرب وكورد وترك " لقد قدم شعب كوردستان خدمة كبيرة في تأسيس دولة العراق وذلك بأصوات الأغلبية الكوردية في ولاية الموصل".

     ولكن الطرف الآخر وهو المملكة العراقية وعرابها البريطاني وضع الخطوات الأولى للانقلاب على كل العهود والوعود حتى أصبحت سلوكيات متوارثة حتى يومنا هذا من قبل كل من حكم العراق، ولعل ما كتبه ملك العراق الأول لرئيس وزراء بريطانيا، يؤشر لذلك الانقلاب حيث طلب منه مساعدته لبسط السيطرة على كل ( المناطق الشمالية ) ويعني بها كوردستان العراق، فأجابه  رئيس حكومة بريطانيا العظمى حينها:
" إننا اتفقنا معكم بإنشاء مملكة تكون حدودها من البصرة وحتى جبال حمرين، يكون الكورد فيها شركاء حقيقيون، ولم نعدكم بإنشاء إمبراطورية من البصرة إلى زاخو! "

     فما أشبه اليوم بالبارحة وطلبات رئيس حكومة العراق الحالي ببسط سلطاته على كل الإقليم ولكن هذه المرة بمساعدة الإيرانيين بدلا من البريطانيين في الأمس.

الجمهوريات وسياسة الاحتواء والتهميش

     بعد انقلاب 1958م وإعلان الجمهورية بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، عاد مصطفى البارزاني إلى بغداد على خلفية إن العهد الجديد سيضع حلولا جذرية للمسألة الكوردية، باعتماد دستور جديد يقر بالشراكة بين العرب والكورد، وان العراق يتكون من قوميتين رئيسيتين العربية والكورية، لكن للأسف لم تمض إلا سنوات قليلة جدا حتى انقلبوا على تلك الشراكة، واستبدلوها بسياسة الاختراق والاحتواء والحل العسكري، لتبدأ حقبة جديدة من التهميش والإقصاء والاضطهاد، تسببت في اندلاع ثورة أيلول 1961م في كوردستان العراق بقيادة البارزاني مصطفى، والتي تمخضت بعد سنوات عن اتفاقية11آذار1970م بين العراق وحركة التحرر الكوردستانية، التي اعترفت لأول مرة بحق الكوردستانيين بالحكم الذاتي سياسيا وثقافيا واقتصاديا، وبعد أربع سنوات تجريبية ذهبت حكومة بغداد إلى فرض قانون من طرف واحد للحكم الذاتي على طريقة السوفييت بقيادة حزب البعث وأجهزته الأمنية والاستخبارية، مما حدا بقيادة الحركة الكوردية إلى رفض ذلك القانون، وأصرت بغداد على رفض أي حوار خارجه وخارج شروطه، مما أشعل الحرب بين الطرفين، والتي انتهت بعد عام واحد لصالح بغداد وذلك بضغوطات كبيرة من قبل الولايات المتحدة وإيران لصالح بغداد في حينها!

حقبة صناعة ( الجته ) وأحزاب الزينة

     بعد هذه الحقبة بدأت مرحلة اعتماد بغداد على سياسة تمزيق البيت الكوردستاني وفتح ثغرات في جدرانه الداخلية، حيث استخدمت كل الحكومات العراقية بدون استثناء سياسة صناعة جيوب أو ثغرات في هذا الجدار، من خلال استمالة وإغراء أشخاص على خلفية صراعات قبلية أو سياسية مع قادة حركة التحرر الكوردستانية، وتنظيمها على شكل أحزاب أو تشكيلات ميليشية عرفت في كوردستان بـ (الجته) أي عملاء العدو، وقد نظمت لهم الحكومة المركزية أفواجا كميليشيات تأتمر بأمر شيخ القبيلة وتساق من قبل ضباط الاستخبارات أو الأمن الحكوميين، وكانت تسمى في حينها بالأفواج الخفيفة ويطلق عليها الأهالي بالجحوش.

     هذا في الجانب العسكري، أما في الجانب السياسي فقد استنسخ نظام البعث أسلوبا كانت أجهزة المخابرات الأوربية الشرقية في حقبة الحكم الشيوعي تستخدمه في تزيين ديمقراطياتها الشعبية  بأحزاب للزينة فقط، حيث تم تأسيس أحزاب كوردستانية في دوائر المخابرات العراقية على أنها تمثل طموحات شعب كوردستان، وهي ذاتها معتمدة حتى الآن في تصديع البيت الكوردستاني من قبل بغداد وطهران واذرعهما في الداخل الكوردستاني، كما حصل في اجتياح كركوك.

كوردستان ودولة الديمقراطية العرجاء

     ورغم كل هذه المحاولات لتفتيت الجبهة الداخلية وإدامة الحرب لم ترفض كوردستان أي محاولة للسلام ولبناء دولة الشراكة الحقيقية ودولة المواطنة، ولأجل ذلك ذهبت قيادتها إلى بغداد وهي تمشي على مئات الآلاف من ضحايا الأنفال وحلبجة لكي تفاوض صدام حسين بعد انتفاضة الربيع، كما تخلت عن كل امتيازاتها التي وفرتها الأمم المتحدة ومجلس أمنها في الملاذ الأمن عام 1991م، وذهبت إلى بغداد بعد أيام من إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، لكي تؤسس مع الشركاء الآخرين دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتنشأ دولة مواطنة تحت سقف دستور كتبناه جميعا، لكن الأمور اختلفت حينما أصبحوا في السلطة فأرسلوا دباباتهم عام 2008 مهددين كوردستان بالاجتياح من خلال قوات أعدت مسبقا وأطلق عليها اسم قوات شرق دجلة بالقرب من كركوك، وبذلك انهار فعليا تحالف الطبقة السياسية الشيعية مع التحالف الكوردستاني  في 2008م.

     لقد استمر الصراع بين هذه الطبقة الحاكمة وبين إقليم كوردستان بشكل غير معلن، ومن خلال سياسة التهميش والإقصاء والتلكوء في تطبيق الدستور، وخاصة فيما يتعلق بالمجلس الاتحادي وهو الجزء الأهم في البرلمان العراقي الذي يطمئن مكونات العراق الأخرى على مستقبلها وشراكتها، كم عملت تلك الطبقة الحاكمة على منع تطبيق المادة 140 والمواد التي تخص توزيع الثروات وخاصة قانون النفط والغاز، حتى وصلت الأمور إلى قطع حصة الإقليم من الموازنة العامة والبالغة 17% وقطع مرتبات الموظفين وفرض حصار اقتصادي غايته إيقاف تطور الإقليم وإشاعة الفوضى فيه، خاصة وان لجان التحقيق البرلمانية في سقوط الموصل بيد تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية داعش، اتهمت رأس كتلة دولة القانون وهي المهيمنة على مقدرات السلطة العسكرية والأمنية والاقتصادية في العراق بمسؤولية سقوط الموصل بيد داعش لتكون خنجر في خاصرة كوردستان.

خطر إلغاء تجربة الإقليم وقرار الاستفتاء

     من هنا بدأ الإقليم يشعر بخطر المستقبل خاصة وان الطبقة السياسية الشيعية مرتبطة تماما مع إيران التي لا تؤمن إطلاقا بأي خطوة لتطور الإقليم السياسي، وسارع قادة الإقليم إلى تحذير بغداد بتجاوزاتها على الدستور وضرورة الإسراع بحل الإشكاليات المتراكمة من خلال زيارات متعاقبة لبغداد، لكن للأسف كانت المؤامرة اكبر والهدف تدمير الإقليم وإلغائه بالكامل، وهذا ما أكدته الأحداث المتعاقبة خاصة رفض بغداد أي حوار حول مستقبل الموصل بعد التحرير، علما بان قيادة الإقليم تحادثت مع بغداد الحكومة والأحزاب بأنها تشعر بخطر ما يحصل وإنها ربما تذهب إلى الشارع الكوردستاني في إشارة إلى الاستفتاء، وقد حصل ذلك قبل تحرير الموصل بفترة ليست قصيرة، ورغم ذلك كانت تلك الطبقة قد طبخت برنامجا غير معلن لما سموه (إقليم شمال العراق) أو(محافظات شمال العراق) كما تستخدمه الآن وسائل إعلامهم، مما دفع الإقليم إلى إجراء الاستفتاء تحت مضلة القانون والدستور في التعبير عن الرأي.

     لقد أثبتت الطبقة السياسية الحاكمة بشقيها الرئيسي الشيعي والملحق السني بأنها ضد الفيدرالية بتقاطع صارخ مع الدستور، وإنها بإلغاء إقليم كوردستان ستعيد النظام الشمولي تحت يافطة الأغلبية السياسية التي تهيمن عليها الطبقة السياسية الشيعية المسيرة بالكامل من إيران، مع إكسسوارات سنية وكوردية على غرار أحزاب الزينة، وبذلك تتحقق أهداف ولاية الفقيه تدريجيا وباستخدام آليات الديمقراطية بعد إلغاء أي محاولة لمعارضة تلك الولاية.

الحرب على كوردستان باسم الدستور

     واليوم وبعد استنساخ حكومة بغداد لكل أساليب وسلوكيات الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن الماضي وحتى إعلان الحرب على الإقليم واجتياح كركوك وبقية المناطق المستقطعة أساسا من كوردستان بسياسة التعريب والتغيير الديموغرافي خلال أكثر من نصف قرن، وخرق أهم مواد الدستور التي تحرم استخدام القوات المسلحة في النزاعات بين الحكومة الاتحادية والأقاليم أو المحافظات، وفرض الحصار الكلي على شعب الإقليم من خلال الاستعانة بالدول الأجنبية ( إيران وتركيا وغيرهما ) لغلق الحدود ومنع دخول المواد الغذائية أو التجارية ومنع شركات الطيران من الهبوط في مطارات الإقليم، وإيقاف حركة السياحة من العراق إلى الإقليم، إضافة إلى إيقاف تعامل البنك المركزي العراقي مع المصارف الكوردستانية أو العاملة في الإقليم، كل ذلك يأت في سياق حرب إبادة جماعية واضحة جدا لإلغاء الإقليم وتحطيم إرادة شعب من ستة ملايين نسمة، منح من اجل حريته مئات الآلاف من الشهداء، وحقق خلال اقل من ربع قرن من السلام وعشرات المليارات من الأموال ما عجزت عن تحقيقه كل الحكومات العراقية خلال قرن من الزمان ومئات المليارات من الأموال.

تحديات الإقليم بعد الاستفتاء

     إن مجمل هذه الأوضاع والتداعيات الإقليمية والدولية اليوم تضع الإقليم بين خيارين صعبين في الظروف الحالية وهما؛
الأول: القبول بدولة المواطنة في العراق وهذا يبدو صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا بعد مئة عام من حكم مختلف التيارات السياسية، وتحت هيمنة الأحزاب الدينية والمذهبية أو القومية، والثاني: خيار إنشاء الدولة الكوردستانية الذي يخضع هو الآخر إلى عاملين أساسيين أولهما اقتصادي سياسي وثانيهما دولي وإقليمي تحديدا دول الجوار ذات العلاقة وهي تركيا وإيران وسوريا.

العامل الأول:
     في الجانب الإنمائي والاقتصادي، لم تنجح حكومات الإقليم منذ 2003 في إنشاء بنية تحتية تخدم مصالح الأمن القومي للدولة القادمة فيما يتعلق بالأمن الغذائي حد الاكتفاء ( زراعة وصناعة وطاقة )، وانشغلت في بناء مجمعات سكنية وتجارية خدماتية غير مكتملة خاصة فيما يتعلق بالكهرباء والطرق والمواصلات والصحة والتعليم، وهذا ما شهدنا  نتائجه في الآونة الأخيرة، كما لم تنجح بتطوير إمكانيات البترول وخاصة البتر وكيميائيات والصناعات الغذائية والإنشائية والأدوية قياسا مع تعاظم مواردها منذ 2003م، وفي الجانب السياسي ورغم ما حققه الإقليم من انجاز حكومات ائتلافية، إلا انه بقى أسير النزاعات والتنافسات الحزبية، ولم ينجح في بناء جدار سياسي اجتماعي عسكري متين يحمي مصالح الإقليم العليا، حيث تصدع ذلك الجدار في أول تحدي له كما حصل في تسليم كركوك.
 
العامل الثاني:
     رغم النجاحات الملموسة المتحققة في العلاقات مع تركيا بدرجة كبيرة وإيران بدرجة اقل وسوريا بدرجة شبه معدومة، إلا أنها كشفت بعد إجراء الاستفتاء نواقص كثيرة، ونقاط خلل عديدة في خصوصية العلاقات ومدياتها مع الحكومات، دونما العمل على بناء علاقات أخرى مع مكونات سياسية فاعلة ومؤثرة وضاغطة في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتلك الدول.
     وفي الجانب الاقتصادي والاستثماري سواء مع تركيا أو إيران لم تصل تلك العلاقات والمشاريع والمصالح بين الإقليم وكل من تركيا وإيران إلى درجة أن تخشى حكومتيهما على تلك المصالح أو المشاريع، لكون معظمها لم تكن مشاريعا إستراتيجية تؤثر أو تضغط سياسيا، حيث نافسا الحكومة العراقية في معاداتهما للإقليم ومشروعه في الاستفتاء، وعلى هذا القياس ممكن مراجعة ذات العلاقات مع أكثر الحلفاء قربا وهم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وكندا واستراليا، والمجموعة العربية والإسلامية.

سبب أم أسباب؟

     ولكي لا نحصر أسباب ما جرى من تداعيات في جانب واحد أو مجموعة واحدة، فان العديد من المؤسسات ساهمت كل حسب موقعها ومجال عملها بما حدث، وإنها تتحمل المسؤولية أيضا ابتداءً من ممثليات الإقليم الحكومية والحزبية في الخارج، وانتهاءً بالإعلام الكوردي الذي لم ينجح تماما في إيصال القضية الكوردية بشكل مقنع على الأقل لدول الجوار، بينما نجح قرار السياسيين في الاستفتاء بتعريف العالم برمته بقضية الاستقلال، ولذلك نرى هذا الإصرار العجيب على إلغاء نتائج الاستفتاء، التي لا يمكن لأي سلطة داخلية أو خارجية إلغائه إلا باستفتاء آخر يلغي أو يثبت نتائج الأول، وعليه ستبقى نتائجه وثيقة رسمية وتاريخية يعتمد عليها في أي محاولة أخرى للاستقلال في المستقبل.

     لقد ذهب الاسكتلنديون إلى الاستفتاء وكذلك شعب كاتالونيا وربما شعوب أخرى في أوربا أو غيرها، والفرق بيننا وبينهم، إن شركائنا في الدولة جيشوا الجيوش وصنعوا مئات الخونة وحرقوا  مئات البيوت وقتلوا المئات من المعارضين، ويلاحقون اليوم كل الذين شاركوا بالاستفتاء في كركوك والمناطق التي اجتاحوها، ففصلوا المئات منهم وسجنوا اعدادا كثيرة من منتسبي وزارة الداخلية، وفي البرلمان الديمقراطي طردوا ومنعوا كل من شارك في الاستفتاء من البرلمانيين الكوردستانيين، بينما ذهب رئيس وزراء بريطانيا ونخبته الحاكمة إلى الاسكتلنديين راجين منهم إعادة النظر في استفتائهم مقابل الموافقة على مطالبهم بل وإغرائهم بامتيازات أخرى للبقاء في المملكة العتيدة.

إرادتان متضادتان

    إن ما حدث بعد إجراء الاستفتاء في كوردستان من ردود أفعال وحملات عسكرية وتهديدات من العراق أو دول الجوار، أيقظ شعورا كاد أن يضعف أو يخف، وهو إن لا خيار للعيش المشترك في كيان واحد مع هذا الكم الهائل من الحقد والكراهية، فبعد أن كان الاستقلال مجرد حلم لنائم، أصبح اليوم تحدي كبير لدى شعب حيوي ويقظ أيقن إن شركائه في الأرض بمختلف تياراتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية لا يقبلونه إلا تابعا، ولا يقبل هو إلا أن يكون حرا أبيا.

kmkinfo@gmail.com


138
الدكتاتور الجاهل والدولة المخنوقة!

كفاح محمود كريم

     يقول الحكماء إن عدوا عاقلا أفضل ألف مرة من صديق جاهل، وهكذا بذات المعيار فالعدو العاقل أفضل من العدو الجاهل بأضعاف، لأنه بالتأكيد سيتصرف كفارس يحترم أصول وقواعد الصراع، لا كالأحمق الذي يحرق الأخضر واليابس دون دراية بأنه ينتحر بجهله وحماقته، وذات التوصيف ينطبق أيضا على الرؤساء خاصة في شرقنا المريض، المبتلى منذ الأزل بالمزمنات من الدكتاتوريات الشيطانية منها والجاهلة العمياء، التي حولت بلدانها إلى جحيم ارضي يحرق أجيالا وأجيال من البشر، ويوصد كل المنافذ والأبواب أمام أي فرصة للتطور والتقدم والمدنية.

     بعد صدام حسين ودكتاتوريته الهجينة بين الجهل والدراية، تأملنا أن نصنع بلدا لا يحكمه دكتاتور عاقل أو جاهل أو ما بينهما، لكن الأيام وسوء حظ العراقيين جاءت صناديق المغفلين والصفقات السياسية بدكتاتور جاهل ومتخلف وأجلسته على كرسي رئاسة حكومة العراق الاتحادي، انه الدكتاتور الجاهل، مختار العصر كما يحب أن ينادوه أو يستنسخوه الذي اعتلى كرسي رئاسة حكومة العراق من 2005 ولغاية 2014 ، بل وحتى اليوم من داخل الدولة العميقة!

     هذا الدكتاتور الجاهل منذ إعلان تثبيت موعد الاستفتاء جن جنونه، وبدأ يتسابق مع قيس الخزعلي وجوقة الشوفينيين بالشتائم والتهديدات الجوفاء، ساعة ضد زعيم كوردستان البارزاني وساعة أخرى ضد الإقليم وقواته المسلحة، في بيئة شوفينية حاقدة لم يسبق للعراق أن شهد مثلها، والمخزي فيها إنها لإغراض انتخابية ليس إلا، دونما أدنى شعور بان هذا السلوك يعد خيانة للقيم الإنسانية والأخلاقية، مكرسا بذلك مشاعر الحقد والكراهية بين المكونات!

     دكتاتور جاهل افسد العراق وحكومته ومؤسساته، ونهب أكثر من 800 مليار دولار، كما أضاع اكبر حاضرات الشرق ومدن العراق، الموصل والانبار وصلاح الدين وغيرهم، حينما سلم جيشا جرارا من الفرق والدبابات والمدرعات وعشرات الآلاف من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لعدة مئات من عصابات داعش الإرهابية، لا لشيء إلا لاهانة السنة وزرع خنجر في خاصرة كوردستان، وحينما سقطت داعش عند جدران كوردستان بدأ محاولته الثانية في تجييش ميليشياته التي وصفها السيد مقتدى الصدر بالوقحة، ووضع السيد عبادي بين خيارين، إما تنفيذ برنامجه ضد الإقليم وتطلعاته، ومن ثم إلغاء النظام الفيدرالي وتثبيت الأغلبية المذهبية وعودة الدكتاتورية من جديد، وإما حرق مستقبله السياسي وإبعاده بالكامل عن العملية السياسية، وربما حتى تصفيته من قبل مفارزه الخاصة، التي اغتالت المئات من خيرة أبناء العراق العلماء والأساتذة والأطباء والطيارين وكبار الضباط والأكاديميين بمنهجية مخابراتية دقيقة وتحت مختلف التسميات والأساليب.

     رئيس حكومة العراق الديمقراطي الاتحادي السابق والحالي من وراء الأجهزة الخاصة والميليشيات، بعد أن دمر مدن المكونات؛ الموصل وسنجار وسهل نينوى وأطراف كركوك، بتسهيله دخول داعش اليها وهزيمة جيشه المخزية، يدعي اليوم الدفاع عن السنة والايزيديين والمسيحيين والتركمان، بل والانكى من ذلك دفاعه وتشدقه بالنزاهة التي اغتالها مع سبق الإصرار والترصد، فكيف إذن لإنسان لا وعد له ولا عهد ولا يحترم دين أو مذهب لأجل السلطة والمال، أن يدافع عن حقوق من تسبب في سبيهم وانتهاك أعراضهم وتدمير مدنهم وقراهم؟

     وخلاصة القول إن الدولة المخنوقة التي تم تصنيعها خلال عشر سنوات، بديلا لدولة المواطنة حولت البلاد إلى برك من دماء أبنائها وبناتها، وأشاعت اللصوصية وصناعة الأزمات والخوف، واستنساخ الجحوش حتى أصبح العراق من أفشل دول العالم وأكثرها فقرا وبطالة ورعبا وتخلفا، إنها دولة خرساء قطيعية مخنوقة تحكم أدق مفاصلها مخابرات الدكتاتور الجاهل وجوقته من الانتهازيين واللصوص الذين زرعهم في كل مفاصل الدولة، حتى غدت العائلة في الجنوب والوسط تتلفت حينما تتحدث عنه وعن حزبه!

kmkinfo@gmail.com


139
الاستقلال للأحرار وليس للعبيد

كفاح محمود كريم

     في معظم التاريخ السياسي العالمي لم ينجز الاستقلال إلا على يد الأحرار، وباستثناء القلة القليلة جدا، التي جاءت نتيجة صفقات بين مستفيدين من أطراف المستعبدين ( بكسر الباء ) كما حصل للدول الممسوخة من اتفاقيات استعمارية مثل اتفاقية سايكس بيكو وأمثالها في العالم، إلا إن البقية الغالبة قاد استقلالها زعيما وطنيا أو حزبا ما أو مجموعة ثورية، لم تستأذن أحدا إلا إرادتها وشعبيتها بين الأهالي، ولنا في تجارب الجزائر وفيتنام ودول البلقان وجمهوريات أمريكا اللاتينية وإفريقيا واسيا خير أمثلة على ما ذكرناه، ولم تكن تلك الدول التي ولدت من خضم الكفاح المسلح أو النضال المدني بقرار من برلمان أو مؤسسة تشريعية، بل من زعيم وطني أو حركة تحرر يقودها مجموعة ثوار أو حزب ما.

     وفي كل تلك التجارب كان الأحرار هم الذين يقودون حركات التحرر أو الاستقلال، وبالتأكيد كان هناك دوما قوى مضادة مرتبطة بشكل من الأشكال مع الطرف المحتل سواء كعملاء مباشرين أو مرتزقة مأجورين أو تناغم في المصالح بين الاثنين، وربما هناك في كثير من التجارب نزاعات قبلية أدت إلى ظهور مجاميع من العبيد الخانعين الذين ارتبطوا مع عدو شعبهم ونفذوا له برامجه كما كان يحصل عدنا هنا في كوردستان فيما أطلق عليهم الشعب هنا مصطلح ( الجته ) أو ( الجحوش ) وهي جمع لصغار الحمير، حيث الازدراء والتحقير من قبل الأهالي لهؤلاء الذين اختاروا جانب الخنوع والعبودية للآخر.

     إن الذين يصنعون أحداث التاريخ يقودون شعوبهم إلى مستقبل زاهر ربما يمر بمراحل عسيرة حتى يتحقق الحلم، لكنهم يبقون في خانة الأحرار، ويبقى الآخرون من المضادين لهم عبيدا خانعين لإرادة غرائزهم وأعداء  شعوبهم، ولنا في تجارب الفيتناميين الجنوبيين والجزائريين الموالين للاحتلال الفرنسي، والعشرات من الدول التي أفرزت مجاميع مما نشاهده اليوم من عبيد تتأصل فيهم مشاعر الدونية والتبعية التي تلغي وجودهم الإنساني الحر، وتجعلهم أدوات خانعة بيد الطرف الآخر سواء كان محتل أو معارض لحرية أولئك الأحرار.
     وليس بعيدا عن متناول أي باحث أو مراقب أفواج أولئك الذين لا يمثلون إلا الصفحات السوداء في تاريخ بلادهم وشعوبهم، والمآل الذي وصلوه في نهاية الرحلة، مقارنة مع ما حققه الأحرار من مجد وازدهار، ويقينا إن كوردستان اليوم تسير بذات النهج الذي رسمه أحرارها الأوائل عبد السلام البارزاني والشيخ احمد البارزاني والملك محمود الحفيد وملا مصطفى البارزاني وجلال طالباني وقائد مشروع الاستقلال مسعود بارزاني.

     ترى ماذا ستقول الأجيال القادمة، وماذا سيكتب التاريخ، وكيف سيصف هؤلاء القادة، وفي الجانب الآخر، هل من متسع لقصاصة تحكي عن عبيد باعوا حريتهم بدرهيمات مهينة!؟


kmkinfo@gmail.com

140
المنبر الحر / دعونا نعيش بسلام!
« في: 11:34 23/07/2017  »
دعونا نعيش بسلام!

كفاح محمود كريم

     منذ أكثر من مائة عام عمل الكوردستانيون في كوردستان العراق على إنشاء دولة مدنية متحضرة ديمقراطية مع شركائهم العرب وغيرهم من شعوب هذه المنطقة من العالم، دولة تعتمد أسس المواطنة في بنائها الاجتماعي والسياسي، وكانت الخطوة الأولى بعد اتفاقية سيكس بيكو سيئة الصيت، أن منحوا ولاية الموصل العثمانية هويتها العراقية في استفتاء عصبة الأمم بالربع الأول من القرن الماضي، أملا في أن يحقق الشركاء الآخرين في المملكة العراقية ( ولاية بغداد وولاية البصرة ) وعودهم في تنفيذ مطالب شعب كوردستان في شكل الدولة وأساسياتها وحيثياتها بما يضمن حقوقهم الإنسانية والثقافية والسياسية.
     وطيلة ما يقرب من ثمانين عاما لم يتلق الكورد من وعود الحكومات المتعاقبة في بغداد وعلى مختلف مشاربها وتوجهاتها، إلا الحروب المدمرة التي استخدمت فيها أبشع أنواع الأسلحة، بما في ذلك المحرمة دوليا كالأسلحة الكيماوية والعنقودية والنابالم، ناهيك عن عمليات الأرض المحروقة، التي أتت على أكثر من ثلث كوردستان في عمليات الأنفال سيئة الصيت ( ثمانينيات القرن العشرين )، والتي ذهب ضحيتها ما يقرب من ربع مليون إنسان، وتدمير خمسة آلاف قرية بما فيها من بساتين وينابيع ومنشآت، إضافة إلى تغييب مئات الآلاف من الكورد الفيليين في وسط العراق، وإسقاط جنسياتهم العراقية وتهجير عوائلهم إلى إيران ( سبعينيات القرن العشرين )، وأتباع سياسة الصهر القومي والتغيير الديموغرافي لسكان المدن الكوردستانية المتاخمة لحدود العراق العربي مثل كركوك وسنجار وزمار ومندلي وسهل نينوى ومخمور والشيخان وعقرة وغيرها طيلة نصف قرن ( 1958- 2014 )، وأخيرا تسهيل احتلال أجزاء من كوردستان العراق من قبل منظمة داعش الإرهابية واقتراف واحدة من أبشع جرائم التاريخ بحق الايزيديين والمسيحيين في كل من سنجار وسهل نينوى ( حزيران وآب 2014 ).
     ورغم تلك الكوارث والمآسي بقي الكورد يعملون ويناضلون من اجل تأسيس دولة مواطنة متحضرة ديمقراطية، تحفظ العراق موحدا بشراكة حقيقية وتوجه مخلص لمعالجة جروح الماضي وتعويض السكان عما أصابهم من ويلات، وبهذه الروح ذهبوا إلى بغداد في آذار 1970 حينما تصوروا إن القائمين الجدد على الحكم ينوون التعامل مع القضية الكوردية بجدية، وفعلوها قبل ذلك في الستينيات مع عبد الرحمن البزاز، لكن الحقيقة كانت غير ذلك لدى الطرف الثاني، حيث الغدر والخيانة والانقلاب على الاتفاقيات، وفرض مشاريع هزيلة كما فعلوا في تجربتهم البائسة فيما سمي بعد 1975 بقانون الحكم الذاتي الحكومي، الذي انهار وبدأت سلسلة جديدة من الكوارث والمآسي والحروب التي راح ضحيتها خيرة أبناء كوردستان وبناتها، وخيرة شباب العراق ممن تورطوا في تلك الحروب القذرة مجبورين غير مخيرين، دونما أن تنتج تلك الصراعات إلا الدمار والتقهقر والتخلف للبلاد، حتى اسقط التحالف الدولي مطلع الألفية الثالثة نظام صدام حسين وحزبه الذي تسبب في معظم مآسي الشرق الأوسط حتى يومنا هذا.
     لقد تخلى الكوردستانيون عن استقلالهم الذاتي الذي فرضته انتفاضة الربيع 1991 وأقرته قرارات مجلس الأمن الدولي ( قرار 688 )، وتسارعوا إلى بغداد حفاظا على وحدة العراق وبناء دولة المواطنة والشراكة الحقيقية تحت خيمة ديمقراطية حقيقية ونظام مدني متحضر، والمساهمة في تأسيس دستور دائم يحفظ للبلاد وشعوبها كل الحقوق والامتيازات ويحترم خياراتها وتطلعاتها في دولة اتحادية اختيارية ( من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية، ولا عقدة مناطقية، ولا تمييز، ولا إقصاء ) و ( إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضا وسيادة ).*

     وبعد أكثر من عشر سنوات ( بعد تشريع الدستور الدائم ) من وضع هذه الوثيقة الجامعة وشروطها في الالتزام، ماذا حصل وماذا جنينا ممن يحكمون بغداد؟
- تحول النظام تدريجيا إلى نظام طائفي بحت.
- الكتلة البرلمانية الأكبر تقود حملة عنصرية مقيتة ضد الإقليم وشعبه ورموزه ليل نهار ومنذ سنوات، وتدعو إلى أغلبية لإقصاء بقية المكونات.
- محاصرة الإقليم اقتصاديا بحرمانه من حصته في الموازنة العامة منذ 2014 مع قطع كافة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين.
- إقصاء وتهميش بقية المكونات وإتباع سياسة الاحتواء والصهر على شاكلة ما كانت تفعله النظم السابقة في لملمة الانتهازيين والمرتزقة من المكونات المختلفة.
- إلغاء كافة مكاتب تمثيل إقليم كوردستان في السفارات العراقية مخالفة للدستور.
- تصفية القوات المسلحة والأمن والاستخبارات من كل المكونات وتهميشهم وإبعادهم عن مواقع القرار.
- تأسيس ميليشيات مسلحة خارج منظومة القوات المسلحة الوطنية على أسس طائفية، وتجميلها بإكسسوارات عشائرية وشخصية هزيلة من مكونات مختلفة لا تمثل إلا نفسها.
- إشاعة الفساد وإدامته وإضاعة فرص التقدم وبناء دولة مدنية، بهدر مئات المليارات من موارد البلاد.
- تعطيل وإيقاف تطبيق معظم مواد الدستور وفي مقدمتها ما يتعلق بحقوق السكان في المحافظات من تأسيس الأقاليم، بل ومحاربتهم كما حصل مع مطالب شعب البصرة والانبار وصلاح الدين ونينوى، وكذلك تعطيل قانون النفط والغاز وتطبيقاته والمادة 140 وعدم إجراء تعداد عام للسكان
.
     وقائمة الخروقات تطول وتمتد على كل مساحة العراق ومكوناته، حتى أصبح اليوم واحدا من افشل دول العالم وأكثرها بؤسا ورعبا وفسادا، ناهيك عن إن سيادته في الأصل مثلومة باختراقات دول الجوار وما بعد الجوار تحت مختلف التسميات والعناوين، حتى غدت عاصمته تحكم من قبل عصابات ومافيات مسلحة تستمد شرعيتها من الرب والدين والمذهب وفي كل حي وشارع، حيث الميليشيات وحكم قرقوز والصراع الطائفي المقيت، لهذه الأسباب ولأننا شعب يختلف كليا عن شعب العراق عرقيا وقوميا وثقافيا وتاريخيا وحضاريا وجغرافيا، فإننا بعد أن فشلنا بعد قرن من الزمان في أن نكون واحدا، وأن نكون شريكين حقيقيين في كيان مختلق غصبا عنا نحن الاثنين، سنذهب إلى خيار استفتاء الشعب لتقرير المصير، لكي نعيش بسلام بعيدا عن الصراعات الدموية والسياسات العنصرية والطائفية، لأننا شعب يحب الحياة والبناء والسلام، وسنكون فعلا الظهير المخلص لكل الشعوب الجارة وأولها شعب العراق الشقيق.
     أيها الإخوة والأصدقاء في عراق الحضارة دعونا نعيش بسلام في كوردستاننا ونبني وإياكم أوطاننا، بعيدا عن لغة الحروب والاحتواء والاحتلال والعدوان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نص من ديباجة الدستور الدائم

kmkinfo@gmail.com

141
وما أدراك ما التعريب؟

كفاح محمود كريم

     هناك دوما في حقول آداب اللغات والترجمة، وسائل وصيغ حضارية تقوم بها مؤسسات أكاديمية أو مراكز دراسات وأبحاث سياسية أو علمية، لغرض نقل تجارب الشعوب وحضاراتها في مختلف ميادين المعرفة، فمنذ مئات السنين إن لم تك الآلاف تلاقحت حضارات ولغات وعادات وتقاليد بين شعوب الأرض، حتى لم تعد هناك لغة نقية بالتمام والكمال، ما لم يكن فيها مفردات من لغات أخرى، وفي محيطنا شهدت الشعوب ومنها العربية ومنذ أكثر من ألف عام عمليات ترجمة ونقل كثير من معارف الرومان والفينيقيين والميديين والآشوريين وغيرهم من وإلى العربية، بما في ذلك العقائد الدينية وميثولوجيا الشعوب. وقد أردت بهذه المقدمة أن أضع إمامكم التكييف الحضاري للتعريب، قبل تناول الشكل الهمجي العدواني الذي استخدمته بعض الحركات والأحزاب العنصرية القومية والدينية العربية مع مكونات العراق وسوريا وشمال أفريقيا من غير العرب، وهو بالتأكيد لا يمت بأي صلة من الصلات بما ذكرناه أعلاه، لأنه استهدف الإنسان غير العربي في هويته وذاكرته وانتمائه وحتى إنسانيته، وتسبب في تشويه حاد وتغيير ديموغرافي في الأرض والإنسان، ولا علاقة للعرب أو الأمة العربية بما فعلته تلك الأنظمة والأحزاب العنصرية، كما أنها غير مسؤولة إلا بالقدر الفردي الذي استخدم وسيلة لتحقيق تلك الأغراض، ومن أكثر النماذج التي استخدم فيها التعريب تلك المدن التي تشكل حافات إقليم كوردستان أو حدوده في كل من العراق وسوريا:

     ففي العراق تم تهجير مئات الآلاف من السكان الكورد الفيليين في بغداد والكوت والفرات الأوسط بحجة إنهم من أصول إيرانية في واحدة من أبشع عمليات الإبادة والتطهير العرقي، وكذا الحال في كركوك ومناطق ديالى وجنوب اربيل ( مخمور ) وشمال وغرب الموصل في زمار وسنجار وسهل نينوى، واستقدام مئات الآلاف من العرب إلى تلك المدن، وقد اختلفت أساليب التعريب والتغيير الديموغرافي من مكان إلى آخر، ففي سنجار مثلا لم يستقدم عرب من خارج القضاء إلا بنسبة ضئيلة جدا، لكنهم شجعوا أبناء البادية والجزيرة والقرى الجنوبية التابعة لقضائي سنجار والبعاج، بل وتحويل البعاج وهو قرية كبيرة إلى قضاء امتد في حدوده الشمالية إلى مركز مدينة سنجار، سالخا معظم قرى سنجار الكوردية وربطها بالقضاء الجديد ذو الغالبية العربية، وبذلك شجعوا أبناء تلك المناطق وعشائر البعاج بالسكن في مركز المدينة مع إغراءات الأرض السكنية والقرض والوظيفة، بينما كان يحرم على ابن المدينة أن ينال نفس الحقوق إلا بتغيير أو (تصليح) قوميته إلى العربية، مما دفع سلطات حزب السلطة وأجهزتها الخاصة للتوجه إلى كل بيوتات سنجار وعشائرها وكذا الحال في زمار والشيخان وسهل نينوى، والضغط باتجاه تغيير القومية وإلا سيتم ترحيلهم فورا، وذات الأسلوب استخدم في مناطق ديالى أيضا، حيث منع بشكل يعاقب عليه القانون استخدام الأسماء الكوردية أو تمليك الدار أو أي عقار حتى السيارات لمن قوميته كوردية، وذلك لدفع السكان إلى تغيير قوميتهم إلى العربية، وفي كركوك ومعظم بلدات وقرى الحدود السورية العراقية والسورية التركية، تم ترحيل سكانها الكورد الأصليين وإسكان مواطنين عرب بدلا عنهم، كما حصل في مخمور ومشروع ري الجزيرة،  أيضا وبإغراءات كبيرة مثل تمليكهم 100 دونم أو 60 دونم من الأراضي حسب حجم الأسرة، مع تسهيلات زراعية وقروض مالية، حُرِم منها سكان المنطقة الأصليين الذين وضِعوا أمام خيارين؛ إما الترحيل وخسارة كل شيء أو ( تصليح ) القومية من الكوردية إلى العربية والحفاظ فقط على ممتلكاتهم، وكانت كركوك الطامة الكبرى التي تعرض فيها السكان لواحدة من أبشع عمليات الإبادة والعنصرية المقيتة، حيث تم تهجيرهم وتشتيتهم في كل أنحاء كوردستان والعراق، مع مصادرة كل ما كانوا يمتلكونه، واستقدام مئات الآلاف من أهالي الجنوب والفرات الأوسط إلى المدينة وأطرافها، مع مغريات كبيرة بدأت بعشرة آلاف دينار، في حينها كانت أكثر من ثلاثين ألف دولار، إضافة إلى قطعة ارض سكنية ووظيفة عسكرية أو أمنية أو مدنية.

     إن ما تعرضت له هذه المدن لم يبدأ مع تسلط البعث، وان كان قد وصل إلى ذروته مع اغتصابهم للسلطة في دمشق وبغداد، بل كانت سياسة كل الذين حكموا البلاد العراقية والسورية منذ قيام هذه الكيانات بعد اتفاقية سايكس بيكو، حيث تعرض الأهالي لشتى أنواع الإبادة الاجتماعية، سواء بمسخ هويتهم وثقافتهم وتحريم لغتهم، أو من خلال الحملات العسكرية التي استهدفتهم كمجتمعات بشرية، كما حصل للكورد في الأنفال العراقية أو التتريك في تركيا، والعمل على إبادتهم كليا، وكذا الحال في إيران التي استخدمت ذات الثقافة والأسلوب الهمجي في التعريب ولكن بصيغة التفريس أو التتريك، وفي سوريا لم يكتفوا بالتهجير والترحيل بل تم سحب الوثائق الرسمية التي تثبت مواطنيتهم السورية مثل شهادات الجنسية والهوية المدنية من مئات الآلاف واعتبارهم جاليات مقيمة محرومة من كل امتيازات المواطنة، وفي العراق على سبيل المثال وقبل قيام المملكة العراقية وتحديدا مطلع القرن الماضي 1903 لم تتجاوز نسبة العرب في كركوك 3% من السكان، وفي سنجار وحتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لم يكن هناك أكثر من 10% من السكان عربا ومعظمهم من البدو، وكذا الحال في الموصل التي كانت تضم كل كوردستان العراق حينما كانت ولاية قبل إدغامها في مملكة العراق، ويعرف سكانها الأصليون كم هي نسبة العرب في ساحلها الأيسر على سبيل المثال لغاية مطلع الستينيات من القرن الماضي، وما حصل فيه بعد ذلك.

     لقد أنتجت تلك السياسة البائسة والعنصرية المقيتة، تمزيق حاد في البنية الاجتماعية العراقية والسورية وبقية البلدان التي تعرضت لها، بل تسببت في حروب وعمليات إبادة جماعية للسكان ( الانفال وحلبجة ) وما فعلته داعش بالايزيديين والمسيحيين في كوردستان العراق، كل هذه المآسي جاءت نتيجة لتلك السياسة في التعريب والاسلمة، وما يسمى اليوم بالمناطق المتنازع عليها في كوردستان العراق، وهي أصلا مدن وبلدات كوردستانية تعرضت لتك السياسة المقيتة، ذهبت فيها أجيالا كاملة ضحية لتلك الثقافة الهمجية، حيث فقدت لغتها وثقافتها بسبب منع تعلمها أو استخدامها للغتها الأصلية، بل عملت على تمزيق المكونات الاجتماعية من بيوتات وعشائر على خلفية تعريب البعض منها ورفض البعض الآخر لتلك العملية.

     وشتان بين أن تنقل وتترجم آداب وحضارة شعب إلى لغتك وبين أن تمحو ثقافة وحضارة شعب آخر لتحتل ذاكرته!

kmkinfo@gmail.com
 

142
المنبر الحر / فرص العراق الضائعة
« في: 18:43 02/06/2017  »
فرص العراق الضائعة

كفاح محمود كريم

     أضاعت الطبقة السياسية العراقية منذ تأسيس الكيان العراقي عام 1921م، ثلاث فرص تاريخية لقيام دولة نموذجية ربما تتجاوز في عطائها وتقدمها حتى دولة اليابان التي نهضت بعد الحرب العالمية الثانية،  وأصبحت خلال اقل من نصف قرن عملاقا عالميا في كل مناحي الحياة، حينما قررت الاعتراف بالخطأ والهزيمة، وأدركت إن القوة والعسكر ليست كل شيء في حياة الإنسان والشعوب، فاعترفت بهزيمتها ووقعت اتفاقية الصلح مع الولايات المتحدة، ولكن بدون أفلام كاوبوي على طريقة المقاومة والإرهاب التي استخدمتها فصائل البعثيين ومن شابههم بالعقيدة والسلوك من بقية أحزاب وميليشيات ما بعد 2003  حتى حولوا العراق إلى حفنة تراب كما تعهد بذلك كبيرهم الذي علمهم السحر!

     لقد أضاعت الطبقة السياسية السنية العربية الفرصة الأولى حينما استلمت قيادة المملكة العراقية، وعملت على تهميش بقية المكونات الرئيسية من الشيعة والكورد، وأرست القيم القبلية والعلاقات والعادات المتخلفة، التي تم تجميلها ببرلمان وممارسات ديمقراطية في مجتمعات بدائية متخلفة، ليس لها أي انتماء غير عشيرتها أو منطقتها أو مذهبها، وحينما توفرت فرصة جديدة لقيام كيان عراقي تقدمي متحضر وان كان بانقلاب عسكري، رفع شعارات دغدغت مشاعر الأهالي مثل " لا شرقية ولا غربية " ولا عربية ولا كوردية" و " لا دينية ولا مذهبية " بل جمهورية عراقية تقدمية خالدة!

     وخلال ما يقرب من خمس سنوات فشلت تلك القيادة لأسباب لا مجال لذكرها هنا في إرساء أسس دولة المواطنة، وربما التناحرات السياسية بين الأحزاب وخاصة البعثيين والشيوعيين أدت إلى اغتيال تلك الفرصة بانقلاب من قبل العنصريين القوميين والدينيين في شباط 1963م، وبذلك ضاعت الفرصة الثانية التي كانت تحتمل قيام اتحاد عراقي متين تقوم على أساسه دولة متحضرة مزدهرة.

     وتمر سنوات القهر والتقهقر والتخلف والحروب، ويتم تدمير البلاد بالحروب والحصار، حتى أصبحت اغني دول الشرق الأوسط أكثرها فقرا وإذلالا، حيث استخدم النظام الحاكم وطبقته السياسية أبشع أنواع الاضطهاد ضد مكونات شعوب العراق، وإيهام الرأي العام بان العراق يمتلك أسلحة إستراتيجية كيماوية وجرثومية ومنظومة صواريخ، حتى اضطر المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من شن حرب مدمرة على العراق وإسقاط ذلك النظام، الذي اتضح انه فعلا بطل من ورق!

     ويسقط هيكل نظام صدام حسين ويتشظى إلى عصابات وميليشيات ومنظمات للجريمة وهي جميعها من بقايا الأمن الخاص والمخابرات وفدائيو صدام، أطلقت على نفسها توصيف المقاومة، واستخدمت الدين والعقلية القبلية استخداما بشعا وقذرا لتنفيذ مآربها وإشاعة الرعب والإرهاب،  وهذا ما أدى إلى استقطاب كل منظمات الإرهاب العالمية إلى الساحة العراقية وفي مقدمتها القاعدة وفروعها التي احتضنها نظام صدام حسين وعمل على استخدامها في الأيام الأولى للحرب.

     ويقدم الأمريكان وحلفائهم رغم ما حل بالعراق من دمار وتخريب هائل، فرصة تاريخية هي الثالثة منذ قيام مملكة العراق، لإمكانية تأسيس  كيان نموذجي على أسس مدنية وحضارية، تعتمد مبدأ المواطنة والمشاركة الفعلية لكل المكونات الأساسية للدولة العراقية، خاصة وان الكورد وصلوا بغداد ربما قبل معظم القيادات السياسية العراقية للعمل على وضع أسس هذا الكيان الجديد، وقد نجحت تلك القوى بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء في وضع أول دستور دائم للبلاد، يضمن في روحيته ومبادئه السامية حقوق تلك المكونات بما فيها حق تقرير المصير، إلا إن الأحداث التي توالت بعد ذلك أكدت بالفعل ضياع آخر فرصة لبقاء كيان عراقي بحدوده المعروفة، خاصة وان الكوردستانيين قد قرروا بعد أن سئموا من خلافاتهم مع بغداد وعدم جديتها في تطبيق الدستور وبناء دولة مواطنة، واستخدامها ذات الأساليب التي كانت أنظمة بغداد الدكتاتورية تستخدمها ضد كوردستان، وآخرها الحصار المقيت على الإقليم ومحاولة تدميره وإشاعة الفوضى فيه، بحرمانه من حصته في الموازنة وقطع مرتبات الموظفين لإشاعة الفقر والنقمة والفوضى، مما عجل في الذهاب إلى خيار الاستفتاء على حق تقرير المصير، الذي يؤيده غالبية شعب إقليم كوردستان، وبذلك تبدأ الخطوة الأولى لاستقلال الإقليم الذي سيوفر فرصة تاريخية للعراق في بناء دولة متجانسة من الناحية القومية تتيح لها أن تكون دولة مواطنة عراقية عابرة للمذاهب، خاصة وان معظم بقية المكونات الدينية قد اختارت كوردستان ملاذا آمنا لها بعد أن تعرضت لحملات منظمة لإبادتها في العراق، وخاصة المسيحيين والصابئة والايزيديين.

     إذا كنا قد فشلنا خلال مائة عام من أن نكون شركاء حقيقيين في الدولة العراقية، فإننا سنكون جارين حليفين لبعض، وستبقى كوردستان عمق العراق ورئته، ويبقى العراق عمق كوردستان وظهرها الساند.

kmkinfo@gmail.com




143
ويسألوننا عن الاستقلال؟

كفاح محمود كريم

     بل.. ويرهبوننا من تبعاته وما قد يحصل من كوارث ضد شعب كوردستان إذا ما قرر الاستقلال، وقد ذهب البعض (الحنون جدا) بأنه مع حقنا في تقرير المصير وحتى مع الاستقلال، لكنه يخشى علينا من تركيا وإيران، وإننا سنكون دويلة محاصرة ستنهار حالها حال شقيقتها في كوردستان الشرقية، التي اغتالها التوافق السوفييتي الإيراني بصفقة غير طاهرة، بالضبط كما كان يرهبنا صدام حسين وحزبه والقذافي ولجانه الشعبية وبعث سوريا وأسده، من إن أي محاولة لإزالتهم من الحكم ستقوم القيامة، بل هدد صدام حسين بأنه سيحيل العراق إلى حفنة تراب إذا اخذوا الحكم منه، بهذه الثقافة والعقلية تعاملت معظم الأنظمة العنصرية والمحتلة لكوردستان في أجزائها الأربعة، مع طموحات شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليون نسمة، يرفض الاستكانة ومحاولة إلغائه، ويصر على أن يمارس إنسانيته وحريته وخياراته الاجتماعية والثقافية والسياسية وبشكل حضاري، دونما الذهاب إلى خيارات أخرى لولا انه اضطر إزاء عمليات الإبادة، الدفاع عن نفسه، كما حصل في معظم الثورات والانتفاضات عبر تاريخه.

     لقد اختار الكورد في ولاية الموصل، التي كانت تضم معظم كوردستان العراق، الانضمام إلى المملكة العراقية، ورفضوا اعتبارهم ولاية تركية مقابل الاعتراف بحق تقرير المصير وتحقيق طموحاتهم السياسية والثقافية، واحتراما للعائلة الهاشمية التي كانت تتمتع بمقبولية كبيرة لدى الأهالي، الذين يدينون في غالبيتهم بالإسلام، ورغم ذلك وبعد سنوات ليست طويلة ظهرت بوادر الغدر والتحايل والتخلي عن تلك الوعود، بل وذهبت حكومات بغداد المتعاقبة، ومن مختلف التوجهات والعقائد، إلى كبح جماح طلائع الكورد واعتقالهم وإعدامهم وشن حرب شعواء على كوردستان، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى غزوة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، التي اعتبرت الكورد مرتدين وجب إبادتهم كما فعل صدام حسين وعلي كيمياوي وأقرانهم في سوريا.

     لقد تعرض شعب كوردستان العراق إلى أقسى أنواع الاضطهاد والإقصاء بل والإبادة الجماعية، كما حصل في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفي الأنفال في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حيث تم قتل ما يزيد على ربع مليون مواطن كوردستاني، وتدمير خمسة آلاف قرية من أجمل قرى الشرق بما فيها من نبات وحيوان وبشر، ولا تكاد توجد قرية أو بلدة أو مدينة في كوردستان، إلا وتختزن في ذاكرتها تلك المآسي التي اقترفتها كل الأنظمة المتعاقبة دونما استثناء، حتى وصل الأمر بأنهم لم يكتفو بإبادة السكان بل عملوا على إبادتهم في هويتهم وانتمائهم، فأصدروا جملة من القوانين العنصرية التي تمنع تملك الكوردي أي عقار أو سيارة في نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، إلا أن يغير قوميته ويجد له أصلا غير أصله، كما في قانون تصحيح القومية سيئ الصيت، ناهيك عن عمليات التعريب البشعة والتهجير والترحيل القسري للسكان واستقدام مجموعات قومية عربية من خارج المنطقة وإسكانها بدلا منهم كما حصل في كركوك وديالى والموصل.

     لقد تجاوزت تلك الحكومات في تعاملها مع الكوردستانيين حتى إسرائيل وجنوب افريقيا في تعاملهما مع السكان الأصليين سواء الفلسطينيين أو الأفارقة، حيث استنسخت وببشاعة ثقافة الاستيطان وعملت على تطويق كوردستان بحزام ناري من العنصريين والفاشيين، الذين تم إسكانهم على أطلال قرى وبلدات الكوردستانيين، كما حصل في كركوك وإطرافها وسنجار وأطرافها وخانقين وأطرافها، وبعد سنوات الضيم والطغيان،  تباشر شعب كوردستان بإسقاط تلك النماذج المقيتة، التي مثلها البعث والعنصريين الآخرين في نيسان 2003م، لكن الأحداث التي مرت خلال السنوات الأربعة عشر، بعد إسقاط نظام صدام حسين، أثبتت إن التعايش أو الشراكة الحقيقة لا يمكن تحقيقها، خاصة وان ما حدث خلال تلك الفترة كرس ذات الثقافة التي تعاطت مع شعب كوردستان، حيث تم إقصائه وتهميشه بأساليب خبيثة، ربما أكثر إيلاما مما حدث سابقا، فقد تم محاصرة الإقليم وإشاعة الكراهية والحقد ضده وضد قياداته ورموزه، والعمل على شق صفوفه والعودة إلى سياسة تصنيع ما كان يسمى بـ ( الجتة ) أو ( الجحوش ) ، كما يسمونهم في كوردستان من عملاء أنظمة بغداد، ومحاولة تدميره من خلال قطع حصته من الموازنة السنوية، بما في ذلك مرتبات الموظفين والبيشمركة التي عملوا على إضعافها بل وتدميرها.

     لقد كان الإقليم قاب قوسين أو ادني من أن يكون واحدا من أكثر الأقاليم بل الدول ازدهارا وتقدما في الشرق الأوسط، مما أرعب الحاكين في بغداد، الذين عملوا على إيقاف تلك التجربة التي خفضت نسبة الفقر من 50% عشية إسقاط نظام صدام حسين، إلى اقل من 7% في 2013م حسب إحصائيات وزارة التخطيط العراقية، وكذا الحال في الصحة والتعليم والتعليم العالي وخدمات المواطنين وفي مقدمتها الكهرباء، التي غطت كل ساعات اليوم قبل 2014م، ولا نريد الخوض في تفاصيل المآسي التي سببتها حكومات العهد الديمقراطي، منذ أول حكومة بعد نيسان 2003 وحتى الأخيرة، فلم تتغير خارطة الطريق التي استخدمتها كل حكومات بغداد منذ قيام المملكة العراقية وحتى يومنا هذا، وما تحقق في كوردستان إنما أنجزه شعب كوردستان وفعالياته السياسية والاجتماعية، وما صموده أمام الحصار والتآمر والحرب القذرة التي شنها العنصريون والفاشيون القوميون والدينيون على كوردستان، باسم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، منذ أكثر من خمس سنوات إلا استكمالا للأنفال والحرب الكيماوية والحصار الذي استخدمه المالكي، هذا الصمود والصبر الذي أكد إيمانه بالاستقلال، والخلاص من هذا الإلحاق القسري بنظام ودولة لا تمت بأي صلة إلى كوردستان تاريخيا وجغرافيا وقوميا وثقافيا وحضاريا، ولأجل ذلك وبعد فشل كل محاولات الإقليم وقيادته من ترتيب الأوضاع مع بغداد، وحرصه على إقامة دولة مواطنة مدنية ومشاركة حقيقية، سيذهب إلى تنفيذ إرادة شعبه في الاستفتاء بأسلوب حضاري، يعتمد التفاوض والحوار مع بغداد لانجاز تحقيق مطالب شعب كوردستان بعد إجراء الاستفتاء، وهذا ما دعت إليه قيادة الإقليم بغداد والأمم المتحدة وكل العواصم الأوربية ودول الجوار والولايات المتحدة وبقية الأصدقاء والحلفاء.

     ترى هل بعد ما يقرب من مليون شهيد وتدمير ثلثي كوردستان ومحاولة إذلالها بحصار نوري المالكي وإشاعته للكراهية والأحقاد، وتسهيله غزوة داعش للإقليم، من يسألنا لماذا الاستقلال عن العراق؟

kmkinfo@gmail.com



144
إقليم كوردستان بين استقلالين

كفاح محمود كريم

    حينما أعلن تحرير معظم قرى وبلدات ومدن كوردستان العراق في ربيع 1991م إثر الانتفاضة العارمة للشعب وقواه السياسية والاجتماعية، توقع الكثير من الأصدقاء والأعداء وحتى من الذين هربوا وتركوا الإقليم في حينها، إنها عدة أشهر وستغرق كوردستان ببحر من الدماء والدموع والفقر والفاقة، إلى درجة أنها ستتوسل العودة إلى أحضان الدكتاتورية مرة أخرى، بينما توقع أكثر المتفائلين، إن الكورد لن ينجحوا بإدارة أنفسهم، وإنها أيضا بضعة أشهر لا غير ستتحول كوردستان إلى جزيرة للإرهاب والخراب، ولكن ما حدث بعد ذلك ومع خروج كل ما يتعلق بالنظام في بغداد من المناطق المحررة، بما فيها كل وسائل الإدارة ومفاتيح العمل والكثير من السجلات والوثائق، وخلال أشهر فقط كما قالوا استطاع الكورد وشركائهم في المنطقة من المكونات الأخرى، لا إلى الغرق في بحر من الدماء والفوضى بل إلى اختيار طريق آخر للصراع حينما أعلن الرئيس مسعود بارزاني، إن انتخابات عامة هي التي ستقرر من يقود ويحكم المنطقة المحررة من كوردستان، وكان بحق أول خطاب يؤشر ملامح المرحلة القادمة في المنطقة عموما، ليأتي بعده مباشرة واحد من أروع تجليات التسامح والمصالحة الاجتماعية التي تمثلت بإصدار العفو العام عن كل حقبة صدام حسين وحزبه وملحقاتهم من الكيانات والميليشيات، التي عاثت في الأرض فسادا، باستثناء حقوق المواطنين المتعلقة بالدماء، والتي طلبت فيها القيادة آنذاك من المواطنين العفو والبدء بمرحلة جديدة من الحياة خالية من الأحقاد والانتقام والتفرغ لبناء كوردستان، هذان القراران أعطيا باكورة ثمار العمل النضالي لعشرات السنين من اجل كوردستان وتحقيق العدالة والديمقراطية فيها، وربما سبقت حتى مانديلا في أطروحاته للتسامح والتعايش.

     إن أول عملية اختراق لحاجز الخوف والرعب من الأنظمة الدكتاتورية هنا في الشرق الأوسط وتحديدا في المحيط العربي، حصل هنا في إقليم كوردستان وفي وسط وجنوب العراق في ربيع 1991م، حينما انتفض الشعب وواجه سلطات الدكتاتور المتمثلة بأجهزة الأمن والمخابرات وميليشيا حزب البعث وقطعات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، واستطاع تحرير كل المقرات والمواقع التي كانوا يحتمون فيها خلال عدة أيام، وفيما نجح الكوردستانيون في انجاز مشروعهم الديمقراطي وإقامة كيانهم الفيدرالي، نجح النظام في سحق المنتفضين في وسط وجنوب البلاد لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

     لقد واجه الإقليم في استقلاله الذاتي الأول تحديات كبيرة خاصة الحصار المتعدد الأطراف والاحتراب الداخلي بين اكبر حزبين في الإقليم بعد فترة ليست طويلة من تحرير المنطقة، وقد ساهمت كل القوى المضادة لتطلعات شعب كوردستان في إشاعة الإحباط والفوضى بين الأهالي، ورغم كل مآسي الاحتراب ظهر معدن هذا الشعب وحكمته، ونجحت الثوابت العليا ومصالح كوردستان السامية، أن توقف ذلك الصراع وبدأ مرحلة جديدة من البناء والاعمار والتوحد، والتي تعززت بتوحيد كبير للإدارتين ووضع خطط تنموية طموحة نقلت الإقليم نقلة نوعية كبيرة، عززت مكانته الإقليمية والدولية، بحيث أصبح واحة للسلم والأمن والازدهار.

     واليوم وبعد ما يقرب من 15 سنة على قيام النظام السياسي البديل، بعد إسقاط النموذج الشمولي الذي استمر من عام 1958 وحتى نيسان 2003 ، فشلت الإدارة العراقية الجديدة من أن تقنع المواطن في الإقليم بأنه شريك فعلي في هذه الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، بل وفشلت في أن تفي بوعودها وتطبيق الدستور الذي اتفقنا عليه، وكرست ذات السياسات التي اعتمدتها كل الأنظمة الشمولية في ما يتعلق بنتائج التعريب والتغيير الديموغرافي، وخاصة في المناطق المستقطعة من الإقليم، حيث يتم استنساخ ذات التخويفات والإرهاب النفسي من توجه الإقليم إلى استفتاء شعبه على حق تقرير المصير، بل إن أجهزة دعاية اكبر كتلة برلمانية تقوم بإعمال متطابقة جدا مع سلوكيات البعث في إشاعة الكراهية والأحقاد ضد شعب كوردستان وقياداته التاريخية، فقد سخرت معظم أجهزة الدعاية والإعلام بما فيها المملوكة للدولة، لإشاعة الإحباط والكراهية ضد الإقليم وشعبه، على ذات النسق البعثي أو من سبقه من تشكيلة الأنظمة الشمولية، بما لم يدع أي فرصة غير الاستفتاء على حق تقرير المصير، خاصة وإنهم يمارسون فلسفة الأغلبية الطائفية والسياسية مع شريك أساسي في الدولة التي فقدت كل مقوماتها، وعادت ذات الاسطوانة في التخويف والترهيب من الاستفتاء أو الاستقلال، بوسائل شتى خاصة تلك الناعمة منها التي تدعي الحرص على الإقليم وشعبه، وهي التي تعمل ليل نهار على حصاره وإذلال شعبه واختراق جدرانه الداخلية، بل والتعاون مع أعداء الإقليم خارجيا من اجل إعاقة الاستفتاء.

    لقد قرر شعب كوردستان إجراء الاستفتاء ولن يستأذن أحدا بذلك، بل سيحاور ويناقش بغداد فقط في نتائج الاستفتاء.
 

kmkinfo@gmail.com


145

على أبواب تحرير الموصل!

كفاح محمود كريم

-1-

     يضيق الخناق يوما بعد يوم على واحدة من أعتى قوى الإرهاب والوحشية في التاريخ المعاصر، تلك هي منظمة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش التي احتلت واحدة من أقدم حواضر العالم ( نينوى ) عاصمة إمبراطورية آشور، التي شهدت حضارات وأقوام سادت فيها ثم بادت، حتى نهضت الموصل عاصمة لمحافظة نينوى اليوم، وفي الأمس عاصمة لولاية الموصل التي كانت تضم كل كوردستان العراق اليوم، هذه المدينة المثيرة رفضت الانضمام لمملكة العراق، إلا بعد أن وعِد سكانها الكورد بمنحهم حق تقرير المصير فيما بعد، وبذلك أصبحت الدرة الثالثة في تاج ملك العراق بعد ولايتي بغداد والبصرة.     

     يبدو إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا في حوادث تتشابه حد التطابق، ولعل ما يجري اليوم حول واحدة من اعرق حواضر الشرق ( الموصل ) يعيدنا إلى أحداث مرت بها هذه المدينة حينما كانت ثالثة ولايات بني عثمان في بلاد ما بين النهرين، ثم سقطت حينما شاخت إمبراطوريتهم بأيدي البريطانيين الذين حاولوا بعد ذلك ضمها إلى مملكتهم الجديدة، التي أسسوها من ولايتي بغداد والبصرة ووضعوا تاجها على رأس ابن الشريف حسين، رغم أن وارثي تاج الإمبراطورية العثمانية أصروا على مطالبتهم في إبقائها ولاية تركية، ورفضوا نتائج استفتاء أولي قامت به الحكومة العراقية، التي رفضت هي الأخرى استفتاءً أجرته السلطات التركية وحلفائها في الموصل، مما دفع البريطانيين إلى خيار عصبة الأمم التي أرسلت بدورها لجنة تحقيق دولية بتاريخ 27 كانون الثاني 1925م حيث بدأت بمشاوراتها واستقصائها للحقائق الديموغرافية وآراء الأهالي في تبعية ولايتهم، وقد ذكر خير الدين العمري وهو احد أعلام الموصل وشاهد عيان عاصر وعاش تلك الإحداث بدقائقها وتفاصيلها، حيث يقول في معرض حديثه عن مشكلة الموصل:"1"
( كان المرحوم فيصل والإنكليز والحكومة العراقية قد مهدوا طريق النجاح لحل المشكلة لصالح العراق "وقد سطر الصفحة الذهبية في هذا الاستفتاء أبناء الشمال الأكراد، فقد انضم الأكراد وفاز العراق.)
وعن موقف عرب الموصل كتب العمري يقول:"2"
( كان بعض العرب يتهربون من مواجهة اللجنة، محافظين لخط الرجعة فيما لو عاد الأتراك إلى هذه البلاد.. )
ويضيف العمري قائلاً:
( وقد تهافت بعض عرب الموصل على تقبيل أيادي جواد باشا الممثل التركي، وهتف آخرون بحياة مصطفى كمال (أتاتورك)، ولولا الشغب الذي أحدثه بعض المخلصين تخويفاً للباشا الموما إليه ليمتنع عن الخروج والتجول في المدينة لتوالت المخازي. )

     أردت بهذه المقدمة التاريخية المقتضبة أن أسلط قليل من الضوء على تعقيدات مدينة تتنازع عليها أقوام ومذاهب ودول، تلك هي محافظة نينوى وعاصمتها الموصل ذات الثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وأراض شاسعة تمتد من أقصى شمال البلاد العراقية إلى أقصى شمالها الغربي في سنجار ذات الأغلبية الايزيدية الكوردية، هذه المحافظة كانت فيما مضى ولاية الموصل كما ذكرنا أعلاه تضم معظم إقليم كوردستان الحالي مع كركوك وكل ديالى وحتى تخوم تكريت وأطراف الكوت شرقا، لكنها فقدت معظم أجزائها قضما إداريا أو تغييرا ديموغرافيا خلال اقل من مئة عام، مدينة صعبة المراس معقدة العادات والتقاليد، متكبرة في طباعها، لا ترضى الأمور بسهولة، حتى قال عنها صدام حسين وهو يسترضي نائبه عزة الدوري، حينما ذهب إليه شاكيا أهل الموصل في إنهم لم يستقبلوه كما ينبغي ولم يصفقوا حينما يذكر اسمه، قال له صدام لا تزعل عليهم فالموصل ليست سهلة ولا تمنح ولائها بسهولة، اصبر عليهم وسترى(!)، الموصل مدينة شهدت في تاريخها أقسى أنواع العنف من السحل بالحبال خلف السيارات إلى تعليق الجثث على أعمدة الكهرباء، والاغتيالات العشوائية بعد فشل محاولة عبد الوهاب الشواف القومية ضد الزعيم عبد الكريم قاسم في عام 1959م، ثم ما تلى ذلك من انتقامات وحشية قامت بها ميليشيات الحرس القومي البعثي بعد شباط 1963م، ولا ينسى الموصليون تاريخهم الأقدم حينما حاصرهم نادر شاه الإيراني  قرابة سنة كاملة مطبقا على مدينتهم حتى خلت من أي مأكل، فاضطر السكان إلى أكل العشب ولحوم القطط والكلاب والحمير، وما أشبه اليوم بالبارحة حيث لا مأكل ولا مشرب والناس تموت جوعا أو عطشا أو قتلا في أيمن الموصل بعد ما يقرب من ثلاثمائة عام من حصار نادر شاه!

-2-

     الموصل اليوم سلمت أمرها راضية مرضية لثلاث قوى رئيسية؛ إقليم كوردستان الذي سيطر منذ الساعات الأولى لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين في نيسان 2003م على كل المناطق ذات الأغلبية الكوردية أو المسلوخة من اربيل ودهوك مثل سنجار وزمار ومعظم سهل نينوى ومخمور، وحكومة بغداد وجيشها الوطني حصريا، لرفض معظم أهالي المحافظة ومركز الموصل وممثليهم في اشتراك الحشد الشعبي ذو الأغلبية الشيعية المطلقة، إضافة إلى التحالف الدولي والأمريكان تحديدا، ويبدو إن القوى الثلاث قد وضعت خارطة طريق ونفوذ لها في مركز المدينة وأطرافها قبيل بدء العمليات العسكرية لتحريرها، بحيث تكون مناطق سنجار وحوض زمار سنجار وسهل نينوى ومخمور وأطرافه تحت نفوذ إقليم كوردستان بصيغة يتفق عليها لاحقا، بينما يكون مركز المدينة وأطرافها الجنوبية تحت نفوذ الحكومة الاتحادية، وتؤكد تسريبات مهمة جدا على أن تكون تلعفر وأطرافها جنوبا تحت نفوذ الحشد الشعبي، ويبقى المايسترو الأمريكي ضامنا لهذا الشكل من التوافق الأولي لحين البت في مصير الشكل النهائي للبلاد العراقية وخيارات الطبقة السياسية وربما الأهالي أيضا في إنشاء فيدرالية لغرب العراق ذي الأغلبية السنية، أو تشكيل إقليم نينوى واستفتاء أهالي الاقضية ذات الأغلبية الكوردية أو المسيحية في تبعية مدنهم، ويبقى الخيار الكونفدرالي يداعب أخيلة الكثير من الطبقة السياسية السنية والكوردية بما يضمن استقلالية حقيقية في اتحاد عراقي مع الشيعة، وفي هذا السياق سيكون شكل النظام الكونفدرالي العراقي ثلاثيا يضم مكوناته الأساسية وهي العراق الشيعي ويشمل كل محافظات الجنوب والفرات الأوسط ( البصرة والعمارة والناصرية والكوت والسماوة والديوانية والحلة وكربلاء والنجف ) والعراق السني ويشمل محافظة صلاح الدين ( باستثناء ما الحق بها من مدن وبلدات كانت تتبع كركوك إبان نظام صدام حسين ) والانبار ومعظم نينوى وأجزاء من كركوك وديالى، وكوردستان التي تتمتع باستقلالها الذاتي منذ ربيع 1991م، واستطاعت أن تؤسس خلال ربع قرن معظم مؤسسات الدولة الرئيسية بما فيها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكم الثلاث منذ أن انتخبت برلمانها في 1992 وشكلت حكومتها الإقليمية التي حازت على قبول واسع في أمريكا وأوربا ومعظم البلاد العربية والدولتين الأكثر اهتماما بملفها وهي إيران وتركيا.

     الأسابيع القادمة ستشهد بالتأكيد أحداث دراماتيكية في عملية التحرير، خاصة وان تنظيم الدولة (داعش) عمل في بيئة أنتجها نوري المالكي، دعت الأهالي في بداية الأمر لقبولهم كبديل لحكم دولة القانون، لكنهم وخلال أشهر قليلة اكتشفوا حقائق أخرى، أبعدتهم تدريجيا عن خيار التنظيم كحالة مستديمة للحياة، وبدأوا بفتح قنوات اتصال مع مفاصل مهمة من إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، وقد اكتشف تنظيم الدولة الكثير منهم وحكم عليهم بالقتل، وبأساليب قاسية جدا لترويع الآخرين من التورط في التخابر مع الإقليم أو بغداد، ورغم ذلك نستطيع أن نستنتج بأن حكم نوري المالكي لثماني سنوات وتنظيم الدولة لما يقرب من ثلاث سنوات، غيّر بنية التفكير لدى أهالي الموصل وبقية المناطق التي احتلتها داعش، خاصة فيما يتعلق بموضوعة التقسيم والفدرلة التي أصبحت واحدة من أهم مطالب النخب السياسية والاجتماعية في الموصل، وحتى ينجلي دخان القنابل والصواريخ وتضع الحرب أوزارها وتبرد جروح أهل نينوى وموصلها، سندرك حينها إن من أسس سايكس بيكو وبعدها ضم ولاية الموصل إلى مملكة العراق أو تركيا تسبب في كل ما جرى لهذه المدينة ولكوردستان قبلها من مآسي وويلات، وقد حان فعلا أن يقول الأهالي قولتهم في تقرير مصيرهم برعاية أممية تحفظ لكل المكونات حقوقها وأمنها وسلامها ومستقبلها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والهوامش:

(1) ينظر نص التقرير في جريدة الموصل، العدد (944) في 7شباط 1925 علماً أن التقرير أكد على عروبة الموصل.
(2)للتفاصيل ينظر مؤلفه المخطوط: مقدمات ونتائج، جـ2 ص257-259




146
حلبجة وأنين خان شيخون !

كفاح محمود كريم

     قبل بدء الحرب الأمريكية على نظام صدام حسين بعدة أسابيع، لاحظ الكثير من سكان القرى والمدن التي تقع على الطريق الدولي الممتد من الموصل إلى سوريا بمحوريه موصل ربيعة وموصل سنجار، مئات الشاحنات الكبيرة والمغلفة التي تسير على شكل قوافل مع حمايات مشددة طوال الليل متجهة إلى الأراضي السورية، ولم يدرك الكثير من الأهالي ماذا تحمل هذه الشاحنات ولماذا تتحرك في الليل فقط؟

     ولأن أي سر يتجاوز حمله ثلاثة أشخاص كما يقولون، وعلى طريقة دلالي سيارات التاكسي والمطار السري كما تورده موروثاتنا الشعبية في بغداد وذاكرة عموم الناس، فان تلك الشاحنات كانت معبأة بحاويات ( براميل ) ومواد أخرى تم تهريبها إلى سوريا، إما كما فعل نظام بغداد بتأمين أكثر من مائة طائرة مدنية وعسكرية عند الإيرانيين وغيرهم من دول الجوار السعيد في غزوه للكويت، أو والله اعلم لكي يستكمل بعث سوريا ما لم يكمله بعث العراق في الإبادة الجماعية لكل أعداء الأمة العربية الواحدة ورسالتها الخالدة، ويتضح إن التوقع الأخير كان الاصوب، وضاعت طائرات أبو عداي عند رفسنجاني الذي اعتبرها جزء من تعويضات الحرب!     

أقول قولي هذا ونحن نتذكر هذه الأيام وقبل أكثر من ربع قرن حيث اقترف نظام صدام حسين ومؤسسته العسكرية، جريمة قصف حلبجة وعشرات القرى بالأسلحة الكيمياوية التي راح ضحيتها آلاف الأطفال والنساء من المدنيين العزل، وفي حينها كانت الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى تنافق نظام البعث لمصالحها في المنطقة، وتجامله أمام الضبع الإيراني الذي بدأ يكشر أنيابه أيامها، ولولا بعض الصحفيين ووكالات الأنباء لما عرف العالم واحدة من أبشع جرائم الحرب في تاريخ البشرية بعد الحرب العالمية الثانية.

     واليوم وبعد أكثر من ربع قرن يقترف الوجه الآخر لنظام بغداد في سوريا ( عملة البعث ووجهيها في دمشق وبغداد )، وبنفس العقلية والمبادئ التي تبيح إبادة الآخر لمجرد الاختلاف معه، كما فعلت داعش والقاعدة في تعاطيها مع مفردات الحياة التي لا تلائمها، ويقتل العشرات من المدنيين الأطفال والنساء، لمجرد إن المكان يضم مقرات لما يسمى بالنصرة، ولا يهم إن يكون في نفس المنطقة مدارس أو مباني لسكن الأهالي، المهم أن تقتل عدوا واحدا حتى وان قتل بالقرب منه العشرات أو المئات، كما يبرر تنظيم الدولة داعش أو القاعدة أعمالهما في تفجير السيارات المفخخة أو العبوات وقتلهم للعشرات من الأبرياء.

     ورغم إن خارطة التحالفات تختلف نوعا ما عما كانت عليه أيام حرق حلبجة، حيث الأمريكان والروس يلعبون بل يرقصون على حبال الصراع بين الأطراف، نراهم اليوم أيضا يعزفون ذات السيمفونية المملة، لولا ارتفاع إيقاع وصلة منها بقصف الأمريكان للقاعدة التي انطلقت منها طائرات البعث السوري لكي تقتل وتحرق المئات من المدنيين، هذا القصف الذي أرسل رسالة للروس قبل السوريين بان هناك خطوطا حمراء في سوريا، لا تبيح لأصحاب القواعد العسكرية على البحر تجاوزها، تلك الخطوط التي ترسم مناطق النفوذ لكلا العظميين ووكلائهما المنفذين!

     الأسلحة الكيماوية وقبلها النابالم وقبلهما براميل البنزين التي استخدمها الجيش العراقي في حرق قرى ومدن كوردستان منذ أيلول 1961 وحتى 2003، لم تغير قيد أنملة توجه شعب كوردستان لتحقيق أهدافه وطموحاته، بل إن واحدة من أسمى تجلياته حينما توقفت حرب ( أم المعارك ) وكان هناك بصيص أمل للحوار والتفاوض مع بغداد صدام حسين ذهبت قيادة كوردستان برئاسة البارزاني تحمل جراحاتها وملفات تفاوضها حول حقوق شعب كوردستان دونما فتح ملفات الدم والموت قبل سنين قليلة، والتوجه إلى المستقبل وخيار السلم والبناء.

     النتيجة؛ ورغم ماسي ما حصل في حلبجة وبعد صراع طويل ومرير سقط خيار الحرب والعنصرية والتكابر وانتصرت إرادة الخير والسلام، وتحولت حلبجة إلى رمز للمقاومة والانطلاق إلى التحرر، وهي ذاتها أسقطت من احرقها، وفي خان شيخون سجلت ساعة سقوط نظام الأسد وبدأ العد التنازلي الحقيقي لنهايته وبداية عصر جديد، ربما يختلف عما حققه شعب كوردستان وأيقونته في حلبجة، لكنه في آخر الصراع ستكون الغلبة للسلام والتعايش وان بعد حين!

    لقد سقط البعث ودولته ونهضت حلبجة، وفي خان شيخون ترتسم اليوم نهايات حقبة الأسد!
kmkinfo@gmail.com


147
المنبر الحر / أحزاب الزينة 3
« في: 20:02 09/04/2017  »

أحزاب الزينة
3
   
     لقد أنتجت مرحلة أحزاب الزينة وما تلاها من سيطرة الولاءات القبلية والمذهبية، جوا نفسيا اجتماعيا لدى مساحات واسعة من الأهالي خلاصته؛ ازدراء كبير يصل حد الاحتقار لما يتم تداوله من ممارسات تسمى بالديمقراطية، حيث أظهرت وصول مجاميع من النكرات والمنحرفين إلى قبة البرلمان والحكومة، وانتشار الفساد بشكل مروع، وأصبح المواطن العادي يربط بشكل عفوي بين صفة الفساد وعنوان الوظيفة، ويربط كل هذه المعطيات كنتائج لتجربة الديمقراطية في بلاد ليس لديها لحد اليوم مفهوم متفق عليه للمواطنة والولاء خارج الدين والمذهب والعشيرة والمدينة أو القرية، ويعاني أغلبية سكانها من أمية أبجدية وحضارية ومستويات خطيرة من الفقر والبطالة، وتناحر بين مكوناتها منذ تأسيس كياناتها السياسية.

     وبملاحظة سريعة لما يحدث اليوم في العراق وبقية ما يسمى بالربيع العربي، وطيلة السنوات الماضية، ما هو إلا نتاج تلك الفترة المظلمة من تاريخ هذه البلدان وتربية أنظمتها لعدة أجيال من الأهالي الذين ينفذون اليوم ما تعلموه خلال عشرات السنين، وشاهدوه وهم أطفال وفتية وشباب، ابتدءاَ من كرنفالات الإعدام التي كانت تنفذها الأنظمة في الشوارع والساحات العامة، وكيل الاتهامات الكاذبة جزافا لكل من يعارضها وانتهاء بتلك المشاهد البائسة والقاتلة من ( صور من المعركة ) التي كانت تبث يوميا ولثماني سنوات متصلة في العراق وليبيا ( في حربها مع تشاد ) وسوريا ( في احتلالها للبنان)، وتظهر آلاف الجثث الممزقة الأشلاء أو عمليات دفنها بالبلدوزرات على أنغام الأناشيد الوطنية، إلى تسطيح عقول ووعي الناس بتصنيع أحزاب وجمعيات مما كانت تسميه بالاتحادات والنقابات المهنية والفرق الفنية، التي لا هم لها ولا غم إلا التغني بالقائد الذي لا مثيل له في الدنيا وربما لو بقوا عدة سنوات أخرى لقالوا انه متعهد الآخرة أيضا.

     واليوم تواجه بلدان ما يسمى بالربيع العربي، وأولها العراق الذي سبق ربيعهم بسنوات، نتاجات تراكم هائل من التربية الخطأ، التي تصل في كثير من مفاصلها إلى الخطيئة والسلوك المنحرف في تعليم وإشاعة الكذب والخوف والتدليس والاستكانة والقسوة وتحليل وإباحة المحرمات في المال والأعراف، وإرعاب الناس باعداءٍ مفترضين لا وجود لهم إلا في مخيلة تلك الأنظمة، التي لم تسقط ثقافتها وتربيتها بسقوط هياكلها الإدارية، وبقيت تبعاتها وسلوكيات أفرادها تنعكس بوضوح على أوجه وألوان حرباوية وأشكال هلامية وملساء تصلح للزينة وللقبح معا، وتمارس كل الأدوار الانتهازية والوصولية، من خلال إعادة تأسيس أحزاب من أرحام تكتلات وكيانات حكمت تلك البلدان بعد عاصفة الربيع المغبر، وتعمل على تدوير بقاياها لتعود ثانية من خلال مسرحية الانتخابات والتزويرات والفتاوى وتعليمات شيوخ العشائر والمرجعيات الدينية والمذهبية، وهي تتسابق منذ الآن لإنتاج مسرحيات انتخابية على مستوى الدولة أو العشائر، لتجييش الرعاع والغوغاء ممن أدمنوا العبودية واستكانة القطيع لمرحلة جديدة من اللصوصية والتخلف والضياع.

     إن واحدة من اخطر العلل التي تواجه مجتمعاتنا التي عصفت بها عمليات التغيير الفوضوية سواء في العراق أو بقية بلدان ما يسمى بالربيع العربي، هو الوقوع بين مخالب القوى الدينية والمذهبية المتطرفة، وبعبارة أعم وأشمل اللجوء إلى الدين والعشيرة بعد فقدان دولة القانون والمواطنة، وربما كانت العلة الأكثر خطورة تكمن في كيفية اختيار شكل وطبيعة النظام السياسي الذي يتوافق مع النظام الاجتماعي والتراكم الهائل للعادات والتقاليد المتكلسة ويعاني من نمط متخلف من التربية والتعليم ومناهجها  الدينية والتاريخية التي تكرس مفاهيم لا تتوافق مع معطيات العصر الحديث وحاجيات الإنسان المعاصر.

     إن فشل تبلور مفهوم المواطنة خاصة في الدول ذات التنوع العرقي والقومي والديني، يعود بالأساس إلى الطبيعة القبلية لهذه المجتمعات، وفشل أنظمتها السياسية بفصل الدين عن السياسة بل عن الحكم برمته، وإبعاد فلسفته عن التعليم بكل مراحله، إلا ما يؤكد وجوده كمعتقد للإفراد وجب احترام خصوصيته في حدود الخاصية الشخصية ليس إلا، وما لم تنجح النخب السياسية والتكنوقراط من وضع دستور عصري، يؤكد على تعريف مدني للمواطنة، تسود فيه لغة القانون والانتماء الوطني فوق النظام القبلي والديني، ويرتقي على كل هذه الانتماءات، ويحظر أي تنظيم سياسي على أساس ديني أو مذهبي أو عنصري، بما يكفل حقوقا متساوية لكل الإفراد بمختلف أعراقهم وقومياتهم وأديانهم، لن ينجح أي حزب أو مجموعة أحزاب في إقامة نظام ديمقراطي تسوده العدالة في كل مناحي الحياة.

kmkinfo@gmail.com
 

148
المنبر الحر / أحزاب الزينة 1- 3
« في: 22:59 27/03/2017  »
أحزاب الزينة
1- 3

كفاح محمود كريم

     اعتدنا على أدوات أو نباتات أو حيوانات للزينة، والحمد لله إننا أدركنا كائنات أخرى للزينة والإكسسوارات التي ابتدعتها دول المنظومة الأوربية الشرقية إبان الحكم الاشتراكي، ولا أقول الشيوعي لأنهم جميعا لم يرتقوا إلى تلك المرحلة، بل وسقطوا قبل الوصول إليها بمئات السنين، فقد كانت تحكم من خلال قيادة حزب واحد للدولة تحت شعار دكتاتورية ذلك الحزب،  الذي قرر انه لوحده يمثل الطبقات الكادحة وتحديدا العمال والفلاحين وأحيانا بعض البرجوازيين، كما تفعل الأحزاب الدينية اليوم في احتكارها تمثيل الرب والدين والحكم باسمه، وخلال سنوات من حكمهم بعد الحرب العالمية الثانية ابتدعوا أنواعا جديدة للزينة السياسية، بعد أن أصبحت الوسائل الأخرى مكروهة كونها استهلاكية برجوازية وغير منتجة في بلاد هوسها الإنتاج، وكانت هذه الكائنات الجديدة أحزابا تم تصنيعها وتجميلها لكي تكون حليفة للحزب القائد، ويمارس من خلالها مسرحياته الديمقراطية الشعبية في الانتخابات والمجالس البرلمانية الكوميدية، وهذه الأحزاب كانت للزينة فقط ليس إلا، وقد استخدمت على طريقة صاحبنا في البرلمان العراقي أيام الملكية أسلوب (اموافج = موافق) على كل قرارات وقوانين حزب الشغيلة والفلاحين والقائد الملهم، وفيما بعد حزب الرسالة الخالدة في العراق العظيم واللجان الشعبية في ليبيا العظمى والمؤتمرات الشعبية في اليمن السعيد.

     أحزاب الزينة هذه انتشرت انتشار النار في الهشيم بين دول الجمهوريات الثورية والوراثية، وخاصة في شرقنا الأوسط الجاذب للتجارب بعيدة المدى، لتطبيقها على شعوب غالبيتها من الأميين المشبعين بثقافة القطيع، وما تزال نسبة الفقر والبطالة تهشم طموحات أكثر من ثلثهم لحد الآن، والثلثين الآخرين منغمسين في الولاءات الدينية والمذهبية والقبلية والمناطقية، ولا يهمهم سوى توظيف كل أتباعهم وتحويلهم إلى كتل من التنابلة والاتكاليين، وخير نموذج للدول التي تميزت بصناعة أحزاب الزينة عراقنا الناهض منذ مائة عام وما يزال يقف على رجل واحدة حتى اتكأ على ركبتيه لا قدميه!

     في العراق نجح حزب البعث وفريق صدام حسين من تصنيع مجموعة أحزاب، تم استنساخها على طريقة ( النعجة دولي ) من عناصر اكتشف علماء البعث فيها استعدادات نفسية وجينية للانحراف، ووجدت فيها من يدلها ويوفر لها تلك البيئة، وفعلا تم تطويرها واستنساخ أعداد كبيرة منها لتكون أحزابا للزينة والإكسسوارات، وشهدنا بعد فشل تحالف البعث والديمقراطي الكوردستاني، وإصدار قانون مسخ للحكم الذاتي بشكل انفرادي ومحاولة فرضه على الديمقراطي، وحينما تم رفض تلك الوصاية أو الاحتواء، عادت العمليات العسكرية إلى كوردستان وبتعاون وثيق بين ايران والعراق وتغطية مهمة من بعض الدول الكبرى، أدت إلى تصنيع تلك الأحزاب التي ( ستوافج = ستوافق ) على قانون البعث للحكم الذاتي، وإيهام الرأي العام الداخلي والعالمي بأنهم ( ديمقراطيون يعملون على تنفيذ اتفاقية آذار)، لكن ( الجيب العميل وهو زمرة صغيرة متمردة على القانون رفضت إرادة شعبنا الكوردي في شمالنا الحبيب )، كانت هذه أهم العبارات التي استخدمتها أجهزة دعاية وإعلام نظام الرئيس صدام حسين لتبرير إعلان تصنيع الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الثوري الكوردستاني وجبهة تحرير كوردستان، بموديلات جديدة واستنساخ لبعض العناصر من تلك الأحزاب وإعادة تدويرها لتكون بديلا عن النسخة الأصلية التي تحولت إلى (متمردين ومخربين) على عادة أجهزة دعاية البعث ومن ورثها منهم من أحزاب السلطة اليوم، فبعد سنوات ليست طويلة رأى منظروا تلك الحقبة بأنهم يحتاجون إلى توسيع ( الجبهة الوطنية والقومية ) فألحقت بهم مجاميع بذات المواصفات من عناصر شيوعية وتقدمية، بعد فك أو تمزيق التحالف بين الشيوعي العراقي والبعث العراقي.
يتبع ....

kmkinfo@gmail.com


149

مهزلة البرلمانات الشرقية ؟

كفاح محمود كريم

     
     من مهازل الأدبيات السياسية واستنساخ القوانين والتشريعات الأوربية وفرضها على مجتمعات تختلف كليا في أسس بنائها وثقافتها وتركيباتها وعقائدها الاجتماعية والسياسية، أن ترى نخبة تعمل ليل نهار من أجل فرض تلك القوانين والصيغ والأسس على مجتمعات ما تزال البداوة تتحكم في أدائها الحياتي بمختلف أساليبها وصيغها، حيث الاستخدام بطريقة الاستنساخ للديمقراطية الغربية في بيئة اجتماعية تختلف كليا في مبادئها وعقائدها وسلوكياتها وأسس بنائها عن مثيلاتها في الغرب، ولكي لا نبتعد كثيرا عن شرقنا المتعب ونتوهم بأن اليابانيين والكوريين ومعظم الجنس الأصفر يقع تحت تصنيفنا الجغرافي، متناسين عقائدهم الدينية وطريقة تعاطيهم الاجتماعي والديني، علينا أن نؤكد إن بحثنا هنا لا يتجاوز حدودنا  التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو، وبموجبها رسمت خارطة الشرق الأوسط، مضافا إليها بعض الأنظمة والبرلمانات ومجالس الشورى التي تتشابه حد التطابق في السلوك والمنهج، وتعبر خير تعبير عن بؤس هذه المجتمعات، التي لم تجد لحد اليوم مفهوما يوحدها بالانتماء إلى وطن جغرافي ومجموعة بشرية تنتمي لذلك الوطن، فلقد شهدنا جميعا تلك البرلمانات ( الاتحاد الاشتراكي المصري ومجلس الشعب السوري والمجلس الوطني العراقي واللجان الشعبية الليبية وما هو على شاكلتها في الجزائر وتونس واليمن والسودان وإيران وغيرها )، التي تم صنعها في دهاليز أجهزة مخابرات الأنظمة وأحزابها القائدة، وأصبحت واجهات كاريكاتيرية لما يسمى دستوريا بالبرلمان، ونتذكر جيدا تلك المسارح التي كان يمثل فوقها ( فرسان الأمة وقادتها ) وأحزابهم التي تفوز دوما بالأغلبية الساحقة ( 99.99 ) والتي عدلت فيما بعد، لكي تتحول إلى كتل برلمانية وأحزاب على شاكلة ما هو موجود في عراق الديمقراطية العرجاء، حيث استبدلت توصيات الحزب القائد والقائد الضرورة بفتاوى رجال الدين ومباركة شيوخ العشائر، الذين تم إدخالهم سيرك السياسة والعسكر لتخريب ما تبقى من أي أمل في بناء دولة عصرية متحضرة.

     وبدلا من ترشيح الحزب القائد أو القائد الضرورة لأعضاء مسرحهم النيابي كما كان يحصل سابقا، فقد أخذت المؤسسة الدينية والعشائرية ومن خلال اذرعها وكياناتها السياسية على عاتقها تسمية أعضاء لمسرح السيرك السياسي، الذي نشهد مسرحياته المقرفة منذ أكثر من عشر سنوات في العراق وغيره من بلدان الربيع المضحك، كنموذج وصورة تعكس حقيقة هذه المجتمعات سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا، مع استثناء القلة القليلة التي لا تخضع للقياسات العامة ممن توهموا إن الانتخابات نزيهة أو أنها ستنتج مؤسسة تشريعية قادرة على بناء دولة عصرية ومجتمع متحضر، حيث نشهد اليوم وبعد أداء ثلاث دورات برلمانية عراقية وما رافقها من إنتاج حكومات وما يفترض من قوانين وتشريعات، أسوأ ما أنتجه العراقيون منذ تأسيس كيانهم السياسي كدولة وفي كل مناحي الحياة، والأكثر سوءاً هو هذا البرلمان وحكوماته وسلطته القضائية وما يتفرع منهم من سلطات أدنى، بما في ذلك مجالس المحافظات وحكوماتها المحلية، وبقراءة سريعة أو استقصاء بسيط  لنماذج عشوائية من أهالي القرى والبلدات والمدن، وصولا إلى العاصمة حول أهلية غالبية المرشحين الذين تم تصعيدهم أو اعتمادهم في قيادات هذه البلاد المنكوبة، سنكتشف حقيقة وأسباب تقهقر بلادنا وانتكاستها المريعة، حتى أصبحت واحدة من أفشل دول العالم.

     إن دولة أو نظاما يقوده المتخلفون من شيوخ العشائر ورجال الدين بانتماءات وولاءات دينية ومذهبية وعشائرية، لن يجمعوا حولهم إلا مجاميع  من المنافقين واللصوص والمرتزقة والانتهازيين، ولن يشيدوا دولة أو نظاما سياسيا واجتماعيا، إلا بهذا النموذج الذي نراه في العراق واليمن وسوريا وليبيا ومن شابههم، حيث الفشل والفساد والتقهقر إلى الهاوية، مما يستدعي تغييرا جذريا في طبيعة النظم المعتمدة ووسائلها وعناصر تنفيذ برامجها، وفي مقدمتها إصدار تشريعات تحظر أي نشاط سياسي أو نفوذ قانوني لشيوخ العشائر ورجال الدين والمؤسسات التابعة لهم، بما يمنعهم من أي تدخل في العملية السياسية وممارساتها الانتخابية والإعلامية.

    أن بناء دولة عصرية يستوجب فصل الدين عنها وابعاد أي هيمنة قبلية بأي شكل من الأشكال، بل ومنع تأسيس أي حزب أو منظمة على خلفية دينية أو مذهبية أو قومية في دولة متعددة القوميات والأعراق والأديان والمذاهب.

 



150
العراق بين الأغلبية السياسية والتقسيم؟

كفاح محمود كريم

     منذ إسقاط النظام البرلماني في العراق إبان انقلاب تموز 1958م، بعد أكثر من 35 سنة من محاولات استخدام الديمقراطية كوسيلة لتداول السلطة في مجتمعات متخلفة ومختلفة الانتماءات والأعراق والأديان والمذاهب، لا يربطها أي رابط حول مفهوم المواطنة إلا السلطة القسرية التي أوجدتها اتفاقية سايكس بيكو، منذ ذلك التاريخ تولت أنظمة أطلقت على نفسها النظام الجمهوري الاشتراكي تارة والديمقراطي تارة أخرى، ناهيك عن التسميات الثورية والقومية، وهي تعمل على إلغاء المكونات الأخرى بمختلف التوجهات والمناهج، ابتداء من سياسات التعريب والتبعيث وانتهاء بسياسة الاحتواء والإذابة التي يتم تداولها اليوم من قبل حزب ديني مذهبي يروج لنظام الأغلبية السياسية، مستخدما ذات الأدوات التي استخدمها عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين وحزبيهما ( الاتحاد الاشتراكي العربي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي العراقي ) حيث سياسة ونهج الإذابة والاحتواء لكل الحركات والأحزاب والمكونات السياسية والقومية في بوتقة الحزبين.

     ونتذكر جميعا كيف علل حزب البعث احتواء الكورد في صفوفه على خلفية إن كل من يعيش في " الوطن العربي " ويتحدث اللغة العربية عربيا بثقافته وانتمائه، وبالتالي فهو بعثي ضمن مشروع توحيد العرب من المحيط إلى الخليج تحت رسالتهم الخالدة، وكذلك فعل عبد السلام عارف باستخدام إكسسوارات قومية ودينية لتجميل اتحاده الاشتراكي المصنوع في دهاليز المخابرات المصرية، بذات العقلية التي صنع فيها حزب البعث ومخابراته أحزاب الزينة الكوردية والشيوعية والقومية وأسس منها جبهة وطنية تردد الشعار البعثي كالصلوات الخمس لإثبات وطنيتها ومحافظتها على امتيازاتها في أحزاب كارتونية تبخرت أو تلاشت مع الأيام.

     واليوم وبعد أكثر من عشر سنوات من سقوط نظام البعث، وقيام ما يسمى بالنظام الديمقراطي ظلما وبهتانا، وهيمنة حزب ديني طائفي على حكم البلاد، تسبب في دمار العراق وإسقاط أكثر من ثلثه بيد عصابات إرهابية، دمرت كبريات المدن والبلدات، وهجرت الملايين من سكانها، لم يتعظ ورثة صدام حسين وحزبه " القائد " مما جرى لهم من انكسارات تاريخية وفضائح مخزية دمرت البلاد والعباد تحت يافطة ادعائهم بالأغلبية وبتمثيلهم لنبض الشعب، حيث يمارسون ذات النهج ويستخدمون ذات البيادق الكوردية أو السنية أو العلمانية أو الليبرالية من الانتهازيين والفوضويين والسراق ممن لفظتهم مكوناتهم، ويعملون على إعادة الدكتاتورية من خلال قطار الانتخابات المدعم بالفتاوى الدينية والمذهبية والعنصرية المقيتة، قطار سبق له أن حمل حزب البعث في ستينيات القرن الماضي وهوى به وبالعراق إلى حضيض التخلف والدمار.

     إن محاولة نوري المالكي العودة إلى كرسي الحكم ودعوة حزبه وكتلته إلى الأغلبية السياسية، وتجميلها بأحزاب الزينة كإكسسوارات لتمويه الرأي العام، كما فعل البعثيون في جبهتهم الوطنية بعد فشلهم الذريع في انجاز جبهة وطنية حقيقية لقيادة البلاد، إنما يستنسخ تلك التجربة الفاشلة التي أنتجت كل هذا الخراب الذي نشهده في العراق منذ 2003م ولحد اليوم، بل إن الاتجاه إلى تطبيق تلك الأغلبية سيعجل في تقسيم البلاد، والإبقاء على دوامة الإرهاب بمختلف التسميات ونشوء أجيال جديدة من داعش والقاعدة تكون أكثر بشاعة وقسوة مما شهدناه، وتقود البلاد إلى حرب أهلية لا يعرف مدياتها إلا الله.


     إن بلادا متنوعة المكونات والطوائف وبعيدة كل البعد عن أي مفهوم جامع للمواطنة، لا يمكن لها تطبيق نظام الأغلبية السياسية لأنها محكومة سلفا بهيمنة طائفة أو مكون، وحري بالطبقة السياسية البحث عن صيغة أكثر تقدما من الفيدرالية بين المكونات، بما يعزز انتمائها للكيان السياسي الاتحادي بشراكة حقيقية غير منقوصة.


kmkinfo@gmail.com



151
كوميديا الديمقراطية الشرقية

كفاح محمود كريم

     رغم كل مآسي الشرق وكوارثه السياسية والاجتماعية، وطريقته في فهم الأديان وشعائرها، فان فيه ما يضحك حتى البكاء من ممارسات مستنسخة بغباء لا نظير له، سواء في العادات أو في التقاليد الهجينة، وفي طريقة ممارسته النمط الغربي لتداول السلطة، كما يحصل الآن في البلاد التي اكتسحها ما سمي ظلما بالربيع العربي، والمثير للسخرية أكثر من عملية وصول مرشحي شيوخ العشائر ورجال الدين                   ومرجعياتهم، هو انغماس كوادر أكثر الأحزاب السياسية شمولية ودكتاتورية في هذه الممارسات، بل وإنها المعادية لتلك الأنماط من تداول السلطة، ترفع شعارات الديمقراطية الغربية وتساهم فيها وفي ما تنتجه من مؤسسات للحكم، كما حصل ويحصل في العراق، حيث تحول الكثير من قيادات الأحزاب الإسلامية والشيوعية والبعثية الذين عرفوا بشمولية عقيدتهم السياسية، وشرعية دكتاتورية طبقة أو دين أو حزب ومن خلالهم بالرفيق القائد وان اختلفت الأسماء والعناوين، حيث تحولوا بقدرة قادر إلى دعاة ومشاركين أساسيين في اللعبة، وتحت مسميات عديدة وتبريرات كوميدية فاضحة على غرار أسبح مع التيار حتى يضعف فانقلب عليه!

     لقد ابتدأت أولى فصول الكوميديا الديمقراطية على مسرح العراق، بعد احتلاله من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة، وأسقطت نظام الرئيس صدام حسين وحزبه الذي حكم البلاد ما يقرب من أربعين عاما، دفع فيها العراقيون ملايين من الضحايا والمهاجرين بسبب اعتراضهم على نمط وأسلوب حكم البعث ودكتاتوره، هذه الفصول التي انتقلت تباعا إثر إحراق احد العمال لنفسه احتجاجا على طغيان زين العابدين بن علي في تونس، إلى دول إهترأت إداريا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا بسبب الحروب العبثية أو الحصارات الدولية أو الفشل الاقتصادي، خلال ما يقرب من نصف قرن في كل من ليبيا وسوريا واليمن ومصر، حيث بذلت العديد من الدول العظمى جهودا كبيرة لإضعافها ومن ثم إسقاطها، كما حصل في العراق وبعده بسنوات في ليبيا ومصر ويحصل الآن في سوريا واليمن.

     المسرح الذي يلعب على خشبته رجال السياسة البدلاء لأولئك الذين تساقطوا سواء بالتحالفات الدولية ( العراق، ليبيا، اليمن ولاحقا سوريا ) أو على غرار ما حصل في تونس ومصر، وما تمت حياكته في دهاليز لا تبتعد كثيرا عن مراكز القرارات الحاسمة إقليميا وعالميا، هذا المسرح اعد وصمم على الطريقة الغربية سواء في بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا وكندا، لكي يتم إخراج الكوميديا الديمقراطية الشرقية المعبقة بأريج القهوة وأفياء الخيمة وصدى المنابر والمراجع، وما يترتب على ذلك من انتماءات يتحكم فيها كم هائل من العادات والتقاليد المتكلسة في نخاع العظم، والتي لا يمكن فيها تجاوز حدود العشيرة وشيخها، ورجال الدين ومذاهبهم ومرجعياتهم، وخير دليل على ذلك ما أنتجته انتخابات العراق منذ 2005 ولحد يومنا هذا وربما إلى أن يشاء الله.

     وبنظرة سريعة لكل منا على السيرة الذاتية الحقيقية وليست المفبركة لغالبية من احتلوا كرسيا في السلطات الثلاث، وخاصة التشريعية والتنفيذية، سيدرك مدى الكارثة والفاجعة التي ألمت ببلادنا في منح علاج غربي لمريض شرقي لا يتلائم إطلاقا مع نوع وشكل وأعراض المرض الذي نعاني منه، ففي الوقت الذي لم يكتمل بعد مفهوم متفق عليه للمواطنة، ومجتمع يعاني في غالبيته من انتماءات وولاءات اجتماعية ومناطقية ودينية ومذهبية من أي انتماء جامع لمفهوم الوطن والأمة، تقرر النخبة الحاكمة الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مجتمعات القطيع التي تحركها أنظمة القبيلة وشيوخها، والدين والمذهب ورجالاته وفتواهم المختومة من الرب، لكي تمنحنا المشهد الذي نراه اليوم بعد ثلاث دورات من برلمان الكوميديا الديمقراطية.

     وبعد مراجعة كل منا في قريته أو بلدته أو محلته في المدينة، السيرة الذاتية لمندوبي تلك المناطق ممن احتلوا كرسيا في البرلمان أو مقعدا في الحكومة تتبادر عشرات الأسئلة، ولكن الأكثر مرارا وربما اشمئزازا: 
-   هل أن هؤلاء النواب أو الوزراء فعلا يمثلون الشعب، لولا الوسائل القبلية والمذهبية أو الدينية والعنصرية؟
-   وهل أن الشمولية في المجتمعات المتخلفة خارجة عن السياق العقلاني كليا؟
-   وهل أن الدين ( أي دين ) ما يزال هو الحل كما يتصور أصحاب الأفكار السياسية الدينية؟
-   وأخيرا هل مازلنا مصرين بأن الديمقراطية هي الحل الأمثل لمشاكل مجتمعاتنا؟
     وحتى نجد ملامح الطريق علينا أولا بفك الاشتباك والتداخل بين كل المكونات المتصارعة، لكي يختار كل مكون الطريق الذي يراه مناسبا للوصول إلى مفهوم المواطنة ومن ثم بناء نظامه السياسي والاجتماعي.

kmkinfo@gmail.com

   
   



152
مكونات الشرق وترسيم الحدود!

كفاح محمود كريم

     أكثر الأمور تعقيدا في منطقة الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية خاصة هي مسألة العيش المشترك بين المكونات المختلفة إثنيا وثقافيا أو دينيا ومذهبيا، فبعد عشرات السنين من تأسيس هذه الدول بعد اتفاقية سايكس بيكو، وقيام أنظمة مختلفة التوجهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فشلت جميعها في إقامة دولة المواطنة التي يرتقي فيها الانتماء على كل الهويات والثقافات، لأنها اختزلت المواطنة في الانتماء إلى القومية الأكبر والانصهار فيها، أو إلى دين الأغلبية أو المذهب السائد، على أن تكون دوما بقية المكونات الأخرى في تسلسلها من ناحية القيمة بعد المرتبة الأولى، فهم ما يزالون يشعرون بغبن كبير وانتقاص في آدميتهم ومواطنتهم، خاصة بعد الجرائم التي اقترفتها أنظمة البعث ومن شابهها فكرا وسلوكا في كل من العراق وسوريا وتركيا وإيران وبعض دول شمال افريقيا، وذلك باستخدامها سياسية الصهر القومي أو الأسلمة ومذهبياتها، كما حصل في ثقافة التعريب والتتريك والتفريس، وإلغاء المقوم الأساسي لمكون مثل الكورد، وذلك بمنع استخدامهم اللغة والثقافة الكوردية لحقب طويلة من الزمن، وتحريم إي محاولة للتفكير بحرية تقرير المصير، ليس للكورد فقط بل لجميع المكونات غير العربية والتركية والفارسية، في كل من تركيا وإيران وبلاد شمال أفريقيا، ورغم أن الجزء الجنوبي من كوردستان استطاع تحقيق بعض أهداف شعبه هناك في الفيدرالية، إلا انه ما يزال يلاقي تحديات كبيرة ومعارضة شديدة في موضوع حق تقرير المصير من قبل المكون الأكبر هناك.

     إن المنطقة بأكملها تدفع اليوم ثمن تلك السياسات العنصرية والشمولية في إقصاء المكونات القومية والدينية، وما يحصل الآن في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا، ومتوقع أن يحصل في المغرب والجزائر وليبيا والسودان وتركيا وإيران ، إنما يؤكد فشل وانهيار الأنظمة الشمولية والقومية العنصرية، التي ما تزال تصر على نهج إلغاء الآخر المختلف قوميا أو دينيا أو مذهبيا، وفرض إرادة المكون الأكبر دون الأخذ بحقوق الآخرين الشركاء في الأرض والمال.

     لقد آن الأوان بعد ما يقرب من قرن من الزمان على اتفاقية سايكس بيكو، وثبوت فشلها ونتائجها الوخيمة التي تسببت في بحور من الدماء بين تلك المكونات والأنظمة التي تحكمها، لوضع حلول جذرية لأخطاء فظيعة وقعت بها الدول العظمى في حينها حينما أسست كيانات دون اخذ رأي الشعوب فيها، وحريٌ بها اليوم وتحديدا الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا التي كانت تتقاسم العالم، وما تزال تهيمن على مقدراته ومستقبله، أن تعمل مع ممثلي المكونات المتضررة في هذه الكيانات، لوضع أسس خريطة جديدة لاتفاقية دولية ضامنة، ترسم حدودا جديدة للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات بعد مئة عام من الكيانات التي فرضت عليها قسرا، وذلك من خلال إشراف الأمم المتحدة على إجراء استفتاءات عامة حرة ونزيهة للسكان والمكونات لتقرير مصائرها في تلك الكيانات أو الاستقلال عنها، بما يتيح فرصة لإنشاء نظام جديد في المنطقة بعيدا عن ذلك الإرث الفاشل من النظام السياسي الذي ينهار اليوم في معظم دول سايكس بيكو.

    وإذا كانت ثقافة الشراكة القسرية قد فشلت لأكثر من مائة عام بين المكونات، فحري بها اليوم التفكير في ثقافة أخرى تعتمد الجيرة بينها، لكي يتجاوز الجميع هذا البحر الهائج من الحروب والدمار، والتفرغ لإعادة البناء والخيارات السياسية لتلك المكونات، ولعل في انفصال جيكوسلوفاكيا وتطورها إلى دولتين جارتين بطريقة حضارية، أفضل درس لأولئك المخدرين بشعارات عفا عليها الزمن ولونتها الحروب بالألوان التي نشهدها اليوم في أطلال وخرائب مدننا وبلداننا.

    لقد آن الأوان فعلا لترسيم الحدود وإيقاف نزف الدماء!

kmkinfo@gmail.com



153
ملائكة وشياطين السلطة!

كفاح محمود كريم

      قبل الخوض في عوالم الملائكة والشياطين على كراسي السلطة في الشرق عموما والأوسط خصوصا، دعونا نتطرق إلى العقائد التي توجه الجالسين أو القافزين إلى تلك الكراسي التي غدت واحدة من اخطر مفاتيح كوارث الشرق، والعقائد هنا لا تعني الدينية حصريا، وان كانت جزء منها، فهي تشمل كل شيء يؤمن به الإنسان ويحيله إلى برنامج إيديولوجي يعمل على التميز في تطبيقه، ومنه بالتأكيد العقيدة الدينية والسياسية والقومية.
     وضروري جدا أن نتعرف جغرافياً على ينابيع تلك العقائد، فهي الأخرى ذات تأثير بالغ على تطبيقاتها وتفسيرات نظرياتها، والبيئة هنا تتحكم بشكل كبير في نوعية السلوك، وهي بالتالي ترسم خريطة الانتماء لتلك البقعة الجغرافية أو المكانية، وما بين البداوة والمدنية مساحات واسعة امتلأت ببحور من الدماء، حتى استطاعت البشرية تجاوز تلك المرحلة للوصول إلى أنماط جديدة من السلوك والعقائد، المرتبطة بجغرافية المكان والبيئة وتأثيراتها على أنماط السلوك وتطبيقات العقائد، والبداوة ليست تلك القيم التي يتداولها البعض عن الكرم والشجاعة، بل هي ذلك السلوك البدائي الذي يؤشر مرحلة متخلفة من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني من البداوة إلى المدنية المعاصرة، مرورا ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هو عليه الآن من حضارة وقيم خلاقة، رغم إصرار البعض على التقهقر دوما إلى الوراء ببقايا تلك الثقافات الآيلة للسقوط والاندثار.
     وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية بدوية بدائية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليست لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وقبلها في المانيا ومحرقة اليهود، وأدركنا مذابح الخمير الحمر في كمبوديا ومثلها في لبنان وفلسطين وفي أنفال وكيمياويات الموت بكوردستان والمقابر الجماعي في جنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوربا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقا حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سوادا وكارثية هو استنساخها دينيا أو مذهبيا أو قوميا، كما تفعل اليوم منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي.
     ونظرة فاحصة لبيئات انتماء عناصرها يؤكد انتشارها في المجتمعات القبلية والأمية الأبجدية والحضارية وفي مناطق الفقر المدقع ماديا وثقافيا وتربويا، حيث يتم استغلال كل هذه المواصفات من قبل مجاميع فاشية، يعاني اغلب عناصرها من إشكاليات سيكولوجية وفكرية، اقرب ما تكون إلى السادية والسايكوباث، كما ظهر في عمليات التقتيل الذي تتفنن تلك العناصر بتنفيذها ذبحا أو خنقا أو حرقا أو إغراقا، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، وكذا الحال في عمليات الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال حتى الموت.
     هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد ليلة أمس، بل هو تراكم هائل لسلوكيات وأفكار وعقائد أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبي والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان، سواء ديني أو عرقي أو فكري أو سياسي، وإن كان قد استبدل عناوينه ومسمياته لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدوية البدائية التي يترجم تفاصيلها بهمجية أدركنا سلوكياتها في حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سبايكر وسنجار وسهل نينوى، وأخيرا في نموذج هو الأكثر خبثا وعدوانية في إشاعة الكراهية بين المكونات وحصار كوردستان منذ 2014م وحرمانها من عصب الحياة بقطع حصتها من الموازنة والمعاشات لإعدامها بشكل جماعي وتدريجي.

     إن الكثير من حاكمي العراق ومعظم بلدان الشرق كانوا ملائكة في سلوكهم قبل أن يتسنموا مقاليد الحكم، لكنهم تحولوا الى  شياطين وطغاة حينما جلسوا على كرسي السلطة!؟

kmkinfo@gmail.com





154
البارزاني والألغام السياسية!

كفاح محمود كريم


     زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بعشيقة عشية تحريرها مما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وخطابه الذي أثار الكثير من ردود الأفعال، وكشف النقاب عن كثير من الألغام والعبوات السياسية الناسفة، التي اعترضنه عسكريا وتحاول الآن اعتراضه سياسيا، ولعل أكثرها امتعاضا تلك التي أوردها أحد قادة المجلس الأعلى في حسابه على الفيس بوك، علما بان مجلسه هو الأكثر قربا من البارزاني وأطروحاته على خلفية الخلاف المعروف مع حزب الدعوة وجماعة المالكي، ذلك المنشور الذي اعتُبر تهديدا للإقليم وتأكيدا لتصريحات سابقة لبعض قيادات الميليشيات المذهبية المنضوية تحت عباءة الحشد الشعبي، والتي تهدد دوما بأنها ستذهب إلى اربيل أيضا تحت شعار ( قادمون يا بعشيقة )!؟

    ورغم إن الإقليم والبارزاني تحديدا يتعرضون إلى هجمة عنيفة من قبل مجموعة المالكي وحلفائهم إقليميا منذ سنوات، وداخليا ممن استطاعت أصابعهم الوصول إليهم عبر الجدار الداخلي على خلفية عدو عدوك صديقك التي انشأ مدرستها الأولى نظام البعث في جحافله الخفيفة هنا وهناك، إلا أن البارزاني بتجربته المعهودة وحنكته السياسية واطلاعه الدقيق على مجريات الأحداث وشخوصها، نجح في تجاوز اخطر حملة عسكرية واجهت الإقليم عبر تاريخه المعاصر، منذ اندلاع الحركة الثورية الكوردستانية مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وذلك في التصدي لهجوم منظمة داعش التي استهدفت عاصمة الإقليم اربيل مطلع آب أغسطس عام 2014م، ونجحت في احتلال مدن سنجار وزمار ومعظم سهل نينوى ومخمور والحويجة وتقدمت باتجاه خانقين وبلداتها، وكأنها ترسل رسالة إلى زعماء كوردستان، بأنها لن تسمح بتطبيق المادة 140 التي تنظم دستوريا عودة هذه المناطق إلى إقليم كوردستان، والتي عملت السيدة حنان فتلاوي القيادية المقربة من نوري المالكي وكتلته وحزبه على تأخير وإيقاف تطبيق تلك المادة حسبما أعلنت ذلك في وسائل الإعلام.

     ربما كان اللغم الأول الذي زرعه نوري المالكي في طريق تقدم الإقليم وازدهاره جاء بالتزامن مع السماح لتنظيم الدولة داعش باحتلال الموصل وذلك بقطع حصته السنوية من الموازنة لإرباك الإقليم اقتصاديا، وإغراقه في فوضى عارمة، لكن ما حدث غير ذلك تماما، حيث نجح البارزاني في إدارة الأزمة سياسيا ودبلوماسيا، واستطاع احتواء هجمة داعش التي امتلكت مئات الدبابات والمدرعات ومختلف الأسلحة والذخيرة من جنرالات نوري المالكي في الموصل وتكريت والانبار، حيث تمكن الإقليم وقواته المسلحة من احتواء الغزو وصده، ومن ثم وفي اقل من سنة استطاعت  قوات البيشمركة بالتواجد الميداني الدائم للبرزاني ومعظم أفراد أسرته في خطوط المواجهة المتقدمة مع العدو، بما أعطى نموذجا متفردا في قيادة الحرب ورفع معنويات المقاتلين الذين نجحوا بأسلحتهم المتواضعة من تحرير مدن سنجار وزمار ومخمور وسد الموصل، بل وضربوا طوقا على داعش في الموصل وتلعفر.

     إن حقل الألغام الذي يواجه البارزاني كزعيم وطني وقومي، والإقليم كمشروع حضاري، يخفي العديد من العبوات الناسفة سياسيا بعد أن نجح عسكريا في تفجير وتجاوز تلك التي واجهته في الحرب مع أعتى قوة للإرهاب في التاريخ المعاصر، هذه الألغام زُرعت من قبل خصومه سياسيا في الداخل والخارج، في إقليم يعمل هو ورفاقه من الزعماء الكوردستانيين على انجاز استقلاله، ولعله من أهم تلك الألغام بعد مواجهته لداعش هو تجمعات اليسار المتطرف حد الانحراف والفاشية التي تعمل على إشاعة الفوضى مستغلة مساحة الحرية، وأمراض المناطقية التي تنمو فيها وتعمل من خلالها، وهي بالتالي تمثل ما كان يسمى في الإقليم قبل استقلاله الذاتي في 1991م اصطلاحا ( الجاش ) والذي يعني مجاميع من الموالين لأنظمة الحكم في بغداد والمنفذين لإراداتهم، ومعظم تلك المجاميع لا تتجاوز مساحات رؤيتهم وتفكيرهم مناطق سكناهم وعشائرهم، وبالتالي فهم اقرب ما يكونوا للبداوة السياسية التي لا تتوانى عن استخدام أي وسيلة لتحقيق مأربها، خاصة وإنها تهدد دوما باستخدام العنف كما فعلت في مظاهراتها التي استهدفت مكاتب ومقرات سياسية، والهدف في ذلك دوما تشتيت الإقليم وتجزأته، كما حصل في استقبال نوري المالكي وحنان فتلاوي العدوين اللدودين للإقليم وطموحات شعبه، أو تقديم مشاريع للحكومة الاتحادية تشجعها على التعامل مع محافظات الإقليم بشكل مستقل عن مؤسساته الفيدرالية، بما يحقق لها ما كانت تصبو إليه في إنشاء فيدرالية المحافظات لطمس معالم الإقليم وإنهاء مشروعه.

     لقد حاولت تلك القوى استخدام ما يسمى بالربيع العربي كعبوة ناسفة باستنساخ الكوارث التي ألمت بشعوب سوريا ومصر واليمن وليبيا، ومحاولة تطبيقها بشكل ببغائي، في إقليم يتبع دولة اتحادية تمارس تداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع، بشعارات سطحية انفعالية تستثير فيها مشاعر العامة من الأهالي، وهي في معظمها شعارات تخديرية لا تمت بأي صلة لواقع الإقليم، وما يتعرض له من تحديات خطيرة، لإيقاف مشروعه في تحقيق حلم ملايين الكورد في الديمقراطية والاستقلال، حيث نجحت في زرع الكثير من الألغام والعبوات السياسية على خلفية تلك الثقافة التي تعتمد داعشية التطرف في العمل السياسي ومن أبرزها:
-   الفساد المستشري في كثير من مؤسسات الدولة والأحزاب ومفاصل قياداتها التي تحولت إلى حيتان.
-   استثمار تداعيات الأزمة المالية وحالة الحرب مع داعش خارج مفاهيم المصالح العليا للوطن والشعب، بما يربك الوضع النفسي للأهالي وإشاعة الإحباط والاستكانة.
-   محاولة تقزيم الإقليم بشعارات لا تختلف عن تلك التي كان يرددها صدام حسين لإشاعة روح اليأس عند الأهالي وإبعادهم عن أهدافهم التاريخية.
-   استخدام إعلام دعائي يعتمد القصص المفبركة والتشكيك في كل الحقائق لإشاعة بيئة لفقدان الثقة وفوضى الأقاويل.
-   استخدام الأطفال وقطاع التربية والتعليم لتنفيذ برنامج التخريب الاجتماعي لإيقاف مسيرة التقدم وتعطيل عمل المدارس والجامعات.
-   استخدام المواقع الرسمية في البرلمان والحكومة لتقزيم واهنة هيبتهما.

     ربما هناك الكثير من الألغام الأخرى، لكن البارزاني بشفافيته المعهودة اختزل الموقف برمته من كل هذه التحديات وحقول الألغام قائلا بصراحة نقية وواثقة:

" كما تمكنت الپێشمه‌رگة من رفع جميع ألغام داعش التي زرعها على طرق وارض كوردستان، أقول بثقة إننا نتمكن من رفع جميع تلك الألغام السياسية التي يزرعونها في طريقنا، افعلوا ما تشاؤون فنحن ماضون ومصرون على السير في طريقنا".

     والذين يعرفون البارزاني يدركون جيدا انه يعني ما يقوله، بل ويفعل ما يقول!


kmkinfo@gmail.com


155
المنبر الحر / ثانية.. الموصل لمن؟
« في: 19:45 24/11/2016  »
 
ثانية.. الموصل لمن؟

كفاح محمود كريم

     يبدو إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا في حوادث تتشابه حد التطابق، ولعل ما يجري اليوم حول واحدة من اعرق حواضر الشرق ( الموصل ) يعيدنا إلى أحداث مرت بها هذه المدينة حينما كانت ثالثة ولايات بني عثمان في بلاد ما بين النهرين، ثم سقطت حينما شاخت إمبراطوريتهم بأيدي البريطانيين الذين حاولوا بعد ذلك ضمها إلى مملكتهم الجديدة، التي أسسوها من ولايتي بغداد والبصرة ووضعوا تاجها على رأس ابن الشريف حسين، رغم أن وارثي تاج الإمبراطورية العثمانية أصروا على مطالبتهم في إبقائها ولاية تركية، ورفضوا نتائج استفتاء أولي قامت به الحكومة العراقية، التي رفضت هي الأخرى استفتاءً أجرته السلطات التركية وحلفائها في الموصل، مما دفع البريطانيين إلى خيار عصبة الأمم التي أرسلت بدورها لجنة تحقيق دولية بتاريخ 27 كانون الثاني 1925م حيث بدأت بمشاوراتها واستقصائها للحقائق الديموغرافية وآراء الأهالي في تبعية ولايتهم، وقد ذكر خير الدين العمري وهو احد أعلام الموصل وشاهد عيان عاصر وعاش تلك الإحداث بدقائقها وتفاصيلها، حيث يقول في معرض حديثه عن مشكلة الموصل:"1"
( كان المرحوم فيصل والإنكليز والحكومة العراقية قد مهدوا طريق النجاح لحل المشكلة لصالح العراق "وقد سطر الصفحة الذهبية في هذا الاستفتاء أبناء الشمال الأكراد، فقد انضم الأكراد وفاز العراق.)
وعن موقف عرب الموصل كتب العمري يقول:"2"
( كان بعض العرب يتهربون من مواجهة اللجنة، محافظين لخط الرجعة فيما لو عاد الأتراك إلى هذه البلاد.. )
ويضيف العمري قائلاً:
( وقد تهافت بعض عرب الموصل على تقبيل أيادي جواد باشا الممثل التركي، وهتف آخرون بحياة مصطفى كمال (أتاتورك)، ولولا الشغب الذي أحدثه بعض المخلصين تخويفاً للباشا المومأ إليه ليمتنع عن الخروج والتجول في المدينة لتوالت المخازي. )

     أردت بهذه المقدمة التاريخية المقتضبة أن أسلط قليل من الضوء على تعقيدات مدينة تتنازع عليها أقوام ومذاهب ودول، تلك هي محافظة نينوى وعاصمتها الموصل ذات الثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وأراض شاسعة تمتد من أقصى شمال البلاد العراقية إلى أقصى شمالها الغربي في سنجار ذات الأغلبية الايزيدية الكوردية، هذه المحافظة كانت فيما مضى ولاية الموصل كما ذكرنا أعلاه تضم معظم إقليم كوردستان الحالي مع كركوك وكل ديالى وحتى تخوم تكريت وأطراف الكوت شرقا، لكنها فقدت معظم أجزائها قضما إداريا أو تغييرا ديموغرافيا خلال اقل من مئة عام، مدينة صعبة المراس معقدة العادات والتقاليد، متكبرة في طباعها، لا ترضى الأمور بسهولة، حتى قال عنها صدام حسين وهو يسترضي نائبه عزة الدوري، حينما ذهب إليه شاكيا أهل الموصل في إنهم لم يستقبلوه كما ينبغي ولم يصفقوا حينما يذكر اسمه، قال له صدام لا تزعل عليهم فالموصل ليست سهلة ولا تمنح ولائها بسهولة، اصبر عليهم وسترى!؟

     مدينة شهدت في تاريخها أقسى أنواع العنف من السحل بالحبال خلف السيارات إلى تعليق الجثث على أعمدة الكهرباء، والاغتيالات العشوائية بعد فشل محاولة عبد الوهاب الشواف القومية ضد الزعيم عبد الكريم قاسم، ولا ينسى الموصليون تاريخهم الأقدم حينما حاصرهم نادر شاه الإيراني  قرابة سنة كاملة مطبقا على مدينتهم حتى خلت من أي مأكل، فاضطر السكان إلى أكل العشب ولحوم القطط والكلاب والحمير!

     الموصل اليوم سلمت أمرها راضية مرضية لثلاث قوى رئيسية؛ إقليم كوردستان الذي سيطر منذ الساعات الأولى لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين في نيسان 2003م على كل المناطق ذات الأغلبية الكوردية أو المسلوخة من اربيل ودهوك مثل سنجار وزمار ومعظم سهل نينوى ومخمور، وحكومة بغداد وجيشها الوطني حصريا، لرفض معظم أهالي المحافظة ومركز الموصل وممثليهم في اشتراك الحشد الشعبي ذو الأغلبية الشيعية المطلقة، إضافة إلى التحالف الدولي والأمريكان تحديدا، ويبدو إن القوى الثلاث قد وضعت خارطة طريق ونفوذ لها في مركز المدينة وأطرافها قبيل بدء العمليات العسكرية لتحريرها، بحيث تكون مناطق سنجار وحوض زمار سنجار وسهل نينوى ومخمور وأطرافه تحت نفوذ إقليم كوردستان بصيغة يتفق عليها لاحقا، بينما يكون مركز المدينة وأطرافها الجنوبية تحت نفوذ الحكومة الاتحادية، وتؤكد تسريبات مهمة جدا على أن تكون تلعفر وأطرافها جنوبا تحت نفوذ الحشد الشعبي، ويبقى المايسترو الأمريكي ضامنا لهذا الشكل من التوافق الأولي لحين البت في مصير الشكل النهائي للبلاد العراقية وخيارات الطبقة السياسية وربما الأهالي أيضا في إنشاء فيدرالية لغرب العراق ذي الأغلبية السنية، أو تشكيل إقليم نينوى واستفتاء أهالي الاقضية ذات الأغلبية الكوردية أو المسيحية في تبعية مدنهم، ويبقى الخيار الكونفدرالي يداعب أخيلة الكثير من الطبقة السياسية السنية والكوردية بما يضمن استقلالية حقيقية في اتحاد عراقي مع الشيعة، وفي هذا السياق سيكون شكل النظام الكونفدرالي العراقي ثلاثيا يضم مكوناته الأساسية وهي العراق الشيعي ويشمل كل محافظات الجنوب والفرات الأوسط ( البصرة والعمارة والناصرية والكوت والسماوة والديوانية والحلة وكربلاء والنجف ) والعراق السني ويشمل محافظة صلاح الدين ( باستثناء ما الحق بها من مدن وبلدات كانت تتبع كركوك إبان نظام صدام حسين ) والانبار ومعظم نينوى وأجزاء من كركوك وديالى، وكوردستان التي تتمتع باستقلالها الذاتي منذ ربيع 1991م، واستطاعت أن تؤسس خلال ربع قرن معظم مؤسسات الدولة الرئيسية بما فيها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكم الثلاث منذ أن انتخبت برلمانها في 1992 وشكلت حكومتها الإقليمية التي حازت على قبول واسع في أمريكا وأوربا ومعظم البلاد العربية والدولتين الأكثر اهتماما بملفها وهي إيران وتركيا.

     الأسابيع القادمة ستشهد بالتأكيد أحداث دراماتيكية في عملية التحرير، خاصة وان تنظيم الدولة (داعش) عمل في بيئة أنتجها نوري المالكي دعت الاهالي في بداية الأمر لقبولهم كبديل لحكم دولة القانون، لكنهم وخلال أشهر قليلة اكتشفوا حقائق أخرى أبعدتهم تدريجيا عن خيار التنظيم كحالة مستديمة للحياة، وبدأوا بفتح قنوات اتصال مع مفاصل مهمة من إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، وقد اكتشف تنظيم الدولة الكثير منهم وحكم عليهم بالقتل وبأساليب قاسية جدا لترويع الآخرين من التورط في التخابر مع الإقليم أو بغداد، ورغم ذلك نستطيع أن نستنتج بأن حكم نوري المالكي لثماني سنوات وتنظيم الدولة لما يقرب من ثلاث سنوات غيّر بنية التفكير لدى أهالي الموصل وبقية المناطق التي احتلتها داعش، خاصة فيما يتعلق بموضوعة التقسيم والفدرلة التي أصبحت واحدة من أهم مطالب النخب السياسية والاجتماعية في الموصل.

     وحتى ينجلي دخان الكبريت والآبار المحروقة وغبار عجلات الحرب، والمعارك من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع ويتم إسقاط هيكل تنظيم الدولة العسكري، ستكون الخارطة المستقبلية لمحافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل تلك التي رسمتها القوى وخيارات الأهالي في مركزها وأطرافها، بعد أن فشلت اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من اتفاقيات قبل مائة عام في إذابة مكوناتها المختلفة عرقيا ودينيا ومذهبيا في بوتقة مفهوم للمواطنة يفرض فرضا وليس اختيارا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والهوامش:
(1) ينظر نص التقرير في جريدة الموصل، العدد (944) في 7شباط 1925 علماً أن التقرير أكد على عروبة الموصل.

(2)للتفاصيل ينظر مؤلفه المخطوط: مقدمات ونتائج، جـ2 ص257-259


156
توضيح من رئاسة إقليم كوردستان

     تطرقت بعض وسائل الإعلام ألعربية إلى خطاب الرئيس مسعود بارزاني الذي ألقاه في مدينة بعشيقة في يوم الأربعاء الماضي، حيث أشار البعض خطأً إلى فقرة تتعلق بسحب أو بقاء قوات الپيشمرگه من أو في المناطق المحررة.
     لقد كان الخطاب باللغة الكوردية وترجمت جمل معينة من قبل بعض وسائل الإعلام  إلى ألعربية بصورة خاطئة، بحيث أدت إلى خروج هذه الجمل من سياقاتها ومضمونها.
     إن الرئيس بارزاني يؤكد في مجمل خطابه على التزام الإقليم بأي أتفاق مبرم بهذا الخصوص، ونص الترجمة الرسمية للخطاب منشور على موقع رئاسة الإقليم.
 
   
 
             متحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان
                  17 تشرين ثاني 2016م


157
لعبة السلطة بين الشرق والغرب

كفاح محمود كريم

     تثير تفاصيل لعبة السلطة في الولايات المتحدة نهاية كل أربع سنوات مشاعر مختلفة لدى مراقبيها في الشرق، وحصريا في دولنا المنهكة سياسيا واجتماعيا، حيث تدق على أوتار المقارنة بيننا وبينهم متناسية الكم الهائل من الزمن الحضاري في صفحاته الاجتماعية والتربوية، والبون الشاسع بين ما وصلوا إليه وما نحن نراوح فيه، فبينما يجيدون هم لعبة تداول السلطة حتى النصر، بالشكل الذي رأيناه في لعبة الانتخابات الأمريكية الأخيرة دونما أن تراق قطرة دم واحدة على خلفية الصراع بين المتنافسين، حيث يعلن المهزوم في نهاية اللعبة وبروح رياضية رفيعة، انه لم يحقق النصر بل ويبارك لمنافسه الفوز معلنا بأنه سيكون داعما له في خدمة بلده، في الطرف الآخر الأكثر إثارة وتباطؤا في التقدم يذهب المتنافسون على السلطة سواء في النسخة المستنسخة من اللعبة الديمقراطية باستخدام أسوء مظاهر التخلف في المجتمعات الشرقية ألا وهي الشد الديني أو المذهبي أو العشائري والمناطقي لتسلق السلطة وسحق المتنافس الآخر حتى وان استخدمت عمليات التزوير الهائلة، أو في الصيغة المتوارثة أجيالا بعد أجيال، وهي الانقلاب الدموي الذي يبيد الآخر ويقتل كل المنافسين لتبقى السلطة لواحد أحد! ولقد شهدنا عبر أكثر من نصف قرن عمليات التبادل الدموي للسلطة في بلداننا عموما، حيث لا يكاد المرء يجد بلد واحد دونما برك لدماء المتنافسين على كراسي الحكم، نعم الحكم المطلق والهيمنة الكلية على منابع القوة ومصادرها وهياكلها العسكرية والمالية، لان الحاكم هنا يحكم الجميع شعبا ووطنا، وهناك يحصل العكس تماما، حيث يحكم الشعب والوطن الفائز بالسلطة، ولذلك نراه لا يستطيع تجاوز كونه موظفا يؤدي واجبا وطنيا ضمن برنامج ومجموعة قوانين تحدد مجاله الحيوي وصلاحياته بما يخدم مصالح بلاده العليا.

     أما في بلداننا فالفائز المنتصر في كلتي الصيغتين، صناديق العشائر والأديان أو الانقلابات، فهو مصدر التشريع، وهو حامي الحمى، وفي الآخر وإن تواضع قليلا فهو ظل الله على الأرض، ونعمة من نعم السماء، كماوصف  ( المفكر العربي القومي ) ميشيل عفلق الرئيس السابق صدام حسين، يوم نجح في تصفية معظم رفاق دربه وحزبه، واعتلى منصة الحكم فارسا لا منافس له، بعد أن أعدم بيد من تبقى من قيادات حزبه كل منافسيه، ليصبح كما قال عنه عفلق نعمة من السماء!

     إذن هكذا هي اللعبة عندنا في العراق وفي معظم بلدان الشرق الأوسط، نجيدها حتى الموت والفناء، ويجيدوها هم حتى النصر، وحينما تنتهي اللعبة يتبادلون التهاني ويعود كل منهما إلى موقعه الذي تحدده نتائج اللعبة، أما نحن فلا عودة للثاني بانتصار الأول ولا خيار إلا الطحن والتراب، إنها تراجيديا البداوة الدينية والسياسية والاجتماعية، لا تقبل القسمة إلا لواحد احد، والآخر إلا حفنة تراب أو طحين!

 
قالها الرجل وفعل..
     انه صدام حسين قبل سنوات طويلة، خاطب المعارضين لحكمه بأنهم يريدون انتزاع الحكم منه ومن حزبه فقال قولته الشهيرة إلا حفنة تراب ويقصد العراق..
     وصدق الرجل.. وها نحن نشهد بأعيننا كيف يتم تحويل حواضر العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى حفنات من التراب والدمار وأطلال من خرائب ودمار كانت ذات يوم مدن وحواضر!
     وصدق آخر من ذات الثقافة والعقلية، حينما أطلق لحيته وترك غرائزه تتحرر من كل القيود والحدود ليمارس لعبة الانتقام من داعش وبيئة داعش ومن والاها فعلا وقولا ونية.. و ( إلا طحين )، فقد طحن كل شيء من حوله، ليمارس هو الآخر لعبته في السلطة!

     بين الرجلين أكثر من ربع قرن، وبين الحجاج وصاحب ( إلا تراب )  مئات السنين، وما تزال البداوة ترفض مغادرة كياناتنا النفسية والاجتماعية والعقائدية، وأوطاننا وشعوبنا تذبح من الوريد إلى الوريد أو تمزق انتحارا من اجل فرض صيغة للحياة على الجميع وباسم الرب دوما والتوكل عليه مع صيحات الله اكبر، تبدأ كل حفلات وحمامات الدم للوصول إلى السلطة واستعباد الآخر!


kmkinfo@gmail.com

158
المالكي وزعامة الفشل!

كفاح محمود كريم

       بين (حسبة) المواصلة و(حسبة) داعش، فرق كبير جدا، هو ذاته بين حضارة الموصل وهمجية داعش وتخلف نوري المالكي، وحسبة أبناء الموصل التي تعتمد الحقائق الموضوعية والواقعية بعيدة عن الرتوش والترتيش، والكذب والادعاء، ولذلك سنتحاسب يا حجي نوري حسبة مصالوة كما تسمون أهل الموصل، فمنذ البداية عمل جندك ومن أرسلتهم إلى الموصل لحمايتها على اهانة سكانها في شرفهم ودينهم ومذهبهم تعبيرا عن طائفيتك وعقدك التاريخية تجاههم، حتى أدميت قلوبهم وتسببت في مقتل خيرة شبابهم وعلمائهم وأساتذتهم، فعلا كنت تمهد الساحة لقبول أي كان في حكمهم، فتخليت عنهم أنت وجنرالاتك ( الدمج ) ومئات الدبابات والمدرعات والمدافع خلال ساعات، وتركتهم وأشقائهم في تلعفر وسنجار والانبار وصلاح الدين فرائسا سهلة بيد كائن همجي متوحش، وكما فعل صدام وأعوانه في تحويل العراق إلى حفنة تراب، عملت أنت أيضا إلى تحويل محافظات غرب البلاد وبلداتها إلى خرائب تنعق فيها الغربان.

      داعش آيلة للسقوط، حقيقة لا مناص منها، لأنها ثقافة خارج الزمن، وخارج حضارة الإنسان، استخدمتها أو سهلت أمرها إبان حكمك بين 2005 و2014م، وأسقطت بها حواضر العراق التاريخية نينوى والانبار وتكريت وسنجار، مستهدفا اهانة السنة وغرز خنجر في خاصرة  كوردستان، والموصل يا (مختار زمانك) كما يحلو لك أن يسموك، أم الحضارة التي حاولت اغتيالها هي وشقيقاتها من مدن بلاد مابين النهرين، حيث قتل في إدارتك للعراق خارج الإقليم ولثماني سنوات ما يزيد على ستمائة من خيرة علماء العراق ونخبه العلمية والأدبية والعسكرية على أساسي طائفي مقيت ولمجرد أنهم من أهل السنة ليس إلا وبوجود أجهزتك الأمنية والعسكرية، وستسأل عنهم يوما ما كما ستسأل لا محالة عن إسقاط الموصل وغيرها.*

     يا (دولة الرئيس السابق) خلال حكمك لثماني سنوات حولت واحدة من أجمل بلاد خلق الله إلى افشل دول العالم وأفقرها وأكثرها تعاسة، كما وصفتها تقارير مؤسسة الشفافية الدولية، حيث ارتفعت مستويات الفقر المدقع إلى ما يقترب من 40% من أهاليها، واستشرت البطالة بشكل مرعب، وتدنت الخدمات إلى مستويات خطيرة، وفي عصرك الدموي سقطت مدن وقرى ما يقرب من نصف أراض العراق، وتهجر أكثر من أربع ملايين إنسان، التجأ نصفهم إلى كوردستان ونصفهم الآخر يلوذ في البلدان!

     واليوم وقد دقت طبول الحرب لتطهير تلك الأراضي التي تسببت أنت وجنرالاتك في تدنيسها من قبل عصابات الإرهاب، يختلط دم البيشمركة والجيش من أجل قضية واحدة في تلاحم وتنسيق وطني رفيع يشهد له كل العالم، وفي الوقت الذي تحقق فيه تلك القوات تقدما نوعيا مهما في عملية تحرير الموصل، تحاول وضع العصي في عجلة تلك العملية لإعاقتها أو إفشالها، وأنت بالذات آخر من يحق له الكلام عن الموصل وتحريرها وعن العراق ومستقبله، فقد تسببت في دماره واهانة شعبه، وكعادة كل الفاشلين ممن تربعوا على مقاليد الأمور في غفلة من الزمن الرديء، تعلق فشلك وهزائمك على شماعة أمريكا وإسرائيل متناسيا أسئلة الناس المريرة في كل هذه البلدان التي ابتلت بالمزايدات والأكاذيب، فهل يا ترى نفذت إسرائيل الأنفال التي دفنت ما يقرب من مائتي ألف إنسان وهم أحياء في صحاري العراق؟ أم إنها ملأت جنوبي العراق ووسطه بالمقابر الجماعية وضربت حلبجة بالأسلحة الكيماوية، أو إنها تذبح البشر من الوريد إلى الوريد في سوريا والعراق وليبيا وأينما وجدت عصابات التطرف والطائفية والعنصرية؟ 

     الموصل سيتم تحريرها، وداعش حالة طارئة، وستنكشف كل أسرار السقوط، لكن من جانب آخر يتوقع الكثير من المراقبين إن فوضى ستعم المدينة على خلفية دخول بعض الميليشيات التي يوجهها نوري المالكي لإتمام مشروعه الذي أسقطت الموصل لأجله، وخاصة في منطقتي تلعفر وأطراف الموصل الشمالية والشرقية، ويبقى السؤال الأهم أمريكيا هل ستمنع الولايات المتحدة هذا التمدد المذهبي في عقر دار سنة العراق العرب!؟ 
 
•   قوائم بأسماء مئات من العلماء والأكاديميين والأطباء الذين تمت تصفيتهم خلال فترة حكم نوري المالكي.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=450629771799116&id=450358295159597

159
داعش وجمعة كركوك المميتة!

كفاح محمود كريم
 
     ما حدث في كركوك يوم الجمعة الماضي ( 21 أكتوبر 2016 ) عبر بشكل دقيق عن فعالية بعثية بنهج صدامي متميز، أعادنا إلى حقبة سلوكيات ذلك النظام وأجهزته  الخاصة التي كانت تمارسها مع المعارضين، وفي مقدمتهم الكورد ومقاتليهم من البيشمركة، حيث يتذكر العراقيون ردود أفعالهم، عندما كانت قوى المعارضة تحقق انتصارا نوعيا في أقصى كوردستان أو في جنوب البلاد، كانت تلك الأجهزة الخاصة تعتقل عوائل الثوار في كركوك أو الموصل أو كربلاء أو الحلة.
 
     لقد أثبتت الأحداث خلال السنوات الأخيرة تورط قيادات وكوادر الأجهزة الخاصة لنظام حزب البعث في العراق ومثيلاتها في ليبيا وسوريا واليمن بمعظم العمليات الإرهابية التي تقع في هذه البلدان، خاصة تلك التي تنفرد بحرفية منفذيها، كما حصل في كركوك مؤخرا، بالاستعانة بمتطوعين أجانب تم تجنيدهم على خلفيات عقائدية أو نفسية أو اجتماعية لتنفيذ عمليات انتحارية في أمكنة يتم اختيارها من تلك القيادات، حيث ألقت السلطات في كركوك القبض على احد أفراد حماية صدام حسين وابن خاله وهو " نزار حمود عبد الغني " في قضاء داقوق بتهمة اشتراكه بالهجمات الأخيرة، وقد اعتقل داخل صهريج لنقل المياه وبحوزته 4 بنادق نوع " كلاشينكوف " وأكثر من 1000 رصاصة، وعدد من القنابل والمتفجرات.
 
     لكن الرياح لم تكن كما أرادها ربابنة تلك البواخر الانتحارية، ولم تعد تلك الأقراص التي تحمل صيحات الضحايا وهي تذبحهم بسكاكين السادية، ترهب الأهالي كما كانت، فخرجت جموع الأهالي في كركوك تحمل ما تيسر لها من سلاح، لتستبق أجهزة الأمن والبيشمركة، ملاحقة اولئك البائسين المغرر بهم تحت سطوة وتخدير عقيدة فاسدة وعنصرية مقيتة، ما يزال صداها يسمع بين الفينة والأخرى، تحت خيمة وإيقاع زمرة تسلقت مؤسسة التشريع والتنفيذ في غفلة من الزمن الرديء، الذي مهد لها سلالم التسلق من خلال صناديق العشائر والمذاهب والسحت الحرام الانتخابية، في بلد ما يزال أكثر من نصف سكانه أميون وثلاثة أرباعهم أميون حضاريون بامتياز، وانتهازيون للعظم دون منازع، تحكمهم قوانين الخيمة والصحراء من تحت ملابسهم وسياراتهم الحديثة، يحملون على أكتافهم كل صفحات التاريخ الأسود من يوم اغتيال الفاروق وحتى خيانة الحسين وإبادة أسرته.
 
     في كركوك التي رفضت أن تكون بيئة لثقافة داعش المتوحشة،  انهارت في ساعات تلك الهمجية التي أسقطت ثلث العراق خلال أيام، لأن أهاليها بمكوناتهم الرئيسية كوردا وعربا وغيرهم، وبمؤسساتها الأمنية والعسكرية رفضت أن تسقط مدينتهم تحت قوانين التوحش والبدائية، فسقطوا لأنهم مشروع انتحاري همجي يسير إلى الفناء، وتنهض كركوك وأهلها لأنهم فرسان للشمس والحضارة.
 
 


160
غدا تسقط داعش.. ولكن!

كفاح محمود كريم

     قبل أشهر ضجت إحدى قاعات كوردستان التي ضمت مختلف الناشطين والحكوميين والبرلمانيين من كافة المكونات العراقية الدينية والمذهبية والقومية، بصرخة مدوية أطلقها المطران السرياني داود شرف، وهو من اعرق أبناء الموصل التي ارسي أجداده حضاراتها الأولى، وتعرض أهله وعرقه ودينه لعملية إبادة جماعية، كما حصل للكورد الايزيديين والشبك في سنجار وسهل نينوى، أقدم المستوطنات البشرية التي صنعت الغذاء وأقامت أولى القرى الزراعية قبل سبعين ألف سنة، كما ورد في أبحاث المؤرخ والاثاري الأمريكي سيتون لوئيد إبان زيارته لسنجار عام 1963م.

     هذه الصرخة التي عبرت عن ماسي لم تقع اليوم باحتلال داعش للموصل وسنجار وسهل نينوى واستباحتها لكل شيء، بل لمئات السنين من مخازي التعامل مع المكونات المختلفة قوميا ودينيا ومذهبيا، فقد تعرض الايزيديون إلى ما يزيد على سبعين حملة إبادة استهدفتهم لكونهم مختلفين دينيا، وكذا الحال مع المسيحيين الذين لم يشعروا بالأمان والاطمئنان منذ قيام مملكة العراق وحتى استباحة داعش لهم في مدنهم وقراهم، ناهيك عن المختلفين قوميا أو عرقيا عن الأغلبية، في بلاد لم تحترم قيمة الإنسان لكونه إنسانا إلا حينما يكون عبدا لأولئك الطغاة الذين يعملون ليل نهار من اجل إذابة الجميع في بودقة قوميتهم تارة ودينهم تارة أخرى وأخيرا في مذهبهم، وليس للمقابل خيار إلا الموت أو التهجير.

     إنها فعلا كما قال المطران داوود شرف وكررها ( عيب عيب عليكم جميعا ) وما بعدها من عيب أو خزي أو عار، أن يتبوء كراسي التشريع والتنفيذ في واحدة من اعرق بلدان العالم، أبناء الشوارع من النكرات واللصوص وتجار الحروب، ومجاميع من عصابات وميليشيات الفساد والإفساد مما رأيناهم في دفوعات وزير الحرب العراقي الذي كشف مستوياتهم المتدنية وكيفية نهبهم وسرقتهم للمال العام دون أي ضمير أو عُرف أخلاقي، مستغلين مواقعهم لامتصاص الأهالي وإذلالهم.

     عيب وعار على مواطني هذه الدول التي أسقطت امريكا وحلفائها أنظمتهم الدكتاتورية، أن يعودوا ثانية تحت أي مسمى أو تأثير لينتخبوا جوقات من الحرامية والمنحرفين الذين يعرفهم الأهالي ليس في العراق فحسب، بل في طرابلس وبنغازي وصنعاء ودمشق وغيرها من دول المختبر الديمقراطي، من الذين يرفعون شعارات دينية أو مذهبية أو قومية تنفي الآخر وتلغيه ممن دمروا حضارات الشعوب ومنعوا شعوبهم من التطور بفسادهم وعنصريتهم وتشددهم الديني والمذهبي المقيت.

     وما زلنا نتذكر بألم بالغ تلك الموجة من التسقيط العرقي أو المذهبي باستخدام أسلوب ( النكات ) أو الطرائف التي كانت تصنع في أجهزة دعاية السلطة وأحزابها الحاكمة ضد الكورد تارة وتارة أخرى ضد الشيعة أو السنة أو المسيحيين أو اليهود أو التركمان، بحيث تستهدف تلك النكات شخصية أبناء هذه المكونات بما ينتقص إنسانيتها ويسلب مواطنتها، ممهدة بذلك لعمليات إبادة كاملة كما حصل للكورد في انفالات صدام حسين وكيميائيات علي حسن المجيد في حرق وإبادة مدن وبلدات بأكملها في كوردستان ( أكثر من ربع مليون إنسان تم قتلهم )، وكذا الحال حينما استهدفت خلاصة الشوفينية والتطرف الديني والقومي المسماة داعش الكورد الايزيديين وقتلت الكثير من رجالهم وشبابهم وسبت آلاف أخرى من بناتهم ونسائهم تحت غطاء ديني مقيت ( أكثر من ألف قتيل و2745 يتيم و 6413 مختطف منهم 3543 من الإناث والباقي من الأطفال والشبيبة)، وما حصل للايزيديين حصل للمسيحيين في الموصل وسهل نينوى وسنجار ( آلاف الأسر تم نهبهم وسلبهم ولم يسمح لهم بمغادرة الموصل أو سهل نينوى أو سنجار إلا بملابسهم فقط )، حيث تمت فرهدتهم كما فرهدوا اليهود في أربعينيات القرن الماضي.

     تاريخ من العارات والمخازي والأكثر عارا أن لا يدرك البعض ويعترف بهذه الحقائق ويحترم خيارات الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بعد فشل كل أشكال الحكم والحروب بما فيها الإبادة، عيب كبير أن لا نسمع الصوت الآخر الذي يرفض بعد مئة عام من العيش المشترك الفاشل أن يقرر مصيره بنفسه.
     غدا سيتم تحرير الموصل من هيكل داعش العسكري، كما حررت أمريكا العراق من هيكل صدام الإداري والأمني، فهل سيطمئن أولئك الذين بقوا من حملات الإبادة على مستقبلهم ثانية، ومن يضمن لهم عدم ظهور داعش جديد بمسمى آخر ومنهج ربما أكثر توحشا من تنظيم الدولة أو نظام البعث أو نظام الميليشيات!؟
     ودعونا نردد ما قاله المطران بعد استباحة داعش للموصل وسنجار وسهل نينوى هل فعلا هناك شرف في هذا العالم الذي أصبحنا فيه غرباء!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارات
-   الفرهود: عملية سلب ونهب أموال اليهود إبان تهجيرهم في أربعينيات القرن الماضي من العراق.
-   الأرقام والإحصائيات التي وردت في المقال مأخوذة من مديرية الأوقاف الايزيدية في الحكومة الكوردستانية.
-   كلمة المطران داوود شرف مطران السريان في الموصل وكوردستان:
https://www.facebook.com/axina.shengale/videos/1104478069641549/



161

العراق بين المعممين وشيوخ العشائر!

كفاح محمود كريم


     بعد سنوات مريرة من استخدام شيوخ العشائر كوسائل لتنفيذ مآرب النظام، واستحداث قسم خاص بتصنيعهم في ديوان رئاسة صدام حسين وتصنيفهم إلى موديلات أ،ب،ج، تم إسقاط هيكل ذلك النظام من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، واستبشر العراقيون خيرا حيث نالوا كأقرانهم الليبيين واليمينيين والسوريين وغيرهم من دول المختبر الديمقراطي شتى أنواع الاضطهاد، خاصة من تولى أمرهم من قيادات حزبية أو أمنية أو شيوخ أطلق العراقيون عليهم تهكما ( شيوخ التسعين )، استبشروا في أن لا يعود هؤلاء ثانية ليحكموا الدولة، لكن ما حدث للأسف كان أقبح مما مضى.

     وباستثناءات قليلة جدا لا تخضع للقياس العام، أمام أعداد هائلة من شيوخ وأغوات العشائر والقبائل التي كانت وما تزال وستبقى إلى أن يأذن الله ويقيم مملكة المواطنة لمخلوقاته العاقلة، أدوات طيعة ولينة حد التدليس بيد المسؤولين والقائمين على الإدارة والحكم من مدير الناحية وحتى رئيس الجمهورية، مروراً بكل ضباط الأمن والاستخبارات والشرطة والمرور والمحاكم، وليس غريبا أن تضع مملكة العراق في أيامها الأولى قانونا للبلاد باسم قانون العشائر، ثم يطور صدام حسين تلك العقلية إلى تأسيس مكتب خاص للعشائر وشيوخها في ديوان دكتاتوريته، بل أن تجلياته الفكرية تفتقت عن قوانين شتى من قبيل قانون إلغاء تسمية العمال واعتبارهم موظفين مع (علس) كل حقوقهم كطبقة عاملة وكل نظريات كارل ماركس حولهم، ثم قانون تصحيح القومية الذي يجيز للكوردي والتركماني والكلداني والأشوري الاعتذار عن خطأ أجدادهم في تسجيلهم باسم قومياتهم وتصحيح ذلك استنادا إلى تفتقات الفكر البعثي وإعادتهم إلى الصف الوطني في القومية العربية، والغريب انه اعتبرهم في معظمهم ( سادة ) ومن الدوحة الهاشمية، ولم يكتف بذلك بل عمد لتصنيف شيوخ العشائر والأغوات إلى ثلاث موديلات وهي ا،ب،ج ولكل موديل حقوقه ونوع العباءة والدشداشة التي يلبسها في المناسبات الوطنية والقومية، كما كان يفعل احدهم في مدينتي حيث لا تتجاوز ( عشيرته ) بضع عشرات من الأسر وما لا يقل عن خمسة شيوخ و17 رئيس فخذ ووجيه، وكان قد اشترى لمعظمهم إكسسوارات المشيخة من الدشاديش والعباءات والعقال والكوفية وحتى الحذاء والسبحة.

     بهذه العقلية أقام صدام حسين دولته العظمى، التي انهارت خلال بضعة أيام، لا بسبب جبن مواطنيه بل لأنه أهانهم وجرح كرامتهم، ولم يكتفِ أولئك الذين احتلوا كرسيه في الحكم بمرارة تلك التجربة البائسة، فكرروا المشهد ثانية في استخدامهم لشيوخ العشائر ذاتهم، بعد أن استبدلوا صورة صدام بصور مختار العصر والمعممين الجدد و (بلشوا ) بالعمل على مسرح الديمقراطية بمعية وكلاء الرب على الأرض من بعض المعممين من المذهبين، ففي المحافظات الغربية التي سقطت بيد داعش المتوحشة، حاول نوري المالكي وجماعته تقليد صدام حسين باستخدام مجاميع من الانتهازيين والمرتزقة الذين كان يعتمدهم، مما عرفوا في كوردستان بـ (الجاش) أو (الجته) أي عملاء الأنظمة الطاغية، خاصة بعض شيوخ وأغوات العشائر ممن أدمنوا عطايا وهبات القائد الضرورة، مضافا إليهم إكسسوارات جديدة مثل بعض النواب، حيث أصبح لدينا الآن سنة المالكي وأكراد المالكي، وهكذا دواليك في مصانع التهريج الديمقراطي، الذي تنتجه مؤسسة الفساد السياسي والمالي والاجتماعي وواجهاتها المتمثلة بمؤتمرات العشائر وتكريس القبلية والمناطقية والطائفية المقيتة، من أجل البقاء في السلطة باستخدام كل الوسائل الميكافيلية مهما كانت نتائجها وتداعياتها.

     بالتأكيد في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها من البلدان التائهة، ذات النماذج وان اختلفت الأسماء والعناوين لكنها بذات النهج، والسؤال المر هو هل إن الربيع العربي من إنتاج أولئك الذين أسقطتهم جماهير القدحة الأولى في كل من تونس ومصر وليبيا وقبلهم العراق الذي يصلب اليوم على مقصلة رجال الدين وشيوخ العشائر!

kmkinfo@gmail.com





162
القومية المفرطة وفرط الموَحَد!

كفاح محمود كريم

     حينما يصل الشعور بالانتماء إلى العرق مستوياته العليا يكون قد بدأ بإلغاء الآخرين لحساب ذلك الشعور، ومن خلاله يدخل تدريجيا إلى مرحلة التعصب الأعمى، الذي يمقت أي عرق آخر ويتصور بأنه العرق الأنقى والأكثر حقا بالعيش والاستحواذ على السلطة والمال وفرص الحياة من الأعراق الأخرى، التي ينظر إليها المتعصب وكأنها مخلوقات اقل آدمية منه، ولأجل ذلك دفعت البشرية نظير ذلك الشعور عشرات الملايين من البشر قتلى ومعاقين وعبيد، منذ أن صنف بعض المفكرين أو السياسيين البشر إلى أصناف راقية وأخرى حقيرة أو إلى طبقات غنية أو فقيرة، ووضعت أسسا للعداء والانتقام بينهم، كما حصل في القرنين السابقين التاسع عشر والعشرين على أيدي الامبرياليين والمتطرفين اليساريين  والنازيين والفاشيين في اوربا، وانعكاسات ذلك على نشوء أحزاب وحركات وعصابات عنصرية مقيتة أبادت تحت تلك الشعارات ملايين البشر.

     ومن تداعيات تلك الأفكار انتشرت في شرقنا عموما مشاعر تقترب أحيانا كثيرة من الأفكار الشوفينية، وأحيانا أكثر من الشعور الطبيعي بالانتماء إلى عرق معين أو قوم ما، بما نستطيع أن نطلق عليه بالشعور القومي المفرط الذي بدأت أولى براعمه مع انهيار الدولة العثمانية وظهور الطورانية السياسية بقيادة كمال أتاتورك في تركيا الحديثة، ومن ثم في العراق وسوريا والعديد من بلدان الشرق الأوسط التي استخدمت أنظمتها  السياسية شعورا قوميا مفرطا تجاه المكونات العرقية المختلفة عنهم قوميا ودينيا او مذهبيا، حيث تعرض الأرمن والكورد والشيعة والايزيديين والمسيحيين واليهود والبهائيين إلى أبشع أنواع الصهر والإلغاء والتهجير، بل وحتى الإبادة الكلية كما حصل للأرمن والكورد نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وتبعتها عملية التتريك والتفريس والتعريب سيئة الصيت لمعظم المكونات العرقية المختلفة في كل من تركيا وايران والعراق وسوريا، أنتجت جميعها عمليات إبادة جماعية وثقافية منظمة كما في حرب الأنفال التي أبادت أكثر من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ من كوردستان العراق، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تكون هناك مشاعر مفرطة خارجة عن السيطرة ما لم ترتقِ في مرحلة من المراحل إلى مشاعر شوفينية وفاشية تؤدي إلى ما ذهبت إليه هذه الأنظمة، سواء في العراق أو سوريا وما ستنتهي إليه الأنظمة المشابهة لها في ايران وتركيا والدول التي تهمش الامازيغ وغيرها من المكونات سواء في افريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، حيث الحروب والتطاحن والتخلف وضياع فرص ثمينة للارتقاء إلى مستويات آدمية مدنية متحضرة.
 
     إننا اليوم نواجه تحديات خطيرة جدا إثر ولادة منظمة ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) من رحم تلك الأفكار العنصرية المتعصبة دينيا وقوميا،  ونجاحها في تمزيق ما تبقى من أنسجة الترابط بين المكونات في معظم المناطق التي سيطرت عليها عسكريا أو فكريا، ولم تعد اليوم على سبيل المثال أي فكرة ممكنة للتعايش بين الكورد الايزيديين والذين تسببوا في إبادتهم وسبي نسائهم على الشكل الذي كانت عليه سابقا، وكذا الحال مع المسيحيين والشيعة والعلمانيين، مما يتطلب تقديم حلول واقعية بعيدة عن الأوهام، تضمن أن لا تقع هذه المكونات ثانية فريسة بيد منظمات إرهابية متوحشة بأسماء دينية أو قومية شوفينية أخرى، حيث دفعت شعوب الدول  متنوعة المكونات القومية والدينية في الشرق الأوسط، بحورا من الدماء تحت مظلة الوطن الواحد والشعب الواحد، وقد أثبتت تجربتها خلال ما يقرب من قرن من الزمان، وبمختلف أشكال النظم السياسية التي حكمتها، فشل إقامة دولة المواطنة بمنظور مدني متحضر، وعليه فقد آن الأوان للمجتمع الدولي ومؤسساته، أن يستفتي هذه المكونات العرقية والقومية والدينية والمذهبية على مصيرها وشكل الحكم الذي تريده سياسيا وجغرافيا لضمان حياتها وأمنها وتطورها، وبدون هذا الخيار سننتظر حروبا أكثر شراسة ووحشية في ظل حكومات القومية المفرطة والتدين الأعمى!

kmkinfo@gmail.com







163
( عابَ شيءٌ لا يشبه أهله )

كفاح محمود كريم


     ما بعد إسقاط أنظمة القائد الضرورة وملك ملوك أفريقيا ومن ماثلهم في دول المختبر الديمقراطي، انبثقت مؤسسات وحكومات وبرلمانات أقل ما يقال عنها هو المثل العراقي الدارج ( عاب شي ما يشبه أهله ) أي إن كل هذه المؤسسات أتت مطابقة لكل ما اعتادت عليه شعوبها من سلوكيات وثقافة وتقاليد اجتماعية وسياسية، فما أن بدأت أنسام الربيع العربي تعطر الأنوف وتطرب الأسماع في تهاوي أنظمة الزعيم الأوحد والحزب القائد والجمهوريات الوراثية، حتى عاودت فيروسات تلك الأنظمة بالانتشار في المفاصل المهمة من الهياكل الجديدة التي حاولت ملأ فراغات ذلك الإخطبوط، الذي هيمن لعشرات السنين إن لم تك مئات السنين على صدور وعقول ملايين البشر المقموعين جينيا بأفكار البداوة والقبيلة والغزوات، لا من اجل البقاء فقط بل من اجل الزعامة حتى وان كانت زعامة ثلة من السراق والقتلة، وقد رافق عملية سقوط تلك الأنظمة نشوء تنظيمات وعصابات وأحزاب ومنظمات ووسائل إعلام ونقابات من رحمها  ومنظومتها الفكرية، لكي تحتوي أو تلتهم ما سمي في حينه بثورات الربيع العربي، التي سرعان ما تحولت إلى ما نراه اليوم في ليبيا وما فرخته في سوريا واليمن وغيرها من دول المنطقة، ولعله اخطر ما امتلكته تلك الفايروسات تحت مظلة الانفتاح الديمقراطي وحرية تأسيس وسائل الإعلام، هو الفضائيات وخاصة هنا في العراق وفي سوق " المريدي " الشهير، والذي تخصص بعد سقوط نظام صدام حسين بمنح الشهادات العلمية وخاصة الدكتوراه لكبار مسؤولي النظام الجديد في سلطاته الثلاث، وبالذات التنفيذية والتشريعية في المركز والمحافظات، ناهيك عما يسمى بهيئة الإرسال العراقية المفترض أن تكون ملكا للشعب العراقي ومن يمثله واقصد هنا وبنية صافية برلماننا العتيد، لكنها في غفلة من الزمن أيضا تم تأجيرها لحزب السلطة الجديد صاحب ما يسمى بالكتلة الأكبر، والوريث المتطابق لسابقه أيام القائد الضرورة المتحول إلى مختار العصر، الذي يصر مريدوه على استنساخ مجموعة منه وتوزيعها على الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية، لكي لا تفقد فرصتها الذهبية في امتلاكها فلتة زمانه وعصره.

     هذه الفضائيات المفترض أن تكون وسيلة إعلام متحضرة، تعوض سنوات القهر والاستلاب الفكري والثقافي والسياسي، أنتجت مجموعة ما يسمى بالبرامج الموجهة لتوعية وتطوير الرأي العام باتجاه قبول الآخر وحرية التعبير، خاصة بعد قيام النظم الديمقراطية المفترضة كبديل لتلك التي حكمت بثقافة تكميم الأفواه وخنق الآراء والتعبير، وافتراض وجود مساحة لتلك الحريات، وعلى هذا الافتراض أنتجت كما قلنا مجموعة برامج حوارية على شاكلة مجلس عراقي والأستوديو التحليلي أو منابر متعددة أو سميها ما شئت، حيث تستضيف " دقاقي الثوم بعكوسهم " كما يقول المثل الموصلي إشارة للفضوليين ومساحي الجوخ والملكيين أكثر من الملك نفسه، لكي تفرض مجموعة أفكار لا تقل في شموليتها عما كانت تقدمه قنوات ووسائل الأنظمة السابقة، خاصة وكنموذج لتلك الاستخدامات السوداء للإعلام هنا في العراق ومن خلال شن حملات عنصرية طائفية طيلة أشهر عديدة قبل سقوط ثلث العراق بيد داعش، ضد الكورد من جهة وأهالي الموصل والانبار وتكريت وديالى من جهة أخرى، مستخدمة شعارات وطنية وقومية كما كان يفعل صدام حسين في إبادته للكورد وانفلتهم باعتماد آيات من القرآن الكريم، ثم تكتشف إن تركيا وقطر والسعودية ومصر والباكستان وجزر الواق واق عملاء للصهيونية والامبريالية، وان كوردستان أصبحت ملاذا للبعثيين وداعش والامبريالية الأمريكية ( طبيخ مكادي ) كما يقول أهل الموصل، في توصيفات بائسة تستغل بها عقول الأكثرية الجاهلة والجائعة لتنشر الحقد والكراهية ولتوسع بيئة انتشار داعش وغيرها كما حصل فعلا.

     هكذا نجحت طواقم إعلام تلك الأنظمة الفاسدة أن تتوغل في هياكل الأنظمة الجديدة وتؤسس لها موضع قدم لتنطلق بذات الثقافة الشمولية والاقصائية في معظم برامجها الموجهة، معتمدة على إثارة الغرائز والعدوانية وبناتها في الكراهية والأحقاد، واضعة بيوضها الإرهابية في بيئة طائفية وشوفينية جاهزة للتفقيس في أي وقت تشاء، لإثارة كل النعرات وقبول أكثر أشكال الإبادة الجماعية كما حصل للكورد الايزيديين والمسيحيين والشيعة والسنة في كل أنحاء البلاد، حيث مارسوا تعتيما إعلاميا مريبا على واحدة من أبشع عمليات الجينوسايد بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تعرض لها الايزيديون بمئات الآلاف إلى القتل الجماعي والنهب والسلب واسر نسائهم وأطفالهم، بل وبيعهم في أسواق النخاسة، دون أن تثير فيهم هذه الجرائم أي وازع أخلاقي أو إنساني أو حضاري، بل إنهم تعمدوا في إغفال دور البيشمه ركة وعدم التطرق لها في كل عمليات تحرير آمرلي وسليمان بيك وسد الموصل وسنجار ومخمور رغم معرفة قادتهم بدورها الرئيسي في مقاومة الإرهاب وطرده من كثير من المناطق.

     وعادت حليمة إلى عادتها القديمة بعد ربيع دامي بإعلام قاتم ومجاميع سياسية وبرلمانية من المشوهين الفاشلين والمعاقين ثقافيا وأكاديميا وأخلاقيا، تدير أو تشرف على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعلى وسائل إعلام مريضة حتى النخاع بالجهل والفساد وتتمتع بدعم كبير من السلطة تحت مسميات عديدة، سواء كانت أحزاب أو جهات متنفذة أو هيئات مستقلة، وخاصة في الإعلام التي كان يراد منها أن تكون على شاكلة هيئة الإذاعة البريطانية، فتحولت بعد أشهر من تشريع قانونها إلى وسيلة لحزب السلطة ورئيسه بإكسسوارات مظهرية تشبه ما كان يفعله نظام البعث في تعييناته لمعارضين أو مشاركين على مقاساته، وصدق من قال في الدارج العراقي:
عاب شي ما يشبه أهله!

kmkinfo@gmail.com

164
دول المختبر الديمقراطي

كفاح محمود كريم


      لن نعود إلى التاريخ وبدايات التجارب الديمقراطية التي زرعها الأوربيون في الشرق الأوسط وتحديدا في كل من لبنان وإسرائيل وتركيا، حيث تعاني التجارب الثلاث من إشكاليات معقدة لا نستطيع الادعاء بأنها ناجحة بالتمام والكمال، خاصة وان تجربتين منها لم تتجاوز علاماتها في الامتحان النصف، أي 50 بالمائة إن لم تكن اقل، وهي الآن في لبنان بدون رئيس منذ فترة طويلة وبحكومة مشلولة ويعيش ( على الله ) كما يقال بتفرد احد الأحزاب بدولة داخل دولة، أما تركيا وحربها الداخلية مع معارضيها، فيكفيها اليوم من اعتقالات وطرد وهروب على خلفية ثقافة الانقلابات.

     نعود إلى دول المختبر الديمقراطي التي تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والمتفائلون من أمثالنا على نقل التجارب البريطانية والأمريكية والأوروبية الغربية خاصة، إلى بلادنا وشعوبنا التي تختلف من الأرض حتى السماوات عن شعوبهم، وفي كل مناحي الحياة، ابتداءً من المزاج العام وانتهاءً إلى علاقاتنا الأسرية والعشائرية والدينية، التي تتقاطع حد التقاتل مع مبادئهم وسلوكياتهم وأساسيات تطبيقاتهم للديمقراطية، التي لا تعني كما يعتقد البعض مجرد تداول سلمي للسلطة، حيث أجريناها كما أرادوا وفشلنا فشلا ذريعا، والدليل ما نشهده اليوم في حال بلداننا وحكوماتها وبرلماناتها التهريجية، وتذابحنا على السلطة بشتى الوسائل، فأدخلنا احدث طرق التزوير وشراء الذمم وكيفية قيادة القطيع وإيصاله إلى تلك الصناديق اليتيمة التي تمنح شارة وبراءة الديمقراطية العرجاء في بلداننا.

     لم أجد تعبير أدق من دول المختبر الديمقراطي للإشارة إلى مجموعة دول الربيع العربي التي تتقارب في نشأتها وسلوكياتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها مع بعضها، وتعاني من أزمات حادة في مقدمتها أزمة تكوينها منذ البداية، حيث وضعت الأسس بشكل خاطئ أنتج حزمة معقدة من الإشكاليات البنيوية، وكرس القبلية والطائفية على حساب المواطنة، وابعد فكرة إقامة كيانات تقدمية على أسس معاصرة وأفكار خلاقة، ما جعل أنظمتها شمولية تعكس بناءها الاجتماعي القائم على الأحادية من بناء الأسرة وصولا إلى هرم السلطة، هذه الدول وفي مقدمتها العراق وسوريا واليمن ومصر والخليج وكل شمال إفريقيا ومن شابهها، تحتاج فعلا إلى فحوصات وتحليلات مختبرية دقيقة لاختيار شكل النظام السياسي الذي ينقذها من هذا التدهور المريع في معظم نواحي الحياة فيها.

     ربما يرى البعض إن الديمقراطية هي الحل، بينما يرى آخرون إن الإسلام هو الحل، وقد أفشلت هذه الشعوب النظريتين أو التوجهين لحل اشكالياتها، فلا الديمقراطية أنقذت الكورد في تركيا، ولا الإسلام كنظام سياسي أنقذ العراق أو إيران أو أفغانستان من الصراعات والتذابح، وفشل النموذجان في التطبيق لحل أو معالجة التعقيدات النفسية والاجتماعية والسياسية في تكوين هذه المجتمعات، وإزاء ذلك يرى أصحاب الخيار الشمولي بشقيه الدكتاتوري الفردي أو النخبوي بأنهم الأفضل على خلفية تداعيات ما حصل وما زال يحصل في تلك البلدان، لكونهما فشلا في إثبات أطروحاتهما في العدالة والأمن والسلم، ورغم أن كثيرا من هذه الدول تحتضر في مختبرات التحليل، وتحال إلى  الطب العدلي وقاعات التشريح، واحدة تلو الأخرى لإثبات سبب الوفاة، بعد أن فشل كل المحللين وعلماء المختبر من أن يتعرفوا على أنواع الفيروسات المستوطنة في مفاصلها، فان آخرين يؤمنون بوجود آمال ما تزال تظهر في الأفق هنا وهناك لإنقاذ ما تبقى منها.

         وحتى تثبت الأيام فشل أو نجاح هذه التجارب ادعوكم قرائي الأعزاء إلى اقتراح حلول وأفكار أخرى ربما تعين مختبرات السياسة والمنظرين بعيدا عن الحلول التي أنهكت وأغرقت هذه الدول بالدماء والفساد والإرهاب.

kmkinfo@gmail.com


165
المضحك المبكي في عراق اليوم

كفاح محمود كريم

     لقد عُرف النظام السابق بالطغيان والاستبداد والظلم الكبير على كل مكونات العراق القومية والمذهبية، وكان فعلا نظام يثير الأحزان والآلام والبكاء، لكننا لم نسمع بأنه يثير الضحك والسخرية أبدا، لما كان يفعله من ممارسات إجرامية بحق الإنسان، وحينما أسقطته الولايات المتحدة وحلفائها، ضحكنا كثيرا على هشاشته وعلى سنوات عمرنا التي سحقتها ماكينته الإرهابية وآلة الخوف التي زرعها في كل بيت وشارع ومؤسسة، رغم ذلك توقعنا  جميعا أن يبذل المجتمع الدولي والقوى السياسية العراقية المعارضة جهودا من اجل إقامة بديل لذلك النظام، يقوم على أساس العدالة والشراكة والنزاهة واحترام الرأي الآخر، وإعادة بناء البلاد وفق منظور متحضر تسوده الديمقراطية والمساواة والنزاهة، لكن ما حدث عبر ثلاث حكومات وثلاث دورات برلمانية، أنتجتها منظمة الحكم التي تدير البلاد من وراء الكواليس، كانت مزيج مقرف من الضحك والبكاء، ومن الأسى والازدراء، ومن الأمل واليأس، ومن الذهول والخمول، من كل هذه المتناقضات التي يحس بها الإنسان حينما يرى أو يسمع هذه النماذج في الحكومة والبرلمان:

     المضحك إن سياسيا تقدميا قضى أكثر من ثلث حياته معارضا لنظام البعث، ويفترض انه مناضل بروليتاري ومناصر للطبقات المسحوقة من قبل طبقات ماصة لدماء الفقراء ومستحوذة على فائض الربح، كما يفترض انه نزيه لا يقبل أن يدخل في جيبه إلا مال يعرف بأنه قيمة لفعله الخلاق، المضحك جدا انه وضع يده بيد مصاص الدماء وجلس إلى جانبه، وقبِل أن تدخل جيوبه أموالا اقل ما توصف بها إنها سحت حرام، لا علاقة لها بالنضال ولا بمبادئ هذا المناضل الذي تآخى مع حثالة البروليتاريا كما يقولون في تصنيفاتهم للطبقات!

    المضحك إن رجل دين أصبح في بلاد الفوضى الخلاقة منظر سياسي يتعامل مع كل ما يتناقض مع قواعد شريعته في النصب والاحتيال والاختلاس والتجارة السوداء والعمولات والرشوات، وتلوث حتى انفه بالمال المحرم أو المشبوه أو المدنس، ووافق على مشاركة أولئك الزناة والسراق والخمارين ومجالستهم حتى الثمالة، فأصبح منافق فاسق حسب تعريف شريعته!

     والمبكي حينما يتحدث عن النزاهة سارق وعن الصدق كاذب وعن الطهر ملوث، وقد رأينا كل هذه المشاهد المخزية، كاذب وسارق وانتهازي من الزمن الاسوء، يتهم الجميع بسرقة أموال العراق اختلاسا ورشوة وعمولات، وأخرى تعترف بأنها جميع رفاقها في البرلمان والحكومة  التهموا الكعكة ( وتقصد بها أموال العراق )، ناهيك عن معمم آخر يعمر مؤخرته أو أسنانه أو أمعائه المتعفنة بالمال العام، علما إن راتبه وامتيازاته تفوق رواتب وامتيازات مثيله في أغنى دول العالم.

     المبكي انك كنت تنتظر أشرافا يحكمون البلاد بعد حقبة سوداء من حكم الرعاع، فتفاجأت ( وباستثناء القلة القليلة التي لا تخضع للقياس العام ) بأن عصابة لصوص سطت على بنك اسمه العراق، كما قال الكاتب والصحفي المصري محمد حسنين هيكل.

     والمضحك المبكي في هذه الخلطة المقرفة من الفاسدين ومدعي النزاهة، إن معظم رموزهم يمثلون الدورين معا، الفاسد والنزيه، الضحية والجلاد، المظلوم والظالم!؟

     أليست هذه تراجيديا الربيع العربي التي تضحكنا حتى البكاء!


kmkinfo@gmail.com

166
الربيع العربي وبرلمانات العشائر!

كفاح محمود كريم

     على ضوء الهرج والمرج الذي يحصل اليوم في برلمانات ما بعد الدكتاتوريات التي أسقطتها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، والتي تحبو باتجاه تأسيس دول للمواطنة تقوم على أعمدة الديمقراطية الغربية، في مجتمعات شرقية تؤمن أساسا في بنيتها التربوية والاجتماعية بحكم الفرد وسلطته، إبتداءا من الأب ومرورا بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد، المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص عنترة بن  الشداد أو أبو زيد الهلالي أو الزعيم الأوحد أو ملك ملوك إفريقيا أو القائد الضرورة أو سلطان زمانه، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابهم التاريخية ( العظيمة ) برلمانات من نمط ( اموافج- موافق ) كناية بالتبعية المطلقة لرأي القائد والملك، كونهما يمتلكان سلطة الدنيا والآخرة، وهما ولا غيرهما في الأرض، ولا في الكون ( يفتهم ) مثلهما، وعليه فأنهما دائما على حق ويمتلكان مفاتيح مستقبلنا وسعادتنا!

     وعلى هذه الأسس تم تكوين برلماناتهم والية انتخاب أعضائها، حيث يتذكر العراقيون والسوريون والليبيون واليمنيون والمصريون، وحتى إخواننا في الجيرة أهل إيران وتركيا وبقية الشعوب المبتلاة بثقافة الشرق المريض، كيفية ترشيح ودعم أي عضو لكي يجلس على كرسي ( اموافج ) بالبرلمان، حتى وان كان معارضا، فهو مطبوخ في مطبخ القائد أو الملك أو السلطان، ولكي لا نشتت انتباه القارئ سنتحدث عن النموذج العراقي سابقا ولاحقا، في إيصال هؤلاء الأشخاص، إلى تلك الكراسي في زمن الرئيس المعدوم صدام حسين ومن سبقه من قادة العراق ( العظيم ) المعدومين في الغالب، إلا من سقطت طائرته أو أرسل على عجل إلى عاصمة للسياحة والاصطياف، حيث يتم تبليغ منظمات الحزب والشيوخ وأعمدة القوم لتوجيه قطعانهم لانتخاب فلان بن علان لكونه مرشح الحزب أو القائد، وبهذه الطريقة يصل هؤلاء الأصنام إلى كراسي المغفلين في ما يسمى بالبرلمان.

     واليوم بعد أن أزالت الولايات المتحدة وحلفائها هياكل تلك الأنظمة الشمولية، مدعية أنها تعمل من اجل إقامة نظم ديمقراطية على أنقاض تلك الخرائب، دونما إدراك للكم الهائل من الموروثات التربوية والاجتماعية والعقائدية والسياسية، في مجتمعات تعاني أصلا من الأمية بشطريها الأبجدي والحضاري، وما تزال تعتبر القبيلة والعشيرة ورموزها أهم ألف مرة من الشعب والدولة، وكذا الحال بالنسبة للدين والمذهب، اللذان لا ينافسهما أي انتماء، والغريب انها لم تدرك كيف ستكون مؤسساتها الدستورية والديمقراطية والية انتخاب أعضائها؟

     ما حصل عندنا في العراق وبالتأكيد هو ذاته في ليبيا أو سوريا لاحقا أو مصر واليمن وبقية دول المختبر الديمقراطي، هو نفسه الذي كان يستخدم من قبل الزعماء وأحزابهم العظيمة، حيث يتم تجييش القبائل والعشائر والرموز الدينية والمذهبية، وبتمويل من الكتل والأحزاب، لإيصال مجموعة من الأصنام إلى قبة البرلمان مقابل امتيازات مالية، وهذا ما حصل فعلا منذ 2005 ولحد آخر انتخابات في العراق بشقيه الاتحادي والإقليمي، حيث يذهب إلى تلك المقاعد مجاميع من الأشخاص الذين يدعمهم الحزب أو الكتلة بإسناد عشائري وديني أو مذهبي يذيب شخصية المرشح، بحيث لو انه تجرأ وترشح بنفسه دونما دعم لتلك المؤسسات، لما حصل إلا على أصوات عائلته وبعض أقربائه!؟

     واليوم يجلس على كراسي ( اموافج ) مجاميع تمثل واحدة من افشل دول العالم، وأكثرها بؤسا وتعاسة وفقدانا للأمن والسلم وأي مظاهر للتقدم والازدهار، حيث يستخدمون في آليات الترشيح والانتخاب ذات الآلية التي كان يستخدمها عرابوهم في الأنظمة السابقة، بالاعتماد الكلي على العشيرة والدين والمذهب والحزب أو الكتلة، ويمارسون ثقافة ( اموافج ) وان اختلفت المواقع والعناوين، وبغياب المواطنة والانتماء الوطني وسيادة الانتماء القبلي والديني المذهبي، أصبحت برلماناتنا مسارح لتمثيليات بائسة وسيرك غجري ساذج!

kmkinfo@gmail.com

167
انقلاب تركيا.. هل سيكون الأخير؟

كفاح محمود كريم

     ما حدث في أنقرة واسطنبول وبقية مدن الدولة التركية إزاء الانقلاب الأخير، اثبت إن تلك الثقافة قد انتهت بفعل وعي أهالي تلك الدولة الذين يحاولون إغلاق  أبوابهم أمام أي نزعة انفعالية لمجاميع من العسكر تغامر بتغيير نظام الحكم والاستيلاء على السلطة بقوة الدبابات والطائرات، كما حصل عبر تاريخ هذه الدولة وشقيقاتها من دول الشرق الأوسط ومنها الدولة العراقية منذ صبيحة 14 تموز 1958م حيث قامت مجموعة من الضباط والجنود وأعداد من الدبابات والمدرعات في آخر الليل، بالاستحواذ على السلطة وإسقاط النظام الملكي الدستوري، في انقلاب أباد العائلة المالكة وألغى البرلمان وأوقف الدستور، وبشر الأهالي بيوم ومستقبل جديد على أنقاض حكم ( رجعي عميل متخلف ) كما تم توصيفه يومذاك، وبعيدا عن شخصنة الأمور، فان سكان العراق لم يتمتعوا بعد ذلك بيوم سعيد تحت سطوة الانقلابات التي أنتجت بحورا من الدماء والدموع والحروب، وآخرها مطحنة داعش والميليشيات.

- في تركيا ارث ثقيل من الانقلابات الحمقاء، حالها حال السودان والعراق واليمن وسوريا وإيران، وبقية دول التخلف السياسي في العالم من أسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي أضاعت شعوبها فرصا خيالية للتقدم والازدهار، لولا تلك المغامرات التي قادتها مجاميع انفعالية من العسكر والحرامية.

- في مصر ربما كان الانقلاب الأخير فيه بعض من دواء لمعالجة مرض اجتماعي وفكري حاول التسيد على السلطة، لكي يحيلها إلى منبر من منابر مساجد القرى وخطبائها، لكنه كان صيغة مقلوبة عما حصل في تركيا مؤخرا حيث اعتمد الانقلابين على عشرات الملايين من السكان الرافضين لحكم الإسلام السياسي.

- في إيران أيضا وقبل ما يقرب من أربعين عاما، ضرب الأهالي نمطا من الالتحام بالانقلاب الخميني لا مثيل له في الشرق قبل ذلك، إلا اللهم ما حصل في ثورة أكتوبر الشيوعية في روسيا، فقد اندفع سكان طهران وبقية المدن أمام دبابات الشاهنشاه  وعسكره، كما فعل الأتراك في انقلاب العسكر الأخير، وأحالوه إلى أضحوكة وربما إلى خاتمة لتلك الثقافة السلوكية اللصوصية المقيتة.

     لقد دفعت معظم شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ثمنا باهظا لتلك الممارسات في اغتصاب السلطة، التي استغفلت الشعوب بشعارات غرائزية تداعب أوتار الطبقات الفقيرة والعامة من السكان، خاصة في بياناتها الأولى التي تبشر بغد جميل ومستقبل زاهر، بينما أنتجت على الأرض في العراق وسوريا واليمن ومصر وتركيا وايران والسلفادور وشيلي والعديد من أعضاء نادي دول التخلف الاجتماعي والسياسي في العالم، مشاهد مأساوية وحمامات دماء، ما تزال عالقة في ذاكرة  الشعوب.

     وبعيدا عن من يؤيد النظام السياسي الحالي في تركيا أو يعارضه، وهم كثر بطبيعة النظام الديمقراطي فيها، وإصرار رجال الدولة على إكمال تجربتهم الرائدة في بناء مجتمع مدني، رغم فشلها لحد الآن في حل مشكلة المكونات القومية التي تشكل واحدة من اخطر التحديات أمام تقدمها، إلا وهي القضية الكوردية والارمنية في تركيا، حيث لا تزال هذه الدولة ممنوعة من ولوج العالم المتحضر بسبب صيغة تعاملها مع القضيتين، ورغم ذلك فان أغلبية السكان الذين خرجوا لنصرة الديمقراطية ورفض الانقلاب كانوا من الكورد ومن الأرمن ومن بقية الأعراق في اسطنبول وأنقرة وبقية مدن أسيا الصغرى، وبالتأكيد جلهم من غير أعضاء حزب اردوغان، وهذا يعني إصرارهم على الخيار الديمقراطي وتمسكهم به مع وجود شوائب مقارنة بأي نظام انقلابي متهور.

     لم أكن أتمنى أن أرى الرعاع ثانية يستخدمون غرائزيتهم في الانتقام كما حصل في انقلاب تموز الأول في العراق، أو في مقتل القذافي في ليبيا، أو ما حصل في بقية دول التخلف السياسي الأخرى، كتلك المشاهد المؤذية التي رأيناها، وهي تجلد جنود الدولة التركية المأمورين بتنفيذ أوامر قادتهم اللصوص، وباستثناء تلك المشاهد فإننا حقيقة نرفع القبعة لشعوب الدولة التركية، التي كانت تسمى ( آسيا الصغرى ) بمختلف أعراقهم وأديانهم وتوجهاتهم السياسية، حيث شهدنا رفضهم لثقافة الانقلاب وإلغائه تماما من قاموس الحكم في هذه الدولة التي تعمل ليل نهار لتنافس شرقيا أنظمة أوربا المتمدنة حضاريا.

     وباستثناء احتمال الإفراط في الانتقام وتحويل الانتصار على الانقلابيين إلى تصفية الرأي الآخر تحت سقف مقاومة الانقلاب مما سيغير الخارطة برمتها، فان الأمور الآن تؤكد انهيار هيكل الانقلابيين، وعلى المؤسسات الدستورية والديمقراطية تعزيز النهج الإنساني المتحضر بالتعاطي مع تداعيات الانقلاب بعيدا عن ثقافة الانتقام والتصفية.

    فعلا كما قال سياسي كوردستاني إن أسوء نظام ديمقراطي أفضل من أي حكم دكتاتوري مهما كان، وقد أثبتت شعوب تركيا في ديار بكر واسطنبول وأنقرة وبقية المدن صحة هذا الخيار الشعبي المتمدن.

kmkinfo@gmail.com

 



168
دروس الفساد الأولى

كفاح محمود كريم


     لا ادعي بان العراق كان واحة للنزاهة حينما حول الأمريكان أنفسهم من فاتحين محررين إلى محتلين فاسدين في بلاد أدمنت التذابح والصراع حتى الموت كيماويا، أو القتل بالدفن للأحياء على أيدي معظم حكامها منذ أن سميت ببلاد العراك وحتى فتح الفلوجة واعتبار أهاليها جميعا نسوان للفاتحين!؟

     دخل الأمريكان وكان في مخيلة كل عراقي خارج دائرة سلطة صدام وطواقمه في المحافظات والبلدات والقرى، نموذج يختلف كليا عما عاشه مع الرفاق وقائدهم الضرورة، وكان يحلم وأنا منهم أيضا بالبدء في إنشاء شيء يقترب من جمهورية افلاطون ضمن خيالنا الذي ضغطته السنوات البائسة، مع حكم لا يعرف إلا لغة الإرهاب التي تترجمها اليوم داعش بكل تفاصيلها، حيث تكتنز ذاكرتنا جميعا سلوكيات أو تهديدات الرفاق ذوي العقيدة الوحدوية وشعار الأمة الواحدة، لمن يخالفهم أو يعارضهم أو يعاديهم بأنهم سيقطعونه إلى أربعة أجزاء أو أن يحرقونه أو يرموه من أعلى بناية أو يذيبونه في أحواض الاسيد، وكل ذلك فعلوه وتترجمه يوميا داعش البعث فكرا وسلوكا.

     في البدء وفي خضم الفرحة بسقوط تلك الأصنام وإزالة حاجز الرعب والإرهاب، لم يدرك الكثير بأن الجيش الذي تحول من محرر إلى محتل يضم الآلاف من اللصوص والقتلة، والذين لا يتوانون عن فعل أي شيء للحصول على الجنسية الأمريكية، التي اعتبرت لكثير من المجندين شرطا لتميزهم في القتال وتأدية الواجب، حينما دخلوا البلاد استقبلهم الكثير كونهم محررين حتى بانت عوراتهم وبالذات المؤسسة العسكرية وطاقمها المدني الذي كان يقوده السيد برايمر كبديل مؤقت لصدام حسين، والتي ساهمت مساهمة أساسية في تدمير البلاد وسرقة أموالها وتخريب مراكزها الحضارية ومتاحفها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والثقافية.

     لقد وضعت تلك الطواقم التي كان يطلق عليها بالإدارة المدنية لقوات التحالف، أسس الفساد الأولى في البلاد على الطريقة الأمريكية، ودربت آلاف مؤلفة من سقط المتاع من مقاولي السلب والنهب والكثير من المترجمين الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى مقاولين كبار وأصحاب ملايين الدولارات، وبفترة زمنية قياسية لا مثيل لها، إضافة إلى العشرات من المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية في أوربا من الذين تحولوا بعد ساعات من إسقاط نظام البعث إلى ( رجال سياسة ومعارضين مكافحين ضد الدكتاتورية انطلاقا من أمستردام وفينا ولندن وواشنطون وبراغ وباريس وطهران وغيرها من قواعد النضال للعظم !) والذين تم تفعيلهم ودسهم في مفاصل النظام الجديد للدولة، حيث نحصد اليوم زرعهم البائس في عراق أمعنوا فيه ضربا ونهبا وسلبا وحرقا، حتى بات الأهالي يقارنون بين أمس صدام والبعث وكل جرائمهم ومآسيهم وبين فيضانات الفساد والدماء التي اغرقوا بها عراق اليوم.

     صحيح إن صدام حسين انفق مئات المليارات على حروبه العبثية وقصوره، التي لم تسجل باسمه بل باسم ديوان الرئاسة، إلا أننا لم نشهد لصوصا ومختلسين وفاسدين بهذا الكم الهائل الذي نشهده اليوم في الرئاسات الثلاث ومفاصلها، نزولا إلى مجالس المحافظات والاقضية وحكوماتها، حتى باتت المناصب جميعها وعلى مختلف مستوياتها محط للشبهات بل ومخلة بسمعة المواطن الشريف ومصداقيته ونظافة أمواله، حتى وصلت سمعتهم إلى انك لمجرد أن تقدم شخصا بأنه نائب برلماني أو وزير أو مكلف بمنصب رفيع في هذه الحكومة، حتى ترتسم صورة اللص والحرامي والمختلس والبلاف أمام أعين وأذهان الناس، إلا القلة القليلة التي لم تجرفها أمواج الفساد والإفساد لحصانتها الاجتماعية والتربوية.

     إن الأوضاع في البلاد تجاوزت مقولات الإصلاح والتظاهرات المهلهلة، وتقترب تدريجيا من عملية اكبر بكثير لكي تستقيم فيها الأمور.

kmkinfo@gmail.com





169
العراق وشماعة البعث وداعش

كفاح محمود كريم

     ما كدنا ننتهي من نظام صدام حسين وثقافة حزبه وأساليب أجهزته الأمنية في التسقيط والتشهير والفبركات التي يعلقونها على شماعاتهم البائرة، وهي مجموعة التهم السخيفة في العمالة للامبريالية والصهيونية لكل من يخالفهم في الفكر والرأي، والتي أضافوا لها بعد انقلابهم في تموز 1968م العمالة للمنشقين في سوريا وللفرس ( المجوس ) في ايران، ناهيك عما كانوا يسمونه بالجيب العميل توصيفا لواحدة من كبريات حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط والعالم إلا وهي الحركة التحررية الكوردستانية.

     قلنا ما كدنا نخلص من هؤلاء المرضى سياسيا ووطنيا حتى ابتليت البلاد بذات الفيروس والجرثوم الذي انتقل عبر جينات الثقافة البعثية والدكتاتورية إلى معظم مفاصل الطبقة السياسية العراقية والإدارية الجديدة التي ورثت نظام القائد الضرورة بشكل يتطابق تماما معه في السلوك والتصرفات مع اختلاف الأسماء والعناوين، فمنذ صدور قانون الاجتثاث سيئ الصيت الذي تسبب في تدمير البلاد وتمزيق نسيجها الاجتماعي والسياسي وحتى الأخلاقي، وهذه الفيروسات تفعل فعلتها في تسقيط الأشخاص تحت طائلة وشماعة البعث والنظام السابق، ومنذ سنتين شماعة داعش وما يترتب على تلك الاتهامات من عمليات تقتيل واستباحة وتعذيب وتدمير ممتلكات، كما حصل لأملاك البعثيين وبيوتهم وممتلكاتهم خارج القانون، ولما يحصل اليوم تحت شعار التعاون مع داعش من انتهاك فضيح لحرمات الأهالي وحقوق الإنسان.

     لقد أنست داعش أفعال البعثيين ومن ماثلهم في كل من سوريا وليبيا واليمن، وربما كان لأنظمة هذه البلدان اليد الطولى في تربية وإنتاج هذه الفيروسات الفاشية، ومن ثم نشرها في البيئات الجديدة التي ظهرت بعد انهيارها وسقوط هياكلها الإدارية، لكي تقنع الأهالي بأنها ارحم وأفضل مما يجدوه الآن، وفعلا نجحت تلك الماكينة الإعلامية والنفسية والفشل الذريع للأنظمة الجديدة التي ورثت أو قامت على أشلاء تلك الدكتاتوريات، أن تجعل أغلبية الناس تترحم على أيام صدام والقذافي وعلي عبد الله صالح والأسد، إلا أنها ابتليت بثقافة رهيبة ستأتي عليها تدميرا وتمزيقا بعد انتهاء حقبة داعش وتحرير الهياكل الكونكريتية للمدن والبلدات التي كانت تحتلها، حيث نجحت داعش في تمزيق أواصر المجتمعات والمكونات بشكل يصعب خلال المستقبل المنظور التعايش حتى بين أبناء نفس المكون، بسبب الاتهامات التي سيوجهها الجميع للجميع في غياب أي آلية ذات مصداقية مهنية ومحايدة ومتحضرة للقانون أو للجهات القانونية لملاحقة عشرات الآلاف أو ربما مئات الآلاف من الذين سيتم اتهامهم وتعليق تلك الاتهامات بشماعة داعش كما فعلوا في شماعات الانتماء للبعث والأنظمة السابقة في بقية البلدان، وراح ضحية ذلك الملايين من البشر بين مشبوه ومتهم ومبعد ومهمش ومحاصر في لقمة عيشه، مما ولد بيئات الفساد والتمزق وانتشار العنف والإرهاب وبالتالي فشل الدولة وإفلاسها.

     علينا أن ندرك إن أربعين عاما من حكم البعث أنتج الكثير من الظواهر التربوية والنفسية والسلوكية المنحرفة، لكننا وبقليل من الحكمة والإنصاف لا نستطيع أن نتهم ملايين من الذين كانوا ضمن صفوفه أو صفوف اللجان الشعبية للقذافي أو المؤتمر الشعبي لعلي عبد الله صالح ومثلهم في سوريا، بأنهم جميعا مجرمين ومشكوك في وطنيتهم بمجرد إنهم كانوا ينتمون لتلك الأحزاب والحركات التي تتحكم بأرزاقهم ومستقبلهم وكل تفاصيل حياتهم ولذلك انتموا إليها تحت سقف ( الستر على النفس ) كما يقول الدارج العراقي، وكما فعل مئات الألوف ممن لم يستطيعوا أن يتركوا مدنهم أو قراهم التي احتلتها داعش كما في الرقة والموصل والفلوجة.

     ولذلك ولأجل التوجه الجدي والحقيقي لبناء دولة متحضرة مدنية فنحن إزاء إعادة نظر كلية في توجهاتنا والعودة إلى دراسة الأسلوب الكوردي في التعامل مع أتباع نظام صدام والبعث وعملائه حتى أولئك الذين اسائوا إلى شعب كوردستان بعد انتصار انتفاضة ربيع 1991م، علينا فعلا أن نحطم تلك الشماعات التي نعلق عليها فشلنا وإفلاسنا، وبدلا من أن نذبح بعضنا من الوريد إلى الوريد تحت طائلة الاتهامات بعيدا عن آليات القانون والحضارة، وقبل أن نشيد بتجربة نيلسون مانديلا في تعامله مع النظام العنصري في بلاده، علينا أن نذهب إلى كوردستان وندرس تجربتهم في التسامح والتعايش والبناء وكيف نجحوا في الحفاظ على أقدس شيئين يمسان حياة ومستقبل وحيوية أي مجتمع في العالم، ألا وهما الأمن والسلم الاجتماعيين، اللذان بواسطتهما أثبتت قيادة كوردستان وشعبها الصمود أمام أشرس هجمة همجية يتعرض لها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأمام اكبر عملية نزوح إليها دون أن ترتفع معدلات الجريمة عما كانت عليه سابقا.

    حقا إن تجربة كوردستان جديرة بالوقوف أمامها واعتمادها أساسا للتقدم إلى الأمام،  إن كنا فعلا نهدف إلى بناء دولة مدنية متحضرة ومجتمع أنساني خالي من العقد والاتهامات وشماعاتهم المهترئة.

kmkinfo@gmail.com



 

170
العراق بين الملك والرئيس وعلي الوردي!

كفاح محمود كريم

     بعد ما يقرب من قرن وبالضبط 95 سنة من تأسيس الدولة العراقية، لا يزال الحال الذي تحدث عنه مليك العراق الأول، ومفكره الكبير عالم الاجتماع علي الوردي وإجابات أحد رؤسائه، وما أنتجته حضارة هذا البلد اليوم في خارطة مغبرة ملونة بالدماء والإرهاب والفقر والضياع، فحينما نقرأ لعالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي وهو يصف الشخصية العراقية بأنها:

    ( شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة وأثبت أن لجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بسبب وجود النهرين، بلد يسمح ببناء حضارة، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا ).

     يصاب المرء بالذهول أو ربما يتهمه بالمبالغة والتعميم، خاصة وإذا ما استرسل في القراءة حتى يصل إلى توصيف لأدق مكنونات الشخصية العراقية نفسيا وسوسيولوجيا حيث يقول الوردي:

     ( أن شخصية الفرد العراقي تتسم بالازدواجية، فنجد أن العراقي المسلم هو من أشدّ الناس غضباً على من يفطر برمضان علنا ولكنه هو من أكثرهم إفطارا وأن العراقي، سامحه الله، أكثر من غيره هياماً بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته، ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته، وأنه أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى ).

     وإذا ما عدنا إلى الأيام الأولى لمباشرة الملك فيصل الأول لمهامه على مملكة تأسست بتوجيه من بريطانيا وفرنسا، عقب اتفاقيتهما حول تقاسم ارث إمبراطورية آل عثمان عام 1916م، نراه متشائما ومحبطا إزاء العرش الذي منحه له البريطانيون على مكونات بشرية لم ترتق إلى مستوى شعب كما يقول:

     ( لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت... ).

     وبعد ما يقرب من أربعين عاما على تصريح ملك البلاد العراقية الأول، ومحاولات كثيرة لإرساء مفهوم للمواطنة يجمع كل تلك المكونات تحت سقف هذا الكيان، دخل العراق في دهاليز الدكتاتورية والتناحر الدموي بين فعالياته السياسية ومكوناته بعد انقلاب 1958م وما تلاه من عمليات سرقة بالقوة للنظام السياسي الذي شرعن أولى قوانينه حزب البعث والحرس القومي.

     لقد كانت واجهة البعثيين بعد انقلابهم على الزعيم قاسم، رفيقه وكاتم أسراره عبد السلام عارف، الذي عبر بدقة عن الانتهازية السياسية وهو أمام جمال عبد الناصر في القاهرة حينما سأله عن حجم وعدد الشيوعيين في العراق ؟
فأجاب 8 ملايين شيوعي!
تعجب عبد الناصر وقال له إذن كم هو عدد القوميين ؟ فأجابه ( الرئيس المؤمن ) وهكذا كانوا يسمونه في حينها:
8 ملايين قومي، وما عدد الإسلاميين: فقال 8 ملايين أسلامي!؟
غضب عبد الناصر وألقى القلم وقال: أي ده يا ريس أمال عدد العراقيين كلهم كام؟ أجابه عارف ضاحكا:


( 8 ملايين يا فخامة الرئيس، بس العراقيين تريدهم شيوعيين يصيرون وتريدهم قوميين يصيرون، وتريدهم رجعيين يصيرون، وتريدهم إسلاميين يصيرون، العراقي كل شيْ: عالم دين, عسكري, سياسي, اقتصادي, علماني. ملحد، كل شيْ يفهم... !)

     وبعد سنين سود وثقيلة أزاح الأمريكان وحلفاؤهم النظام الذي تحجج العراقيون بأنه كاتم أنفاسهم ومشوه هوياتهم ومدمر بلادهم وعائق تطورهم وحضارتهم!


     فماذا حصل إذن لشعب يشبه الطماطة في وظيفته، منذ 2003 وحتى يومنا هذا ومن الموصل إلى البصرة؟

     اترك الإجابة لأكثر من سبعة ملايين نازح في الداخل والخارج، وللفقراء من بغداد إلى البصرة، ضحايا المفخخات والفساد، لأنهم يشكلون أغلبية السكان!

kmkinfo@gmail.com


171
المنبر الحر / سياحة إستراتيجية!
« في: 14:13 18/06/2016  »
سياحة إستراتيجية!

كفاح محمود كريم

     واحدة من تجليات رجال السلطة في العراق بعد إسقاط نظام البعث، هي ترويج أنماط ومفاهيم جديدة للسياحة بعيدا عن مفهومها السابق، حيث إن النظام السياسي العراقي الجديد يرفض فكرة السياحة أساسا، لأنه ببساطة نجح في تعطيل دوام الدولة برمتها لما يقرب من نصف أيام السنة، تحت مختلف التسميات والمناسبات، وابتكر نوعا آخرا من السياحة غير الدينية التي تميز فيها، إلا وهي السياحة  السياسية والثقافية والفكرية، من خلال عقد مؤتمرات وندوات وزيارات وفود وورش تدريب، ينفذها متخصصون مخضرمون، خاصة وان معظمهم بعيدون عن السياسة والثقافة والفكر، وتميزوا تاريخيا باستثمار أموالهم على مختلف المسارح والحبال، وبالتأكيد جلهم من خريجي مدرسة اللف والبلف والدوران والسحت الحرام في عهد النظام السابق، ومن شركاء نجل الرئيس صدام حسين وصهره حسين كامل وشلتهم، فهم متخصصين في تبييض الأموال ( على شاكلة مبيضي الأواني النحاسية أيام زمان ) ومن أصحاب الدكاكين الإعلامية وأحزاب الزينة التي أنتجتها حقبة برايمر والسفارة الأمريكية، والأغرب إن العديد منهم ما يزال رغم كل أمواله وامتيازاته وبلفه يتلقى رواتب الرعاية الاجتماعية في بعض دول اوربا التي يحمل جنسيتها جنبا إلى جنب مع جنسية العراق العظيم جدا!

     هؤلاء ( الحبابين ) ينتشرون في العواصم القريبة ذات الظلال الناعمة والليالي الخلابة في بيروت وعمان واستانبول ودبي وأخيرا في باريس التي فشل رئيسها فرانسوا هولاند في احتضان أتباع الرئيس صدام حسين الصديق الصدوق للرئيس جاك شيراك، وربما استبدلهم بسياح آخرين يمارسون نوعا من السياحة السياسية ( برؤوس العراقيين )، ناهيك عن مئات المؤتمرات السياحية الثقافية والفكرية التي تقيمها دكاكين منظمات المجتمع المدني أو مراكز الدراسات والبحوث الديمقراطية، التي انتشرت بعيد سقوط أنظمة الحزب الواحد والزعماء الاوحدين واستبدالهم بتنظيم الدولة الإسلامية الديمقراطية للعظم، أو بأحزاب تقلد تقليدا أعمى كل ممارسات البعثيين وقائدهم الفذ أو المؤتمرات الشعبية وقائدها زعيم الثورة العالمي وملك ملوك أفريقيا معمر القذافي ومن ماثلهم من الخلفاء العظماء أو مختارين العصر الحديث.

     ولا عجب فقد أصبح للسياحة أشكالا وأنماطا غير التي في أذهاننا، حيث السياحة العلاجية التي تستقبل (المريض وخاصة مرضى البواسير والضعف الجنسي وتشوهات الأسنان والوجه) من باب الطائرة إلى المستشفى الفندقية ذات الخمسة نجوم، بشرط أن يكون الشخص متمتعا بصحة حصانية جيدة وأموالا مكدسة لا يعرف أين يصرفها، وأخرى سياسية أو ثقافية أو إستراتيجية على شاكلة المحلل الاستراتيجي أو الخبير الاستراتيجي التي انتشرت هذه الأيام في الفضائيات العربية، وثالثة تلك التي تقوم بها وفود الحكومة أو البرلمان بزيارات جدا رسمية وتتضمن برامج وفقرات ليس فيها واحدة تهم البلاد!.

     والغريب إن معظم هذه المؤتمرات والزيارات والاستراتيجيات تقام في عواصم الأنس والفرفشة، لكي يمنح الإستراتيجيون فاصلا للاستراحة والمتعة وإعادة النشاط الاستراتيجي للسياحة الفكرية والسياسية وذلك لإنقاذ شعوب الربيع العربي المغمس بالدماء والجوع والهجرة إلى المجهول!

     لا غرابة فنحن ننتمي إلى موطن شهريار وشهرزاد والأمل الذي يغتال في كل صباح!


kmkinfo@gmail.com


172
المنبر الحر / حاميها حراميها
« في: 19:49 09/06/2016  »
" حاميها حراميها "

كفاح محمود كريم

     حاميها حراميها من أجمل الأمثال الدارجة عراقيا وربما في بقية الدول العربية والتي تعبر بدقة عن هوية معظم حكام هذه المنطقة من العالم على مختلف مستوياتهم التنفيذية والتشريعية والقضائية، خاصة وان معظمهم أعضاء متميزين في نادي افشل دول العالم، الذي صنفته مؤسسة الشفافية الدولية ومنظمات مراقبة عالمية أخرى، حاميها حراميا مثل متداول بين معظم شرائح المجتمعات العراقية والعربية وهو الأكثر شفافية في التعبير عن نبض الشارع، وعن رأي وتقييم الأهالي لحكامهم على مختلف مستويات الحكم والإدارة، ليس هنا في العراق فحسب بل في كل دول العالم الثالث وفي مقدمتهم دولنا الشرق أوسطية والإسلامية عموما، وهو لا يعبر بالضرورة عن الحالة الآن، بل يمتد في تعبيره وتوصيفه للحكام ( حاميها ) لعقود طويلة من تاريخ شعوب هذه المنطقة وأنظمتها السياسية، والدليل على ذلك ما نشهده اليوم، كناتج لعشرات السنين من إدارة هذه الأنظمة، فبينما تحولت الصين وكوريا واليابان إلى عمالقة الصناعة والتجارة والحداثة والتطور، تدهورت معظم دولنا ولم تتقدم إلا أمتار بائسة إلى الأمام!
 
     في الأسابيع الأخيرة ( طافت الخوقة ) كما يقول الدارج الموصلي والذي يعني بان الفضيحة بانت وانكشفت، فقد اندفع عدة مئات من المواطنين المخلصين إلى الساحات العامة للتظاهر ضد المفسدين، وسرعان ما استدركت مؤسسات الفساد في البلاد خاصة تلك التي تنضوي تحت قبة البرلمان والحكومة، وأرسلت آلاف من أعضائها المستفيدين للمشاركة في التظاهر، بل أنها اغتالت مع سبق الإصرار والترصد واحدة من وسائل التعبير عن الرأي في التظاهر والاعتصام، واخترقت مباني البرلمان والحكومة تحت مسميات وشعارات لا تختلف عن تلك التي رفعها البعثيون أمام وزارة الدفاع العراقية صبيحة إسقاط عبد الكريم قاسم، وذلك لتشويه حركة الأهالي في الضغط على الحكومة والبرلمان لإحداث تغييرات جدية في العملية السياسية والبدء بإصلاحات حقيقية لمكافحة الفساد، ولتحويل وسيلة راقية من وسائل التعبير عن الرأي والاحتجاج، إلى ما تكلس في ذاكرة العراقيين أيام الانسحاب من الكويت وانتفاضة الأهالي، ونجاح نظام صدام حسين بدس المئات من عناصر الأجهزة الخاصة لتقوم بعمليات السلب والنهب والحرق والتخريب لتشويه انتفاضة الشعب ضد نظام حكمه، وكما فعلت تنظيماته وقيادات حزبه وعناصر أجهزته الخاصة بعمليات الحواسم التي نقلتها كاميرات الإعلام العالمي، لتشويه واحدة من أهم عمليات التغيير العالمية لأنظمة الحكم الشمولية، طبعا بمساعدة أغبياء في العسكريتارية الأمريكية.

     اليوم تتكرر ذات السلوكيات في سرقة دور الأهالي في الانتفاض أو الاعتراض ويتحول السراق والحرامية إلى منتفضين ومعارضين يتم توجيههم من أحزاب حكمت البلاد منذ 2005 وأوصلتها اليوم إلى افشل دول العالم سياسيا واقتصاديا، وأثبتت أنها لا تمتلك رجال دولة بل رجال سلطة وسراق مال عام، والدليل مقارنة بسيطة مع ما ورد للعراق من أموال منذ 2005 ولحد يومنا هذا والتي تقدر بأكثر من ألف مليار دولار، مع ما تم انجازه خلال هذه السنوات، سندرك هول الفاجعة بل الكارثة التي أحدثتها طبقة الحكم في هذه البلاد.

     إن الشق اكبر بكثير من الرقع البالية التي يقدمها خياطو المنطقة الخضراء، لسبب بسيط، هو إن حاميها هو ذاته حراميها!

kmkinfo@gmail.com


173
فرهود التعبير عن الرأي

كفاح محمود كريم

     منذ سنوات طويلة وبعد أكثر من ربع قرن من وضع أسس نظام ديمقراطي برلماني في العراق بعد قيام المملكة العراقية مطلع عشرينات القرن الماضي، عَبر آلاف العراقيون في العاصمة بغداد ومعظم محافظات المملكة من الموصل إلى البصرة عن آرائهم بالعراقيين اليهود، فابتكروا تلك الثقافة التي أطلق عليها ( الفرهود ) والتي أباحت سلب ونهب وقتل كل يهودي عراقي بعد آلاف السنين من العيش المشترك مع المسلمين والمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين، في واحدة من أبشع صور الغوغاء وإلا آدمية!

     وبعدها بسنوات ليست طويلة وتحديدا في انقلاب 1958 م تكررت ذات المشاهد في عمليات تصفية العائلة المالكة وسلب ونهب ممتلكاتهم، ولم تمض سنوات أخرى حتى قدم البعثيون في صبيحة 8 شباط 1968م وهم يتغطون بشعارات ( ماكو زعيم إلا كريم ) لكي تبدأ اكبر عملية إبادة في تاريخ المنطقة لتدمير شعوب وحواضر العراق تحت بوابات شعارهم المقدس ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )، وكأن التاريخ يعيد نفسه كل حقبة منذ أن فتكوا بإمام الثورات الحسين بن علي بن أبي طالب وأبناء أسرته.

     آلاف مؤلفة من الضحايا الذين قتلوا شنقا أو رميا بالرصاص أو سحلا حتى الموت، لم ترو ظمأ بعثيوا شباط بعد صولتهم الأولى، فاتوا كغزاة البدو في تموز 1968 ليحرقوا الأخضر واليابس وليؤسسوا لدولة الإرهاب الأولى في الشرق الأوسط التي مازلنا نجني ثمارها العلقم المغمس بالدم والخراب الذي اجتاح معظم مدن العراق وآخرها الموصل والانبار وسنجار وبقية حواضر بلاد ما بين النهرين.

     ما يحصل اليوم في العاصمة بغداد وعواصم الربيع الأحمر في اليمن وسوريا وليبيا، لا علاقة له بتنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة أو غيرها من التسميات والعناوين، بل هو تراكم هائل من ثقافة البداوة الاجتماعية والسياسية والدينية التي لا تقبل الآخر إلا عبدا ذليلا أو سبية تباع وتشترى في أسواق النخاسة النسائية أو السياسية، وهي بالتالي تكلس مريع من العادات والسلوكيات في كل مفاصل المجتمع وشرائحه، تنعكس على شكل ممارسات نشهدها يوميا في تفاصيل حياتنا وبمستويات مختلفة يحكمها الخوف تارة والحاجة تارة أخرى، وفي كل الحالات فهي بركان قابل للانفجار في أي لحظة أو حقبة، وها هي اليوم تثور في مدن الشام والعراق واليمن وليبيا وغدا في مدن أخرى تنتظر نضوج براكينها هي الأخرى؟

     لا مناص من إعادة النظر جذريا بأسلوب الحياة وبرامج ونظريات التربية والتعليم، والفصل الكلي للدين عن السياسة والحكم، وبلورة مفهوم رفيع للمواطنة على أساس العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لإقامة نظام مدني عابر للقوميات والأعراق والأديان والمذاهب بقوانين وتشريعات صارمة، وإلا ستبقى مجتمعاتنا مصانع لتنظيمات الإرهاب وثقافة الإبادة لكل من يخالف الآخر في الفكر والرأي، وسيمكث الفرهود سلوكا وممارسة حتى وان اختلفت الأساليب والعناوين!

kmkinfo@gmail.com


174
المنبر الحر / مشكلتكم البارزاني!
« في: 19:23 30/05/2016  »
مشكلتكم البارزاني!

كفاح محمود كريم

     كنا قد كتبنا في مناسبة أخرى مقالا تحت عنوان " ما مشكلتهم مع كوردستان "*، وقد كاتبني الكثير ممن يسألون عن أصل المشكلة هل هو فكرة الاستقلال أم الرئيس مسعود بارزاني؟

     والحقيقة هي الاثنان معا، وربما يركزون جام غضبهم وحقدهم على البارزاني اكثر لأنه فعلا هو قائد مشروع الاستقلال الذي يعبر عنه بصراحة وشفافية وجرأة خالية من أي إكسسوارات دبلوماسية، فهو يعبر عن فكرته ومشروعه كبيشمركة لا يقبل القسمة الا على نفسه لتكون النتيجة نفسه أيضا، ومن يتابع أحاديثه ولقاءاته المتلفزة يدرك حقيقة صدق وصراحة هذا الرجل بعيدا عن الفذلكات اللغوية أو المتاهات الدبلوماسية، فهو يتميز بوضع النقاط على الحروف وإعطاء الأشياء والأحداث والمواضيع عناوينها الحقيقية دونما رتوش ومجاملات، ولا يختلف اثنان من قادة العراق والعالم الذين عرفوه على صدقه وصراحته وشفافيته، وهنا تكمن مشكلته مع الأصدقاء والأعداء والمنافسين.

     منذ البداية قاد الملا مصطفى البارزاني هذا المشروع، وجمع حوله كل المختلفين والمتفقين في غاية واحدة هي تحقيق الاستقلال، لكنه أيضا لم يتخط واقعيته المشهودة، فلم يقدم مشروعه دفعة واحدة لكنه احترم ظروف شعبه والمنطقة التي تعيش فيها كوردستان وشركاؤهم في الأرض من عرب العراق، فكان شعار مشروعه في البدء الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، وهو يؤمن تماما لو أن العراقيين طبقوا النظام الديمقراطي بشفافية فان استقلاله سيكون أكثر سلاسة كما يفعل البارزاني الرئيس اليوم، حيث يؤكد دوما على التحاور مع الشركاء بشكل سلمي متحضر وبأساليب وأدوات ديمقراطية هي التي ستعتمد أساسا في تحقيق الغاية التي ينشدها شعب كوردستان العراق الذي يتجاوز تعداد الستة ملايين نسمة تربطهم جميعا روابط مشتركة في الأرض واللغة والثقافة والعادات والتقاليد والاهم أنهم جميعا وان اختلفوا في كل الأمور لكنهم يتوحدون تحت راية واحدة وهدف اسمي هو الاستقلال وتأسيس دولتهم بعد أن نجحوا في بناء تجربتهم الفيدرالية منذ 1991م وحتى سقوط نظام صدام حسين، وفشلت بغداد في إيجاد صيغة علاقة تضمن حقوقهم كاملة طيلة ما يقرب من مائة عام!

     ولذلك نرى بشكل إجمالي معظم الذين يقفون بالضد من تحقيق هذا الهدف إنما يتناولون شخص السيد مسعود بارزاني والعمل بشكل مستمر على إعاقة مشروعه لتحقيق المرحلة الأولى وهي الاستفتاء، وما هجمة داعش الشرسة إلا صفحة من صفحات معاداة هذا الهدف وما ترتب عليها من استنزاف موارد الإقليم التي كانت قد خصصت لعملية التنمية الكبيرة التي شملت كل مناحي الحياة في الإقليم، وفي نفس السياق فرضت حكومة نوري المالي حصارا ظالما على الإقليم، تضمن حرمانه من كل مستحقاته كشريك أساسي في الدولة العراقية حسبما اتفق عليه في الدستور الأخير، إلا أنهم وأمام إصرار البارزاني على تطوير تجربة الإقليم في مزيد من الاستقلال عملوا بشكل مكثف على مد أصابعهم إلى الداخل الكوردستاني للضغط مباشرة وإرباك القيادة السياسية في الإقليم وتأخيرها من المضي في تنفيذ مشروعها الحضاري.

     إن البارزاني ينطلق من تراكم أهداف ومشاعر شعبية ووطنية شفافة لا تقبل المزايدات، فهي تمثل أساس قيام حركة التحرر الوطنية الكوردستانية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، التي عملت لعقود طويلة من اجل تحقيق الاستقلال عبر مراحل، رفعت فيها شعارات تواكب حركة تطور الوعي السياسي للأهالي في كوردستان ولمن يحكم في بغداد، وكانت الخطوة التاريخية الأولى هي اتفاقية آذار 1970م مع نظام الرئيس احمد حسن البكر، التي اعترفت لأول مرة بحق شعب كوردستان بالحكم الذاتي.

     ورغم فشل تطبيق تلك الاتفاقية لأسباب كثيرة في مقدمتها؛ إن مراكز قوى مهمة في بغداد آنذاك كانت تعتبر الاتفاقية تكتيكا لاحتواء الحركة التحررية الكوردستانية، إلا إنها كانت منطلقا لاستمرار الحركة في العمل الدءوب على الأرض وفي المحافل العالمية حتى نجحت في انتفاضة ربيع 1991م في تحقيق الاستقلال الذاتي وبحماية الأمم المتحدة والتحالف الدولي آنذاك.
     واليوم وبعد إسقاط نظام صدام حسين في نيسان 2003 عمل مسعود بارزاني ورفاقه من القيادات الكوردستانية الأخرى على إرساء نظام ديمقراطي تعددي اتحادي يضمن للجميع حقوقهم بدستور جديد يعتبر كما اتفق عليه غالبية العراقيين ضامن لحقوق كل المكونات، لكن السنوات التي تلت تشريع هذا الدستور والممارسات العملية على الأرض أثبتت إن مبدأ المشاركة غير موجود أساسا في ثقافة الحاكمين الجدد، بل إنهم غير معنيين أو مهتمين بما يريده شركاؤهم في الأرض والدولة، ولذلك تراهم في تقاطع مع من يعطي الأشياء مسمياتها الحقيقية وعناوينها الرئيسية وهو مسعود بارزاني الذي يستهدفونه أولا في حربهم ضد حق تقرير مصير شعب كوردستان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* http://elaph.com/Web/opinion/2015/11/1059222.html

kmkinfo@gmail.com

175
البيشمركة والمؤسسة العسكرية العراقية

كفاح محمود كريم


    منذ أن فرضت الحرب على شعب كوردستان بسبب مطالبته بحقوقه المشروعة في العيش الحر على أرضه وممارسة حقه في تقرير مصيره، وهو يواجه أشكالا مختلفة من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية التي تتفنن في محاربته، حيث مارست كل الأنظمة اساليبا وحشية في محاربة ثوار الشعب الكوردستاني المعروفين بالبيشمركة، وهو مصطلح كوردي يعني أولئك الرجال والنساء الذين يستبقون الموت في تحقيق أهدافهم أثناء الحروب، فقد استخدمت الحكومات العراقية منذ قيام المملكة في مطلع عشرينات القرن الماضي بعد اتفاقية سايكس بيكو، أشكالا وأنماطا متنوعة من المؤسسات شبه العسكرية في محاربة البيشمركة، إضافة إلى الجيش وكافة صنوفه بما في ذلك الصنف الكيماوي، الذي استخدم بكثافة في منطقة حلبجة وكرميان وبادينان في أواخر الثمانينات، بعد أن فشلت قنابل النابالم التي استخدمت هي الأخرى قبل ذلك بعشرين عاما، ومعظم هذه التشكيلات شبه العسكرية تم تنظيمها كميليشيا من المرتزقة العاطلين عن العمل أو من خلال شيوخ وأغوات العشائر الذين عرفوا في المنطقة بال ( الجحوش ) حيث جندت الحكومات افواجا اسمتها بالأفواج الخفيفة ( فرسان صلاح الدين الأيوبي ) و ( سرايا أبو فراس الحمداني ).
 
     وقبل ذلك وحينما انقلب البعثيون على عبد الكريم قاسم، أسسوا ميليشيا أطلقوا عليها أسم الحرس القومي، وكانت مسؤوليتها تصفية كل المعارضين لهم من تقدميين وديمقراطيين عراقيين وكوردستانيين وذلك من خلال عمليات الاغتيال التي شملت الاف من خيرة الكوادر في بغداد وكوردستان، ثم تلا ذلك وبعد انقلابهم على الرئيس عبدالرحمن عارف في 17 تموز 1968م أن استخدموا الجيش بقساوة لإحراق كوردستان بالنابالم وبراميل البنزين والديناميت، حتى أسسوا ميليشيا الجيش الشعبي التي فتكت بكوردستان ونفذت عمليات التهجير القسري للسكان الكورد الى جنوب وغرب العراق، ومارست أبشع أنواع القتل والتعذيب والارهاب والسلب والنهب بحق الاهالي، يدا بيد مع ما كان يسمى بالأفواج الخفيفة، حتى بلغ عدد القرى التي تم تدميرها بالكامل اكثر من 4500 قرية بما تحويه من مزارع وبساتين ومساجد وكنائس ومدارس ومراكز صحية، وتهجير سكانها الى صحراوات العراق الجنوبية، ومن ثم ابادتهم ودفن الكثير منهم وهم احياء، حيث بلغت اعدادهم اكثر من 82 الف نسمة من النساء والاطفال والشيوخ، في واحدة من ابشع عمليات الابادة الجماعية بعد الحرب العالمية الثانية.
 
     ويتذكر الجنود العراقيون وحتى عناصر تلك الميليشيات التي كانت تقاتل اما امام الوحدات العسكرية او تأتي لتمسك الارض بعدها، ماذا كانوا يفعلون بالأهالي، وكيف كانت تتعامل معهم قوات البيشمركة حينما يقعون جرحى أو أسرى بأيديهم، وكيف يتخلى البيشمركة عن حصته في المأكل والمشرب والأغطية لصالح الأسير أو الجريح، بينما كانت أجهزة الاستخبارات العسكرية والأمن العسكري يتفننون بتعذيب الأسرى والجرحى حتى الموت أمام الأهالي في مراكز القرى أو البلدات أو المدن.
 
     وحينما تعرضت كوردستان إلى اخطر هجمة إرهابية من قبل ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أثبتت هذه القوات المسلحة جدارتها وبسالتها في القتال، واحترامها لقوانين الحرب والتعامل مع أسرى وجرحى العدو، وحققت انتصارات أبهرت الرأي العام العالمي بما جعل من مصطلح البيشمركة مصطلحا عالميا متداولا يرمز للبسالة ولانتصار المدنية والحضارة على التخلف والإرهاب، حتى إنها وصفت بالقوة التي تقاتل بدلا عن العالم المتحضر ضد الهمجية والتخلف، رغم أنها أي هذه القوات لا تمتلك أسلحة نوعية متطورة في قتالها، وما تزال تعاني من حصار الذين يقودون المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد سواء في التسليح أو التدريب أو الرواتب والمخصصات.


176

كوردستان والاستفتاء!

كفاح محمود كريم

     في الأمس غير البعيد ذهب الملايين من الرجال والنساء الاسكتلنديين ليقرروا مصيرهم في الاستقلال أو البقاء ضمن جسد المملكة المتحدة العظمى، واسكتلندا مقاطعة تتمتع بالفيدرالية وكانت قد انضمت إلى المملكة المتحدة قبل أكثر من ثلاثمائة عام وليس قبل مائة عام، مثلما أدغمت كوردستان إثر توقيع اتفاقية سايكس بيكو في أربع كيانات، لم يستفتَ سكانها أصلا على القبول بتلك العملية، التي تعتبر من اكبر عمليات النصب والاحتيال واستغفال الشعوب، بينما مقاطعة لا يتجاوز عدد نفوسها خمسة ملايين نسمة تختار الاستفتاء وتذهب إليه دون أن تتهم يوما ما بأنها مست السيادة المقدسة وإنها عميلة للاستعمار والصهيونية بسبب خياراتها في الاستقلال أو ممارستها لحق تقرير المصير، كما يفعل المتوحشون البدائيون هنا في عالمنا الشرقي المريض، حيث ما يزيد على أربعين مليونا من الكورد يعيشون في وطن ممزق لأربعة أجزاء، قسمتها الدول الاستعمارية في حينها وأدغمتها في كل من العراق وإيران وتركيا وسوريا، وحينما يفكر أي جزء منها بحق تقرير المصير تقوم الدنيا ولا تقعد، كما فعلت غالبية وسائل الإعلام العربية والإقليمية وحتى العالمية حينما صرح الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان العراق قبل عدة سنوات بأنه آن الأوان لكي يذهب شعب كوردستان إلى الاستفتاء حول مصيره، بعد أن فشلت كل محاولات القيادات الكوردستانية في إيجاد صيغة للحياة المشتركة في كيان واحد.

    إن حق تقرير المصير حق أنساني نبيل قبل أن يكون مواثيق وعهود، فقد تبنتها الأممية الثانية عام 1896م، وأكد عليها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في إعلان مبادئه الأربعة عشر بتاريخ الثامن من أكتوبر لعام 1918م، وقد أعلن يومها بأن الولايات المتحدة دخلت الحرب دفاعا عن الحرية والتطوّر الحر للشعوب وعدم إرغام أي شعب للعيش تحت سيادة لا يرغب فيها، كما إن حق تقرير المصير جاء في صلب اتفاقية فرساي 1919م التي وُقعت بعد خسارة المانيا والنمسا الحرب حيث تنازلت الدولتان عن الأراضي الملحقة بهما، وسمح  بالإعلان عن دول قومية جديدة في أوروبا، وورد نص واضح في هذا الشأن عام 1960 بقرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول منح الاستقلال للأمم والشعوب المستعمرة، إضافة إلى ذلك كله  كان إعلان الأمم المتحدة عن مبادئ القانون الدولي في عام 1970م بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول حسب ميثاق الأمم المتحدة، ووضحت فيما بعد محكمة العدل الدولية في قرارها الاستشاري المعلن في عام 2010م: أن إعلان الاستقلال من طرف واحد لا يتناقض مع القانون الدولي.

     ويذكر العراقيون كيف تخلى الكوردستانيون عن استقلالهم الذاتي منذ انتفاضة آذار 1991م والتحقوا بركب وحدة العراق لبناء تجربة جديدة على أنقاض تجربة فاشلة لما يقرب من قرن من الزمان، يشترك فيها الكورد والعرب في بناء دولة اتحادية تعددية ديمقراطية لا تشوبها ثقافة إلغاء الآخر أو إقصائه أو محاولة احتوائه، لكن ما حدث بعد توقيع تلك العهود والمواثيق وفي قمتها الدستور الدائم، بدأت بغداد لعبة لا تختلف عما كانت تلعبه تحت ظل أنظمة سبقتها في التعاطي مع الشريك الأساسي، وتمخضت خلال سنوات قلائل عن نهج عدواني تجلى في محاولة إخضاع الإقليم لسطوة الحاكمين في بغداد بوسائل اقتصادية تؤدي ذات الغرض الذي توخته قيادة البعث ومن سبقها في حرق كوردستان وإبادة شعبها، حيث تم إيقاف حصة الإقليم من الموازنة السنوية بحجج واهية وتفسيرات مضللة للدستور وللرأي العام مع إيقاف صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين العموميين والعسكريين في الإقليم، بل والذهاب ابعد من ذلك في تسهيل احتلال الموصل وبلداتها من قبل داعش الإرهابية وتهديد وجود الإقليم وحياة سكانه وإدخاله في حرب ضروس مع ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية الذي اعتمد في قياداته الفكرية والميدانية على خيرة ضباط وقيادات البعث الذي حاول تحطيم كوردستان فتحطم على صخرة صمود شعبها.


     
     واليوم وتحت يافطات مثيرة وشعارات مخدرة تتعلق بأوتار شعبية متعبة بسبب فشل القيادات السياسية العراقية منذ 2003 ولحد الآن، فقد بدأت مجاميع ممن يشنون حملات الكراهية والأحقاد ضد الإقليم شعبا وقيادة وتطلعا، عملية انقلاب واضحة المعالم على الدستور، وبمطالب مغلفة لتعديل مسار العملية السياسية، وإبعاد ممثلي المكونات والشركاء الحقيقيين، والإتيان بقرقوزات على شاكلة أكراد البعث والأحزاب المصنعة في دهاليز أجهزة الأمن، ليجلسوا في مقاعدهم البرلمانية أو الحكومية في عملية يراد منها منع الإقليم وإيقاف تطوره وازدهاره من خلال إذلال شعبه وتفقيره، وزرع الفتن والاضطرابات في جدرانه الداخلية.، وإزاء ذلك فلا مناص من الذهاب إلى خيار آخر لتعديل صيغة العلاقة مع بغداد، بعد أن فشلت كل الصيغ السابقة، وأصبحت كاهلا ثقيلا ومبطئا للتقدم والاستقرار لدى الطرفين، والعودة إلى الشارع لاستفتاء الأهالي في كوردستان ومناطق المادة 140على شكل العلاقة مع بغداد، وتقرير مصيرهم بشكل ديمقراطي يقوم أساسا على مبدأ الحوار والتفاهم ولمصلحة الشعبين ومستقبليهما بعد فشل كل صيغ العلاقة بينهما طيلة ما يقرب من قرن من الزمان.

kmkinfo@gmail.com



177
طفيليات دبلوماسية!؟

كفاح محمود كريم

     قبل سقوط هيكل نظام صدام حسين وبعثه المهترئ، كان معظم ممثلو العراق في دول العالم من السفراء، إما عملاء للمخابرات العراقية أو من كوادرها، رغم وجود قلة من الدبلوماسيين الحقيقيين الذين اضطر الكثير منهم للمراءات وتمشية الأمور مع نظام يقتل معارضيه بالأسلحة الكيماوية أو قطع الرؤوس أو رميه لكلاب متوحشة جائعة لمجرد الاختلاف معه فكريا أو سياسيا، وبعد أن نجح الأمريكان وحلفائهم في إزالة الهيكل الإداري لذلك النظام واستبداله بما نراه اليوم قبل أكثر من عشر سنوات، فان من يمثل العراق في سفاراته وقنصلياته ولا أريد أن أعمم أيضا، لكنني لن أكون ظالما إذا زعمت إن جلهم أو غالبيتهم ليسوا وكلاء للمخابرات الوطنية بل وكلاء لمعالي الوزير أو عشيرته أو رئيس كتلة أو حزب أو متنفذ، وهم في جلهم من أشباه الأميين في العلاقات الدبلوماسية، وفي مواصفاتهم المعلوماتية لا يتعدون سواق التاكسيات، أو من عامة الأهالي ومن أشباه عريسي الغفلة.

     ولا اظلم أحدا منهم؛ وأدعو قرائي ممن يراجعون سفاراتنا، أو ممن يعرفونهم عن قرب واقصد شخصيات أولئك المكلفين بتمثيل وزارة الخارجية تحت مسمى سفير فما دون حتى الطباخ، وسيدركون بعد ( صفنة ) غير طويلة بأننا لم نظلمهم، وقد عرفت الكثير منهم قبل إسقاط هيكل نظام صدام والبعث، فلم يكن أفضلهم أحسن من أي عضو من أعضاء مجلس النواب ( الفلته ) الذي يتداول حكم البلاد منذ انتخابات 2005م وحتى يومنا هذا، وبفضل عمل ونشاط وفعاليات أعضائه، أصبح العراق من افشل وأفقر دول العالم، بل وقد خسر سمعته ومصداقيته، ولم يعد الجواز العراقي بفضل نضالات سفرائنا وقنصلياتنا في الخارج أثمن من قيمة الدينار العراقي في أسواق الصرف مقارنة مع أي عملة مثيرة للسخرية في العالم، ليس هذا فقط فقد أنجزت ممثلياتنا وطورت علاقات غير مشبوهة مع كثير من شرائح المجتمعات الليلية في العواصم الساخنة والحمراء وهيأتها لاستقبال من عينهم أو رشحهم لإشغال تمثيل شعوب العراق ودولتهم ( العجب ) في العالم.
     وبحمد الله والشكر للقادة العظام في الطبقة السياسية العراقية التي زرع كل واحد منهم أخا أو ابنا أو زوجة أو خالة أو عمة أو عما أو خالا وما نزل أو صعد منهم، في كل سفارات وقنصليات العراق في الخارج، تيمنا بان الأقرباء أولى بالمعروف وهم بالتالي أكثر حرصا وغيرة على البلاد التي حباها الله ونضال شعبها بهؤلاء القيادات التي جاءت لتعوضنا ما خسرناه أيام النظم الدكتاتورية من زعيمنا الأوحد وحتى قائدنا الضرورة.

     وحتى تكتمل الصورة أدعو أولئك الذين يراجعون السفارات أو القنصليات، أو ممن يعرفون السفراء فما دون حتى الطباخ، هنا في بلادنا التكنوقراطية، سواء في قراهم أو مدنهم أو عشائرهم، ادعوهم بل اترك لهم عملية التقييم ومقارنتها مع الأسطر التي قرأت الآن، والأجر بعد ذلك  على رب العباد وعلى فيلسوف المارد والقمقم!؟

kmkinfo@gmail.com


178
حكومة وبرلمان الـ ( شلع قلع )!؟

كفاح محمود كريم

      يتداول العراقيون هذه الأيام بكثرة مصطلحا شعبيا، بعد أن استخدمه احد قادة التيارات الإسلامية مهددا به الحكومة العراقية وملحقاتها بالاقتلاع والطرد من المجمع الحكومي والبرلماني في العاصمة بغداد ( المنطقة الخضراء )، أو بمعنى أصح إسقاطهما بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، محملا إياهم سبب هذا التردي، رغم إن هذا التيار يجلس على أربعين كرسيا في البرلمان وعدة وزارات ونيابة رئاسة الحكومة ومواقع متنفذة في الدولة عموما، وشارك منذ البداية في كل نشاطات الحكومة والبرلمان، ومن ضمنها كل الفوائد من مرتبات وامتيازات وصفقات، ووافق أيضا على كل التشريعات والقوانين التي أصدرها البرلمان بما فيها القوانين التي حفظت رواتب وامتيازات أعضاء البرلمان والحكومة وملحقاتهما.   

     وفي نفس السياق لكنه يختلف في الأساسيات تم طرد نائبين من البرلمان العراقي في احد مسارح بغداد من قبل الجمهور، حيث كانا يحضران عرضا مسرحيا هناك، وقبل ذلك حصلت العشرات من المواقف لأعضاء في مجلس النواب أو الحكومة، تعكس حالة التردي الكبير في سمعة المؤسستين لدى قطاعات واسعة من الأهالي، ورغم إن البعض من هذه المواقف ربما نراها في كثير من الديمقراطيات العريقة، إلا أن ما يحصل الآن في العراق وخاصة لدى الأهالي فيما يتعلق بتوصيفهم لأعضاء البرلمان أو الحكومة، يدلل على إنهما فقدا فعلا مصداقيتهما وسمعتهما كمؤسستين منتخبتين من الشعب، حيث صدى هتافات الأهالي تتطابق مع ما يحصل لأعضاء المؤسستين في الشارع الراقي.

     لا نقول إن 100% من الأهالي غير راضون عن أعضاء الحكومة والبرلمان، لسبب بسيط هو ربما إن أهالي أولئك الأعضاء وبعض من عشيرتهم يمتدحونهم لأسباب معروفة، إلا إن أي مراقب بإمكانه أن يستشف من خلال سؤال بسيط لأي مواطن في أي زاوية من البلاد ومن أي شريحة كانت، وحينها سيسمع جوابا صادما ينم عن تصور متراكم في ذاكرة الأغلبية الساحقة من الأهالي عن أعضاء البرلمان والحكومة، حيث يختصرون تقييمهم وتعريفهم لهم بكلمتين ( كلهم حرامية )، والمثير عدم اختلاف اثنين من الأهالي حول هذا الموضوع، وحينما تطالبهم أي الأهالي عن وثائق تؤكد لصوصية هؤلاء يقولون لا نحتاج إلى وثائق فضخامة رواتبهم ومخصصاتهم وامتيازاتهم تؤكد أنهم إن لم يكونو لصوصا فأنهم متسترون على اكبر عملية سرقة للبلاد باستحواذهم على مبالغ خيالية في المرتبات لا نظير لها في العالم، وشرعنة تلك العملية بقوانين!

     وبمتابعة أولية لمعظم أعضاء البرلمان والحكومة ومقارنة أوضاعهم المالية قبل الدخول إلى ( عالم الحرامية ) من خلال بيئتهم ومصادر رزقهم وسلوكياتهم سندرك حقائق لا تحتاج إلى وثائق بقدر حاجتها إلى قضاء نزيه وعادل يضع النقاط المسروقة من حروف ( من أين لك هذا!؟ ) وحينها سنعرف إن سبب انهيار ووصول العراق إلى مرتبة افشل دولة في العالم، إنما هو وجود هذه الطواقم من اللصوص الذين يحكمون البلاد تحت مختلف التسميات من كل المكونات والطوائف، حيث يختلفون في منابرهم وصراخاتهم لكنهم يتفقون تماما على اقتسام لحم البعير الجريح!

     وأعود إلى طرد النائبين من احد مسارح بغداد على خلفية السمعة المخزية لمؤسستهم بين الأهالي، حيث يبدو أنها مربط الفرس كما يقولون، وما الحكومة إلا نتاج تلك المؤسسة الفاشلة التي اسمها مجلس النواب، والتي وباستثناءات نادرة جدا في أعضائها، فإنها ضمت مجاميع من المرتزقة والجوعية كما يصفهم الشارع العراقي، ووقفت طيلة أكثر من عشر سنوات خلف كل أسباب فشل العراق في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية، وتسببت في وقوع البلاد بين أنياب منظمات الإرهاب ومافيا الفساد، وانهيار منظومتها الاقتصادية والإنتاجية وتمزيق الأمن والسلم الاجتماعيين.

     حكومة التكنوقراط لن تحصد أكثر مما حصده الشعب طيلة العشر سنوات الماضية، مهما كانت نقاوة البذور التي ستزرعها، لان البيئة قد تلوثت والأرض قد بارت!؟



179
المنبر الحر / سلالات الإرهاب
« في: 10:32 28/03/2016  »
سلالات الإرهاب

كفاح محمود كريم

     بعد مئات السنين من الدكتاتوريات الدينية والقبلية والعسكرية، وتراكم هائل من التربية والسلوك الاجتماعي والديني الشمولي، صاحبه على طول الخط الخوف والرعب والاستكانة، جاءت داعش خير ما يمثل حقيقة تلك الأفكار والمناهج والإيديولوجيات، التي تبيح قتل المختلف فكرا ورأيا، بل وتستبيح مجتمعات ومدن ودول، وتحيلها إلى خرائب تنعق فيها غربان البدائيات الأولى والسبي وأسواق النخاسة، كما فعلت في أثرى مكنونات الحضارة الإنسانية في بلاد الشام والعراق، وبعودة سريعة إلى صفحات التاريخ البعيد والقريب التي تطلعنا على أصل وأوليات ما حدث في سنجار والرقة والموصل والانبار وتكريت وغيرها من بلدات وحواضر الشام والعراق، تؤكد إن ما حدث لم يكن جديدا بل جاء امتدادا لثقافة وسلوك مؤدلج دينيا وعنصريا عبر مئات السنين، تعرضت فيه وبسببه الأقوام والأديان المختلفة إلى حملات إبادة جماعية واستعباد ملايين الأطفال والنساء وبيعهن في بازارات تمثل ( مولات وأسواق ) تلك العصور، ولعل أسواق النخاسة التي انتشرت في المدن والقرى التي أعاد نفسه فيها داعش كمرآة لممارسات قديمة ومتوارثة وغير مستهجنة، تؤكد إن البعث بشقيه السوري والعراقي وبقية الحركات والأحزاب الدينية والقومية العربية التي نشأت خلال القرن الماضي وفي معظمها، ما هي إلا استنساخ أو تطوير لتلك الثقافات والإيديولوجيات الصحراوية التي انتشرت لتحصد كل ما على الأرض من غير أصلها العرقي أو الإيديولوجي الذي تبشر به لإقامة إمبراطورية الغرائز.

     هذه السلالات من الإيديولوجيات الدينية والقومية، لم تك من إنتاج الأمريكان والإسرائيليين، كما يفبرك أولئك الفاشلين من تافهي السياسة في الشرق الأوسط، بل هي من إنتاج منابر التخلف ومراكز ومؤسسات الدعوة والتبشير والتعريب والتبعيث القومي والديني عبر قرون من الزمان، جعل هذه المجتمعات التي نعيش فيها تقبل تكفير المسيحي والايزيدي والمندائي واليهودي والسيخي والهندوسي والبوذي ما لم يدفع الجزية أو يستعبد أو يقتل رغم إن أوامر الله في القرآن الكريم أقفلت على ( لا إكراه في الدين )، وهي ذاتها روضت تلك المجتمعات لقبول انتقاص كل القوميات والأعراق من غير العرب، خاصة تلك الأحزاب والحركات التي تشيع أفكارا ونظريات لإذابة كل الأعراق والأقوام في بوتقة الأمة العربية، بكل ما تعنيه كلمة الإذابة فكرا وثقافة وكيانات، وقانون تصحيح القومية من الكوردية إلى العربية نموذج من تلك الداعشيات الأولية التي انتهت في تطبيقاتها إلى الإبادة الجماعية للسكان، كما حصل في حلبجة والأنفال 1987-1988 وسنجار 2014م، حيث قتل مئات الآلاف من الكورد أطفالا ونساءا وشيوخا، وسبي الآلاف من بنات ونساء الايزيديات والمسيحيات وحتى الشيعيات، كما تؤكده الوثائق الرسمية إبان استباحة سنجار وتلعفر وسهل نينوى.

     إنها سلالات الإرهاب الفكري والقومي والديني ومن ثم المذهبي، حيث الشيعي مرتد كافر يحل قتله وسبي نسائه واستعباد أطفاله، وكذا الحال فالسني من النواصب الذين لا حياة لهم إلا بالتشيع، وقس على ذلك ما يفعلونه اليوم من إشاعة الكراهية والأحقاد على بقية الأقوام والأعراق لكونها وعت ظروفها وتحاول الخروج من دائرة الصراع البدوي البدائي، الذي يمتد في أعماق التاريخ ويستمر بالتناسل والتوالد بأشكال وهيئات مختلفة في الأسماء والعناوين وموحد في أصل الفكر والسلوك والممارسة، وخير دليل على ذلك ما تفعله اليوم سلالات الكراهية المنتجة للإرهاب من ميليشيات وأحزاب متنفذة في بغداد ولبنان واليمن وليبيا وسوريا وبعض دول اوربا، حيث تمارس أبشع أنواع إشاعة ثقافة تقتيل وإبادة الآخر من خلال الادعاء بأن المختلفين معهم كفار يجب إباداتهم، وفي العراق وسوريا يتم تداول إن الكورد على سبيل المثال من أبناء الجن وإنهم سبب تخلف وانحدار الأمة والدولة، وكذا الحال في لبنان مع المسيحيين والدروز أو مع السنة من جهة أو الشيعة من جهة أخرى، ولا تعليق عما يجري في عجقة وتراجيديا ما يحدث في بلاد الشام من عشرات  الكتائب والميليشيات.

      واليوم تشن معظم دول العالم حربها ضد هذه السلالات المتوحشة باستخدام كل أنواع الأسلحة، لكنها نسيت أنها تعتمد على بيئة تتميز بثقافة وفكر وسلوك يتقبل الكثير مما تفعله تلك السلالات، ولا يمكن للمدفع الرشاش أو قنابل وصواريخ طائرات F16 أو غيرها من القضاء عليها في واقع ما يزال يؤشر لنا بأن أكثر من نصف سكانها أميون، وبنفس القيمة والكم تحت خط الفقر والوعي والحضارة والبطالة والاستكانة وسلوكيات القطيع بسبب توالد الدكتاتوريات الاجتماعية والسياسية والدينية عبر الأجيال!؟

    إنها تحديات اكبر من الحرب الدائرة الآن، وتحتاج إلى جهود نوعية فائقة تحدث تغييرات ثورية في البنية الثقافية والفكرية والاقتصادية للمجتمعات المنتجة لقوى التطرف الديني والقومي معا، وحتى يتحقق ذلك فان عجلة الحرب ستنتج أفعالا وردود أفعال ربما تمتد لعشرات السنين القادمة ما لم يذهب العالم برمته إلى مشروع ماريشال ثوري جديد يعتمد الأسس الفكرية والثقافية والاقتصادية التي تنقل تلك المجتمعات الخاملة إلى مجتمعات منتجة، فالإنتاج والرفاهية بيئتان لا يعيش فيهما التطرف والإرهاب!

kmkinfo@gmail.com

180
مدرسة البعث وتفوق داعش

كفاح محمود كريم

      من أكثر شعارات نظام البعث في شقيه العراقي والسوري سخرية ( البعث مدرسة الأجيال )، ذلك الذي حاولوا طبعه في أذهان الناس وإيهامهم بأنهم امتداد لفكرة الرسالة الدينية المحمدية، باعتبار إنهم حاملي تلك الرسالة والمبشرين بإعادة الإمبراطورية العربية تحت مسمى دولة البعث وشعاراتها المعروفة، وطيلة ما يقرب من نصف قرن ذهب ضحية تلك الشعارات مئات الآلاف من البشر في كل من سوريا والعراق، تحت عجلات نظامهم الدكتاتوري ومدرستهم الإرهابية، التي اعتمدت إيديولوجيا مهجنة وظفت فيها العقيدة الدينية لاستخداماتها القومية، خاصة في الشق العراقي الذي اعتمد ما سمي في حينه بالحملة الايمانية على مقاسات قومية وبأساليب وسلوكيات تنفذها القاعدة وداعش اليوم.

     وقراءة سريعة لمعظم الشعارات التي رفعت خلال النصف قرن من حكم هذا الحزب، ندرك هول ما حاول إنتاجه وبشر به خاصة مقولة رئيسه حينما شعر بالخطر في إزالة حكمه، حيث قال أنهم لن يستلموا العراق إلا حفنة تراب، وفعل الرجل ذلك من خلال مجموعات تم تنظيمها بعد سقوط هيكل نظامه الإداري، تحت مسميات عديدة لمقارعة المحتل الأمريكي تارة، أو من خلال الاندغام أو الاندساس في الأحزاب الدينية الشيعية والسنية والعمل من خلالها، وقد نشرت في حينها وثائق مهمة عن أوامر من قيادة صدام حسين وأجهزته الخاصة إلى معظم كوادرهم ( العقائدية ) بالانضمام إلى تلك الأحزاب، وقسم آخر وبالذات رجال المخابرات والأمن والاستخبارات والحرس الخاص والجمهوري بتشكيل منظمات ( مقاومة ) للمحتلين والتنسيق مع القاعدة ومن ماثلها من المنظمات العالمية للإرهاب.

     ويتذكر العراقيون قبل سقوط نظامهم بأسابيع تصريحاتهم حول توافد الآلاف من الفدائيين ( الانتحاريين ) العرب والمسلمين الذين فتحت لهم معسكرات إيواء بانتظار بدأ الحرب للقيام بإعمال انتحارية، وفعلا أظهرت وسائل الإعلام البعث آنذاك عمليات انتحارية لمتطوعات ومتطوعين قادمين من الدول العربية والأجنبية، قاموا بها مع أول دخول للقوات الأمريكية في جنوب البلاد وغربها، وفي حقيقة الأمر كانوا هؤلاء من أعضاء القاعدة والتنظيمات الدينية المتطرفة الأخرى التي نسق معها نظام صدام حسين ومن بعده بشار الأسد لإرباك الأمريكان وتخريب أي محاولة لبناء نظام ديمقراطي، وتدمير كل ما تستطيع أن تصل إليه أيديهم، وهذا ما حصل فعلا، حيث نرى الدمار الشامل لمدن سنجار وزمار وجلولاء والسعدية والمقدادية والرمادي وتكريت وبيجي في العراق وفي سوريا كل المدن والبلدات التي طالتها المعارضة السورية ووصلت إليها داعش فمسحتها من الأرض!

     يقينا هناك حبل سري يربط مشهد آلاف الجثث التي رميت في شوارع بغداد والموصل وكركوك من المعارضين للبعث مع أول أيام انقلاب شباط 1963م، وبين مشاهد حرق حلبجة وكرميان وبادينان والأنفال والمقابر الجماعية، واخيرا ما يفعله الجيل الجديد للبعث المسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش )، لتكتمل الصورة مع ظلالها في أفعال وممارسات الميليشيات في بغداد وغيرها من المدن العراقية والسورية، حيث ذات السلوك الإرهابي الذي مارسته عصابات الحرس القومي وسرايا الدفاع ومنظمات سيف وفدائيو صدام والحرس الخاص وعشرات التنظيمات الفاشية التي انشطرت وتكاثرت من هذه المدرسة عبر عشرات السنين في الفكر والسلوك.

    فعلا كانت مدرسة الأجيال للإرهاب والسادية والخراب، وتميزت داعش ووصيفاتها بتخرجهم من هذه المؤسسة بتفوق كبير!

kmkinfo@gmail.com



181
المنبر الحر / أنتم صنعتم داعش!
« في: 00:23 28/01/2016  »
أنتم صنعتم داعش!

كفاح محمود كريم

 ربما يظن كثير من الناس إن داعش وما قبلها من قاعدة ومن ماثلهم في العقيدة والسلوك إنتاج حملة إيمانية أو نزعة دينية فقط بقدر ما هم نتاج تراكم سلوكي وتربوي لعشرات السنين من الحكم الدكتاتوري الممنهج فكرا وسلوكا في مختلف دول الشرق العربي والاسلامي، ولا يختلف اثنان من العراقيين على سبيل المثال من إن نظام البعث احدث تغييرات مهمة في البنى التحتية للدولة العراقية بعد هيمنته على السلطة أواخر ستينيات القرن الماضي، ونفس الاستنتاج يتفق عليه المصريون أيضا بعد تولي الضباط الأحرار مقاليد الحكم في مصر عام 1952، وكذا الحال مع القذافي أيضا، لكنما التغييرات المهمة التي أحدثتها تلك الأنظمة لم تشمل الإنسان ولا البنية الاجتماعية لتلك الدول، بل على العكس أوصلتها إلى حافة الانهيار الذي شهدناه عند مرور أولى نسمات الحرية فيما سمي ظلما بالربيع العربي، وان حقيقة أخرى رافقت تلك العمليات وأظهرت بشكل جلي إن ما كان يجري لم يتجاوز إلا البناء الكونكريتي، الذي رافقته عملية تهديم هائل لشخصية الفرد وتدمير منظم للبنى الأساسية والنسيج الاجتماعي للمكونات، حيث اقتُرفت خلال السنوات الأربعين من حكم حزب البعث في العراق، أبشع أنواع الجرائم والكوارث بحق الأهالي سواء في كوردستان أو في بقية العراق وسوريا، وكانت بحق حقبة سوداء تدحرجت فيها الحياة في كلا الدولتين إلى ما نشهده اليوم من كوارث ومآسي يندى لها جبين الإنسانية.

     لقد استهدفوا كرامة الإنسان وهويته ولم ينجو منها حتى أولئك المصنفون بالانتماء العرقي أو القومي لهم، فقد صادروا أي محاولة لإبداء الرأي أو حرية التعبير أو الانتماء، إلى الدرجة التي أباحوا فيها إبادة من يتعرض لعقيدة حزبهم أو رئيسهم أو قيادتهم حتى الدرجة الثالثة من الأقرباء، وذهب ضحية ذلك آلاف مؤلفة من خيرة شباب وشابات العراق بكل مكوناته، حتى تطاول غيهم وطغيانهم إلى دفن مئات الآلاف من الكورد والشيعة ومن ناصبهم العداء من السنة في قبور جماعية وهم إحياء، وبسبب تلك التراكمات الهائلة من الجرائم التي اقترفتها تلك الأنظمة تولد شعور مطبق بالإحباط واليأس يقبل أي بديل آخر غير تلك الأنظمة، ولذلك لم نشهد أي مقاومة حقيقية للذين اسقطوا تلك الأنظمة أو عملوا على إسقاطها، فلقد أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين لأنه تحول إلى غول متوحش لم يعد باستطاعة أي قوة محلية أو إقليمية إسقاطه، وكان يفترض إقامة نظام مختلف تماما على أنقاضه، لكن يبدو إن القائمين على ذلك المشروع نسوا أو تناسوا آثار عشرات السنين من التربية الخطأ ابتداء من كتاتيب الجوامع ومنابرها وانتهاء بالجامعات وما قبلها من ابتدائيات وثانويات وما رافقها من أحزاب وجمعيات ساهمت بشكل أو بآخر في الإبقاء على ذلك النهج الخطأ بإشكال من الشمولية والدكتاتورية الفردية، حتى تحول الرئيس أو الوزير أو المدير أو المحافظ إلى أنصاف آلهة إن لم يكونوا آلهة وأنبياء؟

     لقد اقترفت الأنظمة البديلة جرائم بشعة بحق المعاني السامية للحرية والديمقراطية، وعملت على استخدام سلالمها للصعود إلى دفة الحكم وتسخير آلياته لتكثيف وجودها بذات الأساليب التي كانت الأنظمة الدكتاتورية تستخدمها في النفوذ والهيمنة والاحتواء، حتى أجبرت شعوبها في كثير من المناطق والأحايين إلى تفضيل أي بديل آخر عنها، حيث وصل الأمر لدى الكثير من المحبطين إلى تمني أن يحكم الاستعمار بلادهم بدلا من هؤلاء المستبدين الجدد، كما حصل هنا في العراق حيث شقت عصابات داعش طريقها عبر آلام وإحباط الأهالي وفشل حكومة المالكي ومؤسساته المهلهلة إلى اعرق مدن العراق وأكبرها نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى وبعض من كركوك، حيث البيئة المتخلفة وبقايا نظام البعث، وتغافل مقصود وموجه من قبل إدارة المالكي في انتقام ساذج وبدائي من خصوم مفترضين ( السنة والكورد).

     ونتذكر جميعا هنا في العراق وفي سوريا وليبيا واليمن، وكل مواطن الدكتاتوريات البشعة كم كان كثير من الأهالي يتمنون أن تحكم إسرائيل تلك البلدان بدلا من ظلم أنظمتها التي أذلتها أكثر من أي مستعمر في تاريخ المنطقة، بل إننا لو أحصينا عدد ضحايا تلك الأنظمة وقارناها مع ضحايا كل الحروب التي خاضتها تلك الدول مع إسرائيل أو غيرها، لتبين لنا إن من قتل على أيدي الأنظمة الدكتاتورية أو بسببها أكثر أضعاف المرات من عدد ضحايا تلك الحروب مع إسرائيل التي وظفوها لكي تكون جواز بقاء كل الأنظمة!؟

     داعش ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي إنتاج البعث ومن شابهه عبر التاريخ من الأحزاب والحركات العنصرية الفاشية، ليس في بلاد الرافدين فحسب بل في كل دكتاتوريات العالم، من صنعاء وحتى مقاديشو، مرورا بدمشق الأسد وطرابلس القذافي ومن ادعى انه حزب الله أو وكيله على الأرض، وصولا إلى أولئك المنحرفين القادمين من أصقاع أوربا وأمريكا وشوارعها الخلفية المظلمة، تبا لكم انتم صنعتم داعش وان نكرتم!

kmkinfo@gmail.com

182
 
عقيدة البعث وسلوك داعش!

كفاح محمود كريم


     منذ أن تسلط البعثيون في كل من سوريا والعراق مطلع ستينيات القرن الماضي بعمليات انقلابية، وهم يرفعون شعارات تخديرية لشعوب تعاني من أمية أبجدية وحضارية هائلة، وتغط في نظام قبلي بدائي تتحكم فيه عادات وتقاليد لا علاقة لها بالزمن، وفقر مدقع يتجاوز نصف السكان  بكثير، وأفكار دينية ومذهبية ضبابية لا تفقه من الدين إلا مظاهره دونما  الغوص في جوهره وفلسفته، في هكذا بيئة زرع البعثيون الأوائل بذور الفاشية الأولى في العراق وبلاد الشام وسوريا حصريا، وابتدئوا حكمهم منذ الساعات الأولى بأنهار من الدماء وآلاف القتلى والمغيبين والمعتقلين، حتى غدت هذه البلاد معسكرات تشبه إلى حد كبير معسكرات النازية في المانيا، كيف لا وقد تشربت أفكار البعث الأولى بما طرحه النازيون الألمان، وأسسوا عليه نظامهم الفكري والعقائدي، مغلفا بعلمانية كاذبة تهرأت ملابسها بالحملة الإيمانية المشبوهة التي قادها صدام حسين، لنشر بذور داعش اليوم وفتح قنوات مع المتطرفين الدينيين وفي مقدمتهم القاعدة.

     لقد كانت هناك فرصة لتأسيس جيوش على مبدأ المواطنة في كل من العراق وسوريا، خاصة وأنهما يضمان مكونات قومية ومذهبية وعرقية عديدة، لا تقبل فرض مذهب أو دين أو قومية كما حاول البعثيون ذلك، وقادوا البلدين إلى ما نراه اليوم، تلك الفرصة التي سنحت مع تأسيس هذه البلدان اثر هزيمة العثمانيين وتوزيع ارثهم على الحلفاء، لبناء جيش على أسس المواطنة، إلا إن الانقلابات الفاشية أنهت تلك المحاولات والفرص، وبتسلط البعث على البلدين، بدأت مرحلة ادلجة النظام السياسي والاجتماعي فيهما، مع وضع أسس لعسكرة المجتمع من الابتدائيات وحتى الجامعات،  في ميليشيات عقائدية وتحت تسميات الطلائع والفتوة والشبيبة، ومن ثم الجيش الشعبي وقبله الحرس القومي، حيث تعتبر مدارس تمهيدية لإعداد كوادر أمنية ومخابراتية وعسكرية مؤدلجة، ومن أكثر المنظمات الإرهابية توحشا تلك التي أطلق عليها أسم فدائيو صدام، ومنظمات سرية مثل منظمة سيف والأمن الخاص وأشباههما في سوريا أيضا، حيث كانت تتدرب على عمليات قامت بها القاعدة وأبدعت في تطويرها اليوم داعش، وخاصة ما يتعلق بالتوحش الذي ورد في كتابها الذي صدر منذ فترة، والذي يصف عمليات القتل الوحشي المنظمة والمبرمجة والمصورة سينمائيا، وقبل ذلك عثر المواطنون على عشرات الأفلام الوثائقية التي كانت تصور تلك الممارسات الوحشية في مقرات البعث ودهاليز الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والسجون والقلاع السرية التي ضمت الآلاف من ضحايا البعث في كل من العراق وسوريا.

     وحينما أسقطت الولايات المتحدة وحلفائها الهيكل الإداري لنظام صدام حسين، شعر نظام الأسد في سوريا بالخطر، خاصة وان النظام البعثي في بغداد حول إليه كل ممتلكاته الخطيرة والقذرة من الأسلحة الكيماوية والجرثومية قبل إسقاطه، وبذلك تحولت سوريا إلى معسكرات للإرهابيين من شتى أصقاع العالم، وسهلت دخولهم إلى العراق بحجة مقاومة الأمريكان تحت مسميات عديدة، وخلال سنوات قلائل استعاد البعث قوته مع فشل إدارة المالكي وطبقته السياسية في إدارة البلاد سياسيا واقتصاديا وعسكريا، واستطاع بتنسيق دقيق مع منظمات الإرهاب الدينية أن يشكل جبهة ضمت خيرة جنرالات الحرس الجمهوري ورجال الأمن والمخابرات والاستخبارات العراقية التي أسسها البعث ورباها منذ مطلع الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وحان موعد حصادها لتحيل العراق إلى حفنة تراب كما وعد صدام حسين في حالة إسقاطه، وقد شهدنا الدمار الشامل في سنجار والرمادي وزمار وتكريت وبيجي وعشرات البلدات والقرى التي أحالها إلى حفنة من تراب.

     بعد كل هذه الحقبة المليئة بالدماء والدمار لم تنجح الطبقة السياسية العراقية في إنتاج مؤسسة عسكرية تقوم على قواعد المواطنة والمهنية بعيدا عن القومية والدين والمذهب، وتلك ورب الكعبة أهداف لا تقل خيالية عن أفلام الخيال العلمي، إلا الهم إذا نجحت في استثمار انتصارات الرمادي والتقدم خطوة باتجاه بلورة قوة عراقية مهنية خارج الانتماء المذهبي والعرقي.

kmkinfo@gmail.com





183
 
عقدة المناصب في العراق!

كفاح محمود كريم

     لن نغوص في التاريخ للبحث عن مجموعة عقد ومركبات نقص أصابت الطبقة السياسية والإعلامية العراقية وغيرها في هذه المنطقة، التي تغلي وتفور منذ تأسيس كياناتها السياسية قبل ما يقرب من مائة عام، لكننا سنسلط قليلا من الضوء على هذه العقدة منذ إسقاط الهيكل الإداري لنظام البعث وصدام حسين، حيث ظهرت طبقة سياسية بمواصفات اقل ما يقال عن أغلبيتها، أنها فاشلة في إدارة بلد صنفته مجاميع من الخبراء والمختصين بأنه من البلدان الغنية والمثالية في طبيعتها وثرواتها ومياهها ومكوناتها، فأحالته خلال عقد من الزمان مع ما يقرب من ألف مليار دولار إلى هباء منثورا، بل وجعلته من افشل الدول وأكثرها تخلفا وفقرا!

     والمتفحص لسيرة حياة معظم من تولوا مناصب في هذه الحقبة، وعلى مختلف المستويات في البرلمان والسلطة التنفيذية وملحقاتهما في المحافظات وحكوماتها المحلية ومجالسها الشعبية، يدرك فداحة الأمر وكارثية إدارة هذا البلد، لما اقترفوه من جرائم بحق الوطن والشعب، ونظرة ثاقبة لسيرة حياة معظم من تبوء موقعا بالتعيين أو بالانتخاب في مفاصل الدولة، منذ إسقاط نظام البعث وصدام حسين وحتى يومنا هذا، يدرك حقيقة المأساة وما أصاب البلد على أيدي هؤلاء المصابين بشتى العقد النفسية وفي مقدمتها مركبات النقص والارتزاق والاستحواذ والتعويض، واستغلال المنصب لإغراض شخصية نفعية بعيدة عن أي علاقة بالوطن والدولة والشعب.

     ونتيجة للتهالك والتنافس المقيت على المناصب وامتيازاتها بانت ظاهرتان، الأولى ( دلاليات أو بازار ) من بقالي المناصب، الذين يبيعون ويشترون بالمواقع ولديهم قوائم بالأسعار والحصص والنسب، حتى وصل سعر موقع وزير لوزارة ( منتجة ) إلى عدة ملايين من الدولارات، كما تناقلت أوساط ما وراء كواليس الحكم إبان تشكيل أي وزارة منذ 2005 وحتى الأخيرة، والثانية التي تبدو أكثر قبحا وهي مجاميع من فضلات النظام السابق أو مرتزقته المتهالكين على المناصب، خاصة من أولئك الذين طردوا أو فصلوا لأسباب أخلاقية تتعلق بسلوكهم الفاسد أيام الأنظمة السابقة، والتي وظفوها بفبركة التظلم باعتبارهم مفصولين أو مطرودين لأسباب سياسية، ومعظمهم إما هاربين أو متخلفين من الخدمة العسكرية أو مفصولين بسبب الاختلاس أو السرقة أو خيانة الأمانة، أو مطرودين فصلا أو تقاعدا لأسباب تتعلق بنزاهتهم أو سلوكهم الأخلاقي، سواء من كان منهم في العسكر أو الإعلام أو حزب البعث أو الإدارة، وبدأوا بتسويق أنفسهم مناضلين أو محللين سياسيين أو خبراء عسكريين استراتيجيين أو إعلاميين مرتزقة، والغريب أنهم توزعوا على كل الكتل والأحزاب المعارضة السابقة، وحينما لم يجد البعض منهم موقعا أو منصبا تحول إلى معارض للنظام الجديد، أو بوقا لإحدى دول الجوار لعله يعوض ما فاته!

     حقا إنها إمراض نفسية وسلوكية واجتماعية تمتد إلى مرحلة الطفولة والبيئة والتربية، تركزت في دواخل معظم من يقودون البلاد إدارة أو مالا أو إعلاما، أنتجت لنا بعد عقد من الزمان وما يقرب من إلف مليار دولار وثلث البلاد إن لم يكن أكثرها مدمرا بالكامل، هذا الشكل المروع لبلاد طالما تغنينا بأمجادها وأساطير الأولين فيها، والذين كما يبدو لم يكونوا يختلفوا عن هؤلاء إلا بالأسماء والعناوين وإلا كيف نحلل هذه الزبدة التي خرجت من لبنهم، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود فان الفرق بين من يبحث عن المنصب وبين من يأتيه إلى باب داره سيبقى عنوان الفشل والنجاح لتجربتنا في بناء دولة عصرية، تقوم على أسس المواطنة والكفاءة والنزاهة التي تكاد أن تختفي تماما من مسرح العمل الوطني.

kmkinfo@gmail.com

10/1/2016م


184
كوردستان والافتراء الروسي!

كفاح محمود كريم


     اليوم وبعد أكثر من سنة ونصف من الحرب الضروس التي حققت فيها قوات البيشمركة انتصارات كبيرة على داعش التنظيم الديني الأكثر تطرفا وعنصرية ووحشية في تاريخ البشرية، تبدأ بعض الأطراف بخلط الأوراق لتنفيذ مخطط جديد ربما يأتي بعد فشل التنظيم الإرهابي من إسقاط تجربة الإقليم ليستكملوا تحقيق ذات الهدف تحت يافطة محاربة داعش، التي نجح فيها  الرئيس بارزاني القائد العام لقوات البيشمركة في الحفاظ على وحدة هذه المؤسسة العسكرية وقدسيتها لدى الأهالي في كوردستان، فأبعدها تماما عن أي مناكفات سياسية أو خلافات، وكانت بحق محط تقدير عالي من الشعب في الداخل ومن الرأي العام العالمي وزعماء الدول الصديقة في المحيطين الإقليمي والدولي، حينما لم تتدخل في الأمور السياسية، واستمرت في أدائها العسكري المنضبط الذي نال إعجاب العالم، وما حققته من انجازات مهمة جدا أثارت اهتمام المراقبين والخبراء العسكريين، وخاصة في المحاور الأربعة التالية:

- محور كركوك:
     لقد نجحت قوات البيشمركة في درء الخطر عن مدينة كركوك وآبارها النفطية، والتي كانت داعش والعنصريون يستهدفون إسقاطها، والسيطرة على منابع النفط فيها، بعد احتلالهم لأكبر مصافي النفط في بيجي، وفي هذا المحور تجلت وحدة المؤسسة العسكرية الكوردستانية حيث ضمت مختلف الانتماءات السياسية وحتى العرقية، إلا أنها عملت بعيدا عن تلك الانتماءات بمواطنة كوردستانية رفيعة المستوى.
- محور مخمور:
     وقد كثفت داعش ومن والاها هجماتهم على هذه المنطقة، كونها استراتيجيا الأقرب إلى عاصمة الإقليم، وفعلا نجحوا في بداية الأمر بالسيطرة على مركز مدينة مخمور، إلا أن قوات البيشمركة استطاعت بعد فترة وجيزة تطهيرها ومعظم القرى في أطرافها، وأبعدت الخطر تماما عن العاصمة كما كانوا يخططون.
- محور زمار وسد الموصل:
     حيث ركزت داعش هجماتها النوعية على المنطقتين للوصول إلى منفذ ربيعة وقطع أي اتصال بين منطقة وحوض زمار سنجار وبين كوردستان، ومن ثم السيطرة على اكبر سدود الطاقة المائية والكهربائية في الشرق الأوسط، وفعلا نجحت في تحقيق تلك الغاية التي أدت إلى سقوط قضاء سنجار برمته، بما في ذلك الحوض الممتد من زمار إلى سنجار.

     وخلال فترة أشهر قليلة اكتسحت قوات البيشمركة بعمليات نوعية وبقيادة مباشرة من الرئيس مسعود بارزاني وكبار أركان قوات البيشمركة، كافة المناطق التي كانت تتمركز فيها داعش وخاصة سد الموصل الذي هددت داعش بتدميره لإغراق كافة مدن حوض دجلة، واستطاعت قوات البيشمركة بعد ذلك بتحرير زمار واسكي موصل وربيعة وتطهيرها تماما، والاندفاع إلى تحرير حوض زمار البالغ أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، وبذلك تم تحقيق تواصل بين جبل سنجار وكوردستان بعد تحرير كافة القرى الكبيرة ( المجمعات ) المتاخمة للحدود العراقية السورية من ربيعة وحى ناحية سنون.
- محور سنجار والطريق الدولي بين الموصل والرقة:
     بعد تحرير حوض زمار سنجار وفتح الطريق إلى جبل سنجار، وضعت قيادة البيشمركة بالتعاون مع التحالف الدولي خطة محكمة لتحرير مركز مدينة سنجار وأطرافها بأقل الخسائر الممكنة، وتقدمت إليها من محاور رئيسية ثلاث، أطبقت فيها على العدو الذي أبيد بالكامل إلا من هرب، وتم تحريرها بوقت قياسي لم يتجاوز الثلاثين ساعة، قطعت فيه قوات البيشمركة العصب الرئيسي لتمويل داعش في الموصل، وهو الطريق الاستراتيجي الدولي الذي يربط الموصل بالرقة عبر سنجار، وبذلك أصيبت داعش بخسارة فادحة إن لم تكن مميتة لاحقا.

     هذه الانتصارات مهدت الطريق وخاصة عملية تحرير سنجار التي حطمت أسطورة داعش، مهدت الطريق للقضاء نهائيا عليها، مما دفع حلف الشياطين إلى شن حملة شعواء من الكراهية والأحقاد ضد الكورد وكوردستان متمثلة بالتصريحات العدائية لرموز في كتلة القانون وتوابعها ممن يقلدون صدام حسين والبعثيين في سلوكهم العنصري البغيض، خاصة وان قوى عالمية تعزف على ذات الأوتار من قبيل إن داعش تصدر نفطها عبر أراضي كوردستان وان أقمارهم الصناعية الغبية قد صورت آلاف الشاحنات متكدسة في الطريق الدولي بين تركيا وكوردستان عبر زاخو، متناسية إن الإقليم يصدر نفطه من هناك عبر طريقين الأول باستخدام أنبوب نفط كوردستان الذي يصب في ميناء جيهان والثاني عبر أسطول من الناقلات التي تنقل النفط إلى المصافي التركية، بعد أن قطعت الحكومة العراقية حصة الإقليم من الموازنة السنوية للبلاد منذ 2014م وحتى يومنا هذا مع إيقاف مرتبات الموظفين والعسكر.

     إن خلط الأوراق بهذا الشكل العدائي تزامنا مع إيقاف حركة الطيران المدني في الإقليم بحجة مرور صواريخ روسية تضرب مقرات المعارضة السورية، تؤدي إلى تعريض الإقليم ومصالحه العليا للخطر الكبير، بل و تعني إن مخططا اكبر في الطريق لقصف هذا الطريق وقطع أرزاق شعب كوردستان وفرض حصار عليه، تضامنا مع أولئك الذين خربوا البلاد وعرضوها للاحتلال من قبل منظمة داعش التي تقاتلها كوردستان على حدود تجاوزت الإلف ومائة كيلومتر وحققت انتصارات أبهرت العالم وجعلت من البيشمركة واربيل رمزا عالميا لمكافحة الإرهاب.


     إن كوردستان على أبواب تحولات تاريخية مهمة مع انتهاء قرن من الزمان على اتفاقية سايكس بيكو، ويتوقع شعبها وقياداتها ومؤسساتها الدستورية، الكثير من العصي في عجلة تقدمها في مشروع نهضتها واستقلالها، ولذلك يقود البارزاني اليوم مشروعا نهضويا بالغ الدقة في جبهات مهمة وعديدة، سواء في الحرب مع داعش التي حطم أسطورتها أو في عملية الاستقلال الاقتصادي والوصول إلى مرحلة الاعتماد الكلي على النفس، إضافة إلى الجبهة الداخلية التي تتبلور فيها القوى الوطنية الخالصة، من القوى الفوضوية الفاسدة، التي تتناغم في سلوكياتها مع ذات المشروع الذي عاداه ويعاديه العنصريون والمتطرفون الدينيون، وبالتأكيد فان ما حققته قيادة الإقليم وسياستها الدبلوماسية، وما أرسته من قواعد متينة للعلاقات الدولية، والانتصارات الكبيرة المتحققة على الأرض، قادرة على تجاوز هذه الظروف والعبور إلى الضفة الأخرى بتوحيد الصف والتعالي على صغائر الأمور لتحقيق الأهداف السامية.
kmkinfo@gmail.com




185
حرامية السياسة والإعلام

كفاح محمود كريم

     بعد انهيار هيكل نظام البعث اندلعت نافورات الأحزاب ووسائل الإعلام بكافة أشكالها المسموعة والمقروءة والمرئية، ومثل المحروم والجائع اندفعت أفواج من الأميين والذين ( يفكون الخط ) على تسمية المصريين للمبتدئين في القراءة والكتابة، مسنودين أو ممولين من مؤسسي أحزاب جدد أو رجال أعمال ( من أثرياء الحواسم ) أو تجار سياسة وحروب، إلى تأسيس أو إصدار صحف ومجلات وإذاعات وفضائيات تحت يافطة حرية التعبير والرأي وممارسة حق النقد ومراقبة الحكومة والبرلمان والعدل (!)، وباستثناء الوسائل الأصيلة منها والمعبرة حقيقة عن كونها وسيلة إعلام مهنية، فان معظمها تقوم بعمليات ارتزاق ولصوصية تفوق ما يقوم به الكثير من أعضاء الحكومة والبرلمان والقضاء من عمليات سرقة واختلاس وفساد وبيع وشراء في المناصب والمواقع، وحتى داخل المؤسسة العسكرية وصفقاتها المشبوهة، والتي أحالت واحدة من أغنى بلدان العالم إلى أفشلها وأفقرها وأكثرها تدهورا وتقهقرا، فهي بالتالي تقترف جرائم بحق الأهالي وتعمل على تسطيح عقولهم وإيهامهم، أو تشنيجهم وإشاعة الكراهية والأحقاد على خلفيات دينية أو مذهبية أو قومية، كما تفعل الآن عشرات الأبواق الدعائية في حملتها على الكورد وكوردستان.

     ولقد كشفت السنوات الأخيرة أنماطا من " الكلاوجية " أو " الفهلوية " في الدارجة المصرية، وأنواعا من الحرامية والنشالة السياسية والإعلامية وخاصة من الذين قدموا تلك الخدمات الفاسدة إلى كوردستان، اثر ازدهارها ونموها الاقتصادي وتحولها إلى واحة للاستثمار والأمن والسلام، مما دفع عشرات من تلك الطفيليات إلى ساحات مفتوحة في هذا الإقليم الناشئ، لكي تستقر في المفاصل الرخوة والزوايا المظلمة من مراكز الفساد، ولتستحوذ على مشاريع من شاكلة تأسيس قناة كوردستانية ناطقة بالعربية، كالتي أنجزها مرتزق بصيغة الاستخدام لمرة واحدة (Disposable)، أو إصدار جريدة عربية تخرج من اربيل، وهي من أفكار مرتزق آخر استخدم فهلويته للارتزاق، وآخر يؤسس مركز أو معهد لتطوير أو تعليم الديمقراطية، شرط أن يكون في عاصمة عربية لا تنام الليل (!)، ورابع من السياسيين البائسين يدعي إن نصف العراق معه ( وربما لا يتبعه حتى أفراد أسرته ) ويتوسل دعمه ببضع آلاف الدولارات لتغيير العملية السياسية نحو الأفضل وإعادة قاطرة الديمقراطية إلى سكتها الصحيحة كما ينظر هو من خلال نرجسيته واكاذيبيه.


    هؤلاء جميعا ليسوا نكرات بل كما يدعون ويعرفهم العم GOOGLE، بأنهم مفكرون وصحفيون وسياسيون، وليسوا مراهقون في العمر والسلوك، حيت تتجاوز أعمارهم سنوات النضج النبوي كما يقولون وتزيد، إضافة إلى العديد من المشاريع الفنية الفاسدة سواء في الغناء أو محاولة صناعة أفلام على شاكلة فلم القادسية الذي استهلك ملايين الدولارات لصالح مرتزقة من مصر ولبنان وسوريا وعرابيهم في العراق آنذاك، والغريب إن بعضهم ما يزال يصر على كونه مفكرا وسياسيا ومنظرا أو صحفيا لامعا أو كاتبا متميزا، وهو في الأساس فاقد لأهم قاعدة أخلاقية في أسس التعاطي مع مفردات وتفاصيل الحياة وقيمها العليا، ولعل ابرز أولئك الذين حاولوا التمثيل على هذا المسرح كانوا من المحسوبين على السياسيين، واندسوا إلى بازار الارتزاق باعتلائهم سلم الشعارات أو الادعاء بأنهم يؤمنون بحق تقرير المصير للشعوب، وإنهم أول من نادى  بإقامة أو أحقية الكورد في دولة، ويباشرون بعد ذلك العزف على وتر في غاية التقديس لدى الكورد، بتنفيذ مشاريعهم الموبوءة بالاحتيال والاختلاس أو التسول والارتزاق، والأمثلة كثيرة ربما نأتي إليها في مقالات قادمة نتحدث فيها عن تفاصيل تلك الظاهرة المرضية التي انكشفت وبانت عوراتها، حيث مثلت بدقة واستحقاق عنوان مقالنا هذا وكانت أهم أعمدة الفساد والحرام في مالها ورزقها وسلوكها في كل المعايير.

kmkinfo@gmail.com



186
دولة " اللنكات والبالات "

كفاح محمود كريم


     في بلاد حباها الله بثروات هائلة تحت الارض وفوقها، ومكونات حيوية سكنت ثراها المتنوعة التضاريس والمليئة بالمياه والغابات، تجملها الهضاب والصحاري المكتنزة بما منحته الطبيعة من معادن ومركبات، بلاد تضم شعوبا واديانا ومذاهب وقوميات وأعراق، لا تختلف عن أي بلاد في الأرض إلا في حظها السيء وإداراتها الاسوء منذ تأسيسها ككيان سياسي رغم إرادة مكوناتها، إدارات تسلطت بغفلة من الزمن التعس والاستغلال البشع لتخلف الأهالي وفقرهم، مستغلة شتى أنواع المفاتيح الغرائزية والدينية والعنصرية لتبرير استمرارها في الاستحواذ على المال والثروة والحكم وترك الأهالي يتلظون فقرا تغطيهم أكداس من أللنكات والبالات في الملابس والأفكار والثقافات.

     ولكي يدرك قراءنا من خارج البلاد العراقية ما تعنيه اللناكات والبالات مفردات ومتداولات شعبية عراقية موروثة تعطي صور بلاغية في التوصيف، قد لا ترتقي له الفصحى في كثير من الحالات، خاصة لدى القراء العراقيين، ولكي يكون قارئنا من خارج العراق على دراية بمعنى مفردتي " اللنكة والبالة " علينا أن نعرف معناهما في الفصيح، فـ "اللنكة" تعبر عن أي شيء قديم بسبب الاستخدام وليس بالزمن فقط، وكذا الحل في "البالات" التي تصف الملابس المستخدمة، والتي تكثر اليوم في أسواق العديد من مدن الشرق الأوسط، وتضاعفت كثيرا بعد اندلاع مهرجانات الربيع العربي الدامي، وهي في معظمها قادمة من أوربا وأمريكا بأكداس معبقة بمشاريع الديمقراطية والعولمة ومراكز ومعاهد تعليمها، التي انتشرت بكثافة تشبه غزارة دكاكين أسواق هرج ومريدي العراقية!

     ودعوني استعير اللفظتين الدارجتين اللتين تعبران عن المواد المستهلكة وأحيانا كثيرة المهترئة، للتعبير عن شريحة من السياسيين والإعلاميين المستخدمين والمستهلكين كثيرا إلى درجة ربما أكثر من اللنكات أو البالات، حيث وصل حال بعضهم إلى درجة مزرية تقترب من الاهتراء والاندثار، رغم كل الإكسسوارات والمنشطات الداعمة من الممولين، والتسميات والعناوين الممنوحة لهم على شاكلة مدير معهد أو مركز كذا للديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة أولئك الذين انتجتهم نافورة الإعلام ومفرخات السياسة البلهاء في بلدان ما يزال سياسيوها اللصوص يصرون على نزاهتهم باسم الرب والكتاب المقدس والأمة العظيمة، حالهم حال رفاقهم في داعش الإرهاب التي ادعت وكالتها للرب على الأرض، وقيامها بواجباته المفترضة على أساس عقيدتها الفاسدة!

     هؤلاء المستهلكين حد التهري، لا لكونهم مخضرمين، بل لكثرة استخدامهم من ممولين وأصحاب أجندات وأموال، ينفذون من خلال مواسم الأزمات والوفرة المالية ليقدموا خدماتهم في بيئة فاسدة تستدعي استخدام المستخدم وان كان مستهلكا، كما يفعل الكثير من الساسة والإعلاميين وما يسمى بالخبراء الاستراتيجيين، ومدراء معاهد ومراكز ما يسمى بالديمقراطية أو كما ينطقها بعض الأهالي تهكما " الديموغلاجية " أي ديمقراطية الحرامية وحكمهم، حيث عجت السوق السياسية العراقية وبازار الفضائيات وقاعات مزايدات المشاريع بالمئات من هؤلاء الحاملين لعناوين لا أساس لها في تكوينهم أو قابلياتهم أو تأهيلهم، فتراهم منتشرين في البرلمان والحكومة والإعلام ومنظمات أو دكاكين ما يسمى بالمجتمع المدني ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ولكي لا نظلمهم ونفرق بين " اللنكة " و " البالات "، فان "اللنكة" خير ما تنطبق على الكثير من شاغلي كراسي البرلمان والحكومة وملحقاتها في جميع الوزارات وخاصة غالية الثمن مثل الخارجية والداخلية والمالية والعدل والدفاع، أما "البالات" فخير ما ينطبق عليهم هذا التوصيف هم إعلاميو الصدفة وفضائيات البذاءة وأصحاب دكاكين ما يسمى بمراكز ومعاهد الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تأسست في السنوات الأخيرة لبيع وشراء كافة أنواع المشاريع والكوبونات والمقابلات الفضائية مدفوعة الأجر، بعد أن فشل أصحابها بالاستئثار على منصب في افشل دولة بالعالم ففتحوا دكاكينهم لبيع أكداس من " اللنكات والبالات " السياسية والإعلامية وحسب المقاسات والأحجام!

     بلاد تعوم على بحور من الثروات وتعلوها أجمل وأثرى ما في الطبيعة من تضاريس ومياه وخصوبة، وتسكنها أقوام وأعراق لو أتيحت لها فرصة التحرر والتقدم وحق تقرير المصير، لأقامت حضارة تفتخر بها الإنسانية جمعاء، لكنهم الأوباش العنصريون والمتطرفون قوميا ودينيا أحالوها إلى دولة للبالات واللنكات!.
kmkinfo@gmail.com
 




187
المنبر الحر / سنجار ورد الاعتبار
« في: 22:44 10/12/2015  »
سنجار ورد الاعتبار
كفاح محمود كريم

     بدخول البيشمركة إلى مدينة سنجار وأطرافها وتحرير أرضها من دنس البدائيين الأوباش، تكون هذه القوات قد أعادت الاعتبار إلى القيم الأخلاقية للحضارة الإنسانية التي دنستها منظمة إرهابية ادعت إنها تمثل عقيدة دينية فاسدة لا تمت بصلة لهذا العصر ولا لحضارة الإنسان وسلوكه القويم، فقد تعرضت هذه المدينة وشقيقاتها في ولآت شيخ بسهل نينوى وتحديدا في بعشيقة وبحزانى وبرطلة وبغديدا وتلكيف وبقية القرى والبلدات التي تضم أقدم ديانات البشرية ومعابدها من الايزيدية والمسيحية، تعرضت إلى أبشع أنواع التعدي على الكرامة الإنسانية في استعباد البشر والمتاجرة به، فيما سمي بالسبي وغنائم الحرب المقدسة القذرة التي شنوها على هذه المكونات الأصيلة في بلاد ما بين النهرين.

     لقد اجتاحت أجلاف الصحراء ومجاميع من شذاذ الآفاق والأخلاق، مدنا وبلدات وقرى آمنة متعايشة، فأشاعوا بينها الموت الزؤام والدمار، وقتلوا آلاف الرجال، واستباحوا أضعافهم من النساء والأطفال، ووصلت بهم الدناءة والسقوط الأخلاقي إلى بيع الأطفال والنساء في أسواق النخاسة، التي أعادوا فتحها في المدن التي احتلوها بعد العاشر من حزيران 2014م في الموصل وسنجار، ومزقوا نسيجا اجتماعيا ومنظومة أخلاقية تراكمت عبر مئات السنين بين سكان هذه المناطق من مختلف المكونات القومية والدينية والمذهبية.

     ولأن عمر الرذيلة اقصر مما يتصوره البعض مهما طال زمن شيوعها، وان الفضيلة وان كانت كما يظن البعض الآخر مفقودة أو قليلة، إلا أن واقع الحياة يؤكد أنها الأكبر والأكثر شيوعا بين البشر، وإلا لما كانت استمرت الحياة ومواصفاتها الراقية، ولذلك لم تجد هذه العصابات المتوحشة أحدا تحكمه في هذه المدن والبلدات الأصيلة، حيث فضل سكانها الشتات والنزوح واللجوء بكل ما تعنيه هذه الصفات من معاني أليمة، على أن تتمتع هذه الكائنات المسخ بممارساتها السادية المريضة، وتشعر بأنها تتحكم بأحد، فتركوا كل شيء إلا أنفسهم وكرامتهم العصية على هؤلاء الإرهابيين.

     حقا ستبقى أفعالهم وصمة عار في جبين الحركات الدينية والقومية العنصرية، ودرسا بليغا لأولئك الذين يعتقدون إن بإمكانهم بالترهيب والإذلال والقتل المروع إذابة المكونات المختلفة، وتحديدا الكورد وديانات الايزيدية والمسيحية والصابئة المندائية، الذين تعرضوا تحت حكم الأفكار الدينية والقومية العنصرية والمتطرفة إلى أقسى أنواع الاضطهاد والتعذيب والانتهاك لأبسط حقوق الآدمية، حيث مارس الفاشيون الجدد تحت يافطة الإسلام أبشع أنواع الممارسات الوحشية بحق الإنسان، وتركوا ورائهم عشرات المقابر الجماعية التي تدينهم عبر الأجيال كما هي مقابر صدام حسين وحزب البعث التي خلفوها بعد سقوطهم، لتكون عبرة للشعوب والأنظمة والدول التي تنتهج الفاشية والشوفينية أسلوبا في نظامها السياسي والاجتماعي.

     إن انتصار البيشمركة في تحرير سنجار ( شنكال ) فتح الطريق إلى تحرير الموصل والرقة والانبار، وبقية المدن المختطفة من قوى الظلام والوحشية، وأعاد للقيم الأخلاقية العليا للإنسان والإنسانية ارفع مستويات الاعتبار.

kmkinfo@gmail.com

188
ما مشكلتهم مع كوردستان؟

كفاح محمود كريم

     كشف الكاتب والصحفي الصديق ابن الحلة الفيحاء الأستاذ عدنان حسين بمقالته النقية ( ما مشكلتكم مع الكرد؟ ) وهو يخاطب طبقة سياسية فاسدة في فكرها وثقافتها وسلوكها وانتمائها، منذ أن تولت في غفلة من الزمن مقاليد الأمر والنهي، في بلاد اختلط فيها الحابل بالنابل لتطوف فوق مياهها الآسنة، مجاميع من السراق والمغتصبين والكذابين والعملاء الأقزام، كشف وهو يكرر سؤاله المليء بالألم لهؤلاء الذين يتمتعون بعذابات شعبهم ويمارسون أسوء عمليات التعذيب بحقه في إفقاره وإذلاله وتسطيح تفكيره وإدامة سذاجته وتخلفه، كشف عاراتهم وعوراتهم التي أخزت البلاد والعباد في بلاد أدمنت حكم الطغاة الأغبياء!

     حينما ارتفعت رايات كوردستان والعراق فوق جبل سنجار على أيدي البيشمركة محررين فيها واحدة من اعرق واكبر مدن الشمال الغربي الكوردستاني والعراقي في مدينة شنكال ( سنجار ) انكشفت عورات اولئك الإبطال الورقيين والفضائيين اللصوص الذين تسببوا في سقوط ثلث البلاد العراقية بأيدي مرتزقة إرهابيين قدموا من كل دهاليز الجريمة وسراديب الأفكار المتعفنة، ليمارسوا فوق أديم العراق واعرق مدنه عمليات إطفاء الشمس وتلويث الحياة وتمزيق نسيجه الاجتماعي والأخلاقي، كما فعل أسلافهم الشباطيون من الحرس القومي وأتباع صدام منذ 1963 وحتى تولي هؤلاء العارات والنكرات مقاليد الأمر والنهي بعد انهيار هيكل البعث وحكومته في نيسان 2003م.

     لقد بانت عوراتهم وعاراتهم بعد تحرير سنجار وقبلها زمار وسد الموصل وربيعة ومخمور والحفاظ على كركوك من السقوط، بينما سلموا هم مدنا عظيمة كالموصل وتكريت والانبار ومساحات شاسعة من غرب البلاد وهربوا بدشاديشهم، ولكي يساووا حيطانهم كما يقول المثل الدارج سخروا ماكينة دعايتهم ومفاتيح الغرائز والعقائد بين العامة من الأهالي، لإشاعة الكراهية والأحقاد وتأجيج الفتنة بين مكونات هذا الوطن المجروح بهم ومنهم، فاختلقوا أزمة في مدينة سلخها زعيم الفاشية العراقية صدام حسين من كركوك وضمها إلى تكريت مع مجموعة من البلدات الأخرى، لإدامة سياسته سيئة الصيت في التعريب والتغيير الديموغرافي العنصري، مدينة اختلطت فيها الدماء رغم كل ما جرى على أرضها وبين مكوناتها، اختلقوا فيها أزمة مفتعلة وجيشوا لها كتائب من ميليشيا القتل والسحل والسرقة والابتزاز، تهدد وتتوعد في اكتساح كوردستان وإبادة الكورد لأنهم أبناء الجن!؟

     مشكلتهم ليست اليوم كاتبنا العزيز، وليست في الطوز أو سنجار أو رفع العلم أو استثمار النفط أو الصلاحيات، مشكلتهم اكبر بكثير، فهي تتعلق ببنيتهم الفكرية والثقافية والسياسية وبسلوكهم المتوارث والمتكلس منذ مئات السنين، مشكلتهم ليست مع كوردستان ومشروعها الحضاري وبنائها المدني وتوجهها إلى حق تقرير المصير، والخروج من دائرة طغيانهم وتخلفهم وأمراضهم وبدويتهم المقيتة، التي تحولت إلى حرباء سياسية في أشكالها وألوانها، منذ أن أدغمنا في كيان اصطنعه البريطانيين والفرنسيين، واستحوذوا فيه على كل مفاتيح السلطة والقرار والمال ومقاليد الحكم المطلق، مشكلتهم مع الكل المختلف معهم سواء في الفكر أو الرأي أو الدين أو المذهب أو العرق أو القومية، المشكلة ليست اليوم فقط، فهم مجرد ممثلين وأدوات لتلك الثقافة التي تحكم هذه المنطقة من العالم منذ أن تأسست كياناتها السياسية في غفلة من شعوبها قبل مائة عام من الآن!

     بون شاسع بيننا وطريقان مختلفان تماما في رحلتينا، نحن ذاهبون الى حيث تشرق الشمس لكي نبدأ حياتنا الجديدة، وهم راحلون الى دهاليزهم المعتمة وافكارهم الظلامية المقيتة!
kmkinfo@gmail.com

كوردستان
26 تشرين ثاني 2015م


189
انتصار الحضارة في سنجار
كفاح محمود كريم

     بين فجر الثالث من أغسطس 2014م وفجر الثاني عشر من نوفمبر 2015م حقبة من تاريخ الحضارات والمدنية وفرق ضوئي بين القيم العليا لحضارة الإنسان بعد ملايين السنين من الوحشية والبدائية وبين سقوط مريع لتلك القيم وانهيار فضيع في سلوكيات كائنات بشرية صادف وجودها في هذه الحقبة من الزمان حينما داهمت إحدى مدن الشمس في كوردستان واستباحت مدينة سنجار أو نكال أو شنخار كما كان يطلق عليها الميديون والآشوريون، أو سبتميا أو اورليا كما كان يسميها الرومان وهم يقيمون فوق ثراها واحدة من أجمل مدنهم خارج إمبراطوريتهم!

     سنجار التي ضمت بين جناحي جبلها المثير ( طوله 72كم وأعلى قمة فيه 1442م فوق سطح البحر ) أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة، جلهم من الكورد الايزيديين والمسلمين، استبيحت في فجر الثالث من آب 2014م من قبل  عصابات إرهابية فاشية من بقايا ثقافة الصحراء والفكر ألبعثي العنصري وكوادره الامنية والعسكرية والمخابراتية، تحمل معها أكوام من الحقد المتراكم والكراهية المقيتة ومركبات النقص الهائلة، لكي تفرغها قتلا وتدميرا واغتصابا ونهبا وسلبا في مدينة لم تعرف إلا التسامح والتعايش بين كل الأقوام.

     وخلال ما يقرب من 15 شهرا فقدت المدينة حيويتها وبنيتها التحتية،  وقتل فيها المئات من رجالها وسبيت الآلاف من نسائها وأطفالها، وكان آخر تحديث أصدرته المديرية العامة لشؤون الايزيدية في وزارة الأوقاف لما اقترفته داعش قبل تحرير المدينة من جرائم هو:*

- النازحين: 400000
- اللاجئين: 65000
- المخطوفين: 5838
- المفقودين: 841
- الشهداء: 1280
- المتوفين: 280
- الجرحى: 890
- المزارات المفجرة: 18
- المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار: 12
-----------
العدد الكلي للمخطوفين بأيدي داعش 5838
الرجال:كلي للناجين من أيدي داعش : 2014  منهم ..
الرجال : 300
النساء : 767
الأطفال الإناث : 462
الأطفال الذكور : 485

هذا غير الحرق والتدمير لبيوت الأهالي في مدينة كانت تضم في مركزها ما يقرب من مائة ألف نسمة، استهدفتهم داعش ومن والاها من العنصريين والفاشيين لجرح كرامتهم وإطفاء تألق وعنفوان مدينتهم، لكنها كانت مثل جبلها الأشم قوية صلبة رغم جراحها البليغة، قاومت ولم تمت رغم الدمار الهائل الذي أصابها، فلم تنضب ينابيعها وعيون الماء فيها، ولم تتوقف أشجارها عن النمو، وبقيت سماؤها صافية حينما مرت نسائم الحرية واكتسحت دخان داعش الداكن في فجر الثاني عشر من نوفمبر 2015م حيث قاد الرئيس مسعود بارزاني القائد العام لقوات البيشمركة آلافا من مقاتلي شنكال (سنجار) وبقية مدن كوردستان،  ومن مختلف الصنوف لتنفيذ عملية ( شنكال حرة ) التي حررت المدينة  وأطرافها في اقل من 28 ساعة، محققة نصرا كبيرا وانكسارا اكبر لداعش في قوتها ومعنويات أفرادها في العراق وسوريا، بعد أن سيطرت على الطريق الاستراتيجي الذي يربط الموصل بالرقة.

     لقد أعادت قوات البيشمركة الكوردستانية في سنجار، الاعتبار للقيم الأخلاقية العليا لحضارة الإنسان ومدنيته، بعد أن تدنت إلى حد البدائية المتوحشة على أيدي منظمة إرهابية اعتمدت عقيدة بربرية لا مثيل لها في بطون التاريخ المعاصر، حيث لم تشهد البشرية منذ قرون ما فعلته داعش في شنكال ( سنجار ) من عمليات قتل مروعة وسبي للنساء والأطفال والمتاجرة بهم، حقا كان انجازا عظيما ما قامت به قوات البيشمركة، وصدق الرئيس بارزاني في تحقيق وعده، وما تبقى ليس أسهل من التحرير إن لم يكن أكثر تعقيدا وصعوبة، في مدينة مزق  العنصريون الفاشيون أنسجتها الاجتماعية والقيمية والقومية، وخربوا كل بنيتها التحتية، بل لم يبق بيتا واحدا دونما تدمير أو سلب ونهب وحرق، ولأجل ذلك فان أمام حكومة كوردستان والحكومة الاتحادية في بغداد والمجتمع الدولي تحديات كبيرة، في مقدمتها اعتبار ما حصل لسكانها إبادة جماعية وملاحقة مجرميها أينما كانوا، وتحرير النساء والأطفال الذين تم أسرهم واستعبادهم، وإعادة اعمار المدينة وقراها وتعويض سكانها، والعمل بجدية من اجل إعادة اللحمة بين مكوناتها ودرء خطر عودة هكذا عصابات إرهابية مرة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* إحصاءات المديرية العامة لشؤون الايزيدية بوزارة الأوقاف في كوردستان.

190
كوردستان والقيم العليا

كفاح محمود كريم

     مَن عرف كوردستان وشعبها أدرك قيمها العليا واكتشف إن في سلوكيات أهاليها ما ترفع لهم القبعات كما يقولون، ولعل ما حدث بعد انتفاضة آذار 1991م، وتحديدا بعد سنوات من مجازر الأنفال وحلبجة، أو بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003م، اثبت للعالم اجمع عمق وسمو القيم الرفيعة التي يتصف بها شعب كوردستان وقيادته، حينما احتضن مئات الآلاف من الجند الذين سقطوا بأسر الثوار والشعب، وكيف تم التعامل معهم بأعلى قيم الإنسانية دونما انتقام أو كراهية، وكذا كان الحال مع مرتزقة النظام وعملائه ممن كانوا يسمون بالجحافل الخفيفة التي تم إعفاؤها والتسامح معها، في واحدة من ارقي آيات المسامحة والتعايش التي أدت إلى نهوض كوردستان وتطورها الاجتماعي والسياسي والحضاري.

     لقد واجه الإقليم منذ استقلاله الذاتي عن حكومة بغداد عام 1991م وحتى يومنا هذا، الكثير من المشاكل والتحديات الداخلية والخارجية في خضم حصار مزدوج مضروب حوله من قبل الأمم المتحدة والنظام العراقي في حينها طيلة عقد التسعينيات ومطلع الألفية الثالثة، بما في ذلك تلك الحرب القاسية التي فرضتها أجندات أجنبية أنفقت مليارات الدولارات من اجل تحطيم كوردستان وتجربتها، إلا إن شعب كوردستان وفعالياته السياسية على اختلاف مشاربها ورؤاها انتصرت للوحدة والتسامح والحوار من اجل مصالح البلاد العليا ونجحت في حل أكثر المشاكل تعقيدا، ونهضت كوردستان وغدت ملاذا وواحة للسلم والأمن والعمل والأعمار، فاحتضنت مئات الآلاف من العراقيين الهاربين من جحيم الإرهاب والبطالة والخوف، وغدت كيانا فرض احترامه على الجميع من خلال قيمه النبيلة العليا.

     وفي الحراك السياسي الأخير وما رافقه من عمليات عنفية أثناء التظاهر في بعض البلدات شرق الوطن وتداعياته السياسية، تصور البعض من السذج سياسيا والمثيرين للسخرية إن شعب كوردستان سيتخلى عن قيمه الخلاقة، وان مجرد خلاف سياسي هنا أو هناك سيدمر الإقليم وتجربته، وقد ذهب العديد من أولئك المرتزقة الفاشلين سواء في الداخل أو خارج الإقليم إلى الإيحاء بانهيار الإقليم أو قيام حرب أهلية، واشتغلت أبواق الدعاية لكل من عادى ويعادي الكورد وكوردستان ومشروعهم النهضوي، في شن حملة رخيصة لتمزيق وحدة الصف الكوردستاني باستخدامهم لأقلام وأصوات داخلية، ما هي إلا صدى لذلك التاريخ العفن لجوقة الجحوش سيئة الصيت التي اندثرت مع نهوض كوردستان وشعبها وأصبحت صفحة سوداء مزقها الشعب وأرسلها إلى الماضي.

     إن قيم كوردستان النبيلة الناتجة من تراكم حضاري أخلاقي ونضالي عبر تاريخ طويل من الصمود والمقاومة للحفاظ على الهوية الوطنية والقومية، تعكس اليوم وفي ظروف غاية في التعقيد حيث تتعرض البلاد إلى حرب ضروس تستهدف وجودها شعبا وأرضا، تعكس أصالة هذا الشعب ومقدرته على الوحدة والتعايش والتسامح والانتصار الأكيد على العدو الذي يستهدف ما أنجزه الشعب عبر تاريخه، حيث ستبقى هذه القيم المصد الأقوى والسور الأعلى لحماية كوردستان وشعبها ومشروعها النهضوي.

kmkinfo@gmail.com




191
كوردستان لا يصح فيها إلا الصحيح!

كفاح محمود كريم

     لقد أماطت الأحداث الأخيرة في بعض بلدات السليمانية اللثام عن توجه متطرف يميل إلى الإرهاب أكثر من ميله إلى أعمال العنف فقط، حيث تميزت الهجمات الأخيرة على مقرات الأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام، بتنظيمها الدقيق واستخدامها شريحة المراهقين على طريقة تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) في انتقائها للانتحاريين ومنفذي الأعمال الإرهابية، كما شهدها العالم اجمع سواء في العراق أو سوريا أو غيرها من البلدان، مستخدمة أساليب إرهابية مثل الحرق والرجم بالحجارة وتدمير المقرات وقتل أعضائها أو منتسبيها في أعمال الغاية منها إرهاب الآخر وليس إعلامه أو إبلاغه كما تدعي في التعبير عن الرأي!؟

     وقراءة أولية تحليلية للسلوكيات التي شهدناها على شاشات التلفزة من قبل مجاميع من المراهقين في عمليات الحرق والهجوم والتخريب لمقرات الأحزاب والمنظمات والفضائيات، ندرك ماهية الشخصيات التي تقود وتوجه تلك المجاميع وندرك التطابق الكبير بينها وبين من كان له دورا ميدانيا رئيسيا في مذبحة راح ضحيتها العشرات من بيشمركة الأنصار الشيوعيين عام 1983م الذين تمت تصفيتهم على يده بدم بارد وبغدر مثير جدا لا مثيل له في المنطقة، بل إن الذاكرة الأليمة لفترة الاقتتال الداخلي تؤكد ضلوعه وعصابته بأعمال إجرامية تنم عن إن أصحابها ذوي عاهات نفسية في مقدمتها السادية التي ميزتهم في معظم مراحل نشاطهم.

     ويبدو إن أجهزة دعايتهم وبيادقها تمارس نمطا من الإسقاط اتضح بشكل جلي في وسائل إعلامهم وكتابة كوادرهم في الصحف والمواقع الالكترونية، حيث يسقطون ما فيهم من أمراض نفسية وعاهات اجتماعية ومركبات نقص يعانون منها على الآخرين الذين يشعرون إزائهم بالتقزم والشعور بالتلاشي، خاصة وإنهم فشلوا في أن يقدموا أنفسهم كحزب أو منظمة طيلة السنوات الخمس الماضية رغم ما استحوذوه من أموال بأساليب ملتوية ومشبوهة من مصادر داخلية وخارجية، والأغرب من كل ما ذكرناه التطابق الكبير بينهم وبين جوقة المالكي الدعائية ضد الإقليم وقادته ومؤسساته وطموحات شعبه، فهم جميعا يعزفون على ذات الأوتار وبنفس الألحان!؟

     لقد حاولت القوى السياسية الرئيسية في البلاد احتوائهم كمجموعات منفلتة وغير منضبطة، لم ترتق إلى مستو حزب أن تساعدهم للتحول إلى قوى منظمة وفاعلة وطنيا ومشاركة في صنع القرار سواء تحت قبة البرلمان أو في السلطة التنفيذية، لكن الأيام الماضية أثبتت إن تيارا فاشيا ينمو بينهم وبشكل متسارع، تيار لا فكر له ولا برنامج إلا الفوضى وإعاقة تقدم العملية السياسية في الإقليم وتطورها، حيث اقترفوا خطأ فادحا في ممارسة دور المشارك في الحكومة والمخرب لها، وما قاموا به خلال الشهرين الماضيين كشف النقاب عن مؤامرة كبرى كانوا يحيكونها لإيقاف عجلة التقدم السياسي للإقليم والعمل على انهياره ومن ثم انصياعه لمقدرات من يعاديه من دول الجوار وغيرها في الداخل والخارج.

     إن الهجمة الدعائية التي تشنها أجهزتهم وكتابهم أصبحت من السذاجة والبذاءة، محط اشمئزاز وسخرية الأهالي الذين يعرفون جيدا من هم هؤلاء وما هو تاريخهم وأسباب نشوئهم وأساليبهم في العمل التي تؤشر لتبلور قوة فاشية دكتاتورية تعمل تحت طغيان وتفرد شخص لا يؤمن بالآخر ولا يقبل وجوده ويدعي انه يناضل مدنيا وديمقراطيا، وحينما يشعر بالفشل يعود إلى أصله في الإرهاب الذي شهدناه في ممارساته الأخيرة التي اعتمد فيها اساليبا داعشية بتميز، ورغم انه لا يمكن المقارنة بين الثرى والثريا، إلا أن ما أنجزه الديمقراطي الكوردستاني وزعيمه البارزاني طيلة أكثر من نصف قرن يؤكد مصداقية هذا الحزب وجماهيريته العريضة التي تتضح في كل مرة يحاول أعدائه ومنافسيه بشتى الوسائل تحجيمه، يؤكد فوزه العظيم من خلال ما قدمه من تضحيات هائلة وما أنجزه في مسيرة البناء والاعمار لكوردستان خلال فترة قياسية، وما حصل خلال العامين الأخيرين ورغم هول ما تعرض له الإقليم برئاسة الرئيس بارزاني من هجمة متوحشة في حرب ضروس استهدفت كيانه ووجوده، فقد انتصرت كوردستان، وصمدت أمام مشاريع تدميرها من خلال قطع حصتها من الموازنة وإيقاف صرف معاشات موظفيها التي تؤكد أخبار مهمة عن ضلوع هذه الجماعة في تكريس الأزمة المالية بالتعاون مع إدارة المالكي وأجهزته، ورغم ذلك حافظت كوردستان على صمودها وامن وسلامة أكثر من مليونين من النازحين الذين اختاروها ملاذا يحفظ أمنهم وكرامتهم وعوائلهم رغم الضائقة المالية للإقليم.

     بعد عدة أيام من انفلاتهم بانت عوراتهم وسقطوا ليسقطوا ما فيهم على الآخرين، لكنهم نسوا إن حبل الكذب قصير وان فاشية جديدة وقوى فوضوية لن تجد لها في كوردستان بيئة لنموها أو وجودها، لسبب بسيط هو إن الأهالي أدركوا إن اقصر طريق إلى تحقيق الهدف الأسمى لهم، هو الحوار المتحضر وقبول الآخر والديمقراطية والتعبير عن الرأي بأساليب أخلاقية رفيعة وراقية ، لا باستخدام العنف والحرق والإرهاب كما تفعل داعش وغيرها.

ولا يصح إلا الصحيح..





192
كوردستان بأيادي أمينة!

كفاح محمود كريم

     لقد مرت كوردستان والحركة التحررية الكوردستانية بتجارب وتحديات كثيرة، وعصفت بها أزمات وحروب ومؤامرات عديدة، وفي كل مرة كانت تنهض اقوي وأروع مما كانت عليه، وخير ما يجعلنا نؤمن بأنها في المسار الصحيح ولا خشية عليها، إنها تجاوزت الانشقاقات وما تلاها من تآمر دولي لإيقافها في 1975م وبعد ذلك حرب الإبادة والأنفال والاقتتال الداخلي لكنها سرعان ما نهضت اقوي مما كانت عليه، لتتحول بعد انتصار انتفاضة آذار 1991م من حركة تحرر ثورية إلى كيان سياسي ديمقراطي، ومؤسساته المنتخبة مباشرة من الشعب.

     واليوم وبعد بناء أسس المستقبل الزاهر، تواجه كوردستان وقيادتها الحكيمة ثمن إصرارها على إكمال المشوار في البناء والاعمار وتحقيق حق الاستقلال بأي شكل من الأشكال، تحديات كبيرة ومؤامرات خبيثة، ففي مسيرتها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي واجهت أنماطا وأشكالا كثيرة من الأعداء، سواء من الأنظمة الدكتاتورية وجيوشها أو من المصنوعين في دهاليز المخابرات المحيطة بالإقليم، والتي كانت تعمل تحت كل الظروف سواء من الداخل باستخدام أساليب شق صفوف الحركة أو زرع مندسين يعملون من خلالها على إفسادها، أو الهجوم المباشر عليها كما حصل في إسقاط جمهورية كوردستان الأولى عام 1946م، أو التآمر الدولي لإسقاطها في 1975م، أو من خلال الاقتتال الداخلي لإيقاف مسيرة الاستقلال وبناء أسسه، وها هي اليوم تكشف عن أنيابها ثانية حينما أصبح شعب كوردستان قاب قوسين أو ادني من تحقيق استقلاله الاقتصادي والسياسي وانتصاره النهائي على قوى الإرهاب والشوفينية التي تهدد كيانه.

     إن ماكينة إنتاج الجحوش ( وهي كلمة تطلق في كوردستان على عملاء الحكومات الدكتاتورية ) التي تم تصنيعها في كل من بغداد وطهران قبل أكثر من نصف قرن، بعد اندلاع كبرى الثورات الكوردستانية في 11 أيلول 1961م، وان كانت صدئة اليوم، فإنها ما تزال تنتج أجيالا مشوهة من ( الجته- وهي ميليشيا حكومية من عملاء السلطات تقوم بمحاربة الثورة الكوردية ) بأشكال وأنماط وهيئات لا تختلف في جوهرها عن فرسان الأفواج الخفيفة، المتخصصة في خيانة شعبها وقضيتها والمتمرسة في معاداة كل مشروع من اجل الحرية والاستقلال، تعود اليوم مرة أخرى لتنفذ ذات البرامج التي يتم وضعها في دهاليز مخابرات الدول التي تعادي تطلعات شعب كوردستان وممارسة حقه في تقرير المصير، جنبا إلى جنب مع داعش التي تستهدف وجود الكورد وكوردستان.

    إن كوردستان اليوم قد أخذت كل لقاحات هذه الأمراض الوبائية، ومرت بكل ادوار التحديات الداخلية والخارجية، حيث تجاوزت أكثر الأحداث دموية في حلبجة والأنفال، وأتعسها في الاقتتال الداخلي، وتفرغ شعبها بعد الانتفاضة ورغم كل التعقيدات والمؤامرات إلى بناء تجربته وتحقيق ذاته، فحولها خلال سنوات إلى جزيرة مزدهرة وملاذ آمن لكل العراقيين المضطهدين، لكي تصبح منارا للحرية والازدهار والمدنية.

      إن البيشمركة الذين ارسوا أسس هذا الكيان ونجحوا في الحفاظ عليه منذ ربع قرن وانتصروا على اعتى قوة إرهابية عرفها الإنسان في التاريخ الحديث، بما جعلها مصطلحا عالميا يرمز للمقاومة والدفاع والفروسية على مستوى العالم بأجمعه، قادرة اليوم وبشجاعتها المعهودة الحفاظ على مكتسبات شعب كوردستان وأمنه وسلامة أراضيه وأمنه القومي والوطني.

اطمئنوا كوردستان بخير والغيوم السوداء عدت..

kmkinfo@gmail.com





193
البيشمركة.. الرقم الأصعب


كفاح محمود كريم

     بينما يختار زعماء العالم والرأي العام الأوربي توصيفات رفيعة لقوات البيشمركة التي تحولت من مصطلح يومئ إلى مقاتلين جبليين بالزي الفلكلوري الكوردي،  إلى رمز للمقاومة والفروسية والانتصار للحضارة الإنسانية على اعتي قوة إرهابية وحشية شهدها العالم في التاريخ الحديث، يتنكر بعض المسؤولين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة الاتحادية حيدر العبادي لمجرد ذكر ما أنجزوه من انتصارات جعلت العالم المتحضر في كل أصقاع الدنيا يتداعى إلى كوردستان معجبا وداعما لهذه القوات وزعمائها الذين ما برحوا ارض المعركة منذ اندلاعها وحتى يومنا هذا.

     والغريب إن السيد رئيس الحكومة الاتحادية العراقية من المفترض أن يمثل كل مكونات العراق ومؤسساته، وما أنجزته تلك المكونات والمؤسسات ومنها قوات البيشمركه التي يعتبرها هو جزء من المنظومة الدفاعية العراقية، يخرج في كل خطاب أو كلمة وآخرها في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، ليمتدح بطولات وانتصارات الحشد الشعبي وهي مجموعات تطوعية عسكرية تم تشكيلها بفتوى من المرجعية الشيعية العليا للدفاع عن المراقد المقدسة في سامراء والكاظمية والنجف وكربلاء، وعليها اعتراضات كبيرة من أهالي المناطق التي تقاتل فيها، مثل الانبار وتكريت وديالى، وتخوف كبير إلى حد رفض مشاركتها بتحرير الموصل، بينما تنال الأخرى أي قوات البيشمركة رضى وإعجاب العراقيين والعرب عامة ودول العالم خاصة الولايات المتحدة وكندا واستراليا والاتحاد الأوربي، إضافة إلى الرأي العام العالمي الذي وقف إجلالا وإكبارا لها في كل المناسبات والمواقع.

     وبمتابعة سريعة لمعظم المسؤولين العراقيين وخاصة الخارجين من تحت عباءة المالكي وحزبه ومن والاهم، وورثة ثقافة البعث الشوفينية وأمثالهم من المتطرفين الدينيين والمذهبيين، يدرك أن جبهة المعاداة للبيشمركة تصطف تماما مع أولئك الذين ذبحوا أسراهم قبل عدة أيام، في واحدة من أبشع عمليات الانتقام الجبانة التي تمارسها هذه الجبهة وان اختلفت في التسميات والأفكار لكنها دوما تنطلق من ذات المنطلقات في التهميش والإقصاء والإبادة، حيث لا يختلف اثنان في توصيف من يقصي أو يهمش فعل قوات البيشمركة مهما كان موقعه أو انتمائه، عن أولئك الذين ذبحوا أسراهم، وهم يدعون أنهم وارثي عقيدة الإسلام التي تحرص كما جاء إلينا من كتب التاريخ أو القصص على أنهم أطلقوا سراح كل أسير مقابل أن يعلم عشرة من أمييهم القراءة والكتابة، وان لا يقتلوا طفلا أو امرأة أو اعزل أو أسير!

     البيشمركة التي يحاول البعض وخاصة من رموز ترويكة حكم كتلة القانون ومن والاهم، تهميشها أو إقصائها، وذبح الآخرون سبعة من أبطالها الأسرى، هذه القوات وطيلة أكثر من سبعين عاما لم يسجل عليها قتل أسير أو جريح أو القيام بعمليات إبادة جماعية أو انتقام أو عمل إرهابي يستهدف المدنيين بحجة كونهم مع العدو أو بقربه، قوات كانت وما تزال يتخلى أفرادها عن مأكلهم وأغطيتهم لصالح أسراهم وجرحاهم من العدو، ويشهد العراقيون طيلة سنوات الصراع المريرة مع الأنظمة إن هذه القوات كانت حضنا دافئا وآمنا لأبنائهم المغرر بهم والمغصوبين على مقاتلة الكورد وثورتهم حينما يقعون في الأسر أو يلتجئون إليها.

     البيشمركة لم تعد مجاميع من الثوار تقاتل الأنظمة الدكتاتورية، أو رقما عشوائيا في معادلات القوة والسياسة والسلم والأمن الدوليين، بل أصبحت الرقم الأصعب في المشهد السياسي والعسكري الإقليمي والدولي، ورمزا عالميا وليس كوردستانيا أو عراقيا فقط، للدفاع عن مبادئ الحضارة الإنسانية وقيمها العليا أمام غول التخلف والهمجية، ومحاولات إعادة البشرية إلى دهاليز ظلام العنصرية والتطرف الديني المقيت.

     كان حري بالمسؤول العراقي أن يقلد زعماء دول العالم في الإشادة بهذه القوات العريقة التي تنتمي لحد الآن إلى بلاده، لكي يكبر هو ويزهو بنصرهم وبسمعتهم التي تشرفت بها الحضارة البشرية وأصبحت رمزا للقيم الإنسانية العليا.

kmkinfo@gmail.com


194
تصريح من مكتب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني

     أوردت بعض وسائل الإعلام عن نية الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد نصب تمثال للبارزاني الخالد ملا مصطفى، وقد تم الاتصال بالفرع الخامس وإعلامه بعدم موافقة ورفض الرئيس مسعود بارزاني لهذا المقترح، والتأكيد على ممارسة نهج البارزاني الخالد في القيم الانسانية والروح الوطنية واشاعة قيم التعايش والتسامح والسلم بين مكونات العراق بدلا من وضع النصب والتماثيل.
 
 
كفاح محمود
المستشار الاعلامي
في مكتب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني
29 أيلول 2015م


195
كوردستان والأنظمة المعادية؟

كفاح محمود كريم

     طيلة ما يقرب من قرن من الزمان منذ تأسيس الكيان العراقي في غفلة من مكونات، وحتى يومنا هذا توالت على دفة الحكم فيه أشكالا وأنماطا من الأنظمة والحكام، اختلفت في الأسماء والعناوين وربما في آليات تسلق سلالم السلطة أو القفز إليها ببهلوانيات انقلابية، حتى آخرها الذي استخدم صناديق الاقتراع مع شعب لم يبلور لحد الآن مفهوما للمواطنة، تنضوي تحتها كل الانتماءات الأخرى، بل على العكس تم تقزيم الوطنية والمواطنة بالولاء العشائري والمناطقي تارة، وتارة أخرى بالحزبي والديني والمذهبي، وفي كل هذه العجقة من الانتماءات يتقدمها دوما الولاء المطلق للقائد الضرورة، وضع من تشاء من أسماء رؤساء العراق!

     الغريب إن الأنظمة اختلفت في كثير من الأمور لكنها اتفقت جميعها على ذات الثقافة في التعامل مع كوردستان وقضيتها وان اختلفت الأساليب والادعاءات، لكنها تتفق جميعها في الثوابت العدائية مع تطلعات الكورد وحقوقهم الإنسانية، فمنذ ثورة أيلول الكوردستانية التي قادها الزعيم مصطفى البارزاني في مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، لم تختلف القوى المضادة لها قيد أنملة في عدائها وأسلوبها الدعائي وحتى مصطلحاتها التي تستخدمها في توصيف الحركة التحررية الكوردستانية، وليس غريبا أن تتفق أو تتوحد في الطرح كل الأنظمة وان اختلفت إيديولوجيا في نظرتها لقضية شعب كوردستان وحقوقه الإنسانية في حق تقرير مصيره، فتارة هي انفصالية وتارة أخرى انعزالية أو شعوبية أو عميلة للاستعمار والصهيونية، فهذه المصطلحات توحد النهج الدعائي لكل من عادى شعب كوردستان وطموحاته في تحقيق ذاته ونيل حقوقه.

     المتطرفون من البعثيين والقوميين ومن سبقهم، وحتى بعض معارضيهم من اليساريين، وان ابدوا مرونة هنا وهناك، لكنهم لم يأبهوا في توصيف الحركة التحررية الكوردستانية بأنها إما انفصالية أو عشائرية رجعية في اضعف الإيمان، أما البعثيون وورثتهم اليوم فقد شنوا حملات دعائية مكثفة في كل من العراق وسوريا وعملائهم في بقية البلدان العربية، بان الثورة الكوردية وقادتها مجرد عصابات متمردة عميلة للاستعمار والصهيونية، والغريب في هذه الثقافة البائسة إن معارضيهم بعد إسقاطهم وإبادتهم، وصموهم بذات الأوصاف واعتبروهم عصابات عميلة   للصهيونية والاستعمار!؟

     اليوم تكرر بل وتستنسخ أجهزة دعاية حزب الدعوة الحاكم من جماعة المالكي ومن والاه فكرا وعقيدة، ذات المنهج في معاداة الكورد وكوردستان وبذات التوصيفات، وقراءة سريعة لوسائل دعايتهم المسموعة والمقروءة والمرئية والالكترونية، يستدل المرء بأنهم فعلا الوجه الثاني لعملة البعث الفاشية العنصرية، لما يقومون به من حملة ملؤها الحقد والكراهية ضد كل من يعارضهم وفي مقدمتهم الكورد وكوردستان، مستثنين في ذلك القوى العميلة لهم ممن كان يطلق عليهم شعب كوردستان بـ (الجته) أو الجحوش، وهي ميليشيا من عملاء الأنظمة الدكتاتورية في بغداد، وتضم أغوات عشائر وشخصيات كارتونية يتم تصنيعها كبدائل لممثلي شعب كوردستان وفعالياته السياسية، ولكن ممن يحمل عبارة صنع في بغداد، وهم يعاودون صناعة هذه البضاعة الفاسدة ثانية بأشكال سياسية مقززة، فهل فعلا يعيد التاريخ نفسه كما حصل في ستينيات وسبعينيات وما تلاها من القرن الماضي!؟

     إذا تم ذلك فهذا يعني إن مشهد سقوط أنظمة الملكية وقاسم والعارفين والبعثيين وصدامهم سيتكرر هو الآخر، وستبقى كوردستان كما في كل مرة صامدة شامخة كجبالها وأخلاقياتها وقيمها!

kmkinfo@gmail.com

196
المنبر الحر / كلُ يعبر عما ينقصه!
« في: 15:19 04/09/2015  »
كلُ يعبر عما ينقصه!

كفاح محمود كريم

     كثيرا ما يتحدث سياسيو الغفلة في العراق عن الوطنية والنزاهة، فما من اجتماع أو ندوة أو مؤتمر صحفي أو خطاب مهم، إلا وتراهم ينبرون في الحديث عن الوطنية والنزاهة بحماسة لا مثيل لها، بل إنهم يتصببون عرقا من حماستهم وخاصة حينما يتحدثون عن المال العام والسيادة الوطنية ووحدة الأراضي وكل هذه المصطلحات التي يتداولوها بحماس منقطع النظير يخبئ تحت طياته الكثير الكثير من الخفايا والمخازي معا، وعلى ذات المنوال وبحماس ملوث بالحقد والكراهية العمياء يتحدث صنف آخر من العنصريين القوميين عن العرق وتفوقه ونقائه وأفضليته بعنصرية مقيتة، يلغون فيها الآخر ويغطون بواسطتها مركبات نقص رهيبة في تكوينهم أو انتمائهم الحقيقي، وليس الذين يتطرفون في الدين أو المذهب اطهر منهم، فما من متطرف أو متشدد إلا وأخفى تحت عمامته أو سيفه المذنب عقد تاريخية منذ طفولته وتربيته، وكم شهدنا في حياتنا من أولئك الذين يتشددون في عقائدهم وينسون أنفسهم في موبقات تصنف من الكبائر؟

     وفي الجانب الآخر نقارن ذات الحماس والتشدد لكنه أكثر صراحة وتعبيرا وطهارة حتى في تشدده ذلك هو احتجاجات الأهالي والعوام وتظاهرات الشعب ومطالبته بتحقيق العدالة أو الخدمات ومفرداتها في الماء والكهرباء والصحة والتعليم والعمل، كما يجري الآن في بغداد وبعض المحافظات في العراق وفي بيروت ولبنان عموما، دونما فوضى أو اعتداء على احد بل كانوا أولئك الحقيقيون في الاحتجاج والتظاهر ضحية فرق سوداء اندست بينهم من قبل من ذكرتهم أعلاه لإرعابهم أو إخراسهم أو تصفيتهم.

     حقيقة لا أتذكر وأنا أطالع تقاطيع مسؤول من مسؤولي السياسة اليوم في بلادنا وهو في قمة حماسه وتعرق جبينه وهو يتحدث عن الوطنية والنزاهة، إلا ما كان يردده الكاتب الايرلندي الساخر برنارد شو حينما قال ردا على احد الكتاب الكبار وهو يتهمه بالصعلكة في كتاباته التي يتحدث فيها دوما عن المال، بينما يتحدث الكاتب الآخر عن الأخلاق والفضائل، فما كان من برنارد شو إلا ورد قائلا صدقت زميلي فكلانا يتحدث عما ينقصه!

     وهكذا حال السياسيون والنواب والوزراء في بلادنا باستثناء القلة القليلة من الانقياء، يعبرون بحماسة عالية عما ينقصهم دوما كما يفعل المتظاهرون أيضا في حماستهم وهم يطالبون بما يعوزهم وينقصهم، ورغم إن الزعيم البريطاني تشرشل يصر على إن كل شعب ينال الحكومة التي يستحقها، إلا إنني ما زلت مؤمن بأن الشعب إذا توفرت له قيادة مخلصة وفكر وطني خالص يستطيع أن ينجر تغييرا مهما في حياته ونظامه السياسي والاجتماعي.

وسنرى...


kmkinfo@gmail.com
اربيل
31 آب 2015م



197
تجاوزنا المحنة وانتصرت كوردستان

كفاح محمود كريم

     ونجحنا كما قلتها قبل سنين يا كوردستان، ليس اليوم سيدتي الأرقى، بل حينما اختار شعبك في أولى ساعات تحرره من كابوس الاحتلال، وطالب زعيمه البارزاني جماهير شعب كوردستان في اولى أيام الانتفاضة بمدينة كويسنجق في آذار 1991م الخيار الديمقراطي طريقا لممارسة حياته السياسية والاجتماعية، ووضع أسس مؤسساته الرسمية بعد أن انزاح كابوس الاحتلال البغيض.

     حقا كان تحديا عظيما في ظرف معقد لكنه بحجم تلك التضحيات الجسام التي حررت البلاد وأنتجت أول برلمان ينتخب بشكل حقيقي من الأهالي عام 1992م، ليكون واجهة الأحداث بل الجبهة الحضارية الأقوى ضد قوى التخلف والشمولية، فناصبته العداء كل دول الجوار دونما استثناء، حتى منعوا عنه في أبشع حصار شهدته الشعوب، حفنة من دقيق أو كيلو من خضار، بل إنهم أنفقوا مليارات الدولارات لإشعال الفتنة في داخل الإقليم بين المتنافسين ونجحوا إلى حد ما فكانت تلك الحرب التي نالت من البلاد والعباد الكثير الكثير.

     لكنها كوردستان الحكمة والعقل والتاريخ الممتد عمقا والشعب المكتوي بنار الاحتلال، لعق جراحه واتكأ على الحكمة والعودة إلى البداية التي قرر فيها اختيار طريق التداول السلمي للسلطة، فعادت الحياة ثانية لمؤسسات الأهالي وممثليهم وكانت الانتخابات الثانية في 2005م لتضيف جدارا آخرا في بناء المستقبل الذي بدأ يزهر اليوم، حيث تحولت كوردستاننا إلى خلية نحل في كل مناحي الحياة التي أصر الشعب الذي حرموه من ابسط مقوماتها أن يعوض كل سنوات القهر والظلم والحرمان، ويخرج إلى العالم خلال عدة سنوات بصورة أذهلت الأعداء وأثارت إعجاب الأصدقاء، فكانت كوردستان التي تعيش في ظلام دامس لؤلؤة من ضياء ونور، فعل فيها الرجال والنساء من أبنائها وبناتها ما عجزت عن فعله حكومات العراق منذ تأسيسه في مطلع عشرينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

     وتكللت نجاحات الأعمار والتنمية في أرقى صورها حينما ذهبت أفواج هذا الشعب شيبا وشبابا نساءً ورجالا إلى صناديق الاقتراع بنسبة تجاوزت نسب الناخبين في اعرق دول الديمقراطية، حيث بلغت ما يقرب من 75% من السكان الذين تشملهم الانتخابات والتي أشاد بها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوربي، إضافة إلى المشاركة الكبيرة للنساء والشبيبة بصورة أعطت الرأي العام حقيقة نتائج التمنية البشرية والوعي الاجتماعي والسياسي المتحضر لدى القطاعات الواسعة من أبناء الوطن، بما يجعلنا نفخر به جميعا ونعمل من أجل تطويره أكثر وأكثر.

     إن ما يحصل اليوم في كوردستان هو مشروع حضاري ومدني كبير يثبت فيه الإنسان مقدرته على تجاوز الماضي بكل مآسيه وكوارثه، والانتقال إلى عالم مشرق زاهر بإصرار الشبيبة على إكمال مشوار الإباء والأمهات في تأسيس وطنهم بعيدا عن العنف والصراعات الدموية بانتهاجهم ثقافة قبول الآخر ولغة الحوار، تحت خيمة المصالح العليا لكوردستان بعيدا عن فرض الإرادات والأجندات الإقليمية، بما يخدم نضال شعب كوردستان ودفاعه المستميت أمام عدو متوحش، توحدت فيه كل أشكال الشوفينية العنصرية والتطرف الديني والمذهبي المقيت، واستطاع بتوحده وقيادته تحطيم أسطورة  الرعب لمنظمة داعش الإرهابية، بما جعل قواته المسلحة من البيشمركة مصطلحا عالميا يرمز للبطولة والمقاومة وقتال الفرسان.

     إن قيادة الرئيس مسعود بارزاني الحرب الدفاعية مباشرة وفي خطوطها الأمامية منذ سنة من اليوم أعطى دروسا بليغة لإصرار هذا الشعب على الانتصار وعلى مشاركة الجميع من اجل الانتصار وتحقيق الحلم الكوردستاني بعد أن نجح في تكريس الديمقراطية ولغة الحوار الحضارية التي اختارها منذ الأيام الأولى لاستقلاله الذاتي في انتفاضة ربيع 1991م.

     لقد تجاوزت كوردستان محنتها ونجحت بامتياز في امتحانها العسير وانتصرت إرادة الشعب التي لا يلوى ذراعها أبدا

 


198
الديموقراطي الكوردستاني بين الحزب والمؤسسة القومية

" على أعتاب ذكرى تأسيس أول مشروع نهضوي كوردستاني "

كفاح محمود كريم

     لقد عاش الكورد مئات السنين من تاريخهم يتعاطون الحياة مع جيرانهم العرب والفرس والترك دونما شعور بأن الآخرين أقوام اقل منهم شأناً أو مكانة إنسانية، وعلى العكس من ذلك فقد تبنوا عبر تاريخ هذه الشعوب قضاياهم وآلامهم وبنائهم للبلدان والأوطان واندمجوا في تفاصيل حياتهم وناضلوا من أجل العيش معا، وقتل مئات الآلاف منهم لأجل قضايا تلك الشعوب بصرف النظر عن الكيفية والوسيلة، وعبر مئات السنين أيضا حاول الآخرون إذابة الكورد في بوتقاتهم، وإلغاء هويتهم القومية، تارة باسم الدين وتارة أخرى على خلفية شوفينية عنصرية استعلائية، وسرقة تاريخهم أو مسخه بما لا يترك أثرا حضاريا لهم، رغم أنهم ساهموا حتى مفاصل القيادة الأولى في كياناتهم السياسية كما فعل صلاح الدين الأيوبي حينما انصهر كليا في بوتقة الدولة الدينية الإسلامية وأقام صرح دولته الأيوبية ذات الغطاء الإسلامي والباطن القومي العربي، وما حققه للعرب والمسلمين من إنجاز لم يتحقق حتى يومنا هذا في تحرير فلسطين آنذاك، ومثل ما فعل هذا فعل المئات من أمثاله في حقول الثقافة والآداب والعلوم والفنون للفرس والعرب والأتراك.

     ولم يشفع هذا السيل من الذوبان والمشاركة الأصيلة في منع أصحاب القرار لمئات من السنين في فكرة قبول الكورد كيانا سياسيا وقوميا مستقلا، لا في الجزء الذي اندمج مع العرب ولا في الجزأين الذين اندمجا مع الفرس والأتراك، بل راح الأخوة الأعداء يمعنون في برامجهم وسياساتهم بكل الوسائل على تمزيق كوردستان وصهر شعبها تارة كونهم أتراك الجبال وتارة الأخ الأصغر لفارس الأكبر وتارة أخرى في بوتقة الإسلام ولغة أهل الجنة، وهكذا دواليك السنين والأزمان، فما ارتضى الكورد استكانة أو امتهان، فقامت لهم انتفاضات وثورات وعاشوا أزمانا من القهر والقتل والتشرد والتهجير والتفقير، حتى انقسموا أربع أجزاء في أربعة دول، وآلافٍ من العشائر والقبائل واللهجات والثقافات، وأعراض رهيبة لشعب أسير ومعتقل في وطنه من اختلاف الولاءات والاتجاهات، حتى غدت القرية والعشيرة هي الأساس في الارتباط والانتماءات. وتسطيحٌ للمفاهيم والتعليم ومنع اللغة ونشر الأمية وتسييدِ جهلة ونكرات، حتى ظن القوم إننا ضعنا في طوفان الإلغاء والأنفالات.

     من إذن يستطيع أن يجمع هذه الأمة التائهة بين ذئاب ووحوش كاسرة من كل الجهات وقطعان من التخلف وطوفان من التشتت والاستلاب والتغييب وعشرات من اللهجات وملايين من علامات الاستفهام والاستفسارات، وانتماء لقرية أو عشيرة أو دين أو فكر، لكنها جميعا بعيدة عن ما كان يفكر به ثلة من رجال صاحبوا الشمس في ظلمة الليل، وفارس جليل يحمل شعلة كاوه وفوانيس ميديا وشموخ جبال امتدت على خارطة الوطن المجزأ كبرياء وعنفوانا ووجود.

     كان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الماضي وأواخر عامه السادس والأربعين وتحديدا في السادس عشر من آبٍ اللهاب بأيامه وأحداثه التي ستغير مجرى التاريخ والأحداث.
     هناك؛ جمع الزعيم البارزاني مصطفى تاريخ أمة، وتشتتَ شعب، وإصرار وجود، وتحقيق هوية وعنوان، القرية والعشيرة واختلاف اللهجات والانتماء للاشيء والتدين القروي وتعدد الفكر ومدارسه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وطبقات الناس من أدناها فقرا وعوزا إلى أعلاها ثراءً وإقطاعا، وشرائح من ناس، أدباء وفنانين وعلماء وضباط ومتعلمين وأميين وأنصاف مثقفين وأرباع متعلمين وعلمانيين ورجال دين مسلمين وايزيديين ومسيحيين وملحدين، من شرق الوطن وغربه ومن الشمال وأساسه في الجنوب.

من هنا كانت البداية... أين يكمن الألم..؟

     وأين هي تلك الأوجاع المتكلسة عبر الأزمان.. أزمان وتاريخ من الضياع بين أمم حاولت أنظمتها السياسية مصادرة الهوية والعنوان، ولم يك مهما لديها أن تكون فقيرا أو غنيا، مثقفا أم أميا حضاريا، مسلما أو مسيحيا أو ايزيديا، ماركسيا أو ليبراليا، يساريا أو يمينيا، المهم أن تكون تذوب في بوتقتها!؟
     هنا أدرك البارزاني مصطفى وفرسان الشمس الذين إبتدأوا المشوار إن السر في جمع كل هذه المتناقضات في كوردستان يكمن في البحث عن الهوية والعنوان، فكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
     لم يك حزبا تقليديا كما الأحزاب في كل مكان، يمثل شريحة أو طبقة أو دينا أو عرقا، بل كان مؤسسة قومية ووطنية وإنسانية، احتضنت كل أطياف وشرائح وطبقات وأعراق وأديان حول ما كان ينقصهم جميعهم وهو الهوية والعنوان.
     كان بحق مؤسسة ديمقراطية تزهو فيها كل النظريات وتلتحم حولها كل الأيديولوجيات والأطروحات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يجمعها ثابت واحد ونهج بلوَر سلوكياته وتطبيقاته الزعيم مصطفى البارزاني وأبدع في جمع شمل كل هذه المتناقضات في بوتقة مؤسسة قومية تضم آلام وأوجاع الملايين من الكوردستانيين في كل مكان، حتى غدت خلال أعوام منارا لكل الأحرار، لا في كوردستان لوحدها بل لكل العراق من أقصى جنوبه إلى أقصى غربه.

     لم يتبنى الحزب مبدأً عرقيا عنصريا أو طبقيا محددا بل كان كوردستانيا منذ اللحظة الأولى فجمع بين صفوفه الكورد والتركمان والعرب والكلدان والآشوريين والأرمن والسريان، وآخى بين المسلمين والأيزيديين والمسيحيين في ثابت الوطن والهوية والعنوان، ولم يلغ خصوصية أي مكون عرقي أو طبقي أو فكري لحساب نظرية أو فكر معين، وبذلك نهضت مؤسسة وطنية وقومية كبرى أفرزت فيما بعد ثورتها الكبيرة في أيلول 1961.

     لقد كان البارزاني مصطفى يدرك بحسه العميق وفهمه لطبيعة كوردستان وشعبها وآلامها عبر مئات السنين إن نظرية أو إيديولوجية قومية أو عرقية أو دينية لن تفلح في جمع مكونات ومتناقضات هذا البلد حول ثابت واحد يدفعها برمتها إلى النضال والكفاح من أجل هدف واحد ألا وهو كوردستان الوطن الحلم.

     وأصبح الحزب الديمقراطي الكوردستاني ملاذا لكل الأحزاب الوطنية في كوردستان والعراق وحضنا دافئا وكريما لكل الاتجاهات الفكرية والسياسية بتنوعها من اليمين إلى اليسار وملاذا لكل طبقات المجتمع وشرائحه
، وكان البارزاني مصطفى منارا تلتقي عنده كل هذه المكونات وكأنه يمثلها جميعا وهو كذلك، لم يكن ملكا لحزب أو عرق أو دين أو طبقة بقدر ما كان زعيما وطنيا وقوميا ومؤسسة كوردستانية، يجد الجميع فيها ما يصبو إليه. وهكذا كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني مؤسسة وطنية وقومية مشاعة لكل أطياف المجتمع وأعراقه وطبقاته وأديانه دونما التدخل في خصوصياتها، بحيث يجد الجميع أمالهم وأهدافهم ومصالحهم العليا في مؤسسة البارتي.

     ومنذ البداية تبنى الحزب أرقى ما أنتجه العقل البشري في نظم العلاقات الاجتماعية والسياسية وهي الديمقراطية، بل وجعلها هدفا استراتيجيا من أهدافه في كوردستان والعراق، وربط بعلاقة جدلية بين الديمقراطية في العراق وتحقيق أهداف شعب كوردستان فكان شعاره الذي ناضل من أجله:

( الحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراق )

     إن سر ديمومة هذا الحزب هو انتهاجه لسلوك وأطروحات وأخلاقيات قائده التاريخي الزعيم الخالد مصطفى البارزني الذي حول الحزب إلى مؤسسة قومية كوردستانية ذات أخلاقيات سامية تلتف حولها كل شرائح المجتمع وطبقاته وأعراقه حول ثابت الهوية والعنوان لوطن مغيب منذ آلاف السنين في حركة تاريخية للنهوض الوطني والقومي.

     إن العودة للينابيع الأولى في نهج البارزاني الخالد في معالجة التناقضات والإشكاليات التي تفرزها كل حقبة ومرحلة كفيلة بحلها والتسريع في الانتقال إلى مرحلة أكثر تطورا واستقرارا.


kmkinfo@gmail.com

199
كوردستان والتعامل المتحضر مع الملفات الساخنة

كفاح محمود كريم

     في الوقت الذي يتعرض فيه الإقليم إلى حرب شرسة من منظمة إرهابية تحولت إلى دولة إرهابية بفعل سيطرتها على محافظات عراقية وسورية كبيرة وأسلحة عدة فرق عسكرية هائلة في كل من الجيش العراقي والسوري، وتصدي قوات البيشمركة لها وتحطيم أسطورتها في الرعب وطردها من أكثر من 90% من أراضي كوردستان العراق، تندلع على حدودها الشمالية عمليات عسكرية عنيفة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكوردستاني، والتي اخترقت في كثير من صفحاتها أراض الإقليم جوا وبرا، مستخدمة أسلحة ثقيلة كالمدفعية والطائرات وأدت إلى استشهاد العديد من المواطنين الكوردستانيين المدنيين من سكان الحدود، إضافة إلى جرح أعداد أخرى وتهجير الكثير من العوائل من مناطق الالتهاب الحاصل بين الطرفين، ورغم ما يتمتع به الإقليم من مشروعية الرد بالمثل وإمكانياته العملية على ذلك مع تواضعها، الا أنها تربك العملية برمتها لو أنها استخدمت كرد فعل غير محسوب، وقد خاطب الرئيس مسعود بارزاني مع أولى ساعات التصعيد الأخير الطرفين إلى الإذعان للغة السلام والحوار والمفاوضات قائلا لهم إن سنوات من المفاوضات والحوار أفضل من ساعة حرب واحدة وطالبهما بإيقاف العمليات الحربية.

     لقد تعاملت قيادة إقليم كوردستان وما تزال مع معظم هذه الإشكاليات بمرونة معهودة بالحكمة والتأني وحسابات بعيدة المدى فيما يتعلق بالأمن والسلم الداخلي والإقليمي، وتأثيرهما على النهضة الاقتصادية والعمرانية والصناعية لكل الأطراف، وكانت الدبلوماسية الرفيعة التي قادها رجل الدولة الديناميكي نيجيرفان بارزاني رئيس الحكومة ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكورستاني اكبر الأحزاب السياسية في الإقليم وأعرقها، قد أتت ثمارها في كثير من الإشكاليات في الداخل والخارج وبالذات ملف الحدود مع الدولة التركية وجمهورية إيران، وقد أدركنا جميعا أثناء تأزم العلاقات بين تركيا والإقليم وتحشيدها لعشرات آلاف من جنودها مع كامل تجهيزاتهم الهجومية قبل عدة سنوات، كيفية معالجة الموقف بهدوء وتأني من لدن الحكومة ورئيسها السيد نيجيرفان بارزاني، حينما خاطب الأتراك قائلا لهم إن مصالحكم العليا وامن بلادكم واستقرار اقتصادكم يكمن في مئات الشركات التركية التي تستثمر مليارات الدولارات في كوردستان والتي ستتعرض جميعها للخطر في حالة تأزيم الأوضاع إلى درجة الفعل العسكري.
 
      لقد قاد الرئيس بارزاني في كثير من المواقف الصعبة الدبلوماسية الكوردستانية لحل إشكاليات معقدة بدءً من الصراع مع حزب العمال الكوردستاني في تسعينات القرن الماضي، وانتهاءً بكثير من المشاكل الداخلية والأزمات السياسية التي نجح في حلها أو تهدأتها سواء مع الحكومة الاتحادية ومؤسساتها أو بين أطراف العملية السياسية في الداخل، ويأتي ذلك ترجمة لنهج اعتمدته الإدارة في التعاطي مع الأحداث بحكمة وتأني ومرونة تخدم مصالح البلاد العليا، ذلك هو نهج البارزاني الخالد في التعامل مع الأزمات والحرص على وحدة الصف والأمن والسلم الاجتماعيين في كوردستان.


     لقد أدركت الإدارة في الإقليم بسلطاتها الثلاث وفعاليات الشعب السياسية والاجتماعية إن معالجة أي مشكلة من المشاكل تستلزم وعيا عميقا وإيمانا راسخا بمصالح البلاد العليا قبل القيام بأي عمل أو رد فعل غير محسوب النتائج، وبذلك اعتمدت أسلوبا حضاريا ومدنيا تميز بالصبر والمطاولة والدقة في موضوع المناطق المتنازع عليها، التي حاولت كثير من الأطراف إشعال نار الفتنة والحرب، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي وفيما يتعلق بانتهاكات دول الجوار شمالا وشرقا، اعتمت ذات النهج في مقاومتها ورفضها للتدخلات والتجاوزات بالتظاهر والاعتصام والاحتجاج والدبلوماسية الهادئة بعيدا عن تشنيج الرأي العام وإشاعة أجواء الحرب والقتال، التي لا تخدم أحدا في أي حال من الأحوال بالحفاظ على إعلام هادئ ومتزن يحفظ الأمن والسلم الاجتماعيين.

    إن إقليم كوردستان الذي يتميز اقتصاده ومجتمعه بالديناميكية والحيوية، ووضعه الأمني بالاستقرار والسلام تحول إلى ملاذ آمن لكل العراقيين حيث يضم اليوم ما يقرب من مليوني نازح من جحيم الصراعات المذهبية والسياسية في بغداد أو المحافظات التي تعرضت لاحتلال عصابات الإرهاب رغم أن حكومة نوري المالكي فرضت حصارا اقتصاديا بمنع حصة الإقليم من الموازنة منذ مطلع عام 2014م مع وقف رواتب الموظفين، إلا إن الإقليم يقوم بواجباته الإنسانية والحضارية تجاه مواطنيه والنازحين اليه، كما انه حافظ على كونه منطقة جذب مهمة جدا للاستثمارات الوطنية والأجنبية، التي تساهم في تطوير الإقليم ونهضته الكبيرة، والتي حولت كوردستان إلى ورشة كبيرة في كل ميادين البناء والأعمار والتصنيع وتحديث الزراعة وتطويرها، وما حصل في قطاع الكهرباء والطرق والخدمات الأخرى خير دليل على نجاح برامج الحكومة ودبلوماسيتها الهادئة في التعاطي مع الملفات الساخنة، بما يجعل كوردستان في منأى عن أي عمليات طائشة ربما تؤذي مصالح كل جيران الإقليم الاقتصادية والمالية والسياسية وفي مقدمتهم تركيا وإيران اللتان تتمتعان بمصالح اقتصادية مهمة جدا في الإقليم.
   
     لقد أثبتت السنوات الماضية التي قاد فيها الرئيس مسعود بارزاني الإقليم، انجاز مهمات ومشاريع بالغة الأهمية في ميادين الأعمار وتحديث المدن والخدمات والسكن، وإرساء منظومة علاقات دبلوماسية رصينة مع كثير من بلدان العالم، على أسس متوازنة تحكمها العلاقات الاقتصادية والسياسية بشكل مهني، مما بلور نسقا ديناميكيا من الدبلوماسية التي تعتمد العمل المنتج بعيدا عن التهويل والتشنيج، والذي دفع كثير من بلدان العالم إلى افتتاح ممثليات لهم في العاصمة الإقليمية اربيل والعمل من خلالها لخدمة الاستثمارات في كافة المجالات التي تتيح تبادلا مشتركا للمصالح الاقتصادية والمالية بين دول الجوار والإقليم.


     وفي الحرب مع داعش التي استهدفت كيان ووجود الإقليم شعبا وأرضا، لم تذهب قيادة الإقليم ورئيسها البارزاني إلى النفير العام وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية التي تتطلبها حالات الحروب المماثلة، بل حافظت على الأمن والسلم الاجتماعيين بشكل أثار إعجاب كل دول العالم بما اتصفت به من حكمة ودقة وشجاعة واشتراك فعلي للقائد العام الرئيس بارزاني وأفراد أسرته في كل العمليات التي تصدت للإرهاب، دون أن تحدث أي ضجيج أو تشنيج للشارع الكوردستاني الذي اتصف حتى الآن بمستو راقي في تعاطيه وتفاعله مع الأحداث، حينما استقبل رغم الضائقة الاقتصادية ما يقرب من مليوني نازح عراقي وسوري.

    إن مصلحة كل دول الجوار للإقليم وخاصة إيران وتركيا هي ترسيخ السلام في إقليم كوردستان والحفاظ عليه، لأنه يحافظ بالتالي على مصالحها الاقتصادية وسوقهما الكبير في الإقليم خاصة والعراق عامة، وغير ذلك مهما كانت الأسباب والمبررات سيعود عليهما بالضرر الكبير، لا من الجهات الرسمية بل من الأهالي الذين سيعزفون تماما عن أي مصلحة تركية أو إيرانية مهما كانت، وهذه بتقديري هي رسالة كوردستان المتحضرة والدبلوماسية إلى الجميع.

kmkinfo@gmail.com 

200
في ذكرى تمزيق سنجار!

كفاح محمود كريم

      مدينة سنجار ( شنكال ) الصغيرة في حجمها والعميقة في جذورها والكبيرة في أحداثها وتاريخها والأليمة في مآسيها، يتعايش فيها خليط من مكونات العراق، كثر من الكورد الايزيديين والمسلمين أقل، لكن فيهم الشيعة غالبة والسنة أقلية، عرب عاربة ومستعربة لم يستقدمهم البعث بل استخدمهم رغم أقليتهم، معهم في أصل المدينة الآشوريون والكلدان، مسيحيون على مذاهبهم الشتى، كاثوليك وارثيدوكس وأرمن من الطائفتين، مدينة أجمل مبانيها حتى ساعة سقوطها عديد من الجوامع المتقاربة مع كنائس قديمة متاخمة لمزارات ايزيدية، لم يبق منها داعش اثر، فسوى بها الأرض مع مساجد الشيعة ومزاراتهم وجوامع السنة التي احتوت أضرحة بُناتها.

     مقدمة مقتضبة عن مدينة سنجار ( شنكال )* التي مزقتها داعش ودمرت غالبية مبانيها وأطفأت أنوراها وأسكتت مآذنها ونواقيس كنائسها، وهجرت غالبية سكانها الأكثر من ربع مليون نسمة، حينما استعبدت من وقع منهم في الأسر، سبايا وجواري وغلمان وعبيد، في واحدة من أتعس وأقذر ممارسات التاريخ القديم للبدائية البشرية، في مدينة لم تك تعرف الفرق بين الكوردي والعربي والكلداني وأديانهم إلا في المناسبات التي تخصهم قوميا أو دينيا، حتى ظهرت فيروسات البعث العنصري، فمزقت ذلك النسيج ودمرت تلك المشاعر الرابطة، حيث استخدم البعث في تطبيق برامجه اللا آدمية شذاذ الآفاق من المنحرفين الأميين والمتخلفين المعدمين من سكان الصحراء والقرى النائية المحرومة أساسا من ابسط مقومات الآدمية، ليبرمجهم ككائنات متوحشة منفلتة من جوع وعوز وامتهان، مستخدما عقائد منحرفة تعتمد السادية والانتقام أساسا في سلوكها، حتى حان وقت إطلاقهم فبدأت غزوتهم في الثاني والثالث من آب 2014م على سنجار الآمنة المتعايشة المتصالحة، مدينة كل الأديان والمذاهب والقوميات والاثنيات، فمزقوا صباحاتها بنافورات من الدماء والأشلاء وصراخات الصبايا والأمهات المسبيات، وأقاموا أسواق النخاسة في تلعفر والموصل والفلوجة والحويجة والرقة ومعظم المدن المستباحة لفتيات ونساء تم سبيهن تحت صيحات ربهم الأكبر بعد أن نحروا آبائهم وأزواجهم وإخوانهم.

     إن انهيار هذه المنظومة من القيم الإنسانية والحضارية، وتبخر وشائج العلاقات الاجتماعية لدى أناس فقدوا كل ما له علاقة بإنسانية الإنسان وتمدنه، أدى إلى خطف الآلاف من الأسر، وقتل رجالهم وشبابهم أو إدخالهم في عقيدتهم، واعتبار النساء غنائم حرب كسبايا وجواري تم بيعهن في مزادات بأسواق المدن المستباحة، حيث لم ينفع المسلم الشيعي أو السني دينه ومذهبه، ولم يتذكر هؤلاء الهمج طيبة ومواقف الايزيديين والمسيحيين عبر التاريخ معهم وفي أيامهم الحالكة، فأنتجت جريمتهم خلال عدة أيام في مدينة سنجار ( شنكال ) هذه البانوراما الرقمية لضحاياهم:*

     لقد خطفوا 5838 شخصا جلهم من الأطفال والنساء وتسببوا في فقدان 841 شخص من النساء والرجال والأطفال، وقتلوا بدم بارد ذبحا أو رميا بالرصاص 1280 شخص، وجرحوا 890 شخصا آخرا، مات ما يقرب من نصفهم فيما بعد، وتسببوا في تهجير أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان من قضاء سنجار لوحده ناهيك عن سهل نينوى، تركوا كل ما يمتلكوه من تحويشة العمر، وخرجوا بملابسهم حفاظا على شرفهم وأطفالهم من وحوش بشرية فقدت كل أنماط السلوك الآدمي وأخلاقيات الإنسان السوي.

     واليوم وبعد عام على سقوط القيم الخلاقة للإنسان لدى داعش ومن والاها فكرا وثقافة وعقيدة وأخلاقا وسلوكا، والذي أدى إلى سقوط مدينة سنجار وغيرها من مدن الحضارة والأخلاق الرفيعة، سقطت تلك الأنسجة الاجتماعية التي كانت تربط معظم المكونات الدينية والقومية، وأنتجت جوا نفسيا معقدا وبيئة تملؤها روح الانتقام بسبب الجروح الغائرة التي أنتجتها تلك الجرائم البشعة لمنظمة فاشية خطفت آلاف النساء والأطفال، واغتصبت تحت ضلال عقيدة مسخ المئات من النساء والفتيات في وسط اجتماعي قبلي محافظ ومتشدد في علاقاته الاجتماعية يعتبر الشرف أهم أعمدته المقدسة، ورغم يقيننا بأن داعش وفكرها لا يمكن أن يعيش طويلا وسيسقط حتما، إلا أن الأخطر هو ما بعد مرحلة تطهير البلدات والقرى من عناصره، حيث الإرث الهائل من الحقد والانتقام خاصة وان جروحا بليغا سببتها عمليات المساس بالشرف الشخصي للفرد والمجتمع، مما يتطلب حلولا جذرية في فك التداخل بين المكونات التي تعرضت للتعريب والتبعيث والاسلمة والجينوسايد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•   سنجار، شنخار، سنجاره، شنكال، سنغار، سبتميا، اورليا.. كلها أسماء المدينة وهي كلمات كوردية وآشورية ورومانية
•   إحصائيات رسمية صادرة من المديرية العامة لشؤون الديانة الايزيدية في وزارة الأوقاف الكوردستانية.


kmkinfo@gmail.com


201
حينما يكون الرئيس بيشمركة
كفاح محمود كريم
     من عاصر الزعيم الكوردي الكبير مصطفى البارزاني وعايشه وأدرك أخلاقياته وسلوكياته كقائد سياسي وعسكري، لا يستغرب في أن يكون أبناؤه وأحفاده اليوم في خطوط المواجهة الأولى مع العدو، وهم يدافعون عما زرعه ذلك الشيخ الجليل والقائد الحكيم من أسس أخلاقية غاية في السمو والرفعة، فمنذ الساعات الأولى لهجمة ما يسمى بالدولة الإسلامية داعش على حدود كوردستان من سنجار في أقصى الغرب إلى السعدية في أقصاه الشرقي، ترك مسعود بارزاني مقره الرئاسي واختار أكثر الجبهات سخونة ليقود بنفسه معارك تحرير البلدات والقرى التي استباحتها داعش قبل بضعة أشهر، بينما توزع أولاده وأخوته وأولادهم وأبناء عمومتهم، كل حسب موقعه ومسؤوليته، على كافة الجبهات في مخمور والخازر وسهل نينوى وكركوك، في سابقة هي الأولى من نوعها على الصعيد الوطني والإقليمي، حيث يترك الرئيس وأبناء أسرته وأقربائه مقراتهم المدنية أو العسكرية بصفتهم القيادية لينتقلوا إلى الخطوط الأمامية للمواجهة مع واحدة من أشرس القوى الإرهابية وأكثرها همجية ودموية في العالم.
     ربما يتصور البعض إن في هذا السلوك بعضا من الاستعراض أو محاولة لرفع معنويات المقاتلين هنا وهناك قياسا على الثقافة السائدة في أنظمة الشرق الأوسط السياسية، حيث يذهب الرئيس أو وزير دفاعه في جولة استعراضية لا تتجاوز في مفهومها وتوقيتاتها زيارات الاطلاع على العمل ميدانيا، لكن حقيقة الأمر مع مدرسة مصطفى البارزاني وطلابها أو خريجيها هي غير ذلك تماما، فقد ذهب مسعود بارزاني بصفته بيشمركة وقائد عاما لها منذ الساعات الأولى، لا ليطلع فقط ويعود، بل ليقيم هناك مع جنده وضباطه ويرسم ويخطط ويقود بنفسه مع أولاده وأخوته وأولادهم سواء كانوا مقاتلين عاديين أو ضباطا أو آمرين، حيث أدت تلك القيادة المباشرة والتواجد الفعلي في كل تفاصيل الحركة إلى إحداث تغيير نوعي  في المشهد العسكري، لا في كوردستان والعراق فحسب، بل حتى على مجمل حركة منظمة داعش في سوريا، التي بدأت بالتقهقر والانكسار على أيدي قوات البيشمركه التي استوعبتها واحتوت صدمتها بعد هجماتها الأولى التي قامت بها واحتلت فيها بعض المدن والقرى في سنجار وكوباني وزمار ومخمور.
     ورغم إن كل السياقات العسكرية ترفض تواجد قائدها العام في الخطوط الأولى للجبهة مع العدو فترة طويلة، وتحدد تواجده في غرفة القيادة أو العمليات المحصنة والبعيدة عن التماس، إلا أن مسعود بارزاني الرئيس لم يتخلَ عن وظيفته الأساس وهي كونه مقاتل في قوات البيشمركة، مؤكد في أول حوار له من الجبهة مباشرة مع الإعلامية زينة اليازجي، والتي لم تك تبعد عن خط المواجهة مع العدو إلا عشرين كيلو مترا فقط، بأنه عاد أخيرا إلى مهنته الأولى ويقصد البيشمركة، لكي يعطي نموذج القائد العسكري والسياسي الذي يحمل على أكتافه مسؤولية حماية امن وكرامة وارض شعبه ووطنه.
     لقد رأيناه هناك في خط المواجهة للعدو مقاتلا لا يفرق عن أقرانه قيد أنملة لا في المأكل ولا في المشرب، يجلس مع جنده وضباطه أخا ورفيقا لهم، يناقشهم ويرسم معهم خططهم ثم يقودهم جنبا إلى جنب مع أولاده وإخوته وأبنائهم الذين ما برحوا الجبهة منذ اندلاع الحرب مع داعش وحتى يومنا هذا، في واحدة من ارقي تجليات القيادة والزعامة الحقيقية التي اختفت في عالمنا اليوم، حيث ينكفئ الرئيس أو الزعيم في قصره العاجي ويوجه أركان حكمه للقيام بواجباته كما يحصل في معظم بلدان العالم وخاصة في شرقنا الأوسط والأدنى والأقصى!
     إن وجود مسعود بارزاني في خط المواجهة الأولى مع العدو إنما يمثل تلك الأخلاق والفلسفة القيادية التي أنتجها الزعيم التاريخي للكورد مصطفى البارزاني وهو يضع أسس مشروعه لنهضة كوردستان، دفاعا عن قيم التسامح والتعايش وحماية الإنسان من أن تنال منه أفكار التطرف وعصابات الجريمة والهمجية، بل والحفاظ على ديمومة بقاء كوردستان ملاذا لكل المضطهدين في المنطقة، خاصة أولئك الذين يتعرضون إلى حملات الإبادة الجماعية بسبب دينهم أو مذهبهم أو عرقهم، حيث شهد العالم باجمعه التجاء مئات الآلاف من المسيحيين والشيعة والسنة والصابئة والايزيديين إلى أحضان بلد يتكفل بحمايتهم ويتقاسم معهم لقمة الخبز وهو في ضنك العيش بسبب حصار بغداد له منذ ما يقرب من سنة.
    وأخيرا لم يهب العالم المتمدن إلى دعم ومساندة مسعود بارزاني وشعبه وقواته إلا لأنهم أدركوا هذه الحقائق وامنوا بأن كوردستان جزيرة للسلوك القويم والأخلاق الرفيعة، وان سر انتصار الكورد وكوردستان يكمن في عدالة قضيتهم وإن قادتهم يحاربون كمقاتليهم في الخطوط الأمامية ضد الإرهاب والتخلف والهمجية لحماية الإنسان والحضارة.
     كوردستان بخير وازدهار يكللها الأمن والسلم الاجتماعيين، ولن تستطيع عصابات شاذة قادمة من خارج الزمن والحضارة، ومن عفونة العنصرية والشوفينية، إيقاف نهوضها وتقدمها أو تمزيق نسيجها وتعايشها.

kmkinfo@gmail.com

202
نحن نبني الاوطان ونحترم الانسان

كفاح محمود كريم


     تمر بعد أيام الذكرى السنوية الأولى لتلويث واستباحة واحدة من اعرق مدن كوردستان وبلاد الرافدين مدينة سنجار أو شنكال وقراها وبلداتها، التي وقعت بيد وحوش بشرية لا قيم لهم ولا خلق إلا القتل والسبي والنهب والسلب والاغتصاب، حيث سقطت المدينة في الثالث من آب أغسطس 2014م وكنا قد توقعنا ذلك قبلها بأكثر من عقد من الزمان، ففي 25 نيسان من عام 2003م اثر سقوط هيكل نظام صدام حسين، التقينا بعض قيادات وأعضاء حزب البعث في منطقة سنجار، ومعظمهم من أهالي المدينة وأطرافها، بل إن قسما كبيرا منهم كان من المعلمين ومدراء المدارس وبقية الدوائر، وكان أكثرهم إما قد هرب تاركا أسرته أو مختبئا بسبب اعتقاده بفكرة الانتقام المتكلسة في ثقافة البعث، وبعد أن شعروا إن الدنيا غير دنيتهم والسياسة غير ما اقترفوه هم بحق شعبهم، وان البيشمركة ومؤسسات الإقليم الأخرى التي أدارت الحياة بعد 9 نيسان 2003 ليست إلا مشروع حضاري وإنساني وحمامات سلام وأمان واطمئنان، لبوا دعوتنا للتباحث حول الأوضاع الجديدة وإعادة الحياة إلى المؤسسات الرسمية وخاصة التعليمية والخدمية التي كانوا يديرونها، وتسليم ما بعهدتهم من أمانات وسيارات، وأسلحة حزبية، وأمور أخرى.

     قلنا لهم إن العراق قد أدمن الانقلابات منذ تأسيسه ولنعتبر إن ما حصل انقلابا في بغداد بين متنافسين على السلطة ولا أظنكم بمستوى من ينافس، وعليه نتمنى على الجميع ترك الماضي والالتفات إلى المستقبل لكي نعيد الحياة بشكلها الزاهي ونعوض مدينتنا وأهلنا ما خسروه بسبب سياسات التعريب والتبعيث القسري، ولذلك فلا إثم على احد منكم ما لم يشتكي عليه مواطن ما لدى القضاء، علما إننا نعلم جيدا بأن هذا السلوك لا وجود له في ثقافة البعث وأخلاقياته، واقسم لو كانت الأمور معكوسة أي نحن الذين تم إسقاطنا من قبلكم لكنتم بعثرتم جثثنا على أرصفة الشوارع وقتلتم جميع من تولى منا إدارة أو مسؤولية، لكننا لسنا هكذا، فالحياة لا تبنى بالانتقام والدماء بل تبنى بالتسامح والعفو، كما فعلنا في 1992م في بقية أجزاء كوردستان المحررة اثر انتفاضة آذار 1991م حيث اصدر الرئيس مسعود بارزاني وقيادة كوردستان قانونا بعفو أمثالكم ممن عبثوا في حياة المواطنين، وحتى من اقترف جرائم بحق شعبه من أولئك الذين كانوا يسمون بالجحوش، فنهضت كوردستاننا وغدت واحة للحرية والتقدم والازدهار.

     نحن بناة جيدون للحياة والاعمار لذلك ندعوكم للتطهر من آثامكم وبقايا ثقافة الإقصاء والهمجية، لكي نعيش معا ونبني معا بلدنا هذا، وفعلا طوال أكثر من عشر سنوات تم احتوائهم جميعا ولم يخدش أي منهم بسبب بعثيته أو حتى بسبب استحواذه على بيوت المرحلين من الكورد، وقلنا ليكن القانون هو الفيصل، ولأن الطبع يسبق التطبع فقد صدقت توقعاتنا واستطاعوا بعد أكثر من عشر سنوات أن يخترقوا دفاعاتنا ونقاط ضعفنا ويركبوا جواد المالكي الذي أرهق قوتنا العسكرية بالحصار المالي والتسليحي، فاندفعوا كالغيلان المتوحشة وبهمجية لا مثيل لها في التاريخ البشري، إلا فيما اكتنزوه في عقيدتهم وسلوكهم وأخلاقهم، فقتلوا الأطفال والنساء قبل الرجال وسلبوا ونهبوا واختطفوا آلاف النساء والأطفال بعد أن قتلوا آبائهم وأزواجهم بقسوة تجاوزت قسوة هولاكو وجيوشه، ثم عادوا ليدمروا كل شيء من بيوت ومزارع وبساتين وشوارع ودوائر، فأحالوا سنجار وبلداتها وقراها ومجمعاتها إلى خرائب ينعقون فيها، بعد أن سرقوا كل مقتنيات بيوت الأهالي ومخازن التجارة ودكاكين الناس، ولم تقتصر جرائمهم على الايزيدية فقط بل طالت آثامهم كل الكورد السنة والشيعة والمسيحيين.
 
     واليوم وبينما يحرقون آلاف البيوت في سنجار وقراها وهم يتقهقرون منكفئين إلى جحورهم التي خرجوا منها، تتقدم قوات البيشمركة لتحرير ما بقي من تلك المدن والقرى، وتعثر في مسيرتها على عشرات المقابر الجماعية التي فرختها مقابر صدام حسين والبعث وهي تضم آلاف الأطفال والشباب والشيوخ ممن طالتهم تلك الهمجية، التي فاقت كل جرائم التاريخ البشري إلا تلك التي بدأها أسلافهم في الأنفال الأولى وحلبجة وأخواتها من قرى كرميان وباهدينان.

     لقد غدت حلبجة رمزا من رموز المأساة الكوردية التي نبهت الرأي العام العالمي إلى عدالة قضية كوردستان والاهتمام بها، فتحولت بدماء أولئك الشهداء من ضحايا الهمجية إلى واحة للسلام والأمان والازدهار، وستكون سنجار وجبلها الأشم وتحريرها عنوانا لانطلاق كوردستان المستقبل إلى ذرى المجد والانعتاق بعد إنهاء آخر فصول البعث والنازية الجديدة المتمثلة بداعش الإرهاب والتخلف.

kmkinfo@gmail.com


203
أسئلة ساخنة في رمضان لاهب!

كفاح محمود كريم

     لطالما طرقت أسماعنا توصيفات لشهر رمضان منذ أن كنا صغارا وإمام مسجدنا يقول انه شهر التراحم والتوبة والمحبة والمغفرة بين بني البشر المسلمين طبعا، وهي حقا توصيفات تطرب الأسماع وتطمئن الأرواح بما فيها من معان رفيعة تكتنز إن طبقت اسمي صور المحبة والتسامح والألفة والتكافل بين البشر، لكنها في واقع الحال تختلف كثيرا، وانا أتحدث عن بيئتنا لكي لا نذهب بعيدا إلى التعميم في كل أصقاع الدنيا التي يتواجد فيها المسلمين، ويزعل البعض منا في التعميم مدعيا إن بلاده أو مدينته مكة على عهد رسول الله (ص).

     حقيقة واحدة من ابرز ما تعاني منه مجتمعاتنا عموما، وخاصة تلك التي سادت وما تزال تسود فيها النظم السياسية والاجتماعية الشمولية، هي الازدواجية التي هي بحق الابنة الشرعية للنظم الدكتاتورية سواء السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، وهي التي مسخت وشوهت هذه المجتمعات أفرادا وجماعات، فأنت لا تكاد تعرف منهم الحق من الباطل، ولا الأسود من الأبيض، حتى تظن إن الأكثرية تكذب أو تدعي أو تمثل أو تتقي الشر!

     وقد شهدنا خلال النصف قرن الأخير وتحديدا فترة ظهور الدكتاتوريات  الجمهورية في معظم بلدان الشرق الأوسط وخاصة هنا في العراق منذ إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية وحتى يومنا هذا، تضاعف هذه المظاهر المتناقضة في أدق سلوكيات الفرد والجماعة، بل وفي أكثرها عقائدية فيما يتعلق بالعبادات وما تقتضيه من سلوك وتعامل وأخلاقيات، وفي طبيعة العلاقة مع الأنظمة ورموزها، كما كان يحصل مع الدكتاتور صدام حسين وقبله البكر والعارفين وقبلهم جميعا مع الزعيم الأوحد، والآلاف المؤلفة من كل الشرائح والطبقات دونما استثناء التي رقصت على كل حبال تلك الأنظمة ثم عادتها ولعنت سنسفيل الي خلفوها متحالفة مع من انقلب عليها وهكذا دواليك، حتى تم تشويه ومسخ أكثر الأمور قداسة وهي تلك العبادات التي يفترض بها أن تكون عاملا للمحبة والألفة والرحمة والتراحم والصدق والحلال في الأكل والشرب والربح والنية!

     إن البون الشاسع بين النظريات والتطبيق أمر مرعب ومخيف جدا، لا يتعلق فقط بالازدواجية بل بشيزوفرينيا الأفراد والمجتمعات وبشكل عدواني وعدائي رهيب، هذا البون الكبير أنتج اختلاف معقد بين ما نسمعه وما نشاهده من تفصيلات يومية لها علاقة في البنية الأساسية للعقيدة الفكرية والدينية والأخلاقية تدفعنا جميعا لكثير من الأسئلة وفي مقدمتها ما له علاقة بالبناء الأساسي للعقيدة ألا وهو الإيمان:

- في معظم بلداننا من القرية إلى العاصمة، ترتفع الأسعار بشكل جنوني قبل وخلال شهر الرحمة والتراحم والغفران؟
- وبنفس القياس وربما أكثر قبل العيد أيضا؟ فهل لهذا أي علاقة بتوصيفات شهر رمضان وأخلاقياته المفترضة، وهو ركن أساسي من أركان الدين؟
- هل فعلا التوبة محصورة في شهر واحد من السنة أي في رمضان، وهل الصوم عادة أم عبادة لدى أولئك الذين يمتنعون عن المحرمات المفترضة فقط في شهر رمضان؟؟
- بنفس القياس هل تعقل الصلاة في رمضان فقط وتترك بقية أيام السنة، أو أن تختصر في أيام الجمع والأعياد!؟
- هل فعلا إن الصلاة تمنع الكثير من هؤلاء عن الفحشاء والمنكر والاستغلال والنفاق والكذب والتدليس وانتهاز الفرص؟


     والأسئلة كثيرة تلك التي تنتجها حالات الاختلاف بين النص والتطبيق وتؤشر الخلل الكبير في البنية الأساسية لكثير من الممارسات السياسية والاجتماعية والدينية وحتى الأخلاقية، فكلما توغلنا فيها أكثر أدركنا حقيقة  التخلف المرعب لمجتمعاتنا ودولنا، وأسباب هذا التناحر البدائي والتقهقر المتوارث عبر الأجيال.
kmkinfo@gmail.com




204
كوردستان تسأل حكيم الهند

كفاح محمود كريم


     لم يمر في تاريخ البشرية المعاصر رجل سياسة وحكم، مسالم وحكيم الا باستثناءات قليلة جدا مثل المهاتما غاندي، حيث رفض العنف بأي شكل من أشكاله ومهما كانت أسبابه أو مسوغاته، واعتمد العقل والحكمة وفكرة السلام المقاوم للعنف بدلا من العنف ضد العنف، والمعجزة انه نجح ومع من؟ مع اعتى استعمار شهدته البشرية، واستطاع إرغامهم على قبوله وقبول مشروعه، ناهيك انه أسس لإمبراطورية ديمقراطية في بيئة لا تصلح إطلاقا لهكذا ممارسة أو نمط اجتماعي وسياسي في مجتمعات متخلفة للعظم، ومتناقضة حد التذابح، ومتشعبة إلى مئات من الاثنيات والقوميات والأديان، ورغم ذلك نجح غاندي إلى حد اللحظة في إشاعة التسامح والسلام والتعايش بينهم جميعا.

     لست قاصدا أن اشرح لكم تجربة الهند أو معجزة الهند، وأؤكد أنها معجزة خارقة في تطبيق الديمقراطية في بلاد وبيئة لا يمكن بالقياسات الأوربية والأمريكية إلا أن تتقسم أو يحكمها دكتاتور بالحديد والنار، خاصة وان النموذج العراقي والعربي والشرق أوسطي عموما هو أسوء ما يمكن اعتباره تجربة ديمقراطية رغم الفارق الكبير بين الهند وبينهم في حجم المكونات وعددها، وتقاربهما في التخلف عند نقطة الشروع، لكنني طالعت واحدة من أروع تجليات الزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي وانأ ابحث عن توصيف لسلوك البعض ( الديمقراطي ) في مسألة ولاية الرئيس البارزاني للرئاسة وكوردستان تخوض واحدة من أشرس حروبها ضد الفاشية والشوفينية الدينية والقومية استهدفت وجودها بالكامل أرضا وشعبا وكيانا، ورغم أن الرئيس بارزاني يصر على عدم استبدال تاريخه النضالي بكرسي الحكم وهو زاهد كما يعرفه الجميع، فان ما قاله المهاتما غاندي قبل عشرات السنين كأنما جاء صدى لما يحصل اليوم، وربما كان الأصدق في توصيف الحالة التي نمر بها الآن وتستدعي الانتباه والحذر خاصة وان المنافقين على الطريقة البريطانية يمارسون أدوارهم بكل خبث ولؤم.

     ودعونا الآن نتوقف عند ما قاله حكيم الهند وفيلسوفها الكبير غاندي:
" كلما قام شعب الهند بالاتحاد ضد الاستعمار الانجليزي يقوم الانجليز بذبح بقرة ورميها بالطريق بين الهندوس والمسلمين لكي ينشغلون بينهم بالصراع ويتركون الاستعمار!"

     وكلما اقترب شعب كوردستان من تحقيق أهدافه السامية، أنتج الاستعمار لعبة جديدة تشبه بقرة الانكليز لكنها على الطريقة البعثية مجملة بإكسسوارات ديمقراطية ومعفرة بأنفاس الجيران اللدودين! 

     لقد انتصر حكيم الهند، وسينتصر حكيم كوردستان

kmkinfo@gmail.com 

205
لا خشية على كوردستان!

كفاح محمود كريم

     الأصدقاء الحريصون على بقاء كوردستان رمزا للسلم والأمن والتقدم والازدهار، شابهم نوع من الخشية والقلق بسبب الحملة التي شنتها أجهزة الدعاية المغرضة والمعادية للإقليم شعبا ورئيسا وحقوقا وتجربة، فبمجرد انعقاد جلسة البرلمان ليوم 23 حزيران وانسحاب الكتلة الأكبر ومعها الكتلة التركمانية ومجموعة الأحزاب الأشورية الكلدانية السريانية، تناولت تلك الأجهزة المريضة بعقد النقص الموضوع بأسلوب يوحي للرأي العام خارج الإقليم، وكأنما انقلابا عسكريا على أبواب إقليم اختار التبادل السلمي للسلطة في خضم انتفاضته الشعبية العارمة في ربيع 1991م، والانتقال السلس من المشروعية الثورية إلى البناء الدستوري والقانوني لمؤسسات الدولة، التي دشنها بعد اعتماده الانتخابات وصناديق الاقتراع خيارا وحيدا لممارسة السياسة والسلطة قبل ما يقرب من ربع قرن من الآن.

     هذا الخيار والاختيار هو الذي أنتج صمامات الأمان لتجربة الإقليم، خاصة وان أحزابه خاضت تحت مختلف الأسباب والمسببات صراعا عنيفا فيما بينها لم يؤدِ إلى تحقيق أي من أهدافها، ولذلك توصلت مع تعاون أصدقاء كوردستان إلى اتفاق استراتيجي ينظم العلاقات في ما بينها على أسس المصالح العليا للإقليم وشعبه، وهذا ما جرى وأدى إلى تطور الأداء السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، وحول الإقليم إلى جزيرة للأمن والأمان والازدهار في بحر متلاطم من الإرهاب وفقدان الأمن والسلم الاجتماعيين في معظم مناطق البلاد خارج هذه الجزيرة.

     إن الذين وضعوا أسس نهضة كوردستان ونهجها المتمثل بنهج الزعيم الكبير مصطفى البارزاني في مختلف مناحي الحياة في الإقليم ومن مختلف الأحزاب والفعاليات السياسية والجمعيات والمنظمات المدنية، وملايين المواطنين الذين يعملون ليل نهار وتحت ظروف لا يحسدون عليها بسبب فرض بغداد حصارا في قطع حصة الإقليم من الموازنة والمعاشات، دون أن تؤثر هذه السياسة وبوجود أكثر من مليوني نازح جلهم من غير الكوردستانيين، وتحديدا من محافظات غرب العراق، على سلوك الأهالي وحالة الأمن والسلم والتسامح والتعايش مما يعكس أخلاقيات من يحكم البلاد على كل المستويات.

     إن ما يحصل الآن في كردستان هو حراك سياسي ضمن العملية الديمقراطية، وإن شابته هنا وهناك بعض المناورات الحزبية، أو استخدمت فيه بعض المظاهر الإعلامية التي خرجت عن ثقافة التوافق الوطني، إلا إن الثوابت الأساسية في البناء تؤكد انه لا خوف على تجربة إلاقليم، وإن كل الوطنيين من الزعماء الكوردستانيين السياسيين المنصفين، يؤمنون بأن الرئيس مسعود بارزاني أرسى قواعدا وأسسا لإقليم كردستان لا يمكن أن تهزها أية أزمة أو خلاف سياسي بين حزب وآخر في وجهات النظر والآراء، والإقليم وبصرف النظر عما يجري الآن متوحد الصف، والزعماء الكورد من كل الأطراف سواء الذين يؤيدون البارزاني أو الذين يعترضون عليه، يقفون جميعهم تحت مظلة مصالح كردستان العليا ويدركون انه قائد لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ شعب كوردستان سواء كان رئيسا أو بيشمركة كما رأيناه دوما في المواقف التاريخية والحاسمة.

     لقد أكد الرئيس مسعود بارزاني منذ البداية على مسألة مهمة جدا، وهي أنه على شعب كوردستان ومن يمثله من أطراف وأحزاب سياسية سواء الموجودة في البرلمان أو خارجه، اختيار رئيس له بطريقة متحضرة لا تتقاطع مع القانون ومع التوافق الوطني وتخدم المصالح العليا للإقل
يم.

     بهذه الشكل ينظر الرئيس بارزاني إلى موضوع الولاية، وهو يشدد في كل اجتماعاته مع كل الاطراف السياسية على أنه لا يستبدل تاريخه النضالي بكرسي الرئاسة خارج ارادة الشعب والقانون.

kmkinfo@gmail.com




206
العراق بين الفضائيين والاستراتيجيين؟

كفاح محمود كريم

     ظهرت خلال الفترة الأخيرة في متداولات وأدبيات السياسة والإعلام وأجهزة الدعاية الحزبية والمذهبية والعشائرية في العراق، تسميات وتوصيفات تتطابق وحالة الفوضى اللا أخلاقية التي تمر بها بلاد النهرين وما بينهما، هذه التوصيفات جاءت إما على شكل مصطلح يعبر عن ظاهرة استمدها ورثة نظام البعث وصدام ممن كانوا يسمون بالجحوش، وهي تسمية كانت تطلق على عملاء السلطة من شيوخ وأغوات العشائر الذين كانوا يشكلون أفواجا ( عسكرية ) بأسماء أفراد عشيرتهم باسم الأفواج الخفيفة، ويلغفون رواتبهم مقابل عدم خدمتهم في الجيش، وقيام العديد منهم بتنفيذ عمليات مخزية ضد شعبهم، وقد احدث الوارثون الجدد في المؤسسة السياسية والعسكرية وملحقاتها تعديلات طفيفة على أصل الفكرة، مستخدمين مصطلحا أكثر حداثة وأكثر مقبولية من منظمات حقوق الحمير وأحزابها، فبدلا من ( الجحوش ) ساد اليوم مصطلح ( الفضائيين ) تعبيرا عن اولئك العساكر الوهميين الذين تصرف لهم معاشاتهم وتفرغ في جيوب جنرالات مكتب القائد العام السابق المنحل فخامة نائب رئيس الجمهورية الحالي.

     هذا في فضاء الجحوش سابقا والفضائيين لاحقا، إما في سماوات الإعلام العراقي ونافوراته التي بدأت تتراقص بعد سقوط نظام الحنفية الواحدة وفكرة القناة الأولى والثانية والإذاعة المركزية والصحيفة الوحيدة عموما ما يسمى بالمحللين الاستراتيجيين أو الخبراء الاستراتيجيين في مختلف الاختصاصات، فتراه ضابطا عسكريا يتحدث بإستراتيجية في علم السياسة، وكذا الحال في محلل سياسي ينبري خبيرا عسكريا أو اقتصاديا أو زراعيا، وهناك من استخدمها أي كلمة أو مصطلح الاستراتيج كتوصيف لجمعيته أو مركز أو مجموعته على شاكلة المجموعة الفلانية للدراسات الإستراتيجية أو معهد فلان للدراسات الديمقراطية الإستراتيجية، وهكذا دواليك، تحولت كثير من التفاصيل التكتيكية إلى إستراتيجية، خاصة وإنها أثبتت نجاحها كوسيلة رزق أو كما تقول الدارجة العراقية ( حيلة رزق ) لجمع داعمين تكتيكيين هذه المرة من اجل ( لغف ) اكبر كمية من الورقة الخضراء من أناس أتقنوا فن اللعب على الحبال أو على الثلاث ورقات حسب توصيف الأخوة المصريين!

     والغريب إن وسائل إعلام مهمة يفترض أنها تضم متخصصين في السير الذاتية لمن يستضيفونهم، يشاركون هؤلاء المشوهين مهنيا في جريمة تلويث الرأي العام وتخديش حياء المجتمعات بادعاءاتهم ودعاياتهم التحليلية التي لا تمت إلى الحقيقة بأي شكل من الإشكال بل هي نتاج أفكارهم ومصالحهم ومن يسخرهم لخدمة برامجه كما كانت تفعل أنظمة صدام حسين والقذافي والأسد وأمثالهم ممن يعرفون كيف تؤكل كتف السياسة بصناديق الانتخابات المعاقة في مواطنتها وفي مستوياتها الثقافية والوطنية.

     حقيقة فلقد ابتلت بلدان ما يسمى بالربيع العربي وفي مقدمتهم العراق كونه ( ربّع ) قبلهم بفضل العم سام وأشقائه أبو ناجي وجماعته الميامين الذين ساهموا مساهمة ( جادة ) في الربيع العربي وفي إنتاج جمعيات ومراكز ومعاهد الدراسات ( الجداً ) إستراتيجية وخاصة لتعليم الديمقراطية في بلدان معظم سكانها أميين في أبجديتهم وفي خيارات انتماءاتهم.

kmkinfo@gmail.com


207
كوردستان هي التي تسأل؟

كفاح محمود كريم

     قبل عدة أيام وجهت اللجنة التحقيقية النيابية المشكلة للنظر والتحقيق في سقوط الموصل المخزي أكثر من خزي سقوط بغداد والعراق برمته في نيسان 2003م، مجموعة من الأسئلة إلى رئاسة إقليم كوردستان حول هزيمة فرق الجيش العراقي في كل من الموصل وتكريت والانبار وكركوك وديالى، وهي أكثر من أربع فرق بكامل أسلحتها واعتدتها التي تجاوزت عشرات مليارات الدولارات من احدث الأسلحة الأمريكية، هذه الفرق التي كان يقودها جنرالات بأمرة القائد العام للقوات المسلحة العراقية نوري المالكي ومكتبه، أسئلة اقل ما يقال عنها إنها جاءت معبرة عن تركيبة غريبة من الأمراض وعقد النقص التي يعاني منها أولئك الذين صاغوا الأسئلة بطريقة سطحية وسمجة، حيث حاولت ببلاهتها واستغفالها للرأي العام إغفال الأسباب والمسببين الحقيقيين لكارثة الموصل وصلاح الدين والانبار وفيما بعد مركز الرمادي التي سقطت بذات الأسلوب والطريقة!

     لقد اتضحت وفضحت عارات سقوط الموصل وشقيقاتها من المدن المستباحة في غرب البلاد، لا من قبل عصابات داعش الإرهابية بل من أولئك الذين تسلقوا سلم الديمقراطية ليؤسسوا دكتاتورية جديدة أعمدتها آلام وعظام آلاف البشر من أبناء العراق سنة وشيعة، كوردا وعربا، مسيحيين وايزيديين وصابئة مندائيين، الذين حاولوا إقصائهم تحت يافطة الأغلبية البرلمانية، في بلاد يئن غالبية سكانها تحت وطأة الفقر والعوز والفاقة وتعددية الولاءات وفقدان مفهوم المواطنة واستخدام مفاتيح الغرائز بأبشع صورها من خلال استغلال انعدام الوعي والسطحية التي أورثها نظام البعث لخلفائه اليوم، فقدموا الموصل وتكريت والرمادي وديالى وعشرات البلدات والقرى قربانا لأهدافهم التي ارتكزت على مبدأين مهمين؛ الأول استباحة داعش لهذه المدن لتؤدب السنة المزعجين لحكمهم، ومن ثم ثانيا لتكون خنجر خاصرة لكوردستان التي فضحت تخلفهم وأظهرت عوراتهم في الفساد والفشل في إدارة الدولة، ولإيقاف نموها وتطورها، خاصة وأنهم فشلوا في إقناع الآخرين من شركائهم الأقربين والأبعدين بولايتهم الثالثة، فذهبوا إلى خيار إسقاط الموصل وتسهيله بل وتعجيله، لكي يكون احد أهم أسباب فشل أي حكومة لاحقة بعدهم؟

     أسئلة عبرت عن الكم الهائل من الكذب والادعاء والفشل، وإسقاط ما في دواخلهم على الآخرين لتمرير وتمويه الأسباب الحقيقية والمسببين الحقيقيين في تلك المسرحية المأساوية المشبعة بالحقد وروح الانتقام، أسئلة ردت على أعقابها لأنها فعلا لا علاقة لكوردستان بهذا الخزين من الكراهية والادعاء والتخلف، فكوردستان هي التي تسأل باستحقاق دماء آلاف الشهداء والجرحى وأروع صور البطولة والصمود والانتصار، كوردستان التي قاتل أبنائها وبناتها دون أن يسلموا اطلاقة واحدة للعدو حتى وان كانت أرواحهم فداء لذلك، كوردستان ورموزها في التضحية والصمود والانتصار في كركوك ومخمور وكوباني وتل الأبيض وسنجار وزمار وجلولاء والسعدية واسكي موصل والسد، وكل المدن والقرى التي تم
تحريرها ورسم حدودها الطاهرة بدماء البيشمركة، ولأجل كل ذلك..

كوردستان هي التي تسأل وعلى الآخرين الإجابة![/b]


208
أجهزة دعاية أم وسائل إعلام؟

كفاح محمود كريم

     بعد سقوط هيكل نظام صدام حسين والبعث وتهاوي سلطة الاستبداد الفكري والإعلامي، تصور الكثير منا إن مرحلة جديدة من حرية التعبير عن الرأي وممارسة الإعلام الحر المراقب لحركة السلطة والمجتمع، بما يعزز القيم العليا للمجتمعات المدنية الراقية واحترام حقوق الإنسان والمهنية  الإعلامية والسياسية، متناسين إن حقبا من التخلف والتربية الخطأ وعقود من الدكتاتورية وثقافة الشيخ والأغا وسلطة الكثير من رجال الدين غير المرئية المرسلة عبر المنابر أو الإرهاب الاجتماعي القائم على التخلف وانعدام الوعي والأمية الأبجدية والحضارية، ستنتج أجيالا حاملة لموروثات جينية دكتاتورية دعائية كما كانت أسلافها في الحقب الماضية.

     وليس هناك أفضل من النموذج المالكي للدعاية التي تستخدمها وسائله سواء المرئية أو المسموعة أو الالكترونية وبسذاجة مثيرة للسخرية، حيث تتناقل في ما بينها خبرا عن اكبر ملعب كرة قدم أنجزته حكومة إقليم كوردستان التي تحاصرها حكومة بغداد التي يقودها المالكي من وراء الكواليس، إن إسرائيل قامت ببناء ذلك الملعب، وفي جهة أخرى تنشر شبكة فيس بوك المالكي التي يتم تمويلها من خزينة العراق، إن الرئيس الكوردستاني أصيب بجلطة دماغية أدت إلى نقله إلى المستشفى (!) في واحدة من أسخف أنواع الدعايات الساذجة لتمويه الرأي العام الذي تشتغل عليه، وهو الآخر لا يقل سذاجة وسطحية من المؤثرين عليه، فهو أساسا مغيب بالكامل عن الواقعية ويعيش في خزعبلات وخرافات سقيمة من قبيل أن الكورد قبيلة من الجن!؟

     بالله عليكم أي إعلام هذا وأي جهاز دعائي يعبث بهؤلاء السذج ويقودهم إلى هاوية التفكير السطحي الأكثر ملعونية من أجهزة دعاية حزب البعث، بحيث يشيع بين الناس إن شعبا عريقا صاحب اكبر وأطول ثورة في التاريخ المعاصر هو من أبناء الجن؟ وإنهم أكثر عداوة من اليهود للعرب وللمسلمين متناسين إن احد أبنائهم حرر القدس وان آلافا مؤلفة من شبابهم ضحوا بحياتهم من اجل فلسطين، وإنهم نجحوا في تحويل إقليمهم إلى جزيرة للأمن والسلام والازدهار في بحر من الخراب والإرهاب والدمار.

     أجهزة دعاية لا تمت بالإعلام بأي صلة لأنها لا تدرك سر هذه المهنة وأصولها، ومراقبة سريعة لوسائلهم الدعائية في التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي أو صحفهم الورقية والالكترونية ستظهر لنا بشاعة توجهاتهم وبدائيتهم وسذاجة ما يروجونه من دعايات وأكاذيب مفضوحة وطوفان من الشتائم والبذاءة والأخبار المفبركة، حتى يظن المرء انه أمام مسابقة لكذابي العصر، بل إن الذاكرة تعيدنا للأيام الأولى لماكينة دعاية البعث حينما استباحوا العراق وكل ما على أرضه، فكانت ضيعة لأولئك المنحرفين والمتخلفين الذين يحصد ورثتهم في بطانة المالكي ما زرعوه من قيم وتقاليد بالية أخذت البلاد إلى ما نشهده اليوم وكما وصفها أبوهم الروحي وعرابهم صدام حسين بحفنة من تراب.

     فعلا لقد سقط هيكل نظام صدام حسين وحزب البعث، لكن ثقافته وأساليبه وماكينة دعايته لم تسقط، بل ما تزال تمارس دورها الذي نراه ونسمعه من خلال أداء ودعايات هذه الأجهزة المولعة بكراسي الحكم وتسطيح الرأي واستغفال الأهالي وتصنيع أعداء مفترضين لإدامة حكمهم وشرعيتهم في واحدة من أبشع ما عايشه العراقيون من دمار وتقهقر هائل في كل مناحي الحياة، فينما ينهض فرسان الشمس في كوردستان لافتتاح اكبر ملعب كرة قدم في كوردستان والعراق بمواصفات عالمية يغوص النازيون الجدد في بحور ظلامهم وأحقادهم وتخلفهم ودعاياتهم السوداء.

kmkinfo@gmail.com

209
الخناثة السياسية والإعلامية

كفاح محمود كريم

 لا اعرف إلى أي حد مصطلح ( المخنث السياسي ) متداول لدينا في مجتمعاتنا السياسية، لكنه في هيئته الانكليزية ( politicall androgynous ) ربما يعطينا وضوحا في دقة معناه، رغم عدم تداوله كثيرا في الأدب السياسي العربي والشرقي عموما، فهو يعبر بشكل مركز عن عدم وضوح هوية المخنث السياسي، بالضبط كما تعني في العربية من ناحية جنس الفرد ذكرا كان أم أنثى، فهو رمادي اللون إذا أردنا الوصف بين الأسود والأبيض، ويحمل ضربات لونية من الاثنين، وهو بطبيعته يميل إلى انتهاز الفرص التي تسنح له بالحركة فهي مجاله الحيوي، خاصة في الأزمات وأبان عمليات التغيير الحادة، وقد شهدنا أفواجا من هؤلاء المخنثين سياسيا منذ قيام الجمهورية الأولى في العراق وحتى بدأت أوضح عملية ظهور للمخنثين بل اكبر عملية تصنيع للخناثة السياسية بعد نيسان 2003م؟

     وازعم إن كلا منا لا يحتاج إلى بحث أو تمحيص دقيق لكي يتعرف على نماذج من هؤلاء المخنثين سياسيا واجتماعيا وإعلاميا بدءاً من قريته أو محلته وانتهاءً بالمجتمع السياسي الفوقي حيث تتضح الصور هناك مزركشة أكثر ومالكة لوسائل تمويه وخداع واليات عمل ( أي سي، دي سي Ac,Dc ) كما يقول العراقيون للشغالين بوجهين والمنافقين من المرتزقة الانتهازيين الذين يجيدون اللعب على كل الحبال وينافسون الحرباء والضفادع بسرعة التلون مع الطبيعة والبيئة التي يعيشون أو يعتاشون منها، وقد بانت عوراتها بشكل واضح بعد انهيار نظام صدام حسين الذي احتوى الكثير منها خلال حكمه وتخرجت من مدارسه لتستقبل العصر الجديد بخبرات واليات متقنة سهلت لها عملية التسلق المالي والإداري.

     واذكر للتاريخ نماذج من الوسط الإعلامي والسياسي وللأسف حتى الفكري والأكاديمي ممن ساقتهم خناثتهم السياسية أو الإعلامية إلى منحدرات وقيعان آسنة، مستغلين فيها طيبة هذا الشعب ومأساته عبر تاريخه وتشبثه بمن يعده بالعمل إلى جانبه وخدمته وهو يكن له كل الحقد والكراهية، ظاهرا له المودة حتى يحقق مآربه الرخيصة في المال كأي بائعة هوى أو سمسار في سوق النخاسة!

     في العراق وكوردستان ومنذ سقوط هيكل نظام البعث تهافت إليهما  الكثير من المخانيث السياسيين والإعلاميين، بحثا عن متعة المال في رقصة اللواكه والسمسرة السياسية والإعلامية، فبعد أن أتاها مخنث عسكري خان شرفه المهني وحنث بيمينه الغليظ مدعيا إن صدام يعاديه بسبب معارضته لنظامه وكان رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية وقائدا مهما في قيادات البعث، حقق أولى أهدافه مستشارا لرئيس الجمهورية الجديد ناسيا انه ضالع في جرائم الأنفال التي دفعته إلى الهروب بجلده ومعاونة أمثال علي كيماوي له، ليستقر في عاصمة الضباب متلوكا لرئيس آخر كنسته إرادة الكتل السياسية من الولاية الثالثة، طمعا في منصب جديد على أطلال جرائمه السياسية والأخلاقية، بعد هذا المخنث العسكري ظهر نكرة إعلامية آخر لم يك أكثر من مفوض شرطة أو نائب ضابط هارب من الجيش مرتديا ملابس قريبه الميت ومتقمصا شخصيته كصحفي وكاتب ورسام، ليوهم فاسدين مثله لتأسيس قناة ناطقة بالعربية في كوردستان (لاغفا ) أي ناهبا ومختلسا مئات الآلاف من الدولارات التي ضمها على ملايين أخرى سبق له أن سرقها من صفقة ورق لحساب الحكومة العراقية قبيل سقوط نظامها الإداري في عام 2003م، وآخر من ممثلي السياسة القابعين في عاصمة الملاهي من الذين ( ينفشون ) ريشهم المبلول متوهمين أنهم طواويس سياسية، جاء إلى كوردستان يشحذ ويتسول لجمع مبالغ لتغطية مؤتمر وطني بديل للعملية السياسية، وحينما جمع ما يغطي ديونه المتراكمة أو كلاواته، عقد في إحدى الجايخانات مؤتمر للفاشلين كان مثالا للسخرية ونموذجا للنصب والاحتيال السياسي والفكري.

    هذا غيض من فيض كما يقولون، دونما ذكر للأسماء لان الأفعال تدل إلى عناوين أشخاصها ومرتكبيها لأنها تقع في باب أو حقل النصب والاحتيال، ورغم هذه الكائنات المريبة حققت بعضا من أهدافها في ملئ مركبات نقصها، إلا أنها في النتيجة مهما كانت أو بلغت فهي مجرد مخانيث سياسية وإعلامية، لا يمكن لها أن تكون في الشمس واضحة الملامح والعناوين، لأنها كائنات أدمنت الاعتياش والنمو في بيئات مظلمة ورطبة ومتعفنة!؟
kmkinfo@gmail.com


210
لا تعادوا كوردستان؟

كفاح محمود كريم

     واحدة من اكثر حقائق التاريخ السياسي لدولة العراق وعبر كل مراحل الحكم والانظمة التي مرت عليها وبها، إن ما من احد عادى كوردستان وشعبها وحركتها التحررية إلا وخسر المعركة آجلا أم عاجلا، سواء بانهيار نظامه كاملا كما حصل لمعظم من تولوا حكم العراق، أو تمت تصفيته بانقلاب أو محاكمة كما حصل مؤخرا للرئيس الاسبق صدام حسين ورجال حكمه، بنهاية مثيرة ومخزية، وليس غريبا أن يصف الشيخ الجليل الدكتور احمد الكبيسي تلك الحقيقة قائلا:

" كلهم عادوا البارزاني وحركته وشعبه وكلهم ذهبوا وبقت كوردستان وشعبها وانتصرت وخسروا هم كل شيئ! "

     والغريب إن البعض لم يفهم الدرس بعد، رغم بلاغته ووضحه وتواليه كمتوالية سياسية، متصورا بان حملات إعلامية مزركشة بأكاذيب وفبركات صحفية تشفي غليله وعقده المتراكمة إزاء نجاحات الكورد وساستهم في البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإقليمهم، متناسين ان اخطر اسلحة الدمار الشامل واخبث اساليب التمزيق النفسي والقيمي للمجتمعات لم تنفع قيد انملة واحدة لتحقيق ما يصبون اليه، تراهم اليوم ينبرون على شاشات التلفزة في إعلانات مدفوعة الثمن، من قبل أولئك الحرامية الذين سرقوا الف مليار دولار خلال اقل من عشر سنوات، وسلموا أكثر من ثلث العراق ومدنه الشامخة بيد عصابات الإرهاب، ظنا منهم في ضرب ثلاثة أهداف بحجر واحد، الكورد والسنة والشيعة!

     ومراقبة سريعة لوسائل إعلام نوري المالكي ووعاظ سلطنته يدرك حقيقة إن البعض ما يزال يعاني من عقدة اسمها كوردستان، ولم يطلع ربما لعمى في بصره او بصيرته على مجريات الأحداث منذ تأسيس كيان المملكة العراقية في غفلة عن ساكنيها وحتى انزواء المالكي، انه إنما يقلد بشكل لا يدلل على ذكاء أو شطارة بل على العكس بأسلوب متهرئ عفى عنه الزمن، ولعل ما تقوم به مجاميع من الثرثارين في ماكينة دعاية المالكي وعصبته التي ترقص على حبال الفتنة والحرب والخراب لتغطية واحدة من أبشع عمليات السرقة وتدمير البلاد، باستقدام كل مجرمي العالم وسادييه وشذاذ آفاقه ليحتلوا اعرق مدن العالم في نينوى والانبار وسنجار وتكريت ويستبيحوا الأرض والعرض، لا لسبب إلا لعقلية مريضة حاقدة موبوءة بمركبات النقص والإحباط والفشل ليؤدبوا السنة كما كانوا يتهامسوا في دهاليز حكمهم واجتماعاتهم أو يزرعوا خنجرا في خاصرة كوردستان.

     انهم يستنسخون صناعة الجحوش التي مارسها وتخصص بها نظام البعث، وشهدنا جميعا كيف آلت والى أي نتيجة انتهت، انهم يعيدون الى الذاكرة تلك الافواج من خونة قومهم رعاع الزمن وشذاذ الافاق بوجوه جديدة واسماء محدثة، حيث تداولت وسائل الاعلام مصطلح دقيق في توصيفهم ( سنة المالكي وبعض جحوشه من المحسوبين على الكورد بالجنسية كما يقولون ) فهم وسائل دعايته ووجه القباحة التي يدفعونها الى مسرح التهريج الاعلامي في مسرحية بؤس التفكير والسلوك والغباء السياسي المطبق من هؤلاء الذين جاءوا في غفلة من الزمن السيئ وبيئة الخواء الفكري والنضج السياسي والحكم الرشيد، الذين يعادون شعبا ما بردت بارودته كما قال احد شيوخ شمر في وصفه للكورد وإصرارهم على حقوقهم، ويكرسوا الاحقاد والكراهية مع نسيج اجتماعي عملوا على تمزيقه، ومحاولة اقصاء مكوناته كما فعل اسلافهم عبر مائة عام من تأسيس الدولة، وما فعلوه هم من مخازي خلال عقد واحد فقط من مهزلة حكمهم الفاشل، ازاء ما فعله شعب كوردستان ومؤسساته وقواه السياسية خلال نفس الفترة، وصدق من قال شتان بين الثرى والثرية!؟

kmkinfo@gmail.com



211
وكالة عامة باسم الشعب!

كفاح محمود كريم

     منذ تسلط الأنظمة الشمولية في معظم دول الشرق الأوسط وخاصة تلك التي تمت صناعتها في أقبية وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية إثر انهيار إمبراطورية بني عثمان، وقيام ممالك ومشيخات وجمهوريات الدول العربية، والجميع منح نفسه وكالة عامة مطلقة من تلك الشعوب التي سادتها لعقود ثقيلة ثقافة وسلوكيات القطيع المستكين، تلك الوكالة التي منحت  شرعيتها كيانات وهيئات (نفذ ثم ناقش) إما بمجلس قيادة الثورة أو بصلاحيات ألقذافي الفضائية أو فرمانات الملوك والشيوخ ونزولا إلى فرمانات الأغوات وشيوخ عشائر اليوم الحائرة ( بين الحانة والمانة ) كما يقول العراقيون!؟

     لقد تحولت تلك الممارسات الشمولية إلى ثقافة وسلوك عام يمارسه معظم المسؤولين ابتداءً من رئيس الجمهورية وصولا إلى السلطة السابعة التي يصفها احد مخاتير القرى، والذي يصر على انه هو السلطة السابعة حسب تسلسله الإداري للسلطات التي تبدأ برئيس الجمهورية ثم رئيس الوزراء والوزير وبعده المحافظ ثم القائمقام ومدير الناحية والسابع مختار القرية الذي يؤكد على حقه في التحدث باسم الشعب أي باسم أهل القرية الذين عينوه مختارا، وهي ذات الصلاحية التي يمنحها لنفسه شيخ العشيرة حينما يتحدث ويصرح ويأمر وينهي باسم كل أفراد عشيرته نساءً ورجالاً، أطفالا وشيوخاً، الذين يحبونه والذين يكرهونه أو ينافسونه على كرسي المشيخة، وهكذا دواليك حتى زعماء الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تتكاثر بشكل رهيب، والوزراء والنواب الذين يتكاثرون أكثر من القطط الشباطية، وكل من هب ودب يتكلم باسم الشعب!؟

     والانكى من ذلك حينما يصدر رئيس محكمة أمرا قضائيا باسم الشعب، وهو يدرك إن هذا الكل مجروح على الأقل بذوي المحكوم عليه، فكيف له أن يدعي الحكم باسم الشعب، وكذا الحال بأولئك النكرات الذين أوصلتهم صناديق العشائر والغباء الاجتماعي والسياسي إلى كراسي البرلمان، وهم يتحدثون باسم الشعب كله؟
     حقيقة؛ هناك مهازل لا تعد ولا تحصى في بلد أراد زعماءه الانتقام من بعضهم ففتحوا الأبواب لعصابات الهمجية والجريمة لكي تؤدب مكون مخالف لهم وتكون خنجر خاصرة لقومية مختلفة عنهم، فانقلب السحر على الساحر، والغريب إن الجميع يتحدث نيابة عن الجميع دون تخويل أو وكالة، ابتداءً من فراش المدير وانتهاءً بفخامة نائب رئيس الجمهورية الذي يصر على أن الشعب العراقي سيقاتل أي عملية تسليح للمكونات خارج سلطته، وان برك الدماء تنتظر من ينتقد مؤسساته العسكرية!؟

     قلت الغريب وأنا آسف جدا لأنها في بلدي ليست غريبة إطلاقا، فهي الشائعة وغيرها الاستثناء، فالكل هنا مخول بالحديث والحكم وإبداء الرأي والقرار بدل الكل، لأننا فعلا في مجتمع العرض واحد والجيب واحد والرأي واحد والشعب واحد والحزب واحد والشيخ واحد والملك والرئيس والإمبراطور والرب واحد، وصلوات على الديمقراطية.

kmkinfo@gmail.com



212
العراق والدول الثلاث

كفاح محمود كريم

     قبل اكثر من قرن كانت هناك ثلاث ولايات مستقلة في بلاد النهرين وهي ولاية بغداد وولاية البصرة وولاية الموصل، وحينما سقطت دولة ال عثمان بعد مرض عضال قام جراحان سياسيان لئيمان هما سايكس وزميله بيكو بعملية جراحية لرسم حدود كيانات جديدة من بقايا ارث ال عثمان، وتحويله الى امارات وممالك وفيما بعد جمهوريات.

     وفي البدء دمجوا ولايتي البصرة وبغداد ليؤسسوا منهما مملكة الهواشم الثانية بعد امارة شرق الاردن، بعد ان احتاروا في تسمية ملك على عرش الكيان الجديد من كثرة المرشحين العراقيين لهذا المنصب، حتى سئموا فارتحلوا صوب الحجاز، فاختاروا احدهم ليكون اميرا او مليكا على العراق وكان فيصل بن الشريف حسين الذي وصف هذا الكيان وما يحتويه بانه ليس شعب او وطن بل هو مجموعات من المكونات المختلفة والعشائر المتنافسة.

    في حينها لم تنتم الموصل الى ذلك الكيان الهاشمي الجديد حيث كانت تضم كل الاقليم الكوردستاني الحالي حتى شمال بغداد، بل ان التاريخ وحقائق الامور تقول إن اغلبية سكانها الكورد هم الذين منحوها عراقيتها ورفضوا الانتماء الى الدولة التركية مقابل الاعتراف بحقوقهم واقامة دولة المواطنة، ولقد صدق الكورد في وعدهم وكذب الاخرون في عهودهم، فما أن اصبحت ولاية الموصل جزءً من المملكة العراقية حتى تنصلت حكوماتها عن تعهداتها تجاههم عبر ثمانين عام واكثر، جُربت فيه كل النظريات والعلاجات واستخدمت كل الاساليب والطرق لالغاء المكونات او تهميشها، وحينما فشلت استخدمت  الاسلحة المحرمة والابادة الجماعية للسكان، وبعد ملايين الضحايا والاف المليارات من الخسائر وبمجرد انهيار قوة الطغيان، اصبحت بلاد النهرين ثلاث دول في واقع حالها وان لم تعلن رسميا، الاولى في اقليم كوردستان ذي النهج الديمقراطي المدني، وقد استقل منذ ربيع 1991م واصبح بقرار اممي ملاذ امن ومحمي، وهو اليوم لا يحتاج الا الى هوية انتساب الى نقابة او جمعية الامم المتحدة، والثانية دولة ولاية الفقيه التي تمثل الشيعة، وقد اكتملت مؤسساتها تقريبا بتشكيل جيشها ( الحشد الشعبي والميليشيات ) وتستخدم المؤسسات الاتحادية للتغطية والحصول على مكاسب اخرى قبل رسم الحدود، والثالثة دولة الخلافة السنية الداعشية، وقد سيطرت على معظم الاراضي التي تسكنها اغلبية سنية عربية وارادت التمدد في مناطق اخرى لتخفيف الضغط عليها او الضغط باتجاه الحصول على مكاسب اخرى.

     هذا واقع الحال بعيدا عن المزايدات والمهاترات هنا وهناك، وخاصة في موضوعة التسليح ومشروع القانون الامريكي في تسليح السنة والاقليم بالاسلحة مباشرة بعد أن ايقنت ان الفعاليات الشيعية تؤسس قوتها العسكرية مستغلة المال العام والمؤسسات الاتحادية والمساعدات الايرانية الوفيرة على حساب اضعاف وتهميش المكونين الاخرين بذريعة محاربة داعش، وللاسف لم يتحدث أي مسؤول في هذه الدول الثلاث بصراحة عن واقع الحال غير مسؤولي كوردستان، المتهمين دوما في ثقافة المزايدات والدولة العراقية المفترضة بالانفصاليين، ليس اليوم بل منذ تاسيس هذا الكيان المفروض على سكانه غصبا وحتى يومنا هذا، وغير ذلك ربما هناك فرصة للابقاء على اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي عراقي حقيقي بين دول واقع الحال الثلاث، ولكن بالابتعاد عن الكذب والتحايل والاستغلال، والتخلي عن المزايدات والمكابرات، ومحاولة استغلال تلك الشعارات المستهلكة لكسب مزيد من الامتيازات او النفوذ او الهيمنة على الاخرين.

     ان الاتحاد العراقي اختياري ولن يكون اجباريا ابدا الا بمزيد من بحور الدماء والدمار واضاعة أي فرصة للتقدم والازدهار.

kmkinfo@gmail.com

213
البعث ومشكلة ملايين العراقيين

كفاح محمود كريم

     لا نعرف إن كانت استقالة السيد رافد جبوري الناطق الرسمي باسم رئيس مجلس وزراء العراق استقالة أم إقالة، خاصة وانه قد تعرض إلى حملة مسعورة من ماكينة دعاية من ينافس السيد عبادي على الكرسي ويريد إفشاله، رغم إن كثير منهم كانوا أعضاء فاعلين في حزب البعث، والأكثر غرابة إن العديد قد طالبوا العبادي أو على اضعف الإيمان السيد جبوري الاعتذار من الشعب العراقي لهذه الجريمة النكراء، فعلا هزُلت وشر البلية  ما يضحك حتى البكاء، من هذه المزايدات الرخيصة التي تستخدمها الطواقم الدعائية لأفشل إدارة عرفها العراق في تاريخه، والتي أدخلت البلاد طيلة ثمان سنوات في متاهات التخلف والكراهية والأحقاد والطائفية المقيتة والإفلاس المخزي لبلاد أنتجت خلال نفس الفترة ما يزيد على سبعمائة مليار دولار، مستخدمة وسائل ومفاتيح غرائزية لإشاعة الأحقاد والفتن كما فعلت وما تزال تفعل في حملتها المشينة ضد الكورد تارة وضد السنة تارة أخرى، ولا يفوتها أيضا التنكيل والتشكيك بالقوى الشيعية الوطنية التي رفضتها ورفضت هيمنتها وتسلطها.

     لقد حكم حزب البعث العراق ما يقرب من أربعين عاما حتى أصبح ظاهرة اجتماعية في معظم العراق خارج إقليم كوردستان، وضم بين أجنحته وتنظيماته مختلف الشرائح والطبقات والمستويات والمكونات، ولم يبقَ طفلا تجاوز التاسعة من عمره إلا وكان في منظمة الطلائع البعثية، كما لم يتخلف فتى عن منظمة الفتوة وكذا الحال في منظمة الشباب، ومنها صعودا إلى طلبة المتوسطات والثانويات والمعاهد والجامعات، إلا وقد استقبله زبانية الاتحاد الوطني وفرضوا عليه الانتماء راضيا أو مجبرا، إلا اللهم القلة القليلة التي لا تخضع للقياس العام، كما يعرف العراقيون جميعا من الذين ما برحوا أراضيهم والتصقوا بها، إن ما من طالب وصل الجامعة أو طلب دراسة عليا في الماجستير أو الدكتوراه إلا وفرضت عليه البعثية كما تفرض الضرائب، فهل هذا يعني إن كل هؤلاء مجرمين وخونة وعملاء وغير وطنيين!؟

     اتقوا الله أيها الناس فقد كان في حزب البعث رجالا ونساءً ترفع لهم القبعات، لا لكونهم بعثيين بل لتربيتهم وأخلاقياتهم ومواقفهم النبيلة، وليتذكر كل منا في موقعه أو محلته أو مكان عمله، كم منهم كان له مواقف لا تنسى، ولعله من باب الوفاء أن اذكر  اثنين ساهما في إنقاذي من الإعدام في سجن الأحكام الثقيلة في بادوش ليلة 27-28 آذار 2003م، ولم يكونا من الكورد أو من البيشمركة، بل كان احدهم عربيا شمريا يعمل قاضيا لأمن محافظة نينوى والثاني تركمانيا ونقيبا لأمن الدواسة في الموصل، وكليهما عضوين في حزب البعث، ولو كانت قيادتهما قد شعرت بهما وما فعلوه من اجل إنقاذي، لأعدموهما قبلي، فكيف لي ولغيري من ملايين العراقيين أن ينسوا مواقف لرجال ونساء في تلك الأيام الحالكة، ممن كانوا محسوبين على البعث وظيفيا، وعلى الشعب أخلاقيا؟
     هل يستطيع على أيام صدام أي فنان تشكيلي أو مسرحي أو غنائي إن يكون خارج السرب إلا في المنافي؟ وهل كل الناس كانت تستطيع أن تختار أو ترحل إلى المنافي؟ هل يعقل هذا أيها الناس لكي نأتي ونزايد على رافد جبوري وغيره؟
     لماذا التقط المالكي وفريقه جنرالات البعث وكوادره الأمنية والإعلامية والدعائية، وأعتمدهم في مكاتبه القيادية بحجة تزكيتهم أو سيناريو ازدواجيتهم في الانتماء!؟
     وهل علينا أن نطلب الاعتذار من كل هؤلاء لكي يعتذر رافد جبوري الخلوق والشجاع والمثقف؟
     فإذا ما اعتمدنا هذه القياسات في التعامل مع كوادر الدولة العراقية فسنحتاج إلى اعتذار الملايين أو إقالتهم كما حصل مع المغدور به الأستاذ رافد جبوري، أنها فعلا جزء من مسخرة العراق ومخازي من يحكمون هذه البلاد الموبوءة بالنفاق والازدواجية التي تقودها إلى التقهقر والتخلف والانهيار، بينما أعطى إقليم كوردستان وقيادته متمثلة بالرئيس مسعود بارزاني وجلال الطالباني وقادة الأحزاب الكوردستانية مثالا إنسانيا راقيا قبل ربع قرن من الآن، أي بعد انتصار انتفاضة شعب كوردستان في ربيع 1991م وانتخاب أول برلمان كوردستاني في تاريخ كوردستان والعراق، حيث اصدر الرئيس بارزاني باسم قيادة كوردستان وشعبها قانونا للعفو العام شمل كل أتباع نظام صدام حسين بكافة تسمياتهم وتشكيلاتهم وأفواجهم حتى تلك التي حاربت الثورة، بشروط ترك الماضي والتوجه لبناء كوردستان مع قيادتها وشعبها، وخلال سنوات أثمرت تلك الأخلاق الرفيعة والقيم العليا فأصبحت كوردستان زهرة العراق والشرق الأوسط وملاذا أمنا لملايين العراقيين على مختلف مكوناتهم العرقية والدينية والمذهبية.

kmkinfo@gmail.com



214
الدوري والظاهرة الإعلامية

كفاح محمود كريم

     في العراق أمثال جميلة جدا في دارجتها القروية أو البدوية، ومن أجملها مفردتين تشكل مصطلحا دقيقا جدا في توصيف شخص مثل الدرويش القائد العام للحايرين في العراق بعد سقوط صنمهم الكبير صدام حسين، إلا وهو عزة الدوري الذي أعلنت وسائل الإعلام مقتله‘ فهو لم يك أكثر من " خراعة خضرة " كما يقول المثل العراقي الجميل، وخراعة الخضرة هي دمية يصنعها الفلاحين البسطاء ويضعونها في وسط حقولهم لدرء خطر العصافير التي تستحوذ على حبوبهم وخاصة تلك التي تحملها وردات عباد الشمس الجميلة، رغم أن الفئران لم تعد تترك لتلك العصافير شيئا يذكر من بذور عباد الشمس!؟

     وعزة الدوري هذا لم يكن في عز حكم حزب البعث وصدام حسين أكثر من ( سكن ) كما يقول الدارج العراقي في توصيف الخادم الذي يعمل تحت يد الاسطة أو المعلم كما يسميه المصريون، فلم يعرف عنه مبادرة أو قرار أو شخصية قوية بل كان دوما محل تندر العراقيون، وهو القائل أمام ملايين المشاهدين على التلفزيون مخاطبا صدام حسين الذي سأله قائلا ما هو رأيك يا أبا احمد؟ فقال له الدوري " سيدي القائد العظيم أمام حضرتك اخربط بالحجي، فأنت إمامنا وملهمنا ولا كلام بعدك" وكان حينذاك نائب القائد العام للقوات المسلحة ونائب أمين عام سر حزب البعث ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة!!؟

     فكيف تحول هذا الشخص بهذه المواصفات إلى قائد ثوار وثورة ومعارضة ونقشبندية وداعشية؟ وهو في واقع الحال لم يتجاوز كونه ظاهرة إعلامية إطارها " خراعة الخضرة " يرعبون به السذج ويستخدمونه سلما لمآربهم التي لا يعرف كنهها إلا الراسخين في علم اللعب على الحبال من سياسيي الغفلة وبرلمانيي الفساد والإفساد!

     عزة هذا اقترب من الثمانين وهو محمل بأمراض الشيخوخة ناهيك عما كان مصابا به إبان حكم إمامه العظيم، ولم يكن سعيد الحظ لكي يتبوأ كرسيا متحركا مثل شبيه سيده رئيس الجزائر المقعد الذي تولاها رغم عين الربيع

العربي الأحمق والأهوج، وقعد على كرسي المعاقين حاكما بأمر من يقف خلف الكواليس مستفيدا من بركات النفط والعمة أمريكا والخالة بريطانيا رغم أن في جواره نيران القذافي وترتيبات مصر وتونس الربيعية الهادئة!

     عزة.. قتل أم لم يقتل، فهو خراعة خضرة وظاهرة إعلامية صوتية تكاثرت بل وخلفت قبل مماتها مئات وآلاف من أمثالها وربما أكثر ضراوة وبربرية، ليس من عزتها فقط بل حتى من تجاوز صدام وعلي كيماوي وناظم كزار وطبقة المجرمين من الساديين والسايكوباث الذين ما يزالون يحكمون بلادا تنضح دما بقدر ما ينضح أهلوها عرقا!

     صدام اعدم، وقبله أحرق عبد السلام، وقبلهما رمي الزعيم بالرصاص بعد أن سحل جنده الباشا نوري السعيد واغتالوا عائلة الملك الهاشمي، والغريب في بلاد العجائب إن المالكي والطالباني غادرا كرسي الحكم على رجليهما دون قتل أو حرق أو انقلاب.. ولكن؟

صلوات على الديمقراطية!!
kmkinfo@gmail.com


215
الأنفال من حلبجة إلى سنجار

كفاح محمود كريم

      قبل سبعة وعشرين عاما تعرض شعب كوردستان إلى أكبر حملة إبادة جماعية " جينوسايد "، كان الهدف منها إنهاء وجوده وهويته القومية، حيث أقدم نظام حزب البعث العربي بقيادة صدام حسين إلى استهداف أكثر من (182000) ألف من المواطنين المدنيين الكورد الأبرياء ضحايا وشهداء،   فضلاً عن هدم آلاف البلدات والقرى والمناطق الكوردستانية بما فيها من بساتين وينابيع مياه ومساجد وكنائس ومدارس وحقول، في واحدة من أبشع جرائم الإبادة بعد ثلاثة وأربعين عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجاح القوى المدنية المتحضرة في ملاحقة رموزها ومرتكبي مجازرها في أوربا التي عانت الأمرين من همجيتها.

     إن القضاء على رموزها في محاكمات جنائية لم يفلح في إنهائها كثقافة أو عقيدة أو سلوك أو فايرس، فقد بقيت خافتة أو نائمة على شكل خلايا في شرقنا التعيس، وهي تنتظر البيئة والأجواء التي تنبت فيها وتنمو، وسرعان ما بدأت بالنمو من جديد في النصف الثاني من القرن العشرين وتحديدا بعد تسلط القوى العنصرية القومية والمتطرفة الدينية على منابر الحكم والفقه والتربية والتعليم، وكان أول ظهور لها مع تسلط البعثيين على الحكم في جريمتهم الانقلابية على الجمهورية الأولى في بلاد الرافدين مع مطلع شباط 1963م وانتشار جثث ضحاياهم التي تجاوزت العشرة آلاف قتيل تم تصفيتهم من الشيوعيين والتقدميين والكورد ومعارضيهم من بقية الفعاليات السياسية في أزقة وشوارع بغداد خلال عدة أيام فقط من استحواذهم على السلطة.

     ولم تمض سنوات كثيرة حتى استولوا بشكل كامل على مقدرات العراق في تموز 1968م لتبدأ حقبة من القهر والرعب والموت في تاريخ الشعوب العراقية والتي توجوها بواحدة من أبشع جرائمهم في إبادة مدينة حلبجة مدينة الشعراء والأدباء والفنانين، مدينة الفكر والحضارة والتألق، بالأسلحة الكيماوية مع عشرات البلدات الصغيرة والقرى في مناطق كرميان وبادينان، وأعقبوها بحملة الانفالات التي قضت على البنية التحتية الزراعية والسكانية لأرياف كوردستان حيث دمروا أكثر من خمسة آلاف قرية بما فيها من بساتين وحقول وينابيع ومدارس ومساجد وكنائس، وسيق 182 ألف مواطن مدني من سكانها من الرجال والنساء والأطفال إلى جحيم الموت دفنا وهم أحياء في شقوق بصحراوات العراق.

     وبعد اقل من أربعين عاما من تلك الجريمة الشنعاء عاد الرعب العنصري الفاشي مرة أخرى باسم وعنوان جديدين وهما تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ (داعش) وبذات الفكر والعقلية والسلوك البعثي في فجر الثالث من آب أغسطس 2014م إلى سنجار، ليستبيح مدينة من أقدم مدن الشرق التي ضمت أولى القرى والحقول الزراعية قبل ما يقرب من سبعين ألف عام*، مدينة سنجار ( شنكال ) وبلداتها وقراها التي استبيحت وقتل  المئات من أهاليها وخطفوا آلاف العوائل من النساء والأطفال واعتبروهم سبايا تم بيعهم في أسواق النخاسة، لذات الأسباب والأهداف إلا وهي التعريب ومسخ الهوية وإبادة العنصر الكوردي تحت مختلف الحجج والتبريرات.

     واليوم ونحن نستذكر هذه الأيام المرة، وبعد مرور سنوات على محاكمة رؤوس النظام البعثي الذي أقدم على جرائم "حملات الأنفال" الأولى، فإننا إزاء جريمة آلاف النساء المخطوفات التي مزقت النسيج الاجتماعي وفتحت أبواب ونوافذ جحيم الانتقام للشرف الشخصي والديني والقومي، مما سيؤدي إلى مذابح وانتهاكات خطيرة لا أول لها ولا آخر، تستدعي حلولا جذرية تعاقب المجرمين المتهمين والمتعاونين مع داعش وتأمين حياة وحماية اولئك الذين تعرضوا للإبادة، وكواجب قانوني وأخلاقي أن تقوم الحكومة العراقية والمجتمع الدولي كما فعلت محكمة الجنايات العراقية العليا باعتبار تلك الجرائم حملات جينوسايد بحق  شعب كوردستان، أن تعتبر ما حصل في سنجار(شنكال) مرادفا لما حصل في الأولى منها كجريمة إبادة جماعية، وبذات الشكل فمن الواجب القانوني والأخلاقي للحكومة العراقية القيام بتعويض مادي ومعنوي للمحررين وذوي ضحايا الأنفال الأولى والثانية في سنجار، مع تعويض البيئة ومكان هؤلاء المواطنين الذين تعرضت مناطقهم لحملات التدمير الشامل والنهب والسلب بما في ذلك الشروع بحملة وطنية ودولية لإعادة بناء المدن والقرى والمجمعات التي دمرتها داعش وأذنابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من كتاب انتصار الحضارة لمؤلفه سيتون لوئيد
kmkinfo@gmail.com


216
لن نُسلِم العراق إلا حفنة تراب!؟

كفاح محمود كريم

     أعادنا الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في تسريب إعلامي أوصى فيه مؤيديه وطاقمه العسكري بأن: "كسروا كل شيء جميل في اليمن.. دمروا كل شيء في اليمني " واصفا شعبها بأنه: "شعب جبان خوافين، لا يعرفون مصلحة الرئيس...".
     فعلا أعادنا إلى ما قاله صدام حسين في ظروف لا تختلف كثيرا عن تلك التي أنتجت تصريح الرئيس اليمني، وهو يدرك إن نظامه سيسقط لا محالة، وان كرسي حكمه سيتم تداوله من أناس كان ذات يوم يحرم عليهم ماء وهواء العراق، متوهما نفسه في واحدة من تجلياته النرجسية اله من إلهة بابل أو آشور، قال انه لن يترك العراق " إلا حفنة من تراب "!
     وبين الاثنين كان القذافي في ذات الموقف ولم يختلف قيد أنملة عن رفيقيه أعلاه، وكذا يفعل ابن حافظ أسد في حواضر الشام العتيقة، وفي العراق نشهد منذ سنوات ما تفعله عصابات صدام حسين وحملة فيروساته البعثية التي تجلت أكثر وضوحا وتعبيرا عن مكنوناتها في داعش، فكانت بحق عصارة فكر وثقافة وسلوك الفاشية البعثية التي ولدت وترعرعت بعد انقلابها الأسود في شباط 1963م واستمرت حتى حولت العراق وسوريا إلى افشل دولتين في العالم، ستلحقهما كل من ليبيا واليمن التي تطابقت في نظام حكمها وثقافة أدائها السياسي حتى وكأنك تظن إنهما ذات الأشخاص ولكن بأسماء مختلفة.
     هذه العقلية التي حكمت شعوب الشرق الأوسط وما تزال تفعل فعلتها بعد أن اندمجت جميعها في عصارة واحدة هي داعش التي أعلنت من قلب مجموعة من المدن والقرى التي استباحتها إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية، هذه العقلية تسببت في تدمير النسيج الاجتماعي لمكونات شعوب هذه المنطقة كما أنها خربت وأزالت من الوجود كل ما يتعلق بالحضارة ورموزها وآثارها التاريخية، إضافة إلى أنها دمرت بالكامل مدن مثل سنجار وزمار وكوباني وقراهم ومجمعاتهم السكانية، وأزالت بيوت مواطنيها من الوجود.
     إن ما تقوم به داعش في التدمير المنظم للمدن والبلدات والقرى التي تستبيحها وخاصة تلك التي تعود للكورد ومناطقهم المعربة من قبل عراب داعش الكبير صدام حسين والبعث الفاشي مثل سنجار وزمار وبعض أطراف كركوك والقرى المحيطة بهم، إنما تكمل ما لم يكمله نظام صدام حسين وقرينه في الشام، فنظرة سريعة إلى مدن سنجار وكوباني وزمار وسنون والسعدية وجلولاء، وما تفعله اليوم في تكريت وفي تدمير الموصل الذي حاول ذات المحاولة لتدميرها علي حسن المجيد اثر انتفاضة ربيع 1991م واقتراب ثوار كوردستان من الساحل الأيسر للمدينة وقرار علي كيماوي بتدميره بصواريخ ارض لولا نبل ورقي قيادات الحركة التحررية الكوردستانية وإدراكها لوحشية علي كيماوي ونظامه فقررت عدم دخول الموصل وساحلها الأيسر الذي كان ينتظر على نار كما يقولون لإسقاط نظام البؤس والظلام.
     لقد ظن الكثير للوهلة الأولى إن الربيع العربي قد مزق حاجز الخوف من الأنظمة، وما لم يدركه هذا الكثير هو أن الربيع لم يسقط إلا الهياكل الإدارية لتلك الأنظمة، التي سارعت إلى إنتاج الخوف والرعب من خلال اذرعها وخلاياها النائمة، فظهرت تنظيماتها المافيوية المدربة بشكل عالي وبأسماء تدغدغ المغيبين عبر العصور، عصابات متخصصة في عمليات إشاعة الرعب والهستيريا عند الأهالي، ومن ثم الانتقال إلى تدمير كل شيء حتى يتحول البلد بأكمله إلى حمام دماء وأكوام من الركام والأتربة المعجونة بدماء الضحايا، حيث نجح البعث وصدامه بتحويل أجزاء كثيرة من العراق إلى أكوام من التراب كما يفعل الآن ابن حافظ الأسد وكتائب القذافي وعلي عبد الله صالح ومن لف لفهم من ( قادة الأمة العظام ) في تدمير اعرق البلدان وموطن الحضارات التي ابتليت بغزاة أحالوها عبر تاريخها إلى ساحة حروب وصراعات وحقول تجارب، حتى أكل فيها اليابس الأخضر واختلطت فيها الأوراق والألوان لكي تظهر على الشاشة اليوم هذه البانوراما من الخرائب والدمار تخليدا لزعماء الأمة سواء كانوا على كرسي الحكم أو في حفرة الهروب!؟
     ربما كانت منطلقات الربيع العربي محاولة لاختراق حاجز الخوف والانقلاب على أنظمة الرعب، وهي بالتالي حلقة من حلقات الصراع، لكنها بالتأكيد واحدة من أهم الحلقات التي ستحدد نتائجها شكل النظام ومضمونه الاجتماعي والسياسي لمستقبل هذه المنطقة المضطربة من العالم.

kmkinfo@gmail.com


217
المنبر الحر / لست شيوعيا ولكن!
« في: 14:25 02/04/2015  »
لست شيوعيا ولكن!

كفاح محمود كريم

        بعد سنوات من انتصار ثورة أكتوبر في روسيا  بدأت أولى بواكير المدرسة الوطنية العراقية بالتبلور في بلاد مابين النهرين وعلى ضفاف دجلة والفرات، حيث دخلت الأفكار الماركسية في العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك بظهور عدد من المثقفين الذين تأثروا بتلك الأفكار، وجلبوا عددا من الكتب الماركسية من البلدان المجاورة، وانكبوا على دراستها وتداولها بين عدد محدود من الأشخاص في بادئ الأمر خوفا من اكتشاف أمرهم، وبعيدا عن الإيغال في التاريخ فقد انعقد في الحادي والثلاثين من آذار 1934م اجتماع تأسيسي في العاصمة بغداد حضره شيوعيون من مختلف إنحاء العراق، وأعلنوا توحيد منظماتهم في تنظيم مركزي واحد باسم (لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار) وتم انتخاب أول لجنة مركزية للحزب الذي تغير اسمه فيما بعد إلى الحزب الشيوعي العراقي حيث اتخذت اللجنة المركزية قراراً بإعلان اسم الحزب الشيوعي العراقي بدلاً من الاسم السابق في عام 1935م.       

      أردت بهذه المقدمة المختزلة أن ادخل في رحاب تاريخ واحدة من أقدم واعرق مدارس الوطنية إن لم تكن الأولى في بلورة الفكر الوطني والمشاعر النبيلة بين مكونات بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا، والخطوات الأولى في مفاهيم الوطنية والنضال والتحرر الوطني والطبقي، مدرسة تتبنى فكرا يقدم الإنسان كقيمة عليا لا فرق بينه وبين الآخر لأي سبب في الجنس أو الدين أو اللغة أو القومية.
      لقد عرفت هذا الحزب في شخص عمي عبدا لله كريم الذي اعتقل فجر العاشر من شباط 1963 م على أيدي البعثيين، الذين اقتحموا البيت مع ساعات الفجر الأولى دونما إذن مسبق أو حتى تنبيه على الباب، مستخدمين اساليبا أقل ما يقال عنها بأنها ليست آدمية في اقتحامهم للبيت والعبث في حاجياته وأثاثه دونما خجل أو حياء من نساء وأطفال يغطون في نومهم العميق في ساعات الفجر الأولى، لقد اعتقلوه وهو معلم وفنان تشكيلي وإنسان أرق من النسيم وأكثر شفافية من خيوط الفجر في تلك الساعة السوداء، ذلك الإنسان الإنسان والفنان والكاتب والمعلم الكبير في مدرسته ومجتمعه، واقتادوه بكل وحشية وحينما سألته زوجته وسط بكاء الأطفال وعويلهم، من هؤلاء ضحك وقال إنهم أحفاد شرطة الجسر(!) وكان يقصد شرطة نوري السعيد التي فتحت النار على المتظاهرين إبان انتفاضة الجسر في أواسط الأربعينات من القرن الماضي حيث كان طالبا في دار المعلمين التي عرفت حينذاك بـ ( الريفية ).
       في هذه اللحظة عرفت من يكون الإنسان الشيوعي ولماذا يعتقل ويغتال وتقتحم داره، وتدمر مكتبته وتصادر أو تحرق كتبه وكتاباته، فقد دمروا كل شيء في البيت يومئ إلى الثقافة والكتب واللوحات وعبثوا بكل محتوياته بما في ذلك تلك الحديقة الصغيرة.
      لم يوصف الشيوعي بالكفر إلا بعدما تسلط حزب البعث على السلطة في مطلع ستينيات القرن الماضي في محاولة فاشية لإسقاطه اجتماعيا كون معظم المجتمعات العراقية محافظة عقائديا، بل واستخدم أسلوبا دعائيا رخيصا لتوصيف أعضاء وكوادر هذا الحزب التي كانت تنتمي أصلا لأسر محافظة جدا، ورغم كل ما كانت تفعله ماكينة دعاية البعث ومن ماثله من تنظيمات قومية عنصرية أو دينية متطرفة بقي هذا الشيوعي نموذجا تربويا رفيعا وشخصية اجتماعية نبيلة في سلوكها وايجابيتها يذكرها جيلنا وهو يتذكر تلك الشخصيات النادرة في أخلاقها وعطائها وإنسانيتها، فكم منا لم يدرسه معلم شيوعي أو مدرس شيوعي في الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية ونقشت سماته الرفيعة في ذاكرتنا؟
     هذا الشيوعي المتهم بالكفر علمنا ونحن صغارا لم نتجاوز السابعة من العمر أول مبادئ حب الوطن والشعب والمدرسة والعلم واحترام الكبير ورعاية الأصغر، علمنا إن نحب العربي والكوردي والتركماني والكلداني والسرياني والاشوري والمسلم والايزيدي والمسيحي وعدم التفرقة بين البشر لأي سبب كان، فكلهم أخوة في الإنسانية بصرف النظر عن اللغة والدين والجنس والعرق، كان يقول إن المرأة إنسانة عظيمة علينا احترامها وتقديرها، أماً كانت أم بنتا أو أختا، ولا يجوز إهانتها أو الاعتداء على كرامتها الإنسانية، علمنا إن للبشر حق تقرير مصيرهم واستخدام لغتهم وثقافتهم وان للفقراء حقوق مثل كل البشر وعلينا أن نعمل من اجل سعادتهم، أبعدنا عن الخرافات وأعمال الشعوذة وشق لنا طريقا في فضاء الثقافة الرصينة وتحليل الظواهر قبل قبولها والسؤال المستمر للوصول إلى الحقيقة دونما الاستكانة أو الرضوخ لموروثات في الفكر أو العلم أو العادات والتقاليد مع إمكانية تطويرها بما يتناغم والعصر الحديث.
     لقد تعرض هذا الحزب إلى أقسى أنواع الحروب وأكثرها همجية على أيدي معظم أنظمة الحكم في العراق وغيره من بلدان الشرق الأوسط والعالم المتخلف لكنه دفع إلى مسرح الوطنية ارفع شخصياته ومفكريه وأصبح نموذج الإنسان الحر، بل انه كان مدرسة الوطنية الأولى في معظم دول العالم التي انتشر فيها، وتخرج منها فكرا أو ثقافة أو سلوكا كبار شخصيات تلك الدول ومفكريها ومثقفيها، فتحية إجلال وإكبار في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، الحزب الذي أصبح تراثه مدرسة ونضاله نموذجا للتحدي والصمود وأعضاءه مثالا للخلق الرفيع والانتماء الراقي والوطنية الحقة.
     صحيح إننا لم نكن شيوعيون ونختلف معهم هنا وهناك لكنهم حقا مدرسة للوطنية الراقية، تعلمنا منها الكثير وتتلمذنا في فصولها على ثقافة العدالة الاجتماعية وإنصاف المضطهدين والدفاع عنهم وعن حق تقرير مصيرهم، حقا ترفع لهم اليوم في ذكرى تأسيس المدرسة الوطنية العراقية كل القبعات.
   



218
المنبر الحر / ما بعد داعش
« في: 19:30 29/03/2015  »
ما بعد داعش

كفاح محمود كريم

     يتحدث الكثير من الخبراء والمحللين عن الأزمة الإنسانية التي تسببت فيها منظمة داعش الإرهابية، ونزوح ملايين البشر من مدنهم وقراهم إلى شتى أنحاء المعمورة، وبالذات إلى الأماكن الأكثر أمنا في دول الإقليم مثل كوردستان والأردن وتركيا، إضافة إلى الآلاف الذين هاجروا إلى أوربا وأمريكا وإضعافهم الذين ينتظرون، ورغم مأساة حال النازحين على الأقل هنا في كوردستان والأردن وتركيا، إلا إن موضوعا أكثر أهمية وتعقيدا ينتظر الجميع خاصة إذا ما علمنا إن داعش كقوة عسكرية زائلة بالمطلق، ولا يمكن أن تكون وضعا مقبولا أو مستمرا في أي زاوية من العالم مهما امتلكت من قوة وأساليب في إرهاب وترعيب البشر، فهي مرفوضة في عقيدة أغلبية البشرية مهما ادعت أنها تمثل دينا أو مذهبا، فهي بالتالي خارج الزمن والحضارة والأخلاق والطبيعة البشرية.
     المشكلة الأكثر تعقيدا وربما مأساة وكارثية التي ستواجهنا هي ماذا سيحصل بعد عودة السكان إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، بعد أن خربت داعش بنيتها التحتية بالكامل على مستوى الخدمات العامة وعلى مستوى بيوت الأفراد، حيث تم تدمير أو تفخيخ أكثر من 90% من تلك البيوت والأسواق والدوائر الحكومية أو المباني المملوكة للكورد والشيعة أو المسيحيين والايزيديين، والصورة أكثر مأساوية في المناطق المختلطة قوميا وعرقيا أو المتاخمة لبعضها، فقد تم تمزيق النسيج الذي كان يربطها قبل دخول داعش، ومساهمة العديد من أبناء تلك القرى والبلدات والمدن بالجرائم التي اقترفتها داعش في عمليات القتل على الهوية الدينية كما حصل للكورد الايزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة في كل من سنجار وتلعفر وسهل نينوى، حيث تم هدر دماء الايزيديين والشيعة واستباحة اموالهم ونسائهم واطفالهم، وسبيت الاف النساء الكورديات الايزيديات وتم تزويجهم قسرا لعناصر داعش وامرائها، بل انهم اقاموا اسواقا لبيع النساء كجواري في كل من تلعفر والبعاج والموصل والرقة.
     وأكثر الاسئلة كارثية ومأساة هي كيف سيتعامل آباء البنات المسبيات وإخوانهن وأزواج النساء وأبنائهن ممن تم تطليقهن من قبل داعش واغصباهن على اعتناق الإسلام وتزويجهن قسرا أو بيعهن كجواري أو عبيد، كيف سيتعاملون أو يواجهون ذوي أولئك الذين سبوهم وقتلوا رجالهم وتسببوا في الكارثة، خاصة وان زواج أي ايزيدية من رجل مغاير لدينها يعتبر مخلا بالشرف الشخصي للعائلة وللعشيرة، والمشكلة المعقدة ان هذه البلدات والقرى اما انها مختلطة او متاخمة لبعضها، سواء هنا في مدن وبلدات وقرى حدود كردستان أو غيرها في بقية العراق وسوريا؟
     حقا أنها كارثة اكبر من كارثة احتلال داعش لتلك المدن والقرى التي تتميز معظمها بالمحافظة والعشائرية وبعلاقات الصداقة والأخوة التي انهارت فجأة تحت تأثير الإيديولوجية الدينية المنحرفة، التي مارستها داعش ومن والاها في كل من سنجار مع الكورد الايزيديين والشيعة وفي سهل نينوى أيضا مع الكورد الشيعة والايزيديين ومع المسيحيين.
     لقد تسببت تلك الجرائم في تنمية روح الانتقام لدى كل المكونات الدينية الايزيدية والمسيحية والشيعة بسبب التعرض للشرف الشخصي للأسرة في المنطقة من خلال خطف النساء واغتصابهن تحت ذرائع دينية منحرفة، مما سيؤدي لا سامح الله لو لم يلتفت العقلاء الى تدارك الأمور قبل وقوعها فان مذابح أخرى ستحصل ربما ستكون اكبر بكثير مما حصل.
     لقد نبهتُ إلى ذلك في الملتقى الذي أقامه مركز الدراسات الإستراتيجية العراقي في بيروت مطلع هذا العام 2015م، وشرحت مخاطر المستقبل وكوارثة ما لم نضع في حسباننا ان ما فعلته داعش سيدفع ثمنه اخرين ربما لا علاقة لهم بالاحداث بسبب الشد القبلي والعادات والتقاليد المعروفة في هذه المناطق، وعليه اضع اليوم مجموعة مقترحات واليات ربما تنأى المنطقة عن كوارث لاحقة:
1-   تشكيل هيئة دولية من الانتربول ومنظمات حقوق الانسان والمرأة والرموز العشائرية والدينية في معظم الدول التي تم اختطاف الاف النساء اليها وتزويجهم قسرا والعمل على اعادتهم.
2-   تبني مشروع اممي يضع اقليم كوردستان برمته تحت الحماية الدولية كونه ملاذا امنا لكل المكونات العرقية والدينية والمذهبية، خاصة وقد نجحت حكومة الاقليم بادارة معسكرات النازحين الذين تجاوزت اعدادهم المليونين وكانت محط اعجاب الامم المتحدة والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة والفاتيكان وكل من زار الاقليم خلال هذه الفترة.
3-   إن إصدار قرار من مجلس الأمن يعتبر فيها ما جرى لهذه المكونات الدينية والمذهبية والعرقية ابادة جماعية سيعزز الثقة بالامم المتحدة ويمنح هذه المكونات املا بالعيش بامان وسلام.
4-   اعتبار هذه المناطق منكوبة تماما والعمل من اجل مشروع دولي تساهم فيه كل الدول الغنية من اجل إعادة الحياة لهذه المناطق على غرار مشروع ماريشال الذي أعاد بناء المانيا وغيرها، وتعويض الأهالي عما خسروه نتيجة احتلال داعش لمدنهم وقراهم ربما سيساهم في تعويضهم وعلاج جروحهم ومأساتهم.





219
منارة سنجار وعلم كوردستان

كفاح محمود كريم

     بداية دعونا نتعرف قليلا على أصل المنارة دون الخوض في تفاصيل التاريخ، فقد تم تشييد جامع كبير في ذات مكان المنارة في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي 598 هجرية من قبل قطب الدين محمد ابن عماد الدين زنكي، وهي ضمن مجموعة منارات بنيت في عهد الاتابكة وحملت اسمهم ومنها منارة اربيل ومنارة الحدباء في الموصل، وقد تعرضت خلال السبعمائة سنة من تاريخ بنائها للكثير من الهدم على أيدي الغزاة الذين كانوا يقصدون سنجار لذات الأسباب التي دفعت داعش اليوم إلى استباحة المدينة وتدميرها وهدم كل معالمها الحضارية والاثارية بما فيها المنارة.
     بعد سقوط نظام صدام حسين سيطرت مجاميع من الأهالي على معظم مفاصل الإدارة حتى وصول قوات البيشمركة التي أشاعت الأمن والسلام وأوقفت الفوضى العارمة التي صاحبت سقوط النظام، بل واستطعنا إعادة الحياة إلى كل أجهزة الإدارة والخدمات خلال اقل من أسبوع بما فيها المدارس والمستشفيات والشرطة والمحاكم وبقية الدوائر ذات العلاقة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء.
     بعد أكثر من شهر وصلت بعض القوات الأمريكية، ووصل معها الجنرال ديفيد باتريوس الذي كان يقود الفرقة الرابعة التي تمركزت في الموصل حينذاك، وطلب الاجتماع مع ممثلي الأهالي من كل المكونات والأديان والفعاليات السياسية والاجتماعية إضافة إلى قادة البيشمركة في المدينة، طالبا انسحابها إلى حيث مواقعها الأصلية مبررا ذلك بأنه لا يجوز بقاء قوتين مسلحتين في نفس المكان، ومدعيا بان مكونات غير الكورد لا تستسيغ بقائها، فتحدثت إليه قائلا يا سيادة الجنرال نحن نقاتل نظام صدام حسين منذ عشرات السنين ولم يمض على صراعكم معه إلا أسابيع، وقوات البيشمركة قوات حليفة حالها حال بقية التحالف الدولي والذين يعترضون عليها هم عناصر النظام وأزلامه الذين خسروا امتيازاتهم، وقد نجحت خلال اقل من أسبوع إلى إعادة دورة الحياة إلى المدينة دون أن تفرق بين مكوناتها القومية والدينية.
     عموما بعد مفاوضات جرت بين القيادات الرأسية تم سحب البيشمركة لكي تستقر قوة منهم، اشترطنا أن تكون خارج المدينة وتحديدا في ذات معسكرات جيش صدام، وفعلا هذا الذي حصل حيث بدأت العناصر الموالية للبعثيين والمضادة لهوية المدينة الكوردية التغلغل إلى مقراتهم هناك، حتى تفاجأنا عصر احد الأيام بمداهمة قوة أمريكية لمقرنا وبدأت بتحطيم الأبواب المقفلة وكسر الدواليب ومصادرة السجلات وإنزال علم كوردستان وصور الزعيم مصطفى البارزاني والرئيس مسعود، ثم أبلغتنا بان رفع علم كوردستان سيؤدي إلى غلق المقرات واعتقال المسبب، ثم غادرت إلى معظم الدوائر والمقرات التي ترفع العلم وأنزلته وصادرت معظم الصور، وقد شاهدنا عناصر محسوبة على النظام السابق ومجاميع من مرتزقته المعادين لهوية المدينة وانتمائها يقودونهم إلى حيث يرفع العلم الكوردستاني.
     يومها عقدنا اجتماعا مهما طلبنا فيه من كل الأهالي رفع علم كوردستان على البيوت، وكلفت مجموعة أخرى باعتلاء منارة سنجار ولفها بالعلم الكوردستاني الذي صمد حتى استبيحت المدينة من قبل داعش، رغم أن الأمريكان في اليوم الثاني أصيبوا بالذهول حينما رأوا مئات الأعلام ترفرف على أسطح البيوت والعمارات وفي قمة المنارة، إلا أنهم اعترفوا وهم يعتذرون عن تصرفهم الأحمق حيث قدم آمر كتيبتهم ومجموعة الاقتحام الذين تقدموا واحدا تلو الآخر مبدين اعتذارهم وتأسفهم وإعجابهم بالأهالي وتصرفهم الحضاري، وقاموا برفع العلم الكوردستاني بكل احترام في مقرنا وبقية المقرات.
     داعش منظمة همجية وما تقوم به يدلل على غبائها الذي لا يفرق عن غباء أولئك الذين قادوا الأمريكان وورطوهم بإنزال علم كوردستان، منظمة غبية وبليدة لأنها لا تدرك بان هذا الشعب سيعيد بناء منارته ويجعلها متحفا يضم كل آثارنا ويذكر أجيالنا بهمجية وإجرام وبلادة كل من يعادي الشعوب وهويتها وإرادتها في الانعتاق والتحرر.
     هم طارئون ونحن الحالة الطبيعية وهم استثناء ونحن الأصل، تلك هي الحكاية!
kmkinfo@gmail.com


220
الذين أضاعوا المشيتين!

كفاح محمود كريم

     سوئل " خبير عسكري استراتيجي " كما يحب توصيفه من قبل الفضائيات عن أهمية قطع البيشمركه الكوردية الطريق الاستراتيجي بين الموصل وسوريا من جهة ربيعة وسنجار فقال:

" إن مسعود البرزاني ارتضى بخمسة بالمئة من مطاليبه التي كان يطلبها من صدام حسين ( في إشارة للمحادثات التي كانت تجري بين القيادة الكوردستانية ونظام صدام حسين بعد انتفاضة آذار 1991م والتي ادعى انه كان حاضرا فيها بصفته الرسمية آنذاك كمدير للاستخبارات العسكرية العراقية )، وان هزيمة البيشمركه في سنجار لا تجعل أي أهمية لقطع الطريق بين الموصل وسوريا " !؟

     في هذا المقطع أراد " الخبير الاستراتيجي العسكري " أن يكون سياسيا فاصبح مهرجا وأضاع المشيتين كما يقول الدارج العراقي، فلا هو أجاب مهنيا عن السؤال واقنع المشاهد بأهمية ما سألت عنه القناة، ولا هو نجح في تقديم تحليل سياسي منطقي عن ذات السؤال، فانطبق عليه المثل العراقي أعلاه.

     وفي المقابل يخرج شخص آخر تحت تسمية " المحلل السياسي الاستراتيجي " على قناة فضائية ليسأل عن الآليات والأساليب التي استخدمها الجيش العراقي في عملية تحرير محافظة صلاح الدين العراقية فيقول:

" إن المحورين الجنوبي والشمالي اللذين استخدمها الجيش العراقي كانا يفتقدان إلى قوة نارية كثيفة والى قوات اقتحامية خاصة مما تسبب في تأخير عملية التحرير وتأجيلها بسبب كثافة حقول الألغام والمفخخات "!؟

     جواب اقل ما يقال عنه من العراقيين الذين يعرفون جيدا إن القوات التي تقوم بعملية الهجوم على داعش في تكريت هي تشكيلات الحشد الشعبي ولا يوجد للقوات العراقية إلا حضور نسبي أو رمزي، ثم إن إيقاف الهجوم كما أعلنت مصادر الحشد الشعبي هي إعطاء مهلة أو فرصة للأهالي المدنيين للانسحاب من مناطق التماس!

     أردت بطرح هاذين النموذجين والذي من المفترض أن يكونا محللين وخبيرين عسكريين وسياسيين، وقد تحولا الى ظاهرة مملة تكاد تكون يومية على شاشات التلفزة، في اداء تهريجي لممثلين بمستوى كومبارس يحتلون أمكنة بعضهم، وكيف يفقدون طريقهم ومصداقيتهم بخلطهم للأوراق تحت تسميات وتوصيفات هي ابعد ما تكون عن حقيقة اختصاصاتهم، وهذا ينطبق بشكل كبير على كثير من المواقع التي تحتل من أناس غير مناسبين بما يتناقض مع مقولة الإنسان المناسب في المكان المناسب، الذي نفتقده في معظم مفاصل مؤسساتنا التي تنخر فيها فايروسات الفساد والإفساد، والتي تسببت في أن نكون من افشل دول العالم وأكثرها تخلفا قياسا مع ما تمتلكه من إمكانيات وثروات هائلة.

     وبنفس حجم مهزلة النموذجين أعلاه تقترف وسائل الإعلام التي تظهرهما ليل نهار، جريمة تسطيح الرأي العام وتشويه الحقائق وتسطيح وعي وتفكير العامة من الأهالي بما يجعلهم دوما ضمن نظام القطيع المتلقي الذي ما يزال يعتبر شاشة التلفزيون والتوصيفات الممنوحة لهؤلاء الأشخاص وتصريحاتهم في مركز الثقة والحقيقة التي لا تناقش، اضافة الى انها تساهم في شرعنة وقبول اناس فقدوا مصداقيتهم الاخلاقية حينما تخلوا عن شرف مهنتهم وقسمهم بالاخلاص أيام كانوا في موقع المسؤولية!؟


kmkinfo@gmail.com

 


221
الأفعال الكبيرة تحتاج أناس أكبر

كفاح محمود كريم


     استقبل قبل أيام رئيس إقليم كوردستان مجموعة من شيوخ ووجهاء العشائر العربية في مناطق ربيعة وزمار وشنكال الذين شكروا قوات البيشمركة وقائدها الرئيس مسعود بارزاني الذين قاتلوا بضراوة حتى تحرير قراهم ومناطقهم بدماء مئات الشهداء والجرحى من بيشمركة كوردستان، وطالبوا بانضمام رجالهم إلى تلك القوات جنبا إلى جنب مع رفاقهم وأشقائهم البيشمركة لكي يدافعوا عن قراهم ومناطقهم كما قال لهم الرئيس بارزاني بأنهم أولى بالدفاع عن تلك المناطق ومنع أي اختراق أو وجود لأي شخص تعاون أو والى أو حمل أفكار داعش الإرهابية، وقد طالبوا بانضمام مناطقهم إلى إقليم كوردستان فرد عليهم الرئيس بارزاني قائلا: ذلك خياركم انتم وانتم من يقرر طالبا منهم التعاون من اجل امن وسلامة الأهالي وتلبية احتياجاتهم المهمة كالماء والكهرباء والغذاء بعد أن دمرت داعش البنية التحتية بالكامل لتلك المناطق، حيث بدأت حكومة الإقليم ومؤسساتها بالعمل ليل نهار من اجل إعادة دورة الحياة فيها.

     بعد هذا يخرج احد أعضاء مجلس النواب عن محافظة نينوى ويدعى احمد الجبوري ليصرح بأنه يرفض مطالبة شيوخ العشائر والوجهاء العرب في تلك المناطق، بل ويدعي بأنهم غير معروفين وهم من أعيان القوم وسادته في عشائر شمر والشرابية والجحيش والمعامرة والجبور، بانضمامها إلى الإقليم أو إلى قوات البيشمركة التي دفعت مئات الشهداء من اجل عزة وكرامة وشرف الأهالي في تلك القرى وخاصة أولئك الذين لم يجدوا إلا كوردستان ملاذا لشرفهم وأمنهم وكرامتهم، في الوقت الذي لا يعرف فيه صاحب هذا التصريح أين هو مكان القتال مع داعش وكيف تم  تحرير تلك القرى والبلدات على أيدي أبطال البيشمركة.

     وكان حري بالنائب عن أهالي الموصل كما يفترض أن يكون في مقدمة من يدافع ويقاتل الذين اعتدوا على شرف وكرامة وامن وسلام تلك العشائر التي لم تجد من ينجدها إلا قوات البيشمركة، ومن يأويها ويحفظها إلا الأرض الطاهرة كوردستان الإنسان والتقدم، في الوقت الذي هربت جميع القوات العسكرية والأمنية والإدارية والتشريعية وكل من كان يفترض أن يمثلها في البرلمان بمن فيهم أبو التصريح الذي يرفض إطلاق اسم كوردستان الطاهر على الأراضي التي حررها البيشمركة من دنس داعش ومن يقف ورائها ويحمل فايروساتها، تخلوا جميعهم عن أهالي تلك القرى والبلدات وتركوهم فريسة لداعش ومن تعاون معها وسهل لها استباحتها، وحقا صدق من قال إن الأفعال الكبيرة تحتاج إلى رجال عظماء لتأدية تلك الأفعال التي تخلدها الدماء والتضحيات وليس الأقوال والتصريحات.

222
" المناطق المتنازع عليها "
في العراق!

كفاح محمود كريم

     بداية ما هي " المناطق المتنازع عليها " وما هو تعريفها، باختصار هي المدن والبلدات والقرى الإستراتيجية ذات الأغلبية الكردية المطلقة التي تشكل حدود إقليم كوردستان الغربية والجنوبية والشرقية، والتي تقع بمحاذاة مدن وبلدات عربية، وتم استقطاعها من كوردستان وعملت معظم الأنظمة على تعريبها وتغيير واقعها وهويتها التاريخية والجغرافية، من خلال استقدام مئات الآلاف من الأسر العربية وإسكانها بدلا من سكانها الأصليين الذين تم تهجيرهم وتشتيتهم منذ قيام المملكة العراقية ووصلت ذروتها في حقبة حكم حزب البعث التي امتدت  من 1963 ولغاية سقوطه في 2003م.
     
      إن خلاصة ثمانين عاما من الحكم العراقي بمختلف أنظمته السياسية، منذ تأسيس كيانه السياسي بإرادة البريطانيين والفرنسيين مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، هو ما نشهده اليوم خارج إقليم كوردستان وعلى أطرافها، حيث لوثت ومزقت سياسات تلك الأنظمة بنية المجتمعات فيما تسمى اليوم بالمناطق المتنازع عليها، وهي تسمية ظالمة إذ أنها تكرس ذات المبدأ الذي انطلقت منه كل الأنظمة الفاشية والشوفينية التي حكمت البلاد، دون أي التفات أو مجرد تفكير بمبدأ المواطنة للمشتركين عنوة في هذا الكيان، تلك السياسة التي كرست عمليات التغيير الديموغرافي وشوهت المجتمعات في محافظات الموصل وكركوك وديالى، لتثبت مبدأ التنازع والصراع حول مناطق تم ضمها إلى مجالها الحيوي بترحيل وتهجير وتعريب سكانها الأصليين، واستقدام سكان آخرين من الجنوب والوسط، عبر عقود من الزمان سبقتهم بريطانيا بعد اكتشاف النفط في كركوك، فاستقدمت مجاميع من البدو والعوائل العربية لتسكنها بالقرب من حقول النفط لتكون في خدمة مصالحها الاستعمارية وخوفا من الكورد وكيانهم القادم لا محالة.

     المناطق المتنازع عليها مصطلح استخدمه الدستور في غفلة أو خباثة من بعض واضعيه لتكريس النزاع على مناطق مستقطعة من كوردستان تم تشويهها وتغيير بنيتها العرقية وهويتها القومية، بأساليب لا تختلف عما استخدمته إسرائيل في بناء المستوطنات بأرض فلسطين تحت يافطو الصهيونية وباختلافات طفيفة في الأسماء ليس إلا، فقد استخدم نظام صدام حسين العروبة حصان طروادة لتخدير مشاعر السذج لنهب وسلب أموال وممتلكات الكورد في كركوك وسنجار وخانقين وزمار ومخمور والشيخان ومندلي وجلولاء والسعدية وشهربان والكثير من البلدات والقرى الكوردية، إضافة إلى الحزام الحدودي الذي يتطابق من حيث المبدأ والأهداف مع المستوطنات الإسرائيلية أو مستعمرات البيض في جنوب افريقيا قبل مانديلا، الذي أنجز من قبل نظامي البعث في سوريا والعراق على طول الحدود بينهما  من جهة كوردستان، والذي انهار خلال ساعات وتبخر سكانه المستقدمين من كلا الدولتين الى حيث كانوا قبل توطينهم في الحزام العربي.

     هذا المصطلح الجائر والظالم الذي ينافي حقائق الأمور ومبادئ الدستور التي تتضمن حرية الفكر والعقيدة والاختيار، ولا تؤمن بأي تغييرات أحدثها النظام السابق، وتعمل على إزالة كل أثارها إلا اللهم إذا كان البعض ما يزال يحلم بالقائد الضرورة، وللأسف الشديد ما أكثرهم خاصة وإنهم يستثمرون مكاسب ذلك النظام، ويعتمدون قوانينه ونهجه في إدارة الحكم، كما فعل وما يزال يفعل نوري المالكي وطاقمه في الحكومة والبرلمان، حيث يتم تكريس هذا المصطلح وكأن الأمور التي أنتجها نظام البعث حقيقة واقعة دون الالتفات إلى ابسط مبادئ الدستور وأسباب سقوط ذلك النظام، مما دفعهم إلى التحايل والتسويف تارة بما يسمى بخارطة الطريق وتطبيع الأوضاع دون أي توجه جدي إلى الحل من خلال إجراء تعداد عام للسكان واعتماد نتائج تعداد عام 1957م الأقرب إلى الواقعية.

     هذه المناطق المستقطعة من كوردستان تعرضت خلال الاشهر الماضية الى واحدة من ابشع الهمجيات الفاشية، حيث تم استباحة البعض منها كما حصل في سنجار وزمار وجلولاء ومخمور، لكن الشعب هناك قرر إنهاء النزاع عليها، لثبوت تورط معظم أدوات التغيير الديموغرافي فيها بالعمل مع دولتهم الإسلامية المفترضة، وحرر ترابها بدماء اغلى شبابه وشاباته ليرسم حدود وطن السلام والمحبة والتسامح، ولتكون مقابر تلك المدن والقرى خير شاهد على هويتها وانتماء اهلها!

kmkinfo@gmail.com

223
أسئلة مرة لجيراننا اللدودين!

كفاح محمود كريم

     منذ أن نفذت الولايات المتحدة برنامجها في إسقاط الأنظمة المعادية لها، وتطابقت رغباتها مع كثير من رغبات المعارضين لتلك الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تتمتع برعاية خاصة لها من قبل العديد من الأوساط الأمريكية والأوربية، لكن في نهاية اللعبة تحكمت المصالح الأكثر أهمية في إزالة هياكل تلك الأنظمة واستبدالها بطواقم جديدة لحقبة طالت أم قصرت فهي ستنتهي لصالحهم أيضا، ورغم أن هذا ليس موضوعنا الأساسي بقدر ما هو مدخل لعناوين ما يسمى بالربيع العربي، الذي بدء خطوته الأولى وغير المرئية من هنا من بغداد، حينما دخل السيد برايمر ( فاتحا ) يقود جحافل الديمقراطية التي نتمتع بها الآن على أنغام الأحزاب الطائفية والميليشيات المسلحة التي تحمي العشائر والأحياء والقرى، فان أكثر مكتسبات الجيران في هذه البلدان هي انغماسها في الكعكة البترولية العراقية، واضمحلال حدودها أو تحولها إلى حدود هلامية، دفع من هب ودب إلى ولوج تلك البلدان خاصة وإنها قد تحولت إلى مختبر كبير للتجارب، مستخدمين شعوبها كفئران لتنفيذ برامجهم الثورية والجهادية في مختبرات مقاومة الكفار والمحتلين!

     وفي العراق كنموذج للبلدان المفتوحة على كل الاتجاهات حيث الحدود المملة مع تركيا وإيران والسعودية وسوريا والأردن، والمكتظة بالهاب والداب لأناس لا تعرف لهم جوازات سفر ولا هويات تعريف، قادمين إلى " بلاد الكفر " ليطهروها من الشياطين ويقيموا خلافتهم، بدلا من هؤلاء المرتدين الذين علموا البشرية القراءة والكتابة قبل ظهور معظم الأنبياء، انتشرت عصابات هاجرت من كل أصقاع الدنيا، مستخدمة أراضي وتسهيلات دول الجيران الأعزاء دونما أي استثناء، سواء علمت حكوماتهم أم لم تعلم (وهنا المصيبة اكبر)، لتحتل أكثر من ثلث العراق وسوريا معلنة إقامة خلافتها، في كيان مفتوح أطلقت عليه اسم الإسلامية لمحاربة أهل " الكفر والإلحاد والارتداد " من مسلمي هذه البلدان.

     ويبدو لنا جميعا إن أسئلة بمرارة العلقم تراود ذوي النساء اللاتي تم سبيهن وبيعهن في أسواق النخاسة بعد نحر أزواجهن وآبائهن وإخوانهن وأبنائهن أمام أعينهن، أسئلة لاؤلئك الذين ما يزالون يتعاطفون أو يبررون أو يتغاضون عن جهاد هؤلاء في المذابح التي أقاموها في كل من سوريا والعراق وليبيا ومصر، ويبدو أكثر الأسئلة مرارة وغرابة هو أنه لماذا تركيا هي الدولة الوحيدة التي أفرج داعش عن موظفي قنصليتها بالموصل ولم تعتبرهم مرتدين علمانيين كفرة؟
والأغرب من كل ذلك إن كل البضائع القادمة إلى ولايات خلافة أبو بكر البغدادي قادمة من أسواق تركيا وبأسعار جملة اقل بكثير مما يأتي منها إلى بقية أنحاء العراق، وكذا الحال إلى شاحنات النفط وأكداس الآثار المنهوبة والكتب الثمينة التي تنتشر في أسواق تركيا أو تعبر منها إلى أوربا.

     ولم تمنع أو تحرم أو تستنكر حد اللحظة معظم المؤسسات الدينية لا في السعودية ولا في غيرها باستثناء الأزهر الذي اعترض بحياء شديد على بعض تصرفات المقاتلين في تنظيم الخلافة، وما تقترفه هذه المنظمة من عمليات تقتيل ممنهجة ضد الشيعة والكورد والمسيحيين وكل من يخالفها في الرأي. وليست ايران أفضل بكثير بتناولها في الأسئلة المرة خاصة إذا ما استمعنا إلى ذوي الضحايا الذين تمت تصفيتهم على أيدي ميليشيات مرتبطة بإيران ارتباطا أبويا معروفا، ولا الأردن الذي كان معظم الأهالي فيه يتعاطفون مع بطولات المجاهدين من مقاتلي دولة الخلافة رافعين صور خليفتها وعرابهم الأكبر صدام حسين وربيبه الزرقاوي، مع العلم بأن كلا الحكومتين السعودية والأردنية تناصب العداء الشديد لداع والقاعدة، ولا تخفي حكومة اردوغان تعاطفها المتميع مع التحالف الدولي دون أن تطلق أطلاقة واحدة حتى عن بعد باتجاه داع، ولا داعش فكرت ايضا بتخديش مشاعر تركيا، ربما بسبب الهدف المشترك لكلا الدولتين، وهو حبهما لإقامة الخلافة وان اختلفت التسميات!

     أسئلة تجاوزت مرارتها حدود الصداقة والجيرة اللدودة لكي توشم صفحات الذاكرة بأتعس الذكريات مع دول الجوار اللدود!!


224
الإعلام بين التحليل الاستراتيجي والتهريج

كفاح محمود كريم

     بعد سقوط هيكل نظام صدام حسين وبدء الخطوة الأولى باتجاه صناعة ما سمي بالربيع العربي من قبل أحفاد أولئك الذين رسموا خارطة المنطقة في اتفاقية سايكس بيكو، انطلقت مرحلة جديدة في إنتاج نافورة الإعلام التي بدأت بالعمل دون توقف، بل دون أي كوابح للتفريق بين عمليات التهريج والفوضى الأخلاقية، وبين التعبير عن الرأي وبناء المجتمعات بناءا حضاريا يحترم الآخر المختلف بسياقات ومعايير مهنية رفيعة تستند إلى فكرة المواطنة الخلاقة، مرحلة اتسمت بظهور أحزاب ومنظمات وحركات سياسية ربما أضعاف ما يحتاجه سكان العراق وبقية بلدان الربيع العربي في التعبير أو التمثيل عنهم، والانكى من ذلك كله ظهور نمط من الكائنات الإعلامية الصوتية التي يطلق عليها الخبراء أو المحللين الاستراتيجيين الذين لم تخرجهم لا جامعة محلية ولا أجنبية اللهم إلا إذا استثنينا سوق أمريدي الذي طورته مستلزمات المؤسسات التي تم إنتاجها بصناديق الاقتراع في المجتمعات القبلية والأمية الحضارية والأبجدية والولاء المتعدد، حيث يفترض بأعضاء تلك المؤسسات القادمين من بواطن تلك المجتمعات أن يحملوا فورا شهادات تليق بمراكزهم الجديدة، فأصبح لدينا على موروثنا القديم سوق عكاظ وسوق الجمعة وسوق هرج وسوق مريدي، الذي تباع فيه أنواع الشهادات وتمنح من على بازاره الأوسمة والأنواط، فقد امتلأت العديد من الشاشات الفضائية بل ملأت فراغاتها بأولئك الذين يطلقون على أنفسهم الخبراء الاستراتيجيين أو المحللين الاستراتيجيين، علما إن أفضلهم لم يحصل إلا على بكالوريوس علوم عسكرية أو تاريخ أو علوم سياسية من أيام قائدهم الضروري ودروس الثقافة القومية.

     والأمثلة كثيرة في عالم تتخبط فيه هذه الكائنات بغياب أنظمة سياسية حقيقية وقوانين تنظم فعاليات الإعلام وتعريفات قانونية وأكاديمية حقيقية للألقاب والتوصيفات في فضاء الحرية الذي لوثته المفاهيم الخاطئة لممارستها والتعبير عنها، ولعل مراقبة سريعة لشاشات التلفزة أو صفحات بعض الصحف تعطينا صورة بائسة عما تفعله هذه الظواهر الصوتية التي تعتاش على إشاعة مفاهيم الكراهية والتناحر وتسطيح عقول الأهالي، خاصة وهي تلعب على كل حبال الأنظمة، ففي الأمس القريب كانت في مقدمة وعاظ السلاطين في خيمة القذافي أو قصور صدام حسين أو دهاليز حافظ الأسد وورثته، واليوم تصدع رؤوس الأهالي بتحليلاتها الإستراتيجية، خاصة أولئك الذين فقدوا شرفهم العسكري بخيانتهم لرؤسائهم أو عمالتهم لجهات أجنبية من اجل منصب أو مبلغ من المال، وتحولوا بين ليلة وضحاها إلى خبراء ومحللين استراتيجيين لخدمة الرؤساء الجدد، ولعل خير مثال على تلك النماذج احدهم الذي كان مديرا لاستخبار رئيسه العسكرية وقدم بتلك الصفة لقائده الذي وبخه لاستخدام موقعه في قطع الطريق العام أمام موكب زفاف نجله، فتحول بقدرة قادر إلى معارض همام من اجل الوطن والشعب، هذا " الكائن الاستراتيجي " قدم لصدام حسين بعد هزيمته في الكويت قائمة بأسماء 37 ضابطا شيعيا مقترحا طردهم من الجيش بسبب طائفتهم وادعائه بعدم ولائهم، وتم طردهم فعلا، إضافة إلى قائمة أخرى ضمت أسماء 40 ضابطا شيعيا آخرا اقترح طردهم أيضا لكن صدام رفض هذه القائمة بعد أن افتضحت طائفيته، ويظهر اليوم أكثر من " توم وجيري " على شاشات التلفزة مادحا القائد الملهم مختار زمانه وعصره فخامة نائب رئيس الجمهورية، ومتهجما على كل من خالف المالكي وتوجهاته الشمولية المقيتة، وهو يصف صدام حسين ونظامه باسوء التوصيفات، متناسيا انه حصل على 22 سيارة من صدام لشجاعته في قمع الانتفاضة في الجنوب وكوردستان، وبطولاته النادرة في الحرب مع ايران التي كان يصفها بالفرس المجوس، وأصبحت الآن الجارة والحليف الاستراتيجي للعراق كما يصفها محللنا الاستراتيجي جدا!.
 
     هذا النموذج واحد من عشرات الكائنات الإعلامية التي أنتجتها حقبة الدكتاتورية في معظم بلدان الشرق الأوسط، لتعود وتزرعها في بيئة الربيع العربي، في محاولة لمسخ أي خطوة جدية باتجاه بناء مجتمعات وأنظمة مدنية متحضرة نظيفة، وهي تعتلي منابر الإعلام العربي المرئية أو المقروءة لتشوه وتمسخ الألقاب والتوصيفات والمواقع الأكاديمية، وتحيلها إلى مقطوعات من التهريج والارتزاق وتشويه الحقائق وتسطيح الرأي العام لإشاعة الإحباط واليأس من أي محاولة لبناء أنظمة حكم ناضجة ورشيدة.

kmkinfo@gmail.com



225
كوردستان والملا مصطفى البارزاني

  كفاح محمود كريم                                                        
                                                           
      تمر في هذا الشهر آذار العديد من المناسبات التاريخية في حياة شعب كوردستان العراق، حيث يختلط فيها الحزن والفرح بين تاريخ خالد يشيع الأمل والفرح وتاريخ حزين يتذكره الناس بألم، في منتصف هذا الشهر وقبل ما يزيد على قرن من الآن، ولد الزعيم التاريخي للكورد وكوردستان الملا مصطفى البارزاني عام 1903م، وفي الأول منه وقبل ستة وثلاثين عاما أي في عام 1979م توفاه الله ليكون بحق رمزا تاريخيا كبيرا يمثل نهضة شعبه ووطنه.
   
     ليس من السهل ولوج حياة رجل اختزل تاريخ شعب عبر أكثر من ألفين وسبعمائة عام، لكنه ببساطة الحكماء أوحى لنا جميعا بأن الحياة رغم تعقيداتها أصغر من أن تعترض إرادة الإنسان وتحدياته الصادقة فشق طريقه عبر قساوة الطبيعة والحياة واتجه نحو الشمس، حاملا راية الحرية لشعب يمزقه ظلام التخلف والاضطهاد، فلم يكن الملا مصطفى البارزاني مجرد ثائر يقود شعبه للأنعتاق، بل كان خلاصة لحقب من الأزمان منذ كاوه الحداد وحتى انتفاضة آذار 1991م، حيث أختزل تاريخا ومارس سلوكا أصبح فيما بعد نهجا ومدرسة للتربية والأخلاق، وفلسفة في التعامل والتعاطي مع مستجدات وثوابت الحياة، من خلال إدراكه منذ  البداية لحقيقة شعبه ووطنه المشكل من التضاريس الحادة والمتناقضة بين تخوم حمرين وشنكال جنوبا وحدود آسيا الصغرى شمالا، فأندفع بكل ثقل التاريخ وأرثه باتجاه الشرق عله يجد ضالته بين أحضان مهاباد، فكانت خطوته الأولى باتجاه الشمس، هناك كان المخاض الأصعب والولادة الأعسر والقرار المستحيل، اجتمعت فيه كل وحوش الشرق المفترسة حاملة معها جوع العنصرية وفقر الشوفينية وانتهازية الرفاق الحمر آنذاك، متربصة تلك الولادة لتنقض على الوليد افتراسا وتمزيقاً.

     في قلب هذه التراجيديا كان البارزاني مصطفى قد أدرك استحالة ديمومة الوليد في طوفان من الهمجية والبربرية، فتداعت الأحداث واندفعت قطعان البهائم الهائجة لتفترس وتسحق فرسان الشمس، ولأنه أدرك كل ذلك فقد حمل الوليد بين أضلعه وأندفع مع ثلة من رجال الشمس في كل اتجاهات الأرض من حوله شاقاً طريقه المعروف في رحلته الأسطورية إلى وطن الرفاق الحمر، ليستقر هناك في استراحة الثوار وليمنح ذلك الوليد فرصة النمو والحياة، ولم تكن سنوات الرحيل إلى ( الاتحاد السوفييتي ) إلا مرحلة للتأمل والتهيؤ لحقبة خطيرة في تاريخ هذا الشعب الذي سيبدأ أولى خطواته نحو تحقيق ذاته في خضم عالم مليء بالتناقضات والأستقطابات في دنيا الحرب الباردة التي جاءت على أنقاض حربين قذرتين لتقاسم ( العبيد ) و ( الغنائم ) من إمبراطوريات ودول القبائل والعشائر. وكان أهم نتاجات تلك الحرب الباردة ما أطلق عليه في أدب شعوب الشرق بالثورات والانقلابات التي أنتجت أنظمة إما مصنعة بالكامل في دهاليز ودوائر المتصارعين الكبار أو تم احتوائها لاحقا من قبلهم.

       لقد أدرك البارزاني هذه الحقائق قبل عودته إلى بغداد عاصمة ( الجمهورية الخالدة ) التي عاد إليها بعد تغير الشكل وبقاء المضمون، وكان يعرف جيدا إن إقامته في الجمهورية الأولى ليست طويلة وإنه ذاهب إلى حليفه الأبدي وحضن وليده الذي خرج به قبل اثنتي عشر عاما، ويقينا كان البارزاني في تأملاته يرى كاوه الحداد في وجوه أولئك الذين يحتضنون جبال كوردستان باحثين عن طريق إلى شمس الحرية، وقد أدرك بحسه التاريخي وتحليلاته العميقة إن الخطوة الأولى ستكون حتما من قلب كوردستان وليس من بغداد، التي ما أن وصلها حتى اكتشف إنها واحدة من نتاجات الحرب الباردة التي أفرزتها حروب العبيد والغنائم وكان ( الوليد ) ضحية من ضحاياها، فكانت بعد فترة وجيزة ثورة الخريف ( 11 أيلول 1961 ) بعد أكثر من ( 2661 ) سنة من ثورة كاوه الأول التي أزاحت ظلام القهر والعبودية، لكي تتبعها عشرات الثورات والعديد من الأمارات والمشيخات،  لكنها لم تحدث خرقا تاريخيا وتحولا اجتماعيا كما أحدثته ثورة كاوه الثاني مصطفى البارزاني.

       كان البارزاني مصطفى رجلا ميدانيا ينتج الفلسفة ولا يؤلفها ويطلق عنان الثورة ولا ينظر لها، كان بحد ذاته نوعا من السلوك والتربية والتعامل الإنساني الذي يقترب في تفاصيله من زهد الزاهدين وصوفية الناسكين، عمل جنديا وقائدا في آن واحد دونما أن يُثقلَ على حركة وقانون الحرب، ويتحسس مشاعر العدو وأفراده ويفترض دائما أنهم ضحايا مجبرين ويوصي بجرحاهم وأسراهم حتى من كان منهم قاسيا في أدائه الواجب أثناء الحرب، وقد أقر الفصل بين الأنظمة والشعوب منذ البداية، وبشر الآخرين بأن مفتاح الحل هو الديمقراطية في تحقيق أهداف الشعب سواء ما كان منه في كوردستان أو في العراق ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، مؤكدا بشكل دائم بان العرب والكورد ضحايا الدكتاتوريات وأنه لا خلاص إلا باحترام حقوق الآخرين والاعتراف بهم.

     البارزاني مصطفى لم يكن قائد ثورة فحسب بل كان تاريخا من الحكمة والفلسفة والزهد ومنظومة من السلوك والتربية والأخلاق، كان بسيطا متواضعا نقيا ابيض القلب واليد، أبعد نفسه عن هالات وبروتوكولات ( الرئاسة ) وبيروقراطيتها ومظاهرها، ووضع حوله خيرة رجال الثورة وأكثرهم طهارة وإخلاصا في المال والإدارة، وبذلك اخترق أدق مشاعر وأحاسيس شعبه حتى حسبه الناس أبا وعما وأخا كبيرا.


    واليوم بعد أن أصبح رمزاً ونهجاً وعنواناً لنهضتنا وحكاية شعبنا منذ كاوه الحداد وحتى يومنا هذا يحق لنا أن نسأل:

   هل ما زلنا ونحن في أول الطريق ننتهج ذات النهج والسلوك؟
   وهل يعرف الجيل الجديد إن الأسس الأولى ولبناتها في حياة اليوم إنما وضعها الملا مصطفى البارزاني ورفاقه؟ فهل وفينا الرجل حقه؟؟


kmkinfo@gmail.com
 



226
دموعك وعرق جبينك كاكا مسعود

كفاح محمود كريم

     لا اعتقد إن أحدا يحسد الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان  على ارثه الثقيل الذي ورثه من والده الزعيم الكوردي الكبير مصطفى بارزاني والمهام التي حملها تاريخيا أمام شعب كوردستان، ليس هنا في جزئه الجنوبي بل في أجزائه الثلاثة الأخرى، فقد أورثه الراحل الكبير مشروع نهوض امة واستقلال شعب مجزأ بين أربع كيانات، لا تتحمل شعوبها وزر هذه التجزئة وإن كانت مستفيدة ومصرة على تكريسها.

     مسعود بارزاني الذي ترك قصر الرئاسة الذي لا يهتم به إطلاقا وعاد إلى وظيفته الأساسية كما كان يبشر لها دائما، فهو لم يخلق ليكون موظفا أو إداريا لسبب بسيط هو انه حامل أختام مشروع تاريخي كبير أوكله إياه والده عبر عقود من الزمان، كاكا مسعود ترك قصره وبروتوكلاته وارتحل إلى حيث تقاتل بيشمه ركة والده من اجل ذات الأهداف التي ما اختلفت، والعدو الذي بقي هو هو وان تغير زيه واسمه.

     كاكا مسعود لم يرضَ أن يكون لوحده مع البيشمه ركة في جبهات القتال مع العدو التاريخي لشعب كوردستان، فاصطحب معه أولاده وإخوته وأولادهم ليكون الجميع بمستو واحد في القتال والشهادة من اجل الشعب والوطن.

     من أقصى شمال غرب كوردستان، ومن على قمة جبل سنجار، أعلن البارزاني مسعود بأنه وبيشمه ركته لن يتركوا شعبهم ووطنهم أسرى  لمنظمة همجية مجرمة، استباحت الأرض والعرض بشعارات دينية ابعد ما تكون عن عقيدة الإسلام ومبادئه، من هناك وحتى تخوم كركوك الجنوبية والغربية الملتهبة بنيران الشوفينية والهمجية، يتنقل ابن مصطفى البارزاني وحامل أختامه في مشروع النهضة وهو يمسح بدموعه عرق جبينه في حضرة عوائل الشهداء الأبطال الذين اقسموا أن لا يكون لهم مثيلا في تاريخنا المعاصر.

     في حضرة أم فقدت ثلاث من أولادها، شهداء في جبهات الحرب مع داعش انهمرت دموعه وهي تقول له كاكا مسعود ما زال لدي أبناء آخرين خذهم معك من اجل كوردستان ومن اجل عينيك!

     دموع وقطرات من عرق جبينه تنهمر أمام بطل أبى إلا أن ينقذ رفاقه وشرف وطنه فاندفع بدبابته إلى شاحنة مفخخة ليفجرها ويحمي بها حياة رفاقه وسمعة وطنه!

     في الأمس كان كاكا مسعود في كركوك من اجل أولئك الشهداء الأبطال ومن اجل أولئك الذين وقعوا في اسر منظمة جبانة لا أخلاق لها ولا قيم، ففي الوقت الذي ينعم أسراهم بالرعاية والاحترام الإنساني في كنف امة الأخلاق والوفاء، يعرضون أسرانا في أقفاص ليذكروا الأهالي بحريق شهيد الأردن البار معاذ الكساسبة؟

     البارزاني مسعود جلس مع عوائل وذوي الأسرى واستمع لهم واغرورقت عيناه بالبكاء حزنا في واحد من أروع المشاهد الإنسانية لفارس صلب ومقاتل عنيد لكنه ارق من نسائم نوروز وحنان حروف كوردستان، انهمرت دموعه وهو يبكي بصمت قائلا إن قتلهم يعني أشياء كثيرة وكبيرة وعليهم أن يدركوا إن غضب الكوردي لا حدود له للعدو إلا الجحيم!

     في كركوك قال البارزاني نحن نحميها وأهليها وحينما نحتاج أحدا سندعوه، لكننا نرفض أن يتدخل أي كان في هذه المدينة إلا من خلال حراسها الأمناء النجباء الذين رسموا حدود أمنها وسلامها الاجتماعيين  بدمائهم الزكية.

     وخلاصة المشهد مزيج من دموع عينيك وعرق جبينك ودماء الشهداء الأحياء وفرشاة البيشمه ركة الأبطال سترسم خارطة الوطن وحدوده!

kmkinfo@gmail.com

227
المنبر الحر / أحزاب أم عصابات؟
« في: 17:38 15/02/2015  »
أحزاب أم عصابات؟

كفاح محمود كريم

     في بلد لا يمتلك قانونا لتنظيم الأحزاب وتأسيسها منذ أكثر من عشر سنوات منذ سقوط نظام الحزب الواحد الذي حكم البلاد لما يقرب من أربعين عاما، وأنتج أجيالا من المعاقين سياسيا وفكريا وجسديا، ناهيك عن ضحاياه التي ابتلعتها بواطن الأرض والأنهار والجبال والصحراوات في أعظم منجزاته بالأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية ودهاليز معتقلاته ومعسكراته، في هكذا بلاد فشلت لعشر سنوات من إنتاج قانون ينظم تأسيس الأحزاب وإجازتها وكيفية عملها في نظام يفترض انه يتقبل الآخر ويتداول السلطة بواسطة صناديق الاقتراع، في هذه البلاد تقلصت كثير من الأحزاب التي عرفناها، سواء ما كان منها معارضا لنظام الحكم بشكل سلمي، أو من خلال ما كنا نطلق عليه بالعنف الثوري، والذي يبيح إزاء أنظمة الدكتاتورية استخدام السلاح لإسقاطها، والذي فشل هو الآخر أيضا في صراعه معها، حيث فشلت العديد من الحركات الثورية التي استخدمت النضال المسلح لإسقاط تلك الأنظمة، ومنها ما حصل في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وسوريا، حيث اضطرت شعوبها وحركات المعارضة فيها إلى الاستنجاد بالدول العظمى لمساعدتها في تلك العملية، ولعلنا ندرك جيدا إن نضال العراقيين على سبيل المثال ضد نظام البعث وصدام حسين ما كان سيسقطه حتى أحفاد أحفاد القائد الضرورة لولا تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في إسقاطه، لما كان يتميز به من حكم مطلق وأدوات لا تقل وحشية عن أدوات خلائفه اليوم فيما يسمى بداعش، وقد شهدنا جميعا كيف سارت الأمور هنا في بغداد ومن ثم في جماهيرية القذافي العظمى وسوريا الأسد و(اليمن السعيد) بعلي عبدالله صالح، ولا سامح الله بقية دول الشرق الأوسط التي تنعم الآن بسلام وامن دكتاتورياتها، بعد أن فقدت معظم  دول ما يسمى بالربيع العربي بكارتها في الأمن والسلم الاجتماعيين تحت رعاية الأحزاب الدينية السياسية التي اعتبرت نفسها بديلا عن الله لإقامة دولة الدين والمذهب، بانتظار يوم القيامة لكي تسلم مفاتيح الأرض لسدنة الجنة التي وعدت بها أعضاء حركاتها وأحزابها، معتبرة كل من يكون خارجها من ملاكات جمهورية الشيطان في جهنم!

     أحزاب وحركات ومنظمات تحمل شعارات الجهاد واسم الرب وملحقات الأديان والمذاهب، ووكالات موثقة بنصوص مقدسة بان أعضائها مجاهدين وغيرهم مرتدين أو منافقين، يحق لهم باسم الرب أن يمتلكوا كل الحقيقة التي تبيح لهم السلطة المطلقة بما في ذلك اعتبار المختلف كافرا يحق تقطيع أوصاله أو حرقه أو سبي نسائه، كما حصل في سنجار والموصل للايزيديين والمسيحيين، ومثلهم من تعرض للتهجير والتهديد من المسيحيين والصابئة المندائيين، أحزاب وحركات أنتجت وفرخت آلاف العناصر الموبوءة بالسادية والما سوشية التي من التي انتجتها ودربتها دوائر البعث وصدام حسين ومؤسساته الخاصة وحملته الايمانية التي لملمت كل المنحرفين والمرضى والمرتزقة من كل الشرق الاوسط كما فعل القذافي ويفعل الآن بشار الأسد وان اختلفت التسميات فالجميع ينهلون من ينبوع واحد.

     وأخيرا رغم تحفظاتنا على أداء الدورة البرلمانية الجديدة لكونها من إنتاج واقع الحال الذي تحدثنا عنه، ولم تختلف كثيرا عما كانت عليه الدورات السابقة، إلا إننا نعول على رئيس السلطة التنفيذية والكم الكبير من التأييد والمساندة الداخلية والخارجية لتوجهاته، على إحداث تغيير ملموس فيما يتعلق بمئات الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تأسست بعد سقوط هيكل النظام السابق ومن رحمه وبقرار من أجهزته الخاصة تحت مسميات كثيرة لكنها تتغطى جميعها بلبوس الدين والجهاد والشعارات الفارغة التي صمت آذاننا لعشرات السنين، أو هي واجهات أو اذرع ميليشياوية لأحزاب حاكمة ومتنفذة تعمل على تنفيذ أجندة تلك الأحزاب على شكل كتائب وتنظيمات شبه عسكرية، وتعتمد في ذلك على منظومة دعائية وإعلامية من فضائيات وإذاعات ومواقع الكترونية وصحف ومجلات موجهة لمساحات واسعة من الأهالي البسطاء والسذج لتسطيح عقولهم وغسل أدمغتهم كما كانت تفعل كل الأنظمة الشمولية في العالم.

kmkinfo@gmail.com

228
نجاح كوردستان وعقدة الفاشلين!

كفاح محمود كريم

     منذ سنوات أثبتت إدارة المالكي بكل أوجهها فشلا ذريعا سواء في إدارة الدولة أو الإعلام أو العسكر أو الأمن أو المال أو النفط، وما حصل آخر المطاف قبل أن يرفضه الشعب ويطرده من الولاية الثالثة لكي يقبع في( فخامة نائب رئيس الجمهورية ) أنه سلم البلاد لاحتلال كريه من عصابات ( ومرتزقة أجانب سيطرت على أكثر من ثلث أراضي البلاد من ضمنها اكبر محافظات الدولة وأوسعها أرضا وإنتاجا، هذا الفشل وهذه الانتكاسات إنما جاءت نتيجة لعقلية من يحكم البلاد، خاصة وان الإخبار أكدت انه رفض أي محاولة لمحاربة تلك العصابات وهي في طور تكونها، آملا في أن تذيق العرب السنة مرارة الاستباحة وتشغل الكورد عن تنفيذ مشروعهم النهضوي، الذي بات يشكل عقدة خطيرة تؤرق المالكي وطاقمه وتظهر فشلهم في إدارة الدولة وحقيقتهم التي أظهرتها ملفات الفساد المرعبة ومشاريعهم الوهمية في النفط أو الكهرباء أو التسليح أو الدفاع أو الأمن.

     عقدة كوردستان دفعت المالكي لتأسيس العشرات من وسائل الدعاية ولا نقول الإعلام لأنها لا تمثل أبجديات الإعلام، بل أنها وسائل دعائية ثرثارة غرضها إشاعة الطائفية والأحقاد والكراهية بين مكونات الشعب العراقي وضد الكورد ورموزهم ونهضتهم وتقدم وازدهار إقليمهم، بتخصيصات اقل ما يقال عنها إنها اقل من 17% من موازنة البلاد التي لم تقل عن مائة مليار سنويا، لم ينتج فيها المالكي وبطانته إلا بحور من الدماء ودمار شامل للبلاد وفشل في كل مفاصل الدولة والحياة، إلى الدرجة التي تم تصنيف العراق فيها خلال حكمه من افشل بلدان العالم وأكثرها تخلفا وبطالة وفقرا وخطورة قياسا لإمكانياتها المالية.

     فضائيات وإذاعات ومواقع الكترونية وصحف بكل الألوان ينفق عليها من المال العام ويديرها موظفين من مكتب تنظيم المالكي ومجموعة الحبربش التي تقود حملة دعائية مليئة بالشتائم والأحقاد ضد الكورد ورئيسهم ورموزهم من خلال برامجها المتخلفة أو تصريحات ساذجة عقيمة لا غرض لها إلا إفشال أي محاولة جدية لحل المشاكل بين بغداد والإقليم، أو بين الحكومة الجديدة والفعاليات السياسية ومكوناتها، بما يعكس الإحباط والفشل الواضح في أدائها نتيجة إبعاده عن الولاية الثالثة ونجاح السيد العبادي ونهجه الواقعي والوطني في وضع خارطة طريق لحل تلك المشاكل والعقد التي أنتجتها حقبة الحكم الفاشل للمالكي، بحيث أنها تشكل اخطر ما يواجه حكومة العبادي ومشروعه اليوم باستخدامها هذا النمط من الأداء السياسي المتخلف، خاصة وانه قد استحوذ على إمكانيات مالية كبيرة، ومفاصل مهمة في الدولة وفي مؤسساتها المستقلة وسلطاتها الثلاث، ويتم استخدامها واستغلالها لإفشال أي خطوة يقوم بها السيد العبادي في اتجاه إعادة بناء الدولة العراقية الحديثة.

     حقا إنها مجموعة من العقد ومركبات النقص التي تعاني منها هذه الطواقم الفاشلة وهي تتضاعف في أي مقارنة بسيطة بين إقليم كوردستان وبقية أنحاء العراق خلال الثماني سنوات من حكم المالكي في بغداد وحكم البارزاني في كوردستان، وهي بالتالي مرآة لسايكولوجية العاملين في تلك المنابر الدعائية وشكل تكوينهم النفسي والأخلاقي.
     وخير مثال لتلك العقد ما أظهرته قناة آفاق الناطقة باسم المالكي قبل فترة  وهي تذيع نبأ استقبال نوري المالكي لرئيس الجمهورية، حيث ورد في شريطها الإخباري الخبر بالشكل التالي:
    " استقبل فخامة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي السيد فؤاد معصوم رئيس الجمهورية!؟ "

     اترك التعليق لكم وللمختصين بعلم النفس  لتقييم الحالة!

kmkinfo@gmail.com


229
المنبر الحر / من قلة الخيل..!
« في: 20:38 04/02/2015  »
من قلة الخيل..!

كفاح محمود كريم


     مثل عراقي جميل يطلق على الفاشلين والناقصين والفاسدين الذين يتبوؤون مواقع اكبر من حجومهم، أو في غفلة من الزمن وخاصة في زمننا الرديء هذا الذي أصبح المثل ينطبق عليه تماما، بل  ويعتبر أدق توصيفا للفاسدين في معظم حكوماتنا العراقية منذ أن أسقطت لنا جيوش الولايات المتحدة وحلفائها نظام صدام حسين العائلي والعشائري، وفي الوقت الذي كان الجميع ينادي أو يدعي بأنه سيقيم نقيض ذلك النظام الذي وصفناه بشتى الأوصاف، حتى سقط الكثير من ورثة النظام بمواصفات أقبح مما كان يوصف بها إسلافهم، بل وبلا مواربة فقد ترحمت مساحات واسعة من الأهالي على قبح نظام صدام حسين إزاء جرائم ومخازي خلائفه أو بدائله منذ أكثر من عشر سنوات.

     وبقراءة سريعة للسير الذاتية لكثير ممن تولوا الحكم بمختلف مستوياته ودرجاته، سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية بمختلف دوراتها وتسمياتها من الجمعية الوطنية وحتى الدورة الأخيرة، يتبين بان الاختيار لم يكن أبدا على خلفية الكفاءة والوطنية بقدر ما كان على خلفية عشائرية أو مذهبية أو مصالحية، أي بمنطق البيع والشراء في المناصب وعقد الاتفاقيات على ضوء ذلك بين المكلف بالمنصب وبين من رشحه، وكم تمنينا جميعا أن يكون المرشحون للمناصب ذوي كفاءة وشخصيات محترمة حتى وان كانوا من أقرباء أي مسؤول من المسؤولين سواء رئيس وزارة أو حزب أو كتلة، لكن ما حصل طيلة السنوات العجاف الماضية منذ 2003م، وما يزال يحصل حتى اليوم، إنهم يأتون بمجاميع من البيادق المنفذة وأسطوات متمرسة في اللصوصية والتزوير والنشل والنهب، لا عليها إلا تمرير أجندات من وضعها في موقعها أو منصبها، حالها حال أي جهاز الكتروني أو لعبة تعمل بالكهرباء أو البرمجة.

     إن ما يحصل اليوم وخاصة بعد إقرار الموازنة واتضاح إن البلاد لا تمتلك أي مبالغ مدورة أو خزين استراتيجي لليوم الأسود، تؤكد ما ذهبنا إليه في كثير من مقالاتنا حول مجاميع الفاسدين الذين تكلسوا في مفاصل الحكم وما يزالون يمارسون أدوارهم في إن عصيهم قادرة على إيقاف عجلات التغيير المزمع أو المفترض إحداثه بعد تولي الدكتور حيدر العبادي رئاسة مجلس الوزراء الاتحادي بدعم دولي ومحلي خاصة من القوى التي ناهضت رئاسة المالكي الثالثة، ورغم تفاؤل الكثير بنجاح السيد عبادي وفي مقدمتهم تمنيات كاتب هذه الأسطر بنجاحه وطاقمه الذي لا يختلف كثيرا عن الطواقم السابقة، لكنني أعول دوما على دور الرئيس وإمكانياته خاصة وان الدستور قد منحه صلاحيات ومساحة عمل واسعة، لو استخدمها بوطنية خالصة وإرادة قوية وفكر مدني متحضر معاصر، فانه سيحدث شيئا يستحق التمجيد والمديح رغم انه من أولى واجبات أي رئيس حكومة أو بلاد في الدول المتقدمة أن يستخدم كل صلاحياته وإبداعاته في خدمة بلده وشعبه.

     إن مجموعة " الشفاطات والشفاطين - أي الثرثارين وأصحاب المزايدات على توصيف الدارجة الموصلية "  من أولئك الذين يحملون العصي ويهددون بوضعها في دواليب أي عملية تغيير أو إعادة بناء البلاد وفق أسس مدنية متحضرة، تعتمد التنافس في خدمة الشعب ومكوناته، من خلال مجموعة من وسائل الإعلام المسخرة لحملات الدعاية والتشويش على أي اتفاق ايجابي لحل الإشكاليات سواء مع الإقليم أو مع الكتل المعارضة لنهج المالكي وطاقمه الذي امتازت فترة حكمه بالفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة وعمليات غسل الأدمغة وصناعة انتصارات من هزائم مخزية، وفشل ذريع أنتجته مجموعات الضعفاء من الفاشلين والانتهازيين واللصوص، الذين استقدموا على شعبهم أرذل المخلوقات وأقذرها لكي يؤدبوا السنة ويشغلوا الكورد بمنظمة إرهابية صنعها البعث بامتياز لكي تحقق ما عجز عنه صدام حسين طيلة أربعين عاما، هؤلاء الفاسدين الذين تسلقوا سلالم السلطة وكراسي البرلمان ينطبق عليهم بكفاءة الجزء الثاني من عنوان مقالنا أعلاه، من قلة الخيل....!

kmkinfo@gmail.com


230
بين انتحار الهمج وفدائية البيشمه ركة

كفاح محمود كريم

     البيشمه ركة مصطلح كوردي أطلق على ثوار الحركة التحررية الكوردية، وهو يعني أولئك الرجال والنساء من الثوار الذين يقاتلون من اجل حرية وكرامة شعبهم، ويعني المصطلح الذين يستبقون الموت من اجل تلك الأهداف النبيلة، وهو بالتالي في معانيه يرتقي على مفهوم الفدائية حيث دقة المصطلح في التوصيف الذي يتكون من مفردتين الأولى البيش وتعي أمام والثانية مركه وتعني الموت، أي بمعنى أنهم أمام الموت بالمعنى الحرفي،  ويستبقون الموت بالمعنى المجازي.

     وعبر التاريخ الممتد من بواكير الثورات الكوردية مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، تحول هذا المصطلح إلى واحد من أقدس الكلمات والمفاهيم التي تمثل وجود ونضال الكورد وكوردستان شعبا وأرضا، وأصبحت هذه الكلمة محط احترام وتقديس وافتخار الأهالي بمختلف مستوياتهم ومشاربهم وأفكارهم، حتى إن العائلة التي ليس فيها واحد ممن يحملون هذا التوصيف تشعر بالضعف أو الخجل مقارنة مع بقية الأهالي، ليس اليوم بل حتى أيام هيمنة واستعمار الأنظمة الدكتاتورية لكوردستان وشعبها، حيث كانت الأسر التي ينتمي احد أبنائها إلى البيشمه ركة محط احترام وتقدير بالغين من الأهالي.

     لقد سجل تاريخ هذه القوة الاجتماعية والأخلاقية الرفيعة التي اختزلت في سلوكياتها أرقى أنماط السلوك المتحضر والملتزم بقوانين الحرب بعيدا عن ممارسات الانتقام وخلط الأوراق، كما كانت تفعل وما تزال قوى البطش المتخلفة سواء الحكومية منها أو الإرهابية في تصفية المدنيين واستخدام سلوكيات الغدر في الاغتيال والتخريب الجماعي، حيث تفتخر قوات البيشمه ركة في خزينها الأخلاقي والشرفي بما يجعلها فخرا للبشرية عموما في ممارساتها أيام الحرب مع العدو وأسراه وجرحاه، فقد سجلت أيام المعارك الكبيرة لهذه القوات كيف كانت تعتني بجرحى العدو حينما يسقطون بيدها، بل وتفضلهم على جرحاها في مستشفياتها الميدانية المتواضعة، وبينما كان العدو يقتل كل أسير من البيشمه ركة كما تفعل داعش اليوم فان الزعيم مصطفى البارزاني وكبار قادته كانوا يوصون البيشمه ركة بمعاملة الأسرى بمنتهى الإنسانية إلى الدرجة التي كان كثير منهم يرفضون العودة إلى ذويهم مرة أخرى.

     لن ندخل في تفاصيل تاريخ هذه المؤسسة التي يعتبرها الأهالي مؤسسة الأخلاق الرفيعة وقوات الدفاع عن الشعب والوطن ويفتخرون بالانتماء إليها، لكننا سنورد مثالين لأولئك الرجال الأفذاذ ممن استبقوا الموت لأجل إنقاذ رفاقهم من وحشية داعش الهمجية، حيث اندفع الشهيد العقيد احمد المزوري وهو آمر فوج مكافحة الإرهاب، بعد أن فشلت الأسلحة في منع اندفاع شاحنة  مفخخة إلى مكان تجمع البيشمه ركة في إحدى قرى زمار، فاندفع الشهيد احمد وهو يقود مدرعة من نوع همر ليصطدم بالشاحنة المفخخة ويفجرها قبل الوصول إلى هدفها، وبذلك منح حياته لأجل حياة عشرات من رفاقه المقاتلين، وكذا فعل البيشمه ركة جمال دولمري الذي قاد دبابته قبل عدة أيام أمام شاحنة كبيرة مفخخة كانت تتقدم باتجاه احد مواقع البيشمه ركة في منطقة سد الموصل ففجرها وأنقذ العشرات من رفاقه وأصيب إصابات بالغة.


     هذه نماذج من أعمال البيشمه ركة في استباقهم للموت من اجل الحياة ومن اجل قيمها العليا في السلوك والأخلاق الرفيعة، أمام سلوكيات أعداء مجرمين بكل القيم النبيلة للإنسانية ابتداءً من جرائم البعث ومن شابهه في قصف المدن والقرى بالأسلحة الكيمياوية ودفن عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ في مقابر جماعية، إلى استباحة الكورد الايزيديين والشيعة والمسيحيين وقتلهم جميعا وسبي نسائهم والمتاجرة بهن في واحد من أحط أنماط السلوك الوضيع الذي لا يمثل إلا أخلاق مافيات مجرمة لا علاقة لها بالإنسان وأديانه وعقائده وخارجة عن كل أطوار البشر الأسوياء.

     ولأجل ذلك ستنتصر البيشمه ركة لا محالة لأنها تختزن أرقى أنماط السلوك الإنساني الرفيع والأخلاقيات التي تفتخر بها البشرية جمعاء، وهي التي دفعت كل العالم الحر والمتمدن إلى اربيل عاصمة كوردستان، لتقف متشرفة مع البيشمه ركة وقادتها، لأنها أيقنت إن هذه المؤسسة إنما تدافع وتناضل وتكافح لا من اجل كوردستان وشعبها فقط، بل من اجل الإنسانية وقيمها العليا، فشتان بين انتحار البهائم الهمج الذين يحرقون الأخضر واليابس بعقيدتهم الفاسدة، وبين أولئك الذين يستبقون الموت من اجل حياة الآخرين وسعادة الأهالي وقيم الإنسانية العليا.

kmkinfo@gmail.com

231
المنبر الحر / من أنتج داعش؟
« في: 13:34 24/01/2015  »
من أنتج داعش؟

كفاح محمود كريم

    لا يختلف اثنان من العراقيين على إن نظام البعث احدث تغييرات مهمة في البنى التحتية للدولة العراقية بعد هيمنته على السلطة أواخر ستينيات القرن الماضي، ونفس الاستنتاج يتفق عليه المصريون أيضا بعد تولي الضباط الأحرار مقاليد الحكم في مصر عام  1952، وكذا الحال مع القذافي أيضا، لكنما التغييرات المهمة التي أحدثتها تلك الأنظمة لم تشمل الإنسان ولا البنية الاجتماعية لتلك الدول، بل على العكس أوصلتها إلى حافة الانهيار الذي شهدناه عند مرور أولى نسمات الحرية فيما سمي ظلما بالربيع العربي، وان حقيقة أخرى رافقت تلك العمليات وأظهرت بشكل جلي إن ما كان يجري لم يتجاوز إلا البناء الكونكريتي، الذي رافقته عملية تهديم هائل لشخصية الفرد وتدمير منظم للبنى الأساسية والنسيج الاجتماعي للمكونات، حيث اقتُرفت خلال السنوات الأربعين من حكم حزب البعث في العراق، أبشع أنواع الجرائم والكوارث بحق الأهالي سواء في كوردستان أو في بقية العراق وسوريا، وكانت بحق حقبة سوداء تدحرجت فيها الحياة في كلا الدولتين إلى ما نشهده اليوم من كوارث ومآسي يندى لها جبين الإنسانية.
     لقد استهدفوا كرامة الإنسان وهويته ولم ينجو منها حتى أولئك المصنفون بالانتماء العرقي أو القومي لهم، فقد صادروا أي محاولة لإبداء الرأي أو حرية التعبير أو الانتماء، إلى الدرجة التي أباحوا فيها إبادة من يتعرض لعقيدة حزبهم أو رئيسهم أو قيادتهم حتى الدرجة الثالثة من الأقرباء، وذهب ضحية ذلك آلاف مؤلفة من خيرة شباب وشابات العراق بكل مكوناته، حتى تطاول غيهم وطغيانهم إلى دفن مئات الآلاف من الكورد والشيعة ومن ناصبهم العداء من السنة في قبور جماعية وهم إحياء، وبسبب تلك التراكمات الهائلة من الجرائم التي اقترفتها تلك الأنظمة تولد شعور مطبق بالإحباط واليأس يقبل أي بديل آخر غير تلك الأنظمة، ولذلك لم نشهد أي مقاومة حقيقية للذين اسقطوا تلك الأنظمة أو عملوا على إسقاطها، فلقد أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين لأنه تحول إلى غول متوحش لم يعد باستطاعة أي قوة محلية أو إقليمية إسقاطه، وكان يفترض إقامة نظام مختلف تماما على أنقاضه، لكن يبدو إن القائمين على ذلك المشروع نسوا أو تناسوا آثار عشرات السنين من التربية الخطأ ابتداء من كتاتيب الجوامع ومنابرها وانتهاء بالجامعات وما قبلها من ابتدائيات وثانويات وما رافقها من أحزاب وجمعيات ساهمت بشكل أو بآخر في الإبقاء على ذلك النهج الخطأ بإشكال من الشمولية والدكتاتورية الفردية، حتى تحول الرئيس أو الوزير أو المدير أو المحافظ إلى أنصاف آلهة إن لم يكونوا آلهة وأنبياء؟
     لقد اقترفت الأنظمة البديلة جرائم بشعة بحق المعاني السامية للحرية والديمقراطية، وعملت على استخدام سلالمها للصعود إلى دفة الحكم وتسخير آلياته لتكثيف وجودها بذات الأساليب التي كانت الأنظمة الدكتاتورية تستخدمها في النفوذ والهيمنة والاحتواء، حتى أجبرت شعوبها في كثير من المناطق والأحايين إلى تفضيل أي بديل آخر عنها، حيث وصل الأمر لدى الكثير من المحبطين إلى تمني أن يحكم الاستعمار بلادهم بدلا من هؤلاء المستبدين الجدد، كما حصل هنا في العراق حيث شقت عصابات داعش طريقها عبر آلام وإحباط الأهالي وفشل حكومة المالكي ومؤسساته المهلهلة إلى اعرق مدن العراق وأكبرها نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى وبعض من كركوك، حيث البيئة المتخلفة وبقايا نظام البعث، وتغافل مقصود وموجه من قبل إدارة المالكي في انتقام ساذج وبدائي من خصوم مفترضين ( السنة والكورد )
     ونتذكر جميعا هنا في العراق وفي سوريا وليبيا، وكل مواطن الدكتاتوريات البشعة كم كان كثير من الأهالي يتمنون أن تحكم إسرائيل تلك البلدان بدلا من ظلم أنظمتها التي أذلتها أكثر من أي مستعمر في تاريخ المنطقة، بل إننا لو أحصينا عدد ضحايا تلك الأنظمة وقارناها مع ضحايا كل الحروب التي خاضتها تلك الدول مع إسرائيل أو غيرها، لتبين لنا إن من قتل على أيدي الأنظمة الدكتاتورية أو بسببها أكثر أضعاف المرات من عدد ضحايا تلك الحروب مع إسرائيل التي وظفوها لكي تكون جواز بقاء كل الأنظمة!؟
     داعش ليست وليدة السنوات الأخيرة بل هي إنتاج البعث ومن شابهه عبر التاريخ من الأحزاب والحركات العنصرية الفاشية، ليس في بلاد الرافدين فحسب بل في كل العالم، من صنعائها وحتى صومالها وحماسها وحزب الاهها، وصولا إلى أولئك المنحرفين في القادمين من أصقاع أوربا وأمريكا وشوارعها الخلفية المظلمة.
kmkinfo@gmail.com


232
تصريح مصدر صحفي في وزارة البيشمه ركة

     نشرت صحيفة الصباح الجديد على موقعها الالكتروني تقريرا عن خطة مزعومة لتحرير الموصل، إضافة إلى تصريحات لمقدم في الجيش العراقي باسم ( المقدم عبد الرحمن الجبوري ) ولضابط برتبة نقيب ( لم تذكر اسمه ) ادعت انه من قوات البيشمه ركة، التصريحات تتحدث عن تلك الخطة وانه هناك آلاف من الجند والبيشمه ركة ومئات الآليات والدبابات تتهيأ لاقتحام الموصل.
     وفيما يتعلق الأمر بإقليم كوردستان وقوات البيشمه ركة فان هذا الخبر عار تماما عن الصحة، وليس هناك أي شيء على ارض الواقع من قبيل ما ذكره هذا الضابط والصحيفة فهو مجرد فبركات صحفية لخطط خيالية لا أساس لها على ارض الواقع.

مصدر صحفي
في وزارة البيشمه ركة
 

233
لأجل هذا استهدفوا سنجار؟
-2-


كفاح محمود كريم


     لقد تعرضت سنجار عبر تاريخها إلى عشرات الحملات العسكرية منذ دخول موسى الأشعري أطرافها في حدود 20 هـ وقبول سكانها الفتح الإسلامي دون قيد أو شرط وحتى موقعة سنجار الرهيبة عام 1057م التي ذهب ضحيتها الآلاف من سكانها بعد حصار رهيب استمر لعدة أشهر انتصر في نهايته سيد الشجعان الجبناء الجوع.
     في هذه الموقعة الرهيبة كان العقيليون في البداية حلفاء للسلاجقة ولكنهم انقلبوا ضدهم حين انتصر البويهيون، ولم تمض إلا فترة وجيزة حتى أغار عليهم ((طغرل بك)) فسحقهم حتى وصل سنجار فحاصرها طويلا وقطع عنها كل ما له علاقة بالحياة وديمومتها، إلا أن أهالي سنجار تحدوا السلاجقة تحديا أسطوريا رغم معاناة الحصار وقيل: ((أنهم اخرجوا جماجم من كانوا قتلوا وقلا نسهم وتركوها مشهورة على رؤوس القصب)) فقد ((طغرل بك)) أعصابه فقرر زيادة عدته وعدده، مضاعفا حصاره الوحشي على المدينة حتى فعل الحصار فعلته وانتصر سيد الشجعان الجبناء ( الجوع ) ففتحت المدينة أبوابها عنوة تحت سياط الجوع والمرض فاقتحم السلاجقة مدينة سنجار ليستبيحوها ويمعنوا في سكانها قتلا وتعذيبا وفي خيراتها نهبا وسلبا و بعمرانها خرابا وتدميرا كما يحصل اليوم على أيدي أحفادهم الدواعش.

     هكذا إذاً ومن خلال المأساة نستطيع أن نفهم تماما مدى قوة ومناعة سنجار المدينة والسكان حين ذاك، أي في بداية سنة 1057 م، ومن دراسة نتائج ومعطيات هذه الموقعة المأساوية نستدل من أرقامها كم كانت سنجار مدينة مزدهرة خصوصا إذا ما علمنا إن تعداد نفوس المدينة بعد هذه الموقعة بأكثر من تسعة قرون أي في عام 1977م لم يتجاوز إلا 12 ألفا من السكان، فالمدينة التي قتل من رجالها أربعة آلاف رجل قبل ما يزيد على أكثر من تسعمائة سنة كانت بالتأكيد واحدة من الحواضر المهمة جدا في إقليم الجزيرة، وتتمتع بموقع اقتصادي وجغرافي مهم جعلها مهمة أيضا في الجانب السياسي الذي كان سببا في كثير من الأزمان لدمارها وخرابها.

     لقد بدأت واحدة من اكبر معارك سنجار عبر تاريخها بعد اتفاقية الجزائر التي أنتكست على أثرها الثورة الكوردية عام 1975م حيث اكتسحت شوفينية النظام السابق الاخضر واليابس في مدينة من أجمل مدن كوردستان والعراق والجزيرة معا بكثرة ينابيعها التي ردمتها جرافات حزب البعث ودمرت أكثر من 150 قرية كانت تنتشر في جبل سنجار وأطرافه، وتحتضن مئات البساتين والمناحل وآلافاً مؤلفة من قطعان الماشية، وخلال سنتين من أسوأ سنوات حياة المدينة تستمر فيها عمليات التدمير المنظم لأحياء المدينة وقراها وبساتينها، يتم تجميع آلاف الأسر من سكان تلك القرى والأحياء التي تم تدميرها بالكامل في أكثر من عشرة مجمعات على هيئة معسكرات اعتقال مبنية من الطين في جنوبي وشمالي المدينة مما يبعد السكان تماما عن مواطنهم ومناطق إنتاجهم.
 
     وتصور النظام السابق بعد أكثر من ثلاثين عاما من التعريب والتشويه الديموغرافي إن الأوضاع أصبحت محسومة له تماما، ولكنها إرادة الشعوب وطبيعة الأشياء والحياة التي ترفض كل شيء مزيف ومشوه، لتعود المدينة خلال ساعات من سقوط وانهيار ذلك النظام إلى طبيعة تكوينها وأصالة سكانها وتستعيد هويتها القومية وإرادتها في الانتماء والقرار. ومنذ سقوط النظام والمدينة تتعرض ثانية إلى هجمة تترية لا تقل عن تلك الهجمات في تاريخها حيث تمت محاصرتها تماما منذ أواخر عام 2004م ومنعت عنها المؤن والوقود والكهرباء ومفردات البطاقة التموينية من خلال مجاميع منظمة من المسلحين الذين يرتبطون بذات تلك الثقافة التي عملت على تعريب وتغيير ديموغرافية المدينة طوال أكثر من ثلاثة عقود بما يشبه ما حدث في واقعة سنجار الرهيبة عام 1057م.
     إن ما حدث خلال العشر سنوات الماضية بعد سقوط هيكل نظام البعث من مماطلة وتسويف في تحرير المدينة من ظلم واضطهاد عشرات السنين يؤكد إن مستقبل هذه المدينة وشقيقاتها في كركوك ومخمور والشيخان وخانقين ومندلي وغيرها، لا يمكن أن يكون إلا بعودتها إلى أحضان إقليم كوردستان التي ناضلت عشرات السنين من أجل ذلك وعملت الأنظمة المتعاقبة على تدمير هذه المدن وترحيل سكانها أو تعريبهم بأساليب عنصرية شوفينية.
     في سنجار وشقيقاتها من مدن الشمس الكوردية شعب تواق لأخذ موقعه في بناء الوطن بعد سنوات عجاف من البطالة والإهمال والتدمير المنظم لكل البنى التحتية، فهذه سنجار واحدة من عشرات المدن والقرى تمتلك أرضا خصبة لا مثيل لها في أديم العراق وزراعة تجعلها بحق سلة الغذاء لكل العراق بما تنتجه من الحبوب والفواكه والخضراوات، مع ثروتها في طبيعتها وجبلها من معادن ومواد اقل ما توصف به إنها ذات جدوى اقتصادية عالية كما في واحد من اكبر معامل الاسمنت في العراق والمنطقة وهو معمل اسمنت سنجار بمحاذاة الجبل، والذي لم يستغل قيد أنملة واحدة لخير المدينة وسكانها، حيث مازالت نسبة العاملين من سكان سنجار في هذا المعمل لا تتجاوز العشرين بالمائة من العمال والفنيين وبعد خمس سنوات لم يتم استثمار أي من فوائد وإيرادات هذا المعمل للمدينة وسكانها.

     إن سنجار واحدة من أشهر مناطق الزراعة الديمية التي ما زالت تعتمد على الأمطار وهي تحتوي خيرة الأراضي الزراعية التي دفعت حكومة نوري السعيد قبل أكثر من ستين عاما إلى اقتراح سد نينوى الحالي لإيصال المياه إلى أراضي سنجار وتلعفر، والذي تم تنفيذه من قبل النظام السابق ليخدم مجموعة من الأشخاص ليس إلا، ولا يتجاوز مجموعة قرى عربية في حدود منطقة ربيعة وهو الذي تم تصميمه لإرواء أراضي سنجار وتلعفر.
     إن غزوة سنجار الهمجية على يد منظمة داعش الإرهابية أكدت إن تلك الثقافة التي سادت لحقب طويلة ما تزال سائدة وهي التي فعلت فعلتها في استباحة المحرمات وإبادة الكورد من الايزيديين والمسلمين سنة وشيعة ومسيحيين، وسبي نسائهم وأطفالهم في عودة خطيرة لبدائية العصور الغابرة، وهي بالتالي آخر حلقة من برنامج البعث العنصري والبداوة الدينية والسياسية المتخلفة، وهي اليوم تنهار أمام أولئك الذين اسقطوا كل الطغاة في صراعهم من اجل الحرية والكرامة والحضارة، حيث شهد العالم الحر المتمدن بان البيشمه ركة رمز للمقاومة والتصدي والصمود بوجه الهمجية والمدنية والحضارة، وان كوردستان جزيرة للسلوك الراقي والأخلاق الرفيعة، وان سنجار ستكون منطلق كوردستان لتحقيق أهدافها الإنسانية السامية. 

المصادر:
 (1) مجلة سومر، مجلد 31: ج1 ج2 سنة 1975 ص 21 القسم الأجنبي مقال د.بهنام أبو الصوف.
 (2) بدج: رحلات إلى العراق.
 (3) بكنغهام: رحلتي إلى العراق
 (4) الخرشان: وهو قطع الجص المتصلب ويستخدم في التسقيف والبناء لوزنه الخفيف وصلابته.




234
لأجل هذا استهدفوا سنجار!
-1-
كفاح محمود كريم

    سنجار واحدة من أكثر المدن التي تعرضت للحصار والحروب عبر تاريخها منذ أكثر من عشرين قرنا وربما هي المدينة الأكثر عمقا في دهاليز الزمان الممتد عبر ذاكرة الطبيعة والإنسان، حيث أدرك الاثاري الأمريكي سيتون لوئيد في سنة 1936 م وهو يتجول بين قراجات ( تلول ) سنجار ووديانها تلك الخطوات الأولى للإنسان هنا في هذه المدينة قبل أكثر من سبعين ألف سنة، حينما اكتشف لوئيد ومجموعته تلك اللقى والأدوات الحجرية التي أشرت انتقال هذا الإنسان في تلك الفترة من مرحلة البحث عن الغذاء إلى صناعة الغذاء.
     لقد كانت حبات القمح المتحجرة وتلك الأدوات الحجرية المنحوتة بالحجر والأظافر تومئ الى أوان وأدوات لا تستعمل إلا في الزراعة والطبخ والخبز الحار الذي أصبح عبر الأجيال هوية هذه المدينة، فإذا ما عدنا إلى العصور التاريخية القديمة واستكشفنا حياة إنساننا في هذه المنطقة، حيث كان أقرانه في أواسط أوربا وغربها يبحثون عن الغذاء في مرحلة الصيد، كان هو في ( سنجار وزوي جه مي، قرب كهف شانه ده ر في منطقة بارزان) وبقية أنحاء كوردستان، قد بدأ في صناعة الغذاء بنفسه، حينما تجمع في قرى (تبه 1) و (تبه 2) لينشئ أقدم مستوطناته البشرية المتحضرة قبل أكثر من سبعين ألف عام، فالتنقيبات الاثارية التي أجراها الاثاري (سيتون لوئيد Seton Eloyed) في منطقة سنجار والتي تناولت المرتفعات الشرقية والجنوبية من أطراف المدينة الحالية وتحديداً في (كَري ره ش ـ التل الأسود) و(كَري حوشي ـ تل حوشي) أثبتت من خلال المخلفات الفخارية القديمة جداً ارتقاء تاريخ سنجار إلى عصور متأخرة في ما قبل التاريخ المتأخر. (1)
     منذ أن بزغت شمس الحضارة قبل آلاف السنين و سنجار أو (سنكارا) أو (سنغارا) كما كان يطلق عليها البابليون و (شنكَال) كما أطلق عليها الآشوريون، كـانت ميداناً لصراع الحضارات ومن ثم بعد ذلك الإمبراطوريات، وقد عرفت سنجار عند المصريين القدماء بلفظة (سنكار) وعند الاشيين بلفظ (شنخار) أما عند اليونان والرومان فكانت (سنكارة) حتى أطلق عليها الإمبراطور الروماني (اورليوس) اسم (اورليا) عندما جدد بناءها في حدود عام 199م (2) (3)، بعد أن اسقطوا فيها مملكة آرامية تحت تاج الملك (معنو) الذي ولى هاربا إلى أراضي كنعان في فلسطين اليوم في حدود عام 114م وترك سكانها يواجهون مصيرهم كما فعل البعثيون حينما سقط سلطانهم في بغداد فولوا هاربين مع ما خف وزنه وغلا ثمنه تاركين مدينة تأن ألما وفقرا وبطالة وبنى تحتية محطمة.

     صحيح أن كثيراً من السنجاريين كانت قد أصابتهم الصدمة وصعقوا حينما هاجمهم الرومان في مدينتهم الثرية الهادئة، وان كثيرين منهم قتلوا أو جرحوا دفاعا عن (معنو) ومملكته، فلم يكن هناك وقتئذ خيار أخر، ولكنهم لو كانوا يعلمون ما سيفعله الرومان في مدينتهم بعد ذلك لما ابتأسوا، وأي بديل أقامه أولئك القادمون من الشمال؟.
     لقد وضع القائد الروماني (لوسيوس كيوتوس) نصب عينيه موقع المدينة وبعدها عن المدن التي حولها، وكيفية ربط هذه المدينة الجميلة ببقية المدن في عمق الإمبراطورية، وإعادة بنائها وفق رؤيته، وهكذا تقدم هذا القائد بأفكاره إلى الإمبراطور (طريانوس) بعد إضافة سنجار إلى حواضرهم، فما كان من الإمبراطور إلا أن أصدر أوامره بتعبيد الطريق بين سنجار ونصيبين برصفه بالحجارة في بداية عام 115 م، وبذلك يكون الرومان قد وضعوا الحجر الأساس لأول شارع معبد بين سنجار وخارجها وكان ذلك باكورة أعمالهم الحضارية المتطورة في المدينة.
     لقد كانت الرؤية الرومانية عسكرية ـ مدنية في قيامها بتبليط الشوارع بين سنجار والمراكز الحضرية الأخرى في الإمبراطورية، وكانت الحلقة الأولى في سلسلة الحضارة التي بدأت تدخل المدينة لأول مرة، فلم يمضِ قرن على ذلك الطريق حتى باشر الإمبراطور (ساديروس الكسندر) برصف طريق أخر يمتد من سنجار حتى الخابور.
     وحينما كان المئات من البشر أو ربما الآلاف ينقلون الحجارة من الجبل إلى حيث يتم رصفها باتجاه نصيبين والخابور كان السنجاريون ينفذون بناءً في مركز مدينتهم حيث وضع المهندسون الرومان تخطيطا جديدا للمدينة ابتدئوه بالسور الكبير الذي يلف المدينة من كل أطرافها، وبذلك أمنوا لهم ولسكانهم حياة أكثر سلاما واستقرارا أمام تهديدات وهجمات الفرس وغيرهم في أطراف المدينة الجنوبية والشرقية، ولم يجد الرومان صعوبة في الحصول على البناة والمهندسين والعمال، فلقد عرف السنجاريون بحبهم للبناء والأعمار وولعهم في التغيير، وتختزن ذاكرة التاريخ أسماء كثيرة من أولئك البناة والنقارين وصناع الجص وبناة التسقيف بالحجارة و(الخرشان) (4)، فانهمكوا مع الرومان في تهيئة تلك الكتل الصخرية الكبيرة لبنائها كسور للمدينة.
     يعتقد أن المسيحية دخلت إلى المدينة بعد هذه الحقبة، حيث عرفت المراجع أسقفا مسيحيا يدعى (معين) قيل انه بنى العديد من المعابد، حيث تؤكد كثير من المراجع التاريخية والكنسية إن أول دير بني في سنجار كان (دير عاصي) ويعرف أيضا بـ (دير برقيطي) وكذلك حمل اسما أخر هو (دير باعوث) في حدود سنة 500م، وقد أصبح في ما بعد من أهم المدارس المسيحية في القرن السابع الميلادي، ومن مشاهير كهنته وعلمائه الكاتب (سليمان ابن جرف)، وما تزال آثار هذا الدير قائمة حتى الآن حيث تقع أطلاله على بعد اقل من ساعة في وادٍ سحيق بوسط الجبل شمال المدينة، وهناك ديران آخران تم بناؤهما بعد دير عاصي وهما (دير ووزنه) ويقع فوق قمة جبل سنجار شمال دير عاصي مباشرة، وقد بني من الصخور الضخمة غير المنحوتة، والدير الآخر هو دير (زد شكه) ويقع بالقرب من منطقة (جيل ميرا) في قمة جبل سنجار، ويسمى أحيانا بدير الزلازل، ولا تزال آثارهما باقية لحد هذا اليوم.

kmkinfo@gmail.com

235
سنجار ورفسات داعش الأخيرة

كفاح محمود كريم

     في 25 نيسان من عام 2003م آثر سقوط هيكل نظام صدام حسين، التقينا بعض قيادات وأعضاء حزب البعث في منطقة سنجار، ومعظمهم من أهالي المدينة وأطرافها، بل إن قسما كبيرا منهم كان من المعلمين ومدراء المدارس وبقية الدوائر، وكان أكثرهم إما قد هرب تاركا أسرته أو مختبئا بسبب اعتقاده بفكرة الانتقام المتكلسة في ثقافة البعث، وبعد أن شعروا إن الدنيا غير دنيتهم والسياسة غير ما اقترفوه هم بحق شعبهم، وان البيشمه ركة ومؤسسات الإقليم الأخرى التي أدارت الحياة بعد 9 نيسان 2003 ليست إلا مشروع حضاري وإنساني وحمامات سلام وأمان واطمئنان، لبوا دعوتنا للتباحث حول الأوضاع الجديدة وإعادة الحياة إلى المؤسسات الرسمية وخاصة التعليمية والخدمية التي كانوا يديرونها، وتسليم ما بعهدتهم من أمانات وسيارات، وأسلحة حزبية، وأمور أخرى.

     قلنا لهم إن العراق قد أدمن الانقلابات منذ تأسيسه ولنعتبر إن ما حصل انقلابا في بغداد بين متنافسين على السلطة ولا أظنكم بمستوى من ينافس، وعليه نتمنى على الجميع ترك الماضي والالتفات إلى المستقبل لكي نعيد الحياة بشكلها الزاهي ونعوض مدينتنا وأهلنا ما خسروه بسبب سياسات التعريب والتبعيث القسري، ولذلك فلا إثم على احد منكم ما لم يشتكي عليه مواطن ما لدى القضاء، علما إننا نعلم جيدا بأن هذا السلوك لا وجود له في ثقافة البعث وأخلاقياته، واقسم لو كانت الأمور معكوسة أي نحن الذين تم إسقاطنا من قبلكم لكنتم بعثرتم جثثنا على أرصفة الشوارع وقتلتم جميع من تولى منا إدارة أو مسؤولية، لكننا لسنا هكذا، فالحياة لا تبنى بالانتقام والدماء بل تبنى بالتسامح والعفو، كما فعلنا في 1992م في بقية أجزاء كوردستان المحررة اثر انتفاضة آذار 1991م حيث اصدر الرئيس مسعود بارزاني وقيادة كوردستان قانونا بعفو أمثالكم ممن عبثوا في حياة المواطنين، وحتى من اقترف جرائم بحق شعبه من أولئك الذين كانوا يسمون بالجحوش، فنهضت كوردستاننا وغدت واحة للحرية والتقدم والازدهار.


     نحن بناة جيدون للحياة والاعمار لذلك ندعوكم للتطهر من آثامكم وبقايا ثقافة الإقصاء والهمجية، لكي نعيش معا ونبني معا بلدنا هذا، وفعلا طيلة أكثر من عشر سنوات تم احتوائهم جميعا ولم يخدش أي منهم بسبب بعثيته أو حتى بسبب استحواذه على بيوت المرحلين من الكورد، وقلنا ليكن القانون هو الفيصل، ولأن الطبع يسبق التطبع فقد صدقت توقعاتنا واستطاعوا بعد أكثر من عشر سنوات أن يخترقوا دفاعاتنا ونقاط ضعفنا ويركبوا جواد المالكي الذي أرهق قوتنا العسكرية بالحصار المالي والتسليحي، فاندفعوا كالغيلان المتوحشة وبهمجية لا مثيل لها في التاريخ البشري، إلا فيما اكتنزوه في عقيدتهم وسلوكهم وأخلاقهم، فقتلوا الأطفال والنساء قبل الرجال وسلبوا ونهبوا واختطفوا آلاف النساء والأطفال بعد أن قتلوا آبائهم وأزواجهم بقسوة تجاوزت قسوة هولاكو وجيوشه، ثم عادوا ليدمروا كل شيء من بيوت ومزارع وبساتين وشوارع ودوائر، فأحالوا سنجار وبلداتها وقراها ومجمعاتها إلى خرائب ينعقون فيها، بعد أن سرقوا كل مقتنيات بيوت الأهالي ومخازن التجارة ودكاكين الناس، ولم تقتصر جرائمهم على الايزيدية فقط بل طالت آثامهم كل الكورد السنة والشيعة والمسيحيين.

     واليوم وبينما يحرقون آلاف البيوت في سنجار وقراها وهم يتقهقرون منكفئين إلى جحورهم التي خرجوا منها، تتقدم قوات البيشمه ركة لتحرير ما بقي من تلك المدن والقرى، وتعثر في مسيرتها على عشرات المقابر الجماعية التي فرختها مقابر صدام حسين والبعث وهي تضم آلاف الأطفال والشباب والشيوخ ممن طالتهم تلك الهمجية، التي فاقت كل جرائم التاريخ البشري إلا تلك التي بدأها أسلافهم في الأنفال الأولى وحلبجة وأخواتها من قرى كرميان وباهدينان.
     لقد غدت حلبجة رمزا من رموز المأساة الكوردية التي نبهت الرأي العام العالمي إلى عدالة القضية الكوردية والاهتمام بها، فتحولت كوردستان بدماء أولئك الشهداء من ضحايا الهمجية إلى واحة للسلام والأمان والازدهار، وستكون سنجار وجبلها الأشم وتحريرها عنوانا لانطلاق كوردستان المستقبل إلى ذرى المجد والانعتاق بعد إنهاء آخر فصول البعث والنازية الجديدة المتمثلة بداعش الإرهاب والتخلف.
kmkinfo@gmail.com

236
المنبر الحر / داعش وأدوات البعث
« في: 18:06 30/12/2014  »
داعش وأدوات البعث

كفاح محمود كريم

     بعد سنوات طويلة ناهزت العقد من الزمان، وتغييرات مهمة في البنية الاجتماعية والسياسية بعد سقوط نظام البعث وصدام حسين في معظم أنحاء العراق وخاصة المناطق الأكثر تضرراً من سياسة حزب البعث، والتي تسمى بالمناطق المتنازع عليها، وهي مجموعة مدن وبلدات وقرى كوردية تعرضت خلال ما يقرب من نصف قرن، إلى عملية تعريب وتغيير حاد في ديموغرافيتها وتمزيق ارتباطاتها الإدارية والاجتماعية، بعد تلك الحقبة السوداء تأتي منظمة داعش لتستكمل ما لم يفعله حزب البعث وأجهزته الخاصة آنذاك، معتمدة بشكل رئيسي على المستفيدين منه أساسا وهم كوادره المهمة والمتخصصة في أساليب الترهيب والتقتيل والتهجير وخاصة كوادر الأجهزة الخاصة ( الأمن والمخابرات والاستخبارات والأمن الخاص وفدائيو صدام وملحقاتهم من المعتمدين والعملاء ).

     وبقراءة سريعة واستثناءات قليلة جدا نرى إن معظم من استخدمهم البعث في تعريب مناطق سنجار وكركوك وزمار والسعدية وجلولاء وخانقين ومخمور وسهل نينوى، كانوا ابرز من نفذ غزوة داعش على هذه المناطق وأكثرهم قسوة في التعاطي مع سكانها الأصليين، حيث قتلوا الآلاف من الرجال وخطفوا آلاف العوائل والنساء والأطفال، وما اقترفوه من عمليات تجارة رخيصة ومهينة بحق العقيدة الدينية والأخلاقية والاجتماعية، فيما سمي بالسبي والغنائم تحت ذريعة التكفير أو الأسلمة، وتمزيق رهيب للنسيج الاجتماعي يصعب كثيراً إعادته، خاصة وان قيم شفافة تعرضت للمساس من قبل هذه الأدوات التي استخدمها البعث واستقدمها إلى هذه المناطق لغرض تعريبها وسلخها من كوردستان، حيث اقترفت في سنجار واحدة من أبشع جرائم الأخلاق والشرف الاجتماعي بخطف آلاف البنات الايزيديات وبيعهن كسبايا ورقيق، مما أدى إلى تمزيق كبير في اللحمة الاجتماعية بين الأهالي، خاصة وان الذين اقترفوها أناس محليون من ذات المنطقة وأطرافها.

     فبينما كانت الخارطة التدميرية لواحدة من هذه المدن وهي سنجار تتضمن ترحيل كل عائلة لديها ناشط سياسي كوردي والاستحواذ على كافة ممتلكاته غير المنقولة مثل البيوت والمزارع والعقارات الأخرى، حيث تجاوز عدد العوائل التي تم ترحيلها إلى خارج المدينة والمحافظة أكثر من 150 عائلة من مركز المدينة فقط، وتم ترحيل ما يقرب من مائة ألف كوردي ايزيدي ومسلم من قراهم إلى مجمعات أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال سيئة الصيت للنازية إلى الجنوب والشمال من جبل سنجار، وتدمير كافة القرى التي كانوا يسكنونها، حيث بلغت أكثر من 135 قرية في طرفي جبل سنجار الشمالي والجنوبي، بما كانت تحتويه من بساتين ومزارع وينابيع مياه في ما بين عامي 1975 و 1977م، جاءت داعش التي ضمت قيادات وضباط من أجهزة نظام البعث وصدام حسين ومجاميع من المرتزقة العرب والأجانب، إضافة إلى أفواج من الذين انتجتهم الحملة الإيمانية البعثية أواخر تسعينيات القرن الماضي، مع جميع المستفيدين من قوانين التعريب التي خسروا امتيازاتها بعد سقوط ذلك النظام، جاءوا لكي يكملوا تلك الخارطة السبعينية بمحاولة إبادة السكان الأصليين من الكورد الايزيديين والمسلمين، وتهجير كل سكان قضاء سنجار البالغ أكثر من ربع مليون نسمة والذين نزحوا إلى محافظات كوردستان وتحديدا إلى محافظة دهوك وبلداتها.

     إن ما حصل في سنجار تم استنساخه في سهل نينوى ومدنها وقراها مع الكورد الايزيديين والشبك والمسيحيين، وكذا الحال في منطقة مخمور ونواحيها التي تعرضت هي الأخرى لذات السياسة التي حاولت إكمالها بعد غزوتهم على تلك المناطق، حيث أثبتت الأحداث وانعكاساتها إن العقلية التي تبناها البعث وصدام حسين في التعامل مع الآخرين المختلفين معهم، هي ذاتها التي أنتجت داعش وسلوكياتها وخطابها الديني والسياسي، وما تزال أبواقها ووسائلها الإعلامية في كركوك وكثير من المدن الأخرى تنهج ذات النهج بل تحضر لمرحلة قادمة تستنسخ فيها ما فعلته في سنجار وسهل نينوى وغيرها من حافات كوردستان.

     لقد بدأت كوردستان فعلا عملية المواجهة الكبرى لتحقيق الأهداف السامية، وخطواتها الأولى تنطلق اليوم من تحرير سنجار تحريرا كاملا من كل عناصر ذلك المشروع العنصري وأدواته وثقافته وكل ما له علاقة به أرضاً وفكراً وعناصراً.

kmkinfo@gmail.com

237
كوردستان أمل العالم الحر

كفاح محمود كريم
 
     في مطلع آب أغسطس من هذا العام حينما حاولت داعش التقرب من حافات كوردستان تداعى كل العالم المتمدن والحر إلى عاصمتها الجميلة اربيل مؤيدا ومساندا بشتى الوسائل، ولعل أجمل ما قيل حينذاك كان توصيف الرئيس الأمريكي اوباما لكوردستان في حديثه لصحيفة النيويورك تايمس في التاسع من آب حيث قال إن كوردستان جزيرة الأخلاق والسلوك الراقي، تعليقا على التسامح والتعايش بين مكوناتها الكوردية والتركمانية والعربية، بمن فيهم المسلمين بمذاهبهم والمسيحيين وانتماءاتهم والايزيديين والمندائيين، ونجاح قيادتها وأحزابها ومؤسساتها في إشاعة التسامح وقبول الآخر، وضبط السلم والأمن الاجتماعيين بما يكفل الحياة الحرة الكريمة للجميع.

     من أجل ذلك ولكونه خريج مدرسة البيشمه ركة الأولى منذ أيام الزعيم الكوردي الكبير مصطفى البارزاني ترك رئيس الإقليم مسعود بارزاني مقره الرئاسي والتحق بجبهات القتال والدفاع عن هذه الجزيرة، جزيرة الأخلاق والسلوك الراقي والملاذ الآمن والكريم لكل مكونات كوردستان والعراق، فلم يذكر التاريخ السياسي لزعماء دول الشرق الأوسط العربية والإسلامية، أن قاتل زعمائها في جبهات القتال مع الأعداء هم أو أقربائهم إلا ما ذكرته الأخبار عن شقيق لرئيس مصر في إحدى الحروب مع إسرائيل، واكتفوا جميعهم بزيارات سينمائية أو تلفزيونية لجبهات القتال كما كان يفعل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في حروبه مع إيران وكوردستان والكويت.

     إن وجود البارزاني وإخوانه وأولادهم كل حسب موقعه في مقدمة المقاتلين البيشمه ركة في جبهات الحرب ضد الإرهاب، هو الذي دفع معظم دول العالم بالوقوف مع إقليم كوردستان وقواته المسلحة البيشمه ركة التي أصبحت رمزا عالميا في الدفاع ومحاربة الإرهاب، حيث استقبلت كوردستان خلال الأشهر الأخيرة عشرات من كبار مسؤولي دول الاتحاد الأوربي واسيا وأمريكا وخاصة وزراء الخارجية والدفاع، وهي التي أخرجت المانيا من التزاماتها التي وقعتها مع الحلفاء في عام 1945 بعدم التدخل في الصراعات العسكرية، وأقنعتها بضرورة الوقوف إلى جانب البيشمه ركة وشعب كوردستان لأنهما يدافعان عن القيم الخلاقة للإنسانية المتمثلة بالتعايش والتسامح والدفاع عن كل المكونات على حد سواء ضد التوحش والهمجية والعنصرية القومية والدينية، وهي ذات الأسباب التي دفعت الرئيس الفرنسي القدوم إلى اربيل عاصمة كوردستان وإعلانه وقوف فرنسا وأوربا وكل العالم الحر مع شعب وبيشمه ركة كوردستان من اجل الحرية والحضارة والتجربة الراقية.

     حقا كان نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن محقا وهو يقول للبارزاني اثر الانتصارات الكبيرة التي حققتها البيشمركة ضد داعش الإرهابية:

    " لقد أصبحتم أمل العالم الحر المناهض للإرهاب، ومن أجل ذلك فان العالم المتمدن سيستمر في دعمه الدولي لكوردستان."
 

238
انتم شركاء ولستم ضحايا!

كفاح محمود كريم

    منذ انتخابات 2005 التي اتفق العراقيون فيها على صيغة صناديق الاقتراع لتداول السلطة، بدلا من اعتلاء الدبابات واقتحام القصر الجمهوري وإسقاط رئيس الدولة وتنصيب مغامر آخر، يقود بلاد الحروف والعجلة وشعلة كاوه بدلا من حمورابي أو نبوخذنصر أو الضحاك، منذ ذلك التاريخ وعجلة البابليين تسير دون أن تقنع هؤلاء الناس العجب بصحة هذه الصيغة في هذه المرحلة اعتمادا على النتائج التي أفرزتها ثلاث دورات برلمانية كانت كل واحدة منها أسوء من الأخرى، بدليل هذا التقهقر المتسارع في كل مناحي الحياة حتى أوصل قطاعات كبيرة من الأهالي إلى الإحباط واليأس والبلاد إلى الفشل الذريع!

     وقراءة سريعة لسير أغلبية من أوصلتهم تلك الصناديق العشائرية والمذهبية إلى كراسي التشريع أو السلطة، تؤكد تطابق مثير بينهم من ناحية السلوك والأفكار والأخلاق وبين ما هو عليه العراق اليوم، بمعنى " عاب شي ما يشبه أهله " كما يقول المثل الدارج العراقي، فهم يمثلون حقا عصارة تفكير وسلوك أولئك  الأهالي الذين اشتركوا جميعهم بتأييد كل زعماء العراق وأحزابهم بذات الشعارات والهتافات، فلم يمض إلا عدة أيام على آخر مظاهرة حملوا فيها صدام حسين على أكتافهم صبيحة السابع من نيسان 2003م، إلا وخرجوا بعد يومين فقط هم أنفسهم يستقبلون القوات الأمريكية " المحررة " ويهرولون معها إلى تمثال " القائد الضرورة " ليسقطوه ويشبعوه ضربا بنعالهم!؟

     وبصرف النظر عمن يعتقد إن القوة هي التي حولت الأهالي إلى قطيع وهي بالتالي السبب الرئيسي لذلك السلوك، ازعم إن تلك القوة كانت موجودة أيضا لدى كثير من الأنظمة في العالم، وإنها ربما ضعفت أو تلاشت بعد سقوط نظام صدام حسين إلى درجة كبيرة، أو تم استبدالها بخيارات أخرى تعطي نفس النتائج، وما الدليل على ذلك إلا ما حصل ويحصل في هذه البلاد وغيرها ممن رفعت عن فوهاتها تلك " السدادات " التي كانت تستر ما تحتويه من عفن سياسي واجتماعي وأخلاقي، وحينما انزاحت ظهرت كل هذه الصور البشعة التي نراها اليوم في بغداد ودمشق وطرابلس الغرب وصنعاء وغيرها من مدن الصقيع العربي!

ولنتساءل:
     كيف نفسر أو نقتنع ببراءة مئات الآلاف أو الملايين ممن انتخبوا صدام حسين وحسني مبارك والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح أو ممن جاء بعدهم مما جرى ويجري الآن؟
    وهل إن نوري المالكي وحزبه مسؤولون لوحدهم عما حدث وما زال يحدث في البلاد؟
     هل كان صدام حسين وحده مسؤولا عن كل تلك الجرائم التي اقترفها هو وحزبه الذي ضم ملايين العراقيين والعرب؟
     هل يعقل أن يكون نوري المالكي لوحده مسؤولا عن الخمسين ألف حرامي وربما أضعافهم في مفاصل أخرى من الدولة الفاشلة؟
     هل تتحمل داعش لوحدها كل هذه الجرائم البشعة، أم إن هناك من ساعدها وسهل لها وشرع أو برر سلوكها؟
     وأخيرا هل لدينا حقا نوعية ناخب تؤهله لانتخاب نوعية جيدة لأعضاء البرلمان والحكومة!؟

     وقبل أن نجيب.. علينا أن نتذكر جميعنا...
منابر الجوامع وخطبائها والكنائس وقسيسيها وبقية معابد الأديان ورجالاتها، ثم نعود عشرات السنين إلى الكتاتيب والمدارس ومناهجها، والتربية الاجتماعية وما رسخته من مفاهيم وسلوكيات أخلاقية وقيمية ساعدت ونمت ثم بررت كل ما حدث ويحدث الآن، فالمعادلة غير متوازنة تماما بين نوعية الناخب ونوعية المنتخب، حيث لا يمكن أن يكون هناك منتخب جيد من ناخب رديء والعكس صحيح، وحتى تتم موازنتها ومعاجلة الخلل الكبير يبدو إن ما قاله الكاتب الشهير جورج اوريل من إن:

" الشعب الذي ينتخب الفاسدين والخونة والسراق واﻻنتهازيين ليس ضحية، بل شريكا في الجريمة " كلاما معقولا ومنصفا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مفهوم المواطنة!

239
العراق والخمسون ألف حرامي!

كفاح محمود كريم

    مسكين علي بابا، لأنه لم يملك سوى أربعين حراميا حتى يصبح عبرة لمن يعتبر ومثالا وتمثالا في أهم ساحات العاصمة المسكينة بغداد، والأكثر مسكنة منه أو ربما مجنيا عليه هو رئيس وزراء العراق الأسبق طاهر يحيى الذي وصف بأنه حرامي بغداد، بينما غرقت بغداد والعراق بطوفانات من الحرامية واللصوص الذين حرقوا الأخضر واليابس وأحالوا البلاد إلى خرائب تنعق فيها الدواعش بكل أشكالها وأنواعها ومن كل الزوايا المظلمة في العالم.

     لقد تصور العديد من العراقيين إن انتخابات 2005 ستقود نخبة من الأشراف والوطنيين والمناضلين إلى دفة الحكم لكي يعوضوا أولاد الخائبة من الأهالي سنوات المهانة والعوز والفاقة، متناسين عشرات السنين من التراكمات المتكلسة في أنظمة التربية والسلوك الاجتماعي الذي نبهنا إليه وقلنا إن الكثير ممن ذهبوا إلى مجلس النواب أو الحكومة لا يمثلون إلا مجاميع من الرعاع أو أنهم استخدموا أساليب قذرة للوصول إلى هناك، اعتقد البعض إن في الأمر ريبة أو تجني، واليوم تؤكد فضيحة الخمسين ألف جندي وهمي إن الفساد لم يكن في ذيل السمكة بل في رأسها، ولطالما قلنا إن المالكي يتحمل المسؤولية الأكبر إن لم يك شريكا أساسيا في كل عمليات الفساد في بلادنا، حيث أثبتت الأيام إن ما من رئيس أو قائد عسكري عراقي استعدى كوردستان وحركتها وشعبها، إلا وكان يغطي على جبال من الفساد والخيانة لشعبه ووطنه، حيث أثبتت الأيام منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا صحة ما نقوله ولم تتقدم الدولة العراقية قيد أنملة واحدة، حيث يأتي الخراب والدمار بعد أي محاولة للبناء والاعمار!

     لقد بدأت الأمور تتكشف ولن نأخذ وقتا طويلا حتى يتم فتح مخزن الفساد الذي ترأسه المالكي طيلة ما يقرب من عشر سنوات خسر فيها العراق مئات المليارات وملايين البشر واحتلت أرضه أقذر عصابات الجريمة المنظمة والمستقدمة من كل إرجاء العالم بالتعاون مع نظيراتها مما أنتجته ماكينة الحكم الدكتاتوري ليس في العراق فحسب بل في كل بلداننا الشرق أوسطية التي تدفع فاتورتها اليوم في بغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء ولبنان ومصر.

     حينما أعلن السيد عبادي رئيس الوزراء الجديد لعراق اليوم فضيحة الخمسين ألف حرامي من حرامية السيد المالكي كنت أحاول أن احسب كم هي معاشاتهم التي كانوا يتقاضونها والتي لا تقل كمتوسط عن ألف دولار شهريا لكل عنصر منهم، وبعملية حسابية بسيطة يدرك المرء كم هي خلال شهر واحد وخلال سنة وخلال عشر أو خمس سنوات، وكم " برج خليفة " كان بالإمكان بناءه في بغداد والمحافظات، ناهيك عن المستشفيات والطرق والمطارات والمجمعات السكنية والمدارس والجامعات، حقا لقد كان " علي بابا " مسكينا وان " طاهر يحيى " مثالا للنزاهة على زمانه مقارنة بزمان مختار العصر الذي ادخل إلى بلاده وشعبه كل مجرمي العالم ومنحرفيه من شذاذ الآفاق والقتلة المأجورين، وأفقر شعبه وأذله واستقدم إليه كل سفاحي العالم وسراقه نكاية بمن يختلفون معه في الرأي أو الفكر.

     وماذا بعد يا دولة الرئيس السابق ويا فخامة نائب الرئيس الحالي، والسيد حيدر العبادي بعملية حسابية ورقية بسيطة كشف خمسين ألف حرامي حواليك، فإذا ما ركز جيدا وفتح ملفاتك التي كنت تهدد بها شركائك ماذا سيكون الحال والى أين ستحال!؟
kmkinfo@gmail.com
 


240
المنبر الحر / داعش وملحقاتها!
« في: 14:14 02/12/2014  »
داعش وملحقاتها!

كفاح محمود كريم

     ربما نجح البعض في إيجاد تعريف أو مفهوم لداعش كسلوك متوحش منظم ضمن عصابات تتمتع باستقلالية عن بعضها، وخاصة بالتصرفات والسلوك والاجتهادات والأحكام، وربما أيضا أدرك الكثير بأنها بعيدة كل البعد عما تعودناه من شعارات حول اسرائيل ومعاداتها الأرض المقدسة والعدالة، حيث غاب بشكل كلي أي ذكر لمفردات أتعبت أسماع وأذهان مئات الملايين المفجوعين في الشرق الأوسط، من قبيل الصهيونية والامبريالية، وما شاعته لسنوات طويلة ماكينة دعاية الحزب الواحد والرئيس الأوحد من شعارات وأهداف تتضمن إبادة المرتدين، وهم كل من يختلف معهم في الرأي من الطرف الآخر، وخاصة الكورد مسلمين كانوا أم ايزيديين، والمتهمين دوما بشتى الاتهامات اقلها أنهم يعملون لتجزئة الوطن وتدمير الأمة، حيث يتم تخييرهم بين الصهر وتصحيح الأصل (!) واعتناق دينهم الجديد ( للكورد الايزيديين ) أو الذبح والتهجير، بينما يمنح الآخرين من ( السماويين ) فرصة ( العبودية ) لهم ودفع الجزية، أما الشيعة فليس لهم خيار إلا الموت!!؟

     بعد هذا الاستعراض السريع والمكثف لأهداف وسلوكيات داعش، نأتي إلى تداعياتها وما أفرزته من ظواهر وأنماط من التصرف لدى الساكنين في المساحات الرمادية، وأسميناهم بالفرقة التائهة التي يحسن توصيفها بدقة أكثر، إذا ما قلنا أنها كما الذي يضع قدما في الجنة وأخرى في النار مغرما بفوائدهما مجازا، حيث بانت مجاميع بشرية ليست قليلة، تتقارب أو تتطابق أحيانا كثيرة في تكويناتها الأخلاقية والقيمية والنفسية مع داعش، ولا تخفي تبرير ما تقترفه بشتى الذرائع، وخاصة اولئك المعادين لفكرة بناء دولة ديمقراطية اتحادية تعددية تضمن اعترافا وإحقاقا لاختيارات مكوناتها المصيرية، فمنذ هجمتها على الموصل وتكريت وبعض مدن الانبار ومن ثم على حافات كوردستان، انبرت مجاميع من التي تسكن الأماكن الرمادية لكي تكشف عن أنيابها فرحا بقدوم منقذها ومحقق رغباتها والمعبر الأكثر تطابقا عن أفكارها وأهدافها العليا، وخاصة أولئك الذين استخدمهم البعث وسلطة صدام حسين في قمع أي حركة مناوئة لنظامه، سواء في الوسط والجنوب، أو الذين استخدمهم في تعريب وتبعيث قرى وبلدات سنجار وزمار والشيخان ومخمور وكركوك وديالى وتكريت، ومعظمهم من درجات دنيا في المراتب الأمنية أو العسكرية أو الحزبية ومن طبقات متخلفة وأمية ومدقعة من الفلاحين والعمال والعاطلين، حيث تم تمليكهم أراض وبيوت ومنحهم رتب في مؤسسات الأمن والاستخبارات وفدائيو صدام وبقية الأجهزة الخاصة ذات الولاء المطلق لصدام وحزبه.

     ومن هؤلاء أو من ذريتهم ممن تطور وانتعش في كنف تلك الأفكار العنصرية والشوفينية المقيتة ممن تسلقوا سلالم الجامعات أو الصحافة والإعلام أو مراكز الدراسات والبحوث، بل حتى من انتمى منهم إلى حركات مشابهة لذات المنطلقات الفاشية الشمولية، لكنها بفكر آخر ربما كان يتقاطع مع البعث في شكل الهيكل أو الاسم لكنه يحمل ذات السلوك والعقلية، كما هو في ممارسات كثير من مفاصل ممن حكم العراق منذ ما يقرب من عشر سنين، حيث ساهموا في تعميق الهوة بين مكونات البلاد وتكثيف الحقد والكراهية على خلفية طائفية وعرقية ومناطقية وسهلوا اختراق الجناح العسكري لداعش لأرض العراق ومؤسساته الأمنية والعسكرية والإدارية والمالية، الأمر الذي  مكن ذلك الجناح من احتلال ما يزيد على ثلث مساحة العراق والعديد من المدن والمحافظات الكبيرة بما فيها من أهالي وأموال وثروات.

     حقا لقد صدق مفكر داعش الكبير وعرابها صدام حسين حينما قال وهو يخاطب العراقيين، إنهم أي هو ومن آمن بفكره وعقيدته لن يتركوا العراق إلا حفنة تراب، وها هم يفعلون ما قاله ووعد به، فقد الغموا ونسفوا كل البلدات والمدن وما فيها من بيوت ومؤسسات حكومية ومباني عامة وطرق مواصلات لكي لا يسكنها من بعدهم احد!

kmkinfo@gmail.com
 
 



241
عقدة الهوية والانتماء
كفاح محمود كريم

     واحدة من أهم إفرازات اتفاقية سايكس بيكو وما تلتها من اتفاقيات آثمة في كل الكيانات التي أنتجتها، هي عقدة الهوية والانتماء لدى معظم سكان تلك الدول التي تم تأسيسها خارج إرادة واختيار مكوناتها القومية والدينية، وأدغمت فيها تلك المكونات وأوطانها، ولعل غياب مفهوم دولة المواطنة واضمحلاله أمام تسلط قومية أو عرق أو دين أو مذهب، كان أهم مظاهر هذا التقهقر الكبير في أوضاع هذه الكيانات منذ قرن من الزمان وتأرجحها بين الانتماء الحقيقي لتلك المكونات وبين الانتماء المفروض عليها.

     وتبدو الأمور أكثر وضوحا في العراق وسوريا وتركيا وإيران وقريبا جدا في شمال إفريقيا، حيث الصهر المستمر للمكونات الكوردية والامازيغية والأقباط والفينيقيين والمارونيين والآشوريين والكلدان والبلوش وأفارقة السودان، وغيرهم من المكونات الدينية مثل الايزيدية والمسيحية والصابئة والكاكائية، الذين تعرضوا من قبل الأنظمة الحاكمة فيها الى عمليات التعريب والتتريك والتفريس والاسلمة، ففي العراق تعرضت مدن وبلدات كوردستانية في كل من سنجار وزمار وسهل نينوى وكركوك وحتى مندلي في الشرق إلى عمليات تعريب واسعة شملت الترحيل وإبعاد السكان الأصليين أو تصحيح قوميتهم بمعنى تخييرهم بين البقاء في مدنهم مع تحويل انتمائهم القومي إلى العربية أو الترحيل منها فورا ، واستقدام مئات الآلاف من سكان المدن العربية في الجنوب والوسط وإسكانهم بدلا عنهم مع منحهم وثائق الانتماء لتلك المدن!؟

     لقد أصدروا قانونا اعتبروا فيه الايزيديين عربا من الناحية القومية وديانتهم فرقة إسلامية وليست ديانة مستقلة لها تاريخها وطقوسها المختلفة تماما مع الإسلام، وكذا فعلوا مع الشبك والكركرية وكثير من العشائر الكوردية والتركمانية وحتى الآشوريين والكلدان، الذين ابتدعوا لهم أصولا عربية قريشية أو قحطانية يعود جلّها إلى الشجرة النبوية في محاولة لإغرائهم بالنسب الشريف خاصة المسلمين الذين إذا عجزوا في إقناعهم بتغيير قوميتهم فيطلبون منهم الانتماء إلى القومية الإسلامية(!)، من اجل إلغاء أي شعور بالانتماء للكوردية أو أي قومية أو عرق آخر!؟

     إن أزمة الانتماء والمواطنة كانت واحدة من أبشع ما طورتها التيارات القومية العنصرية وخاصة حزب البعث الذي عمل طيلة فترات حكمه على تمزيق المجتمعات وإشاعة الحقد والكراهية بين الأعراق والمذاهب في كل من سوريا والعراق وفي البلدان التي نشر فيها أفكاره ومبادئه القومية  المتطرفة، وما يحصل اليوم من هجمة همجية عنصرية قومية ومذهبية على أيدي الجيل الثاني للبعث ( داعش ) للكورد والشيعة وحتى السنة ممن لا يؤمنون بخطهم وتيارهم الفكري كما حصل لعديد من العشائر السنية المناهضة له، يمثل خلاصة الفكر القومي والديني البدائي الذي بدأ جولته الثانية بعد ظهور بوادر انحلال اتفاقيات الاستعمار البريطاني وفي مقدمتها الاتفاقيات التي هضمت حقوق كل المكونات والأديان غير العربية وغير الإسلامية.

     لقد أظهرت هجمة سنجار وكوباني مدى الحقد والكراهية العنصرية ضد الكورد، مسلمين وايزيديين ومسيحيين، سنة وشيعة، بما يلغي أي آمال لتبلور مفهوم للمواطنة على أكوام من أبشع ما اقترفته الهمجية في سنجار، حيث خطفت آلاف النساء الايزيديات وأطفالهن وبناتهن وتم بيعهن في أسواق النخاسة، ومنحهن كهدايا لأمراء الحرب والإبادة تحت مظلة عقيدة قومية ودينية شاذة، وثقافة أحادية لا يمكن لها قبول الآخر إلا عبدا تابعا، هذه الثقافة أو العقيدة التي لم تختف من سلوكيات كل الذين حكموا هذه البلدان المتنوعة المكونات منذ تأسيسها بأشكال ووتيرة مختلفة ومتأرجحة بين اليمين واليسار وبين الدين والقومية وحتى في منظار كثير ممن تدعي انتمائها إلى الماركسية أو الاشتراكية.

     حقا لقد كشفت داعش اليوم اللثام عن كثير من وجوه وحقيقة أحزاب وحركات وجمعيات وشخصيات وعشائر لم تك إلا داعشية المبدأ والعقيدة والسلوك، عملت وما تزال تعمل على إلغاء الآخر واستعباده منذ تأسيس هذه الكيانات وحتى يومنا هذا، بما كرس عقدة وضياع الهوية والانتماء لبلدان تستبيح كل القيم والأعراف تحت أعلامها وشعاراتها كما حصل في الأنفال وفي سنجار.
 

kmkinfo@gmail.com

242
البيشمه ركه مسعود بارزاني
كفاح محمود كريم
    من عاصر الزعيم الكوردي الكبير مصطفى البارزاني وعايشه وأدرك أخلاقياته وسلوكياته كقائد سياسي وعسكري، لا يستغرب في أن يكون أبناؤه وأحفاده اليوم في خطوط المواجهة الأولى مع العدو، وهم يدافعون عما زرعه ذلك الشيخ الجليل والقائد الحكيم من أسس أخلاقية غاية في السمو والرفعة، فمنذ الساعات الأولى لهجمة ما يسمى بالدولة الإسلامية داعش على حدود كوردستان من سنجار في أقصى الغرب إلى السعدية في أقصاه الشرقي، ترك مسعود بارزاني مقره الرئاسي واختار أكثر الجبهات سخونة ليقود بنفسه معارك تحرير البلدات والقرى التي استباحتها داعش قبل بضعة أشهر، بينما توزع أولاده وأخوته وأولادهم وأبناء عمومتهم، كل حسب موقعه ومسؤوليته، على كافة الجبهات في مخمور والخازر وسهل نينوى وكركوك، في سابقة هي الأولى من نوعها على الصعيد الوطني والإقليمي، حيث يترك الرئيس وأبناء أسرته وأقربائه مقراتهم المدنية أو العسكرية بصفتهم القيادية لينتقلوا إلى الخطوط الأمامية للمواجهة مع واحدة من أشرس القوى الإرهابية وأكثرها همجية ودموية في العالم.
     ربما يتصور البعض إن في هذا السلوك بعضا من الاستعراض أو محاولة لرفع معنويات المقاتلين هنا وهناك قياسا على الثقافة السائدة في أنظمة الشرق الأوسط السياسية، حيث يذهب الرئيس أو وزير دفاعه في جولة استعراضية لا تتجاوز في مفهومها وتوقيتاتها زيارات الاطلاع على العمل ميدانيا، لكن حقيقة الأمر مع مدرسة مصطفى البارزاني وطلابها أو خريجيها هي غير ذلك تماما، فقد ذهب مسعود بارزاني بصفته بيشمه ركة وقائد عاما لها منذ الساعات الأولى، لا ليطلع فقط ويعود، بل ليقيم هناك مع جنده وضباطه ويرسم ويخطط ويقود بنفسه مع أولاده وأخوته وأولادهم سواء كانوا مقاتلين عاديين أو ضباطا أو آمرين، حيث أدت تلك القيادة المباشرة والتواجد الفعلي في كل تفاصيل الحركة إلى إحداث تغيير نوعي  في المشهد العسكري، لا في كوردستان والعراق فحسب، بل حتى على مجمل حركة منظمة داعش في سوريا، التي بدأت بالتقهقر والانكسار على أيدي قوات البيشمه ركه التي استوعبتها واحتوت صدمتها بعد هجماتها الأولى التي قامت بها واحتلت فيها بعض المدن والقرى في سنجار وكوباني وزمار ومخمور.
     ورغم إن كل السياقات العسكرية ترفض تواجد قائدها العام في الخطوط الأولى للجبهة مع العدو فترة طويلة، وتحدد تواجده في غرفة القيادة أو العمليات المحصنة والبعيدة عن التماس، إلا أن مسعود بارزاني الرئيس لم يتخلَ عن وظيفته الأساس وهي كونه مقاتل في قوات البيشمه ركة، مؤكد في أول حوار له من الجبهة مباشرة مع الإعلامية زينة اليازجي، والتي لم تك تبعد عن خط المواجهة مع العدو إلا عشرين كيلو مترا فقط، بأنه عاد أخيرا إلى مهنته الأولى ويقصد البيشمه ركة، لكي يعطي نموذج القائد العسكري والسياسي الذي يحمل على أكتافه مسؤولية حماية امن وكرامة وارض شعبه ووطنه.
     لقد رأيناه هناك في خط المواجهة للعدو مقاتلا لا يفرق عن أقرانه قيد أنملة لا في المأكل ولا في المشرب، يجلس مع جنده وضباطه أخا ورفيقا لهم، يناقشهم ويرسم معهم خططهم ثم يقودهم جنبا إلى جنب مع أولاده وإخوته وأبنائهم الذين ما برحوا الجبهة منذ اندلاع الحرب مع داعش وحتى يومنا هذا، في واحدة من ارقي تجليات القيادة والزعامة الحقيقية التي اختفت في عالمنا اليوم، حيث ينكفئ الرئيس أو الزعيم في قصره العاجي ويوجه أركان حكمه للقيام بواجباته كما يحصل في معظم بلدان العالم وخاصة في شرقنا الأوسط والأدنى والأقصى!
     إن وجود مسعود بارزاني في خط المواجهة الأولى مع العدو إنما يمثل تلك الأخلاق والفلسفة القيادية التي أنتجها الزعيم التاريخي للكورد مصطفى البارزاني وهو يضع أسس مشروعه لنهضة كوردستان، دفاعا عن قيم التسامح والتعايش وحماية الإنسان من أن تنال منه أفكار التطرف وعصابات الجريمة والهمجية، بل والحفاظ على ديمومة بقاء كوردستان ملاذا لكل المضطهدين في المنطقة، خاصة أولئك الذين يتعرضون إلى حملات الإبادة الجماعية بسبب دينهم أو مذهبهم أو عرقهم، حيث شهد العالم باجمعه التجاء مئات الآلاف من المسيحيين والشيعة والسنة والصابئة والايزيديين إلى أحضان بلد يتكفل بحمايتهم ويتقاسم معهم لقمة الخبز وهو في ضنك العيش بسبب حصار بغداد له منذ ما يقرب من سنة.
     وأخيرا لم يهب العالم المتمدن إلى دعم ومساندة مسعود بارزاني وشعبه وقواته إلا لأنهم أدركوا هذه الحقائق وامنوا بأن كوردستان جزيرة للسلوك القويم والأخلاق الرفيعة، وان سر انتصار الكورد وكوردستان يكمن في عدالة قضيتهم وإن قادتهم يحاربون كمقاتليهم في الخطوط الأمامية ضد الإرهاب والتخلف والهمجية لحماية الإنسان والحضارة.
     كوردستان بخير وازدهار يكللها الأمن والسلم الاجتماعيين، ولن تستطيع عصابات شاذة قادمة من خارج الزمن والحضارة، ومن عفونة العنصرية والشوفينية، إيقاف نهوضها وتقدمها أو تمزيق نسيجها وتعايشها.

kmkinfo@gmail.com
 


243
حرامية الأزمات والكوارث

كفاح محمود كريم

     كما إن هناك حرامية للدجاج والحمام وخاصة أيام المطر في القرى،  وحرامية الملابس من على حبال التنشيف في الأحياء الشعبية بالمدن، وكما تتكاثر البكتريا والجراثيم في المواد المتعفنة والمياه الآسنة، وتنتشر الجرذان والفئران في مخازن المواد الغذائية والحبوب، تظهر وتتكاثر مجاميع من الحرامية والقومسيونجية في بيئة الأزمات، وبالذات عند وقوع الكوارث والحروب التي ينتج عنها نزوح آلاف المواطنين من المهاجرين أو الهاربين من أتون الحرب كما يحصل هذه الأيام مع نازحي داعش وشركائها حرامية الأزمات والكوارث، حيث يتم بيع وشراء وحتى تأجير مخيمات النازحين بين المنظمات والجهات الحكومية وغير حكومية، طبعا من ذوي الاختصاص العالي والمتمرس في الفساد من سياسيين وموظفين تنفيذيين متميزين وذوي خبرة فائقة في سرقة الكحل من العيون كما يقولون، إضافة إلى تخصصهم الرفيع في كيفية تحويل دموع وآهات النازحين إلى عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات بأساليب في منتهى الرقة والحنان والبساطة، وهي لا تكلف أي جهد في التفكير أو التركيز، خاصة وهي تعتمد ثلة من المساعدين و( لحاسي الغيم ) كما يقول الدارج العراقي توصيفا للمنتفعين والمرتزقة الصغار.

     لقد انتعشت تجارة وعمولات كل المواد التي لها علاقة باحتياجات  النازحين الأساسية وخاصة البطانيات والمواد الغذائية ذات المواصفات السيئة، بين بقالي تلك المواد وبقالي السياسة وموظفي الحكومات، ومع تضاعف إعداد النازحين* ارتفعت مستويات العمولات ومساحات الفساد بشكل مذهل مما دفع مجلس النواب إلى المطالبة بإحالة لجنة السيد المطلك ( اللجنة العليا لإغاثة النازحين ) إلى النزاهة، حيث يتم عقد صفقات لشراء تلك المواد بأسعار بخسة ونوعيات رديئة، وتقديم قوائم شراء للمانحين سواء كانوا حكومات أو خيرين من الأهالي أو منظمات إنسانية، بأسعار مضاعفة ومواصفات تختلف عن واقع حالها، وبأساليب وتوظيفات غاية في الحرفية اللصوصية مفعمة بمشاعر الحنية والعطف على النازحين الذين لا يدركون سر محبة هؤلاء الذين يذرفون دموع الحيلة واللصوصية عليهم.

     لقد أثبتت الأحداث الأخيرة ليس في العراق فقط بل في ليبيا وسوريا وتركيا والأردن ولبنان وكل البلدان التي تعاني من أزمات وكوارث ونازحين ومهاجرين من بلدان الثورات السوداء، لا مدى تعاسة تلك الانتفاضات وما أنتجته، بل ومدى فساد الكثير من سياسييها وموظفيها التنفيذيين الذين يمارسون أسوء أنواع التجارة السيئة واللصوصية والاستهانة بملايين البشر واستغلال مأساتهم والتجارة بآلامهم، حتى تقمص الكثير منهم ادوار البطولة وصناعة نمور من ورق على صفحات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي لإيهام الرأي العام بأدوارهم والتغطية على حقائقهم.

     إن ظاهرة داعش ليست جديدة ووليدة عصابات إرهابية فقط، بل هي نتاج مساحات واسعة من الفساد واللصوصية، وتسلط النكرات والانتهازيين وأنصاف المتعلمين والأميين على رقاب الأهالي، وسيادة ثقافة الاستباحة للمال العام وللشرف العام، وهي بالتالي ثقافة التلذذ والاستمتاع بإيذاء الآخرين سواء بالقتل أو الذبح أو السلب والنهب، حقا بدأ عصر الجهل والهمجية والبدائية يستعيد شبابه في زمن الثورات السوداء!؟

kmkinfo@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن النزاعات في العراق وسوريا أجبرت نحو 13.6 مليون شخص على مغادرة منازلهم وإن الكثيرين منهم لا يجدون الغذاء أو المأوى مع اقتراب الشتاء. 




244
ويسألونك عن البرلمان؟

كفاح محمود كريم

     قل علمه عند الله والراسخين في العشائرية والطائفية والعنصرية وأنصاف المتعلمين والمثقفين وعتاة الانتهازيين والسراق والنصابين، إلا من رحم ربي وأقصاه عن شلة المنحرفين الذين تولوا منابرا في زمن القحط والجدب الوطني والحضاري، فهم أولى الناس في تعريفه وتمثيله في هذا الزمن الذي مالت فيه كفة الشر والحيلة والسحت الحرام أمام كفة الخير والحكمة والمال الحلال، ولولا هذه القلة النادرة تحت قبته لقلنا انه أسوء ما أنتجه العراقيون منذ أصبحوا دولة بأمر من سايكس وبيكو وحتى يأذن الله وأحفادهما لحل آخر بدلا من أثمهم الذي اقترفاه بحقنا جميعا !
 
     صحيح إن الخطوات باتجاه بناء الدولة الديمقراطية تتطلب تأسيس مكونات قانونية باستخدام وسيلة الاختيار التي يفترض أن تكون حرة، بمعنى إجراء انتخابات عامة لاختيار تلك المكونات وهي البرلمان والرئاسة والحكومة، وهي سلسلة من المؤسسات ترتبط ببعضها، وبالتالي فهي تعكس طبيعة المجتمعات ومستواها الحضاري والثقافي، إلا أن تحفظات كثيرة على صيغة بناء الدولة الديمقراطية في مجتمعات متعددة الولاءات، وتعتمد نظاما عشائريا ودينيا مقيتا يقصي فكرة ومبدأ المواطنة تماما، ما تزال تؤكد إن الخطوة الأولى لم تبدأ بعد رغم أن البعض ما يزال مصرا على إننا سننجح بتجربتنا في بناء هذه الدولة خلال هذا القرن، مع كل هذه المواصفات في الانتماء إلى العشيرة والمذهب وأخيرا إلى القرية وانهار من الدماء الملوثة بالشعارات المذهبية التي ترفعها قوى الإسلام السياسي التي حولت الأديان ومذاهبها إلى منابر إعلامية وسواتر قتالية تحت ذريعة الدفاع عن الله وأنبيائه وأديانه!؟

     لقد أجريت ثلاث انتخابات عامة لاختيار البرلمان العراقي منذ سقوط نظام حزب البعث الشمولي الذي استمر لما يقرب من أربعين عاما مضافا إليها أربعين أخرى لا تختلف كثيرا من حيث المنطلقات والتطبيقات إلا قليلا، وقد اختير لها أي لتلك الانتخابات مرشحين يمثلون أوساطا تعج بالأمية الأبجدية والحضارية والسياسية، وتتميز بالازدواجية والكذب وكل عيوب الشرع كما يقولون، وخاصة تلك التي تتعلق باستباحة أو تحليل المال العام واعتباره في قرارة النفس غنيمة.

     قلت بعد ثلاث دورات انتخابية عجت بعشرات السراق والإرهابيين والكذابين والكلاوجية ( باستثناء القلة القليلة التي ينعقد بسمعتها الأمل في يوم زاهر ) يتزين مجلس النواب بنماذج ينطبق عليها المثل العراقي الصميم ( عاب شي ما يشبه أهله ) حيث خرجت علينا نماذج مقرفة في خطاباتها البذيئة بحق شعوب العراق ومجتمعاته، فذاك الذي انتقص من شعبين عريقين هما الشعب الهندي العظيم وشعب العمارة والجنوب صاحب اعرق حضارة في وادي الرافدين حينما اسماهم بالهنود انتقاصا، والأخرى صاحبة قتل سبعة من السنة كلما قتل سبعة من الشيعة وصاحبها العنصري اللذان أساءا إلى أهالي ثاني اكبر واعرق محافظة في العراق والخوض في أعراضهم، والعشرات من الذين يتآمرون ليل نهار على كل المكونات الصغيرة في عددها والكبيرة في عطائها وانتمائها وجدارتها !؟

     ترى هل هو الزمان أم تراكمات سنين من التربية الخطأ والتعليم الفاسد في مجتمعات تائهة في انتماءاتها وحائرة في ولاءاتها وازدواجية في آرائها، ومشوهة حد العوق نتيجة حقب من الظلم والضغط والحروب والإقصاء والتهميش، وهل كانت الأنظمة الاستبدادية ودكتاتوريوها" قبغات " أي غطاءات  لفتحات مخازن مليئة بكل هذا القبح الاجتماعي والسياسي والأخلاقي، وما أن تهاوى أبرزها في التاسع من نيسان 2003 حتى بانت عورات مجتمعاتنا وقيمها المتهالكة المهترئة ليس هنا في العراق فحسب بل في كل بلدان الازدواجية الأخلاقية والسياسية والاجتماعية.

     أبعد كل ذلك هل ما زلنا نتأمل خيرا كثيرا من برلمان يعج بنماذج من هذا الشكل؟ وهل أدركنا أسباب ظهور داعش وانتشارها، وحتى ندرك تماما بأن داعش إنتاج هذه النماذج، سندفع انهارا من الدماء وبحورا من الأموال وفرصا ذهبية من الزمن الضائع، وأخشى ما أخشاه أن يذهب هذا الناخب المخدر بعد أربع سنوات ليعيد انتخاب هؤلاء أو أشباههم المستنسخة أو المعدلة!؟

kmkinfo@gmail.com

 

245
متوافقون وان اختلفوا !

كفاح محمود كريم

     رغم وجود اختلافات كثيرة وكبيرة بين معظم من حكموا البلاد العراقية، إلا أن المراقب المنصف يدرك إن منطلقاتهم الأساسية متطابقة أو متقاربة بشكل مثير، بل إن توجهاتهم وان اختلفت في بعض التفاصيل إلا أنها تصب في مجرى واحد، فلم تختلف كل الأنظمة وزعمائها في أصل الفكرة التي يتعاملون بها مع القضية الكوردية مثلا، فلا تكاد ترى فروقات في النتائج النهائية لسياسة كل من حكم العراق منذ فيصلها الأول وحتى مختار زمانها الأخير.

     ولعل ابرز من اتفق في تلك المنطلقات مع اختلاف المسميات والمواقع والتوجهات هما الرئيسان عارف الأول والمالكي، حيث دخل الأول في حرب ضروس مع الكورد، ولا أراني مجحفا وأنا أتذكر مقولة بائسة للرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف حينما قال له احد العقلاء لنعمل على إيقاف نزيف الدم في شمال الوطن، وكان يقصد ما كان يسمى في حينها بحركات الشمال والتي هي حرب ضد حركة التحرر الكوردية التي اندلعت في أيلول 1961م بقيادة الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني، فرد عليهم عارف ساخرا: " وانتو  شنو خسرانين خلو كاكا خورشيد وعبد الزهرة يتعاركون!؟ " والمعنى واضح جدا حيث تتضح أهداف الحرب في حرق الكورد والشيعة، ويقصد بعبد الزهرة هنا أغلبية العسكر الذي كان يضمهم الجيش كجنود ومراتب، وجلهم من شيعة الجنوب والوسط، وبخورشيد الكورد، وهما بالتالي مكونان أساسيان للدولة العراقية يتحاربان لحساب الحاكم الذي يحمل هذه الثقافة الفكرية والسياسية ونظرته إلى مكونين رئيسيين يقصيهما تماما بل انه يحاول ابادتهم من خلال مقولته أعلاه!

     وتوالت الأيام وسقط عارف هاويا من طائرته ليتحول إلى قطعة من فحم بعد إن دبر له البعثيون مكيدة أدت إلى إسقاط طائرته في يوم مغبر عاصف كاليوم الذي سقطت فيه طائرة عدنان خير الله طلفاح، ويذهب فيها إلى الجحيم رغم انه كان يكنى بالرئيس المؤمن من قبل طاقمه الإعلامي، الذي تناسل منذ ذلك الحين حتى ابتكر كنية أكثر كاريزمية فأطلق على نوري المالكي بمختار العصر، بل إن احدهم، أي من شلة الراقصين على حبال دولة الرئيس طلب استنساخه لكي لا تحرم منه الأجيال القادمة.

     أعود إلى مقاربتهما في الفعل والفكر والثقافة رغم اختلافهما في العديد من الأمور، لكننا سنتطرق إلى ما يقربهما إلى بعضهما، وخاصة في معيار وطني مهم جدا تسبب في تخلف البلاد وانهيارها منذ تأسيس كيانها الإداري كدولة وحتى يومنا هذا، فلقد تم تنبيه نوري المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة العراقية من قبل إقليم كوردستان والولايات المتحدة إلى خطورة تطور ونمو داعش غربي الموصل، إلا انه اعتبر ذلك محاولة من الإقليم للتوسع ومن الأمريكان بالتدخل، وأعيدت الكرة عشية كارثة الموصل ولم يعر أي أهمية لتلك التنبيهات والتحذيرات، وكأنه لن يكترث بوجود خنجر في خاصرة الإقليم خاصة وانه على علاقة بائسة معه!؟

     ويحلل الكثير ممن يفقهون توجهات المالكي بأنه غض النظر عن أمور كثيرة في موضوعة الإرهاب عموما وداعش خصوصا، حتى يذهب البعض منهم بأنه أراد فعلا أن تسيطر داعش على الموصل وتكريت والانبار وبعض من كركوك وديالى، انتقاما من أهلها الرافضين لسياساته وتوجهاته، ولكي يضع خنجر خاصرة أيضا للكورد وإقليمهم، وهذا ما حصل فعلا في عملية الاجتياح المريبة لداعش وتخاذل أو انسحاب قطعات مهمة جدا من القوات المسلحة تاركة كميات مهولة من الأسلحة والدروع والذخيرة وحتى بعض الطائرات العمودية.

وقراءة أولية لنتائج وصيغة تفكير الرئيسين عارف والمالكي تؤكد لنا وحدة المنطلقات وان اختلفت مواقع الأحداث ومسمياتها، ففي الثانية بقي معيار كاكا خورشيد كما هو وتم استبدال عبد الزهرة بعمر أو عثمان، حيث بانت اليوم عورات الجميع، وتبين إن القضاء على الكورد وطموحاتهم ومشروعهم الحضاري سيؤدي إلى تدمير كل البلاد، وان النتيجة لن تكون أفضل مما حصده كل رؤساء العراق وملوكه، فقد سقطوا جميعا وانتصر شعب كوردستان، بل إن ما حصل اليوم إذا ما كانت هذه خطة المالكي كما فسرها البعض، أكد بأن للكورد أصدقاء حقيقيون من الشعوب المتحضرة التي سارعت للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حربهم الحضارية ضد التخلف والهمجية.

 kmkinfo@gmail.com


     

246
المنبر الحر / حقائق وأسئلة ملغمة
« في: 12:40 16/10/2014  »
حقائق وأسئلة ملغمة

كفاح محمود كريم

    منذ أن استباحت مجاميع ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية مدن الفلوجة والموصل وتكريت وتلعفر وسنجار وبعض من سهل نينوى وبلدات في ديالى والانبار، بسرعة مذهلة لم تتوقعها معظم الأوساط التي تعتمد الخطاب الحكومي في بغداد وربما خطابات كثير من دول الجوار أيضا، حيث اعتمد هذا الخطاب على التعامل مع حركة ونشاط هذا التنظيم على أساس انه مجرد منظمة إرهابية بسيطة لا تتعدى كونها مجموعة عصابات سلب ونهب وقتل، دون أن تتعمق في ماهية عقليتها وآلياتها وقنواتها وشبكة اتصالاتها وإعلامها، بل ربما لم يدرك الكثير حتى بواطن إستراتيجيتها وأهدافها العليا غير المعلنة، كونها تروم إنشاء كيان إيديولوجي ديني قائم على نسف كل المعايير المدنية والإنسانية المتحضرة واستبدالها بأعراف بدائية همجية غرائزية ضمن توليفة عقائدية حسب تأويلات منظريها وقادتها.

     لقد أكدت معظم المعلومات الاستخبارية المحلية والعالمية إن جل قادة هذا التنظيم من كوادر ومنتسبي الأجهزة الخاصة التي كان يعتمد عليها صدام حسين شخصيا، والتي كانت ترتبط به مباشرة مثل المخابرات العامة والأمن الخاص وقوات الحرس الجمهوري وفدائيي صدام، وكثير من هذه القيادات خضعت لدورات دينية مكثفة مطلع التسعينيات الماضية فيما كان يعرف بالحملة الإيمانية التي أدلج فيها صدام حسين خليطا فكريا متقاربا بين السلفية والبعثية، وغايتهما في التمدد وإقامة دولة الرسالة الخالدة التي رفع شعارها جناحي البعث في كل من سوريا والعراق.

     وقد احتار الجميع في ماهية داعش ومموليها وتناقضاتها والبون الشاسع بين منفذي غزواتها وقياداتها الرئيسية، حيث اعتمدت مجاميع من البدويين والقرويين الذين يجهلون القراءة والكتابة، والبعيدين تماما عن مراكز المدن وابسط مظاهر المدنية والحضارة، سواء من تم استخدامهم هنا في العراق وسوريا، أو من تم استقدامهم من شمال أفريقيا واسيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي ذات الاغلبية المسلمة، بينما تتمتع قياداتها بمواصفات عالية في العلم العسكري والاتصالات والدعاية والإعلام واستخدام العوامل النفسية في التأثير على الأهالي ونشر الرعب بينهم عن بعد، باستخدام معظم الوسائل البدائية والمتطورة ومعظمهم كوادر أوربية من أصول عربية إسلامية، إضافة إلى الضباط العراقيين من بقايا النظام السابق، ناهيك عن إمكانيات مالية مهولة تعكس ضخامة الدعم وحجمه الذي يتجاوز الأفراد والشركات إلى الدول.

     مع كل هذه المعطيات مضاف إليها تراكم الخبرة منذ سنوات طويلة في العمل تحت الأرض في كل من الموصل والانبار وتكريت وديالى وبعض مناطق كركوك والرقة ودير الزور والحسكة وغيرها من المدن والبلدات، تحولت تلك المجاميع المسلحة إلى كيان يتحكم في مساحات واسعة من الأراضي والأموال وشبكة المواصلات وكم هائل من الأسلحة العراقية والسورية والأمريكية والروسية التي سيطر عليها التنظيم خلال الفترة الأخيرة، مع وجود كوادر بمختلف الرتب من الجيش العراقي السابق وخاصة النخبوية منه، الذين تم تجنيدهم عقائديا وماليا ضمن هيكل التنظيم.

     والأسئلة الملغومة أو الشديدة المرارة هي تلك التي تتعلق بالمساهمة في تصنيع وتطوير وعملقة داعش سواء بشكل مباشر، كما تتهم تركيا أو غير مباشر كما تتهم إيران، وأوساط سنية عراقية سواء عشائرية أو سياسية، هذه الأسئلة تتمحور حول:

    لماذا أهمل المالكي كل التحذيرات الكوردية والأمريكية منذ ما يقرب من سنتين حول الخطر الذي تمثله تنظيمات داعش غرب الموصل؟
     هل لعدم استجابة المالكي لرغبة كوردستان في التصدي للتنظيم قبل احتلال الموصل له علاقة بنية المالكي في تعريض الإقليم لخطر الغزو الإرهابي وتخفيف الضغط عليه؟
     هل فعلا احتلال الموصل وتكريت والانبار وغيرها من المدن السنية حققت رغبة المالكي في ابتلاء هذه المدن وسكانها والتفرج عليهم؟
     لماذا غيرت داعش تكتيكها وعادت من أبواب بغداد إلى حافات كوردستان في العراق وسوريا؟
     هل حقا إن داعش تمثل مزيج من الشوفينية الطورانية والفارسية والعروبية؟
     لماذا هذا التميع في مقاومتها من قبل الأمريكان والغربيين؟
     هل حقا أن داعش تستلم شهريا مبالغ طائلة مقابل عدم التقرب من السعودية أو الإمارات أو الكويت أو الأردن أو إيران أو تركيا؟
     ما سر عدم اهتمامها أو حتى تقربها من أي شيء له علاقة بإسرائيل؟
     لماذا رفض القنصل التركي مغادرة الموصل بعد احتلالها من قبل داعش؟
     كيف تم إطلاق سراح موظفي القنصلية التركية في الموصل، وما هو الثمن؟


    ربما هناك إضعاف هذه الاسئلة عما جرى وما يزال يجري، وسيل من التعليلات والاتهامات، لكن الحقيقة إن كائنا خرافيا همجيا ينمو ويتطور من بقايا تخلفنا ورواسب لا آدميتنا، التي توارثناها اجتماعيا وثقافيا ودينيا وتربويا منذ أن كان إمام الجامع وكيل الله على الأرض، والمعلم يعلى ولا يعلو عليه، والشيخ والملك والرئيس، كائنات أعلى من البشر ولهم الحق كما يشاءون، منذ ذلك اليوم ينمو جنين داعش حتى ترعرع وكبر في بيئة لا تقبل الآخر أبدا ولا تعرف لغة الحوار والنقاش، واعتادت لغة التأنيب والاهانة والإقصاء، وأدمنت صناعة العدو وتكفير المختلف وإباحة القتل والسحل والتعذيب!

    إن ما يجري مرآة لتراكمات هائلة من التربية والتدين والسياسة الخطأ في خطأ منذ الأسس الأولى وحتى ذبح المختلف وسبي نسائه وبيع بناته في سوق السقوط الإنساني والأخلاقي.

kmkinfo@gmail.com
 
 



 


247
المنبر الحر / إعلام سوق هرج!
« في: 23:16 10/10/2014  »
إعلام سوق هرج!

كفاح محمود كريم

    بداية دعونا نتعرف على سوق هرج لكي ندخل القارئ معنا في متعة الهرج والمرج في هذه الأسواق التي تنتشر في معظم عواصم الشرق الأوسط والعربية منها تحديدا، واهم ما يميز هذه الأسواق إنها في معظمها خارج كل معايير العمل المعروفة في الأسواق التجارية، فهي لا تعتمد مقاييس السيطرة والنوعية ولا نظام تسعيراتها أو أسلوب عرضها، بقدر اعتمادها على الدعاية لها وكيفية الإعلان ومغنطة المشتري الغلبان والهارب من ارتفاع الأسعار أو نظافة جيوبه من الأموال، حيث تستخدم كل الوسائل لإقناعه بالشراء مغرية إياه بأبخس الاثمان، كونها تنافس البضائع الأصلية إن لم تك نسخة منها، معولين على رخص أثمانها فضلا عن كونها معفية من الضرائب وإيجارات المحلات وكون بضاعتها مستخدمة قليلا وهي ما تعرف بالمستخدم النظيف أو الجديد.

     أردت بهذه الأسطر القليلة أن افتح لقارئي العزيز نافدة على كثير وسائل الإعلام الحالية في دول الربيع الأحمر التي يفترض أنها تعيش بدايات انتقالها إلى عصر الديمقراطية وحرية التعبير، حيث انتشرت آلاف من تلك الوسائل المفترض أنها وسائل ومنابر إعلامية تعبر عن الرأي، حيث فار تنورها وغدت سيولا من الصحف والمجلات والفضائيات التي لا تختلف عن دلالي سوق هرج الذين يعلنون عن بضائعهم البائرة كما وصفناهم في سطورنا الأولى، حيث أصبح بين ليلة وضحاها كل من هب ودب صاحب وسيلة إعلام أو إعلامي أو كاتب أو صحفي لمجرد امتلاكه رأس مال أو مفتاح قوة أو حيلة رزق أو سلم للتسلق أو منبر للبذاءة والسفاهة، وفي كل هذه الصور لا يمت بأي صلة لا بالإعلام ولا بالصحافة ولا بفن الكتابة!

     ولكي تكتمل الصورة في مشهد سوق هرج الإعلامي فقد أضافت وسائل الاتصال الاجتماعي الجديدة في الفيس بوك والتويتر وغيرها، نوافذ معفية من الضرائب والتكلفة والضمير ورقابة الأخلاق أيضا لمئات أو ربما آلاف الصفحات الوهمية بأسمائها، وخاصة تلك التي كشفت عنها بعض التسريبات كواحدة من قضايا الفساد الإعلامي والدعائي الذي كان يمارسه مكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وذلك بتعيين عدد مهول من إعلاميي الكواليس الشتامين والنبازين والمتملقين، للعمل في صفحات الفيس بوك والتويتر، إلى جانب عشرات الصحف والفضائيات التي ولدت من حمل ملوث جاء نتيجة خطيئة من أموال قذرة تكومت من عمولات في الأيام الأولى للاحتلال وذلك  لتقديم خدمات ( كرسونية ) أو صفقات وسخة من مشاريع وهمية وقومسيونات لا تقل قذارة عن أي مهنة مهينة للكرامة الإنسانية، حيث ظهرت العديد من تلك الصحف والإذاعات والفضائيات من أسواق شبيهة بأسواق هرج التي تعج فيها بضائع لا يعرف لها أصل ولا فصل، أصبحت تسيطر اليوم على اتجاهات الرأي والمزاج العام للأهالي في بلدان أتخمتها الشعارات الكاذبة والمبادئ الغرائزية التي أنتجت ثقافة الذبح والسبي الداعشي المنتشر اليوم في معظم بلدان ما يسمى بالتسامح الديني والقومي!   

     وفي ظل غياب مؤسسة عليا تنظم وجود ونشاط ومجالات عمل هذه الوسائل بقوانين صارمة ومعايير مهنية متحضرة، مؤسسة يقتنع الجميع بأنها تمثل الشعب وليس الحكومة أو رئيسها أو حزبها القائد لكي تستمد شرعيتها واحترامها من تمثيلها الحقيقي لمكونات الأهالي، وحتى ظهور هكذا مؤسسة فلن نستغرب وخاصة في زمننا الحالي حيث الأزمات والصراعات العنيفة ظهور عصابات ومنظمات إرهابية جديدة ولكن على مسرح الانترنيت ووسائله الافتراضية، وأنماط من البطولات الكارتونية وخاصة على صفحات نوافذه الاجتماعية مثل الفيس بوك والتويتر وغيرهما، حيث يستل هؤلاء الأبطال المفترضين رؤوس أصابعهم بدلا من السيوف في ضربات الكيبورد، ليقاتلوا كل من يختلف معهم في الرأي والفكر من عباد الله شتما أو مدحا، بل ليس بالضرورة من يختلف معهم على اعتبار إن الكثير منهم لا فكر لهم ولا رأي لكونهم موجهون كالأدوات والألعاب الآلية بواسطة الريمونت كونترول.

     إن داعش انتشرت في بيئة البداوة والتخلف والفقر والأمية الأبجدية والحضارية والشعور بالنقص والاضطهاد، وهذا النوع من الإعلام ينتشر في بيئة ملوثة بالفساد المالي والأخلاقي والمهني!

kmkinfo@gmail.com

 


248
حرب الإبادة بين شنكال وكوباني




كفاح محمود كريم

     من يراقب الأحداث التي وقعت منذ 2006 في الموصل والحملة الشوفينية التي استهدفت الكورد وعمليات التطهير العرقي والمذهبي التي طالت المكون الشيعي والمسيحي، يدرك إن ما حدث ويحدث الآن في سنجار وكوباني من عمليات إبادة وتطهير عرقي إنما هي عمليات منظمة ترتكز على عقيدة إيديولوجية اعتمدها البعثيون الذي حكموا العراق وسوريا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، ورغم وجود من سبقهم في تلك الممارسات العنصرية إلا أنهم تميزوا بممارسة مختلف عمليات الإذابة والصهر القومي في البودقة العربية لكل المكونات العرقية سواء الكوردية أو التركمانية أو الأشورية والكلدانية، وقد نال الكورد النصيب الأكبر من تلك العمليات، سواء في التصفية الجسدية كما حصل في استخدام النابالم وبراميل البانزين في حرق القرى ومن ثم الأسلحة الكيماوية والأنفال التي طالت مئات الآلاف من الكورد أو في قلعهم من قراهم وبلداتهم وتجريدهم من جنسياتهم وأوراقهم الثبوتية وتحويلهم إلى جالية مقيمة لا حقوق لها كما حصل في غرب كوردستان من الجانب السوري، حيث تم استبدالهم بعشائر عربية وتشتيتهم في المدن والقرى السورية الأخرى، وما زلت أتذكر كلام وزير الإعلام السوري الأسبق عدنان عمران وأنا أحاوره حول الكورد في سوريا منتصف العقد الماضي حينما قال إن الكورد في سوريا جالية لهم حق العمل والعيش، وقاطعته قبل أن يكمل ( جالية!؟ ) وليسوا مواطنين معالي الوزير؟
 
     إنها حقا ثقافة اعتبار الآخر مقيما في فندق لا حقوق له إلا السكن والعمل دون مواطنة، انه تاريخ من الهمجية التربوية والتعليمية المنظمة والمتوارثة، مستوحاة من عقلية البداوة الدينية والقروية العشائرية المقيتة بتنظير إيديولوجي فاشي يبيح إبادة الآخر أو استعباده تحت مسميات أو شعارات وتفسيرات دينية متخلفة وبدائية تتحكم فيها الغرائزية المنفلتة، تقودهم اليوم إلى إبادة الكورد بحجة أنهم ايزيديون أو شيعة أو علمانيون،  كما حصل في سنجار ( شنكال ) وبعشيقة وبحزاني وقرى الشبك والمسيحيين في سهل نينوى، وكما يفعلون بمدينة كوباني المحاصرة منذ أيام وهم يقصفونها ليل نهار بالمدفعية لإبادة اكبر عدد من السكان، وتهجير ما يقرب من مئة وخمسين ألف كوردي من هذه المدينة.

     لقد أثبتت تداعيات استباحة شنكال وقراها وسهل نينوى وقراه وقرى وريف كوباني إن أهم أهداف داعش هي النساء والمال والقتل لكل من يقف أمام تحقيق تلك الأهداف بمختلف الحجج والفتاوي، وهي ذات الأهداف في كل عمليات الغزو المعروفة في منطقتنا عبر التاريخ، غير أن ما حصل إنما تطوير وتطبيق لأفكار الأحزاب الشوفينية والحركات الدينية التي تحمل ذات النهج المنحرف والتي تم تطبيقها عمليا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي في كل من سوريا والعراق وتحديدا في كوردستان ومدنها؛ كركوك وقامشلو وكوباني والحسكة عموما وشنكال وخانقين والشيخان وكثير من البلدات الأخرى التي تعرضت لأنواع من الإبادة الثقافية في هويتها القومية أو وجودها المكاني والحياتي.

    في الأمس كان البعث ومن والاه يقود عملية التعريب والتبعيث في كل من سوريا والعراق، واليوم الوجه الثاني للفاشية العنصرية داعش تستكمل ما بدأه البعثيون منذ ستينيات القرن الماضي، فلا عجب أن تستباح كوباني بعد شنكال كما استبيحت حلبجة ذات يوم، لكنهم هذه المرة تناسوا الزمن وعِبر التاريخ ونهوض الكورد وكوردستان ليعجلوا في نهايتهم وهم يشهدون كيف تداعى كل العالم المتمدن والمتحضر دفاعا عن كوردستان وأهلها وحضارتها، لكي تكون جزيرة السلوك الرفيع والأخلاق العالية كما وصفها الرئيسان الأمريكي والفرنسي وهي ذاهبة إلى أفق الشمس بمشروعها النهضوي في التسامح والتعايش والمدنية.

kmkinfo@gmail.com
 



249
إبادة الايزيدية جريمة بحق الإنسانية

كفاح محمود كريم

     حينما قصِفت ناكازاكي وهيروشيما بالقنابل الذرية، لم تكن القضية مجرد معركة أو صراع بين أمريكا واليابان بقدر ما هي اعتداء على الجنس البشري عموما، وكذا الحال حينما استهدف أدولف هتلر اليهود فاحرقهم في محارقه، وكذا فعل صدام حسين وقبله الطورانيين بالكورد والأرمن، فلم يكونوا هؤلاء يستهدفون عرقا أو دينا بقدر استهدافهم لقيم إنسانية وأخلاقية عليا استدعت اهتمام العالم بأسره واعتبار ما فعلوه جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكورد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.

     واليوم وبعد عشرات السنين من تلك الجرائم التي إدانتها البشرية المتمدنة، تظهر للوجود مجاميع من الفاشيين العنصريين الكافرين بكل  أخلاقيات المدنية والحضارة الآدمية، لكي يتجاوزا كل مجرمي التاريخ بأفعالهم ويستبيحوا مدنا وبلدات وقرى لواحدة من أقدم ديانات الأرض التي وحدت الله وعبدته دونما رياء أو تمظهر أو مزايدة، أولئك هم الايزيديون الذين يحاربون عبر مئات السنين من قبل فاشيين وعنصريين قوميين ودينيين ويهدفون إلى إلغاء وجودهم وإبادتهم أو إذابتهم في بودقة كيانهم الفكري والثقافي والقومي.

     ما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم يك معركة أو غزوة محلية أو إبادة بشرية فقط، بل كانت جريمة بحق الآدمية ومبادئ وقيم الأخلاق والحضارة، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من المتوحشين الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول والتتار أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به، مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات منحرفة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية، واندفعت أفواجا جائعة للدماء والمال والجنس، والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى.

     وخلال اقل من ثلاثة أيام تم للإرهابيين احتلال مدينة خالية من أي حياة بشرية متمدنة، حيث قتل من قتل واسر من أسر وهرب من هرب، ورفضت هذه المدينة وقراها أن تقبل حكم هؤلاء الهمج مختارة الموت أو الهجرة على استعبادهم، إلا من وقع تحت أسرهم من النساء والأطفال، وبذلك يسجل تاريخ الهمجية واحدة من أبشع عمليات الإبادة والاستباحة للسكان بما يجعل القضية إنسانية عالمية أكثر من كونها عملية إرهابية أو صراع سياسي أو ديني، حيث استهدفت السكان لسببين رئيسيين أولهما قومي كوردي وثانيهما ديني ايزيدي مسيحي شيعي حيث تعرض المسيحيون على قلتهم في المدينة لخيارين إما الإسلام أو دفع الجزية، بينما يقتل الشيعي والايزيدي إن رفض اعتناق عقيدتهم ومذهبهم، وهذا ما حصل فعلا للمكونين الدينيين، مما تسبب كما ذكرنا في إخلاء السكان لبيوتهم وقراهم واللجوء إلى مناطق آمنة في كوردستان.

     وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة كما يقزمها البعض، بل كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية، ومعظمهم من القرى والصحاري أو ما تسمى بالجزيرة المحيطة بالمدينة وقراها، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على الاقتلاع من أراضيهم وترك كل شيء حفاظا على النساء والأطفال، وقد سقطت آلاف الأسر  بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وسبايا وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم بالتزويج القسري في أسواق المدن والبلدات التي استباحوها.

     إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم، وقد آن الأوان للعالم المتحضر أن يتخذ قرارات واليات لحماية هؤلاء السكان في كل أنحاء العالم.

 kmkinfo@gmail.com

       

250
الربيع الأحمر والإعلام الأسود!

كفاح محمود كريم

     في العراق وليبيا وسوريا واليمن ومصر والبقية آتية بلا ريب، ما أن بدأت أنسام الربيع العربي تعطر الأنوف وتطرب الأسماع في تهاوي أنظمة الزعيم الأوحد والحزب القائد والجمهوريات الوراثية، حتى عاودت فيروسات تلك الأنظمة بالانتشار في المفاصل المهمة من الهياكل الجديدة التي حاولت ملأ فراغات ذلك الإخطبوط، الذي هيمن لعشرات السنين إن لم تك مئات السنين على صدور وعقول ملايين البشر المقموعين جينيا بأفكار البداوة والقبيلة والغزوات، لا من اجل البقاء فقط بل من اجل الزعامة حتى وان كانت زعامة ثلة من السراق والقتلة، وقد رافق عملية سقوط تلك الأنظمة نشوء تنظيمات وعصابات وأحزاب ومنظمات ووسائل إعلام ونقابات من رحم تلك الأنظمة ومنظومتها الفكرية، لكي تحتوي أو تلتهم ما سمي في حينه بثورات الربيع العربي التي سرعان ما تحولت إلى ما نراه اليوم في ليبيا وما فرخته في سوريا واليمن وغيرها من دول المنطقة، ولعله اخطر ما امتلكته تلك الفايروسات تحت مضلة الانفتاح الديمقراطي وحرية تأسيس وسائل الإعلام، هو الفضائيات وخاصة هنا في العراق وفي سوق " المريدي " الشهير، والذي تخصص بعد سقوط نظام صدام حسين بمنح الشهادات العلمية وخاصة الدكتوراه لكبار مسؤولي النظام الجديد في سلطاته الثلاث، وبالذات التنفيذية والنواب والذي منه في مجالس المحافظات والاقضية، إضافة إلى المساهمة في صناعة الفضائيات التي يعاون فيها هيئة الإرسال العراقية، المفترض أن تكون ملكا للشعب العراقي ومن يمثله واقصد هنا وبنية صافية برلماننا العتيد، لكنها في غفلة من الزمن أيضا تم تأجيرها لحزب السلطة الجديد صاحب ما يسمى بالكتلة الأكبر، والوريث المتطابق لسابقه أيام القائد الضرورة المتحول إلى مختار العصر والذي يصر مريدوه على استنساخ مجموعة منه وتوزيعها على الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية لكي لا تفقد  فرصتها الذهبية في امتلاكها فلتة زمانه وعصره.

     هذه الفضائيات المفترض أن تكون وسيلة إعلام متحضرة، تعوض سنوات القهر والاستلاب الفكري والثقافي والسياسي، أنتجت مجموعة ما يسمى بالبرامج الموجهة لتوعية وتطوير الرأي العام باتجاه قبول الآخر وحرية التعبير، خاصة بعد قيام النظم الديمقراطية المفترضة كبديل لتلك التي حكمت بثقافة تكميم الأفواه وخنق الآراء والتعبير، وافتراض وجود مساحة لتلك الحريات، وعلى هذا الافتراض أنتجت كما قلنا مجموعة برامج حوارية على شاكلة مجلس عراقي والأستوديو التحليلي أو منابر متعددة أو سميها ما شئت،  حيث تستضيف " دقاقي الثوم بعكوسهم " كما يقول المثل الموصلي إشارة للفضوليين ومساحي الجوغ والملكيين أكثر من الملك نفسه، لكي تفرض مجموعة أفكار لا تقل في شموليتها عما كانت تقدمه قنوات ووسائل الأنظمة السابقة، خاصة وكنموذج لتلك الاستخدامات السوداء للإعلام هنا في العراق ومن خلال شن حملات عنصرية طائفية طيلة أشهر عديدة قبل سقوط ثلث العراق بيد داعش، ضد الكورد من جهة وأهالي الموصل والانبار وتكريت وديالى من جهة أخرى، مستخدمة شعارات وطنية وقومية كما كان يفعل صدام حسين في إبادته للكورد وانفلتهم باعتماد آيات من القرآن الكريم، ثم تكتشف إن تركيا وقطر والسعودية ومصر والباكستان وجزر الواق واق عملاء للصهيونية والامبريالية، وان كوردستان أصبحت ملاذا للبعثيين وداعش والامبريالية الأمريكية ( طبيخ مكادي ) كما يقول أهل الموصل، في توصيفات بائسة تستغل بها عقول الأكثرية الجاهلة والجائعة لتنشر الحقد والكراهية ولتوسع بيئة انتشار داعش وغيرها كما حصل فعلا.

     وهكذا نجحت طواقم إعلام تلك الأنظمة الفاسدة أن تتوغل في هياكل الأنظمة الجديدة وتؤسس لها موضع قدم لتنطلق بذات الثقافة الشمولية والاقصائية في معظم برامجها الموجهة، معتمدة على إثارة الغرائز والعدوانية وبناتها في الكراهية والأحقاد، واضعة بيوضها الإرهابية في بيئة طائفية وشوفينية جاهزة للتفقيس في أي وقت تشاء، لإثارة كل النعرات وقبول أكثر أشكال الإبادة الجماعية كما حصل للكورد الايزيديين والمسيحيين والشيعة والسنة في كل أنحاء البلاد، حيث مارسوا تعتيما إعلاميا مريبا على واحدة من أبشع عمليات الجينوسايد بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تعرض لها الايزيديون بمئات الآلاف إلى القتل الجماعي والنهب والسلب واسر نسائهم وأطفالهم، بل وبيعهم في أسواق النخاسة، دون أن تثير فيهم هذه الجرائم أي وازع أخلاقي أو إنساني أو حضاري، بل أنهم تعمدوا في إغفال دور البيشمه ركة وعدم التطرق لها في كل عمليات تحرير آمرلي وسليمان بيك وسد الموصل رغم معرفة قادتهم بدورها الرئيسي في مقاومة الإرهاب وطرده من كثير من المناطق.

     وعادت حليمة إلى عادتها القديمة بعد ربيع دامي بإعلام قاتم ومجاميع من المشوهين الفاشلين والمعاقين ثقافيا وأكاديميا تدير أو تشرف على وسائل إعلام مريضة حتى النخاع وتتمتع في مجال حيوي مدعوم بشكل كبير من السلطة تحت مسميات عديدة، سواء كانت لأحزاب وجهات متنفذة أو لهيئات شبه حكومية يراد منها أن تكون على شاكلة هيئة الإذاعة البريطانية فتحولت بعد أشهر من تشريع قانونها إلى وسيلة لحزب السلطة ورئيسه وطائفته ولم تعد تمثل إلا حفنة من المنتفعين ومرتزقة الإعلام الأسود.

kmkinfo@gmail.com
 
 



251
داعشيون وان لم ينتموا؟

كفاح محمود كريم

     يتذكر العراقيون واحدا من أبشع شعارات الاستلاب الفكري والثقافي وفرض هويات وعناوين ممسوخة على كل العراقيين، بل وحصر الإخلاص والوطنية بثقافة وإيديولوجية حزب البعث، حيث يقول الشعار ما معناه إن كل المخلصين في واجباتهم بعثيون وان لم ينتموا، وبذلك يكون الآخرون خارج مفاهيم الوطنية والإخلاص أولا وثانيا اعداءاً محتملين لعقيدة البعث أي أنهم ( كفار ) كما يفعل الداعشيون اليوم في تكفير كل من لا يتوافق وعقيدتهم، ومن خلال مقارنات أو مقاربات أولية لنهج البعث سواء الشباطي ( 8 شباط ) أو الصدامي ( 17 تموز ) يدرك المرء إن منطلقات داعش اليوم وأساسياتها في السلوك والعقيدة والمنهج والهدف يتطابق تماما مع مبادئ تلك المدرسة التي رفعت شعارا يؤكد تبعية داعش وأبويته لها، إلا وهو إن ( البعث مدرسة للأجيال ).

     فقد أثبتت الأحداث الأخيرة بعد نجاح غزوة السلب والنهب والسبي وتجارة الرقيق ومقاطع اليوتيوب المليئة بمشاهد الذبح والقتل الجماعي،  والتي قامت بها تنظيمات داعش في المناطق الكوردستانية، التي تعرضت للتعريب طيلة أكثر من نصف قرن على أيدي أسلاف داعشيي اليوم من بعثيين صداميين وقوميين شوفينيين واسلاميين منحرفين، والتي أدت إلى احتلال واستباحة مجموعة قرى وبلدات في منطقة شنكال وسهل نينوى، أثبتت إن جميع من استقدمهم البعث لكي يستوطنوا في قرى ومدن الكورد شاركوا بفعالية لا مثيل لها في تنفيذ برنامج النهب والسلب والقتل للسكان الذين قبلوهم وعفوا عنهم بعد سقوط نظام الفاشية العراقية ومنظر شوفينيتها صدام حسين، حيث نفذت بقايا تنظيمات حزب البعث وخاصة وسائله الرخيصة وأدواته الغبية من تلك العشائر في تنفيذ سياسة التطهير العرقي وتعريب مدن شنكال وزمار والشيخان وسهل نينوى ومخمور وكركوك وخانقين، اكبر عملية نهب وسلب وسبي النساء والأطفال لم تشهده مدن الشرق إلا إبان هجمة هولاكو وبعدها الحرس القومي ومنفذي الأنفال في ثمانينيات القرن الماضي.

     حقا إن الأب الروحي والمدرسة التي تخرجت منها داعش اليوم هي حزب البعث وكوادره في الأمن الخاص والمخابرات العامة والحرس الجمهوري وفدائيو صدام، التي تحولت فيما بعد إلى واجهات أخرى تحت مسميات عديدة جمعتها واختزلتها داعش في أقبح صورها وممارساتها، فقد أثبتت الأيام الماضية إن أكثر من ثمانين بالمائة من قيادات داعش هم قيادات بعثية سواء في الحزب أو المخابرات أو الأمن أو الحرس الجمهوري من خريجي تلك الحملة التي أطلق عليها صدام حسين بالحملة الإيمانية التي هيأت البنى التحتية لتنظيمات داعش اليوم الذي جمع حوله كل المستفيدين من عمليات التعريب والتغيير الديموغرافي في كوردستان،  وتحديدا في شنكال وزمار وسهل نينوى ومخمور وكركوك والسعدية وجلولاء، ومرور سريع على ما فعله اولئك الذين استقدمهم البعث للاستحواذ على قرى وأراضي الكورد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من الساكنين في قرى زمار وشنكال ومخمور وكركوك ووانة وديالى بعد دخول داعش إلى تلك المناطق، يدرك أين تكمن قوتها وما هي وسائلها وثقافتها وأهدافها، فهو كما عرفناه ميكافيلي المبدأ والعقيدة وفاشي السلوك والتصرف وشوفيني حتى العظم عرقا ومذهبا وعشيرا، وهي بالذات مواصفات كل من نهب وسلب وقتل وسبى النساء من الداعشيين،  وان كان لم ينتم لهم تنظيميا، فقد أبدع وأسرف في الانتقام أكثر من المغاربة والشيشان والأفغان!؟
     وبعيدا عن العشائر وبقايا البعث فقد أماطت الأيام الأخيرة ذلك اللثام الأسود عن تلك الوجوه المحجوبة من الذين لا يرتبطون تنظيميا مع هيكل ما يسمى بالدولة الإسلامية، لكنهم يحملون ذات القابليات والاستعداد والمنطلقات، فبمجرد إعلان المجتمع الدولي قراره بمحاربة داعش انبرت هيئة علماء المسلمين بالاستنكار والشجب، وكذا فعلت كثير من واجهات داعش العشائرية والسياسية وحتى الدولية وإلا كيف نفسر رفض ايران وتركيا ( يا للعجب التقيا حيثما يجب الاختلاف!؟ ) والعديد العديد في الطريق لكشف الهويات الحقيقية لهذا الانتماء الأسود وسيشهد المستقبل القريب ص
حة ما قاله احد المراقبين وهو يصف غزوة داعش لحافات كوردستان بأنهم تورطوا ووضعوا أيديهم في عش الزنابير!؟

kmkinfo@gmail.com 


252
إدارة الصراع وثرثرة الفاشلين

كفاح محمود كريم 

    منذ فترة تتعالى بعض الجعجعات الفارغة وهي تتناول قضية خطيرة وصراع مرير من زاوية مشوشة فاقدة للعقل والرؤية، داسة سموم إحباطها وفشلها على جموع البسطاء من الأهالي بادعاءات كاذبة وسيناريوهات مفبركة لوجه واحد من أوجه الصراع، خاصة وان ما وقع في شنكال ليس مجرد اشتباكات بين قطع عسكرية انسحبت من هنا أو صمدت هناك، بل هي سلسلة من الصراعات المريرة عبر السنين لإلغاء هوية المنطقة وتعريبها بأسلوب تتري همجي بعد أن فشلت أساليبهم الأولية في التعريب والتبعيث، فشنوا حملة بربرية همجية لإبادة العنصر الكوردي الايزيدي والمسلم تحت ذريعة الديانة المختلفة تارة والمذهبية تارة أخرى لإخفاء حقيقتهم النازية والفاشية، في حلقة ظنوها الأخيرة من حلقات تآمرهم على القضية الكوردية ونسوا أنها ستكون مقبرتهم إن شاء الله.

     لقد استغل الكثير من تجار قضايا الشعوب والأزمات هذه الكارثة ليبثوا من خلالها احباطاتهم وفشلهم، في الوقت الذي كان المخلصين من أبناء شعبنا بقيادة الرئيس بارزاني يقنعون العالم المتمدن بعدالة صراعنا وقضيتنا، ويجمعون كل الأحرار لمساندتنا ودعم قضيتنا، حيث كان الرئيس بارزاني منذ الساعات الأولى عند المرجعية الروحية للكورد الايزيديين البابا شيخ يتابع عن كثب ما يحدث هناك ويضع اصبعه على الجرح مقررا إننا سنحقق في كل مجريات الأحداث وسنقاتل حتى تحرير شنكال وإعادة الحق لأصحابه، كما ترك رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني مكتبه في العاصمة وانتقل إلى قاطع الجبهة بمنطقة دهوك هو وكل قادة البيشمه ركه ووزرائها لعدة كابينات.

    وفي خضم المعارك التي خاضتها بيشمركة كوردستان الباسلة في جبهات شنكال وزمار وسد الموصل وسهل نينوى، كانت دبلوماسية الرئيس بارزاني وعلاقاته الدولية قد نجحت وخلال أيام قليلة من تحويل كارثة شنكال ومحاولة غزو الإرهاب لكوردستان إلى قضية عالمية وإنسانية،  تداعى من اجلها كل الأصدقاء في العالم المتمدن، تتقدمهم الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وبريطانيا وجيكيا والسويد وهولندا وايطاليا وإيران، وكل الأصدقاء الذين أدركوا إن كوردستان جديرة بمساندتهم، وإنها كما وصفها الرئيس الأمريكي اوباما بأنها ( جزيرة السلوك والأخلاق الحقيقية ).

     لم يك الرئيس بارزاني صامتا، بل كان جبلا أشما وحكيما يحمل على عاتقه قضية عظيمة، ويقود الدفاع عن قضية عادلة في صراع مرير ضد الفاشية والعنصرية والهمجية التي استباحت مدننا وقرانا في أبشع عملية جيونسايد في العصر الحديث، وان الايزيديين المخلصين المستهدفين في هذه العملية يدركون جيدا إن البيشمه ركة البواسل كانوا يقاتلون منذ أكثر من شهر ونصف قبل الكارثة في كل حدود شنكال، وان المعركة لم تكن فقط في 2 آب حيث انسحبت بعض القطعات وصمدت أخرى حتى الآن فوق جبل شنكال، وهي تقاتل ببسالة مع المخلصين الأبطال من الايزيديين الذين ينتهجون نهج البارزاني الخالد  وتراثه العريق الذي اعتبرهم أصل هذه الأمة والدفاع عنهم ومساندتهم واجب مقدس.
 
    إن الايزيديين جزء مهم من جسد الأمة ومن هيكل حركة التحرر الكوردستانية الأساسي،  وهم في ذات الوقت صورة حقيقة لنهج البارزاني الخالد بصدقهم وإخلاصهم وإيمانهم بالانتماء إلى كوردستان والبارزانية وطنا ونهجا، وان جبل شنكال سيبقى رمزا للإباء والمقاومة والصمود، وستكشف الأيام القريبة القادمة كل الحقائق، حينما تنتصر البيشمه ركه وأهالي شنكال في تحرير المدينة ونواحيها، وساعتها ستنجلي الحقيقة وتظهر حجوم اولئك الفاشلين الذين يجعجعون بطبول فارغة وهم يذرفون دموع التماسيح، بينما كانت قوات البيشمه ركه تخوض صراعا عنيفا في الدفاع عن شنكال وشقيقاتها المدن الكوردستانية في حرب شعواء مع قوى تترية همجية لا تعرف حدودا للإنسانية وأخلاق الآدمية.
 
kmkinfo@gmail.com


253
الايزيديون وقدر الهمجية

كفاح محمود كريم

     الايزيدية واحدة من أقدم ديانات كوردستان وهي بالتالي الديانة الأولى لمعظم سكان هذه البقعة من العالم، حتى جاءت المسيحية والإسلام فاكتسحت هذه البلاد فكرا واختيارا أو فتحا واسلمة، إلا من أسعفته قمم الجبال وكهوفها التي لم تنجح حوافر الخيول بالوصول إليهم، فبقوا على دينهم وتقاليدهم، يتعرضون ضمن سياق منظومة فكرية وثقافية استمرت لمئات السنين إلى أكثر من اثنين وسبعين حملة عسكرية همجية لإبادتهم أو أسلمتهم، كما حصل لهم في آخر تلك الحملات بمدينة شنكال ( سنجار ) ونواحيها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي كمرحلة أولى، حيث تم تدمير معظم قراهم وبساتينهم وتحطيم إنتاجيتهم وتحويلهم إلى معتقلين مستعبدين مستهلكين في أكثر من اثني عشر مجمعا في سهول شنكال الجنوبية والشمالية، ومن ثم البدء بتعريبهم وتبعيثهم (ضمهم لحزب البعث عنوة)، حيث تم إنشاء البيئة التي تساعد على الانقضاض عليهم في مرحلة قادمة لاستكمال مشروع الإبادة الكلية لهذه الديانة، التي يعتبرها المختصون وعلماء الأديان بأنها من أقدم ديانات العالم التي شقت طريقها إلى الله الواحد.

     لن أغوص في تفاصيل معتقداتهم لكوني لست خبيرا في عقائد الأديان لكنني سأتحدث عن خصالهم وخصائصهم وأخلاقياتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تعكس بالتأكيد ما يؤمنون به من عقيدة أو دين أو فكر، فقد عشنا معهم مئات السنين ونحن ننتمي لقومية واحدة ودين مختلف بمذاهبه، شاركنا أيضا العرب والتركمان والآشوريون والكلدان والأرمن وقبلهم اليهود، وطيلة مئات السنين وما تناقلته الأجيال شفاها عن قصصهم وسلوكياتهم وما عشناه معهم عبر عشرات السنين في جيلنا سواء في القرية أو المدينة أو في السهل أو الجبل.

     كانوا مثال الخلق الرفيع والقيم العليا في الكرم والشجاعة والفروسية والإخاء والصداقة واحترام معتقدات الآخرين وعدم الانتقاص منها، بل أنهم ابتكروا أروع نظام للتآخي بينهم وبين الآخرين من المسلمين أو المسيحيين كوردا كانوا أم عربا أو قوميات أخرى، لكي يحيكوا نسيجا متينا من العلاقات الاجتماعية العابرة للأديان والقوميات والمذاهب، تلك هي ( الكرفنة ) وهي عبارة عن علاقة تأتي بعد أن يوضع الايزيدي ابنه في أحضان صديق من خارج ملته لكي يختنه فيكون ( كريفا ) بمقام الأخ والقريب والابن البار لذوي ذلك الطفل وعشيرته طيلة حياتهم، تصل إلى حد الدفاع المشترك ودفع الدية أو أي واجب يقع على الطرفين، وقيل بأن العديد منهم كان لهم حصة في الإرث أيضا.

     أناس كرماء على فقر أغلبيتهم، شجعان مخلصون مبدعون في واجباتهم، مقاتلون أشداء خبرتهم سوح المعارك في العراق وكوردستان، لم يذكر التاريخ العربي والكوردي والفارسي والإسلامي عموما، وفي كل الحقب والصراعات القبلية أو الدينية أو السياسية، أن انتهكوا عرضا أو سبوا نساءً أو قتلوا طفلا أو شيخا أو امرأة، بل على العكس يذكر المؤرخون ومن عاصر تلك الأحداث إنهم كانوا مثال الفروسية والأخلاق، وحافظوا عبر تاريخهم على شرف الآخرين لأنهم بجدارة شرفاء انقياء كرماء رأس مالهم عزة النفس لا يأبهون بالفقر حينما يكرمون، تعرفهم كل العشائر العربية المتداخلة معهم في الأرض والرزق والجيرة وتعرف كم هم مسالمون اجتماعيون يحترمون الأديان كاحترام أهلها لها، حتى أنهم دافعوا عن الإسلام وآذانه وصلواته وكتابه حينما خرج شخص أراد أن يمنع الآذان والصلاة، فانتفضوا قبل المسلمين وأعادوا شهادة ( لا اله إلا الله محمدا رسول الله ) إلى جوامع المدينة ومآذنها!

    ترى أي قوة روحية عالية يمتلكها هؤلاء الايزيديون لكي تدفع إلى العالم هكذا أخلاقيات وممارسات رفيعة، وفي المقابل أي روح وأخلاقيات وأفكار يحملها تتار العصر داعش ومن والاهم من كل الفاشيين والنازيين الجدد من بعثيين صداميين وعرب عنصريين وإسلاميين منحرفين ومرضى السادية والسايكوباث واللقطاء القادمين من الزوايا الملوثة في المدن العربية والإسلامية ومن منحرفي أوربا وأمريكا وشواذها، دفعتهم لذبح آلاف الشباب والأطفال العزل وسبي نساءهم وبيع البنات في أسواق النخاسة في الموصل وتلعفر والبعاج والرقة والشداد!؟

     معادلة سنترك موازنتها وإجاباتها للأفعال في القادم من الأيام حيث امتدت الأيادي إلى القيم العليا وحافات الجحيم، وساعتها ستمزق الشمس كتل الظلام المدلهم وتعيد الأمور إلى نصابها والطبيعة إلى حقيقتها.


 

254
المنبر الحر / أسبوعيات المالكي
« في: 20:59 01/09/2014  »
  أسبوعيات المالكي

كفاح محمود كريم

     لشدة سعادة العراقيين وأفراحهم برئيس وزرائهم المنتهية ولايته، خاصة وهو لم يدع حسرة في صدر أي مواطن من حافات الفاو وحتى تخوم إبراهيم الخليل، فقد أصبحوا ينتظرون بفارغ الصبر وعلى نار كما يقولون المسلسل الأسبوعي وكلمته الاربعائية التي يعرضها السيد نوري المالكي رئيس ما تبقى من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون التي يترأس مجموعة منها بعد أن ذهب الآخرون وراء السيد حيدر العبادي، ليشكل حكومة وصفت بأنها ستكون حكومة شراكة وطنية حقيقية لجميع المكونات العراقية، وهذا يعني إن المنتهية ولايته لم ينجح أو يثبت بأنه رئيس لحكومة بهذا التوصيف وإلا لما تمت المطالبة من قبل المرجعية الشيعية ومعظم الدول الصديقة وخاصة الجارة العزيزة إيران على حكومة وطنية تضم كل المكونات بفعالية حقيقية.

     قلت إن العراقيين ينتظرون بشغف مسلسل دولة الرئيس السابق الاربعائية لكي يقنعهم بأنه ما يزال يحكم بعد كل المخازي التي أصابت البلاد تحت حكمه الرشيد جدا، خاصة وان جيشه العرمرم الذي انفق عليه عشرات المليارات أوصل البلاد إلى هاوية الاندثار بعد سقوط أكثر من ثلثها واكبر مدنها تحت سيطرة عصابات إرهابية، رغم تنبيهه وإنذاره بنموهم وتواجدهم في غرب الموصل واستعداد كوردستان للتعاون معه من اجل القضاء عليهم، لكنه اكتفى بالقول ديروا بالكم على كوردستان والباقي علينا، لأنه بتفكيره المبني على الشك والريبة وعدم الثقة بالطرف الآخر بل محاولة إقصائه وتهميشه كان يظن بان كوردستان تطمع بوجود في الموصل وغيرها مما دفعه إلى أن يرفض أي فكرة مساندة من قوات البيشمه ركه للقوات الاتحادية عشية سقوط الموصل.

     الغريب انه يكرر في اربعائياته ذات النغمة مضيفا إليها تجليات أفكاره في حكومة أغلبية تنهي آخر أمل في بلاد كانت تسمى ذات يوم جمهورية العراق، خاصة وانه متهم بغض النظر عن احتلال أكثر من ثلث البلاد من قوى إرهابية أجنبية وعربية ومحلية أنشأت كيانا أسمته الدولة الإسلامية رغم تحذيره وتنبيهه لعدة مرات، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم يتم فيها تحذير وتنبيه مسؤولها عن خطر يداهم الكيان الذي اقسم بأغلظ الإيمان انه سيصون وحدته وسيادته وحقوق مكوناته والسهر على خدمة مواطنيه، فيرفض التحذير ويتفهه ويقود البلاد إلى هاوية الانهيار والتمزق إلى درجة توصيفها بأنها من افشل الدول في العالم وأكثرها بؤسا وتخلفا، علما بان ميزانية سنة واحدة من ميزانياتها خلال عشر سنوات لم تقل عن مائة مليار دولار، وما زال أكثر من 27% من سكان هذه الدولة تحت خط الفقر، وان الخدمات فيها من أسوء الخدمات في العالم رغم إنفاق مئات المليارات على الكهرباء والصحة والمجاري والتعليم والأمن والعسكر، فما يزال المواطن العراقي يذبح من الوريد إلى الوريد وتنتهك أعراضه وتسبى نسائه ويغصب على تغيير دينه ومذهبه أو يتم ترحيله وتهجيره كما يحصل على أيدي داعش والميليشيات الداعشية في الطرف الآخر.

     وحتى الأربعاء القادم سننتظر هل سيفلت العبادي من بين اذرع إخطبوط المنتهية ولايته، أم إن أغلبية المالكي ستحيل العراق إلى الأرشيف السياسي للدول الفاشلة؟

سننتظر بشغف..


kmkinfo@gmail.com





255
المنبر الحر / شنكال مدينة الشمس
« في: 18:34 23/08/2014  »
شنكال مدينة الشمس

كفاح محمود كريم

    شنكال كلمة كوردية من مقطعين (شنك) بمعنى الذهب و(آل) بمعنى الجهة، وبجمع المقطعين يكون المعنى الجهة الذهبية، دلالة على جمال وغنى مدينة سنجار أو سنغار أو سنجارة كما جاءت في النصوص الآشورية، وهي مركز قضاء يتبع محافظة الموصل في أقصى غربها بـ 120 كم، وتقع على سفح جبل مثير في موقعه وخاصيته، حيث تمتد على جهتيه الجنوبية والشمالية أراض سهلية وصحاري شاسعة، ويمتد من الشرق إلى الغرب على طول ما يقرب من 77 كم من قرى سينو وعين طلاوي والكولات وحتى يضمحل على الحدود العراقية السورية في قرى بارا وأم الذيبان، ويرتفع في أعلى قممه إلى 1462 مترا عن مستوى سطح البحر في منطقة جيلميران، ويتميز الجبل عموما بقلة مياهه وكثرة كهوفه.

     لن نغوص في تاريخ هذه المدينة التي كانت ذات يوم مملكة آرامية سقطت عام 114م على يد الرومان، ثم اتابكية في أواخر العصر العباسي، ثم سنجق عثماني، وفيما بعد قضاء عراقي يتبع محافظة الموصل، وشنكال أو سنجار تضم اليوم في مركزها أكثر من ثمانين إلف نسمة معظمهم من المسلمين السنة والشيعة والايزيديين والمسيحيين يمارسون طقوسهم بتعايش منقطع النظير ولهم مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم المحترمة من الجميع الذين يشكل غالبيتهم الكورد وأقلية من العرب، وفيها كقضاء أو إقليم أغلبية ايزيدية حيث تشكل ما يزيد على ستين بالمئة من سكانها، إلى جانب المسلمين الشيعة والسنة كوردا وعربا مع عدد قليل من المسيحيين.
 
     استخدم البعثيون أسلاف الدواعش الاوائل في ثقافة الإبادة أول ممارساتهم في الجينوسايد مع السكان الأصليين، ولكن دونما استخدام للقتل في المراحل الأولى، بل استخدموا ما هو أبشع من ذلك، ألا وهو إبادة الهوية القومية والدينية والثقافية للمكونات الأخرى غير العربية في هذه المنطقة، ومسخهم بهويات وثقافات تحت طائلة قانون ما كان يسمى بقانون تصحيح القومية سيئ الصيت، معتبرين أي كائن خارج تعريفهم القومي والديني ناقض في أهليته ومواطنته!؟

     ومع مطلع النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي باشروا بتهجير أهاليها ودمروا ما يزيد على 156 قرية كوردية حولها، وجمعوا سكانها في اثني عشر مجمعا أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال، مبتدئين أول مراحلهم في تعريب الكورد المسلمين وتعريب واسلم الكورد الايزيديين، مانعين بشكل قاطع التكلم باللغة الكوردية أو استخدام الأسماء غير العربية، وتهجير كل من اعترض على ذلك إلى مختلف محافظات العراق خارج الموصل، حيث بلغ عدد العوائل المهجرة من مركز مدينة شنكال ( سنجار ) آنذاك أكثر من 145 عائلة تمت مصادرة عقاراتهم السكنية والتجارية والزراعية بأسعار رمزية وترحيلهم فورا.

     لقد مارسوا كل أنواع الإبادة ضد السكان وأشاعوا كراهية مقيتة ضد الكورد المسلمين منهم والايزيديين معتبرين إياهم مواطنين من درجات أدنى ما لم ( يصححوا ) قوميتهم وبالتالي دينهم أو مذهبهم حيث يعتنق المذهب الشيعي أكثر من 60% من كورد شنكال المسلمين، وقد أدت هذه السياسة والثقافة العنصرية إلى إنتاج بيئة تنمو بها عقلية وممارسات داعش اليوم والتي سنأتي إلى ذكر تفاصيل نموها حول القضاء الذي يبلغ عدد نفوسه حسب تقديرات دائرة النفوس ومراجع البطاقة التموينية إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف نسمة، أصبحوا بين ليلة وضحاها بكل مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية خارج المدينة والقضاء برمته لكي تحكم داعش مدينة للأشباح وجثث الضحايا، في مدينة رفضت الحياة مع عصابات وأجلاف الهمجية والبربرية وارتضت الموت والهجرة بدلا من الرضوخ لحكم العنصرية والتخلف والسقوط.
kmkinfo@gmail.com
 

256
المنبر الحر / شنكال مآساة العصر
« في: 19:22 19/08/2014  »
شنكال مآساة العصر

كفاح محمود كريمِ

     حينما بدأت ماكينة الدعاية الخاصة بنوري المالكي ووسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة بشن حملة شعواء ضد الكورد وكوردستان ورموزها إلى درجة التحريض على الكراهية العرقية والمذهبية وإشاعة فبركات وسيناريوهات اعتدنا عليها طيلة حكم حزب البعث وادعاءاته باتهام كل من يخالفه الرأي بالعمالة لإسرائيل والامبريالية العالمية، أدركنا إن هناك من يهيئ الأرضية لعدوان كبير على شعبنا ووطننا خاصة وان العالم باجمعه أدرك مديات النجاح الكبير الذي حققته كوردستان في تجربتها الفيدرالية في كل نواحي الحياة.

     لقد أدت تلك السياسة في إشاعة الحقد والكراهية بإعلام موجه إلى رأي عام ملوث أساسا بسموم ثقافة القطيع المسيطر عليه من خلال أدوات السلطة في المال والإغراء والترهيب إلى عمليات منظمة لمعاداة الكورد في العاصمة خاصة بعد التمثيلية الرخيصة التي نفذها نوري المالكي وجهاز دعايته اثر مقتل الصحفي محمد بديوي الشمري، حيث أقدمت ميليشيات مدعومة من المالكي على اختطاف وتصفية عدد كبير من الكورد العاملين في بغداد ومضايقة المسافرين من سكان الإقليم إثناء دخولهم إلى العاصمة أو طردهم وعدم السماح لهم بدخول بغداد وسط اهانات وشتائم تطال الشعب برمته ورموزه.

     هذه السلوكيات وما رافقها من إجراءات الحصار المفروض على الإقليم منذ مطلع العام الحالي، وإيقاف صرف مرتبات الموظفين وعدم تسليح قوات حرس الإقليم  واعتبارها جزء من المنظومة الدفاعية العراقية وما يترتب على ذلك من التزامات، إضافة إلى عدم الاكتراث بتحذيرات قيادة الإقليم من نمو وتطور التنظيمات الإرهابية غربي الموصل وضرورة التعاون والتنسيق بين المركز والإقليم قبل سقوط الموصل وتكريت بأكثر من ستة أشهر، يدلل على مشروع كبير كان يتم إعداده باتجاه الإقليم وبخيوط عنكبوتية معقدة اشتركت فيها كل القوى والدول ذات العلاقة بإيقاف نهضة الإقليم وإنهاء تطوره، من خلال السماح بزراعة كيان معاد ومنفلت من عصابات لا قيم لديها ولا أسس أخلاقية أو مهنية في تصرفاتها غير الهمجية والبربرية.

     وهذا ما حصل فعلا مطلع حزيران الماضي حيث تساقطت المدن والبلدات والفرق العسكرية الجرارة بعددها وعدتها التي وقعت بكاملها بيد تلك العصابات لنصبح بين ليلة وضحاها أمام كيان إرهابي يفصل كوردستان عن بقية أجزاء العراق على حدود طولها أكثر من ألف كيلومتر من شنكال إلى السعدية، هذه العصابات تحولت خلال أيام معدودة إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية وأصبح لديها ما يزيد على عشرة آلاف مقاتل بتدريب جيد حسب وزارة البنتاغون الأمريكي في تقريرها قبل عدة أيام واستحوذت على أعداد كبيرة وهائلة من احدث الأسلحة الأمريكية التي تم تزويدها لقطعات الجيش العراقي من مدافع بعيدة المدى ودبابات ومدرعات وأسلحة متوسطة وخفيفة وأكداس هائلة من العتاد، بينما كانت حكومة المالكي طيلة ثماني سنوات ترفض تسليح البيشمه ركه ودفع رواتبها رغم أنها كانت تعرف جيدا كم هي باسلة تلك القوات وكم هي قوات منضبطة ولا يمكن اختراقها وقد أبلت بلاء حسنا في واجباتها بالعاصمة بغداد أو بتنفيذ واجباتها في إي مكان عهد لها.

وأخيرا ذهبت كل تلك الأسلحة الحديثة إلى عصابات داعش لتبدأ في تأسيس مشروعها العنصري الفاشي على تخوم كوردستان بما يحقق ما ذهب إليه إعلام ودعاية المالكي وطاقمه الحزبي والإعلامي بمحاصرة كوردستان بعصابات منفلتة انتشرت وعملت في بيئة مهيأة لها بسبب فشل إدارة المالكي وانشغاله في صناعة الأعداء وافتراض أسباب ومبررات لفشله الذريع، وهذا ما حصل فعلا حينما غيرت داعش إستراتيجيتها وتحولت من أطراف بغداد ومحاسبة المالكي في النجف إلى سنجار وزمار ومخمور والسعدية وبقية المدن والبلدات الكوردستانية، والتي سبقتها بحملة مكثفة من نشر مقاطع اليوتيوب التي تظهر عملياتها الهمجية والبربرية في القتل والذبح والتدمير وبناء مجتمعات البداوة والتخلف، مستغلة الحزام العربي حول معظم هذه المدن وخاصة اولئك الذين استخدمهم نظام البعث في تعريب تلك المدن والبلدات مع مجاميع من مرتزقة شمال أفريقيا والمغرب العربي وبعض البلدان الأوربية بقيادة ضباط من أجهزة الحرس الجمهوري والخاص والمخابرات والأمن العامة من النظام السابق الذين اندمجوا في تنظيمات القاعدة وبناتها ومن ثم ما يسمى بداعش.

     إن ما حصل في شنكال اكبر بكثير مما يتصوره المرء في ضخامة جريمته، فهو عملية إبادة للجنس البشري بأسلوب بدائي وهمجي تتحكم فيه الغرائز الحيوانية الموجهة عقائديا ضد كل من هو مخالف لعقيدتهم، وهو بالتالي امتداد لذات الثقافة والفكر والسلوك عبر مئات السنين، والذي ساد معظم الأنظمة السياسية والاجتماعية للحاكمين في هذه البقعة من العالم، والتي تعتبر كل مخالف لها كافر ومرتد وعميل يستحق الموت الزؤام، وسنأتي في كتابات قادمة على كثير من التفاصيل لما جرى وعلى أسباب ومسببات ونتائج جريمة العصر في شنكال.

kmkinfo@gmail.com


257
البارزاني يقضي العيد على الحدود! 

كفاح محمود كريم

      مسعود بارزاني اسم مثير حد الدهشة بصراحته وواقعيته وتواضعه في فضاءات السياسة والإعلام، تميزه بواقعية شديدة لا تتلاءم كثيرا مع نهج السياسة والإعلام الممارس اليوم، والفرق بينهما كبير فهو خريج مدرسة السياسة التي صقلها العمل الوطني والثوري المتواصل منذ نعومة أظفاره في ساحات الثورة وصراعاتها منذ سبعين عاما، وهو الذي لا يجيد إلا لغة واحدة في الحديث، يقول عنها في تبريره لندرة تصريحاته إنها لغة مباشرة وصريحة جدا وغير مجاملة وربما تسبب وجعا بالرأس لبعضهم، هي لغة خالية من الشوائب والفذلكات والأساليب المبطنة و الملتوية في التعبيرات اللغوية والمصطلحات المتميعة سياسيا، وبشهادة خصومه قبل أصدقائه.
 
     مسعود بارزاني الذي يتشرف دائما بحمل صفة البيشمه ركه والتي يعتبرها ترتقي على كل المهن والرتب والمناصب، وهي بالتالي ليست بالمعنى المجرد للفرد العسكري، بقدر ما تعنيه أصلا من استباق الموت في تحقيق الهدف، البارزاني يريد دوما أن تكون هذه الصفة أعلى الصفات وارفعها، حيث لا يخلو له حديث أو خطاب من إشارة رئيسية لهذه المسالة، وتذكيرا للشعب بأنها تقف وراء كل ما جرى من تقدم في مشروع نهوض الكورد وكوردستانهم وبناء كيانهم وازدهاره، ولقد قالها قبل سنوات حينما زار جامعة دهوك ردا على مقترح لمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية التي رفضها بأدب جم، وطلب من أساتذة وطلبة الجامعات احترام العلم وشهاداته قائلا: أنا بيشمه ركه أولا وأخيرا ووظيفتي حمايتكم ودعمكم لكي تكونوا الأفضل دوما.
 
     البارزاني الرئيس البعيد عن عقد الرئاسة والمثير للدهشة وربما القلق الكبير لدى أولئك الذين يعانون من مشكلاتها وكرسيها وما تحدثه من تغييرات حادة في سلوكهم وتصرفاتهم، بل تحولها إلى هدف وغاية ربما تؤدي إلى اندثارهم وموتهم موتا بيولوجيا أو وراء القضبان أو هروبا مخزيا أو لجوءا ساترا، ولذلك تراه غير مكترث إطلاقا لموقعه الرئاسي وهو بالتالي يقرر اختيار موقعه الأبدي كبيشمه ركه على كل المواقع والمناصب، ففي عالم هذا الرجل جملة ثوابت لم تغيرها حقب السنين الطوال بكل ما حملته من معاناة ومآسٍ منذ الطفولة، حينما فارق والده الذي اختار الاتحاد السوفييتي السابق منفىً اختياريا لإكمال مشروع النهضة، التي ابتدأها ثانية مع مطلع ستينيات القرن الماضي، ثوابت منحته القدرة على الصمود وبناء شخصية تستحق أن تقود واحدة من أهم واخطر مراحل شعبه وأمته، ولأنه لا يرتضي أي صفة أعلى أو ارفع ممن يستبقون الموت لتحقيق أهدافهم، فقد صلى صلاة الفجر في أول أيام العيد وذهب ليكون أول المهنئين لقوات البيشمه ركه على حدود كوردستان في كل من كركوك والموصل وغرب دجلة، ليقضي كل أيام العيد مع من يحبهم، يرافقه كبار العسكريين وفي مقدمتهم ثلاثة وزراء دفاع  ( بيشمه ركه ) لثلاث كابينات متتالية، موزعا أقرباءه ومحبيه ومساعديه وبضمنهم أولاده على كل القطعات في جبهة طولها أكثر من ألف كيلومتر،  يحادد معظمها ما يسمى بالدولة الإسلامية أو ما يسمى بداعش التي نتجت لأسباب عدة يضمنها سوء إدارة المالكي وقواته المهلهلة، التي أسقطت ما تبقى من سمعة ما كان يفترض أن يكون جيشا وطنيا، لكن المالكي وحزبه حولوه إلى مجرد ميليشيات لم تنال احترام وتقدير الأهالي لا في الموصل ولا في غيرها من المدن العراقية، رغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على تشكيلاتها وتدريباتها وتسليحها إلا أنها تحت إدارته الفاشلة انهارت خلال ساعات، والانكى من كل ذلك ومن هذا الفشل الذريع والمريب فان المالكي وحزبه يصران على ولاية ثالثة في الحكم لاستكمال تدمير البلاد والقضاء على ما تبقى من ثرواتها وامالها في التقدم، ولأجل ذلك كان البارزاني أكثر شفافية وصراحة وشجاعة في تشخيص العلة ليس اليوم بل منذ سنوات موضحا ورافضا لهذه المنظومة من الإدارة الفاشلة والعقلية المتخلفة لا للمالكي كشخص، وإنما لكل أصحاب هذه الثقافة والسلوك التسلطي والعقلية الشمولية وتهميش وإقصاء الشركاء لكي يكون فعلا خير من يمثل نبض كل العراقيين سنة وشيعة، مسيحيين وصابئة وايزيديين،  وغيرهم من العرب والكورد والتركمان والمكونات الأخرى.


kmkinfo@gmail.com

 



258
هذا المطر من ذاك الغيم!

كفاح محمود كريم

      يقولون هذا الشبل من ذاك الاسد اذا فاق الابن والده في الاخلاق والمعرفة والشجاعة، لكنهم حينما يشهدون نتائج تربية سيئة او سلوك منحرف ومشين فانهم يقولون ان هذا المطر من ذاك الغيم، حينذاك ندرك ان غيوما سوداء انتجت كتلا من الليل المدلهم الذي يلف عالمنا الشرق اوسطي المليئ حتى اذنيه بالازدواجية الرهيبة المطعمة بالكذب والشعارات الرنانة والروح العدوانية،  وخاصية النهب والسلب النابعة من ثقافة الغزو عبر التاريخ.

     اقول قولي هذا وانا ادرك تماما بأن عنصرية الانظمة الحاكمة وفاشية قياداتها ولا شرعية وجودها ادت الى تدمير البلاد والعباد، طيلة ما يقرب من قرن من حكمهم الاسود في العراق وسوريا والعديد من بلدان الشرق الاوسط التي اسستها اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت، من خلال الغاء الاخر وتهميش المكونات واضطهادها وفرض ثقافة ونمط احادي في التفكير، واباحة القتل والسحل والتعذيب حتى الموت وتشريع الاعدام لمجرد انتقاد الرئيس او حزبه، بل شهدت ساحات العواصم والمدن ظاهرة القتل المنظم اغتيالا منذ صبيحة الثامن من شباط 1963م حيث تمت تصفية اكثر من عشرة الاف معارض لحكم البعث وحرسهم القومي خلال ايام معدودة، وقبلها ايضا بعدة سنوات شهدت الموصل وكركوك وبغداد تصفية اخرين وبنفس الاساليب لمجرد انهم من حزب اخر في دورتين للتصفية والاغتيال.

     ونتذكر جميعا ولسنوات طويلة مشاهد وبرامج الاذاعة والتلفزيون التي تظهر عمليات القتل والعنف والدماء واشاعة الانتقام والحقد والكراهية، بل ان معظم مواد وفصول كثير من المناهج الدراسية خاصة في ما كان يسمى بالتربية الوطنية والقومية والتربية الدينية والتاريخ، كانت تضم مختارات عنفية تشجع على الانتقام والقتل وتركز على عداوات مفترضة ووجوب ان نكون دوما الاقوى والمنتصر وصاحب الحق، والآخرون هم الاعداء والكفرة والعملاء والرجعيون والشعوبيون، بل ان اجيالا عديدة فتحت عيونها على مشاهد الجثث المعلقة على اعمدة الكهرباء، او عمليات الاعدام في الساحات العامة وامام الاهالي صغارا وكبارا منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، حتى اصبحت من المشاهد العادية جدا والتي لم تعد تثير العواطف او الاحاسيس الا عند اولئك الذين بدأوا الان يتدربون على مشاهدة ما تنتجه مؤسسة داعش والميليشيات للجريمة والبربرية!؟

     إن نتاج تلك الحقبة السوداء بدأ يظهر منذ سنوات، سواء في اعمال ما يسمى بالقاعدة او في بناتها داعش والنصرة وغيرهما من الميليشيات ممن يستخدمون السيوف والبنادق وكواتم الصوت في حواراتهم مع الاخرين، انه فعلا موسم حصاد ماكينة الدعاية والاعلام والتربية التي سادت وهيمنت مع مطلع القرن الماضي وحتى يومنا هذا، خاصة وأن حقبة جديدة من ذات الافكار العنصرية والشمولية المقيتة التي بدأت تتضح ملامحها مع تولي نوري المالكي وحزبه الحكم وهيمنته على معظم مفاصل القوة والتأثير في مؤسسات الدولة العسكرية والامنية والحكومية، وتوجهها بشكل شوفيني لشحن السذج من الناس وحقنهم بالاحقاد والكراهية ضد الكورد وكوردستان في واحدة من ابشع عمليات اشاعة التفرقة والبغضاء في كل تاريخ العراق من كل وسائلهم الاعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، حيث استخدمت سياسة كراهية الكورد في معظم برامجهم، بما في ذلك حملاتهم الانتخابية في الدورتين الاخيرتين لانتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب سواء في الموصل او غيرها من المحافظات التي تلعب بذات الاوراق؟

    إن كل ما يحصل اليوم هو صدى لتلك الاصوات النكراء والمنكرة، وهو بالضبط المطر الاحمر الذي انتجته تلك الغيوم السوداء الداكنة التي سادت سماوات العراق وغيره من البلدان المنكوبة بثقافة ولاية الدماء وقانون " الدم بالدم " و" السبعة بسبعة " و " ما ننطيها الا حفنة تراب " التي سادت مؤخرا في عراقنا الجديد جدا!؟

kmkinfo@gmail.com


259
المشكلة ليست بالمالكي وحده؟

كفاح محمود كريم

     يذهب البعض إلى تقزيم المشكلة العراقية في إدارة الحكم إلى شخصنتها وتبعية كل التداعيات إلى شخص المالكي وبضعة أفراد من وعاظ السلاطين، أو كماشة المنقل كما يقولون من شخصيات كارتونية  معدة للشتائم والسباب والاتهامات الباطلة، مع مجموعة مواقع وصحف ببغائية تكيل المديح للمختار قائد المرحلة نوري المالكي، وتفبرك البطولات والانجازات الوهمية والأكاذيب المحقونة بالحقد والكراهية لكل من يعارض توجهاتهم الشمولية لأدلجة مؤسسات الدولة وإفراغها من مضامينها التي اتفق على ديمقراطيتها، وبذلك يتم الابتعاد عن أساس الإشكالية بينهم وبين كوردستان وغيرها ممن لا يتوافقون وأسلوبهم في إدارة الحكم وثقافته ونمط الآليات المستخدمة في ممارسته، فيذهبون للبحث عن شخص آخر يستبدلونه بالمالكي، الذي يهيئون له موقعا ضمن ذات الثقافة الشمولية في الحكم، وقد تم تداول أسماء كثيرة من المجال الحيوي لحزب الدعوة أو خريج ذات المدرسة، من أمثال مسؤول ملف الطاقة وصناعة الأزمات، صاحب نظرية إغراق العراق بالضوء وبيع الفائض منه أو تصديره للكويت والسعودية والأردن مع مطلع عام 2013م.

     ونظرة سريعة إلى أساسيات كل المشاكل التي واجهت العملية السياسية منذ إعلان نتائج انتخابات 2005م ولحد يومنا هذا، نرى فريقا يقف وراء كل تلك التعقيدات ابتداء من سرقتهم لفوز السيد علاوي وقائمته في أول انتخابات، ومرورا بالصفقة السياسية التي تمت في اربيل وأنتجت اتفاقيتها المعروفة، التي حولها هذا الفريق إلى سلم صعود اعتلى فيها دفة الحكم، وأسس فيما بعد ما يظنه إمبراطورية قيادة حزب الدعوة وملحقاتها في النهج والتفكير، ونقض كل وعوده وتعهداته للأطراف التي عقدت صفقة ترأسه لمجلس وزراء العراق.

وطيلة سنوات عجاف من حكم المالكي وطاقمه سواء في مجلس الوزراء أو مكتب القائد العام أو جهاز دعايته عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أثبتت نتائج أو محصلات تلك السنوات ونضالهم الدءوب ما نراه اليوم في الموصل والرمادي وصلاح الدين وديالى وبغداد الغارقة في بحر من دماء المغدورين من المختطفين على يد اذرع طويلة تمتد من دهاليز تلك المؤسسات المركزية، على شكل ميليشيات تقوم بتصفية كل من يعارض سلطاتهم وتوجهاتهم، في واحدة من أبشع عمليات التطهير المذهبي والقومي التي تشهدها العاصمة بغداد، بعد ما فعله الإرهابيون في الموصل مع المسيحيين والشيعة والكورد، وكأنما هناك اتفاق مبرم غير مكتوب لتبادل المواقع بينهم، وإلا كيف يتم تفسير عدم الاهتمام بتحذيرات إقليم كوردستان للمالكي قبل أكثر من ستة أشهر من سقوط الموصل، وكذلك تحذيرات الجانب الأمريكي كما اعترف الكونكرس قيل أيام، بل والانكى من ذلك لماذا رفض المالكي وطاقمه استعداد قوات البيشمه ركه بالتعاون مع القوات الحكومية على حماية الموصل والدفاع عنها قبل عدة أيام من سقوطها، ألا يعني ذلك إن هناك مخطط كبير للموصل والمناطق السنية عموما بأن تكون بهذا الشكل وبغطاء من المالكي وجماعته، وإلا لماذا رفض كل التحذيرات والنصائح والمساعدات وترك هذه المنطقة فريسة للفوضى والإرهاب!؟

     إن هذه التساؤلات والمؤشرات تدلل على ثقافة متكلسة في بنية التفكير لدى هؤلاء الحاكمين، وقد ساهمت بشكل فعال على إضاعة فرصة ذهبية لإنقاذ البلاد من براثن التخلف والفشل والإرهاب والفتنة، بل أنها اشتركت بشكل مفضوح في كل ما جرى من تداعيات وانهيارات أمنية وعسكرية واقتصادية أدت بالبلاد إلى ما هو عليه الآن، حيث أهملت وأقصت كل المخلصين الذين أرادوا خيرا ببلادهم وفي مقدمتهم شعب كوردستان الذي أنجز خلال ذات الفترة الممتدة من 2005 ولغاية 2014م ما عجزت عنه حكومتهم وبأضعاف أضعاف ميزانية الإقليم، إلا إن تلك العقلية السلطوية الفاسدة وجهاز الدعاية التابع لها تعمل ليل نهار على تحويل الهزائم والفشل والانهيار إلى انتصارات سينمائية ساذجة معلقة أسباب فشلها على الغير كما كان يفعل صدام والأسد والقذافي وأمثالهم من دكتاتوريات الزمن الرديء.

     وحقا صدق من قال " تغيير الوجوه وحده لن يكون ذا أهمية في إنجاح العملية، لكن يجب تغيير النهج والتفكير السياسي لدى السلطات"، لقد قالها رئيس كوردستان البارزاني أمام الأمين العام للأمم المتحدة وهو يشيد بتجربة كوردستان وبيشمه ركتها في حماية الإقليم وشعبه والنازحين اللاجئين إليه من جور وضيم حكمهم وطريقة معالجتهم للإرهاب.


kmkinfo@gmail.com



260
الفاشلون وسلم حسنين هيكل

كفاح محمود كريم

    منذ أشهر يتعرض الرأي العام العراقي إلى عملية شحن وتهييج مذهبي وعرقي باتجاه مكونات مذهبية وعرقية معينة وتحديدا ضد الكورد والسنة وخاصة من وسائل إعلام الكترونية وورقية وتلفزيونية موجهة من قبل جهاز دعاية رئيس حزب الدعوة العراقي نوري المالكي، وباستخدام فبركات خبرية وسيناريوهات ملفقة واتهامات باطلة تتضمن الكثير من الشتائم والأكاذيب وبأساليب بدائية مفضوحة تنم عن حقد وكراهية غرضها شحن البسطاء من الأهالي طائفيا وعنصريا لمرحلة عدوانية تعد لها أطراف سياسية وأجنبية لتفتيت البلاد وتدميرها.
   
إن الأساليب المستخدمة في هذه الحملة وأدواتها ووسائلها تذكرنا حقيقة بذات النمط العدواني الذي كان يستخدمه نظام صدام حسين في تسقيط معارضيه وأعدائه، واتهامهم بالعمالة لإسرائيل والصهيونية وإيران والصفوية الفارسية المجوسية والامبريالية العالمية وما كان يحفظه الرفاق من الشتائم والسباب، مطعمة بخبرات مخابرات أجنبية كانت العدو اللدود للبلاد عبر التاريخ، فأصبحت الشقيق شق المنشار لهؤلاء الذين لم يثبتوا للعراقيين صدق وعد واحد من وعودهم وعهودهم طيلة أكثر من ثمان سنوات نهبوا فيها وبعثروا أكثر من ستمائة مليار دولار تاركين البلاد في آخر المطاف أسيرة للخراب والدمار والإرهاب والفشل.

     لقد استنسخ هؤلاء الفاشلون معظم أكاذيب إعلام البعث وصدام حسين، حتى وصلت بهم الأمور إلى فبركة أخبار ساذجة ومفضوحة يسوقونها لرأي قطيعي لا يعرف من هو محمد حسنين هيكل ولا حتى الأهرام إلا اللهم قد سمع بأسمائهم ولا يعرف ماذا يعملون، فقد نشرت وسائلهم وبسذاجة مثيرة للضحك خبرا ادعوا فيه إن الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل قد صرح لصحيفة الأهرام القاهرية ما معناه " إن بارزاني قد فتح أبواب جهنم أمام الأكراد بدخوله إلى كركوك!؟ "

     وللحقيقة أقول لم أفكر في بادئ الأمر بالتحقق من الخبر، لأنني كنت اقرأ هيكل منذ عموده الشهير ( بصراحة ) في الأهرام على سبعينيات القرن الماضي، وعاصرته وكتاباته ونشاطاته رئيسا لتحرير الأهرام ووزيرا للثقافة والإعلام وكبير مستشاري عبد الناصر، فلم أجد له خطابا ونسقا في الحديث يتطابق مع هذه السقطة الإعلامية الغبية التي وقعت بها طواقم دعاية المالكي وعصائب الحق وبقية ميليشيات تصفية الكورد والسنة على الهوية العرقية أو المذهبية، فقد تسلقوا سلما ظنوا به أنهم سيسوقونه على الرأي العام بأساليبهم الساذجة والغشيمة كما يقول العراقيون، وحينما اتصلت بالزميل محمد الانور نائب رئيس تحرير الأهرام ومسؤول الشؤون العربية وقرأت له الخبر، ضحك كثيرا وقال أنهم لا يجيدون حتى إنتاج كذبة محبوكة، مؤكدا إن الخبر ملفق وكاذب ومفبرك بشكل مفضوح، ولم تجر الأهرام أي حديث مع هيكل منذ شباط فبراير 2014م والذي لم يتطرق فيه لا إلى العراق ولا إلى كوردستان بأي شكل من الأشكال، كما أكد لنا مكتبه استنكاره لهذا العمل السخيف مستهجنين هذا النمط من السلوك، وكذلك فعل الزميل الكاتب والإعلامي المصري المعروف رجائي فايد حينما اطلع على هذه الأكذوبة فذهب إلى أرشيف الأهرام من أول حزيران 2014م أي قبل دخول داعش الموصل وتكريت وحتى اتصاله بنا تلفونيا قبل عدة أيام فلم يجد شيئا من هذا القبيل لا مع هيكل ولا مع غيره.

    الغريب إن هؤلاء يروجون لولاية ثالثة لهذا النمط من الثقافة والسلوك، فكيف سيقبل الكورد والكوردستانيون والعراقيون النجباء أن يكونوا جزء من هكذا منظومة فكرية وسياسية وإعلامية!؟


kmkinfo@gmail.com





261
المالكي وسايكس بيكو

كفاح محمود كريم

    في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ السياسي لزعماء المنطقة يمتدح رئيس وزراء دولة شرق أوسطية هو المنتهي ولايته نوري المالكي رئيس حزب الدعوة، اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية، ويعتبر المساس بها خروج عن الوطنية ونقض للاتفاقات التي فرضت على شعوب هذه المنطقة من قبل الاستعمارين البريطاني والفرنسي، والتي هضمت حقوق الشعوب العربية والكوردية والامازيغية وبقية المكونات الأخرى، حيث تم تجزئة الأوطان وتوزيعها على كيانات مصطنعة بإرادة بريطانية فرنسية، فأصبح العرب كيانات متشرذمة هنا وهناك حسب توزيع مراكز الطاقة، وأصبحت كوردستان أربعة أجزاء وتم تمزيقها وتوزيعها على العراق وتركيا وإيران وسوريا وأيضا بسبب الطاقة!؟

     لقد نسي المالكي إن عنوانه الوظيفي أصبح لتصريف الأعمال ليس إلا، ورغم ذلك ما يزال يمارس دورا غادره دستوريا بما في ذلك إصراره على إلقاء كلمة رئيس الوزراء الأسبوعية التي يشرح فيها حالة الاتحاد العراقي، وقد ذهب بعيدا رئيس حزب الدعوة في إسداء النصائح وإعطاء أوصاف الرئيس العراقي الجديد، متناسيا الوثيقة التي تجمعنا في هذا الاتحاد وهي وحدها من يقرر شكل ومواصفات الدولة أولا وبعد ذلك رموزها، بل إن ديباجتها أعطت خلاصة العلاقة مع ما يسميه وحدة العراق وسيادته وميزان تلك الوثيقة.
لقد تناسى تماما وقبل أن يمتهن هو نفسه العمل الحزبي ولا نقول السياسي لأننا لم نجد فيه لا رجل دولة ولا رجل سياسة ، تناسى إن الكورد حتى قبل أن يولد هو وحزبه بكثير، وبقيادة زعيمهم الخالد مصطفى البارزاني ربطوا بين ديمقراطية العراق وحقوقهم القومية السياسية والثقافية والاقتصادية في نضالهم من اجل عراق المستقبل الذي أتاح له ولغيره أن يكونوا اليوم في هذه المواقع.

     لقد اعتلى رئيس حزب الدعوة نوري المالكي موقعه بصفقة سياسية ليس إلا، ولم ينتخبه أحد من الشعب لهذا الموقع، إلا اللهم إذا حسب نتائج الانتخابات الأخيرة التي اتهمه فيها السيد علاوي والحكيم والصدر بالتزوير،  مستغلا موقعه الحكومي وأموال الدولة وعقاراتها التي تم تسخيرها لخدمة حزبه وكتلته التي قادت البلاد لثماني سنوات عجاف كانت ميزانياتها قد تجاوزت الستمائة مليار دولار، والتي ادعى رئيسها انه أنفقها على البلاد وخدماتها، لكي يكون العراق اليوم أكثر دول العالم فشلا وتخلفا في كل الميادين من الكهرباء إلى الماء والصحة والتعليم والطرق والإسكان، ولعل ما جرى لمؤسسته العسكرية والأمنية في مطلع حزيران الماضي من هزائم مخزية أمام بضع مئات من المسلحين، وانهيار وهزيمة ستة فرق من جيشه وشرطته خلال ساعات، إلا تأكيدا على سياسته الجاهلة وخططه الفاشلة وفساد مؤسسته الحاكمة التي دمرت العباد والبلاد ولم تنجح في الدفاع عن العراق الذي ضاع بين الإرهاب والتخلف والكراهية التي يشيعها هو وإعلامه بين مكونات المجتمع والوطن الذي لا يحق له فيه  إلا البكاء عليه كالنساء لأنه لم ينجح في حمايته كالرجال!؟

     إن إصراره على ولاية العراق، يعني إصراره على انه ولي الدم،  وان  شعار الدم بالدم وما ( ننطيها ابد ) ستقود البلاد إلى الدمار الشامل وتقوده هو وأركان نظامه إلى المحكمة الجنائية كما قادت من قبله الذي استخدم ذات الأسلوب ونفس الثقافة والتصرف!؟


262
الفاشلون وعقدة اربيل!؟

كفاح محمود كريم

    أخيرا خرج علينا رئيس ما يسمى بالكتلة الكبيرة في العراق السيد المالكي وهو يكيل الاتهامات المجة والفجة لعاصمة الفرح والأمل والسلام العراقي اربيل قبل كونها عاصمة كوردستان، هذه العاصمة والمدينة الأجمل والأبهى في بلادنا كانت وما زالت ملاذا آمنا لمئات الآلاف من المضطهدين العراقيين، سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة ومختلفين سياسيين طيلة عقود تمتد إلى أواسط القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ولعل هذا الشخص الذي تربع بصفقة سياسية على عرش العملية الإدارية للعراق كان من أولئك الذين أطعمتهم اربيل وآوتهم من جوع وأمنتهم من خوف، حينما هرب إليها بتهمة العمالة لإيران هو وحزبه الذي كان يوصف آنذاك مثلما يصف هو الآخرين اليوم بالإرهابيين والمجرمين الخونة عملاء الفرس المجوس وإسرائيل!؟

     رغم ذلك كانت اربيل حاضنته لسبب بسيط إنها وشعبها وقياداتها اكبر من أن ينال منها دكتاتور صغير أو كبير مهما كال من التهم والبهتان، فإنها لن تتوانى عن تقديم أخلاقياتها الرفيعة التي لا يمتلكونها هؤلاء المصابين بهستيريا الحكم والولاية الثالثة ومن يقتلون الناس على أسمائهم، حيث ذكرت صحيفة الانديبندت البريطانية إن مراسلها في بغداد أحصى أكثر من أربعين جثة في إحدى مراكز الطب العدلي لأناس يحملون جميعا اسم عمر، بينما ذكرت الأجهزة الأمنية إنها عثرت على خمسين جثة مقيدة الأيادي ومعصوبة الأعين ومصابة باطلاقات في الرأس، مرمية على الطريق السريع بين بغداد والحلة!

     ترى أين يكمن الإرهاب ومن يرعاه ويتستر عليه وفي أي عاصمة؟ اربيل عاصمة السياحة العربية وعاصمة الاستثمار العراقي الأولى وعاصمة كبريات شركات الطاقة في العالم وعاصمة عشرات الملحقيات والممثليات لدول الحضارة والديمقراطية والمدنية، اربيل أيها المنتهي صلاحيته أنقى وأبهى وأجمل في عيون الشيعة قبل السنة وهي حضنهم الأكثر دفئا، حيث تعج جامعاتها ومراكزها التجارية وساحات العمل فيها بعشرات الآلاف من أبناء النجف وكربلاء والبصرة والناصرية والعمارة وكل مدن الجنوب البائس تحت حكمكم.

     اربيل اليوم تحتضن كل أطياف العراقيين ومكوناتهم العرقية والمذهبية والسياسية بما فيها عوائل أعضاء كتلتك وبرلمانك وحكومتك حيث لا يأتمنون على احد غير الكورد وكوردستان للحفاظ على شرف وكرامة وامن وسلامة عوائلهم، فلا غرابة في أن تكون عقدة من عقد الفاشلين في إدارة الحكم طيلة أكثر من ثماني سنوات!

     اربيل عنوان النجاح الكوردي والعربي والتركماني والكلداني والأشوري والسرياني والارمني، اربيل المسلمين بطوائفهم والمسيحيين بألوانهم والصابئة والايزيدية، اربيل كل هؤلاء معا خالية من كل شوائبكم وعقدكم في الحقد والكراهية والكذب والفشل، إنها عنوان النجاح والتسامح والتألق والحياة المستمرة، كما يقول المؤرخون فإنها من المدن القلائل في الدنيا التي استمرت فيها الحياة دون انقطاع منذ ثمانية آلاف سنة، والسبب واضح جدا يا دولة الرئيس السابق لحكومة العراق!


kmkinfo@gmail.com




263
الإعلام الأسود وحفنة التراب

كفاح محمود كريم

     يبدو إن ماكينة الدعاية والإعلام التي تلتف حول السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته أتقنت فن اللعبة في شراء وإصدار عشرات الصحف اليومية والأسبوعية ومثلها الالكترونية لتعمم عليها ذات المانشيتات والعناوين والأخبار المفبركة في واحدة من اكبر عمليات الشحن العنصري وإشاعة الكراهية والأحقاد ونشر الأكاذيب وتلفيق التهم والسيناريوهات المفبركة من شاكلة مرور المدعو أبو بكر البغدادي من مطار اربيل إلى تركيا للعلاج، هذه الأكذوبة التي يتم نشرها وتصديقها حتى ممن ألفوها واحدة من الأساليب الرخيصة والسمجة التي تستخدمها أدوات الدعاية والإعلام الموجه منذ أشهر ضد الكورد وكوردستان ورموزهم التاريخية، إضافة إلى التهميش والإقصاء المبرمج والاستحواذ على معظم المؤسسات الاتحادية وتفريغها من مبدأ المشاركة كما يحصل في قنوات العراقية الفضائية وبقية مؤسسات هيئة الإرسال وتجييرها لصالح المالكي وحزبه في هجمة دعائية مشحونة بالاتهامات الكاذبة وفبركة أخبار تثير السخرية والتقزز.

     لقد أنفقوا عشرات أو ربما مئات المليارات من الدولارات على أنظمة الدعاية والإعلام والكهرباء وما يفترض أن يكون جيشا وطنيا ومؤسسات أمنية ونشروها في أصقاع البلاد لحفظ الأمن فيها وحماية الأهالي والحفاظ على كرامتهم، لكنها فشلت في أداء مهماتها وفي إقناع المواطن لما ارتكبته من أخطاء جسيمة بحق الناس حتى شعروا بالمهانة تحت طائلة الوضع الأمني وتحولت إحدى مواد القانون إلى مادة إرهابية يتم بموجب تنفيذها اعتقال عشرات الآلاف من الناس لمجرد الاشتباه بهم، مما أدى إلى الانهيار الكامل لتلك القوات خلال أيام معدودة، ورغم كل التنبيهات والنصائح التي قدمها إقليم كوردستان حول خطورة ما يجري في محافظة نينوى والانبار وصلاح الدين واستعداد الإقليم وقواته بالتعاون مع القوات الحكومية للقضاء على الإرهاب في غرب الموصل، إلا أنهم رفضوا ذلك بدعوة الخشية من توسع نفوذ الإقليم.

     وحتى قبل اجتياح الموصل عرض عليهم بأن تكون قوات البيشمركه معهم للحفاظ على الموصل وغيرها، إلا أنهم اغفلوا ذلك مما يثير الشك والريبة في كل ما حصل وعلاقة أوساط منهم بشكل مباشر بما حدث، وإلا كيف يتم تفسير هذه المواقف الرافضة لدعوات الإقليم لمكافحة الإرهاب سواء كانت داعش أو غيرها ممن يعملون في دهاليز الظلام، حتى وصل الأمر بهم إلى إطلاق كلمات احتلال البيشمه ركه لمناطق كركوك وسنجار وخانقين وهي تقوم بأقدس واجباتها الوطنية في درء خطر اجتياح الإرهابيين لهذه المدن والبلدات وحماية سكانها الكورد والعرب والتركمان والشيعة والسنة والمسيحيين والايزيديين على حد سواء دونما تمييز أو تفضيل، ويشهد على ذلك مئات الآلاف من العرب العراقيين وغيرهم ممن  يزورون كوردستان ويلجئون إليها ويشهدون على ما حصل فيها من تقدم وحضارة وبناء اجتماعي رصين.

    وفي الوقت الذي تحتضن كوردستان مئات الآلاف من السنة والشيعة وخاصة الهاربين من الإرهاب ومن جور عصابات الميليشيا المذهبية المنتشرة في العاصمة وغيرها، تقوم عصابات تعمل تحت توجيه ماكينة إعلام ودعاية حزب الدعوة بأوسع عملية تطهير مذهبي وعرقي في العاصمة بغداد حيث يتعرض الكورد والسنة  لعملية تصفية على الهوية والاسم، فقد ذكرت صحيفة الانديبندنت البريطانية إن حصيلة يوم واحد في إحدى صالات الطب العدلي في بغداد وصلت إلى إحدى وأربعين جثة أصحابها يحملون اسم عمر، إضافة إلى عمليات خطف منظمة للعديد من الشباب الكورد وتصفيتهم، هذا إلى جانب وضع سيطرات على منافذ بغداد تعمل على إنزال الكورد من سياراتهم واعتقالهم أو منعهم من دخول بغداد علما بان معظمهم موظفون  في الإدارات الاتحادية في العاصمة.

     إن ما يحصل اليوم في بغداد من عمليات شحن الكراهية والحقد ضد الكورد والسنة من قبل أجهزة الحزب الحاكم هناك وعصاباته من الميليشيات التي تعمل في الظلام لتنفيذ أجندة حزب الدعوة في ادلجة الحكم وتطهيره من كل المناوئين لهم أو المعترضين على سياساتهم وخاصة في المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية ، تسير بالبلاد إلى الهاوية التي انتهت إليها كل الأنظمة السابقة بسبب تعنتها وإصرارها على المضي في  سياساتها الخاطئة التي جعلت العراق واحدا من افشل دول العالم وأكثره سوءا في المعيشة والحياة.

    إن استمرار هذه السياسة وهذا الأسلوب في إشاعة الكراهية والأحقاد دون الشعور بالمسؤولية عما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك دليل قاطع على إن الحاكمين لا تهمهم إلا كراسي الحكم حتى وان باتت على جماجم ملايين العراقيين كما فعل قبلهم صدام وقال انه لن يترك العراق إلا حفنة من تراب!؟

kmkinfo@gmail.com



264
ارحل يا رجل واستر على ما تبقى؟

كفاح محمود كريم

    قبل أكثر من أربعة وعشرين عاما ذهب العديد من العقلاء إلى صدام حسين ينصحونه من مغبة تطور الخلاف مع الكويت إلى حماقة عسكرية تحرق الأخضر واليابس، وقبلها بعشر سنوات ذهب آخرون يترجونه بعدم اختيار الحل العسكري مع الجارة إيران، لكنه العقل السيئ الذي انزوت فيه شياطين الشر فاختار  بالحالتين لون الدماء التي صبغ بها أبواب كل العراقيين من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، فلم تبقَ امرأة  ثكلى بزوجها أو ابنها أو أبيها إلا ولعنته ولعنت اليوم الذي تسلط فيه على رقاب الأهالي إلى يوم الدين!

     ودفع العراقيون خيرة شبابهم إلى أتون الحروب وهم صاغرون، إما قتيلا في طاحونة الجبهات أو معدوما رميا بالرصاص خيانة وتخاذلا أو هاربا إلى ارض الله الواسعة وهم قلة قياسا بالضحايا، ومن تبقى خرج من الحرب مجروحا أو معاقا أو ممسوح الجيوب من كل شيء، حتى تم تسريحه بعد هزيمة أم المعارك المخزية ليدخل مرحلة الإذلال الدولي والمحلي في واحدة من أبشع عمليات الحصار والتدجين المذلة والتي استمرت منذ دخول الكويت في آب 1990م وحتى سقوط هيكل النظام في حرب ما يسمى بتحرير العراق ومن ثم احتلاله.

     أقول قولي هذا وأنا أعيد للذاكرة كيف إن صداما في نهاية كل حروبه تنازل وقبل بأقل مما بدأ من شروط ومطالب، فكانت هزيمته المخزية مع الحركة التحررية الكوردية في العام  1975م حينما تنازل لإيران عن شط العرب ومساحات واسعة من شرق البلاد مقابل محاصرة الزعيم مصطفى البرزاني وقمع ثورته، وفي حربه مع ايران احرق البلاد ودمر العباد من اجل كرسيه، وحينما أوهموه وعاظ السلاطين من حوله بأنه بطل القادسية ذهب خياله بعيدا فتوهم انه عنترة عصره ليغزو جارته الكويت ببطولات سوبرمانية مضحكة، حتى حمى الوطيس فرأيناه تحت افياء  خيمة صفوان في 28 فبراير/ شباط 1991 ذليلا مخزيا، ولم يتعظ وقد احرق ما تبقى من جنده وأهله حتى اسقط بغداد والعراق بأسره تحت الاحتلال وانزوى هو وعصابته في حفرة الهزيمة النكراء!

     واليوم يعيد التاريخ نفسه لكي يدفع للعراق شخصية جديدة لكنها تبدو والعلم عند الله نسخة أخرى من أولئك الذين تولوا أمر هذه البلاد ليدمروها ويدمروا أنفسهم، انه يكرر ذات السيناريوهات حتى في أسلوب الخطابة والحماسة والتهديد والتفرد ومحاولة إلغاء الآخر أو تفريغه، فيرفض أي رأي مخالف ويهمش أي كيان معارض، ويراوغ ويتحايل ويغدر ولا يفي بوعد أو اتفاق، ولا يقبل أي نصيحة أو  تنبيه لإحساسه بالعظمة أو العزة بالإثم، خاصة وقد أوهمه أولئك المحيطون به من مستشارين ومساعدين من ( لحاسين الغيم ) كما يقول المثل العراقي في توصيف وعاظ السلاطين الذين يؤسسون في مخيلته التي يشحنوها بداينمو مختار العصر الذي لا يعطيها لأحد مرة أخرى، بأنه على رأس جيش جرار وإمبراطورية نفط وموازنة بأكثر من مائة مليار، وان الآخرين ليسوا أكثر من أهداف بسيطة حينما يمتلك طائراته ( F16 ) التي لم يصبر على وصولها، فطلب من الشقيقة الحنونة جارتنا الغالية إيران أن ترسل طائراتنا الأسيرة هناك لتقوم بواجب الأخوة ضد الشعب العراقي المفجوع، بالتضامن مع جارتنا في العقيدة والبراميل المتفجرة سوريا الثورة والصمود!؟

    أنهم يدفعوك يا دولة الرئيس إلى هاوية الغرور والعزة بالحكم والسلطة تحت يافطة الكتلة الأكبر متناسين إن كتلتك إنما هي الأكبر في محيطك ليس إلا، فلم يكن بين من انتخبوكم من خارج الشيعة إلا عدة آلاف هنا وهناك لكونكم في السلطة فقط، فلا تأخذك نتائج الانتخابات لكي تعتلي عرش العراق فما أنت إلا رئيسا لحزب وكتلة نالت أصواتها في محيطها المذهبي ليس إلا، وآخر دعوانا من العلي القدير أن يلهمكم العقل والحكمة وقبول النصيحة فارحل يا رجل واستر علينا فإننا لم نر من أيام حكمك خيرا ولا نجد في ما تبقى من أيامك وإصرارك على الولاية إلا مستقبلا اسودا لبلادنا!؟
kmkinfo@gmail.com



265
نحن حمينا كركوك وانتم هربتم منها

كفاح محمود كريم

     منذ عشرات السنين تئن كركوك وشقيقاتها من المدن والبلدات الكوردستانية تحت سقم التعريب الفاشي والتغيير الديموغرافي المقيت سواء للبعث أو من شاكله في العقيدة والسلوك، حتى شوهوا شكل هذه المدن واسائوا لأهلها حتى من غير الكورد، واستقدموا إليها من عرفوا بعرب العشرة آلاف دينار وقطعة ارض مستقطعة من جلد المدينة وأهلها، يقابل كل واحد من هؤلاء المستقدمين ترحيل وتهجير وتغييب العشرات من العوائل الكوردية التي شتتوها في جنوب ووسط وصحراوات العراق إلا من هاجر منهم إلى بلاد الغربة.

     مدن من أجمل مدن العراق من سنجار وزمار والشيخان ومخمور وكركوك وخانقين ومندلي وغيرها، عاثوا فيها فسادا ودمارا طيلة أربعين عاما، مقترفين أكثر الجرائم قسوة بحق سكانها الأصليين، حتى سقط نظام البعث فتحررت معظمها، ولكي يثبت الكورد مدى إنسانيتهم وحضارتهم قبلوا صيغا قانونية ودستورية لإعادة تلك المدن المستقطعة من كوردستان سواء في المادة 58 من قانون إدارة الدولة، أو في المادة 140 من الدستور الدائم لاحقا، وبعد ما يقرب من عشر سنوات من سقوط نظام صدام حسين حافظت مؤسسات الإقليم وبيشمه ركته على الأمن والسلم الاجتماعيين في كل المدن والبلدات المستقطعة من كوردستان والتي تم تحريرها، في الوقت الذي كانت كل مدن العراق وبلداته تحت نير الإرهاب والفوضى حتى يومنا هذا.

     لقد اجتاحت عدة مئات من المسلحين والإرهابيين مدن كبيرة مثل الموصل وتكريت، وانهارت فيها ست فرق عسكرية خلال اقل من ثلاثة أيام، تاركة ورائها مئات الدبابات والدروع والمدافع والطائرات، وهربت لتترك سكانها يواجهون مصيرهم هناك، حاولت تلك المجاميع الاندفاع والتقرب من كركوك أيضا وسرعان ما انهارت ما تسمى بقوات دجلة وهربت من كل نقاطها ومراكزها، التي يفترض أن تدافع منها عن المدينة وسكانها، فتدخلت قوات البيشمه ركة لتضع النقاط على الحروف وترسم خط الأمن والسلام للعرب قبل الكورد وللتركمان والآشوريين والكلدان والأرمن قبل أهالي كركوك الآخرين، وتحمي مدينتهم من مذابح مذهبية أو عرقية محتملة.

     ورغم كل ذلك وما جرى من هزائم مخزية لقوات القائد العام للقوات المسلحة وإدارتهم السياسية والإعلامية، يخرج البعض من أبواق السيد المالكي ليتحدث عن سيطرة البيشمه ركه على كركوك، وتغطى غشاوة العنصرية عيونهم عن الموصل وتكريت والفلوجة والقائم وراوه وعنه وكل البلدات التي اجتاحتها مجاميع المسلحين والإرهابيين، وتفضح (النايبة) عن دولة القانون وعضو حزب الدعوة دورها ودور من يوجهها التخريبي طيلة عشر سنوات لإعاقة تطبيق المادة 140 من الدستور الدائم.*

    إن كركوك ملك لمن حماها وحافظ عليها وأمن سكانها وصان شرفها دونما تفرقة بينهم، ففي الوقت الذي حمت قوات البيشمه ركه كركوك وغيرها من المدن هربتم انتم وتركتم حتى ملابسكم العسكرية، ولا يحق لكم أن تتحدثوا بكلمة واحدة عن أي قرية أو بقعة من كل العراق، لأنكم لا تمتلكون شرف الدفاع عنها وسجلتم واحدة من اخزى مواقفكم عبر التاريخ، وليس لكم غير البكاء مثل الثكالى على وطن انتم لستم جديرون بالدفاع عنه، فنحن الذين حمينا كركوك وشقيقاتها في الوقت الذي احتاجتكم هربتم بجلودكم وتركتم أهاليها لمصيرهم فتبا لكم!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ
* رابط اعتراف حزب الدعوة بدوره المعيق لتطبيق الدستور في كركوك
https://www.youtube.com/watch?v=GR6oiedkE0k



266
فرسان الولاية الثالثة!

كفاح محمود كريم

     يقول نابليون إن جيشا من الأسود بقيادة غزال سيكون مصيره الهزيمة، بينما سينتصر جيش من الغزلان إذا كان قائده أسداً، استذكرت هذا القول وانا أراقب تصريحات السيد المالكي وهو يتحدث عن الهزيمة المخزية لجيشه، والتي تسببت فيها قيادته ومجموعة من الجهلة والثعالب، حيث تبخرت ست فرق عسكرية تم تدريبها منذ ما يقرب من عشر سنوات، وتسليحها بأحدث الأسلحة من الولايات المتحدة وحلف الناتو، انهزمت وتركت كافة تلك الأسلحة والعجلات والدبابات ولاذت بالفرار.

     لقد تسبب جهلهم وسوء إدارتهم وفشلهم في قيادة العراق والتعامل كرجال دولة، إلى سقوط أكثر من ثلث البلاد بيد القوى الإرهابية خلال ساعات، بينما هم يمثلون ادوار البطولة في مسرحية الولاية الثالثة، والعجيب إن نقطة الحياء كما يقول العراقيون قد سقطت عن جباههم، بل انه لو كانت هناك بقايا غيرة عراقية لدى هؤلاء لانتحروا أو استقالوا، اثر واحدة من أخزى هزائمهم وعارات فشلهم وفضاحة أساليبهم التي يندى لها الجبين، وهم يدفعون شخصيات هزيلة متورطة بجرائم جنائية وإرهابية، إلى القيام بحملة تطهير عرقي ومذهبي للكورد والسنة في بغداد وضواحيها ومحافظات الكوت والعمارة والحلة وغيرها، في واحدة من اخطر عمليات اغتيال التعايش والتضامن التاريخي بين الكورد والشيعة والسنة.

     فمنذ أكثر من أسبوع يتعرض الكورد والسنة عموما إلى عمليات اختطاف وتهديد وقتل وتهجير في بعض أطراف العاصمة ومحافظات الكوت والعمارة والحلة وغيرها، بل أنهم نصبوا سيطرات في أطراف بغداد وعلى الطرق المؤدية إلى كوردستان، يعترضون فيها المواطنين الكورد ويوجهون لهم الاهانات ويعيدونهم إلى الإقليم، بينما تعج مدن كوردستان وبلداته بمئات الآلاف من العراقيين الشيعة والسنة النازحين من جور حكمهم والإرهاب، ليعيشوا بأمن وسلام وعزة وكرامة.

      في الأمس وفي جلسة البرلمان الجديد بانت عوراتهم وكميات الحقد واللؤم والكراهية التي ظهرت على سلوكهم الشائن الذي يمثل حقيقتهم المخفية تحت جلابيب مسرح حكمهم الهزيل، حيث خرج ( فرسان ) السفاهة والشتائم من المأزومين أبدا والفاشلين تحت الأضواء، المتعملقين في السراديب ودهاليز الظلام والفساد، لكي يهددوا الكورد بسحق رؤوسهم بعد انتهاء أزمتهم الأبدية؟
     لقد بانت بذاءتهم التي سمعناها ورأيناها على شاشات التلفزة وتلك التهديدات والشتائم التي تعكس ثقافتهم وأسلوب تعاملهم مع الآخرين، وقد شهدناهم أيضا في سوح الوغى التي سجلت عارات هزائمهم المخزية في الموصل وتكريت وكركوك وكل المواقع التي تركوها وتركوا سكانها يواجهون مصيرهم ولاذوا بدشاديشهم!؟

     إن سر هزيمتهم ليس بقوة العدو بل تكمن في ثقافتهم البائسة وسلوكهم وبذاءتهم وتصرفاتهم، وهو سر سقوطهم وانهيارهم أيضا، بينما يبقى سر تقدم ونجاح الكورد وكوردستان يكمن بأخلاقياتهم ونبلهم وتسامحهم واحتضانهم لكل أبناء العراق دونما النظر إلى أعراقهم أو أديانهم أو مذاهبهم، فبينما يتعرض الكورد الى الاضطهاد والملاحقة في بغداد وبقية المحافظات، تحتضن كوردستان مئات الآلاف من السنة والشيعة والمسيحيين والصابئة لتكون لهم وطنا دافئا كريما آمنا يضم الجميع تحت جناحيه.

kmkinfo@gmail.com

 



267
الجيش الشعبي والحشد الشعبي!

كفاح محمود كريم

     يا سبحان الله كم هو التشابه متطابق بين أفكار ونهج وسلوكيات نظام صدام حسين وحزب البعث، وبين ما يفعله رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايتها وطاقمه الإعلامي ورجال ماكينة دعايته، ومراقبة سريعة لنمط الإعلام الموجه وهو في أصله دعائي قبل أن يكون إعلاما مهنيا، يعيدنا إلى حقبة برامج ( صور من المعركة ) والأغاني والأناشيد الوطنية لمجاميع الفن والفنانين ببدلاتهم العسكرية، وقد استنسخ الكثير منها صورة وصوت وأشخاص وحركات حد التطابق، بحيث جعلتنا نستذكر أيام ( قادسية صدام ) ولا نعرف ما الذي سيطلق على ما حصل في الموصل وتكريت من اسم يوثق هذه الحقبة كما فعل سلفه في حربه ( المقدسة ) مع من كان يسميهم بـ ( الفرس المجوس ) والعياذ بالله؟

     هذه الثقافة وهذا النمط من السلوك يبدو والعلم عند الله متأصل في النظام السياسي العراقي في كثير من العناوين وصيغة التصريحات، حتى وان تغير شكله من نظام دكتاتوري إلى نظام يفترض انه ديمقراطي، وما يحصل اليوم يعيدنا إلى ذكريات مريرة في سجلات دولتنا العتيدة، وخاصة ما يتطابق منها مع حقبتنا المباركة هذه، ونتذكر هنا ما قاله صدام حسين حينما فجر حزب الدعوة قنبلة في مدخل جامعة المستنصرية ظنا منه إن موكب طارق عزيز سيمر أو مر من هناك، فقتلت ( الرفيقة فريال ) مما أثار قائمة ( الرئيس القائد ) فتوعد بقسم ثلاثي بان دم فريال لن يذهب سدى وسينتقم انتقاما رهيبا، وبعد سنين طوال من المرارة والدماء في حرب قذرة بين ايران والعراق، دفع فيها الشعبين، لأجل أن لا يذهب قسم القائد أدراج الرياح انهارا من الدماء، ورغم إن رئيس الحكومة الحالية كان من ضحايا ذلك النظام وقدم حزبه آلاف الشهداء، إلا انه بمجرد أن اعتلى منصة الحكم بانت جيناته السياسية وتنشطت أنماط من الموروثات السلوكية المتطابقة تماما مع سلفه في حكم البلاد، وليس غريبا أن يمارس ذات الدور وبنفس الكلمات والمعاني إبان مقتل احد الصحفيين لكي يحضر شخصيا هناك ( دون اهتمام دولته بمئات من زملائه الذين قتلوا سابقا؟ ) ويعلن ولايته للدم ويشرع في مطلع الألفية الثالثة قانون الدم بالدم!؟

     حينما نقول التشابه حد التطابق نعني تماما ما يحصل الان، فقد بدأت عملية عسكرة المجتمع بشكل كبير مضافا إليها تعطيرا دينيا بديلا عن العطر القومي الذي استخدم في الحالة الأولى، واستحدثت قيادة ميليشياوية بديلة للجيش الشعبي أطلق عليها اسم الحشد الشعبي، ونظرة سريعة لأداء وسائل إعلام وماكينة دعاية السيد رئيس مجلس الوزراء المنتهي صلاحيته ندرك تماما أين يتجه العراق، خاصة وانها تجيش السذج والبسطاء والعاطلين عن العمل وهم بالملايين للعداء والكراهية لمكونين شريكين في هذه البلاد، وتذكرنا بذات البدايات التي اعتلى فيها صدام عرش السلطة وفتح بوابات الدماء والدموع لأجل كرسيه الذي نخرته الجماجم وما لبثت أن التفت حول عنقه!

     العراق اليوم يشهد النسخة الصدامية الثانية تحت تسميات وعناوين مختلفة لكنها في جوهرها تنبع من ذات النبع!

kmkinfo@gmail.com

268
المنبر الحر / السقوط بين نظامين!
« في: 23:58 22/06/2014  »
السقوط بين نظامين!

كفاح محمود كريم

    في نيسان 2003م تصور الكثير ان الآلة العسكرية الأمريكية أسقطت هيكل نظام صدام حسين، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماما، فقد قاوم نظام هوشي منه ( مع الفرق الكبير بينهما ) في فيتنام ذات الآلة ودمرها أمام صمود حزبه وثواره وشعبه طيلة سنوات مريرة استخدم فيها الأمريكيون شتى أنواع أسلحة الدمار الشامل، لكنهم انهاروا في سايغون أمام إرادة شعب مصر على الانتصار، وفي العراق قاد صدام حسين وثلة من بطانته أبشع حملة لاهانة العراقيين وجرح كرامتهم وإذلالهم بما في ذلك رفاق حزبه وقياداتهم، ويدرك  العراقيون بمختلف مشاربهم وطبقاتهم ومكوناتهم كيف كان يتعامل صدام حسين وزبانيته مع الجيش والشعب والحزب، والذي انتهى بتسلط عائلته وأبنائه على مقدرات البلاد حتى تساوى العراقيون جميعا في الإحساس بان هذه الطغمة قد ثلمت كرامتهم وأهانت كبريائهم وتسببت في إفقارهم وإذلالهم.

     لقد قزم صدام حسين وبطانته العراق حتى أصبحت عائلته بديلا عن الشعب وحزبه الذي تسلطت عليه مجموعة وصولية ضعيفة لا هم لها إلا إرضاء ولي النعمة وقائد ضرورياتهم، فأصبح العراق قرية بائسة يئن شعبه من الفقر والعوز، وتعاني مؤسساته من الضعف والهوان، ويتلوى جيشه المهلهل جوعا وانكسارا كبير في معنوياته ونفسيته، لصالح مجموعة من الأفواج أو الألوية التي تحولت إلى مجموعات من كلاب الصيد همها إدامة ماكينة الإذلال والاهانة للبلاد وشعبها، فقد سقط صدام حسين قبل سنوات طويلة من مجيء آلة الحرب الأمريكية، حينما ظن انه سيبيد شريكه الكوردي في الوطن والتاريخ بقصفه حلبجة بالأسلحة الكيماوية وإبادة ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ فيما أطلق عليه ظلما وبهتانا بالأنفال، وحينما تصور هو ومن على شاكلته بأنه قادر على إبادة سكان الوسط والجنوب لمجرد اتهامهم بالصفوية والعمالة لإيران، حتى نخر الوهن هيكله ودب في مفاصله السقم، فما كان يحتاج أكثر من هزة عود لينهار ويسقط، وتتعرى بسقوطه المخزي حقائق وعارات أربعين عاما من الكذب والفضائح والشعارات المهلهلة.

     لم يمض على العراقيين سوى عقد من الزمان حتى تكررت مشاهد السقوط والهزيمة المخزية التي صنعتها وأنتجتها دكتاتورية صدام حسين،  لجيشهم الجديد الذي كلفهم عشرات المليارات تدريبا وتسليحا، لكي تعود ثانية مشاهد الانهيار بذات المخازي والعارات، التي حولت عشرات آلاف الجند إلى أسرى للخوف تخلت حتى عن جلودها لتهرب أمام بضعة مئات من مسلحين ملثمين تسلقوا انكسار وإحباط الأهالي بنظامهم الجديد وعسكره ورجال أمنه، الذين ما تركوا امرأة ولا رجل إلا وفي حلوقهم غصة من اهاناتهم وتجاوزاتهم واعتداءاتهم المهينة تحت طائلة الأمن الذي مزقوه وشتتوا الأهالي تحت خيمته المهترئة.

     فعلا لم تك الموصل وغيرها من مدن غرب البلاد تحتاج أكثر من بضعة سيارات وتكبيرات واطلاقات نارية لتتهاوى فرق والوية وافواج كارتونية تضم آلاف المرتشين من الذين باعوا أصواتهم في الدورتين الانتخابيتين 2005- 2009 مقابل توظيفهم في السلك العسكري أو الأمني، تحت قيادة أفشل ضباط العسكر ورتبهم المزيفة التي منحوا إياها بذات الطريقة التي عين فيها آلاف الجند، ليشكلوا ميليشيات تحت اسم الجيش،  تتبع من دفع لهم أيام الانتخابات، حتى بات الأكثرية يطلقون عليهم اسم جيش المالكي الذي لم ينجح طيلة ثمان سنوات من إقناع الأهالي بأنه جيشهم ويستحق الاحترام بدل الخوف، فما كان منهم ومن عساكرهم إلا ما شهدناه من أخزى صور الهزيمة والتخلي عن الواجب، حينما نزعوا حتى بدلاتهم العسكرية وتخلوا عن أسلحتهم الحديثة، الصغيرة منها والكبيرة أمام بضع مئات من المسلحين، استثمروا حالة الإحباط والانكسار لدى الأهالي ليحتلوا الموصل وغيرها من المدن خلال اقل من 72 ساعة، تدفعهم لقبولهم رغبات الأهالي المكسورين الذين أوصلتهم السياسات الخاطئة للحكومة ومؤسساتها إلى قبول أي كان بدلا عنهم، وهذا ما حصل فعلا ليس رغبة بالقادمين بل تخلصا من طغيان الحاكمين!؟

     في السقوط الأول انهار هيكل نظام صدام حسين وتم سجن وإعدام رموزه، يا ترى ماذا سيكون مصير أصحاب السقوط الثاني!؟

kmkinfo@gmail.com



269
كوردستان وشماعة الفشل!

كفاح محمود كريم

     ظن العراقيون بان مجرد سقوط نظام صدام حسين ستنفتح عليهم آفاق الحرية والديمقراطية والبديل المدني المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان والحياة والآخر المختلف، وطيلة سنوات مريرة منذ سقوط نظام الحزب الواحد والقائد الضرورة كانت الآمال تندفع تارة إلى الأمام  وتارات إلى الخلف تحت مظلة صناديق الاقتراع التي احتلتها عشائر ومذاهب وأموال ديمقراطية السحت الحرام والأمية الوطنية.

     فعلا سقط هيكل نظام صدام حسين وحزب البعث، وتبدلت الأسماء والعناوين لكن ما لم يتغير هو ثقافة النظام الشمولي ونهجه وسلوكياته وماكينة إعلامه ودعايته، فقد عادت مجاميع من الموبوئين بالكذب وسقم الكراهية والحقد والعنصرية إلى مواقع في مجلس النواب والسلطة التنفيذية وكثير من مفاصل الدولة وهي توجه سمومها إلى كل من يختلف معها في الرأي والتفكير وفي مقدمتهم الكورد والكوردستانيون وما أنجزوه خلال اقل من عقد وعجزت عن انجازه كل من حكم بغداد حتى يومنا هذا.

     منذ أيام استعرت نيران الحقد والحسد والكراهية في حملة شعواء تناولت فيها كوردستان وأهلها وقيادتها، لتغطية فشلها المخزي وسقوطها المريع أمام بضع مئات من المسلحين، كشفوا عوراتهم وأكاذيبهم طيلة سنوات مريرة من تسطيح الرأي العام وتشويشه لتنفيذ اكبر عملية سرقة في تاريخ الشعوب والدول، حيث سرقوا مئات المليارات في مشاريع وهمية بانت وظهرت في انهيار قواتهم وهروبها حتى قبل وصول المسلحين إليها، قوات استشرى فيها الفساد والإفساد وهيمن عليها ضباط غير أكفاء لا يمتون للعسكرية وشرفها ومهنتها إلا بالرتب والامتيازات والفساد.

     كوردستان التي تحاول جوقة الإعلام الموجه والمليء بالكذب والافتراء والحقد والتزوير تحويلها إلى شماعة للفشل والهزيمة، يتسلقها العديد من المتملقين وانصاف السياسيين والمثقفين من خريجي مدرسة ( أبو العلوج ) وحفنة فاسدة متخلفة أعتمدهم للأسف الشديد رئيس مجلس الوزراء في بغداد ليكونوا ماكينة إعلامه وخير ما يمثل نهجه وما يخفيه في مخيلته وهو يستأثر بالسلطة، في بلاد تسببوا في تدميرها وإشاعة الإرهاب فيها، ووصولها إلى ما وصلت إليه بعد أن انفق عليها حسبما يدعون كذبا وبهتانا أكثر من ستمائة مليار دولار، تحول ما يقرب من عشرين منها إلى سكرابات خلال ساعات على أيدي بضعة مئات من المسلحين في الموصل وتكريت.

     من يستمع إليهم ويشاهد بهلوانياتهم يتذكر ذلك الإعلام البائس طيلة عقود، منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ذلك الإعلام القائم على الكذب والفبركة والتهييج والتزوير وتسطيح عقول الأهالي لتمرير جرائم حكامهم وفشلهم في إدارة الدولة، الإعلام الذي تسبب في انهيار نظام صدام حسين ويتسبب الآن فيما وصل إليه العراق من خراب وفساد ودمار.

     لقد كان وما يزال خطاب كوردستان وممارساتها ضد الإرهاب قولا وفعلا وهي أولى ضحاياه في البلاد، سواء على أيدي أنظمة الاستبداد أو منظمات الإرهاب القديمة والحديثة، كوردستان لا تخلط الأوراق وتجعل من الإرهاب سلم تتسلق عليه لإبادة الآخر والمختلف وترفض أن تكون مكافحة الإرهاب على حساب مكون مذهبي أو ديني أو عرقي، فكما انه هناك إرهاب في الوسط السني تراه أيضا في الوسط الشيعي، فهو لا هوية له ولا دين ولا أخلاق، وما يحصل اليوم في بلادنا يمثل قمة فشل الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بفقدان العراق لدوره وموقعه وتأثيره وسمعته حينما تحول إلى خانة الدول الأكثر فشلا في العالم تحت إدارة همها الوحيد الاستحواذ على السلطة والتفرد بها ورفض الآخر وتهميشه.

     لقد هزت أحداث الموصل وتكريت وغيرها من مدن وبلدات غرب البلاد العملية السياسية برمتها، بل وفضحت عارات إدارتها، وكانت خير ما يترجم سياسة وأسلوب حكم هذه البلاد ومؤسساته التي شكلها منذ ثماني سنوات وتعرت في الانهيار المريع للقوة العسكرية والأمنية خلال ساعات على أيدي بضعة مئات من المسلحين، والانكى من كل ما حدث هو تعليق فشلهم وسوء إدارتهم وسذاجة إعلامهم على اتهامات وفبركات من التي يبثونها ليل نهار عن تجربة كوردستان التي يتشرف بها كل العراقيون وهم يعيشون أجمل أيامهم في أكنافها.

     فعلا لقد تغيرت كثير من الأمور والقضايا عما كانت عليه قبل أحداث الموصل، إذ انه لا يمكن أن يكون عراق ما بعد هذه الأحداث وتداعياتها وما أفرزته ميدانيا على الأرض ونفسيا لدى الأهالي، هو ذات العراق فيما قبل إسقاط الموصل وغيرها!؟

kmkinfo@gmail.com
 
 

 


270
الرئيس مسعود بارزاني
يوجه رسالة الى الرأي العام العراقي والكوردستاني حول الأوضاع السياسية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

     لقد حذرنا منذ أمد بعيد وباتصال دائم مع أكثرية الأطراف المعنية، وبشهادة الكثير من الشخصيات والأطراف السياسية بأن العراق يتجه نحو الهاوية بسبب السياسات الفردية الخاطئة للمتحكمين بالسلطة في بغداد، وحاولنا كثيرا إيجاد حلول جذرية للمشاكل، وقدمنا لهم مقترحات عديدة إلا انهم إما كانوا ضد تلك المحاولات أو أنهم أهملوها، ولذلك فهم وحدهم يتحملون المسؤولية المباشرة عما آلت إليه الأوضاع وما حل بالعراق.

     إننا ككوردستانيين وقفنا بعد 2003م ضد الحرب الطائفية والمذهبية، ولم نكن عاملا سلبيا في النزاع، بل أدينا ما في وسعنا من اجل الخير والسلام، فكنا مع الشيعة دوما عندما ظلموا، وبعد 2003م وقفنا ضد تهميش السنة انطلاقا من أخلاقنا الكوردية عبر التاريخ التي تجعلنا مع المظلومين أبدا.

     إن المحاولات الحالية التي يقوم بها الذين يدفعون ثمن أخطائهم وفشلهم اليوم، بإلصاق الاتهامات بالكورد هو افتراء كبير يحاولون بها خلق شرخ بين الكورد والشيعة، ويتسببون في إحداث أضرار بالجانبين، لكننا نطمئن إخواننا الشيعة إلى أن الذين تسببوا في هذه الأوضاع يحاولون تغطية فشلهم وإخفائهم الحقائق عن الشعب العراقي لسنوات، لكنها لن تنفعهم لأن تحالف الكورد والشيعة أرفع من تصرفات البعض من المسؤولين التي ستضر بالشيعة قبل الكورد، ولن ننسى أبدا موقف الإمام محسن الحكيم والشهيد الصدر، واليوم وقد حلت واستجدت أوضاع جديدة تتطلب إيجاد حلول جذرية للمشاكل وذلك في ضوء التغييرات الحاصلة التي تستوجب تغيير شكل الحكم والوضع السياسي السائد قبل الآن.

     وحول مواجهة الإرهاب فان كوردستان مستعدة أكثر من أي وقت مضى للدفاع عن مصالحها وحياة مواطنيها من أي اعتداءات نواجهها نحن والشيعة والسنة من الإرهابيين، كما إننا نفصل تماما بين الأعمال الإرهابية وبين المطالب المشروعة لإخواننا السنة، دون الانزلاق إلى حرب ضد طائفة تحت ستار حرب الإرهاب، لأن هذه المشكلة لن تحل بالحرب فقط، بل يجب حل الأسباب التي أدت إليها، وإعادة العملية السياسية إلى مسارها الصحيح، عند ذاك سيكون إلحاق الهزيمة بالإرهابيين أسهل، ولأجل ذلك نؤكد دورنا كعامل خير لدعم أي خطوة ايجابية، مع رغبتنا أن يعلم الجميع إن أوضاعا جديدة قد حلت وينبغي التعامل معها بواقعية.

                                                                       مسعود بارزاني
                                                                   رئيس إقليم كوردستان
                                                                   18 حزيران 2014م











271
المنبر الحر / البعث وسلم داعش!
« في: 22:59 13/06/2014  »
البعث وسلم داعش!

كفاح محمود كريم

      يتذكر الكثير من البغداديين جيدا ذلك المشهد السينمائي الذي مثلته مجاميع من كوادر حزب البعث في الساعات الاولى من انقلاب شباط 1963م،  ورفعهم لعشرات الصور والشعارات المؤيدة للزعيم الاوحد عبدالكريم قاسم رئيس وزراء العراق انذاك على ظهر المدرعات والدبابات، في واحدة من اكثر الخدع سذاجة واثارة في وقتها، وقد انطلت السالفة على الربع كما تقول الدارجة العراقية، وراح الزعيم بين الرجلين مقتولا وسط هتافات الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة!
 
    كما لا ينسى العراقيون ايضا ميكافيلية كثير من القيادات المهمة لهذا الحزب وسرعة تلونها بالالوان المطلوبة والتي تساعدها على الامساك بالكرسي مهما كانت تلك الالوان داكنة او فاتحة، ولعل ما قاله امين قيادتهم القطرية في مطلع ستينيات القرن الماضي علي صالح السعدي، عن ان القطار الامريكي هو الذي حملهم الى السلطة، اضافة الى ما شهدته مطابخ حكمهم من تحالفات مع قوى سياسية واجتماعية وحتى دينية، اكدت ان لا صاحب لهم ولا مبدأ الا مصالحهم وهي تكمن تحديدا بالسلطة، وهنا الحديث والتوصيف لا يشمل الكل فقد كان الحزب، بسبب كونه حزبا يقود السلطة لعشرات السنين ظاهرة اجتماعية، ضمت مئات الالاف من المنتسبين الوظيفيين لصفوفه دونما أن يكون لهم أي علاقة باخطاء وجرائم العديد من قياداته، وكانوا من خيرة كوادر البلاد واكاديمييه ورجال عسكره وادارته واقتصاده وفنانيه وشعرائه وادبائه، بحكم تراكم الزمن من مطلع الستينيات وحتى مطلع الالفية الثالثة!
 
     اقول قولي هذا وانا استخدم منذ نيسان 2003م مصطلح سقوط الهيكل الاداري لنظام صدام حسين، وبقاء نظامه الايديولوجي والاجتماعي والسلوكي حتى في كثير من الفعاليات السياسية العاملة الان في ساحة الديمقراطية العراقية، فقد سارعت تنظيمات وكوادر هذا الحزب الى الانخراط في صفوف كثير من احزاب ما كانت تسمى بالمعارضة واصبحت احزاب السلطة فيما بعد، بل ان الكثير ممن تم اجتثاثهم وقطع ارزاقهم من خيرة رجالات الجيش والاجهزة الخاصة والحزب انضموا الى حركات متشددة مثل القاعدة وبناتها، او اسسوا واجهات وحركات بتسميات وهمية يكمن ورائها كثير من تنظيمات وتشكيلات النظام السابق، وخاصة كوادر الجيش والتصنيع العسكري وضباط المخابرات والامن ورجال مكافحة التجسس والارهاب وفدائيو صدام وغيرهم، مثل جيش محمد والجيش الاسلامي ورجال الطريقة النقشبندية، والتي انضوت جميعها فيما يسمى اختصارا بـ داعش التي تتناغم في اهدافها الوحدوية مع ما كان يخدر به البعثيون رومانسيو الوطن الاكبر من المحيط الى الخليج.
 
     واليوم بدأت العملية تأتي أكلها كما يقولون، فقد اندفعت عدة مئات من تلك التشكيلات وبشكل منظم لا يثير الدهشة، كونه ينتمي الى تنظيم سابق يعمل منذ سنوات في عدة مدن وخاصة في الموصل لكي تحتضنهم عدة الاف من الخلايا النائمة، التي كانت تحصد شهريا ما بين ثلاثة الى خمسة ملايين دولار كضرائب على مختلف المهن والاعمال والشركات وعيادات الاطباء والصيادلة، ناهيك عن حصتهم في الوقود الخارج من مصافي بيجي ومنذ عدة سنوات، بما أهلهم في غياب مؤسسات حقيقية للدولة سواء عسكرية او امنية او ادارية، أن يقودوا المحافظة من تحت الارض وأن يخترقوا تلك المؤسسات ويدخلوا الموصل على خلفية كراهية شديدة لكل قوى الجيش والامن والشرطة التي اهانت المواطن وثلمت كرامته تحت طائلة الحفاظ على الامن، وعلى انقاض فساد مستشري في معظم مفاصل الدولة، بما حقق مقولة ان يحكمنا الشيطان افضل من هؤلاء الجبابرة!؟
 
     لقد عاد البعث ثانية، لكن ليس بقطار امريكي او تحالف مع الشيوعيين او البارتيين هذه المرة كما فعل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بل على صهوة القاعدة واخواتها او بناتها، سواء كانت داعش او النصرة او حتى الجن والشياطين، كرسي السلطة  كانت وتبقى بوصلة الأحداث عندنا ولو جاءت على أنقاض وطن وشعب لطالما هتف باسم البعث فلم يعرف منه غير الذل والهوان، وأما داعش فتبدو اليوم الخلية الصاحية جداً في تطبيق اجندات مذهبية داخلية وإقليمية، والمتواطئون معها كثر والمال متوفر في جيوب الجيران ... فأهلا بالبعث " المدعشن " وأهلا بداعش " المبعوثة " حتى إشعار آخر!؟   

272
الكاتبة والصحفية العراقية شيرين سباهي
تجري حوارا مع المستشار الإعلامي في مكتب مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني





     أستاذ كفاح محمود كريم نعرفكم كاتبا متميزا ومحللا سياسيا معروفا، لكننا  سنخرج معكم من هذا الإطار وسنحاوركم كمستشار إعلامي في مكتب رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

شيرين سباهي: السيد مسعود البرزاني نوه لمنعطف خطير وهو (( نريد أن نكون شركاء ولا نريد أن نكون رعايا ))..اعتمدت سياسة بغداد مع الحلفاء في سياستها المتطرفة والمشبوهة على بساط المصالح ..هل نعتبر أن ما بعد الانتخابات الأخيرة هو مؤشر استيقاظ اقليم كردستان على أن حكومة المالكي ....طرف لا يوثق به ولا يستحق الثقة؟
كفاح محمود: يعلم الجميع ان معظم أطراف الحركة السياسية العراقية المعارضة قبل انهيار هيكل نظام صدام حسين كانت ضمن الشرعية الثورية، وهي مرحلة تختلف كليا عن إدارة الحكم والشرعية الدستورية، وعلى هذا الأساس تم التعاطي مع السيد المالكي وغيره كرفاق قضية واحدة لكن الأمور أخذت منحى أخر بعد تسلمهم للسلطة وبان العديد من العيوب!؟
شيرين سباهي: نوه السيد مسعود البرزاني الى إن شخص نوري المالكي  قبل رئاسة الوزراء يختلف عن ما هو رئيس وزراء الآن هل نعتبر المالكي شخص هش القيادة خصوصا وانه مسير من الألف إلى الياء ..
كفاح محمود: كما قلت لك فترة الحكم والانتقال من الثورية إلى الدستورية أظهرت كثير من العيوب، فليس كل من يعتلي كرسي الرئاسة قائدا أو حكيما، وإلا لما كان قد حصل الذي حصل من تردي كبير في الأداء السياسي والإداري والأمني.
شيرين سباهي : أطلقت بغداد تهديد لكردستان بعد أن بدأ الإقليم بتصدير النفط ....وكلنا يعلم أنه هواء في شبك ..ما هي القاعدة القانونية التي تستند عليها كردستان بتصدير النفط ذاتياً
كفاح محمود: الدستور العراقي ومسودة قانون النفط والغاز وملحقه يبيحان للإقليم وللمحافظات التي استخرجت النفط بعد 2003 حق التصرف بالتعاون مع الحكومة الاتحادية، وعلى هذا الأساس جاءت كبريات الشركات النفطية العملاقة مثل أوكسن موبيل وشيفرون وغازبروم وتوتال لتوقع عقودا مهمة مع الإقليم لاستثمار النفط والغاز، ولا يعقل أن تتفق هذه الشركات الكبيرة مع الإقليم دون أن تطلع على حيثيات الدستور والقوانين العراقية المرعية.
شيرين سباهي: كلنا يعلم أن سياسية المالكي سياسة غير نظيفة تقوم على أساس المصالح والأرصدة دون الرجوع للشعب ..من بعيد أو قريب كيف لكردستان وهي طرف ليس بسهل أو هين في قيادة حكومة تلعب بالبيضة والحجر من الشعب غير الكردي، فكيف أذا كان كردياً...
كفاح محمود: اعتقد إنهم يحلقون خارج السرب حيث يجهدون أنفسهم في الاستحواذ على السلطة والمال بكل الوسائل، لكنهم واهمون بالتأكيد فلم يعد العالم والرأي العام العالمي والمحلي يتحمل إرهاصات من هذا النوع، خاصة وشعب كوردستان قد أدرك جيدا عبر تاريخه هذه الممارسات، ولذلك أرى يقينا أنهم ليسوا من الذين سيضحكون في آخر اللعبة!
شيرين سباهي: سياسة جر الحبل التي تعتمدها بغداد مع الإقليم بقطع الرواتب ألا تعطي ضوء أحمر على إن بغداد خصم قبل أن يكون شريك ولا محل للثقة فيه كحليف في حكومة مشتركة؟
كفاح محمود: بمرارة شديدة إن ما يجري لا يمثل ما كنا نصبو إليه كعراقيين في ترسيخ نظام اتحادي ديمقراطي تعددي، يضمن حقوق كل مكونات مجتمعاتنا القومية والدينية والمذهبية، بعيدا عن سياسية لي الأذرع وفرض الإرادات واستخدام المال العام رهينة لتمرير تلك الإرادات. 
شيرين سباهي : كيف نحلل أزمة الأنبار ؟

كفاح محمود: أزمة الانبار هي أزمة كل العراق حقيقة وما حصل في أيامها الأولى كان يمثل سلوكا متحضرا يمثل نظامنا الجديد، إلا أنها استغلت من إطراف عديدة لتشويهها والدفع بتدميرها تحت مختلف التسميات، وليس ما يحصل اليوم إلا خلط مريب للأوراق تفوح منه روائح كريهة، وتثير أسئلة مريرة عن توقيت فتح بوابات الحرب بهذا الشكل تزامنا مع الانتخابات العامة، علما إن اعتصام أهل الانبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك اندلعت قبل أكثر من سنتين!
شيرين سباهي: حرب الأنبار هي حرب مفتعلة لخلق أزمة وأشغال الشارع وخلق الفتنة بين المكون السني والشيعي في العراق ...من هو عراب هذه الحرب ومن هو المستفيد ؟
كفاح محمود: المستفيدون هم الذين استخدموا دماء الضحايا من اجل ملئ صناديق الاقتراع بأصوات الشد والحشد المذهبي وحرمان مئات الآلاف من سكان هذه المناطق من الإدلاء بأصواتهم إما بتحويلهم إلى نازحين أو بإغراق بلداتهم وقراهم!؟
شيرين سباهي : أشترى العراق أسلحة مهولة وبكميات كبيرة جدا خلال أزمة الأنبار والفلوجة الأ تعتقدون أنها مجرد صفقات سلاح وأن الشعب العراقي محط مزايدات لدى بغداد؟
كفاح محمود: مهما تكن الأسباب المعلنة وغير المعلنة، المرئية وغير المرئية فيما يحصل اليوم في الانبار وغيرها لا يمكن القول فيها الا إن المواطن العراقي هو الخاسر الأكبر، سواء كان في الانبار أو كوردستان أو نينوى أو البصرة 
شيرين سباهي: مياه نهر الزاب الأسفل..التي تعتبر هي  المغذي  لقضاء طوزخورماتو...كانت هناك اتهامات لكردستان بقطع المياه ما هي صحة هذا القول؟
كفاح محمود : هذه واحدة من أكذوبات ماكينة صناعة الأزمات والدعايات لدى من يعادون الإقليم ويحسدونه على أمنه وسلامه وتطوره ليس إلا، وقد صرح مسؤولون فنيون وخبراء بعدم صحة هذه الادعاءات
شيرين سباهي:"فيلق جند الله المكين" رفع رسالة تهديد للسيد البارازني مطالباً إياه بالتراجع عن قرار استقلالية كردستان ...ألا ترون انه أمر مبطن لمكون وخصم للكرد يخاف أن تستقل كردستان؟
كفاح محمود: بعد حلبجة والأنفال وعشرات السنين من حروب أنظمة بغداد الدكتاتورية ضد كوردستان كانت المحصلة خسارتهم المخزية ونهوض شعب كوردستان وما وصل اليه الإقليم اليوم، أما موضوعة الاستقلال فهو حق طبيعي لأي شعب في عالم اليوم، لكن شعب كوردستان اختار الاتحاد الاختياري مع العراق ضمن دستوره الدائم، وأي مساس بالدستور وروحه وثوابته سيجعل كوردستان خارج تلك الدائرة يقينا.
وعموما لا يمكن تفسير هكذا تهديدات بأنها تمثل مكونا بعينه

شيرين سباهي: هل نعتبر وجود المالكي في السلطة وسياسيته المنفردة القرار سبب رئيسي ...لإعلان الانفصال عن بغداد؟
كفاح محمود: بعيدا عن شخصنة الموضوع كوردستان ناضلت من اجل الديمقراطية وقدمت مئات الآلاف من رجالها ونسائها قرابينا لتحقيقها، ولكن لا يمكننا إغفال عيوب أداء الإدارة الاتحادية وغطرستها في التعامل مع الشركاء الأساسيين لبناء وطن واحد للكل وبالتساوي، ولذلك لن تكون كوردستان جزءا من أي نظام شمولي يخرج عن الدستور وثوابته كما قلت لكم
شيرين سباهي: شركة التسويق العراقية سومو...المعروفة طلبت كردستان أن تكون مطلعة على عملية التسويق للنفط هل هو عدم ثقة بالشركة نفسها أو الخوف من المغريات التي من الممكن أن تطرحها بغداد على الشركة؟
كفاح محمود: هذه الشركة لا تزال تضم في هيكلها وسلوكها ثقافة النظام السابق ولم يجر عليها أي تغيير يتناغم وفلسفة النظام العراقي الجديد، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها والتعامل معها، وقد طلب الإقليم تحديثها وإشراك ممثليه فيها، أو تأسيس مجلس أعلى للطاقة يضم الإقليم والمحافظات المنتجة للطاقة مع ممثلي الحكومة الاتحادية لكي يشرف على عمليات الاستثمار استخراجا وتصديرا وتصنيعا بشفافية عالية، إلا أنهم رفضوا ذلك.
شيرين سباهي: هل نعتبر إن الإقليم خرج من حلبة سيطرة بغداد اليوم بعد التصدير الذاتي للنفط واقصد اتفاقيات؟
كفاح محمود: ما لم يتفق الطرفان على صيغة مرضية ستبقى الأمور بهذا الشكل.
شيرين سباهي: في احد زيارات السيد نيجيرفان البرزاني لبغداد أن وزير المالية اخبره انه تسلم أمر من السيد نوري المالكي بإيقاف إرسال  حصته الميزانية للإقليم؟
سمي لي هذا التصرف من حكومة المركز، وكيف ردت كردستان على هذا التصرف؟

كفاح محمود: كما انه أي وزير المالية الحق صفة القائد العام للقوات المسلحة بالمالكي وكأنه يقول إن القوات المسلحة ستنفذ هذا الأمر؟
وكان الرد واضحا وجليا وشفافا حيث تدفق نفط كوردستان إلى الأسواق العالمية

شيرين سباهي: تستضيف كوردستان العراق أكثر من 200 إلف لاجئ سوري بينهم عدد كبير من الكورد والمسيحيين ...كيف تتعامل كوردستان مع هذا المكون الكبير وهذه نقطة طيبة تحسب لهم ...؟؟
كفاح محمود: أنها حالة إنسانية وقد استقطع الإقليم من أفواه سكانه كما يقولون لكي يغطي بعض نفقات هؤلاء النازحين علما بأن بغداد لم تساهم بأي شكل بما يساعد الإقليم على تحمل هذا الوزر
شيرين سباهي: تُعتبر اليوم منطقة الإقليم منطقة أمان وسلام ...وقد أصبحت مقرا كبير لشركات كبيرة  كبرى في العالم تجاريا اقتصاديا وثقافيا ً هل من الممكن أن يكون الاقتصاد المفتوح للدول الاستثمارية في اربيل محفز كبير لتكون اربيل مركز تجاري اقتصادي عالمي على مر الزمن القريب ؟؟؟
كفاح محمود: وهي فعلا قد وضعت خطواتها الأولى في هذا المضمار، وأصبحت قبلة المئات من المستثمرين وشركاتهم الكبيرة، إنهم هنا يعملون من أجل المستقبل الواعد
شيرين سباهي: هل تجد كردستان أن حل أزمة الموصل التي هي اليوم مقر للتطرف والجماعات المسلحة بإعلان نينوى اقليم نينوى؟ وكيف
كفاح محمود: آلية إقامة الأقاليم وأحقيتها كفلها الدستور، إلا إن حكومة السيد المالكي تمانع ذلك بل وأعلنت على الملأ وقوفها بالضد، وهذه  مخالفة واضحة لثوابت الدستور.
أزمة الموصل وغيرها نتيجة لسوء إدارة السيد المالكي وطاقمه الإداري والحزبي والسياسي والأمني

شيرين سباهي: تحولت  الخصومة إلى شراكة، بين تركيا وإقليم كردستان .... وأكيد أن الطرفان قد وجدا في التحالف قطب اقتصادي كبير..إلى أي مدى وصلت شراكة الإقليم مع أنقرة سياسيا واقتصاديا؟
كفاح محمود: تركيا رغم كل شيء دولة ذات طبيعة سياسية واجتماعية ديمقراطية وهي أيضا دولة إقليمية مهمة اختارت التعاون والشراكة في المضمار الاقتصادي مع الإقليم لبناء نموذج من العلاقات المتكافئة والمتحضرة بديلا عن أي نوع آخر من الصراعات، حيث سادت لغة الحوار والتفاهم وتبادل المنفعة علاقات الطرفين.
شيرين سباهي: دخل السيد مسعود البارازاني  كوسيط سلام بين حزب أوجلان حزب العمال الكردستاني وأنقرة إلى أين وصلت هذه الوساطة؟
كفاح محمود: إلى خارطة طريق لسلام دائم في الدولة التركية وتوقف معظم المظاهر العنفية بين العمال الكوردستاني والحكومة التركية، وبدأ خطوات جدية لتحقيق ما يصبو إليه الشعب الكوردي هناك.

شيرين سباهي: تركيا تطمح بمساعي كبيرة لدخول الاتحاد الأوربي  وهي بدورها تحبو  لنيل رضا الاتحاد الأوربي وقد انفتحت تركيا اقتصاديا خلال أعوام بسيطة هل نعتبر اقليم كردستان في العراق احد هذه الأهداف ؟؟؟ أو من ضمن المخطط التركي
كفاح محمود : الكل يدرك بما فيهم الدولة التركية إن هوية الدخول إلى الاتحاد الأوربي تمر من كوردستان الشمالية أي الواقعة ضمن الدولة التركية الحالية
شيرين سباهي: التجربة الكردية في اقليم العراق هي الأولى في العالم بالنسبة للكرد ... وقد ولدت هذه التجربة رغبة الكرد في ايران سوريا تركيا لدخول هذه المرحلة أي الدول من الممكن أن تكرر تجربة استقلال اقليم العراق الكردي؟
وهي سوريا، ايران، تركيا 
كفاح محمود: لكل جزء ظروفه وخياراته في الشكل الذي سيختاره في تحقيق مصيره ويبدو إن الإخوة في الجزء الغربي الواقع ضمن الدولة السورية مهيأ الآن لتحقيق الكثير فيما إذا اتفقت كل فعالياته السياسية دونما تفرد وفرض أمر واقع على الآخرين.
شيرين سباهي: قدم الأكراد أنفسهم للعالم بشكل متقدم وحضاري وهذا بات ملموس للجميع ...انفتاح تام مع الاتحاد الأوربي اقتصادي علميا ثقافيا استراتيجيا دوليا ألا يثير هذا النجاح حفيظة المالكي أثناء ولايتين فاشلتين له اثبت بها انه عميل قبل أن يكون رئيس وزراء
كفاح محمود: وهذا هو السر الذي يقف وراء كثير من المواقف العدائية أو المتشنجة سلبيا من الإقليم وشعبه مع الأسف الشديد.
شيرين سباهي: مشكلة المالكي مع كردستان هي قبل أن تكون مشكلة نفط كما تتضح الأحداث هي مشكلة الرغبة في الفرعنة وقد حاولت بغداد إيقاع الكرد في شباكهم وأخرها أزمة الموازنة ومقتل الصحفي العراقي على يد ضابط كردي وقد حاولت إثارة الشارع، لكن اربيل كانت  أكثر حكمة عندما توجهت حرم الرئيس الطالباني بزيارة لعائلة الفقيد وقطعت الطريق على بغداد.. وبين الحين والحين تأتي ريح بغداد بدخان جديد، هل نحصر كل ذلك بالخوف من أن تتحول اربيل إلى قطب يهدد بغداد اقتصاديا؟
كفاح محمود: اربيل وكوردستانها لا تنافس بغداد وعراقها إلا بما يجلب الخير لكليهما، لكن الآخرين مع الأسف الشديد انفصاليون وانعزاليون بشكل مقيت، بحيث تعمل أدواتهم الإعلامية ليل نهار على إشاعة الكراهية والحقد والضغينة والفتنة بين الأهالي ضد الإقليم وشعبه من خلال سيناريوهات وتمثيليات كما حصل في مقتل الصحفي الشمري ورفع شعار الدم بالدم البدائي، بينما يعيش بين أحضان كوردستان مئات الآلاف من العراقيين حالهم حال أي مواطن كوردي
شيرين سباهي: لقد زرت بغداد ...وصُدمت وزرت اربيل وانبهرت وكلاهما وطني ما الذي سارت عليه كردستان ولم تسير ولو حتى بمحاذاته بغداد ؟؟؟ حتى توجت اربيل عروسا للعراق؟
كفاح محمود: السر في إن من يحكم اربيل رجال دولة خبرتهم سنوات النضال المرير عبر التاريخ لا من اجل المناصب بل من اجل الشعب والوطن، وهذا ما حققوه لأهلهم بعد اعتلائهم منصة الحكم.
شيرين سباهي: القائد أذا لم يكن محنك ومستدرك لحل الأزمات من المحال أن يبني وطن وشعب مستقر ..... ؟؟؟ كيف نقرأ قرارات دولة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على مدى 8 سنوات في العراق ؟؟
كفاح محمود: السيد المالكي رجل سلطة لكنه ليس رجل دولة، وقد أثبتت السنوات الثمان العجاف فشل إدارته وطاقمه في معظم مفاصل حكم البلاد مع الأسف الشديد.
شيرين سباهي: العراق يعيش مخاض صراع دول متمثلة بأشخاص داخل  دولة العراق هل هذا الخلل هو طبيعي في نفوس الشخصيات التي تتربع أو هو صنيعة من يريد أن يجر العراق دهليز الانتهاء بكل مقوماته؟
كفاح محمود: اعتقد إن البلاد في مخاض عسير وعلى أبواب متغيرات كبيرة، وللخارج دور مهم فيها يتوقف على دور الأهالي ومكوناتهم في قبول هؤلاء أو رفضهم!
شيرين سباهي: شكرا لكم أستاذ كفاح محمود كريم، المستشار الإعلامي في مكتب السيد مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس اقليم كردستان.



273
المنبر الحر / العشوائيون
« في: 00:31 06/06/2014  »
العشوائيون

كفاح محمود كريم
 
    كما هي العشوائيات السكانية ومدن الصفيح التي انتشرت حول المدن من لملوم من البشر، بعد أن اختفت مظاهر الدولة والحضارة فقد ظهرت في المجتمعات السياسية والإعلامية عشوائيات أشبه ما تكون بالطفيليات، وهي اليوم وباستثناء أولئك المساكين الانقياء الذين لم يجدوا سقفا يستر عليهم فاضطروا مرغمين أن يكونوا جزءا من عشوائيات قذرة، تقوم هذه العشوائيات السياسية والإعلامية بدور لا يقل انحدارا وتخلفا عما تقوم به عشوائيات المدن من تداعيات أخلاقية واجتماعية وسلوكية.
 
    وكما يكذب ويدعي ويؤلف سيناريوهات هندية كثيرون من أهل التجاوزات أو العشوائيات حينما يصطدمون مع سلطات حكومية حول تجاوزاتهم وعشوائية استحواذهم على أراض ومقرات ومساكن ومقابر، تفعل العشوائيات السياسية والإعلامية الملحقة بالإدارة الاتحادية اليوم أفعال اقل ما يقال عنها بأنها واحدة من مخازي النظام السياسي والإعلامي الجديد ليس هنا في العراق وحسب بل على مساحة الدول التي تعرضت وتتعرض لرياح التغيير.
 
    واليوم ومنذ أكثر من سنتين تقوم هذه العشوائيات وأدواتها الإعلامية بحملة عدائية مقيتة ضد كل من يختلف مع الحاكمين في بغداد، وخاصة ضد اقليم كوردستان الذي يمارس حقه في الحياة الحرة الكريمة المزهوة بالأمن والسلام والتسامح، حيث تحول خلال عدة سنوات وبنسبة اقل مما يستحق من موازنة الدولة العراقية إلى بيت وملاذ آمن لكل العراقيين، بما يجعلهم يفتخرون بالانتماء له ولتجربته الرائدة ووطنية مسؤوليه وقادته، الذين أنجزوا خلال اقل من عقد من الزمان ما عجزت عنه كل الأنظمة التي تناوبت على حكم العراق وحتى النظام العراقي الجديد، الذي امتلك واردات خيالية ذهبت أدراج جيوب الفاسدين وكروشهم المليئة بالسحت الحرام.
 
    هؤلاء العشوائيون سواء كانوا أعضاء في البرلمان أو وزراء في مكتب القائد العام، ووزير ماله الذي يهدد عبره بقطع موازنة كوردستان، ملوحا بأن المرحلة المقبلة ستكون من مهمة القائد العام للقوات المسلحة، في اشارة ساذجة وسطحية لا يستخدمها إلا العشوائيون  في السياسة والإعلام، وهم يهددون شعبا يعرفونه جيدا في تاريخ مقاومته وإصراره على الانتصار، أو بتلك التصريحات التي تشبه حركات بهلوانات سيرك غجري مبتدئ في شكلها وإيقاعاتها، كما شهدناها واستمعنا لها من نساء يفترض عليهن الاتصاف بالحد الأدنى من اللياقة الأدبية، لكن عشوائيتهن دفعتهن إلى المطالبة تارة بمعاقبة اقليم كوردستان وشعبه وتارة أخرى بطرد وزرائه ونوابه من بغداد، أو بقتل أي سني كلما يقتل شيعي في العراق، وفي نفس السياق  يتحدث وزير آخر يفترض أن يكون ضمن الحد المعقول سياسيا، إلا انه وبعشوائية أيضا يجيب على تساؤلات من نوع كيف ولماذا ومن قطع تخصيصات شعب كوردستان، الذي يتجاوز الستة ملايين إنسان، ومعاشات ما يقرب من مليوني موظف، بأنه قرار رئيس الحكومة و... ( القائد العام للقوات المسلحة ) والتأكيد هنا على القوات المسلحة التي لها علاقة تاريخية بقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وعمليات الأنفال التي تسببت في إبادة ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ من شعب كوردستان.
 
    هذا النوع من العشوائيات البائسة أصبح أهم ما يميز أداء المنتهية صلاحيتهم وهم يتعاطون مع اخطر ملفات البلاد في الأمن والسلام والطاقة وأرزاق الناس!؟

kmkinfo@gmail.com

274
إمارة الجودة والقانون

كفاح محمود كريم

     في مطلع سبعينيات القرن الماضي نهض على سواحل الخليج المقسوم ساحليا  بين ايران ومجموعة من الدول العربية، كيان مثير للجدل والشك لدى كثير من المراقبين السياسيين، بعيد انسحاب البريطانيين من مجموعة من المشيخات ومنحها الاستقلال، إلا وهو الأمارات العربية المتحدة في تطبيق فيدرالي هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، تصور الكثير بان عقده سينفرط خلال سنوات قليلة، خاصة وان تجارب الاتحاد بين الدول العربية نموذج للفشل على مد العصور.

     لكن ما حدث خلال العقد الأول من انبثاق هذا الاتحاد أوقف الكثير من المراقبين عند سر إصرار حكيمه ورئيسه الشيخ زايد في تأسيس نموذج ستحتذي به المنطقة برمتها، وخلال سنوات ليست طويلة في تاريخ الشعوب بل على العكس كانت مذهلة في سرعة ما أنجز فيها من تغييرات نوعية في بنية الإنسان أولا ومن ثم الانتقال إلى الفضاءات الأخرى، فبعد أربعين عاما من عمر هذا الاتحاد الفيدرالي الجميل دفع لواجهة الحضارة في العالم المتمدن، تجربة يتوقف عندها المرء مندهشا لأسلوب التغيير الذي حصل خلال فترة قياسية وبإرادة صلبة جمعت عدة من إرادات وأفكار وطموحات مختلفة تماما، لكنها متفقة على إنشاء وإنجاح كيان يختلف كليا عما حواليه في المنطقة، دونما أية شعارات وبالونات ثوروية أو قوموية أو دينية، مع الاحتفاظ والتقدير لخصوصيات الأمارات السبع ونهجها وأسلوب حياتها، بحيث انك تشعر وأنت تتنقل بينها باختلاف كبير حد الانفصال، لكنك تكتشف فجأة أنهم متحدون تماما دونما مس لخصوصية أي منهم.

     في دبي التي لا تنتج برميلا واحدا من النفط ولا ملئ قنينة غاز واحدة، أثبتت للعالم اجمع قدرة الأهالي وقادتهم على استثمار الإخلاص وحب الوطن واحترام القانون، والإصرار على إنتاج ما تعجز عنه دول البترول والثروات الطبيعية الأخرى، وبعيدا عن الشعارات الافيونية التي خدرت معظم شعوب الشرق الأوسط ومن شابههم في نمط السلوك السياسي والإداري المقرف، فقد نجحت دبي بإرادة أهلها وقادتهم على انجاز ما أثار العالم برمته، بما في ذلك الأمريكان والأوربيين الذين تغص بهم هذه الإمارة الماسية، التي تفوقت على مدن الشرق والغرب في جودة ما تصنعه وفي استثمارها لا للمال الأجنبي فحسب، بل للخبرات العالية المستوى علما وتكلفة وجودة من أجل أن يشعر مواطن تلك الإمارة بالزهو، هو وسبعمائة ألف إنسان آخر يشكلون سكان الإمارة الأصليين، يشاركهم في كل ما أنجز ما يقرب من مليوني إنسان آخر من كل  أنحاء الكوكب وفي مختلف الاختصاصات والوظائف باستثناء اختصاصات الكسل والتنبلة والشعارات والاتكاليات، لا يفرق بينهم عرق أو لون أو دين أو مذهب وتوحدهم مشاعر الانتماء للجودة والرفعة!

     حينما تأسس هذا الاتحاد في عام 1970م كانت بغداد وشقيقاتها من مدن العراق تتباهى إلى حد ما بعمرانها وزراعتها وبعض صناعاتها وجامعاتها، وبعد أربعين عاما أصبحت الأمور في غاية التعقيد إذا ما حاول المرء أن يقارن بين دبي أو أبو ظبي وبين بغداد أو البصرة أو الموصل، ولكي لا تكون مساحة الإحباط كبيرة، نهضت مدن في كوردستان خلال اقل من عشر سنوات وبسرعة مذهلة اختصرت فيها كثير من الزمن، لكي تنهض بشكل جعلني افتخر كثيرا وأنا استمع لنخبة من المثقفين ورجال الإعلام والأعمال في دبي ممن زاروا اربيل ودهوك والسليمانية، وهم يبدون إعجابهم الكبير بما حققه شعب كوردستان خلال سنوات قليلة من الانجازات، رغم ما أفسدت بعض مشاريعه حلقات من فساد المال والإدارة، إلا إن المحصلة الأخيرة أعطت نتائج نفخر بها جميعا ونطمح أن تنتقل إلى كوردستان أروع أسباب نجاح تجربة إمارة دبي ألا وهي سيادة القانون وصرامته على الأمير وعلى عامة الناس، وثقافة صناعة الجودة التي تميزت بها هذه الإمارة وشركاتها ورجال أعمالها الذين يعتمدون في كل مشاريعهم وإنتاجهم واستيراداتهم على أرقى المستويات تنفيذا وتصنيعا، مما جعل إمارتهم (First class ) في كل شيء، وهي تعمل ليل نهار لكنها تتمتع أيضا ليل نهار، بحيث يصعب عليك أن تفرق بين ساعات العمل والمتعة، فهي قد نجحت بتميز كبير في استثمار ساعات المتعة أيضا من اجل أن لا تتوقف عجلات العمل والتقدم وهي تعج بآلاف الشركات ورجال الأعمال من كل أصقاع الدنيا، يجدون فيها ضالتهم وواحة آمالهم واستراحتهم وهم ينجزون على ضفافها أجود ما حلموا به!
kmkinfo@gmail.com
 


275
المنبر الحر / بلاد الزرق ورق!؟
« في: 17:35 20/05/2014  »
بلاد الزرق ورق!؟

كفاح محمود كريم

     رغم وجود عوامل كثيرة تقف وراء تفشي ظاهرة الفساد والإفساد إلا أن عاملا مهما يبدو انه الأكثر تسببا في إنتاج أجيال من الفاسدين، وهو الناتج من خلل في توازن معادلة الإنسان المناسب في المكان المناسب، هذا الخلل الذي تحول في بلداننا التي تستحق بجدارة تسمية بلدان الزرق ورق، كما تسميها الدارجة العراقية وهي تصف مظاهر مزركشة وبواطن نتنة تختفي وراء عناوينها أكثر السلوكيات انحرافا وتخلفا، فما أجمل البرلمان والرئاسة والقضاء في ظواهرهم المزركشة، وما أقبح ما نتج عنهم طيلة سنين مضنية وحادة في القتل والتخريب واللصوصية والهدر في المال العام والثروات الطبيعية والطاقة؟

     ولعل الكثير منا شهد ويشهد الآن وخاصة منذ انهيار هيكل البعث المهترئ في العراق، ومَن ماثله من أنظمة القائد الضرورة والزعيم الأوحد من تونس ومصر وليبيا واليمن ولاحقا سوريا وغيرها، ونهوض مؤسسات يفترض أن تكون أفضل من سابقاتها الكارتونية أيام أنظمة الزعماء المحنطين وأحزابهم المتكلسة، حيث انتخبت جموع الجياع أكلا ووعيا وعقلا وممارسة وسلوكا أناسا يمثلونها، لتأسيس دولة رجل الشارع والعموم من الأهالي، ولأنه كما تقول الدارجة العراقية في أجمل توصيفاتها " عاب شيء لا يشبه أهله؟ " فقد اندست تلك الكائنات التي تشبه أهلها عبر صناديق العشائر والشيوخ والفتاوى إلى قبة الامتيازات والسحت الحرام!؟

     وبين ليلة وضحاها أتقن أنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين رياضة القفز واللعب على الحبال لممارسة بقالة السياسة والإعلام، ليتحولوا بقدرة قادر في الربيع المزركش إلى علماء ومفكرين في بلدان ما تزال تئن من جروح الدكتاتورية وثقافة القطيع وفهلوة الراقصين في كل المواسم والحفلات، فحينما يصبح نادل أو عريف في الشرطة، فريق أول في الجيش خلال أشهر، أو رئيسَ تحرير جريدة يومية أو مديرا عاما لفضائية، ماذا تتوقع أن تكون عليه الأمور سياسيا وإعلاميا وأخلاقيا، حيث شهدنا أنماطا من هؤلاء ظهروا بوضوح المعالم وسفاهة الادعاء في فضاءات السياسة والإعلام، تدعمهم ماكينة الفساد السياسي ومؤسساته الحزبية أو الاجتماعية عبر منظومة العشائر والقرى وما يلحقهم من سلوكيات وممارسات، فأصبح لدينا وبأسماء جميلة للغاية مؤسسات البرلمان والرئاسة المنتخبة عبر ذات المعايير التي استحوذت بواسطتها كل الأنظمة الشمولية من ناحية المبدأ واختلاف الأساليب والآليات!؟

     وليس عجيبا في بلدان الزرق ورق كما هو واضح في ظاهرها المزركش وباطنها المتعفن بالفساد والتسلط وكما ذكرنا قبل اسطر، أن ترى نائب ضابط  في الجيش أو عريف في الشرطة قد أصبح بجرة قلم حنون فريقا أولا في جيش صدام حسين، وبعد 2003 يتحول شبيهه إلى صحفي أو رئيس تحرير جريدة أو مدير عام فضائية وهو لا يعرف ألف باء أخلاقيات تلك المهن، وخذ عندك من مشاهداتك عزيزي القارئ في قريتك أو بلدتك أو مدينتك خلال العقد المنصرم من نماذج مخجلة أضاعت علينا فرصا تاريخية وذهبية للنهوض بالبلاد وتطويرها، حيث تكلست عناقيد هذه المجاميع الطفيلية من عصارة الماضي المخجل للبلاد، في كل مفاصل الدولة إلى الدرجة التي جعلت الشعب الذي أبكته الأنظمة السابقة يبكي عليها اليوم ويحن إلى أيامها!؟   

kmkinfo@gmail.com



276
قاضٍ أم نائب أم دلال؟

كفاح محمود كريم

     قبيل انتخاباتنا الميمونة وهبوط الصمت الانتخابي، جن جنون المتنافسين كتلا وأحزابا ومرشحين في استعراضات لا ينقصها الكذب ولا الافتراء، وتزينها الكلاوات والوعود الفارغة، حتى انك تصاب بالاشمئزاز من تسول بعضهم للأصوات بشكل صفيق من خلال توزيعهم لرشاوى على شكل مبالغ نقدية أو دجاجية أو بطانيات ومدافئ، تذكرنا بدلالات البسطات أمام الأسواق المركزية واورزدي باك سابقا.

     لكن أبشع ما شهدناه حقيقة خلال الحملات الانتخابية تلك المشاهد التي احتوت على مساومات رخيصة جدا، وهي تستهين بالمواطن وتستغل سذاجته وحاجاته الأساسية في السكن أو التملك، ضمن حقوقه الإنسانية المهمة على الدولة ومؤسساتها، دونما منة أو فضل من احد، ولعل الكثير من أولئك الذين حاولوا تجديد عضويتهم في بقالة مجلس النواب وخاصة ممن ذاقوا الطعم وعرفوا من أين تؤكل الكتف وحولوا " الهور إلى مرك والبردي إلى خواشيك "* كما تقول الدارجة العراقية في أجمل توصيفاتها لأهل المزايدات والمبالغات وهم يمهدون لرجعتهم الثانية أو الثالثة إلى عالم المزايدات والامتيازات وسوق دماء ودموع وقوت شعب أدمن نظام القطيع تحت خط الفقر وتخدير مختلف الشعارات من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها!؟

     ولعله ونحن في مسيرتنا الديمقراطية ذات الألف ميل ما زلنا في خطواتها الأولى، أكثر ما يؤلم سلوك أولئك الذين شغلوا مناصب تنفيذية بمختلف المستويات من دولة الرئيس إلى فراش المدير، واستغلوا تلك المواقع والمناصب وصلاحياتها لغرض الدعاية الانتخابية لشخص أو حزب أو كتلة، بل إنهم استخدموا آليات حكومية وأموال عامة وعقارات تابعة للدولة، إضافة إلى الأراضي التي وعدوا بتوزيعها وتمليكها لأولئك المصابين بالعجز الأبدي في المال والسكن والعمل من الفقراء في جيوبهم وعقولهم ووعيهم، أولئك الذين كانوا عبر التاريخ محط استغلال كل الأنظمة والأحزاب اليسارية واليمينية حتى تحولوا إلى قطعان تقودهم ذئاب بشرية تسلقت سلالم السلطة والمال في زمن كوليرا الأخلاق والقيم!؟

      ولا غرابة أن نشاهد نموذج من تلك المساومات الرخيصة لحاجات الفقراء حينما يتم استبدالها بأصواتهم والتهديد بالحساب بعد الانتخابات في مصداقية التصويت لمن سيمنحهم تلك الأراضي؟*

      مشاهد يتوقف عندها المرء عاجزا أو حائرا أمام تعريف لصاحبها أو توصيف لفعله ومهنته فيتيه بين عناوين عديدة، هل هو القاضي الذي وقف أمام ميزان العدل ليحكم مجرمي النظام السابق الذين اخترقوا القوانين واستغلوا مراكزهم ومواقعهم لاستغلال الشعب والاستحواذ على السلطة، أم هو النائب الذي انتخبته الأهالي لكي يمثلها ويدافع عن حقوقها بعدالة وشفافية، أم هو دلال في سوق للمزايدات والمساومات في أسواقنا الشعبية بالشورجة أو باب الطوب أو سوق هرج!؟

     حقا ما أصدق الحديث الشريف " كيف ما تكونوا يولى عليكم!؟ "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•   مثل شعبي عراقي يضرب على من يبالغ في الأمور فيحول الاهوار إلى موائد طعام وعيدان البردي إلى ملاعق للأكل! 
•   يوتيوب يظهر مساومات مع مجموعة من فقراء الفلاحين لقاء إعطاء أصواتهم:
 https://www.youtube.com/watch?v=ZwV8EKCV-_I




277
أصوات وسيوف مهترئة؟

كفاح محمود كريم

     اعتاد بعض أفراد طاقم دعاية كتلة القانون والمقربين من إدارتها إشاعة معلومات مشوشة غير دقيقة بل في اغلبها مناف للحقائق إلى حد التجني والادعاء، وليس أدل على تلك الظاهرة المستشرية بين طواقم معظم من حكم بغداد عبر تاريخها كعاصمة للدولة العراقية ربما باستثناءات قليلة لا تخضع للقياس العام، إلا تصريحات وادعاءات وتدليس تلك الطواقم الملحقة بدفة الحكم.

     ومنذ أن بدأت الحملات الانتخابية شرعت تلك المجاميع بتصريحات من شأنها توسيع رقعة الخلافات وإشاعة الكراهية والأحقاد بين المذاهب والأديان والأعراق، فقد شاهدنا وسمعنا تصريحات لبعض نايبات البرلمان العراقي ممن رفعت عنهن نون النسوة وما يترتب عن ذلك الحرف من صفات ومواصفات، وهن يصببن جام عقدهن على الآخرين المختلفين معهن رأيا وفكرا وسلوكا، حتى وصلت السفاهة بالبعض إلى المطالبة بقتل سبعة من السنة كلما قتل سبعة من الشيعة، أو كما قالت واحدة أخرى من الشفاطات بضرورة معاقبة إقليم كوردستان ومحاصرته!؟

     ثم ينبري آخر تخصص بالكراهية والحقد على كل شيء جميل في بلادنا، ويتفق كل العراقيين باستثناء طاقم الدعاية والتنظير حول السيد رئيس الحكومة الاتحادية بان أجمل ما بقي من بلاد اسمها العراق هو إقليم كوردستان وربما لهذا السبب ينبري هؤلاء الفاشلون في كل مرة لكي ينفثوا سمومهم بتصريحات لا يصدقها إلا من شاكلهم في العقلية والعقد ومركبات النقص، حيث يقول سامي العسكري في واحدة من بهلوانياته الدعائية إن:
 
     ( إقليم كوردستان تحول إلى مشكلة في الجسم العراقي لأنه يتدخل بشؤون الإدارة في العراق ولا يقبل احد بالتدخل في شؤونه! ) وان ( إقليم كوردستان يعد الإقليم الوحيد في الكرة الأرضية (!) الذي يمتلك جيش أقوى من جيش الحكومة المركزية )!؟

    وماذا بعد !؟ هل من اكتشاف جديد؟

    لقد نسي العسكري إن قوة إقليم كوردستان ليست بقواته المسلحة فقط، مع ما يشهد لها عبر التاريخ من قوة وارداة وصلابة كونها تمتلك قضية تؤمن بها وتعتنقها، ورغم ذلك فان القوة الحقيقية في الإقليم تكمن في نجاحاته وإيمانه وإرادته على الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة بأخلاقيات متحضرة ومدنية تواكب العصر، وهذا ما حصل ويحصل منذ اقل من عقد واحد من السنين، حيث أنجز الكوردستانيون ما عجزتم عنه خلال ذات الفترة وبما يقرب من سبعة مئة مليار دولار، بل إن ما حصل في الإقليم فاق كل ما أنجزته حكومات بغداد منذ تأسيس كيان الدولة وحتى يومنا هذا بإمكانيات محدودة ومنقوصة كما يعلم الجميع، إلا إن الإرادة الصلبة والإيمان الكبير  لشعب كوردستان وقياداته ومؤسساته الدستورية هي التي جعلت هذا الإقليم الأجمل والأقوى والأجدر بالديمومة والبقاء، فهو ملاذ العراقيين جميعا وحضنهم الدافئ بعيدا عن المذهبية المقيتة والتخلف والفساد واللصوصية.

    إن القوة لم تعد تحسب بنوع السلاح وعدده في الجيوش ولا بعدد أفراده، فقد امتلك صدام حسين جيوشا جرارة واخطر أنواع الأسلحة وأكثرها تطورا وملايين من المكسورين، لكن إرادة البيشمه ركه وإيمانها بقضيتها هي التي حطمت تلك الأسطورة وتلك الأسلحة التي أذلتها الإرادة الصلبة المؤمنة، وأحالت فيالق جرارة من العساكر إلى أسرى!

     لقد كان أهم أسباب ضعف الجيش العراقي هو انه لم يمثل الشعب ومكوناته بشكل حقيقي، ولم تنجح كل الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق في إشاعة مفهوم راق للمواطنة تجعل منه جيشا يتشرف كل العراقيون بالانتماء إليه، بل استخدمته كوسيلة قمعية طاغية بيد تلك الأنظمة ولهذا كان ضعيفا مهترئا مكسورا، وهو اليوم أيضا وضع في ذات الدائرة التي تسببت في ضعفه وانحلاله، وقد نبهت قيادة الإقليم منذ البداية إلى إن الوقوع في تلك الدائرة  ستحول الجيش إلى مجرد ميليشيا تابعة لرئيس النظام وينحصر تمثيله بفئة وحزب ومكون على حساب الآخرين، وتلك ستكون سببا لفشله وضعفه وإسقاط تسميته بالجيش الوطني، إلا أنهم أصروا على الوقوع في ذات النهج الذي تسبب في ما حصل للعراق من دمار وتفكك وانهيار.

kmkinfo@gmail.com


278

الناطق الرسمي لرئاسة اقليم كوردستان
يرد على تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأخيرة

     طرح رئيس مجلس الوزراء العراقي، في الآونة الأخيرة، في عدد من لقاءاته التلفزيونية والصحفية، وجهات نظر وآراء خطيرة حول حقوق الشعب الكوردي والفيدرالية والدستور والعملية السياسية في العراق، لا يمكن تجاهلها وعلى كافة المؤمنين بمبادئ الديمقراطية عدم السكوت حيالها، وقد أتت هذه التصريحات في وقت تتعمق فيه الأزمة السياسية أكثر من أي وقت مضى، حيث تشهد البلاد تدهورا أمنيا واضحا، ويعاني المواطنين من سوء الخدمات على الرغم من الواردات الكثيرة والميزانيات الضخمة، ويأتي ذلك كحصيلة عمل لثمان سنوات من إدارة رئيس الوزراء الحالي للحكومة الاتحادية، هذا بالإضافة إلى إن الطائفية والتمزق الاجتماعي ونيران الفتنة بين المكونات تتوسع يوما بعد يوم في ظل هذا الحكم.
     إن سياسيا يملك هذا السجل المتردي من المسؤولية، بدلا من أن يعتذر للشعب العراقي ويبتعد عن العمل السياسي، يقوم بالتهجم على المكونات العراقية ويعرض نفسه كمنقذ محملا الغير أسباب فشل سياسات حكومته. 
     إن تصريحاته حول حقوق الشعب الكوردي والشراكة والديمقراطية وخرق الدستور، هو دليل على إحياء تلك الثقافة التي أفقدت الشعوب العراقية السلم والأمان وأوصلت أبشع أنواع الحكام إلى سدة الحكم، وحول تلك التصريحات نود توضيح وإعلام   جميع الأطراف بما يلي:

أولا:
     إن الطرف الوحيد الذي يحق له التحدث عن حق تقرير المصير للشعب الكوردي، هو الشعب الكوردي نفسه، لأنه حق مشروع وطبيعي ولن يستطيع أي شخص أن يصادر هذا الحق، وليست هناك أي قوة قادرة عن منعه من ممارسته، لأن هذا الحق يعلو على كل الحكام والحكومات.   
     بعد سقوط النظام السابق لعب الشعب الكوردي دورا أساسيا في إعادة بناء العراق، وقرر بشكل طوعي أن يعيش ضمن الدولة العراقية، وأن يصوت للدستور العراقي، الذي تشكل الشراكة والديمقراطية العماد الرئيسي له، كما وانه وبعد سقوط البعث رغب الشعب الكوردي بفتح صفحة جديدة لتجديد عقده مع العراق على أمل أن تنتهي في العراق الجديد كل أنواع الاضطهاد والتبعية والظلم والإقصاء وان تكون الفيدرالية والديمقراطية والشراكة الحقيقية هي الأساس لتعايش الشعوب العراقية،    ولكن بعد سنوات من المصادقة على الدستور، فانه أي الدستور ومبدأ الشراكة أصبحا من الناحية العملية معرضين لتهديد ثقافة الاستبداد والنظر إلى الكورد كتابع.
      إن حكام العراق الحاليين لم يسمحوا أن يجتاز العراق امتحان المرحلة الجديدة والالتزام بالدستور بنجاح، وانه على العكس من كلام رئيس الوزراء العراقي، فان مطالبة الكورد بمراجعة نوعية علاقة الشعب الكوردي مع العراق مطلب دستوري، لأنه وبحسب ما جاء في ديباجة الدستور العراقي التي تقول إن العراق عراقا اتحاديا اختياريا بين مكوناته وان الالتزام بهذا الدستور يحافظ على هذا الاتحاد أرضا وشعبا وسيادة، وان سبب تثبيت هذه الفقرة هو من أجل أن يكون هناك طريق دستوري لتتمكن كوردستان من تقرير مصيرها، في حالة تسلم شخص السلطة في العراق وقام بخرق الدستور وتجاوز الشراكة.
     إن الذي يشجع الكورد على إعادة النظر في علاقاته مع العراق هو خرق الدستور من قبل حكام العراق، فالخروقات الدستورية والسياسات المضادة للدستور خلال السنوات الماضية من قبل السلطة في بغداد أبعدت العراق عن الفيدرالية، بل وبالضد من الدستور فقد قام حكام العراق الحاليين بمنع المحافظات من ممارسة حقها في إعلان نفسها كأقاليم، وعمل الحكام على ترسيخ الطائفية وخرق مبدأ فصل السلطات وعدم وجود المجلس الاتحادي والعودة إلى المركزية وعشرات من المواقف التي قطعت الطريق أمام تحول العراق إلى دولة فيدرالية حقيقية، ولذلك فان الخطر الحقيقي على وحدة الدولة العراقية هم حكام بغداد الذين أفرغوا العراق من كل معاني الفيدرالية بعد كل هذه التضحيات، وبعد أن شعر الشعب الكوردي إن نظرة التبعية تجاه الكورد والتخلي عن الشراكة في بغداد في تصاعد مستمر، فانه من حقه أن يفكر في إعادة النظر بعلاقته مع العراق.
 
ثانيا:
     يظهر وبجلاء من خلال تصريحاته إن رئيس الوزراء العراقي لم يهضم بعد مبادئ الديمقراطية والعمل البرلماني عندما يصف منافسيه السياسيين بمخططي مؤامرة أربيل، ويبدو إن رئيس الوزراء العراقي نسي إن التوافق واتفاقية أربيل هي من أوصلته إلى رئاسة الوزراء للمرة الثانية وان سلطته هي نتيجة توافق المكونات العراقية.
     على رئيس الوزراء العراقي أن يدرك إن المنافسة السياسية فعل طبيعي في الحياة السياسية وانه من الطبيعي أن يتسلم شخص ما الحكم عن طريق التوافق ويغادر السلطة بنفس الآلية، صحيح إن اجتماعات أربيل لم تنجح في سحب الثقة من المالكي وهو يعلم جيدا السبب في ذلك، إلا أنها كانت ممارسة حق دستوري وقانوني للأطراف السياسية، والدستور يسمح لها  بأن تسعى إلى إنهاء سلطة رئيس الوزراء عن طريق سحب الثقة منه.

 ثالثا:
     إن رئيس الوزراء الذي جاء بتوافق المكونات العراقية يحاول وفي إحدى تصريحاته أن يظهر نفسه فوق جميع المكونات العراقية ويقسم العراق على أساس طائفي عندما يقول: أنا أقف ضد الكورد عندما يخرقون الدستور، وأقف ضد السنة عندما يخرقون الدستور كما أقف ضد الشيعة عندما يخرقون الدستور، وهنا لا يرى السيد المالكي غير نفسه فهو يهمش الدور الرقابي للبرلمان والمحكمة الاتحادية ورئاسة الجمهورية، علما بأن الدستور لم يعط المالكي دورا رقابيا، وان وظيفته وظيفة تنفيذية ليس إلا، وليس هو من يقرر إن جهة ما خرقت الدستور من عدمه، وتصريحه بهذا الخصوص لا يستند إلى أي سند دستوري.
 هو يقول: "اليوم أنا مع الكورد، وغدا أقف ضدهم إذا خرقوا الدستور".
     إن رئيس الوزراء العراقي أرسل جيشه إلى زمار وكركوك ضد الكورد، ووصف الخلافات بين أربيل وبغداد بالخلافات القومية، وقام بقطع رواتب مواطني كوردستان، هذه هي أعمال نوري المالكي تجاه الكورد وهو يدعي بأنه معهم، فماذا سيفعل غدا إذا أعلن غدا انه ضد الكورد؟

رابعا:
     إن رئيس الوزراء العراقي يعتقد إن الكورد غير مستعدين للانفصال وغير قادرين عليه بسبب الدول الجوار والخلافات الداخلية، ويقول كذلك إن الكورد لم يستطيعوا تشكيل الحكومة بعد مضي ستة أشهر.
    حقيقة، إن التهديد الأكبر الذي واجه الكورد خلال التسعين السنة الماضية هو العقلية الديكتاتورية واللا ديمقراطية للحكومات العراقية المتعاقبة وليس شيء آخر، وان وجود الاختلاف في الرأي بين الأطراف الكوردية حالة طبيعية، وإنها ألف باء الديمقراطية.
     إن كوردستان تعمل من أجل تشكيل حكومة وطنية قوية على أساس التوافق ومشاركة كافة الأطراف، وهذه هي القواعد نفسا التي لا يريد رئيس الوزراء العراقي الأخذ والعمل بها، مع انه استفاد منها كثيرا ولكنه قام بخرقها، فقد أشار في إحدى تصريحاته انه قد ضمن تحالفا مع طرف كوردي، إن هذا الكلام مجرد دعاية انتخابية، لأنه لا يوجد طرف كوردي مستعد للانتحار سياسيا بتحالفه مع شخص لا يؤمن بحقوق الشعب الكوردي ويقف بالضد منه.

خامسا:
     إن رئيس الوزراء العراقي يتحدث عن الشراكة، ويدعي بان الكورد لم يفهموا معنى الشراكة ويعتبر الشراكة المؤسسية ومشاركة الكورد في البرلمان ومجلس الوزراء دليلا على وجود الشراكة في العراق.
إن حكومة لا تحترم المؤسسات وتتجاوز شركائها من أجل تمرير قانون أو مشاريع قوانين، كيف لها أن تطبق الشراكة المؤسساتية؟
عن أية مؤسسات يتحدث؟
في الوقت الذي يصدر جميع القرارات من مكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة؟
أية مؤسسات يقصد؟
عندما يمرر قانون الميزانية العامة بدون الصوت الكوردي؟
أي مؤسسات؟
عندما يعمل مجلس الوزراء بدون وجود النظام الداخلي؟
 
سادسا:
     إن مرحلة حكم الرئيس الحالي لمجلس الوزراء العراقي تعد أحدى أسوأ المراحل في تأريخ العراق، وان سجل أعمال حكومته مليئة بالفشل الاقتصادي والسياسي للدولة العراقية، وانه وبعد ثماني سنوات من الحكم لا يستطيع أن يتهرب من مسؤوليته عن:
1- تدهور الوضع الأمني والتهديدات اليومية للإرهاب.
2- إن العراق في ظل هذه الحكومة أصبح من بين أكثر دول العالم فسادا.
3- تدهور العلاقات الدبلوماسية للعراق مع العديد من دول الجوار. 
4- تفاقم نسبة هجرة المواطنين ومهجري الداخل وتصاعدها بازدياد مستمر.
5- على الرغم من الميزانيات الضخمة والواردات الكبيرة، فان مستوى تقديم الخدمات وقطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والطرق سيئة جدا، ونسبة الفقر في تصاعد مستمر.
6- العمل على ترسيخ الطائفية وإشعال نار الفتنة واتساع الهوة بين المكونات العراقية.
7- يبتعد العراق يوما بعد يوم عن معاني الدولة.
8- إن أوضاع حقوق الإنسان والحريات الفردية ووضع المرأة العراقية قد ساءت كثيرا، وان الاعتقالات بدون قرار المحاكم أصبحت ظاهرة منتشرة، إضافة إلى إن الحكومة غير مهتمة بمتابعة الأعداد الكثيرة من حوادث القتل والخطف والجريمة التي تحدث في المدن العراقية.
 
سابعا:
      يتحدث رئيس الوزراء العراقي مدعيا بأنه وحكومته لم يتخذوا أية خطوة ضد الدستور والقوانين، بل ويتحدى من يأتيه بأية خروقات دستورية قام بها هو أو حكومته خلال ثمان سنوات من حكمه.
     وهنا يمكن أن نشير إلى عدد من الخروقات الدستورية والقانونية لرئيس مجلس الوزراء وحكومته خلال السنوات الثماني الماضية:
1- عدم تطبيق المادة 140 من الدستور العراق والعمل ضد أحكام المادة المذكورة وبطرق مختلفة.
2- التهرب من إجراء التعداد السكاني، حيث إنه وبموجب قانون مجلس النواب العراقي كان من المفروض إجراء التعداد السكاني في 2008، ولكن الحكومة العراقية لم تقم بذلك، ورغم إن المحكمة الاتحادية اتخذت قرارا ملزما لإجراء التعداد السكاني، إلا أن حكومة المالكي لم تلتزم لا بقانون مجلس النواب ولا بقرار المحكمة ولم تجري التعداد السكاني لحد الآن.
3- خلافا للمادة 85 من الدستور فان مجلس الوزراء العراقي ورئيسه يعملان بدون وجود نظام داخلي للمجلس، وهذا يؤدي إلى نهج الدكتاتورية في اتخاذ القرارات وفي عملية إصدارها، وإنهاء أحدى أهم أسس الشراكة المؤسساتية التي يتحدث عنها المالكي، وفي ظل عدم وجود هذا النظام لا يستطيع نواب رئيس الوزراء ممارسة صلاحياتهم الحقيقية وأداء مهامهم.
4- على العكس من المادة الأولى من الدستور التي تعرف الدولة العراقية بأنها ذات نظام جمهوري برلماني، لكنه قد تم تجميد الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب بسبب تدخلات السلطة التنفيذية.
5- خلال السنوات الماضية تمت إدارة الكثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات المهمة وكالة، كما وفي مخالفة صريحة للفقرة خامسا من المادة 80 من الدستور لم تقدم الحكومة أسماء وكلاء الوزارات والسفراء وقادة فرق الجيش ومسؤولي المؤسسات الأمنية ورئيس جهاز المخابرات الوطنية وأصحاب الدرجات الخاصة إلى البرلمان، علما بأنه لا يحق لرئيس الوزراء سوى ترشيحهم إلى البرلمان لإقرار تعيينهم وإعطائهم درجاتهم الخاصة، الا ان المالكي وخلافا للدستور قام بتعيينهم دون الرجوع الى البرلمان. ان غياب البرلمان في تعيين تلك المناصب، يؤدي بالنتيجة أن تكون تلك القرارات لمصلحة وصلاحية شخص واحد هو رئيس الوزراء.
6- بموجب المادة 63 من الدستور لعضو مجلس النواب خلال عمله حصانة ولا يمثل أمام المحكمة بناء على آراءه، ولكن هناك نواب قد جرى توقيفهم بدون رفع الحصانة وتم إبعاد عدد منهم وذلك فقط بسبب آرائهم المخالفة لرأي المالكي.
7- بموجب المادة 9 من الدستور العراقي فان القوى الأمنية والجيش يتكون من أبناء كافة المكونات العراقية دون تمييز وأن يراعى التوازن في تشكيلاته، وأن يكون  تحت قيادة مدنية وأن يدافع عن العراق ولا يستخدم لقمع الشعب العراقي وان لا يكون للجيش دور في الشؤون السياسية وتداول السلطة.
8- والسؤال هنا، أين توازن المكونات داخل الجيش والأجهزة الأمنية؟
أين الانتماء الوطني لتلك القوات؟
     إن رئيس الوزراء يسعى إلى صنع جيش يكون ولاءه لشخص واحد، وعلى النقيض  من الدستور يتم استخدامه واستخدام الأجهزة الأمنية لزرع الخوف والرعب لدى أبناء المكونات العراقية وحسم الخلافات السياسية وقمع المتظاهرين، إضافة إلى استحداث عدد كبير من الهياكل والمؤسسات خارج الدستور، مثل قيادات العمليات وقوات مكافحة الإرهاب وقوات سوات .. والخ.
     إن المالكي وعن طريق تشكيل قيادات العمليات العسكرية في المناطق المختلفة من العراق، يمارس صلاحيات حالة الطوارئ وهذه مخالفة صريحة للدستور، لان إعلان حالة الطوارئ يحتاج إلى موافقة رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة من مجلس النواب.
9- إن المادة 122 من الدستور قد حددت صلاحيات المحافظات على أساس اللا مركزية وان المحافظ يعتبر السلطة الأعلى في الحدود الإدارية للمحافظة، وان مجالس المحافظات لا يخضعون لأية وزارات ولهم ميزانية مالية مستقلة.
وفي مخالفة واضحة لتلك المادة، وفي ظل سلطة المالكي ومقربيه فان المحافظات لا تملك تلك الصلاحيات وان الحكومة تتعامل معهم بشكل مركزي.
     وأخيرا، فان ما جاء في هذا البلاغ هو صورة عامة عن الأوضاع المتردية التي يعيشها الشعب العراقي، ومن المؤكد إن هذه الأوضاع هي نتيجة سوء الإدارة ومحاولة إعادة إنتاج الدكتاتورية، والسعي إلى التسلط والمركزية وخرق الدستور،   وان رئيس الوزراء العراقي لا يمكنه التهرب من المسؤولية.
     نأمل أن تستفيد الشعوب العراقية من الفرصة المؤاتية وتتمكن عن طريق الانتخابات من إنهاء هذه الأوضاع السيئة وإحداث تغييرات جوهرية في العملية السياسية وإعادتها إلى مسارها الصحيح. 

 


279
كوردستان والأسس النبيلة

كفاح محمود كريم

     منذ أيام الثورة الأولى وبداية تنفيذ المشروع النهضوي الكوردستاني حددت القيادات الكوردية مجموعة أخلاقيات وثوابت للتعاطي مع المجتمع الكوردستاني بكل أطيافه ومكوناته القبلية والدينية والاجتماعية، ومع العدو المتمثل بقطعات الجيش والأجهزة الخاصة التي تحارب فصائل الثوار البيشمه ركه والتنظيمات الحزبية في المدن والقرى، ولعل ابرز تلك الأخلاقيات والثوابت ما أكده الزعيم الكوردي الكبير مصطفى البارزاني من إن العدو الحقيقي ليس الجيش أو العرب بل النظام الدكتاتوري الحاكم، وعليه فان أسرى القوات المسلحة ضيوفا وليسوا أعداء، وكان يوصي بهم كثيرا ويحسن التعامل معهم حتى قرر الكثير منهم البقاء مع الثوار والاشتراك معهم في كثير من العمليات.

     ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث تمتع الكوردستانيون بنوع من الاستقلال الذاتي أتاح لهم اختيار الديمقراطية أسلوبا في إدارة مناطقهم المحررة وتشكيل مؤسساتهم الدستورية وفي مقدمتها البرلمان والحكومة الإقليمية التي أدارت الإقليم بشكل ناجح رغم ما اعترضها في معظم كابيناتها من تحديات كبيرة داخلية وخارجية.

     ولعل أهم ما ميز نقاء المشروع النهضوي لشعب كوردستان هو تعامله مع كثير من المفردات التي منحته مصداقية عليا لدى الأهالي والمراقبين في كوردستان والعراق عامة، وفي مقدمة ذلك تحوله إلى ملاذ آمن لكل العراقيين المعارضين للدكتاتورية سواء اتفقوا أو اختلفوا مع قيادة الإقليم، إضافة إلى حمايتهم لأنابيب البترول التي كانت وما تزال تمر من الأراضي الكردستانية المحررة، وطيلة ثلاثة عقود لم تتعرض فيها إلى أي خدش بينما لم تفلت ذات الأنابيب من الموصل وحتى البصرة من عمليات السرقة والنهب والتخريب، حتى إن البترول يتوقف لأشهر كاملة من اجل تصليح ما خربته المجاميع المسلحة وغير المسلحة.

     وفي قضية المياه التي روج لها العنصريون وخاصة تلك الأكذوبة التي حاول البعض إشاعتها من أن الكورد يحبسون مياه سد دوكان ودربندي خان، فقد أكدت مجريات الأمور أنها افتراءات سخيفة يراد بها كسب مجاميع من الأصوات الخائبة للحصول على مقاعد في برلمان الامتيازات والقومسيونات، حيث أن دوكان ودربندي خان وغيرهما تحت سيطرة الإقليم منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ولم يحصل شي من هذه الثقافة البائسة، فهي هنا تغطية على جريمة قطع المياه من السدود والسدات في غرب البلاد سواء من الحكومة التي تريد إغراق المدن والبلدات بقصفها لتلك السدود أو من قبل المسلحين؟

     أن المحن والظروف الصعبة هي التي تظهر حقيقة ومعادن البشر كما يقولون، ففي أكثر المواقف حدة في الصراع بل وحتى في أيام الانتصار وتقهقر العدو، كان الكوردستانيون يقبلون أي بادرة سلمية لحل القضية الكوردية، كما حصل في الحادي عشر من آذار 1970م، وكان حينها الجيش العراقي قاب قوسين أو ادني من الانهيار الكلي، إلا إن القيم الأخلاقية العليا التي تنتهجها الثورة في كوردستان تأبى استغلال الفرص لتنفيذ مشاريعها، فكانت تختار السلام والحوار طريقا للوصول إلى حلول أولية للمشكلة، وقد حصل هذا في الستينيات مع عبدالرحمن البزاز ومع البكر في آذار 1970م الذي تمخض عن اتفاقية آذار التي اعترفت لأول مرة بحق الكورد في الاستقلال الذاتي.

     ولكي لا نوغل في التاريخ علينا أن نتوقف عند مجريات ما يحصل اليوم في غرب البلاد، حيث استحوذت مجاميع من المسلحين على سدة في مجرى نهر الفرات استخدمتهما بشكل منافي للأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة في التهديد بإغراق المدن والبلدات، وفي الجهة الأخرى هناك اتهامات جدية للقوات الحكومية بمحاولتها قصف السدة وتدميرها للرد على تلك المجاميع!؟. 

     لقد كانت ابرز أخلاقيات الثورة في كوردستان واهم أسباب نجاحها هي كيفية التعامل مع كثير من المفردات، وفي مقدمتها عدم استخدام أي وسيلة إرهابية مهما كان العدو، وبالذات أساليب الاغتيالات التي تمرست بها أجهزة البعض وكثير من مخابرات الأنظمة الدكتاتورية، فهي محرمة تماما في نهج الثورة وأخلاقيات مشروع نهوض وكردستان التي حافظت على أنابيب النفط المارة من الأراضي التي تسيطر عليها قوات البيشمه ركة منذ مطلع التسعينيات وحتى يومنا هذا، حيث لم تصب بخدش أو عطل بأي شكل من الأشكال، فهي تحت حماية تلك الأخلاقيات كما كانت عقارات وممتلكات أزلام النظام السابق وعملائه مما يسمى هنا بالجحوش، والتي رفضت كوردستان وقيادتها الاستيلاء عليها من أي شخص مهما كان قبل الاتفاق مع أصحابها الشرعيين وخارج قوى التأثير والاستغلال، بما يجعل شعب كوردستان ومؤسسات الدولة فيه وأجيال شبيبته تفتخر بتاريخها وسلوكها وثقافتها وتعاطيها مع كثير من المفردات اليومية للحياة وصراعاتها، سواء كانت مع العدو أو مع تناقضات الداخل التي نجحت في توظيفها إلى صور مدنية متحضرة للصراع، بعد أن اكتوت بنيران الاحتراب، وهي اليوم تقدم هذا الناتج المبني على هذه الأسس الأخلاقية، بأصرار على تجاوز النقاط الداكنة هنا وهناك سواء في الإدارة أو في ملفات الفساد المالي.
 kmkinfo@gmail.com



280
نمط رفيع من النقد:
ردا على الكاتب ( حسين علي العزاوي ) ورسالته الى القيادة الكوردية

كفاح محمود كريم

    في نافورة الشتائم واللغة الهابطة التي يستخدمها العديد ممن سخروا أنفسهم للبذاءة والأكاذيب في أية إشكالية مع الإقليم، حيث تنبري تلك الأقلام المسمومة بالحقد والكراهية لكي تصب جام حسدها وعقدها النفسية على الكورد وكوردستان، وقد بانت وظهرت تلك الكتابات في الفترة الأخيرة وهي تدفع في صداها أو أهدافها أولئك المولعون بمغامرات بهلوانية ستقودهم لا محالة إلى ذات الحفرة التي اختبأ فيها بطل الأنفال والكيماوي.

     وفي خضم هذه الكتل المدلهمة من ظلام العداء والحقد والكراهية، تشع إشعاعات مضيئة تبدد تلك الكتل السوداء وتزيحها عن المشهد الذي يريدونه مسخا ومشوها، فقد أضاءت كتابات كثيرة لكتاب وصحفيين ومفكرين عراقيين لوحة التعامل مع الأحداث بين الإقليم والمركز، ولعل من أكثر ما كتب جمالا ونقدا رفيعا ذلك الذي كتبه العديد من الكتاب العراقيين في تمثيلية ( ولاية الدم بالدم ) اثر مقتل الصحفي محمد بديوي، وما كتبه الزميل حسين علي العزاوي في كتابته الموسومة " رسالة للقيادة الكوردية.. تحية وعتاب هادئ! " تحدث بإنصاف عن الإقليم وهو يضع إصبعه في ذات الوقت على ما يراه خللا أو خطأ أو إهمالا أو موقفا من ظروف ومشاكل مرت بها البلاد، دون أن ينسى الإشادة بما تحقق في الإقليم وهو يعاتب إدارته بهدوء يستحق الثناء والتقدير.

     وفي سياق ما ذهب إليه من عتب مخلص، بأن قيادة الإقليم ومؤسساته قد أغفلت أو تغاضىت عما حصل في محافظات الانبار ونينوى وصلاح الدين وغيرها من احتجاجات، ولم ينتفض كما وصف الأستاذ العزاوي بسبب ما يحصل في العراق وما يهدد أمنه وامن مكوناته الطائفية والقومية.

     وبذات المحبة والاعتزاز اذكر للزميل العزاوي إن الإقليم وقياداته كانت السباقة فعلا لا قولا منذ الساعات الأولى لسقوط النظام، لتأسيس نظام ديمقراطي جديد فانتقلت إلى بغداد وتخلت عن استقلالها لحساب دولة الديمقراطية الجديدة، وشاركت هي وخبرائها وفنييها وعسكرها ومؤسساتها في إرساء أسس الدولة التي انهارت برمتها، ولم تغمض عين مسؤول كوردستاني من أجل أن تنهض مؤسسات الدولة العراقية الجديدة بعد انتخابات 2005م وبداية عصر جديد لدولة حكمتها الدكتاتورية عقود طويلة.

    ورغم مساهمة الإقليم في كل مفاصل الدولة كشريك أساسي فيها، فقد نبهت منذ الأيام الأولى لظهور بوادر التفرد والتهميش ليس للإقليم فحسب بل للمكونات الأخرى سياسية كانت أم مذهبية أم دينية، ولعل بيانات وتصريحات رئاسة الإقليم وحكومته وبرلمانه في كل المواقف، يؤكد الاهتمام المباشر بكل التفاصيل، حيث أيدت قيادة الإقليم احتجاجات الأهالي في المحافظات الغربية والوقوف معها بالتضامن والتأييد بما لا يتقاطع مع الدستور وروحيته، وبما ينأى الجميع عن أي صراع مذهبي مقيت مستنكرا أي مساس بالثوابت الدينية والمذهبية للطوائف وخصوصياتها، ورافضا أية حلول عسكرية أو إقحام للجيش في المشاكل السياسية، والرد على تخرصات وتهييجات العديد من النواب أو الإعلاميين الذين يدعون تمثيل أو النطق باسم الكتلة الحاكمة رئاسة أو حزبا، وخاصة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بردود الأفعال غير اللائقة التي تناولت المذاهب أو الأعراق والقوميات.

     لقد ساهم اقليم كوردستان بكل مؤسساته وخبرائه وفنييه وسياسييه وأحزابه في بناء العراق الجديد وملاحقة الإرهاب ومكافحته بما أمن ملاذا آمنا لكل العراقيين الذين طالتهم أيدي الصراع الطائفي والديني والعرقي المنظم من البصرة وحتى الموصل، حيث غصت مدن الإقليم بمئات الآلاف من المسيحيين والصابئة والشيعة والسنة على حد سواء في وطن أمن لهم حياتهم وحفظ لهم كرامتهم وأرزاقهم، بل إن قوات الإقليم وبطلب من مؤسسات الدولة العراقية لبت نداء الأهالي للحفاظ على أمنهم وسلامتهم في كثير من نقاط الاحتراب الطائفي ونجحت في مهماتها حتى أصبحت الأقرب إلى قلوب وعقول العراقيين رغم ما تشيعه ماكينة الإعلام العنصري ضدهم.

     إن الإقليم حينما يشخص فشل الإدارة الاتحادية في حل المشاكل إنما يدافع عن كل العراقيين، فالمادة 140 ليست حكرا على المناطق الكوردستانية فقط، وقانون النفط والغاز لم ينشأ لمصلحة الإقليم لوحده، وحراس الإقليم إنما هم منظومة دفاعية أمنت الحياة الكريمة والآمنة لملايين العراقيين كوردا وعربا وتركمانا وأشوريين وكلدان وسريان وأرمن وصابئة بما حوله إلى واحة وارفة بالأمن والسلام والحرية للجميع.
kmkinfo@gmail.com
 


281
مابين الرفاق وأهل النفاق؟

كفاح محمود كريم

     منذ الثامن من شباط عام 1963م بدأت سلسة جرائم الحكم في العراق والتي اقترنت بأحداث يندى لها جبين الشرفاء في كل مكان، حيث دشنت مجاميع فاشية من تنظيمات البعث عمليات اغتيال لآلاف الشباب والشابات من الوطنيين العراقيين ممن يختلفون فكريا مع نهج البعث سواء في بغداد أو ما تلاها من المحافظات العراقية، والتي شهدت هي الأخرى زيارات زوار الفجر الذين اغتالوا البسمة والأمل على شفاه العراقيين منذ أكثر من نصف قرن وحتى يومنا هذا، فقد بدأ مشروع الرفاق منذ صبيحة الثامن من شباط 1963م باغتيال زعماء جمهورية العراق دون أية محاكمة قانونية بل بأسلوب إرهابي لا يختلف اليوم عما تقوم به عصابات القاعدة وغيرها من الميليشيات الطائفية المنحرفة، وهي تقتل مئات أو ربما ألاف الرجال والنساء لمجرد إنهم شيعة أو سنة أو مختلفين مع نهجهم الظلامي في الحياة، لتبدأ منذ ذلك الحين نافورة الدماء العراقية حتى يومنا هذا دونما توقف!؟

     لقد استمرت حقبة الدماء التي هيمن عليها الرفاق حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لكي تسقط من أقلتهم بقطاراتها عام 1963م وتزيح هيكل حكمهم لتستبدله بآخرين يختلفون معهم بالأسماء والعناوين، لكنهم يمارسون ذات ثقافة الحكم والياته ومؤامراته وعمليات الإخراج والدبلجة والموناتج فيه، حيث اعترف احد أكثر ممثليهم صدقا في التعبير عن أخلاقياتهم وثقافتهم وهو الأكثر عراكا مع الآخرين؛ بان الأمريكان أزاحوا صدام حسين بسبب مشاكلهم معه، لكنهم لم يزيحوا النظام السياسي*، فعلا أسقطت امريكا الهيكل البعثي متمثلا بصدام حسين وإدارته، دونما أن تمس الجوهر رغم إنها أنتجت قانونا بغيضا لاجتثاث ( عام تام ) أو الأخضر واليابس ممن تورطوا وأصبحوا بعثيين طلبا للماء والكلأ والدينار المغري، دونما أن تمس ثقافة وسلوك الحرس القومي والأمن الخاص، التي ينتهجها النظام السياسي الجديد، والذي نجح في إعادة معظم جنرالات صدام حسين ووعاظه ومنظريه إلى مكتب القائد العام وبقية مفاصل الحكم القريبة منه!

ومنذ أن أقلت عربات قطار صناديق الاقتراع كتلة دولة القانون إلى دفة الحكم، ونصبت العملية السياسية بصفقة السيد المالكي رئيسا لمجلس الوزراء، بدأت ملامح مرحلة أو حقبة جديدة تظهر للوجود بعد حقبة الرفاق، حيث تميزت هذه الملامح بتنصل الحاكمين الجدد عن كل اتفاقياتهم وإمضاءاتهم التي وقعوها مع الأطراف الأخرى التي ولتهم الحكم، كما فعل أسلافهم منذ توقيع الاتفاق على جبهة 1957 الوطنية قبل انقلاب تموز 1958 وحتى تأسيس دولة الرفاق مع كل الأطراف السياسية المتفقة معهم  والمختلفة.

     إن حقبة جديدة تطل على بلادنا تحمل بين طياتها إذا ما قدر لها أن تستمر، أياما كالحة مليئة بالتناحر والتشرذم من خلال تفرد كتلة وحزب سياسي عقائدي لا يؤمن بالآخر المختلف، كما فعل الرفاق من قبل حينما استحوذوا على كل شيء، ليقودوا البلاد ثانية إلى أتون حرب لا يعرف مدياتها إلا الله، فبوادرهم واضحة للعيان من خلال علامات كذبهم وخيانتهم للأمانة التي سلمت بأيديهم وهي الحكم باسم كل الشعب ونكثهم بالقسم والوعود والعهود التي وقعوها مع من يفترض أنهم شركائهم في الحكم، فقد بانت ملامح ضياع العراق بين الرفاق وأهل النفاق، وصدق رسول الله (ص) في حديثه إذ قال: علامات المنافق ثلاث:
 
     إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا أوعد اخلف!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تصريحات النائب ياسين مجيد على هذا الرابط:
http://www.alqurtasnews.com/news/16720/%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%AD%D8%B3%D9%85%D8%A7-%D9%81%D9%8A

 


282
الخارطة السياسية في كوردستان

كفاح محمود كريم

    بعيدا عن الخوض في تفاصيل ما حدث خلال العقدين الماضيين منذ انتفاضة آذار 1991م وتمتع هذا الجزء من الإقليم بنوع من الاستقلال الذاتي عن الحكم في بغداد وحتى انهيار نظام صدام حسين وقيام النظام الجديد، فان خيارا مهما توقف عنده الشعب الكوردستاني في أول ممارسة له في الحياة السياسية بعيدا عن السلطة الدكتاتورية، وهو الخيار الديمقراطي الذي انتهجته الجبهة الكوردستانية التي قادت انتفاضة آذار قبل ما يقارب من ربع قرن، رغم قناعة معظم قادتها بأنه خيار صعب ويستوجب تضحيات كثيرة في مجتمع متأخر مثقل بقيود ثقافة متراكمة من أنظمة شمولية مزقت المجتمع ودمرت بنيته التحتية والنفسية، إلا أنهم اختاروا هذا النهج واجروا أول انتخابات حرة خارجة عن تأثيرات وهيمنة سلطات بغداد في عام 1992م التي أنتجت أول برلمان كوردستاني في تاريخ العراق وكوردستان وبالتالي أنتجت أول حكومة كوردستانية تدير المناطق المحررة من الإقليم.

      ورغم ما واجه هذا الخيار ومؤسساته من ضغوطات هائلة سواء من الداخل الذي وصفناه، أو من الخارج الذي فرض عليه حصارا مزدوجا من الأمم المتحدة، حيث العقوبات الدولية على العراق برمته، ومن النظام في بغداد، وصل إلى درجة منع دخول كيلوات من الغذاء أو الدواء إلى الإقليم، وقد أسهمت بعض دول الجوار في عملية الحصار التي كانت تستهدف إفشال هذا النهج بل إفشال التجربة برمتها، إلا أن الفعاليات السياسية والأحزاب وخاصة الرئيسية منها لم تتخل عن انتهاج الأسلوب الديمقراطي في بناء الإقليم سياسيا واجتماعيا رغم ما واجهها من ظروف غاية في التعقيد بل والمأساة، حتى نجحت في الدخول إلى حقبة ما بعد الدكتاتورية بفريق متناسق إلى حد أهلها لتولي موقع ريادي في بناء النظام السياسي والدستوري العراقي الجديد.
 
      لقد تطور الأداء السياسي في الإقليم بشكل ملفت للاهتمام بل مثير أيضا حيث تبلورت بشكل واضح عملية توحيد الإدارتين بين اربيل والسليمانية بإرادة جدية لدى الطرفين الأساسيين خلال السنتين الأوليتين بعد سقوط نظام بغداد، والدخول في الانتخابات العامة التي جرت في 2005م بفريق واحد مع بقية الفعاليات السياسية سواء في الإقليم أو في بغداد، حيث جرت متزامنة مع الانتخابات العراقية، حيث اشترك الحزبان الرئيسيان في تحالف مهم أنتج برلمان بأكثرية الحزبين وحكومة وطنية موحدة، اشتركت فيها كل الأحزاب الكوردستانية، وتم أيضا في هذا البرلمان انتخاب رئيسا للإقليم.
 
      وفي 2009 تغير المشهد السياسي بشكل نوعي حيث ظهرت قوى فاعلة ومعارضة انشقت من حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني وأطلقت على نفسها اسم التغيير أي كوران بالكوردية لتتحالف مع الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في أول ظهور لمعارضة سياسية برلمانية تستحوذ على 38 مقعدا من أصل مائة مقعد تنافست عليها ضد تحالف الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني اللذان ابقيا على تحالفهما الاستراتيجي بكتلة برلمانية واحدة حازت على الأكثرية التي منحتهما تقاسم الحكومة مرة أخرى ولكن بدعوات جدية لقوى المعارضة في الاشتراك بحكومة وطنية من كل الأطراف إلا أن تلك القوى رفضت الاشتراك وفضلت البقاء في البرلمان كقوى معارضة.

      وفي هذه الانتخابات أجريت أيضا انتخابات رئاسية حرة ومباشرة وبطلب من السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث تقدم خمسة منافسين للرئيس بارزاني الذي فاز بما يقرب من 70% من أصوات الناخبين ليصبح أول رئيس لكوردستان ينتخب انتخابا حرا ومباشرا من الشعب.
 
      ثمان سنوات من العمل المشترك بصيغة تقاسم الحكومة بين الحزبين الرئيسيين وتناوب شخصيتين منهما على رئاسة الحكومة كل عامين، أوصلا الإقليم إلى ما نشهده اليوم بكل تفاصيل مشهده أو لوحته الزاهية والمشرقة وحتى النقاط الداكنة هنا وهناك، إلا أنها أعطت نموذجا كان الأفضل واقعيا في تعاطيه مع مفردات الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الإقليم، ومع النجاحات الكثيرة ووجود مساحات للفساد والفشل الحكومي في النواحي الاقتصادية والإدارية والثقافية والحريات، أعطت جميعها الشارع والرأي العام فرصة لتطوير دوره وأدائه الذي انعكس بشكل واضح في انتخابات 21 أيلول 2013م والتي وصفت بأنها الأكثر تنظيما وإقبالا من قبل كل المراقبين العراقيين والدوليين، حيث فاقت أعداد الناخبين كل التوقعات وانحصرت مساحات الخروقات والتزوير بشكل واضح أعطى نتائجها مصداقية عالية ومقبولية من لدن كل الأطراف المشاركة والمراقبة من الداخل والخارج.
 
      ولكي يكون المشهد والخارطة أكثر وضوحا نأخذ الجانب الرقمي لتبيان الحجوم العددية لكل مكون سياسي في نتائج انتخابات أيلول 2013م:
 
عدد المقاعد الكلي لبرلمان كوردستان 111 مقعد موزعة كالآتي:
المقاعد العامة 100
الكوتا 11 حسب التوزيع التالي
المكون التركماني 5 المكون المسيحي 5 المكون الارمني 1 عدد الرجال 77 عدد النساء 34
وأظهرت النتائج النهائية المصدقة الخارطة الرقمية لعدد مقاعد كل حزب في البرلمان:
الحزب الديمقراطي الكوردستاني حصل على 38 مقعد، حصة النساء فيها 12 مقعد ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 743984
حزب التغيير ( كوران ) حصل على 24 مقعد، حصة النساء فيها 8 مقعد،ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 476736
الاتحاد الوطني الكوردستاني حصل على 18 مقعد، حصة النساء فيها 6 مقعد، ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 350500
الاتحاد الإسلامي الكوردستاني حصل على 10 مقاعد حصة النساء فيها 3 مقعد، ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 186741
الجماعة الإسلامية في كوردستان حصل على 6 مقاعد حصة النساء فيها 2 مقعد ومجموع الأصوات التي صوتت للحزب 118574
الحركة الإسلامية في كوردستان حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 21834
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 12501
حزب الحرية ( ئازادي ) حصل على 1 مقعد، مجموع الأصوات 12392
حزب الاتجاه الثالث ( ئاراسته ي سييه م ) حصل على مقعد واحد، مجموع الأصوات 8681
 
     وعلى ضوء هذه الخارطة وقبول كافة الأطراف بها والتعاطي بموجبها نقرأ ما يلي:
 
1-   أظهرت هذه اللوحة الرقمية الحجم الحقيقي لكل الأحزاب كل على حدا بعد أن كانت سابقا تنزل بقوائم مشتركة
2-   إقرار الاتحاد الوطني بتراجعه شعبيا وانتقاله من المرتبة الثانية إلى الثالثة.
 3- صعود حركة التغيير من موقعها الثالث في الخارطة السابقة إلى الموقع الثاني بسبب تراجع الاتحاد.
 
4- تقدم ملحوظ للاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية
5- ولادة رغبة لدى أحزاب المعارضة في الخارطة السابقة للمشاركة في الحكومة الجديدة.
6- هذه النتائج أفرزت حقيقة مهمة جدا وهي انه لا يمكن لأي الأحزاب تشكيل حكومة بشكل منفرد.
7- ولكون الجميع يطمحون بالمشاركة في تشكيل حكومة وطنية فقد أخذت المداولات فترة زمنية طويلة لوجود قوى قوية مؤهلة للاشتراك بشكل فعلي وجدي في حكومة وطنية.
 
ماذا أفرزت نتائج الانتخابات؟
 
      حقيقة الأمر يمكن لنا ملاحظة خارطة سياسية جديدة في الإقليم ستنقله إلى الأربع سنوات القادمة بحكومة يصر معظم الطموحين للمشاركة فيها بان تكون حكومة وطنية تواجه تحديات جدية في الوضع الداخلي والخارجي، ومن ابرز تلك الإفرازات:
 
1-   انتهاء مرحلة تقاسم السلطة مناصفة بين الحزبين بل أصبح لكل منهما حجم يؤهله للمشاركة على ضوئه
2-   اعتراف قوى المعارضة بواقع وحجم الحزب الديمقراطي الكوردستاني كونه الفائز الأول في الانتخابات الأخيرة وهذا يدفعهم للتعامل معه على أساس هذه الحقائق.
3-   تضائل الدعاية الإعلامية الموجهة ضد البارتي بعد ظهور نتائج الانتخابات مما يعطي انطباعا ايجابيا بتعاطي هذه القوى بشكل واقعي مع حقيقة الحجم المؤثر للبارتي سياسيا واجتماعيا.
4-   ظهور توجه لدى قوى المعارضة وتغيير في تفكيرها باتجاه تطوير العلاقة مع الحزب الديمقراطي
5-   فوز الديمقراطي الكوردستاني أعطاه قوة إضافية في نهجه بالتعاطي مع:
أ‌-   السياسة النفطية للإقليم
ب- السياسة الخارجية
ج- التعامل مع بغداد
6- إصرار البارتي على تشكيل حكومة موسعة ومشاركة قوى المعارضة سيؤدي إلى توحيد الخطاب والبيت الكوردي داخليا وخارجيا.
7- إشراك المعارضة في الحكومة يعني انتقالها من مرحلة الإعلام والدعاية الموجهة والكلام إلى تحمل المسؤولية وبناء نهج جديد في إدارة الحكم ومواجهة مطالب الأهالي.
8- الانتخابات الأخيرة أثمرت الكثير للتجربة الديمقراطية في الإقليم بما يؤدي إلى تنمية الديمقراطية وتطور أداء الفعاليات السياسية وخلق منافسة صحية بينها في الأداء الوطني وخدمة الأهالي وتحسين الأداء الإداري
9- كل هذه المعطيات والإفرازات أنتجت خارطة سياسية تمنح الفريق الكوردستاني في بغداد قوة وتأثيرا في مجاله البرلماني والحكومي بما يحقق أهداف الإقليم وفق ما جاء في الدستور العراقي في بناء الدولة الاتحادية التعددية الديمقراطية.
 
 

283
المنبر الحر / إذا فسد الملح؟
« في: 23:48 07/04/2014  »
إذا فسد الملح؟

كفاح محمود كريم

    بعيدا عن مضار الملح وخاصيته السلبية للمصابين بارتفاع ضغط الدم، فهو عنصر التوازن والمذاق في الطبيعة حيث لا تخلو منه مكوناتها إجمالا، وفي هذا المكان استخدم للتوصيف بمفهومه الايجابي، كما كان يقول أهلنا فيما مضى من الدهور بان الحكومة ملح الأرض وان الملك أو إي مسؤول كبير هو ملح التوازن ومثال الحكمة وبدونه لا يكون للحياة مذاق أو طعم!؟

     ولطالما كان العقلاء  يقولونها أي إذا فسد الملح خربت لديار، حينما يمتد سرطان الفساد والانحراف عن الطريق القويم من علية القوم والصالحين من الناس وخاصة من يتولون أمر الأهالي في كل مفاصل المسؤولية العامة، فهو مثل يضرب على من ينحرف شخصا كان أم مجموعة إذا ما غادرت في سلوكها وتصرفاتها ارض الصلاح والنقاء إلى ارض البور والفساد فيقال حينها إذا فسد الملح خربت الدنيا أو الديار؟

     ولعله من نافلة القول إن كثير ممن تنطبق عليهم هذه الكلمات أولئك الذين توكل إليهم مسؤولية عامة وتكون بين أيديهم أرزاق الناس ومصالحها وأمنها وعدلها، فيتلاعبون بها أو يخونون الأمانة فيفسدون الملح الذي يعرف عنه عدم الفساد، فهو أكثر معادن الطبيعة مقاومة في البقاء على وضعه رغم تغير الظروف، إلا انه في حالتنا هذه أي بتشبيهه ببني البشر القابلين للفساد والإفساد وخاصة حينما تقع بين أيديهم مفاتيح المال والسلطة، فتضعهم على المحك وتُظهر معادنهم وكمية الملح فيها؟

     وقد أكدت السنوات الأخيرة من تاريخ بلادنا وبقية البلدان في الشرق الأوسط التي تستخدم صناديق الاقتراع لإيصال مرشحي شيوخ العشائر والمذاهب ورجال الدين إلى سدة الحكم التشريعي والتنفيذي في دولة لم تعرف عبر تاريخها الذي يقترب من المائة عام مفهوما للمواطنة يجمع انتماءات الكل في وطن مفترض وشعب موحد، حتى إن ملك العراق الأول الذي فرض على كيان لم يؤخذ رأي سكانه حين تأسيسه، احتار وعجز عن إيجاد توصيف للحال الذي هو فيه فلم ير كما قال شعبا موحدا بل رأى أقواما وقبائل متباعدة متنافسة متخالفة، رغم انه أراد أن يكون ملح الأرض والحكم طيلة ما يقرب من أربعين عاما للتوازن بين تلك المكونات، إلا  انه ذهب وأفراد أسرته صغارا وكبارا على مذبح تلك الخلافات؟

     ولكي لا نوغل في أعماق التاريخ المؤلم حقا، فان ما يحدث اليوم يؤكد إن الملح قد فسد تماما ليس في الأرض بل فوق الأرض وفوق الكراسي التي حولت البلاد خلال ثمان سنوات منذ 2005م إلى واحدة من افشل دول العالم وأكثرها فسادا وطائفية ودكتاتورية مشرعنة بحكم صناديق العشائر والمذاهب ورجال الفتاوي، إلى الدرجة التي يخرج فيها نوابا ووزراء ورجال حكم ينادون بطائفية وشوفينية مقيتة لا تقل إيغالا في العنصرية مما كانت عليه الأمور في جنوب إفريقيا قبل مانديلا، فمن شعارات طرد الأكراد من بغداد إلى قتل عدد من السنة كلما قتل عدد من الشيعة*، إلى قانون الغاب الذي أعاده رئيس الوزراء ( الدم بالدم وانأ ولي الدم *)!؟

     فأي ملح بقى في أرضنا وأي مستقبل ينتظر بلادنا مع هكذا ثقافة وأفكار وسلوك؟

kmkinfo@gmail.com
* رابط قانون 7×7 لحنان الفتلاوي:
https://www.youtube.com/watch?v=L8JmldT8yfM
* رابط الدم بالدم لرئيس مجلس وزراء العراق زعيم الكتلة الحاكمة:
https://www.youtube.com/watch?v=DM09zUrGnmw




284
نيران نوروز والألسنة المكوية؟

كفاح محمود كريم

    يبدو أن نيران نوروز قد كوت السنة البعض وهم يقارنون بين اشراقة مدن كوردستان وقراها وبين بؤس واحدة من أجمل مدن العالم بغداد بعد ثمان سنوات من حكمهم الذي أحال البلاد إلى خرائب تنعق فيها غربان الشوفينية المقيتة، حيث انطلقت بعد مقتل الصحفي محمد بديوي وبوتيرة واحدة وبإعداد وتخطيط دقيق لواحدة من أبشع الحملات العنصرية التي شنت ضد الكورد منذ تأسيس الكيان العراقي خارج إرادة شعوبه ومكوناته، لكي تكشف عن وجهها القبيح الذي تصورنا إن انهيار هيكل نظام صدام حسين عام 2003 قد طهر العراق من عفونة الشوفينية والعنصرية، لكننا اكتشفنا إن ذلك النظام لم يسقط إلا كهيكل إداري فقط، وبقيت فايروساته معششة في مفاصل الكثير الذين نشهدهم اليوم وهم يتعاملون مع قضايا العراق الجديد.

     حقا إنها ثقافة بائسة تنطلق منها أصوات ناشزة تنم عن حقد دفين محمول من حقبة البعث، ومستثمر في حقبة دولة القانون التي تمثلها حنان الفتلاوي وسامي العسكري، اللذان يكشفان عن حقدهما تجاه الكورد وكوردستان في كل مناسبة وغير مناسبة، يتم فيها إعدادهم وإخراجهم لكي يمثلان أدوارهما الإعلامية المعروفة تارة مع كوردستان وتارة مع الآخرين المختلفين مع نهجهم.

     لقد فات السيدة الفتلاوي إن الجبال من أقدس ما يفتخر به الكوردستانيون فهي التي حمتهم من شوفينيتهم وعنصريتهم عبر الدهور، وكانت ايضا ملاذا آمنا لكثير من العراقيين ومنهم رئيس كتلتهم الحالي، فخر كبير أن يكون أهل الجبال حكامها وفخر لشعب كوردستان والعراقيون جميعا أن يروا ما أنجزه حكام الجبال في كوردستان مقارنة مع ما فعله حكام كتلة القانون بشعب العراق، الذي أدى إلى انهيار أمنه وسلمه الاجتماعيين وتدهور خطير في الخدمات الأساسية لحياة المواطنين، والتسبب في إشعال نيران الفتنة الطائفية والحملات العنصرية الشوفينية ضد الكورد وغيرهم، شكرا للسيدة الفتلاوي لموافقتها على استقلال كوردستان مؤكدين لها أن ذلك اليوم ليس ببعيد وهو آت لا محال شاءت أم أبت السيدة حنان؟

     أما في ملف النفط الذي يثيرونه بين فترة وأخرى لتغطية فسادهم المستشري عبر أنابيبه المخرومة والمسروقة، وفشلهم في إدارة البلاد التي حولوها إلى واحدة من افشل بلدان العالم، ينسى سامي العسكري وغيره ممن اكتوت ألسنتهم بنيران نوروز، إنهم ينهبون نفط كوردستان منذ مائة عام ليحيلوه إلى أسلحة كيماوية وقنابل نابالم يحرقون بها قرانا ومدننا، ويزرعون فيها مقابرهم الجماعية وانفالاتهم المخزية، النابعة من ذات هذه الثقافة التي يتحدثون بها عن الإقليم وعن شعبه الذي يرفض العودة إلى الوراء ولن يقبل أبدا المساس بمكاسبه ومنجزاته وما حققه من تقدم وازدهار.


     إن ما يحصل اليوم من حملات معدة إعداد عنصري ضد الكورد من خلال تصريحات هؤلاء المحسوبين على كتلة الحكم، والشعارات التي ظهرت خلال الأيام السابقة في أمكنة كثيرة من بغداد، والتي تنص على معاداة الكورد وطردهم من بغداد، إنما تهيئ لمرحلة خطيرة يتحملون فيها أمام الله والشعوب العراقية ما ستؤول إليه الأمور بسبب سياستهم العنصرية هذه.

     قليل من الحياء واقل منه من الشجاعة لكي توضع النقاط على الحروف ويعرف كل منها مكانه وحدوده؟
kmkinfo@gmail.com






285
المنبر الحر / عذرا دولة الرئيس!
« في: 19:13 28/03/2014  »
عذرا دولة الرئيس!

كفاح محمود كريم

     فرحنا جميعا بحضور القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس وزراء العراق الى محل اغتيال الصحفي محمد بديوي، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء ومقتل العشرات إن لم يكن المئات من الصحفيين والإعلاميين أثناء تأديتهم لواجباتهم المهنية، كما حصل للشهيدة أطوار بهجت والشهيد هادي المهدي والشهيد محمد عباس مدرب نادي كربلاء والشهيد كامل شياع، والعشرات بل ربما المئات من خيرة صحفيينا وصحفياتنا الذين استهدفتهم أجهزة دولتكم قبل منظمات الإرهاب، ولعل الطفل الموصلي البريء ذي ألاثني عشر ربيعا ما تزال قهقهاته تلامس ذكرياتنا وهو يعود من مدرسته حينما اغتالته عدة رصاصات من مسدس أو رشاش احد ضباطك يا دولة الرئيس ( العقيد هادي سرهيد الكناني آمر فوج رئاسة الوزراء بالموصل في الأول من آذار 2013م ) وقد اصدر القضاء العراقي مذكرة إلقاء قبض بحق العقيد المذكور لكن القائد العام ورئيس الوزراء رفض تنفيذ الأمر القضائي بل واصدر أوامره بعدم التعرض للعقيد ورفض إجراء إي تحقيق في الحادث والقصة معروفة للجميع!؟

     أي دم تتحدث عنه دولة الرئيس وأنت تمثل القانون في كتلة اخترت لها اسم دولة القانون، فيما تبشرنا بقوانين الخيمة والإبل القبلية ونحن من المفترض ننشئ نظاما حضاريا عصريا جديدا لا يقوم على الانفعالات والعواطف والقبلية المقيتة؟
     أي دم تنادي به وأنت تتحمل دستوريا فوق أكتافك أمام الله والشعب مسؤولية انهار من دماء العراقيين، الذين قتلوا وما زالوا يقتلون يوميا في شوارع الموصل والانبار وبغداد وبابل وكربلاء وصلاح الدين وديالى؟
     أي دم تتسبب في إزاحته وتطالب به وأنت تذكرنا مرة أخرى بقسم صدام حسين الذي أنتج حرب الثماني سنوات مع ( الجارة الشقيقة الغالية ) إيران وما يقرب من مليون قتيل، حينما قتلت فريال واقسم صدام أن لا يذهب دمها سدى؟
     أي دم أنت وليه دولة الرئيس وأنت تصدر حكمك قبل القضاء في إعدام المتهم وشعبه قبل أن يبت القانون في قضية قتل الصحفي محمد بديوي؟

     عذرا دولة الرئيس مرة أخرى أحاول أن أنأى بك عن هذه الثقافة وهذا السلوك، لأنك من الذين عرفوا شعبي وطيبتهم ووفائهم ونقاء سريرتهم وشجاعتهم وإصرارهم على الحياة والسلام والعيش بكرامة وشراكة حقيقية مع الآخرين، لكنكم بتصريحكم الأخير أظهرتم بعدا شاسعا بين ما أنأى به عنكم وبين حقيقة ما يصدر منكم، فلم تنجح دولة الرئيس في إقناعنا بردة فعلك الانفعالية وأنت تمارس سابقة لم نعهدها من جنابكم إزاء آلاف الضحايا من خيرة أبناء وبنات العراق يوميا وفي كل المدن ومن كل المكونات ومنذ ثمان سنوات؟

     تمنينا جميعا أن تقنعنا بأنك فعلا تعبر عن الجميع وحريص على الجميع، لكنك في كل مرة تخيب ظن الكثير ممن تمنوا رئيسا عراقيا فوق المذاهب والأديان والقوميات، يعمل دونما انفعالات عاطفية لا تخضع للعقل والحكمة وتقود البلاد إلى ما هو عليه الآن بعد ثمان سنوات من حكمكم!

     أما وقد أعلنت بأنك ولي الدماء والدم بالدم فان جرد الحساب بهذه اللغة سيكون ثقيلا سيادة الرئيس، فقد أثقلت حملك كثيرا، وستسأل يوما ما عن كل قطرة دم أزيحت أثناء حكمك؟
kmkinfo@gmail.com
 

286
المنبر الحر / بقالة مجلس النواب؟
« في: 00:44 20/03/2014  »
بقالة مجلس النواب؟

كفاح محمود كريم

    في معظم مدننا الشرق أوسطية أمكنة خاصة للمزايدات التي تجري على البضائع ويتجمهر حولها المشترين أو المتفرجين، ويختلف شكل وأساليب المزايدات وقيمتها مع نوعية البضائع ومستويات المزايدين وجمهور المتفرجين، ويتذكر كل منا مكان كهذا في بلدته حيث يتميز باسم معين ومكان محدد، ففي العاصمة التي كانت فيما مضى تسمى بدار السلام يوجد عدة أمكنة لذلك أشهرها سوق هرج، إضافة إلى عدة أماكن أخرى تشبه هذا السوق، إلا أن الغالب فيها بيع الأغنام والأبقار وبقية البهائم!؟

     وفي الموصل يتميز باب الطوب بما يحويه أيام الجمعة من هرج ومرج الباعة والمزايدين وجمهور المتهافتين، إلى جانب أسواق أخرى يطلق عليها سوق الغنم، رغم أنها تبيع حتى البط والكلاب غير السائبة وما طاب من الحواسم القديم منها والجديد؟

     حينما يدخل المرء هذه الأسواق والتي تكون أكثر تألقا ونشاطا أيام الجمع من الأسبوع، يشعر بان كل شيء فيها معروض للبيع والمزايدة عليه ابتداءً من الأحذية القديمة وما يسمى بالبالات وحتى البعران والحمير والأغنام والأبقار، وكل ما يأكل من حشاش الأرض، وكلٌ يتباهى بما يعرض ويذكر جمائله ومواصفاته النادرة، حتى يظن المرء انه في أشهر أسواق الدنيا وماركاتها؟

     وفي أسواقنا السياسية التي انتعشت بعد انهيار سوق صدام حسين الأوحد، وإفلاسه بسبب الغش الصناعي في الأفكار المستهلكة لبضائعه البائرة وأساليب تسويقه الدموية، فقد انتشرت أشكال وأنواع من الأسواق السياسية منذ ما يقرب من عشر سنوات، وخاصة منذ البدء بتأسيس هيكل الدولة الجديد بسلطاته الثلاث، وانبثاق سوق جديد من غير سوق هرج أو باب الطوب أو سوق الغنم للمزايدات والامتيازات والقومسيونات، اجتمع فيه خير ما يمثل بقالة السياسة ومزايدات السلطة التنفيذية في واحدة من أكثر أسواق العراق الشعبية إثارة وسخرية منذ ما يقرب من ثمان سنوات، حيث يباع فيها المواطن حاضرا ومستقبلا على أيدي مجاميع من الانتهازيين والبقالين السياسيين والرقاصين على الحبال منذ تأسيس دولتنا العجب وحتى يومنا الأعجب هذا؟

     على مرمى حجر كما اعتاد أن يقولها الزعيم الفلسطيني المقتول سما، وهو يعد شعب فلسطين بتحرير القدس أمام صدام حسين المقتول شنقا، والذي وعد هو الآخر بتحطيم أمريكا وتحريرها من الامبريالية، وقاب قوسين أو ادني من مهاترات مجاميع جديدة من متسولي الامتيازات ومزايدي سوق وبقالة السياسة، في ذات الثقافة البائرة التي تم توظيفها من اجل الكراسي وامتيازاتها، تعود اليوم ثانية ذات الطواقم باستثناءات قليلة من المختلفين الذين من قلتهم لا يخضعون للقياس العام، عادوا ثانية يتسلقون سلالم الكذب والمهاترات والمزايدات للوصول إلى دفة الحكم في سلطاته المعاقة الثلاث، في واحد من أكثر أسواق العراق والمنطقة إثارة في أسعاره للمواقع النيابية والتنفيذية والقضائية والعسكرية، حتى أعادوا لنا مرة أخرى تقليد سوقي مقيت اسمه السرقفلية على الدارجة العراقية وخلو الرجل على الدارجة المصرية، لتداول المواقع والمناصب بيعا أو تأجيرا في دولة من دول الربيع العربي المخزي؟
 
    أين يكمن الحل إذن؟

     وصناديق الديمقراطية ما تزال تحتضن بطاقات ناخب معاق في انتمائه ووعيه ومستوى معيشته وفهمه، ومرشحين في معظمهم أسطوات في الانتهازية والكلاوات والرقص على حبال الكتل المتنفذة؟

     اترك ذلك لكم وانتم أدرى بشعاب قراكم وبلداتكم ومدنكم ومرشحيكم،  ولكم الاختيار بين الولائم والهدايا الملوثة بالسحت الحرام، وبين أن تقولوا ( لا ) كما قلناها في جبروت صدام حسين؟

kmkinfo@gmail.com   


 


287
المنبر الحر / تصريحات بسوسية*؟
« في: 22:49 12/03/2014  »
تصريحات بسوسية*؟

كفاح محمود كريم

     يبدو إن فايروسا خطيرا أصاب البعض من أعضاء مجلس نوابنا العجب فافقدهم وضعهم الصحي والنفسي الطبيعي، حيث بدأت أعراض هستيريا عصابية تظهر بشكل جلي على سلوكيات وتصرفات بعض أعضاء البرلمان، وخاصة أولئك الذين يرقصون على حبال مختار عصرنا السيئ هذا، وهم يشنون حربهم الكلامية من عل منابر البرلمان أو تلك الفضائيات، التي تتمتع بعرض هذه المشاهد المخلة بالذوق الديمقراطي والمخدشة لحياء العقلاء والحكماء في مهاترات ومزايدات واستعراض لمعلومات كاذبة مفبركة، من وزن قطع مياه دجلة أو إغراق بغداد أو زحف البيشمه ركه الى العاصمة لإشاعة الكراهية والأحقاد، خاصة وهم يخاطبون اناس تم تخديرهم طائفيا وعنصريا بأكاذيب وتشويهات غرضها التحضير لحرب قومية مذهبية مقدسة كما بشر بها مختار هذا العصر إبان أزمة ما يسمى بقوات دجلة!؟

     كنا حلمنا قبل نيسان 2003م أن حالا جديدة ستبدأ بعيد الانتهاء من نظام صدام حسين، وان حقبة ملوثة ستنتهي بمجرد إسقاط ذلك النظام، لكننا نسينا أو تناسينا في معمعة الاحتلال وما رافقها من عملية اغتيال لكل مشروع الإسقاط، بتصرفات رعناء من القيادات العسكرية الأمريكية ومنسقها وريث صدام حسين برايمر، الذي لملم كائنات سياسية من الشوارع الخلفية لدول الجوار وما بعد الجوار، لا صلة لها بالشارع العراقي من قريب أو بعيد ليحولها إلى دمى وقطع شطرنجية يلعب بها هو تارة، أو يمنحها لمن صرح له أو خوله من دول الجوار المبتلى بها هذا البلد عبر التاريخ، قلت كنا قد حلمنا أو تصورنا إن تلك الحقبة الملوثة ستنتهي بمجرد سقوط رمزها وهيكل حكمه، لكننا بعد اقل من سنة واحدة من الحكم الدستوري أي بعد إقرار دستور متفق عليه من قبل الجميع ومصادق عليه من قبل ما يقرب من 80% من العراقيين، بدأت الفيروسات النائمة أو المنومة بالحركة بعد أن شعرت بدفء المكان ( السلطة والمال ) لكي تعيد ذات الثقافة التي حكمت هذه البلاد منذ عقود طويلة، متجاوزة دستور اقر بالنظام الاتحادي والشراكة الفعلية الحقيقية في القرار والثروة لكل أبناء وبنات العراق ومكوناته القومية والدينية والمذهبية على حد سواء، بما يمنح أي مكون كبير كان أم صغير الشعور بالانتماء له، لا العكس الذي بدأ يشعرنا حقيقة بصدق ما يقوله هؤلاء المسعورين بهوس حرب البسوس حيث التصريحات غير المسؤولة، التي تذكرنا بإعلام صدام حسين وطاقمه الانفعالي الذي مثله خير تمثيل وزير إعلامه الصحاف وهو يصف حال العراق بينما دبابات المحتلين قاب قوسين أو أدنى من منبره!؟

     إن ما يحصل الآن في العراق وغيره من بلدان ما يسمى بالربيع العربي إنما هو تقهقر باتجاه إعادة صناعة دكتاتوريات جديدة بلبوس ديمقراطي، فالانقلاب على المؤسسات الدستورية واضح جدا وخاصة ما أعلنه رئيس الوزراء المالكي حول لا شرعية مجلس النواب وقراره بتجاوزه، والدليل الآخر على هذا النهج ما حصل في مصر حينما تولى الإخوان مقاليد السلطة باستغفال الغلابة في العشوائيات واخونة مصر، وكما حصل في العراق بتسطيح عقول ولد الخايبة بالمذهبيات المقيتة، وما يحصل الآن في سوريا الحضارة والإنسان، من تقتيل وتقهقر باسم الثورة والأديان، وكذا الحال في ليبيا الفوضى والعشوائيات الثورية، إنها عملية انقلاب مشرعنة ولكن باليات ديمقراطية كما كانت تفعل أنظمة الـ 99% من الأصوات المؤيدة للقائد وحزبه المقدام، وتخدير الأهالي بشعارات غرائزية مليئة بالأحقاد والكراهية وإقصاء الآخر وتشويه المختلف، بأساليب بدائية تستغل الأكثرية المغلوبة على أمرها بالفقر والعوز وقلة الوعي وضبابية الانتماء، لكي تمرر مشروعها بالتفرد والهيمنة بذات أساليب القائد الضرورة وملك ملوك افريقيا وأسد سوريا، حينما كانوا يستثيرون أولئك المغفلين بشعارات جوفاء لا حياة فيها إلا في مخيلتهم الفوضوية فقط، لاستخدامهم كوقود في حروب بسوسية، كما حصل في حروب الشمال مع الكوردستانيين أو مع اللبنانيين أيام الغزو السوري أو مع التشاديين وغيرهم بالغزو القذافي، وهكذا دواليك في حروبهم المخزية التي حرقت الأخضر واليابس واتت عليهم في آخر نيرانها؟
kmkinfo@gmail.com
 
* نسبة إلى حرب البسوس في التاريخ العربي

288
" عجايا " والدنيا عيد؟

كفاح محمود كريم

     واحد من الأمثلة الشعبية الجميلة في العراق وتحديدا في مدينة الموصل وأطرافها، وقد أخذ معناه من كرنفالات العيد التي تضم الأطفال الذين يمارسون تحت مظلته في القرى والبلدات الصغيرة، ما هو غير معتاد في بقية الأيام، وربما الخارج عن السياقات العامة للصبية والفتيان، كالتدخين مثلا ولعب بعض الألعاب التي تشبه القمار وما شابه ذلك، مما يحرم عليهم في الأيام العادية!

     ويضرب هذا المثل عادة على الكبار الذين يمارسون أعمالا لا تليق بأعمارهم وتقترب من التفاهة مقارنة بما هم عليه من عمر زمني أو تأهيلي، ومفردة " عجايا " من الدارجة العراقية كثيرة الاستخدام في المناطق الغربية من العراق وخاصة الموصل، حيث تطلق على الصبيان الداشرين أي المنفلتين وغير المنضبطين من الذين ينتشرون في الأزقة والشوارع ويتسببون في إزعاج الأهالي أوقات الراحة صيفا أو شتاءً، وهي من جهة أخرى أي مفردة " العجايا " تستخدم بكثرة في وصف أي إنسان بغض النظر عن عمره، يقوم بأعمال غير مسؤولة وخارجة عن الآداب العامة والتقاليد، وخاصة تلك التصرفات التي لا تخضع للتربية الاجتماعية وأعرافها.

     وخلاصة القول هي أشبه ما تكون في المعنى من المثل القائل في فصيح الكلام " تمخض الجبل فولد فأرا " للدلالة على توافه الأعمال أو الأقوال أو كليهما معا، كما نراه اليوم في ممارسات من تسلقوا مواقع في غفلة من هذا الزمن السيئ الذي يعيشه العراقيون تحت ظلال سلطتنا الديمقراطية جدا ومؤسساتها، سواء من كان منهم في مجلس نوابنا العجب، الذين ينطبق على معظمهم مثلنا أعلاه و"خصوصتن" كما تكتبها كثير من " نايبات " هذا البرلمان وبالذات أم الكعب العالي الشفاطة دون منازع أو مناصفة مع من تفتل الدنيا معها حينما تغرد باتجاه إقليم كوردستان، أو ذلك النائب الذي تحول من منبر المحاكم إلى قراءة المحفوظات بأسلوب " الدرخ " أي الحفظ الببغاوي وهو يتحفنا بسيل تصريحاته التلفزيونية متخيلا نفسه في مرافعة قضائية!
      وفي كل ذلك يعكس هؤلاء مجموعة من عقد النقص والكراهية والفشل الذي يعاني وتعاني منه كثير من مسئولات ومسئولي هذا البلد المبتلى بهم في البرلمان أو الحكومة، خاصة حينما يزورون اقليم كوردستان وعاصمته المزدهرة ويتذكرون بغداد المفجوعة بهم، أو محافظاتهم التي تحولت إلى مدن " الصد والما غد " كما يقول الدارج العراقي لمن يخرج من بيته ولا بعود ثانية!؟
 

     أقول قولي هذا مستذكرا " العجايا " وعيدهم كلما نشبت أزمة أو تم تصنيع مشكلة مع إقليم كوردستان، وانبرت هذه المجاميع المعدة إعدادا مكتنزا بالكراهية والحقد في وسائل إعلام لا هم لها إلا " العد والصف " على طريقة النسوة السفيهات حينما يتعاركن على الطريقة المصرية، حيث تبدأ نافورة الشتائم والقذف وسيل الاتهامات لإشاعة الكراهية والأحقاد، دون أي وازع وطني أو أخلاقي يحافظ على اللحمة الوطنية والمزاج العام للأهالي ولا يخدش حياء الناس وأمنهم وسلمهم الاجتماعي، متمنين لهم ما يتمنوه هم لكوردستان وأهلها في سرهم؟
kmkinfo@gmail.com

 





289
لن نعود إلى الوراء؟

كفاح محمود كريم

     قالها رئيس حكومة كوردستان وهو يتحدث بمرارة عن سلوك استخدمته كل الأنظمة الدكتاتورية العراقية ضد شعبنا وحركته التحررية منذ ثلاثينات القرن الماضي وللأسف الشديد لحد يومنا هذا، وهو يصف ما تقوم به الإدارة الاتحادية في بغداد من محاولات فرض حصار اقتصادي بانت بوادره بإيقاف صرف مرتبات موظفي الدولة في الإقليم، ومحاولة المسك بكل خيوط لعبة النفط، بعيدا عن فلسفة تقاسم الثروة والسلطة التي دفعت الشعوب العراقية انهرا من الدماء من اجلها.

     لقد أعادت هذه السلوكيات التي تصورناها اندثرت مع انهيار نظام الأنفال والحصار إلى أذهاننا، سلوك ضابط صغير في الاستخبارات العسكرية كان مسؤولا عن إحدى سيطرات النظام مع محافظة دهوك في تسعينات القرن الماضي، الذي أطلق عليه الأهالي اسم ( الوحش ) بسبب وحشيته في التعامل مع السكان أيام الحصار المزدوج على سكان الإقليم، حيث شهدت بنفسي أواخر تسعينات القرن الماضي في سيطرة موصل دهوك، وأنا واقف متسمر أمام  ما فعله مع امرأة عجوز كانت قد جلبت معها كيلو من الطحينية التي أصر على إفراغها في حذائها، وطلب منها ارتدائه قائلا لها:
     فقط بهذه الوسيلة تستطيعين نقل الطحينية ( الراشي ) لأولادك!؟

     هذا ما شاهدته وشاهده الكثير أيام نظام صدام حسين وحزب البعث من مجرد ضابط صغير، ينفذ إرادة أسياده في بغداد تجاه شعب كل جريمته انه تواق للحرية والمساواة ولا يرتضي العبودية والاستكانة، فحاولوا بكل جهدهم الخبيث منعه من كل أسباب الحياة، حتى أغلقوا عليه الحدود ومنعوا عنه كل شيء، وسحبوا كل موظفيهم والياتهم وخبرائهم، ظنا منهم انه سينهار أمام إرادتهم الظالمة، ففشلوا وانكفؤا وانتصر الشعب، الذي كان يعمل لسنوات دون مرتبات، تشهد على ذلك آلاف مؤلفة من الموظفين المدنيين والعسكريين، الذين تم تخييرهم من قبل حكومة الإقليم الحرة، بين الاستمرار في الوظيفة دونما راتب، أو ترك الوظيفة بإجازة مفتوحة، فكان الاختيار للأغلبية أن يستمروا في أداء واجباتهم تجاه الوطن دونما مقابل حتى انتصرت إراداتهم وسقط طاغوت العصر تحت أقدامهم ذليلا خائبا، ونهضت كوردستان بقاماتها لكي تعانق ذرى كاره وهورمان وسفين.

     في الأمس لم يك بيد هذا الشعب أي شيء إلا الأرض المحروقة والبلد المدمر، فلا مال ولا موازنة ولا إنتاج، إلا محبة وإرادة الشعب الذي صمد لينتج كل هذا الذي نراه من سنجار وحتى خانقين، واليوم بعد أن مزج أبناء وبنات كوردستان دموعهم وعرق جبينهم ودمائهم من اجل هذا البناء، تأتي مجموعة أخرى لتستنسخ ذات السلوك الذي فعله ذلك الضابط الصغير ( الوحش ) في حصار كوردستان، ومحاولة منعها من مواردها واستحقاقاتها لكي يعيدوا تصنيع ( سكرابات ) دكتاتورية بثوب جديد، متناسين تاريخ طويل يمتد لعشرات السنين من المقاومة والصبر والصمود، لشعب لم تبرد بارودته حتى تحققت بعض أهدافه،  فاستبدلها بوسائل البناء والعمران والسلم والأمان، وأنجز خلال سنوات قصار ما عجزت عن تحقيقه كل حكومات بغداد طيلة قرن من الزمان، فكيف يراد له أن يتقهقر إلى الوراء!؟
 
kmkinfo@gmail.com

290
تصريحات برائحة الخردل!؟

كفاح محمود كريم

     مرة أخرى عاودت موجة التصريحات المسممة بغاز الخردل وحقبة الأنفال والكيماوي إلى سطح الإعلام من قبل بعض المحسوبين على رئيس الحكومة الاتحادية، وخاصة تلك التصريحات التي تدعو إلى إعلان الحصار أو الحرب على إقليم كوردستان، تارة بالتهديد بأنهم " سيلقنون الكورد درسا قاسيا " كما قالت النائبة عالية نصيف وهي تهدد قوما تعدادهم على النص الذي قالته يشمل كل الكورد في العالم أي ما يقرب من خمسين مليونا واذا ( وجبتنا ) كما تقول الدارجة العراقية، فهي تهدد ما يقرب من ستة ملايين ونصف المليون كوردي في العراق، والحمد لله انها ليست مهيب ركن كرئيسها السابق لتجدد الأنفال وتحرق المدن والقرى، أو كما صرحت النائبة الأخرى حنان فتلاوي بأنها تطالب بمنع الكورد من دخول بغداد وبقية المحافظات خارج الإقليم إلا بفيزا أو موافقات أمنية، ومنعهم من تملك أي عقار خارج الاقليم، وهي تدعي ان ذلك يحصل للمواطنين من الوسط والجنوب عند دخولهم الإقليم كما تزعم هذه النائبة. 

     وتأتي كل هذه التصريحات لتغطي على فضيحة قطع مرتبات الموظفين في إقليم كوردستان، في سابقة لم تجر في تاريخ الدولة العراقية بكل أطياف أنظمتها السياسية والتي لا تقل في تمييزها العنصري عن جريمة الإبادة الجماعية التي اقترفها نظام صدام حسين، وذلك من اجل إحداث انهيار اقتصادي واجتماعي في الإقليم أو إرغامه للخضوع لإرادة التفرد والإقصاء التي تمارسها هذه المجموعة، بعد أن أصبحت كوردستان الأمل المرتجى لكل العراقيين والملاذ الأمن والكريم لكل الهاربين من إرهابهم وميليشياتهم، التي حولت البلاد إلى خراب وحرائق في كل مكان خارج الإقليم، ودفعت مئات الآلاف للهجرة بحثا عن الأمن والسلام والحياة الكريمة في إقليم كوردستان الذي يحتضن اليوم من العراقيين غير الكورد ومن العرب تحديدا، اولئك الهاربين من جحيم الطائفية المقيتة التي أنتجتها هذه التصريحات المسمومة، يفخر اليوم بأرقى صور التسامح والتعايش بين كل مكوناته ومكونات العراق، حيث يحيى الجميع فيه معززين مكرمين، حالهم حال أي مواطن هنا في كل مفاصل الحياة والعمل التي تعج بهم.


     إن الذين يريدون منع الكورد من دخول بغداد والمحافظات عليهم فعلا أن يتجرؤا في فض هذه الشراكة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بان يأخذ كل منا حقه فيها، بدلا من تصريحات جوفاء فارغة تخدش حياء الأهالي وتعكر مزاج المواطنين، خاصة أولئك الذين يتقاسم شعب كوردستان معهم لقمة العيش بعد أن ضاقت بهم الدنيا وضنكها، مع نظام فشل في أن يوفر ابسط مقومات الحياة في الأمن والسلام لمواطنيه، وتركهم ضحية للفقر والعوز والتقتيل على الهوية من الموصل وحتى البصرة.
kmkinfo@gmail.com   



291
 
أزمة بغداد مع أربيل!

كفاح محمود كريم

    تذكرنا سلوكيات البعض في حكومة بغداد بتأخير دفع مرتبات الموظفين في إقليم كوردستان كلما حدثت مشكلة أو تم تصنيع أزمة ما مع الإقليم، بتلك الحصارات التي كانت تضربها ذات الحكومة ولكن بتسميات مختلفة وبنفس هذا السلوك على مدن وقرى كوردستان عبر تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها، ويعرف العراقيون والكوردستانيون المواد المحرمة دخولها إلى تلك المناطق ابتداء من الوقود والشاي والسكر وانتهاء ببقية مفردات المواد الغذائية، إلا بكميات محددة وبموافقات الجهات الأمنية والعسكرية، فطيلة الصراع مع حكومات بغداد الدكتاتورية، كانت تستخدم تلك الأنظمة أكثر الوسائل خناثة وخباثة في صراعها مع الشعب عامة ومع كوردستان وشعبها وحركتها التحررية خاصة تلك الأساليب التي ترتبط بقوت الأهالي ومصادر عيشها، فلم يك صدام حسين لوحده أو حزب البعث بمفرده يعتنق هكذا نمط من السلوك المنحرف، فقد أثبتت الأيام بأنه نتاج تراكم كبير من الإمراض الأخلاقية والتربوية التي حملتها معظم الطغم العسكرية أو المدنية التي تسلطت على حكم هذه الدولة العجب، فلم يتوانَ احد منهم من اقتراف أسوء الجرائم بحق الآخرين وخاصة المكونات غير العربية التي تصل حد الإبادة الجماعية، منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي، حينما قتلت قوات الجيش بأوامر من أعلى السلطات أيام حكم الملك غازي ورشيد عالي الكيلاني، ما يقرب من ثلاثة ألاف آشوري في منطقة سميل وعشرات القرى الآشورية في الموصل ودهوك خلال عدة أيام من شهر آب 1933م، أعقبتها حملات أكثر وحشية في جبل سنجار التي تحولت إلى تقليد تقوم به القوات العراقية ضد كل من اختلف مع نظامها السياسي، حتى تكللت (بطولات) ذلك الجيش العقائدي بإبادة ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ من كوردستان لا لشيء إلا لأنهم كوردا، وأحرقت عشرات الآلاف من سكان مدينة حلبجة وأخواتها في كرميان وبادينان بالأسلحة الكيماوية، ناهيك عن الحصارات المخزية التي كانت تضربها على المدن والبلدات والقرى الكوردستانية، بما يشبه ما يريده البعض اليوم في محاولاتهم للوي ذراع الشعب وكسر تطلعه للمستقبل الحر المزدهر، هذا الشعب الذي أنجز تطورا خلال عقد من الزمان عجزت عن تنفيذه حكومات بغداد خلال ثمانين عاما من تأسيسها لهذه المنطقة؟

     إن قراءة سريعة لذلك التاريخ المقزز يظهر لنا حقيقة ما يجري الآن، في بلاد يفترض أنها غادرت هيكليا تلك الأنماط من الحكم، لكنها وللأسف الشديد ما زالت سائدة كثقافة متكلسة في مفاصل كثير ممن يفترض أنهم يمثلون حقبة جديدة سواء في المجال المدني أو العسكري، الذي ما يزال يرضخ لعقيدة الطغيان والهيمنة والقوة، ووسيلة بيد الحاكم يستخدمها كلما شاء لمجرد الاختلاف في الرأي أو التعبير لفرض ارداته بعيدا عن فكرة وعقيدة الدولة المؤسساتية القائمة على المواطنة والشراكة الحقيقية بين الجميع في الحقوق والواجبات حسبما ثبتها الدستور، ويبدو والله اعلم أنها ثقافة ممسوخة من الخناثة والخباثة في محاولة لكسر الإرادات، هذه الثقافة التي تعشش في عقول وقلوب كثير ممن اعتلى الكرسي في بغداد ووجد حوله عدة ألاف من الجندرمة، وذهب إلى شاطئ دجلة فرأى خياله في الماء ليظن انه أصبح إمبراطورا على الجهات الأربع، كما فعلها القائد الضرورة ومن شابهه إلى يوم الدين وانتهت به إلى تلك الحفرة المخزية؟

292
لكي لا تتشوه هوية البلد!

كفاح محمود كريم

     نتذكر سبعينيات القرن الماضي وبداية تحويل البلاد العراقية إلى حقل لتجارب البعث القومية، وتقزيم العراق بتحويله إلى قطر وشعبه إلى جزء من امة مفترضة لم يثبت التاريخ المعاصر حقيقة كينونتها الفعلية كأمة خارج الدين الإسلامي، واستيراده على تلك الخلفية ملايين المصريين والمغاربة، وغيرهم من سكان تلك البلاد التي افترضها تشكل دولة موحدة ذات يوم، ليؤسس منها نواة ذلك الكيان الذي كان يخدر به الأهالي، وهو كيان الوحدة والحرية والاشتراكية الذي انهار قبل سقوطه أبان الاحتلال الأمريكي، حيث سقط في ضمائر الناس ولم يتحول طيلة ما يقرب من نصف قرن في البلدين السوري والعراقي إلى فكر أو ثقافة اجتماعية، ولم تنصهر تلك الارتباطات بالوطن الأم على حساب الوطن المفترض في دولة الوحدة، بل على العكس هبط إلى مكونات اصغر من القومية ( العشيرة ) و ( قرية ) اكبر من الوطن!؟

      فحينما فتحت أبواب البلاد مشرعة أمام من هب ودب وبتسهيلات لا مثيل لها في كل بلدان العالم، دون الأخذ بنظر الاعتبار لمصالح البلاد العليا والآمنين الاجتماعي والأخلاقي المتعلق بالعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية، دخلت البلاد أفواجا كثيرة من الباحثين عن العمل والغنى في بلاد نفطية، تسرب معها أيضا أعدادا كبيرة من الفاشلين والمجرمين وأصحاب السوابق والسراق والمزورين وأنماط كثيرة من المنحرفين في مختلف مناحي القيم والعادات والتقاليد، إلى مجتمع كان ما يزال خاما ومحافظا بالمقارنة مع من أتوا إليه، وهو منهمك في حرب ضروس مع دولة جارة سحبت كل الرجال من الثامنة عشر عاما وحتى الثلاثين، إضافة إلى تجنيد ما فوق هذه الأعمار في قواطع ميليشيا ما كان يسمى بالجيش الشعبي، مما أتاح دخول هذه الفئات إلى كل مفاصل الحركة الحياتية في الدولة والمجتمع وبملايين الرجال من المصريين والمغاربة والسودانيين واليمنيين وغيرهم من البلدان العربية، الذين اندفعوا أفواجا في معظمهم من الفلاحين غير المؤهلين والعمال غير الفنيين وقلة نادرة من الاختصاصات العلمية والأكاديمية، إضافة إلى أعداد كبيرة من خريجي السجون والمشبوهين وحتى المحكومين الهاربين.

     ولكي نكون منصفين فان مجتمعاتنا كانت الأنظف حتى دخول تلك الأفواج، حيث نُقلت إليها أنواع رهيبة من فايروسات الانحراف بكل أشكاله و(الفهلوية) التي تجاوزت كل أنواع (الكلاوات) العراقية البسيطة قياسا بما استورد لها القائد الضرورة، واليوم وبعد عشر سنوات من سقوط تلك التجربة الفاشلة، وأكثر من عقدين من الزمان على هجرة تلك الملايين الفاسدة، التي تركت ورائها مخلفات رهيبة من السلوكيات المنحرفة، يعود البعض إلى ذات الثقافة الفاشلة ليفتح الأبواب أمام هجرات وزحف أنماط بشرية غريبة تحت أغطية مذهبية أو قومية بائسة، كما يحصل مع تدفق ( مقاتلين ) من كل مكان إلى ما يسمى بدولة العراق الإسلامية وتوغلهم في البنية الاجتماعية والعقائدية بذرائع الجهاد، وما ماثلهم من شرق البلاد تحت أغطية ميليشياوية أو مذهبية مقيتة لا هم لها إلا الارتزاق ونخر الوطن أو ذبحه ومسخ هويته وتشويه عاداته وتقاليده دون أي وازع يمنعها، فهي لا تنتمي إطلاقا إلا لمصالحها الذاتية، ولا يمكن سلخها من انتمائها الأصلي مهما كانت تلك الأطروحات التي يطرحها منظرو القومية الشوفينية والتعصبية الدينية أو المذهبية، حيث فشلت كل هذه المحاولات في العراق واليمن وسوريا وليبيا وقبلها في أفغانستان وغيرها من البلدان التي اجتاحتها حمى القومية المفرطة أو التعصب الديني والمذهبي.

 kmkinfo@gmail.com




293
السقاعة الأمريكية؟
كفاح محمود كريم
     
     والسقاعة مفردة جاءت من السقيع وتلفظ هكذا، رغم أنها مأخوذة من الصقيع أي شديد البرودة، وتستخدم في الدارجة العراقية لتصف الإنسان البارد الممل القريب من البلاهة وربما الغباء أحيانا رغم ثرثرته أو ادعائه العلم بالشيء، وقد استخدمت هذه المفردة لتصف أولئك الناس كثيرو الثرثرة الذين يأخذون الأمور بسطحيتها دون معرفة الحقائق، وأكثر الإدارات السياسية في العالم عدم دراية ومعرفة بتاريخ الشعوب هم الإدارة الأمريكية التي دفعت بسبب أخطائها وعدم إدراكها لحقائق الأمور، خسائر كثيرة في علاقاتها مع الشعوب وخاصة بعد إجرائها التداخل الجراحي الكبير في كل من أفغانستان والعراق، حيث أرسلت أسوء إدارييها لوراثة أنظمة الحكم الدكتاتورية هناك، حيث يتذكر العراقيون بأسى شديد وعار كبير للولايات المتحدة إدارة السيد برايمر للعراق في الفترة الانتقالية التي أنتج فيها أسوء ما يتم تعريفه في علوم السياسة والإدارة والاقتصاد، حينما خلط النابل بالحابل، وصاغ ما يسمى بالفوضى الخلاقة التي أنتجت كل تداعيات الفوضى العراقية منذ انهيار نظام البعث وحتى يومنا هذا؟

     ولعل ما ورد مؤخرا في وسائل الإعلام الأمريكية من اتهام للحزبين الكبيرين في كوردستان، الديمقراطي والاتحاد بالارهاب، يأتي في سياق ( السقاعة ) الأمريكية التي تتناول من خلال سطحيتها وعدم إدراكها لحقائق الأمور وتاريخ الشعوب أكثر الأمور أهمية، لكي تُعرف نضال الأمم وكفاحها بأنه إرهاب، علما إن تاريخ ونضال الحزبين المذكورين أكثر عراقة وأصالة من حزبيها الديمقراطي والجمهوري، من خلال تضحياتهما وقوافل شهدائهما وعموم الحركة الوطنية الكوردستانية التي قادها الديمقراطي الكوردستاني منذ بداية النصف الثاني للقرن المنصرم وحتى يومنا هذا، وهو الذي حقق مع حليفه الاتحاد وبقية الفعاليات الكوردستانية ما تنبهر به كل الإدارات الأمريكية وغيرها في منطقة الشرق الأوسط، حيث حولت كوردستان إلى واحة وجزيرة للسلام والأمان والمدنية والازدهار في عجاج بحر متلاطم من الإرهاب والدمار والتقهقر.

     ومن المضحك حقا أن يطلع المرء على تقييمات بعض مفاصل الإدارة الأمريكية بشكليها التشريعي والتنفيذي، خاصة حينما يقرأ هذا النص الذي يمثل فعلا سقاعة المسألة التي أثيرت مؤخرا حيث يقول التقرير:

     عقب اعتذار الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان عن زيارة الولايات المتحدة الأمريكية بناء على دعوة رسمية من إدارتها، وبعد استيضاح رأي ممثلية حكومة إقليم كوردستان في الولايات المتحدة بهذا الشأن، كما أوردته وكالة بيامنير للأنباء، فقد تداول الكونكرس والخارجية الأمريكية هذه المسألة، وأعلن المسؤولون هناك بكل صراحة إن أسم (الكورد) قد أُدرج ضمن القائمة السوداء الأمريكية عن طريق الخطأ، فهم أي الكورد ضد الإرهاب ويساندون السلام والاستقرار، وقد صرح أيد رويس رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونگرس قائلا:

     " إن إدراج اسمي الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني ضمن القائمة السوداء قد ورد سهواً وعن طريق الخطأ لأنهما كانا على مدى عشرات السنين السبب في استقرار المنطقة وأمنها والسلام فيها، بينما انتشرت منظمة إرهابية مثل القاعدة والمنظمات التابعة لها في عموم الشرق الأوسط، وتطورات الأمر هكذا فأن علينا أن نراجع موقفنا وقرارنا غير المناسب إزاء أصدقائنا في تلك المنطقة، لآن هذه المسألة ستتسبب في تدهور علاقاتنا معهم وأصبحت أتساءل : ترى هل أن الإدارة تساند قراراً قانونياً يتم بموجبه رفع أسم الكورد من القائمة السوداء ".

     فيما أعلن نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون العراق وايران بريت ماك كيورك:

    " الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني هما أقرب أصدقائنا في الإقليم منذ عشرات السنين وبرأينا أنه يتوجب رفع اسميهما من القائمة السوداء في أسرع وقت وتدركون أن هذا الموضوع يتطلب مشروعاً قانونياً وسنساند حل هذه المسألة حتماً ونتطلع مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية ولجان الكونكرس لإيجاد حل مناسب لذلك ".

حقا شر البلية ما يضحك!
kmkinfo@gmail.com


294
حرف السين والمسؤولين!؟

كفاح محمود كريم

           يبدو إن موسما جديدا بدأ لاستخدام حرف السين, وبالذات مفردة ( سوف ) ذات الإيقاع الساحر لدى الكثير من المسؤولين الذين يتم تعيينهم حديثا، وهم يتحدثون عما سيفعلونه وينجزونه، ويعدون الأهالي بأكوام من حرف السين  الذي يسبق كل أحاديثهم، بدأت تطل علينا ونحن على أعتاب دبكة جديدة للبرلمان العراقي، الذي يتنافس على امتيازات عضويته الآلاف من العاطلين عن العمل والطموحين للانتقال إلى عالم السياسية الجديدة المليئة بالأموال التي تغسل باستمرار ويتم نشرها على حبال التنشيف في العواصم القريبة، هذه الدبكة التي تتقاتل من اجلها أفواج المنتفعين والانتهازيين وأنصاف الأميين والمتعلمين، ليس بالصراع الدموي بل بالعزائم وتوزيع الهدايا ومنح هبات ومبالغ نقدية ومشاعر جياشة تتعاطف مع فقراء الأمة وسكنة عشوائيات التجاوز، وخاصة بعد انهيار نظام ( هلهولة للحزب القائد ) الذي ما تزال ثقافته تمارس يوميا تحت أسماء وعناوين مختلفة لكنها بذات الجوهر والمبدأ.
 
      ولعل ابرز من يستخدم حرف السين بكل أشكاله في أول الجملة أو الكلمة، وخاصة كما ذكرنا مفردة ( سوف )، هم المرشحون لمجالس الاقضية والمحافظات وصعودا في الإيقاع والقيمة وصولا إلى البرلمان، حيث أظهرت نتائج دراسة قامت بها إحدى مؤسسات الاستبيان، بان أكثر الناس كذبا هم مرشحوا تلك المجالس، فقد بلغت نسبتهم أكثر من 87 بالمائة من الذين يعدون ولا يوفون وعودهم، والبقية الباقية يتعذرون بتلكؤ الحكومة وأجهزتها، هؤلاء المرشحون بدأوا من الآن يقذفون حمم حرف السين على الأهالي المتخمين بالوعود والأكاذيب حتى آذانهم، بل إن كثيرا منهم من كثرة الكذب بدأ يصدق ما يقال له، على خلفية مبدأ غوبلز وزير إعلام ادولف هتلر الذي يقول اكذب فاكذب فاكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس!؟

      ورب قائل يسأل من اضطر الناس على تصديقهم، خاصة وأنهم خبروهم أو جربوهم خلال دورتين برلمانيتين، لم تختلف فيها الأكاذيب والوعود إلا في توقيتاتها أو إرفاقها ببضع أكياس من المال، باستثناء أولئك الرائعون من المخلصين الذين حملوا آلام الوطن على أكتافهم وفي قلوبهم قبل انهيار النظام وبعده ممن لم يغريهم السحت الحرام والعمولات المشبوهة، ولعل الإجابة على هكذا أسئلة مريرة تبدو في غاية الصعوبة مع شعب خرج بالملايين من اجل الزعيم الأوحد وهم ذاتهم خرجوا من اجل الرئيس المؤمن عارف، ثم ما لبثوا هم وأولادهم أن كانوا يصفقون للقائد الأب البكر، ثم لحق بهم أحفادهم إلى مسيرة القائد الضرورة، وباستثناء  القلة القليلة للأسف يبدو المشهد القادم من خلال أفواج المرشحين لا يختلف كثيرا عما شهدناه خلال دورتين، بل قل معي منذ مليكنا المفدى وحتى زعيمنا مختار الزمان، إلا اللهم باختلاف الأسماء والرتب والعناوين، وأساليبا متنوعة وأكثر تطورا في تخدير الشارع دينيا ومذهبيا وعشائريا بفتاوى دينية ومذهبية وتشييمات قبلية بدوية خارجة عن الزمن، تسببت فيما نحن عليه الآن وربما سنبقى كثيرا على هذه الحال حتى يتم إلغاء استخدام حرف السين وسوف من قبل المسؤولين الكرام!؟

kmkinfo@gmail.com

295
المنبر الحر / الشفاطات!؟
« في: 18:13 30/01/2014  »
الشفاطات!؟

كفاح محمود كريم

                ومفردها الشفاطة وهي من الدارجة العراقية الأكثر استخداما في الموصل لتوصيف المرأة الثرثارة، ومذكرها الشفاط أي بمعنى آخر ( اللغوجي ) وهي تعني الرجل الذي يتكلم كثيرا إلى حد الملل، وتظهر ( الشفاطة ) بشكل جلي في المناسبات السعيدة منها والحزينة، كحفلات الزواج والتعازي، وكذا الحال بالنسبة للشفاط حيث يتبارى في ذات الأمكنة مضافا إليها المقاهي، وفي كل الأحوال فالشفط ليس كما هو معروف في إزالة الشحوم من الكروش، بل هو عملية شفط كل ما في الرأس على أجنحة الصوت، وبضجيج ممل وتصوير مبالغ به للأحداث بسرد مكرر ومطول إلى حد الملل، وبالتأكيد تتكثف في مفاصل هذا النوع من الشفط أشكال من أحلام اليقظة والأكاذيب وأحيانا كثيرة النميمة وقذف الآخرين بغيابهم.

     ولقد بقت الشفاطات والشفاطون أسيروا تلك المناطق المحصورة بين المقاهي وأمكنة الأفراح والأحزان، حتى مَنَ الله علينا بالنظام الديمقراطي الذي أنتج لنا برلماننا العتيد، ففتحت آفاقا جديدة للناس أجمعين وخاصة فرص العمل للبطالين، حيث امتلأت أروقة المجلس بالحمايات والمرافقين ومدراء مكاتب النواب ومسئولي إعلامهم، وبالتأكيد منهم إخواننا الشفاطون والشفاطات، الذين انبروا يمارسون هوايتهم بالشفط واللغف والسهر حتى الصباح من اجل الأهالي ومصالحهم وخاصة في الكهرباء والنفط الأبيض وغيرهم من الكماليات في عراقنا الجديد!

     المهم هناك مواسم للشفاطات والشفاطين تبدأ مع ظهور بوادر أي أزمة يتم تصنيعها في أروقة الحكومة الاتحادية مع الإقليم، ولأي سبب كان حتى مع عدم وجود سبب يتم صناعة الأسباب الموجبة لكي تنبري مجموعات ( العد والصف ) بمعنى الشفط المعادي للطرف المراد شفطه، حيث البرامج الحوارية على فضائيات الرقص على أوتار الخلافات والعقد المتراكمة عبر عصور الأنظمة الشمولية، وليس بعيدا ظهرت مجموعة من الشفاطات لمناقشة أزمة مفترضة عما يسمى رفع التأشيرات لمواطني الإمارات وقطر ودول الخليج بمناسبة احتفالات الدولة العربية باعتبار اربيل عاصمة السياحة العربية، وقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها خاصة وان أحداهن كانت قد رددت شعار حزب البعث قبل بدء الحوار، إلا أن زعيمها الذي منحها ( كرين كارت ) من الاجتثاث خولها أن تتحدث باسم الأمة العربية تارة والدستور العراقي تارة أخرى، والغريب إن الشفاطات يلتقون رغم المسافات الشاسعة بينهم من الناحية الفكرية والعقائدية، خاصة إذا ما كان الموضوع يتعلق بأولاد الجن من الكورد كما يصفونهم أحيانا في أدبياتهم، فقد انبرت شفاطة أخرى بدرجة دكتورة لكي ( تفتل ) الأمور كما تريد وحسب مزاجها ومزاج عرابها، وتتناغم مع مثيلتها الأخرى على خلفية عدو عدوك صديقك!؟

kmkinfo@gmail.com


296
العراقيون ومشكلة الأحذية؟

كفاح محمود كريم

    يبدو إن الحذاء الذي يتم تداوله بالاسم الحركي له عراقيا ( القوندرة ) هو أكثر الأسلحة استخداما، إما بالتهديد أو بالتنفيذ أو بالتشبيه في معظم مجتمعاتنا العراقية من أقصى الشمال إلى أقصاه في الجنوب، رغم اختلاف أشكاله وأحجامه وتسمياته، إلا انه يبقى المفردة الأكثر تداولا خاصة حينما تبدأ دورة الغضب والعصبية والتهديد، أو في استخدامات أخرى حينما يتحول إلى وسادة في عربات القطار أيام الحرب العراقية الإيرانية أو في سجون النظام البائد أو الما بائد!؟

     أما على المستوى العالمي وفي أكثر مشاهد استخدامه إثارة كانت تلك اللقطات التي ظهر فيها الزعيم السوفييتي خروتشوف عام 1960م وهو يهدد به الامبريالية العالمية ويطالبها بمنح كل المستعمرات الحرية والاستقلال، حيث كان أعضاء الأمم المتحدة يواصلون نقاشاتهم واستماعهم إلى كلمات ممثلي الدول، بينهم جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر وجوزيف تيتو ورؤساء حكومات، عندما ارتفع فجأة صوت رئيس الاتحاد السوفيتي خروتشوف، وما إن انتبه إليه الجميع في تلك القاعة الحاشدة حتى شاهدوه وهو يرفع حذاءه ويضرب به منصة وفد بلاده وسط ذهول واستهجان وسخرية الجميع، بعد هذه الحادثة صار اسم خروتشوف لم يذكر باعتباره رئيس دولة عظمى، بل تذكر حادثة الحذاء هذه وبكثير من التأويلات.

     وفي تاريخنا المعاصر وخاصة في العقد الأخير الذي تميز بمجلس نوابنا العجب، حيث ضم بين أروقته ما شاء الله من عبيده الذين يحترقون من اجل أن يحيى الشعب، ويجوعون من أجل أن يشبع الفقراء، ويسهرون حتى الخيط الأول من الضياء وما هم بسكارى، لكي ينام الشعب مخدرا بشعاراتهم وأكاذيبهم، فقد استخدمت إحدى ( نايباته ) التي تم تزكيتها في الاجتثاث من قبل زعيم سبق وان كان من رفاق العقيدة والسلاح وادغمها في غفلة من الزمن بين صفوف ( نايبات ) المجلس العتيد، استخدمت هذه الشفاطة أي كثيرة الكلام والتصريحات ( بابوجها ) بدلا من اللسان والحوار والنقاش أسلوبا في التخاطب مع احد النواب الذي كان ينتقدها!؟
     وربما فعلت فعلة ذاك المغمور الذي عجز عن توجيه سؤال لزعيم دولة كبرى كان يزور العراق فاستخدم هو الآخر ( قوندرته ) بدلا عن لسانه لتوجيه السؤال والحوار، في أخر مودة من مودات التعاطي الحذائي مع الأحداث، ويبدو والعلم عند الله إن لتلك المشكلة جذورا مهمة ومترسبة عند العراقيين عموما، حيث أشار إليها رئيس النظام السابق الذي نتذكر جميعا أحاديثه عن الأحذية، وكيف كان ( يُعيرنا ) بأننا كنا حفاة عراة نأكل من بقايا علب الأغذية المحفوظة التي يرميها جنود الاحتلال البريطاني، ( وربما كان يتحدث عن منطقته تحديدا لوقوعها بالقرب من سكة القطار ) لان مثل هذه المشاهدات في مرحلة الطفولة قد تبقى دهورا منقوشة في الذاكرة بالصورة والصوت، إلا انه كان دوما يذكرنا أيضا بأنه هو الذي ألبسنا الأحذية بعد دهور من الفقر المدقع الذي انتهى بتوليه رئاسة العراق ومن ثم انتهاء عهد ( الحفاة ) لتبدأ مرحلة الأحذية، التي سرعان ما أصبحت تحت مضلة الحكم القرقوشي واحدة من أهم أسلحة التخاطب لكبار المسئولين في تلك المرحلة، ويبدو أن الرفاق الجدد من خريجي تلك المدرسة في التخاطب والتعاطي مع الأحداث باستخدام هذه الوسيلة في زمن النكرات والانتهازيين من مستخدمي لغة القنادر مازالوا يمثلون على مسرح السياسة البائسة في عراقنا الجديد!؟

kmkinfo@gmail.com
 

297
شاي كوردستان وقهوة بيروت!

كفاح محمود كريم

     ربما كان لدرجات الحرارة وانخفاضها طيلة أيام السنة في جبال كوردستان وقراها المنتشرة فوقها كنجوم تضيء سماوات الوطن، اثر كبير في انتشار الشاي الحار كتقليد يومي على مدار الساعة، أينما ذهبت في كوردستان يلاقيك الشاي مرحبا بحلاوة لا تماثلها أي حلاوة، فقد تعود أهل هذه البلاد على إضافة كميات كبيرة من السكر إلى الشاي، ربما لتعويض في الطاقة خاصة وإنهم مروا في حقب كثيرة من حياتهم لضغوطات عسكرية وحصارات عديدة كانت تمنع عنهم وصول كثير من المواد الغذائية، فأصبح الشاي المحلى كثيرا بالسكر مع الخبز أكلة مهمة لدى أغلبية الفقراء من الأهالي.

لقد أصبح الشاي أكثر ما يميز تعاطي الأهالي مع الضيوف كأول ما يقدم لهم في كل المناسبات، ورغم انه مشروب حار إلا انه يقدم أيضا في أيام الصيف الملتهبة أيضا، حيث ينتشر في كل مكان ليكون ملاذ الفرد خاصة إذا ما أراد أن يصفي ذهنه أو يروق كما يقول اللبنانيون الذين تتميز عاصمتهم بيروت بكونها من المدن القليلة في الشرق الأوسط التي تصر في الإبقاء على عراقتها ونكهتها وأصالة تقاليدها، رغم ما أصابها من إيقاعات التغيير المتسارعة خلال العقدين الأخيرين من نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، لكنها لم تترك أثرا بالغا في بنيتها السلوكية والنفسية فما زال البيروتي هو هو كما كان والده في أربعينات أو ستينات القرن الماضي في كثير من تفاصيل الحياة اليومية ابتداءً من قهوة الصباح وانتهاءً في السهرة  الحالمة بعيدا عن ضوضاء الجيل الجديد الذي انكفأ في كازينوهات ونوادي ليليلة في العاصمة وأطرافها، تتكثف فيها إيقاعات التغيير المتسارعة في السلوك والأداء، لكنها أيضا لا تخرج كثيرا عن جغرافية وإيقاعات القهوة!

     وهنا أيضا ربما كانت رائحة القهوة كما في الشاي ونكهته المعروفة في كوردستان، أكثر تأثيرا وانتشارا وتركيزا في ترسبها على أسطح وأعماق الحواس والذاكرة، لكثرة ما في بيروت من دكاكين ومحامص لحبة القهوة، التي تعني لأهل لبنان المزاج والنكهة وتمنح جغرافية المكان عبقا آخرا وعنوانا يكلله متعة ارتشافها، وهو أي اللبناني اشطر من يعرف نوعها ونكهتها وكيفية تحضيرها وكم من الوقت تستغرق فوق النار الحامية أو الهادئة، كما يفعل الكوردستاني بسماوره ومنقل الفحم الذي يضفي للشاي رومانسية ونكهة لا تضاهيها أي نكهة أخرى؟

     هذا اللبناني الذي يهرب من لهيب الصراعات ليحتسي فنجان منها وكأنها ملاذ آمن يحتضنه في أوج تألقاته، لا كما يفعل البعض منا في شهوة القهوة واحتسائها، وهو أيضا في كوردستان بدأ يشيع بشكل ملفت طقوس قهوته ونكهتها ورائحتها التي تحاول جرجرة الشاي إلى زوايا حادة، رغم ما تحمله من ماركات وإغراءات كثيرة؟

kmkinfo@gmail.com
 




298
كوردستان وظلال التسامح

كفاح محمود كريم

     تعرضت كوردستان خلال القرن الماضي إلى أبشع أنواع الحروب التي شملت كل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا، كما حصل في مدن هورامان وكرميان وبادينان، إضافة إلى عملية تدمير شامل للبنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية من خلال إزالة معظم قرى كوردستان التي بلغت ما يقرب من خمسة آلاف قرية بمن فيها وما فيها، وقتل ما يقرب من ربع مليون طفل وشيخ وامرأة، اكتشفت بعد سقوط النظام مقابرهم الجماعية التي  ضمت عشرات الآلاف من رفاتهم وقد دفنوا أحياء في صحراوات الجنوب العراقي، هذا بالإضافة إلى ما كانت تقترفه ميليشيا البعث المسماة بالجيش الشعبي من جرائم بحق السكان في معظم كوردستان، وهي عبارة عن تنظيمات حزبية مستقدمة من خارج الإقليم كانت تقوم بعمليات دهم وسلب ونهب بالتعاون من مرتزقة النظام في الداخل ممن كانوا  يسمون بالفرسان، إضافة إلى جرائم الأجهزة الخاصة ( الأمن والاستخبارات والمخابرات ) التي لم يسلم من عذاباتها أي مواطن حر وشريف، ورغم بشاعة ما كان يحدث فقد عتمت وسائل الإعلام العربي كعادتها على كل تلك الجرائم التي تتعلق بالإنسانية، حيث همشت بل وتغاضت تماما عن أي ذكر لخبر أو نبأ يتعلق بتلك الجرائم العظمى، بل كانت تعتبرها عمليات تحرير وتطهير للبلاد من المخربين!؟ 

     كل هذه الجرائم مغمسة بانين الجرحى والثكالى من الأمهات والزوجات والأيتام، كانت أمام قيادات الانتفاضة العظمى لشعب كوردستان في آذار 1991م بعد تحرير معظم أراضي الإقليم باستثناء المناطق التي ما تزال خارجه والمشمولة بالمادة الدستورية 140، وهي ترسم خارطة الطريق إلى المستقبل في مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث أدرك الرئيس بارزاني حقيقة مهمة في التكوين النفسي والأخلاقي للفرد والمجتمع الكوردستاني القائم على التسامح وعدم الانتقام والجنوح إلى السلم والأمن مستفيدا من الإرث الكبير لمفردات الثورة الكوردية طيلة أكثر من نصف قرن ليتخذ قراره الجريء هو ورفاقه في الجبهة الكوردستانية بإصدار العفو العام عن كل أولئك الذين تورطوا بجرائم ما كان يسمى بقوات صلاح الدين من مرتزقة النظام وأزلامه في المنطقة، بمن فيهم الكثير من القيادات البعثية من خارج الإقليم ممن لم يتورطوا بجرائم ضد الشعب، فقد تمت رعايتهم ونقلهم إلى ذويهم مع مقتنياتهم والحفاظ على أملاكهم العقارية، حيث وجه الرئيس مسعود بارزاني بعدم الاستحواذ على أية أملاك عائدة لهم والتعامل معهم كمواطنين مالكين شرعيين لتلك العقارات إما إيجارا أو بيعا دونما غصب أو استغلال، ويشهد المنصفون ممن تعاطوا مع هذه الملفات كل هذه الحقائق، بل وتتذكر كثير من القيادات العسكرية والحزبية في كثير من البلدات الكوردستانية، كيف إن المواطنين قاموا بحماية اسرهم ونقلها مع مقتنياتها إلى مواطنهم الأصلية، عكس ما جرى في كثير من المناطق سواء في العراق أو البلدان التي اشتعلت فيها نيران الاحتجاجات وأفضت عن سقوط أنظمتها واشتعال أعمال الانتقام والتصفيات كما في ليبيا وسوريا ومصر واليمن، بينما تم التعامل في كوردستان مع ما يقرب من خمسين ألف أسير من جنود الجيش وضباطه إبان الحرب الأخيرة عام 2003م بإيوائهم في بيوت المواطنين والمدارس والجوامع ورعايتهم وتخييرهم بين البقاء في كوردستان معززين مكرمين أو العودة إلى ذويهم، صورة من أرقى صور التسامح والإنسانية وقرار من ارفع وأسمى القرارات التاريخية، خاصة وهم جميعا ينتمون إلى المؤسسة العسكرية المسؤولة عن تدمير كوردستان وأنفلة مئات الآلاف من سكانها.

    ولان فاكهة البيت مرة كما يقولون فلم يتناول الإعلام العربي ولا الشرق أوسطي هذا السلوك النبيل للرئيس بارزاني ورفاقه في الجبهة الكوردستانية التي كانت تضم معظم الأحزاب الرئيسية في كوردستان، هذا القرار الذي وضع أسس الأمن والسلم الاجتماعيين في كوردستان، ومنع قيام أي عمليات انتقام بين المواطنين أفرادا كانوا أم أحزابا وقوى، بما يعزز التسامح والبناء المتحضر للمجتمع الكوردستاني وهو في خطواته الأولى نحو الحرية والانعتاق.

     إن اتخاذ هكذا قرار وتطبيقه ليس أمرا سهلا بل في غاية الصعوبة والمرارة، لكنها الحكمة والإصرار على بناء مجتمع معافى من أدران الكراهية والانتقام والأحقاد ليتفرغ أبناءه وبناته لبناء بلدهم المخرب منذ عقود طويلة، وهذا ما جرى فعلا فقد تحدت إرادة الخير والبناء والسلام الاجتماعي كل مشاعر الانتقام والكراهية ودمجت تلك القوى والعناصر في عملية التغيير حتى أصبحت جزءاً مهما من عملية البناء هي وأبنائها وأحفادها لتنتهي حقبة الكراهية والانتقام، ولكي تنهض كوردستان اليوم بهذا الشكل الزاهي ليس في بنائها الاعماري بل في نسيجها الاجتماعي والسياسي والأخلاقي الذي وضع أسسه وبذوره الأولى الزعيم مصطفى البارزاني وحوله مسعود بارزاني والخيرين من أبناء وبنات كوردستان إلى مفردات وبرامج عمل للنهوض بالإقليم اجتماعيا وأخلاقيا واقتصاديا وحضاريا.

kmkinfo@gmail.com
   


299
لكي لا يغتالوا لبنان!

كفاح محمود كريم
 
      ربما كان جيلنا ومن سبقنا وحتى من أتى بعدنا بقليل قد توهم إن لبنان بلد المتعة واللهو والقمار والسياحة فقط، متناسيا في عجقة البارات والملاهي وكازينوهات القمار، إن بيروت مدينة التنوع والثقافة والفن والفكر ورسالة السلام والتسامح إلى كل شعوب الأرض، وإنها احتضنت مدرسة الديمقراطية الأولى في بلاد النظم الشمولية، فكانت بجدارة عاصمة المعارضة العربية وساحة يلتقي فيها كل المختلفين العرب ويصدرون منها ما يعبر عن أرائهم وثقافاتهم، لبنان التي حملها ملايين الرسل وهم يجوبون بلاد الله الواسعة من أقصى الأمريكيتين إلى قارة الكنغر في استراليا مرورا بمجاهل أفريقيا ومعالمها، واسيا وعجائبها، حتى نجح هذا اللبناني الدمث، أن يكون جزءً من حضارات معظم تلك البلدان التي ارتحل إليها تاجرا أو مغامرا أو طالبا للعلم وناشرا للفن والسلام والمحبة، فانصهر في بودقتها دون أن يفقد هويته ووظيفته!

      ولعل أول المغتربين الذين يطرقون ذاكرتنا ونحن نجول عالم هذا البلد العجيب في كل شيء، هو الخالد جبران خليل جبران الذي أوصى أن يدفن في بيته القديم بقريته بشري الرائعة الجمال، ويتحول المدفن إلى واحد من أجمل متاحف لبنان بروحيته وموقعه وتطابقه مع شخصية وفلسفة جبران خليل جبران، هذا العملاق الكبير الذي حمل لبنان الفكر والفن والفلسفة رسالة إلى كل البشر دونما أن يفكر للحظة واحدة بانتماء ديني أو عرقي، بل ونجح عبر الأجيال أن يزرع في ذاكرة المتلقي حسا إنسانيا كونيا يفصله عن أحاسيسه الأصغر في الانتماء، فيكون ابن الأرض قبل البلد المؤطر بجغرافية الحدود، وابن الإنسان قبل أن يكون معنونا باسم أسرة أو عشيرة أو عرق.

      انه لبنان الذي لا يسألك من أين أنت ومن أي قوم أو دين أو مذهب، ولا تعرف عن أهليه دينهم أو مذهبهم، إلا اللهم من أولئك الذين اخترقتهم تلك الطفيليات التي أنتجتها هذه الحقبة الرديئة في عالمنا الشرق أوسطي، الذي كانت بيروت قبلته وعروسه قبل أن يحاول المتوحشون اغتيالها وتعويقها وتقزيمها بطائفة أو عرق أو دين، لبنان تعني إنسان منهمك طول النهار بمهنته وصنعته ووظيفته لا يتوانى في أن يطورها حتى ولو كانت أسرارها خلف سور الصين العظيم، وحينما يحل الليل ويهدأ ضجيج العمل تراه ذلك الباحث عن فجوة في الزمن يركد إليها مرحا يتنفس فيها الطرب الأصيل ويرتشف القهوة الملونة بألوان المكان في الجبل أو الشاطئ، إنها دورة اليوم الكامل، نصفه للعمل والنصف الآخر لترويح النفس، إنها معادلة اللبناني وعنوان لبنان في أروع لوحات الجمال مع العمل والمرح والإنتاج.

      لبنان اليوم بين نيران تلك الطفيليات التي تحاول سرقة هويته وميزته وأسباب وجوده، يعملون ليل نهار لإلغاء انتمائه الكلي للحضارة واستبدالها بانتماءات مشوهة مليئة بالظلام والعبثية!
      لبنان يتعرض لسلخ هويته ومهدد في كيانه الحضاري قبل الجغرافي وبهويته الإنسانية قبل القومية أو الدينية، لبنان يخضع اليوم إلى عملية جراحية فوق الكبرى سيخسر الشرق الأوسط نموذجا حيا للتسامح والتعايش إذا ما فشلت تلك العملية ونجحت فايروسات التطرف والتعصب في تمزيق رسالة لبنان إلى العالم!؟
      انه نداء إلى أطباء لبنان وجراحيها السياسيين ممن دخلوا صالة العمليات الآن ولبنانهم تحت التخدير في واحدة من اكبر العمليات الجراحية لاستئصال أورام التعصب والتطرف والعودة بلبنان المحبة والجمال والسلام والعطاء والدرس الكبير!

kmkinfo@gmail.com
بيروت
24 كانون أول 2013م

300
المنبر الحر / الانتماء إلى الأرض
« في: 16:16 01/01/2014  »
الانتماء إلى الأرض

كفاح محمود كريم

    تنتمي معظم المجموعات السكانية في العراق إلى الأرض سواء كانت  قرية أم مدينة، في السهل أو في الجبل، بعلاقة حميمة وارتباط وثيق يتحول إلى انتماء أو عنوان أو رمز أو لقب أو كنية تلازم اسم الفرد لكي تكون لصيقة به، مذكرة إياه بالأرض وقدسيتها والحفاظ عليها، ورغم إن شعوب عديدة تتصف بذات الشئ، إلا إن الحالة في كوردستان تختلف كثيرا، فالانتماء إلى الأرض هنا يصل إلى القدسية، وهو يرتبط بظروف قاهرة فرضتها الأنظمة التي حكمت هذا الوطن الجميل، وكفاح وتضحية أهله من اجل هويتهم وثقافتهم وأرضهم التي يسكنون عليها منذ آلاف السنين ويحتلها الآخرون بتفويض من معاهدة بائسة مزقت الشرق الأوسط وخلقت فيه كيانات هزيلة لخدمة مصالحها وفي غياب كامل لرأي أهل تلك الأرض ومكوناتهم؟   

     ولعلنا قرأنا وسمعنا أسماء كثيرة تختصر الاسم الثلاثي إلى اسم الشخص واسم قريته أو مدينته أو منطقته، كما في البرزانيين والسنجاريين والبرواريين والسليفانيين والعقراويين والهوراميين والفيليين والشبك والكوجر، ومئات أو ربما آلاف المكونات الاجتماعية التي قرنت اسم أفرادها باسم الأرض سواء كانت تلك الأرض قرية أو مدينة أو سهلا أو جبلا، فهي تعبر عن انتماء أهل كوردستان إلى الأرض التي حاولت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكمها في أجزائها الأربعة إلى مسخ ذلك الانتماء أو تمزيقه بسياسات التعريب والتتريك والتفريس التي تعرض لها سكان كوردستان عبر العصور.

     ولعل ما جرى في جزئها الجنوبي كان أكثر بشاعة حينما أراد المحتل أن يبيد سكانها بشكل كامل في معارك أراد لها قدسية دينية فأطلق عليها احد عناوين الآيات أو السور القرآنية، بما يوحي للجندي بأنه يقاتل مرتدين عن الدين وكفرة يستحقون الموت والسلب والنهب، وهذا ما جرى فعلا حيث اجتاحت قوات ذلك الجيش ما يقرب من خمسة آلاف قرية لتبدأ أبشع عملية تطهير عرقي عرفتها البشرية منذ مآسي الحرب العالمية الثانية، ويتم فيها إزالة تلك القرى بالكامل من على وجه الأرض بما فيها من بساتين وينابيع مياه وكنائس وجوامع ومدارس، وينقل سكانها إلى صحراوات جنوب العراق لكي يتم دفنهم إحياء في حفر كبيرة وشقوق طويلة احتضنت أجساد ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ، ذنبهم فقط إنهم كورد ينتمون إلى وطن اسمه كوردستان؟

     ولم تكتف تلك السلطات العنصرية بإبادة أولئك الناس وإزالة قراهم من الوجود، فعاودت معالجة الآخرين بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية، في مناطق كرميان وبهدينان وهورامان، وكانت حلبجة نموذج البدائية والبربرية التي مارسها نظام صدام حسين وحزبه وعسكره في كوردستان العراق، حيث تم قصف تلك المدينة الجميلة وهي من أقدم أقضية كوردستان والعراق وأكثرها إنتاجا للشعراء والمفكرين ورجال الدين والدولة، فأمطرها بغازاته وأسلحته الكيماوية ليقتل في الدقائق الأولى أكثر من ثلاثة آلاف إنسان معظمهم من الأطفال والنساء ولكي يرتفع الرقم إلى خمسة عشر ألف بعد أيام من قصفها وإبادتها بمن فيها.

     تلك الجرائم وما سبقها عبر التاريخ سواء في الجزء الشمالي منها حيث المنع القاتل لأي تسمية كوردية مهما كانت، أو الشرقي منها حيث التفريس على خلفية الانتماء العرقي للعنصر الآري، وما رافق ذلك في الجزأين الجنوبي والغربي من عمليات التعريب والتهجير وما ذكرناه أعلاه في الإبادة، أعطى سكان هذا الوطن الجميل إصرارا مذهلا على الارتباط بالأرض، ليكون جزء من تسمية وكنية كل إفراده دون أن يفكر احدهم باسم شهرة أو كنية أسرية انتسابية بصلة دم لعشيرة أو قبيلة، فكانت القبائل هنا تنتمي للأرض كما في البرزانيين الذين يتكونون من عشرات العشائر وآلاف البيوتات مثلهم مثل السنجاريون والبرواريون والخوشناو والزرارية والهورمان والفيلية والشبك وغيرهم، وكل هذه التسميات إنما هي أسماء الأرض سواء كانت قرية أو مدينة أو سهل أو جبل أو صفة لحالة معينة، وليست أسماء قبائل تنتسب إلى جد واحد وأفخاذ تتدرج منه لتكون عشيرة يرتبط أفرادها بصلة نسب القرابة كما في العديد من الشعوب الشرقية.

kmkinfo@gmail.com

301
المنبر الحر / لماذا البارزاني؟
« في: 00:33 26/12/2013  »
لماذا البارزاني؟
كفاح محمود كريم
    حينما نتحدث عن مصطفى البارزاني فإنما نتحدث عن واحد من ابرز قادة الثورات في العالم، من الذين بدؤا رحلتهم من اجل الحرية والانعتاق بعد الحرب العالمية الثانية، وما أسقطته الحرب الأولى من اتفاقيات وتقسيمات ظالمة في خارطة الشرق الأوسط وارث الإمبراطورية العثمانية وهضم كبير لحقوق العديد من الشعوب، حيث انطلق يقود خيرة رجاله ورفاق دربه إلى مشروع قومي كبير في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، وفي قلب الشرق الأوسط بين أربعة دول تقاسمت ارض الوطن الحلم، لم تكن رحلته مجرد حملة إنقاذ أو قوة لدعم انبثاق جمهورية في شرق الوطن، بقدر ما كانت عملية تاريخية لتحريك مخزون هائل لدى الشعب عبر قرون طويلة من التغييب والإذابة والتهميش، والبحث عن مكان تحت الشمس في العالم الجديد بعد توقف الحرب العالمية الثانية وتقاسم تركيا والعراق وسوريا وإيران ارض الوطن؟
     لقد كانت الخطوة الأولى باتجاه بلورة نهج يحفز الشعب على النهوض، ويتجاوز الاستكانة والانغلاق وينطلق من المناطقية وثقافة الإمارات والقبائل، إلى مشروع قومي خلاق يتميز بروح نضالية عالية وبسلوك متحضر وراقي في التعامل والتعاطي مع مفردات القضية الكوردية، ابتداءاً من الأرض والطبيعة والشعب بكافة طبقاته ومكوناته، وكيفية التعامل مع العدو والتأكيد دوما على إن الصراع في حقيقته ليس مع العرب أو الترك أو الفرس كأقوام، بقدر ما هو صراع مع النظم السياسية المستبدة التي تحكم هذه الأقوام، وان الكثير ممن يقاتلون مع جيش العدو إنما مغرر بهم أو مغصوبين على ذلك.
     بهذه الأسس الأخلاقية النبيلة وضع الملا مصطفى البارزاني بداية مشروعه الأخلاقي والحضاري للنهوض بشعبه ووطنه والانعتاق من أغلال الاستبداد السياسي والاجتماعي والقبلي والطبقي، فقد جمع حوله مختلف الشرائح والمكونات والطبقات والمستويات، وأشاع بينهم جميعا أنماطا رفيعة من العلاقات الإنسانية التي يعبقها الزهد والنزاهة المالية والتعالي على صغائر الأمور، وأبقى دوما مساحات اللقاء والتحاور والتفاوض وقبول الآخر حتى مع العدو، فقد كان يشرح لرجاله دوما إن العسكري الذي يحاربكم اليوم ليس عدوا بل  مضطرا ومغلوبا على أمره، وغدا سيكون أسيركم فكونوا له إخوة وأصدقاء.
     كان يحث كل مفاصل قواته العسكرية على أن الفروسية التي  تتمثل باحترام الأسير واعتباره ضيفا وإكرامه حتى يتم تحريره، والابتعاد تماما عن أي عملية اغتيال أو إرهاب أو قتل لمدنيين لا علاقة لهم بالصراع، وان مهمتنا هي الدفاع والدفاع فقط للحفاظ على شعبنا وتحقيق حريتنا وزرع مفاهيم الأخوة والعيش المشترك في وطن حر وديمقراطي يحترم حقوق جميع البشر، بهذه الروح ابتدأ البارزاني مشروعه النهضوي دونما ادلجة أو نظريات فلسفية، بل بمنظومة سلوكية ميدانية تتعلق بالجانب الأخلاقي للقضية الإنسانية عموما ومنها القضية الكوردية وحقوق الإنسان أينما كان وفي أي زمان، وبذات النهج حقق الكوردستانيون عموما والكورد  خاصة الكثير من أهدافهم خلال السنوات التي تلت انتصارهم في انتفاضة الربيع وتحقيق السلام والوحدة والازدهار، بحيث لم تسجل في تاريخ الحركة التحررية الكوردستانية أية عملية اغتيال أو تفجير إرهابي استهدف المدنيين، بل كانت دوما عمليات نوعية تستهدف العدو الذي يقاتل جيش الثورة من البيشمه ركه.
    إن الثمار التي تقطف اليوم هي لتلك الأشجار التي زرعها البارزاني الخالد وروتها دموع ودماء المناضلين والشهداء من أبناء الوطن، إن الذين يقودون كوردستان اليوم كانوا تلامذة تلك المدرسة التي وضع أسسها وفلسفتها وقيمها الزعيم مصطفى البارزاني، فمنهم من أبدع وتفوق وأثمر هذه الثمار الجميلة والرائعة، ومنهم من فشل أيضا فأنتج ملفات الفساد التي كانت كالعصي في دواليب تقدمنا، وحري بالجميع اليوم وعلى مختلف المستويات والمسؤوليات، أن يكونوا بمستوى الوفاء لتلك الأفكار النيرة والنهج الطاهر والنقي الذي رسمه البارزاني مصطفى،  لتأسيس مشروعنا الحضاري بعيدا عن الغلو أو التطرف أو الفساد، ويقينا إن المؤمنين بذلك النهج القويم سينتصرون لمبادئه وتطبيقاته ويحافظون عليه من أي محاولة لإفساد التجربة أو الانتقاص منها وتشويه مسارها، بما يؤمن إقليما ديمقراطيا حرا خاليا من الفساد والظلم ومتميزا بالعدالة والنزاهة والطهر لكي نصدق جميعنا بالإجابة على السؤال لماذا البارزاني اليوم وغدا؟
kmkinfo@gmail.com
 



302
المنبر الحر / من يبني العراق!؟
« في: 20:32 18/12/2013  »
من يبني العراق!؟

كفاح محمود كريم

    لقد تطرقنا في مقالات سابقة إلى عمليات ترييف المدن وغمرها بالقرى وضياع هويتيهما معا او مسخهما من خلال تلك الهجرات الكبيرة المنظمة منها وغير المنظمة ( العراق وعملية ترييف المدن 1-2 )*، مما أدى الى تقليص حجم القرى وتخلفها تدريجيا قياسا لما كانت عليه حتى قبل نصف قرن من الآن فيما يتعلق بدورات الإنتاج، وتضخم سرطاني مشوه في معظم المدن العراقية ابتداء من العاصمة وحتى المحافظات التي تم استحداثها منذ تولي النظام السابق مقاليد الحكم بانقلابه عام 1968م، مع الأخذ بالاعتبار ان العملية كانت قد بدأت قبل هذا التاريخ بكثير الا انهم أي جماعة النظام السابق تفوقوا على الجميع في التغيير الديموغرافي للبيئة العراقية على خلفية عرقية او مذهبية كما حصل في كثير من مدن البلاد.

    لقد بدأت عمليات الاستيطان والمناقلة السكانية لغرض التوطين او التغيير القومي او المذهبي مع قيام الدولة العراقية، تحت مختلف التسميات وفي كل الحقب التي حكمت فيها الانظمة السياسية، بدءً من النظام الملكي وعمليات التوطين التي شملت البدو في اماكن مختارة بدقة ولأغراض سياسية قبل ان تكون اجتماعية او حضارية، وانتهاءً بالعمليات الكبرى التي شملت كثير من مدن شمال البلاد وشرقها وغربها، والتي تميزت بنقل أعداد كبيرة جدا من سكان جنوب ووسط البلاد الى شمالها كما حصل في كركوك والموصل وديالى، وبشكل واضح وبمظلة قانونية صريحة كانت تستوجب نقل كل الوثائق بما فيها وثائق النفوس او تغيير القومية وما الى ذلك من قوانين عنصرية ادت الى افراغ كثير من القرى وخلق حلقات بائسة حول المدن التي ضمت تلك المجاميع من السكان.

    ولم تتوقف هذه العمليات الى هذا الحد بل شنت الانظمة المتعاقبة حملات منظمة لإفراغ الريف في كوردستان العراق وفي الجنوب ايضا، حتى وصلت ذروتها فيما اطلق عليه بـ ( الأنفال ) وهي مجموعة معارك كبيرة استخدمت أسلوب الأرض المحروقة في كل كوردستان، وتسببت في تغييب ما يقرب من ربع مليون إنسان وتدمير خمسة آلاف قرية بما فيها من بساتين ومزارع وينابيع وشلالات ومدارس ومساجد وكنائس، وكذا الحال في الجنوب حيث تم تدمير وحرق ملايين من أشجار النخيل وتنشيف الاهوار التي كانت واحدة من أقدم المستوطنات البشرية والمسطحات المائية في العالم وتشريد او تغييب سكانها، تحت مظلة فلسفة غريبة عجيبة اعتمدها النظام السابق وهي من بنات أفكار رئيسه وفحواها إن الطبيعة تشجع الإنسان على التمرد، وضرب على ذلك مثالا حول الجبال والبيشمه ركه وغابات النخيل والاهوار حول المقاومة التي كانت تنطلق منهما، ولأجل ذلك عمد الى إزالة ملايين من أشجار النخيل وجفف أقدم اهوار الطبيعة في الجنوب وربما فكر ايضا بغباء في إزالة جبال كوردستان!؟

   لقد أفرزت هذه العمليات وما رافقها من حروب قاسية في الداخل والخارج، خللا كبيرا في البنية الإنتاجية للبيئة العراقية التي كانت تغطي الحاجة المحلية في كثير من الاحتياجات الغذائية، حيث تصدر القرية الى أسواق المدن كل منتجاتها الزراعية والحيوانية بما يوصل البلاد إلى الاكتفاء الذاتي في اللحوم البيضاء والحمراء،  إضافة إلى الحبوب والألبان والبيض ومعظم أنواع الخضراوات والفواكه، وخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من عمليات الإبادة الكاملة لبيئة كوردستان وبنيتها التحتية البشرية والإنتاجية، ومن ثم حرب الكويت وعمليات إبادة الجنوب وتجفيف مياهه واهواره وتدمير بيئته الإنتاجية، تحولت البلاد إلى خرابة كبرى تممتها الأمم المتحدة بحصار ظالم على الشعب قبل الحكومة، مما شجع النظام إلى استكمال حلقاته الأخيرة في تحويل ومسخ المجتمعات العراقية إلى نظام القطيع المستهلك المستكين، ومنحه شهادة بذلك من خلال نظام البطاقة التموينية التي تسببت تدريجيا في إنتاج ملايين العاطلين والاتكاليين والكسالى.

      لقد مضت السنوات العشر الأخيرة بعد سقوط النظام جارفة معها معظم الآمال في إعادة الاعمار والبناء لتعج الشماعات  بمبررات الفشل والتقهقر الذي حصل خلالها، مضت بملياراتها التي ناطحت 700 مليار دولار وهي غارقة في الفساد والإفساد والمشاريع الوهمية واستيراد كل ما كان ينتجه العراق، بما فيه الوقود والطاقة، ناهيك عن كل أنواع الخضراوات والحبوب واللحوم والألبسة، حتى تحولت البلاد إلى اكبر مستورد في العالم يضم اكبر شعب يتقاضى معاشات وتقاعدات لأعمال لا تستحق بضعة سنتات أو فلاسين كما يقولون، دولة من افشل دول العالم بعد الصومال، حسبما جاء في تقييمات منظمة الشفافية العالمية مؤخرا، دولة تدعي الديمقراطية وهي تمارس أبشع أنواع الدكتاتوريات من الأسرة والمدرسة إلى الشرطي والمدير وصولا إلى الوزير والرئيس، وفي خضم هذه العجقة المخزية وبعد فشل السنوات العشر الماضية من حكم معارضي الدكتاتورية، هل سينجح القادمون الجدد في انتخابات 2014 من تأسيس نظام جديد يعيد الحياة إلى البلاد، ويمنح الريف العراقي هويته الإنتاجية كما كانت في حقبة الستينات والخمسينات من القرن الماضي، أم إنهم سينافسون أسلافهم في  التطاحن والاختلاس والفساد والإفساد لكي يحيلوا العراق إلى حفنة تراب كما قال سيدهم الذي علمهم سحر السياسة والكراسي!؟
     وأخيرا بعد أن توالت على حكم العراق كل أصناف الطبقات السياسية ملكية كانت أم جمهورية، يمينية أو يسارية، دكتاتورية أم ديمقراطية، يبقى السؤال المر عبر الأجيال من يبني العراق؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال ( العراق وعملية ترييف المدن ) بجزأيه منشور في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية.

 
 
 

 

303
لا تقتلوا وطنية الأهالي؟

كفاح محمود كريم

     في معظم بلدان العالم المتحضر تعمل الحكومات والمؤسسات العامة فيها، على جعل مواطنيها يتعلقون بحبال وطنهم السرية، تلك الحبال التي تحمل في طياتها جينات التعلق بالأم والأب بداية، ومن ثم الإخوة والأخوات وبعدهم الأقرباء وأهل المحلة، وهكذا دواليك حتى تنجح تلك الحكومات أو المؤسسات والمنظمات والمدارس والجامعات في صياغة مفهوم كبير للأسرة والبيت، فيكون الوطن بقيمة البيت الصغير والشعب بمستوى الأسرة الصغيرة، دون أن تقلل تلك العلاقة على مستوى الارتباط والمحبة بين الفرد وبيته من جهة، وبينه وبين الوطن من جهة أخرى، وكذا الحال مع الأهالي وأسرته.

     وفي كثير من بلداننا المصابة بأنظمة العمى البصري والبصيري، تقوم  أجهزتها الحكومية وخاصة تلك المكلفة بخدمة الفرد والجماعة، بأبشع عملية لاغتيال انتماء الفرد ووطنيته، ومن ثم مسخ مواطنته وتقزيمها بشكل مقزز في علاقات متعفنة تعتمد وساطات المحسوبية والمنسوبية في الحقوق والواجبات، لكي تجرح وتشوه تلك المشاعر النقية للفرد بسلوكيات نعرفها جميعنا في بلدان الشرق التعبان وخاصة أنظمتنا الشرق أوسطية، التي يبدو عليها أنها قد عاهدت الله أن لا تبقي أية مشاعر وطنية عند الأهالي، الذين من غلابتهم ومسكنتهم كما يقولون، لا يطمحون لا إلى وزاراتها ولا رئاساتها ولا امتيازاتهم، وتنحصر أعلى طموحاتهم بخدمات أولية من واجبات أية حكومة ( شريفة ) في العالم ولم اقل ديمقراطية أو دكتاتورية، خاصة وان معظم هذه الحكومات تتحدث عن مواثيق الشرف ومعاهدات الشرف والقسم بالشرف لخدمة المواطن وكلها كذب في كذب،  بدليل ما وصل إليه المواطن من شواطئ كازبلانكا على المحيط، وحتى شواطئ الفيضانات في العمارة والناصرية، حيث فضت الانظمة السياسية لهذه الدول بكارات كل عذرية الأوطان والشعوب، بشعارات براقة تخفي ورائها مافيا السقوط الأخلاقي والاجتماعي والسياسي، وليس أدل على ذلك ما نشاهده اليوم من تداعيات كارثية في البلدان التي يفترض أنها تخلصت من أنظمة الدكتاتورية لتسقط في برك اقل ما يقال من عفونتها أنها مستنقعات أسنة لفوضى الحكم وسخافة صناديق الاقتراع في ظل أنظمة اجتماعية متخلفة تعاني من كل أنواع الأمية وتشتت الانتماء، وتستند إلى نظام الشيخ القائد بديلا للرئيس الأوحد والقرية بديلا للوطن والعشيرة العظيمة بدلا من الشعب!؟

     هؤلاء وأمثالهم عبر الزمان والحقب التي مرت بها بلداننا منذ تأسيسها غصبا عنا وحتى هذا الربيع المثير للجدل والشبهات، وهم يشوهون فكرة الوطن والارتباط به، وفكرة الشعب والانتماء اليه، ابتداءً من الوساطات وهضم حقوق الغلابة، وانتهاءً بتلك الثقافة التي تجعل موظف  الخدمة العامة يحسس المواطن المراجع بأنه يتفضل عليه من الوزير وحتى شرطي المرور، وهم دستوريا موظفين لخدمة الفرد والمجتمع مقابل أجور يومية أو شهرية، مرورا بالحروب الداخلية والانفالات والقبور الجماعية وتدمير المدن بالكيمياويات والحروب الخارجية السخيفة، والمعتقلات والسجون وأنواع التعذيب والاهانات التي يندى لها جبين الإنسانية. 

      والكارثة أنهم يتناسلون كالقطط الشتائية، وقد اخترقوا الربيع المثير للجدل والاستفهام، وأصبحوا يديرون كثير من المفاصل في الأنظمة الجديدة، لقد تصور الأهالي إنهم سينتهون مع سقوط أنظمة التكلس والتحجر الرئاسي، إلا أنهم عادوا كما الطفيليات والجراثيم يحاولون بإصرار اغتيال وطنية ومواطنة الأهالي في غالبيتهم، اولئك الذين لا يبغون أكثر من سكن لائق وماء صالح للشرب وطاقة كهربائية دائمة ومدارس محترمة لأولادهم ومراكز صحية تعتني بهم، وطرقات معبدة وسلام وامن اجتماعيين يوفران عودة سليمة لأبنائهم وبناتهم دون أن تجرح كرامتهم بسبب عرقهم أو دينهم أو انتمائهم، ليس أكثر من ذلك، بل لا احد من أغلبية هؤلاء الأهالي ينافسهم على تبوء أي منصب من مناصب السلطات الثلاث ولكن بشرف، بشرف حقيقي لا كاذب ولا مغشوش، بل شرف حقيقي كما هو الشرف الشرقي!

kmkinfo@gmail.com

أوائل كانون أول
2013م
 


304
المنبر الحر / عقدة نفط كوردستان؟
« في: 20:24 06/12/2013  »
عقدة نفط كوردستان؟

كفاح محمود كريم

     وما أدراك ما نفط كوردستان الذي استثمر ما يقرب من قرن من الزمان من قبل البريطانيين الذين منعوا استخدام سكان كركوك الأصليين من الكورد واستقدموا آخرين من أماكن أخرى لا علاقة لهم بالمنطقة، في واحدة من أتعس عقد الساسة البريطانيين فيما يتعلق بحقوق الشعوب منذ أسسوا كيانات الشرق الأوسط خارج إرادة مكوناتها، وحسبما اقتضت مصالحهم الخبيثة إبان صياغتهم لاتفاقية سياكس بيكو سيئة الصيت.

     نفط كوردستان الذي كانت تمتصه الحكومات العراقية المتعاقبة، لا لتبني به قرى ومدن هذه الأرض الطيبة المعطاءة، بل لتحوله إلى نيران نابالمية تحرق بها جلود الأطفال ووجوه النساء، وتبيد مزارع وبساتين كوردستان، حتى إن اتخِمت بأموال ذلك السم الأسود الذي حوله نظام البعث إلى غازات وكيمياويات لإبادة مدن حلبجة وكرميان وبادينان، والقيام بأبشع عملية إبادة شعب بأكمله فيما سمي بأنفلة كوردستان وإزالة خمسة آلاف قرية من الوجود، هذه العقلية لم تسقط بسقوط هياكل النظام أو الأنظمة السابقة، بل بقيت مترسبة كعقد نفسية ومركبات نقص رهيبة لدى العديد ممن تسنموا مواقع مهمة في النظام الجديد، وتحولت إلى ثقافة وسلوكيات اقرب ما تكون إلى الإمراض السيكولوجية والاجتماعية، وهي بالتأكيد الأكثر تعقيدا وتشعبا لكونها مترسبة في العقل الباطني للفرد، وفي مجملها نتيجة لمواقف حياتية أو ظروف عاش فيها صاحبها أو ثقافة تشرب منها سلوكه وتصرفاته، وتسببت في بناء مجموعة من القيم التي تظهر كأعراض غير طبيعية تؤشر حقيقة ذلك الشخص من خلال هذه العقد، ويبدو هنا إن العديد من السياسيين العراقيين إجمالا لديهم أعراض كثيرة ترتبط بماضيهم الاجتماعي أو السياسي أو التربوي، حيث فضحت كثير من الأعراض والسلوكيات وردود الأفعال تلك العقد رغم إن صاحبها يحاول إخفائها أو ترويضها لكنها تظهر لأنها هي الأصل في الطبع مهما كان التطبع.

       لقد أدركنا خلال العقد الماضي أشكالا من تلك الأعراض، ولعل عمليات النهب والسلب والاختلاس التي رافقت عمل كثير من اولئك المسؤولين، تدلل على منظومتهم الأخلاقية وعقد النقص الهائلة التي يعانون منها، وإلا كيف نفسر تخصيص عشرات المليارات لإصلاح منظومة الكهرباء دون أن يشعر المواطن خلال السنوات العجاف بأي تطور ملحوظ يتناسب مع تلك المبالغ الهائلة، لولا أن عقدة ( الجوعية والسحت الحرام ) متأصلة في العديد من اولئك المسؤولين عن ملفات الطاقة وغيرها.

     ويبدو من هذه المقدمة إن الرجل الذي كان يطمح أن يكون رئيسا للوزراء ذات يوم واعترض عليه البعض، أصيب بعقدة ذلك الرفض مما جعلها أي تلك العقدة تتكاثر لتنتج عقد جديدة إحداها أطلق عليها المختصين عقدة نفط كوردستان ، سواء ما هو تحت الأرض أو فوقها، وقد شهد المراقبين وخاصة ذوي الاختصاص في العقد النفسية إن الرجل لا هم له ولا شغل إلا نفط الإقليم، وتظهر أعراض مرضه بشكل حاد وهستيري كلما تدفق برميل من ارض كوردستان لكي يباع ويشترى بثمنه عمودا للكهرباء أو تبليط عدة أمتار من الشوارع، خاصة وانه متهم من قبل رئيس الحكومة الاتحادية بإعطائه معلومات غير دقيقة عن حالة الكهرباء في البلاد بعد إنفاق أكثر من ثلاثين مليارا عليها دون جدوى!؟

    مشكلة العقد النفسية والتربوية لدى بعض المسؤولين المفترض انهم تخلصوا منها بعد زوال الدكتاتورية، وخاصة هذا الذي يصاب بالهستيريا من نفط كوردستان، لأنهم دوما كانوا وما يزالون يعلقون معظم الأمور الشائكة على شماعة النظام السابق، إلا إننا تفاجئنا بأنهم أكثر إيغالا في تلك العقد وخاصة مركزة الحكم بشقيه السياسي والاقتصادي بيد فئة معينة أو مركز معين، بعيدا عن روح الدستور الذي وضعوه كقاعدة لبناء دولة اتحادية تشترك فيها كافة الأقاليم والمحافظات بالمال والحكم، بشراكة فعلية غير مشوهة أو منقوصة لأي سبب كان، ولأجل ذلك نراهم يصابون بالهستيريا كلما تقدم إقليم كوردستان خطوة لبناء عراق اتحادي ديمقراطي تعددي متحضر.
kmkinfo@gmail.com
 

305
المنبر الحر / جماعة الدولارات؟
« في: 19:59 29/11/2013  »
جماعة الدولارات؟

كفاح محمود كريم

     لقد اقترفت أنظمة الشرق الأوسط ومن شابهها في كل مكان، جريمة بشعة من غير جرائمها المعروفة، تلك التي أجبرت شعوبها على قبول أي بديل غيرها مهما كان، حتى وصل الأمر لدى الكثير من المحبطين إلى تمني أن يحكم الاستعمار بلادهم بدلا من هؤلاء المستبدين، ونتذكر جميعا هنا في العراق وفي سوريا وليبيا، وكل مواطن الدكتاتوريات البشعة كم كان كثير من الأهالي يتمنون أن تحكم إسرائيل تلك البلدان بدلا من ظلم أنظمتها التي أذلتها أكثر من أي مستعمر في تاريخ المنطقة، بل إننا لو أحصينا عدد ضحايا تلك الأنظمة وقارناها مع ضحايا كل الحروب التي خاضتها تلك الدول مع إسرائيل أو غيرها، لتبين لنا إن من قتل على أيدي الأنظمة الدكتاتورية أو بسببها أكثر أضعاف المرات من عدد ضحايا تلك الحروب مع إسرائيل التي وظفوها لكي تكون جواز بقاء كل الانظمة!؟

     ولن نغوص في تفاصيل ما حدث في العراق بعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظامه الدكتاتوري، فقد كان بشعا إلى الدرجة التي جعلت العديد من الأهالي يترحمون على نظام صدام حسين رغم جرائمه وبشاعة حكمه، لكننا سنعرج إلى ما يجري الآن في سوريا وليبيا، اللتان تعانيان من ضبابية الموقف وهشاشة ( الثورة ) وخلط كبير في أوراق الأهالي، حيث تحولت ( الثورة ) إلى صراعات شللية بين جماعات أشبه ما تكون بعصابات كما يقول غالبية السكان في معظم المدن السورية والليبية، وإن ثوراتهم تحولت من انتفاضة شعب يطالب بتغيير النظام وإجراء إصلاحات جذرية، إلى جماعات وعصابات تحت مختلف التسميات، فهناك في سوريا مثلا كما يقول الأهالي؛ جماعة تركيا ومؤتمرات اسطنبول، وهؤلاء يطلقون عليهم اسم الجيش الحر وملحقاته من بعض التنظيمات السياسية الأخرى، إضافة إلى جماعات حسب الطول والعرض بمواصفات دول الجيران الأخرى، وهناك جماعة القاعدة وهذه تعمل لحساب منظمات إرهابية دولية في العراق وافغانستان وغيرها، إضافة إلى جماعات النظام نفسه وهي اذرع تحت مسميات معارضة تعمل بالتناغم والتوافق مع النظام بعيدا عن كثير من الجماعات الأخرى!؟

     والجماعة الأكثر إثارة وشهرة بين الأهالي، هم اولئك الذين يطلقون عليهم جماعة الدولار، وفي معظمهم شخصيات بهلوانية من رؤساء أحزاب أو مادون الرؤساء بأقل من شبر، ممن يمثلون دور ( السياسيين المناضلين ) الذين تركوا جمهورهم أو أحزابهم واختاروا فنادقا وشققا مؤثثة خارج سوريا طلبا للماء والكلأ والوجه الجميل، حيث ينعمون برغيد العيش من اجل مصالح الجماهير والثورة، والطامة الكبرى إن كثير منهم لم يتعرضوا إلى أية مضايقات من النظام، لا قبل اندلاع الانتفاضة ولا أثنائها رغم اختلاقهم لسيناريوهات وقصص نضالية كراندايزارية وهمية لا تتطابق مع اتهامات جدية من الأهالي للعديد من  قيادات تلك ( الأحزاب البيتية أو القروية ) بعلاقات معينة ومثيرة مع أوساط النظام ومفاصله الخاصة، وإنهم إنما غادروا البلاد من اجل عملية استثمارية ومتاجرة سياسية لا أكثر ولا اقل!؟

     جماعات الدولار هذه من خارج دائرة رجال الأعمال والمستثمرين أكثر خطورة في تأثيراتها الكارثية على نتائج التغييرات الحاصلة في أنظمة الشرق الأوسط، وقد شهد العراق وما يزال تداعيات تلك الجماعات التي اندست في العملية السياسية ومارست أبشع أدوارها الطفيلية في نخر النظام السياسي الجديد، إنهم حقا جماعات من اللصوص والمرتزقة الذين فقدوا نقطة الحياء من على جباههم، يتاجرون بقضايا الشعوب ويحيلون دماء أبنائها الغر الميامين إلى قناني الفودكا والويسكي على طاولات الفنادق وأوكار نضالهم المخزي، بينما يتلظى الشعب جوعا وحاجة وبطالة، ويفقد تدريجيا كل الخدمات ومقومات الحياة بما يجعله أكثر استكانة بين مطرقتي النظام الفاسد وعناقيد الطفيليات من هؤلاء المتاجرين والمقامرين بأوطانهم وشعوبهم، الذين أوصلوا الكثير من الأهالي إلى أن يتحسروا على نظام صدام حسين والقذافي وبشار الأسد!؟

kmkinfo@gmail.com


306
بيروت وعشق كوردستان!

كفاح محمود كريمِ

     ما أن تطأ أقدامك ارض المطار في بيروت حتى يبادرك رجاله البيروتيين بكافة أطيافهم، أنت من اربيل؟ والكثير منهم يستخدم اسمها المحبب هولير، وحينما تومئ بالإيجاب يقولون لك تفضل كاكا إلى الفيزا نحن نحبكم ونتمنى لكل العراق أمانكم وسلامكم، وكم تمنيت لو أن تمنياتهم كانت معبقة برفع ذلك المبلغ المفروض على سمة الدخول معاملة بالمثل مع العراق، وعدم مطالبة المواطن العراقي بضرورة أن يكون لديه مبلغ (2000) دولار لكي يسمح له بالدخول!

     في لبنان هاجس مهم لدى الجميع خاصة وإنهم بين نارين ملتهبتين، وان كانت إحداهما جمر تحت الرماد في أطرافهم الجنوبية، بينما تستعر الأخرى على حدود بلاد الشام، التي اختلطت أيامها في ذاكرة اللبناني معبقة بالألم والعتب والنبض المشترك، ذلك الهاجس اسمه كوردستان، أنهم يتوجهون إليها في بداية الأمر بتوجس مشوب بالخوف من الأحداث في العراق، لكنهم بعد يوم واحد فقط يدركون أنهم يعيشون قصة حب جديدة في عالم الاغتراب الذي تخصصوا به في تاريخهم وتاريخ كثير من شعوب الأرض من البرازيل وحتى نيجيريا وغانا، إنهم قوم وان تغربوا فشرايينهم تدفع الدماء إلى لبنانهم، لكنهم أيضا متميزون بزراعة ارزتهم أينما حلوا ليتركوا إلى شعوب تلك المهاجر ذكريات معفرة بالمحبة والإعجاب!

     واليوم تراهم من بيروت وحتى اربيل يتسارعون إلى وطن جديد لغربتهم واغترابهم حاملين معهم ارزتهم، لكنهم هذه المرة لا يقطعون ساعات طويلة إلى هدفهم كما في البرازيل أو نيجيريا، إنهم كما يشبهون  رحلة كوردستان بسفرية بين الحمرا وجونية في عجقة المواصلات التي لا مثيل لها في العالم إلا في كوردستان حيث يشكل شرطي المرور وسائق التاكسي طرفي معادلة تلك الفوضى!

     لبنان هذا البلد الذي يقول أهليه انه يدير نفسه بنفسه تحت مضلة مليئة بالثقوب، اسمها حكومة تصريف أعمال منذ ما يقرب من سنة، ورغم ذلك تسير حياتهم بنظام دون فوضى، وتمشي الأمور كما وكأن حكومة رشيد كرامي أو صائب سلام تديرها في سبعينات القرن الماضي، ويخال اليك إن  رائحة قرنفلة صائب سلام ما تزال تعطر الكثير من مجالس بيروت، رغم ما فيها من دخان كثيف باطعام عديدة لكنها سامة، وربما أكثرها غير السياسية تلك التي تنتشر بشكل مريع في مقاهي ومجالس لبنان، وهي الآفة الجميلة ( الاركيلة ) التي تمارس طقوسها بين شفاه الصبايا وكتل الدخان الذي يملئ المقاهي ويتلذذ بمداعبته الشبيبة، التي تشعرك بانها خارج دائرة الخوف والتهجس التي ادمنت التكلس في سلوك مخاتير السياسة اللبنانية!

      في غير موقع ومجلس ومنتدى تسمعهم يتحدثون بإعجاب عن كوردستان وسرعة تطورها وكياسة أهليها، وإصرارهم على تحقيق وجودهم في كافة المجالات، لكنهم لا يخفون تخوفهم من جيرانها ومن حسد الحاسدين ومن دودة الشجرة، مستذكرين دوما لبنانهم في ستينات القرن الماضي وما جرى له، ويدعون أهل كوردستان للتيقظ والتوجس والحذر!؟

     حقا حينما يقارن المرء بين لبنان وكوردستان يرى حبلا سريا يربط البلدين وشعبين مكافحين من اجل الوجود، رسالتيهما إلى العالم السلام والمحبة والتسامح، لكنهما في ذات الوقت محاصرين بفوهات براكين خامدة تارة وملتهبة تارة أخرى!؟

بيروت
21 نوفمبر 2013م

kmkinfo@gmail.com

307
وزراء ونواب أم انتهازيون؟

كفاح محمود كريم
 
      من الصعوبة بمكان أن تجد هذه الأيام مسؤولا رفيعا أو عريضا (وزيرا كان أم نائبا وما بينهما صعودا أو نزولا مدنيا أم عسكريا) يتمتع بمصداقية القول والفعل، ونظافة اليد والجيب والعقل، إلا ما شاء الله وكان وجوده اقرب إلى معجزة أو صدفة تاريخية لها علاقة بتربيته أو إيديولوجيته، وهي ليست في صالحه بالتأكيد، وهو في وسط ملوث أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانصياع لذلك الجو والسقوط في غياهبه، أو مقاومته بأي وسيلة من الوسائل، وتلك بربي أصعب أنواع الجهاد كما يقول علماء الدين!؟

      وإذا اعتبرنا نظام صدام حسين وما قبله مدرسة من مدارسة تخريج هذا النوع من المسؤولين، على خلفية الشماعة التي نعلق عليها كل هذه المظاهر وغيرها، فان ما شهدناه خلال السنوات العشر الماضية أكد بشكل لا يقبل النقاش أو الشك، صدق ودقة المثل القائل إن ( الخلفة ) أو التلميذ يتجاوز الاوسطة أو المعلم، بل انه يتفوق عليه بابتكاراته وتفننه، حيث ابتكر المسؤولين الجدد والمخضرمين، أساليب أكثر حداثة وفهلوية من الأساليب أيام الأنظمة الدكتاتورية، فقد تحولوا بين ليلة وضحاها إلى أكثر مؤيدي النظام الجديد تأييدا ومزايدة، وخاصة اولئك المقربين من مراكز المال والسلطة، والذين شهدناهم في الساعات الأولى لسقوط النظام وكيف بدأوا بحملة منظمة لنهب العراق في أبشع عملية سرقة وطن في تاريخ البشرية تحت شعار الحواسم، حيث شهد كل منا في محلته أو قريته أو مدينته كيف بدأت عمليات السلب والنهب حتى تحولت هذه الخاصية أو الثقافة إلى سلوك ووظيفة لأكثرية من تولوا مسؤولية ما في النظام الجديد.

      والعجيب انك بعد عدة سنوات تراهم يتحدثون عن الصدق والنزاهة واعمار البلاد، وقد تسلقوا مناصب مهمة تحت قبة البرلمان أو بين أحضان السلطة التنفيذية بكل أشكالها المدنية والعسكرية، في تشكيلة لقيادة البلاد لا مثيل لها منذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا، فمن لم ينجح بالوصول إلى كرسي الوزارة أو ملحقاتها، طرق صناديق الانتخابات في وطن العشائر والشيوخ والأغوات الذين ما تغيروا عن نهجهم في كل الأزمان، فهم على طول الخط منذ الأزل يقولون إننا مع الحاكم لحماية المحكوم(!)، حيث رأيناهم حول الزعيم عبدالكريم، ثم ما لبثوا أن يحجزوا مواقعهم حول الرئيس المؤمن عبدالسلام وأخيه المسكين عبدالرحمن، وكانوا أسرع من الضوء في الالتفاف حول البكر وربيبه صدام التكريتي، الذي صنفهم إلى ثلاث موديلات من الشيوخ ( أ و ب و ج ) وحولوا العراق وتاريخه وعمقه و ( حزبه القائد ) إلى عشيرة بائسة بكل ما تعنى الكلمة من معاني.

      واليوم وبعد عشر سنوات من انهيار نظام صدام حسين وثماني سنوات من مصارعة الثيران الديمقراطية، في بلاد تغص بالتخلف،  وتشتت الانتماء وتمزق أنسجة المواطنة لحساب دشاديش العشائر والمذاهب، تتبارى منذ الآن جوقات وكروبات جديدة من (الكلاوجية والفهلوية) ومساحي الجوخ من الانتهازيين والمتملقين من جامعي أموال الرشاوي والسحت الحرام، بالتعاون مع بعض المسؤولين المتمرسين بالفساد والإفساد وهم يمتلكون مجاميع من مفاتيح المال والنفوذ، من اجل تولي مناصب المشهد السياسي القادم، بعد أشهر من الآن بدعم من مفاصل مهمة في الحكومة وغيرها ممن يمتلكون مفاتيح السلطة والمال، الا إن ما يجري الآن يدفع إلى الرأي العام أسئلة مريرة، تدور دوما حول خيارات الناخب وقراءاته لحقيقة ما يحدث اليوم ومنذ ثماني سنوات مقارنة مع واقع الحال ووعود اولئك ( الكلاوجية )* الذين منحهم صوته على أنغام وعودهم وفهلوياتهم وعزائمهم، واكتشف أنهم أصلا بحاجة ماسة إلى تأهيل تربوي واجتماعي وأخلاقي!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلاوجية تعني باللهجة المصرية الفهلوية


308
رجال الدولة بين السياسة والتجارة؟

كفاح محمود كريم

    منذ سقوط نظام " نفذ ثم ناقش " ومؤسسات " من قال صدام قال العراق "  ونحن نغوص في مستنقع الفساد والإفساد تحت يافطات الديمقراطية والحرية التي ناضلنا من اجلها عقود مريرة، فتحولت تلك الشعارات إلى  أنماط من السلوكيات الممسوخة اختلطت في معمعتها الكثير من الأوراق، إلى الدرجة التي امتزجت فيها الألوان بما جعلت الكثير منا يصاب بعمى الألوان تارة وحيرة العقول وذهولها تارة أخرى!؟

     إن ما يجري في بلادنا لا يمكن وضعه تحت أي عنوان متفق عليه ضمن أفكار وفلسفات منظري الأنظمة السياسية في العالم سواء الشمولية منها أو الديمقراطية أو التي بينهما، فهي مزيج مسخ من مفاهيم لا علاقة لها بأي معرف سياسي أو تقليد إداري، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقولون وتحول بقالي وتجار البلاد، الصغار منهم والكبار، وخاصة أصحاب الصفقات المشبوهة وأبطال غسل الأموال القذرة ومهربي الدخان  والذي منه، إلى زعماء أحزاب وكتل ومن ثم وزراء ونواب وما بينهما من وكلاء وممثلين ومدراء عامين وسفراء ( نص ردن ) لا يصلح خيرهم أن يكون موظف استعلامات أو علاقات عامة في دائرة بسيطة أو فندق عادي، أصبحوا بقدرة قادر بين ليلة وضحاها في الزمن السيئ قادة هذا البلد المنكوب بدولته منذ تأسيس كيانه في غفلة من أصحاب العلاقة من المالكين والورثة؟

     ورغم كل ما يحدث من طوفان في دماء المساكين من اولئك المالكين والورثة من الأهالي، فان معظم هؤلاء الذين يتحدثون باسمهم، وخاصة مَن يترافعون عنهم كمحاميين سواء كانوا يحملون لقب نائب أو وزير وما دونه، وصولا إلى ( أبو إسماعيل الموديرن ) من الشرطة الاتحادية أو المحلية، الذين تحول قسم مهم منهم إلى دلالين لبيع المساجين والمعتقلين وخاصة أولئك المتهمين بالفقرة 4 إرهاب الأبرياء منهم والمجرمين، ولكل رأس منهم سعر محدد حسب فعلته الجهادية في الذبح أو اللغف، كما هي تسعيرة مرشحي مجلس النواب في دورتيه السابقتين من قبل شيوخ العشائر وبعض الأحزاب والكتل، صعودا إلى جدول أسعار المواقع الوزارية والوظيفية العليا مدنية كانت أم عسكرية، كل هؤلاء دونما استثناء يهيئون الأمور لدورة انتخابية جديدة، ويناضلون بشراسة وعناد وبتجارة عالية المستوى من اجل الاستحواذ ثانية أو ثالثة على مقاليد ومفاتيح الحكم وخزائن الأموال، بعيدا عما جرى وما يزال يجري من أنهار دماء ودموع وكتل مدلهمة ظلام طيلة السنوات الماضية.

    إنهم حقا تجار صفقات للبيع والشراء وسماسرة للعقارات والأوطان في بقالة الوطن المنكوب، يمارسون فيه أعمالهم على مسرح السياسة ومؤسساتها في البرلمان والحكومة بشعارات تخديرية حولت البلاد إلى واحدة من افشل بلدان الدنيا حينما تعاطى الحاكمين فيها التجارة فافسدوا الحكم وافسدوا التجارة كما قال ابن خلدون!؟

     وبعد كل ما جرى هل سننجح في صياغة قوانين تحرم على الحاكم بكل مستوياته ابتداءً من الوظيفة العامة وانتهاءً بالرئاسات الثلاث،  مرورا بأي درجة أو رتبة عسكرية تأمر وتنهي باسم الوطن والشعب، وطيلة فترة الحكم أو الوظيفة العامة، ممارسة وتعاطي أي نوع من أنواع  التجارة والبقالة بالآجل أو العاجل أو الباطن، والسمسرة بأي شكل من أشكالها، هو وأفراد أسرته ومعيته، وحتى يتحقق ذلك سنبقى نصرخ مع ابن خلدون عن فساد الحكم والتجارة في بلاد ألف ليلة وليلة!؟

kmkinfo@gmail.com 
 

 

 

 


309
المنبر الحر / إرهاب ودعايات؟
« في: 13:39 05/11/2013  »
إرهاب ودعايات؟

كفاح محمود كريم


    منذ بدأت عمليات الإرهاب تأخذ شكلها المنظم وأسلوبها المعروف والشهير بكونه الأكثر دموية وبربرية في تاريخ العمليات المسلحة،  وخاصة منذ ( التصنيع الأمريكي العربي ) لتنظيمات القاعدة في افغانستان كواجهة اسلاموية لمقارعة السوفييت ومعاداة الشيوعية، والاتهامات تدور حول القاعدة ومموليها ومؤيديها ومستخدميها سواء في المنطقة أو خارجها، وبالذات الإخوة المؤمنين بالله كما يكتبون على أوراقهم الخضراء والذين ساعدوا ودعموا ومولوا ( أمير المؤمنين ) أسامة بن لادن وجماعته ضد ( الملحدين الكفرة ) المعروفين بالرفاق الحمر، حتى تحقق لهم وانهزم السوفييت وانتصرت طالبان وجاء قبطان سفينتهم الأعور خليفة لأبن لادن في مملكة الجمال والتخلف والفقر.

     ولم يمض زمن طويل حتى انقلب السحر على الساحر واستبدلت مواقع اللاعبين على مسرح الأحداث، فتحولت أمريكا بقدرة قادر إلى شيطان اكبر على عادة الأخوة الأعداء في بلاد فارس وخراسان، وانغمس الاثنان في صناعة العداوة بينهما حتى أذن الله لأتباع بن لادن في غزوتهم النيويوركية ليصيبوا آلاف المدنيين في مقتلهم، والدعاية تقول أنهم كانوا ( يهودا أنجاس ) يتآمرون على الأمة والعقيدة!؟

     وفي العراق العظيم رغم انف شعبه حاول قائده الذي أنقذه من الجوع ووصف ملايينه بالعراة والحفاة، استدراج المجاهدين إلى شوارعه الخلفية معدا لهم خلف الكواليس ما يشبه وعود بن لادن والقبطان الأعور في كابل بأفواج من حور العين وانهار الخمر واللبن والعسل، وأمضى في تدريبهم أشهرا طويلة قبل أن تندفع إليه قوات التحالف الدولي وهو ما يزال يصرخ بالنصر وليخسأ الخاسئون ودباباتهم على مرمى حجر من منبر وزير إعلامه المثير محمد سعيد الصحاف، ما لبث أن ترك ( الويلاد ) يواجهون مصيرهم المحتوم لتسقط بغداد والعراق، لا بيد المحتلين الأمريكان كما تصور الكثير، بل بيد أمراء الذبح من الوريد إلى الوريد تحت صيحات الله اكبر من أقصى العراق إلى أقصاه، ممن لملمهم صدام حسين من كل الأزقة المتعفنة في الدول العربية بالتعاون مع مئات الآلاف من المجرمين الذين أطلق سراحهم قبل الحرب بعدة أشهر، في أقذر عملية عفو عام عن الجريمة والمجرمين، ليحولوا العراق إلى برك للدماء وحفنة تراب ومليارات من الأموال المنهوبة تحت مختلف التسميات ابتداءً بالحواسم وانتهاء بمشاريع الأعمار الوهمية في الطاقة والبنى التحتية والعمولات.

     وخلا ل سنوات تحولت تلك العصابات في العديد من المدن والبلدات إلى مافيا تتحكم بمصائر الأهالي، ناشرة الرعب والدماء والتهديد بالموت والتهجير لكل من يعترض على نظامها، مستخدمة شتى أنواع الدعاية والإعلان لمشاريعها الدموية، لكي تفرض إتاواتها أو جزيتها كما تدعي على معظم مفاصل الحركة الاقتصادية والحياتية للمواطن، وربما إن أكثر الأسئلة إثارة واشمئزازا تلك التي تتناول دفع الإتاوات والأقساط الشهرية أو الجزية كما يطلقون عليها في الموصل وكثير من البلدات، لمنظمات الإرهاب العاملة في المنطقة تحت الأرض وفوق الأرض وبمعرفة الأهالي وما يسمى بالحكومة المحلية منها والاتحادية، نراها أكثر جلاءً مع العديد من الدول تغفو على شواطئ الأمان والاسترخاء وتمتلئ حتى أذنيها بالموبقات والأمريكان وكل حلفائهم من تل أبيب إلى طهران إلى بغداد إلى جزر الواق واق، تدفع شهريا ما يبعد شبح السيارات المفخخة والمهوسين بالعشاء أو الغداء مع الرسول انتحارا بعد تمزيقهم لأجساد لا علاقة لها بأي السلطات، من الأرض حتى السماوات!؟

     ونعود للدعايات التي نساهم في نقل بعضها لنتبين الحق من الباطل:

     يقولون في دعاية إن ( بعض ) المسؤولين لهم علاقات وثيقة جدا بالقاعدة، تشبه علاقة ايران الشيعية بالقاعدة السنية ذات النهج الوهابي؟ طبعا على ذمتهم وادخل على الله؟
     ودليلهم على ذلك إن القاعدة تمزق شيعة العراق وتعتبرهم ألد الأعداء لكنها غير ذلك مع الجارة إيران؟
وطبعا على ذمتهم وادخل على الله؟
     وفي محفل آخر تقول الدعاية والعياذ بالله إن كثير من الدول المسترخية أمنا وسلاما تدفع للقاعدة شهريا احتياجاتها لكي تبعد عنها ( جهادها ) خاصة وان كل ( أعداء الله ) يسهرون ويصبحون ويقيمون هناك ربما أكثر من العراق وسوريا وأفغانستان؟
على ذمة القائل وأدخل على الله؟

310
كوردستان والاغتراب

كفاح محمود كريم
 
    تعرض الكورد خلال القرن الماضي وما زال في كثير من البلدان التي هضمت حقوقهم إلى كوارث ومآسي ربما آخرها انفالات صدام حسين،  التي كادت أن تبيد شعبا بأكمله لو كان استمر ذلك الوحش المنفلت بالحكم والسيطرة إلى يومنا هذا، سواء من خلال التصفية لحياة مئات الآلاف من الأهالي أو من خلال عمليات إفراغ الذات الكوردية من مضمونها، في سياسة التعريب والتبعيث التي استخدمها طيلة ما يقرب من أربعين عاما، ووظف لها مليارات الدولارات في تدمير آلاف القرى وترحيل مئات الآلاف من سكانها إلى الوسط والجنوب لإذابتهم قوميا أو إبادتهم في المقابر الجماعية.

     فمن عملية تتريكه في تركيا أي إلغاء كورديته واعتباره تركيا جبليا وما يترتب على ذلك من غباء واستلاب وإفراغ للذات الإنسانية من مضمونها وأصالتها وتحويلها إلى ما يشبه قطعان الماشية، إلى التعريب الذي لا يفرق عن التتريك، بل ربما كان أكثر منه وحشية وبدائية كما حصل في جنوب وغرب كوردستان منذ ثلاثينات القرن الماضي والى حد الآن في مدن الموصل وسنجار وخانقين وكركوك وديالى والحسكة والقامشلو وحلب  وقرى الحزام الأمني في كِلا البلدين العراق وسوريا وعلى طول الحدود بينهما، إلى عمليات الإذابة والصهر في إيران، وما حصل في العراق وسوريا منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى هذا اليوم وما يجري من عمليات التطهير العرقي والتقتيل اليومي للعرق الكوردي في كثير من المدن من قبل الإرهابيين والعنصريين الشوفينيين سواء بعد سقوط نظام صدام حسين أو في ما تقترفه تلك العصابات الفاشية في القرى والبلدات الكوردية في سوريا.

     لقد تعرض الكورد إلى مئات العمليات التي رحلتهم من قراهم وبلداتهم إلى مناطق نائية في أقصى جهات العراق وسوريا الأربعة، وتشتيتهم بين القرى العربية لإذابتهم ومسخهم، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم و منحها لغيرهم من العرب المستقدمين من مناطق أخرى في عمليات تغيير ديموغرافي بشعة لمناطق كوردستان الجنوبية والغربية كما حصل في كوردستان الشمالية والشرقية في عمليات التفريس وتشتيت الكورد في كثافات فارسية أو أذرية لإذابتهم والقضاء على ثقافتهم وفلكلورهم بدعوى إنهم من ذات العنصر أو العرق؟

     ونتيجة لتلك الظروف البالغة القسوة والتعتيم المريب لوسائل الإعلام المحلية والعالمية، وسكوت مذهل من منظمات المجتمع المدني العالمية سواء ما كان منها في منطقة الشرق الأوسط أو في أوروبا وأميركا، ونتيجة للحروب البشعة التي كانت تشنها كل من أنظمة العراق وإيران وتركيا وسوريا ضد هذا الشعب الأعزل فقد نزح وهاجر مئات الآلاف من خيرة شبابه وخبراته العلمية والثقافية إلى دول أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا، بينما استقر آلاف آخرين في معسكرات أو مجمعات في دول الجوار كما حصل لكورد العراق في هجرتهم إلى كل من إيران بعد 1975م  وتركيا بعد انفالات البعث في 1988م وكذلك لكورد تركيا وإيران الذين استقروا في معسكرات عراقية كمهاجرين، وكما يحصل الآن في هجرة آلاف مؤلفة من كورد سوريا إلى إقليم كوردستان، والتي تعتريها الكثير من علامات التعجب والاستفهام تدور حول عملية الإفراغ المنظم لكثير من القرى والبلدات في غرب البلاد!؟   

     وتأتي معظم هذه الهجرات على شكل موجات بشرية من العوائل، تندفع أمام ضغط الهجمات العسكرية إلى إحدى دول الجوار، لكي تبدأ المرحلة الثانية من الاغتراب، حيث تلعب عصابات مافيا التهجير والترحيل، والتي ترتبط معظمها بأجهزة المخابرات المعنية في أجزاء كوردستان الأربعة  تسهيل مهمة تهجيرهم وإفراغ كوردستان من شبابها ورجالاتها في مختلف الاختصاصات العلمية والثقافية، وخلال عدة عقود أصبحت هناك أعدادا مهمة من الكورد الذين ولدوا وترعرعوا وتربوا في أوساط أوربية، بل وتخرجوا من جامعاتها ومعاهدها، وتجنسوا بجنسيات بلدانها وأصبحوا من مواطنيها وتبوأ البعض منهم مناصبا رفيعة في برلماناتها وإداراتها.

    والأسئلة كثيرة وفي مقدمتها:

     ماذا تبقى منهم للوطن الأم وهم الذين قدِموا من رحم الاضطهاد والملاحقة والتهجير والتقتيل؟
    هل ما زالت هناك قنوات بينهم وبينه؟
    وهل يدركون إنما ارتحلوا بحثا عن طريق آخر للوصول اليه؟
    أم أنهم استبدلوا وطنهم بأوطانهم البديلة، والتي منحتهم هوياتها وجنسياتها؟
    هل فقدوا كل ارتباط بوطنهم الأصلي ولغتهم الأم؟
    أم انه من واجب المؤسسات الحكومية والسياسية العمل على إعادتهم أو على الأقل دعوتهم لزيارة كوردستانهم اليوم لكي تبقى قلبوهم تنبض من أجل وطنهم؟


    حقا أنها أسئلة تدلنا إلى واقع تلك الشريحة الواسعة من المغتربين في شتات الأرض تستدعينا إلى وقفة جدية للتعاطي معها بما يخدم مصالح البلاد العليا ويؤمن لها قنوات اتصال دائمية مع الوطن وقضاياه، وفي مقدمة ذلك فتح مدارس كوردستان في المناطق ذات الكثافة السكانية الكوردية في المدن الاوربية والأمريكية، لا تكون مدارس تقليدية فحسب بل لتكون مراكز ثقافية أيضا تساعد مختلف الأجيال على ديمومة الارتباط والعلاقة مع الوطن وقضاياه.

kmkinfo@gmail.com


311
رئيس اقليم كوردستان
يستقبل عدداً من الاعلاميين والصحفيين في الفضائيات العراقية والعربية
العاملة في الاقليم



 
الثلاثاء  22-10-2013

استقبل السيد مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان امس الثلاثاء في منتجع صلاح الدين عدداً من الأعلاميين والصحفيين في الفضائيات العربية العاملين في أقليم كوردستان وفي مستهل اللقاء شكر ممثلو تلك القنوات الرئيس البارزاني لفرصة اللقاء مبدين مواساتهم وتعازيهم لعوائل ضحايا الحادث الأرهابي في أربيل مهنئين جهود ومساعي المؤسسات الأمنية للاعلان وخلال مدة قصيرة عن منفذي هذه الجريمة، وفي محور آخر من حديث الاعلاميين أشادوا بدور الاسايش وحريات أقليم كوردستان ونجاح العملية الديمقراطية واصفين أنتخابات برلمان أقليم كوردستان العراق بالنموذج الأمثل لعموم العراق ومنطقة الشرق الأوسط.

من جانبه وفي سياق الترحيب بالضيوف تطرق الرئيس البارزاني الى أهمية الاعلام في بناء دولة المؤسسات وأزدهار الديمقراطية وخاصة في هذا العصر الجديد الذي يعد عاملاً مهماً لنقل المعلومات والحقائق للمواطنين .

وقال سيادته: (الأعلام البناء والمسؤول يستطيع بناء معجزة في عملية التنمية) ويجب أن تكون هناك تسهيلات للاعلاميين والصحفيين لأنجاز مهماتهم، وبشأن الاجراءات الأمنية المتبعة في سيطرات الأقليم أكد الرئيس البارزاني:
 أن الهدف منها هو حماية أرواح وسلامة المواطنين ومنع الأرهابيين من عكر صفو حياتهم   

وفي الأجتماع فتح باب الحوار للأعلاميين والصحفيين، وأزاء الوضع الأمني والسياسي وتم توجيه عدة أسئلة للرئيس البارزاني، وفي رده لسؤال عن كيفية تشكيل حكومة أقليم كوردستان أشار الرئيس البارزاني الى ان تشكيل الحكومة مرتبط بنتائج مباحثات الأطراف مع بعضها الأخر وعليها مراعاة المصالح العليا للبلاد والمواطنين وحماية أنفسهم من جميع أنواع الأبتزاز وبخصوص أنتخابات مجلس النواب العراقي قال الرئيس البارزاني: أقليم كوردستان مع أجرائها في دائرة أنتخابية واحدة لانها تراعي المبادئ الديمقراطية والعدالة أكثر ولا يمكن العودة وبأي شكل من الأشكال الى القانون السابق للأنتخابات وفي حال عدم وجود بديل عن ذلك يجب تعويض الظلم الذي سينتج عن أتباع نظام تعدد الدوائر في أقليم كوردستان.

وبصدد الأزمة السورية أوضح الرئيس البارزاني (بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله والمهم بالنسبة لأقليم كوردستان هو أن يكون سوريا القادمة بلداً للديمقراطية والتعددية وتراعي حقوق الشعب الكوردي
هذا وقد حضر الاجتماع السيد كفاح محمود المستشار الاعلامي في مكتب الرئيس بارزاني ومدراء مكاتب قنوات الجزيرة والبغدادية وبلادي والاتجاه والرشيد والعراقية والسومرية واسيا والفرات واذاعة سوا ومجلة عالم التواصل 


312
كوردستان والإجراءات الأمنية


كفاح محمود كريم

 

     منذ أن وقعت عملية اربيل الإرهابية بعد ظهر يوم 29 ايلول الماضي والتي استهدفت احد مراكز المنظومة الأمنية، وكثير من وسائل الإعلام العراقية تنشر معلومات مشوشة عن إن الإجراءات الأمنية تستهدف العراقيين العرب وتمنعهم من دخول الإقليم، حتى أن بعض رؤساء تحرير بعض الصحف وجهوا رسائل من خلال صحفهم إلى رئيس الإقليم تطالبه بإيقاف تلك الإجراءات الأمنية، وفي الوقت الذي يدرك كل الحريصين والعقلاء على امن وسلامة الإقليم بصفته ملاذا لكل العراقيين فان الإجراءات لم تستهدف أي عراقي بسبب قوميته أو عرقه أو دينه بل شملت كل المواطنين بما فيهم الكورد من مواطني المناطق المتنازع عليها وذلك لحماية المواطنين وأرواحهم وخاصة اولئك القادمين من خارج الإقليم.

 

وفي الوقت الذي كانت مشاعر الإخوة العراقيين الحريصين على امن وسلام وازدهار كوردستان جياشة إلى الحد الذي لم تتوقف أجهزة الهاتف من مكالمات المواطنين العراقيين من البصرة وحتى الموصل الذين يستفسرون فيها عن الأوضاع وعن سلامة اربيل وأهلها، فان إقليم كوردستان كان وما يزال وسيبقى ملاذا آمنا وواحة للتعايش والتسامح بين المكونات العرقية والدينية، وقد أثبتت الأيام والتاريخ بان كوردستان وفعالياتها الاجتماعية والسياسية وكوردستان الرسمية كانت دوما تفصل بين ما يقع من جرائم بحق الكورد وكوردستان وبين العراقيين العرب، وأفضل دليل على ذلك كيف تعاملت قوات البيشمه ركه والشعب عموما بعد سنتين فقط من أبشع جريمة في تاريخ البشرية بعد جريمتي هيروشيما وناكازاكي ألا وهي جريمتي حلبجة والأنفال، وكيف تعامل الكورد بإنسانية لا مثيل لها مع الجيش العراقي الذي تم اسر معظم قواته العاملة في كوردستان إبان انتفاضة آذار 1991م.

 

     إن هذا الشعب الذي تعرض للإبادة الجماعية طيلة ما يقرب من قرن من الزمان بأشكال شتى سواء بالقتل أو بالتهجير والتعريب على يد معظم الأنظمة السياسية التي حكمت العراق لم يتهم أو يحمل العرب العراقيين مسؤولية تلك الجرائم بل كان دوما عبر تاريخه ملاذا لكل العراقيين الذين حاصرتهم واضطهدتهم الأنظمة الدكتاتورية، وتشهد كل الأحزاب الوطنية العراقية دونما استثناء وكل العراقيين الفارين من جحيم الظلم أو الإقصاء أو العنصرية، حقيقة التعامل الكوردي المتحضر والإنساني معهم جميعا، حيث تحتضن كوردستان منذ سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري لحد يومنا هذا مئات الآلاف من العراقيين الشيعة والسنة والمسيحيين والصابئة ممن تعرضوا للاضطهاد أو التهديد أو التهجير، وهم يعيشون ويمارسون حياتهم وأعمالهم وكافة نشاطاتهم حالهم حال بقية مواطني الإقليم من الكورد وغيرهم.

 

     إن الإجراءات الأمنية المتخذة والتي أشادت بها المرجعية الدينية في النجف الاشرف بشخص ممثل السيد السيستاني والتي ركزت على مهنية القوات الأمنية في إقليم كوردستان خلال تعاملها مع التفجير الإرهابي الذي ضرب اربيل يوم 29 أيلول الماضي إنما هي في أصلها لحماية هذا الملاذ الأمن للعراقيين عامة وحماية من يأتي إلى هنا، ولم تطبق ضد مجموعة دون غيرها بل كانت إجراءات مهنية وفنية وأمنية تقوم بها كل دول العالم حينما تتعرض لمثل هذه الخروقات في جدارها الأمني، ولذلك فلا خوف لا الآن ولا في المستقبل على تواجد أي عراقي ومهما كان ومن أية قومية أو دين أو مذهب، وأفضل دليل على ذلك عشرات الآلاف من العوائل العراقية التي ازدحمت بها اربيل العاصمة ودهوك والسليمانية منذ ليلة عيد الأضحى المبارك وحتى الآن وهي تقضي إجازة العيد في أحضان كوردستان الدافئة.

kmkinfo@gmail.com

 

313
العذر أقبح من الجريمة

كفاح محمود كريم

    نشرت بعض الصحف والمواقع الالكترونية بيانا ادعت فيه منظمة ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام مسؤوليتها عن الجريمة الإرهابية التي طالت مدينة اربيل عاصمة كوردستان العراق في التاسع والعشرين من أيلول الماضي، وأنها جاءت ردا على ما أسمته بتهديد رئيس إقليم كوردستان ضد أي تعدي على الكورد في سوريا، والمثير حقا هذا الأسلوب السمج في تسطيح عقول الناس وإيهامهم بأكاذيب لا وجود لها إلا في مخيلات اولئك الذين أدمنوا الجريمة تحت أو باسم شعارات مهلهلة استخدمتها كل الأنظمة الدكتاتورية ومن حارب شعب كوردستان طيلة عقود من الزمان.

    ماذا يعني تقتيل الشيعة لمجرد أنهم شيعة في سوريا والعراق والباكستان وغيرها من دول العالم، وكيف يبررون تقتيل آلاف المدنيين من السنة  بسياراتهم المفخخة وعبواتهم الناسفة وبذرائع لا تقنع أي سوي أو عاقل؟
     وقبل كل ذلك قتل آلاف الكورد من الشبك والايزيديين ومن المسيحيين والصابئة المندائيين من البصرة وحتى الموصل؟


     إن ما يحدث الآن هو جرائم قتل من اجل القتل ليس إلا، بعيدا عن روح العقيدة الإسلامية وسماحتها، وعن أية فكرة إنسانية مهما كانت، ولا علاقة لهذه الهجمات لا بقومية أو دين أو مذهب فهي تستهدف الجميع في كل زمان ومكان.

     أما موضوع تهديد الرئيس الكوردستاني لهم، وان جريمتهم إنما جاءت ردا على تلك التهديدات فهي مجرد شعارات بائرة وادعاءات كاذبة، فالرئيس بارزاني أعلن منذ بدء الثورة السورية إن الكورد وكوردستان في الإقليم مع خيارات الشعب السوري ولن يتدخلوا في شؤونه، وسيدعمون خياراته ويدافعون عن أشقائهم في سوريا إذا ما تعرضوا للإبادة، وفعلا طلب الرئيس بارزاني من اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي تشكيل لجنة من أجزاء كوردستان الأربعة للتحقق في ما تداولته وسائل الإعلام من عمليات إبادة استهدفت الكورد، وقد أعلنت اللجنة التي قامت بالتحقيق عدم وصولها إلى ما يثبت تلك الادعاءات، وأكد الرئيس بارزاني بأننا لن نتخلى عن إخوتنا الكورد في كل مكان بما في ذلك غرب كوردستان، وسنبقى ندعمهم ونساندهم، ومن اجل ذلك شرعت كل الأبواب لهم حيث تجاوزت أعدادهم الربع مليون نسمة، إضافة إلى الاستمرار في إرسال الوقود والدواء والغذاء للسكان هناك.

    لقد استغرقوا أكثر من ست سنوات لكي يدسوا أصابعهم إلى جدران كوردستان الداخلية وينتحروا عند إحدى بوابات مراكزها الأمنية، كما فعلوا ذات يوم في نيويورك وواشنطون ولندن ومدريد، وبالتأكيد ستمضي عليهم سنوات طويلة قبل أن يفكروا مجرد تفكير بتكرار عملية الدس ثانية، لا لشيء إلا لأنهم لا يدركون معادلة الأمن والسلم التي بموجبها تمت عملية بناء الجدران الوطنية في كوردستان؟

kmkinfo@gmail.com




314
المنبر الحر / مشكلة وثائق الشرف؟
« في: 13:13 07/10/2013  »
مشكلة وثائق الشرف؟

كفاح محمود كريم
 

      اعتدنا في دول المنظومة الشمولية اجتماعيا وسياسيا وبالذات في شرقنا الأوسطي العجب، على جملة من السلوكيات والتقاليد إضافة إلى العناوين والمصطلحات وتعاريفها هنا وهناك، ولعله ابرز ما اعتاد عليه المجتمع السياسي هو ما يسمى بالقسم الرسمي الذي يقيمه الرئيس أو الملك لربط موظفيه برباط القسم الغليظ، لكي لا يخونوه ولا يتآمروا عليه باسم الوطن المختزل دوما بسيادته أرضا وشعبا، والغريب إن أكثر من ثلثي من يقسمون اليمين الغليظ يحنثون به، أي يفعلون عكس ما تعهدوا به للقائد الضرورة أو الملك المفدى.

      ونتذكر جميعا وخاصة من عاصر حقبة الانقلابات الذهبية الحلفانات العظيمة بالله وبكتبه المقدسة وبالشرف الشخصي الذي قطعه كل من حمل نجمة على كتفه أمام الملك أو الرئيس أو من ينيب عنهما، بأنه سيبقى مخلصا وفيا للوطن والملك أو الرئيس وللجيش، كما انه لم يتم استيزار أي وزير قبل أن يحلف بأغلظ الإيمان بأن يكون حاميا للنظام ورئيسه وحزبه وطبعا الوطن وشرفه وماله!؟

      وإذا ما اضطرينا لذكر بعض الأسماء اختصارا لأنه يصعب أو نذكر هنا قوائم بأسماء اولئك الذين اقسموا بشرفهم ودينهم ومقدساتهم وكذبوا ملأ أشداقهم، وفعلوا بالضبط عكس ما ادعوه جهارا، بل إنهم قتلوا من اقسموا له بحمايته وصيانة نظامه شر قتل، بدءً من الضباط الأحرار في مصر وأقرانهم في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومن شابههم، وصولا إلى وزراء كل هذه المنظومة الدولية المتميزة بتقاليدها وتأويلاتها وتفسيراتها وتبريراتها لأكثر معضلات الزمن تعقيدا أو قدسية ومنها تبرير الكذب في العهد بحجة إن الثورة تبيح اختراق كل القوانين والأعراف واستحداث منظومة أخرى على إطلال تلك التي دمروها بحنثهم لليمين والعهد!؟

      والانكى من كل ذلك أنهم وهنا اقصد كثير من هذه النخب في العديد من المجالات تعودت على إنتاج وصياغة قوانين ومواثيق وتعهدات لا تفرق كثيرا عن ذلك القسم أو اليمين الغليظ، وأطلقت عليها اسم الشرف كما نسمع أو نقرأ مثل هذه العناوين: ميثاق الشرف الوطني وميثاق الشرف الإعلامي و..الخ من الأسماء الكثيرة التي تلصق بها مفردة الشرف دون أي إيضاح بدلالة المفردة وعلاقتها بتلك القوانين، أي بمعنى علاقة التفاعلات السياسية العراقية التي يتم بحثها ويسميها أو يعلقها بالشرف دون أن يوضح لنا أي شرف يقصد؟

      هل هو الشرف الغربي الأوربي والأمريكي الذي يعتبر مواضيع الأعضاء التناسلية وحركتها آخر ميزة من ميزات الشرف الشخصي ويعتمد الصدق والإخلاص والثقافة والدقة في العمل، أم انه يقصد الشرف الشرقي الذي يعلق كل مفاهيمه بأعضاء صاحبه التناسلية!؟

      ويبقى السؤال عن ماهية الأعضاء التناسلية كعنوان للشرف الشرقي في أي ميثاق سياسي أو اجتماعي وخاصة ما تتوارده الأنباء عن قرب توقيع وثيقة الشرف الشرقي للحراك الوطني، أو ميثاق الشرف الإعلامي!؟

      وحينما نصل إلى جواب مقنع سندرك حتما أسباب ما يحصل لبلادنا ليس اليوم بل من عشرات السنين بشرعنة الكذب من خلال أنماط من القسم وإباحة القتل أو التمثيل بالجثث بشكل يتنافى مع ابسط ما تعلمناه في الحياة السوية!

 حقا حينما ندرك مأساة تلك التعاملات والتعهدات وآلاف من القسم الغليظ الحنيث، وعناوين براقة مغطاة بشراشف الشرف الشرقي المعلق بالأعضاء التناسلية، نكتشف حقيقة هذا الانجماد الحضاري والتقهقر المرعب في حركة المجتمع وخاصة سياسيا واجتماعيا وثقافيا؟

kmkinfo@gmail.com
 



315
المنبر الحر / وانتصرت كوردستان
« في: 17:09 02/10/2013  »
وانتصرت كوردستان

كفاح محمود كريم

     بإعلان نتائج الانتخابات تكون كوردستان قد سجلت أروع انتصاراتها الحضارية والمدنية وقدمت نموذجا متميزا في اختيارها لمندوبي الأهالي في برلمانهم الذي انبثق قبل أكثر من عشرين عاما في بحر متلاطم من الدكتاتوريات المظلمة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكورد وكوردستان.

     أول ما ميزها ليس هنا في العراق بل في العالم الديمقراطي اجمع هو هذا التهافت الكبير للأهالي الذي تجاوز الـ 74% من الناخبين الذين يحق لهم التصويت، ثم العدد الكبير من النساء والشبيبة اللذان أثارا إعجاب المجتمع الدولي وممثليه في كوردستان ، إلى جانب دقة التنظيم ونزاهة الإجراءات وتعاون الأهالي والحكومة من اجل إنجاح التصويت ونزاهته.

     وأخيرا هذه الأرقام التي تظهر نجاحات شعب كوردستان في اصطفاء ممثليه إلى مؤسستهم العتيدة البرلمان حيث فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني بأعلى الأصوات، وكانت النتائج وفق الترتيب التالي:

الحزب الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الأولى بحصوله على 743984 صوتا ليفوز بـ38 مقعدا

 حزب التغيير ثانيا بحصوله على 476736 صوتا ليفوز بـ24 مقعدا

 الاتحاد الوطني الكردستاني ثالثا بحصوله على 350500 صوت ليفوز بـ18 مقعدا

 الاتحاد الإسلامي الكردستاني رابعا بحصوله على 186741 صوتا ليفوز بـ10 مقاعد

 الجماعة الإسلامية خامسا بحصولها على 118574 صوتا لتفوز بـ6 مقاعد

 الحركة الإسلامية سادسا بحصولها على 21834 صوتا لتفوز بمقعد برلماني واحد

 الحزب الاشتراكي الديمقراطي في كردستان سابعا بحصوله على 12501 ليفوز بمقعد برلماني واحد

 قائمة الحرية ثامنا بحصولها على 12392 صوتا لتفوز بمقعد برلماني واحد

 قائمة الاتجاه الثالث تاسعا بحصولها على 8681 صوتا لتفوز بمقعد برلماني واحد

وقُسمت المقاعد على النواب الرجال والنساء بواقع 77 مقعدا للرجال و34 للنساء  



     وفي هذه الأرقام تظهر حقائق التكوين الاجتماعي لكل حزب وحركة سياسية ومساحة كل منهم التي تفرض احترامها على الآخر وقبولها كحقيقة في التكوين الأفقي والعمودي للمجتمع السياسي الذي ناضل من اجلها البارزاني الخالد منذ أربعينات القرن الماضي ليرسي نظاما ديمقراطيا يعتمد قبول الآخر تحت سقف المصالح العليا لكوردستان وحركتها التحررية سواء أيام الشرعية الثورية منذ أيلول 1961م وحتى قيام الشرعية البرلمانية في 1992م التي اختار فيها شعب كوردستان الطريق الديمقراطي لنظامه السياسي والاجتماعي.

     وخلال سنوات مضيئة من عمر تجربته بكل ما حملته من صعوبات ومآسي الحصار والصراع الداخلي ومؤامرات الأطراف الخارجية نجح الكوردستانيون إلى رفع مستوى وعيهم ومعيشتهم ومستوياتهم الثقافية والصحية والحضارية، بما أنتج مشهد الانتخابات يوم 21 أيلول 2013م  الذي سيبقى يؤشر تاريخيا نقطة تحول مهمة في حياة الشعب تعكس مدى تطوره ونضوج أدائه السياسي والانتخابي.

     حقا انتصرت كوردستان رغم كل ما يفعله البائسون الأغبياء من محاولات اختراق جدران السلم والأمن فيها، متناسين إن الطرف الآخر في معادلة الأمن والسلام هو الشعب ووعيه ومواطنته، وليس أجهزة الأمن والعسكر فيه فقط؟


     انتصرت كوردستان حينما قبلت الآخر أولا، وحينما ذهبت النساء وهي تتسابق من اجل إعطاء صوتها، وحينما ذهب الشباب وهم يحملون آمالهم في المستقبل إلى تلك الصناديق، وحينما تجاوز الشعب بهذا النضوج مرحلة الدعاية الانتخابية وتشنجاتها في مجتمع محافظ عُرف بالعشائرية، لكنه استطاع فعلا أن يخرج من تحت عباءتها إلى خيمة اكبر هي كوردستان اليوم وغدا التي وضع أسس بنيانها الزعيم الكوردي الكبير مصطفى البارزاني.
kmkinfo@gmail.com


316
كوردستان تستثمر النفط مع الشعب؟

كفاح محمود كريم


     صرح رئيس الوزراء الكوردستاني نيجيرفان بارزاني إن حكومته تدرس إمكانية توزيع جزء من عائدات البترول كأموال نقدية، بما قيمته خمسمائة إلى ألف دولار للأسرة الواحدة شهريا، خاصة وان مستويات الإنتاج النفطي والغازي للإقليم في تزايد مضطرد مع تهافت الشركات البترولية الكبرى في العالم للاستثمار، واستقرار الأوضاع خاصة بعد وضوح التقدم الكبير للحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في الإقليم، حيث يشغل السيد نيجيرفان نائبا لزعيم الحزب السيد مسعود بارزاني.

     لقد دأبت بعض الدول البترولية على منح الفرد أو الأسرة بعضا من عائدات تلك الثروة كما حصل في ليبيا وسلطنة بروناي وبعض دول الخليج، ولكون الحال هنا في كوردستان يختلف نوعا ما عن تلك الدول في ظروفه ونمط اقتصاده وشكل نظامه، فانني أرى إن سبلا أخرى تعوض عن الدفع النقدي المباشر للأسرة أو الفرد بما يحفظ استقرار السوق وعدم ارتفاع نسبة التضخم التي يعاني منها الإقليم والعراق عموما، إضافة إلى وجود طبقة تجارية طفيلية مهيمنة على السوق مهمتها امتصاص أي عائدات مالية تعمل من اجل رخاء الفرد والمجتمع.

     ولكي لا ندخل في تفاصيل اقتصادية ربما تثقل كاهل القارئ فان تجارب رفع المقدرة الشرائية للمواطن التي اتخذتها الحكومة العراقية نهاية سبعينات القرن الماضي كانت البداية لظاهرة التضخم واشتعال الأسعار بمستويات فاقت نسبة الزيادة التي شملت رواتب الموظفين.

     ولذلك نرى وجود عدة سبل للتعويض عن الدفع النقدي الذي ربما يربك السوق ويزيد نسبة التضخم بما يحرم المستفيدين وخاصة الأغلبية من فوائد وغاية الدفع النقدي ومن هذه السبل:

1-   تعويضها بالخدمات العامة كما حصل في تسعيرة البانزين وتوحيدها وإلغاء ما كان يسمى بالبانزين المحسن والممتاز، وتخفيض قيمة وحدات الكهرباء المنزلية إلى مستويات رمزية لا تثقل كاهل الفرد والأسرة، إضافة إلى بقية الخدمات في مجالات السكن والتأمينات الصحية والمياه والتعليم.
2-   تأسيس بنك حكومي توضع فيه أقيام المبالغ المخصصة للأسر شهريا أو سنويا كرصيد لهم، مع منع السحب منها لمدة سنة أو سنتين ومن ثم السماح بالسحوبات بنسب معينة أو لإغراض معينة مثل المرض أو بناء وشراء بيت أو سيارة.


     إن كوردستان اليوم بما فيها من تطور كبير وتقدم متسارع، أحوج ما تكون إلى قاعدة صناعية وزراعية وشبكة مواصلات متطورة إضافة إلى ثورة حقيقية في المجال السياحي الذي لا يقل أهمية عن البترول إن لم يتفوق عليه، مع الاهتمام الكبير بالمياه وخاصة مياه الأمطار وبناء السدود لتجميع تلك المياه الهائلة التي تذهب سدى.

      وفي مجال النفط بإمكان هذا البنك المقترح أن يستثمر تلك الأموال المخصصة للأسر في صناعات نفطية مهمة ومجمعات للبتروكيميائيات لكي لا يكون برميل النفط بعدة عشرات من الدولارات بل لكي يكون أضعاف ذلك كمشتقات أساسية للوقود والزيوت والحبيبات التي تدخل في كثير من الصناعات المهمة الأخرى، ومن ثم للقضاء على البطالة بكل أنواعها.

     إن مبدأ تخصيص مبلغ من عائدات النفط للمواطن يظهر جدية وحقيقة الحكومة الرشيدة وإخلاصها في مهمتها التي تحملتها في برنامجها الذي وعدت به مواطنيها، وإنها فعلا قادرة على صناعة مستقبل زاهر للبلاد إذا كانت هذه منطلقاتها في خدمة الأهالي.

kmkinfo@gmail.com


 

317
كوردستان تنتخب المستقبل

كفاح محمود كريم

    دون أن تنسى الماضي وتصر على أن الحاضر لا يفي بكل تلك الجهود، فإنها تسير صوب المستقبل حاملة معها تراث عقود من النضال العنيد والمقاومة العنيفة والإصرار على البقاء والحياة الحرة الكريمة، وهي تتوجه اليوم الحادي والعشرين من أيلول،  بما يقرب من ثلاثة ملايين ناخب كوردستاني ( 2806000 )  لرسم خارطة جديدة بانتخاب 111 نائبا يمثلون ما يقرب من (31) كيان سياسي في الجزء الذي تحرر من كوردستان العراق اثر انتفاضة عارمة في ربيع 1991م، كانت الخطوة الأولى في خيار شعب كوردستان الديمقراطي وتجربته المثيرة منذ ذلك الحين، لتحقيق آماله وطموحاته، بعيدا عن لغة البنادق والعنف، وباستخدام الديمقراطية وحق تقرير الشعوب وحقوق الإنسان وسيلة متحضرة لتحقيق الأهداف.

     وفي كل هذه المراحل ومنذ انتخابه رئيسا لكوردستان وحتى بدء الحملة الانتخابية الأخيرة، يصر الرئيس الكوردستاني مسعود بارزاني على أن الانتخابات تمثل وجها حضاريا للكوردستانيين، يتنافسون فيها من أجل كوردستان أجمل وأرقى وأكثر حرية وتطور ومدنية، والاهم في كل ذلك أن تنجح الانتخابات وتنقل شعب كوردستان وفعالياته السياسية إلى مرحلة يكون فيها المجتمع أكثر نضوجا ورقيا في ممارسة الديمقراطية، وتقربه أكثر من تحقيق طموحاته في بناء مؤسساته وقوانينه وسلطاته بشكل مدني راقي، بما يليق بشعب منح الحرية انهارا من أزكى دماء أهليه شيبا وشبابا، رجالا ونساءً، لا لتحقيق استقلال ذاتي فحسب بل لتحقيق كل آماله وطموحاته في العيش على أرضه واختيار شكل نظامه وممارسة حق تقرير مصيره.

     لقد أثبتت الأيام الماضية وفي ذروة الحملات الدعائية للمرشحين وأحزابهم التي تخوض السباق بقوائم مستقلة، بأنها أي تلك الحملات وما جرى من بعض الخروقات والاحتكاكات لم تتجاوز المعايير الدولية في الدول الديمقراطية، وأنها كانت فعلا تعبر عن شعب تواق للتقدم والتحضر وبناء تجربة ديمقراطية شفافة، ومصر على إنجاح هذا الخيار في تداول السلطة مع الحفاظ على مكتسباته التي حققها بإرثه النضالي وتجربته خلال عقود من احتلال الدكتاتورية وتدميرها لكوردستان وبنيتها الأساسية.

     لقد أيقن الكوردستانيون انه لا خيار إلا المستقبل والنجاح في تحقيق ازدهاره وتقدمه، فما تحقق خلال عشر سنوات من التداول السلس للسلطة وما رافق تلك العملية من تقدم كبير في مجمل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى وجود مساحات للفساد الذي كان بمثابة كوابح خطيرة لتحجيم التطور والتقدم الطموح، أعطى هذا الشعب درسا بليغا في كيفية اختيار الأفضل لإدارة برنامج المستقبل والانتقال إلى حقيبة جديدة في حياة الأهالي.

     حقا أنهم أولئك الرجال والنساء الذين يستحقون أن نمنحهم أصواتنا حينما نلمس ما فعلوه طيلة عشر سنوات فقط من حكمهم، ولنتذكر بصدق كيف كنا وكيف أصبحنا ومن كان يقف وراء هذا الازدهار والتقدم مقارنة مع الآخرين، جولة سريعة في أي قرية أو بلدة أو مدينة وكردستانية من سنجار حتى خانقين يدرك فيها المرء حقيقة الأمور دونما مواربة، ويعرف من هو المخلص ومن هو الفاسد، من حول كوردستان المدمرة إلى ورشة عمل وجزيرة امن وسلام في بحر متلاطم من الحرب والإرهاب، من حول مدن كانت قرى كبيرة حتى مطلع الألفية الثالثة إلى مدن حديثة جميلة متطورة خلال اقل من عشر سنوات.

     من أحال ظلام كوردستان إلى أنوار وخفض نسبة الفقر من ما يقرب من نصف سكان الإقليم إلى 5%، وخصص لكل طفل وفتى وشاب مقعد دراسي من رياض الأطفال وحتى الدراسات المعمقة في أكثر من 12 إلف مدرسة و20 جامعة ومعهد، وخفض نسبة وفيات الأطفال من 28% إلى 1%، يستحق بجدارة أن نرفع له القبعة ونبصم له بالعشرة كما يقولون دون أن ننسى انه اقسم بالحفاظ على مصالح كوردستان العليا وسلامها وأمنها ومستقبل أجيالها، وانه سيحارب الفساد أينما وجد.

kmkinfo@gmail.com

318
برلمان وحكومة المعاشات؟

كفاح محمود كريم

     منذ فترة ليست بقصيرة يفور تنور ( الحسد ) كما يقول احد أعضاء برلماننا العجب في بغداد، من موضوع رواتب وامتيازات برلمانيي الغفلة وصناديق العشائر والمذاهب، ودلالية بيع وشراء الترشيحات التي وصلت في آخر انتخابات جرت عام 2010م إلى ما يقرب من خمسين ألف دولار للرأس الواحد، عفوا للمرشح الواحد لكي يتم ترشيحه من حزب متنفذ أو شيخ ذي عشيرة كبيرة؟
 
     ويقول آخر ممن دفعته عجلة الغفلة والزمن السيئ إلى منبر تمثيل الأهالي أن العراقيين شعب بائس ودايح وانه هناك أي في البرلمان، ليمنع سرقة المليارات ولذلك فيجب أن يكون معاشه أعلى معاش منهم لكي لا تدني نفسه وينزلق إلى الفاحشة لا سامح الله!؟

     هذا المنطق الرهيب واحد من آلاف المزايدات والبيع والشراء بهذا الشعب الذي اتهم بالعظمة كثيرا وهو غير ذلك أبدا، فقد صدق صاحبنا النائب الهمام في قوله بأن العراقيين بائسين ودايحين، ومن قال لك غير ذلك فهو مختلف أو مختل عقليا، فقد أثبتت الأيام الصعاب منذ هوسات ثورة العشرين العشائرية وحتى هوسات الحواسم، التي أباحت نهب وسلب كل شيء، بأن هذا الشعب فعلا كما قال النائب لسبب بسيط، وهو إن هؤلاء النواب لم يتم استيرادهم أو استدعائهم من كوكب المريخ، ولم يفرضهم الحزب القائد أيام زمان، بل جاءت بهم صناديق الاقتراع ودواوين الشيوخ وربعاتهم ومقرات الأحزاب المتنفذة، التي تاجرت بكثير من المرشحين حتى وصل سعر الرأس فيهم إلى ما يقرب الخمسين ألف دولار، كما سُرب في آخر دورة انتخابية والتي أنتجت سوق بغداد للمناصب التي بيعت خارج التسعيرة الدولية وبسعر صرف الدولار الأمريكي، حيث وصل سعر كرسي الوزارة العادية إلى خمسة ملايين دولار، بينما تجاوز كرسي الوزارة السيادية العشرة ملايين دولار، واحسب على هذا المستوى من التسعيرات قيمة وكيل الوزارة والمدير العام والمستشارين وملاكات الخارجية والتجارة والنفط والدفاع، وخاصة الخارجية والدفاع التي قيمت أسعار مناصبها بتسعيرة اعتمدت في الخارجية العواصم ذات النجوم الخمس، وفي الدفاع نجوم الرتبة والذي منه!؟

     والسؤال المرير من البائسين والدايحين هل أنهم كانوا ينتظرون العمر كله لكي يأتي هؤلاء ( الجوعية ) خلفا لسلف سيئ ومخزي، أخشى أن نترحمه ونمجده ذات يوم ليس ببعيد مع بقاء هؤلاء وأمثالهم يتلاعبون بمصير البلاد وأموالها ومستقبلها؟
   
   حقا أنها دولة المعاشات الفاسدة ونظام السحت الحرام الذي أنتج هكذا برلمان وهكذا حكومة، لا هم لهم إلا الرواتب والامتيازات والعمولات القذرة والأموال الوسخة التي يتقاضونها باسم الشعب ( البائس الدايح )، وصدق من قال عنهم برلمان وحكومة الجوعية، ورحم الله وزارات وبرلمان العهد الملكي قبل أكثر من نصف قرن واقل من 1% من موازنة الجوعية ورواتبهم ومخصصاتهم، وألف بالمية من نزاهتهم وعزة نفسهم وطهارة أيديهم وقلوبهم!

kmkinfo@gmail.com

319
المنبر الحر / سوق المزايدات!
« في: 02:48 15/09/2013  »
سوق المزايدات!

كفاح محمود كريم

    بعد سقوط النظام مباشرة استقبلت مقرات الأحزاب المعارضة للنظام والتي فتحت أبوابها وأصبحت بقدرة قادر من اسقط النظام بل وادعت أنها كانت وراء انهيار النظام وسقوطه بكوادرها ومناضليها، ورغم ما فعله العديد من المناضلين في معارضة النظام الدكتاتوري، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما، ولولا أن هدى الله الأمريكان ورفاقهم في التحالف الدولي وبتأييد مطلق من المنظمة الأممية وجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي، لما سقط النظام كما قال بدوي حاذق حتى يحكمنا أحفاد أحفاد عدي وقصي، وليس العيب هنا في الشعب بل في طبيعة الأنظمة البوليسية التي تشكلت اثر انقلابات عسكرية في معظم بلداننا الشرق أوسطية، التي شهدنا سقوط البعض منها وتلك المشاهد الكارثية التي حصلت وما تزال تحصل في سوريا الآن.

     أعود إلى لب الموضوع كما يقولون عن المزايدات وسوقها الرائجة في غياب معادلات المواطنة الحقة، فبمجرد إعلان سقوط نظام صدام حسين استقبلت مقرات الأحزاب المعارضة كما ذكرنا المئات أو ربما الآلاف من البعثيين بمختلف مستوياتهم الحزبية ممن كانوا قد فصلوا قبل سقوط النظام لأسباب كثيرة لم يكن واحد منها معارضة النظام، وممن احيلوا على التقاعد بسبب عدم فوزهم بانتخاباتهم الحزبية أو لثبوت اختلاس أو سرقة بعضهم لأموال الحزب أو الدولة.. وأسباب كثيرة أخرى، لكنني متأكد تماما بان ليس في تلك الأسباب جميعها كما قلت واكرر أي سبب لمعارضتهم القائد الضرورة أو منهاج الحزب العقائدي!؟

     لكنهم قدموا أنفسهم؛ أي هؤلاء المفصولين من البعث أو المحالين على التقاعد أو الفاشلين في انتخاباتهم الحزبية، كضحايا لنظام صدام حسين، ولم ينسوا طبعا اصطحاب شهود لهم من المقربين لتلك الأحزاب المعارضة سواء من الكوادر أو من أقربائهم وحبايبهم، وتحولوا خلال ساعات من رفاق العقيدة والزيتوني إلى مناضلين ضد النظام ورئيسه والدليل (ألولو) بشهادة من كان لهم علاقات خاصة وأفضال متبادلة ممن صنفوا أو عرفوا بمعارضة النظام، بل الكثير منهم تحول مباشرة من رفيقي إلى مولاي وارتدى العديد منهم زي البيشمه ركه في الموصل وكركوك وديالى حاملا الرايات الصفر أو الخضر!؟

     لا اعتراض على التوبة والاعتراف بالخطأ والاعتذار وتصحيح السلوك والتصرف، بل الاعتراض الشديد على الانتهازية والمزايدات الرخيصة، ليس من قبل فلول النظام السابق فقط بل من كثير من الآخرين أيضا، وخاصة أقرباء وأتباع الشخصيات المناضلة حقا ممن نقشت لها تاريخا ودورا معروفا في مقارعة الدكتاتورية، حيث تتعرض هذه الشخصيات من كل أطياف الفعاليات السياسية والاجتماعية إلى تشويه وتقبيح وإساءة سمعة من خلال مزايدات تلك المجموعات الملساء من الأتباع والمريدين ومساحي الجوخ ومرتزقة المواقف، ممن يسيئون بشكل كبير إلى تلك الشخصيات بسلوكهم الشائن وتصرفاتهم التي تنعكس مباشرة على من يزايدون أو يتاجرون باسمه.

    إنها دعوة مخلصة لتلك الشخصيات ليس هنا في بلادنا فقط وإنما في كل البلدان التي تشابهنا في ما حصل ويحصل من تغييرات سياسية واجتماعية لقطع دابر هذه الطبقة الرثة من المنافقين والانتهازيين وتجار المسؤولين الذين يبيعون ويشترون بتاريخ اولئك المناضلين الذين تحولوا على أيدي تلك الطبقة إلى بقالة للوطنية والمزايدات.

kmkinfo@gmail.com

  



320
عرس كوردستان الجديد

كفاح محمود كريم

     بعد أشهر من انتفاضة آذار عام 1991م في معظم المدن والقرى الكوردستانية، والتي يضعها كثير من المراقبين السياسيين بداية لاخترق حاجز الخوف في النظام السياسي الشمولي الذي كان يعم كل الشرق الأوسط تقريبا، دعا الزعيم الكوردي مسعود بارزاني كافة الأحزاب والفعاليات السياسية الكوردستانية إلى إجراء انتخابات عامة لتأسيس مراجع شرعية تمثل الأهالي، في أول خطوة لبناء مجتمع سياسي ديمقراطي، وبنية اجتماعية تحترم ما يقرره الأهالي من اختيارات في شكل النظام، وفي 19 أيار من عام 1992م جرت أول انتخابات برلمانية عامة في المناطق المحررة من كوردستان العراق، شارك فيها ما يقرب من مليون ناخب يمثلون أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، وتحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظماته المدنية وبحضور مراقبين من مختلف دول العالم، لكي يتم توصيفها بأول انتخابات عراقية وكوردستانية حرة ونزيهة ومتطابقة مع المعايير الدولية الديمقراطية في العالم، ينتخب فيها أهالي كوردستان أول برلمان في تاريخهم المعاصر.

     في الدورة الأولى لبرلمان كوردستان تنافست سبع كتل سياسية تقدمها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقائمة مستقلة، تلاه الاتحاد الوطني متحالفا مع كادحي كوردستان، ثم كتلة الوحدة التي ضمت الاشتراكي والاستقلال الكوردستانيين، فيما نزل حزب الشعب ( سامي عبدالرحمن ) بقائمة مستقلة، فيما اجتمع الشيوعيون والمستقلون والاتحاد الديمقراطي بكتلة واحدة، والأخيرتان كانتا واحدة للإسلاميين والأخرى للمستقلين الديمقراطيين، هذا وقد فاز الديمقراطي الكوردستان بأغلبية الأصوات 45.5% تلاه الاتحاد وحليفه بـ 43.61% وتقاسم بقية المقاعد الأحزاب الصغيرة الأخرى مع قرار القيادة السياسية بتخصيص خمس مقاعد للمسيحيين الكوردستانيين.

   أما الدورة الثانية فقد تأخرت كثيرا بسبب تعرض الإقليم إلى صراعات سياسية داخلية وخارجية حادة عطلت عمل البرلمان لفترة، الا انه رغم ذلك بقت هذه المؤسسة التشريعية محط احترام وتقدير عاليين، ولم تجرِ  طوال تلك الفترة انتخابات من طرف واحد لكي تبقى هذه المؤسسة مرجعية لكل الأهالي، حتى سقوط نظام صدام حسين والبدء ببناء عراق اتحادي ديمقراطي تعددي، فقد جرت انتخابات عامة مع الانتخابات العراقية الأولى في 30 كانون الثاني 2005م، وتنافست فيها 13 قائمة مختلفة على خلفية نظام التمثيل النسبي، وشارك فيها 1753919 ناخباَ من سكان إقليم كوردستان من الكورد والتركمان والكلدان والآشوريين، مسلمين ومسيحيين وإيزديين، وقد زاد عدد أعضاء البرلمان من 105 أعضاء إلى 111 عضواَ ، وتمكنت ثلاث قوائم فقط من مجموع 13 قائمة الحصول على مقاعد البرلمان، وهي كل من : القائمة الوطنية الديمقراطية الكوردستانية (104) مقاعد ( وضمت الحزبين الرئيسيين وبعض الأحزاب الصغيرة)، قائمة الجماعة الإسلامية في كوردستان العراق (6) مقاعد، قائمة حزب كادحي كوردستان والمستقلين (1) مقعد واحد.

     وإذا كانت الدورة الأولى للبرلمان الأكثر إثارة وتحديا، فان الثالثة كانت الأكثر تميزا حيث جرت في 25 تموز 2009م، وشاركت فيها 24 قائمة تنافست على 111 مقعداً برلمانياً، وتمكنت 11 قائمة من الفوز بالمقاعد، تصدرتها كتلة الديمقراطي والاتحاد في تسلسل الفائزين، بينما تبلور شكل من أشكال المعارضة لأول مرة وحصلت على ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان، كما تميزت هذه الدورة بإجراء أول انتخابات عامة لاختيار رئيس للإقليم من بين مجموعة متنافسين جديين، تقدمهم الرئيس بارزاني بحصوله على 69.60% من أصوات الناخبين.

     وبعد عقدين من الزمان على تجربة كانت الأروع في تاريخ شعب كوردستان الذي اختار لأول مرة ممثليه إلى مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية يمثلون بعضا من طموحاته، يتجه اليوم أكثر من ثلاثين فعالية سياسية فردية وحزبية تضم  1129 مرشحا يتنافسون على مقاعد البرلمان الـ 111، بينهم 25 مرشحا تركمانيا سيشغل خمسة منهم المقاعد المخصصة لهم ضمن الكوتا، و15 مرشحا مسيحيا يتسابقون على 5 مقاعد مخصصة لهم و4 مرشحين على مقعد واحد مخصص للأرمن، في عرس ديمقراطي نجح خلال عشرين عاما في انجاز مجموعة كبيرة من التشريعات التي تجاوزت الـ 309 قانون نظمت الحياة الاجتماعية والإدارية والسياسية والاقتصادية في البلاد بما جعلها بحق واحة من واحات  الأمن والسلام والازدهار.

 


321
كوردستان والحقائق الدامغة!

كفاح محمود كريم

      ربما يرى البعض حقائق الأمور بعيدة عن إطارها الواقعي على خلفية آراء مسبقة أو مواقف محددة تبتعد عن التقييم المهني والعلمي لأي ظاهرة أو حدث كان، ويذهب هذا البعض إلى درجة تشويه تلك الحقائق أو تأويلها بعيدا عن بنيتها الأساسية أيضا على خلفية دارج شعبي جميل يقول ( اكره واحكي وحب واحكي ) ومن هنا تأتي كثير من التقييمات أو التوصيفات بعيدة عن تلك الحقائق التي لا تقبل التشكيك ولا التأويل.

     أردت بهذه المقدمة أن ادخل إلى مقارنة سلسة وبسيطة تعتمد الأرقام المحايدة والمجردة والدامغة فهي الأقرب إلى العقل والقلب كما هو معلوم من أي فذلكات سياسية أو إنشائية، هنا في هذا الإقليم المثير للجدل بمنطقة الشرق الأوسط ألا وهو إقليم كوردستان العراق الذي يضم أكثر من ستة ملايين نسمة يعيشون على ما يقرب من أربعين ألف كيلومتر مربع ويتحدثون في أغلبيتهم اللغة الكوردية إلى جانب مواطنيهم ممن يتحدثون اللغات الآشورية والتركمانية والعربية في ثلاث محافظات كبرى ومناطق تضم أكثر من ربع سكان الإقليم الحالي تعرضت لتغييرات ديموغرافية حادة في كل من محافظات كركوك والموصل وديالى، وشكلت في معظمها ما سماه الدستور العراقي بالمناطق المتنازع عليها ضمن مادة دستورية حملت الرقم 140 وهي عبارة عن خارطة طريق لحل تلك الإشكاليات الديموغرافية.

     تحرر هذا الإقليم بمحافظاته الثلاث ( اربيل والسليمانية ودهوك ) اثر انتفاضة عارمة بعد تحرير الكويت، وأصبح ملاذا أمنا ليس للكورد فقط بل واحة لكل المعارضة العراقية طيلة أكثر من عشر سنوات، عاش فيها السكان سنوات عجاف من البطالة والفقر المدقع والحصار المزدوج من قبل الأمم المتحدة ونظام الرئيس الأسبق صدام حسين، أوصل مستويات الفقر إلى ما يقرب 45% عشية سقوط نظام صدام حسين ونسبة مرعبة  من البطالة ووضع تعليمي وصحي رث يصل في كثير من مستوياته رغم ما قدمته كثير من المنظمات العالمية من مساعدات إلى وضع كارثي، ورغم ذلك استطاع شعب كوردستان وإدارته التي انتخبت مباشرة من الشعب في أول انتخابات حرة في الإقليم عام 1992 انبثق عنها برلمان إقليمي وحكومة نالت ثقة البرلمان لكي تكون أول حكومة كوردية بعد حكومة القاضي محمد في جمهورية كوردستان التي سحقت بعد اقل من سنة من قيامها على يد شاه ايران وقبول الدكتاتور السوفييتي ستالين.

     رغم كل ما حصل من مآسي خلال أكثر من عشر سنوات بعد الاستقلال الذاتي في 1991 انطلق المخلصون والفاسدون كل إلى مبتغاه، فبنى الأولون ما عجزت عن بنائه الدولة العراقية خلال ثمانين عاما لكوردستان، وفعل الفاسدون فيها ما يشبه فعل أولئك الحكام في عقود الهيمنة والاستبداد والطغيان، ولكي لا نغوص في تفصيلات أكثر، سندع بعض الأرقام تعطينا صورة أكثر إيضاحا وواقعية عما جرى خلال اقل من عشرين عاما مما لم يستطع هؤلاء المصابون بعمى البصيرة أن يروا هذا البلد كيف كان وكيف أصبح؟

     كانت نسبة الفقر المدقع تقترب من نصف السكان الأربعين في محافظات الإقليم عشية الانتفاضة وازدادت إلى أكثر من نصف السكان خلال سنوات الحصار المزدوج على الإقليم، فغدت اليوم اقل من 5% حسبما ذكرته إحصائيات واستطلاعات وزارة التخطيط العراقية، وبينما كانت البطالة تعم الإقليم لغاية 2003م بنسب مخيفة أصبحت اليوم اقل نسبة على مستوى ليس العراق وإنما المنطقة برمتها.

     كان في الإقليم 700 مدرسة قبل عقدين وأصبحت كوردستان اليوم تحتضن 12000 ألف مدرسة و 11000 ألف مركز صحي ومستشفى بعد أن كانوا 500 فقط مطلع تسعينات القرن الماضي.

     وبعد أن كان عدد طلبة الجامعات والمعاهد لا يتجاوز عدة آلاف أصبح اليوم في كوردستان أكثر من 98000 ألف طالب و7200 أستاذ جامعي ونجح الأهالي والحكومة في فتح 20 جامعة حكومية وأهلية بعد كانت جامعة واحدة حتى آذار 1991م، وبعد أن كانت أعداد طلبة البعثات والزمالات في كوردستان حتى عشية الانتفاضة لا تتجاوز عدة عشرات، هناك اليوم أكثر من 2500 طالب دراسات عليا و ألفي طالب كوردستاني يدرسون في أرقى جامعات العالم مختلف العلوم وبمستويات الدراسة الجامعية الأولية والمعمقة.


     وبفضل تطور الأداء السياسي والديمقراطي وتوفر مساحات كبيرة للتعبير عن الرأي يصدر اليوم في الإقليم 876 إصدار مطبوع من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والفصلية، إضافة إلى عشرات الفضائيات والإذاعات التي لا تمتلك في معظمها الحكومة أي منها، بل تدعمها جميعا دون تدخل في سياستها أو توجهها.

     لقد ارتفعت معظم مستويات الحياة الصحية حتى أصبحت نسبة وفيات الأطفال 1% بعد أن كانت 28% إلى ما قبل عشر سنوات تقريبا، يقابل ذلك ارتفاع واضح بمستويات المعيشة بسبب تقلص مساحات البطالة وازدياد فرص العمل والاستثمار في الإقليم الذي تجاوز العشرين مليارا لعام 2012م في مختلف مناحي الحياة وبالذات في خدمات السكن والكهرباء والصحة والزراعة والطرق والجسور، حيث انتهت تقريبا معضلة الكهرباء منذ عدة سنوات في الإقليم.

kmkinfo@gmail.com
 

 





322
مال الكُرد ومال الإخوان في مصر ؟

كفاح محمود كريم

     بهذا النص افتتح رسالته إلينا احد الأصدقاء القراء المهتمين بالشأن الكوردي والمدافعين عن حقوق المكونات سواء في العراق أو غيره، وهو يتحدث عن ردود الأفعال التي حصلت تضامنا أو معارضة للأحداث في أرض الكنانة قائلا:

     "ما هذا النفاق للإسلام السياسي؟ هل هؤلاء الأخوان في مصر يوما ما دافعوا عن الأكراد في زمن المقبور هدام العراق في مصيبة حلبچة الشهيدة أو عن العراقيين جميعا ؟

     أنا لم اسمع ولا أتذكر.أي من الأحزاب الإسلامية كانت إخوانية أو (شيعية) دافعت عن مظلومية العراقيين. حتى حسن لا نصرالله لم يقل كلمة بحق العراقيين لا وقت صدام ولا بعده..
 
    اللهم أحفظ كردستان  والعراق من هؤلاء"


     حقيقة لا أريد أن ادخل في معمعة مواقف كثير من الأحزاب والحركات الدينية فيما يتعلق بالقضية الكوردية خاصة والعراقية عامة، لأننا سنضطر إلى استخدام ميكروسكوبات ضوئية عالية التكبير والدقة للبحث عن مواقف تلك الأحزاب مما جرى لشعبنا أو غيره من الشعوب التي ( انفجعت ) بالعيش مع غيرها بعد صناعة سايكس ورفيقه بيكو لدول الشرق الأوسط التي أدغمت حقوق كثير من تلك الأقوام تحت يافطة الأخوة الإسلامية تارة والإنسانية تارة أخرى.

     ورغم أن ما يحدث في مصر هو من خيارات شعب مصر العريق في حضارته، والذي خرج بملايينه الثلاثين في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البشرية بهذا الشكل من الجموع البشرية مرة واحدة، لتقول رأيها بنظام سياسي أو رئيس دولة، وربما بمقارنة بسيطة مع أي انتخابات في العالم وعدد المشاركين فيها نسبة إلى السكان لن نجد انتخابات بهذا الكم الهائل من الناخبين المشتركين فعلا دون تزوير، وبهذه النزاهة والصميمية والسلاسة والصدق، وهي الجديرة حقا بان ترفع يافطة الشرعية على أنقاض صناديق عوراء وصماء استخدمت لتسلق قوى ظلامية هنا وهناك.

     ولنعود إلى تساؤلات صديقنا القارئ الكريم ( مال الكورد ومال الإخوان في مصر؟ ) حقيقة لا اعرف أين تكمن المصلحة إلا اللهم كون الذين قاموا بتنظيم تلك المجاميع ينتمون امميا لتلك الحركة، وقد ذكرونا هؤلاء المتظاهرون بالرفاق الحمر حينما كانت تمطر السماء في موسكو فيرفعوا الشماسي في بغداد أو غيرها من عواصم الربيع العربي، وربما لقصور في متابعتي لم اسمع أو اقرأ عن موقف الإخوان المسلمين على كوكبنا الأرضي أو بقية الكواكب من القضية الكوردية في كل مراحلها وحقبها، وكل أيامها الملونة بألوان الموت الكيماوي والأنفال وحلبجة وكل ما حصل هنا لم يحرك شعرة من شعرات لحاياهم وليس شواربهم الحليقة!؟

     ورغم ذلك فان أجواء الحرية والديمقراطية أتاحت الفرصة لتلك المجاميع بالتعبير عن رأيها بالرئيس مرسي والقائد السيسي معبرة عن سخطها لتغيير مرسي معتبرة ذلك تجاوزا للشرعية التي أبدع المصريون في وصفها بأجمل نكاتهم عما جرى في مصر أخيرا، حيث شبهوا شرعية الإخوان بصلاحية علبة فول مدمس مكتوب عليها صالحة لمدة أربع سنوات، وحينما فتحت العلبة بعد سنة من صناعتها كانت متعفنة وفاسدة، فقال المصري متهكما:

            نأكلها وإلا نرميها في (!) يابو شرعية أنت!؟   

kmkinfo@gmail.com
 


323
دولة الرئاسات الثلاث

كفاح محمود كريم
 
     لسنين طويلة حلمنا وتأملنا في غد قادم تسقط فيه آلهة الحكم المتفرد والنرجسية المقيتة والفساد المالي والإداري ومناصب المحسوبية والمنسوبية، وهيمنة النكرات والتافهين من المتسلقين وأرباب السحت الحرام، ورغم مأساة ما حدث لإزالة ذلك النظام المخزي الذي أنتج أجيال من المعاقين فكريا وأخلاقيا وسياسيا، تصورنا إننا وضعنا أقدامنا في الاتجاه الصحيح لبناء أسس دولة مدنية معاصرة تليق بشعب قدم ما يقرب من ربع سكانه ضحايا وقرابين على مذبح الحرية، أو في أتون حروب قذرة طيلة ما يقرب من قرن من تأسيس هذا الكيان.

     وبعد كل هذا اهتدينا إلى ناصية الديمقراطية المفترضة لكي نؤسس لوطن الحلم ودولة المستقبل، متناسين ما ورثناه من عيوب وعاهات ومركبات نقص هائلة في كل مناحي الحياة، وجوع هائل يصل إلى مستوى ( الجوعية ) في المال والمناصب والهيمنة والارتزاق وتسخير العام من اجل الخاص، والتقاتل من اجل المنافع الذاتية بعيدا عما كنا نحلم به دوما.

     ولا أتحدث هنا عن الأغلبية المهمشة تاريخيا والمستخدمة أبدا من قبل هؤلاء، ولكنني أتحدث عن أولئك الذين يدعون وادعوا سابقا بأنهم يمثلونهم أفقيا بما في ذلك أكثرهم يسارية أو ديمقراطيةً أو حتى عقائديةً، وبالذات حينما يتعلق الأمر بالمال ومنافعه الشرعية أو غير الشرعية أو المشتبه بها، وما حصل في العراق ويحصل في مصر يصيبنا جميعا بالإحباط خاصة وان أكثر الذين تقلدوا مناصب المال والسيادة يصنفون إيديولوجيا بالمتقين والمؤمنين بخلفية دينية يفترض أنها تمنعهم عن الحرام بكل أشكاله،  والمشبهات بكل أنواعها، بل أنهم وجدوا في مواقعهم لكي يبشروا الأهالي والغلابة تحديدا، بعالم جديد تسوده العدالة والحرية والنزاهة؟

    وما ظهر بعد تولي ( بدائل الدكتاتوريات ) الحكم في العراق ومصر وليبيا وتونس وغدا في سوريا، كشف عورات مخزية للرئاسات المتعددة التي ورثت الحكم من دولة الأوحد لتصبح دولة الرئاسات ( رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان )، وبدلا من دكتاتور واحد سرق الحكم عنوة بانقلاب عسكري، أصبح لدينا رئاسات تتمتع بذات الامتيازات التي كان يتمتع بها الدكتاتور السابق، بل ربما تزيد عنه في انها أخذت مشروعيتها من صناديق عوراء وصماء، والانكى من ذلك إن كل منها يعمل لحاله، وله أتباعه ومريديه، بل ومجاله الحيوي وميليشياته المسلحة وميزانيته التي تشبع سكان دولة افريقية.

     فإذا كانت الديمقراطية قد أتت بالحل دينيا كما يقولون، وان رجال هذا الحل غاية في النزاهة والزهد وطهارة القلب واليد، فما حصل ويحصل في كل من العراق ومصر وتونس وليبيا وسوريا يمثل أتعس أنماط الأنظمة وأكثرها بدائية وبربرية وفساد وصل حد النجاسة في السرقة والاختلاس والاغتصاب والقتل، فيما شهدناه جميعا سواء هنا في بلادنا وما يحدث في تلك البلدان وربيعها الدموي، سواء من كان منهم في السلطة أو من يدعي انه يمثل الجهاد والمجاهدين في استباحة أرواح وأموال الناس تحت مظلة تلك الشعارات.

     وفي خضم ما يحدث يبقى السؤال الأكثر حيرة هو:
     أين يكمن الحل؟
ومن أفشل من؟
الشعب أفشل الحكومات أم العكس؟

kmkinfo@gmail.com


324
المنبر الحر / دكاكين إعلامية!
« في: 12:33 03/08/2013  »
دكاكين إعلامية!

كفاح محمود كريم
 

     بعد سقوط الجدار الدكتاتوري في كثير من بلدان الشرق الأوسط الموبوءة بالأمية السياسية والمصابة بأمراض الشرق المزمنة في القبلية والتعصب الديني أو المذهبي، منذ عقود أو حقب مقيتة من الانغلاق الحديدي في كل مناحي الحياة، بدأت مرحلة من الانفلات أو التحرر غير المقيد أو غير المقنن، حتى وصل ذروته في فوضى لا مثيل لها أطلق عليها أولئك ( البطرانين ) بالفوضى الخلاقة، تجميلا لواحدة من أكثر ردود الأفعال الجمعية والفردية إثارة وجدلا، بعد غياب السلطة وما رافق تلك الانهيارات في جدار الخوف من انفلات ذلك المارد المسجون في قمقم الرعب والتخلف، وما نتج عن ذلك من عمليات نهب وسلب وقتل وانتقام وتخريب، ولعل ابرز ما عكس تلك الفورة أو الفيضان هو ما جرى في فضاء الإعلام، الذي انفلت هو الآخر أو أنعتق أو تحرر بشكل مثير ربما تجاوز أي شكل من أشكال الصحافة الحرة في الدول الديمقراطية العريقة!

      ففي معظم بلداننا لم يكن هناك أكثر من قناة تلفزيونية أو قناتين يصاحبهما محطة للإذاعة وفي كل الحالات وان تعددوا فهم ينهلون من منبع واحد هو الدولة وقائدها حزبا أو ملكا أو رئيسا أو عشيرة، وهي بالتالي تمثل هؤلاء وفلسفتهم كما كنا في العراق وليبيا ومصر وتونس وما زلنا في سوريا وغيرها من بلدان الرقص على أكتاف الموت من اجل القائد المفدى والحزب الذي يختزل الأمة؟

      وكان معظم المثقفين والخبراء والمحللين والسياسيين محرومين تماما من أي حق تلفزيوني أو إذاعي للتعبير عن الرأي إلا بما يتوافق مع فلسفة الحكم وتوجهاته، بما جعلهم بعيدين جدا عن تلك الوسائل حفاظا على كرامتهم وحياتهم معا، حتى سقطت تلك الأنظمة وفار التنور بحرية لا مثيل لها في إنتاج وسائل التعبير عن الرأي في شتى أشكاله ووسائله، تحقيقا للافتراض أو التحصيل الحاصل لما جرى، حيث انطلقت إلى الفضاء عشرات الفضائيات والإذاعات التي تعبر عن رأي الأحزاب والشركات والأشخاص، وأضعافها من الصحف والمجلات، بأعداد تفوق في مجملها ما موجود في أي دولة ديمقراطية عريقة بنفس عدد سكان هذه البلاد، أو ربما أكثر بكثير من مجموع قرائها أو متابعيها!؟

      وخلال عدة سنوات تحولت تلك الوسائل إلى دكاكين إعلامية بيد تجار ومقاولين لا علاقة لهم بأي شكل من الأشكال لا بالإعلام ولا بالسياسة، إلا اللهم بما يخدم مصالحهم الدكاكينية، فأصبح لدينا نمط جديد من الإعلام الذي يكتب بالقطعة أو بالشبر كما يقولون في مدح فلان أو ذم علان، وإعلامي يحقق مع ضيفه في حوار مفترض للشاشة وكأنه مفوض امن أو محقق فاشل، وبذلك تضيع كثير من ( علائم ) المهنة وافتراضات توصيفها بالمهنية أو المحايدة على اقل تقدير، ومن يرى كتابات أو تقارير بعض الصحفيين عن أي موضوع له علاقة بالجيب يكتشف نوع من البقالة والسمسرة المحترفة التي تنافس أي دلال في سوق مريدي بل تتجاوزه في حنكة المهنة وصفقاتها.

      وباستثناء قلة قليلة من هذه الوسائل الإعلامية في العراق، فان كثير من مكاتب الفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات تختلس المكافآت المخصصة لضيوفها أو كتابها، مستغلة كثير من الأمور وفي مقدمتها الحياء الشرقي واستغلال شعور الكاتب أو الضيف الإعلامي بأنه لم ينل حقه أو حصته من الإعلام ومخاطبة الرأي العام من خلال الشاشة أو الإذاعة أو الصحافة، والإيحاء له بأنها إنما تظهره أو تنشر له ( تفضلا ) وتشجيعا وبذلك تقوم باختلاس أو سرقة استحقاقه المثبت في مخصصات الموازنة لأي وسيلة إعلام مهما كانت، حيث هناك دائما حقول الأجور والمكافآت التي تشكل جزءً مهما من ميزانية المؤسسة الإعلامية، والطامة الكبرى إن كثير من هذه الوسائل ليست عادية بل أنها قنوات وصحف مهمة جدا ومدعومة بشكل كبير من دول ومؤسسات كبيرة!

      حقا إنها دعوة مخلصة لتهذيب مؤسساتنا الإعلامية ورفع مستويات أدائها وشفافيتها ومصداقيتها مع الجمهور ومع من يتعاط معها، وبتقديري فان أي وسيلة إعلامية لكي تكون محترمة وتنال ثقة المتلقي فإنها تحتاج إلى تعامل محترم وشفاف في الأداء المالي والمهني معا.
   
kmkinfo@gmail.com

325
وجه كوردستان المشرق

كفاح محمود كريم

     سأبدأ موضوعي بسؤال من غير عادتي التي انهي فيها معظم مواضيعي بسؤال للقارئ في آخر المقال، وسؤالي الافتتاحي هو:
 
      هل يا ترى وجود حي بائس في نيويورك أو لندن أو باريس أو موسكو يعني أنها دول متخلفة فيها وجه آخر يعكس هزالة نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
      وهل أن وجود عدة ملايين من العاطلين عن العمل في دولة مثل الولايات المتحدة يعني أنها فاسدة؟
      وهل أن كل ما تقوم به الحكومات في بلدانها لا يستحق الثناء أو الذكر لكونه من واجباتها؟
      ألا يفتخر كل الفرنسيون والبريطانيون والأمريكان بانجازات حكوماتهم وشركاتهم وعلمائهم؟


     الأسئلة كثيرة حول ما يريده بعض المحبطين الذين لا يرون أكثر من أرنبة أنوفهم المتعودة على روائح الحقد الشخصي أو السلبية المفرطة التي تمنع رؤية أية اشراقة للضوء في الزوايا المظلمة التي كانت تعم معظم كوردستاننا الخارجة عن الزمن تماما، بل ربما كانت غارقة في بحر من الآلام والفقر والانكسار والحصار القاتل لعقود مريرة دفع فيها المناضلون من اجل الحرية قوافل من الشهداء، والأهالي عقودا من الذل والعوز والمرض، حتى انتصار الشعب وفعالياته السياسية في آذار 1991م اثر انتفاضة عارمة أسقطت إلى الأبد ذلك الاحتلال الفاشي البغيض ودفعت الأهالي إلى حقبة جديدة من التحرر والانعتاق.

     وخلال العقد الأول من انعتاقها عاشت كوردستان وأهليها أياما ضنكا مكتظة بالأحداث التاريخية والصراعات الحادة والحصار الخانق حتى تكلل الصبر العظيم للشعب بانتصار السلام وسقوط الدكتاتورية وبداية عصر جديد انطلق فيه المخلصون والفاسدون كل إلى مبتغاه، فبنى الأولون ما عجزت عن بنائه الدولة العراقية خلال ثمانين عاما لكوردستان، وفعل الفاسدون فيها ما يشبه فعل أولئك الأنجاس من حكام عقود الهيمنة والاستبداد، ولكي لا نغوص في تفصيلات أكثر سندع بعض الأرقام تعطينا صورة أكثر إيضاحا وواقعية عما جرى خلال اقل من عشرين عاما مما لم يستطع هؤلاء المصابون بعمى البصيرة أن يروا هذا البلد كيف كان وكيف أصبح؟

     كانت نسبة الفقر المدقع تتجاوز الأربعين بالمائة في محافظات الإقليم عشية الانتفاضة وازدادت إلى أكثر من نصف السكان سنوات الحصار المزدوج على الإقليم، فغدت اليوم اقل من 5% حسبما ذكرته إحصائيات واستطلاعات وزارة التخطيط العراقية، وبينما كانت البطالة تعم الإقليم لغاية 2003م بنسب مخيفة أصبحت اليوم اقل نسبة على مستوى ليس العراق وإنما المنطقة برمتها.

     كان لدينا 700 مدرسة قبل عقدين وأصبحت كوردستان اليوم تحتضن 12000 ألف مدرسة و 11000 ألف مركز صحي ومستشفى بعد أن كانوا 500 فقط مطلع تسعينات القرن الماضي.
وبعد أن كان عدد طلبة الجامعات والمعاهد لا يتجاوز عدة آلاف أصبح اليوم في كوردستان أكثر من 98000 ألف طالب و7200 أستاذ جامعي ونجح الأهالي والحكومة في فتح 20 جامعة حكومية وأهلية بعد أن كانت جامعة واحدة حتى آذار 1991م، وبعد أن كانت أعداد طلبة البعثات والزمالات في كوردستان حتى عشية الانتفاضة لا تتجاوز عدة عشرات، هناك اليوم أكثر من 2500 طالب دراسات عليا و ألفي طالب كوردستاني يدرسون في أرقى جامعات العالم مختلف العلوم وبمستويات الدراسة الجامعية الأولية والمعمقة.

     وبفضل تطور الأداء السياسي والديمقراطي وتوفر مساحات كبيرة للتعبير عن الرأي يصدر اليوم في الإقليم 876 إصدار مطبوع من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والفصلية، إضافة إلى عشرات الفضائيات والإذاعات التي لا تمتلك في معظمها الحكومة أي منها، بل تدعمها جميعا دون تدخل في سياستها أو توجهها.

     لقد ارتفعت معظم مستويات الحياة الصحية حتى أصبحت نسبة وفيات الأطفال 1% بعد أن كانت 28% إلى ما قبل عشر سنوات تقريبا، يقابل ذلك ارتفاع واضح بمستويات المعيشة بسبب تقلص مساحات البطالة وازدياد فرص العمل والاستثمار في الإقليم الذي تجاوز العشرين مليارا لعام 2012م في مختلف مناحي الحياة وبالذات في خدمات السكن والكهرباء والصحة والزراعة والطرق والجسور، حيث انتهت تقريبا معضلة الكهرباء منذ عدة سنوات في الإقليم.

     ربما ستطول القائمة وتزدحم الأرقام، لكنها تبقى نقاط ضوء تزيح الظلام من تلك الزوايا الداكنة التي يحاول البعض إبقائها غارقة في سواد التخلف واليأس والإحباط، ورغم كل شيء تبقى  تلك الحقيقة المثلى والأكثر جمالا حينما تزيح نقاط الضوء كتل الظلام المدلهم. 

kmkinfo@gmail.com

 





326
رسالة الرئيس مسعود بارزاني إلى شعب كوردستان
بسم الله الرحمن الرحيم
الى شعب كوردستان العزيز 
الى القوى والأطراف السياسية ومنظمات المجتمع المدني
     لقد كان أسعد قرار في حياتي حينما أصبحت وأنا بسن السادسة عشر من عمري أحد أفراد البيشمركة من أجل الحرية والحقوق القومية والديمقراطية لشعب كوردستان وتحرير أرضها.
     وكوني بيشمركة فهو أكبر مفخرة لي في حياتي حيث كنت اعمل وأناضل في كل المناصب بروح البيشمركة وعقيدتها من أجل مصلحة شعبي، ومن هذا المنطلق سخرت كافة مناصبي لخدمة وطني.
     ومن دواعي الاعتزاز أنني طلبت والتزاما بأهدافنا في الحرية والديمقراطية أوقات الثورة والبيشمركة وكواجب وطني ومن أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية وإنشاء نظام سياسي واداري ديمقراطي، طلبت ومع بدايات انتفاضة شعب كوردستان العظيمة في 1991 من الجبهة الكوردستانية العمل امن أجل إجراء انتخابات حرة ليتمكن شعب كوردستان وعن طريق صناديق الاقتراع تقرير مصيره وإنشاء نظامه السياسي.
     ومنذ ذلك الوقت وبتضامن كافة الأطراف السياسية بدأت العملية الديمقراطية التي أثمرت  وبفضل من الله وتكاتف المخلصين ونضال وصمود شعبنا هذا التقدم الكبير الذي شهدته  كوردستان في جميع مناحي الحياة، حيث نرى اليوم إن لكوردستان سمعة طيبة من ناحية الاستقرار السياسي واستتباب الأمن إلى جانب التقدم الاقتصادي والعمراني، بما يرسخ يوما بعد يوم موقع كوردستان في العالم. 
     لقد جرت في الفترة المنصرمة وكممارسة ديمقراطية حوارات ونقاشات كثيرة حول طبيعة وتعريف النظام السياسي في الإقليم ومشروع الدستور، ومن أجل تقديم نموذج أرقى للعملية الديمقراطية والتزاما بالقانون خاطبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات برسالة رسمية طالبتها بأجراء انتخابات البرلمان ورئاسة إقليم كوردستان، وبذلك قد أديت واجبي.
    ومنذ إرسال الرسالة وطلب إجراء الانتخابات وتحديد موعدها وهو يوم 21/9/2013   كان هناك اختلاف في وجهات النظر حول آلية انتخاب رئيس إقليم كوردستان، فهل يكون وفق قانون رئاسة الإقليم المرقم 1 لسنة 2005 المعدل ومشروع الدستور وبموجبه يتم انتخاب رئيس الإقليم مباشرة من قبل المواطنين، أو يكون حسب وجهة نظر بعض الأحزاب التي تطالب بانتخاب رئيس إقليم كوردستان من قبل البرلمان، مما أدى إلى حدوث خلافات بين الأطراف السياسية، وجاءت قضية الدستور والتعامل الحاد حولها من قبل بعض الأطراف والتي سارت بالعملية السياسية نحو التأزم.
     ومن أجل أن نتمكن من تمهيد الأرضية المناسبة حول تلك القضايا ولنقدم صورة أجمل عن العملية السياسية في إقليم كوردستان لشعبنا وللخارج، ولنمهد أرضية التوافق وتقدم الأطراف السياسية وكافة المكونات الكوردستانية وجهات نظرها حول كيفية انتخاب الرئيس وحول مشروع الدستور، طلبت وفي رسالة بتأريخ 25/5/2013  من جميع الأطراف السياسية إبداء ملاحظاتهم وعرض وجهات نظرهم وإرسالها الينا.
     وبعد وصول الردود طلبت من رئاسة البرلمان الاجتماع بكافة الأطراف والمكونات الكوردستانية من أجل التوصل إلى نتيجة ما، وكان هدفي من إرسال ملاحظات الأطراف كافة إلى البرلمان هو ليكون توافق الأطراف المتمثلة في البرلمان والأطراف غير المتمثلة وملاحظات المكونات، خارطة طريق أسهل وأرضية أكثر ملائمة لمشروع الدستور والانتخابات، وبعد ذلك أعلن لشعب كوردستان وبكل صراحة بأنني شخصيا لا نية لدي للترشح وأحترم جميع القوانين وأسلم أمانة رئاسة إقليم كوردستان لشخصية منتخبة.
     ويؤسفني القول إن المعارضة لم تكن موفقة في التعاون من اجل إنجاح العملية، بل إن قيامهم بعدم قبول مشاركة الأحزاب الأخرى في اجتماعات رئاسة البرلمان تسبب بتعطيل العملية، ومن هنا تبين إن مفهوم التوافق لدى المعارضة هو محاولتهم فرض وتطبيق مطالبهم دون إبداء أي اهتمام بالأطراف الأخرى، وهنا أود الإشارة بكل صراحة إلى أن التوافق ليس حكرا على البارتي والاتحاد وأطراف المعارضة الثلاث فقط، بل يشملهم مع كافة الأطراف والمكونات الكوردستانية ايضا.
     إن مشروع الدستور قد صادق عليه 36 حزبا كوردستانيا وجرت حوارات حوله من قبل ممثلي جميع القوميات في كوردستان، وبناء عليه ينبغي أن لا يتم تهميشهم وإقصائهم، لان كوردستان لا تقتصر على تلك الأطراف الخمسة.
     وهنا أود الطلب من كافة الأطراف العمل من أجل التوافق على الدستور، ومن جانبي سأكون سندا لهم بكل ما أوتيت من قوة، من أجل تجنب أزمة سياسية وتعكير حياة المواطنين، ولنبذل جميعا كل ما بوسعنا من أجل اقتناص الفرص السانحة لشعبنا ووطننا في المنطقة. كما أبذل ما بوسعي لتمهيد الأرضية المناسبة للتوصل إلى التوافق.
      إن شعب كوردستان والأحزاب السياسية يشهدون على أنني وخلال فترة المصادقة على مشروع الدستور من قبل البرلمان عام 2009  بذلت جهودا حثيثة للتوصل إلى توافق الجميع وأصريت على أن يأخذ المشروع وجهات نظر كافة القوميات والمكونات الدينية بنظر الاعتبار. وحصل ذلك فعلا، ومن ثم تم التصويت عليه في البرلمان.
     وودت هذه المرة أيضا وبعيدا عن كل تشنجات وخلافات العملية السياسية، تمهيد الأرضية المناسبة للتوافق، ولكن ومن المؤسف إن المعارضة وشكل تعاملها خلال الأربع سنوات المنصرمة، قد ثبتت عليها ما كان يقوله الكثير من الناس والأطراف السياسية وهو أنهم لا يرضون بأي شئ، وان التوافق من وجهة نظرهم هو فرض آرائهم فحسب، وهذا يتناقض مع الأنظمة والأعراف السياسية والديمقراطية.
     على أطراف المعارضة أن تعرف بان هناك أحزاب أخرى من عدا البارتي والاتحاد قد ناضلت وفي أحلك الظروف من أجل وجود شعبنا وبقاء أسم كوردستان. 
     على أحزاب المعارضة الثلاث أن لا تسمح لنفسها أن تعمل من أجل أن لا تعير المؤسسات الكوردستانية العليا اهتماما بآراء ووجهات نظر الأطراف الأخرى، أو أن يسمحوا لأنفسهم الاستهانة بالأطراف الأخرى، لأنها تتناقض والتقاليد الديمقراطية.
     لذلك أطلب من الأخوة في المعارضة أن يتحلوا بسعة الصدر وروحية قبول الآخر ويستندون في أعمالهم ونشاطاتهم السياسية إلى المبادئ الديمقراطية، وأن يكون سلوكهم وتعاملهم على أساس قبول الآخرين.
     يا شعب كوردستان الصامد...
     لقد صادق برلمان كوردستان يوم 30/6/2013 على قانونين تمدد بموجبهما فترة البرلمان ورئاسة إقليم كوردستان، مما قد يؤدي إلى تأخير انتخاب رئيس إقليم كوردستان.
    وهنا أؤكد لكم بأنني لم أكن طوال حياتي طالبا للكرسي والمناصب، واليوم أيضا لا أريد استبدال تأريخي النضالي من أجل تحرير وحرية كوردستان بأي شيء، لأنني مؤمن بأن  الإنسان لا يعرف بالمناصب والعناوين الوظيفية والإدارية، بل بنضاله وعمله وتضحيته من أجل الشعب والوطن والإنسانية.
    لقد قمت بالتوقيع على قانون تمديد برلمان كوردستان تجنبا لحدوث أي فراغ قانوني ودستوري في الإقليم، وان فترة وولاية رئاسة إقليم كوردستان قد تم تمديدها بأصوات الكتلة الكوردستانية (البارتي والاتحاد) مع كتل الأحزاب والقوميات المتمثلة في البرلمان والمستقلين من عدا كتلة المعارضة.
     والآن أجد نفسي أمام التحالف بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، اللذان قررا معا ومع عدد من الأحزاب وممثلي القوميات في كوردستان داخل البرلمان تمديد فترة رئاسة إقليم كوردستان لمدة عامين دون مشاركتي أنا.
     كما أجد نفسي أمام مسؤولية أخلاقية ومجموعة من الواجبات والأعمال المشتركة والطويلة مع الأخ العزيز مام جلال لإدامة هذا التحالف، ولأجل أن أكون وفيا لهذه المسيرة التي بدأناها معا وتستمر نتائجها الايجابية، ومن أجل أن يرى كل شيء في منتهى الاستقرار حين يعود إلى كوردستان إنشاء الله، بالإضافة إلى أنني أتفهم جيدا مهمات التحالف بين الاتحاد والبارتي، الذي أنتج فعلا هذا الاستقرار والتقدم الكبيرين في كوردستان، وبسببه كانت كوردستان محلا لإعجاب العالم، بل جعلنا مشاركين فعليين في التغييرات الحاصلة في العراق والمنطقة.
     واليوم وفخامة مام جلال وبسبب حالته الصحية غائب عن كوردستان، أشعر بأنه علي أن أتحمل مسؤولياته كذلك في المحافظة على ذلك التحالف وتقويته وفاءً  للعمل والنضال المشترك والتعاون المثمر بيننا لسنوات من أجل شعبنا ووطننا.
     وكذلك من أجل مراعاة قلق المكونات القومية والدينية في كوردستان خوفا من تعميق الأزمة السياسية والحفاظ على الاستقرار في الإقليم، ونزولا عند رغبة شخصيات مناضلة في الإقليم والأجزاء الأخرى من كوردستان، وبعد التشاور مع غالبية القوى والأطراف السياسية الكوردستانية، لم أقم برفض قانون تمديد ولاية رئاسة إقليم كوردستان، ولكن دون أن يعني هذا أنني مع القانون شكلا ومضمونا، ولهذا لم أوقع على قانون تمديد الولاية.
     هنا وتقديرا لأصوات أكثرية الكتل في برلمان كوردستان وتجنبا لعدم إحراجهم، أعلن لشعب كوردستان العزيز، بأنني وبشكل مؤقت والى أن تباشر الدورة الرابعة لبرلمان كوردستان مهام عملها ويتوصلون وبسرعة إلى توافق، سأقوم بما يمليه علينا الواجب والأمانة من عمل، مطالبا منذ اللحظة رئاسة برلمان كوردستان للدورة المقبلة وعلى ضوء الرسالة التي بعثت بها في 12/6/2013  إلى رئاسة إقليم كوردستان في الدورة الحالية، أن تبدأ بعد انتخابات 21/9/2013 مباشرة وفي الاجتماعات الأولية لرئاسة البرلمان وبأسرع ما يمكن البحث عن آلية من أجل التوصل وخلال فترة أقل من سنة إلى التوافق على تعديل مشروع الدستور وآلية انتخاب رئيس الإقليم.
     وعند انتخاب رئيس جديد لإقليم كوردستان وتسليم الأمانة إلى الشخصية التي تحظى بثقة الشعب، سنكون انا والأخ كوسرت نائب رئيس الإقليم وديوان الرئاسة، كمؤسسة رئاسة إقليم كوردستان، على استعداد كامل للتعاون مع الرئاسة الجديدة لبرلمان كوردستان في هذا الشأن.
    علينا جميعا أن نقدم نموذجا راقيا للديمقراطية
     يجب أن لا يلازم أحد الكرسي 
     يجب أن لا يكون هناك رئيس أبدي

     وأنا مؤمن عندما يتخلى شخص ما عن موقع أو منصب، فعلى الشعب أن يسأل لماذا يتخلى عن المنصب، لكي لا يصل الأمر بالشعب إلى أن يسأل لماذا لا يرحل.
     يا شعب كوردستان العزيز، أطمئنكم بأنكم وحدكم فقط من يملك تقرير مصيركم ولا يوجد من يقدر على سلب هذا الحق منكم.
     تحيا كوردستان...
    المجد والخلود لشهداء كوردستان ...
    والتوفيق والرفعة لشعب كوردستان.

                                                               
                                                                            مسعود بارزاني
                                                                          رئيس إقليم كوردستان
                                                                               16 تموز 2013م


 

327
يوزرسيف ينتصر من جديد!

كفاح محمود كريم

     ما حصل في مصر يوم 30 حزيران وما تبعه من أحداث لم يكن وليدة فعل ورد فعل آنية، لمجرد الاختلاف مع الحاكم هنا وهناك، بل كانت نتيجة صراع طويل وعميق بين ثقافتين وإرادتين؛ الأولى مدنية تحترم الأديان على حد سواء وتفصلهم عن الدولة والسياسة بما يؤمن قدسيتهم وخصوصيتهم الفردية كعلاقة بين الفرد وما يعبد أو يعتقد وهي التي أنتجت مصر الحضارة والإنسان، والثانية دينية عقائدية تهدف إلى هيمنة حزب سياسي ديني على الدولة والسياسة والمجتمع بما يحولهما وجميع فعالياتهما إلى معبد ديني، ومن ثم تقهقر مشروع الدولة المدنية. 

     وإذا ما عدنا إلى التاريخ السحيق لهذه الأرض وهذا الإنسان الذي أرسى أولى حضارات الكون في أهراماته الاعجازية وتقاليده التي أصبحت قوانين وأعراف، نرى إن كهنة الفراعنة وهم رجال دين قبل أكثر من أربعة آلاف سنة حاولوا أن يجعلوا الدولة تحت سطوتهم وتوجيهاتهم، كونهم كما يدعون ممثلي السماء ووكلاء الرب على الأرض!؟ 

وطيلة فترة ليست بقصيرة هيمنوا بتلك العقلية على نشاط الدولة السياسي والاجتماعي فكادوا أن يحيلوه إلى مجتمع للعبيد، مجتمع إقصائي أحادي الاتجاه، استهلاكي يعتمد الخرافة والكهانة بدلا من التخطيط والعلم في قيادة الدولة، فما كان من شعب مصر رجالا ونساءً إلا أن رفض هذا النموذج في النظام السياسي والاجتماعي، فقادهم يوزر سيف ( النبي يوسف ) في انتفاضة عارمة للقضاء على حكم الكهنة وإنهاء استبدادهم وفصل الدولة والسياسة عن الدين الذي يمثل في قيمه الرفيعة خاصية العلاقة بين الرب والفرد، ووصاياه النبيلة في مجتمع طاهر وراقي دون أن تقحم تفاصيله في أدوات الحكم وتقاليده.
   
    لقد رفض المصريون قبل أكثر من أربعة آلاف سنة حكم الأحزاب الدينية السياسي وعملوا من أجل فصل الدين عن السياسة والدولة، وما يحصل اليوم هو امتداد لتلك الجذوة التي أشعلها يوزرسيف النبي الذي  لم يقحم دينه فيها، فكان بحق أول من فصل الدين والمعتقد الروحي عن السياسة والدولة، وأقام دولة اجتازت بتلك العقلية الجبارة محنة السنوات العجاف، التي ما تزال تعيش فيها معظم شعوب المنطقة التي تكلست في مفاصلها السياسية والاجتماعية ثقافة اولئك الكهنة الذين أرادوا لبلادهم شعبا من عبيد.

     اليوم تحاول ذات العقلية ركوب موجة صناديق الاقتراع للتسلق إلى السلطة وفرض هيمنتها في ربيع المنطقة، التي أقلت احباطات الأهالي وفقرها ومظلوميتها تلك الأحزاب الدينية التي خدرتها بشعارات وهلوسات لا تختلف عن تلك التي بشرت بها كل الأحزاب الإيديولوجية خلال النصف قرن الماضي وانتهت إلى الفشل الذريع الذي أطاح بها وبأنظمتها ودولها، وأحال بلدانها إلى خرائب كما في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان واليمن ولاحقا في إيران ومن ماثلها في العقلية والسلوك.

     حقا بدأ يوزرسيف ينتصر من جديد ضد كهنة السياسة وتجار العبيد ومجتمعات الإقصاء والإغلاق والإحباط!؟

kmkinfo@gmail.com

328
المنبر الحر / حيا الله شعب مصر
« في: 22:29 12/07/2013  »
حيا الله شعب مصر

كفاح محمود كريم
 

     بعيدا عن الأجواء الانفعالية التي رافقت الأحداث الدراماتيكية لنهاية حكم الأحزاب الدينية في ارض مصر، فان ما حدث يؤكد عدم صلاحية بيئة هذه المنطقة لأي حكم حزبي ديني سياسي، إسلاميا كان أم مسيحيا، سنيا كان أم شيعيا، فقد أصبح جزء من التراث السياسي والاجتماعي القديم ولا يمكن مزاوجته مع معطيات العصر الحديث والياته وأعرافه، خاصة في المجتمعات السياسية والمدنية في بلدان يعتبر الغالب منها ذي تكوين متعدد الأعراق والأديان والمذاهب والقوميات بما لا يعطي أي فرصة لنجاح دولة الإمام ونظام الشريعة الا بالاستبداد والدكتاتورية!؟

      إن احد أهم عوامل فشل الإدارة السياسية لأي نظام ديني هو اعتماده للتشريع العقائدي الذي لم يتفق عليه لحد يومنا هذا، المذهبين الرئيسيين في الإسلام وهما السنة والشيعة وفي نظرتهما حتى لكثير من الثوابت العامة والتعامل مع مظاهر الحياة المعاصرة، هذا إلى جانب الاختلافات الحادة بين معظم الفقهاء والمراجع في المذاهب السنية الأربعة، وفي التقاطع الحاد بين كثير من المرجعيات الشيعية أيضا.

      وخلال سنة واحدة من حكم الإخوان في مصر كشفت الفاشية والدكتاتورية عن أنيابها من خلال سلوك واضح لدى الحزب أو الرئيس في الهيمنة على كل مقاليد الحكم سياسيا واجتماعيا ومصادرة أي محاولة للآخر بتكثيف التواجد الاخواني في كل مفاصل الإدارة والمال والحكم، بما يتقاطع مع مبدأ المشاركة واصل الديمقراطية وهذا ما دفع الأهالي بثورة عارمة والخروج بملايين النساء والرجال، وبالتوافق مع إرادة الجيش والشرطة التي أخذت على عاتقها تنظيم وإدارة عملية الإنهاء والإزالة،  ومن ثم الانتقال إلى إشغال الفراغ برموز مدنية لأول مرة في تاريخ الانقلابات العربية دونما بيانات وبلاغات وأناشيد حماسية، وبتوافق قل نظيره في عمليات التغيير، جمع تحت جناحيه معظم القوى الفاعلة سياسيا ودينيا واجتماعيا، مع ترحيب وارتياح واضحين من القوى الرئيسية إقليميا وعالميا، وخاصة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت ما يحصل في مصر ليس انقلابا، مما أعطى إشارات  واضحة بارتياح الإدارة الأمريكية، خاصة وان الرأي العام الأمريكي والأوربي كان قد أصيب بالإحباط لنتائج الانتخابات التي أقلت جماعة الإخوان إلى دفة الحكم وما رافقها من عمليات تزوير كبيرة واستخدام خطير لوسيلة الدين وفتاويه مع الأغلبية البائسة والساذجة من الشعب، كما حصل في دورتين انتخابيتين هنا في العراق وعملية الاستخدام البشع للدين ورجاله للهيمنة على مفاصل الدولة وسلطاتها الثلاث.

      إن ما فعله شعب مصر العريق اثبت إن الشارع المصري الأكبر في المنطقة العربية والإسلامية يرفض أي مساس في بنيته المدنية والحضارية والاجتماعية لحساب حركة دينية سياسية تعتمد الايدولوجيا المفرطة في إدارة البلاد وتوجيهها بل وزراعة عناصرها في كل مفاصل الدولة والمجتمع، كما فعل البعثيون في تجربتهم الفاشية والفاشلة في صناعة الدولة القومية بمواصفات عنصرية طائفية كما عهدها العراقيون والسوريون على حد سواء.

    لقد أعطت ثورة شعب مصر العظيمة إشارة قوية لكل شعوب المنطقة في ضرورة الإسراع بتشريع قوانين تفصل الدين عن الدولة، بل وتحرم تأسيس أو تنظيم أي حركة أو جمعية أو حزب سياسي على خلفية إيديولوجية دينية أو مذهبية أو قومية عنصرية وخاصة في البلدان ذات المكونات العرقية والدينية والمذهبية المختلفة.
kmkinfo@gmail.com
 

329
كوردستان بين القيادة والرئاسة!

كفاح محمود كريم

     أعلن قبل عدة أيام قانون تم التصويت عليه في برلمان كوردستان بتمديد فترة ولاية الرئيس بارزاني إلى سنتين اخريتين بأغلبية الأصوات ومعارضة مشوشة من قبل مجموعات سياسية تقودها حركة منشقة من الاتحاد الوطني الكوردستاني أطلقت على نفسها اسم التغيير وقام احد أعضائها البارزين بهجوم على رئاسة البرلمان أثناء انعقاد الجلسة مستخدما العنف في تكسير شاشات التلفزة وقطع أسلاك ميكرفونات الصوت في القاعة في عملية استهجنها الرأي العام بشكل كبير.

     والحقيقة إن عملية التصويت مع جل الاحترام لمن وقف ورائها ومع التقدير العالي للنيات الحسنة لكنها لم تك موفقة في التعبير عن الرأي العام الغالب للأهالي، الذين يختلفون تماما مع ما ذهب إليه البرلمان، فنبض الشارع يذهب إلى الاستفتاء العام من قبل الجمهور سواء على الرئيس أو الدستور، خاصة وان المرحلة التي تمر بها البلاد تحتم على الجميع الرضوخ للإجماع العام للمواطنين في إقليم لم يبت فيه لحد الآن بدستور دائم يحدد الرئاسات ودوراتها وقوانين البلاد وتشريعاتها، فيحاول البعض رغم كل الاستحقاقات القانونية إعادته إلى البرلمان في سابقة لا مثيل لها في التجارب الديمقراطية، بعد أن تم تصديقه من قبل السلطة التشريعية والرئاسة ولم يبقى إلا دفعه إلى الأهالي ليقولوا كلمتهم فيه.

     وحتى يقول الشعب كلمته مباشرة عبر استفتاء عام، فالأهالي يريدون قائدا منتخبا من قبلهم إضافة إلى كونه رئيسا، لا لتمديد ربما يشوه نهجنا وديمقراطيتنا وأسلوب بنائنا للدولة، ولأجل ذلك لابد من الاستفتاء العام المباشر على الدستور وعلى الرئيس، في مرحلة تتطلب مؤسسات قوية ورجال حكم مجربين ومعروفين بتاريخهم النضالي العتيد، لا أن تتحكم بالبعض تحت مسميات المعارضة تارة وتارة أخرى اللعب على الحبال بأهواء الأنانية والمصالح الشخصية بعيدا عن مصالح البلاد والأهالي عموما.

     وكما يقال في علم الإدارة فانه يمكن للقائد أن يكون رئيسا ولكنه لا يمكن لكل رئيس أن يكون قائدا، ليس، ولأجل ذلك ليس من المستغرب أن ترى مساحات واسعة جدا من الأهالي في معظم أجزاء كوردستان بأن البارزاني قائدا قبل أن يكون رئيسا، ولذلك فقد آن الأوان لترشيح السيد مسعود بارزاني رئيسا لكوردستان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ كوردستان والعراق عموما، ليقول الشعب كلمته في قبوله أو رفضه فهو معيار المصداقية الوحيد. 

kmkinfo@gmail.com

330
المنبر الحر / معارضة أم معاداة؟
« في: 14:42 05/07/2013  »
معارضة أم معاداة؟

كفاح محمود كريم

    ربما مجلس العموم البريطاني والجمعية الوطنية الفرنسية والبرلمان الايطالي والعديد من مجالس تمثيل الأهالي في الديمقراطيات الغربية العريقة أعطتنا مفهوم يختلف تماما عما عرفناه من تعريفات للمعارضة وماهيتها وعلاقتها بالحاكمين أو بالرؤساء سواء كان نظامهم ملكيا أو جمهوريا، رئاسيا أم برلمانيا، تلك التي تشكلت لدينا هنا في بلدان الشرق الأوسط عموما على اثر قيام دول العشائر بعد اتفاقية الخبيثين سايكس وبيكو والتي وزعت قطع الأراضي على العشائر والقبائل دونما أي اهتمام برأي الشعوب ومكوناتها من الأعراق والأقوام والأديان فكانت بحق دول وأنظمة رثة متهرئة عبر تاريخها لم تنتج إلا التخلف والتطرف والتطاحن.

     وفي مرحلة من مراحل التطور الانقلابي انبثقت مجموعة من دول الجمهوريات التي جملت أشكالها بأطروحات وشعارات يسارية لتواكب مودة تلك الفترة وخاصة حقبة الخمسينات والستينات، ومنها ولدت الجمهوريات المسخ ذات السلوك الوراثي في الحكم والجمهوري في الشكل، فقد طرحت أشكالا وأنواعا من نظريات الحكم تشبه إلى حد ما ( طبيخ المكادي أي المتسولين ) وخاصة ما تفتقت عنه أفكار وأحلام الزعيمين القذافي وصدام حسين وكبيريهما في التنظير عبدالناصر وميشيل عفلق واستحداثهما لأجيال من الديمقراطيات العربية واللجان الشعبية وما إلى ذلك من فذلكات واختراعات تخديرية لا وجود لها إلا في مخيلاتهما في تبرير وتكريس دكتاتورية الفرد والحزب أساسها إبادة أي فكر أو رأي معارض، مما أنتجت بنفس القوة والحدة ( معارضة ) عدائية أساسها أيضا إسقاط النظام واستبداله ببديل يفترض أن يكون ( ديمقراطيا )؟

     ونعود اليوم إلى تجربتنا في العراق عموما وفي كوردستان خاصة حيث كان اختيار تداول السلطة ديمقراطيا هو الخيار الأول للقوى الفاعلة في الساحة السياسية والثورية في الأيام الأولى لانتصار الانتفاضة في آذار 1991م، وفي العراق بعد إسقاط النظام الدكتاتوري من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة واختيار الانتخابات وصناديق الاقتراع كوسيلة لتداول السلطة في البلاد تحت هيمنة مؤسسات دستورية في مقدمتها مجلس النواب والحكومة الاتحادية والسلطة القضائية، بافتراض اختلاف الآراء ووجهات النظر وعدم التفرد في السلطة واعتماد المشاركة الحقيقية والتوافق الوطني بما يحمي التجربة الحديثة ويدفعها إلى الأمام.

     رغم هذا التحول المهم في البنية السياسية والياتها وإجراء دورتين انتخابيتين للبرلمان والحكومة، إلا أن بقايا تلك العقلية العدائية ما تزال تتركز في سلوك كثير ممن يدعي انه يمثل معارضة للحكومة أو البرلمان أو رئيسيهما كما يحصل الآن في التعاطي من قبل أقلية سياسية قياسا بما أنتجته آخر دورة انتخابية، حيث تحاول فرض إراداتها على الأغلبية وهي ما تزال مسجونة في ثقافة معاداة النظام وإسقاطه، وربما أيضا تطلعها إلى السلطة باستخدام ذات الأساليب الانقلابية القديمة متناسية تراكمات من التغيير عبر أكثر من عقدين من التجربة.

     في كوردستان والعراق لا يمكن إسقاط نظام المؤسسات على طريقة ميدان التحرير في مصر أو غيرها من البلدان التي تتعرض للفوضى الخلاقة كما يسمونها، لأنها باختصار لم تكن وليدة انقلابات بل كانت نتيجة لاختيارات شعبية دستورية أتت بها شرعيتها الثورية التي امتدت لعشرات السنين في مقارعة النظم الدكتاتورية ومن ثم الشرعية الدستورية من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات رضينا بها أم لم نرض َ كانت محط إعجاب المراقبين الدوليين والرأي العام عموما، وهي تمثل أرقى ما وصلنا إليه في هذه الحقبة من تاريخنا برغم وجود خلل هنا وهناك وتقصير لمسؤول أو مؤسسة، إلا انه ما تم تحقيقه خلال سنوات عديدة لم تحققه الدولة العراقية منذ تأسيسها وحتى سقوط نظامها السياسي في 2003م.

    إن المعارضة الحقيقة هي تلك التي تولد من رحم معاناة الشعوب وحاجاتها في الرأي الآخر الذي يبني ولا يهدم ويؤشر على نواقص أية حكومة أو برلمان أو قضاء، بأساليب مدنية متحضرة تحترم وتقف تحت مظلة مصالح البلاد العليا وما حققته الحكومة والبرلمان من انجازات خلال دورة حكمها بإخلاص ومثابرة، لا أن تشوه كل الحقائق من اجل أغراض وأهداف لا علاقة لها بالبلاد ولا بالأهالي بل بنوازع شخصية ومواقف أنانية أساسها الهم الشخصي والتراكم النفسي الموروث من المعاداة وليس من المعارضة الوطنية الحقيقية.
kmkinfo@gmail.com

 
 
 


331
المنبر الحر / من قتل حسن شحاته؟
« في: 19:36 29/06/2013  »
من قتل حسن شحاته؟

كفاح محمود كريم

    لطالما كانوا يتحدثون عما يجري في العراق ليس اليوم وإنما منذ مذبحة الحسين وحتى الأنفال والمقابر الجماعية، فيقولون إن ثقافتكم ثقافة دموية تتصف بالعنف والتقاتل، وكثيرا ما كنا نناقش الأخوة المصريين والسوريين واللبنانيين وغيرهم، بان ما يجري ليس حصريا بأهل العراق أو هي ثقافة خاصة بهم، وإنما مخزونات بدائية تكمن في تكوينات هذه المجتمعات بشكل عام ليس في العراق فقط بل في معظم المجتمعات المتخلفة حضاريا ومدنيا.

     ولسنوات طويلة اقتنع الكثير بان المجتمعات المصرية أو السورية أو غيرها مجتمعات مسالمة لا تقبل العنف بأشكاله البربرية التي رأيناها منذ سنوات سواء في ليبيا أو سوريا أو مصر اليوم، وان العراقيين فقط أطباعهم حادة واختلافهم شرس وتقاتلهم دموي ومأساوي، ونسينا تراث من الغزو يمتد لمئات السنين يبيح القتل والاغتصاب واستعباد الأطفال وبيعهم مع النساء في سوق النخاسة، وهذه الطباع ليست وليدة سنوات عديدة بل هي نتاج مئات السنين من التربية والتعليم وأدلجة المجتمع بعقلية العدو المفترض وإبادة الآخر ووجوب سيادة رأي واحد وشرع أوحد وعقيدة لا تقبل النقاش، وان قبلت فالآخر دونها وعبد أو ملحق لأتباعها؟

     وهنا علينا أن ندرك بأن الموضوع ليس موضوع السنة والشيعة أو المسلمين والمسيحيين أو اليهود والمسلمين، بل إن الكارثة أعمق بكثير من هذه التوصيفات وتكمن أساسا باولائك الذين يؤدلجون الرعاع والغوغاء من الطبقات السفلى في المجتمعات وهي الأغلبية للأسف الشديد في معظم مجتمعاتنا، وهم بالتأكيد الأكثر عوزا وفقرا وتخلفا وأحيانا كثيرة انحطاطا، وتبرز في كثير منهم أيام الانفلات وغياب القانون مظاهر الحقد الطبقي والحسد الاجتماعي فيخرج مارد تلك العقد السيكولوجية ليخرب كل شيء ويقتل كل حياة، ولقد رأيناهم هنا في العراق أبان سقوط النظام ورأيناهم في مصر وليبيا وكثير من البلدان التي انهارت أنظمتها أو توقف القانون ورجاله عن السيادة.

     ما حصل في غزوة مصر ضد رجل الشيعة حسن شحاته وقبلها ضد كنائس الأقباط وفتياتهم، وما يحصل في كثير من هذه البلدان يظهر حقيقة تلك النوازع الرهيبة التي تكمن في تفاصيل الشخصية التي ما أن انزاحت عنها كوابح القانون وسادت نواميس الأديان والمذاهب وثقافة البداوة والغزو والقبيلة، حتى ظهرت صيحات الله اكبر على عمليات الضرب حتى الموت أو السحل حتى تلاشي الجثة كما حصل قبل أكثر من نصف قرن هنا في العراق في مذابح 1959 و 1963واليوم في مصر الحضارة والفن والإبداع وبينهما في لبنان التسامح والتعايش في صبرا وشاتيلا، وفي حلبجة والأنفال وحماه وكل المدن السورية والليبية واليمنية والقادم اكبر وأكثر مأساة.

    من قتل حسن شحاتة وكل الذين ذكرتهم والذين تعرفونهم سنة كانوا أم شيعة، مسلمين كانوا أم مسيحيين ويهود، عربا كانوا أم كوردا أو تركمان وامازيغ وغيرهم من الأعراق والأقوام، هي تلك البنية الفكرية والقيمية والتربوية التي ما تزال تنتج الاستبداد والإلغاء حد الإبادة للمختلفين إيديولوجيا عن تلك البنية في المفاهيم العقائدية والقومية تخليد  للماضي العتيد وتاريخه، وستبقى هذه البنية وهذا السلوك وسيقتل ويسحل الآلاف  مثل حسن شحاته ومن ماثله في المذاهب الأخرى طالما بقيت دوائر الوعي مسجونة في أروقة التطرف الديني والمذهبي والعنصرية القومية والثقافة البدوية، وطالما بقيت تلك البنية الدينية والقومية والقبلية مدموجة مع مفهوم الحياة المدنية وبناء الدولة، وحتى نبدأ عصرا جديدا وثورة عارمة في الوعي الشعبي وتغييرات هائلة في بنية المجتمعات سيبقى الحال على ما هو عليه، وتسجل القضية في جريمة قتل حسن شحاته مع معرفة القاتل ضد مجهول!؟

kmkinfo@gmail.com

332
أسئلة مهمة عن تمثيل الأهالي؟

كفاح محمود كريم

     سنترك بداية تلك التمثيليات الديمقراطية التي كانت الأنظمة السابقة تمثلها على مسرح الدكتاتوريات الشرقية عموما، سواء هنا في العراق ومسرحنا الكبير منذ أكثر من خمسين عاما، على إيقاع ما كان يسمى بالمجلس الوطني تارة وانتخاب الرئيس الأوحد تارة أخرى، أو في كثير من دول الشرق الأوسط، ونراقب ما يحصل الآن ومنذ سنوات في البلدان التي ضربتها عواصف تسونامي التغيير الأهوج، بالاحتلال مباشرة كما حصل في كل من افغانستان والعراق أو بواسطة التحسس النائي كما في ليبيا وسوريا أو عن طريق وسائل الإعلام ذات الفولتية العالية جدا كما في تونس ومصر واليمن، ونرحل إلى ما كان يحلم به ويعمل من أجله ملايين من خيرة أبناء وبنات هذه المنطقة من كل الشرائح والطبقات، ألا وهو إقامة نظام سياسي متوازن يعتمد التداول السلمي للسلطة على أساس دستور عصري وحضاري يليق بإنسان الألفية الثالثة، يمنع التفرد بالسلطة والقرار، ويشيع حضارة حقوق الإنسان وقبول الآخر، ويتيح حرية الاختيار دونما أي شكل من أشكال الاحتواء أو الاستغلال الديني أو المذهبي أو العرقي.

     والسؤال الأكثر إيلاما بعد ما حصل خلال هذا العقد ( 2003 – 2013 ) هو:
 
     هل إن مجرد تغيير الهياكل الإدارية للأنظمة السياسية ستتيح فرصة للانتقال إلى نظام اجتماعي وسياسي كما كنا نطمح إليه؟

     ما يحدث الآن بعد سقوط تلك الأنظمة ورغم استخدام آليات التداول السلمي للسلطة إلا إن العملية برمتها تتعرض لكوابح لا تختلف عن تلك التي كانت تستخدم من قبل الأنظمة الشمولية في السيطرة والقيادة للرأي والتمثيل الشعبي أيام مجالس الشعب وبرلمانات تلك الأنظمة الاستبدادية، وهذه الكوابح ربما أكثر خطورة وإلغاء للرأي الشخصي الحر وحرية التعبير وتشويههما، حيث تتكثف حول الأعمدة العقائدية الدينية أو المذهبية ( الفتاوى ) وفي أوجه أخرى عرقية عنصرية تهبط أكثر إلى الانتماء العشائري، ومن ثم إلغاء أي نوع من أنواع السلوك المدني الجمعي الذي يبلور مفهوما للمواطنة التي يفترض أن تكون معيارا للتمثيل الشعبي في مجتمعات متعددة التكوينات العرقية والدينية والمذهبية، هذا إضافة إلى نسبة الأمية المتصاعدة بشكل مخيف والإحباط الكبير الذي أنتجته عملية سقوط تلك الأنظمة من تدمير للبلدان وخاصة للأمن والسلم الاجتماعيين في مجتمعات بدوية وقروية ما تزال مشوشة الانتماء إلى موروثاتها وما تكلس في سلوكياتها عبر حقب زمنية ليست قصيرة وبين معطيات جديدة وفرتها عملية اختراق حاجز الخوف من أمير المؤمنين أو جلالة الملك المفدى أو القائد الضرورة!؟   

     وإزاء ذلك كله يبقى السؤال الأكثر إلحاحا هل إننا أصبحنا بمستوى ممارسة الديمقراطية؟ وهل هي فعلا علاج أمراضنا المزمنة والمتكلسة أم علينا أن نبحث عن علاجات أخرى نداوي بها جراحاتنا قبل ولوج عالم صناديق الاقتراع ومن يمثل الأهالي وأي أهالي نمثلهم!؟

     وحتى ذلك الحين سيبقى رجال الدين والمذاهب وشيوخ العشائر وأغواتها يحركون بوصلة تمثيل الأهالي في العشير والمذهب والدين وهم الغالبون!؟ 

kmkinfo@gmail.com



333
المنبر الحر / احذروا هذه المرة؟
« في: 18:04 20/06/2013  »
احذروا هذه المرة؟

كفاح محمود كريم

     بعد عقود مقيتة من النظم الشمولية التي حكمت كثير من بلدان العالم وتحديدا في الشرق الأوسط، بأساليب يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية، وأوقعت شعوبها في أتون حروب أهلية وخارجية، لا غرض لها أو هدف إلا تدعيم عروشها بمزيد من جماجم وعظام الضحايا، ولعل بلادنا ومن جاورنا خير مثال على تلك الحروب البشعة التي ما تزال قائمة كما نراها اليوم في الكثير من الدول وخاصة جيرانتنا سوريا الجريحة التي  تتنافس فيها أجنحة شتى على ذبح هذا الشعب، كما فعل قرينهم في بغداد وما يزال في عواصم الجمهوريات الوراثية والملكيات البلهاء.

      قلت بعد كل هذه الكوارث المصطنعة بدأت تلك الأنظمة تتهاوى وتتساقط مع أول عواصف تسونامي التغيير التي بدأت من هنا في العراق،  اذبان غزو الكويت وتقهقر النظام وانزوائه في ملاذات آمنة وفرتها له المصالح العالمية لعدة سنوات، ما لبثت أن عادت ذات تلك المصالح لتقرر هذه المرة إنهائه تماما، ولتبدأ بعده عمليات اختراق حاجز الخوف بعد أن تبين إن تلك الأنظمة حقا نمور من ورق تحولت إلى فئران في أول مواجهة حقيقية مع الشعوب.

     ولكي لا نغوص كثيرا في مجريات ما حدث، فإننا توجهنا جميعا إلى تجربة بديلة لتلك التي أفقدتنا ألوان الحياة ونكهتها الحقيقية، فاخترنا الديمقراطية بديلا لإحقاق الحق وإيصال محبوب الأهالي إلى السلطة، لكننا نسينا في معمعة سقوط أصنام السلطات المستبدة وانعتاقنا من قيودها، إن مجتمعاتنا ما تزال لا تنتمي إلى وطن أو شعب بل إلى عشيرة والى قرية والى مذهب والى شيخ أو أغا، ولقد كانت فعلا هذه الانتماءات هي  الأدوات التي تم استخدامها لوصول الوجبات الأولى من المرشحين إلى المجالس التمثيلية في المحافظات والمركز، وللأسف كانت النتائج مطابقة للمثل الشعبي الدارج ( عاب شي لا يشبه أهله )، وهكذا كانت جوقات أعضاء مجالس الاقضية والمحافظات ومجلس النواب في الدورتين السابقتين، خير من يمثل قباحة وجمال مجتمعاتنا وخاصة في الأمية الحضارية والعقلية العشائرية والانتماء المناطقي ومواصفات الحيلة والغش والكذب والنفاق والفساد والإفساد، بدءً من عمولات التعيينات  وقوموسيونات المشاريع، وصعودا إلى عشرات المليارات في مشاريع وهمية أو فاسدة في الكهرباء والنفط والتجارة والتعليم والصحة والمالية  والتسليح وصفقات تجهيز الجيش والشرطة بالغذاء، حتى ليظن المرء إن معظم المجالس التمثيلية والحكومية أصبحت نقابات واتحادات للحرامية والمرتزقة والنشالين.

     واليوم يخوض العراق ثانية أو ثالثة عملية إيصال محبوبي الأهالي وممثليهم إلى مجالس المحافظات وبعد أشهر ليست طويلة إلى مجلس النواب الاتحادي وقبله إلى برلمان إقليم كوردستان، وما حصل خارج إقليم كوردستان ومحافظتي نينوى والانبار، ربما اختلف قليلا عما أنتجه المشهد قبل عدة أعوام رغم إن تأثيره ما يزال نسبيا، إذ هيمنت عليه ثانية شبكات المال وما وراء الكواليس من القوى المتنفذة عشائريا ومذهبيا والمتكورة على شكل أحزاب أو كتل أو حركات.

     وما تزال هناك فرصة ذهبية أمام الأهالي في اكبر محافظات العراق سكانا ومساحة وهما محافظتي نينوى والانبار لتوخي الدقة في اختيار من يمثل القيم العليا قبل تلك القيم التي جربوها منذ 2005م وأعطت هذا الطوفان من الفساد والتقهقر والظلم والانزواء الذي قزم المحافظتين العملاقتين حتى كانت أكثر توصيفاتها المتداولة بأنها مخزية حكومة ومجلسا!؟

     فهل يا ترى سيكون الناخب هذه المرة أكثر وعيا أم خزيا مما كان  عليه قبل سنوات، لكي لا يكون ممثل الشعب لصا وسمسارا ونكرة وقومسيونجيا؟

kmkinfo@gmail.com 

334
المال لا يصنع الشرف؟

كفاح محمود كريم
 
     كلمة قالها الزعيم الكوردستاني مصطفى البارزاني قائد ثورة كوردستان المعاصرة في خضم تجلياته السامية وهو يصف الحياة وقيمها العليا بعيدا عن المال والمقتنيات غير القيمية، مخاطبا رجال أركانه وقيادات حركته إبان الثورة بأن من يريد أن يصنع شرفا كبيرا له لا يفكر بأن المال وكثرته سينسج له تلك القيمة العليا أو سمعة راقية لدى الأهالي، بل إن العمل الدءوب في خدمتهم وخدمة الأهداف السامية للحركة في التحرر والانعتاق.

     المال لا يصنع الشرف كلمات اختصرت في معانيها الكثير الكثير مما شاهدناه وشهدناه في حياتنا، فلقد أدركنا أناس كثيرون حصلوا على أموال طائلة لكنهم لم يضيفوا إلى رصيدهم الاجتماعي إلا تقهقرا يجعلهم بأموالهم المتراكمة موضع ازدراء وانتقاص، ولعلنا نتذكر أو نعرف أشخاصا في بيئة كل واحد منا وكم أضافت له أمواله سمعة أو شرفا، بينما هناك أناس آخرون لا يملكون من المال إلا الشحيح صنعوا بتاريخهم وعلمهم ونضالهم وطهارة أرواحهم ونفوسهم وأياديهم شرفا ما بعده شرف، لا تطاله الملايين والمليارات من الأموال، وكم من شخص أو مجموعة ملكوا من الأموال ما يؤهلهم لصناعة وبناء كبريات المصانع والمباني لكنهم عجزوا عن الاستحواذ أو الحصول على قدر بسيط من الاحترام الاجتماعي أو الوزن الأخلاقي.

    صحيح في غفلة من الزمن وحالات من الفقر والعوز والحاجة وفي أجواء الفساد المالي والإداري يستغل بعض أولئك المصابين بشرف المال المتهرئ كي يلعبوا دورا معينا أو يظهروا أنفسهم كقوى مؤثرة في سياقات المجتمع، إلا إن الحقيقة غير ذلك تماما وسرعان ما يختفون من الساحة حينما تظهر تلك القوى التي تحدث عنا مصطفى البارزاني وهي القوى الوحيدة القادرة على صناعة الشرف الرفيع بنزاهتها وحرصها وإخلاصها للمصالح العليا للأهالي والبلاد.

     بهذه الأخلاقيات نجح البارزاني مصطفى في إرساء قواعد وتقاليد للعمل الوطني والإنساني بعيدا عن ملوثات الطبيعة البشرية النقية، ومنذ السنوات الأولى للثورة الكوردية التي انطلقت في ايلول 1961م كان يعمل من أجل وضع أسس أخلاقية في التعامل بين الثورة والأهالي وبين الثوار فيما بينهم أو مع سكان القرى والبلدات التي يحررها الثوار، وحتى مع مجاميع الأسرى من الجنود والضباط الذين كانوا يستسلمون أو يقعون في الأسر، فقد كان يوصي بهم دائما ويؤكد بأنهم مغلوبين على أمرهم وليسوا أعداء ويطلب من بيشمركته الاعتناء بهم واحترامهم حتى يعودوا إلى ذويهم.

     بهذه الأخلاقيات وهذا النهج نجحت القوى الفاعلة في كوردستان رغم كل التحديات وملفات الفساد هنا وهناك في صنع الشرف القيمي الرفيع خارج مفاهيمه المتعارفة شرقيا، فكانت كوردستان المحروقة بالكامل نهاية ثمانينات القرن الماضي تنهض خلال عقدين من الزمان مختصرة حقب من التردي والإلغاء لكي تكون بهذا الشكل الذي يفتخر به كل العراقيين، بحيث أصبحت جزيرة للأمن والسلام والازدهار والنهوض في بحر متلاطم من الإرهاب والتخلف.

     حقا إن مليارات من الأموال لا تصنع شرفا أيها الحكيم البارزاني الخالد!
kmkinfo@gmail.com
 
 

335
الرأي العام وجمهور أراب آيدل؟

كفاح محمود كريم

     من الصعب إجراء أي مقارنة بين الرأي العام الأوربي أو الأمريكي أو الياباني والرأي العام في عالمنا الشرق أوسطي ومن شابهه في التكوين والظروف لوجود مساحات شاسعة من صحاري الوعي أو السلاسل الجبلية من الممنوعات المتوارثة لكثير من محاولات التعبير الحر عن الرأي في أي موضوع من مواضيع الحياة، فطبيعة تكوين أغلبية هذه المجتمعات تكثف مكوناتها البشرية والفكرية والانتمائية حول عمود الخيمة بصرف النظر عن درجة ونوعية العمود سواء كان شيخا أو أغا أو حتى مختار محلة أو قرية ومن ثم المعلم والمدرس وإمام الجامع الذي يمنح نفسه صلاحيات تقترب أحيانا من صلاحيات خالقه أو رسوله، مرورا بالشرطي المتعملق وقبله فراش المدير العام الذي يتقمص شخصية مديره وولي نعمته الخاصة، وهكذا دواليك صعودا بمراتب الوظائف العامة اجتماعيا وإداريا، وحينما نقترب من السياسيا تكون السلطنة على أعلى مراحلها والنرجسية في غاية نضوجها لدى الرئيس العظيم والملك المفدى.

     في أجواء مثل هذه كيف لنا الاعتماد على الرأي العام المدجن تماما، ليس اليوم بل عبر مئات السنين من حكم من يحلل ويحرم حسب أهوائه وتفسيراته سواء للنصوص المقدسة أو الدساتير الوضعية حتى يضع نفسه وكيلا عن الخالق أو النبي أو الشعب، ورب قائل يقول ما حدث في الربيع العربي كسر تلك القواعد واخرج المارد من قمقمه لكي يعبر عن رأيه بحرية تامة أتاحت للجزء التخريبي في تكوينه بالانتعاش ليقتل ويسرق وينهب ويحرق في ثورة عارمة اختلطت فيها الألوان والإشكال والأفكار والأجناس ومشاهد ربيع ليبيا الدموي ومذابح سوريا والعراق وما تخبؤه الأيام لمصر الناعمة وتونس الخضراء تؤكد أن المشهد في اخطر مراحل تكوينه، خاصة إذا ما أدركنا إن ذات القوى المحركة لذلك الربيع بدأت تتكثف ثانية حول عمود واحد لا يسمح لغيره بأي شكل من الإشكال من رفع الخيمة التي يتمتع تحت افيائها الشعب العظيم!؟

     نتذكر جميعا عشية سقوط نظام بغداد ورئيسه القائد الضرورة وآلاف الأهالي يرفعونه على أكتافهم ليحيي الجماهير التي أعلنت أنها ستفديه بأرواحها وما تمتلك، وربما لم تمض أشهر على تلك الجموع الهائلة من البشر وهي تستقبله وتستقبل أمثاله أيضا بالمقارنة في صنعاء والقاهرة ودمشق وطرابلس الغرب وتونس وما ماثلهم وهم كثير في كل الأصقاع، حتى هبت وبحماسة اشد وأكثر عصابية لتستقبل آخرين قدموا على أكتاف الغلابة أو خلف دبابات وطائرات من تحملوا مسؤولية إسقاط تلك الأنظمة لعجز شعوبها على التغيير!؟

     هذه الآلاف المؤلفة من الأهالي تضم كل شرائح المجتمع دونما استثناء مع وجود كثافة هنا وضمور هناك، لكنها تمثل بالتأكيد ما نراه اليوم في مدارج مسرح أراب آيدل، الذي يشجع كل من يصعد على المسرح ويصفق له كما لو كان حسني مبارك أو محمد مرسي أو صدام حسين أو نوري المالكي، أو حتى الزعيم المخضرم كاسترو أو وحيد فنزويلا الذي لولا السرطان لحكم تلك البلاد ربما لقرن آخر من الزمان!

     جمهور أراب آيدل يجيد التصفيق بحرارة، وتثير العواطف والانفعالات صراخاته وعويله، وهو صورة طبق الأصل لجماهيرنا المناضلة من المحيط إلى الخليج مرددا ما لذ وطاب من الشعارات وفي مقدمتها بالروح بالدم نفديك يا ( وضع من تشاء بين القوسين إن كنت جالسا بدل الفنانة الخطيبة القائدة أحلام )؟
kmkinfo@gmail.com

   

336
البارزاني يقرر استفتاء الشعب على الدستور 

كفاح محمود كريم


    منذ سنوات سبع والحكماء الكورد يكتبون دستور كوردستانهم بعد أن قرأوا أكثر من أربعين دستورا لدول الديمقراطيات العريقة في العالم، وخصصوا لذلك كبار فقهاء القانون وكتابة الدستور من الكوردستانيين والأجانب في لجنة لصياغته حيث نجحت في إعداد مسودة مشروعها ورفعه إلى البرلمان الذي أيده بأغلبية 96 عضوا من مجموع 110أعضاء ممن يمثلون هذا الكيان الجميل واعتراض عضو واحد وغياب وتحفظ ما تبقى من الأعضاء وعددهم 13 عضوا، لكي يحيلوا مشروع دستورهم إلى الرئاسة التي حاولت كثيراً طرح مشروع الدستور على الاستفتاء في انتخابات يوم 25/7/2009 إلا أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تتمكن من إجراء ذلك، كما أن أوضاع العراق كانت معقدة جداً وكان الشعب ومؤسساته في الرئاسة والحكومة والبرلمان جميعاً ينتظرون حسم مصير المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم لإتاحة الفرص لها أيضاً للمشاركة في الاستفتاء.

     وهكذا تأخر الاستفتاء على المشروع الذي أبقى الإقليم بدون قانون أساسي يعتمد عليه مما يوقع المؤسسات وسلطاتها الثلاث في إشكاليات كثيرة لعل في مقدمتها موضوع شكل النظام في الإقليم ودورات الحكم للبرلمان والحكومة والرئاسة، ومن أجل ذلك قرر الرئيس بارزاني رئيس كوردستان الطلب من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن تجري استفتاءً على الدستور، دون إعادته ثانية إلى البرلمان وفي ذلك يقول الرئيس بارزاني:

    ( أن مشروع دستور إقليم كوردستان قد قطع جميع الصيغ والطرق القانونية حيث أرسل في ختام المطاف من برلمان كوردستان العراق إلى رئاسة الإقليم كما أن القانون لم يمنح رئيس الإقليم صلاحية رد المشروع أو قبوله بل هو مجرد أسلوب قانوني لتحديد يوم معين لطرحه على الرأي العام وللشعب وحده الحق في قبوله أو رفضه، والمطلوب ابتعاد الدستور عن المصالح الحزبية الضيقة وأدعو الشعب وجميع الأحزاب للتفكير في مستقبل الوطن والشعب وأخذ هذه المسألة على محمل الجد فهو المالك الشرعي الوحيد للدستور. )

     لقد تجاوز الرئيس بارزاني تلك المهاترات والمزايدات التي حاولت تعطيل مشروع الدستور منذ سنوات بحجة إعادته إلى البرلمان في سابقة لا مثيل لها قانونيا ولا دستوريا، محاولة إلغاء دور الشعب في إعطاء رأيه بقانونه الأساسي ومرجعه الدستوري، ولأجل ذلك فقد وجه رسالة إلى المفوضية العليا وطالبها بتحديد موعد الانتخابات والاستعداد لها، وقد حددت المفوضية يوم 21 أيلول القادم لإجراء الانتخابات والاستفتاء وحينها سيكون من حق شعب كوردستان وحده حسم كل المسائل.

kmkinfo@gmail.com

337
التعداد العام وصراع الحجوم

كفاح محمود كريم

     منذ أن أجرت الحكومة الملكية تعدادها الأخير في عام 1957م لم يجر تعدادا عاما للسكان يقنع كافة مكونات الشعب العراقي بنتائجه، فقد استخدمت كل الأنظمة التي حكمت هذه البلاد سطوتها وسلطاتها من اجل تشويه الحقائق عن حجم مكونات هذه الدولة العرقية والقومية والدينية والمذهبية، وتعرضت المجتمعات العراقية نتيجة تلك السياسة إلى أبشع أساليب الاستلاب وإلغاء الهوية وخاصة القومية كما حصل للكورد والتركمان والآشوريين والكلدان، في عمليات التعريب وما أطلق عليه بقانون تصحيح القومية المثير للسخرية، والذي اغصب مئات الآلاف من الأهالي على تغيير قوميتهم إلى العربية، بل وصلت الجريمة إلى التغيير الديموغرافي الحاد الذي تسبب بترحيل آلاف مؤلفة من السكان  الكورد وتشتيتهم في مناطق عربية أو بعيدة عن مواطنهم مقابل استقدام آخرين من القومية العربية إلى تلك المدن والبلدات التي شملتها عمليات التعريب مثل كركوك وسنجار والشيخان وخانقين ومخمور وسميل وسهل نينوى وبلدات أخرى في ديالى وصلاح الدين، إضافة إلى تمزيق خرائط المحافظات ورسمها من جديد على أسس عرقية أو مذهبية كما حصل في محافظات كركوك وصلاح الدين والنجف والرمادي وكربلاء وبابل.

     لقد أدت هذه العمليات إلى إشكاليات اجتماعية معقدة والى تشويهات يدفع العراقيون جميعا دون استثناء ثمنها، سواء الذين رحلوا أو الذين استقدموا للسكن بدلا عنهم، وما يجري اليوم انعكاس لتلك التداعيات التي سببتها عمليات التشويه والإلغاء لحقائق حجوم مكونات المجتمعات العراقية من كل النواحي الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، بما يعطي صورة واقعية عن شكل تكوين هذه البلاد والمشتركين في العيش على أديمها.

     ومع سقوط النظام السياسي الشمولي الذي حكم البلاد حقبة طويلة ذهب الناس إلى تأملات البديل الذي سيعمل على معالجة كل تلك الجروح المتقرحة في نسيج المجتمعات العراقية والمزاج العام للأهالي سواء هنا في كوردستان أو في بقية أقاليم ومحافظات البلاد، وقد وضع عدة خرائط طريق لحل بعض تلك الإشكاليات وكان في مقدمتها المادة 58 من قانون إدارة الدولة ومن بعده المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، وفي كلتا المادتين آلية لو تم تنفيذها بمهنية ومواطنة عالية لنجح العراقيون في حل أهم المعضلات التي ورثوها من الأنظمة السابقة.

     إلا أن ما حصل وما يزال يحصل رغم كل التأكيدات على الحل هي التسويف والمماطلة في كسب الوقت ومضاعفة ملفات الفساد المالي وإبقاء البلاد تحت طائلة الصراع بين الادعاءات في حجوم المكونات وحقيقة وجودها، لغرض فرض مزيد من الهيمنة لطرف على طرف آخر بحجة الادعاء بالأغلبية سواء على مستوى البلاد أو في المحافظات بعيدا عن إجراء تعداد عام للسكان يظهر فيه بجلاء حجم كل المكونات العراقية القومية والعرقية والدينية والمذهبية.

     إن إجراء تعداد عام للسكان في البلاد أمسى اليوم حاجة ملحة وأساسية من اجل الوصول إلى حلول واقعية لكثير من الإشكاليات وخاصة تلك التي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها بين الإقليم والمركز، وبين المحافظات فيما بينها، إضافة إلى كشف حقائق حجوم المكونات الدينية والمذهبية والعرقية التي يتكون منها الفسيفساء العراقي، ووضع نسب واقعية وحقيقية للموازنات المالية حسب الكثافة السكانية لكي لا نقع سنويا في معضلة مناقشات سياسية غير علمية بحصص الأقاليم والمحافظات من موازنة البلاد السنوية.

kmkinfo@gmail.com

338
المنبر الحر / عراق السبع صنايع!؟
« في: 20:34 29/04/2013  »
عراق السبع صنايع!؟

كفاح محمود كريم

     أثارت المقابلة الصحفية أو التحقيقية التي أجراها الناطق الرسمي باسم الحكومة الاتحادية في بغداد كثير من الأسئلة، وزخم عال من التهكم وربما الاستنكار ايضا، وفي مقدمة تلك الأسئلة عن ماهية الوظيفة التي كان يؤديها السيد الدباغ المحترم، والسؤال الأكثر إيلاما هو هل بيعت تلك المقابلة لقناة العربية من رجل مهم يفترض أن يكون من رجالات الدولة والناطقين باسمها، وفي هذه الحالة ما هي التكييفات القانونية أو الأخلاقية لتلك العملية، أسئلة كثيرة فيها البريء وفيها الكثير أيضا لا يخلو من خباثة أو ربما من حسد رغما إننا نتمنى فعلا أن تكون هناك عود في عين الحسود من حكومتنا الرشيدة متعددة المواهب والصنائع!؟

     والحقيقة منذ قيام نظامنا الديمقراطي الجديد في ظل صناديق الاقتراع التي ترقص على سطحها الدافئ ثقافة الانتماء العشائري والمذهبي والقروي، بانت ظواهر غريبة عجيبة في مقدتها متعددي المواهب والمهن والرواتب والمخصصات والنثريات وما خفي كان بالشدات أو الدفاتر كما يقولون، وهم يحملون عدة صفات وظيفية أو مناصب سواء بالوكالة أو بشكل مباشر، حيث تميزت حكومتنا الرشيدة جدا بكونها أكثر حكومات العالم التي تدير البلاد بالوكالات،  ابتداءً من دولة رئيس مجلس الوزراء الذي يدير وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطني والقيادة العامة للقوات المسلحة ويطمح أيضا من باب الميانة الإشراف على الهيئات المستقلة خارج حكومته لتوسيع مجاله الحيوي، ولكي لا نفرط في الوصف والتوصيف وننصف متعددي المواهب والقدرات الخلاقة جدا فان  عدم التوافق والتحاصص والامتناع عن ترشيح أشخاص بمواصفات وقياسات حسب معايير جهاز السيطرة والتقييس السياسي التابع للكتلة الحاكمة، ربما شجع على عملية تكاثر وانشطار المناصب التي تدار بالوكالة وظهور الكوادر متعددي الوظائف والمواهب كما رأينا في الحوار المتألق للسيد الدباغ مع وزير خارجية صدام حسين الذي قال نقلا عن رئيسه انه لو كان أبو زياد مسلما لجعلناه رئيسا للوزراء؟

     والعجيب ان السيد طارق عزيز رغم سطحيته المعهودة لم يرغب ان يكون متعدد المواهب، فيكون مسلما ومسيحيا في ذات الوقت لكي يكون رئيسا للوزراء وعضوا في مجلس قيادة الثورة الذي لا يعرف عنه أي شيء وعضو قيادة قطرية ومواهب كثيرة معروفه عنه، رغم انه قال كلام فيه أكثر من سؤال حينما أعلن انه قريب من الإسلام لكنه بقى مسيحيا!؟

     ربما كان الرجل ينافق حملة رئيسه الإيمانية، لكنه أيضا كان لا يريد أن يقلد أبو محمد ( ميشيل عفلق ) الذي اعتنق الإسلام على ذمة قيادة بعث العراق حينذاك؟ 

     على كل حال أظهرت مقابلة الناطق الرسمي للحكومة الاتحادية الصحفية ( إضافة إلى وظيفته كما يقول القضاء ) مع السيد وزير خارجية صدام حسين، مواهب متفردة لدى طاقم حكومتنا أكدت إن عراقنا حقا أبو السبع صنايع وأتمنى أن لا يكون البخت أو الحظ ضائعا!؟

kmkinfo@gmail.com
 
 
   

339
التقييس والسيطرة النوعية سياسيا؟

كفاح محمود كريم

     في كثير من بلدان العالم الحريصة على صحة شعوبها ونوعية المواد الداخلة إلى أسواقها أو معاملها أو مزارعها أو حتى جامعاتها، أجهزة مسؤولة عن السماح لدخول تلك المواد بعد فحصها بمختبرات واليات ومعايير تقيس نوعيتها وجودتها وصلاحيتها يطلق عليها أجهزة أو دوائر التقييس والسيطرة النوعية، تكون مسئولة أمام الدولة بأجهزتها وسلطاتها الثلاث عما يدخل إلى البلاد من كافة أنواع المستوردات، إضافة إلى مسؤوليتها عن تقييم وتقييس نوعية ما ينتج داخل البلاد وصلاحيته للتداول أو الاستهلاك أو الاستخدام.

     ويبدو والله اعلم إن هذه الأجهزة قد تم اجتثاثها بعد سقوط النظام في نيسان 2003م على اعتبار إن كل ما سيدخل إلى البلاد بعد رفع الحصار سيكون درجة أولى، وسيتمتع رجال الأعمال والصناعيين  العراقيين بحرية لا مثيل لها في الإنتاج بما لا يحتاج إلى أي أجهزة لتقييم إنتاجهم، فغرقت الأسواق بما لذ وطاب من كل ( بالات أو لنكات العالم ) من مواد غذائية وزراعية وملابس سيارات واشك إلى حد كبير بنوعيات سياسية أيضا وهنا مربط الفرس كما يقولون.

    أردت بهذه المقدمة أن أدخل إلى مراكز التقييم والسيطرة البشرية التي كانت وما تزال تتكثف في أنظمة الحزب الواحد وتقوم مقام التزكية والتأهيل البشري ومراقبة الكوادر العاملة في المؤسسات الإدارية والتشريعية والقضائية، وكلنا يتذكر بأنه ما من شرطي أو فراش يتم تعيينه ما لم يوافق عليه الحزب الحاكم، وهكذا صعودا في مفاصل الدولة حتى الوصول إلى المستويات العليا في المناصب.

     ما حصل في معظم البلدان التي تخلصت من أنظمتها الدكتاتورية واختارت الأسلوب الديمقراطي في تداول السلطة والوصول إليها، انها أصبحت تعج بالعديد من تلك المراكز التي تدفع مرشحيها إلى مراكز السلطة والإدارة والتشريع بعد تزكيتهم وتقييمهم من ذات الزاوية التي كانت تستخدمها النظم الشمولية وأحزابها دونما الالتفات إلى معايير تتعلق بالمواطنة التي ترتقي على الانتماءات الحزبية أو العرقية أو الدينية والمذهبية، مما تسبب في إنتاج مشهد سياسي وإداري وتشريعي مشوه ومعاق، وهذا ما شهدناه خلال ثمان سنوات من قيام النظام السياسي الجديد في العراق حيث خضعت عملية التقييس والسيطرة والتزكية والترشيح لغالبية الذين شغلوا مواقع إدارية أو تشريعية أو قضائية في السلطات الثلاث لذات النهج الذي استخدمه النظام السابق، ولم تنجح المؤسسات العراقية والفعاليات السياسية لحد يومنا هذا من الوصول الى ثوابت وأسس متفق عليها للتقييس والتقييم المواطني للفرد الذي سيشغل أي موقع من المواقع العامة تكون مشتركات أساسية إضافة إلى التزكيات الحزبية والعشائرية والمذهبية أو الدينية في بلاد متعددة الولاءات ومختلفة الأعراق والأديان والأقوام؟ 

kmkinfo@gmail.com

340
كوردستان تتألق في "أراب آيدل"


كفاح محمود كريم

    رغم كل سنوات الجدب التي مرت بكوردستان الجمال والحياة والإصرار على التميز والتألق، إلا أنها بمجرد أن حققت ذاتها بعد انتصار انتفاضتها في ربيع 1991م، بدأت تألقها واختياراتها المدنية في التطور، رغم تحديات كبيرة واجهتها وأدت إلى إشعال حرب داخلية كادت لولا العقلاء والحكماء من شعبها أن تحرق الاخضر واليابس، لكي تنطلق وهجا يديم شعلة كاوه التي أضاءت سبيل الحرية أمام الملايين، وما تزال تضيء دروب التقدم والبناء في كوردستان اليوم التي غدت نموذجا للبناء والأعمار والتقدم والإخلاص.

     ليلة أمس شاهد عشرات الملايين من المشاهدين في الشرق الأوسط، واحد من أشهر برامج التلفزيون على إحدى قنوات شبكة MBC الشهيرة وهو برنامج ( عرب آيدل ) للسباقات الفنية، الذي تألقت فيه الفتاة الكوردستانية برواز حسين في أجمل فقرات  البرنامج، وتميز هذه الموهوبة من جيل الانتفاضة التي عاشت أنسام الحرية والإصرار على تحقيق الذات الذي كان واضحا في أدائها المغمس بالتفرد والإحساس العالي المعبق بالتواضع والحياء والإبداع القادم من بلد الجبال والجمال، يعكس هذا الإصرار على الانطلاق إلى آفاق التقدم والنجاح رغم أنها لم تكن تجيد لغة البرنامج العربية إلا أنها نجحت في توليف لحن عربي ونص كوردي، لتكون فعلا مدرسة إحساس كما وصفتها الفنانة الخليجية أحلام، وهي تعبر عن أدق مشاعرها في الحان عربية وكلام كوردي يصنع نسيجا رائعا للتلاحم الإبداعي عربيا وكورديا، بما يخلق مشهدا متميزا من الأداء الفني لشابة لا تجيد العربية لكنها تجيد الصدق في الإحساس واللحن وصناعة الجمال والإبداع بلغة إنسانية هي الأرقى والأجمل، تلك هي لغة الفن في أشكالها الرائعة لحنا وموسيقى.

    برواز حسين زوجة شاب كوردي من اربيل وفنان متعدد المواهب، عرفته مصورا تلفزيونيا كان يقف وراء الكاميرا التي تصورني حينما كنت أقدم برنامجا حواريا في فضائية كوردستان، انتابني ذات الشعور الذي انتاب المحكمين الأربعة لبرنامج عرب أيدل وهم يشاهدون برواز حسين، كنت اشعر إن وراء هذا الشاب عالم من الإبداع والتفرد في انهماكه بالتصوير ونقل البرنامج على الهواء مباشرة، أحسست فعلا بصدقه وإخلاصه وحرصه، كان يترك الكاميرا لينتقل إلي لينظم اتجاهي وحركة حواري مع الضيف، وكم من مرة اختلف مع المخرج والمنفذ لأنه كان يحتوي على كم هائل من الإبداع المعدد الأشكال، انه الفنان المبدع كوران صالح الذي أصبح من أشهر المطربين الشباب في كوردستان رغم صغر سنه!

     حقا أنه الإنسان في تطوره النوعي وأدائه المهني، وفعلا أنها كوردستان في خيارها الأهم بالتنمية البشرية منذ غادرت القيود والقهر، تنهض متألقة في بناء الإنسان وصناعة الحياة واعمار الأرض، وها هي بأقل من عقدين من الزمان حققت ما عجزت عنه كل حكومات العراق طيلة ما يقرب من مئة عام منذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا!

     كان الفقر يتجاوز أكثر من نصف سكان الإقليم قبل عشر سنوات فأصبح اقل من سبعة بالمائة اليوم، وكانت الأمية تقترب من ثمانين بالمائة فانحدرت إلى اقل من عشرة بالمائة، وكانت الكهرباء لا تتجاوز أربع ساعات يوميا فأصبحت اليوم ما يقرب من 24 ساعة ويزيد أحيانا ليكتسح ظلامات كركوك والموصل.

     وكانت وأصبحت.. حتى لم يعد مجالا لذكر كل تألقاتها الجميلة لكي اتركها لعشرات الآلاف من العراقيين القادمين من كل أنحاء البلاد لقضاء أجمل أوقاتهم بين أحضان الجميلة كوردستان، فهم أفضل الشهود وأفضل من يصف الحياة هنا كيف كانت وكيف أمست وأصبحت؟

     ومهما تحدثنا فلن نزيد على ما قدمته المبدعة برواز حسين ابنة الانتفاضة وجيل التحرر والانعتاق، وليس أجمل مما قاله زعيم الاشتراكية الدولية وهو يخاطب الرئيس مسعود بارزاني قبل يومين في اربيل حينما قال:

     حقا إنكم صادقون ومخلصون ولذلك فقد كانت بلادكم أكثر تميزا في تطورها ونموها في منطقة الشرق الأوسط برمتها.

kmkinfo@gmail.com



341
هل حقا يمثلون أحزابا ومعارضة؟

كفاح محمود كريم

     وقعت سوريا بين نارين غير نار النظام التي تحرق الأخضر واليابس، فبينما تعبث القاعدة في ارض الشام وتلملم فيها كل الباحثين عن جنة الغرائز ومفاتيحها من كل بلدان العالم، وتشعل النيران في كل مكان، لا يهمها إن كان من الأهالي أم من عناصر النظام، ونيران قيادات و( زعامات ) تدعي أنها تمثل نبض الشعب وقواه المعارضة أو أنها قيادات أو تمثيليات لأحزاب لا وجود لها على الأرض إلا إعلاميا، تركت صفوف الشعب وهربت إلى خارج الحدود، لتنتشر في كل دول العالم وخاصة الجوار، مدعية أنها تقود الثورة من خارج الحدود، وهي تتسول هنا وهناك تاركين الأهالي يواجهون مصيرهم أمام نيران الإرهاب والنظام وتداعيات الفقر والعوز، بينما تتنعم هي في فنادق وبيوت مدعية أنها تقود الثورة والتنسيقيات عبر أجهزة اللابتوب التي يحملونها معهم، في كل مكان يتواجدون فيه خارج حدود ثورة شعبهم ومخاطرها، في أداء سياسي الأول من نوعه في تاريخ الثورات، حيث يغادر من يفترض بهم قيادة حركاتهم أو أحزابهم أو تنسيقياتهم في ارض بلادهم، إلى دول الجوار وهم ( يسفطون، يرتبون ) أنواعا من الأكاذيب والبطولات المفبركة، التي تذكرنا بقادة صدام حسين العسكريين والحزبيين عشية سقوط بغداد واحتلال العراق، حيث كانوا يدعون بأنهم سادة الأرض والسماء وان جنود أمريكا سينتحرون عند بوابات بغداد أو حدودها؟

     وإذا ما استثنينا أولئك المناضلون الحقيقيون في خارج البلاد الذين يقومون بمهمات تمثيلية أو إعلامية لقضية شعبهم دون استثمار شخصي، فما يفعله اليوم الكثير من هؤلاء الذين يصنفهم البعض بالمرتزقة، وربما اختلف هنا مع هذه التسمية فكثير من المرتزقة يحملون أسلحتهم ويقاتلون كأجراء حالهم حال أي أجير دون أن يكون لهم هدف إلا جمع المال وقد يقتلون أو يؤسرون، أما هؤلاء فيحتار المرء في تسميتهم أو توصيفهم، فليس لديهم بندقية إلا الكذب والادعاء، ولا هم مقاتلون بل مدعين وهاربين من ارض المعركة، تاركين شعوبهم تتلوى جوعا وعوزا وإرهابا، وهم يرتزقون بأكاذيبهم وادعاءاتهم المزيفة عن أحزاب وحركات أثبتت التجارب بأنها لا تتجاوز أعداد تلاميذ مدرسة ريفية صغيرة، أو كما يصفهم مواطنيهم بأنها أي تلك الأحزاب لا تتجاوز أهل بيت الأمين العام للحزب أو السكرتير العام مع كم نفر من أقربائه وأقرباء زوجته!؟ 

     حقيقة في خضم هذه المأساة التي تمر بها سوريا العزيزة وشعبها الأبي هناك امور مثيرة للضحك والأسى، أن ترى هكذا اشخاص يدعون بانهم قادة ومسؤولين كبار في حركات سياسية او ثورية، وقد تركوا شعوبهم واحزابهم المفترضة وقدموا الى خارج الحدود هربا وكذبا وطمعا بمنافع ذاتية وارتزاق رخيص، وتملصا من مسؤوليات وطنية تحتم عليهم كمواطنين واعيين، وليس كمسؤولين ان يكونوا في قلب الاحداث ومن محركيها لا ان يهربوا ويتركوا شعوبهم كما يقول المثل: الشقى على من بقى!؟
 
      لقد أثبتت الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية لا وجود حقيقي مؤثر لكثير من تلك الأحزاب على الأرض وبشكل أفقي رغم ادعائها عموديا أنها تمثل شيء ما، لكن نتائج الأمور أكدت حقيقة وجود قوى أخرى أكثر فاعلية واتساعا، هي قوى الأهالي من الشيب والشباب، نساءً ورجال، ممن يمثلون تاريخيا حركة المجتمع وقواه الأساسية، وقد نجحوا بحنكتهم وأصالتهم وصمودهم في السيطرة على الأمور وتحريك الشارع لصالحهم، بما يؤمن دوام الثورة والحفاظ على هويتها ومقاومة النظام بشتى الوسائل ميدانيا، ولعل تجربة كوردستان العراق أفضل درس للحركات الثورية الأصيلة التي التصقت بالأرض وحافظت عليها، طيلة حقبة مقارعة النظام الدكتاتوري في المناطق المحررة، حتى نجحت في انتفاضة الربيع عام 1991م بتكريس تجربتها وبناء أسس نظامها الديمقراطي في أول انتخابات حرة أنتجت مؤسسات تشريعية وإدارية ذات مقبولية شرعية من قبل الرأي العام العالمي أتاحت لها قبولا واعترافا من المجتمع الدولي.
 
    إن أهم ما يواجه قوى الثورة الحقيقية في الداخل السوري وخاصة في المناطق الكوردية المحررة، هو الإسراع بانجاز انتخابات عامة في تلك المناطق التي يسيطر عليها الأهالي، لتأسيس مجلس تمثيلي وسلطة شرعية لإدارة تلك المدن والبلدات وإيقاف عملية الإفراغ السكاني التي تتعرض لها كثير من المدن والبلدات والقرى بذريعة الانفلات الأمني أو التدهور الاقتصادي، ولكي تكمل صناديق الاقتراع شرعية الفاعلين الحقيقيين للانتفاضة في سوريا.   

kmkinfo@gmail.com

342
المنبر الحر / الإعلام المرتزق!؟
« في: 18:00 04/04/2013  »
الإعلام المرتزق!؟

كفاح محمود كريم

    في أواخر سنوات النظام الشمولي هنا في العراق وحتى في كثير من البلدان التي شملتها رياح التغيير مؤخرا، كانت هناك العديد من التسميات والتوصيفات لمجاميع من الصحف والمجلات، والى حد ما بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، تصنف لونيا بالصفراء كونها كانت متهمة من قبل النظام بمعاداته وفضح أساليبه وهي بالتالي عميلة للاستعمار والرجعية والامبريالية كما كان يصنفها، ونوع آخر كنا نطلق عليهم بوعاظ السلاطين من مؤيدي النظام، ودعاة أفكاره وثقافته وهي بالتالي أدوات للنظام، كان معظم كوادرها ( إلا من آمن ؟ ) يتعاطى الرشوة من الهدايا والعطايا مقابل المديح وعدم التشهير به وبأزلامه، وقد شهدنا الكثير من تلك الصحف التي لا لون لها، وبين كل هذه الألوان جاءت مجموعات أخرى للأسف الشديد ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة مصنفة على هذه المهنة، ترسل صحفييها إلى الأهالي وخاصة أصحاب النفوذ القبلي والمالي من أصحاب العشائر والشركات والمصانع، لكي تكتب عنهم تقريرا أو مقالا بأسلوب التدليس والمديح السمج والفاهي، لقاء مبالغ أو إكراميات تطلب بشكل مباشر أو غير مباشر، قد تصل إلى حد دعوة غداء أو عشاء إن كان الطرف الآخر بخيلا!

     ورغم ان معظم تلك الصحف كانت ترتبط بشكل أو بآخر بأجهزة النظام وقنواته، إلا إن القليل النادر من الكتاب والصحفيين الذين كانوا يقضون معظم حياتهم متنقلين بين السجون أو الهروب  خارج التغطية، يستطيعون إن يمرروا بعض الإشارات من خلال وسيلتهم الإعلامية التي كانت تتقاطع مع النظام وفلسفته، وهي بمعظمها إشارات رمزية لا يفقه كنهها إلا كاتبها والراسخين في العلم!

     كانت تلك الصحف ووسائل الإعلام تضم الكثير من الصحفيين والإعلاميين السلطويين أو الموظفين ليس إلا باستثناء القلة أيضا من المهنيين الذين يؤدون مهامهم الصحفية بمهنية دونما أي تحارش بالنظام، مما أنتج أفواج من المرتزقة الذين تربوا على قيم وعادات لا تمت بأي صلة بمهنة الصحافة والإعلام وهي أقرب ما تكون في سلوكياتها إلى البيع والشراء أو المقايضة أو العمولات بعيدا عن مواثيق وأهداف السلطة الرابعة!

     بعد سقوط النظام وانطلاق نافورة الإعلام بما يشبه فورة البركان الأولى، غرقت المكتبات ومحلات بيع الصحف والمجلات بالمئات إن لم تكن بالآلاف من تلك الوسائل التي يفترض أنها تعبر عن رأي الأهالي سواء كانوا إفرادا أو جماعات، إضافة إلى العشرات من القنوات الفضائية ومثلها الإذاعات والمحطات المحلية للتلفزة، والأغرب من ذلك كله هذا التكاثر الانشطاري الرهيب في عدد الصحفيين والإعلاميين حتى لم تعد نقابة واحدة تمثلهم جميعا فانشطرت هي الأخرى إلى ثلاث نقابات أو أكثر والخيط على الجرار كما يقولون.

     يبدو والعلم عند الله إن هذه الشغلة أصبحت مربحة أو كما يقول الدارج العراقي بيها خبزة، وقد أدركت بعضا من هذه الخبزة التي تكمن في الارتزاق البائس لكثير من تلك الوسائل والشواهد أكثر وضوحا في الأساليب التالية:

-   من المفروض إن كل صحيفة أو مجلة تدفع مكافأة لكتابها الذي يكتبون لها، والسؤال كم صحيفة من صحف هذه النافورة تعطي تلك المكافآت إلى أصحابها فعلا رغم إن قوائم التوقيع على الاستلام يتم توقيعها من قبل آخرين يستلمون تلك المكافآت؟

-   من أبجديات عمل الفضائيات هي مكافأة الضيوف الذين يدعون للمشاركة في البرامج على مختلف أشكالها وأنواعها فنية كانت أم سياسية أو غيرها، والسؤال أيضا كم من هذه الفضائيات تدفع تلك المكافآت إلى ضيوفها، باستثناء القلة القليلة جدا للأسف الشديد؟ علما بأنها أي تلك المبالغ مرصودة ضمن موازنات أو ميزانيات أي فضائية أو وسيلة إعلامية بما فيها الحزبية أو الحكومية؟

-   والأكثر اشمئزازا في سلوك بعض المحسوبين على هذه المهنة هي التسول والاستجداء أو مساومة الطرف الآخر مقابل تسجيل حوار أو مقابلة أو نشر موضوع ما، تصل أحيانا إلى تحديد مبالغ معينة أو تهبط إلى مستو دعوة غداء أو عشاء خاص؟


    وتاهت علينا كما قال احدهم بين وسائل الإعلام الصفراء والمرتزقة والمهنية والمحايدة والمستقلة والموجهة، وجيب ليل واخذ عتابة مع شلة حرامية ولصوص انتحلوا صفة واحدة من اشرف المهن وأكثرها شفافية!؟
kmkinfo@gmail.com

343
المنبر الحر / الفقراء لا يسرقون!
« في: 11:26 01/04/2013  »
الفقراء لا يسرقون!

كفاح محمود كريم

    ربما علماء النفس والاجتماع وكثير من المحققين في أجهزة الشرطة والعدل، يدركون إن الأكثرية من السراق والمختلسين وأصحاب السحت الحرام، لم يكونوا من الفقراء بكل مستوياتهم، بل يذكر العديد من القضاة والمحققين ورجال الشرطة، بأن أكثر هؤلاء المنحرفين من طبقات ميسورة أو متوسطة أو على الأقل لا تصنف بأنها فقيرة ومن طبقة المعدمين، أو الذين يتمتعون تحت خط الفقر بنظافة المعدة والجيوب!؟
 
     وقد توقفت كثيرا أمام العديد من ملفات الفساد المعاصرة وخاصة بعد إقامة النظام السياسي الجديد في العراق، وربما شهد الكثير منكم أيضا حالات من الفضائح المالية والسرقات أو الاختلاسات، التي مارسها أشخاص أو مجموعات لا علاقة لها إطلاقا بالفقر أو العوز أو الحاجة إلى المال أو التشرف بالانتماء إلى طبقة أغلبية الفقراء الأطهار، الذين لا يحلمون بأكثر من لقمة العيش وستر الحال كما يقولون، فقد كانوا في معظمهم وزراء ووكلاء وزارات ونواب برلمان وضباط عسكر وبوليس ومسئولي أحزاب وكتل في المركز وما شابههم في المحافظات، وخاصة تلك التي تتعلق بالمال والتمويل والمشاريع والمؤسسات الخدمية.

    ونظرة سريعة لحيتان السرقة من المال العام واستغلاله للصالح الخاص أي لجيوب المنتفعين، نشهد أفواجا من المسئولين الذين عاهدوا الله وشرفهم الشخصي أن يخدموا الشعب وان لا يخونوه، وان يكونوا حريصين على المال العام كحرصهم على أموالهم، وإذ بهم يحرصون عليه إلى درجة تحويل معظمه إلى حسابهم الخاص، واضعين كثير من الثوابت والقيم العليا تحت أقدام غرائزهم وانحرافاتهم دون وازع من ضمير أو خلق أو دين أو قانون!؟

   بينما ترى على الطرف الآخر الأكثر فقرا وحاجة، يكنز تلك الثوابت والقيم ويجعلها رأس ماله الوحيد بعد العوز والفقر، وهنا أيضا لكي لا نقع في باب التعميم علينا أن نتذكر إن الفقر عاهة اجتماعية واقتصادية سببها النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدول، خاصة في البلدان ذات الثروات الطبيعية العالية الإنتاجية مثل الزراعة والطاقة، والتي تقع بأيدي غير أمينة في الانتفاع من تلك الموارد، بالقضاء على الفقر والبطالة وتقليص مساحات الفساد التي تختلط فيها الألوان، لدرجة إنه يعجز الكثير عن إدراك حقيقة هذا التضخم أو النمو السرطاني في ممتلكات البعض مقارنة مع الفترة الزمنية لتوليه دفة المسؤولية أو مفاتيح بيت المال بكل أشكاله أي المال وأشكالها أي المفاتيح!؟

     ويبقى أن نراقب كل منا في مكانه، قرية كانت أم مدينة، تطور نمو الأموال عند البعض قياسا مع الجهد أو الفترة الزمنية، لنتأكد إن أغلبية الفقراء أبرياء تماما من كل هذه السرقات المخلة بالشرف كما يسميها قانون العقوبات، والتي تنطبق على أولئك الذين يسرقون الكحل من العين، وهم ينشلون أموال الشعب  وخاصة المخصص منه للنفع العام، وهم على الإطلاق فقراء ليس بالمال ولكن بقيم أخرى!؟
kmkinfo@gmail.com

 



344
المنبر الحر / إنهم يذبحون سوريا؟
« في: 19:03 28/03/2013  »
إنهم يذبحون سوريا؟

كفاح محمود كريم

     هل فعلا ما يحدث في سوريا تحرير أم شيء آخر لا علاقة له بآلام الشعب وآماله وثورته التي اشك أنها سرقت أو تسرق الآن،  وليس كما حصل في مصر التي تمت سرقتها بعد سقوط النظام وباستخدام آليات يفترض أنها ديمقراطية، وتسلقت سلم الصناديق باستغلال تراكمات عشرات السنين من الحرمان والتكميم والجوع والاستبداد، فمنذ أكثر من سنتين ونحن ننتظر يوما بعد آخر، وساعة بعد ساعة انتصار انتفاضة السوريين، عربا وكوردا وآشوريين وتركمان وغيرهم من مكونات سوريا المتآخية، وإقامة البديل الديمقراطي باستخدام الأساليب المدنية المتحضرة في التظاهر والعصيان المدني، الذي لا يستخدم العنف إلا دفاعا عن الذات، وما يحصل الآن في كثير من المواقف لا يعطي ذلك الانطباع المتحضر للثورة أو الانتفاضة.

     لقد شهدنا خلال الأشهر الماضية فضائع ذكرتنا بتلك التي نفذتها القاعدة في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين القرين لنظام الأسد في دمشق، حيث عم الخراب والدمار والذبح على خلفية ما يسمى بالمقاومة، التي ذبحت من العراقيين أضعاف ما قتلتهم من الأمريكان وغيرهم، بل واستباحت أعراضهم وأموالهم، حتى ظهر لدينا في العديد من المدن العراقية جيل دون آباء، كانوا من إنتاج أولئك المرتزقة الذين قدموا من كل دهاليز السادية والتخلف والانحراف في البلدان العربية، لكي يزرعوا انطافهم في أرحام طاهرة أخذت بالقوة والاغتصاب والتغرير، لتترك بصمات قذرة تذكر الأجيال بما اقترفته تلك الوحوش الكاسرة!؟

     كل هؤلاء المنحرفين والمرتزقة من شذاذ الآفاق والأخلاق كانوا يقدمون من وعبر سوريا وبرعاية وتسهيل من هذا النظام الحالي وأجهزته الأمنية والحزبية، بل إن أفواجا منهم كانت تتلقى تدريبات قبل دخولها الأراضي العراقية، وهي اليوم أي ذات تلك الأفواج القادمة من خارج ارض الشام ومن كل البلاد العربية، تنفذ ذات البرنامج الذي نفذته على ارض الرافدين وبمسميات جهادية وعقائدية دينية لا صلة لها لا بالدين ولا بثورة الشعب السوري ومكوناته وطبقاته.

    إن ما يجري اليوم في سوريا وفي كثير من تفاصيله يثير شكوكا كثيرة حول علاقة النظام مع تلك الأفواج التي استخدمها طويلا، لأجل إعاقة العراقيين من تنفيذ برامجهم في تأسيس نظام ديمقراطي تعددي اتحادي متحضر، وهي تأتي متطابقة مع ما قام به نظام صدام حسين قبل سقوطه بأشهر في استقدام ذات الأفواج  الإرهابية القادمة من خارج الحدود، وتهيئتهم لتحويل العراق إلى حفنة تراب كما قالها صدام أكثر من مرة، وهو يهدد الذين يناضلون من اجل إسقاطه، فهل يا ترى بدأت عملية تحويل ارض الشام أيضا إلى حفنة تراب يتركها بعث سوريا وأسدها على أيدي هؤلاء القادمين من خلف الحدود!؟
 
kmkinfo@gmail.com


345
الانتخابات والسحت الحرام

كفاح محمود كريم

     اعتدنا منذ أواخر سنوات النظام السابق، ومن ماثله في السلوك والعقلية، على ظاهرة بائسة مقززة لنوع سمج من الرشاوى الاجتماعية، تتمثل بإقامة الولائم الكبيرة التي يدعو اليها مرشحو ذلك النظام او رئيسه أو ما كان يسمى بمرشحي انتخابات حزب السلطة ومستوياتها في قيادات الفرقة والشعبة والفرع، والتي تحولت في أواخر حكمهم إلى تكتلات عشائرية وصراع بين القبائل والبيوتات على مواقع القيادة في ذلك الحزب وبمختلف المستويات من القرية إلى العاصمة.
 
     ويبدو إن العامل الوراثي أو التراكم في العادات والتقليد والتربية البائسة، جعلت الكثير ممن يشاركون الآن ومنذ انتخابات 2005م من خريجي تلك المدرسة في التطبيق والممارسة، حيث  إننا لو تأملنا كثير من تلك السلوكيات والممارسات لأيقنا بما لا يقبل الشك امتداد تلك التجربة البائسة إلى يومنا هذا، مما يستدعي صياغة قوانين وضوابط وتشريعات تحضر ذلك التصرف، وتعده مخالفا للقانون وتبطل أو توقف ترشيح أي شخص أو حزب أو حركة تمارس الرشوة بكل أشكالها الداخلة والخارجة وخاصة هذا الشكل البائس، الذي بدأ ينتشر بشكل كبير ويقوم به معظم المرشحين سواء لمجالس الاقضية أو المحافظات أو البرلمان من ولائم ومبالغ نقدية وهدايا عينية وسفرات جماعية لشرائح منتقاة من الأهالي والموظفين وخاصة أولئك الذين يؤثرون على مجريات ونتائج الانتخابات من المراقبين والادلاء والموظفين الصغار، حيث شهدت الأيام المنصرمة وبالتأكيد ستشهد الأيام القادمة أيضا، كثير من تلك الكرنفالات التي يتوقف عند مصروفاتها كثير من المراقبين بتساؤلات مهمة جدا عن مصادر التمويل لموظفين أو أعضاء عاديين في مجالس المحافظات سواء من المستقلين أو ممثلي الكيانات المرشحين لتلك المجالس.

     ملايين الدولارات تصرف في ولائم وهدايا ورشاوى واضحة وضوح الشمس، ولا حراك لا للجنة النزاهة ولا لمفوضية الانتخابات ولا للجان البرلمان بمختلف اختصاصاتها، وعجبي من منظمات المجتمع المدني ومراقبي الانتخابات الذين يفترض بهم أن يراقبوا العملية برمتها لا أن يأتوا أول يوم الانتخابات ليتقاتل عليهم المرشحين في العزائم والهدايا والوعود.

     وبالتأكيد ليس هناك أي اعتراض أو شك في الدعايات الانتخابية بكل أشكالها الإعلامية في الصحف أو الإعلانات أو التلفزيونات أو الندوات والمهرجانات وحتى لو استخدم الشعر أو الغناء والرقص، كما يحصل في كثير من البلدان الديمقراطية المتحضرة في اوربا وغيرها، لكن ما يثير الاشمئزاز حقا أن تعطى الرشاوى للأهالي وتستغل مفاتيح غرائزية في مجتمعات ما تزال تعاني من مستويات معيشية وحضارية بائسة، وبمختلف أشكالها  من ولائم النفاق والتدليس والمبالغ النقدية أو العينية وحتى السفرات الجماعية، التي يتفضل بها متبرعا احد المرشحين ومن خلفه الأحزاب أو الكيانات السياسية أو الاجتماعية، من أموال لا يعرف كنهها ومصدرها الا الله وأصحاب اليد الخفيفة، الذين أضاعوا ما يقرب من ستمائة مليار خلال عدة سنوات، كان بإمكان الخيرين أن يبنوا عراقا يضاهي كوريا الجنوبية أو تركيا على اقل تقدير، ولا نقول اليابان أو المانيا!؟ 
 
     حقا انه السحت الحرام فلا خير فيه ولا في ما ينتجه أو يؤسسه!؟
kmkinfo@gmail.com

346
نفط كوردستان بين الحقيقة والتصريحات

كفاح محمود كريم

     دأب البعض من المصابين بعمى الحقائق وثقافة إقصاء الآخر وإلغاء حقوقه على خلفية التفرد والهيمنة، بالخروج بين الفينة والأخرى بتصريحات لتأجيج الرأي العام خاصة أيام الدعايات الانتخابية أو صناعة الأزمات، ففي يوم ذبح حلبجة (16 آذار) ولكي لا ينسى الكوردستانيون تلك الذكرى، يخرج احد مستشاري السيد المالكي المدعو سامي العسكري لكي يحاسب شعب كوردستان على حقوقه المشروعة في أرضه وثرواته، تلك الحقوق المخضبة بأنهار من الدماء، بعيدا عن إي قيمة تاريخية أو أخلاقية أو أدبية، وهو يتحدث عن عدة آبار هنا وهناك تم حفرها واستثمارها بعد 2003م كما جاء في الدستور، وهي لا تتجاوز في أعلى إنتاجياتها المائة وخمسون ألف برميل يوميا، ذهبت كل وارداتها إلى الخزينة العراقية عبر أنابيب جيهان المسيطر عليها اتحاديا، بينما يتناسى هذا الشخص مليارات البراميل التي شفطوها من آبار كوردستان في كركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية المستقطعة عبر ما يقرب من مائة عام، وأحالوها إلى حديد ونار وغازات سامة أحرقت أجمل مدن وبلدات وقرى كوردستان؟

     لقد كانت كركوك الهدف الأول لأولئك المستعمرين البريطانيين ومن جاء بعدهم، يعزف على أوتارهم وسحتهم الحرام مما أنتجته ارض كوردستان منذ اكتشاف النفط فيها مطلع القرن الماضي، حيث بلغت مستويات الإنتاج من حقول كوردستان في كركوك مقارنة مع ما كان ينتجه العراق خارج الإقليم منذ 1927 ولغاية 1989م فقط:

    ( بلغت مشاركة حقول كركوك 73,25 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية، في حين كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989.
 
      لقد أنتجت كوردستان نفطا بما قيمته 184.9 مليار دولار أمريكي من عام 1927 ولغاية عام 2000 من إجمالي إيرادات العراق البالغة لنفس الفترة 252.5 مليار دولار أي بنسبة قدرها 72.2 بالمئة من إيرادات العراق بأكمله. )


     لقد استخدمت تلك الأموال الطائلة من نفط كوردستان المنهوب في حرق كوردستان وشعبها طيلة ما يقرب من سبعين عاما، حيث  تعرض هذا البلد الى التدمير الشامل في بنيته التحتية البشرية والاقتصادية والحضارية والصناعية، كما انها كانت وسيلة في  تدمير وحرق وأنفلة كوردستان وتعريب مدنها واستقدام مئات الآلاف من سكان محافظات جنوبية ووسطى، وما تعنيه هذه العمليات من تهجير مئات الآلاف من الكورد إلى الجحيم أو إلى مهاجر أخرى، كما حصل في كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي بعد عام 1975م،  وزرع ما لا يقل عن عشرة ملايين لغم في أرض كوردستان لوحدها.

     والطامة الكبرى أن الكثير ممن أتوا بعد سقوط النظام وهذا الشخص واحد منهم، يغرسون رؤوسهم في رمال وعقلية وسلوك النظام السابق في موقفهم من موضوع كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي، وموضوعة النفط في الإقليم ويتعالون على مآسي ثمانين عاما من السرقة والسحت الحرام وبحور من الدماء، التي سالت نتيجة لتلك العقلية المتخلفة والشوفينية المقيتة وفرص التقدم والازدهار التي اغتيلت على أيديهم، ويتناسون ما جرى بعد مؤامرة 1975 ضد شعب كوردستان الأعزل لكل من ساهم فيها أو سهل تنفيذها، ولعلني أستذكر فقط أن ما حدث لإيران والعراق والجزائر والاتحاد السوفييتي بعد هذه السنة لم يكن ( ربما ) محض صدفة، أن تغرق إيران والعراق والجزائر في بحور من الدماء وتتفتت الإمبراطورية السوفييتية إلى دويلات عاجزة ينخر فيها الفقر والذل.

     لقد ولى زمن التفرد والهيمنة فالكوردستانيون فهموا تاريخهم جيدا وعرفوا أعدائهم وأصدقائهم، وهم يبنون بلدهم كما يشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأنهم بناة بارعون ومخلصون كما كانوا مقاتلون أشداء، وأدركوا جيدا هم وأصدقائهم وشركائهم المخلصين في الوطن إن الحياة الجديدة لم تعد تتحمل شوفينيات مولودة من أرحام متعفنة غادرها الزمن.

    إن مثل هذه التصريحات التي تتهم الكورد وتشهر بهم ما هي إلا  بقايا تلك الثقافة الانفالية التي تعتمد رائحة الخردل وغاز الأعصاب في مفاهيمها، وهي تمثل تلك المدرسة التي شهدنا نهاية رموزها في المحكمة الجنائية العراقية الكبرى، حينما أسدلت الستارة على فصل من فصول التاريخ الأسود للبلاد، والذي يحن البعض أو يحاول إعادة تصنيعه ثانية!؟

     إن فرصة ذهبية أمامنا في إنجاز عراق جديد نتعايش فيه جميعا يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية، ويعوضنا عن ما فاتنا طيلة ثمانين عاما، بعيدا عن الثقافة الشوفينية أو المذهبية الضيقة أو العنصرية المقيتة، والتعامل مع ثوابت الدستور بما ينميها ويطورها في التطبيق والسلوك. والتوجه إلى كوردستان بما ينميها ويعوض خسارتها طيلة أكثر من سبعين عاما من ثروتها المسروقة وفرصها في التطور والتقدم خصوصا مع تجربتها خلال السنوات العشرين الماضية التي تمتعت فيها بقسط من الأمان والسلام، حيث أنجزت تطورا كبيرا وملحوظا في كل مناحي الحياة وبإمكانيات بسيطة قياسا لحصتها الطبيعية في الثروة الاتحادية.

     إن كوردستانا قوية ومزدهرة وآمنة ستكون سندا قويا لعراق اتحادي وان أي تطور في أي جزءٍ من العراق الاتحادي هو تطور وقوة لكل هذا الاتحاد.
kmkinfo@gmail.com



347
المنبر الحر / هل نحن شركاء فعلا؟
« في: 21:55 18/03/2013  »
هل نحن شركاء فعلا؟

كفاح محمود كريم

     حينما قبل الكردستانيون استفتاء الأهالي في ولاية الموصل من قبل عصبة الأمم مطلع القرن الماضي، حول تبعية الولاية التي كانت تضم كل كوردستان الحالية تقريبا وتشكل عاصمتها، والتي عرفت بمشكلة أو مسألة ولاية الموصل وتبعيتها إلى واحدة من اثنتين تركيا التي كانت تصر عليها، والبريطانيون الذين أرادوها جزءً من المملكة الجديدة التي أسسوها في بلاد الرافدين من ولايتي بغداد والبصرة، على ضوء اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت والتي قسمت وأسست معظم دول الشرق الأوسط دونما خيار أو رأي لشعوبها أو مكوناتها، إنما وافقوا أن يكونوا جزءً من ذلك الكيان بشرط الإيفاء بمطالبيهم وشراكتهم في الكيان الجديد.
 
     لقد نكر الكثير واستاء من توصيف الملك فيصل الأول لشعب العراق واعتبره قاسيا وجارحا، متناسين إن تأسيس تلك المملكة أو الكيان كان بعيدا كل البعد عن خيارات شعوبه ومكوناته، ولذلك لم ير الملك تجانسا أو تناغما بينها، بل رأى في عام 1921م وهو متألم وقلبه مليء بالأسى كما وصف حاله:

     " في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائما للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندربه و نعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل.. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي "

     واليوم وبعد مرور أكثر من تسعين عاما، ترانا نقترب من ذلك الوصف وكأن العراقيين عادوا إلى النقطة التي بدئوا منها، بل اثبتوا أن كيانهم إنما تأسس رغم إرادتهم ودون مشورة من مكوناته  العرقية والدينية والمذهبية، فلم تثبت أي فئة حكمت تلك البلاد مصداقيتها بإقامة كيان يرضي الجميع كشركاء فعليين في الأرض والمال والقرار، بل على العكس حاولت كل الأنظمة المتعاقبة طيلة ثمانين عاما قبل سقوطها، أن تفرض شراكة قسرية بأسلوب التبعية والتهميش والإقصاء، حتى اشتعلت الثورات منذ ثلاثينات القرن الماضي في كوردستان رافضة تلك التبعية ولم تبرد بارودتها،  كما تقول العرب حتى نالت جزءً يسيرا من حريتها ابان انتفاضة عارمة في ربيع 1991م، لكي تعود ثانية بعد أكثر من عشر سنوات اثر سقوط ذلك النظام، لتؤسس بشكل رئيسي وبدور فعال نظاما ديمقراطيا تعدديا اتحاديا قائما على الشراكة الفعلية لا على الأغلبية العددية، تلك الشراكة والتوافق اللتان أوصلا طاقم الحكم الحالي إلى دفة الحكم وهو يحاول اليوم إعادة عقارب الساعة إلى الخلف في التفرد والاستحواذ على القرار باستخدام الأغلبية، في بلاد المكونات القومية والعرقية والمذهبية والدينية.

     إن القضية الكردية قضية قومية جغرافية وليست قضية إدارية سلطوية، ونضال شعب كوردستان لم يكن من اجل منصب سياسي هنا أو هناك، بقدر ما كان من اجل قضية التحرر والانعتاق وحقه في تقرير مصيره، وقد ذهب الكوردستانيون إلى بغداد ساعة سقوط النظام وتخلوا عن كثير من مزايا استقلالهم منذ 1991م، ليؤسسوا شراكة فعلية مع بقية مكونات البلاد وفعالياتها السياسية، نظاما ديمقراطيا تعدديا اتحاديا قائم على الشراكة الأساسية بين العرب والكورد كقوميتين رئيسيتين في البلاد، مع ضمان حقوق كل المكونات الأخرى، لا من اجل الأغلبية والأقلية التي ربما ستؤدي إلى تعقيدات لا تحمد عقباها، ولن يكون للكوردستانيين أي مستقبل فيها ضمن هذا الكيان الذي اتفقنا على إعادة تشكيله وصياغة دستوره، وفق حياة مدنية مشتركة تحترم حقوق الجميع بذات الأطوال وبشراكة فعلية في صنع القرار وبناء الدولة بشكل متحضر يليق بشعوب العراق وتضحياتها من اجل الحرية.

 kmkinfo@Gmail.com


348
المنبر الحر / لقالق الانتخابات؟
« في: 01:04 13/03/2013  »
لقالق الانتخابات؟

كفاح محمود كريم

    أو ربما تلفظ شعبيا على الدارجة العراقية بـ ( لكلكية الانتخابات )، ولا ادري إن كانت مأخوذة من لفظة ( اللوكي ) المستخدمة كثيرا في الشعبية العراقية لتوصيف المتملقين، أو أنها أخذت من اسم اللقلق هذا الطائر الجميل والمسكين والمسالم،  وأصبحت رمزا للنفاق والتدليس والمجاملة السمجة، أو أنها أي هذه اللفظة لها علاقة بصفة في هذا الحيوان أدهشت العلماء، وهي انه ينطلق بسرعة نحو أي منطقة مشتعلة بالنيران في المروج والغابات، وبعد مراقبة طويلة، تبين أن النيران ترغم الحشرات على الهروب السريع أو القفز في الهواء، عند ذلك ينطلق هذا الطائر حتى يحصل على وجبة شهية من هذه الحشرات السهلة واللذيذة، بواسطة إحساسه المدهش بوجود علاقة بين النيران والغذاء الوفير، يغنيه عن البحث الطويل في الينابيع والبرك عن الضفادع وغيرها من الكائنات المائية؟

     ويبدو إن الصفة الأخيرة لطائرنا الذي يفرح بعزاء أهله كما يقولون، أكثر تجانسا مع سلوك المرشحين في انتخاباتنا العتيدة التي تجري بين فترة وأخرى ليتنافس فيها أشكال وأجناس من البشر، أغلبيتهم لهم علاقة بأي شيء إلا تمثيل الأهالي كما ينبغي، وكما ينبغي هنا تمت استعارتها من استخدامات سيئ الذكر الذي أنتج نظامه كل هذه الأفواج من اللصوص والانتهازيين والفاسدين الذين يحرقون الاخضر واليابس من اجل تحقيق مصالحهم الذاتية، وهم يسحقون تحت عجلات غرائزهم أي أمل لإعادة بناء البلاد واعمارها، وإشاعة العدالة ودولة المؤسسات، فقد أكدت تجربة السنوات السبع الأخيرة ولدورتين انتخابيتين لمجالس المحافظات والبرلمان الفشل الذريع الذي حققته هذه المؤسسات بسبب تسلق مجاميع من الطفيليات التي أنتجتها مختبرات الخوف والرعب في جمهورية القائد الضرورة وما تلاها من جمهورية برايمر ومجلس حكمه القبلي.

     ومنذ أيام أو أسابيع بدأت لكلكتهم للأهالي وولائمهم وتملقاتهم ورشواتهم، والغريب في أكثر هؤلاء المرشحين أنهم يدعون كونهم من ضحايا النظام السابق، وإنهم مثال النزاهة والأيادي البيضاء، وسيحولون مدنهم ومواطنيهم إلى ما ينافس سكان كوبنهاكن أو أوسلو، رغم ما أثبتته السنوات السبع العجاف من حكمهم وحكم من سبقهم، إن أكثرهم ابعد ما يكونوا عن تلك الصفات، بل كانوا وراء ضياع ما يقرب من ستمائة مليار دولار تبخرت في مشاريع وهمية أو ناقصة أو فاسدة،  كما أزكمت روائحها النتنة أنوف العراقيين الذين ما زالوا كما الأيام الأولى للسقوط يعانون من نقص كبير في ابسط مقومات الحياة الحرة والكريمة في بلد يصنف من أغنى البلدان وأكثرها فسادا وفشلا!؟

     حقيقة نحن اليوم أحوج ما نكون إلى رفع شعار ( احذروا هؤلاء !؟ ) أمام معظم دعايات وإعلانات الحملة الانتخابية لمرشحي الانتخابات سواء المتسلقين منهم إلى مجالس المحافظات أو الأدنى في الاقضية، وما بعدهما من فرسان غزوة البرلمان القادم، لكي لا تتكرر تلك الصور البشعة من الأداء السياسي والإداري والاجتماعي.

kmkinfo@gmail.com

349
المنبر الحر / ربيع الحرامية
« في: 23:34 06/03/2013  »
ربيع الحرامية

كفاح محمود كريم

    لم يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب طيلة ما يقرب من خمسين عاما، منذ تأسيس دولتنا في غفلة منا وحتى يومنا هذا،
 كما وضع فيه اليوم وخلال العقد الماضي تقريبا، حيث تم تحقيق هذه المقولة أي مقولة ( الإنسان المناسب في المكان المناسب ) بنسبة انجاز تجاوزت والعلم عند الله أكثر من سبعين بالمائة، من مجموع من شغلوا مواقع المسؤولية في البلاد وخاصة من المتخصصين والمخضرمين في خفة اليد ودقة اللغف، وعلى مختلف المستويات ابتداءً من النواحي والاقضية والمحافظات ومجالسها بالذات، وصولا إلى الحكومة الرشيدة جدا ومجلس النواب الموقر، وبقية مفاصل المسؤولية وخاصة القائمين على التسليح والتجييش وحفظ الأمن ومكافحة الإرهاب والهيئات المستقلة جدا جدا!

      ولكي نكون منصفين ولا نحرق الاخضر بسعر اليابس يستثنى من كتاباتنا هذه وبأثر رجعي ومستقبلي كل من أثبتت وسائل الحس الخمسة مضافا اليها شهادة العقل والمجتمع نزاهته وطهارة أياديه وسلوكه، ونعود الآن بعد الاستثناء لكي نطلع على حجم الموازنات منذ 2005م وحتى موازنة هذه السنة التي ما زالت في مرحلة ( الجرجرة ) أو ( واحد ايجر بالطول والآخر بالعرض ) وما خصص للطاقة وبالذات الكهرباء والماء والصحة والتعليم والجامعات والتسليح والأمن والشرطة ومكاتب الرؤساء الثلاثة حفظهم الله ورعاهم وأبقاهم في أمكنتهم المناسبة جدا حتى يرثوا البلاد وما فيها مع وزرائهم الأطهار وخاصة من هم بالوكالة، والوكلاء الذين لا يشغلهم عن الطهارة والنقاء وبياض الأيادي إلا ما يبطل الوضوء عندهم؟   
 
     بعد الاطلاع تبين إن حجم تلك الموازنات قد تجاوزت 600 مليار دولار من غير الضرائب وإيرادات الكهرباء ( والكهرباء غير موجودة ) والماء والمطارات والمنافذ وسوق مريدي للقومسيونات النفطية وغيرها من الواردات، إضافة إلى ما يصل جيوب العديد ممن يشغلون مواقهم تحت شعار الإنسان المناسب في المكان المناسب من عمولات الوساطات وخاصة في التعيين والحصول على التندرات لمشاريع على سطح القمر والمريخ في مراكز الاقضية والمدن الكبيرة وبالذات ممثلي الشعب في البرلمانات الصغيرة في المحافظات الذين تحول العديد منهم الى معقبي دعاوي وقومسونجية؟

     أقول قولي هذا ونحن نشهد اليوم متغيرات حادة أدت إلى انهيار أنظمة شمولية بشكل مثير، كنا نطمح فيها جميعا إلى تغير الحال إلى الأفضل، لكن ما حدث ويحدث الآن هو استغلال قوى أنتجتها تربية وتأثيرات تلك الفترة المظلمة، لمشاعر الأهالي وحرمانها وانكساراتها التي دفعت كثير من تلك المجموعات إلى دفة الحكم، ويتسلط فيها اللصوص والفاسدين على مقدرات الشعوب وثرواتها، لتبدأ حقبة خطيرة في تاريخ هذه المنطقة الموبوءة بشتى أنواع وأشكال الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن سرطان الأنا الدكتاتورية المزروعة فينا جميعا من الأسرة وحتى الملك المفدى أو الرئيس الضرورة.

 kmkinfo@gmail.com


 

350
المنبر الحر / البارزاني في موسكو
« في: 20:53 25/02/2013  »
البارزاني في موسكو

كفاح محمود كريم

     بعد ما يقرب من ستين عاما على رحلة البارزاني الأول إلى عاصمة الرفاق الحمر في الاتحاد السوفياتي مطلع عام 1954م، يصل رئيس كوردستان مسعود بارزاني إلى موسكو في رحلة لم تستغرق إلا بضع ساعات إزاء رحلة والده التاريخية التي استغرقت ما يقرب من شهرين، منعه فيها من الوصول إلى موسكو رجل السوفييت المثير ستالين، حتى توفى وتقلد خروتشوف تاج الكرملين التي فتحت أبوابها للزعيم الكوردي مصطفى البارزاني القادم من جحيم العنصرية والرجعية والفاشية إلى فضاءات الحرية والتقدمية والاشتراكية!

     بعد قتال مرير على الحدود الإيرانية السوفياتية بينه وبين ملاحقيه من جند شاه ايران نجح في الدخول الى أراضي الدولة الاشتراكية الأولى في العالم كما ذكرت إذاعة لندن يومها:

" في 17/6/1947 حيث وقعت مصادمة عظيمة بين قوات ايران النظامية والأكراد بالقرب من الحدود الروسية وتمكن القائد الكوردي الملا مصطفى البارزاني مع أتباعه البالغ عددهم أكثر من (500) مقاتل من العبور الى الحدود الروسية."

     وخلال سنوات مريرة امتدت من هذا اليوم وحتى وصوله الى العاصمة موسكو مطلع 1954م عاش زعيم الكورد وكوردستان  ورفاقه أياما قاسية تحت ظلال دكتاتورية ستالين، التي تخلت عن أول جمهورية كوردية لتقاتل وحدها إمبراطورية طاغية، ثم سحقت كوردستانها الحمراء في الاتحاد السوفياتي، وحاولت صهر وإذابة الزعيم البارزاني ورفاقه في بوتقة شيوعية ستالين التي فشلت في استمالته عقائديا ونجحت في إبعاده ما يقرب من ست سنوات من الوصول إلى عاصمة الثلوج موسكو!

     في مطلع 1954م طرق البارزاني الأول بوابات موسكو الحديدية واخترق الكرملين بصرخات كاوه الحداد وهو يحمل الى قادة التحرر العالمي ملف كوردستان وشعبها ومستقبل المئات من رفاقه الذين شتتهم ستالين وقطع أوصالهم كما قطعت أوصال كوردستان، ليوزعهم على جمهوريات السوفييت ومدنها ويحرمهم من ابسط حقوقهم في التعلم والقبول في الجامعات والمعاهد وحرية التنقل والعمل.

     كان خروتشوف ينصت بعمق الى البارزاني مصطفى، وأدرك ثقل ما اقترفه ستالين وأجهزته بحق ثوار كوردستان، فاصدر تعليماته برفع كل أنواع الضغط عنهم ومنحهم حرية العمل والتنقل والتعليم في الجامعات والمعاهد المدنية والعسكرية، حيث هيأ البارزاني قائمة بأسماء (104) من الشباب لإدخالهم في جامعات (بيلا روسيا)، كما أدخل عدد آخر من الشباب في جامعة طشقند،  وهكذا رفعت كل القيود عن البارزانيين ومنحوا كامل الحرية في التنقل والعمل، أما هو فقد سكن بدار في موسكو قرب شارع (توفوملوبودسكايا)، والذي حضر الرئيس بارزاني حفل افتتاحه اليوم بعد أكثر من نصف قرن، حيث تحول الى رمزٍ آخر و شاهد على حقبة مهمة من تاريخ شعب كوردستان وقادته.

     اليوم لا يشبه الأمس، بالعكس مما اعتدنا على سماعه " ما أشبه اليوم بالبارحة "، يحط رئيس كوردستان مسعود بارزاني بعد أكثر من نصف قرن على وصول زعيمها الأول، بأقل من أربع ساعات بعد أن قطع والده المسافة إلى قلب موسكو بسنوات طويلة، موسكو حيث كثرت فيها الألوان اليوم بعد أن كانت في الأمس لونا أوحدا، موسكو التي دعا زعيمها الكرمليني فلاديمير بوتين، زعيم كوردستان حامل مفاتيح بوابات الوطن المعافى والذي حمله البارزاني الكبير ذات يوم مجروحا الى هناك، بوابة الإقليم الأكثر أمنا وسلاما وتطورا في بحر متلاطم من القيل والقال وبئس الأفعال، بوابة كوردستان الاقتصادية التي سيطل منها الدب الروسي الملون على ارض الرافدين والخليج، بما فيهم من انواع الطاقة في الكهرباء والغاز والبترول، وشعب معفر بالوفاء وتواق للتقدم والبناء والسلام.

kmkinfo@gmail.com   

351
الربيع العربي والاغتصاب الجنسي!

كفاح محمود كريم

    أثارت عمليات التحرش الجنسي في مصر منذ فترة كثيرا من الجدل والمناقشات بين المراقبين والمختصين في الشأن الاجتماعي والنفسي والسياسي في بلدان الشرق الأوسط، التي تعصف بها عمليات التغيير المسماة بالربيع العربي، ففي الوقت الذي تركز التحرش الجنسي في الساحة المصرية، أخذت عمليات القتل العشوائي بعدا كبيرا في كل من العراق وسوريا وليبيا والى حد ما اليمن، حيث لم يثبت فيها وجود ظاهرة حوادث التحرش أو الاغتصاب الجنسي على خلفية سياسية إلا باستثناءات قليلة، قياسا بما يحدث الآن من عمليات إرهاب منظمة ضد النساء لمنعها تماما من أن يكون لها دورا اجتماعيا أو سياسيا، وهي بذلك أي عمليات التحرش والاغتصاب التي تجري في مصر مشابهة  في أهدافها الترويعية لعمليات القتل الجماعي العشوائي التي كانت وما زالت تستهدف تجمعات السكان بصرف النظر عن انتماءاتهم أو ألوانهم أو أعراقهم، فهي تهدف إلى زرع الخوف والرعب ومن ثم الاستكانة والعبودية، وهي بالذات الأهداف المتوخاة من عمليات التحرش والاغتصاب الجنسي المنظمة للنساء والفتيات في مصر ممن شاركن في التظاهرات والاحتجاجات،  حسب ما جاء في حديث اثنتين فقط ممن تعرضن للتحرش الجنسي المنظم.*

     صحيح إن حالات من الاغتصاب الجنسي كانت قد حصلت هنا وهناك في بعض السجون العراقية والسورية وغيرها لأغراض التسقيط السياسي والاجتماعي، أو من أجل إجبار المعتقلين والمعتقلات على الاعتراف أو ترك العمل السياسي المعارض للنظام، إلا أنها كانت  ضيقة ولم تكن ظاهرة منظمة كما يحصل الآن وبشكل موجه في مصر وخاصة ضد النساء والفتيات المعارضات لنهج الحاكمين الجدد في البلاد ومحاولة فرض نظام عقائدي على المجتمع والدولة المصرية.   

     إن ما يجري في مصر غريب جدا عن طبيعة تكوين وعلاقات مجتمعاتها، وعن موقف المجتمع الرجالي من النساء، حتى عرفت مصر بتسامحها ومرونتها في علاقاتها الاجتماعية أكثر من كل البلدان العربية والإسلامية، وغدت نموذجا وقدوة لكثير من المجتمعات في المنطقة، بالضبط كما هي عمليات التقتيل الجماعي التي استخدمتها الأنظمة الدكتاتورية في العراق وسوريا، ومن ثم القاعدة وتنظيماتها ومن شابهها، في زرع الرعب والإرهاب ومن ثم تحويل الأهالي إلى قطيع مستكين، كما جرى في بلادنا ويجري الآن في الشام من عمليات تقتيل جماعي بتفجيرات في مناطق عامة للسكان المدنيين على خلفية ما يسمى بالثورة والتحرير!؟

     إنها فاشية جديدة ضد النساء كما هي فاشية التقتيل العشوائي  للسكان، والغرض في كلتي الجريمتين هو فرض نمط معين من الحياة الاجتماعية والسياسية في ظل حكم دكتاتوري تسوده العبودية والاستكانة والإذلال، وكسر شوكة أية معارضة أو تعبير عن رأي مختلف مع ما يريده السلطان ليبيح وعٌاضه وسدنته، عمليات الاغتصاب والتقتيل كما هو واضح من دعواتهم على شاشات التلفزة يوميا*.
kmkinfo@gmail.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*   http://www.youtube.com/watch?v=FnlC72FtznY

*
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2013/02/07/358046.html

 

352
في الليلة الظلماء يفتقد بدر كوردستان!

كفاح محمود كريم

     هكذا دوما يبقى بدر كوردستان جزءً مهما من الحل الأمثل لكل عقدة من عقد بلادنا التي تتزايد وتتكاثر مع توالي الأيام دونما الإذعان إلى العقل في الحل والحوار، ففي الأمس القريب كانت البلاد قاب قوسين او ادنى من تفكك نسيجها وامنها وسلامها لولا ان اطل بدر كوردستان ليمزق الظلام المدلهم ويشرق بحكومة حافظت في حدها الأدنى على كينونة البلاد واسمها.

     وها هي العاصمة بغداد، التي تأن ألما من جروحها الملتهبة والمتكلسة حتى العظم، مرعوبة بدعايات تشبه إلى حد كبير تلك المرعبات من حكايات السعلوة وليل شهريار الذي يفترس كل ليلة واحدة من حسناوات بغداد، بغداد التي أشاعت ماكينة الدعاية السلطوية إن زحفا قادما اليها سيحرق الاخضر واليابس، حتى حرمت الليالي اطفال بغداد من النوم تحسبا لسعلوة تفترسها في كنف الظلام!

     وبين الساعة واختها واليوم وبديله ينبلج البدر الكوردستاني ليوقف ذلك الزحف المزعوم كما صوروه لأناس ما انفكوا يؤكدون انما هم في بغداد تبركا وصلاة ليس إلا!

    كوردستان أبدا ليست جزء من المشكلة بل هي دوما نموذج للحل، إن لم تكن الحل كله حينما تتعقد الأمور وتدلهم الليالي، وقد أثبتت الأيام إنها بصيص الأمل في المستقبل آلات، وهي القائلة دوما ما من حق كوردستاني دونما ديمقراطية حقة، ولم تأت في صراعاتها شعبا أو قوما بل كانت كما قال قائد نهضتها الزعيم مصطفى البارزاني إن الصراع دوما مع السلطة الدكتاتورية التي تحارب العرب والكورد وغيرهم، حتى تحولت إلى ملاذ آمن لكل الأحرار في بلاد الرافدين من كل المكونات ومنذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا، فليس أدل على ذلك إلا ما شهدته جبال كوردستان حينما كانت السلطة في بغداد تحرق الاخضر واليابس بدكتاتوريتها وطغيانها، وها هي اليوم تحتضن مئات الآلاف من العراقيين الذين يبحثون عن الحرية والأمان والسلام والرزق الحلال، لا يسأل فيها الإنسان عن دينه أو مذهبه أو عرقه، فالكل سواسية في المواطنة وأمام القانون.

     وليس لي أن أقول أكثر مما قاله زميلي الكاتب والإعلامي المبدع هشام العقابي عن كوردستانه:
     دولة القانون يهاجمون أربيل وقت الرخاء ويفتقدونها وقت الشدة، ولا عجب، إذ

                                                                    "في الليلة الظلماء يفتقد البدر"

kmkinfo@gmail.com


353
حكومة القيل والقال؟

كفاح محمود كريم

    لم يمر بتاريخ الدولة العراقية حكومة ومجلس نواب يحب القيل والقال مثل حكومتنا وبرلماننا الحالي، فمنذ تأسيسهما بعيد انتخابات كانون ثاني 2005م وحتى يومنا هذا، وهما في دوامة القيل والقال وقلة الأفعال والأعمال، قياسا ومقارنة مع ما صرفوه من تصريحات ومؤتمرات صحفية وتنابز وتهاجم وتشهير واتهامات ووعود لا أول لها ولا آخر، إلا ما رأيناه في فضائح الإمطار وما تكرمت به علينا السماء بعد سنين من الجدب والجفاف، حيث كشفت تلك الأمطار عورات الحكومة، كما كشفت مظاهرات الانبار والموصل عورات مجلس النواب وثرثرة الكثير من أعضائه في الوعود المخدرة للأهالي قبل وبعد وصولهم إلى قبة الامتيازات وتحقيق المصالح باسم الغلابة من هذا الشعب العجب.

     ومنذ بداية الأزمة الحكومية والتي بانت أعراضها بعد نيلها الثقة مباشرة سواء فيما بينها تارة لعدم تجانسها، أو بينها وبين الشعب تارة أخرى، حيث أظهرت فشلا ذريعا في إدارة الحكم كما هي في تنفيذ برامجها التي وعدت بها الشعب، ورغم كل شيء نجحت في تنظيم عشرات الأزمات والمؤتمرات والمناسبات لكي تكون ساحة للقيل والقال، وليس أدل على ذلك إلا ما نشاهده ونسمعه من تصنيع مثير للازمات مع الجميع دون استثناء، وها هي في بعض مؤتمرات العشائر التي يباركها رئيس الوزراء ويقود فيها سباق إلقاء الكلمات، والعجيب هذه الطواقم من مختصي القيل والقال الذين ينبرون بمناسبة وبدونها إلى إلقاء الخطب وعقد المؤتمرات الصحفية وبدأ نزالات القلقلة كما يقولون، وهم يتنازعون ويتنابزون ويتهاجمون فيما بينهم، ولا فائدة للمواطن والمواطنة من ( ثرم البصل ) كما يقولون إلا تلك الدموع التي تعكس نتانة الواقع ومأساة العيش الذي تحول تحت سقف هكذا حكومة وبرلمان إلى أسوء أنواع العيش في العالم كما تم توصيفه من قبل بعض منظمات الشفافية الدولية.

     لقد تسلطت على بلادنا أنماط من النظم والحكومات اقل ما يقال عنها توصيفا أنها حكومات للشعارات والثرثرة واللافتات والمزايدات التي لم يجنِ منها الشعب إلا الكذب والدمار وتقهقر البلاد، حتى انهار ذلك النظام وسقطت البلاد برمتها تحت الاحتلال وما رافقه من إعمال إرهاب كادت أن تدمر ما أبقته الدكتاتورية من حفنة تراب كما كان يصفها رئيسها حينما ينافسونه على الحكم، واليوم وبعد كل ذلك الطوفان من الشعارات الكاذبة والثرثرة الفارغة والمزايدات الساذجة، تأملنا اننا اجتزنا تلك المرحلة البائسة في تاريخنا السياسي، وبدأنا مرحلة جديدة من الجدية والوضوح والبناء المتحضر لبلاد أدمنت الخراب وهي التي أنتجت أكثر أسس البناء والحضارة في تاريخها القديم، جاءت حكومتنا الرشيدة لكي تستنسخ كثير من تلك المظاهر في القيل والقال، ولم يعد لديها منذ سنوات إلا القلقلة التي تثير الرأي العام وتبعده عن حقيقة الأوضاع وتدهور الخدمات، بل وتنشر البلبلة وتهيج المشاعر، حتى تحول هذا النمط من السلوك إلى ابرز ما يميزها عن غيرها في افتعال الأزمات وصناعتها لديمومة القيل والقال، حيث تنبري طواقم إعلامها أو نوابها أو من يمثلها أو من ( يتلكلك لها ) إلى الدفاع عن هذا النمط من التعامل مع ما يحصل في البلاد من احتجاجات وتظاهرات، متعمدة في إثارة النعرات والإشكاليات والتهجم على هذا وذاك واتهامهم بشتى الأوصاف والنعوت، واستخدام التحايل والتهميش وكسب الوقت واستغلال الفرص، بدلا من وضع حلول وبرامج جدية لتخليص البلاد مما ورثته من تعقيدات حولتها إلى ما يشبه قطعة الزجاج في تركيبه.

kmkinfo@gmail.com   



 



354
الصحافة والانترنيت

كفاح محمود كريم

     بعد ما يقرب من ثمانين عاما توقفت النيوزويك الأمريكية الواسعة الانتشار والأكثر شهرة عالميا، عن الصيغة الورقية لتظهر على شاشات الكومبيوتر عبر الانترنيت كصحيفة الكترونية، ربما ستحقق انتشارا مضاعفا وأرباحا أكثر مما كانت تجنيه وهي صفحات ورقية، في إشارة إلى بلوغ العولمة إلى مستويات أفقية واسعة، وانتشار استخدام وسائلها بشكل كبير جدا في كثير من أرجاء العالم، وهذه بتقديري هي النقطة الأهم في الموضوع، فكلما زادت مساحة الوعي الحديث باستخدام الانترنيت وانتشار أجهزة الحاسوب، توسعت معها دائرة الاتصال والتواصل بين البشر أفرادا أو مؤسسات، ولذلك ازعم تماما بأن كثير من الصحف والمجلات ستتوقف عن صيغتها الورقية لتفعل ما تفعله نيوزويك الآن، وربما كانت إيلاف السباقة إلى هذا العالم فاختصرت الطريق منذ البداية لكي تكون اليوم الصحيفة الناطقة بالعربية الأكثر انتشارا من كل الصحف المطبوعة في معظم الدول العربية والأوربية، فهي في متناول القراء في أي لحظة مع تحديثاتها على مدار الساعة، على غير ما تقدمه الصحف المطبوعة التي تأتي بأخبارها فجرا أو مساءً، بينما تنفرد الالكترونية بخاصية التحديث الفوري على مدار الساعة ومع الحدث مباشرة.

     ورغم ذلك يزعم الكثير إن للورقيات نكهتها الخاصة لا تقل بتقديري عن نكهات الألحان والأغاني القديمة لجيل معين بينما لا يتذوق جيل آخر تلك النكهة ويصر على إنتاج مرحلته، ورغم اختلاف الشأنين هنا إلا أن الحنين إلى ممارسة تقليب الصفحات واعتبارها أرشيفا أو وثيقة أو تقليدا صباحيا معينا ما يزال يدغدغ مشاعر الكثير تجاه الصحف والمجلات المطبوعة، رغم انه في مقدور أي شخص إعادة طبع أي صفحة من صفحات الجريدة أو المجلة الالكترونية وبالألوان أيضا متى شاء.

     ازعم إن انحسارا سيصيب الكثير من الصحف والمجلات الورقية، وستنتشر أكثر مما هو عليه الآن الصحف الالكترونية، بل إن تطورا نوعيا أيضا بدأ يظهر في العديد من تلك الالكترونيات التي انتشرت بسرعة مذهلة خلال سنوات قليلة، ورغم إن مستويات الكثير منها لا يرتقي على مستويات شقيقاتها الورقية التي غمرت سوق الصحافة في فورتها سواء هنا في العراق أو بقية بلدان ما يسمى بالربيع العربي، إلا أن تطورا واضحا بدأ يلوح في أفق الصحافة الالكترونية، ورغم ذلك تبقى الأمور معلقة بالمساحة الأفقية لانتشار استخدام الكومبيوتر والانترنيت لدى قطاعات واسعة من الناس، فكلما اتسعت تلك المساحة بين الأهالي، أي تقليص نسبة الأمية الحضارية، كلما انتشرت أكثر وسائل الإعلام الالكتروني من صحف ومجلات ومراكز معلومات، ومنابر التعبير عن الرأي وشبكات التواصل الاجتماعي، بما يحول عالمنا هذا فعلا إلى قرية متحضرة.

 kmkinfo@gmail.com

 

355
كوردستان والرئيس المنتخب

كفاح محمود كريم

           قبل عدة أيام اجتمع رئيس إقليم كوردستان بقادة المعارضة الثلاث في الإقليم ( كوران والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية ) مبتدءا سلسلة من الاجتماعات والحوارات لمشاركة هذه القوى في صنع القرار وتحمل المسؤولية جنبا إلى جنب مع الفائزين بالانتخابات الأخيرة، وكان قبلها بعدة سنوات قد أثار السيد مسعود بارزاني رئيس كوردستان، الكثير من الآمال لدى المجتمع السياسي والثقافي وعموم الأهالي ليس هنا في الإقليم فحسب وإنما في كل أرجاء العراق، بإمكانية التطور المدني والديمقراطي في منطقة تتميز بتركيباتها العشائرية والدينية المحافظة، والتي تميل في طبيعتها إلى تمجيد الفرد شيخا كان أم رئيسا على خلفية تراكيب متوارثة في السلوك والثقافة عبر حقب زمنية طويلة، حينما أصر البارزاني على إجراء انتخابات رئاسية يتقدم إليها من يرى في نفسه مؤهلا لها، ورفضه لصيغة الولاية على خلفية فوز حزبه بالانتخابات، وهذا ما حصل فعلا حيث تقدم عدة مرشحين، كان فيهم من نافسه بشكل مؤثر لما حصل عليه من أصوات، وجاءت النتائج ليتقدم على منافسيه ويحقق ما يقرب من 70% من أصوات الناخبين لكي يكون أول رئيس عراقي وكوردستاني ينتخب مباشرة من الشعب، منذ تأسيس الدولة باستثناء ما يقرب من أربعين عاما، وهي الفترة التي تداول الحكم فيها رؤساء وزارات تحت ظل نظام ملكي برلماني استخدمت فيها صناديق الاقتراع، غير ذلك تسلط على رقاب العراقيين رجال استحوذوا على السلطة بانقلاب عسكري أو خيانة، حتى سقوط ذلك النمط الشمولي من النظم السياسية، واستبداله بنظام ديمقراطي يعتمد الانتخابات وصناديق الاقتراع وسيلة لتداول السلطة، حيث جاءت انتخابات 2005 بالرئيس الحالي لمجلس الوزراء العراقي بصفقة سياسية وليس بانتخاب مباشر من الشعب، على خلفية حفظ التوازن وديمومة العملية السياسية وإنضاجها كما حصل أيضا في اتفاقية اربيل بعيد انتخابات 2009 التي أوصلت السيد المالكي إلى رئاسة الحكومة بصفقة سياسية وليس بانتخاب مباشر من الشعب بوجود منافسين شخصيين له حتى من كتلته أو من حزبه.
 
     وفي عملية تكريس السلوك الديمقراطي بعد فوزه بالانتخابات، وأثناء زيارته لجامعة دهوك، اقترح احد الأساتذة في الجامعة اعتبار يوم زيارته يوما تاريخيا وعيدا سنويا يتم الاحتفال به، فرد عليه رافضا اقتراحه وقائلا:

    لماذا تفعلون ذلك انا من واجبي ان ازور كل مؤسسات الدولة ومنها الجامعات؟ فلماذا تجعلون يوم زيارتي الواجبة عيدا؟ توقفوا عن صناعة الدكتاتوريات واستنساخ صدام حسين مرة أخرى؟

    وحينما أراد شخص آخر أن يلطف الجو مقترحا منحه شهادة الدكتوراه الفخرية بمناسبة زيارته للجامعة رد عليه قائلا:

     اتركوا هذا التقليد واحترموا معايير الشهادات ودرجات العلم، فانا ارفض شهادة لا استحقها، ويكفيني فخرا انني بيشمه ركة لحماية هذا الوطن والدفاع عن انجازاته ومكتسباته وقوانينه.

     لقد كان هذا هو خيار الشعب في كوردستان العراق، للتحول من مجتمع العبودية إلى المجتمع الحر، والى تقاليد نظيفة خالية من الشوائب والأمراض الاجتماعية المتوارثة، رغم ما واجهه من تحديات كبيرة وحرب داخلية، لكن خياره على انتهاج الديمقراطية حينما توفرت فرصة الاستقلال الذاتي كان الخيار الوحيد، حيث أصر الرئيس مسعود بارزاني على انتخابه مباشرة من الشعب بوجود منافسين حقيقيين له بدلا من تسميته في البرلمان ومنحه الثقة على أساس حزبي فقط.

     إن طبيعة العملية السياسية والاجتماعية والظروف الدقيقة التي تمر بها كوردستان تحتم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب بوجود منافسين كما هو الحال في كثير من بلدان العالم الديمقراطي، خاصة وان النظام السياسي في الإقليم خليط من النظامين البرلماني والرئاسي وهو الأنجع لطبيعة الإقليم وتقاليده الاجتماعية والسياسية.
kmkinfo@gmail.com


 



356
لعنة الكراسي في العراق؟

كفاح محمود كريم

    لا اعرف مدى صحة ما يسمى بلعنة الفراعنة رغم ما ذكر عنها وما سببته من إشكاليات كثيرة كما نشرت العديد من الصحف والمجلات عن أناس ماتوا أو تمرضوا أو فقدوا عقولهم بسبب بحثهم عن آثار الفراعنة، وبصرف النظر عن حقيقة الأمر أردت أن ادخل بلعنة الفراعنة إلى لعنة أخرى تلازم أي ملك أو رئيس يتولى الحكم في العراق، فهو نادر ما يعود إلى ذويه صاغ سليم كما يقولون وربما السبب في ذلك تشبثه بالكرسي وعناده مع الآخرين الذي يعتقدون أن لهم أسهما مهمة في تلك الكرسي، وهكذا تبدأ المؤامرات من اجل انقلاب يطيح بالرئيس ليعتلي رئيس آخر أكثر حماقة من الأول لأنه بالتأكيد سينتهي ذات النهاية، كما جاء في الحكاية الشعبية عن تقليد إحدى القرى برمي مختارها حينما يشيخ من أعلى الجبل ليعتلي ( سقيع ) آخر مكانه مختارا!؟

     وخلال ما يقرب من نصف قرن من تأسيس دولة العراق مطلع عشرينات القرن الماضي، مارست النخب السياسية المقربة من مليك البلاد وبطانته نوعا من تداول السلطة على النمط البريطاني، بنظام ملكي دستوري وصلاحيات للملك أوسع من صلاحيات الملكة البريطانية، وتمتع العراقيون لعدة سنوات باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، حتى بانت بوادر التعاطي ( الملعون ) مع ما كان يسمى بالأقليات القومية والدينية، وخاصة الشريك الأساس في تأسيس وقيام المملكة العراقية من ثلاث ولايات آخرها كانت تضم معظم كوردستان الحالية بإقليمها ومناطقها المتنازع عليها إداريا، فأصبحت البندقية والفرهود هي الرد على مطالب الأهالي واعتراضاتهم، ومنها بدأت لعنة الرئيس العراقي وحكومته سواء ما جاء منها على ظهر الدبابة في باطن الليل أو صناديق العشائر والمذهب في انتخابات كنا نتأمل أنها علاج لكثير من مشاكل تداول السلطة، فإذ بها داء في مجتمعات ما تزال تولي وجهها شطر القرية بديلا للوطن والعشير بديلا للشعب.

     وبمجرد أن يستقر له الحال هذا الرئيس ويتوفر له كم ( دينار ) ويبلط كم ( شارعا ) ويبني كم ( جسرا ) يلتفت إلى ما حواليه ليسأل عن السلاح وتبدأ الحكاية.. فيرسل بقاليه إلى مخازن تجار الأسلحة ليشتري من هنا وهناك، وفي الطريق كعادة معظم البقالين تشتغل القومسيونات من هذا وذاك لتبدأ حكاية أخرى من حكايات الأسلحة والحروب تلك هي حكاية علي بابا والأربعين حرامي.

     ما أن تبدأ صفقات الأسلحة بالوصول إلى مخازن الرئيس  حتى يبدأ ( ينفش ) ريشه، وكما يقولون فان الأقربين أولى بالمعروف ( يتناوش، يتناول ) الشمال الحبيب كحقل لتجربة أسلحته، وتبدأ من هنا لعنة الكراسي والمناصب تحوم حواليه ليحرق الأخضر واليابس، ويعلق نياشين البطولة والقيادة لينتهي كالعادة مقتولا أو مطرودا أو مسموما أو مشنوقا أو محروقا، تلك هي لعنة الرؤساء في بلادنا من زعيمنا الأوحد وحتى دولة الرئيس الذي يتحارب مع الكل، لمجرد أن حكومته وقعت بضع صفقات سلاح أكثر من نصفها تفوح منه  رائحة الفساد والإفساد.

     ترى هل ستبقى لعنة الكراسي أو لعنة الرئيس سواء كان في أعلى الهرم أو حتى رئيس دائرة صغيرة أو مجموعة ما، تلاحق النظام السياسي في بلادنا، أم أن الديمقراطية ستنجح في إنقاذه هذه المرة من الموت قتلا أو حرقا أو شنقا أو سجنا أو نفيا، ليغادر كرسي الرئاسة معززا مكرما!؟

kmkinfo@gmail.com
     



 

357
تحالفات متعددة الأوجه!

كفاح محمود كريم

     مع قيام النظام السياسي الجديد في العراق اثر سقوط نظامه الشمولي في نيسان 2003م وبداية تأسيس نظام ودولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة عن طريق الانتخابات وبمشاركة جميع الأحزاب والحركات والأفراد في مطلع 2005م، حيث جرت انتخابات عامة لتأسيس أول برلمان عراقي منتخب مباشرة من الشعب بعد سقوط برلمانه الملكي في تموز 1958م جرت تحالفات عديدة بين الأحزاب والحركات على شكل كتل أو مجموعات كان أهمها ثلاثة كتل رئيسية تعبر بشكل أو آخر عن مكونات العراق الرئيسية وهي التحالف الكوردستاني الذي ضم مكونات مجتمعات كوردستان الاثنية والدينية، والتحالف الوطني الذي مثل معظم المكون الشيعي، والثالث هو القائمة العراقية التي جمعت بين صفوفها أغلبية سنية رغم وجود بعض الشيعة الليبراليين إلا أنهم أقلية لا تخضع للقياس العام، إضافة إلى كتل صغيرة هنا وهناك ممثلة لمكونات عرقية أو دينية كالتركمان والمسيحيين وغيرهم.

     إن التحالف الشيعي- الكردي، وهذا ما اعتاد على تسميته الأهالي ووسائل الإعلام أيضا حاله حال التحالفات القائمة يمثل كتلتين أساسيتين في المجتمعات العراقية الأولى هي التحالف الوطني التي تمثل المكون الشيعي من عرب العراق غالبا، والكتلة الثانية هي التحالف الكوردستاني الذي يمثل الكورد غالبا، وفي كلا الكتلتين ومن ينضوي تحتهما أناس لا علاقة لهما عرقيا أو مذهبيا بهوية الكتلتين، ويأتي هذا التحالف متمشيا مع الإحساس المشترك بالمظلومية وبالتقارب في كثير من الأهداف والرؤى وهو يتناسق  مع روح النظام التوافقي والمشاركة في البلاد، فهو تحالف متعدد الأوجه حاله حال بقية التحالفات القائمة، حيث هناك أكثر من زاوية للنظر إليه، حيث يرى البعض انه تحالف كوردي شيعي، بينما يصفه السيد فاضل ميراني سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني الحليف الأكبر للتحالف الوطني الشيعي:
     
     إن الكورد سنة في اغلبهم والتحالف الوطني شيعي بأغلبيته فهو تحالف سني شيعي، كما إنهم أيضا من الناحية القومية عربا، وهذا يعني تحالف عربي كوردي، بمعنى إن التحالف لم يأخذ بعدا ضد مكون آخر ويقصد هنا السنة العرب، فالكورد يمثلون السنة أيضا كما يمثل الشيعة العرب، وهو بذلك تحالف وطني من اجل مصالح البلاد العليا.

      وفي كتلة العراقية ايضا هناك أوجه متعددة لشكل التحالفات حيث يرى البعض انها تمثل السنة العرب، بينما يرى آخرون انها تمثل الليبراليين العراقيين، ويزعم فريق آخر ومهم بأن البعثيين وجدوا فيها خير من يمثل بقاياهم هنا وهناك، وفي كل الأحوال يرى الكثير من المراقبين ان الكتلتين الرئيسيتين تعاني من تناقضات بنيوية حادة رغم كونهما في ائتلاف واحد كما في التيار الصدري ضمن التحالف الوطني والحرة والبيضاء وغيرهما في العراقية، بينما تتمتع كتلة التحالف الكوردستاني بتوحد واضح رغم وجود تناقضات ليست سهلة بين بعض مكوناتها.

    وفي الجانب الثاني، وعلى خلفية أزمة الحكم والأزمة المختنقة بين الكتلة الحاكمة والمعارضين لنهجها، ومن بين كل هذه الآراء والأوجه المتعددة يتبلور الآن فريق آخر يرفض هذا الشكل من التحالفات، وينادي بمشهد سياسي جديد يبعد هذا النمط المتعدد في أوجهه والمتحد في خلافاته وتناقضاته، والتي ربما هي الأخرى أي تلك التناقضات الحادة تعطي مشهدا أكثر واقعية بتبلور ثلاث قوى رئيسية تمثل ثلاثة أقاليم جغرافية تاريخية يتكون منها العراق الاتحادي ألتعددي الديمقراطي.
kmkinfo@gmail.com

358
المنبر الحر / كذابون لا تصدقوهم!
« في: 16:50 20/01/2013  »
كذابون لا تصدقوهم!

كفاح محمود كريم

     خرج قبل أيام عزة الدوري لكي يرسل رسالة إلى الأهالي بأنهم ما يزالون على الساحة يحركون الشارع ويقودون المظاهرات، ورغم أن ذلك لا يمت إلى الحقيقة بأية صلة إلا أنهم كعادتهم يستثمرون جهود غيرهم ويكذبون على الناس بإنشاءات وشعارات جوفاء خبرناها خلال أربعين عاما من أحلك السنوات وأكثرها ظلما وسوادا في تاريخ هذا البلد.

     لقد خبر العراقيون أكاذيبهم وتزييفهم للحقائق وتشويههم للأحداث والمواقف عبر تاريخهم ليس هنا في العراق فقط بل حتى في سوريا التي يذبحونها الآن كما ذبحوا العراق، ويتذكر العراقيون والسوريون جيدا مآسيهم وجرائمهم بحق شعوب هذه البلاد ومكوناتها القومية والمذهبية والدينية فلم يسلم منهم كورديا أو تركمانيا أو آشوريا أو كلدانيا إلا وآذوه حتى الإبادة من اجل استلاب عقله أو أصله أو ثقافته، وفعلوا ذات الفعل بالشيعة والسنة والايزيدية والمسيحية والصابئة، حتى يكاد العراق أن يفرغ من مكوناته الأساسية والأصلية

     ورب سائل يسأل أو يعترض على أن الذين تعرضوا للقتل أو التهجير بعد سقوط نظامهم أكثر بكثير ممن حصل لهم ذلك أيام حكمهم، أقول إن ما حصل بعد ذلك انما جاء نتيجة تلك العقلية التي زرعوا بذورها طيلة عقود من التثقيف الشوفيني والمتطرف لدى قطاعات واسعة من الشبيبة والأهالي وتم حصد ثمارها العنصرية والمتطرفة بعد سقوطهم أيضا

     إنهم يكذبون وذلك أهم مواصفاتهم فهل ننسى كيف أنهم حتى سقوطهم كانوا قد أوهموا أنفسهم ومن مثلهم بانتصاراتهم العملاقة في هزيمة حرب الخليج الأولى والثانية وما أسموه بأم المعارك وما بعدها بالحواسم التي كشفت عوراتهم وبانت حقائقهم كسراق وقتلة ليس الا، وهل ينسى الكوردستانيون كيف انهم هزموا شر هزيمة في اقليم كوردستان ليقولوا للأهالي انهم انسحبوا، وذهبوا إلى مناطق أخرى مع تشكيلات كارتونية مثل مقر محافظة اربيل في مخمور ومقر محافظة دهوك في الموصل بكافة دوائرهما وكذا الحال مع السليمانية واستمروا بهذا الكذب لحين سقوطهم المخزي في نيسان 2003م

     واليوم يخرج مطلوب منهم للعدالة بتهمة اقتراف جرائم بحق الإنسانية ليكذب كذبة أخرى أكثر سخرية وسذاجة من كل أكاذيبهم ليقول فيها أنهم يحركون الشارع الذي يلعنهم قبل سواهم لما اقترفوه من جرائم بحقه وما زرعوه من آثام وانحرافات تظهر بين الفترة والأخرى، ويبقى السؤال المهم جدا:

                                                    لماذا ظهر الدوري الآن؟ ومن أظهره ولصالح من؟

    الجواب ربما يؤشر إلى كثير من الحقائق أولها من يريد إفشال وتلويث المظاهرات وحرفها عن طريقها الصائب، هو الذي أومأ إلى الدوري بالظهور!؟
kmkinfo@gmail.com

359
المنبر الحر / من هو حرامي بغداد؟
« في: 16:48 15/01/2013  »
من هو حرامي بغداد؟

كفاح محمود كريم

     حرامي بغداد وصف أطلق على الكثير من المسؤولين العراقيين عبر تاريخ الدولة منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، وربما الأكثر انتشارا حتى قيام حكومتنا الرشيدة جدا جدا بعد انتخابات 2005م كان قد حمله ذائع الصيت رئيس وزراء العراق أيام حكم العوارف طاهر يحيى، الذي ذكرت كثير من المصادر انه كان ضحية عملية تسقيط قام بها البعثيون كعادتهم في تسقيط معارضيهم أو من يختلفون معهم، وان الفريق يحيى كان نزيها ونضيف اليد الا انه اختلف معهم وعارضهم فأسقطوه بتسميته حرامي بغداد؟

     واليوم بعد هذا السيل من ملفات الفساد التي وصلت عشرات المليارات أي بما يعادل كل موازنات الدولة العراقية وحتى سقوط نظامها الشمولي في 2003م، وهي التي حددتها لجنة النزاهة وأجهزة القضاء وكشفتها وسائل الإعلام فيما يتعلق بملفات الكهرباء والعقود الوهمية وما يشابهها في وزارة النفط وتهريبه كحصص لكثير من الحاكمين في العاصمة، وما فعلته وزارة التجارة بشخص وزيرها الهارب عند الحكومة(!)، إضافة إلى عمليات صرف وتحويل الدولار من البنك المركزي نزولا وصعودا من قبل متنفذين حكوميين لهم علاقة بمراكز القرار المالي والسياسي في البلاد، إلى جانب صفقات التسلح التي ( غطت وعمت ) كما يقول المثل العراقي وتجاوزت في التعامل الفاسد عشرات الملايين لتقفز إلى المئات، وتكمل ما فضحه تقرير ديوان الرقابة المالية عن الاختلاسات المريعة في مكتب رئيس الوزراء الاتحادي ومكتبه كقائد عام للقوات المسلحة(!)

      فإذا كان التاريخ القريب يحكي لنا عن حرامي واحد في بغداد، فان التاريخ الأقدم يحكي عن أربعين حرامي التفوا حول علي بابا رحمه الله، فما بالنا اليوم ونحن نتصدر قوائم الفساد ( يعني البوك واللغف ، يعني السرقة بالعربي الفصيح!) في العالم حسب تصنيفات منظمات ومؤسسات الشفافية الدولية، ولم نعد حقيقة نستطيع إحصائهم أو تصنيفهم، وربما الاختلاف في تعريفهم يزيد تعقيد عملية التحديد، فهناك من يعتبرهم مخطئون فقط ويجب مسامحتهم، وهناك من يعتبر فعلتهم شطارة وفهلوية، بل ان البعض يعتبر ما يجنوه من المال العام انما يقع في باب الغنائم أو المنح، والله والعارفين كنه الأمور يعلمون ذلك، ورغم كل شيء تعلمنا جميعا في مجالسنا الشعبية ومدارسنا وبيوتنا، انه ما من ولد مسيء أو بنت مسيئة إلا وكان السبب ولي الأمر والقائم على التربية والتعليم، ومن هنا ندرك أن المسؤولية لا تقع دائما بكاملها على منفذها فقط!؟

    وعليه يحق لنا دون اتهام لأحد أن نسأل بعد هذا الطوفان من الفساد، هل لهذه ( الشليلة ) من رأس أو رؤوس، وأين هي حقا تلك التي تحمل بجدارة لقب حرامي أو حراميو بغداد بلا منازع أو منافس، أو على رأي البرلمانيين ولغتهم بأغلبية ساحقة!؟

kmkinfo@gmail.com

360
عبدالزهرة وكاكا خورشيد

كفاح محمود كريم

     أثارت تصريحات بعض رجال الدين في الأزمة والمظاهرات الأخيرة ذكريات مؤلمة لثقافة بائسة حكمت البلاد حقبة طويلة، وهي     واحدة من اخطر ما واجه الكيان العراقي منذ تأسيسه في الإقصاء والتهميش بل الاستصغار والاستعداء الذي حملت فايروساته كثير من طواقم الحكم في البلاد، ابتداءً من الحكم الملكي وحتى آخر حلقة حكم تكسرت في عدة أيام حينما تحدت العالم وقواه العظمى فقادت البلاد إلى التدمير والخراب والاحتلال، وبسقوطها وتكسر حلقاتها الأساسية بدأت مرحلة جديدة يفترض أنها تختلف كليا عن تلك الحقب التي نزف فيها العراقيون من كل المكونات سيولا من الدموع والدماء، نتيجة إغفال وتهميش وإقصاء الكورد والشيعة والتركمان والآشوريين والكلدان وغيرهم من المشاركة الفعلية في بناء الدولة وحكمها، حتى اندلعت ثورات عارمة في كوردستان والجنوب وانتفاضات كثيرة أدت إلى وقوع حروب داخلية ومآسي لا نظير لها إلا في جرائم النازية والفاشية، كما حصل في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية في الجنوب العراقي اثر انتفاضة شعبان والربيع عام 1991م.

     ونتذكر جميعا كيف كانوا يستصغرون الآخرين بالتهكم والاحتقار وليس أدل على ذلك إلا ما قاله عبدالسلام عارف حينما ذهبوا اليه للتوسط في إيقاف الحرب على كوردستان، حيث قال:  ماذا نخسر نحن حينما يتقاتل كاكا خورشيد وعبدالزهرة؟
     ويقصد الكورد والشيعة ( حيث إن أغلبية مراتب الجيش كانت من أهالي الجنوب العراقي )، وربما كان ما يفعله فاشيو   وعنصريو حقبة البعث مكملا لتلك العقلية حينما كانوا يفصلون الشيعة عن السنة عن الكورد وهم يشكلون وحداتهم العسكرية الخاصة، بهذه العقلية كانت الأنظمة السياسية تحكم بلاد تتقاسمها مكونات عرقية وقومية ودينية ومذهبية مختلفة عانت جميعها من إقصاء وتهميش واستصغار، حفر في ذاكرتهم نقوشا أليمة في بؤسها وعنصريتها، حتى افتقدت البلاد إلى مفهوم متحضر للمواطنة التي ترتقي على الانتماء الديني أو القومي أو الاثني والعرقي.

     ان ما يجري اليوم من عملية إعادة تصنيع لتلك الثقافة انما يؤشر فشل الحكومة الاتحادية والبرلمان من تحقيق بديل يرضي الشارع العراقي عموما، مما أدى إلى ظهور أنماط من تلك المظاهر التي تعكس طبيعة ذلك الفكر الذي ما زال يعشش في رؤوس وسلوك كثير من الأفراد والجماعات التي اخترقت العملية السياسية ومفاصلها بسبب سوء الإدارة والفساد، ولو أتيح لها أكثر في اعتلاء ناصية الحكم ثانية لأعادت عقارب الساعة إلى الوراء، بل لفعلت أضعاف ما فعله نظام صدام حسين في العراق عموما مع الكورد أو الشيعة أو السنة وغيرهم. 

     لقد أكدت الأحداث طيلة ما يقرب من نصف قرن من حكم الطغاة في هذه البلاد فشل حكم طائفة أو مذهب أو قومية لوحدها دون مشاركة فعلية وحقيقية من جميع مكونات البلاد بذات الأطوال والأحجام، وقد أدت تلك المحاولات إلى فشل ذريع في تكوين كيان محترم بل على العكس جعلته واحدا من أسوء الكيانات في نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري، واليوم تتوفر فرصة ذهبية في تكوين أسس فيدرالية لدولة اتحادية محترمة لا يشعر فيها عبدالزهرة وكاكا خورشيد وعمر وسرجون أنهم مقيمين في فندق بل مواطنين في دولة تحترمهم وتحبهم كمواطنين ليس إلا.

kmkinfo@gmail.com
 

361
الخوف وابناؤه السيئون؟

كفاح محمود كريم

    من يشاهد ويستمع لأداء موظفي البيت الأبيض أو مساعدي أي رئيس حكومة أو زعيم أوربي يدرك نوعية الصلة التي تربطهم مع بعضهم، والتي تقوم أساسا على الاحترام المتبادل المفعم بالود الخالص والخال من التملق والتدليس، والمبني على خلفية أنهم جميعا فريق عمل لخدمة الدولة، وليس الرئيس كشخص بل كموظف يؤدي واجبا وطنيا، ومن هنا فالكل يعمل من اجل أن يكون أداء الرئيس بمستوى الناخبين الذين انتخبوه لخدمة الوطن والشعب ومصالحه العليا، دون شعور بالخوف أو التحسب، فلكل منهم واجب ومهمة ومجال حيوي.

     والذي يلاحظ أداء معظم مساعدي أو موظفي الرئاسة في الدول الديمقراطية المتقدمة وخاصة في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان يدرك تماما معنى أن يكون الإنسان حرا يعيش دون خوف أو تحسب، فقد ذكر معظم علماء النفس والاجتماع بان التملق من أبناء الخوف حاله حال الكذب الذي تنتجه منظومة الرعب والإرهاب بدءً من الأسرة والمدرسة وانتهاءً بالحكومة ورموزها، وهذا يعني إن المرء هناك ذكرا أو أنثى لا يُعطى الخوف مع الحليب ولا العار مع الشيكولاته، فينمو في بيئة نقية حرة يتطور تدريجيا ككائن متحضر متفوق في أدائه وحر في سلوكه كأي فارس مقدام.

     هذا الموظف أو المساعد أو من يكون له مكانه وموقعه الذي لا يقلل من طوله أو شأنه قيد أنملة عن أي موظف في الخدمة العامة من شرطي المرور وحتى رئيس الدولة أو الحكومة، فهم جميعا في قياسات واحدة وان اختلفت العناوين فإنها لغرض الراتب والتقاعد  ليس إلا، ولذلك تراهم يتعاملون ويتحادثون مع رؤسائهم أو مسؤوليهم الما فوق بشكل طبيعي متكافئ مفعم بالجدية والاحترام المتبادل خال من المديح الكاذب وكلمات الإطناب الجوفاء، بلغة راقية ملؤها الثقة بالنفس ودماثة الخلق الذي لا تدنسه أساليب التملق والتدليس والخوف والإرهاب، كما هو في كثير من بلداننا المعاقة سياسيا واجتماعيا، الغارقة في بحور من الخوف والشك والفاقة والانتهازية، حيث تلتف البطانات حول المسؤول كالتفاف الأفعى الناعمة على فريستها، حتى تشوه سمعتها وتجعل صورتها لدى العامة من الأهالي أكثر سوادا من مدلهمات الليالي، فيتحول الرئيس أو المسؤول إلى نصف اله محنط أو ربما يزيد تدريجيا مع اتساع مسافات البعد بينه وبين الناس.

    ربما إن النهج الديمقراطي في تداول السلطة وحرية التعبير ووسائلها واحدة من العلاجات التي توصف لهذه الظواهر المتكلسة في السلوك لدينا هنا في بلداننا الشرق أوسطية وما شابهها في تركيبه الاجتماعي والنفسي، لكن تبقى التربية الأولية في البيت والمدرسة هي الأساس في بناء شخصية الفرد، مما يستدعي ثورة حقيقية في مناهج التربية والتعليم وأساليبها المفعمة بالإملاء والخوف والامتحانات المرعبة التي تسببت في تكلس كثير من سلوكيات مشوهة ربما في مقدمتها قلق الشخصية وعدم اتزانها وفقدانها للثقة والركون إلى الاتكالية والتدليس.

kmkinfo@gmail.com

362
المنبر الحر / دولة التصريحات
« في: 19:48 27/12/2012  »
دولة التصريحات

كفاح محمود كريم

     منذ أن أصبح لدينا مجلسا للنواب منتخب بشكل ديمقراطي تشوبه كثير من آثام الماضي ومعاصيه، وتعفره مظاهر مواطنة العشير والقرية والمذهب، والعديد من فوارس هذا المجلس العتيد يتبارون مثل الديكة في حلبة للاستعراضات الدعائية حينما يشتد وطيس الخلافات والصراعات بين الأحزاب والكتل، حيث تتحول منابر الدائرة الإعلامية في مبنى البرلمان ومنصاتها إلى مهرجانات للخطابة يتسلقها أولئك الذين كانوا يعجزون من أن يتلوا نشيدا واحدا في المدرسة، والطريف انك تراهم يتجمعون حول خطيب يتوسطهم وهو يلقي خطبته العصماء، بينما يلتف حوله أعضاء من كتلته يتم توزيعهم كقطع الشطرنج من حواليه لكي يغيضوا ويرعبوا العدو المفترض، وفي كل هذه الاستعراضات تنهال التهم والادعاءات والتهديدات حتى ليضن المرء إننا قاب قوسين أو ادني من حرب عالمية ثالثة!؟

     في الأزمة الأخيرة بين الإدارة الاتحادية في بغداد والإقليمية في اربيل، شهد المواطن العراقي استعراضات اكروباتيكية وخطابية دعائية من قبل الكثير من أعضاء مجلس النواب العراقي مثيرة للأعصاب تارة وتارة أخرى للسخرية، فهم جميعا أي هؤلاء النواب مجرد أعضاء في كتلة ما أو حزب معين، ولا يحملون صفة الناطق الرسمي أو المتحدث المخول، لكنهم يمارسون حريتهم في التزلف لقادة تلك الكتل والأحزاب، في استعراضات تملقية مثيرة للرأي العام، عملت على تعقيد الأزمة وتصعيد وتيرتها، بما ترك ظلا قاتما على المزاج العام للأهالي، وادخل البلاد في أجواء حرب بين الأشقاء، حتى انبرى احدهم وهو ليس أكثر من عضو مقرب من زعيم إحدى الكتل ليسمم الأجواء ويتناول زعيم كتلة أخرى بالسباب والشتائم والتهم الباطلة لكي يتقرب أكثر من زعيمه ويضمن مقعده النيابي لدورة أخرى.

     لقد ساهمت بعض وسائل الإعلام الرديئة بنقل تصريحات هؤلاء النواب على مدار الساعة في خدمة مجانية لإشاعة أجواء مسمومة برياح حرب مفترضة، لو اتقدت لن تنطفئ إلا بسيول من الدماء، دون أن يمنعهم أي وازع أخلاقي ووطني في التحريض على الكراهية والأحقاد وتسميم مزاج الأهالي ونفسية المجتمع سواء في إقليم كوردستان أو في بقية أنحاء البلاد، حتى انهم عادوا الى ذات الثقافة التي حكمت هذه البلاد لما يقرب من نصف قرن وتجاوزوها في ادلجة عقائدية اعتبروا فيها الشريك الأساسي وملته من المارقين وأولاد الجن، بل هددوا بان أي حرب ستقع هذه المرة لن تكون بين الأكراد والسلطة بل بين العرب والأكراد، في سابقة لا مثيل لها منذ تأسيس الدولة وحتى سقوط نظام صدام حسين، حيث لم يتجرأ أي رئيس أو ملك أو قائد عسكري أن يصرح بأن القتال في كوردستان بين العرب والكورد.

     وأخيرا لو ترك هؤلاء النواب منصات الخطابة وشاشات التلفزة وتوقفوا عن تصريحاتهم الاستعراضية في مسائل تتعلق بالمصالح العليا للبلاد، وتفرغوا لفضح احدهم الآخر في ملفات الفساد لكانت الفائدة اعم واشمل، بدلا من تصريحات تؤدي إلى إراقة الدماء والى تحويل مشروع بناء البلاد واعمارها إلى مشروع بناء دولة التصريحات!؟

kmkinfo@gmail.com


363
بيئة الأزمة والأداء السيئ!

كفاح محمود كريم

     في معظم الأزمات التي تمر بها البلاد نتيجة التغييرات الكبيرة الحاصلة في بنية النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يلعب الإعلام دورا مهما في التأثير على بيئة الأزمة والجو العام الذي يحيط بها، بل انه في كثير من الحالات يوجه دفة الصراع ودرجة اتقاده ايضا، ولقد شهدنا خلال الأزمة الأخيرة نوعان من الأداء الإعلامي مختلفان تماما عن بعضهما، ففي الوقت الذي تحاول مجموعات من الخبراء والكتاب والإعلاميين والمحللين السياسيين إعطاء صورة حقيقية للازمة بشكل حرفي ومهني دون المساس بأحد الأطراف بعيدا عن التشنج والانفعالات العاطفية، ينبري آخرون إلى تأزيم الأوضاع من خلال مساندة طرف ضد طرف آخر بما يسهل تقسيم الرأي العام وتحويله إلى جبهتين متصارعتين وتوسيع الهوة بينهما، وقد ساهم كثير من أعضاء مجلس النواب في هذا الأداء السلبي في جو الأزمة، حيث تحول الإعلام إلى حلبة استعراضات لمؤيدي أطراف النزاع أو الاختلاف من هؤلاء الأعضاء الذين خرجوا عن دائرة أدائهم التشريعي تحت قبة البرلمان إلى ساحة المصارعة الإعلامية متصورين بأنهم كلما تهجموا بشكل عنيف على الطرف الآخر سينالون رضا الآخرين دونما إحساس بموقعهم التشريعي وواجبهم الوطني في الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعيين في كل البلاد.

     من المتعارف عليه إن لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وبقية المسؤولين في الإدارة الاتحادية والإقليمية ناطقين رسميين أو متحدثين يعبرون عن رأيهم ورأي مؤسساتهم في أي حدث أو موضوع يخص الدولة أو الشعب، وبذلك تتاح فرصة للرأي العام بالاطلاع على المواقف الرسمية لتلك المؤسسات، وهناك تقليد أمريكي جدير بالاهتمام في هذا الجانب وهو الناطق اليومي باسم البيت الأبيض الأمريكي الذي يعطي خلاصة يومية لمواقف الإدارة الاتحادية في البلاد عن أوضاع الدولة ومواقفها الداخلية والخارجية، إضافة إلى اللقاء الأسبوعي للرئيس في الإذاعة والتلفزيون بشكل مباشر يتحدث فيها عن أحوال دولته وعلاقاتها، وما أضيف منذ سنوات في شبكات التواصل الاجتماعي والقنوات المفتوحة دوما بين الرئيس ومواطنيه مباشرة.

     وفي كل هذه الأمور تشارك مؤسسات بحثية ومراكز دراسات تضم كتابا ومختصين من المحللين السياسيين والخبراء والفنيين، الذين تقع على عاتقهم دراسة المشكلة وتحليلها واقتراح الحلول والمشاريع لأي موضوع يتعلق بسياسة الدولة ومؤسساتها أو المشاكل والمعضلات التي تعاني منها ووضع خطط وبرامج لحل معضلاتها بعيدا عن الآراء الانفعالية والدعائية لهذا الطرف أو ذاك، كما يفعل العديد ممن أدمنوا شاشات التلفزة من أعضاء مجلس نوابنا الموقر، وبمقارنة بسيطة بين ما يحصل في مجلس العموم البريطاني أو النواب الأمريكي لأدركنا انه نادرا ما نرى احد هؤلاء الأعضاء يؤجج الرأي العام بشكل يجعل المجتمع في حالة تأهب لحرب في أجواء تسودها الأحقاد والكراهية التي يدعو لها نائب ما، كما حصل لدينا في الأزمة الأخيرة حيث انبرى العديد من أعضاء مجلس النواب بعيدا عن واجباتهم الأخلاقية والوطنية لإشاعة الكراهية والأحقاد ضد الطرف الآخر دون أي حرص على مبادئ التعايش والتسامح بين مكونات المجتمع وقومياته ومذاهبه وأديانه.

      ومن المؤسف إن كثيرا من الفضائيات ووسائل الإعلام تعاملت وتتعامل مع جو الأزمة بأسلوب سلبي جدا بعيد عن تقاليد الصحافة والإعلام المهنية والحرفية، بما لا يتوافق ومواثيق العمل الوطني والحرص الاجتماعي على مشاعر الأهالي وإبعادهم عن جو الأزمة قدر الإمكان بما يتيح للعقلاء والحكماء فرصة حلحلة التعقيدات، بل تحولت الى أبواق سمجة لعناصر مصابة بجوع رهيب للظهور على الشاشة والاستعراض فيها تملقا وتدليسا، لا يهمهم ما يفعلونه وما يتركونه من تخديش للمزاج العام للأهالي الذين يعضون أصابعهم التي انتخبت هؤلاء الأعضاء الذين يتحدثون في أي موضوع كان سواء يتعلق بالعراق أو جزر الواق واق، فالمهم لديهم الظهور على الشاشة والإدلاء بتصريحات دائرية لا يفهم منها إلا النفاق والتدليس لهذا أو ذاك!؟ 
 
kmkinfo@gmail.com


 .

364
حكومات التوريث والتوكيل!؟

كفاح محمود كريم

     يتميز الشرق عموما والأوسط خاصة بتقاليد لا مثيل لها عند كل شعوب الأرض وأنظمتها السياسية وثوراتها وأحزابها، إلا اللهم من اعتبرها قدوة ويحاول تطبيقها كما يحصل في كوبا التقدمية جدا وكوريا الشمالية الشيوعية للعظم وعراق صدام حسين وسوريا الأسد اللذان أنتجا لنا موديلا جديدا للملكيات الجمهورية، فهم يتوارثون المقاعد والمناصب والصفات النضالية حتى من كان منهم في مرحلة التكوين الجنيني في رحم أمه، حيث سيكون لاحقا مناضل عنيد وصنديد وربما يتبوء مكان في عليين!

     فآل فيدل وعشيرة كاسترو تتوارث الآن ملحقات الرئاسة بكل أشكالها ومراتبها وامتيازاتها، ينافسها في الجزء الآخر من الأرض وفي الشطر الشمالي من جزيرة كوريا شيخ شبيبة التقدمية والاشتراكية من آل كيم وعين أعيان عشيرة سونك الشاب المناضل جنينيا والمهذب إلى درجة انه اعدم احد جنرالات جيشه العقائدي بجعله هدفا لقذيفة هاون لأنه احتسى الخمر حزنا على فقيد الأمة والد الملك الرئيس الجديد، متجاوزا على تقاليد الأمة وأخلاقيات الرفاق المناضلين!؟

     ولو لم تأت قوات ما وراء البحار العظمى قبل تسع سنوات لبقت عائلة الرئيس الضرورة تحكم بلاد ما بين النهرين هي وأحفاد أحفادها أكثر من البابليين والسومريين والاكديين مجتمعين، وكذا الحال مع زعيم عصره وملك ملوك أفريقيا القائد الملهم جدا معمر القذافي وأولاده قادة الجيش وكتائبه الذين لولا طائرات الناتو لسحقوا ثلاثة أرباع الشعب معتبرين إياهم جرذانا وصراصير، وربما الأمور تجري هكذا أيضا مع آل الأسد الذين استفردوا في الغابة ووقعوا فيها قلعا ونهشا وحرقا وقتلا وافتراسا لأن سكانها فكروا، مجرد فكرة لتغيير الأوضاع واستبدال الأحوال!؟ 

     انها حقا أنظمة ودول القبائل والعشائر ما زالت تعيش زمنها منذ آلاف السنين، وان تطورت فإنها كما يقول الفيلسوف نيتشه ليس بالضرورة أن يكون التطور نحو الأمام، فهي اليوم تعود إلى مربعاتها الأولى في حكم الأسر ما قبل العشير والقبيلة، وما أدل على ذلك إلا مشهد سقوط أنظمتها في بغداد وطرابلس وتونس واليمن وغدا دمشق وغيرها، حيث سقطت تلك الأسر أو البيوت ولم تلحقهم أو تجري خلفهم عشائرهم إلا في مراسم الدفن فقط ليس إلا، وفي الجانب الآخر هناك اسرا أوعشائر ما تزال تحكم وتقع خارج هذه التسونامي وهي تمتد من موقع ( مصان غير مسؤول ) كالملكيات المنتشرة شرقا وغربا، وصولا إلى الجمهوريات ذات النظم الديمقراطية، ومعادلة البقاء فيها قبان تتوازن فيه العدالة الاجتماعية بما يجعل خيارات الأهالي تتناغم دوما مع تلك الحالة وبقاء تلك الأسر أو الأحزاب كما هو الحال في كثير من بلدان أوربا واسيا وأفريقيا.
 
     المهم دعونا نعود إلى ( سالفتنا ) والمسؤولين في حكومة أكثر مسؤوليها يمارسون أدوارهم خلف حرف الواو، أي بمعنى بالوكالة ابتداءً برئيس الحكومة الذي يتولى وزارات الدفاع والداخلية وربما كثير من المؤسسات التي يديرها بشكل مباشر بوجود مديرها أو وزيرها، وهناك أيضا من يمارس دوره بالاستعاضة عن أعضاء اسر أصحاب المعالي ووكلائهم والمدراء العامين ومن هم بدرجتهم صعودا ونزولا حيث يمارس أولادهم وأحفادهم وأقربائهم من كل الدرجات صلاحياتهم ويتجاوزونها في كثير من الأمور وخاصة في حقل المال والوجاهة والوساطة والذي منه كما يقول إخوتنا الجدعان، فتراهم يمارسون دور ذويهم بالوراثة، ويتلبسون لبوسهم بل ويتجاوزونهم في الصلاحيات والامتيازات واللغف والبلع مما رزقهم النظام القائم، والعجيب ان المسؤولين راضين بالشغلة جدا وعاجبتهم اللعبة ويتباهون باللاعبين الجدد وهم يفعلون ما لم يفعلوه هم في أعمارهم حتى غدت البلاد أكثر بلدان العالم فسادا وفشلا، بل إن عاصمتها أصبحت أكثر تعاسة للعيش في العالم!؟

kmkinfo@gmail.com

 

365
المنبر الحر / صدام لم يقلها؟
« في: 21:54 08/12/2012  »
صدام لم يقلها؟

كفاح محمود كريم

     منذ اندلاع الثورات الكوردية في مطلع القرن الماضي بعد تأسيس مملكة العراق وهضم حقوقهم التي انضموا من اجلها إلى تلك المملكة، كانت توصيات كل القادة الكورد وبالذات الزعيم مصطفى البارزاني ان الصراع بين حركة التحرر الكوردية والحكومات في بغداد انما هي مع الأنظمة الدكتاتورية والظالمة وليس مع الشعب العربي أو العراقي خارج الإقليم، وطوال عشرات السنين من الثورات المتتالية أثبتت حركة التحرر الكوردستانية عموما انها تنضوي تحت مبادئ وأخلاقيات الفروسية التي عرفها أولئك الذين كانوا يقعون في اسر قوات الثوار البيشمه ركه، بل ان قيادة الثورة الكوردية كانت على طول الخط تتمتع بعلاقات وثيقة مع كل العشائر العربية التي تعيش قرب كوردستان وعلى تخومها وخاصة أولئك العرب الاصلاء في المدن والبلدات التي تسمى اليوم بالمناطق المتنازع عليها حيث تعرضت لعملية تعريب وتشويه ديموغرافي حاد لسلخها عن الإقليم وذلك باستقدام أناس لا علاقة لهم بالمنطقة جغرافيا وتاريخيا بإغراءات مادية وأحلام شوفينية مقيتة حتى أطلقوا عليهم اسم عرب العشرة آلاف دينار لتمييزهم عن الاصلاء من سكنة تلك المناطق؟

     ورغم كل ما حصل من مآسي الحروب وصراعاتها الأليمة وما تداعى عنها من استخدام همجي للأسلحة المحرمة دوليا كالنابالم والأسلحة الكيماوية في حلبجة وكرميان وبادينان، إضافة الى حرب الإبادة البشرية التي تمثلت بجرائم الأنفال سيئة الصيت، حيث شملت مئات الآلاف من المواطنين المدنيين أطفالا ونساءً وشيوخا، لدرجة أن دكتاتور العراق صدام حسين وشقيقه علي كيماوي أمرا بإبادة الذكور البارزانيين من أعمار تسع سنوات فما فوق ليقتل ما يقرب من عشرة آلاف بارزاني خلال أشهر، رغم كل ذلك لم ينحدر دكتاتور أو جنرال أو سياسي منذ تأسيس المملكة العراقية إلى مستوى إعلان الحرب القومية بين العرب والكورد، كما هدد بها السيد رئيس مجلس الوزراء الاتحادي في العراق، البلد الذي يفترض انه غادر ذلك النمط من الثقافة الشوفينية الإرهابية، ألا ان  هذا التصريح يكشف توجها خطيرا مدعما بمفاهيم مؤدلجة وحملات دعائية مبرمجة ضد الكورد وإقليمهم بما يهيئ عشرات الآلاف من الذين خسروا الكثير بسقوط نظام صدام حسين وكانوا أدوات ووسائل التغيير الديموغرافي في المناطق المتنازع عليها، وخاصة أولئك الذين نفذوا جرائم الأنفال وتهجير مئات الآلاف من الأهالي الأصليين في سنجار وزمار وكركوك وخانقين ومندلي والشيخان، وإبادة ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ كوردي، للانضواء تحت راية الفاشية الجديدة التي تنوي الهجوم على كوردستان وإطفاء أنوارها وإحراق ربيعها لتغطية فشلهم الذريع في بقية أنحاء العراق الذي حولوه بسياستهم البدائية إلى افشل دولة في العالم وجعلوا من بغداد التاريخ والحضارة أسوء مكان للعيش على ارض البسيطة، بينما تنعم كوردستان بالسلم والأمن والفرح والتعايش والتسامح والتطور.

     الحرب على كوردستان ومناطقها المستقطعة ليست نزهة أيها الجنرالات المخضرمين في حروب الأنفال  وحركات ( الشمال )، والكوردستانيون بناة جيدون وقد بنوا وطنهم ونالوا إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء، ولن يريقوا الدماء هذه المرة من اجل الحفاظ على الفيدرالية فقط، فاتقوا الله في العراق وأهليه من ( أولاد الخايبة )، وتكفينا أعداد الأرامل والأيتام والثكالى التي تفوقنا بها على كل دول العالم!؟

     وتذكروا جيدا إن جبال كوردستان التي كانت عبر تاريخها وما زالت ملاذا يوم لا ملاذ غيرها، حطمت كل الأنظمة الدكتاتورية وجيوشها وجنرالاتها، وانتصرت لتحتضن كل العراق حينما ادلهمت لياليه ونهاراته، فكانت الحضن الأمن لكل المظلومين العراقيين من الأديان والمذاهب والمكونات التي تعرضت للإبادة والتهجير والاضطهاد!؟

kmkinfo@gmail.com

366
بطاقة القطيع وسندويش الفلافل؟

كفاح محمود كريم


     في الدول المتقدمة والأنظمة المتحضرة يتنافس الخبراء والمشرعين والمسؤولين من اجل اكتشاف أو تطوير أو ابتداع أكثر الوسائل والأساليب خدمة للأهالي، وفي كل مناحي الحياة، بما يلبي رغبات الأكثرية ويحترم دوما خيارات الأقلية، ولذلك ترى فيها منظومات متطورة للتكافل الاجتماعي، تكون فيها الدولة وأجهزتها خادمة لتلك الأنظمة بما يحقق حياة رغيدة وكرامة رفيعة مصانة لمواطنيها، لا تخضع للابتزاز أو المساومة أو استخدام تلك المنظومات لاستغلال المواطن سياسيا أو اقتصاديا، كما يحصل في كثير من بلداننا التي حاولت استنساخ بعض تلك المنظومات ولكن بتنفيذ شرقي استغلالي بشع، منذ وقوعها تحت حكم الأنظمة الشمولية، وهي تناضل من أجل تحويل الأهالي إلى قطيع صاغر جائع مستكين، تتحكم فيه كما تتحكم الذئاب في قطعان الماشية التي تفقد رعاتها، وخير ما أنتجته تلك الثقافة هو نجاحها المنقطع النظير في ربط كل الأهالي بمصدر تغذية واحد، يتحكم فيه الرئيس الأوحد  والحزب القائد وليست المؤسسات كما يحصل في الدول المتقدمة، ويعرف الجميع العدد الهائل من مستوطنات الفساد في الجمعيات الاستهلاكية والتموينية في مصر وسوريا واليمن ومن شابههم وخاصة تجربتنا الرائدة في البطاقة التموينية وماهية النوعيات الرديئة من الأغذية وكمياتها التي توزع بشكل مخز على الأهالي، حيث أصبحت البطاقة التموينية ورقة جوكر بيد النظام العراقي السابق، يلعب فيها ويستغلها بشكل بشع ومرعب في تبعيث الأهالي والتهديد بقطعها عن أسر الأشخاص المعارضين سواء من كان منهم في العمل الثوري داخل العراق أو هاربا خارجه.

     وطيلة سنوات مريرة من الحصار أصبحت هذه البطاقة ومفرداتها تغطي ما يقرب من نصف حاجة المواطن في الحد الأدنى للعيش في ظروف قاهرة وقاسية من ضغطين مزدوجين احدهما الطرف الاممي متمثلا بقرارات مجلس الأمن في الحصار، والثاني استغلال النظام لتلك البطاقة وتحويل الأهالي إلى قطيع جائع، وإشاعة الاتكالية والاستكانة والارتباط التام بالنظام ومقدراته حتى غدت البطاقة التموينية أكثر أهمية من شهادة الجنسية العراقية في كل تفاصيل الحياة والعلاقة بالوطن ومؤسساته!؟

     بعد سقوط النظام كان هناك تصوران لمصير البطاقة التموينية أولهما أن يتم تطوير مفرداتها من الناحيتين النوعية والكمية، بل إن مخيلة القطيع أشاعت في حينها بان الوجبة ستكون ذهبية ومجانية أيضا، أما الخيار أو التصور الثاني فكان إلغائها لنفاذ الحاجة إليها ورفع الحصار وسقوط النظام، وللأسف الشديد لم يتحقق أي من التصورين بل على العكس تقهقرت مفردات البطاقة في الكم والنوع وانشطرت مستوطنات الفساد في هيئاتها ووزارتها بشكل اميبي أو فايروسي حتى أطاحت ولو بشكل كارتوني بوزير التجارة السابق وإدانته بالفساد والإفساد، إلا أن البطاقة راوحت في محلها حتى تمخض مجلس الوزراء عن قرار سطحي بائس بإلغاء البطاقة والاستعاضة عنها بما قيمته ثمن لفة فلافل يوميا للفرد العراقي، دون دراسة علمية واجتماعية واقتصادية تعتمد تأثيرات البطاقة وثقافتها طيلة ما يقرب من ربع قرن، وما ستؤول عنه الأحوال بعد إلغائها في بلد يعاني ربع سكانه من الفقر المدقع والبطالة والتضخم وفقدان السلم والأمن الاجتماعيين وتدهور الخدمات الحيوية إلى مستوى مريع، جعل توصيف الدولة العراقية بالفاشلة من أهم ما يميزها في العالم رغم ما تمتلكه من مئات المليارات التي أكسبت النظام السياسي صفة أخرى هي الأكثر فسادا في العالم!؟ 

    إن إلغاء البطاقة ضروري جدا ولكن الأكثر أهمية هو أن يكون هناك بديل حضاري يحفظ حقوق شريحة الفقراء ومحدودي الدخل  من الموظفين الصغار والعمال من خلال جمعيات تعاونية حقيقية مدعومة من قبل الدولة توفر كل ما يحتاجونه بأسعار ثابتة تتلاءم ومدخولاتهم، وتلك البدائل تحتاج إلى أرضية وظروف تعتمد أسسا إنتاجية واستثمارية ضخمة في البلاد، تقلص فيها مساحات البطالة والتضخم والفساد وتعمل من أجل اقتصاد ديناميكي أساسه الإنتاج المحلي لتأمين سبل العيش للفرد بما يحقق إبعاده عن الاتكالية والسلبية وتقليص البطالة والتحول من النمط الاستهلاكي إلى الإنتاجي وخاصة في الريف وحقول الزراعة التي تكاد أن تندثر وتدثر معها أنواع متعددة من الصناعة.

kmkinfo@gmail.com

367
المنبر الحر / متى يعقلون!؟
« في: 16:34 29/11/2012  »
متى يعقلون!؟

كفاح محمود كريم

    عجيب أمر بلادنا ومن يحكمها منذ تأسيس مملكتها وحتى يومنا هذا وكأن لعنة الحرب والدمار لازمة بذيول دشاديش حكامها، فما من ملك أو رئيس أو دولة رئيس، بلط شارعا أو بنى جسرا إلا واشترى طائرة أو دبابة لمشروع حرب لا مناص منها، كأنما تلك الثقافة البائسة التي يمارسها القروي أو البدوي أيام زمان حينما تكثر أمواله فيحتار ماذا يفعل بها، فإما الزواج على رأس زوجته أو زيجاته أو شراء بندقية كخطوة أولى لمشروع استثماري في القتل، وهكذا حال معظم أنظمة الحكم التي توالت على ( اغتصاب ) العراق.

     نتذكر جيدا كيف أنهم بلطوا عدة شوارع وبنوا عدة مجمعات سكنية ومجموعة مستشفيات ( ليبلشوا ) أي ليشرعوا في حروب ما زلنا ندفع فواتيرها الى أن يشاء الله ويهتدي خلفائهم في بناء دولة مدنية تعتمد العقل والحكمة والعلم والثقافة والتحضر في بناء قوة البلاد الدفاعية والهجومية بدلا من الطائرات والدبابات والمدافع، كما فعلت المانيا وشقيقتها امبراطورية اليابان بعد انتكاستيها العظمى في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الدرس بليغا والخسائر أعظم، ولكن الأكثر روعة ونبلا وفروسية هو موقف الحكماء فيهما، حينما قرروا ترك لغة السلاح والتسلح واستبدالهما ببناء دولتيهما وتطوير مجتمعاتهم في إطار مدني متحضر، أنتج خلال اقل من نصف قرن دولتان عظيمتان في تطورهما الحضاري والتقني والعلمي والاجتماعي وفي كل مناحي الحياة حيث تغطي وفرتهما المالية ما تنتجه ثلث بلاد العالم؟

     وفي بلادنا التي اكتوت بنيران حروب فاقت في مجموعها حربا عالمية خسرت فيه الأخضر واليابس وتحولت بلاد من اغني بلدان العالم وأثراها وأجملها إلى أفقرها وأفشلها وأوسخها، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان على سقوط النظام فشلت الإدارة الاتحادية في إقناع الشارع العراقي بأنها البديل الأفضل رغم هامش الحرية، فقد تقهقرت الخدمات بشكل مريع حتى تحولت إلى أزمة كبيرة لا يمكن أن تحل خلال سنتين وهي ما تبقى لهذه الكتلة أو الحكومة أو البرلمان، شرعت منذ فترة إلى ذات الثقافة في بناء ترسانة عسكرية في بلاد أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر والثلاثة أرباع الآخرين يعانون من نقص كارثي في الطاقة بكل أنواعها، وتدهور مريع في الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية إضافة إلى انعدام حلقات مهمة من الصناعة والإنتاج، وتحول نمط الحياة إلى نمط استهلاكي بعد إغراق الأسواق بالمستوردات الزراعية والغذائية حتى توقفت معظم أنواع الزراعة!؟

     يبدو أن الحاكمين اليوم لم يفهموا الدرس الذي تلقنه نظام صدام حسين ومن يأتي إلى حكم العراق إلى أبد الآبدين كما يقولون، فهو الذي كان يمتلك اكبر وأقوى أربعة جيوش في العالم وسخر إمكانيات دولة من أثرى دول العالم للتصنيع العسكري والتسلح، بل إن أغنى دول العالم في الخليج كانت حليفته بل مرضعته خلال عقد كامل من الحروب!؟

     فماذا أنتج!؟

     والى أين وصل هو وجيشه وحكومته وحزبه الذي بناهم خلال ما يقرب من أربعين عاما بآلاف المليارات من الدولارات وملايين العراقيين من القتلى والجرحى والمعاقين والمحرومين!؟

     ألا يكفي هذا درسا وعبرة لمن لا يعقلون ولا يفقهون!؟


kmkinfo@gmail.com

368
المنبر الحر / وزير الغفلة؟
« في: 12:19 25/11/2012  »
وزير الغفلة؟

كفاح محمود كريم
     
     الشائع في الدارجة المصرية والعربية عموما مصطلح عريس الغفلة الذي يؤتى به على حين غرة أو دون سابق إنذار لتزويجه من مطلقة، لكي يصح إعادتها شرعيا إلى زوجها الأول، أو ربما يؤتى به زوجا لتغطية فضيحة ما، وفي كل الأحوال ليس عليه إلا حمل لقب زوج شرعي لتفادي مشكلة معينة ولملئ فراغ محدد حتى أجل مسمى؟

     أردت بهذه المقدمة والمثل الشائع أن ادخل إلى عالم المناصب والمسؤوليات العامة في شرقنا العجب العجاب سياسيا وحضاريا، وأسميته أي هذا العالم بمناصب الغفلة والتي تأتي على وزنها أيضا  وزراء الغفلة ومفردتها وزير الغفلة، أو إن شئتم أي مسؤول في أي منصب من مناصب هذه الحقبة القلقة والمقلقة، والوزير الغفلة أو غيره من مسؤولي الزمن القلق الذي يؤتي بالمغامر أو الانتهازي من عالم النكرات أو من دهاليز العصابات إلى اعلي المراتب في الدولة، كما قال عنه ذات يوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ( نحن نطلق سراح المتهم من على كرسي الإعدام إلى الشارع فورا ومنه إلى كرسي الوزارة )، وليس أدل على فوضى المناصب وتقلدها في بلادنا من الانقلابات التي حملت معها نكرات ومغامرين وحمقى عسكريين وفاسدين وبقالي سياسة حولت دولنا إلى هذا الشكل المعوق بعد ما يقرب من قرن من تأسيسها؟

     ورغم كل هذا الإرث المشحون بالألم والإحباط واليأس تصور الكثير أو تأمل خيرا بسقوط أنظمتها الشمولية وخاصة نظام صدام حسين، وبداية حقبة جديدة يفترض أن تكون بالضد تماما من تفصيلات تلك الحقبة التي اندثرت مع السقوط، لكن الأمور لم تك هكذا في بلاد قضت أكثر من نصف عمرها تحت ظل أنظمة دكتاتورية وزعماء متخلفين أنتجت أجيالا وأنماطا من السلوكيات والثقافة البائسة التي نشهدها اليوم في شكل النظام السياسي وأداء عناصره سواء في البرلمان أو الحكومة ومؤسساتها.

     فقد حملت سفينة الأحزاب وكتلها والاصطفاف المذهبي والقبلي والقروي مئات النكرات والمتخلفين ممن يحملون بجدارة لقب وزير أو نائب أو مسؤول الغفلة، الذين حملتهم ثقافة البداوة والعقلية العشائرية أو الطائفية المقيتة لكي يكونوا في هذه المواقع البريئة منهم، وهم يشغلونها لحساب منظومة المحسوبية والمنسوبية الخارجة بالتمام والكمال عن أي مفهوم للمواطنة والكفاءة والقيادة، فقد امتلأت مجالس الاقضية والمحافظات ومجلس النواب وكل الوزارات دون استثناء بالمئات من الراقصين على كل الحبال منذ زعيمنا الأوحد وحتى يومنا هذا مرورا ببطل التحرير القومي ومن يقلده اليوم سرا وعلانية، وهم يقومون بواجباتهم في تدمير البلاد وإفسادها حتى غدت الأكثر فسادا وفشلا في العالم حسب توصيف مؤسسات الشفافية العالمية؟

     نظرة سريعة لكل منا في قريته أو بلدته أو مدينته على المشهد الإداري لمن تبوء موقعا من هذه الشلل في مناصب الغفلة منذ 2003 ولحد اليوم يدرك حقيقة السؤال التالي:

     هل هناك حكومة غفلة أكثر من هذه الحكومة!؟
 
    فما أنتجته هي ووزرائها ومجلس النواب وأعضائه منذ تأسيسها وحتى ساعة إعداد هذا البيان تم توصيفه بأن البلاد أصبحت بوجودهم أكثر الدول فشلا وسرقة وفسادا وتخلفا!؟

kmkinfo@gmail.com

369
الايزيدية ليست كرسيا وزاريا؟

كفاح محمود كريم

     لأول مرة منذ تأسيس الحكومة الكوردستانية مطلع تسعينات القرن الماضي خلت التشكيلة الحكومية الأخيرة ( الكابينة السابعة ) من كرسي مخصص للمكون الديني الايزيدي، حالهم حال الأخوة المسيحيين من غير الاستحقاق القومي أو الاثني، وكانت في معظمها وزارة دولة تشريفية ليس إلا، باستثناء آخر كرسي شغلها مهندس ميكانيكي ليدير وزارة للزراعة؟

     لست هنا بصدد الوزارة ومن يشغلها رغم اني كنت ارفض دوما إعطاء الكرسي الوزاري في دولة مدنية علمانية على أسس دينية، وبالذات للايزيديين الذين يستحقون وزارات لا تقل عن الداخلية أو الدفاع أو المالية أو الخارجية سواء هنا في الإقليم أو في الحكومة الاتحادية كونهم من اعرق سكان كوردستان والعراق حالهم حال الصابئة والآشوريين والكلدان وغيرهم من مكونات المجتمع الكوردستاني والعراقي عموما.

     الايزيديون اكبر بكثير من كرسي وزارة أو أي منصب اكبر منه أو اصغر، انهم تاريخ من المقاومة والإصرار على البقاء أمام طوفانات من حروب الإبادة الدينية والقومية والاقتصادية والاجتماعية، حقا انهم اكبر من كل هذه التسميات والمواقع لأنهم تاريخ امة ومعاناة شعب تعرض للإبادة أكثر من سبعين مرة خلال مئات السنين ودفع خيرة أبنائه وبناته شهداء من اجل القومية والدين، وكان من أكثر مكونات الشعب العراقي انتظارا لبزوغ شمس الحرية المقدسة ليطل منها على عالم جديد ينقذه من تراكمات مئات السنين العجاف من التهميش والتكفير والإقصاء والاهانة والإبادة والاستعباد حتى تحولت قراهم وبلداتهم إلى ما يشبه فقراء ومعدمي العصور الوسطى، بل أن كثير من قراهم لا تزال خارج الزمن كما وصفها احد الصحفيين مؤخرا.

     إن تكريم هذه الشريحة اكبر بكثير من أن يتم تعيين شخص ما وزيرا أو إداريا رفيعا باسمها، أنها أحوج ما تكون إلى حملة وطنية وقومية كبرى من اجل معالجة جراحاتها المتكلسة منذ مئات السنين، فهي غارقة في البطالة والفقر المدقع والأمية والاستهلاك ويعيش أغلبيتهم تحت خط الفقر وفي ظروف معقدة قد لا يصدقها الكثير في بلد نفطي ميزانيته عشرات المليارات ويعيش مكون منه خارج الزمن والاهتمام وما يزال يشعر بالتهميش والإقصاء، وزيارة سريعة لقرى هذا المكون الديني سيكتشف المرء هول الكارثة التي تلم بهم من كل النواحي الحياتية وخدماتها الأساسية كالماء المعدوم تماما والصحة المتردية والمنقرضة الآليات والوسائل والمراكز والكهرباء التي نسي السكان ماهيتها لولا بعض المولدات هنا وهناك.

     مرة أخرى أقول أنهم اكبر من كل المناصب والمواقع ففي تاريخهم من الصمود والمقاومة والإصرار ما يكفيهم أن يكونوا في صدارة كل المواقع، ولأجل ذلك دعونا نعمل جميعا من اجل حملة وطنية عراقية وكوردستانية، ودعوة خالصة لرئيس حكومة كوردستان السيد نيجيرفان بارزاني الذي زار والده المرحوم  ادريس بارزاني مدينة سنجار قبل أكثر من أربعين عاما واطلع عن كثب عن أحوالهم وحياتهم ورأى تلك الآلاف المؤلفة من أبنائهم وبناتهم وهم يزحفون لاستقبال نجل الزعيم ملا مصطفى البارزاني حبا وانتماءً واعتزازا، وحري اليوم برئاسة حكومة كوردستان ان تنتقل الى هناك لتطلع مباشرة على حقيقة أوضاع وأحوال هؤلاء الاصلاء في قراهم ومجمعاتهم الخارجة عن الزمن تماما.

kmkinfo@gmail.com

370
كوردستان سلم انتخابي!

كفاح محمود كريم

    كشفت انتخابات الدورة الثانية لمجلس النواب العراقي عمليات استخدام وسائل مريبة لوصول البعض إلى البرلمان وخاصة الكتل والمجموعات سواء تحت غطاء ديني مذهبي أو عرقي قومي، تفوح  منه رائحة التطرف تارة والشوفينية تارة أخرى، من خلال كراهية الآخر أو إشاعة الخوف منه كما حصل في كثير من المناطق المختلطة دينيا ومذهبيا وقوميا، وفي ذلك يتذكر الكثير ماكينة الدعاية التي استخدمت من قبل حركات معينة أشاعت بين الأهالي الكراهية والخوف من الكورد وإقليم كوردستان وخاصة في المناطق ذات الأغلبية الكوردية أو ما تسمى بالمناطق المتنازع عليها، حيث استخدم الكورد والإقليم ومؤسساته وسيلة دعائية لتخويف الأهالي العرب والتركمان والآشوريين والكلدان في هذه المناطق بادعاء انهم يرومون السيطرة عليها وتكريدها كما حصل في الموصل حينما حققت إحدى المجموعات السياسية أغلبية في الأصوات باستخدام الشحن الشوفيني والعنصري ضد الكورد واللعب بمفاتيح الغرائز والبداوة عند الأغلبية التي سطح عقلها وتفكيرها نظام صدام حسين طيلة ما يقرب من أربعين عاما فكانت بيئة خصبة لأي محاولة للشحن والتأليب ضد الآخر!؟

     وقد نجحت تلك القوى في تحقيق مآربها ووصلت إلى دفة الحكم في المحافظة من خلال تهييجها للرأي العام وخاصة أولئك الذين استخدموا في عمليات التعريب سيئة الصيت أيام حكم البعث في المناطق المختلطة، إلا أنها وخلال اقل من سنتين أثبتت فشلها في تحقيق أي من وعودها التي وعدت بها مواطنيها لتحسين أوضاع المحافظة والمدينة، التي كانت تدعي أن الكورد والإقليم يتحملون مسؤولية تقهقرها وانهيار أوضاعها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فأصبحت المدينة تغرق في أكوام من القمامة وتعج بقوافل من العاطلين عن العمل، وانحدار كارثي في الخدمات الحيوية للمواطن في الماء والكهرباء والصحة والتعليم والطرق والمواصلات والسكن خلال سنتين فقط من حكمهم؟

     ويبدو إن ما يحدث الآن وما تقوم به كتلة القانون وحزبها القائد ورئيسها في اختلاق الأزمات تلو الأزمات مع إقليم كوردستان إنما تستخدم ذات التطبيقات في الاستحواذ على السلطة باستغلال اولئك الذين انتجتهم حقبة البعث، وذلك بشحنهم وتأليبهم ضد الإقليم وشعبه تحت مختلف الاتهامات والتسويقات المفبركة، وخاصة إذا ما علمنا أن ذات الإدارة الحالية للحكومة الاتحادية كانت تدعم تلك المجموعة في الموصل رغم ما كان يعلن بأنهما متناقضان وان الأولى متحالفة مع كتلة الإقليم!؟ 

     وما يجري الآن من حملات إعلامية وتصريحات نارية موجهة ضد الإقليم وإدارته ومؤسساته إنما يعتمد ذات الأسلوب وخاصة بعد محاولة تشكيل قيادة عسكرية للمناطق المتنازع عليها من قوات ذات مكون مذهبي وسياسي يمثل إرادة حزب السلطة ورئيسها في عملية مفضوحة تحضر لانتخابات مجالس المحافظات المزمع إقامتها في نيسان القادم وما يليها بعد فترة أخرى الانتخابات العامة في البلاد، هذه القوات يتم شحنها بذات الأسلوب الذي استخدمته المجموعة الأولى قبل سنوات بالتعاون مع المجموعات التي خسرت الكثير بسقوط نظام صدام حسين وخاصة تلك التي استخدمت في تعريب المناطق ذات الأغلبية الكوردية في كركوك والموصل وديالى.

    إنهم يتسلقون سلم انتخابي بائس لا يقل بؤسا عن تلك الأدوات التي استخدمتها كل الأنظمة التي عادت كوردستان وشعبها طيلة ما يقرب من سبعين عاما وكانت نهايتها جميعا السقوط والانهيار، وكم كان جميلا ورائعا أن يتسلقوا كوردستان بين ناخبيهم بما يقدمونه من خدمات واعمار تقنع الشارع في دهوك واربيل وكركوك والسليمانية وسنجار وخانقين بأنهم فعلا حريصون عليهم ويحبونهم بصدق دونما غش أو غدر أو خداع!؟

kmkinfo@gmail.com


 
 

371
المنبر الحر / فن الاغتيال؟
« في: 19:41 14/11/2012  »
فن الاغتيال؟

كفاح محمود كريم

    في معظم البلدان التي ابتليت بأنظمة القائد الضرورة وحزبه العظيم تميزت أهم انجازات تلك الأنظمة وتفردها بفن لا يدانيه فن أو مهنة أو شطارة، ذلك هو فن الاغتيال الذي خصصت له مؤسسات ودوائر ودروس واختبارات، وقد تميزت ثلاثة دول بشكل متفرد في الإبداع بهذا الفن القاتل وهي؛ إسرائيل التي تفننت بملاحقة معارضيها أو أعدائها وتصفيتهم، إضافة إلى سوريا والعراق اللتان فاقتا حتى الأولى ومن شابهها في التفنن بعمليات الاغتيال والتصفية الجسدية بأشكال مبتكرة منذ تولي حزب البعث السلطة في كلا البلدين، وهو شغال على تصفية كل معارضيه بشتى الوسائل لا يهمه فيها العدد أو الكم أو الشكل فقد صفى أكثر من عشرة ألاف معارض في أزقة وشوارع بغداد خلال اقل من أسبوع  بعد انقلابه في شباط 1963م، وكذا فعل شقيقه في سوريا التي تأن اليوم من عمليات تصفية جماعية لمعظم السكان المعترضين على حكم البعث والأسد، منذ سنتين تقريبا وهو يغتال يوميا ما لا يقل عن مائة مواطن سوري بين طفل وشيخ وامرأة، ولم يكتف بذلك بل مد أذرعته المتفننة إلى خارج الحدود لكي يخرس الأصوات التي تنتقده أو من يحاول كشف حقائقه كما فعل في عملية اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري وقبله كمال جنبلاط واليوم مدير مكتب المعلومات اللبناني الذي كان يقف وراء كشف كثير من أسرار وتورطات نظام دمشق في لبنان وملفاته الأمنية، إضافة إلى العديد من زعماء هذا البلد المبتلي بجيرة نظام لم يذق ولم يعرف طعم الملح والخبز في حياته!؟

     عمليات الاغتيال التي تفردت بها هذه الدول الثلاث وما زالت تتنافس في الإبداع بطرقها وأساليبها وأدوات تنفيذها وشبكات التجسس التي تزرعها هنا وهناك، ابتداءً بالسفارات وانتهاء بالمساجد والكنائس وأماكن العبادة واللهو أيضا، بدأت تأخذ طابعا يقترب في تنفيذه من عمليات الجراحة المعقدة التي يقوم بها أخصائيون محترفون من الأطباء لاستئصال شيء ما من الجسم، فلو نظرنا إلى معظم تلك العمليات منذ سبعينات القرن الماضي وتصفيات قادة ومفكري الثورة الفلسطينية على أيدي أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وما كان يقوم به نظام البعث العراقي وصدام حسين منذ أولى عملياتهم النوعية بعد مجيئهم الثاني عام 1968م وتصفيتهم لرفاقهم ومن ثم محاولتهم اغتيال الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني بعد عدة أشهر من توقيع اتفاقية آذار بين قيادته وبين حكومة البعث في بغداد، لأدركنا حقا بؤس ما تواجهه شعوب هذه البلدان ومن يجاورها والإنسانية جمعاء بوجود عصابات منفلتة ومهيمنة على مقدرات السلطة والمال حينما تتحول تلك العصابات إلى حكومات ويصبح عناصرها وزراء للدفاع والداخلية والأمن والخارجية وكبار مسؤولي الدولة التي يتم إخضاعها ومؤسساتها لخدمة هذا الفن القاتل؟

    وحينما تنفلت الأمور وتقترب نهايات تلك العصابات أو الأنظمة الدكتاتورية، تبدأ عملية الاغتيال الجماعي للسكان كما حصل في أنفال صدام حسين، وكما يحصل الآن في سوريا، وما بين الاثنين تبقى هناك مجاميع مرة من الأسئلة التي تطال عمليات التصفية وانتشار كاتمات الصوت ولواصق النسف الانفرادي بعد سقوط إبطال فن الاغتيال بسنوات، وربما أبرزها هل ان هؤلاء من إنتاج تلك المدارس؟ أم ان أجيالا جديدة ومطورة وردت من خلف الحدود اللينة وبدأت تطبيق فنونها برأس العراق الأقرع!؟ 

kmkinfi@gmail.com

372
المنبر الحر / لمن هذه الترسانة؟
« في: 01:05 10/11/2012  »
لمن هذه الترسانة؟

كفاح محمود كريم

     بعد سقوط النظام الدكتاتوري في البلاد وانتهاء حقبة عسكرة الدولة والمجتمع، بدأت القوى الوطنية والديمقراطية ببناء نظام بديل يقوم على أساس ديمقراطي مدني ويعمل من اجل بناء مجتمع متحضر بعيدا عن ادلجته أو عسكرته كما كان يفعل النظام السابق، ولأجل ذلك تم وضع دستور لا يتيح لأي جهة أن تنفرد باتخاذ أي قرار له علاقة بمصالح البلاد العليا وخاصة فيما يتعلق بالحرب والسلم، الذي بقي حكرا بيد شخص واحد أو ما كان يسمى بـ ( مجلس قيادة الثورة ).

     ولعل أهم ما واجه النظام الجديد هو الحملة الإرهابية الشديدة التي اشتركت فيها مختلف الجهات الداخلية والخارجية، والتي استدعت بناء تشكيلات ضخمة جدا من قوات الأمن والجيش ربما اكبر بكثير من حاجة البلاد في حالة الاستقرار، ولولا الفساد المستشري تحديدا في مفاصل تلك القوات وتشكيلاتها لكانت البلاد في أعلى مستويات الأمن والسلام، رغم أن الكثير منها تم بناءه بعيدا عن مواصفات المواطنة والحرفية في تأسيس جيوش دول مختلفة المكونات القومية والعرقية والدينية، حيث بدأت العديد من الكتل والمكونات تعترض أو تقلق فعلا من شكل الجيش وتكويناته وهيمنة فئة على مفاصله المهمة مما يفقده مصداقيته وتمثيله لكل مكونات الشعب العراقي.

     ولأجل ذلك ينظر الكثير بريبة وقلق جدي إلى محاولات الإدارة الاتحادية في بغداد بعقد صفقات من الأسلحة لا يقع الكثير منها تحت تعريف الأسلحة الدفاعية، بل إن محاولة طرق أبواب أسواق التسلح في دول لا يهمها الا المال لإنقاذ اقتصادها المتهالك مثل روسيا وغيرها يعطي انطباعا بأن هناك فريقا في الإدارة الاتحادية ما يزال يؤمن ببناء ترسانات عسكرية شبيهة بتلك التي بناها الدكتاتور صدام حسين نهاية ومطلع سبعينات القرن الماضي والتي انتهت إلى أكوام من السكرابات المهشمة، وهياكل الطائرات المخبأة في الصحاري وعند الأخوة الأعداء، ومئات الألوف من القتلى والمعاقين، ومئات المليارات من الأموال التي أحرقت بينما تتقهقر البلاد منكفئة في خانة الدول الأكثر فشلا وفسادا وتخلفا في العالم.

     وبينما تعقد الحكومة الاتحادية صفقات بعشرات المليارات لبناء ترسانة عسكرية، لأعداء مفترضين لا وجود لهم إلا في الداخل من المعارضين والمنافسين على دفة الحكم، يئن ما يقرب من ربع العراقيين تحت خط الفقر من العوز والفاقة، وتعاني الثلاثة أرباع الأخرى من حال مخزي في الخدمات بكل أشكالها ابتداءً من الكهرباء وانتهاءً بالصرف الصحي، ومرورا بالوضع المأساوي لخدمات الصحة والطفولة والتعليم والمدارس والجامعات.

    لقد غادرنا حقبة الدكتاتورية بجبال من ركام الدبابات والطائرات وهياكل الصواريخ، ومئات آلاف المكسورين الهاربين من أتون حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وربما تجاوزت أعداد الضحايا من القتلى المليون من خيرة شباب العراق ومثلهم من الجرحى والمعاقين والمحطمين، وأضعافهم من النساء الثكالى والأرامل والأيتام، دون أن تنجح تلك الطغم الحاكمة بالحفاظ حتى على ما كانت عليه مساحة البلاد عشية تموز 1958م، فما استقطع منها غصبا أو في ظروف قريبة من الغصب يساوي مساحة دولة من دول الخليج أو غيرها، وانتهت البلاد إلى ما نشهده نحن جميعا  اليوم، فلماذا يا ترى يحاول البعض إعادة اللعبة الخاسرة مرة أخرى ونتائجها ما تزال أمام الأعين والمسامع!؟

kmkinfo@gmail.com   

373
المنبر الحر / الإرهاب في دياركم؟
« في: 19:02 07/11/2012  »
الإرهاب في دياركم؟

كفاح محمود كريم

    غريب جدا منطق بعض المسؤولين وهم يستنسخون ذات الأسلوب في تسطيح عقول الأهالي وهم يعالجون أمور يفتعلونها ومن ثم يسوقونها كخلافات بين الكتل أو بين المحافظات أو الإقليم والإدارة الاتحادية، وخاصة في بيئة الأزمة الحالية، فقد صرح رئيس الوزراء في حديث تلفزيوني بأن من حق جيشه ملاحقة الإرهاب حيث قال نصا:

    "لا يوجد مبررا للخوف لأننا لا نستهدف كردستان ولا الشعب الكردي ولا نريد قتالا وإنما نريد أن نلاحق الإرهاب في أي مكان"، معربا عن أمله أن "لا تخطأ قوات البيشمركة وتتعرض للجيش العراقي".

     أي إرهاب هذا الذي تتحدثون عنه في إقليم بذل شعبه وإدارته  من اجل السلام والأمن الاجتماعيين دماءً وأرواحاً، وسنوات عصيبة من السهر والعمل الدءوب المخلص لأجل أن يكون الأجمل والأبهى والأكثر سلاما وأمنا، ليس لسكانه فحسب بل لمئات الآلاف من العراقيين الهاربين من جحيم الإرهاب والتخلف والقهر، إقليم يبني من اجل الإنسان وكرامته وحريته وحياته بينما يخطط الآخرون لإفشال تجربته ووضع العصي في دواليب تقدمه، بل وصل الخيال بالبعض ممن اعتمدتموهم حواليكم للتفكير ثانية في إشعال أتون حرب لن يخسر أحد منكم فيها أخا أو ولدا أو بيتا، بل سيقتل كالعادة ( ولد الخايبة ) الذين يتم شحنهم بمفاتيح الغرائز كما كان يسوقهم إلى محرقة الموت ( بطل التحرير القومي ) إبان انفعالاته المخزية وكيمياويات ابن عمه التي احترقوا أخيرا بنيرانها هم ومن تبعهم إلى يوم الدين.

      الإرهاب لا وجود له هنا في إقليم كوردستان كما تعلم يا دولة رئيس الحكومة الاتحادية، فكوردستان فوق الأعراق والأديان والمذاهب وهي وطن الإنسان المسالم والمتحضر، ولأجل ذلك فقد تم تحصين المواطنين وتوعيتهم بما يليق بتاريخ هذا الشعب، فليس من المعقول أن تقوم عدة آلاف من رجال ونساء الاسايش والبيشمه ركه لوحدها في صناعة هذا الأمان والسلام، الذي ينافس أكثر الدول استقرارا في العالم، بل هو الشعب والأهالي بمواطنتهم الرفيعة التي ترفض أي اختراق لصفوفها مهما كان شكله أو عنوانه!

    الإرهاب ليس هنا بل في دياركم وبين ظهرانيكم ومن صناعة أو تصميم أو إهمال أو تغطية من آتيتم بهم، وهو بالتالي نتيجة الفشل الذريع في تلبية حاجيات المواطن الأساسية والحفاظ على كرامته التي تهدر يوميا وفي كل ساعة، الإرهاب هو ابن الحواضن التي تنتشر في المجالات الحيوية التي تقع تحت إدارة الجيش والأمن التي تريدون تسليحها تارة بطائرات F16 وتارة أخرى بطائرات ميك الروسية، وهي بعد لم ترتقي إلى مفهوم المواطنة العراقية الحقة.
 
     الأمور ليست هكذا كما يريد البعض تسطيح عقول الأهالي واستغفال الرأي العام بوجود خطر الإرهاب وتأسيس قوات بتسميات تذكرنا بتلك التي أنشأها المهيب الركن في قواطعه المعروفة شمالا وجنوبا وغربا ووسطا إبان انتفاضة الشعب في قواطعه الشمالية والجنوبية، لتنفيذ برنامج صناعة دكتاتورية جديدة بلبوس ديمقراطي وشحن مذهبي وعرقي ربما ستتفوق على غيرها!؟

 kmkinfo@gmail.com
 


374
أسئلة في صحافة العراق؟

كفاح محمود كريم

    من يتجول اليوم في مكتبات اربيل وبغداد وكثير من المحافظات وأرصفة الصحافة هنا وهناك يصاب بنوبة فرح وانتشاء على خلفية ماضي العدد اليتيم من الصحف أيام ( إذا قال صدام قال العراق !؟ )، حيث عشرات الصحف ومثلها من المجلات التي تزين تلك المكتبات بمختلف أنواع الورق والعناوين المثيرة تارة والمخيفة تارة أخرى؟

     حقا أنها الفوضى الخلاقة كما وصفها البعض أو نافورة الجرائد والمجلات بعد سبعات عجاف حتى يبس فيها اللحم والعظم وهزلت الآداب والثقافة والفن، فما بقى فيها إلا جدب من مديح أو غناء أو شعر للقائد الضرورة وحزبه الأوحد، وكأن الدنيا بأجمعها قد خلقت أو تكونت من اجلهما!؟

     كان هذا في زمن يقرأ فيه المرء هروبا من اليأس أو البحث عن بارقة أمل هنا وهناك، حتى تدركه الصفحات الأخيرة في تتمات تقارير الرفاق أو تعازي الوفيات، فينحدر كئيبا يسخر من ذاته ومن زمنه الأجوف، حاملا جريدته إلى زوجته ربما هناك فرصة للفرح أو الفائدة باستخدامها غطاءً فوق المائدة أو على الأرض في الغداء أو العشاء!؟

     وانبلج البدر أو شعشعت الشمس ولم يعد يقول العراق كما يقول صدام، فقد قال قولته الأخيرة وشنقته كلماته، وأصبح لدينا بدلا عنه مئات مثله أو أفضل منه وربما أسوء منه، لو امتلكوا عشر ما كان يمتلكه من سلطة ومال ونفوذ، لكنها حقب التاريخ وتداول السلطة والمال، بانقلاب أو احتلال أو صناديق اقتراع في بلاد أدمنت في رأس كل قرن وحيد قرن وأسوء!؟

     وفار التنور في بلاد تكاد ينابيع المياه فيها أن تنضب والرافدان آيلان للجفاف، وفورة التنور لم تك ماءً أو خمرا أو لبنا بل صحفا ومجلات وفضائيات وإذاعات، ملأت أرصفة الشوارع الثكلى وسماوات الوطن الجريح، حتى ظننا أن كل بلدان الأرض لا تنافسنا في هذا الكم والنقد والتعبير، وفي خضم الفرحة والفورة نسينا أو تجاهلنا هول فاجعتنا في القراءة والكتابة وفي طوابير العاطلين واليائسين والمحبطين والثكالى، والسؤال المتكلس فينا منذ الأزل:

من يقرأ ومن يكتب!؟

    انها صحف ومجلات ولا في أغنى البلدان وأكثرها ديمقراطية، وقنوات للتلفزة للشارد والوارد من أصحاب الأحزاب والأموال سواء ما كان منها سحتا أو رزقا زلالا من أفواه الجائعين والمغفلين منذ الخليقة وحتى يوم الدين، صحف تزين المكتبات ومثلها المجلات وأكثر منها الفضائيات ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا أو إصرارا كما يقول عادل إمام:

    لمن هذه الصحف والمجلات؟ ومن يقرأها؟ وكم تطبع من نسخ؟ وكم تبيع؟ وكم توزع مجانا ولماذا؟

    وأخيرا ما الهدف من كل ذلك ولمصلحة من في عصر اختصرت العولمة ووسائلها كل صفحات الجرائد والمجلات بضغطة زر على لوحة المفاتيح في الحاسوب لتأتي بكل أخبار الدنيا!؟


kmkinfo@gmail.com

375
كوردستان وخطابها العربي؟

كفاح محمود كريم
 
     يفتقد الإعلام الكوردي خاصة والكوردستاني عامة إلى مجموعة وسائل إعلام متخصصة لمخاطبة الرأي العام العربي والعالمي بمستوى التطورات التي تشهدها القضية الكوردية وتجربة إقليم كوردستان العراق، حيث تواجه القضيتين في الإقليم وكوردستان عامة تحديات كبيرة في نقل الخطاب الوطني والقومي إلى الرأي العام سواء في الفضاء العربي أو الفضائين التركي والإيراني، إلى الدرجة التي جعلت الكثير من الأوساط العربية النخبوية وحتى مساحات واسعة من الأهالي في كثير من الدول العربية بعيدة كل البعد عن المعرفة الحقيقية بالقضية الكوردية، رغم ما شهدته من تطورات سياسية واقتصادية وثقافية بعد انتفاضة آذار1991م، ومن ثم سقوط نظام صدام حسين وبداية ظهور نظام سياسي عراقي ديمقراطي يتعاط مع المكونات في الدولة العراقية على أسس متحضرة ضمن دستور دائم للبلاد يقر بكافة حقوق تلك المكونات القومية والعرقية والدينية.
 
     إن الإعلام واحد من أهم وسائل الاتصال بين الشعوب وهو اليوم الأكثر خطورة وأهمية وخاصة في وسائله المرئية والمسموعة ومدى تأثيره على الرأي العام الداخلي والخارجي، وهناك أمثلة كثيرة على مديات تأثير وانتشار أي قضية في أوساط الرأي العام، ومدى اهتمام الدول المتقدمة في وسائل إعلامها التي ترتقي في كثير منها إلى ميزانيات تنافس تخصيصات الدفاع أو التعليم أو الخدمات الأخرى المهمة، وقد عمدت كثير من الدول ذات المصالح التجارية والسياسية المهمة مع الدول العربية على استحداث قنوات تلفزيونية باللغة العربية كما في الصين وفرنسا وتركيا وإسرائيل وإيران وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرهم.
 
 
     أما في إقليم كوردستان فقد كانت هناك بضع برامج لا تتعدى السويعات المسموعة والمرئية في الإذاعة والتلفزيون، ولم تك تفي بالغرض الأساسي في نقل الخطاب الكوردستاني إلى الرأي العام العربي، رغم نجاح بعض برامجها إلا أنها كانت تقدم ضمن تلفزيون ناطق بالكوردية على مدى الأربع والعشرين ساعة مما لا يتيح لكثير من المشاهدين العرب الاطلاع عليها، مما افقدها مساحة كبيرة لانتشارها، وباستثناء القسم العربي في إذاعة صوت كوردستان الذي لا يتجاوز نشرة إخبارية وتعليق سياسي أو لقاء خاص، وقناة الحرية ذات الطابع العراقي، وبضعة نشرات إخبارية في تلفزيونات الأحزاب التي تبث برامجها طيلة اليوم بالكوردية، وباستثناء صحيفتا التآخي والاتحاد وصوت الآخر، فليس هناك أي وسيلة اعلامية كوردستانية موجهة للرأي العام العربي، أما التركي والايراني فمحدود جدا إن لم يك معدوم تماما، مما افقد هذا الرأي سواء في الفضاء العربي أو الفضائين الايراني والتركي فرصة الاطلاع على خطاب الاقليم الا ما يتم ترجمته هنا وهناك في مؤتمرات صحفية أو مناقلة للأخبار.
 
    وإزاء التطورات السريعة والتقدم الكبير في الإقليم ومساحة انتشار القضية الكوردية وضرورة التواصل والتعاطي الجدي والكبير مع الفضاء العربي، كونه يشكل الأقرب إلى المزاج العام للأهالي والأكثر التصاقا من النواحي الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، فقد آن الأوان اليوم إلى العمل بجدية كبيرة من اجل تأسيس هيئة للإعلام الموجه إلى الرأي العام الخارجي، وخاصة العربي الذي يتاخم إقليمنا، ونشكل جزءً مهما من إحدى أهم دوله وهو العراق، هيئة تضم قناة تلفزيونية وإذاعة وصحيفة دولية، بمواصفات معاصرة تلبي رغبات المشاهدين والمستمعين والقراء العرب وتدفع إليهم خطاب كوردستان وقضية شعبها وما يجري في الإقليم ومؤسساته التشريعية والتنفيذية وغيرها، لكي يدرك العالم المحيط بنا حقيقة ما أنجزه شعب كوردستان وما يصبو إليه ضمن دولته الاتحادية العراق وآماله المستقبلية، ومن اجل تقليل هذا التباعد وعدم الوضوح في التعامل مع القضية أو الإقليم لدى أوساط واسعة من المجتمعات العربية سواء في العراق أو في العالم العربي.
 
    إن رئاسة الإقليم أو الحكومة أكثر الجهات معنية بتبني هذه الأفكار من اجل تأسيس هيئة إعلامية كوردستانية ناطقة بالعربية، وتعمل بشكل وطني تحت سقف مصالح كوردستان العليا، لتمثل كل الشعب وفعالياته ومكوناته، وتنقل الخطاب الوطني الكوردستاني إلى أوساط الرأي العام العربي سواء ما كان منه في العراق أو في الفضاء العربي عموما.
 
kmkinfo@gmail.com

376
كذبوا في حقوق النساء وان صدقوا؟

كفاح محمود كريم

        باستثناءات لا تخضع للقياس العام فمعظم من ينادي بحقوق ( الحرمة ) إنما يتجمل كذبا وادعاءً أو انه يبغي منفعة لا علاقة لها أبدا بالنساء وخاصة اللائي من حوله، حيث يمارس ازدواجية لا مثيل لها في إعطاء وجهين مختلفين تماما، فهو ينادي في المحافل العامة بحقوق المرأة والمساواة وما إلى ذلك من كليشة المجتمعات المخملية التي ينفش فيها ريشه أمام نساء خلق الله، بينما يمارس دور دكتاتور شرقي مع زوجته أو معيته من بنات ادم وحواء.

     هذه الاستثناءات ربما كما قلت لا تخضع في حجمها الحقيقي لأي قياس يذكر، والدليل على ذلك هو هذا الوضع المتردي لوضع النساء في ضل دولة تأسست منذ ما يقرب من قرن من الزمان وما زلن صاحبات تاء التأنيث الساكنة أكثر سكونا من تائهم ومراوحة في مكانهم، بل قل معي إن أوضاعهن في تقهقر مستمر منذ أصبحن يمثلن عقلية الرجل في مجلس النواب ويتبرع لهم بعدد محدود من المقاعد التي لا تمثل في حقيقتها إلا ثقافته!؟

     ومع جل الاحترام لمبدأ تمثيلهن في المجالس التشريعية إلا إن ما حصل ويحصل في بلاد كانت تتعامل مع النساء قبل خمسين عاما أفضل بكثير مما هو اليوم، ولعل ارتفاع معدلات ظاهرة قتل النساء أو كما يطلق عليها انتحارهن يؤكد بما لا يقبل الشك دور الرجل الرئيسي في هذه المجازر المشرعنة تحت أبواب شتى، فما من امرأة مقتولة أو منتحرة إلا وكان ورائها رجل دفعها للانتحار غصبا عنها وخارج إرادتها، وقد أكدت كثير من ملفات الانتحار النسائي إنهن قتلن بأسلوب انتحاري، أي بمعنى وضع السم بالقوة في أجوافهم أو حرقهن، وقد استمعت ذات يوم قبل سنوات إلى اعترافات امرأة حول كيفية وفاة ابنتها المنتحرة، والتي انتشرت دعاية في القرية بأنها على علاقة برجل من غير دينها، قالت أمها إن والدها قال ادخلي ابنتك في الحمام وحينما أدخلتها إلى هناك كان يحمل صفيحة من النفط الأبيض سكبها عليها بالكامل ثم أشعل فيها النيران وقفل باب الحمام وأجبرني إنا أيضا على مغادرة البيت، حتى عدنا بعد ساعات لكي نرى كومة من الفحم!؟ 

     وبالتأكيد قيدت القضية لدى القضاء الخاضع لأعراف البداوة والعشيرة ضد الفتاة ذاتها متهما إياها بأنها قد انتحرت غسلا لعار أبيها، وهناك الكثير الكثير من هذه الجرائم التي تقع في مجتمعاتنا تحت سقف العادات والتقاليد بينما يمارس القضاء أبشع أدواره في التستر عليها وإشاعتها تحت مبررات وأعراف بالية وكاذبة ليس إلا!

     ويبقى السؤال الأكثر مرارة حول هذه الازدواجية القاتلة لدى كثير من الرجال والنساء في موضوعة الموقف من حقوق المرأة كانسان يعيش في مطلع الألف الثالث، ويجبرها على الموت انتحارا لأسباب واهية وكاذبة وخارجة عن الشرع الذي لديه آلية لو نفذت كما أراد الله لما شهدنا قتل امرأة كل قرن من الزمان.
 
     ترى هل إن الربيع العربي والكوردي والإيراني والتركي وغيرهم ممن يشابهنا ربيعا ذكوريا ليس الا، وان كل ما يحصل الآن هو مجرد تغيير في الأسماء والعناوين، بل أن ما يحدث اليوم  في كل من مصر والعراق وغدا في سوريا يعيد النساء إلى حقل الحريم والقتل انتحارا تحت مظلة أعراف وقضاء تقيده قوانين الخيمة والصحراء والقبيلة والقرية!؟

kmkinfo@gmail.com
 

377
ثقافة القطيع في بلاد الحريم

كفاح محمود كريم

     ما بين مفاهيم الأغلبية الصامتة والغلابة والقطيع يتوقف المرء في بلداننا حائرا متسائلا، هل فعلا إن الأهالي كلهم صامتون أم أنهم صم بكم لا يفقهون، أم ان نصفهم مشلول والنصف الآخر معاق!؟
    وإذا كانوا صامتين فهل صمتهم عن دراية أم يأس وإحباط، أو عن صبر بعده أمل بفرج أو انه استكانة؟ أم أنهم فعلا غلابة مساكين وليسوا أكثر من قطيع في بلاد ما تزال تعتبر نصفها الثاني حريم وعورة وعبيد؟

     وفي معمعة هذه التساؤلات ينبري السياسيون في طبقاتهم العليا والوسطى والسفلى وأشكالهم التنفيذية والتشريعية والرئاسية، وخاصة مجموعة ( نساء الكوتا ) التي تمثل أي شيئ الا النصف الثاني من المجتمع، لتوظيف كل ما ذكرناه من احتمالات وأسئلة للإعلان دوما وابداً عن انهم ما وجدوا الا لخدمة الأهالي والمواطن الغلبان، ليس اليوم فحسب بل منذ عشرات السنين وهم يعزفون ذات الأنغام ويرفعون ذات الشعارات وان اختلفت في العناوين والتعهدات والأسماء لكنها نابعة من ذات العقلية، والغريب ان هذا المواطن بقي هو هو وما تغير الا نحو الاسوء، الى درجة أن أي مواطن في منطقتنا يتحسر دوما على وضعه في الماضي!؟

     ولعلنا نتذكر جيدا تلك الآلاف المؤلفة من هذه الأغلبية الصامتة أو الغلبانة أو المستكينة وهي تزحف مختارة أو مغصوبة، لتأييد الملك أو الزعيم أو المفدى أو المنقذ، هي ذاتها التي خرجت فرحانة بعيد جلوس الملك أو بالانقلاب على الملك أو بالانقلاب على الانقلاب، وهكذا دواليك في مصفوفة أو متوالية لا أول لها ولا آخر منذ حجاج العراق وحتى يومنا هذا الذي يرى فيه المتفائلون حلا سحريا لتداول السلطة ديمقراطيا في مجتمع يئن من الأمية بكل أوجهها الأبجدية والحضارية، وما زال يتقوقع في داخل بوتقة العشيرة والقرية، وينتمي الى المذهب والدين قبل انتمائه لنوع صنفه أو مكان عيشه مع الآخرين؟

     وبينما يتم استنساخ زعماء وأنظمة بأشكال شتى ووسائل مختلفة تارة بالسطو على القصر الرئاسي وأخرى بمساعدة أصدقاء دوليين على غرار ما حدث في العراق وليبيا واليمن وسوريا ( والحبل على الجرار ) أو باستخدام آلية صناديق الاقتراع تحت مضلة الانتماء القبلي والمذهبي لتأسيس نظام لا يدرك هويته الا رب العباد، ينبري السياسيون اللاحقون بلعن ما قبلهم واتهامهم بالخيانة والعمالة والاستبداد ليبنوا ممالكهم الخاصة التي تبدأ من الجيب ولا تنتهي الا في ارض الله الواسعة خارج البلاد!؟

     وعلى خلفية هذا المشهد وما أنتجته صناديق الاقتراع وديمقراطية العشيرة والمذهب والدين، ندرك ان المعضلة الكبرى ليست في شكل النظام ومن يحكم بل في من يربي هذه الأجيال ويدجنها لهذه الأنماط من الحكم، وفي شكل المجتمعات وعلاقاتها الداخلية وتعاطيها مع المرأة والحضارة والمواطنة كمفهوم مدني سامي، وحتى يتم تثوير نظم التربية والتعليم ومناهجها وعلمنة الدولة وفصل الدين عنها وبلورة مصالح عليا للبلاد تحت سقف مفهوم راق للمواطنة الحقة ستبقى ثقافة القطيع هي السائدة في بلدان أدمنت الأمية بكافة أشكالها، واستبدلت الوطن بالقرية والشعب بالعشيرة والجيوب بخزائن الدولة أو بيت المال، لكي يبقى القطيع كما هو يجتر ما في داخله ويلهث وراء من يقوده أملا بالماء والكلأ والوجه الحسن!؟

     وسيبقى المواطن ايضا وفي كل الأحوال وكل الحقب لا يولي  أي اهتمام بشكل النظام وهيأته بقدر تعلق الأمر بمصالحه الأساسية ( الخدمات ) وهي ذاتها محط اهتمام أي مواطن على سطح هذا الكوكب، إلا ما وقع منهم تحت تأثير الإيديولوجيات التي تعد المواطن بمنحه مفاتيح الجنة سواء ما يتم تأسيسه هنا على الأرض من خلال النضال الاممي أو هناك في العالم الآخر، حيث يستغني المواطن الغلبان عن حقوقه في الحصول على تلك الخدمات لحين تحقيق الجنة الموعودة لدى طرفي المقاولة!؟

kmkinfo@gmail.com

378
المنبر الحر / لا تعسكروا البلاد؟
« في: 13:00 21/10/2012  »
لا تعسكروا البلاد؟

كفاح محمود كريم

    لقد دفعت كثير من الشعوب وخاصة تلك التي في شرقنا الأوسطي ثمنا باهضا لعسكرة دولها وأنظمتها الاجتماعية والسياسية، وغرقت في بحور من الدماء التي سالت من اجل بقاء وديمومة أنظمتها الدكتاتورية وتسلط زعمائها المصابين بأمراض العظمة والبطولة الزائفة والشعارات الرنانة، وتحت ذلك السقف المتهرئ من الشعارات أحرقت تلك الدول ثرواتها وعرق جبين أبنائها لشراء وتجميع شتى أنواع الأسلحة من اجل بناء قوتها العسكرية العظمى؟

 ومن مشهد تلك الدول والأنظمة ندرك أنها جميعا تنهل من معين واحد هو الشمولية والدكتاتورية الفردية أو الحزبية، وما بناء قوتها العسكرية وترسانة أسلحتها إلا للحفاظ على ذلك النظام وقمع الآخرين داخليا وخارجيا، ونتذكر جميعا مخازي النظام السابق في عملية عسكرة الدولة والمجتمع ابتداءً من ميليشياته المسماة بالجيش الشعبي تارة وبجيش القدس تارة أخرى، وانتهاءً بفرقه الذهبية التي تحولت خلال ساعات إلى فرق تنكية صدئة، وما أنفقه على  مغامراته الجوفاء فيما سمي بالتصنيع العسكري، وإنتاجه الذي لم يتجاوز العتاد الاسوء والأكثر تخلفا، وبعض الهرطقات الإعلامية من قبيل عدنان واحد وعدنان اثنين وما شابههم من صواريخ الحسين والعابد الذي كلف ( غلابة العراق ) ما يقرب من 17 مليار دولار لكي يدور نصف دورة حول الكرة الأرضية وينفجر، وهو الذي أعلن عنه بأنه سيحمل أقمارا صناعية إلى الفضاء!؟

     وإذا ما تجاوزنا مسرحية الصناعة العسكرية ليس هنا في العراق فحسب بل حتى في وسوريا وليبيا ومن شابههم في العقلية، فسنرى صفقاتهم التسليحية سواء من روسيا أو غيرها والتي تجاوزت المئات من المليارات خلال العقود الماضية وما أنتجته في معظم هذه البلدان، إن تلك الأسلحة بكل أنواعها حتى المحرمة منها استخدمت ضد الشعب قبل استخدامها ضد الآخرين وبالتأكيد إسرائيل ليست من الآخرين، فقد أثبتت سنوات هذه الأنظمة العجاف إن ترساناتها العسكرية استخدمت ضد شعوبها ومكونات دولها، كما حصل في العراق إبان استخدام أقذر الأسلحة وأكثرها فتكا ضد الكورد وكوردستان في العراق، حيث يتذكر العراقيون جميعا سواء من شارك منهم في عمليات الأنفال القذرة أو من شهد نتائجها ويومياتها، ما خلفته تلك الأسلحة في ربوع بلادنا شمالا وجنوبا شرقا وغربا، ثم مع الجيران في حروب همجية وغزوات طائشة تسببت في كل هذا الدمار الذي نشهده منذ أكثر من عقدين وسيستمر إلى عقود طويلة طالما هناك عقلية ما زالت تؤمن بان الدبابات والطائرات هي الحل في إشكالاتنا الداخلية والخارجية.

     إن صفقات السلاح التي تعقدها الحكومة العراقية منذ فترة تؤشر نوايا لا تختلف كثيرا عن تلك النوايا التي جمعت كل سكرابات العالم هنا، لتحولها بعد فترة وجيزة الى ركام ممزوج بأجساد الجنود والمدنيين من الأطفال والنساء والمعارضين لحكم النظام، بينما تغط البلاد في ظلام دامس وتقهقر رهيب في معظم مجالات الحياة حتى ارتفع خط الفقر إلى مستويات تقترب في كثير منها إلى ما هو موجود في دول أفريقيا الفقيرة، حقا أنها علاقة طردية كما يقولون فكلما فشل النظام في بناء مجتمع متقدم متحضر خال من الظلم والاستبداد، وانهزم أمام مشاكله الداخلية لجأ إلى بناء قوته العسكرية ظنا منه بأن القوة هي الحل الوحيد، رغم إن دروس الماضي ليست ببعيدة عن الأذهان، وان آلامها وانين ضحاياها وثكالى حروبها ما تزال تسمع في كل محلة وحي وزقاق؟

     العراق اليوم في أمس الحاجة إلى بناء دولة متقدمة محترمة تعمل من أجل صياغة علاقات راقية مع جوارها، تعتمد أسس السلام والوطنية والاحترام المتكافئ بعيدا عن الخنوع أو التدخل في الشؤون الداخلية، والتفرغ لتطوير البلاد وبنيتها التحتية تربويا وعلميا وزراعيا وصناعيا واجتماعيا، فما زال أكثر من نصف طلبة العراق يداومون في مدارس غير لائقة، وما زالت الأمية متفشية في أوساط هائلة من السكان، الذين يعانون الأمرين في ابسط الخدمات الحياتية ( الكهرباء والماء والصحة ) إضافة إلى البطالة  والتخلف المريب في الصناعة والزراعة والطرق والمواصلات.

     لقد أثبتت التجارب والحياة في بلداننا هنا في الشرق الأوسط ومن ماثلنا وخاصة العراق، إن أي توجه لعسكرة البلاد وبناء ترسانة عسكرية نذير شؤم نهايته الدمار والخراب، وان أي ادعاء بان أعداء العراق كثيرون ادعاء كاذب أثبتته الأيام وخاصة مع كل من ايران والكويت أو تركيا وبقية دول الجوار كما يدعي البعض، فايران بعد ثمان سنوات من الحرب عادت الى العراق صديقة شقيقة تأمر وتنهي كما تريد، وليست الكويت ايضا أو تركيا أو غيرهما اقل من ذلك، فما خسره العراقيون على أيدي حكامهم وجيشهم اكبر بكثير مما خسروه في حروبهم مع اسرائيل أو ايران أو الكويت!؟

فلمن يا ترى تبنى هذه الترسانة العسكرية مرة أخرى يا عراق؟

kmkinfo@gmail.com
 
[/color]

379
اللصوص لا يبنون دولة؟

كفاح محمود كريم

    كنا نحلم ونأمل جميعا ان تبدأ حقبة جديدة طاهرة ونقية ونظيفة في بلادنا بمجرد سقوط نظام صدام حسين بعد عقود من الظلم والطغيان، لكن هول ما حدث والطريقة التي أسقط بها، ربما أنسانا إن ذلك النظام كان يجلس على بيض مئات الآلاف من الحرامية والرشوجية والانتهازية والمجرمين، التي تفقست اثر سقوطه وبدأت تتناسل كالقطط الشتائية تحت عباءة الديمقراطية والانفتاح وإعمار العراق، بقيادة واحد من أكثر الشخصيات الأمريكية فسادا وشبهة الا وهو برايمر وطاقمه من الإدارة المدنية والعسكرية!؟ 

     والانكى من كل ذلك انهم ( مغنطوا ) الكثير من عناصر النظام السابق وادغموهم في طواقمهم، إضافة إلى النكرات الاجتماعية التي تم احتواؤها وإعادة تصنيعها لتأخذ لها أدوارا مهمة في المال والسلطة، حيث نجحت هذه المجاميع لاحقا  باجتياز كل الحواجز واختراق صفوف النظام الجديد، لكي تعشش في مفاصل الدولة الجديدة برعاية الحاكم الجديد برايمر ومجموعة الجنرالات وملحقيهم الذين ورثوا بقدرة قادر تاج المال والسلطة في بلاد الرافدين الآيلين للنضوب والجفاف!؟

     وعلى مدى سنوات طويلة نشأت وترعرت تلك المجاميع من الطفيليات واللصوص والانتهازيين والنكرات تحت عباءة الاحتلال ومساعدته لهم، بل ان الكثير منهم لعب لعبا مزدوجا بينهم وبين العمليات المسلحة من بعض ما كان يسمى بالمقاومة، حيث تحول الكثير منها إلى قومسيونجية بين السلطة والإرهاب تارة وبين الإرهاب والأمريكان تارة أخرى، ناهيك عن تلك الأعداد الكبيرة التي التفت حول الكثير من المسؤولين رفيعي المستوى على شكل حمايات ومرافقين ومستشارين، وشكلت حلقات من البطانات التي نمت وتطورت لتأخذ مسارها في اتخاذ القرار وتوجيه كثير من مفاصل الدولة؟

     لقد أكدت الأحداث وما وصلت إليه البلاد منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا، إن من يحكم اليوم لم يثبت انه يمثل تلك الطموحات والآمال التي حملها العراقيون عقود طويلة من حكم الدكتاتورية، ولا يمت بأية صلة إلى نضالات الشعب وتضحياته من اجل نظام ديمقراطي نزيه ينشر العدالة الاجتماعية ويرتفع بواقع البلاد وحاجياتها الى ما يليق بتاريخها ونضال شعوبها، إن حال البلاد بوجود هذه الوفرة المالية الفائقة ( مئات المليارات ) يؤكد بما لا يقبل الشك إن الفساد لم يعد محصورا في مفاصل إدارية متوسطة وصغيرة، بل انه يمتد إلى قيادات رئيسية ورأسية في السلطات الثلاث، حيث لا يسرق الصغار إلا المبالغ الصغيرة، أما تلك المليارات الضخمة التي ادعت السلطة التنفيذية إنفاقها على الكهرباء والماء والأعمار والصحة والمواصلات والأمن والدفاع، فقد ( لغفها، اختلسها ) كبار موظفي الدولة الذين ما زال الكثير منهم رغم إدانته من قبل القضاء أو النزاهة يتمتع بحصانة شركائه النافذين في الحكم.

     وقراءة أولية لتوزيعات ميزانية هذا العام فقط تؤكد هول ما يسرق ويختلس من أموال البلاد من قبل الحرامية وشركائهم ومساعديهم ومن لف لفهم، وليس للقارئ الا ان يقارن بين هذه الأرقام وبين ما تحقق على ارض الواقع على ان يتذكر ان ميزانيات السنوات السابقة لم تختلف كثيرا في حجمها وقيمتها عن هذه الميزانية:

    إجمالي مخصصات الميزانية بلغت 117 ترليون دينار عراقي، كانت حصة الأمن والدفاع اكبر الحصص حيث بلغت 17.16 ترليون، أما الطاقة وتعني البترول والكهرباء فقد بلغت 20.46 ترليون، بينما كانت حصة التعليم 11.47 ترليون والصحة 5.71 ترليون، يقابلها الماء والمجاري 3.86 ترليون، بينما انخفضت تخصيصات الزراعة ( 2.41 ترليون ) والصناعة ( 1.42 ترليون ) والتشييد والإسكان ( 1.14 ترليون ) في بلاد تعاني تدهور كارثي في الزراعة والصناعة والسكن.

     هذه أرقام أولية من تخصيصات موازنة 2012م وهناك ما يقابلها في الضخامة للسنوات الماضية، ومن مقارنة ميدانية بين ما تحقق من انجازات مقابل هذه الأرقام الرسمية نقترب كثيرا من عنوان مقالتنا:


    اللصوص لا يصنعون دولة، بل يصنعون أمجادهم على أنقاض بلدانهم؟
kmkinfo@gmail.com


 
 

380
تصريحات غير مسؤولة؟

كفاح محمود كريم

     منذ اندلاع الأزمة الأخيرة بين الإدارة الاتحادية متمثلة بطاقم الحكم فيها وبين إقليم كوردستان، تعرض الإقليم وشعبه إلى هجمة شرسة من قبل طواقم الإعلام الموجه بوسائله المختلفة وبالذات أولئك الذين يكتبون دون شعور بمسؤولية، وبغض النظر عما تؤول عنه كتابتهم أو لغتهم المستعملة، وكأنهم يهيئون الأذهان والمزاج العام للأهالي لمرحلة من الكراهية والأحقاد، تبرر شن حرب أو حصار أو إبادة من الإبادات التي تعرضت له شعوب العراق منذ تأسيسه وحتى تحريض الرأي العام لقبول إلغاء الآخر!؟
 
     وللأسف الشديد إن معظم هؤلاء الكتاب أو المصرحين بالأحاديث الصحفية من قيادي الإدارة السياسية للحكومة الاتحادية أو من طواقم إعلامها الموجه، الذي تفوح منه رائحة الخردل التي تسببت في إبادة عشرات الآلاف من سكان كوردستان سواء في حلبجة أو كرميان أو بهدينان، حيث ان مثل هذه الوسائل كانت أداة التحريض والتحضير لعمليات الإبادة التي استخدمها نظام صدام حسين، في توجيه مجموعة من كتابه وإعلامييه إلى فبركة تقارير ومقالات عن علاقة الثورة الكوردية بالاستعمار والامبريالية والعدو الفارسي والصهيونية العالمية، ومن ثم نشرها بشكل واسع في كل وسائل الإعلام قبل شن حملات واسعة للإبادة في معظم مناطق كوردستان!

     واليوم ومنذ عدة أشهر على الأقل يظهر في معظم وسائل الإعلام الموجه وكتابه، مستنسخات مطابقة لما كان يعرض أيام ( القائد الضرورة وبطل القادسية الثانية ) من أخبار وتقارير ومقالات بأسماء مختلفة لكنها تحتوي ذات المتن والمضمون، ولنتذكر معا ونقارن بين هذا الخبر الذي فبركه احد قياديي كتلة الحكم في الإدارة الاتحادية وعضو مجلس النواب حيث يقول في تصريح له للسومرية:*

     " إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تزود إقليم كردستان بالسلاح خلال الفترة المقبلة، فيما أشار إلى رفض الولايات المتحدة وروسيا طلبا لرئيس الإقليم مسعود البارزاني  بتزويده بالسلاح."
 
ويستطرد قائلا :

     " لا توجد دولة  مستعدة لتزويد إقليم كردستان بالأسلحة إلا إسرائيل لأنها لا تلتزم بالقوانين الدولية"، مشيراً إلى أن "إسرائيل تبحث عن سوق لبيع سلاحها ولا يوجد أفضل من سوق إقليم كردستان "

     وفي حوار مع موقع ايلاف الدولي يقول قيادي آخر من ذات الكتلة:*

     " إن الأكراد يسعون الى إقامة كردستان على أنقاض العراق، ويرى أن وقوف التحالف الكردستاني مع قانون العفو العام دليل على هذا السعي، لأنهم يريدون إطلاق كلاب القاعدة لتقتل العرب. كما يقول إن أعضاء القائمة العراقية قد استكردوا."

ويستدرك قائلا:

    " خطير؟ نعم! يؤيد التحالف الكردستاني قانون العفو العام، فهو يريد إطلاق سراح عناصر القاعدة كي يستمروا في قتل العرب في العراق. فالأهداف الكردستانية واضحة. ومسعود بارزاني وجماعته وقفوا منذ البداية مع زيادة الفرقة الطائفية في العراق، فهم يريدون بناء حكومتهم الخاصة على أنقاض الحكومة الاتحادية."

     ولا أتصور إن التعليقين أو اللغتين المستخدمتين في هذين التصريحين تحتاج إلى تعليق، بقدر ما تحتاج إلى تذكير ان المرحلة التي نعيشها الآن ومعطياتها ليست تلك التي استنسخت منها هذه الثقافة، وهذه اللغة المستعملة لإشاعة الكراهية والأحقاد وتهيئة  الرأي العام لحملات جديدة ضد كوردستان وشعبها لن تجدي أصحابها نفعا أكثر مما انتفع منها البعث وصدام حسين ومن سبقهم في معاداتهم للشعب، رغم ما يخرج من بين اسطرها ومعانيها من نيران تذكرنا بلهيب النابالم، إلا إن عراقنا وكوردستاننا وعصرنا اليوم لا يتحمل بل لا يقبل إطلاقا هذه اللغة أو الثقافة الفاسدة التي خربت البلاد ودمرت العباد ولم يجن أصحابها إلا السقوط والانهيار، نحن جميعا أحوج ما نكون اليوم إلى خطاب يلملم هذا التشتت والتناحر ويقرب وجهات النظر بعيدا عن الاتهامات وتأجيج الأوضاع وتحريض الرأي العام وملئه بمزاج عكر لا يؤول إلا إلى خراب وفساد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* السومرية http://www.alsumarianews.com/ar/1/49045/news-details-.html
* إيلاف http://www.elaph.com/Web/news/2012/10/765993.html?entry=Iraq


381
المنبر الحر / هذه ليست لغتنا!
« في: 12:36 10/10/2012  »
هذه ليست لغتنا!

كفاح محمود كريم

     انتشرت قبل أيام وصلة غنائية أرسلت بالبريد الالكتروني لكثير من الكتاب والإعلاميين بعنوان ( بنحبك بارزاني ) تتضمن مديحا للسيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان، وقد استفسر العديد منهم عن حقيقة تلك الوصلة الغنائية، وانبرى آخرون يتحدثون عن دكتاتور العصر في كوردستان، بل البعض الآخر اعتبرها جزء من ثقافة النظام السياسي في الإقليم، متناسيا الخيار الديمقراطي الذي انتهجه الإقليم وأحزابه وحركاته منذ الأيام الأولى لاستقلاله الذاتي قبل أكثر من عقدين من الزمان حينما طلب الرئيس بارزاني في أول خطاب له بعد انتصار الشعب في انتفاضة آذار 1991م أن تكون صناديق الاقتراع وسيلة لتداول السلطة في البلاد؟

    ومن حيثيات هذه الأغنية يتضح بأنها قد نفذت وسجلت من جهة خارج الإقليم ولا علاقة للإقليم ومؤسساته ووسائل إعلامه المختلفة بها، كونها لا تمت بأي صلة لمنظومة وسلوكيات الإعلام الكوردستاني والأداء السياسي لجميع الأحزاب والحركات، بما فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه الذي يرفض مثل هذا السلوك والتعاطي، بل انه يشعر بالحرج أمام أي مديح من أي مواطن أو مسؤول، ولعل الكثير يتذكر كيف رفض أن يمنح شهادة الدكتوراه الفخرية حينما طلب احد الأساتذة في جامعة دهوك منحه إياها وقد بثت مباشرة على الهواء، وفي ذات المناسبة وأثناء خطابه في جامعة دهوك رفض بشدة اقتراح مفاده اعتبار يوم زيارته لتلك الجامعة عيدا أو يوما لها وقال لهم ما معناه وعلى الهواء مباشرة:

    لا تصنعوا دكتاتورا بهذا السلوك، انا أقوم بواجبي الاعتيادي في زيارة الجامعة كأي مسؤول.

     هذه المنظومة الفكرية والأخلاقية لا يمكن لها أن تقبل مديحا بأي شكل من الأشكال لأنها تؤمن بأداء الواجب الوطني في خدمة الشعب من هذا الموقع، والذين عرفوا الرئيس مسعود بارزاني يدركون تماما انه خارج هذا النمط من الثقافة بل ويرفضها بشكل قاطع، وهو الذي عمم قبل فترة ليست طويلة بمنع رفع صوره في نقاط السيطرة والأماكن العامة، وتخلو كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في كوردستان من هذا الشكل في المديح المج، بل وترفض بث أو استخدام هكذا نمط سواء في الأغاني أو الأناشيد باستثناء ما يتغنى منها بالوطن والشهداء ورموز الثورة الكوردية ممن رحلوا عن حياتنا من أمثال الزعيم مصطفى البارزاني ومحمود الحفيد وغيرهم.

     لقد كنا لسنوات طويلة ضحايا للأنظمة الدكتاتورية ولتلك الثقافة البائسة في إعلامها الذي كان يلغي الكل من اجل الفرد ويكثف الوطن بأكمله والشعب بأسره في شخص رئيس أو ملك أو زعيم، ولعل الذين عايشوا وعاصروا الزعيم مصطفى البارزاني ممن هم خارج كوادر حزبه أو أركان ثورته من كل القوى الوطنية العراقية التي عرفته، يدركون حقيقة تلك المدرسة في التواضع والإيثار والواقعية، وذلك النهج الذي أصبح سلوكا لمعظم قيادات الحركة التحررية الكوردية وفي مقدمتهم الرئيس مسعود بارزاني.

kmkinfo@gmail.com

382
المنبر الحر / حوار لم يكتمل!
« في: 19:39 01/10/2012  »
حوار لم يكتمل!

كفاح محمود كريم

     كنت قد نشرت مقالا حول موضوع العمالة ومفهومها وتطبيقاتها في النظم الدكتاتورية التي تستسهل توجيه مثل هكذا اتهامات لأي من معارضيها، كما كان يحصل مع معظم الأحزاب المعارضة لنظام صدام حسين واتهامه لجميعها بالعمالة لإسرائيل والاستعمار والامبريالية العالمية، وقد اطلع عليه الزميل الكاتب والإعلامي سالم مشكور وأرسل يحاور:
    
     أنا معك في الإسفاف في توجيه الاتهام بالعمالة لإسرائيل من قبل الأنظمة الشمولية، لكن فيما يخص محاولات التمدد الإسرائيلي في كردستان فله جذور تاريخية وانا بنفسي رأيت صورة تجمع مسؤولا إسرائيليا مع الملا مصطفى رحمه الله والدكتور محمود عثمان، وهي منشورة في عدد من الكتب ولم ينكرها الدكتور محمود. طبعا لهذا الموضوع ظروفه التاريخية والسياسية. أما اليوم فقد اخبرني مسؤول في الاتحاد الوطني وهو صديق قديم لي بان قاعدة للموساد موجودة على سبيل ( سرسنك كما أتذكر انه قال) وهو يشرف على الأراضي الإيرانية، واعتقد انه موجه إلى إيران أكثر منه إلى العراق، وإذا كان من معلومات لديك تدحض هذا الكلام سأكون مسرورا لسماعها منك.
 
كفاح محمود:

     شكرا لاهتمامكم ومتابعتكم أخي الكريم، وبودي أن أوضح لكم إن موضوع بحثنا دار حول فكرة العمالة حصريا والاتهامات الجارية، ولم انفِ أو أثبت علاقات عسكرية أو دبلوماسية أو مصالحية بين كوردستان واسرائيل أو سوريا أو ايران أو حتى تركيا حاليا أو سابقا، فالمصادر الرسمية هنا في الإقليم ابتداءً برئيسه وانتهاءً بأي مسؤول رسمي في الحكومة والبرلمان ينفي  بشكل قاطع أية علاقة من التي ذكرتها أو تذكرها وسائل الإعلام الموجهة، ولكنني استطيع تأكيد حالة واحدة وهي ان الثورة سابقا ومؤسساتها المدنية حاليا مدت يدها لكل الأطراف التي أبدت مساعدتها في إنقاذ شعب كوردستان من الإبادة والتدمير، ولا أظن إن العلاقات اليوم بين الدول والأقاليم والحركات تقع تحت ذلك التعريف البائس الذي اعتمدته الأنظمة الشمولية في اتهام كل من يعارضها بالعمالة، إذ انه لا يعقل تماما ان يكون الرئيس السادات ومبارك ونصر الله وعرفات ومعظم من ( يتمتعون ) بعلاقات مع اسرائيل عملاء كما يتم توصيفهم من قبل كل الشموليين بعثيين كانوا أو غيرهم؟

     هذا من جهة ومن جهة أخرى فان للكورد تاريخ نضالي وإنساني مع الشعوب التي بجوارهم منذ صلاح الدين الأيوبي وحتى يومنا هذا، يرتقي على تاريخ معظم مكونات الشرق الأوسط، وهم كما تعلم ليسوا طائفة أو أقلية بل مكون كبير وربما اكبر ( أقلية ) في العالم لم تنل حقوقها!؟

سالم مشكور:
 
     وأزيدك بان الكرد سبقوا باقي الأقوام في الوجود على هذه الأرض بآلاف السنين. وعندما أقول طائفة فلا يعني ذلك تقليلا من شانهم أبدا وافترض انك تعلم جيدا معنى الطائفة. ما اعنيه هو الجماعة التي تشترك في لغة أو ثقافة أو مشروع سياسي وغيره وهذا ينطبق على التركمان والشبك والشيعة والسنة والكرد والعرب السنة وغيرهم. المعيار هنا كما ترى ليس دينيا فقط أو مذهبيا فقط أو قوميا فقط. المهم أن يجمع أبناء جماعة ما مشتركات واهتمامات وهواجس وطموحات تميزها عن الجماعات الأخرى، وحتى الباقين لم يظهروا بعد 2003 بل هم موجودون منذ القدم لكن ظروف ما بعد 2003  وفرت بيئة صالحة لانكفاء الطوائف على نفسها حفاظا على مشروعها أو تحاشيا لتكرار ماض اليم أو خوفا من مستقبل مجهول، وهنا دعني اضرب لك مثلا:
     ألا يقال إن العراق يخضع لمحاصصة طائفية؟ فما معنى الطائفة هنا؟ وعندما توزع المناصب طائفيا، الا يجري تقسيمها بين الشيعة والسنة والكرد؟

     أما إذا كان الكرد كما تقول "لهم خياراتهم ومؤسساتهم وقرارهم " بعيدا عن العراق كبلد يضمهم مع باقي الطوائف _ وهذا ما هو حاصل الان _ فاعتقد ان الافضل لهم وللآخرين ان يستقلوا تماما وهو حق لهم لا يناقشهم فيه احد وانا من اشد الداعين الى ذلك. اما ان يظلوا عراقيين حيث يحصلون على المكاسب، ومستقلين حيث لا مصالح فان الأمر سيخلق أحقادا عميقة في نفوس الطرفين تلقي بظلالها على العلاقة بين الدولة المستقبلية لهم وباقي العراق.
 
كفاح محمود:

     ازعم أن هناك تعريف أكثر دقة لما تسميه بالمكاسب وهو الاستحقاقات التي تم تهميشها لعقود طويلة وهي تتعرض اليوم إلى محاولات لا تقل عن تلك الالتفافات التي كانت تواجه اتفاقيات مع الأنظمة السابقة ( اتفاقية آذار 1970م نموذجا؟ ) ومشروع الحكم الذاتي الذي أرادت حكومة البعث صياغته حسب فلسفتها وفرضته لسنوات طويلة مسخا وهيكلا كارتونيا سرعان ما انهار في أول ساعات الانتفاضة، أما ملاحظتكم أو قولكم (إما أن يظلوا عراقيين حيث يحصلون على المكاسب، ومستقلين حيث لا مصالح ) فهذا ربما تجني كبير أخي مشكور، فما أخذه الكورد إنما أخذوه استحقاقا كان قد سرق منهم أو اغتصب بالقوة وما يزال هناك الكثير من حقوقهم خارج إرادتهم، وهم عراقيون ( بمفهوم الدولة العراقية ) منذ أن منحوا الموصل هويتها العراقية حيث اختاروا المملكة العراقية بشرط احترام حقوقهم وإرادتهم، أما وصمهم بالانتهازية فهذا بربي عين التجني خاصة وهم الذين اختاروا الاتحاد مع العراق ضمن دستور متفق عليه وكانوا أكثر الأطراف جدية وعملية في تأسيس دولة حديثة بعد سقوط نموذجها المتخلف اثر زلزال آذار نيسان 2003م.

     الكورد والكوردستانيون عموما ما زالوا يؤمنون بانتمائهم الى العراق حيثما يحترم الاخرون الدستور المتفق عليه وحل كل الاشكاليات التي خلفها نظام البعث من عمليات تعريب لمناطق في كركوك والموصل وديالى وإجراء التعداد العام للسكان ليتضح للجميع حقيقة كل المكونات وخاصة الكورد وحجمهم الطبيعي، وتشريع قانون للنفط والغاز حسب ما جاء في الدستور وإنشاء مؤسسة عسكرية مهنية تمثل كل العراق ولا تكون حكرا بيد شخص أو حزب أو عرق أو مذهب، وغير ذلك لكل حادث حديث ليس للكورد فحسب وإنما لكل من ضمهم الدستور في كيان اتحادي ديمقراطي تعددي، اما موضوع زيارة الوزير التركي فأخشى أن تكون بيئة الأزمة أنتجت هذا التهويل لزيارته وعلى ذات الخلفية كيف نعرف زيارة عشرات المسؤولين الايرانيين رفيعي المستوى وخاصة الامنيين منهم لبغداد والبصرة والنجف وكربلاء ومثلهم من السعودية لمنطقة ربيعة والانبار.

سالم مشكور:

     لا يمكن لبيئة الأزمة أن تبرر هكذا انتهاك وهو مرفوض سواء صدر عن تركي أو إيراني أو هندي أو سعودي. هذه بالضبط ما اسميها لعبة الطوائف التي تجري على حساب الوطن..لمن يهمه أمر الوطن وليس أمر الطائفة.
 
كفاح محمود:

     اقدر تماما ما تذهب اليه كرأي ولكن الكورد ليسو طائفة فهم قوم وارض وشعب ولهم كيانهم ومؤسساتهم وخياراتهم وقرارهم ايضا، وهم ايضا ليسو من إنتاج ما بعد 2003 مما اسميته بالطوائف الذين ضاع بينهم الوطن والانتماء.

 kmkinfo@gmail.com


383


صخرة كردستان ..وسيزيف الشرق ..!

فلاح المشعل

مهداة إلى أبطال كردستان العراق محمود الحفيد وعبد الله كوران والملا مصطفى البارزاني .

توطئة

     تبيعنا الأساطير بعضا من الضوء والمعنى، وإذ تحكي الأسطورة الإغريقية  صخرة سيزيف دلالة الشقاء الأبدي الذي أوقعته آلهة الأولمب على الملك سيزيف في رفع الصخرة العملاقة والوصول بها الى قمة الجبل ثم تفلت منه الصخرة وتهبط نحو أسفل المنحدر فيعاود دفعها  ورفعها إلى الأعلى، وهكذا تدور المعاناة ويفتقد الأمل.. انها العقاب الدائم الذي نصت عليه ألآله  ضد تمرد سيزيف وعدم طاعته..!

صخرة كردستان  وسيزيف الشرق..!

     تلك أسطورة يتناقلها أبناء البشرية نقلا عن اليونانيين القدماء  آباء الفلسفة  والحكمة.وهنا صخرة كردستان، أسطورة حية تنبض بالضوء مثل كوكب دري، أسطورة تقلب المعنى وترفع الأوجاع عن سيزيف العراقي لتضعها على صخرة كردستان وهي تحمل شقاء وعذاب وحلم الآخرين، عبر السنين، وتمضي بحراسة ضوء الشمس لتنسج حكاية المجد في نشيد العنقاء المتجدد مع دورة الزمان..!

منذ بدء الخليقة، لاشيء للكردي سوى الناي يدون به أوجاع الروح وذاكرة الأسى...!

     صخرة كردستان ليس مقعدا للبيشمركه، هي بوابة السماء المطلة على نوافذ الأحلام والأغاني المنسية في أنفاس مهاباد..،                           يا وجع السنين ومرفأ من يسابق الموت ليأتي بأمنية جلجامش،             كردستان،                                                                       حكاية الزمان ، روح المكان ، وهج الحلم المورق في قرار النبوءة ..، ايتها الصخرة النارية كم تدفأ بك العشاق في صلواتهم وهم يصعدون لمناجاة الرب.!

يا صخرة كردستان

رأيتك في سنندج تسألين عن المطر النازل في شقلاوة وآخر سلالات الكروم في بنجوين ..!
عن الأشلاء السماوية في حلبجة
وذكريات من رحلوا في حاج عمران
دموع الأشجار بوجه العصافير
تراتيل منسية في دير الربان هرمز
رؤيا تغيب قبل الصباح
لمطرقة كاوه الحداد تهوي على رؤوس من تجبروا
في دورة الزمان والمكان،
وحكايا للعشق في حقول الحنطة
رأيت النجوم تخرج عن صخرة كردستان
وتنشد في نهاراتها المفتوحة؛
ليس جدثا من بلور، هذا وطني
يعطي للقمر أجازة أبدية
في ضوء شمسه القرمزية

*****

يا صخرة كردستان ، كيف لك ان تمتصي أحزان السنين وتبتسمي قبل المطر؟                                                                       متى تماهى بك كل هذا الوجع والصبر الجميل،                        والزهو،                                                                    والأرق؟                                                                     كيف اصبحتي سماءا تتكأ عليك يد الله ، تشرئب لك اعناق الملائكة ويغني في ليلك القدر؟؟
دليل البدوي حين
تصهل في مواقدك أنفاس الشجر
خمس سنوات طفت بها،
خمس سماوات طافت بي،
هل كنت أبكي؟؟
وما حولي يضحك،
ام هو المطر الوحشي يأخذني نحو ممرات جهنم؟
وصخرة كردستان تمتد كالحلم من جبل هرزله نحو سفوح قره جولان
ومن عسل بي خال الى شلالات الضوء في قلعة أربيل الى قمم الفجر العراقي في دهوك الطالعة من حقول النرجس والندى .
كنت  ابكي،
وانا أتهجى قاموس وجودك العصي على الترجمة، ولم تزل،
صخرة كردستان تكتم أوجاعها، تحمل النقوش عن تاريخ معاول ملوك الفرس والترك والعرب وكيف اعوجت قرونها وهي تضرب في وهم يتطاير شظايا في سنين الموت والعزلة والاحتراق،،  وما عرفوا ان جمر الحديد لا يصير رمادا..!
وان دورة الأشياء، تطرق ذاكرة الموتى، فتستريح العظام في الأجداث
وصخرة كردستان أبهى وأعلى، هي الأرض والفضا، هي رحم الربيع وسقف الغيوم والثلج والمطر.
صخرة كردستان حملت أوجاع سيزيف الشرق من الكرد والعرب والعجم
وتوضأت بالمن والسلوى
اغتسلت بدموع القديسين والأئمة
تناسلت روحها عن ضياء الشهب
فولاذ السماء،
وتجمعت فيها أسرار الأرض
انها مستودع المجد الأبدي، ترقد فيها بسلام
أرواح منْ تسابقوا مع الموت،
الحفيد و كوران والبارزاني
والشجر الطالع من صخرة كردستان،
مثمر بأحلام السنين واغنيات مهاباد الحبيسة،
ليس للكردي سوى الناي والحب والمطر،
وشراع يمتد كأغنية في سبع سماوات،
وسبعة بحار،
تكسر نصوص الأسلاف؛
(لا تعطوا للكردي سوى الأفق الملبد بالقلق )
هو الأفق والروح والمدى
هو النار و الفردوس ساعة القيامة،
هو الكردي
رؤيا كالعشب تنبت كل ربيع على صخرة كردستان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* فلاح المشعل: كاتب وصحفي وأديب عراقي

384
لكي لا نعض أصابعنا؟

كفاح محمود كريم

    هل يعقل حقا أن الشعب العراقي ناضل وضحى وصبر وتحمل كل ذلك الضيم والظلم والفقر والعوز، من اجل إقامة نظام سياسي على هذه الشاكلة التي بدأت تتضح صورها ومشاهدها منذ 2005م ولحد يومنا هذا؟

     ترى ماذا سنقول لمئات الآلاف من ذوي الشهداء والضحايا والمعذبين والمعاقين، وكيف سنبرر لهم ما يحدث الآن وما تفعله مؤسسات نظامنا الجديد من فساد وإفساد وظلم وتخلف فاق ما كان موجودا أيام الزمن الغابر؟

     بل أن الكثير من المناضلين المخلصين والانقياء يخجلون اليوم من أولادهم وأسرهم ومقربيهم، حيث كانوا قد بشروا سرا أيام النظام البعثي بحقبة جديدة من العدالة الاجتماعية والنزاهة والحكام المخلصين، ودولة خالية من الدكتاتورية وأحزابها الفاشية؟

    نعم بشرنا جميعا بدولة المواطنة لا دولة العشيرة والحزب والعرق والمذهب والدين، بشرنا بنظام سياسي مدني ديمقراطي يحترم كل الأديان والمذاهب والأعراق دونما أن يتبنى لونا دينيا أو مذهبيا أو قوميا عنصريا؟

    ترى هل كانت نضالاتنا جميعا وعلى كل المستويات، احزابا وحركات واشخاص من اجل حفنة من النكرات والانتهازيين لكي تتسلق سلم الديمقراطية وتؤسس افشل نظام إداري ومالي وسياسي في العالم؟

     وهل يعقل أن تنقلب الأمور بين ليلة وضحاها إلى سلوكيات لا مثيل لها، ففي كل ما تعارفنا عليه من قيم وأخلاقيات لدى جميع الأقوام والأديان والطبقات، أن تدعو جارك أو ضيفك إلى غداء أو عشاء أو حفل أو مأتم، لا أن تدعوه إلى صناديق الاقتراع لكي يختار لك من يمثلك؟

    مشاهدة سريعة لمشهد مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية يرينا بؤس ما اختاره الناخبون في أول ممارسة يفترض أن تكون حرة نظيفة ونزيهة، لا أن تتحكم فيها الفتاوى والفرمانات العشائرية التي صادرت حرية الاختيار، وأوصلت تلك النكرات الفاسدة إلى دفة الحكم، سواء في مجلس النواب أو في السلطة التنفيذية، ولعل كل واحد منا في قريته أو مدينته يتذكر جيدا تاريخ وسلوك كل شخص من هؤلاء الذين أصبحوا ممثلي الشعب أو وزرائه ومسؤوليه في غفلة من الزمن؟

     ودوما تؤخذ الأمور بنتائجها أو خواتمها كما يقولون، فما أنتجته هذه المجاميع الفاسدة من أفواج الوصوليين والانتهازيين والسراق ونكرات المجتمع، منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا يؤكد حقيقة هؤلاء الفاشلين، سواء من كان منهم في البرلمان أو في الحكومة وبشكل خاص في مؤسسات الدفاع والداخلية والنفط والكهرباء والمالية، حتى أصبحت بلادنا من افشل البلدان في نظامها السياسي والمالي والإداري، وتفاقمت البطالة والتخلف والأمية والتضخم أضعاف ما كانت عليه قبل سنوات، وبتسلط هذه المجموعات المشرعنة بأنغام العشيرة والشيخ وفتاوى رجال الدين أصبحت بلادنا قرية وشعبنا عشيرة!؟
 
    لقد عض الملايين من أبناء العراق أصابعهم التي تباهوا بلونها البنفسجي في الانتخابات الماضية التي أعطتنا هذا المشهد الذي نراه في القرية والمدينة والعاصمة، ولن أصفه وساترك لكل قارئ حرية التوصيف، لكنني أدرك كما يدرك الكثير إن الأغلبية من الأهالي نادمة على ما فعلت، وأنها إزاء مرحلة جديدة بعد أن أدركت فشل الذين أوصلتهم إلى مفاصل الدولة.

    علينا جميعا أن نعي وندرك حقيقة ما حدث خلال السنوات الماضية والإحباط الكبير الذي أصاب معظم الأهالي بسبب  الرضوخ لنواميس شيوخ العشائر وبعض رجال السياسة والدين، الذين يصرون على تحويل دولتنا إلى مؤسسة دينية أو مذهبية أو عرقية أو دكتاتورية، ونعمل بجدية من اجل البحث عن مرشحين يمثلون نبض الأهالي بحق، من الانقياء المخلصين الذين لم تلوثهم أكوام السحت الحرام وامتيازات الحكم والسلطة، وعدم فسح المجال أمام هذه النكرات لكي تؤسس لها موضع قدم مرة أخرى!

kmkinfo@gmail.com

 


385
دولة الأعياد والعطلات؟

كفاح محمود كريم

     في متوارثات الشعوب كثير من الذكريات الأليمة والسعيدة، وربما أيضا أيام خالدة أو يتيمة ترتبط معظمها بأحداث تاريخية ومصيرية، وفي الغالب منها تؤشر إلى ذكريات موشحة بلون الدماء التي أرختها وجعلتها تتميز عن بقية الأيام الأخرى.

     لن نتوغل كثيرا في أعماق التاريخ وعادات الشعوب وتقاليدها بقدر تعلق الأمر بأعيادنا ومناسباتنا وعطلاتنا التي يجتمع عندها البرلمان في إحدى لجانه لكي يصيغ لنا قانونا خاصا بتلك الايام والمناسبات التي يتوقف فيها العمل والإنتاج ويتفرغ لها مواطننا للفرح والرقص والدبكات أو للحزن واللطم والبكاء، أو للمسيرات ورفع التصاوير والإعلام ومدح القائد الهمام والهتاف للعدو بالموت الزؤام؟

     أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم ( على عادة إمام جامعنا رحمه الله ) وانا أحصي مع شلة من الأصدقاء أيام الأعياد والعطلات الرسمية والشعبية والدينية والقومية والمذهبية وربما حتى العشائرية، وبعد جهد جهيد عجزنا تماما عن إحصاء عدد الأيام التي يستمتع بعطلتها مواطننا المناضل، فقد تبين أن شعبنا العظيم قد حقق أهدافه في الحرية والانعتاق والصبر الكبير لكي ينجز وبحسب قانون العطل الرسمية المعمول به حاليا في البلاد أكثر من 150 يوماً من العطل الرسمية سنوياً، بحيث إن 30 % منها تكون بمناسبة أيام الأعياد والمناسبات الدينية، إضافة إلى أيام العطل فان هناك أيام الأعياد (عيد الفطر وعيد الأضحى) وبعض المناسبات الدينية التي تحتفي بها بعض الأطياف العراقية.

    وإذا ما اعتمدنا هذا الرقم وهو مائة وخمسون يوما وأضفنا له عدد آخر لا نعرفه من أيام البطالة المقنعة التي استشرت وانتشرت بعد قيام نظامنا الجديد وتعدد المناصب والوظائف والرواتب بيد شخص واحد حيث يجمع الشخص الرئاسة وقيادة  الجيش ومن موقع أدنى يمارس وزيرا للداخلية والدفاع ويتجرز بهيئة الإعلام والنزاهة والانتخابات والبنك المركزي إضافة للنفط ومجاميعها، ندرك إن العراق يعمل بأقل من نصف أيام سنته ويستمتع بأكثر من النصف المتبقي بموظفين يشغلون عدة مهام ومسؤوليات في آن واحد!؟

     وبدلا من أن تكون مكرمات القائد الضرورة غرامات من الفاصوليا والعدس على البطاقة التموينية أيام حكم حزب البعث، فان حكومتنا الرشيدة ومسؤولي نظامنا الجديد يكرمون شعبنا بصواني أو بكومة ( على عادة صدام حسين في إعطائه الرتب والنياشين والأنواط ) من أيام العطل والإجازات التي يتمتع ويستمتع بها مواطننا المترف في أي مناسبة يجدونها تخدم الأمة!؟ 

    ولا أظن على ضوء هذه الإجازات الممتعة إن دولة في العالم تنافسنا في ذلك إلا اللهم إذا كانت ايران هي الأخرى تناضل من اجل متعة المواطن واستمتاعه كما نفعل نحن في عراقنا الجديد جدا، وصدق من قال لا خير في امة كثرت أعيادها، وأضيف مستسمحا عطلاتها وإجازاتها!

kmkinfo@gmail.com


386
لكي لا يترحمون عليهم؟

كفاح محمود كريم

    لا أريد أن اجري مقارنة بين زعيمين لكتلتين سياسيتين في أدائهما السياسي والإداري منذ توليهما السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، رغم أنني كنت أأمل مع الملايين من شعبنا في إقليم كوردستان وبقية أنحاء العراق أن تجري مناظرة تلفزيونية يقدم كل منهما نفسه، لا ادعاءً بل كلاما دقيقا موثقا مدعما بالحقائق على الأرض، لكنني وددت أن استذكر ومعي الكثير بعضا مما سجله الشارع في الإقليم وفي بغداد وبقية المحافظات ومما ترسب في ذاكرة العراقيين شمالا وشرقا وغربا وجنوبا خلال العقد الأخير فقط من عمر بلادنا المديد.

    للأمانة؛ كليهما لم يأت بانقلاب عسكري ويسرق السلطة سواء بثورة بيضاء أو بعروس الثورات كما كان يشتهي البعثيون في إطلاق أسماء على أفعالهم المشبوهة طلبا للتمويه والإخفاء، بل جاءت انتخابات كانون ثاني 2005م تحمل للبلاد رئيس حكومة من عامة الأهالي، بقي لاجئا سنوات عديدة متنقلا بين طهران ودمشق، راكبا حصان الائتلاف الشيعي ودافعا إلى الحكم مشروع صناعة جديدة لنوع من الحكم تحت يافطة دولة القانون، التي قدمت برنامجا لحكمها يشبه إلى حد كبير قصص الأفلام العربية أو الهندية التي تنتهي دوما بانتصار البطل عادة!؟

     وفي كوردستان التي سبقت بقية البلاد في تطبيقاتها للديمقراطية، كان خيار شعبها وفعالياتها السياسية بعد أشهر قليلة من انتفاضة آذار 1991م هي الانتخابات والمؤسسات الدستورية التي أنتجت أول برلمان كوردستاني منتخب عام 1992م، وهي ذاتها التي أوصلت السيد البارزاني رئيسا لكوردستان في انتخابات تموز 2009م  بما يقرب من 70% من أصوات الناخبين.
     وفي بغداد وخلال دورة ونصف الدورة من الحكم أي لست سنوات أو أكثر، بقيت مآسي الكهرباء والسكن والبطالة والإرهاب وتردي بقية الخدمات كما هي، بل زادت وتيرة تقهقرها وارتفاع أسعار معظم ما يتعلق بحياة المواطن ابتداءً من الغذاء والدواء وانتهاءً بالبنزين والنفط الأبيض ووقود الديزل، التي أصبحت بقدرة قادر وبعد ست سنوات من حكم دولة القانون وعشرات المليارات من الدولارات لتطوير إنتاجها ونوعها، أكثر سوءً واكبر كمية في الاستيراد من كازاخستان وسوريا وتركيا، بينما يزداد نزف الدماء في معظم محافظات العراق نتيجة تفاقم العمليات الإرهابية والجريمة المنظمة التي وصلت إلى مفاصل مهمة من الدولة وتكلست فيها تحت أغطية ومسميات عديدة.

    يقابل ذلك في إقليم كوردستان مع وجود مساحات الفساد والمفسدين ونقاط الضعف هنا وهناك وأفواج الانتهازيين والوصوليين تحت عباءة المحسوبية والمنسوبية، تطور كبير في معظم الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء التي نجحت إدارة الإقليم بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي على تجاوزها تماما، مع تطور هائل في بقية الخدمات المتصلة بحياة المواطن كالماء والصحة والتعليم والمستوى المعاشي، إضافة إلى عنصر مهم جدا في تطور كل هذه الخدمات إلا وهو السلم والأمن الاجتماعيين اللذين تعاون في تكريسهما طرفي المعادلة الأمنية وهي أجهزة الأمن والشرطة الواعية والمخلصة والمواطن نفسه، حيث نجحت إدارة الإقليم ومؤسساتها في إنتاج سلطات أمنية نوعية غير مخترقة ومهنية ووطنية، يقابلها وعي المواطن وإدراكه وارتباطه بوطنه من خلال المحافظة على أمنه واستقراره.

     وإذا كانت طموحات المواطن أعلى بكثير مما تم تحقيقه لكن مقارنة بسيطة بين الحالتين وما آلت إليه الأمور تظهر لنا البون الشاسع بين ما تعلنه إدارة الحكومة الاتحادية وكثير من الحكومات المحلية في المحافظات وبين واقع الحال في إقليم كوردستان الذي استقطب مئات الشركات والمستثمرين الأجانب من شتى بلدان العالم وتحول إلى خلية نحل في كل مدنه وبلداته وقراه مما احدث طفرة نوعية في تقدم الإقليم وتطور خدماته، دفعت مئات الآلاف من العراقيين إلى زيارة الإقليم واستقرار الكثير منهم فيه، بل إن أكثر من ربع مليون سائح من جنوب ووسط البلاد كانوا في الإقليم خلال عطلة عيد الفطر المبارك، رغم ما تفعله ماكينة الإعلام المضاد سواء ما يرتبط منها بكتلة الحكم في بغداد أو أجهزة الإعلام الخارجية وبالذات تلك التي تصعد الأزمات خدمة لبقاء نظام الأسد واستمرار مشروع السلاح الذري في طهران.

     واذا ما خرجنا من إطار دولتنا وتجربتنا والاحباطات الكبيرة التي أصابت مواطننا، وذهبنا إلى فضاء الربيع العربي فان الخشية الكبرى هي أن لا يكون البديل بمستوى تضحيات تلك الشعوب، وان لا يكون التغيير في الأسماء والعناوين والوسائل فقط بعيدا عن الجوهر والأساس، إن شعوب العراق ومصر واليمن وليبيا وسوريا وغيرها من شعوب الشرق الأوسط لم تناضل وتنتفض من اجل إقامة نظام سياسي ديني أو مذهبي أو قومي مغلق، بل هي تواقة لتأسيس دولة الديمقراطية والمدنية والعدالة والنزاهة وإحقاق الحق لا إلى دولة شعارات واديان وشوفينيات قومية أو عرقية أو مذهبية. 
     

     وهنا في بلاد الرافدين، حقيقة كنا نتمنى جميعا أن تكون كل بلادنا بهذا الشكل في إقليم كوردستان، على الأقل لكي نقول لأعداء تجربتنا إننا أفضل من الذين حكموا العراق طيلة ما يقرب من نصف قرن، لا أن نجعل الشارع العراقي يترحم على نظام الاستبداد والفاشية كما يحصل الآن في بغداد وغيرها من محافظات البلاد للأسف الشديد؟

kmkinfo@gmail.com

 





387
كوردستان ومشروع النهضة

كفاح محمود كريم

     في تاريخ شعب كوردستان محطات يتوقف عندها الباحث والمراقب وهو يمر بقناة يتخللها مشروع نهضة هذا الوطن الحلم، انها تواريخ اجتمعت فيها عصارة ما أنتجه هذا الشعب، ففي السادس عشر من أغسطس 1946م بدأت بواكير حركة سياسية غدت بعد سنوات قليلة حزب ديمقراطي يقود حركة تحررية عارمة يفجر أولى ثوراتها في الحادي عشر من أيلول 1961م التي أنجزت أول اعتراف قانوني ودستوري بالاستقلال الذاتي لشعب كوردستان في آذار 1970م، والمحطة الثالثة كانت اندلاع انتفاضة آذار 1991م التي أسست لإقليم كوردستان الحالي.

     لقد أعقبت سنوات سايكس بيكو واتفاقية سيفر ومؤتمر الصلح في لوزان، من 1916م وحتى قيام المملكة العراقية بولايتيها  البصرة وبغداد وأخيرا الموصل بحدود 1925م، حقبة من الانتظار الممل وخيبة الأمل الكبيرة بالقوى العظمى المبشرة آنذاك بالحرية والانعتاق والديمقراطية، وبشركاء الوطن في المملكة الجديدة، وذلك بتحقيق الحد الأدنى مما اتفق عليه في تبعية الموصل للمملكة العراقية بدلا من تبعيتها للدولة التركية الفتية آنذاك، حيث منح الكورد في كوردستان العراق والذين كانوا يشكلون أغلبية سكان ولاية الموصل أصواتهم لصالح عراقية الولاية مقابل الاعتراف بحقوقهم الأساسية والسياسية والثقافية، وما يترتب على ذلك من الإدارة الذاتية، وكما فشلت إدارة العراق السياسية آنذاك في تلبية تلك الحقوق، فشل المجتمع الدولي وعصبته أيضا من وضعها في مجال التطبيق أو المطالبة بتطبيقها من قبل تلك الإدارات.

     وفي خضم تلك الحقبة وما أنتجته من حركات وأحزاب ومنظمات جاءت كرد فعل طبيعي لذلك الفشل الذريع في تحقيق أماني وتطلعات هذا الشعب، تبلورت ونضجت مجموعة أفكار وأسس بشكل يؤهل النخب الوطنية والثقافية والسياسية على تأسيس حركة قومية ترتقي في مفاهيمها وأطروحاتها على العشائرية والمناطقية، وتندفع بمشروع نهضوي شامل لشعب حيوي يعشق الحرية والحياة ويحب العمل والإنتاج والتطور، ورغم النكسة الكبيرة التي حصلت لمشروع تأسيس أول جمهورية كوردستانية في التاريخ المعاصر حينما اغتالوها وهي ما زالت تحبو، الا ان كوكبة من خيرة رجال كوردستان ونسائها أصروا على إكمال وتطوير وضع أسس مشروع كبير لنهضة كوردستان يبدأ برفض الانهيار والاستكانة داخل الذات البشرية والإيمان المطلق بإمكانية الإنسان القادر على التغيير لو امن بذلك وتحدى الصعوبات.

     كانت هذه المبادئ انطلاقة الزعيم مصطفى البارزاني في منتصف أربعينات القرن الماضي والتي غدت الأسس الأولى للانطلاق إلى آفاق الحرية، بتحرير الذات الكوردستانية والانعتاق والشعور بالحرية والعمل من اجلها دوما، وبذلك تبلورت اللبنات الاولى لمشروع النهضة في كوردستان العراق على شكل حزب سياسي واجتماعي يضم بين صفوفه كل شرائح المجتمع وطبقاته ومكوناته العرقية والدينية والمذهبية، بعيدا عن أية ادلجة فكرية أو عقائدية لصالح طبقة أو دين أو مذهب أو نظرية خارج المصالح العليا لشعب وارض كوردستان، ولذلك كانت هذه الحركة تمثل تماما التكوين الحقيقي لمجتمعات كوردستان ومزاج الأهالي عموما دونما توغل في تعصب قومي أو عرقي أو ديني، فقد كان الجميع كوردا وتركمانا وآشوريون وكلدانا وعربا يكونون مفاصل تلك الحركة التي ارتقت بنضالاتها الى مستوى الانتماء إلى مواطنة رفيعة أسست رابطة تجمع كل المواطنين دونما الالتفات إلى انتماءات أخرى دون الوطن، وبذلك تهيأت فرص كبيرة للبدء بمشروع حضاري كبير كانت خطواته الأولى اندلاع ثورة أيلول عام 1961م التي أرست أول اعتراف تاريخي وقانوني بالحكم الذاتي لكوردستان العراق في اتفاقية آذار عام 1970م.

     بعد عقدين من توقيع اتفاقية آذار التي تنصلت حكومة البعث عن تنفيذها خرج الكوردستانيون من اكبر مأساتين عاشتهما شعوب منطقة الشرق الأوسط، وهما جرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية المعروفة بـ ( الأنفال 87/88 ) والتي حصدت ما يقرب من مائتي ألف طفل وامرأة وشيخ، ثم تلتها عمليات الإبادة بالأسلحة الكيماوية متمثلة بمأساة حلبجة ( 1988م )، خرجوا منها بقدرة أعلى وتحدٍ اكبر في آذار 1991م بانتفاضة عارمة تحررت على إثرها معظم مدن وبلدات كوردستان التي احتضنت خلال اقل من عام انتخابات عامة لتنشئ أول برلمان كوردستاني منتخب في ارض محررة وبإشراف أممي منحها شرعية تأسيس أول حكومة وطنية في تاريخ كوردستان القديم والحديث عام 1992م.

     ورغم كل ما واجه تلك الحكومة والبرلمان من تحديات كبيرة أدت خلال السنوات الأولى من الاستقلال الذاتي إلى احتراب داخلي كاد أن يدمر البلاد، إلا إن الشعب نجح في تحقيق مشروعه الحضاري النهضوي في السلام وتوحيد الإرادات لبناء الوطن وخلال عقد واحد أنجز الكوردستانيون ومؤسساتهم التشريعية والتنفيذية وبقية مؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال والمستثمرين والأكاديميين، ما عجزت عنه الدولة العراقية خلال ثمانين عاما من تأسيسها في هذه المنطقة، وما نشاهده اليوم من نهضة تاريخية كبرى في الأعمار والتعليم والجامعات والبنى التحتية للماء والكهرباء والمواصلات وتأهيل الإنسان في تنمية بشرية معاصرة حولت الإقليم إلى ملاذ آمن ومنطقة من أكثر المناطق جذبا للاستثمارات في الشرق الأوسط.

     انه حقا حصاد عقود من النضال العنيد والمعفر برائحة الشهادة من اجل حياة أفضل لأولئك الذين حافظوا على قدسية وطهارة نضالهم وصفحاتهم البيضاء، دونما أن تضطرهم تلك الهجمات البربرية إلى فكرة الانتقام أو الإرهاب أو التعرض للمدنيين، لينجزوا وجها من أوجه مشروعهم الحضاري ونهضتهم التي تتمثل اليوم بهذا النموذج الحي إقليم كوردستان الناهض. 

     
kmkinfo@gmail.com
 


388
من يذبح سوريا اليوم؟

كفاح محمود كريم

    نتذكر جميعا السنوات التي سبقت سقوط نظام البعث الأول في العراق، حينما استقدم كل منظمات الإرهاب في العالم ورجالات الجريمة المنظمة لمقاتلة ( العدو الامبريالي الصهيوني ) وفي مقدمتهم كانت منظمة القاعدة وفروعها في العراق وأطرافه ومؤيديها ومعتنقي منهجها في القتال، ولا يختلف عراقيان حول ميكافيلية حزب البعث وقيادة صدام حسين ومجموعته، التي تغير ألوانها وأساليبها مع الظروف التي تحافظ على بقائها في السلطة، ولعل ما شهدناه خلال الثمانينات وسنوات الحرب مع ايران وتقمص النظام للنهج الوهابي منافقا ومرائيا السعودية والكويت وبعض دول الخليج، للحصول على الدعم المطلق ماليا وعسكريا، وقبل ذلك تحالفه مع شاه ايران ومنحه نصف شط العرب مقابل سحق الثورة الكوردية في كوردستان العراق، فنظام البعث سواء ما كان هنا في بلادنا أو من يرتكب ذات الجرائم في سوريا لا يتوانى عن التحالف مع أكثر قوى الشر والجريمة والإرهاب في العالم بميكافيلية لا نظير لها حتى عند من وضعها، من اجل شعاره الدموي ( جئنا لنبقى ) حتى وان كلف ذلك إحراق البلاد بطولها وعرضها، كما فعل في حربي ( أم المعارك والحواسم ) وما بعدهما من تقتيل وتدمير منظم للشعب والدولة، إذ أكدت أعداد الضحايا التي أعلنتها جهات حكومية عراقية* فيما كان يسميه (مقاومة) هو ومن استقدمهم لمقاتلة الأمريكان من العراقيين المدنيين الأبرياء أضعاف أضعاف من قتلوا من المحتلين، ولعل شوارع بغداد والموصل والبصرة والانبار والحلة واربيل شاهدة على تلك الآلاف المؤلفة من ضحايا البعث والقاعدة ومنظمات الجريمة التي تأسست من بقايا تنظيمات البعث سيئة الصيت.

     وفي سوريا يعمل النظام وحزبه الفاشي على خلط الأوراق وفتح الأبواب لذات تلك التنظيمات الإرهابية التي كانت تعبر من حدوده إلى العراق، لتفتك بأهليه شمالا وجنوبا شرقا وغربا، حتى حولوا البلاد إلى برك من دماء، نعم فتح لها الأبواب في كل المدن السورية لتنفذ مخططها الإرهابي تحت يافطة المعارضة ومقاومة النظام، وهي لا تقترب قيد أنملة من النظام ورجاله بقدر ما تشيع الفوضى والخراب والدماء يدا بيد مع (الشبيحة) وأجهزة الدولة والحزب الإرهابية الأخرى*، بحيث تعطي انطباعا لدى الشارع بالإحباط واليأس وقبول أهون الشرين قياسا بما تفعله تلك المنظمات الإرهابية المستدعاة للعمل في ساحتهم كما كان يفعل وما يزال شقهم الثاني هنا في العراق، لتشويه أي عمل من اجل بناء دولة مدنية ديمقراطية متحضرة.

     حقا إنهم ينهلون من ذات الفكر والنهج الذي يلغي الآخر ويحرق الأخضر واليابس من اجل ( جئنا لنبقى ) مهما اختلفوا في وسائلهم فان النتيجة واحدة إقامة نظام فاشي دكتاتوري كما شهدناه هنا في العراق وشهده السوريون والليبيون واليمنيون ومعظم الشعوب المبتلاة بهذا النهج المدمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أعلنت وزارة حقوق الإنسان في العراق يوم 12 أغسطس/آب إن عدد ضحايا العمليات الإرهابية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ولغاية الآن وصل إلى 70 ألف قتيل و250 ألف جريح، وهي أقل من نصف ما أعلنته منظمات دولية محايدة، في محاولة لإعطاء صورة مغايرة عن واقع الموت اليومي في العراق، بينما تتحدث تلك المصادر عن ربع مليون أو أكثر من القتلى المدنيين العراقيين، يقابلهم في أفضل الأرقام اقل من عشرة آلاف أمريكي قتلوا خلال ذات الفترة فيما سمي بالمقاومة؟

* حصدت أعمال العنف أكثر من  25 ألف قتيل في سوريا منذ بدء الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد في 15 مارس 2011، بحسب ما صدر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان ، من ضمنهم أربعة آلاف من عناصر النظام، وهي أرقام تختلف كثيرا عما ذكرته كثير من وسائل الإعلام.



389
قافلة الباشا وحجارة المتنبي؟

كفاح محمود كريم

     لا اعرف إن كانت طبيعة بشرية أم مرض اجتماعي أو نقص تربوي أم شيء آخر، ذلك الذي يجعل لكل ناجح حساد بدرجة أعداء لا يتوانون عن شن حرب نووية أو كيماوية ضده، والناجح ليس بالضرورة شخص ما، بل ربما مجموعة من الأفراد أو شعب أو دولة أو إقليم أو حتى محافظة ما، ولطالما شهدنا ماذا يفعل الحسد بأصحابه وبالآخرين أيضا، ولا تعجبوا من تصنيفي هذا فقد أدركنا جميعا تلك الحملات المنظمة للانتقاص من سكان مدينة أو من عرق أو قوم أو دين أو مذهب، باستخدام نكات وطرائف تنتقص منهم وتضعهم في محط السخرية والتندر، حتى أصبحت مفردات مثل الشروكي والمعداني والكوردي والنصراني والعفري والشبكي والسني والشيعي يتم تداولها لتوصيف حالة السذاجة أو الاستصغار أو السخرية أو الانتقاص من خلال مواصفات كاذبة وروايات لا أساس لها من الصحة ولا من الحقيقة، إلا ما كان في رأس من يصنعها من عقد النقص والحسد وهو يشاهد هؤلاء الذين ينتقصهم في توصيفاته، هم الأكثر تميزا في الحياة وبمستويات مختلفة تبتدئ بتفوقهم في المدارس ولا تنتهي بتميزهم في كل مجالات العلم والعمل؟

     وليس من باب التخصيص بل الأمثلة اذكر هنا ما كان يشاع عن أهل الناصرية النجباء المتميزين في حضارتهم وثقافتهم وإنسانيتهم وطيبتهم، حتى أطلق الحساد وأصحاب عقد وتراكيب النقص اسم الشجرة الخبيثة على الناصرية وأهلها، لا كما وردت اصل الحكاية بل لوصفهم باللؤم وهم اهل الطيبة المعروفة، كما كانوا يفعلون فعلتهم في توصيفاتهم للكوردي والمسيحي والتركماني من خلال طرائف أو روايات كاذبة غرضها الانتقاص من أناس تميزوا في تفوقهم ودماثتهم خلقهم.

     ولا أجد اليوم توصيفا لسلوك البعض ممن ما زالت رؤوسهم وافكارهم تنوء بأثقال تلك الثقافة البائسة، وخاصة حينما تكون من  رجل دين أو علم يحرف كتب التاريخ ويحيك رواية لإبادة الكورد على خلفية مذهبية مقيتة لا أساس لها إلا في تلك الرؤوس الخاوية التي أدمنا أفعالها طيلة عشرات السنين من الحقد والكراهية ومركبات النقص التي أدت بهم إلى هاوية سحيقة، ولربما كان علي كيمياوي احد اولئك الذين فكروا بإبادة شعب بأكمله تحت يافطة سورة من سور القرآن المجيد ( الأنفال )، فأبادهم الله ومحقهم وأذلهم شر مذلة؟


      أقول قولي هذا وأنا أراقب هؤلاء الحساد والحاقدين والفاشلين  وهم يستخدمون ميكروسكوبات عالية الدقة للبحث عن خطأ هنا أو رواية هناك ليفبركوها على مزاجهم، كما يحصل حينما يفتشون عن زلة لإنسان مثابر أو متميز سواء في السياسة أو الإعلام أو بقية مناحي الحياة، ويبدؤون بعمليات شن الهجوم باستخدام وسائل جاهزة ومدربة في مدارس ومعاهد النظام السابق المتفنن في إسقاط الآخر وإلغائه، من خلال حملات التشهير والتهييج والأكاذيب، وقد شهدنا خلال الأشهر الماضية أنماط كثيرة من هذا السلوك الذي تصورنا إننا تجاوزناه حينما سقط هيكل الدكتاتورية ورموزها وخاصة في الإعلام، لكننا ربما لم ننتبه إلى تكلس كثير من تلك المظاهر في عقد سلوكية وأخلاقية نائمة أو أنها كانت تنتظر بيئة صالحة لنموها، وحينما تهيأت تلك الأجواء سرعان ما بدأت بالتكاثر والنمو والإنتاج؟

     وعلى هذا الأساس لم تأت كلمات الباشا نوري السعيد اعتباطا بل ربما جاءت بعد أن ملؤا قلبه قيحا هو وقافلته التي ما تزال تسير رغم نباح أفواج من الكلاب المسعورة بالحسد والحقد وعقد النقص، وربما لم يك الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي أفضل حالا من الباشا وهو ينشد قائلا:

لو كل كلب عوى ألقمته حجراً         لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ


     إذ أن حجارة العراق كلها كانت لا تكفيه للقم الكلاب التي كانت تحاول نهشه أو عضه طيلة قرون، وهي اليوم على ذات النهج المريض لا تنفك عن تشويه الحقائق وإثارة الفتن والأحقاد، لا لشيء إلا لنجاح تجربة الآخرين وفشل أولئك الذين يجعجعون في فناجين سحرهم المقيت، بينما ينهض الآخرون ويثبتون نجاحاتهم وتسير قافلتهم رغم كل هذا الضجيج ودونما استخدام للحجارة حفاظا على أسعارها العالمية!؟

kmkinfo@gmail.com

390
(قان قان قان كركوك قبرص تركستان)؟

كفاح محمود كريم

     أواسط سبعينات القرن الماضي كنا مجموعة من الطلبة العراقيين والسوريين والقبارصة الأتراك نسجل في جامعة استانبول، متجمعين أمام غرفة المسجل العام القريبة من مدخل الجامعة التي كانت تشغل المبنى القديم لوزارة الدفاع العثمانية في منطقة بايزيد، وإذ بمظاهرة ضخمة جدا تتقدم نحو الفناء الكبير أمام مدخل الجامعة، وأمام هتافات وصراخات المتظاهرين وأعلامهم (الذئبوية) تركنا نظام السرا كما يسميه العراقيون أي صف الانتظار وخرجنا إلى باحة الجامعة لنرى سيولا بشرية هائجة تصرخ بصوت واحد هذا الشعار:

(قان قان قان كركوك قبرص تركستان)

      لم نفهم أي شيء من الشعار إلا كلمة كركوك التي أثارت انتباهنا، وبدأت ابحث عن من يترجم لنا هذا الشعار الذي يلهب هذه السيول البشرية الهائجة، فإذ بطالب عراقي من أهالي طوزخورماتو كان معنا هو الآخر ويجيد التركية فانجدنا بترجمة الشعار وموقع كركوك من الإعراب، حيث قال إنهم أي هؤلاء الذين ينشدون هذا الشعار يعنون أنهم بالدم ( مكررة ثلاث مرات: قان قان قان ) سيحررون كركوك وقبرص وتركستان السوفياتية؟

     وحينما سألنا من هؤلاء ومن يدفعهم أو يتبناهم قالوا انه حزب الحركة القومي التركي، وهو مصنف هناك من الديمقراطيين واليساريين الأتراك في خانة الأحزاب العنصرية جدا، ويطالب الحكومة بتكرار عملية تحريرها للجزء التركي من قبرص، في كركوك العراقية وتركستان في الاتحاد السوفياتي، وهو ينظم  أسبوعيا مظاهرات صاخبة من هذا النوع في العاصمة أنقرة واستانبول منذ سيطرت القوات التركية على ما يقرب من نصف جزيرة قبرص.

     واليوم وبعد ما يقرب من 37 عاما على تلك المظاهرات الصاخبة، يأتي زعيم ذلك الحزب طالبا تأشيرة دخول إلى العراق وحصريا إلى كركوك لكي يصلي صلاة العيد ( التحريري ) في كركوكنا الكوردستانية العراقية، كركوك قدس الكوردستانيين والعراقيين جميعا  ونبض قلوبهم كوردا وعربا وتركمانا وآشوريين، هكذا بكل سهولة ويسر يا جاري التركي العزيز تحاول أن تحقق شعارك القديم متناسيا إن العراقيين وان اختلفوا فيما بينهم هنا وهناك لكنهم في آخر المطاف أو حينما تدلهم الأمور يقفون ذات الموقف الذي وقفوه أيام الاستفتاء على تبعية ولاية الموصل، فيمنح الكورد أصواتهم التي منحت الموصل هويتها العراقية قبل 87 سنة من الآن.   

     أهلا ومرحبا بك ضيفا عزيزا وجارا محترما ولكن بذات القدر الذي تعز بلادنا وتحترم خياراتها وسيادتها، ودع عنك بقايا آثام الإمبراطوريات وما خلفته لنا ولكم اتفاقية سايكس بيكو ولوزان، لكي لا ننبش نحن ايضا مفردات اتفاقية سيفر؟

kmkinfo@gmail.com

391
عناوين برائحة غاز الخردل!

كفاح محمود كريم

     منذ تأزم العلاقة بين إقليم كوردستان ورئيس الحكومة الاتحادية وحزبه الذي يقود معظم مفاصل الدولة بعيد تشكيل الحكومة عام 2005م ولحد اليوم، أي لدورة ونصف الدورة تقريبا ظهرت مئات المقالات والتعليقات والبرامج التلفزيونية التي انبرت للدفاع عن الحكومة ورئيسها ضد كل من ( تسول له نفسه بمعارضتها ) وكل أصحاب هذه المقالات يكتبون تحت يافطة الدفاع عن العراق وما يواجهه من مخاطر جسيمة نتيجة حكومته الرشيدة، وقد شملت معظم تلك المقالات والبرامج الموجهة سيلا من الاتهامات والتهجمات التي تهيج الشارع ضد إقليم كوردستان الذي يتمتع قبل سقوط نظام صدام حسين بالاستقلال الذاتي، وتخلى عن كثير من ذلك الاستقلال لصالح إقامة عراق ديمقراطي اتحادي تعددي خارج منظومة ثقافة حزب البعث في الإقصاء والإلغاء والإبادة والميكافيلية السوداء.

     وكثير من أصحاب تلك المقالات أو البرامج تمرسوا في إشاعة الفوضى والحقد والفتنة وكيل الاتهامات الباطلة وخلط الأوراق وإسقاط ما مكمون فيهم أو في من يوجههم على الآخرين بدءً من تهريب النفط أو استثماره أو التعاقد على استكشافه واستخراجه شريكا أو مشاركا أو أجيرا، بدلا من النقد البناء لمظاهر الفساد في الإقليم والعراق عموما والمساهمة الجدية والوطنية في كشف تلك المظاهر بالحرص على الوطن وتجربة الإقليم والديمقراطية والبناء الجديد للنظام السياسي العراقي، لا الدعوة لشن الحروب على الإقليم وإبادته وتحريض الرأي العام عليه وزراعة الأحقاد والفتن العرقية أو المذهبية المقيتة في محاولة للتزلف او طمعا في الحصول على المكاسب وتقربهم من مراكز القرار.

     وطيلة أشهر من الأزمة انبرى فيها كل أصحاب ثقافة ( الزيتوني والمسدس ) حاملي ثقافة ابادة الآخر وإلغائه، لتأجيج الرأي العام ضد الإقليم وضد كل من يعارض الرئيس أو حكومته وكتلته وحزبه، حتى دعا كثير منهم إلى شن هجوم عسكري كاسح وإنهاء ما يسمى بإقليم كوردستان، بينما قالت واحدة أخرى من خريجات مدارس البعث وتحمل لقب الدكتورة:
   
     ( القيام فورا بتعيين محافظين آخرين لدهوك والسليمانية إضافة إلى مسعود برزاني الذي يعتبر محافظا لاربيل وإعادة الأمور إلى نصابها والعودة إلى استخدام مفردة المحافظات الشمالية العراقية بدلا من كلمة إقليم التي جلبت لنا كل المصائب والويلات والتأشيرات والتمرد وكل الاستفزازات التي رافقتها .. ولابد هنا من تغيير وزير الخارجية حالنا حال أية دولة تعزل وزير خارجيتها إذا فشل في أداء مهامه وعرَض الأمن القومي للخطر وسيادة البلد إلى الانتقاص. )

     ويضع كاتب آخر إستراتيجية للتخلص من الأكراد وإقليمهم أمام السيد المالكي تتكون من ثلاث نقاط مهمة هي:

     (أولا: إبعاد القوات الكردية بالكامل من المؤسسات الحكومية والمقرات الحزبية في بغداد والمحافظات إلى خارجها وخاصة القوات التي تأتي بعجلاتها ومعداتها إلى داخل المنطقة الخضراء والتي تتناوب شهريا لحماية وحراسة مجلس النواب والمناطق المجاورة له والتي لم تتعرض للتفتيش أثناء دخولها  .
ثانيا:  نشر قوات حكومية مدرعة وكتائب مدفعية ودبابات على حدود المناطق المتنازع عليها ومنع البيشمركة من التوغل ومحاولة الدخول إلى المدن والقرى العربية في الشمال والشرق.
ثالثا: إبعاد المؤسسات الإعلامية وطرد الأشخاص الذين يعملون في بغداد لحساب حكومة كردستان دون مراعاة الوحدة الوطنية أو فهم الدور المشبوه لهؤلاء في البلاد. )

     واكتفي بهذين النموذجين من نمط التفكير والسلوك بعد تسع سنوات من سقوط النظام السياسي الذي حمل هذه الأفكار طيلة ما يقرب من نصف قرن، ادخل بسببها البلاد حروبا أغرقت العراق ببحور من الدماء والدموع والدمار والتقهقر، واضع بين أياديكم نماذج من عناوين مقالات تصدرت وسائل إعلام مقربة من مراكز القرار الاتحادي، ولن نذكر أسماء أصحاب هذه العناوين الملوثة برائحة غاز الخردل الذي لن ينساه شعب كوردستان سواء كان ينضح من قنبلة أو سجن أو حصار أو كلمة سامة، كالتي سطرها هؤلاء المصابين بفايروسات علي كيمياوي وأقرانه ممن انتجتهم حقبة البعث الكريهة في تاريخ العراق:

( يا شرفاء العراق قفوا مع المالكي بوجه قادة الأكراد )
( هذا هو الحل في مشكلة المركز مع الإقليم )
( متى ما تخلى البرزاني والآخرين عن عمالتهم وامتلكوا شرفا وطنيا،عندها ربما يتأهلون لاستجواب المالكي )
( الإستراتيجية الوطنية للتخلص من المتطرفين الأكراد )
( برزاني يدق طبول الحرب ضد الديمقراطية )
( نهاية اللعبة الفيدرالية في العراق .. فشل نظام الأقاليم )

     وهناك للأسف الشديد وبعد ما يقرب من عشر سنوات على الدفن المفترض لرموز ثقافة الإبادة الجماعية والأسلحة الكيماوية وغاز الخردل العشرات بل ربما المئات من الخلايا النائمة والطفيليات الفاشية على أشكال وأصناف واختصاصات مختلفة وموزعة بين مهام ووظائف عديدة في مقدمتها هذه الشلة من وعاظ السلاطين وسفاكي القيم العليا ومصممي الحروب والاحتراب.

     إنهم حواليك يا دولة الرئيس ويعزفون لك ذات المقطوعات التي كان يعزفها وعاظ السلاطين أيام ( القائد الضرورة وحزبه العظيم ) وهم ينشدون له أناشيد الحرب وقصائدها التي أحرقت العراق وأهله، لكنني أدرك تماما بأنك لم تطلع على كثير منها أيضا، أو ربما كتبت خارج إرادتك أو معرفتك، وحري بنا أن نضع نماذج منها أمامكم لكي تكونوا انتم والرأي العام على دراية بما يحيكه هؤلاء لبلادنا سواء في إقليم كوردستان أو بقية أجزاء البلاد.

kmkinfo@gmail.com

392
لا تحرقوا سوريا؟
كفاح محمود كريم

     تداعيات الأحداث في سوريا منذ عدة أشهر تأتي مطابقة تماما 
لمعظم ما حدث قبل سقوط أنظمة صدام حسين ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح، وبالذات فيما يتعلق بالدوائر القريبة من رأس النظام وانشقاقاتهم أو هروبهم أو التحاقهم بالمعارضة والثوار، ولا غريب أن نسمع ذات الاسطوانات المشروخة والمملة في أن العالم باجمعه سيتدمر لو سقط نظامهم، وإنهم إنما يقاتلون الشر كله بالخير كله!؟

     فلقد دأبت وسائل إعلام هذه الأنظمة بالتعاون مع حلفائها في كل من الصين وروسيا ومؤخرا إيران، على إيهام الرأي العام المحلي والعالمي بأنها مركز الخير والعطاء والأمن والسلام، وان المساس بهذا المركز سيفقد تلك البلاد وشعوبها والمنطقة هذه الميزات وسيشيع الفوضى في كل الشرق الأوسط، وما زالت وسائل إعلام أتباع صدام حسين وغيره من تلك الأنظمة الشمولية، تشيع بين الناس إن ما يجري في العراق واليمن وليبيا إنما هو بسبب زوال تلك الأنظمة، من خلال عمليات الإرهاب التي يتم تغذيتها وتنفيذ الكثير منها على أيدي بقاياهم وأموالهم التي سرقوها من خزائن دولهم.

     وحينما تساقطت شعاراتهم وانهارت هياكل أنظمتهم وبانت عوراتهم ومخازي أنظمتهم وما اقترفوه بحق شعوبهم، شهدنا مأساة تدميرهم لدولهم وإحراقها بدءً من صدام حسين الذي هدد الأمريكان بان جنودهم سينتحرون عند أسوار بغداد، ولم يستطع الحفاظ على أسوار بيته فانكفأ مخزيا في جحر بباطن الأرض وترك بلاده تحترق، وهكذا فعلا القذافي الأحمق حينما تصور إن الملايين سيزحفون من اجله، فانكفأ هو الآخر في أنبوب وسخ لكي يخرجوه ويعدموه شر إعدام كما فعل هو بشعبه طيلة أربعين عاما؟

     إن ما يجري اليوم في سوريا من مذابح ضد الشعب السوري وقواه المقاومة، إنما يؤشر الانهيار السريع والعد التنازلي لسقوط واحدة من أكثر الدكتاتوريات بشاعة بعد دكتاتورية البعث في العراق والقذافي في ليبيا، وما يشعل أوار الحرب والحرائق في ارض الشام ومدنها العزيزة هي تلك المواقف الانتهازية أو المرتزقة لبعض الدول والأنظمة السياسية في العالم، والتي بتأييدها لنظام متهرئ آيل للسقوط بين فينة وأخرى إنما تصب الزيت على النار وتدفع النظام السوري إلى اقتراف جرائم الإبادة الجماعية للسكان كما حصل في العراق نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي في حلبجة والأنفال والمقابر الجماعية في الجنوب والوسط العراقيين، وما حصل من دمار شامل للبلاد في كل من العراق وليبيا اثر إصرار مجموعة من الدول على مناصرة النظامين الدكتاتوريين.

     إن منطق التاريخ والأحداث وما يجري من صراع بين إرادتين ليس في سوريا فحسب وإنما في كل البلدان التي تجاوز سكانها حاجز الخوف والإرهاب السلطوي، يؤكد حقيقة لا مناص منها وهي سقوط الدكتاتورية وانتصار الخيار الديمقراطي، وبالتأكيد ستتحمل هذه الدول وأنظمتها السياسية مسؤولية تلك الحرائق والمذابح التي يقترفها النظام، وستخسر سمعتها وفرصها مع النظام الجديد كما حصل هنا في العراق وفي ليبيا وتونس ومصر واليمن وغدا في دمشق، أنها حتمية التاريخ سيسقطون وستنتصر إرادة الديمقراطية.

 فلا تحرقوا سوريا اليوم لأنكم ستحترقون غدا بنيرانها!؟

kmkinfo@gmail.com

393
الإعلام الحكومي وبؤس الأداء

كفاح محمود كريم

     لقد أدركنا جميعا طيلة ما يقرب من نصف قرن في معظم بلدان الشرق الأوسط المبتلاة بالنظم الشمولية، أداء الإعلام الحكومي الموجه في كل قنواته ووسائله، واكتشفنا حينما زالت غشاوة الدكتاتورية وأسوارها الفولاذية بؤس ذلك النهج الأحادي المتخلف في وسائله وفلسفته القطيعية التي تشيع الاستكانة والانكسار، وتزرع مفاهيم الفردية المطلقة المتعلقة بسيادة القائد أو الحزب الذي ينقذ الأمة ويحقق كامل أهدافها، حتى تربت أجيال عديدة على ذلك النهج الذي تكلس في العقد التربوية والسلوكية للفرد بما فيه ذلك المنتفض أو المعارض لذلك النهج!؟

     فقد أثبتت السنوات التسعة الماضية بعد سقوط هيكل النظام الدكتاتوري الإداري إن هوة كبيرة وبون شاسع ما يزال يمتد بين ذلك النظام ومعكوسه في التطبيق والسلوك، حيث ظهرت خلال السنوات الأخيرة بعد قيام حكومة منتخبة اثر أول انتخابات ديمقراطية جرت في البلاد بعد السقوط عام 2005م، أعراض قريبة جدا من السلوك الدكتاتوري خرجت من بواطنها في العقل المخفي أو الباطني لتتحول إلى تكثيف للسلطة والإعلام والسلوك بما يقترب كثيرا من اعرض أمراض الاستبداد والطغيان والتفرد؟

     لقد انعكس ذلك تماما على أداء الإعلام البديل لقنوات النظام السابق المرئية والمسموعة والمكتوبة، حيث اتفق ( ضحايا ) النظام الشمولي على انجاز مؤسسة شبه حكومية تشبه إلى حد ما هيئة الإذاعة البريطانية، وترتبط بمجلس النواب ولا تمثل أو تدافع عن حزب ما أو كتلة برلمانية أو رئيس قائد سواء كان في الحكم أو خارجه، أغلبية كان أو أقلية، إذ يفترض من قانونها وفلسفة تأسيسها أنها ملك لكل الأهالي على اختلاف طبقاتهم وأعراقهم وقومياتهم وأديانهم وميولهم السياسية، وعلى ذلك كان يستوجب أن تكون قنوات هذه المؤسسة ناطقة بلغات أهل العراق كالعربية والكوردية والتركمانية والآشورية، وتمثل ثقافاتهم جميعا على حد سواء بصرف النظر عما يتمتعون به في مناطقهم من وسائل التعبير عن الرأي والثقافة والفلكلور بلغتهم الأم، إذ إن هذه الهيئة هيئة قومية تشمل كل الأمة العراقية بمختلف مكوناتها ويفترض أنها تعبر عنهم جميعا؟

     ما حصل خلال السنوات الأخيرة وأزماتها بين الكتلة الحاكمة وهي دولة القانون وحزبها القائد ( حزب الدعوة ) من جهة وبين معظم الكتل الأخرى تقريبا، وبالذات مع الصدريين وكتلة العراقية المنافسة لها في الحكم ومع التحالف الكوردستاني والعديد من المستقلين والأحزاب الأخرى وخاصة الديمقراطيين والشيوعيين، أعطى صورة مغايرة تماما عما اتفق عليه، حيث بدأت عملية الاستحواذ على كثير من مفاصل هذه الهيئة وتفريغها من مضمونها ومحاولة احتواء معظم الهيئات المستقلة أو السيطرة عليها بمختلف الأساليب، ويظهر ذلك من خلال الأداء البائس للإعلام الحكومي منذ سنوات عديدة، وتحوله إلى بوق حكومي ليس إلا، وتقزيم دور الرأي الآخر بل وإبعاده قدر المستطاع أو تحجيمه تماما، إلى جانب استشراء الفساد المالي والإداري واستقطاب عناصر لا علاقة لها أبدا بهذه المهنة على خلفية المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة بعيدا عن المهنية والكفاءة، حيث الفرق الشاسع بين ما يخصص لهذه الهيئة من أموال طائلة وبين أدائها نوعيا وكميا في معظم برامجها الموجهة إذاعيا أو تلفزيونيا أو صحفيا، مما تسبب في تقهقر هذا الإعلام ورداءة إنتاجه، وإحباط كبير لدى الرأي العام والأهالي عموما وبالذات لدى قطاع واسع من الإعلاميين والصحفيين والكتاب والمثقفين، الذين كانوا يأملون في تأسيس ما يمثلهم جميعا على اختلاف مشاربهم وأفكارهم وانتماءاتهم.


   kmkinfo@gmail.com
 

394
الأنظمة العربية وشماعة إسرائيل

كفاح محمود كريم

-1-

    منذ ما يقارب القرن من الزمان ارتأت الحكومة البريطانية الخبيثة وحلفائها أن تزرع فتنة في قلب الشرق الأوسط، لا لسواد عيون شعب الله المختار، بل شاءت خباثة سدنتها أن ترتزق عقودا وربما دهورا من حروب وصراعات ومعارك تحرير وانقلابات وثورات بيضاء وملونة، وربيع عربي وتجارة لا تبور للسلاح والخبراء والمعدات، وهكذا وضع اللئيم بلفور عقد للخباثة واللؤم والبقالة السياسية في قلب العالم ومركز الثروة الآتية عبر آبار السم الأسود واستثمارات الشيوخ والرفاق المناضلين، تجار المبادئ والنظريات والشعارات الطنانة من المحيط الى الخليج.
     وحين بعد حين تنهض ممالك وإمارات وجمهوريات واشتراكيات وملوك وأمراء وأباطرة وقادة ليس مثيلهم في الأرض ولا في السماوات إلا في صفائح بريطانيا التي تمتلك أسرار الأرض والحكومات، وفي خضم هذه التداعيات ( تنعلس- تمضغ ) كوردستان وفلسطين وتمنح عشائر دولا وإمارات لا يتجاوز سكانها أعداد الناخبين في محافظة من محافظاتنا.
وتنهض إسرائيل دولة من بين ركام التناقضات والمؤامرات والمصالح والمزايدات وتصبح واقع حال تفرضه الإرادات رغم حروب التحرير التي أنتجتها نظم الجهالة والدكتاتوريات للحفاظ على كراسيها مما فعلته أجهزة إعلامها وأئمة منابرها بملايين البشر من سكان دولها وممالكها، حيث الإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين.
     وتصبح فلسطين راقصة بلا جسد على كل المسارح وفي كل العواصم، تتناقلها الاحضن الملوثة في قصور الرئاسة ورئاسات الأركان وأقبية المباحث والاستخبارات وأبواق الطبالين والزمارين في أجهزة الأعلام من الخليج إلى المحيط، وعلى أنين المهاجرين وبؤسهم تقام المهرجانات والاحتفالات وتتخم الجيوب والبطون بالتبرعات وصفقات السلاح والبترول وعشرات المؤتمرات ذات اللاءات والصيحات وخلف الكواليس يتعانق أبناء العمومة القادمين من الكرمل وجبل صهيون بينما ينتظر الملايين قرارات القمم وخطابات القادة الميامين.

     أكثر من ستين عاما وفلسطين راقصة بلا جسد تنتهكها قوانين الخيمة والصحراء، وأعراف الملالي وسلاطين الظلام وعقود من تهميش العقل والعقلاء واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب وقوانين القرية والصحراء؟
 
     اكثر من ستين عاما وكل الأعراب دونما استثناء من الباب إلى المحراب يتغازلون مع ( ابنة العم ) في الليل والنهار، وإن خجلوا تبادلوا رسائل العشاق، وأن خافوا تبادلوا الإيماء وحينما زال الخوف وسقطت نقطة الحياء، رفرفت رايات عشيقتهم بنت صهيون فوق أجمل مبانيهم وقصورهم وأحلى عواصمهم ومدنهم!

     اكثر من ستين عاما وما انقطعت أو توقفت علاقاتهم ب (ابنة العم) إسرائيل سرا أو علانية، وربما أكثرهم عداوة أو غيرة كما كان يدعي، منح ( ابنة العم ) المدللة أكثر مما يمنحه الآخرين، فصاحبنا أبو الصواريخ التسعة والثلاثين منحها من حيث يدري أو لا يدري  مليارات ومليارات من المال والسلاح والتعاطف والاتساع وحينما لم يحرق نصفها طلب ( قطعة أرض ) على حدودها ليخسر كل أرضه وقصوره فيما بعد؟
                                                                               -2-

     منذ البداية أضاعت هذه الثقافة البائسة فرصا ذهبية لحل مشكلة فلسطين منذ ستين عاما حينما تاجر أعراب النظم السياسية والدينية بحقوق ومستقبل شعب كريم ومعطاء كان يمكن له أن ينشئ دولته منذ ذلك الحين، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب حيوي مثل شعب فلسطين أن يكون الآن؟ وهكذا فعلوا ايضا بشعب كوردستان قبل تسعين عاما حينما أغفلوه، وتصوروا معي كيف كان من الممكن لشعب أصيل وحيوي أن يكون اليوم لو حلت قضيته كما ينبغي أن تحل، وهو الذي أنجز خلال عشرين عاما ما يعجز عنه الكثيرون في عشرات السنين؟


     واليوم بعد اكثر من ستين عاما على قيام دولة إسرائيل، وما يقرب من اربعين عاما على الزواج العلني بينها وبين نظم الأعراب وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى دولة قطر مرورا بعاصمة العرب قاهرة المعز والنحاس وعبدالناصر والسادات والمبارك ومحمد مرسي، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والاستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا الأسد ولبنان جنبلاط ونصر الله وإمارات الخليج الهونكونكية، وجولات حماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية مع ( أبناء العم ) في تل أبيب سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الأعراب وعنترياتهم الفارغة، هل ستبقى آذان صاغية لتلك المزايدات الرخيصة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل، والتهم البائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع بينما يتسلق الآخرون ناصية الحضارة والسمو؟

     ودعونا نتجرد قليلا عما ورثناه من أسلوب في التفكير ونمط في السلوك ونتطهر ولو برهة من أنجاس النفاق والتدليس والازدواجية والإلغاء والإقصاء والاستبداد وثقافة المؤامرة وكيل التهم، وندع ضميرنا الإنساني يصحو قليلا لنسأل أو نتساءل:

     هل كان السادات وضيعا إلى درجة العمالة والخيانة وهو على رأس دولة العرب العظمى؟
     هل كان نكرة من النكرات لا جذور له في تاريخ بلده السياسي؟
     هل كان جبانا وهو يصرخ ناقدا في قلب مؤسسة إسرائيل البرلمانية ويدعو إلى سلام الأبطال وهو الخارج من حرب حطم فيها ذلك الحاجز التاريخي من الهزائم؟
     هل كان يستحق ذلك الإعدام البربري؟
     هل كان عبدالناصر وضيعا حينما أرسى مع روجرز و جوزيف سيسكو وعرابهما كيسنجر حجر الأساس لسلام الفرسان مع أولاد العم في إسرائيل؟
     وكذا الحال والسؤال مع الملك حسين وعبدالله من قبله و سليل الهواشم في المغرب وأصحاب المعلقات الجدد في موريتانيا الإسلامية وفي تونس الخضراء وأمراء قطر وأشقائهم من حولهم، وفي لبنان وفرسان تفاهم نيسان من حزب الله وما يجري خلف وأمام الكواليس في قاسيون أو الجولان؟
     هل نستخرج رفات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ونعدمهم بتهمة العلاقة مع إسرائيل؟
     وكيف لنا أن نُعرف سميح القاسم وعشرات من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من عرب ودروز إسرائيل وفلسطين؟
     وأخيرا هل سنكتفي بإعدام ولدي ( مثال الآلوسي ) لأن والدهم زار إسرائيل فارسا عراقيا وطنيا يبحث عن سلام الأبطال؟

     وهل وهل... وربما مئات الآهات وأسئلة الحيرة والوجع المتكلس، وحتى يهدينا رب العباد فلا حاجة لنا بعلاقة مع إسرائيل لا في كوردستان ولا في العراق، لسبب بسيط كما ازعم وهو إننا لم ننجز علاقاتنا مع بعضنا كما ينبغي، وما زلنا نتذابح من الوريد إلى الوريد.

    وصدقوني يا سادة يا كرام ما قتل على أيدينا جميعا من الخليج إلى المحيط من خيرة أبناء شعوبنا منذ تأسيس دول العشائر والقبائل،  أضعاف أضعاف ما قتل على أيدي جنود إسرائيليين وربما يزيد مجموعهم على عدد سكان الدولة العبرية؟
 kmkinfo@gmail.com

395
بغداد وفن صناعة العمالة؟

كفاح محمود كريم 

     واحدة من أكثر مظاهر التقزز السياسي في معظم الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد هي اتهام الآخر المختلف، بالعمالة والتعامل مع إسرائيل تارة ومع إيران تارة أخرى وثالثة مع النظام السوري وبالعكس من قبل الأطراف الأخرى، حتى وصلت الأمور في كثير من هذه البلدان إلى إعدام من يثبت تعامله بأي شكل من الأشكال مع الإيرانيين والإسرائيليين والسوريين من قبل النظام العراقي، وبالتأكيد كان السوريون أيضا يمارسون ذات السلوك، فليس أسهل من اتهام أي حركة معارضة أو مختلفة مع النظام السياسي أو الحكومة بتهمة التعامل مع الإسرائيليين كما يجري الآن في إعادة تصنيع ذات الثقافة مع إقليم كوردستان العراق في محاولة أو تحضير لمرحلة جديدة ينطبق عليها مقولة ( التاريخ يعيد نفسه ) كما كانت تفعل كل الأنظمة الدكتاتورية مع معارضيها ومع الحركة التحررية الكوردية وهي تهيئ الأرضية الإعلامية والنفسية لإبادة جديدة ضد تلك الحركة أو المعارضة، سواء من خلال تأليب الرأي العام أو شن حرب مكشوفة أو مؤامرات من وراء الكواليس؟

     لقد كانت تهمة حزب الدعوة والمجلس الأعلى على طول الخط العمالة ( للعدو الفارسي المجوسي ) والخيانة العظمى التي حصدت أرواح الآلاف من خيرة شباب وشابات الحزبين، أما الشيوعيون فقد كانوا يتهمون أبدا منذ تأسيس النظام السياسي العراقي بالكفر والإلحاد والعمالة للسوفييت إضافة للشعوبية التي تسببت في شبه إبادة لهذا الحزب ولمرات عديدة، أما الحركة التحررية الكوردية والزعيم مصطفى البارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني فكانوا دوما يعرفون بالمخربين والمتمردين والزمر العميلة للاستعمار والصهيونية والامبريالية، وتحت هذه الشعارات أنتجوا حرائق حلبجة الكيمياوية وأباحوا إبادة ما يقرب من ربع مليون إنسان فيما سمي بالأنفال سيئة الصيت؟

     ولم تكتف الأنظمة السياسية باتهام المعارضة والمختلفين معها، بل إنها أصبحت ثقافة أو سلوك تمارسه كثير من تلك الجماعات أو الأحزاب المعارضة في ما بينها حينما تختلف هي الأخرى، كما حصل مع الشيوعيين واتهامهم بالكفر والإلحاد، أو كما يحصل الآن من قبل طواقم الحزب الحاكم في الحكومة الاتحادية من اتهام إقليم كوردستان بالتعامل مع بعض المؤسسات الإسرائيلية، تارة بوجود فنيين ومدربين للبيشمه ركه وأخرى مع شركات الطيران الإسرائيلية في محاولة لا تختلف كثيرا عن محاولات النظام السابق حينما كان يحضر لمؤامرة جديدة أو عملية عسكرية واسعة أو إيجاد مبررات لعمل ما بالتأكيد لا يخلو من شر بأي شكل من الأشكال.

     حقا إن هيكل النظام الدكتاتوري الإداري قد تم إسقاطه، لكن هيكله الثقافي وسلوكياته ومواصفاته ونهج تفكيره ما زال متكلسا في مفاصل كثيرة من نظامنا السياسي الجديد، حيث يتقمص الكثير من موظفي مراكز القرار المدني والعسكري تلك الصورة المرعبة للدكتاتور وهو يرمي ببندقيته أو مسدسه اطلاقات نارية أمام الجمهور، وعليه فان المشكلة ليست في اجتثاث بعض مسؤولي النظام السابق وإبعادهم أو عزلهم أو محاكمتهم فيما يسمى بقانون اجتثاث البعث، بل أنها تتركز في تلك الثقافة والنهج والسلوك الذي يسكن كثير من مسؤولي النظام الجديد، وصدق من قال إن البعض ولا أقول مثله كلهم، بعثيون وان لم ينتموا؟

kmkinfo@gmail.com

396
حينما أصبح اللص مختارا؟

كفاح محمود كريم


     على أيام دكتاتور العراق صدام حسين كان اختيار الوزراء يقع ضمن دائرة مزاج ( القائد الضرورة ) فهو القائل ليس لدينا قانون منزل، نحن نصيغ القانون ليلا ونلغيه صباحا، وقال أيضا ننقل المحكوم بالإعدام من كرسي المشنقة إلى الشارع ومن الشارع إلى كرسي الوزارة، ولم يتغير الحال كثيرا بعد سقوط نظام الدكتاتور في مبدأ الاختيار وان اختلفت الآليات قليلا، حيث منحت صلاحية اختيارهم لأحزابهم أو كتلهم حسب الحصة المقررة، والتي تشبه إلى حد كبير حصة البطاقة التموينية من حيث النوعية والكمية؟

     وكلما سمعتُ أو رأيتُ وزيرا أو نائبا أو مسؤولا من مسؤولي الغفلة ( على غرار عريس الغفلة ) تذكرت رواية شعبية يتداولها الأهالي هنا في بلادنا منذ زمن بعيد، تقول الرواية إن مختار قرية وافاه الأجل فانتشرت الفوضى فيها وانتعش اللصوص، مما دفع الأهالي إلى التجمع في بيت حكيم القرية ( العارفة )  والطلب منه إيجاد حل لمعضلتهم في الفوضى التي تضرب القرية،  واللصوص الذين يسرقون كل ليلة بيت من بيوتهم؟

     وبعد تفكير عميق لحكيم قريتهم اقترح لهم شخصا يكون مختارا لتلك القرية، فذهل أهل القرية حتى غضب الكثير منهم، حيث اقترح الحكيم تعيين ( كبير الحشنشلية ) أي رئيس الحرامية مختارا لهم، وكانت حجته ومبرراته للغاضبين والمذهولين ان هذا الشخص كبير اللصوص في القرية واكثرهم سطوة وقوة وتفننا في السرقة، وهو ادرى الناس بعدد الحرامية وطرقهم التي يستخدمونها في سرقة البيوت والبساتين والأغنام مما سيمنعهم من السرقة وبذلك يعم السلام والأمان في القرية.

     وصدق الحكيم فيما ذهب إليه وتوقفت السرقات الليلية ولم يعد يحتاج اللص إلى مغامرة الدخول إلى بيت أو دكان أو مخزن للسرقة ويعرض نفسه للقتل أو الإصابة، لكنه حكيمنا المسكين نسى ذكاء اللصوص وتفننهم، بل مقدرة زعيمهم الذي أصبح مختارا للقرية على الإبداع في تطوير اللصوصية ونقلها من شكلها البدائي في دخول البيوت والدكاكين والمخازن، إلى أسلوب أكثر تطورا لا يحتاج إلى تلك الآلية بل فرض نفسه شريكا لكل أصحاب تلك البيوت، يأتون إليه بالأموال وهم صاغرون؟

     وكان اقصر الطرق للقضاء على بطالة اللصوص بعد توقف تلك الآلية البدائية في السرقة أن حولهم الى مستشارين ومرافقين وحمايات لمقره وموكبه بعد منحهم صلاحيات واسعة من اجل الحفاظ على سلامته وامن القرية وسكانها بما يتيح لهم مصادرة أي شيء يثير شهيتهم تحت طائلة علاقته بالمختار وامن القرية، وبذلك اصبحت هذه المجاميع من اللصوص الحاكمة الحقيقية للقرية وصمام أمانها المختار الذي تفرغ لخدمة الشعب والأمة؟

     أقول قولي هذا وأنا اقرأ تصريحات لوزارة الكهرباء وميزانيتها منذ 2003م والتي بلغت أكثر من 37 مليار دولار وما زال الكهرباء كما هو منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وحتى إعلان هذه الميزانية، ولا تقل وزارة النفط أيضا عن تلك الميزانية وما زالت كل منتجات النفط ابتداءً بوقود السيارات والنفط الأبيض ووقود مولدات الأهالي وشركائهم في الوزارتين ( النفط والكهرباء ) في حال لا يحسد عليه غيرنا أبدا؟
kmkinfo@gmail.com


397
التملق والتدليس ( اللكلكة )!؟

كفاح محمود كريم

     اللقلق Stork طائر جميل من الطيور المهاجرة كبيرة الحجم ذات الأرجل الطويلة، يبني أعشاشه فوق المآذن والكنائس وأبراج الخطوط الكهربائية وقمم الأشجار العالية، القريبة دوما من سكن الإنسان، وأجمل ما في صغاره هو تصفيقهم بأجنحتهم حينما يأتي إليهم بالطعام، فتراهم يتراقصون أمامه ويصفقون له حتى يدفع إليهم ما خزنه عبر منقاره الطويل من كنوز الصيد؟

     أردت بمقدمتي هذه عن طائر اللقلق أن اذهب إلى مفردة متداولة بكثرة في أوساط الأهالي وهم يصفون التدليس والتمليق بهذه المفردة التي تختزل في حروفها الخفيفة توصيفا رائعا ودقيقا لحالات معينة من السلوك الاجتماعي والسياسي والوظيفي ايضا بين الما دون والما فوق، أي بين الرئيس والمرؤوسين في غياب العدالة الاجتماعية ومفهوم المواطنة الصالحة!؟

    والمفردة هي ( لكلكة ) بتخفيف الكاف وتستخدم في الدارجة من اللهجات لتوصيف الحالات التي ذكرتها أعلاه، وقد بحثت طويلا عن أصلها وتصريفها فلم أجد لها تصريفا أو مصدرا، رغم شكوكي بان لها علاقة قوية جدا بالطائر الجميل ( اللقلق ) البريء مما يوصف به الإنسان، حيث يحتمل أن تكون لحركة أجنحة صغار هذا الطائر وتصفيقهم ورقصهم الغريزي والبريء، علاقة بمعنى تلك المفردة قياسا مع سلوك البعض مع المسؤولين الأكبر، وليس تلك العلاقة بين الأب والأم وأولادهم؟

     فقد أنتجت النظم الطاغية عموما دكتاتورية كانت أم مستبدة،  بأي شكل من الأشكال بما فيها حتى كثير من النظم الديمقراطية بغياب العدالة الاجتماعية وسيادة الفساد المالي والإداري وانتشار المحسوبية والمنسوبية على خلفية التكوين العشائري لمعظم بلدان الشرق الأوسط عموما، أنماطا من السلوكيات المنحرفة التي تبدأ بالانتهازية وبطانات المسؤولين وشللهم في الوزارات والمؤسسات،  ولا تنتهي طبعا باللكلكة فقط، أي بظاهرة التدليس والتمليق الذي يشوه الحقائق ويدمر العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ويحيلها إلى نمط سطحي استعبادي يلغي فيها الطرف القوي الذي يستحوذ على المال والسلطة الطرف الآخر المحكوم بعلاقة القوتين ( المال والسلطة ) لذلك الطرف الأقوى!؟

     ونتيجة لتلك السياسات الاجتماعية والسلطوية في غياب العدالة الاجتماعية وفقدان الثقة بالمؤسسات العامة، شاع هذا النمط من السلوك بين الأعلى والأدنى لكي يأخذ مكان الاحترام المتبادل القائم على أساس الخدمة المشتركة للمجتمع والدولة، مما يؤهل الجميع فوقا كانوا أم تحتا، ان يتبادلوا الآراء بحرية تامة في التعبير عنها سواء أرضت الفوق أم اختلفت معه، بعيدا عن أي لغة استعلائية أو استعبادية تلغي أو تهمش أو تقصي الآخر تحت أي عنوان كان، وعلى أساس ذلك فليس هناك أي مسؤول محترم يشغل مكانه بجدارة واستحقاق يقبل أي نوع من ( اللكلكة ) أي من التمليق والتدليس، ويميز بين الاحترام الحقيقي وبين التدليس والمديح التملقي.

    إن اقصر طريق للتخلص من هذه المظاهر السلوكية المدمرة هي شيوع العدالة الاجتماعية وتقليل الفروقات الحادة بين الطبقات، وبلورة مفهوم متحضر للمواطنة يحترم الانسان على أساس ما يقدمه للوطن والمصلحة العامة، ويعرف العمل العام وظيفيا كان أو خاصا ذو منفعة عامة، وبصرف النظر عن شكله أو نوعه أو موقعه، بأنه خدمة وطنية عالية لا ينتقص من درجة منفذها أو يقلل من شأنه إزاء مرتبة أخرى لمنفذ آخر، بمعنى ان أي كناس أو منظف في الشوارع والساحات العامة، أو المستشفيات وبقية المؤسسات ذات النفع العام لا يقل شأنا في مبدأ العمل والخدمة العامة عن أي وزير أو مدير عام أو أي مهنة أخرى إلا بالابداع في ذلك العمل والتميز فيه من اجل العام.

kmkinfo@gmail.com
 

398
حينما يتحول اللصوص إلى مسؤولين؟

كفاح محمود كريم

     في أواخر سبعينات القرن الماضي حدثني المرحوم الشيخ عبود الهيمص من أعيان الفرات الأوسط عن حادثة توسط لأحد المواطنين الذي كلفه بقبول ولده في الكلية العسكرية لدى نوري السعيد رئيس الوزراء إبان الحقبة الملكية، وبعد فترة ليست قصيرة تذكر الشيخ عبود توصيته وسأل الباشا عن قبول ذلك الشخص فرد عليه قائلا:

     يا شيخنا هذه كلية عسكرية يعني هذا الولد بعد عشرين سنة راح أيصير قائد كبير في الجيش يعني يحكم أكثير من عباد الله فلازم نسأل عليه مثل ما واحد أيدور على ابرة في كومة قش!.

     وكان يقصد التحري وتوخي الدقة من كل الجوانب فيما يتعلق بهذا الشخص وعائلته وسلوكياتهم وسمعتهم وأخلاقياتهم لكي يتم قبوله وتأهيله كضابط في الجيش، حيث يتوقع الباشا انه سيكون قائدا مهما ذات يوم يتولى مسؤولية عامة يقع على عاتقها الكثير مما يخص الأهالي وأموالهم وكرامتهم وشرفهم وبعد ذلك سمعة الوطن والدولة عموما!

    وبمقارنة بسيطة بين ما تم قبوله من افواج اولئك الذين كان يعصرهم ( النظام العميل للاستعمار ) وبين تلك الأفواج من النكرات الذين أوصلتهم إلى منصات القيادة والمسؤولية وساطات لا علاقة لها بالمرة لا بالوطنية ولا بالنزاهة ولا بسمعة الأسرة إلا اللهم تلك المحسوبيات والمنسوبيات التي لا تخلو أبدا من روائح كريهة، ندرك حقيقة ما يجري وما جرى لبلادنا خلال أكثر من نصف قرن من تسلط النكرات وذوي الجذور السطحية في انتماءاتهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم، ممن أدمنوا الامعية والانتهازية والسحت الحرام، لكي تكتمل الصورة في قتامتها وبؤسها بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي خلف لنا اسرابا وقوافل من تلك الفايروسات والجراثيم التي اخترقت مفاصل الدولة بدعم مطلق من وريث صدام حسين الأمريكي برايمر الذي جمع كل تلك الطفيليات وزرعها في النظام الجديد، والتي بدأت بنخره من الداخل حتى حولت البلاد الى بركة من دماء وفساد، وجعلت العراق افشل نظام ودولة في العالم حسب ما تم توصيفه من منظمات عالمية للشفافية والنزاهة!؟

     كيف لا وقد تحولت عصابات السرقة واللصوص الى طواقم إدارية بمختلف المستويات في المواقع السياسية والتشريعية بمستوياتها المختلفة ابتداءً من مجالس الاقضية والمحافظات وإداراتها ووصولا الى أعلى الهرم، الذي يحاول من جديد إعادة تصنيع دولة القائد الضرورة التي تحمي أفواج الفاسدين والمنحرفين من مصاصي دماء وقوت الشعب!

    ويبقى السؤال الأكثر إيلاما وإثارة هو كيف تتم المقارنة بين ميزانية البلاد البالغة أكثر من مائة مليار دولار ومتوسط دخل سنوي للفرد العراقي يتجاوز الثلاثة ألاف دولار ( نظريا ) وواقع الحال المزري في كل القطاعات ابتداءً من الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة والمستشفيات المتهالكة، وانتهاء بإحصائيات وزارة التخطيط العراقية عن مستويات الفقر في البلاد التي لا ينافسها فيه الا أهالي جمهورية الصومال الديمقراطية!؟

kmkinfo@gmail.com

399
شكرا لاستقالة الرئيس؟

كفاح محمود كريم

     لا نريد ان نستبق الأحداث ولكننا نرى اليوم وعلى الأقل ما سمعناه وشهدناه في انتخابات الرئاسة المصرية، وخاصة بعد اعلان فوز مرشح الرئاسة احد قادة الإخوان المسلمين في جمهورية  مصر العربية، الذي قرر تقديم استقالته من أي صفة تربطه بالإخوان  عضوا كان فيها أم زعيما، حيث قال في أول تصريح له بعد الفوز بأنه أصبح الآن ملكا لكل الشعب المصري بكافة فئاته وطبقاته وأديانه وأحزابه ومكوناته وليس ممثلا لحزب أو دين أو مكون؟

     شيء جميل ورائع جدا مثل هذا القول إن صدقت النوايا وتطابقت مع الأفعال، وبالتأكيد سيكون أكثر جمالا وروعة حينما تثبت الأيام القادمة تطبيقاته فعلا على الأرض، فنحن جميعا نسمع الكثير من الأقوال والتصريحات الجميلة لكن الأيام تثبت البون الشاسع بينها وبين تطبيقات صاحبها الأرضية، وبالذات تلك الوعود الانتخابية التي لا تخلو من حيز ضيق جدا لا يكاد المرء فيه ان يرى شيئا من الصدق!؟

    وازاء تصريحات الرئيس المصري المنتخب ينتابنا شعور مغاير هنا في بلادنا لا يخلو من الحزن أو الإحباط ربما، ونحن نقارن ذلك مع ما يجري الآن حيث يحاول البعض من الفائزين في الانتخابات الأخيرة تقزيم البلاد وأهلها في شخص معين وداخل بودقة حزب أو كتلة ما، وكأنما موقع الرئاسة أو المسؤولية تشريف وغنيمة للتمتع بالمزايا والنفوذ وإنشاء المجالات الحيوية للانتشار في مساحات أوسع، أملا في استنساخ إمبراطوريات وديناصورات في زمن الربيع الذي اخترق ليس حاجز الخوف فحسب بل مزق حجاب القباحة والعفونة عن حقيقة تلك الأنظمة والثقافة البائسة في الاستحواذ على السلطة والتفرد بها تحت يافطة الضرورة التاريخية أو الربانية أو خوفا على البلاد من الدمار والهلاك اذا ما ازيحوا عن السلطة، كما كانت تهدد كل الأنظمة الدكتاتورية في حال سقوطها!؟

     كم كنا نتمنى جميعا لو استقال أيضا رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من كافة صفاتهم الحزبية ومسؤولياتهم فيها، وان يقنعنا رئيس وزراء العراق ( أيا كان بصفته المسؤول الأول دستوريا ) بعد فوزه بأنه فعلا لا يمثل حزبه أو مذهبه أو حتى دينه وقوميته وهو يتربع على المسؤولية الأكبر في بلاد فسيفسائية الأعراق والأقوام والأديان والمذاهب، لا ان يستحوذ على الموقعين في آن واحد ويريد ان يقنعنا بأنه حريص علينا جميعا؟

     حقا كنا نتمنى أيضا أن نسمع ذات يوم باستقالة مسؤول مهما كان عنوانه، بسبب فشل دائرته أو فشله في معالجة مشاكل المواطنين وما يتعرض له الأهالي، فمنذ 2005م يفترض ان نظاما ديمقراطيا بديلا للدكتاتورية التي حكمت بلادنا نصف قرن، بدأ بوضع اسسه وممارساته، لكن ما حدث ان انهارا من الدماء سالت بسبب ضعف الأجهزة المختصة ومسؤوليها دون ان تدفع أياً منهم،  ابتداءً من رئيس الوزراء والوزير المختص ونزولا الى الضابط المكلف في مكان أي حادث بالاعتذار أو الاستقالة لفشله أو لتحمله جزء من المسؤولية كما يحدث في الدول ذات الأنظمة المحترمة، كما اننا لم نسمع أيضا أو يحصل شيء من هذا القبيل إزاء طوفان الفساد المالي والإداري المستشري في هيكل البلاد الحكومي في معظم قطاعاته، حيث تعلن لجنة النزاهة وغيرها من المكلفين بمتابعته عشرات أو ربما مئات الملفات، بينما تعمل جهات أخرى متنفذة حكوميا أو حزبيا على ( لفلفة ) تلك الملفات والقضايا وتهريب فرسانها مع ما حملوا من غنائم إلى دول لم توقع مع العراق منذ أيام النظام السابق اتفاقيات تبادل المجرمين أو المتهمين ليتمتعوا هناك مع شركائهم الأطهار في الداخل بما غنموه في غزوتهم المباركة!؟

     وأخيرا ليس هناك أدنى مقارنة بين وزير بريطاني أو الماني أو غيرهما من العالم ( الكافر والمتخلف  ) يستقيل اثر حادث أو تلكؤٍ أو فساد ما أو ربما معاكسته لسكرتيرته، وبين الكثير من مسؤولينا بمختلف المستويات الغارقين حتى اذنيهم بالفساد والفشل وهم يعاكسون شعبا بأكمله وليس سكرتيرة شخصية، دون ان يرف لهم جفن أو تهتز لهم شعرة في!؟

kmkinfo@gmail.com

400
كوردستان المتألقة دوما

كفاح محمود كريم

    مع مطلع  تموز القادم تمزق كوردستان واحدة من أكثر أوراق الخدمات قتامة وترسلها الى الماضي المؤلم، لتنتهي أزمة مستعصية منذ عقود طويلة هنا في إقليم كوردستان العراق، إلا وهي الكهرباء التي أصبحت على مدار الساعة تقريبا، وتجاوزت حدود الحمل الفائق في صيف ينذر بحرارته الشديدة التي ربما ستخترق حاجز الخمسين درجة مئوية، حيث نجحت الحكومة وإدارة الكهرباء والقطاع الخاص المحلي والاجنبي معا في تحديهم وإنهائهم لمرض سرطاني يأس الكثير من شفائه؟

   لقد أنجزت الإدارة السياسية والفنية في إقليم كوردستان منذ أكثر من عام، برنامجا ناجعا لإنتاج الكهرباء بالتعاون المثالي والجريء مع القطاع الخاص في تجهيز المحطات الغازية التي تنتج ما يقرب من  2225 ميكا واط، بما يوفر ما قيمته ملياري دولار ونصف لحكومة الإقليم، باستثمار لم يزد عن مليار دولار نفذه القطاع الخاص، وأنهى واحدة من أكثر الخدمات تخلفا وتأثيرا على مجريات الحياة في الإقليم، حتى غدا خلال الصيف المنصرم قبلة العراق بأكمله، حيث تجاوز عدد العراقيين القادمين من مختلف المحافظات أكثر من مائة وعشرون الفا مواطن كل شهر.

   واضافة الى تغطية معظم ساعات اليوم من الكهرباء في كافة انحاء الاقليم، فقد بادرت الحكومة الاقليمية الى منح محافظة كركوك مائتي ميكاواط لترفع ساعات تغذيتها الكهربائية من ثمان ساعات الى ما يقرب 18 ساعة يوميا، اضافة الى البدء بتغذية محافظة نينوى بكمية من الكهرباء ترفع ساعات التغذية الى ما يخفف عن كاهل المواطن المادي والنفسي. 

    وكما يشعر الفرد بفرح غامر وهو يتجول في كوردستان المضيئة ينتابه الشعور بالأسى لبقية أنحاء البلاد التي تعاني نقصا كبيرا في إنتاج الكهرباء وبقية الخدمات، رغم ان الحكومة الاتحادية ( الكهرباء والنفط ) منذ ما يقرب من ست سنوات قد أنفقت أو خصصت أكثر من عشرين مليارا من الدولارات للكهرباء، ووقعت عقودا هائلة لذات الغرض مع شركات حقيقية أو وهمية، بمعدل يزيد عن مليار ونصف المليار من الدولارات لكل محافظة عدا محافظات اقليم كوردستان الثلاث وتوابعها، ومقارنة مع المليار الواحد الذي أنفقته كوردستان على تغطية كهربائها كاملا مع مائتي ميكا واط منحت لكركوك ومثلها للموصل، يتبين لنا البون الشاسع بين ما يصرحون هناك في بغداد وبين الفعل هنا في كوردستان، مع وجود هامش الفساد المالي والاداري ايضا في الاقليم، يقابله اصرار واضح وجدي من قبل الادارة على مكافحته وتحقيق تلبية كل متطلبات الفرد الاساسية.   

   لقد أنفقت الحكومة الاتحادية متمثلة بوزارتي الكهرباء والنفط  مليارات الدولارات تجاوزت الثلاثين مليارا من اجل توفير الوقود وتحسين أنواعه، وإنتاج الكهرباء وتطوير شبكته، وواقع الحال يظهر خارطة بائسة للوقود ونوعيته وأسعاره في كل العراق، ووضعا مزريا في التجهيز والتوزيع للطاقة الكهربائية في المحافظات الخمس عشرة، إذا لا تتجاوز التغذية الكهربائية في أفضل حالاتها العشر ساعات وتتدنى الى اقل من أربع ساعات خلال اليوم الكامل في مناطق واسعة من البلاد، بينما تنحدر الى العدم أو عدة ساعات قليلة جدا في الاقضية والأرياف؟

    إن مقارنة بسيطة ومشاهدة سريعة لتطور الإقليم خلال السنوات الأخيرة، تؤكد إن خللا كبيرا في إدارة ملف الخدمات والطاقة يكمن في أداء الحكومة الاتحادية، وبالذات في الوزارات ذات العلاقة بالكهرباء والنفط والمالية والبلديات والصناعة والصحة والتعليم، إذ تعاني معظم هذه القطاعات من تقهقر خطير في برامجها وأدائها،  مما انعكس بشكل واضح وخطير على الوضع الصحي والمعاشي لغالبية السكان، بحيث أصبحت معدلات الفقر تؤشر حالة خطيرة في دولة غنية مثل العراق، إذ يعيش ما يقرب من سبعة ملايين عراقي خارج إقليم كوردستان تحت سقف الفقر، بينما تراوحت نسب الفقر المئوية بالنسبة لكثافة السكان من أربعين بالمائة، حيث يذكر التقرير الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، بإشراف اللجنة الوطنية العليا لسياسات تخفيف الفقر وتوليد فرص العمل وشبكة الأمان الاجتماعية، ان محافظة المثنى تتصدر نسب الفقر حيث تبلغ النسبة فيها 49%، في حين بلغت النسبة في العاصمة بغداد 13%، وفي الموصل 23%، وفي البصرة 34%، وتتراوح النسبة في بقية المحافظات بذات هذه المعدلات، ولا تقل في أي حال من الأحوال عن 20%؟


    اما في إقليم كوردستان فقد كانت نسبة الفقر في محافظة أربيل العاصمة 3%، وفي السليمانية 3%، وفي دهوك 9%، وفي كركوك 11%، وهي تتناقص تدريجيا بينما ترتفع في بقية المحافظات للأسف الشديد نتيجة إخفاق الحكومة الاتحادية منذ 2005م في تنفيذ خطط تنموية إستراتيجية، وتكفي لغة الأرقام هذه لتؤكد مديات النجاح والفشل في إدارة ملفات الخدمات ومساحات الفساد والأداء السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمؤسسات الدستورية في البلاد. 

kmkinfo@gmail.com
 
 


401
لست أنت يا دولة الرئيس؟

كفاح محمود كريم

     عذرا يا دولة الرئيس نوري المالكي الإنسان الفاضل ذي التاريخ المناضل واليد البيضاء، لست أنت من يقول هذا الكلام:

" أنا بإمكاني أن أشيلهم (أقلعهم) مرة واحدة وأنهي الأزمة".

     ولست أنت من قال قبل ذلك:

" هم يقدرون يأخذوها مرتلخ؟"

     لأنها بصراحة لا تليق بك ولا بتاريخك ومعاناتك وتضحيات حزبك التي شهدت شخصيا جزءً كبيرا منها أيام النفي في الجنوب منتصف سبعينات القرن الماضي، ذلك الحزب الذي قدم آلاف مؤلفة من الشهداء لأجل الحرية لا من اجل تصفية الخصوم والاستحواذ على السلطة كما جاء في نص القولين المنسوبين لكم؟

     عذرا دولة الرئيس فهذه اللغة هي التي أحالت بلادنا الى حفنة تراب على يد من كان يرددها دوما، منذ الإطاحة بالنظام الملكي قبل أكثر من نصف قرن، وحتى يتم تأكيد صحة القولين المنسوبين لسيادتكم، وتسببت في جرائم الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية للانتفاضة الشعبانية، وهي التي أنتجت عراقا من خراب ودمار وتخلف وانهيار؟

     أي نعم في خلافات حادة بينكم وبين ما يقرب من نصف البرلمان وكتله الكبيرة خاصة، والتي تمثل ربما نصف مجموع الشعب العراقي، وتمثلون انتم أيضا كتل كبيرة قد تتجاوز النصف الآخر أو تقل عنه، لكن ذلك لا يؤهلكم إطلاقا مهما بلغت القوة في كل أشكالها بمجرد التفكير بمعنى ما نسب إليكم بإبادة من يعترض عليكم وعلى حكمكم، أو إنكم جئتم لتبقون ( هو اكو واحد يقدر يأخذها مرتلخ؟ ) في واحد من أكثر الشعارات دموية وتعاسة وتدمير في تاريخنا منذ تأسيس دولتنا وحتى يومنا هذا ( جئنا لنبقى ) !؟

     مهما بلغت تلك الخلافات فإنها مع رفاق النضال وأشقاء الوطن، وان تاريخا مشتركا يجمع على الأقل قوافل الشهداء من كل أطراف الحركة السياسية العراقية التي ناضلت من اجل إسقاط الدكتاتورية والشمولية ومنع ظهورها بأي شكل من الأشكال حتى بمجرد التفكير باتجاه التفرد بالسلطة أو الشعور بالقوة التي تتيح لكم ولغيركم ان يفكر بإبادة الآخرين و ( شيلهم أو اقتلاعهم ) كما ورد في المنسوب إليكم، بل العكس تماما في اتفاق الجميع على التداول السلمي للسلطة واحترام الدستور الذي وضعه الجميع واعتبروه مرجعهم وخريطة حركتهم ومجالهم الحيوي، الذي نزفوا من اجله بحورا من الدماء لتأسيس نظام ديمقراطي تعددي اتحادي.

     أدرك تماما دولة الرئيس بأنك لن تقبل إطلاقا مرة أخرى ظهور زعيما أوحدا أو قائدا للضرورة أو منقذا ملهما، ولن يقبل معك ملايين العراقيين ثانية أي حزب قائد أو طليعي مهما كانت إيديولوجيته أو حجمه يتفرد بالسلطة ويفرض أفكاره ومبادئه على الناس!؟

     ولأجل ذلك انأى انا المواطن بهذين القولين عنك قبل ان تنأى بهما عن نفسك حماية لك ولنا!

kmkinfo@gmail.com

 


 

402
كوردستان والحملات الإعلامية

  كفاح محمود كريم

     منذ عدة اشهر تشن وسائل إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة حملة موجهة ضد إقليم كوردستان تارة وضد ( الأكراد ) تارة أخرى، على خلفية الأزمة السياسية والصراعات والاختلافات في وجهات النظر بين كتلة الحكم وبقية الكتل الأخرى وفي مقدمتها العراقية والتحالف الكوردستاني والتيار الصدري وآخرين، مستخدمة ذات النهج الذي كانت تستخدمه ماكينة الإعلام البعثي أيام النظام السابق في توصيفاتها واتهاماتها لقوى الثورة الكوردستانية والمعارضة العراقية عموما، وفي شموليتها وتعميماتها وتداولها لمفاهيم وتوصيفات توحي للرأي العام بأن الخلافات بين الإقليم والحكومة المركزية سببها أشخاص بذاتهم أو أحزاب معينة؟

     ولا يمكن لأي شخص أو حزب أو جهة ان تدعي بان الجميع اينما كانوا وفي أي زمان متفقين على رأي واحد ولا خلاف بينهم سواء في وجهات النظر أو حتى في التطبيقات العملية، فالاختلاف في الرأي سمة صحية وليست العكس، فقد يختلف الكثير من الناس في آرائهم وطريقة تفكيرهم وحتى في أسلوب معالجاتهم لكثير من الإشكاليات، بل ويتقاطعون مع الآخرين أفرادا أو جماعات  ضمن مؤسسات نيابية أو مجتمعية أو حزبية، لكنها في النهاية لا تمثل رأي كل الناس إطلاقا أو إنها تستحوذ على تأييد ومساندة مطلقة من أي شعب من الشعوب في العالم صغر أم كبر، وكذا الحال عن أي حزب أو جمعية أو منظمة في ما يتعلق بتمثيلها لعموم الأهالي، فلا يستطيع أي حزب مهما بلغ حجمه التنظيمي وتأثيره الإعلامي أن يدعي تمثيلا مطلقا للشعب، وربما نتذكر هنا الحجم التنظيمي للحزب الشيوعي السوفييتي قياسا إلى مجموع نفوس ذلك الاتحاد، وكذا الحال في الصين والعراق وتجربة حزب البعث في تبعيث العراقيين جميعا وما آلت إليه هذه السياسة بعد ذلك.

     وفي تجارب الشعوب الأكثر تقدما في ممارساتها الديمقراطية والبرلمانية نشاهد فعالياتها السياسية وهي توسع من مساحة تمثيلها أو تأييدها بإنشاء تكتلات برلمانية من أحزاب وجمعيات وأشخاص،  في محاولة لكسب مساحة أوسع من الرأي العام، حتى وإن كانت من أجل عملية انتخابية صرفة بعيدا عن الانسجام الكلي في المبادئ والأفكار، فكثيرا ما تختلف هذه الأحزاب أو المنظمات مع بعضها البعض في توجهاتها أو آرائها ونظرتها لقضية معينة، إلا إن ذلك لا يعني الخلاف الأبدي وعلى طول الخط، إذ انه هناك دوما محطات يتوقف فيها الخصوم أو المختلفون، وربما يتحول ذلك الخلاف أو النزاع إلى تحالف وانسجام كبيرين كما يحصل في كثير من البلدان الديمقراطية في تكتلاتها البرلمانية والائتلافية،  فليست هناك صداقات دائمة أو خصومات دائمة في العمل السياسي بل هناك مصالح متبادلة.

      لقد أردت بمقدمتي هذه أن أصل إلى إن الخلافات لا ترتقي إلى مستوى معاداة شعب بأكمله من خلال التصريحات والتهجم الإعلامي لأي كان فردا أو حزبا، مهما بلغت الخلافات في وجهات النظر أو حتى الخلافات الحادة على الحدود أو الثروات، وحتى بين الشعوب أنفسها ليست هناك عداوات مطلقة كما تدعي بعض وسائل الإعلام والتحريض على الكراهية وإشاعة الأحقاد، وما حصل بين الهند والباكستان أو بين العرب وإسرائيل أو الفلسطينيون أنفسهم والدولة العبرية، وبعد ذلك الولايات المتحدة ومنظومة الدول الاشتراكية أو الصين وهونك كونك وتايوان، يؤكد إنه ليس هناك عداوة دائمة بل إن نهاية أي خلاف مهما كان هو الحل والتصالح ومن ثم التعايش.

      أعود الآن إلى تصريحات بعض من أعضاء مجلس النواب العراقي المولعون بالمؤتمرات الصحفية وهم يتحدثون لفضائيات عربية ومحلية بلغة لا ينقصها التعميم وخلط الأوراق وإشاعة الكراهية والصراعات العرقية والطائفية حينما يتحدثون عن الكورد أو عن إقليم كوردستان ومكوناته، وكأنما يتحدثون عن أعداء تاريخيين لهم وحتى للعراق بل ويشككون في انتمائهم لهذه الدولة، ساعة بإلغاء وجودهم تماما في تلك المدن كما كان يفعل النظام السابق في سياسة التعريب أو كما فعلت تركيا في سياستها التتريكية للعرب والكورد وكما فعلت إسرائيل في صهينة فلسطين في السياسات الشرق أوسطية البائسة فيما سميت بالتعريب والتتريك والاستيطان، من قبيل التصريح بعراقية كركوك والهيمنة على المناطق المتنازع عليها، وان نسبة الكورد في الموصل لا تتجاوز 3 % من مجموع عدد السكان في المحافظة أو عملية تشتيت وشرذمة بعض العشائر الكوردية من الشبك أو من معتنقي الديانة الايزيدية تارة بكونهم عربا وتارة أخرى بكونهم أعراقا وقوميات، أو التعامل مع معطيات جرائم التعريب والتشويه الديموغرافي في كركوك وديالى والموصل وكأنها واقع حال علينا الإذعان لها والقبول بها تحت يافطة العراق الواحد وحرية مواطنه في السكن والعيش، أو من خلال تصريحات غير مسؤولة وينقصها الانضباط  حول خطورة الأكراد ومحاولتهم لاحتلال الموصل وتكريد كركوك وسنجار في عملية لنشر الحقد والكراهية العرقية والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد كما فعلوا في إشعال الحرب بين السنة والشيعة في تصريحاتهم الطائفية المقيتة، متناسين حقيقة هذه المناطق وما تعرضت له خلال حكم البعث العنصري طيلة ما يقرب من أربعين عاما.


     إن اعتماد هذا النهج في التفكير والممارسة والحملات الإعلامية
التي انتهجتها مجموعة من طواقم الإعلام الملحقة ببعض المسؤولين وأعضاء مجلس النواب خلال الأزمة الحالية بين العراقية ودولة القانون أو بين دولة القانون وإقليم كوردستان، تشيع الكراهية وتحرض على الفتنة وقبول نتائج تلك الجرائم التي اقترفها نظام صدام حسين، وهي بالتالي تعيدنا إلى ما قبل المربع الأول أو إلى نقطة الشروع التي ابتدأنا منها تحركنا جميعا من أجل حل المشكلات والمآسي التي خلفها النظام السابق سواء على مستوى البلاد أو ما أنتجته سياساته العنصرية في المناطق ذات الأغلبية الكوردية التابعة لمحافظات الموصل وديالى وتكريت إضافة إلى محافظة كركوك.

     إن معاداة شعب بأكمله عمل بائس ومشين يدلل على سوء التفكير وضيق الأفق والنظر، وعلينا أن نستذكر دوما إن كل عمليات الإبادة الجماعية التي استخدمها النظام السابق وقادته العسكريين والأمنيين في الشمال والجنوب سبقتها حملات إعلامية لا تقل عما يجري الآن، وهي بالتالي ايضا لم تنتج إلا ما نراه اليوم في إقليم كوردستان من نهوض لشعب ينمو كما قال عنه ذلك البدوي الذي شهد عمليات الضرب الكيماوي في كرميان وبهدينان أيام كان جنديا هناك وعاد إليها ثانية بعد سقوط النظام فقال والله إنكم  شعب لا يقهر، راسخون مثل هذه الجبال!

 kmkinfo@gmail.com



403
الدكتاتوريات الشعبية؟

كفاح محمود كريم


     في بلدان غابت عنها مظاهر المدنية وانكفأت في دهاليز النظم البدائية وبقايا العصور الزراعية التي أنتجت نظام العشيرة وممارساتها التي عفا عنها الزمن وكرستها أنظمة الرئيس القائد والحزب الأوحد والملك المفدى، لتكون واحدة من أدواتها وشيوخها من وسائلها التي تسيطر فيها على مكونات الشعب في المدن والقرى، من خلال نظام بائس يلغي بالتمام والكمال أي مفهوم راق للمواطنة والانتماء لشعب أو امة أو وطن، فقد استبدلوا الشعب والأمة بعشيرة أو قبيلة، والوطن بقرية أو بلدة وغسلوا عقول شعوبهم وافهموهم بأنهم المنقذين والمخلصين وإنهم أبناء الدوحة النبوية، وان أي إخلال بنظامهم وكرسيهم سيأتي بالوبال على الشعب ويعمل على تدمير كل المنجزات والمكاسب، ويشيع الدمار والخراب ويفقد الناس أمنهم وسلامهم ورزقهم!؟

     والعجيب فعلا ان معظم هذه الأنظمة تهاوت وسقطت شر سقوط، رغم أنها ادلجة المجتمع وغسلت أدمغة أجياله لعشرات السنين، وقد شهدنا بالعين المجردة سقوط تلك الأهرام التي كنا لا نحلم بسقوطها سواء في بغداد أو تونس والقاهرة وطرابلس واليمن،  وغدا في دمشق وأخواتها في بقية حواضن الدكتاتوريات الرثة، والأكثر مأساة أنها سقطت لكنها تركت لنا ارثا بائسا من السلوك والثقافة الأحادية التي استبدلت اولئك الطغاة بنماذج وموديلات أخرى، استخدمت ذات الأساليب والآليات للوصول إلى السلطة وبدأت تمارس ذات السلوك بتغييرات شكلية ليس إلا؟

     لقد حكموا البلاد من خلال انقلابات ليلية أو فجرية استحوذوا فيها على كامل السلطات ببياناتهم ( رقم واحد ) ومجلس قيادة ثوراتهم، ثم شرعنوا وجودهم بمجالس تشريعية ووطنية منتخبة بأسلوب عرفناه جميعا، أساسياته العشيرة والمال وأحيانا في مناطق التسخين الديني أو المذهبي أو العرقي الشوفينية والعصبية حتى تحولوا الى فراعنة أو أباطرة أو خلفاء في زمن العولمة والالكترونيات، والانكى من ذلك انهم نافسوا اكثر الملكيات تعصبا في التوريث وولاية العهد وهم التقدميون والجمهوريون واحيانا الشيوعيون كما في كوبا وكوريا، والساقطون منهم تركوا لنا ارثهم في مفاصل مجتمعاتنا حتى ان حاولنا تحديث شكل ونوع الحياة السياسية والاجتماعية خرجوا علينا بذات الأسلحة والآليات واستخدموها فيما يفترض انها أرقى أنواع انتخاب السلطات وتداولها عن طريق صناديق الاقتراع، ليرتقوا ناصية الحكم ويعلنوا من هناك أن: لا أحدا يأخذها منهم مرة أخرى!؟

     وما يجري اليوم في كثير من بلدان ما سمي بالربيع العربي هو استنساخ أنماط من الدكتاتوريات، لا تقل تعاسة وبؤسا عن الأنظمة السابقة، فهي تستخدم الديمقراطية ووسائلها وتسخر العشيرة والدين والمذهب، لشرعنة استحواذها على السلطات في غياب أي مفهوم شامل للمواطنة يرتقي على تلك الانتماءات التي تقزم الأوطان والشعوب، حيث يتم استغلال الأهالي بوسائل غرائزية متكئين على ارث من الإحباط واليأس والاضطهاد الذي تعرضت له الشعوب خلال عقود مريرة من اختزال الأمة في شخص الرئيس وحزبه، حيث أصبحت كلمة المرور إلى الحكم مدى الولاء والقرب من جوقة الحاكمين الجدد وأحزابهم وأديانهم ومذاهبهم بعيدا عن أي توظيف أو تعريف آخر يؤهلهم لأي موقع من مواقع الدولة.

     انهم فعلا ينتجون دكتاتوريات شعبية لا تختلف عن الديمقراطيات الشعبية التي عرفناها في بلدان العالم الثاني والثالث،  والتي كانت تشرعن ذاتها بالحتميات التاريخية تارة وتارة أخرى بصناديق الاقتراع التي تسخنها ولاءات العقلية القبيلة والمذهبية والإيديولوجيات على مختلف أشكالها وعقائدها.


     وإزاء ذلك يبدو ان البون شاسع جدا بين ما تعلمناه في علوم وفكر الديمقراطية ومناهجها وكثير من مدارس السياسة وعلومها من الدول الغربية ومجتمعاتها وأنماط الحكم فيها، وجئنا محاولين توظيفها أو تطبيقها في مجتمعات شرقية متخلفة، تسودها الأمية الأبجدية والحضارية، وتسيطر على أفكارها ونهج سلوكها ولاءات وانتماءات للعشيرة والدين والمذهب، ليتقزم أي مفهوم للوطن والشعب خارج هذه التعريفات تحت حكم أو رعاية الشيخ والأغا ورجل الذين الذين ما زالوا يحكمون مجتمعاتنا منذ تأسيس دولها وحتى إشعار آخر!؟

     ويبقى السؤال:


     هل ان هذا الربيع استبدل أنظمة مستبدة، كانت تعتبر نفسها هي الأخرى ديمقراطية شعبية، بدكتاتوريات شعبية أو شعبوية على توصيف المفكر المصري سعد الدين إبراهيم!؟ 

kmkinfo@gmail.com

404
احذروا من حصار كوردستان؟

كفاح محمود كريم

     عبر أكثر من نصف قرن تساقطت حكومات وأنظمة ودكتاتوريات على صخور كوردستان حينما حاولت تلك الأنظمة المساس بحياة كوردستان وكرامة شعبها المسالم المعطاء، ونتذكر جميعا كل محاولات الحكومات العراقية بكافة أوصافها وإشكالها ونظمها، كيف انهارت وتقهقرت حينما ظنت ان بمقدورها إذلال شعب كوردستان بوسائلها التي بدأت بالنابلم والأسلحة الكيماوية وانتهت بالحصار الذي كان يمنع وصول باقة كرافس أو كيلو من الطحينية إلى الإقليم إبان تسعينات القرن الماضي الكريهة؟

     واليوم يتداعى البعض حاملا أثقال تلك السياسة المقيتة وثقافتها القاتلة بوعي أو دون وعي لتقليد ذات الأسلوب في الحصار أو العدوانية على جزء من البلاد، حيث قرر مسؤول الطاقة في العراق السيد الشهرستاني إيقاف ومنع تصدير البنزين إلى إقليم كوردستان، وقد ذكرني هذا القرار أو الخبر بضابط استخبارات عند نقطة سيطرة بين الموصل ودهوك أيام نظام صدام حسين وهو يتعملق على نساء عجائز من إحدى المدن الكوردستانية المحاصرة ابان نظام البعث وهن ينقلن بعض الخضراوات من الموصل الى ذويهن، وكيف سحق بقدميه أكياس الطماطم الصغيرة وأفرغ زجاجات الطحينية في أحذيتهن وطلب منهن المشي بعد ذلك؟

     يذكرني هذا السلوك المشين لذلك الضابط بمواقف أخرى تريد استخدام ذات الأسلوب مع شعب تمرس في مقاومة الحصارات والأسلحة المحرمة، حتى أصبح كمن يأخذ لقاحا ضد فايروس أو مرض ينتشر في أوساط تدمن العدوانية والدكتاتورية في سلوكها، لا لشيء الا لتلك الثقافة المترسبة في مفاصل تكوين رموزها، وقد شهدنا منذ سقوط نظام الحصارات والدكتاتورية المقيتة الكثير من تلك المحاولات التي تعمل من اجل إعادة تصنيع ذات السلوك من خلال التعامل مع كوردستان بصيغ لا تقل عما كانت تفعله الأنظمة السابقة، كما يحصل الآن في موضوعة منع تجهيز الإقليم بمادة البنزين من قبل وازرة النفط ومسؤول الطاقة في العراق السيد الشهرستاني المنهمك بتوفيرها لإنتاج الكهرباء منذ توليه هذا المنصب والذي انفق ما يقرب من عشر مليارات دولار لمشاريع الكهرباء منذ ست سنوات وأنتج زيادة ساعة أو أقل بقليل؟

     ولعل اولئك الذين منعوا تزويد الوقود لمضخات مجموعة آبار ارتوازية حفرتها حكومة الإقليم لقرى سنجار بسبب الجفاف الخانق نهاية 2003م، أو أمثالهم الذين حرموا سنجار والشيخان وزمار من مفردات البطاقة التموينية لما يقرب من عام كامل، هم ذاتهم الذين يقاتلون من اجل إحراق نفط كوردستان وإيقاف إنتاجه أو تصنيعه وتكريره، ومن ثم إيقاف نهوض الإقليم الذي يكشف مدى تخلفهم وفسادهم وفشل سياستهم الداخلية والخارجية، وهي بالتالي صورة أخرى من صور الحصار الشوفيني البائس الذي يمثل نهجا عدوانيا مقيتا يحمل على أكتافه نياشين الحرب والانفالات التي ما كدنا نسيناها حتى بدأنا نشم رائحتها من سلوكيات لا تختلف كثيرا مما عاشته المنطقة خلال سنوات سبقت تلك الفاجعة الإنسانية التي يندى لها جبين العالم.

     لقد أثبتت الأحداث ومحصلة سنوات طويلة من الصراع فشل تلك القوى السوداء بمحاولتها في الحرب أو الحصار على كوردستان تمزيق نسيج الشعبين العربي والكوردي وخلق عداء قومي أو عرقي بينهما، فبينما كانت تلك القوى تفعل فعلتها الشنعاء بالحصار أو الحرب كان الكوردستانيون يحققون نجاح مشروعهم وكان الشعب العربي يمزق ويخترق أسوار الحصار ليصل إلى الكورد بأي شكل من الأشكال، ولن تنسى جبال ومدن وقرى كوردستان اولئك الشباب من المناضلين العرب الشيوعيين والديمقراطيين والمستقلين والقوميين والاسلاميين ومن كوادر جميع الحركات والأحزاب المعارضة العراقية لكل الأنظمة منذ أكثر من نصف قرن وحتى يومنا هذا التي التجأت إلى المناطق المحررة من كوردستان وناضلت جنبا الى جنب مع البيشمه ركه من اجل غد أفضل للعراق وكوردستان.
 
     ان محاولات إعادة تصنيع ذلك النهج البائس من الثقافة الأحادية والتسلطية لتكثيف السلطات بيد شخص ما أو حزب معين أو عرق أو قومية أو دين أو مذهب، إنما يضع حدا لنهايته في عراق لن يقبل مرة أخرى أي محاولة من هذا التفرد أو السلوك، وما محاولات البعض في إعادة سلوكيات الحصار وتكثيف العداء مع الإقليم الا عملية بائسة للتغطية على فشل ذريع في خدمة الشعب وتنفيذ برامج الحكومة التي أعلنت منذ قيامها عام 2005م ولحد اليوم.

     حقا صدق من شبه حصار كوردستان بلعنة الفراعنة التي تلاحق كل من فعلها، فحذار من لعنة الشعب؟

kmkinfo@gmail.com
   


405
البعير والتل القاتل؟

كفاح محمود كريم

     نتذكر دوما ذلك الدرس الجميل في اولى سنوات الدراسة الابتدائية وهو سؤال بصيغة ( الى متى يبقى البعير على التل؟ )، وكنا وقتها متفائلين كثير بنزوله فتصورنا انه سينزل مع المساء،  وربما كانت الحكاية عن بعير تورط وصعد الى أعلى التل وعجز عن النزول، أو ربما طاب له المقام هناك فتوقعنا نزوله مع مغيب الشمس، لكن إصراره على المكوث فوق التل وبقائه هناك أجيالا وأجيال أصبح مثلا يضرب لتوصيف المتشبثين أو العاجزين أو المتورطين أو المصرين على الفشل، وهذه التوصيفات جميعها تليق بمعظم من يتولى مسؤولية عامة في أكثر بلداننا الشرق أوسطية أو الشرقية عموما ابتداءً من مدير الدولة عذرا القائد الضرورة وحتى مدير عام الـ (Steam) البخار؟ حسب توصيف وزير التصنيع العسكري العراقي أيام النظام السابق العريف الركن حسين كامل مجيد ( صهر القائد الضرورة الذي أراد ان يتعملق هو الآخر ليكون زعيما فقتلته العشيرة في غضبها المقدس ليصبح بعد ذلك شهيد الغضبة العشائرية!؟ ) حينما شكى له احد المهندسين شحة إنتاج البخار في منشأته الصناعية، فالتفت إلى مرافقيه قائلا خلي مدير عام الـ ( Steam ) يحجز كل المنتوج في الأسواق لصالح المعمل!؟

   وقس عندك عزيزي القارئ على ذلك كل نشاطات البعران الذين يصرون على البقاء فوق التل حتى وان كلفهم حياتهم أو تدمير التل بأكمله كما حصل في كثير من التلال وما يزال؟


     في هذه البلدان التي أدمن معظم مسؤوليها على البقاء طويلا فوق التل أو العرش أو كرسي الحكم بكل مستوياته حتى تحولوا أو تصوروا أنفسهم أباطرة زمانهم، تتكاثر أنماط من السلوكيات والثقافات أولها إعدام الآخر وامحاق المختلف وآخرها البقاء على التل حتى الموت كما حصل لـ ( للأبطال الهاربين ) صدام حسين ومعمر القذافي و ( زعماء ) مصر واليمن ولاحقا سوريا وكوريا الديمقراطية جدا، ومن سبقهم وتبعهم إلى يوم الدين، حيث أصروا وما يزال البعض منهم يصرُ على البقاء والتشبث بالتل دون غيره حتى ابتلعهم وأصبح مقبرة لهم، والغريب ان آلية نقل بعض هؤلاء الى التل كانت بواسطة الانتخابات وصناديق الاقتراع حيث يفترض ممارسة السلطة بذات الآلية التي تسلقوا بها التل، الا انهم سرعان ما زاغت أبصارهم وامتدت بعيدا حيث سراب التفرد وحلاوة التسلط وتكثيف الصلاحيات والعمل من اجل البقاء على التل الى يوم يبعثون؟

     والمشكلة انه ليس الرؤساء وحدهم ممن يتمتعون بالبقاء طويلا فوق التل، فتلك الثقافة لطول ما توارثتها الأجيال عبر حقب الأزمان في بلداننا، غدت سلوكا يمارسه حتى الفراشين والبوابين والحراس وعمال محطات التعبئة ورجال الشرطة والجيش في معظم نقاط العبور والحدود ونقاط السيطرة، وصولا إلى معظم المدراء من المسؤولين الذين أدمنوا تلولهم وحولوها إلى ممتلكات بيتية أو عشائرية ليس الا، حيث لم يعد ذلك السؤال التقليدي إلى متى يبقى البعير على التل كما هو بصيغته المفردة بعد تكاثر وانشطار تلك المخلوقات التلالية، ليصبح:

إلى متى تبقى البعران على التل؟

   ويبقى السؤال الأهم بعد سؤال الأجيال عن بقاء البعران على التل، هو بأي صيغة أو آلية أو أسلوب يتم فيها إيقاف هذا السلوك أو التقليد أو الممارسة وهم يستخدمون اليوم آلية الديمقراطية وصناديقها للوصول إلى التل على أكتاف العقلية العشائرية أو الدينية أو المذهبية؟  
  kmkinfo@gmail.com

406
 
المواطنة الغائبة والديمقراطية العرجاء؟

كفاح محمود كريم

     ربما يعتقد البعض ان الديمقراطية هي مجرد تداول للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، وهي ممارسة تجري كل اربع أو خمس سنوات لاستبدال رئيس أو مجلس نواب وما إلى ذلك من استبدال هياكل الدولة الإدارية، أو أنها جرعة دوائية أو قرار تنفيذي من جهة عليا في مجتمعات ما تزال تأن تحت نير الأمية والقبلية والانتماء المناطقي، متوارثة سلوكا شموليا عبر حقبة قد تمتد لمئات السنين من الثقافة الأحادية والتسلطية ابتداء من التربية داخل الأسرة والمدرسة والعشيرة، وما يكتنفها من غياب شبه كامل لمفهوم المواطنة وسيادة مفاهيم الانتماء العشائري والمناطقي أو الديني والمذهبي وهيمنة فكرة العشيرة والشيخ والأغا والعبودية بأي شكل من أشكالها.

     وربما أيضا تقود صناديق الاقتراع والية الانتخابات حزب ما أو شخص ما إلى دفة الحكم ليمارس بعد أشهر أو سنوات تلك الثقافة المتكلسة في مفاصل سلوكه، فيتفرد تدريجيا ويكثف حوله وعاظ السلاطين من الضعاف والانتهازيين، الذين يصنعون منه طاغوتا جديدا بلبوس ديمقراطي، تشرعنه صناديق الاقتراع التي امتلأت هي الأخرى ببطاقات الود العشائري أو الطائفي أو الديني، بعيدا عن أي مفهوم للمواطنة التي ترتقي على كل هذه الانتماءات لتمنح الوطن هوية الانتماء الخالص.

     إن اخطر ما يواجه الربيع العربي اليوم بعد اختراق حاجز الخوف وإحداث التغيير في شكل الهيكل الإداري للدولة، هو محاولة تلك القوى الراديكالية استخدام قطار الديمقراطية وآليات تداول السلطة، للنفوذ إلى مفاصل الحكم والبدء بصناعة الدكتاتورية المشرعنة باليات الديمقراطية في مجتمعات اقل ما يقال عنها أنها ما زالت متخلفة في معظم مناحي الحياة إن لم تكن في جميعها، وأنها لم تنجح في بلورة مفهوم سامي للمواطنة لدى سكانها الذين ما زالوا يسألون الفرد عن دينه ومذهبه وعشيرته وربما حتى عن مقدرته المالية، بعيدا عن أي سؤال يتعلق بإمكانياته العلمية أو الثقافية أو الأدبية أو الاجتماعية أو السياسية، وحتى لو حصل ذلك فان التزكية الأساس ما تزال محكومة بالثلاثي المتكلس الدين والمذهب والعشيرة وفي بلدان المكونات العرق والقومية؟

     ويبدو إن المواجهة قد بدأت فعلا بين القوى الديمقراطية التي تعتمد المواطنة أساسا في ممارستها وبين القوى التي تعتبر الديمقراطية سلما لارتقائها دفة الحكم وتنفيذ برامجها الشمولية من خلال تهييجاتها الدينية والمذهبية تارة والعشائرية والقومية تارة أخرى كما يحصل الآن في مصر وليبيا وتونس والعراق وإيران ولاحقا في اليمن وسوريا وغيرهم، مما يهيئ لحقبة جديدة من الدكتاتوريات المشرعنة باليات الديمقراطية التي ستحول هذا الربيع إلى صقيع آخر.

     إن غياب مفهوم متحضر ومدني للمواطنة سينتج ديمقراطيات عرجاء لا تقل تخلفا عن تلك التي استخدمتها أنظمة الحزب الواحد والزعيم الأوحد في الدكتاتوريات الشعبية!؟
kmkinfo@gmail.com


407
صور القائد وصناعة الدكتاتورية؟

كفاح محمود كريم

     في عجقة صور رؤساء الجمهوريات والملوك والحكومات  والأحزاب والكتل والعشائر التي بدت تغطي معظم معالم دولنا الشرق أوسطية ومن ماثلها في العالم وخاصة في العراق ومدنه وقراه وما بينهما، ليس في أيام الانتخابات فحسب بل امتدت لكي تتجاوز ظاهرة صور رئيس النظام السابق، أثارت تعليمات رئيس إقليم كوردستان العراق مسعود بارزاني، مؤخرا والتي تضمنت منع رفع صوره في نقاط العبور والسيطرات الخارجية والداخلية والمناطق العامة، الكثير من الارتياح لدى أوساط الأهالي والنخب السياسية والثقافية التي اكتوت وزاغت أنظارها وأفكارها طيلة عشرات السنين من ثقافة الصور وعبادة الفرد التي هيمنت على حياة العراقيين عموما منذ قيام الدولة وحتى يومنا هذا، وخاصة فترة حكم صدام حسين التي تميزت تفاصيلها بكل ما جاء في فصول  رواية 1984 للكاتب العالمي جورج اورويل*George Orwell والذي توقع فيها كيف ستكون أشكال الأنظمة الدكتاتورية مطلع الثمانينات وهو يكتبها في أواخر أربعينات القرن الماضي وتحديدا عام 1949م وكأنه كان موظفا من موظفي ديوان الرئاسة العراقية ابان القائد الضرورة.

     صور الرئيس القائد والملك المفدى التي لم تخلو منها أي زاوية من زوايا القرى والبلدات والمدن وحتى بيوت المواطنين الذين كانوا يحاسبون أو يصنفون بسلبيتهم وعدم ولائهم للبلاد أو الحزب القائد أو المفدى إذا ما خلت بيوتهم أو دكاكينهم من صوره، تلك الصور التي أرادوها أن تكون جواز سفر لوطنية المواطن ودرجة ولائه وانتمائه للوطن المختزل والمقزم في شخص الرئيس أو الحزب الذي يقوده، مما حول البلاد بعد عشرات السنين إلى قرية وعشيرة، وألغى وجودها كوطن كبير ينتمي إليه الجميع سواء يوالون صاحب الصورة أو يختلفون معه، مما عجل في سقوط وانهيار تلك التجربة البائسة مع ما كانت تمتلكه من نفوذ وقوة في المال والعسكر والآلة والعلاقات الدولية كما شهدناه في حفرة صدام حسين أو أنبوب القذافي أو هروب زين العابدين ومبارك ومن سيلحقهم آجلا أم عاجلا من أمثالهم في دمشق وغيرها من عواصم الظلام وبشاعة التصاوير التي نخرت ذات النفس البشرية للفرد وحولت أحاسيسه ومشاعره إلى كتلة عدائية تنتهز أي فرصة للانتقام من صاحبها، على الأقل بعدم الدفاع عنه وتركه وحيدا يهرب من جحر إلى جحر، حتى سقط وتهاوت كل تماثيله واحترقت كل صوره، ولم تنجح ملايين الصور والتماثيل واللقطات الهوليودية له ولأمثاله، من أن تبقيهم ساعة واحدة على كرسي الحكم والحياة أمام غضب الأهالي الذي قذفهم وصورهم إلى خارج الزمن والتاريخ؟

kmkinfo@gmail.com

*  جورج أورويل ( George Orwell): واسمه الحقيقي إريك آرثر بلير كاتب وروائي بريطاني (25 يونيو 1903 - 21 يناير 1950م ولد في قرية موتيهاري في ولاية بيهار الهندية لأسرة متوسطة الحال.

 
       
 

408
توائم السقوط في سوريا والعراق!

كفاح محمود كريم

      بعد اقل من سنتين على انتهاء الحرب المأساوية بين العراق وإيران وتوهم النظامين العراقي والإيراني بانتصارهما المهلهل على أنقاض خرائب اثنين من اعرق أوطان البشرية وأكثرها حضارة، اقترف نظام صدام حسين واحدة من أكثر حماقاته همجية باجتياح دولة الكويت و( بلعها ) بسيناريو مج لا طعم له ولا رائحة الا اللهم تلك العفونة التي رافقت كل حماقاته وشوفينيته بالعدوان على كوردستان وجنوب البلاد، فغطس هو ونظامه في أوحال الفشل والهزيمة ومعاداة المجتمع الدولي بأسره الا من كان على شاكلته من دول القائد الضرورة في كوريا الشمالية وكوبا وليبيا وبقية دول الظلام في العالم.

      توقع الكثير ان رد الفعل الدولي بعد تلك الحماقة لن يقتصر على إخراج جيشه من دولة الكويت، خصوصا وان قوات التحالف الدولي كانت قد تجاوزت في انتشارها أكثر من ثلثي البلاد بعد ان حطمت كل ارتكازات الدولة العسكرية منها والمدنية، بل على إسقاطه وتقديمه الى محاكمة دولية لجرائمه في الداخل والخارج؟

     الا انها اكتفت بتقليم اضافره وقص أجنحته في الشمال والجنوب، والبدء بتنفيذ سيناريو التفتيش عن الأسلحة المحرمة دوليا وفي مقدمتها النووية والكيماوية، حيث صاغت الأمم المتحدة ومجلس أمنها جدولا لأفواج من لجان التفتيش التي ما تركت زاوية أو فضاء في عرض البلاد وطولها حتى وصلت غرفة نوم الرئيس ومقر مخابراته وأمنه وكل خصوصياته الا ودخلتها وفتشت سنسفيل تفاصيلها لسنوات تجاوزت الاثنتي عشر عاما، تعرض فيها العراقيون لأبشع أشكال الحصار من الخارج والداخل دون ان يؤثر على شكل النظام ومصيره، بل على العكس حوله الى حيوان متوحش بدأ يفترس كل شيء في الداخل الذي تآكل وتآيل للسقوط قبل دخول قوات التحالف الدولي، وبمقارنة سريعة مع قرينه الثاني في دمشق ندرك انهما فعلا توأمان في سلوكهما وثقافتهما وأسلوب تعاملهما مع كل الأحداث، وان أوهموا الناس بأنهما مختلفان لكنهما ينهلان من ذات الأفكار، فقد حاولت دمشق تدمير لبنان كما فعل العراق مع الكويت وان اختلفت بعض التفاصيل، ودمر النظام في دمشق شعبه وأذله كما فعل قرينه في العراق، وحينما ادلهمت الأيام وانحسرت مساحات الحياة أمام نظام بغداد بدأ بنهب كل ممتلكات العراق وإرسالها الى قرينه في دمشق وخاصة ما كان يتعلق بالسلاح ومواده الممنوعة التي نقلت سرا الى هناك قبل أشهر من سقوط النظام، ثم التجأ إليه أعوانه ومريديه الذين تاهت بهم السبل اليوم بين أحضان الأمن السياسي السوري وسفارات الولايات المتحدة وأوربا.

     ويبدو ان تطورات الأحداث في العراق بعد غزو الكويت يتم تنفيذها في دمشق بشيء من التعديلات البسيطة بالتسميات والشكل وربما حتى الزمن، حيث استبدلت لجان التفتيش عن الأسلحة المحرمة بالمراقبين الدوليين الذين ينتشرون بتميع لا يقل عن تميع لجان التفتيش السابقة في العراق، وتقترب العقوبات على سوريا تدريجيا من الحصار الذي طال العراقيين جميعا طيلة تسعينات القرن الماضي، وهي تتجه أي القوى المؤثرة دوليا إلى ملاذات آمنة في عملية تقطيع أوصال النظام البوليسي المخابراتي حتى ينضج برنامج السقوط الكامل!

    وفي كل هذه المراحل يكون الأهالي هم الخاسرون الوحيدون في ساحة الملعب بين المتصارعين الكبار والصغار، كما حصل بين الولايات المتحدة ونظام صدام حسين طيلة فترة الحصار سيئة الصيت التي دمرت البلاد وحولت شعبه إلى قطيع للبطاقات التموينية بما تعنيه الكلمة من معاني في السلوك والتصرف، وهكذا تبدو الأمور في سوريا أيضا رغم اختلاف التسميات وبعض الشكليات الا انها تتجه ذات الاتجاه؟

     حقا انهما توأما الانحدار والسقوط والفشل الذريع رغم هيمنتهما لأكثر من أربعين عاما، فقد فشلوا في الحفاظ على قرية واحدة تضم نموذجهم المتهالك، لكنهم نجحوا في تدمير اعرق وطنين في تاريخ الحضارة البشرية وإحالتهما إلى افشل البلدان في العالم، انهما سوريا التي تنزف الآن، والعراق الذي يأن من جراحات متكلسة تعيق تقدمه وتطوره.   

kmkinfo@gmail.com

409
المنبر الحر / وزارات أم مشيخات؟
« في: 11:54 16/04/2012  »
وزارات أم مشيخات؟

كفاح محمود كريم
 

     رغم التطور المهول في شتى نواحي الحياة العلمية والصناعية والزراعية والعسكرية والى حد ما الاجتماعية، فقد راوحت كثير من الدول والمجتمعات في مكانها تتمتع بما ورثته من عادات وتقاليد وأعراف، وبالذات في نظام المشيخة القبلية أو الإمارة التي استوطنت في سلوك الكثير من الأشخاص والمنظمات وحتى التشكيلات الحكومية، وفي أنظمة الحكم السائدة في كثير من مناطق العالم المصابة بالترهل وبالذات تلك التي اصطلح على تسميتها بالعالم الثالث وأحيانا الدول النامية أو على تسمية الدارجة هنا في العراق الدول النائمة!؟

     فقد نقلت معظم تلك الدول نظام العشيرة وهيكلها وما يكتنفه من علاقات وسمات إلى نظام الحكم، حتى غدت معظم مؤسسات الدولة من الوزارات نزولا إلى الدوائر الصغيرة تمثل نظاما عشائريا يقف على رأسه الوزير الشيخ أو المدير العام الشيخ، وقس هكذا أيضا فيما يتعلق بالجنرالات صعودا ونزولا، حتى يظن المرء انه في سيرك أو كرنفال عشائري في التنافس والتباهي في العزائم والمركوبات على أنواعها وما يلحقها من طواقم الحمايات، الذين يمثلون أقرباء الدرجة الأولى والذين يصنفون بأنهم الحكام الحقيقيون، وهم يقفون وراء معظم نشاطات وديناميكيات السيد المسؤول الشيخ، وزيرا كان أم مديرا عاما، أو جنرالا وبالذات ما يطلق عليهم بـ ( البالات ) الذين انتشروا في البلاد بعد سقوط النظام واعتبار سنوات تركهم للخدمة ( فصلا او تقاعدا أو عقوبة ) لأجل الترفيع والمنصب، فإذ بملازم أو نقيب أصبح جنرال يحمل على أكتافه ما لذ وطاب من نجوم وتيجان وخيوط حمراء ونياشين!؟

     وتكاثفت تحت هذه الثقافة البائسة مجاميع كبيرة من أقرباء الوزير أو الوكيل أو المدير العام في أي وزارة من وزارت الدولة ودوائرها، حتى تخال نفسك في مضيف شيخ العشيرة بكل ما تعنيه تلك الوضعية، حيث ينتشر أتباع الوزير أو المسؤول في كل أرجاء الوزارة ومؤسساتها كل حسب موقعه وواجبه المناط به من قبل الشيخ عفوا الوزير أو المدير العام، وفي كثير من الوزارات استبدل أو تم تجميل الشكل العشائري بالحزب أو الكتلة التي يمثلها الوزير المحترم أو دونه من المسؤولين الكبار، حتى يشعر المرء بأنه في مقر ذلك الحزب أو الكتلة التي تسخر الوزارة وما يلحقها بمشيئة تلك الحركة أو التجمع وكأن الدائرة مهما كانت ملكا مشاعا أو ورثا مملوكا بالطابو لهؤلاء؟

     وإذا كانت سنوات الدكتاتورية قد أعادت البلاد الى البدائيات الأولى في العلاقات الاجتماعية ونظام القرية والبداوة، وصنعت لأجل ذلك دوائر متخصصة للعشائر، بل وصنفت الشيوخ إلى موديلات ودرجات، ولم تكتف بالشيوخ سواء الأصليين منهم أو التابعين ممن أطلق عليهم ( شيوخ التسعينات )، بل وصنعت أجيالا من رؤساء الأفخاذ والوجهاء ولكل منهم امتيازاته وموقعه، حتى أصبح الواحد منهم أفضل من أي عالم أو أستاذ جامعي أو جنرال في الجيش أو فنان لامع أو أديب أو كاتب كبير أو صحفي!؟

     فقد آن الأوان للانتقال من هذا النمط المتخلف في الحياة الذي دمر العباد والبلاد، والعمل الجاد من اجل تطوير النظم الاجتماعية السائدة بتحديث مناهج التربية والتعليم، وإبعاد أي عناوين غير دستورية في مفاصل المجتمع عن نشاطات الدولة ومؤسساتها، والفصل الكلي بين الدولة والدين والنظم القبلية، وتشريع جملة من القوانين التي تحرم التنظيم على أسس عنصرية أو دينية أو مذهبية وتقلص التكثيف الأسري والعشائري في مؤسسات الدولة بما يقنع المواطن بأنه فعلا ينتمي إلى دولة محترمة ووطن محبوب، لا إلى عشيرة أو حزب أو قرية مقزمة أو مختصرة كما كانت تفعل الأنظمة الدكتاتورية بشخص رؤسائها وعشائرهم وقراهم.

kmkinfo@gmail.com
 


410
لا تخدشوا الرأي العام!

كفاح محمود كريم

     في موروثاتنا الاجتماعية الجميلة، الكثير مما نفخر به من سلوكيات وعادات وتقاليد، ويأتي في مقدمة تلك الموروثات كيفية المحافظة على أسرار الأسرة بما في ذلك الخلافات التي تحصل بين الأخوة والأخوات فيما بينهم أو بين احدهم ووالده أو والدته، وتنتقل تلك الموروثة الجميلة إلى دائرة اكبر على مستوى الأسرة الكبيرة من أولاد العمومة والخولة وربما تتكرس في دائرة اكبر لكي تشمل العشيرة، ويعرف الكثير منا كم من خلاف حصل ويحصل في أي أسرة من أسرنا في كل أرجاء البلاد، وربما يتطور هذا الخلاف إلى مستويات خطيرة، لكن يعمل الحكماء في تلك الأسرة دوما على عدم السماح بخروج الخلافات إلى خارج سور البيت والحفاظ على أسراره وعدم تداولها خارجه مهما كانت الأمور، وخاصة أمام الأقرباء أولا وبعد ذلك إذا ما اتسعت أمام الغرباء من خارج الأسرة أو العشيرة.

     تمنيت كثيرا لو نجحنا بتوظيف تلك الموروثات على دوائر أوسع اليوم وخاصة فيما يتعلق بخلافاتنا السياسية سواء كانت بين الأحزاب أو الكتل أو بين الإقليم وبعض مفاصل الحكومة الاتحادية أو بين المحافظات وذات المفاصل، بما يؤمن الحفاظ على أسرار بيتنا وأسرتنا الكبيرة وخاصة أولئك الذين يرقصون على أنغام الخلافات من المدغمين في جسد العملية السياسية أو الإعلامية أو الصحفية ومحاولاتهم صب الزيت على النار لتوسيع رقعة الحرائق التي يأملون فيها ان تأتي على كل العملية السياسية بل على كل البلاد بما يحقق مآربهم للعودة ثانية الى حكم بغداد وكوردستان والعراق عموما وإعادة عجلة الدكتاتورية للعمل مرة أخرى في بلاد تنزف دماء ودموع منذ تأسس كيانها وحتى يومنا هذا!؟

    لنتذكر معا بعيدا عن كل التوصيفات وما يجري اليوم من حرب كلامية بين ضحايا نظام كاد ان يبيدهم بالكامل لولا مشيئة الله، انهم جميعا دون استثناء من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، ناضلوا وكافحوا وضحوا من اجل الانعتاق والتحرر من نظام العبودية والاستبداد، ومن اجل بناء عراق ديمقراطي تعددي اتحادي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات تحت مظلة القانون الذي شارك الجميع ايضا في سنه وتشريعه وقبوله مرجعا وحكما ودستورا دائما، ولا يعني ذلك اننا لن نختلف بل ان الاختلاف سنة التطور، واننا طالما نعمل فسنخطأ وسنختلف هنا وهناك، وفي خضم أخطائنا واختلافاتنا علينا ان نتذكر دوما اننا كنا وما زلنا في مركب واحد، وان نتذكر وعودنا لشعبنا بأقامة بديل أرقى وأكثر إنسانية ومدنية وديمقراطية، وان نتقاسم ونشترك في كل شيء يخدم قضيتنا الأساسية الا وهي عراق متحضر مدني ديمقراطي تعددي في هذه البلاد.

     ليختلف السياسيون وأحزابهم ومن يقف ورائهم كيفما يشاءوا تحت قبة البرلمان أو في أروقة مجلس الوزراء، فتلك المؤسسات لم تؤسس لكي تصفق للرئيس الأوحد أو الحزب القائد، بل كانت منذ البداية مقرات للتعبير عن الآراء ووجهات النظر والاختلافات والاتفاقات والتوافقات، وأسسنا لأجل ذلك محكمة اتحادية للفصل بين المختلفين ان فشلت فلسفة التوافق، وقبل ذلك وضعنا دستور دائم للبلاد يؤمن لنا جميعا حقوقنا وواجباتنا، ولأجل ذلك دعونا أيها الكتاب الأحرار والصحفيون المخلصون والإعلاميون النجباء، وكل من يستخدم القلم والشاشة والمايكروفون سلاحا أو وسيلة للبناء، ان نعمل على إشاعة الأمن والسلم الاجتماعيين ونقتلع جذور الخوف من دواخل نسائنا وأطفالنا ومجتمعاتنا، والكف عن تخديش الرأي العام وإشاعة الكراهية والأحقاد ونشر الأسرار الكاذبة منها والمفبركة والصحيحة وتداولها أمام الأغراب خارج الأسرة بما يمنح الطرف الثالث أو المخفي بلعب لعبته في صب الزيت على الحرائق.

     دعوهم يختلفون وتوقفوا انتم عن نشر اختلافاتهم وأسرارهم وحتى فضائحهم، فنحن أبناء أسرة واحدة يا معشر الصحفيين والكتاب والإعلاميين، حتى من كان منا قريب منهم أو يمثلهم فلنعينهم على تجاوز الأزمة ونديم أمننا وسلمنا الاجتماعيين ولا نخدش الرأي العام ونخصب أرضية الأحقاد وننشر فايروسات الفتنة بما يثلج صدور الأعداء.

kmkinfo@gmail.com

411
المنبر الحر / حوار انفصالي!
« في: 23:23 03/04/2012  »
حوار انفصالي!

كفاح محمود كريم

     دار حوار بيني وبين صحفي عراقي يقيم في اربيل قبل عدة أيام على خلفية ما تناقلته وسائل الإعلام حول احتمال إعلان الدولة في إقليم كوردستان العراق، فقد بادر يسألني:

* صحيح ان خبر الاستفتاء على تقرير المصير سوف يعلن قريبا؟
- لا اعلم ولكن ربما يحصل!
* هذا الخبر قد اخذ أبعاد كبيرة والكثير بدا يتناقله؟
- الاستفتاء عمل عادي واستطلاع للرأي العام
* لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم؟
- لقد أنجزوا مثله قبل عدة سنوات ولم يستقلوا!
* ولكن النتيجة هي واحدة الانفصال عن العراق؟
- لكنه يشبه اي استطلاع آخر للرأي، وهو بالنتيجة يعطيك نتائج قريبة للواقع، فإذا ما رأت الأغلبية من الشعب ذلك فهناك مراحل قانونية ودستورية وسياسية عديدة قبل إعلان هكذا قرار.
* لا اعرف ماذا اقول ولكن هل ممكن حل الاشكالات لتفادي الانفصال؟ انه خبر صدمني وأبكاني بنفس الوقت؟
- لا تتأثر سريعا.. الإدارة هنا في الإقليم تعلن دائما التزامها  بالدستور، والاستقلال ليس عملا سهلا!
* ولكن حق تقرير المصير مثبت في الدستور، يعني إنني كعربي لا استطيع العيش في اربيل، ولكن هذه مدينتي وعشت أجمل أيامي فيها؟
- وما هي علاقة حق تقرير المصير بعيشك في اربيل، من منعك أو أخرجك منها؟
* ولكن اذا انفصلت كوردستان كيف لي ان أبقى بها سوف تعتبر بلد ثاني؟
- لا يا أخي ليس هناك شيء من هذا القبيل، هناك ملايين البشر من كل أنحاء العالم يعيشون خارج أوطانهم الأم، في امريكا وأوربا واسيا وافريقيا وهم مواطنون صالحون ويعيشون بهناء هناك، لو حصل شيء من هذا القبيل سوف تخير بين العراق وبين كوردستان بمعنى اما الإقامة الدائمة أو التجنس.
* صراحة لا استطيع ان أتخيل الموقف، هل يجب ان تسير الأمور الى هذا الحد؟
- انا اتمنى ان لا يحصل ذلك الان لكنه سيحصل اجلا ام عاجلا ان بقت الأمور بهذا الشكل ويحاول البعض اختراق الدستور أو تعطيله، حينها لن تكون كوردستان ملزمة به؟
* طيب ما هو السبب؟
- في الشق الأول اذا حصل أي مساس بالدستور الدائم يؤدي الى الانتقاص من الاقليم وحقوق شعبه، والشق الثاني طبيعة الحياة وسنة التطور، كنا جميعا في اسرة واحدة وما لبثنا ان انعزلنا كل منا الى اسرة جديدة تماما ولم نتحول الى أعداء!
* هل يستطيع العراق العيش بلا كوردستان وهل تستطيع كوردستان العيش بدون العراق؟
- نعم.. لولا الأطماع
* اذا كانت الأمور تسير بهذا الاتجاه.. فالتقسيم حاصل لا محالة؟
- من قال ذلك؟ صدقني يا أخي الكريم، لو كان ما بيد الإقليم الآن بيد آخرين لأعلنوا الانفصال منذ سنوات، لكن الإقليم أكثر عقلانية وحرصا على بناء عراق ديمقراطي اتحادي تعددي، وهذا خياره طالما بقي الدستور الدائم يحكم البلاد!
* وكيف أكون انا اني نصفي عربي ونصفي كوردي , دمي ممزوج بين الاثنين
هل استطيع فصل دمي ؟
- هذه عواطف اجتماعية ربما لا تصلح للسياسة بل تصلح للشعر
* والسياسة ان لم تخدم مجتمعي مالي بها؟
- في سوريا والعراق والاردن والسعودية عشائر من ذات الدم وانفصلوا ولم تخرب الدنيا أو ينفصل الدم!؟
* ولكن كوردستان جزء من العراق منذ 4000 سنة
- لا ابدا.. هذا الذي تتحدث عنه خرافة، كوردستان هي كوردستان منذ الأزل، والعراق كدولة وكيان سياسي عمره لا يزيد كثيرا عن 90 سنة، وقد ضمت كوردستان اليه بخباثة الاستعمار، مثلها مثل تجزئة وضم كثير من البلدان العربية بعد اتفاقية سايكس بيكو؟ 
* أين كانت كوردستان اذا؟
- كانت حيث هي الآن، بجبالها ووديانها وسهولها حالها حال كل هذه البقاع تارة ضمن إمبراطورية بني عثمان، وأخرى ضمن دول صنعتها بريطانيا ليس الا، فقد كان الجزء الجنوبي منها ضمن ولاية الموصل التي لم تنتظم في الدولة العراقية الا بعد سنوات من إعلان المملكة عام 1921م، وإجراء الكثير من الاستفتاءات التي اختار فيها الأهالي الضم إلى المملكة بشرط تحقيق مطالبهم وحقوقهم السياسية والثقافية وغيرها بما فيها حق تقرير المصير؟
* حالي لا يرضى العدو الآن؟
لا استطيع السيطرة على أنفاسي تسمح لي أستاذي الكريم ومع السلامة؟

     مضى هو الى هواجسه ومضيت انا أتابع آخر أخبار أسعار النفط ومضيق هرمز ونتائج مؤتمر القمة العرجاء وتصريحات دولة الرئيس وولي عهده الشهرستاني!؟

kmkinfo@gmail.com

412
لا تشركوا المعارضة في الحكومة؟

كفاح محمود كريم

     ربما لان التجربة العراقية في النهج الديمقراطي حديثة التكوين وهي بالتالي ما تزال تحت تأثير مخلفات عدة عقود من الحكم الشمولي الذي استخدم أقسى أنواع الإقصاء والتهميش للفعاليات السياسية والاجتماعية والعرقية والقومية، فقد اتجهت العملية السياسية بعد سقوط ذلك النموذج الدكتاتوري إلى ابتكار أو استخدام أسلوب المحاصصة أو ما يسمى بالتوافق في تشكيل معظم سلطات الدولة الثلاث، لإرضاء كافة المشاركين في تلك العملية ومن يقف من ورائهم من مكونات قومية ودينية وسياسية، فظهرت لدينا منذ الحكومة الأولى ما يسمى بحكومة التوافق أو المشاركة وهي بالتالي محاصصة بين كل الأطراف أو معظمها تقريبا.

     لقد حافظت تلك الصيغة على توافق مهم لديمومة العملية السياسية وتطورها الا انها في ذات الوقت تركت ظلالا قاتمة على الأداء الفعلي فيما يتعلق بالمواطن وخدماته، حيث تقهقرت كثير من تلك الخدمات أو أنها لم تلبي الحد الأدنى من طلبات وحاجيات الأهالي، خصوصا بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة وما ترتب عليها من تداعيات ونزاعات خطيرة هددت وما تزال تهدد العملية برمتها، بسبب إصرار الجميع على المشاركة في كل السلطات وعدم السماح لبلورة معارضة حقيقية خارج الحكم.

     بهذه المقدمة أردت الدخول الى إقليم كوردستان الذي يشكل حكومته السابعة الآن، منذ تمتعه بالاستقلال الذاتي عن بغداد عام 1991م، فقد كلف رئيس الإقليم السيد نيجيرفان بارزاني ونائبه عماد احمد بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة برهم صالح المنتهية ولايتها، حيث باشر السيد بارزاني بمشاوراته ولقاءاته مع معظم الفعاليات السياسية بما فيها القوى المختلفة التي ربما ستتبلور لاحقا الى معارضة حقيقية، وهي تتكون من ثلاثة أحزاب هي الاتحاد الإسلامي الكوردستاني والجماعة الإسلامية وحركة التغيير، وكانوا قد حصلوا مجتمعين على أكثر من ربع مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة ورفضوا المشاركة في حكومة برهم صالح، حيث يدور الآن حديث متشعب عن محاولات لإشراكهم في تشكيل الوزارة تحت ذريعة إنتاج حكومة عريضة تشترك فيها كل الأحزاب والحركات بما يجعلها شبيهة بحكومة الشراكة الوطنية في بغداد، والتي يرى فيها بعض المراقبين انهم  أي المختلفين سيتحملون المسؤولية جنبا الى جنب مع الحزبين الفائزين بالانتخابات بكل ما ستنتجه تلك الحكومة.

     وربما لا تصح مثل هذه الاستنتاجات على خلفية ان المختلفين مع الحكم ما زالوا في طور تبلورهم الى معارضة حقيقية، ولذلك فان وجودهم خارج الحكومة أفضل بكثير لهم وللحكومة في الأداء السياسي والتنفيذي للإدارة الجديدة، حيث ستكون مساحة مراقبتهم لأداء السلطة التنفيذية اكبر بكثير مما لو كانوا داخلها، وبالتأكيد ستكون فرصة ذهبية لتطوير أدائهم والانتقال من الاختلاف السلبي والتنافس السيئ إلى المعارضة الوطنية من اجل أهداف عامة ومصالح عليا للبلاد، لا علاقة لها بمكاسب حزبية ضيقة أو إدارية محددة مبنية على روح انتقامية أو انشقاقية، وبذلك ستسنح الفرصة لنشوء صوتا معارضا يتعاون مع الحكومة من اجل تحقيق أفضل للبرامج التي بموجبها ستنال ثقة البرلمان.

     ان الحكومة القادمة مثقلة بمهام وواجبات كبيرة داخليا في مقدمتها معالجة ملفات الفساد وتقليص مساحاته بما يؤمن حرية أوسع لتنفيذ الخطط والمشاريع الإستراتيجية بشفافية ونزاهة قياسية، وخارجيا ملفات النفط والغاز والمناطق المستقطعة والميزانية والتعداد العام وقوات حرس الإقليم مع الحكومة الاتحادية، وقضايا خرق الحدود مع دول الجوار، مما يستدعي طاقما حكوميا يحاكي فريق كرة قدم متمكن في أدائه وتعاونه وخبرته، وذلك يتطلب الدقة في اختيار أعضاء هذا الطاقم بعيدا عن المحسوبيات والمنسوبيات على خلفية التوازنات التي تسببت في تأخير العديد من البرامج وتوسيع مساحات الفساد في مفاصل الدولة لوصول كثير من العناصر غير الكفوءة والمؤهلة الى مواقع لا تعرف عنها الا الامتيازات والإفساد.

     واليوم تبدو الفرصة ذهبية أمام رجل دولة ديناميكي له باع طويل في قيادة أكثر من كابينة تحت ظروف أكثر حساسية وخطورة، هذه الفرصة التي ربما ستمنح الحكومة الجديدة اسم حكومة الإصلاح والبناء لو نجحت في استثمارها وحققت تغييرات نوعية مهمة للدولة والمجتمع، ومن ثم الانتقال الى مرحلة التصنيع وتحديث الزراعة والسيطرة على الاستيراد والتصدير وتقليص البطالة وترشيق هياكل الدولة المترهلة، وحل مشكلة البطالة والخريجين الجدد من الجامعات والمعاهد، وتطوير الكهرباء والخدمات الأخرى وبالذات السكن للشرائح الفقيرة.

kmkinfo@gmail.com


 

413
الصحافة وكماشة مخالب الافكار السلطوية

في حديث صريح مع الكاتب والصحفي الكوردستاني


كفاح السنجاري

أجرى الحوار د. توفيق آلتونجي

 

     الكاتب كفاح السنجاري مثقف كوردستاني معروف على الساحة العراقية والكوردستانية بحضوره النشيط و البارز في التلفزيون والصحافة المقروءة وعلى الانترنت.

    نلتقي به في حوار صريح بعيدا عن جميع الحواجز والطروحات السياسية التي تحجم انطلاق الأفكار بحرية خدمة للكلمة الطيبة التي تتجاوز حدود كل السجون والأقبية والمعتقلات. الصحافة قارئي الكريم هم بحد ذاته ومهنة مليئة بالمتاعب والمشاكل قلما يجد / تجد الصحفي من يقدم له الشكر أو يشجعه على إنتاجه الإبداعي.

     الشرق والغرب يلتقي في تعريف هذه المهمة الإنسانية الشاقة ومطباتها وخطورتها فنحن اليوم أمام عالم مليء بأخبار الصحفيين في مواقع الأحداث هؤلاء ممن يقدمون التضحيات تلو التضحيات في سبيل إيصال الخبر وعكس مجريات الأحداث أينما حدث إلى بيت المشاهد ويد القارئ الكريم. الضحايا من الصحفيين في العراق وسوريا واليمن ومصر وتونس تملئ اخبارهم الصحف ووسائل الإعلام تتناقل اعتقالهم وزجهم في السجون وحتى اغتيالهم. في هذا العالم المفعم بالفوضى يحاول ضيفنا ان ينتزع كلمة حق من خلال فتح باب التحاور الحضاري للوصول الى قاسم مشترك يمكن بواسطتها بناء مجتمعات تسامحيه يؤمها الأمن والوئام الاجتماعيين.

     وفي هذا العالم الغريب نرى تجربة ندية في إقليم كوردستان العراق تدخل عقدها الثاني باحتفال باليوم الوطني عيد نوروز في 21 من آذار. نحاول معا اكتشاف وضع الصحافة والمثقفين هناك في تجربة سياسية جديدة لم يتبلور ملامحها بعد. تجربة يتكون معظم القائمين بها ممن شارك مباشرة او بصورة غير مباشرة في الكفاح المسلح خلال عقود طويلة مع الحكومات المركزية العراقية المتعاقبة. ماذا حملوا في تجربتهم من ثقافة تلك الايام؟ كيف انعكست ثقافة تلك الانظمة في اداءهم السياسي وما هي ملامح العهد الحديد اسئلة نطرحها على ضيفنا اليوم ليجيبنا مشكورا.

    الانسان منذ الخلقة الاولى يحاول الحفاظ على البقاء والصحفيين اليوم الاكثر تعرضا للتهديد بإفناء وجودهم الانساني. ان كان ذلك بطريقة منهجية من قبل الحكومات او المنظمات والمجاميع المسلحة .
اين نحن في الاقليم من تلك الصورة القاتمة؟


ج/ ربما ليس الصحفيين فقط ففي معظم المجتمعات المتخلفة سياسيا واجتماعيا وحضاريا يتعرض المثقفون عموما وفي مقدمتهم بالتأكيد فرسان الكلمة بكافة وسائلها الى حملات تكاد تصل الى مستوى التصفية كما حدث ويحدث في العراق وغيره من دول المخاض الديمقراطي، ولعل اقليم كوردستان الافضل لحد الان قياسا بما يجاوره على الاقل من اطرافه الثلاثة ( العراق وايران وسوريا )، لا ازعم اننا واحة سويسرية لكن ما يحصل هنا منذ عقدين مقارنة بما سبق من سنوات وبما يجاوره من انظمة يؤكد رغم وجود خلل هنا أو هناك فان مستوى الأداء الصحفي والحكومي على حد سواء يرتقي الى مستو يفخر به المثقفون هنا وفي العراق.

    ما مدى اهمية الفصل بين الافكار الحزبية للسلطة الحاكمة وحرية الصحافة وهل تجدون ان هناك بوادر لخطط لبناء مؤسسات ثقافية مستقلة في الإقليم؟

ج/ بالتأكيد كلما نضجت التجربة الديمقراطية وممارساتها، لا على مستو السلطة وتبادلها بل على مستو المجتمع وسلوكياته ومن ثم انعكاس ذاك على الأداء الثقافي للفرد والمجتمع في الأحزاب وخارجها، سيؤدي بلا شك إلى تبلور مؤسسات ثقافية تمثل إرادات متنوعة تتفاعل في تلك الأجواء الصحية من الحرية في الرأي والتعبير.

     أتحفظ تماما على مصطلح الثقافة المستقلة ولا افهم حقيقة أي معنى لها، ليس هناك شيئ مستقل في الأفكار والتوجهات ومن ثم في الجمعيات والمؤسسات، ربما هناك نمط من الأفكار لا يخضع لفكر حزب أو حركة معينة لكنه بالتأكيد يعبر عن مجموعة أفكار معينة تكون قريبة أو تمثل أفكار وتوجهات حركات أخرى وبالتالي فهي أيضا لديها موقف محدد لا يخضع لهذا المفهوم القلق ( الثقافة المستقلة )!؟

     وهنا دعنا نبحث عن آلية وكيفية وبناء وانتاج مؤسسات ثقافية مهنية او اكاديمية سواء في الصحافة او الاعلام، حزبية كانت او غير حزبية، المهم ان تكون مهنية وتتعاطى باسلوب يقبل الاخر ويحترم الرأي المختلف.

     الحركة الثقافية في الاقليم شهدت تطورا نوعيا وكميا بعد عام 2003 لكن هيمنة الاحزاب ادى الى توجه الطبقة المثقفة  وتحولهم الى مجموعة من المرددين ومداحين. هل هناك امل لصحوة ثقافية في الاقليم  بعيدا عن ثقافة القمع التي كانت سائدة ابان الحكم البعثي القومي السلبي السابق.

ج/ ربما لا اتفق مع العديد ممن يصفون الطبقة المثقفة بكونها تحولت الى مداحين او مرددين، خصوصا وان هكذا نمط غير مرغوب به كثيرا في الاوساط الحاكمة هنا على خلفية تقاسم السلطة المعروف، ومعاناة الجميع من هكذا سلوكيات ابان الحقبة الدكتاتورية قبل الاستقلال الذاتي، ولا انكر وجود حالات فردية هنا وهناك تعبر عن سايكولوجية صاحبها، الا انها ليست ظاهرة تلفت الانتباه، على العكس تماما بدأت تتبلور انماط من الصحافة والاعلام التي يطلق عليها هنا بالاهلية وهي في معظمها ناقدة ومعارضة للحكومة والاحزاب، وربما تصل الى مستو فضائحي في منشوراتها!؟

     القائمين والمسئولين عن المؤسسات الثقافية هم احيانا من شبه المتعلمين او حملة ثقافة السلطة البائدة مما ادى الى هشاشة في مضمون الانتاج الابداعي في الاقليم الى درجة ان نشر أي كتاب او مجهود ابداعي يحتاج دعما وتأييدا حزبيا مباشرا. هل نحن امام ترسيخ هيمنة ثقافة حزب البعث وتطبيقاته السيئة في الإقليم؟

ج/  بعيدا عن الإطلاق والتعميم أرى ربما من زاوية محددة وجود مثل هكذا عناصر هنا وهناك في معظم الأحزاب الفاعلة في الساحة السياسية، وهي أيضا كما ذكرت من إنتاج أو إفراز حقبة ليست قصيرة امتدت هنا في الإقليم لأكثر من نصف قرن منذ ما بعد تموز  1958م وحتى انتفاضة الربيع 1991م، حيث أجيالا ممن ولدوا ونشئوا تحت تلك الظلال القاتمة، وفجأة انزاحت تلك القيود لكي تبدأ مرحلة جديدة تماما لا تمتلك أي كوادر غير تلك التي أنتجتها ثورة الجبال والمرحلة الثورية لتقود المؤسسات الثقافية التي تعرضت إلى حصار شديد ومزدوج من 1991م ولغاية 2003م، ورغم ذلك وخلال السنوات المنصرمة كانت هناك محاولات جادة في تحديث المؤسسات على مستوى المضمون والشكل ورغم أنها تواجه صعوبات بالغة إلا انها تتقدم، مع تبلور محسوس للمهنية والإذعان للسلوك الأكاديمي إلى حد ما.

     دهوك مركز ثقافي نابض في الاقليم وقدم للثقافة اسماء لامعة ولا تزال رغم وجود هيمنة شخصية وحزبية على العديد من مراكز القرار في المؤسسات الثقافية والاتحادات المهنية. هل ترى اثرا للتكوين الثقافي التعددي للمنطقة وكونها مكانا للالتقاء الثقافات والعقائد المختلفة على مجمل الحياة الثقافية المنفتحة في دهوك؟

ج/ أرى ان معظم الإقليم وخاصة العاصمة اربيل ودهوك تمتازان كما ذكرت بتنوع مكوناتهما الثقافية التي تعكس نمطا فسيفسائيا من الثقافة المتنوعة الكوردية والاشورية والعربية والتركمانية، اضافة الى مراكز ثقافية لشرائح مثل الايزيديين والشبك وغيرهم، وهي بالتالي في مجموعها تشكل لوحة الثقافة هنا في الاقليم الى جانب التنوع الفلكلوري في الازياء والغناء والتقاليد.

     أما موضوعة الهيمنة الحزبية فاعتقد ليس هناك حزبا قائدا مستبدا على شاكلة الانظمة الشمولية المؤدلجة في الاقليم حتى يوظف كل الوسائل لأفكاره وطروحاته، فمنذ الانتفاضة هناك العديد من الأحزاب التي تمثل المكونات الثقافية والعرقية في الإقليم وهي بالتالي امتداد لهذا التنوع، وتمتلك جميعها وسائل إعلام متنوعة للتعبير عن ذاتها، ولذلك نرى انتعاشا واضحا في الثقافة الآشورية والكلدانية والتركمانية والديانة الايزيدية ومؤسساتهم المنتشرة في الإقليم وبكل وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة.

    كصحفي بنيت علاقات جدية مع مراكز القرار من ناحية  ومن ناحية اخرى جاهدت في انشاء جسر ثقافي يربط الثقافات التعددية العراقية. هل لديك مشاريع مستقبلية لترسيخ ثقافة التسامح في المجتمع الكوردستاني وصولا الى مجتمع مفتوح غير منغلق يقبل الفكر الاخر والحوار الحضاري السلمي.

ج/  بالضبط نطمح جميعا من اجل إنجاح تجربة كوردستان الديمقراطية ونظام التعايش والقبول بين كل المكونات العرقية والقومية والثقافية والدينية من اجل بناء مجتمع مدني متحضر وبلورة مفهوم وطني راقي للمواطنة يبشر بوطن فوق القوميات والأديان والعشائر والمذاهب والأحزاب.

     وعلى المستوى الشخصي أتمنى أن أرى حقيقة ونحن في فضاء عربي كبير وسائل إعلام كوردستانية ناطقة بالعربية في كل مجالات الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لتكون فعلا جسور للتواصل الثقافي والسياسي بين الكورد تحديدا والرأي العام العربي الذي لا يعرف الكثير عن تجربتنا وقضيتنا التي تعرضت للتشويه من قبل وسائل الإعلام للنظام السابق والإعلام المتطرف حاليا.

    أخيرا ، كشخصية ثقافية ذو مواهب ابداعية تعددية مرموقة ومستقلة في الاقليم هل لك ان تحدثنا عن تجربتك الشخصية ابان الحقبة السابقة واليوم.

ج/ انا من الذين لم يغادروا البلاد ايام الحكم الدكتاتوري، وخاصة بعد عودتي من النفي في بابل الى مدينتي سنجار اواخر الثمانينات من القرن الماضي، حيث فضلت البقاء هنا والعمل من الداخل، وتفرغت للكتابة الادبية ( الشعر والنثر ) والفن التشكيلي الذي تخصصت فيه بنوع يطلق عليه اسم الاوهام البصرية Op Art  حيث اقمت ثلاث معارض شخصية لهذا النوع من الفن. ورغم ذلك فقد تم اعتقالي قبل سقوط النظام بفترة وجيزة بتهمة معاداته وتقويض النظام السياسي للحزب والثورة كما جاء في لائحة الاتهام والتي تؤدي الى عقوبة الإعدام، الا ان مشيئة الله وجهود اخوتي واصدقائي الذين نجحوا بتهريبي من السجن ليلة 26/27 آذار 2003م جعلتني الآن في ضيافتك وحلقت بي بعد ذلك في فضاءات الإعلام المرئي والمسموع والمقروء كاتبا وصحفيا وإعلاميا.

  

414
( العمالة ) بين العراق وسوريا

كفاح محمود كريم

     منذ تسلط البعثيين على حكم كل من سوريا والعراق بدأت علاقة البلدين بالانهيار تدريجيا حتى أصبحتا أكثر الدول عداء لبعضهما، رغم ما يربط الشعبين من أواصر كثيرة وعريقة وفي مقدمتها القرابة التي تربط كل مكونات البلدين من العرب والكورد والآشوريين، الا ان نظاميهما الفاشيين نجحا في قطع العلاقة تماما بين الشعبين طيلة ما يقرب من ثلاثين عاما، تخللتها فترات للتحايل والتآمر بينهما راح ضحيتها الكثير من قياداتهما في الاتهامات الجاهزة بالعمالة التي تحكم بالإعدام فورا.

     لقد وصلت الأمور في كلا البلدين لكي يمنعا مواطنيهما من تبادل الزيارات فأضيفت سوريا إلى الدول الممنوعة وكانت وقتها في العراق كل من إسرائيل وإيران وسوريا، وكذا الحال لدى الجانب الآخر، حيث دفع هذا الشكل من العلاقة كل من النظامين إلى تأسيس شبكات تجسس ونقل معلومات اما عن طريق إرسال كوادرهم أو تجنيد عناصر من الداخل للعمل معهم ومن ثم تطورت إلى عمليات إرهابية واغتيالات نالت من العديد من كوادر وموظفي الطرفين.

     وبعيدا عن هذا المشهد فان كلا البلدين تحولا إلى ملاذ لمعارضة البلد الثاني، فتجمعت كثير من قوى المعارضة العراقية في دمشق التي أمنت لها العديد من طلباتها مقابل الاستمرار بمعاداة نظام ( اليمين ) البعثي في بغداد، وكذا الحال في بغداد التي احتضنت هي الأخرى قوى معارضة ( اليسار ) البعثي في دمشق كما كان يطلق عليهما الشارع هنا وهناك، وبالتأكيد كان كل نظام يتهم معارضته اللاجئة إلى البلد الآخر بالعمالة لهم ومن ثم بالخيانة العظمى التي توصل أصحابها إلى حبل المشنقة.

     ودارت الأيام وانقلبت الأمور وسقط نظام ( اليمين ) البعثي في بغداد، لتبدأ عملية مطاردة القيادات البعثية التي أدت إلى نزوح الكثير منهم إلى سوريا واليمن ومصر والإمارات، فتكررت صور كانت إلى غير بعيد من الزمان بشاكلة أخرى، حيث تبادل الإخوة الأعداء مرغمون لا مخيرين مواقعهم، فانتقل ( عملاء ) سوريا إلى دفة الحكم في بغداد بينما تحول أعداء نظام اليسار البعثي إلى عملاء جدد لدمشق!؟

     حقا انها واحدة من دراماتيك العلاقات السياسية في منطقتنا العجب، تتكثف في صور وتوصيفات وتبادل مواقع كالتي حدثني بها احد قيادات المعارضة العراقية الذي زار دمشق بعد سقوط النظام في بغداد بعدة سنوات، وما دار بينه وبين ( العملاء الجدد ) للنظام في دمشق، حيث كان يزور احد الوزراء أو المسؤولين الكبار في العاصمة السورية وهو صديق له من أيام المعارضة، ورأى في مكتبه قيادات بعثية عراقية تتحدث عن عمالة الحكام الجدد في بغداد لذلك المسؤول السوري وتطلب مساعدتها لكي تعارض وتقاوم النظام الجديد هناك، يقول صاحبي:
 
     ( لم يكونوا يعرفونني وهم يتحدثون فضحكت كثيرا، وقلت لهم كنا هنا قبلكم في هذا المكتب مع ذات الأستاذ وذات الحديث، فلا تكرروا المشهد واختصروا الطريق ان كنتم لم تقترفوا جرائم بحق الأهالي وعودوا إلى بلدكم قبل ان تتحولوا إلى ( عملاء ) حسب توصيفكم انتم، وتنطبق عليكم كثير من قرارات مجلس قيادة ثورتكم وتعديلاته على قانون العقوبات التي ما زال أكثرها نافذ المفعول ولم يتم استبدالها أو إلغائها.)!؟

     حيرة كبيرة يقع فيها أي مراقب أو منصف في توصيف كثير من الحالات في شرقنا العجب هذا، فـ ( عملاء ) ألامس قادة اليوم وقادة أمس ( عملاء ) اليوم، إنها دوامة مقرفة، لا يعرف لها أول ولا آخر، فهي تمتد لمئات من السنين يتبادل فيها الحاكمين شتى أنواع التهم والصفات، ثم لا يلبثوا فيتفقوا ليلعنوا غيرهم كما فعل صدام حسين مع ( أئمة ايران ) ابان احتلاله للكويت وإرساله خيرة طائرات العراق أمانة عند ( العدو الفارسي المجوسي وحاليا أضيف إليها الصفوي )، فهل هي يا ترى طبيعة بشرية أم اننا ما زلنا نصنع ألهتنا من التمر وحينما نجوع نلتهمها!؟

kmkinfo@gmail.com

415
في البدء كان ربيعنا؟

كفاح محمود كريم

     إن اختراق حاجز الخوف كان الخطوة الأولى في انتفاضة شعوب الأنظمة المتعفنة في بلدان العالم وخاصة في شرقنا الأوسط والأدنى والأقصى، الموبوء بحكم الرئيس الأوحد والزعيم الملهم والقائد المفدى، حيث تكلست أنظمة شمولية وقادتها من المرضى بالنرجسية والسادية وما خفي من امراض النفس البشرية، حتى لتكاد أن لا تستثني احدا منهم من كثرة تشبثهم بالكرسي اللعين والسحت الحرام، حيث نجحت تلك الأنظمة الدكتاتورية بتبنيها الرعب والارهاب في بناء سياج او حاجز غير مرئي من الخوف والاستكانة،  حولت فيه شعوبها إلى مجرد قطعان مطيعة مستكينة لا قدرة لها على الحركة بوجود هذا الحاجز.

     وكان النظام السياسي في العراق منذ بدايات الستينات من القرن الماضي، واحد من اخطر تلك الأنظمة الشمولية التي تحولت تدريجيا إلى نظام فاشي شوفيني مرعب حول البلاد إلى ماكينة حرب يفرم فيها كل من يعارضه أو يخرج عن طوعه حتى تحولت البلاد إلى دولة للرعب والخوف، تحت حكم منظمة فاشية أسست حكمها وبنته على مئات الآلاف من الجماجم والمقابر الجماعية بوسائل لم يعرف تاريخ الدكتاتوريات مثيلا لها، حتى تمادت فامتدت أياديها الآثمة إلى كل بيت وقرية ومدينة لتترك غصة وجرح في كل نفس من نفوس سكان البلاد، بل انها نقلت آثامها الى دول الجوار التي اكتوت هي الأخرى بنيران عنجهيتها وسلوكها الشرير.

    لقد سحقت تلك الدكتاتورية وما شابهها في المنطقة أي أمل لأحداث تغيير بالاعتماد الكلي على قوى الشعب الذاتية وفعالياته المعارضة، خصوصا وأنها أي تلك الأنظمة الفاشية لم تتوان عن استخدام أقذر الأسلحة المحرمة دوليا وأخلاقيا ضد معارضيها كما حصل في الانفالات وحلبجة وشقيقاتها من البلدات والقرى التي تعرضت للإبادة بالأسلحة الكيماوية في كوردستان العراق، مما أدى إلى تداخل جراحي مباشر كما عندنا هنا، أو غير مباشر كما في ليبيا واليمن وتونس ومصر والآن سوريا، حيث اندفعت قوى الشعب بعد انكسار شوكة النظام في هزيمته المخزية من الكويت وانهيار مؤسسته العسكرية،  بشكل عفوي عظيم لتخترق حاجز الخوف وتمزق زمن الاستكانة والخنوع وتحرر ثلثي البلاد تقريبا من سيطرة النظام خلال اقل من شهر واحد، ولولا تدخل بعض دول الجوار والإساءة إلى انتفاضة الشعب التي مكنت النظام بالتعاون مع قوى دولية معينة ان يعاود هجومه الكاسح ببقايا آلته العسكرية المهزومة من ارض المعارك وبتهديد علني باستخدام الأسلحة الكيماوية، لما استطاع السيطرة ثانية على كثير من تلك المحافظات وبالذات في جنوب البلاد التي تعرضت بعد ذلك لحمامات من الدماء راح ضحيتها آلاف مؤلفة من خيرة شباب وشابات العراق، تم دفن معظمهم إحياء في مقابر جماعية كما فعل مع شعب كوردستان في أواخر ثمانينات القرن الماضي.

     أما في كوردستان فقد كانت الانتفاضة أكثر تنظيما، إلا أن النظام استخدم معها حربا نفسية اجتماعية مبنية على استخداماته السابقة للأسلحة الكيماوية والتي تسببت في نزوح ملايين السكان عبر هجرة جماعية هي الأولى في تاريخ البشرية المعاصر هروبا من استخدام نظام صدام حسين للأسلحة الكيماوية مرة أخرى، خصوصا وان الشعب هناك انكوى قبل سنوات في واحدة من أبشع حرائق الفاشية بعد هيروشيما وناكازاكي، مما دفع المجتمع الدولي لاتخاذ قرار دولي ( 688 ) بحماية شعب كوردستان ومنع أي وجود عسكري جوي أو بري في منطقة أصبحت تعرف لاحقا بالملاذ الأمن والتي ضمت معظم أراض إقليم كوردستان وأبقت على بعض المدن والبلدات خارج الإقليم، مثل كركوك وسنجار وخانقين وزمار ومندلي ذات الأغلبية الكوردية تحت سيطرة النظام امنيا ومخابراتيا.

       انتفض العراقيون في ثورة عارمة من أقصى الجنوب إلى أقصاه في الشمال وحرروا أكثر من ثلثي البلاد في فترة قياسية لم ترتق لها كل انتفاضات المنطقة في الربيع العربي، وبذلك اخترقوا ذلك الحاجز الكريه الذي صنعته الأنظمة المتعاقبة، ولولا تدخلات دول الجوار وغيرها لكان العراقيون قد أنجزوا الكثير منذ 1991م ولحد يومنا هذا،ولذلك شهدنا تلك الهجمة البربرية على النظام الجديد في العراق بعد سقوط نظامه الدكتاتوري، من كل قوى الشر والجريمة المنظمة في الداخل والخارج، أدت إلى ما نشهده اليوم من أوضاع أمنية قلقة، وفساد مالي واداري ينخر مفاصل الدولة، في محاولة لإسقاط النظام الجديد وإفشال العملية السياسية والتوجه الديمقراطي، والعودة ثانية إلى صناعة دكتاتورية بديلة لتلك التي سقطت.

     لقد كانت انتفاضة الربيع في كوردستان والشعبانية في الجنوب والوسط العراقي عام 1991م بحق، أول اختراق جماهيري عظيم لحاجز الخوف والعبودية، لتشكل فيما بعد سنوات بواكير الربيع العربي الذي تجني شعوب المنطقة اليوم ثماره رغم ما حصل من عمليات خرق وتورط وتشويه كبيرة وحملات إعلامية ظالمة الا ان انتفاضة العراقيين تبقى الأولى ويبقى ربيعها دائما.

kmkinfo@gmail.com







416
الربيع العربي والصقيع القادم!
 
 
كفاح محمود كريم

     ما يتعرض له الفنان الكوميدي عادل امام منذ فترة على خلفية انتقاداته اللاذعة لسلوكيات متطرفة أو منافقة لا تمت للأديان وجوهرها بأية صلة، من خلال مسرحياته وأفلامه الهادفة يمثل ظاهرة طارئة لا علاقة لها بالثورة أو الحضارة أو المدنية، بل بالعكس تمثل تقهقرا لقيم الجمال والتطور والإبداع، في بلد لا يمتلك من الثروات العظمى الا الشعب والحضارة والمدنية منذ شواخصها الأولى في الأهرامات وحتى ثورة الشباب التي أطاحت بنظام مبارك المزمن، فما نشاهده ونسمعه عن تطورات الأحداث في مصر وتونس وما يجري للفنان عادل إمام وربما لكثير من المثقفين والاعلاميين والفنانين والمفكرين، في مصر وغيرها من البلدان التي اشتعلت فيها نيران الثورة والتغيير وتتعرض لمحاولات سرقة تلك الانجازات تحت مظلة الشرعية الديمقراطية، تؤشر لحالة أو انعطاف خطير لمجرى الثورة والتغيير وربما لمحاولة تحويل الاتجاهات إلى منحى آخر غير الذي اندلعت من اجله تلك الانتفاضات.

 وهنا أستذكر  حوارا مطولا دار بيني وبين المفكر المصري  الدكتور سعدا لدين إبراهيم*، الذي التقيته في ربيع 2007م بالعاصمة اربيل وحاورته على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني حواري سياسي ( لنتحاور )*، وكان محور حوارنا حول أزمة النظم السياسية والاجتماعية والخوف من الانهيار باتجاه تسلط قوى متطرفة وفاشية صنعتها أو هيأت فرص نموها تلك الأنظمة الدكتاتورية لتستقل قطار الثورة وصناديق الاقتراع وتنفذ إلى هيكل الحكم ومؤسساته الجديدة، إضافة الى أزمة المثقف العربي وعلاقته بالانظمة السياسية عموما وموقفه من قضايا المكونات غير العربية وغير الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط، ولعل اهم لقاء واقصره واكثره اثارة فيما بعد، كان بيني وبينه في احد فنادق بيروت في تموز 2008م، حينما دخل وهو يتأبط ذراع زوجته على عكس المتعارف عليه، وكان يشكو من نتائج جلطة فعلت فعلها في جزئه الأيمن دون أن تنال من عقله وفكره المتقد والثاقب دوما، وقد حصل اللقاء صدفة ودون سابق موعد، حيث كان يجول هناك بحثا عن وطن يأويه ويحميه من ملاحقة المخابرات المصرية، خصوصا وقد حكم بكثير من الاحكام الثقيلة واسقطت جنسيته المصرية ايضا!؟

سألني في البدء عن أخبار وطن النرجس ويقصد كوردستان، وحينما طمأنته بدأ الحديث متنبأ بمجريات ما حدث ويحدث منذ أكثر من سنة، لكنني قاطعته وهو يرسم مشهدا سياسيا عن التخوف من نتائج ما يحدث الآن، وخاصة فيما يتعلق بالمفكرين والعلماء والأدباء والفنانين والصحفيين، وبداية مرحلة الانقلاب والتفرد في السلطة وإعادة صناعة دكتاتوريات جديدة بإكسسوارات ديمقراطية تدعمها ماكياجات صناديق الاقتراع في بلاد تفتقد أساسا لفكرة المواطنة الحقة، ويعاني معظم سكانها من برودة الأمية بشقيها الأبجدي والحضاري، ملتحفين العشيرة والقرية رداءً ذاب في جلودهم وتكلس في مفاصل حياتهم، حتى غدت العشيرة أهم من الشعب والقرية أهم من الوطن!؟

    أردت أن اجري مقارنة بين ما تعرض له سعد الدين إبراهيم الذي حكمه نظام مبارك بالإعدام بعد أن اسقط جنسيته، وبين عادل إمام الذي صنفه البعض بالموالاة لنظام مبارك، لكنه كان من اشد المعارضين للتطرف والاستبداد والدكتاتورية، وسخر كما فعل سعد الدين إمكانياته طيلة ما يقرب من نصف قرن من اجل غد جديد أكثر مدنية وحضارة، لكن يبدو إن تلك الأنظمة التي قارعها الاثنان وأمثالهما في مصر وغيرها من البلدان، نجحت في صناعة بدائل لها تديم حكم نظامها بأشكال أخرى لكنها تحمل ذات الجوهر في التفرد وإلغاء الآخر والابتعاد عن المدنية والتقوقع في إيديولوجيات شمولية لا تقبل الآخر الا تابعا وملحقا، وهذا اخطر ما يواجه عمليات التغيير التي تجري الآن، حيث يتم صناعة دكتاتوريات جديدة بلبوس ديمقراطي واكسسوارات شعبوية كما يطلق عليها الدكتور سعد الدين إبراهيم، مما سينذر بصقيع قادم يكتسح جنائن الربيع ووروده؟

     لقد اكتسح الربيع في طريقه أنظمة متعفنة مزمنة في أمراضها وسلوكياتها، وبدأت أزهاره تتفتح في عواصم كادت تلك الأنظمة ان تمسخها وتحيلها الى دهاليز قرون مضت، ولكن ما يخشى منه ان فايروسات تلك الأنظمة وثقافاتها السوداء ما زالت متكلسة في شرائح وحركات راديكالية فاشية تستخدم كل الوسائل من اجل ولوج السلطة والتربع على كرسي الحكم لتنفرد تدريجيا في فرض أجندتها من خلال استخدامها وتوظيفها لمفاتيح اجتماعية وقبلية متخلفة، وتداعيات ناتجة من إحباط ويأس استمر لعقود سوداء من الحكم الدكتاتوري المستبد.
   
     صحيح إن كثير من النخب الفنية والأدبية والعلمية والرياضية لم تدخل عالم السياسة أو المعارضة المباشرة للأنظمة، الا ان الكثير منها ايضا كالفنان المصري عادل إمام الذي لم يكن سياسيا أو معارضا معروفا ولم يحكم عليه بالإعدام أو تسقط جنسيته، لكنه  لم يتوان ايضا عن مقارعة النظام بأسلوبه وطريقته، بل فعل الكثير لكي يمهد لاندلاع تلك الثورة ورفض سلوك الفوضى والعنف والبلطجة، وربما هو الفنان الأكثر إثارة في فضح ونقد الدكتاتوريات وثقافاتها في العالم العربي عموما، وها هو اليوم وغيره من تلك النخب، قاب قوسين أو أدنى من التعرض ربما لما تعرض له سعد الدين إبراهيم من النظام الآخر!؟

     حقيقة هناك خشية كبيرة من صقيع قادم يعقب تلك الانتفاضات التاريخية لشعوب المنطقة يهدد كل تلك النضالات والتضحيات من اجل مجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والمواطنة الصالحة والنهج الديمقراطي الخلاق.

 kmkinfo@gmail.com

* سعد الدين ابراهيم ( 1938 ): أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، يعتبر من أقوى الدعاة إلى الديمقراطية في العالم العربي. 

  * لنتحاور ( 2004-2009 ): برنامج مباشر حواري أسبوعي باللغة العربية من إعداد وتقديم الكاتب ذاته من شاشة فضائية كوردستان.


417
كوردستان والملا مصطفى البارزاني

  كفاح محمود كريم                                                       
                                                           
      تمر في هذا الشهر ( آذار ) العديد من المناسبات التاريخية في حياة شعب كوردستان العراق، حيث يختلط فيها الحزن والفرح بين تاريخ خالد يشيع الأمل والفرح وتاريخ حزين يتذكره الناس بألم، في منتصف هذا الشهر وقبل ما يزيد على قرن من الآن، ولد الزعيم التاريخي للكورد وكوردستان الملا مصطفى البارزاني عام 1903م، وفي الاول منه وقبل ثلاثة وثلاثين عاما أي في عام 1979م توفاه الله ليكون بحق رمزا تاريخيا كبيرا يمثل نهضة شعبه ووطنه.
   
     ليس من السهل ولوج حياة رجل اختزل تاريخ شعب عبر أكثر من ألفين وسبعمائة عام، لكنه ببساطة الحكماء أوحى لنا جميعا بأن الحياة رغم تعقيداتها أصغر من أن تعترض إرادة الإنسان وتحدياته الصادقة فشق طريقه عبر قساوة الطبيعة والحياة واتجه نحو الشمس، حاملا راية الحرية لشعب يمزقه ظلام التخلف والاضطهاد، فلم يكن الملا مصطفى البارزاني مجرد ثائر يقود شعبه للأنعتاق، بل كان خلاصة لحقب من الأزمان منذ كاوه الحداد وحتى انتفاضة آذار 1991م، حيث أختزل تاريخا ومارس سلوكا أصبح فيما بعد نهجا ومدرسة للتربية والأخلاق، وفلسفة في التعامل والتعاطي مع مستجدات وثوابت الحياة، من خلال إدراكه منذ  البداية لحقيقة شعبه ووطنه المشكل من التضاريس الحادة والمتناقضة بين تخوم حمرين وشنكال جنوبا وحدود آسيا الصغرى شمالا، فأندفع بكل ثقل التاريخ وأرثه باتجاه الشرق عله يجد ضالته بين أحضان مهاباد، فكانت خطوته الأولى باتجاه الشمس، هناك كان المخاض الأصعب والولادة الأعسر والقرار المستحيل، اجتمعت فيه كل وحوش الشرق المفترسة حاملة معها جوع العنصرية وفقر الشوفينية وانتهازية الرفاق الحمر آنذاك، متربصة تلك الولادة لتنقض على الوليد افتراسا وتمزيقاً.

     في قلب هذه التراجيديا كان البارزاني مصطفى قد أدرك استحالة ديمومة الوليد في طوفان من الهمجية والبربرية، فتداعت الأحداث واندفعت قطعان البهائم الهائجة لتفترس وتسحق فرسان الشمس، ولأنه أدرك كل ذلك فقد حمل الوليد بين أضلعه وأندفع مع ثلة من رجال الشمس في كل اتجاهات الأرض من حوله شاقاً طريقه المعروف في رحلته الأسطورية إلى وطن الرفاق الحمر، ليستقر هناك في استراحة الثوار وليمنح ذلك الوليد فرصة النمو والحياة، ولم تكن سنوات الرحيل إلى ( الاتحاد السوفييتي ) إلا مرحلة للتأمل والتهيؤ لحقبة خطيرة في تاريخ هذا الشعب الذي سيبتدا أولى خطواته نحو تحقيق ذاته في خضم عالم مليء بالتناقضات والأستقطابات في دنيا الحرب الباردة التي جاءت على أنقاض حربين قذرتين لتقاسم ( العبيد ) و ( الغنائم ) من إمبراطوريات ودول القبائل والعشائر. وكان أهم نتاجات تلك الحرب الباردة ما أطلق عليه في أدب شعوب الشرق بالثورات والانقلابات التي أنتجت أنظمة إما مصنعة بالكامل في دهاليز ودوائر المتصارعين الكبار أو تم احتوائها لاحقا من قبلهم.

       لقد أدرك البارزاني هذه الحقائق قبل عودته إلى بغداد عاصمة ( الجمهورية الخالدة ) التي عاد إليها بعد تغير الشكل وبقاء المضمون، وكان يعرف جيدا إن إقامته في الجمهورية الأولى ليست طويلة وإنه ذاهب إلى حليفه الأبدي وحضن وليده الذي خرج به قبل اثنتي عشر عاما، ويقينا كان البارزاني في تأملاته يرى كاوه الحداد في وجوه أولئك الذين يحتضنون جبال كوردستان باحثين عن طريق إلى شمس الحرية، وقد أدرك بحسه التاريخي وتحليلاته العميقة إن الخطوة الأولى ستكون حتما من قلب كوردستان وليس من بغداد، التي ما أن وصلها حتى اكتشف إنها واحدة من نتاجات الحرب الباردة التي أفرزتها حروب العبيد والغنائم وكان ( الوليد ) ضحية من ضحاياها، فكانت بعد فترة وجيزة ثورة الخريف ( 11 أيلول 1961 ) بعد أكثر من ( 2661 ) سنة من ثورة كاوه الأول التي أزاحت ظلام القهر والعبودية، لكي تتبعها عشرات الثورات والعديد من الأمارات والمشيخات،  لكنها لم تحدث خرقا تاريخيا وتحولا اجتماعيا كما أحدثته ثورة كاوه الثاني مصطفى البارزاني.

       كان البارزاني مصطفى رجلا ميدانيا ينتج الفلسفة ولا يؤلفها ويطلق عنان الثورة ولا ينظر لها، كان بحد ذاته نوعا من السلوك والتربية والتعامل الإنساني الذي يقترب في تفاصيله من زهد الزاهدين وصوفية الناسكين، عمل جنديا وقائدا في آن واحد دونما أن يُثقلَ على حركة وقانون الحرب، ويتحسس مشاعر العدو وأفراده ويفترض دائما أنهم ضحايا مجبرين ويوصي بجرحاهم وأسراهم حتى من كان منهم قاسيا في أدائه الواجب أثناء الحرب، وقد أقر الفصل بين الأنظمة والشعوب منذ البداية، وبشر الآخرين بأن مفتاح الحل هو الديمقراطية في تحقيق أهداف الشعب سواء ما كان منه في كوردستان أو في العراق ورفع شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، مؤكدا بشكل دائم بان العرب والكورد ضحايا الدكتاتوريات وأنه لا خلاص إلا باحترام حقوق الآخرين والاعتراف بهم.

      كان قائداً عنيدا ولكنه لم يوصد الأبواب في عناده أمام من كان يصارعهم حينما يرى مرونة في سلوكهم أو تغييراً في مواقفهم، فهو لم يصارع من أجل إسقاط نظام سياسي واحتلال مواقعه لأنه يحمل آلام وآمال أمة، وتاريخ وطن، وجغرافية أرض مقطعة الأوصال، لم تكن لديه أحقاد أو عقد شخصية تجاه نظام أو شخص ما بقدر تعلق الأمر بقضية شعبه، ولأجل ذلك كنا نراه مقاتلاَ صلبا وعنيدا وفي نفس الوقت حينما يتطلب الأمر الجلوس مع العدو كان كريما ورحيما بما لا يلغي العلاقات الإنسانية التي تدفع باتجاه تقنين الخسائر حتى لدى أعدائه، وبذلك أنتج مؤسسة قومية لا تقوم على أساس التنظير والأدلجة ووجهات النظر الفكرية وأرستقراطية الثقافة وصراع الطبقات بل تعتمد أسساً وثوابت عملية تتضمن الإخلاص للمصالح العليا للشعب والوطن وسلوكا أخلاقيا رفيعا ينحاز للأكثرية ويحترم الأقلية، وأنتج قاسما مشتركا يجمع كل المنظومات الفكرية حوله ذلك هو النضال من أجل الشعب ومستقبله دونما أن يلغي دور الفرد وخصوصيته على حساب المجموعة. 
 
     البارزاني مصطفى لم يكن قائد ثورة فحسب بل كان تاريخا من الحكمة والفلسفة والزهد ومنظومة من السلوك والتربية والأخلاق.
 
    كان بسيطا متواضعا نقيا ابيض القلب واليد، أبعد نفسه عن هالات وبروتوكولات ( الرئاسة ) وبيروقراطيتها ومظاهرها، ووضع حوله خيرة رجال الثورة وأكثرهم طهارة وإخلاصا في المال والإدارة، وبذلك اخترق أدق مشاعر وأحاسيس شعبه حتى حسبه الناس أبا وعما وأخا كبيرا.

    حقيقة لقد أقتنع الناس تماما بكل مشاربهم وشرائحهم وطبقاتهم واتجاهاتهم وأديانهم إنه خير من يمثلهم ويعبر عن آلامهم وآمالهم.

    واليوم بعد أن أصبح رمزاً ونهجاً وعنواناً لنهضتنا وحكاية شعبنا منذ كاوه الحداد وحتى يومنا هذا يحق لنا ان نسأل:

  هل ما زلنا ونحن في اول الطريق ننتهج ذات النهج والسلوك؟
   وهل يعرف الجيل الجديد ان الأسس الأولى ولبناتها في حياة اليوم إنما وضعها الملا مصطفى البارزاني ورفاقه؟


kmkinfo@gmail.com
 


418
هل كان الرئيس عاقلا أم ؟

كفاح محمود كريم

     ما جرى في اليمن مؤخرا وقبلها في مصر من قبول مثير لتسليم السلطة تحت ضغط انتفاضة الأهالي منذ ما يقرب من سنة، يعطي مؤشرا ايجابيا لاحتمالية تخلي بعض الأنظمة الدكتاتورية عن مواقعها دون حروب أهلية وضحايا وتدمير كلي للبلاد، كما حصل في العراق وأفغانستان وليبيا ويحصل الآن في سوريا.

     وبصرف النظر عن الأهداف أو الغايات التي ربما تكون بعيدة عن تصورات المحللين في سلوك الرئيس اليمني، إلا أنها لحد الآن تعطي انطباعا بإبعاد تلك البلاد عن حرب أهلية ضروس ربما تكون تكاليفها وضحاياها أكثر بكثير من الهدف المرتجى، خصوصا إذا ما أدركنا هشاشة التكوين اليمني فيما يتعلق بالاتحاد ألقسري بين الجنوب والشمال، والتكوين القبلي المتكلس في بنية المجتمع، مع ما يرافق ذلك من أمية حادة وتخلف اقتصادي واجتماعي كبيرين، ورغم ذلك نجح الشارع اليمني بشقيه الشمالي والجنوبي وتدخل مؤثر جدا لدول الخليج اقنع منظومة النظام القبلية والسياسية والاقتصادية بقبول الإزاحة، على أمل الدخول في انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ونزيهة ربما تمنحهم كما يتأمل الرئيس علي صالح بالعودة ثانية إلى دفة الحكم.

     وبغض النظر عن إمكانية العودة أو احتمالية الالتفاف ثانية من خلال الرئيس الجديد الذي يصنف بأنه رجل علي صالح ونظامه الأكثر قبولا من الأهالي لفترة انتقالية فقط، فان ما جرى مقارنة كما ذكرنا مع مأساة العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا يشكل مرحلة مهمة جدا في الوصول إلى حلول أكثر مدنية وسلمية لتداول السلطة بعيدا عن الحروب وإراقة الدماء وتدمير البلاد، وتبقى هناك أسئلة كثيرة في مقدمتها هل إن ما جرى يمثل تصرفا عاقلا من رأس النظام أم انه نوع من الفهلوية والتحايل مع وجود كل أفراد أسرته وطاقمه في مراكز القوة والمال، مما يثير تساؤلات خطيرة عن احتمال وقوع صراع بين الرئيس الجديد وطاقم الرئيس السابق خلال الأشهر القادمة ربما تقود إلى حرب أهلية!؟

     وعموما فان تداعيات الأحداث في كل من تونس ومصر واليمن تمثل برأيي تطورا أكثر ايجابية مقارنة بما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا ولاحقا سوريا، حيث أدى إصرار تلك النظم الدكتاتورية على التشبث بالسلطة ومن ثم إبادة المعارضين، إلى اضطرار المجتمع الدولي والقوى العظمى إلى شرعنة احتلال تلك البلاد وتدمير بنيتها التحتية، وما نتج عن ذلك من دوامة عنف حادة حصدت مئات الآلاف من الضحايا ومثلها من الأموال مع تدمير كلي لمعظم البلاد!؟   

 kmkinfo@gmail.com

419
دولة المعاشات والبطالة المقنعة؟

كفاح محمود كريم  

          أكثر من خمسة آلاف موظف في احد معامل الزيوت النباتية في بلادنا، التي يفترض انها تصنع تلك الزيوت كونها تنتج موادها الأولية من بذور عباد الشمس والذرة الصفراء وغيرهما، رغم أنني اشك في ذلك لكونها تقوم باستيراد معظمها ومن ثم تعبئتها بعلب وصفائح تحمل عبارة صنع في العراق ليس الا!؟
     وما يعزز تلك الشكوك هو فقدان حلقات مهمة في تصنيع تلك المادة خصوصا ما يتعلق بالمواد الأولية لها، وكانت قد تحولت خلال السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام الى مجرد مخازن لحفظ الزيوت المستوردة على شكل حاويات كبيرة، ومن ثم إعادة تعبئتها بقناني وأوعية صغيرة مع تثبيت عبارة ( صنع في العراق ) على أغلفتها، كما كان يحصل حينما يوزعوا مفردات البطاقة التموينية وخاصة الحليب المجفف المستورد من معامل ومزارع اليمن وعُمان، تصوروا(!؟).
 
     المهم ان العدد الحقيقي للعاملين المنتجين فعلا لا يتجاوز الـ 200 عامل ومهندس واداري، بينما يتقاضى أكثر من خمسة آلاف موظف رواتبهم الشهرية من هذا المعمل كملاكات لا يعرف وظائفها وواجباتها إلا من له مصلحة في ذلك، وهي تذكرنا بتشكيلات سرايا أبو فراس الحمداني أو الأفواج الخفيفة أو كما كان يطلق عليها في كوردستان بأفواج الجحوش، حيث يتقاضى شيخ العشيرة أو الأغا الذي يترأس الفوج رواتب أفرادها كاملة أو مناصفة حسب الاتفاق، ويعطي أرقاما غير حقيقية لأفراد فوجه أو سريته؟
   ذكرني هذا المعمل بمئات الآلاف من المعينين على وزارتي الداخلية والدفاع تحت مسميات مختلفة، اقلها ربما ما يعرف بحمايات المؤسسات والمسؤولين وميليشيات الإسناد والصحوة، التي تستهلك أموالا طائلة من المال العام دون ان تحدث تغييرا نوعيا في حياة المجتمع والدولة قياسا بأعدادها والمبالغ المصروفة لها، وهي ذات المعاناة التي كان يعاني منها العراق بسبب  تضخم أعداد القوات المسلحة والميليشيات التابعة لحزب السلطة وأجهزتها الخاصة، والتي أهدرت مئات المليارات من المال العام دون ان تضيف مليمترا واحدا على أي منحى من مناحي الحياة الا اللهم ميزتها في توسيع المقابر والسجون والمهاجرين؟
     وقياسا أو مقارنة بين عدد المعينين في كل المفاصل العسكرية منها والمدنية، الإنتاجية منها والخدمية، لا نرى أي تقدم نوعي يذكر على مختلف الأصعدة، بل ان كثير من المؤسسات والمشاريع تدهورت بشكل مريع وخاصة الإنتاجية منها والزراعية، حيث أغرقت الأسواق بالسلع الاستهلاكية والمنتجات الزراعية المستوردة والتي تسببت في اضمحلال الإنتاج المحلي وتدهوره وتدحرج الصناعة والزراعة إلى مستويات بدائية جدا في بلاد حباها الله بكل ما يجعلها أن تكون في مقدمة الدول تجاريا وصناعيا وزراعيا لو اخلص القائمين على إدارتها؟
     وإزاء ذلك يبقى السؤال الأكثر مرارة هو ماذا تفعل أفواج المستشارين في الرئاسات الثلاث وملحقاتها في السلطات الثلاث والتي تستنزف كميات هائلة من الأموال والإعلام والامتيازات والتصريحات والخطب العصماء!؟
    وأخشى ما أخشاه انهم لا يختلفون كثيرا عن مستشاري الأفواج الخفيفة سيئة الصيت في كوردستان العراق قبل 2003م؟
    وكان الله في عونك يا بلاد الرافدين على أناس انتخبهم ملايين الحالمين بغد أفضل فصنعوا لنا يوما كأمسنا وأسوء؟

420
الراقصون في كل الحفلات؟

كفاح محمود كريم

     أتذكر وكنا ما نزال يافعين حينما قتل ( الرئيس المؤمن )  عبدالسلام عارف في حادثة القرنة الشهيرة منتصف ستينات القرن الماضي والتي تحولت إلى سؤال لا يخلو من اللؤم :
من هو الذي طار لحما ونزل فحما؟

    نكاية باحتراق الرئيس الأسبق عارف الأول في تلك الحادثة، التي ارتبطت ذكراها بحدث حصل في بلدتنا النائية عن بغداد ( 520كم شمال غرب ) حيث نظم بعض وجهاء المدينة وأئمة جوامعها ورؤساء العشائر تعزية ( فاتحة ) على روح ( الرئيس المؤمن ) في مبنى المكتبة الفرعية العامة التي حرمنا من معاودتها لثلاثة أيام متتالية.

      كنت اذهب يوميا مع صديق لي لنشاهد ما يحصل عند مدخل المكتبة، حيث العناق والحزن والبكاء من قبل ثلة من الوجهاء وأئمة الجوامع ورؤساء العشائر، وهم يستقبلون المعزين والجياع من الشعب المكلوم والمثكول بـ ( استشهاد والده الحنون ورئيسه المؤمن!؟ ).

      لقد طبعت تلك الوجوه والحركات وصدى البكاء والكلمات في أذهاننا ونحن صغارا، لم نك ندرك هول ما حدث الا بعد ان وعينا قليلا، ورأينا ذات الوجوه في أمكنة أخرى ومناسبات لا تختلف كثيرا عن الأولى الا بالشكل والإكسسوارات فقط، فلم تمر الا سنوات قليلة حتى جاء رئيس مؤمن آخر، لكنه لم يمت هذه المرة لكي تقام له التعازي، بل تحول بقدرة قادر عند ذات الوجوه، من علية القوم ورجال الدين ورؤساء العشائر والمزارعين الكبار إلى الرئيس القائد أو الأب القائد كما أراد ان يزحلقه ( السيد النائب ) لكي يعتلي عرش اخطر دكتاتورية في الشرق الأوسط وأكثرها دموية وكارثية.

    أردت بهذه المقدمة التي اسعفتنا بها الذاكرة، ان ادخل عالم اليوم المليء بذات الوجوه، وخاصة المعاصرين منهم أو أولادهم وأحفادهم الذين أتقنوا المهنة وعرفوا سرها وتقاطيع الاكتف وخرائط اكلها والتهامها، ليس هنا في بلاد الرافدين فحسب، وإنما في معظم هذه البلدان التي تحكمها ذات الأنظمة والتقاليد والأعراف والثقافات التي تكونت عبر أجيال وأجيال، كنتيجة طبيعية للخوف والاضطهاد والتكسب والاتكالية وثقافة القطيع والقائد الملهم والمنقذ الأوحد، الذي يغدق الأموال بلا حدود، ويقتل ويدمر دون قانون أو حساب، لكي تتبعه الملايين من المنتفعين يتبعهم جيش آخر ربما بقدر حجمهم أو يزيد من الطامحين بالحصول على منافع الأولين!؟

     أعود ثانية لحادثتين في التاريخ البعيد والقريب، الأولى مع عمرو  بن العاص وولده، الموزعين بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، حينما سوئل عن هذا التناقض فقال بما معناه، انه بوجود ابنه مع الإمام يضمن شيئا من الجنة، ووجوده مع معاوية لا يخسر الدنيا؟

     والثانية؛ شهدت إحدى الأسر وكان أولادها الثلاثة أعضاء قياديون في ثلاثة أحزاب مهمة في حينها، الأول كان عضوا في الشيوعي العراقي والثاني عضوا في حزب البعث والثالث عضوا في احد الأحزاب الدينية وأظنه كان في التنظيمات السرية لحزب الدعوة حينذاك، وحينما سألت والدهم رحمه الله قال بالنص: لنا في كل واحد منهم خبزة!؟

ترى إلى متى ستبقى الخبزة إيقاعا لهذه الرقصات؟
kmkinfo@gmail.com
 


421
من اجل نظام مدني متحضر!

كفاح محمود كريم

     ما يحصل الآن ومنذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط عموما عملية تغيير حادة للنظم السياسية ورموزها، وبصرف النظر عن الآليات المستخدمة في التغيير سواء كانت خارجية مباشرة كما حصل في العراق وافغانستان وليبيا، أو خارجية غير مباشرة عن طريق وسائل الإعلام المكثفة، وداخلية بواسطة عناصرها من الشبيبة والأغلبية الصامتة التي تجاوزت حاجز الخوف، وانطلقت إلى آفاق هلامية من الحرية، دونما مفاتيح لأبواب حقبة جديدة من الحياة الاجتماعية والسياسية، بل ان معظمها لا يمتلك أي تصور لبرنامج واضح للمرحلة المقبلة وحيثياتها وكيفية التعامل مع ارث عشرات السنين من الخنوع والاستكانة وثقافة القطيع كما يحصل الآن في ليبيا على سبيل المثال؟

     وربما استطاع العامل الخارجي ان يساعد النخب السياسية والاجتماعية على ترتيب الأوضاع كما في العراق وأفغانستان، الا ان الأمور اختلفت في كل من تونس ومصر وليبيا، ولاحقا في سوريا واليمن وغيرهما من الدول ذات الأنظمة الشمولية، التي تتجه إلى مسارات مبهمة تحت مظلة الانتخابات ووصول قوى راديكالية أنتجتها حقبة الدكتاتوريات وثقافة الإقصاء والتهميش طيلة عشرات السنين، متمثلة بأحزاب دينية وجماعات متطرفة استطاعت القفز إلى مفاصل مهمة من خلال استخدام حالات الإحباط واليأس لدى أوساط كبيرة من الأهالي، مما سيضيع فرصة تاريخية لتحول اجتماعي كبير باتجاه المدنية، والعودة إلى أشكال ديكتاتورية تشرعنها الآلية الديمقراطية وصناديق الأكثرية والأقلية، باستخدام العقائد وخلط التشريعات العقائدية والأيدلوجية إلى درجة الإفتاء بالتحليل والتحريم في كثير من أمور السلطة والوصول اليها ومن ثم تقنين المجتمع ثانية باتجاه واحد وفكر اوحد لا يقبل الآخر الا ان يكون ملحقا!؟

     ان اخطر ما يواجه هذه الدول والمجتمعات بعد انهيار أنظمتها الدكتاتورية، هي نفوذ قوى متطرفة راديكالية الى سدة الحكم باستخدام آليات الديمقراطية، كمرحلة أولى لتسلق النظام السياسي والبدء تدريجيا بأدلجة المجتمع ومؤسساته تحت شعار واتجاه وتفكير واحد، بعيدا عن قبول الآخر المختلف من خلال تقزيمه تدريجيا في اوساط الناخبين الذين يعانون في أغلبيتهم من أمية أبجدية وحضارية، ومستويات معيشية متدنية وسلوكيات أدمنوا عليها خلال عقود من الحكم الشمولي والسلوك البدوي والقبلي،  وتأثيرات دينية وعشائرية تمنح هؤلاء المتطرفين شرعية التفرد في الحكم من خلال آليات قبلية أو دينية موجهة بواسطة فتاوى أو تعليمات إيديولوجية معينة.

     لقد آن الأوان لوضع دساتير مدنية متحضرة تبلور مفهوما ساميا للمواطنة، يتجاوز كل الانتماءات الدينية والمذهبية والقبلية والعرقية، ويحرم أي تنظيم سياسي سواء كان على شكل أحزاب أو جمعيات على خلفية دينية أو مذهبية، بل ويمنع أي منظمة على أساس قومي أو عرقي عنصري يعتمد النهج النازي والشوفيني في تنظيره وسلوكه، قبل إجراء أي انتخابات عامة لتأسيس برلمان أو حكومة دائمة، مما سيتيح في حدود معقولة منع وقوع البلاد ثانية تحت سطوة القوى المتطرفة وخاصة في البلدان ذات التركيب المتنوع قوميا ودينيا ومذهبيا.


kmkinfo@gmail.com 



422
مجالس الشعب بين الأمس واليوم؟

كفاح محمود كريم


     تشترك معظم الأنظمة الدكتاتورية في سلوكيات وممارسات متشابهة حد التطابق في صناعة أحزاب الزينة والجمعيات والاتحادات التي يفترض انها تمثل شرائح معينة في المجتمع على غرار منظمات المجتمع المدني في اوربا، الا انها لا تمثل في ظل هذه الأنظمة سوى مجاميع من الدلالين والقومسيونجية وبقالي الأفكار والمبادئ الشغالين في اسواق الزعيم والحزب القائد.

     وقد ادركنا جميعا مجموعة الأحزاب الملحقة بإكسسوارات دولة الحزب والقائد الأوحد، هنا في بلادنا وفي كثير من بلدان العالم التي ابتليت بالأنظمة الشمولية التي لا مثيل لها في الأرض والسماء، حيث يثقف وعاظ سلاطينها الأهالي المساكين على ضرورة وجود الحتمية التاريخية للقائد، الذي لا بديل له ولحزبه في أي مكان من الأرض، لأنه يمثل نعمة السماء ورحمتها على هؤلاء الغلابة من شعوب الشرق، كما وصف مؤسس حزب البعث رئيس النظام السابق صدام حسين!؟

     ولكي لا تضيع أي فرصة أو محاولة لبناء شكل أو هيكل أو مرتسم ديمقراطي، فقد دأبت معظم هذه الأنظمة على تشكيل مجالس شعبية أو وطنية لتمثيل الأمة، واختارت لها خيرة رجالها المتفننين في لعبة ( الثلاث أوراق ) على عادة إخواننا المصريين في تشبيه الكلاوجية أو الفهلوية في الدارجة المصرية، وأطلقوا عليها ظلما وبهتانا بالبرلمان أو الجمعية الوطنية أو مجلس الشعب أو المجلس الوطني أو مجالس الشورى وما شابه ذلك من أسماء فقط لا أكثر ولا أقل، وليست في حقيقتها الا تجمعات غوغائية ببغائية تختفي ورائها مجاميع من العصابات التي تعتاش على المغفلين من أتباع تلك الدكتاتوريات وما يتبعها من مؤيدين ومرتزقة، وقد شهدنا امثلة على ذلك السيرك البائس في المجلس الوطني العراقي ابان حكم البعث ومثيله الان في دمشق وقرينه المنحل في مصر وتونس وعصابات ما كانت تسمى باللجان الثورية في ليبيا وغيرها الكثير ممن ينتظر دوره في الانهيار او الحل.

     ولم تكتف تلك الانظمة في صناعة ذلك السيرك في عواصمها، بل نزلت الى المدن والبلدات وخاصة في بلادنا حينما ابتدعوا فكرة مجالس الشعب التي كانت تمثل مجاميع من اللصوص والرشوجية ومعقبي الدعاوي والدلالين ومعتمدي الامن والمخابرات في الاقضية والمحافظات، إضافة إلى الرفاق من مدراء الدوائر وممثلي الحزب القائد، والذين كان يفترض انهم يمثلون الاهالي، فاجروا لهم انتخابات محلية كانت اشبه بمهرجانات البيعة للقائد وكرنفالات نيسان الميلادية ( ميلاد القائد والحزب ).

      سنوات مريرة مضت حتى بدل الله الحال بحال آخر، فسقط النظام ومجالسه الكارتونية وبدأ الناس ينتظرون تحقيق احلامهم واهدافهم في حكم العقلاء ووصول الأشراف والنزهاء، حيث يفترض ان يكون البديل أفضل تماما عما كان عليه الآخرون، لكننا جميعا نسينا أو تناسينا في خضم فرحة السقوط:

     إن نصف قرن من أعمارنا كانت تحت ظلال الاستكانة والبداوة والرعب، وان مجتمعاتنا ما زالت تأن من تقاليدها البدوية والقبلية، وما زالت القرية وقوانينها تسكن معظمنا، وما زال الشيخ والأغا وما شاكلهم يحصدون أكثرية الأصوات شئنا ام أبينا!؟

     ما زال إمام قريتنا يمتلك حق الإفتاء فيبيح تكفير فلان وعلان ليمهد قتله اجتماعيا أو بدنيا، وما زال هو ذاته أو أمثاله يوجهون القطيع كيفما تشاء بوصلة من يمدهم بالإعاشة والمعاش!؟

     ما زالت الأغلبية من مجتمعاتنا لا تجيد القراءة والكتابة، وان اجادتها لا تجيد الاختيار الحر واتخاذ القرار؟

     ما زال الكثر الكثير من الغلابة والفقراء ممن لم تتحرر لقمة عيشهم ليتحرر صوتهم، فكيف سينتخبون من نريد أو من لا نريد؟

     وما زال وما دام.. والكثير الكثير نشهده الآن في مشاهد اقل ما يقال عنها هو الإحباط، حينما أنتجت كل هذه الــ ( ما زال ) من عناصر تبوأت مواقع عبر تلك الثقافة والتقاليد في مجالس الاقضية والمحافظات صعودا للطامة الكبرى في مجلس النواب، حيث قاطرة ( ما زال ) حملت هذه الأنواع من أنصاف الأميين ومزوري الشهادات والسراق والمرتشين ومعتمدي الأمن والمخابرات وفراشي مسؤولي النظام السابق وملحقاتهم ممن قذفتهم بواطن الفساد والإفساد إلى واجهة الحياة في النظام الجديد؟


     ويبقى السؤال الأكثر إيلاما بعد سنوات من حكمهم وما جرى للدولة عموما، وللمدن والمحافظات بشكل خاص، كيف سمح لهؤلاء ومن له مصلحة في ترشيحهم ودعمهم ووصولهم إلى أول مؤسسة برلمانية ممثلة للأهالي ومنتخبة بشكل حر ومباشر سواء في مجالس الاقضية أو المحافظات أو البرلمان!؟

     وهل ستحمل الانتخابات القادمة في الاقضية والمحافظات وعموم البلاد مجاميع أخرى من أشباه هؤلاء، أم ان الشعب أدرك خلال السنوات الماضية انه استغفل وتمت سرقة صوته باليات لا تفرق كثيرا عن شبيهاتها أيام الحكم الشمولي المقيت؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجالس الشعب:
    وهي مجالس تمثيلية في الاقضية والمحافظات أيام النظام السابق، وأصبحت تسمى
  بمجالس الاقضية والمحافظات دون مفردة الشعب بعد سقوط النظام!؟

kmkinfo@gmail.com

 

423
في كوردستان حكومة جديدة للتحديات؟

كفاح محمود كريم

     اعلن مؤخرا عن تكليف السيد نيجيرفان بارزاني بتشكيل حكومة جديدة في اقليم كوردستان والتي تأتي السابعة منذ انتفاضة الشعب في مطلع تسعينات القرن الماضي، وحصوله على الاستقلال الذاتي وتأسيسه لتلك الادارة المستقلة عن الدولة العراقية، بموجب انتخابات عامة اجريت في حزيران 1992م،  وافرزت خارطة الفعاليات السياسية واحجامها في اول برلمان كوردستاني منتخب بشكل حر ومباشر، شهدت بحقه كثير من المنظمات والمؤسسات الدولية في اوربا وامريكا واسيا والمعنية بمراقبة الانتخابات في العالم.
     ذلك البرلمان الذي ترأسه لأول مرة السيد جوهر نامق، واخذ على عاتقه تشريع جملة من القوانين والقرارات التي تم بموجبها تأسيس اول حكومة اقليمية مستقلة عن بغداد، ترأسها حينذاك السيد فؤاد معصوم، ثم اعقبه السيد كوسرت رسول والدكتور روز نوري شاويس، وهذه هي المرة الثالثة التي يتولى فيها بارزاني رئاسة حكومة الإقليم، حيث تولاها لأول مرة من عام 1999 إلى 2005 رئيسا لحكومة إقليم كوردستان بإدارة أربيل، ثم أصبح رئيسا للحكومة الموحدة لسنتين في 5-7-2005 إلى 5-7-2007 حسب الاتفاق المبرم بين حزبه وحليفه الاتحاد الوطني الكوردستاني، وكان يفترض أن يسلم الرئاسة إلى الاتحاد الوطني لكن الرئيس جلال طالباني مدد له سنتين أخريين ليتم قيادة التشكيلة الخامسة إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية في 25 يوليو (تموز) من عام 2009.
     أما برهم صالح فقد تسلم رئاسة حكومة الإقليم مرتين، الأولى من عام 2001 إلى عام 2003 رئيسا لحكومة الإقليم في إدارة السليمانية قبل التوحيد، ثم رئيسا للتشكيلة السادسة في 28-10-2009 إلى اليوم. وبذلك انحصرت رئاسة الحكومة الإقليمية طوال السنوات الثلاثة عشرة السابقة بين نيجيرفان وبرهم بالتناوب.
      وخلال ما يقرب من عقدين قاد الرئيس نيجيرفان بارزاني حكومتين اقليميتين في دورتين تميزت كل واحدة منهما بخصوصيتها، فقد كانت الاولى تمثل ادارة اربيل ودهوك، بينما قاد الاخيرة حينما نضجت مؤسسات الاقليم وتوحدت الادارتين في السليمانية واربيل وتمت تسميته رئيسا من قبل الحزبين الرئيسيين والمتحالفين معهما، ومن ثم تم ترشيحه من قبل رئاسة الاقليم والبرلمان.
     ورغم انها أي الكابينة الخامسة والثانية برئاسة نيجيرفان، كانت حكومة كبيرة في عددها حيث تجاوز اعضاؤها الاربعين وزيرا، من اجل إحداث توازن في تشكيلة تعكس تراكيب المجتمع سياسيا واجتماعيا تحت ظلال مكوناته القبلية والعرقية والدينية ايضا، الا انها نجحت في انجاز كثير من المهام والمشاريع وتحديث هيكل الدولة وما رافق ذلك من نهوض شامل في البنى التحتية للمدن عموما والعاصمة بشكل خاص، ادى الى رفع مستوى المعيشة وتخفيض مستوى الفقر وبالذات النوع الذي يسمى تحت خط الفقر حيث جاءت نتائج البحوث والدراسات التي اجرتها وزارة التخطيط العراقية للسنوات الماضية حول نسبة الفقر في محافظات البلاد لكي تعطي اقلها في محافظات الاقليم حيث كانت نسبة الفقر في محافظة أربيل العاصمة 3%، وفي السليمانية 3%، وفي دهوك 9%، وفي كركوك 11%، يقابلها على سبيل المثال:  محافظة المثنى تتصدر نسب الفقر حيث تبلغ النسبة فيها 49%، في حين بلغت النسبة في العاصمة بغداد 13%، وفي الموصل 23%، وفي ديالى 34%، والانبار 21%، وبابل 41%، وكربلاء 37%، وواسط 40%، والمثنى 49%، والبصرة 34%، والنجف 25%، والقادسية 35%، وذي قار 34%، ومحافظة ميسان 37%.*
    وتكفي لغة الأرقام هذه لتظهر مديات النجاح والفشل في خطط التنمية والاعمار، لكنها في ذات الوقت لا تظهر نسب الفساد الذي رافق عملية التغيير الشاملة منذ عام 1999م حيث بدأت مرحلة بناء وتحديث العاصمة والمدن بإمكانيات متواضعة حتى 2003م حيث تحسنت تلك الامكانيات المالية بعد تخصيص حصة الاقليم والبدء بإنتاج البترول ودخول الرساميل الاجنبية من خلال الاستثمار الكبير لشركات الاعمار والانشاءات وغيرها في ما يتعلق بالكهرباء والجامعات والمطارات، وارتفاع نسبة الفساد المرافق لتلك الفورة في الاعمار والتحديث.
     ان النجاح الذي رافق عمل تلك الكابينات وبالذات الرابعة والخامسة، حيث شهد الاقليم عملية تحديث كبيرة شملت معظم البلاد وخاصة العاصمة وفي كافة النواحي، مما يحمل الكابينة الاخيرة السابعة مسؤولية كبيرة في مرحلة دقيقة وحساسة على مختلف الصعد، وفي مقدمة تلك المهمات الوطنية هي نبض الشارع والرأي العام الذي يجب اقناعه حقا بالعدالة وبأعمال جدية للإصلاح ومكافحة الفساد، الذي شرعت رئاسة الاقليم بدخول مضمار ملاحقته وكشف ملفاته.
     وتأتي التنمية البشرية في مقدمة المهام الاولى التي توازي وتتناسب مع عملية التحديث والاعمار، لكي يتم تقليص المسافة والبون الشاسع بين شكل الاعمار وانماط السلوك بما يجعل التقدم نوعيا ويحدث تغييرا في نمط السلوك والتصرف الحضاري للمجتمع، من خلال ثورة حقيقية في التعليم ومناهج التربية وتكريس فصل الدين عن السياسة والدولة لإقامة مجتمع مدني يؤمن بمفهوم سامي للمواطنة ترتقي على اية مشاعر او انتماءات اخرى.
    ان حزمة الملفات في سلة الحكومة السابعة عديدة ومهمة جدا وفي مقدمتها تكريس الامن والسلم الاجتماعيين واقناع المعارضة بالمشاركة الفعلية فيها، او التحول الى معارضة وطنية حقيقية تعمل كحكومة ظل، لتعين وتراقب اداء السلطة التنفيذية في اداء مهماتها بدقة واخلاص بعيدا عن الانتقامية والمنافسة الضيقة والنظرة السلبية ذات الاتجاه الواحد، والعمل كفريق واحد من اجل مكافحة الفساد، وحل مشاكل الإقليم المهمة سواء الداخلية منها او الخارجية وخاصة مشكلة المناطق المتنازع عليها وظروف سكانها المأساوية التي ما زالت ترزح تحت ذات القوانين الظالمة للتعريب وخاصة فيما يتعلق بالمرحلين وممتلكاتهم من الاراضي والمساكن والاملاك، اضافة الى تحديات الخدمات وبالذات السكن للشرائح الفقيرة والمتوسطة وما تعانيه في مستويات معيشتها سواء في المدن او في الارياف حيث تباعدت المسافة كثيرا بين الفقراء والأغنياء ولم تتبلور بشكل واضح وجلي طبقة متوسطة، وخاصة في الريف الذي يعاني من تدهور واضح في انتاجياته وهجرة سكانه الى المدن، بسبب السياسة الاستهلاكية والاستيرادية الخاطئة والبطالة المقنعة التي انتجتها عمليات التوظيف العشوائي وانحسار مهنة الزراعة وتحول اصحابها الى مهن اخرى غير انتاجية.
     مع كل هذه الأثقال والتحديات يبدو الشارع هنا متفائلا كون السيد  نيجيرفان بارزاني المرشح لرئاسة الوزراء، كان رئيسا لأكثر من حكومة سابقة، وفي ظروف أدق وأصعب منها الآن، ويتميز بديناميكية وقبول من كافة الأطراف والفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نص تقرير وزارة التخطيط العراقية حول معدلات الفقر في البلاد: 
http://www.pukmedia.com/News/27-04-2009/news12.html


 

 



424
نيجيرفان بارزاني سيترأس حكومة كوردستان

كفاح محمود كريم

     يبدو ان الكابينة السادسة تقترب من ايامها الأخيرة بعد سنتين من قيادة الهيكل الحكومي في اقليم كوردستان برئاسة الدكتور برهم صالح، والتي تميزت بمواجهة كثير من المشاكل الداخلية المتعلقة بالفساد والخارجية المتعلقة بملفات العقد الخلافية مع الحكومة الاتحادية، الى جانب تنفيذ خطط واعدة كانت الكابينات السابقة قد وضعت أسسها بعد توحيد الإدارتين وتوقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الكبيرين الفائزين في معظم الانتخابات التي جرت خلال الأعوام السابقة بنسب متقاربة مع تحالفات تنضوي تحتها مجموعة من الأحزاب الأخرى الى جانب كل واحد منهما، حتى ظهرت أو بدأت تتبلور أشكال جديدة ومغايرة من المعارضة متمثلة بجناح انشق عن الاتحاد الوطني وأسس له تنظيما تحت اسم حركة التغيير ( كوران ) التي فازت بالتحالف مع حركتين دينيتين اسلاميتين بما يقرب من ربع مقاعد البرلمان الكوردستاني في الانتخابات الأخيرة، ورفضت المشاركة بحكومة برهم صالح.

     ويستعد رجل الدولة الشاب نجيرفان بارزاني ( 45 سنة ) للعودة الى قيادة الحكومة الإقليمية في كوردستان للمرة الثالثة بعد نجاحه في قيادتها لما يقرب من ثمان سنوات أنجزت فيها حكومته ما عجزت عن تنفيذه الحكومة العراقية خلال ثمانين عاما، فأحدثت تغييرا كبيرا في كافة أجزاء الإقليم وخاصة العاصمة اربيل التي حولتها من مدينة صغيرة الى واحدة من أجمل مدن العراق في كل نواحي الحياة، لتصبح فعلا العاصمة الثانية للبلاد ومقرا لكثير من المؤتمرات العراقية والدولية ومركزا من مراكز الاستثمار الإقليمي والعراقي، وأنهت واحدة من أكثر المشاكل تعقيدا الا وهي مشكلة الكهرباء، ووضعت خططا ومشاريع عملاقة لمعالجة مشكلة السكن، إضافة إلى مشاريع مهمة وإستراتيجية في ما يتعلق بالماء والمواصلات والجامعات والمطارات وبقية الخدمات.    

     نيجيرفان البارزاني يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ويتمتع بعلاقات ايجابية وقوية مع مختلف القوى السياسية وخاصة المعارضة منها، كان قد قاد قبل سنة 2009  حكومة إقليم كوردستان وحقق نجاحات كبيرة رغم ما صاحبها من مساحات للخلل ونقاط للفساد هنا وهناك أنتجته عملية التغيير الشاملة الا انها تركت بصمات واضحة على شكل الإقليم وتطوره خلال السنوات التي قاد فيها هذا الرجل وطاقمه كابينتين مثيرتين في مرحلتين دقيقتين، الأولى تلك التي أسسها الحزب الديمقراطي الكوردستاني ابان الإدارتين المنفصلتين، والثانية بعد توحيدهما حيث كلفه رئيس الإقليم لتأسيس حكومة كوردستانية موحدة ضم فيها أغلبية القوى الموجودة على الساحة السياسية والاجتماعية، من الشيوعيين والعلمانيين والإسلاميين والمسيحيين والايزيديين والتركمان وغيرهم.

     نيجيرفان بارزاني حفيد الزعيم الكوردي الكبير الملا مصطفى البارزاني، وهو النجل الأكبر لإدريس مصطفى البارزاني، احد ابرز قيادات البارزانيين المعاصرة، والذي توفي في ثمانينات القرن المنصرم بعد ان ترك بصمة كبيرة في نفوس شعبه وحزبه الذي يذكره كواحد من ابرز قياداته المتميزة تاريخيا، ونجله نيجيرفان بارزاني الذي لمع نجمه خلال العقد الأول من القرن الحالي بديناميكيته المعهودة ودبلوماسيته الشهيرة في كثير من المواقف الصعبة التي واجهت الإقليم داخليا وخارجيا، فقد وصف بأنه مهندس العلاقات الكوردستانية مع كل من تركيا وايران،   اضافة الى دوره المتميز في رأب التصدعات في الجبهة الداخلية لما يعرف عنه بالحنكة والحكمة في معالجة المشاكل السياسية وبالذات تلك التي شهدها الإقليم في صراعات الحزبين او بين الحزب الديمقراطي والعمال الكوردستاني وحتى اشكاليات حركة التغيير مع الاتحاد الوطني الذي انشقت عنه.

      واليوم يقود البارزاني نيجيرفان واحدة من اهم الكابينات الحكومية في اقليم كوردستان التي يفترض ان تشترك فيها المعارضة بشكل جدي ومهم لتمثل بقوة المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في واحدة من اهم مراحل تطور الإقليم سياسيا واقتصاديا، حاملة الكثير من الحزم والسلال المليئة بالمشاكل مع مجموعات المعارضة التي يحتمل كثيرا أن تشارك في حكومة يقودها نيجيرفان بارزاني، إضافة إلى ملفات الفساد التي تحتاج الى تنفيذ ما توصلت اليه اللجنة التي شكلتها رئاسة الإقليم في مكافحة الفساد، والعمل من اجل تقليص مساحات الفقر والبطالة والأمية ورفع المستوى المعاشي للأهالي وتحديث الهيكل الحكومي، إلى جانب الملف الخارجي سواء مع الحكومة الاتحادية وملفات المناطق المستقطعة والميزانية والنفط والغاز وقوات البيشمه ركه وغيرها، او مع كل من تركيا وايران وحزب العمال الكوردستاني وموضوع الحدود وتجاوزها من قبل قوات الاطراف الثلاثة.

  ربما ان هذه السلال المليئة بالمشاكل داخليا وخارجيا سيكون حملها ثقيلا في ظروف دقيقة ومعقدة الان، الا ان ما يشيع الارتياح لدى معظم الأهالي في الإقليم هو تمتع السيد نيجيرفان بارزاني بشعبية كبيرة ومواصفات أهلته وتأهله لقيادة المرحلة القادمة، لما عرف عنه من شخصية عملية ديناميكية وميدانية يهتم بقيادة حكومة تشترك فيها المعارضة بشكل جدي ومهم، إلى جانب تبنيه لعملية تحديث البنية الأساسية للدولة والمجتمع وتسخير رجال الأعمال والاستثمار والشركات العالمية من اجل تلك الخطط الطموحة، وذلك لأحداث نقلة نوعية لا في البناء فقط وإنما في التنمية البشرية ايضا التي يحتاج لها الإقليم.
kmkinfo@gmail.com

 

425
دولة القرية والديمقراطية العرجاء؟

كفاح محمود كريم  
 

     يتذكر العراقيون مطلع السبعينات من القرن الماضي كيف اتخذ الرئيس العراقي الأسبق احمد حسن البكر قرارا بمنع الألقاب واستخدام اسم العشيرة أو المنطقة أو حتى الاسم الرابع للشخص، في محاولة متواضعة لإيقاف المظاهر العشائرية ظنا منه بأن هذه الخطوة ستنهي نظاما تكلس في مفاصل وهياكل المجتمع العراقي منذ مئات السنين، ويحتاج إلى عملية تغيير اجتماعية وتربوية واقتصادية وثقافية ليست بالقصيرة، تحرر الفرد والمجتمع من القيود العشائرية والآليات التي تربط ذلك الفرد بنظام العشيرة وشيخها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، من خلال وضع أسس رفيعة للمواطنة التي ترتقي في مفاهيمها على العشيرة والمنطقة والدين والمذهب والعرق والقومية ليكون الولاء للشعب والوطن بكافة مكوناته وطبقاته وشرائحه، إضافة إلى إشاعة التعليم وتطوير البنية التحتية للريف وإيصال الكهرباء والمواصلات والمدارس ومراكز الصحة والتصنيع والوعي بما يحرر الفرد من أثقال النظام العشائري وينقله تدريجيا إلى النظام المدني.

    لكننا سرعان ما أدركنا إن قرار الرئيس البكر ( الذي رفع الألف واللام من اسمه الثالث البكر ليجعله بكر ) كان صورة من صور الصراع العائلي بين أطراف الحكم آنذاك، فبينما كان نائبه يُعرف وقتها بصدام التكريتي ووزير دفاعه حردان التكريتي وشقيق نائبه برزان التكريتي وتنهج مجموعة صدام نفس ذلك النهج في التعريف، كان صدام حسين يلملم كل أبناء قريته وعشيرته والمقربين منه ( في المرحلة الأولى ) من المفوضين ونواب الضباط والعرفاء وصغار الموظفين في الداخلية والدفاع لكي يدخلهم دورات سريعة ويحولهم الى ضباط في خطوط الحماية وحراسات القصر الجمهوري وديوان الرئاسة ( لصناعة دولة القرية )، حيث كانت الأمور تسير بهذا الاتجاه مع ( السيد النائب ) بينما كان ( بكر ) يحاول إلغاء اللقب ربما ليجرد صدام مما كان يبغيه من استخدام اسم قريته وتأسيس دويلة ضمن الدولة التي يروم تكوينها الرئيس البكر آنذاك.

   ورغم محاولات البكر ومجموعته في إحداث تغيير مهم في بنية القرية والمجتمع العراقي، من خلال الاهتمام بالأرياف والتشجيع على الهجرة المعاكسة للقرويين الذين تركوا قراهم وسكنوا أحزمة المدن، إضافة إلى ما سمي في حينه بالحملة الوطنية لمحو الأمية التي ركزت فعالياتها في الأرياف، إلا إن الطرف الثاني كان يؤسس شيئا آخر يناقض توجهات البكر ويعمل على تكريس العشائرية والمناطقية من خلال تكثيف تلك العقلية في المدن ومفاصل الدولة المهمة في الدفاع والداخلية والتعليم، حتى عشية الحرب العراقية الإيرانية وبداية عسكرة المجتمع وفصله إلى مناطق ومذاهب وأعراق واستكمال عملية ترييف المدن وبناء أسس دولة القرية.

    وبذلك تكلست تلك العقلية والثقافة التي اعتمدت العشائرية والمناطقية في مفاصل مهمة من المجتمع، وخلال ما يقرب من ثلاثين عاما غزت تلك العقلية والسلوك والانتماء أغلبية المدن بمظاهرها وتقاليدها حتى تسببت في مسخ وضياع هويتها أمام طوفان الأمية التي عادت مكللة بالأمية الحضارية وأفواج من القرويين العشائريين ذوي الرتب الحزبية والعسكرية والأمنية التي أنتجتها ماكينة إعلام السلطة وسياساتها لعقود طويلة في تسطيح العقول وتقزيمها وغلق حدودها وقنوات اتصالها حتى تحول العراق عشية الحرب والاحتلال والسقوط إلى قرية من قرى الخمسينات من القرن الماضي، لا يفقه أي شيء مما يدور حوله وهو المقطوع والممنوع عن كل ما يمت بالحضارة من صلة بدءا بالجامعات والمعاهد ومراكز البحوث والدراسات والصحف والمجلات وانتهاءً بالهاتف النقال والانترنيت وأجهزة استقبال القنوات الفضائية، واقتصرت بلاد النهرين العظيمين ونفوسها الذي يقارب الثلاثين مليونا على ما يضخه النظام على طريقة مفردات البطاقة التموينية المهينة، والتي أصبحت الحبل السري للمواطنة العراقية التي كان يريدها النظام السابق ويستخدمها ضد مواطنيه؟

     واليوم وبعد ما يقرب من تسع سنوات عجاف كان يفترض أن تكون سنوات خير وسلام وازدهار وبناء، تحولت رغم كل الاضاءات الخلاقة للحرية الى ساحات تكثفت فيها العقلية التي سادت لعشرات السنين وما صاحبها من سلوكيات وممارسات والتي دمرت البلاد والعباد طيلة أربعين عاما ما زالت تلك العقلية تديم  نافورة الدماء والجدب وتخلط الحابل بالنابل لتشوه الحقائق، ويتساوى فيها الانتهازي والمناضل، تلك العقلية التي ما تزال مهيمنة على معظم مفاصل الدولة وحكامها وبمختلف المستويات، بل وزادت حدتها من خلال دعم الحكومة والمتنفذين في مفاصلها على مقادير البلاد سياسيا واجتماعيا، فهم يكرسونها ويعملون على إدامتها وتفعيل آلياتها البدائية حتى في المدن التي يفترض أنها أي تلك الثقافة أقل سطوة، إلا إننا نشهد عمليات تثوير حادة لتلك العقلية والسلوك من خلال المؤتمرات العشائرية التي تعقدها الحكومة وتدعمها الأحزاب والكتل المتنفذة في البلاد.

     وحقا لا يدرك المرء أين تتجه البلاد بهذه الحمولات والأثقال البعيدة عن مفهوم المواطنة الحقة، بسلوكياتها وتقاليدها الاقصائية، القبلية تارة والمذهبية تارة اخرى، وبانتماءات لا يضاهيها أي انتماء ينافس القبيلة أو المذهب أو القومية والدين، في بلاد تعج بالأعراق والقوميات والمذاهب والأديان، ولا يرتضي أي منها بعد اختراق حاجز الخوف وسقوط دولة الرعب والإرهاب، حكم أي من المكونات تحت أي تسمية أو شكل ما لم تنمو مفاهيم متفق عليها للمواطنة التي تجعل من الكل كأسنان المشط وبأطوال متساوية، وحتى تحقيق تلك المفاهيم والمشتركات فإن:  ديمقراطية في بلاد تنتهج الأسلوب العشائري والولاء القبلي والقروي في حياتها، وما يزال أكثر من نصف سكانها من الأميين ستكون ديمقراطية عرجاء ولن تنتج إلا مؤسسات معاقة جينيا؟

kmkinfo@gmail.com


426
أعضاء برلمان أم معقبو دعاوي؟

كفاح محمود كريم
   
      في كثير من البلدان ذات العهد المستجد بالتطبيقات الديمقراطية، ومنها بالتأكيد بلادنا التي تشرفت بانتقالها السلس جدا من النظام الشمولي ذي البعد الواحد الى النظام التعددي ذي الأبعاد الجوارية، بفضل النظام العالمي الجديد والمستر برايمر المعروف بنزاهته المليارية وليست المئوية، نسبة للمعيار المئوي القديم، انتقلت كثير من مزايا النظام الديمقراطي في المجتمعات الأوربية وفي مقدمتها وصول أي شخص يحصل على نسبة معينة من الأصوات، طبعا بمعاييرهم التي لا تخضع أبدا للشد القبلي أو الديني أو القومي أو المذهبي، وربما فقط بعض التأثيرات الدولارية المحصورة هنا وهناك من خلال كارتلات الشركات وبورصات المال وأنابيب النفط والغاز، على عكس ما حصل عندنا في اثنتين من اغرب وأجمل الانتخابات في تاريخ العراق المعاصر، حيث وصل أناس إلى مقاعد البرلمان لا يعرف حقيقتهم الا من خلقهم فقط، ووثائق مديريات الأمن والمخابرات والبعث التي اختفت معضمها بقدرة قادر!؟

     وهنا أتذكر ما كنا نتداوله عن وردية الديمقراطية وما ستنقله لنا من أدوية إنقاذ للحياة وانطلاقة لبناء حضارة جديدة، متناسين تماما في صخب الإرهاب والاستبداد طبيعة مجتمعاتنا التي تتميز بأنواع لا تحصى من الأمية ربما آخرها الأمية الأبجدية، يتقدمها نمط السلوك والثقافة القبلية التي تسكن تحت أجمل واحدث موديلات الحضارة الحديثة والياتها ومعطياتها، إلى جانب نسبة تقترب من نصف السكان الموصوفين بالفقراء واقل منهم بقليل يحق للخبراء وصفهم بالمعدمين أي تحت خط الفقر!؟

     بهذا المشهد وهذه البانوراما الاجتماعية دخلنا حقبة الديمقراطية على أكتاف مجتمع يئن من الانتهازية والخنوع والتدليس والعقلية العشائرية التي أوصلت ذات الوجوه أو أشباهها منذ مليكنا المفدى وحتى رئيسنا الضرورة إلى كل مؤسسات الدولة، حيث ينغمس كثير من هؤلاء الأعضاء في مؤسسات النظام الجديد وخاصة في الحكومة والبرلمان، بمهام وواجبات ومسؤوليات لا علاقة لها إطلاقا بوظيفتهم التي يشغلونها من خلال آليات مالية أو فئوية أو حزبية أو عشائرية، استخدمت القطار الديمقراطي ونقلتهم من ضفة مختلفة تماما عن ضفتهم الأصلية، التي ما لبثوا وان عادوا إلى سلوكياتها التي كانوا يمارسونها قبل انتقالهم إلى تلك القاعة الكبيرة، عملا بالقاعدة المتوارثة: عادت حليمة إلى عادتها القديمة!؟

    فمن بعثي مفصول أو فاشل في انتخابات حزبه وأصبح مناضل بعد السقوط، إلى مفوض في الأمن أو نائب ضابط في الاستخبارات، أو مهرب بين ايران وتركيا والعراق، أو بين إقليم كوردستان والموصل أو كركوك ومعتمد لدى أجهزة المخابرات، أو عراب لتصحيح القومية والمذهب، أو قومسيونجي ومعقب دعاوي، إلى مشرع كنائب في البرلمان، أو موظف تنفيذي عالي المقام يمثل هذا العراق العجب!؟

    والغريب أن الكثير من هذا الكثير ( النكرات السياسية والاجتماعية ) لا ينفك يتحدث عن أمجاده في النظام السابق، فما بين سجين أو مفصول أو معتقل بسبب هروب من الجيش أو جريمة مخلة بالشرف أو جنحة عادية، إلى رفيق حزبي أو عضو شعبة أو فرع لم يفز في انتخابات بعثية حزبية سبقت السقوط، أو عوقب لمال مسروق أو سوء خلق وارتشاء، يقبع الآن في زوايا تلك القاعة ولا احد يدري من يمثل هناك، هل يمثل البعث الذي طرده أم الفساد الذي أوصله، أم العشيرة والحزب الذي تولاه واشترى به مصالحا أو مكاسب لا علاقة لها البتة بمصالح البلاد والعباد!؟

    وفي كل هذه الحالات يعتلي منصة الإعلام ليتحدث باسم الشعب وباسم الدولة، تارة عن مستقبل البلاد وأخرى عن التمنية والأعمار، والأغرب أكثر من كل ذلك تهافتهم على قنوات التلفزة للحديث والتصريح عن أي شأن من الشؤون وبالذات تلك التي لا علاقة لها أبدا بالأمن والسلم الاجتماعيين، بل على العكس تلك التي تصب الزيت في النار وتعقد الأمور، حتى وان كانت عن حقوق شعب الواق واق وتطلعاته في الاتحاد مع جنوب افريقيا أو كوريا الشمالية الثكلى!؟


     ونهاية المطاف وخلاصة الأحداث وعصارة نضال هؤلاء النواب ومن أوصلهم إلى هناك، هذا المشهد الذي نراه صباحا ومساء، والأكثر إيلاما هو ما زال هناك من يسأل:


     لماذا تتدهور الأمور هكذا وهذا الجمع يقود العباد والبلاد!؟

 
kmkinfo@gmail.com



 

 


427
الأغلبية الصامتة والسيرك السياسي؟

كفاح محمود كريم

     رغم ادعائي أن لا أكثرية سياسية في العراق وان كل المكونات لا ترتضي حكما عليها من غيرها مهما كانت الأسباب والمسببات،  وإن جمهرة من القراء اعترضوا كثيرا، بل ان بعضا شمروا عن سواعدهم وسيوفهم لإعلان الجهاد المقدس عن الأغلبية المظلومة في العراق العظيم، حتى ظننت ان الكفر قاب قوسين من ادعائي، لو لم يبرأني الكاتب الزميل سنان احمد حقي بتعقيبه المنشور في مواقع عديدة.

     أعدت النظر وركزت التفكير وحاولت استخدام مكبرات صور وصوت، وحتى ميكروسكوبات فائقة التكبير، لكي أتأكد من وجود أغلبية تقنع الجميع بأنها جديرة بالحكم في بلاد ما زالت تعتبر العشيرة والقرية قمة الانتماء والهوية، وليس من خلال صناديق الاقتراع فقط، بل من خلال ثقة الآخرين غير الذين يعطون تلك الأوراق المظلومة لمراقبي الصناديق الملقنين كالأموات أو ممثلي المسرح المستجدين، أو يدسونها خلسة أو تباهيا في ذلك الشق اللعين من الصندوق، الذي كاد أن يفصل رأسي عن جسدي في ( الاستفتاء على رئاسة الجمهورية ومرشحها الأوحد صدام حسين،  بنعم أو لا في كانون أول عام 1995م ) حينما اكتشفوا ورقة مؤشر عليها بـ  (لا) في قاطع انتخابات الحي الذي كنت اسكنه وقتذاك، حينما  أودعتها هناك بشيء من التحدي رغم معرفتي بالنتائج مسبقا!؟

     أعود لنتائج اعادة النظر وتركيز الفكر لكي اقسم هذه المرة بأغلظ الأيمان دون خوف أو تراجع، انه ليس هناك أغلبية واحدة في البلاد، حيث أكدت الفحوصات والكشوفات وجود اغلبيتان ( مكرودتان ) لا علاقة لهما بكل ما يحدث في البلاد، ولا بالكتل السياسية أو القوميات، ولا حتى في الأعراق والأديان والمذاهب، بل ان الكثير منهم لا يعرف من يحكمنا اليوم، الى درجة ان كثير من عجائزنا ما زلن يترحمن على الملوك والرئيس القائد، ويسألن عن مواد البطاقة التموينية وقواطع الجيش الشعبي والعسكرية، التي تم استبدالها بالميليشيات وحمايات المسؤولين وقوات الصحوة والإسناد!؟

     أقول قولي هذا واستغفر الله من الاغلبيات السياسية والقومية والمذهبية، واتكأ على أغلبية غلبانة لا تحل ولا تربط وليس لها ناقة ولا جمل في كل استعراضات السيرك السياسي منذ تأسست دولتنا هذه وحتى ما يشاء الله، رغما عن كل الانقلابات والاحتلالات وانواع الديمقراطيات الشعبية منها والمركزية وحتى العشائرية وصناديقها وشقوقها، وما يلحق ذلك من وسائل التسكين والخنوع والتخدير من اشكال التموين وبطاقاته، وحتى شراء الأصوات أو بيع الوعود في مزادات الانتخابات على طريقة نوابنا قبل بدأ السبق بساعات!؟

      وتبقى الأغلبية الصامتة والخرساء من الرجال والنساء، واعية كانت أم بلهاء، لا يهمها أبدا من يكون الرئيس أو الوزير، بقدر همها على حاجاتها الأساس وأمنها وسلامة حياتها وسعادة أسرها، وبذلك فهي ما زالت تلغي كل أشكال الاغلبيات السياسية والمذهبية والقومية بصمتها وخنوعها حتى يأذن الله لها ذات يوم ان تكون فعلا أغلبية فوق كل الاعتبارات!

kmkinfo@gmail.com

428
كوردستان بيت الحكمة والأمان

كفاح محمود كريم

      حينما تدلهم الأمور وتضيق الأحوال ويداهم الضيم والظلم رجال السياسة من كل المشارب، يولون وجوههم شطر بيت الحكمة والأمان كوردستان السلام والوفاء، منذ تأسيس الدولة وحتى يومنا هذا، حيث الملاذ الأمن والحضن الدافئ وقبول الآخر واحترام خياراته وخصوصياته، ولطالما تغنى العراقيون بطيبة وحكمة ودقة الكورد في أي مجال من مجالات الحياة، رغم ما كانت تفعله ماكينة الإعلام التابعة لمعظم أنظمة الحكم التي تسلطت على البلاد منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، ليس في العراق وحده بل حتى في سوريا وتركيا وايران التي حاولت تشويه صورة الكورد لدى الرأي العام بشتى الأساليب والطرق، حتى أدركها الفشل وبانت حقائق الأمور، فإذ بها امام شعب مسالم حر أبي، يعتمد الحكمة والصبر والتأني في مجمل تفاصيل حياته، ويجيد البناء والاعمار ويحب الحياة والسلام والأمان والازدهار، وقد أثبتت الأيام انه حينما نال لبضع سنوات أمانا وسلاما وحرية استطاع ان ينجز ما عجزت عنه دولا منذ تأسيسها، ولربما ما فعله خلال عقد واحد من السنين عجزت عن فعله حكومات العراق خلال ثمانين عاما.

     ومقارنة بسيطة بين الإقليم وبقية أنحاء البلاد تظهر لنا حقائق كثيرة في مقدمتها فشل تلك الماكنة الإعلامية البائسة في تصوير الكورد والكوردستانيون عموما، بل وفشل كثير من المؤسسات التي حاولت ان تصور كوردستان كما وانها لا علاقة لها بالعراق وشعبه واحواله خيرا وشرا، وفي كل مرة وقبل ان تأخذ تلك الادعاءات مداها يثبت الكوردستانيون انهم جديرون بالنجاح والحكمة كما في كل محطات حياتهم، وانهم دوما محط احترام واعجاب كل من عرفهم عن كثب او تعامل معهم او عاش بينهم.
     لقد اثبتوا دوما انهم جزء من الحلول ولن يكونوا جزءً من أي مشكلة مهما كانت، بل انهم تعالوا على جروح غائرة وذهبوا الى بغداد حين سقوطها لكي لا تكبر جروح اخرى، ولكي يعملوا من اجل عراق جديد لا فرق فيه بين عربي واعجمي الا بما يقدمه المواطن لخدمة البلاد ومصالحها العليا، ويحفظ حقوق كل الاقوام والاعراق والاديان بذات الاطوال والمستويات دون انتقاص او تهميش او اقصاء.

وفي كل الساعات العصيبة والمواقف الدقيقة كان الإقليم دوما يسارع إلى تهدئة الأوضاع ودفعها إلى السلام والحل، كما حصل في كثير من المواقف خلال السنوات التسع الماضية ابتداءً من كتابة الدستور وليس انتهاءً بتحمله كثير من اللف والدوران والتسويف فيما يتعلق بالمادة 140 وتطبيقاتها وموضوع التعداد العام للسكان والميزانية الخاصة بالإقليم ( 17% ) التي لم تدفع كاملة لحد هذه السنة، إضافة إلى انه لم يقف أبدا مع طرف ضد آخر، بل كان دوما على مسافة واحدة من كل الأطراف بما يحقق المصلحة الوطنية العليا ويحافظ على الدستور، وقد اتضح ذلك من خلال مواقف الإقليم ابان الاحتراب الطائفي ومشاركة قواته للحفاظ على الأهالي وأحيائهم من أي اشتباكات قد تؤدي إلى إبادة جماعية للسكان في بغداد وضواحيها، بل ان الإقليم بكافة محافظاته وبلداته أصبح ملاذا  آمنا لكل من تم تهجيرهم أو تعرضوا للتهديدات بالقتل أو الابتزاز من العلماء والأطباء ورجال الأعمال والفنانين والأدباء، حتى غدت كوردستان تعج بمئات الآلاف من السنة والشيعة والمسيحيين والصابئة المندائية الذين تركوا مدنهم وأحيائهم نتيجة الاحتراب المذهبي أو الديني والسياسي.

     واليوم تتعرض البلاد إلى واحدة من اخطر الأزمات التي واجهتها منذ سقوط النظام، حيث انسحبت قوات الاحتلال وبدأت مرحلة دقيقة من مراحل الاعتماد على الذات، وبدأ الصراع بين المتخاصمين على الحكم يأخذ إطارا خطيرا قد ينزلق إلى مستنقع الاحتراب الطائفي، من خلال ملفات الاتهامات والاتهامات المضادة واستخدام السلطة والحكومة ضد بعضهما البعض، حتى وصول نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء ووزير المالية ومرافقيهم وأسرهم إلى الإقليم، ابتعادا عن مراكز التسخين في العاصمة التي بدأت بعض المفاصل بملاحقتهم باتهامات تتعلق بتورط رجال حمايتهم بعمليات عنفية أو إرهابية كما ذكرت البيانات والمؤتمرات الصحفية لكلا الطرفين، والتي ساهمت في تعقيد المشهد السياسي والأمني الذي انحدر تماما في العاصمة وأدى إلى مقتل عشرات المواطنين وجرح المئات خلال يوم واحد فقط.

     لقد اتسمت مواقف الإقليم بالحكمة والدراية والتأني واحتواء المشكلة والتعامل معها بروح وطنية تخدم مصالح البلاد والعملية السياسية برمتها، والتأكيد على الفصل بين أداء القضاء ومؤسساته وبين العمل السياسي وتجاذباته، وعدم تسخير الإعلام ووسائله لقضايا تتعلق بالعدالة والقضاء، حيث أشاع تعاطي إدارة إقليم كوردستان مع الأزمة الأخيرة المتعلقة بالسيد نائب رئيس الجمهورية، ارتياحا كبيرا لدى كل الأوساط في البلاد وخارجها، وبالذات رفض تسليمه كمتهم للحكومة الاتحادية مع التأكيد على احترام القضاء واستقلاليته وعدم التدخل في شؤونه، واحترام هيبة الدولة متمثلة برموزها في الرئاسة، مع عدم الإقرار ببراءته من عدمها حيث يقرر القضاء باستقلالية تامة تلك الأمور بعيدا عن الصراعات السياسية والمذهبية، وحفاظا على العملية السياسية ومستقبل البلاد والنظرة البعيدة والصائبة واحتراما لتقاليد واعراف مجتمعاتنا التي تتجاوز حتى القوانين في تطبيقاتها، تعاملت إدارة الإقليم بحكمة بالغة مع تفاصيل الأزمة بما يخفف من التوتر ويحافظ على مصالح بلادنا العليا.
kmkinfo@gmail.com 



429
لا أغلبية في العراق؟

كفاح محمود كريم

    ربما يعتقد البعض إن مبدأ الأغلبية المعمول به في كثير من دول العالم ذات التكوين الواحد دينيا وعرقيا يمكن استخدامه في بلدان متعددة التكوينات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية، كما في العراق وسوريا وتركيا وايران والكثير من البلدان الأخرى، حيث يمكن استخدامه فقط حينما يتم إلغاء الآخر تحت نظام أحادي شمولي مستبد كما كان في العراق وما يزال في كل من ايران وسوريا، أو تحت مضلة نظام ديمقراطي بصبغة عنصرية لا تعترف بالمكونات الأخرى، إلا حينما تتخلى عن خصوصياتها القومية والثقافية والسياسية، كما هو الحال في تركيا وإسرائيل، بحجة المواطنة التي تنصهر في كل الخصوصيات لصالح الخصوصية الأكبر!؟

     في العراق وبعد انهيار نظام صدام حسين الدكتاتوري وسقوط تلك الصيغة الأحادية التي حكمت البلاد ما يقرب من ثمانين عاما منذ تأسيس الدولة العراقية، بدأت مرحلة جديدة لوضع أسس نظام يعتمد في تكوينه على مشاركة كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، بما يؤسس تدريجيا لدولة المواطنة في ظل دستور يضمن حقوق كل المكونات ويحقق بقاء البلاد اتحادا اختياريا بين كل هذه الأطراف في نظام فيدرالي يمنحها حقوقها في الإدارة الذاتية وبتوافق اتخاذ القرار الاتحادي بما لا يدع مجالا لأي انفراد أو تفرد على حساب الآخرين، ولأجل ذلك كانت التوافقية التي ميزت طبيعة الحكم طيلة السنوات المنصرمة وحافظت على وحدة البلاد وعدم تجزئتها.

     ان طبيعة تكوين العراق وشكل نظامه السياسي طيلة ثمانين عاما وما تخللها من حروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم،  سياسية كانت أم قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى، فالعراق يتكون وواقع حاله منذ تأسيسه من الناحية الدينية بأكثرية عددية مسلمة يعقبها المسيحيون والايزيديون والصابئة واليهود، ينتمون في أصولهم وقومياتهم إلى أكثرية عربية يشاركها الكورد ومكونات أخرى من الآشوريين والتركمان والكلدان والسريان والأرمن، حيث أظهرت السنوات الماضية ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة ثلاث اصطفافات واضحة جدا تكثفت فيها ثلاث تكتلات مذهبية وقومية هي:
    التحالف الوطني والقائمة العراقية والتحالف الكوردستاني، التي تمثل مكونات العراق الرئيسية؛ الشيعة والسنة والكورد، ورغم وجود تداخلات في المكونات الثلاث كوجود كوادر شيعية في الكتلة العراقية، وبعض الكورد والتركمان في كلا القائمتين التحالف الوطني والعراقية وكذا الحال في التحالف الكوردستاني الذي يضم مكونات غير كوردية مثل الاشوريين والتركمان والكلدان والسريان والعرب، إلا أن واقع الحال وما يجري من تجاذبات وصراعات يمثل حقيقة المكونات الرئيسية للبلاد التي تتوزع جغرافيا ايضا حول العاصمة بغداد، في الجنوب والفرات الأوسط، والغرب وبعض من الشمال والشرق، والشمال مع بعض من الغرب والشرق لتكون اقاليما جغرافية وتاريخية متناسقة ومتجانسة، تتوحد جميعها حول عاصمة تاريخية لا تقبل ثقافتها الا أن تكون ملكا لكل المكونات والأديان والمذاهب، تلك هي بغداد التي تتقاسم فيها اليوم  المكونات الرئيسية والأخرى مواقعها الاتحادية في السلطات الثلاث بطواقم مترهلة ومتداخلة بغياب إعلان الفيدراليتين الاخريتين في كل من الجنوب والفرات الأوسط والغرب مع التلكؤ في حل مسألة المناطق المتداخلة بين إقليم كوردستان ومحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.

     ولنقرأ معا ما ذهب اليه الدكتور حامد العطية في مقال نشره مؤخرا تحت عنوان:
                                                             في العراق ثلاث فيدراليات لا واحدة!

    ( فدرالية المناطق الجغرافية مطلب لجمهرة من العراقيين، البعض منهم يدعوا لإقليم للوسط والجنوب، وهنالك من ينادي بإقليم لمحافظة البصرة فقط، لتمكين سكانها من الاستفادة من مواردها وموقعها الجغرافي، وبالأمس القريب قرأنا عن مشاريع لإنشاء إقليم في محافظة صلاح الدين وآخر في الأنبار وثالث في ديالى، واصحاب هذه الدعوات والمطالب يؤمنون بشرعيتها وتطابقها مع أحكام الدستور، لذا فإن فدرالية المناطق الجغرافية موجودة، وإن كانت على الورق وفي عقول الناس، وليس من المستبعد أن نشهد ولادتها في القريب العاجل ).
 
     وقبل ان ننهي مقالنا هذا دعونا نقرأ ما قاله الملك فيصل الاول قبل ثمانين عاما وهو يصف شكل بلادنا:

" إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية، فهي والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد."*

     وللأسف الشديد لم يك حكام البلاد حكماء الى الدرجة التي يدركوا حقيقة مكونات العراق لكي يؤسسوا بموجبها دولتهم العتيدة، فاستولت مجموعة لكي تهمش الأخرى وتلغي وجودها أو تستعبدها طيلة عقود سوداء من التكوين الخطأ، دفعت البلاد والعباد الى الدمار والخراب في حروب عبثية في الداخل والخارج، حتى تعرضت البلاد الى الاحتلال الكامل طيلة ما يقرب من عقد من السنين، وها هي تترك البلاد ما زالت تأن تحت جراح الاحتراب غير المعلن والاختلاف الشديد حد التنازع بين مكوناتها الأساسية، التي ما زالت بعض النخب السياسية فيها تتغنى بعراق مركزي تنصهر فيه كل مكوناته لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية تارة والقومية تارة أخرى والمذهبية تارة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات يكون اتجاهها واحد بالتأكيد هو غير العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.
kmkinfo@gmail.com


430
أضواء على أحداث كوردستان الأخيرة؟

كفاح محمود كريم

     ما جرى في بعض بلدات كوردستان قبل أيام من أعمال عنفية  تناولت عمليات إحراق وتخريب لبعض المحلات والفنادق والمراكز السياحية، وبعض النوادي الثقافية والكنائس المسيحية والمقرات الحزبية، كشفت عن حقائق مهمة في مقدمتها إنها فشلت في أن تكون واجهة لدين أو مذهب أو حزب، بقدر ما هي نتاج خلل مهم في التربية وقصور في الوعي والتوجيه، وضعف واضح في الأداء الإعلامي والسياحي ايضا، إضافة إلى فتور ظاهر في العلاقة بين الأحزاب والحكومة من جهة وبين الأهالي وبالذات قطاع الشبيبة من جهة اخرى، وبشكل خاص  العاطلين عن العمل أو العاملين في اعمال غير منتجة أو شريحة العاملين دون سن البلوغ من الأطفال والشبيبة، كما ان الأحداث أثبتت وجود خلل واضح في أداء قوى الأمن الداخلي وبالذات الشرطة، التي كانت بطيئة الى حد ما في أدائها رغم تميزها العالي بالحكمة والصبر أثناء التعامل مع منفذي تلك الأعمال، بما جعل الخسائر محدودة وبالمال فقط، حيث لم يقتل أو يجرح أي شخص من أولئك الذين شاركوا في تلك الأعمال الفوضوية والطارئة على مجتمعاتنا عبر تاريخها، بل حصل العكس حيث جرح الكثير من أفراد الشرطة، مما يدلل ايضا على نضوج سلوك حضاري في التعامل مع هكذا حالات وعدم الانجرار الى الانفعال ورد الفعل العنيف.

     لقد أظهرت تلك المشاهد البائسة التي عرضتها شاشات التلفزة مجاميع من الشبيبة معظمهم من الذين لم تتجاوز اعمارهم في احسن الاحوال الخمسة عشر سنة، مما يعني ان اكثر هؤلاء متسربين من الدراسة الابتدائية او المتوسطة أو انهم اساسا خارج المدرسة، وتلك بحد ذاتها كارثة كبيرة في بلاد تبني تجربة مدنية معاصرة في كافة المجالات مما أهلها لتكون واحة للامان والتقدم والسلام والازدهار، إضافة الى ما تتمتع به من سلم وامن اجتماعيين.

     والغريب ان الفوضى والفوضى المضادة اشتركت فيها ذات العناصر من الشبيبة والصبية، دونما تفكير بالنتائج وتأثيراتها على المزاج العام للأهالي ومن ثم على الأمن والسلم الاجتماعيين، بل حتى على مساسها بالنسيج السياسي في البلاد وتداعيات ذلك على العلاقات بين الأحزاب في الحكومة أو خارجها، وبغياب دور منظمات المجتمع المدني والأسرة وبالذات الأب والأم في عملية التربية الاجتماعية والوطنية، والارتقاء بمفهوم المواطنة إلى الحد الذي يمنع أي تخديش أو اعتداء على حقوق الأفراد أو الجماعات لأي سبب كان خارج القانون ومن يمثله في سلطاته الثلاث.

    وبصرف النظر عن تقييم ما حدث او اعطائه أي عنوان او مسمى، فانه اشار الى نقاط عديدة توضح لنا مناطق الخلل وبعد المسافة بين هذه الشريحة، مهما صغرت وبين منظمات المجتمع المدني ومكاتب الشبيبة لدى كل الأحزاب والحركات، وحتى تلك التي تدعي تمثيلها لهذه الشريحة في المجتمع، حيث كشفت تلك الممارسات ذلك البون الشاسع بين هياكل تلك الاتحادات أو الجمعيات وبين القطاع الواسع من الشبيبة، بل ان ما حدث يؤشر هشاشة الوعي والحصانة الاجتماعية لدى هذه المجاميع ومن التف حولها للتفرج عليها وهي تمارس أعمالا فوضوية لا علاقة لها بالسياسة ولا بالدين ولا الأعراف، فقد أظهرت الأحداث تجمع أعداد كبيرة من الناس السلبيين، كانت أضعاف الذين قاموا بتلك الأعمال الفوضوية للتفرج فقط، مما يعطينا صورة أخرى أكثر تأثيرا وإيلاما حتى من أولئك الذين تورطوا بأعمال خارجة عن القانون، وإلا كيف نفسر هذه الأعداد الكبيرة من الناس وهي تتفرج على مجاميع صغيرة تقوم بالتعدي على المواطنين وحرق أموالهم ومحلاتهم دون ان تعترض أو ترفض هذا السلوك!؟

     لقد آن الأوان لكي تدرس هذه الظواهر بشكل جدي ومهم من قبل كل مراكز الدراسات والجامعات بعيدا عن التشنجات والمزايدات السياسية، والنظر اليها من زاوية بعيدة عن الزاوية الأمنية، بما يجعلها حالة سسيولوجية ونفسية غير طبيعية، ترتبط بكثير من الحالات والظواهر المتخلفة اجتماعيا وتربويا وسياسيا واقتصاديا، وفي مقدمتها البطالة وتكاليف الزواج وارتفاع الأسعار بشكل عام وبالذات فيما يتعلق بالسكن والعلاج والطاقة، إضافة إلى الانقطاع شبه التام بين الحكومة وبين هذه الشرائح من الأهالي وخاصة ما يتعلق بظروفها وتفاصيل حياتها وما تعاني منه بشكل عام، وكذلك في الجانب الديني، حيث أظهرت الأحداث إمكانية استغلاله لصالح تلك التصرفات من خلال بعض رجال الدين من كل الطوائف والأديان خارج ثقافة التسامح وفصل الدين عن الدولة والسياسة، مما يساعد على تأجيج نوازع بدائية وظلامية لا تتوافق وصيغة الاختيار الشعبي للحياة الحديثة في كوردستان ومشروع نهضتها وفلسفة وتعاليم كل الأديان في تحقيق السلام والإخاء والازدهار.

kmkinfo@gmail.com
 

       




431
المنبر الحر / ماذا يخفي التطرف!؟
« في: 16:50 10/12/2011  »
ماذا يخفي التطرف!؟

كفاح محمود كريم

    تقول معظم المصادر العلمية وعلماء التغذية ان أي تطرف في الأكل أي النهامة بمعنى الأكل الزائد عن حاجة الجسم، والتي توصف صاحبها بالنهم أو كما يطلق على صاحبها هنا في العراق عموما بـ ( الأكال )، تتسبب بأمراض كثيرة ربما أولها ارتفاع نسبة الكولسترول السلبي وتأثيراته على القلب والدورة الدموية واقنيتها، وبعيدا عن العوامل الوراثية التي تسبب هذه الظاهرة لدى بعض الناس، فهي أي البدانة تخفي تحت طياتها الكثير من العوامل النفسية الأخرى غير المرئية والمدفونة في العقل الباطني أو الذاكرة الطفولية والبيئية، ويعرف الاختصاصيون في علم النفس والتغذية دوافع تلك الظاهرة من التطرف الغذائي!؟.

    أردت بهذا المثل أن اقترب من صلب الموضوع المتعلق بظاهرة التطرف الديني والسياسي والفكري والقومي والعرقي الذي يصل الى حدود التزمت وإلغاء الآخر أو تهميشه وعدم قبوله، والتكثف حول فكرة ما الى درجة حجب الرؤية عن أي شيء غيرها، حيث أنتجت هذه الظاهرة المتعصبة والمتطرفة أنماطا من التنظيمات الفاشية سواء على شكل أحزاب أو تجمعات بشرية أو أشخاص بمختلف مواقع تأثيرهم الحياتي، بل وسيطر الكثير منهم على مقاليد الحكم في دول وممالك، من خلال أشخاص متفردين في الحكم أو أحزاب ومجموعات متطرفة، قادت بلادها الى الحروب والدمار طيلة حكمها، ولعل أمثلة التاريخ القريب في كل من المانيا النازية وايطاليا الفاشية والعراق وسوريا البعثية، تعطينا خير دليل على تلك الظاهرة التي قادت العالم الى حروب قذرة راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر، لا لأمر ما الا لرغبة قادة تلك الدول وأحزابها المتطرفة في فرض عرق أو فكرة ما بالقوة على الآخرين الملغيين أساسا؟

    لقد سقطت النازية والفاشية والبعثية، وانكفأت تلك الظاهرة الى زوايا مظلمة، لكنها تركت بذورا هنا وهناك لكي تنتظر جوا وبيئة وظرفا مناسبا لكي تنمو وتترعرع، مستغلة كثير من التناقضات الاجتماعية والتردي في الأوضاع الاقتصادية والثقافية لكثير من الأهالي، وغياب التوعية والتربية الصحيحة، وانعدام العدالة الاجتماعية وضبابية المواطنة تحت مضلة النظم العشائرية والمناطقية.

    واذا كان النهم في الأكل يعبر عن جوع قديم كما يقولون ، أو خلل في إحدى غدته أو عصارات معدته، أو سلوكا له علاقة بالخوف أو الطفولة، فان كثير من المتطرفين والمتعصبين دينيا أو قوميا إنما يعانون من مشكلة في الأصول الأولى أو البدايات أو مجموعة مركبات نقص يحاولون تغطيتها من خلال ذلك التطرف أو التعصب الشاذ، ولربما شهدنا أو سمعنا عن كثير من متطرفين دينيين يخفون تحت عباءاتهم سلوكا مناقضا بالتمام والكمال عما يظهروه أمام الناس، وكذا الحال بالنسبة للمتطرفين حد العنصرية في القومية أو العرق، حيث يعاني أكثرهم من الانتماء إلى عروق غير تلك العروق التي يظاهرون بالانتماء لها، أو ربما يغطي البعض منهم عيوبا سلوكية أو اجتماعية لا يعرفه كنهها إلا القليل القليل!


    واذا كان الجسم السليم والمعافى لا يقبل أي خلل أو تطرف،فأن منطق الحياة السليمة والفكر الإنساني الخلاق، لا يقبل إطلاقا أي نوع من التطرف مهما كانت هويته أو سمته، وتحت أي مسمى أو عنوان، إلا اللهم في المجتمعات البدائية والمتخلفة التي تعاني من امراض اجتماعية وسياسية، وترزح تحت طائلة النظم الدكتاتورية والقبلية، التي تعاني أصلا من أمية حضارية وانعدام لمفهوم المواطنة والانتماء إلى مجتمع أنساني معاصر.   
kmkinfo@gmail.com





 

432
لا تخشوا على كوردستان!

كفاح محمود كريم

    كوردستان، إقليما أو منطقة، فيدرالية أو حكما ذاتيا، شمال العراق أم جنوب تركيا، غرب إيران أو شمال شرق سوريا، لا فرق؛ إنه وطن مجزأ يضم الكورد أغلبية، يساهم معهم في صنع الحياة مكونات أصيلة أخرى كالآشوريين والسريان والكلدانيين والتركمان، ومن الأديان غير الإسلام أقدمها مثل الايزيدية واليهودية والمسيحية، لكنهم جميعا كما وصفهم احد الجنود الذي قضى معظم حياته مقاتلا في الجيش وعلى جبهات الكورد، ان بارودتهم ( بندقيتهم ) لم تبرد منذ رأيت الجبل ولحد اليوم، كناية عن الثورات التي شهدتها المنطقة طيلة ما يقرب من قرن!؟

    لقد عاشت كل هذه المكونات العرقية والقومية والدينية بتسامح منقطع النظير، لولا تدخل أجندات خارجية لا علاقة لها البتة بتاريخ وجغرافية وسيكولوجية المجتمع الكوردستاني، الذي تعايشت على أرضه هذه الأطياف، واشتركت جميعها وفي جهات كوردستان الأربع، بذات الاضطهاد والإقصاء منذ أفل زمن الإمبراطوريات ونهضت دول وممالك القبائل والأديان، في صفقة مصالح وخريطة استثمار، وإرادة من الخبثاء الكبار حينما وقعوا صلحا في لوزان، فار بعده تنور الدماء والحروب والثورات، فكان الكورد فعلا كما قالها الباحث المصري الطبيب فهمي شناوي في كتيبه ( الأكراد يتامى المسلمين )*، فقد كانوا خير من خدم الإسلام والمسلمين عربا وتركا وفرسا دون ان يفكروا للحظة واحدة بأنفسهم كعرق أو قوم أو وطن، بإيثار لا مثيل له في التاريخ!

     لا بأس هنا أن نتذكر كيف كان صلاح الدين إمبراطورا على دولة تبدأ من هنا في تكريت العراق لكي لا تنتهي في صحراوات طرابلس وفزان ليبيا وجبال المغرب وكل مصر والشام وما حواليهما، ولم يتركوا سنتمترا واحدا باستقلال ذاتي أو فيدرالي، حتى ظهر الزعيم مصطفى البارزاني ليقود مرحلة للنهضة الكوردية ابتدأت بزحفه القومي الى جمهورية مهاباد الذبيحة، وحتى إعلانه الثورة الكبرى في أيلول 1961م.

    وربما أكثر الأمور إيلاما لدى الكورد عموما، ان هؤلاء الشركاء من الحكام والأنظمة جميعا، وضعوا أنفسهم موضع العداوة ومقاومة أي بادرة لتحقيق الذات الكوردستانية وهوية الوطن، التي حاول المستعمر ان يلغيها حينما وضع خرائط المنطقة هنا بعد اتفاقية الصلح في لوزان، واعتبرها الشركاء نصوصا مقدسة ومكسبا كبيرا مع علمهم بأنها هضمت حقوق الكورد وبقية المكونات، وألغت وجودهم الجغرافي السياسي، حينما أدغمت أوطانهم في تشكيلات إدارية سياسية حسب مصالحها هي وليس مصالح السكان بالتأكيد، مما دفع ملك العراق الأول بعد تأسيس تلك المملكة بأن يعرف كيانه بالنقص من الناحية الاجتماعية والفكرية والدينية، حيث قال:

  " إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية فهي، والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد."*

    وفي مناطق كثيرة يعتقد البعض ان هذا الاقليم من نتاج سقوط نظام صدام حسين واحتلال البلاد، ويتناسى أو لا يعرف بحور الدماء والدموع التي نزفت وذرفت من اجل بناء هذه التجربة،  وإقامة هذا الإقليم على أطلال وخرائب عشرات المدن وآلاف  القرى التي أزيلت من الوجود، أو أحرقت بالنابالم والأسلحة الكيمياوية، حتى غدت حلبجة وشقيقاتها في سوران وبهدينان عناوين الانعتاق والتحرر والتضحية بمئات الآلاف من خيرة شبابها وشاباتها، نسائها ورجالها، الذين سيقوا إلى الموت لأجل ان تنهض كوردستان!؟

    إن ما نشهده اليوم من تطور وحياة حرة كريمة آمنة ومستقرة في كل مدننا وقرانا من سنجار حتى خانقين، إنما جاء نتيجة نضال مستميت لأجيال من الكورد والآشوريين والسريان والكلدان والتركمان، مسلمين وايزيديين ومسيحيين، ساهموا جميعهم بآلامهم وحرمانهم وصبرهم وصمودهم من اجل هذا اليوم، الذي يتصور فيه البعض ان بمقدوره ان يفعل أكثر مما فعله صدام حسين وغيره بهذا الشعب، معتقدا انه سيركب موجة ما يحصل الآن في بلدان الدكتاتوريات والانقلابات، ويمكنه استنساخ تلك الأحداث في مناطق أخرى مثل إقليم كوردستان الناشئ، على خلفية مبدأ المياه الراكدة وتعفنها التي شملت معظم تلك الأنظمة الشمولية، لكن حقائق الأمور تدحض مثل هذه التصورات أو المحاولات.
 
    ان إقليم كوردستان لم يأت نتاج انقلاب عسكري أو نظام دكتاتوري طارئ، بل جاء عبر نضالات وتضحيات كبيرة لعقود من الزمن، اشتركت فيه كل هذه المكونات ببحور من دماء الشهداء، ولن تنجح عبثيات البلطجية والغوغاء في حرقه أو تخريبه لمجرد حرق محل سياحي أو فندق هنا وهناك، فلقد أدرك الجميع ان أي مساس بأي شكل من الأشكال يؤدي إلى انتهاك حقوق أي مواطن سواء كان آشوري أو كلداني أو سرياني أو تركماني، مسيحي أو ايزيدي، إنما هو مساس بمصالح البلاد العليا وهو انتهاك لعقد الوطن والمواطنة التي على أساسها انشأ إقليم كوردستان.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتيّب للطبيب والباحث المصري الدكتور (فهمي الشناوي)، بعنوان (الأكراد يتامى المسلمين)، يقع في اثنتين وتسعين صفحة، صدر عن دار (المختار الإسلامي للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة). ولعله صدر سنة (1990م) أو بعدها بفترة قصيرة.
     *عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.


kmkinfo@gmail.com



433
المنبر الحر / مَن يحكم البلاد؟
« في: 19:11 29/11/2011  »
مَن يحكم البلاد؟

كفاح محمود كريم

    اطلعت قبل سنوات على إحصائية أو استطلاع اجري أيام ولاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وكانت قد تضمنت استفتاءً حول سؤال وجه لشرائح مختلفة وعشوائية من عشرة آلاف أمريكي وأمريكية من كافة الولايات، عن من يحكم الولايات المتحدة رئيسا وحزبا، وقد تبين إن ما يقرب من 52% من المستطلعين لا يعرفون أي شيء عن هذا الموضوع، وان13% منهم ذكروا أسماء نجوم سينما وغناء أو أسماء زعماء غير أمريكيين؟

    توقفت كثيرا عند هذه الإحصائيات رغم إيماني بأنها لا تمثل كل الحقيقة، لكنها على اقل تقدير تؤشر الى نقاط مهمة قريبة من مزاج المواطن الأمريكي، أبرزها إن هذا المواطن لا يهمه من يكون هناك في البيت الأبيض، بقدر ما تهمه حياته وما يتعلق بها، ربما ينظر الى موضوعة الضرائب والخدمات لكي يتذكر الحكومة أو رئيسها!؟

    نعود الآن الى شرقنا المعفر بمعرفة سنسفيل الذين يحكموننا من فراش المدير العام المتعملق الى موظفي مكاتب الرئاسة وسكرتارياتها وملحقاتها من البطانات ودوائر التدليس وشِلل الصفقات من ما وراء الكواليس، الذين يمارسون صلاحيات ربما تفوق صلاحيات الرئيس أو الوزير أو المحافظ نفسه!؟
 
   حيث أدمنت هذه الشعوب صور ( رؤسائها ) المنقذين في كل زاوية ومكتب أو ساحة عامة، إضافة الى الصفحات الأولى لمعظم الصحف والمجلات وشاشات التلفزيون، حتى أصبح اسم الرئيس والزعيم واحدا من المفردات الأكثر تداولا على اللسن الناس المغرمين بحفظ أسماء أولاد وبنات وزوجات وحتى محظيات الرئيس وبطاناته المقربين، حيث أن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كانت مسخرة للرئيس وحده، والى هنا ليست الأمور معقدة كثيرا بسب هذا التركيز، وهواية الأهالي في مناطقنا بحفظ أسماء الحكومة كهواياتهم الأخرى في جمع الطوابع والعملات النادرة أو الخضراء!؟

    الأكثر إثارة في من يحكمنا من خلف الكواليس في معظم مفاصل الدولة، أو من خارج مكاتب الرئيس أو الوزير أو المسؤول، هم اولئك الملحقون بتلك الكواليس أو المكاتب ابتداءً بالفراش أو البواب وانتهاءً بالسكرتير أو السكرتيرة وبطاناتهما ممن يتجمعون في المجال الحيوي للقائد المنقذ أو الوزير الفلته أو المحافظ الوالي، مضافا اليهم  Bodyguards أو طواقم الحماية والذي منه، وهم بالتالي أكثر سطوة وتأثيرا في كل مفاصل الإدارة والمال، حيث تراهم يتكثفون في مراكز ومحطات تجري من تحتها الأموال والمنافع والوساطات المجزية، فذلك فراش أو سائق المدير أو الوزير منهمك بتمشية أمور المواطنين، وربما يصرح ويتحدث عن مهام وصلاحيات أكثر من مسؤوله!؟

    ولنتذكر جميعا كل منا حسب مشاهداته ومراجعاته لدوائر الحكومة صعودا الى أعلى الهرم، كيف كان وما يزال الكثير من هؤلاء الرجال والنساء ممن يحكمون بالاستعاضة،  ويمارسون السلطنة المستمدة من أولياء أمورهم، وكأنهم هم المدراء أو المسئولين الحقيقيين بل ربما يتجاوزونهم في أفعالهم، حيث ما تزال كلمات فراش احد المسئولين الكبار وهو يخاطب المراجعين عند باب سيده : نوافق أو لا نوافق أو سنطلع ونرى ثم نقرر(!؟) ترن في إذني كلما سمعت وزيرا أو مسؤولا كبيرا يتحدث للأهالي!؟

    انها طبقة من الحكام الجدد مستنسخة من الأصل، أو ربما جيل آخر منهم، خصوصا اذا ما عرفنا ان أغلبيتهم الساحقة من أقرباء الزعيم أو الوزير أو المسؤول، وبمختلف المستويات والأصناف ودرجات القربى الثلاث، وبالتأكيد لديهم مواصفات فول اوتوماتيك في قضاء أشغال أسيادهم، أو في خدمة المجتمع والمال وبطريقة حديثة جدا وأيدي خفيفة، خاصة في ما يتعلق بالمال!؟

kmkinfo@gmail.com
   
 



 
 


434
المنبر الحر / هوس الزعامات؟
« في: 15:38 24/11/2011  »
هوس الزعامات؟

كفاح محمود كريم
 
    
    واحدة من أهم العقد الخلافية بين مختلف التيارات السياسية التي تبنت معارضة الأنظمة الدكتاتورية ومقاومتها بأي شكل من الأشكال، هي الزعامة وقيادة الوضع الجديد الذي أصبح شاغرا بعد سقوط تلك الأصنام، فطيلة سنوات كارثية من حكم تلك الأنظمة الشمولية التي أشاعت وكرست ثقافة عبودية الفرد، واستخدمت ووظفت سلوكيات متوارثة من فلكلور القبيلة والبداوة البائس الذي ما زال يفعل فعلته في تنمية الاستكانة والخنوع لمفهوم الشيخ والأغا ومن ثم الزعيم والرئيس المطلق، كانت الساحة السياسية والاجتماعية مغلقة تماما أمام أي فرد أو حزب أو حركة سوى من انظم أو التحق بـ ( جوقة ) النظام وطباليه!

    حيث تواجه معظم الحركات والفعاليات السياسية التي يفترض ان تكون بديلة لتلك الأنظمة مشكلة الرغبة الشديدة في الزعامة، وربما صدى موروثات متكلسة في الداخل الباطني لبنائها النفسي، نتيجة تلك التربية والسلوك الدكتاتوري والنرجسي في قيادة الدولة والمجتمع لعقود طويلة، من قبل أنظمة شمولية ادلجة كل مناحي الحياة ومؤسساتها التربوية والتعليمية، وأنتجت أجيالا من الشباب الذين ولدوا مع تسلط تلك الأنظمة على الدولة والمجتمع، منذ ما يقرب من نصف قرن، تريد ان تستنسخ في عقلها الباطني ذات الغول الذي حكمها طيلة عقود!؟

   وإذا ما حسبنا سنوات حكم الانقلابيين البعثيين في كل من سوريا والعراق التي تقترب من أربعين عاما، وما فعلته في مناهج التربية والتعليم وإعادة كتابة التاريخ بما يروق لها، وما تركته من آثار بالغة في الإعلام الموجه تلفزيونيا وإذاعيا من خلال قنوات محددة وموجهة دونما السماح لأي وسيلة إعلامية أخرى غيرها، لاكتشفنا هول ما حدث وما أنتجته تلك الماكينة التربوية والتعليمية والإعلامية في أجيال الخمسينات وما تبعها ممن ولدوا حتى العشرة الأخيرة من القرن الحالي؟

     لقد تكلست مجموعة من السلوكيات والتقاليد والقيم التي تشجع الفردية في التسلط، بل وانها طبعت آلاف الصور الذهنية والسلوكية لشخص الدكتاتور ومن تشبه به طيلة تلك الحقبة في ذاكرة الفرد والمجتمع، وتلاشت أمامها المشاعر الجماعية والانتماء الجمعي للوطن والشعب لصالح تكثيف تلك المشاعر باتجاه شخص القائد والزعيم والرئيس وحزبه الذي تم تقريبه وتوأمته مع العقائد الدينية، حيث أفرزت تلك الحقبة المظلمة من حكم الاستبداد والدكتاتورية كثير من السلوكيات المريضة التي لا تقبل الآخر ولا تتعامل معه الا من منطلق السيطرة والاستكانة، حتى ظهرت في كثير من المواقف بعد انهيار وسقوط تلك الأنظمة بين مختلف التيارات أو  الأحزاب التي دخلت العملية السياسية، ولعل أهم تلك الظواهر هي إما الإصرار على الحكم أو تخريبه وتعطيله باستخدام أساليب ميكافيلية لفرض السيطرة والتفرد في اتخاذ القرار!؟

    ومن اخطر ما أفرزته تلك الحقبة هو شعور الكثير من السياسيين بأنهم يجب ان يكونوا زعماء بمواصفات لا تقل عن القائد الضرورة، على خلفية تلك الذاكرة المليئة بصور القائد الملهم والزعيم المفدى، والتي كانت ظاهرة في سلوكيات وممارسات بعض من قيادات تلك الفعاليات، بما يشبه أو يتطابق مع ما كان يفعله الدكتاتور، سواء في وسائل الإعلام أو من خلال تعاطيه مع شرائح المجتمع وبالذات العشائر ومؤسساتها التي شكلت عبر تاريخها حواضن لإنتاج الدكتاتوريات وإدامتها؟

    ولم تقتصر تلك الظاهرة السلوكية على النخب السياسية بل انتشرت نتيجة ضغط الإعلام الموجه ومناهج التربية وسلوك أفراد النظام الى ممارسات اجتماعية وسياسية تظهر في كثير من الحلقات ذات الصلة بالعلاقات الاجتماعية أو الصراع على السلطة، كما شهدناها في تعقيدات المناصب والتهافت عليها وما انحدرت اليه كثير من التفاعلات السياسية التي تنشط على خلفية موروث وسلوك سيئ جدا وهو ( اما نلعب أو نخرب الملعب!؟ ) التي تجلت بشكل واضح في كثير من ممارسات الأحزاب والشخصيات السياسية التي تتداول السلطة بعد سقوط وانهيار النظام الدكتاتوري، حيث يريد الجميع ان يكونوا ذلك الزعيم المدفون في ذاكرتهم منذ عقود أو ربما قرون!؟

    ولعل هذا الشكل من الصراع على السلطة في هذه البلدان، التي تعرضت الى عملية غسل دماغ وذاكرة رهيبة طيلة عقود مريرة من النهج والتربية الأحادية التلقينية، تواجه تحديات غاية في التعقيد تظهر هذا التهافت على إشغال موقع الزعيم المكثف بتراكم الحقبة الماضية في ذاكرة معظم النخب التي يفترض انها تتداول السلطة سلميا، مما يعيق بلورة أو يعرقل قيام وضع اجتماعي وسياسي جديد يعتمد التداول السلمي للسلطة وقبول الآخر المختلف، وإشغال مواقع المسؤولية على أساس مفهوم لا يتعدى كون الرئيس أو نائبه أو رئيس الحكومة أو أي مسؤول كبير أو صغير في الدولة الا موظف حكومي يؤدي خدمة عامة مقابل امتيازات وصلاحيات، وقسم بالإخلاص والتفاني من اجل خدمة كل الشعب وحماية الميثاق أو القانون أو الدستور الذي يتفق عليه الأهالي ويعتبروه مرجعهم في الاختلاف أو الاتفاق.

  وحتى تتبلور مثل هذه المفاهيم فالجميع هنا وهناك في سفينة واحدة أو ملعب واحد، يريدون ان يلعبوا لعبة الزعماء، وإلا فإنهم سيخربون الملعب!؟

kmkinfo@gmail.com

 

 


 


435
هل كان الزعيم نصيرا للشعوب؟

كفاح محمود كريم

    بعد إعدام الدكتاتور العراقي صدام حسين بالشكل الذي أعطاه بعدا عاطفيا، لدى شارع ممزوج في تكوينه بمستويات عالية من العاطفة الجياشة إلى درجة التعاطف مع الجلاد وهو يقضي نحبه، شاعت بين شرائح واسعة ونخب سياسية عديدة خارج البلاد، حملة اعادة تصنيع تلك الشخصية بشكل تاريخي ومديات قومية وعالمية، كونها أي تلك النخب كانت محط اهتمام ورعاية الدكتاتور وخزائنه من منطلق كونه ( زعيما ) قوميا أو عالميا يتضامن مع الحركات والأحزاب المعارضة لأنظمة حكمها السياسية، حيث امتلأت بغداد منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي بمقرات وممثليات العديد من الأحزاب والحركات السياسية العربية والإفريقية المعارضة في بلدانها لأنظمة لا تختلف قيد أنملة عن مضيفها في بغداد؟

   ولم تك عواصم الدكتاتورية السياسية في العالم اجمع، أفضل حالا أو أتعس مما كانت عليه الأحوال في بغداد آنذاك، حيث استقبلت وضمت هي الأخرى في عواصمها ودهاليزها، ممثليات ومقرات أحزاب عراقية وغير عراقية معارضة لأنظمة حكمها، مما جعل هذا السلوك ظاهرة متميزة تنفرد به أنظمة الزعيم أو القائد الضرورة أو الرئيس المطلق!.

    بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه الشمولي وظهور تلك المشاهد البائسة لدولته التي كذب علينا جميعا، بأنه أقام فيها نظاما متفردا ومتميزا بعدالته وترف شعبه، فإذ بنا نشاهد قرى وبلدات خارج الزمن تماما وكأنها من أيام القرون الوسطى في بدائيتها وتخلفها، وأدركنا حقيقة تلك العطايا والمنح التي كان يهبها لرؤساء بعض الدول والحركات والأحزاب، لا حبا بهم وإيمانا بقضاياهم بل نزعة دكتاتورية وإعلامية، الغرض منها واضح من اجل انتشاره عالميا، ليحقق كما يتصور هو امتدادا أفقيا لدى الرأي العام الدولي؟

   وقد شهدنا خلال النصف قرن المنصرم الكثير من هذه السلوكيات والتصرفات لدى أمثال هذا النظام، سواء من خلال العطايا المالية أو حتى الدعم العسكري والأمني، ويقينا لم تك تلك المساعدات والعطايا لأجل قضايا الحركات والشعوب، إلا بالقدر الذي يستفيد منه النظام بذاته، كما كان يفعل نظام حافظ الأسد وصدام حسين وشاه ايران وغيرهم في منطقتنا الموبوءة بالدكتاتوريات، من خلال رعايتهم لكثير من حركات وأحزاب المعارضة في هذه البلدان، تحت متوارث آخر يبيح لهم فعل أي شيء وهو: عدو عدوك صديقك، أو تأتي متناسقة مع ميكافيلية الكثير منهم لبلوغ غاياتهم وإشباع رغباتهم، لا إيمانا بقضايا تلك الشعوب أو الأحزاب والحركات الا بالقدر الذي يمنحهم فيها القابا جديدة على شاكلة ( صدام نعمة السماء على الأرض ) أو ( ملك ملوك افريقيا ) وما شابه ذلك لدى الآخرين؟.

   وهذا ما شهدناه طيلة عقود من الصراعات في منطقتنا من دعم ومؤازرة أنظمة دكتاتورية مستبدة لقوى وأحزاب ديمقراطية أو حركات تحرر لشعوب مقهورة، كما فعل شاه إيران مع حركة التحرر الكوردستانية، حينما أوقف دعمه لها بمجرد ان كفة ميزان المصالح لنظامه أشرت الى بغداد وحاكمها، وكما كان يفعل نظام صدام حسين مع كثير من الأنظمة والدول والأحزاب والحركات في العالم، وبعثرة أموال طائلة لا حصر لها من ميزانية البلاد، بينما كان العراق وليبيا وسوريا واليمن وأمثالهم يعانون وحتى يومنا هذا من تخلف مريب في معظم مفاصل الحياة؟

    وبينما تستقبل الدول الديمقراطية المتحضرة معظم معارضي أنظمة الحكم في العالم، كأناس مضطهدين توفر لهم الحماية والأمن وبعض المساعدات الإنسانية التي تعينهم على العيش، تحضر عليهم أي نشاط سياسي أو عسكري أو تنظيمي على أراضيها احتراما للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة دون تصريح أو تخويل من مجلس الأمن والأمم المتحدة، نرى العكس في هذه البلدان الشمولية التي تحول أراضيها ومؤسساتها وأموالها لغرض دعم تلك الحركات والأحزاب، خارج القانون الدولي والاتفاقيات المتعارف عليها بين دول العالم ضمن منظومة الأمم المتحدة، مما تسبب في كثير من الأحيان الى نشوب حروب قاسية بين تلك الحكومات أو حروب أهلية دفعت الشعوب ثمنا باهظا لها.

    وتبقى كثير من الأسئلة في دائرة الألم والغموض والعجب، ولعل أهمها تلك التي تسأل عن حقيقة مساعدات أنظمة الطغيان لقضية الشعوب أو الحركات المعارضة والمناهضة لأنظمتها السياسية، كما كانت تفعل أنظمة؛ القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد ووريثه بشار وغيرهم من رموز الدكتاتورية في العالم؟

    وهل ان هذه الأنظمة لو كانت شرعية وتمتلك مؤسساتها الدستورية الحقة كما في الدول الديمقراطية المتقدمة، كانت تفعل ذات الأفعال بهذا الشكل دون ان تستأذن أو تستشير أو تستفتي رأي الشعب مباشرة أو من خلال من يمثله حقا؟


   وأخيرا؛

   هل يمكن لولي أمر أو أب شرير وقاس وظالم ومستبد مع أبنائه وأفراد أسرته، أن يكون عادلا وكريما وحنونا مع الآخرين من غير أل بيته!؟


kmkinfo@gmail.com


 

436
عقدة الأجنبي والتمنيات المرة؟

كفاح محمود كريم

    في موروثاتنا الشعبية وبالذات فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف، وخاصة في الصراعات العشائرية والقبلية، نعتمد دوما على طرف ( أجنبي ) لحل تلك الصراعات والتذابحات، وقد شهدنا كل حسب ذاكرته وبيئته ودائرة معارفه الكثير من صراعات العشائر فيما بينها أو حتى ضمن العشيرة أو الأسرة الواحدة، تصل في ذروتها الى الاقتتال المميت الذي يخلف الكثير الكثير من القتلى والجرحى، لخلافات تتعلق بالأرض أو المال أو الحكم أو النساء أو الإرث أحيانا؟

    وفي معظم تلك الصراعات الحادة التي تنتهي بالصلح بعد أن يخسر الكثير أرواحهم وأموالهم يخرج ( الأجنبي ) منتصرا مزهوا بنجاحه في إجراء الصلح ومن ثم تحقيق هيمنته!

    والأجنبي هنا ( الطرف الثالث ) مفردة تستخدم للشخص من غير الأسرة أو العشيرة وتلفظ هكذا ( الأجناب ) كناية عن الجمع وتعريفه بأنه ليس من الأهل والعشير، الذي يقوم بوظيفة إصلاح ذات البين وفرض شروطه على المتخاصمين؟

    إذن هي أعراف متكلسة في سلوك كثير من مجتمعاتنا وهي تتطور بأشكال كثيرة وأنماط اجتماعية وسياسية مختلفة، أخذت أبعادا ومشاهدا أدت في نهاية المطاف الى تدخل هذا ( الأجنبي ) بأي شكل من الأشكال، وقبوله كواقع حال بعد فشل الأطراف المتصارعة في قبول بعضها للبعض، والارتكان الى حلول متحضرة بعيدة عن الحرب والصراع الدموي، مستخدمة دوما تلك المقولة التي أدمناها في موروثنا النفسي والاجتماعي:


آخر العلاج الكي!

    ورغم أن ( لو ) زرعت ولم تنبت كما يقول الكثير، الا انها احيانا تبقى في دائرة التمني المستحيل، وهي تدغدغ مشاعر مليئة بالندم تارة والأسى تارة أخرى، فقد تمنى كثير من العراقيين في ظروف قاتمة ويأس شديد وإحباط كلي، ان تحكم البلاد أي قوة استعمارية غير ذلك النظام المستبد، وكذا الحال لدى الكثير من الليبيين والسوريين واليمنيين وقبلهم أهل تونس والكثير من شعوب العالم الرازحة تحت نير وظلم الأنظمة الدكتاتورية، نتيجة لتسلطها واستبدادها وفاشيتها في التعامل مع شعوبها، والتي فاقت في ظلمها وتنكيلها أي قوة استعمارية في التاريخ، فما فعله صدام حسين ونظامه بشعب العراق جنوبا وشمالا، شرقا وغربا لم تفعله القوات البريطانية أو العثمانية ابان احتلالها للبلاد، بل ان ما حصل منذ احتلال العراق في نيسان 2003م وحتى يومنا هذا لا يرتقي في كل خسائره الى شغل عام واحد من ماكينة الموت لنظام صدام حسين، وكذا الحال في ليبيا واليمن وسوريا وما يحصل من عملية تدمير كلي لهذه البلاد سواء على أيدي أنظمتها الحاكمة أو من خلال الأذرع الأجنبية.

    واليوم والبلاد على أبواب انسحاب الجيش الأجنبي بعد سنوات طويلة من الاحتلال وفك الاصطراع، هل سينجح العراقيون هذه المرة في إدارة الحياة بشكل راق وسلمي ومتحضر، دونما الرجوع ثانية لأي طرف ثالث تحت أي عنوان أو مسمى، ومهما كان هذا الطرف أمريكيا أو أوربيا أو عربيا أو إسلاميا، غير ما يحتاجه في العلم والثقافة والاعمار والبناء!؟


وستبقى الإجابة مرة حتى نثبت جميعا العكس!؟


kmkinfo@gmail.com   

   


 

437
من يعثر على حمار المواطن؟


كفاح محمود كريم

    في التنافس الشديد الذي يعتري العلاقات بين الأحزاب والكتل السياسية على تبوء المواقع والمناصب، وما يتبع ذلك من فيض الامتيازات التي أفقدت الكثير توازنهم وأحالت كثير من تلك المواقع والمناصب الى مراكز استثمار وارتزاق، بدلا من ان تكون شيئا آخر لا علاقة له البتة بما يحصل اليوم، في هذا التنافس أو أولوياته وتسلسلات اهتماماته، لم أجد أي شيء له علاقة بالمواطن وحاجياته وما يتعلق بحياته ومستقبله، رغم ان معظم تلك الأحزاب والشخصيات لا تتوقف ليل نهار عن الادعاء بأنها تعمل من اجله ومن اجل مستقبله!؟

     والغريب انهم جميعا يتحدثون عن أهم ما يحتاجه المواطن ابتداءً بالكهرباء وانتهاءً بالمدارس والمستشفيات، وخاصة عشية الانتخابات التي تعج بالوعود السخية والأكاذيب المعفرة بأحلام العصافير للناخب المسكين، ودس تلك الوريقات الخضراء الساحرة بجيوب البعض، من اجل لملمة الأصوات التي غدت هي الأخرى مثل السحت الحرام؟

     وفي كل هذه العجقة سواء التي تسبق الانتخابات، أو التي نشهدها في مداولات ومناقشات مجلس النواب وكيف ينبري ممثلو الأمة في الدفاع عن المواطن الغلبان والمفجوع بهم قبل غيرهم، وكيف يتسابق اولئك المندوبين على منبر التصريحات أو الدائرة الإعلامية كما يسمونها في مجلس النواب، حيث يبدأ مهرجان المزايدات والخطب والتصريحات، وفي كل ذلك يبقى المواطن يتلفت حوله وهو يستمع إليهم مستفسرا ان كان الحديث عنه أم عن شيء آخر!؟

    للأسف لم يدرك الكثير من السياسيين ومن يدعي انه يمثل هذا الغلبان الذي لا ينافس أي منهم على وظيفته أو منصبه أو امتيازاته، بل ان جل اهتماماته ان يعود آخر النهار وقد ضمن معيشة اسرته مطمئناً إنهم في محل سكن يحترم إنسانيتهم، وحكومة توفر لأطفاله مدارسا للتعلم ومستشفيات للمعالجة وسلطات طاهرة وشريفة تؤمن له ولأسرته الأمان والعدل والسلام، لا ان يطمح لكي ينافس فخامة الرئيس أو دولة رئيس الحكومة أو معالي الوزير والنائب والمحافظ أو القائم مقام!؟

     وازعم تماما ان الأغلبية الساحقة من مواطني دولتي أو أي دولة أخرى في العالم، لا يهمها من يكون في اعلى الهرم ووسطه بقدر ما يهمها أن تعيش بسلام وأمان وتتوفر لها حياة حرة وكريمة ومحترمة، وهي دوما شئنا أم أبينا مع أي حكومة تقدم لها خدمات أكثر، واذكر هنا من فلكلورنا السياسي والاجتماعي مما تناقلته الناس والمؤرخين في بدايات القرن الماضي، وتحديدا في أيام مسألة الموصل وتبعيتها اما للدولة التركية أو المملكة العراقية المكونة آنذاك من ولايتي البصرة وبغداد، حيث ارتأى الفرقاء إجراء استفتاء للسكان حول رغبتهم في عائدية الموصل، ووصل اثر ذلك وفد من عصبة الأمم لإجراء استفتاء بقياسات تلك الفترة، وسوئل الكثير من الناس، وكان أبرزهم في الإجابة فلاح مستطرق من أطراف الموصل كان يبحث عن حماره التايه، حينما سألوه عن رأيه أو رغبته في تبعية الموصل فقال لهم متهكما:

 انا مع من يعثر على حماري الذي فقدته وما زلت ابحث عنه!؟


kmkinfo@gmail.com

438
بهلوانيات إعلامية!؟

كفاح محمود كريم
 
    نتذكر جميعا تلك البهلوانيات الإعلامية التي كان يطلقها وزير الخارجية العراقي السابق والأسبق* وهم يتحدثون عن التحالف الدولي ضد نظامهم، ولعل كبيرهم الذي علمهم السحر حينما كان يرفع تلك الشعارات الطنانة ذات الإيقاع التخديري تارة والبدوي تارة أخرى، ابتداءً من حرق نصف إسرائيل، وانتهاءً بأسوار بغداد التي سينتحر عندها الأمريكان وغيرهم، أو ما كان يرسله الصحاف من بالونات وفقاعات في تصريحاته اليومية إبان الحرب، وهو يتحدث ناطقا رسميا عن نظامه المتهرئ المتهالك!؟

    تذكرت كل هذه الهرطقات والسوبرمانيات الفارغة أيام ما كان القذافي يتنقل من زنقة الى أخرى وهو يطارد الجرذان فإذ به يختبئ كصاحبه في حفرة أو أنبوب تحت الأرض، وهو ما يزال يصرخ بالملايين التي ستخرج لتحرر ليبيا من شعبها!؟

    ويبدو والعلم عند الله ان هذا النوع من الرؤساء، تطور وتناسل من أصل واحد، أو متشابه حد التطابق في تركيب كروموسوماته وخلايا تفكيره وزوايا نظره، أو ربما أنهم خريجو نفس المدرسة الدكتاتورية المسطحة ذات البعد والعين الواحدة، فهم متشابهون حد التطابق وكأنهم توائم سياميون في أشكالهم وتصرفاتهم، فقد اثبت لنا وزير خارجية سوريا انتمائه لذات الصنف الدموي أو الحامض النووي لفئة السوبرمانيين، حينما الغى بجرة قلم قارة اوربا بمن فيها من الخارطة المعتمدة في بلاده، وأعقبه رئيسه الذي هدد العالم بزلزال يحرق الشرق الأوسط لو جرى شيء لنظامه؟

    والمشكلة العويصة؛ انه بالتأكيد رأى واستمع جيدا الى صدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك وزين العابدين وعلي عبدالله صالح، بل انه من مفارقات الأقدار قد أرسل ذات يوم رسالة الى صدام حسين، يترجاه فيها وينصحه قبل أن يضربه الزلزال الذي احرقه ونظامه وحتى بلاده؟

    فما أشبه اليوم بالبارحة، وهؤلاء يشهدون بأم أعينهم زوال ملكهم وزعاماتهم وسقوط نموذجهم المتخلف في السياسة والإدارة والاقتصاد، بعد ان تسببوا في تدمير بلدانهم وشعوبهم، وهم جميعا قد شهدوا نهاية صدام حسين ونظامه، بل ان احدهم حذرهم في احد مؤتمراتهم الطاووسية من ان نهايتهم جميعا ستكون كنهاية صدام حسين، والغريب انه كان أولهم الذي انتهى الى أبشع ما انتهى اليه الأول؟

    هل ان تصريح الأسد الابن ووزير خارجيته إشارة لبداية سقوطهم كما حصل مع نظام صدام حسين والقذافي وقبله حسني مبارك وزين العابدين!؟

    الأيام القادمة حبلى بالأحداث، ولكن بالتأكيد لن يكون هناك زلزال يحرق احد غير نظامهم، كما لم تكن في طرابلس وسرت إلا تلك النهاية المقززة، وفي بغداد لم تكن هناك أسوار إلا تلك التي شهدت انهيار نظامهم المهين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* طارق عزيز ومحمد سعيد الصحاف.

kmkinfo@gmail.com

439
حسابات الحقل والبيدر!

كفاح محمود كريم

    على أبواب انتهاء مهمة القوات الأمريكية وانسحابها من البلاد،  حسبما نصت عليه الاتفاقية الموقعة بين حكومتي الولايات المتحدة وجمهورية العراق، والتي تنص على انسحاب القوات الأمريكية  نهاية العام الجاري، بعد سنوات مريرة من الصراع الدموي الذي خلفه قرار الأمريكان بتحويل وجودهم في البلاد من محررين الى محتلين، وما ترتب على ذلك من دوامات العنف ومآسيه التي دفع ثمنها العراقيون دما ودموعا، وحولت البلاد الى ساحة لصراعات الدول والأنظمة المجاورة التي خشيت من انتقال الظاهرة العراقية  الى بلدانها وبالذات الشبيهة في تركيبها القومي والديني والمذهبي!؟

    وإذا ابتعدنا قليلا عن تقييم تلك السنوات العجاف، وحاولنا الإشارة الى نتائج الحصاد الذي تجنيه كل الأطراف التي ساهمت بشكل أو بآخر في أحداث هذه الحقبة، ابتداءً من الأمريكان ومرورا باللذين رأوا ان حمل السلاح ومقاومة وجودهم هو اقصر الطرق لمفاوضتم والفوز برضائهم، وانتهاءً باولئك الضحايا الذين لا يعرفون أي شيء مما يحصل سوى ان صدام حسين قد سقط، وربما يسألون عن البديل بذات المواصفات ولكن باسم آخر ولون مغاير، وازاء ذلك فقد ذكرت صحيفة أمريكية متخصصة (Inrormation Clearing House ) ان عدد العراقيين الذين قتلوا منذ سقوط النظام السابق واحتلال البلاد بلغ ( 1.500.000 ) مليون ونصف المليون عراقي ما بين طفل وامرأة ورجل، بينما لم يتجاوز عدد قتلى الامريكان لنفس الفترة الخمسة آلاف قتيل وبالتحديد ما يقرب من ( 4800 ) جندي.

    وبصرف النظر عن الأموال الطائلة التي تم صرفها من الميزانية الأمريكية والتي تجاوزت ما قيمته إلف وخمسمائة مليار دولار خلال نفس الفترة، فاننا أمام إحصائية مثيرة تؤكد حقيقة ما كان يجري هنا في العراق من قبل تنظيمات القاعدة الداخلية التي اعتمدت على خطوطها النائمة قبل سقوط النظام، ومن التحق بها بعد سقوطه من الأجهزة الخاصة في المخابرات والاستخبارات وفدائيو صدام وغيرهم من تنظيمات حزب النظام، الى جانب العديد من الفصائل التي صنعتها أو دعمتها مخابرات بعض دول الجوار تحت مظلة مقاومة الاحتلال، سواء من بقايا تشكيلات النظام السابق العسكرية أو المدنية، أو من خلال تجنيد مرتزقة من كل انحاء الدول العربية، كقنابل بشرية يتم تلغيمها وتفجيرها وسط تجمعات كثيفة من المواطنين في الأسواق والساحات العامة ومناطق تجمع الأهالي، لإيقاع اكبر عدد ممكن من الضحايا، وقد شهدنا مقتل الآلاف من أولئك العاطلين عن العمل والباحثين عن مصدر رزق لمعيشة عوائلهم، من عمال البناء أو المتطوعين في مفاصل الجيش أو الشرطة، إضافة الى الإتاوات التي تفرضها تنظيمات القاعدة وحلفائها من بعض أعضاء النظام السابق في كثير من مدن وبلدات العراق وتحت مرأى ومسمع الإدارات فيها، على شرائح مهمة من المجتمع مثل الصيادلة والأطباء وأصحاب المحلات والمعامل والمعارض وسيارات النقل الكبيرة ومحطات التعبئة وغيرها، والتي تدفع شهريا أو اسبوعيا لقاء عدم التعرض لها.


ويبقى السؤال الأكثر إيلاما وإلحاحا هو :

اذا كان البعث وصدام قد سقطوا في حسابات الحقل، فهل كانت حسابات البيدر والحصاد مطابقة!؟
 
أم ان هناك من سرق الناتج والبذور معا!؟

 kmkinfo@gmail.com


440
اللعبة الأخيرة: دمشق- صنعاء؟

كفاح محمود كريم

    لا اعرف لماذا كلما هوى صنم من أصنام شرقنا التي صدأت من طول انتصابها، تذكرت عواصمَ ترزح تحت نير طغيان نرجسيين مرضى استحوذوا على الحكم في غفلة من زمن غابر، أعقب حقبة الخلافة العثمانية المتهرئة، وتحولوا هؤلاء الحكام الى مدارس للهمجية والقسوة والطغيان!

    تذكرت دمشق وأهليها البر الميامين، وما يجري في حاراتها وشوارعها الخلفية، وانين آلاف المعتقلين، وصراخات أولئك الشبيحة المنحرفين، وهم يدعون أسراهم الى ربوبية صنمهم؟

   تذكرت صنعاء وشعرائها المبدعين، وهذا الشعب المخدر بالقات والشعارات، والموسوم بالتخلف والبدائية، وكيف نهض ليحرق كل هذه الادعاءات، ويثبت انهم فعلا أبناء حضارة إنسانية رفيعة، كانت ذات يوم تشيع السعادة والإبداع والخير في مأرب وضواحيها، وتلك الأساطير الجميلة لمليكتها، التي أصرت الا ان تظهر ثانية في شخص النوبلية الأولى توكل كرمان وهي تطرز اسم بلادها وجنسها بوسام نوبل للسلام أول مرة في تاريخ شعوب بلادنا!
 
     وأعود الى البلاد الأعرق لنتذكر معا هنا في بلاد الرافدين حينما انكفأ صنمهم الكبير الى تلك الحفرة المهينة وانهار نظامه خلال أيام معدودة، كيف فتحوا بوابات بلادهم ومعسكراتهم وأقبية مخابراتهم لقوافل من الإرهابيين القادمين من عوالم اليأس والإحباط والشذوذ والانحراف، ليجزوا رؤوس الأبرياء من الشباب والشابات والشيوخ والنساء، وليزرعوا في ارض العراق نافورات الدماء التي ظنوها ستبعد عنهم عاصفة التغيير والسقوط؟

    اليوم يسقط طاغية آخر من الذين تباكوا على صنمهم الكبير واعتبروه شهيدا ورمزا لهم، وأقاموا له تماثيل في ساحات بلادهم المنكوبة بهم وبجماهيريتهم الكاريكاتيرية، لتنتهي مرحلة من مراحل مباراة السقوط والانهيار، التي بدأت بنظام صدام حسين ومن ثم نظام زين العابدين ومبارك وأخيرا ملك ملوك افريقيا وعميد الرؤساء العرب معمر القذافي، لتنحصر اللعبة النهائية بين دمشق وصنعاء، حيث تبدأ مرحلة أخرى من المباريات التي ربما تفتتحها الجزائر والسودان في اقرب فرصة بعد انتهاء اللعبة الأخيرة في نهائيات هذه المرحلة!

kmkinfo@gmail.com 


   


441
لماذا قتلتم الزعيم؟

كفاح محمود كريم

   مرة أخرى يقتل الملك أو الرئيس دونما محاكمة وخارج دوائر الشرعية القانونية والدستورية وبعيدا عن الحكمة والعقل، فتضيع مع نزف دمائه، أسرار دولته المختزلة في شخصه وأسرته، وتحرق صفحة من اخطر صفحات الشعوب، في لحظات انفعالية من الهيجان والانفلات الذي يغيب عنه العقل والحكمة، وتضيع بين موجات صراخاته  حدود الحقيقة وأسرار الساعات الأخيرة!؟

     تخيلوا لو أن صداما كان قد وقع بيد العراقيين قبل وصول الأمريكان اليه ماذا كان سيحصل له؟

     وتذكروا ايضا كيف تمت عملية اغتيال العائلة المالكة وهي مستسلمة تنوي الرحيل وترك البلاد؟


    المشاهد كثيرة والسلوك مستنسخ عبر الأجيال منذ مقتل الخلفاء والأئمة وما تلاهم الى يومنا هذا، حيث يمتلأ تاريخ هذه المنطقة بأمثلة لا تعد ولا تحصى، لما جرى للزعيم الليبي المستبد من نهاية مأساوية، اختتم فيها افراد هائجين من الثائرين، حقبة استمرت اكثر من اربعين عاما، سادت فيها الدكتاتورية وتأليه الزعيم، واختزلت الدولة والشعب وما فيهما بذلك الشخص، حتى يظن المرء ان ما حصل ويحصل دوما ما هو الا نتاج تلك التربية القاسية التي مارسها الزعيم وغيره ممن سينتهون ذات النهاية آجلا أم عاجلا، الا من أنقذه محتل أو أجنبي كما حصل لدكتاتور العراق الذي نال ما لم ينله زعيم أو ملك مخلوع من حقوق في تاريخ هذه المنطقة من حق الدفاع عن النفس بحرية مطلقة؟   

    مرة أخرى تظهر لنا شاشات التلفزة صورا بشعة من وحشية الأنظمة، مختزلة ومتمثلة بسلوك أولئك الذين لم يدركوا معنى ان الذي بين ايديهم رئيس دولة، ظن نفسه ربا أوحدا ومالكا لكل اسرارها وثرواتها، ولا يمكن تصفيته قبل معرفة كثير من اسرار مفاتيح تلك الدولة، وحقوق مئات آلاف من الذين قتلوا أو غيبوا بأوامر منه ومن نظامه، كما حصل مع الزعيم عبدالكريم قاسم رغم الفرق الشاسع والكبير بينه وبين زعيم ليبيا المقتول، الا ان الأول ايضا تمت تصفيته بذات الهمجية والهياج المنفلت الذي أضاع فرصة كبيرة على الشعب والقضاء لمعرفة الحقيقة وأسرار الدولة التي دفنت معه؟

    المشاهد مؤلمة تارة ومخزية تارة أخرى، مؤلمة انها ليست حضارية ومحبطة وتمثل سلوكا همجيا خارج القانون، ومخزية لأنها تصور شكل مقزز لنهاية هؤلاء الأوباش من الحكام الذين أوهموا شعوبهم بأنهم عمالقة ومنقذين وفرسان وأبطال، فتبين مدى جبنهم وتفاهتهم وهم اما هاربين كالصعاليك او متخفين بزي امرأة او في جحر في باطن الأرض أو في أنابيب المياه الثقيلة!؟

   وفي كلتا الحالتين ( المؤلمة والمخزية ) هي نتاج تربية وثقافة وسلوك حكمت به تلك الأنظمة والدكتاتوريات شعوبها لعقود طويلة وربما قرون غابرة، شوهت خلالها كثير من أنماط السلوك والتصرف والتعاطي لدى فئات كثيرة من الشعب، في مواقف كهذه التي شهدناه مع عقيد ليبيا وقبله العشرات من الملوك والرؤساء، ورغم هذه الصورة القاتمة فلربما ما جرى في العراق من محاكمات لرموز النظام تعطي املا بانحسار هذه الثقافة البائسة في الانتقام والتصفية خارج القانون والعدالة، وتتحول الى تقليد كما يحصل الآن في القاهرة؟

kmkinfo@gmail.com 

442
شهداء الشام يسقطون النظام!

كفاح محمود كريم
kmkinfo@gmail.com   
   
    حينما ينحدر النظام السياسي لأي دولة الى مستوى اغتيال الأفراد لمجرد انهم معارضين سلميين له، ندرك انه بدأ بالتآكل والانحدار والسقوط من داخله، ولعل ما حصل هنا في العراق مع مطلع ستينات القرن الماضي، وكيف كانت بداية سقوط البعث ونظامه الفاشي، حينما بدأوا باغتيال الآخرين المختلفين معهم منذ صبيحة الثامن من شباط 1963م عندما قاموا باغتيال آلاف المعارضين لهم ونشر جثثهم في الأزقة وعلى أرصفة الشوارع في العاصمة بغداد وبقية المحافظات، يؤكد لنا بأن سقوطهم بدأ في سلوكهم المشين وهو حتمي سواء وقع عاجلا أم آجلا.

    ويذكر لنا تاريخ هذه الأنظمة الملوثة بالجريمة، مؤامراتهم وعمليات تصفية معارضيهم، بل وحتى رفاقهم أو من يتفقون معهم في جبهات مشتركة أو حلول لمشاكل كما حصل هنا في بلادنا اثر توقيع اتفاقية آذار عام 1970م، حينما أرسلوا أزلامهم بعد عدة أشهر من تلك الاتفاقية لاغتيال قائد الثورة الكوردستانية مصطفى البارزاني، وكذا فعلوا مع الشيوعيين بعد تحالفهم معهم في ما سمي في حينه بالجبهة التقدمية عام 1973م وخيانتهم لهم وتصفية الآلاف من كوادرهم.

    انه تاريخ من الجرائم والخيانة والغدر منذ تسلطوا على رقاب الشعبين في العراق وسوريا وهم ينكلون بهم ويغتالون أفضل رجالاتهم وعلمائهم ومفكريهم، لم يفرقوا بين رجل مسن وامرأة، وبين طفل وفتي أو صبي وصبية، لقد كانت عجلة الموت التي يقودونها تسحق كل شيء أمامها حتى غدت البلاد على أيامهم خرابا يبابا؟

    وفي سوريا الحضارة والجمال والشعب الأصيل تستفرد عصابات منفلتة من الشواذ والساديين هذا الشعب الكريم، لتغتال خيرة شبابه  وشاباته، وكأنما صراخات 283  طفلا وطفلة ما زالت تدوي من نوافذ سينما عامودا حينما احرقها الفاشيون من أجداد هؤلاء الشبيحة منذ نصف قرن بالتمام والكمال، وهي ما تزال تسمع في أزقة وحارات دمشق والقامشلو وعفرين ودرعا وحمص وكل حواضر شامنا النازف من عشرات السنين.*
 
     إنهم آلاف الشهداء الذين سلبهم النظام أرواحهم لا لشيء إلا لأنهم يرفضون ظلمه واستبداده وعنصريته المقيتة، وها هو مشعل التمو الذي عارضهم بقلمه وفكره وناضل من اجل أهداف شعبه دون ان يرفع سلاحا الا قلمه وهويته، يتم تصفيته بأسلوب بدائي مفضوح يظهر مدى انحدار وسقوط النظام إزاء إصرار الشعب على النضال والمقاومة بأسلوب متحضر وراق.

    حقا ان مشعل تمو* اليوم يتقدم شهداء الشام عربا وكوردا، ليسجل بقلمه ومداد شرايينه ونزف جرحه، بداية سقوط هذا النظام المتهرئ وانتهاء حقبته وعدم صلاحيته، وليرسم خارطة طريق لسوريا المستقبل، سوريا الحرية والانعتاق والديمقراطية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* في 13/11/1961  تم حرق سينما شهرزاد في عامودا وبداخلها أكثر من 283 طفل كردي من تلاميذ المدارس، جمعتهم الحكومة آنذاك بالقوة للاستفادة من ريع بطاقات الدخول وجمعها لصالح الثورة الجزائرية، كما أعلنت وسائل إعلامها آنذاك!؟
* مشعل تمو (1958 -  2011)  معارض كردي سوري بارز ورئيس حزب تيار المستقبل السياسي سابقاً،   ولدَ مشعل في مدينة الدرباسية بمحافظة الحسكة عام 1958، وتخرج بشهادة هندسة زراعية، وعملَ بالسياسة منذ التسعينيات، ثمَّ أسس في عام 2005 حزب تيار المستقبل. اعتقل مشعل في عام 2008 وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهم النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي الوطني، لكن أفرج عنه لاحقاً في شهر يونيو عام 2011 لتخفيف وطأة حركة الاحتجاجات العنيفة في مناطق الأكراد بسوريا. 
 


443
الكورد من اجل ديمومة العراق

كفاح محمود كريم

    قال رئيس الوفد الكوردستاني الى بغداد السيد فاضل ميراني اثناء لقاءه رئيس مجلس النواب العراقي:


   ( اننا سنظل نصون وحدة الوطن من اجل ديمومة العراق )

   ومن جانبه أكد رئيس البرلمان العراقي:

   ( إن لكل الأطراف حق المشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، لان العراق وطن للجميع، وان الكورد هم ثاني أكبر القوميات وشريك أساسي في اتخاذ كافة القرارات التي تحدد مصير البلاد. )


    قرأت وسمعت ذلك في نشرات الأخبار وعاد بي التاريخ الى بدايات القرن الماضي، حينما اختار الكورد الاتحاد مع العراق دون تركيا في مسألة الموصل، التي منحها الكورد هويتها العراقية حتى يومنا هذا، في استفتاء سكانها حول التبعية لدولة تركيا او المملكة العراقية في الربع الأول من القرن الماضي، وكانت حينذاك تضم معظم إقليم كوردستان الحالي، ومنذ ذلك التاريخ وطيلة ما يقرب من قرن من الزمان ناضل الكورد من اجل الحرية والديمقراطية ليبقى العراق وطن الجميع، دون استئثار من عرق أو قومية أو حزب أو مذهب، فالكل في بلاد الرافدين صنعوا تاريخ هذه البلاد وناضلوا من اجل مستقبلها وحريتها، وأن يعيش الجميع فيها بنفس الأطوال والدرجات والمستويات، التي حاولت معظم الأنظمة التي حكمت العراق أن تنال منها وتعمل على إلغائها وتهميشها، والتي وصلت ذروتها الى الإبادة الجماعية للسكان باستخدام أكثر الأسلحة تحريما منذ اندلاع ثورة أيلول عام 1961م في كوردستان العراق،  حينما أحرقت الطائرات عشرات القرى بقنابل النابالم، وما أعقب ذلك من عملية تطهير عرقي واسعة استخدمها النظام السابق في محافظات نينوى وكركوك وديالى، وأخيرا تلك الحرب الرهيبة التي أطلق عليها زورا وبهتانا اسم الأنفال لكي تقضي على خمسة آلاف قرية بمن فيها من بشر وحيوان ونبات، وتحرق واحدة من أجمل مدن كوردستان والعراق بالأسلحة الكيمياوية في حلبجة.

   لقد أثبتت التجارب والسنين منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى يومنا هذا، إن كل تلك الأنظمة انهارت وتساقطت أمام إصرار ونضال الكورد وأشقائهم العرب وبقية مكونات البلاد من اجل الحرية والديمقراطية، ومن اجل تلك المعادلة الموزونة التي لخصها التصريحان الأخيران لرئيس الوفد الكوردستاني السيد فاضل ميراني والسيد رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي.

  حقا انها معادلة العراق الموزون الذي تشترك فيه كل المكونات وفي مقدمتهم الكورد والعرب الشريكان الرئيسيان في انشاء العراق وديمومته وتطوره وبقائه.

kmkinfo@gmail.com 


444
احذروا الفاشية الجديدة؟

كفاح محمود كريم


    بعد انتصار الحلفاء وانهيار نظام ادوولف هتلر وحلفائه انكفأت واحدة من أكثر الأفكار العنصرية شوفينية وفاشية، الى زوايا مظلمة هنا وهناك في بدائيات العالم الجديد من الدكتاتوريات التي انتشرت وترعرعت في أراضي الحرب الباردة التي أعقبت انكسار النازية بين المنتصرين المتخاصمين في أطراف الأرض الأربعة، ورغم ان القضاء الدولي كان يتتبعها ويقضي على بقاياها ومستوطناتها في واحدة من أكثر المحاكم إثارة بعد الحرب العالمية الثانية، الا ان الكثير منها توارى بعيدا لكي يترك لنا مستوطنات طفيلية بدأت بالنمو ثانية في كثير من بلدان العالم وخاصة هنا في الشرق الأوسط بعد منتصف اربعينات القرن الماضي وقيام دول العشائر والقبائل هنا وهناك.

    وخلال أكثر من نصف قرن مارست تلك الفاشيات الصغيرة أبشع أنواع السلوك العنصري والإبادة الجماعية للسكان سواء بالقتل أو التهجير، أو بإلغاء الذاكرة الثقافية واللغوية للسكان على خلفية قومية وعرقية عنصرية أو دينية ومذهبية، كما حصل هنا في كوردستان العراق وتركيا وايران وسوريا وشمال افريقيا واسرائيل وجنوب السودان، وكثير من الدول والمجتمعات التي استطاعت فايروسات النازية ان تنمو فيها وتتكاثر، في غياب الديمقراطية وعلى خلفية البيئة الصالحة لنموها وهي انعدام العدالة الاجتماعية والنظم القبلية والبدوية وتفشي الأمية الحضارية والأبجدية، وما ساعد في نمو وتطور تلك الفاشيات ومستوطناتها صراعات الحرب الباردة التي دعمت وحافظت على كيانات تلك الأنظمة.

    ومع توقف تلك الحرب وصراعاتها بدأت ملامح حقبة جديدة في تاريخ العالم السياسي والعلاقات بين الدول، وبالذات بعد احتلال العراق لدولة الكويت وما أفرزته من تحالف دولي كبير أدى الى تحريرها، وإصدار قرار من مجلس الأمن يتيح للمجتمع الدولي حماية الشعوب من حكامها المستبدين والذي تمثل في القرار 688 واستحداث منطقة الملاذ الأمن في كوردستان العراق ومنع الطيران في جنوبه لحماية السكان من بطش الدكتاتورية.

    وخلال العقدين الماضيين انكفأت كثير من قوى الفاشية،    وتحررت العديد من الشعوب ونالت استقلالها، كما في دول يوغسلافيا وتيمور الشرقية وكوسوفو، وسقوط طاغية بغداد ونظامه الفاشي، وما يجري منذ نهاية العام الماضي ومطلع العام الجديد من سقوط وتقهقر للنظم الدكتاتورية والفاشية في دول الشرق الأوسط، حيث يشهد العالم حقيقة هذه الأنظمة وجرائمها بحق شعوبها، وكيفية التعامل مع احتجاجات سلمية لم تتعد تظاهرات شبابية سواء في تونس أو القاهرة أو دمشق أو صنعاء أو طرابلس وبنغازي.

    لقد سقطت الآفة الكبرى ويسقط الباقون لا محالة تاركين وراءهم مجاميع من فايروسات وطفيليات الفاشية والفساد تستوطن في زوايا مظلمة، كما فعلت في العراق فاندست في مفاصل النظام الجديد،  وغيرت جلودها ومظاهرها لتنخر في هذا الجسد الثر، مستغلة آليات النظام الديمقراطي وطبيعته بقبول الآخر، مستقدمة كل مافيا الإرهاب والجريمة من كل أصقاع العالم المظلم بالتعاون من أشباهها وراء الحدود، لتحيل البلاد الى حمامات للدماء ودوامة للعنف والفساد والإفساد، في محاولة منها للعودة الى الحكم أو تدمير البلاد كما فعلت حينما سقط رموزها وانهار نظامها؟
 
 حينما سقط كبيرهم الذي علمهم سحر الدكتاتورية، هربت مجاميع من مرتزقة الدكتاتور ومريديه من الفاشيين الصغار الى ملاذات تمت رشوتها قبل السقوط لتكون مرتعا لها ومحطة على أمل العودة من جديد، لكنها تسونامي الأنظمة القذرة اجتاحتهم جميعا من صنعاء الى القاهرة ودمشق وطرابلس ليبدأ سقوطهم الأخير في ملاذات تتهاوى أمام زحف الشعوب.
 
    وكالحرباء تحاول اليوم تغيير ألوانها لكي تتمركز في بعض من مفاصل الدولة محاولة اعادة عقارب الساعة الى عهدها الأسود، متناسية ان آليات وجودها وديمومتها قد ولت الى غير رجعة، وان حاجز الخوف لم يعد له وجود في ذات الإنسان الذي نجح في تمزيقه وانعتق من ذلك الشرطي الذي كان يسكنه طيلة عقود سوداء، انها تسقط تدريجيا أمام وعي الشعوب وإرادتها في التحرر والانعتاق وبناء حياتها الجديدة ومجتمعاتها المدنية الديمقراطية بعيدا عن الدكتاتوريات بشتى أشكالها السياسية والقومية والاقتصادية والدينية.

    فاذا كانت أنظمة الفاشية تتهاوى اليوم تباعا عن رأس الهرم، فان المجتمعات والشعوب لم تعد تتحمل أو تتقبل ظاهرة الفساد والإفساد التي أصبحت تمثل الوجه الأكثر بشاعة للفاشية الجديدة المقنعة، من خلال مجاميع الفاسدين والحرامية ومافيا المال والسحت الحرام،  التي تنخر في جسد الدولة والشعب وتمتص دمائه وتقتنص فرص شبابه وشاباته في التقدم والازدهار. 

kmkinfo@gmail.com
 


445
كفاح محمود من الاعدام الى شاشات الإعلام!
حوار صريح أجراه رياض الفرطوسي من كوردستان
كفاح محمود كريم .. رجل ضد التيار
ربما يختلط الليل
بأول القطر
والهمسات أنغاما
بين العاشقين
والكلمات غناء
يتسلل إليها أول الضوء
فتصير الشفاه قوس قزح

كفاح محمود كريم... واسماء كثر : كفاح ابو العلا، كفاح السنجاري، كفاح الشمس، واحبهم اليه اولهم...
    بدا عاشقا وصائدا للجمال عند تخوم جبل سنجار المثير للهواجس والانبهار, لكنه كان مأخوذا بالمعرفة والابداع وشغوفا ومولعا بحبه للشعر والفن والادب، فالطبيعة من حوله تستفز كل عوالمه وهواجسه، انطلق بروح عذبه في الكتابة لكنه ايضا حاول ان يرسم مشاهداته الشعرية ويحي فيها استجاباته الداخلية, كتب مقالات مفتوحة على صميم الجرح العراقي منذ كان معارضا وسجينا في زمن انهيار الاخلاق والمبادي والقيم لكنه ظل وفيا لقضيته ولم يك هشا رغم انه سيق الى الموت والمحارق !

كفاح محمود من الاعدام الى شاشات الاعلام

 
*استاذ كفاح هل تتحدث لنا عن كفاح محمود من وجهة نظره هو ؟
 
_ربما ادع هذه المهمة لقاص وصحافي عراقي كبير قابلني في مطلع التسعينات، وأجرى حوارا مطولا وفي نهايته: سألته كيف رأيت كفاح؟
قال: انسان مشاكس يصنع بمشاكساته انماطا مثيرة من الفن والأدب والإعلام والسياسة، ضحكتُ فرد قائلا إذن هذا أنت!
 
*ألا تعتبر هذا نوع من الغرور مثلا
 
_انا لم اقل شيئا، هم يقولون؟
اسأل النقاد ولو كان عبدالوهاب النعيمي معنا لقال اشياء اخرى!
   لقد عايشني حتى كاد ان يعتقل او تتم تصفيته فابتعد عن الموصل قليلا الى ملاذ آمن حتى وافته المنية!

 
*هل تستطيع ا ن تتحدث لنا عن طفولتك او لنقل المراحل المهمة في حياتك وما هي الجوانب المعتمة او المضيئة في هذه التجربة ؟
 
  بإيجاز يوفر لنا الوقت ويمنع عن القراء الملل
   لم يك هناك شيئا غير اعتيادي عن اي نشأة لعراقي من جيلنا الخمسيني، سوى جبل اشم كنت وما زلت مغرما بهامته منذ ولدت عند حافاته، ومحطة شهدتها كما الان وكنا ما نزال صبية في مطلع الستينات من ارهاب وخوف انتجته ( عروس الثورات ) البعثية
   ما زلت اذكر اعتقال عمي فجر الثاني عشر من شباط 1963م كان فجرا اسودا

 
*من هنا بدأت الذاكرة تخزن تاريخنا الشخصي وتاريخ بلادنا المعاصر
 
   نعم انها ربما ذاكرة اختلط فيها الرصاص مع الكحل مع الموت مع التشرد مع الحب , كيف بدءت تتشكل عندك الرؤى السياسية وقت ذاك وعلى اي منحى اخذت تميل ؟
  ربما ايضا واحدة من تلك المشاكسات هي الرسم والخط العربي الذي بدأت افرغ فيه انفعالاتي وخوفي ( عمري هنا لم يتجاوز 14 سنة ) الناتجين من ذلك الفجر الاسود 12 شباط 63 ، ربما هروبا الى عالم اكثر امنا وحرية؟
    قبل نهاية الثانوية كانت هناك بذور ماركسية زرعها احد المدرسين ومضى هو الاخر منفيا، حينما بدأت تنمو تلك البذور ادركنا حقائق كثيرة، ربما اجملها شمس كوردستان التي اشرقت مطلع السبعينات من القرن الماضي، ومنها بدأ المشوار..

 
*استاذ كفاح في مشاورك هذا وعلى مستوى الابداع نجد انك ذهبت في الادب كما في التشكيل كما في السياسة الا تعتقد ان التخصص مصدر من مصادر الابداع ؟ والحال انك استطعت ان تبدع في كل تللك التخصصات وهذا ما لا نلاحظه الا في عدد قليل من المثقفين ؟
 
    هي بالتالي عوالم لفضاء واحد هو الابداع، وهي ايضا ذات البذور وان اختلفت البيئات والعناوين، المهم في جميعها هو الصدق في التعبير والاصالة والقناعة التامة حد الايمان بالموضوع
    الاختصاص ربما يكون اكثر الحاحا وانت تعالج مريضا او تدرس طلبة او ما شابه ذلك، لكنني ارى ان كل حقول الابداع تنمو من ذات البذور وان اختلفت البيئات كما قلت لك!
   على لا يؤثر ذلك في موضوعة المواهب، وتلك بتقديري مسائل فسلجية ليس الا، ربما لانني لا اجد تعليلا لحد الان لماذا لا يكون مذيع شهير ذي صوت رخيم مطرب متميز في ذات الوقت؟

 
* اعود الى مرحلة تشكيل وعيك السياسي في مراحل التنقل بين كردستان والحلة هل ثمة استمزاج في الرؤيه ساهمت فيه الظروف التي فرضت عليك
بمعنى اصح هل اثر المناخ العربي على مزاجك الثقافي والسياسي والخ
_ بداية مرحلة تشكيل هذا الوعي هو النهوض القومي والوطني الذي بدأ بعد اتفاقية آذار 1970م بين الحركة التحررية الكوردستانية والحكومة العراقية، وكان حقيقة هو الانطلاق الى كثير من العوالم الابداعية سواء في الادب او الفن او الاعلام، ومما ساعدني انذاك هو ثقافتي العربية وطبيعة الدراسة ايضا كانت باللغة العربية منذ الابتدائية. اما موضوعة السياسة فهي بتقديري ليس بمفهومها المهني البحت، لقد تعرضنا في معظم مدن وبلدات كوردستان بعد اتفاقية الجزائر 75 لعملية ابداة منظمة ، وكان نصيبي فيها النفي الى الحلة ووالدي الى اربيل؟.
    بعد عدة اشهر من النفي الى الحلة شعرت انها واهليها البابليين العتقاء منحوني الانتماء،  وشعرت بانني واحد من ابنائها الحميميين، عليك ان تتصور انت والقارئ كيف تبلور هذا الشعور من لدن انسان منفي بسبب عرقه وفكره المختلف؟
   حقا الحلة واحدة من اجمل بوابات العراق على الثقافة والشعر والفن والمسرح والابداع عموما! انها الحضارة والانسان اختزالا!

 
*طيب وانت تتحدث عن بابل هذه المدينة الازلية والتاريخية عمقا وحضاره ماذا اعطتك ايضا وماذا اخذت منك ؟
 اعطتني ( كفاح السنجاري ) الشاعر والفنان والاعلامي، منحتني حب عشتار، وكأي أم معطاء لم تأخذ مني غير نبضات فؤادي وذاكرة متوهجة بحروف بابل الجميلة!
   فيها أدركت ان الصراع في كوردستان ليس مع الشعب العراقي، وليس مع العرب تحديدا؟

   لقد رأيت في سهل الحلة وبساتينها وبيوتها وشيوخها ونسائها وشبابها من يعشق كوردستان مثل عشق البيشمه ركه لها!
   أدركت ان الحضارة في سهل ما بين النهرين ارقى واسمى مما تفعله عصابات لا تمثل الا قيح هذه الارض، جاءت في غفلة من الزمن السيئ لتشوه اعرق الاقاليم؟

 
* بعد هذه النكبات والويلات والمحن والتنقل وبين سلطة قاسية وردح على ايقاع رجال السلطة كيف استطعت ان تصر على ذاتك وقناعاتك ونفسك والحال انك اصبحت امام معركة مفتوحة
   كان صراعا مريرا لكنه لم يك من اجل سلطة او مال، بمعنى لم يخضع للمساومة لانه قضية حياة او موت؟ 
  بقيت منفيا في بابل حتى ما بعد منتصف الثمانينات، حينما سمحوا لي بالعودة الى مدينتي، وهناك انكفأت لعدة سنوات حتى عدت ثانية الى الصراع الذي انتهى بمحاولتهم إعدامي فسقطوا هم ونهضت انا ومدينتي أحرارا أعزاء..
 
*كنت قبل قليلا تتحدث لي عن علاقة جدلية خاصه مع مدينة الحلة اختلط فيها الميثولوجي بالنفسي بالاجتماعي بالكوني وبالانساني هل فعلا  شعورك وانت تعيش وسط الحله انك منفي والحال ان شعور النفي شعورا قاسيا عند اي انسان فكيف بالكاتب والاديب والسياسي ؟
 
   قلت لك بعد اشهر فقط تلاشى الشعور بالنفي الا في لحظات مراجعة السلطات الامنية واعلامها بوجودي او طلب الاجازة للذهاب الى بغداد او الجنوب
  لقد منحتني الحلة الانتماء واهليها منحوني وطنا جميلا

 
*ماهو مفهوم الوطن بالنسبة لك  
الوطن بتقديري ليست بقعة الارض وحدودها او مجموعة الاهالي وهوياتهم؟
لماذا نحب بيوتنا واهلها ونضحي دونها طوعا؟
  أريد ان اصل الى ان الوطن هو الاحساس بانك محبوب ومحترم وهناك من يحرص عليك وعلى اسرتك وحياتك ومستقبلك؟

 
*المثقفون اعطوا للوطن التضحية والمال والابناء والكفاح من اجل الحرية ولكن الوطن لفضهم ومنحهم الاغتراب والنفي وربما انت ايضا طالك ما طال الاخرين , اين تكمن المشكلة في رائيك
 
هو هذا ما اريد ان اقوله
    لقد سحق الوطن وتلك الشعارات الاف اوربما عشرات الالاف من خيرة ابناء هذا البلد الذي لم يحترم تلك التضحيات ابدا
   اكرر وأصر على ان الوطن هو ذلك الكائن الذي تشعر فيه بالامان والاحترام والتقدير والتميز

 
*هل ثمة شعور بالمواطنه للانسان العراقي , بمعنى حب حقيقي للوطن ؟ تجد من باب الامثلة من ياتي ليشتم العراق ولكن لا تجد شعور من طرف العراقي على غيرته على وطنه في حين تجد ان الكردي اذا شتمت امامه كردستان يتشيط غضبا والما , هل الكردي في رائيك اكثر شعور بالمواطنه من العراقي ام ان ثمة اسقاطات اخرى فرضتها دواعي الكره للسلطه واخذت عاتقها على الوطن كشعور
 
   هي كل ذلك؛ في كوردستان مواطنة عالية بلورتها سنوات المقاومة والنضال ضد الدكتاتورية والاستعمار وفي بقية العراق كان هناك صراع من نوع اخر
 
* انت تبنيت برنامجا حواريا ناجحا هل كنت تريد ان تصل لشي ما
 
   هناك سلطة أوهمت الناس بأنها حامية الوطن ومحررته على طول الزمن منذ تأسيس المملكة ذلك التأسيس الهش؟
 
 *تبنيت برنامجا حواريا ناجحا هل كنت تريد ان تصل لشي ما .
  في لنتحاور أردت ان أشيع ثقافة قبول الاخر والتعايش معه، وان أدوات الصراع يجب ان تتغير من الكلاشنكوف الى الحوار الفكري والسياسي والاقتصادي والديني واي حقل من الحقول التي ربما تكون سببا في احتدام الصراع الاحمر؟
 
*بين مرحلة الكفاح والاعتقال وبين الاعلام والتلفزيون هل ثمة فواصل مشتركة جعلت من كفاح محمود عنوانا مشتركا للعرب والكرد وايضا عنوانا للحوار والسلم
 
    تأكد كما قلت لك ان الموضوع ليس عربا وكوردا، فما بين هؤلاء من نسيج لن يدركه الساسة السيئين في محاولاتهم العقيمة، وسأعطيك معلومة ربما لا يعرفها الكثير:
   كنت محكوما( سياسيا ) بالاعدام في سجن بادوش غرب الموصل، وبيننا وبين التنفيذ ساعات او ايام قبل سقوط النظام، هل تعلم من ساعدني على الهروب من السجن ليلة 27/28 آذار 2003م؟
   لم يكن كورديا بل كان عربيا والاخر تركمانيا، الاول قاضي والثاني ضابط امن برتبة نقيب؟

 
*قرار الاعدام الم يشكل لك صدمة وماذا كانت تاثيراته عليك لاحقا ؟
 
    لا انفي ذلك لكنني ضحكت كثيرا حينما ابلغوني بقرارهم البائس بالاعدام والطائرات تدمر مبانيهم فوق رؤوسهم، حتى ان احدهم قال لقد اصيب بالهستيريا؟
   ضحكت كثيرا لكنني شعرت بدموعي تنهمر متذكرا وجه اصغر اولادي ( 4 سنوات ) كوني لم اشبع منه كما يقولون.
  بعد اقل عشرة ايام كنت احد المسؤولين عن المدينة وطلبت حماية عوائل البعثيين الهاربين وعدم المساس بهم وباموالهم ؟

 
* الكاتب هو ربيب التمرد الجميل والطفولي انت ككاتب ومحلل سياسي ماذا تريد ان تقول بمحور لنهاية الحوار من خلال مجلة سطور
 
   علينا لكي نؤسس وطن جميل ان نقبل بعضنا ونحترم اختلافنا ونكون اكثر حرصا على اشاعة المحبة والعلاقات السليمة لكي نساهم في بلورة مواطنة راقية.

 
اشكر لك سعة صدرك وهو بلا شك كبير وواسع كسهول شهرزور الجميلة دمت عزيزا علينا
رياض الفرطوسي/ مجلة سطور



446
لماذا يخشون إحصاء السكان في العراق؟

كفاح محمود كريم
kmkinfo@gmail.com
    
   منذ عدة سنوات تقرر إجراء تعداد عام للسكان في العراق لتحديد كثير من الأمور والحاجات الاقتصادية والزراعية والصناعية والحضارية وما يتعلق بالتعليم والأمية، وكممارسة حضارية تجريها معظم دول العالم كل عشر سنوات، لقياس تطورها ونقاط ضعفها وقوتها ووضع خططها وبرامجها من اجل ذلك.

    وقد اعتادت الحكومة العراقية منذ تأسيس المملكة العراقية على إجراء تعداد عام للسكان كل فترة من الزمان، وربما كان إحصاء عام 1957م من أدق الإحصاءات التي لم تتعرض إلى أي تشويه أو تزوير على خلفية عرقية أو قومية أو دينية، ولذلك نرى انه الأكثر اعتمادا في كثير من القضايا العالقة، بسب تعرض معظم التعدادات التي تبعته إلى تغييرات وتشويهات شوفينية أو مذهبية ومناطقية، جعلتها غير معتمدة أو موثوقة كما في إحصاء 1977 وما تلاه من إحصاءات حتى آخرها في 1997م.

    وكان من المقرر إجراء تعداد عام للسكان في سنة 2007م بشكل نزيه وواقعي، خصوصا وان الظروف قد تغيرت وأصبح النظام السياسي للبلاد ديمقراطيا تعدديا، ولم تعد هناك سلطات قادرة على إجبار الأهالي لتغيير قوميتها أو مذهبها أو انتمائها، كما كان يحصل أيام النظام السابق فيما عرف بتصحيح القومية سيئ الصيت في بعض من محافظات الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين، لغرض إحداث تغيير ديموغرافي لصالح عرق او قومية كما حصل في عملية تعريب مناطق سنجار والشيخان وعقرة وكركوك وخانقين وزمار ومخمور والعديد من المدن والبلدات وسلخها عن إقليمها الجغرافي والتاريخي والثقافي، إلا انه تم تأجيل ذلك التعداد بذرائع واهية لا تعتمد على أي أسس علمية أو منصفة، وبدأت عملية التسويف والتنصل من إجراء التعداد وبالذات في المناطق التي تشملها المادة 140 من الدستور الدائم، بضغوطات محلية وخارجية خشية من انكشاف حقيقة الأمور في هذه المناطق، سواء في كوردستان العراق أو بقية أنحاء البلاد التي تعرضت للتغييرات الديموغرافية العرقية والمذهبية المقيتة، وبذلك تم تعطيل كثير من خطط التنمية والأعمار والعديد من مواد الدستور ومشاريع حل الإشكاليات الموروثة من النظام السابق.

     وقراءة في هذه الأسطر التالية من مقال للسياسي الكوردي المخضرم علي السنجاري ندرك تماما ان ثقافة ذلك النظام ونهجه المقيت ما يزال ساريا في كثير من مفاصل الدولة ومؤسساتها، بل وفي العديد من الأشخاص والأحزاب التي تكونت من بقايا ذلك النظام ونهجه الشوفيني، ونعرف تماما هوية من يقف وراء تأجيل أو إلغاء أو تشويه أي تعداد قادم للسكان يظهر حقيقة الأمور.  

     ( بعد اتفاقية الحادي عشر من آذار سنة 1970 بين قيادة الثورة الكوردية وحكومة حزب البعث العربي الاشتراكي . ورد بند في الاتفاقية بخصوص القيام بإحصاء في محافظتي نينوى وكركوك بغية إلحاق المناطق ذات الأغلبية الكوردية في تلك المحافظتين بمنطقة الحكم الذاتي وبخاصة في الأقضية والنواحي  الكوردية ضمن محافظة نينوى مثل سنجار والشيخان وزمار وشرقي مدينة الموصل . حيث تم الأعداد للقيام بالإحصاء في آذار  1971 أي بعد مضي سنة واحدة على بيان آذار وتم تشكيل لجان مشتركة من ممثلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب البعث والسلطة وتم طبع الاستمارات الخاصة لهذا الغرض . وقبل شهر من القيام بالإحصاء وتحديداً في شهر شباط 1971 طلب محافظ نينوى آنذاك السيد خالد عبدالحليم لقائي بصورة منفردة حيث كنت مسؤولاً لفرع نينوى ودهوك للحزب الديمقراطي الكوردستاني . وقال بأن لك رسالة من مجلس قيادة الثورة تتضمن تعاونك معنا لتزوير الإحصاء مقابل مبلغ مليوني دولار ومنصب وزاري في المستقبل. وقال أيضاً اذا لم تتعاون معنا لن يجرى الإحصاء.)*

ورفض علي السنجاري طلبهم واغراءاتهم والغي الاحصاء ولم يتم لحد الآن، وما زال حقل الألغام هذا فعال ومفاتيحه لدى أولئك الذين يرومون تحويل العراق الى حفنة من تراب، وما أشبه اليوم بالبارحة!؟

 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من مقال للأستاذ علي شنكالي في جريدة التآخي البغدادية
الأربعاء 6 أكتوبر 2010


447
المنبر الحر / السقوط
« في: 14:00 26/09/2011  »
السقوط

كفاح محمود كريم

   في اللغة العربية؛ السَّقْطةُ: الوَقْعةُ الشديدةُ. سقَطَ يَسْقُطُ سُقوطاً، فهو ساقِطٌ وسَقُوطٌ، واحدة من أكثر المفردات انتشارا منذ نيسان 2003م،  حينما انهار نظام صدام حسين وهرب رئيسه الى تلك الحفرة البائسة، ومن ثم تهاوى كامل هرم الدولة العراقية بمؤسساتها، وهروب القائمين عليها، بين سقوط وهروب الى خارج البلاد بما حملته حقائبهم من خفيف الوزن ثقيل النوع، أو انكفاء في بيوت وملاذات حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود!؟

     وخلال سنوات طويلة سادت هذه المفردة وشاعت بين كل الناس، حتى أصبحت مصطلحا يدلل على نهاية صدام حسين ونظامه، الذي سقط حقيقة قبل احتلال الأمريكان للبلاد بسنوات طويلة، حينما تجاوز ذلك النظام كل الأعراف والمواثيق الدولية والثوابت الأخلاقية والقانونية، وتعامل بوحشية مع شعبه وأهله ورفاقه، فسقط منكفئاً في ذاته حتى تحول الى محطة للسخرية والتهكم من لدن كل الأهالي بمن فيهم الكثير من تنظيماته المدنية والعسكرية التي كانت تعبر عن استيائها الشديد منه ومن سلوكه الدكتاتوري والعشائري المقيت، فتخلت عنه تماما منذ الأيام الأولى للحرب؟

    ان ما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط عموما هو استكمال لعملية السقوط التي بدأت في بغداد، وتأخذ مدياتها في كل عواصم الدكتاتورية التي تلغي الآخر وتكثف السلطات بيد شخص أو حزب أو عرق أو قوم أو دين أو مذهب، في بلدان تنوعت فيها كل هذه الانتماءات وتم اختزالها لصالح دكتاتور مريض أو حزب فاشي التهم بقية الأحزاب والحركات ليؤسس جمهورية الرعب والخوف والإلغاء.


   لقد حاولت كثير من وسائل الإعلام تعريف السقوط على انه سقوط بغداد أو العراق، لكي توحي للرأي العام بان الذي سقط هو العراق وليس ذلك النظام الفاسد، في محاولة لإعاقة عملية التغيير والإصلاح والبناء، وتشويه ما حدث ويحدث لصالح أولئك الذين سقطوا واقرانهم في عواصم الدكتاتوريات، التي تتهاوى اليوم وتسقط أنظمتهم البائسة، ليكتشف العالم عارات أولئك الذين كانوا يغطون بدائياتهم وجرائمهم، بشعارات وتسميات اقلها إنهم منقذي الأمة وحماة الشرف والحضارة ومناضلي الوحدة والحرية والعدالة، بينما أزاحت عملية السقوط ذلك الستار الحديدي وتلك الغشاوة عن حقائقهم، لتظهر أبشع ما يتصوره المرء في سلوكهم وعلاقاتهم وجرائمهم، وابعد ما يكونوا عن الشعب وعن تلك الشعارات الرنانة الفارغة.

    ان من سقط في الأمس ويسقط اليوم، هو تلك الأنظمة وأحزابها ورموزها، وليس الشعوب التي ترمم ما خربته تلك النظم الدكتاتورية ونتائج سياساتها، التي عرضت بلدانها للحروب والاحتلال أو التدخل الأجنبي، كما حدث في العراق ويحدث في ليبيا، وهي ما زالت تحاول إسقاط دولها وأنظمتها الجديدة من خلال تشبثها بالسلطة وتدمير البلاد وإغراقها في دوامات العنف والدماء كما حصل وما يزال في العراق وليبيا وسوريا واليمن.

 
    حقا لقد بدأ سقوطهم في بغداد وها نحن ذا نشهد سقوطهم المخزي في تونس وطرابلس وصنعاء ودمشق وكل العواصم الجميلة التي حاولوا تشويه صورها وتاريخها ونظافتها، وغدا ستعود بغداد ودمشق والقاهرة وشقيقاتهم من مدن الشرق الجميل الى عهد تاريخهم العريق منارات للحضارة والحرية والانعتاق.

kmkinfo@gmail.com

448
كهرباء كوردستان ونفط الشهرستاني؟

كفاح محمود كريم

   مع مطلع هذا العام 2011م مُزقت واحدة من أكثر أوراق الخدمات قتامة وأرسلت الى الماضي المؤلم، لتنتهي أزمة مستعصية منذ عقود طويلة هنا في إقليم كوردستان العراق، إلا وهي الكهرباء التي أصبحت على مدار الساعة تقريبا، وتجاوزت حدود الحمل الفائق  في صيف تميزت حرارته الشديدة باختراق حاجز الخمسين درجة مئوية، ونجحت الحكومة وإدارة الكهرباء معا في تحديهما وإنهائهما لمرض سرطاني يأس الكثير من شفائه؟

   لقد أنجزت الإدارة السياسية والفنية في إقليم كوردستان منذ أكثر من عام، برنامجا ناجعا لإنتاج الكهرباء بالتعاون المثالي والجريء مع القطاع الخاص في تجهيز المحطات الغازية التي تنتج ما يقرب من  2225 ميكاواط، بما يوفر ما قيمته ملياري دولار ونصف لحكومة الإقليم، باستثمار لم يزد عن مليار دولار نفذه القطاع الخاص، وأنهى واحدة من أكثر الخدمات تخلفا وتأثيرا على مجريات الحياة في الإقليم، حتى غدا خلال الصيف المنصرم قبلة العراق بأكمله، حيث تجاوز عدد العراقيين القادمين من مختلف المحافظات أكثر من مائة وعشرون الفا مواطن كل شهر.

   واضافة الى تغطية معظم ساعات اليوم من الكهرباء في كافة انحاء الاقليم، فقد بادرت الحكومة الاقليمية الى منح محافظة كركوك مائتي ميكاواط لترفع ساعات تغذيتها الكهربائية من ثمان ساعات الى ما يقرب 18 ساعة يوميا، وفي نية الادارة هنا تزويد مناطق مهمة من محافظة نينوى ايضا بالكهرباء.

   ان هذا المشهد يؤكد جملة من الحقائق المهمة في مقدمتها الجدية والشفافية والاصرار على تحقيق الاهداف المرجوة، وتفعيل دور القطاع الخاص وإشراكه في تنمية الإقليم وتطوير بنيته التحتية وعدم أنهاك الدولة ومؤسساتها بأثقال إنتاج الكهرباء وغيره من الأمور التي يمكن للقطاع غير الحكومي إنتاجها وتوفيرها بإسناد وحماية ورقابة من الحكومة.

    وكما يشعر الفرد بفرح غامر وهو يتجول في كوردستان المضيئة ينتابه الشعور بالاسى لبقية انحاء البلاد التي تعاني نقصا كبيرا في انتاج الكهرباء وبقية الخدمات، رغم ان الحكومة الاتحادية ( الكهرباء والنفط ) منذ ما يقرب من ست سنوات قد انفقت أو خصصت اكثر من عشرين مليارا من الدولارات للكهرباء، ووقعت عقودا هائلة لذات الغرض مع شركات حقيقية او وهمية، بمعدل يزيد عن مليار ونصف المليار من الدولارات لكل محافظة عدا محافظات اقليم كوردستان الثلاث وتوابعها، ومقارنة مع المليار الواحد الذي انفقته كوردستان على تغطية كهربائها كاملا مع مائتي ميكا واط منحت لكركوك، يتبين لنا البون الشاسع بين ما يصرحون هناك في بغداد وبين الفعل هنا في كوردستان، مع وجود هامش الفساد المالي والاداري ايضا في الاقليم، يقابله اصرار واضح وجدي من قبل الادارة على مكافحته وتحقيق تلبية كل متطلبات الفرد الاساسية.   

  لقد أنفقت الحكومة الاتحادية متمثلة بوزارتي الكهرباء والنفط  مليارات الدولارات تجاوزت الثلاثين مليارا من اجل توفير الوقود وتحسين أنواعه، وإنتاج الكهرباء وتطوير شبكته، وواقع الحال يظهر خارطة بائسة للوقود ونوعيته وأسعاره في كل العراق، ووضعا مزريا في التجهيز والتوزيع للطاقة الكهربائية في المحافظات الخمس عشرة، إذا لا تتجاوز التغذية الكهربائية في أفضل حالاتها العشر ساعات وتتدنى الى اقل من أربع ساعات خلال اليوم الكامل في مناطق واسعة من البلاد، بينما تنحدر الى العدم أو عدة ساعات قليلة جدا في الاقضية والأرياف؟

    إن مقارنة بسيطة ومشاهدة سريعة لتطور الإقليم خلال السنوات الأخيرة، تؤكد إن خللا كبيرا في إدارة ملف الخدمات والطاقة يكمن في أداء الحكومة الاتحادية، وبالذات في الوزارات ذات العلاقة بالكهرباء والنفط والمالية والبلديات والصناعة والصحة والتعليم، إذ تعاني معظم هذه القطاعات من تقهقر خطير في برامجها وأدائها،  مما انعكس بشكل واضح وخطير على الوضع الصحي والمعاشي لغالبية السكان، بحيث أصبحت معدلات الفقر تؤشر حالة خطيرة في دولة غنية مثل العراق، إذ يعيش ما يقرب من سبعة ملايين عراقي خارج إقليم كوردستان تحت سقف الفقر، بينما تراوحت نسب الفقر المئوية بالنسبة لكثافة السكان من أربعين بالمائة، حيث يذكر التقرير الذي أعده الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، بإشراف اللجنة الوطنية العليا لسياسات تخفيف الفقر وتوليد فرص العمل وشبكة الأمان الاجتماعية، ان محافظة المثنى تتصدر نسب الفقر حيث تبلغ النسبة فيها 49%، في حين بلغت النسبة في العاصمة بغداد 13%، وفي الموصل 23%، وفي ديالى 34%، والانبار 21%، وبابل 41%، وكربلاء 37%، وواسط 40%، والمثنى 49%، والبصرة 34%، والنجف 25%، والقادسية 35%، وذي قار 34%، ومحافظة ميسان 37%.


    اما في إقليم كوردستان فقد كانت نسبة الفقر في محافظة أربيل العاصمة 3%، وفي السليمانية 3%، وفي دهوك 9%، وفي كركوك 11%، وتكفي لغة الأرقام هذه لتظهر مديات النجاح والفشل في خطط التنمية ونسب الفساد والإصلاح ايضا.


kmkinfo@gmail.com
*نص تقرير وزارة التخطيط العراقية حول معدلات الفقر في البلاد:
http://www.pukmedia.com/News/27-04-2009/news12.html


449
وعاظ السلاطين الى أين؟

كفاح محمود كريم

    ما أن انهار نظام صدام حسين الدكتاتوري حتى انقسمت مجاميع الطبالين والزمارين من وعاظ السلاطين الى عدة أقسام أهمها من بقي هنا يمارس ذات المهنة مع الحاكم الجديد بتغيير غير كبير في بعض الإكسسوارات والأسماء، وبعض غير قليل هاجر ليدغم في الدول ذات الأنظمة الشبيهة في المنطقة، وبالذات الى دول أنظمة الحزب القائد أو القائد الأسطورة في سوريا واليمن وليبيا والى حد ما الى مصر وتونس، وآخرين لملمتهم عطايا وحنايا بعض المؤسسات الإعلامية هنا وهناك في دول الخليج وغيرها؟

    وربما ظن الكثير منهم على خلفية تلك الشعارات الافيونية التي أدمنهم عليها نظام القائد الضرورة وعطاياه التي أعمت أبصارهم وبصيرتهم، انهم في إجازة قصيرة أو فاصل قصير على عادة مذيعي فضائياتنا اليوم، وسيعودون سالمين غانمين الى امبراطويتهم التي انهارت خلال أيام فقط لا غير، بتأييد وتأميل من تلك الأنظمة والدول التي احتضنتهم وحولتهم الى أبواق دعائية بعد أن أحالت العراق الى ساحة حرب ينزف فيها العراقيون دما ودموعا وأموال بذات الشعارات الجوفاء التي أدمنتها شعوبنا منذ ما يقرب من نصف قرن!؟
 
    وخلال سنوات مريرة منذ سقوط أولى الدكتاتوريات المخزية في بغداد قبل تسع سنوات، عملت كل الأنظمة الشبيهة التي احتوت تلك المجاميع المريضة والكئيبة من أصنام ذلك النظام المتحجر على إدامة وتغذية دوامة العنف والإرهاب والتقتيل في عراق يئن من جروح غائرة تركها النظام وأدامها الاحتلال وأخطائه المفجعة، وسخرت وسائلها الإعلامية على تشويه الحقائق والدفاع عن نظام موغل بالجريمة والإرهاب وإعاقة تقدم البلاد وإشاعة اليأس والإحباط بتورطها في كثير مما جرى ويجري في البلاد، ابتداءً من تدخلاتها في العملية السياسية وإعاقة تقدمها وتشتيت جهود المخلصين في توحيد الصفوف من خلال عملائها ومريديها، وانتهاءً في مشاركتها وعملائها في عمليات الفتنة والإرهاب وتعطيل الدستور ومواده؟

      وصدق من قال ( تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) لتعصف تسونامي بالأنظمة المتعفنة، وتتهاوى أصنام دكتاتور بغداد الكبير في كل من تونس وليبيا ومصر، وقريبا في دمشق وصنعاء، لتواجه تلك المجاميع من وعاظ السلاطين سقوطها الكبير وأزمتها في جغرافية وجودها ومجالها الحيوي، خصوصا وإنها تعاني الآن من تضخم سرطاني بسبب التحاق الكثير من أقرانها في تلك الأنظمة المتهاوية التي تشد الرحال هي الأخرى هذه المرة الى صحراوات لا أول لها ولا آخر في أفريقيا، أو تركب البحر من بانياس وسرت وتونس والحديدة وعدن، لترحل هذه المرة الى حيث مراضعها الحنونة، وعربات القطار التي حملتها ذات يوم بائس الى دفة الحكم، ترحل الى دول الاستعمار والامبريالية لتنعم هناك بالأمن والسلام الثوريين، مثل أكثر قادة المتطرفين الإسلاميين المقيمين في دول الكفر والخنازير كما يطلقون عليها في أدبياتهم المظلمة، بينما ينعمون بخيراتها ومساعداتها هم وعوائلهم؟


     ويبقى السؤال هل ان سقوط أصنام الدكتاتورية وأنظمتها سينهي حقبة وعاظ السلاطين واوبأتهم، وان الديمقراطية كفيلة بتقليص مستوطناتهم، أم إن من بقى منهم وتكيف مع الأوضاع الجديدة سينجح في صناعة وتطوير أجيال وموديلات  أكثر تطورا وخطورة في غياب العدالة الاجتماعية والمساواة!؟
   
kmkinfo@gmail.com


 


450
طفيليات الصحافة والإعلام!

كفاح محمود كريم

    في الأنظمة الشمولية ذات التوجه الإيديولوجي تكون الصحافة والإعلام وسيلة من وسائل ادلجة المجتمع وغسل أدمغة الأهالي ومن ثم تعبأنها كما يريد النظام أو الحزب القائد، وفي كل هذه الصيغ يكون الصحفي أو الإعلامي إذاعيا أو تلفزيونيا أداة وظيفية تتقاضى أجرا محددا لأي نشاط ينفذه حسب فكر ورأي الموجه السياسي أو الإيديولوجي في تلك المؤسسة، مع غياب كلي للرأي أو التعبير عنه بأي شكل من الأشكال منافيا أو معارضا لرأي الدولة صاحبة وسيلة الإعلام.

   وضمن تلك الثقافة هناك دوما مجموعة من الضوابط والقوانين التي تحدد مساحات الحرية وتعريفاتها، وواجبات الصحفي والإعلامي بعيدا عن فكرة السلطة الرابعة والنقد إلا في الحدود الموجهة والمسيطر عليها، وبذلك تخضع النصوص والمقالات والحوارات لمجموعة كوابح تقنن مساحات الرؤيا والتفكير إلا بما هو متاح من قبل النظام، وهكذا لا يتعدى واجب الصحفي أو الإعلامي أو الكاتب كما ذكرنا، واجب أي موظف يتقاضى نهاية الأسبوع أو الشهر مرتبه، ولا علاقة له بأي شيء غير ما يملى عليه ويقوم هو بتنفيذه.

     وإزاء ذلك كان حلما على كثير من أولئك المهتمين بالشأن السياسي أو الثقافي مما لا يتفقون وأطروحات النظام السياسي الشمولية، الظهور على شاشة التلفاز أو الحديث عبر الراديو أو الكتابة في الصحافة للتعبير عن وجهة نظرهم في تلك الشؤون، وما أن انزاحت تلك الغمامة حتى ظهرت العشرات من القنوات والإذاعات والصحف والمجلات التي تتمتع بمساحات خيالية من حرية الرأي والتعبير، التي رأى فيها أولئك المحرومون متنفسا لهم وساحة حرة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، حتى فعل الإرهاب فعلته في محاولته إعادة الدكتاتورية مرة أخرى بتصفيته الكثير من الكتاب والصحفيين والإعلاميين الذين لا يتوافقون وأفكار ذلك الدكتاتور المخفي أو المختفي في كثير ممن يحكمون البلاد اليوم؟

   ولعل ظاهرة الفساد والمفسدين قد توغلت هي الأخرى لتلك الوسائل الإعلامية من خلال كوادر غير كفوءة جاءت بها الحقبة الدكتاتورية والسلوك الأحادي والانتهازي، ومن ثم ظاهرة الانفلات غير المسيطر عليه وما ترتب من قرارات بعد سقوط النظام وبدأ ( الفوضى الإعلامية الخلاقة! ) دون سقف أو حدود أو ضوابط، مما سهل عملية اندساس كبيرة جدا في جسد الصحافة والإعلام، الى درجة تجاوز عدد الصحفيين والإعلاميين العشرة آلاف عضو في العراق، وربما ما يقابلهم في إقليم كوردستان يتجاوز الستة آلاف صحفي أيضا، وإلا كيف لنا أن ندرك أو نقتنع بأن نصيب كل محافظة عراقية كمعدل أو متوسط يتجاوز الألف صحفي () إذ لم يك في القضية سر يجعل كل هؤلاء بقدرة قادر أعضاء في هذه المهنة كما صرح الأكاديمي الإعلامي هاشم حسن قبل فترة، وأحالت هذه المجاميع من ( سواق التاكسي والكسبة وعمال البانزينخانات  - محطات الوقود - وبقية أصحاب الحرف والمجاملات الشخصية )* الذين اندسوا الى عالم الصحافة والإعلام وكثير من قنواته الى سوق مريدي للإعلانات والمزايدات والـ بلف ولف الحبال، حيث أصبح حقل الإعلام ساحة لغسل الأموال القذرة ونشر الأفكار الهدامة والسلوكيات المنحرفة من خلال إنشاء العديد من وسائله المرئية والمقروءة او المسموعة!؟

   ثم كيف نفسر وجود هذا العدد الهائل من الصحفيين والإعلاميين مع دعم مالي كبير سواء من الدولة في هيئة إرسالها أو من الأحزاب ومكاتب إعلامها، ومن بقية المؤسسات التي تدعي استقلالها، وغالبيتها تعاني من ضآلة إنتاجها وانكماش نوعيتها، بل وتقهقر مستمر في أدائها المهني؟، رغم ان هذه الكثرة يفترض لها أن تكون ظاهرة ايجابية يمكن توظيفها واستثمارها من اجل إنشاء قاعدة صحفية وإعلامية متميزة للمستقبل؟
 
   ولعل أكثر ما امتازت به بعض هذه الوسائل هو تردي أوضاعها وتقهقر أدائها، وانتشار الاستجداء والتدليس مع الذين يتعاملون معهم كوسائل إعلام لإظهار نشاطاتهم أو مداخلاتهم أو مؤتمراتهم بصرف النظر عن أي شيء غير العمولة أو الهدية التي يتقاضوها منهم، يقابل ذلك اختلاس  كبير لمكافآت الكتاب والصحفيين الذين يساهمون فيها كوسائل إعلام مكتوب أو مسموع أو مرئي، علما بأنها جزء من ميزانية أي صحيفة أو تلفزيون أو إذاعة، سواء كانت أهلية أو حزبية أو تعتمد التمويل من إعلاناتها، فالمكافآت جزء حيوي من ميزانية تلك المؤسسات، ويقوم الكثير من المسؤولين عليها باختلاسها بأساليب اقل ما توصف به باللصوصية والاستجداء والتحايل، وإزاء ذلك يسأل الكثير عن حقيقة هذه الكثافة العالية بمهنة الصحافة والإعلام مقارنة مع نتاجاتها وما تقدمه وتأثيرها على تطور البلاد؟ وهل إن هذه الأرقام تمثل كل حقائق الأمور:


       6300  عضو في نقابة صحفيي كوردستان؟ 
       10000 عضو وأكثر في نقابة الصحفيين العراقيين عدا كوردستان؟
    أي ما يزيد عن 16000 ألف صحفي في العراق، بمعدل ما يقرب أو يزيد عن 1000 ألف صحفي في كل محافظة؟


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تصريح الأكاديمي الإعلامي الدكتور هاشم حسن في انتخابات نقابة الصحفيين العراقيين على الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=qbQ5xnzBKB0

kmkinfo@gmail.com








451
دبلوماسية كوردستان الهادئة!

كفاح محمود كريم 

    منذ عدة اشهر تتعرض حدود إقليم كوردستان العراق ( حدود العراق الشمالية والشرقية ) مع كل من تركيا وايران الى عمليات عسكرية عنيفة اخترقت في كثير من صفحاتها أراض الإقليم جوا وبرا، مستخدمة أسلحة ثقيلة كالمدفعية والطائرات وأدت الى استشهاد العديد من المواطنين الكوردستانيين المدنيين من سكان الحدود، إضافة الى جرح اعداد اخرى وتهجير الكثير من العوائل من مناطق الالتهاب الحاصل بين قوات الدولتين ومعارضيهم السياسيين، ورغم ما يتمتع به الإقليم من مشروعية الرد بالمثل وإمكانياته العملية على ذلك مع تواضعها، الا انها تربك العملية برمتها لو انها استخدمت كرد فعل غير محسوب.

    لقد تعاملت الإدارة في اقليم كوردستان وما تزال مع معظم هذه الاشكاليات بمرونة معهودة بالحكمة والتأني وحسابات بعيدة المدى فيما يتعلق بالأمن والسلم الداخلي والإقليمي، وتأثيرهما على النهضة الاقتصادية والعمرانية والصناعية لكل الأطراف. وكانت الدبلوماسية الرفيعة التي قادها رجل الدولة الديناميكي نيجرفان بارزاني رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس الحزب الديمقراطي الكورستاني اكبر الأحزاب السياسية في الإقليم واعرقها، قد أتت ثمارها في كثير من الإشكاليات في الداخل والخارج وبالذات ملف الحدود مع الدولة التركية وجمهورية إيران، وقد أدركنا جميعا أثناء تأزم العلاقات بين تركيا والإقليم وتحشيدها لعشرات آلاف من جنودها مع كامل تجهيزاتهم الهجومية قبل عدة سنوات، كيفية معالجة الموقف بهدوء وتأني من لدن الحكومة ورأيسها السيد نيجيرفان بارزاني، حينما خاطب الأتراك قائلا لهم ان مصالحكم العليا وامن بلادكم واستقرار اقتصادكم يكمن في مئات الشركات التركية التي تستثمر مليارات الدولارات في كوردستان والتي ستتعرض جميعها للخطر في حالة تأزيم الأوضاع الى درجة الفعل العسكري.
 
    قاد السيد نيجيرفان بارزاني في كثير من المواقف الصعبة الدبلوماسية الكوردستانية لحل إشكاليات معقدة بدءً من الصراع مع حزب العمال الكوردستاني في تسعينات القرن الماضي، وانتهاءً بترؤسه فريقا حكوميا رفيع المستوى مؤخرا الى ايران لمعالجة الموقف على الحدود مع كوردستان، مرورا بكثير من المشاكل الداخلية والأزمات السياسية التي نجح في حلها او تهدأتها سواء مع الحكومة الاتحادية ومؤسساتها او بين أطراف العملية السياسية في الداخل، ويأتي ذلك ترجمة لنهج اعتمدته الإدارة في التعاطي مع الأحداث بحكمة وتأني ومرونة تخدم مصالح البلاد العليا، وخير ما مثل هذا النهج هو مباردة الرئيس مسعود بارزاني التي نجحت في تشكيل الحكومة العراقية وتقريب وجهات النظر بين معظم الأطراف.
 
   لقد أدركت الإدارة في الإقليم بسلطاتها الثلاث وفعاليات الشعب السياسية والاجتماعية ان معالجة أي مشكلة من المشاكل تستلزم وعيا عميقا وايمانا راسخا بمصالح البلاد العليا قبل القيام بأي عمل او رد فعل غير محسوب النتائج، وبذلك اعتمدت اسلوبا حضاريا ومدنيا تميز بالصبر والمطاولة والدقة في موضوع المناطق المتنازع عليها، التي حاولت كثير من الاطراف إشعال نار الفتنة والحرب، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي وفيما يتعلق بانتهاكات دول الجوار شمالا وشرقا، اعتمت ذات النهج في مقاومتها ورفضها للتدخلات والتجاوزات بالتظاهر والاعتصام والاحتجاج والدبلوماسية الهادئة بعيدا عن تشنيج الرأي العام وإشاعة أجواء الحرب والقتال، التي لا تخدم أحدا في أي حال من الأحوال بالحفاظ على إعلام هادئ ومتزن يحفظ الأمن والسلم الاجتماعيين.

    إن إقليم كوردستان الذي يتميز اقتصاده ومجتمعه بالديناميكية والحيوية، ووضعه الأمني بالاستقرار والسلام تحول الى ملاذ آمن لكل العراقيين ومنطقة جذب مهمة جدا للاستثمارات الوطنية والأجنبية، التي تساهم في تطوير الإقليم ونهضته الكبيرة، والتي حولت كوردستان الى ورشة كبيرة في كل ميادين البناء والأعمار والتصنيع وتحديث الزراعة وتطويرها، وما حصل في قطاع الكهرباء والطرق والخدمات الأخرى خير دليل على نجاح برامج الحكومة ودبلوماسيتها الهادئة في التعاطي مع الملفات الساخنة، بما يجعل كوردستان في منأى عن أي عمليات طائشة ربما تؤذي مصالح كل جيران الإقليم الاقتصادية والمالية والسياسية وفي مقدمتهم تركيا وإيران اللتان تتمتعان بمصالح اقتصادية مهمة جدا في الإقليم.
   
   لقد أثبتت السنوات الثمانية التي قاد فيها السيد نيجرفان بارزاني طاقمه الحكومي لدورتين متتاليتين، انجاز مهمات ومشاريع بالغة الأهمية في ميادين الأعمار وتحديث المدن والخدمات والسكن، وإرساء منظومة علاقات دبلوماسية رصينة مع كثير من بلدان العالم، على أسس متوازنة تحكمها العلاقات الاقتصادية والسياسية بشكل مهني، مما بلور نسقا ديناميكيا من الدبلوماسية التي تعتمد العمل المنتج بعيدا عن التهويل والتشنيج، والذي دفع كثير من بلدان العالم الى افتتاح ممثليات لهم في العاصمة الإقليمية اربيل والعمل من خلالها لخدمة الاستثمارات في كافة المجالات التي تتيح تبادلا مشتركا للمصالح الاقتصادية والمالية بين دول الجوار والإقليم.


    إن مصلحة كل من ايران وتركيا هي ترسيخ السلام في اقليم كوردستان والحفاظ عليه، لأنه يحافظ بالتالي على مصالحهما الاقتصادية وسوقهما الكبير في الاقليم خاصة والعراق عامة، وغير ذلك مهما كانت الأسباب والمبررات سيعود عليهما بالضرر الكبير، لا من الجهات الرسمية بل من الأهالي الذين سيعزفون تماما عن أي مصلحة تركية او ايرانية مهما كانت، وهذه بتقديري هي رسالة كوردستان الدبلوماسية الى الجميع.

kmkinfo@gmail.com 

452
أصنام تتهاوى يا دمشق؟

كفاح محمود كريم

    وأخيرا سقط صنم آخر من أصنام الشرق الأوسط الموبوء بالصنمية المقيتة منذ مئات السنين، وتهاوت تلك العروش الهاوية وغدت تلك النمور الورقية التي طالما كانت تتبختر من على شاشات التلفزة بأمراضها البشعة في النرجسية وانفصام الشخصية واشد حالات السادية وأشكالها في علم أمراض النفس والأخلاق والتربية؟

    سقط القذافي كما سقط صدام وسقطت معهم تلك الأحزاب الرثة المليئة بالفاشية والشعور بالنقص والمهانة، ومجاميع من المجرمين والمعاقين نفسيا وتربويا وأخلاقيا ممن تسلطوا على رقاب شعوبهم لما يقرب من نصف قرن، ونجحوا في تدمير دولهم وما حولها حتى لا تكاد تصدق ان هذه البلاد تنتمي لهذا الزمن او العصر؟

   منذ نصف قرن وهم يمتصون دماء هذا الشعب بشعارات تافهة وكاذبة وعدو مصنوع في مخيلاتهم المريضة حتى أوهموا الناس بأن كل العالم المتحضر عدوهم ويبيت لهم شرا وحقدا وحسدا، حتى امتلأت الأرض بمقابرهم الجماعية وجفت الاهوار وانفلت الأرض وساكنيها في كوردستان!؟

    سقط القذافي وقبله صدام حسين وما بينهما، مبارك وزين العابدين، وتلحقهم غدا او بعد غد بقايا الفاشية في دمشق، الشق الثاني من فاشيي البعث، وذلك القابع في مآسي اليمن، وأمثالهم كثيرون ممن يصرون على تدمير بلدانهم وتحطيم شعوبهم قبل أن يولوا هاربين خاسئين، لتظهر عوراتهم وتنكشف أكاذيبهم وهم يشحنون المغلوبين على أمرهم بشعارات وادعاءات اقلها ان الرب والملائكة يقاتلون معهم وان الأعداء سينتحرون عند أسوار عواصمهم التي هدمت فوق رؤوسهم وهم هاربين او صاغرين او قابعين في حفر الخزي والعار؟

    حقا انها فرحة تُدمع القلوب والعيون، لكنها ايضا حينما تجف تلك الدموع ويبرد الجرح كما يقولون، وينقشع الدخان فيبدو الوطن جميلا جدا بدونهم، لكن جروحهم غائرة وآثار تخريبهم للنفس البشرية بالغة، فقد افسدوا البلاد والعباد، ودمروا الزرع والضرع حتى انهاروا خاسئين أذلاء دونما خجل او حياء، بعد أن دمروا البلاد واستقدموا الآخرين لتحريرها من براثنهم وآثامهم؟

   العار الكبير انهم يشهدون سقوطهم واحدا تلو الآخر ولا يتعظون، فالذي يحصل اليوم في سوريا على أيدي النظام منذ عدة أشهر، وفي اليمن هو استنساخ لما حصل في العراق إبان انتفاضة الربيع عام 1991م وما حصل في مصر وتونس وليبيا قبل سقوط أصنامهم، لكنما دون جدوى فهم مصرون على البقاء حتى تدمير البلاد وبنيتها التحتية بالكامل وإغراقها ببحور من الدموع والدماء، ولن ينتصروا بل سيشهدوا ايضا نهايتهم المحتومة التي شهدناها جميعا في بغداد وتونس والقاهرة وطرابلس؟

    شمس جديدة تشرق على ليبيا وتزيح كتل الليل المدلهم، وأصنام تتهاوى وعارات تنكشف عنها الستائر كما انكشفت عن مخازي القائد الضرورة من قبلهم، أصنام تتهاوى يا دمشق فهيئي حالك غدا تشرق الشمس في سماوات الشام ليسقط آخر الأصنام!

kmkinfo@gmail.com

453
الطبقة الرثة وليست الوسطى؟

كفاح محمود كريم

   بعد اندثار معظم الطبقة المتوسطة خلال حكم النظام السابق أمام نشوء طبقات طفيلية، استحوذت من خلال علاقاتها برموز النظام وحزبه على معظم فعاليات تلك الطبقة، التي إما هجرت البلاد وانتقلت الى بيئات أخرى لنشاطها، أو بدأت بالتقهقر والانكماش تدريجيا الى مستويات خارج تعريف تلك الطبقة!

   وبعد سقوط النظام واحتلال البلاد وقيام سلطة الاحتلال بعمليات مدنية في الأعمار، بالتعاون مع مجموعات لا تقع تحت تعريف الطبقة المتوسطة واقرب ما تكون الى اولئك الذين وجدوا في البيئة الجديدة مجالا لتطورهم المالي من خلال العمل مع تلك السلطة والاستفادة من الفروقات الكبيرة في قيمة الدولار والدينار وقتها، وهم في معظمهم من الأميين والنكرات وبعض الحرفيين والمقاولين الصغار والمترجمين والفاسدين الذين استغلوا عدم دراية القوات الأمريكية بطبيعة تكوين المجتمع العراقي كما استغلوا السلطات الحكومية المستجدة وحلقاتها الفاسدة، وتحولوا بين ليلة وضحاها الى سرطانات مالية، ادعى البعض بأنها تمثل بداية نشوء طبقة متوسطة بديلة لتلك التي هاجرت او اندثرت او تلاشت ابان فترة الحكم السابق.

    وخلال عدة سنوات ظهرت فعلا شريحة من اولئك الحرفيين والمقاولين الصغار والمترجمين الذين بدأوا يمارسون دور رجال الاستثمار والصناعة والزراعة والعقارات وما الى ذلك من حقول غسل الأموال القذرة التي نزلت على البعض ممن يطلق عليهم في أفضل الأحوال بتجار الحروب وطفيلياتها التي نشأت بشكل كبير وواسع خلال السنوات الأخيرة قبل السقوط وبعده، ومن ثم انتشار ظاهرة الشهادات العلمية المزورة أو المستحصلة من جامعات وهمية لكي تتمتع هذه الشريحة بموقع حكومي يدعم قوتها المالية.

وقد انكشفت خلال السنوات الماضية حقائق مريبة عن تلك الشريحة الطفيلية وشهاداتها المزورة في كل مفاصل الدولة، وما تقوم به من نشاطات مالية وتجارية في التهريب واستيراد المواد والبضائع الرديئة والمغشوشة سواء في الغذاء أو الدواء أو غيره من المواد حتى تم إغراق أسواق البلاد بمواد ومنتجات متوفرة ومنتجة زراعيا وصناعيا، وصلت الى درجة استيراد المعدنوس والبصل الأخضر ناهيك عن كل المنتجات الزراعية والحيوانية العراقية والمواد التي تصنع محليا، لا لشيء الا لكون هذه العملية اكثر ربحا لها دونما ان تفكر للحظة واحدة بإمكانية تأسيس مصانع ومنشاءات تساهم في اعمار البلاد وتقدمها.

  وبدلا من أن تكون البلاد متمكنة صناعيا وزراعيا ومن ثم منتجة لكثير من موادها الغذائية، نجحت هذه الطبقة الرثة الى حد ما في تحويلها الى دولة مستوردة استهلاكية وأغرقت الأسواق باردء البضائع ومن مناشئ رديئة ورخيصة، حتى يتندر الأهالي بأن كثير من المستوردين الجدد من هذه الشريحة يذهبون إلى الصين وغيرها ليطلبوا منهم أسوء منتجاتهم وأرخصها!؟

    وفي الأعمار والبناء حيث شهدت البلاد خلال العقد الماضي العشرات من المشاريع التي وضع حجر أساسها ولم تستكمل أو بنيت الى مرحلة أولية، وتوقف كل شيء لهروب المقاول أو المستثمر، ناهيك عن استخدامهم لأردئ أنواع المواد الأولية في البناء، لغياب السيطرة النوعية او لانتشار الرشوة التي تكم الأفواه وتصادق على اكتمال بعض المشاريع والمباني الفاسدة؟

    وربما نتوقف كثيرا او نحتار في كيفية تعريف هذه الشريحة او الطبقة على خلفية نظام الطبقات الذي يقسم المجتمعات الى ثلاث طبقات رئيسية هي الطبقة الغنية والفقيرة والمتوسطة، ويبدو لي ان تعريفا ورد في أدبيات الماركسية اقرب ما يكون لهؤلاء الا وهو البروليتاريا الرثة، ولكن خارج البنية الاشتراكية!؟
 
    ولك عزيزي القارئ أن تتخيل أو تتذكر هؤلاء الموجودين في قريتك أو مدينتك، وربما تعرف الكثير منهم ومن أين انحدروا وماهية جذورهم ومستوياتهم، ولك أن تحكم من خلال تلك المعرفة أو الرؤيا أي شريحة هذه التي تريد أن تشغل الطبقة الوسطى في مجتمعنا الآن ومدى نجاحها في النهوض بالبلاد؟ 

kmkinfo@gmail.com

454
الديموقراطي الكوردستاني
بين الحزب والمؤسسة القومية

كفاح محمود كريم

kmkinfo@gmail.com
 
   لقد عاش الكورد مئات السنين من تاريخهم يتعاطون الحياة مع جيرانهم العرب والفرس والترك دونما شعور بأن الآخرين أقوام اقل منهم شأناً أو مكانة إنسانية وعلى العكس من ذلك فقد تبنوا عبر تاريخ هذه الشعوب قضاياهم وآلامهم وبنائهم للبلدان والأوطان واندمجوا في تفاصيل حياتهم وناضلوا من أجل العيش معا، وقتل مئات الآلاف منهم لأجل قضايا تلك الشعوب بصرف النظر عن الكيفية والوسيلة.
   وعبر مئات السنين أيضا حاول الآخرون إذابة الكورد في بودقاتهم، وإلغاء هويتهم القومية، تارة باسم الدين وتارة أخرى على خلفية شوفينية عنصرية استعلائية، وسرقة تاريخهم أو مسخه بما لا يترك أثرا حضاريا لهم، رغم أنهم ساهموا حتى مفاصل القيادة الأولى في كياناتهم السياسية كما فعل صلاح الدين الأيوبي حينما انصهر كليا في بودقة الدولة الدينية الإسلامية وأقام صرح دولته الأيوبية ذات الغطاء الإسلامي والباطن القومي العربي، وما حققه للعرب والمسلمين من إنجاز لم يتحقق حتى يومنا هذا في تحرير فلسطين آنذاك. ومثل ما فعل هذا فعل المئات من أمثاله في حقول الثقافة والآداب والعلوم والفنون للفرس والعرب والأتراك.
    ولم يشفع هذا السيل من الذوبان والمشاركة الأصيلة في منع أصحاب القرار لمئات من السنين في فكرة قبول الكورد كيانا سياسيا وقوميا مستقلا، لا في الجزء الذي اندمج مع العرب ولا في الجزأين الذين اندمجا مع الفرس والأتراك، بل راح الأخوة الأعداء يمعنون في برامجهم وسياساتهم بكل الوسائل على تمزيق كوردستان وصهر شعبها تارة كونهم أتراك الجبال وتارة الأخ الأصغر لفارس الأكبر وتارة أخرى في بودقة الإسلام ولغة أهل الجنة، وهكذا دواليك السنين والأزمان، فما ارتضى الكورد استكانة أو امتهان، فقامت لهم انتفاضات وثورات وعاشوا أزمانا من القهر والقتل والتشرد والتهجير والتفقير، حتى انقسموا أربع أجزاء في أربعة دول، وآلافٍ من العشائر والقبائل واللهجات والثقافات، وأعراض رهيبة لشعب أسير ومعتقل في وطنه من اختلاف الولاءات والاتجاهات، حتى غدت القرية والعشيرة هي الأساس في الارتباط والانتماءات. وتسطيحٌ للمفاهيم والتعليم ومنع اللغة ونشر الأمية وتسييدِ جهلة ونكرات، حتى ضن القوم إننا ضعنا في طوفان الإلغاء والأنفالات.

    من يجمع هذه الأمة التائهة بين ذئاب ووحوش كاسرة من كل الجهات وقطعان من التخلف وطوفان من التشتت والاستلاب والتغييب وعشرات من اللهجات وملايين من علامات الاستفهام والاستفسارات، وانتماء لقرية أو عشيرة أو دين أو فكر، لكنها جميعا بعيدة عن ما كان يفكر به ثلة من رجال صاحبوا الشمس في ظلمة الليل، وفارس جليل يحمل شعلة كاوه وفوانيس ميديا ورفعة جبال امتدت على خارطة الوطن المجزأ كبرياء وعنفوان وجود.

    كان ذلك في أواخر النصف الأول من القرن الماضي وأواخر عامه السادس والأربعين وتحديدا في السادس عشر من آبٍ اللهاب بأيامه وأحداثه التي ستغير مجرى التاريخ والأحداث.
   هناك؛ جمع الزعيم البارزاني مصطفى تاريخ أمة، وتشتتَ شعب، وإصرار وجود، وتحقيق هوية وعنوان.
    القرية والعشيرة واختلاف اللهجات والانتماء للاشيء والتدين القروي وتعدد الفكر ومدارسه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وطبقات الناس من أدناها فقرا وعوزا إلى أعلاها ثراءً وإقطاعا، وشرائح من ناس، أدباء وفنانين وعلماء وضباط ومتعلمين وأميين وأنصاف مثقفين وأرباع متعلمين وعلمانيين ورجال دين مسلمين وايزيديين ومسيحيين وملحدين، من شرق الوطن وغربه ومن الشمال وأساسه في الجنوب.

                                                  من هنا كانت البداية... أين يكمن الألم..؟

    وأين هي تلك الأوجاع المتكلسة عبر الأزمان.. أزمان وتاريخ من الضياع بين أمم حاولت انظمتها السياسية مصادرة الهوية والعنوان، ولم يك مهما لديها أن تكون فقيرا أو غنيا، مثقفا أم أميا حضاريا، مسلما أو مسيحيا أو ايزيديا، ماركسيا أو ليبراليا، يساريا أو يمينيا، المهم أن تكون تذوب في بودقتها!؟
    هنا أدرك البارزاني مصطفى وفرسان الشمس الذين إبتدأوا المشوار إن السر في جمع كل هذه المتناقضات في كوردستان يكمن في البحث عن الهوية والعنوان، فكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
    لم يكن حزبا تقليديا كما الأحزاب في كل مكان، يمثل شريحة أو طبقة أو دينا أو عرقا، بل كان مؤسسة قومية ووطنية وإنسانية، احتضنت كل أطياف وشرائح وطبقات وأعراق وأديان حول ما كان ينقصهم جميعهم وهو الهوية والعنوان. فكان بحق مؤسسة ديمقراطية تزهو فيها كل النظريات وتلتحم حولها كل الأيديولوجيات والطروحات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يجمعها ثابت واحد ونهج بلوَر سلوكياته وتطبيقاته الزعيم مصطفى البارزاني وأبدع في جمع شمل كل هذه المتناقضات في بودقة مؤسسة قومية تضم آلام وأوجاع الملايين من الكوردستانيين في كل مكان، حتى غدت خلال أعوام منارا لكل الأحرار، لا في كوردستان لوحدها بل لكل العراق من أقصى جنوبه إلى أقصى غربه.

    لم يتبنى الحزب مبدأً عرقيا عنصريا أو طبقيا محددا بل كان كوردستانيا منذ اللحظة الأولى فجمع بين صفوفه الكورد والتركمان والعرب والكلدان والآشوريين والأرمن والسريان، وآخى بين المسلمين والأيزيديين والمسيحيين في ثابت الوطن والهوية والعنوان، ولم يلغ خصوصية أي مكون عرقي أو طبقي أو فكري لحساب نظرية أو فكر معين، وبذلك نهضت مؤسسة وطنية وقومية كبرى أفرزت فيما بعد ثورتها الكبيرة في أيلول 1961.

   لقد كان البارزاني مصطفى يدرك بحسه العميق وفهمه لطبيعة كوردستان وشعبها وآلامها عبر مئات السنين إن نظرية أو إيديولوجية قومية أو عرقية أو دينية لن تفلح في جمع مكونات ومتناقضات هذا البلد حول ثابت واحد يدفعها برمتها إلى النضال والكفاح من أجل هدف واحد ألا وهو كوردستان الوطن الحلم.


   وأصبح الحزب الديمقراطي الكوردستاني ملاذا لكل الأحزاب الوطنية في كوردستان والعراق وحضنا دافئا وكريما لكل الاتجاهات الفكرية والسياسية بتنوعها من اليمين إلى اليسار وملاذا لكل طبقات المجتمع وشرائحه، فكان البارزاني مصطفى منارا تلتقي عنده كل هذه المكونات وكأنه يمثلها جميعا وهو كذلك، لم يكن ملكا لحزب أو عرق أو دين أو طبقة بقدر ما كان زعيما وطنيا وقوميا ومؤسسة كوردستانية، يجد الجميع فيها ما يصبو إليه. وهكذا كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني مؤسسة وطنية وقومية مشاعة لكل أطياف المجتمع وأعراقه وطبقاته وأديانه دونما التدخل في خصوصياتها، بحيث يجد الجميع أمالهم وأهدافهم ومصالحهم العليا في مؤسسة البارتي.

    ومنذ البداية تبنى الحزب أرقى ما أنتجه العقل البشري في نظم العلاقات الاجتماعية والسياسية وهي الديمقراطية، بل وجعلها هدفا استراتيجيا من أهدافه في كوردستان والعراق، وربط بعلاقة جدلية بين الديمقراطية في العراق وتحقيق أهداف شعب كوردستان فكان شعاره الذي ناضل من أجله:


                                            ( الحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراق )

  إن سر ديمومة هذا الحزب هو انتهاجه لسلوك وطروحات وأخلاقيات قائده التاريخي الزعيم الخالد مصطفى البارزني الذي حول الحزب إلى مؤسسة قومية كوردستانية ذات أخلاقيات سامية تلتف حولها كل شرائح المجتمع وطبقاته وأعراقه حول ثابت الهوية والعنوان لوطن مغيب منذ آلاف السنين في حركة تاريخية للنهوض الوطني والقومي.

   إن العودة للينابيع الأولى في نهج البارزاني الخالد في معالجة التناقضات والإشكاليات التي تفرزها كل حقبة ومرحلة كفيلة بحلها والتسريع في الانتقال إلى مرحلة أكثر تطورا واستقرارا.



455
  المشكلة ليست في الرئيس؟

كفاح محمود كريم
kmkinfo@gmail.com
   
    تكثف بعض وسائل الاعلام الغربية والعربية المشكلة في كثير من دول الشرق الاوسط بشخص رؤسائها، إلى الحد الذي توحي ببراءة منظومة الحكم وثقافته السائدة هناك، والتي تتحكم في مفاصل المجتمع والاقتصاد، وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتد لعشرات السنين، منذ تأسيس كثير من هذه الأنظمة على أسس بدوية عشائرية لا تمت بأي صلة للعالم الجديد وحضارته في الفكر والسياسة والاقتصاد، حتى لكأنك تشعر وأنت تقرأ التاريخ الغابر، ما زلتَ تعيش في القرون الوسطى، بل وان كثير من الأجواء المعاصرة حول بعض الرؤساء الطغاة ترحل بك الى فضاءات وأجواء خلفاء بني أمية والعباس وحتى ورثتهم من بني عثمان؟

   لم يحصل في التاريخ السياسي للنظم الجمهورية والتي تعلن عن نفسها وتسوق توصيفاتها بأنها تقدمية مناوئة للأنظمة الملكية، وأحيانا كثيرة توصف توجهها بالمضاد او المعادي للرجعية وهي تعني النظم الملكية الوراثية، ما حصل هنا في جمهوريات الشرق الأوسط الملكية ومن قلدها في كوريا الشمالية وكوبا، حيث التوريث الصفة الأكثر امتيازا للأنظمة الملكية، أصبحت هي الأخرى من اخطر تطبيقات هذه الجمهوريات الرثة، والتي تمثلت في عملية تعديل الدستور في سوريا ليكون على مقاس الوريث الجمهوري، وكادوا أن يفعلوها في ارض الكنانة لولا ( الجدعان ) الذين ما زالوا منهمكين بتنظيف البلاد من آثارها وفلسفة ديمومتها، حينما أدركوا إن المشكلة اكبر من شخص الرئيس مبارك وعائلته!

    في دمشق كما في بغداد قبلها، وما يحصل الآن من صراع دموي عنيف في اليمن وليبيا، ليس كما تسوق له بعض وسائل الإعلام من انه صراع بين بشار الأسد والشعب السوري او قبله بين صدام حسين والعراقيين، وكذا الحال في ليبيا واليمن وغيرهما، انه صراع بين الشعوب ومنظومة الدكتاتوريات المؤدلجة ونظمها الفكرية والثقافية والاجتماعية، التي كثفت كل مساوئ التاريخ وعفونته، صراع بين أنظمة استقطبت حولها كل مظاهر التسلط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، وسخرت لأجل ذلك كل ما على الأرض وباطنها في تلك البلاد من بشر ومال وثروات وقوة وسلاح، حتى غدت إمبراطوريات بوليسية تحكمها مجاميع من الغرائزيين والوصوليين والساديين والفاشلين وأعداد أخرى من أصحاب أنصاف المهن والثقافات والمعرفة والرتب من نواب الضباط والعرفاء والمفوضين الذين أصبحوا يحملون رتب فلكية من قبل فريق ومشير ومهيب وفيلد ماريشال!؟

    لقد شهدنا نهاية صدام حسين وسقوط هيكل دولته كأشخاص لكننا أيضا شهدنا ونشهد الآن استمرار ذلك النهج المتخلف في السلوك والممارسة لدى الكثير من القيادات الحالية على المستوى الحكومي او البرلماني او الفعاليات السياسية، وحتى في المجتمع والتي تتكثف في حلقات الانتهازيين والوصوليين واللصوص والطبقات الرثة التي تم إعدادها وتربيتها من قبل النظام طيلة أربعين عاما، لكي تبدأ هي الأخرى مرحلة جديدة مع الاحتلال  وأخطاء الحاكمين الجدد، وكذا الحال في مصر بعد شخص مبارك وفي تونس بعد زين العابدين، انها نسيج من الثقافة الأحادية والسلوك المنحرف والطبيعة العدوانية لمجاميع من الموظفين والعسكريين وقوات الامن الداخلي التي تمثل بقايا تلك الأنظمة المتساقطة. 

  إن المشكلة في سوريا ليست بشخص رئيسها فقط وإنما بالمنظومات التي أنتجها النظام السياسي وحزبه سواء كانت على شكل سلوك او ثقافة او تقاليد، او منظمات استقطب فيها النظام مجاميع كبيرة من اللصوص والقتلة والانتهازيين ونكرات المجتمع وسقط المتاع طيلة حقبة حكمه، وهذه الأنماط البشرية المنحرفة تفعل كل الأفعال الشنيعة دون وازع من ضمير او عرف او قانون، لأن النظام نجح في انتزاع إنسانيتها وأخلاقيات مجتمعها، وحولها الى حيوانات كاسرة كما شهدناها بين عامي 2004 و 2008م هنا في العراق، وما كانت تفعله من عمليات قتل جماعي وسادية مفرطة في الذبح والتعذيب والحرق، امتدادا لما فعلته هي ذاتها في حلبجة والاهوار والأنفال، وفي سوريا شهدنا خلال الأشهر الماضية مجاميع مما عرف بالـ ( الشبيحة ) تقوم بقتل أفراد الشرطة والعسكر والهجوم على المقرات الحكومية وقتل من فيها وإحراقها، على ان ذلك من أعمال المتظاهرين مما يعطي شرعية ويتيح لقوات حكومية بتنفيذ مذابح في قرى ومدن أخرى كما حصل في درعا وحماه وحمص وريف دمشق، وهو بالتالي ايضا يأتي امتدادا لذات السلوكية الإجرامية التي فعلها النظام في حماة قبل أكثر من عقدين من الزمان.

  عاجلا أم آجلا ستسقط هذه الأنظمة الدكتاتورية، وكما قلنا ذات مرة إن سقوط نظام صدام حسين لم يك على أيدي الأمريكان وقواتهم، بل ان نظامه سقط يوم قرر اهانة شعبه وقتله، سواء في كوردستان او في الاهوار او في الرمادي أو حتى مع جناح من أجنحة حزبهم، وكذا الحال في نظام سوريا، فهو سقط يوم قرر أن يدمر حماة ويستحوذ على السلطة لوحده، ويورث الحكم ويهين شعبه ويقتل المئات من خيرة أبنائه لأنهم أرادوا ان يعبروا عن آرائهم بحرية وسلام!؟ 
 


انهم ساقطون ساقطون عاجلا أم آجلا!

456
المنبر الحر / من هم فوق القانون؟
« في: 12:27 10/08/2011  »
من هم فوق القانون؟
كفاح محمود كريم

     نتحدث دوما هنا في معظم بلداننا الشرق أوسطية ومن يشابهنا في طبيعة انظمتنا الاجتماعية والسياسية، عن القانون والدستور واحترامهما والعمل بموجبهما بشكل نظري دون ان نطبق ذلك او نترجمه ميدانيا سواء رضينا به او لم نرضى، ليبقى البعد الضوئي دوما يقيس المسافات النائية بين النظرية والتطبيق، ولطالما  شهدنا عبر عقود من حياتنا اداء وسائل الإعلام وكيفية إشاعتها مفهوم احترام القانون والخضوع له، بصرف النظر عن طبيعته او محاولة مناقشته مهما كان ظالما او عادلا، ولعل قرارات مجالس الإنقاذ والسيادة وقيادة الثورة الذين حكموا كثير من بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق، تذكرنا بتلك القوانين التي تعاقب بالإعدام او المؤبد أي فرد يتعرض لذات الرئيس دون أي محاكمة أو دفاع او مرافعة عادلة، وتطلب من عامة الناس الإذعان لذلك القانون وخصوصا تلك العبارة الشهيرة التي تذيل القرار والتي تقول على وزيري الداخلية والعدل تنفيذ ذلك القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية؟

    وربما ايضا نحن افضل من يكتب النصوص وفذلكتها، ويُصيغ القوانين ويبدع في اختراقها وتجاوزها، واشطر من يجيد التأويل والتفسير حسب المقاس ودرجات الحرارة والمزاج العام، وربما ايضا تعلم منا البريطانيون والإسرائيليون عام 1967م بعيد حرب حزيران المخزية كيف يفسرون قرار مجلس الامن 242 الصادر في تشرين أول من نفس العام والذي قضى بانسحاب الإسرائيليين من ( أراضي ) محتلة!؟ وفعلت ال التعريف فعلتها القاتلة في إبقاء الجولان والضفة الغربية وسيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي وليس آلة القانون!؟.
   
   وعموما فإننا هنا نتحدث عن القوانين الدستورية والأعراف العامة المتفق عليها في دولة حديثة ديمقراطية يفترض أن تكون متحضرة ترعى العدالة والشفافية، ولكي لا نذهب بعيدا الى مرحلة الجاهلية حينما كانوا يصنعون آلهتهم من التمر ويمسهم الجوع فيلتهمونها كما يلتهم القادة الأفذاذ بنود الدستور او القانون اليوم فيميتون ويحيون موادا دستورية كما يشاءون، او يؤجلون حل مشاكل متفاقمة للمواطنين منذ عشرات السنين رغم ان الدستور قد وضع خرائط طرق وتوقيتات لتحقيق الحل وإحلال الحق، سنمهل ذلك الى فرصة أخرى لكي نتساءل عن اولئك الذين مازالوا فوق القانون او انهم يرغبون دائما بالتمشي فوقه والتفاخر بذلك رغما عن الكل!؟ 

   ويأتي في مقدمة هؤلاء الكثير من بطانات المسؤولين وبطانياتهم من أولي الألباب المستشارين والأحباب الأقرباء والأصحاب على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم ومؤهلاتهم وطرق وصولهم وتسلقهم، وطبعا دائما يتقدمهم الأولاد النجباء وبالذات ما دون الثامنة عشرة من عمرهم المديد، حيث انهم خير من يتمشى فوق القانون ابتداء من مخالفات انظمة وقوانين المرور والآداب العامة والسلوك وصعودا الى استغلال المال العام وكأنهم ورثة الدولة المتوفية الوحيدون!؟

   وربما قانون العقوبات وتحديثاته في قانون الأحداث لا يطال هؤلاء ايضا إلا بتوفر المشتكي، والمشتكي غائب او مغيب وغير موجود لأسباب تتعلق بمصالح الامة العليا،كما الحال في اولئك الذين لم أجد لهم أي تعريف قانوني او توظيف مالي منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا على الأقل، فهم أي هؤلاء البعض الكثير لم يشترو على سبيل المثال لترا واحدا من البانزين لسياراتهم الخاصة، كما انه لم يسجل خروج أي عملة نقدية محلية او اجنبية من جيوبهم او حساباتهم لشراء لتر آخر من النفط الأبيض او الغاز لبيوتهم، رغم انهم غارقون بالمادتين غلت او رخصت أسعارها، قلت أو كثرت، على خلفية انهم مسؤولين ( VIP ) يخدمون الشعب ويتمشون فوق القانون؟

    وبالتأكيد هناك الكثير الكثير من غير البنزين والنفط الأبيض  والغاز الذي يتجرزون به وهم يزهون فوق القانون وتحت رعاية الامتيازات والنثريات والذي منه، ودائما لسان حالهم يقول انهم في خدمة الشعب والمصلحة العامة (!) وهم كثر ربما يزيد عددهم على مجموع حروف كل القوانين المرعية في البلاد، فهم يتوزعون بين أهل الوساطات وبطانات المسؤولين وملحقاتهم من الأهل والعشير والأحباب، وهم المحسوبين والمنسوبين الى مراكز القوة المالية او السياسية، وهم ايضا اصحاب الخدمات الخاصة جدا الذين يكونون اقرب من الوريد الى قلوب بعض المسؤولين، وهم ايضا اولئك المكلفين بالخدمة العامة في تنفيذ القوانين ومن ثم اختراقها في آن واحد تحت سقف الوساطات والمحسوبية والمنسوبية، ابتداءً من شرطي المرور الذي لا يحاسب احد هؤلاء لأي مخالفة مرورية وانتهاءً بالسطو على المال العام واستخدامه للاغراض الشخصية؟


kmkinfo@gmail.com

 
 



457
رجال دولة أم رجال أعمال؟

كفاح محمود كريم

  لكي لا يتم الخلط بين عوالم مختلفة ومتناقضة في أساليبها وأهدافها وطريقة عملها، وضع المشرعون في كثير من الدول المتقدمة حضاريا، مجموعة قوانين وضوابط وحدود بين ان يكون الإنسان رجل دولة وسياسة وإدارة عامة ومال مشترك، وبين ان يكون مستثمرا او تاجرا او بقالا يعمل من اجل تلك المهن وأهدافها الذاتية البحتة.

   وقد وضعت لأجل ذلك منظومة من الآليات التي تحصي وتجرد وتثبت أموال وممتلكات الشخص الذي يتبوء مسؤولية عامة رفيعة كانت او صغيرة، مع تعهدات تحد بل وتمنع بشكل واضح وقاطع أي ممارسة تجارية او مالية او بقالية او سمسرة لأي جهة كانت مستغلة موقعه او من خلاله او حتى وهو يحمل صفة عامة في الدولة، لكي يتفرغ تماما كرجل دولة يثق به الناس ويقتنعون ببياض يديه وقلبه وعقله، لا أن يكون بقالا او دلالا او تاجرا او سمسارا وهو في ذات الوقت مسؤولا كبيرا كان أم صغيرا؟

    وفعلا انتظمت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول التي لم تخلط بين المال العام والجيب الخاص، فتقدمت وتطورت وغدت مثالا وقدوة للعالمين يحج اليها الجميع بمن فيهم من يكفروها ويعتبرونها من بلدان الشياطين والامبرياليين، وأصبحت مثلا يحتذى به من الجميع حينما أصبح القانون يسود بلدانهم بدلا من المحسوبية والمنسوبية والعقلية العشائرية المقيتة التي لم تنتج الا ما وصلت اليه بلداننا.

   صحيح ان بلادنا مرت خلال العقود المنصرمة  بحروب وحصار جائر ادى الى هبوط المستوى المعاشي بشكل خطير دفع الموظف وغيره الى العمل في عدة مجالات لكي يسد احتياجات أسرته إزاء التضخم الكبير الذي عانت منه البلاد وتقهقر صرف العملة المحلية إزاء العملات الأجنبية، وتدهور المستوى المعاشي الى ما تحت خط الفقر، الا ان التغيير الكبير الذي حصل في مستوى المعاشات ودرجاتها والذي وصل في كثير منه الى ما يقرب العشرة اضعاف قياسا بالمرتبات التي كانت تدفع عشية سقوط النظام السابق، ومع ان ذلك ادى ايضا الى تضخم الا انه رفع بشكل ملحوظ المستوى المعاشي لمعظم الموظفين وغيرهم، مما جعل ازدواجية العمل غير مقبولة على الأقل للدرجات العالية في العمل الوظيفي والإداري في مفاصل الدولة التي تعاني اليوم من تحول الكثير من مسؤوليها الى رجال اعمال وسماسرة واصحاب بانزينخانات وفنادق ومطاعم وتسخير دوائرهم ومؤسساتهم لخدمة تلك المصالح التجارية الخاصة، وربما لا يفاجئ المرء حينما يرى وزيرا مسؤولا عن الهواء مثلا يقوم بإفساد الهواء وإيقاف الريح لكي يتم شراء الهواء المنتج في معامله المسجلة باسماء شتى، وكذا الحال مع وزير الماء (!) الذي يوقع عقودا لاستخراجه وتصفيته وبيعه خارج الأنهر والبحيرات والينابيع المعروفة دون ان يشعر به أحدا!؟

   وهكذا نرى الكثير من العاملين في القطاع الحكومي والنيابي ومن حولهم من الأقرباء والأصدقاء منهمكين في إدارة أعمالهم الخاصة بعد الدوام، علما بأن الكثير من ساعات الدوام ايضا مسخرة لخدمة تلك المصالح سواء منهم مباشرة او من خلال أبنائهم او أقاربهم أو حلقات ( اللغف ) من حولهم من البطانات والطفيليات؟

   ويسألون بعد كل ذلك:

    لماذا لا نتقدم ونحن شعوب عريقة ونمتلك أموالا طائلة وثروات تكاد تخرج من باطن الأرض من كثرتها؟

kmkinfo@gmail.com
   

458
المنبر الحر / للفساد أوجه كثيرة؟
« في: 11:13 30/07/2011  »
للفساد أوجه كثيرة؟

كفاح محمود كريم

     نتحدث جميعا عن ظاهرة الفساد المستشري في مفاصل الدولة ومؤسساتها سواء في الإدارة او المالية، وما يتعلق بالخدمات ذات الأهمية البالغة للمواطن كفرد او كمجتمع، وننسى اوجها اخرى لهذه الظاهرة ربما تكون اكثر خطورة وتأثيرا على مستقبل البلاد وتطورها، وهي ترتبط تماما بسلوك المواطن الفرد والاسرة وبعلاقتهما بالمال العام والثروة الوطنية، وكيفية استخدامهما والتعاطي معهما.

     منذ الطفولة ورثت الأجيال عادات وسلوكيات لا علاقة لها البتة بالمواطنة الصالحة وحب الوطن وماله وما فيه وما عليه، منذ كنا نحفر أسمائنا على مقاعد الدراسة الخشبية ( الرحلات ) وحتى عمليات التبذير الرهيبة في استخدام الطاقة سواء في الماء أو الكهرباء او الغذاء، ولعلنا نتذكر وما زلنا جميعا تلك الكميات الكبيرة من الغذاء التي ترمى الى النفايات يوميا من البيوت والمطاعم وعلى جميع المستويات والطبقات، ويعرف الجميع كيف يتعامل المجتمع والإدارة في الدول المتقدمة مع هكذا ظواهر وحتى على مستوى الفرد، حينما يطلب وجبة غذاء تزيد كثيرا عن حاجته فتصبح فضلات، حيث تعاقب القوانين المرعية هناك تصرفا كهذا تحت طائلة انك حر في أموالك لكنك لست حرا في العبث بالثروة الوطنية!؟

    ودعونا نتذكر موائدنا في البيوت او في المطاعم وبالذات في العزائم والمباهاة والنفاق الاجتماعي الذي يكلف دولتنا ومجتمعاتنا الكثير مما تنتجه أو تستورده من غذاء، وفي ذات السياق هل سألنا أنفسنا كيف نستخدم الأدوية وبالذات تلك التي تصرف مجانا في المؤسسات الحكومية، وهل هي فعلا ضمن سياقات اخذ وتعاطي الأدوية، وهل استخدمنا أجهزة الاتصالات وفق معايير الاستخدام المتحضر وبالذات في أجهزة التخابر؟

    لا اعتقد انه هناك فردا واحدا في بلادنا لا يشاهد يوميا امرأة او رجلا أو طفلا بيده أنبوب الماء وهو يرش ويغسل امام بيته او سيارته او يتمتع بتلك العملية لوقت طويل دافعا آلاف الالتار من تلك المياه النقية الى السواقي الآسنة او المجاري وهو يعبث بواحدة من أهم واخطر ثرواتنا الطبيعية المهددة فعلا بالنضوب والانحسار!؟

   وإزاء ذلك؛ كم منا فكر ولو لدقائق بوضع الكهرباء في البلاد قبل ان يحمل مسؤولية كل الأمور للدولة وهي تتحمل جزءً مهما من المشكلة فعلا، ولكن علينا ان نرى كل أوجه الحقيقة ومن يشارك الدولة في المسؤولية او حتى الفساد في مستويات التخريب او الاختلاس او السرقة؟

   ماذا يعني هذا الاستهلاك الجنوني للطاقة في كل البيوت دون استثناء، وفي الأسواق والعمارات والشركات بما في ذلك اولئك الذين يستهلكون تلك الكميات على حسابهم الخاص او من إنتاجهم، وهم بالتالي يخضعون لذات المعايير في الاستهلاك العبثي للأكل وما يترتب عليه من اندثار كبير للمال العام والثروة الوطنية.

    لقد حدثني مدير إنتاج الكهرباء في إحدى المحافظات التي لا يزيد عدد نفوسها عن مليون نسمة، والتي نجحت في تغطية عشرين ساعة يوميا من الطاقة فقال:
 
    إننا ننتج ما يغطي 20 ساعة يوميا من مجموعه 24 ساعة، وتبقى الساعات الاربعة الأخرى تغطيها المولدات الأهلية، وحينما سألته عن تكلفة تلك الساعات العشرين التي تدفعها الحكومة على شكل وقود او أموال لشركات أهلية تنتج الكهرباء، قال:

     إن الحكومة تدفع شهريا ما يقرب من 110 مليون دولار قيمة هذه الساعات من الكهرباء بأسعار لا تكاد تذكر، أي ما مجموعه مليار وثلاثمائة وعشرون مليون دولار سنويا لمحافظة واحدة، والأجور المستقطعة من المواطن أدنى بكثير جدا من مستوياتها في اوربا او امريكا او حتى بلدان الشرق الأوسط، علما بأن ما يقرب من نصف الكمية المستهلكة من قبل المواطن تقع تحت حقل التبذير غير النافع والمضر، بمعني إن نصف المبلغ المذكور يذهب حرقا كوقود او أموالا دون أي جدوى!؟

    صحيح ان للحكومة مسؤولية كبيرة في ظاهرة الفساد وهي تتحمل وزر الكثير من ذلك، لكن علينا ايضا ان نعرف من هم شركائها في الفساد وإدامته، ولعل ما ذكرته هنا يمثل أوجها قبيحة للفساد المستشري، ليس في مفاصل الدولة فحسب وإنما في سلوك وتصرفات الفرد والأسرة والمجتمع، وإذا كنا فعلا نريد كشف الفساد وفضحه ومحاسبة رموزه ومن ثم القضاء عليه فمن باب أولى أن نبدأ بأنفسنا ومن اسرنا ومجتمعاتنا ابتداء من الغذاء الذي يذهب ربعه او نصفه احيانا الى النفايات وانتهاء بالاستهلاك العبثي المريب للماء والكهرباء والوقود والاتصالات وما يتبع ذلك من تلويث وتدمير للبيئة والطبيعة!؟ 

    ويبدو لي انه من المصلحة الوطنية العليا ان يناقش البرلمان هذه الأوجه قبل ان يستجوب رئيسا أو وزيرا أو مسؤولا، ويعمل على تشريع قوانين وضوابط للحفاظ على الثروات الوطنية ( الماء والغذاء والطاقة ) من الاستهلاك العبثي بحجة حرية التصرف بالمال الخاص.

kmkinfo@gmail.com
 

459
حينما تحررت كوردستان من الدكتاتورية

كفاح محمود كريم

   عشية انتفاضة كوردستان ربيع عام 1991م كانت الأيام الأخيرة القاتمة والكالحة من سنين القهر والعبودية والاستبداد،  حينما بدأت تنهار تلك الأهرام الورقية التي زرعتها الدكتاتورية في المدن والبلدات والقرى امام صرخات الأهالي وهي تتجاوز حاجز الخوف والرعب من تلك النمور الكارتونية التي التهمتها نيران الانتفاضة وأحالت ظلام الأيام والسنين الى ضياء وأنوار وحقبة جديدة من الحياة!
   كان التحدي الأول والخطوة الأهم كيف ستؤسس الأحزاب والثوار لهذه الحقبة في إدارة الحكم وتنتقل من شرعيتها الثورية الى وجودها القانوني والدستوري امام تحديات كبيرة في الداخل والخارج ربما اقلها الصراع على السلطة، ومن سيكون في قمة الهرم على عادة الشرقيين عموما في الصراع والاستحواذ على القوة والمال والمواقع!؟   
   أيام عصيبة مرت على جميع الأحزاب والحركات والقيادات وأصعبها كان على المواطن الذي أنسته فرحة الحرية بقية تفاصيل الحياة الجديدة بعد أن توقف كل شيء في إدارة تلك الحياة حينما  تقهقرت الدكتاتورية وسحبت كل طواقمها الإدارية والفنية وكل ما يتعلق بإدارة الدولة وتشغيل مؤسساتها، ومن سيكون البديل لتلك السلطة أمام هذا الطوفان من الأسلحة ومراكز القوة وانهيار حواجز الخوف والانعتاق.
   لم تدم التساؤلات طويلا فقد خرج الرئيس مسعود بارزاني الى الناس في خطاب يرسم خارطة طريق لتداول السلطة سلميا في المناطق التي غادرتها قوى الدكتاتورية المقيتة من اقليم كوردستان اثر انتفاضة آذار 1991م، حيث أعلن في أول خطاب له امام الآلاف من الجماهير المنتفضة اننا ندعو الى انتخابات عامة تشرف عليها الامم المتحدة والمراقبين الدوليين لتأسيس مجلس وطني (برلمان ) يمثل الشعب وقواه السياسية والاجتماعية لإدارة الأراضي المحررة من الاقليم.
    حقا كان تحديا كبيرا لم يمض على تنفيذه كثيرا حتى اجتمعت على إفشاله كل قوى الظلام، ونجحت في إشعال حرب داخلية مؤلمة كادت ان تحرق الأخضر واليابس لولا حكمة العقلاء ومساعدة الأحرار من الأصدقاء، والإصرار على إنجاح التجربة فتوقفت نافورة الدماء لتدق ساعة العمل والبناء إيذانا بظهور عصر جديد وشروق شمس كادت ان تنطفئ وراء غيوم مدلهمة وداكنة، حيث نجح الكوردستانيون في خيارهم السلمي لتداول السلطة تدريجيا، فأقاموا مؤسساتهم وبدأوا بتوحيد إدارتيهما التي أنتجتها الحرب الأهلية، والتفرغ كليا لأعمار البلاد وتطوير مؤسساتها والدخول كفريق واحد، بالتعاون مع كل الفعاليات السياسية العراقية لبناء نظام سياسي جديد يقوم على أساس الاتحاد الاختياري والتعددية والديمقراطية في تداول السلطة، بعد سقوط نظام الحزب الواحد ودكتاتوريته المقيتة.
    وخلال سنوات ليست قصيرة نجح الكوردستانيون في تطوير إقليمهم والانتقال به نقلة نوعية في كافة مجالات الحياة المتعلقة بالفرد والمجتمع سواء بالخدمات التي انتقلت هي الاخرى نقلة نوعية واضحة خلال السنتين الأخيرتين في الكهرباء الذي أصبح يغطي عشرون ساعة يوميا في كافة أرجاء الإقليم، بالإضافة الى تحسن كبير في مشاريع الماء وشبكاتها والمواصلات وطرقها التي تشهد تحديثا مهما وبالذات في الريف الذي اصبح يتمتع في معظمه بالكهرباء والاتصالات والطرق المعبدة.
لقد رافق ذلك ظاهرة الفساد الإداري والمالي من خلال اندساس عناصر غير كفوءة وتسلقها الى تلك المراكز المالية او الإدارية اما بسبب بقايا النزاعات والتنافسات الحزبية او تحت سقف المحسوبية والمنسوبية التي تنتجها طبيعة المجتمعات القبلية، وغدت تلك الظاهرة واحدة من الظواهر التي تقلق الشارع الكوردستاني، وتعمل على عرقلة وتأخير تنفيذ خطة النهوض بالإقليم، خصوصا وان برامج الحكومة لم تك بمستوى مكافحة تلك الظاهرة بشكل عملي وواضح، مما استدعى تدخل الرئاسة وشخص الرئيس مباشرة لتبدأ مرحلة جديدة في إعادة النظر بكثير من الأمور ومنها ما أعلنه ديوان الرئاسة حول إجراءات الحكومة في العشرات من  ملفات الفساد وإيقاف منابعه وتجفيفها.
   لقد وضع الرئيس مسعود بارزاني قبل ما يقرب من عشرين عاما خارطة طريق أمام الشعب وفعالياته السياسية والاجتماعية، خارطة تضمنت محورين أساسيين:
الأول؛ اعتماد الانتخابات الحرة والمباشرة وسيلة لتداول السلطة، وقد أجريت فعلا وأنتجت أول برلمان كوردستاني حاز على احترام واعتراف الداخل والخارج لما تميزت به انتخاباته من شفافية مطابقة لمعايير عالمية معتمدة لدى الدول ذات النظم الديمقراطية.
   والمحور الثاني تناول جانبين مهمين جدا الا وهما السلم والأمن الاجتماعيين، حيث تم إصدار قانون العفو التام عن ما اقترفته قوات الجحوش وأمرائها بحق الشعب والوطن، والتي كانت تسمى بالأفواج الخفيفة ( أفواج وسرايا صلاح الدين ) التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية العراقية، إلا ما له علاقة بالحق الشخصي للأفراد، حيث دعا القانون هنا ايضا الى المسامحة والعفو والانتقال الى مرحلة جديدة من البناء الوطني والاجتماعي للإقليم.

    وبعد عشرين عاما يتعرض الإقليم بشكل يتنافي ومبادئ ثورة أيلول ومصالح البلاد العليا الى ظاهرة الفساد المالي والإداري التي لا تليق بكوردستان وتاريخها الوطني وأحزابها المناضلة ومشروعها الذي أنجزته بهذا الشكل مئات الألوف من الشهداء وعذابات عشرات السنين في الترحيل والنفي والتهجير والسجون والمعتقلات، وتدمير ما يقرب من نصف البلاد، لا يمكن لمجاميع من الانتهازيين واللصوص والمنحرفين ان يفسدوا او يشوهوا هذا المشروع الحضاري الكبير، ولذلك انبرى الرئيس والمخلصين في إدارة الإقليم كما عهدهم الشعب مرة أخرى ليضعوا خارطة طريق تعتمد الشفافية والإصلاح بعيدا عن أسلوب التشهير او الانتقام من اجل بناء إقليم متحضر ومزدهر، يخضع جميع سكانه ومواطنيه من رئيس الدولة وحتى اصغر موظف او مواطن لسلطة القانون الذي يشرعه البرلمان وتنفذه الحكومة بشكل عادل وعلى كل الناس دون تفرقة او تمييز.
    إن المرحلة الجديدة التي بدأت في اقليمنا متمثلة ببداية تبلور معارضة وطنية تعمل تحت قبة البرلمان وتحترم المصالح العليا للبلاد، وتحول نوعي في الخدمات الأساسية وبالذات في الكهرباء والمواصلات والأمن الداخلي والسلم الاجتماعي، ويقابلها بدأ حملة الرئاسة والحكومة بفتح ملفات الفساد ومكافحته بأسلوب يعتمد الشفافية ومصالح البلاد ومواطنيها العليا، وإذا كان هذا الشعب وقيادته قد تحدت الدكتاتورية وجبروتها وانتصرت قبل عشرين عاما فهي ستنتصر اليوم في مواجهة دكتاتورية الفساد والإفساد في هذه المرحلة التي تتطلب من الجميع معاونة الرئاسة والحكومة كل حسب موقعه وطاقته ودائرة تأثيره للعمل من اجل تطهير البلاد من الظواهر والشوائب التي تعرقل تطور عملية البناء والاعمار والتصنيع.

kmkinfo@gmail.com

460
المنبر الحر / من أين لكم كل هذا؟
« في: 13:45 11/07/2011  »
من أين لكم كل هذا؟

    لطالما سمعنا هذا السؤال الشعار في أدبيات كثير من الحركات والأحزاب الثورية في مرحلتها النضالية قبل أن تنجح وتستلم السلطة او الإدارة مباشرة او بالشراكة، وتتحول من شرعيتها المدعمة بالسلاح والطوارئ الى الشرعية الدستورية، وينتقل افرادها وقياداتها من مقاتلين ومسؤولي مفارز ومجموعات تنظيمية او مسلحة الى أعضاء في الإدارات او حكام لنظام سياسي بمسميات أخرى كالوزير والمحافظ والمدير العام، بل وينتقل البعض منهم من مبشرين بالعدالة الاجتماعية والنزاهة وإقامة دولة القانون والمساواة الى أباطرة المال والفساد والإفساد ومن هنا يولد السؤال المر: من أين لك هذا؟

    وقبل أن نخوض في متن موضوعنا دعوني أتذكر رواية رواها لنا إمام الجامع في وعظ ذات يوم من الأيام وهو يتحدث عن الأغنياء بالسحت الحرام والمال المشبوه، وضرب لذلك مثالا حول  إعرابي يمتلك عشر شياه وافترض انه مؤمن ملتزم بالصدقة والزكاة ويتوخى الحلال ويتقي الحرام والشبهات، وتساءل إمامنا الواعظ قائلا:

   كيف يصبح هذا الشخص بعد ثلاث سنوات او أكثر بقليل غنيا بمئات النعاج وما يلحقهم من بيوت وعلف ومنتجات؟


   لا أريد حقيقة؛ أن نخوض في أعماق بركة ربما تكون أعماقها أكثر عفونة، بقدر ما أريد أن اسأل عن ظاهرة استشرت بشكل كبير ودون خجل او حياء او حتى شعور بأن هذا التضخم في السحت الحرام والأموال السامة لم يعد حالة غير طبيعية، بل والانكى من ذلك ان هؤلاء الذين سرطنتهم هذه الاموال القذرة اصبحوا اكثر تأثيرا في مفاصل الدولة والمجتمع وبدأوا يؤسسون مستوطناتهم الطفيلية في كل أنحاء البلاد بعد سقوط النظام وحتى يومنا هذا؟

   ربما هو سؤال يردده الكثير صباحا ومساءً:

                                                                         من أين لكم هذا؟

    ندرك تماما ان تغييرا مهما قد حصل على معاشات الموظفين وان القدرة المعاشية هي الأخرى ارتفعت قليلا قبل اغتيالها من قبل طفيليات المرحلة، الا ان تلك القفزة في المعاشات لا يمكن لها بناء هكذا أهرام مالية وعقارية وتجارية خلال اقل من عقد من السنين،
ما لم يكن هناك نضوح كبير في المال العام الى الجيوب الخاصة بشتى الطرق والأساليب البعيدة تماما عن أي شكل من إشكال الشرعية، ثورية كانت أم دستورية!؟

   والا كيف نبرر استحواذ هذه الأموال والامتيازات خلال سنوات قليلة من قبل موظفين عموميين على مختلف الأصعدة والدرجات يفترض ان يكونوا في مناصبهم لنزاهتهم وكفاءتهم وأياديهم البيضاء وهم يتقاضون مرتبات لا يمكن لها ان تنتج هذا الكم الهائل من المال خلال هذه الفترة!؟
 
    وكيف ولماذا تشترى بعض المناصب والوظائف بمبالغ عالية جدا رغم ان مرتباتها قليلة جدا وهي معروفة لدى دلالي الوظائف العامة بعلاقتها بالمال العام؟

    أسئلة كثيرة ربما لو استرسلنا فيها سندرك بحرا من الظلمات الفاسدة، التي أخرت وتؤخر مشروعنا الحضاري وبناء عراق جديد وفق أسس أخلاقية واجتماعية وقيمية وضوابط واليات لمراقبة المال العام والحفاظ عليه بكل اشكاله وأنواعه ومستوياته، وربما ستكشف لنا ايضا أهم أسباب فقدان الامن والسلم الاجتماعيين وبالتالي انتشار العنف والإرهاب والجريمة المنظمة التي لا علاقة لها البتة لا بالقاعدة ولا بالنظام السابق، وتلك باعتقادي أكثر خطورة لكونها هلامية الشكل ومدغمة تماما بنسيج النظام الجديد للدولة؟

   يقولون ان الدول المتقدمة اخلاقيا قد وضعت آليات وضوابط وشروط محددة للإجابة على هكذا سؤال ( من أي لك هذا؟ ) حيث يتم جرد وتحديد ممتلكات الموظف وإيراداته المالية بكل صدق وأمانة ومن ثم تثبيتها قبل تسنمه أي وظيفة عامة، لكي تتم المقارنة مع تلك المعلومات بعد انتهاء مهمته او وظيفته!؟

  ولا ندري إن كانت الأخبار التي سمعناها عن كشف ممتلكات وإيرادات المسؤولين وتثبيتها بدقة، صحيحة وجدية أم انها هي الأخرى دعايات مغرضة ضد عراقنا الجديد!؟

kmkinfo@gmail.com




461
لا تجعلوا المناصب اوكار ارتزاق؟

كفاح محمود كريم

    في موروثنا الاجتماعي والقيمي كانت المناصب مواقع يتمنى البعض ان يصلها اما للتشريف او لتحقيق تحصيل حاصل لكفاءته أو موقعا متقدما للخدمة، وفي كل الأحوال كان المنصب لا يفرق كثيرا في ما يتعلق بالامتيازات المادية الا الشيء القليل، اللهم ان كانت هناك هوامش النثرية الخاصة بالمنصب وتلك ايضا تقع تحت طائلة التصفية الحسابية ووصولاتها الموثقة التي تخضع لنظام حسابي دقيق.
   
   ورغم ان كثير من الأنظمة التي حكمت البلاد كانت تصنف كونها مستبدة ودكتاتورية، الا ان المناصب بقت تحافظ على هيبتها الاجتماعية لا بسبب تخصيصاتها المالية ورواتب شاغليها، بل لموقعها وتأثيرها وفي احيان كثيرة كون شاغلها انسان يستحق تلك المكانة ويعمل بجد من اجل وظيفته وهو قد قضى سنوات طويلة حتى أدرك ذلك المكان، حيث يتمتع بمساحة أوسع في الصلاحيات التي تتيح له العمل من اجل الهدف الأسمى.

     وضمن هذا المشهد ايضا كان هناك مسؤولين مهمين في الهرم الوظيفي يتجاوزون في استحقاقاتهم المالية درجات قانون الخدمة المعروف ويوضعون في حقل الدرجات الخاصة وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ونائبه وثلة آخرين ممنوحين بعض الصلاحيات من قبل الرئيس وتحديدا في السنوات الأخيرة من حكم الدكتاتور صدام حسين، وهم عادة قلة ضئيلة قياسا بمجاميع الموظفين او مقارنة بما موجود الآن، الا ان السياق العام في كل الدولة كان تحت سقف قانون الخدمة وتسلسلات العمل الوظيفي ودرجاته التي تأتي بشكل تصاعدي مع امتيازات معقولة لكل درجة منها، ولا يمكن أن يرى المراقب بونا شاسعا او كبيرا بين درجتين حتى وإن تباعدا في السلم الوظيفي، الا بما يوازي سنوات الخدمة وتدرجاتها والكفاءة وما يلحق جرائها من تشكرات او عقوبات.

      ما حصل بعد سقوط النظام وانهيار الدولة وحتى بعد قيام المؤسسات الدستورية التي افرزتها الانتخابات العامة في 2005م، لم يفرق كثيرا عن تلك الثقافة التي سادت البلاد طيلة ما يقرب من نصف قرن، فهي حقيقة في كثير من أوجهها نتاج تلك الحقبة وتربيتها وآثارها، وفيما يتعلق بالرواتب والمخصصات والنثريات والامتيازات فقد جاءت بما لا شبيه له في العالم اجمع، حيث تجاوزت في معدلاتها كل النسب العالمية في اقصاها بما في ذلك الدول الغنية جدا وذات الفائض النقدي الكبير مثل المانيا واليابان، ابتداء من راتب رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء ووزرائه ورئيس النواب ونوابه  وملحقاتهم وتوابعهم ووكلائهم، حتى تحولت كثير من المناصب الى أوكار للارتزاق والاختلاس والسحت الحرام، حيث اصبح المنصب أشبه بكنز يحصل عليه المتسابقون للفوز بالمال والسلطة والنفوذ، يقابل ذلك عملية تقزم القيم الوطنية العليا أمام التهافت المادي والامتيازات المسرطنة التي يتناحر عليها هؤلاء المتسابقون.

    وفي الجانب الآخر لم تظهر أي معدلات للنمو او التطور في كثير من المؤسسات والدوائر التي يشغلها هؤلاء المسؤولين، بل على العكس بدأت الأمور تتردى وتتقهقر بشكل مريع وبالذات فيما يتعلق بالخدمات الأساسية للمواطن، وعلاقة ذلك المسؤول به التي تحولت هي الأخرى تحت هذا السلوك في الوارد المالي والسلطوي الى علاقة رثة اقرب ما تكون الى العبودية والاستبداد، يرافقها بيروقراطية مكثفة وروتين يهدف الى إنشاء منطقة عازلة تماما بين المواطن والمسؤول إلا من عناقيد الطفيليين وأصحاب الوساطات والمرتشين.

   وإذا كانت حقبة الدكتاتورية قد افرزت قيادات ومناصب فاسدة وغير مؤهلة، فان حقبة ما بعد الدكتاتورية وإرهاصاتها أفرزت مستوطنات   طفيلية من الانتهازيين والوصوليين وأشباه الأميين ممن سرطنتهم الأوضاع الشاذة في البلاد، واستطاعوا في ظل إخفاقات العملية السياسية اختراق كثير من مفاصل الدولة في المال والسلطة والتشريع لتحيلها الى أوكار للارتزاق والفساد والإفساد وتشيع اليأس والإحباط لدى مساحات واسعة من الأهالي.

kmkinfo@gmail.com

462
المنبر الحر / هل يقرأ المسؤولون؟
« في: 23:13 23/06/2011  »
هل يقرأ المسؤولون؟

كفاح محمود كريم

   واحدة من المتداولات الشعبية المليئة بالإحباط والسخرية وربما اليأس من بعض المسؤولين ووعدوهم هي تلك التي تقول ( من يقرأ ومن يكتب!؟ ) كناية عن عدم اهتمام أو متابعة المسؤولين لشؤون الأهالي، ويقابل ذلك أيضا لدى الكثير من الكتاب والمثقفين عموما تداول ربما يومي بصيغة ذات السؤال في بلداننا الشرق أوسطية ومن شابهها من بلدان العالم والأكثر مرارة وحرقة، ذلك المتعلق  بمتابعة المسؤولين كبارا وصغارا لما يكتبه الكتاب او الصحفيين خارج المديح والتدليس والصور السوبرمانية، وإذا ما استثنينا أولئك المخلصين من المسؤولين الذين منحوا كراسيهم ومناصبهم شرفا وعلوا، فان الكثير ربما يقرأ ويكتب لكنه بسبب المنصب والمسؤولية ابتعد كثيرا لاعتماده على ملخصات مكثفة من مستشارين متهمين ربما الكثير منهم أيضا بالإهمال او السطحية أو عدم إزعاج المسؤول!؟ 

    ومن هنا دعونا نحول المثل الشعبي اللاذع ( من يقرأ ومن يكتب؟ ) الى سؤال مبسط عن هذا الموضوع بعد أن ندع الكتابة جانبا على اعتبار ان الكثير من المسؤولين تخصصوا في التوقيع الأخضر او الأحمر فقط وأحيانا كتابة بعض الخواطر او الملاحظات، إذن لنعود الى السؤال:


هل يقرأ المسؤول فعلا؟

  لا اعرف؛ لكنني اشك بسبب مشاغله المزدحمة دوما، حتى ان البعض منهم لا يرفع سماعة تلفونه ليرد، علما بأن رنة التلفون لا تفرق عن دقة الباب أي باب البيت وما تعنيه، ورغم ان الاسم يظهر عند الطرفين بفضل خدمات الاتصالات، الا ان البعض منهم لا يكلف  نفسه بالرد او الاعتذار لاحقا لأنه وربما ايضا قد رأى وجهه الكريم في حوض الماء بدرا لا مثيل له؟

   وبالتأكيد لكل منكم جواب آخر يختلف او يتفق فيه معي، لكنني أعود ثانية وبعد أن يثبت لنا انه يقرأ وليس بالضرورة أن يكتب، لنسأل:



ماذا يقرأ وكم من الزمن ( يقتل ) في قراءته؟

  عذرا قرائي الأعزاء هنا ايضا لا اعرف، لكنني ازعم من مشاهداتي ان الأكثرية منهم مولعين بالأبراج وأخبار الفضائح ونصوص مقابلاتهم وتصريحاتهم لوسائل الأعلام ولديهم شغف في قراءة التقارير السرية وتمحيصها والاطلاع على صور احدث الموديلات للسيارات والملابس وحديثا يبحث الكثير منهم عن ديكورات وإكسسوارات أحواض السباحة والميني بار!؟
   
    وقد وضعنا مفردة يقتل بين قوسين للتأكيد على ان الزمن لدينا محكوم بالإعدام مذ خلقنا والخلاف فقط في كيفية وآلية التنفيذ، فترانا نقتله في الجايخانات مثلا أو في القيل والقال او الحروب والمشاجرات أو لا سامح الله بالقراءة او المطالعة او مشاهدة فلم او مسلسل أو اشياء أخرى مصنعة خصيصا لقتل الملل، وجزا الله خيرا الأتراك في مسلسلاتهم وأصحاب الفيس بوك اللذين أنقذوا  الأمة من الضياع!؟ 

    استطيع أن اجزم انهم قلة نادرة تلك التي تتواصل وتتأثر وتقرأ كما نفهم القراءة نوعيا على مقياس ما عرفناه قديما عن المكتبات العامة والتهافت على الكتب، بل والتسابق على قراءتها في مختلف المجالات عند أول نزولها في ( وقتها لم يكن هناك انترنيت او اتصالات سريعة والاعتماد على دور النشر والتسويق )، بل ان الأكثرية الساحقة منهم يقضون أوقاتهم او يقتلونها سواء أثناء تأدية مسؤولياتهم في مكاتب بمنتهى الفخامة والأبهة، او ما بعد ذلك في امور لا تتعلق إطلاقا بالدوائر او المؤسسات التي يديرونها، إلا أولئك الذين يفرضون استثنائهم شئنا أم أبينا فنراهم دوما في ميادين العمل والفكر والإنتاج وبين مرؤوسيهم معظم ساعات العمل.   

    ورغم إن العصر الحالي وثورة الاتصالات أتاحت فرصا ذهبية للقراءة ومتابعة ما يكتب أو ينشر بآلية سهلة، من خلال تصفح الانترنيت الذي يكاد ينتشر في طول البلاد وعرضها، وبالذات في مكاتب المسؤولين المملوءة بما لذ وطاب من الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات، إضافة الى شاشات الكومبيوتر التي يطل منها الأصدقاء والأحباب، إلا أن المتداول الأكثر شيوعا بين الأهالي ما يزال يصر على:


( من يقرأ ومن يكتب!؟ )

   والدليل على ذلك عدم تطور وكفاءة الأداء الإداري في مفاصل الدولة والمجتمع عموما، ومن ثم تقهقر كثير من الخدمات المهمة واضمحلال العلاقة بين الفرد ومؤسسته الحاكمة صغيرة كانت أم كبيرة، مع تطور كبير في اثاث المكاتب واكسسواراتها وتضخم هائل في الروتين والبيروقراطية، مما أشاع هذا النمط من الإحباط والسخرية لدى مساحات واسعة من الأهالي تجاه كثير من المسؤولين والقائمين على إدارة الدولة والمجتمع مع علمنا المؤكد بأن معظمهم يجيدون القراءة والكتابة وربما حاصلين على شهادات  فخمة لا تحتاج الى شهادات أولية كالابتدائية او المتوسطة او حتى الثانوية، ورتب عسكرية تجاوزت رتب ضباط صدام حسين الشهرية، وهي في الآخر يجب أن تتلائم مع الأثاث والاكسسوارات في مكاتبهم وبيوتهم!؟

   وأخيرا امام هذا المشهد يدرك المرء سبب تخلف كثير من الدول الغنية جدا رغم امتلاكها لثروات تتفوق فيها على ما موجود في المانيا واليابان، ولديها من المباني والأبراج وطرق المواصلات ربما يضاهي ما موجود في امريكا ذاتها، لكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحا:
  هل ساعة العمل والأداء الوظيفي او الإنتاجي والدقة في هذه الدول هي ذاتها في دولنا التي نادرا ما تقرأ وتكتب!؟

kmkinfo@gmail.com

 

 

 
 


463
لا تخشوا على نظامنا السياسي؟

كفاح محمود كريم

    ربما يعتقد البعض ان التعبير عن الرأي في العراق او إقليم كوردستان يشكل خطورة على السياق العام للنظام الاجتماعي والسياسي في البلاد كون التجربة ما زالت في أطوارها الأولى، او يخشى من اندلاع مظاهرات على الطريقة المصرية وما جرى في ميدان التحرير بالقاهرة او استنساخه هنا في ساحة التحرير ببغداد أو أي من المحافظات الأخرى، حتى لو نجحت مجاميع في إطلاق تسمية ميدان التحرير على بعض ساحاتها في محاولة منها لوضع نهاية للنظام السياسي في البلاد، كما يتصور اولئك الذين ما زالوا يحلمون بعودة نظام القائد الضرورة ونجوم علمه الثلاث التي بانت عورتها في الموصل وكشرت انيابها الصدئة في بعض أطراف كركوك، ان مثل هذا الاعتقاد يجافي الحقيقة كون هذا النظام وليد عملية ديمقراطية انتخابية حرة شاركت فيها كل القوى السياسية بكافة أشكالها واتجاهاتها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وليست وليدة انقلاب او تآمر او استحواذ على السلطة كما جرى في البلدان التي تتعرض لانتفاضة شعوبها الآن.

     يدرك الشعب تماما حقيقة مرة لا يختلف عليها عراقيان، تلك هي إن   دكتاتورية صدام حسين وحزبه قادت البلاد الى الدمار الكلي عبر حروب داخلية خربت العراق وقضت على ثلثي قرى كردستان وسكانها، كما فعلت ذات الجريمة في الاهوار فعلتها في تدمير الأرض والماء والعباد، وحروب خارجية عبثية كارثية مع ايران ومن ثم الكويت، لا لشيء إلا للحفاظ على كرسيه ونظام حكمه فوق ملايين الجماجم والدمار في حقبة سوداء نزف فيها العراق بحورا من الدموع والدماء، وغابت البسمة عن محياه وامتلأت قراه ومدنه وأحياؤه وحواريه بالحزن واليأس والفقر، حتى لا يكاد يخلو بيتا عراقيا أو عائلة عراقية دون جرح أحدثه البعث ونظامه طيلة تلك العقود. 

   أردت بهذا الاستعراض أن الفت الأنظار الى إن كل ما حدث كان نتيجة طبيعية للنظام الدكتاتوري وشموليته وتفرده بالقرارات في غياب المؤسسات الحقيقية للدولة وسلطاتها الثلاث، واعتماده على مجاميع من المنفذين الامعيين الذين لا قرار لهم إلا تطوير تنفيذ أفكار القائد الضرورة والإبداع فيها، في بيئة معدة سلفا لهذا الغرض وتربية شمولية صارمة تحت شعار نفذ ثم ناقش لكي يتحول الحزب والشعب وكل البلاد الى ما أرادوه في هذا الشعار : إذا قال صدام قال العراق!؟ وبذلك تم إلغاء الجميع ابتداء من حزبهم وانتهاء بأي فرد من أفراد الشعب، واذا كان معظم ما حدث وما يزال يحدث بعد سقوط النظام، نتيجة طبيعية لثقافة وسلوك ذلك النظام فان من طبيعة النظام الجديد هو حرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام،  وتعددية الأحزاب والآراء وديمقراطية التداول السلمي للسلطة، ودولة المؤسسات الدستورية وفصل السلطات.   

   واليوم يحاول البعض تسلق السلطة ثانية في محاولة لاعتلاء ناصية ليست لهم وأسلوبا ليس من أساليبهم المعروفة طيلة أربعين عاما هنا او في الشام ويقلدونهم في صنعاء وطرابلس، فيخترقون واحدة من أسمى آيات التعبير عن الرأي والاحتجاج في بلاد أصرت على إقامة نظام عصري متحضر، بميكافيلية لا مثيل لها إلا في سلوكهم منذ أن سرقوا السلطة في بغداد ودمشق، ولكنهم فوجئوا بواقع غير ما يتوقعونه، فقد شهدنا خروج تلك القطعان من مؤيدي النظام في ليبيا واليمن وسوريا وقبلها في العراق ومصر وتونس، الا ان الأحداث ومجرياتها أثبتت عكس ما كانوا يريدونه وتقهقروا أمام جبروت التغيير الذي اكتسحهم واسقط أنظمتهم ورموزهم الطاغية.

    إن واحدة من ابرز سمات نظامنا السياسي وقوته تكمن في فصل السلطات وتوزيعها وعدم تكثيفها في مركز واحد سواء كان هذا المركز شخصا او حزبا او كتلة معينة او سلطة بذاتها، أي عدم تكثيف الصلاحيات او السلطات بيد الحكومة وشخص رئيسها او رئاسة الدولة وهيأتها وكذلك البرلمان وهيئة رئاسته، ولذلك لا خوف على هذا النظام الذي جاء نتاج عملية اختيار شعبي حر ومباشر، أفرزته انتخابات عامة جرت في كانون ثاني 2005م اشترك فيها أغلبية الأهالي، الذين تم استفتائهم أيضا على دستور دائم للبلاد يكون مرجعية قانونية حامية للنظام السياسي الديمقراطي التعددي الاتحادي، يقف عندها الجميع وتكون خطا احمرا لاستقلال البلاد وسيادة أراضيها وديمومة نظامها السياسي الديمقراطي، كافلا حق الفرد والمجتمع في التعبير عن الرأي واحترام حقوق الإنسان والإقرار بالاختلاف الفكري والثقافي والقومي والديني، في ظل دولة اتحادية تعددية تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وتضمن حقوق المكونات مهما كان حجمها وكثافتها، بما يؤمن انتماء وطنيا رفيعا ويبلور مفهوما للمواطنة يعيش تحت سقفه كل سكان البلاد.
 
kmkinfo@gmail.com
 



464
تقهقر صناعة الطغاة؟

كفاح محمود كريم

    المنعطف الكبير الذي حصل في الشارع الشعبي منذ انتفاضة تونس وما تلاها في مصر يثير كثير من التساؤلات، واراني سأتوقف عند ظاهرة تلك الآلاف المؤلفة من الأهالي التي خرجت بذلك الشكل الرافض للأنظمة ورؤسائها وهي ذاتها كانت تصفق بكل حماس لذات الأنظمة والزعماء، وربما يسعفنا عالمنا الكبير علي الوردي في الإجابة على كثير من هذه الأسئلة حول ثقافة القطيع التي سادت وما زالت في معظم بلدان النظام الشمولي اجتماعيا وسياسيا، وربما سأطيل التوقف أيضا عند من يصنع الدكتاتوريات في بلادنا ويهيئ هذه الجموع تارة للتصفيق وأخرى للرفض والمعارضة وثالثة للنهب والسلب، مع إيماني بوجود كثرة من خارج هذه التوصيفات من الأحرار والمناضلين.
 
     ربما لا نجافي الحقيقة حينما نتهم شرائح من الاهالي والحلقات الملتفة حول المدير والرئيس والزعيم بمختلف تسمياتها وعناوينها، بالمساهمة في تكوين الدكتاتور صغيرا كان ام كبيرا، من مجاميع المصابين بالنرجسية القائمين على حكم العباد ابتداءً من مدير الدائرة الصغيرة ووصولا الى دفة الحكم الأكبر، مثل هذه الشرائح والحلقات كمثل اطراف الاخطبوط ومجسات بعض الكائنات، وهي توجه حركة ذلك المخلوق بالاتجاهات التي تريدها، وربما كانت هذه المجاميع التي شهدنا هرولتها وتجمعاتها الالفية او المليونية وهي تصفق او تهتف بحناجر تغمرها ( بالروح بالدم نفديك يا.... وضع اسم من تشاء بعد ذلك؟ ) اهم من نجح في احداث خلل حاد في شخصية ذلك المسؤول الذي عملقته وحولته الى ما انتهى اليه احدهم في تلك الحفرة البائسة وما تلاه من الهاربين والمتنحيين؟

      افترض دائما على خلفية النقاء الإنساني بالفطرة، ان ذلك الشخص المدير او المسؤول أو الوزير وحتى الرئيس، الذي تلتف حوله تلك الحلقات او مجاميع المرتزقة من ( مساحي الجوخ )* انسان ايجابي ولا ينقصه الذكاء بأي شكل من اشكاله، وهو في الآخر ايضا انسان تسكنه  العواطف والنوازع ولا افترض أن يكون عبقريا او مفكرا عظيما او وليا من الأولياء، بل انسان خدمته بعض الظروف او سلم التدرج او الألاعيب او الفرص او المحسوبية والمنسوبية أو النظام الاجتماعي فأصبح في مكانه، أي بمعنى انه يتأثر بما حوله من الطيبات والناعسات والناعمات من الوصف والتوصيف، ومما يسمعه من الحلقات التي تلتف حول عقله وقلبه وغرائزه وعواطفه ممن اختارهم إن يكونوا مستشارين او معاونين او خبراء او مسؤولي مكاتب في إدارته خارج مفهوم المؤسسات والمراكز البحثية المعمول بها في الدول الديمقراطية العريقة، وبالتالي هم من يحدد معطياته وشكل شخصيته وكيفية ادارته وقراراته التي تخضع دوما لتأثيرات هذه الحلقات ومجاميع بالروح بالدم نفديك يا زعيم، بغياب نظام المؤسسات ومراكز الدراسات والبحوث التي يعتمدها الرؤساء او المدراء في البلدان الديمقراطية المتحضرة!؟

      واذا ما تركنا تلك الحلقات او المجاميع وعدنا قليلا الى نظم التربية والتعليم واسلوب الحياة في اسرنا ومجتمعاتنا الصغيرة التي تنتج هي الاخرى مثل هذه الدكتاتوريات الصغيرة والكبيرة على خلفية النظام التربوي ومناهجه سواء في الأسرة او المدرسة، هذا النظام وهذه البرامج التربوية هي التي حولت الملايين من اطفالنا عبر الأجيال والعهود الى أوعية يتم تعبئتها وتخزينها بمجاميع من المعلومات المفروضة دون نقاش او مبادرة، مع منظومة قيم تتعلق اولا واخرا بطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي في إشاعة الفردية وتخليد الافراد وإطاعتهم ابتداءً من الشيخ أو الأغا والشرطي وإمام الجامع او مؤذنه، وانتهاءً بالمنقذين من الرؤساء والقادة العظام الذين اقسم كل علماء الانثربولوجي بانهم جنس بشري مثلنا لا فرق بينهم وبين أي انسان آخر في هذا الكون سواء كان نادلا او فراشا او جنديا او مزارعا، قبل أن يتعرض الى العملقة والتظخم السرطاني على ايدي هؤلاء الذين ابتلت بهم شعوب الشرق من مجاميع المنافقين والانتهازيين المختصين بالتدليس وإيهام المسؤولين بأنهم مخلوقات خارقة تنافس الكراندايزر الكارتوني او طرزان الغاباتي او سوبرمان الفضيع، حتى افقدوهم انسانيتهم وقتلوا في دواخلهم بقايا الطيبة البشرية وحولوهم الى كائنات خرافية تحت مسميات ساحرة تارة وتاريخية تارة اخرى، ففقدوا توازنهم وتحولوا الى ما شهدناه ونشهده اليوم!؟

     ونتذكر جميعا كيفية تصنيع دكتاتور العراق السابق في كل مناحي الحياة وعلى مختلف المستويات وما فعلته اجهزة الاعلام والجماهير العريضة ومسيراتها المعروفة، يتقدمهم دوما شيوخ العشائر ورجال الدين وجوقة من الإعلاميين والصحفيين والأدباء والفنانين ومن كل كتاب العرائض ووعاظ السلاطين الذين سخروا كل ما يمتلكونه من مواهب وإمكانيات لخدمة الدكتاتور ونظامه حتى أصبح أكثر الرؤساء تمجيدا بالأغاني والأناشيد والظهور على الشاشة، ليس هو لوحده فهم جميعا يمارسون ذات السلوك في كل الدول ذات النظم الشمولية، والغريب ان الجموع الكبيرة التي كانت تخرج تأييدا له مختارة او مغلوبة على امرها، هي ذاتها سارت بآلاف مؤلفة بعد سقوطه تأييدا لغيره، ولم تختلف الوجوه والعناوين الا قليلا، وربما اختلفت جوقة او مجاميع الحلقات المنتجة لتلك الكرنفالات والمسيرات والمظاهرات بما فيها الحلقات الملتفة حول المسؤول او الزعيم التي تضخ له وفيه معلومات مثيرة عن عشق الجماهير له ولنظامه او حزبه مما يكرس فيه تلك النزعة الفردية التي تتطور مع الزمن ليلتهم كل ما حواليه من أجل بقائه؟

    واذا كان الخوف هو الأب الشرعي لكثير من الأمراض الاجتماعية والسلوكية، فان انعدام العدالة هي الأخرى الأم الشرعية لتلك الظواهر وفي مقدمتها نشوء طبقات الانتهازيين والمتملقين والكذابين، فحيثما تتكثف أعداد وحجوم تلك الحلقات الهشة حول المسؤول مهما بلغت درجته، يكمن الفساد ويكون هناك  جوا مليئا بالخوف والحذر والشعور بانعدام العدالة يحيط به بل وينتجه لكي يسود في أوساط الأهالي وينتج تلك العناقيد من فطريات النفاق والتدليس.

   ويبقى السؤال كما وجهه الكاتب والمفكر الكويتي الدكتور محمد الرميحي:
( كيف يمنع الفرعون من الفرعنة؟ كيف يمنع خلق طاغية آخر مثل بن علي ومثل مبارك! )
ونسي كاتبنا أن يذكر صدام حسين، ولم يدرك حينها رئيس اليمن وزعيم ليبيا ووريث  سوريا!؟

 kmkinfo@gmail.com


 
* مسح الجوخ: لفظة بغدادية تعني التدليس والمداهنة.

 


465
 
دمشق وسقوط الفاشية الأخير؟

كفاح محمود كريم

      ما يجري اليوم في بلاد الشام يذكرنا بأحداث العراق وسلوكيات النظام طيلة ما يقرب من أربعين عاما، ولعل أكثرها اشمئزازا تلك المشاهد التي كان يبثها تلفزيونهم عن أب قتل ابنه لتخلفه عن الخدمة العسكرية، طالبين من كافة الآباء والأمهات تقليد هذا الرجل وإشاعة القتل والجريمة دون محاكمة داخل المؤسسة الاجتماعية الأكثر قدسية، مثلها ظهر على شاشات التلفزة في جناحهم الذي يحتضر في دمشق حينما اظهروا والد الطفل حمزة الخطيب بعد ان قابله وريث الحكم في سوريا!؟
   
    المشهد هنا في دمشق وشقيقاتها الشاميات لا يختلف عنه في العراق أبان حكم جناح حزب البعث الآخر بقيادة صدام حسين طيلة عقود من الزمان، حيث اعتمد ذات الحزب في كلا البلدين على مبدأ إقامة الدولة الأمنية المخابراتية الاستبدادية بديلا عن الدولة المدنية المتحضرة، وربما قراءة سريعة لمقارنة أولية بين الجناحين الساقط منهما والذي يحتضر الآن تظهر لنا هذه الحقائق الأولية:

   أعداد العاملين في الأجهزة الخاصة بالنظام السياسي في سوريا وما يقابلها في العراق أيام النظام السابق:
   
850000 عضو في حزب البعث السوري يقابله في العراق ما يقرب من ثلاثة ملايين.
600000 عنصر في أجهزة الامن السوري يتوزعون على 12 جهاز، وفي العراق مضروبا في ثلاثة ولكن في ستة أجهزة رئيسية.
2000000 مليونان فرد من العلويين، وفي العراق لم تكن أسرة الرئيس تقبل توسعا لكي لا تقل الامتيازات!
250000 مهجر ممنوعين من العودة إلى سوريا، يقابلهم أكثر من عشر أضعافهم لغاية سقوط النظام.

    أكثر من 5000 معتقل رأي في سوريا، وفي العراق استبدلت السجون والمعتقلات بالمقابر الجماعية للسياسيين، وأطلق النظام سراح ما يقرب من ثلاثمائة ألف سجين جلهم من المجرمين العتاة في عملية تبييض السجون قبل سقوطه بعدة أشهر!؟
    أكثر من 30000 قتيل في مذابح حماة وتدمر وحلب، وفي العراق فقط في حلبجة خمسة آلاف شهيد خلال ساعات، وأكثر من مليون قتلوا في كوردستان والاهوار والعراق عموما منذ توليهم السلطة في تموز 1968م.
   عشرات آلاف المفقودين الذين لا يعلم أهاليهم شيئا عنهم لعقود، ومئات الآلاف من الكورد الفيليين الذين تمت إبادتهم بالكامل، مع مئات الآلاف من الكورد الذين سيقوا الى صحراوات الجنوب والوسط ودفنوا أحياء في مقابر جماعية تم اكتشاف العديد منها.

    هذا هو شكل ومشهد الدولة او النظام الذي تم تأسيسه هنا وهناك،  لا يعترف بغيره ولا يعرف شيئا اسمه الآخر الا اللهم لأغراض تكتيكية، كما حصل في تحالفاته وجبهاته الهزيلة مع بعض القوى الوطنية المعارضة التي أسقطها في فخه لينتقم منها شر انتقام، حيث اعتمد الميكافيلية فكرا وسلوكا حتى مع أعضائه كما حصل مع ميشيل عفلق في دمشق ومع عبدالخالق السامرائي في بغداد، وكذلك مع الدول التي أجرى معها تحالفات إستراتيجية، كما كان يدعي ثم ما لبث ان انقلب عليها وحاربها، مثل ما حصل مع ايران ولبنان والكويت وقبلها مع السوفييت او دول الخليج او بقية الجيران ودول اوربا.

    لقد أقام النظامان دولة شعارات طنانة استخدمت لأغراض الاستهلاك المحلي والاستثمار السياسي، وبالذات تلك التي تتعلق بالوحدة العربية وتحرير فلسطين والدفاع عن الأمة العربية، التي كانت تخفي ورائها حقيقة أخرى هي الاستماتة في الدفاع عن شخص القائد وثلة من رجاله فقط للسيطرة على مفاتيح السلطة والمال، حيث أثبتت الأحداث خلال الأربعين سنة الماضية ان الدولتان كانتا أكثر دول العرب إيذاء للقضية الفلسطينية وأكثرهم زرعا للفتنة والشقاق والتشرذم في الصف العربي بما باعد العرب عن بعضهم وجعلهم أعداء متخاصمين، بل ان النظامين كانا أكثر دول العالم ايذاءً لشعوبهم ودمارا لدولهم؟

    وبدلا من ان يصدقا في تطبيق سطر واحد من أدبياتهم فيما يتعلق بالأمة العربية ومصالحها العليا، عملا على إشاعة الثقافة القبلية والتطرف المذهبي فكان النظام في بغداد وشقه الآخر في دمشق نموذجا للتسلط القبلي او الأسري المتوارث منذ مئات السنين، بل أضافا اليه انحيازا مذهبيا جليا وهما يدعيان علمانيتهم وتقدمية أفكارهما، وشتتا الأمة العربية ودولها وجعلوهم في أسوء حالاتهم عبر التاريخ؟ 

   ان ما يحدث الآن في دمشق وشقيقاتها من مدن سوريا يذكرنا بتلك المدن التي تعرضت على أيديهم للتدمير والإبادة، وليست حماة ببعيدة عن ذاكرة الأهالي هناك كما هي حلبجة والاهوار وآلاف القرى التي دمرها جناحهم في بغداد، وليست ميكافيليتهم وقراراتهم الكاذبة بعيدة عن أذهان الأهالي منذ اتفاقية آذار عام 1970م التي مسخوها مع قانونهم للحكم الذاتي، الى قراراتهم الأخيرة في دمشق حول تجنيس مواطنيهم الذين اسقطوا جنسياتهم واعتبروهم نزلاء فندق، او كما أعلنوا قبل أيام في إطلاق سراح السجناء وتنظيف سجونهم لكي تستقبل آلافا مؤلفة أخرى او ربما الاستعاضة عنها بمقابر جماعية كما فعل إخوتهم الأعداء هنا في العراق. 

   وإذا كان البعض يعتقد إن الجناح العراقي لحزب البعث قد سقط ابان الاحتلال الأمريكي فهو واهم تماما، لقد سقطوا قبل ذلك بكثير حينما خانوا شعبهم وغدروا بمن أمن بهم، وحنثوا بإيمانهم وتفردوا بالسلطة وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، وهم كذلك في سوريا سقطوا منذ جردوا مواطنيهم من الجنسية وقصفوا حماة ودرعا وقتلوا حمزة الخطيب، وما هي إلا زمن قصير ويعلن سقوطهم الى الأبد!

kmkinfo@gmail.com
 



466
افعلها يا دولة الرئيس؟



كفاح محمود كريم

     يبدو ان عملية جر الحبل ستستمر طويلا بين الفريقين المتخاصمين رغم انهما يعلنان دوما كونهما شريكان في حكومة مهلهلة عرجاء، تعاني من أمراض كثيرة اقلها انها ولدت مصابة بالكساح رغم انها عولجت في اربيل بأطراف صناعية لكي تحاول عبور الشط على مود نجاح التجربة الديمقراطية، ويبدو والعلم عند الله ان الأخوة الأمريكان يصرون على معالجة الكساح باستمرار المشاركة والاشتراك في المناصب والامتيازات وتحويل الوزارات الى ممالك صغيرة وإمارات ترتع فيها الأحزاب والحركات ولا يحق لكائن من كان محاسبتها او حتى الاقتراب من حدودها!؟

    وعلى ضوء ذلك ستستمر عملية الصراع الخفي وراء الكواليس والبردات التي ستبقى هي الأخرى خير عازل يستر الصراع وصفقاته بل حتى التحالفات من تحت العباية اذا اقتضى الأمر ومصالح القادة الأفذاذ، بينما يبقى العوام يعومون فوق سطح بحر من الخدمات السيئة والبطالة المنتجة للجريمة والإرهاب والمدارس التي ما عاد فيها غير جدرانها وصفوفها المتهرئة وصدى أصوات التلاميذ وضوضائهم دونما تربية أو تعليم!؟

    وفي خضم ذلك يبدو ان الحبل الذي يجرونه قد اقترب من القطع لشدة الجر والسحب، فقد أعلنت العراقية إيقاف الكثير من أنشطتها المشاركية مع الحكومة ومجلس النواب لحين إعلان الآخر الموافقة على شروطهم، وبذلك اعتقد انهم لم يعودوا قادرين على المشاركة ثانية خصوصا وان الطرف الآخر في العملية لا يرحب بهم كثيرا كشركاء مثل ما يريدون هم، وعليه يبدو ان المشهد يقترب من انسحابهم كليا وإعلان استقالة الحكومة، لكي تبدأ مرحلة جديدة ربما يكون في مقدمتها الطلب الى مجلس النواب بإجراء انتخابات عامة مبكرة قد تنتج مشهدا سياسيا مغايرا لهذا المشهد الممل والمرقع، خصوصا وان مظاهرات ساحة التحرير وغيرها أكدت ان الكثير من الناخبين يعضون على أصابعهم ندما لمنحهم تلك الأصوات لمرشحين، لا هم لهم ولا غم الا تلك الامتيازات الباهتة او لترضية أولياء نعمتهم في بعض الأحزاب والحركات التي أوصلتهم الى تلك المقاعد التي تأن ألما وخجلا من جلوسهم!؟

   اعتقد ان المشهد السياسي الحالي لم يعد صالحا وقد ادخل كما يرى الكثير من المراقبين الى غرفة الإنعاش والرعاية المركزة وهو قاب قوسين او أدنى من الانهيار، وحري بدولة الرئيس إعلان استقالة حكومته والذهاب الى تشكيل حكومة أغلبية قوية بالتحالف مع مجموعات أخرى في البرلمان، بعد أن غدت حكومته الأربعينية عبارة عن إمارات للأحزاب والكتل السياسية يصعب عليه او على غيره قيادتها بما يحقق مطالب الأهالي والعملية السياسية في البلاد، ومن ثم العمل من اجل بلورة معارضة قوية أيضا من كتلة العراقية او غيرها ومن يتحالف معها، او العمل من اجل تطوير قانون الانتخابات بما يتيح فرصا أكثر لتمثيل حقيقي للمرشحين في دوائر متعددة، ومن ثم إجراء انتخابات عامة مبكرة لاستثمار نتائج المتغيرات في الساحة الجماهيرية على ضوء ما يحصل الآن في معظم بلدان الشرق الأوسط، فإذا كان نظامنا مصان بديمقراطيته ومؤسساته التي يحميها الدستور والتوافق بين المكونات، ولا خوف عليه من انقلاب او هروب او حرب أهلية، فان الكثير ممن يشغلون تلك المؤسسات لم يثبتوا أهليتهم او إرضائهم لناخبيهم وقد تسلقوا في ظروف غير صحية وبذلك فهم غير مصانين او محميين من السقوط والاستبدال أمام ما يجري الآن!؟
 

 

467
مصطفى البارزاني ونهوض كوردستان



كفاح محمود كريم

    حينما أسدلت ستائر الحرب العالمية الثانية وتوقفت طواحينها التي سحقت الملايين من شعوب العالم، كما فعلت قبلها طواحين الحرب الأولى واتفاقيات زعمائها التي ادعت أنها تلملم جراحات الشعوب في صلح لوزان فتلغي وتمسخ أي خريطة طريق لمعالجة تلك الجروح التي رسمتها معاهدة سيفر؟
   كان ثمة رجال يبحثون عن الربح والخسارة في تلك الحروب، وثمة آخرين يلعقون جراحهم بعد إن سحقتهم تلك الطواحين العمياء، وربما كان المنتصرون يتبادلون الأنخاب المعفرة بالدماء وأرباح السلاح وهم يقيمون احتفالاتهم على جماجم الملايين من الضحايا؟

    في تلك المعمعة الكبرى وحفلات تقاسم الأرباح والخسائر بين المنتصرين والخاسرين من السياسيين وتجار السلاح، كان ثمة رجال آخرين لهم موعد مع الأقدار التي لم يتم حسبانها في جداول أعمال اولئك الخارجين من أتون الحرب في أول النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي، وربما ان فرحة الانتصار او مأساة الهزيمة أنسى الكثير منهم فواجع شعوب لم يك لها مصلحة في كل ما جرى، بل على العكس كانت تتحمل وزر تلك الحروب ومآسيها وقد خسرت ايضا فرصتها تحت الشمس.

   كان مصطفى البارزاني واحدا من ابرز اولئك الرجال الذين بدأوا رحلتهم من اجل الحرية والانعتاق بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انطلق يقود خيرة رجاله ورفاق دربه الى مشروع قومي كبير في النصف الثاني من اربعينات القرن الماضي وفي قلب الشرق الأوسط بين أربعة دول تقاسمت ارض الوطن الحلم، لم تكن رحلته مجرد حملة إنقاذ او قوة لدعم انبثاق جمهورية في شرق الوطن، بقدر ما كانت عملية تاريخية لتحريك مخزون هائل لدى الشعب عبر قرون طويلة من التغييب والإذابة والتهميش، والبحث عن مكان تحت الشمس في العالم الجديد بعد توقف الحرب العالمية الثانية وتقاسم تركيا والعراق وسوريا وايران ارض الوطن؟

   لقد كانت الخطوة الأولى باتجاه بلورة نهج يحفز الشعب على النهوض، ويتجاوز الاستكانة والانغلاق وينطلق من المناطقية وثقافة الإمارات والقبائل، الى مشروع قومي خلاق يتميز بروح نضالية عالية وبسلوك متحضر وراقي في التعامل والتعاطي مع مفردات القضية الكوردية، ابتداءً من الأرض والطبيعة والشعب بكافة طبقاته ومكوناته، وكيفية التعامل مع العدو والتأكيد دوما على ان الصراع ليس مع العرب او الترك او الفرس بقدر ما هو صراع مع النظم السياسية المستبدة، وان الكثير ممن يقاتلون مع جيش العدو إنما مغرر بهم او مغصوبين على ذلك.

    بهذه الأسس الأخلاقية النبيلة وضع الملا مصطفى البارزاني بداية مشروعه الحضاري للنهوض بشعبه ووطنه والانعتاق من اغلال الاستبداد السياسي والاجتماعي والقبلي والطبقي، فقد جمع حوله مختلف الشرائح والمكونات والطبقات والمستويات، وأشاع بينهم جميعا انماطا رفيعة من العلاقات الإنسانية التي يعبقها الزهد والنزاهة المالية والتعالي على صغائر الأمور، وأبقى دوما مساحات اللقاء والتحاور والتفاوض وقبول الآخر حتى مع العدو، فقد كان يشرح لرجاله دوما ان العسكري الذي يحاربكم اليوم ليس عدوا بل   مضطرا ومغلوبا على أمره، وغدا سيكون أسيركم فكونوا له إخوة وأصدقاء.

   كان يحث كل مفاصل قواته العسكرية على ان الفروسية التي  تتمثل باحترام الأسير واعتباره ضيفا وإكرامه حتى يتم تحريره، والابتعاد تماما عن أي عملية اغتيال أو إرهاب او قتل لمدنيين لا علاقة لهم بالصراع، وان مهمتنا هي الدفاع والدفاع فقط للحفاظ على شعبنا وتحقيق حريتنا وزرع مفاهيم الأخوة والعيش المشترك في وطن حر وديمقراطي يحترم حقوق جميع البشر، بهذه الروح ابتدأ البارزاني مشروعه النهضوي دونما ادلجة او نظريات فلسفية، بل بمنظومة سلوكية ميدانية تتعلق بالجانب الأخلاقي للقضية الإنسانية عموما ومنها القضية الكوردية وحقوق الإنسان أينما كان وفي أي زمان، وبذات النهج حقق الكوردستانيون عموما والكورد  خاصة الكثير من أهدافهم خلال السنوات التي تلت انتصارهم في انتفاضة الربيع وتحقيق السلام والوحدة والازدهار.

    ان الثمار التي تقطف اليوم هي لتلك الأشجار التي زرعها البارزاني الخالد وروتها دموع ودماء المناضلين والشهداء من أبناء الوطن، وحري بالجميع وعلى مختلف المستويات والمسؤوليات أن يكونوا بمستوى الوفاء لتلك الأفكار النيرة والنهج الطاهر والنقي، الذي رسمه البارزاني مصطفى لتأسيس مشروعنا الحضاري بعيدا عن الغلو او التطرف او الفساد، ويقينا ان المؤمنين بذلك النهج القويم سينتصرون لمبادئه وتطبيقاته ويحافظون عليه من أي محاولة لإفساد التجربة او الانتقاص منها وتشويه مسارها، بما يؤمن اقليما ديمقراطيا حرا خاليا من الفساد والظلم ومتميزا بالعدالة والنزاهة والطهر.

 kmkinfo@gmail.com

 



468
المنبر الحر / الإصلاح والمناصب؟
« في: 17:07 31/05/2011  »
الإصلاح والمناصب؟

كفاح محمود كريم

    يكثر الحديث عن الفساد والإفساد هذه الأيام أينما وليت وجهك، في سيارات التاكسي او مجالس الجايخانات وتعليلات الليل وحوارات ما قبل الانتشاء، إضافة الى الصحف والمجلات التي امتلأت فجأة بالدراسات والبحوث عن ظاهرة ظن البعض انها ولدت للتو، بل ونسي الكثير بأننا في بلاد يزدحم فيها القيل والقال وكثرة السؤال، وتعج فيها أشكال وألوان من الفساد وما يقابلها من الإصلاح، حتى تظن ان الكفتين تكاد ان تتعادلا بينهما؟ 

   ليس فقط هذا اليوم تظهر فجأة هذه الغيوم الداكنة، وليس اليوم ايضا يهطل هذا المطر الملوث بالسحت الحرام، كما ان الفضيلة لم تلد هذه الأيام لكي تعادل الرذيلة بشكلها المزركش والمعاصر، بل هناك زمن طويل من الصراع العنيف بين الأخلاق العليا والأخلاق السفلى بين عزة النفس ودناءتها، وأكوام من التربية الفاسدة وحقب من الحكم الأعرج، وأكداس من الموروثات التي تبيح المال العام وتستسهل الاغتناء دون القيم والنبل؟

   وفي كل الأزمان والأحوال فان الفساد مذموم مذموم رغم ما يحيط به من زركشة وتجميل وإغراء في السلطة والمال والنساء، فهو أساس النخر في أبدان الدول والكيانات كما هو علة النفس والروح حينما يسقط الإنسان عن مجموعة ما فطر الله به خلقه من عزة في النفس وطهر وإباء.

   ولعل واحدة من اخطر مسببات الفساد وتراكماته ومن ثم تكلسه في أبدان البشر ومن بعدهم الدول والكيانات، هو ذات السبب الذي يحيل سائل الحياة الماء اذا ما ركد في مكان ما الى أسن وعفن، فكيف لك ان تبقي مسؤولا او مديرا او حاكما او واليا في ذات الموقع لسنين طوال وهو شئت أم أبيت ابن شرقٍ، مؤسس على الأنساب والاحساب، ولذلك ابتكروا للرؤساء ومجالس التشريع   تداولا سلميا وزمنيا محددا للسلطة لا تجوز فيها الولاية لأكثر من دورتين في اغلب مجموعهما لا تتجاوز الثمان سنوات.
 
   وفي فيض الفساد يطوف على السطح الكثير الكثير من الأسئلة المغمسة بالألم والأسى وفي مقدمتها ما ذهب اليه ابا ذر الغفاري حينما سأل الرسول (ص) والصحابة قائلا:
   كيف لمرء لديه بضع شياه أي عدة نعاج، وهو مؤمن بحدود الله،  ويأتي بعد عدة سنوات ليصبح لديه منهن المئات!؟

   وكيف لموظف مسؤول او وزير او حاكم يتقاضى معاشا لا يتوافق إطلاقا مع حجم قصره او عمارته او عدد سياراته ونفقاته  أو ..الخ ولا يُسأل او يحاسَب؟

   لماذا معظم الوزراء والمدراء والمسؤولين يتصرفون كأمراء وملوك وكأن دوائرهم إمارات وممالك في دولة وراثية، حتى ان مات او مرض او استقال عين بدلا عنه ابنه او اخيه، وان لم يوجد فابن أو بنت اخيه وهكذا دواليك وكأنما ارحام هذه الأمة قد جفت ونضبت!؟

   دعونا نبحث عن مُنتِجات الفساد وينابيعه وأسباب انتشاره قبل ولوج هستيريا الاستعراض والقيل والقال، ونوقف هذه الحمى النزفية التي تنخر الأجساد والكيانات، وتحيل الأوطان الجميلة الى سجون ومعتقلات يضمحل فيها البشر ويهزل؟

kmkinfo@gmail.com

469
بين حضارة الشعوب وهمجية الأنظمة؟

كفاح محمود كريم

    كشفت الأحداث الأخيرة البون الشاسع بين حضارة الشعوب وهمجية الأنظمة التي تحكمها، وهي بالذات تلك المسافة التي تقع بينها وبين الأهالي في درجة القرب والبعد من تمثيلهم بشكل حر ومباشر في النظم الديمقراطية، ويبدو ان علاقة عكسية بين الاثنين تتحكم في منح هوية الدولة او النظام الاجتماعي والسياسي على اساس تلك المسافة وبعدها او قربها، فكلما ابتعدت المسافة كان شكل النظام وسلوكه اقرب الى انظمة البعث واللجان الشعبية وأمثالهما، والعكس صحيح.

   وربما لعقود طويلة ومؤلمة كانت تلك الأنظمة وما زال الكثير منها حتى يومنا هذا يدعي تمثيله للأهالي من خلال مؤسسات موجهة ومصنوعة بشكل مثير للسخرية والتقزز كما كان هنا في العراق اذبان مجلسهم الذي أسسوه بقوانين مفصلة على قياس الحزب الواحد والقائد الضرورة، مع شلة من أحزاب الزينة التي لا تختلف كثيرا عن أشياء أخرى يستخدمها الإنسان للزينة في حديقة منزله او استقباله، ونتذكر ايضا كيف استحوذ رئيس تونس على السلطة من رئيسها الشرعي بورقيبة وكيف حول مجلسها النيابي الى فرقة للطرب لا شاغل لأعضائها الا مرضاة الرئيس وحاشيته والاستحواذ على المكاسب والامتيازات، ولم تختلف مجالس قبائل رئيس اليمن التي يفترض ان تكون برلمانا عن توائمها السيامية في العراق وتونس ومصر ومهازل اللجان الشعبية في ليبيا ومثيلهم في سوريا الذي ادعى ظلما وبهتانا ان اسمه مجلس الشعب كشقيقه المنحل في مصر وقبله في مهازل المجلس الوطني العراقي؟

وحينما نهضت هذه الشعوب لكي تعبر عن ذاتها قامت تلك الأنظمة جميعا وبدون استثناء بتحريك فرقها السرية للقيام بأعمال قذرة شهدناها هنا في العرق بعد هزيمة النظام في غزوه للكويت وبعد سقوطه في نيسان 2003م حيث قامت بأعمال السلب والنهب والقتل والتدمير وحرق المؤسسات، وفي الوقت الذي كان الأهالي يجمعون موجودات المخازن والدوائر في المساجد والجوامع لتأمينها من السرقة ويقومون بحراسة كثير من المؤسسات، كانت فرق وشعب وفروع حزب السلطة وأجهزته الخاصة تسلب وتنهب وتحرق البلاد، وكذلك فعلوا في ليبيا وما زالوا يدمرونها تدميرا كليا لسبب واحد فقط وهو ان الشعب لا يريد النظام؟

    وفي تونس ومصر كادوا أن يفعلوها الا انها وئدت قبل أن تستفحل، ولعل ما حصل في المتحف الوطني المصري اوقف عصابات النظام التي بانت في هجومها على ميدان التحرير فيما اطلق عليه بمعركة الجمل، وبينما كانوا يغتالون الناس او يحرقون الدوائر كانت مجاميع من الشباب تنظف الشوارع وتنظم السير وتحرس البلاد في كل أنحاء مصر، وبينما يهتف المتظاهرون في كل مدن سوريا من اجل الحرية والوطن والحفاظ على المال العام ، تقوم مفارز النظام البعثي واجهزته الخاصة وفرقه القذرة بأعمال همجية بربرية من خلال الاندساس بين المتظاهرين او من اعالي العمارات والبيوت وإطلاق النار على أفراد من الجيش او الشرطة لإيهام الرأي العام بوجود قوى مسلحة ولإيجاد مبررات القيام بعمليات عسكرية واسعة كما حصل في درعا وبلداتها.

    حقا لقد أكدت الأحداث الأخيرة في هذه المجموعة من الدول حضارة الشعوب ورقيها أمام همجية وبدائية الأنظمة التي تسلطت عليها في غفلة من الزمن بانقلاباتها وسرقتها لمقاليد السلطة والمال، وقد آن الأوان لتأسيس سلطة هذه الشعوب من خلال التداول السلمي  والديمقراطي للحكم في ظل دولة الدستور والمؤسسات. 

kmkinfo@gmail.com   


470
نشوء النظام السياسي في كوردستان

كفاح محمود كريم

    حينما تم اعلان تحرير معظم قرى وبلدات ومدن اقليم كوردستان العراق، كان الكثير يتوقع وفي مقدمتهم اولئك الذين هربوا وتركوا الإقليم، انها عدة اشهر وستغرق كوردستان ببحر من الدماء والدموع والفقر والفاقة الى درجة انها ستتوسل العودة الى احضان الدكتاتورية مرة اخرى، بينما توقع اكثر المتفائلين بنجاح الثوار ان الكورد لن ينجحوا بادارة انفسهم وانها ايضا بضعة اشهر لا غير ستتحول كوردستان الى جزيرة للارهاب والخراب؟

    ولكن ما حدث بعد ذلك ومع خروج كل ما يتعلق بالنظام في بغداد من المناطق المحررة بما فيها كل وسائل الادارة ومفاتيح العمل والكثير من السجلات والوثائق، وخلال اشهر فقط كما قالوا استطاع الكورد وشركائهم في المنطقة من المكونات الاخرى لا الى الغرق في بحر من الدماء والفوضى بل الى اختيار طريق اخر للصراع حينما اعلن الرئيس مسعود بارزاني ان انتخابات عامة هي التي ستقرر من يقود ويحكم المنطقة المحررة من كوردستان، وكان بحق اول خطاب يؤشر ملامح المرحلة القادمة في المنطقة عموما ويعطي اولى ثمار العمل النضالي من اجل تحقيق الديمقراطية، ولذلك يعتقد الكثير من المراقبين ان اول عملية اختراق لحاجز الخوف والرعب من الانظمة الدكتاتورية هنا في المحيط العربي حصل هنا في اقليم كوردستان وفي وسط وجنوب العراق في ربيع 1991م، حينما انتفض الشعب وواجه سلطات الدكتاتور المتمثلة باجهزة الامن والمخابرات وميليشيا حزب البعث وقطعات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، واستطاع تحرير كل المقرات والمواقع التي كانوا يحتمون فيها خلال عدة ايام، وفيما نجح الكوردستانيون في انجاز مشروعهم الديمقراطي واقامة كيانهم الفيدرالي، نجح النظام في سحق المنتفضين في وسط وجنوب البلاد لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
   أردنا بهذه المقدمة ان نسلط الاضواء على عملية نشوء النظام السياسي هنا في الاقليم بعد فترة ليست طويلة من تحرير المنطقة، وقرار الشعب وفعالياته الاساسية في الخيار الديمقراطي وصناديق الاقتراع التي اعتمدت في تداول السلطة، وهي التي حسمت الصراع بين القوى والاحزاب السياسية في انتخابات 1992م، التي فاز فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأغلبية قليلة (51% )، بينما جاء الاتحاد الوطني بالدرجة الثانية ( 49% )، واصطفت معظم الاحزاب الوطنية الأخرى مع الحزبين الفائزين  وحسب حجومها في اول برلمان كوردستاني منتخب بشكل حر ومباشر من قبل شعب كوردستان وبأشراف مراقبين دوليين ووسائل اعلام عالمية وممثلين للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ومنظمات الأمم المتحدة، التي شهدت جميعها بكون الانتخابات كانت مرضية وضمن المعايير الدولية المطبقة في الدول الأوربية.
   إذن كان الخيار منذ البداية قبول الآخر والتعاطي معه والعمل المشترك من اجل انجاز المشروع الديمقراطي الحر للإقليم الذي واجه تحديات كبيرة وقاسية جدا، غير ما كان متوقعا من كون المجتمع الكوردستاني مجتمع قبلي قروي ومحافظ، يعاني من أمية عالية وتخلف كبير في معظم مجالات الحياة وفي مقدمتها البنية التحتية شبه المدمرة، جاءت التحديات الخارجية التي استغلت كثير من المظاهر والحلقات الرخوة في البناء الاجتماعي أو في الهيكل  السياسي الجديد، واللعب بمفاتيح الصراعات القديمة لكي تشعل حربا ضروسا كادت ان تدمر تلك التجربة، لولا الإصرار المنقطع النظير للمخلصين من أبناء الشعب وقياداته وفعالياته والقوى الصديقة والمخلصة لكوردستان والقضية الكوردية عموما، حتى نجحت في إرساء السلام وتوحيد الإدارتين والعمل المشترك، والدخول الى حقبة جديدة بعد سقوط نظام صدام حسين والمشاركة الفعالة كفريق واحد مع القوى العراقية الأخرى، لتأسيس النظام الديمقراطي الجديد في البلاد والعمل من اجل بناء الإقليم وتطوير بنيته التحتية وحل مشكلة المناطق الأخرى منه التي ما زالت تعاني من ازدواجية العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإدارة الإقليم في كل من محافظات نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين.
    إن ما يجري اليوم من حراك سياسي وعملية إصلاح شاملة يؤشر الى إصرار الإقليم وقياداته السياسية والاجتماعية على صيانة وتطوير النظام السياسي الديمقراطي المنتخب من قبل الشعب، كما يدلل على النهج الحضاري الذي يصر الجميع على انتهاجه رغم بعض التحديات التي تواجهه على نمط بعض أعمال العنف التي رافقت التظاهرات منذ شباط الماضي، والتي انتهت حينما أيقنت تلك القوى إن النظام السياسي في كوردستان إنما أنتجته عملية ديمقراطية نزيهة جاءت بكل هذه المؤسسات التي تدير الإقليم الآن، وتعمل على تميزه وتقدمه في كل المضامير وفي مقدمتها مكافحة الفساد والإفساد ومحاربة أي محاولة للخروج على الشرعية باستخدام العنف والتخريب.
kmkinfo@gmail.com

471
المنبر الحر / لا تقزموا أوطانكم؟
« في: 23:49 15/05/2011  »
لا تقزموا أوطانكم؟

كفاح محمود كريم

     ربما لحقب كثيرة من الأزمان نجح العديد من القادة والزعماء وكبار المثقفين والمفكرين والفنانين والعلماء والأدباء في أن يكونوا رموزا  لبلدانهم من خلال إبداعاتهم وعبقريتهم او نضالهم الدءوب من اجل الحرية والرقي، ولقد سجل تاريخ الشعوب الكثير من مواقف هؤلاء الذين ما أن تذكر أسماءهم او إبداعاتهم حتى تعرف أوطانهم وتعجب بشعوبهم وحضارتهم، فقد اضافوا الى سجل بلدانهم وتعريفات أوطانهم كما كبيرا ومتميزا من العطاء الثري، وحافظوا على سلامة وتطور تلك الأوطان بما يجعلها أكثر احتراما وفخرا بالانتماء لها.

     ونتذكر جميعا كيف سخر المئات من المبدعين قصائدهم وأعمالهم الإبداعية من اجل ان يتحول الوطن باجمعه الى قصيدة او رواية مسرحية أو فلم سينمائي او اختراع او علم يمجد او يظهر جانبا من جمال ذلك الوطن والشعب، ولن تتسع الكثير من الصفحات لتكفي تسجيل أسمائهم التي ما أن تذكر حتى تتبادر الى أذهاننا أوطانهم وشعوبهم، الى جانب العديد من الخالدين الذين قادوا شعوبهم الى المجد وحققوا بفكرهم وقيادتهم التحرر والانعتاق لأوطانهم دونما استبداد او دكتاتورية مقيتة، وبذلك تفخر الإنسانية بمئات الفنانين والعلماء والأدباء والمفكرين والكتاب والقادة المحررين الذين زينوا سجل بلدانهم بصفحات من الفخر والإبداع والتميز. 

     وبينما يعمل هؤلاء الرجال والنساء من المثابرين والجاهدين من اجل إذابة أسمائهم وإبداعاتهم في بودقة البلاد لكي تكبر أوطانهم وتتمجد شعوبهم في إيثار سامي ونبيل، تعمل مجموعات أخرى من النرجسيين والأنانيين ومرضى السلطة في كل مستوياتها أو مفاصلها كبيرة كانت أم صغيرة على اختزال الوطن وتقزيمه من خلال تلك الفردية المفعمة بالنرجسية والتسلط وزاوية النظر ذات البعد الواحد، بالتعاون مع بطانات فاسدة من الانتهازيين والمتملقين الكذابين الذين يشكلون حلقات تعمل معهم وتلتف كالأفاعي حول الرقاب لكي تغتال مفهوم المواطنة والوطن وتعمل على شخصنته واختزاله في شخص فرد او حزب، حتى يظن المرء ان ذلك الفرد انما يعني كل الوطن وتاريخه، ونتذكر جميعا واحدة من أسوء الشعارات التي رفعت وقيلت بحق الأوطان والشعوب أيام النظام السابق حينما اختزلوا بلادا من أقدم بلدان العالم وأعمقها حضارة بشخص دكتاتور حينما أوهموه بأنه نعمة من نعم السماء وقالوا:


اذا قال صدام قال العراق!؟

   لكي يدفع العراق بعد ذلك بحورا من الدماء والدموع ثمنا لتطبيق ذلك الشعار الأجوف، وخلال عقود تناسلت هذه الشعارات المقيتة وانتشرت في بلدان كثيرة لتشيع ثقافة تقزيم الأوطان واختصار البلاد في شخص حاكمها، كما يتردد اليوم من قبل بطانات ومجاميع الرئاسة في ليبيا واليمن وسوريا وهي تواجه انتفاضات سلمية مدنية  بمئات الدبابات والقتلى تحت شعارات نشاز غوغائية تأتي امتدادا للذي ذكرناه أعلاه، وربما كان أكثرها إثارة للاشمئزاز تلك التي أشاعتها المخابرات الليبية ولجانها الثورية وما شابهها في اليمن وسوريا وغيرهما:

الله ومعمر وليبيا وبس!؟
أو
    نعم لسادس الخلفاء الراشدين علي عبدالله صالح!؟

     والعشرات أو ربما المئات من مثل هذه الشعارات التي تنتشر في بلدان النظم الدكتاتورية وتلاحق شعوبها من جدار الى جدار ومن اذاعة الى تلفزيون، وفي كل مدرسة وجامعة ومسجد، وهي تعكس ازمة تلك الأنظمة،  وتظهر عمق التعقيدات النفسية والشعور بالهزيمة ومركبات النقص التي تعاني منها هي وأنظمة إعلامها المتخلف الذي لا يفقه إلا تسويق هذه الشعارات لاختزال الأوطان والشعوب في شخصيات دكتاتورية مريضة!؟





 

 


472
افعلوها وكونوا معارضة؟   

كفاح محمود كريم


    كتبنا في غير مقال عن خلو العملية السياسية العراقية منذ البداية من قوى للمعارضة الوطنية تمثل الرأي الآخر وتحدث توازنا مطلوبا لمعادلة الحكم والمجتمع في آن واحد، فقد خلت الدورة السابقة وما قبلها في الجمعية الوطنية من أي شكل من اشكال المعارضة وقد بررت الحالة كون البلاد ما زالت في طور البناء الديمقراطي وتحتاج الى اجماع وتوافق، ورغم واقعية هذه المبررات الا ان المعارضة المرجوة ليست قوى مضادة او هدامة بقدر كونها تختلف مع الاخرين ربما في الرأي ليس الا وهي بالتالي قوى آمنت بالنظام الجديد وتحترم الدستور وتعمل على تنفيذه وصيانته ويفترض أن لا تكون هناك خشية من ادائها ونشاطها المعارض على الاجماع او التوافق.

   لقد تمنينا ان تتبلور في الدورة الثانية لمجلس النواب نواة معارضة برلمانية تتخلى عن المشاركة المباشرة في الحكم والاستأثار بالمناصب والامتيازات، وترتضي بتمثيل الرأي الآخر في المجتمع ونبض الشارع الذي لا يمكن لأي حاكم او حزب او تحالف الادعاء بتمثيله اطلاقا، وبذلك اصبح البرلمان الذي كنا نبتغيه طيلة عقود من الزمان ونحن ننظر بعين الحسرة الى مجلس العموم البريطاني او الجمعية الوطنية الفرنسية او الكونكريس الامريكي، برلماننا يكاد يفقد الطعم واللون والرائحة ويتحول الى حمام عمومي لايكاد العضو فيه يرى غيره من البخار وضجيج الكلام وصداه، وهو ما زال في مكانه مراوحا منذ عديد السنين لتوافق كل الاطراف بتقاسم الارث من السلطة والنفوذ والمال والاتفاق على كل شيئ والاختلاف على ما يفيد المواطن والاهالي!؟

    ومنذ عدة اشهر بعد ان اتفقت كل الاطراف على مبادرة الرئيس مسعود بارزاني في تأسيس حكومة شراكة وطنية يتقاسمها الجميع بما يخدم العملية السياسية ونجاحها وتطوير ادائها، تحول المختلفون الى التأويل والتفسير في النصوص والتواقيع منذ اللحظات الاولى، وما هي مديات الصلاحيات هنا وهناك، ومن سيكون على رأس الداخلية او الدفاع او الامن الوطني وهكذا دواليك في مجلس السياسات الاستراتيجية ومديات عمله وصلاحيات رئيسه، والمواطن مازال يأن من جراح نصف قرن كانت سنواتها الاخيرة بعد السقوط اكثر ايلاما وحسرة وفسادا!؟

  وبينما تتفاقم المشاكل وتتعقد اكثر من ذي قبل يصر الكثير على صراعات لا علاقة لها بالمواطن وحاجياته الاساسية اطلاقا، ويهدد البعض الاخر بالاستأثار الفعلي بالسلطة او ترك العملية السياسية وتجميد العضوية في البرلمان، ويقينا فأنه هناك مساحة واسعة من الرأي العام العراقي تريد وتتمنى ان تكون في البرلمان كتلة معارضة قوية بعيدا عن المشاركة في الحكومة او مناصبها،  وترضى لنفسها ان تكون رقيبا وموجها ومحاسبا لها بما يخدم مصالح البلاد العليا ويعزز العملية السياسية ويحمي الدستور، وبدلا من التهديد والوعيد بالانسحاب من العملية السياسية عليهم أن يفعلوها ويؤسسوا معارضة وطنية برلمانية لكي تتوازن الامور في الحكم والمجتمع وتنطلق البلاد الى آفاق اخرى قبل فوات الاوان؟ 

kmkinfo@gmail.com



473
حينما تلتهم الأم صغارها؟

كفاح محمود كريم

     حقيقة الأمر إن الكبار في هذا العالم لم يعد يهتمون كثيرا بصغار الدول إن صح التعبير، إلا فيما يتعلق بمصالحهم العليا ومدى خدمة الآخرين من غير مواطنيهم لتلك المصالح، ولعلنا نتذكر تلك المشاهد المثيرة للأحداث التي وقعت في ايران مقتبل شباط 1979م فقد اصبنا جميعا بالذهول ليس لتلك الملايين التي انتفضت بل حينما هرب شاه ايران ومدلل الولايات المتحدة وابنها البار مغادرا عرشه الذي اعتلاه واسرته طيلة اكثر من الفي عام امام زحف تلك الآلاف المؤلفة من البشر الذين تذكرناهم ايضا في بانوراما الثورات الجميلة على اديم الفراعنة في ميدان التحرير بالقاهرة، ذلك اليوم الذي ادلهمت فيه الدنيا امام ناظري ملك الملوك آريامهر حينما توجه الى الأم الحنون في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وكانت فعلا ساعة مقتله حيث  رفضت الحنونة استقباله او حتى هبوط طائرته في مطارات البلاد!؟

    لم يك هذا المشهد الدرامي الأخير من شاكلته في تراجيديا التهام الصغار، بل اعقبه ما اشد منه تأثيرا وايقاعا حينما انقلبت الأمور برمتها ضد مدلل آخر أقلته القطارات الأمريكية الى دفة الحكم ذات سنة من سنين الستينات من القرن الماضي، انه صدام حسين الابن البار الذي اصبح الابن العاق بعد ان كان صديقا بل وسدا منيعا هو والآخرين ممن باركتهم الأم الحنون ضد انتشار الشيوعية او الماركسية أو الديمقراطية؟

   وخلال عدة اشهر من مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة يتساقط الصغار واحدا تلو الآخر، في ايقاع متقارب يحمل تسميات كثيرة ربما اكثرها اثارة هي الفوضى الخلاقة واقلها قربا من المعنى هي الثورة او الانتفاضة، وخلال ايام ليست مملة وكأن الواحد منا يشاهد فلما هنديا على الطريقة العربية، يخطب رئيس تونس ليكسب الوقت في هروبه ثم يحلق قبل ان يحمل ملايينه ومجوهراته، فيتبعه رئيس مصر ولكن هروبه كان الى الداخل وليس الى الخارج، بينما يصر عقيد ليبيا ان لا يبقي طابوقتين فوق بعضهما في البلاد، وهو يتآكل تدريجيا وتتحول بلاده الى حطام، والعقيد الآخر في عنق البحر الأحمر يتحول بنظر الحنونة من سد مأربي امام الإرهاب الى دكتاتور طاغي يجب إنهائه، في الوقت الذي ما يزال الأسد يصدق نفسه غضنفرا وهو يتباهى بسحق دبابات الحرس الجمهوري لعشرات الآلاف من عملاء الدول الأجنبية في المدن السورية!؟

    وأخيرا   The game is over كما تعودنا على سماعها منذ سنوات في لعبة جر الحبل بين الحكم واللاعبين، يتم قتل عميل آخر نجح لسنوات في أن يخرج من ساحة الملعب ومحيط الدائرة المرسومة ويمتطي صهوة الدين ولبوسه، ويقيم محطات الموت ونافورات الدماء في كثير من بلاد الفقراء، ويبقى الآخرون يشككون في شخصه المقتول هو أم غيره؟ وغدا سيقولون انهم رأوا صوره على القمر او المريخ رغم ان موجات البحر وأعماق القرش قد ابتلعت جثته كما ابتلعت البابهم وأبصارهم، وهم ما زالوا حائرون من يكون هذا الذي على وجه القمر صدام أم بن لادن أم ..... ربما سنحتاج الى البوم صور للقادة الأولياء!؟

     كنت أراقب التلفزيون وهو يقدم تقريرا عن أكل بعض القطط والطيور والأسماك لصغارها ولم أدرك بالضبط ماذا كان يقول صاحب التقرير عن رأي العلماء في تبرير او تفسير ظاهرة التهام بعض الامهات أو ربما الآباء ايضا من الحيوانات طبعا لصغارهم، ولكنني اجزم انها حالة خارجة عن المألوف حتى لدى المخلوقات التي لا تمتلك منظومات للتفكير او العاطفة، وهي في اقل التعليلات والتعريفات نوعا من الشذوذ والوحشية ما دون الحيوانية؟

       ولا ادري تماما ما علاقة هذه الظاهرة بما يجري بين الدول العظمى و( أصدقائهم ) ونهاياتها التراجيدية منذ اريامهر وحتى مدير القاعدة مرورا بجوقة الأبناء العاقين الذين التهموا او في طريقهم للالتهام؟

      فهل هي مجرد صدفة او تناغم أن يكون كل هؤلاء من اصدقاء امريكا المخلصين وانشقوا عنها او انتهت لعبتهم، ام اكتشفوا شيئا عظيما ما كان يفترض ان يعرفوه فقررت الحنونة إنهائهم؟


أسئلة كثيرة ولكنها لا تخلوا من البراءة؟

 kmkinfo@gmail.com

474
العراق والانتخابات المبكرة؟

كفاح محمود كريم

    يبدو ان الأيام تتوالى ويتم استهلاك الزمن على نفقة الأهالي بينما الفعاليات السياسية ورموزها في بغداد ما زالت تتنافس على المناصب والامتيازات ومن يستحوذ على وزارات معينة تحت تسميات السيادية تارة والأمنية تارة أخرى، وهي بمجملها تظهر مدى فقدان الثقة بين الأطراف المتنافسة ومن ثم غياب مفهوم متفق عليه للمصالح العليا للبلاد وحدود محترمة من الجميع للمواطنة التي يفترض ان تعلو على مجمل الخلافات والانتماءات تحت خيمة النظام الجديد للعراق.

    وفي الوقت الذي نجحت مبادرة الرئيس بارزاني في دفع عجلة العملية السياسية الى الأمام وحسم الصراع بين الكتلتين الفائزتين ( دولة القانون والعراقية ) بانجاز حكومة شراكة وطنية، إلا ان الأحداث التالية وما يجري من صراعات خلف الكواليس يظهر البون الشاسع بين الطرفين، حيث تجري الآن محاولات العودة ثانية الى المربع الأول في المبادرة، رغم حجم الخلافات التي تتكثف في الفكر والرؤية أكثر منها الى المواقع، هذا من جانب ومن جانب آخر للمشهد السياسي برمته تدلل هذه الأوضاع على هشاشة التحالفات ونوعية المرشحين الذين تم إيصالهم الى مجلس النواب، ومن ثم اختيار أعضاء حكومة الشراكة الوطنية التي اعتمدت المراضاة على حساب النوعية بصرف النظر عن مؤهلات الوزير العلمية والميدانية والمهنية، حيث سارعت كل الجهات المشتركة في العملية السياسية الى ترشيحات اقل ما يقال عنها توصيفا انها تمثل المحسوبية والمنسوبية وعلاقة المرشح سواء الى مجلس النواب او الحكومة برئيس القائمة ومن يمثله ومدى تعاونه معه (!) وسقف تأثير  عشيرته وعلاقات شيوخها وأغواتها بالقائمة او رئيسها مما يخشى من إعادة البلاد ثانية الى النظام  العشائري المقيت الذي بدأ يتبلور في غياب او ضعف مؤسسات الدولة المدنية وسلطاتها الشرعية مقارنة مع نمو هذه التشكيلات وتأثيراتها من خلال ممثليها الذين حملتهم الى مجلس النواب او الحكومة.

     لقد أنتجت دولة الثمانين عاما التي سادها العرف العشائري والتقاليد القروية والبدوية ذلك النظام البائس الذي شهدنا انهياره وتقهقره ودمار البلاد والعباد تحت خيمته، وهي ذاتها أفرزت هذه الأوضاع الشاذة منذ ثمان سنوات عبر قنوات العشيرة والمذهب والمنطقة والعرق بعيدا عن مفهوم المواطنة والمصالح العليا للبلاد مما يدفع الآن الى إعادة النظر بالأوضاع السائدة إزاء هذه العقدة في الاتفاق على حكومة وطنية ومعارضة برلمانية ولأجل الخروج من هذه الأزمة يعتقد الكثير ان استقالة الحكومة الحالية وتأسيس حكومة انتقالية او تصريف اعمال من اجل إجراء انتخابات مبكرة خيارا مهما ربما يؤسس لمجلس نواب أفضل ويبلور قيام كتلة معارضة في البرلمان بعيدا عن مبدأ المشاركة المباشرة في الحكومة بل مشاركة في مراقبة عملها وتوجيهها بدلا من تآكل الزمن والفرص في تنافسات وصراعات على مواقع حكومية ومناصب هنا وهناك في الوقت الذي تكبر الفجوة بين تلك الحكومة او البرلمان وبين المواطن الذي تتفاقم أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وتتقهقر الخدمات  الأساسية بينما تنشأ في المقابل طبقات فاسدة في وحول مفاصل مهمة من الحكومة والبرلمان والرئاسة.
kmkinfo@gmail.com

475
( كفوا عن صناعة دكتاتور )

كفاح محمود كريم

    في اكثر من مقال او بحث او حوار تطرقنا الى واحدة من ابرز تعقيدات الموروث الاجتماعي والسلوك السلبي المتراكم بالخوف والنفاق ومنظومة العادات والتقاليد البالية، التي أنتجتها حقب من القهر والرعب والاستلاب والحاجة والفاقة والعوز، تلك هي الاستكانة وثقافة القطيع التي سادت المجتمعات الزراعية القرية والقبيلة وانتهت بتسلط ذئاب بشرية تحت مسميات الوالي والسلطان والملك والأمير والرئيس والقائد الضرورة، وحروب طاحنة وقاهرة لا أول لها ولا آخر من اجل القائد الهمام ونظامه العتيد متخفيا وراء ستار الدين تارة وتارة العرق والحزب والأيديولوجية، وفي جميعها لا علاقة لها البتة بالمواطن العادي الذي يشغل 99% من السكان المغلوبين على أمرهم، والمنقادين دوما خلف القائد والمنقذ وقبله الشيخ والأغا وإمام المسجد والباشا والبيك، وغيرهم من ولاة الأمور عبر الأزمان والعصور، الذين لا يناقشون ولا يعارضون وإن اختلفت معهم فأنت كما يقولون حتى يومنا هذا جزء من مؤامرة وعميل او كافر وملحد، حتى تكلست الاستكانة والعبودية وغدت منهجا مدغما في سلوكيات الأفراد، لتنتج أقبح الصفات في التدليس والنفاق والمديح الكاذب، ومن ثم إنتاج  الدكتاتوريات الصغيرة والكبيرة ابتداءً من رأس الهرم ونزولا الى أسفله؟   

     ولم تثبت الأحداث او حقب التاريخ او علوم الحياة والوراثة، ان دكتاتورا غادر رحم أمه يحمل تلك الصفات، ولا احد يستطيع ان يجزم ان فلانا من هؤلاء الطغاة ولد هكذا، بل قل ان الظروف شاءت ان تسهل اموره في بيئة ساعدت على صناعة شخصيته الدكتاتورية من خلال مجاميع من هؤلاء الذين مازالوا يهتفون بالروح بالدم نفديك يا زعيم، والذين ما نزال نسمعهم ونشاهدهم في زنقات طرابلس وحارات دمشق وساحات صنعاء، ولقد شهدنا وما زلنا آليات وكيفيات وأساليب تحويل او تصنيع هذه النماذج الرئاسية التي تسلقت الى سلم السلطة في كنف الليل بانقلاباتها المعروفة واحتضنتها هذه الموروثات الاجتماعية والسلوكية وصورها في البطانات التي حولها ومقربيها التي لا شغل لها غير تقديم آيات التبجيل والتصفيق قعودا وقياما والمديح حد الإسفاف والتبجح في الوصف والتوصيف!؟

    ويقينا لا احد يولد وهو دكتاتور بل الأشخاص هم من يصنعونه بالتبجيل والتصفيق والمديح المستمر، وتستوقفني هنا واحدة من أروع مواقف مقاومة تلك العملية التي مارسها الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان بعيد انتخابه رئيسا لولاية ثانية، ففي أثناء زيارته الى جامعة دهوك رفض تسلم شهادة دكتوراه فخرية قدمت اليه من قبل الجامعة احتراما للعرف الأكاديمي ومنعا لإشاعة مثل هذا السلوك، والأروع من ذلك تعامله مع اقتراح ان يكون يوم زيارته للجامعة يوم عيد جامعي يحتفل به سنويا حيث قال زاجرا:

  ( أحد الأمور القبيحة .. بل أكثر الأشياء قباحةً .. هنالك بعض الأشياء تَعّودنا أن نُقّلِد بها الآخرين... يوم جاء صدام الى المكان الفلاني .. فيحتفلوا به كُل سنة.. بالنسبة الى يوم الجامعة .. إختاروا مثلاً يوم تأسيس الجامعة .جئتُ الى دهوك .. ماذا يعني ؟ لم تخرب الدُنيا .. هذا واجبي.. أحبُ ان يُحترم المناضلون وأن يُقّدَرون ... ولكن ليس بهذهِ الطريقة .. هذا ليس في قاموسنا ... هذا التمجيد المُبالَغ بهِ ... حتى انه مُمكن ان يُؤثر على اي بشر .. ويدفعه ربما الى إرتكاب الأخطاء ... يؤدي الى صناعة دكتاتور ... كفوا عن صناعة دكتاتور ).

                                            كفوا عن صناعة دكتاتور!؟

   حقا انها صرخة اطلقها البارزاني بوجه تلك الثقافة البائسة التي انتجتها سنوات القهر والخوف والاستعباد، ليست ضد تلك الثقافة من الناحية السياسية بل حتى اجتماعيا وعلى مختلف مستويات  الهيكل الإداري للدولة، لنكف فعلا عن صناعة دكتاتوريات وشخصيات مشوهة كان بالإمكان ان تكون غير ذلك تماما في أجواء صحية لا تسمح بتمادي او انحراف أي منها في ظل دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان وعلى مختلف الأصعدة.

   كنا نتمنى دوما أن يكون رد أي رئيس او وزير او مدير او مسؤول بهذا الشكل الأخلاقي السامي على اولئك المتملقين الذين يهدمون بتدليسهم ومديحهم أي بادرة خير او نبتة إصلاح عند المسؤول، من أجل أن ندرأ عن بلادنا خطر ظهور دكتاتور آخر يدمر ما تبقى منها، وليس بالضرورة ان يكون شخصا واحدا او رئيسا بل كل الأشخاص وفي كل مستويات الإدارة والمسؤولية الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية من رأس الهرم وحتى قاعدته!

kmkinfo@gmail.com



 

476
الإدارات ولصقة جونسون؟

كفاح محمود كريم

   بداية دعونا نتعرف على هذه ( اللاصقة ) دون ان نروج دعاية لمنتج طبي يعالج التشنجات في الجسم، وهي عبارة عن قطعة قماش أو نايلون مثقبة فيها مادة لاصقة، وبالتأكيد تحتوي على بعض الأدوية التي تعالج المناطق المتشنجة من العضلات بإلصاقها عليها لفترة معينة، وتعرف بأنها قوية الالتصاق الى الحد الذي يصعب إزالتها الا باستخدام التبخير او الماء الحار!؟

   وهناك ايضا مادة لاصقة اخرى يتندر بها العراقيون عموما ويستخدمونها لتوصيف الذين يبقون في أماكنهم أكثر مما يجب  فيطلقون عليهم تسمية السيكوتين، ويبدو أننا اليوم إزاء مشكلة أولئك الذين التصقوا بواسطة هاتين المادتين فوق كراسي او مكاتب الإدارات التي تولوها منذ سنوات مملة وطويلة حتى يخال المرء ان تلك المؤسسات إنما ورثوها من ذويهم حالها حال أي من الأموال المنقولة وغير المنقولة؟

   وفي الحالتين يتصرف هؤلاء الملصوقين بواسطة لزكة جونسون او بالسكوتين وكليهما من الصنف الانقلابي المشهور هنا في الشرق الأوسط، حيث يتحول البلد بأكمله الى ضيعة مملوكة للرئيس الضرورة، الذي يشع مواهبه وسلوكياته الى ادنى مستويات الإدارة، حيث يشعر الجميع في هيكل دولته وإداراتها بالسلطنة ويستمدون سلطانهم وقوتهم من الأخ الأكبر (Big Brother ) الذي تحدث عنه جورج اورويل* في روايته الشهيرة ( 1984)  منذ أكثر من نصف قرن.

   لقد ادمنت كثير من الإدارات العامة والعليا وحتى الصغيرة منها مواقعها حتى أصبحت ممالك صغيرة ضمن الدولة يتصرف فيها المدير او المسؤول وكأنه وارث الدولة في تلك المؤسسة، وربما كان ذلك مبررا ايام النظام السابق لشموليته رغم ان رئيسه كان لا يثق ببقاء أي مسؤول فترة طويلة في موقعه خوفا من تبلور أو تكلس مجاميع من الناس حوله ليؤسس شيئا يثير مخاوف النظام، الا ان ما يواجهنا اليوم وبعد اكثر من ثمان سنوات هو مواصلة الالتصاق السيكوتيني في كراسي الإدارات وبالذات ما دون كرسي الوزير او النائب، وما يترتب على ذلك من انتشار عنقودي للفساد المالي الذي طفح بشكل جعل العراق في مستويات لا يحسد عليها تحت سقف الفساد، في ظل إدارات نافست المياه الراكدة في تعفنها وانتشار رائحتها التي تزكم الأنوف؟

    ويبقى السؤال المهم هل ستنتج تسونامي الأنظمة المتعفنة فروعا لها حول هذه الإدارات الملصوقة بالكراسي وامتيازاتها، بما يحدث تغييرا شبيها او مقاربا لما حدث للأنظمة ورموزها الذين تساقطوا، وتزيح هذه المتكلسات في دوائر الدولة وغيرها من المؤسسات التي يعشش فيها مدراء ومسؤولين كبار وصغار نمت حولهم عناقيد من بكتريا الفساد ومجاميع من الانتهازيين والوصوليين الذين مسخوا تلك المراكز وحولوها الى إمارات وملكيات شخصية وتسببوا في تأخير نهوض البلاد وتقدمها وإضاعة فرص ذهبية للانتقال الى الضفاف الأخرى مع النخب الكفوءة والأصيلة على حساب الأكثرية من السكان؟

kmkinfo@gmail.com

* جورج أورويل: كاتب وروائي بريطاني اسمه الحقيقي إريك آرثر بلير، ولد في 1903 وتوفي في 1950م، وجورج أورويل هو الاسم المستعار له والذي اشتهر به ، ولد في قرية مونتهاري بولاية البنجاب الهندية لأسرة متوسطة الحال.



477
جاءك الموت يا تارك الصلاة؟

كفاح محمود كريم

     لم يدرك الدكتاتور العراقي السابق بأنه هناك قوة أعظم منه وأقوى وهو يسحق طيلة اربعين عاما كل من يعارضه او يختلف معه، وربما ايضا ان عنجهيته وضيق افقه جعله يعتقد ان لا آخر غيره وإن الطبيعة كما يقول تكون مساعدة للناس على الشر وفي الاعتراض عليه، رغم أنها آوته في جحر منها لعدة ايام او اشهر، فقرر بعد حادثة الدجيل التي جزت رأسه إزالة كل تلك الغابات والبساتين الجميلة حول دجلة دون ان يعرف انها كانت بداية السقوط.

    وحينما أطلق بضع ثوار عدة اطلاقات على إحدى طائراته العمودية في أقصى جنوب العراق، قرر إزالة واحدة من أقدم مسطحات الماء في العالم وتجفيفها وتدمير مجتمعاتها وبيئتها الفريدة من نوعها بين المجتمعات الإنسانية تلك هي الاهوار العراقية، وربما كانت رأسه قد اصطدمت بجبال كردستان حينما فكر هو وابن عمه علي الكيمياوي إزالتها، وبذات ردة الفعل الهتلرية تصرف ازاء حلبجة وشقيقاتها من مدن كردستان حينما أمطرها بالغازات والأسلحة الكيمياوية، وقبلها فعل ما فعلته امريكا في فيتنام باستخدام اسلوب الأرض المحروقة، فقتل مئات الآلاف من سكان كردستان العراق ودمر ما يقرب من خمسة آلاف قرية جبلية بما فيها من حيوان وأشجار وينابيع مياه ودور عبادة ودراسة، وهجر اكثر من نصف مليون انسان من مكانه الى امكنة نائية وغريبة عن بيئته، حتى ضن ان لا رئيسا غيره ولا قوة الا قوته!؟

    ولقد شهدنا أخيرا نهايته المخزية ليس على كرسي المشنقة كما أراد ان يعوض في فعاليته، بل حينما عثروا عليه مختبئا في تلك الحفرة وأخرجوه بذلك الشكل المهين، وقد تذكرت هذه المشاهد وأنا أراقب إلقاء القبض على رئيس ساحل العاج في غرفة نومه بعد ان تسبب في مقتل الآلاف من الأهالي بسبب تشبثه بالسلطة وتوهمه بأنه القوة العظمى في بلده فانتهى خاسئا مهزوما الى زنزانته!؟

   وهكذا يستمر مسلسل كشف عارات هؤلاء الطغاة، فقد أزاحت العاصفة التي تضرب سواحل المتوسط والخليج الغطاء عن حقيقة من يحكم تلك البلدان الذين يتساقطون الواحد تلو الآخر، حيث شهدنا هروب الرئيس زين العابدين حينما اختصر الطريق الى جده تاركا ملايينه الورقية والمعدنية في دواليب غرفة نومه وهرب، وظهر الآخرون على حقيقتهم الدموية كما نشاهدهم في زنقات ليبيا وميادين صنعاء ودرعا البطلة، حيث بدأوا بالوضوء قبل سكرات الموت بلحظات لتأدية الصلاة التي تركوها منذ استبدوا في حكمهم، وهم في مهب العاصفة يقارعون طوفانات من المنتفضين، لا تهمهم حمامات الدماء التي سيخلفونها في هروبهم او سقوطهم المشين، كما سقط رئيس ساحل العاج لوران غباغبو، تراهم يخطبون ويعلنون انهم سيصلحون ما أفسدوه في سنوات مجونهم السياسي كالذي يدركه الموت ويتذكر الصلاة، ولات حين مناص وصدق من قال:


جاءك الموت يا تارك الصلاة؟

 kmkinfo@gmail.com


 
 

478
سوريا واليمن وحمى الخطابات؟

  كفاح محمود كريم 
     
      كثرت خطابات الرؤساء المصابين بحمى تسونامي الأنظمة المتعفنة التي تكتسح سواحل البحر الأبيض المتوسط والخليج المختلف حتى الساعة على تسميته ما بين العربي والفارسي والتي ربما اندست هي الأخرى في عاصفة المنامة لتضيف نكهة أخرى لانتفاضة الشارع هناك معفرة بدخول قوات درع الجزيرة الى شوارع العاصمة البحرينية وميادينها؟

    في حمى الخطابات لم تستغرق العملية في كل من تونس ومصر غير خطابين مقتضبين لزين العابدين والرئيس مبارك وغادرا كل منهما الى جهة اكثر امانا من قصورهم التي غدت موحشة وربما مرعبة، بينما استلمنا الأخ العقيد وولي عهده سيف الإسلام في تابلوه من الخطب المثيرة والمسرحية التي أصبحت واحدة من أطرف الخطب التي تتندر بها وسائل الإعلام والناس في كل العالم، حتى أدركهم رئيس اليمن السعيد وجماهيريه المليونية التي يحشدها في ميدان آخر من ميادين صنعاء التي تغص بباقات القات، وخطابات التهديد والوعيد والتحليل والتنظير، ليكملها خطاب الرئيس السوري الوارث للحكم عن أبيه الأسد الذي حكم سوريا منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي حتى مات بأمر الله ولم يشهد ما يجري الآن لزملائه العظام في تونس ومصر وليبيا واليمن، هذا الخطاب لم يجعلنا نشتاق كثيرا لخطابات الأخ العقيد المنزوي منذ عدة ايام في زنقاته الضيقة بحثا عن نهاية للنفق، بل ان ما جاء به الوارث الجمهوري لا يختلف كثيرا عن تنظيرات ملك قبائل اليمن الذي طلب أخيرا  من الشعب المنتفض أن يتنحى ويرحل!؟

     وحقيقة؛ ان خطابات هؤلاء الرؤساء لا تثير العجب او الاستغراب بقدر ما تثير السخرية والاستهجان وربما احيانا كثيرة الشفقة لما يظهر عليها وأثناء إلقائها من انفعالات وحشرجات توضح حقيقة الوضع النفسي لهم وما آلت اليه ردود افعالهم في اخراج عشرات الآلاف من الموظفين والعمال في المؤسسات والمعامل التابعة للدولة، بل وقد أكدت مصادر مهمة من الذين التحقوا بالمتظاهرين ان اعدادا كبيرة من رجال البوليس بكل صنوفه والعسكر وحتى شرطة الكمارك والحدود طلب منها ان تشارك في المسيرات القطيعية بملابس مدنية، ليس في دمشق وحلب وحماه بل حتى في صنعاء وقبلها في القاهرة وتونس وطرابلس الغرب، خصوصا اذا ما عرفنا مدى ضخامة هيكل الأجهزة الخاصة الملحقة بكل رئيس من هؤلاء، كما كان يفعل كبيرهم الذي علمهم السحر والذي أعدمته المحكمة الجنائية العراقية بعدة تهم اقلها القتل العمد والإبادة الجماعية للسكان؟

    وكل رئيس من هؤلاء كما ذكرنا تتبعه طوابيرا من عناصر حزبه القائد، فمثلا في سوريا هناك ما يقرب من تسعمائة ألف عضو في حزب السلطة وأكثر من نصف مليون عنصر امني منضوي تحت خيمة 12 جهاز أمني واستخباري خاص، وطبعا لكل رئيس من هؤلاء عشيرة او مجموعة عشائر ( عشيرة زوجته وازواج بناته واخواته وزوجات اولاده وهكذا الى ادم وحواء!؟)،  فالرئيس يناضل دائما   من اجل ان تكون عشيرته الأكبر، حتى ذابت أو ادعت عشائر كثيرة انها ترجع الى ذات اصل عشيرة القائد الضرورة، وكما توهم الكثير من ابناء الشام بأن مليوني علوي في سوريا مع الرئيس وحزبه، واتضحت الأمور بعد درعا حينما خرج اهل اللاذقية من العلويين ضد النظام كما فعل اصحاب كبيرهم هنا حينما انكفأ في حفرته المناضلة؟

    انهم ما زالوا يخاطبون الناس بذات العقلية التي نقلتهم الى كرسي الحكم في كنف الليل حينما اغتصبوها انقلابا او خيانة او تزويرا منذ عقود من الزمان، صنعوا خلالها قطعان من المرتزقة والانتهازيين والفاسدين يسيرونهم متى شاءوا في مظاهرات سلطوية ترفع صورهم وشعاراتهم البالية، كما حصل في ميدان التحرير بالقاهرة حينما اخترقوا صفوف الأهالي المنتفضين، وفي صنعاء وطرابلس الغرب وكما يحصل الآن في دمشق وبعض شقيقاتها الشاميات حينما يوهمون انفسهم بأنهم مازالوا يحكمون الناس وان هذه القطعان انما تمثل نبض الشارع والأهالي؟

    انهم كما ذكرنا في مقال سابق توائم انتجتهم عملية اغتصاب بائسة في غفلة من الزمن، وحملتهم ارحام ملوثة فاسدة للحكم لتقذفهم حمما وصديدا ونيرانا على شعوبهم وذويهم، وتراهم يتحايلون كأي دلال او بقال بائس في اسواق عواصمهم لتمرير بضاعة فاسدة، كما يظهر في قراراتهم التي يصدرونها كما ادعى وريث القذافي سيف الاسلام في انهم سيباشرون بوضع الدستور ويسمحون للأحزاب بالعمل بعد ان كانت لأكثر من اربعين عاما كفرا وإلحادا؟

    وهناك بالقرب من سد مأرب يصرخ ملك القبائل ورئيس اليمن وهو ( يخدر ) شعبه بإصلاحات كان يفترض ان يعمل عليها منذ عقود، مثل قرينه في دمشق الذي ( تفضل ) بتجنيس ما يقرب من نصف مليون مواطن كردي سوري اسقط مواطنيتهم هذا النظام قبل اكثر من اربعين عاما واعتبرهم اجانب، وحرمهم من ابسط حقوق الإنسان والمواطنة، بل وذاقوا تحت حكمه وفلسفة حزبه الشوفينية اقسى انواع الاضطهاد القومي، الى درجة انهم لم يعاملوهم كمكون من مكونات الدولة السورية بل كجالية من الجاليات المقيمة، في سلوك عنصري ينافس النازيين والطورانيين في عنصريتهم!؟

    ان الامور لم تعد بحاجة الى خطابات وادعاءات وإصلاح فات أوانه بقدر حاجتها الى تغيير جذري ينهي هذه الحقبة تماما ويلغي كل قوانينها وأساليبها ونظامها ورموزها، ويعيد للشعوب استحقاقاتها من خلال نظام ديمقراطي حر يحترم حقوق الإنسان والرأي الآخر دونما تمييز بسبب الدين او العرق او العقيدة او اللون او الجنس، وحتى يتم ذلك سيبقى هذا المشروع الملتهب من شلالات الاحتجاج بعد تحطيم حواجز الخوف والإرهاب السلطوي مستمرا يتناغم مع فوران تنور الطوفان الذي سيكتسحهم عاجلا ام آجلا!

kmkinfo@gmail.com   





 

479
التغيير وتجفيف منابع الإرهاب؟

كفاح محمود كريم

   منذ أن بدأت تسونامي الأنظمة المتعفنة تضرب سواحل المتوسط والخليج، مطلع هذا العام وحتى يومنا هذا تهاوت إمبراطوريات كارتونية سخرت كل أجهزتها وإمكانياتها النفطية والسكانية والمخابراتية والإعلامية للشعارات الكاذبة ولحماية كرسي الحاكم ونظامه، وهيأت ارض خصبة لنمو فطريات الإرهاب والتطرف القومي والديني الذي أشاع جوا نفسيا متوترا لدى كثير من الشرائح الشبابية والمحافظة التي تورط الكثير منها في عمليات القتل والتفجير والإرهاب في العراق وافغانستان وكثير من البلدان التي تحاول مغادرة تلك البيئة المتخلفة والمتعفنة.

    هذه الأنظمة التي دخلت في حرب شعواء غير معلنة مع النظام الجديد في العراق، وحولت مدنه وبلداته وتجمعات سكانه الى ساحات حرب وحلبة صراع لكي ترسل اليها او تسهل عملية إرسال آلاف الإرهابيين القادمين من بلدانها او من بلدان أخرى لإفشال عملية التغيير التي يشهدها العراق، وطيلة أكثر من ثمان سنوات عجاف كان معظم منفذي تلك العمليات الدموية في تفجير السيارات المفخخة او الانتحاريين يتم تدريبهم او إرسالهم او تسهيل عبورهم من جميع هذه الدول التي تحكمها هذه الأنظمة سواء التي سقطت منها أو الآيلة للسقوط.
 
   لقد أكدت إحصائيات رسمية وشبه رسميه انخفاض كبير وملحوظ في عمليات التفجير بواسطة الانتحاريين القادمين عبر سوريا والسعودية والأردن وإيران ومن جنسيات مصرية وليبية وتونسية وجزائرية وسورية وسعودية ويمنية، سواء باستخدام السيارات المفخخة او من خلال تفخيخ أجسادهم وتفجيرها في مناطق مكتظة بالأهالي سواء من الشيعة او السنة او الكورد او استهداف المسيحيين والصابئة والايزيديين، وذلك لغرض إشاعة الفتنة او الاقتتال الداخلي مما يؤكد ان عاصفة التغيير في هذه البلدان لم تُسقط أنظمتها ورؤسائها الطغاة فقط، بل أسقطت ذلك البرنامج الإرهابي الذي كانت تعتمده وتمارسه أجهزة مخابراتها واذرعها الممتدة عبر الحدود بشتى الوسائل بحيث توقف او تؤخر تطور التحديث الديمقراطي في المنطقة عموما وبالذات النموذج العراقي وعدم السماح له بالانتشار الى دول المنطقة في الشرق الأوسط منذ ثمان سنوات وحتى قبل عدة أشهر قليلة. 

    وإذا كانت عمليات الإرهاب ما زالت موجودة هنا وهناك فإنها تعتمد أسلوبا آخرا يتمثل في عمليات التصفية الشخصية من خلال الاغتيالات واستخدام كواتم الصوت او العبوات اللاصقة والتي اشتهرت بها تنظيمات حزب البعث تاريخيا السرية منها والعلنية، فهي التي استخدمت ذات الأسلوب منذ عام 1959م وبعد ان استقلت القطار الأمريكي في شباط 1963م وما جرى في بغداد والمحافظات من عمليات تصفية طالت في العاصمة وحدها ما يقرب من ثلاثة آلاف رجل وامرأة في يوم واحد بعد تسلمهم السلطة في 1963م، وما حصل بعد ذلك بعدة سنوات حينما استحوذت على السلطة في انقلابها الذي ادخل البلاد كما يعرف الجميع في حمامات للدماء حتى يومنا هذا؟

   ان التغيير الحاصل الآن وسقوط النظم الدكتاتورية يتيح فرصا ذهبية لتطور عملية الانتقال الى النهج الديمقراطي سياسيا واجتماعيا وهو كفيل ايضا بتجفيف منابع الإرهاب في المنطقة عموما وإيقاف المد الديني والقومي المتطرف والمنغلق. 


kmkinfo@gmail.com




480
حينما تتهاوى الأشباه؟

كفاح محمود كريم

   كانت وسائل الاعلام الموجهة من اجهزة النظام السابق تشيع ان للرئيس اشباه كثر يقومون مقامه اثناء تنقلاته او حضوره بعض المهرجانات والندوات الكبيرة او زياراته للمحافظات، بل ذهب البعض الى انهم كانوا يشغلون مكانه في العديد من سفراته، وسواء صدقت مثل هذه الروايات او كانت مجرد ادعاءات مفبركة فان اشباه الدكتاتور صدام حسين من رؤساء الانقلابات يتهاوون اليوم واحدا تلو الاخر امام سيول لا اول لها ولا آخر من طوفان الاهالي بمختلف شرائحهم وطبقاتهم، يتقدمهم في ذلك اصغرهم سنا من الشباب كما رأيناهم في سيول تونس وميدان التحرير وليبيا واليمن وسوريا؟
 
   ليس بالضرورة ان يكون رؤساء المنظومة الشمولية في الشرق الاوسط نسخا مطابقة لمعلمهم الكبير كما في حالة العقيد صاحب الزنقة الذي لولا اسمه لقلنا ان تجارب الاستنساخ الجيني بدأت تأكل اكلها في انتاج اجيال مطابقة لدكتاتورنا الراحل(!) بل ان الكثير منهم يشبهونه في الالتصاق السيكوتيني بالكرسي الساحر، او بخطوط الحماية وتولي الابناء والاقرباء مواقع القيادة في السلطة والمال، او في العنجهية الفارغة والنرجسية المقيتة التي حولتهم الى كائنات غريبة في شكلها وسلوكها، حتى يظن المرء انهم فعلا من افضل ممثلي هوليود، او انهم مخلوقات لا علاقة لها اطلاقا بالبدائيين من ابناء ادم وحواء المساكين؟

والغريب في هؤلاء الاشباه كما في كبيرهم الذي علمهم السحر، ان الصفات التي اطلقوها على انفسهم كانت ابعد ما تكون عنهم في اتون الصراع الحقيقي، فلم يعد باستطاعة المنقذ أن ينقذ نفسه أو حتى ذويه حينما توارى عن الانظار واستقل طائرة وهرب أو حفر حفرة واختبأ فيها، وبعد أن كان القائد الضرورة امسى لم يعد وجوده ضروريا بل حصل العكس حينما اصبح من الضروري جدا  التخلص منه ومن نظامه ليس من شعبه فحسب وانما من كل الشعوب قريبة او بعيدة حيث اكتوى الجميع بنيران غطرسته ونرجسيته، وهكذا دواليك مع من تصوروا انهم قادة عصرهم وزمانهم الذين تحولوا بين ليلة وضحاها الى اضحوكة يتندر بمخازيها كل من عرفهم طيلة حكمهم واطلع على سلوكهم وهم في اخريات ايامهم؟

   حقيقة إن كل هؤلاء المستبدين من رؤساء الانظمة المتخلفة وملحقاتهم من الانتهازيين والمرتزقة والفاسدين، اشباه بعضهم عبر حقب التاريخ والازمان، بل وتوائم قذفت بهم الظروف السوداء في واحدة من اردء ما حملته بطون السياسة والحكم في غفلة من الزمن فكانوا فعلا نتاج عملية اغتصاب ابتلت بهم شعوب الارض ونالت على ايديهم شتى صنوف العذاب النفسي والجسدي، حتى جاءت عواصف الحق وطوفانات المضطهدين والمهمشين كأنها تقول للزمن ان التاريخ يعيد نفسه اليوم في طوفان جديد ابتدأ من ارض ما بين النهرين وما يزال في ذات المنطقة وحواليها يجرف عفونة الكفر السياسي والاضطهاد الانساني وكأننا نسمع صدى الطوفان الاول وصرخة السماء:

  ( فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَآءٍ مُّنْهَمِرٍ* وَفجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر ) (القمر: 11-13).

  حتى ان طفح الكيل وبانت عورات هذه الانظمة الفاسدة فجاء الطوفان ثانية:
 


   ( حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وأَهْلَكَ إلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَولُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلاَّ قَلِيْلٌ* وقَالَ ارْكَبُوا فِيْهَا بِسْمِ اللهِ مَجْريِها وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيْمٌ ) (هود: 40-41).

    في هذا الطوفان يخال للمرء انه استبدال لطوفان الماء بطوفان البشر، ليكتسح بروحه وعقله ودمه هذه الاكوام من الادران المتكلسة في جسد البشرية ويطهر البلدان في واحدة من اكثر مناطق الارض تألقا في الروح والعقل والدماء والدموع ليقول للارض:

   ( يَآ أَرْضُ ابْلَعِيْ مَآءَكِ وَيَا سَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيْضَ المَآءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيْلَ بُعْداً لِّلقَوْمِ الظَّالمِيْن ) (هود: 44).

   حقا انها حقبة طويلة جدا من طوفان نوح حتى طوفان الشعوب في مطلع الالفية الثالثة حيث تتهاوى الاصنام ثانية؟

kmkinfo@gmail.com

481
الرؤساء الطغاة وأزمة المثقف؟

كفاح محمود كريم

     لم يوضع المثقف والنخب الثقافية عموما في منطقتنا التي تتعرض الى عواصف سياسية واجتماعية شديدة، في موضع ذهول وحيرة وإحباط وإحراج وصل حد المهزلة كما هو عليه اليوم مما يحدث في تسونامي الأنظمة العربية التي تكتسح الرؤساء العرب الفاسدين الذي أذلوا شعوبهم وخدروهم بشعارات كاذبة تم تمريرها من خلال أجهزة إعلامهم التي اختزلت الأوطان بأشخاصهم وأحزابهم، واستغلوا حالات الانكسار والهزيمة لدى الكثير من هذه النخب في عنترياتهم التي تكشفت وانفضحت منذ هروب الدكتاتور العراقي وانكفائه في تلك الحفرة التي أذهلت أولئك الذين تصوروه بطل الأبطال ومحرر الشعوب، إضافة الى ما فعلته عطايا تلك الأنظمة وكوبونات النفط أو البترودولار وفايروساته المعدية او مجموعة القرارات والقوانين الارتجالية والمهرجانات الأدبية والفكرية والثقافية والعلمية والرياضية التي كانت تتغنى وتمجد الرئيس القائد او الزعيم العظيم وتوظف تلك المهرجانات لعرض أفكاره ومنجزاته الخارقة!؟

     وربما لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة مجتمعاتنا البدوية والزراعية والعشائرية ظل المثقف حاله حال معظم الناس مرتبطا بشخص الزعيم والمنقذ والقائد كونه رمز يمثل كل ما يجول في تراكماته وذاكرته الفكرية المرتبطة بالقرية والعشيرة والشيخ، حتى ضن انه المخلص والمنقذ الأوحد للأمة او الشعب مما فيها من انكسارات وهزائم وشوائب، وراح قلمه او حنجرته او فرشاته او ريشته تكتب وترسم وتغني وتعزف على أوتار تمجيده، وهو يعتقد أي هذا المثقف مهما كان صنفه إنما يمجد فنه وحريته وشعبه الذي اختصره في شخص القائد او الزعيم، متوهما أنه سيحقق كل الأمنيات ويزيل انكسارات النفوس العميقة وجروحها، وإزاء ذلك كانت هناك ايضا مجاميع أخرى من المثقفين تضمها سجون رهيبة وأخرى قتلت وتم تصفيتها او هاجرت وتحملت كل مآسي ذلك الرحيل القسري لأنها كانت ترفض ولا توافق او تؤيد ذلك النرجسي الأوحد والقائد الهمام ونظامه الشمولي، بينما انعزل آخرون الى زوايا بعيدة عن الأضواء لدرجة انهم استبدلوا مهنهم وإبداعاتهم بأشغال وأعمال أخرى لا علاقة لها بالثقافة وعوالمها وبعيدة عن الأضواء ودوائر التأثير!؟
 
     ولن نتحدث عن كل الذين تكتسحهم العاصفة ولكننا نتذكر بألم شديد تلك الجموع من المثقفين العرب وغيرهم من كل الاختصاصات والاتجاهات في الأدب والفن والفكر والقضاء والرياضة والعلم الذين كانوا يتهافتون الى قصور القائد الضرورة وغيره من النرجسيين القادة في مهرجانات ومناسبات يقدمون فيها خدماتهم مقابل ما كانوا يحصلون عليه من أجور او هدايا مجزية نقدية او عينية او آمال في تحقيق اهدافهم وامنياتهم، حالهم حال أي شاعر من شعراء الخلفاء والملوك مدحا وتعظيما مقابل صرر الذهب والدنانير والجواري والعبيد، او ربما مقابل الحصول على الامن والأمان والستر على الحال والأحوال!؟

    تلك الأجور والوعود والرشاوى التي صمت آذانهم وعمت أبصارهم عما كان يعانيه العراقيون من آلام وعذاب وقهر، حتى تحول معظمهم الى وعاظ للسلطان القائد يؤدلجون حروبه ومعاركه وعداواته ومذابحه ونرجسيته حتى اصبح مهوسا بالمديح وبالسيف والدرع والحصان!، وهذا لا يعني ان الجميع كانوا بهذه المواصفات ففيهم من فعلها خشية تدمير وإبادة وقطع للأرزاق ومنهم من كان موظفا يؤدي عملا روتينيا حتى في عمله الإبداعي ومنهم ايضا من كان بدون قضية ويعمل كأي موظف في شركة او مؤسسة؟

    ورغم ذلك اعتقد جازما ان هناك من أبت نفوسهم وتسامت، ورفضت التنازل قيد انملة واحدة من مبادئها وارتضت التهميش والملاحقة والاعتقال أو الهجرة والرحيل والاغتراب، ورفض العديد ايضا دعوات المشاركة في الموافقة على حمامات الدماء التي كان يقيمها القائد من خلال كرنفالاته ومهرجاناته العائمة فوقها، وسواء كانت هذه المجاميع قلة أو كثرة الا انها فعلا تستحق تسمية المحاربين الأشداء الانقياء في عزة النفس والسمو والمبادئ واحترام مشاعر الشعوب، يقابلها ايضا من كان يؤمن وما يزال بقيادة وأحقية اولئك الرؤساء الطغاة على خلفية ما كانوا يؤمنون به من انهم منقذين ومخلصين ورموز الأمة ومحرريها تحت أي من الضغوط او القناعات التي ذكرناها، حتى بانت عوراتهم وظهرت عيوبهم في أبشع ما يمكن ان يكونوا امام شعوبهم، فكانت حقا واحدة من اكثر الأزمات انكسارا بل وأكثرها ذهولا وإحباطا وخزيا أصاب مؤيديهم ومعتنقي أفكارهم ووعاظ مجالسهم ومناسباتهم؟

      في الثاني والعشرين من شهر حزيران عام 1992 كتب الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل مقالا في صحيفة "يوميوري شيبمون" اليابانية الواسعة الانتشار ضمن باب ثابت هو (نظرات على العالم) وكان عنوان المقال (القذافي وإعلان الجهاد)، قال فيه انه اول شخص التقى القذافي بعد ما سمي بثورة الفاتح في عام 1969 كمبعوث خاص من الرئيس المصري حينذاك جمال عبد الناصر، وحينما سأله الأخير عن انطباعاته بعد اجتماع دام خمس ساعات مع العقيد وضباط آخرين "ان الشاب البدوي الذي رأيته يذكرني بمهر عربي جميل وأصيل، لكنه مازال بكل عذرية الصحراء او البراري المفتوحة وبراءتها ونقائها وحيويتها، وهو يقدر، اذا استطاعت المسؤولية الوطنية ترويضه، ان يكون جوادا قويا وقادرا من نوع نادر، لكنه اذا لم يحدث ترويضه سوف يظل شاردا وقادرا على إلحاق الأذى بنفسه وبكل ما حوله من الأشياء الى الناس".*

    بعد هذا الوصف بعدة اشهر قال عنه الرئيس جمال عبدالناصر في مؤتمر كبير وهو جالس مع ثلة من زملائه الضباط ما معناه ان القذافي حامي القومية العربية وفارسها، ومثل ذلك قال ميشيل عفلق ( وهو واحد من كبار المفكرين العرب واحد مؤسسي حزب البعث ) عن صدام حسين واصفا إياه بأنه نعمة من نعم السماء علينا(!) ولقد شهدنا عبر اربعين عاما ما فعلته تلك الكلمات وتأثيراتها على الشخصيتين وكيف تحول كل منهما الى غول كاسر متوحش سرطنته النرجسية وطوفان المديح والتدليس وحلقات المنافقين والانتهازيين من المداحين والمستشارين والبطانات الفاسدة ووعاظ السلاطين.

     يقول الفنان السوري الكبير دريد لحام في تبريره لاستقبال القذافي في بيته بالشام وهو جواب ربما يبرر علاقة كل الفنانين والشعراء والنخب الثقافية الكبيرة بالرؤساء الطغاة الذين سقطوا او في طريقهم للسقوط:

ما تعليقك على الزيارة التي قام بها الزعيم الليبي معمر القذافي لمنزلك؟


 ( الزيارة تمت بناء على طلب رسمي ورغبة من هذا الرجل في عام 2008 عندما كانت دمشق تستضيف القمة العربية، وبالتأكيد أنني لست نبياً لأعرف عام 2008 أن القذافي سيرتكب ما يرتكب عام 2011 ولم يكن غيري يعرف.. الزيارة في المجمل لم تكن سرية، والأنبياء الذين يعترضون على الزيارة كان يجب أن يعترضوا عليها عام 2008 بما أنهم يعرفون ماذا كان سيجري عام 2011 ، في عام 2008 كان هو ضيف على البلد وألقى خطابا ناريا ظهر فيما بعد أنه يخفي خلفه هذه القسوة ..)*

   وربما ان الكثير ممن شاركوا الدكتاتور صدام حسين في مهرجاناته ومناسباته لم يكونو على اطلاع كامل بمجريات الأحداث هنا في العراق كما إنني اجزم ان كثير ممن كانوا في خيمة العقيد القذافي كما قال دريد لحام لم يكونو يعرفوا هذه القسوة والعنجهية والبربرية في تعامله مع شعبه!؟*

   حقا أنها مواقف محيرة ومذهلة ومحرجة تظهر مدى تلاعب تلك الأنظمة ورموزها بمفاتيح اجتماعية او عاطفية او وطنية أو مالية تورط الكثير في الوقوف معهم أو ربما تسيء إليهم لمجرد هكذا لقاء ومنه الكثير الكثير مع كل أولئك الرؤساء الطغاة الذين دعوا الى قصورهم ومناسباتهم ومهرجاناتهم النخب الثقافية اسوة بالنخب والزعماء السياسيين وغيرهم، ونتذكر جميعا المئات من اولئك الذين كنا نراهم في مهرجانات المربد والمتنبي وأبي تمام وأيام الربيع في الموصل وبابل، ومثلها في ليبيا وسوريا واليمن والكثير من البلدان التي يحتفل ( رؤسائها وملوكها ) بهكذا مناسبات، ولا أظنني ظالما إن سألت كم هو عدد المثقفين العرب وغيرهم من كل اجناسهم الأدبية والفنية والثقافية ممن دعاهم العقيد أو القائد الضرورة او أسد الأمة وأمثالهم، ورفضوا دعواتهم لأنهم ظالمين ومستبدين الا من كفاه الله شرهم وخيرهم!؟

kmkinfo@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 *مجتزأ من مقال الكاتب عادل الجبوري ( ماذا قال هيكل عن القذافي ) المنشور في إيلاف.
 * مجتزأ من تحقيق أجرته إيلاف مع الفنان دريد لحام.
 * http://www.youtube.com/watch?v=xg9jjXbhJac&feature=related
 
   




482
تظاهرات النجوم الثلاث!؟

كفاح محمود كريم

    على ضوء ما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في اليمن وليبيا التي تتصف جميعها بالدكتاتورية والاستبداد، مستخدمة نظام التوريث  تحت ظل جمهوريات ملكية ممسوخة الهوية، حيث تصور البعض من القوى المضادة للنظام السياسي في العراق الذي يتمتع بشكل ديمقراطي تعددي أنجزه العراقيون بعد سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث الشمولي، وبالذات أولئك المتضررين من السقوط وبعض بقاياهم هنا وهناك، تصوروا انه بمقدورهم ركوب هذه الموجة التي تجتاح بلدان الشرق الأوسط، ذات النظم الشمولية والدكتاتورية والعمل من خلال مساحات الحرية التي أتاحها النظام الديمقراطي في البلاد وتشريعات دستوره التي تبيح التظاهر والاعتصام والتعبير عن الرأي بأساليب سلمية ومتحضرة بعيدا عن الفوضى والعنف والاعتداء والغوغاء، متناسين ان النظام الجديد إنما جاء عبر صناديق الاقتراع في انتخابات عامة شهدت بحقها معظم المنظمات الدولية ومجاميع المراقبين من كل انحاء العالم، حتى وصفت بأنها ضمن المعايير الدولية، واحدة من انجح الانتخابات الحرة في منطقة الشرق الأوسط.

     وخلال الأيام التي سبقت تلك التظاهرات سربت العديد من وسائل الإعلام بيانات وتعليمات في معظم محافظات البلاد صادرة من قيادات عديدة تمثل أجنحة حزب البعث المنحل والمنتشرة في الداخل ودول الجوار والتي تعمل تحت أسماء وعناوين مختلفة ومعروفة لدى العراقيين مثل رجال الطريقة النقشبندية والجيش الإسلامي وجيش محمد والعودة والتي تحرض على التظاهرات والاحتجاج وإشاعة الفوضى من خلال الهجوم على المراكز الحكومية ومقراتها ونهبها او إحراقها كما حصل في هجومهم على مبنى محافظة نينوى وإحراق أجزاء منه، وكذلك محاولتهم الهجوم على بناية محافظة كركوك ومجلسها ومقرات الأحزاب السياسية الرئيسية فيها حاملين شعارات منسوخة من أيام حكمهم قبل نيسان 2003م تحت راية حزبهم التي حولوها الى علم للعراق بنجومه الثلاث التي تمثل أهداف حزب البعث حسبما جاء في قانون العلم العراقي الذي أصدره مجلس قيادة الثورة المنحل في ثمانينات القرن الماضي وأضيفت له مفردتي الله اكبر في مطلع التسعينات ليدشن النظام المعروف بعلمانيته حملة إيمانية تعجز عنها الدول ذات النظم الثيوقراطية!؟

    لقد حمل المتظاهرون من أتباع هذه التنظيمات والمتضررين من سقوط ذلك النظام ممن تم استخدامهم في عمليات التعريب والاستيطان في مدينة كركوك وأطرافها طيلة أربعة عقود، إضافة الى مجاميع مماثلة في الموصل عشرات الإعلام العراقية الملغاة ذات النجوم الثلاث تعبيرا عن هويتهم البعثية وآمالهم في إعادة عقارب الساعة الى الوراء في محاولة لركوب موجة الاحتجاجات ظنا منهم في إسقاط النظام او تقليد أسلافهم في ركوب القطار الأمريكي أبان انقلابهم على الزعيم عبدالكريم قاسم في مطلع ستينات القرن الماضي وذلك لتحويل معطيات العمل الديمقراطي الى وسيلة انقلابية جديدة تضاف الى سجلهم الميكافيلي المعروف في التسلق الى السلطة مهما كان الثمن او الوسيلة، متناسين بحور الدماء التي دفعها العراقيون من اجل الحرية والخلاص من حكم الحزب الواحد والقائد  الضرورة وما رافق عملية التحرر خلال السنوات الثمانية الماضية من حرب قذرة شنتها كل قوى الإرهاب التي ادخلوها الى البلاد وجندوها لتدمير العراق وتحويله الى حفنة من تراب كما توعد رئيسهم ذات يوم غابر قبل هزيمته وانهياره.

kmkinfo@gmail.com



483
العراق بين القدوة والعبرة؟

كفاح محمود كريم

    في الوقت الذي يرى الكثير من المراقبين والمختصين إن انتفاضة آذار في كردستان والجنوب في عام 1991م كانت اختراقا كبيرا وفريدا لحاجز الخوف والرعب الذي فرضته الأنظمة الدموية طيلة ما يقرب من نصف قرن رغم اتفاق دول عاصفة الصحراء الضمني على إبقاء نظام صدام حسين في الحكم بشكل مشلول ومحاصر، فقد استطاع شعب كردستان العراق تأسيس نظامه السياسي البرلماني وأنجز مؤسساته الديمقراطية بعيدا عن استبداد ودكتاتورية النظام في بغداد، حيث نجح الإقليم في التحول الى واحة للحرية استقطبت كل الحركات والأحزاب السياسية العراقية المعارضة لنظام صدام حسين وحزبه، والتي استطاعت خلال سنوات أن تهيئ الظروف لانهيار النظام وسقوطه.

    وبعد أكثر من عشر سنوات عجاف عاش الشعب فيها حصارا مقيتا، تتعرض البلاد الى حرب كبيرة يشنها تحالف دولي بقيادة امريكا وبتخويل من الأمم المتحدة، تؤدي خلال أيام قلائل الى هزيمة النظام وهروب رئيسه وحزبه وتبخر جيشه وانهيار وشيك للدولة برمتها لولا البدء بالعملية السياسية وانجاز مؤسسات انتقالية نجحت في إدارة الدولة لحين إجراء الانتخابات العامة وانبثاق البرلمان والحكومة وتشريع دستور دائم للبلاد وبذلك دخل العراق حقبة جديدة في تاريخه السياسي والاجتماعي.

      يرى العديد من المتفائلين ان ما حصل في العراق قبل ثمان سنوات ونجاح القوى الوطنية العراقية في انجاز المؤسسات الديمقراطية وتشريع دستور اتفق عليه غالبية الأهالي، ورغم ما رافق كل ذلك من عمليات إرهابية وتقاتل طائفي وفساد مالي واداري الا ان ما حصل في البنية السياسية للدولة على أنقاض نظام دكتاتوري رهيب جعل إمكانية إحداث تغييرات حادة للنظم الشمولية في المنطقة والعالم على خلفية تطور نظام الاتصالات والعولمة في السنوات الأخيرة والذي رفع الستار عن عورات النظم الاستبدادية وفعائلها المشينة بحق شعوبها، حيث لم يعد العالم المتحضر يتحمل دكتاتورا ينكل بشعبه ويبيد معارضته بشتى الأسلحة مع وجود وسائل الإعلام الفضائية وغيرها التي ساهمت بشكل فعال في كشف عورات هذه الأنظمة أمام العالم والإنسانية، خصوصا مع وجود قوى دولية عظمى مسنودة من قبل المنظمة الأممية ومجلس أمنها الذي يصدر قراراته او موافقاته على شن الحرب او الحصار على تلك الأنظمة أو ما يشبه ذلك مما يعجل في إسقاطها وإنهاء حكمها كما حصل هنا في نيسان 2003م.

    ومن جهة أخرى فما حصل بعيد الاحتلال وانهيار النظام وهروب رئيسه وقيادات حرسه وحزبه دق جرس الإنذار لكثير من تلك الأنظمة والشعوب، حيث سادت عمليات التخريب والحرق والتدمير والنهب والسلب للمال العام والذي أطلق عليها تسمية الحواسم، حيث أباح رئيس النظام لأعضاء حزبه وأجهزته الاستحواذ على الممتلكات العامة المنقولة ومن ثم اعتبارها ملكا لهم في حالة عدم عودته!، وما فعله سيئ الصيت برايمر في حله للجيش والإعلام والأوقاف والداخلية ومنظومات الامن الوطني التي تركت البلاد والمجتمعات في فوضى عارمة باستثناء إقليم كردستان العراق الذي كان يتمتع باستقلال ذاتي عن النظام، مما دفع معظم كوادر هذه المؤسسات إلى الانتقال مباشرة للخندق المقابل والمضاد للعملية السياسية التي بدأت في إحداث التغيير الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات، سواء كان هذا الخندق مملوكا أو موجها من قبل القاعدة أو منظمات التطرف الديني او لمخابرات دول الجوار او بقايا تنظيمات حزب النظام الذي تشتت الى اجنحة وافخاذ مناطقية وقبلية ومذهبية ومخابراتية، مما سهل قيام دوامة العنف وإدامتها وإعاقة عمليات التحول والبناء.

    هذه التطورات التي افرزت حربا طائفية مقيتة وبلورت محاصصة انحدرت الى مستويات قبلية وفردية بعيدة عن فكرة المواطنة والتوافق بين المكونات المعمول بها في كثير من البلدان ذات التنوع العرقي والقومي والديني، وما رافق ذلك من فساد مالي واداري وتهافت على المناصب والامتيازات وضياع مبدأ المواطنة بين هذه التجاذبات وطوفان الانتهازية والتسلق على سلالم المحسوبية والمنسوبية، أحال عملية انهيار النظام وهروب قياداته وتداعيات البدائل الى بعبع ارعب كثير من شعوب المنطقة وقواها السياسية المعارضة التي كانت وما زالت تعاني من الاستبداد والدكتاتورية في انظمتها السياسية من أن تتحرك باتجاه التغيير، بل ودفع كثير من تلك الأنظمة الى التورط في الملف العراقي الداخلي درءً لمخاطر انتقال التجربة العراقية بجانبها الايجابي والمتطور اليها، وبالذات تلك التي تشابه العراق في تكوينها العرقي والقومي والديني والمذهبي.

    وربما تسببت هذه التخوفات وهذا التحسب لما يقرب من ثمان سنوات من عدم سماع أي صدى لها في المنطقة لفعل العراقيين منذ 2005م وما أنتجته انتخاباتهم الشهيرة في تكوين مجلس حقيقي للنواب ودستور دائم يضمن حقوق كل المكونات القومية والعرقية والدينية، ومن ثم تجاوز تلك الثقافة البائسة في حكم الفرد والحزب الواحد واعتماد حرية الرأي والتعبير وقبول الآخر المختلف وتأسيس دولة المؤسسات والمكونات حينما أدركت ان العراقيين تجاوزوا حاجز الخوف في انتفاضتهم الشهيرة وأسسوا لغد قادم يكون قدوة للآخرين كما يحصل الآن ومنذ انتفاضة تونس ومصر حيث تتجه العيون الى بغداد في السلب والايجاب، بل ويتداول المنتفضون ذات المصطلحات والمطالب في تقديم رموز انظمتهم الى محاكمة علنية والغاء أي دور لنظامهم السابق وما يتصل به من احزاب ومؤسسات ومنظمات وفكر متخلف، وتأسيس دستور دائم ومعاصر يضمن كل الحريات والحقوق والواجبات.
 

    لقد أكدت الأحداث في كل من تونس ومصر ان التجربة العراقية لم تغب عن بال المنتفضين رغم ما رافق تلك الانتفاضتين من خروقات حادة سواء من السلطات او من الغوغاء الذين اندسوا في صفوف المتظاهرين، فقد صرح اكثر من مسؤول في ميدان التحرير بالقاهرة ان العراق يبقى الدرس الكبير الذين تعلمنا منه الكثير فهو العبرة وهو القدوة ايضا!؟
 
kmkinfo@gmail.com


 



484
أين المعارضة العراقية؟   

كفاح محمود كريم


     في مجتمعات تناضل من اجل التحول الى النظام الديمقراطي حاملة اعباء تراث من الثقافة الاحادية الرؤية والاستبدادية السلوك والاقصائية للاخر المختلف الى درجة استعدائه والعمل من اجل تدجينه او ابادته، تنمو اليوم اشكال من الرأي الآخر المختلف الذي يعمل على اشاعة كلمة الـ لا للمسؤول او الحاكم او النظام عموما، رغم ان هذه الـ لا في كثير من تطبيقاتها ما زالت مهزوزة او فوضوية او اعتباطية متشنجة بعيدة عن مفهوم المعارضة الوطنية التي تخضع لمصالح العليا للبلاد وتحرص على الثوابت الوطنية مع قبولها بالآخر مهما اختلف معها، او انها تأتي مفعمة بالسطحية تحكمها العواطف وتراكم الكبت والتوجس والاحساس بالظلم والتهميش لعشرات السنين او ربما تأتي امتدادا لتلك الـ لا التي استخدمت مع النظام الدكتاتوري طيلة عقود اما في الخفاء او من خلال فوهة البندقية، مما يجعلها الان بهذا الشكل مشوهة لا تمتلك شرعيتها او ضروفها وتكون عدائية مضرة اكثر من كونها مفيدة وداعمة لتحول المجتمع الى مرحلة اكثر ديناميكية في ادائه السياسي والاجتماعي عموما.
 
      بهذه المقدمة اردت ان ادخل الى نمط المعارضة المرتقبة التي يمكن أن تتكون الآن في حكم معارضة الأمس التي لم تمنح هي الأخرى فرصة تكونها بشكل طبيعي على خلفية نظام ديمقراطي، وانما ولدت كرد فعل عنيف للاقصاء والملاحقة والتقتيل، فتحولت الى فصائل مسلحة وجيوب للمقاومة استخدمت الاسلوب الثوري في معارضتها آنذاك، ولهذا فهي الأخرى تعاني من صعوبات في التحول من تلك المرحلة الى مرحلة الحكم  الدستوري ومؤسساته المدنية القانونية، وهذا ما بدى واضحا طيلة السنوات الماضية بعد سقوط النظام الدكتاتوري والتخبط الذي ميز كثير من مفاصل الحكم وادواته واساليبه من خلال الاحزاب والحركات التي تسلمت السلطة ومارست الادارة والنفوذ بعد حل الجيش وكثير من المؤسسات الامنية واعتماد القوى المسلحة ( الميليشيات ) لدى كثير من الأحزاب كوسيلة من وسائل السيطرة والنفوذ مما اربك عملية التغيير وفاقم من الاوضاع الامنية الى حد الاقتتال الطائفي وما تبعه من تهجير وانحلال للسلام والامن الاجتماعي. 

    ازاء هذا المشهد وبعد سنوات من دوامة العنف ومقاومة القوى المضادة للتغيير وبعد اربع سنوات من نجاح العراقيين في انجاز انتخابات عامة في البلاد واقرار دستور دائم لاول مرة منذ تأسيس الدولة العراقية بمعايير دولية دقيقة ورفيعة، واجه العراقيون مرة اخرى بعد نجاح تجاوزهم الانتخابات العامة الثانية في اذار 2010 م تحديات كبيرة اولها كيفية وامكانية وقبول التخلي عن السلطة لصالح الاخر المختلف بشكل سلمي وسلس ومن ثم في المقابل كيف سيقبل الحاكم ان يتحول الى صف المعارضة او على الاقل في الجهة الخالية من الحكم بعد ان تمتع وذاق طعمها طيلة السنوات الماضية!؟

   واذا كانت القوى الرئيسية قد نجحت بالتوافق في انشاء حكومة شراكة وزعت من خلالها المناصب فيما بينها، فقد فشلت القوى الاخرى من خارج الاحزاب والكتل الكبيرة لحد الان في بلورة كتلة معارضة تلفت نظر الاهالي اليها من غير المنتمين او المؤيدين للفعاليات السياسية الحاكمة منها والمشاركة، مما ادى الى انتقال المعارضة خارج قبة البرلمان ومن غير المنتمين او المشاركين في الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وبداية تبلورها خارج السلطة التشريعية، ولعل ما حصل خلال الايام الماضية من مظاهرات صاخبة في معظم محافظات البلاد يؤشر الى تكون معارضة بديلة في الشارع العراقي ستتطور تدريجيا الى حركة سياسية مؤثرة ضمن سياقات التظاهر والاعتصام، وبعيدا عن مظاهر العنف واللامدنية وخرق القانون والتخريب، فانها ستكون بديلا اكثر تأثيرا في المعارضة وفي توجيه السلطات التنفيذية والتشريعية لحين تطور قوى معارضة وطنية داخل البرلمان تعمل على مراقبة ومحاسبة وتوجيه الحكومة وانضاج تشريعات وقوانين مجلس النوب.

    ان اشتراك الجميع في ما اسموه بحكومة الشراكة الوطنية وخاصة القوى الرئيسية التي حققت تقدما كبيرا في انتخابات مارس 2010م سيحرم البلاد من الرأي الاخر وتبلور معارضة حقيقية، فقد كانت هناك فرصة ذهبية لبقاء احدى القوتين خارج الحكومة وممارستها دور الرقابة والمعارضة وحكومة الظل لتوجيه الحكومة الاتحادية ومراقبة ادائها ومن ثم تطوير فعالياتهم بما يخدم المصالح العليا للبلاد، لا ان يشترك الجميع ويتنافس على توزيع المناصب بمراضاة تصيب الحكومة والبرلمان بالشلل والضعف والفشل!؟

     وعلى ضوء المظاهرات الاخيرة التي اظهرت معارضة مهمة وجدية في الشارع العراقي سواء للحكومة او البرلمان او الرئاسة، تبين ان الشارع لم يعارض النظام الاساسي الجديد للبلاد بل كان يعارض ويشجب ويطالب بكشف الفساد والمفسدين وابعاد الطفيليين والانتهازيين من مفاصل الدولة والنظام الجديد، حقا ان العراق اليوم يحتاج الى معارضة وطنية نيابية منظمة في كتلة برلمانية تجمع بين اطرافها كل مكونات العراق من الوطنيين والديمقراطيين المستقلين وتمثل نبض هذا الشارع وما يريده الاهالي بعيدا عن المزايدات والمحاصصة والتنافس الحزبي على المناصب والامتيازات!؟

kmkinfo@gmail.com   


485
بين ملك الملوك والقائد الضرورة؟

كفاح محمود كريم

    يحتار المرء بين نموذجين غريبين من الزعماء الذين حكموا وما زالوا يحكمون بلدان الشرق الأوسط منذ عشرات السنين وهم يرفعون شعارات ابعد ما تكون عما يفعلونه في حياتهم وفي تطبيقات حكمهم وما يحدث في نهاياتهم وهم يتساقطون كأوراق الخريف المصفرة الذابلة!

    ودعونا نقارن قليلا بين اثنين من هؤلاء الزعماء الذين اندسوا في غفلة من الزمن الى أعلى قمة الهرم في حكم البلاد، الأول عقيد ليبيا الذي حمل على كاهله القابا واسماءً مثيرة تارة ومضحكة تارة اخرى، وأكثرها إثارة ملك الملوك في افريقيا واسيا وهو يفترض ان يقود كما يقول عن نفسه جماهيرية عظمى هي الأحدث نظاما في الدنيا!؟

    وفي المقابل وعلى أديم اعرق الحضارات يمنح الدكتاتور العراقي صدام حسين نفسه اسماءً والقابا اقل ما يقال عنها انها كانت محل تندر وسخرية جميع الناس بمن فيهم المقربين منه، وهي القائد الضرورة وبطل التحرير القومي ونعمة السماء على الأرض، حتى تجاوزت أسمائه وألقابه الأسماء الحسنى للخالق تعالى وظهرت في الأسواق مطبوعات ملونة تضم أسماء صدام حسين التي تجاوزت المائة!؟

    رفع الاثنان شعارات قومية مثيرة جدا ولعل في مقدمة تلك الشعارات كانت الوحدة العربية التي تدحرج الاثنان معها تارة مع سوريا التي ابتلعت ما يقرب من نصف قيادة الدكتاتور وحزبه واتت تماما على ابسط أنواع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا حيث وضعت الى جانب اسرائيل في التعامل معها، والثاني في ليبيا طلق الأمة العربية ومن فيها من شعوب ورؤساء ليرتحل الى مجاهل افريقيا وما فيها من انسان وحيوان!؟

    كان الاول وفي بلاد عُرفت بالدشداشة العربية او السروال الكردي وغطاءيهما العقال او غطاء الرأس الكردي المعروف، يخرج على شعبه بأزياء هوليودية مثيرة للضحك والسخرية، تارة بشفقة الكاوبوي وربطته وتارة اخرى بأزياء الأسبان او البرتغاليين القدماء، وحدث ولا حرج عن اولاده وخصوصا ابنه البكر!؟

    اما الثاني ابن الخيمة والصحراء فقد احتارت شعوب الارض ودور التراث والازياء بما كان يرتدي من ملابس وأمتار طويلة من الأقمشة التي تتدلى من على كتفيه وهو يتصنع ويمثل دورا لا يليق برئيس دولة، بل بممثل كومبارس في حفلة تنكرية او مقطع تهريجي!؟

   ومن جهة اخرى حينما يتناولان المايكروفون والشاشة فكأنهما توأمان فكريان في أطروحاتهما الخيالية والبائسة وشعاراتهما الرنانة والجوفاء التي دمرت شعبين لو كان غيرهما قد تولى أمرهما لكان حالهما اليوم غير ما نراه ونشهده، وبينما كان شعبيهما يتقهقر الى الوراء انغمس الرئيسان في نظريات وافكار لتطوير الاشتراكية والرأسمالية والسلوك الاجتماعي والاقتصادي وأشكال جديدة مفصلة على مزاجيهما للدول والأنظمة.

    فبينما أعلن صدام حسين ذات سنة انه فكر لثمان سنوات حتى اكتشف انه ليس هناك طبقة عمالية وبذلك ألغى وظيفة عامل وفراش وحارس وجابي ومراسل ورزام وحولهم جميعا الى موظفين حالهم حال أي موظف آخر في الدولة، كان الآخر على سواحل المتوسط الشمالية قد الغى كل مؤسسات الدولة وعناوينها واستبدلها باللجان الشعبية، وهي مجاميع من مؤيديه ومريديه الذين ينعمون بنعائمه ورضاه، وهذه اللجان لها فعل وصلاحيات مجلس قيادة الثورة في العراق!؟

    الاثنان مهوسان بالقيادة وإنقاذ الأمم والشعوب فالأول القذافي بعد ان قرر ان الامة العربية لم تعد بمستوى طموحه وأفكاره ارتحل الى افريقيا بملياراته لكي يؤسس الاتحاد الافريقي ويكون إمبراطوره، وها نحن نشهد ماذا يفعل هذا الاتحاد الكارتوني في أيام القذافي العصيبة!؟

    وفي بغداد جمع صدام حسين بعد توقف حربه مع ايران كل من مصر والاردن واليمن في محاولة تأسيس اتحاد عربي يواجه الاتحاد الخليجي ونصب نفسه ايضا امبراطورا عليه حتى بانت الأسباب الموجبة وانكشفت عورات النوايا فتخلت مصر عنه وتفكك الاتحاد!؟

      أما حروبهما فحدث ولا حرج، الأول يريد أن يجتاح العالم ويؤسس جماهيرياته التي عرفت بأطول تعريف او اسم في العالم، فاندفع الى كل الاتجاهات من اوربا وتحديدا الجيش السري الايرلندي في المملكة المتحدة  حتى عصابات المافيا في ايطاليا والمخدرات وتجار الأسلحة في امريكا اللاتينية الى حروبه مع تشاد وتورطه في حملات اسلمة افريقيا، التي امتصت معظم واردات البلاد وأبقت ليبيا على ما شاهدناه منذ اندلاع الثورة هناك ومشاهد مدنها وقراها البائسة وهي صاحبة اعلى تصديرات في البترول قياسا بعدد سكانها البالغ قرابة الخمسة ملايين!؟

     والثاني نزع ملابسه المدنية وارتدى زيا عسكريا يحمل اعلى رتبة عسكرية وهي المهيب الركن وهو لم يخدم ساعة واحدة في الجيش بل ان كثير من التسريبات قالت انه كان هاربا او متخلفا عن الخدمة الإلزامية في حينها، وقد قاد حروبا داخلية وخارجية أتت على ما يقرب مليون قتيل  ومعاق، وتدمير كلي للبنية التحتية والمشاريع الصناعية والزراعية في البلاد، مقابل ان يحصل هو على القاب بطل التحرير القومي، وبطل السلام والحرب، وقائد قادسية صدام وما الى ذلك من هذه التسميات!؟

    القائمة تطول كثيرا لو استرسلنا في هذه المقارنة، ولكن الأكثر إثارة هو هذا التطابق الكبير في النهايات ايضا وفي سيناريوهات معالجة الثورة او الانتفاضة، فما يحصل الآن في ليبيا يذكرنا يوما بيوم بما كان يحصل هنا في العراق ابان انتفاضة شعبان والربيع 1991م، حينما انفرد الدكتاتور وعصاباته بالشعب بعد هزيمته في الكويت وما حصل من مجازر وإبادة جماعية للسكان!؟

   ما يخشى فعلا أن يستمر هذا التطابق ويتم إمهال العقيد سنوات أخرى محاصرا في عاصمته ومقيدا بقيود البند السابع ومطلق اليدين على شعبه كما حصل هنا لأكثر من عشر سنوات عجاف!؟

kmkinfo@gmail.com
 

 

486
حينما انتفضت كردستان

كفاح محمود كريم

    في ربيع 1991م وفي الأول من آذاره اندلعت انتفاضة كردستان العظيمة بعد اكثر من خمسة عشر عاما من حرب العصابات والإبادة الجماعية للسكان وسياسة الأرض المحروقة في انفالات دمرت اكثر من خمسة آلاف قرية وما يقرب من ربع مليون انسان تم تهجيرهم الى جنوب ووسط البلاد ومن ثم قتلهم ودفنهم في مقابر جماعية بصحراوات العراق الجنوبية والوسطى، انتفاضة اشتعلت في كل أرجاء البلاد ضد اعتى دكتاتورية عرفها العالم بعد نازية هتلر وفاشية موسوليني، حيث استطاعت جموع الثوار والأهالي من اختراق حاجز الخوف وتمزيقه وإسقاط نظام الاستبداد والدكتاتورية وقلاعها في معظم كردستان العراق خلال اقل من عشرين يوما، وفرض إرادة الشعب ومن ثم مؤسساته الدستورية من خلال انتخابات عامة تم إجراؤها في منتصف عام 1992م بعد انسحاب كل ما له علاقة بالنظام من كردستان، وبذلك انشأ الأهالي وفعالياتهم السياسية والاجتماعية سلطاتهم التشريعية والتنفيذية والقضائية من خلال تلك الانتخابات التي اشرفت عليها وراقبتها مجاميع من المراقبين الدوليين القادمين من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وأنحاء أخرى من العالم إضافة الى العشرات من منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان والعفو الدوليتين.

    حقا لقد كانت الانتفاضة الاولى التي مزقت حاجز الخوف من الدكتاتور واجهزته وانطلقت لكي ترسم نظامها الجديد، فأقامت أول برلمان منتخب من الشعب مباشرة ليمثل كل مكونات المجتمع وفعالياته السياسية والثقافية، وليمنح الثقة لأول حكومة كردستانية وطنية في التاريخ المعاصر لحركة التحرر الوطني الكردي منذ إسقاط جمهورية مهاباد الكردستانية عام 1946م.

    لقد تم تمزيق ذلك الحاجز النفسي المرعب وتجاوزه وتحرير النفس البشرية من قيود ذلك السوط المتكلس في اعماقها منذ مئات السنين وهذا ما حدث بعد عشرين عاما من انتفاضة كردستان والعراق في تونس ومصر وليبيا التي تستنسخ التجربة العراقية حتى في صفحاتها المأساوية، حيث يتعرض الشعب الليبي الى الابادة الجماعية كما تعرض العراقيون في الجنوب والوسط بعد ايام من انسحابه من الكويت والسماح له باستخدام الطائرات السمتية لسحق الانتفاضة الشعبانية، بينما نجح الكردستانيون في الهجرة الجماعية الى الجبال بعد ان هدد النظام باستخدام الاسلحة الكيمياوية لابادة المنتفضين مما سرع في اتخاذ مجلس الامن قراره في الملاذ الامن وحماية المدنيين.

    لقد واجهت حكومة وبرلمان كردستان تحديات كبيرة من الداخل، حيث الدمار الشامل للبنية التحتية، ومن الخارج وضغوطاته بسبب الخشية من انتقال عدوى الاستقلال الذاتي لبقية أجزاء كردستان التي أصبحت واحة حرة في بلاد يحكمها الحديد والنار والحصار، تحولت خلال عدة أشهر من ملاذ آمن للكردستانيين فقط الى ملاذ آمن لكل العراقيين وفعالياتهم السياسية ووسائلهم النضالية إعلاميا وعسكريا وتنظيميا، حتى دخلت مرحلة ما بعد السقوط بمؤسسات موحدة ومتكاملة تعمل ليل نهار من اجل إحداث تغييرات مهمة في البنية التحتية للبلاد بدت واضحة جدا خلال السنوات الثماني الماضية من خلال الاطلاع على بيانات الأعمار والبناء والصحة والكهرباء والماء والتعليم الأولي والعالي والمواصلات والاستثمار الداخلي والخارجي، إضافة الى تطور ملحوظ في البنية الاجتماعية والتنمية البشرية وتحسن المستوى المعاشي للأكثرية من الأهالي وانخفاض واضح في نسب الفقر قياسا ببقية محافظات البلاد والدول المجاورة، رغم ما يواجه الإقليم من ظاهرة الفساد وانتشار المحسوبية والمنسوبية التي أخرت بشكل واضح تطور الأداء الإداري والمالي في الإقليم على ما هو عليه، وأنتجت مجاميع من الانتهازيين والطفيليين الذين ينخرون في مفاصل الدولة ومؤسساتها.

    إن بروز قوى معارضة في الانتخابات الأخيرة تنافسُ الحزبين الرئيسيين وتنجح في الحصول على ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان، وإصرار الرئيس مسعود بارزاني على الاستفتاء الشعبي لمنصب الرئيس مباشرة وبشكل حر أتاح ظهور عدة منافسين على الموقع مما يدلل  على تطور الأداء الديمقراطي في الإقليم وإصرار قياداته على إنجاح التجربة التي بدأت منذ انتخاب أول برلمان كردستاني أواسط 1992م، ومن ثم تكريس النظام الذي تم اختياره منذ الأيام الأولى لانتصار انتفاضة كردستان في ربيع 1992م ألا وهو النظام الديموقراطي الذي يعتمد صناديق الاقتراع في التداول السلمي للسلطة وقبول الآخر المختلف سياسيا او عرقيا او دينيا او اجتماعيا.

    إن ما يحدث الآن باستثناء عمليات الخرق القانوني واستخدام العنف والتخريب في بعض الأحيان من مظاهرات واعتصامات إنما يعبر عن نجاح النهج الديمقراطي وإصرار البرلمان والرئاسة والحكومة على هذا النهج واحترام مشاعر الأهالي وحقوقهم في التعبير عن الرأي ضمن القوانين المرعية التي أنجزوها من خلال ممثليهم في المجلس النيابي، وهي بالتالي ليست كما يصفها البعض امتدادا او تقليدا لما حدث في تونس او مصر او غيرها لأنها تمثل إرادة شعب اختار هذا النمط من النظام في أول عملية اختيار حر له بعد تحرره منذ عقدين من الزمان دفع خلالها وقبلها بحورا من الدماء والدموع من اجل حريته واختياراته السياسية والاجتماعية، وهي بالتالي أي مثل هذه الأساليب في التعبير عن الرأي تأتي لتأكيد ان الشعب في كردستان وفعالياته السياسية الحاكمة والرئيسية منها والمعارضة انما تناضل من اجل إنجاح التجربة وانجاز مشروعها الحضاري، ولذلك نرى ان تحديات كبيرة تواجه كافة الأحزاب والفعاليات السياسية وبالذات التي تضع نفسها في خانة المعارضة ومن ابرز تلك التحديات هي الحفاظ على ما أنجزه الشعب مقارنة مع الآخرين من حولنا في كافة الميادين وأولها الامن والسلم الاجتماعيين، والانتباه الى عمليات الخرق والاختراق لتشويه هذه الممارسات ودفع الأمور باتجاه التعقيد وخلط الأوراق كما فعلت تلك القوى ابان الحرب الأهلية وهي تحاول الان اعادة عقارب الساعة الى الوراء وشحن الاجواء باتجاه تلك الحقبة المؤلمة والسوداء، ويقينا ان الشعب وقواه السياسية المخلصة لن تقبل بالتقهقر الى الوراء ولن تسمح بأي شكل من الاشكال خلق اجواء مشحونة بالكراهية والاحقاد باستغلالها واحدة من اهم حقوق الانسان في التعبير عن الرأي بشكل سلمي حضاري في نظام ديمقراطي برلماني.

    ان انتفاضة كردستان 1991م ارست نظاما ديمقراطيا برلمانيا يكرس التداول السلمي للسلطة ويعتمد التعددية وقبول الاخر ويعتبر صناديق الاقتراع في أي تنافس سياسي هي اقصر الطرق واسلمها لتداول السلطات، وقد اقرت كل الاحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية ومكونات الاقليم العرقية والدينية الكبيرة والصغيرة هذا الشكل من النظام، وهي بالتالي تؤمن بانه النظام الانجع لتطور الاقليم وتحقيق اماني الشعب واهدافه وحل كل مشاكله سواء في الداخل او مع الحكومة الاتحادية وفي مقدمتها المناطق التي ما زالت تعاني من ازدواجية العلاقة وهي التي تقع ضمن خريطة المادة 140 من الدستور العراقي الدائم.

kmkinfo@gmail.com
 


487
الله .. يا مصر الكبيرة

كفاح محمود كريم
 
    وتبقى مصر أم الحضارة وأم الدنيا فعلا كما كان يسميها ابناؤها منذ الأزل، كبيرة بعطائها وتاريخها وثقافتها وفنها وأدبها وطرافتها وثورتها، مصر التي اختزنت ثلثي حضارة الأرض والإنسان، مصر الرائعة بقديمها وجديدها الذي ابهر العالم كما أبهرت أهرامها وفراعنتها وحفارة قناتها كل البشر.
 
    مصر التي رفضت الدموية والعنف واستبدلته بغصن الزيتون والأغنية والشعر والغناء والمظاهرة والصبر الصبر والإصرار حتى نالت ما ارادت..
 
مصر التي حيت فاروق ورحلته بكل احترام واستبدلت ملكيتها بجمهورية عبدالناصر دونما دماء ودموع..
 
    مصر التي بكت دما ودموعا في حزنها حتى العظم حينما اغتالوا رئيسها الكبير انور السادات، فهي لا تعرف هذا النمط من الثقافة البائسة والتعاطي الهمجي.. 
 
   مصر التي أودعت أمانتها ومفاتيح حكمتها ورقيها بين أيدي رجال كبار قادهم حسني مبارك بعد اغتيال السادات.. مصر الكبيرة في حملها وتحملها، مصر الضاحكة في حزنها وفرحها..
 
   الله يا مصر الكبيرة في احداثها ورجالها ونسائها، فنا وادبا ومسرحا وغناء وسياسة وحربا وسلما..
 
   حقا لقد كانت هذه البلاد وشعبها وما يختزنه من حضارة قدوة رائعة للرفعة والجمال والحياة والعطاء وهي تقاوم غاضبة لم تنسى ان القلوب والشفاه لها حصة من الفرح والطرافة والأمل..
 
   لقد حاول البعض من السيئين الأوغاد تشويه تاريخ وحضارة هذه البلاد لكنما سرعان ما انتفض الشارع رجالا ونساء فأصبحوا حراس البلاد ومؤسساتها ومنظمي سيرها ومرورها ومنظفي شوارعها وأزقتها..
 
   واستمرت الانتفاضة في اروع واجمل واعظم ما شهدته البشرية في اول الفها الثالث ومطلع قرنها الحادي والعشرين..
   لقد كنت يا مصر اول قدح الحضارة وها انت ذي تسجلين للبشرية قدحات من السمو والرفعة والنبل.

 
   حقيقة لقد عالجت القيادة في مصر انتفاضة شعبها بكثير من العقلانية والحكمة والاعتراف بحتمية التغيير والحفاظ على البلاد وامنها وشعبها ومؤسساتها، فقد سجلت الأحداث وتداعياتها ذكاء وحنكة سياسية وحرصا وطنيا كبيرا من لدن قياداتها طيلة ايام الانتفاضة وبالذات الرئاسة وقيادة القوات المسلحة التي تدرجت بالتغيير منذ الخطاب الاول للرئيس مبارك وحتى خطاب التخلي عن صلاحيات الرئاسة لمجلس القوات المسلحة.
 
   حقا لقد تصرفوا بحكمة لا مثيل لها في شرقنا الاوسط وعالمنا العربي، فاستحقوا ان يكونوا الاوائل والقدوة في كسر حاجز الخوف من الانظمة ورؤسائها، وفي الحفاظ على البلاد ومؤسساتها، وفي المقابل لم تكن القيادة ايضا اقل في حكمتها ووطنيتها وطبيعة تعاطيها مع الاحداث، حينما انضجت الظروف خلال اقل من شهر لتسليم مقاليد الامور بشكل سلمي سلس، يؤمن انتقال السلطة الى المؤسسات الشرعية من خلال فترة انتقالية سيتم تحديدها لاحقا من قبل المجلس الاعلى للقوات المسلحة التي اثبتت وطنيتها ومهنيتها الفائقة خلال الاحداث والتعامل مع المنتفضين بكل رقي وحضارة.
 
    ان الدرس المصري جاء عصارة لحضارة غائرة في القدم لم يعرف عنها الدموية او العنف رغم وجودهما في مساحات ضيقة جدا في تاريخها الا انهما لم يكونا يوما سلاحا او علاجا او نمطا او سلوكا، درس تم تنفيذه بالاستفادة من كل دروس الماضي البعيد والقريب واولها الدرس العراقي وتداعياته وما حصل ابان السقوط وما تلى ذلك من دوامة العنف الطائفي والسياسي، ومن ثم التونسي وما رافقه من فوضى وتخريب ومحاولات التفاف على الانتفاضة.

 
   لقد بدأت مصر مرحلة جديدة في تاريخها سترسم فيها فعلا خارطة جديدة للمنطقة بأسرها، فهي مازالت منذ ألاف السنين قدوة ومنارا لما حولها، فحيا الله مصر وشعبها الأصيل وشبابها الطيب النبيل.
 
 kmkinfo@gmail.com
 



488
ثلاثي الانهيار: الفرهود والحواسم والفساد

كفاح محمود كريم

    من اجمل التحقيقات التي قرأتها منذ سنوات كانت تلك التي اجراها الزميل الكاتب والصحفي عبدالرحمن الماجدي مؤخرا على صفحات ايلاف تحت عنوان ( محلة التوراة في قلب بغداد.. إرث اليهود المنهوب )* وتحدث فيها عما حصل لليهود العراقيين من عمليات تقتيل ونهب وسلب، حيث يقول:
  ( هجم المئات من سكان بغداد على محلات اليهود العراقيين عام 1941 لينهبوا بالقوة كل ما خف أو ثقل حمله وغلا أو رخص ثمنه، بتحريض من حكومة رشيد عالي الكيلاني المؤقتة التي كانت توالي ألمانيا آنذاك وأطاحت بالوزارة، وأجبرت الوصي عبد الاله على الفرار، حيث كان للخطاب القومي والديني ضد اليهود أثره في هجوم الغوغاء على محلات اليهود والاعتداء عليهم ونهب ممتلكاتهم و قتل أعداد كبيرة منهم بينهم عدد من الاطفال الذين كانوا يلعبون قرب بيوتهم وهرع أهلهم للهرب داخل البيوت خوفا من هجمات الغوغاء، ولم تفلح تدخلات بعض جيران اليهود من المسلمين فقد وصل عدد القتلى نحو 850 قتيلاً من اليهود خلال يومين ودفن عدد كبير منهم في مقبرة جماعية في بغداد، ولم يعثر ذوو الأطفال على أحد منهم بين الأحياء يومئذ ).

  ربما كانت تلك بداية الفرهودات الحكومية التي تم تطويرها من مدرسة الغزو المعروفة في الجاهلية والتي استمرت الى ما قبل عقود قليلة من الزمان، حيث بدأت الانظمة الحاكمة تأخذ مأخذ العصابة او العشيرة في القيام بالغزو كما حصل في غزوات النظام العراقي السابق لشعبه في الشمال والجنوب او لجيرانه واشقائه، وما تبع ذلك من فرهود منظم تقوم به اجهزة ذلك النظام او تحت اشرافها كما حصل في اربعينات القرن الماضي مع اليهود العراقيين او ما حصل مع الكرد العراقيين في كركوك الذي عرف بفرهود كركوك حيث استبيحت اموال وارواح الاهالي من سكان المدينة، وكذلك حصل مع الكرد الفيليين الذين تمت فرهدتهم وانفلتهم باوامر واشراف مباشر من قبل قيادة النظام السابق، وما تلى ذلك من عمليات نهب وسلب في الشمال والجنوب، توجت اخيرا بالفرهود الاكبر او ما اطلق عليه بالحواسم، والذي ما زال مستمرا حتى يومنا هذا وبنجاح منقطع النظير  واشكال واقنعة اكثر تطورا وحداثة بالتعاون مع احدث عمليات الفساد المستوردة من الحلفاء والاصدقاء الجدد، وتحت شعارات ومزايدات اقلها شماعة النظام السابق!.

   لقد بحثت عن اصل كلمة فرهود بمعناها ودلالتها في اللهجة العراقية،  فوجدت تقاربا بين كثير ممن ارجعها الى ادغام فعل وصفة انتجتهما الحكومة العراقية مطلع اربعينات القرن الماضي واساسهما ( فر أي هرب  اليهود ) كما ذكر الكاتب كامل داود* في بحثه المنشور على صفحات  الحوار المتمدن، او كما جاء في تحقيق الزميل الماجدي حول مفهوم الفرهود الذي تبلور نتيجة كثرة الاستخدام والاستدلال على فعل ما، تنتجه عملية الفرار او الهروب، اصبح فر.. يهود ( فرهود ) ومن ثم اصبحت تعني إباحة الاستحواذ بأي شكل من الأشكال على كل ما تركوه الهاربين منهم او الباقين من اعداء الدين والدولة كما كانوا يوصفون!؟

     ورغم ان الأحداث في تلك السنوات وما تلاها من عمليات تطوير لمفهوم الفرهود لم تكن محط اهتمام الاعلام او الباحثين او حتى المهتمين بحقوق الانسان، فقد تطورت الامور والآليات من تعرض عشرات الآلاف من اليهود الى السلب والنهب الى عشرات الملايين من كل العراقيين وعلى معظم مساحة البلاد حيث وصلت مستويات الفرهدة ( وهي مصطلح اكثر حداثة من الفرهود ) الى عملية اكثر شمولية واتساع اطلق عليها اسم الحواسم الشهيرة التي طالت كل شيئ على الارض وباطنها وفضائها، حيث تعرضت هذه المرة كل البلاد باستثناء اقليم كردستان الذي كان يتعرض طوال تاريخه الى كل انواع الفرهدة والتحرير على طريقة الرفاق حينما كانوا يداهمون القرى والاحياء بحثا عن السلاح والهاربين والعصاة فيحملون في طريق مداهمتهم وتفتيشهم ما خف وزنه وغلا ثمنه؟

     ويقينا ان عمليات الفرهود لم تكن حصرا على العراقيين فقط، حيث شاهد الملايين من الناس عمليات الفرهدة التونسية واختها المصرية أبان انتفاضتيهما حيث تعرضت البلاد في اول الامر الى عمليات نهب وسلب محدودة، ويبقى الفرق بين الاثنتين وشقيقتهما هنا في العراق ان الدولة لم تكن منهارة تماما كما حصل حينما دخلت القوات الامريكية الى البلاد واحتلت العراق، واخيرا لن ينسى الامريكان كيف تعرضت ولاية سان فرانسسيكو قبل سنوات الى عمليات نهب وسرقة كبيرة طالت معظم محلات ومخازن المدينة حينما انقطع التيار الكهربائي عنها لساعات فقط، ومن هنا نستنتج ان كثير من عمليات النهب والسلب تحصل حينما تفقد الدولة قدرتها او تنهار مؤسساتها فتظهر مجاميع اللصوص وقطاع الطرق وتفعل فعلتها، الا ان ما يجري من فساد ونهب وسلب وفرهدة من خلال مؤسسات الدولة انما جاء امتدادا لتلك المهرجانات من استباحة الأموال العامة والخاصة امام اصحابها بل وعمليات القتل واحراق والابادة لما لا يستطاع حمله، كما كان يحصل في عمليات الفرهود في قرى كردستان العراق ابان السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وما حصل في كركوك من عمليات الفرهود سيئة الصيت نهاية والخمسينات ومطلع الستينات من نفس القرن، وما حصل من جرائم بشعة اثر انتكاسة الانتفاضة في الجنوب 1991م، حيث غدت تلك الممارسات مدرسة لتخريج هذه المجاميع المتمرسة اليوم بامتصاص الأموال العامة في كل مفاصل الدولة وقنواتها، حتى باتت البلاد من أكثر بلدان العالم فسادا وفشلا في الأداء الاقتصادي والإداري.

    وتبقى المصطلحات الثلاث: الفرهود وهو استباحة اموال الاهالي تحت انظار الحكومة او باشرافها، والحواسم نهب وسرقة الاموال العامة عند انهيار الحكومة، والفساد وهو الاثنين معا ولكن من خلال الدولة ومؤسساتها كما يحصل في كثير من الدول المصنفة بالفساد المالي والاداري، تبقى هذه المصطلحات تمثل تقهقر الدولة وفساد مؤسساتها ومن ثم ثلاثي انهيارها اجلا أم عاجلا.


 kmkinfo@gmail.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رابط التحقيق:
http://www.elaph.com/Web/Politics/2011/1/627356.htm

* كامل داود:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=105419



489
هل من زلزال آخر يا عراق؟

كفاح محمود كريم

     في العراق انتهى عصر الرئيس القائد والضرورة رغم انه هناك من يريد دكترة دولة الرئيس او فخامته او سعادته وتكثيف بعض السلطات بيده او تحت إمرته، الا انه لم تعد هناك آليات وارضيات لقبول حكم مركز بيد شخص واحد او حزب اوحد او نظام بذاته وذلك لاتفاق الجميع على مرجعية وقانون عام هو الدستور العراقي الدائم، وهذا ما يفرح فعلا ويبعد تماما فكرة انجاز أي انقلاب يحاول السيطرة على كل البلاد، أو مركزة الحكومة والسلطات بيد شخص ما او مجموعة حزبية او قومية تخرج علينا بما كان يسمى دوما في فلكلورنا وموروثنا السياسي بـ (مجلس قيادة الثورة)، ورغم ان أي تغيير في طبيعة النظام ارتبطت بحدوث عمليات للنهب والسلب كما فسرها احد الفلاحين وهو يسأل عن طوابير الاهالي المتراصفة في انتخابات كانون ثاني 2005م حينما قلت له انهم ينتخبون مجلس للنواب وحكومة جديدة فضحك قائلا: 
 
  يعني هم راح ايصير خوذ وماخوذ وفرهود مرتللخ !؟

   الا ان انتخابات اذار 2009م اثبتت ان التداول السلمي للسلطة ممكنا في العراق دون ان ترافقه عمليات الفرهود والحواسم بشكلها الذي شهدناه سابقا.

     ومع ذلك استطاعت القوى المضادة من انشاء عناقيد طفيلية متعددة لا على المستوى السياسي فحسب، وانما في ميادين اخرى ايضا على شكل دكتاتوريات وكارتلات مالية واقتصادية نشأت طفيليا بشكل عمودي وانشطرت افقيا في ظل ظروف انهيار الدولة ومرحلة التأسيس من خلال الأحداث التي وقعت بعد الاحتلال مباشرة، وبروز طبقات تمكنت من استغلال الصراعات والفوضى للاندساس الى مفاصل الدولة وبناء اهراماتها المالية في الفساد والإفساد، حتى نجحت بالاستحواذ على رؤوس اموال ضخمة مكنتها من التأثير الجدي على حركة الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مما ادى الى توصيف البلاد بانها واحدة من البلدان الاكثر فسادا وفشلا!؟

   لقد كان في العراق عوجة واحدة وهي قرية الدكتاتور السابق، تحولت في عصره الى أم القرى وما تعنيه من امتيازات في كل شيئ، فيها وعلى اطرافها عشيرة او اسرة واحدة متنفذة وبيد افرادها زمام السلطة والمال، وحزب متسلط ومستحوذ على كل شيئ في البلاد، ودكتاتور واحد بيده كل مفاتيح الدولة والشعب، فاصبح لدينا اليوم عشرات العوجات التي ينتمي اليها زعماء القبائل السياسية وكتلها واحزابها وبالذات التي ولدت وترعرت بعد الحواسم، اضافة الى عشرات العشائر وشيوخها وافخاذها التي تحولت الى جيوش للصحوة والاسناد وميليشيات دينية او مذهبية او قاعدية، ولم يعد العراق يكفيه دكتاتور واحد فاصبح لكل من هؤلاء دكتاتور على مقاسه؟ 

    صحيح ان الفرهود بشكله المعروف لم يحصل بعد الحواسم، الا ان الفرهوديين والحواسميين استطاعوا تطوير تلك المفاهيم والياتها بحيث نجحوا في تحقيق نتائج باهرة فاقت ما انتجوه في فرهودات الأربعينات  ببغداد او في الستينات في كركوك او نهاية الثمانينات في كردستان واخيرا في الحواسم، فهم يفرهدون البلاد باكملها تحت يافطات مختلفة اقلها بل اكثرها رقة وحنان مرتبات ومخصصات ونثريات الرئيس ( بكل انواعه ) ونوابه، والوزير وعضو مجلس النواب ومجلس المحافظات ومن هم بدرجتهم ليوم الدين ( التقاعد ) وكل ذلك بقانون ولكن خارج قانون الخدمة والتدرج الوظيفي وسنوات الخدمة ونوعها كما هو معمول به في كل دول العالم، وكما انه لا يشبه أي معدل او متوسط او سقف اعلى لمعاشات أي رئيس او مسؤول في العالم اذا تتراوح مرتبات او مخصصات أي من الرئاسات الثلاث ما بين ( 360000 الى 700000 دولار سنويا ) فقط،  حسبما ذكرته النائبة شذى الموسوي، وتناست انها ايضا تتقاضى مع 324 نائبا آخر ما يقرب من 25 الف دولار شهريا أي بما مجموعه 300 الف دولار سنويا لكل نائب وتصور كم هي مرتبات ومخصصات مجموع اعضاء مجلس النواب؟ وفي هذا الصدد يعلق احد المراقبين في جوابه عن ضخامة تلك المعاشات والمخصصات انهم انما يقلدون رئيس النظام السابق حينما كان يعطي راتبا ضخما للقاضي لكي لا يرتشي او يتم اختراقه، فتبين بعد سنوات ان اعلى نسبة في الارتشاء كانت عند اصحاب الرواتب والمخصصات الكبيرة سواء كانوا قضاة او محافظين او جنرالات!؟

     يبدو واضحا اليوم ان ما يحدث في كثير من البلدان من انتفاضات مرده ليس مشكلة الديمقراطية وتداول السلطة فقط، بل اكثر ما يجعل الناس تحرق اجسادها هو العوز والفاقة والفوارق الهائلة في مستويات المعيشة بين الاهالي وانعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الخدمات، ولذلك يعتقد الكثير من الناس ان البلاد تحتاج فعلا الى زلزال شعبي توقده هذه التناقضات والاحباطات التي انتابت الاهالي وهم  يزدادون فقرا وبؤسا بينما تتعملق تلك الطفيليات فتصبح حيتانا وديناصورات، زلزال شعبي يحدثه حماة الدستور والمخلصين للعراق الجديد، يسجل هزة ربما تتجاوز درجات مقياس ريختر التي اعتدنا عليها في قياس ارتجاج الارض، زلزال تصاحبه عواصف تجرف اهرامات الفساد والفاسدين الذين سرقوا احلامنا وامنياتنا طيلة نصف قرن من العبودية والاستبداد، زلزال يطبق الارض على اولئك الذين كانوا اكثر الناس فائدة من تلك العقود الغابرة واكثرهم عمالة وارتزاقا لكل الانظمة الساقطة منذ تأسيس الدولة وحتى سقوط نظامها السياسي في نيسان 2003م، فاصبحوا اليوم قطعانا من الحيتان والديناصورات التي تسحق امامها الاخضر واليابس منذ سبع سنوات عجاف. 

kmkinfo@gmail.com
 

490
كردستان وليدة الشرعية الديمقراطية

كفاح محمود كريم

   أثار البيان الذي اعلنته جماعة التغيير في اقليم كردستان تساؤلات كثيرة ربما في مقدمتها هل ستأخذ كردستان تسلسلا في قائمة الدول التي تتعرض لانتفاضات شعبية مصحوبة بالفوضى والتخريب، متناسية ان الوضع في كردستان لم يكن حصيلة انقلاب عسكري او استحواذ على السلطات، بل ان الاقليم كيان فيدرالي يتمتع بنظام حكم ديمقراطي منتخب بشكل مباشر وحر من قبل الأهالي المؤيدين والمعارضين، وربما هناك الكثير من تلك التساؤلات ولكن يبقى السؤال الأهم لماذا هذا البيان وما الغاية منه في مثل هذه الظروف، خصوصا اذا ما علمنا ان السلطات الثلاث لم تأت بانقلاب عسكري او تسلط انفرادي دونما دور للآخرين ومن ضمنهم أصحاب البيان الذين شاركوا بشكل فعال في كل الأحداث منذ أولى ساعات الانتفاضة في ربيع 1991م وحتى يومنا هذه سواء كانت تلك الأحداث مما يعتز ويفتخر بها المواطن او يأسف لها ويخجل من ذكراها!؟

    وبعيدا عن التاريخ والجغرافيا وكيف ومتى واين، وصولا الى الحال بعد سنوات طوال في اول ربيع 1991م حينما بدأ الزمن يسجل ولادة كيان وملاذ للسلم والامان، تعبقه ارادة السكان ومن يمثلهم بعيدا عن السطوة والتسلط والنفوذ، حيث اختار الثوار والاهالي معا قانون الديمقراطية وقبول الآخر لحياة جديدة في الاقليم، ومن أجل ذلك كانت اول انتخابات حرة شفافة على هذا الجزء من دولة العراق بعيدا عن الدكتاتورية والاستبداد وذلك منتصف عام 1992م، ومنها انبثق اول برلمان كردستاني مثلت فيه جميع طوائف وفعاليات ومكونات الاقليم كل حسب استحقاقه الانتخابي بشهادة دولية معروفة آنذاك، لتنطلق أول حكومة كردستانية يمنحها البرلمان ثقته لتقود الإقليم الى آفاق التقدم والازدهار.

   لم تكن التجربة سهلة خصوصا اذا ما علمنا الإرث الثقيل من تراكم التخلف في كل مناحي الحياة في المدن والأرياف، بعد ان حطمت الحروب طيلة عقود من الزمان البنية التحتية للمنطقة تماما، فقد كانت المنطقة محاصرة بشكل مزدوج من قبل الأمم المتحدة والنظام العراقي بعد غزو الكويت، وتعرضت الى ضغوط هائلة من مختلف دول الجوار حتى ادت الى نشوب الحرب الأهلية التي كادت ان تدمر البلاد برمتها، لولا نداء العقل والروح الوطنية لدى كل المتخاصمين الذين ايقنوا ان مركبهم ان غرق فانهم سيغرقون جميعا دون استثناء، ففي كل هذه الأحداث صغيرها وكبيرها كانت كل الأطراف تشترك كل حسب حجمه وتأثيره سلبا او ايجابا بما فيهم اصحاب البيان الذي يدعو الى استقالة الحكومة والبرلمان الذي يتمتعون فيه بعدد غير قليل من الكراسي المؤثرة.

   لقد نجحت كل الأحزاب والحركات السياسية في انجاز السلام الاجتماعي والامن الداخلي من خلال توافقها ونضالها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، وهيأت نفسها واقليمها للدخول الى حقبة ما بعد صدام حسين، وقيام الدولة العراقية الاتحادية الديمقراطية التعددية، لتساهم بشكل جدي ومؤثر في حياة العراق السياسية والاقتصادية الذي ابعدت عنه لعقود طويلة، ولكي تنجح في توحيد الإدارتين في إدارة واحدة اندمجت فيها وما زالت تندمج كل المؤسسات والوزارات وخاصة المؤسسة العسكرية والأمنية.

   واليوم وبعد ان افرزت الانتخابات الاخيرة في الاقليم هذا البرلمان الذي تستحوذ فيه المعارضة التي تتبلور الآن، على أكثر من ثلث المقاعد بما فيهم جماعة التغيير التي حققت بفضل نجاح التجربة الديمقراطية انتصارت مهمة جدا في الانتخابات التي وصفها المراقبون الدوليون بانها واحدة من الانتخابات النظيفة ضمن قياسات دولية واوربية متداولة، وهي بالتالي أي هذه الجماعة وغيرها من الفعاليات الكردستانية اشتركت وساهمت في كل عمليات النجاح والتقدم التي حصلت في الاقليم وفي ذات الوقت لها حصتها ايضا من التلكؤ والاخطاء والفساد والافساد اينما كان ومهما كان وحسب حجمها وتأثيرها.

   ان مؤسسات الاقليم كما قلت ويعرف الجميع لم تأت بانقلاب كولينيالي او بأجندة اجنبية، بل جاءت نتيجة مخاض جماهيري في عملية تحول من شرعية الثورة الى الشرعية القانونية والدستورية اشتركت فيها كل الاحزاب والحركات الوطنية الكردستانية، وساهمت بكل ما جرى من احداث وتطورات منذ انتفاضة الربيع عام 1991م ولحد يومنا هذا، سواء ما كان منها ايجابيا او سلبيا، وليس هناك عنصر واحد من خطوط المسؤولين المتقدمين في الدولة اعتبارا من رئيس الاقليم ونزولا الى رؤساء الوحدات الادارية والحزبية لم يمتد تاريخه النضالي الى سنوات طويلة في القتال من اجل حرية ومستقبل كردستان، كما انه لا احد ينكر وجود فساد في المال والادارة، ولا احد يتعالى على نقاط الخلل والاخطاء او ينكرها هنا وهناك، ويكذب من يدعي ايضا اننا واحة سويسرية او اوربية كما يحاول بعض المتفائلين جدا ان يخلطوا بين الحلم والحقيقة، كما انه ليس هناك عاقل يستطيع ان يقول اننا انجزنا شعار الانسان المناسب في المكان المناسب، او يدعي بعدم شيوع المنسوبية والمحسوبية والعشائرية في نظامنا الاجتماعي والسياسي، او ان نظامنا الاداري او المالي او الاقتصادي او حتى الاجتماعي خال من عيوب كثيرة ربما تصل في بعضها الى الجرم الخارق للقانون؟

     لكننا في ذات الوقت انجزنا انتخابات عامة تميزت بالايجابية والشفافية العالية حسب توصيفها من قبل معظم المراقبين الدوليين، واولهم الهيئة المستقلة للانتخابات العراقية وممثلي الاتحاد الاوربي والامم المتحدة والجامعة العربية، رغم ما حصل من خروقات هنا وهناك، الا انها كانت في حدود قياساتها الدولية في افضل بلدان العالم ديمقراطية، هذه الانتخابات انتجت برلمانا شرعيا ضم لأول مرة اعداد ليست قليلة ومهمة جدا من المعارضين للحزبين الرئيسيين، ومن ثم انجزت كابينة حكومية نالت ثقة غالبية اعضاء البرلمان واعترض عليها من اعترض ايضا، وفي نفس السياق تم انتخاب رئيس الاقليم من عدة مرشحين ونال السيد بارزاني ما يقرب من 70% من اصوات الناخبين، لقد انجزنا جميعا خلال عقد من الزمان فقط ما لم تنجزه الدولة العراقية منذ تأسيسها في اوائل القرن الماضي وحتى سقوطها في نيسان 2003م من مشاريع وطرق وجامعات ومدارس واعمار مدن وقرى وتحديث للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

    اذن مؤسسات اقليم كردستان لم تكن مصنوعة في دهاليز الحزب الواحد او ان رئيسها قاد انقلاب عسكري ليأتي الى قصر الرئاسة، وكذا حال حكومتها وكثير من المؤسسات الاخرى، فهي نتاج شرعية قانونية فرضتها نتائج الانتخابات العامة الأخيرة وهي بالتالي اتفاق بين كل الكتل والأحزاب والمكونات ومن ثم فهي تعكس اختيارات الاهالي في الاستفتاء الأخير، ولذلك لا اعتقد ان هناك أي فرصة لنجاح تمرد خارج عن القانون والدستور، فشعب كردستان يدرك جيدا إن كل ما موجود في الاقليم من برلمان وحكومة وقضاء وصحافة واعلام واجهزة امنية وعسكرية انما جاءت وليدة نضال دؤوب اشتركت وساهمت فيه كل القوى العاملة اليوم دون استثناء وكل حسب حجمه وقوته من اجل ذات الهدف التاريخي الوطني والقومي، ومن ثم فهي وليدة تجربة ديمقراطية امتدت منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، وتمثل عصارة نضال هذا الشعب طيلة تاريخه المعاصر، في كل اجزاء الوطن وتمثل بحق أمل الشعب الكردستاني برمته، انها ليست ملك فرد ما او حزب بعينه او طبقة محددة بل هو ملك كل الأمة شبابا وشيبا نساءً ورجالا، وان كان هناك إخفاق ما او نجاح معين  او رأي مختلف فقراءته وتقييمه إنما يكون تحت قبة البرلمان وعلى سلم القانون والدستور، وكل هذه المؤسسات هي المرجع والمحك وغيرها يرفضه الشارع ويعتبره خروجا عن الشرعية وانتهاكا لتقاليد النضال المشترك من اجل ذات الأهداف المقدسة.

    كردستان وليدة شرعية ديمقراطية، ومؤسساتها الرئاسية والبرلمانية والحكومية بكل أشكالها نتاج تجربة دستورية وقانونية اشتركت فيها كل الأطراف المؤيدة والمعارضة، وهي تمثل عصارة نضال أجيال من الفلاحين والعمال وكل طبقات المجتمع ومكوناته العرقية والدينية والمذهبية، وهي بالتالي حلم الملايين من ابناء هذا الشعب عبر التاريخ وحري على الجميع احترام هذا الانجاز والاعتزاز به والعمل من اجل تطويره وتقليل مساحة الخلل والفساد من خلال الآليات المعمول بها في كل الديمقراطيات الحقيقية في العالم للوصول الى الهدف المرتجى لدى كل القوى بما فيها المعارضة التي تبلور واقعا جديدا نفتخر به جميعا لو نجحت  في انجاز معارضة وطنية تخدم وتعمل من اجل المصالح العليا لشعب اقليم كردستان ومنجزاته التاريخية.

kmkinfo@gmail.com



491
حكام ومسؤولين أم طغاة وحرامية؟

كفاح محمود كريم

    ربما ان مئات من السنين بما فيها من تراكم للقيم السلبية والعادات السيئة والسلوكيات المتوارثة من جيل الى جيل، انتجت انماطا من السلوك والظواهر تحت عناوين شتى من العباءات والقيم الاجتماعية بما يجعلها مشروعة او مقبولة في حدها الأدنى، رغم اختلاف الأزمان وتطور المجتمعات لكنها بقيت حتى لسنوات ليست طويلة واحدة من النوازع او التصرفات غير المستهجنة على اقل تقدير، وهي عمليات الغزو والسرقة والنهب والسلب تحت مختلف التسميات او التبريرات.

   ففي العقود الغابرة كانت كثير من الممارسات التي يعاقب عليها القانون ويقف بالضد منها، تبيحها الأعراف او في الحد الأعلى لا تستهجنها، وعليه فقد كانت سائدة في كثير من المجتمعات،  ومدعومة بكثير من المفاهيم والأعراف الجاهلية التي تختزنها وتنتجها المجتمعات البدوية والقروية عموما وتضعها في خانة الشجاعة والفروسية، وليست عمليات الغزو بين القبائل التي كانت سائدة الى ما قبل عشرات السنين الا واحدة من تلك الممارسات التي شاعت بين الناس وأصبحت مقبولة حتى بنتائجها المأساوية، هذه الغزوات او الممارسات التي تعرف اليوم بكونها جريمة عدوان واغتصاب وقتل وسرقة مصحوبة بالقوة او النهب والسلب، وهي واحدة من الجرائم الكبرى المخلة بالشرف، كانت جميعها تبرر تحت سقف الغزوات بين القبائل او القرى، ولم تكن من العارات بل كانت من المواقف والبطولات التي تتحدث بها المجتمعات في تلك الحقبة بكثير من الفخر والاعتزاز، وهي مليئة بالمآسي والمخازي!؟

      لقد كان السارق الى تلك الفترة من السنوات يعتبر رجل الليل الشجاع الذي لا يعيبه هذا الفعل الشنيع، حيث يطلق عليه في كثير من المجتمعات المحلية بـ ( الحشنشل ) الذي يتميز بالشطارة والجسارة في مداهمة البيوت الآمنة ليسرق أموالها وربما يقتل أصحابها أيضا إذا ما تطلب الأمر، بل على العكس كان محط إعجاب الكثير من الناس، فقد كان الشرف الشخصي وما يزال حتى يومنا هذا في كثير من المجتمعات، يتكثف ويختزل بالأعضاء التناسلية لكلا الجنسين بصرف النظر سلبا أو إيجابا عن ممارسات صاحبه خارج تلك المنظومة المحصورة هناك، بمعنى إن السرقة او القتل او الكذب او الاغتصاب او النفاق والتدليس والعبث بالأموال العامة ومصالح البلاد العليا والدنيا، لا يؤثر على سمعة الشخص وهويته الاجتماعية طالما كان شرفه الجنسي سليما معافى!؟ 

     صحيح إن جل هذه الممارسات كانت قبل عقود من الزمان وربما كانت تتركز في القرى والأرياف التي انتقلت بكثير من سلوكياتها وممارساتها الى المدن الكبيرة وأطرافها وشكلت مجتمعات هجينية مشوهة الشكل والمضمون أثرت بشكل سلبي على تطور المدن ومجتمعاتها المدينية وتسببت في فقدان خصوصية كليهما الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، الا أنها أيضا لم تسمح لتلك المدن ومجتمعاتها عبر كثير من هذه المراحل في احتواء تلك المجاميع القروية وتمدينها، بل حصل العكس إذ انتقلت كثير من العادات والتقاليد والممارسات القروية والبدوية الى المدن، مما أغرقها بأنماط من السلوك والتصرفات وأضفى عليها صبغة لا تتلائم مع نمط المدينة ونهجها ومراحل تطورها.
 
     وإذا كان ما حصل من عمليات سرقة منظمة لأموال الدولة ومكتنزاتها من قبل النظام السابق وقياداته وتهريبها الى خارج البلاد قد وضع في خانة رد الفعل لما حصل على خلفية ان البلاد تعرضت لاحتلال من قبل قوى اجنبية وانهم اقنعوا انفسهم باستباحة المال العام، فكيف نعلل ما حصل من عمليات سلب ونهب واسعة النطاق شملت معظم انحاء البلاد، ووصلت الى ذروتها في الاستحواذ على موجودات الدوائر والمدارس والجامعات من كل شرائح المجتمع باستثناءات لا تقارن مع حجم الكارثة التي وقعت!؟

     لم تمض الا سنوات قليلة الا واكتشفنا اجيالا جديدة من خريجي تلك المدرسة التي اباحت عبر مئات السنين الاستحواذ على كل شيء بالسرقة او الغزو او السلب والنهب، وما يرافق تلك العملية من اغتصاب او قتل وايذاء في عمليات منظمة ونوعية  بالشكل والمضمون من حيث الاختلاس والسرقة والفساد، التي تجاوزت مستوياتها القياسية في أي دولة اخرى من دول العالم، حيث اشتركت فيها مجموعات من مسؤولي الدولة بمختلف الدرجات الدنيا منها والعليا، والتي تحولت فيما بعد الى اخطبوط او مجاميع من مصاصي دماء يسرقون كل شيئ من خلال تواجدهم في مواقع  مهمة على مختلف الأصعدة، حيث الانتشار المريب والكبير للاختلاس والرشوة والاستحواذ على المال العام بشتى الطرق والوسائل، وتحت عناوين ومسميات مختلفة ابتداءً من تأسيس الكثير من المنظمات والجمعيات التي تدعي انها تمثل المجتمع المدني وتستنزف اموالا بوسائل ملتوية ومشبوهة من الداخل والخارج، وصولا الى الصفقات الوهمية وما يرافقها من قومسيونات وعمولات على مشاريع خدمية او اعمارية، اما وهمية هوائية، او تنفذ بنسب اولية وتباع الى مقاولين آخرين، وهكذا دواليك في متوالية ومتوازية فسادية وافسادية لايفقهها الا الراسخون في سرقة الكحل من العيون واللعب على الحبال التي انتشرت منذ السقوط وحتى يومنا هذا.

    والطامة الكبرى هي وصول العديد من هؤلاء المشبوهين الى مراكز القرار القريبة من مواقع حكومية وتشريعية مهمة كالوزارات ومؤسساتها، ومجلس النواب ولجانه، وكثير من المؤسسات المالية المرتبطة بالنفط والكهرباء والدفاع والداخلية والعدل وغيرها من دوائر الدولة، مما يسيء الى سمعة البلاد التي تم تصنيفها نتيجة تلك الممارسات في الاختلاس والسرقة، بواحدة من أكثر دول العالم فسادا في المال والإدارة، وهي بالتالي اهم ما يواجه الحكومة والبرلمان الجديدين وكل الخيرين من الوطنيين العراقيين من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأحزاب في كشف هذه المجاميع واستئصالها وتقديمها الى محاكمات علنية امام الرأي العام، قبل فوات الأوان وفوران تنور الشعب!؟

   إن ما يحصل اليوم من التهاب شديد وتحرك تاريخي في الشارع الشعبي لدى اكثر النظم شمولية في المنطقة، سواء في تونس او مصر والجزائر وغدا لدى اقرانهم ممن يماثلوهم في الاستبداد والفساد المالي والإداري، قد أشعل عاملا مهما آخرا ليس كما يعتقد الكثير من المراقبين والمحللين بانه العامل الديمقراطي او القومي فقط، بل هو عامل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والشفافية في المال العام ونوعية الإدارة ورموزها، وعمليات الفساد والإفساد المالي والإداري وبطاناتهما التي تنخر في المجتمعات، فلقد شهدنا جميعا ما كانت تريده جماهير تونس ومصر، حيث لم يطالب أي من تلك الملايين بمنصب الرئيس او ثروته او ما يملك بل طالبوهم بترك السلطة لفساده وبطانته، ونادوا بالعدالة والشفافية وإيقاف الفساد ومحاربته، وإحقاق الحق ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.
   

kmkinfo@gmail.com

492
الاتقاد الآدمي وسقوط الجبابرة؟

كفاح محمود كريم

  ربما لا ينظر البعض الى ما يحصل اليوم من عمليات الاحتراق التي يقوم بها مناوئين ومعارضين للأنظمة الشمولية، كونها تقع في باب الانتحار الذي عرفنا له معان كثيرة تتكثف في معظمها حول اليأس والإحباط الذاتي المتأتي من إشكالات شخصية سواء كانت مادية او اجتماعية كقضايا الشرف والإفلاس والخيانة، ومنهم احد الباحثين في معهد الأبحاث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي وهو الباحث ميكائيل عياري:

  ( إن هذه السلسلة من الانتحار حرقا علامة على مأزق سياسي وفراغ فكري، وتكشف أيضا الخلل الذي تعاني منه المجتمعات العربية ).
ويضيف الباحث على الصعيد الرمزي:
  ( النار تدمر وتبني، تميت وتحيي، على صورة طائر الفينيق الذي يبعث من رماده... وقد تمثل هذه الظاهرة أيضا حالة من التجدد السياسي: أحرق نفسي وأدمر الذين يدمروننا ).


    دعونا نعود قليلا الى الوراء مع اولئك الذين احرقوا انفسهم احتجاجا على عملية اعتقال الزعيم الكردي عبدالله اوجلان من قبل مجموعة من اجهزة المخابرات الدولية بالتعاون مع العسكر التركي في تسعينات القرن الماضي، والتي اثارت ضجة كبيرة في الشارع الأوربي عموما، وهي واحدة من اكثر ردود الأفعال مقاومة من مجموعات من الشباب العزل امام جبروت وطغيان الاستبداد والظلم. 

    انها ليست عملية انتحار نتيجة يأس او عجز او مرض، ولا هي عملية ايذاء للآخرين كما يفعل انتحاريو القاعدة وغيرها في قتل اكبر عدد ممكن من البشر بصرف النظر عمن تستهدفه عملية الانتحار من الأبرياء اطفالا كانوا أم نساء، بل هي واحدة من أكثر وسائل التعبير قساوة على الذات في كراهية النظام والطغاة، حينما يقرر صاحبها حرق جسده ليترجم مشاعره استنكارا لحكم هؤلاء الجبابرة، وصرخة معبقة بألم الموت احتراقا من اجل إيصال الفكرة وإثارة الرأي العام والجمهور لكي يتحرك باتجاه ذات الهدف متوخيا أن لا يؤذي من حوله بأي شكل من الأشكال وكائن من يكون.

    لقد أشعل الشاب التونسي ( محمد بو عزيزي ) شرارة الثورة باحراقه لجسده لتنتقل صرخاته المليئة بالرفض والمقاومة والمعبقة بألم الظلم والاستبداد الى كل شارع وحارة ومدينة وقرية، حتى ضاقت تونس الخضراء وجبروت حكامها، أمام رئيسها الذي ولى هاربا لكي لا يسمع مزيدا من تلك الصرخات التي ستحرقه هو الآخر!

    وخلال ايام قليلة انتشرت نيران الاتقاد الآدمي في كل من مصر والجزائر والعديد من الدول التي يتعرض اهاليها الى القهر فقرا او عبودية، فقد توفي الشاب الذي احرق نفسه في الاسكندرية قبل عدة ايام، وكان هذا الشاب عاطلا عن العمل وقد صعد الى سطح منزله في حي المنتزة (شرق الاسكندرية) واضرم النيران في نفسه، بينما اضرم مصريان اخران النار في جسديهما خلال الثماني والاربعين ساعة الاخيرة كما تمت السيطرة على شخص ثالث قبل ان يشعل النيران في نفسه.

ولم تقتصر عملية الاحراق على شباب في منتصف العشرينات او الثلاثينات كما جرت العادة لدى كثير من الانتحاريين، فقد أضرم محامي يدعى محمد فاروق في الأربعينات من عمره، النار في نفسه امام مقر مجلس الوزراء في القاهرة ونقل الى المستشفى مصابا بحروق خفيفة، لكنها أي تلك الحروق طالت مئات الآلاف لكي تحرك الشارع المصري الذي يلتهب الآن؟

    وفي معظم هذه العمليات يشعر صاحبها بمهانة كبيرة تنتقص من ادميته وكرامته مما يدفعه الى الاحتجاج باقسى انواعه دون المساس بالآخرين، فقد أضرم رجل خمسيني النار في جسده امام مقر مجلس الشعب المصري بعيد انتفاضة تونس بعدة ايام قائلا للمحقق وهو يلفظ انفاسه الأخيرة انهم يهينوننا امام اطفالنا واسرنا اثناء سعينا للحصول على حصة اسرنا من الخبز المدعوم؟، ولم تقتصر عملية اضرام النيران في الاجساد على تونس ومصر، ففي الجزائر حاول خمسة اشخاص انهاء حياتهم باضرام النار في انفسهم خلال الايام الاخيرة، وفي موريتانيا اضرم رجل النار في نفسه بالقرب من رئاسة الجمهورية، في صرخة مدوية مغطاة باللهيب يتعالى فيها الألم والرفض لكل مظاهر الاستبداد والظلم الحكومي للشعب.

     وعودة الى موضوع الانتحار بالنار فهو عارض من أعراض القلق الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي والفكري ولا توجد له خلفية دينية، فالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي التي تتصدر الاهتمامات وليس الجانب الديني. والأزهر لم يتردد في التذكير بأن الانتحار محرم في الإسلام، كما أن ظاهرة الانتحار حرقا ليست من العادات الشائعة والرائجة في المجتمعات الشرقية عموما. ومن المرجح أن محمد البوعزيزي حين أشعل النار في جسده بمدينته النائية (سيدي بوزيد) لم يتصور أنه سيجسد المصاعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشرائح واسعة من الشعب العربي ويتحول إلى هذا الرمز الكبير.

     لقد كشفت الأحداث الأخيرة الكم الهائل والعميق من مشاعر الكراهية والاشمئزاز تجاه الأنظمة المستبدة وجبابرتها المنفردين بالسلطة والمال والنفوذ، ومن نرجسيتهم المتعفنة التي أوصلت هذه المجاميع الى درجة الاتقاد رغم ما تردده كل وسائل الإعلام من تمجيد وتجميل لتلك الأنظمة ورموزها، هذه المشاعر المليئة بالحزن والألم والاعتراض والقهر تمثل مزاج الشعوب الحقيقي حينما يقرر ابناؤها إيقاد أجسادهم حرقا بكل ما في ذلك من الم وعذاب دون التفكير بإيذاء احد نتيجة تلك العملية إلا استثارة الرأي العام وتحريكه باتجاه الانتفاضة ضد الاستبداد والطغيان ورفض ذلك النمط المذل من الحياة، رفضا ومقاومة لتلك الأنظمة الفاسدة ورموزها التي انتهكت حقوق البشر والحضارة في اسلوب حكمها وإدارتها للبلاد وتشبثها بكراسي السلطة والنفوذ واستحواذها على مصادر المال العام بعيدا عن القانون والعدالة الاجتماعية.   

kmkinfo@gmail.com


   


493
حينما يهرب الرؤساء الطغاة؟

كفاح محمود كريم

   يقولون ان النمور اسرع الحيوانات في الجري، سواء كان جريها هروبا او وراء فريسة هاربة، لكن ما يحدث الان ومنذ عدة سنوات اثبت ان كائنات اخرى اصبحت اسرع من تلك النمور في الهروب وبالذات اذا ما كانت تحمل غنائمها او فريستها وهي تهرب، هذه الكائنات يطلق عليها الطغاة من رؤساء الدول والزعماء المنقذين والملهمين والقادة الافذاذ!؟

    لقد شهدنا ابان الثورة الايرانية في شباط 1979م هروب شاهنشاه زمانه حينما سجل مقياس ريختر لغضب الجماهير آنذاك هزات متتالية في ايران لم تمنحه الا دقائق للطيران خارج سماوات إمبراطورية فارس، وبقائه معلقا في الاجواء لعدم حصوله على موافقة الهبوط حتى من مامته الحنونة، الا بعد شق الأنفس وربما الملابس، وتدخل الرئيس السادات في قبوله ضيفا على ارض الفراعنة؟

    ويقول الكثير من مراقبي تلك الهزات ان تحليق الشاه جاء امتدادا لتحليق آخر سببه المرحوم محمد مصدق حينما اراد ان يحدث زلزالا خارج دائرة التأثير الأمريكي والبريطاني، فعاد شاه اشقائنا الى كرسيه الامبراطوري ثانية بحماية حلفائه الذين تخلو عنه في ( طرقته الاخيرة ).
 
    ولن نذهب بعيدا عما جرى في بغداد التي رفضت ان تحمي دكتاتورها كما ادعى هو واعلن ان الاعداء سينتحرون عند اسوار العاصمة الوهمية، فإذ به يترك كل تلك الجماهير العظيمة والجيوش الجرارة والقصور المضادة للحروب النووية ليأوي الى حفرة يداري فيها عورته وعاراته، بعد ان قررت ذات الأم الحنونة انتهاء اللعبة وإنزاله من القطار لوجوب استبدال الأوضاع والأحوال؟

    مرة أخرى أقول إن هروب دكتاتور لا يعني أبدا نجاح ثورة او انجاز انتفاضة ما، فالثورة تحتاج دوما الى رجال ونساء افذاذ وحكماء كباء ومفكرين عظام وشعب يعرف ماذا يريد، وزمن مهم لإحداث التغيير والتحديث في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، وكل ذلك لا يتأتى من قرارات عاطفية او متسرعة كما كان يحصل في دوامة الانقلابات التي تسببت في تقهقر البلاد وضياع فرص ذهبية للنهوض والتقدم.

    ان تطور الأحداث في تونس وربما في غيرها من البلدان التي ربما يحركها فتيل الاحتراق الآدمي تواجه قوى ذلك النظام المتمثلة ببقايا أجهزته الأمنية والعسكرية والفكرية والسياسية المنتشرة في تلك البلدان على شكل اضطرابات وفلتان امني وعمليات منظمة للتخريب والتدمير كما حصل هنا في بلاد الرافدين منذ سقوط نظام دكتاتور العراق في نيسان 2003م، هذا الاحتراق الآدمي الذي يظهر كما هائلا من الكراهية والغضب الشعبي ضد انظمة الحكم المتمثلة برؤسائها الذين التصقوا بالكراسي وتداولها وراثيا، كما حصل في سوريا وسيحصل في مصر او اليمن او ليبيا او غيرها من البلدان التي ادمنت رؤساءً يظنون انفسهم آلهة او اوصياء على الأمة ومصيرها!؟

   اذا كان رئيس تونس قد نجا بنفسه هاربا كما فعل قبله عيدي امين والنميري، فلم يجدي جاوجيسكو هربه نفعا فقد قضى معدوما مع زوجته قبل ان يرى بلاده وهي تتوج غيره، اعقبه دكتاتور صربيا العنصري ميلوسيفيتش المطلوب قضائيا، لتواريه بعد اشهر محاكما دولية وتنتهي اسطورته الدموية بتوقف قلبه في نيسان 2002م وهو سجين محكمة لاهاي، ولم يمض كثير من الزمن ليستمر ماراثون الهروب الرئاسي فيتوقف قليلا عند اطراف حفرة قرب بلدة تكريت وسط العراق حيث التجأ اليها دكتاتور بغداد هاربا بعد ان اوهم شعبه وشعوب امته بان اسوار بغداد ستشهد هزيمة اعظم دول العالم اطلاقا، وفعلا كانت الهزيمة للطرفين الاول ذلك المنكفئ في الجب ونظامه المتهرئ، والثاني برايمر الذي حول عملية التحرير الى احتلال مقيت وبغيض؟

   وفي كل هذه العمليات تبقى الشعوب هي التي تدفع فاتورة سقوط او هروب هؤلاء الرؤساء الذين كان بوسعهم دخول التاريخ ليس من مدخل الطائرة او الجب او المحاكمات الدولية، بل من اوسع ابوابه كما فعل الكثيرين من رؤساء العالم الذين حكموا بلدانهم كبشر اولا وكموظفين لتأدية مهام انسانية ووطنية، لا ككائنات خرافية مصابة بالنرجسية المقيتة والجوع القاتل للمال والنفوذ والسحت الحرام والقتل والإقصاء والتدمير.


   ترى هل سينجح الآخرون من أقران زين العابدين وأمثاله القريبين منه والبعيدين قراءة الأحداث ورؤيتها بعين ثاقبة أم انهم يبحثون عن وسيلة للهروب من بلدانهم في ماراثون التحليق او السقوط؟
   هل سيحترمون أنفسهم وعوائلهم ومشاعر شعوبهم ويتركون تلك الكراسي التي صدأت من طول جلوسهم!؟


kmkinfo@gmail.com    
 



494
احذروا.. إنهم يغتالون الثورة؟

كفاح محمود كريم

  هرب الطاغية وترك وراءه افواجا من اللصوص والقتلة، كما فعل مثيله قبل سنوات هنا على ارض الرافدين حينما اطلق سراح كبار المجرمين والسفاحين والسراق والقتلة قبل هروبه بعدة اشهر، لكي يكملوا المشوار من بعده، فيما اوصى اركان حكمه وقيادات نظامه بسرقة ونهب كل موجودات البلاد ومخازنها ومعسكراتها في ابشع عملية إفراغ للدولة من مكنوناتها المادية والوثائقية والفنية والمتحفية؟

    وفي الوقت الذي انكفأ دكتاتور العراق في حفرة تحت الأرض ليواري عورته وجرائم نظامه، حلق دكتاتور تونس طائرا في الأجواء تاركا منظومة متكاملة ممن تقع عليهم مهمة اغتيال الثورة او الانتفاضة، حيث بدأت فرق الغوغاء بالانتشار في المدن والبلدات على طول البلاد وعرضها لكي تثبت لتلك الجموع الثائرة ودول الجوار قبل غيرهم بأن ما يحدث هو نتيجة لغياب منقذ الأمة ومخلصها الهارب، كما يفعلون في العراق منذ سبع سنوات ونيف في إحراق الأخضر واليابس تحت مختلف الشعارات الرنانة والجوفاء، وهم يستهدفون الأهالي العزل في الشوارع والأسواق والمساجد والكنائس والمدارس بنافورات من الدماء التي لم ينزاح فيها قطرة من دماء المحتلين!؟

    صحيح ان دكتاتور تونس شد الرحال هاربا الى جنة اخرى بعيدة عن قصره وعبيده الا انه ترك نظاما اشرف على تربيته وصناعته لأكثر من عشرين عاما بذات الفكر والنهج كما فعل النظام هنا في العراق وترك سلوكيات ونهج في الثقافة والتفكير تعمل على إبطاء التقدم وتعرقل تحقيق الأهداف النبيلة في بناء عراق ديمقراطي حر.

      ان مجرد هروب دكتاتور لا يعني انجاز الثورة او التغيير المرتجى، فقد سجل التاريخ الكثير من عمليات الهروب والعودة، وما زالت ثورة مصدق الإيرانية وهروب الشاه في الذاكرة السياسية للشعوب الإيرانية، وفي تونس ما زالت قوى هذا الدكتاتور وغيره مهيمنة على كثير من المفاصل المهمة في الدولة والمجتمع وهي قادرة على إحداث تغييرات بالاتجاه الذي تريده وبالضد من آمال وتطلعات الأهالي، فمعظم المؤسسات المهمة في البلاد هي من إنتاج وتصنيع ذات الفكر الشمولي الذي صنعه الدكتاتور الأول بورقيبة ومن انقلب عليه لاحقا قبل عقدين من الزمان صنيعته علي زين العابدين، ابتداءً من المؤسسة العسكرية والأمنية وانتهاءً بالبرلمان وكثير من اوساط الطبقة المتوسطة.

     ومع كل الاحتمالات الواردة فان ما يحدث الآن يؤشر تطورا نوعيا في الأداء الشعبي المعارض في الدول ذات الأنظمة الشمولية، وهي بالتأكيد واحدة من اولى ردود الأفعال لعملية التغيير الجارية هنا في بلاد الرافدين منذ سبع سنوات، بكل ما رافقها من ايجابيات خلاقة ومن أخطاء او تشويهات من قبل معظم الأنظمة السياسية وأجهزة إعلامها التي تنتمي لعقلية وثقافة الحكم الشمولي.

     ويقينا ان ما يجري هنا في العراق من عمليات ارهابية وتعقيدات لتأخير او اعاقة تطور العملية السياسية والبناء الديمقراطي انما تتورط فيه كثير من هذه الانظمة ذات النظم المستبدة والدكتاتورية، لأنها تتقاطع وطبيعة التكوين السياسي والاجتماعي للنظام الجديد وفلسفته في التداول السلمي للسلطة والاعتراف بالآخر المختلف، ولكي تنأى بنفسها وانظمتها عن نيران التغيير التي تصب في خانة الشعوب وتعيد تعريفات كثير من المصطلحات والتسميات لكي لا يكون الرئيس موظفا يؤدي خدمة عامة حاله حال أي موظف آخر، بل ليبقى كما يريدوه في كل هذه المنطقة زعيما ومنقذا وملهما فوق الشبهات والشك والنقد، لا شريك له ولا معترض!؟ 

   ان ما يحصل اليوم في تونس يمثل رسالة مهمة جدا لشعوب هذه المنطقة بعد ان ذاقت الأمرين من حكم الطغاة المستبدين لعشرات السنين وهي تبشر ببداية عمليات تغيير واسعة النطاق في معظم هذه البلدان، ترافقها عمليات تشويه وصراع خفي لؤد الحركة او تقزيمها من خلال ما يحدث من تداعيات امنية تقوم بها اجهزة الامن المرتبطة بنظام الحكم كما حصل هنا في العراق طيلة سبع سنوات بالتعاون مع مخابرات واجهزة تلك الدول المعنية، محاولة اغتيال الحركة او الانتفاضة بشتى الطرق والأساليب، مستغلة كثير من نقاط الضعف والتناقضات التي انتجتها الأنظمة السياسية المستبدة على كل الصعد.
   
     انهم يرعبون الناس بأن أي تغيير في البلاد وطبيعة النظام ستؤول فيه الأحداث الى ما آلت اليه في العراق من حمامات للدماء وحرب طائفية او عرقية، وان النظام الحالي مهما يكن فهو افضل بكثير مما سيحدث من فقدان للأمن والسلم الاجتماعيين، وبذلك يغطون على تورطهم بكثير من تلك الحمامات وحتى الحروب الداخلية في العراق، حقا انهم يحاولون اغتيال مبدأ الثورة او الانتفاضة لدى الاهالي من خلال الترهيب واشاعة الفوضى وعمليات السلب والنهب وفقدان الأمان.
   
 kmkinfo@gmail.com


 
 

495
المنبر الحر / مدن تغمرها القرى؟
« في: 17:37 09/01/2011  »
مدن تغمرها القرى؟

كفاح محمود كريم

    واحدة من اخطر ما يواجهه المجتمعات العراقية اليوم هي مشكلة هذا التراكم الكبير للقرى حول وفي مراكز المدن العراقية عموما وما ينتج من ضياع وتشويه لهوية القرى والمدن على حد سواء، فقد تحولت معظم هذه المدن الى مجتمعات قروية على شكل احياء ومجمعات تم ادغامها داخل تلك المدن مما اضاع هوية الكثير منها ومن تقاليدها وعاداتها على حساب انحسار المجتمعات القروية واحداث تفريغ كبير في البنية الريفية سواء بشكل متعمد او كناتج لسياسة خاطئة افرزتها عقود من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاسدة، وفي مقدمة ذلك الدورة الاقتصادية المعروفة بانتاجها الاسري في الارياف بدءً من انتاج البيض والحليب ومشتقاته وصولا الى المنتجات الزراعية الموسمية الى جانب الحبوب وبالذات الحنطة والشعير والرز في معظم ارياف البلاد.

   ونتيجة لهذه العملية المبرمجة منها والعشوائية فقد انكمش الريف انكماشا واضحا وتحولت دورة حياته الانتاجية الى عجلة استهلاكية تسحق امامها معظم وسائل الانتاج الريفية التي اشرنا لها رغم بساطتها وبدائيتها الا انها كانت تسد فراغا كبيرا في اسواق المدن التي انقلبت فيها موازين الاستهلاك والانتاج، حيث كانت وحتى مطلع الستينات من القرن الماضي تغرق اسواق المدن بمنتجاتها الزراعية والحيوانية من الخضراوات والفاكهة والبيض والدجاج والاغنام والابقار وما تنتجه من حليب والبان واجبان، والطرف المستهلك والمشتري كان ابن المدينة في معظم الحالات حتى تغيرت المعادلة تدريجيا فاصبحت معظم قوائم المشتريات تعتمد في اساسياتها على سكان القرى سواء الذين مازالوا في مناطقهم او ممن ارتحل منهم الى المدن وغمرها باستهلاكه، ورافق كل ذلك انماطا قروية وزراعية في السلوك والعادات والتقاليد غمرت المدن واحالتها الى قرى كبيرة فقدت فيها هويتها على حساب انحسار خطير للبنية الاجتماعية والجغرافية والانتاجية للمجتمع في تكوينه القروي والزراعي او المدني على مستوى المدن، فلا القرية حافظت على هويتها المتميزة في العادات والتقاليد والانتاج ولا المدن تطورت بنهجها المدني حيث اجتاحتها القرى وبدت مغمورة تماما بأنماط استهلاكية وسلوكية هجينة مسخت هويتها وأوقفت تطورها النوعي.

     لقد حاولت السلطات في مقتبل السبعينات من القرن الماضي إحداث هجرة معاكسة للقرويين الذين نزحوا الى المدن ببعض الإغراءات التي استغلتها تلك المجاميع القروية واستحوذت عليها دون ترك المدينة مما تسبب لاحقا في فشل الحملة التي تميزت بالفوقية وعدم التخطيط مما ادى الى مضاعفة الهجرة الى المدن بعد ما تم استخدام القرويين في اجهزة النظام الخاصة وخاصة بعد عام 1975م، ومنحهم إغراءات الهجرة الى المدن ومنها قطعة الارض وبدل البناء ( العقاري ) وبالذات الى المناطق التي تتميز بفسيفسائها الديني والقومي والمذهبي مثل الموصل وكركوك وديالى وتكريت وبعض من بلدات الانبار وبابل والنجف وكربلاء مما ادى لاحقا الى احداث تشويهات ديموغرافية كبيرة انتجت صراعا اجتماعيا وقوميا ومذهبيا لحد يومنا هذا.

    لقد تضاعفت هجرة القرويين وسكان الأرياف عموما بشكل كبير منذ سقوط النظام السابق وانهيار مؤسسات الدولة اثر عملية الاحتلال التي تعرضت لها البلاد في آذار 2003م، حيث نزحت عشرات الآلاف من الأسر والأفراد الى اطراف المدن وسكنت مقرات ومعسكرات وكثير من دوائر النظام السابق وخاصة في بغداد العاصمة والمدن المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية وفي مدن الشمال العراقي التي تعرضت لتغييرات ديموغرافية طيلة ما يقرب من نصف قرن تسببت في ترحيل مئات الآلاف من السكان الأصليين وإبدالهم بآخرين من قرى ومدن وبلدات من الجنوب والوسط، أو إخراجهم من مراكز المدن وإبعادهم الى مجمعات قسرية خارجها كما حصل في الموصل وسنجار وزمار والشيخان ودهوك وكركوك وديالى وتكريت واطرافهم.

    وبعد السقوط وانتهاء عصر الدكتاتورية عاد عشرات الآلاف من أولئك  المواطنين الذين تم تهجيرهم عنوة من مدنهم وقراهم الى حيث كانوا يسكنون في قراهم ومدنهم ومزارعهم، فلم يجدو بيوتا او حقولا الا وقد سكنها اناس آخرون، فقد استوطن مواطنون آخرون تم استقدامهم من مناطق أخرى ليحتلوا مكانهم في واحدة من أبشع عمليات القلع الاجتماعي البغيض لكلا الطرفين بغرض التغيير الديموغرافي والإغراء للطرف الآخر، مما جعلهم يقيمون في مقرات ومباني حكومية ومعسكرات للجيش وسقائف هشة واوضاع معاشية سيئة للغاية، مما أدى الى نشوء كثير من الإشكاليات والصراعات بين السكان الأصليين القادمين والمستوطنين الذين يعرفون بأصحاب العشرة آلاف دولار!؟.

   لقد تمت السيطرة النسبية على تفاقم الاوضاع الاجتماعية او الامنية التي قد تؤدي الى اندلاع صراعات قومية او عرقية او مذهبية او دينية في تلك المناطق التي تسمى بالمناطق المتنازع عليها، لحد هذا اليوم من خلال اجراءات ادارية متوزنة الى حد ما مدعومة بمجموعة من المواد القانونية والدستورية التي تضمنتها اخيرا المادة 140 من الدستور العراقي الدائم والتي تتكفل في حل كافة الاشكاليات ومنازعات الملكية سواء بين المواطنين فيما بينهم او مع الحكومة الاتحادية ومؤسساتها. 

    واذا كانت عملية اعادة القرويين وسكان الأرياف الذين سكنوا المدن طيلة الأربعين سنة الماضية حتى سقوط النظام عملية صعبة ومعقدة على الأقل مع الجيل الثاني الذي ولد ونشأ وترعرع في المدينة، فان التفكير بإعادة او التشجيع على الهجرة المعاكسة الى الأرياف اختيارا وليس عنوة لا تأتي من خلال قرارات فوقية ورغبات مجردة أو قسرية، بل تحتاج الى جهد وطني كبير للارتقاء بالريف العراقي وخاصة القرية وما تحتاجه لتثبيت السكان فيها والعمل على استقطاب الآخرين المهاجرين في المدن واطرافها الى مجمعات سكنية حديثة على شكل قرى متحضرة في ذات الأمكنة او قربها، لا تختلف عن المدينة في خدماتها الأساسية من ماء وكهرباء ومدارس وطرق معبدة، مع إيجاد فرص عمل من خلال دورة الإنتاج الريفي والزراعي، خاصة وان امكانيات البلاد الحالية تساعد على انجاز نقلات نوعية في حياة الفرد والمجتع وهي لا تحتاج الا الى تخطيط علمي وارادة وطنية خالصة ونزاهة وبياض في القلوب والايادي!؟

kmkinfo@gmail.com

496
الوزارة العراقية: ترضية أم تنافس؟

كفاح محمود كريم

    سبق وان تناولنا ذات الموضوع ولكن تحت عنوان آخر موسوم بـ حكومة جبر الخواطر او المراضاة التي انتجتها عشرات الاجتماعات واللقاءات، كللها مؤتمر اربيل الذي دعا اليه رئيس اقليم كردستان العراق ومنه انطلقت مبادرة الرئيس بارزاني وما تلاها من جولات تفاوضية تمخضت اخيرا على تقاسم السلطة باسلوب المشاركة وترضية الجميع، حيث نجح الفرقاء في انجاز التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة المراضاة بين جميع الاطراف الا من كان يمتلك مقعد او مقعدين وحرمهما دولة الرئيس من الاستيزار او الترشيح لمجلس الحكومة، وبذلك اغلقت الابواب كافة امام تشكيل كتلة للمعارضة، الا اللهم اذا نجحت مقاعد الشتات التي تتألف عادة من واحد الى ثلاث او اكثر بقليل لتشكل كتلة للمعارضة في البرلمان الذي خلت مقاعده من مشاكسات الرأي الاخر، لتقف بالمرصاد للحيتان الكبيرة او اسماك القرش في محيط مجلس النواب العتيد!.

     وليس بخاف على احد ما ينتظره المواطن والاهالي عموما، فهم ليسوا معنيين بالاسماء ولا بالمناصب ولا يطمعون بمنافسة احد منهم على منصبه بما في ذلك مناصب الفخامة والسعادة والمعالي، بقدر تعلق الامر بمصالحهم الاساسية وهي تختزل دائما ومنذ عقود، بعدة مطالبات لا تتجاوز في اكثر الاحيان والامور تفاؤلا عشر مطالب او ربما اقل، وفي مقدمة ذلك الامن والسلم والعدالة الاجتماعية، وموضوعة الكهرباء والبطالة والسكن، ويعقبهم في الاهمية بعد ذلك ما يتعلق بالبنية التحتية للخدمات وفي مقدمتها شبكات الطرق والمجاري والارياف والانتاج والاستيراد، فقد اغرقت الاسواق ببضائع مستوردة كانت تنتج محليا، حتى ترى في اسواقنا التمر المستورد وما ينافس لبن اربيل ومياه دجلة والفرات، حتى كادت عجلة الانتاج الزراعي والحيواني والصناعي ان تتوقف تماما!؟

     واذا كانت واحدة من ابشع جرائم النظام السابق تجفيف الاهوار، فان ما يجري الان ومنذ سبع سنوات من اغراق للسوق بكل ما تنتجه ارض البلاد في الجنوب وفي الجبال من الذ واطعم ما خلق رب العباد، تعد اكثر بشاعة من تجفيف تلك الاهوار فهي تجفف الارض والانهار وتقتل بوادر الانتاج والابداع وتحيل الانسان الى كائن مستهلك غير منتج، وهي ايضا تنافس اقذر جرائم النظام في مقابره الجماعية وانفالاته التي نافست كل عارات البشرية عبر التاريخ، ما تفعله اليوم ومنذ سبع سنوات عصابات التهريب لثروات العراق وخيراته بشكل منظم لإفراغه تماما مما يتميز به من كنوز في الزراعة والثروة الحيوانية والبشرية.

     واذا كانت هذه الحكومة قد تشكلت على اساس المراضاة فان ما يرتجى منها اليوم وغدا، ان يبدأ اعضاؤها بالتنافس في ما بينهم من أجل خدمة المواطن والاهالي، لكي تثبت كل الكيانات والاحزاب انها وصلت الى دفة الحكم لخدمة البلاد لا الى خدمة الذوات الذين انتشروا منذ عدة ايام في عرض البلاد وطولها، ومنهم من حزم حقائبه ليزور بلاد الجوار وما بعد الجوار، نتمنى جميعا ان تكون تلك الغزوات لله ولعباده لا للتباهي او المزايدة واستعراض العضلات، فالكل هنا يغني لـ ( ليلى ) وليلى تثقلها الجراح ويتعالى انينها حتى لا يستر الليل عورتها ولا البيوت تحجب اعداؤها!؟،   فقد مل الشعب من كثرة الاقاويل والاكاذيب ولم يعد يصدق ( واٌقسِم ) لو قالت له الحكومة وهي تؤشر للشرق انه شرق لما صدق ذلك!؟ 
 
    ان فقدان الثقة بين الاحزاب والمكونات ومن ثم بين الشعب والحكومة وبقية السلطات الاتحادية يحتاج اكثر ما يحتاج اليوم الى تنافس كل هذه القوى من اجل اعادة تلك الثقة المفقودة من خلال التنفيذ الجدي لتلك الوعود التي قطعتها الكتل والاحزاب والمرشحين لمجلس النواب والحكومة ايام كانوا يحتاجون اصوات الناخبين وتأييد الأهالي، وقد وصلوا اليوم الى تلك المراكز التي تؤهلهم لتنفيذ بعضا من تلك الوعود ولا نقول جميعها،  لترضية الاهالي واقناعهم بشرعية وجودهم ولكي يكونوا ثانية بعد سنوات اربع قادمة حاضرين حين الطلب لمنح المجدين والصادقين ثقة بتوليهم مراكز أخرى أكثر تقدما او تأثيرا.

     ان حلبة اثبات الشرعية مفتوحة امام الجميع لتأكيدها والعمل بموجبها، والصراع الآن في الساحة هو لإثبات وإعادة الثقة بين الأهالي ومن يدعي تمثيلهم او قيادتهم، فاذا لم ينجحو في تشكيل الحكومة الا بالمراضاة وجبر الخواطر فان التنافس هو الوحيد الذي سيثبت نجاحهم وتقدمهم وشرعيتهم، هو التنافس من اجل الاسراع في حل مشاكل المواطنين وتحقيق مطاليبهم الاساسية في الحياة الحرة والكريمة بعيدا عن المزايدات والشعارات التي تسببت في انهيار الدولة وسقوط النظام بعد حكم ما يقرب من اربعين عاما من اللف والدوران والأكاذيب والوعود الجوفاء التي أدت الى ضياع كل شيئ بما في ذلك المال والجاه والسلطة والحياة!؟



kmkinfo@gmail.com


 

497
المنبر الحر / حكومة المراضاة !؟
« في: 16:07 28/12/2010  »
حكومة المراضاة !؟

كفاح محمود كريم

    ربما لأننا في اول تجربتنا الديمقراطية التي تم تدشين مراكبها في اول اشهر 2005م ونجاحنا في العبور الى الضفة الثانية من الحكم دون دبابات واعواد مشانق وبيانات لمجلس قيادة الثورة وغيرها من فلكلور الحكم مما اعتدنا عليه مع فجر اول يوم من ايام انقلابات عسكرنا ومن يقف ورائهم من الداخل والخارج منذ ما يقرب من نصف قرن، حيث ارتضينا في اول انتخابات تتجاوز النسب الفلكية المعروفة في هذه البلاد ( 99،99 ) ويمتدحها اناس غير مرتشين او متملقين، اسلوبا اخرا للوصول الى القصر الجمهوري دون قتال واراقة دماء او الاستحواذ على كل شيئ في القصر وما حوله من مال ونفوذ وجاه وحكم، حتى وان تمت العملية باستخدام طريقة ( المراضاة ) العراقية المعهودة لكي نتجاوز الفاصل او الساتر السايكولوجي!؟

   وربما ايضا تضايق الكثير وتململ وتشكى من تأخير تشكيل الحكومة التي تمثل نتائج صراعنا السلمي الذي وقع يوم 7 اذار 2010م، في الاشهر الاولى للتجاذبات التي رافقت عملية جر الحبل بين المتنافسين على كعكة السلطة والمال، الا ان ما حصل اخيرا يؤكد بداية مقنعة الى حد ما في تداول السلطة وان كان جبر الخواطر هو ما رافق هذه البداية طالما يتم استبعاد التداخلات الجراحية والالوان المثيرة التي تنتجها تلك الجراحة، والاستعاضة عنها بتقاسم غنائم العملية سلميا حتى وان استخدمت طريقة  ( المراضاة ) وتبويس اللحى والعناقات المكتظة بـ عفى الله عما سلف التي نأمل ونتمنى أن لا تفعل فعلتها كما حصل واطاحت بالزعيم الكريم عبدالكريم قاسم رحمه الله قبل ما يقرب من نيف وخمسين عاما؟

    حقا لقد نجحت نخبنا السياسية وزعمائها في اقامة حكومة شراكة وطنية ساهم ويساهم فيها الجميع دون كسر لخواطر احد الا من وصفهم رئيس الوزراء المبتلى بتشكيل هذه السلطة، باصحاب المقعد او المقعدين في مجلس النواب الاخير الذين طالبوا بشدة والحاح واصرار على دخول الحكومة، لكن كرنفال جبر الخواطر لم يشملهم، مما قد يؤدي بهذه المقاعد المتناثرة هنا وهناك الى بلورة كتلة برلمانية تقوم باداء مهمة المعارضة تحت سقف البرلمان وتعمل على مراقبة الحكومة ومحاسبة اعضائها الذين يمثلون الاكثرية الساحقة من الكتل والاحزاب السياسية، او ربما تؤدي عملية اشتراك كافة القوى في هذه الحكومة الواسعة من حيث يدرون او لا يدرون الى نشوء وتطور جيل اخر من المعارضة خارج المجلس او ربما خارج المنطقة الخضراء ليسهل عليها استخدام وسائل اخرى في التعامل مع الاخر من خلال كاتمات الصوت او العبوات اللاصقة والناسفة بدلا من ضجيج مجلس النواب وصراخات بعض الاعضاء او شخيرهم؟

    ان نجاح السيد المالكي في تشكيل الحكومة لن يخفف عليه صعوبات جمة سيواجهها وهو يقود فريق وزاري تجاوز عدده الاربعين وزيرا يفترض انهم يمثلون كافة الكتل والاحزاب وزعمائها والمقربين منهم من المنسوبين والمحسوبين والعشائر والشخصيات العراقية كل حسب حجمه وحصته وتأثيره، مما سيحيل الوزارة الى مجلس للاعيان اكثر من كونها سلطة تنفيذية حسب ما جاء في برنامجها او تعهدات كتلها واحزابها التي دفعتها الى سدة الحكم، وسيترك ذلك اثارا بالغة على مدى مصداقية الشعارات والاهداف المتوخاة من تشكيل حكومة شراكة وطنية ساهم فيها الجميع بينما خلت مقاعد البرلمان من أية معارضة منظمة او غير منظمة الا ما كان منها بضع شظايا هنا وهناك لا تضر ولا تنفع؟


    لقد نجحت النخب السياسية العراقية في تجاوز محنة الحكومة بتشكيل حكومة المراضاة أي التراضي لكنها فشلت في السماح بنشوء وتبلور معارضة وطنية تستخدم وسائل برلمانية ديمقراطية في مراقبة ومعارضة السلطة والنظام عموما، مما قد يؤدي الى تفاقم استخدام اساليب اخرى تحت مسميات وشعارات افضلها فساد الحكومة واتعسها مقاومة المحتل ولا تخضع لسيطرة هيئات الرئاسة او انظمة التحاور النيابي!؟

kmkinfo@gmail.com

498
لنتحاور.. من أجل مستقبل مشرق

كفاح محمود كريم

    ربما يفهما البعض بانها مفردة تعني الامر بالحوار، الا ان ثمة من يقول انها تعني علاجا وملاذا للمختلفين والمتخاصمين جميعا في الرأي والفكر، بعد ان جربوا كل وسائل العنف والتقاتل وتبادل الاتهامات والتخوين والتشهير التي استنزفتهم واضعفتهم دون استثناء، ففي بلادنا ذات التاريخ الاقدم والحضارات الاعرق والتنوع الاكثر تفردا في العالم، والانسان الاكثر حساسية بين البشر، ومنذ تأسيس دولتها السياسية في مطلع القرن الماضي لم تتعود على لغة الحوار وقبول الاخر المختلف الا في فواصل ضيقة من تاريخها، بل كانت ساحة صراع مرير سواء المعلن منه في حروب شهدتها عبر التاريخ او غير معلن في حروب اهلية استمرت طيلة عقود عجاف راح ضحيتها الاف مؤلفة من خيرة رجال ونساء مكونات هذا الشعب الذي سادت ازمانه طويلا لغة العنف والاستبداد والغاء الاخر، حيث استبدلت الانظمة الحاكمة مبدأ تداول السلطة سلميا  عن طريق صناديق الاقتراع بدبابات تسيطر على القصر الجمهوري وعدة مئات من القتلى والمعتقلين ومن ثم عهود من البؤس والتقتيل، حتى دخلت البلاد في اتون حروب مدمرة كادت ان تحيل العباد والبلاد الى كومة من تراب.

    كومة التراب هذه التي تمناها النظام السابق وتوعد بها للعراق بدلا من الحوار مع الاخرين اذا ما ازيح عن السلطة، كلفت الشعب بما فيهم اتباعه ومريديه ملايين الضحايا من القتلى والجرحى والارامل والايتام والمهجرين والنازحين، وبلاد يكاد يمتزج أنينها مع تقهقرها بسبب انشغال كامل مؤسسات الدولة بالعسكر والشرطة وما يحتاجون من عدة وعدد على حساب تطور المجتمع وخدماته الاساسية، هذا الصراع العنيف بين قوى الماضي المستبد والدموي وبين النظام الجديد ورغم الصور القاتمة امام البعض مما يجري منذ سنوات طويلة فان هناك عملية تحول كبيرة على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية رغم قساوة الهجمة التي يتعرض لها الشعب، ولعل اهم ما في عملية التحول هذه هي اسلوب تداول السلطة وقبول نتائج الانتخابات والرضوخ لما يريده الشعب، بعيدا عن التكابر والاستئثار بالسلطة او الاستبداد والغاء الاخرين.

   ان قبول الاخر المختلف هو سمة من سمات التحول الى المجتمع الديمقراطي والحياة الراقية، وان الحوار هو الاسلوب الاكثر رفعة وسموا بين المختلفين للوصول الى قناعات مشتركة حتى بوجود الاختلاف يبقى المشترك الاساسي هو الايمان بالحوار وسيلة للتفاهم والتوافق وايجاد المشتركات الاخرى، فقد تسببت لغة التشهير والتخوين والاتهامات الباطلة في انتاج دوامة عنف ادت الى مقتل الكثير من خيرة رجالنا ونسائنا وزرعت احقادا وعداواة أثرت بشكل حاد على امننا الاجتماعي ونسيج تعايشنا، مما تسبب في فقدان الثقة وتفكك كثير من العلاقات بين افراد المجتمع وتكويناته.

    ان مجرد تأييد الاخر لك لا يعني انك على حق تماما، كما ان مجرد اختلاف الاخر معك لا يعني ايضا انك على خطأ، ومن كلتا الحالتين علينا بقبول الاخر المختلف والمؤيد على اسس ديمقراطية متحضرة بعيدا عن لغة التسلط او الانفراد او التخوين أو التكفير وما بينهما من تدليس او نفاق او مجاملة.

إذاً... لنتحـــــاور

من اجل ان نتجاوز تلك المرحلة السوداء من تاريخنا السياسي والاجتماعي ونقبل ببعضنا على اساس الايمان المشترك بالعراق الديمقراطي الاتحادي التعددي بغض النظر عن القومية والعرق والدين والمذهب والعقيدة، نتحـــــاور من اجل ترسيخ قناعة كاملة بقبول الاخر المختلف واحترام رأيه دون الانتقاص او التهميش او الالغاء بما يؤهل المجتمع عموما ويعيد بناء الثقة بين مكوناته وافراده، من خلال حل كل المشاكل العالقة بالحوار المخلص والبناء لبلورة مفهوم مشترك للمواطنة والايمان المطلق بتداول السلطة سلميا عن طريق الانتخابات النزيهة التي تتاح فيها كل الفرص لكل الاطراف التي تؤمن بالحوار والرأي الاخر والتداول السلمي للسلطة.

 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* لنتحاور: كان اسما لبرنامج تلفزيوني اسبوعي حواري مباشر من اعداد وتقديم الكاتب طيلة اكثر من خمس سنوات ( ايلول 2004م - تشرين اول 2009م )

 kmkinfo@gmail.com

499
الاعلام العربي وحق تقرير المصير

كفاح محمود كريم


    فجأة ودون سابق انذار او اعلام تنكرت العديد من وسائل الاعلام العربية لواحدة من اهم الحقوق البشرية والمبادئ الانسانية التي تضمنتها كل العهود والمواثيق والمعاهدات الاممية الوضعية منها والدينية، بل هي واحدة من ملزمات اعتراف واحترام أي كيان يستقل او يتم تأسيسه منذ بدأت شعوب الارض بتأسيس كياناتها المستقلة واصبحت دولا واقاليم، فقد احدثت الفقرة التي تناولت حق تقرير المصير في خطاب رئيس اقليم كردستان العراق اثناء افتتاحه لأعمال المؤتمر 13 للحزب الديمقراطي الكردستاني ضجة اعلامية كبيرة شابتها تخوفات وتحذيرات من تقسيم البلاد وتجزئة العراق بادعاء ان المطالبة بحق تقرير المصير سيؤدي الى انفصال اقليم كردستان(!) رغم ان هذا الحق والمبدأ أي تقرير المصير يعتبر من اهم فقرات دساتير العالم واعرافه ومبادئ الانسانية المتحضرة. 

     وحق تقرير المصير (right of self-determination ) كما جاء في كثير من المصادر والمراجع*:

هو مصطلح يستخدم في مجال العلوم السياسية والدولية التي تشير الى  حق كل مجتمع ذي هوية جماعية متميزة، مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرهما، بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل لديه  من أجل تحقيق هذه الطموحات وإدارة حياة المجتمع اليومية، وهذا دون تدخل خارجي أو قهر من قبل شعوب أو منظمات أجنبية.

    ويأتي استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قبل الرئيس الامريكي وودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى، مع أن بعض الأدباء والعلماء استخدموا مصطلحات مماثلة من قبل، حيث اصبح هذا المبدأ في حق تقرير المصير من أسس معاهدة فيرساي* التي وقعت عليها الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الأولى، والتي دعت الى تأسيس دول لشعوب أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الألمانية، وكذلك  في فترة لاحقة من القرن الماضي حيث استخدم هذا المبدأ كأساس في سياسة إزالة الاستعمار التي سعت إلى تأسيس دول مستقلة في إفريقيا وآسيا بدلا من المستعمرات الأوروبية.

    بعد الحرب العالمية الأولى شاعت فكرة أن المجتمع الذي يحق له تقرير المصير هو مجموعة الناس الذين تجمعهم لغة واحدة وذوي ثقافة مشتركة ويعيشون على ارض معينة ذات حدود واضحة، واصبح هذا المبدأ أو الحق يمارس تطبيقيا عن طريق إقامة دول أمة أو مناطق للحكم الذاتي، وعلى هذا الاساس فأن أي مجموعة بشرية ذات لغة وثقافة مشتركتين يمكن اعتبارها قوما أو شعبا ويمكن إعلان المنطقة دولة مستقلة أو اقليما ذات حكم ذاتي في إطار دولة فيدرالية.

وقد تبين ان هذه الأفكار قد تؤدي الى قيام عشرات الدويلات ذات الحدود الطويلة والمعيقة للتبادل التجاري وحرية العبور والسفر حيث بلغت المطالبات مبلغا جعل القادة الاوربيون يميلون الى تأسيس فيدراليات تضم عدة شعوب تتمتع باستقلال ذاتي كما في تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، ولكن هذه الشعوب التي شاركت في كل من هذه الأنظمة الفديرالية لم تتمكن من الحفاظ على جهاز السلطة المشتركة لمدة طويلة، فانفصلت اقاليم هذه الفديراليات إلى دول مستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، أي عند إزالة الضغوطات الخارجية.
 
لقد اعتمد هذا المبدأ كواحد من اهم مبادئ عصبة الامم وما بعدها في منظمة الامم المتحدة وما اعقب ذلك من تأسيس دول ومنظمات واقاليم اعتمدت هذا الحق او المبدأ الاساسي كفقرة من اهم فقرات دساتيرها وقوانين تأسيسها، وفي مقدمة تلك الشعوب والحركات كانت الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق التي قاد مشروعها النهضوي الزعيم الكردي الكبير مصطفى البارزاني منذ منتصف اربعينات القرن الماضي وجعل من مبدأ وحق تقرير المصير واحد من اهم المبادئ التي تناضل من اجلها الحركة، فاعتمدت ضمن هذا المفهوم مطلب الحكم الذاتي ضمن عراق ديمقراطي وناضلت سنوات طويلة من اجل هذا الحق حتى اذعنت حكومة بغداد في حينها لتوقيع اتفاقية اذار التي اعترفت بحق الكرد في اقامة حكمهم الذاتي في المناطق التي يشكلون فيها اغلبية السكان، الا ان ذلك لم يتحقق تماما بسبب تخلي الطرف المركزي عن التزاماته والالتفاف على الحركة في مخاتلات ومؤامرات ادت الى فشل ذلك المشروع وعودة العمليات القتالية الى المنطقة حتى قيام انتفاضة الربيع في 1991م التي انتصر فيها الثوار واسسوا ملاذهم الامن تحت حماية دولية بعد صدور قرار مجلس الامن المرقم 688 في 5 نيسان/ابريل 1991م.

     وخلال سنة واحدة من صدور القرار الاممي نجحت القوى والاحزاب  الكردستانية في ترتيب اوضاعها السياسية والادارية والتشريعية في مؤسسات قانونية وتنفيذية من خلال اجراء انتخابات عامة انبثق عنها وعلى ضوء نتائجها اول برلمان كردستاني وحكومة محلية يمنحها البرلمان كامل الثقة لقيادة المرحلة الجديدة في تاريخ المنطقة، حيث تم اقرار الفيدرالية كتطبيق من تطبيقات حق تقرير المصير في 1992م، وفي ذات السنة طرح الموضوع في مؤتمر فصائل المعارضة العراقية الذي عقد في العاصمة النمساوية فينا عام 1992 والذي ايد ووافق على قرار الشعب الكوردي القاضي بتقرير مصيره ضمن حدود العراق.

     لقد كان وما يزال هذا المبدأ او الحق واحد من اهم اهداف ومبادئ الامم المتحدة ومواثيقها وعهودها وهو في ذات الوقت من مرتكزات كل الاحزاب الكردستانية عبر تاريخها وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اعتمده في كافة مؤتمراته منذ تأسيسه في اب 1946م وحتى مؤتمره الاخير الثالث عشر الذي انعقد في اربيل ( 11كانون اول 2010م ) حيث اعلن رئيسه مسعود بارزاني في خطاب الافتتاح إن:

    ( المؤتمرات السابقة للحزب تؤكد ان الشعب الكردي يملك حق تقرير المصير. اليوم يرى الحزب ان المطالبة بحق تقرير المصير والكفاح العاصي والسلمي لبلوغ الهدف تنسجم مع المرحلة المقبلة ).


    لقد كفل الدستور العراقي الدائم حق شعب كردستان في الفيدرالية واعترف بقيام سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية القائمة منذ انبثاق البرلمان الكردستاني في عام 1992م، وشرع مادة خاصة لحل القضايا المختلف عليها في المناطق التي تعرضت لتغييرات ديموغرافية حادة ايام النظام السابق في الموصل وكركوك وديالى وصلاح الدين بما يعزز الحقوق الاساسية للمواطن وخياراته والتي عرفت بالمادة 140 التي وضعت خارطة طريق لحل كل النزاعات في تلك المناطق.
   
ان حق تقرير المصير لم يعد مبداً مهما من مبادئ الامم المتحدة ومواثيقها وعهودها بل اصبح اليوم سلاحا بيد الشعوب من اجل تحقيق اهدافها، وفي تجربتنا هنا في العراق سيكون سلاحا مهما للحفاظ على الفيدرالية في كردستان العراق، لذلك فان المطالبة به تكفله كل المواثيق والعهود الدولية، وتقره كل الحركات السياسية والاجتماعية وتعتمده كواحد من اهدافها او شعاراتها، وهو بالتالي تحصيل حاصل لنضال كل الشعوب والمجتمعات والافراد ومنها شعب كردستان العراق وهذا لا يتناقض مع مبادئ الدستور العراقي وتطبيقاته ولا مع النهج الديمقراطي للدولة وشكلها الفيدرالي الذي يضمن تمتع شعب كردستان بحقوقه الاساسية سياسيا وقانونيا واجتماعيا وثقافيا بما يعزز حرية الفرد والمجتمع ويصون وحدة الاقاليم العراقية اختياريا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ويكيبيديا: الموسوعة الحرة
   معاهدة فرساي: معاهدة بين الالمان والحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الاولى في 28/يونيو/1919م. 

500
الأقليات في العراق وصراع الوجود

كفاح محمود كريم

      منذ سنوات طويلة يتعرض المسيحيون والايزيديون والصابئة المندان الى حملات منظمة من التطهير والتقتيل على الهوية الدينية من اقصى العراق في البصرة الى اقصاه في الموصل مرورا بالعاصمة، حيث جاءت مجزرة كنيسة النجاة التي ادمت العيون والقلوب لما مثلته من بربرية وهمجية نالت فيها الاطفال والنساء والمدنيين من الاهالي في واحدة من اقسى ما شهدته البلاد بعد عمليات التدمير الكلي لمجمعي تل عزير وسيبا شيخ خدر السكنيين في قضاء سنجار الذي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من الايزيديين، وكما يحصل في معظم هذه العمليات الارهابية في العراق والتي قل نظيرها في عصر يفترض ان تضمحل فيه كل هذه البدائيات التي اكل عليها الزمن وشرب؟

     هذه الحملة التي تنفذها مجاميع فاشية من عصابات المافيا الدينية او العرقية الشوفينية القادمة من خارج البلاد والمحضونة من قبل اجهزة وتنظيمات النظام السابق، تعاونهم في ذلك منظمات او شركات من تجار التهجير الى اوربا وامريكا التي تزدهر اسواقها وتجاراتها في مثل هكذا ظروف، جنبا الى جنب مع القوى المتطرفة دينيا او قوميا في المجتمع او الادارة او الاجهزة الامنية والعسكرية والتي تنشر الكراهية والتفرقة وتلغي الآخر شخصا كان أم رأيا لإفشال العملية السياسية وعرقلة تطبيق الدستور وتطويره وإيقاف التحول الى النظام الديمقراطي المتحضر.
   
    واذا كانت هذه الاقليات قد عاشت بسلام مزعوم قبل نيسان 2003م الا ان الحقيقة تقول غير ذلك فقد تعرضت للتهميش والإلغاء والتغييب من خلال عملية تفريغها من مكنونها الانساني في سياسة الصهر والتعريب والتغيير الديموغرافي الذي شهدته مناطق تجمع هذه الاقليات العرقية أو الدينية وبالذات مناطق الايزيديين التي تم تدمير معظم قراها وتجميع سكانها في مجمعات سكنية اقرب ما تكون الى معسكرات اعتقال* مما ادى الى   نزوح جماعي كبير الى الدول الاوربية وخاصة الى المانيا، حيث وصلت  ذروتها بعد التدمير شبه الكلي لمجمعي سيبا شيخ خدر وكر عزير جنوبي مدينة سنجار في اغسطس 2007م، وبعد عمليات التقتيل على الهوية التي طالت الايزيديين والمسيحيين والصابئة المندائيين في الموصل وبغداد والبصرة والكوت وديالى وكركوك.

      واذا ما استثنينا فواصل مضيئة في العهد الملكي لا تخضع للقياس العام مقارنة بما حصل لهذه الاقليات زمنيا من اضطهاد معلن وغير معلن، فان تاريخا اسودا وعقودا كالحة عاشت فيها مع انظمة سياسية واجتماعية متخلفة ومستبدة دفعتها في احسن الاحوال الى الهجرة المنظمة خارج البلاد وادت في ما بعد الى هذه الدوامة من العنف والتطهير الديني والعرقي، وكما ذكرت فاذا ما استثنينا تلك الفترات القصيرة جدا التي انتبهت فيها النخب الحاكمة الى شخصيات من غير المسلمين، فان معظم السنوات التي قاربت التسعين عاما كانت هذه الاقليات هدفا للاسلمة والتعريب والتغييب والتهميش بشتى الطرق والاساليب.

    ربما هناك العشرات او المئات من العمليات الارهابية التي استهدفت المساجد والحسينيات طيلة السنوات التي اعقبت سقوط النظام السابق، ولكن   ما حدث في كاتدرائية سيدة النجاة بالعاصمة بغداد يأتي امتدادا لكثير من الهجمات المنظمة على الأديرة والكنائس وتجمعات الايزيديين والمندائيين والشبك والكاكائية في الموصل وكركوك وديالى في عملية منظمة لترهيب هذه المكونات ومعتنقي هذه الأديان واضطرارهم الى الرحيل وترك ديارهم واملاكهم والهجرة الى خارج البلاد، وهذا ما يحدث الان وما حصل خلال السنوات السبع الماضية من محاولات افراغ مدينة الموصل من الكرد ( الشبك والايزيديين ) والمسيحيين من كافة اعراقهم واصولهم.

  ان هذا النهج المبرمج لأخلاء البلاد من مكوناتها الدينية وحتى القومية في كثير من المدن والبلدات التي تعرضت الى حملة شعواء لأرهاب السكان من غير العرب تارة ومن غير المسلمين تارة اخرى، وثالثة من مذهب معين في نفس الدين، يؤكد استمرار ذات العقلية والتوجه الذي استخدم لما يقرب من نصف قرن في ما اطلق عليه بسياسة الصهر والتعريب والتطهير العرقي والديني والمذهبي والذي شمل محافظات كركوك والموصل وديالى وتكريت وكثير من المدن والبلدات العراقية التي تعرضت لتغيير حاد في ديموغرافيتها ادت الى تدمير تلك المناطق وتهجير مئات الآلاف من السكان الأصليين واستقدام اضعافهم من مناطق اخرى من البلاد.
 
     ان هذا النهج والاصرار على ادامته بأي شكل من الاشكال يشخص ويؤكد بشكل لا لبس فيه من الذين يقفون بالضد من اجراء التعداد العام للسكان او الغاء حقل القومية، او تطبيق مواد الدستور التي تتعلق بحل مشاكل الأهالي الذين تعرضوا لتلك السياسة طيلة ما يناهز النصف قرن في ما اطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها في ذات المحافظات انفة الذكر، والتي يعاني فيها عشرات الآلاف من اصحاب الملكيات العقارية الذين صودرت اراضيهم وبيوتهم او تم شرائها بثمن بخس تحت الترهيب والتهديد، منذ اكثر من سبع سنوات دون حل او تعويض او اعادة لحقوقهم في هذا المناطق، بينما انجزت الهيئة المسؤولة عن اشكاليات الملكية العقارية في بغداد وجنوب ووسط البلاد الكثير من تلك التعويضات او الاعادة للاملاك العقارية ارضا او بناءً لأصحابها الاصليين. 


      واذا كانت عملية كنيسة النجاة كشبيهاتها التي وقعت في الحسينيات او المساجد او الاسواق والمدارس والمناطق المكتظة حيث لا يفرق الارهاب بينها جميعا وهي بالتالي اسهل الأهداف واكثرها انتاجا للضحايا الا انها هنا استهدفت بشكل جلي اقلية دينية الغاية منها دفع الاخرين الى ترك البلاد والهجرة الى خارجها، وقد كانت اكثر قساوة وايلاما من تلك العمليات التي استهدفت المساجد والجوامع كونها قد اقترفت حسب ادعاء منفذيها بيد مسلمين مذهبيين متطرفين في ذات الدين وليس كما حصل وما يزال يحصل مع المسيحيين والايزيديين والصابئة في اشارة لكونهم غير مقبولين وناقصي الاهلية المواطنية وبالتالي فالخيار امامهم إما الموت او الهجرة خارج البلاد في واحدة من ابشع عمليات الإبادة والإرهاب الجماعي للسكان بعد جرائم الأنفال ورواندا ويوغسلافيا السابقة.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بين عامي 1976 و1978 تم تدمير اكثر من مائة قرية في شمال وجنوب مدينة سنجار، وتجميع سكانها خارج مناطقهم الاصلية في مجمعات سكنية اشبه ما تكون بمعسكرات اعتقال، بلغت 12 مجمعا ضمت في وقتها ما يقرب من مئة الف نسمة. 

صفحات: [1] 2