حوار موسّع وصريح* مع المفكّر العراقي سّيار الجَميل عن العراق : الواقع وطريق المستقبل
اجرى الحوار : القسم السياسي في اضواء العراق
المقدمات
استمراراً لما قامت به إدارة القسم السياسي في أضواء العراق، من استضافة الشخصيات السياسية للحوار معها حول الوضع السياسي في العراق، كان ضيفنا لهذه المرة هو المفكر والباحث والمؤرخ السياسي الشهير الدكتور سيّار الجميل، وكان حوارنا مع ضيفنا العزيز مطولاً وشاملاً، تناول جوانب تاريخية واجتماعية وسياسية من الوضع العراقي، وقد أسهب الدكتور سيّار الجميل في الحديث عن القضية العراقية من كل جوانبها، وتحدث بصراحة شديدة، وقاسية أحياناً، عن مكامن الخلل في الوضع العراقي الراهن، فكل الشكر للأستاذ الدكتور سيار الجميل المفكر والمؤرخ العراقي على هذا الحوار المفيد، وعلى اتاحته هذه الفرصة الثمينة ليتحدث للعراقيين عامة ولشريحة الشباب منهم بشكل أخص عن رؤيته لما يجري في العراق، فنقدم الشكرالجزيل باسم الأخوات والأخوة في أضواء العراق للأستاذ الدكتور الجميل على حديثه الشامل والصريح والمفيد، وعلى ما خصصه لنا من وقت وجهد..
نبذة عن حياة الدكتور سيار الجميل:
سيار الجميل استاذ التاريخ الحديث والفكر المعاصر…أحد أهم المفكرين العرب..تجربته العلمية والفكرية ثرية بثراء أفكاره حيث بلغ إنتاجه العلمي والفكري أكثر من عشرين كتاباً منشوراً وعشرات البحوث العلمية المنشورة في العربية والانكليزية. نشر المئات من المقالات الفكرية والسياسية والنقدية في العديد من الصحف العربية والاجنبية. ترجمت بعض أعماله الى الانكليزية والفرنسية والتركية. اكمل دراساته في الجامعات البريطانية عام 1982 ونال دكتوراه الفلسفة في التاريخ الحديث .. حصل على عدة جوائز دولية وتخرد على يدية العديد من حملة الماجستير والدكتوراه .. وهو عضو مزامل في عدد من المؤسسات الاكاديمية والمراكز العلمية والمنتديات الفكرية في العالم .
وهو خبير دولي في الدراسات الاجتماعية والثقافية لعدد من المنظمات وادار بعض ورشات العمل البحثية ووحدات البحوث ، كما شارك في كتابة موضوعات مختزلة للانسكلوبيديا الاسلامية والانسكلوبيديا التركية وموسوعة تاريخ الثقافة البشرية الحديثة ( اليونسكو.)
كما اشترك مع علماء آخرين في دراسات مشتركة ، منهم : سمير امين وبيتر بيرك وخليل انالجيك وغيرهم .
للمزيد عن سيرة ومقالات الدكتور سيار الجميل يرجى الدخول الى موقعه الشخصي
http://www.sayyaraljamil.com/Arabic/index.php الحوار
1. دور المثقف، وبالأخص المثقف السياسي، في عراق اليوم، هل تجدونه غائباً أم مغيباً؟، وكيف السبيل لاستعادته بالشكل الذي يؤدي فيه دوراً فعالاً في الساحة السياسية العراقية؟
ـ المثقف العراقي موجود وله قيمته وقوته مقارنة بالمثقفين العرب اليوم ، ولكن صوته غائب او مغّيب ، فكيف اذن دوره ؟ المثقف السياسي العراقي اجده قد علمته التجارب المريرة كثيرا ، وعاش في خضم ازمات الصراع ، ولكن لا دور له الان ابدا لا على مستوى الفعل ولا على مستوى القرار ولا على مستوى المجتمع المدني .. واعتقد ان ثمة موانع تقف في وجهه ، بسبب قوة كلمته ، ومدى تأثيره في المجتمع ومدى نزعته في اعادة بناء المؤسسات .. وهذا ما يقف حائلا ازاء القوى السياسية المهيمنة على السلطة باسم ( الديمقراطية ) ، فضلا عن تهميش متعمد من قبل المحتل الذي لا يريد اي عامل ضغط باتجاه صنع عراق جديد .. اما بالنسبة لاستعادته وتفعيل دوره ، فليس من سبيل الا المطالبة بتجسير الهوة الكبرى بينه وبين الواقع السياسي المهيمن تحت مانشيتات معروفة .. المثقف الحقيقي هو المرتبط بارضه ومجتمعه ارتباطا عضويا ، فهو الذي يطالب بالتغيير على عكس اغلب السياسيين الذين لا تربطهم بالعراق الا مصالحهم الخاصة .. المثقف الحقيقي ليس طفيليا باستطاعته جلب اصوات ، او شراء ذمم ، او نشر مليشيا من حوله .. وعليه ، فهو الوحيد الذي يدفع دمه وحياته ثمنا اذا ما اراد التغيير بصوته او قلمه او رأيه وموقفه .. المطلوب تآلف كل المثقفين العراقيين في نخب فاعلة ومواجهة الواقع القائم مواجهة صريحة من دون اي انكسارات او تبعيات او مناورات او اي نفاق ومداهنات .. وليس للمثقفين العراقيين الا ان يستجيبوا للتحديات القاسية ولا ينهزموا من الميدان سواء كانوا في الداخل ام في الشتات . المشكلة ان المثقفين العراقيين في الخارج زادت معاناتهم كثيرا عّما كانت عليه في السابق .. فاذا كان حتى اليوم مهمشا في الداخل ، فكيف تريد الاخر ينظر اليه ؟
2. خمس وثلاثون عاماً مرت على العراق، من حكم الحزب الواحد، ثم حكم الشخص الواحد، صاحبتها فرض آيديولجية وثقافة واحدة على العقل العراقي .. هل يمكن تجاوز ذلك في سنوات قلائل؟ وما هو واجب المثقفين والأكاديميين في هذه المرحلة التي أنطلق فيها العقل العراقي الى فضاءات اوسع حتى وجد نفسه ضائعاً بين الكثير من الاتجاهات والآراء؟
ـ لقد كتبت ونشرت منذ العام 2000 ، بأن العراق بحاجة الى عشر سنوات على الاقل باستطاعة ابنائه ومثقفيه وسياسييه واكاديمييه التخلص من بقايا وآثار العهد السابق .. هذا كان على أمل ان تكون العملية قد سارت في الطريق الصحيح ، ولكن ما جرى ويجري حتى اليوم من تفاقم التناقضات الى الدرجة التي بات فيها الواقع العراقي متحولا من سطوة الاحادية والدكتاتورية الى شرذمة التقسيمات واشاعة الهويات على حساب المشروع الوطني الحضاري .. ناهيكم عن انقسام المجتمع السياسي العراقي الى قسمين اثنين : ديني ودنيوي .. فان انطلاقة العقل العراقي بحاجة الى سنوات اكثر ومدة اطول .. بمعنى الرهان على جيل جديد قادم . المشكلة ، ان الجيل العراقي الجديد يترّبى اليوم على اساليب تربوية واعلامية لا علاقة لها بأي مشروعات حضارية ومدنية .. وانه جيل منقسم على ذاته ايضا ، ويعيش فوضى جماعية من سطوة التناقضات التي خلقتها الاحزاب الدينية والمناخات التقليدية التي لا تستقيم ابدا وروح العصر . انني اعتقد ان مخاضنا العراقي صعب جدا ، اذا لم تحدث اية متغيرات جذرية على مستوى العصر ضد التخلف وتبعية الماضوية ، وانفتاح مجتمعنا على العالم انفتاحا معرفيا وفكريا .. وتخليصه من آفات الاعلاميات والفضائيات العربية والعراقية . ان العقل العراقي الذي عاش مكبلا طوال خمسين سنة ، لابد ان يتحرر ليس من ايديولوجية الحزب الواحد ، بل ان يتحرر ايضا من تناقضات الاحزاب الدينية والاتجاهات الانقسامية الشوفينية والطائفية والعشائرية والقبلية .. دعنا ننتظر المرحلة القادمة ، فربما تحدث متغيرات على الواقع ، وتبدأ الدولة بتشريع قوانين معاصرة .. بالرغم من انني لا اتوقع حدوث ذلك بمنتهى السهولة ، فبنى التخلف صلدة غير قابلة للرضوخ على عكس مجتمعات اخرى هي رخوة ، ولهذا ترضخ للتغيير شاءت ام ابت !
3. يصنف البعض كل الحكومات العراقية التي حكمت العراق منذ نهاية ثورة العشرين بأنها اتبعت منهجاً طائفياً عدا حكومة المرحوم عبد الكريم قاسم التي اختطت لنفسها خطاً وطنياً، فما رأيكم في هذا التصنيف؟، وما هي أسباب وجود هذا المنهج؟
ـ انني في الحقيقة ، اسخر جدا من هذا التصنيف الذي يأتي على افواه البعض ممن لم يمّيز بين الدولة والمجتمع ، ولم يميز ايضا بين الوطن والشعب .. علينا ان لا نخفي الاشياء الراسخة في مجتمعنا ، ونّصب كل اللوم على الحكومات العراقية السابقة .. الطائفية موجودة في العراق منذ خمسة قرون ، والمجتمع منقسم على نفسه قوميا وطائفيا ودينيا ولم يكن يعرف اي معنى للمواطنة .. وعندما تأسست الدولة العراقية ، وكانت علمانية منذ تأسيسها ، فكان لابد ان تتأّثر الدولة بكل امراض المجتمع .. ولكن لو كان تأسيس الدولة طائفيا ، لما نجح مشروع فيصل الاول في تكوين العراق الحديث .. ولما وجدنا هناك نزعة وطنية غرست في وجدان العراقيين ، ولم تكن موجودة في الماضي .. ولما وجدنا نضوج احزاب وطنية اشترك فيها كل العراقيين .. ولما وجدنا اي تطورات ابداعية على ايدي جماعات وتشكيلات ثقافية لم تعرف للطائفة اي عنوان .. ولما عرفنا اي معنى للشراكة في الحياة العراقية السياسية والثقافية والتجارية والتربوية وفي كل الميادين ، وما عهد الزعيم عبد الكريم قاسم الا قفلة لذاك العهد الاول الذي ناضل الجميع فيه من اجل العراق .. انني لا انزه اي عهد من العهود من اخطاء ، والاخطاء ترتكب في اي تجربة ، فالعراقيون ليسوا بمعصومين عن الاخطاء ! ان العلة في المجتمع لا الدولة حتى العام 1963 عندما تغّير جلد الدولة ليتلون بالوان المجتمع . انني لا انّزه اي عهد سياسي في العراق من الاخطاء ، ولكنني لا اقبل ان يصبح الخطأ خطيئة ، ويغرق العراق في بحر من الخطايا . ربما كانت هناك تجاوزات ومثالب قد تحدث هنا او تجري هناك ، ولكن لم تتدّنى الدولة الى اي مستنقع طائفي معلن ، اما في الخفاء ، فالله هو وحده العالم بالسرائر .. لم تحدث هناك اية نزاعات طائفية او حروب داخلية كالتي عاشها لبنان مثلا منذ 300 سنة ! وفي اقسى حرب طويلة عرفها العالم في الثمانينيات بين العراق وايران ، لم يصارع العراقيون بعضهم بعضا لاسباب طائفية ، برغم اتساع الفجوة ، بل الهوة بين الدولة والمجتمع . ان هذا التصنيف هو دعوة صريحة لايجاد مبررات للصراع الطائفي اولا ، ودعوة صريحة ايضا لتقسيم العراق .. اي استغلال اخطاء وخطايا الدولة والمجتمع معا لشرعنة تقسيم الوطن . اذ يدرك الجميع ان العراق وطنا عصي على الانقسام جغرافيا وتاريخيا ، فمن الهين ان يؤسس لتزوير التاريخ من اجل شرعنة الطائفية علنا هذه المرة ، وشرعنة تقسيم العراق .. والطائفية مبدأ يغالي به كل صاحب مذهب على غيره ، وهو فعل لهذا ورد فعل لذاك ، او بالعكس .. وسيبقى العراق يعاني من هذه النعرات لازمان ، ان لم يؤسس لمشروع وطني مدني لا يمكنه اجتثاث الطائفية ابدا ، بل لتحجيم دورها وتفاعلها في كل من الدولة .. اذ لا يمكن الا ابقائها في المجتمع .. اود القول ايضا : مهما اطلنا ورددنا القول بادانة الحكومات العراقية السابقة في القرن العشرين .. فسوف لا نغّير من الامر شيئا ، اذ سنبقى ندور في الحلقة نفسها ، خصوصا وان المحاصصات باتت معلنة اليوم ، وان التخندقات باتت رسمية على مستوى كل الحياة الرسمية والعامة اليوم .
4. هل ترى وجوب اتباع العلمانية حلاً للتعدد الطائفي والإثني في العراق، مع وجود أغلبية مسلمة متمسكة بتقاليدها الاسلامية؟
ـ علينا ان نعلم بأن الطائفية شيئ والاسلام شيئ آخر .. وان الوطنية شيئ والاثنية شيئ آخر .. ان العلمنة لا تجتث كل هذا او ذاك ، بل تّحجم من ادوارها جميعا . العلماني يفصل بين كل هذا الموروث وبين مشروعه الوطني . انه يفصل بين السلطات ، فكيف لا يفصل بين السلطات وبين هذه التقاليد والنزوعات الموروثة . علينا ان نعلم بأن الطائفي ليس شرطا ان يكون متدينا سنيا كان ام شيعيا .. انه طائفي ، اي انه يتملكه الغلو لطائفته او مذهبه .. وعلينا قبل ان نسأل قبل كل شيئ : هل ان هذه الاغلبية المسلمة المتمسكة بتقاليدها ( الدينية ) هي متوحدة على مذهب واحد وطقوس واحده ومرجعية واحدة وتقاليد واحدة .. ؟ الجواب : كلا ، فكيف يمكن ان تجمع الكل في حكم اسلامي واحد للعراق ؟ انني أسأل : متى حكم العراق حكما دينيا على امتداد العصور ؟ ان كل عراقي يعتز بمشاعره الدينية ، ولكن لا يمكن حكم العراق بمشاعر دينية وبتقاليد موروثة .. اذا كان العراقيون لهم مواريثهم المدنية والحضارية وتواريخهم السياسية على امتداد العصور .. فمن الصواب ان يبتعد اصحاب العمائم واجندتهم عن حكم العراق .. كي يستقر العراق . ان العلمنة والحكم المدني والدستور المدني ينبغي ان يوفر الفرص والحقوق متماثلة للجميع من دون اي تمايزات اثنية او دينية او طائفية ، فلماذا الاصرار على ان يكون اصحاب العمائم هم حكام العراق ؟ اما اثنيا ، فاننا لو رجعنا الى الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 حتى 1968 ، واحصينا اعداد القضاة والضباط والمديرين والمهندسين والاساتذة الجامعيين والفنانين من الاكراد العراقيين مثلا ، لوجدنا كم هي نسبتهم عالية في الدولة على امتداد عقود القرن العشرين .
5. انقسم العراقيون بصورة عامة بعد سقوط النظام الى قسمين رئيسيين، قسم منهم مؤيد للنظام الجديد وعملية التغيير، وقسم ضد التغيير ويرى ان النظام السابق على مساوئه أفضل من النظام الحالي.. ترى هل سبب ذلك مجرد مصالح ذاتية أم أسباب أخرى؟
ـ انه انقسام لم تسببّه المصالح الذاتية فقط ، بل اعتقد انه انقسام لم يدم طويلا ، وهو وليد عوامل سايكلوجية اكثر منها ايديولوجية .. انه انقسام لابد ان يكون بسبب وجود المحتل الامريكي على التراب الوطني .. ولم ير العراقيون اي محتل منذ الاربعينيات .. انه انقسام بسبب عدم وجود ثقة قوية بين الحكام الجدد ( قوى المعارضة سابقا ) .. انه انقسام ، علينا ان نعترف به ، سببه التصنيف الجديد للعراقيين على اساس طائفي ( سني وشيعي ) وكردي .. اي على اساس النتائج التي قاد اليها تقسيم العراق على اساس المكونات الاساسية الثلاث ( شيعة ـ سنة ـ اكراد ) واهمال المكونات الاخرى من دون اي مشروع وطني يجمع عليه كل العراقيين في مكون واحد .. انقسام سببه اساءة التصرف بمصير العراق بعد لحظات السقوط وسحق مؤسسات الدولة .. وغير ذاك . ان من السذاجة والبدائية اخذ الامور كون العراقيين مع نظام جديد او قديم من دون التحري عن مصير مجتمع بالكامل .. ماذا لو احتضن هذا المجتمع من دون اي عناصر للتفرقة او الاخذ بالثارات او بث الاعلاميات الجارحة للمشاعر او الاصرار على جعل العراق ينقسم طائفيا وكرديا على اساس فيدرالي ، وكأنه مشروع لتقسيم العراق على اساس بشع لا يمكن احتماله .. ان العراقيين بقوا اشهرا يترقبون شيئا وطنيا ، ولما ضاع الامن والنظام وتبعثر العمل وزاد القتل والخطف وتاهت البلاد ، فقد الامل ، بالضرورة فان اي عراقي بسيط سيقول : " والله كّنا في ظل النظام السابق افضل حالا " . انها نتيجة واضحة من نتائج ما جرى في البلاد سواء صحّت المقارنة ام لم تصح ، فابن الشعب يريد امنا واستقرارا ليعيش ويعمل ويكد ويرتاح في بيته وفي المقهى والشارع وهو لا ينتظر امتيازا او منصبا او جاها او حراسات او مناطق خاصة .
6. هل تعتقد أن السلطة الحالية في العراق الجديد تستطيع أن تتجاوز أخطاء السلطة في عراق ما قبل الاحتلال الأمريكي؟ حينما كانت الدولة تمتهن المجتمع؟ وهل ترى بوادر أمل –وإن كانت ضعيفة- في أن هناك تغييراً حقيقياً سوف يتم في عراق ما بعد 2003؟
ـ الدولة ما بعد 2003 هي غير الدولة ما قبل هذا التاريخ . لا يمكننا ابدا مقارنة وضعية الامس باليوم . بالامس امتهنت الدولة المجتمع ، وغدا كل المجتمع في خدمة الدولة ، بل وخدمة السلطة العليا بالذات ، بل في خدمة الذات العليا على وجه التحديد .. الدولة اليوم مفتقدة وليس في مقدورها السيطرة على العاصمة وحدها .. علينا ان نكون واقعيين . الدولة السابقة كانت بيد صانع قرار واحد يخضع لمشيئته الجميع ويرتعب منه الجميع .. الدولة الحالية هي مرتهنة في العديد من قرارات لابد لها ان تصنعها او تسير على هداها ، ويا ويلها ان خرجت عنها .. هناك اجندة امريكية لا يمكن تجاوزها بفعل الاحتلال .. هناك قادة احزاب لا قادة دولة والرهانات للاحزاب والتحالفات اكبر بكثير من مشروع الدولة .. هناك اليوم سعي من قبل بعض العراقيين المخلصين لخدمة العراق دولة ومجتمعا ، ولكن تمنعهم خطوط حمر لا يمكنهم ابدا ان يتعدوها .. ولكن هناك اليوم سعي محموم للتمتع بالسلطة اكثر من السعي لتقديم الخدمات للمجتمع .. ان من اخذ فرصته في الدولة وفشل ، عليه ان يغادر ليفسح المجال امام غيره ليأخذ فرصته فربما كان اكثر حراكا واخلاصا ونشاطا وجرأة وقوة .. في النظام السابق هناك لص كبير هو الذي يوزع حصص السرقات على اناس معلومين محسوبين عليه .. اليوم هناك عصابات من اللصوص غير معروفين .. الذين لا تنفع معهم لا هيئات نزاهة ولا لجان تحقيق ولا حتى شرطة انتروبول .. اليوم ، مجرمون اقحاح يعتقلون ويفرج عنهم ليمارسوا كل الشناعات بلا اية احكام رادعة .. ان المجتمع العراقي اليوم بحاجة الى ضبط وربط من نواح عديدة .. يمنح كل الحريات لممارسة انشطته ، ولكن يطبق القانون في كل شبر من ارض العراق .. ان ارادت الدولة اليوم ان تكون مهابة ومقتدرة ، عليها ان تحلّ كل المليشيات ومظاهر التسلح في كل شبر من ارض العراق .. عليها ان تبني الجيش العراقي وتسلحه باحدث وأقوى انواع الاسلحة .. عليها ان تنشئ قوات درك لضبط الامن في كل المحافظات سواء كان ذلك في شمال العراق ام في جنوبه .. عليها ان تضرب بيد من حديد على كل القتلة والمجرمين والخاطفين والجواسيس والمقنعين .. عليها ان تحرم اختراق الجيش والدرك والشرطة من قبل الاحزاب والمليشيات السلطوية فالولاءات لها لا للدولة .. هذا كله وذاك لا يمكن تحقيقه الا في ظل تغيير لبنود الدستور ، فتغيير تلك " البنود " ضرورة اساسية . ان الذي اوصلنا الى هذه الحالة من الضعف بعض بنود الدستور التي لبت مطاليب احزاب وقوى معينة على حساب مشروع الدولة الحقيقية . لقد وقفت مع بعض الشخصيات الليبرالية العراقية ضد شرعنة هذا " الدستور " ، وقلت عام 2005 على شاشات التلفزيون بأنه " دستور يحمل تابوت العراق " ، فهاجمني كل من في السلطة .. ان " مشروع الدولة الحقيقية " لا يمكنه ان يكون مركزيا ظالما ، ولكن بالوقت نفسه لا يمكنه ان يكون خراعة خضرة ! عليه ان يكون لا مركزيا ضمن قانون يضمن حقوق الجميع في كل محافظات العراق واقليم كردستان معا .. ويخضع الكل لارادة الدولة الام .
7. تقول في كتاباتك ان الوعي غائب عن معظم شرائح المجتمع العراقي.. فما هو سبب ذلك؟ هل هناك من منهجية معينة من أجل زرع الوعي فيهم؟
ـ لقد غادرنا النظام السابق في العراق وترك فراغا هائلا يصعب ملأه بسهولة ، والعراق بحاجة الى سنوات طوال كي يتمكن من ملأ الفراغ السياسي والفكري والتربوي .. هذا ما قلته ونشرته قبل سقوط النظام السابق . ان الوعي المغيب حالة متبلورة منذ اكثر من ثلاثين سنة ، بل من اربعين سنة 1963 – 2003 .. العراقيون لا يمكن ان تزرع فيهم وعيا جديدا ، فالوعي ليس لباسا جديدا او قناعا بديلا .. الوعي بحاجة الى سنوات طويلة ، يشعر فيها الانسان بقدرته على كشف الصواب من الخطأ ، وعلى تكوين ارادته التي لا ينساق من دونها وراء هذا او ذاك .. الوعي بأن تشعر بتحديات المستقبل اكثر مما تعيش وانت تلوك الماضي صباح مساء .. الوعي انك تستطيع ان تنتخب من تراه صالحا من اخيار الناس واذكاهم للادارة والاعمار وصنع القرار .. وان لم تجده لا تنتخب .. الوعي انك لا تعيش هوس الشعارات وتشعر بانك منفوخا اكبر من حجمك وانت لا بدايل لديك في ان تكون او لا تكون .. الوعي انك تعرف حجمك عندما تخاطب العالم والاقليم ودول الجوار .. الوعي انك تعرف اين يرتبط مصيرك هل باهلك ووطنك ام بغيرهم .. الوعي انك تعيش في عصر وتنادي من اجل دولة تحمي مصالحك وتخدم حياتك لا من اجل ان يتكالب المرء على السلطة والجاه والمال والحرس والانتماءات ضمن محاصصات وتحالفات غير سياسية .
تريدني زرع وعي جديد من خلال منهجية معينة . وهل الوعي له منهجية واحدة كي يزرع كالحنطة والشلب ؟ ان الوعي يبدأ من حيث يبدأ النظام والتربية والتعليم والانفتاح وان يخرج الانسان من سجن تقاليده البالية .. وان يخرج من شرانقه التي حبسوه فيها .. وان يبدل سايكلوجياته بالكامل بحيث يشعر بعراقيته قبل ان يشعر باي انتماء يسبق ذلك .. وان يصنع ارادته بنفسه قبل ان يصنعها الاخرون له .. وان يؤمن بأن الدين ينبغي فصله عن السياسة ولا عمل لرجال الدين في الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية .. عملهم للامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اماكن وجودهم فقط ، اي يكون عملهم اخلاقي لا سياسي وان يكون علماء الدين الكبار مصدرا كي يسأل المجتمع وهم يجيبون ولا علاقة لهم لا بسياسة الدولة ولا بمؤسساتها .. الوعي اكبر من ان نتخيل حجمه .. ربما لا نجده في مجتمعات اخرى والامور هناك تسير بصورة حسنة ، فربما كانت الدولة قد اشبعت حاجات الناس كلهم ، فلم يعودوا يسألوا عما يمكن ان يكونوا عليه .
8. تدعو في كتاباتك الى تفكيك المؤسسات العشائرية والقبلية والأحزاب الدينية والأعراف الاجتماعية البالية، فيما نلاحظ أن الدولة اليوم عادت واعتمدت على المؤسسة العشائرية في محاربة التنظيمات الإرهابية والميليشيات، وأثبتت التجربة أن العشائر هي التي استطاعت محاربة القاعدة وتثبيت الأمن. فكيف تجد مثل هذه المفارقة في عودة الدولة الحديثة الى الاستعانة بالعشائر؟
ـ جرى ذلك بحكم ضعف الدولة ومؤسساتها .. لو كان هناك دولة له قدراتها لما احتاجت لا الى عشائر ولا الى قبائل . ومن قال ان دولتنا حديثة في مؤسساتها واجهزتها ودستورها ورجالها .. ؟ انها دولة ضعيفة جدا تحكمها الاحزاب ولا تحكمها المؤسسات .. تتصارع عليها المصالح ولا تتنافس فيها النخب .. تتوزع فيها القرارات ولا تتشكل عنها المفاهيم .. هل هناك عاقل في القرن الواحد والعشرين يعتمد على عشائر لفرض الامن الداخلي ؟ ربما كان ذلك في العراق والعراق محتل من قبل قوات اقوى دولة في العالم .. فالصراع ليس داخليا بقدر ما هو صراع دول في داخل العراق . وهل نصدّق ان العشائر قد حاربت من دون انتظار اثمان ؟ انها تريد الثمن .. ولا تكتفي بمال او سلاح بل طموحها السلطة . فهل هذه معادلة معاصرة برب السماء ؟ . ان المؤسسات العشائرية والقبلية موجودة في العراق منذ ازمان سابقة وقد حاربتها كل الاحزاب التقدمية منذ اكثر من خمسين سنة .. فهل من الصواب ان اقبل بعد خمسين سنة سلطة عشائرية في بلاد يقال عنها انها كانت موطن حضارات وقانون ؟ قد تقول : ان للضرورة احكام ، وما دامت العشائر قادرة على شل الارهاب ، فلم لا يستعان بها ؟ اقول لك : وهل كانت البادرة عراقية ام امريكية ؟ ان الامريكيين هم دفعوا ويدفعون .. ؟ علينا ان لا نكون كالنعامة نخبئ رأسنا في التراب وكل اشلائنا عاهرة .. قبل ان تكون العشائر هنا او هناك لها اعرافها وسمعتها وبعد ذلك ادوارها في خذلان الارهاب .. الم يكن بعض ابناء تلك العشائر مطاردين وسفاحين وقطاع طرق وارهابيين وقتلة على الهوية وخاطفين وممارسة كل الفاينات ـ حسب كل البيانات التي كنّا نسمعها ـ ؟؟ والشيئ نفسه ينطبق على بعض المليشيات التي تحتل اليوم مواقعها في الدولة الجديدة وتاريخها يشهد ان اياديها كلها ملطخة بدماء الشعب العراقي . عندما تقول لي ان هناك مشروعا وطنيا عراقيا في التغيير الجذري ويقضي على كل الموبقات التي لم تزل موجودة منذ خمسين سنة .. ساصفق لك واقول نعم صدقت ورب الكعبة .
9. اتخذت معظم الدول العربية –أنظمة وشعوباً- مواقف عدائية حادة من العراق وشعبه بعد سقوط النظام السابق، بل أخذ الكثير منهم في دعم الحركات الإرهابية داخل العراق، فما هي رؤيتكم وتفسيركم لهذه المواقف؟ ولماذا كل هذه العدائية ضد شعب العراق والتباكي على مجرم دمر العراق والمنطقة؟ هل لأسباب طائفية، أم لخشية من تجربة ديمقراطية وليدة؟ أم معارضة للوجود الأمريكي في المنطقة؟
ـ هناك اسباب عديدة ومعقدة في طبيعة العلاقة العربية العراقية خلال الخمس سنوات الفائتة .. ليس الدول العربية وحدها ،بل هناك دول عديدة بانظمتها وشعوبها ولا استثني من ذلك ايران وبعض دول العالم الاسلامي .. للسلطات حسابات معينة وللشعوب حسابات من نوع اخر قد تتلاقى حينا وقد تفترق حينا آخر ..الشعوب ببساطة منها المخدوعة ومنها التي تجتر الشعارات ومنها التي لا تدرك وتخلط بين الامور نتيجة قلة المعلومات او انعدام الوعي الذي تحدثنا عنه .. ناهيكم عن الشعور بالمصالح ..ولكن علينا ان لا نظلم الشعوب .. لقد سمعت بأن اساءات قد الحقت بعراقيين في دول عربية معينة .. ولكن ثمة دول عربية اخرى تجد الشعب يحب العراقيين .. فالامور نسبية ..اما سياسات الدول فثمة اجندات مختلفة ، هناك هواجس من دور الامريكان في العراق .. هناك هواجس من انتقال العراق من الايديولوجية القومية الى الايديولوجية الدينية .. وفي الحقيقة ، هناك هواجس تقول بأن" الشيعة " تحكم العراق اليوم .. ومن الخطأ ان ينظر العرب هكذا نظرة الى الشيعة العرب من العراقيين ، لأنهم بذلك يعمقون الهّوة والانقسام في المجتمع العراقي نفسه. هناك شعور بهيمنة صدام حسين عليهم حتى وهو في قبره ..هناك هواجس من ان يكون العراق قوي في يوم من الايام .. هناك وهناك . ان الرؤية قد تغيرت ما دام العراق لم يعد يصنف نفسه دولة عربية ، بل انه مجرد دولة شاركت في تأسيس جامعة للدول العربية ! والحياة العربية مجموعة مصالح ومنافع وتاريخ من الابتزازات والتحالفات والصراعات . فليس غريبا ان اجد ذلك في العلاقات العربية العراقية . ان العراقيين عندما ينتصرون لأنفسهم بحيث اجد علاقاتهم الداخلية على افضل ما يكون ، سيسعى اليهم الاخرون من كل الاطراف يبتغون رضاهم .
10. كيف يمكن استعادة الثقة المفقودة بين العراق ومحيطه العربي؟
ـ كما قلت لك قبل قليل في جوابي على السؤال السابق ، واسمح لي ان اضيف قائلا : عندما يتحرر العراق من وجود قوات احتلال وعندما يتفوق في تقدمه سيجد غيره في حاجة اليه .. عندما يتوحّد في مشروع وطني عراقي ولا يعلن عن اية انقسامات ومكونات .. عندما يستعيد العراقي ثقته بنفسه اولا .. عندما يصبح المجتمع العراقي يستعيد الثقة بين ابنائه ويتخلص من انقساماته والرهان عليها .. عند ذاك نطالب باستعادة الثقة بين العراقين والعرب . دعني اتوقف قليلا عند حالات كارثية تجعل بعض الدول والمجتمعات العربية تضيق ذرعا بالعراقيين ومشاكلهم ، ليس لاسباب سياسية ، بل لاسباب اخرى .. ان الثقل العراقي اليوم يتوزع على دول عربية معينة وخصوصا في سوريا والاردن ولبنان والامارات ومصر واليمن .. فضلا عن جاليات عراقية ليس بقليلة في دول عربية اخرى .. ان الاوضاع السيئة التي يعاني منها بعض العراقيين في مثل هذه البلدان لم يكن مسؤولا عنها احد في هذه الدول ! ان الاغلبية تعيش في حرمان وبؤس ، ولكن هناك الالاف من العراقيين ممن يمتلكون الملايين من الدولارات يعيشون في مثل هذه البلدان عيشة خيالية ، ومن يرى اشكالهم القميئة والسوقية لا يتوقع انهم يسحبون الملايين معهم من العراق .. ان افعال هؤلاء المشينة تكفي لكي يحترق من خلالهم الطيب من ابناء الجاليات ! ان ثمة حالات من السرقات والاحتيالات وعمليات النصب التي يقوم بها عراقيون .. لا يمكن ان يتصورها احد .. كلها تسجّل ضد سمعتنا كعراقيين ! ان الفتيات العراقيات اللواتي تجدهن منتشرات في مدن عربية وهن مبتذلات ساقطات قد ساهمن بقسط كبير من الاساءة للمرأة العراقية ! ثمة جرائم وجنايات يقترفها عراقيون رجالا ونساء قد عّمت على مكانة العراقيين في اغلب المجتمعات العربية .. علينا ان لا ننسى كل هذا في تقييمنا للدور العربي الذي ربما ننتقده حيال مواقفه سياسيا ، ولكن علينا ان لا ننسى ما يقترفه البعض من العراقيين في بلدان تختلف مجتمعاتها عن مجتمع العراق .
11. هل ترى أن مشكلة العراق اجتماعية قبل أن تكون سياسية؟ هلاّ ذكرت لنا وجهة نظركم تجاه هذا الأمر بشئ من التفصيل؟
ـ طبيعي مشكلة ( او : مشكلات ) العراق اجتماعية قبل ان تكون سياسية .. هذه حقيقة ينبغي ان يدركها الجميع ، وان كل المشاكل السياسية طوال تاريخ العراق المعاصر هي انعكاس فاضح لما في المجتمع العراقي من معضلات يصعب حلها كثيرا اليوم بعد كل ما تراكم من اخطاء وما مورس من خطايا .. ان الصراعات السياسية والاقتصادية .. القومية والاقلياتية السكانية هي اجتماعية لمجتمع متنوع ليس في ثقافاته ، بل حتى في هواجسه وافكاره وطموحاته . وهناك ثلة من العراقيين ساسة وحكماء ادركوا هذه الحالة ( او : بالاحرى الظاهرة ) ولم يكن باستطاعتهم فعل شيئ ، لأن علاج ذلك لا يتم ابدا باصدار قرارات او بيانات او تصريحات او كتابة مقالات .. ان ظاهرة المجتمع العراقي لا يمكن تشخيصها بهذه السهولة في مثل هذا الجواب على سؤال مهم وخطير للغاية .. انها بحاجة الى فصول وابحاث ومقارنات .. ولكن دعني اختصر المسافة قليلا لاعود بك الى محاضرتي التي القيتها عام 2005 في غاليراي الكوفة بلندن عن تناقضات المجتمع العراقي وستجد حزمة من التحليلات ناهيكم عن مقالات ودراسات اخرى اوضحت فيها خلل في الثقافات التي لا تتلاقى بسرعة .. هناك صراع بين ثلاث بنى اجتماعية عراقية لم تزل قيمها متصادمة حتى اليوم وغير متلاقية تتمثل بالحضر في المدن الكبيرة الذين تبدلوا عما كانوا عليه قبل خمسين سنة ، والريف في المناطق الزراعية الذين انتشروا في المناطق الحضرية . وهناك البدو الذين يحملون قيمهم القبلية حتى اليوم حتى وان استقروا في مناطق واحياء مدن .. في كل نسق من هذه الانساق المشكلة للبنية العراقية صراعات من نوع ما ، قد تكون طبقية او تجارية او حرفية او رعوية او اروائية .. الخ هذه كلها ترجمت في اكثر من واقع سياسي سواء كان ذلك في العهد الملكي ام العهود الجمهورية .. وبدل ان تكون مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية بعيدة عن كل امراض المجتمع ، غدت مؤهلة لكي تحمل كل البلاء .. بدءا بالاحزاب وانتهاء بالاجهزة الرسمية وشبه الرسمية وحتى النقابات والتكتلات .. هناك تواريخ متعفنة من المحسوبيات والمنسوبيات وهناك الوساطات والتجاوزات .. هناك وهناك . ان صراعات البعثيين مع الشيوعيين العراقيين كنت اتمنى ان تبقى في اطار ايديولوجي وسياسي ، ولكن غدت صراعات اجتماعية ودموية وبعد التي واللتيا بين الطرفين تلاقيا في جبهة حملت تشظياتها في دواخلها .. كنت اتمنى ان يبتعد العراق بعد مرور خمسين سنة عن الشلليات العشائرية والانحيازات الطائفية وعن كل الكراهية بين القوميات والاقليات وعن اوضاع لا تعد ولا تحصى .. ولكن هذا لم يحدث ، بل زاد وتفاقم بفعل سوء السياسات التي مورست في العراق . هناك من يهرب من واقعه السياسي والاجتماعي ليقول بأن الاستعمار هو السبب في هجمان بيت العراق من دون ان يسأل نفسه سؤالا واحدا : باستطاعة الاستعمار ان يخلق افرادا وبعض جماعات من اصحاب الخسّة ، ولكن هل باستطاعته ان يخلق طبقات محرومة ومليشيات قاتلة ؟ هل باستطاعته ان يّحول بعض ابناء الشعب من ملائكة الى مجموعة قتلة واشقياء ؟ هل باستطاعته ان يخلق موجة من المتغيرات ولكن ليس باستطاعته ان يخلق موجة من الظواهر ..
12. يزخر العالم بالعديد من الكفاءات العراقية التي يتمناها أي بلد، ولكنها مع الاسف هاجرت العراق وربما للأبد، فما هو السبب وهل من سبيل لمنع تدفق العقول العراقية الى المهجر؟ ولماذا نجعل كل الكفاءات والنخب العراقية تعاني ونراها محاربة حتى تضطر الى الهجرة او الموت؟
ـ منذ خمسين سنة واذكياء العراق يهاجرون .. وقد ازدادت الهجرة كلما كان يتقدم العراق نحو النار .. اليوم العراق في محنة كبيرة ، فلقد انفق على ابنائه امواله لكي يجد الابناء قد تبددوا هم ومن معهم .. هناك جاليات عراقيات في المهجر اليوم لا يمكنها ان ترجع الى العراق ابدا ، بحكم اندماج ابنائها بالمجتمعات الاخرى .. لقد ولد صراع جديد منذ زمن بعيد بين مجتمعين عراقيين ، مجتمع الاصل في الداخل ، ومجتمع المنفى في الخارج .. اعتقد ان الصراع من طرف واحد ، ذلك ان ابن الخارج عواطفه دوما مع الداخل بل ووقف مع محنة الداخل ايام الحصار وايام الحرب ، ولكن ابن الداخل يحمل هواجسا مريبة في الاخر ، كونه لم يشاركه الامه ونضاله وكل المأساة .. تسألني عن سبب هجرة الكفاءات وهي عدة اسباب لا يمكن ان تخفى على العراقيين ، ولكن المأساة ان الهجرة لم تقتصر على ابناء الكفاءات وحدهم ، بل طالت حتى التجار والمزارعين والحرفيين والموظفين العاديين وحتى المتقاعدين من كبار السن .. الخ ان الاسباب التي كانت وراء نفرة العراقيين من البقاء في العراق ليست سياسية بحتة ايضا ، بل غدت اجتماعية ، بعد ان تفاقمت الصراعات الى درجة الهروب الجمعي .. هذه حالات لم تعان منها شعوب اخرى ابدا وبمثل هذه الماراثونات القاتلة . صحيح ان هناك شعوبا قد اضطهدت وهاجرت عن ارضها كالارمن والفلسطينيين مثلا .. او ان تجد ان هناك مشروعات هجرة كي يتجمع شعب في مكان معين كالذي فعلته الحركة الصهيونية باستئصال اليهود من مواطنهم وتجميعهم في ( وطن سليب ) .. ولكن العراقيين مشكلتهم بالعكس ، انهم تبددوا في الشتات . وان كلا من الارمن والفلسطييننين تختلف مآسيهم عن مآسي العراقيين كثيرا .
13. هل يصح أن نطلق على التجربة العراقية الجديدة بأنها تجربة ديمقراطية؟ أو على الأقل بدايات ديمقراطية؟ ام هي مجرد ديمقراطية شكلية خالية من المضمون؟
ـ تجربتنا العراقية الجديدة ليست حتى مجرد ديمقراطية شكلية خالية من المضمون .. انها تجربة صراع قوى سياسية اوليغارشية على السلطة .. انها تجربة فوضوية لاحزاب لم تزل تحمل مواريث الماضي وتريد ان تسلك سلوكا حضاريا ، كمّن تجده بعباءته ويشماغه او بجبته وعمامته ويحاول ان يقنعك انه يعزف سمفونية على مسرح اوربي وجماهيره عراقية !! ان الديمقراطية لا يمكنها ان تطبق من قبل احزاب دينية او شوفينية او ميليشياوية مسلحة .. الديمقراطية لا يمكنها ان تطلب مني انتخاب كتل واحزاب لا اعرف تواريخ شخوصها وسيرهم الذاتية ، لأرى نفسي امام اشخاص بائسين حقا ! الديمقراطية لا تعرف القوى التي تشتغل بالسياسة واجندتها طائفية او انفصالية .. وان تستخدم الورقة الدينية في عملية الانتخابات . الديمقراطية لا يمكنها ان تمارس في مجتمعات خالية من مؤسسات المجتمع المدني ووظائفها .. الديمقراطية ليست مانشيتا او شعارا او صندوقا انتخابيا يأتي بممثلين غير مؤهلين ليمثلوا شعب العراق اصدق تمثيل ! بل ليأتي قادة يقودون البلد بهذا الطريق .. الديمقراطية الحقيقية فلسفة كاملة في الحكم المدني والمؤسسات المدنية ! ماذا تسمّي الحكم الحالي في العراق في ظل وجود ايديولوجية تقوم اساسا على مكونات طائفية وعرقية في تقسيم البلاد الى ثلاثة اقسام ؟ ما دمت قد اعلنت في فلسفتك وايديولوجيتك انك مع هذه المكونات ، فلقد الغيت حرية كل العراقيين السياسية ! ثم كيف تطبق الديمقراطية مع تقاليد تعود الى العصور الوسطى ؟ وهل يمكن تطبيق ديمقراطية مع " دستور " هو مدعاة لانقسام العراق ؟ اننا نضحك على انفسنا ان آمنا بهذا الذي يجري ، ولكن يستوجب ان اقول هنا بأن الشعب العراقي قد منح حريات واسعة من قبل الامريكان لا من قبل العراقيين بحيث انفلتت وانقلبت الى فوضى ويا للاسف الشديد .. ثمة حريات في الصحافة والاعلام العراقيين ولكن سمح ذلك لاجندة غير وطنية ان تفعل فعلها باسم الديمقراطية . هنا ، يستوجب عدة امور لبناء مشروع ديمقراطي عراقي :
1) اعادة النظر في الحياة السياسية العراقية بتجديد كل الانظمة الداخلية للاحزاب العراقية . وان يفصل الدين عن الدولة فهي ضرورة عراقية قبل ان تكون اي شيئ اخر.
2) اعادة النظر في دستور العراق ، بحيث يكون دستورا مدنيا موحدا للعراق ، ويتفق وطبيعة العراق بعد فشل بنود الدستور الحالي ( وعلينا ان نعلم ان دستور الولايات المتحدة الامريكية نفسها دام بناؤه 11 سنة كاملة ) .
3) منح القضاء سلطة مستقلة وان يكون القانون هو الاول والاخير في ضبط خلل المجتمع . وان تطبق احكاما عسكرية عرفية في المناطق الساخنة .
4) تشكيل هيئة محاسبة قانونية لكل من تسّول له نفسه ان يتجاوز صلاحياته في الدولة بأي وسيلة من الوسائل .
5) تلغى كل الميليشيات والاوليغاريات والقوى والاحزاب المسلحة من العراق سواء كانت علنية ام سرية . وان لا يرتبط ايا كان في الدولة بأي واحدة منها .
6) على اقليم كردستان ان يحدد مواقفه من المبادئ العراقية ، وان يكون جزءا من دولة ، لا دولة في دولة .. وان تعالج العلاقة العراقية الكردية بمنتهى الصراحة والشفافية .
7) على العراقيين ان يستعدوا لثورة دستورية وقانونية وتربوية في كل المجالات بحيث تلغى كل المظاهر الطائفية والاجندة المذهبية وكل ما له علاقة بزرع الخلافات والانقسامات .
8) على كل من يحكم العراق ويشارك في حكمه التجرد من ولاءاته القومية والحزبية والطائفية ليمثل العراق لا ليمثل اقليما او طائفة او حزبا ..
هنا أسأل : هل هناك ثمة استعداد لمثل هذا الامر في العراق ؟ ان لم يكن هناك اي بصيص امل ، فسيبقى العراق يراوح في مكانه وستأكله الفوضى وسيدفع الجميع ثمن ذلك .. واقصد بالجميع كل العرب والاكراد وكل ابناء الطيف العراقي .
14. نلاحظ أن هناك تطرف عراقي في الحب والكره.. ونرى ذلك واضحاً في مشاعر العراقيين تجاه قادتهم؟ ما هو تفسيركم لهذه الظاهرة؟
ـ التطرف والغلو معروف عند العراقيين منذ ازمان ، ولكنه ابن زمنه ومرحلته ، فالعراقي سرعان ما يغضب وسرعان ما يهدأ .. سرعان ما يكره وسرعان ما يحب الى حد العشق .. هذه هي طبيعته انه ان شيمّته اخذت عباءته ، وان اغضبته فيمكنك ان تطيّب خاطره باجمل الكلمات .. وقليل من ابنائه من يحمل حقدا او كراهية كالجمال .. المهم ان علينا ان نفصل بصدد المشاعر ازاء القادة والزعماء العراقيين . ان العراق من المجتمعات الصعبة ويحتاج الى زعماء من نوع خاص .. ومن يتزعم العراق عليه ان يتوقع كل التراجيديات والمصائب التي قد تحل به وبالتنكيل به ( والشحشطة ) باهله .. من تاريخ العراق ندرك ان العراقيين يعشقون زعيما او قائدا او استاذا او معلما او مفكرا ان كان هو نفسه لا ينحاز الى خندق معين او يحسب على طائفة او فئة .. انه معشوقهم ان وجدوه قويا ونظيفا ووطنيا ليغدو رمزا حقيقيا غير دائم الوجود .. ان اي زعيم او اي شخصية عراقية لا تمتلك الكاريزما والتفوق والارتفاع عن كل الميول والانتماءات .. ستضيع حتما ان كانت عكس ذلك حتى وان صعد اسمها من بين القوى .. العراقيون لا يريدون زعيما يكذب عليهم ، فهم اصحاب فهم وحسجة لا من البهائم والاغبياء .. العراقيون لا يريدون زعيما يعدهم بالجنة وهو يمشي بهم الى الجحيم .. العراقيون يريدون زعيمهم ملتصق بترابه العراقي .. وهنا لا افصل بين العرب والاكراد ، فالاكراد يدركون جيدا ان لا حياة لهم من دون العراق وهم بقدر ما يستذكرون مآسيهم العراقية ـ كما يقولون ـ ، لكنهم يذكرون ان وزراء واداريين وضباطا وموظفين كرد لا حصر لهم خدموا الدولة العراقية لاكثر من ثمانين سنة ، وكانوا من نعم الناس .. ان المقولة : كيفما تكونوا يوّلى عليكم اتمنى اعادة النظر فيها .. ان العراق ان وجد على رأسه زعماء وقادة واداريين مدنيين وعسكريين يحسنون التعامل مع شعبه فسترى المعادلة مقلوبة .. اما ان بقي الزعماء وقد تخندقوا مع اجندتهم ومصالحهم الفئوية والحزبية والطائفية والشوفينيية .. فسيبقى اي زعيم مكروها كالموت .
15. ما هو دور الاعلام في تأجيج الوضع في الساحة العراقية؟ فالبعض يرى أن مشكلة العراق مشكلة إعلامية.. حيث أن للإعلام –اليوم- الدور الأكبر في توجيه وإدارة السياسات في الدول.
ـ الاعلام خطير هذه الايام وتزداد خطورته يوما بعد آخر .. الاعلام هو الذي يبيّض ويسوّد .. الاعلام هو الذي يصّعد ويّنزل .. الاعلام هو الذي ينزّه وهو الذي يسيئ .. ان الاعلام هو الذي صنع ريادة القومية العربية وكان الاعلام هو الذي دفع باتجاه بطولات صدام حسين الخارقة وهو الذي خلق من المجاهدين العرب في افغانستان رموزا وهو الذي دفع الى سقوط شاهنشاه ايران والاندفاع للثورة الاسلامية .. وهو الذي يؤجج الوضع في الساحة العراقية .. صحيح ان مشكلة العراق اعلامية ، ولكن العراق هو الذي يعطي يوما بعد آخر خرافه بيد الجزارين كي ينحروها على مرأى ومسمع منه .. العراق هو الذي ليس باستطاعته التحرك المضاد كونه مكبّل الارادة .. وان العراقيين هم اول من وقف اعلاميا ليؤججوا الساحة قبل غيرهم .. كنت اتمنى لو قامت هناك ثورة اعلامية عراقية اليوم موحدة باسم المشروع الوطني لترى اين تصبح الاعلاميات المضادة لكل العراق .
16. كيف تنظر الى الحرية التي تمتع بها الإعلام العراقي بعد التاسع من نيسان؟ هل تراها ساهمت في توحيد الصفوف ام تخندقت طائفياً وحزبياً.. وما هو سر عدم وجود إعلام كفوء ووطني ومحايد لحد الآن في العراق رغم كثرة عدد وسائل الإعلام؟
ـ عد الى جوابي للسؤال الثالث عشر .. وسترى ازمة الاعلام العراقي وهي شبيهة بازمة السياسة العراقية .. الاعلام وسيلة للتعبير عن واقع ، فاذا كان الواقع العراقي مهترئا ، فسيكون الاعلام مهترئا ايضا . ولكن ؟ علي ان اعترف بأن ليس كل النخب الاعلامية العراقية متخندقة ضمن اجندة طوابير وسلال ودنان ومجالس وحفلات .. ان الاعلاميين العراقيين مجموعات نخبوية ، وفيهم وطنيون حتى النخاع .. ان ما دفعه الاعلاميون العراقيون من ضحايا وشهداء يكفي ان نقول بأن هناك ثورة اعلامية ستتحقق في العراق ان كان هناك ثمة مشروع وطني ليبرالي مدني يحمل هم الوطن ويجمع كل العراقيين تحت رايته . ان هناك صحفا ومجلات واصوات عراقية ممتازة ونقية وحريصة ونظيفة وانا اعرفهم واحدا واحدا ومتابع لمواقفهم وانشطتهم .. فهل ثمة من يبقيها من اجل معالجة واقع العراق وبناء مستقبل العراق ؟
17. هل تعتقد بضرورة انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق؟ وما رأيكم بمشروع الاتفاقية الأمريكية العراقية لتنظيم الوجود العسكري الأمريكي في العراق؟
ـ العراقيون اليوم منقسمون حول هذا الموضوع الخطير .. وبصراحة وتواضع جميعهم لا يدركون ابعاده ومخاطره وما الخيارات الصعبة التي يمكن ان نسلكها .. ان هذه المسألة ليست سياسية بل انها وطنية ، وهي ليست ابنة الحاضر بل انها قضية مستقبلية بالدرجة الاساس .. بمعنى انها تاريخية .. ان الجهل بتواريخ العلاقات الدولية في التاريخ الحديث والمعاصر يجعل اغلب العراقيين يتخبطون ، ولا يعرفون من اين تمسك خيوط القضية ! ثمة من يسعى الى هذه المعاهدة من دون قيد او شرط ، كونه مقتنع وراسخ القناعة ان امريكا ستبقى الاب الرحيم للعراق ( كذا ) ، وقسم مجنون بالتوقيع عليها من اجل كسب مصالح اقليمية او فئوية او جزئية على حساب المصالح العراقية العليا ، وقسم يتخبط بين القبول والرفض ، فهو مشّبع بقيم ومبادئ معينة ولا يريد ان يفّرط بها ، وهكذا بالنسبة لآخرين يرفضون اي علاقة مع الامريكيين كونه ترّبى على كراهية الاستعمار ، وقسم أخير يرفض رفضا قاطعا اي اتفاقية مهما كان نوعها مع الامريكيين كونهم محتلين للبلاد وكانوا قد دمروها واحتلوا اراضيها وعاثوا في سكانها فسادا .. ونصّبوا حكومة عميلة لهم ـ كما يقولون ـ ، بل وان الامريكيين يحاولون تقسيم العراق .. كل هذا التفكير لا نجده عند الامريكان . الامريكيون يعترفون بأنهم جاءوا من اجل المصالح المركزية الامريكية ووسائلهم في ذلك : الخلاص من اسلحة الدمار الشامل والقضاء على الارهاب ونشر الديمقراطية الى نهاية الاسطوانة . اننا كعراقيين لسنا اذكى من غيرنا والامريكيون في مقدمتهم اذ لا تعرف حتى الان الاسباب الحقيقية لغزو العراق والاطاحة بنظام صدام حسين .. العالم اليوم كله يجهل ماذا تتضمن الاستراتيجية الامريكية لخمسين سنة قادمة .. انني اقول كمؤرخ محترف ادرك ان كل الدول المهزومة توقّع على اتفاقيات بعد ان يصار الى هدنة .. كما ان العالم كله بات يتعامل مع الامريكيين من خلال اتفاقيات ، ولكن تلك " الاتفاقيات " لا تمس لا بالسيادة ولا باستقلالية القرار ولا بالمصادر والثروات ، بل ولا علاقة لها بالمصالح العليا لكل بلد .. ولكن العراق بوضعه المهلهل اليوم وسط غابة تعج بالمفترسين في الشرق الاوسط بحاجة ماسة الى ان يتفاهم مع الامريكيين على مبادئ اساسية قبل التوقيع على اية معاهدات مشتركة ، وخصوصا اذا كانت ذات منحى استراتيجي وامني . كل العراقيين يدركون ان العراقيين لابد ان يدفعوا ثمنا باهضا ، ولكن عليهم ان يكونوا عند تحمّل المسؤولية في ربط كل ما يقبلونه من الامريكيين يقابله مطالب عراقية .. اولها اعلان مبادئ وطنية تقبل بها الولايات المتحدة وتنص على وحدة العراق وسيادته واستقلاله وقوته والحفاظ على ثرواته .. كما لا يمكن لأي عراقي له قدر من الوطنية ان يقبل اية اتفاقات من دون قيام الولايات المتحدة باعمار ما قامت بسحقه في العراق بدءا بالعام 1991 وانتقالا الى العام 1998 ووصولا الى العام 2003 وانتهاء حتى اليوم . على كل العالم اطفاء ديون العراقيين .. ان نشترط ايقاف ما يسمى بالتعويضات للدول الاخرى .. ان تقف الولايات المتحدة معنا في مقاضاة دول نالت من حقوق العراقيين واموالهم وطائراتهم وثرواتهم .. ان نطالب الولايات المتحدة بتعويض العراق لكل ما قامت بسحقه من طائرات وادوات حرب ودبابات .. ان العراق ينبغي ان يطالب بكل مفقودات