عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - صباح قدوري

صفحات: [1]
1
   
محاسبة تكاليف (المعضلية): محاسبة حماية البيئة انموذجاً *
د. صباح قدوري

المقدمة:

شهدت أواخر القرن العشرين على المزيد من الاهتمام العالمي بمسالة البيئة من قبل الحكومات ووحدات إدارة الاعمال والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والمعنيين بأمور البيئة، بعد ان أصبحت مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية. وبذلك جرى اتخاذ إجراءات على المستوين الوطني والدولي لحماية وصيانة وخفض أثار البيئة من التلوث والتدهور والاضرار التي تصيبها نتيجة: التطور التكنولوجي الذي بدأ يطل باثاره الإيجابية والسلبية على المجتمعات الإنسانية، ومن جراء مزاولة الوحدات الاقتصادية لأنشطة الإنتاجية والخدمية والتسويقية ذات التأثير على تلوث البيئة، والناتجة عن انبعاث الادخنة التي تسبب الى ثلوث الهواء او تلوث الماء و/او تصريف مخلفات الملوثة للبيئة، وكذلك لما لهذه المسالة من أثر كبير على استمرار التنمية المستدامة على المدى البعيد، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والاحتفاظ بها وتنميتها في الوقت ذاته.
 
وبذلك صدرت الجهات المعنية، القوانين والتشريعات البيئية التي تحمل الوحدات الاقتصادية المسؤولية الاجتماعية عن سلامة البيئة، بجانب أهدافها المالية والنقدية. وظهرت ايضا الحاجة الى وجود الإدارة البيئية، التي تهتم بتطبيق نظام محاسبة التكاليف البيئية، من خلال توفير إطار علمي وإجرائي له، بهدف قياس وتحليل ورقابة كمية وقيمة مدخلات عوامل الإنتاج، وأثر مخرجاتها على مستوى الرفاهية الاقتصادية للفرد والمجتمع. وصدر بهذا الخصوص العديد من الدراسات والابحاث العلمية في البلدان الاوربية والولايات المتحدة الامريكية، وقلتها في الدول العربية، وذلك لتدني التعليم والوعي والثقافة وضعف القوانين والتشريعات البيئية فيها.

أن مسالة البيئة وحمايتها موضوع واسع، يمكن معالجتها من الجوانب الطبيعية Ecology)) والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والمحاسبية. ومن خلال هذه الورقة نحاول التركيز على الجوانب المالية والمحاسبية لمشاكل البيئة والأثار الاقتصادية الناجمة عنها، وباتباع أسلوب وصفي وتحليلي للتعرف على كيفية القياس المحاسبي لتكاليف البيئة والافصاح عنها في التقارير المالية، من اجل جودة المعلومات المحاسبية، التي يتحقق بموجبها: إجراءات تبويب التكاليف البيئية، التزام الإدارة بالمعايير البيئية، وعملية اتخاذ القرارات لمستخدمها، بهدف تحسين الأداء البيئي،


وضمن المحاور الاتية:

1.   المفهوم المحاسبي للتكاليف البيئية؛
2.   القياس المحاسبي للتكاليف البيئية؛
3.   انتاج وافصاح البيانات عن التكاليف البيئية؛
4.   أهمية محاسبة التكاليف البيئية ومردودها الاجتماعي

أولا: المفهوم المحاسبي للتكاليف البيئية

عرفت محاسبة التكاليف البيئية، على انها عملية دمج ومقارنة المعلومات البيئية مع الأصول والموارد، والدخل والتكلفة، بحيث تنعكس هذه المعلومات على تكلفة المنتج أو الخدمة، وتظهر في البيانات المالية للوحدة الاقتصادية. [1]
 
لذا، تولى محاسبة التكاليف البيئية اهتماما خاصا بالمعلومات المالية المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية. وذلك من خلال تحليل النتائج ومسببات حدوث التكلفة، لتحديد وتعيين أثر التكاليف البيئية التي تسببت بها الأنشطة والعمليات الانتاجية للوحدة الاقتصادية، كما تساعد على تحديد التوقيت الزمني لتطبيق استراتيجيات الأعمال اللازمة لتوقع واستغلال الفرص المتاحة لتحسين البيئة. [2]
 
وهي تمثل التكاليف التي تتحملها الوحدة الاقتصادية اختياريا او إلزاميا، تطبيقا للقوانين واللوائح البيئية، بهدف حماية البيئة بصورة سليمة وموضوعية، وبالتالي تحسين الأداء البيئي.
 
قياس ورقابة هذه التكاليف والافصاح عنها بشكل معلومات في التقارير المالية وفق اسس ومعايير محاسبية مناسبة، وتزويد الأطراف المعنية الداخلية والخارجية بها، والتي تساعدها في تقييم الكفاءة الاقتصادية للوحدة، ومدى التزام بمسؤوليتها تجاه حماية البيئة من التلوث، وعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية على مستوى الوحدات الاقتصادية او على مستوى الاقتصاد الوطني.

تتمثل تكاليف البيئة كافة عناصرها التي تساهم بتخفيض الفاقد في الخدمات والطاقة والموارد الاقتصادية المتاحة، بالإضافة الى تكلفة اعادة تدوير المخلفات، مثل (صلبة، سائلة، غازية)، هذا الى جانب تكلفة منتجات صديقة للبيئة. [3]
 
يمكن أن نميز ثلاث صفات في محاسبة البيئية، كالاتي:

ـ الاقتصادية: قياس وتحليل كمية وقيمة مدخلات عوامل الإنتاج، وأثرها على مستوى الرفاهية الاقتصادية على الفرد والمجتمع؛
ـ المحاسبية: تتداخل مع المحاسبة المالية في اعداد القوائم المالية وفق المعايير والاسس المحاسبية، وتتضمن معلومات للآثار البيئية، للمستفيدين الخارجيين من مالكي الأسهم والمستثمرين والمقرضين والممولين والمستهلكين، وغيرهم؛
ـ الإدارية: تحليل البيانات والمعلومات المرتبطة بالأنشطة البيئية والافصاح عنها لمساعدة الإدارة في التخطيط والرقابة وعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية.

ثانيا: القياس المحاسبي للتكاليف البيئية

تتحمل الوحدة الاقتصادية عند قيامها بمزاولة نشاطها الإنتاجي والخدمي والتسويقي، تكاليف بيئية داخلية تلتزم كثير من الشركات الصناعية بها، وتكاليف بيئية خارجية التي تتحملها قطاعات المجتمع غير مرتبطة بشكل مباشر بالوحدة الصناعية نتيجة الاثار البيئية المتلوثة عن نشاطها، وذلك للمساهمة في تخفيض اثار البيئة السلبية. [4] ففي حالة عدم تخصيص هذه التكاليف بشكل مباشر على المراحل والمنتوجات، مما يسبب بان تظهر كلفة الإنتاج بأقل من حقيقتها، وبالتالي لا تعكس تسعير المنتج تكلفته الحقيقية. عادة تظهر في التطبيق العملي صعوبات في قياس ومعالجة هذه التكاليف، على الرغم من إصدار المنظمة الدولية للتوحيد القياسي بجنيف، مجموعة المعايير البيئية والتي تسمى بالأيزو
((ISO 14000 ،(The International Organization For Standardization)، إي نظام الإدارة البيئية، والتي تتعلق بعدة جوانب مرتبطة بنظام ادارة وقياس التكاليف البيئية، بما فيها معايير مراجعة الحسابات البيئية ((14012، (لمزيد من المعلومات بهذا الخصوص، انظر، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)، إلا أن لايزال هناك نقص كبير في المعايير المحاسبية المتعلقة بالقياس والتقرير عن صافي المنافع والتكاليف البيئية الخاصة بأنشطة الوحدات الصناعية، وصعوبة التحديد للتكاليف البيئية الخارجية، وغيرها، مما يؤدي الى صعوبة توحيد أهداف واشكال الإفصاح البيئي. هناك إمكانية تطبيق المقاييس الكمية على الأنشطة غير الملموسة في الوحدة الاقتصادية، والتي يدخل من ضمنها التكاليف والالتزامات البيئية. [5]

يمكن تصنيف هذه التكاليف، كالاتي: [6]

ـ تكاليف (المنع)، تتضمن تكاليف لحماية البيئة ومنع التأثيرات السلبية لا نشتطها على المجتمع الداخلي والخارجي، وتشمل تكاليف البحث والتطوير لمنع التلوث والفاقد والحصول على تكنولوجيا النظيف لإنتاج منتوجات صديقة للبيئة؛
ـ تكاليف المعالجة (التخلص)، تشمل تكاليف معالجة الانبعاث والضوضاء والتخلص من النفايات المترتبة على أنشطة الوحدة الاقتصادية، ويمكن الاستفادة منها من خلال إعادة تدويرها أو التخلص منها بطريقة لا تضر بالبيئة؛
ـ تكاليف التشغيلية، وهي مجموعة التكاليف المرتبطة بعمليات التصنيع او انتاج خدمة من اجور ومستلزمات السلعية والخدمية والإدارية والتي تسبب التلوث، او متابعة مستويات التلوث في المخلفات وتكاليف معالجتها والغرامات والعقوبات الناتجة عن الحوادث البيئية، وغيرها. تحمل هذه التكاليف سنويا على حساب تكلفة الانتاج مع تكاليف النشاط الاعتيادي للمنتج ضمن الحسابات المالية ويجب ان تظهر تفاصلها أيضا في تقاريرالكلفة؛
 ـ تكاليف الرأسمالية، وهي تكاليف مرتبطة بإنتاج أصول تستخدم في رفع كفاءة استخدام الموارد البيئية (معدات تقنية وخدماتها ومهمات التشغيل، تكاليف البحث والتطوير والتدريب، وغيرها). وتظهر كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية في جانب الأصول من الميزانية العمومية، وتخضع لطريقة الإهلاك خلال عمرها الإنتاجي، ويحمل قسط الإطفاء (الإهلاك) السنوي على تكاليف البيئية؛
ـ تكاليف بيئية مباشرة وتكاليف بيئية غير مباشرة (عامة)، الأولى ترتبط مباشرة بالنشاط الذي أحدثها، والأخيرة يصعب ربطها بشكل مباشر بنشاط معين وتجمع عادة تحت وعاء تكاليفي واحد، ويعاد توزيعها على الأنشطة المستفادة منها، باستخدام معدلات تحميل مناسبة.

يتوقف القياس المحاسبي لتكاليف تلوث البيئة على حجم ونطاق الأنشطة البيئية المراد قياسها. ممكن استخدام أسلوب القياس النقدي أو الكمي، والاخير متعدد الابعاد، مما يصعب اختيار وحدة القياس المناسبة، و/او استخدام أسلوب القياسي الوصفي، أي بتوصيف الإنشائي لخصائص الحدث. [7]

وعلى ضوء ذلك يمكن اعداد دليل حسابات الموارد الطبيعة، تعتمد تفاصيل تبويبها على حجم ونوعية البيانات البيئية المرغوب حصول عليها، وهي تشمل على سبيل المثال٠ الأراضي الزراعية، المياه، الهواء، الطاقة بمختلف أنواعها.
 
كذلك ممكن الاستعانة بالتكاليف الفعلية، إي اجراء مقارنة تكاليف الاداء البيئي بالفترة الحالية بالفترات السابقة، او استخدام التكاليف المعيارية و/او مخططة مقدما، وذلك بالاستناد الى المؤشرات المحاسبية، الاتية:

أ‌.   معدل التكلفة السنوية للتحكم في التلوث السلعة المنتجة، فمثلا بطن:

التكلفة السنوية للتحكم في التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = xx   دينار/ طن
كمية الإنتاج الفعلية السنوية بالطن

ب‌.   نسبة تكلفه التحكم الى التكلفة الصناعية:


معدل تكلفة التحكم للطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = %xx
التكلفة الصناعية الفعلية للطن

    ج. نسبة التكاليف الرأسمالية السنوية للتحكم بالتلوث الى اجمالي التكاليف الرأسمالية السنوية
       (الأصول الثابتة والمشروعات تحت التنفيذ)، كلاتي:

     التكاليف الرأسمالية السنوية للتحكم بالتلوث
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = %xx
    إجمالي التكاليف الرأسمالية السنوية للوحدة الاقتصادية
 
   د. نسبة صافي التكاليف الجارية السنوية للتحكم في التلوث، الى إجمالي تكاليف الإنتاج السنوي:

التكلفة الجارية السنوية للتحكم في التلوث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = % xx
تكاليف الإنتاج السنوية الفعلية

 ه. معدل التحكم في التلوث لكل فرد متأثر بالتلوث ويحسب كالاتي:

التكاليف السنوية للتحكم في التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = xx  دينار/ فرد متأثر
عدد السكان الكلي بالمنفعة * نسبة السكان المتأثرين

 ز. على أساس نسبة التحكم في التلوث مضروبا بالربح الصافي للوحدة الاقتصادية:

      تكاليف التلوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * 100 = % xx
مصروفات السنوية للوحدة
صافي الربح للوحدة * نسبة التحكم في التلوث المستخرجة من المعادلة السابقة.

بغية اجراء القياس المحاسبي للتكاليف البيئية، لابد من جمع تفاصيل عناصر هذه التكاليف وفق التصنيفات المشار إليها سابقا والمعتمدة من الوحدة الاقتصادية من دليل حساباتها والتقارير والكشوفات الصادرة عن إدارة محاسبة تكاليف البيئية بالتنسيق مع الوحدات الاخرى التي تمارس أنشطة بيئية. وتحميل هذه التكاليف على مركز التكاليف البيئية، مما يسهل عملية قياسها ورقابتها وتحميلها على أنشطة التي تسبب التلوث البيئي، والافصاح عنها بشكل المعلومات التي تساعد على عملية التخطيط ، وترشيد قرارات الادارية  ذات اثار البيئية، الذي يساعد الإدارة على الرقابة عبر تطبيق أركان المحاسبة المسؤولية [8]، التي يتضمن: نظام لتكاليف المحددة مقدما و/أو المعيارية  تقاس عليه تكلفة البيئة، ونظام إداري يحدد المسؤوليات والسلطات، ونظام مدروس للحوافز، ونظام للتقارير بين مختلف المستويات الإدارية المنخرطة في الأنشطة البيئية، وتصميم نظام مستندي خاص بعناصر تكاليف البيئة، للرقابة عليها من المنبع، والفصل بين تكاليف الإنتاج وتكاليف البيئة،  بهدف تخفيض التكاليف البيئية والقياس السليم لتكاليف المنتوجات، ومن ثم زيادة ربحية الوحدة الاقتصادية.

ممكن تتبع المعالجة المحاسبية للتكاليف البيئية، كالاتي:

1.   تسجيل القيد الخاص بعناصر التكاليف في الدفاتر المحاسبية: (من ح/تكاليف البيئية   الى ح/ النقد، البنك، الدائنون)؛
عند دفع التكاليف البيئية (بتفاصيل مفرداتها) نقدا او على الحساب.

2.   (من ح/تكاليف البيئية     الى ح/الموارد البيئية)
إطفاء قسط الاستهلاك السنوي للموارد البيئية؛

3.   (من ح/ مركز تكاليف البيئية   الى   ح/تكاليف البيئية)، تحميل مركز التكلفة بهذه التكاليف؛

4.   (من ح/كلفة الإنتاج للسلعة او الخدمة المنتجة    الى   ح/مركز التكاليف البيئية).

تحميل تكاليف الإنتاج بتكاليف البيئية؛

5.   وفي نهاية السنة المالية يتم غلق حساب كلفة الإنتاج للسلعة او الخدمة في ح/ المتاجرة، والرصيد الناتج من الحساب الأخير ينقل الى حساب النتيجة/ الأرباح والخسائر. وهكذا تضاف التكاليف البيئية الى تكلفة المنتج للحصول على الكلفة الحقيقية للإنتاج، وينعكس ذلك أيضا على تسعير المنتج النهائي.


ثالثا: إنتاج وإفصاح البيانات عن تكاليف البيئية

أن العلاقة ما بين المحاسبة والتلوث البيئي، تتمثل في دور النظام المحاسبي بتوفير المعلومات اللازمة لأتخاد القرارات وتقييم الأداء، وتحديد مدى التزام الوحدة الاقتصادية بمتطلبات المسؤولية الاجتماعية ازاء البيئة. فعليه تقوم إدارة محاسبة التكاليف البيئية وبالتنسيق مع وحدات التي تمارس أنشطة بيئية، بإعداد مجموعة من التقارير بالاستناد الى: مبدأ الشفافية والخصائص النوعية للمعلومات المحاسبية، وتكون موثوقة قابلة للفهم وملائمة لمتخذ القرار، ومرتبطة بهدف المراد تنفيذه، والافصاح عنها لجهات مختلفة داخلية وخارجية للاستفادة منها لأغراض ترشيد واتخاذ القرارات من قبل مستخدميها، وتقييم الأداء البيئي.
 
ويمكن الاسترشاد بالمعرفة المهنية لمجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB)، وتعني "International Accounting Standards Bord" في هذا المجال، والاعتماد على الجودة المعلومات بدلا من الكمية. 

ان أثر التكاليف البيئية على جودة المعلومات المحاسبية، تكمن في دور المحاسبة البيئية في اتخاذ إجراءات لقياس وتحليل هذه التكاليف، باعتبارها وسيلة وقائية واستباقية للحد من التلوث، باتباع الأسس الإدارية عن طريق إدخال تغيرات معينة في تصميم المنتوجات او طرق الإنتاج، والتطبيق الفعال لنظام الإدارة البيئية، والدور المحاسبي في تفسير وتتبع هذه التكاليف  ومسبباتها، وتسليط الضوء على تحليلها وضمها الى اجمالي التكاليف عند تحديد نتيجة النشاط، وإمداد الجهات الإدارية المختلفة بالمعلومات للمساعدة في رسم السياسات واتخاذ القرارات وتحسين الأداء. [9] 
 
ممكن الاستعانة بالوسائل الالكترونية في اعداد هذه المعلومات. وإذا أحسن تصميم أنظمتها، وتوجه في قناة الاتصال المناسب، وتحديد خطوط تسييرها بوضوح، فسوف يؤدي هذا الى تكامل عملية المراقبة وتكامل أيضا في المعلومات.


رابعا: أهمية محاسبة التكاليف البيئية ومردودها الاجتماعي

 اليوم تواجه الوحدات الاقتصادية تحديات كبيرة لمواكبة المتغيرات في محيطها، نتيجة تطور التكنلوجي السريع على مختلف الصعد، وخاصة المعلوماتية منها، وذلك لأجل الاستمرارية والبقاء والمنافسة والتفوق في السوق. كما وان هناك الترابط والتكامل والتأثير المتبادل بين البيئة والتنمية، إذ لا يمكن استمرار التنمية في ظل الموارد البيئية المتدهورة، ولا يمكن حماية البيئة إذا اهملت التنمية تكلفة الاضرار البيئية. فعليه ان مسالة حماية البيئة أصبح امرا ضروريا، وعلى الوحدات الاقتصادية المنخرطة في النشاط الإنتاجي او الخدمي، الاعتراف بمسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية تجاه البيئة، ومن خلال تطبيق نظام محاسبة التكاليف البيئية وتعزيز دوره وأثره بهذا الخصوص، وما له من الاهمية والمزايا على الوحدة وعلى صعيد المجتمع، وكالاتي: [10]

1.   إنتاج المعلومات عن التكاليف البيئية، التي تساعد الإدارة في ترشيد القرارات وتخفيض تكاليف البيئية، وتحسين جودة المعلومات المحاسبية، وتقييم الأداء. وتساعد ايضا على تحسين قرارات المستثمرين في التعامل مع الوحدة الاقتصادية؛
2.   نشر الثقافة البيئية لدى العاملين ورفع معنوياتهم والتصاقهم بالإدارة، بما لها من تأثير على رفع الإنتاجية في الأداء؛
3.   المساهمة الجادة في عملية تحقيق التنمية المستدامة عن طريق ممارسات وتطبيقات المسؤولية الاجتماعية، ووضع مجموعة من الأنشطة البيئية من خلال نظم للمحافظة على البيئة؛
4.   الحصول على فرصة تنافسية أفضل في السوق، من خلال المساهمة في تخفيض الأثار البيئية، وتحسين تصميم وجودة منتجات تكون صديقة للبيئة، رغم ان إضافة تكاليف البيئية الى كلفة الانتاج ستؤدي الى ارتفاع في سعر المنتوج، الا أن البعد الاجتماعي لهذه التكاليف على صعيد الوحدة والمجتمع والمستهلك سيكون أكبر من ذلك؛
5.   مساعدة الجهات الحكومية في قياس الاداء الاجتماعي وتحليل التأثيرات البيئية للنشاط الذي تمارسه الوحدة الاقتصادية ومدى التزامها للمعايير والتشريعات البيئية، واتخاذ القرارات المتعلقة بالتخطيط ومعدلات النمو وأداء الاقتصادي على المستوى القومي والدولي؛
6.   المساعدة في تطوير وتشغيل نظام إداري بيئي للوحدة الاقتصادية؛ [11]
7.   يساعد على بناء قاعدة بيانات عن نشاطات الوحدة الاقتصادية، بهدف القياس السليم للتكاليف البيئية الناتجة عن تلوث البيئي؛
8.   توسيع نطاق عملية التقييم وتحليل الاستثمار لكي يشمل اثار البيئية المحتملة.
9.   ضرورة حصول الوحدات الاقتصادية على شهادة ISO 14000 ، لما لها من تأثير على شروط التصدير الى أسواق دول الوحدة الاوربية، والحصول على القروض والتسهيلات من المصارف العالمية.


   ختاما، ان مسالة حماية البيئة أصبحت اليوم عنصرا مهما من عناصر الإنتاج، مما يتطلب وجود نظام محاسبي بيئي يوفر المعلومات اللازمة حول استراتيجية وخطط الوحدات الاقتصادية تجاه القضايا البيئية، وذلك من خلال: قياس ورقابة التكاليف البيئية، وإنتاج البيانات والمعلومات عنها، وتزويد مستخدمي القرارات والمجتمع بها، والتي تعكس الأداء البيئي لهذه الوحدات ويعزز الثقة بدرجة اكبر في كسب الرضا الاجتماعي والأطراف ذات المصلحة، وتعزيز التنمية المستدامة، وتحسين سمعتها ودعم قدراتها التنافسية، وجودة المعلومات المحاسبية مما يؤثر على ربحيها، غيران تطبيقها ما يزال محدودا  في الوحدات الصناعية العراقية بسبب: تدني الوعي والثقافة البيئية في المجتمع، وضعف القوانين والتشريعات البيئية، وعدم التزام معظم الوحدات الاقتصادية بتطبيقها، ونقص في معايير المحاسبية الوطنية التي تخص البيئة، مما يؤثر سلبا على تقييم أدائها.

لذا ارى ضرورة الاعتناء بهذا الموضوع، من خلال:
 
أ. زيادة الوعي المؤسسي والجمعيات المعنية والمدنية في البيئة، من خلال منظومة الوعي البيئي، بأهمية الإفصاح المحاسبي عن تكاليف البيئية في الوحدات الاقتصادية؛
بـ. أصدر معيار محاسبي من الجهات والمنظمات المهنية الوطنية توافق مع معايير المحاسبة الدولية لتنظيم عملية القياس والرقابة والافصاح المحاسبي عن تكاليف البيئية في تقاريرها المالية والكلفوية، فيما يؤدي الى جودة المعلومات المحاسبية؛
ج. مساهمة الدولة في توفير بيانات بيئية قابلة للقياس الكمي، وفرض القيود على الوحدات الاقتصادية وخاصة الصناعية منها، باتباع القوانين البيئية، ومن خلال منح خصومات على ضريبة خضراء للوحدات التي تهتم بالبيئة؛
د. مساهمة الجهات المختصة والمنظمات المهنية في تهيئة الكوادر المحاسبية وتدريبها على تطبيقات المحاسبة البيئية في الوحدات الاقتصادية، مع ادخال موضوع المحاسبة الاجتماعية، ضمن الحصص الدراسية في الجامعات المختصة، ونشر الدراسات والأبحاث في هذا المجال؛
ه. ضرورة تطوير نظام المعلومات البيئية من خلال مشاركة المختصين والباحثين في وضع مجموعة من الأسس النظرية وفق مبادئ واسس المحاسبية الملائمة، لتطوير وحل مشاكل المرتبطة بقياس التكلفة البيئية وجودة انتاج المعلومات اللازمة لعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية على المستوين الوحدات الاقتصادية والاقتصاد القومي؛
و. عدم استناد الى تقييم أداء الوحدات الاقتصادية على اساس ما تحققها من أرباح فقط، بل الاخذ بنظر الاعتبار ايضا ما تتحمله من تكاليف بيئية من اجل الحفاظ على البيئة.



المصادر:
 
       .1   Kirschner. E, Full-cost accounting for the environment, Chemical Week, 1994, 154/9, P. 25-26               

2.  William G. Russell, (On Green Accounting), “Environmental Today”, Jan/Fab 1995, No.1, p.20

3.  Robert J Gale, Peter Stokoe, (2001) Handbook of Environmentally Conscious Manufacturing – Environmental cost accounting and   busines strategy (Kluwer Academic publisher), pp. 4 – 6

4    . سيد علي، أيمن صابر، مدخل محاسبي مقترح لقياس وتقيم أداء البعد البيئي في مصر، القاهرة، جامعة عين شمس، كلية التجارة، مجلة الفكر المحاسبي، السنة 13، العدد2، 2008، ص 289.
5 . المرزوقي، مها عباس، "دراسة وتحليل التكاليف البيئية وأهميتها في ترشيد القرارات الإدارية، جدة، كلية الاقتصاد والإدارة، جامعة الملك عبد العزيز، 2008، ص.81
 .6ـ قدوري، صباح، تحديث محاسبة التكاليف في القطاع الصناعي الحكومي ـ العراق، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعةŁódź ، بولندا1985 (باللغة البولندية) ، ص، 173-172
ـStępień M., Koszty ochrony środowiska i ich klasyfikacja, Zeszyty Teoretyczne Rady Naukowej S.K.W, P., tom 1V, Warszawa 1980, s.58-59 (باللغة البولندية).
 .7بدوي، محمد عباس، المحاسبة عن التأثيرات البيئية والمسؤولية الاجتماعية،
الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2000 ص .156 -152 
 
 .8قدوري، صباح، نظام محاسبة التكاليف ووظائف الإدارة في وحدات إدارة الاعمال، ورقة بحثية منشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2015، ص 13.

. 9السيد، رانية عمر محمد الباز" أهمية المحاسبة عن التكاليف البيئية لتحسين جودة المعلومات المحاسبية، 2008، ص. 104

Department of Economic and Social Affairs Statistics Division .10
United Nations, (2005) Preliminary Meeting of UN Committee on Environmental Economic Accounting, Global Initiative for
Environmental Accounting, New York 29-31 August, P 4-6

      .11 عطية، محمد راضي، دور المراجعة البيئية في ترشيد القرارات الاستثمارية، مجلة
           البحوث التجارية، كلية التجارة، جامعة الزقازيق، العدد2، ص273.
       ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ورقة بحثية منشورة في مجلة (الثقافة الجديدة) العدد419  ـ 420 آذار2021 



2
على هامش تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي

د. صباح قدوري

ترك النظام الديكتاتوري المقبور، أثارا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ثقيلة على المجتمع العراقي، بسبب حكمه الفاشي وحروبه العبثية وتبعياتها. زاد الطين بلة بعد احتلال العراق في عام 2003، نتيجة السياسات الجاهزة (اللبراليين الجدد) أو ما يسمى (أجماع واشنطن)، التي فرضها الحاكم بريمر وفق اقتصاد السوق - الحر، وإضعاف دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وبمؤازرة ودعم المؤسسات المالية الرأسمالية: صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، مما سببت الى التدهور الكبير في كيان الدولة العراقية ومؤسساتها المتمثلة بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك السلطة الرابعة، ومن جراء سياسات خاطئة للحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال وحتى اليوم.

اليوم يمر العراق بمرحلة جدا صعبة وغاية في التعقيد وعلى صعد متعددة، وخاصة في الجانب الاقتصادي، الذي يعتبر عصب الحياة عبر الاستخدام العقلاني للموارد الاقتصادية المتاحة من خلال رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة ومعللة للتنمية الشاملة المستدامة، يتحقق فيها البعدين الاقتصادي والاجتماعي والمساواة وعدالة توزيع الثروة الوطنية بين طبقات وفئات المجتمع والازدهار والتقدم في البلاد.

ان التفكير في تصحيح المسار الاقتصادي، يبدا، بمعالجة الاختلال الكبير الموجود في ميزان المدفوعات، الذي هو دائما سالب نتيجة زيادة الاستيرادات وإنخفاض ملحوظ في الصادرات، تكاد ان تكون معدوما عدا النفط.  انعكست هذه الحالة على الموازنة الاتحادية العامة، وأصبح النفط يساهم بما نسبته 90%)  (من إجمالي تمويلها، وعلى 63,7%)  ( من الناتج المحلي الجمالي، وبالتالي سيكون رهين تقلبات سعره والطلب عليه في السوق، بدلا من النهوض بالقطاعات الإنتاجية. هذا بالإضافة الى العجز المالي في الموازنة الاتحادية منذ عام 2014 وحتى الآن لتغطية النفقات، مما اضطرت الحكومة اللجوء الى قروض الداخلية والخارجية، بلغت أكثر من (160) مليار دولار، (حسب اللجنة المالية في مجلس النواب)، وتتضمن نسبة فوائد عالية، وذلك لتغطية النفقات التشغيلية، وخاصة الرواتب والمعاشات التقاعدية وضمانات الحماية الاجتماعية والبطاقات التموينية وغيرها، ولم يتبقى منها شيء للنفقات الاستثمارية لاستخدامها في المجالات الإنتاجية وإعادة وبناء البنى التحتية، بهدف إيجاد مصادر متنوعة لإيرادات الموازنة في المدى المنظور والمتوسط.

أن ما جاءت من مقترحات وزارة المالية في الورقة البيضاء في اصلاح السياستين المالية والنقدية لا يصب في مصلحة الفئات المتوسطة والفقيرة، في الوقت الذي تتفاقم مستويات البطالة لتبلغ حوالي    (25%) من قوة العمل، وتزايد نسبة الفقر أكثر من ((30% ،  ولا في تفعيل القطاعات الإنتاجية وإعادة بناء المؤسسات الإنتاجية العامة، ولم تعالج مسالة مكافحة الفساد المالي والإداري بشكل فعال وشفاف، والذي أصبح آفة منتشرة في كافة مفاصل مؤسسات الدولة، وخاصة غسيل الأموال منه، من خلال مبيعات البنك المركزي للمصارف، ولا في تخفيف عب مديونية الدولة، التي تؤثر على عدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي، وإخضاعه الى سياسة التعويم وتبعياتها، مستندا الى قانون العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي، ضمن اقتصاد السوق ـ الحر. وما القرار الاخير الصادر من البنك المركزي في خفض سعر صرف الدينار العراقي ليصبح  (1450) دينار/دولار بدلا من السعر السابق (1190) دينار/دولار، أي بنسبة حوالي(22%) مقابل الدولار.  ويكون لكل (100) دولار أمريكي يساوي (145) ألف دينار العراقي، الا إحدى تبعيات هذه السياسة، وانعكاساتها السلبية على الحالة المعيشية للمواطنين.

كما هو المعروف حاليا ليس هناك إجماع في أراء بين الاقتصاديين العراقيين حول مسالة تخفيض سعر الدينار العراقي او بقائه على سعره الحالي مقابل الدولار الأمريكي. وتتطلب هذه المسالة دراسة دقيقة قبل الاقدام عليها، لما لذلك من تأثير مباشر على: التضخم، وميزان المدفوعات، والموازنة الاتحادية، وسعر الفائدة، وتأثيره ايضا على الاستهلاك وقرارات الاستثمار، وغيرها، وبوجود قرار مدروس وسليم (من الناحيتين الاقتصادية والمالية) ومتوافق عليه مع (السلطة النقدية) البنك المركزي.
 
بمعنى اخر، ان الحل الصحيح لهذا الموضوع يبقى دائما مرهونا بمدى وجود تنسيق جيد والادارة العقلانية وبشفافية عالية بين الجهات المختصة (وزارة المالية، وزارة التجارة، وزارة التخطيط والبنك المركزي)، في رسم السياسة المالية والنقدية والاقتصادية في مدى المنظور والمتوسط.

 باختصار شديد وبدون الدخول في التفاصيل، ادناه مقارنة سعر الصرف مقابل دولار في حالتين السعر المرتفع والمنخفض للدينار العراقي.

أولا: في حالة السعر المنخفض للدينار

ـ يستفاد منه لتحفيز الصادرات غير النفطية، وهي غير موجودة حاليا، لحمايتها من منافسة المنتوجات الاجنبية المستوردة، اي ذات بعد الاستراتيجي؛
ـ تحفيز السياحة في الداخل، اذ يحصل السائح الاجنبي على دينار أكثر، وتساعده في دفع مصروفات إقامته؛
ـ تشجيع الاستثمار الأجنبي؛
ـ وزارة المالية تحصل على دنانير أكثر من البنك المركزي مقابل تحويل دولارات بيع النفط، تساعد على تغطية جزء من عجز الميزانية في حالة وجوده، كما هو الحال الآن؛
ـ ارتفاع أسعار المستوردات التي تسبب الى التضخم، وانخفاض القوة الشرائية للعملة، مما تضطر الدولة لزيادة الدعم، وخاصة للسلع الاستهلاكية الضرورية منها، التي تمس لقمة العيش للمواطنين، وخاصة الفقراء، وتأثير ذلك على تراجع الطلب العام، ومن ثم الانتاج والتشغيل.

ثانيا: في حالة السعر المرتفع للدينار

ـ يستفاد منه في حالة الاستيرادات للبضائع والمعدات، اذ يحصل على دولار بدنانير أقل، وتأثير ذلك على رخص سعر المستوردات ومنافسة المنتوج المحلي للبضائع المماثلة؛
ـ يستفاد المواطن العراقي في حالة السفر الى الخارج لأغراض السياحية او المعالجة او نفقات الدراسة...الخ؛
ـ للمدخرين بعملة الدولار في البنوك العراقية عند تحويل الدينار الى الدولار وتوديعه في حساب خاص بالدولار والدفع ايضا بالدولار؛
- تشجيع الاستثمار الداخلي.

ختاما، ان الأقدام على تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل دولار امريكي في ظل الوضع الاقتصادي المتهالك، وذا الصفة الريعية الاستهلاكية، سيؤثر بلا شك على: ارتفاع معدلات التضخم نتيجة ارتفاع اسعار منتوجات المستوردة، كما وان أسعار النفط لاتزال منخفضة وانعكاس أثارها على الموازنة الاتحادية، وتبعيات نفقات جائحة كورونا، وتفاقم المديونية الداخلية والخارجية، وكذلك على ميزان المدفوعات، مادام ليس لدينا انتاج للتصدير، عدا النفط، هذا وان فوائده ليس ذات تأثير كبير على تخفيف العجز في الموازنة، ولا على الاستثمار الداخلي، بسبب تراجع الاستهلاك وتأثير ذلك على تراجع الطلب العام، بالإضافة الى اشتداد المضاربات المالية والتجارية.
 
ان تأمين نوع من الاستقرار النسبي لسعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الامريكي، مرهونا بدرجة كبيرة ببعض العوامل الداخلية، منها، كالاتي:

 ـ الانتقال التدريجي للاقتصاد العراقي من اقتصاد ريعي كما عليه الآن الى اقتصاد متنوع ذو صفة إنتاجية من خلال إعادة الهيكلية الاقتصادية لصالح القطاعات الإنتاجية، ليكون اقتصادا منتجا للقيمة المضافة؛
 ـ تفعيل دور القطاع الخاص من خلال تقديم الحوافز وتأسيس شركات حقيقية؛
ـ توفير بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار؛
ـ دعم الصناعات الوطنية القادرة على التنافس المستوردات منها؛
 ـ ضبط سياسة: الاستيراد والتحويل الخارجي وغسيل الأموال والمضاربات التجارية بأنواعها والفساد المالي؛ 
ـ التحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلاني واستخدامها في مجال التنمية الوطنية المستدامة، واعتماد معايير علمية ومنطقية في تبويب وإعداد الموازنة العامة، تستند على قياس كفاءة الأداء والإنتاجية وعلى أساس الأهداف والبرامج الحقيقية.







3
بمناسبة أربعينية رحيل الرفيق علي غفور
د. صباح قدوري

     في يوم 18/9/2020، غادرنا والى الأبد الأخ والرفيق والمناضل على غفور (ابو آلان)، الذي كان رحيله خسارة فادحة لكل رفاقه وأصدقائه ومعارفه، فضلاً عن أهله طبعاً. لقد ترك رحيله جرحاً عميقاً في قلبي لا يندمل لأنه كان صديقاً وأخاً ورفيقاً عزيزاً، كانت تشدني إليه أواصر العلاقة الرفاقية والوطنية الحميمة، والتاريخ الطويل الذي يزيد عن نصف قرن سواء في داخل العراق/ مدينة السليمانية أو في الخارج/ بولندا اثناء اقامتي فيها للدراسة.

     بدأت هذه العلاقة بعد ثورة تموز 1958، عندما كنت طالباً في الصف الثالث المتوسط/ ثانوية السليمانية، وعضواً في الهيئة الادارية لفرع الاتحاد العام لطلبة العراق/ فرع السليمانية لهذه المدرسة. كان الراحل طالباً في السنة المنتهية في ثانوية الصناعة في السليمانية، وانتخب سكرتيرا للفرع. كما حضر المؤتمر العالمي لاتحاد الطلبة العام الذي انعقد في بغداد عام 1959. ثم عملنا معاً أيضاً في التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في السليمانية. ثم انتقل الى بغداد وأكمل دراسته فيها، ومنها سافر للدراسة في بولندا عام 1962.
      ثم افترقنا لنلتقي من جديد في السليمانية عند حضوره ومشاركته في المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العراقي، الذي انعقد في بغداد عام 1976.
     وبعد إكمال دراسته، عملَ الراحل في مركز قبة الاجرام السماوية في مدينة (أولشتين) في بولندا وبقى فيها حتى موعد احالته على التقاعد. وقد تزوجَ هناك من فتاة بولونية (الأخت كرازينا) ولهما ولد واحد (آلان).

     التقينا مرة أخرى عام 1977، حين سافرتُ للدراسة في بولندا التي كان الفقيد مسؤولاً فيها عن تنظيم الحزب آنذاك، وسكرتيراً لجمعية طلبة الاكراد في اوربا/ فرع بولندا.   

كان المرحوم نشطاً على صعيد الحزب والمنظمات الطلابية، والعلاقة مع التنظيمات الحزبية والطلابية البولندية والأجانب الذين كانوا يدرسون في بولندا على المستويين الطلابي والحزبي. كما كان له نشاط بارز في جمعية طلبة الاكراد في أوربا، التي كان يحضر جميع نشاطاتها واجتماعاتها السنوية، وكان مناصراً للشعب الكردي وقضيته العادلة. وفي سنة 1977، تم انتخابي سكرتيراً للجمعية، حيث حظيتُ، أنا وغيري، بفرصة الاستفادة من خبراته وامكانياته الكبيرة لتطوير عمل الجمعية وتوسيع نشاطاتها. كما عملتُ سويةً معه في التنظيم الحزبي حتى عام 1985، حين أكملتُ دراستي العليا ومغادرتي بولندا عام 1987 الى ليبيا للعمل في جامعاتها. ولكن علاقتي به وبعائلته استمرت بشكل منتظم حتى يوم وفاته.

  كان الراحل مناضلاً وطنياً وأممياً عنيداً وملتزماً بمبادئ السلام والتقدم الاجتماعي، ومدافعاً عن العدالة الاجتماعية، كما كان وجهاً اجتماعياً معروفاً ومحبوباً. كان شامخاً شموخ الجبال، وباسقاً كالنخيل، ولكن عاصفة الموت هبّتْ بلا موعد، وأخذته منا الى المجهول، ولكن ذكراه ستبقى دائماً وابدً في قلوبنا.
 
 ولك، يا فقيدنا الغالي، كل آيات الود والمحبة والاعتزاز، ولشدة التصاقي بك، كنتُ اعتبرك خال، واناديك (خاله) بدلا من اسمك. نمْ قرير العين في مثواك الأخير، ولترقدْ روحك بسلام وطمأنينة. والصبر والسلوان لأهلك واحباءك ورفاقك وأصدقاءك وكل من تعرف عليك.

4
على هامش زيارة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي الى واشنطن

     د. صباح قدوري

     في يوم 18 من الشهر الجاري، بدأت زيارة السيد مصطفى الكاظمي الى واشنطن. وتشمل هذه الزيارة ملفات عدة في العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في مجالات: الاقتصاد والطاقة والاستثمارات المتنوعة ومكافحة الفساد والمسائل الأمنية. ويتم في إطار هذه الزيارة لقاء مع الرئيس ترامب ووزير الخارجية بومبيو ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وغيرهم من المسؤولين في الإدارة الأمريكية.
     وقبل الزيارة، أعلنت عدة شركات أمريكية نيتها المساهمة في الاستثمارات في العراق. وفي اليوم الثاني منها، وقعّت خمس شركات: شيفرون، هاني ويل إنترناشونال وبيكر هوز وجنرال إلكتريك وستيلر إنيرجي، اتفاقيات إقتصادية تصل قيمتها الى (8) ثماني مليارات دولار مع وزيريْ النفط والكهرباء العراقيين. كما نّوه الكاظمي بان الاقتصاد العراقي يواجه تحديا حقيقيا بسبب الفساد المالي والاداري، وتكاليف جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط. ولهذا الغرض، أجرى محادثات مع بعض الشركات العالمية لتقديم المساعدة في تعقب الفاسدين.  كما أنه التقى بمديرة صندوق النقد الدولي، السيدة جور جيفا، لتعزيز العلاقة مع الصندوق لمساعدة العراق في تحقيق الإصلاح الاقتصادي المطلوب.
     ومما تقدم يتضح أن الزيارة تحمل طابعاً تجارياً بحتاً (بزنس): فحتى مسألة التباحث في الصعيد الأمني تم تناوله بشكل عابر؛ وبخاصة موضوع وجود القواعد العسكرية في الاراضي العراقية، والتي سبق للبرلمان العراقي أن أخذ قراراً بانهائها؛ هذا ناهيك عن تناول متطلبات خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
     وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، فسأحاول تناول مسائل مكافحة الفساد، وقروض صندوق النقد الدولي، والاستثمار في قطاعيْ النفط والكهرباء.

     أولا: مكافحة الفساد المالي والإداري

     من المعروف ان الفساد المالي والإداري ينخر في كافة المفاصل الإدارية والسياسية منذ الاحتلال عام 2003 وحتى اليوم. وفي ظل الحكومات المتعاقبة، تم نهب وسرقة الأموال العامة بمليارات الدولارات عبر إقامة المشاريع الوهمية والمتلكئة في قطاعيْ النفط والكهرباء وهيئات الاستثمار. والسيد الكاظمي، كإعلامي وكرئيس لجهاز المخابرات العراقي، لديه معرفة جيدة بأسباب فشل كل الجهات المنخرطة في محاربة الفساد مثل: المفتشين العموميين، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، والبرلمان، وكذلك جهود البنك المركزي وهيئات المجتمع المدني، في التصدي لهذه المشكلة. ومع ذلك، فإنه يخرج علينا بتصريحات من واشنطن يطلب فيها المساعدة من شركات عالمية في مسألة تعقب الفاسدين! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل للسيد الكاظمي وحكومته المؤقتة قدرة على اجراء الإصلاحات المطلوبة في هذا الملف، بالاعتماد على الإمكانات العراقية قبل الالتجاء الى جهات خارجية، والتي قد يتعذر عليها هي أيضاً تحقيق ذلك؟ والمثال الحي هو اخفاق المحققين الدوليين من منظمة الأمم المتحدة في عام 2016 في معالجة هذا الملف والمتراكم منذ سنين.

     ثانيا: قرض من صندوق النقد الدولي

     يمر اقتصاد العراق اليوم بأزمة اقتصادية ومالية كبيرة وشاملة تتمثل في تراكم نتائج سياسات اقتصادية خاطئة، وتفشي الفساد الإداري والمالي، وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال عام 2003 والقائمة على أسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية من أجل السلطة والمال والنفوذ. وتتطلب هذه الحالة اجراء إصلاح وتغيير شامليْن في بنية النظام الاقتصادي كما يلي: 
1. تحويل اقتصادنا الريعي الذي يساهم النفط بنسبة ((%92 من مجموع إيرادات الموارنة العامة، و(63,7%) من الناتج المحلي الاجمالي الى اقتصاد انتاجي متنوع وذلك لتأمين المصادر للإيرادات المطلوبة.
.2ضبط المعابر الحدودية مع الدول المجاورة واستيفاء الضرائب الجمركية على الاستيرادات؛
3. تفعيل نظام ضريبي عادل وشفاف، ومكافحة الفساد المستشري في عملية جمع الضرائب؛
4. اصلاح نظام الرواتب والأجور والملاكات عبر الاستعانة بمجلس الخدمة العامة الاتحادي، و وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؛
5. إعادة النظر في سياسات البنك المركزي من حيث سعر صرف الدينار العراقي، ونافذة البنك المركزي، وتأمين السيولة النقدية والاحتياطي الأجنبي؛
6. إعادة تأهيل وتفعيل المؤسسات الإنتاجية العامة، وخاصة الصناعية والخدمية الانتاجية منها؛
     اما الالتجاء الى القروض لتغطية العجز في الميزانية، فان الأولوية هي للقرض الداخلي ومن ثم القرض الخارجي للاستثمارات، علماً بأن الأخير مكلف ماليا واداريا وقانونيا ويشكل خطورةً على سيادة الدولة.
     ونحن نعرف أن قروض صندوق النقد الدولي مشروطة بتطبيق سياسة اللبراليين الجدد (إجماع واشنطن) التي تقضي بتقليص وإضعاف دور الدولة في الاقتصاد، وخصخصة المؤسسات الإنتاجية وحتى الخدمية، وتقليص الدعم والنفقات الاجتماعية، وإطلاق الاستثمار الأجنبى المباشر، وبخاصة في قطاعيْ النفط والكهرباء، وإنعكاس ذلك بشكل سلبي على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وخاصة الفئة الفقيرة منها.

     ثالثا: الاستثمارات في قطاعيْ النفط والكهرباء

     ان قطاع النفط، كما هو معروف، هو عصب الاقتصاد العراقي. تم تأهيل هذا القطاع بشكل تدريجي بعد 2003 وساهمت شركات متعددة في ذلك، وكانت حصة الاسد منها لشركات النفط الامريكية، بحيث وصل إنتاج القطاع الى أكثر من (4) مليون برميل يوميا وصادراته نحو (3.4) مليون برميل يوميا. كما ان العقود والتراخيص التي أنجزت في هذا القطاع تنقصها الشفافية والإفصاح؛ وليست هناك استراتيجية واضحة ومحددة في هذا القطاع، حيث يتفشى الفساد المالي والإداري، من تهريب النفط وعقود مشاركة الإنتاج وتكلفة عالية للمشاريع المنجزة وتقاضي رشاوي وعمولات. وينطبق الأمر نفسه على قطاع النفط في إقليم كردستان العراق، الذي لم يستطع حل نزاعه في مسائل النفط مع الحكومة الاتحادية حتى اليوم.

     وفي قطاع الكهرباء، ثمة أزمة قديمة ترجع لتسعينات القرن الماضي بسبب الحروب العبثية لنظام صدام المقبور والعقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي لمدة 13) ) سنة، وشمول العراق بالبند السابع. وبعد 2003، صُرفت مليارات دولار، ولكن بدون جدوى حتى اليوم. وكما معروف، فإن شركة جنرال إلكتريك الامريكية تتمتع بشراكة تاريخية وطويلة الأمد مع العراق منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولكنها لم تنجح في حل المشكلة، رغم أن لها باعاً طويل في حقل الكهرباء. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك محاولة ابرام عقد مع شركة سيمنس الألمانية، الا ان الحكومة الامريكية ضغطت على الجانب العراقي ومنعته من عقد الصفقة، كما صرح السفير الالماني في بغداد في حينه. كما جرت محاولة مماثلة مع احدى الشركات الصينية التي وعدت بحل الازمة في أقل من سنة، ولكن الجانب الأمريكي تدخلَ هنا أيضاً لمنع ذلك. وحتى الاتفاقيات التي عُقدت في زمن عادل عبد المهدي، رئيس وزراء السابق، مع الصين جمُدت ولربما الغيت. والآن نرى دخول شركة جنرال إلكتريك، مرة أخرى، بتوقيع اتفاقيتين جديدتين مع وزارة الكهرباء بقيمة  (1.2)  مليار دولار، في محاولة لتطوير البنية التحتية للطاقة الكهربائية وإخراج العراق من أزمته، ولكن الازمة مستمرة، علماً بأن قطاع الكهرباء قطاع يتفشى فيه الفساد المالي والإداري على نطاق واسع!

    ختاماً، يبدو أن السيد الكاظمي كان متفائلاً بالحصول على دعم أمريكي لتنفيذ برنامجه الحكومي، ولكن زبارته كانت اعتيادية بروتوكولية وإعلامية. ركزّت على محاولة عزل العراق عن إيران سياسيا واقتصاديا، ومكافحة المليشيات المرتبطة بها، والالتحاق بمحور الدول الخليجية لتطبيع العلاقة مع اسرائيل.
      وبالرغم من قصر عمر الحكومة الانتقالية، فعلى رئيس الوزراء بذل قصار جهده لإنجاز برنامجه الحكومي، بدعم من الشارع المنتفض: إجراء الانتخابات في السادس من حزيران/يونيو 2021، محاسبة من قام بقتل واختطاف واختيال الناشطين والمحتجين، توفير الخدمات، ومحاسبة الفاسدين، وانهاء الميلشيات المسلحة غير التابعة للحشد الشعبي والقائد العام للقوات المسلحة، وتطبيق العدالة الاجتماعية، والتأكيد على متطلبات التصدي لجائحة كورونا، وكذلك التأكيد علي الإصلاح الاقتصادي والمالي (في الموازنة الاتحادية لهذه السنة) لخلق قطاعات إنتاجية وخدمية متنوعة، توفِّر العمل للقادرين عليه، وتقوم بإنتاج السلع المطلوبة، بحيث لا يتم إستيراد غير ما هو ضروري فقط، مع فرض الضرائب الجمركية عليه وإخضاعه للمراقبة الصحية، وغير  ذلك من مهام الاصلاح والتغيير الاقتصادي الشامل.     


 

5
العزيز وليد بيداويد الموقر
تحية عطرة وصادقة
أن مشاركة الاحزاب المسيحية بمختلف تسمياتها، تجرى على اسس( كوتا)، هذا اولا، وثانيا حضرتك تقول: بان مشاركتها فعالة في الحكومة والبرلمان وهذا شئ جيد وإيجابي، فأين المشكلة؟!، وثالثا اتهامي بخوف، هذه كلمة ركيكة لا تليق بالمستوى الثقافي للشخص يشارك في النقاشات والمداخلات الايجابية على مواقع إتصال الاجتماعي، أرجو انتباه الى ذلك مستقبلا. أرجو المعذرة عن تاخير جوابي لمداخلتكم...خالص محبتي ومودتي

6
مبادرة محافظة السليمانية: الإنتقال من الإدارة المركزية في اربيل الى الصيغة اللامركزية.

د. صباح قدوري

1. من المعروف أن صيغة الحكم الفيدرالي في إقليم كردستان العراق، هي وليدة  نضالات الشعب الكردستاني وإنتفاضة الشعب العراقي المجيدة في عام 1991. وقد أقرت هذه الصيغة في الدورة الأولى لأول مجلس وطني كردستاني (البرلمان)، بتاريخ 04 / 10/ 1992، والتي دعت الى إقامة حكومة إقليم كردستان، وانها ثبتت ايضاً في الدستورالعراقي المقرمن الشعب عام 2005. وذلك لتنظيم العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والإقليم بهدف ضمان قدر أكبر من الإستقلالية الذاتية في بناء وتكوين إدارة ممركزة ( على مستوى الإقليم)، وتقاسم السلطة، والعدل في توزيع الموارد المالية، إدارة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

2. ومنذ ذلك الحين يتقاسم الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني حكومة الإقليم بالمناصفة بينهما (ففتي ففتي). يقابل ذلك تهميش دورالاحزاب الاخرى من الشيوعيين والاشتراكيين والكادحيين والاسلاميين والعناصر المستقلة، مع السماح بمزاولة نشاطها السياسي وإشراكها بين حين وأخر في الإدارة الفيدرالية ومؤسساتها بشكل رمزي. وبعد عام 2003، شاركت الاحزاب الكردستانية في إدارة مؤسسات الإتحادية (السلطات التشريعية، التنقيذية، والقضائية)، وفق المحاصصة الحزبية والفئوية.

3. وقد أصبحت نزعة الهيمنة والتفرد والتنافس ظاهرة ملازمة للحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني عبر تاريخمها السياسي، وذلك من أجل الهيمنة على السلطة والمال والنفوذ. وقد أشتدت هذه النزاعات عام 1994، لاسباب مختلفة على رأسها الإستئتار بإرادات المعبرالحدودي مع تركيا (إبراهيم خليل)، مما أسفرعن الإحتكام الى السلاح والإقتتال الداخلي، بدل الحوار الحضاري والمصالحة وممارسة الديمقراطية، والذي طال أمده أربع سنوات، الى أن انتهى بالمصالحة وإيقاف الإقتتال، بتدخل العامل الخارجي، وخاصة الامريكي. وعلى أثر ذلك أنقسمت الإدارة المركزية الى إدارتين: أربيل مع دهوك تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني والسليمانية تحت سيطرة حزب الإتحاد الوطني الكردستاني. وقد تم توحيد هاتين الإدارتين (عدا قوات البشمركة) في عام 2006، وتشكيل الكابينة الخامسة في الإقليم.

4. وفي عام2015، حدثت اشكالية تمديد ولاية الرئيس مسعود البرزاني، بعد تمديدها لمدة سنتين، كما طرح الحزب الديمقراطي الكوردستاني عرض دستورالإقليم للإستفتاء الشعبي، إلا  أن الاتحاد الوطني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية عارضوا ذلك وطلبوا إرجاع الدستور الى البرلمان لإعادة النظرفيه وتعديله قبل طرحه للإستفتاء الشعبي. ولكن هذا الموضوع لم يتم حسمه، مع بروز الخلافات بين حين وأخر تجاه مجمل الأوضاع التي يعيشها الإقليم، وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوار بين الاحزاب المشاركة في الحكم، مما أوصل العملية السياسية في الإقليم الى ما هي عليه اليوم، وتعثرت عملية إيجاد حلول صائبة للأزمة الخانقة التي يمر بها الإقليم في مختلف مفاصل الحياة، وخاصة في جوانبها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والامنية.

5. وفي الانتخابات الاخيرة التي جرت في عام 2018، التي فاز بها الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الاولى، أعتمد الحزب على أسلوب الإستحقاق الإنتخابي بدلا عن الصيغة التوافقية، اي المحاصصة الحزبية والفئوية المعمولة بها سابقا في علاقاته التفاوضية مع الاحزاب الرئيسة، بخصوص توزيع المهام الرئيسية في كل من البرلمان وتشكيل الحكومة الثامنة في الاقليم. وقد مارس الحزب الديمقراطي أسلوب الضغط على الاتحاد الوطني، وخاصة بعد حصول الاخيرعلى مهام رئيس جمهورية العراق من دون التوافق مع الحزب الديمقراطي الذي حصل على منصب نائب رئيس البرلمان الاتحادي، ومطالبته بعدد أكثر من الوزراء في الحكومة الإتحادية، مما ساعده على الإنفراد بزمام الحكم على صعيدي رئاسة الإقليم وحكومته، مع  معارضة برلمانية ضعيفة.
هذا بالاضافة الى إتهام الحزب الديمقراطي الكردستاني للاتحاد الوطني بالخيانه الوطنية العظمى والتواطوء مع الحكومة الاتحادية عند دخول قوات الجيش العراقي في 15/تشرين الاول ـ اكتوبر2017 ، (معركة كركوك )لاستعادة السيطرة على محافظة كركوك وحقول النفط فيها والاراضي المتنازع عليها بين الحكومة الإتحادية والإقليم.

6. زيادة التوتر في العلاقات بين الحزبين على أثر تراكم وعدم حل مشاكلهما، مما أدى الى تفاقم الخلافات وإنعدام الثقة بينهما. وقد اخذت هذه المشاكل والخلافات اليوم طابعا آخرمن المواجهة بالسلاح الى بروزالخلافات الكامنة الى السطح بين حين واخر، وكل ذلك من إجل توسيع النفوذ والسلطة والمال والمنافسة على تشكيلات الأمن والبشمركة ، والحصول على أكبر المناصب في الداخل والمركز، والإندماج العضوي بين الجهازين الإداري والحزبي في مؤسسات المجتمع، وعدم الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة ـ الاعلام، مما جعلها مؤسسات هامشية لا حول لها ولا قوة.
 
7. وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود عن هذه التجربة، تتعمق اليوم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الإقليم، بعد تراكمها لفترة طويلة من دون معالجة. ويمكن إجمال هذه المشكلات بإختصار شديد (من دون الدخول في التفاصيل)، فيما يلي:

1.على الصعيد السياسي:

ـ وجود تباينات وخلافات فكرية بين الأطراف العملية السياسية، وخاصة الحزبين الرئيسين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني، حول مسالة تطوير الصيغة الفيدرالية وآفاقها المستقبلية؛
ـ عدم إنجاز دستور الإقليم وطرحه للاستفتاء الشعبي، وعدم حسم صيغة نظام الحكم على أساس رئاسي أو برلماني الى اليوم؛
ـ ضعف التنسيق والعمل المشترك مع الاحزاب في حركة التحررالكردية للاجزاء الاخرى من كردستان الكبرى، بهدف جمع شمل البيت الكردي وتوحيد خطابه السياسي؛
ـ التدخلات الإقليمية السافرة والمباشرة من دول منطقة (تركيا وبعض الدول الخليجية مثل قطر والسعودية التي يمتلك الحزب الديقراطي علاقات جيدة معاها، وايران التي تمتلك علاقات جيدة مع الاتحاد الوطني)، وكذلك ضعف العامل الذاتي والإعتماد على العامل الموضوعي المتمثل في هذه الجهات وأمريكا وبعض دول الاتحاد الاوربي، وذلك عند إتخاذ القرارات المصيرية، بدلا من الإعتماد على الجماهير والإستفادة العقلانية من العامل الخارجي؛
ـ عدم حل كثيرمن الملفات في العلاقة مع الحكومة الإتحادية وفق للدستورالعراقي مثل: صيغة المشاركة في الحكومة الإتحادية، تفعيل وتطبيق المادة (140)، حول المناطق المتنازع عليها، ومشاكل العقود والإنتاج والتسويق الخاصة بالنفط في الإقليم، ومسالة البيشمركة وتوحيدها بين الحزبين الكرديين بوزارة الدفاع الإتحادية؛
ـ لا يزال الخطر الأمني قائما من بقاء (داعش) والتنظيمات الارهابية الأخرى، وأن السلم الاهلي معرض للتهديد ايضا، وخاصة في المناطق المتنازع عليها، والنزاعات الداخلية.

2. وعلى الصعيد الاقتصادي:

ـ عدم وضوح فلسفة النظام السياسي في تبني رؤية شفافة وإستراتيجية واضحة لعملية التنمية الاقتصادية ـ الاجتماعية المستدامة؛
ـ الظروف المعيشية الصعبة بسبب عدم صرف وتوزيع رواتب الموظفين بشكل منتظم، وتخفيضها بسبب إستقطاعات الإدخار الإجباري؛
ـ عدم إستقرار حصة الإقليم من الموازنة العامة الاتحادية، والإعتماد على الاقتصاد النفطي ـ الريعي في ايرادات الإقليم التي تنقصها الشفافية ويستشري فيها الفساد المالي. وكذلك سوء إستخدام المال العام، مما تسبب في شحة الموارد المالية؛
ـ هيمنة الصفة الاستهلاكية والكمالية على الاقتصاد، والأعتماد المفرط على إستيرادها، وإغراق الأسواق المحلية بها، على حساب تطوير وتنمية الأنتاج الوطني؛
ـ تفشي نظام الفساد المالي والإداري في كل المفاصيل الإدارية والحزبية والقطاعات الاقتصادية؛
ـ تصل ديون إقليم كردستان الخارجية والداخلية الى أكثر من (100) مليارد دولار؛
ـ ضعف آداء هيئة الرقابة المالية والنزاهة، ورفع تقاريرهما الى البرلمان لدراستها وإتخاذ الإجراءات اللازمة بصددها.

3.على الصعيد الاجتماعي:

ـ نسبة البطالة (25 ـ 30)% من قوة العمل، ونسبة مستوى خط الفقر(15) من عدد السكان البالغ اكثر من (5 ) نسمة؛
ـ تزايد حدة الإستقطاب والتفاوات في المجتمع، وظهور فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء؛
ـ ضعف شديد في مواكبة القوى العاملة للتكنلوجيا الحديثة بهدف رفع الإنتاج والإنتاجية وتحسين نوعية المنتوجات؛
ـ تراجع ورداءة الخدمات الصحية المجانية للمواطنين؛
ـ تدني ورداءة خدمات التعليم المجاني في جميع مراحل الدراسية؛
ـ ضعف الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع. وضعف دور المجتمع المدني والمنظمات المعنية في ممارسة الديمقراطية والتعويد على الحوار البناء، والمشاركة الفعالة في صنع القرار، وممارسة الرقابة الشعبية؛
ـ التراجع في تأمين الضمان الاجتماعي للفقراء والعاطلين عن العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية؛
ـ عدم الإعتناء بجودة الإنتاج الذي يعتبر أحد عناصرالإنتاج المهمة، ورداءة تقديم الخدمات التسويقية وفق المعايير القياسية لصالح المستهلك وحمايته؛
ـ ضعف المسوولية الإجتماعية تجاه البئة وحمايتها من التلوث.

8. وأمام هذه الصورة القاتمة  للأوضاع في الإقليم، التي يتحمل المسؤولية الرئيسية عنها الحزبان الحاكمان: الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وتفاقم الهوة بينهما يوما بعد يوم، فإن العلاقة الإستراتيجية التي تربطهما تجرأنفاسها الاخيرة وتنتظر موتها السريري. من هنا، توجه مجلس محافظة السليمانية، الذي يهيمن عليه الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة كوران، الى تشكيل لجنة في 30 نيسان/ ابريل2020، بغية تطبيق قرارالمجلس بالإنتقال الى صيغة اللامركزية الإدارية والمالية لتسييرأمورالمحافظة، وذلك من خلال نقل بعض سلطات الادارة المركزية الى السلطة المحلية في محافظة السليمانية كشكل لتقاسم السلطة مع  الحزب الديمقراطي الكردستاني، المهيمن على الإدارة المركزية (على مستوى الاقليم)، إذ أن الإدارة المركزية في اربيل ليس لها تحفظ على ذلك، شرط أن لا يؤدي الى تمزيق وحدة الإقليم مستقبلا.
 
ويرى البعض ان هذا الاجراء قد يؤدي الى تقسيم حكومة إقليم كردستان الى إدارتين مستقلتين، كما حدث ذلك في عام 1994، المشار اليه في الفقرة (3) اعلاه، وزعزعة وحدة الاقليم، وبالتالي إنفراد الاتحاد الوطني بالتعامل بشكل مباشرمع الحكومة الاتحادية، وطلب منها تخصيص حصتها من الموازنة العامة الإتحادية بشكل منفرد عن ميزانية الإقليم.
 
وهناك من يرى ايضا، بان الإدارة المركزية في الإقليم تخصص حصة أكبرمن مخصصاتها للإعمار والبناء والمشاريع والخدمات في محافظتي اربيل والدهوك لأنهما تحت هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني وذلك على حساب محافظتي السليمانية وحلبجة الخاضعتين لسيطرة الاتحاد الوطني وحركة كوران، مع تشديد البيرقراطية في عملية إتخاذ القرارات في المسائل المهمة والاساسية التي تخص المحافظتين الاخيرتين. ولذلك، فإن اللامركزية الإدارية والمالية قد تساعد كل محافظات الإقليم على تقديم خدمات أفضل للمواطنين وتنفيذ مشاريع حسب أهميتها وفق رؤى استراتيجية واضحة مبنية على برامج وخطط مدروسة.

إن التوجه نحواللامركزية الإدارية والمالية في كافة محافظات الإقليم يمكن تطبيقها وفق: الضوابط والمعاييرالشفافة، والاستعانة بمبادئ الإدارة الرشيدة المعروفة، وتوسيع القاعدة الديمقراطية وممارستها في الحياة اليومية، وتحديد الواجبات والمسؤوليات في تسييرالامور،  مما سيساهم في تخفيف البيروقراطية المركزية في إتخاذ القرارات، وتحسين كفاءة الإدارة الذاتية، وتعززالثقة من خلال العمل المشترك والمتابعة والتنفيد مع الإدارة المركزية في اربيل.
ختاما، أن المحاصصة الحزبية الضيقة والفئوية والتوافقات السياسية المصلحية الداعمة للفساد المالي والاداري، والشركات الإحتكارية التي يمتلكها الحزبان المتنفذان، تمثل (الدولة العميقة) التي تسيركل انواع النشاط الاقتصادي لمصالحهما، قد ساهمت وسببت في فشل الادارات المتعاقبة منذ 1992 وحتى اليوم في آداء مهامها لصالح المجتمع،  وأوصلت مسيرة تجربة الفيدرالية في الإقليم الى الأزمات والإخفاقات في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والامنية.

لقد حان الوقت لإجراء التغيير والإصلاح في بنية النظام السياسي والاقتصادي في الإقليم، والجلوس الى طاولة الحوار البناء مع الاطراف المساهمة في الحكم والعملية السياسية وإعادة الثقة بينها، وإقرار مبدأ تداول السلطة، وتأمين الإستقرار السياسي والاقتصادي والسلم الاجتماعي، وصيانة الحريات وحقوق الإنسان، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية ـ الاقتصادية للمواطنيين، وإتخاذ اجراءت صارمة وحازمة لوقف منهج الفساد المالي المستشري على كافة المستويات، وتوحيد الخطاب السياسي وجمع شمل بيت الكردي، وتفعيل دور الجماهير الكردستانية في عملية صنع القرار، وتحسين العلاقة مع الحكومة الإتحادية وفق المصالح المشتركة.

إن خفض حصة ميزانية الإقليم من الموازنة العامة الإتحادية في حالة عدم تسليم الإقليم( 250.000) برميل نفط يوميا الى الحكومة الإتحادية، مع تدني أسعار النفط وتصديره من اربيل مباشرة (تنقصها الشفافية وتستشري فيه الفساد المالي والإداري)، بالإضافة الى نفقات حملة مكافحة (فايروس كورنا)، قد يؤدي الى أزمة أقتصادية كبيرة، ويفاقم من حدة الصراع بين الاطراف السياسية، ويهدد الامن والإستقرار والسلم الاهلي الى الخطر، وفي نهاية المطاف تفكك وحدة الإقليم، وإجهاض تجربته الفيدالية، وتقويض شرعية الحكم القائم.

 وفي هذه الحالة، يتوجب على حكومة الإقليم إتخاذ قرارات وإجراءات سريعة وحاسمة وتاريخية تتعلق ببنية النظام القائم من شأنها إنقاذ الإقليم وشعبة من ازماته الراهنة وإيصاله الى برالأمان، بما في ذلك حماية وحدة الإقليم وتجربته التاريخية.



7
مفاهيم وتطبيقات العدالة الاجتماعية والاقتصادية في ظل النظام الحاكم في العراق بعد 2003

د.صباح قدوري


من الصعب التكلم عن مسالة ( العدالة الاجتماعية)، التي تقرالحق الأساسي للإنسان بان يتمتع بكامل حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بمعزل عن تطبيقات لأركانها المتمثلة بالاتي:

النظام الاقتصادي السياسي السائد في الدولة، وتوجهات البرنامج الحكومي إزاء التنمية الوطنية المستدامة، ومفهوم المواطنة والوطنية ومسألة الهوية، المساواة وتكافؤ الفرص، والحريات المدنية والسياسية، والديمقراطية، وذلك لارتباط الوثيق بين هذه المفاهيم ومصطلح العدالة الاجتماعية ـ الاقتصادية.
 
هناك مفاهيم وتعاريف عديدة لمصطلح العدالة الاجتماعية تعتمد على الفكرالايديولوجي والعلمي لتفسيره وتطبيقه. فعلى سبيل المثال، يستند فكرالاقتصاد السياسي الماركسي في تفسيرالعدالة الاقتصادية التي هي الجزء المهم والمتمم للعدالة الاجتماعية، على ( المدخلات والمخرجات ـ الانتاج)، وفق أسس: قوى الانتاج ( العمل)، ملكية وسائل الانتاج ( الملكية الاجتماعية العامة)، وعلاقات الانتاج ( توزيع عادل للموارد والخدمات الانتاجية بين طبقات وفئات المجتمع).

اما فكرالاقتصاد السياسي الراسمالي، فهوقائم على: قوى الانتاج (رأس المال)، ملكية وسائل الإنتاج (الخاصة)، وعلاقات الإانتاج ( توزيع متفاوت للموارد والخدمات لصالح الرأسمالية).

نحاول في هذه الورقة وباختصار شديد ( من دون الدخول في التفاصيل) معرفة مدى توافق تطبيقات هذه المفاهيم مع مفهوم العدالة الاقتصادية والاجتماعية في العراق اليوم، وكمايلي:

 1. النظام الاقتصادي
 
كما هو معروف فأن الايديولوجية المتبعة والتي فرضها المحتل الأمريكي عند احتلال العراق في عام 2003، تستند على ايديولوجية اللبراليين الجدد، أو ما يسمى ( إجماع واشنطن)، التي تعتمد على:

 نمودج اقتصاد السوق الحر، والاصلاح المالي والاداري للمؤسسات الحكومية على اسس الخصخصة، والاعتماد على توجيهات ونصائح المؤسسات المالية الدولية الرأسمالية ( الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية). مما يترتب عليه انتقال الادارة الرئيسية للاقتصاد الوطني الى ايدي القطاع الخاص بدون أية ضوابط، والعمل بآليات السوق وإطلاق قوى العرض والطلب وسوء استخدام مبدأ المنافسة، وفي نهاية المطاف تمكين الفاسدين من السيطرة على مقدرات الانتاج الوطني، وذلك على حساب إضعاف أو إبعاد اداء القطاع الحكومي والتعاوني وحتى التطوعي في عملية التنمية الوطنية المستدامة، بدلا من الاعتماد على نظام اقتصادي متوازن وعادل للجميع. لقد أدى تطبيق هذا النوذج الى الاتي:

 أ ـ تفاقم البطالة في قوة العمل بين ( 25 ـ 30 )% ونسبة مستوى خط الفقر 20%، اي نحو( 7 ) سبعة ملايين مواطن من سكان العراق البالغ (38,8 ) مليون نسمة، بحسب ( وزارة التخطيط)؛
ب ـ استشراء نظام الفساد المالي والاداري ونهب ثروات البلاد وتبديد المال العام، والصراع المحموم على السلطة والنفوذ بين المتنافسين؛
ج ـ التفاوت الكبير في مستويات الدخل وتراكم الثروات بين الافراد وبين مناطق البلاد، مما ترك أثاراً سلبية كبيرة وعميقة على االطبقات الاجتماعية، من خلال نمو:

ـ فئة ( طفيلية) موالية للحكومات المتعاقبة، وتشكل قاعدتها الاجتماعية، وهي قوة مناهضة للمنتجين الفعليين للثروة.
 ـ وظهور فئة اخرى ( مافيا)  متخصصة في سرقة النفط وبيعه من خلال قنوات متعددة، تتعاطي مع العمولات والرشاوي مع الشركات العاملة في العراق خاصة في مجال النفط والتجارة الخارجية ومتاجرة بالاسلحة والمخدرات وغيرها.
ـ نشوء شرائح البرجوازية لصالح الجناح الطفيلي البيروقراطي والكومبرادوري، مما يدفع بعملية التراكم الراسمالي والمتعلق بالملكية العقارية اوبالتجارة الداخلية، بدلا عن تحقيق تراكم لرأسمال القائم على الانتاج.
د ـ انسياب نسبة متعاضمة من الدخل القومي الى الخارج من خلال قنوات التجارة الخارجية والفساد وغسيل الاموال، وتوزيع غير عادل للدخل القومي بين طبقات وفئات المجتمع. كما أبقى البلاد سوقا مفتوحة للسلع الصناعية والزراعية والخدمات الاجنبية، من دون اية ضوابط أو رقيب عليها، اضافة الى الهبوط في التنمية وانخفاض الدخول الحقيقية للجماهير الكادحة، والتفاوت في توزيع الثروة، مما عمق من ضعف الطبقة المتوسطة المنتجة الرأسمالية الصناعية المحلية؛
ه ـ بقاء الصفة الريعية للاقتصاد، وهذا يعني تبعية الدولة للمداخيل الناتجة من عائدات صادرات النفط الخام بالدرجة الاساسية، والذي يساهم ما نسبته ( 92% ) من إجمالي إيرادات الموازنة العامة، و(63,7%) من ناتج المحلي الاجمالي، وبالتالي فانه يبقى رهين تقلبات سعره والطلب عليه في السوق، بدلا من النهوض بالقطاعات الانتاجية؛
وـ  أدت هذه الحالة الى استقطاب طبقي لصالح الفيئات المهيمنة على الحكم، وانعكاس ذلك على الاختلال في تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية ـ الاقتصادية.

2. مبدأ المواطنة والوطنية

اسس الاحتلال الامريكي نظاما سياسيا قائما على المحاصصة المقيتة وفق الطائفية السياسية والمذهبية والاثنية من اجل السلطة والمال والنفوذ. وأسس كذلك لبزوغ  سياسات الهوية والتفرقة على اسس دينية وطائفية واثنية بين مكونات الشعب العراقي، بدلا من مفهوم المواطنة والتساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ووفق مبدأ العدالة التي هي من القواعد اللازمة لعيش مشترك يجمع افرادا احرارا ومتساوين.
 
3. المساواة وتكافؤ الفرص

المساواة ركن أساسي  في العدالة الاجتماعية. وهي تستند على الشروط التالية:
 
عدم التمييز بين المواطنين لاي سبب كان، وتوفير الفرص بشكل عادل، وتمكين الافراد من الاستفادة من هذه الفرص ومن التنافس على قدم وساق، مع الأخذ بنظرما يمكن اعتباره فروقات مقبولة اجتماعيا. لم تطبق هذه المفاهيم  بالشكل الصحيح على ارض الواقع في العراق اليوم رغم ورودها في المواد الدستورية!.
 
4. الديمقراطية

لم تمارس الديمقراطية في الحياة اليومية وتمّ    اختزالها في الانتخابات المزورة في جميع مراحلها. وتشكيل الحكومات بعد الانتخابات على اسس نظام المحاصصة البغيض، وعدم اقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، وابعاد دور المجتمع المدني للمشاركة في عملية صنع القرار السياسي والرقابة على اداء الحكومي في البلاد. غياب الادارة الرشيدة التي تستند اركانها على:

 الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية وممارستها في الحياة اليومية، وإفصاح المعلومات عن أداء المؤسسات الحكومية، والدور الرقابي الشعبي والهيئات المختصة في محاربة الفساد المالى والاداري المستشري في المفاصل الادارية والحزبية.

5. الحريات المدنية والسياسية

هناك مجموعة حريات مدنية وسياسية اساسية لابد ان يتمتع بها المواطن لتحقيق العدالة، وهي ايضا من مقومات التساوي في الإمكانيات التي تساهم في تاسيس العدالة. لم تمارس ذلك في الحياة اليومية بالشفافية والمصداقية العاليتين، ولأسباب عديدة: محدودية النشاطات الاقتصادية، وتقزيم الحريات الاجتماعية والفكرية، وكبت الحريات السياسية والعامة، وهيمنة الفكر الديني
(الاسلام السياسي)، وسيطرة بيروقراطية على إدارة الحكم اتصفت عموما بالجهل والفساد.

6. التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مجتمعية
 
 ان التنمية بأشكالها المختلفة هي إحدى وظائف الأساسية للدولة العادلة الحديثة. وقد اخفقت الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال في تحقيق التنمية الوطنية القائمة على العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ولأسباب كثيرة (من دون الدخول في التفاصيل)، وكالاتي:

•   تكريس سياسات التهميش والإقصاء والفقر واللامساواة، وغياب الإرادة السياسية والرؤى الواضحة والاستراتيجة الشفافة والمعللة للتنمية؛
•   اخفاق في السياسة الضريبية وتوفير نظام ضمان اجتماعي كامل، ادى إلى عدم تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الاساسية الضرورية للمواطنين.
•   عدم اشباع الحاجات الملحة والضرورية والمتنامية للمواطنين بسبب عدم  الاعتماد على سياسة الاقتصاد الانتاجي، فهو وحده القادرعلى رفع الانتاج وانتاجية العمل، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفيرالسلع والخدمات للمواطنين وتخفيف حدة البطالة؛
•   استمرار نظام الفساد المالي والاداري على المستويات الادارية والحزبية، من دون اتخاذ الاجراءات الحاسمة ضده؛
•   خلل في عملية متابعة الاداء الاداري والمالي والتنفيذي لمشروعات الموازنة العامة بشقيها التشغيلي والاستثماري؛
•   سوء سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة للجميع ادت الى تفاقم البطالة وعدم تامين فرص عمل اللائق للجميع، والقضاء على الفقر، وتقليل الفوارق الطبقية.

7. العمل السياسي والفكري

ان الافكار والمفاهيم المشارة اليها سابقا، لا تعني كثيرا اذا ظلت أفكارا فلسفية، لا بد ان تقترن بالعمل السياسي والفكري واضح المعالم، من أجل وضع الانظمة السياسية وبأهداف وبرامج واضحة وشفافة وآليات فعالة تترجم نفسها في التطبيق والممارسة الاجتماعية، وطرح تصورات نظرية وعملية للعدالة الاجتماعية في المفهوم السياسي والاقتصادي والحقوق الاجتماعي.

8. استنتاج

يتيح العرض السابق الاستنتاج، بأن ترجمة وتطبيق هذه المفاهيم على أرض الواقع في العراق اليوم اصبحت من الصعوبة بمكان وخاصة في ظل أزمة النظام السياسي والاقتصادي والاداري للحكومات المتعاقبة، وغياب الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية الحكومية الواضحة، ودخول المجتمع العراقي في دوامة وارباك واضحين، وكذلك الحالة العامة للدولة العراقية التي عجزت عن اداء وظائفها الاساسية في إنهاء الفساد السياسي والمالي والاداري واستعادة الوطنية العراقية والانتقال الى دولة المواطنة، منذ الاحتلال والى اليوم. لن يتغيرهذا الوضع مالم يجري التغيير والاصلاح الحقيقيين في بنية  النظام والمؤسسات الحكومية والادارية المتمثلة بالسلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحتى السلطة الرابعة (الاعلام)، واعتبار العدالة الاجتماعية والاقتصادية مسؤولية اجتماعية على الدولة آزاء المجتمع ومواطنيها من خلال:

 التوزيع العادل للموارد والدخول كالأجور والرواتب والثروة، ونظام عادل لتوزيع الأعباء  الضريبية، وتساوي الفرص الاقتصادية من دعم وتقديم الخدمات العامة الصحية والتعليمية والضمان الاجتماعي والدعم السلعي والاحتياجات الضرورية للمواطنين من العمل والمشرب والمسكن، وخاصة للعاطلين ومحدودي الدخل والفقراء وللفئات الأشد فقرا، باعتبار ذلك حق طبيعي للفرد بأن يتمتع به ويتقاسم الموارد والخدمات مع الدولة بشكل عادل، واحترام الحقوق والحريات والمساواة بين المواطنين، وممارسة الديمقراطية في الحياة اليومية، وبث روح المواطنة والوطنية بين اطياف ومكونات الشعب العراقي.

مساهمة انتفاضة تشرين الأول

ختاما، بغية تحقيق طموحات واهداف الشعب العراقي والحصول على كامل حقوقه المشروعة، أنطلقت الجماهيرالعراقية، بكافة اطيافها ومكوناتها وباسلوب سلمي وحضاري، شرارة إنتفاضتها المجيدة في الأول من تشرين الأول/ اكتوبر2019  والمستمرة حتى الان. شملت الانتفاضة معظم مناطق العراق وشهدت تعاطفا وتضامنا باشكال مختلفة من الشعب الكردستاني.

لقد تبلورت مطالب الانتفاضة مع مرور الوقت، ويمكن إجمالها بالآتي:
تحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشعب، وبعملية التغيير والاصلاح الشاملين في بنية النظام القائم وبرحيل أركانه، وإنهاء الفساد والعمل على إسترداد الأموال العراقية المهربة، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في أقرب وقت ممكن، وفي ظل قانون انتخابي عادل ونزيه وشفاف واجواء ديمقراطية وتحت إشراف المنظمات الدولية، وإحالة القتلة والمجرمين المشاركين في ضحايا الإنتفاضة من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعرضين للاعتقال والاختطاف والتعذيب الى القضاء، لينالوا العقاب الصارم بحقهم، وانهاء هيمنة المليشيات والفصائل المسلحة التي تقوض سلطة الدولة والحفاظ على سيادتها، بغية وضع العراق دولة وحكومة على الطريق الصحيح انطلاقا من مسؤوليتها المجتمعية والانسانية. وترجمة وتطبيق المفاهيم التي أشرنا الى بعضها فيما تقدم من خلال برامجها وخططتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف تحقيق تنمية وطنية شاملة مستدامة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية، التي تعتبر حجر الزاوية لتحقيق فكرة العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي والتقدم والازدهارفي ظل دولة مدنية ديمقراطية تقراسلوب تداول السلطة، وتضمن الحياة الكريمة والسعيدة والآمنة والمستقرة لأبناء هذا الجيل والاجيال القادمة، وإيصال البلاد الى برالأمان.

وبعكس ذلك فإن ترك هذه المسالة ودون الاهتمام والمعالجة الجدية لها، ستؤدي بلا شك الى تفاقم حدة الصراع الطبقي في المجتمع، وزيادة حجم فجوتي الثروة والدخل إتساعا، وتجزئة المجتمع الى فئات اجتماعية وثقافية متنازعة، الأمرالذي يتسبب في تقويض شرعية نظام الحكم، وتشجيع التطرف، وشيوع الجريمة، وزعزعة الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي، وخلاف ذلك سيبقى العراق دولة فاشلة بكل معنى الكلمة وفي مختلف مفاصل الحياة.



8
احتفالية 8 اذار وشعار المرأة ( المرأة ثورة موعورة) في الانتفاضة المجيدة

د. صباح قدوري

في الوقت الذي يحتفل العالم في يوم 8 اذار/مارس من كل سنة بيوم المراة العالمي، تحتفل المراة العراقية في هذه السنة بعيدها في ساحة التحرير ومعظم مدن الجنوب والوسط، بمشاركتها الفعالة والمتواصلة وبحضور واسع من الشابات والطالبات، كمحتجة في الانتفاضة التشرينية2019 الباسلة، تحت شعارها الحقيقي ( المراة ثورة موعورة)، تضامنا مع المتظاهرين عبر تقديم خدمات، طبية، كمسعفة، وفي التنظيف، والطبخ، ومحرضة ايضا. وقدمت تضحيات جسيمة عدد من الشهيدات والجريحات وتعرضت للاعتقال والتعذيب  والاخطتاف.
هكذا جددت المرأة العراقية ثانية دورها الطبيعي والحقيقي الى جانب الرجال، مسجلة بذلك حضورا مضيئا في ذاكرة الكفاح والنضال لم يكن غائبا طيلة مسيرة تاريخ الحركة الوطنية التحررية العراقية. وأبرزت بشكل لآفت دورها الحقيقي والطبيعي في تقديم الدعم والتضامن لتحقيق مطاليب الانتفاضة  في: بناء عراق جديد مدني تعددي،  مستقر وآمن، متقدم ومزدهر، خالي من التمييز واللامساواة والاضطهاد والقمع، والفقر والبطالة والجهل، يتحقق فيه الممارسة الحقيقية  للديمقراطية، وتصان حرية وحقوق الانسان على اسس المواطنة والوطنية، ويضمن مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الشعب، وانهاء نظام المحاصصة البغيض، وعملية التغيير والاصلاح الشاملين في بنية النظام القائم وبرحيل أركانه، وإنهاء الفساد المالي والاداري، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية، واجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

من  اجل هذه المبادئ السامية والاهداف النبيلة، ساهمت المراة بكل جرأة وبمستوى عالي من المسؤولية الوطنية للدفاع عن مطالبها المسلوبة، تارة باسم الدين وتارة اخرى بحجج التمييز والتفوات بين الجنسين وتقليل دورها الحقيقي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والادارية، وكل مطالبها الحقيقية المشروعة في الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وذلك لارجاع موقعها الطبيعي في المجتمع كمنتجة ومساهمة وقادرة على بناء عراق جديد بالتعاون والعمل المشترك مع بقية افراد الشعب العراقي الذين ينتفضون اليوم ويطمحون  لتحقيق غد مشرق للعراق دولة وشعبا، يسود فيه الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي، ويعيش شعبه بكرامة والاحترام والتقدم والازدهار.

أجمل واحر التهاني القلبية مع باقات ورد حمراء للمراة العراقية ولنساء العالم اجمع بهذه المناسبة العزيزة. للننتهز كل الفرص والمناسبات لاحياء هذه الذكرى وغيرها تضامنا مع نضالات وبطولات المراة العراقية، من اجل تحقيق كامل حقوقها المشروعة في: المساواة والحرية والمواطنة، وحماية الاسرة وانهاء كل اشكال العنف والارهاب والقمع والتمييز ضدها. وجعل قضيتها في المقام الاول، بهدف تشجيعها وانخراطها في كل الانشطة التي تساهم في رفع دورها ومكانتها الحقيقية والفعلية في المجتمع، من خلال مشاركتها في صنع القرارات المهمة وفي عملية بناء الاقتصاد الوطني ضمن ( استراتيجية تنموية شاملة ومستدامة)، وتصحيح مسارالعملية السياسية، بهدف بناء عراق جديد، ينهض بمهامه الوطنية والسيادية، ويعاد الهيبة للدولة في المحافل الاقليمية والدولية، ويضمن حياة وعيش سعيدين للمواطن والاجيال القادمة.



9
الإنتفاضة الشعبية مستمرة حتى تحقيق النصر
د. صباح قدوري

دخلت إنتفاضة الشعب العراقي المجيدة شهرها الثالث منذ إنطلاقها في الأول من تشرين الأول/ اكتوبر 2019، مطالبةً بإجراء التغيير والإصلاح الشاملين في بنية النظام السياسي والاقتصادي القائم علي اسس: منهج المحاصصة المقيتة والحكم الطائفي، وإستشراء نظام الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة، وتبديد المال العام ونهب ثروات البلاد، والصراع المحموم على السلطة والنفوذ بين المتنافسين، وتفريغ المؤسسات الحكومية والإدارية المتمثلة بالسلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحتى السلطة الرابعة الإعلام من أحترام أستقلالها وسيادتها وشفافيتها ومصداقيتها، الأمر الذي قاد الى إفتقاد اسس الإدارة الرشيدة، وتكريس سياسات التهميش والإقصاء وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية، وتفاقم نسبة البطالة والفقر، وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية، وبالتالي مبدأ المواطنة العراقية نفسه من لدن الحكومات المتعاقبة منذ الإحتلال عام 2003 وحتى اليوم، بحيث صارالعراق دولة فاشلة بكل معنى الكلمة.

وأمام هذه اللوحة السوداوية للنظام الحالي، أنطلقت هذه الانتفاضة الشعبية السليمة الى الشوارع والساحات في عموم العراق، وبأوسع مشاركة من أطياف وفئات المجتمع العراقي، عابرة كل مكوناته الدينية والطائفية والاثنية ، مطالبة بالتغييرالجذري وبرحيل النظام وجميع أركانه، ليحل محله نظام مبني على أسس المواطنة والوطنية والتساوي بين المواطنين في الحقوق والحريات ووفق مبداء العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتوفيرعيش مشترك يجمع افرادا احرارا ومتساوين. واليوم تحولت هذه الإنتفاضة الى ثورة الشعب العراقي بكافة مكوناته وأطيافه، إلا أنها جوبهت بالعنف والقمع الدموي المفرط، مما تسبب في وقوع  تضحيات جسيمة في صفوفها، تمثلت في المئات من الشهداء والاف من الجرحى والمعوقين وذلك  قربانا من أجل حياة كريمة وآمنة ومستقرة وغد مشرق لأبناء العراق من هذا الجيل والأجيال القادمة. 

وهنا لابد من الإشارة الى تعنت رئيس الحكومة الفيدرالية في تقديم إستقالته في وقت مبكرمن إندلاع هذه التظاهرات بحجة الإلتزام بالدستور(الذي لم تلتزم الحكومات المتعاقبة به منذ إقراره من الشعب في عام 2005 وحتى الان!). وكذلك موافقة الكتل السياسية على ترشيح بديل له. ولكنه إضطر،  في نهاية المطاف، الى الإذعان الى مطاليب جموع المتظاهرين والمرجعية الدينية لتقديم الإستقالة.

وثمة دورضعيف وغير مهني وأخلاقي لرئيس الجمهورية، مع الأسف، في ممارسة صلاحياته الدستورية لإيجاد حلول صائبة وعقلانية لهذه المسالة لا قبل ولا بعد إستقالة رئيس الحكومة وحتى اليوم، بغية تجنب كل ما حصل من أضرار بشرية ومادية.
 
كما  أن البرلمان العراقي يلعب دورا خجولا وغير مهني ولا أخلاقي في هذه المسألة، محاولا طرح بعض حلول ترقيعية يسمونها " إصلاحات" في الدستور وقانون الإنتخابات والهيئة المستقلة للإنتخابات وهيئة النزاهة، وذلك لإسكات صوت المنتفضين وحملهم على التراجع عن حراكهم وإنهائه.


وقد تلقت هذه الثورة تضامنا واسعا من القوى والشرائح الإجتماعية المختلفة من داخل العراق وخارجه، وإدانات وإستنكارات محلية ودولية من مختلف السفارات ومنظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية التابعة للأمم المتحدة، ومطالبات للجهات المسؤولة بالكف عن الممارسات اللإنسانية ضد الثوار، والكشف عن هوية المذنبين وإحالتهم الى العدالة لينالوا عقابا صارما عن أفعالهم الشنيعة.

وتحاول الكتل السياسية الحاكمة توظيف كل إمكانياتها ومؤسساتها الإدارية والأمنية وميلشياتها للتمسك والتشبث بسلطتها الفاسدة وعدم تسليمها بسهولة ومن دون دفع الثمن الى الشعب، ولذلك فهي تحاول إستخدام كل الوسائل الممكنة، بما فيها القمع الدموي، والمماطلة  في إتخاذ الإجراءات اللآزمة والسريعة بغية الإلتفاف على مطالب الثوارالعادلة الداعية لتدويل الوضع. ولكن كل هذه المحاولاث  ستذهب هباء لأن الثورة قامت على أسس متينة وسليمة ومحقة وعادلة لا يمكن لاي قوة أن تزعزعها والنيل منها.  فهي مستمرة وتكبريوما بعد يوم وتتقدم صوب النصرعاجلا أم آجلا، وسيكون الموت والخزي والعارمن نصيب عصابات الطغمة الحاكمة.

على الثوارفي الساحات، وعلى كل عراقي شريف، الإنخرط في هذه الثورة الجبارة، كل من موقعه، وأن يتخذ الحيطة والحذر من تدخل أنكلوا ـ امريكي مباشروفق سياسة ( الفوضى الخلاقة) التي مارسوها عند إحتلال العراق وذلك بهدف إعادة ترتيب أوضاع السلطة بحيث تلتزم بتنفيذ السياسة الأمريكية والأوربية  في العراق والمنطقة والمحافل الدولية.

وما قلنا أعلاه عن التدخل الأمريكي والغربي ( وتدخل دول الخليج وتركيا)، يسري ايضا علي تدخل إيران في شوون العراق. فإيران تتدخل بشكل سافر في كافة مفاصيل الدولة العراقية، وهي تحاول إجهاض التظاهرات باسلوب دموي  بالتعاون مع ميلشيات بعض الكتل السياسية حتى لوكلف ذلك مزيدا من الضحايا في أرواح المتظاهرين، وذلك بهدف انقاذ النظام الحاكم واستبدال رموزه بحكام آخرين جدد من أحزاب الإسلامي الشيعي والسني التابعين أو الموالين لها.

نقف إجلالا وتكريما لأرواح شهداء ثوارنا المنتفضين، ونعزي أنفسنا  وعوائل الضحايا والمصابين والمعوقين، ونرجو للمصابين والجرحى الشفاء العاجل... والنصر لنا.




 

10
سفرتي الى جمهورية الصين الشعبية: مشاهدات وإنطباعات

د. صباح قدوري
 
1. سافرت الى، الصين،  هذا البلد العظيم، في شهرأيار/ ماي2019، لزيارة ابني آدم الذي   
 يحضرللماجستيرفي الجامعة المشتركة بين الصين والدانمارك. وكسائح، وجدت أن هذا البلد قد تقدم وحقق نجاحات كبيرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتطورالتكنلوجي، وبخاصة في المعلوماتية، في غضون السنوات الأربعين الماضية. ولا تزال مسيرة التطورهناك مستمرة على كافة الصعد بهدف تقليل مستويات البطالة، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتحقيق معدل عال لنموالناتج المحلي الاجمالي لعام 2018 يصل إلي (6 ـ 7) بالمائة بحيث يبلغ ذلك الناتج نفسه ( 13.28) تريليون  دولار امريكي ( حسب مصلحة الدولة للإحصاء ). كما تأخذ جهود التنمية بنظرالاعتبارأقاليم البلد المختلفة وتوزيعها الديمغرافى، وكذلك تعزيزمكانة الصين الدولية. ومن المتوقع أن تحتل الصين في عام 2030، اي بعد حوالي عشر سنوات، المرتبة الأولى في العالم من حيث القوة الاقتصادية.

•   تجولت مع ابني في بعض مناطق العاصمة بكين التي يبلغ عدد سكانها حوالي (22) مليون نسمة من مجموع سكان الصين البالغ ملياروسبعمائة مليون نسمة. وقد شاهدت المعالم المختلفة للحضارة هناك من حيث: كثافة وتنوع الأراضي الخضراء والشوارع والاماكن العامة النظيفة، والكثير من المحلات التجارية ذات الماركات العالمية والمطاعم والسوبرماركات والمقاهي ذات التصاميم الحديثة والعمارات والمباني الشاهقة بتصاميمها المنفتحة على معالم الحضارة العالمية، ومن بينها العمارة المصممة من قبل المهندسة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد التى تحمل اسم (Zaha Galaxy Soho Beijing). ولكن كنت ألاحظ درجة من التلوث في الهواء الذي يؤثرعلى التنفس بحيث يضطر الناس الى استعمال الكمامات عند خروجهم الى الشوارع.

•   وما لفت نظري أيضا أن معظم الفئات العمرية من الرجال والنساء والشباب يحملون الهواتف الذكية المصنوعة غالبيتها في الصين، الى جانب هواتف شركات أجنبية مثل،
   ( آيفون وسامسون). إذ  أن هناك العشرات من الشركات الصينية التي تنتج الاجهزة الذكية، والمشهورة محليا وعالميا مثل الهاتف الذكي ( هواوي)،  والتي تباع بأسعار متوسطة
تناسب الجميع. وتستخدم هذه الهواتف على شكل واسع في دفع الفواتير في المحلات والمطاعم والفنادق ووسائل النقل والمواصلات، وعند الدخول الى المتاحف والأماكن الأثرية والتاريخية وغيرها. والى جانب الهواتف، يجري استعمال الكارتات المصرفية المعتمدة لدى الصين، مثل (فيزة وماستر كارت). وبالاضافة الى ذلك، تستخدم اليوم في الصين تكنلوجيا شبكة الجيل الخامس للإتصالات (G5) في نظام الانترنيت، بينما لا تزال دول العالم الأخرىتستخدم  نظام الجيلين الثالث والرابع (G4,G3).

•   تتوفرفي بكين وسائل عديدة للنقل والمواصلات وبأسعار مقبولة: الميتروبقطاراته المتطورة والحديثة والجمالية، ومحطاته وأنفاقه النظيفة التي تقدم الخدمات الأساسية المطلوبة. علما بأن بطاقة المترو تستخدم أيضا في الباصات المتوفرة بكثر. كما توجد سيارات تاكسي بأسعار مقبولة وبماركات العالم المختلفة، والتي يمكن طلبها عن طريق الهاتف المحمول. وتأتى هذه السيارات في أوقاتها الدقيقة وتتميز بحسن تعاملها مع الركاب، وتستلم أجرتها عن طريق الهاتف أيضا. ولكن الإزدحام المروري يحدث في بعض الحالات النادرة، وخاصة بعد إنتهاء أوقات العمل. هذا بالإضافة الى إستخدام الواسع من قبل الصينين في حياتهم اليومية للدراجات الهوائية المختلفة والمتطورة في النقل الشخصي والبضاعة.

•   توجد في بكين الكثير من الاماكن الأثرية والتاريخية، منها: المعابد الدينية البوذية، وقصورها التي يقصدها السواح، مع تقديم مختلف أنواع الخدمات: كالنقل والمواصلات والمتاجروالمطاعم والمقاهي ودورالعبادة. وفي داخلها تجد المعالم الاثرية والتراثية والتاريخية لهذه الديانة الرئيسية في الصين. وتحضي هذه الأماكن باهتمام كبيرمن قبل الدولة للإستفادة منها كمورد سياحي.

•   قمت بزيارة سور الصين العظيم، الذي يعود تاريخ بنائه الى الفترة ( 1368 ـ 1644) م، وهو مبني على جبال واراضي شاسعة تمتد بمسافات طويلة يبلغ طوله (6.260) كيلومترا وذلك على شكل منصات تبتعد عن بعضها من (300 ـ 500) متر. ويصل متوسط  أرتفاع السورالى (7.5) متر، وهو يبتعد نحو ساعتين بالسيارة عن وسط بكين، ويحظى برعاية الامم المتحدة التي أدرجته على قائمة الثراث العالمي سوية مع الأهرامات في مصر، ويعتبر من عجائب الدنيا السبع.وتقوم الدولة بإدامة وتعمير المنشآت والمباني والطرق والمواصلات المحيطة بالسور، وتقدم أفضل الخدمات السياحية من خلال المطاعم والمحلات التجارية، والنقل الكهربائي ( Cable Way) الى منطقة الجبل ومن ثم المشي بمحاذاة السور. ومن أعلى السور يمكن مشاهدة  بانوراما المدينة بشكل جميل ومنسق ومنظم.

•   في بكين، زرت الساحة الرئيسية التي تحمل اسم (تيانانمن)، التي شهدت الإضراب الطلابي عام1989، حيث لايزال أثرالدبابة التي سيطر عليها المتظاهرون، موجودا حتى الآن. وتلقي  الحكومة الصينة على جبهة ( ريغان، تاتشر، وكارول بابا فاتيكان السابق، البولندي الاصل، وبالتعاون مع غورباتشوف)، مسؤولية تحريك ودعم تلك التظاهرات، ومحاولة جر الصين الى محور الإتحاد السوفيتي وكتلة أوربا الشرقية التي أنهارت في تلك السنة.
 
•   شاهدت المدينة القديمة التي يعود تاريخها الى زمن امبراطورية القيصر،  والتي هي اليوم بمثابة قرية تتبع العاصمة بكين، وتحتوى على القصور والابنية الجميلة التي تعود هندستها ومعماريتها الى تلك الحقبة من التاريخ. وتعتبر هذه المدينة اليوم من الأماكن التي يقصدها السواح من مختلف أنحاء العالم، مع توفير شتى الخدمات الأساسية لزائرها.
 2. كما قمت بزيارة مدينة شنغهاى، العاصمة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية، التي يبلغ عدد سكاتها الآن حوالي (27) مليون نسمة، اي بزيادة (5) ملايين عن العاصمة بكين. وهي تبعد عنها حوالي ( 1600) كيلومتر، أوخمس ساعات بالقطارالسريع الذي يسيربسرعة معدل (320) كم/ساعة. ويتميزهذا القطار بدقتة ذهابا وايابا، وتقدم وسائل الراحة والخدمات الضرورية بأسعار مناسبة. وفي الطريق الى شنغهاي، يستمتع المرء بمشاهدة المدن والبلدات الواقعة بين المدينتين والتي تشهد تطورا ملحوظا في تشيد الابنية السكنية والعمارات العصرية بالوانها الزاهية وتصاميمها المختلفة، وكذلك مشاهدة الاراضي الزراعية ومحاصيلها وأشجارها المتنوعة.

ويوجد في مدينة شنغهاي ميناء بحري، وهو أكبر مواني  الصين ومعروف على الصعيد العالمي. ويلاحظ المرء التطور الكبير والسريع الذى تشهده المدينة وضواحيها والذي يتجلى في: الحركة التجارية والمالية والصناعية الواسعة، والشركات العالمية والاسواق والمحلات والمقاهي والمطاعم والفنادق الممتازة، ومحلات الشرب والتسلية الليلية الجميلة بالوانها وإضاءتها وتصاممها العصرية، وعماراتها الشاهقة المبنية على أحدث الطراز المعمارية العالمية، والتي تزين واجهاتها في الليل بالالوان والإضاءات الزاهية الجميلة والمتناسقة. كما أن هناك شوارع  للمشى والتسويق والتسلية التي تبقى مفتوحة لساعات متاخرة من الليل، وحدائقها العامة الجميلة بتصاميمها وأزهارها المتنوعة والمتناسقة، والأماكن القديمة التي تم صيانتها وهي تتناسق وتتكامل مع الابنية والعمارات الحديتة.

وختاما، فأن القيادة الحاكمة والشعب الصيني العظيم تعاهدا على المضي قدما في مسيرة التطور والتقدم لمحاربة الفساد، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتطوير ممارساتهم الديمقراطية وحرياتهم العامة والخاصة، وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وذلك  بالإعتماد على الخطط والبرامج الإستراتيجية متوسطة المدى وبعيدة المدى لسنوات (2030 ، 2050) التي تعكس الرؤية الواضحة والشفافة وآليات التنفيذ الفعالة والعقلانية، وصولا إلى الغد المشرق لهذا الجيل والأجيال القادمة، وكذلك لتعزيز دور وموقع الصين في المحافل الدولية من خلال إطلاق مشروعها الكبير( طريق الحرير)، ودورها المتميزفي منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي والعالمي، بهدف تفاعل الصين مع العالم لتحقيق (العولمة الاجتماعية).







11
محاسبة التكاليف ( المعضلية): محاسبة عوامل الإنتاج/ الموارد البشرية، كمثال على ذلك*

د. صباح قدوري

المقدمة

ظهرفي أوائل السبعينات من القرن الماضي أهتمام كبيربمسالة ما يسمى بمحاسبة تكاليف المعضلية. وصدرت العديد من الدراسات والأبحاث بهذا الخصوص. وهي تشمل: محاسبة العنصرالبشري في الإنتاج، محاسبة وقاية الطبيعة، محاسبة الرقابة النوعية [1]. اي بمعنى آخر إستحداث وظيفة إضافية لمحاسبة التكاليف، تحت باب المسؤولية الإجتماعية للمحاسبة. كان الهدف من ذلك هو الربط بين الأهداف الاقتصادية النقدية للوحدة الاقتصادية ومردودها الإجتماعي، الذي أصبح يمثل عنصر التمييز والتغيير في ظل الاقتصاد المعرفي والتكنولوجيا المعلوماتية المتطورة وإنفتاح السوق، التي تتطلب عمالة بشرية على مستوى عال من المهارة والتعليم والخبرة والتخصص. وبذلك أصبحت الوحدات الاقتصادية أمام مسؤولية  المساهمة وإلاهتمام بالعنصر البشري وتطويره وتنميته، والحفاظ على البيئة وإدامتها وحمايتها من التلوث، والرقابة على نوعية وجودة الإنتاج لحماية المستهلك وتقديم أفضل الخدمات اليه، وفي تحسن القرارات الإدارية في هذه الوحدات.

نحاول في هذه الورقة أن نركز بشكل خاص على محاسبة العنصر البشري في وحدات إدارة الأعمال، فقد برزت آراء ووجهات نظر مختلفة حول المعالجة المحاسبية للموارد البشرية. وهنا نتناول الموضوع من منظور، عليه اجماع كبير في أواسط المحاسبين والجمعيات المحاسبية المهنية والباحثين في النظام المحاسبي، والذي يعتبرهذه الموارد أصلا من أصول الوحدة الاقتصادية، وكنشاط إستثماري  يدّر بعائد عليها، يمكن قياسها بالوحدة النقدية، والرقابة عليها، وإنتاج البيانات والمعلومات عنها، والتي تساعد الوحدة الاقتصادية على إتخاذ قرارات إدارية سليمة، والجهات المتعاملة معها في تحسين قراراتها إتجاهها.

وإنطلاقا من المفهوم الذي يعتبر، إن العنصر البشري يعدعاملا مهما وأساسيا في العملية الإنتاجة، من خلال المساهمة في الأهداف وتقديم الخدمات الحالية والمستقبلية، ورفع الإنتاجية الذي يعتمد على العنصر البشري بدرجة أولى، ولتحقيق الميزة التنافسية للوحدة الاقتصادية، فقد أزدادت الحاجة الى الإهتمام بالموارد البشرية وإعتبارها تكلفة رأسمالية يمتد مردودها الاقتصادي والإجتماعي لعدة سنوات، وبذلك تعامل محاسبيا كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية. ومن هنا أصبحت الحاجة ملحة  لتطوير المبادئ العلمية والنظم المحاسبية لمعالجة أسس الإستثمار في هذا المجال، وهو ما يعرف بمحاسبة تكاليف الموارد البشرية.

نحاول تسليط الضوء على الموضوع، باتباع أسلوب وصفي وتحليلي للموارد البشرية، ضمن المحاورالاتية:

1.   المفهوم المحاسبي لطبيعة الموارد البشرية كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية.
2.   الاصل البشري ومعالجته المحاسبية في التطبيق العملي، وفق معايير المحاسبة الدولية.
3.    أهمية محاسبة الموارد البشرية ومردودها الاجتماعي.

أولا : المفهوم المحاسبي لطبيعة الموارد البشرية كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية.

في ظل العولمة والإنفتاح على السوق والتطورالتكنلوجي وخاصة المعلوماتية منه، أصبحت هناك حاجة الى الإهتمام بالموارد البشرية وأهميتها كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية، وذلك لايجاد طرق جديدة لتحقيق اهدافها وتحسين اداءها وتوفيرمكانة تنافسية لها.

تعتبر تكاليف الموارد البشرية نفقات راسمالية وليست نفقات جارية يحمل بها عادة حساب الأرباح والخسائردفعة واحدة عند حدوثها خلال السنة المالية للوحدة الاقتصادية. وعليه لابد من تعريف المفهوم المحاسبي لهذه الموارد، ليتسنى لنا  قياسها والرقابة عليها وإنتاج المعلومات الخاصة بها والتي تساعد الوحدة الاقتصادية على إتخاذ القرارات الملائمه لانشطتها الإنتاجية والمالية والإنسانية.

لقد ظهرت مفاهيم وتعريفات عديدة لمحاسبة الموارد البشرية، فعلى سبيل المثال عرفها
  (Eric Flamholtz)، بانها المحاسبة عن الافراد كموارد تتضمن التكاليف المحققة من قبل الوحدة الاقتصادية في إستقطاب وأختيار وأستخدام وتدريب وتطويرالاصول البشرية، وتشمل ايضا قياس القيمة الاقتصادية للعاملين فيها [2 ]. وعرفت جمعية المحاسبين الامريكيين ( AAA) محاسبة الموارد البشرية بأنها، عملية تحديد وقياس الموارد البشرية، وتوصيل المعلومات الخاصة بها الى متخذي القرارات [3]. كما عرفها ( Matzy& Usry)، بأنها عملية تطوير تقييمات مالية للأفراد والجماعات في الوحدة الاقتصادية والمجتمع، ومراقبة هذه التقيمات عبرالزمن [4].

وتتركزهذه التعاريف وغيرها في الجوهر، على تحديد قياس التكلفة والرقابة على عناصرها وإنتاج البيانات والمعلومات، وتحديد أسلوب معالجة الموارد البشرية وتقييم قيمتها الاقتصادية بالنسبة للافراد والوحدة الاقتصادية والمجتمع، وتقديم هذه المعلومات الى الجهات المعنية للإستفادة منها في عملية إتخاذ القرارات.

ولتحقيق هذه الوظائف لابد من وجود نظام محاسبي شامل يتم من خلاله تزويد المعلومات عن الموارد البشرية والإفصاح عنها بشفافية ومصداقية عاليتين بأعتبارها تكلفة إقتصادية تتحملها الوحدة الاقتصادية مقابل عائد تحصل عليه مستقبلا. وترجمة ذلك في صورة نقدية وإظهارها ضمن التقارير والقوائم المالية للوحدة الاقتصادية، بهدف تحقيق نوع من التخطيط السليم لأعباء القوى العاملة المتوقعة، الذي يساهم في تطوير العاملين، عن طريق إتباع فهم جديد لتصميم وتنظيم العمل، وإيجاد أفضل الطرق للاستفادة من الإستثمارات في الاصول البشرية، وقياس العائد من إستخدام هذه الاصول، بأعتبار ان العنصر البشري يمثل موردا هاما من موارد الوحدة الاقتصادية [5].
 
ولاجل إظهار كلفة الموارد البشرية في القوائم المالية، يتطلب ذلك تطبيق المبادئ، كالاتي:

ـ إظهار التكلفة كأصل ضمن الاصول كنفقات إيرادات مؤجلة.
ـ إطفاء التكلفة وفق الطرق المعروفة في النظام المحاسبي لاصول الوحدة الاقتصادية، على اساس العمرالإنتاجي لكل منتسب، وتنظيم حسابات شخصية لكل منهم لهذا الغرض.
ـ التفرقة بين المصروفات الإيرادية والمصروفات الراسمالية.
ـ متابعة دورية للحسابات الشخصية لتحديد عدد تاركي العمل.
ـ وجود خطة تدريبية مستمرة سنويا للعاملين.
 
ثانيا :الأصل البشري ومعالجته المحاسبية في التطبيق العملي، وفق معايير المحاسبة الدولية.

وفق معيار(38) لمجلس معاييرالمحاسبة الدولية (IASB)، فأن الاصل الثابت يتضمن الأركان التالية:[6]

ـ يستخدم لاكثر من فترة مالية.
ـ يحدد بعمرإنتاجي معين.
  - ـ له خاصية ملكية لإستخدامه في العملية الإنتاجية اوالخدمية أولاغراض الإدارية للوحدة الاقتصادية.

إن تحديد وقياس تكاليف الموارد البشرية والرقابة عليها وإنتاج البيانات والمعلومات الخاصة بها ومعالجتها محاسبيا بأعتبارها أصلا من اصول الوحدة الاقتصادية، والتعبيرعنها بشكل نقدي وحقوق محددة للمنافع والخدمات التي تحصل عليها مستقبلا، وتكون مملوكة للشخص أو الوحدة الاقتصادية، فانها لابد أن تخضع لطريقة الإطفاء خلال فترة زمنية معينة تحدد بمدة عقد العمل. وتظهر في الميزانية العمومية للوحدة الاقتصادية، كأصل غير ملموس، مطروحا منه قسط الإطفاء ( الإهتلاك) سنويا، الذي يعتبرعبئا ماليا يتحمله حساب الارباح والخسائر للسنة المالية.

ويمكن قياس تكلفة الاصل من خلال تبويبها الى عناصرها: كلفة الحصول على العاملين، فمثلا( الإعلان عن الوظيفة، وأتعاب هيئة التوظيف، ونفقات السفر، وتكاليف المقابلات والإختبارات والتعيين، وغيرها)، وكلفة التاهيل والتعليم، فمثلا( تكاليف التدريب، والتطوير، والدورات التاهيلية، الدراسة والبعثات، والمشاركة في المؤتمرات وكتابة الأبحاث، وغيرها. وكذلك تكلفة ترك الوظيفة فمثلا( صرف المكافأت والتعويضات والإستحقاقات، وغيرها). لذا فأن قيمة المورد البشري يتضمن كل التكاليف المذكورة والمرتبطة بالمدة الإنتاجية للعنصر البشري التي يمثلها العقد المبرم للعنصر البشري في الوحدة الاقتصادية.

بالمقابل، يجب إظهارعناصر تكاليف الموارد البشرية المذكورة في اعلاه بتفاصيلها بشكل تحليلي في حساب تكوين الأصل الثابت ( الموارد البشرية) على أساس القيمة الحالية للخدمات المستقبلية التي يمكن الحصول عليها من العامل. ويحسب وفق راتبه السنوي الذي يساوي القيمة الفعلية للخدمات التي يقدمها للوحدة الاقتصادية، معتمدا على إستخدام معدل خصم وعمر العامل عند التحاقه بالعمل وعدد السنوات المتوقعة للعمل في الوحدة الاقتصادية حتى سن التقاعد. وبذلك تقدم  محاسبة الموارد البشرية المقاييس المالية لقيمة الموارد البشرية بصورة شفافة وصادقة وعادلة.

نحاول وباختصار شديد( من دون الدخول في التفاصيل)، عرض نموذج تطبيق محاسبة الموارد البشرية عمليا في الوحدة الاقتصادية، على ضوء المبادئ المتعارف عليها في النظام المحاسبي ووفق معايير المحاسبة الدولية رقم (38)، الذي يستند على الفكرالمحاسبي لقياس القيمة الاقتصادية لراس المال البشري، مما يساهم في تسهيل المعالجة المحاسبة له، والإعتراف به كأصل من أصول الوحدة الاقتصادية، الذي يقدم منافع إقتصادية مستقبلية للوحدة، وإمكانية قياس تكلفته وإظهاره ايضا في جانب أصول الوحدة. وهذا يتطلب الإجراءات، التالية:

1. فصل التكاليف الرأسمالية عن النفقات الجارية، وتجميعها ضمن العمليات الراسمالية، تحت عنوان ( الموارد البشرية).
2. إعداد الحسابات الشخصية للعاملين لهذا الغرض، تسجل فيها عناصر التكاليف بتفاصيلها.
3. يمكن تجميع وتصنيف التكاليف المشاراليها سابقا، تحت حسابات إجمالية، وهي: تكاليف الإقتناء، وتكاليف التاهيل والتعليم، وتكاليف ترك العمل وبتفاصلها [7].
4. تحمل هذه التكاليف على مركزمراقبة العمليات الراسمالية تحت عنوان ( الموارد البشرية).
5. ولقياس هذه التكلفة، هناك طرق ووجهات نظر مختلفة بذلك، منها:

•    التكاليف الكلية التاريخية، وتشمل كل التكاليف المشار اليها سابقا في اعلاه. [ 8 ]
•   تكلفة الإحلال، وهي التضحية التي تتحملها الوحدة الاقتصادية اليوم لإحلال موارد بشرية بدلا من الموجود الان. وهي تشمل: تكلفة الإحلال الوظيفي، اي إحلال شخص محل وظيفة معينة، يشغلها شخص أخر والقادرعلى القيام بنفس المهام والخدمات التي تخص تلك الوظيفة. وتكلفة الإحلال الشخصي، اي إحلال شخص محل شخص آخر يكون قادرا على تقديم المهام والخدمات التي يوديها الشخص الحالي، وتشكل تكلفة إحلال الفرد أوالتنظيم البشري كله.[9  ]
•   العوائد المستقبلية، يتم تقييم الأصول البشرية على أساس التوصل الى القيمة الحالية للمرتبات والأجور التي يتقاضاها العامل في المستقبل حتى نهاية عمر الإنتاجي للوحدة. ويتم الوصول الى حساب القيمة الإجمالية للاصل البشري من واقع متوسط الرواتب لمجموعة متماثلة من العاملين. ويعاب على هذه الطريقة بانها تأخذ بنظر الإعتبار فقط عنصرا واحدا من عناصر التكاليف للوصول الى قيمة الموارد البشرية، وإهمال العوامل الاخرى ، كسن وكفاءة وخبرة العامل.
•   تكلفة الفرصة البديلة، وهي قيمة الاصل عندما يكون في إستخدام بديل يختلف عن الإستخدام الحالي. وتصنف هذه الطريقة العاملين الى فئتين، المهرة والعاديين. الاولى وهي نادرة ويتم تقويمها باعتبارها أصل بشري يمكن إستخدامها في أكثرمن نشاط، اي عدة بدائل لمعرفة قيمتهم في أفضل الإستخدام. والثانية يسهل إحلالهم بأخرين، ويتم تقسيمهم على أسس نفقات الإستدعاء.[ 10]
•   التكلفة الاقتصادية، وبموجبها يتم تقيم الاصل البشري وفقا لمعدل العائد الممكن الحصول عليه من إستخدامه، اي تحديد قيمة الشخص في الوحدة الاقتصادية بما يساوي القيمة الحالية للأرباح المستقبلية، ويعتمد على مدى مساهمة الفرد في تحقيق أهداف الوحدة الاقتصادية.
6. تجمع كل التكاليف التي تنفق على الاصل البشري وتسجل في الدفاتر المحاسبية بشكل منفرد وتحليلي وفي دفاتر الفرعية لكل العاملين.

7. إظهار هذه التكاليف في القوائم المالية ( حساب تكوين الاصل، قائمة المركز المالي).

على ضؤء ما ورد اعلاه، نتبع اسس المعالجة المحاسبية لموارد البشرية، كالتلي:

•   تسجيل القيد الخاص بعناصر التكاليف في الدفاتر المحاسبية: (من ح/مفردات تكلفة الإقتناء، ح/تكلفة التاهيل والتعليم، ح/تكلفة  ترك الخدمة  الى ح/ النقد، البنك)، دفع التكالف إما نقدا أوعن طريق البنك.
•   تحميل حساب الاصل: (من ح/ الموارد البشرية الي ح/ تكلفة الاقتناء، تكلفة التاهيل والتعليم، تكلفة ترك الخدمة)، غلق هذه التكاليف بتفاصلها في حساب تكوين أصل المورد البشري.
•   في نهاية السنة المالية يظهر حساب الموارد البشرية بكلفته الكلية والتاريخية ضمن أصول الوحدة الاقتصادية في كشف المركز المالى لها كأصل غير ملموس مطروحا منه قسط الإطفاء السنوي.

         8. هناك طرق لاحتساب الإستهلاك السنوي على أساس: القسط الثابت اي الخطي
         أوالقسط المتناقص، ونفضل في هذه الحالة تطبيق القسط الثابت اي بنسبة ثابته خلال 
         العمر الإنتاجي للاصل، لكون هذا الإستثمار طويل الاجل، وكالاتي:
 
•   يسجل كل سنة: من ح/ إطفاء الموارد البشرية  الى ح/ الموارد البشرية. يقفل  ح/إطفاء الموارد البشرية في حساب الأرباح والخسائر، ويظهر الحساب المقابل في جهة الاصول بصافي قيمة الاصل اي مطروحا منه قسط الإطفاء ( الإهتلاك)،  ويحسب قسط الاطفاء  السنوي وفق المعادلة الخطية التالية:

                                         
    قسط الإطفاء السنوي =  تكلفة الأصل البشري مقسوم على العمر الإنتاجي للأصل البشري.

ووفق طريقة القسط الثابت فان القيمة الدفترية لاصل الموارد البشرية تصبح صفرا في نهاية فترة العقد، إذا لم تحدث التعديلات على هذه القيمة خلال تلك الفترة.

•   ففي حالة ترك الشخص الوظيفة لاسباب: النقل او البيع أوالوفاة، سيتم التسوية بقيمة أصل الموارد البشرية لكل حالة على حدة، وكالاتى:

ـ عند الحصول على الربح او الخسارة من النقل او البيع، يكون القيد: من ح/ النقد أو البنك  الى ح/الموارد البشرية وح/ الربح عن الموارد البشرية.
ـ عند حصول الخسارة يكون القيد: من ح/  النقد أو البنك  وح/خسارة الموارد البشرية   الى ح/ الموارد البشرية.
ـ عند الوفاة: من ح/  إطفاء الموارد البشرية   الى ح/ الموارد البشرية.

9. توجد طرق عدة لتقييم الموارد البشرية ويعتمد على طريقة توزيع الاصل البشري على فترات زمنية بإستخدام معدل مناسب. وللوصول الى قيمة التخفيض في الموارد البشرية، يفضل التفرقة بين تكلفة الإقتناء وتكلفة التاهيل والتعليم، وكالاتي:
•   إطفاء تكلفة الاقتناء، يعتمد على فترة بقاء الفرد في العمل لحين إحالته على التقاعد، مطروحا منه عمر الفرد وقت التحاقه بالعمل في الوحدة الاقتصادية، وفق المعادلة ادناه.

قسط الإطفاء السنوي  ( Ta) = ( r + 1 ) C مقسوم على الفترة الزمنية لخدمة الشخص (N).
 
 حيث:
          Ta : قسط الإطفاء السنوي 
          C :  تكلفة إقتناء العاملين
           r :  المعدل المستخدم خلال الفترة
          N : الفترة الزمنية المتوقعة لخدمة الشخص

•   إطفاف تكاليف التاهيل والتعليم، يتوقف على مدة الاستفادة المتوقعة من برامج التاهيل والتعليم، وعادة تكون أقل من الفترة المتوقعة لبقاء الشخص في الخدمة، وتحسب وفق المعادلة الخطية الاتية:

إطفاء العنصر البشري (Ta) = تكلفة الأصل البشري ( r+ 1) Cd مقسوم علي العمر الإنتاجي للأصل البشري محدد في مدة العقد (SN).

حيث:
Ta: إطفاء العنصر البشري
Cd: تكلفة الاصل البشري
r : المعدل المستخدم خلال الفترة
S N: العمرالإنتاجي للاصل البشري محدد في مدة العقد، وهو: حاصل ضرب (الفترة الزمنية المتوقعة للمهارات المعينة يقدمها الفرد للوحدة الاقتصادية (N)  مضروبا في (S) التي اكتسبها من برنامج التدريب وتنمية الافراد.

10. بغية ممارسة رقابة فعالة على عناصر تكاليف الموارد البشرية، لابد من جود نظام محاسبي للتكاليف يعتمد على التخطيط للموارد البشرية ضمن موازنتها التخطيطية، وبوجود نظام فعال لمحاسبة المسؤولية، تستند على الادوات، كالاتي : [11].

•   نظام للتكاليف المحددة مقدما و/أو المعيارية، ليكون مقياس تقاس عليه هذه التكاليف.
•   تنظيم إداري تحدد المسؤوليات والسلطات.
•   نظام مدروس للحوافز.
•   نظام للتقارير بين مختلف المستويات الإدارية.
•   تصميم نظام مستندي خاص بعناصر هذه التكاليف، يساعد على الرقابة عليها من المنبع.
•   الفصل بين االنفقات الراسمالية والنفقات الإيرادية.

11. ضرورة وجود مجموعة من التقارير تنتجها محاسبة الموارد البشرية، وتقوم الوحدة الاقتصادية باعدادها وتقديمها الى الجهات الإشرافية والرقابية المختلفة. وتعتمد على الأركان التالية:
•   معلومات تفيد في إتخاذ القرارات الداخلية، وتكون عادة دورية.
•   معلومات تفيد جهات خارجية مختلفة، كالبنوك والمؤسسات المالية والائتمانية والمستثمرين، وأصحاب العلاقة بالوحدة الاقتصادية.
•   إتباع قواعد وسياسات محاسبية وإستخدام المعرفة المهنية للمعاييرالمحاسبية الدولية، والإعتماد على الجودة بدلا من الكمية.
•   إعتماد مبدأ الشفافية في عملية إعداد القوائم المالية الخاصة بالموارد البشرية، وتكون قابلة للفهم، مع الأخذ بنظرالاعتبار الخصائص النوعية للمعلومات المحاسبية عند إعدادها.
•   يمكن الإستفادة من الوسائل الالكترونية في إعداد هذه التقارير، وإذا أحسن تصميم أنظمتها، وتوجيهها في قناة الإتصال المناسب، وتحديد خطوط تسييرها بوضوح، فسوف يؤدي هذا الى تكامل عملية المراقبة وتكامل المعلومات أيضا.


ثالثا: أهمية محاسبة الموارد البشرية ومردودها الاجتماعي

نحن اليوم في عصر الاقتصاد المعرفي، وما يفرضه من تحديات جديدة على الوحدة الاقتصادية، من أجل المواصلة والبقاء والتفوق في السوق، ومواكبة المتغيرات المتسارعة في محيطها، وإكتشاف طرق جديدة ومفضلة للمنافسة والجودة ، وذلك عن طريق مواردها البشرية لإمتلكها المعارف والمهارات والقدرة على التطوير وإستغلالها لتفعيل الموارد الاخرى ( المالية ، المادية، والتكنلوجيا الحديثة...الخ). ولأهمية ومزايا تطبيق محاسبة الموارد البشرية، يمكن أن ننظراليها من زاوية الوحدة الاقتصادية، والأفراد العاملين، والمستثمرين. [12]

1. الوحدة الاقتصادية:

•   تستفيد الوحدة الاقتصادية من خلال إنتاج المعلومات عن الموارد البشرية في تحسين: قرارات التوظيف، وتحديد مستوى الرواتب، وتحقيق الكفاءة والإنتاجية للعاملين، والدقة في إتخاذ القرار عند إنهاء خدمات الأفراد وفق عملية تقيم الفرد العامل، وذلك أرتباطا بأن الموارد البشرية هي أصول لها قيمة مستقبلية.
•   زيادة إنتاجية الفرد العامل من خلال تقييم المهارات والقدرات والتصاق العاملين بالإدارة، وتطبيق مبدأ الحوافزالمادية والمعنوية، ورفع الروح المعنوية والمبادرة والتطورلديهم.
•   بما أن قيمة المؤسسة من الناحية المحاسبية تمثل مجموع قيم الاصول التي تمتلكها الوحدة الاقتصادية، بما فيها أصل الموارد البشرية، مطروحا منها مطلوبات الوحدة الاقتصادية، لذا من الضروري أن تتضمن القوائم المالية تفاصيل شفافة وصادقة ودقيقة عن الإستثمارات في الموارد البشرية منفصلة عن المصروفات العامة.، وذلك لان المستثمرين يحتاجون الى مثل هذه المعلومات لعملية إتخاذ قراراتهم.
•   تحسين تنافسية الوحدة الاقتصادية وقراراتها الإدارية.
•   الحصول على تسهيلات أكثرمن المؤسسات الإئتمانية والبنوك لمنحها قروض طويلة الاجل بفوائد مناسبة، بضمان الأصول بما فيها أصل المورد البشري .
•   وجود هذه الموارد والإفصاح عنها بالشفافية والمصداقية، يساعد على تحسين قرارات المستثمرين ورؤيتهم وإنطباعهم لقيمة الوحدة الاقتصادية.
•   تساعد محاسبة الموارد البشرية على مشاركة الوحدة الاقتصادية في المسؤولية الإجتماعية، وذلك عن طريق وضع أهداف لتنمية الموارد البشرية الى جانب الأهداف الإنتاجية.

2. بالنسبة للعاملين:

•   تؤثر محاسبة الموارد على سلوكية العنصر البشري، والشعور بأنهم جزء مهم من الوحدة الاقتصادية، وينعكس ذلك على مزيد من الولاء والإخلاص في العمل.
•   الإهتمام بالعاملين من حيث التأهيل ورفع قدراتهم في التكنلوجيا الحديثة، وخاصة المعلوماتية منها، مما يساعدهم على البقاء والإستمرارية في العمل.
•   يساعد على تحسين المرتبات والترقيات الوظيفية للعاملين.
•   حصولهم على المؤهلات والمعرفة والخبرة، يأهلهم على حسن التنظيم والتطور ورفع الإنتاجية في العمل.

3. بالنسبة للمستثمرين والممولين:

•    وجود معلومات شفافة وصادقة وصحيحة في التقارير المالية (حساب تكوين الاصل و حساب النتيجة، وكشف المركز المالي) للموارد البشرية، يساعد في إجراء التحليلات المالية الخاصة بها، لما لها من أثرعلى تحسين القرارات للتعامل مع الوحدة الاقتصادية.
•   إجراء المقارنات بين الوحدات الاقتصادية المتنافسة على أسس سليمة.
•   مساعدة الجهات الحكومية في قياس الاداء الإجتماعي للمؤسسة وإتخاذ القرارات المتعلقة بتخطيط وتنمية الموارد البشرية على المستوى القومي.
•   رغبة المستخدمين الخارجيين الاطلاع على الكشوفات المالية لمعرفة درجة رضا ومعنويات العاملين، والحصول على الصورة الحقيقية للوحدة الاقتصادية، وإتخاذ القرارات الصائبة والصحيحة والمناسبة إتجاههها.
   
ختاما، نقول، أن العنصر البشري يعتبرعاملا مهما من عوامل الإنتاج، وبذلك يتزايد إهتمام وحدات إدارة الأعمال في إنفاق أموال كبيرة  في هذا المجال، من أجل تطوير وتدريب وتأهيل العاملين، بأعتبار ذلك نوع من الاستثمار والتعامل معه كأصل من أصول الوحدة. وهذه الرؤية تتطلب وجود نظام لمحاسبة الموارد البشرية كوحدة إدارية ضمن الوحدات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية، يستطيع تحديد وقياس هذه الموارد والرقابة عليها وإنتاج معلومات تفصلية عنها بغية إتخاذ قرارات إدارية سليمة والإستفادة منها في تطوير خدمات العاملين، وتحقيق أهداف الوحدة، وفي نفس الوقت يتحقق ايضا مردود إجتماعي للمجتمع بصورة عامة. بالرغم من أهمية محاسبة الموارد البشرية، إلا أن تطبيقها ما زال محدودا، وتكون غالبا في خدمة القرارات الإدارية للوحدة الاقتصادية.

ان هناك ضرورة لإظهار معلومات كافية وشفافة عن العاملين، وبشكل دوري في التقارير، وأن تتضمن بيانات عن دوران العاملين وأعدادهم وإختصاصاتهم وخبراتهم، كذلك الإفصاح عن تكاليف التأهيل والتدريب والتعليم في تبويبات خاصة ملحقة بالقوائم المالية ( حساب النتيجة وكشف الميزانية العمومية)، مما له أثر في تقيم الوحدة الاقتصادية.



المصادر:

[1] قدوري، صباح، تحديث محاسبة التكاليف في القطاع الصناعي الحكومي ـ العراق، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة żŁód، بولندا 1985، الفصل الرابع، ص 171  ـ 180.-
 [2] Kumar, Depak, 2002, Human Resource Planning, Excel Book, New Delhi, PP. 326-346
 Porwal L.S., 1993, Accounting Theory, Tata Mc Graw Hill  [3]         
Publishing Co, New Delhi, PP. 342-361.                                                 
وموسي، أحمد، دراسات في المحاسبة الإجتماعية، دار النهضة العربية، مصر، 1979، ص 314.
[4]  MatzـUsry, 1980, Cost Accounting – Planning and Control, South- Western Publishing Co, USA, PP. 421-423.
[5] عبد الوهاب،علي محمد، وعامر، سعيد ياسين، محاسبة الموارد البشرية،عرض وتحليل، دار المريخ للنشر، الرياض،1984، ص19.
[6] مجلة المحاسب الفلسطيني، العدد الرابع. جمعية المحاسبين والمراجعين،غزة، 1994، ص 49.
 [7]    Wasiel. J. Rachunkowość zasobów Ludzkich. ZeszytyTeoretyczne Rady Naukowej S. K.wp. , tom.V11, 1984r. s. 45 ـ 23 (باللغة البولندية).
[8] عبد الرحيم الهادي، خالد، إدارة الموارد البشرية، مدخل استراتيجي، دار وائل للنشر والتوزيع ـ الاردن، 2010، ص 320
[9] عبدالحميد، ممدوح، المحاسبة الإدارية والتكاليف، دار الحريري، مصر، 2005، ص199، 200.
[10] جمعة، كمال حسين، منهج جديد لقياس قيمة خدمات المورد البشرى، عن الموقع:
 52794=fulltext et dla= unciasjzf.www ص11، على النيت.
[11] قدوري، صباح، نظام محاسبة التكاليف ووظائف الإدارة في وحدات إدارة الإعمال، ورقة بحثية منشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2015، ص13.
[12] فلامهولتز، أريك، المحاسبة عن الموارد البشرية، ترجمة محمد عصام الدين زايد، دار المريخ للنشر، الرياض 1992.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ورقة بحثية منشورة في مجلة ( الثقافة الجديدة) العدد 406 ـ ايار 2019، وكذلك على شبكة الاقتصاديين العراقيين، بتاريخ 08/ 06/2019.
















12
إنتخابات برلمان  إقليم كردستان، وإنتظار الجماهير في التغيير والإصلاح

د. صباح قدوري

مرت ثلاثة أشهر على الإنتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق. وعقد البرلمان جلسة واحدة ولم يتم إختيار رئاسة البرلمان ولا تكليف اي شخص بمهمة تشكيل الحكومة. وظلت الجلسة مفتوحة الى يومنا هذا من دون أن ينجز البرلمان الجديد مهامه الدستورية المهمة والاساسية خلال هذه الفترة. كما ورشح الحزب الديمقراطي الكردستاني كل من السيدين نيجرفان البرزاني لرئاسة الإقليم ومسرور البرزاني لرئاسة الحكومة.

يحاول الحزب الديمقراطي الكردستان، الذي حاز المرتبة الاولى في هذه الانتخابات، والتي تم إنتقادها من قبل الأحزاب الاخرى المشاركة في العملية السياسية بالتزوير وإنعدام الشفافية، بالاتصلات والمشاورات والمفاوضات مع هذه الأحزاب، بهدف إيجاد نوع من التوافق والتوازن في توزيع المهام في البرلمان والتشكيلة الحكومية على أسس الإستحقاق الإنتخابي، ولم تسفرعن أي شئ بهذا الخصوص حتى الآن. السبب يعود الى وجود معضلات كبيرة في الإقليم على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وحتى الآمنية، والمتراكمة منذ فترة من دون إيجاد حالول لها، ومنها، كالاتى:

1. تفكيك البيت الكردي وإنعدام الخطاب السياسي الموحد تجاه الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية. فقدان رؤية شاملة وإستراتيجة واضحة في تطويرصيغة الفيدرالية الحالية لتصبح نواة لقيادة حركة التحرر الكردية على صعيد كردستان الكبرى مستقبلا.

2. ضعف العامل الذاتي وضعف دورالجماهيرالكردستانية ومشاركتها الفعلية والفعالة في عملية إتخاذ القرارات، وخاصة المصيرية منها، ودعم بناء المؤسسات الإدارية والقضائية والدستورية الرشيدة، والإعتماد بدرجة كبيرة على العامل الموضوعي في هذه العملية.

3. إن حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوارات، ظاهرة ملازمة للعلاقات بين الأحزاب السياسية المنخرطة في العملية السياسية، وخاصة المتنفذة منها في إدارة الحكم، وذلك من أجل إستحواذ على السلطة والنفوذ والمال.
4. لا تزال هناك ملفات مهمة وأساسية عالقة مع الحكومة الإتحادية على الصعد: المشاركة في الحكومة الإتحادية، المادة (140) من الدستور الدائم، مسالة النفط والغاز، ومطالبة الإقليم ببقاء حصته من الموازنة العامة ب (17)%، بدلا من (14)% المقترحه من رئاسة الوزراء، ومسالة البيشمركة غيرالموحدة في الإقليم بين الحزبين الديمقراطي والإتحاد الوطني وكذلك علاقتها بوزارة الدفاع  الإتحادية.

5. إن ما وصل اليه الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي في الإقليم، هو نتاج سياسات فاشلة وإدارات غير كفؤة ينخرها الفساد الإداري والمالي بشكل منهجي على المستويات السياسية والإدارية، وتوجهات إقتصادية ريعية إستهلاكية على حساب النشاط الإنتاجي الزراعي والصناعي والخدمات ـ الإنتاجية. هذا إضافة الى إعتماد مفرط على إستيراد السلع الأجنبية وإغراق الاسواق المحلية بها على حساب تطوير وتنمية الإنتاج الوطني. وتفاقم البطالة وسؤء الخدمات الإجتماعية وتزايد الإستقطاب الطبقي لصالح الفئات الغنية. والأهم من ذلك كله هو غياب تخطيط إستراتيجي شفاف للتنمية الإقتصادية الإجتماعية الشاملة.

6. وعلى ضؤء المعطيات المشار اليها اعلاه، وما أسفرت عنه نتائج الإنتخابات بفوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بالمرتبة الأولى يليه الإتحاد الوطني بالمرتبة الثانية وحركة التغيير بالمرتبة الثالثة وحركة الجيل الجديد بالمرتبة الرابعة والجماعة الإسلامية بالمرتبة الخامسة وتليها تسلسلا احزاب اخرى شاركت في الإنتخابات. ويوكد الحزب الديمقراطي في علاقاته ومفاوضاته مع الأحزاب الرئيسية المذكورة، بأن توزيع المهام الرئيسية في كل من البرلمان وتشكيل الحكومة يجب أن يتم على أسس جديدة وفق الإستحقاق الإنتخابي وليس على التوافق/ المحاصصة الحزبية المعمول بها في السابق، في الوقت الذي كان الحزب سباقا في تعامله مع الأحزاب الاخرى وفق المبدأ الاخير قبل هذه الإنتخابات!. وبذلك يتطلع الحزب الى التفرد بالسلطة، وتقاسم بعض المهام مع الأحزاب الاخرى. لذا فأن مسالة رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة محسومة مسبقا كحصة للحزب الديمقراطي ولا يمكن التفاوض عليهما، وبذلك تم تسمية المرشحين لهذين المنصبين قبل الدخول في التفاوضات مع الأحزاب الاخرى.

7. إن ما يسمى بالعلاقة الإستراتيجية بين الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني، فهي تجرأنفاسها الأخيرة وينتظرموتها السريري. ويحاول الإتحاد الوطني الحصول على مركز نائب رئيس الحكومة أو رئاسة البرلمان، في الوقت الذي ترغب حركة التغيير المشاركة الفعلية في البرلمان والحكومة وكذلك بعض الأحزاب الاخرى. لذا يستخدم الحزب الديمقراطي أسلوب الضغط على الإتحاد الوطني، بأن يختار أحدهما ويتنازل عن الاخر لصالح حركة التغيير. وهذا ما حدث ايضا عندما حصل الإتحاد الوطني على مهام رئيس جمهورية عراق الإتحادي دون الرجوع الى الصيغة التوافقية والمحاصصية مع الحزب الديمقراطي. وبما ان الحزب الديمقراطي حصل ايضا على مقاعد أكثرمن بقية الأحزاب الكردية في البرلمان العراقي، لذا حصل على نائب رئيس البرلمان ويطالب بعدد أكثر من الوزراء في الحكومة الاتحادية وفق مبدأ الاستحقاق الانتخابي بعيدا عن التوافقية/ المحاصصة الحزبية والفئوية مع الأحزاب الكردية الاخرى. وعلى هذا الأساس سيراهن الحزب الديمقراطي الكردستاني بحصة أكبر من الوزارات في حكومة الإقليم المرتقبة بالتشارك مع الإتحاد الوطني ولربما حركة التغيير، وبذلك ستكون المعارضة في البرلمان ضعيفة تجاه الحزب الديمقراطي الذي سينفرد بزمام الحكم على صعيدي رئاسة الإقليم وحكومته.

ختاما، يتطلع المواطن الكردستاني بفارغ الصبر الى النواب المشاركين في البرلمان والوزراء في الحكومة المرتقبة، بأنه حان وقت التفكير باجراء التغيير والإصلاح الحقيقيين على المسارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي تهدف الى تفعيل دور البرلمان على أسس الديقراطية وممارستها الفعلية في تشريع قوانين تصب في ترسيخ المؤسسات الإدارية وأحترام أستقلاليتها وسيادتها وفق أسس الإدارة الرشيدة وسلطاتها. وتفعيل دور الجماهير للمشاركة الفعلية في عملية صنع القرارات المصيرية. وإيقاف نزيف الفساد المالي والإداري المستشري في كل المفاصل الإدارية والحزبية. وإنتهاج سياسة عقلانية واضحة وشفافة في إعادة بناء الإقليم على طراز جديد، وفق إستراتجية بناءة للتنمية الوطنية الشاملة والمستدامة.

وبعكس ذلك فأن الموطن الكردستاني عاهدا على نفسه وماضيا قدما في نضاله السلمي بالخروج الى الشارع إذا اقتضى الامر، مطالبا باجراء التغيير والإصلاح في بنية النظام السياسي، والخروج من نظام المحاصصة الحزبية السياسية المصلحية والفئوية والمحسوبية، وتأمين الإستقرارالإقتصادي والسلم الإجتماعي، وحتى تحقيق كافة حقوقه العادلة وضمان عيش سعيد له وللأجيال القادمة  والتقدم والإزدهار في الإقليم...دعونا ننتظر ونرى!!!

13


على هامش الذكرى الخامسة والستين لصدور( مجلة الثقافة الجديدة)*

د. صباح قدوري
أستاذ جامعي، باحث إقتصادي

1. لا يخفى على أحد، بأن هذه المجلة أوجدت تحت تأثير اليسار العراقي النشط في الخمسينيات من القرن الماضى. وأنطلقت وفق أهداف واضحة ومحددة ومعللة المعالم والرؤية. وتجسد ذلك بوضوح في شعارها العتيد، ألا، وهو ( فكر علمي... ثقافة تقدمية). وذلك لبلورة مشروع ثقافي معاصر يساهم في التنامي الواسع للوعي الوطني والسياسي العراقي.

2. وأصبحت  المجلة عبر تاريخها الطويل، خمسة وستون عاما (1953 ـ 2018 )، من المجلآت الريادية في تطوير وتقدم حركة الثقافة الوطنية المعاصرة في العراق. وساهمت أطياف مختلفة من ألأدباء والشعراء والباحثين والسياسيين وأساتذة الجامعة في هذه المجلة منذ صدورعددها الأول، وما زالت تعد صرحا ثقافيا يغني المخيلة الإنسانية بإبداعات كتابها حتى يومنا هذا. وساهمت المجلة آيضا وبشكل فعال في نشر أفكار الحداثة والتنويروالديمقراطية والمعرفية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية. بهدف إحداث التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العراقي، تتحقق فيه الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم والإزدهار. والقاري للمجلة يشعر بأنها مجلة شعبية آيضا تؤمن بحرية التعبير، وتبحث مشاكل المجتمع وتقديم حلول صائبة وصحيحة لها. وتتميزمواضعها بالرصانة والإبداع والمستوى الفكري والثقافي الرفيع. وتتسم موادها وملفاتها وأدبها المتنوعة بالمعرفة والحداثة والتقدم.

3. لقد جابهت المجلة خلال سنوات عمرها مصاعب جمة على صعد مختلفة، منها: محاربتها من طرف الحكومات الرجعية والديكتاتورية والأنظمة الإستبدادية، وإستخدام شتى أنواع الطرق والوسائل القمعية ضدها، لحد فرض الحصارعليها و/أومنعها عن الصدور لمرات عدة، وواجهه محرروها آيضا أشكال القمع والإضطهاد والمطاردة والسجون. وكذلك محدودية القدرة المالية والتقنية والكوادرالإدارية المشرفة على إصدارها، والإعتماد الكبيرعلى العمل التعاوني والتطوعي من الكاتبات والكتاب ذوي الكفاءات العلمية من اليساريين والمتقفين والتنويريين، إلا أن المجلة أستطاعت أن تتجاوز كل هذه المصاعب، وأثبتت قدرتها على الصمود والإستمرار في العطاء الدائم كمجلة علمية، ثقافية، معرفية وشعبية، وذلك بمثابرة وجهود حثيثة وتعاون من  كل المخلصين الذين تولوا رئاسة تحريرها والهيئات المشرفة على أعمالها والحفاظ على ديمومة إصدارها منذ العدد الأول وحتى الآن، وبالدعم والمؤازرة من جمهرة واسعة من الكتاب وقراء المجلة.

4. واليوم تساهم المجلة بقسط كبير في العملية النضالية للفكرالماركسي ولليسار العالمي وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، في إدارة الصراع الفكري ضد العولمة الرأسمالية الشرسة، وإيدلوجية اللبرالية الجديدة، والانظمة الرجعية والديكتاتورية، والارهاب باشكاله المختلفة، والدفاع عن المرأة وإقرار مبدأ المساواة، والدفاع عن حرية الرأي والتعبير وحقوق المواطن، وترسيخ ممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية، والتضامن مع الشعوب والمناضلين في قضاياهم العادلة والمشروعة.

5. في الوقت الذي نحتفل بالذكرى الخامسة والستين لصدورمجلة الثقافة الجديدة، نسجل خالص اعتزازنا بما أنجز خلال هذه المدة. ونؤكد على ضرورة إستمرار الدعم المعنوي والمالي والإداري والتقني لها من الكتاب والباحثين والمثقفين والقراء، وذلك للحفاظ على ديمومة نهجها ومسيرتها اليسارية والتنويرية وتنوع مواضعها الرصينة وتطور افاقها المستقبلية.

6. رغم حصول تطور في مجالات المجلة عبر تاريخها الطويل، إلا اننا نلاحظ بان هناك نقلة نوعية في ذلك، خاصة بعد عام 2003 على أصعدة الاخراج وتنوع في كتابة المواضيع، وإنتظام صدورها في مواعدها المقررة، وتزايد عدد الكتاب والمشاركين والقراء. والاهتمام بالأبحاث والدراسات والملفات الخاصة في تعميق المعرفة والوعي الثقافي والفلسفي والاقتصادي والاجتماعي في مجال الفكر والتراث الماركسي واليساري، وتقيم مسيرة اليسارالعالمي وفي المنطقة، وطرح الأراء والمناقشات العلمية على أسس الديمقراطية والمسؤولية التاريخية والأدبية والأخلاقية تجاه الآحداث والتجارب، وسيرورة التطور الإقتصادي ـ الإجتماعي، بهدف توسيع الحوار البناء بين وجهات النظر المختلفة حول آفاق تطور مسيرة اليسار العالمي وفي المنطقة. إلا أنها لاتزال ليست في مستوى الطموحات المطلوبة، فعليه وفي هذا السياق نجد بعض المقترحات قد يمكن أن تنصب في تجاوز بعض الصعوبات أمامها، وتساعد على تطويرالمجلة شكلا ومضمونا، لكي تبقى دائما معبرة بحق عن شعارها العتيد، ( فكر علمي...ثقافة تقدمية)، وكالاتي:ـ

ـ تطوير التقنيات المعلوماتية في عمليات الأخراج والتصميم والكتابة وطبع المجلة، وتقديمها بشكل أفضل وبالطرق المتاحة في متناول القراء. وتطوير موقع المجلة على الانترنيت ومتابعة تحديث مواضعه وتصميمه بشكل دوري ومنتظم.
ـ تعميق مبدأ الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي، يهدف الى نشر آراء وأفكارتنسجم مع روح العصر، وتساهم في توعية وتثقيف الجماهير بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبدأ العدالة الإجتماعية وحرية الرأي والتعبير والحوار البناء.
ـ تشجيع وتحفيز العنصر النسائي والشباب للإنخراط في مزيد من الكتابة عن حقوق المرأة وفي قضايا الراهنة والعصرية.
ـ تشجيع وحث الشباب للكتابة في المجلة في مواضيع المشاريع الريادية وأثرها على عملية التنمية المستدامة، وكذلك  في مواضيع الرياضة والأدب والمسرح والفنون التشكيلية.
ـ وضع نسخة من المجلة في المكتبات المركزية للمحافظات العراقية. والإتصال بالشركات الخاصة والجامعات ومراكز الأبحات، للإشتراك في المجلة وبأسعار مناسبة، وكذلك الإشتراك وعرض المجلة وإصدارتها في المعارض الدولية والإقليمية للكتاب.
ـ متابعة حريصة وجيدة لإيصال المجلة الى القراء، وخاصة المشتركين فيها، وفي مواعيدها المقررة.
ـ تحسين الجانب المالي للمجلة عن طريق متابعة إستحصال مبالغ الإشتراكات فيها. والحصول على الدعم المالى عن طريق التبرعات للمجلة من الأشخاص والجهات الداعمة لها في مناسبات مختلفة، بدون قيد أوشرط.
ـ تشهد المجلة اليوم تطورا كبيرا في حجمها ومضمونها ورصانة مواضيع نشرها. والحالة هذه تتطلب التفكير والإهتمام  بزيادة عدد كوادرها من المحررين والإداريين والفنيين والقائمين على الطباعة والمنسق لصفحتها على الانترنيت وتوزيعها وإيصالها الى المشتركين بطريقة منتظمة. كذلك حث أعضاء هيئة التحريرعلى مزيد من المشاركة في الكتابة للمجلة، وفتح ابوابها أمام كل الأقلام المبدعة والمؤمنة بأهداف المجلة.

ختاما، وبهذه المناسبة الجليلة، يسعدني ويشرفني بأن أتقدم بأجمل وأحر التهاني القلبية، مع باقة ورود حمراء للمشرفين والقائمين على إدارة وتحريرالمجلة الأغر، ولزملائي وزميلاتي من كتاب وقراء المجلة، ودعوتهم الكريمة للمشاركة في الملف الذي يصدرعلى شرف اليوبيلية الخامسة والستين لإنطلاقة مجلة الثقافة الجديدة. راجيا للجميع مزيد من العطاء المثمر خدمة للفكر والعقل الإنساني التقدمي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المشاركة منشورة في ( مجلة الثقافة الجديدة ) ـ ملف العدد401 ـ 402 /تشرين الثاني/ نوفمبر2018 ، الصادرعلى شرف اليوبيلية الخامسة والستين لإنطلاقة المجلة.

14

نحو الإنتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق ، من أجل التغيير والإصلاح

د. صباح قدوري

أنطلقت يوم 10 من الشهر الجاري حملة الدعاية للإنتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق. وهي الخامسة منذ أول إنتخابات في عام 1992 . وقد أبدت بعض الأحزاب الكردية، منها حركة التغيير والاحزاب الإسلامية رغبتها بالتاجيل، إلا ان الموافقة تمت على إجرائها في الموعد المقرر 30 ايلول/ سبتمرالحالي.
يقدر عدد المرشحين ب (673 ) مرشحا ينتمون الى (29 ) كينا سياسيا لشغل (111 ) مقعدا، منها ( 11) مقعدا مخصصا للأقليات القومية والأثنية في الإقليم. ويعتبر إقليم كردستان العراق دائرة إنتخابية واحدة. وإعتماد نظام العد والفرزاليدوي في إحتساب نتائج الإنتخابات. هذا ولن يشارك الاكراد في المهجر في هذه الإنتخابات، لاسباب مالية وإدارية وتقنية.

1. تعتبرهذه الإنتخابات مصيرية وحاسمة بالنسبة للشعب الكردستاني، في الوقت الذي يمرفيه الإقليم بحالة من عدم إستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي وحتى الإمني.
ففي الحالة السياسية ( من دون الدخول في التفاصل)، نجد:ـ
ـ هناك تباينات وخلافات في الخطاب السياسي الكردي بخصوص مسالة تطويرالفيدرالية وآفاقها المستقبلية؛
ـ عدم إكمال دستور إقليم كردستان العراق وطرحه للإستفتاء الشعبي، وكذلك تحديد صيغة النظام الحكم في الإقليم هل هي على اساس رئاسي أم برلماني؟؛
ـ العلاقة مع الحكومة الإتحادية في كثير من الملفات المهمة والساخنة غيرمحلولة، منها:صيغة المشاركة في الحكومة الإتحادية، حصة الإقليم من الموازنة العامة الإتحادية، تفعيل وتطبيق مادة (140 ) من الدستور الدائم حول المناطق المتنازع عليها، مشكلة العقود والإنتاج والتسويق الخاصة بالنفط في الإقليم، ومسالة البيشمركة وعلاقتها بوازرة الدفاع الإتحادي؛
ـ ضعف العلاقة والتنسيق والعمل المشترك مع الأحزاب الكردية في حركة التحررالكردية للاجزاء الأخرى من كردستان الكبرى؛
ـ التداخلات الإقليمية السافرة والمباشرة من تركيا وايران وبعض الدول الخليجية كقطر والسعودية في شؤون السياسية الداخلية للإقليم؛

2 . يمرالإقليم اليوم بحالة إقتصادية صعبة للغاية. وهي متراكمة لفترات طويلة من دون المعالجة. ويعيش الشعب الكردي ظروفا معيشية صعبة وعدم توزيع رواتب موظفين بشكل منتظم وتخفيضها بشكل كبير، وذلك لبعض الإسباب، نختصرها، كالآتي:ـ
ـ عدم وضوح فلسفة النظام السياسي، كي يتبنى رؤية شفافة وإستراتيجية واضحة ومعللة لعملية التنمية الشاملة والمستدامة ذات أبعاد إقتصادية وإجتماعية؛
ـ الإعتماد على الإقتصاد الريعي من إيرادات الإقليم لحصته في الموارنة الإتحادية. وبيع النفط الذي تنقصه الشفافية ويستشري فيه الفساد المالي والإداري وسوء ترشيد سياسته؛
ـ هيمنة الصفة الإستهلاكية على الإقتصاد، بدلا من التوجه نحو تنويعه عبرتأهيل وتفعيل الإقتصاد الإنتاجي الذي يخلق القيمة المضافة للإقتصاد الوطتي؛
ـ قطعت الحكومة الإتحادية ميزانية إقليم كردستان العراق منذ عام 2014، مع إنخفاض اسعار النفط الى اكثر من (50% ) في تلك الفترة وما بعدها، وكذلك سوء إستخدام المال العام، مما تسبب في شحة الموارد المالية؛
ـ تصل ديون إقليم كردستان بحدود (105 ) مليار دولار، منها (51 ) مليار للحكومة الإتحادية، والباقي لبنوك داخلية وخارجية، بحسب حديث رئيس الوزراء لشؤون الطاقة السابق حسين الشهرستاني للسومرية نيوز/ بغداد، تشرين الثاني/ نوفمبر2017؛
ـ ضعف آداء هيئة الرقابة المالية لمهامها، ورفع تقاريرها الدورية الى البرلمان لدراستها وإتخاذ الإجراءات اللازمة بصددها؛
ـ الفساد المالي والإداري يمتد في كل مفاصل الإدارية والحزبية والقطاعات الإقتصادية ذات الطبيعة الخدمية والإستهلاكية؛
ـ إعتماد مفرط على إستيراد السلع الأجنبية ذات طبيعة إستهلاكية وكمالية، وإغراق الأسواق المحلية بها على حساب تطوير وتنمية الإنتاج الوطني؛

3. أما في المجال الإجتماعي، فنلاحظ ما يلي:ـ

ـ تفاقم البطالة التي تصل ( 25 ـ 30)% من قوة العمل، ونسبة فيئات السكان تحت خط الفقر(13 ) من عدد السكان البالغ اكثرمن (5 ) مليون نسمة؛
ـ تزايد حدة الإستقطاب الإجتماعي، مما عزز من التفاوت القائم في المجتمع، وظهور فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء؛
ـ ضعف شديد في القوى البشرية العاملة لمواكبة تكنلوجيا الحديثة، بهدف رفع الإنتاج والإنتاجية وجودتهما؛
ـ تراجع كبير ورداءة في مجانية خدمات الصحة لجميع المواطنين؛
ـ تراجع ورداءة خدمات التعليم المجاني بجميع مراحل الدراسة لكافة أبناء الشعب؛
ـ تدني الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع. وضعف دورالمجتمع المدني والمنظمات المعنية في ممارسة الديقراطية والتعويد على الحوار البناء، والمشاركة الفعالة في صنع القرار، وممارسة الرقابة الشعبية؛
ـ ضعف المسؤولية الإجتماعية تجاه البيئة وحمايتها من التلوث؛
ـ عدم الإعتناء بجودة الإنتاج الذي يعتبراحد عناصر الانتاج المهمة، ورداءة تقديم الخدمات التسويقية وفق المعايير القياسية لصالح المستهلك وحمايته؛
ـ التراجع في تأمين نظام الضمان الإجتماعي لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل، وذلك لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية؛
ـ لا يزال خطرالأمني قائما على الإقليم من بقايا ( داعش) والتنظيمات الإرهابية المرتبطة به، والسلم الإهلي معرض للتهديد ايضا، وخاصة في المناطق المتنازع عليها؛

وفق المعطيات المقدمة في اعلاه، نناشد وننادي الناخب الكردستاني بأن يشارك في هذه الإنتخابات وبروحية وطنية عالية تكون في مستوى المسؤولية والواجب الوطني، لمجابهة التحديات والمهمات الكبيرة التي يمر بها الإقليم. والمساهمة بشكل فعال من أجل التغيير والاصلاح على الأصعدة السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية، التغييرالذي ينتظره الشعب الكردستاني بفارغ الصبر. ومن أجل التصويت للوجوه الشابة المخلصة والنزيهة والمتعلمة وذات الخبرة والكفاءة والمعاييرالمهنية والمعرفية في الأداء، من الذين تهمهم مصلحة الوطن والمواطن الكردستاني وضمان مستقبله والأجيال القادمة.

المساهمة الجادة من أجل إنتخابات شفافة ونزيهة والخروج بنتائج جيدة وإيجابية بعيدا عن المحاصصة الفئوية والحزبية الضيقة والتوافقات السياسية المصلحية الداعمة للفساد المالي والإداري. المساهمة الجادة التي ستساعد على إنبثاق إدارة جديدة تكون في مستوى المسؤولية وتنطلق من تشخيص الوضع الراهن، وخاصة في المسارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية المذكورة في اعلاه، وتقديم حلول عاجلة وبناءة لها، وذلك لأن الإدارات السابقة في الحكم لم تكن قادرة على بناء مبدأ الموطنة التي تشكل روح الإدارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية، والتي إنشغلت بالتنافس من أجل الهيمنة على السلطة والمال والنفوذ.



15

الغطرسة والتدخل العسكري التركي داخل آراضي كردستان

د. صباح قدوري

1. منذ صعود اردوغان الى موقع رئاسة الدولة التركية وتعديل الدستورالتركي لصالحه من نظام برلماني الى رئاسي وتمتعه بصلاحيات واسعة، بدأت حدة محاربة الاكراد تتصاعد بإستخدام حملات قمعية وعسكرية واسعة النطاق في كل من تركيا وسوريا والعراق تجاه الشعب الكردي وحركته التحررية القومية المقسمة داخل آراضي هذه الدول. وإعتبارقوى هذه الحركة منظمة إرهابية تهدد الامن القومي التركي على حدودها الجغرافي، ضاربا عرض الحايط كل الأعراف والقوانين الدولية المعولمة بها في علاقات حسن الجوارمع هذه الدول والتفكير بالحل السلمي العادل للقضية الكردية وخاصة في تركيا.

2. أن الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسها اردوغان لا تريد إعتراف بوجود شعب كردي قوامه 20 مليون يعيش داخل أراضيها، ولا بقضيتهم السياسية والانسانية بما فيها حق تقرير المصير وإيجاد صيغة عملية ملائمة للتعبيرعن ذلك. بل بالعكس تمارس السياسة الديماغوجية والغطرسة والتدخل العسكري السافرتجاه القضية الكردية عبر قمع وإضطهاد الاكراد وزج قيادات وأعضاء الاحزاب والبرلمانيين الاكراد والمنظمات الكردية  في تركيا التي تناضل من اجل حقوقها القومية العادلة في سجون ومعتقلات النظام التركي، واعتبارها منظمات وعناصر إرهابية خطرة على أمنها القومي.

3. أما في سوريا تلعب تركيا دورالمحتل لأراضيها بحجة انقاذ الشعب السوري من النظام القائم فيها، وخاصة في مناطق الشمالية والشمالية الشرقية  ذات الأكثرية الكردية. وطرد أهاليها من اماكن سكناهم بهدف إجراء التغييرالديموغرافي فيها، وإسكان العرب والتركمان من السنة والفصائل الارهابية الحليفة لها من (داعش) وجبهة النصرة والمنظمات الإرهابية الاخرى التابعة لها محلهم، كما حدث في عفرين. وتتوجة حاليا الى تطبيق خارطة طريق بالتفاهم وبالتعاون مع أمريكا للدخول الى منبج ومناطق شرق فرات وإرغام قوات الحماية الشعبية والمجلس الاداري الحاكم فيها من الإنسحاب والمغادرة الى جهة أخرى، بذريعة انها تهدد الامن القومي التركي بحسب أدعاءاتها!!!، كما وحاولت في حينها إستلاء على مدينة كوباني (عين العرب) عن طريق عصابات ومرتزقة ( داعش) ومنظماتها الارهابية ولم تفلح، وذلك بفضل المقاومة البطولية من المقاتلات والمقاتلين الكرد وقوات الحماية الشعبية YPG.

4. واليوم تصعد تركيا  مرة اخرى تهديدها بالتدخل العسكري السافر في العراق لمحاربة مقاتلي حزب العمال الكردي (ب ك ك) وفصائل كردية أخرى المتمركزة  في أعالي جبل قنديل. أقامت تركيا( 12) قواعد عسكرية في مناطق إقليم كردستان العراق بحسب تصريحات المسؤولين الاتراك أنفسهم وتقوم يوميا بقصف القرى والأرياف الآمنة في حدود هذه المنطقة، مما سبب   بوقوع ضحايا في الأرواح والممتلكات وزعزعة الآمن والإستقرارفيها، وذلك بادعاءاتها الكاذبة والباطلة بانها تشكل خطرا وتهديدا لأمنها القومي. تكرر تركيا بين حين وأخر هذا العدوان على الاكراد منذ زمن النظام الديكتاتوري االسابق، الذي سمح لها بالدخول(20) كيلومترا في عمق آلأراضي العراقية لهذا الغرض. وبعد سقوط النظام دخلت قواتها في عام 2015 دون إذن أوموافقة الحكومة الإتحادية العراقية وأقامت معسكر لها في بلدة بعشيقة التابعة لمحافظة نينوى بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق وبذريعة مساعدة قوات البيشمركة لمحاربة (داعش) أثناء إجتياحها لمدينة الموصل ومحاولة دخولها الى محافظات الاقليم وخاصة في أربيل في صيف عام 2014. وفي الواقع وبحسب كل المعطيات لم تقدم القوات التركية آية مساعدة للاكراد بهذا الشأن، بل بالعكس قدمت مساعدات كبيرة مادية ولوجستية وعسكرية وطبية وغيرها الى هذه العصابات وذلك لتسهيل خطتها في إحتلال الموصل، وما حصل من المجازر والكارثة الإنسانية بحق الإيزيدين من القتل الجماعي وإختصاب النساء وتدميرالقرى والمعالم الحضارية والتاريخية ونزوح الآلف من أبناء بلدة سنجارالمنكوبة الى مناطق آمنة، شاهدا حيا على ذلك. واليوم تهدد مرة أخرى لإرسال قواتها الى سنجار بحجة وجود مقاتلين حزب العمال الكردي فيها.

5. حاولت الحكومة الاتحادية عدة مرات إخراج القوات التركية من بعشيقة عن طريق الحوارالدبلوماسي وبمساعدة من امريكا والطلب أيضا من المجلس الامن وجامعة الدول العربية، ورغم وعود تركيا مرارا بالإنسحاب بعد إنتهاء من الحرب مع ( داعش)، ولكن لم تتقيد بتنفيذ وعودها ولا تزال باقية في مواقعها العسكرية حتى اليوم، مستغلة ضعف كل من الإدارتين في الحكومة الإتحادية وإقليم كردستان تجاه صيانة السيادة الوطنية ووحدة أراضي العراق.

6. يتطلب من الشعب العراقي بكافة مكوناته وأطيافه أن يكون بمستوى  المسؤوليه الوطنية العالية والحرص الشديد على وحدة الأراضي العراقية. وإصدار النداء العجل للمحتلين من اية جهة كانوا، للإنسحاب الفوري لقواتهم العسكرية. وتفعيل دور العراق الدبلوماسي في المحافل الدولية عبرالعمل المشترك مع منظمات الامم المتحدة وخاصة مجلس الامن الدولي لانهاء العدوان التركي على العراق، والتضامن مع الشعب العراقي وإيقاف العدوان ضد الشعب الكردي في كافة أجزاء كردستان. والتعبير عن ذلك بإستخدام وسائل نضالية سلمية مختلفة من الإحتجاجات وتقديم المذكرات وإقامة الندوات والعمل مع منظمات المجتمع المدني والمهني والخروج بالتظاهرة والحد من الاستثمارات التركية ومقاطعة بضائعها حتى يتم إنهاء العدوان، والمطالبة بنصرة الشعب العراقي والخروج من محنتيه وصيانة أمن وإستقرار البلاد، والإسراع في إنهاء الحالة السياسية والإقتصادية المعقدة الذي يمر بها وخاصة بعد الإنتخابات. وحل كل المعضلات وفي مقدمتها تشكيل الحكومة المرتقبة باسرع وقت ممكن، بالإعتماد على نتائج الإنتخابات والدستور العراقي، لغرض نقل العراق الى مرحلة جديدة تكون مهيئة لتوحيد الصف الوطني وتأمين الأمن والإستقرار والسلم الإهلي وصيانة السيادة الوطنية، وذلك عبر تبني رؤية واضحة وشفافة وإستراتيجة  بناءة  في عملية التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، تتحق فيها الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية، وإيصال العراق الى شاطئ الأمان، ويتمتع شعبه بالرفاء والتقدم والازدهار.




 


16
أتفق مع راى الاخ والزميل كمال يلدو، وعليه يكون تقيمي كالاتي:
بونادم كنا: ضعيف جدا وغير نظيف
عماد يوخنا: سئ
لويس كارو: سئ
جوزيف صليوا : جيد جدا
رائد اسحاق: جيد

17
متى تنتهي مظلومية الشعب السوري من جراء الحرب القذرة التي فرضت عليه منذ 2011 وحتى الآن؟!

د.صباح قدوري

1. تتعقد يوما بعد يوم الأوضاع السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية في سوريا. وفي عشية (الربيع العربي) عام 2011، إندلعت مظاهرات جماهرية سلمية في سوريا مطالبة النظام بأجراء التغيير والإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية اللازمة في البلاد وبالحرية والديمقراطية والعيش بالكرامة. إلا أن سرعان ما هيمنت الأحزاب الإسلامية على هذه المظاهرات ودخلت بعض الدول العربية على الخط وخاصة الخليجية منها وعلى راسها قطر والسعودية وكذلك الاردن وتركيا لدعم هذه الأحزاب الإسلامية والمجموعات الراديكالية منها بالمال والسلاح، وبالتأيد والدعم الأمريكي ومن بعض الدول الأوربية وعلى رأسها انكلترا وفرنسا كجبهة واحدة ضد النظام السوري لإسقاطه.

 2. ولإنجاز هذه المهمة تم إدخال مجموعات إرهابية من السلفيين والقاعدة وفيما بعد ( داعش).  جرى تجميعهم من مختلف أنحاء العالم كمرتزقة وتدريبهم وإدخالهم الى سوريا عبر تركيا وبتمويل من الدول الخليجية. وبذلك فقدت شريحة كبيرة من الجماهير المنتفضة سلميا أهدافها الحقيقية المطالبة بها وأصبحت ضحية هذه السياسات والمؤامرات الخارجية. سيطرت هذه المجموعات الإرهابية بتسمياتها المختلفة على الأوضاع في الداخل وأعلنت حربها القذرة ضد النظام والتي دخلت سنتها السابعة، بهدف إسقاط النظام القائم وإيجاد نظام بديل مواليا ومؤيدا لهذه الدول وكذلك إبعاد رياح الربيع العربي عنها. وبسبب هذا الوضع الجديد أقدم النظام على إستخدام العنف المضاد من قبل أجهزته القمعية من خلال الهجوم على المسلحين وإعتقال مئات منهم وزجهم في معتقلات وسجون النظام، وتهجير آلاف من المواطنين السوريين الى الخارج وفي داخل سوريا، مما أسفر عن ضحايا بشرية تقدر بحدود مليون نسمة بين قتيل وجريح حتى الآن مع تكبد خسائرمادية تقدر بمليارات دولارات.

3. من جهة أخرى دخلت كل من ايران وروسيا الإتحادية في سوريا بطلب من نظامها لمساعدته في محاربة الإرهاب الدولي. وبهدف حماية الدولة السورية وشعبها من خطرإنهيار وتمزق نسيجها الإجتماعي وزعزعة وحدة البلاد، وحماية مؤسساتها وجيشها من التفكك، وإبعاد خطر الحرب الأهلية والنزعات الطائفية والمذهبية والأثنية بين مكوناتها، كما حدث ذلك في كل من أفغانستان وإحتلال العراق عام 2003 وتدمير ليبيا واليمن.

4. وبسبب بعض السياسات الخاطئة التي مارسها حلفاء النظام وتقديراتها تجاه الأوضاع في سوريا، تدخلت كل من أمريكا وتركيا بشكل مباشر عسكريا  تجلى في إحتلال أجزاء شمالية وشمال شرقي وبعض أجزاء جنوب غرب سوريا، بذريعة محاربة الإرهاب وحماية الآمن الوطني والدولي. أستفادت تركيا الحليفة مع الدول الإقليمية وامريكا وحلفاءها ضد النظام السوري من ذلك. في وقت شاركت تركيا في المفاوضات والإتفاقيات ( استانا وسوتشي)  بشأن وقف إطلاق النار لجعل بعض المناطق آمنة لإصال المساعدات الإنسانية الى الأهالي فيها وبالتعاون مع كل من روسيا الإتحادية وايران. وبذلك أصبح لتركيا موضوع قدم مع توجهات امريكا وموضع أخر مع روسيا لتلعب  بالتالي على الحبلين (كما يقال )، بذريعة ضمان منطقة آمنة لها في الشريط الحدودي مع  الآراضي السورية. وهذا ماتحقق لها فعلا بعد إحتلالها لبلدة عفرين في شمال سوريا وتهجيرأهلها من الاكراد ومحاولة إجراء التغييرالديمغرافي لسكانها وإسكان العرب والتركمان من السنة محلهم والإستيلاء على الابنية والاماكن الحكومية فيها ونهب وسلب ممتلكاتها ورفع العلم التركي عليها. رغم تاكيدات متكررة من ايران وروسيا لتركيا المرتبطة بهما باتفاق ثلاثي بأهمية إيجاد الحل السلمي للمسالة السورية وبضرورة الانسحاب من المنطقة وتسليمها الى الحكومة السورية، الإ انها لم تنفذ ذلك لحد الآن. واليوم تهدد بالدخول الى منبج ومناطق شرق الفرات بذريعة محاربة الإرهابيين ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردي باعتبارها مهددة للامن القومي التركي بحسب إدعاءاتها!!!.

أما امريكا وبحجة محاربة الإرهاب و( داعش) فهي موجودة اليوم عسكريا في مناطق شمال وشمال شرقي سوريا كحلفاء للاكراد، وفي مناطق جنوب غرب سوريا المحاذية للحدود مع اسرائيل. وسعت لإقامة عدة قواعد عسكرية في هذه المناطق لإيجاد نوع من توازن في القوة العسكرية في سوريا، وتهديد ايران عسكريا، وتقويض النفوذ العسكري الروسي، ومحاولة إبعاد تركيا من تقاربها مع روسيا، وتهديد النظام السوري بالتدخل العسكري واسقاطه  بذريعة استخدامه السلاح الكيمياوي ضد المدنيين، وتعطيل العمل من أجل الإسراع  بالحل السلمي بين الآطراف المعنية في الحرب السورية وتحقيق الآمن والإستقرار فيها.

5. على ضوء هذه التدخلات الإقليمية والدولية وتعقيداتها في سوريا، وتضارب مصالها الجيوسياسية والإقتصادية والهيمنة على المنطقة. وتتمثل هذه المصالح ( بدون الدخول في التفاصيل: بالنسبة لأمريكا الهيمنة الاقتصادية والنفوذ وحماية اسرائيل ومحاربة ايران ووضع حد لتدخلاتها في المنطقة وتنفيذ مشروع شرق أوسطي جديد. ولروسيا الإتحادية حماية مصالحها الإقتصادية والنفوذ وإعادة إعتبارها في المحافل الدولية كقوة عظمى بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي السابق في تسعينيات القرن الماضي. اما تركيا فأن هدفها الرئيسي يتمثل في محاربة الاكراد وإظهار نفسها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط والإستفادة الإقتصادية من خلال العلاقات الأقتصادية مع دول المنطقة. وتطمح ايران لتوسع نفوذها في المنطقة كلاعب مهم من خلال طموحها في إقامة الهيلآل الشيعي من العراق الى لبنان عبر بوابة سوريا، وحماية حدودها من العدوان الإسرائيلي والآمريكي وحلفائها من الدول الخليجية، والإستفادة الإقتصادية مع دول المنطقة. وقد سببت التقاطعات في هذه المصالح بتعثر الحل السلمي لهذة المسالة، وإطالة أمد المواجهات العسكرية والتهديد بإستخدام القوة ضد روسيا وحلفائها، كاننا اليوم على مشارف الحرب العالمية الثالثة!!! ولو إنها مستبعدة، إلا أنها تساهم في تشنج وتخريب العلاقات الدولية، وتهدد الآمن والإستقرار والسلم الدولي وفي المنطقة، والتأخير في القضاء على الإرهاب الدولي وإقلاع جذوره الى الابد.

6. اليوم مطلوب من هذه الأطراف المتصارعة التصرف بعقلانية وبنيات صافية للجلوس على طاولة الحواربروحية صادقة وتفاهمات بناءة والكف عن السياسة الديماغوجية تجاه قضايا الشعوب، وإنقاذ المنطقة وشعوبها  من الحروب العبثية والنزاعات الطائفية والمذهبية والاثنية منذ إحتلال العراق عام 2003 ولحد الآن .

7. إعطاء حق للشعب السوري ليساهم في إنهاء الحرب بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في هذه الحرب القذرة. وفي إختيار نظام حكم ملائم تتفق عليه الأطراف المتصارعة. وإحياء وتفعيل دور الحل السلمي عبر المفاوضات المباشرة بين النظام السوري والمعارضة في جنيف، وفق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وتنفيذ المراحل اللازمة لهذه القرارات بما يحقق المصالحة الوطنية، وضمان الآمن والإستقرار والسلم الآهلي بين مكونات وأطياف الشعب السوري. وإعادة إعمار البلاد  بعد ما سببته الحرب من خراب، حيث تقدركلفتها حسب الخبراء والمختصين بحدود 100 مائة مليار دولار، وإعادة النازحين والمهجرين الى أحضان الوطن، وبالتعاون الفعال والمساعدات من المؤسسات الدولية، وتحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية، لتأهيل البلآد عبرعملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة، وتامين السلآم الدائم في المنطقة.

 


18
يا أحرار العالم تضامنوا مع أهالي عفرين في سوريا ضد العدوان العسكري التركي

د. صباح قدوري


ليست المرة الأولى التي يشن النظام التركي عدوانه السافرعلى الشعب الكردي سواء في تركيا حيث يعيش فيها حوالي (20 ) عشرين مليون كردي، آي نصف تعداد من أصل اربعين (40 ) مليون نسمة، مقسمة على أجزاء اخري من كردستان الكبرى ( ايران ، عراق ، سوريا، لبنان، جنوب غرب أرمينيا، وبعض مناطق أذربينجان)، أو في سوريا والعراق، وبذرايع مفتعلة وكاذبة، تارة بمحاربة الإرهاب وتارة اخرى بالحفاظ على الامن القومي التركي، إلا ان الصحيح وعبرالدلائل والشهود التاريخية، هو عدائه الشوفيني المتواصل وإنتهاجه سياسة القهر والإضطهاد والاسلوب العسكري الدموي ضد الشعب الكردي الذي يطالب بحقوقه القومية العادلة منذ مائة عام.

منذ إنخراط تركيا في عام 2011، كطرف إقليمي لإسقاط  نظام الحكم في سوريا تلبية من آمريكا وحلفاءها الطامحين في تنفيذ خارطة الطريق لإعادة ترتيب نظام الشرق الاوسط الجديد بالتعاون مع بعض الدول الخليجية وخاصة السعودية وقطرمن آجل تحقيق المصالح الجيوسياسية والإقتصادية ومحاربة ايران في المنطقة. أخذت تركيا على عاتقها مهمة إعداد الإرهابيين والمرتزقة وتدريبهم من جميع أنحاء العالم وتحت مسميات مختلفة، منها:  داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام وغيرها، وبتمويل من هذه الدول الخليجية والتنسيق مع الكيان الصهيوني، وإرسالهم الى سوريا لإسقاط نظام الاسد، وفي نفس الوقت معاداة الشعب الكردي في تركيا وسوريا الذي يطالب بحقوقه القومية العادلة ضمن نظام ديمقراطي يؤمن بالمساواة والحرية والعدالة الإجتماعية.

وبعد صعود اوردغان وحزبه الإخواني التنمية والعدالة الى سدة الحكم وأصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية بصلاحيات واسعة. وبذريعة الانقلاب الفاشل، شن هجوما كبيرا على الاكراد وحزب الشعوب الديمقراطي وإتهامم بالإرهابيين باعتبارهم الجناح السياسي لحزب ( ب.ك.ك) الذي يعتبره منظمة إرهابية تهدد الامن القومي لتركيا. وزج كثيرمن قياديي وأعضاء هذا الحزب وممثليهم في البرلمان التركي ومن ضمنهم رئيس الحزب صلاح الدين دمرتاش في السجون التركية وحتى الآن.

ونذكر اليوم عندما هددت ( داعش) كوباني وقامت بتنفيذ المجازر والإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الكردي الذين يشكلون أكثرية سكانها، حيث كانت قوات تركيا على مشارف حدود المدينة تقف مكتوفة الإيدي متفرجة ولم تكن حينذاك تخاف من تهديد ( داعش ) لامنها القومي!!!، بل وأعطت ضوء أخضرا لها لتقتل وتذبح الشعب الكردي والمكونات الإخرى  وتحرق المدينة. وبفضل المقاومة البطولية من المقاتلات والمقاتلين الكرد وقوات الحماية الشعبية YPG، الذين قدموا أروع ملحمة بطولية لمقاومة هذا التنظيم الإرهابي الشرس ودحره الى الأبد. كما وانجزوا ايضا بجدارة فائقة تحريرمدينة الرقة من قبضة هذا التنظيم والمنظمات الارهابية الاخري، وبذلك لم تفلح تركيا من تحقيق حلمها ومخططاتها العدوانية على المدينة المنكوبة.

وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث أقدمت تركيا قبل ايام قليلة عدوانها السافرعلى مدينة عفرين وضواحيها مستندة الى نفس الذرايع التي أشرنا اليها سابقا بعد أن تسلمت الضوء الأخضر من امريكا ـ  الحليف القديم وما يزال وعضومهم في حلف ناتو و روسيا المرتبط بها بالإتفاقيات الثلاثية مع ايران، وإستخدام القوات العسكرية ومرتزقة من جبهة النصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية للقتال المباشر مع قوات الحماية الشعبية، وقصف المدينة بالمدافع والطائرات ومحاصرتها من عدة جوانب تمهيدا لاشتياحها والدخول الى الاقتتال المباشر على مشارف المدينة، مما سببت في قتل العشرات من المدنيين والمقاتلين من الطرفين ونزوح أعداد كبيرمن أهالي القرى المحاطة بالمدينة نحو المناطق الأمنة وإرباك الحالة الامنية في المنطقة بسبب إصرار تركيا على الإستمرار في الإقتتال لحين طرد قوات الحماية الشعبية من المدينة!؟.

لربما تجد امريكا نفسها في حيرة سياسية تجاه هذا الحدث!؟، وكيفية التوافق بين الاكراد الحليف القوي لامريكا في محاربة الإرهاب في سورية وبين دفع تركيا الحليف الإستراتيجي لها لخلق البلبلة داخل سوريا وتعريضها الى الانقسام الطائفي والاثني، والتي تقود بلا شك الى مشكلة كبيرة لمستقبل سوريا، و/أومحاولة امريكا لجلب تركيا الى صفها من خلال الضغط عليها لفك تعاونها مع روسيا، ويكون ذلك بلاشك على حساب الاكراد، وذلك لإفشال المحاولات الجارية للسير قدما نحو الحل السياسي للمعضلة السوريا من خلال عقد إجتماع للاطراف السورية في تشوسي بهدف خلق أجواء حقيقية للتفاوض المباشر في جنيف بين أطراف النزاع، وذلك تمهيدا لحلحلة نهاية للأزمة السورية، اذا توفرت النيات الصادقة بين الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية في الآمد القريب.

نناشد كل أحرار العالم ومنظمات المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة والوحدة الأوربية لتقديم أوسع انواع التضامن والتعاطف الأممي مع أهالي مدينة عفرين وقرآها وكل مناطق سوريا المتحررة من الإرهابيين. وإيقاف القتال والدمار والخراب والويلآت والتفرقة والتهجير والحروب لتلافي المزيد من الضحايا البشرية والمادية ومعاناة الشعوب في المنطقة. وضمان العيش المشترك لكل مكونات وأطياف الشعب السوري المجروح والمتعطش للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة والحياة الآمنة، في مجتمع يضمن الأمن والإستقرار والسلآم الدائم والتقدم والإزدهار، وتتحقق فيه المكاسب الحقيقية للاكراد وكل مكونات الشعب السوري لحقوقهم المشروعة في ظل نظام ديمقراطي تعددي مبني على أسس المواطنة والوطنية وحماية السلم الإهلي وإعادة النازحين والمشردين وإعمار وبناء كل ما خربته الحروب القذرة في المنطقة.
 

19

ما هي توجهات الحكومة الإتحادية آزاء إقليم كردستان العراق بعد الإستفتاء؟

د. صباح قدوري

من المعلوم أن نتائج الإستفتاء الشعبي في الإقليم الذي جرى في 25 أيلول/سبتمرالماضي، لم تلقى النجاح من لدن الشعب الكردستاني ولا من الحكومة الإتحادية ولا من الدول الإقليمية المعنية والمحافل الدولية والعالمية. وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية، سبق وأن بيناها في مقالاتنا السابقة بهذا الخصوص.

على أثر هذه النتيجة، حدثت مجموعة تداعيات إثرإجراءات نفذتها كل من الحكومة الإتحادية والإقليم، وكالآتي:

1. إنتشار القوات الإتحادية والحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها، وخاصة في كركوك وطوزخورماتو وسهل نينوى وبعض المناطق الأخرى ومعظم الحقول النفطية والمعابر الحدودية المجاورة لتركيا، فشخابور وإبراهيم خليل. مما سببت هذه الإجراءات الى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف القوات الإتحادية والبشمركة. ونزوح أعداد كبيرة من سكنة هذه المناطق باتجاه الإقليم في محافظتي أربيل والسليمانية. لا تزال الأوضاع الأمنية غير مستقرة في قضاء طوزخورماتووالمعابرالحدودية حتى الآن.

2. فرض الحصار على المطارات الواقعة في المحافظتين السليمانية وأربيل وتوقف السفرمنهما الى الخارج. شحت الوقود من البنزين والنفط في محافظات الإقليم مع حلول فصل شتاء، وتعاني المستشفيات آيضا من نقص الأدوية والمعدات الطبية. كذلك حرمان العاملين من المرتبات لمدة تتجاوز خمسة أشهر، رغم وعود حيدرالعبادي مرارا بصرف مرتبات الاقليم!.

3. لم تتضح حتى الآن أية مبادرة جدية وصادقة من طرفي النزاع لإجراء حوار بناء وشفاف لحلحلة المعظلات القائمة بينهما منذ فترة التي بقيت دون حل.

4. حكومة الإقليم من جانبها جمدت تنفيذ نتائج الإستفتاء الى آجل غير مسمى، وأبدت إستعدادها للحوار مع الحكومة الإتحادية بدون شروط مسبقة.

5. إنسحاب السيد مسعود البرزاني من رئاسة الإقليم وقدم إستقالته، ووزع إختصاصاته ومسؤولياته على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الإقليم.

6. تعمقت الأزمة السياسية بين الأحزاب الكردستانية وخاصة الحاكمة منها. إطلاق التهم وإلقاء مسؤولية ما حصل كل على الاخر، الى حد الاتهام الخيانة الوطنية العظمى، بسبب ما جرى في كركوك وبعض المناطق الاخرى على أثر انتشار القوات الأتحادية فيها، أما كتلة التغيير والمجلس الإسلامي، فهما يطالبان بتشكيل حكومة إنتقالية وتشكيل وفد التفاوض من كل الأطراف السياسية، يكون مؤهلا لإجراء الحوار مع الحكومة الإتحادية، وذلك لفقدان الحكومة الحالية لمصداقيتها وإتهامها بالفساد والتقصير في الإدارة، والتي ادت الى نشوء الأزمة المالية والاقتصادية التي تعم الإقليم منذ فترة وحتى الآن حسب تصريحاتهم. هذا وقد أتخذت كتلة التغييرقرارالإنسحاب من البرلمان والحكومة، لتصبح جهة معارضة، وتدعو الجماهيرالكردستانية للخروج بالمظاهرات السلمية للمطالبة بتشكيل حكومة الإنتقالية وتحسين الوضع المعيشي والخدمي في الإقليم. وتشارك في هذا التوجه آيضا حركة ( الجيل الجديد) التي نشأت في الإقليم أبان فترة الإستفتاء، وتطالب بإجراء الأنتخابات البرلمانية.

7. لا يزال الإقليم يراهن بالدرجة الاساسية على العامل الموضوعي، من الإتحاد الأوربي، فرنسا والمانيا ومن بريطانيا.  وزيارة رئيس حكومة الإقليم نجيرفان البارزاني اليها، مسعى لبذل المساعي لتقريب وجهات النظر بين الإقليم والحكومة الإتحادية، لإجراء الحوارمع الحكومة الإتحادية بخصوص ما آلت اليها الحالة في الإقليم من جراء الإستفتاء الشعبي. وبهذه المناسبة نؤكد مرة اخرى، كما في مقالاتنا السابقة، على الإقليم أن يعتمد بالدرجة الأولى على تقوية العامل الذاتي على أسس لم شمل البيت الكردستاني وتقريب الخطاب السياسي الكردي والإعتماد على المشاركة الجماهرية بأعتبارها عاملا حاسما في إتخاذ القرارات المصيرية، والإستفادة العقلأنية من العامل الموضوعي.

8. أزاء هذه الصورة التي آلت اليها العلاقة بين الإقليم والحكومة الإتحادية بسبب الإستفتاء وعوامل اخرى متراكمة منذ فترة من دون معالجات، فأن المتضررالوحيد من ذلك هو الشعب الكردستاني في الإقليم، الذي يعاني منذ مدة من مصاعب سياسية وإقتصادية وإجتماعية للإدارات المتعاقبة الفاشلة، التي لم تقدم آية أسس صحيحة لبناء المؤسسات الإدارية والقانونية والإقتصادية الرشيدة والرصينة، وترتكز عليها  لتطوير سيرورة الصيغة الفيدرالية الى مرحلها المتقدمة والمناسبة لتجسيد حق تقرير المصير، بل إنشغلت في الفساد المالي والإداري وهدر المال العام والأستحواذ على السلطة، وتقوية النقوذ على حساب الإستقرار والبناء والتنمية الإقتصادية/ الإجتماعية المستدامة.

9. هناك صمت من قبل الحكومة الإتحادية أزاء الحالة الجديدة لإقليم كردستان العراق، إذ لم تبادر لحد الآن الى تقديم رؤية واضحة وشفافة للتعامل مع هذه الحالة. ويبدوانها تعيش نشوة (انتصاراتها العسكرية) الإخيرة بعد نشر قواتها في المناطق المتنازع عليها، وفرض عقوبات إضافية يتحمل أعباءها مواطنوا الإقليم، وعدم إعارة اي إهتمام بالحالة المزرية التي يعشها المواطن الكردستاني بسبب الوضع الاقتصادي والأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الإقليم وانعكاساتها، خاصة على أصحاب الدخول المحدودة والمنخفضة وشريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة، وثأثير ذلك على المستوى المعيشي للمواطنين، والى إضعاف الإستهلاك وانعكاس ذلك على الأنتاج والتشغيل وإستمرار الركود الإقتصادي، وتفاقم البطالة، وأرتفاع معدل التضخم، وتأخير دفع رواتب الموظفين ومستحقاتهم لفترات قد تزيد عن خمسة أشهر، والتي تمثل مصدر رزقهم الأساسي وتأمين حياتهم المعيشية من المأكل والمشرب وإيجار السكن والآدوية وغيرها من المتطلبات الحياتية. كذلك انعكاس مجمل الحالة على أوضاع النازحين في الإقليم وتقديم الخدمات والمعنونات الأساسية اليهم، والإسراع في العودة الى مناطقهم.

ختاما، أن الحل الوحيد هو إعتماد حوار وطني بدون شروط مسبقة لحل كل الخلأفات وباشراف من الإمم المتحدة، حل يستندا على تحقيق التوافقات الضرورية لتنفيذ العديد من القضايا المعلقة بين الطرفين من مواد الدستور، ومنها تنفيذ المادة ( 140) بمراحلها الثلاث، وإطلاق حصة الإقليم من الموازنة العامة لعام2018 ، على أسس عادلة ضمن الضوابط الدستورية والقانونية والتعداد السكاني، ومعالجة ملف النفط من خلال إصدارقانون النفط والغازالإتحادي بالتوافق مع الإقليم. تخفيف حالات التوتر والإحتقان السائدة في المناطق المتنازع عليها، أستنادا على مبدأ المشاركة في إدارتها،  وبما يضمن حقوق أطياف أهاليها ومشاركتهم فيها.

20

ماذا من بعد الإستفتاء في إقليم كردستان العراق؟

د. صباح قدوري


سبق وأن أشرنا في مقالنا الموسوم "آراء حول الإستفتاء/ الريفرندوم/ في إقليم كردستان العراق". ووضحنا فيه بان الوقت غير ملائم آلان لاجراء هذا الإستفتاء، وذلك لاسباب ذاتية وموضوعية. وتجدون  في نهاية هذا المقال الرابط  بذلك*.

والآن يطرح السؤال نفسه ، وهو: ماذا بعد أن تم إجراء الإستفتاء وأصبح في ألامر الواقع وأكتسبت القيادة الحاكمة الشرعية الشعبية لآعلان الإنفصال عن العراق الأتحادي؟. الجواب على ذلك، هو: إما إعلان الإستقلال عن العراق وتشكيل الدولة الكردية و/أوالبقاء مع العراق وفق الصيغة الكونفيدرالية.

أعتقد بان الحالة الاخيرة هي أكثر واقعية وموضوعية في الوقت الحاضروفي المدى المنظور، وذلك إرتباطا بالاوضاع السياسية والإقصادية والأمنية غيرالملائمة في الاقليم، مع إحتدام الازمة بين بغداد وأربيل على خلفية الإستفتاء. كما وإن الوضع الإقليمي والدولي رافض الى حد ما للآستقلال ويدعو الى الحوار الجاد والشفاف مع الحكومة الإتحادية لحل وإنهاء الخلافات الأساسية والمشاكل المتراكمة غير المحلولة منذ فترة وحتى الآن بين الطرفين، ولا سيما ما يتعلق بمشكلة تسوية ومعالجة المناطق المتنازعة عليها ومن ثم رسم الحدود وتحديد الرقعة الجعرافية للصيغة الكونفيدرالية، وإمكانية الإتفاق على نوع من الإدارة المشتركة لهذه المناطق، ومسالة النفط والغاز والمياه والقضايا المالية من الميزانية الاتحادية والضرائب والمعابرالحدودية وغيرها.

ولأجل الوصول الى التفاهمات بهذا الشأن، يتطلب قبل كل شئ من القيادة الكردية الحاكمة والأحزاب الكردستانية وبمشاركة الجماهرية الواسعة، التحضيرالجيد لمجابهة الحالة الجديدة في الإقليم تكون في مستوي المسؤولية العالية تجاه طموحات الشعب الكردستاني في التعبيرعن حق التقريرالمصير. وإصلاح الأوضاع  السياسية والإقتصادية والمعيشية والإجتماعية والأمنية  والثقافية والقانونية والتنظيمية، ودعم بناء الموسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والدستورية الرشيدة، والإعتماد بالدرجة الأساسية على تقوية العامل الذاتي والإستفادة العقلانية من العامل الموضوعي. وبهذا الصدد، أحاول التركيز على مسالتين مهمتبن، وهما بناء المؤسسات الإدارية والدستورية الرشيدة، مع تفعيل وتقوية النظام الإقتصادي من منظور التنمية الاقتصاديةـ-الإجتماعية المستدامة.

اولا: الموسسات الإدارية والدستورية

1. إعادة جمع شمل البيت الكردي وخطابه السياسي على الصعيد الداخلي والعلاقات مع حركات التحررالكردية في أجزاء اخرى لكردستان. وشجب ممارسة الحساسيات ونزعات الهيمنة والتسلط والتنافس من أجل المال والسلطة والنفوذ، كظاهرة متلآزمة للعلاقة بين الأحزاب الكردستانية حتى اليوم.
2. الفصل بين الجهازين الحزبي والإداري وبين السلطات الثلاث من هيمنة الممارسات الحزبية والمحسوبية الضيقة عليها.
3. تفعيل دور الهيئات الإدارية لمؤسسات الحكم في المشاركة الحقيقية في عملية إتخاذ القرارات، ولاسيما لدورالبرلمان الحقيقي في رسم وتوجيه السياسات الإقتصادية والإدارية.
4. إكمال مسودة دستورالإقليم وإغنائه بالمناقشات من آصحاب الأختصاصات والمشاركة الجماهرية العريضة، تمهيدا للمصادقة عليه من قبل البرلمان الجديد المزمع إجراء انتخابه في شهرتشرين الثاني/نوفمر2017.
5. الإهتمام الجدي بعملية توعية الجماهير من خلال تنشيط دورالمجتمع المدني، وتطبيق قوانين تضمن حق الشعب في أن يقول رآيه بما في ذلك حقه أن يقول ( لا ) عند اللزوم، وصيانة حقوق المواطن العامة والخاصة.
6. تنشيط دور المؤسسات الإعلامية المختلفة لآداء دورها الحقيقي في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير، بعيدا عن الهيمنة الحزبية الضيقة. وإيصال صوت الجماهيرعبر ممارستها النقد البناء والدور الرقابي الشعبي، والدفاع عن مطالبها المشروعة.
7. تفعيل دور كل من هيئة الرقابة المالية وهيئة النزاهة المستقلة واللجنة العليا المستقلة للإنتخابات. وإعتماد معايير محددة بما يضمن إختيارعناصر حيادية على أسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والإخلاص، بعيدا عن المحاصصة الحزبية الضيقة والمحسوبية والتدخل المباشر في شؤونها.
8. تقاسم السلطات الإدارية في اي تشكيلة حكومية وفق نتائج الإنتخابات البرلمانية الى جانب أختيار الوزراء على أسس الكفاءة المعرفية والمهنية والخبرة والنزاهة والإخلاص للواجب، وليس وفق المحاصصة الحزبية الضيقة كما عليه حتى الآن. إقرارمبدأ تداول السلطة وممارسته في التطبيق العملي.
9. الإنتقال من نظام المركزية الإدارية والمالية الى نظام اللآمركزية لمحافظات الإقليم.
10. توحيد الأجهزة الأمنية والشرطة والإستخبارات وقوات البيشمركة، لتؤدي دورها الوطني المشرف ومهامها  في حماية أمن وأستقرار وسيادة الإقليم، ومحاربة الإرهاب باشكاله المتنوعة، والحفاظ على السلم الأهلي.

ثانيا: المجال الإقتصادي

1. الخروج من حالة الفوضى في القوانيين الإقتصادية السائدة في مجمل نشاطات الإقتصادية. تبني الرؤية والإستراتيجية الشفافة والواضحة في عملية التنمية الإقتصادية ـ الإجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي كي يستند على نوع من التوازن في التسييرالإقتصادي بين التخطيط والدور الفعال للقطاع الحكومي والإقتصاد السوق.

2. إعطاء تقدير سليم للواقع الحالي، وملاحظة وتفهم المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في الصيغة الكونفيدرالية وتطورها المستقبلي، مما يستدعي اعتمادا تدريجيا في مواجهة المتغيرات الجديدة، وتوفر إمكانيات تحديد الأوليات، وتطبيق برنامج الإصلاحات، على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء وإعادة الإعمار في الاقليم.
3. محاربة ظاهرة الفساد بقوة بكل اشكاله، الإداري والمالي الممنهج والمنتشرعلى كافة المستويات السياسية والإدارية. وإتخاذ إجراءات حاسمة وجدية لمعالجة هذا الوباء السائد حتى الآن، وذلك من خلال تفعيل دورالمؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية والإعلامية وهيئتي الرقابة المالية والنزاهة ومنظمات المجتمع المدني، لممارسة صلاحياتها بعيدا عن التدخلات الحزبية في امورها.
4. الإنتقال التدريجي من إقتصاد ريعي إحادي الجانب ذو طابع استهلاكي المعتمد بالدرجة الرئيسية على إيرادات النفط الى إقتصاد متنوع ذو صيفة إنتاجية، من خلال إعادة الهيكلية الإقتصادية لصالح القطاعات الإنتاجية، ليكون إقتصادا منتجا للقيمة المضافة.
5. إجراء الاصلاحات الضرورية والمهمة في القوانين والتشريعات المالية والضريبية.
6. تقدير دور مجتمع الأعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الإستراتيجية التي تؤثر وتعجل في النمو الإقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفيف من حدة الفقر، وتقضي على البطالة، وترفع المستوى المعيشي للمواطنين، وتحقق نوع من العدالة والرفاء الإجتماعيين.
7. إجراء إصلاحات الضرورية والجذرية في سياسة وإدارة وزارة الموارد الطبيعية، بالإعتماد على مبدأ الشفافية وتوفير البيانات والمعلومات والإحصائيات اللازمة والإفصاح عنها دوريا فيما يتعلق بعقود المشاركة للشركات الأجنبية العاملة في الاقليم، وكمية إنتاج النفط والغاز وتسويقها وكل ما يتعلق بالمسائل الإدارية والمالية والقانونية والفنية للقطاع النفطي. محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري بشكل كبيرفي هذا القطاع، وذلك في مجال الإنتاج والتسويق والتهريب وبيع مشتقات النفط، والتي تنفذ من قبل المافيات الخاصة بتجارالنفط، وتحت إشراف ودعم مباشر من الأحزاب الحاكمة.

ختاما، إن الطابع القومي لكردستان العراق والاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، وما أفرزته نتائج الإستفتاء بنعم، والتوجه وبنية صادقة نحو الحوارالجاد والشفاف مع الحكومة الإتحادية عبر رعاية الأمم المتحدة وبضمان من بعض الأطراف الدولية للإنتقال من الصيغة الفيدرالية الحالية الى الصيغة الكونفيدرالية، وبث الوعي لدى الجماهير الكردية لتاخذ قضيتها بيدها من خلآل الممارسات الديمقراطية الحقيقية، كل هذه الامور وغيرها  قد تساعد على تطوير الصيغة الأخيرة عبر سيرورة تطبيقها وممارستها، في إطاربقاء الكيان العراقي موحدا وقويا، عن طريق إرساء اسسه على الإرادة الحرة والرغبة المشتركة في العيش المشترك.
إعتماد إستراتيجية بعيدة المدى لمتابعة تطور سيرورة القضية الكردية على نطاق كردستان الكبرى. العمل والتنسيق مع الدول المتوزع فيها الاكراد والدول الصديقة والداعمة للمسالة الكردية في حق الأكراد بتقريرمصيرهم، والمنظمات الدولية ( هيئة الأمم المتحدة، والوحدة الاوربية ومنظمات حقوق الانسان، وغيرها)، لعقد مؤتمر دولي في إقرار وتحقيق حق تقرير المصير النهائي لكردستان الكبرى وإقامة دولته المستقلة في المستقبل.
كل ذلك مرهون بمدى جدية ومصداقية القيادة الكردية والحكومات القادمة لتحقيق وترجمة المهام المطروحة في الفقرتين الاولى والثانية المذكورتين سابقا الى واقع االعمل في الإقليم.


* http://al-nnas.com/ARTICLE/SKaduri/20k0.htm





21


أراء حول الإستفتاء ( الريفرندوم) في إقليم كردستان العراق

د. صباح قدوري

في إجتماع 7 حزيران/يونيو 2017، في منتجع صلاح الدين في أربيل، وبرعاية السيد مسعود البرزاني الرئيس المنتهي ولآيته قبل أكثر من السنتين مع ممثلي الاحزاب الكردستانية، باستثناء ( حركة التغيير والجماعة الإسلامية). تم تحديد يوم 25 أيلول/سبتمبر 2017 لإجراء الإستفتاء في إ قليم كردستان العراق. ومع عد التنازلي للموعد، حيث يؤكد السيد مسعود البرزاني في مناسبات عدة، بأنه حان الآن الوقت المناسب لهذا الإجراء ولا رجعة فيه.

من منظورنا، يمكن توصيف هذا الوقت على الصعيدين الداخلي / الذاتي والخارجي/ الموضوعي، كلآتي:

أولا: الصعيد الداخلي

1.الشراكة المتقاسمة بين الحزبين الحاكمين الديمقراطي والإتحاد الوطني الكردستاني وهيمنتهما على عملية إتخاذ القرارات الفعلية والمصيرية في الإدارة الفيدرالية، مما سبب في تعطيل المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة الإعلامية من ممارسة أداءها ومهمامها بالوجه المطلوب.
2. عدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية وأختزالها فقط بالإنتخابات، ويجب أيضا أخذ بنظر الأعتبار مصالح الاقلية وخاصة في القضايا المصيرية، وعدم اعتبارها خونة وعملاء، كما يروج لها اليوم الثقافة السياسية لدى بعض الاحزاب السياسية في الإقليم. التمسك بالسلطة وعدم إقرارمبدأ التداول السلمي للسلطة.
3. أزمة حقيقية في العلاقات السياسية بين الأحزاب الكردستانية، وإنتهاج السياسة الديماغوجية في التعامل بينها، وخاصة المشاركة منها في إدارة الحكم.
4.تعطيل مسودة الدستور وعدم إنجازها رغم مرور فترة طويلة، وذلك تمهيدا لطرحها على الاستفتاء الشعبي وإقرارها قبل التفكير باستفتاء على الإستقلال.
5. تفشي الفساد المالي والإداري وهدر المال العام في المفاصل الإدارية والحزبية وفي كل القطاعات الإقتصادية، وخاصة في القطاع النفط والغاز.
6.تفاقم الأزمة بين الإقليم والحكومة الإتحادية لاسباب: توقف صرف حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية منذ أكثر من السنتين، مشكلة الانتاج وتصدير النفط من الإقليم ومستحقات شركات نفط الاجنبية العاملة في الإقليم، معالجة مسالة المناطق المتنازعة وفق المادة (140) من الدستور العراقي، وغيرها.
7.يعاني إقليم كردستان من المشاكل المالية والإقتصادية كبيرة ومتنوعة: تدني مستوى الخدمات الأساسية وضيق العيش للمواطنين، إ رتفاع معدلات البطالة، وتفاقم المديونية الداخلية والخارجية، التاخر وصرف جزء من رواتب الموظفين، تفاقم نفقات محاربة الإرهاب(داعش) وعصاباتها والمشاكل الإدارية والمالية واللوجستية للنازحين والمهجرين، إضافة الى المشاكل الإجتماعية الكبيرة.
8.حسب معلوماتي المتواضعة ومتابعاتي للقضية الكردية في إقليم كردستان العراق، ففي حالة إجراء الإستفتاء، يمكن ان تكون المشاركة والنتيجة بأقلية ضعيفة في هذا الظرف، بسسبب عدم التوافق الاطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية على رؤية موحدة تجاه المسالة وآليات  تنفيذها، في الوقت الذي نراى اليوم أن البيت الكردي وخطابه السياسي غير موحد تجاه كثير من الأمور والقضاية السياسية والإقتصادية والإدارية والعسكرية التي يمر به الإقليم منذ فترة من دون إيجاد حلول لها، مما سبب الى وقوع الإدارة الفيدرالية في أزمة حادة ليست من سهل الخروج منها في الوقت الحاضر، مما ستنعكس هذه الحالة بلآشك على أثر سلبي في مجمل  النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ويعرقل مسيرة بناء إقليم جديد ومسايرة تطوره المستقبلي.

ثانيا: الصعيد الإقليمي والدولي

1. التدخلات الإقليمية السافرة والمباشرة من تركيا وايران وبعض الدول الخليجية كقطر والسعودية في شؤون السياسية الداخلية للإقليم. وهناك عدوان عسكري مباشر من ايران وتركيا داخل المدن والقرى الحدودية للإقليم والمجاورة لهاتين الدولتين، وإستخدام أراضي إقليم كردستان العراق لضرب فصائل حركة التحررالكردية من مناطق اخرى لكردستان، بذريعة محاربة الإرهاب والتسلل الى أراضيهما. أقامت تركيا عدد من القواعد العسكرية على أراضي إقليم كردستان بحجة تقديم دعم لوجستي وتدريبات وإستشارات وخدمات عسكرية لقوات البيشمركة في محاربتها ضد ( داعش) ومنظماتها الإرهابية، والدفاع عن المكون التركماني في كركوك وتلعفر وفي أجزاء اخرى من إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها. العلاقة الاقتصادية المتينة غير متكافئة مع ايران وتركيا، وخاصة مع الاخيرة في مجال النفط وتسويقه وتهريبه.
2.أبدت كل من ايران وتركيا والعراق الأتحادي ومعظم الدول العربية والإقليمية رفضها لإجراء عملية الإستفتاء وإنفصال عن العراق بحجة الدفاع عن وحدة العراق وعدم تقسيمها، وعدم إقراركل من ايران وتركيا أصلا بحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي قوامه حوالي ( 30) مليون نسمة فيهما.
3. أما على صعيد الدولي والعالم، فأن الولايات المتحدة الامريكية القريبة من الشعب الكردي، لا تؤيد إجراء هذا الاستفتاء في الوقت الحاضر، وعبرت بشكل رسمي عن موقفها للقيادة الكردية، وكذلك الحال بالنسبة الى انكلترا . كما أن معظم دول الوحدة الأوربية ليست مع هذا الإستفتاء في الوقت الحاضر،  وأبلغت السيد مسعود البرزاني بموقفها، عندما تواجد حظوره في بروكسل قبل أيام لكسب تأيدها.

ختاما، على ضؤء المعطيات المذكورة في النقطتين السابقتين المشار اليهما اعلاه. بان الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الكردي ـ بما في ذلك حق الأنفصال وتشكيل دولة وطنية مستقلة، هي قضية مبدئية لا جدال عليها. وبين ممارسة هذا الحق في الظرف الملموس.

عند إقرار نتيجة الإستفتاء بنعم، وإكتساب إدارة الإقليم الشرعية من الشعب، عليها أن تبادربفتح حوار بناء والتعاون المشترك وفق صيغة عمل جديدة مع العراق الإتحادي. وتفعيل المادة (140) من الدستورحول تسوية مسألة المناطق المتنازعة عليها ورسم الحدود الحقيقي والصحيح للإقليم،  وإتخاذ الإجراءات اللازمة لإعلان الأستقلال في الوقت المناسب، والإنتقال الى صيغة الكونفدرالية مع جمهورية العراق والتي هي صيغة أكثر تطورا من الفيدرالية الحالية. وتتطلب هذه المرحلة الى جهود حقيقية وكبيرة لتقوية العامل الداخلي/ الذاتي من الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتنظيمية والقانونية، مع مشاركة الجماهيرفي عملية إتخاذ القرارات المصيرية، ودعم بناء المؤسسات الإدارية والقضائية والدستورية الرشيدة، وإقرار ضمان الحريات العامة والخاصة للمواطنين وأحترام خصوصيات الكردستانيين وممارسة الديمقراطية الحقيقية، وتقوية النظام الإقتصادي من خلال تبني التنمية الوطنية الشاملة المستدامة يتحقق فيها نوع من العدالة والرفاء الإجتماعيين، وكذلك الاستفادة العقلانية من العامل الخارجي/ الموضوعي.

المتابعة والتنسيق والعمل المشترك مع حركة التحر الكردية في أجزاء اخرى لكردستان المقسومة بين ( تركيا وايران وسورية)، ومتابعة سيرورة تطورها والتفاهم مع هذه البلدان  والطلب من المحافل الدولية ( هيئة الأمم المتحدة) والوحدة الأوربية لعقد مؤتمر دولي وإتخاذ الخطواط اللازمة لآعلان عن الدولة الكردية وتحديد عاصمتها من بين هذه الدول في المدى المنظور.


22
الى متى يستمرالوضع المزري في إدارة فيدرالية كردستان العراق؟!

د. صباح قدوري

لا تزال الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية تتراوح في مكانها في إدارة حكومة فيدرالية كردستان العراق، نتيجة سوء الإدارات السابقة في الحكم، وتراكم سياسات أقتصادية خاطئة، وتفشي الفساد الإداري وهدر المال العام في المفاصل الإدارية والحزبية، وإلانشغال في محاربة الارهاب الذي يعرض الحالة الامنية  والاستقرار والسلم الاهلي للاقليم الى الخطر.

ومنذ، 19/أب-ـ أغسطس2015، وهو تاريخ إنتهاء ولاية الرئيس مسعود برزاني بعد تمديها لمدة سنتين بالأستناد الى قانون رقم 19 لسنة 2013، المعروف بأسم قانون تمديد ولاية رئيس إقليم في 20/آب ـ آغسطس،2013، يشهد إقليم كردستان العراق أزمات حادة على الصعد العلاقات السياسية بين الاحزاب الكردستانية المشاركة في العملية السياسية وإدارة الحكومة الفيدرالية. وتفاقمت ذروتها بعد إنهيارالمحاصصة الحزبية التي شكلت بموجبها رئاسة البرلمان المنتخب والحكومة في كابينتها الثامنة بين الحزب الديمقراطى الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الوطني والاحزاب الاسلامية، مما أدى الى تعطيل البرلمان ومنع رئيسه والبرلمانيين من كتلته الدخول الى أربيل، وحصر الحكومة بين الحزبي الديمقراطي والاتحاد الوطني، بعد إقصاء الوزراء التابعين لحركة التغييرمن وظائفهم، مع إشداد حملات الاعلامية والتهم المتبادلة بينها، بهدف الاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ.

لم تستطيع الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكم من الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية، التي أعلنت مرارا ومن خلال أجتماعاتها وتصريحات قادتها، بان القوانيين المعمولة بها في الاقليم، لن تمنح اية فرصة لمسعود بارزاني للترشيح للدورة الثالثة، من تنظيم الانتخابات الرئاسية المباشرة و/أو تقديم اي مرشح بديل لهذا المنصب، و/أو تعديل بعض قوانين مسودة الدستور وجعل الحكم بموجبها من الرئاسي كما هو علية الحال الى حكم برلماني تمهيدا لطرحها على الاستفتاء الشعبي لاقرارها بصيغتها الجديدة وإنتخاب الرئيس من البرلمان، مع بقاء الوضع على حاله من دون إيجاد آي حل لهذه المعضلة.

أن ضعف آداء هذه الاحزاب وعدم تمكنها من الوصول الى قرار حاسم لهذا الموضوع، وبروز الخلافات بينها بين حين واخرتجاه مجمل الاوضاع المزرية التي يعيشها الاقليم منذ ما يقارب السنتين من انتهاء ولاية مسعود برزاني، وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوارات بين هذه الاحزاب وخاصة المشاركة منها في إدارة الحكم، مما قاد العملية السياسية في الاقليم الى ما آلت عليه اليوم، وعدم تمكن من إيجاد حلول صائبة للازمة الخانقة التى تمر بها الاقليم، وخاصة في جوانبها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والامنية، وذلك لبعض الاسباب (وباختصار شديد)، كالاتي:

1. التدخل العضوي بين الهيمنة الحزبية المباشرة وأتخاذ القرارات الفعلية في الإدارة الفيدرالية، مما أدى الى تعطيل ممارسة المؤسسات القضائية والتشريعية والتنقيذية وحتى السلطة الرابعة الاعلامية لسلطاتها ومهامها بالوجه المطلوب.
2. عدم وضوح لدى الحكومات المتعاقبة في الاقليم، وخاصة بعد 2003 في فلسفة النظام السياسي، كي تتبنى رؤية  شفافة وأستراتيجة واضحة ومعللة لعملية التنمية الشاملة والمستدامة.
3. بقاء الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم على المداخيل الناتجة من بيع وتصدير النفط بالدرجة الاساسية، ويجد تعبيره في الضعف الشديد لمساهمة قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات الانتاجية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي.
4. ضعف الأجهزة الإدارية والمالية والقانونية، سببت الى سؤء العملية الإدارية وتفشي الفساد المالى والإداري في كثير منها على نحو بات يمارس دورا تخريبيا في أقتصاد الاقليم.
5. حرمان الاقليم من حصته (17)% من الموازنة الاتحادية، وأنهيارإتفاق النفط بينهما والذي بموجبه على الحكومة الفيدرالية ان تسلم (550) الف برميل يوميا الى الحكومة الاتحادية، منها (300) الف من نفط كركوك و(250) من نفط الاقليم.
6 .شحة الموارد المالية بسبب إنخفاض أسعار النفط أكثر من (50)% منذ منتصف عام 2014، ولم يتعافى السعرحتى الان الى مستوى المقبول، وسوء ترشيد سياستها، وعدم إستخدام الاموال الطائلة لدى حكومة الاقليم على مدى السنوات السابقة بشكل عقلاني وتوظيفها في إعادة وبناء بنى تحتية يرتكز عليها النشاط الاقتصادي الانتاجي وتقديم الخدمات الانتاجية والاهلية، وتم تبديد قسم كبير منها في مشاريع فاشلة، مما سبب النقص في السيولة النقدية ، وتفاقم مديونية حكومة اقليم كردستان لشركات النفط الاجنبية وللبنوك التجارية الى اكثر من ( 20) مليار دولار، وتعطيل دفع رواتب كثير من منتسبي المؤسسات الإدارية مرة كل أربعة أشهر.
7. تفاقم نفقات الحرب على ( داعش) وعصاباتها الارهابية، والمشاكل الادارية والمالية واللوجستية للنازحين والمهجرين.
8.أما في مجال ملف النفط، فان وزارة الموارد الطبيعية وعلى راسها آشتي هاورامي، هوالمسؤول المباشر وصاحب القرار الأول في رسم السياسة النفطية وبالدعم من نيجرفان بارزاني رئيس حكومة الاقليم. وأن أبواب الوزارة مغلقة بوجه من يريد الاطلاع على البيانات والمعلومات من الباحثين والمختصين في مجال النفط والاقتصاد و/أوإفصاح عن البيانات والإحصائيات الدورية المتعلقة بعقود المشاركة للشركات الاجنبية العاملة في الاقليم، كمية إنتاج النفط وتسويقها وكل ما يتعلق بالمسائل الإدارية والمالية والقانونية والفنية للقطاع النفطي، اي بمعنى هناك نقص كبير في شفافية عمل الوزارة في آداء واجباتها، حتى أن الجهة البرلمانية في الاقليم لديها صعوبات كبيرة لمتابعة ومراقبة ملف النفط، وطلبت مرارا من الوزير آشتي هورامي للحضور الى البرلمان للإستجواب في بعض قضاية تخص هذا الملف، الا انه أمتنع عن ذلك ولم يحاسب حتى الآن على ذلك. أدناه بعض ملاحظاتنا على قطاع النفط ( من دون تفاصيل)، كالاتي:ـ

•   بعد إنهيار إتفاقية النفط بين الاقليم والحكومة الأتحادية المشار اليها في الفقرة الخامسة أعلاه، قام الاقليم بتسويق النفط عبر الانبوب الثاني الممتد الى ميناء جهان في تركيا بشكل مستقل بعيدا عن التشاورأوالتنسيق مع الحكومة الاتحادية،  وبيعها عن طريق التهريب عبر الشاحنات للدول المجاورة ( تركيا، وايران وسوريا) واسرائيل.
•   تفتقر العقود مع الشركات النفطية الأجنبية الى الشفافية العالية. وهي عقود المشاركة في الأنتاج والأرباح والملكية. ووفقا لبعض البيانات الأولية، فأن هذه العقود تمنح الشركات المذكورة ولمدة طويلة قد تزيد على ( 20 ) سنة ، حصة أرباح عالية من النفط المستخرج وبكلفة زهيدة مقابل تطوير الحقول النفطية في الاقليم.
•   وفق فلسفة الاقتصاد السوق ـ الحر والمطبق مشوها، أصبح أقليم كردستان العراق سوقا تجاريا حرا، تجري فيها كل المعاملات الاقتصادية بشكل ليبرالي ـ التجارة الحرة، موجها من الحزبين الحاكمين، الديمقراطي والاتحاد الوطني، في ظل غياب تخطيط إستراتيجى شفاف للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، و/أو أية رقابة برلمانية وتنفيذية وشعبية. وأن الفساد الإداري والمالي يمتد الى كل القطاعات الاقتصادية ذات الطبيعة الخدمية الاستهلاكية، وحصة الأسد من هذا الفساد يرتكز اليوم على القطاع النفط والغاز، الذي نما سريعا بفضل الشركات المتعددة الجنسيات التي دخلت ميدان الاستثماري في الاقليم وبشراكة وأشراف المباشر من الشركات الامريكية الخاصة، التي يشرف عليها السفير الامريكي السابق في العراق زلماي خليل زاده والمستثمر في مجال النفط نديم الزهاوي، العضو السابق في البرلمان البريطاتي عن حزب المحافظين، وهو من أصول عراقية/ كردية.
•   أن حساب إيرادات بيع النفط ومشتقاته تدخل حصة منها، لا يمكن معرفة نسبتها في حساب الحزبين الحاكمين، بدلا من المال العام ـ الشعب، وذلك لنقص المعلومات الأحصائية الرسمية كما أشرنا اليه في النقطة الثامنة أعلاه وضعف الرقابة الشعبية، وتنفذ من قبل المافية الخاصة بتجارة النفط وتحت إشراف والدعم المباشر من الحزبين الحاكمين.
•   سيطرة قوات البشمركة على حقل نفط ( كركوك) عند تحرير المنطقة من ( داعش) في 2014. واليوم تقوم حكومة الاقليم بتصدير النفط بحدود (500) الف برميل يوميا، (225) الف برميل من حقول الاقليم و (275) من حقل ( كركوك)، الذي كانت تديره شركة ( نفط الشمال) التابعة للحكومة العراقية، ويسوق عبر شركة ( سومو) العراقية.
•   تفاقمت الازمة في القطاع النفطي في الاقليم خلال السنتين الاخيرتين. وأشارة الاحصاءات الأولية عن طاقة حقول الاقليم الانتاجية نحو مليون برميل يوميا في هذه الفترة، ويتوقع أن يبلغ هذه السنة نحو خمسمائة وثمانون ألف برميل يوميا، ويشمل هذا الرقم ما يستقطعه الاقليم من حقل كركوك. وبذلك تقلصت معدلات الانتاج والتصدير، وبادرت الشركات العاملة الى تقليص خسائرها وخفض استثماراتها وغادرت كثيرمن الحقول النفطية لعدم جدواها الاقتصادي، لان مشكلة نفط الاقليم أصبحت اليوم متعلقة بجيولوجيا المنطقة، وكذلك عدم قدرته المالية ايضا لدفع مستحقات المالية المتراكمة والمترتبة بذمته لهذه الشركات. فعلى حكومة الاقليم ان تأخذ هذه المسالة بعناية فائقة وتبادرمن الآن بضرورة إيجاد وتامين مصادر إيرادات متنوعة للاقليم، وعدم الأعتماد فقط على الريع النفطي، وذلك لضمان تامين مستقبل أجيالها

ختامآ، لقد حان آلأوان للاحزاب الكردستانية المنخرطة في العملية السياسية وخاصة الحاكمة منها، بأن تبادر بجرأة وبنية صادقة لتنقية أجواء الحياة السياسية في الاقليم على أسس، كالاتي:

   التفاهم والحوار البناء ومبدأ التوافق وفق الأستحقاق الانتخابي لكل حزب وللمستقلين، وليس وفق المحاصصة الحزبية المقيتة المعمول بها حتى الان.
   ممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية وعدم اختزالها فقط بالإنتخابات
          وإ قرارمبداء تداول السلمي للسلطة، واحترام كرامة وحقوق المواطن.
   التركيز على تطويرسيرورة الصيغة الفيدرالية تمهيدا لانتقالها الى المرحلة المتقدمة من حق التقريرالمصير، وتفعيل العامل الذاتي للمشاركة النشطة والفعالة في بناء مؤسساتها الرصينة وتقوية أقتصادها وأركانها القانونية والإدارية الرشيدة، والاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي، على أساس العمل وليس فقط الأقوال.
   أتخاذ مبادرة لتبني رؤية إستراتيجة واضحة وشفافة لاجراء الاصلاحات والتغيرات المهمة والجذرية في نهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والهيكلية الإدارية للاقليم.
    محاربة الفساد الاداري والمالي بقوة، والشفافية العالية والعقلانية في التصرف بالمال العام، وتأكيد على أن السياسات الاقتصادية يجب أن توجه السياسة النفطية، وليس العكس، وذلك من خلال إنتهاج سياسة بناءة تخدم عملية التنمية المستدامة، تستند على مفاهيم العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
    تفعيل دور الجماهير للمشاركة في عملية التنمية وصنع القرارات المصيرية. وبعكس ذلك فان المواطن متواصل وعازم على مطالبة وتحقيق حقوقه العادلة حتى النهاية.



 


23
المرأة العراقية ومعاناتها في عيدها العالمي
د.صباح قدوري

في الوقت الذي نحتفل بيوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس من كل سنة، نجد أن معاناة المرأة العراقية لاتزال متواصلة ومتفاقمة وتواجه صعوبات وتحديات كبيرة. أن وتيرة التقدم في مجالات المساواة بينها وبين الرجل ما زالت بطيئة جدا وفي تراجع مستمر، وبذلك أصبحت هي المتضرر ألأول في بنية المجتمع العراقي.

 تعرضت المرأة العراقية خلال العقود الماضية الى أبشع أشكال الاضطهاد والارهاب والقمع والتفرقة والقتل والحروب والحصارات والامساواة والمعانات اليومية. واليوم يستطيع أي مراقب للوضع العراقي أن يأكد بأن البلاد غارقة في صراعات طائفية وعرقية ومذهبية وأثنية ودينية بالاضافة الى موجات العنف والاختطاف الاعشوائي والتهجير والاغتصاب والقتل  وقطع روؤس ورمي جثث في الشوارع والاحياء السكنية وغيرها، مما أدى الى ترملت الكثير من النساء وفقدن الازواج والابناء والاباء والاخوة، وأزدادت من الضغوطات النفسية عليهن، هذا بالاضافة أيضا الى ضعف في اداء الحكومة لمهامها السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية والامنية في العراق الممزق.

أن النظرة الضيقة في العلاقات بينها وبين الرجل في الحياة الخاصة والعامة، لاتزال سائدة في المجتمع العراقي، وخاصة في المناطق النائية، رغم أن القوانين تنص على المساواة الافتراضية بين الجنسين، لكن الواقع يعكس تهميش تام للنساء ولا يترك لهن آي خيار في إتخاد القرار بخصوص حياتهن. وأصبحت كثير من الارامل مجبرات على الزواج باشقاء ازواجهن، أوفرض الحجاب الاجباري، أومنع الخروج الى الشوارع وحرمان من الذهاب الى المدارس وأماكن العمل، وأمام أنظار أسرهن وأطفالهن تم قتل. كما تفاقم مؤشرالعنف المنزلي والنفسي ضد المرأة، والذي يقع في خانة الحوادث غير مسجلة. وضمن الوضع الراهن في العراق اليوم ،وضعف المرأة العراقية للوعي والقدرة المعنوية والمادية والثقافة والقانونية، وبسبب ضعف التشريعات، يتم التعتيم الواضح على هذه الظواهر، سواء من قبل الموسسات الحكومية أو من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، ولا تستطيع المرأة جمع الادلة والوثائق اللازمة لاثبات ذلك والدفاع عن نفسها.

كما تتهم المرأة وتحمل المسؤولية في قضايا الانفصال والطلاق، وبذلك تصبح الضحية الأولى في هذه العملية، ويالتالي لا تضمن لها فعليا كافة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بسبب ذلك. هذا بالاضافة الى محاولة التقليل من شخصيتها الاجتماعية والنظرة الاستخفافية اليها من قبل المجتمع، وتحميلها كل النتائج السيئة الناتجة من جراء عملية الانفصال والطلاق.

لاتزال فكرة تعدد الزوجات قائمة في المجتمع العراقي، والزواج المبكر للفتيات وفق العادات والشريعة، ومتفاوته بين الريف والمدن، لكنها اصبحت ظاهرة شائعة في الاونة الاخيرة. وهي تتناقض مع روح العصر ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وتؤدي الى تفكك في الاسرة من النواحي الاسرية والتربوية والاجتماعية والاخلاقية. فلابد من حصرهذه الظاهرة، وذلك عبر الارشادات والتوجية والتوعية التربوية.

ففي مجال العمل، ما زال الوضع بائس، وأن نسبة تفشى البطالة في صفوف المرأة العراقية،وخاصة في صفوف الشابات لاتزال عالية وشروط العمل غير متساوية، منها في مجال الاجور والرواتب والمناصب القيادية، وخاصة في القطاع الخاص. كما وتمارس ظاهرة التحرش الجنسي ضد المراة في العمل، وتعرض النساء اللاتي يتقدمن بالشكاوي الى الملاحقة والحصار وغيرها من المضايقات والاجراءت التعسفية ضدها، فابسطها مثلأ، انهاء عملها.

تعاني المرأة العراقية تفرقة واضحة في مجال التعليم. أن نسبة تفشي الامية بينها هي أكبر بكثير من الرجل، لذا يجب أن تعامل المرأة بنفس مستوى الرجل، من خلال تخصيص مقاعد دراسية كافية لها في جميع  مراحل الدراسية المختلفة، وتحفيزها للدراسة من خلال الدعم المادي، وضمان تامين العمل لها بعد اكمال الدراسة، وخاصة في مستوى التعليم الجامعي والدراسات والزمالات العليا في الداخل والخارج. كما أن النساء لا  يحصلن على رعاية صحية كاملة.

ان عدم ضمان مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، يعوق نمو ورخاء المجتمع والاسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة، وبالتالي نرى النساء في حالات الفقر،لا ينلن إلا أدنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الاساسية الاخرى.

رغم أن الدستور العراقي أقر ضمان حقوق المرأة في المشاركة السياسية وغيرها بشكل يتساوى مع حقوق الرجل في المجتمع باسره. وحدد نسبة مشاركة المرأة في الجمعية الوطنية العراقية بحد ادنى لا يقل عن 25%من مجموع أعضاء الجمعية، إلا أن دور الفعلي للمراة لايزال ضعيفا ويتسم بالطابع الرمزي، سواء في البرلمان و/أو في المناصب القيادية للحكومة، أوتوليها للوظائف في مجال السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية في الخارج، أوفي نشاط السياسي والعمل في منظمات المجتمع المدني، وبعيدا عن تمثيل المرأة ومتطلباتها وطموحاتها وشواغلها وقدراتها الحقيقية.

أن الانظمة الديكتاتورية القمعية عملت على تلاعب بقضايا المرأة العراقية حسب مصالحها السياسية، واليوم تعاني المراة أيضا من صعود حركات الاسلام السياسي الى السلطة، وأن أزمة مع الاسلاميين لا تربط فقط بخطابهم ونظرتهم المحافظة أزاء مكانة المرأة، وانما في ايديولوجيتهم الاوسع.

وضمن هذا المشهد الماساوي الذي تمر بها المرأة العراقية، وتهميش دورها في المجتمع والتي تشكل أكثر من نصفه، فان النساء نلن نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسيمة تحت وطاة الاغتيلات والخطف والاغتصاب التي تتعرض لها على يد جماعات مسلحة وأرهابية في مناطق مختلفة من العراق، هي حربا ضد المرأة والانسانية. كما أن التركيبة القبلية والعشائرية للمجتمع وعقل الرجل العراقي لا يعطيها هامشا كبيرا، ولاتزال تسود فيها ظاهرة ختان الفتيات، وعادة قتل المرأة على خلفية ( الاخلال بالشرف )، وتدين بهذه العادة وتمارسها كاسلوب تربوي يهدف الى ما يسمى بالحفاظ على سمعة العشيرة أو العائلة ومكانتها في المجتمع!!!، وغيرها. هذا بالاضافة الى زج مئات منهن في السجون العراقية، ويتعرضن الى اشكال مختلفة من التعذيب والاغتصاب.

ختاما، متى يتم رفع الظلم والتبعية والتفرقة عن المرأة التي تعاني من كل هذه المأسي وعدم الاحترام؟!. يجب ان تقوم المؤسسات الثقافية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة النسوية وحقوق الانسان منها بدورها ومسؤوليتها الاخلاقية والانسانية والتاريخية، على رفع المستوى الثقافي والوعي للمرأة، لكي تتحصن من آية هجمة ثقافية تحجم من دورها في المجتمع. التخلص من العادات والتقاليد البالية التي تثقل كاهل المجتمع، وإعادة النظر في السياسات المتبعة نحو تأهيل الاسرة ومساعدتها في القضايا الأجتماعية والأقتصادية والثقافية، فضلأ عن التعاون والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة لوضع الحلول اللازمة من خلال إجراء المسوحات والاحصائيات لما تعانيه المرأة والاسرة العراقية، بغيته ضمان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، وجميع الوثائق الدولية التي تقر بمساواة المرأة بالرجل في كل حقوقها. والاخذ بشكل جدي في حل مشاكلها، وتفعيل دورها في المجتمع من خلال إشراكها في صنع القرار السياسي والاجتماعي والنشاط الاقتصادي.

أجمل وأحر التهاني القلبية الى المرأة العراقية ونساء العالم أجمع، بمناسبة عيدها العالمي. فلنتهز هذه الفرصة وكل المناسبات الاخرى، لنشارك ونحتفل ونعلن فيها تضامننا مع نضلات المرأة والدفاع عن كافة حقوقها المشروعة، وإنهاء كل أشكال العنف والارهاب والقمع والتميز ضد النساء، في آية بقعة من الكرة الارضية.


24
  ملاحظات حول السياسة الاستثمارية في القطاعات الاقتصادية في العراق بعد 2003**
د. صباح قدوري*:


من أجل الوقوف على جانب من السياسة الاقتصادية العراقية، بعد 2003، نحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على بعض السياسات الاستثمارية منها. واستجابة لبعض المداخلات التي طرحت من قبل بعض الزملاء الاقتصاديين على بحثنا المشترك مع الزميل د. حسن عبدالله بدر، والموسوم: "لماذا لا يؤدي الانفاق الاستثماري دوره في تطوير وتحويل الاقتصاد العراقي؟"، والمنشورعلى شبكة الاقتصاديين العراقيين،2016 [1]. سنعالج القضية موضوع الدراسة وفق المحاور الاتية:

أولا: أبرز معالم الاقتصاد العراقي القائم، والنشاط الاستثماري بعد 2003.
ثانيا: كيفية إدارة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المتنوعة ( الانتاجية، والخدمية، والمالية).
ثالثا: الخاتمة وبعض المقترحات.

أولا: أبرز معالم الاقتصاد العراقي القائم، والنشاط الاستثماري بعد 2003

1. لقد تعاقبت على الحكم منذ 2003، إدارات سيئة لم تستطيع إعادة بناء وتوحيد البلاد على أساس مبدأ المواطنة والقانون والمؤسسات، بعيدا عن الولاءات الضيقة، الطائفية والعرقية والحزبية والمحسوبية، والتي لم تنشغل بغير التنافس على السلطة والمال والنفوذ.
وقد استندت تلك الإدارات على أوامر وتوصيات الحاكم الامريكي السابق (بول بريمر)، وبعض الإقتصاديين اللبراليين الجدد، وسياسات المنظمات الرأسمالية الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية. وقد أنصب برنامجها على تشجيع التحول نحو إقتصاد السوق الحر، والدور المميز للقطاع الخاص، والاصلاح المالي والاداري للمؤسسات الحكومية على أساس الخصخصة وعلى حساب إضعاف أو إبعاد أداء القطاع الحكومي والتعاوني وحتى التطوعي في عملية التنمية [2].

2. وهنا نشير الى أهم النقاط الحرجة والساخنة:
أ. كما هو معروف فان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي. وهذا يعني تبعية الدولة للمداخيل الناتجة من عائدات صادرات النفط الخام بالدرجة الاساسية. أن حصة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي للفترة 2010 ـ 2014، كمتوسط، بلغ (49.0%)، كما في الجدول رقم (1). وتساهم هذه العائدات بـ ( 97.5%) من الموازنة الاتحادية [3]. وهذا ما يؤكد على أن الاقتصاد العراقي يعتمد اعتمادا شبه كلي على قطاع النفط لتمويل مشاريعه التنموية والتشغيلية، وبالتالي فإنه يبقى رهين تقلبات سعره والطلب عليه في السوق.


المصدر: د.صالح ياسر" الاقتصاد العراقي ـ محنة الحاضر ورهانات المستقبل، الازمة ـ الخطاب ـ-البديل"    
المنشور على موقع الحزب الشيوعي العراقي، بتاريخ 13تموز/يوليو2016. متاح على الرابط التالي: http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/45419-2016-07-13-10-29-06
ـ وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للاحصاء وتكنلوجيا المعلومات 2010
ـ التقرير الاقتصادي السنوي للبنك المركزي العراقي لعامي 2012 ـ 2013

ب. هبوط أسعار النفط التي هي المورد المالي الاساسي، منذ أواخر عام 2014، بما يزيد على ( 50%).
ج. ومما صَعَّب أكثر من وضع الحكومة أضطرارها لزيادة الإنفاق على مؤسسات الجيش والشرطة والأمن بعد أحتلال عصابات ( داعش) لأجزاء من البلاد.
د. ويتفاقم الوضع وتزداد الصورة قتامة حين نتذكر التوسع الهائل في القطاع الحكومي. إذ تستنزف فقرة رواتب الموظفين ومخصصاتهم مقدارا كبيرا من ميزانية الحكومية يتعذر المساس بها لأنها تتعلق بقوت الموظفين وعوائلهم الامر الذي يحد من قدرة الحكومة على التصرف بمواردها. وقد أعتبر أحد الاقتصاديين ذلك، وبحق، من الخطايا الكبرى للحكومة [4].
ه. وإذا أضفنا ضعف الاجهزة الادارية وتفشي الفساد المالي في كثير منها على نحو بات يمارس دورا تخريبيا في الاقتصاد العراقي، فإن الامر يصبح خطيرا حقا.
و. وهكذا تم تبديد وإهدار معظم مدخولات البلاد التي تزيد على ( 800) مليار دولار خلال الفترة التي تلت 2003، على الاستهلاك، وعلى إنفاق أموال على مشروعات أستثمارية خصصت لها أموال تزيد على تكلفتها الحقيقية ولم تكتمل، رغم ذلك، حتى بعد مرور سنوات على الانفاق، مما يعني ضياع مردودها الانتاجي، وعلى مشروعات لانتاج الكهرباء رغم استمرار معاناة الناس ونقص الكهرباء وعدم انتظامها، وعلى أجهزة الجيش ومواجهة الارهاب، فضلا عما تم تسريبه للخارج من خلال مزادات العملات الاجنبية. وقد خلق  كل ذلك عجزا ماليا شديدا دفع الحكومة للاقتراض حتى لمجرد تسديد النفقات التشغيلية. [5]
3. ولا تقتصر المشكلة على انه لا يتبقى الكثير من الموارد للأغراض الاخرى كالاستثمارأو تعزيز احتياطي البلاد من العملات الاجنبية، بل أن هذه الحالة تسببت في عجز البلاد عن خلق ديناميكية للنمو الاقتصادي. اذ أن النمو يشترط تحقيق استثمارات ضخمة لإعادة بناء البني التحتية التي تعرضت للتدمير والتقادم مع مرور الزمن، وكذلك للنهوض بالقطاعات الانتاجية، وبخاصة الزراعية والصناعات التحويلية والتشيد والسياحة، والنقل والمواصلات والخدمات الانتاجية، وغيرها، فضلا عن إعادة اعمار المناطق المتضررة.
4. صحيح أنه تم أستثمار مبالغ كبيرة في تطوير القطاعات الانتاجية. كما تم من خلال الموازنات العامة 2004 ـ 2014، تخصيص ما يزيد على ( 160) مليار دولار للوزارات والمحافظات والاقليم. ولكن لم يتم إنجاز سوى نسب متواضعة من الاف مشاريع إعمار وتطوير البني التحتية، كشبكات الطرق والمجاري والصرف الصحي والكهرباء والماء ومشتقات النفط  و/أو جلب التكنولوجيا المتطورة، و/أو الخدمات العامة الاجتماعية الاساسية في مجال الصحة والتعليم والثقافة.
5. والنتيجة الحتمية لكل ذلك هي تفاقم البطالة في قوة العمل نظرا لأن القطاعات الانتاجية لم تتطور وتتوسع لاستيعابها. وهذا معناه ليس فقط معاناة العاطلين عن العمل، بل خسارة البلاد ايضا لما كان يمكن إنتاجه من سلع وخدمات بتلك القوى العاطلة، وكذلك اضطرار البلاد لاستيراد كل شئ من الخارج.
6. وعليه، فثمة ضرورة لاجراء إصلاحات بنوية في الاقتصاد العراقي. وان التحدي الاكبر الذي يواجهه الاخير اليوم، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته. ولا يتم ذلك الا عن طريق تبني رؤية شفافة وأستراتيجية واضحة ومعللة وتعرف ما تريد لعملية التنمية، وتحديد طبيعة فلسفة النظام السياسي، مع الأخذ بنظر الاعتبار إيجاد نوع من التوازن في تسيير الاقتصاد بين التخطيط ودور القطاع العام واقتصاد السوق. ونعتقد ان أهم الاصلاحات المطلوبة تتمثل في:

   إصلاح القوانين والتشريعات المالية والضريبية بشكل عام.
   تفعيل دور الهيئة الوطنية للأستثمار وهيئات استثمار المحافظات في تسهيل عملية منح: إجازات الاستثمار والأراضي والقروض والتسهيلات المالية والضريبية، وتسهيل معاملات المستثمرين الأجانب، وتنشيط دور البنوك والمصارف بالتنسيق مع الغرف التجارية واتحاد الصناعات العراقية وغيرها [6]
   تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية صنع القرارات الاستراتيجية حول النمو الاقتصادي.
   تطوير القوة البشرية المؤهلة، وتخفيف حدة الفقر والبطالة.
   تقليل الفوارق الطبقية لرفع مستوى المعيشة للمواطنين، وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية.
   استخدام الطرق الحديثة في بناء النموذج الملائم للبيئة الوطنية وللتطور الاقتصادي والاجتماعي والقانوني والتنظيمي للمجتمع [7].

ثانيا : كيفية إدارة الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المتنوعة، بعد 2003
•   الانتاجية
•   الخدمية
•   المالية

أ. القطاعات الانتاجية:

1. من الأجدر توجيه الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المتنوعة، وخاصة الانتاجية منها التي تحتاج قبل كل شئ الى وجود رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة  لوضع برامج عملية وموضوعية فعالة لترجمة ذلك الى واقع العمل الفعلي. كما يتعين العمل على إيجاد مناخ آمن وبيئة محفزة لهذا الاستثمارمن قبيل: تهيئة البنى التحتية، منح القروض بفوائد منخفضة، وإعفاء ضريبي لمدة معينة، ودعم الانتاج الوطني، وتفعيل المنظومة الجمركية، وغيرها.

2. إن حصول العراق مؤخرا على قرض من صندوق النقد الدولي بمبلغ (5.4) مليار دولار وبفائدة (1.5%). سيسمح بتأمين مساعدات مالية إضافية تصل الى نحو(15) مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة من الدول الصناعية السبعة الكبرى (7 G) ودعم إضافي ايضا من البنك الدولي. وسيساهم هذا القرض في خفض العجز الاضافي في الموازنة الاتحادية، كما يمكن الاستفادة منه في تحفيز وتنشيط دور الاستثمار في عملية التنمية، إذا استخدم قسم منه وبشفافية عالية في القطاعات الاقتصادية الانتاجية والخدمية. [8]. هذا بالإضافة الى ان هناك محاولة لجمع مبلغ أكثرمن (2) ملياري دولار امريكي، أقر في مؤتمر عقد بتاريخ 26 تموز/يوليو2016 في امريكا، بمشاركة كل من، امريكا وكندا والمانيا واليابان وهولندا والكويت [9]، وذلك لمساعدة الشعب العراقي في إعادة أعمار البلاد بعد تحريرها من ( داعش).  سيساعد هذا المبلغ على النشاط الاستثماري وإنعاش الاقتصاد، إذا جمع وأستخدم بشكل عقلاني وبشفافية عالية ليستفيد منه أهالي المناطق المنكوبة والمتضررة في معالجة أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والنفسية.

3. لا يزال هناك دور مميز للقطاع الصناعي الحكومي، ويساهم بـ (90%) من اجمالي الانتاج الصناعي، و(3.5%) من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2012، وهي نسبة متواضعة للقطاع لا تتناسب مع الموارد المالية وغير المالية الكبيرة المتاحة [10]. وهو بأمس الحاجة الى الانعاش واعادة هيكلية شركاته لتصبح شركات منتجة وزيادة مساهمة الصناعات التحويلية منها في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، التي شكلت (2.9%) لعام 2014، كما في الجدول رقم (1)، وايضا زيادة نسبة تشغيل العمالة في المنظومة الصناعية. ويكون قادرا على المساهمة الفعالة في عملية تنمية مستدامة، تساهم في تغيير البنية الإقتصادية الراهنة والطابع الريعي للإقتصاد الوطني، في الوقت الذي يجري التوجه نحو عملية خصخصة هذا القطاع وفق معيار إقتصادي فقط، ضمن برنامج الأقتصاد الحكومي لسنة 2015، واستراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030، من دون تأهيله وإعادة هيكليته و/أوالأخذ بنظرالاعتبار البعد الاجتماعي لهذه العملية. ومن الضروري أيضا ان يؤخذ بنظرالاعتبار إعادة التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصناعية على مستوى العراق. والعمل على إنشاء مجمعات صناعية في كافة المحافظات، وفق الكثافة السكانية ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والامكانيات المالية والطبيعية وقوة العمل المتاحة والمؤهلة في هذه المحافظات. هذا اضافة الى التكامل فيما بين القطاعات الصناعية العام والخاص والقطاعات الاخرى من خلال خلق الشركات الكبيرة المشتركة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ترفد الشركات الصناعية القائمة بمنتجاتها وخلق فرص عمل جديدة [11].
 
4. يعتمد الاقتصاد العراقي على سياسة استيراد معظم المواد الاستهلاكية والتنموية. وبسبب ارتفاع أسعارها المتزايد في الاسواق العالمية، تعمل الحكومات العراقية المتعاقبة على دعم الاكثر الاستهلاكا من بينها من العوائد النفطية الضخمة. واليوم أصبحت إمكانية الدولة اقل في دعم هذه المواد بسبب انخفاض أسعار النفط، الأمرالذي يتطلب ضرورة إعطاء الاولوية للأستثمارات التي تكون مؤثرة في الصناعات الاستهلاكية، لتوفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين.
5. تساعد هذه الأستثمارات ايضا على تقليل حجم استيرادات العراق التي تزيد عن (60%) من مجموع الطلب بعد عام2007 [12]، من البضائع والمواد من الخارج في المدى المنظور، وفي توفيرالعملات الاجنبية للبلد، وتقليل ظاهرة الفساد وغسيل الاموال المتواجدة فيها، وفي تطوير القطاع المنتج للسلع الذي يمثل الطريق الطبيعي لاستعاب الأعداد المتزايدة من قوة العمل وتأهيلها وتدريبها ومن ثم إمتصاص البطالة الواسعة.
6. يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات المهمة في الاقتصاد العراقي، باعتباره يوفرالاغذية للسكان، والمواد الأولية النباتية والحيوانية للصناعات العراقية، ومن الممكن ان يؤمن حاجة البلد من المنتوجات الزراعية، ويوفر ايضا الفائض منها للتصدير في المدى المنظور. أما اليوم فيعاني القطاع الزراعي من التخلف والاهمال وضعف الادارة والتنظيم وبدائية أساليب الانتاج وفي الخدمات التسويقية للمنتوجات وأيضا ضعفا كبيرا في البنى التحتية، وشحة الكفاءات في الاجهزة والمؤسسات الزراعية، إنخفاض مستويات الانتاجية، سواء بالنسبة للفرد العامل في القطاع الزراعي، و/أو إنتاجية الدونم الواحد من المحاصيل الزراعية، كذلك تراجع الدعم المادي والمعنوي له من الحكومة، فضلا عن استشراء الفساد الاداري والمالي فيه. هذا بالاضافة الى ضعف مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحالي الاجمالي حتى بلغت (4.1%) في عام 2014، كما جاء في جدول رقم (1)، بعدما كانت هذه النسبة تمثل (25%) مطلع الخمسينيات من القرن الماضي [13]. وهذه مساهمة متواضعة تتجلى، بدورها، في اعتماد العراق على قطاع النفط في تمويل معظم الاستهلاك والاستثمار. ومن هنا نرى ضرورة تنويع وتحديث وسائل إنتاجه وإدخال الادارة والتقنيات الحديثة في العمل والانتاج والنقل والمواصلات والمخازن والتسويق، وذلك بهدف رفع الانتاج والانتاجية. كما أن هناك ضرورة لتفعيل دور الحكومة في الدعم المتنوع للقطاع من المكائن والاسمدة والبذور والقروض بفوائد رمزية، وتسويق وتسديد أثمان المنتوجات في مواعيدها، كما ينبغي، والعمل على زيادة الموارد لادارة المياه والطرق الريفية والمرافق والتخزين، والأبحات والارشاد، وذلك من خلال تأسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة، وباشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها. يمثل انتاج الحبوب في التسعينيات، نسبة بحدود (85.7%) من مجموع الاراضي الزراعية، مما يتطلب توجيه الاستثمار لزيادة حجم الانتاج من خضروات التي تشكل فقط بحدود( 9.7%)،  والمحاصيل الصناعية (2.7%) [14]. ولاشك أن تحفيز دور القطاع الخاص في هذا المجال، سيكون له أثر على زيادة دخل القطاع الزراعي في السنوات المقبلة [15].
7. يشهد العراق أزمة سكن حقيقية، وبخاصة بالنسبة للفئات محدودة الدخل والفقيرة. ورغم حدوث التطور النسبي لهذا القطاع، حيث ارتفعت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي من (3.5%) عام 2010 الى ( 7.8%) عام 2014، كما جاء في الجدول رقم (1)، وايضا بحسب تقديرات وزارة التخطيط، فإن العراق لايزال بحاجة الى مليوني وحدة سكنية.
    لقد تبنَّت الهيئة الوطنية للإستثمار في العراق برنامج الاسكان الوطني في عام 2012، لإنجاز مشروع مليون وحدة سكنية في مختلف أرجاء البلاد، على أساس شراكة حقيقية بين المواطن والمصارف الحكومية والمستثمر. ولتنفيذ ذلك، أطلقت الهيئة مشروع مدينة بسماية الجديدة بواقع ( 100.000 ) ألف وحدة سكنية لـ (600.000 ) ألف نسمة. تقع المدينة الى الجنوب الشرقي من مدينة بغداد، وتبعد عنها حوالي (10) كم. وأحيل المشروع الى شركة ( هانوا) من كوريا الجنوبية، وبكلفة (7.75) مليارد دينار، على ان يتم إنجازه خلال (7) سنوات، اي في عام 2019، بما فيه أعمال التصميم والتطوير. ولكن لم ينجز منها لحد الآن سوى (3.000) وحدة سكنية وتمثل فقط (3%) [16].

تعرض المشروع الى انتقادات شديدة من قبل المواطنين والمهندسين والمختصين في مجال البناء والاعمار والباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين والمصارف الحكومية من حيث: تصاميم السكن كونها قديمة، وكلفتها مرتفعة والتأخير في الانجاز وأسلوب توزيع الوحدات المنجزة، فضلا عن استشراء الفساد الاداري والمالي فيه. مما يتطلب إعادة دراسة هذا المشروع وتقيمه بعناية وشفافية عالية، والإسراع  في انجازه بالمدة المحددة.
    ومن الضروري جدا الاهتمام بهذا المجال وبالتعاون مع المصارف المختصة والقطاع الخاص وتشجيع الافراد أنفسهم على المساهمة الفعالة فيه، بحيث يتسنى للنشاط الحكومي التوجه نحو عناصر البنى التحتية الاخرى كالطرق والجسور والانفاق ووسائل الاتصال الحديثة وتخطيط المدن، وغير ذلك الذي هو في تزايد مستمر.
8. الاهتمام بالسياحة والفندقة أمر ضروري، وخاصة ان العراق يمتلك أماكن سياحية عديدة موزعة على رقعته الجغرافية للترفية والاستجمام و/أو للسياحة الدينية في العتبات والاماكن المقدسة، وغيرها. تعرضت هذه المناطق، السياحية والأثرية، عبر الزمن الى الاهمال والتخريب والسرقات نتيجة الحروب ومشاكل الداخلية. تتوفرالامكاتيات المالية والايدي العاملة التي تحتاج الى التدريب والتاهيل في هذا القطاع. وتتطلب هذه المسالة قبل كل شئ توفير الامن والاستقرار في ربوع البلاد، ومنح المحفزات المادية والمعنوية والدعم الحكومي لتامين الركائز الاساسية من البنى التحتية المادية والخدمات الاجتماعية والثقافية، وبناء منتجعات عصرية وحديثة بكامل خدماتها. هذا بالإضافة الى إعداد خطة عملية ملموسة قابلة للتطبيق، بهدف تنشيط القطاع الخاص المحلي والاجنبي للأستثمار في هذا القطاع الحيوي، مما له أثر كبير في تنشيط الاقتصاد الوطني، من خلال مشاركته في الناتج المحلي الاجمالي، والتي تساهم في نمو الاقتصادي العراقي.
9. كما أن هناك فوضى كبيرة في مجال الطرق والمواصلات الداخلية والخارجية، ومع تزايد مستمر في عدد السيارات، وسوء تنظيم المرور والشوارع والانفاق والجسور. هذا اضافة الى عدم تنظيم أمور سيارات الاجرة الداخلية والخارجية من حيث نصب العدادات وتحديد التعريفة ومراقبة إجازات السوق وغيرها. وكذلك هناك نقص في أماكن وقوف السيارات، ومعظمها أهلية وتعمل بشكل عشوائي بدون مراقبة ولا قانون. وايضا سوء وعدم عناية بصيانة الطرق السريعة وإكمال وإنشاء الطرق الجديدة لربط مراكز المدن فيما بينها وربط العراق مع الدول المجاورة. هذا بالاضافة الى تدني نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الاجمالي من (11.2%) في عام 2010 الى (5.8%) عام 2014، اي حوالي( 50%)، كما جاء في الجدول رقم (1). وما عدا ذلك لابد من إعادة تاهيل وبناء شبكة خطوط السكك الحديدية الداخلية والخارجية بطريقة عصرية تواكب شبكات السكك الحديدية العالمية، والاهتمام بالمواني وصيانتها واستغلال طاقتها المتاحة، والاستفادة من القطاع الخاص في تقديم الخدمات لنشاط المواني. ومن الضروري كذلك الاهتمام بالمطارات وتأهيل الموجود منها، وإنشاء مطارات جديدة وفق المواصفات الدولية، وخاصة في المدن الكبيرة والمناطق السياحية، وغيرها من مرافق النقل والمواصلات. اي بمعنى آخر هناك خلل في إعادة تصميم المدن بحيث تستوعب المتغيرات الكبيرة التي حدثت في مجالات الاعمار والتزايد السكاني والمحافظة على البيئة، من خلال تقليل عدد السيارات وتشجير المدن وتخصيص أماكن للحدائق والمنتزهات.
10. خلق بيئة قانونية مواتية للشراكة بين الشركات والموسسات الخاصة والعامة بما في ذلك الامتيازات وعقود المشاركة وادارة المشاريع. وتعزيز دور القطاع الخاص لضمان المشاركة الفعالة والمنافسة العادلة في السوق.

ب. القطاعات الخدمية:

1. وضع استراتيجية واضحة وشفافة متوسطة وبعيدة المدى للتنمية البشرية من شأنها ان تشكل الاساس للبناء والتطوير في القطاع المنتج للسلع، ولقطاعات الخدمات ايضا. وهذا أمر له صلة بسياسات التعليم التي لابد ان تنال الاهتمام الخاص والكبير في إطار عملية الاستثمار والتنمية الشاملة والمستدامة. في الوقت الذي يعاني قطاع التربية والتعليم العالي مشاكل كبيرة إسوة بالقطاعات الخدمية الاخرى. وهناك مؤشرات غير إيجابية باتجاه تطويره وتطور مدخلاته و/أو مخرجاته. فالبيانات تشير لنا الى وجود نقص كبير في عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ورداءة الابنية وساحات اللعب، وإرتفاع نسبة المدارس ذات الدوام المزدوج والثلاثي، ووجود المدارس الطينية التي لا تصلح للعملية التعليمية وخاصة في القرى والارياف. وإنخفاض معدل الالتحاق بالمدارس (85%) للذكور و(82%) للاناث. كذلك هناك توجه نحو الإلغاء التدريجي لمجانية التعليم في بعض المراحل الدراسية، في الوقت الذي كان متاحا للجميع. أما في مجال التعليم العالي، فهناك مؤشرات على تزايد التوسع الافقي في عدد الجامعات وخاصة الاهلية منها، باتجاه التطور الكمي على حساب التطور النوعي، مما سبب  خللا بين مخرجات النظام التعليمي وحاجة سوق [17].
2. النقص الحاد والتردي المريع في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين من طرف المستشفيات الصحية الرسمية. اذ تعاني هذه المؤسسات من نقص كبير في عدد الاسرة والمعدات اللازمة للفحص والتشخيص وإجراء العمليات الجراحية، وشحة الادوية فيها وإستيراد الادوية من دول الجوار، وهي ذات نوعية رديئة وقديمة. ومقابل ذلك يلاحظ التزايد المستمر للمستشفيات الاهلية والصيدليات التي أصبحت عددها يزيد على المستشفيات الرسمية، والتي تتصف بانها تقدم خدمات رديئة وروتينية مقابل أسعار باهضة، ولا يصل إليها إلا حفنة من ذوي الدخول العالية من تجار السوق السوداء والمتنقذين السياسيين والاداريين.  وإزاء هذه الحالة، فثمة ضرورة لوجود الرعاية والاهتمام الجديين بهذه المسالة، لما لها صلة مباشرة بضمان صحة المواطنين ومستقبل الاجيال. فعليه يجب الاخذ بنظر الاعتبار هذا الموضوع ومعالجته وفق رؤية وإستراتجية واضحة ومحددة المعالم ضمن برنامج التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، بهدف معالجة إخفاقات هذا القطاع المهم والنهوض به بغية تقديم أفضل خدمات للمواطنين في هذا المجال.

ج. القطاعات المالية:

أثّر انخفاض سعر النفط في أواخر عام 2014 على السياسة المالية والنقدية وتبعياتها على الموازنة الاتحادية، وخاصة النفقات الاستثمارية منها، وكالاتي:

   بلغ العجز في الموازنة الاتحادية لعام 2016 (30) ترليون دينار، وتمثل (26.5%) من اجمالي نفقات الموازنة البالغ (113) ترليون دينار، مما أضطر العراق الى اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي كما أشرنا اليه في مكان من هذه الدراسة، وكذلك إصدارسندات قرض الحكومي الداخلي والخارجي لهذا الغرض.

ومن المعروف ان هناك تضاربا في الآراء بين الاقتصاديين العراقيين حول مسالة تخفيض سعر الدينار العراقي أو بقائه على سعره الحالي مقابل الدولار الامريكي [18]. وتتطلب هذه المسالة  دراسة دقيقة قبل الاقدام عليها، لما  لذلك من تأثير مباشرعلى التضخم، وميزان المدفوعات التجاري، والموازنة الاتحادية، وسعر الفائدة وتاثيره على الاستهلاك وقررات الاستثمار، وغيرها.
وعلى اية حال، فإن الحل الصحيح لهذا الموضوع يبقى دائما مرهونا بالتنسيق الجيد والادارة العقلانية وبشفافية عالية بين الجهات المختصة ( وزارة المالية، وزارة التجارة، وزارة التخطيط والبنك المركزي)، في رسم  السياستين المالية والنقدية في مدى المنظور والمتوسط. إذ أن هناك فشل واضح من وزارة المالية في ضبط الانفاق العام وجباية الضرائب وتحصيل الرسوم الجمركية، بالاضافة الى وزارة التجارة في ضبط الاستيرادات السلعية والمعدات، ومحاسبة المتلاعبين بالكميات والاسعار والجودة، فضلا عن وزارة التخطيط التي قصرت في توثيق إحصاءات التجارة الخارجية والداخلية، مع وجود ظاهرة غسيل الاموال وتهريب رأس المال (النقد الاجنبي) من خلال مزادات العملة الاجنبية للبنك المركزي. كذلك ضرورة التاكيد ايضا التوجه نحو تنويع مصادر الدخل من خلال اعادة هيكلية مساهمة انشطة القطاعات الاقتصادية المتنوعة في الناتج المحلي الاجمالي، وخاصة للقطاعات الانتاجية والخدمية-الانتاجية.

   تتجه الانظار اليوم الى الاستثمارفي سوق العراق للأوراق المالية ( البورصة) [19]. اذ يرى كثير من الاقتصاديين ان هناك نسبة من المدخرات النقدية " مكتنزة" لدى القطاع العائلي ويمكن توظيفها في تلك السوق لتمويل النشاط الاستثماري، وبخاصة للقطاع الخاص. وهكذا تصبح السوق بمثابة قناة مباشرة لتمويل النشاطات الاقتصادية للمؤسسات التي يجري شراء اسهمها.

   ونظرا لهيمنة قطاع المصارف على هذا السوق وتشكل نسبة اسهمها (64%) منها، فان إخراج هذه المكتنزات وتوظيفها  في البورصة من شانه زيادة رووس أموال قطاع المصارف وبالتالي تعزيز قدرته على تقديم القروض، وبخاصة لتمويل استثمارات القطاع الخاص [20]. وهكذا تصبح سوق الاوراق المالية، بصورة غير مباشرة، في خدمة عملية التنمية الاقتصادية في البلاد.ولكنها مع ذلك تبقى كاقتصاد إفتراضي أكثر من كونها اقتصاد حقيقي، لا يمكن الرهان عليها كثيرا في النمو الاقتصادي.

   كما ان هذا الاستثمار يمكن ان يسير جنبا الى جنب مع توجه البنك المركزي لدعم القطاع الخاص بعد تخصيص (6.5) ترليون دينار للمصارف العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبفائدة (8%) لمدة سنتين [21]. وايضا من خلال إنشاء صناديق الاقتراض أو التمويل ضمن الادارة اللامركزية المالية للمحافظات، عبر الشراكة بين القطاعين العام والخالص بذلك.

   ومن الممكن الاهتمام بسوق الاوراق المالية من خلال تهيئة المقومات الإدارية والتقنية المعلوماتية والقانونية لتطوير السوق. وكذلك رفع درجة الوعي والثقافة لدى الافراد وتنويرهم بان التوظيف في البورصة يعود بالفائدة عليهم وعلى البلد في الوقت نفسه وذلك بدلا من إكتناز أموالهم في بيوتهم، مما يمكن ان يعرضها لمخاطر السرقة او الحريق أو تأكل جزء من قوتها الشرائية بسبب التضخم.

   ومن الضروري الارتقاء بمستوى السوق الى المستوى القياسي العالمي من حيث جودة المنتوج والتصميم وتقديم الخدمات المتنوعة عبر استخدام تقنيات النشرالالكتروني. ان إعادة النظر بقوانين وتشريعات الشركات وسوق العراق للأوراق المالية، بما يتلائم مع مثيلتها في البورصات العربية والعالمية، من شانه جذب المستثمرين الاجانب لتلك السوق.

   في حال طرح الحكومة سندات قرض محلية على المواطنين في الدخل والخارج، يمكن شراءها وبيعها في سوق الاوراق المالية و/أو رهنها للقروض، مما يساعد على أمتصاص الاموال المدخرة والمكتنزة من قبل المواطنين وإستثمارها في هذه السندات التي تكون عادة قابلة للتداول في سوق الاوراق المالية، وتساعد على تغطية جزء من عجز موازنة الدولة، وتساهم ايضا في تنشيط الاقتصاد.

   إصلاح وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي وتوسيع المعاملات المصرفية لتوفير التمويل اللازم للاستثمار، وتوفير آليات فعالة للحد من المخاطر عبر تفعيل دور شركة ( ضمان الودائع)، مهمتها تعويض المودعين الصغار والمتوسطين في المصارف الخاسرة بعد ان تجمع راس المال اللازم بذلك، لان معظم المصارف الخاصة تعاني اليوم من ( شح السيولة)، نتيجة عجز المقاولين والمستوردين عن دفع ما بذمتهم لها.

   وهنا لابد من االتاكيد على ضرورة تفعيل مهام شركات التامين العراقية، باعتبارها كنشاط أقتصادي هام لا يمكن إغفال دوره في توظيف رؤوس الاموال المتجمعة في صناديق التأمين في مجال: تمويل المشاريع، وتشجيع الاستثمارات المتنوعة، والمشاركة في سوق الاوراق المالية، وزيادة حصته في الناتج المحلي الاجمالي، والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية.[22]

   انعدام الشفافية في سياسة التصرف بالمال العام. ووفقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2015 [23]، فإن مؤشر شفافية الموازنة في العراق لا يتعدى الـ (3%)، وهي حالة متخلفة حتى بالنسبة لبعض الدول العربية كالاردن والمغرب والمصر، ولا تتناسب مع وظيفة افصاح واطلاع الجمهور على سياسة إدارة المال العام. وفي هذه الحالة يقتضي الامر تفعيل قانون الادارة المالية رقم (95) لعام 2004، حول مراعاة الشفافية في إعداد وتنفيذ الموازنة الاتحادية وفق المعايير الدولية.

ثالثا: الخاتمة وبعض المقترحات

    يتيح العرض السابق بمفاصلة المختلفة الاستنتاج بأهمية وضرورة توجيه السياسة الاستثمارية على القطاعات الاقتصادية المتنوعة، بحيث تضمن معدلات مقبولة للنمو والاداء الاقتصادي وزيادة الانتاج والانتاجية، وتهدف الى إشباع الحاجات الاساسية الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور، وتخفيف حدة البطالة التي تجاوزت (25%) من قوة العمل، وتقليص حجم الفئة الفقيرة الذي تجاوز (30% ) [24]، و(7) مليون عراقي تحت خط الفقر، اي (20%) من عدد سكان العراق (36 ) مليون نسمة، بحسب توقعات الجهاز المركزي للإحصاء[25]. وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتطبيق مبدأ العدالة الاقتصادية والاجتماعية من خلال تقليص التفاوت الكبير في مستويات الدخل وتراكم الثروات بين الافراد وبين مناطق البلاد، ومحاربة الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الحزبية والادارية، وتحقيق  الرفاهية والتقدم في المجتمع.

ولتحقيق ذلك فإن الامر يتطلب جملة من الاجراءات، من بينها:

•   ضرورة إنتقال اقتصاد العراق تدريجيا من اقتصاد ريعي احادي الجانب ذو طابع إستهلاكي معتمدا بالدرجة الرئيسية على النفط الى اقتصاد متنوع ذو صفة إنتاجية من خلال إعادة الهيكلية الاقتصادية لصالح القطاعات الانتاجية، ليكون إقتصادا منتجا للقيمة المضافة.
•   توجيه الاستثمار بالدرجة الرئيسية نحو القطاعات الانتاجية، وخاصة الزراعة والصناعة والتشيد والسياحة والنقل والاتصالات وغيرها، وتأمين البني التحتية والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لها، وذلك لتنويع القطاعات الاقتصادية للمشاركة في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، والتأمين الدائم لمصادر تمويل الموازنة العامة للدولة من خارج القطاع النفطي.
•   زيادة مساهمة الصناعات التحويلية وخاصة الصناعة الاستهلاكية منها في تكوين الناتج المحلي الاجمالي، بهدف توفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين. وكذلك زيادة نسبة تشغيل العمالة في المنظومة الصناعية.
•   إتباع سياسة مالية رشيدة في اعداد الموازنات الاتحادية وفق الاهداف والبرامج تعتمد على قياس كفاءة الاداء والانتاجية، وتحسين آليات متابعة الاداء الاداري والمالي والتنفيذي لمشروعات الموازنة، والتحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلاني في خدمة التنمية الوطنية الشاملة.   
•   التنسيق والعمل المشترك بين الادارات والمؤسسات المسؤولة عن السياسة النقدية، والدور المميز للبنك المركزي لكونه المسؤول الاول عن هذه المهمة. اضافة، طبعا، الى التنسيق بين السياستين المالية والنقدية.
•   الحد من سياسة الاستيراد المفتوح والاقتصار على ماهو ضروري من المنتجات والسلع المختلفة المطلوبة للانتاج والاستثمار والاستهلاك والمستلزمات الوسيطة للقطاعات الانتاجية. إضافة الى تأهيل الانتاج الوطني وحمايته من خلال إعادة بناء المؤسسات الانتاجية الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في الاستثمارات الانتاجية، وتفعيل قانون التعريفة الكمركية رقم ( 22) لسنة 2010.
•   تفعيل دور القطاع الخاص الوطني وتشجيعه للمساهمة في زيادة الاستثمار والانتاج والتشغيل، من خلال التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة. والاستفادة من القطاع الاجنبي بشكل عقلاني ومدروس، للاستثمار في القطاعات التي تضم الصناعات الكبيرة ذات التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة التي تتطلب الخبرة والمهارة العاليتين غير المتوفرتين لدى الكادر الوطني.

    ونرى ان مناقشة هذه الآراء والملاحظات واغنائها مسالة مهمة لبلورة رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة وموضوعية قابلة للتطبيق من أجل النهوض بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، تنسجم مع الامكانيات المادية والبشرية وواقع السياسي والاقتصادي والامني للعراقي الراهن وفي المستقبل.
إن إعادة الهيكلية الاقتصادية لصالح القطاعات الانتاجية، يتطلب التوجه نحو تطبيق نموذج (موديل) اقتصادي متوازن، تحدد فيه الاهداف والبرامج والاوليات لتتناسب والتطورات الجديدة في الحالة العراقية. وهذا يشترط أيضا القضاء على الارهاب وتأمين السلم الاهلي، وتحديد مستلزمات وآليات فعالة وعملية لتحقيق الاهداف، مستندا على دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني والتطوعي في هذه العملية، فهذه كلها عناصر مهمة لبلورة استراتيجية تنمية مستدامة وتحقيق الانتقال الذي أشرنا الية اعلاه.

الهوامش

[1]  http://iraqieconomists.net/ar/2016/06/20/
[2]   قانون الاصلاح الاقتصادي الاتحادي لسنة 2013.
[3]  التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، ملحق الجداول الاحصائية، جدول رقم ( 6 ـ-2)،
      ص450.
[4]  د. محمود محمد داغر، الخطيئتان المقيدتان للموازنة العامة، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2015.
[5]   د.حسن عبدالله و د. صباح قدوري، لماذا لا يؤدي الانفاق الاستثماري دوره في تطوير وتحويل
      الاقتصاد العراقي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2016.
[6]   موقع الهيئة الوطنية العراقية للأستثمار.
[7]   قانون الإصلاع الاقتصادي الاتحادي لسنة2013، مصدر سابق.
[8]   ـ أنظر،المدي برس/بغداد، بتاريخ 19/05/2016.
       ـ كذلك، أنظر،مقال، د.صادق حسين الركابي، ماهي اسرار اقتراض العراق من صندوق النقد
       الدولي،2016، موقع ميدل ايست اونلاين.
[9]   أنظر، موقع وكالة الصحافة المستقلة.   
[10]   د. احمد ابريهي علي،" التنمية والتمويل في العراق عام 2014 وافاق المستقبل"،2014.
[11]   د. صالح ياسر، ملاحظات أولية حول أستراتيجية التنمية الصناعية حتى عام 2030. مقال 
         منشورعلى "موقع الطريق على الانترنيت"، 2014.
[12]   د.حاتم جورج حاتم:"دور سعر الصرف في تحديد المستوى العام لأسعار واشكالية السياسة النقدية
         في العراق"، مجلة بحوث اقتصادية عربية، العددان 59 ـ 60، صيف ـ خريف، 2012.
[13]   ـ أحمد أبريهي، المصدر السابق.
         ـ خطة تنمية القطاع الزراعي للسنوات  2010 ـ 2014، وزارة
         التخطيط والتعاون الانمائي/ دائرة التخطيط الزراعي، بغداد، 2009.
[14]   وزارة التخطيط والتعاون الانمائي/دائرة التخطيط الزراعي، مصدر سابق.
[15]   د.صباح قدوري، د. حسن عبدالله بدر"، بعض التصورات حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم
         كردستان العراق، بحث منشور على موقع الشبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ، 2015.
[16]   صفحة موقع الالكتروني للمشروع.
[17]   وزارة التخطيط، خطة التنمية الوطنية 2010 ـ 2014
[18]   أنظرعلى سبيل المثال: ـ د.حاتم جورج حاتم، استقرار الدينار العراقي مقابل الدولار: هل هو حقا
         ضرورة تنموية، شبكة الاقتصاديين العراقيين،2016.
         ـ د.عبد الحسين العنكبي، سعر صرف الدينار العراقي...ثقب يبتلع احتياطي النقد الاجنبي، شبكة
         الاقتصاديين العراقيين،2015.
[19]   أنظر، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
[20]   د. سمير النصيري، دور سوق العراق للاوراق المالية في جذب الاستثمار، شبكة الاقتصاديين
         العراقيين، 2016.
[21]   البنك المركزي العراق.
[22]   أنظر، مصباح كمال، مقاربة لتاريخ التامين في العراق ـ ملاحظات أولية، الثقافة الجديدة، العدد
         328/2008. وكذلك: مصباح كمال، التأمين في كردستان العراق، مكتبة التأمين العراقي،2014،   
          ص 24 ـ 28.    https://www.academia.edu/5810168/Insurance_in_Iraqi_Kurdistan_critical_ studies_-_by_Misbah_Kamal

[23]   موقع منظمة الشفافية الدولية.
[24]   ـ أنظر، جريدة الصباح الجديد، تصريح وزير العمل محمد شياع السوداني، مارس 2015.
         ـ وكالة[ اين نيوز]، تصريح المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي،04/06/2015
 [25]   ـ أنظر[ الغد برس]، تصريح المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي،
         16/07/2016.
         ـ صفحة الموقع الالكتروني، وارميديا، 19/06/2016.

* باحث أكاديمي في علوم المحاسبة الدولية

** البحث منشور في مجلة (الثقافة الجديدة)، العدد 386 / كانون الثاني ـ 2017

25
الإستعانة بمحققين دوليين في قضية محاربة الفساد المالي في العراق

د. صباح قدوري

1.أخفقت الحكومات المتعاقبة بعد 2003 وحتى الآن، في معالجة مشكلة الفساد الاداري والمالي. يحتل العراق المرتبة الثالثة بعد الصومال وافغانستان في الفساد المالي والاداري، واصبح النظام يمارس على كافة المستويات الادارية والحزبية. هدرالاموال العامة والتصرف فيها بعيدا عن الاصول والقوانين المتبعة في اعداد الموازنات وتنفيذها. لقد صرفت هذه الاموال لكسب وشراء الذمم من اجل التصويت للاحزاب السياسية المشاركة في السلطة، وخاصة الاسلامية منها الشيعية والسنية والتكتلات المذهبية والاثنية المعتمدة  في ادارة الدولة.

 2. لقد صرفت مبالغ كبيرة وغير مبررة على الانفاق التشغيلي، ومنها الرواتب والاجور والمخصصات لحوالي (7) ملايين شخص بمن فيهم ( الفضائيين) في الاجهزة الامنية والعسكرية والادارية، ورواتب ومخصصات اعضاء البرلمان والوزراء ومساعديهم والمدراء العامين والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي في الخارج، ونفقات الحرب ضد( داعش) والتنظيمات الارهابية ونفقات المهجرين والنازحين. وفي مجال الانفاق الاستثماري، وعقود التسليح والنفط والكهرباء والاسكان والاعمار والزراعة وآلاف المشاريع الخدمية والانتاجية ذات التكاليف الباهضة وغير الواقعية أوالحقيقية، والتي صرفت عليها مليارات دولارات دون إنجاز ما، ومئات منها وهمية، وهناك عمليات تهريب منتظمة للاموال والذهب وغسيل الاموال.

3. وماتزال هناك مئات الملفات العالقة المتعلقة بالفساد في الجوانب العسكرية والامنية والاقتصادية، ولم يتم كشفها بسبب الضغوط السياسية، ومنع فتحها دوليا. وتولت الشركات التابعة للاحزاب السياسية الحاكمة مسؤولية ملف اعمار العراق، وكانت النتيجة ان أصدرت هيئة النزاهة أوامر بالقبض على (22) وزيرا و(335) مديرا عاما بتهمة الفساد المالي والاداري وتمرير صفقات شركات محلية وأجنبية، ولكن لم يتخذ حتى الآن أي أجراء قضائي بحق هؤلاء المسؤولين وذلك لحمايتهم من قبل كتلهم.

 4. وبهذه المناسية، قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي: ان العراق استعان بمحققين دوليين في ملفات الفساد، لكي يضمن حيادية التحقيقات والتخلص من الضغوط التي قد تمارس على المحقق العراقي، وأكد "بأن ملف الفساد شائك وكبير للغاية وقد تراكم منذ عدة سنوات".

 5. وبناءا على ما تقدم، طلبت الحكومة العراقية من منظمة الامم المتحدة مساعدتها في قضية محاربة الفساد المالي المستشري في العراق منذ عام 2003. وكشفت مصادر الحكومية داخل مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي عن وصول (21) محققا دوليا الى بغداد في نهاية شهر آب2016، جميعهم غربيون باستثناء عربي واحد من الاردن، وذلك  للبدء بالتحقيق في ملفات الفساد. وقد منح هؤلاء المحققين كامل الحرية في تفحص الملفات والوثائق ومراجعة سجلات الوزارات والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية في بغداد.

6. وتشمل مهمات فريق المحققين الدوليين: تهريب المال والنفط، وعقود التسليح. في العراق منذ عام 2003. وتقدرالتقارير مجمل سرقات المال العام  بحوالي (850) مليار دولار. كما تتضمن تلك المهمات الكشف عن مصير (361) مليار دولار مفقودة من موازنات البلاد بين عامي 2004 ـ 2014، فضلاعن مصير آلاف المشاريع والاستثمارات في قطاعات الكهرباء والاسكان والزراعة، التي انفقت عليها الدولة ما مجموعه (98) مليار دولار خلال عشر سنوات.

لقد جاء هذا الاجراء بعد إخفاق القضاء وهيئة النزاهة العراقية في اداء مهمتهما بهذا الخصوص، وهو خطوة مهمة لكشف ملفات الفساد ومعرفة مصير الاموال المهربة، وينتظر منه تحقيق نتائج معينة  وإعلانها أمام الشعب العراقي والعالم، ومنها:

ـ ضمان نوع من النزاهة والشفافية والحيادية في عملية التحقيق.
ـ ان تكون إجراءات الامم المتحدة صارمة، لمنع إفساد المحققين الدوليين أو طمس نتائج تحقيقاتهم.
ـ  إستكمال الاصلاحات السياسية التي اطلقها رئيس الوزراء منتصف عام 2015.
ـ دعم مطالب المتظاهرين بمكافحة الفساد المالي والاداري.
ـ فضح عدم قدرة هيئة النزاهة العراقية  في كشف ملفات الفساد أمام الشعب العراقي وحسمها وتقديمها الى القضاء.
ـ دعم وترشيد دور ديوان الرقابة المالية في التدقيق والرقابة المالية على أجهزة الدولة.
ـ التحقيق مع المسؤولين الموجودين حاليا في الخارج بصفة الفريق الأممية، تخوله ذلك.
ـ  التحقيق في قضايا الفساد وفق أولويتها، وتدريب وتاهيل الكفاءات العراقية من خلال ذلك.
ـ تفعيل دور القضاء العراقي في محاربة الفساد المالي والاداري.
ـ تفعيل الممارسة الشعبية في عملية مراقبة ومكافحة الفساد الاداري والمالي.




26


*لماذا لا يؤدي الإنفاق الاستثماري دوره في تطوير وتحويل الاقتصاد العراقي؟



د. حسن عبدالله بدر** و د. صباح قدوري *

 
في أدب التنمية، يعتبر الإنفاق الاستثماري عماد التنمية والتحول الاقتصادي وذلك لأن من خلاله يتم بناء الطاقات الانتاجية أو توسيعها لاقتصاد البلاد وبالتالي إنتاج السلع والخدمات اللازمة لتلبية الاحتياجات المختلفة للسكان من غذاء وملبس ومسكن، وكذلك مختلف أنواع الخدمات سواء تلك المرتبطة بشكل مباشر بعملية الانتاج كالنقل والاتصالات وتجهيز الماء والكهرباء والخدمات التجارية والمالية أو الخدمات العامة كالتعليم والصحة والإدارة.
وعلى سبيل التوثيق النظري لتلك العلاقة بين الإنفاق الاستثماري والنمو الاقتصادي، يتذكر الاقتصاديون العديد من نظريات أو نماذج التنمية، ومن أبرزها وأكثرها استعمالاً نموذج هارود-دومار الذي يَعتبر النموَ الاقتصادي دالةً لنسبة الاستثمار من الدخل القومي وفعالية الاستثمارات المتحققة، ضمن متغيرات اقتصادية هامة أخرى مفترضة.

محفزات الاستثمار

يتمتع العراق بمجموعة من الموارد الاقتصادية تشجع على المباشرة وزيادة الإنفاق الاستثماري، أي الإنفاق على السلع الإنتاجية من مكائن ومعدات، وطرق وموانئ ومطارات، وكهرباء وماء ومشاريع ري وسدود، ومباني سكنية وغير سكنية.
ففي جانب العرض، ثمة ثروة معدنية وفيرة من النفط والكبريت.  وهناك الأراضي الصالحة للزراعة، والمياه، والمناخ المتنوع والضروري لمختلف المحصولات.  كما أن هناك قوة عمل متنوعة وقابلة للمزيد من التطور عند اللزوم.  وأخيراً، هناك الموارد الوفيرة الضرورية لعملية التمويل.  وفي جانب الطلب، ثمة ظروف مناسبة من شأنها توفير السوق الكافية للاستثمارات.  وتتمثل هذه الظروف بحجم سكان العراق، الكبير نسبياً، والبالغ(37,5 ) مليون، وفق تقديرات وزارة التخطيط، مع توزيعه بين الريف والحضر والأعمار المختلفة، والقوة الشرائية التي تمتلكها فئات كثيرة من السكان.
وهكذا يقدم العراق فرصاً ممتازة للاستثمار، بما فيه الاستثمار الأجنبي، وذلك لما فيه من ثروة نفطية ضخمة، وحجم سكاني كبير، واحتياجات واسعة للاستثمار في البناء التحتي، فضلاً عن الزراعة والصناعة التحويلية.  وهذا هو تفسير اهتمام المستثمرين الأجانب بالعراق رغم مشكلاته السياسية والأمنية.1

الاستثمار والنمو الاقتصادي حتى أواخر السبعينات

شرعَ العراق، منذ بداية خمسينات القرن الماضي بعد الزيادة الملوسة في عوائد البلاد من إنتاج وتصدير النفط، بتخصيص نسبة مقبولة (أكثر من 20%) من دخله القومي للاستثمار ضمن سياسات اقتصادية تهدف، بشكل تدريجي، إلى تحقيق زيادة ملموسة في دخل الفرد في إطار تصور عن اقتصاد متنوع تؤدي فيه الزراعة والصناعة التحويلية وفروع الخدمات الضرورية لهما الدور الاساسي في الاقتصاد.
وبفضل تلك الاستثمارات، وسياسات اقتصادية أخرى ضمن دور واسع ومتزايد للدولة حتى نهاية السبعينات، تم إنجاز قدر من التنمية ساعدَ مورد النفط على تحقيقه.  فكان العراق، عام 1975، ضمن فئة البلدان النامية متوسطة الدخل، ويُقارن مع كوريا الجنوبية واليونان والبرتغال؛ وتم إنجاز طائفة واسعة من مشاريع التصنيع، مع تقدم ملموس في إنتاج الكهرباء، والتحرك باتجاه إزالة الاختناقات في البناء التحتي والخدمات.  كما أن مستويات التعليم والصحة كانت تتناسب مع إمكاناته الاقتصادية.2  بيد أن العراق حينذاك كان يحمل بذور خرابه في بنائه السياسي حيث بقيت السلطة محوراً للتوتر الدائم والرعب ونوبات سفك الدماء، في أجواء من النزاع الإقليمي الظاهر والمستتر وطموحات الهيمنة وتنافس الإيديولوجيات.3
وقد تبينَ، رغم ذلك الإنجاز، أن الطاقات الانتاجية الزراعية والصناعية التي تم بناؤها أو توسيعها كانت محدودة وحتى مشكوكاً في إمكانية استمرارها.  فحين توقفَ تصدير النفط أثناء سنوات الحصار، وبالتالي توقفْ الدعم الحكومي وانقطاع الاستيراد، ومن ثم خلو السوق المحلية من السلع الأجنبية المنافِسة، اختفت الكثير من المنشآت الكبيرة، مع أن فرصة تاريخية كانت سانحة أمامها للنهوض بالإنتاج وزيادته وتعويض المستوردات وتنويع الصادرات خارج النفط الخام.  بل حتى قبل أن يبدأ الحصار ويتوقف تصدير النفط، بقي الاقتصاد العراقي يعتمد على قطاع النفط في نشاطاته الرئيسية من إنتاج وتصدير واستيراد واستهلاك وكذلك في ميزانيته العامة.

الاستثمار والنمو الاقتصادي بعد عام 2003

وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تمَّ الإعلان عن قيام عملية سياسية تتضمن إجازة العمل الحزبي، وإجراء الانتخابات، وتشكيل البرلمان، وإطلاق حرية الصحافة والاعلام؛ كما تواصلتْ الأعمال المسلحة بأشكال مختلفة بلغتْ ذروتها عام 2014 باحتلال أجزاء واسعة من العراق من قبل الدولة الاسلامية (داعش) وما رافقَ ذلك من فقدان للأمن وإنفاق واسع على أجهزة الجيش والشرطة والأمن ومواجهة الارهاب.
وقد صاحبَ ذلك تغيرٌ كبير في الوضع الاقتصادي من بين مؤشراته الرئيسة: الإعلان عن التوجه نحو اقتصاد السوق وفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد وحرية التحويل الخارجي للعملات الأجنبية؛ إهمال الدولة لعملية التصنيع بحجة أن الاستثمار الانتاجي، في الزراعة والصناعة التحويلية، أصبح متروكاً للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي؛ والزيادة الكبيرة في الموارد المالية للبلاد من إنتاج وتصدير النفط؛ إلى جانب توسع الأجهزة الإدارية للحكومة، ومؤسسات الجيش والشرطة والأمن، وذلك لرغبة الأحزاب الحاكمة في الكسب السياسي من خلال إغراق تلك الأجهزة بمناصريها، ولكن أيضاً بسبب تفاقم البطالة لعجز القطاعات الانتاجية عن استيعاب القوى العاملة؛ والتوقف الفعلي للكثير جداً من المنشآت الانتاجية الحكومية.
وبقدر تعلق الأمر بالإنفاق الاستثماري وتأثيره على الناتج في هذه الفترة، فإن نسبة معقولة ويُعتدُّ بها من الناتج المحلي الاجمالي كانت تُخصص لصالح ذلك الإنفاق، مع أن الجزء الأكبر من الناتج كان يتجه طبعاً نحو الاستهلاك.  فرغم بعض التباين في مصادر البيانات4، إلاّ أن نسبة لا تقل عن 20% من الناتج المحلي الاجمالي كانت تذهب للإنفاق الاستثماري في فترة ما بعد 2003.
وفي المقابل، لم يكن هناك انعكاس لهذا الإنفاق على صعيد بناء وتوسيع الطاقات الانتاجية للبلاد على أساس أن الهدف من الإنفاق الاستثماري هو بناء وتوسيع تلك الطاقات بقصد إنتاج المزيد من السلع والخدمات، وخصوصاً مع اتساع الطلب المحلي في ظل النمو السكاني العالي في العراق، وزيادة دخول نسبة ملموسة من العراقيين، والحرمان الحقيقي والطويل لأكثريتهم أثناء فترة الحصار قبل عام 2003، وعوامل أخرى هامة5.  ويشهد على ذلك ما يستورده العراق من مختلف السلع الاستهلاكية والإنتاجية بسبب عدم قدرة القطاعات الإنتاجية المحلية على سد الحاجة من تلك السلع.  كما تشهد عليه أيضاً النسبة العالية من البطالة في قوة العمل لأن القطاعات الإنتاجية لم تتوسع بحيث تستوعب القوى العاملة.  فكما أن تشغيل قوة العمل وزيادته باستمرار مظهر ونتيجة لعملية التنمية واستمرارها، فإن البطالة وزيادتها هي الوجه الآخر لتوقف عملية التنمية أو ضعفها.

فما هو تفسير ذلك، أي لماذا لم يكن للإنفاق الاستثماري مردود ملموس على صعيد الناتج؟

أولاً، إن نسبة هامة مما كان يُعلن عن تنفيذه من التخصيصات الاستثمارية لم يكن قد تم تنفيذه بالفعل أو أن تنفيذه لم يكتمل بحيث يدخل المشروع المعني في حقل الانتاج ويبدأ بسد الحاجة من السلعة التي ينتجها.  ويُشار، في دوائر الدولة، إلى مثل هذه الاستثمارات بالمشروعات المتلكئة.  إذ تبين مصادر عديدة في وزارة التخطيط، واللجنة المالية البرلمانية، واقتصاديون كثر، أن هناك مشروعات لا يقل عددها عن 3,000 تم إنفاق أكثر من 284 مليار دولار عليها دون أن تكتمل وتباشر في عملية الإنتاج.  ومن زاوية أثر هذه الاستثمارات في عملية الانتاج، فإن عدم اكتمال التنفيذ لا يجعل لها أي أثر أو وكأنها لم تُنفذ قط.
إن تدقيق الأمر يكشف عما هو أكثر من ذلك بشأن المصير الحقيقي لتلك المليارات من الأموال.  فلأن الإنفاق الاستثماري هو أحد أهم قنوات التصرف بالموارد المالية للدولة، فإن الأموال المنفقة تذهب، في جزء منها، للموظفين المسؤولين عن تنفيذ ومتابعة المشروعات الاستثمارية، وأيضاً كتكاليف للمقاولين المكلفين ببنائها ونصبها، وللمصارف التي قد تلعب دورها في تحويل الأموال إلى الخارج لصالح أولئك الموظفين والمقاولين.  إن فساد الأجهزة الإدارية المعنية هو نفسه أيضاً يقف وراء تضخيم تكاليف المشروعات الاستثمارية بأكثر مما تستحق بالفعل بحجج من بينها ارتفاع درجة المخاطرة في البلاد.  إن الفارق بين التكلفة الحقيقية والتكلفة الفعلية المدفوعة، الذي يؤول إلى الجهات الثلاثة المذكورة أعلاه نفسها، لا يشكل زيادة حقيقية في الانفاق الاستثماري وبالتالي لا أثر له على صعيد زيادة السلع المنتجة.
وثمة أمرٌ لا ينبغي نسيانه يميّز تنفيذ التخصيصات الاستثمارية وله صلة مباشرة بتأثيرها المفترض في بناء الطاقات الإنتاجية.  فما يُخصص للاستثمار في الموازنات العامة كان يُستخدم على الدوام لامتصاص التقلبات في إيرادات الحكومة، وبخاصة إيراداتها من تصدير النفط6.  فحين تتقلص الإيرادات، كما حدثَ عام 2008 حين هبطت أسعار النفط، وكما يحدث الآن منذ نهاية عام 2014 مع الهبوط الجديد والكبير في أسعار النفط، كان يجري إقتطاع التخصيصات الاستثمارية باسم "المناقلة بين النفقات"، في حين أن النفقات التشغيلية للحكومة لا تتأثر كثيراً، بما في ذلك نفقات غير ضرورية أبداً ونفقات أخرى غريبة مثل مرتبات "الفضائيين"، كما يُسَمُّون.
والعامل الثاني الذي يمكنه تفسير ضآلة تأثير الإنفاق الاستثماري على بناء الطاقات الإنتاجية هو بنية الاستثمارات.
إن أبرز ما يميِّز هذه البنية هو غياب الاستثمار الإنتاجي في الزراعة والصناعة التحويلية.  ومن المعلوم أن التوجه الحكومي، بعد عام 2003، كان يتمثل بترك أو حصر ذلك الاستثمار بالقطاع الخاص أو الاستثمار الأجنبي المباشر.  ولكن من الناحية العملية لم يتجه استثمار القطاع الخاص نحو الفروع الإنتاجية من الاقتصاد.  فالقطاع الخاص، بالرغم من ترحيبه بهكذا توجه من الدولة لدعمه واعتبار أن التنمية تتحقق على يد الاستثمار الخاص في الزراعة والصناعة التحويلية، إنما يهتدي، كما هو شأنه على الدوام طبعاً، بمعيار الربح في قراراته الاستثمارية.  أي أنه يهتدي بالحصيلة النهائية لما تكون عليه معادلة الأسعار التي يبيع بها منتوجاته الزراعية والصناعية، من جهة، وما يتحمله من تكاليف عند إنتاج تلك المنتوجات، من جهة أخرى، مع ما يمكن أن يحصل عليه أثناء ذلك من دعم من الدولة في صورة أثمان أقل للطاقة والكهرباء التي يتجهز بها من المنشآت الحكومية؛ وإعانات عند الإنتاج أو التصدير؛ وقروض من المصارف التي تهيمن الحكومة عليها؛ وأسعار صرف للعملة العراقية تجعل لمنتوجاته ميزة تنافسية في السوق العراقية، على الأقل؛ ومعاملة ضريبية ملائمة لرؤوس أمواله وأرباحه.  وكل ذلك على نحو يجعل تكاليف الإنتاج لديه أقل ما يمكن نسبةً إلى:
أولاً، الأسعار التي يمكن أن يبيع بها منتوجاته.
ثانياً، معدلات الأرباح التي يمكنه تحقيقها حين يُوظف أمواله في مجالات أخرى غير الزراعة والصناعة التحويلية.
وهنا لنلاحظ ما يلي:
1) إن السياسات الاقتصادية العامة للحكومة كانت وما تزال تتجه نحو تمكين القطاع الخاص من أشكال الدعم المذكورة، وبخاصة في صورة طاقة رخيصة، وإعانة ضريبية، وتقديم قروض: "لا شك أن القطاع الخاص يتلقى إعانة من المال العام مثل الطاقة الرخيصة بتكلفة 9 مليار دولار سنوياً، والتساهل الضريبي الذي يتخذ شكل الإعفاء والتهرب المسكوت عنه والرسوم الواطئة والتي أصبحت رمزية عموماً، والقروض الميسرة"7.  بل أن حال المعاملة الضريبية تنطوي حتى على أكثر من التساهل. إذ أن ضعف الأجهزة الإدارية، واستشراء الفساد في الكثير منها، يُمكِّنُ من التهرب الضريبي على نحو يُؤِّمن الفرص للمزيد من الاسترباح، مع أن ذلك الضعف والفساد يمارسان دوراً تخريبياً خطيراً في الاقتصاد العراقي ككل.
2) ولكن أسعار صرف العملات الأجنبية (الدولار الأمريكي) والسياسة التجارية للحكومة لهما دور يعمل بالاتجاه المعاكس.  إذ أن أسعار الصرف تم تحديدها على مستوى ليس فقط لا يتيح للمنتوجات الصناعية المحلية أي ميزة تنافسية، بل يجعل منها هدفاً سهلاً أمام السلع الأجنبية (ناهيك عن المحاذير الصحية والأمنية على البلاد)، مع أن تلك الأسعار تساعد على إبقاء التضخم ضمن الحدود المرغوبة حكومياً من خلال فيض السلع المستوردة.
وتؤدي إلى النتيجة نفسها سياسةُ الاستيراد، فضلاً عن أنها كانت وما تزال مرتعاً للفساد المالي.
وهكذا فإن المحصلة العامة التي يقود إليها هذا التحليل أن فرص الاستثمار الخاص المربح في القطاعات الإنتاجية غير متاحة على النحو الذي يشجع التنمية الاقتصادية، على الرغم من وجود أشكال دعم مختلفة8، والإعلان والتوجه الحكومي المغاير.  فالإعلان الحكومي بأن الاستثمار الإنتاجي متروك للقطاع الخاص لا يعني بحد ذاته أن القطاع الخاص جاهز لاغتنام الفرصة ما لم يتأكد من الجدوى الاقتصادية لذلك الاستثمار، أي ما لم تكن عوامل معادلة الأسعار والتكاليف على نحو يتيح للاستثمار الخاص تحقيق الأرباح التي يريد.  والجدير بالملاحظة أن التمويل لا يشكل قيداً على الاستثمار الخاص ذلك لأن مجموع ودائع القطاع الخاص لدى القطاع المصرفي بلغت، عام 2013، 24.45 ترليون دينار9، كما كان مجموع ودائع القطاع الخاص 21.1 ترليون دينار في حين أن مجموع الائتمان المقدَّم كان 14.6 عام 201210، أي أن الودائع تزيد على الائتمان بمقدار النصف تقريباً.
وإزاء افتقاد الاستثمار الانتاجي الخاص للجدوى الاقتصادية، أي، باختصار، ضعف العائد والمخاطرة، نشهد توجه رؤوس الأموال الخاصة نحو مجالات ذات عائد أكثر، وبسهولة، ومخاطرة أقل.  أحد هذه المجالات هو تسريب الأموال إلى خارج العراق من خلال مزادات العملة الأجنبية.  وبهذا الخصوص، ثمة تقديرات، ومن بينها من داخل اللجنة المالية في البرلمان العراقي، تشير إلى أن 57% من مزادات العملة عبارة عن فساد مالي.11 ويمثل شراء عقارات الدولة، وبخاصة في مناطق معينة من بغداد والمدن الكبيرة الأخرى، مجالاً آخر لاستيعاب الأموال الخاصة الباحثة عن عائد أكثر وأسهل وأقل مخاطرة، وفقاً للتقديرات المذكورة نفسها.  وأخيراً، فإن القطاع الخاص يستثمر جزءاً من أمواله من خلال إيداعها لدى المصارف العراقية، وبخاصة الحكومية منها، فضلاً عن أن تأسيس المصارف الخاصة نفسها، وهي كثيرة نسبياً، وما يتطلبه ذلك من رؤوس أموال، هي من أشكال التصرف بما لدى القطاع الخاص من أموال.

الخلاصة
لا خلاف على أن الموارد والإمكانات الواسعة التي يمتلكها القطاع الخاص (رؤوس أموال، خبرات تنظيمية، وصلات خارجية) لابد من توظيفها في خدمة التنمية الاقتصادية لبناء اقتصادٍ متنوع تساهم قطاعاته الإنتاجية في خلق الناتج وتشغيل القوى العاملة والموارد الأخرى المتاحة، والاعتماد على ذلك في تمويل النشاطات الرئيسة من استهلاك واستثمار واستيراد وتمويل ميزانية البلاد.
بيد أن ذلك التوظيف لا يتحقق فقط بمجرد أن تعلن الدولة أنها ستتبنى، من بعد عام 2003، نهج قوى السوق وخصخصة منشآت حكومية و"تحرير" الاستيراد والتحويل الخارجي والتعاطي مع المنظمات والأسواق الدولية وكأن كل ذلك يتحقق من تلقاء نفسه، دون دور عسير وكبير للدولة نفسها، ودون مراعاة للقوانين الاقتصادية.  فالقطاع الخاص بالذات لا يعمل، منطقياً وفعلياً، بعيداً عن مبدأ تحقيق أقصى عائد من استثمار رؤوس أمواله.  وإذا سلّمنا بأن التنمية لا معنى لها وأن زوال الطابع الريعي للاقتصاد العراقي مجرد حلم من دون نهوض القطاعات الإنتاجية والبناء التحتي الضروري لها (كهرباء، طرق وسدود ومشاريع ارواء وموانئ .. إلخ)، فهذه القطاعات هي أبعد وآخر ما يرد ببال القطاع الخاص ما لم تقم الدولة نفسها بدورها التنموي العسير والكبير وذلك عبر ما لديها من أدوات، كأسعار مُدخلات وضريبة وإعانة وقروض وتعرفة جمركية وأسعار صرف، وكذلك ضمان سوق وأسعار مُجزية للمنتجات الزراعية للتوصل إلى تكاليف إنتاج تتيح عائداً معقولاً للقطاع الخاص يشجعه على ارتياد تلك القطاعات، وليس بعثرة أمواله بعيداً عنها.  فدور الدولة لا يتراجع، بل يتسع ويتعقد، حين يكون الهدف خلق اقتصاد تملك منشآته المقومات الذاتية لاستمرارها خلال فترة معقولة من الزمن.  وهذا ما بينته تجارب الدول التي نجحت في التحول وصارت مضرب مثل في حقل تجارب التنمية.

الهوامش
1 UNCTAD, World Investment Report 2014, p. 58.
د. سمير حسن ليلو: "مشاكل الزراعة في العراق"، منشور بتاريخ 1/1/2012، في موقع أخبار الأعمال في العراق:
Iraq Business News (www.iraq-businessnews.com), p. 1-2.
2 د. أحمد ابريهي علي"الاقتصاد العراقي وآفاق المستقبل القريب"، منشور بتاريخ 7/7/ 2011 في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
Iraqi Economists Network (www.iraqieconomists.net), p. 1
3 المصدر السابق، ص 1.
4 يمكن الاستدلال بطريقة أخرى على ما تم تخصيصه للإنفاق الاستثماري.  فاللجنة المالية البرلمانية تقدر مجموع مدخولات الحكومة منذ 2003 (مدخولاتها من تصدير النفط، والإيرادات الأخرى كالضرائب والكمارك، والصندوق العراقي للتنمية/أول المدة، وكذلك الهبات والقروض) ب 855 بليون دولار.  ونظراً لوجود بيانات موثقة رسمياً عن مشروعات تم إنفاق 284 بليون دولار عليها دون أن تكتمل، فمعنى ذلك أن هذه الاستثمارات وحدها تشكل أكثر 30% مما كان بحوزة الحكومة من أموال، علماً بأن ذلك لا يشمل الإنفاق الاستثماري في قطاع النفط وفي إقليم كردستان.  وهذه النسبة تعتبر عالية حتى بمقاييس الدول الغربية المتطورة اقتصادياً.
5 د. صباح قدوري و د. حسن عبد الله بدر "بعض التصورات حول الإصلاح الاقتصادي في إقليم كردستان العراق" منشور بتاريخ 24/ 8/ 2015 في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
Iraqi Economists Network (www.iraqieconomists.net), p. 3 and p. 9.
6 د. أحمد ابريهي علي، مصدر سابق، ص 4
7 د. أحمد ابريهي علي" التنمية والتمويل في العراق عام 2014 وآفاق المستقبل"، منشور بتاريخ 14/7/ 2014 في موقع:
Iraqi Economists Network (www.iraqieconomists.net), p. 8
8 "إن فاعلية أشكال الإعانات ضعيفة لأنها شاملة ولا تنعكس في تعديل الأسعار النسبية وفروقات العائد كي تحرِّك الاستثمار أو تُعيد تخصيصه"، المصدر السابق، ص 8.
9 موفق حسن محمود "القطاع المصرفي العراقي وكيفية النهوض به"، منشور بتاريخ 28/1/ 2016 في موقع:
Iraqi Economists Network (www.iraqieconomists.net), p.5, and table 2, p. 21
10   د. أحمد ابريهي علي"التنمية والتمويل في العراق"، مصدر سابق، ص 15-16.
11 تصريحات متكررة للدكتورة ماجدة التميمي، من اللجنة المالية البرلمانية.  وهناك مصادر أخرى تشير إلى الاتجاه نفسه.

أستاذ جامعي وباحث اقتصادي*
أستاذ جامعي وباحث اقتصادي ـ  محاسبة**



27
بعض ملاحظات حول وثيقة برنامج الحزب الشيوعي العراقي للمؤتمر العاشر
د.صباح قدوري
يبدو جليا ان التزام الحزب بقرار عقد مؤتمراته في مواعدها المحددة بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003، اي منذ المؤتمر الثامن للحزب في عام 2006، يعتبرأمر إيجابي، يستحق التثمين.
ان الوثيقة المطروحة للمناقشة للمؤتمر العاشر للحزب المزمع انعقاده خلال العام الحالي، هي نفسها برنامج الحزب الذي اقره المؤتمرالوطني التاسع في عام 2012، مما يتطلب دراستها بإمعان وإعادة النظر في كثير من بنودها بعد الأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات السريعة التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية على الساحة العراقية. وعليه، ارى ضرورة إعادة تقييمها واغناءها بالملاحظات البناءة والموضوعية، بهدف استخلاص نتائج ايجابية من طروحاتها لتكون وثيقة ملائمة للمناقشة في المؤتمر العاشر، واقرارها حسب الاصول من قبل مندوبي المؤتمر.
ملاحظاتي حول بعض بنود هذه الوثيقة، يمكن أجمالها في المحورين التالين، السياسي والاقتصادي
أولا: المحور السياسي

1ـ ان التوصيف الذي يرد في الوثيقة لايدولوجية الحزب والنظرية المعتمدة في نضاله الطبقي، لا يكفي وحده، فلابد أيضا أن يشخص الحزب آليات وأدوات فعالة وموضوعية لترجمة اهدافه  المصاغة فيها الى الواقع العملي الملموس، ولكن الوثيقة لم تشيرالى ذلك بوضوح.  ان ذلك التشخيص يتحقق من خلال التاكيد على الممارسة النضالية في الحياة اليومية واكتساب الخبرة منها، بلاسناد على مبدأ الديمقراطية الحقيقية والاعتماد على أوسع قاعدة جماهرية في عملية اتخاذ القرارات المهمة.
2ـ بلورة رؤية واضحة وواقعية لتوصيف خصائص وملامح المرحلة الراهنة، واهداف الحزب النضالية ومحاولة صياغة شعار منطقي ملائم للمؤتمر، يعتمد كأساس لرسم السياسة النضالية للحزب على مختلف الصعد. وكمثال، يمكن تبني الشعار (مؤتمر التجديد وترسيخ الديمقراطية في الحياة الحزبية وتقوية التنظيم الحزبي). أو اي شعار اخريمكن ان يتبلورعلى ضوء الملاحظات التي تقدم من المندوبين.
3ـ تقييم الحزب، بروح من المسؤولية العالية مسيرة مشاركته في العملية السياسية منذ سقوط الديكتاتورية. وعلى ضؤ ذلك، ينبغي على الحزب إعادة النظر في سياساته بهدف معالجة الاخطاء والسلبيات التي واجهها، واستخلاص النتائج الملموسة والاستفادة منها في رسم سياسته الجديدة للمرحلة القادمة، مع تثمين وتعميق السياسات الصحيحة وتطويرها.
4ـ يمتلك الحزب الشيوعي العراقي تاريخا مجيدا وتراثا غنيا يجعله في طليعة قيادة الجماهير والدفاع عن حقوقها ومصالحها، ويتعايش مع كل معاناتها، التي سببتها حكومات المحاصصة الحزبية والطائفية والاثنية، ونزاعاتها من اجل السلطة والمال والنفوذ، والتي اوصلت العراق الى ما هو عليه الآن. وكل ذلك يتطلب من الحزب المساهمة الجادة في صنع الاحداث، بدلا من ان يكون خارجها أو ذيلا لها، كما هو عليه الآن.
5ـ التاكيد على علمانية الدولة والنظام السياسي، والتعددية في تداول السلطة، ومبدأ فصل الدين عن الدولة. وتثقيف وتوعية أوسع الجماهير بهذه المبادئ المهمة.
6ـ هناك محاولات تجري بين حين وأخر من الاطراف الاقليمية والدولية هدفها تقسيم العراق على اساس طائفي وإثني. فعلى الحزب ان يعير أهتمامه لموضوع الفيدرالية والادارات اللامركزية وتطبيقاتها على ارض الواقع في الظرف الحالي والمستقبلي للعراق، وهي من  المواضيع المهمة المقر في الدستور. والاستفادة منها للتاكيد على  وحدة العراق وسيادته.
7ـ بخصوص التحالفات اليسارية، على الحزب ان يبادرباصدار نداء الى كل الفصائل المتواجدة على الساحة العراقية، وخاصة الفصائل الشيوعية والكوادر المخلصة التي غادرت الحزب لأسباب مختلفة. واتباع اسلوب  الحوار والنقاش الهادئ للوصول الى نتائج إيجابية في تحريك البلاد سياسيا وفكريا  والى دفع الحركة الديمقراطية الى الأمام. على ان يجري التفاهم مع هذه الفصائل على أساس التحليل العلمي للواقع  وللتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد.
8ـ الاهتمام الجدي بالعمل مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات المهنية كالطلابية والشبيبة والمرأة والبيئة والتيار الديمقراطي العراقي وغيرها. أن دور الحزب في تحريك هذه المنظمات لايزال ضعيفا وليس بمستوى طموحات وامكانيات وخبرات الحزب في هذا المجال، ويتطلب ذلك تطوير آليات وأدوات عمل فعالة ومتنوعة لتحريك الجماهير ودفعها للدفاع والمطالبة  بحقوقها المشروعة.
9ـ الاعلام بمختلف فروعه هو احدى الوسائل المهمة التي يستعين بها الحزب في نضالاته اليومية.  وما يلاحظ اليوم بأسف شديد ضعف أداء  المنظمات والهيئات الحزبية في هذا المجال. وهذا يتجلى بشكل خاص في إدارة مناقشات الصراع الفكري وفق الأسس المعرفية والعلمية، وفي المنتديات والندوات، وتوسيع وسائل التواصل الاجتماعي، وفي تطوير جريدة الحزب اليومية " طريق الشعب" والدوريات الاخري، وموقع الحزب على الأنترنيت من حيث السعة والتصميم والمحتويات والمعلومات والمقالات المنشورة فيه وتحديث الصفحة.  أن كل ذلك يحدث في الوقت الذي يمتلك فيه الحزب القدرات والأمكانيات والمهارات الكبيرة، ونخبة جبدة من المثقفين والكتاب والباحثين، مما أضطر بعضا منهم لترك إعلأم الحزب بسبب موقفهم الفكرية و/أوالتعارض مع بعض طروحات وشعارات الحزب تجاه الأحداث المحلية والدولية و/أو التضيق على كتاباتهم وعدم نشرها إلآ حسب قناعة الحزب بها.
10ـ هناك ترابط عضوي بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني، فهما حزب واحد على الصعيد السياسي ( من حيث المحتوى والشعارات والبرامج والاهداف  الاستراتيجية)، وحزبان على الصعيد التنظيمي، مما يتطلب التنسيق والتعاون والعمل المشترك بينهما  بأكثر مما هوعليه الآن، وخاصة  في المسائل المهمة.
ثانيا: المحور الأقتصادي
1ـ أصلاح النظام الأقتصادي من خلال تبني استراتيجية واضحة وواقعية لعملية التنمية الأقتصادية والأجتماعية، على ان يحدد الدور الذي يمكن وينبغي ان يوديه القطاع الحكومي، خاصة وان هناك، منذ بداية التسعينات وحتى الان ميلا واسعا ومتشددا لانكار هذا الدور وحصره باضيق الحدود.  كما أن من الضروري الاستفادة من الإمكانات (أفكار، قدرات تنظيمية، رؤوس أموال) التي يمتلكها القطاع الخاص، وبخاصة في مجال انتاج السلع في قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والبناء السكني والسياحة والخدمات الأنتاجية. ويمكن للقطاع الأجنبي ايضا  ان يقدم أستثمارات  معينة لتكملة دور كل من القطاعين الحكومي والخاص.
2ـ فشل الحكومات المتعاقبة بعد سقوط الديكتاتورية في تقديم الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والتعليم والصحة وغيرها للمواطنين، وهي خدمات ضرورية وملحة ويجب على الحزب التاكيد عليها في كل مناسبة لغرض تأمينها للشعب.
3ـ التاكيد على تحقيق درجة ما من العدالة والرفاه لهذا الجيل والأجيال القادمة ( من خلأل ضمان الحق بالتعليم والعلاج والتامين والضمان الأجتماعي واصلاح  وتطوير البطاقة التموينية)، وهو من اساسيات وواجبات الدولة في كل مكان، وهذا لا يتم عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق فقط. ومن هنا تأتي ضرورة التاكيد على تدخل السلطات الحكومية لتحقيق وضمان تلك الحقوق.
4ـ معالجة البطالة المتفاقمة من خلأل اعادة هيكلية القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات الأنتاجية. تامين فرص العمل اللائقة للجميع، والقضاء على الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال تامين فرص تشغيل اكثر وخاصة للطبقة الوسطى وتقليص حجم الفئة الفقيرة وتلك التي تعيش تحت خط الفقر.
5ـ إصلاح النظام المالي والنقدي، من خلال إستخدام معايير علمية ومنطقية في تبويب واعداد الموازنة العامة، تعتمد على قياس كفاءة الأداء والانتاجية، والتحكم العقلاني بالموارد المالية المتاحة على اسس الاهداف والبرامج الحقيقية، وذلك عن طريق البنك المركزي، الجهة الوحيدة المستقلة والمتخصصة في رسم السياسة النقدية  لتامين الاستقرارالنقدي، وبخاصة استقرار الأسعار، والحفاظ على الرصيد الاحتياطي من العملات الاجنبية، ومتابعة أداء البنوك والمصارف والرقابة عليها. لابد أيضا من معالجة الضعف الواضح في أداء التشريعات المالية وفي تطوير النظام الضريبي والمؤسسات المالية، وتفعيل قانون منضومة الرسوم الجمركية رقم (22) لسنة 2010.
6ـ تفعيل دور كل من هيئة الرقابة المالية وهيئة النزاهة المستقلة وأعادة تشكيلهما على اسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والاخلاص بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة وذلك لكي تأخذا دورهما الحقيقي في توعية الجماهير للمشاركة الفعالة في عملية الرقابة الشعبية ومحاربة الفساد المستشري في  المفاصل الحكومية والحزبية.
7ـ ضروة التاكيد والاسراع في تشريع قانون النفط والغاز وإعادة تشكيل شركة النفط الوطنية في الدورة التشريعية الحالية، لتكون بمثابة الاطار الاساسي الذي تبنى عليه السياسة النفطية المستقبلية للعراق وذلك بغيته ادارة القطاع النفطي بشفافية عالية، ومحاربة الفساد، وحسن استخدام عائداته في خدمة التنمية الوطنية المستدامة.
ختاما، نرجو للمؤتمر العاشر ان يحقق كل النجاحات. ويكون مؤتمرا للتجديد نحو تعزيز دور الحزب وحجمه الحقيقي في العملية السياسية في العراق، عبر تعميق الممارسة الديمقراطية في الحياة النضالية، وتوسيع قاعدته الجماهرية. كما نرجو الخروج بنتائج وقرارات مهمة تخدم العملية السياسية، وتحقق آمال العراقيين، والانتصارعلى( داعش) وكل المنظمات الارهابية، وتعزيز الامن والاستقرار، وبناء عراق جديد مزدهر تتحقق فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لخدمة مصالح الجماهير الكادحة وكل مكونات الشعب العراقي.





28
ملاحظات حول قرار تخفيض رواتب الموظفين في اقليم كردستان العراق

د. صباح قدوري

1ـ يمر اقليم كردستان العراق بأزمة مالية خانقة. وهي ليست وليدة اليوم، بل نتيجة تراكم سياسات اقتصادية خاطئة وتفشي الفساد الاداري وهدر المال العام في المفاصل الادارية والحزبية، وسوء الادارات السابقة منذ تبني النظام الفيدرالي عام 1992 في الحكم ولحد اليوم، والتي لم تكن قادرة علي اعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في اطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية، والتي انشغلت بالتنافس من أجل الهيمنة علي السلطة والمال والنفوذ.

2ـ تنوعت مصادر موارد الاقليم، منها: إقرار نسبة (17%) من الميزانية الاتحادية اعتبارا من عام 2004، بيع قسم من نفط الاقليم مباشرة في السنوات اللاحقة، مع تفشي الفساد فيه، الاستمرار في جباية الضرائب والرسوم الجمركية عند المعابر الحدودية للإقليم مع كل من تركيا وايران، استلام مساعدات نقدية وعينية من الجهات المانحة. ما يثير الانتباه ان الموارد المذكورة، تنقصها الشفافية وتحديد أوجه انفاقها وإفصاح البيانات المتعلقة بذلك، وصعوبة الحصول على هذه البيانات من مصادرها المختصة. لقد تعاظمت ايرادات الاقليم بمليارات من الدولارات، استثمر قسم منها في مجال اعمار الاقليم، وشملت معظمها جانب البناء في اقامة مجمعات سكنية وعمارات عالية للفئات الغنية، وفيلات للمسؤولين الحزبيين والاداريين، وفنادق (4 ـ 5) نجوم، وإنشاء الحدائق والأبنية الحكومية المختلفة مع جزء قليل لبناء المجمعات السكنية للمواطنين، في الوقت الذي يشهد الاقليم أزمة سكن حقيقية، وبخاصة بالنسبة للفئات محدودية الدخل والفقيرة.

3ـ ان شحة الموارد المالية اليوم في الاقليم وسوء ترشيد سياستها وعدم استخدام هذه الاموال الطائلة على مدى السنوات السابقة بشكل عقلاني وتوظيفها من اجل بناء بنى تحتية يرتكز عليها النشاط الاقتصادي الانتاجي وتقديم الخدمات الانتاجية والعامة، أدى هذا كله الى تبديد قسم كبير منها في مشاريع فاشلة، وابتلع الفساد والامتيازات الباذخة نسبة كبيرة منها. هذا بالإضافة الي انخفاض اسعار النفط وبالتالي تقلص العوائد الناجمة عن ذلك، اضافة الى عدم استلام الاقليم لحصته المحددة من الموازنة الاتحادية منذ بداية عام 2014. وبالمقابل هناك ركود اقتصادي ونقص في السيولة النقدية، وتفاقم مديونية حكومة اقليم كردستان لشركات  النفط الاجنبية وللبنوك التجارية إلى اكثر من ( 20 ) مليار دولار. كما ادت المواجهات العسكرية مع قطعان الدولة الاسلامية (داعش)، وما نجم عنها من تفاقم مسألة اللاجئين والنازحين في الاقليم، وزيادة نفقات هذه الحرب على الإقليم، الامر الذي تسبب في ازمة مالية شديدة، ومنها دفع رواتب كثير من منتسبي المؤسسات الادارية مرة كل اربعة اشهر.

4ـ ولحل بعض معضلات هذه الازمة المالية ومنها بالتحديد مسالة رواتب ومخصصات ذوي الرواتب، اصدر مجلس وزراء إقليم كردستان بيانا، بتاريخ 03 شباط/فبراير 2015، يوضح فيه اسلوب دفع الرواتب شهريا. على ان يكون قرار مجلس الوزراء بهذا الخصوص ساري التنفيذ بأثر رجعي، أي اعتبارا من 01 كانون الثاني/ يناير 2016. وينص القرار على اتباع نظام ادخار نسبي "عادل" (لم يعلن عن النسبة) من المجموع الكلي للرواتب والمخصصات، باستثناء وزارة البيشمركة والقوات الامنية. اما رواتب الاشهر الباقية في العام الماضي، فتبقى كقروض لدى وزارة المالية وتقيد في حساب خاص، باسم ( مدخرات ذوي الرواتب في اقليم كوردستان) بشكل موقت والى اجل غير مسمى، حيث تعاد هذه الاموال إلى أصحابها. كما ستتأخر ايضا جميع مستقطعات القروض والمنح الحكومية من قبل ذوي الرواتب، اعتبارا من هذا التاريخ.

5ـ مما لاشك فيه ان هذا الاجراء سينعكس بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي وحياة المواطنين في الاقليم، وخاصة من اصحاب الدخول المحدودة. ويشمل القرار ايضا شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة واصحاب الدخول المنخفضة، وسيؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين. كما يؤدي هذا الاجراء الى اضعاف الاستهلاك ومن ثم سينعكس ذلك على الانتاج والتشغيل واستمرار الركود الاقتصادي، وتفاقم البطالة، وارتفاع التضخم. علما ان الادخار بشكل إجباري ينافي مبادئ الحقوق الشخصية، اي حق التصرف بالمال الخاص، ومن دون احتساب اية فائدة على هذا المال!. أما مستحقات الرواتب للأشهر السابقة فمعظمها رواتب الموظفين من اصحاب الدخول المحدودة والواطئة، وتمثل مصدر رزقهم الاساسي وتأمين حياتهم المعيشية من المأكل والمشرب وايجار السكن والادوية وغيرها من المتطلبات المعيشية والحياتية اليومية. هؤلاء ليس لهم دخل فائض حتى يستطيعون اقراض الحكومة، فأولى على الحكومة الالتجاء الى اصحاب رؤوس الاموال الطائلة من التجار والمقاولين واصحاب الشركات الكبار الذين يملكون مليارات الدولارات واعدادهم بعشرات وألاف من اصحاب الملاين ايضا في الاقليم وخارجه. وهناك شركات تمتلكها بعض الاحزاب المتنفذة في الاقليم. وهذه الشركات، حسب بعض المصادر الإعلامية، تبلغ ثرواتها أكثر من (80) مليار دولار، واعدادها في تزايد مستمر بسبب الفساد وانعدام الرقابة والمحاسبة والمسائلة والاستجواب. لذا كان الاجدر بحكومة الاقليم مطالبة هؤلاء بإقراضها، وهم قادرون على ذلك. وتوجب على حكومة الاقليم تسوية هذه المستحقات بأسرع وقت ممكن، ودفعها الى المستحقين قبل تنفيذ القرار المذكور انفا.

يبدو ان حكومة الاقليم بهذا الاجراء تحاول ابعاد نفسها من تحمل المسؤولية المباشرة على ما آل اليه الوضع الاقتصادي والمالي، وتحميل المواطنين (وهم في اغلبيتهم من الفئات محدودة الدخل والفقيرة) الجزء الاكبر من اعباء الازمة.

6ـ ان ما وصل اليه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم، هو نتاج سياسات فاشلة وادارات غير كفؤة ينخرها الفساد، وتوجهات اقتصادية ريعية استهلاكية على حساب النشاط الانتاجي الزراعي والصناعي والخدمات ـ الانتاجية. هذا اضافة الى اعتماد مفرط على استيراد السلع الاجنبية واغراق الاسواق المحلية بها على حساب تطوير وتنمية الانتاج الوطني. والاهم من ذلك كله هو انعدام وجود رؤية شفافة واستراتيجية واضحة في عملية التنمية الوطنية الشاملة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

ان مواجهة هذه التحديات تتطلب من الادارة الحالية الانطلاق من تشخيص الوضع الراهن؛ وخاصة في المسار الاقتصادي والمالي القائم كما هو، وتحديد الاهداف التي ينبغي تحقيقها، ومن ثم اقتراح السياسات والآليات التي من شأنها تحقيق الاهداف المرسومة. ويمكن اجمال ذلك على سبيل المثال لا الحصر، (من دون تفاصيل)، وكالاتي:

•   حل ازمة الرئاسة والبرلمان.
•   ايجاد مناخ ملائم لتحسين العلاقات بين الاحزاب السياسية ومشاركتها في ادارة الحكم.
•   حل جميع الاشكاليات مع الحكومة الاتحادية، على اسس الحوار الديمقراطي والشفافية.
•   الشفافية التامة في ملف النفط والغاز والإنفاق الحكومي.
•   تخفيف التضخم الكبير في عدد الموظفين الذي بلغ قوامهم اكثر من مليون شخص، ولا حاجة الى عدد كبير منهم، ويعتبر ذلك ضمن بطالة مقنعة ايضا. والتأكيد على معايير الكفاءة والنزاهة والإخلاص في تعين موظفي الحكومة.
•   القيام بجملة من الاصلاحات السياسية والتغيرات البنيوية في اقتصاد الاقليم.
•   ترسيخ مفهوم الحكومة الرشيدة.
•   تفعيل دور الحكومة في توفير الخدمات الاساسية للمواطنين، الصحة والتعليم والكهرباء...الخ.
•   اتخاذ اجراءات حاسمة وفعلية لمعالجة ظاهرة الفساد الاداري والمالي المتفاقم في الاقليم.
•   التصرف بالموارد المالية بشكل عقلاني وبشفافية عالية تصب في خدمة التنمية الحقيقية.
•   تحفيز القطاع الخاص للمشاركة الفعلية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
•   معالجة ظاهرة البطالة المتفاقمة التي تصل بحدود (25 ـ 30) % من قوة العمل، وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال توسيع حجم الطبقة الوسطى، وتقليل حجم الفئات الفقيرة، وممن هم تحت خط الفقر، ونسبتهم (13%) من عدد السكان، والبالغ بحدود (5) مليون نسمة.
•   اصلاح النظام المالي والتشريعات المالية، وخاصة اعادة تنظيم نظام الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتشريع قوانين خاصة لها بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحد من الفساد المالي والاداري في هذه المجالات.
•    تفعيل دور هيئتي الرقابة المالية والنزاهة واحترام استقلالهما في اداء مهامهما، ودراسة تقاريرهما بجدية في برلمان الاقليم واقرارها.
•   ضرورة تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد فقط على النفط والغاز في المدى المنظور.

7- ختاما، يتطلع المواطن الكردستاني بفارغ الصبر إلى الاحزاب الكردستانية المنخرطة في العملية السياسة والحكم في الإقليم، الى اتخاذ مبادرة عاجلة لتبني رؤية استراتيجية واضحة وشفافة، لإجراء الاصلاحات والتغيرات المهمة والجذرية في نهجها السياسي والاقتصادي وهيكلتها الإدارية، تستند على مفاهيم العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، وعدم اختزالها فقط بالانتخابات، واحترام كرامة وحقوق المواطن. ومن الضروري التركيز على تطوير الفيدرالية وترسيخ أسس مستقبلها ومؤسساتها وقوانينها، بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في شؤونها، والتسلط على مراكز القرارات في أداءها، وتفعيل دور الجماهير للمشاركة في عملية صنع القرارات المصيرية، وانتهاج سياسة بناءة تخدم عملية التنمية الوطنية المستدامة. وبعكس ذلك فان المواطن متواصل وعازم على مطالبة وتحقيق حقوقه العادلة حتى النهاية.



29
الى اين تتوجه اليوم سياسة ادارة اقليم كردستان العراق بمعضلاتها؟!

د.صباح قدوري


بعد أن اخفقت الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية والحكومة، وخاصة الاحزاب الاربعة ( الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة التغيير، الاتحاد الاسلامي، والجماعة الاسلامية) المتفقة علي انتهاء ولاية الرئيس مسعود البرزاني في 19/أب ـ أغسطس2015، من تحديد موعد انتخاب الرئيس الجديد للالقليم، وتقديم اي مرشح بديل لهذا المنصب، وكذلك لم تنجزمسودة الدستوربعد اعادة قرائته مجددا من قبل برلمان اقليم كردستان، تمهيدا لطرحه على الاستفتاء الشعبي لاقراره بصيغته الجديدة  لحد الان. اليوم يشهد اقليم كردستان العراق تحديات كبيرة ومسئوليات جسيمة آزاء الوضع الداخلي والعراقي والمنطقة،، يمكن أجمالها كالاتي:
 
أولا: على الصعيد السياسي

 1. محاربة الارهاب الدولي لتنظيم (داعش) وعصاباتها الارهابية، وانعكساته على زعزعة الوضع الامني والاستقرار في الاقليم.
2 .التوترات في العلاقات بين الاحزاب السياسية وخاصة المشاركة منها في ادارة الحكم للاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ.
3 . سوء التنسيق والعمل المشترك مع الفصائل السياسية لحركة التحررالكردية في اجزاء اخرى من كردستان.
4 . مشاكل الادارية والمالية والنفط، وتطبيقات قانون 140 من الدستور العراقي بخصوص مناطق المتنازع عليها، واليات العمل في المسائل العسكرية المتعلقة بالبشمركة ومعداتها في محاربة الارهاب، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الاقليم مع الحكومة الفيدرالية.
5 .الادارة المركزية المشددة في اربيل في الرئاسة وحكومة الاقليم، والتفرد في اتخاذ القرارارات المهمة من قبلهما دون الرجوع الى الاحزاب الاخرى المشاركة في الحكم.
6. تجميد دور البرلمان في إداء وظائفه وواجباته التشريعية والرقابية، بعد منع رئيس البرلمان من كتلة التغيرللحضور واداء واجبه في مجلس البرلمان في اربيل.ومنع ايضا وزراء من كتلة التغير من مزاولة وظائفهم.
7. ضعف في تطبيق وممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة الحزبية والادارية، وعدم ممارسة مبدأ التعددية في انتقال السلمي للسلطة.
8 . التدخلات الاقليمية السافرة والمباشرة من تركيا وحلفاتها السعودية وقطر، وكذلك من ايران في شئون السياسة الداخلية للاقليم.
9 . تدخل عضوي بين الهيمنة الحزبية المباشرة واتخاذ القرارات الفعلية في الادارة الفيدرالية، سبب في تعطيل ممارسة المؤسسات القضائية والتشريعة والتنفيذية، وحتى السلطة الرابعة الاعلامية  لسلطاتها ومهامها بالشكل المطلوب.

ثانيا: على صعيد الاقتصادي والاجتماعي

 1. تفاقم الازمة المالية والتنموية، وهناك ركود اقتصادي ونقص في السيولة النقدية، وتفاقم مديونية حكومة كردستان للبنوك التجارية والقروض الخارجية بحدود (20 ) مليون دولار مع المستحقات المالية المتاخرة للشركات النفطية العالمية في الاقليم، بسبب انخفاض اسعار النفط، وبالتالي العوائد الناجمة عنه، وسوء الادارة.
2.عدم استلام الاقليم حصته ال (17% ) من الميزانية الاتحادية، بسبب عدم حل الاشكاليات الموجودة بين الاقليم والحكومة الفيدرالية، بخصوص النفط وعائدات الاقليم الاخرى.
3. تفاقم نفقات الحرب على الارهاب، ومشاكل الادارية والمالية للنازحين والمهجرين.
4 . دفع رواتب كثير من منتسبي الموسسات الادارية مرة واحدة كل اربعة اشهر، وذلك لعدم أستلام الاقليم لحصته  من الموازنة الاتحادية، وسوء الادارة فيه اضافة الى الفساد.
5 . سوء الادارة وعدم الالتزام بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في اختيار من يشغل اي موقع في اجهزة الادارة الفيدرالية، وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي في المفاصل الادارية والحزبية.
6 . تدني مستوى توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والصحية والتعليمية والامن الغذائي وحماية السلم الاهلي.
7. بقاء الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم على المداخيل الناتجة من بيع وتصدير النفط بالدرجة الاساسية، ويجد تعبيره في ضعف الشديد لمساهمة قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات الانتاجية في تكوين الناتج المحلي الاجمالي.
8. نقص الشفافية في موارد الاقليم المختلفة وتحيد أوجه انفاقها والافصاح عن البيانات المتعلقة بذلك.
9. ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب والنساء ، وتصل  بحدود (25 ـ 30)% من قوة العمل، وذلك بسبب الركود الاقتصادي والازمة المالية التي يعاني منها الاقليم، ووجود اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب من حكومة الاقليم رغم عدم وجود حاجة فعلية لعدد كبير منهم وتعتبر ذلك بطالة مقنعة ايضا.
10 . ظهور فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء نتيجة تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي. وتركز الثروة في أيدي الفئات المتنفذة في قمة الهرم الحزبي والاداري العام، مما عزز من التفاوت القائم في المجتمع.
11. تحرير سياسة الاسواق والاسعار باشكال تتنافي مع السياسات الاقتصادية التنموية ، وغياب أو ضعف المحاسبة والشفافية في الادارة والاداء، في اضعاف الطبقة الوسطى، التي هي قاطرة التنمية، وظهور تفاوت في دخولها.
12. غلبة النشاط الاقتصادي ذي طبيعة الاستهلاكية، ترافقه تدني النشاط الانتاجي الذي يساهم في خلق القيمة المضافة وتكوين التراكم الراسمالي في المدى المنظور.
13. الاعتماد المفرط على أستيراد السلع الاجنبية واغراق الاسواق المحلية بها. مع تدني الانتاج المحلي واصبح غير قادر على الصمود امام منافسة هذه السلع من حيث السعر والنوعية.
14. تفتقر العقود مع شركات النفط الاجنبية العاملة فيه الى الشفافية العالية. وهي عقود المشاركة في الانتاج والارباح والملكية. ووفقا لبعض البيانات الاولية، فان هذه العقود تمنح الشركات المذكورة ولمدة طويلة قد تزيد على (20) سنة ، حصة ارباح عالية من النفط المستخرج. وبكلفة زهيدة مقابل تطوير الحقول النفطية في الاقليم.
15. تزايد ظاهرة الهجرة بين الشباب من اقليم نحو اوربا، وبخاصة في الآونة الاخيرة بسبب اشتداد صعوبة حصول على فرص العمل، وتفاقم ظاهرة الفساد السياسي والمالي والاداري، مع استمرار نهج الهيمنة للاحزاب المتنفذة في الاقليم.


ثالثا: ما المطلوب من الادارة القيدرالية

علي ضؤء المعطيات المذكورة في النقطتين السابقتين المشار اليهما اعلاه، ومن اجل بلورة رؤية شفافة واستراتيجية واضحة المعالم للحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في الاقليم، تستوجب على الادارة الفيدرالية القيام بجملة من الاصلاحات السياسية والتغيرات البنوية في أقتصاد الاقليم، نوردها (باختصار شديد)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كالاتي:

 1. تتطلب قبل كل شئ من ادارة الاقليم التوجه لاعادة تقيم سياساتها الداخلية والخارجية، وتشخيص بالدقة والامانة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني السائد في الاقليم الحالي، وتحديد الاهداف التي ينبغي تحقيقها انيا وعلي المدى المنظور، ومن ثم اقتراح السياسات التي من شانها تحقق الاهداف المرسومة.
2 . أجراء اصلاحات جذرية في سياسة الاحزاب المشاركة في العملية السياسية والحكومة، تجاه الاوضاع المزرية التي يمر بها الشعب الكردي في الاقليم. حل الخلافات بينها على اسس الحوار البنا، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الاقليم، وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب من الفقر، وتوفير الخدمات الاساسية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، والحد من الفساد الاداري والمالي، والتصرف بموارد المالية بشكل عقلاني وبشفافية عالية تصب في خدمة التنمية.
3 . معالجة ظاهرة البطالة عن طريق تامين فرص العمل اللائقة للجميع، وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال تشغيل اكثر للطبقة الوسطي لتوسيع حجمها، وتقليص حجم الفئة الفقيرة وتحت خط الفقر.
4.اعتماد سياسات أقتصادية واجتماعية شاملة للجميع لتحقيق مبدأ العدالة الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تقليص التفاوت الكبير في مستويات الدخل وتراكم الثروات بين الافراد وبين مناطق الاقليم
5 . رفع الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في ممارسة الديمقراطية والمشاركة الغعالة في صنع القرارات والرقابة الشعبية.
6. تامين نظام الضمان الاجتماعي لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل.
7. المسئولية الاجتماعية تجاه البئة وحمايتها من التلوث والدمار.
8 . ضرورة تفعيل وتطبيق مبدأ اللامركزية الادارية والمالية لمحافظات الاقليم.
9. الاسترشاد باركان ومبادئ الحوكمة في ادارة المؤسسات على اسس:الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسئولية والافصاح عن المعلومات  ومحاربة الفساد المالي والاداري.
10 . ان مقومات تطوير صيغة الفيدرالية الحالية، لتصبح نواة لقيادة حركة التحرر الكردية على صعيد كردستان الكبرى مستقبلا، واعلان استقلال كردستان ليس فقط بالاقوال وانما بالافعال ايضا. تتوقف بدرجة كبيرة على تقوية العامل الداخلي، والاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي، ودور ومشاركة فعلية وفعالة للاحزاب الكردية في العملية السياسية، خاصة ما يتعلق بعملية اتخاذ القرارات المصيرية، وعلى راسها مسالة الانتقال من الصيغة الحالية الفيدرالية الى صيغة الكونفيدرالية، وتكون مرهونة بدرجة كبيرة بدعم وبناء المؤسسات الادارية والقضائية والدستورية الرشيدة . ويتم ذلك من خلال أقرار ضمان الحريات العامة والخاصة للمواطنين ، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، ورفع مستوى الثقافي والوعي لدى الجماهير الكردستانية، وتقوية النظام الاقتصادي مبني على أقتصاد متنوع ذي صفة انتاجية قادرعلى تمويل الميزانية العامة ويساهم في ناتج المحلي الاجمالي بوتيرة عالية من النمو.

ختاما، نرى ان في هذا الوقت الصعب الذي يمر به الشعب الكردي في جميع اجزاء الكردستان، حيث الحاجة والضرورة تقتضيان الى تهيئة مناخ ملائم لعقد الموتمر الوطني الكردي، وبمشاركة كافة الاطراف المعنية، وذلك لجمع شمل البيت الكردستاني، وتوحيد الخطاب السياسي والنضالي، وايجاد حلول حذرية وموضوعية حاسمة للوضع الكردي في كافة أجزاء كردستان، وذلك لاعطاء زخم اكبر لهذه القضية. الاستفادة العقلانية من التجارب السابقة، التي لم تجلب للشعب الكردي غير الاقتتال والدمار والخراب والويلات والتفرقة. والتاكيد على الطابع الانساني والسياسي والجتماعي والبعد الاستراتيجي لقضايا ومصالح الشعوب. وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية في الامم المتحدة والوحدة الاوربية وفي المحاورالاقليمية والدولية، بغية عقد موتمر دولي لحل القضية الكردية سلميا وسياسيا في المدى المنظور.





30


بعض التصورات حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق*

د.صباح قدوري
د. حسن عبدالله بدر


اولا: مدخل

ثانيا: قيود التنمية في اقليم كردستان العراق
ثالثا: أفكار للاصلاح الاقتصادي

أولا: مدخل

1. بعدالحروب العبثية والمجنونة للنظام الديكتاتوري السابق واخرها غزوه لدولة الكويت في عام 1990، فرض مجلس الامن الدولي حزمة من العقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي لفترة امدها 13 سنة. وقد تدهورت الاوضاع الاقتصادية في العراق الامرالذي افضى الى وضع البلاد تحت وصاية الامم المتحدة بموجب نظام اطلق عليه (برنامج النفط مقابل الغذاء).

2. وعلى اثر الانتفاضة الجماهرية المجيدة للشعب العراقي لعام 1991، تم تحديد رقعة جغرافية من العراق، شملت مدينة اربيل والمناطق الشمالية المحاذية للحدود التركية، وانضمت اليها فعلا مدينة السليمانية، وهي خارج عن هذا الخط واقرت لها منطقة آمنة ضمن خط عرض 36. وتم شمول المنطقة ايضا بنظام ( النفط مقابل الغذاء) مع استمرارالحصار الاقتصادي عليها من قبل النظام الديكتاتوري المقبور.

3. اقيم في الاقليم الحالي نظام فيدرالي اقره البرلمان الكردستاني في 4/10/1992، كصيغة عملية للتعبير عن حق تقرير المصير ضمن وحدة العراق. وقد تم تشكيل الحكومة في الاقليم بالمناصفة بين الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستان. واشرفت الحكومة على اقتصاد الاقليم، وفق حصتها من ايرادات (برنامج النفط مقابل الغذاء)، بالاضافة الى بعض المصادر المالية المحلية المتأتية من جباية الضرائب والرسوم الجمركية عند المعابر الحدودية للاقليم مع كل من تركيا وايران. وكانت حصة الاسد من هذه الرسومات الجمركية تأتي من معبر( ابراهيم خليل)، مما تسبب في نشوء الخلافات بين الحزبين الحاكمين حول هذه الايرادات وكيفية توزيعها والتصرف بها، بالاضافة الى عوامل اخرى. وقد ادى ذلك الى اندلاع اقتتال بينهما دام اربع سنوات من 1994ـ1998، وانتهى اخيرا بالمصالحة.

4. بعد سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، كانت تركة النظام السابق ثقيلة وتمثلت في اعباء اقتصادية واجتماعية باهضة التكلفة على الشعب العراقي، بما في ذلك الشعب الكردي في اقليم كردستان العراق. وفي عهد حكومة اياد علاوي المؤقته لسنة 2004، تم اقرار من مجلس الوزراء بان تكون حصة الاقليم (17%) من الموازنة الاتحادية السنوية، يستقطع منها (المصروفات السيادية، كلفة المشاريع التي تنفذها الحكومة المركزية للاقليم، وتسوية العائدات المحلية للاقليم من الضرائب والرسوم وغيرها). وعادة ماتصل نسبة هذه المصروفات الى (15 ـ 20)% من حصة الاقليم [1]، بالاضافة الى حصة البيترودولار بواقع دولار واحد عن كل برميل مباع من  نفط الاقليم.

وبعد الانتخابات التشريعية الاولى في عام 2005 واقرار الدستور العراقي الدائم في نفس السنة من قبل الشعب العراقي، ظهرت اشكاليات بين الحكومات المتعاقبة واقليم كردستان العراق على هذه النسبة واسس احتسابها، وجرت محاولات لتخفيضها بين ( 10 ـ 13)%، ولكن ذلك لم يتحقق لعدم وجود احصائيات دقيقة لتعداد السكان في الاقليم.

5. يقوم اقليم كردستان بوضع سياسته الاقتصادية الخاصة به ( المالية والنقدية واعداد الموازنة العامة)  وذلك باعتباره اقليما فدراليا ضمن جمهورية العراق وفق المادة (109) من دستورعام 2005. وتحدد المادة (110) من الدستورالأختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية ( برسم السياسة المالية والكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء مصرف مركزي وادارته، والتعداد السكاني). ويقوم الاقليم عادة باعادة توزيع حصته من الموازنة وفق سياسته الاقتصادية الخاصة به.
         
6. أخذت تظهر بشكل تدريجي استثمارات نفط في الاقليم، وحقول انتاجية ناجحة. وتم انشاء خط انبوب لتصدير النفط عبر اقليم كردستان العراق يرتبط عند الحدود العراقية التركية بالانبوب القديم الذي يربط نفط كركوك بميناء جيهان في تركيا. ومنذ ذلك الوقت ظهرت مشاكل جدية وجوهرية بين حكومة الاقليم والحكومة الفيدرالية حول: احتساب حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية، الطاقة الانتاجية والبيعية والتسويقية للنفط المنتج من الاقليم، والصلاحيات القانونية للطرفين للتصرف بنفط الاقليم، ومستحقات شركات نفط الاجنبية المستثمرة في الاقليم، بالاضافة الى مسالة التصرف بالموارد المالية الاخرى للاقليم، من الضرائب المحلية والرسوم الجمركية والمساعدات الخارجية. وكل هذه الامور، وغيرها، لم يتم حلها حتى الآن بين الاقليم والحكومة الاتحادية. وعلى اية حال، فان موارد الاقليم المذكورة، تنقصها الشفافية وتحديد أوجه انفاقها والافصاح عن البيانات المتعلقة بذلك. ويجد الباحث صعوبة في الحصول على هذه البيانات من الوزارات المختصة (المالية والاقتصاد، الموارد الطبيعية، والتخطيط)، التي هي ضرورية لاجراء الأبحاث الكمية لاقتصاد الاقليم. ومن الصعب وضع سياسات اقتصادية يعتمد عليها بدون توفر هكذا بيانات.

7. بعد انقضاء ما يقارب من ربع قرن من هذه المسيرة، شهد الاقليم بعض التطورات النوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، ولكن هذه التطورات لم ترتق الى مستوى طموحات الشعب الكردستاني والامكانيات المالية والبشرية المتاحة للادارة الفيدرالية.
 
واليوم يمرالاقليم بمرحلة اقتصادية حرجة وصعبة للغاية نتيجة جملة اسباب من بينها: انخفاض اسعار النفط وبالتالي العوائد الناجمة عنه، والخلافات بين المركز والاقليم. وهناك ركود اقتصادي ونقص في السيولة النقدية، وتفاقم مديونية حكومة كردستان لشركات نفط الاجنبية وللبنوك التجارية، وعدم دفع رواتب كثير من منتسبي الموسسات الادارية منذ نيسان/أبريل 2015، وذلك لعدم استلام الاقليم لحصته المحددة من الموازنة الاتحادية، وسوء الادارة الاقتصادية فيه اضافة الى الفساد.

وهناك اشكاليات في تنفيذ الاتفاقية الاخيرة التي أبرمت في 17/كانون الأول/ ديسمبر2014 بين حكومة الدكتور حيدر العبادي وحكومة الاقليم، على ان يسلم الاقليم الى المركز( 550 ) الاف برميل نفط يوميا - (300 ) من حقل نفط كركوك و(250 ) من انتاج نفط الاقليم  مقابل حصوله على حصته البالغة ( 17% ) من الموازنة الاتحادية. ولذلك، اعلن الاقليم بانه مضطر لبيع جزء من نفطه مباشرة الى الجهات الخارجية عن طريق الشركات الاجنبية وذلك لتدارك الاوضاع الاقتصادية الصعبة [2]، خاصة بعد تدني اسعار النفط من حوالي(96) دولارعام 2014 الى اقل من ( 50) دولار للبرميل الواحد في الوقت الحاضر، اي بتراجع مقداره حوالي النصف للبرميل الواحد،. وتشير التوقعات الى صعوبة حدوث تحسن ملموس في السعر في المدى المنظور. هذا بالاضافة الى انشغال الاقليم بالمواجهة مع الدولة الاسلامية ( داعش)، وتفاقم مشكلة اللاجئين والنازحين اليه، وما يتطلبه كل ذلك من نفقات اضافية.

ثانيا: قيود التنمية في اقليم كردستان

نحاول تقديم صورة واضحة ومكثفة (من دون تفاصيل)، عن طبيعة النظام الاقتصادي وآلياته في الاقليم .

1.اقتصاد الاقليم اقتصاد ريعي حاله حال الاقتصاد العراقي. وهذا يعني تبعية الاقليم للمداخيل الناتجة من تصديرالنفط بالدرجة الاساسية. ويجد الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم تعبيره في الضعف الشديد وحتى المتناقص، لمساهمة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية في تكوين الناتج القومي. فالأرقام الرسمية المتاحة تشير الى مساهمة متواضعة للقطاعين الاساسيين معا في مجموع الناتج، وعلى نحو لا يتناسب مع الموارد المالية وغير المالية الكبيرة المتاحة، ولا حتى مع كان عليه الحال بالفعل حتى أواسط الثمانينات.فعلى مستوى العراق ككل،أسهمت الزراعة والصناعة التحويلية بنسبة (5.8%) فقط من الناتج المحلي الاجمالي سنة 2012، وحتى عند استبعاد قطاع النفط، تبلغ مساهمة القطاعين (12.1%) من الناتج غير النفطي (8.6% للزراعة و 3.5% للصناعة التحويلية) [3] .وهذه المساهمة المتواضعة للزراعة والصناعة تتجلى، بدورها ، في اعتماد الاقليم ( والعراق عموما، طبعا) على قطاع النفط في تمويل معظم الاستهلاك والاستثمار.

2. تفتقرعقود الاقليم مع شركات النفط الاجنبية العاملة فيه الى الشفافية العالية. وتم ابرام عقود الاقليم على اساس المشاركة في الانتاج، وهي تشكل اجحافا كبيرا بحق الاقليم والعراق. ووفقا لبعض البيانات الاولية، فان هذه العقود تمنح الشركات المذكورة ولمدة طويلة قد تزيد عن (20) سنة، حصة ارباح عالية من النفط المستخرج، والمشاركة ايضا في الملكية، وبكلفة زهيدة  مقابل تطوير الحقول النفطية في الاقليم.
3 .انعدام وجود رؤية شفافة واستراتيجية واضحة في عملية التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة، اضافة الى الانفتاح غيرالمنضبط على اقتصاد السوق على حساب تراجع وضعف اداء القطاع العام في عملية اعادة البناء (البنية التحتية والتكنلوجيا الحديثة)، والتنوع في الانشطة الاقتصادية والمصادرالمالية للاقليم.

4 . يمتاز الاقليم بصغر حجم سوقه المحلي الذي يمثله، بين عوامل اخرى [4]، عدد السكان والبالغ، حوالي (5) مليون نسمة [5]، اي حوالي (14%) من سكان العراق الذي كان يقدر بحوالي (33.4) مليون نسمة في أوائل سنة 2013 وحوالي (35 ) مليون نسمة أوائل سنة ٫2015 [6] الامرالذي يحد من مدى تطور قطاعاته الاقتصادية. الا ان الاعتماد المفرط على استيراد السلع الاجنبية واغراق الاسواق المحليه بها، مع تدني الانتاج المحلي، قد فاقم من مشكلة ضيق السوق المحلية وجعل الانتاج المحلي غير قادرعلى الصمود امام منافسة الواردات الاجنبية من حيث السعر والنوعية.

5 . تسيطر كل من الجارتين تركيا وايران وكذلك الصين على ( 90% ) من سوق اقليم كردستان [7]، اي بنسبة ( 35%، 25%،30%) لكل منها على التوالي. ان حجم التبادل التجاري  ( الذي يتالف من مجموع قيم الواردات والصادرات ) بين العراق وتركيا لعام 2013 قد بلغ ( 12 ) مليار دولار، كان ( 70% ) منه مع اقليم كردستان اي ( 8.4 ) مليار دولار. اما مع ايران فقد بلغ ( 12 ) مليار دولار، نصفه تقريبا 50% مع الاقليم، اي ( 6  ) مليار دولار. وبذلك يبلغ حجم الواردات (التي قد تتضمن أيضا تجارة الترانزيت الى بقية أنحاء العراق ) من هاذين البلدين بحدود ( 14 ) مليار دولار سنويا. بينما لا تزيد صادرات الاقليم كردستان لهما، عدا النفط والطاقة، عن ( 100 ) مليون دولار سنويا. اما الصين فقد اصبحت في السنوات الاخيرة تتوغل يوما بعد يوم في اسواق الاقليم، ويتوقع ان يكون حجم صادرتها له بحدود (4) مليار دولار سنويا.
وتعكس أرقام الواردات هذه أداء قاتمأ يتمثل ليس فقط في اهدار العملات الأجنبية والموارد المالية في الاقليم، بل أيضا في تسرب الموارد الوطنية من الدورة الاقتصادية المحلية وبالتالي اسهاما في تحفيز الانتاج الأجنبي بدلا من الانتاج المحلي.

واذا أخذنا نسبة الاستيراد من الناتج القومي كمقياس لدورالاستيراد في اشباع الطلب على السلع، نجد ان الاستيرادات تشكل نسبة كبيرة جدا من مجموع الناتج ( بدون النفط) في الاقليم، مما يعني انه يلبي ايضا نسبة كبيرة من مجموع الطلب على السلع في الاقليم، وفي العراق ككل، قد تزيد تلك النسبة كثيرا عن ( 60% ) من مجموع الطلب بعد عام 2007 [8]. والأمر كذلك على الأرجح في الاقليم نظرا لتشابه الوضع فيه وفي العراق ككل من هذه الناحية.

6. تفاقم نسبة البطالة، وخاصة بين الشباب. فقد بلغت في العام الماضي بحدود ( 25 ـ 30 ) % من قوة العمل [9]، وذلك بسبب الركود الاقتصادي والازمة المالية التي يعاني منها الاقليم والعراق عموما، وانخفاض اسعار النفط، وعدم استقرار الوضع الامني نتيجة الحرب الدائرة مع ( داعش)، مما دفع كثير من الشركات الاجنبية العاملة في الاقليم الى تسريح اعداد كبيرة من العاملين. هذا بالاضافة الى ان هناك ما يقارب من مليون موظف يستلمون الرواتب من حكومة الاقليم رغم عدم وجود حاجة فعلية لعدد كبير منهم. وبذلك تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة ايضا، التي تعتبر أحد أوجه الفساد الاداري والمالي في الاقليم. وعادة ما يتم تعين موظفي الحكومة، وخاصة في المراكز القيادية والعليا، بتزكية من الاحزاب الحاكمة على اسس الحزبية الضيقة والمحسوبية والولاء الشخصي، وليس على اسس الكفاءة والنزاهة والاخلاص.
7. تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي، مما عزز من التفاوت القائم في المجتمع، وظهورفجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء، ويتجلى هذا الامر في تزايد تركيز الثروة في أيدي الفئات المتنفذة في قمة الهرم الحزبي والاداري العام، والتي تتحكم في تحديد الاتجاهات الاقتصادية العامة.

8. وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحريرالاسواق والاسعار باشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية، وغياب اوضعف المحاسبة والشفافية في الادارة والاداء، في اضعاف الطبقة الوسطى، التي هي قاطرة  التنمية، وظهور تفاوت في دخولها. وهذا يتجلى بشكل خاص في حقل الصناعات التحويلية، سواء الخاصة اوالتي تعود ملكيتها للحكومة، والتي كان لها بعض الدور حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي. كما تظهر وتتعزز شرائح برجوازية طفيلية وبيروقراطية وكومبرادورية مما يعني توجه عملية التراكم الراسمالي نحو مجالات الملكية العقارية والتجارة الداخلية والمضاربات، بدلا من تحقيق التراكم القائم على الانتاج. هذا اضافة الى ظهور شرائح مافيوية مختصة بتهريب النفط وبيعه من خلال قنوات متعددة، وتعاطى عمولات ورشاوي مع الشركات العاملة في الاقليم، فضلاعن متاجرة تلك الشرايح بالمخدرات والاسلحة.

وهكذا تتسرب نسبة متعاظمة من الدخل الى الخارج عبرقنوات التجارة الخارجية والفساد وغسيل الاموال مما يساهم في حرمان الاقليم من موارد مالية ضخمة كان يمكن استثمارها في بناء طاقاته الانتاجية وبالتالي يساهم في ابطاء واضعاف وتائر التنمية وتحسين الدخول الحقيقية للجماهير الكادحة، واضعاف الفئات الوسطى ذات الدور المعروف بالنسبة التنمية، كما انه يعزز ظاهرة الاستقطاب الاجتماعي بين طبقات وفئات المجتمع.

9. تزايد ظاهرة الهجرة بين الشباب من اقليم نحو اوربا، وبخاصة في الفترة الاخيرة بسبب اشتداد صعوبة الحصول على فرص للعمل، وتفاقم ظاهرة الفساد السياسي والمالي والاداري، مع استمرار نهج الهيمنة للاحزاب المتنفذة  في الاقليم.

10. ضعف مساهمة النظام الضريبي والرسوم الجمركية في تمويل الميزانية المحلية، بسبب انتشار الفساد الاداري والمالي في اجهزتها، وانعدام الرقابة الشعبية عليها، وصعوبة الجباية، وضعف سيطرة الادارات المختصة في تنظيم امورها، مع هيمنة وطغيان السلطات الحزبية في شؤونها.ومن ناحية اخرى، ثمة ضعف واضح في اداء التشريعات المالية وفي تطوير النظام الضريبي والمؤسسات المالية، وعلى راسها البنوك
والمصارف وشركات التامين، وتعدد الانظمة المحاسبية في مؤسسات العامة والخاصة.

11. كما ان هناك ضعف ومحدودية مصادر القوى البشرية المؤهلة والمتطورة وذات الخبرة اللازمة في العملية الانتاجية.

12. ان هذه القيود على التنمية والاصلاح الاقتصادي تفعل فعلها ليس بمعزل عن قيود مماثلة في الحقلين السياسي والاجتماعي، يعبر الفساد المالي، وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والتجاوز على معايير الكفاءة المهنية والتخصص والاستحقاق، خير تعبيرعنها. اذ تقف الحزبية الضيقة والمحسوبية، وضعف الرقابة المالية، وراء الفساد في مختلف المستويات الادارية والحزبية. كما ان المبالغة بمفهوم الخصخصة وانتهاج سيسة اقتصاد السوق فقط قد شجع ويشجع على المزيد من ذلك الفساد الاقتصادي والاداري.

وهكذا فان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بايعاز من الاحزاب الحاكمة، وبعيدا عن الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وحتى السلطة الرابعة ـ الاعلام، بحيث اصبحت تلك المؤسسات اداة هامشية في اتخاذ القرارات مما يدل على ان الديمقراطية الحقيقية لا تمارس بشكل عام الا بحدود قليلة.

ثالثا: أفكار للاصلاح الاقتصادي

يحتاج اقتصاد اقليم كردستان العراق الى جملة من الاصلاحات والتغيرات البنوية. وهكذا فثمة حاجة لتشكيل فريق عمل من الاكاديميين واصحاب الخبرات في مجال التنمية والتطوير والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي تكون مهمته تشخيص الوضع الاقتصادي القائم كما هو وتحديد الأهداف التي ينبغي تحقيقها آنيا وعلى المدى القريب (3 ـ 4 ) سنوات ولما بعد ذلك قدر المستطاع، ومن ثم اقتراح السياسات التي من شأنها تحقيق الأهداف المرسومة.

والى ان يتشكل مثل هذا الفريق ، فان الأفكار والمقترحات التالية قد يكون لها بعض الفائدة:

1.   تحديد دور القطاع العام والقطاع الخاص والاستثمارالأجنبي وآلية الاختيار
 
يتمثل التحدي الأكبر في رسم وتبني استراتيجية واضحة وواقعية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وينبغي على هكذا استراتيجية ان تحدد الدور الذي يمكن وينبغي ان يؤديه القطاع الحكومي، خصوصا وان هناك، ومنذ بداية التسعينات، ميلا واسعا ومتشددا لانكار أهمية هذا الدور وحصره باضيق الحدود. وفي مقابل ذلك تبرز ضرورة الاستفادة من الامكانات الكبيرة ( أفكار، قدرات تنظيمية، رؤؤس أموال) التي يمتلكها القطاع الخاص، وبخاصة في مجال انتاج السلع في قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والبناء السكني والسياحة. وبالطريقة نفسها ينبغي النظر فيما يمكن ان يقدمه القطاع الاجنبي من استثمارات لتكملة الدور الذي يؤديه القطاعان الحكومي والخاص .

وفي كل ذلك، ومنعا لأي التباس، لابد من التاكيد على ان الدور القيادي لأي قطاع لا يجوز ان يعتمد على محاجة ايديولوجية، بل على أساس دراسات عيانية ملموسة تنيط بهذا القطاع او ذاك دوره الفعلي، الحقيقي، وليس الدور المفترض في اذهان صانعي الخطابات المصممة لكل المقاسات.

كما ان التوجه نحو تحقيق درجة ما من العدل والرفاه لهذا الجيل والاجيال القادمة ( من خلال ضمان الحق بالتعليم والعلاج والتامين والضمان الاجتماعي)، هو من اساسيات وواجبات الدولة في كل مكان، وهذا لا يتم عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق فقط. ومن هنا تأتي ضرورة التاكيد على تدخل السلطات الحكومية لتحقيق وضمان تلك الحقوق .

2.   الاهتمام بالقطاعات الانتاجية

نظرا لان الجزء الأكبر من المعروض السلعي المحلي ياتي من الاستيراد، بفضل العوائد النفطية، فان من الضروري جدا تطوير القطاعات المحلية التي تقوم بانتاج السلع.

ان عملية تطوير قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية ( مع قطاعات البناء والماء والكهرباء الضرورية والمكملة لهما)، على النحو والتفاصيل التي يمكن ان تقوم بها الوزارات الاقتصادية المعنية و/ أو فريق العمل الذي نقترح تكوينه لموضوع التنمية والاصلاح الاقتصادي من شأنها ان تحقق نتائج اقتصادية واجتماعية هامة جدا بالنسبة للاقليم والعراق ككل.

فالقطاع الزراعي، مثلا، يعاني من ضعف الادارة والتنظيم ومظاهر للفساد المالي، وكذلك بدائية اساليب الانتاج الزراعي والحيواني والخدمات التسويقية. ومن هنا نرى ضرورة تنويع وتحديث وسائل انتاجه وادخال الادارة الحديثة في تسييره، وأستخدام التقنيات الحديثة في العمل والانتاج والنقل والمواصلات والمخازن، واعتماد الاساليب الحديثة في تسويق المنتوجات الزراعية والحيوانية والسمكية والدواجن، وذلك بهدف رفع الانتاج والانتاجية في هذا القطاع الحيوي. كما ينبغي العمل على زيادة الموارد لادارة المياه، والطرق الريفية والمرافق والتخزين، والابحاث والارشاد، وذلك من خلال تأسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة، واشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها.

ومن الضروري الأخذ بنظر الاعتبار اعادة التوزيع الجغرافي للمؤسسات الصناعية على مستوى الاقليم، وفق الكثافة السكانية ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والامكانيات المالية والطبيعية وقوة العمل المتاحة والمؤهلة في مناطق الاقليم المختلفة.

كما ان الاهتمام بالسياحة والفندقة أمر ضروري ومكمل وذلك لوجود المقومات الاساسية لهذه الصناعة في الاقليم، من الطبيعة الجميلة والمناخ الملائم ووجود عيون وماء وشلالات وغيرها، اضافة الى الامن والاستقرار النسبي في معظم الاماكن السياحية، وتوفر الايدي العاملة التي تحتاج الى التدريب والتاهيل في هذا القطاع. وتتطلب هذه المسالة منح المحفزات والدعم الحكومي لتامين الركائز الاساسية لهذا القطاع، بهدف تنشيط القطاع الخاص المحلي والاجنبي للاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
ولا شك بان وضع استراتيجية واضحة وشفافة متوسطة وبعيدة المدى للتنمية البشرية من شانه ان يشكل الاساس للبناء والتطوير في القطاع المنتج للسلع، ولقطاع الخدمات أيضا. وهذا أمر له صلة بسياسات التعليم التي لابد ان تنال الاهتمام الخاص والكبير في اطارعملية المراجعة والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي .

ان تطوير القطاع السلعي يتيح بشكل تدريجي ، تحقيق أهداف عملية التنمية نفسها اذ أنه يؤمن نسبة معقولة ومتزايدة من الاحتياجات من الغذاء والمنتوجات الصناعية الاستهلاكية، على الاقل، وبالتالي الاستغناء عن نسبة من السلع التي يتم تأمينها حاليا عن طريق الاستيراد، مما يؤفر في العملات الاجنبية التي تذهب لتمويلها حاليا، ويقلل من انكشاف الاقليم للخارج واعتماده عليه.

كما ان تطوير القطاع المنتج للسلع يمثل الطريق الطبيعي لاستعاب الأعداد المتزايدة من قوة العمل وتأهيلها وتدريبها في الوقت نفسه، وكذلك امتصاص البطالة الواسعة، وبخاصة بين الشباب.

وحين يتحق ذلك، يكون الاقتصاد قد قطع شوطا بعيدا في مسالة التحكم بالمعدل المناسب للتضخم في الاقليم. فحين يتم انتاج مقادير ملموسة ومتزايدة من المعروض السلعي المحلي، والتحكم بمصادر التكاليف، ورفع الانتاجية وكذلك بمصادر الطلب المحلي، يكون الاقتصاد قد تحكم بالكثير من مصادر التغير في الاسعار وبالتالي التضخم. ويمثل تطوير القطاع المنتج للسلع والاستمرار والاصرارعليه الطريق الوحيد ايضا لبناء الطاقات الانتاجية المحلية وبالتالي بناء الأسس والضمانات المادية لزوال الطابع الريعي للاقتصاد وقيام اقتصاد متنوع تساهم القطاعات المحلية في انتاج قيمته المضافة [10].

3.الاهتمام بالمجمعات السكنية للمواطنين

تتركز نسبة كبيرة من الاستثمارات في أنواع معينة من البناء: فنادق ( 4 ـ 5 ) نجوم، عمارات عالية ومجمعات سكنية للفئات الغنية، وفيلات للمسؤولين الحزبيين والاداريين، وذلك الى جانب الساحات والحدائق والابنية الحكومية المختلفة مع جزء قليل لبناء المجمعات السكنية للمواطنين. ولان الاقليم يشهد أزمة سكن حقيقية، وبخاصة بالنسبة للفئات محدودة الدخل والفقيرة، فان من الضروري جدا الاهتمام بهذا المجال وتشجيع الأفراد أنفسهم والقطاع الخاص على المساهمة الفعالة فيه، بحيث يتسنى للنشاط الحكومي التوجه نحو عناصر البني التحتية الاخرى كالطرق والجسور والانفاق ووسائل الاتصال الحديثة وتخطيط المدن، وغير ذلك الذي هو في تزايد مستمر.

4. ثمة حاجة ماسة لتشجيع القطاع الخاص وضبطه

أستثمارات القطاع الخاص ليست بمستوى امكاناته الكبيرة نسبيا ولا بمستوى احتياجات الاقليم. وهذا يسري وبشكل خاص على مساهمته في قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية المنتجين للسلع. واسباب ذلك كثيرة وجوهرية ومعروفة، لحسن الحظ. وهي تتعلق بالمؤسسات المالية والادارية، وخاصة قوانين الضرائب، والمصارف وما تقدمه من قروض وشروطها، والرسوم الجمركية، مثلما تتعلق باعتبارات اقتصادية اخرى اكثرعمومية. وعليه، فثمة حاجة للتمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وبالتعاون مع الغرف التجارة، والاستفادة من خبرة اتحاد الصناعات العراقية في هذا المجال، والنظر بامكانية شمول العاملين بالقطاع الخاص بالتقاعد ( اسوة بالعاملين في القطاع الحكومي)، وكذلك توفر الحماية للمشاريع الصناعية واعفائها من الضرائب لمدة تتراوح بي (5 ـ7) سنوات، وهي مطالب القطاع الخاص نفسه.

كما ان من الضروري الاستفادة من القطاع الخاص الاجنبي ، وبخاصة في الفروع الصناعية الكبيرة التي تتطلب الخبرة والمهارة والتكنلوجيا المتطورة وفقا للظروف المحلية الملموسة.

5. التصرف بالموارد المالية

من الضروري ان يتصرف الاقليم بموارده المالية بشكل عقلاني وشفافية عالية تصب في خدمة التنمية. وهذا يشمل ال (17%) من الموازنة الاتحادية ( بعد الاستقطاعات المذكورة )، وكذلك ايراداته من جباية الضريبة والرسوم الجمركية المحلية، وبعض المساعدات الخارجية. ومع ان ذهاب حوالي (70%) من الايرادات للنفقات التشغيلية بما فيها الرواتب والاجور[11]، وحوالي (10%) كنفقات استهلاكية اخرى، بحيث لا تبقى للاستثمار سوى (20%) من الموارد المالية المتاحة أمر مفهوم ومتوقع بسبب عدم تطور القطاعات المحلية التي كان يمكنها استيعاب الايدي العاملة وبالتالي تكدسها في قطاع الوظائف الحكومية دون ان تقوم باي عمل يذكر[12]، الآ ان من الضروري تقليص الانفاق الاستهلاكية والتوجه نحو زيادة الانفاق الاستثماري في المشاريع الانتاجية والبني التحتية .

اما مسالة الايرادات من بيع النفط مباشرة واستحقاقات الشركات الاجنبية في الاقليم، فهي لا تزال مسالة معلقة ومعقدة بينه والمركز. وان السياسة الاستثمارية للنفط في الاقليم والمتمثلة بعقود مشاركة طويلة الامد وحصة ارباح عالية جدا للشركات، تشكل اجحافا كبيرا على صعيد العراق والأقليم وخطرا على السيادة الوطنية مستقبلا.

6. القيام بدراسات لبعض النظم والهيئات

من الضروري تقديم دراسات محددة للفروع والهيئات التالية بغية وضع سياسات محددة بشانها تنصب في خدمة عملية البناء الاقتصادي والاجتماعي:

ـ اصلاح النظام المالي والنقدي. وهذا يشمل تطبيق نظام مالي حديث بالاعتماد على التكنلوجيا المعلوماتية، من ناحية، ومن ناحية اخرى، لابد ممارسة الرقابة على المصارف، وخاصة الأهلية والاجنبية، والتاكيد على مبدأ فصل سلطات مجالسها الادارية عن ادارتها التنفيذية وذلك بهدف التحكم باستخدام الموارد المالية. ومن الضروري ايضا اتباع سياسة زيادة معدل الفائدة على الاقراض العام، وخفضه على القروض الصناعية والانتاجية، وتفعيل فرع البنك المركزي في الاقليم.

ـ تفعيل دورهيئتي الرقابة المالية والنزاهة واحترام استقلالتهما في اداء واجباتهما، ودراسة تقاريرهما الفصلية والسنوية بجدية في برلمان الاقليم واقرارها.

ـ اصلاح النظام المحاسبي بحيث يرتقي الى مستوى القياس العالمي، من خلال توحيد النظم المحاسبية المتعددة المعمول بها حاليا في القطاعين العام والخاص، وتطوير اساليب الرقابة المالية وجودتها، ورفع القدرات المهنية للعاملين في حقلي المحاسبة والادارة.

ـ اعادة تنظيم نظام الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وتشريع قوانين خاصة لها بما يحقق العدالة الاجتماعية ويحد من الفساد المالي والاداري في هذه المجالات.

ـ رفع الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في ممارسة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار والرقابة الشعبية.

ان مباشرة سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومتابعتها بنفس طويل وصبور، والاعتماد على المصالح الحقيقية للجماهير وغالبية المواطنين، مع الالتزام بمعايير الكفاءة المهنية والتخصص بحيث يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وتحقيق درجة معقولة من العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص وسيادة القانون والمؤسسات لكفيل ببناء نظام عقلاني وانساني لادارة الاقتصاد يشكل بدوره اداة قوية وفعالة ووقائية ضد الفساد المالي، ويستند على سلطة قوية ونزيهة للقضاء، وسلطة رابعة ـ الاعلام تتمتع بالفرص لبناء وترسيخ تجربة ديمقراطية حقا وفضح من يحاولون تسخيرها لغير مصلحة أكثرية الشعب.

ختاما، ان مناقشة هذه المقترحات واغنائها مسالة مهمة لبلورة رؤية واستراتيجية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة، تشارك فيها الجماهير وتدعمها. وفي هذا السياق يجب الانتباه الى ان التطبيق المتطرف والساذج لايديولوجيا الخصخصة والسوق الحر، استنادا على قرارات سياسية لا تلامس حقائق سوق المنتجات و/أوالمستخدمات، وفي ظل غياب التحضير الاجتماعي والتكنيكي، لابد ان ينتج عنه اشكالا كثيرة ومختلفة من الدمار. ونذكر هنا على سبيل المثال، بما جرى ويجري في اوروبا الشرقية ومعظم بلدان النامية والعراق منها، ألا وهو اعتناق نسخة (مؤدلجة)، وليس لها اي اساس واقعي، من رأسمالية السوق الحرة، ضمن وصفة ( العلاج بالصدمة). لذا لابد من التفتيش عن خيار اخر يتضمن الحماية الاجتماعية عبر تطبيق نموذج ( موديل) ينسجم مع العقلانية الاقتصادية بشكل صحيح والبيئة الاجتماعية والقانونية والتنظيمة للاقليم  [ 13].

* البحث منشور على موقع الشبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ، 24/ 08/ 2015.

الهوامش:

[1]  مثال توضيحي: بلغت ميزانية العراق (105) مليار دولار لعام 2015 .حصة الاقليم التي هي ( 17% من ال 105مليار) تبلغ حوالي ( 18)  مليار دولار ( بعد التقريب). ومن هذه الحصة، يحسم وفق التقديرات، حوالي( 17%)، ( التي هي متوسط النسب (15 ـ 20%)، اي حوالي (3) مليار دولار، وبذلك يكون صافي الحصة المستحق للاقليم حوالي (15 ) مليارد دولار. هذا اضافة الى البيترودولارات.
[2] بحسب تصريح المتحدث باسم حكومة الاقليم / سفين دزه ي ( لوكالة ـ سكاي بريس، بغداد 23ـ 7 ـ2015، بان الاقليم قام بتصديراكثرمن (11) مليون برميل نفط خلال 19 يوما من شهر تموز/يوليو2015 بشكل مستقل عن بغداد.
[3] د. أحمد ابريهي علي: "التنمية والتمويل في العراق عام 2014 وافاق المستقبل"، نيسان2014، علما بان المقالة أعيد نشرها على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين،14ـ 7ـ 2014، ص 8، وكذلك الجدول على ص 10.
[4] يعتمد حجم االسوق المحلية على عدد من العوامل مثل : حجم السكان وتوزيعه العمري والجغرافي بين الريف والحضر، مستوى الدخل القومي وبالتالي مستوى دخل الفرد، سعة طرق المواصلات وبخاصة مدى تغطيتها للجزء الريفي او الزراعي من البلد، مدى حماية المنتوج المحلي من المنافسة الأجنبية، وعوامل هامة أخرى.
[5] نشرة وزارة التخطيط/الجهاز المركزي للاحصاء 22 كانون الثاني/-يناير2014. ومديرية هيئة الاحصاء في اقليم كردستان العراق.
   .2015  ,236/ 15 .MF,Iraq: Selected Issues,IMF Country Report NoI [6]
علما بأن أرقام تقرير صندوق النقد الدولي تشير الى سنة 2013 التي قدر بها حجم السكان ب (33.4) مليون نسمة. وعلى أساس معدل نمو سنوي يبلغ حوالي (2.4%)، كان يتوقع وصول حجم السكان الى حوالي (35) مليون نسمة أوائل سنة 2015.
[7] صحيفة الحياة اللندنية المورخة 16 تموز / يوليو 2014، اربيل ـ موفق محمد. وتقارير المنتدى الاقتصادي في كردستان. موقع احصائيات اتحاد مستوردي ومصدري كردستان.
  http://www.ieku.org/default_ku.asp 
[8] د. حاتم جورج حاتم :"دور سعر الصرف في تحديد المستوى العام للأسعار واشكالية السياسة النقدية في العراق" مجلة بحوث اقتصادية عربية، العددان 59 ـ-60، صيف ـ خريف 2012، علما بان البحث أعيد نشرة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين،13ـ03 ـ2015، ص 4 ـ 5-
[9] العربية سكاي نيوز (Skynews) فيديو 5 كانون الأول / ديسمبر 2014. 
[10]  فمثلا، ان ايران التي هي جارة الاقليم والعراق النفطية والتي يحتفظ العراق والاقليم معها بعلاقة واسعة وقوية في كل المجالات تقريبا بما في ذلك المجال الاقتصادي، مثال جيد على دولة نجحت في تطوير طاقاتها الانتاجية المحلية، الزراعة والصناعة والخدمية والعلمية ـ التكنلوجية، بحيث لا تتجاوز مساهمة القطاع النفطي ما نسبته (30%) من ناتجها القومي. أما الباقي فياتي من الزراعة ( اذ ان ايران دولة مكتفية ذاتيا في العديد من المحاصل الزراعية، واولها القمح-ـ  رغم الحصار ) ومن الصناعة التحولية ( تنتج ايران مليون سيارة سنويا، وتحتل المرتبة 17 عالميا في انتاج السيارات ) والكهرباء، وكذلك في المقالات والكتب العلمية المتخصصة، حتى بشهادة الدول الأوروبية.
[11] الميزانيات الاتحادية والاقليم للسنوات (2010-ـ 2014) والتقرير التحليلي لمشروع الموازنة المالية للعراق لعام 2013  وحصة اقليم كردستان العراق (نبذة عن الموازنة العامة للعراق) 12 كانون الأول/ديسمبر 2013 ،  موقع حركة كوران الاكترونية .
[12] تشير حتى التحقيقات الرسمية الى ان عمل الموظف الحكومي في العراق لا يتجاوز 17 دقيقة في اليوم.
[13] لمزيد من المعلومات، انظر: وليام هلال ـ كينث ب. تايلر" اقتصاد القرن الحادي والعشرين، افاق اقتصادية ـ اجتماعية لعالم متغير" ترجمة د. حسن عبدالله بدر و د.عبد الوهاب حميد رشيد، المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الاولى : بيروت، اذار / مارس 2009 .




31
مأساة جينوسايد المكون الايزيدي

د.صباح قدوري

قبل ايام وبالتحديد في الثالث من شهر اب/أغسطس 2015 ، مرت علينا الذكرة السنوية الاولى لمجزرة جينوسايد، التي نفذها مايسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) وعصاباتها الارهابية بعد سيطرتها على  مدينة الموصل ليلة 9 ـ 10 حزيران /يونيو 2014 ، ضد المكون الايزيدي في منطقة سكناهم الاصلية سنجار( شنكال) والمناطق المجاورة لها.

وعبر التاريخ تعرض هذا المكون المسالم والامين والهادي والمنتج، وبشكل متكرر ومنظم لحملات شرسة من القتل والتشريد. ومحاولات تجريد هويتهم كمكون اصيل عاش باحترام وسلام وتقدير وتسامح  في البلاد الرافدين ، من خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع في كردستان ومن لدن المكونات الاخرى من اطياف الشعب العراقي.

 خطف في هذه الجريمة  النكراء واللانسانية اكثر من خمسمائة الف شخص (500.000 ) من سكان المنطقة ، برجالها ونسائها بأطفالها وشيوخها. وشردت الاف  العوائل تاركين اراضيهم وممتلكاتهم ونزحوا نحو اقليم كردستان والمناطق المجاورة لحدود تركية وسورية . واستشهد الاف من النساء والرجال والشيوخ  ، وتوفي عشرات الاطفال الرضع  والصغار على سفوح جبل شنكال. ولا يزال مصير اكثر من الفين ( 2000 ) من النساء والفتيات مجهول  لحد اليوم. وتم بيع عدد كبيرمنهن في اسوق الرق والنخاسة وما زال البيع مستمرا حتى الان . وهدمت مزاراتهم ومعالمهم الدينية  والحضارية ومكتاباتهم. وما زال  النازحون والمهجرون منهم يعيش اوضاعا مأساوية .

يصعب على المرء ان يعبر عن مشاعره ويعكس تصوراته بشكل كامل وحقيقي لحجم هذه الكارثة الانسانية الكبرى التي اصابت هذا المكون البريئ في قرننا الحالي . وبعد مضي عام كامل على هذه الابادة الجماعية ما زالت جراحها لم تضمد، ونزيف الدم لم ينقطع ، واثارها المحزنة لن تمحي من الذاكرة، والعقاب القانوني على فاعلي الجريمة لم ينفذ، والمساعدات الانسانية والمادية والمعنوية لم تقدم الى ضحايا ومتضرري هذه الجريمة بالشكل المطلوب او حتى بالحد الادنى لا من الحكومة الاتحادية ولا من حكومة اقليم كردستان العراق ولا من منظمات المجتمع المدني  وجمعيات حقوق الانسان في العراق أو في الاقليم ، ولا حتى من
المنظمات الدولية والاقليمية المعنية بالاغاثة والمساعدات الانسانية. ولم تقدم المستلزمات الضرورية واللازمة لاعادة تأهيل هولاء المنكوبين  والقيام باجراءات وحلول انية لتخفيف اثارهذه الفاجعة الكبيرة من اذهان الشعب العراقي بجميع مكوناته واطيافة.


تقع على عاتق الجهات المعنية الحكومية الرسمية  والادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق مهمة تقديم كل المساعدات الانسانية والمادية والمعنوية اللازمة والضرورية لتخفيف المعاناة والعيش المزري للنازحين والمهجرين والمشردين واهالي الشهداء . وتحرير ما تبقى من المناطق التي لاتزال تحت سيطرة ( داعش) وعصاباتها الارهابية . وتقديم اعتذار لاهالي هذا المكون المنكوب والمكونات الاخرى من المسيحيين والشبك وغيرهم من المتضررين في المنطقة. وتعويض الضحايا كشهداء وشمولهم بقانون الشهداء المعمول به في الحكومة الاتحادية واقليم كردستان العراق . واتخاذ الاجراءات القانونية والدستورية الكفيلة لحماية هذا المكون والمكونات الاخرى . ومعاقبة المقصرين والمتسببين والمهملين في واجباتهم  تجاه هذه الفاجعة الانسانية ، وعن طريق القضاء والقوانين وباسرع وقت ممكن .

  الى جانب اعارة الاهمية القصوى والعمل الجاد من قبل الجهات الرسمية والشعبية المعنية بهذه المسالة الانسانية في المحافل الدولية ومنظماتها الانسانية ، للحصول على مزيد من التضامن الاممي الانساني والمادي والمعنوي مع هذا المكون والمكونات الاخرى في المنطقة .لكي يجري التعامل معها  بمستوى جريمة الانفال ـ الجينوسايد التي نفذت بحق الشعب الكردستاني في الثمانينيات من القرن الماضي. واعادة الحقوق لكل من تضرر من هذه الهجمة الشرسة وبشكل عادل وفق القوانين والاجراءات الدولية والاممية المعنية بذلك. وايجاد حلول انسانية لمآسيهم. ومساواتهم مع الاخرين في الحقوق والوجبات على اسس المواطنة، وضمان حرياتهم وتامين عيش سليم وامن لهم ولاجيالهم القادمة .

ولمزيد من رصد الصفوف وتوحيد الجهود والتمسك بالارض والاعتماد على النفس على المستوى الرسمي والجماهري لوقف بطش المنظمات الاسلامية السياسية والارهابية ، ودحرها الى الابد، وعلى راسها  تنظيم"دولة الاسلام" وعصاباته الهمجية. ومضاعفة الجهود وبمعنوية عالية لتخليص الجماهيرمن هذه المحنة والحد من معاناتها الحياتية اليومية . واعادة بناء المنطقة من جميع جوانبها بالاعتماد على وحدة الصف ومؤازرة ومساعدة الغيارى  والمخلصين من الاصدقاء والمتضامنين والداعمين للحقوق المشروعة للايزيديين والمكونات الاخرى ، بغية أنهاء اثار هذه الكارثة الى الابد ، وايصالهم الى برالأمان والسلام والأستقرار.



32
الانتخابات البرلمانية الاخيرة في تركيا

د.صباح قدوري

لاول مرة في تاريخ تركيا، يدخل الاكراد في البرلمان التركي بشكل رسمي تحت قائمة حزبية باسم حزب الشعوب الديمقراطي ( السلام والديمقراطية سابقا)، ( غالبية اعضائه من الاكراد ). خاض  الحزب معركة انتخابية ناجحة التي جرت مؤخرا في تركيا.حقق فيها نسبة 13.12%، اي 80 معقدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعدا .فاز حزب الحاكم ،العادالة والتنمية بنسبة 40.86% ، اي  258  مقعدا فقط في البرلمان.

بدخول حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان سيؤثر بلاشك بوزن كبيرعلى معادلة الحكم في تركيا بعد هيمنة حزب اوردغان العدالة والتنمية على سدة الحكم منذ2002. يهدف حزب الشعوب الديمقراطي في اهدافه الى تحقيق طموحات الشعب الكردي في تركيا والبالغ عدده بحدود 25-ـ30 مليون نسمة، لينال حقوقه القومية المشروعة عن طريق الحل السلمي العادل للقضية الكردية ، على اسس الديمقراطية  والتفهم لمسالة حق تقرير المصير لهذا الشعب. والحزب مناصرا ايضا للحرية والسلام والعدالة والدفاع عن المراة والعمال والفلاحين والفقراء.
يواجه الحزب مهمات نضالية كبيرة وجسيمة امام حكام تركيا المصرون في اتباع سياسة عدم اقرار الحقوق القومية للشعب الكردي ،وتعميق ازمة المواجهة بين الاكراد المطالبين بحقوقهم والسلطات التركية ،نوردها باختصار ، كالاتي:

1ـ الالتجاء الى نضال السلمي من خلال تفعيل دور البرلمان وخلق الاسس لانبثاق ارضية صحيحة وصادقة مبنية على الحوار الحضاري والمصالحة بين كافة فصائل حركة تحرر الكردية في تركيا ومع سلطات التركية في معالجة هذه القضية العادلة لشعب فرض عليه ان يعيش في اطار الدول الاخرى ، وان يكافحوا من اجل حقهم في تقرير المصير،وايجاد الصيغة  العملية الملائمة وفي الوقت المناسب للتعبير عن ذلك ،واختيار العلاقة والارادة والرغبة في العيش مع شعوب البلدان التي يشكل الاكراد فيها قومية بارضهم مقسمة في داخل الحدود الجغرافية لهذه البلدان.
2ـ المساهمة النشطة والفعالة لاثارة القضية الكردية على المحافل الدولية ، وخاصة الوحدة الاوربية التي تحاول تركيا منذ فترة طويلة للانضمام اليها، وكذلك التحرك على الامم المتحدة واصدقاء الشعب الكردي لايجاد قنوات العمل المشترك معها، وعدم استغلال القضية الكردية كورقة لعب في ايدي الدول الاقليمية والدولية، كلما اقتضى الامر ، وذلك لغرض تحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة ، كما هو عليه الحال في زج الاكراد بشكل اساسي ورئيسي لمواجهة المعركة ضد القوى الارهابية والتكفيرية في منطقة على راسها (داعش) وعصاباتها.
3ـ ايجاد تنسيق كامل وعمل مشترك مع كافة فصائل الكردية المتواجدة في تركيا ومع حركة التحرر الكردية في اجزاء كردستان الكبرى ( العراق، ايران وسوريا ) والتي تناضل من اجل الحقوق المشروعة للشعب الكردي ، وخاصة حزب العمال الكردستاني الفصيل الاكبر الذي يناضل منذ فترة طويلة نضالا مسلحا. وعلى اثر المفاوضات التي اجريت في اواخر عام 2012 ، نادى اوجلان السجين وقائد الحزب من تركيا لتلبية المبادرة السلمية لحل القضية الكردية ،ولكن لم تحقق نتيجة اجابية لحد اليوم ، وذلك بسبب السياسات الديماغوجية التي يمارسها حكام تركيا تجاه القصية الكردية .التاكيد بان حلها لا يمكن ان يتم عن طريق الاسلوب العسكري الدموي ، بل الحل الصحيح والوحيد هو الحوار الحضاري والمصالحة ، على اسس الرغية الحقيقية ونيات صادقة وبضمانات دولية في معالجة القضية الكردية في تركيا.
4ـ لابد من التوجه الى ترميم البيت الكردي وتحقيق وحدة الخطاب والموقف السياسي تجاه سياسات الامريكية وحلفائها المنضمين الى حلف شمال الاطلسي وبالتعاون مع الحليف الاستراتيجي اسرائيل والتدخلات الاقليمية والدولية ، وخاصة تركيا وايران ومن بعض الدول الخليجية كالسعودية وقطر، بهدف فرض الهيمنة والسلطة في المنطقة ، وذلك من خلال محاربة الحركات التحررية والوطنية واليسارية المناهضة للامبريالية والرجعية وزعزعة امنها واستقرارها وتاخير مسارها في التطور والتقدم والتنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة والمستدامة .  .
5ـ المبادرة بتشيكيل لجان التنسيق ليكون اساسا لانبثاق جبهة عريضة مع كافة فصائل الحركة التحررية الكردية وفي كل اجزاء كردستان ، بهدف توسيع الحوار الكردي/ الكردي ومع الفصائل الوطنية واليسارية القريبة والحليفة للاكراد وقضيتهم المشروعة . ووضع برنامج عمل مشترك  ذو استراتيجية قومية شاملة الجوانب  من خلال اقامة العلاقات الديمقراطية وممارستها في التعامل اليومي، واحترام حقوق الانسان والحريات الاساسية واقرار مبدأ التعددية. ومن اجل عقد مؤتمر وطني كردي وبمشاركة كافة الاطراف المعنية ، وذلك لاعطاء زخم اكبر لهذه القضية بوحدة الخطاب، وتاسيس مراكز بحوث متخصصة لوضع دراسات وخطط  ثقافية واعلامية واقامة الندوات والمؤتمرات والتفاعل مع ثقافات العالم وتاكيد الطابع الانساني والسياسي والاجتماعي لقضايا الشعوب، وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية والوحدة الاوربية وفي المحاور الاقليمية والدولية، بغيته انضاج القضية الكردية وطرحها على المجتمع الدولي في الوقت المناسب لعقد مؤتمر لحلها سلميا وسياسيا وقانونية مستقبلا.

اخيرا، وبهذه المناسبة الكبيرة والبهيجة ، نهني اعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وقيادته  الحكيمة والشعب الكردي في تركيا واجزاء اخرى من كردستان الكبرى وكل من يتعاطف مع قضية حقوق الشعب الكردي ، بهذا الانتصار العظيم . فليكن حافزا قويا وسندا لمواصلة الشعب الكردي وفصائله التحررية  في نضالها العنيد ، من اجل تحقيق مزيد من الانتصارات  وطموحات الشعب واهدافه النبيلة المشروعة .

33
من اجل التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة ، ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية مزدهرة للعراق

د. صباح قدوري

المقدمة :
ان تبني رؤية واستراتيجية شفافة للبناء الوطني، تهدف الى التخلص من اثار وعيوب النظام السابق،وتطرح منهجا سياسيا واقتصاديا شفافا يتلائم مع حاجات البلد ومستوى التطور الاجتماعي والقانوني والتنظيمي للمجتمع، وموارده المتوفرة . وتفعيل دور الدولة واعطاء دور حقيقي لمساهمة القطاع الخاص في تنشيط الاقتصاد.وكذلك الاتفاق على معظم الأوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف ولانماء الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة ولتقديم الخدمات وبناء واعادة بناء البني التحتية وادخال التكنلوجيا الحديثة وكل ما يلبي طموحات عملية التنمية الوطنية المستدامة ،ولكن لم يتحقق توافق على البرامج المطلوبة لبلوغ هذه الغايات.
اليوم تواجه حكومة د.حيدر العبادي  في سياستها الاقتصادية والاجتماعية واجبات ومهمات كبيرة وجسيمة. ينتظر الشعب العراقي وبفارغ الصبر من هذه الحكومة انجازها، وفي مقدمتها اصلاح النظام الاقتصادي، تحسين اداء النظام المالي والمحاسبي والنقدي عبر الموازنة الاتحادية، وضمان استقلالية البنك المركزي لاداء وظائفها،والتوجه الجدي نحو تفعيل دور واداء موسسات الدولة المختلفة استنادا الى مبادئ الادارة الرشيدة. كل هذه الاصلاحات وغيرها يجب ان تنصب في خدمة عملية التنمية الوطنية الشاملة تتحقق فيها ابعاد اقتصادية واجتماعية مستدامة.

ارتباطا بالعنوان المشار اليه في اعلاه،احاول طرح الموضوع للمناقشة ضمن المحاور ، وكالاتي:
1ـ ملاحظات عامة عن الحالة الاقتصادية العراقية الحالية .
2 ـ اصلاح النظام الاقتصادي والمالي والنقدي ، وتفعيل دور اداء مؤسسات الدولة في خدمة عملية التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة ، ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية.
3 ـ الاستنتاجات

اولا: ملاحظات عامة عن الحالة الاقتصادية العراقية الحالية.

منذ ثلاثة عقود، وكما هو معروف ، بان السياسة الاقتصادية العراقية تجاه التنمية الوطنية المستدامة ولحد اليوم تميزت ببعض الملامح (من دون الدخول في التفاصيل)، نوردها، كالاتي:-

 1ـ انعدام رؤية شفافة واستراتيجية و/أوايدولوجية واضحة  في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
-2 ـ  بقاء العراق على حالتة كاقتصاد ريعي بدلا عن تحوله الى اقتصاد منتج للقيمة المضافة، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء وإعادة بناء البنى التحتية،التي تعرض للدمار، نتيجة الحروب العبثية للنظام الديكتاتوري المقبور، ولاحتلال العراق والحصار الجائر الذي فرض على البلاد وشعبها وطال امده ل 13سنة. ولادخال التكنلوجيا الحديثة، وتاهيل القطاع النفطي، والنهوض بالقطاعات الإنتاجية ، وفي مقدمتها القطاعين الصناعي والزراعي، والخدمية ـ الانتاجية، وتفعيل التجارة ووضعها بخدمة الخطط التنموية الشاملة.-
3 ـ ضعف مساهمة القطاع الاقتصادي الانتاجي في تركيبة الناتج المحلي الاجمالي.مما خلف خللا بنيويا في تركيبة الموازنات ، بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الانفاق العام التحويلي والتشغيلي الذي يمثل المعدل بحدود70%،فيما الانفاق الاستثماري العام بحدود 30%.
-4 ـ التردي المريع والمتفاقم للخدمات البلدية، والصحة ، والتعليم، والماء والكهرباء ، وغيرها.
 5 ـ متوقع بلوغ نسبة البطالة خلال العام الحالي الى اكثر من 25 % من قوة العمل ، وان نسبة مستوى خط الفقر قد تصل الى اكثر من 30% ، اي اكثر من ( 10) ملايبن من سكان العراق البالغ 34 مليون نسمة ،وذلك لاسباب التدهورالامني في البلاد من جراء سيطرة (داعش) وعصاباتها الارهابية على عدد من المدن ونزوح الاف من العوائل منها، وانخفاض في اسعار النفط.
6 ـ تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي،ما ادى الى تقسيم المجتمع ، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء، مسببا تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة في قمة الهرم الحزبي والاداري العام.
 وهي التي تسيطر على الميول الاقتصادية ، ورسم اتجاهاتها العامة.
7 ـ ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري على معظم المستويات الادارية والحزبية. ان الانشغال والمبالغة بمفهوم الخصخصة وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، اي (نظرة الاقتصاد النقدي، بدلا عن الاقتصاد الاجتماعي)، قد يشجع في هذه الحالة على مزيد من الفساد الاقتصادي والاداري.
8 ـ غلبة طابع النشاط الاقتصادي الاستهلاكي ، وتراجع تدريجي للاقتصاد الانتاجي الزراعي والصناعي  واثره على الطبقة العاملة والفلاحين ، ما يفضي  الى تراجع القوى الاجتماعية الداعمة والمساهمة لاستراتيجية التنمية الوطنية الشاملة.
9 ـ ضعف مساهمة النظام الضريبي في تركيبة الموازنة العامة، وذلك لان الايرادات الناجمة عنها هي في
تناقص مستمر، بسبب صعوبة الجباية ولانتشار الفساد الاداري والمالي في اجهزتها .اما ايرادات الرسوم الجمركية فتخضع لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية منها منظمة التجارة الدولية التي تهدف الى ازالة الحواجز الجمركية بمرور الزمن.
10ـ ضعف ومحدودية مصادر القوى البشرية المتطورة وذات الخبرة اللازمة في العملية الانتاجية . وضعف ايضا في البني التحتية ، ما يعرقل فضلا عن عوامل اخرى ، عملية النمو والتطور الاقتصادي في العراق.
11ـ ان العقود المبرمة بين الحكومة الفيدرالية واقليم كردستان العراق مع الشركات الاجنبية العاملة في العراق تنقصها الشفافية العالية. وتعتبر عقود اقليم كردستان على اساس عقود المشاركة في الانتاج، وهذه تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي . وعلى وفق بعض البيانات الاولية ، فان هذه العقود تمنح الشركات المذكورة ولمدة طويلة قد تزيد عن (20) سنة ، حصة ارباح عالية من النفط المستخرج، والمشاركة في الملكية ايضا ، بكلفة زهيدة لهذه الشركات ، مقابل تطوير الحقول النفطية العراقية.
12ـ ضعف واضح في اداء التشريعات المالية و في تطوير النظام الضريبي  والمؤسسات المالية، وعلى راسها البنوك وشركات التامين، وتعددية الانظمة المحاسبية في موسسات القطاعين العام والخاص، وعدم استقرار قيمة العملة العراقية وتاثيرها على التضخم.
13ـ ادت هذه السياسة عبر العقود الثلاثة ، عدا عن فترة( 1973-ـ 1979 ) ، ومن ثم الحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثماني سنوات ، وكلفت مئات المليارات من الدولارات.كما وهدر اكثر من ( 500) خمس مئة مليار دولار امريكي من موارد الدولة العراقية منذ احتلال في 2003 وحتى الان، ولم تستثمر
 منها الا مبالغ قليلة جدا في التنمية الوطنية.
14ـ ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الاسواق والاسعار باشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ، مع غياب وانعدام المحاسبة والشفافية في الادارة والاداء، مما تركت اثار سلبية كبيرة وعميقة على  الحالة الاقتصادية والطبقات الاجتماعية، وادت الى ظهور تفاوت في الدخول للطبقة المتوسطة. يمكن تعبير عنها، بالاتي:-
 
ـ  نمو فئة ( طفيلية) موالية للحكومات المتعاقبة ، وتشكل قاعدتها الاجتماعية ، وهي قوة مناهضة للمنتجين الفعليين للثروة.
ـ  ظهور فئة اخرى( مافية) متخصصة في سرقة النفط وبيعه من خلال قنوات متعددة، تتعاطى مع العمولات والرشاوي مع الشركات العاملة في العراق وخاصة في مجال النفط والتجارة الخارجية ، متاجرة بالاسلحة والمخدرات وغيرها .
ـ  نشوء شرائح البرجوازية لصالح الجناح الطفيلي البيروقراطي والكومبرادوري ، مما يدفع بعملية التراكم الراسمالي والمتعلق بالملكية العقارية اوبالتجارة الداخلية ،بدلا عن تحقيق تراكم لراسمال القائم على الانتاج .
ـ انسياب نسبة متعاظمة من الدخل القومي الى الخارج من خلال قنوات التجارة الخارجية والفساد وغسيل الاموال ، والى توزيع غير عادل للدخل القومي . كما ابقى البلاد سوقا مفتوحا للسلع الصناعية والزراعية والخدمات الاجنبية ، من دون اية ضوابط . اضافة الى الهبوط في التنمية وانخفاض الدخول الحقيقية للجماهير الكادحة . كما عمق من ضعف الطبقة الوسطة المنتجة الراسمالية الصناعية المحلية.
ـ ان حالة الاستمرار على هذه السياسة التنموية ، قد تسبب الى تقليص حجم الطبقة المتوسطة في العراق مستقبلا. حيث تتوجه بعض فئات منها  بالتحول تدريجيا الى ( الطفيلية البيروقراطية)،واخرى الى (المافية )، كما وتنتقل فئة اخرى منها تدريجيا باتجاه الفقر وتدفع بالفقيرة الى ما دون مستوى خط الفقر.

ثانيا : اصلاح النظام الاقتصادي والمالي والنقدي ، وتفعيل دور اداء مؤسسات الدولة في خدمة عملية التنمية الوطنية الشاملة والمستدامة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية.

ان الاقتصاد العراقي الحالي وفق المعطيات المطروحة في المحور الاول ، ارى انه بحاجة الى الاصلاحات والتغيير البنيوي، حتى يتم تفعيله ويساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية.
 وبهذه المناسبة نقدم بعض مقترحات متواضعة لعلها قد تساهم في تنشيط الاقتصاد الوطني ووضعه على مساره الصحيح،وتاثيرها الايجابي على تركيبة الطبقة المتوسطة وعموم الشعب العراقي ، وهي كالاتي:

 ان الخلفية الايدولوجية المعتمدة من الحكومات المتعاقبة والمستندة على توصيات الحاكم العراقي السابق (بول بريمر) بعد الاحتلال في 2003، وبمؤزارة من بعض الاقتصاديين اللبراليين الجدد وتماشيا مع سياسات المنظمات المالية الدولية ( الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية)، والتاكيد في البرنامج الاقتصادي الحكومي الحالي ضمن محاور منها:  تشجيع التحول نحو القطاع الخاص، الاصلاح المالي والاداري للمؤسسات الحكومية، كلها تقر وتدعم فقط في اتجاه الخصخصة واقتصاد السوق.

وتعني الخصخصة تحويل (الملكية العامة) الى ( الملكية الخاصة) ، التي تتوجه عادة نحو المشاريع ذات الربحية السريعة والعالية . واطلاق الاسعار في السوق على اسس المنافسة الحرة بدون اي قيود، مما يمهد الطريق في النهاية الى الهيمنة الاحتكارية للشركات الكبرى وتثبيت اقدامها في السوق والتصرف بالاسعار والجودة لمصالحها الخاصة (تحقيق اقصى الارباح)، والاستحواذ على الشركات الصغيرة والمتوسطة وطردها من الاسواق .
 اما اقتصاد السوق وفق هذه الايدولوجية، فيعني ابعاد الدولة عن السوق وعدم تدخلها في تنظيم ومراقبة النشاط الاقتصادي، او تقليص دورها الى ابعد حد ممكن، باعتبار ان سوق نفسه يقوم بذلك من خلال العرض والطلب والمنافسة الحرة .

ضمن هذه المعطيات نرى، بان حالة الاقتصاد العراقي اليوم تحتاج الى التوجه نحو تطبيق نوع من الاقتصاد المتوازن وفق الملكيات المتنوعة (الحكومية، التعاونية ، المختلطة)، و/أو حتى القطاع التطوعي، اذا اصبح جزء من الثقافة العراقية مستقبلا، مع اجراءات الحماية للانتاج الوطني العراقي من غزو الاسواق بالمنتوجات الخارجية وتحرير الاسعار من اي قيود.
ولتحقيق هذه المهمات وغيرها يتطلب من الحكومة الحالية التفكير الجدي بعملية الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تبني رؤية محددة واضحة وشفافة لاستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، تضمن الابعاد الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة لهذه العملية وفق جملة من التوجهات، منها، مايلي:

ـ البعد الاقتصادي :

1ـ اصلاح الهيكل الاقتصادي يستند على ستراتيجية واضحة وشفافة لتنشيط وتفعيل القطاعات الانتاجية، وفي مقدمتها الزراعة والصناعة والتشييد والابنية والخدمية ـ الانتاجية، وغيرها .وتامين البني التحتية  والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لها، بغية تخليص الاقتصاد العراقي من بنيته الاحادية الجانب والاعتماد على الريع النفطي، وذلك لتنويع مصادر القطاعات الاقتصادية للمشاركة في انتاج الناتج المحلي الاجمالي، والتامين الدائم لمصادر تمويل الميزانية العامة للدولة .
2 ـ تفعيل دور القطاع الخاص الوطني وتشجيعه  للمساهمة في زيادة الاستثمار والانتاج والتشغيل، من خلال التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة وبالتعاون مع الغرف التجارية واتحاد الصناعات العراقية. حماية المشاريع الصناعية واعفائها من الضرائب لمدة تتراوح بين (5 ـ-7) سنوات، وهي مطاليب القطاع الخاص. اعادة النظر في قانون تشجيع استثمارات ، وتقديم التسهيلات اللازمة لهذا القطاع بعد دراستها حسب اولويتها واحتياجات البلد وظروف تطورها ، وبالتعاون مع المصرف الصناعي ، لتكون نسبة الفائدة على القروض للمشاريع الصناعية منخفضة جدا.
اما القطاع الخاص الاجنبي يجب الاستفادة منه بشكل عقلاني ومدروس للاستثمار في القطاعات ذات الصناعات الكبيرة التي تتطلب الخبرة والمهارة العاليتين غير المتوفرة لدى الكادر الوطني، وذات التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة، ويجب دراستها بامعان من جميع جوانبها المالية والادارية والتنظيمية والقانونية، وفق اسس المصالح المشتركة وصيانة السيادة الوطنية .
3 ـ الاهتمام بتاهيل واعادة بناء البني التحتية في مجال الاتصالات الهاتفية والتلفونات المتطورة والانترنيت والقنوات التلفزيونية والوسائل المعلوماتية والتكنلوجيا الاخرى، امن العمل ، النقل والمواصلات ، المصارف ومؤسسات التامين، وبناء المصافي وتامين الطاقة الكهربائية، والمشاريع المائية، توسيع وبناء شبكات الطرق السريعة وبناء الجسورلربط الاقضية والارياف بالمدن، بهدف تامين نقل السلع والمسافرين والخدمات وتنسيط الحركة التجارية وغيرها  ،والتي هي من اولويات  بناء الاقتصاد الصناعي والزراعي والخدمات الانتاجية المتقدمة .
4 ـ معالجة البطالة المتفاقمة من خلال اعادة هيكلية القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات الانتاجية.
وضرورة بناء مجمعات صناعية متطورة ومتكاملة البني التحتية ، واعادة هيكلية المناطق الصناعية القديمة،واعادة تقيم الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمشاريع الصناعية  ذات التمويل الذاتي ، بهدف تاهيلها وتفعيلها للانتاج  واعادة العاملين اليها، وعدم تركها كما هو عليه الحال لحد الان.
5 ـ تشجيع قطاعات البناء مما يساعد على حل ازمة السكن، وحمايتها من المضاربات العقارية.
والنهوض بمشاريع السياحة وتحفيز القطاع الخاص المحلي والاجنبي للاستثمار والانتاج والتشغيل فيها .
6 ـ استثمار موارد  ملائمة في التعليم من اجل اعداد قوة عمل افضل تعليما وتخصصا، لكي يساهم في رفع جودة التعليم  ورفع انتاج وانتاجية العمل .
7 ـ توفير البيانات والاحصائيات من وزارة التخطيط والهيئات المختصة ووضعها في متناول الباحثين والاكاديميين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية ،مع انشاء مراكز بحوث متخصصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها .
8 ـ  وفي الجانب المالي والسياسة النقدية يجب الاهتمام في استخدام معايير علمية ومنطقية في تبويب واعداد الموازنة العامة، تعتمد على قياس كفاءة الاداء والانتاجية، و التحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلاني، بحيث تكون تقديرات الميزانية اقرب الى الواقع على اساس الاهداف والبرامج الحقيقية .
9 ـ اصلاح النظام المالي والنقدي من خلال البنك المركزي الجهة الوحيدة المستقلة والمتخصصة  في رسم السياسة النقدية، من دون التدخل في واجباته الاساسية في عملية  تامين الاستقرار النقدي، والحفاظ على الرصيد الاحتياطي من العملات الاجنبية لديها،وغيرها من الواجبات.
10 ـ الزام وزارة المالية بتطبيق "قانون الادارة المالية" والذي ينص على تطبيق شفافية الموازنة تجاه استخدام الاموال العامة في مجال التنمية الوطنية المستدامة وفقا للمعايير الدولية المتبعة، وتزويد المجتمع بمزيد من البيانات والمعلومات عن الحالة الاقتصادية، والموازنة العامة للدولة بغية الاطلاع على اولويات وتفاصيل اوجه الانفاق ومصادرالمالي الحكومي.
11 ـ معالجة الخلل البنيوي في تركيبة الموازنات السابقة ، بسبب التفاوت الكبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الانفاق العام التشغيلي التي تمثل معدل بحدود 70%والانفاق العام الاستثماري بحدود 30% من مجموع الميزانية. وتسبب هذه الحالة في عجز الموازنة عن خلق ديناميكية على مستوى تحقيق النمو الاقتصادي فمثلا (5 ـ 7)%، والذي تشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد في مجال اعادة وبناء البني التحتية، تاهيل القطاع النفطي مثلا الى( 9) مليون برميل يوميا حتى عام 2020، وباسعار معتدلة للنفط ، وكذلك النهوض بالقطاقات الانتاجية. ولتحقيق ذلك يتطلب توزيع نفقات الموازنة بالمناصفة بين التشغيلية والاستثمارية  في المدى المتوسط  والبعيد .
12 ـ اصلاح وتنظيم نظام الضرائب المباشرة وغير المباشرة ،وتشريح قوانين خاصة لها بما يحقق العدالة والحد من الفساد المالي والاداري المستشري فيه.توفير الوسائل اللازمة والكفؤة والنزيهة في عملية جبايتها والرقابة عليها. العمل على نشر الثقافة والوعي الضريبي والثقة المتبادلة بين الاجهزة المالية والادارية للدولة والمواطنين، بان دفع الضريبة ،هو جزء من عملية المساهمة في البناء الاقتصادي.
13 ـ تفعيل دور البنوك والمصارف والموسسات التامين ، بعد اجراء الاصلاحات الهيكلية والادارية والفنية اللازمة فيها . وتشديد الرقابة المالية عليها، وخاصة الغير الحكومية منها ، بغيته التحكم باستخدام الموارد المالية بشكل اعقلاني .
14 ـ تفعيل دور هيئتي الرقابة المالية والنزاهة واحترام استقلالتهما في اداء واجباتهما ، ودراسة تقاريرهما الفصلية والسنوية بجدية في البرلمان . محاسبة مرتكبي جريمة الفساد وفق القانون والقضاء ، مع تنشيط دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة والشفافية على المؤسسات الحكومية .
15 ـ معالجة ظاهرة التضخم النقدي، اذ ان مؤشرات التضخم السنوي في ارتفاع مستمرنتيجة الارتفاع في الرقم القياسي لمجاميع السلع الاساسية والضرورية ، وخاصة المستوردة منها، وذلك من خلال اجراء الزيادة النسبية في مدخولات العاملين، لمواجهة حدوث اي ارتفاع في نسبة التضخم.
16 ـ اصلاح النظام المحاسبي بحيث يرتقي الى مستوى القياس العالمي ، من خلال توحيد الانظمة  المحاسبية المتعددة المعمول بها حاليا في القطاعين العام والخاص، وتطوير اساليب الرقابة المالية وجودتها، ورفع القدرات المهنية للعاملين في حقلي المحاسبة والادارة، واستخدام ادوات جديدة لمعالجة وظيفة النظام المحاسبي لانتاج المعلومات الاقتصادية على الصعيدين الكلي (الماكروي) والجزئي (المايكروي).
17 ـ تطبيق نظام مالي حديث بالاعتماد على التكنولوجيا المعلوماتية لانتاج البيانات والمعلومات المالية اللازمة لعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والادارية .
18 ـ-الاسترشاد باركان ومبادئ الادارة الرشيدة المبنية على اسس: الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية والافصاح عن المعلومات ومحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في المفاصل الادارية والحزبية.
19 ـ ضرورة تفعيل وتطبيق مبدأ اللامركزية الادارية والمالية للاقاليم والمحافظات العراقية .
20 ـ ضرورة تبني هيئة الاستثمار استراتجية واضحة وشفافة واليات فعالة وفق خطط مدروسة لعملية التنمية الاقتصادية /الاجتماعية الشاملة والمستدامة.

 ـ  البعد الاحتماعي:

   يجب ان تحقق التنمية الوطنية الشاملة ابعداها ومردوها الاجتماعي، من خلا ل انجاز المهمات الاتية :

1ـ  معالجة ظاهرة البطالة عن طريق تامين فرص العمل اللائقة للجميع، والقضاء على الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال تامين فرص تشغيل اكثر للطبقة الوسطى لتوسيع حجمها وتقليص حجم الفئة الفقيرة وتحت خط الفقر .
2 ـ اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة للجميع لتحقيق مبدأ العدالة الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تقليص التفاوت الكبير في مستويات الدخل وتراكم الثروات بين الافراد وبين مناطق البلاد .
3 ـ المسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة وحمايتها من التلوث والدمار .
4 ـ المساهمة في سوق العمل عن طريق تاهيل وتدريب القوى البشرية العاملة، لمواكبة التكنلوجيا الحديثة، بهدف رفع الانتاج والأنتاجية وجودتهما .
5 ـ الاعتناء بجودة الانتاج وتقديم افضل الخدمات التسويقية وفق المعايير القياسية، لصالح المستهلك وحمايته. 6 ـ تامين نظام الضمان الاجتماعي لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل، واتباع وسائل فعالة لتوزيع الدخل  بين افراد المجتمع بعدالة  قدر الامكان.
7ـ توفير نظام مجانية الصحة لجميع المواطنين .
8 ـ توفير التعليم المجاني بجميع مراحله لكافة ابناء الشعب .
9 ـ رفع الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في ممارسة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار والرقابة الشعبية .
10ـ ايجاد حلول سريعة ومجدية لمعالجة شؤون اللاجئين والنازحين عبر التعاون الجدي بين الرئاسات الثلاث ، وباسرع وقت ممكن.

ـ استدامة التنمية :

    ان الابعاد الاقتصادية والاجتماعية المنوه عنها اعلاه اذا اخذت بها بعناية وجديه وفق رؤية واستراتيجة مدروسة على اسس الاهداف والاولويات والبرامج، فان عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي هي من صلب اوليات واجبات الحكومة، ستحقق بلا شك مفهوم الاستدامة للتنمية الشاملة، وفق الاهداف الاتية :

1ـ انتقال اقتصاد العراق تدريجيا من اقتصاد ريعي احادي الجانب ذي طابع استهلاكي الى اقتصاد متنوع ذي صفة انتاجية من خلال اعادة الهيكلية الاقتصادية لصالح القطاعات الانتاجية وهو اقتصاد منتج للقيمة المضافة، اي يساهم في زيادة تراكم راس المال . 
2 ـ اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين من خلال اعتماد سياسة الاقتصاد الانتاجي، فهو وحده القادر على رفع انتاجية العمل، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات للمواطنين .
3 ـ ضمان استمرار النمو الاقتصادي بوتيرة منتظمة في الامد المنظور .
4 ـ تعديل ميزان مدفوعات بشقين التجاري وحركة رؤوس الاموال، عبر الحد من  سياسة الاستيراد المفتوح المعمول به حاليا والاقتصار على المنتجات والسلع المختلفة المطلوبة للانتاج والاستثمار والاستهلاك من السلع الضرورية والمستلزمات الوسيطة للانتاج الصناعي والزراعي للقطاعات المختلفة. الاعتماد على الانتاج الوطني من السلع والخدمات المتوفرة وحمايته من خلال تفعيل واعادة بناء هيكلية المؤسسات الانتاجية الحكومية. تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في الاستثمارات الانتاجية، وتفعيل قانون منظومة الرسوم الجمركية رقم (22) لعام ٢٠١٠، وكذلك التفكير لتصدير المنتجات النفطية البتروكيمياوية والكبريت والاسمدة وغيرها، وبعض المنتوجات الزراعية والحيوانية كالتمر والحبوب الصوف والجلود وغيرها، مما يساعد على تعديل الميزان التجاري لصالح العراق في الامد المنظور.
هناك ايضا ظاهرة تهريب رؤوس الاموال الوطنية اي تهريب النقد الاجنبي من البلد الى الخارج ، باحثا عن فرص مربحة وامنة للاستثمار،لان العراق طاردا لها بسبب سؤء الحالة الامنية والاستقرار السياسي ، وعدم تحفيز وخلق بيئة ملائمة للاستثمار في البلد ، مع انعدام رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة لعملية التنمية الوطنية الشاملة. والحالة هذه تقتضي اجراء رقابة صارمة للحد من هذه الظاهرة.
5 ـ اعتماد الموازنة كنظام للمعلومات في صياغة الاستراتيجيات التنفيذية للمشروعات العامة.
6 ـ تحسين اليات متابعة الاداء الاداري والمالي والتنفيذي لمشروعات الموازنة .
7 ـ تعزيز العملية الرقابية من خلال تطبيق المعايير الرقابية والمراجعة الدولية ودليل قواعد السلوك الاخلاقي للمحاسبين المهنيين .
8 ـ محاربة الفساد المالي والاداري من خلال التعاون بين هيئة الرقابة المالية والنزاهة والقضاء والرقابة الشعبية .
9 ـ دعم وتسهيل عملية تطبيق سياسات محاسبية موحدة على كافة القطاعات الاقتصادية.
10 ـ الانتقال من الأساس النقدي لعملية المحاسبة الحكومية المعمول بها حاليا للايرادات والمصروفات الى تطبيق اساس الاستحقاق .
11 ـ توحيد اساليب اعداد التقارير والقوائم المالية الحكومية والافصاح عنها بشكل دوري وفق معايير المحاسبة الدولية .

ثالثا : الاستنتاجات

1ـ ان العراق اليوم مهدد في جميع المجالات وبالتالي فانه امام استحقاقات زمنية لانقاذ البلاد من الخطر الكبير. ويقتضي الامر التقيد بالدستور في المعالجات، وعلى رغم من ما يحتويه من السلبيات الا انه لم يجري التقيد و/أوالتنفيذ بجانبه الايجابي . دراسة اسباب الخلل والنقص في الرؤية العامة وفي مسارات التنمية الاقتصادية/الاجتماعية المستدامة. والتاكيد على ضرورة اجراء مسار عملية البناء وفق الضوابط والقوانين والمعرفة الاقتصادية. الاستعانة باركان الادارة الرشيدة في تيسيير الاقتصاد والادارة والتنظيم،والتاكيد ايضا على اسس الكفاءة والخبرة والمعايير المهنية في الاداء ،وتامين حقوق وضمان حريات الانسان واستقلاليته في تحديد اساليب نشاطه ومجالات حياته،وممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية. الاستفادة العقلانية من الموارد االطبيعية والمالية والبشرية والمعرفية المتاحة في خدمة التنمية الوطنية،وعدم هدرها نتيجة سؤء استخدامها و/أوتفشي الفساد المالي والاداري على المستويات الادارية والحزبية في الدولة، كما هو لحد الان . التوجه نحو حل المشاكل السياسية  بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية ،وخاصة بين المركز واقليم كردستان العراق ،والاقتصادية المتراكمة وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب وتوفير الامن الاقتصادي والسياسي والصحي والتعليمي والسلم الاجتماعي، والقضاء على البطالة. بناء اقتصاد متين ومزدهر يتحقق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية ويعود ريعه وخيراته على الجيل الحالي والأجيال القادمة وعلى الشعب العراقي واطيافه المتنوعة وفي كل اجزاءه .واخيرا لابد من القول بان الامر يظل مرهونا بتحويلها الى اجراءات عملية وخطوات ملموسة على الارض.

 2 ـ ان اشكالا كثيرة ومختلفة من الدمار الذي يمكن اجتنابه تنبع من الخصخصة واقتصاد السوق في ظل غياب التحضير الاجتماعي والتكنيكي الكافي. ان ما جرى ويجري في اوربا الشرقية ومعظم بلدان المتخلفة والنامية والعراق منها، هو اعتناق نسخة من راسمالية السوق الحرة (مؤدلجة) بقوة ضمن وصفة ( العلاج بالصدمة)، ليس لها اي اساس تجريبي. تشير بعض المعلومات والتقارير والابحاث واستطلاعات الراي في اوربا الشرقية والوسطى، ومن تجربة دول الرفاهية ومنها على سبيل المثال الدول الاسكندنافية، لا تعكس غير اهتمام قليل بالأشكال البحتة للراسمالية ، بل الى خيار يتضمن الحماية الاجتماعية. ان تفشي الفساد في سياسات الخصخصة والسوقنة، التي تنفذ في ظل القواعد المعمول بها، قد خلق مقاومة يتطلب اما التسوية الشاملة او القمع؟!. ولتحقيق بديل اخر، قد يظهر نوع جديد من التسوية الاجتماعية يتضمن خليطا مؤسساتيا يختلف عن الراسمالية الاوربية الكلاسيكية، وفي انسجام مع العقلانية الاقتصادية بشكل صحيح، والبيئة الاجتماعية والتنظيمية والقانونية لكل بلد.



34
تحديث النظام المحاسبي الموحد، دعما لتطبيق سياسة محاسبية موحدة في الاقتصاد العراقي

http://uploads.ankawa.com/uploads/1430469491931.pdf

35
الولاية الثالثة لرئاسة اقليم كردستان العراق

د. صباح قدوري…….

مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في اقليم كردستان العراق وانتهاء ولاية الرئيس مسعود برزاني في 19/اب ـ اغسطس القادم، في الوقت الذي يشهد الاقليم تحديات كبيرة ومسؤوليات جسيمة ازاء الوضع الداخلي وعلى صعيد العراق والمنطقة، وعلى راسها محاربة الارهاب الدولي المتمثلة ب (داعش) وعصاباتها الارهابية . تفاقم الازمة المالية والاقتصادية والتنموية، بسبب انخفاض اسعار النفط وتزايد نفقات الحرب، ومشكلة االنازحين والمهجرين الى الاقليم من جراء ذلك ، وسؤ الادارة . التوترات في العلاقات  بين الاحزاب السياسية وخاصة المشاركة منها في ادارة الحكم للاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ . التدخلات الاقليمية ومن دول الجوار، خاصة تركيا وايران في الشان السياسي وادارة الاقليم . اشكالية العلاقة مع الحكومة الفيدرالية في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وخاصة ما يتعلق بملف النفط من الانتاج والبيع وحصة الاقليم من الميزانية الاتحادية،وفق الاتفاقية الاخيرة التي ابرمت مع المركز بهذا الخصوص. واشكالية العلاقة مع الفصائل الكردية في اجزاء اخرى من كردستان ، وخاصة في سوريا وتركية .

وازاء هذا الوضع، تتداول اليوم احاديث ومناقشات على صعيد الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية في الاقليم وخاصة المتنفذة  منها في الحكم وعلى الصعيد الشعبي  في مواضيع ساخنة بشان انتخابات الرئاسية ، نوردها باختصار كالاتي:

1ـ هل يحق للرئيس الحالي ترشيح نفسه للمرة الثالثة لهذه المهمة؟
2-ـ هل يستمر النظام  السياسي الرئاسي في الاقليم ، وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، كما متبع لحد الان، ام تحويله الى نظام  البرلماني، اي انتخاب الرئيس من قبل البرلمان وتكون صلاحياته بروتوكولية اكثر من التنفيذية اسوة برئيس العراق الفيدرالي؟
3 ـ ففي حالة الشطر الثاني من السؤال الثاني، يتطلب الامر الى تعديل مشروع دستور الاقليم المصادق من قبل البرلمان الكردستاني بشكل مفاجئ بتاريخ 24/حزيران-ـ-يونيو 2009، اي بعد انتهاء الدورة التشريعية للبرلمان السابق في 9/حزيران-ـ يونيو2009، وامراره مرور الكرام!
4 ـ هل ممكن انتخاب الرئيس الحالي من قبل البرلمان الكردستاني؟

ولمناقشة هذه الاسئلة، نرى بان ما يتعلق بالنقطة الاولى فان القوانين المعمول بها في الاقليم لاتسمح باعادة انتخاب الرئيس الحالي لولاية ثالثة.حيث تم انتخابه للولاية الثانية بحسب المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2005 انتخابا مباشرا للفترة الواقعة بين 2009 ـ 2013 . وتم  تمديدها لمدة سنتين بالاستناد الى القانون رقم 19 لسنة2013 المعروف باسم قانون تمديد ولاية رئيس اقليم في 20/اب ـ اغسطس2013 لمرة واحدة غير قابلة للتجديد ، وينتهي التمديد في 19/اب ـ اغسطس2015 .تم هذا التمديد في حينه على اثرعدم حصول التوافق  بين الحزبين  الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اللذان يربطهما التحالف الاستراتيجي لتقاسم السلطة بينهما. فالاول كان متحمسا لطرح مسودة الدستور على الاستفتاء العام لاقراره ، اما الثاني كان بجانب اجراء بعض التعديلات في مواده قبل عملية الاستفتاء ، ولم ينجز ذلك لحد الان.

ان الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكم من الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية  اعلنت مرارا ومن خلال اعلامها وتصريحات قادتها، بان القوانين المعمول بها في الاقليم لا تمنح اية فرصة لمسعود بارزاني للترشيح للدورة الثالثة. تتوقع هذه الاحزاب انه في حالة اصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على طرح الدستور على الاستفتاء بدون اجراء بعض تعديلات عليه وحصوله على التوافق الوطني ،لا يحقق نتائج ايجابية منه ،وقد يسبب ايضا الى خلق ازمة سياسية كبيرة في الاقليم .وترى بان الحل الصحيح لهذه المسالة ، هوترشيح بديل اخر من حزب الديمقراطي الكردستاني تعزيزا لممارسة مبدأ التداول السلمي للعملية السياسية والسلطة في الاقليم ، وتنتظر ايضا قطاعات واسعة من المجتمع الكردستاني بفارغ الصبر الى اجراء التغيير في العملية السياسية والظرف الراهن في الاقليم.
اما  بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني ومن خلال اعلامه وتصريحات بعض قادته ، بان مسالة الولاية الثالثة لمسعود بارزاني خط احمر غير قابلة للنقاش اوالمساهمة.وتجري وراء الكواليس والاتصالات الثنائية المخفية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاحزاب الاخرى وخاصة مع حركة التغيير والاحزاب الاسلامية،  للمساهمة والتوافق معها ونزع التنازلات منها لايجاد مخرج قانوني لاستمرار مسعود بارزاني للولاية الثالثة، واضعاف دور الاتحاد الوطني في هذه العملية.

اما  بخصوص الفقرة الثانية والثالثة المشار اليهما اعلاه ، هناك مخرج قانوني لهذه المسالة يتم : اما عبر تعديل قنون رقم 1 لسنة2005 المشار اليه اعلاه بعد حصول التوافق التام بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والحكم بحيث يوفر فرصة ثالثة للترشيح، وهذا الاجراء يتطلب انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، الا ان في الواقع العملي وارتباطا بالوضع الراهن للاقليم من مشاكل الحرب مع (داعش) وعصاباتها الارهابية ،والازمة المالية والاقتصادية التي يمر بها الاقليم حاليا، مع قصر الوقت لتنظيم الانتخابات ،لا يمكن تحقيق ذلك .
واما عبر تعديل القانون رقم 19 لسنة2013 المشار اليه اعلاه وانتخاب رئيس الاقليم داخل البرلمان ،وتكون صلاحياته بروتوكولية وتحويل معظم صلاحياته التنفيذية الى رئيس الوزراء.ويقتضي هذا الاجراء اعادة النظر في التشكيلة الحكومية الحالية ومراجعة الوضع القانوني لبعض المؤسسات.
وفي حالة عدم تحقيق ما جاء في الاجرائين المذكورين اعلاه، فان الرئيس بعد انتهاء مدة رئاسته يفقد شرعيته ويمكن ان يمارس بعض صلاحياته التي تتعلق بتصريف الاعمال  لحين اجراء الانتخابات المقبلة ، ولا يمكن ان يرشح  لها مرة الثالثة . وتتحول صلاحياته التنفيذية الى رئيس حكومة الاقليم.

جوابا على الفقرة الرابعة المذكورة في اعلاه،اعتقد  بان الحل الامثل لهذه المعضلة ارتباطا بالوضع الحالي الذي يمر به الاقليم من تداعيات الحرب على الارهاب، وتازم الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي فيه، وعدم وجود فرصة كافية لتنظيم الانتخابات الرئاسية المباشرة اوتعديل بعض قوانين الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي،هو تخلي الحزب الديمقراطي عن مساعيه لتولى رئيسه ولاية ثالثة، والالتجاء الى انتخاب الرئيس داخل البرلمان  بعد التوافق عليه ،عن طريق تعديل القانون رقم 1 لسنة 2005 ، وتقليص صلاحياته بحسب متطلبات النظام البرلماني، ومنحها لرئيس الوزراء بصفته مسؤولا مباشرا عن الجهاز التنفيذي.

ختاما، لتتظافر جهود كل الخيرين  لتنقية الاجواء السياسية في الاقليم من خلال توحيد الخطاب السياسي، وعقد مؤتمر وطني كردي وبمشاركة جميع الاطراف المعنية لجمع شمل وترميم البيت الكردي، وتوسيع الحوارات في اجواء ديمقراطية وممارستها فعليا في الحياة اليومية ، يستند على مبدأ المساواة في المواطنة والاعتراف بالاخر ،وفي تبادل السلطة بالطريقة السلمية ... واعطاء المجال للشعب الكردي للمشاركة الحقيقية في صنع القرارات السياسية ، خاصة المصيرية منها ...وفتح افاق جديدة للتعاون والتواصل والعمل المشترك لحماية المكتسبات المتحققة ... ومحاربة الفساد الاداري والمالي المستشري في المفاصل الادارية والحزبية، وايجاد رؤية واضحة وشفافة واستراتيجية بنائة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة...تفعيل دور واداء المؤسسات على اسس الانتاجية والمسؤولية ومبادئ الادارة الرشيدة ...وبناء المستلزمات الاساسية واللازمة لتطوير الفيدرالية على الصعيدين السياسي والمؤسساتي في الاقليم...ضرورة الاستفادة العقلانية من التجارب السابقة التي لم تجلب للشعب الكردي غير الاقتتال والدمار والحرب والويلات والتفرقة ، كما هو عليه اليوم. اذ اصبح الاكراد اداة وحلقة مركزية لمواجهة الصراع الدائر والارهاب المتفاقم في المنطقة . يقدمون المزيد من الضحايا البشرية والمادية ، والحرب الدائرة الان مع (داعش) وعصاباتها الارهابية خير مثال على ذلك ، وعلى حساب تحقيق المكاسب الحقيقية المتمثلة في حل المسالة الكردية حلا عادلا في المحافل الدولية . والحد من معانات هذا الشعب ، الذي يدافع عن الديمقراطية ومتعطش للحرية وصيانة الكرامة وفي تقرير المصير ، واختيار العلاقة والارادة الحرة والرغبة في العيش مع الشعوب الاخرى.



36
البرنامج الاقتصادي الحكومي ومهام التنمية الوطنية

د. صباح قدّوري

تواجه حكومة د.حيدر العبادي اليوم واجبات ومهمات كبيرة وجسيمة، ينتظر الشعب العراقي وبفارغ الصبر من هذه الحكومة انجازها.  وفي مقدمة هذه الواجبات والمهمات معالجة الوضع الامني، وتأمين الاستقرار في ربوع الوطن، وخاصة بذل جهود استثنائية للإسراع في القضاء على )داعش) وعصاباتها  من التنظيمات الارهابية، وتحقيق السلم الاهلي بين كافة اطياف مكونات الشعب العراقي، عبر حل المشاكل السياسية والطائفية والاثنية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية ومع اقليم كردستان لمصلحة وحدة العراق وشعبه.  وكذلك، التوجه الجدي نحو تفعيل دور واداء مؤسسات الدولة المختلفة، استناداً الى مبادئ الادارة الرشيدة المبنية على اسس الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية، والافصاح عن المعلومات، ومحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في المفاصل الادارية والحزبية.

ان الخلفية الايدولوجية المعتمدة من الحكومات المتعاقبة تستند على اوامر وقرارات وتوصيات الحاكم الأمريكي السابق )بول بريمر) بعد الاحتلال في 2003، ومؤازرة بعض الاقتصاديين اللبراليين الجدد، والمتماشية مع سياسات المنظمات المالية الدولية )الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية).  فالتأكيد في البرنامج الاقتصادي الحكومي الحالي، وضمن محاور عديدة، ينصبُّ على تشجيع التحول نحو القطاع الخاص، والاصلاح المالي والاداري للمؤسسات الحكومية، وكلها تُقرُّ وتدعم الخصخصة.

وتعني الخصخصة تحويل (الملكية العامة) الى )الملكية الخاصة(، التي تتوجه عادة نحو المشاريع ذات الربحية العالية، واطلاق تحديد الاسعار في السوق على اسس المنافسة الحرة بدون اي قيود، مما يمهد الطريق، في النهاية، الى الهيمنة الاحتكارية للشركات الكبرى وتثبيت اقدامها في السوق والتصرف بالأسعار والجودة لمصالحها الخاصة ( تحقيق اقصى الأرباح(، والاستحواذ على الشركات الصغيرة والمتوسطة وطردها من الاسواق.

اما اقتصاد السوق، وفق هذه الايدولوجية، فيعني ابعاد الدولة عن السوق وعدم تدخلها في تنظيم ومراقبة النشاط الاقتصادي أو تقليص دورها إلى أبعد حدٍ ممكن، باعتبار أن السوق نفسه يقوم بذلك من خلال العرض والطلب والمنافسة الحرة.

ضمن هذه المعطيات نرى أن حالة الاقتصاد العراقي اليوم تحتاج الى التوجه نحو تطبيق نوع من الاقتصاد المتوازن وفق الأشكال المتنوعة للملكية )الحكومية، التعاونية، المختلطة( ، و/أو حتى القطاع التطوعي، اذا اصبح جزءاً من الثقافة العراقية مستقبلا، مع تبني وتطبيق اجراءات الحماية للإنتاج الوطني العراقي من إغراق السوق المحلي بالمنتوجات الخارجية وتحرير الاسعار من اي قيود.

ولتحقيق هذه المهمات وغيرها يتطلب من الحكومة الحالية التفكير الجدي بعملية الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تبني رؤية واضحة وشفافة لاستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، تتضمن البعد الاقتصادي والاجتماعي الشامل لهذه العملية وفق جملة من التوجهات نعرضها، باختصار، كما يلي:

اولا: البعد الاقتصادي

1ـ إن اصلاح الهيكل الاقتصادي يجب أن يستند على استراتيجية واضحة وشفافة لتنشيط وتفعيل القطاعات الانتاجية، وفي مقدمتها الزراعة والصناعة والتشييد وغيرها، وتأمين البنى التحتية والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لها، بغية تخليص الاقتصاد العراقي من بنيته الاحادية الجانب القائمة على الاعتماد على الريع النفطي، وذلك لتنويع القطاعات الاقتصادية للمشاركة في انتاج الناتج المحلي الاجمالي، والتأمين الدائم لمصادر تمويل الميزانية العامة للدولة من خارج القطاع النفطي.

2ـ تفعيل دور القطاع الخاص الوطني وتشجيعه للمساهمة في زيادة الاستثمار والانتاج والتشغيل، من خلال التمويل المُيَسّر للصناعات الصغيرة والمتوسطة وبالتعاون مع الغرف التجارية واتحاد الصناعات العراقية.  اما القطاع الخاص الاجنبي فإن الاستفادة منه يجب أن يكون بشكل عقلاني ومدروس، للاستثمار في القطاعات التي تضم الصناعات الكبيرة ذات التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة التي تتطلب الخبرة والمهارة العاليتين غير المتوفرتين لدى الكادر الوطني.  ويجب دراستها بإمعان من جميع جوانبها المالية والادارية والتنظيمية والقانونية، وفق اسس المصالح المشتركة وصيانة السيادة الوطنية.

3ـ اصلاح النظام المالي والنقدي من خلال البنك المركزي، الجهة الوحيدة المستقلة والمتخصصة في رسم السياسة النقدية، من دون التدخل في واجباته الاساسية في عملية تامين الاستقرار النقدي، والحفاظ على الرصيد الاحتياطي من العملات الاجنبية لديها، وسعر صرف الدينار العراقي مقابل سلة العملات الاجنبية.  وكذلك، مراقبة ظاهرة التضخم من خلال السيطرة على ارتفاع الاسعار مقابل تعزيز القوة الشرائية للدينار العراقي، ومراقبة تحديد سعر الفائدة، وتفعيل وتنشيط دور المصارف وتقديم الدعم اللازم للقطاع الخاص من القروض الميسّرة بفوائد منخفضة.  بالإضافة إلى متابعة عمليات الاستيراد وفق الوثائق الحقيقية لها، ومراقبة تنفيذ الاعتمادات المستندية ووصول البضائع إلى الموانئ والمنافذ الحدودية العراقية، تلافياً لحدوث عمليات الفساد المالي وغسيل الاموال.  هذا اضافة الى السعي لزيادة معدل النمو الاقتصادي والتشغيل، وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخول والثروات في المدى المنظور.

4 ـ وفي الجانب المالي، يجب الاهتمام باستخدام معايير علمية ومنطقية في تبويب واعداد الموازنة العامة، تعتمد على قياس كفاءة الاداء والانتاجية، والتحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلاني، بحيث تكون تقديرات الميزانية اقرب الى الواقع على اساس الاهداف والبرامج الحقيقية .

5 ـ الزام وزارة المالية بتطبيق "قانون الادارة المالية" والذي ينص على تطبيق شفافية الموازنة تجاه استخدام الاموال العامة في مجال التنمية الوطنية المستدامة وفقاً للمعايير الدولية المتبعة، وتزويد المجتمع بمزيد من البيانات والمعلومات عن الحالة الاقتصادية والموازنة العامة للدولة بغية الاطلاع على اولويات وتفاصيل اوجه الانفاق ومصادر المالي الحكومي.
6 ـ معالجة الخلل البنيوي في تركيبة الموازنات السابقة، بسبب التفاوت الكبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الانفاق العام التشغيلي الذي يمثل معدلاً بحدود 70% والانفاق العام الاستثماري بحدود 30% من مجموع الميزانية.  وتسبب هذه الحالة  )تدني الانفاق الاستثماري) عجز الموازنة في خلق حالة ديناميكية على مستوى تحقيق النمو الاقتصادي بمعدل 5% إلى 7% على سبيل المثال، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد في مجال اعادة بناء البنى التحتية والتوسع فيها، وتأهيل القطاع النفطي لرفع إنتاجه من النفط الخام الى 9 مليون برميل يوميا حتى عام 2020، وبأسعار معتدلة للنفط، وكذلك النهوض بالقطاعات الانتاجية الأخرى.  ولتحقيق ذلك يتطلب توزيع نفقات الموازنة بالمناصفة بين التشغيلية والاستثمارية في المدى المتوسط والبعيد.

7ـ اصلاح النظام الضريبي بما يحقق العدالة والحد من الفساد المالي والاداري المستشري فيه.

8 ـ اصلاح النظام المحاسبي بحيث يرتقي الى مستوى القياس العالمي، من خلال توحيد الانظمة المحاسبية المتعددة المعمول بها حاليا في القطاعين العام والخاص، وتطوير اساليب الرقابة المالية وجودتها، ورفع القدرات المهنية للعاملين في حقلي المحاسبة والادارة، واستخدام ادوات جديدة لمعالجة وظيفة النظام المحاسبي لإنتاج المعلومات الاقتصادية على الصعيدين الكلي )الماكروي) والجزئي )المايكروي(،وتطبيق المعايير المحاسبية الدولية، مما سيعود بفوائد كثيرة على توثيق المعاملات التجارية الداخلية للشركات الوطنية والاجنبية او الشركات العالمية-العراقية المشتركة.

9 ـ تطبيق نظام مالي حديث بالاعتماد على التكنولوجيا المعلوماتية لإنتاج البيانات والمعلومات المالية اللازمة لعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والادارية.

10ـ ضرورة تفعيل وتطبيق مبدأ اللامركزية الادارية والمالية للأقاليم والمحافظات العراقية.


ثانيا: البعد الاجتماعي

يجب ان تحقق التنمية الوطنية الشاملة ابعادها ومردوها الاجتماعي، من خلال انجاز المهمات الاتية:

1ـ معالجة ظاهرة البطالة عن طريق تأمين فرص العمل اللائقة للجميع، والقضاء على الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال تأمين فرص تشغيل اكثر للطبقة الوسطى لتوسيع حجمها، وتقليص حجم الفئات الفقيرة وتلك التي تعيش تحت خط الفقر.

2ـ اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة للجميع لتحقيق مبدأ العدالة الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تقليص التفاوت الكبير في مستويات الدخل وتراكم الثروات بين الافراد وبين مناطق البلاد.

3ـ المسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة وحمايتها من التلوث والدمار.

4 ـ المساهمة في سوق العمل عن طريق تأهيل وتدريب القوى البشرية العاملة، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة، بهدف رفع الانتاج والإنتاجية وجودتهما.

5 ـ الاعتناء بجودة الانتاج وتقديم افضل الخدمات التسويقية وفق المعايير القياسية، لصالح المستهلك وحمايته.

6 ـ تامين نظام الضمان الاجتماعي لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل، واتباع وسائل فعالة لتوزيع الدخل بين افراد المجتمع بعدالة قدر الامكان.

7ـ توفير نظام مجانية الصحة لجميع المواطنين.

8 ـ توفير التعليم المجاني بجميع مراحله لكافة ابناء الشعب.
9 ـ رفع الوعي العام والمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في ممارسة الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار والرقابة الشعبية.

ثالثا: استدامة التنمية

ان الابعاد الاقتصادية والاجتماعية المنوه عنها اعلاه، اذا اخذت بها بعناية وجديه وفق رؤية واستراتيجية مدروسة على اسس الاهداف والاولويات والبرامج، فإن عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية، التي هي من صلب اوليات واجبات الحكومة، ستحقق بلا شك مفهوم الاستدامة للتنمية الشاملة، وفق الاهداف الاتية:

1ـ انتقال اقتصاد العراق تدريجيا من اقتصاد ريعي احادي الجانب ذي طابع استهلاكي الى اقتصاد متنوع ذي صفة انتاجية من خلال اعادة الهيكلية الاقتصادية لصالح القطاعات الانتاجية وهو اقتصاد منتج للقيمة المضافة، اي يساهم في زيادة تراكم راس المال.

2 ـ اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين من خلال اعتماد سياسة الاقتصاد الانتاجي، فهو وحده القادر على رفع انتاجية العمل، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات للمواطنين.

3 ـ ضمان استمرار النمو الاقتصادي بوتيرة منتظمة في الامد المنظور.

4 - الحد من سياسة الاستيراد المفتوح المعمول به حاليا والاقتصار على ما هو ضروري من المنتجات والسلع المختلفة المطلوبة للإنتاج والاستثمار والاستهلاك، والمستلزمات الوسيطة للإنتاج الصناعي والزراعي للقطاعات المختلفة، والاعتماد على الانتاج الوطني من السلع والخدمات المتوفرة وحمايته من خلال تفعيل واعادة بناء المؤسسات الانتاجية الحكومية، وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في الاستثمارات الانتاجية، وتفعيل قانون التعرفة الكمركية رقم (22( لسنة 2010 المعدل.  وكذلك، التفكير بتصدير المنتجات النفطية البتروكيمياوية والكبريت والاسمدة والفوسفات وغيرها، وبعض المنتوجات الزراعية والحيوانية كالتمر والحبوب والصوف والجلود وغيرها، مما يساعد على تعديل الميزان التجاري لصالح العراق في الامد المنظور.

5 ـ اعتماد الموازنة كنظام للمعلومات في صياغة الاستراتيجيات التنفيذية للمشروعات العامة.
6 ـ تحسين اليات متابعة الاداء الاداري والمالي والتنفيذي لمشروعات الموازنة.

7ـ تعزيز العملية الرقابية من خلال تطبيق المعايير الرقابية والمراجعة الدولية ودليل قواعد السلوك الاخلاقي للمحاسبين المهنيين.

8 ـ محاربة الفساد المالي والاداري من خلال التعاون بين هيئة الرقابة المالية والنزاهة والقضاء والرقابة الشعبية.

9 ـ دعم وتسهيل عملية تطبيق سياسات محاسبية موحدة على كافة القطاعات الاقتصادية.

10 ـ الانتقال من الأساس النقدي لعملية المحاسبة الحكومية المعمول بها حاليا للإيرادات والمصروفات الى تطبيق اساس الاستحقاق.

11 ـ توحيد اساليب اعداد التقارير والقوائم المالية الحكومية والافصاح عنها بشكل دوري وفق المعايير الدولية.

ختاما، ان اشكالا كثيرة ومختلفة من الدمار الذي يمكن اجتنابه تنبع من الخصخصة واقتصاد السوق في ظل غياب التحضير الاجتماعي والتكنيكي الكافي لها.  ان ما جرى ويجري في أوربا الشرقية ومعظم البلدان المتخلفة والنامية، والعراق منها، هو اعتناق نسخة من رأسمالية السوق الحرة(المؤدلجة(بقوة ضمن وصفة
)العلاج بالصدمة(، التي ليس لها اي اساس تجريبي.  تشير بعض المعلومات والتقارير والأبحاث واستطلاعات الرأي في أوربا الشرقية والوسطى ان تفشي الفساد في سياسات الخصخصة والسوقنة، التي تنفذ في ظل القواعد المعمول بها، قد خلقت أساساً للمقاومة يتطلب اما التسوية الشاملة او القمع.  والملاحظ من تجربة دول الرفاهية، ومنها على سبيل المثل الدول الاسكندنافية، أنها لا تعكس غير اهتمام قليل بالأشكال البحتة للرأسمالية، بل أن أنظمتها تؤكد على خيار يتضمن أشكالاً من الحماية الاجتماعية وبدرجات متفاوتة.  ولتحقيق بديل اخر، قد يظهر نوع جديد من التسوية الاجتماعية يتضمن خليطا مؤسساتياً يختلف عن الرأسمالية الاوربية الكلاسيكية، وينسجم مع العقلانية الاقتصادية بشكل صحيح، والبيئة الاجتماعية والتنظيمية والقانونية لكل بلد.



37
ملاحظات عن اداء وظائف مؤسسات الدولة العراقية

د.صباح قدوري
في المجتمعات المتقدمة والمتحضرة ، المترسخة فيها مبادئ القيم الديمقراطية وتمارس تطبيقها عمليا في الحياة اليومية، نجد ان مؤسسات الدولة الادارية ، وبالتحديد السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية مستقلة تماما وغير متداخلة في واجباتها واداء وظائفها، بالاضافة الى السلطة الرابعة وهي الاعلام .
اما في معظم دول المنطقة ومنها العراق ، هناك خلل في فهم وواجبات وممارسة صلاحيات هذه السلطات، كاد ان يكون الفصل بينها وعدم تجاوزها ضعيف جدا في الممارسات التطبيقية. وتؤدي هذه الحالة الى تداخل صلاحيات ومسؤوليات هذه السلطات مع بعضها ، مما يؤثر بلا شك على ممارستها وما يترتب عليها من نتائج سلبية وغير مرضية في عملية صنع القرارات.
حدد الدستور العراقي بشكل واضح ومحدد صلاحيات هذه السلطات وكيفية ترجمتها الى واقع التطبيق في الحياة اليومية. اما الممارسة الفعلية لهذه السلطات على ارض الواقع في العراق اليوم، فتتسم ببعض الصفات ، وهي كالاتي :
ـ ان السلطة القضائية مسيّسة لدينا بدرجة ما لصالح القرارات الحكومية (السلطة التنفيذية).
ـ ان تقاسم السلطات الادارية في التشكيلة الحكومية، لا يزال مبني على المحاصصة المقيتة والحزبية الضيقة وضعف اداءها، الى جانب اختيار الوزراء على اسس الكفاءة المهنية والخبرة والنزاهة.
ـ ان دور وصلاحية السلطة التشريعية (البرلمان)، تهيمن عليها هي الاخرى المحاصصة الحزبية والطائفية والمذهبية والاثتنية الضيقة.
ـ ان رئاسة البرلمان تمارس بعض المهمات ليست من اختصاصاتها، وفي كثير من الاحيان نرصد خروقات بروتوكولية واضحة في بعض هذه الممارسات، فمثلا، ليس من اختصاصات رئيس البرلمان او نوابه او اعضاء الوفد المرافق له في حالة ايفادهم الى اية دولة لتبادل وجهات النظر والتعاون مع  برلمان تلك الدولة، ان يلتقي الرئيس او احد اعضاء الوفد بالمسؤولين الرفيعين من رئيس الدولة او رئيس الوزراء وغيرهم.
ـ ان دور الرقابة لا يزال ضعيفا في البرلمان ويُمارس هذا الدور بشكل غير نظامي احيانا، مما قد ينسحب سلبا في اداء هذا الدور بشفافية ومصداقية وجودة عالية. فمثلا لم نجد اي دور بناء للرقابة المالية  في البرلمان، ولاسيما فيما يخص الموازنة الاتحادية ، وتأخير تقديم الحسابات الختامية للفترات السابقة، وعدم مناقشة تقارير هيئة الرقابة المالية او حتى النزاهة.
ـ يتطلب من رئاسة البرلمان تنظيم مسألة التصريحات الاعلامية المختلفة التي تصدر من بعض اعضاء البرلمان بشكل شخصي او يعبر عن وجهات نظر كتلهم السياسية، وتتسم احيانا بنوع من الاستفزازية تجاه الاخرين و/ او تكون ناقصة في المعلومة وغير مهنية ، ومن الضروري حصر هذه التصريحات برؤساء اللجان المختصة في البرلمان كل حسب اختصاصه، منعا للالتباس .
ـ امام البرلمان مهمات اساسية آنية، يجب انجازها وتشريع قوانين خاصة بها، لاسيما قانون الميزانية، قانون النفط والغاز، قانون الاحزاب، واعادة النظر في قانون الانتخابات التشريعية الحالية، وغيرها، وبأسرع وقت ممكن.
ان علاقة السلطة التنفيذية والبرلمان ببعض المؤسسات الاخرى، مثل (البنك المركزي، وهيئة الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، والهيئة المستقلة للانتخابات)، التي لها صفة مستقلة ايضا والمسؤولة  مباشرة عن اداء واجبها،غير واضحة بشكل محدد، فمنها على سبيل المثال:
ـ نجد ان البرلمان من خلال لجانه المتعددة الدائمة، و/أو تشكيل لجان خاصة لمهمات خاصة، مثل انشاءه مؤخرا لجنة خاصة للتحقيق في قضية سقوط الموصل في يونيو/حزيران العام الماضي من قبل ( داعش) ، على اسس المحاصصة المقيتة، مما قد يؤثر على قراراتها وعلى (نزاهة التحقيق!) . علما بأن هذا التحقيق ليس من اختصاصها بقدر ماهو من اختصاص القضاء العسكري ، بعد تقديم الدعوة على المسؤولين المباشرين في وزارات الدفاع والداخلية والامن القومي والقائد العام للقوات المسلحة السابق، ومن شارك معهم من المدنيين بتهمة الخيانة العظمى وتهديد الامن القومي، لتأخذ طريقها الى العدالة وفق الاصول القانونية.
 ـ ان البنك المركزي مسؤول عن رسم السياسة النقدية للبلد، من سعر صرف الدينار، اصدار العملة، احتياطات سلة العملات الاجنبية، معدل الفائدة، التضخم النقدي، وغيرها . فمن المفروض عدم التدخل او اطلاق اية توجيهات من السلطتين في شؤون البنك في هذه الاختصاصات. ولكن في حالة وجود التقصير في اداء مسؤولي البنك لواجباتهم بشكل صحيح ، يقتضي على البرلمان استقدامهم للاستجواب والمحاسبة بعد ثبوت التقصير  .
ـ هيئة الرقابة المالية مسؤولة عن تدقيق الحسابات وانجاز الحسابات الختامية في موعدها المقرر، والوقوف على التجاوزات وعدم قانونية الصرف او الايرادات ، والكشف عن الفساد المالي والاداري في اداء المؤسسات الادارية للدولة، وغيرها. وهي ملزمة بتزويد البرلمان بتقاريرها الدورية والسنوية  بغية عرضها للمناقشة من قبل اعضاء البرلمان والمصادقة عليها .
ـ اما هيئة النزاهة المستقلة، وهي حديثة التكوين في العراق بعد 2003 ، مهمتها اجراء التحقيقات اللازمة في كل القضايا المتعلقة بالفساد المالي والاداري. وهي ضعيفة في اداءها، وتحتاج الى اعادة تشكيلها على اسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والاخلاص بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة ، وتفعيل دورها لمحاربة الفساد المستشري في كل المفاصل الحكومية والحزبية.
ـ والحال بالنسبة للهيئة المستقلة للانتخابات، وهي الاخرى حديثة العهد بعد 2003، اذ تقاسم اعضاءها على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة. بالاضافة الى التدخل المباشر من (السلطة التنفيذية) في شؤون المفوضية في كل الدورات الانتخابية، لفرض تنفيذ اوامرها ورغباتها وطلباتها على العملية الانتخابية، مما يمس باستقلاليتها ودورها في الاداء.
ان تفعيل دور السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية، لكي تمارس وظائفها بالشكل الصحيح والمطلوب ، يقتضي قبل كل شئ التأكيد على احترام استقلاليتها وعدم التدخل في شؤونها. وفي التطبيق العملي لا يمكن تحقيق ذلك ، الا من خلال الديمقراطية الحقيقية وممارستها فعليا في الحياة اليومية. وهذا يعني الأقرار بالتعددية السياسية ونظام الحكم والمساواة في المواطنة بعيدا عن الهويات الفرعية (الدين، القومية، الحزبية الضيقة) واحترام الاراء والحقوق العامة والخاصة للمواطن، الفصل بين الدين والحكم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
 وبالرغم من التغيير الذي حصل بعد الانتخابات الاخيرة، وتحقيق بعض المنجزات الأولية في اجراء تغيرات على البنية الادارية لمؤسسات الدولة، وانفتاح الكتل السياسية على بعضها (نظريا)، لكن العملية تجري ببطء كمشي السلحفاة في الممارسات الفعلية، والتوجه نحو حل الخلافات مع اقليم كردستان العراق من دون اعلان اجراءاتها وملامحها وحلولها كاملة وبشفافية للجمهور العراقي. الانفتاح ايضا في العلاقات مع دول الجوار الاقليمية والدولية، التي تحتاج الى المتابعة ووفق اسس المصالح المشتركة ومبدأ التعامل بالمثل، وعدم الأفراط بالسيادة الوطنية.
ختاما، ان جميع المؤسسات الادارية المتمثلة بالسلطات المذكورة انفا ، مطالبة بالعمل الجاد لاجراء اصلاحات سياسية واقتصادية (من دون االدخول في التفاصيل)، كالاتي:
 ـ التوجه نحو حل المشاكل السياسية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية لمصلحة وحدة العراق وشعبه.
 ـ الابتعاد عن المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة في توزيع الادوار السياسية، بهدف الأستحواذ على السلطة والمال والنفوذ.
 ـ اصدار قانون الاحزاب على اسس المواطنة ، بعيدا عن التعصب الطائفي والقومي والديني والتدخل الحكومي المباشر في شؤونها الداخلية.
ـ  انقاذ البلاد من الخطر الامني، والقضاء على الارهاب بأشكاله المختلفة ، وخاصة في الحرب ضد (داعش)
ـ التحول من الدولة الريعية ، الى دولة انمائية ، تدفع بعملية النمو الاقتصادي، من خلال تحسين الانتاجية، وارساء الحكم السليم ومعالجة البطالة عن طريق استحداث فرص العمل اللائق.
ـ التوجه نحو التنمية المستدامة الشاملة للجميع ، والقابلة للتحقيق.
ـ اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية شاملة للجميع لتحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية .
ـ محاربة الفساد الاداري والمالي بجدية وحزم.
ـ الأسترشاد بأركان ومبادئ الادارة الرشيدة.
ـ ضرورة تفعيل وتطبيق اللامركزية الادارية والمالية للمحافظات بعد اقرار الموازنة الاتحادية 2015.
ـ ايجاد حلول سريعة ومجدية لمعالجة شؤون اللاجئين والنازحين عبر التعاون الجدي بين الرئاسات الثلاث ، وباسرع وقت ممكن.

38
ملاحظات بشأن الموازنة الاتحادية2015*

د.صباح قدوري

ان من يحاول التامل في مسار الاقتصاد العراقي من منظور المستقبل ، لابد ان يتناول العديد من المتغيرات  الخارجية والداخلية ، اذا ما اراد ايفاء هذا التامل حقه . وهنا اود ان احصر من هذه المتغيرات ، ببعض ملاحظاتي المتواضعة بشان الموازنة الاتحادية لعام 2015 .بدءاً بما أصاب الاقتصاد العراقي، وخاصة نظامه المالي والنقدي بما فيه الميزانية العامة من التدهور والانهيار والأمراض المزمنة ابان النظام الديكتاتوري المقبور ولحد الان ، وذلك للاسباب التالية:

أولا:

1 .ا لحروب العبثية التي قام بها النظام ضد الاكراد 1974، ، وشن حملات الانفال  السيئة الصيت  على الشعب الكردي وقصف حلبجة بالاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا في اواخر 1980،الحرب ضد ايران 1980، ودامت ثمان سنوات،غزو ومحاولة احتلال كويت 1990، وفرض  الحصار الجائر على الشعب العراقي ، طال امده 13 سنة، قمع انتفاضة الشعب العراقي 1991، واخيرا الأحتلال انكلوا- امريكي 2003 . كلفت هذه الحروب المجنونة خسائر بشرية بملاين من البشر ، والخسائر المادية بعشرات مليارات من الدولارات من عوائد النفط.
2.صرف احتياطي العملات الاجنبية كان يمتلكه العراق في حينه ، قدرت قيمته بين  35-40 مليارد دولار .
 تفاقمت مديونية العراق وبلغ الدين الخارجي بحدود 100مليار دولار، وترتب 200 مليار دولار لتسديد التعويضات المطلوبة منه بقرارات الامم المتحدة، وان كلفة الاضرار التي لحقت بايران خلال الحرب حسب  تقديرات الامم المتحدة ، كانت بحدود 100مليار دولار ، وبذلك بلغ مجموع الالتزامات المطلوبة من العراق في حينه 400 مليار دولار.
3.ارتفاع معدلات التضخم بشكل سريع، نتيجة انخفاض شديد في القدرة الشرائية للدينار العراقي ،  واصبحت نسبته2000%  صعودا ونزولا بعد فرض الحصار الاقتصادي عام 1990.
4.تدمير شامل ومبرمج  للبني  التحتية، وتدهور  الانتاج ، وخاصة في القطاعات الانتاجية المهمة ، كالزراعة والصناعات التحويلية، وغيرها. وتدني الخدمات والحاجات الاساسية للمواطنين من الماء والكهرباء ، والتعليم  والصحة والجوانب  الاجتماعية. وقد ادى التاثير المشترك للحروب والعقوبات على تقلبات دراماتيكية في انتاج النفط وتصديره .اذ انخفض انتاج النفط من 2,5 مليون برميل في عام 1980 قبل  الحرب على ايران الى 1 مليون برميل يوميا عام 1983، مع القدرة التصديرية للعراق الى( 700) الف برميل يوميا فقط ، واصبح بيعه  تحت اشراف الامم المتحدة ، مقابل تامين الغذاء  للشعب العراقي .
 5.استخدام اموال العامة في عسكرة الاقتصاد والارهاب، بدلا من توظيفها في خدمة عملية التنمية  الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. 
 6 .تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الادارية وأختراق مؤسسات الدولة من قبل البعثيين السابقين .

ثانيا:

 وفي ظل النظام الجديد بعد الاحتلال 2003 ، فشلت كل الحكومات التي شكلت لمعالجة الاثار الكارثية التي تركها النظام السابق على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة ، وذلك لاسبات منها:

  1- انعدام رؤية شفافة واستراتيجية و/او ايدلوجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المستدامة.  وقد بلغت موارد الدولة العراقية منذ الاحتلال في 2003 ولحد اليوم نحو 700 سبع مئة مليار دولار امريكي ، لم تستثمر منها الا مبالغ قليلة جدا في تطوير القطاعات الانتاجية، وخاصة الصناعة والزراعة ، ولا في مجالات بناء واعادة بناء البني التحتية ، و/او جلب التكنلوجيا المتطورة، ولا في تحسين وتامين الخدمات العامة الضرورية من الصحة والتعليم ومياه للشرب وكهرباء ومشتقات النفط، ولا لتنفيذ خطط جادة للقضاء على البطالة الواسعة . اذ تم تبديد غالبيتها في مشاريع وسياسات لا علاقة لها بتحقيق التنمية الوطنية. كما جرى نهب عشرات المليارات منها من قبل المحتلين والفاسدين والمافيات والطفيليين على المستويات الادارية والحزبية.
 2- سؤء الادارة المالية والنقدية ، وعدم الارشاد باركان الادارة  الرشيدة.
 3- انتهاج النظام السياسي على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية.
 4- استشراء نظام الفساد الاداري والمالي  في كل المفاصل الادارية والحزبية.
  5- انعدام الامن والاستقرار، من جراء الخلافات السياسية والطائفية والاثنية، والصراع على المال   والسلطة والنفوذ ، مما يهدد السلم الاهلي ، وخاصة بعد تصاعد العمليات الارهابية من قبل ما يسمى  بالدولة الاسلامية ( داعش)، بعد احتلالها مدينة الموصل و بعض المناطق  من صلاح الدين، وديالى،والرمادي.
 6- استمرار الخلافات السياسية بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان ، وذلك فيما يتعلق
بالحصةالمخصصة للاقليم من مداخل النفط والموازنة العامة .

وبناء على ماتقدم ، ارى بان التغييرات التي حصلت على الحكومة السابقة، نتيجة للانتخابات  التشريعة التي جرت في نيسان من العام الحالي، وانبثاق الحكومة الجديدة برئاسة السيد حيدر العبادي، وبمشاركة الاطراف السياسية ، ينتظر الشعب العراقي بفارغ الصبر من هذه الحكومة الاستفادة من الاخطاء  والويلات السابقة والتوجه نحو الاصلاح والتغيير الحقيقيين على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبئية، وفق رؤية واضحة وشفافة واستراتيجية بناءة لعملية التنمية الاقتصادية /الاجتماعية المستدامة، وترجمة اهدافها في اعداد خطة الموازنة الاتحادية لعام 2015 ، وفق بعض الملاحظات ، ارها مهمة بهذا الخصوص ، اوردها ، كالاتي:

1- ان مشروع قانون الميزانية هو اداة رئيسة لتنفيذ التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة.
2- استخدام معايير علمية ومنطقية في تبويب واعداد الموازنة العامة . تعتمد على قياس كفاءة الاداء والانتاجية ، على ضؤء الحسابات  الختامية  للميزانيات السابقة ( عادة للمزانيتين السابقتين) لكل مؤسسة اودائرة حكومية. قياس نسبة التبذير والنفقات غير الضرورية ، وحسب كلفتها وانتاجها المادي والمعنوي ضمن موقعها من المخطط الاقتصاد الوطني ،والرقابة  الصارمة على  الفساد المالي والاداري.
3- التحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلاني ومنطقي حتى تكون تقديرات ميزانية  2015  اقرب الى الواقع على اسس الاهداف والبرامج الحقيقية ، وليس فقط الارقام المجردة  كما متبع لحد الان. الاستعانة بالاساتذة والاكاديميين والباحثين المهتمين في هذا المجال ، لوضع الدراسات عنها لغرض التقييم والمحاسبة ،وتطوير العمل والانتاجية ، واشباعها بالمناقشات على كافة المستويات المطلوبة.
4- العراق ما زال يعاني من نزاعات داخلية، ولم تتوافر له بعد أسباب الأمن والأستقرارعلى نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية واعادة الأعمار.ففي ظروف انعدام استراتيجية تنموية واضحة وخلل امني كبير بشكل أساسي، سيتم التوجه إلى القطاعات ذات الربحية السريعة دون إعطاء أية أهمية للقطاعات المنتجة.
5- اعتماد منهجية اقتصادية شفافة ومحدده لعملية التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المستدامة ، وفق الرؤية الاستراتيجية الواضحة والمتكاملة لافاق التطور الاقتصادي في المرحلة الراهنة . ان الخلفية الايدلوجية والفكرية  المعتمدة للحكومة العراقية وبمؤازرة من الاقتصاديين اللبراليين الجدد للموازنات السابقة ، تحث وتشجع وتدعم فقط نظام اقتصاد السوق والخصخصة ، متماشيا مع سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية ( الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) على الاقتصاديات  المتخلفة في الوقت الراهن، مما تفتح هذه الحالة الطريق امام رؤوس الاموال الاجنبية لفرض هيمنتها على النشاط الاقتصادي الوطني، فعليه ارى انه من الضروري التوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، وذلك          من خلال برنامج اصلاحي معلن ، تحدد فيه دور ومهام كل من القطاع  العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية .     
6.-أقترح ان تكون بنية الموازنة العامة لعام 2015 ، كالاتي:

اولا :الايرادات العمومية للدولة ، تكون تركيبتها، كالاتي:

ــ عائدات النفط ، المساعدات الخارجية النقدية وتنفيذ المشاريع ، الضرائب ،الديون الخارجية والداخلية ، ايرادات اخرى.
ــ الأعتماد بالدرجة الأولى على الريع النفطي  حتى الان، وبقاء بنية الموازنة احادية الجانب للأقتصاد العراقي على هذا الريع ، وتبعيات كمياته واسعاره  المنتجة،بدلأ من التفكير في استراتيجية واضحة لتنشيط القطاعات
الأنتاجية الأخرى وخاصة  الزراعية والصناعية منها.

ــ اما المساعدات الخارجية  لتنفيذ اعمار وبناء بعض المشاريع بشكل مباشر من قبل الدول المانحة للمساعدة، تكرس نوع من تبعية واعتماد الأقتصاد العراقي على الخارج في تحديد اتجاهات اعادة هيكليته، وبالتالي يشكل تدخلا مباشرا في شؤون العراق وانتقاصا لسيادته الوطنية.

ــ  اما الاقتراضي الداخلي ، يتم عن طريق اصدار سندات حكومية بربحية عالية، وتقديم تسهيلات كبيرة
الى المستثمرين  تجعل من مخاطراتهم باموالهم مجزية.

ــ اما الديون الخارجية ، يجب الألتجاء اليها بعقلانية في حالة ضرورة قصوى، بما لها من  التبعيات والمشاكل الادارية والمالية والتنظيمية والقانونية. وتكون عادة فوائدها مرتفعة ، مما تشكل عبئاً كبيرا وثقيلا على الاقتصاد العراقي مستقبلا .

ــ اما الأيرادات الناجمة عن الضرائب فهي في تناقص مستمر، بسبب صعوبة الجباية وانتشار الفساد الأداري والمالي في اجهزتها ،كذلك ايرادات الرسوم الجمركية تخضع لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية منها منظمة التجارة الدولية التي تهدف الى ازالة الحواجز الجمركية بمرور الزمن.

ثانيا : نفقات جارية – التشغيلية العمومية، يمكن تصنفها ، كالاتي:

 ـــ   نفقات اقتصادية، وتشمل(الطاقة ،والماء ، والصناعة ، والزراعة ، والتجارة ،النقل والمواصلأت
( الأنشاءات والبناء،والتكنلوجيا الحديثة ، والبنية التحتية ، وغيرها.
   
ـــ نفقات اجتماعية، وتشمل( الصحة ، والتعليم ،التشغيل والتنمية الأجتماعية ، والضمان الأجتماعي والشيخوخة، والمراة ، والثقافة ،والاوقاف ، والشباب والرياضة، والسياحة ، والغابات ، والبيئة ،وغيرها) .

ـــ نفقات سياسية وامنية، وهي مهيمنة  لحد الان على الموازنة ، وتشمل( الدفاع ، والأمن ،والخارجية ، والداخلية ، والعدل ، الأنفاق العسكري الأخرى، والبرلمان ، ورئاستي الوزراء والدولة ، وغيرها).
ان سياسة التمويل بالعجز لهذه النفقات العمومية ، لأ تؤدي الي خلق الزيادة في تراكم راس المال الثابث كما يذهب اليه البعض ، وكما هو الحال في الأنفاق العام الأستثماري ، بل تشكل وسيلة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية ، وبالتالي زيادة المديونية وتفاقم عجز الميزانية العامة وتتحول الى حالة مزمنة ترافقها ارتفاع معدلأت التضخم و الكساد والبطالة وارتفاع العبء الضريبي، وكل هذه النتائج تعكس على الحقوق الأقتصادية والأجتماعية للطبقات المسحوقة.

ثالثا:  موازنة الخطة الاستثمارية 2013-2017

هناك خلل بنيوي في تركيبة االموازنات  السابقة ،وذلك بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين
 الأنفاق العام التشغيلي التي تمثل بحدو د70% والأنفاق العام الأستثماري وتشكل بحدود 30% من مجموع الموازنات .تسبب هذه الحالة الى عجز الموازنة في خلق ديناميكية على مستوى  تحقيق   النمو الاقتصادي ، فمثلا 5-7%في موازنة 2015، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء واعادة بناء البنية التحتية ، تأهيل القطاع النفطي الى 3-5 مليون برميل يوميا ، وباسعار معتدلة للنفط في المستقبل المنظور ، كذلك الأنهاض بالقطاعات الأنتاجية ، وفي مقدمتها القطاع الصناعي والزراعي وغيرها، وتوزيع نفقات الميزانية بالمناصفة بين التشغيلية والاستثمارية في المرحلة الراهنة.

 والخلأصة يمكن القول ، بان مشروعات الميزانيات السابقة  لم تؤدي مهامها في عملية انتعاش الأقتصادي في العراق الجديد ضمن اوضاع امنية منفلتة،وفشل السياسات الأقتصادية للحكومات قبل وبعد سقوط الديكتاتورية، ومادام هناك التاكيد وبشكل مستمر على زيادة الأنفاق العسكري والأمني  بالنسبة للوضع الراهن ،مما تسبب الى زيادة النفقات العمومية بمعدلأت كبيرة .هناك تبذير كبير في مجال الأنفاق العمومي في رواتب المسؤولين للأجهزة الحكومية على مستوى الوزارات واعضاء البرلمان العراقي ،ونفقات حمايتهم واسكانهم ، كذلك نفقات السلك الدبلوماسي في الخارج ، دعم الأحزاب المشاركة في الحكومة وميلشياتها باموال ضخمة، نفقات المهجرين والمرحلين ،تفاقم مشكلة سياسة الدعم والمديونية الخارجية ، مع اتساع وتفاقم ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي وغسيل الاموال على كافة المستويات الأدارية، وغياب الضمانات الكفيلة بحماية الثروة الوطنية والمال العام.


والبديل لهذه السياسة هو اعتماد على سياسة مالية تستند الى استراتيجية تنموية ، من خلأل وجود رؤية مهمة في ما يتعلق بأولويات واهداف التنمية ضمن (استراتيجية التنمية الوطنية) ، وتوسيع اطار هذه الأستراتيجية بما يكفل صياغة اهداف وبرامج قطاعية محددة ، واعادة ترتيب الأولويات بشكل يتناسب والتطورات الجديدة في الحالة العراقية ، بحيث تضمن معدلأت مقبولة  للنمو  والاداء الأقتصادي ،وتهدف الى اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور ، والقضاء على البطالة ، وبعث الحيوية في قدرة الدولة على اداء مهامها بأحسن وجه ممكن، وتنفيذ البرامج الاستثمارية المهمة، وايجاد اليات وادوات فعالة لتحقيق هذه الاهداف. التوجه نحو تطبيق مبدأ اللامركزية الادارية للاقاليم والمحافظات ، والترشيد باركان ومبادئ الادارة الرشيدة( الديمقراطية ، الشفافية، والنزاهة ، والمسئولية والواجبات … وغيرها).
* ورقة عمل مقدمة الى المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي ، للمناقشة في الجلسة الحوارية بتاريخ 6/12/2015 حول الموازنة الاتحادية 2015، والمنعقدة في مقر المعهد في بغداد .

39

الشعب الكردي يُقتل ويُذبح في مقاطعة كوباني... والجيش التركي يتفرج على مشارفها
د. صباح قدوري

كما هو معروف عبر الدلائل والشهود التاريخية ، بان حكام تركيا لم يوضحوا بشكل جلي نياتهم الصادقة تجاه القضية الكردية بشكل عام ، وخاصة في الدولة التركية.ولم يفكروا يوما ما بشكل جدي ونية حسنة لوضع حلول سلمية لحل المعضلة الكردية في بلدهم، والاعتراف بها كقضية سياسية اجتماعية موضوعية ، يجب حلها بشكل يضمن حق تقريرالمصير للشعب الكردي. الا ان حكام تركيا اصروا على العكس من ذلك، وانتهجوا سياسة القهر والاضطهاد والأسلوب العسكري الدموي،وتفعيل وتعميق ازمة المواجهة بين الاكراد المطالبين بحقوقهم المشروعة ، وهم بحدود 15 – 20 مليون يعيشون داخل الأراضي التركية ،وتتعامل مع حزب العمال الكردستاني كمنظمة ارهابية غير مؤهلة للمطالبة بالقضية الكردية. بدلا من انتهاج الحوار الحضاري والمصالحة في معالجة هذه القضية.

ان الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسها اردوغان، طرحت في اواخر عام 2012 ما يسمى بالحل السلمي والمصالحة مع عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون الى الابد، بشرط انسحاب ومغادرة قيادات وانصار الحزب اراضي تركيا كخطوة اولية للمفاوضات.وحسب تصريح اردوغان لوكالات الانباء في حينه : بان الاكراد لم يلتزموا بهذا الشرط ، لذا استبعد اصدار اي عفو عام عن انصار هذا الحزب،وقال ان تعليم اللغة الكردية في المدارس الحكومية ليس واردا ايضا. ومن جانبه امهل حزب العمال الكردستاني حكومة انقرة بداية شهر ايلول/سبتمبر 2013 ، للمضي قدما في اجراء الاصلاحات الديمقراطية والسياسية والاجتماعية في البلاد، والا ستؤدي الحالة الى فشل المفاوضات ورجوع الحزب الى النضال المسلح، من اجل تحقيق المطالب القومية العادلة للشعب الكردي في تركيا. ولم يتحق اي شئ بذلك لحد الان.

يمارس حكام تركيا السياسة الديماغوجية تجاه القضية الكردية. واتباع اسلوب التشكيك والمرواغة في نيات حزب العمال الكردستاني ، ومحاولة خلق البلبلة والتفرقة في صفوفه وتمزيق وحدته المتينة، من خلال توصيفه للحزب، بانه فصيلين: احدهم يؤمن بالحل السلمي للقضية الكردية ، وبقيادة اوجلان،وتتعاون معه تركيا، والفصيل الآخر متمرد ويمارس اسلوب العنف والحرب من جبال قنديل في كردستان العراق، وهو على لائحة الارهاب لحد اليوم لدى حكام تركيا. اللجوء الى بعض الحلول التكتيكية بين حين واخر ، بقصد تدويل جوهر القضية الكردية ، وخلق نوع من التوتر والخلافات ايضا بين فصائل الحركة التحررية الكردية في كافة اجزاءها.

ان اردوغان ومهندس السياسة التركية احمد داود اغلو، صاحب كتاب "تركيا صفر مشاكل"!!!، يدعيان بان علاقة بلدهما ممتازة مع الاكراد في كردستان العراق، لا يعنيان في الحسبان الجانب السياسي والفيدرالية ومستقبل تطورالقضية الكردية في العراق ، بل العلاقة والمنفعة الاقتصادية والاستفادة من الاستثمارات قد تصل في حدود 8 مليار دولار مع الاقليم ،والطمع بنفط كردستان، هي الصفة الغالبة في هذا المجال .وما يشهد على ذلك، هو ،عندما اقدمت ما يسمى" بالدولة الاسلامية" على شن الحرب واحتلال مناطق نفوذ الاكراد في الموصل، وخاصة بعد المجزرة الانسانية الرهيبة في سنجار،على غرار عمليات الانفال سيئة الصيت، وقتل مئات وتهجيرآلآف من ابناء الايزيدين والمسيحيين وغيرهم من ديارهم ، طلبت القيادة الكردية المساعدة من تركيا في وقف زحف تنظيم الدولة الاسلامية نحو اراضي الاقليم، ودحر هجومها الشرس على ابناء المناطق الكردية التي اصبحت منكوبة بعد هجماتها ، الا ان القيادة التركية رفضت ذلك.

تمر المنطقة منذ فترة ولحد الان بموجة من العاصفة والاضطرابات والحرب وزعزعة امنها واستقرارها ، وخاصة بعد توسيع نفوذ مايسمى " بالدولة الاسلامية" في العراق وسورية.بات التدخل التركي واضح للعيان وبقوة في هذا المشهد، كطرف في تنفيذ خارطة الطريق لاعادة تكوين الشرق الاوسط الجديد ، المرسوم لها من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها من الدول الاوربية، وبالتعاون مع الدول الخليجية ، على راسها قطر والمملكة السعودية ، وبدعم قوي من اسرائيل. ان لعبة مايسمى بالدولة الاسلامية ، ليس الا صنيعة هذه الدول الطامعة بالثروة النفطية في المنطقة،وتلعب تركيا سياسة الغطرسة والتدخل السافر في شؤون بلدان المنطقة.وتمارس سياستها الديماغوجية ازاء قضية شعوبها ،وذلك لابراز دورها في القرار السياسي، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية فيها.

التدخل التركي المباشر في شؤون اكراد سورية وتهديدهم عبر المنظمات الاسلامية الارهابية ، وفي مقدمتها ما يسمى بتنظيم"الدولة الاسلامية"، والذين قاموا بتنفيذ المجازر والابادة الجماعية بحق ابناء الشعب الكردي مؤخرا، وخاصة في مقاطعة كوباني التي تعتبر اكثرية سكانها من الاكراد. وهي اليوم تصمد أمام هذا التنظيم،وتقدم مقاتلاتها الكرديات وقوات الحماية الشعبية YPG ، اروع ملحمة بطولية لمقاومة وسد ايقاف هجمات تنظيم الدولة الاسلامية الشرسة.

في الوقت الذي نجد فيه بان قوات تركيا تقف مكتوفة الايدي متفرجة على حدود سورية ومشارف مدينة كوباني المناضلة ،وفرض شروطها التعجيزية على ما يسمى بالحلفاء لمحاربة التنظيم، وعلى قيادة قوات الحماية الشعبية، للتدخل وتقديم مساعدتها لمنع سقوط هذه المدينة بيد قوات هذا التنظيم الهمجي المتعاون مع النظام التركي منذ تاسيسه ولحد الان. والشعب في كوباني يقدم تضحيات جسيمة يوميا، من اجل دحر هذا السرطان وحماية الشعب الكردي من شرها، ويستحق مناضلي ومقاتلي هذه المدينة الباسلة كل الاحترام والتضامن والتعاون الاممي لمساعدتها بغية خروجها من هذه الازمة المفتعلة.

دفاع اهالي مقاطعة كوباني الشرفاء عن ادارتها الذاتية ، تحت قيادة قوات حماية الشعب ، وبالتضامن مع كل القوى الديمقراطية الوطنية ، مطالبا بالحرية والكرامة والحقوق القومية المشروعة ، وضمان عيش سليم يتحقق فيه والمنطقة السلام والامان والتقدم والازدهار، والعيش المشترك مع مكونات واطياف الشعب السوري المتعطش للحرية والديمقراطية والمساواة وحياة سعيدة.يستحق نضال الشعب الكردي والشعب السوري، اوسع التضامن والتعاطف معهما من اجل تحقيق طموحات شعبهما وتمجيد ذكرى كل الشهداء والابطال والبطلات، الذين ضحوا بحياتهم الغالية من اجل الوطن والحرية والسعادة.فلترتفع اصوات التضامن ضد البطش المنظمات الاسلامية الارهابية ، وعلى راسها تنظيم "دولة الاسلام" وعصابته .

ان عقد مؤتمر وطني كردي، وبمشاركة جميع الاطراف المعنية ، اصبح اليوم ضرورة عاجلة لجمع شمل وترميم البيت الكردي وتحقيق وحدة الخطاب والموقف السياسي والوطني، والخروج بنتائج ايجابية موحدة لصالح الجميع كي تساعد في بلورة الرؤية الواضحة لوضع استراتيجية شفافة وبرامج عمل مشترك لرسم خارطة طريق للنضال الموحد لفصائل الحركة التحررية الكردية في كافة اجزاء كردستان المقسمة بين الدول في المنطقة،وتكون في مستوى التحديات والظرف الصعبة والمعقدة التي تمر بها المنطقة حيث أن الاكراد جزء مهم منها. ضرورة الاستفادة العقلانية من التجارب السابقة، التي لم تجلب للشعب الكردي غير الاقتتال والدمار والخراب والويلات والتفرقة، كما هو عليه اليوم , حيث اصبح الاكراد اداة وحلقة مركزية لمواجهة الصراع الدائر والارهاب المتفاقم في المنطقة, ويقدمون المزيد من الضحايا البشرية والمادية،على حساب تحقيق المكاسب الحقيقية المتمثلة في حل المسألة الكردية حلا عادلا في المحافل الدولية،والحد من معانات هذا الشعب ، الذي يدافع عن الديمقراطية والحرية والكرامة في تقرير المصير، واختيار العلاقة والارادة الحرة والرغبة في العيش مع شعوب تلك الدول .


40
ملاحظات ومقترحات بشأن اقتصاد العراق...للحكومة المرتقبة

د.صباح قدوري

1- خلف النظام الديكتاتوري السابق بعد سقوطه في عام 2003 ، تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد والاثار على كل الميادين السياسية والاقتصادية/الاجتماعية والثقافية في العراق.كان المفروض من الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال عام 2003 ولحد الان ،ان تتبني رؤية واستراتيجية شفافة للبناء الوطني، تهدف الى التخلص من اثار وعيوب النظام السابق،وتطرح منهجا سياسيا واقتصاديا شفافا يتلاءم مع حاجات البلد ومستوى التطور الاجتماعي والقانوني والتنظيمي للمجتمع، وموارده المتوفرة ، وتفعيل دور الدولة ،مع اعطاء دور حقيقي لمساهمة القطاع الخاص في تنشيط الاقتصاد،وكذلك الاتفاق على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء الاقتصاد ومعالجة الفقر والبطالة وتقديم الخدمات وبناء واعادة بناء البني التحتية وادخال التكنلوجيا الحديثة وكل ما يلبي طموحات عملية التنمية الوطنية المستدامة ،الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات.

2- يرتقب من الحكومة الجديدة مهمات جسيمة وجدية لتنفذها خلال الأربع سنوات القادمة من عمرها. فعليها ان تبادر من الان بمشروع اصلاح الاوضاع العامة، وتامين الامن والاستقرار ، والعمل الجاد لترسيخ مفاهيم المواطنة والوطنية بدلا من مفاهيم الطائفية والمذهبية والاثنية الممارسة منذ الاحتلال ولحد اليوم، واجراء تغييرات ضرورية في البنية الاقتصادية/ الاجتماعية والثقافية ، وفق رؤية واضحة ونوايا حسنة تجاه البلد والشعب العراقي، والتمسك بالمفاهيم الديمقراطية الحقيقية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وممارستها في الحياة اليومية.

3- منذ ثلاثة عقود، وكما معروف ، بان السياسة الاقتصادية العراقية تجاه التنمية الوطنية المستدامة ولحد اليوم تميزت ببعض الملامح (من دون الدخول في التفاصيل)، وهي، كالاتي:-

- انعدام رؤية شفافة واستراتيجية و/أوايدولوجية واضحة  في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
- بقاء العراق على حالة الاقتصاد الريعي بدلا من اقتصاد منتج للقيمة المضافة، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء وإعادة بناء البنى التحتية، وإدخال التكنلوجيا الحديثة، وتاهيل القطاع النفطي، والنهوض بالقطاعات الإنتاجية ، وفي مقدمتها القطاعين الصناعي والزراعي، وتفعيل التجارة ووضعها بخدمة الخطط التنموية العامة.
- تدمير البني التحتية نتيجة الحروب العبثية للنظام الديكاتوري المقبور واحتلال العراق، والحصار الجائر الذي طال امده 13 سنة..
- ضعف مساهمة القطاع الاقتصادي الانتاجي في تركيبة الناتج المحلي الاجمالي. خلل بنيوي في تركيبة الموازنة ، بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الانفاق العام التحويلي والتشغيلي الذي يمثل بحدود70 % ،فيما الانفاق الاستثماري العام بحدود 30%.
- التردي المريع المتفاقم للخدمات البلدية، والصحة ، والتعليم، والماء والكهرباء ، وغيرها.
- نسبة البطالة بحدود 20% من قوة العمل ، وان نسبة مستوى خط الفقر اكثر من 20% ، اي اكثر من 6 ملايبن من سكان العراق البالغ 34 مليون نسمة.
- تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي،ما ادى الى تقسيم المجتمع ، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء، مسببا تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة في قمة الهرم الحزبي والاداري العام .
 وهي التي تسيطر على الميول الاقتصادية ، ورسم اتجاهاتها العامة.
- ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري على معظم المستويات الادارية والحزبية. الانشغال والمبالغة بمفهوم الخصخصة وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، اي (نظرة الاقتصاد النقدي، بدلا عن الاقتصاد الاجتماعي)، قد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الاقتصادي والاداري.
- غلبة طابع النشاط الاقتصادي الاستهلاكي ، وتراجع تدريجي للاقتصاد الانتاجي الزراعي والصناعي  واثره على الطبقة العاملة والفلاحين ، ما يفضي  الى تراجع القوى الاجتماعية الداعمة والمساهمة لاستراتيحية التنمية الوطنية المستدامة.
- ضعف مساهمة النظام الضريبي في تركيبة الموازنة العامة، وذلك لان الايرادات الناجمة عنها هي في تناقص مستمر، بسبب صعوبة الجباية وانتشار الفساد الاداري والمالي في اجهزتها ،كذلك ايرادات الرسوم الجمركية تخضع لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية منها منظمة التجارة الدولية التي تهدف الى ازالة الحواجز الجمركية بمرور الزمن.

4- ادت هذه السياسة عبر العقود الثلاثة ، عدى فترة( 1973- 1979 ) ، ومن ثم الحرب العراقية – الايرانية التي امتدت ثماني سنوات ، وكلفت مئات المليارات من الدولارات.كما وهدر نحو 500 خمس مئة مليار دولار امريكي من موارد الدولة العراقية منذ احتلال في 2003 وحتى الان، ولم تستثمر منها الا مبالغ قليلة جدا في التنمية الوطنية ، الى ترك اثار سلبية كبيرة وعميقة على  الحالة الاقتصادية والطبقات الاجتماعية، مما ادى الى ظهور استقطاب طبقي للطبقة المتوسطة.
يمكن تعبير عنها بالاتي:-

- نمو فئة ( طفيلية) موالية للحكومات المتعاقبة ، وتشكل قاعدتها الاجتماعية ، وهي قوة مناهضة للمنتجين الفعليين للثروة.
- ظهور فئة اخرى( مافية) متخصصة في سرقة النفط وبيعه وفق قنوات متعددة، تتعاطى مع العمولات والرشاوي مع الشركات العاملة في العراق وخاصة في مجال النفط والتجارة الخارجية ، متاجرة بالاسلحة والمخدرات وغيرها .
- نشوء شرائح البرجوازية لصالح الجناح الطفيلي - البيروقراطي  والكومبرادوري ، مما يدفع بعملية التراكم الراسمالي والمتعلق بالملكية العقارية اوبالتجارة الداخلية ،بدلا من  الراسمال القائم على الانتاج.
- في حالة الاستمرار على هذه السياسة التنموية ، قد تسبب الى تقليص حجم الطبقة المتوسطة في العراق مستقبلا. حيث تتوجه بعض فئات منها بتدريج الى ( الطفيلية البيروقراطية)،واخرى الى (المافية )،كما وتتحول فئة اخرى منها تدريجيا الى مستوى خط الفقر.

5- ان الاقتصاد العراقي الحالي يحتاج الى الاصلاحات والتغيير البنيوي، حتى يتم تفعيله ويساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وبهذه المناسبة نقدم الى الحكومة الاتحادية القادمة بعض مقترحات متواضعة لعلها قد تساهم في تنشيط الاقتصاد الوطني ووضعه على مساره الصحيح،وتاثيرها الايجابي على تركيبة الطبقة المتوسطة وعموم الشعب العراقي ، وهي بالاتي:-

- اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الاقتصادية ، وذلك من خلال برنامج اصلاحي معلن، تحدد فيه الاهداف والاوليات والآليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الاقتصاد المتوازن، تحدد فيه دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية.
- اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور، من خلال اعتماد سياسة الاقتصاد الانتاجي، لوحده قادر على رفع انتاجية العمل بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات.
- الاهتمام بتاهيل واعادة بناء البنية التحتية في مجال الاتصالات الهاتفية والتلفونات المتطورة ،الانترنيت والفضائيات ، امن العمل، والوسائل المعلوماتية والتكنولوجيا الاخرى،النقل والمواصلات،التامين، وبناء المصافي وتامين الطاقة الكهربائية والمشاريع المائية ، والتي هي من اوليات بناء الاقتصاد الصناعي والزراعي المتقدم، توسيع وبناء شبكات الطرق السريعة، وكذلك الجسور وربط الاقضية والارياف بالمدن ، بهدف تامين نقل السلع والخدمات ونقل المسافرين.
- معالجة البطالة المتفاقمة ، من خلال اعادة هيكلية القطاعين الصناعي والزراعي ، وضرورة بناء مجمعات صناعية متطورة ومتكاملة البني التحتية ، واعادة هيكلة المناطق الصناعية القديمة. تفعيل دور القطاع الخاص، من خلال توفير التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة . حماية المشاريع الصناعية واعفائها من الضرائب لمدة تتراوح بين 5-10 سنوات .وهي مطاليب القطاع الخاص، مع اعادة النظر في  قانون تشجيع استثمارات، وتقديم التسهيلات اللازمة لهذا القطاع ، بعد دراستها حسب اوليتها واحتياجات البلد وظروف تطورها ، وبالتعاون مع المصرف الصناعي وغرفة التجارة لتكون نسبة الفائدة على القروض للمشاريع الصناعية منخفضة جدا، وعالية نسبيا على الاقراض العامة.
- وقف التدفق العشوائي للسلع والبضائع الاجنبية، والكف عن انتهاج سياسة الاستيراد المفتوح المعمول به حاليا، مع تفعيل منظومة  الرسوم الكمركية ،وذلك بهدف توفير الحماية من الانتاج المحلي،التي تتوافر مثيلاتها من الصناعة الوطنية. وخاصة في المجالين الزراعي والصناعي، . توفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، من خلأل تشديد الرقابة الفعلية على السوق .
- تفعيل القطاعات الاقتصادية الاخرى وخاصة الزراعة ، الذي مساهمتها ضئيلة جدا في تركيبة الناتج المحلي الاجمالي بحدود 8%،وذلك من خلال تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة واشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها.
- تشجيع قطاعات البناء مما يساعد على حل ازمة السكن. النهوض بمشاريع السياحية ، وتحفيزالقطاع الخاص المحلي والاجنبي للاستثمار فيها.
- تفعيل دور البنوك ،المصاريف والمؤسسات المالية ، شركات التامين، بعد اجراء الاصلاحات الهيكلية والادارية والفنية اللازمة فيها. وتشديد الرقابة المالية عليها ، وخاصة الغير الحكومية منها، بغية التحكم باستخدام الموارد المالية بشكل عقلاني .
- محاربة ظاهرة الفساد الاقتصادي والمالي والاداري المنتشر على كافة المستويات الادارية والحزبية ، نتيجة لظهور مجموعة من الناس- مافية محلية ، مما يسمى بتجار السوق السوداء والمدعومين من الاحزاب الحاكمة ، والمهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية وتهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى الخارج .
- تفعيل دور هيئتي الرقابة المالية والنزاهة واحترام استقلاليتهما في اداء واجبتهما، ودراسة تقاريرهما الفصلية والسنوية بجدية في البرلمان.محاسبة مرتكبي جريمة الفساد وفق القانون والقضاء، مع تنشيط دورمنظمات المجتمع المدني في الرقابة والشفافية على المؤسسات الحكومية.
- تنشيط دور البنك المركزي لقيام بواجباته في رسم السياسة المالية والنقدية للعراق، واحترام استقلاليته وعدم التدخل في شؤونه.
- ضرورة تبني هيئة الاستثمار استراتيجية واضحة وشفافة واليات فعالة وفق خطط مدروسة لعملية التنمية الاقتصادية/الاجتماعية المستدامة.
- توفير البيانات والاحصائيات من وزارة التخطيط والهيئات المختصة ، ووضعها في متناول الباحثين والاكاديميين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية، مع انشاء مراكز بحوث متخصصة في المجالات الاقتصادية وغيرها.
- التحكم بكيفية استخدام الشركات المحلية للعملات الاجنبية والقروض اللازمة لاستيراد التكنولوجيا ، من اجل انشاء صناعات جديدة ، وكذلك للمدخلات المالية اللازمة للمصانع الى حين اكمالها وتصبح جاهزة الانتاج .
- استثمار موارد ملائمة في التعليم ، من اجل اعداد قوة عمل افضل تعليما وتخصصا، لكي تساهم في رفع انتاج وانتاجية العمل.
- معالجة ظاهرة التضخم النقدي، اذ ان مؤشرات التضخم السنوي في ارتفاع مستمر، نتيجة لارتفاع في الرقم القياسي لمجاميع السلع الاساسية والضرورية، وخاصة المستوردة منها، وذلك من خلال اجراء الزيادة النسبية في مدخولات العاملين لمواجهة حدوث اي ارتفاع في نسبة التضخم .
- تنظيم امور الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وتشريع قوانين خاصة لها . توفير الوسائل اللازمة الكفوءة والنزيهة في عملية جبايتها والرقابة عليها ، عن طريق استخدام الاجهزة المالية والادارية في الدولة . العمل على نشر الوعي الضريبي والثقة المتبادلة بين هذه الاجهزة والمواطنين، بحيث يتولد لديهم قناعة تامة ، بان دفع الضريبة هو جزء من عملية المساهمة في البناء الاقتصادي ، ويعود ريعها على المواطنين عبر المشاريع الصحية والتعليمية والاجتماعية والاعمار.ضرورة وضع قوانين صارمة بحق المخالفين والمتلاعبين والمهربين للاموال العامة وخاصة الغسيل منها، واعتبارها جريمة يعاقب عليها بالحبس والحرمان من بعض الحقوق المدنية والاقتصادية .

ختاما، ان العراق اليوم مهدد في جميع المجالات وبالتالي فانه امام استحقاقات زمنية لانقاذ البلاد من الخطر الكبير.ويقتضي الامر التقيد بالدستور في المعالجات، وعلى رغم من ما يحتويه من السلبيات الا انه لم يجري التقيد و/أوالتنفيذ بجانبه الايجابي.دراسة اسباب الخلل والنقص في الرؤية العامة وفي مسارات التنمية الاقتصادية/الاجتماعية المستدامة. والتاكيد على ضرورة اجراء مسار عملية البناء وفق الضوابط والقوانين والمعرفة الاقتصادية، والاستعانة باركان الادارة الرشيد في تيسيير الاقتصاد والادارة والتنظيم،والتاكيد ايضا على اسس الكفاءة والخبرة والمعايير المهنية في الاداء ،وتامين حقوق وضمان حريات الانسان واستقلاليته في تحديد اساليب نشاطه ومجالات حياته، والاستفادة العقلانية من الموارد االطبيعية والمالية والبشرية والمعرفية المتاحة في خدمة التنمية الوطنية،وعدم هدرها نتيجة سؤء استخدامها و/أوتفشي الفساد المالي والاداري على المستويات الادارية والحزبية في الدولة، كما هو لحد الان . التوجه نحو حل المشاكل  السياسية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية ،وخاصة بين المركز واقليم كردستان العراق ،والاقتصادية المتراكمة وفي مقدمتها تخفيف معانات الشعب وتوفير الامن الاقتصادي والسياسي والصحي والتعليمي والسلم الاجتماعي، والقضاء على البطالة. بناء اقتصاد متين ومزدهر يتحقق فيه مبدأ العدالة الاجتماعية ويعود ريعه وخيراته على الجيل الحالي والاجيال القادمة وعلى الشعب العراقي واطيافه المتنوعة وفي كل اجزاءه .




41
استخدام العقيدة الدينية/السياسية لارهاب المسيحيين في العراق

د.صباح قدوري

يمارس الاسلاميون المتشددون والارهابيون وبشكل منتظم ومخطط ومدروس سياسة العنف والارهاب والتهجير ضد المسيحيين والاقليات الدينية غير المسلمة من الايزيديين والصابئة المندائيين والشبك وغيرهم. هؤلاء لايعترفون بتاتا بوجود هذه الاديان في العراق- بلاد الرافدين اي مابين النهرين منذ الازل، وهم من سكانه الاصليين . يعلنون جهادهم عليهم باعتبارهم كفار، ويعتبرون قتلهم مباح ،كما يدعون بان قتل المسيحي تخضر يد القاتل ، ويضمن لنفسه الجنة ، وغيرها من هذه المفاهيم المسمومة ، لا تدل الا عن افكار الجهل والتخلف وعدم احترام قدسية الانسان ومعتقداته الدينية والمذهبية والفكرية.

واليوم بعد ان احتلت "داعش" مدينة الموصل، قامت بتنفيذ مخططاتها الاجرامية الوحشية اللاإنسانية بحق المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى، من فرض التهجير القسري عليهم، والطرد من ديارهم والأستيلاء على املاكهم وممتلكاتهم المنقولة وغيرالمنقولة ، واهانة كرامتهم ومقدساتهم، وطلب تغيير دينهم او فرض الجزية عليهم او قتلهم. وما اشبه اليوم بالامس،عندما اجبرت عائلة الجليلي المسيحية الاصيلة العريقة في الموصل في حينه الى ترك المسيحية واصبحت مسلمة.( للاطلاع على تفاصيل هذه القصة في مقال لي، المدرج كرابط في اسفل هذا المقال)*.

كذلك قامت عصابات "داعش" الارهابية بتدمير وتخريب وحرق الكنائس ودور العبادة  والمعالم التاريخية والاثرية والمتاحف والمكتبات التراثية والمعرفية ومراقد الانبياء...والأستيلاء على بيوت المسيحيين والاقليات الدينية غير المسلمة، ونهب محتوياتها بعد تهجير اهلها... ومنع الموسيقى والمسارح ودور عرض وكل ما له صلة بالحضارة والتمدن والثقافة المتنورة والمعرفة والاعمال المجيدة لاتباع الديانات والمذاهب الاخرى، بالاضافة الى تهديدات متكررة من قبلها لاجتياح بغداد، ووضع خطة عمل مدروسة لتنفيذ ذلك.ان تصرفات "داعش" الهمجية المتخلفة والجاهلة، شبيهة بحصار بغداد من المغول،عام 656 هجرية /1258 ، وما اقدم عليه "هولاكو خان " في حينه من حرق المعالم الحضارية والكتب القيمة ذات القيم المعرفية والتاريخية ، والقى بها فى نهر دجلة،مع قتل الملايين من اهلها .

واليوم حالة المسيحيين في مدينة الموصل ومناطق اخرى التي هي تحت سيطرة واحتلال "داعش" مأساوية وكارثية بكل معنى للكلمة ،وتشمل كل مناحي الحياة . ليس لديهم اية مساعدات محددة غير بعض مساعدات انسانية اولية من الحكومة المركزية واقليم كردستان العراق وبعض المنظمات الانسانية الدولية ، ولا حماية دولية.والسؤال يطرح نفسه: من سيساعد المسيحيين في محنتهم هذه، اذا كان العامل الذاتي ضعيف لدى المسيحيين اليوم،وغياب الامن والاستقرار في العراق والمنطقة، واذا كان العامل الموضوعي المتمثل في التدخلات السافرة من الدول الاقليمية ( تركيا، قطر والسعودية والاردن وايران) في شؤون الشرق الاوسط، ومنها العراق، والمكلفة بتنفيذ السياسة الامريكة وحلفائها وفق خارطة الطريق المرسومة اليها للشرق الاوسط الجديد. واليوم اصبح دورامريكا وحلفاءها ،من الدول الغربية ودولة فاتكان ومنظمة الامم المتحدة ظاهرة للعيان،في تحفيز وتشجع المسيحيين للهجرة من موطنهم الاصلي في منطقة الشرق الاوسط ، وخاصة من العراق وسورية.وبذلك اصبحوا المسيحيون اليوم يطبق عليهم مقولة  طارق بن زياد عندما حطت اقدامه اسبانيا وقال : يا قوم العدو من امامكم والبحر من ورائكم...

ان ما يجري اليوم تجاه الشعب المسيحي في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص من الجرائم وانتهاك للقانون الدولي ومبادئ وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة بحقوق الاقليات الدينية والاثنية ، دلالة واضحة عن عجزمؤسسات الدولة العراقية في تامين الامن والاستقرار منذ احتلال العراق في 2003 ولحد الان، وبذلك تعتبر هي المسؤولة الاولى عن كل ما يجري في العراق من الارهاب والقتل والتدمير والخراب والجهل وزعزعت السلم الاهلي والاجتماعي ، الذي يقود العراق وطنا وشعبا الى مصير مجهول مستقبلا.والوضع يبقى اسوء في الامد القريب، ما لم يتم الاسراع في التغيير والاصلاح  الجذري في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لادارة الحكومة القادمة ،وذلك عن طريق تعميق وتوسيع الممارسات الديمقراطية في الحياة اليومية من خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع داخل اطياف الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافة ومذاهبه ودياناته وقومياته ، وتنميته وتطويره ، وتكريس مفهوم هوية المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية في اطار عراق فيدرالي ديمقراطي موحد، على اسس المساواة في الحقوق والواجبات واقرار التعددية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، من خلال الأقرار بمبدأ تداول السلطة، وانضاج رؤية استراتيجية واضحة  وشفافة واليات فعالة لازمة في تحقيق التنمية الوطنية المستدامة.وانهاء سياسة نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة في ادارة الدولة الى الابد.

ندين ونشجب بشدة كل تصرفات "داعش"وعصاباتها والمنظمات الارهابية الاخرى على ممارساتها اللاإنسانية بحق ابناء بلدنا من المسيحيين ، وكل اطياف اخرى من الايزيديين و الصابئة المندائيين والشبك وغيرهم. ونعلن تضامننا مع محنتهم واوضاعهم الكارثية هذه ، وننادي المجتمع الدولي والمنظمات الانسانية وحقوق الانسان والمجتمع المدني ان تقف صفا واحدا مع شعبنا، وتحمل مسؤولياته الانسانية والاخلاقية والقانونية ازاء ما يجري من انتهاكات وخروقات بحقوق الانسان على يد عصابات "داعش"المحتل وحلفائها. ونطالب بوضع حد لهذه المـأسي والنزيف الدموي الذي يعاني منهما الشعب المسيحي منذ فترة طويلة ، من دون ايجاد حل انساني لها لحد الان. العمل باسرع وقت على عودة المهجرين من المسيحيين واتباع الديانات الاخرى،وتعويضهم عن كل خسائرهم المادية والمعنوية، ومساواتهم مع الاخرين في الحقوق والواجبات،وتامين عيش سليم وامن لهم ولاجيالهم القادمة.
*http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=214524



 

42
مجموعة "بريكس" الاقتصادية، وتحديات المستقبل
د.صباح قدوري
حدث صعود الهيمنة الامريكية على مقدرات الكون السياسية والاقتصادية والعسكرية، على إثر الانتكاسة التي أصابت النظام السياسي والاقتصادي في الاتحاد السوفيتي السابق، والبلدان التي كانت مرتبطة به في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وتحاول أمريكا منذ ذلك الوقت استكمال السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم، مستندة على الطروحات التي تطرحها الليبرالية الجديدة ومعلمها الاول الكاتب والاقتصادي فرنسيس فوكوياها، الذي اعتبر هذه الانتكاسة بمثابة نهاية التاريخ للفكر الماركسي، وبداية عهد للنظام الليبرالي،وهو كذلك انتصار لاقتصاد السوق وهيمنة امريكا على العالم في كافة مجالات الحياة.

مجموعة "بريكس"،هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006. وهو مختصر للحروف الاولى  (BRICS )اللاتينية المكونة لاسماء الدول صاحبة اسرع نمو اقتصادي في العالم. وهي: البرازيل، روسيا، الهند،الصين، وجنوب أفريقيا. عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع في  ييكاترينبرغ ، روسيا في حزيران 2009 ،حيث تضمن الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. وعقد اول لقاء على المستوى الاعلى لزعماء دول "برهص" في يوليو/تموز عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية، حيث اجتمعت انذاك قمة "الثماني الكبرى"، وشارك في هذه القمة كل من رؤساء روسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية، والبرازيل، ورئيس وزراء الهند ، واتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. .(انظر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة). 
 ان هذه المجوعة كانت في البداية اسمها "بريك". وقد انضمت جنوب أفريقا اليها في عام 2010 ، فتحولت اسمها الى "بريكس". وقد عقدت قمة "بريك" الأولى في ييكاترينبرغ الروسية في العام 2009، للبحث عن مخرج من مضاعفات الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن، سرعان ما بدأ البحث في مشاريع استثمار مشتركة بين هذه الاقتصادات، وفي القمة الثانية التي عقدت سنة 2010، في العاصمة البرازيلية، وبعد مناقشة المسائل المتعلقة بالتجارة البينية بين الدول الأربع، تم إنجاز الخطوة الثانية، وهي توقيع اتفاقات بالغة الأهمية بين مؤسسات بلدان بريك المالية، وتم الاتفاق على التعاون في مجال السياسات المالية، وأما القمة الثالثة فعقدت في الصين سنة 2011، ووضعت قمة "بريكس" نصب أعينها مهمة البحث في إصلاح منظومة التمويل العالمية والنظام النقدي والمالي الدولي القائم ،وتنويع نظام عملة الاحتياط الدولي الذي يسيطر عليه حاليا الدولار الامريكي. ووقعت اتفاقاً إطارياً للتعاون في مجال الإقراض بين بنوك التنمية في الدول الأعضاء وبين عملاتها، وفي القمة الرابعة التي عقدت في نيودلهي عام 2012، تم الاتفاق على تشكيل بنك بريكس المتحد. وفي قمة مجموعة "بريكس" الخامسة التي عقدت في ديربان بجمهورية جنوب افريقا عام 2013، للتباحث على وضع  ستراتيجية طويلة الامد للتعاون الاقتصادي من شأنها ان تراعي خطط التنمية في كل بلد ، وتساهم في الوقت ذاته في نمو اقتصادات بلدان المجموعة.كما وعقد خلال يومي 15و16 من يوليو/تموز الجاري ، اجتماعا على مستوى الرؤساء للدول المجموعة في مدينة فورتاليزا البرازيلية، لوضع ستراتيجية انطلاق مؤسسة مالية جديدة ، بهدف تكوين احتياطي عملات تقيها التقلبات والمخاطر والمشكلات المالية المحتملة ، كعجز الموازنة واسعار صرف العملات البلدان النامية امام الدولارالامريكي، وتقلل الى حد ما من هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين على اقتصادات البلدان النامية والتدخل في سياساتها السيادية.
من المتوقع ان يبلغ راسمال البنك الذي سيكون باسم (بنك التنمية الجديدة) ، 100مليار دولار امريكي، منها 50 مليار راسمال مخصص، و10 مليار راسمال مدفوع و40 مليار تحت الطلب،  علماً بأن رأس المال المدفوع سيتم تشكيله في غضون سبع سنوات.
يمكن تلخيص دور وفاعلية"بريكس" الاقتصادية، ومؤسستها المالية الجديدة من الجوانب الاقتصادية والسياسية، ضمن العلاقات الدولية السائدة وافاقها المستقبلية، بالاتي:
1- قدرة دول "بريكس" الصاعدة  اقتصاديا، وذلك للكثافة السكانية فيها، وهي تشكل قرابة ثلث سكان العالم ، وتمثل ما يزيد على ربع مساحة المعمورة.  وامتلاكها المواد الاولية وخاصة الطاقة والنفط والغاز والحديد والموارد الطبيعية الاخرى، والتكنلوجيا المتطورة، والقوة البشرية المؤهلة لعملية الانتاج والبناء.
2- تحقيق ناتجا محليا اجماليا اسميا مجتمعا بقيمة13.6ترليون دولار امريكي، وهو يقدر ب 19.5 في المائة من اجمالي الناتج المحلي في العالم عام 2011. وقد نمت التجارة فيما بين دول "البريكس" بمتوسط سنوي نسبته 28 في المائة من 2001 إلى 2010 ووصلت إلى 239 مليار دولار في 2010، لتمثل نسبة أكبر بكثير من التجارة الدولية.وتساهم ب15 في المائة من التجارة العالمية، ويبلغ مجموع احتياطيتها من النقد الاجنبي 4 ترليون دولار، مما تؤهلها في تقوية وتعزيز دورها في المحافل الدولية.
3- القدرة العسكرية العالية، وخاصة الصين وروسيا، والهند ، وامتلاكها القوة النووية، مما تساهم في ايجاد التوازنات العسكرية وابعاد شبح الحرب، وتعزيز نهج السلم في العلاقات الدولية.
4- توحيد العملة بين هذه المجموعات في التعامل التجاري في المدى المنظور ،وذلك لمواجهة عدم فرض فقط الدولار الامريكي المعمول به في التعامل التجاري الدولي حاليا.
5- منافسة صندوق نقد الدولي والبنك الدولي في سياستها تجاه الدول النامية والصاعدة ، وذلك من خلال السياسة الاستثمارية  والائتمانية الضرورية والمهمة ، التي تساهم في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية لهذه الدول، من خلال تقديم القروض بفوائد مقبولة، والمساهمة في بناء المرتكزات الضرورية للبني التحتية ، وعدم التدخل في سياساتها السيادية.
6- يهدف البنك الجديد إلى تمويل المشاريع التي تعود بالنفع على البلدان النامية وليس على الولايات المتحدة الأميركية  وأوروبا. والافضلية سيكون للمشاريع الخارجية بدلا من الخاصة بالدول الاعضاء.الحد من سياسة التوسع و الهيمنة الامريكية والاوروبية  في العلاقات الدولية التجارية ،وفرض سياستها على العالم كقطب واحد، وايجاد نوع من توازن للتحكم في الاقتصاد العالمي .
7-  سيعمل البنك بشكل وثيق من أجل الشراكة مع بنوك التنمية الإقليمية بهدف تعزيز فاعلية العمل الجماعي. وسيكون مكملا للمؤسسات التنموية القائمة مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.
8- ان تاسيس مجموعة "بريكس" وحجم تنميتها السريع ، سيساعد على تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، واحداث توازن امام القوة المطلقة للدول الصناعية المتقدمة، والاتجاه نحو عالم متعدد الاقطاب.
9- وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة، بصرف النظر عن تأثير الأزمة المالية العالمية، وصل إلى 7.1 في المائة في العام 2010و الى 6.4 في المائة فى العام 2011.
10- تحاول هذه المجموعة انشاء المؤسسات المالية الاقليمية الهادفة الى دعم النمو والتنمية  المستدامة على المستوى العالمي ، وتكون رديفة ومنافسة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية من صندوق النقد والبنك الدوليين المسيطر عليهما اداريا وسياسيا وفي قراراتها المهمة ، الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية، وتحرير العالم من تاثيرتها السلبية المعروفة على نمو اقتصاديات بلدان العالم الثالث.
11- وعلى الصعيد السياسي، وافقت الدول الخمس في منظمة "بريكس" وفي مناسبات عديدة، على موقف موحد بشأن القضايا الدولية الرئيسية. وعلى سبيل المثال، أكدت الكتلة في إعلان الحاجة إلى إصلاح شامل للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي سعيا لتحسين تمثيل أصوات ومصالح الاقتصادات الصاعدة. وفيما يتعلق بالمسألة الليبية، امتنعت الدول المؤسسة في البريكس عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا. في حينه،  تعارض عسكرة النزاع في سورية، وبناء المستوطنات الاسرائيلية الجديدة يخالف القانون الدولي، وتؤيد سياسة السلم والحوار، بدلا من  سياسة التدخلات العسكرية بشأن البلدان التي يتواجد فيها مشكلات كالعراق واوكرانيا وغيرها لحل الازمات السياسية.

وختاما، وبشكل عام، فإن صعود "البريكس" يجلب أخبارا سارة للعالم لوضع نظام اقتصادي أكثر عدلا ومعقولية، تسمع فيه أصوات الدول الصاعدة وآرائها مسموعة على نحو أفضل. ويتعين على الدول المتقدمة الآن أن تواجه الحقيقة وهى أن المشهد الاقتصادى والسياسى العالمى قد تغير، وأن النظام الاقتصادي التقليدي يفسح الطريق أمام نظام جديد أكثر عدلا وتوازنا ومعقولية. بيد أن النظام الاقتصادي الجديد المرتقب لا يمكن أن يحل محل النظام الراهن ما بين عشية وضحاها. فسوف يتشكل بالتدريج بجولات من التنسيق والتعاون بين أعضاء البريكس، وبين البريكس والاقتصادات الصاعدة الأخرى، وبين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة.


43
الشعب العراقي امام المهمات لمواجهة الارهاب المتفاقم على العراق

د.صباح قدوري

1- سياسة النظام الديكتاتوري السابق قادت العراق الى الخراب بكل معنى الكلمة. شمل جميع مفاصل الحياة  نتيجة لسياسته الفاشية، وتدمير اقتصاده من جراء حروبه المجنونة، وتمزيقه للحمة الوطنية ونسيجه الاجتماعي، واشاعته لفكر التفرقة والحقد واللامساواة بين مكونات الشعب العراقي، ونزعته الشوفينية تجاه الشعب الكردي باستخدام الحروب القذرة وحملات الانفال السيئة الصيت، وزرع بذورالتفرقة والطائفية والمذهبية بين تنوع الاديان والهويات الفرعية الموجودة في العراق ، وخاصة ضد المذهب الشيعي. اذ مهدت هذه السياسة الرعناء الطريق لامريكا وحلفاءها لاحتلال العراق  في2003 ، وتعرض العراق وشعبه بنتيجته الى كارثة كبيرة مكلفة بشريا وماديا ،ولم يخرج منها لحد اليوم .

2- واليوم بعد مرور عشر سنوات على الاحتلال لم يشهد العراق الاستقرار السياسي والامني. ومنذ 2005 ،قادت سياسة نوري المالكي، الممثل عن التحالف الوطني الشيعي والمستندة على الفتاوي (المقدسة) التي تصدرها المرجعيات الدينية الشيعية السيستانية، واصبحت جزء من ايدلوجية الحكم، طاردا مبدأ الديمقراطية الحقيقية ،والمعرفة في الادارة الرشيدة لمؤسسات الدولة ،ومشاركة الاديان والهويات والافكار الاخرى من لعب اي دور او مسؤولية في المراكز المهمة لادارة الدولة، الى خلق الازمات والكوارث والتخلف والمصاعب في العملية السياسية، وعلى كافة الصعد لحد الان ... وتدهوركبير في الحياة الاقتصادية في كل مساراتها وقطاعاتها... والاستطفافات الطبقية والاجتماعية على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية التي تهدد كيانه الموحد، وتمزق صفوفه ، وتقوده الى الحرب الاهلية وزعزت سلمه الاهلي والاجتماعي ، مع اضعاف العامل الداخلي وهيمنة العامل الخارجي( الاقليمي والدولي) في صنع القرارالسياسي والاقتصادي والامني، وبمقدرات الشعب لمستقبل العراق القادم ، وفق تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للاطراف المتداخلة في شؤون العراق الداخلية.
3- وفي ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة في العراق.احاول طرح رؤيتي على نتائجها وتاثيرها على الوضع السياسي والاقتصادي/ الاجتماعي والثقافي والامني، كالاتي:-
- تشير نتائج الانتخابات الى استمرار التحالف الوطني ( الشيعي) في ادارة العملية السياسية والاقتصادية/ الاجتماعية والثقافية للمرحلة القادمة.ان قائمة دولة القانون قد فازت باكبر عدد من المقاعد البرلمانية داخل الكتلة الشيعية وعلى صعيد العراق ، والمالكي هو المرشح الوحيد لهذه القائمة، في الوقت الذي لم ترشح هذه الكتلة علنا اي شخص اخر ليتولى الولاية الثالثة للحكومة لحد الان .
- استمرار النظام السياسي على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية.
- استمرا حالة التازم السياسي والاقتصادي بين الاقليم والحكومة الاتحادية المرتقبة قد تطول تشكيلها فترة زمنية
- ارتباط معظم الاحزاب السياسية  والتيارات الاسلامية بالاجندة الخارجية في الدول الاقليمية ، وخاصة (السعودية وقطر وتركيا وايران).
- فقدان رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة لدى معظم الاحزاب السياسية ( الشيعية ، السنية، الكردية ) بخصوص الوضع السياسي الداخلي وعملية التنمية الوطنية المستدامة.
- استمرار الاحزاب المهيمنة في  تقاسم السلطة والمال والنفوذ والهيمنة على البرلمان والاستمرار في احتكار السلطة ، تكريسا لتحويلها الى نظام ديكتاتوري.
- استمرار ظاهرة الفساد المالي والاداري المستشري على كافة المستويات الحزبية والادارية.
- تفاقم الوضع الامني واستمرار العمليات الارهابية من قبل (داعش) ومنظمات ارهابية اخرى في المناطق الشمالية الغربية وفي بغداد وبعض المدن العراقية اخرى ، في احتلالهم لاجزاء كبيرة من الرمادي والفلوجة ومناطق اخرى من ضواحي ديالى وكركوك وتكريت وصلاح الدين، واخيرا سقوط مدينة الموصل ثاني اكبر مدينة في العراق بكاملها بيد (داعش)، وبالتعاون مع جمهرة من  بقايا الضباط البعثيين المسلحين من ازلام النظام الديكتاتوري المقبور والاطراف البعثية المشاركة في العملية السياسية والادارية في الحكم وبعض العشائرمن المناطق الشمالية الغربية . واليوم كثير من المدن العراقية ، وخاصة بغداد مهددة ايضا بالاجتياح من قبل هذه المنظمات الارهابية المدعومة من قبل الدول الاقليمية ( تركيا، السعودية ، قطر) وبتاييد ظمني من الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في المنطقة.وتشير هذه الحوادث الارهابية ذات هوية طائفية البعثية (السنية) المعلن عنها ،كبداية لاشعال نار الحرب الاهلية والطائفية والاثنية الحقيقية، وتهديدا لوحدة العراق.
- اعلان حالة الطواري لمعالجة الاوضاع الراهنة ومواجهة الارهاب ليس بالحل الامثل، قد يساعد على اطالة الحكم الحالي واستمرار البرلمان والحكومة المنتهية ولايتهما عن قريب لاجل غير محدد، ويسبب ايضا الى التاخير في تشكيل الرئاسات الثلاث الدولة والحكومة والبرلمان ،وهي من المهمات الاولية والاساسية ومطلب جماهيري  ايضا بعد الانتخابات. 
4- لا يزال دور العامل الذاتي ضعيف للتيار المدني – الديمقراطي وتاثير العامل الموضوعي السلبي على نشاطاته، لكي ينهض بمهامه الوطنية ويلعب دوره الحقيقي في العملية السياسية  والاقتصادية/ الاجتماعية والثقافية العراقية .
- خروج العراق من ازمته السياسية والاقتصادية /الاجتماعية والثقافية يحتاج الى فترة من 5 - 10 سنوات  القادمة،اذا استمرت الحالة السياسية القائمة على نفس نهجها في تشكيلة رئاسات الثلاث الدولة والحكومة والبرلمان، ومرهونة بمزيد من الاستقطاب الجماهيري لصالح  العراق وشعبه ، وفق الأسس التالية:-
أ- وحدة خطاب كل التيارات المدنية والديمقراطية واليسارية والعلمانية المستقلة.
ب- تطبيق مبدأ الديمقراطية الحقيقية وممارستها في الحياة اليومية ، وعدم اختزالها فقط بالانتخابات.
ج- فصل الدين عن الدولة، والتاكيد على علمانية الحكم.
د- التاكيد على مبدا الحريات وحقوق الانسان العامة والشخصية ،واقرار مبدا العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق المرآة.
ه- رؤية واضحة وشفافة وفق ايدولوجية محددة في عملية التنمية الوطنية المستدامة ومكافحة الفساد المالي والاداري بقوة.

وختاما، نرى ان وضع العراق الامني ،السياسي والاقتصادي/الاجتماعي، والثقافي لابد وان يخوض في معركة ساخنة ومصيرية في المرحلة القادمة، تزداد فيها حدة الصراع من اجل رسم ملامح خارطة الطريق الجديدة للنظام السياسي والاقتصادي...وتقديم افضل للمواطن العراقي الذي يتطلع بكل امل الى التغييرالمنشود نحو مستقبل افضل ، يتحقق فيه امنيات ابناء شعبنا في عيش كريم  وبرفاه، وذلك من خلال تحشيد وتعبئة الجماهير بطرق نضالية سلمية متعارف عليها، من المظاهرات والاحتجاجات والعصيان الجماهيري ،وعقد ندوات ومؤتمرات مكثفة لتثقيف الجماهير، واعدادها للمساهمة في العملية السياسية واتخاذ القرارات المصيرية، ورفضها للسياسة العراقية الحالية ... مطالبا باجراء اصلاحات وتغيرات جذرية وضرورية على المسارات السياسية والاقتصادية/الاجتماعية والثقافية ووضعه على الطريق الصحيح بحيث يخدم النظام الديمقراطي الحقيقي ... ويوحد الشعب وفق مبدأ المواطنة والوطنية ،ويخدم الاديان والمذاهب والهويات الفرعية لاطياف الشعب العراقي ، وتحقيق انجازات تنموية وطنية ملموسة ، وتقر بالتعددية السياسية وتداول السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية ... وبناء دولة مدنية عصرية تتحق فيها كافة حقوق المواطنة واستقلال السيادة الوطنية، وتأمن بالعدالة والديمقراطية الحقيقية والمواطنة... وانقاذ العراق وشعبه من محنته ، وارجاع الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي في ارجاء العراق وبين مكوناته واطيافه المتنوعة... ومواجهة الكوارث والقتلة والمجرمين من داعش وغيرها، وتلقين الارهابيين الدرس بوحدة الشعب والجيش ... ومن اجل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، يسود فيه الامل والامن والسلام والتقدم والازدهار، وينعم فيه المواطن بحياة حرة شريفة ومساواة وضمان مستقبله ومستقبل الاجيال القادمة.


44

الاخ والزميل العزيز امير المالح الموقر

تحية طيبة

تلقينا بالم وحزن شديدين نباء رحيل صديقنا العزيز شقيقكم المرحوم سعدي المالح. وقد ترك اثر عميق في قلوبنا . ورحيله خسارة كبيرة لكم ولكل من عرفه وللجميع. نشارك احزانكم ، ونطلب من الله عز وجل بان يسكن الفقيد فسيح جناته ، وتكون هذه الفاجعة نهاية مكروهكم،ونرجو لكم ولكل افراد العائلة والاصدقاء ومحبي الفقيد الصبر والسلوان.

تقبلوا فائق احتراماتي ومحبتي

صباح قدوري


45
موقف الحزب من القضية القومية الكردية والفيدرالية *

د.صباح قدوري

1- منذ تاسيسه اعار الحزب الشيوعي العراقي  في اهدافه وبرامجه النضالية، اهتماما كبيرا بموضوع القضية القومية الكردية ، مستعينا بمبدأ حق تقرير المصير وفق النظرية الماركسية، واقر هذ المبدأ في اول مؤتمر للحزب كنهج الامثل للحل الاستراتيجي للقضية القومية . كما ان العدد الاول من جريدة الحزب الشيوعي العراقي الصادر في تموز 1935، وردت فيه الدعوة لاستقلال كردستان ، اذ ان موقفه من هذه القضية اتسم بالمبدئية والحيوية. وتعتبرها قضية  فكرية،ايديولوجية، سياسية وتنظيمية، والاعتراف بحق تقرير المصير– بما في ذلك حق الانفصال وتشكيل دولة وطنية مستقلة.

ولقد حظي نضال الحزب الشيوعي العراقي  في سبيل القضية الكردية ، محل تقدير وتثمين كبيرين من لدن الاحزاب الكردستانية. فعلى سبيل المثال،جاء في ميثاق الجبهة الكردستانية في ايار عام1988 : "ان الاعتراف المبكر للقوى والشخصيات التقدمية العراقية والعربية بالشعب الكردي وحقوقه المشروعة،ومساندة وتضامن الجماهير العربية في العراق مع الجماهير الكردية في كفاحها العادل من اجل التحرر القومي والاجتماعي ، ساعد على تعزيز الكفاح العربي الكردي المشترك ،الذي هو اساس لوحدة الحركة الوطنية العراقية ، ودعم تاريخي كبير لحركة التحرر الكردية بالذات... فالانتصارات الكبيرة لنضال شعبنا ، مثلما كانت في الماضي ، وكذلك في المستقبل منوطة بمدى تعزيز هذا الكفاح المشترك وتوطيد تحالف الحركة التحررية الكردية مع قوى الثورة العالمية بما فيها حركات التحرر لشعوب المنطقة ، وفي مقدمتها حركة التحرر الوطنية العربية". 

2- كان الحزب من اوائل الاحزاب السياسية العراقية الى جانب الاحزاب الكردية ، قد نادى من اجل تحقيق الحقوق الادارية والثقافية لاكراد العراق . وساهم  بشكل فعال في تطوير هذه الصيغة، وصولا الى الحكم الذاتي،الذي جسد في بيان 11اذار1970 ، والتاكيد على تفعيله من خلال رفع الحزب لشعاره ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي للشعب الكردي). واكد الحزب ايضا على النظام الفيدرالي في حينه من خلال شعاره التاريخي "اسقاط النظام الديكتاتوري واقامة العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد" وذلك وصولا الى اختيار الفيدرالية التي هي وليدة انتفاضة الشعب العراقي المجيدة في اذار 1991. واقرت في البرلمان الكردي في دورته الاولى المنعقدة في 4/10/1992 ، كتعبير عملي عن حق الشعب الكردي في تقرير المصير ضمن هذه المرحلة .وثبتت هذه الفيدرالية ايضا في الدستور العراقي المقر من الشعب عام 2005 ، كصيغة سياسية لضبط العلاقة بين المركز والاقليم ، على اسس ممارسة الديمقراطية اسلوبا للحكم ، حاليا ومستقبلا.وكنوع من الحكم في المنطقة، يضمن لها الادارة المحلية بقدر اكبر من الاستقلالية الذاتية في بناء وتكوين ادارة ممركزة( على مستوى الاقليم)، وتقاسم السلطة والتمسك بالعدل في توزيع الموارد المالية. وتدار من خلالها السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها. ويمكن ان تاخذ اشكالا اخرى متطورة عبر سيرورة تطبيقها وممارستها.وبغية حماية الشعب الكردي من الظلم المستمر والابادة الجماعية اللذين تعرض لهما على ايدي الحكام الشوفينيين والديكتاتورية ، لكي يعيش على ارضه ويضمن حق تطوير مختلف اوجه حياته في جميع المجالات على هذه الرقعة التي تسمى تاريخيا وجغرافيا كردستان، مع حرصه ايضا على بقاء الكيان العراقي موحدا قويا ،عن طريق ارساء اسسه على الارادة الحرة والرغبة المشتركة في العيش المشترك.

3- ان الطابع القومي لكردستان العراق،والاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، وتبني شعار الفيدرالية وتطويره،وبث الوعي لدى الجماهر الكردية لتاخذ قضيتها بيدها من خلال الممارسات الديمقراطية ، كل هذه الامور وغيرها، قد ساعدت على تطوير الصيغة التنظيمية للحزب الشيوعي في المنطقة الكردية ،من منظمة اقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي الى الحزب الشيوعي كردستاني/العراق ،بقرار من المؤتمر الثاني لاقليم كردستان ، والمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي العراقي (1993)، وكضرورة تاريخية  ليعبر عن امال وتطلعات ومصالح الجماهير الكردية،وكاجراء مكمل لدعم الصيغة الفيدرالية في العراق. ولكي يتفاعل ويساهم بشكل فعال مع المجريات والاوضاع الجديدة وخصوصيات المنطقة، ويعمل على تحقيق اهداف الشعب الكردستاني النبيلة، بالمشاركة والتعاون مع الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب الكردية الاخرى ذات مصلحة حقيقية  في ذلك، وايجاد اليات ضرورية فعالة لتطوير افاقها المستقبلية.

 والحزب الشيوعي الكردستاني – العراق (حشكع) ، بشكله الحالي ، ليس الا اضافة الى جسم الحزب الشيوعي العراقي ومتكامل معه . فقيامه ليس سيرورة انشقاقية او انفصالية او حتى اضعافا للحزب الشيوعي العراقي، بل بالعكس هناك ترابط عضوي بين الحزبين ، فهما حزب واحد على الصعيد السياسي( من حيث المحتوى والشعارات والبرامج والاهداف الاستراتيجية ) وحزبان على الصعيد التنظيمي، اي تربطهما (العلاقة الفيدرالية)، اذا جازالتعبير. ويعبر هذا الاجراء عن قوة وتوسيع الحزب الشيوعي العراقي ، بحيث اصبح له فرع مستقل في اقليم كردستان، يجمع جماهير كبيرة حوله ولها حق ان تختار هذا الاسم لنفسها.
 ويمارس (حشكع)  صلاحياته كحزب مستقل في اقليم كردستان العراق ،من خلال تشخيص مواقع الخلل في سياسة الحزب وبنيته التنظيمية ،وتقدير افاق الوضع السياسي وطبيعة دور الحزب في المجتمع ، والتعاطي مع استحقاقات التغيير والاصلاح المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم وعموم العراق، وبالتنسيق والتعاون مع الحزب الشيوعي العراق. وهذا يعكس الفهم والاستيعاب المشترك للنضال الطبقي والوطني  بين الحزبين الشيوعي العراقي والكوردستاني .

هناك برامج ولوائح داخلية تنظم العلاقة بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني، الامر الذي يستدعي ضرورة مراقبة ومتابعة تطبيقاتها في الممارسات، بحيث ان لا تشكل عقبات امام تنفيذ السياسات الصائبة. هذا اضافة الى اعادة تقيمها او اصلاحها وتغيرها عند الحاجة وتطويرها باستمرار،وفق اسس الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي، وذلك لرسم سياسة الحزبين على صعيد العراق والاقليمي والدولي، وما يتعلق بالشؤون الكردستانية.


4- ويرى الحزب الشيوعي العراقي ،ان القضية الكردية كظاهرة اجتماعية سياسية وقومية ، تتحرك باستمر بين العاملين الذاتي والموضوعي، وان الربط بينهما ، وايجاد نوع من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المصيرية ، يعطي زخما في تطوير هذه القضية ، باتجاه سليم ويبعدها عن المخاطر والاخفاقات ، مع التاكيد على ان العامل الذاتي يلعب الدور الرئيس في هذه العملية.ويمثل العامل الذاتي في مدى استعداد وقدرة الشعب الكردي بكل قواها التحررية والتقدمية والوطنية والديمقراطية للمساهمة في العملية النضالية من اجل تحقيق طموحاته وحقوقه. وهو يشمل عناصر عديدة متحركة،على سبيل المثال ( دون الدخول في التفاصيل) المستوى الثقافي والوعي لدي الجماهير الكردية ، مدى ممارسة الديمقراطية في الحياة اليومية، بناء مؤسسات الدستورية والادارية الرشيدة. ويمثل العامل الخارجي بمدى تاثير البلدان التي يشكل الاكراد فيها قومية، وارضيهم مقسمة في داخل الحدود الجغرافية ( تركيا، ايران، سوريا) ،على القضية الكردية والاعتراف بها كقضية سياسية وقومية ، وليست فقط انسانية  يجب حلها بشكل يضمن حق تقرير المصير.
كذلك العامل الدولي، ويتمثل في موقف تلك الدول التي لها مصالح اقتصادية وجيوسياسية في المنطقة، وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها من القضية الكردية، وترى بان توفير الامن والاستقرار في المنطقة والاكراد جزء منها، هي مسالة مهمة لدي الاطراف المعنية، من خلال سيرورة الحل السلمي للقضية الفلسطينية ، واشراك جميع الاطراف المعنية فيها، بهدف تامين الطاقة والسيطرة على اسعارها، وتوسيع الاستثمارات الاقتصادية الاوربية والامريكية، من اجل التعجيل في انشاء( البلوك) الاقتصادي في المنطقة، بحيث تلعب اسرائيل الدور المميز فيه، وتفعيل دور كل من تركيا، وايران مستقبلا،وربط هذا البلوك بالعولمة الراسمالية.
5- تماطل الحكومة الاتحادية منذ سقوط النظام  الديكتاتورية في2003، في تطبيق البنود الخاصة بالحقوق الكردية في الدستور، منها تنفيذ مادة 140 الخاصة بكركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها .هناك تقلبات في ثبات حصة الاقليم من الميزانية العامة لكونها قرارا سياسيا اكثر من دستوري، وفي تقاسم السلطة، اشكاليات النفط ،عدم معالجة مسالة قوات البيشمركة ضمن الوحدات العسكرية والامنية في الحكومة الاتحادية، التشكيك في فهم ممارسة الاكراد للفيدرالية واتهامهم بانهم  يهدفون الى النزعة الانفصالية التي تؤدي في نهاية المطاف الى تمزيق وحدة العراق شعبا ووطنا.مما يجعل من هذه الحالات سببا في التوترات السياسية والادارية والاقتصادية بين الادارة الفيدرالية والاقليم. قد تستمر هذه الحالة في المستقبل المنظور بهذه الوتيرة من دون ايجاد حلول واقعية صحيحة لها، مع بروز القناعة لدى بعض القوى المتنفذة في تقسيم العراق على اسس الفيدرالية الطائفية والمذهبية، والتوجه نحو استحداث محافظات جديدة  مؤخرا على هذه الاسس، هو خير مثال على ذلك، ويعتبرايضا كدعاية انتخابية لمالكي،ويتطابق هذا التوجه ايضا مع مشروع نائب الرئيس الامريكي بايدن ، او حتى وجود اطراف كثيرة من الوحدة الاوربية مع هذا التوجه. ففي حالة عدم حل الخلافات بشكل نهائي بين الطرفين ، فعندئذ من الممكن ان  تتحول الفيدرالية الحالية على اساس القومي الى مرحلة اكثر تطورا، كونفيدرالية  و/ أو اعلان الاستقلال.
ان مقومات تطوير صيغة الفيدرالية الحالية ، لتصبح نواة لقيادة حركة التحرر الكردية على صعيد كردستان الكبرى مستقبلا ، تتوقف بدرجة كبيرة على تقوية العامل الداخلي، والاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي. ويكون للحزب الشيوعي الكردستاني دور ومشاركة فعلية وفعالة في هذه العملية ، وخاصة في مسالة المشاركة في عملية اتخاذ القرات المصيرية، ودعم بناء المؤسسات الادارية والقضائية والدستورية الرشيدة . ويتم ذلك من خلال اقرار ضمان الحريات العامة والخاصة للمواطنين، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، وتقوية النظام الاقتصادي في الادارة الفيدرالية.

وفي العامل الداخلي، أحاول التركيز على النقطتين الرئيستين،وهما بناء المؤسسات الادارية وتقوية النظام الاقتصادي في الادارة الفيدرالية:




اولا: المؤسسات الادارية والدستورية

1- اجريت في عام 1992 اول انتخابات التشريعية في الاقليم. ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم فان السلطة التشريعية والتنفيذية وكذلك القضائية، تتقاسم بالمناصفة والمعروفة (ففتي ففتي) بين الحزبين: الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني. يقابله تهميش دور الاحزاب الاخرى المتواجدة  فعليا في الاقليم من الشيوعيين والاشتراكيين والكادحين والاسلاميين والعناصر المستقلة. فقد تم السماح  لهذه الاحزاب بمزاولة نشاطها السياسي ،واشراكها في الادارة الفيدالية ومؤسساتها بشكل رمزي.
 
2- ان حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس، هي ظاهرة متلازمة للعلاقة بين الحزبين الحاكمين عبر تاريخهما السياسي، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال، بعيدا عن مصالح الشعب الكردي في الاقليم. وقد اشتدت هذه النزاعات في سنة 1994، مما اسفرت الى الاحتكام  بالسلاح بدل الحوار الحضاري والمصالحة وممارسة الديمقراطية، واعلان الاقتتال الداخلي الذي طال امده اربع سنوات،الى ان انتهت بالمصالحة وايقاف الاقتتال، نتيجة لتدخل العامل الخارجي، وخاصة الامريكي.

3- الرجوع مرة اخرى الى صناديق الاقتراع  في عام 2005، اي بعد مرور 13 سنة على الانتخابات الاولى، ومنذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي اجريت في25 تموز/يوليو 2009، تفاقمت مجددا الحساسيات والخلافات بين الحزبين، واخذت اليوم طابعا اخر من مواجهات بالسلاح الى خلافات المتكتمة التي تطفو الى السطح بين حين واخر، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال والمنافسة على التشكيلات الامن والبشمركة، وذلك للحصول على اكبر المناصب في داخل الاقليم والمركز. ما تسبب في اضعاف العامل الداخلي في عملية اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية.

4- من جانب اخر تمت كتابة مسودة دستور اقليم كردستان بشكل متسرع من دون اشباعه واغنائه بالمناقشات من اصحاب الاختصاصات المختلفة والمشاركة الجماهيرية العريضة. وعرضه للمصادقة على البرلمان بشكل مفاجئ في 24/حزيران/يونيو2009، اي بعد انتهاء البرلمان الكردستاني دورته وشرعيته في 9 حزيران/يونيو 2009 وامراره ، بدلا من اتباع طريقة الاستفتاء الشعبي المتعارف عليها لمصادقة الشعب الكردي عليه.

5- تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري. واصبحت الحزبية الضيقة فوق كل مؤسسات المجتمع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الامر الذي افضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين اجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الاساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بايعاز واوامر من الحزبين الحاكمين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها.

6- لقد ادت هذه السياسات الى تفريغ الهيئات الادارية لمؤسسات الحكم الفيدرالي من وظائفها في عملية المشاركة واتخاذ القرارات الادارية، واضعاف دور البرلمان في رسم وتوجيه السياسة الاقتصادية والادارية، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق على كل المرافق الحياتية.

7- استمرار هذا المشهد مع ظهور اطراف سياسية اخرى مثل  حركة التغيير والاحزاب الاسلامية والاحزاب الاخرى التي كانت تدعم سياسة الحزبين الحاكمين، باتت تلعب دورا في تغيير ميزان القوى  بين الحزبين الحاكمين. وتمارس هذه الاحزاب اليوم وبالمشاركة الفعالة من الشباب والعاطلين والنساء والمثقفين وطلاب الجامعات، ضغطا على ادارة الاقليم، مطالبين باجراء اصلاحات جذرية في سياسة الحزبين تجاه الاوضاع االتي يمر بها الشعب الكردي في الاقليم ، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب من الفقر، وتوفير الخدمات الاساسية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، والحد من الفساد الاداري والمالي.

8- ومنذ تطبيق النظام الفيدرالي، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند اللزوم.

9- ضعف في اداء المؤسسات الاعلامية المختلفة لدورها الحقيقي في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير، نتيجة الهيمنة الحزبية الضيقة على نهجها، ما خلق صعوبات امام الجماهير للتعبير عن ارائها،وايصال صوتها عبرممارستها النقد البناء والدور الرقابي الشعبي ، والدفاع عن مطاليبها المشروعة ، وصيانة حقوق المواطن العامة والشخصية.

10- منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة في الاقليم، والتي جرت في 21/ايلول/سبتمبر2013 ، والتي اسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الاولى، تم عقد جلسة واحدة للبرلمان بهدف تحديد رئاسة البرلمان، وبسبب ضعف  الثقة والحساسية والنزاعات الداخلية بين الكتل الفائزة في الانتخابات ، لم يسفر هذا الاجتماع عن تحقيق اهدافه ، واعتبرت الجلسة مفتوحة الى يومنا هذا.كما لم تسفر الاتصالات والتشاورات والمفاوضات الذي يجريها نجرفان بارزاني، باعتباره نائب رئيس الحزب الديمقراطي، مع الكتل الفائزة في الانتخابات لتشكيل حكومة توافقية ، عن شئ حتى الان!

ثانيا: مجال الاقتصادي

بعد سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 ، واجه العراق بما فيه اقليم كردستان تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ومنذ انتفاضة اب 1991 المجيدة، وبعد انقضاء ما يقارب 23 سنة من عمر هذه المسيرة، شهد اقليم كردستان العراق بعض تطورات نوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكن ليست في مستوى طموحات الشعب الكردستاني، والامكانيات المالية والبشرية المتاحة للادارة الفيدرالية. ان تحويل اقتصاد الاقليم من اقتصاد مركزي الى اقتصاد مفتوح ومتنوع وقائم على الإستفادة من اليات السوق ودور اكبر للقطاع الخاص ، فضلا عن ان هناك اتفاقا على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء اقتصاد الاقليم ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وبناء واعادة بناء البني التحتية .الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات، وذلك لاسباب ، يمكن حصرها ( من دون الدخول في التفاصيل)، كالاتي:

1- ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد في اقليم كردستان العراق ، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته، وانعدام الشفافة والاستراتجية واضحة ، والمعرفة الادارية، والبيانات والاحصاءات اللازمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي ، والتوجه نحو اللبرالية، وتطبيق وصفات المؤسسات المالية الدولية، الصندوق والبنك الدولين، ومنظمة التجارة العالمية.

2- عدم وجود نوع من التوازن في تسييرالاقتصادي بين التخطيط ودور الفعال للقطاع الحكومي العام والاقتصاد السوق.

3- لم تتم الاصلاحات الضرورية والمهمة في القوانين والتشريعات المالية والضريبية.

4- عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة في بناء نماذج (موديل) اقتصادية ملائمة للبيئة الوطنية، ووفق مستوى تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي في الاقليم، ومن دون نقل اواستنساخ التجارب البعيدة عن هذه البيئة .

5- هيمنة الاقتصاد الاستهلاكي كما هو عليه الحال على الاقتصاد الانتاجي في معظم القطاعات الاقتصادية.
6- ضعف في خلق وتنمية القوة البشرية المؤهلة للمساهمة في عملية الانتاج والانتاجية.

7- عدم تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية  وتخفف  من حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين، وتحقق نوع من العدالة والرفاء الاجتماعين.

8- ان الفرضية التي تنطلق من اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الحالي، وتفهم وملاحظة المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في تطور الفيدرالية ، هي فرضية تستدعي اعتمادا  تدريجيا في مواجهة المتغيرات الجديدة، وتوفر امكان تحديد الاوليات، وتطبيق برنامج الاصلاحات،على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء واعادة الاعمار في الاقليم.

9- انتشار الفساد الاداري والمالي  بشكل منهجي ،على المستويات السياسية والادارية كافة.وقد اصبح وباء، ولم تتخذ اية اجراءت حاسمة وجدية لمعالجة هذا الوباء لحد الان، وذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية وهيئتي الرقابة المالية والنزاهة ومنظمات المجتمع المدني، لممارسة صلاحياتها بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في امورها. ومقابل ذلك تعاني الفئات والشرائح الاجتماعية، وخاصة الطبقة الوسطى والشباب والفقراء والمراة، صعوبات جدية في تدبير اوضاعها الاقتصادية ، وحماية حقوقها الاجتماعية ، وممارسة الديمقراطية، وحق التعبير عن اراءها، وتحقيق مبداء العدالة الاجتماعية.

10- اتباع سياسة الاستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها السلبي على تحفيز وتطويرالانتاج الوطني، وهي في تراجع مستمر، وفي زيادة نسبة التضخم.

6- ختاما، يقر الحزب الشيوعي العراقي بمبداء حق تقرير المصيرللشعب الكردي، ويعتبره مسالة مبدئية ضمن اهدافه وبرامجه النضالية. يدعم الفيدرالية الموحدة القائمة، كصيغة عملية للتعبيرعن حق التقرير المصير للمرحلة الراهنة.كما  يدعم الحزب الشيوعي الكردستاني(حشكع) ، لياخذ دوره الحقيقي ضمن حركة التحرر الكردية، من خلال تقوية العامل الذاتي ، والاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي بهدف توطيد الفيدرالية والحفاظ على مكتسباتها ، ومسايرة تطورها المستقبلي.


* المقال منشور في العدد 364 و365 من مجلة "الثقافة الجديدة" الصادرة  في اذار/مارس 2014 ، ضمن ملف لمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي .

46
الانتخابات العراقية في ميزان الشفافية والنزاهة!

د.صباح قدوري

بقيت أسابيع قليلة على موعد الانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها في 30 نيسان/ ابريل2014 . وهذه الانتخابات هي الثالثة منذ سقوط النظام الديكتاتوري في 2003.ومعلوم للجميع ان الانتخابات السابقة افتقرت الشفافية والمهنية والنزاهة في نتائجها. والانتخابات القادمة من المتوقع ان تتسم بالسلبيات نفسها.

ومن العيوب الاساسية التي تعاني منها الانتخابات في العراق هي:-

اولا: ان الغش والتلاعب وانعدام الشفافية والمهنية والنزاهة في الانتخابات، يتم قبل بدأ  العملية الانتخابية ،
وكالآتي:-

أ- تقاسم اعضاء هيئة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية  والحزبية الضيقة...بالاضافة الى التدخل المباشر من ( السلطة التنفيذية) في شؤون المفوضية ومس استقلاليتها ودورها في الأداء، وذلك لفرض وتنفيذ اوامرها ورغباتها وطلباتها على العملية الانتخابية... والاستقالة الجماعية لاعضاء المفوضية اخيرا خير دليل على ذلك.
ب- غياب قانون الاحزاب لحد الان،يعد نقصا كبيرا،يسهم بشكل كبير في تشويه العملية الانتخابية ،ويصعب نوعا ما على عملية تسجيل الكيانات الانتخابية، مع قبول المرشح، أواستبعاده اواجتثاثه باسلوب استبدادي وقمعي من السلطة الحاكمة، بعيدا عن الدستور.
ج- محاولة التلاعب بطريقة احتساب اصوات الناخبين، بما يخدم مصالح  الكتل الكبيرة ، وبالذات دولة القانون  التي منيت بخسائر كبيرة في الانتخابات المحلية الاخيرة...واجراء الانتخابات وفق دوائر متعددة، /أوعلى اساس القوائم المفتوحة او شبه المفتوحة ،مع نقص المعلومات عن معظم المرشحين وبرامجهم الانتخابية.
كل ذلك وغيرها يخلق نوع من الفوضى في العملية الانتخابية .
د. الفوضى الحاصلة في طريقة اجراء الانتخابات لمواطني المهجر ، مثل الاقتصار على دول معينة تجري فيها الانتخابات... وكذلك الطلب من الناخبين في المهجر وثائق عديدة في الغالب لا تكون بحوزة الناخب...  وعدم وجود سجلات لتسجيل العراقيين في المهجر من قبل السفارات العراقية في الخارج ليكون اساسا للتدقيق.عقبات كهذه توضع امام الناخبين في المهجر، تكون ذريعة لضعف العملية الانتخابية في المهجر، وهي مكلفة ايضا وتوجد فيها الفساد المالي والاداري. 

ثانيا: هناك تجاوزات على العملية الانتخابية اثناء انطلاق حملة الدعاية الانتخابية للمرشحين، وتتضمن، كالآتي:-

أ- عدم الالتزام بالمواعيد التي  تحددها المفوضية  فيما يخص الدعاية الانتخابية... فالكيانات المهيمنة غالبا ما تقوم بالدعاية الانتخابية لمرشحيها قبل موعدها المحدد...وعدم التقيّد باصول وقواعد وضوابط الدعاية الانتخابية المعتمدة من المفوضية.
ب-  اللجوء الى اساليب شراء اصوات الناخبين عن طريق توزيع الهدايا وتقديم الرشاوي وشراء الذمم وغيرها على المحتاجين والبسطاء من الناس من قبل قوائم الكيانات المهيمنة على الحكم، وذلك لكسب اصواتهم .
ج-  التاخر في اصدار البطاقات الشخصية الالكترونية للمواطنين وتوزيعها ليسبب في خلل كبير، اذ كان ينبغي ان تصدر البطاقات تلك قبل سنة من موعد الانتخابات ... اضافة الى حملات التوعية والتوضيح للناس  حول كيفية استخدامها بالشكل المطلوب في عملية التصويت. ومن الاجدر ان تحمل البطاقة بالاضافة الى المعلومات، صورة الشخص ، للتاكد من شخصيته اثناء اداءه عملية التصويت...يجرى تلاعب بهذه البطاقات من حيث التوزيع وعملية بيع وشراء الاصوات ،بهدف ابعاد كثيرمن الاصوات عن المشاركة في الانتخابات.
د- استخدام وسائل النفوذ والسلطة والمال العام والاعلام والوعود الحكومية لترويج الدعاية لمرشحي الكيانات المهيمنة على الحكم.
ه- اثارة النزعات الداخلية ، كما في مشكلة الانبار ، وكذلك مع اقليم كردستان العراق...لخلق اجواء غير صحية  تبعد جماهير الناخبين عن المشاركة الفاعلة في الانتخابات...ولكي تتمكن السلطة الحاكمة الاستفادة من هذا الظرف، وحشد التاييد لمرشحيها بطريقة غير قانونية وغير نزيهة  .

ثالثا: تجري الخروقات والغش والتلاعب اثناء وبعد عملية الاقتراع، وتكون كالآتي:-

أ- التصويت الخاص للقوات المسلحة والشرطة والسجناء والمرضى ، يجري في الغالب التاثير عليه وتجييره لصالح مرشحي السلطة الحاكمة،
ب- ضعف رقابة منظمات المجتمع المدني والكيانات السياسية على عملية الاقتراع.
ج- عدم ضبط اوقات فتح وغلق مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات.
د- عملية نقل صناديق الاقتراع ، وكذلك عملية فرزالاصوات معقدة وطويلة، مما يسمح ذلك بالتزوير وتغيير نتائج الانتخابات.
ه- لايجري التعامل بجدية مع الشكاوي والطعونات المقدمة الى المفوضية من قبل المراقبين والكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، في موعدها وبشكل اصولي ووفق القانون والقواعد المتعارف عليها بهذا الخصوص.
و- غياب الوعي وانتشار الامية والفقر بين طبقات وفئات واسعة من المجتمع العراقي ، عامل اساس في عدم قدرة جماهير واسعة من الناس في اداء دورهم الحقيقي في العملية الانتخابية.

بعد الانتخابات المحلية الاخيرة،التي جرت في شهرنيسان/ابريل2013 ، حدث استقطاب واضح في الساحة الشيعية بين ( المالكي والصدر وعمار الحكيم) . واليوم بان هذه الساحة ستشكل من ثلاثة مراكز قوى تتنافس على 150 معقدا، وليست موحدة( التحالف الوطني) ، كما في الانتخابات السابقة. وحدث ايضا الانقسام بين اياد علاوي واسامة النجيفي (القوة السنية) ، ويتقدم الاخير الى الانتخابات باسم قائمة (متحدون) بدلا من ( العراقية). تتقدم الكتلة الكردية ( الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة التغيير، والقوى الاسلامية) الى الانتخابات المقبلة عبر استقطابات فردية ، بدلا من التحالف الكردستاني ،المعمول به في الانتخابات السابقة. وقد ظهر ذلك جليا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، التي جرت في ايلول/ديسمبرمن السنة الماضية في الاقليم.

وما تقدم ، يتضح لنا انه آن الاون للعراقيين ان يتجهوا الى صناديق الاقتراع بكثافة...ويساهم المواطن بصوته من اجل خلاص العراق وشعبه من محنته وحياته المزرية، ومن انعدام الامن والاستقرار، وتصاعد الهجمات الارهابية، والتدخلات الاقليمية المباشرة في شؤون العراق، ومن تفشي نظام الفساد الاداري والمالي في كل مفاصل الحزبية والحكومية،وتفاقمت حدته بعد الاحتلال في عام 2003 ، ومن تفشي البطاله خاصة في صفوف الشبيبة والخريجين والنساء وتبلغ حوالي20%،ونسبة خط الفقرتصل الى 17%، ونسبة التضخم حوالي 6% ، مع وجود 6 ملايين امي في العراق- ( حسب تقارير الجهاز المركزي للاحصاء/المسح الاجتماعي).وكذلك تؤكد منظمة (اليونسيف) المعنية برعاية الامومة والطفولة ، ان "نحو 3 ملايين ارملة في العراق ، ونحو 6 ملايين يتيم ". التردي المريع المتفاقم للخدمات كافة ، البلدية والصحة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها.مع استمرار نهج المحاصصة الطائفية- الاثنية في الحكم...واختيار البديل القادرعلى تحقيق طموحات الشعب في الامن والخدمات ، وتوفير العيش الكريم لكل العراقيين من خلال توفير فرص العمل للعاطلين... ان تفعيل وتنشيط القطاعات الانتاجية وفي مقدمتها الزراعة والصناعة، قادرا على امتصاص الاعداد الكبيرة العاطلة عن العمل ، كما يوفر دعما للاقتصاد العراقي بحيث لايكون معتمدا بشكل تام على  الواردات النفطية... توجيه المال العام بكل شفافية ومصداقية وبالطرق المعرفية في ادارة البلاد، والقضاء على داء الفساد الاداري والمالي، لغرض تحقيق افضل نتائج في التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية الوطنية... وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية امام القانون والواجبات والمسئوليات، وفي تقاسم الثروات على كل ابناء الشعب العراقي بدون تفرقة ،واحترام حقوق المرآة وفق لائحة حقوق الانسان الدولية، والعهود والمواثيق الخاصة بحقوق المرآة وحقوق الطفل كافة ،وعدم اعطاء اي مجال لامرار (قانون الاحوال الشخصية الجعفري) السيئ الصيت في البرلمان العراقي... واحداث التغيير في التشكيلة البرلمانية والحكومية القادمة، واجراء اصلاحات على النظام القضائي، الذي اصبح مسيسا لارادة السلطة التنفيذية. يتطلب ذلك الوعي والمشاركة الفاعلة والنشطة للموطنين في هذه الانتخابات.

واليوم فان الشعب العراقي امام امتحان عسير في هذه الانتخابات، والمطلوب منه ان يحقق نتائج ايجابية ملموسة،ستكون بداية نقطة الانطلاق ، قد تساهم في تصحيح المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، ووضعه على الطريق الصحيح، بحيث يخدم النظام الديمقراطي الحقيقي،ويوحد الشعب وفق مبدأ المواطنة والوطنية، ويحترم الاديان والمذاهب والهويات الفرعية لاطياف الشعب العراقي ، ويحقق انجازات تنموية وطنية ملموسة ، ويقر بالتعددية السياسية، وتداول السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية، وفصل الدين عن الدولة، وبناء دولة مدنية عصرية ، تتحق فيها كافة حقوق المواطنة ، واستقلال السيادة الوطنية،.
كل هذه الامور  واهداف كبيرة اخرى متوفرة في برامج مرشحي القوى المدنية – الديمقراطية المؤتلفة في اطار تحالف مدني واسع ( التحالف المدني الديمقراطي) والذي يشكل ( التيار الديمقراطي) نواته الاساسية الرصينة ، وفي نفس الوقت هي مهمة ومسؤولية وطنية ايضا.

ان مرشحي قائمة ( التيارالديمقراطي) وحلفاؤها، هم البديل المنشود في برلمان قادم ، قادر على سن القوانيين التي تخدم جماهير الشعب بكل اطيافه وطوائفه ، بعيدا عن المحاصصة  المذهبية والطائفية والاثنية والحزبية الضيقة.

وختاما،فان التصويت لهذه القائمة وحلفاؤها ، يعتبر شرف وواجب وطني ومساهمة كبيرة، في انقاذ العراق وشعبه من محنته هذه ، وارجاع الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي في ارجاء العراق ،وبين مكوناته واطيافه المتنوعة...ومن اجل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي، يسود فيه الامل والامن والسلام والتقدم والازدهار ، وينعم فيه المواطن بحياة حرة شريفة، وبرفاه، والمساواة، ويتمتع بكافة حقوقه العامة والخاصة، ويضمن مستقبله ومستقبل الاجيال القادمة. ونامل ان تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة وعادلة وفي موعدها المحدد!!!

47
من ذاكرة انقلاب شباط الاسود 1963، وشهداء الوطن

د.صباح قدوري

1- كنت طالبا في كلية التجارة - جامعة بغداد السنة الثانية، عندما حدث انقلاب ثمانية شباط الاسود. وصادف يوم الجمعة وكان رمضان. وقد سبق هذا التاريخ ولمدة اكثر من شهر بتحريك التظاهرات الطلابية من قبل الناشطين في تنظيمات حزب البعث السرية. وشملت هذه المظاهرات عدد من كليات الجامعة. وتفاقمت شدتها في بعض الكليات ومنها كلية التجارة ، كانت انذاك في منطقة الوزيرية بجانب كلية التربية. ومعظم قياديي التظاهرات ، كانوا في كلية التجارة ، امثال عمار علوش ، فلاح ميرزا ، سناء عمر العلي ، فؤاد عبد المجيد، عاتكة الخزرجي وغيرهم . حاول منظمو التظاهرات  منع حضور الطلبة الاخرين الى الدراسة ، وافشال الامتحانات ، والتي تزامنت في نفس الفترة. قاوم الطلاب من اعضاء ومؤيدي الاتحاد العام لطلبة العراق في مسعى لافشال هذه التظاهرات والاستمرار في الامتحانات. استخدم المتظاهرون اساليب القوة والضرب وادخال السكاكين والاسلحة وجرت اصدامات مع الطلبة المعارضين للاضراب ، مما سبب في جرح كثير من الطلبة المعارضين للاضراب في كثير من كليات الجامعة ونقلهم الى المستشفيات للمعالجة. وكان دور الشرطة والجيش ضعيفا جدا ، وفي كثير من الاحيان كان بعض القياديين من الجيش ، وعلى راسهم عبدالكريم الجدة ، وكان حينها امر موقع بغداد ، يتواجد في الكليات مع الجنود لمتابعة تطورات الاضرابات ، ويلقون القبض على الطلاب المعارضين للاضراب من اعضاء الاتحاد العام لطلبة العراق وايداعهم رهن التوقيف في معتقلات بغداد، بدلا من الطلاب البعثيين الناشطين في الاضرابات.
2- في ليلة الخميس قبل وقوع الانقلاب بيوم واحد ، كنا كاعضاء في الاتحاد العام لطلبة العراق في حالة من اليقظة  والحذر من وقوع الانقلاب . غادرنا الاقسام الداخلية ، التي كنا نسكن فيها والواقعة في  باب المعظم والوزيرية ، خوفا من القاء القبض علينا، وتوزعنا في غرف مؤجرة في الحيدرخانة والبتاوين واماكن اخرى من بغداد .وقد قابلت في نفس الليلة بعض الضيوف الذين جاءوا الى بغداد من السليمانية ، بمناسبة العطلة الشتوية للمدارس والكليات انذاك. وكان في لقائنا مع هؤلاء الضيوف ، الشهيد الملازم صلاح محمد جميل، وهو من اهالي مدينة السليمانية، الذي كان قادما الى بغداد  من وحدته في معسكر سعد بن ابي وقاص في بعقوبة لقضاء يوم العطلة الاسبوعية (الجمعة) برفقتنا . وقد رافقني الشهيد صلاح  الى غرفتي ، التي كنت قد اجرتها في منطقة البتاوين.
استيقضنا صبيحة الجمعة في الساعة السابعة صباحا ، وتناولنا الفطور بشكل طبيعي جدا ، وفي حدود الساعة التاسعة سمعنا نبأ الانقلاب من المذياع ، فسارع الشهيد للالتحاق بوحدته في معسكر سعد مع زميله الشهيد الملازم عبد المجيد محمد جان . وفور وصولهما خطب الشهيد صلاح بالجنود فاضحا الانقلاب طالبا مقاومته. اغتال الانقلابيون الرئيس الاول عبد الكريم حسن العلي في معسكر سعد. وبعد انتهاء المقاومة القي القبض على الملازمين صلاح وعبد المجيد ، ومعهما 23 جندياً وضابط صف، نقلوا جميعا الى سجن (رقم واحد) .
وبعد تعذيب وحشي تعرضا له ، لم يستطع الجلادون اخضاعهما . كان الشهيد صلاح يردد بتحد وثقة : اني أموت في سبيل شعبي ووطني ، ولكن كونوا على ثقة ان النصر الاكيد للشعب ، وان حكمكم زائل حتما لانه لا يستند على الشعب ، متحملا  بنفسه مسؤولية مقاومة الانقلاب ، رافعا المسؤولية عن زملائه الاخرين ، فعلقوه من رجليه واثقلوا ظهره بالبطانيات والكراسي. يؤكد من رأوه في الموقف انه كان يسهر على زملائه الجنود ومعالجة جروحهم. وبعد محاكمة صورية ، حكم المجلس العرفي برئاسة شمس الدين عبد الله  بالاعدام على جميع المعتقلين ، ونفذ حكم الاعدام بالمقاومين يوم 11 اذار 1963. الشهيد البطل صلاح خاطب الجلادين اتناء تنفيذ حكم الاعدام ، وامام الجنود الذين احضروا لمشاهدة الاعدام قائلا: ايها الجلادون ان نهايتكم ستكون على ايدي هؤلاء الجنود الذين جمعتموهم ليشاهدوا موتنا. ( انظر كتاب شهداء الحزب ، شهداء الوطن – الجزء الاول، 1934 - 1963، أصدار الحزب الشيوعي العراقي، دار الكنوز الادبية ، الطبعة الاولى 2001 بيروت – لبنان، ص 153).
3- بعد سماعنا لنبأ الانقلاب توجهنا فورا الى ساحة التحرير حيث ودعت الشهيد صلاح . قمت بالاتصال ببعض الطلبة من زملائي وبالتنسيق مع النشاطين في الحزب الشيوعي العراقي ، وقمنا  بتوزيع بيان الحزب ، الداعي لمقاومة الانقلاب والى حمل السلاح بوجه الانقلابيين ، وهناك في ساحة التحرير تجمعت الجماهير  بحشد كبير. وتم قطع الطريق بواسطة سيارات باصات مصلحة نقل الركاب  لمنع عبور دبابات الانقلابيين على جسر الجمهورية القادمة من الكرخ .
عندما  تقربت الدبابات من نهاية الجسر المطلة على ساحة التحرير ، لاحظنا  صور عبدالكريم قاسم وقد وضعت في مقدمة الدبابات  ، وبهذه الخديعة تمكنوا من شق طريقهم الى وسط ساحة التحرير وسرعان ما  بدأ اطلاق النار بكثافة بأتجاه الجماهير المحتشدة فيها.
وكرد فعل عفوي ، بدأنا نقاوم  باستخدام اخشاب وقضبان حديدية بسيطة ، كانت الجماهير قد تسلحت بها وهي تتجمع حال سماعها بنبأ الانقلاب ، وتم تكسير المصطبات التي  كانت في داخل حديقة الامة واطرافها لغرض استخدامها كأسلحة لمواجهة دبابات الانقلابيين .
في تلك الاثناء مر موكب عبدالكريم قاسم قريبا من ساحة التحرير ، متوجها نحو  وزارة الدفاع في منطقة الميدان ، فتعالت هتافات الجماهير مطالبة الزعيم بالعودة الى معسكر الرشيد وتزويدهم بالسلاح .
تحركت الجموع بعد ذلك الى وزارة الدفاع ، وهي تحمل اسلحتها البسيطة المكونة من الاخشاب والقضبان الحديدية ، ولكن سرعان ما حسم الوضع  برجحان كفة الانقلابيين بعد معركة عنيفة خاضها عبدالكريم قاسم ومعه مجموعة من الضباط الذين اثروا البقاء معه والاستمرار في المقاومة ، ورغم قيام الانقلابيين بأعدام عبدالكريم قاسم والضباط الذين كانوا معه ، الا ان الجماهير  ظلت تقاوم الانقلاب  لعدة ايام في مناطق متفرقة من بغداد وضواحيها ، وتمكن الانقلابيون من القاء القبض على الاف الشيوعيين وتصفية اعداد كبيرة منهم .
4- اختفينا في بغداد لاكثر من اسبوعين ، على اثر صدور بيان رقم 13 المشؤوم ، متنقلين في اماكن مختلفة بسبب وجود قوائم لدى الحرس القومي لمراقبة الشيوعيين والوطنيين ، واقيمت حواجز تفتيش على الطرق العامة ، ووصل الامر الى تفتيش باصات الركاب لاعتقال من يشكون بأمره ،  فامتلأت السجون ومخافر الشرطة بالاف المعتقلين .
ولاننا مجموعة من الطلبة الاكراد الدارسيين في جامعة بغداد انذاك فلم نكن مستهدفين بشكل مباشر ، فاستطعنا الخلاص من قبضة البعثيين وسافرنا الى السليمانية الى ان هدأت الامور، ورجعنا فيما بعد الى الجامعة بعد انهيار سلطة الانقلابيين وهروب حرسهم القومي ، واستلام عبدالسلام عارف للسلطة ، وكان ومجموعة من الضباط القوميين حليفا للبعثيين في التآمر على ثورة 14 تموز1958 .
اتذكر اول يوم عدت فيه الى الكلية بعد الانقلاب ، جاءني احد المسؤولين البعثيين اسمه فؤاد عبدالمجيد ، الذي اصبح فيما بعد مديراً للشركة العامة للسيارات ، وقال : هناك توصية من اكراد تابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني بخصوصك ، وكان الحزب الديمقراطي انذاك من المؤيدين لانقلاب البعث (على اثر الاقتتال الذي شنه عبدالكريم قاسم ضد الاكراد) .  واستمر قائلا : (انت شيوعي ، وكردي ، و مسيحي وخر(...) ، تريد تصير وزير براسنا ؟.. سمحنا لك بالدوام ولكننا سنراقب نشاطاتك).
5- ختاما، ان انقلاب 8 شباط 1963 ، كان مؤامرة انكلو - امريكية بالتعاون مع حلفائهما في المنطقة من الرجعيين والعملاء وبقايا الاقطاع  وازلام العهد الملكي المباد والقوميين الشوفينيين في العراق، وبتنفيذ من حزب البعث في العراق، للاطاحة بالجمهورية الفتية، التي لم تكمل عامها الخامس .فقد استشهد عبدالكريم قاسم ورفاقه من العسكريين الذين قاوموا الانقلاب. واستشهد ايضا الاف من الشيوعيين والوطنيين ، وزج بالاف اخرى  في معتقلات وسجون النظام البعثي مستخدمين حتى النوادي ، مثل النادي الاولمبي في الاعظمية، وسجن رقم واحد ، وقصر النهاية ، وخلف السدة ، ونقرة سلمان ، وفي قطار الموت . وعانى العراق من حكم البعث المقبور وحرسه القومي 35 عاما ، ملئت ارهابا وقتلا وحروبا مجنونة وحصار جائر بحق الشعب العراقي طال امده 13 سنة ، وبالنتيجة تم احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في عام 2003، ولحد اليوم يعاني الشعب العراقي من ويلاتهم ومؤمراتهم متعاونين مع العملاء في المنطقة، وبقايا ازلامهم في العراق لتدمير العراق وشعبه، الذي لا يسود فيه الامن والاستقرار لحد اليوم، ولا يزال يقدم التضحيات البشرية الجسيمة، ووضعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مزري، والعملية السياسية الحالية فاشلة بامتياز، وتقود العراق الى مستقبل مجهول ، والخاسر الاول والاخير ، هو الشعب العراقي المجروح.
6- ننحني باكبار واجلال واعتزاز امام هؤلاء الشهداء ، وكل شهداء الحركة الوطنية العراقية التي ناضلت من اجل الوطن وشعبه، وتحقيق الحرية والقيم الانسانية والعدالة الاجتماعية ،. وستبقى ذكراهم حية دائما في ضمير وقلوب كل الشرفاء ، ولن ينساهم شعبنا ابدا.

48
اين هو البرلمان الجديد...ومتى تشكل الحكومة في اقليم كردستان العراق؟!

د.صباح قدوري
يبدو ان مباشرة البرلمان الجديد المنتخب في21 ايلول/سبتمبر2013 بمهامه، وتشكيل الحكومة الجديدة لاقليم كردستان العراق، قد يمران بمرحلة متشابهة نوعا ما،لتلك التي مرت بها الحكومة الاتحادية في الانتخابات التشريعية لسنة 2010، والتي اسفرت بفوز القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي.اذ تاخرت في حينه تشكيل الرئاسة في البرلمان لمدة اكثر من المسموح به وفق الدستور، كما تاخرت ايضا تشكيل الحكومة لاكثر من السنة. وفي نهاية المطاف وبعد الالتفاف على القانون والدستور،اسفرت عن تشكيل حكومة المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، والتي شوهت مفهوم الحكومة الديمقراطية والشراكة الوطنية الحقيقية ، ونتجت عنها حكومة فاشلة بامتياز وفق كل المعايير والاصول المتعارف عليها في مفهوم ومعرفة الادارة الرشيدة، التي تستند اركانها على الديمقراطية الحقيقية والشفافية والنزاهة والمسؤولية،بحيث تكون مسؤولة عن تامين الامن والاستقرار وحماية حقوق المواطنين، وتقديم خدمات اساسيه لهم، ورؤية واضحة وشفافة في استراتيجية التنمية الوطنية المستدامة، وتقر بمبدأ تعددية السلطة والعدالة الاجتماعية. ولم تحقق اي من هذه الاركان على الارض الواقع  لحد اليوم.

منذ ظهور نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة في الاقليم ، والتي اسفرت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الاولى، تم عقد جلسة واحدة للبرلمان بهدف تحديد رئاسة البرلمان، وبسبب ضعف  الثقة والحساسية والنزاعات الداخلية بين الكتل الفائزة في الانتخابات ، لم يسفر هذا الاجتماع الى تحقيق اهدافه ، واعتبرت الجلسة مفتوحة الى يومنا هذا،علما بان مفهوم الجلسة المفتوحة، هو 24 ساعة وفق الدستور!.

تم تسمية نيجرفان بارزاني، رئيس حكومة الاقليم المنتهي ولايته من قبل حزبه الديمقراطي الكردستان، للاتصال والتشاور والتفاوض مع الكتل الفائزة في الانتخابات لتشيكل حكومة توافقية على غرار مفهوم الشراكة الوطنية للحكومة الاتحادية.وفرض شرط حاسم للمشاركين في الحكومة، بعدم معارضة نهجها والتقيد به من دون الانسحاب لحين انتهاء الدورة الانتخابية الحالية، ويعني هذا اقرار الحزب الديمقراطي الكردستاني بتنصيب نيجرفان برزاني للمرة الرابعة كمرشح الوحيد لهذا المنصب،وعدم وجود مرشح اخر، وفرض شروط مسبقة للمشاركة.

من المفروض ان يكلف نيجرفان بارزاني بشكل رسمي من قبل رئيس الاقليم بهذه المهمة،ومنحه مهلة خلال ثلاثين يوما من بداء التكليف لتشكيل الحكومة. ويبدولا تزال هناك اشكالية وصعوبة في تحديد النائبين من الكتل الفائزة لرئيس الحكومة الجديدة، وكذلك في توزيع الوزارات السيادية والمهمة بين الكتل، والالتجاء الى زيادة عدد الوزارات الحالية الى ضعف، كحل لهذه الاشكالية.ان هذا الاسلوب سيؤدي الى تعقيد مفهوم الادارة الرشيدة، ويزيد من البروقراطية وهيمنتها، ويزيد في مراكز اتخاذ القرارات في تسييرالحكومة، بالاضافة الى تحميل الميزانية العامة بعبء مالي كبير ليست لها مبررات منطقية وموضوعية ولا جدوى اقتصادية.

امام هذه الحالة المعقدة في العلاقات بين الكتل الفائزة في الانتخابات،وعلاقة المد والجذر بين حكومة الاقليم والمركز،في قضايا متعددة ، وعلى راسها مسالة النفط ، مع تعقيد الوضع الاقليمي، وخاصة ما يتعلق بالوضع في سورية وانعكاساتها على اكراد سورية، وعلاقة الاخيرة مع اقليم كردستان، ووضع اكراد تركيا وتعثر مشروع الحل السلمي للمسالة الكردية فيها، ومسالة حزب العمال الكردستاني.تحاول كل من ايران وتركيا ، الجارتين الاقتصاديتين،فرض اجندتها السياسية المباشرة على تشكيل الكابينة الثامنة للحكومة المزمع انشائها خلال الايام القادمة،وبهذا الصدد يمكن ان نتصوربعض السيناريوهات، كالاتي:

1- تحاول ايران ايجاد نوع من التوافق بين الكتل الفائزة في الانتخابات ومشاركتها في تشكيل الحكومة، من خلال علاقتها المتميزة مع الاتحاد الوطني والعلاقة الجيدة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني،وذلك مع اخذ بنظرالاعتبار التاثير المباشر للتدخل الايراني في الانتخابات التشريعية القادمة للعراق ، والمزمع اجرائها في نهاية نيسان من العام القادم.وتزكيتها لمشاركة الاتحاد الوطني الكردستاني ، اما في رئاسة البرلمان او في رئاسة الجمهورية، في الحكومة الاتحادية الجديدة. يتجاوب هذا الاجراء ايضا مع رغبات الحزب الديمقراطي الكردستاني، على ان تبقى رئاسة الاقليم للحزب الديمقراطي الكردستاني. 

2- تحاول تركيا تعزيز موقعها في كوردستان العراق ، من خلال العلاقة المميزة التي تربطها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ، في مجال الاقتصادي وخاصة النفطي منه. اما علاقة تركيا بالاتحاد الوطني الكردستاني، ضعيفة نسبيا ، بسبب الخلافات بينهما في مسالة سورية، وحل القضية الكردية في تركيا، ووجود نوع من التقارب بين الاتحاد الوطني والحزب العمالي الكردي في تركيا، وكذلك مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وقوات الحماية الشعبية ذات النفوذ والجماهير الواسعة في سورية، الذي يقود الادارة الذاتية في المناطق الكردية من سورية اليوم.بذلك تحاول تركيا تقوية كف حزب الديمقراطي الكردستاني في الحكومة الجديدة ، لسهولة التعامل معها في تحقيق مصالحها الاقتصادية، وتوافق وجهات نظرها مع الحزب تجاه القضية السورية والحل السلمي لمسالة اكراد تركيا.
3- يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني الاحتفاظ بالعلاقة الاستراتيجية مع الاتحاد الوطني الكردستاني في مستوى ضعيف، وتقاسم السلطة معه بشروط في تحديد المناصب لرئاسة الحكومة و بعض وزارات السيادية،والتعامل مع حركة التغيير بنفس الحالة ، في حالة موافقة الاخير على الشروط المطروحة عليهم، في اللقاء الذي جرى بين مسعود ونوشيروان بهذا الخصوص ، وذلك لايجاد نوع من التوازن في العلاقات بين الكتل الرئيسية الفائزة في الانتخابات، ويعتبر هذا الاجراء مقبولا ايضا من ايران .
4- تقاسم الحزب الديمقراطي الكردستاني السلطة مع الاتحاد الوطني بنفس الصيغة السابقة، واعطاء بعض وزراء الخدمية الى الاحزاب الاسلامية ومن الفائزين في (كوتا). بمعزل عن حركة التغيير.ففي هذه الحالة ستستمر الحكومة محتكرة بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستان، مع دور ضعيف للاخير، كما كان في الفترة السابقة. وتكرس هذه الحالة نوع من الديكتاتورية في الحكم مستقبلا ، وعدم اعتراف بتداول السلطة سلميا واجراء الاصلاحات والتغييرات الضرورية في البنية السياسية والهيكلية للحكومة ، والتي هي من المطاليب الاساسية والمهمة، التي تطالبها وتنتظرها الجماهير الكردية من الادارة الجديدة في الاقليم.

4- ان استمرار الحزبين الحاكمين في احتكار السلطة من اجل النفوذ والمال، وعدم السماح للاخرين في المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي والاداري والاقتصادي، مع انفراد كل منهما بالاحتفاظ بتشكيلات بيشمركة وقوات امن عائدة لهما كل ضمن حجم نفوذ حكمه الفعلي في ادارته، كما لاحظنا ذلك بوضوع في الحادثة الارهابية الاخيرة على احدى مقرات الاستخبارات في كركوك، وسابقا في محافظة نينوى، في انعدام التنسيق بين هذه القوات فيما بينها من جهة ومع قوات الحكومة الاتحادية من جهة اخرى، بل بالعكس حاول كل منهما اتهام الاخر بضعف المسوؤلية في اداء واجبه تجاه الحادث، مع استمرار ظاهرة الفساد المالي والاداري المزمن في كافة المستويات الحزبية والادارية ، منذ تاسيس الادارة الاولى ولحد اليوم،وتركها من دون ايجاد حلول فعلية وجذرية لمعالجتها، سوف لا يتم تامين الاستقرارالسياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن تحويل اي برنامج او استراتجية بنائه في مستقبل الفيدرالية الى واقع ملموس في الاقليم، ما لم يتم اجراء الاصلاحات والتغيرات الجوهرية والاساسية في نهج وسياسة الاقليم الحالي.

5- ففي حالة تشيكل الحكومة الجديدة وفق التصورات المقدمة في النقاط السابقة ،عليها قبل كل شئ ان تلتزم بتعهداتها الانتخابية في تنفيذ برامجها، وخاصة في مجالات فصل السلطة عن التسلط الحزبي الضيق.بناء اقليم وفق اسس دستور يقره الشعب الكردي، واحترام القانون والقضاء وصيانة الحريات ،ومحاربة الفساد المالي والاداري وقطع جذورها،حل المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية، انتهاج سياسة خارجية بناءة وعقلانية ،والاستفادة من العامل الموضوعي في تقوية العامل الذاتي،وتوحيد الخطاب السياسي الكردي، وتعميق وتطويرالمكتسبات المتحققة.
لابد وان تبادر وتتخذ ايضا اجراءات شفافة ونزيهة وحاسمة وشجاعة،لتبني رؤية واستراتيجية بناءة في التنمية الوطنية المستدامة، وهي من الاوليات الاساسية للادارة الجديدة. حيث ان الادارات السابقة لم تكن مؤهلة على اعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية والادارة الرشيدة، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في اطار واحد يتجاوز الولاءات الحزبية العقائدية الضيقة والعشائرية والمحسوبية.لابد من ايجاد اليات فعالة وضرورية  لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة ، وفي مقدمتها تخفيف معانات الشعب وتوفير الامن الاقتصادي والسياسي والسلم الاهلي، والرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية، والقضاء على البطالة ، وبناء اقتصاد متين يتحقق فيه مبداء العدالة الاجتماعية للجيل الحالي والاجيال القادمة في الاقليم، بما يعود ريعه وخيراته على شعبنا والشعب العراقي اجمع.


49
الاصلاح والتغييرالبنوي، مهمة آنية للحزب الشيوعي الكردستاني

د.صباح قدوري

كما هو معروف، بان الحزب الشيوعي الكردستاني، حزب خرج من رحم الجماهير الكردستانية، كضرورة تاريخية. ليعبر عن آمال وتطلعات ومصالح هذه الجماهير، والعمل على تحقيق اهدافها الانسانية النبيلة في بناء مجتمع ديمقراطي، يتحقق فيه الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. تزدهر فيه الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ويسعد فيه ايضا الجميع في ظل الادارة الرشيدة، التي تحقق الرفاهية والامان والسلام والاستقرار
والتقدم والازدهارلابناء المجتمع .

الحزب وهوامام هذه المسؤوليات الكبيرة والجسيمة، لابد ان يتتطلع الى بناء حزب من الطراز الحديث الذي يتماشى ومتطلبات المرحلة الراهنة. يتجسد في كيانه وبنيته، رؤية واضحة ومعرفة تامة في الجانبين التنظيمي والسياسي، في صياغة برامجه الاستراتيجية. وايجاد آليات ووسائل اخرى لترجمة هذه الاستراتيجية الى حيز الوجود والتنفيذ.ويجب الأخذ بعين الاعتبارالعاملين الذاتي والموضوعي في اداء مهمات الحزب اليومية وللمرحلة القادمة.والاعتماد على العامل الاول بالدرجة الاساسية، بحيث ان يكون الحزب صارما وحاسما في اتخاذ قراراته،وان يتحلى بروح الشفافية والصراحة في تثبيت مواقفه التي تطرح على المسرح السياسي والفكري... يجب ان يكون الحزب موجودا وبشكل متواصل في الساحة النضالية. ينقل اراء ومواقف جماهره ومصلحته بامانة صادقة والدفاع عنها ، بدلا من ان يكون تابعا للاخرين بعيدا عن هموم الشارع والجماهير، وتسليم مصيرها بيد المتنفذين من الاحزاب، من ذوي السلطة والمال والنفوذ ،لتمارس سياسة التفرقة بين ابناء الجماهير في الحقوق والقانون والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

الحزب الشيوعي الكردستاني كان يتمتع بثقل كبير من لدن الجماهير والاطراف الاخرى من الاحزاب السياسية الموجودة في اقليم كردستان العراق عند تاسيسه قبل عقدين من الزمن.له تاريخ مجيد وقيم وتراث غني، ودائما في طليعة قيادة الجماهير والدفاع عن حقوقها ومصالها... كان من المفروض ان يكون حزبا نشطا وحيويا ، يعتمد على الحوار والسجالات والنقاشات البنائة الهادفة داخل صفوف كوادره... مساهما نشطا في صنع الاحداث ،ويتعايش مع الجماهير بكل معاناتها.. متفتحا على التجديد والاصلاحات والمتغيرات الزمنية.

لكننا بدلا من ذلك  للاسف الشديد و بمرور الزمن  حدثت اخفاقات واخطاء وسلبيات كثيرة وجسيمة في الجانبين التنظيمي والسياسي للحزب، اتجاه الاحداث السريعة التي تحدث على صعيد الاقليم والعراق وفي المحافل الدولية،وتراكمت من دون ايجاد حلول صائبة لها، مما فقد الحزب مصداقيته تجاه الجماهير.وخيرمثال على ذلك، نتائج الانتخابات التشريعية الاخيرة والسابقة في الاقليم.

فقد ايضا قدرته على التجديد والاصلاحات . وتقرب من الاحزاب الحاكمة في الاقليم ، متخذا موقف الصمت واللامبالات عن اخطائها في ممارسة المحسوبية والتسلط  وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي في ادارة الاقليم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا...وعدم التعاطي ايضا مع استحقاقات الاصلاح السياسي والحكومي للمرحلة.

تتحمل قيادة الحزب وفي مقدمتهم سكرتير الحزب والهيئات القيادية من المكتب السياسي واللجنة المركزية والمحليات والمكاتب الاختصاصية مسؤولية تاريخية تجاه تشخيص مواقع الخلل في سياسة الحزب وبنيته التنظيمية.اعادة النظر في سياسته واسلوب عمله التنظيمي، حول افاق الوضع السياسي وطبيعة دورالحزب في المجتمع،. يتطلب ذلك من الحزب ان يبادر فورا وبحماس وجد في عملية اصلاح بنوي شامل ، يمكنه من التجاوب مع استحقاقات التغيير والاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في الاقليم وعموم العراق .
 وتتطلب انجاز هذه المهمة ،ما يلي:-

1- وجود قيادة حكيمة ورشيدة في قراراتها، مقبولة من الجميع.. قادرة على ترجمة برامج الحزب الحقيقية ، التي يجب ان تعبر عن طموحات ومصالح جمهرة واسعة من الناس ، وتدافع عنهم ، وتحقق مطالبهم المشروعة .
2- رؤية وطروحات محددة وواضحة في مسالة مفهوم الفيدرالية ، وتطبقاتها على ارض الواقع ، وافاق تطورها المستقبلي، الاخذ بنظر الاعتبار العوامل الداخلية والمتغيرات الاقليمية والدولية بذلك.
3- ان يبادر الحزب في مسالة التحالفات مع اليسار بكافة فصائلها، على صعيد كردستان العراق والاجزاء الاخرى من كردستان ،وفي عموم العراق. مستندا الى قاعدة معرفية للمنهج التحليل الجدلي للواقع ، وعلى اسس التحليل العلمي الحقيقي والفكري للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم واجزاء اخرى من العراق. دوره في حراك الجماهيري بالتنسيق والتعاون والعمل المشترك مع منظمات المجتمع المدني وغيرها في الاقليم.
4- ان يوثق العلاقة مع الحزب الشيوعي العراقي ،وفق مفهوم ترابط عضوي بين الحزبين ، فهما حزب واحد على صعيد السياسي( من حيث المحتوى والشعارات والبرامج والاهداف الاستراتيجية) ،وحزبان على صعيد التنظيمي.
5- ان يضع برنامج الحزب في الانتخابات التشريعية والمحلية،والتحضير والاعداد الجيدين لها.
6-  ان تكون رؤية الحزب واستراتجيته في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة،وفق الخلفية الايدولوجية للحزب، وترجمتها على ارض الواقع.
7- دور الاعلام الحقيقي للحزب ، وتاثيره على مسار التحولات الديمقراطية الحقيقية ، وتوعية الجماهيروتنظيمها واعدادها للمشاركة الفعلية في عملية صنع القرار السياسي في الاقليم..اقامة دورات تثقيفية وندوات، والتشجيع على الكتابة في الصحف الحزبية وخاصة بين الشبيبة والنساء ، والمشاركة في الحوارات البنائة للمواضيع المختلفة التي تطرح للمناقشات، وخاصة في المسائل المهمة والمصرية التي تخص الاقليم وعموم العراق.
8- لايزال موقع الحزب الشيوعي الكردستاني ، وجريدته المركزية ريكاي/طريق كردستان على الانترنيت ،يعتبر من اضعف المواقع الالكترونية من جميع جوانبه الفنية والادارية والمنشورات والتحديث... الخ، بالقياس الى مواقع او صحف اخرى الالكترونية.
9- المشاركة الفعالة في مكافحة ظاهرة الفساد الاداري والمالي المستشري في ادارة اقليم كردستان العراق، وعلى كافة المستويات الادارية والحزبية.وتامين رقابة شعبية فعالة على الاموال العامة، من خلال نشر الوعي الفكري والاقتصادي والاجتماعي،ودخل ثابت متوازن لجميع المواطنين.
10- عقد وباسرع وقت ممكن، كونفراس واسع للحزب ، وبمشاركة جميع الكوادر، واعداد جيد له، لوضع النقاط على اخفاقات واخطاء الحزب، وتشخيص اليات فعالة وواقعية للتقيم، واعداد خارطة طريق للسياسة الجديدة، بعد التقيم واستخلاص النتائج.
11- اتخاذ الاجراءات الكفيلة لعقد مؤتمر استنائي للحزب ،في مدة اقصاها ثلاثة اشهر من تاريخ انتهاء الكونفراس، لانتخاب هيئات قيادية جديدة،وزج روح الشبابية والنسائية فيها.. وتحقيق  قرارات ومخرجات بنائة وشفافة من هذا المؤتمر،بحيث تساهم في اعادة روح التجديد والاصلاح والتغيير في الهيكل التنظيمي، وبخطاب سياسي جديد ، يخدم مسيرة الحزب، وينهض بنشاطاته ليتواصل في مسيرته النضالية بالتفاؤل والامل وتحقيق النجاحات... وارجاع الحزب مرة اخرى الى احضان الجماهير، لاكمال مسيرته الانسانية واهدافه النبيلة في بناء مجتمع كردستاني على اسس حضارية، يتحقق فيه الامن والاستقرار والديمقراطية الحقيقية والحرية والقانون والمساواة والعدالة الاجتماعية،ويضمن مستقبل افضل لابنائه.

50
الانتخابات البرلمانية الرابعة في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

في 21 من شهر ايلول /سبتمبر الجاري ، جرت الانتخابات البرلمانية في اقليم كردستان العراق . وان المواطنين الذين لهم حق التصويت ، بلغ مليونين وثمانمائة الف شخص، وبلغت نسبة مشاركة الناخبين فيها بحدود 74%. وساهم فيها ايضا اكثرمن ثلاثين كيانا وائتلافا سياسيا ، واعتمد فيها القائمة شبه المفتوحة،واعتبر الاقليم دائرة انتخابية واحدة،وذلك للتنافس على 111 مقعدا في البرلمان. 100 منها عام و 11 منها خصص للاقليات القومية والدينية الكردستانية ، وفق نظام (الكوتا)، و30% منها للمراة. وتقدر النتائج النهائية الغيرالرسمية لهذه الانتخابات ، كالاتي:



ندرج ادناه بعض الملاحظات الاساسية بخصوص العملية الانتخابية ونتائجها ، وكالاتي:

1- أهنئ الشعب الكردي بمناسبة هذه الانتخابات.ان ممارسة عمليتها ، هي ظاهرة من ظواهر ممارسة الديمقراطية ، ولها نتائجها الايجابية الملموسة في مسيرة الفيدرالية. وان المساهمة الواسعة فيها ، تدل على نهوض الوعي السياسي والثقافي والديمقراطي لدى الناخب الكردي.والرابح الاساسي من هذه العملية، هو الشعب الكردي في الاقليم ، بغض النظر عن نتائجها المتحققة.

2- جرت بعض الخروقات اثناء الحملة الدعائية الانتخابية ، من قبل بعض الكيانات السياسية ، التي شاركت في الانتخابات. واكدت مفوضية الانتخابات تسجيل 200مخالفة في ضوابط الحملات الانتخابية، منها على سبيل المثال:استخدام النفوذ الحزبية والحكومية المهيمنة للحزبين الرئيسين ، لوسائل الاعلام والمال في شراء ذمم واصوات الناخبين لمصلحتهما. استخدام القوة والعنف والتهديد واطلاق نار بين حركة التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية، مما اسفرت على مقتل امراة وشاب واصابة اخرين في التجمع الانتخابي، وغيرها. لاتزال الثقافة الانتخابية في العراق بشكل عام وفي الاقليم بشكل خاص، بعيدة عن الاسس الديمقراطية الحقيقية ، وتنقصها الاستقلالية والنزاهة والشفافية، واقرار بمبدا التعددية في تداول السلطة، منذ قيام النظام الفيدرالي في الاقليم عام 1992 ولحد اليوم.

3- جرت الانتخابات في اجواء امينة، وتحت اشراف اللجان الانتخابية المحلية ،وممثلو الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، ومندوبون عن منظمات المجتمع المدني، والمراقبين الدوليين، الى جانب عدد من وسائل الاعلام المحلية والدولية. ورغم ذلك جرت خروقات اثناء عملية تصويت الناخبين، من حيث ضبط قوائم الناخبين، ضعف مراقبة التصويت، خلل فني في الجهاز الجديد للختم الالكتروني، مما سبب الى تاخير في موعد انتخابات الخاصة ،التاثيرات الحزبية والادارية على الناخبين بشكل عام. وقعت ايضا اشتباكات بالايدي بين مؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، عشية عملية التصويت قرب احدى المراكزالانتخابية في مدينة اربيل.ضعف تأمين ضمان حماية صناديق الانتخابية، و نقلها الى الجهات المختصة لاجراء عملية عدها وفرزها.وعدم احتفاظ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بحياديتها ، والانحياز الى قوائم الاحزاب الحاكمة والمتنفذة، وغيرها.

4- تميزالحزب الديمقراطي الكردستاني بنوع من الثبات النسبي في جماهريته ونشاطه وتاثيره في الساحة الكردستانية . ساعد ذلك على الاحتفاظ بحصته العالية في الانتخابات التشريعية ، منذ اكثر من عقدين. وذلك لطبيعة تركيبة الحزب والثاتيرات العشائرية و العائلية والدينية  فيه، وسيطرة نفوذها على المراكز القيادية في الحزب وادارة الاقليم ، وعدم اعطاء اي مجال لبروزالاختلافات والتكتلات التي قد تظهرللعيان هنا وهناك ،  والقدرة على حلها ، وابقائها ضمن اطار التنظيم الداخلي للحزب. بالاضافة الى تمتع كثيرين من اعضائه بامتيازات معنوية ومادية وادارية ، وخاصة في المدينتين اربيل ودهوك.


5- اما بالنسبة للاتحاد الوطني الكردستاني، هناك تراجع ملحوظ في ثقله السياسي  وجماهريته، منذ الانتخابات الماضية في عام 2009. وفقدانه لعدد كبير من مقاعده في هذه الانتخابات، بالقياس الى الانتخابات السابقة.والسبب يرجع الى مايلي:
ا- الانشقاق الذي حصل في صفوفه بقيادة نائب رئيس الحزب السابق نوشيروان مصطفى وانصاره، وتشكيلهم حركة التغيير في المعارضة للحزبين الحاكمين في الاقليم . ودخول الحركة في الانتخابات التشريعية بقائمة مستقلة عن الاتحاد الوطني، وحصولها على عدد كبير في انتخابات سنة 2009.واصبحت منافسة قوية للاتحاد الوطني.
ب تهميشه من قبل حليفه الاستراتيجي الحزب الديمقراطي، مما اوصلت الحالة الى تهديد بالاتفاقية الاستراتيجة المبرمة بينهما. وابعاد عناصره عن المناصب الادارية ومراكز اتخاذ القرارات ،على صعيد الاقليم والحكومة المركزية ، وخير مثال على ذلك، ما حدث مؤخرا في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة في بغداد والموصل. وتقدم الحزب الديمقراطي شكوى على حليفه لدى المفوضية العليا المستقلة  للانتخابات بالنسبة لمجلس محافظة بغداد ، واستحواذه على المناصب المهمة في ادارة محافظة نينوى، وحرمان حليفه من اي منصب في المحافظة.
ج- ان غياب رئيس الحزب مام جلال طالباني، نتيجة لمرضه ، قد ترك فراغا كبيرا في قيادة الحزب، واثرت هذه الحالة على ظهور تكتلات بين العناصر القيادية العليا في الحزب، والمتمثلة في كوسرت رسول، وبرهم صالح ، وملا بختيار ، والسيدة هيرو عقيلة الرئيس جلال طالباني، وعادل مراد . وانعكست تاثيرها على وحدة قرار الحزب تجاه المتغيرات السريعة التي حدثت في الاقليم  في الاونة الاخيرة ، وخاصة العلاقة  مع الحكومة الاتحادية، وعلى صعيد الاقليمم والعلاقات الاقليمية مع تركيا وايران، وملفات النفط  والفساد، واخيرا حول الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجالس المحلية،وحول دستور الاقليم. وتراجع موقف الاتحاد من طروحاته بهذا الخصوص.والموافقة على تمديد مدة رئاسة الاقليم لسنتين، وتاجيل انتخابات المجالس المحلية والبلديات لمدة شهرين الى 21 تشرين الثاني /نوفمبر 2013 . اثرث كل هذه العوامل سلبا على نتائج الانتخابات، وبالتالي يضطر الحزب الى تقديم  بعض التنازلات للحزب الديمقراطي الكردستاني ، حتى يبقى ضمن الاتفاقية الاستراتيجية معه، ويحافظ على بعض المكاسب بالسلطة والنفوذ السياسي في الاقليم والحكومة الفيدرالية.

6- اما بخصوص حركة التغيير، فقد حققت نتائج جيدة ،وتأتي في المرتبة الثانية بعد حزب الديمقراطي الكردستاني في هذه الانتخابات ، رغم حداثة عهدها قبل اربع سنوات. وتعد هذه النتائج  حافزا قويا ومهما ودافعا لكي تتطلع الحركة على مستقبل باهر، وامكانية تحويلها الى حزب جماهري واسع مستقبلا.
يتطلب ذلك ان تطرح الحركة رؤيتها وبرنامجها الاستراتيجي بكل وضوح وشفافية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.توجيه نضالها السياسي لاجراء الاصلاحات والتغييرات الاساسية والضرورية  في الاقليم ،وذلك من خلال مكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري والمستوطن بقوة في الاقليم على المستويين الحزبي والاداري. ومحاربة تفاوت الطبقي من جراء احداث فجوة كبيرة بين الاغنياء والفقراء ، ومعالجة مشكلة تفاقم حجم البطالة، من جراء السياسة النيوليبرالية المتبعة من الحزبين الحاكمين والمتنفذين في الاقليم اكثر من عقدين.واعتماد استراتيجة بناءة في التنمية الوطنية المستدامة . والدفاع عن المكتسبات المتحققة ، وتطويرمفهوم الفيدرالية وافاقها المستقبلية ، ومعالجة مشكلة المناطق التي لم تنضم لحد الان الى الاقليم الحالي، وخصوصا مسالة كركوك. والابتعاد عن الانشغال بقضايا الجانبية وشخصنتها مع الحزبين الرئيسيين، وخاصة مع الاتحاد الوطني الكردستان،مما تبعدها عن الاهداف الاساسية المنشودة من اجلها الحركة .

7- اما الاحزاب والتيارات السياسية الاسلامية فانها مرتبطة بالاجندة الخارجية في الدول الاقليمية ، وخاصة السعودية وقطر وتركيا. وهي جزء من احزاب جماعة الاخوان المسلمين، ويتم تمويلها ماديا ومعنويا من هذه الدول ومن حكومة الاقليم.لها ايضا بيئة دينية واجتماعية حاضنة في المناطق الفقيرة والنائية من قرى وارياف اقليم كردستان العراق . تمتلك قنوات اعلامية ومنابر الجوامع، تنطلق منها فعليا للتعبير عن الهوية الايدلوجية الحقيقية لهذه الاحزاب ، التي تهدف وتطمح للوصول الى السلطة ، وتاسيس " الخلافة الاسلامية".لقد حققت  بعض النجاحات ووصلت الى البرلمان في الدورات السابقة، و اليوم هناك تراجع نسبيى في قاعدتها الشعبية ، وذلك لأسباب موضوعية، منها انتكاسة حركة الاخوان المسلمين في مصر،ومواقف التيارات الاسلامية الجهادية المقاتلة تجاه الشعب الكردي في سوريا، وتماطل اردوغان في الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا،ومع تصاعد الاحتجاجات الجماهرية ضد حكومته .

8- لا يزال دور العامل الذاتي  ضعيفا بالنسبة للاحزاب الاخرى من الشيوعيين والكادحين والاشتراكيين وبقية اليسار .بالاضافة الى تهميشها من طرف الحزبين الحاكمين والرئيسيين، منذ اكثر من عقدين . ومحاولاتهما شراء الذمم، وتقديم المنافع الاقتصادية والادارية لبعض قيادات هذه الاحزاب، بهدف ابعادها عن الجماهير والحد من نشاطاتها ومشاركتها الفعلية في عملية صنع القرار السياسي، مما اثر ذلك على تراجع كبير في جماهيرتها ، وصعوبة تمكنها من الحصول على المقاعد في البرلمان لدورات عديدة ، والتي لا تتناسب فعليا مع تاريخها ونزاهتها ووطنيتها، ودورها المشرف في حركة تحرر الكردية والنضال الوطني.

9- ضمن المعطيات الجديدة التي افرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية في الاقليم، يعتبرحزب الديمقراطي الكردستاني الجهة الرئيسية في البرلمان في دورته الحالية ، لأمتلاكه على 39صوتا. وفي حالة اتفاقه مع  الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يملك 18 صوتا والاتحاد الاسلامي المعارض 10 اصوات، والذي اعلن في الوقت السابق رغبته للاشتراك في الحكومة القادمة، واكثر من نصف اصوات (الكوتا )، ستحصل مجتمعا على الاكثرية  الساحقة في البرلمان. وستكون لهذه الكتلة البرلمانية ايضا  فرصة اكبر لتشكيل كابينة الحكومة الجديدة بمعزل عن حركة التغيير،التي لم تطرح لحد الان الرغبة للمشاركة في حكومة يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني .
كما ستكون للاحزاب والكيانات السياسية الاخرى دور معارض فعال ونشط في البرلمان، وايضا في مراقبة اداء الحكومي.
 
آن الاوان لادارة الاقليم الجديدة ، التفكير الجدي وباخلاص للانتقال الى مرحلة جديدة. تتبنى فيها رؤية استراتيجية واضحة وشفافة ، لاجراء الاصلاحات والتغييرات مهمة وجذرية في نهجها السياسي والاقتصادي وهيكلتها الادارية .تستند على مفاهيم  العدالة الاجتماعية ، وممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية ، وعدم اختزالها فقط بالانتخابات،واحترام كرامة وحقوق الانسان.التركيز على تطوير مفهوم الفيدرالية ،وترسيخ اسس اسس مستقبلها ومؤسساتها وقوانينها.التعميق والحفاظ على المكتسبات المتحققة، من خلال تفعيل المؤسسات الادارية واحترام استقلالها وسيادتها وفق اسس الادارة الرشيدة وسلطاتها، كي تقوم بمهامها على احسن وجه ، بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في شؤونها ، والتسلط على مراكز القرارات في اداءها. وتفعيل دور الجماهير للمشاركة في عملية صنع القرارات المصيرية. وانتهاج سياسة واضحة وشفافة في عملية اعادة وبناء الاقليم، وفق استراتيجية بناءة للتنمية الوطنية المستدامة.
بذل جهود استثنائية لجمع البيت الكردي ، من خلال توحيد الخطاب السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي . وتفعيل دور العامل الذاتي، من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة ، بامكانها ان تؤثر بصورة افضل على العامل الخارجي ، وبوسعها وحدها ادارة الكيان الفيدرالي على خير وجه. كذلك الاستفادة العقلانية والواعية من الظروف الخارجية والتجارب السابقة، وعدم التورط  في الاضطرابات والمؤامرات الدائرة في المنطقة ، وقد تطول امدها وتكلف خسائر بشرية ومادية باهضة. وبذل كل الجهود والامكانيات من اجل تحقيق طموحات الشعب الكردي، وايجاد الحل العادل لقضيته الانسانية والقومية والوطنية في اقامة دولة كردستان الكبرى.

51
تظاهرات 31 اب/ اغسطس الشعبية في المدن العراقية

د.صباح قدوري
 في الحادي والثلاثين من اب/ اغسطس 2013، شهدت اكثر من عشر محافظات العراقية، تظاهرات واسعة  شارك فيها مئات من اطياف الشعب العراقي المتنوع ، وخاصة الشبية منها، وبدعم الكبيرمن منظمات المجتمع المدني، والدورالحيوي والبارز للتيار الديمقراطي العراقي في الداخل،وتنظيم المظاهرات ايضا امام السفارات العراقية في الخارج .تطالب فيها الحكومة باجراء الاصلاحات الضرورية والجذرية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية.وقد استخدمت العنف والضرب والقمع البوليس والاعتقالات من قبل السلطات الامنيةاقية لتفرقتها، وقمعها منذ البداية ،وعدم اعطاء رخصة لتنظيمها، بحجة الوضع الامني المتردي في البلد،وتاثير الحالة السورية والعدوان عليها من الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في اوربا وبعض الدول العربية والاقليمية في المنطقة. 

واليوم وبعد مرور مايقارب من عشر سنوات ونيف، بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، بان العراق وبعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق، لم يشهد فيها الاستقرار السياسي و لا الامني، وتدهور الكبير في الحياة الاقتصادية على كافة مستوياتها، والاستطفافات الطبقية والاجتماعية على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، التي تهدد كيانه الموحد، وتمزق صفوفه، وتقوده الى المعركة الاهلية وزعزت سلمه الاجتماعي ، واضعاف العامل الداخلي وهيمنة العامل الخارجي( الاقليمي والدولي) في صنع القرار السياسي لمستقبل العراق القادم، وفق تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للاطراف الداخلة في الشؤون العراقية.

وقد توفرت اليوم امام العراق فرصة نادرة بعد سقوط النظام السابق وتزايد عوائد النفط بشكل كبير ، كان من الممكن اشتثمارها  لوتوفرت الارادة الخيرة وحسن استخدامها، في اعادة وبناء اعمار العراق الذي دمرها النظام السابق بسبب حروبه المجنونة. كان من الممكن الاعتماد على بناء الهوية الوطنية ، التي تشكل روح الادارة الرشيدة والقانونية والمؤسساتية ، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في اطار المواطنة والوطنية والمساواة والعدالة الاجتماعية والقانونية،لكن الولاءات الحزبية الضيقة والعقائدية والمذهبية، والمحاصصة الطائفية والعشائرية والمحسوبية، وانتشار الفساد المالي والاداري على كافة المستويات الادارية والحزبية،شغلت البلد بالتنافس بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والتنفيذية والقضائية والتشريعية ، من اجل الهيمنة على السلطة والمال والنفوذ.

 العراق اليوم في حالة صراع داخلي ، نتيجة لتراكم المشكلات الكبيرة  خلال هذه السنين ، من دون ايجاد حلول صائبة لها . مما ادت هذه الحالة الى تازم الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية يوما بعد يوم،وتوسيع الفجوة و ازمة الثقة بين الشعب والحكومية الاتحادية . وقد يبدو عدم وجود اهتمام اوحلول جدية من قبل الحكومة والاطراف السياسية المشاركة معها في ايجاد رؤية واضحة واليات لازمة  لمعالجة الحالة العراقية المستعصية .أدت هذه الحالة الى انطلاق مئات من ابناء الشعب العراقي بالتظاهرسلميا وحضاريا، وبتنظيم جيد من حيث الشعارات والمطاليب الجماهرية، في المدن والساحات في العاصمة ، ليعبروا عن غضبهم واحتجاجهم على سوء الاحوال الامنية والمعيشية والخدمية، وتدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  والثقافية والبئية.

خرجوا مطالبين من الحكومة الاتحادية القيام بالاصلاحات الحقيقية والجذرية في الهيكلية السياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية . توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين ، وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البنية التحتية. ومحاربة الفساد الاداري والمالي ، والغاء الرواتب التقاعدية لاعضاء البرلمان والمجالس المحلية والدرجات الخاصة وغيرهم من المسؤولين الكبار، وازالة الفوارق بين الطبقات والشرائع الاجتماعية، وتخفيف حدة البطالة ، وخاصة بين الشبيبة والنساء. حماية السلم الاجتماعي ، من خلال احترام الحقوق العامة والخاصة للمواطنين ، وتطبيق مبداء العدالة الاجتماعية والقانونية .

التضامن مع جماهير شعبنا المنتفضة المطالبة بحقوقها المشروعة، واستنكار كل ما تعرض له من الاعتداءات والاعتقالات اثناء هذه التظاهرات وبعدها، ومحاسبة المسؤولين في اصدار اوامر تنتهك حرية التعبير وسلامة التظاهر والمتظاهرين. وضرورة احترام الدستور العراقي والمواثيق الدولية ولوائح الدفاع عن حقوق الانسان وممارسة مبداء الديمقراطية، التي تكفل المواطن العراقي حق التظاهر السلمي للتعبير عن رايه والتفاعل والاستجابة مع مطالبه المشروعة.

52

اردوغان... وسياسته الديماغوجية تجاه الشعب الكردي

د.صباح قدوري
 
ادلى اردوغان في تصريحه الاخير لوكالات الانباء ، بقوله : ان المفاوضات التي اجريت في اواخر عام 2012 مع عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون الى الابد ، كانت بشرط  انسحاب ومغادرة قيادات وانصار حزب االعمال الكردستاني اراضي تركيا  كخطوة اولية للمفاوضة على الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا . وقال بما انهم لم ينفذوا هذا الشرط ، والذين غادروا تركيا فقط 20% منهم، واغلبهم من النساء والاطفال، لذا استبعد اصدار اي عفو عام عن انصار هذا الحزب . واضافة قائلا ان تعليم اللغة الكردية في المدارس الحكومية والخاصة ليس واردا ايضا. ومن جانبه امهل حزب العمال الكردستاني حكومة انقرة بداية شهر ايلول/سبتمبر الجاري للمضي قدما في اجراء الاصلاحات الديمقراطية والسياسية والاجتماعية في البلاد، والا ستؤدي الحالة الى فشل المفاوضات ورجوع الحزب الى النضال المسلح، من اجل تحقيق مطاليبه القومية العادلة للشعب الكردي في تركيا.
 
لا يخفى على احد بان تركيا تلعب اليوم وكما كانت في السابق دور الشرطي في المنطقة.وهي تنفيذ السياسات الامريكية وحلفائها منذ تاريخ انضمامها الى حلف شمال الاطلسي، وبالتنسيق والتعاون مع حليفها الاستراتيجي اسرائيل ، بهدف فرض هيمنتها وسلطتها على المنطقة،وذلك من خلال محاربة الحركات التحررية الوطنية واليسارية المناهضة للامبريالية والرجعية في المنطقة ، وزعزة امن واستقرارها  وتاخير مسارها في التطور والتقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة .
 
اردوغان ومفكر عقله وادارته السياسية ، وزير خارجيته احمد داود اوغلو، الذي صدر كتابه حول الاستراتيجية التركية في المنطقة ، وطبع 13 مرة بين فترة 2001- 2004. تطرق فيه الى سياسة تركية الحديثة نحو اعادة احلامها في اقامة الخلافة العثمانية الثانية  بصورة حديثة في القرن الواحد والعشرين؟!!!. وسيطرة النفوذ التركي الاستراتيجي للهيمنة على مفاصيل الملاحة وانابيب النفط والغاز عبر مياه المتوسط.
 
تمارس تركيا اليوم سياسة الغطرسة والتدخل السافر في شؤون بلدان المنطقة، وخاصة اثناء ندلاع الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية ( الربيع العربي)، ابتداءاً بتونس والتنسيق مع حزب النهضة، فرع الاخوان المسلمين في تونس. و مع الاخوان المسلمين في مصر عبر الاسم المقترح لحزبهم العدالة والحرية على غرار حزب اوردغان العدالة والتنمية، والان نشاهد البكاء والعويل على مستقبل الاخوان المسلمين في مصر، ووقف ضد ارادة الشعب المصري في ثورته التصحيحية تجاه ارهابية الاخوان المسلمين واصرارهم على التمسك بالسلطة وما يسمى بالشرعية الانتخابية، باي ثمن كان.
 
تدخلها واضحا للعيان ايضا تجاه المسالة السورية  منذ البداية ، وتقديم مساعدات عسكرية ولوجستية وبالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية وبالتنسيق مع الكيان الصهيوني الى "جبهة النصرة" "ودولة العراق والشام الاسلامية" "واخوتهم" في سوريا، من اجل استمرار القتال وسفك الدماء وتحطيم سوريا دولة وشعبا ، بعد ما وصلت الضحايا البشرية فيها الى اكثر من مائة الف قتيل وجريح، وتشريد ملايين من ديارهم واللجوء الى الدول المجاورة ،مع تدمير وتحطيم البنية التحتية والمدن في كل انحاء سوريا.
 
وشاهدنا في الايام القريبة الماضية ايضا التدخل في شؤون اكراد سوريا وتهديدهم عبرالمنظمات الاسلامية الارهابية المدعومة من قبلها،وقاموا بتنفيذ المجزرة والابادة الجماعية بحق ابنا ء الشعب الكردي موخرا في الاماكن التي تعتبر اكثرية سكانها من الاكراد، بعد قتلهم وتشريدهم والاعتداء على اعراضهم وذبح اطفالهم وشيوخهم وحرق قراهم، ولجوء اكثر من15 الف لاجئ من هذه المنطقة خلال الايام القريبة الماضية الى اقليم كردستان العراق.تحاول تركيا زج ااكراد العراق الى هذه اللعبة القذرة، وتحريضهم للوقف من ضد حزب الاتحاد الديمقراطي(ب ي د) وقوات الحماية الشعبية ( ي ب ك ) ذات النفوذ والجماهرية الواسعة في سوريا. وهم يدافعون عن المدن والقرى الكردية وبالتنسيق مع كافة الاطراف المتواجدة في المنطقة من الاحزاب والانتماءات القومية والدينية، للدفاع عن المنطقة وادارتها.تامين سلامة امن مواطنيها من الاعتداءات والعدوان المتكررة من المنظمات الاسلامية الارهابية المذكورة، التي تحاول السيطرة على المنطقة، وتحقيق اطماحهم في اقامة الامارة الاسلامية في المنطقة!!!.
 
ان السياسة الديماغوجية التي تمارسها تركيا تجاه القضية الكردية ، وعدم اقرار الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ، واتباع اسلوب المراوغة والتشكيك في نيات حزب العمال الكردستاني ،ومحاولة خلق البلبلة والتفرقة في صفوفه وتمزيق وحدته المتينة، واللجوء الى بعض الحلول التكتيكية بين حين واخر،بهدف تدويل جوهر القضية الكردية ،وخلق نوع من التوتر والخلافات بين فصائل حركة التحرر الكردية في كافة اجزاءها. لا يمكن لحكام تركيا الاستمرارعلى هذه اللعبة، الا اعترافهم واقرارهم بوجود شعب كردي قوامه 15-20 مليون يعيش داخل اراضيها ، والاعتراف بها كقضية سياسية وانسانية ، يجب حلها بشكل يضمن حق تقرير المصير، وايجاد صيغة عملية للتعبير عن ذلك. والا، لايمكن حلها عن طريق اسلوب عسكري دموي . بل الحل الوحيد هو الحوار الحضاري والمصالحة في معالجة هذه القضية العادلة لشعب فرض عليه ان يعيش في اطار الدول الاخرى.
 
نامل ان تساهم نتائج المؤتمر الوطني الكردي في اقليم كردستان العراق في هذا الوقت العصيب الذي يمر به الشعب الكردي في تركيا وسوريا وايران وحتى في العراق،لايجاد حلول جذرية وحاسمة للوضع الكردي في كافة اجزاء كردستان. وبذل جهود جادة وفعلية في سبيل جمع شمل البيت الكردستاني ، وبمشاركة كافة الاطراف المعنية، وذلك لاعطاء زخم اكبر لهذه القضية. والاستفادة العقلانية من التجارب السابقة،التي لم تجلب للشعب الكردي غيرالاقتتال والدمار والخراب والويلات والتفرقة، وذلك من خلال توحيد الخطاب السياسي الكردي، وتاسيس مراكز بحوث متخصصة لوضع دراسات وخطط ثقافية واعلامية، ومشاركة الجماهير في الفعاليات واتخاذ القرارات، والتفاعل مع ثقافات العالم. وتاكيد الطابع الانساني والسياسي والبعد الاستراتيجي لقضايا ومصالح الشعوب، وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية في الامم المتحدة والوحدة الاوربية وفي المحاورالاقليمية والدولية، بغية عقد مؤتمر دولي لحل القضية الكردية سلميا وسياسيا في المدى المنظور.



53
على هامش تاجيل الانتخابات في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري
كما هو معروف لدي الجميع، بان الصيغة الفيدرالية لادارة الاقليم تم اقرارها في اول برلمان كردي المنتخب في اقليم كردستان العراق، في 4/10/ 1992. وفي خضون 21 سنة من عمر هذه الفيدرالية ولحد اليوم، اجريت فقط ثلات مرات الانتخابات التشريعية.الثانية في 2005 اي بعد مرور 13 سنة على الانتخابات الاولى، والمرة الثالثة في2009 .اما الانتخابات المحلية لمجالس البلديات في الاقليم لم تجري منذ عام 2005 ولحد الان. والانتخابات الرئاسية مرة واحدة فقط.
والسؤال يطرح نفسه، وهو: هل هذه الظاهرة توافق مع مبداء الديمقراطية، ام انها تعزز الحكم الديكتاتوري للحزبين المهيمنين على السلطة منذ ذلك التاريخ ولحد اليوم؟. الجواب على ذلك ، بلا شك،هو بنعم للشطر الثاني من السؤال.
والسبب يعود الى استمرار الحزبين المتنفذين في اقليم كردستان العراق على احتكار وتقاسم السلطة بالمناصفة بينهما، وابعاد المشاركة الجماهيرية الكردية الحقيقية فيها . تهميش مهام ووظائف الاحزاب الاخرى، المتواجدة فعليا في الاقليم بان تلعب دورها الحقيقي في العملية السياسية وممارستها بشكل فعلي. فرض نزعات الهيمنة والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية ، مع ممارسة العنف والاقتتال والأرهاب في حل الخلأفات والنزعات. لقد أدت هذه الحالة الى تفريغ الهيئات الأدارية لمؤسسات الأدارة الفيدرالية من وضائفها ، واضعاف دور البرلمان في اتخاذ القرارات السياسية ، الأقتصادية والأدارية ، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق على كافة المرافق في الاقليم.
ان طلب رئيس اقليم كردستان وحكومته بتحديد يوم 21 ايلول/ سبتمبرمن هذه السنة موعدا لاجراء الانتخابات التشريعية والمحلية والرئاسية في الاقليم، جاء هذا الاجراء متماشيا مع المدة القانونية للانتخابات، التي جرت للبرلمان والرئاسة في عام 2009، اي بعد مرور اربع سنوات على ذلك. اما اسباب وعوامل تاجيلها الان بعد الاتفاق التي جرت بين اعضاء القياديين والبارزين في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني مع الاعضاء المهيمنين على المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني في اربيل، لتمديد مدة رئاسة السيد مسعود بارزاني لمدة سنتين، اعتبارا من تاريخ انتهاء حكمه وفق الموعد المحدد اعلاه، وتمرير قانون تاجيل الانتخابات من خلال برلمان الكردستان في 30/6/2013، يمكن تلخيصها، كالاتي:

1- ان الاتحاد الوطني الكردستاني بعد ان اضعف دوره في الاقليم على اثرالانشقاق الذي حصل في صفوفه  من قبل حركة التغيير(كوران) بقيادة نوشيروان مصطفى، وانعكاس اثاره السلبي على حجمه في الانتخابات 2009 الاخيرة التي جرت في الاقليم. وتراجع كبير في شعبيته وحصته الانتخابية لصالح حركة التغيير. وتم ايضا اهماله من قبل حليفه الاستراتيجي الحزب الديمقراطي الكردستاني حزبيا واداريا، بعد سيطرة الحزب الديمقراطي على السلطة، وانفراده في اتخاذ القرارات المهمة بخصوص سياسة الاقليم داخليا وخارجيا بمعزل عن حليفه.
2- حاول الاتحاد الوطني الكردستاني باعادة العلاقة مجددا مع حركة التغيير، وتقريب وجهة نظرهما بخصوص الوضع السائد والحد من انفراد الحزب الديمقراطي في سلطة الاقليم. وكانت نقطة التقائيهما في ضرورة اعادة النظر في دستور اقليم كردستان وارجاعه الى البرلمان لمناقشته واغنائه، قبل عرضه على الشعب الكردستاني للاستفتاء الشعبي واقراره.وتم ذلك بموافقة الرئيس السيد جلال طالباني في حينه ، قبل اصابته بالمرض.
3- عشية اعداد الاجراءات اللازمة لتحديد موعد الانتخابات الجديدة، صرح كل من الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بالمشاركة في هذه الانتخابات ، كل على حدى بقائمة مستقلة، وليس ضمن التحالف الكردستاني، كما كان المتعارف عليه بين الحزبين في الانتخابات السابقة.وكان هذا الاجراء بمثابة الخطوة الاولية العلنية لظهور الى العيان بوادرالازمة في العلاقات والاتفاقية الاستراتجية بين الحزبين، بالاضافة الى عوامل اخرى.
4- حاول الاتحاد الوطني الكردستاني بالتوافق مع حركة التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية وبعض احزاب اخرى في الاقليم، بعدم الموافقة على ترشيح رئيس الاقليم السيد مسعود بارزاني نفسه لرئاسة الاقليم هذه المرة في الانتخابات التي تم تحديد موعده في وقت سابق، لمخالفته للدستور، في حالة رغبته في الترشيح.
5- هدد في حينه الاتحاد الوطني وبالتوافق مع الاطراف المعارضة الاخرى في الاقليم ، في حالة طرح دستور الاقليم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني للاستفتاء الشعبي قبل اجراء الانتخابات الجديدة في الموعد المحدد لها، سيصوت الاتحاد ضد هذا الدستور.والحالة هذه قد اوجدت نوع من خيبة الامل لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني في انجاح عملية الاستفتاء لصلحه، وتاثير ذلك بلاشك على مدى دستورية ترشيح مسعود بارزاني لرئاسة الاقليم، ومن ثم على نتائج الانتخابات على الحزب الديمقراطي.
6- وامام هذه الطروحات والعراقيل وتعقيد الوضع السياسي في الاقليم بغياب الرئيس مام جلال طالباني . وظهور بوادر النزاعات واختلاف الاراء والمواقف بخصوص تحليل الوضع السياسي على صعيد الاقليم والعراق والمنطقة بين العناصر المهمة والمهيمنة على المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، مما اضعف في ايجاد موقف موحد في اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الوطني تجاه الوضع الراهن، وانسحاب ذلك على قواعد الاتحاد، وبالتالي ستكون نتائجها بلاشك سلبية ايضا تجاه مستقبل ووحدة الحزب وشعبيته للخوض في الانتخابات القادمة، من دون ان يضمن اي طرف حليف له في نتائج هذه الانتخابات.
7- ومنذ اعلان وتحديد موعد الانتخابات الجديدة، ظهرت صراعات واحتلافات  في الاراء والمواقف تجاه الدستور، والترشيح لرئاسة الاقليم، علما لحد تاجيل موعد الانتخابات لم يقدم كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والمعارضة( حركة التغيير والاحزاب الاسلامية وبعض الاحزاب اخرى مؤيد لها في العملية الانتخابية)، والاتحاد الوطني الذي اقرب الى المعارضة في هذه العملية، من كونه حليفا للحزب الديمقراطي الكردستاني ، اي مرشح لهذا المنصب، عدى بعض ترشيحات فردية من عناصر الحزبية والمستقلة.
8- لقد توفر لدى الحزبين الحاكمين قناعة تامة، بان الظرف الحالي الذي يمر به الاقليم والعراق والمنطقة ، ليس من صالحهما لاجراء الانتخابات في الموعد المحد لها. ومن المتوقع ايضا حدوث تغييرات في خارطة التحالفات السياسية للاقليم. لظهورالاستطفافات والتغييرات الجديدة بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والحكم في الاقليم .وعلى اثر استحداث خلافات واضحة ومهمة بين الاطراف السياسية، ولا سيما بين الحزبين الحاكمين، الذان يربطهما اتفاق استراتيجي في تقسيم السلطة والمال والنفوذ بينهما والهيمنة على البرلمان، وتثبيت حكمهما الى اجل غير محدد، والاستمرار في احتكارالسلطة تكريسا لتحويلها الى نظام الديكتاتوري في الاقليم مستقبلا. والسير قدما في تعميق ظاهرة الفساد المالي والاداري المستشري في الاقليم.
9- انعدام المسئولية من الحزبين الحاكمين تجاه الوضع الداخلي، نتيجة لتراكم المشكلات الكبيرة ولفترة طويلة من دون ايجاد حلول صائبة لها. ادت هذه الحالة الى توسع ازمة الثقة بين الحكومات السابقة والجماهيرالكردية،التي تتطلع اليوم الى ضمان الحرية والعدالة والمساواة وتحقيق مستقبل زاهر ومتقدم  في تطوير افاق الفدرالية. ويطالب اليوم باجراء اصلاحات وتغيرات جذرية وضرورية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والرؤية الواضحة والشفافة في التنمية الوطنية المستدامة،  ومكافة ظاهرة الفساد المالي والاداري المستشري على كافة المستويات الحزبية والادارية، وذلك خدمة لجماهير الكردستانية، وضمان المكتسبات المتحققة. وتحقيق غدا افضل ومشرق للشعب الكردي والاجيال القادمة.
ضرورة توحيد الخطاب السياسي وتوسيع الحوارات في اجواء ديمقراطية حقيقية، يستند على مبدا المساواة في المواطنة والاعتراف بالاخر وفي تبادل السلطة بالطرق السلمية، واعطاء مجال للشعب الكردي المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي ، خاصة المصيرية منها، وفتح افاق جديدة لتواصل في بناء وتطوير الفيدرالية في الاقليم على كافة الصعد.

54
غياب الاستقرارالامني ،بسبب الحكم الفاشل في العراق

د.صباح قدوري
 
بعد سقوط الصنم في 2003 ، على اثر احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، تم ايداع السلطة بحوزة الاسلام السياسي، بهدف خلق النعرة الطائفية والمذهبية والاثنية في العراق، والتي ظهرت بوادرها ابان الحكم الديكتاتوري المقبور.
 
منذ ذلك الحين ولحد اليوم  لم يرى العراق استقرار امني، سياسي ، اقتصادي واجتماعي فيه. سببت هذه الحالة الى قتل مئات الاف من الشعب العراقي نتيجة لتفاقم الصراع الطائفي والمذهبي، وخاصة تجاه الاديان الايزيدية والمسيحية والصابئة المندائية، الذين يعتبرون المكون الاصلي في عراق الرافدين،بالاضافة الى الشيعة والسنة ايضا. اخذ هذا الصراع اسلوب ممنهج ومخطط لقتل مئات وتشريد الالاف منهم  واجبارهم على الهجرة وتوزيعهم على بلدان الشتات. والحالة هذه مستمرة  باستخدام الوسائل الارهابية المتنوعة من عمليات التفجير والتفخيخ  والانتحار بالحزام الناسف والعبوات اللاصقة واستخدام مسدسات كاتم الصوت وغيرها تجاه العراق وشعبه الجريح .تنسب في الغالب هذه العمليات الارهابية الى تنظيم القاعدة وبقايا ازلام سلطة صدام الديكتاتوري،وبالمشاركة ايضا من الجهات الاجنبية الاقليمية، التي تهدف الى تدمير العراق وشعبه. ورغم ذلك، تبقى دائما مسؤولية حماية ارواح المواطنين من الواجبات الاساسية الاولية ومن الوظائف المهمة في الوقت الراهن لاجهزة الدولة الامنية . ولكن اين هي هذه الوظائف، ومن المسؤول عن غياب الاستقرار الامني؟؟؟!
 
ان الوضع الامني في العراق لا يمكن ان يستقر ، مادامت عملية الصراع بين مكونات الشعب العراقي المتنوع، تم تدويله الى اسلوب طائفي ومذهبي واثني. اصبح من الصعوبة الخروج من هذا الوضع  في الوقت الحالي والمستقبل القريب ، خصوصا يفترض من الدولة العراقية في عهدها الجديد ان تتبع الاسلوب السياسي الحضاري ،القائم على مبدأ تطبيق وممارسة الديمقراطية الحقيقية، واقرار حقوق الانسان العراقي على اسس المساواة ، وبالاعتماد على مفهوم المواطنة و الهوية الوطنية في الحكم.
 
بعد مرور عشر سنوات من الحكم الديكتاتوري البائد وسيطرة الاسلام السياسي على سدة الحكم بعد الانتخابات في 2005  ولحد اليوم ، تشير كل المعطيات  والمقومات ، بانه غير مؤهل لهذه المهمة والمسؤولية التاريخية تجاه الشعب العراقي ، بسبب قلة المعرفة والخبرة لدى النخبه السياسية والادارية  في ادارة الدولة، اضافة الى التعامل مع هذه المهمة وفق مفهوم طائفي ومذهبي واثني بعيدا عن اسس الحضارية ومبادئ العلوم السياسية  المتعارف عليها، مما سببت هذه الحالة الى تفاقم الازمات ودخول العراق وعمليته السياسية في نفق مظلم، اصبح الخروج منه صعب جدا ،ويكلف الشعب العراق واجياله القادمة تكاليف باهضة بشريا وماديا، قد يطال امده عشر سنوات اخرى او اكثر.
 
قبل بضعة ايام معدودة تم تنفيذ عمليتين ارهابيتين، أدتت بحياة اكتر من 15 من اخواننا الايزيديين  في بغداد، الذين هاجروا من منطقتهم سعيا وراء تامين المعيشة لعوائلهم. وكما معروف عن الاخوة الايزيدية، بانهم اناس مسالمين لن يؤذوا احدا ، ولن يتجاوزوا على اي طرف او مكون ديني اخر ، وعاشوا بالسلام والامان مع بقية المكونات والاديان العراقية الاخرى. وكما معروف عنهم  ايضا حبهم وقدسيتهم للعمل كبيرين، سواءا في الوطن او في المهجر. ان هذه الجرائم النكراء تضاف الى قائمة طويلة من الممارسات الارهابية والانتهاكات للحقوق والحريات والخصوصيات الدينية والمعتقد والهوية الفرعية ضد الاقليات الدينية العراقية.
 
منذ عام 2003 صعودا الى عام  2007 حدث ارهاب ضدهم باستخدام تفجير سيارات مفخخة ، في قرى تابعة لقضاء شنكال(سنجار) من محافظة الموصل. راح ضحيتها اكثر من 500 ضحية من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ ، ومئات من الجرحى . وقتل ايضا  في نفس الفترة اكثر من 20 شخص على طريق الموصل، وهم في الطريق لاداء عملهم . وجريمة مماثلة لرجلين من ابناء هذه الطائفة في مدينة كركوك ، باتباع طريقة
 ( رجم) حتى الموت. والارهاب مستمر ضدهم حتى الان.
 
نستنكر بشدة هذه الحوادث المؤسفة، واستخدام العنف والقمع ، بدلا من اتباع لغة الحوار الحضاري في العلاقات والعمل المشترك. نعلن تضامننا مع كل المتضررين من هذه الحوادث المؤسفة والفواجع الاليمة. ونطلب من الحكومة ، وخاصة اجهزتها الداخلية والامنية والعدلية ، بان ترتقي الى مستوى الشعور بالمسؤولية الوطنية في ادارة البلد، لوقف نزيف الدماء ، ووضع حدا لهذه الماسي والحياة الصعبة والمزرية التي يعيشها المواطن العراقي، والذي يعاني من الاضطهاد والقمع والارهاب والحرمان والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاقصاء وعدم المساواة، قرابة خمسين سنة من الحكومات المتعاقبة.
 
نطالب من جانبنا ملاحقة الارهابيين والقتلة ، وايداعهم لدى الجهات القانوية لاجراء تحقيق عادل عن هذه الحوادث، وانزال اقصى العقوبات بحق مرتكبها، واتخاذ اجراءات حاسمة لارجاع الامن والاستقرار الى البلد، وتعويض عادل للمتضررين عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهم ولعوائلهم من جراء ذلك.


55
بعض المؤشرات حول الانتخابات القادمة في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

من الطبيعي والمتعارف عليه ، بانه في كل فترة انتخابية ،سواءا لمجالس المحافظات او للبرلمان في العراق ، قد تظهر للعيان بعض الاستطفافات اوالاستقطابات بين الكتل المشاركة في العملية السياسية العراقية منذ الانتخابات الاولى في 2005.
في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في 20 من نيسان2013  في 12 محافظات العراقية، وتاجيل الانتخابات في المحافظات الرمادي والموصل وكركوك، وكذلك في محافظات اقليم كردستان العراق. تشير نتائج هذه الانتخابات ، التراجع النسبي لشعبية الاحزاب الدينية المسيطرة على دست الحكم منذ 2003 ولحد اليوم، وخاصة في صفوف حزب الدعوى والتيار الصدري ، مع صعود مجلس الاسلامي الاعلى في هذه الانتخابات. والتراجع ايضا في القائمة العراقية والتحالف الكردستاني في بغداد والمناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية واقليم كردستان العراق. دخول تحالف التيار الديمقراطي العراقي الى مجالس المحافظات في عشرة محافظات من مجموع اثنا عشر محافظة، بفوزه 13 معقدا ضمن المحافظات المنتخبة.تراجع نسبة مشاركة العراقيين في هذه الانتخابات بشكل ملحوظ الى حدود 50% ، وهي نسبة منخفضة بالقياس الى الانتخابات السابقة ، وذلك لاسباب عديدة (من دون الدخول في التفاصيل )، منها تراجع حماس الجماهير للانتخابات ، بسبب ياس وفقدان الثقة بالمسؤولين السابقين في مجالس المحافظات، وعجزهم عن تقديم خدمات ملموسة لابناء المحافظة ، وخاصة في المجالات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، مع ارتفاع ظاهر البطالة والفقر بين ابناء المحافظات. ولاسباب الامنية ،والقصور في تنظيم السجلات المقترعين في مناطق عديدة للمراكز الانتخابية، وغيرها.

حدد يوم 21 ايلول/سبتمبر القادم  لاجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في اقليم كردستان الحالي، ولم تجر الانتخابات المحلية  فيه منذ عام 2005 . سيتم اعتماد نظام القائمة شبه المغلقة في انتخابات البرلمان. فمن الطبيعي ان نشاهد ايضا في هذه الانتخابات الاستطفافات والتغييرات الجديدة بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والحكم في الاقليم ، وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستان، الذان يربطهما اتفاق استراتيجي في تقسيم السلطة بينهما والهيمنة على البرلمان. ومن المتوقع ايضا حدوث  تغييرات في خارطة  التحالفات السياسية للاقليم ، وذلك على اثر استحداث خلافات واضحة ومهمة بين الاطراف السياسية، ولا سيما بين الحزبين الحليفين، يمكن تلخيصها في المحاور الاتية:

1- العلاقة الاستراتيجية بين الحزبين الحاكمين في طريق الزوال والانتهاء، على اثر اصرار الطرفين التمسك بالسلطة والنفوذ والمال في ادارة الاقليم. مع  تصاعد التصريحات والاتهامات التي يطلقها كل من الحزبين تجاه اخر، وزيادة حددها في الاوانة الاخيرة، ووصلت حد تقديم الشكوى من الحزب الديمقراطي الكردستاني الى المفوضية المستقلة للانتخابات ضد الاتحاد الوطني ، بوجود تزوير في الانتخابات الاخيرة لمجالس المحافظات لصالح الاتحاد الوطني ضمن قائمة التحالف الكردستاني في بغداد.
2- اتخاذ القرار النهائي من طرف الحزبين الرئيسين المشاركة في هذه الانتخابات بقائمة منفصلة، خلافا للمرات السابقة ، كما قررت حركة التغيير بنفس الاتجاه، بغية الوقوف على وزن الحقيقي لكل الطرف. اما الاحزاب الاسلامية ، الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية ، وكذلك الاحزاب الاخرى ، لم تحسم موقفها لحد الان من ذلك. هذا ويطالب الاتحاد الوطني الكردستاني باجراء الانتخابات المحلية ايضا في نفس الموعد، بينما يؤكد الحزب الديمقراطي الكردستاني على تحديد موعد هذه الانتخابات وتحدده حكومة الاقليم بالتنسيق مع المفوضية في وقت لاحق.
3- الاحزاب السياسية في الاقليم ، وعلى راسها الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية ، لا توافق مبدئيا على ترشيح السيد مسعود برزاني للمرة الثالثة، اذا قرر ترشيح نفسه لرئاسة الاقليم. وفي حالة اصرار الحزب الديمقراطي  الكردستاني على هذا الترشيح . تطلب هذه الاحزاب بتغيير نظام الحكم في الاقليم من الرئاسي الى البرلماني. وتتطلب هذه المهمة اجراء تعديل في مسودة دستور كردستان، والذي عرض لمصادقة البرلمان بشكل مفاجئ في 24/حزيران – يوليو 2009، اي بعد انتهاء الدورة التشريعية لبرلمان الاقليم في 9/حزيران- يوليو2009، وامراره مرور الكرام!، والتي تمنح  بموجبه صلاحيات واسعة للرئيس . على ان يتم تمريرها بالتوافق ضمن القوانين ،متماشيا مع الابعاد الوطنية.
4- تطلب هذه الاحزاب ايضا ضرورة اعادة مسودة دستور كردستان مرة اخرى الى البرلمان لمناقشته واجراء تعديلات عليه، قبل طرحه للاستفتاء الشعبي ، في الوقت الذي يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني ، بان الدستور تم الموافقة عليه في البرلمان السابق وامره منتهي. ويحاول الحزب طرحه للاستفتاء العام لتثبيت شريعته، قبل اجراء الموعد المحدد للانتخابات في ايلول/سبتمبر من السنة الحالية.
5- طرح الوفد المفاوض برئاسة السيد نيجرفان برزاني مع الحكومة المركزية في بغداد اثناء لقائه مع التحالف الوطني ورئيس الوزراء السيد المالكي ، بان الاكراد يتنازلون عن منصب رئيس الجمهورية في انتخابات البرلمان العراقي القادم، المزمع اجراها في 2014 ، مقابل منصب رئيس البرلمان ، من دون التنسيق مع حليفه الاتحاد الوطني الكردستاني بهذا الخصوص . ومن الطبيعي رحب التحالف الوطني والسيد المالكي بهذا الطرح ، وذلك لتحويل هذا المنصب الى المكون السني ، وبقاء رئاسة الحكومة تحت سيطرة التحالف الوطني( الشيعي)، تكريسا لاعادة اسلوب المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة للحكم القادم ،  والمعمول به في العراق منذ الاحتلال ولحد اليوم.
6- اما بخصوص الاحزاب الاخرى المتواجدة في الاقليم كحزب الشيوعي الكردستاني- العراق، والاشتراكي الكردستاني، وكادحي كردستنان وغيرها ، اما ان تدخل بقائمة تحالفية واحدة، او توزع على قوائم اخرى، وان نشاطاتها وتاثيرها على العملية السياسية محدودة وضعيفة ، بسبب هيمنة الحزبين الرئيسين الحاكمين على السلطة في الاقليم منذ الانتفاضة المجيدة ولحد الان، وتهميش دور هذه الاحزاب، وعدم فسح المجال لها للقيام بمهامها ومساهمتها في القرار السياسي في الاقليم، بالشكل المطلوب.

وعلى ضؤء المعطيات المذكورة،اتوقع ان تكون نتائج هذه الانتخابات كالاتي:

1- احتفاظ اوحدوث تعيير قليل جدا في مقاعد الانتخابات البرلمانية بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني، اذ ان الولاء والنزعة العشائرية داخل الحزب لا تزال قوية.
2- قد يكون توزيع الاصوات الانتخابية بنسبة متقاربة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية، وبعض اصوت للاحزاب الاخرى.
3- وعلى ضوء هذا التوقع ، سيكون تحالفات جديدة في البرلمان والتشكيلة الحكومية القادمة، وانتهاء اسلوب المناصفة( ففتي ففتي) بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والتناوب والهيمنة على رئاسة حكومة الاقليم والبرلمان، كما متبع سابقا.
4- من المحتمل ان ينفرط التحالف بين الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، ووصول الخلافات الى قواعد الحزبين ، ولم تبقى العلاقة الاستراتيجة بينهما محصورة فقط بين قيادة الحزبين ،وفي حلقة ضيقة بين الزعيمين جلال طالباني ومسعود برزاني.
5- من الصعوبة تشكيل الحكومة الاغلبية من حزب واحد اوحتى من حزبين.وتتوقف على النتائج التي يحصل عليها كل من الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني بالدرجة الاساسية.  ومن المتوقع ان تكون هناك معارضة قوية في برلمان ، ذات تاثير في المساهمة والمشاركة في عملية اتخاذ القرارات  المهمة، ورسم سياسة الحكومة القادمة في الاقليم.

56
اوجه التشابه والاختلاف بين ديكتاتورية صدام والمالكي

د.صباح قدوري

 ديكتاتوس )، وتعني يملي او يفرض اويأمر. ان نظام الحكم الديكتاتوري، هوdictātus  كلمة ديكتاتورية مشتقة من الفعل( لاتينية: شكل من اشكال الحكم المطلق، حيث تكون قرارات سلطات الحكم  محصورة في شخص واحد كالملكية او مجموعة معينة كحزب سياسي او ديكتاتورية الجيش . وهناك نمطين من الديكتاتورية في الحكم:  الدكتاتورية الفردية ، وتكون بتسلط فرد على مقومات الدولة تسلطا شاملا ، معتمدا بالدرجة الاساسية على القوة العسكرية والاقتصادية ، ويحيط نفسه بهالة من الحصانة والعصمة. والديكتاتورية الجماعية ، وتكون بتسلط جماعة على مقومات الدولة.(انظر:ويكيبيديا، الموسوعة الحرة).
وباستناد الى هذا التوضيح المختصر( من دون الدخول في التفاصيل) عن تعريف وانماط النظام الديكتاتوري في الحكم، نستطيع اقرار الحكم الديكتاتورية على صدام والمالكي، كالاتي:

في حكم صدام

1- مجئ صدام الى الحكم عن طريق حزب البعث بعد الانقلاب الاسود المشؤوم في 63 وكذلك في 68، الذي  صعد صدام الى دست الحكم بعد ازاحته للبكر من السلطة وليس عن طريق الانتخابات المعروفة. ظهرت بوادر تحول حزب البعث فيما بعد الى حزب ديكتاتوري في اواخرالسبعنيات من حكمه. وبعد هذا التاريخ حاول صدام الانفراد في السلطة كديكتاتور بدلا عن الحزب ، وذلك بعد تاميم النفط في 72 وارتفاع اسعار النفط في اواسط السبعينيات وزيادة الايرادات الريعية من النفط، مما ساعد النظام في تقوية العامل الاقتصادي في الحكم.
2- استغل صدام الموارد الريعية الهائلة من بعد تاميمم النفط في بناء جهاز حكم بيروقراطي على صعد الوزارات ورؤساء المحافظات والاجهزة العليا في مستويات ادارة الدولة مواليا له بشكل مطلق.
3- بناء قاعدة اجتماعية طفيلية ومافيات من المحسوبين لصدام من اواسط الحزب البعث وكذلك من العشائر الموالية اليه وفي مقدمتهم من  اهالي تكريت وعوجة مسقط راس صدام، وعشائر المنطقة الغربية السنية وفي الموصل، عن طريق شراء الذمم وانتشار الفساد الاداري والمالي فيهم.
4- استثمار مبالغ هائلة في تقوية ترسانة الجيش وتوسيح وحدات الجيش عن طريق بناء الالوية الموالية له بشكل مطلق. وكذلك الحال في قوات الشرطة، وخاصة بعد ازاحة ناظم كزار عن سلطة وزارة الداخلية والامن، وتصفية اعوانه والمجئ بانصاره لفرض هيمنته على الجهاز الاستخباراتي للجيش والشرطة. الهيمنة التامة على وسائل الاعلام المختلفة في الداخل، وتمويل قسم منها في الخارج ايضا للدعاية والتأيد لسياسته الديكتاتورية.
5- تاسيس وحدات خاصة من الحرس الجمهوري وفدائي صدام موالين بشكل المطلق لحكمه،  والاعتماد عليم كقوة رئيسية واداة فعالة في عمليات القمع والارهاب وتصفية المعارضة باشكالها المختلفة في داخل وخارج العراق.
6- كسب تايد البلدان العربية باسم العروبة والقضية الفلسطينية ومحاربة الصهيونية كذبا وغير صادقا وبعيدا عن الواقع والحقيقة
 وذلك عن طريق تقديم الرشاوي وكسب ود  كثير من رؤساء هذه الدول، وخاصة الخليجية منها، وتقديم الدعم المادي والمعنوني اليه فيما بعد في حربه غير عادلة ضد ايران في  الثمانينات، وضد الكويت في التسعينيات من القرن الماضي.
7- كان عميلا للاستخبارات المركزية الامريكية (سي اي اي)، ومتعاونا ومنفذا للسياسة الامريكية في المنطقة وشريكا اقتصاديا مع روسيا، عندما قامت بدعمه في عملية تاميم النفط، وبدعم وتايد من الحزب الشيوعي العراقي ، كان متحالفا مع حزبه في بداية مجيئه الى سدة الحكم في اواسط السبعينيات.
كل هذه العوامل الداخلية، الاقتصادية والجيش والشرطة والعشائر واجهزة الدولة البروقراطية ، والسيطرة على وسائل الاعلام المختلفة للدعاية والتمجيد به، وحصر كل السلطات الحكم بمجلس قيادة الثورة وهو على راسه وبينه وبين شل من اعوانه لا حول ولا قوة لهم ، بالاضافة الى التايد العربي والاقليمي عدى ايران، وعمالته لامريكا. ساعدت  كل هذه العوامل بان يبرز صدام دكتاتورا على راس نظام الحكم في العراق لغاية سقوطه بيد الاحتلال الامريكي في 9 نيسان 2003 . ويتصف نظام حكم صدام بسمات  الديكتاتورية ، كالاتي:

1- قمع الشعب وكل المعارضة ، وشن الحرب العبثية في الداخل ضد الشعب الكردي وحملاته الانفال سيئة الصيت، والحروب الخارجية  ضد الجارتين ايران والكويت.
2- تحطيم البني التحتية والانهيار الاقتصادي من انتشار الفقر والبطالة وارتفاع التضخم بشكل لا مثيل له في تاريخ العراق، وسوء الخدمات وفرض الحصار الاقتصادي على العراق طال امده 13 سنة. كما وفرض حصار الاقتصادي الداخلي على الاكراد.
3- تفكيك البنية الاجتماعية للشعب العراقي وظهور بوادر الطائفية والشوفينية ومحاربة الاقليات . وابقاء الشعب على الجهل والتخلف. واستغلال الدين بعد اخفاقته في حروبه المجنونة، ووضع شعار الله اكبر على العلم العراقي ، وبناء المساجد، ومحاربة النشاطات الثقافية التنويرية ومحلات عامة للغناء والموسيقى وشرب الحكول واقامة المهرجانات الفنية وغيرها.
4- اشغال الشعب بعدو وهمي، تارة ضد ايران واخرى ضد الكويت او محاربة الصهيونية والامبريالية او بغيرها، وتحميسه ضد هذا العدو، كما في حربه مع ايران وسماها (بالقادسية)، والانفال ضد الاكراد.


في حكم المالكلي
1- مجئ المالكي الى حكم للمرة اولى على راس حزب الدعوى في قائمة دولة القانون عن طريق الانتخابات في سنة 2005، وللمرة الثانية في 2010 عن طريق التحالف الشيعي المسمى بالتحالف الوطني/ دولة القانون، بعد ان تم التوافق في الحكم بين الاطراف المشاركة في الحكم من الكثل السنية المتمثلة بالقائمة العراقية ، التي فازت باكثرية الاصوات، والكتلة الكردية المتمثلة بالتحالف الكردستاني.
2- ركز المالكي في بداية حكمه على معالجة الجانب الامني والقضاء على الميلشيات الداخلية ومحاربة القاعدة وبقايا ازلام النظام الديكتاتوري البائد.والتعاون في مغادرة  قوات الاحتلال الى دولها وخاصة الامريكية، وعقد الاتفاقية الامنية والاقتصادية مع امريكا، مع تقوية العلاقة مع النظام الايراني.
3- بعد تحسين وتاهيل اداء القطاع النفطي عن طريق الاستثمارات الخارجية، ورفع الطاقة الانتاجية للتصدير الى 2,5 مليونين ونصف مليون ، وارتفاع اسعار البرميل الواحد من النفط من 2005 الى اليوم بمعدل اكثر من 100 دولا ، مما ساعد على زيادة الموارد المالية الريعية للعراق بشكل كبير، واصبح لدي حكومة المالكي امكانية مالية واقتصادية هائلة ، كما حدث ذلك ايضا في اواسط السبعينيات من عهد صدام حسين بعد تاميم النفط.
4- بداء المالكي ببناء جهاز دولة بيروقراطي على صعيد الوزارات والاجهزة العليا في المستويات الادارية المختلفة، تحت تسميات مختلفة ،كالتوافقية والشراكة الوطنية، وعلى اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية ،والحسوبية والحزبية الضيقة، مع بقاء الوزارات المهمة من الداخلية والامن القومي تحت قبضته وسيطرته بشكل مطلق، وحتى وزارة الدفاع ، وهي موكلة بشكل شكلي الى سعدون الدليمي ، وقرارات الجيش المهمة بقيت بحوزة المالكي ، لكونه القائد العام للقوات المسلحة.
5- بناء قاعدة اجتماعية طفيلية ومافيات من المحسوبين لمالكي وعناصر من حزبه  وشركائه المقربين من الاواسط الشيعية و ومن العشائر الموالية اليه في جنوب ووسط العراق عن طريق شراء الذمم وانتشار الفساد الاداري فيهم بدرجة كبير لم يشهد لها التاريخ العراق الحديث من قبل، بهدف تقديم الولاء اليه وبقائه وسيطرتة على  قبضة السلطة الى امد غير محدد. وتعتبر هذه الحالة بداية  توجهه نحو فرض النظام الدكتاتوري قد منحه الدستور الحالي،مليئة بالمفخخات، ولابد من تعديل كثير من فقراته، وفق ما جاء في الدستور نفسه في فترة زمنية محددة بذلك، الا انه لم يتم ذلك لحد الان من البرلمان.
6- استثمار مبالغ طائلة في اعادة بناء وتقوية ترسانة الجيش وتوسيح وحدات الجيش عن طريق بناء الالوية الموالية له بشكل مطلق. وكذلك الحال في قوات الشرطة، وسلطته المباشرة على وزارتي الداخلية والامن القومي، باعتباره وزيرا لهما  بالوكالة، واعطاء مسؤوليات مهمة في هذه الوزارات الى اعضاء حزبه  والعناصر المواليه اليه، بهدف الهيمنة على  اجهزة الجيش والشرطة  والامن والاستخبارات، مع تاسيس وحدات عسكرية خاصة مواليا بشكل مطلق لحكمه.
7- كسب تايد بعض بلدان العربية وغيرها لحكمه عن طريق تقديم الرشاوي والهبات الاقتصادية والعمولات في الصفقات التجارية مع الشركات في هذه الحكومات منها على سبيل المثال ، تجهيز النفط باسعار منخفضة الى الاردن ، تقديم تنازلات للكويت والاستمرار في دفع التعويضات وتسوية النزاعات الحدودية معها لصالح الكويت. وعدم تسوية النزاعات الحدوية مع ايران، بعد اتفاقية الجزائر. تقديم مساعدات نقدية الى مصر والتعويضات للعاملين المصرين في العراق ابان النظام البائد اثناء حربه مع ايران. انفتاح ابواب اسواق التجارية والشركات على مصراعيها للجارتين ايران وتركيا.
8- يرتبط مالكي بعلاقة جيدة وصداقة سياسية  واقتصادية وامنية مع حليفه الاول امريكا وحليفه الثاني ايران، وهما معادلتين مهمتين في سياسة منطقة الشرق الاوسط والبلدان العربية حاليا، وكذاك علاقة اقتصادية جيدة مع روسيا والصين والهند وبعض البلدان الاوربية ، وخاصة الوحدة الاوربية منها، وكوريا الشمالية.
كل هذه العوامل الداخلية، الاقتصادية والجيش والشرطة والعشائر واجهزة الدولة البروقراطية ، والسيطرة على وسائل الاعلام المختلفة للدعاية والتمجيد به، وسيطرته على الوزارات الامنية والشرطة والجيش ، بالاضافة الى التايد العربي النسبي  والاقليمي، وخاصة ايران ومع امريكا وروسيا والصين والبلدان الاوربية. ساعدت  كل هذه العوامل، بان يتوجه المالكي نحو النظام  الدكتاتوري على راس نظام الحكم في العراق. ويتصف نظام المالكي بسمات الديكتاتورية، كالاتي:

1- استغلال الدين لتثبيت حكمه.
2- تفشي نظام الفساد الاداري والمالي على المستويات الحزبية والادارية، بشكل لا مثيل له في تاريخ العراق الحديث. وقد بلغت موارد العراق خلال الخمس السنوات الاخيرة 465 مليار دولار، تم تبديد قسم كبير منها في مشاريع وسياسات لا علاقة لها بتحقيق التنمية الوطنية، ونهب عشرات منها بالفساد المالي والاداري. ويحتل العراق الان المرتبة الثالثة بعد صومال وافغانستان في الفساد المالي والاداري.بلغ مستوى خط الفقر بين ابناء الشعب العراقي الى اكثر من 20%. انتشار البطالة ، حيث اصبحت اكثر
 من 25%. كما وان نسبة التضخم  لا زال عاليا، وعدم استقرار العملة.
3- خلق ازمات مفتعلة مع شركائه في الحكم ، وخاصة مع الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق.
4- نشر النعرات والخلافات الطائفية والمذهبية والدينية والاثنية بين مكونات الشعب العراقي، على حساب المواطنة والوطنية . ابقاء الشعب على الجهل والتخلف، من خلال تكيف العلوم والمعرفة وبلورتها حسب ايدولوجيته الدينية.
5- الاخفاقات الاقتصادية في كافة القطاعات، الانتاجية  والتجارية والخدمية وخاصة في الخدمات الاساسية من توفير ، ماء الشرب والكهرباء والوقود والادوية  والصحة والتعليم والطرق والمواصلات، وتدني مستوى البني التحتية ، وغيرها.
6- تشكيل الشعب بقالب معين ، وتدجينه وفق ايدولوجية دينية متخلفة. محاربة الافكار التنويرية والحداثة والمنطق وتكفير المناطقة، وكل ما يخالف روح العصر من الديمقراطية والمساواة لحق المراة وحقوق العامة والخاصة للمواطنة، وعدالة القانون والحقوق الاجتماعية.

والاختلاف بين الاثنين في تكريس الديكتاتورية والنظام الديكتاتوري ، هو ان صدام استخدم العنف ضد معارضه ، مما سبب الى اشعال الحروب الداخلية والخارجية ، وقمع الشعب بالحديد والنار والقتل والتشرد والهجرة والابادة الجماعية للشعب الكردي وضد المذاهب الدينية، وخاصة الشيعية، والقبور الجماعية هي غير دليل على ذلك.

اما المالكي فهو في بداية طريقه  الى الدكتاتور. وان مدة حكمه قصيرة  ثمانية سنوات ، وهي اقل بكثير من حكم صدام حسين، دامت بحدود 30 سنة. كما وان الوضع الدولي السياسي اليوم يختلف عن ما كان عليه قبل ثلاثين سنة مضت. وهل ان بقاء المالكي مدة اطول في حكمه ، سوف يتغير ويأمن بالتعددية السياسية وبمبدأ تداول السلطة سلميا وفصل الدين عن حكم الدولة، أم قد يتحول الى دكتاتور اكبر من صدام؟، وهل ان الشعب العراقي وقواه المخلصة الوطنية والديمقراطية والتقدمية والانسانية، ودور منظمات المجتمع المدني ،  قادرة للتصدي على الديكتاتورية وعدم اعطاء فرصة للمالكي للاستمرار في دكتاتوريته؟. فالجواب على ذلك ، قد تكون مرهونة بالعامل الداخلي بالدرجة الرئيسية، منها نتائج الانتخابات النزيهة المحلية الحالية ، والانتخابات التشريعية القادمة في السنة 2014 ، وبالعامل الخارجي على صعيد الموازنات في السياسات الاقليمية والدولية التي تفرض نفسها على المنطقة  في المدى المنظور.




57
نداء أوجلان... والقضية الكردية

د.صباح قدوري
 
ان الحل السلمي للمسالة الكردية في تركيا وعلى عموم كردستان الكبرى، هو حل صحيح ومقبول  من طرف الشعب الكردي. ومن المحافل الاقليمية والدولية، في حالة وجود نيات صادقة وحقيقية من حكومات الدول التي يشكل الاكراد فيها قومية لها ثقلها الاساسي، واراضيهم مقسمة في داخل الحدود الجغرافية (لتركيا ، وايران، والعراق وسوريا)، فعلى القضية الكردية الاعتراف بها كقضية سياسية ، يجب حلها بشكل يضمن حق تقرير المصير.وهناك حقيقة يجب اقرارها ، وهي ان مسالة تحقيق الامن والاستقرار والسلام الدائم في المنطقة ، لا يمكن ان يتم بمعزل عن الحل السلمي العادل لهذه القضية والقضية الفلسطينية، على اسس الديمقراطية الحقيقية ، والتفهم لمسالة حق تقرير المصير لهذه الشعوب ، وايجاد الصيغة العملية الملائمة وفي الوقت المناسب للتعبير عن ذلك.
ان التغيير في موقف الحكومة التركية والالتجاء الى صيغة الحل السلمي للقضية الكردية ،ما يبرره ضرورة متابعة التغيرات السريعة التي تجري في المنطقة، ولابد ان تكون القضية الكردية، طرفا فيها، في الوقت الذي ان تركيا من  هذه الدول المشار اليها اعلاه، التي تعتبر القضية الكردية فيها ملتهبة  اكثر من غيرها، لاعتمادها على استخدام القوة والعنف وحرب الابادة، طيلة فترة تاريخها تجاه هذه االقضية.وايجاد حلول سلمية للمنازعات الداخلية والاقليمية ، قد تساعد تركيا للانظمام الى الوحدة الاوربية ، وتحقيق احلامها مستقبلا.

ان النداء الذي وجهه السجين قائد حزب العمال الكردستاني PKK في تركيا للتفاعل مع هذه المبادرة ، وطلبه من مقاتلي الحزب ترك السلاح في حدود الدولة التركية، واتباع الاسلوب السلمي  والحوار الحضاري والمصالحة في معالجة هذه القضية العادلة لشعب فرض عليه ان يعيش في اطار دول اخرى، وان يكافحوا من اجل حقهم في تقرير المصير، واختيار العلاقة والارادة الحرة والرغبة في العيش مع شعوب تلك الدول.

السؤال يطرح نفسه: هل لدى حكومة اردوغان نيات حقيقية وصادقة لحل هذه المسالة في هذا الوقت المعقد الذي تمر بها المنطقة بموجة من العاصفة والاضطرابات والحرب وعدم الاستقرار الامني، والتدخل التركي واضح للعيان وبقوة كطرف في تنفيذ خارطة الطريق لاعادة تكوين الشرق الاوسط الجديد، والمرسومة لها من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، وبالتعاون مع الدول الخليجية، على راسها المملكة السعودية وقطر، وبدعم من اسرائيل، التي عادت الان علاقتها الصداقية المتينة والحميمة مع تركيا، بعد فترة من الفتور التي شهدت هذه العلاقة ،على اثر الهجوم الاسرائلي على باخرة المساعدات التي قدمتها تركيا في حينه الى غزة؟.

وسؤال اخر يطرح نفسه ايضا ،وهو: هل ان جماهير حزب العمال الكردستاني بقسميها العسكري والسياسي مع هذه المبادرة والقاء السلاح قبل تنفيذ اي مطلب قومي محدد للشعب الكردي في تركيا،وبدون اية ضمانات دولية؟. واين يتجه القسم العسكري بعد خروجه من تركيا، الى حدود كردستان العراق، ام كردستان ايران؟. ام محاولة حكومة اردوغان جس نبض حزب العمال الكردستاني، وتعرضه للانشقاق بين المؤيدين والرافضين والشكوك في صدق نيات الحكومة التركية في حل هذه المسالة، وخاصة هناك حس عالي داخل حزب العمال التركي ، بان اغتيال القياديات الحزبية الثلاث في باريس مؤخرا، تم بتخطيط من الحكومة التركية، ولها علاقة بهذه المسالة؟.

ان القيادة الكردية في فيدرالية اقليم كردستان العراق، متعاونا مع السياسة التركية في المنطقة، وخاصة مايتعلق منها بالمسالة الكردية في العراق، والحل السلمي للقضية الكردية ايضا في تركيا وسوريا، وانهاء الاقتتال بين القوات التركية ومقاتلي حزب العمال التركي، واقرار الحقوق القومية ،بما في ذلك حق تقرير المصيرللشعب الكردي .والتاكيد على هذه المسالة، لقد اثاره رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني وفي مناسبات عديدة، بان الوقت  قد حان الان لبناء كيان سياسي واداري وجغرافي مستقل لاكراد العراق، وخاصة في الظرف الحالي التي تتعمق الخلافات والازمات مع الحكومة الاتحادية، في المسائل الاقتصادية،والمادة 140 حول (المناطق المتنازعة) عليها ضمن الدستور العراقي، ومسالة الجيش والبيشمركة، وغيرها.

ان القضية الكردية ضمن خارطة الطريق المرسومة لاعادة تشكيل الجيوسياسي لمنطقة الشرق الاوسط الجديد، سيكون لاكراد كردستان العراق دور كبير ومهم في القضية الكردية على صعيد الكردستان الكبرى، معتمدا على تعاون العامل الموضوعي وخاصة الامريكي وحلفاءها لتهيئة المناخ الملائم لتحريك القضية الكردية على المحافل الدولية على اساس السياسي وليس فقط الانساني كما عليه حتى الان، على ان تاخذ القضية الكردية طريقها الى الحل في غضون السنوات القليلة القادمة، في حالة حدوث التغييرات الايجابية في العامل الذاتي لصالح العمل المشترك مع الاطراف المنخرطة في تحقيق مشروع الشرق الاوسط الجديد، وذلك لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتوفير الامن والاستقرار في المنطقة، والاكراد جزء منها بعد الحل السلمي للقضية الفلسطينية. ويهدف ذلك الى تامين استراتيجية تدفق النفط  من المنطقة ،والسيطرة على انتاجه واسعاره، مع توسيع الاستثمارات الاقتصادية الاوربية والامريكية، وضمان سلامة وامن اسرائيل، وتاهيلها بان تلعب الدور المتميز، وخاصة الاقتصادي في المنطقة.

ضمن هذه الاستراتيجية الجيوسياسية المطروحة للمنطقة والاكراد جزءا منها، وبعد انهاء قضية سوريا وفق السياسات الامريكية والاوربية وبعض الدول الخليجية والتركية المتعاونة فيها،اعتقد ان خارطة الطريق للقضية الكردية، ستكون،  كالاتي:

1- لابد الانتقال الى وضع ايران وحلفاءها، وارغام الاخيرة للركوع الى السياسة الامريكية في المنطقة، مع استبعاد استخدام العنف والقوة تجاهها، لاسباب ، كون ايران( ومن دون الدخول في التفاصيل )، بلد كبير من حيث المساحة والنفوس،وتمتلك النفط، ومستوى الاقتصادي والتنمية الوطنية  فيها جيدة، رغم الحصار المفروض حاليا، ومتطورة عسكريا وتكنلوجيا في المنطقة، ولها مؤسسات سياسية وادارية،كما لها ايضا حلفاء دوليين، وغيرها. لابد التوقع من مجئ النظام الجديد في ايران ضمن هذه المعادلات ، والتوجه نحو حل المشاكل القومية والاقليات فيها، وعلى راسها القضية الكردية، وفتح الحوار مع مقاتلي حزب الحياة الحرة الكردستاني ، ويعرف باختصار- بيجاك PJAK
 ،واقرار حق تقرير المصير لهذا الشعب،وبالحقوق الادارية والثقافية والدينية للاقليات العربية والتركية .والمسيحية، وغيرها.

2- ان دور القيادة الكردية في كردستان العراق، بعد تقوية العامل الذاتي، وتحقيق العامل الموضوعي للسياسة الاستراتيجية المطروحة في الشرق الاوسط الجديد، ممكن اعلانها الاستقلال عن العراق،بعد حل مسالة المناطق المتنازع عليها، وفي مقدمتها مسالة كركوك الغنية بالنفط ، والمناطق الاخرى ضمن خانقين وديالى والموصل(ولاية الموصل القديمة) وضمها الى الرقعة الجغرافية الحالية للاقليم ،وضم اكراد سوريا ايضا والانظمام مع تركيا على شكل كونفيدرالية، بعد حل المسالة الكردية فيها.وهذا الاجراء سيساعد على بقاء العراق عدا الاكراد ،موحدة بين المنطقة الغربية( السنية)، لاتوجود فيها النفط ، وهي فقيرة اقتصاديا حتى البصرة جنوبا( الشيعية) وغنية نسبيا اقتصاديا( النفط والميناء، وغيرها)، يتم هذا التوحيد على اسس حكم علماني بعيدا عن الطائفية والمذهبية والمحاصصات الحزبية الضيقة.

3- ضمن هذه الرؤية الاستراتيجية الامريكية، وتحقيق بيئة جديدة في المنطقة، من المتوقع وفي مدى القريب القادم ، بتحريك  مسالة حل القضية القومية الكردية ضمن الاجزاء الاربعة المنقسم فيها، مع توفير اجواء سياسية ودولية ضمن النظام الجديد، يطرح القضية الكردية على المحافل الدولية لعقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة وبالتعاون من الاطراف المتحالفة مع الكرد، لحل القضية سياسيا وسلميا، واقامة الدولة الكردية في المستقبل المنظور،بعد الاستفتاء الشعب على ذلك.

4- كل هذه التصورات المذكورة اعلاه مرهونة بمدى نجاح هذه السياسة الامريكية وحلفاءها في تحقيق هذا المشروع الكبير. وما هو دور كل من الصين وروسيا والهند،الصاعدة اقتصاديا وسياسيا، وبعض الدول الافريقية والبلدان امريكا اللاتينية، المتعاونة مع هذه البلدان في مجالات السياسية والتنمية الوطنية، والمتوجهة نحو الخلاص من السياسات الامريكية السابقة ، التي لم تجلب لها غير الدمار الاقتصادي والاجتماعي والتخلف  والجرائم، نحو بناء نوع من التوازن الدولي، قد لايسمح لامريكا وحلفاءها من البلدان الاوربية الانفراد بالقرار السياسي في العالم بشكل عام، وفي منطقة الشرق الاوسط بشكل خاص.الجواب برسم النتائج التي تتحقق على ارض الواقع لهذه السياسة في منطقة الشرق الاوسط، وخاصة في حل المسالتين، السورية والايرانية في المنطقة.

5- ولمزيد من التفاصل حول استراتيجية المسالة الكردية، وخاصة العراقية وعلاقتها مع تركيا،تجدونها ضمن هذا الرابط أدناه .
 
http://al-nnas.com/ARTICLE/SKaduri/5mu02.htm


58
الانتخابات الثالثة لمجالس المحافظات المحلية العراقية

د.صباح قدوري

يتوجه الناخبون في 14 محافظة عراقية،الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالس المحافظات، المزمع اجراءها في العشرين من شهر نيسان/ابريل 2013 القادم. باستثناء محافظات اقليم كردستان الثلاث ( اربيل ، سليمانية ، ودهوك) ، بالاضافة الى محافظة كركوك، لايزال وضعها معلق بدون حل لحد الان.
 
بداءت الحملة الانتخابية اعتبارا من بداية هذا الشهر في جميع هذه المحافظات، معبرا عنها بادوات اعلامية وغيرها. ونامل المشاركة الجماهرية الواسعة لهذه الانتخابات، في الوقت الذي يسود الفوضى والانقسام السياسي في الشارع العراقي،وتردي الاوضاع الامنية، واشتداد المظاهرات والاحتجاجات في المحافظات الغربية، مع سوء الاحوال الامنية والاقتصادية  والاجتماعية على عموم العراق، ومنها خاصة المعيشية والخدمية والبطالة والفقر والتخلف.

ان الخطاب السياسي السائد في ادارة البلاد، منذ سقوط  النظام الديكتاتوري السابق في2003 ، وبعد مرور عشر سنوات على ذلك،مبني على ذهنية وفكرة المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية والحزبية الضيقة. استمرار هذا النهج الى يومنا هذا، وتحويله الى الصراع في تقسيم السلطة والنفوذ والفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الحزبية والادارية في الدولة. لقد قادت هذه السياسة العراق الى الجهل والخرافة والفقر والمرض وانتشار الجرائم والارهاب.وشمل كل مرافق الحياة اليومية، ولم يهدأ حتى الان . واصبح اليوم ابناء الشعب العراقي اكثر واعيا ومدركا ، بان الاستمرار في الحالة القائمة بين الاحزاب الطائفية المتنفذة في السلطة ، سيقود البلاد الى تعميق الخلافات وانقسام المجتمع ، وادخال العراق في مأزق كبير يؤدي بنا الى نفق مسدود ، من الصعوبة الخروج منها بدون ثمن باهض. ويهدد في نفس الوقت مستقبل تطور العملية السياسية في العراق ، والى مزيد من الدمار والضحايا، وتدهور الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، ولا يجلب للعراق غير التخلف والانهيار على كافة الصعد، مالم يتم تغيير هذه السياسة ووضعها في جادة الصواب،  بما تخدم بالاساس حقوق ومصالح  جميع ابناء الشعب العراقي دون التفرقة، وفق خصوصية المواطنة والانتماء الى وطن واحد ، مع احترام  خصوصيات وهويات فرعية ، وتحقيق التنمية الاقتصادية ،والتوجه نحو اعادة وبناء الاقتصاد الوطني ، وفق رؤية  واستراتيجية واضحة المعالم والشفافة، واستخدام العقلاني للموارد الاقتصادية، وخاصة النفطية منها لهذا الغرض.
فعليه ان مسالة  تغير المسار السياسي العراقي الى حكم ديمقراطي علماني تعددي فيدرالي موحد ،والخروج من هذا المأزق المعقد ، وما الت اليها الحالة العراقية،هي مسئولية الجميع، ومهمة وطنية غير قابلة للتاجل.

واليوم فان الشعب العراقي امام امتحان عسير في هذه الانتخابات، والمطلوب منه ان يحقق نتائج ايجابية ملموسة،ستكون بداية نقطة الانطلاقة ، قد تساهم في تصحيح المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، ووضعه على طريق الصحيح، بحيث يخدم النظام الديمقراطي الحقيقي ، ويوحد الشعب وفق مبدأ المواطنة والوطنية، ويحترم الاديان والمذاهب والهويات الفرعية لاطياف الشعب العراقي ، وتحقق انجازات تنموية ملموسة ، وتقر بالتعددية السياسية، وتداول السلطة بطريقة سليمية وديمقراطية، وفصل الدين عن الدولة، وبناء دولة مدنية عصرية ، يتحق فيها كافة الحقوق المواطنة ، واستقلال السيادة الوطنية، وانجاز التنمية الوطنية.كل هذه الامور هي من اولويات برامج ومسئولية التيار الديمقراطي العراقي ، والاطراف المتحالفة معه، وفي نفس الوقت هي مهمة ومسئولية وطنية ايضا.

 اليوم ينشط التيار الديمقراطي العراقي ، الذي يعبر عن تطلعات واهداف الحقيقية  لكل اطياف والوان الشعب العراقي على الساحة العراقية . ويلعب ايضا دوره الحقيقي التنويري والوطني في تعبية الجماهير، وخلاص الشعب العراقي من محنته، بعد ان وسع تحالفاته الديمقراطية والوطنية، للخوض في هذه الانتخابات . وايمانا منه بالديمقراطية الحقيقية، وببناء دولة عصرية عابرة للطائفية والعرقية والمذهبية والاثنية والقومية الشوفينية. وبذلك اصبح هذا التيار الخيار الافضل للشعب، وخاصة بعد ان اكتسب المواطن العراقي شئ من الخبرة والحرية والفهم عن وضع العراق، والانتخابات السابقة، التي لم تجلب للعراق غير الدمار والفقر والتخلف، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني.

  ان هذه المعركة الانتخابية ساخنة ومصيرية في المرحلة الراهنة ، تزداد فيها حدة الصراع من اجل رسم  ملامح النظام السياسي والاقتصادي القادم . وتقديم ما هو افضل للمواطن العراقي، الذي يتطلع بكل امل الى التغير المنشود نحو مستقبل احسن ، يتحقق فيه امنيات ابناء شعبنا في عيش الكريم والرفاء والسعادة. وعلى الشعب ان يتبنى ويعلق اماله على مبادئ التيار السامية واهدافه النبيلة، والاطراف المتحالفة معه، وتشجيع الجماهير للمشاركة بحماس في هذه الانتخابات المهمة والمصيرية الى حد ما، وان يحقق الانتصار في هذه المعركة الانتخابية المحلية. ستكون بلاشك نقطة الانطلاقة التالية، وقاعدة متينة لجماهير الشعب العراقي، للتحضيرالى الانتخابات التشريعية القادمة ،والمتوقع اجراءها في السنة القادمة 2014، وتحقيق اماني شعبنا في الانتصارات العظيمة، لبناء عراق جديد بكل معنى للكلمة، وتحقيق مستقبل باهر لهذا الجيل والاجيال القادمة.

فعليه ان التصويت لهذه القائمة وحلفاءها ، يعتبر واجب وشرف ومساهمة كبيرة، في انقاذ العراق وشعبه من محنته هذه ، وارجاع الامن والاستقرار والسلم الاهلي في ارجاء العراق ،وبين مكوناته واطيافه المتنوعة. توجيه المال العام بكل شفافية ومصداقية، وبشكل صحيح وملموس، وبطرق المعرفية في ادارة البلاد، بعيدا عن المحاصصة والطائفية والنعرات الاثنية والقومية المتطرفة، والقضاء على داء الفساد الاداري والمالي، لغرض تحقيق افضل نتائج في التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية الوطنية، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية امام القانون والواجبات والمسئوليات، وفي تقاسم الثروة المالية على كل ابناء الشعب العراقي بدون التفرقة، والقضاء على الفقر والبطالة، ومن اجل بناء عراق الامل والامن والسلام.

59

تفاقم الازمة بين الاطرف المشاركة في العملية السياسية ، والمضحي الاول والاخير ،هو الشعب العراقي

د.صباح قدوري
منذ الانتخابات التشريعية الماضية في سنة 2010 ، واعادة السلطة التنفيذية مرة اخرى الى التحالف الوطني ، بقيادة حزب الدعوة، المتمثل بدولة القانون، وتشكيل الحكومة برئاسه نوري المالكي على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية. مما اخفقت هذه الحكومة وسابقتها في تعاملها مع شركاءها، لتوحيد الخطاب السياسي الحكومي على اسس الديمقراطية  والشراكة الحقيقية ،ولم شمل البيت العراقي وفق معايير المواطنة والوطنية، بل بالعكس ادت النتيجة الى التباعد وعدم الثقة بين الاطراف السياسية المشاركة في الحكم ، وحتى بين أطراف التحالف الوطني نفسه، حيث أن التيار الصدري بين الاونة والاخرى يبدي تأييده لبعض الطروحات والاراء التي تبديها  الاطراف الاخرى المشاركة في الحكومة وخصوصا الكتلة العراقية والكردستانية , مما أدى الى ظهور هذه المناكفات الواضحة في الازمة الاخيرة  .
استمرت هذه الحالة الى يومنا هذا ، مما اسفرت الى تعميق ازمة الثقة بي الاطراف المشاركة في الحكومة، وارتفاع حدة الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي ,  وتدويلها بشكل واضح للعيان  .افتعال المشاكل ووضع العراقيل من قبل الكتل المشاركة في الحكم، واتباع سياسة ديماغوغية والتلاعب بمشاعر ومقدرات الشعب العراقي، وبث الضغائن بين مكوناته، وضرب بعضها ببعض، قد تقود هذه الحالة الى ارجاع العراق مرة اخرى الى المربع الاول، التي قد تؤدي الى نتائج كارثية، واندلاع حرب مذهبية وطائفية وعرقية، او تمزيق وتفكيك العراق الى ولايات وامارات، تحكم وفق المنطق المذهبي والطائفي والاثني، ، هذا ما يشير اليه العامل الذاتي – الداخلي، والمؤيد له بقوة الاجندات الخارجية التي تخطط  لذلك، وفق خارطة الطريق المرسومة للشرق الاوسط الجديد من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وتنفذها كل من قطر والسعودية، وتهرج لها الفضائيتين العربية والجزيرة، وبقيادة تركيا في المنطقة. ومن جهة اخرى التدخل الايراني السافر في شؤون العراق الداخلية منذ سقوط الصنم الى يومنا هذا، بذريعة وحجج  دعم الشعب العراقي ومساعدته سياسيا واقتصاديا ، في بناء نظامه الجديد، وتضامنا معه لطرد المحتل واقامة نظام ولاية الفقيه .
ان انظمة الحكم في العراق منذ تاسيسه ولحد الان كمسالة سياسية موضوعية ، تتاثر باستمرار في العامل الموضوعي في حسم موضوع شكل الحكم ، مع ضعف واضح دائما في العامل الذاتي، الذي من المفروض ان يلعب الدور الرئيسي في هذه العملية ، ويكرس العامل الموضوعي للاستفادة منه لصالح العامل الذاتي.
 
ان اصرار الاحزاب المهيمنة على بقائها في الحكم ، بدل الحوار الحضاري  والمصالحة الحقيقية، مع اشتداد حالة التنافس بينها للانفراد والاستحواث بالسلطة، وتوسيع النفوذ والاستيلاء على المال العام، وعدم اقرار تداولها، اضعف العامل الداخلي، والتجأت كل من الاطراف المنخرطة في الحكم الى التعاون مع الاجندات الاقليمية والدولية المشار اليها انفا، لخلق البلبلة وعدم الاستقرار في العراق. وهكذا تشابك العامل الداخلي مع العامل الخارجي ، مع طغيان تاثيرالاخير على حساب الاول، وبذلك فقدت الاطراف المشاركة في الحكم دورها الايجابي في معالجة الاوضاع التي آلت اليها الحالة العراقية منذ سقوط الديكتاتورية ولحد اليوم ،واصبح اسير العامل الخارجي . فتحاول  كل من حكومات  تركيا وقطر والسعودية، المنفذة للسياسة الامريكية وحلفاءها في المنطقة ، تدويل الحالة العراقية الراهنة اسوة بالحالة السورية , واعطاء مقدمات لاندلاع المجابهات العنفية بين اطرافها، ومن ثم احتوائها ، بهدف اضعاف وافشال تجربة الحكم ، من خلال التدخل المباشر في شؤونها، بشكل يخدم مصالحها، و مصالح الامبريالية والصهيونية في المنطقة، والنتيجة نرى بأن المضحي والخاسر الاول والاخير هو ابناء الشعب العراقي المظلوم.
لقد حان الوقت للقوة السياسية اليسارية والديمقراطية والوطنية العراقية، المنخرطة ضمن مشروع التيار الديمقراطي والوطني ، الذي يعبرعن تطلعات واهداف كل اطياف والوان الشعب العراقي،  ان يتبنى بجدية مطاليب الجماهير الشعبية ،وينهض بمسؤولياته ومهامه امام  خطورة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي  المزري الذي يمر به البلد، واخراجه من هذه الازمة المستفحلة ، ويبادر قبل فوات الاوان، لاعادة الاعتبار والحيوية لتجربة شعبنا في النضال، وان يعود روح المواطنة والوطنية فيه، ووضع العملية السياسية على مسارها الصحيح، على اسس الديمقراطية الحقيقية، والهوية الموحدة ،واحترام الهويات الفرعية، واقرار بكافة حقوقها ومساواتها امام الدستور والقانون، ولتحقيق ذلك يتطلب من هذه التيار النزول الى الشارع العراقي ،وتحشيد الجماهير من كل القوى دون استثناء، وبالتعاون من منظمات المجتمع المدني،وتعبئتها واعدادها للتظاهر سلميا، وتحريكها مرة اخرى باسلوب نضالي صحيح ،والرجوع  الى ساحة التحرير في بغداد وفي مدن اخرى، مطالبا اصلاح النظام وتحقيق مطاليبها الشرعية والعادلة، ،في تحسين الوضع المعيشى، ومعالجة البطالة، وتامين الامن والاستقرار، ،وضمان  واحترام الحريات العامة والخاصة للانسان العراقي ، ضمن وحدة العراق الفيدرالي الحقيقي واستقرارها، ومكافحة الارهاب باشكاله المختلفة ضد الطائفية والمذهبية والاثنية، وعسكرة العراق، وفصل الدين عن السياسة ،  ومحاربة الفساد الاداري والمالي المستشري في كل المرافق الادارية والحزبية الضيقة.
التأكيد على المطالبة باجراء انتخابات تشريعية مبكرة، هوالحل الامثل والدستوري لانقاذ البلد من هذه الازمة الخانقة، وذلك بعد تعديل قانون الانتخابات، وتشريع قانون الاحزاب السياسية، وتضمين سلامة عملية الاقتراع، ونزاهة العملية الانتخابية ، وان تجري تحت اشراف الامم المتحدة ، واجراء التعداد السكاني ، وان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، والمباشرة بالتغيير الموعود لبعض مواد الدستورالذي لم ينفذ لحد الان.
 
على التيار الديمقراطي ان ينهض بمهمته التاريخية ، لانقاذ البلاد من السقوط في الهاوية، التي يخطط لها انصار المحاصصة والطائفية والمذهبية والاثنية ، وبالتعاون مع الاجندات الخارجية ، التي تلعب دورا قذرا ولا أخلاقيا تجاه الشعوب في المنطقة ، وخير مثال على ذلك الحالة السورية، حيث اصبحت سوريا عبارة عن بحيرة من الدماء , والاف الشهداء من الاطفال والشبيبة والشيوخ، والمهجرين، اضافة الى الخسائر المادية، والخراب والفقروالجهل الذي حلّ بالبلد . فهل يلبي التيار الديمقراطي، امال شعبنا العراقي ،ويستقبل هذه المبادرة، من اجل خلاص العراق شعبا ووطننا , من هذه المحن، والابحار به الى شاطئ الامان .... ربما نعيش لنرى ذلك  .
 


60
المؤتمرالأول لهيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق

د.صباح قدوري
انطلاقا من أهمية مبدأ الحوار الحضاري بين أتباع الأديان والمذاهب والثقافات، والذي دعت إليه الهيأة التأسيسية للدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق، باستضافة ورعاية كريمة من فخامة الأخ الأستاذ جلال طالباني رئيس جمهورية العراق، تمَّ عقد المؤتمر الأول لهيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق، وللمدة من  21 - 22 /11/ 2012 ، في مدينة السليمانية/ بإقليم كردستان العراق.

وقد بلغ عدد الشخصيات التي شاركت في هذا المؤتمر، أكثر من 150 مائة وخمسين، (35 شخصية من النساء والرجال من العلماء والفنانين والأدباء والباحثين المختصين بالديانات والسياسيين من دول الشتات العراقي، و70 شخصية من داخل العراق ومن مختلف محافظاته، والى ما يقارب من 50 شخصية عراقية علمية واجتماعية وأدبية وسياسية وثقافية لحضور جلسة افتتاح المؤتمر أو المشاركة فيه، وكان حق الترشيح والتصويت لأعضاء المؤتمر البالغ عددهم بحدود 130 شخصا).


افتتح المؤتمر في قاعة ته لاري هونه ر(  قصر الفن )،  بعرض فليم تسجيلي عن المراسيم والطقوس للديانات في العراق .ثم تتابعت فقرات المؤتمر بكلمة الاستاذ القاضي زهير كاظم عبود ، نائب الامين العام لهيأة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق رحب فيها الحضور الكرام، وأشاد بجهود المسؤولين في اقليم كردستان العراق، بتبني ودعم هذا المؤتمر معنويا وماديا، وبجهود القائمين على تنظيمه، واختيار مدينة السليمانية، العاصمة الثقافية لإقليم كردستان العراق لانعقاد المؤتمر. واشارة الى ضرورة التركيز على نقاشات فعالة ومجدية في محاور المؤتمر، بهدف الخروج بقرارات بناءة  تكون في مستوى الحدث، وبما تساهم في إبعاد مفاهيم وممارسات الإرهاب والعنف والقوة والقسوة من فكر ونشاط أتباع جميع الديانات والمذاهب الدينية ، وتبني وممارسة مفاهيم الاعتراف والقبول المتبادل بالآخر، والتفاعل والتسامح في ما بينها، للدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق.
كلمة فخامة رئيس جمهورية العراق الاستاذ جلال الطالباني، القاها نيابة عن فخامته الاستاذ ملا بختيار مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، والتي شكر فيها المؤتمرين ورحب بهم، وتمنى لهم التوفيق والنجاح، كما شكر سيادته المنظمين للمؤتمر على جهودهم في تنظيم هذا المؤتمر. واشار في كلمته أيضا التى أكدت رفض التطرف الديني، ورفض الإرهاب ومنطلقاته وتبريراته المرضية والدعوة إلى القبول بالآخر والاعتراف به وإعلاء قيم التسامح والتحري عن المشترك بين الاديان، بدلاً من التفتيش عن نقاط الاختلاف والتناحر، والى اشاعة ثقافة التعايش بين أتباع الاديان والمذاهب، ونقل نتائج الحوار الى الجماهير، وان لا تبقى ترفا فكريا بين النخب في الغرف المغلقة.
ثم قدم الاستاذ الدكتور تيسير الآلوسي، تقريرا عن نشاط الهيأة العامة خلال الأعوام المنصرمة. وقد أشار الى أن هيأة  الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق ،هي منظمة مجتمع مدني مستقلة . تعمل وفق نظامها الداخلي. تهدف الى حماية حقوق الأنسان ، وحقوق المواطنة. ورفض كل اشكال التميز بين البشر وأستخدام العنف في حل الخلافات... ادانة جميع اشكال التطرف الديني والطائفي والمذهبي والعرقي... الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية والتضامن معها بالوسائل السلمية الديمقراطية الحوارية... الدعوة الى اشاعة ثقافة التسامح والاعتراف المتبادل. كما تطرق ايضا الى مجمل نشاطات الهياة، التضامنية والاعلامية والاجتماعية والمالية، والمتابعة والتواصل مع الأعضاء ، وأطلاق الموقع الألكتروني للهيأة، والتحضير لهذا المؤتمر.
 اعقبتها  كلمة الاستاذ عماد احمد، نائب رئيس حكومة اقليم كردستان، القاها نيابة عنه ممثله الشخصي الاستاذ محمود القرداغي ، هنا في البداية الحضور بهذه المناسبة ، وتمني للجميع النجاح والموفقية والخروج بقرارات وتوصيات بنائة من اجل تحقيق وضمان حقوق الانسان وممارسة مبداء التعايش السلمي والاقرار بالاخر، واحترام بين اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق ، وعلى اسس المواطنة والوطنية .
كما والقا الاستاذ موسى الخميسي كلمته اشارة الى مكونات الدينية والمذهبية في العراق ، وضرورة احترام حقوق هذه الديانات والنظر اليهم بعين واحد بعيدا عن التفرقة والتميز، والعمل مع البعض على اسس الحوار الحضاري والمساواة ، والابتعاد عن ممارسات العنف والاضطهاد ضدهم ، والتعايش السلمي بينهم ، واحترام حقوق المواطنة، وخاصة للمكونات الاصلية غير المسلمة من المسيحيين والصابئة المندائيين والايزيدني العايشين مع البعض على ارض الرافدين منذ قدم.
قدمت السيدة ممباثارو نونو ديهمو المستشارة السياسية لبعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق ، كلمة رحبت فيها بالحاضرين، واكدت على ضرورة  الاحترام  بين المكونات والاطياف العراقية المتنوعة ، على اسس الديمقراطية والاحترام المتبادل والقبول بالاخر ، والمساهمة الجادة بين هذه المكونات  في بناء عراق ديمقراطي تعددي ، يضمن الحقوق العامة والخاصة للانسان ، وفق ماجاء في الدستور العراقي  وتطبيقه بما يخدم مصلحة الشعب العراقي  على اسس المواطنة والوطنية ، والاهتمام بتطوير البلد وتقدمه وفق استراتيجية شفافة وبنائة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة.

وتضمن جدول أعمال المؤتمر المحاور الرئيسة ، وهي:-

1- الاهمية البالغة للمعايشة الودية بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية على صعيد العراق عبر الاعتراف المتبادل بالحقوق الدينية والمذهبية لكل فرد وجماعة.
2- التطرف الديني والمذهب يقودان إلى الكراهية والاحقاد والعنف بين أتباع الديانات والمذاهب في العراق.
3- التنوير الديني والاجتماعي مهمة أساس وملحة يفترض أن ينهض بها المتنورون من شيوخ الدين ومثقفو البلاد.
4- نماذج من التفاعل والاعتراف المتبادل من جهة والتطرف والعنف من جهة اخرى في تاريخ وتراث العراق في العلاقة بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية.
5- المهمات التي يفترض أن ينهض بها أعضاء هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق
في الفترة القادمة.
6- كيف تعالج المشكلات التي تثار في مجال الإساءة للديانات او أتباع الديانات بشكل عام.

ركزت جميع المحاور المذكورة  في اعلاه ، على رفض مبدأ التطرف والارهاب الديني. والدعوة الى القبول والاعتراف بالآخر. ممارسة مبدأ التسامح وتوسيع الحوار الديمقراطي الحضاري. والتفتيش عن المشتركات بين الاديان والمذاهب والطوائف المتنوعة في المجتمع العراقي، والابتعاد عن نقاط الاختلاف والتناحر. التاكيد على مبدأ فصل الدين عن الدولة . صيانة وضمان حق حرية الانسان في اختيار الدين والمذهب، ومساواته في المواطنة، باعتبارها الهوية الاولى والاساس للمواطنة والمواطن  في جميع مجتمعات العالم. ممارسة الفرد لحقوقه العامة والخاصة كاملة غير منقوصة. وتم التطرق ايضا الى علاقة نماذج التعايش السلمي والاعتراف المتبادل من جهة، وممارسة العنف والتطرف والارهاب من جهة اخرى بين اتباع الديانات والمذاهب الدينية في تراث وتاريخ العراق. كما واكدت معظم هذه المحاور على مهمات ومسؤوليات العمل القادم لاعضاء هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق ،في نشر وعي وثقافة الحوار الحضاري بين جميع اطياف الشعب العراقي والعالم. ويكتسب انعقاد المؤتمر أهمية كبيرة في هذه المرحلة ،اذ يعيش العالم اجمع في وقت ومنعطف خطر، إذ تهدده الانقسامات، والعنف والعَصَبيات التي نتيجتها فتن وتطرف وإرهاب وحروب ودمار.  بلاشك ان تفعيل دور الاعضاء  في ترجمة قرارات وتوصيات المؤتمر، سيعزز الحوار الهادف بين اتباع الاديان والحضارات والثقافات، ما يَمد جسور التواصل بينهم و يساهم في نشر المحبة والسلام الامن والامان في الارض. كما واكد المحاور ايضا الى تطوير وسائل الحوار وتعزيز التواصل بين الاديان والمذاهب والثقافات، يتطلب عملا مؤسسيا مستمرا لنشر قيم التسامح والقبول،عبر اطلاق مبادرات عالمية تحقق نتائج ملموسة في التفاهم بين الشعوب والحضارات المتعددة، ولا بد هنا من التاكيد على دور الشباب في تحقيق النجاح.

وقد جرت مداولات ونقاشات حيوية خلال يومين كاملين بين المشاركين في المؤتمر،على محاور البحوث المشار اليها في أعلاه. ركزت هذه المناقشات والحوارات على أهمية ممارسة مفاهيم الاعتراف والقبول المتبادل بالآخر، والتفاعل والتسامح في ما بينها، ورفض كل اشكال التطرف الديني والمذهبي والأثني والعرقي، ورفض أيضا الارهاب باشكاله المختلفة. الدعوة الى أهمية الحوار الحضاري على اسس الديمقراطية الحقيقية وممارستها  الفعلية في الحياة اليومية. التحري عن المشتركات والتفاهم والقبول بين اطياف مكونات الشعب العراقي ، وإبعاد شبح الحقد والكراهية ونقاط الاختلاف والتناحر في ما بينها. الالتزام بمفهوم المواطنة الحرة والمتساوية ، ورفض التعامل بالهويات الطائفية والمذهبية والأثنية. ضرورة توعية وتعبئة الرأى العام المحلي والاقليمي والدولي دفاعا عن حرية ومساواة أتباع جميع الديانات والمذاهب الدينية، وضد اي اضطهاد أو اجحاف  يتعرضون له . وقد ناقش المؤتمرون ايضا النظام الداخلي، الذي اعد مسودته الاولى من الامانة العامة في وقت سابق، وأجريت التعديلات والاضافات  عليها وأغناء محتوياتها. وتم تشكيل لجنة عن طريق الانتخاب في المؤتمر ، لاعادة النظر في صياغتة ، وأقراره بصيغته النهائية.

وفي اليوم الاخير من المؤتمر ، تم تلاوة البيان الختامي للمؤتمر، الذي كان حصيلة جهود المشاركين ، طوال اليومين الكاملين من العمل المثابر بنشاط  حيوي ونقاشات بناءة وبرؤية واضحة ، لرسم سياسة هيأة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق للمرحلة القادمة، على ضوء ما خلص بها المؤتمرون من القرارات والتوصيات كالاتي:-

1- التأكيد على مكانة الحوار بين أتباع الاديان وانه من ضرورات الحياة، ومن اهم وسائل التعارف والتعاون وتبادل المصالح على جميع المستويات بين جميع البشر.
2- رفض أسلوب الصراع بين الحضارات والثقافات، والتحذير من خطورة الحملات التي تسعى إلى تعميق الخلاف وتقويض السلم والتعايش بين  تنوع الاديان والشعوب.
3- ضرورة نشر السلام واحترام خصوصيات الشعوب، وحقها في الامن والحرية و تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، والتعاون على إشاعتها في المجتمعات، ومعالجة المشكلات التي تحول دون ذلك.
4- الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث والاخطار البيئية التي تحيط بها، مما يسبب الفساد في الارض و الاذى و الهلاك للانسان و الحيوان والنبات والطبيعة.رعاية الاثار والمقامات الدينية وصيانتها ومنع الاستيلاء عليها او اجراء اية تغييرات تتعارض مع هويتها الاصل.
5- الزام جميع دول العالم الاعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة باتباع مبدأ الفصل بين الدين والدولة .وتعتبر المواطنة المتساوية بين جميع المواطنات والمواطنين، هي الهوية الاولى والاساسية للمواطن والمواطنة في جميع دول ومجتمعات العالم.
6- مكافحة القوى التي تبشر بالكراهية القومية والدينية والمذهبية في العراق، والعمل من اجل منع الكتب والنشرات والدعاية الإعلامية التي تؤدي إلى نشر الكراهية والحقد والعدوان والشوفينية والتعصب، وتامين التثقيف بروح المواطنة العراقية المتساوية والمساواة الفعلية بالحقوق والواجبات.
7- اوصى المشاركون في الندوة بتضمين موضوع الحوار بين اتباع الديانات والمذاهب والثقافات ، في المناهج الدراسية ، مع تفعيل دور الاعلام بكافة وسائله بهذا الاتجاه ايضا، وذلك بهدف نشر مبادئ الحوار واثره في المجتمع.
8- التاكيد على ممارسة الاساليب السلمية والديمقراطية  والحوار الحضاري في نهج وسياسة هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق، من خلال الدعوة الى اشاعة ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر، ورفض كل اشكال العنف والقوة في معالجة المشاكل والخلافات والتفرقة  قد تنشاء بين مكونات الشعب العراقي.
9- المطالبة بتشريع قوانين تحرم ظاهرة الاكراه على تغيير الدين والمذهب باي شكل من اشكال الاكراه  والاجبار او القسر.
10- رفع الديانة من هوية الاحوال المدنية وتثبيتها باستمارة التعداد السكاني ، مع مطالبة بسقف زمني لاتمام الاحصاء السكاني العام في العراق.
11- بحث ظاهرة الهجرة والتهجير مع الجهات الوطنية والدولية ، وتشخيص اسبابها ونتائجها ووضع الحلول الجذرية المناسبة لتلك الظاهرة.
12- رصد الجرائم الارهابية والمتطرفة تجاه اتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق، والتصدي لها وحسم هذا الملف واحتواء النتائج ومعالجة اثارها السلبية.

وقد تضمن ايضا خلال اليومين من اعمال المؤتمر ، وذلك بعد انتهاء من الجلسات والبرامج المقررة لهما، بعض فعاليات ونشاطات  ثقافية واجتماعية  والتعارف بين مندوبي المؤتمر والضيوف ، وعقد جلسات حوارية  مع البعض عن تبادل الكلمات والذكريات ومشاعر الود والمحبة والحنين الى الوطن، ومواضيع المؤتمر، وتوقعات العمل القادم لمهام هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق، وسبل تطوير نشاطاتها، وايجاد آليات فعالة وضرورية لتنفيذ المهام التي خرجت بها المؤتمرون من التوصيات والقرارات. دعم ومساندة هذا المؤتمر وانجاحه في تحقيق المهمة الوطنية لوحدة الشعب العراقي ، على اسس الديمقراطية والتقدم وبناء الدولة المدنية وفق مبداء المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية، ويتحقق فيها ايضا التنمية الوطنية والأقتصادية الأجتماعية المستدامة.

وفي ختام اليوم الاخير من المؤتمر، تم فتح باب الترشيح لعضوية هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق، لانتخاب اعضاء المؤتمر الاول للهيأة، وبعد انتهاء عملية الترشيح والتصويت وفرز الاصوات، تحت اشراف لجنة خاصة شكلت لهذا الغرض من داخل المؤتمر وبالتصويت. تم انتخاب حضرات الكرام المدرجة أسمائهم وعدد الاصوات التي حصل عليه كل منهم ، كالاتي:-

1-   الاستاذة نرمين عثمان   
2-   الاستاذ نهاد القاضي     
3-   القاضي زهير كاظم عبود 
4-   د. عقيل الناصري         
5-   د. كاترين ميخايل         
6-   د. تيسير الآلوسي         
7-    الاستاذ كامل زومايا       
8-    الاستاذة راهيبة الخميسي 
9-    الاستاذ جورج منصور     
10- د. صادق البلادي           
11-الاستاذ نور نجدت           

الاعضاء الاحتياط
12- ماجدة الجبوري           
13- مازن لطيف               
ومن منبر المؤتمر  وجهت النداء الى جميع اعضاء ومناصري هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق ،الى تشديد نضالهم وايصال صوتهم الى الجهات المعنية الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، والى الصحافة والاعلام المختلفة ،دفاعا عن الانسان ووقف نزيف الدم في العراق نتيجة للصراعات السياسية والدينية والمذهبية والأثنية. وضمان  المواطنة والمواطن العراقي حياة حرة سعيدة، كريمة ، وحقهم في العقيدة الفكرية والدينية والمذهبية وحقوقه العامة والخاصة، والتعامل معهم بالمساواة على اسس المواطنة ، والعيش بالسلام والامان والرفاء في ظل عراق ديمقراطي حضاري فدرالي موحد، يتحقق فيه التقدم والرقي، وجمع شمل العراقيين على اسس المواطنة والوطنية، وتوحيد الخطاب السياسي، وايلاء بازدهار الاقتصادي ، وتحسين الوضع الاجتماعي، وتطوير الثقافة والمعرفة والعلم، وتامين السلم الاهلي، والسلام  والاستقرار في ربوع الوطن العزيز.

وفي نهاية المؤتمر،اقيمت حفلة فنية فولكلورية، قدمت فيها أغاني عربية وكوردية، ورقصات شعبية.وجرى فيها ايضا تكريم الناشطين في مجال المجتمع المدني والمساهمين في المؤتمر، بهدايا رمزية وتذكارية ، تكريما لجهودهم ومساهمتهم ونشاطاتهم الفعالة في اعمال وانجاح المؤتمر.

وفي الختام عبر المؤتمرون عن أمتنانهم وشكرهم لفخامة رئيس الجمهورية لرعايته المؤتمر، والى حكومة اقليم كردستان العراق لاحتضانها متل هذه المؤتمرات المهمة، التى تنصب في خدمة تطوير وتقدم العراق على الاصعد السياسية ونشر مبادئ  تقوية اواصرالاخوة والتسامح والعمل المشترك ، وتعميق وتوسيع الممارسات الديمقراطية الحقيقية، من خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع في مكونات الشعب العراقي. كما وقدموا شكر  وتقدير عال الى اللجنة التحضيرية عن اعمالها وتحضيراتها وجهودها ونشاطاتها المتنوعة للمؤتمر بالنجاح،وايضا الى جميع المشاركين والحاضرين في المؤتمر .





61
على هامش مناقشة مشروع قانون البني التحتية في البرلمان

د.صباح قدوري
ان السياسة وحدها لا تهب الخبز، اذ لابد من الاخذ بنظرالاعتبار العامل الاقتصادي في الحسابات السياسية.
تتوجه اليوم السياسة الاقتصادية العراقية نحو الليبرالية والانفتاح على الاسواق الخارجية. والانتقال إلى اللامركزية الإدارية في تسيير الاقتصاد، ومنهج التحول إلى اقتصاد السوق.تحتاج تنفيذ هذه السياسة الاقتصادية الى وجود رقابة ادارية ومالية حكومية وشعبية فعالة، حتى لاتنحرف وتتحول الى ظاهرة الفساد المالي والاداري. ولكن في الواقع الملموس ، فقد ساهمت سوء ترجمة تطبيق هذه السياسة في واقع الاقتصادي العراقي، الى تفاقم نظام الفساد المالي والإداري في المؤسسات العامة والخاصة، الحكومية والحزبية، وخاصة بعد الاحتلال في عام 2003.

  انشغل العراق في زمن النظام السابق المقبور، الذي طال امده قرابة 35 سنة، بسياسة الحروب المجنونة والدمار والحصار الاقتصادي والتفرقة ، مما سببت الى تدمير شامل ومبرمج للبني التحتية، مع استمرار هذه السياسة بعد 2003 ،بسبب الاحتلال وزعزعة الوضع الامني، والافتقار الى المعرفة في ادارة الدولة ،والانشغال بسياسة المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، ومعالجة الوضع الامني غير المستقر لحد اليوم. انعدام رؤية شفافة واستراتيجية و/او ايديولوجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وقد بلغت موارد الدولة العراقية من بيع النفط منذ الاحتلال في2003 حتى الان، نحو400 اربعمئة مليار دولار امريكي، لم تستثمر منها الا مبالغ قليلة جدا في تطوير القطاعات الانتاجية ، وخاصة الصناعة والزراعة، ولا في مجالات بناء واعادة بناء البني التحتية، و/او جلب التكنولوجيا المتطورة، ولا في تحسين وتامين الخدمات العامة الضرورية من الصحة والتعليم ومياه للشرب وكهرباء ومشتقات النفط، ولا خطط جادة للقضاء على البطالة الواسعة. وتبديد غالبيتها في مشاريع وسياسات لا علاقة لها بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة. كما جرى نهب عشرات المليارات منها من قبل المحتلين والفاسدين والمافيات على المستويات الادارية والحزبية.

هناك خلل بنيوي في تركيبة الموازنة، وذلك بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الانفاق العام التشغيلي الذي يمثل نسبة اكثر من 70% بينما الانفاق الاستثماري العام لا يشكل إلا ما نسبته 25-30% من مجموع الموازنة. وقد تسببت هذه الحالة في عجز الموازنة عن خلق ديناميكية مطلوبة على مستوى النمو الاقتصادي، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة يحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء وإعادة بناء البنى التحتية، وادخال التكنلوجيا الحديثة، وتاهيل القطاع النفطي والطاقة، والنهوض بالقطاعات الانتاجية ، وفي مقدمتها القطاعين الصناعي والزراعي، وتفعيل التجارة ووضعها بخدمة الخطط التنموية العامة، تمهيدا للانتقال من اقتصاد ريعي الى اقتصاد القيمة المضافة مستقبلا.

ومن خلال بعض الاحصائيات الرسمية الاولية المتواضعة لدينا ( من دون الدخول في التفاصيل)، لابد من التعرف على  بعض ملامح وطبيعة النظام الاقتصادي القائم وميكانزمه ، وهي كالاتي:-
1-   الاقتصاد العراقي الحالي ، هو ريعي يعتمد على النفط . تبلغ نسبة مساهمة القطاع النفطي بحدود 70% من الناتج المحلي الإجمالي. وتشكل عائدات النفط 95% من موارد الميزانية العامة للدولة.
2-   غلبة طابع النشاط الاقتصادي الاستهلاكي، على النشاط الانتاجي، وخاصة الصناعي والزراعي،والخلل والقصور في البني التحتية لهما، الامر الذي يساهم في خلخلة إمكانات خلق التراكم الراسمالي للاقتصاد في المدى المنظور.
3- احتل العراق على وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية2011، المرتبة الثالثة في العالم بعد الصومال وافغانستان، في تفشي نظام الفساد الإداري والمالي فيها، وتفاقم حددته بعد الاحتلال عام 2003.
4- حسب التقرير الصادر من الامم المتحدة فان نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 23%. ونسبة البطالة بحدود 20%، وخاصة في صفوف الشبيبة والخريجين والنساء. كما ان نسبة التضخم فوق 5%.
5- التردي المريع المتفاقم للخدمات كافة، البلدية والصحة والتعليم وغيرها.
6- ضعف واضح في اداء التشريعات المالية والنظام الضريبي وقانون الاستثمارات، والمؤسسات المالية وعلى راسها البنوك، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية.
7- الانفتاح غير المنضبط على اقتصاد السوق، وهو نهج السياسة الاقتصادية الحالية المفروضة على العراق من المؤسسات المالية الدولية (الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية). وضعف اداء القطاع العام، وخاصة في عملية إعادة البناء (البني التحتية، وإدخال التكنلوجيا الحديثة، والخدمات الاساسية).كما ان اداء القطاع الخاص المحلي ضعيف أيضا.
8- وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الاسواق والاسعار باشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية، مع غياب وانعدام المحاسبة والشفافية على الصعيدين الاداري وغيره، مما ساهمت في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي، وانقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء، مسببا تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة في قمة الهرم الحزبي والاداري العام، وهي التي تسيطر على الميول الاقتصادية ورسم الاتجاهات العامة المعمول بها.

ان التاكيد على انجاز مسودة قانون البني التحتية واقراره في البرلمان، يتطلب من البرلمانيين استقباله واعارة اهمية استثنائية له، والمساهمة الجادة في مناقشته واغنائه بمقترحات بناءة، يجب ان تنصب في خدمة بلورة الرؤية الواضحة والشفافة في تبني استراتيجية عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، بدلا من طرح بعض مواضيع من بعض البرلمانيين بهدف افشال تفعيل هذه المسالة المهمة في البرلمان، ومنها خاصة الوضع الامني غير المستقر، وهو عامل يؤثر بلا شك على مجمل الحالة العراقية، ومنها ايضا في عملية التطوير وازدهار الاقتصادي ، وهذا لا يمنع من ايجاد معالجات وحلول موضوعية للوضع الاقتصادي المزري الذي يمر به العراق اليوم. ان العملية السياسية منذ 2003 ولحد اليوم لم تقدم للمواطن العراقي،الا قليل جدا من المنجزات الاقتصادية ، خاصة في مجال الخدمي من الصحة والتعليم والسكن ،وتخفيف حدة الفقر والبطالة، واعادة بناء البني التحتية، ورفع مستوى المعاشي للمواطن العراقي.

وعلى ضوء المعطيات السابقة، نرى اليوم بان العراق بحاجة ماسة الى تبني استراتيجية واضحة المعالم وشفافة لتفعيل الاقتصاد العراقي ، والتصور في افاق تطوره المستقبلي ، وذلك من خلال اجراء اصلاحات وتغيرات جذرية في البنية الهيكلية لهذا القطاع ، الذي يعد عصب الحياة للعراق الحالي والمستقبلي.، وكالاتي:-

1-   تفعيل دور الحكومي في الاقتصاد ، وخاصة في عملية اعادة وبناء البني التحتية الاساسية، في مجالات التعليم  بمراحلها المختلفة ،والصحة،والنقل والمواصلات والاتصالات،والماء والكهرباء، وفي مجال الطاقة والتكنولوجيا الحديثة.
2-   تنمية القوى البشرية المتطورة وذات الخبرة اللازمة في العملية الانتاجية.
3-    الاهتمام بتاهيل القطاع النفطي من مراحل الاستكشاف والانتاج والصناعة، وعلى اسس عقود الخدمة، وليست المشاركة، وباسعار قياسية عالمية ، وبجودة  وبمزيد من الشفافية العالية.
4-   اعادة النظر في قانون الاستثمار ومنح متحفزات اكثر لمساهمة القطاع الخاص المحلي في العملية الاقتصادية ، من الديون بفوائد منخفضة، تقديم بعض مساعدات اللوجستية اللازمة، الاعفاءات الضريبية لمدة زمنية معينة ، اعطاء فرصة للمساهمة في تقديم العطاءات.اعادة نظر في الضرائب والرسوم الكمركية ، وزيادتها على السلع والخدمات المستوردة ، والتي ممكن انتاجها محليا ، وذلك لحماية الانتاج الوطني من المنافسة الاجنبية.
5-   يجب التاكيد في مشروع قانون البني التحتية على حجم التخصيص لكل مناطق/الاقاليم ،بحيث ان يكون مناسبا مع الكثافة السكانية ودرجة الحرمان، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد.
6-   الاهتمام بمواضيع حماية البئة ، من خلال عملية التنمية المستدامة.
7-   ضرورة اجراء الاحصاء السكاني في اقرب فرصة ممكنة ، لما له من اهمية كبيرة في عملية التخطيط ورسم الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة.
8-   ضرورة تاهيل قطاع النفط والعاز مما يساعد على رفع الانتاجية والطاقة الانتاجية لهذا القطاع، وخاصة ان سعر بيع البرميل من نفط الخام  يتراوح اليوم عن 100 دولا ، وهوسعر جيد ، يمكن ان يستمر الى فترة طويلة ، وذلك بسبب الاوضاع غير المستقر في المنطقة، ولقدوم فصل الشتاء ،حيت يزداد عادة الطلب على الوقود، وامكانية زيادة عرض النفط للبيع  تكون محدودة نسبيا في الوقت الحاضر، مما يساعد على رفع السعر دون تدنيه. ففي هذه الحالة تكون للعراق امكانية مالية احسن. وعليه ممكن تخصيص مبالغ كافية لتنفيذ المشاريع الخاصة في اعادة وبناء البني التحتية  في مجالات المذكورة في الفقرة الاولى المشار اليها اعلاه ، بدلا من الالتجاء الى طريقة التنفيذ بالآجل ، وتراكم الديون ، وما يتنج عنها من الفوائد عالية وصعوبات ادارية وقانونية وحسابية ، التي قد تنشأ مع الشركات المتنفذه مستقبلا.هذا بالاضافة الى وجود مدور من الموازنات السابقة للوزارات والمحافظات على خطة الميزانية الاستثمارية لوزارة التخطيط ، ولم تنفذ ، وتقدر بحدود 70 مليار دولار ، في حين ان قيمة الاستثمارات المطلوبة في المرحلة الحالية ، يقارب 40 مليارد دولار ، بعد ان كانت 17 ملياردا في مشروع القانون السابق.

وختاما ان الاقتصاد العراقي  بامس الحاجة الى تفعليه ، ويحتاج الى تبني استراتيجية واضحة وشفافة في بناء البني التحتية المتخلفة لعموم الهيكل الاقتصادي في العراق. واهمية البني التحتية تكمن، في كونها الركيزة الاساسية  الفعلية والضرورية ، لتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة . وتساعدعلى فتح ابواب لدخول الاستثمارات ، وجلب التكنولوجيا الحديثة في المرحلة الراهنة، والى تبني سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة لتحقيق مؤشرات نمو اقتصادية ترتقي الى معدل النمو السكاني والرفاه الاقتصادي والاجتماعي ، والانفتاح الذي تصبو اليه شرائح المجتمع المختلفة ،بما يضمن نسبة اعلى من النمو ، وبما يحقق توافر سلع وخدمات استهلاكية للاسواق واسعار فاحشة بشدة ،ونوعيات رديئة لمثل هذه السلع من حاجات الفرد الضرورية، كالماء والكهرباء والوقود والادوية والمنتوجات الزراعية والحيوانية وغيرها.





62
استمرارية الاجتياح التركي داخل اراضي اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

بعد تحويل الدور الايراني من خدمة تنفيذ السياسة الامريكية وحلفاءها في المنطقة، الى المواجهة والعداء ضدها، على اثر انهيار حكم الشاه ، وانتصار الثورة الايرانية في عام 1979 من القرن السابق. تحول اهتمام الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها على تركيا، باعتبارها قاعدة متقدمة  شبيهة بايران قبل الثورة ، من حيث القوة البشرية ، وقربها من العالم الاسلامي، وعضومهم في حلف الناتو، وترتبط بمعاهدات عسكرية مع امريكا، ولها قواعد برية على اراضيها لتهديد البلدان المجاورة، ولاهميتها جغرافيا لكونها بوابة تفتح عل الجمهوريات القريبة من الروسية الاتحادية وعلى بحر الاسود، ولها علاقة الصداقة والتعاون الاقتصادي مع اسرائيل ، وبذلك لها اهمية استراتيجية لتلعب دورها الرئيسي في منطقة الخليج والشرق الاوسط.واليوم كل من الناتو والولايات المتحدة الامريكية تدعمان الدور تركي وتعزيزه، كي تقوم بواجباتها  لتنفيذ المخططات الامريكية وحلفاءها، وحماية مصالحها المتنامية في المنطقة.

لعبت تركيا دور الشرطي على الاتحاد السوفيتي السابق ، ابان الحرب الباردة. وتحررت الان من ردعه وصارت اكثر حرية في تصرفها مع جيرانها وعلى عموم الدول العربية  وفي منطقة الشرق الاوسط ، لتنفيذ السياسة الامريكية  وحماية مصالحا السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، وانتفاعها الاقتصادي مع الدول في المنطقة، وعلى حساب زعزة امنها وتهديدها بالحرب والدخول السافر في شؤونها الداخلية. كما نلاحظها اليوم  في سياستها تجاه سوريا، وقبلها مع بقية بلدان العربية التي تجري فيها تغيرات لصالح هيمنة قوة الاسلام السياسي والسلفي على الحكم في هذه البلدان ، وبالتعاون مع الدول الخليجية ، وعلى راسها المملكة السعودية وقطر.ويقوم حكام تركيا اليوم  بابرازهويتهم للغرب، بان تركيا علمانية ظاهرا، بهدف انضمامها الى الوحدة الاوربية، ولكن تحاول وبشتى الطرق ايضا ابراز هويتها الاصولية الاسلامية في المنطقة، تحت اسم حزب العدالة والتنمية، وهي شبيهة اومطابقة  الى حد ما لهوية الاخوان المسلمين في المنطقة العربية ، والتي تاخذ اسماءا مشابهة لها ، مثل الحرية والعدالة في مصر، والنهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب وغيرها من المسميات.

منذ ثمانينيات القرن الماضي ، اصبحت مناطق كردستان تركيا مسرحا للمناورات العسكرية من النظام التركي، ولحد اليوم.وخلال المناورات العسكرية التي جرت في منطقة باطمان في ولاية ملاطية من كردستان تركيا، امام سكانها  ،تم تدمير احدى قرى بكاملها بعد اجلاء سكانها الى مناطق اخرى. وتنفيذ حكم الاعدام باحد الاكراد المناضلين من الفصائل المحاربة للنظام التركي، رميا بالرصاص وامام جمهرة في ديار بكر، وذلك  لترهيبهم، نقلا عن كتاب ( تركيا في الاستراتيجية الامريكية بعد سقوط الشاه، للكاتب د. جرجيس حسن) ، والكاتب مستند على مجلة الهدف 21 تشرين الثاني/1981 العدد 563. ان الشوفينية التركية منذ العهد العثماني ، مرورا بعهد اتاتورك، واليوم في عهد حكومة اردوغان الاسلامية ، العدالة والتنمية ، كلها تحمل مفاهيم العرق مخلوطا بالدين السياسي ضد الشعوب الاخرى ، وخاصة تجاه الشعب الكردي والارمن في حينه . ان احلام تركيا التوسعية لا تقف عند بحر ايجة اوغرب بلقان ، بل تندفع اكثر نحو مناطق حلب وكركوك والموصل . وتخطط لها المشاريع بالتنسيق مع حلفها الاكبر امريكا  لتحقيق ذلك.واليوم يوكد احمد داود اوغلو وزير خارجية تركيا  في جولاته المكوكية للبلدان العربية وفي زيارته الاخيرة الى كركوك على  هذه المسالة.

ومنذ ايار/ مارس  1983 وبالتنسيق مع النظام السابق في العراق ، دخل الجيش التركي بعمق في الاراضي العراقية لقصف المناطق الكردية، ففي البداية لمسافة 5 خمسة كيلومترات ولفترة قصيرة ، وازدادت هذه المسافة الى 20عشرين كيلو مترا، قبل سقوط النظام، والى اكثر من ذلك بعد السقوط في2003 ،وذلك بذريعة محاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، واعتباره منظمة ارهابية لا تمثل مصالح حقوق الشعب الكردي في نضاله العادل،رغم محاولة الحزب مرارا  بايجاد حل للقضية بالطرق السلمية ، والمشاركة بالعملية السياسية والعودة الى تركيا، ولكن اصرار تركيا دائما بحلها عسكريا، واستمرارها في قصف القرى والقصبات الكردية وبالتنسيق تارة مع ايران داخل الاراضي العراقية ،وحتى يومنا هذا .

ان وجهة نظر تركيا هذه تجاه القضية الكردية الموجودة فعلا، والتي فرضت نفسها كظاهرة قومية اجتماعية سياسية موضوعية، لا يمكن ان تقدم اي حل واقعي لها ، ولايمكن ان تخدم الشعب التركي ولا الشعب الكردي . ان الخيار الوحيد امام حكام تركيا ،الذين يحلمون منذ فترة طويلة للانضمام الى الوحدة الاوربية ، وتعميق علاقتها الاقتصادية مع الاكراد في كردستان العراق،وحسن الجوار مع العراق الجديد ، ان تقوم باجراء بعض الاصلاحات السياسية والاجتماعية في بلدها ، وخاصة ما يتعلق بحقوق الانسان وانتقال مركز قرارات السلطة ، الذي لايزال هو فعليا في الجيش الى المؤسسات المدنية ، بحيث تتفاعل مع الاوضاع الاقليمية والدولية ، انطلاقا من المنظور العصري ، الذي يستند على توسيع القاعدة الديمقراطية في المنطقة ،واحترام الشرعية الدولية ، وخلق الاسس لانبثاق ارضية صحيحة، مبنية على الحوار الحضاري مع القيادة الكردية، وايجاد حلول سلمية للمنازعات الداخلية والاقليمية ، والاقرار بمبداء حق تقرير المصير للشعوب، ومنها القضية الكردية العادلة.

واليوم بدلا من ان تتبع تركيا  مبداء الحوار الديمقراطي في معالجة القضية الكردية الملتهبة فيها ، وايجا د الحلول الصحيحة لها ، اذ تحاول من خلال البوابة الاقتصادية ، ان تجر القيادة الكوردية في اقليم كردستان العراق ، للدخول في المشاكل السياسية التي تعم المنطقة ، وخاصة في الوضع السوري الملتهب ، ودفعهم لتعميق المشاكل الموجودة بين الاقليم والحكومة المركزية، والتدخل في شان مدينة كركوك ، وهم بغنى عنها، من جهة اخرى تستمر في نهجها الشوفيني تجاه الشعب الكردي،  وفي قصف قرى وقصبات كردية امنة في اقليم كردستان العراق ، وتهدف من هذه السياسة الديماغوغية اللعينة ،الاجهاض على كل المكتسبات المتحققة للشعب الكردي  في العراق ، والتي تحققت بفضل نضالات الشعب الكردي الدؤوبة ، منذ الثورات الكردية مرورا بالانتفاضة المجيدة في 1991 وحتى اليوم . وبمؤازرة من القوة الوطنية والديمقراطية  الداعمة  لهذه المكتسبات، بما فيه حق اقرار مبداء تقرير المصير لهذا الشعب في كل اجزاء الكردستان المجزئة.

ان ضعف السلطة المركزية في بغداد، والانشغال بالمشاكل السياسية والامنية الداخلية، وكذلك ضعف القدرة في الاقليم ومشاكله الداخلية ومع الحكومة الاتحادية، وعجزالحكومة الاتحادية عن حماية حدودها مع تركيا.  يتم استثمارها من قبل تركيا في ادعاءها وباستمرار لمدينة الموصل ،ومطالبتها بحماية المنشات النفطية في كركوك، وخط انابيب نفط المار باراضي تركيا عبر الحدود المتاخمة مع اقليم كردستان ،ومنح نفسها حق الوصاية على تركمان العراق، بالاضافة الى خلق مشكلة المياه الاقليمية مع العراق وسوريا ، وفق مفهوم السيادة الكاملة لدولة المنبع. اذ تعتبر الرافدين نهرين تركيين عابرين للحدود ، رغم انهما نهران دوليان، كذلك لتركيا الان مصالح اقتصادية هامة مع العراق وفي الاقليم، والمتمثلة بتسويق النفط عبر اراضيها، بصادراتها للبضائع المتنوعة للعراق، حيث بلغ حجم العلاقة التجارية معها الى حوالي 4 مليار دولار ، بعد سقوط النظام السابق، والحصول على النفط باسعار تفضيلية،وتحاول في تصعيد العلاقة بين الاقليم والحكومة المركزية، وتعميق المشاكل بينهما، من اجل خلق ما يسمى ب
( حزام امن ) لنفسها داخل الاراضي العراقية، يكون تحت سيطرتها ، في سبيل حماية ومحافظة مصالحها الاقتصادية الاساسية، ومصالح حلفاءها في المنطقة.

على القيادة الكردية في كردستان العراق ان تتفهم وتدرك جيدا ، بان الاوضاع الراهنة في المنطقة  ملتهبة وبالغة التعقيد . تحتاج قراءتها الى الدقة والمعرفة السياسية .. ومجابهتها بهدوء وبمنطق العقل والحكمة ، وعدم انجرافها في هذه اللعبة الدولية المخطط لها من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، لاعادة تشكيل الشرق الاوسط الجديد، وتنفيذها عن طريق تركيا وبالتعاون مع الدول الخليجية، وخاصة السعودية وقطر. الاستفادة من التجارب والخبرات السابقة، وتكريسها في تقوية العامل الذاتي ،مع الاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي،والتاكيد على توحيد ورص الصفوف، والتعميق في الروية  والنظر اليها من جميع جوانبها ، وتوسيع مبداء الحوار الديمقراطي  في حل المعضلات المهمة والمصيرية ، وزجها  في خدمة تقدم مسيرة الفيدرالية،وتثبيت وتعميق مكتسباتها،وتطوير افاقها المستقبلية.





63


ماهي الاستراتيجية التي تربط كردستان العراق بحكومة اوردوغان؟!
 
د.صباح قدوري
 
لاتزال القضية الكردية،هي من احدى المسائل المعلقة في الشرق الاوسط ، وغير مطروحة  في المحافل الدولية كقضية سياسية يجب حلها في المستقبل المنظور، وتاتي بعد القضية الفلسطينية الغير محلولة ايضا . كما وان التعامل مع هذه القضية حتى الان، يتميز بطابع انساني اكثر من سياسي. تتحرك هذه القضية باستمرار بين العاملين الداخلي والخارجي، والبارز فيها دائما هو ان العامل الاخير اكثر تاثيرا وفعالا من العامل الاول في عملية اتخاذ القرارات. ومن المفروض الربط بينهما ، مع ايجاد نوع من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المصيرية، الذي يعطي زخما في تطورهذه القضية باتجاه سليم ويبعدها عن المخاطر والاخفاقات ، مع التاكيد على ان العامل الذاتي يجب ان يلعب الدورالرئيسي وفعال في هذه القضية.
 
ان الطابع القومي لكردستان العراق والاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، وبث الوعي لدى الجماهير الكردية لتاخذ قضيتها بيدها ، وعلى اثر الانتفاضة  المجيدة في اذار/1991 ،التي مهدت الطريق امام هذا الشعب الى تطوير هذه القضية والتعبير عنها بصيغة النظام الفيدرالي ،كتعبير عملي عن حق في تقرير المصير ضمن هذه المرحلة . ويمكن ان تاخذ اشكالا اخرى متطورة عبر سيرورة تطبيقها وممارستها بشكل صحيح على اسس الديمقراطية الحقيقية ، ورفع المستوى الثقافي والوعي لدى الجماهير الكردية صاحبة القرار النهائي في هذه العملية.
 
منذ بداية اقرار الدستور العراقي في 2005 ، ظهرت اشكاليات في تفسير وتطبيق بنود هذا الدستور، وتحولت فيما بعد الى مشاكل بين اقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية ،حول النفط ، وتطبيق الدستور لمفهوم الفيدرالية، وخاصة المادة 140منه، وتقاسم السلطة والموارد المالية (حصة الاقليم من الميزانية) ، ومسالة البشمركة،واخيرا عدم تنفيذ اتفاق اربيل.على اثر ذلك نشبت ازمة الثقة بين الاقليم والحكومة الاتحادية، وتفاقمت الازمة منذ اشهر عندما وجه رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، انتقادات شديدة الى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، واتهامه بالدكتاتور، قبل الاقدام الى سحب الثقة عنه، بالتعاون مع القائمة العراقية والتيار الصدري، الذي تراجع فيما بعد، ومجموعة من النواب المستقلين. مع استمرار اصرار حكومة الاقليم والقائمة العراقية  لحد الان على سحب الثقة من المالكي .
 
ان خارطة الطريق المرسومة من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في الاتحاد  الاوربي، وبالتعاون مع بعض الدول الاقليمية في المنطقة ( السعودية وقطر وبلدان الخليجية الاخرى وتركيا)، هي لاعادة ترتيب الشرق الاوسط الجديد، بحيث يضمن  لامريكا وحلفاءها مصالحهم الاقتصادية  النفطية والاستثمارية بدرجة اساسية ، وضمان صيانة سلام وامن واستقرار اسرائيل في المنطقة، و ايضا في انتفاع تركيا اقتصاديا وابراز دورها  في القرارالسياسي للمنطقة.
 
ما يحدث اليوم من الاوضاع السياسية المعقدة في المنطقة، وخاصة في البلدان العربية ، نتيجة تنفيذ سياسات خارطة الطريق الامريكية ، وعلى اثرها نشبت الحروب والفوضى وزعزعة استقرار المنطقة ، ناهيك عن الضحايا البشرية فيها ، والتي قد تصل لحد الان الى ما يقارب من مليون، منذ غزو العراق واحتلاله في 2003 . وقد تسببت  هذه الحالة الى مزيد من التخلف والخراب وتفاقم عدد الضحايا في هذه المنطقة مستقبلا، مع تكبدها خسائرمادية وبشرية كبيرة، وانعكاساتها الكارثية على الجيل الحالي والاجيال القادمة، وتفريغ  فحوى ثورات ( الربيع العربي) تدريجيا من محتوها الديمقراطي الحقيقي، وفي تحقيق مطاليب اوسع الجماهير وخاصة الفقيرة منها ، وتامين الاستقرار والتقدم  والازدهارالاقتصادي والسلم الاجتماعي والاهلي، وتحقيق مبدا العدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق والحريات العامة والخاصة لشعوبها.
 
لقد جاء الوقت لدفع الاكراد ، وخاصة اكراد العراق ليلعبوا دورهم في هذه الخارطة ، وابراز الجانب السياسي في قضيتهم على اساس تطوير الصيغة الفيدرالية الحالية ضمن العراق الموحد، الى صيغة الاستقلال او/كونفيدرالية مع تركيا.وبالتاكيد ترحب تركيا بذلك، طمعا بنفط وغاز كردستان العراق ، وخاصة في كركوك ، وعلى حساب قمع الشعب الكردي فيها، وممارسة السياسة الشوفينية تجاه. والتي هي من الدول الاقليمية،التي تعتبر القضية الكردية فيها ملتهبة اكثر من غيرها، وتتنكر اصلا لوجود شعب كردي فيها وقوامه اكثر من  20 مليون نسمة، يناضل من اجل حق تقرير المصير واختيار العلاقة والارادة الحرة والرغبة في العيش مع شعوب تلك الدول، مع استمرار القصف التركي للقرى الكردية داخل الاراضي العراقية، بذريعة محاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، واعتبارها منظمة ارهابية لا تمثل مصالح حقوق الشعب الكردي في نضالها العادل.
 
ان دخول تركيا لتنفيذ السياسات المرسومة لهذه الخارطة في المنطقة واضحة للعيان وخاصة في الوضع السوري الراهن، وبالتعاون مع المملكة العربية السعودية وقطر. ودخولها مع اكراد العراق، وخاصة بعد الغزو الامريكي في 2003 من بوابة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاقليم في مجالات البناء والخدمات في البداية ، ومن ثم الى تنامي وتقوية هذه العلاقة ، واصبحت متينة من خلال شركات النفط المتعددة العاملة في الاقليم ، ومشاركة تركيا في راسمال بعض منها عن طريق امتلاكها للاسهم فيها ، بالاضافة الى مشاركتها في الانتاج.ومحاولة تسويق نفط وغاز كردستان العراق عبر خط (نابوكو- روسيا)، تريده تركيا ان يمرعبرها من (اذربينجان وليس ايران) ، وكذلك خط الغاز العربي ، ومن هذين الخطين الى النمسا ،المركز التجميعي لطاقة النفط والغاز، ومنها توزيعه الى بلدان الوحدة الاوربية، بدل ان يمر خط ( نابوكو) من ايران عبر العراق الى سوريا مباشرة ، ولكن خارج حدود جغرافية اقليم كردستان العراق، ومنها الى دول الاتحاد الاوربي. هذا ما تنوي تحقيقه حكومة المالكي نيابة عن ايران.
 
ان الزيارة المكوكية لوزيرخارجية تركيا احمد داود اغلو الاخيرة الى اقليم كردستان ومنه الى مدينة كركوك، ما هي الى التاكيد والاطمئنان على تنفيذ السياسات الامريكية والبلدان الخليجية ، وخاصة السعودية وقطر، بالدقة وفق خارطة الطريق المرسومة للشرق الاوسط الجديد، وبالتنسيق مع حكومة اقليم كردستان العراق بهذا الخصوص،مع تباين واضح في موقف الاحزاب السياسية الكردستانية، وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني في الرؤية وايجاد الحلول لمعالجة الاوضاع الداخلية في الاقليم والعلاقة مع الحكومة الاتحادية، والازمة السياسية العراقية،مما قد يتسبب في تعميق الخلافات داخل الاقليم، ومن المحتمل ايضا ان ينفرط التحالف الاستراتيجي مع حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني،ووصول هذه الخلافات الى قواعد الحزبين الحاكمين.
 
ان تباين موقف الاطراف المناديه لسحب الثقة من المالكي، وكذلك من الموقف تجاه سوريا ، ومسألة تسويق النفط عبر خط (نابوكو)، وخط الغاز العربي الى دول الاتحاد الاوربي، وعقود تراخيص النفط للشركات المستثمرة في الحكومة الاتحادية واقليم كردستان العراق ، وفي مقدمتها اكسون موبيل وشيل وتوتال ودانا غاز وغيرها، لقد ادت الى ظهور استقطابات في هذه المواقف للاطراف السياسية المشاركة في الحكومة الاتحادية ، وتحويلها الى ازمة سياسية حقيقية معقدة ، لايمكن الخروج منها بسهولة ،الا عن طريق توسيع الحوارات، ووضع مصلحة العراق قبل كل اعتبارات ، و ضمان محافظة وتطويرالمكتسبات المتحققة للشعب الكردي في الاقليم ، وكذلك القوميات الاخرى واطياف الشعب العراقي عامة .
 
 التوجه نحو الحل الديمقراطي والدستوري في معالجة الاشكاليات، وتخفيف حدة التوترات والتهديدات بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية. تقديم الانتخابات التشريعية، واجراء الانتخابات المحلية في موعدها، بعد تعديل بعض بنود الدستور، واقرار قانون ديمقراطي للاحزاب،وتعديل قانون الانتخابات، واعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، انجاز عملية الاحصاء السكاني على عموم العراق، وهي مهمات البرلماني الحالي، يجب انجازها قبل المغادرة.
 
الحد من التدخلات الاقليمية السافرة والمباشرة،ومنها ايضا ايران في شؤون سياسية العراق الداخلية والاقليم. والاستفادة العقلانية من العامل الخارجي/ الموضوعي في بناء عراق جديد بمعنى الكلمة. ولتحقيق ذلك لابد للشعب بان يقول كلمته، ويجد حلول جذرية للازمة الراهنة ، ووضع البلاد على المسارالصحيح، يتحقق فيه الامن والاستقرار والتقدم والبناء والازدهار والعيش السعيد.
 
وختاما اتمنى من القيادة الكردية في كردستان العراق ، ان تاخذ الحيطة والحذر من تدخلات الاقليمية  الدائرة حاليا في المنطقة ، وتلعب كل من ايران على صراع مع جبهة تركيا والسعودية وقطر  في هذه المسالة ، وكل طرف من هذه الاطراف يحاول تقديم بعض اغراءات سياسية واقتصادية للقيادة الكردية ، وجرها الى اتوان هذا الصراع. على القيادة ايضا ان تستفاد من التجارب السابقة ، التي لم تجلب للشعب الكردي غير الدمار والويلات. وتتبادر فورا الى توحيد الخطاب السياسي ، ولم شمل البيت الكردي،  وتقوية العامل الداخلي، والاستفادة العقلانية من العامل الخارجي، والتفهم لمسالة حق تقرير المصير لهذا الشعب، وايجاد الصيغة العملية الملائمة وفي الوقت المناسب للتعبيرعنه.


64
جامعة ابن رشد، بين البناء والتطوير

*د.صباح قدوري


لقد مرت أربع سنوات منذ تأسيس جامعة ابن رشد في هولندا. ففي البداية انطلق هذا الصرح الاكاديمي باسم المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية. وبمؤازرة ودعم عشرات من أبرز الكفاءات العلمية والأساتذة المرموقين من البلدان المختلفة، بما فيها العراق، تم اتخاذ القرار لتوسيع هذا المعهد وجعله جامعة تتضمن، كلا من الكليات الآتية:  إدارة الأعمال،  القانون والسياسة، الإعلام،  الفنون،  الآداب،  اللغة العربية،  مع  الدراسات العليا  بمختلف هذه التخصصات. واتخذت تسمية ))جامعة ابن رشد(( واسمها اللاتيني ((Averroes University))


والدراسة في جامعة ابن رشد تتم باللغة العربية مع استخدام اللغة الانكليزية  حيثما دعت الضرورة وتوسيعا للصلات المعرفية بمصادرها المتنوعة والأكثر حداثة. ونظام التعليم في جامعة ابن رشد هو نظام التعليم عن بُعد أو نظام التعليم الألكتروني  .E-learning


ومنذ تأسيس هذه الجامعة في عام 2008،انخرط في صفوفها عشرات من الأساتذة الكفوئين والقديرين من  بلدان العالم المختلفة ومن العراق، ليقدموا خدماتهم وعلومهم وأبحاثهم العلمية حيث العمل يجري تعاونيا تطوعيا في هذه الجامعة لمدى مرحلي.


ولقد استطاعت جامعة ابن رشد وبمدة قصيرة من الزمن، الشروع بجهود البناء سوية، وأن نشترك جميعا من أساتذة وإداريين وطلبة في تحويل هذا المشروع الحيوي الى صورته الأنضج والأكثر موضوعية وفائدة عامة للجميع، وتثبيت أركانها الأساس، والانتقال بالجامعة إلى مرحلة البناء والتطوير. حيث هذا البيت المعرفي يؤكد العلاقات المشتركة وتعاضده وتعاونه مع جميع الاطراف، بهدف الدفع بعجلتها إلى الأمام خدمة للطلبة الأعزاء والأساتذة الكرام.


تم بناء الهيكلية الإدارية والأكاديمية لرئاسة الجامعة وعمادة الكليات. وإطلاق موقع للجامعة على الانترنيت، والافصاح بكل شفافية ووضوح عن أهداف الجامعة وآليات عملها، جسّد هذا الدليل الجامعي، وتم نشر القوانين واللوائح، الإدارية والعلمية والمالية، وتركيب الكليات وأقسامها المختلفة، وتوصيف البرامج التدريسية للمراحل الدراسية الجامعية الأولية وللدراسات العليا، والشروع بتطوير المكتبة الالكترونية، والمعلومات الأساس وتلك اللازمة لتسهيل عملية التسجيل، والمحددات المطلوبة لقبول الطالب في الجامعة وغيرها من معلومات جرى وضعها على الموقع الرسمي للجامعة.


 وخلال فترة وجيزة من عمر الجامعة، ظهرت الحاجة إلى الاهتمام الجدي بنشر البحوث العلمية، وقد بادر الاساتذة الكرام الى تقديم مقترح لانشاء دورية علمية محكمة فصلية باسم الجامعة. فتشكلت هيأة تحريرها، وكذلك الهيأة الاستشارية للتحكيم من بعض الاساتذة من داخل الجامعة وخارجها. وأصدرت الجامعة لحد الآن خمسة أعداد. كرّس العدد الثالث منها  بملف خاص لذكرى العالم الجليل، الراحل عبدالجبار عبدالله، ومن المرتقب قريبا إصدار العدد السادس، سيكون فيه ملف خاص عن ذكرى المفكر الاقتصادي الكبير الراحل إبراهيم كبة. تتميز أعداد الدورية العلمية المحكمة بتنوع مواضيعها، بين الادارة والاقتصاد، السياسة، القانون، اللغة العربية وآدابها، التربية والتعليم، وغيرها، وبالمشاركة الواسعة من الاساتذة من داخل الجامعة وخارجها، ومن الاقطار والبلدان المختلفة.


للجامعة ايضا نشاطات واسعة ومتنوعة في الجوانب الاجتماعية والاعلامية والثقافية. اذ تشارك في المؤتمرات العلمية والثقافية، التي تنعقد في البلدان المختلفة، وخاصة منها في العراق ومنطقة الشرق الأوسط. وبإقامة الندوات والمنتديات الثقافية، والقاء المحاضرات في مواضيع مختلفة، والمشاركة في المقابلات الاذاعية والتلفزيونية والصحفية عن دور التعليم العالي، وخاصة التعليم عن بعد، وتبحث في ضرورة الاهتمام به من قبل الحكومات والاعتراف بجامعات التعليم الألكتروني. ولهذا الغرض فقد سبقت جامعة ابن رشد الجامعات الاخرى التي تتبع نظام التعليم عن بعد، بتقديم مشروع متكامل حول هذا الموضوع، وقدم  الى الجهات المعنية في العراق للمبادرة في اصدار قانون خاص بهذا النظام التعلمي، ولتنظيم امورها ووضع الضوابط الادارية والمالية والقانونية لها والاعتراف بشهاداتها. ولايزال الموضوع تحت المتابعة من جانب الجامعة مع هذه الجهات، بهدف تسجيل هذه الجامعات والاعتراف بها، اسوة باتحاد الجامعات العالمية واتحاد الجامعات العربية ومنظمة اليونسكو التي تقر الاعتراف بهذه الجامعات فضلا عن عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وإصدارها  قوانين وتبنيها جامعات تعمل بنظام التعليم الألكتروني.


وفي الجامعة طلبة ناشطون في مختلف تخصصات كلياتها ولمختلف المراحل الدراسية الجامعية الاولية والعليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه. وتعد رسالة الماجستير الأولى في العلوم السياسية علامة لفلسفة الجامعة في تناولها لقضايا ملموسة تخدم المجتمع في تصديها لمعالجتها، ومن المتوقع ان تنهي طالبة دكتوراه في الاشهر القليلة القادمة أطروحتها في قسم الأدب العربي والدفاع عنها. كما سيكمل طالب آخر الدكتوراه في إدارة الاعمال في  منتصف السنة القادمة . وهناك طلاب آخرون يقتربون من إنهاء مشروعاتهم  للماجستير في فروع مختلفة، فضلا عن طلاب الدراسات الاولية. يتم متابعة الطلبة وبرامج دراستهم بشكل منتظم عن طريق غرف الكترونية مخصصة لهذا الغرض، ومتابعة الطالب عبر المراسلات والمحادثات وايضا بشكل مباشر، وعلى وفق الاجندة الجامعية وجداول المحاضرات تعد في بداية كل فصل دراسي، الذي هو ستة اشهر، والمعلن عنها على موقع الجامعة. وفي كثير من الحالات يشارك استاذ او اكثر للسماع الى محاضرة زميله باللغة العربية و/او باللغة الانكليزية، دعما للطالب والاستاذ ايضا.


ليس للجامعة أي رأسمال، غير راسمالها البشري  وعلوم ومعرفة الاساتذة الذين يعملون بجهود تعاونية وتطوعية، وأجور الدراسة للطلاب المسجلين في الجامعة، هي أجور منخفضة بالقياس الى الجامعات المثيلة، وتقديم التسهيلات عند الضرورة لطريقة دفع هذه الاجور هو الآخر يحد من موارد الجامعة لتوسيع أنشطتها العلمية البحثية ومؤتمراتها وغيرها.


تصرف الجامعة مكافاة رمزية للمحاضرين والمشرفين على الدراسات العليا. فيما تطمح إلى توسيع نشاطاتها العلمية والبحثية من خلال اقامة المؤتمرات العلمية، واصدار الكتب والمؤلفات للاساتذة، وتحويل المجلة من صيغتها الالكترونية الحالية الى المطبوعة الورقية، وتوزيعها بشكل اوسع على الجامعات والمؤسسات والجهات المعنية.


ولتحقيق ذلك نؤمن نحن العاملين في الجامعة بأنه يتطلب صبرا وبذل مزيد من الجهود وتعزيزا مستمرا دائبا للعمل الجماعي وتقوية العمل الذاتي، مع تفعيل لعمل تعاوني مع الجامعات والمعاهد والمؤسسات البحثية المعروفة والرصينة، بإصدار مذكرات التفاهم معها على وفق معايير الجامعة ولوائحها والقوانين المعمول بها في التعليم الجامعي. ونحن نحث الطلبة للتسجيل في فروع الجامعة المختلفة، انطلاقا من حرصنا على اكتسابهم العلوم وولوجهم التخصص الأحدث على أسس من الجودة والنوعية التي نمتلكها في برامج جامعتنا، جامعة ابن رشد في هولندا، ولهذا الغرض نعتمد تسهيلات مضافة دوما بفتح بوابات الانتساب والانتماء إلى الجامعة وكلياتها لضمّ الاساتذة الكفوئين الراغبين بالتعاون مع الجامعة مع التوكيد على الجانب النوعي.


وبهذه المناسبة لابد ان نذكّر بالطابع العلمي البحت للجامعة، كونها ليست مؤسسة تجارية ربحيةوكونها تتمسك بالروح العلمي وبالخطاب المعرفي الثقافي التنويري. وهي تفتح  بواباتها على مصراعيها بخطى ثابتة لإنجاز برامجها العلمية والاكاديمية والثقافية والاجتماعية على أحسن وجهة. وبالتمسك بضوابط وشروط واللوائح الاكاديمية، وبمعايير الجودة للاساتذة والعاملين والطلبة فيها. وبخلاف بعض الجامعات في زمننا، ربما التي تقف بين المتاجرة المادية البحتة، أو مدفوعة من جهة ما ومدعومة ماديا ومعنويا، الأمر الذي يسيء للقيم العلمية الرصينة وللأخلاق الرفيعة الملتزمة بثقافة متنورة ومتقدمة، مما تعكس بآثارها السلبيةعلى الجامعات الاخرى وربما تشوش وتعرقل مسيرة الاعتراف والمعادلة للشهادات في أجواء تكتنفها تلك العلامات المضللة.


 ان النجاحات التي حققتها جامعة ابن رشد في هذه المدة الزمنية القصيرة  من عمرها، وبامكاناتها المادية المتواضعة، وبالجهود الجماعية لاساتذتها الافاضل، وتمسك علاقاتهم بالطلبة على الاسس العلمية والمعرفية وممارسة الديمقراطية والاحترام المتبادل، وعلى مستوى المؤسسات ومع عدد من الجامعات العربية والدولية، ومع مراكز البحوث العلمية والثقافية، لا يمكن اغفالها من الجهات الرسمية ذات العلاقة وخاصة  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق التي نعمل من أجل أن تقر نظام التعليم الألكتروني وتسجيل جامعاته، ولتتبنى هذا المشروع  وتوكيد أحقية المبادرة بالاعتراف بشهاداتها واصدار القوانين واللوائح اللازمة لتنظيم امورها من جميع جوانبها، لكي تحقق الجامعة أهدافها النبيلة في خدمة العلم والمعرفة والثقافة والانسانية.


*نائب رئيس جامعة ابن رشد/هولندا
 


65

هل دخلت العملية السياسية العراقية في نفق مسدود؟

د.صباح قدوري

للجواب على السؤال المطروح في اعلاه ، لابد من سرد وباختصار شديد مشهدعملية التطورالسياسي في العراق، وكالاتي:-

1- ان العملية السياسية الحالية ، هي امتداد للسياسة ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في عام2003 . بنيت هذه السياسة على اسس( المحاصصة الطائفية والمذهبية والاتنية).
وفي الانتخابات الاولى عام 2005،والتي فازت فيها الكتلة الشيعية وبالتحالف مع التحالف الكردستاني، وتم فيه ايضا اقرار الدستور الدائم للعراق عن طريق التصويت الشعبي عليه، والذي هو الاخر انعكست فيه مفهوم المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، بالاضافة الى الاستعجال في اعداده وتحت وصاية الحكم المحتل انذاك. وقد اوجدت مصطلح اخر بجانب  المحاصصة المذهبية والاثنية، مصطلح الحكومة( التوافقية)، والانفتاح على بعض القياديين من بقايا النظام البعثي السابق والبارزين والتي كونت هذه المرة الكتلة السنية، وكانوا معارضين للنظام السابق حسب ادعائهم، وبذلك تم تجميد قانون اجتثاث البعث، وتحول الى المساءلة والعدالة. ووفق مصطلح الحكومة التوافقية، تم انخراط كثير من هؤلاء البعثيين في الاجهزة الادارية الحكومية وخاصة في الجيش والشرطة . وساعد ذلك على توسيع نشاطهم السياسي والارهابي و بالتعاون مع دول الجوار، سوريا ، سعودية ، الدول الخليجية وبعض الانظمة من الدول العربية، مما ادى الى تصعيد ظاهرة الارهاب بالمفخخات والتفجيرات والاغتيالات ووسائل الارهاب الاخرى. وبالمقابل تعزز دور ايران في التدخل المباشر في سياسة العراق الداخلية والاقليمية ،وظهور مليشيات مسلحة للكتل الشيعية الحاكمة والمتحالفة مع كتلة التحالف الكردستاني، وبرزت مظاهر تصفية الحسابات بين فصائل الكثل الشيعية وخاصة التيار الصدري والحكومة الجديدة المنتخبة. استمرة هذه السياسة في الانشغال بالوضع الداخلي الغير مستقر امنيا وتصعيد حدة الارهاب من القاعدة وبقايا ازلام النظام السابق المقبور، مع تردي وتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كافة مرافق الحياة ، وارتفاع عدد ضحايا الشعب العراقي بالقتل والتشريد والتهجير، وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي بشكل كبير، مع انعدام الخدمات الاساسية للشعب.

2- وقد استمرت هذه السياسة حتى الانتخابات الثانية في عام 2009 ، وفوز القائمة العراقية، التي تعبر معظم عناصرها عن مبادئ حزب البعث القديم والطائفة السنية تحت لافتة القومية العربية، وكانت تطالب بالسلطة بقوة، بعد تلقيها دعم مادي ومعنوي من معظم الانظمة في الدول العربية وكذلك تركيا، ولكن اخفقت في تحقيق اهدافها، بنتيجة بقاء التحالف الشيعي
( التحالف الوطني) والكردستاني( الاتحاد الكردستاني) واصبحت مجتمعا الكتلة الاكثرية في البرلمان، وتم الاتفاق بموجب مذكرة التفاهم، التي انجزت مع كافة اطراف العملية السياسة الفائزة بالانتخابات، والتي سميت فيما بعد باتفاقية اربيل، على اعطاء الشرعية الدستورية لهذا التحالف لتقاسم المناصب المهمة في الرئاسات الثلاث التشريعية والحكومية والدولة، وفق اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية، رئاسة الحكومة جلال طالباني كردي- التحالف الكردستاني، ورئاسة الوزراء نوري مالكي شيعي-التحالف الوطني ،ورئاسة البرلمان اسامة النجيفي سني-القائمة العراقية، وتحت مصطلح جديد باسم
( حكومة الشراكة الوطنية). وقد شكلت هذه الحكومة بعد مرور اكثر من سنة من اجراء العملية الانتخابية، ولحد اليوم لم يتم تعين وزيرين للداخلية والامن القومي ، وتشغيل وزارة الدفاع بالوكالة. لايزال الصراع على السلطة والمال والنفوذ قائم بين هذه الحكومة، وكل طرف منها غير راضي عن حصته والمعركة مستمرة والمضحي الاول والاخير هو الشعب العراق.

3- ان صراع على السلطة  ظهر للعيان بقوة مرة اخرى ، وخاصة على تشكيل الوزارات ومجلس السياسات الاستراتيجية بين القائمة العراقية ، برئاسة اياد علاوي، ورئيس الوزراء نوري المالكي من قائمة دولة القانون/ التحالف الوطني. وتفاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية  واقليم كردستان العراق ، حول عدم التزام رئيس الوزراء بتطبيق اتفاقية اربيل، مع مسائل اخرى متراكمة سابقا من دون حل، حول النفط ، وتطبيق الدستور لمادة 140 ، وحصة  الاقليم من الميزانية ومسالة البشمركة، وعدم التزام نوري المالكي ايضا بالدستور وانفراده بالسلطة صوب توجهه نحو اقامة حكم ديكتاتوري .وقد استمر هذا الصراع  ووصل الى ذروته في الاونة الاخيرة بين هذه الاطراف المشاركة في العملية السياسية، وخاصة بعد طرح مسالة الهاشمي من قبل رئيس الوزراء ، بتوجيه اتهامات الارهاب اليه ، والطلب لاحالته الى المحاكم ، لاتخاذ القرار العادل بحقه، الا انه لم يقبض عليه اتناء وجوده في بغداد، وسمح له للالتجاء الى اقليم كردستان العراق ، ومنه  فر الى الخارج ، والان موجود في الحماية التركية. وعلى اثر ذلك تصاعدت الحملات الاعلامية المختلفة والتصريحات النارية بين شخص المالكي واعضاء من كتلته ، وبين القائمة العراقية  ورئيسها ، والتحالف الكردستان والرئيس مسعود بارزاني .
                                             .
4- وقد انضم ايضا علنا الى هذا الصرع التيار الصدري ، بقيادة مقتدى الصدر. وبعد مداولات واجتماعات متكررة بين علاوي  ومسعود برزاني ومقتدى الصدر في كل من اربيل ونجف والسليمانية، اذ وصلوا هؤلاء الى الاتفاق النهائي لسحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي وحكومته ، من دون تقديم اي تصور واضح  للبديل عن ذلك. هذا ومن جانب اخر فقد قدم جلال طالباني رئيس الجمهورية مقترحا منذ بداية  الصراع، بعقد المؤتمر الوطني للتباحث والحوار بين الاطراف المتصارعة، وايجاد حلول صائبة لهذه الحالة. ولكن الاطراف الثلاثة، العراقية، ومعظم اعضاء التحالف الكردستاني ، والكتلة الصدرية، اصروا وحتى هذه اللحظة على قرار سحب الثقة من المالكي عبر رئيس الحكومة جلال طالباني، حتى لم يتم عملية استجواب المالكي في البرلمان، وجمعوا لهذا الغرض عدد من اصوات اعضاء البرلمان لهذه الكتل الثلاثة، حتى يبادر رئيس الجمهورية بعملية سحب الثقة وعرض ذلك على البرلمان للموافقة بعد اكمال النصاب القانوي بذلك. الا ان رئيس الجمهورية لم يقدم على هذه العملية لحد الان، وهو لايزال مصر على امكانية عقد المؤتمر الوطني، ويمكن من خلاله حل المشاكل بين الاطراف المتصارعة. وهناك ايضا الطريقة الثانية لسحب الثقة من رئيس الوزراء  ، وهي عن طريق طلب  65 نائب في البرلمان لاستجواب المالكي لهذا الغرض، ومن تم تتطلب عملية سحب الثقة على موافقة الاكثرية في البرلمان.

5- لا يمكن استمرار الحالة السياسية المزرية في العراق على هذه الشاكلة . مع تعميق الازمة السياسية وتعقيدها بين الاطراف المشاركة بما يسمى( بحكومة الشراكة الوطنية)، وبين الحكومة الفيدرالية وحكومة اقليم كردستان العراق من جهة اخرى، والتدخل الاقليمي العلني والصريح في تأجيج  وديمومة مشهد الصراع  السياسي العراقي، من الدول الخليجية وخاصة قطر والسعودية،وكذلك تركيا من جهة، وايران من جهة اخرى ، مع تحايد دور الامريكي والاوروبي في هذا المشهد. وقد سببت هذه الحالة الى دخول العملية السياسية العراقية في نفق مسدود ، لا يمكن الخروج منه بسهولة، وهي مكلفة ايضا، وقد تترك اثارها الكارثية على الشعب العراقي. ان عدم ايجاد حلول مستعجلة وسريعة لهذا الوضع المأساوي الذي يمر به العراق اليوم، قد يسبب الى ارجاع العراق مرة اخرى الى المربع الاول ، وتفاقم الصراعات وتعمق الازمات بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية العراقية  والحكومة، وتساعد الحالة هذه الى الفوضى العارمة ، وخاصة في الجانب الامني ، وتزايد عدد العمليات الارهابية المختلفة ، وتتفاقم الاوضاع المعيشية والاجتماعية والثقافية للشعب ، ومزيد من سفك الدماء ، وتنهار كل المكتسبات الايجابية المتحققة لحد الان على الصعيد الامني والسياسي ، وهي قليلة .


6- الاستنتاجات:

أ- ان الصراع الجاري حاليا ، سيؤدي بلاشك الى حدوث استيطفافات جديدة على تركيبة الكتل السياسية الحالية . فالاتحاد الوطني الشيعي مهدد بالتفكيك بعد خروج التيار الصدري عن هذه الجبهة ومحاربة حزب الدعوى المتمثل بشخص نوري المالكي. والدور الضعيف للمجلس الاعلى الاسلامي في هذا التحالف، والكتل الصغيرة الاخرى غير مستقرة في تحالفاتها. كذلك الحال بالنسبة للقائمة العراقية ، وهي غير منسجمة اصلا منذ البداية وسهولة تعرضها للانشقاقات، وتجري فيها الاستقطابات بشكل مستمر. وفي التحالف الكردستاني، من المحتمل ايضا ان ينفرط التحالف الكردستاني بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، ووصول الخلافات الى القاعدة الجماهرية للحزبين. تنامي قوة الاحزاب المعارضة الموجودة في الاقليم من الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير، وهناك مفاوضات انفرادية مع هذه المعارضة من الحزبين الحاكمين كل على الانفراد. ان انبثاق  التيار الديمقراطي العراقي وتنشيطه بين الجماهير العراقية المؤمنة بالديمقراطية الحقيقية ، وحقوق الانسان   وبالعدالة الاجتماعة ، وتشكيل حكومة وطنية تامن بالمواطنة و بالسيادة الوطنية، وتقوم ببناء واعادة اعمار العراق، وفق استراتيجية واضحة وشفافة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة، والايمان بالتعددية والمدنية ، وفصل الدين عن الدولة، لابد ان تفرض وجودها بقوة  في الانتخابات القادمة، وبدون شك سيكون له حصة من نتيجة هذه الانتخابات . ان كل هذه المتغيرات المتوقعة ، لابد ان تعكس اثرها على الانتخابات القادمة ، وتغير خارطة الطريق السياسي في العراق القادم.

ب- على ضوء ماتقدم ، ارى بان الحل الامثل في الوقت الحاضر ، هو التاكيد على عقد المؤتمر الوطني باسرع وقت ممكن، مع تحضير جيد له من تقديم تحليل سياسي واقعي صريح وشفاف للحالة العراقية الحالية. واعداد برنامج خارطة الطريق للمرحلة القادمة تحت مفاهيم المواطنة والسيادة الوطنية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية في العلاقات، واقرار مبدأ التعددية في السلطة، اقرار حقوق المواطنة العامة والخاصة وضمان حمايتها، وخاصة حقوق المراة، وحق الرائ، مبداء فصل الدين عن الدولة، واقرار مبداء فصل السلطات، وتطبيقه عمليا، اقرار وتطبيق مبدا العدالة الاجتماعية، وتامين السلم الاهلي بين مكونات الشعب العراقي. بدلا عن استخدام المفاهيم المسمومة الموجودة لحد الان من المصطلحات المشوهة في المضمون وتطبيق (المحاصصة ، المذهبية، الاثنية، التوافقية ، الشراكة الوطنية و استحواذها على السلطة والمال والنفوذ)، كهدف من الحكم، من دون مراعات حقوق الشعب . تقديم موعد الانتخابات التشريعية القادمة، واجراء الانتخابات المحلية في موعدها، وتحضير لهما جيدا ، بعد تعديل بعض بنود الدستور ، واقرار قانون ديمقراطي للاحزاب، وتعديل قانون الانتخابات ، واعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، انجاز الاحصاء السكاني على عموم العراق. وهي مهمات البرلمان الحالي يجب انجازها قبل المغادرة. وضرورة تقوية العامل الداخلي/ الذاتي الوطني ، والاستفادة العقلانية من العامل الخارجي/ الموضوعي في بناء عراق جديد بمعنى الكلمة. ولتحقيق ذلك لابد للشعب بان يقول كلمته، ويجد حلول جذرية للازمة الراهنة ، ووضع البلاد على الطريق الصحيح. ويتطلب ذلك  مزيد من الضغط الجماهيري السلمي ، المتمثل بقواه الديمقراطية والوطنية واليسارية والعلمانية واللبرالية والمثقفين والمستقلين وكل شرفاء ابناء شعبنا المجروح . الالتفاف حول  التيار الديمقراطي الوطني الضمان الاكيد في اجراء التغيير على الواقع العراقي الحالي المزري ، وايصال شعبنا المناضل الى شاطئ الامان ، وتحقيق مصالح الشعب والوطن العليا.




66


تحديات ومهمات الحكومة السابعة لفيدرالية كردستان العراق 

د.صباح قدوري
تم تكليف السيد نيجيرفان بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، بتشكيل حكومة جديدة. وهي السابعة في الادارة الفيدرالية، منذ عام 1992، عندما اصبح الاقليم الحالي شبه مستقل عن العراق. ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم يجري التناوب على السلطة بين الحزبين الحاكمين وفق الاتفاق المبرم بينهما. وبذلك اصبح السيد نيجيرفان رئيسا  لحكومة الاقليم ثلاث مرات، ويستمر في السلطة حتى اجراء الانتخابات التشريعية القادمة، التي من المفترض ان تتم في نهاية عام 2013 .

 ومن الصعوبة التكهن من الآن كيف ستكون خارطة الانتخابات القادمة وما تفرزه من تحالفات جديدة ، على ضوء تنامي قوة الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير وغيرها كقوى معارضة في السلطة الكردستانية ، وعدم قناعة هذه القوى باستمرار الحكم وفق هذا النسق. ومن المحتمل ايضا ان ينفرط التحالف الاستراتيجي بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، لان القاعدة الجماهيرية للحزب الديمقراطي الكردستاني، لم توافق على تمديد رئاسة الحكم لممثل الاتحاد الوطني الدكتور برهم صالح سنتين اخيريتين، اي حتى موعد الانتخابات التشريعية القادمة في 2013 ، كما وافق الاخير في حينه على تمديد مدة حكم للسيد نيجيرفان بارزاني لسنتين 2005-2007 . وايضا محاولة قواعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الضغط على قيادته للمشاركة في الانتخابات المحلية القادمة بمعزل عن حليفه الاستراتيجي الاتحاد الوطني.
 كل ذلك ممكن ان تشهده الادارة الفيدرالية في الفترات القادمة.

 السؤال يطرح نفسه: هل يستمر السيد نيجيرفان برزاني في اكمال برنامج الدكتور برهم صالح؟، ام يطرح برنامج اخر، ويحاول اشراك المعارضة في حكمه؟.. في الوقت الذي نرى بان المعارضة من الاحزاب الاسلامية وحركة التغيير اعربوا عن عدم رغبتهم المشاركة في هذه الحكومة، ويفضلون البقاء في صفوف المعارضة والرقابة على السلطة التنفيذية. اما احزاب الشيوعي الكردستاني، والاشتراكي الديمقراطي الكردستاني و الكادحين الكردستاني ، فانهم لم يعلنوا لحد الان عن رأيهم بخصوص الموضوع.

والسوال الذي اطرحه ايضا مرارا وفي كل المناسبات وعندما اكتب عن الادارة الفيدرالية في كردستان العراق، وهو: هل ان الادارتين موحدتين فعلا بين نفوذ الحزبين الحاكمين في السليمانية واربيل، والمقترن هذا التوحيد باسم السيد نيجيرفان بارزاني؟.. الجواب بالطبع كلا، قد تكون الادارتين موحدتين من حيث الشكل الاداري والقانوني، وليست من حيث مركز صنع القرارت المهمة والمصيرية فيهما، وهي من اهم وظائف الادارة الفعالة.
ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في الادارات المالية والداخلية والامن وشؤون البيشمركة، وهي ثلاث وزارات مهمة وذات صلة مباشرة بالجماهير من النواحي الاقتصادية والامنية، وتامين السلم الاجتماعي في الاقليم. وقد صرح مؤخرا بذلك الدكتور برهم صالح، بانه يأمل بتحقيق التوحيد الفعلي في مجال الحكومة الجديدة.
لا يزال هناك مركزين لرسم السياسة الاقتصادية والمالية في الاقليم ، وذلك بسبب عدم توحيد هذه السياسة في وزارة مالية موحدة، وماتميّزت به هذه المسالة من التعقيد والغرابة وفقدان الشفافية في تحديد المال العام ، بنتيجة خلط مال الحزبين الحاكمين بالمال العام.
 
وباعتقادي ان هذه المسالة هي غاية من التعقيد ، ولا يتوقع حلها في الوضع الراهن، لان جذورها قديمة تمتدد الى السنوات الاولى من حكم المناصفة بين الحزبين، وعدم تصفية حساب جبايات ابراهيم خليل وسرقات النفط، والفساد الاداري والمالي التي تشهدها الادارة الفيدرالية منذ تكوينها في عام 1992 لحد اليوم، وتفاقم ذلك بعد عام 2003 ، بنتيجة زيادة ايرادات الاقليم من عائدات ميزانية الحكومة الفيدرالية، وانتاج النفط والحصول على المساعدات الخارجية غير المعلن عنها حتى اليوم.

فكيف يتم اذا الحكم في الادارة الفيدرالية بوضعها الحالي وبوجود مركزين لاتخاذ القرارات الهامة والمصيرية؟!... هناك تداخل عضوي بين الهيمنة الخزبية المباشرة واتخاذ القرارات الفعلية في الادارة الفيدرالية. تعطيل السلطات الحقيقية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى السلطة الرابعة الاعلامية، والتدخل الحزبي المباشر في شؤونها، وهذا ما يؤكد عليه ايضا القياديين انفسهم من الحزبين الحاكمين، ويوعدون الجماهير كل مرة بعدم تدخلهم في شؤون هذه السلطات عند تسلمهم للسلطة وتشكيل الحكومة ، الا انه في الواقع الفعلي يطبقون عكس ذلك ويفرضون قرراراتهم الحزبية الضيقة على هذه السلطات، وفي كل المرافق الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاقليم.
مما احال هذه المسالة الى مرض مزمن ، يحتاج علاجها فترة طويلة،وصعوبة تحقيق ذلك الا من خلال تطبيق المهمات الاتية:-


 1- اجراء اصلاحات جذرية في الهيكلية الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم .
2- تطبيق الديمقراطية الحقيقية والفعلية  في الحياة الحزبية والادارية.
3- الاقرار بمبدأ التعددية وانتقال السلطة بشكل سلمي.
4- محاربة الفساد الاداري والمالي، من خلال تفعيل دور هيئة الرقابة المالية، ودراسة تقاريرها السنوية بجدية في البرلمان، ومحاسبة مرتكبي جريمة الفساد وفق القانون والقضاء. الاسراع في تشكيل هيئة النزاهة وتفعيل دورها على الاصعدة الشعبية والحكومية والبرلمان. تبني هيئة الاستثمار الاستراتيجية الواضحة والشفافة، وفق خطط مدروسة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وتوفيرالبيانات والاحصائيات بالتعاون مع وزارة التخطيط، ووضعها في متناول الباحثين والاكاديميين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية في الاقليم. 
 5- حماية السلم الاجتماعي من خلال احترام الحقوق العامة والخاصة للمواطنين، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وازالة الفوارق الكبيرة بين الطبقات والشرائح الاجتماعية، وتخفيف حدة البطالة ، وخاصة بين الشباب والمراة .
6- ان المسؤوليات والواجبات الاولية للادارة الفيدرالية هي، توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء و المشتقات النفطية، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي ، وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البني التحتية وغيرها من المؤسسات التي لا تزال مهملة في اغلب مناطق محافظات اقليم كردستان الحالي، وخاصة في القرى والارياف.
7- الألتزام بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في اختيار من يشغل أي موقع في جهاز الدولة على صعيد الفيدرالية والعراق والسفارات والمنظمات الدولية في الخارج، ويجب ان لاتعتمد فقط  على المعاير الحزبية الضيقة والعشائرية والقرابة والمحسوبية المعمول بها لحد الان. تفعيل وتعزيز دور المراة في هذه الاجهزة.

ان مسالة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الاقليم ، هي من الاوليات الاساسية للادارة الجديدة. حيث ان الادارات السابقة، لم تكن قادرة على إعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية. والتي انشغالت بالتنافس بين الحزبين من اجل الهيمنة على السلطة وعلى المال والنفوذ.

واليوم تنتظر من الكابينة السابعة بمزيد من المسؤولية في هذه مرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها العراق والمنطقة وخاصة دول الجوار، ازاء تدخلاتها في الشؤون العراقية بما قي ذلك في شؤون الاقليم. والوضع الداخلي المتازم نتيجة لتراكم المشكلات الكبيرة ولفترة طويلة من دون ايجاد حلول صائبة لها، مما ادت هذه الحالة الى توسع ازمة الثقة بين الحكومات السابقة والشعب الكردي ، الذي يتتطلع اليوم الى ضمان تحقيق مستقبل زاهر ومتقدم على كافة الصعد ، ويطالب باجراء اصلاحات وتغيرات ضرورية جذرية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تنصب في خدمة الجماهير الكردستانية، وحماية المكتسبات المتحقة، والسير قدما في تطوير الافاق المستقبلية للفديرالية، وتحقيق غد افضل ومشرق للشعب الكردي والاجيال القادمة.





67
مسؤولية احداث العنف الاخيرة في فيدرالية كردستان العراق

د.صباح قدوري

شهد اقليم كردستان العراق في بداية الشهر الحالي- كانون الاول/ ديسمبر2011 ، موجة من الاضطرابات والعنف والشغب. وكانت موجهة بالتحديد الى الاحزبين الحاكمين في الاقليم، والى ابناء من طوائف دينية اخرى غير مسلمة ، كالمسيحيين والايزديين. ولكون ابناء هاتين الطائفتين من مكون اصلي في المنطقة ، فالواجب يفرض على السلطات في الادارة الفيدرالية حماية ارواحهم  واموالهم وممتلكاتهم، وهذه من ابسط حقوق المواطنة. ان التنوع الديني  والمذهبي والعرقي والطائفي الموجود فعليا في اقليم كردستان العراق،لا يجوز ان يكون  سببا للتفرقة بين المواطنين. بل يجب التوجه اليه بروح التسامح والمحبة والتواصل مع البعض ،على اسس الحوار الحضاري، ومبداء الديمقراطية الحقيقية، وتساوي الجميع امام الحقوق والواجبات والمسؤولية، وفق مبداء المواطنة والعدالة والقانون. وتجلى هذا العنف بالهجوم على محلات بيع المشروبات الكحولية، والمطاعم والفنادق والاندية التي تمتلكها اوتديرها ابناء من هاتين الطائفتي في عددة  محافظات ومناطق من الاقليم ، وكذلك مراكز التدليك والمساج العائدة لاصحاب الاعمال. وتم انشاء كل هذه الاعمال التجارية بشكل قانوني ومرخص من  قبل الجهات الرسمية. ومن المفترض ان يتم مراقبتها من الجهات المسؤولة في الادارة الفيدرالية، وفق القانون والتعليمات الخاصة بذلك، وذلك للحفاظ والتامين على سلامة استخدامها وتقديم الخدمات لجمهورها.

ان مثل هذه الممارسات تجري بين حين واخر وبشكل منظم ومخطط، وذلك من اجل خلق البلبلة والفوضى في الاقليم، الذي يشهد نوع من الاستقرار النسبي والامني اكثر من اجزاء اخرى من العراق ، وناهيك حتى عن المنطقة العربية التي لاتزال غير مستقرة على اثر " الربيع العربي" وعدم تحقيق اهداف الانتفاضات الشعبية التى تشهدها المنطقة بشكل تحقق طموحات شعوبها.
ان سبب هذه الاضطربات وافتعال اعمال الشغب ومحاولة زعزعة الامن والاستقرار في الاقليم، يعود الى عوامل الذاتية/ الداخلية , والموضوعية / الخارجية.
وبالنسبة للعامل الذاتي، ارى مايلي:-
1- ضعف العامل الذاتي لدى الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستان والاتحاد الوطني الكردستاني في  عملية اتخاذ القرارات الحاسمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، منذو الانتفاضة المجيدة في 1991 ولحد اليوم، والاعتماد على العامل الموضوعي والنصائح الخارجية، وخاصة الامريكية.
2- هيمنة الحزبية الضيقة على كافة المرافق الحياتية، وتجلى ذلك بوضوح وبقوة في ادارة مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان الكردستاني والمؤسسات الاخرى ، وتفريغها من محتوها الحقيقي في عملية اتخاذ القرارات المستقلة في ادارة الفيدرالية.
3- الانشغال في مسالة الهيمنة والسلطة والمال، واهمال مطاليب الجماهير العادلة في المساواة وضمان الحريات العامة والخاصة، وحماية حقوق الانسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
4- تفاقم نظام الفساد المالي والاداري على كافة المستويات الحزبية والادارية، وعدم اتخاذ اية اجراءات قانونية ومؤسساتية حاسمة للحد من ذلك، والقضاء عليه الى الابد.
5- الخلافات التي تطفوعلى السطح بين الحزبين الحاكمين في توزيع المناصب الادارية في الاقليم والمركز. وعدم توحيد  مركز اتخاذ القرارات التي تتعلق بالشؤون المالية والامنية والبشمركة بالشكل الفعلي والتطبيقي ، رغم توحيد الوزارات الخاصة بهذه الوظائف شكليا ، مما تعرقل هذه الحالة عملية ادارة الاقليم بشكل صحيح ، وذلك لاهمية هذه الوظائف وعلاقتها المباشرة بالجماهير، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية والعسكرية في الاقليم.
5- تعميق الازمة بين الشعب والادارة الفيدرالية، نتيجة سيطرة القياديين والافراد من الحزبين المذكورين في مراكز اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية . وتهميش دور الجماهير لتفاعله مع هذه الادارة في عملية صنع هذه القرارات.
6- تكريس الاعلام بشكل عام في خدمة اهداف الحزبين الحاكمين. وعدم سماع الى الانتقادات والمقترحات التي يقترحها الشارع الكردي، بهدف اجراء التغيرات والاصلاحات الضرورية والايجابية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية في الاقليم.
7- ان العلاقة الحزبين الحاكمين بالاحزاب الاخرى من الشيوعيين والاشتراكيين واللبراليين والعناصر المستقلة، لا تزال هامشية. ولم تكرس من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة بامكانها ان تؤثر بصورة افضل على العامل الخارجي، وبوسعها وحدها ادارة الكيان الفيدرالي على خير وجه.
8- عدم اصدار قانون الاحزاب لحد الان، والذي يجب ان  ينظم الامور القانونية والتنظيمية والادارية والمالية للاحزاب والحركات المتواجدة في الاقليم ، على اساس حضاري مدني ينسجم مع روح العصر. والتاكيد على مبداء فصل السياسة عن الدين في برامج هذه الاحزاب، وعدم تبعيتها الى الجهات الخارجية.
9- عدم توظيف العامل الداخلي من قبل الحزبين المهيمنين  بشكل عقلاني في خدمة تطوير القضية الكردية. لانهما لم يعملا عل رفع وعي الشعب الكردي ويقظته ازاء المناورات الداخلية والاقليمية والدولية، بل انشغالهما في الهيمنة على السلطة والنفوذ والمال.
10- ضعف في تبني فكرة لم شمل البيت الكردي وتوحيد خطابه السياسي، وخاص في عملية اتخاذ القرارات المصيرية التي تخص القضية الكردية عامة ، وترسيخ الفيدرالية وافاق تطورها المستقبلي في العراق.
11- يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية الى تحدي الاكبر،هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته. وانعدام الرؤية والتصور ايضا في وضع الاستراتيجية الواضحة والشفافة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة.

اما بالنسبة الى العامل الموضوعي، ارى مايلي:-
1- ان دول الجوار التي تتواجد فيها الاكراد ، تركيا وايران وسوريا، وحتى بعض الدول العربية ليست من مصلحتها ان تنجح وتتقدم  وتتطورالصيغة الفيدرالية في كردستان العراق. لذا لا نستغرب من استخدامها كل الوسائل الممكنة، بما فيها شن الحرب على الاكراد.واليوم تشن كل من تركيا وايران هجمات عسكرية بقصف مناطق داخل اراضي كردستان العراق ،  بدلا من اتباع مبداء الحوار الحضاري لحل المشكلات . ومحاولة اجهاض المكتسبات المتحققة للشعب الكردي في العراق وعلى افاق مستقبل الفيدرالية. ويتخد موقف العامل الدولي ايضا بمدى المصالح الاقتصادية والجيو سياسية في منطقة الشرق الاوسط. ولا تزال نظرتها الى القضية الكردية انسانية وليست سياسية .
2- لا تزال المشاكل بين الادارة الفيدرالية والحكومة المركزية ، بخصوص تطبيق البنود الخاصة بالمطاليب الكردية( المناطق المتنازع عليها، تقاسم الموارد المالية والسلطة ، مسالة البيشمركة، واتفاقيات عقود النفط) معلقة. ولم تجد لها حلول مناسبة ترضى الطرفين، مما تسبب هذه الحالة على استمرار التوترات السياسية والادارية والاقتصادية والامنية  بين الطرفين، وانسحاب ذلك على الوضع الداخلي في الاقليم.
2- علاقة الاحزاب السياسية الاسلامية في الاقليم منها، الاتحاد الاسلامي الكوردستاني، والجماعة الاسلامية الكوردستانية مع الجهات الخارجية ايدولوجيا وتنظيميا وماليا. ان الحزب الاسلامي والسلفيين هما وجهين لعملة واحدة. لا فرق بينهما الا بالشكل، مثل اللبس واللحية واستخدام العنف في تحقيق الاهداف، وليس في المحتوى والفكر. وهذه الاحزاب هي جزء من احزاب جماعة الاخوان المسلمين ، الذي تاسست في حينه  سنة 1928 في مصر على يد حسن البنا. وكما هو معروف ان جزء من نشاطات الاخوان المسلمين والسلفيين المنتشرين في مناطق مختلفة من العلم الاسلامي والعربي، يتم تمويلها ماديا ومعنويا من  قبل المملكة العربية السعودية. وقد انشأت لهم بنك اسلامي، ووضعت تحت تصرف قيادتها المال وتقديم المعونات اليهم، تحت واجهة المشاريع الخيرية والانسانية. وتقوم هذه الاحزاب وبدعم السياسي من السعودية، وبعض الاحيان حتى من الولايات المتحدة الامريكية وبعض البلدان في الدول الاوربية، كما حدث ذلك بعد انتفاضات
" الربيع العربي"   وقبلها، في تحقيق اجندتهم السياسية والايدولوجية، ووصولهم الى سدت الحكم، من خلال شراء ذمم الناس وتحفيزهم للانخراط في تنقيذ برامجها وسياستها الاستراتيجية، بهدف انشاء حكومات على اسس "الخلافة" الاسلامية  عند وصولها الى الحكم، مستخدمة في ذلك وسائل مختلفة للوصل الى هذه الغاية، بما فيها الانتخابات التشريعية والمحلية والعنف، كما نرى اليوم ما يحدث في بلدان" الربيع العربي" في تونس، حزب النهضة، و مصرالحرية والعدالة، والمغرب حزب العدالة والتنمية، والاحزاب الاسلامية والسلفيين في طريقها ايضا الى كل من ليبيا وسوريا. وان اختلفت هذه الاحزاب في تسمياتها، الا انها في الواقع هي حزب ومصدر واحد ، وهو ،الاخوان المسلمين.

نلاحظ منذو فترة بان كثير من منابر جوامع اقليم كردستان، بالاضافة الى القنوات الاعلامية الاخرى
التي تمتلكها الاحزاب الاسلام السياسي، اصبحت منابرا تنطلق منها فعليا للتعبير عن الهوية الايدولوجية الحقيقية لهذه الاحزاب. واستخدامها للتهجم على كل ماله صلة بالافكار والتقافة التنويرية والعصرية. وضد كل الاديان والطوائف الغير اسلامية. وضد المدافعين عن الحرية والرائ، وممارسات الديمقراطية الحقيقية ، ومساواة المراة بالرجل، والمواطنة والعدالة الاجتماعية . واصدار القرارات والاحكام القرقوشية ، وبانزال اقصى عقوبات بحقهم، بما في ذلك القتل ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وطردهم من اماكن سكناهم الاصلية. ولم نلمس مع شديد الاسف اية اجراءات قانونية واخلاقية ضد اصحاب هذه المنابر، بل ان الحزبين الحاكمين في ممارساتهم وسكوتهم على هذه التصرفات والنشاطات الواسعة والامكانية المالية الكبيرة لدى هذه الاحزاب الاسلامية، وعدم مسائلتهم  ومتابعتهم عن ذلك، مما ساهم في تعزيز موقعهم ونفوذهم وسلطتهم الدينية والمالية، وتوسيع قاعدتكم الجماهرية على حساب الاحزاب العلمانية في الاقليم، الى ان اصبحوا اليوم في موقع القوة، وبالتعاون مع عناصرمن بقاية ازلام النظام الديكتاتوري المقبور ورؤساء الجحوش الذين لايزالون يحتلون مواقع مهمة في الادارة الفيدرالية والبرلمان، وذلك لزرع الفتنة والبلبلة والشغب والرعب والتفرقة بين ابناء الشعب الكردستاني، بهدف قضاء على الحقوق والمكتسبات المتحققة للشعب الكردي ، ومحلولة ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء. ان الاحداث الاخيرة هي اشارة واضحة، لعرض العضلات من قبل احزاب الاسلام السياسي في الاقليم . والاعلان الصارخ من قبلهم، بان موجة ظهور ونمو هذه الاحزاب في بلدان العربية ، في طريقها ايضا الى اقليم كردستان العراق. فعلينا الانتباه الى خطورتها وتداعياتها، وتاثيرها السلبي على مجمل مكتسبات الشعب الكردي، التي تحققت لحد الان بفضل الفيدرالية وافاق تطورمسيرتها، والحد من توسعها وعدم اعطاء مجال لتكرارها مستقبلا .

وبهذه المناسبة لابد من جلب انتباه الاحزاب القومية الكردستانية، بضرورة مراجعة موقفها من التحالفات السياسية على صعيد الوطن ، وخاصة في كردستان. التوجه الى القوى الديمقراطية من الشيوعيين والاشتراكيين واللبراليين والمستقلين العلمانيين والمتنورين،  فهي ذات المصلحة الحقيقية في الدفاع عن الفيدرالية ، وحماية وتطوير مكتسباتها . والمساهمة الفعالة في عملية البناء والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتامين السلم الاجتماعي في الاقليم. والنضال المشترك في سبيل تحقيق الحقوق القومية العادلة للشعب الكردي ، بمافيه حق تقرير المصير على صعيد كردستان الكبرى.
 
 نستنكر بشدة هذه الحوادث المؤسفة، واستخدام العنف والقمع ، بدلا من اتباع لغة الحوار الحضاري في العلافات والعمل المشترك... نعلن تضامننا مع كل المتضررين من هذه الحوادث المؤسفة والاليمة والفجعة. ونطلب من الحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى المتواجدة في الاقليم، والادارة الفيدرالية المتمثلة بوزارات العدل والداخلية والامن والبشمركة، وشخصيات دينية من الاديان المختلفة والمستقلين، وممثلين من منظمات المجتمع المدني، لتشيكل لجنة لتقصي المعلومات والحقائق وخلفيتها، وايداعها لدى الجهات القانوية لاجراء تحقيق عادل عن هذه الحوادث، وانزال اقصى عقوبات بحق مرتكبها، واتخاذ اجراءات حاسمة لارجاع الامن والاستقرار الى الاقليم، وتعويض عادل للمتضررين من الخسائر المادية والمعنوية. 

68


استقلال إقليم كردستان العراق بين الفرضية والواقع

د. صباح قدوري

تعالت في الاونة الاخيرة اصوات من اقليم كردستان العراق وخارجه، تنادي بان الظرف والوقت المناسبين قد حانا لاكراد العراق ان يعلنوا استقلالهم، تمهيدا للإعلان عن الدولة المستقلة لكردستان الموحد في المستقبل المنظور، وذلك استنادا الى مبدأ حق تقريرالمصيرللشعوب. حيث صواب ممارسة هذا الحق في الظرف الملموس ، مع اختيار النظام الملائم كتعبير عملي عن ذلك.ان الطابع القومي لكردستان العراق معبرا عنها في المرحلة الراهنة هو في اطار الفيدرالية كتعبير عملي موضوعي وصائب عن حق في تقرير المصير. وكصيغة سياسية لضبط العلاقة في إطار نظام فديرالي، على اساس ممارسة الديمقراطية اسلوبا للحكم، حاليا ومستقبلا، وتقاسم السلطة والتمسك بالعدل في توزيع في الموارد المالية. وبغية حماية الشعب الكردي من الظلم المستمر والابادة الجماعية التي تعرض لهما على ايدي الحكام الشوفينيين والديكتاتورية، لكي يعيش على أرضه ويضمن حق تطوير مختلف اوجه حياة في جميع المجالات على هذه الرقعة التي تسمى تاريخيا وجغرافيا، كردستان.
ان تطوير صيغة الفيدرالية الحالية الى صيغة الاستقلال والانفصال عن العراق، تتحد بعوامل كثيرة ، منها الذاتية/الداخلية، وتشمل عناصر عديدة (دون الدخول في التفاصيل)، المستوى الثقافي والوعي لدي الجماهير الكردية ، درجة مساهمة احزابها في تعبية وتوعية الجماهير، مدى ممارسة الديمقراطية الحقيقية، درجة بناء المؤسسات الادارية والدستورية، وتقوية النظام الاقتصادي في الاقليم، هذا بالاضافة الى العامل الخارجي/ الموضوعي، المتمثل بمدى تاثير العامل الاقليمي للبلدان التي يشكل الاكراد فيها قومية، تركيا وايران وسوريا، وكذلك تأثير البلدان العربية، على القضية الكردية والاعتراف بها كقضية سياسية، يجب حلها بشكل يضمن حق تقرير المصير. والعامل الدولي ، ويتمثل في موقف تلك الدول لها مصالح اقتصادية وجيوسياسية في منطقة الشرق الاوسط، وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها من القضية الكردية في المنطقة والتعامل معها بشكل يضمن لها المحافظة على هذه المصالح . في الوقت الذي نجد ان النظرة الدولية الى القضية الكردية ، لاتزال هي نظرة انسانية وليست سياسية ومن ذلك الموقف من قضية اقرار حق تقرير المصير للشعب الكردي بما في ذلك الانفصال.

ففي العامل الداخلي، أحاول التركيز على النقطتين الرئيستين،هما بناء المؤسسات الادارية وتقوية النظام الاقتصادي في الادارة الفيدرالية ضمن الممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية. اذ ارى انهما مهمان جدا والوقوف عليهما بشئ من التفصيل، ومدى تاثيرهما على خلق مناخ صحي مناسب لاعلان عن هذه الاستقلالية.

اولا: في بناء المؤسسات الادارية والدستورية


1- اجريت في عام 1992 اول انتخابات التشريعية في الاقليم. ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم فان السلطة التشريعية والتنفيذية وكذلك القضائية، تتقاسم بالمناصفة والمعروفة (ففتي ففتي) بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني. تهميش دور الاحزاب الاخرى المتواجدة فعليا في الاقليم من الشيوعيين والاشتراكيين والكادحين والاسلاميين وعناصر المستقلة. سمحت لهذه الاحزاب بمزاولة نشاطها السياسي ، واشراكها في الادارة الفيدرالية ومؤسساتها بشكل رمزي.
2- ان حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس، هي ظاهرة متلازمة للعلاقة بين الحزبين الحاكمين عبر تاريخهما السياسي، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال، بعيدا عن مصالح الشعب الكردي في الاقليم. وقد اشتدت هذه النزاعات في سنة 1994، مما اسفرت الى الاحتكام بالسلاح بدل الحوار الحضاري والمصالحة وممارسة الديمقراطية، واعلان الاقتتال الداخلي الذي طال امده اربع سنوات، وانتهت بالمصالحة وايقاف الاقتتال، نتيجة لتدخل العامل الخارجي، وخاصة الامريكي.
3- الرجوع مرة اخرى الى صناديق الاقتراع في عام 2005، اي بعد مرور 13 سنة على الانتخابات الاولى، ومنذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية الاخيرة التي اجريت في25 تموز/يوليو 2009، تفاقمت مجددا الحساسيات والخلافات بين الحزبين، واخذت اليوم طابعا اخرا من مواجهات بالسلاح الى خلافات المتكتمة التي تطفو الى السطح بين حين واخر، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال والمنافسة على التشكيلات الامن والبشمركة، وذلك للحصول على اكبر المناصب في داخل الاقليم والمركز. ما سبب الى اضعاف العامل الداخلي في عملية اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية.
4- كتابة مسودة دستور اقليم كردستان بشكل متسرع من دون اشباعه واغنائه بالمناقشات من اصحاب الاختصاصات المختلفة والمشاركة الجماهيرية العريضة. وعرضه للمصادقة على البرلمان بشكل مفاجئ في 24/حزيران/يونيو2009، اي بعد انتهاء البرلمان الكردستاني دورته وشرعيته في 9 حزيران/يونيو 2009 وامراره مرور الكرام ، بدلا من اتباع طريقة الاستفتاء الشعبي المتعارف عليها لمصادقة الشعب الكردي عليه.
5- تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري. واصبحت الحزبية الضيقة فوق كل مؤسسات المجتمع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الامر الذي افضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين اجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الاساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر، بان الجهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها.
6- لقد ادت هذه السياسات الى تفريغ الهيئات الادارية لمؤسسات الحكم الفيدرالي من وظائفها في عملية المشاركة واتخاذ القرارات الادارية، وتضعيف دور البرلمان في رسم وتوجيه السياسة الاقتصادية والادارية، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق على كل المرافق الحياتية،
7- استمرار هذا المشهد مع ظهور اطراف سياسية اخرى من حزب التغيير والاحزاب الاسلامية والاحزاب الاخرى التي كانت تدعم سياسة الحزبين الحاكمين، بان تلعب دورا في تغير الموازنة بين الحزبين الحاكمين. وتمارس هذه الاحزاب اليوم وبالمشاركة الفعالة من الشباب والعاطلين والنساء والمثقفين وطلاب الجامعة، ضغطا على الادارة الفيدرالية، مطالبين باجراء اصلاحات جذرية في سياسة الحزبين تجاه الاوضاع المزرية التي يمر بها الشعب الكردي في الاقليم ، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب من الفقر، وتوفير الخدمات الاساسية، وممارسة الديمقراطية الحقيقية، والحد من الفساد الاداري والمالي.
8- ومنذ تطبيق النظام الفيدرالي، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند اللزوم.
9- ضعف في اداء المؤسسات الاعلامية المختلفة لدورها الحقيقي في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير، نتيجة الهيمنة الحزبية الضيقة على نهجها، مما خلقت صعوبات امام الجماهير للتعبير عن ارائها،وايصال صوتها عبر مزاولتها النقد البناء ودور الرقابي الشعبي ، والدفاع عن مطاليبها المشروعة ، وصيانة حقوق المواطن العامة والشخصية.

ثانيا: في مجال الاقتصادي

بعد سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 ، واجه العراق بما فيه اقليم كردستان تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ومنذ انتفاضة اب 1991 المجيدة، وعلى اثرها ولد النظام الفيدرالي في الاقليم الحالي ، وبعد انقضاء 20 سنة من عمر هذه المسيرة، شهد اقليم كردستان العراق بعض تطورات نوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكن ليست هذه التطورات في مستوى طموحات الشعب الكردستاني، والامكانيات المالية والبشرية المتاحة للادارة الفيدرالية
ان تحويل اقتصاد الاقليم من اقتصاد مركزي الى اقتصاد مفتوح ومتنوع وقائم على الإستفادة من اليات السوق ودور اكبر للقطاع الخاص ، فضلا عن ان هناك اتفاقا على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء اقتصاد الاقليم ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وبناء واعادة بناء البني التحتية .الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات، وذلك لاسباب ، يمكن حصرها
( من دون الدخول في التفاصيل) كالاتي:-
1- ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق ، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته، وانعدام الشفافة والاستراتجية واضحة ، والمعرفة الادارية، والبيانات والاحصاءات اللازمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي ، والتوجه نحو اللبرالية، وتطبيق وصفات المؤسسات المالية الدولية، الصندوق والبنك الدولين، ومنظمة التجارة العالمية.
2- عدم وجود نوع من التوازن في تسييرالاقتصادي بين التخطيط ودور الفعال للقطاع الحكومي العام والاقتصاد السوق.
3- لم تتم الاصلاحات الضرورية والمهمة في القوانين والتشريعات المالية والضريبية.
4- عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة في بناء منطق ونماذج (موديل) الاقتصادية الملائمة للبيئة الوطنية، ووفق مستوى تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي في الاقليم، ومن دون نقل اواستنساخ التجارب البعيدة عن هذه البيئة .
5- هيمنة الاقتصاد الاستهلاكي كما هو عليه الحال على الاقتصاد الانتاجي في معظم القطاعات الاقتصادية.
6- ضعف في خلق وتنمية القوة البشرية المؤهلة للمساهمة في عملية الانتاج والانتاجية.
7- عدم تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفف حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين، وتحقق نوع من العدالة والرفاء الاجتماعين.
8- ان الفرضية التي تنطلق من اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الحالي، وتفهم وملاحظة المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في تطور الفيدرالية ، هي فرضية تستدعي اعتماد تدريجي في مواجهة المتغيرات الجديدة، ويوفر امكان تحديد الاوليات، وتطبيق برنامج الاصلاحات،على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء واعادة الاعمار في الاقليم.
9- انتشار بشكل منهجي الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات السياسية والادارية. واصبح وباء، ولم يتخذ اية اجراءت حاسمة وجدية لمعالجة هذا الوباء لحد الان، وذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية وهيئتي الرقابة المالية والنزاهة ومنظمات المجتمع المدني، لممارسة صلاحياتها بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في امورها. ومقابل ذلك تعاني الفئات والشرائح الاجتماعية، وخاصة الطبقة الوسطى والشباب والفقراء والمراة، صعوبات جدية في تدبير اوضاعها الاقتصادية ، وحماية حقوقها الاجتماعية ، وممارسة الديمقراطية، وحق التعبير عن اراءها، وتحقيق مبداء العدالة الاجتماعية.
10- اتباع سياسة الاستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها السلبي على تحفيز وتطويرالانتاج الوطني، وهي في تراجع مستمر، وفي زيادة نسبة التضخم.

وخلاصة القول ومن خلال المعطيات المذكورة سابقا وتطلعنا ومتابعتنا وكتابتنا العديدة للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الادارة الفيدرالية للمرحلة الراهنة وافاقها المستقبلية ، يمكن الاستنتاج
بان العامل الذاتي( وخاصة العاملين المذكورين) انفا، غير مساعد في الوقت الحاضر بان يتخذ قادة الاكراد القرار المصيري من هذا النوع باعلان عن الاستقلال عن العراق. قبل كل شئ يجب اعادة نظر في تقوية العامل الذاتي، وبلورة مشروع بهذا الشان وطرحه للمناقشة على الجماهير الكردستانية على اسس حوار ديمقراطي بناء من خلال قنواة مختلفة، للمشاركة واغناء محتوياتها وفي صنع مثل هذا القرار المصيري. ومن اجل تحقيق الهدف المنشود، ارى مايلي:-
1- على الادارة الفيدرالية ان تبادر من الان في كيفية تفعيل تاثير هذين العاملين على تقوية العامل الذاتي، ومن ثم التنشيط على العامل الموضوعي الاقليمي والدولي. والضغط عليهما من خلال تعبية الجماهير بهذا المطلب، من اجل تغير وجهة نظرهما اتجاه الشعب الكردي في اقليم كردستان العراق، والذي قطع شوطا كبيرا في انضاج هذه المهمة ضمن مرحلتها وسيرورتها التاريخية واجزاء اخرى من كردستان الموحد .
2- الاسراع في عقد موتمر وطني كردي تشارك فيها الاحزاب السياسية الكردية في كل اجزاء كردستان وخارجه. بهدف جمع شمل البيت الكردي ، والتفكير وبشكل جدي في تكوين لجان تنسيق لتوسيع الحوار الديمقراطي البناء، الكردي/الكردي والعربي. واعطاء زخم اكبر لهذه المسالة من خلال توحيد الخطاب السياسي الكردي. وتاسيس مراكز بحوث متخصصة لوضع دراسات وخطط ثقافية واعلامية، والتفاعل مع ثقافات العالم، وتاكيد الطابع الانساني والسياسي لقضايا الشعوب. وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية والاتحاد الاوروبي، بغية عقد مؤتمر دولي لحل القضية الكردية سلميا وسياسيا.
3- تحديد الحدود الجغرافية للاقليم من خلال تفعيل قانون 140 من الدستور العراقي.وحسم موضوع المناطق المتنازع عليها في المستقبل القريب.
4- اعداد مشروع استقلال الاقليم بعد حل كافة المعضلات من العوامل الذاتية والموضوعية المشار اليها انفا ، من خلال ممارسة الحقيقية لمبدأ الديمقراطية والحوار البناء مع الشعب والاطراف الداخلية والاقليمية والدولية
5- تنشيط دور الاقليم على المحافل الدولية من خلال المنظمات الدولية المختلفة.
6- اقامة الندوات والمؤتمرات المحلية ، وبالتعاون مع المنظمات الدولية في الامم المتحدة والوحدة الاوربية لمناقشة هذا الموضوع. واشراك الجماهير من خلال منظمات المجتمع المدني والقنوات الاعلامية المختلفة ، للتفاعل مع هذه القضية وتوعيته في مشاركة صنع القرارات المصيرية.

ففي حالة تحقيق الملاحظات المذكورة اعلاه، اري ان فرصة تفعيل هذا المشروع وترجمته الى الواقع العملي، ممكن ويصبح اكتر منطقيا ، لاسباب التالية:-
1- ان مسالة تحقيق الامن والاستقرار ومن ثم السلام الدائم في المنطقة ، لا يمكن تحقيقه بمعزل عن الحل السلمي العادل لهذه القضية، على اسس الديمقراطية والتفهم لمسالة حق تقرير المصير لهذا الشعب ، وايجاد الصيغة العملية الملائمة وفي الوقت المناسب للتعبير عن ذلك.
2- ان توفير الامن والاستقرار في المنطقة والاكراد جزء منها، هي مسالة مهمة لدي الاطراف المعنية، من خلال سيرورة الحل السلمي للقضية الفلسطينية، واشراك جميع الاطراف المعنية فيها، بهدف تامين الطاقة والسيطرة على اسعارها، وتوسيع الاستثمارات الاقتصادية الاوربية والامريكية، من اجل التعجيل في انشاء( البلوك) الاقتصادي في المنطقة، بحيث تلعب اسرائيل الدور المميز فيه، وتفعيل دور كل من تركيا، وايران مستقبلا بعد تغير النظام في الاخير، وربط هذا البلوك بالعولمة الراسمالية.
3- منذو سقوط الديكتاتورية في 2003 تتماطل الحكومة المركزية في تطبيق البنود الخاصة بالحقوق الكردية في الدستور(دون الدخول في التفاصيل)، منها تنفيذ مادة 140 الخاصة بكركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها . هناك تقلبات في ثبات حصة الاقليم من الميزانية العامة وفي توزيع الموارد المالية وتقاسم السلطة، لكونها قرار سياسي اكثر من دستوري.التشكيك في فهم ممارسة الاكراد للفيدرالية واتهامهم بانهم يهدفون الى النزعة الانفصالية التي تؤدي في نهاية المطاف الى تمزيق وحدة العراق شعبا ووطنا. عدم معالجة مسالة قوات البيشمركة ضمن الوحدات العسكرية والامنية في الحكومة الاتحادية.مما تسبب هذه الحالات من التوترات السياسية والادارية والاقتصادية بين الادارة الفيدرالية والمركز. قد تستمر هذه الحالة في المستقبل المنظور بهذه الوتيرة من دون ايجاد حلول واقعية صحيحة لها، مع بروز القناعة لدى الشيعة والسنة في تقسيم العراق على اسس الفيدرالية الطائفية والمذهبية،مطابقا هذا التوجه مع مشروع بايدن في الحكومة الديمقراطيين في الولايات المتحدة الامريكية، او حتى وجود اطراف كثيرة من الوحدة الاوربية مع هذا التوجه. فعليه ان الفيدرالية الحالية في اقليم كردستان العراق، بعد حل الخلافات بشكل نهائي مع المركز من طرف الاكراد انفسهم، عندئذ تتحول الفيدرالية على اساسس القومي الى مرحلة اكثر تطورا، كونفيدرالية او اعلان الاستقلال .
4- رغم ان انسحاب الامريكي من العراق في نهاية هذا العام ، وينسجم مع المطاليب الشعبية، ويعتبرانتصار لارادة الشعب العراقي،الا ان العامل الذاتي لدى النخب المشاركة في ادارة العراق الاتحادي لم يرتقي الى مستوى مسؤولية بناء العراق الجديد على اسسس المواطنة والوطنية والديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، بعد ثمانية سنوات من عمر الاحتلال.ان هذه الحالة قد تؤدي الى خلق نوع من الشكوك والخوف والقلق لدى القيادة الكردية تجاه الوضع الجديد بعد الانسحاب، وتعميق ازمة الثقة تجاه الحكومة الاتحادية وفي نياتها وقدراتها الصادقة لحل المعوقات والمشاكل القائمة منذو ثمانية سنوات من دون حلها ، واصبحت عجر عثرة على طريق تطوير الفيدرالية في الاقليم. فعليه يحتمل ان يكون الخيار الافضل للاكراد في المرحلة القادمة ،هو اعلان الاستقلال عن العراق.
5- من اجل تحقيق الهدف المنشود ، وتثبيت حق تقرير المصير ، وتطوير صيغة الفيدرالية الحالية الى بناء كيان سياسي مدني عصري تستند على مبادئ الديمقراطية الحقيقية ، حماية حقوق الانسان، تطبيق العدالة والقانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، اذ لابد اعطاء الشعب الكردي حق خيار صيغة الانفصال واعلان الاستقلال، وعرض هذا الخيار على الاستفتاء الشعبي، والتعامل مع القضية باعتبارها قضية داخلية يقرها الشعب الكردستاني ويعود له وحده حق أقرار شكل ومحتوى الحكم من النواحي الدستورية والاقتصادية ،على الرقعة التي تعتبر تاريخيا وجغرافيا وقوميا كردستان.اعادة كتابة دستور الاقليم ، وطرحه للمناقشة لاغناءه. والمشاركة الجماهرية في صياغته ، وطرحه ايضا للاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه.


69

ضرورة واهمية تطبيق معايير المحاسبة الدولية في الاقتصاد العراقي

د.صباح قدوري
ان ظهور النظام المحاسبي القياسي العالمي، يعتبر ضرورة اساسية لتطويرعلم وفن المحاسبة، وللابتعاد عن كافة السلبيات التي تواجه الطرق المحاسبية المختلفة في بلدان عديدة، ومنها العراق. وفي تطبيق هذا النظام سيؤثر بلا شك على التوعية في اوساط المسؤولين والمشرعين في الدوائر والمؤسسات والوحدات الاقتصادية التابعة للدولة. حيث ان تبني هذه المعايير يوفر مرجعا محاسبيا واحدا وثابتا.ويساهم في تعزيز مهنة المحاسبة على صعيد العالمي. وفي تطويراقتصاديات دولية قوية،عن طريق ترسيخ وتسجيع الالتزام بالمعاير المهنية عالية الجودة. وتعزيز التقارب الدولي بين هذه المعايير والتعبيرعن قضايا المصلحة العامة، حيث تكون الخبرة المهنية اكثر ملائمة. ويؤمن عملية ضمان وسلامة المعاملات الاقتصادية. وتفسير المعلومات وشكل افصاح مالي يسهل فهمه وقراءته ومعالجته والتعامل معه، ومحاسبة المسؤولين في الحكومة على اساسه. وعملية التقييم والمقارنة وتوحيد المبادئ والاصول والقواعد المحاسبية في ظل تعقيد العلاقات الاقتصادية ، نتيجة للتطور السريع الذي يحدث في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية ، وكذلك التوجه نحو لبرالية العلاقات الاقتصادية العالمية من خلال الانفتاح المتزايد لنموذج اقتصاد السوق- الحر.

تجري محاولات جادة من قبل الجمعيات والمنظمات المحاسبية المختلفة، والتي تساهم في عملية تطوير النظام المحاسبي، الى توحيد المبادئ والاسس والقواعد المحاسبية المختلفة عليها من قبل هذه الجمعيات. وذلك عبر عقد المؤتمرات الدولية ، وكتابة البحوث والمقالات واثارة المناقشات ، بهدف الوصول الى النظام المحاسبي القياسي العالمي يكون مقبولا من الجميع. الا انه مايزال هناك اختلافات كثيرة في المعاير الدولية المتبعة محليا في كثير من بلدان العالم. وذلك بنتيجة اختلاف البيئة الوطنية ، والجهات التي بحاجة الى هذه المعلومات المالية لاستخدامها في عملية اتخاذ القرارات من قبل، المستخدمين والمالكين، والمستثمرين، وحاملي الاسهم ، والبنوك، والدوائر والمؤسسات الحكومية ، وغيرها من الجهات.

وفي ظل تنامي عولمة الاقتصاد ، يتبنى اليوم معايير المحاسبة الدولية بشكل متزايد على مستوى عديد من دول العالم. وتلتزم اليوم بتطبيق هذه المعايير من قبل 107 دول، ثماني منها دول عربية،على سبيل المثال
( السعودية، البحرين، الجزائر ، مصر، وغيرها)، وخاصة في وحدات القطاع الخاص، ولا توجد من ضمنها العراق ، ، بحيث تتفاعل تطبيق هذه المعايير مع البنية الجديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية. وهذا الالتزام ليس خيارا ، بل الزاما لكل بلد ينوي الانتقال المباشر الى مراحل التقدم والتطور العالمي المشهود، يضاف اليها امكانيات حل مشكلات جوهرية تطفو بوضوح في هذا البلد اوذاك ، كما تبرز حالة الفساد التي تحتاج لمعالجة محاسبية دقيقة ومنظمة بموضوعية في سياق محدد.

تهدف هذه المعايير الى ايجاد مبدأ التوافق بين الانظمة المحاسبية والتقارير المالية التي تنظم امورها مصادر مختلفة ، كقانون التجاري ، الضريبي ، قانون الميزانية العامة للدولة، قانون اصول المحاسبات العامة للدوائر والمؤسسات في القطاع العام والجمعيات، وقوانين وحدات ادارة الاعمال في القطاع الخاص، وغيرها.والخروج بالمعايير الدولية القياسية ، بحيث تكون مقبولة على الصعيد العالمي.

ان معايير المحاسبة الدولية في القطاع العام تغطي الحسابات للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات التابعة للدولة، كما تغطي احتساب العجز في الموازنة مشيراً الى ان اهم مشكلتين في اية دولة هما العجز في الموازنة العامة والدين العام.

هناك تجارب الدول المطبقة لمعايير المحاسبة الدولية في القطاعات الاقتصادية المختلفة. يمكن الاستفادة منها وتطبيقها في الاقتصاد العراقي ، وخاصة القطاع العام . وذلك للمحافظة على المال العام  من الهدر والضياع والسرقة . والتركيز على الرقابة الوقائية وقبل الوقوع في الاخطاء. وبالنتيجة ايضا تقديم المشورة المحاسبية والمالية للجهات الخاصة للرقابة ، ليستفيد من موضوعاتها المالية المتخصصة ،العاملين في مختلف الدوائر والمؤسسات والوحدات الحكومية. وخاصة في الوقت الذي ما زال العالم يعاني من الازمة المالية والاقتصادية واثارها. فان تطبيق هذه المعايير ستساهم بلا شك في تحسين وتطوير اساليب الرقابة المالية ومنهاجياتها من الجانبين النظري والتطبيقي، وترفع من كفاءة وانتاجية الاداء المالي والمحاسبي ، وفي تطوير ايضا القدرات المهنية للعاملين في الحقل المحاسبي.

ومن اجل ترجمة هذه المهمة الى حيز التطبيق، اذ لابد ان تبادر وزارة المالية الجهة المسؤولة المباشرة عن الشؤون الادارية المالية في العراق على عقد ندوة علمية ومهنية لتعريف ولتوضيح اهمية تطبيق معايير المحاسبة الدولية في القطاع الاقتصادي العراقي، ومواكبة التطورات الدولية في مجال الرقابة والجودة والتدقيق والمراجعة المالية، وقواعد السلوك الاخلاقي للمحاسبين المهنيين، الصادرتين من الاتحاد الدولي للمحاسبين، والمترجمتين الى اللغة العربية عن المجمع العربي للمحاسبين القانونيين في اصداراته لسنة 2010، وبالتعاون مع اتحاد المحاسبين والمدققين العراقيين، وكليات الادارة والاقتصاد في الجامعات العراقية، وهيئتي الرقابة المالية والنزاهة، ومكاتب المحاسبين القانونيين، والبنك المركزي العراقي، ومراكز الاستشارات والتطوير الاداري، والخبراء والاختصاصيين في مجال النظام المحاسبي، والمجمع العربي للمحاسبين القانونيين، والبلدان العربية المطبقة فيها هذه المعاير، وذلك لتباحث ومناقشة هذا الموضوع الحيوي والمهم للاقتصاد العراقي، وبرؤية واضحة نحو التمييز الرقابي المهني المستدام لتعزيز المساءلة العامة وتوطيد مفاهيم الإفصاح والشفافية ومساعدة القطاع العام للعمل بكفاءة وفاعلية وبرسالة مباشرة للمساهمة في تحسين إستخدام وإدارة الموارد العامة للدولة والمحافظة على المال العام من الهدر والضياع ، والحرص على سلامة الاقتصاد الوطني من خلال رقابة شاملة ومستقلة على المال العام.

النهوض بالمهام الرقابية بكل حيادية وموضوعية وشفافية وكفاءة مهنية عالية ومواكبة التطورات المتسارعة في حقول الرقابة المالية ورقابة الاداء والاستفادة من التقنيات والاساليب الحديثة في إنجاز الاعمال بمزيد من الفاعلية والجودة.على ان تنبثق من هذه الندوة ورش متخصصة لتقديم رؤية علمية وقانونية ومهنية وموضوعية واضحة بهذا الخصوص. والخروج بالقرارات والتوصيات الرشيدة من الندوة ، ومتابعة تنفيذها ضمن سقف زمني محدد ، ورفعها الى الجهات التشريعية والتنفيذية للبث فيها واصدار الاليات والمتسلزمات اللازمة لتنفيذها.






70
لا خلاص لمحنة الشعب العراقي الا بتغير النظام

د.صباح قدوري

يبدو ان الازمة السياسية الخانقة التي تمر بها الحكومة العراقية ، قد أدخلت العراق وشعبه في نفق مظلم لا امل من الخروج منه بسهولة، وذلك لتشابك وتعقيد العلاقة بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والتشكيلة الحكومية الحالية. سببت هذه الحالة الى ضعف واضح في اداء الحكومة على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية. وتقديم وعود كاذبة للجماهير وعدم الاعتماد على المخلصين والنزيهين والوطنيين واصحاب الكفاءات في ادارة البلد.

 تتفاقم يوما بعد يوم معاناة ابناء الشعب العراقي  في تدبير اوضاعهم المعاشية والحياتية والامنية. ان القاء نظرة سريعة على بعض الاحصائيات الرسمية الصادرة من الوزارات المختصة بها، عن الحالة العراقية الحالية، تعطينا فهم كافي لمعرفة مدى خطورة مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية التي يمر بها العراق الحالي، وهذه الاحصائيات( وباختصار الشديد)، هي كالاتي:-
1- يحتل العراق المرتبة الاولى بين الدول في تفشي نظام الفساد المالي والاداري فيها.
2-40% من الشعب العراقي يعيش تحت خط الفقر.
3- 50% من الشعب العراقي عاطل عن العمل، وخاصة النسبة العليا منها من الشباب والنساء.
4- تدمير شامل ومبرمج للبني التحتية ، نتيجة الحروب المجنونة في العهد السابق والاحتلال الامريكي.
5- وجود 4.500.000 مليون مهجر خارج العراق و2.500.000 داخل العراق بسبب الحروب والارهاب والاحتلال.
6- 1.500.000 مليون ارملة عراقية، 4.500.000 طفل يتيم.
7- 85% من المسؤولين يحملون الجنسية الاجنبية- المكتسبة.
8- اكثر من 2.500.000 مليون شهيد ، وحوالي 1.000.000 مليون مغيبا او مفقودا، و 500.000 سجينا في سجون مختلفة بما فيها السجون الامريكية في العراق.تزداد ظاهرة الهروب من السجون العراقية.
9- انحدار التعليم الاساسي والجامعي ، حسب منظمة اليونسكو، التي حجبت الاعتراف بالشهادات العراقية. انتشار التخلف في المجتمع ، وارتفاع معدلات محو الامية فيه، في الوقت الذي كان العراق قد تم محو الامية فيه عام 1977 ، وكان في مقدمة دول العلم  في نجاحها  بهذه المهمة، حسب منظمة اليونسكو.
10- 126 شركة امنية تدار من اجهزة المخابرات الاجنبية.43 ميليشيات مسلحة تابعة للاحزاب المهيمنة في السلطة.220 صحيفة وجريدة ، 45 قناة تلفزيونية، 67 محطة الاذاعة، كلها ممولة من اجهزة المخابرات الاجنبية. و4 شبكات اتصالات لاسلكية( كوريك، اسياسيل، زين، أتير) مملوكة لقادة الاحزاب السياسية المهيمنة في السلطة.
11- عشرات الالاف من الشهادات المزورة للمسؤولين الحزبيين والاداريين في المستويات السياسية والادارية المختلفة.
12- اكثر من 70.000 الف حالة ايدز ، بعدما كانت فقط 114 حالة قبل الاحتلال. انتشار المخدرات في صفوف المسؤولين الحزبيين والاداريين والشباب ، وثلاث حالات طلاق من كل اربعة حالات زيجة بعد الاحتلال.

هناك قائمة مطولة بهذه الاحصائيات الرسمية، نكتفي بهذا القدر في هذا المجال، حتى نضع امام  المواطنين هذه اللوحة الدراماتيكية عن اوضاع  العراق وشعبه، والحالة المزرية والتخلف والمعانات اليومية التي يعيشها المواطنين  في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق الحديث. يقع علينا جميعا المسؤولية الوطنية والاخلاقية وحفظ كرامتنا وضمان كامل حقوقنا، في العيش السعيد، وانقاذ شعبنا من هذه الكارثة الانسانية والاقتصادية والاجتماعية التي ابتلى بها شعبنا قبل سقوط الديكتاتورية وبعد الاحتلال وتسليم السلطة من قبل المحتل الى هذه النخبة من القادة السياسيين، على اسس المحاصصة السياسية والمذهبية والاثنية، واصبح الوضع السياسي الداخلي مهدد من قبلهم، والتدخل المباشر من قبل دول الجوار والدول الاقليمية في الشؤون الداخلية والامنية للعراق ( تصدير الارهاب ، قطع المياه المشتركة، افتعال المشاكل الحدودية، القصف الايراني والتركي المستمر على اراضي اقليم كردستان العراق والتوغل في عمق اراضيه).

نحث كل عراقي غيور وحريص على مستقبل بلده واجياله القادمة ، المشاركة الفعالة كل حسب موقعه للتفاعل والتضامن وتقديم الدعم للتظاهرات السلمية التي ستنطلق في داخل العراق- ساحة التحرير والساحات الاخرى وفي جميع المحافظات، وامام السفارات العراقية في الخارج، في الموعد المقرر ، التاسع من ايلول/ سبتمر 2011. لنعلن عن رفضنا للواقع القائم ، ونطالب بالتغير حتى نضع العراق وشعبه على المسار الصحيح، واقتلاع  جذور الطائفية السياسية والفساد والارهاب والتخلف والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الى الابد . وبناء عراق جديد يتحقق فيه، مفهوم المواطنة والوطنية ، وصيانة حقوق الانسان وحرياته ، وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية، وضمان مستقبلا باهرا لهذا الجيل والاجيال القادمة ، ويزدهر فيه ايضا الاقتصاد ، والحالة الاجتماعية والصحية والتربوية والتعليمية والثقافية، ويتمتع المواطن بالامن والاستقرار والعيش السعيد والرفاهية.       


71
على هامش الانتخابات البرلمانية في الدانمارك 2011

د.صباح قدوري
كان من المزمع اجراء الانتخابات البرلمانية في شهرتشرين الاول/اكتوبر2011. وفجأة اعلن رئيس وزراء الدانمارك لارس لووك، وحدد يوم 15 ايلول/سيبتمرالجاري موعدا لهذه الانتخابات. مباشرة بعد ذلك، بادرت الاحزاب السياسية الرئيسية بتكثيف حملتها الدعائية للانتخابات بالوسائل الاعلامية المختلفة ،من خلال الاعلان عن مرشحيها وتعليق صورهم على الاعمدة الكهربائية في الشوارع الرئيسية من المدن الدانماركية. وتوزيع بطاقات بصور واسماء المرشحين ووصف موجز ببرامج الحزب، وبالاتصال المباشر بالجماهير في شوارع المدن الرئيسية. اقامة الندوات والمداولات السياسية والمؤتمرات الصحفية لقادة الاحزاب من خلال الوسائل المرئية والسمعية والصحف المحلية الرئيسية والمواقع اللاكترونية، وغيرها. وتقاسمت مرشحي هذه الاحزاب على شكل مجموعتين، الكتلة الحمراء وهي معارضة للحكومة الحالية، وتتالف من الحزبين الرئيسين الاشتراكي الديمقراطي، والحزب الشعب الاشتراكي، وكذلك القائمة الموحدة. والكتلة الزرقاء التي هي الان في الحكم ، وتتالف من حزب اليسارالدانماركي- اللبرالي ذات نهج يميني، وحزب المحافظين، وكذلك حزب الشعب الدانماركي، وهوحزب قومي يمثل اقصى اليمين ومعادي لسياسة اللاجئين والاجانب. ويوجد ايضا حزب اليسار الرادكالي كان في السابق محسوبا على كتلة الحمراء، وكذلك حزب التحالف اللبرالي، وهو اقرب لكتلة الزرقاء.يحاول الحزبين اليسار الراديكالي والمحافظين التعاون مع البعض مع الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، بغض النظرعن اية من الكتلتين الحمراء او الزرقاء ستفوز بهذه الانتخابات. وهذا يعني ان حزب المحافظين الموجود حاليا في الحكم مع الحزب الرئيسي اليسار الدانماركي- اللبرالي، لا يرغب التعاون مع حزب الشعب الدانماركي مستقبلا.
ان النقاشات الدائرة بين مرشحي كتلة الحمراء والزرقاء والاحزاب الاخرى ، تشمل مواضيع متعددة، منها الوضع الاقتصادي، سياسة المهاجرين واللاجئين والاجانب،الوحدة الاوربية، مكافحة الجرائم والتصدي للارهاب الدولي، السياسة الخارجية ، البيئة. ان المواضيع الاساسية والمهمة التي نركز عليها في هذه النقاشات، تتمحور في الموضوعين الاساسين، هما:-
1- الوضع الاقتصادي: ان الاحزاب اليمينية الحاكمة في الدانمارك بشكل مستمر منذو عشرة سنوات، تستند برامجها الاقتصادية على فكرة اللبرالية الجديدة وتطبيقها على كل مرافق الحياة. تطبيق نموذج اقتصاد السوق وخصخصة قطاعاته . تضعيف دور الدولة في الاقتصاد، وخاصة في المجالات الاساسية ، التعليم والصحة والتقل والمواصلات والبني التحتية والانشظة الاجتماعية، دعم الادوية والسكن لمحدودية الدخل وغيرها. وعلى اثر هذه السياسة وتفاقم الازمة الاقتصادية والمالية العالمية ، افلست كثير من الشركات الصغيرة في القطاع الصناعي، اواصبحت شركات قابضة لشركات الكبرى لاصحاب الاغنياء في الدانمارك. نقل كثير من الشركات الوطنية الكبيرة الى الخارج ، مما سببت في ارتفاع معدل البطالة الى اكثر من 10% للدانماركيين وبحدود 25% في صفوف المهاجرين واللاجئين.ارتفاع اسعار الاغذية والسلع والخدمات، وخاصة الاساسية منها بمعدلات اكثر من 10%، مع ارتفاع التضخم بحدودر2-3% كان في السابق بحدود 1-2%. ان السياسة الضربية التي اعتمدتها الحكومة الحالية ، تهدف بالاساس الى تخفيض كاهل الضريبة على الفئات الغنية. تدني اسعار العقارات في سوق المضاربات العقارية ودخل طورالركود، وارتفاع فوائد القروض للديون العقارية. انخفاض مستمر في قيمة بعض اسهم الشركات الدانماركية الكبرى في سوق بورصة الاسهم والاوراق المالية. وتزايد مديونية الدانمارك في الوقت الحاضر. .وهناك جدل ايضا بين الكتلتين حول معالجة مسالة التقاعد المبكر للعاملين في الخدمة. يحق العامل المستمر في الخدمة  ان يحصل على تقاعد مبكرقبل خمس سنوات من بلوغه سن التقاعد الاعتيادي الذي كان محددا ب 65 سنة. اي عند بلوغه 60 سنة. يرتفع هذا السقف خلال المدة من 2019- 2022، الى بلوغ سن 62 سنة ، وذلك لتغير سن التقاعد الاعتيادي من 65- 67 سنة. ان جوهر المناقشة بين الكتلتين في هذه المسالة، تنصب في مدى تحمل ميزانية الدولة لدفع رواتب هولاء المتقاعدين ، وهي عادة 80% من اخر الراتب، واثرها على البطالة في السوق العمل.
تؤكد الحكومة اللبرالية من جديد خلال البرامج والمناقشات المطروحة من قبلها على الاستمرار لمواصلة نهجها في الحكومة القادمة في حالة فوزها، والمضي قدما في تطبيق نموذج الاقتصاد الحر، وخصخصة القطاعات الاقتصادية، وتقليل من اهمية دور القطاع العام في تقديم الخدمات الاساسية والضرورية للشعب في المجالات الاجتماعية ، الصحية ، التعليمية والاقتصادية ، وذلك من خلال تخفيض الاعتمادات المرصدة لها في الميزانية العامة للدولة

2- في مجال سياسة المهاجرين واللاجئين والاجانب: استمراركتلة اليمن الحاكم في مزيد من التشديدات وبالتعاون مع حزب الشعب الدانماركي حليف الكتلة ، من دون مشاركته في الحكومة، على قوانين اللاجئين، وجمع شمل العائلة.ان الاقامة الدائمة كانت تتم تلقائيا بعد حصول على الاقامة، ومضى على ذلك ثلاثة سنوات. اما الان على طالبي الاقامة الدائمة تقديم طلب بذلك والانتظار لمدة سنة واحدة للنظر في المعاملة. وفي حالة الموافقة وفق الشروط الموضوعة ،على طالب الاقامة الدائمة دفع مبلغ بحدود 3000 كرون رسم تسجيل الاقامة في الوقت الذي كانت مجانا قبل صدور هذه القوانين والتعليمات. صعوبة الحصول على المواطنة الدانماركية ووضع شروط مايسمى ب (Greencart) ، وهي شروط معقدة من حيث المدة،اصبحت من6 الى 10 سنوات في الاقامة الدائمة . اداء الامتحانات في لغة وتاريخ المجتمع الدانماركي، مع الزام وجود العمل لطالبي المواطنة مدة لا تقل عن اربع سنوات عند تقديم الطلب بذلك. انتهاج سياسة تعقيد في برامج الاندماج الاجتماعي وفي سوق العمل.التفكير الجدي مع التطبيق الفعلي في ارجاع معظم اللاجئين والمهاجرين الى بلدانهم، وخاصة طالبي الجدد واغلاق الحدود بوجه المهاجرين الجدد. اتباع سياسة تشديد وتقليص الاعتمادات والمساعدات الخارجية التي تقدمها عادة الدانمارك الى البلدان الفقيرة والمتاخرة ، او التي تتعرض الى الكوارث الطبيعية او الامراض والحروب وغيرها . اما كتلة اليسار لها تباين في سياستها تجاه الاجانب ، اذ ان الاحزاب ، اليسار الراديكالي والشعب الاشتراكي والقائمة الموحدة ، يتضامنون ويدعمون قضايا الاجانب ، وخاصة في مجال برنامج الاندماج وسوق العمل، ومنح اللجوء ، في الوقت الذي نجد هناك تراجع نسبي من قبل الاشتراكي الديمقراطي في سياسته هذه .
وبهذه المناسبة ، لابد من وقفة سريعة ومختصرة  على بعض الاسباب  التي اعتقد ، انها ادت الى خسارة كتلة اليسار في الانتخابات السابقة ، ومنها على سبيل المثال  ( دون الدخول في التفاصيل ) ، عدم قدرة هذه الكتلة ، وخاصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، الذي يعتبر اكبر حزبا في هذه الكتلة ، وكان في الحكم قبل 2001، في اختيار وتطبيق البرامج الاصلاحية الملائمة لمعالجة مشكلة البطالة المزمنة والمتزايدة في البلد وفي السياسة الاقتصادية والاجتماعية.عدم مواجهة حاسمة تجاه الحكومة الليبرالية اليمينية الحاكمة، منذو توليها السلطة من استمرار نهجها في سياستها اللبرالية على كافة مجالات الحياة اليومية. استمرار الحكومة الليبرالية اليمينية ، في تطبيق نهج السياسة الخارجية المؤيدة للمواقف الامريكية تجاه الاحداث العالمية ، وخاصة دعمها السياسي والعسكري لها في الحربين الافغانية والعراقية.
لقد حان الوقت لكتلة اليسار ، ان تعيد النظر في برامجها ، وخاصة الحزب الاشتراكي الديوقراطي . اجراء الاصلاحات التنظيمية في هيكلها وعلى مستوي قياداتها ، التي لاتزال مهيمن عليها عناصر كلاسيكية في قدراتها وطروحاتها ، والتي لا تتمشى مع التطورات والاحداث والمتغيرات السريعة التي تحدث في شتى مجالات الحياة ، وخاصة دخل العالم في مرحلة جديدة من الصراع والعنف ، على اثر التوسع الراسمالي ، وانشاء التكتلات الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، واستمرار الارهاب الدولي ، والازمة الاقتصادية والمالية المستحفلة العالمية واثرها على الدانمارك. والحالة هذه تتطلب من كتلة الحمراء التي لها امل كبير في فوز الانتخابات القادمة، وبذل جهود استثنائية لمواجهة هذه الحالة، والاستفادة من الاخطاء والخبرات الجيدة في السابق، للمضي قدما في الحكم لتحقيق مجتمع الرفاهية الحقيقية الذي هو في التراجع من جراء سياسات الحكومة اليمنية الحالية، ومزيد من التضامن والتفاعل مع المهجرين والللاجئين والاجانب في سياسة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والمواطنة في المجتمع. لا تزال نسبة مشاركة الاجانب في الانتخابات البرلمانية ضعيفة ومنخفضة ، وهي ظاهرة سلبية تعكس اثرها على نتائج الانتخابات لصالح كتلة اليمين ، التي مستمرة في سياستها المعادية للاجانب وفي كافة المجالات. لذا نحث كل من يمتلك الحق القانوني للمشاركة في هذه الانتخابات ان  يوجه صوته الى كتلة الحمراء، وذلك للحصول على مزيد من التضامن والدعم من الحكومة القادمة، وضمان اكثر في تحقيق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والمشاركة النشطة والفعالة في عملية الاندماج المستمر والتفاعل مع المجتمع.



72
ليتوسع ويتعززالحوار،حول التيار الديمقراطي العراقي


د.صباح قدوري

كتب في الاونة الاخيرة الكثير من المهتمين في شان العراقي، حول ضرورة تكوين التيار الديمقراطي وتوسيع مفهومه، حتى يتم اشراك اكبر قوى جماهرية ممكنة من مكونات الشعب العراقي فيه. ويكون فعلا اداة فعالة تساهم في اخلاص الشعب العراقي من المحنة والوضع المزري الذي يمر به. وقد تضمنت هذه الكتابات تفسيرات وتحليلات من مواقع ايدولوجية مختلفة. الا ان القاسم المشترك فيها، ان العراق اليوم يمر بمرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة وعسيرة وغاية من التعقيد، بسبب هيمنة سياسة المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية على كافة المرافق الادارية والحياتية، وبروز دور الاسلام السياسي والسيطرة على سدة الحكم ، واخفاقه في تجميع العراقيين على اسس المواطنة والوطنية،والاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وعدم اقراره في تطبيق مبدأ الديمقراطية الحقيقية والتعددية لانتقال السلطة،واصراره على البقاء في السلطة واقامة الديكتاتورية. لقد ادت هذه الحالة الى كارثة انسانية ومادية كبيرة يعيشها الشعب العراقي منذو سقوط الصنم في 2003 ولحد اليوم.
قبل ان نخوض في مناقشة موضوع هذا التيار وتطويره الى جبهة واسعة وعريضة، ليقف في مواجهة هذا الخراب المتعمد الذي يجري على العراق وشعبه، اذ لابد من التطرق وبشكل مكثف (من دون الدخول في التفاصيل) الى الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماساوية التي يمر بها العراق اليوم، وهي في تدهور مستمر،من دون ايجاد اية حلول صائبة لمعالجتها وانهاءها.ويمكن تلخيصها، كالاتي:

اولا:ارى من منظور الشخصي ان ملخص الوضع السياسي في العراق، بما فيه  اقليم كردستان الحالي وفي المستقبل المنظور، كالاتي :-
1- استمرار توجه المحاصصة الطائفية والمذهبية والحزبية الضيقة في تقاسم السلطة.
2- محاولة في تطبيق مبادئ الشريعة الاسلامية على كافة المرافق الادارية والحياتية.
3- استمرار التدخلات الاقليمية في شؤون العراق الداخلية، وخاصة ايران،والسعودية،والكويت.
4- عدم استقرار الوضع الامني، واستمرار التهديدات من القاعدة وازلام السلطة السابقة والصدرين ، وجيش المالكي ومنظمة بدر وبيشمركة الاكراد، والاغتيالات المنظمة من الامن الايراني وموساد الاسرائيلي، وظاهرة هروب من السجون.
5- توجه سياسة المالكي الى اقامة نظام ديكتاتوري في العراق.
6- استمرار النزاعات بين الشيعة والسنة والاكراد والاطراف المشاركة في العملية السياسية،على السلطة والنفوذ والمال.
7- الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، واندلاع التظاهرات والاحتجاجات الجماهرية في عموم العراق.
8- ارباك واضح في الاداء الحكومي ، وتعطيل كل اركانها، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية.
9- استمرار الضغوط الامريكية على العراق بهدف بقاءها، وذلك بعد انتهاء المدة المقررة لها في نهاية العام الحالي، وانتهاء ايضا مدة الاتفاقية الامنية في نفس الفترة. ويمثل هذا الضغط في ثلاث محاور الاساسية: طلب تعويضات الجانب الامريكي من العراق حول خسائر جيشه في احتلال العراق. اثارة موضوع فتح ملف مجاهدين الخلق في تحقيق قتل 35 من عناصره في معسكر اشرف. واخيرا اجبار الحكومة العراقية على تمديد الاتفاقية الامنية، بحجة ان الانسحاب النهائي سيؤدي الى ترك الفراغ السياسي والاقتصادي ، وعدم جاهزية القوات العراقية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، وامكانية الخروج من البند السابع.

ثانيا: ملخص الوضع الاقتصادي في العراق، بما فيه الاقليم، اراه، كالاتي:-
1- انعدام الرؤية والشفافية في استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة.
2- تفاقم معاناة الشعب العراقي في تزايد الفقر، وانعدام الخدمات الاساسية، مقابل نمو فئة جديدة من الاغنياء.
3- تفشي نظام الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الادارية والسياسية.
4- استمرار في تطبيق فقط نهج الاقتصاد السوق- الحر ، وضعف دور الحكومي في توفير السلع والخدمات الاساسية والضرورية للشعب.
5- غلبة النشاط الاقتصاد الاستهلاكي ، ويرافقه تدني النشاط الانتاجي الاصناعي والزراعي والتجارة والخدمات.
6- ضعف مصادر القوى العاملة المتطورة اللازمة في العملية الانتاجية.
7- اتباع سياسة الاستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة.
8- ضعف واضح في اداء التشريعات المالية والنظام الضريبي والمؤسسات المالية ، وخاصة البنوك.ان التضخم لا يزال عالي، وعدم استقرارالقوة الشرائية للدينار العراقي
9- تفاقم حجم البطالة، قد يصل الى 50%، وجود بحدود 25% تحت مستوى خط الفقر.
10- هناك اختلال واضح بين الانفاق الاستهلاكي والاستثماري في الميزانية العامة للعراق الفيدرالي. بقاء اقتصاد العراق ريعي ، يعتمد فقط على النفط. تشكل الميزانية لهذه السنة 100 مليارد دولار، منها 17% الى اقليم كردستان ، اي 17 مليارد دولار. تمثل تركيبة الميزانية( 70% الى الانفاق الاستهلاكي، 20%النفقات التشغيلية الاخرى، 10% للانفاق الاستثماري )!!!! .
11- ان اقتصاد العراق مهدد من طرف "اسماك القرش"الاجتماعية، وهي تتمثل في اعداد من
اصحاب الاغنياء الجدد في عوالم الظل والسوق السوداء. انعدام الشفافية والديمقراطية
الاقتصادية، ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، والى المساعي والخطط
لتطبيق وصفات صندوق والبنك الدوليين سيئة الصيت، والمؤذية للطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.

ثالثا: الوضع الاجتماعي
1- ان يوجه نحو بناء نظام العدالة ومن ثم الرفاه الاجتماعيين لهذا الجيل والاجيال القادمة(من حق التعليم والعلاج والتامين والضمان الاجتماعي) ،
هو من اساسيات واوليات وواجبات الدولة في كل العالم، ولا يتم فقط عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق. ومن هنا تاتي ضرورة تدخل الدولة ونظام القطاع الحكومي العام في تخطيط وبرمجة عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة. فمن الضروري اعطاء الاولوية في الصناعات الاستهلاكية
، لتوفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين. وهذا يعني تخصيص جزء كبير من الاستثمارات التي تكون الرأسمال المحلي لخلق وتطوير وسائل الانتاج المادية التي تساهم في انتاج السلع والخدمات النهائية لتلبية احتياجات السكان.
2- ضرورة توسيع المشاركة السياسية للتنظيمات والاحزاب والشخصيات المستقلة ، التي لها دورها على ساحة العراقية وفي صنع القرارات المصيرية. وتفعيل ممارسات حقوق الانسان وحقوق القوميات والاقليات ، والممارسة الفعلية للديمقراطية، وحل الاشكاليات عن طريق الحوارات وباسلوب عصري بعيدا عن القوة .
3- مكافحة الارهاب باشكاله المختلفة .وبدون ذلك يصعب تصور اي سيناريو عقلاني لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق والاقليم.
4- لم يشهدالعراق بما فيه اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند اللزوم.
- تعميق النهج الديني / السياسي للشريعة الاسلامية في كل الأوجه من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.5
6- تهميش دور المراة، واخفاقها في تحقيق بعض مطالبها وحقوقها المشروعة والمهمة، وخاصة في مجالات العمل والتربية والتعليم، وتشغيل بعض وظائف مهمة في مستويات الادارية المتقدمة، وضعف دورها ايضا في الحياة السياسية وفي البرلمان والوزارات.

ولعل اهم هذه الصعوبات، تكمن في عدم توفرالنيات الحسنة والطموحات الكبيرة والرغبات والتصريحات المثيرة بمستقبل زاهر للعراق.هدرالاموال العامة  وضعف الخبرات، والموارد البشرية والتراكيب التحتية. وضعف قدرات القيادات السياسية للكتل المشاركة في الحكم على وضع الخطط والاستراتيجيات الصائبة والشفافة للاصلاح على المسارات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. كل هذه الامور تقف اليوم حجر عثرة في تطوير المسيرة السياسية والاقتصادية - الاجتماعية في العراق الجديد - القديم. لا يمكن التكهن في بناء العراق الجديد بكل معنى الكلمة، ما لم يتم انتزاعه من كل هذه المشكلات والنكبات والتخلف المتراكمة منذ الحكم الديكتاتوري المقبور ولحد اليوم، واصبحت هذه المشاكل تدور في حلقة مفرغة،وتتراكم يوما بعد يوم، بحيث اصبحت معالجتها صعبة والخروج منها معقدة ومكلفة.
 وعلى ضوء المعطيات السابقة، لقد ان الاوان الى التفكير الجدي والواقعي في وضع العراق وشعبه. ومد يدنا شعورا بالمسئولية الانسانية والوطنية والاخلاقية الى هذا الشعب المناضل، لنسجل له يوم انتصاره القادم. ووضع مسيرة العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مسارها الصحيح.
ارى اليوم بان ولادة التيار الديمقراطي العراقي في الداخل وخارج العراق، و نطمح تحويله الى جبهة ذات قاعدة جماهيرية عريضة، هي ضرورة تاريخية وموضوعية، والاعتماد عليها لخلاص الشعب العراقي من مصائبه والحالة المزرية التي يعيشها.
 
ولكي يؤدي هذا التيار دوره التاريخي المهم في هذه العملية، يجب ان نعمل سوية بروح مسئولية عالية لتحقيق الطموحات الاتية:
 1- ان يفتح التيارالديمقراطي ابوابه لكل الشرفاء من اليسارين والديمقراطيين والخيرين والوطنيين والمثقفين من الاحزاب السياسية التقدمية والمستقلين، الذين يامنون بمبدأ المواطنة والوطنية. وفي تعميق وتوسيع المناقشات والحوارات البنائة وفق اسس ممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية،ومن خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع من مكونات الشعب العراقي. واشراك الجميع في نشاطات هذا التيار.
2- يجب ان يطرح الشعارات التي تنبثق من نفس الشارع العراقي، المطالب بالتغير واجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الانية. واستخدام كل الوسائل السلمية ،من حق التظاهرات والعصيان والاحتجاجات الجماهرية، والوسائل الاعلامية المختلفة وغيرها، لتحقيق الشعارات التي تعبر عن مطاليب شعبنا العادلة.
3- الاسراع في عقد الاجتماعات لتكميل الهيكل التنظيمي وبرامج التيار ونظامه الداخلي في الخارج. والتنسيق مع الداخل،من اجل عقد المؤتمرالعام للتيار في بغداد في الموعد الذي يحدد لذلك.على ان تشارك كل الاطراف في اغناء البرامج المطروحة وصياغة النظام الداخلي.
4- الاهتمام بالجانب الاعلامي وفق الامكانيات المتاحة. واستخدام كل الوسائل من الكتابات، واقامة الندوات، والاحتفالات والسفرات الجماعية،ومواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك، تويتر، يوتوب والصحف الالكترونية والورقية، من اجل ايصال صوت شعبنا الى اوسع قاعدة اجتماعية في خارج وداخل العراق.
5- يحتاج التيار الى دعم مادي ومعنوي من المنخرطين في صفوفه. وتقوية اواصر العمل المشترك مع كل منظمات المجتمع المدني، وذلك لتوسيع قاعدته الاجتماعية، حتى يكون حقا تيارا جماهيريا لجميع العراقيين، ومن مختلف الاتجاهات والمكونات الشعب العراقي.
6- الاستقلالية التامة في اتخاذ القرارات، بعيدا عن تاثيرات الحزبية الضيقة. والاتفاق على المشتركات، وتاجيل الاختلافات في وجهات النظر حاليا ، ورسم خارطة طريق للمرحلة الانية والمستقبل المنظور ومتطلباتها الملحة.
7- التواصل والتفاعل والمتابعة المستمرة بين الاعضاء المنخرطين في التيار، بوسائل الاتصالات المختلفة ، وخاصة اللاكترونية منها. الاهتمام بالعنصر النسائي وكسبها لتلعب دورها الفعال في نشاطات التيار الديمقراطي. الانفتاح على جميع القوى والشخصيات المستقلة الوطنية العراقية، صاحب المصلحة الحقيقية في اجراء التغييرات والاصلاحات على النظام الحالي.
8- على التيار ان يلعب من الان دورا فعالا في ايجاد الاليات والمستلزمات الفعلية والواقعية اللازمة لتوحيد البرامج الانتخابية لتيارات اليسار والديمقراطية  من الاحزاب والمجموعات الوطنية المستقلة، تستند على:اسس المواطنة والوطنية، بناء دولة عصرية مدنية علمانية، معتمدا النظام الفيدرالي الديمقراطي العصري الموحد اساسا لادارة الحكم،الاقرارعلى مبدأ فصل الدين عن الدولة،انهاء الاحتلال وصيانة الاستقلال الوطني، واستخدام موارد البلاد الاقتصادية والبشرية في خدمة عملية اعادة وبناء اقتصاد متين ومزدهر للعراق ، من خلال اقرار البرامج الشفافة تستند على الاستراتيجية الحقيقية للتنمية الاقتصادية –الاجتماعية والبشرية المستدامة.

نشد ونراهن على جميع الوطنيين من اليساريين والديمقراطين وكل الخيرين من ابناء شعبنا العراقي المناضل، ان يساهم كل من موقعه ولو بقسط متواضع في نشاطات هذا التيار الديمقراطي وفي صنع قراراته، وذلك لتحقيق التغيير والاصلاحات الملحة والمرتقبة على النظام الحالي. اعداد وتحضير جيد للانتخابات التشريعية والمحلية القادمة، تحت الشعار الذي يجمعنا( العراق يستحق الأفضل).

73
المناضلة هناء أدور... كما عرفتها

د.صباح قدوري

في بداية الستينيات ، وبالتحديد في 1963 تعرفت على الشابة المناضلة من البصرة ، عندما كانت طالبة في السنة الاول كلية الحقوق في بغداد . وكنت انا ايضا طالبا في السنة الثانية كلية ادارة الاعمال في جامعة بغداد. كانت فتاة نشطة وفعالة في وسط الطلبة من خلال عضويتها في الاتحاد العام لطلبة العراق في الكلية، وانتماءها الى الحزب الشيوعي العراقي. وكانت لها علاقة صداقة جيدة مع الطلبة من مختلف الاديان والقوميات. تحب القراءة والموسيقى وتعلم اللغات الاجنبية المختلفة، وكانت تتردد على المركز الثقافي السوفيتي، الذي كان في نهاية شارع ابي نواس ، لتعليم اللغات، والاطلاع على الاصدارات العربية التي كان يصدرها المركز باللغة العربية. كانت تبادر في تنظيم العلاقات الاجتماعية والسفرات الجامعية، والنشاطات الثقافية والسياسية المختلفة بين الطلبة.
واثناء هجمة 1963 البربرية الوحشية من ازلام حزب البعث وطلبته، القي القبض عليها ، بسبب نشاطها البارز لتصدي الى الاضرابات الطلابية لطلاب البعثيين في حينه ، وعلى اثرها تعرضت الى ابشع انواع التعذيب الوحشى على ايدى الطلبة من قطعان الحرس القومي البعثي. وكانت نشطة في رابطة المراة العراقية وفي الحزب. وبعد خروجها من السجن، استأنفت نشاطها مرة اخرى في صفوف الحزي الشيوعي العراقي ، من خلال المنظمة الطلابية، وساهمت مع رفيقات ورفاق اخرين في اعادة بناء التنظيم الطلابي للحزب وكذلك منظمة الاتحاد العام لطلبة العراق، وخاصة في كلية الحقوق. وبادرت باحياء نشاطات الاتحاد من خلال المشاركة في تنظيم لقاءات وسفرات طلابية الى سدة صدور وبساتين اللطيفية في ضواحي بغداد، وذلك للتعارف وتحريك واعادة نشاطات وفعاليات الطلبة في كليات جامعة بغداد انذاك.

وعلى اثر الهجمة الشرسة الثانية لحزب البعث التي اصابت الحزب مرة اخرى في عام 1979، غادرت بغداد لتلتحق كنصيرة في النضال المسلح لقوات الانصار في كردستان العراق. وبعد ذلك سافرت الى جمهورية المانيا الشرقية لاكمال دراستها العليا. واثناء وجودها في المانيا ساهمت بنشاطات كبيرة في لجان الحزب الخارجية، ورابطة الاتحاد العام لطلبة العراق في الخارج ، وفي الهيئة التنفيذية لاتحاد النساء العالمي. وبعدها انتقلت الى دمشق لتعمل في مجلة يسارية عربية " النهج"، وسكرتيرة تحرير لمؤسسة" المدى" الاعلامية. كما واسست جمعية خيرية باسم جمعية "الامل"، لمساعدة الشعب العراقي في محنته اثناء فرض الحصار الاقتصادي على رقاب الشعب،على اثر حرب الخليج الثانية، ودامت 13 سنة. واتخذت من اربيل في اقليم كردستان العراق مقرا لهذه الجمعية،ومن خلال فتح فروع لها في بعض محافظات العراق، استطاعت تنفيذ عشرات المشاريع المهمة في تطوير وتاهيل القوة البشرية النسوية في الاقليم وفي المحافظات العراقية الاخرى، وفي مجالات محو الامية، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والارشادات والعيادات الصحية ، وبناء المدارس، وورشات العمل المهنية في الخياطة والنقش والاعمال اليدوية الاخرى.
وبعد ازاحة النظام الديكتاتوري السابق في 2003، انتقلت نشاطاتها المختلفة الى بغداد لتساهم مع الوطنيين والمناضلين والشرفاء في مجالات الدفاع عن حقوق المراة ، وتنشيط منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان، وفي بناء " العراق الجديد" بعد زوال الديكتاتورية.

تعتبر هناء أدور بحق احد الملامح الوطنية، تكتسب ود كل العراقيين الشرفاء. لقد وقفت وقفة شجاعة وبجدارة عالية في ما يسمى بمؤتمر الدفاع عن حقوق الانسان العراقي ، وبحضور رئيس الوزراء ومندوب الامم المتحدة، لتحرجهم وتصرخ صرخة الشعب العراقي بوجوههم لتكشف اليهم الحقيقة والدفاع عن المظلومين والناشطين، وخصوصا الشبيبة المتظاهرين في ساحة التحرير، والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين منهم، والاستجابة لمطالبهم المشروعة.

طوبى لك ايتها المناضلة العراقية الاصيلة ، العنيدة ، المثابرة ، المجتهدة في عملها ، لقد كنت شامخة ، صامدة دائما ، امام من يريدون تزييف الحقائق بما يرضي نزواتهم ومصالحهم . انك خير من مثل المرأة العراقية  في نضالها ودفاعها عن حقوقها . انك من النساء القليلات اللواتي دأبن الى الحصول على حقوقهن حتى وان كلفهن ذلك حياتهن . وها انت وقفت بوجههم  ولن تخافي لومة لائم ، وقلت الكلمة التي يجب ان تقال في سبيل حقوق الانسان العراقي ، وفي سبيل تحقيق الحرية والمساواة والعدل ، والوطن الحر ، وعراق ديمقراطي فيدرالي، تتعايش فيه بسلام كل الطوائف والقوميات والأديان . وفي سبيل تحقيق الحياة الحرة الكريمة وعراق خالي من الفساد الاداري والمالي ، وعراق مزدهر آمن ، عراق يتميز بالتقدم الاقتصادي والحضاري والاجتماعي ، عراق يتساوى مع باقي الامم المتقدمة التي وفرت لشعوبها كل مستلزمات الحياة .

كلنا نقف معك في هذه المحنة ، واملنا من الجهات الرسمية ان تتخذ الاجراءات اللازمة في سبيل اعطاءك رد الاعتبار على ما ارتكبوه من اخطاء اتجاهك . واملنا ان نلقاك مرة اخرى وانت باسقة كالشجر في عملك الشاق , الذي يتطلب المهارة العالية التي انت اهلا لها . فطوبى لك مرة اخرى .



74
مائة يوم... وماذا بعد؟!

د.صباح قدوري

لم تظل امامنا الا اياما معدودة ، وان المائة يوم التي وعد بها السيد المالكي ستنقضي، من غير ان تحقق اية نتائج ايجابية تذكر بخصوص التغير في اداء حكومة المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية. ولحد هذه اللحظة لم يكمل النصاب الكامل للحكومة، وذلك بغياب تعيين الوزراء الامنيين لوزارات الدفاع والداخلية والامن القومي. ولم تجري اية اصلاحات او تغيرات في العلاقة بين الكتل السياسية المشاركة في اركان الدولة العراقية الاساسية من السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية ، وفيما التوتر والجفاء يسمان العلاقة بين هذه السلطات، والعلاقات بين المركز والمحافظات واقليم كردستان العراق. ولم يتحسن الوضع الامني مع تصاعد وتيرة الاغتيالات بمسدسات كاتم الصوت ، واستمرار العمليات الارهابية باشكالها المختلفة ، من العبوات اللاصقة والمفخخات والاختراقات الامنية والهروب من السجون. بل بالعكس اشددت التوترات  والتناحرات، وتعمقت الخلافات وفقدان الثقة بين اطرافها، مما تمهد هذه الحالة الى انهيارالحكومة الحالية . ولذلك توجب المطالبة من معظم الكتل السياسية المشاركة في الحكومة و خارجها، والجماهير الغفيرة باسقاط هذه الحكومة ، واجراء الانتخابات مبكرا، مع ضمان الاقدام بالتغيرات الجوهرية في قانون الانتخابات القادمة، واصدار قانون الاحزاب ، واصلاحات في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، واجراء عملية الاحصاء السكاني.
 
ان السباق المارثوني للتمسك بالحكم، هو بهدف السلطة والنفوذ والمال، وليس من مصلحة الجماهير، وضمان حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والشخصية والعامة. غياب الرؤى والاستراتيجيات القريبة والبعيدة في عملية التنمية الاقتصادية  والاجتماعية والبشرية المستدامة.وقد ادى هذا كله الى تعطيل اجهزة الدولة  واركانها وفقدان الثقة والمصداقية بها، كما وان الكتل السياسية عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها ووعودها لناخبيها الذين ادلوا باصواتهم لهذه الكتل في الانتخابات الاخيرة التي جرت 2010 .

لم يعار ايضا اي اهتمام في تحقيق مطاليب المتظاهرين التي تخص الوضع المعيشي والاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الحريات السياسية والعامة والشخصية، ومكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري في كل مفاصل الدولة وعلى المستويات الحزبية. وبسبب تفاقم الاوضاع المزرية لجماهير غفيرة من الشعب العراقي، اقدمت الجماهير في مختلف اجزاء العراق بالاعلان عن غضبها وتظاهرها احتجاجا على هذه الاوضاع ، مطالبة باصلاح النظام وتوفير الخدمات ، وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلد، وضمان الحريات الدستورية وحقوق الانسان وغيرها من المطاليب المشروعة.

وفق كل المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وبكل المعاير المؤسساتية والقانونية ، فان الحكومة الحالية غير مؤهلة وغير قادرة على تلبية مطاليب الجماهير المتظاهرة لا الان ولا في مدة ولايتها المتبقية. وعليه فانه ليس امام الجماهير الا استمرار في التظاهرات والاحتجاجات السلمية، مطالبة بالتغير السياسي في الحكم، من خلال رفع الشعار الاساسي باجراء الانتخابات التشريعية مبكرا، مع الحرص والضغط على البرلمان لاجراء تغيرات واصلاحات حقيقية في قانون الانتخابات ، واصدار قانون الاحزاب، والاصلاح الشامل للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وانجازعملية الاحصاء السكاني.

واليوم تقع على عاتق الاحزاب السياسية التي تؤمن بالديمقراطية الحقيقية، وتعامل العراقيين على اسس المواطنة والوطنية، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية. عليها ان تدعم بقوة مطاليب الجماهير العادلة في اجراء الانتحابات التشريعية مبكرا ، وخلاص الشعب العراقي من محنته هذه. دعم التيار الديمقراطي العراقي الذي ينشط اليوم على الساحة العراقية وفي الخارج ، ويجمع تحت رايته كل القوى المخلصة من ابناء شعبنا ، للمساهمة في النضال السلمي الدؤب من اجل تحقيق مطاليب المتظاهرين المهضومة ، وهي مطاليب كل اطياف شعبنا. والتصدي بحزم لكل الاجراءات التعسفية والاساليب القمعية والقتل التي يمارسها نظام الحكم ضد المتظاهرين المسالمين. والطلب بحزم ايضا ياطلاق سراحهم، وحماية لحقوقهم الدستورية بالتظاهر والتعبير عن معاناتهم والام شعبهم ، والمطالبة بابسط حقوقهم المشروعة في العيش الكريم والاقتصاص من القتلة والفاسدين. دعم نشاطات منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية وجمعيات حقوق الانسان والبيئة والثقافية ، وتحشيد قواها لدعم هذه التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية السلمية حتى يتحقق النصر الاكيد.
 
توعية الجماهير واعدادها من الان للخوض في الانتخابات التشريعية القادمة بروح معنوية عالية وبارادة وعزم قويين، حتى يتحقق طموحات شعبنا في اقامة عراق جديد بكل معنى الكلمة، ديمقراطي فيدرالي حقيقي موحد، يأمن بالمواطنة والوطنية ويدافع عن سيادة واستقلال بلاده. وضع استراتيجية واضحة وشفافة لعملية التنمية الاقتصادية  والاجتماعية والبشرية المستدامة. وضمان الامن والاستقرار وحقوق وكرامة الانسان العراقي. وتحقيق المساواة بين مكونات طيف الشعب العراقي، ومبدأ الديمقراطية الحقيقية وتداول السلطة  سلميا وتحقيق العدالة الاجتماعية.   



75
حقوق الشعب الكوردي... وفيدرالية كردستان العراق

د.صباح قدوري
سبق وان نشرت مقال بعنوان"مقترحات برنامج العمل لادارة فيدرالية كردستان العراق الجديدة"، على عدة مواقع انترنيت، وذلك عشية تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور برهم صالح، على اثرالانتخابات التشريعية التي جرت 25/تموز-يوليو2009 في اقليم كردستان العراق. بهدف المناقشة ودراسة الافكار الواردة فيها واغناءها والخروج بنتائج مشتركة ، تخدم المسيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم. واعتقد ان القسم الاعظم من الافكار الواردة في المقال ، لا تزال قائمة وتحتفض بصوابها، ولم تعار اليها اية اهمية من الحكومة الحالية. لذا ارى من المناسب اعادة بعض هذه الافكار مرة اخرى في هذا المقال، عسى ان تستفاد منها لمعالجة الاوضاع الجديدة، في ظل الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واندلاع التظاهرات والاحتجاجات الجماهرية السلمية في الاقليم، تطالب بالتغيير والاصلاحات، وبناء اسس صحيحة لادارة الفيدرالية في الاقليم.

تتفاقم يوما بعد يوم ازمة الثقة بين شرائح كبيرة من الشعب الكوردي والادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، التي هي فعلا تحت هيمنة الحزبين الحاكمين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ، وذلك نتيجة لتراكم المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتروكة منذ زمن طويل، من دون ايجاد حلول صحيحة وجوهرية لها.

 ولدت الفيدرالية نتيجة تضحيات الشعب الكوردي الجسيمة عبر تاريخه النضالي. واصبحت حقيقة واقعة قائمة بعد انتفاضة اذار1991 المجيدة. واقرها البرلمان الكردستاني في 4/10/1992، والمستند الى برامج  كل الاحزاب السياسية المتواجدة في الاقليم ، كصيغة مرحلية للتعبير عن حق تقرير المصير للشعب الكردي في العراق في الظرف الراهن، وتطويرها ضمن سيرورتها التاريخية، و بعد توحيد كل اجزاء كردستان، تمهيدا لتحقيق الاهداف البعيدة في حق التقرير المصير النهائي واقامة الدولة الكوردية.

ان القضية الكوردية كظاهرة اجتماعية موضوعية ، تتحرك باستمرار بين العاملين الداخلي والخارجي . وان الربط بينهما ، مع ايجاد نوع من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المصيرية، يعطي زخما في تطوير هذه القضية ، باتجاه سليم ، ويبعدها عن المخاطر والاخفاقات ، مع التاكيد على ان العامل الذاتي يلعب الدور الرئيسي في هذه العملية. لقد ولدت هذه الفيدرالية  بنتيجة العامل الداخلي على اثر الانتفاضة المجيدة. اذ اقرت لها منطقة امنة ضمن خط عرض 36 في حينه، بتاييد الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها القوى في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية، وان كان ذلك مرتبطا بنظرة قوامها اعتماد هذه القضية لخدمة مصالحها الذاتية في المنطقة . وقبل هذا الاجراء الى حد ما، من جانب بعض الدول الاقليمية. وهكذ نشأ نوع من التوازن بين العاملين ، ولكن يمكن اعتبار العامل الذاتي هو الذي كان بارزا في هذه العملية.

 اجريت في عام 1992 اول انتخابات التشريعية في الاقليم. ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم فان السلطة التشريعية والتنفيذية وكذلك القضائية تتقاسم بالمناصفة والمعروفة(ففتي ففتي) بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني. تهميش دور الاحزاب الاخرى المتواجدة فعليا في الاقليم من الشيوعيين والاشتراكيين والكادحيين والاسلاميين وعناصر المستقلة. سمحت لهذه الاحزاب بمزاولة نشاطها السياسي ،واشراكها في ادارة الفيدرالية ومؤسساتها بشكل رمزي.ان حساسيات ونزعات الهيمنة والتفرد والتنافس، هي ظاهرة متلازمة للعلاقة بين الحزبين المتنفذين عبر تاريخمها السياسي، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال، بعيدا عن مصالح الشعب الكردي في الاقليم. وقد اشتدد هذه النزعات في سنة 1994، مما اسفرت الى الاحتكام بالسلاح بدل الحوار الحضاري والمصالحة وممارسة الديمقراطية، واعلان الاقتتال الداخلي التي طالت امدها اربعة سنوات، وانتهت بالمصالحة وايقاف الاقتتال. الرجوع مرة اخرى الى صناديق الاقتراع في عام 2005، اي بعد مرور 13 سنة على الانتخابات الاولى، وبذلك اضعف العامل الداخلي في عملية اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية. ومنذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية الاخيرة التي اجريت في25/يوليو 2009، تفاقمت مجددا الحساسيات والخلافات المتكتمة بين الحزبين،وبرزت للعيان اكثر الان ، على اثر المظاهرات الجماهرية التي شملت المناطق الخاضعة فعليا لسلطة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، من دون ان تتمدد الى محافظتي اربيل ودهوك.الخلافات بين الحزبين الكرديين اخذت اليوم طابعا اخرا من مواجهات بالسلاح الى خلافات المتكتمة التي تطوف الى السطح بين حين واخر، من اجل توسيع النفوذ والسلطة والمال والمنافسة على التشكيلات الامن والبشمركة، وذلك للحصول على اكبر المناصب في داخل الاقليم والمركز.

 لقد ادت هذه السياسات الى تفريغ الهيئات الادارية لمؤسسات الحكم الفيدرالي من وظائفها في عملية المشاركة واتخاذ القرارات الادارية، وتضعيف دور البرلمان في رسم وتوجيه السياسة الاقتصادية والادارية، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق على كل المرافق، وانتشار الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات السياسية والادارية. ومقابل ذلك تعاني الفيئات والشرائح الاجتماعية، وخاصة الطبقة الوسطى والشباب والفقراء والمراة، صعوبات جدية في تدبير اوضاعها الاقتصادية ، وحماية حقوقها الاجتماعية ، وممارسة الديمقراطية، وحق التعبير عن اراءها، وتحقيق مبداء العدالة الاجتماعية.

استمرار هذا المشهد مع ظهور اطراف سياسية اخرى من حركة التغيير والاحزاب الاسلامية والاحزاب الاخرى التي كانت تدعم سياسة الحزبين الحاكمين، بان تلعب دورا في تغير الموازنة بين الحزبين الحاكمين. وتمارس هذه الاحزاب اليوم وبالمشاركة الفعالة من الشباب والعاطلين والنساء والمثقفين وطلاب الجامعة، ضغطا على الادارة الفيدرالية، مطالبين باجراء اصلاحات جذرية في سياسة الحزبين تجاه الاوضاع المزرية التي يمر بها الشعب الكردي في الاقليم ، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها تخفيف معاناة الشعب من الفقر، وتوفير الخدمات الاساسية من الماء والكهرباء والموقود والدواء، ومعالجة وباء الفساد الاداري والمالي، وتفعيل دور المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني، لممارسة صلاحياتها بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة في امورها.ومنذ تطبيق النظام الفيدرالي، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند اللزوم.

بعد سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 ، واجه العراق بما فيه اقليم كردستان تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنذ انتفاضة اب 1991 المجيدة، وعلى اثرها ولد النظام الفيدرالي في الاقليم الحالي ، وبعد انقضاء 20 سنة من عمر هذه المسيرة، شهد اقليم كردستان العراق بعض تطورات نوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكن ليست هذه التطورات في مستوى طموحات الشعب الكردستاني، والامكانيات المالية والبشرية المتاحة للادارة الفيدرالية .

ان تحويل اقتصاد الاقليم من اقتصاد مركزي الى اقتصاد مفتوح ومتنوع وقائم على الإستفادة من اليات السوق ودور اكبر للقطاع الخاص ، فضلا عن ان هناك اتفاقا على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء اقتصاد الاقليم ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وبناء واعادة بناء البني التحتية .الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات، وذلك لاسباب ، يمكن حصرها( من دون الدخول في التفاصيل) كالاتي:-

1- تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري. واصبحت الحزبية الضيقة فوق كل مؤسسات المجتمع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الامر الذي افضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين اجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الاساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر، بان الجهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها.

2- ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري في كافة اجهزة ومستويات الادارة الفيدرالية. تزداد حجم التعاملات في سوق الظل(السوق السوداء) يوما بعد يوم دون اي رقيب اوحساب لهذه القضية الخطيرة. الانشغال والمبالغة بفهوم الخصخصة، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، وقد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الاقتصادي والاداري.

3- ان اقتصاد الاقليم مهدد من طرف "اسماك القرش"الاجتماعية، وهي تتمثل في اعداد من اصحاب الاغنياء الجدد في عوالم الظل والسوق السوداء. انعدام الشفافية والديمقراطية الاقتصادية.ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، والى المساعي والخطط الرامية لتطبيق وصفات صندوق والبنك الدوليين سيئة الصيت والمؤذية للطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.

4- غالبية النشاط الاقتصادي ذو طبيعة استهلاكية ، ويرافقه تدني النشاط الانتاجي الذي يساهم في خلق القيمة الزائدة، وتكوين التراكم الراسمالي للاقتصاد المحلي في المدى المنظور.تنفق الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق مبالغ كبيرة من ميزانيتها والمساعدات المقدمة اليها من الخارج على القطاعات الاقتصادية الاستهلاكية على حساب الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية الانتاجية من الصناعة والزراعة وبناء البني التحتية في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات، الامر الذي انعكس على اتجاهات التنمية البشرية ، وعدم تحقيق التنمية المتوازنة بين طبقات وفئات المجتمع ، وبين المدن والارياف، فنسبة كبيرة لا تزال بعيدة عن خدمات الحكومة المباشرة في مجالات القطاعات الانتاجية المشار اليها اعلاه،وتسبب هذه الحالة الى تفاقم مشاكل الامية والبطالة واتساع ظاهرة الفقر المدقع.

5- ضعف ومحدودية مصادر القوى العاملة المتطورة اللازمة في العملية الانتاجية. كذلك ضعف ايضا في البني التحتية،الذي يعرقل عملية النمو والتطور الأقتصادي. تفاقم حجم البطالة بين الشابات والشباب،وخاصة في الوسط النسائي.اذ هناك اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب في حكومة الاقليم، في حين انه يفترض ان لايزيد عدد موظفي الحكومة حسب مصدر حكومي عن 14%، ولكن في كردستان نسبة تفوق الى 30%. وبذلك تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة ، التي تعتبر احد اوجه الفساد الاداري في الاقليم.عادة يتم تعين موظفي الحكومة وخاصة في المراكز القيادية، بتزكية من الحزبين الحاكمين.

6- ان اقتصاد الاقليم هو خارج القانون واحيانا فوقه ، والاقتصاد اصبح يحتاج الى استقرار حقوقي. يقول لينين بان" الاقتصاد تستحيل ادارته بالامر". وهذه المشكلة تزداد تعقيدا اذ كان هذا الاقتصاد مطالبا باستيعاب التكنولوجيا الحديثة والاستجابة مع حركة السوق.

7- وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الاسواق والاسعار باشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي، في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما ادى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء، مما سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا، والتي تسيطر على الميول الاقتصادية والتوجهات السياسية. ضعف اداء الادارة الفيدرالية في توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين. توسع في سوق المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتاثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم.
اتباع سياسة الاستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها السلبي على زيادة نسبة التضخم المالي .

8- ان العقود المبرمة بين الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق والشركات الاجنبية العاملة في عملية التنقيب تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. ووفق بعض البيانات الاولية، ان هذه العقود تمنح الشركات المذكورة حصة ارباح عالية من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقول في الاقليم . مع تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي بدرجة كبيرة في هذا القطاع.

9- ضعف واضح في اداء التشريعات المالية والنظام الضريبي والمؤسسات المالية وعلى راسها البنوك ، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية.

ان مسالة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الاقليم ، هي من الاوليات الاساسية للادارة الفيدرالية الحالية. حيث ان الادارات السابقة، فهي لم تكن قادرة على إعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين، وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية. على الادارة الفيدرالية ان تتوجه نحو حل المشكلات التي تعاني منها الجماهير الكادحة والفقيرة وخاصة المرتبطة بالمستوى الواطئ لمعيشة نسبة عالية من سكان الاقليم. لذ يتطلب منها قبل كل شئ ان تكون لها رؤية واضحة في مستقبل التطور الاقتصادي في المنطقة.انتهاج سياسة اقتصادية شفافة ، تستند اسسها على الخلفية الايدولوجية والفكرية التي تعتمدها هذه الادارة في السياسة الاقتصادية على اساس المقولة " السياسة هي تعبير مركز عن الاقتصاد". وبناءا على ذلك، ارى من الضروري اخذ بهذه المقترحات والعمل من اجل تحقيق المهام التالية:-   

1- قبل كل شئ من الضروري توحيد وزارة المالية بشكل فعلي، واعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الاستثمارية الموحدتين لسنة 2011 للاقليم.ونامل ان توحيد الوزارتين البيشمركة والداخلية قد جرى بشكل فعلي وحقيقي في اداء مهمتهما، وخاصة في القضايا التي تتطلب اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية فيهما.

2- التزام بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في اختيار من يشغل اي موقع في جهاز الدولة، ويجب ان لاتعتمد فقط على المعاير الحزبية الضيقة والقرابة  والعشائرية والمحسوبية المعمول بها لحد الان. طلب من اعضاء البرلمان والوزراء الجدد والقداما، تقديم تصريحات مكتوبة ومفصلة عن حالاتهم المالية والاقتصادية ، من الودائع في البنوك المحلية والاجنبية ، قيمة الاسهم ، التي يمتلكونها والمستثمرة في الشركات المحلية والاجنبية،الابنية والعقارات والمصالح الاقتصادية مع الغير وخاصة الزوجة، اقرباء او اعضاء من العائلة ، داخل وخارج الاقليم. محاسبتهم بشدة في حالة الادلاء بالمعلومات غير الصحيحة ، او ممارستهم اي شكل من اشكال الفساد الاداري والاقتصادي، وحرمانهم من اهلية العضوية في البرامان او تنحية الوزراء والمسؤولين الكبار من مناصبهم، مع انزال العقويات المادية والقانونية والمعنوية بحقهم .

3- ارى من الضروري احداث وزارة جديدة باسم وزارة البني التحتية، تهتم باستراتيجية بناء البني التحتية المتخلفة لعموم الهيكل الاقتصادي في الاقليم.
واهمية البني التحتية تكمن في كونها الركيزة الاساسية والفعلية والضرورية لتعجيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، وتساعد على فتح ابواب لدخول الاستثمارات الاساسية التي تحتاجها الاقليم في المرحلة الراهنة وافاق تطورها المستقبلي.

4- من الضروري ايجاد معالجة جدية في حل المشاكل العالقة والمتفاقمة والمتروكة لفترة طويلة من دون حلها بين الاقليم والحكومة المركزية. وهي تتمثل حول المناطق( المتنازع) عليها، والادوار المناسبة لقوات الامن الاقليمية والجيش العراقي ومستقبلهما، تحديد صلاحيات ومهمات ومسؤليات كل من الادارة الفيدرالية والحكومة المركزية، وفق الدستور العراقي ومسودة دستورالاقليم، بعد اجراء التعديلات عليه، والمصادقة عليه عبر الاستفتاء الشعبي، واللوائح القانوية التي تنظم هذه العلاقة. اما من الجانب الاقتصادي فابرزها ،حصة الاقليم من الميزانية العامة للحكومة العراقية، والنزاع حول النفط وقانونه ، وهو في الجوهر نزاع حول وجهات النظر المتضاربة حول من لديه الحق في تطوير موارد العراق الطبيعية، وتحديد شروط الاستثمار الدولي، وتوقيع العقود لتطوير حقول العراق النفطية، بغداد ، ام الاقليم،ام المحافظات ؟.اللجوء الى لغة الحوار في تطوير علاقات متوازنة بين الحكومة المركزية والادارة الفيدرالية في الاقليم.

5- اقرار قانون النزاهة و لجنة النزاهة في برلمان كوردستان الاقليم، وتفعيل دور هيئة الرقابة المالية والشعبية في الادارة الفيدرالية، ووضع اليات الرقابة و الشفافية والمساءلة القضائية لمكافحة الفساد الاداري والمالي.ويجب استثمار الاموال العامة في تفعيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة،كي تعود فوائدها على الجماهير الكردستانية وتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية في المجتمع.

6- استحداث دائرة نوعية على شكل معهد مستقل ، تكون مهمتها اجراء بحوث علمية مختلفة في مجال التطوير الاداري ، المالي ، المحاسبي ، الانتاج والانتاجية ،وتوفير البيانات والاحصائيات اللازمة لعملية التخطيط الاستراتيجي ، واستخدام معاير علمية ومنطقية في قياس كفاءة الاداء لمؤسسات الحكم الفيدرالي. تقديم دراسات علمية وعملية في استثمارات الموارد الطبيعية المتوفرة في المنطقة في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية . على ان يتضمن برنامج المعهد ايضا، مساعدة وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في القطاعين الخاص والعام ، كي تاخذ دورها في تطوير الموارد الطبيعية والبشرية والقوى العاملة في الاقليم ، وفي مجال الموارد النفطية ايضا ضمن الامكانيات المالية والتقنية والفنية المتوفرة في المنطقة وبالتنسيق مع المركز.

7- يحتاج تحريك اقتصاد الاقليم الى تبني سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة لتحقيق مؤشرات نمو اقتصادية ترقي الى معدل النمو السكاني والرفاه الاقتصادي والاجتماعي ، والانفتاح الذي تصبو اليه شرائح المجتمع المختلفة ، بما يضمن نسبة اعلى من النمو ، وبما يحقق توافر سلع وخدمات استهلاكية لاسواق جائعة واسعار فاحشة بشدة ونوعيات رديئة لمثل هذه السلع من حاجات الفرد الضرورية، كالماء والكهرباء والوقود والادوية والمنتوجات الزراعية والحيوانية وغيرها.وعليه بالتاكيد من وجود برنامج كامل للتحديث واعادة هيكلية النظام الاقتصادي،ومشكلته ان مثل هذا البرنامج يحتاج الى استثمارات كثيفة يمكن تامينها من :-

1- تمثل ميزانية الاقليم حاليا نسبة 17% من ميزانية العراق ، هذا بالاضافة الى تنفيذ بعض المشاريع من قبل الحكومة المركزية ، وكذلك من المساعدات الخارجية. وان مسالة بيع النفط موخرا من اقليم كردستان، لا تزال مسالة معقدة بين الاقليم والمركز ، مع وجود بدرجة عالية الفساد الاداري والمالي، والسياسة الاستثمارية المتمثلة بعقود المشاركة طويلة الامد قد تصل الى 50 سنة، وحصة ارباح عالية جدا لشركات المتعاقدة ، قد تصل بين 30-40%، في هذا القطاع، مما تشكل هذه الحالة اجحافا كبيرا في واردات النفط على صعيد العراق والاقليم، وتشكل خطرا على السيادة الوطنية مستقبلا . تمثل الرواتب والاجور حوالي 70% من الانفاق الاستهلاكي العمومي للميزانية، بسبب البطالة المقنعة ، والانفاق التشعيلية الاخرى بحدود 20%، والمتبقي للانفاق الاستثماري بحدود 10% من ميزانية الاقليم. اي هناك اختلال واضح بين الانفاق الاستهلاكي العمومي والانفاق الاستثماري. عليه يجب تقليص حجم الانفاق الاستهلاكي وتوجيها نحو زيادة نسبة الانفاق الاستثماري في المشاريع الانتاجية وبناء البني التحتية.

2- ان نسبة كبيرة من الاستثمارات التي تجري في اقليم كردستان تتركز على قطاع الابنية والتشيد الغير مبرمج، وتشمل الاكثار من بناء فنادق ذات تصنيف عالي (4-5 نجوم)، وعمارات عالية، وفيلات للمسؤولين الحزبيين والاداريين ، الساحات والحدائق والابنية الحكومية المختلفة ، وجزء قليل في بناء المجمعات السكنية للموطنين، في الوقت الذي توجد ازمة حقيقية للسكن في الاقليم. هنا الاختلال واضح ايضا في نشاط هذا القطاع. من الضروري تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في هذا النشاط ، وتوجيه النشاط الحكومي نحو بناء المقومات الاساسية للبني التحتية ، كطرق للنقل العام والسريع والجسور، والمدارس، والمستشفيات، والانفاق وشبكات التلفونات والتلفزيون والانترنيت...الخ، بغية ربط الاقضية والنواحي في المدن، وتسهيل مهمة تنشيط التجارة ونقل البضائع والمسافرين .

3- ان توجه نحو بناء نظام العدالة ومن ثم الرفاه الاجتماعيين لهذا الجيل والاجيال القادمة(من حق التعليم والعلاج والتامين والضمان الاجتماعي) ، هو من اساسيات واوليات وواجبات الدولة في كل العالم، ولا يتم فقط عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق. ومن هنا تاتي ضرورة تدخل الدولة ونظام القطاع الحكومي العام في تخطيط وبرمجة الاقتصاد في الاقليم ، وايجاد نوع من الحوافز لتنشيط دور القطاع الخاص ليساهم هو ايضا بدوره في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة. فمن الضروري اعطاء الاولوية للاستثمارات التي تكون مؤثرة في الصناعات الاستهلاكية ، لتوفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين. وهذا يعني تخصيص جزء كبير من الرأسمال المحلي لخلق وتطوير وسائل الانتاج المادية التي تساهم في انتاج السلع والخدمات النهائية لتلبية احتياجات السكان.

4- محاربة ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي ، وذلك عن طريق القيام بحملة توعية شاملة لموظفي الاقليم وعلى كافة مستويات الادارة الفيدرالية ، وحملة مشابهة موجهة الى المواطنين، عن طريق نشرالوعي الفكري والاقتصادي والاجتماعي ، بغية رفع المستوى الحضاري للمجتمع ، الذي يساهم بلاشك في تقليل والحد من ظاهرة الفساد الأقتصادي في المستقبل المنظور. واوضحت رئيسة منظمة الشفافية العالمية هيوجيت لابيل إن هناك علاقة قوية بين الفساد والفقر "الملايين يقعون في مصيدة الفقر بنتيجة الفساد". تامين دخل ثابت ومتوازن لكافة ابناء الشعب ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، ايجاد نظام الضمان الاجتماعي ،الصحي والدراسي للجميع ، حتى يشعر الانسان الكوردي بالامان ، ويبتعد عن الغش والسرقة والفساد والاجرام ، مع اصدار القوانين والتشريعات والضوابط الصارمة والرادعة للقضاء على هذه الظاهرة، وتحفيز الوزارات والادارات نحو الاصلاح.

5- ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق ، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته، ولا يتم ذلك الا عن طريق تبني رؤية شفافة واستراتجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي . وهذا ما يتطلب ايجاد نوع من التوازن في تسيير الاقتصادي بين التخطيط ودور الفعال للقطاع الحكومي العام والاقتصاد السوق. اجراء الاصلاحات في القوانين والتشريعات المالية والضريبية. استخدام التكنولوجيا الحديثة في بناء منطق ونماذج(موديل) الاقتصادية الملائمة للبيئة الوطنية، ووفق مستوى تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي، ومن دون نقل اواستنساخ التجارب البعيدة عن هذه البيئة . الانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي كما هو عليه الحال الى الاقتصاد الانتاجي . خلق وتنمية القوة البشرية المؤهلة للمساهمة في عملية الانتاج والانتاجية.مع تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفف حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين وتحقق نوع من العدالة والرفاه الاجتماعي.

6- ضرورة توسيع المشاركة السياسية للتنظيمات والاحزاب والشخصيات المستقلة ، التي لها دورها على ساحة الاقليم وفي صنع القرارات المصيرية، وتفعيل ممارسات حقوق الانسان وحقوق القوميات والاقليات ، والممارسة الفعلية للديمقراطية ، وحل الاشكاليات عن طريق الحوارات وباسلوب عصري بعيدا عن القوة . مكافحة الارهاب باشكاله المختلفة . وبدون ذلك يصعب تصور اي سيناريو عقلاني لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الاقليم.

7- ان الفرضية التي تنطلق من اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الملموس، وملاحظة المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في تطور الفيدرالية ، هي فرضية تستدعي اعتماد تدريجي في مواجهة المتغيرات الجديدة،ويوفر امكانية تحديد الاوليات، وتطبيق برنامج الاصلاحات،على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء واعادة الاعمار في الاقليم.

8- ان الموارد المالية والامكانيات الفنية والتكنولوجيا المتقدمة والقوى البشرية المؤهلة للادارة الفيدرالية ، لا تقي بالحاجة الحقيقية التمويلية والتنظيمية لمشاريع التنمية المستدامة واعادة الاعمار، وخصوصا ان حجم الخراب والتدمير الذي تعاني منه البني التحتية وهياكل الاقتصادية في الاقليم ، تستلزم مبالغ مالية كبيرة وامكانيات اكثر ما هو عليه الان ، اضافة الى مكافحة البطالة . لذا ارى من الضروري الاستفادة العقلانية من تطوير القطاع النفطي والريع الناتج عنه ،بعد تنسيق مع الحكومة المركزية ، ومن المعونات الخارجية التي لا تزال شحيحة،والتي تلعب دورا مهما في دعم التنمية المستدامة وتطويرها ، شرط استثمارها باسلوب صحيح في المجالات الحيوية ، ووفق اولويات سليمة ، وكذلك ادارتها من قبل اليات محلية ودولية بصورة فعالة ومتناسقة.

9- يلمس المرء اليوم نوع من تحسن نسبي في مستوى حياة الانسان بالمقارنة الى الفترات السابقة .وخاصة وان هناك مجموعات من الشركات الاجنبية التي تنفذ مشاريع خدمية استهلاكية متعددة، مما ساهمت في زيادة سيولة نقدية في الاقليم ، وسببت في نفس الوقت في ظاهرة التضخم ورفع اسعار السلع والخدمات غيرمراقب، وخاصة الفندقية وايجارات دور السكن وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية مع رداءة نوعيتها ، مما انعكست هذه الحالة بشكل سلبي، خاصة في مجال توزيع واعادة توزيع الدخل القومي وتاثيرها على الواقع المعاشي للطبقات المتوسطة والفقيرة في الاقليم.

10- ان تفعيل دور الادارة الفيدرالية في الرقابة على بعض الانشطة الاقتصادية الاساسية، يتطلب اليوم التحرك نحو التخطيط المركزي،. والالتجاء الى التصنيع المكثف بالاعتماد على الاقتصاد الصناعي ، الذي هو قادر على رفع انتاجية العمل ، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات لتلبي الاحتياجات، وتخفيف حدة البطالة.
 
11- فرض حماية جمركية للصناعات، لمنع منافسة الانتاج المحلي.سبق وطبقت هذه السياسة في كثير من دول العالم وخاصة المتقدمة منها.

12- فرض الادارة الفيدرالية على الشركات لتحقيق متطلبات اهداف تصديرية كشرط للحصول على تراخيص التصنيع، وخاصة اذا كان تمويل تلك الشركات المساهمة في التصنيع وطنيا بالكامل. وذلك بهدف ضمان ارتباط العملات الاجنبية المنفقة ارتباطا مباشرا بالصادرات اللازمة للحصول على عملات اجنبية.وفي حالة عدم تمكن الشركات من تحقيق ارباحا من التصدير، يمكن الاعتماد على الارباح التي تجنيها من السوق المحلية ، بفعل الحماية ضد المنافسة الاجنبية.

13- الرقابة الفعالة على جميع البنوك، بهدف التحكم باستخدام الموارد المالية .اتباع سياسة فرض نسبة فوائد عالية على الاقراض العامة ، وتدني نسبتها على قروض للمشاريع الصناعية والانتاجية.

14- تحكم الادارة الفيدرالية بكيفية استخدام الشركات المحلية للعملات الاجنبية والقروض اللازمة لاستيراد التكنولوجيا، من اجل انشاء صناعات جديدة ، وكذلك للمدخولات المالية اللازمة للمصانع الى حين اكمالها وتصبح جاهزة الانتاج.

15- استثمار موارد ملائمة في التعليم ، من اجل اعداد قوة عمل الافضل تعليما وتخصصا، لكي تساهم في رفع انتاج وانتاجية العمل.

16- تفعيل القطاع الزراعي ، الذي يعاني من تخلف واهمال وضعف الادارة والتنظيم وبدائية في اساليب الانتاج الزراعي والحيواني والخدمات التسويقية، ومساهمته ضئيلة جدا في تركيبة الناتج الاجمالي. تنويع وتحديث وسائل انتاجه وادخال الادارة الحديثه في تسييره، واستخدام التقنيات الحديثه في العمل والانتاج والنقل والمواصلات والمخازن، والاساليب الحديثه في تسويق المنتوجات الزراعية والحيوانية والثروة السمكية، بهدف رفع الانتاج والانتاجية. زيادة الموارد لادارة المياه، والطرق الريفية، ومرافق التخزين ، والبحوث والارشاد ، هذا اضافة الى ضخ رؤوس اموال كثيفة في الزراعة،وذلك من خلال تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة، واشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها. وبهدف تاهيل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي ، ويكون قادرا على اشباع الحاجات الداخلية الضرورية من السلع،وتصدير الفائض مستقبلا الى الخارج.
 
17- ضعف الاستثمارات الداخلية من قبل القطاع الخاص ، حيث ان راس المال المحلي ليس في مستوى طلبات السوق، وخاصة المساهمة في المشاريع الانتاجية الزراعية ، الصناعية، والخدمية. ضعف ايضا حجم الاستثمارات الاجنبية بسبب عدم استقرار المنطقة نتيجة عدم استقرار الوضع الساسي،الاقتتال والحروب الداخلية والخارجية، وتصعيد العمليات الارهابية . كما ان القوانين الخاصة بالاستثمارات الجمركية ليست بالمستوى المطلوب. وكذلك ضعف دور المؤسسات الرقابية، المالية والادارية، وخاصة البنوك منها لتلعب دورها في عملية الرقاية والتحكم بالموارد المالية ، والبورصات ، سعر صرف العملة، نسبة فوائد على القروض العامة والقروض للمشاريع الصناعية والتنموية الاخرى.

18- وجود استراتيجية واضحة وشفافة ، متوسطة وبعيدة المدى للتنمية البشرية ، التي تشكل قاعدة اساسية لبناء وتطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري ، ويساعد على تنمية الوعي لدى الجماهير وتوسيع الممارسات الديمقراطية في الحياة اليومية للاقليم.

19- الاهتمام بالسياحة والفندقة، نظرا لوجود المقومات الاساسية لهذه الصناعة في الاقليم ، من الطبيعة الجميلة والمناخ الملائم ، وعيون الماء وشلالات ، والامن والاستقرار ، والايدي العاملة التي تحتاج الى التدريب في هذا القطاع. وتتطلب هذه المسالة الى وجود عملية التخطيط الاقتصادي والسياسة الاستثمارية الرشيدة ، التي تساعد على منح المحفزات الضرورية لتنشيط القطاع الخاص المحلي والاجنبي ، لاستثمار رؤوس اموالهم في هذا القطاع الحيوي ، الذي سيعود بعائدات كبيرة لاقتصاد الاقليم .

20- استخدام سدي دوكان وده ربندخان بشكل امثل ، والتفكير ببناء مشاريع البيتروكيمياوية فيهما ، الاستفادة العقلانية من الطاقة الكهرومائية ، ومن الأحواض المخصصة لتربية الاسماك ، وبناء مجمعات السياحية والرياضية المتكاملة حولهما.

21- تنظيم امور الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وتشريع قوانين خاصة لها . توفير الوسائل اللازمة الكفوءة والنزيهة في عملية جبايتها والرقابة عليها ، عن طريق استخدام الاجهزة المالية والادارية في المنطقة . العمل على نشر الوعي الضريبي والثقة المتبادلة بين هذه الاجهزة والمواطنين، بحيث يتولد لديهم قناعة تامة ، بان دفع الضريبة هو جزء من عملية المساهمة في البناء الأقتصادي ، وتعود ريعها على المواطنين عبر المشاريع الصحية والتعليمية والاجتماعية والاعمار.ضرورة وضع قوانين صارمة بحق المخالفين والمتلاعبين والمهربين للاموال العامة ، واعتبارها جريمة يعاقب عليها بالحبس والحرمان من بعض الحقوق المدنية والاقتصادية .

22- تطوير وتوسيع الجامعات الموجودة في الاقليم ، وبشكل عقلاني على اسس المالية والعلمية والاكاديمية المدروسة ، ووفق حاجة الاقليم الحقيقية الى فروع الجامعة واختصاصاتها ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي فيه، اي بمعنى اخر الربط الضروري بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية ونوعية التعليم والثقافة, مع اهمية التوسع الافقي، وليس على مبدأ المنافسة الحزبية بين الحزبين الحاكمين ، كما حدث ذلك لجامعة كويسنجق وتاسيس فروع لكليات الاقليم في زاخو، اذ ان الاولى كان من المفروض انشاءها في حلبجة المنكوبة، ونامل ان تتحول هذه البلدة الشهيدة الى محافظة ؟!، والحصول على المساعدات المالية والتقنية من الدول الصديقة الداعمة للقضية الكوردية سياسيا وانسانيا، ومنها خاصة في الاتحاد الاوروبي وغيرها لهذا الغرض.

خلاصة القول، ان التظاهرات والاحتجاجات الجماهرية التي اندلعت اخيرا ومستمرة حتى الان، في محافظة السليمانية واطرافها، تحمل برنامج تغير حقيقي في التفكير والبناء وتفعيل مؤسسات الادارة الفيدرالية. وتطالب من القادة الحاكمين منذ عشرين سنة، بالاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بناء اقليم حضاري ينسجم مع روح العصر، بعيدا عن التدخلات الحزبية الضيقة والعشائرية. محاربة وباء الفساد الاداري والمالي المستشري بشكل واسع في عموم ادارة الاقليم، من دون اعارة اية اهمية لمعالجتة حتى الان!!!.
ان القضية الكوردية تتحرك باستمرار بين العاملين الداخلي والخارجي، ومن هنا يمكن ان يطرح السؤال نفسه ، هل ان الادارة الحالية في الاقليم تسعي الى تقوية وتطوير العامل الذاتي ، وعدم الاعتماد فقط ، وكما عليه حتى الان على العامل الخارجي وبالذات الامريكي؟. الجواب برسم اداء الحكومة،اذا اخذت المسار الصحيح في اداءها وتجاوبها ونجاحها في تلبية طموحات الشعب الكوردي المشروعة والعادلة وفق الدستور، في تطوير مسيرة الفيدرالية،وحماية حقوق مواطنها بما تعنيه الكلمة، وبناء اقليم جديد يتحقق فيه الحرية، وتكافأ الفرص للمواطنين في العمل والوظائف وامام القضاء، وحق الراي، واقرار التعددية في السلطة، واحترام حقوق الانسان والقوميات والمذاهب، وبناء حكم ديمقراطي وفق القانون وسلطة القضاء، والشفافية والنزاهة،وضمان العيش بكرامة، والمساوات والعدالة الاجتماعية.





76
لنجعل من نوروز يوما للحوار الصادق... والعطاء للشعب الكوردي

د. صباح قدوري

كنت انوى ان اكتب بعض اسطر عن عيد نوروز هذه السنة.وقد وجدت اليوم بان الحالة التي يمر بها اقليم كردستان العراق ، في ظل الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، التي تحولت الى الازمة الحقيقية بين الشعب الكوردي، وخاصة في المناطق السليمانية وحلبجة وكرميان، والقيادة الحاكمة والمتمثلة بالحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني. فان كتابتي عن نوروز قد تكون متشابهة الى حد ما بتلك الاسطر المتواضعة التي كتبتها بهذه المناسبة في عام 2002 اي قبل تسع سنوات . لذا فكرت في اعادة نشرها مرة اخرى اليوم ، قد تكون في مكانها بهذه المناسبة ، وعسى ان نتعلم دروسا من اخطاءنا السابقة والالتفاف حول مكتسبات نضالات شعبنا، وعدم التراجع عنها، بل حمايتها وتطويرها من اجل تحقيق مطالب شعبنا، التي يعبر عنها بمناسبات عديدة، وليس فقط المصالح الحزبية الضيقة.

"في 21/اذار من كل سنة ، يحتفل الشعب الكوردي بعيده القومي – نوروز. وهو يوم حافل في تاريخ نضاله الوطني. يعتبر رمزا لانتصار كادحي الاكراد على حكم الظلم والاضطهاد. وهو يوم الاول من الربيع . وبداية السنة الكوردية الجديدة، حيث تزهر الاشجار وتخضر الارض، وتظهر الابتسامات والبهجة والمحبة والسلام على وجه وقلوب الناس في ارجاء المعمورة. وهو عيد كل الاكراد، وفي كل اجزاء كردستان، وله معاني كثيرة . وهو ايضا جزء من عادات وتقاليد والثراث الثقافي للشعب الكوردي. اذ يشارك الكل، وكذلك اصدقاء، ومحبو الشعب الكوردي في بهجته ، بغض النظر عن انتمائهم الديني والسياسي.

ان العزلة التي تتميز بها اليوم التنظيمات السياسية الكوردية عن بعضها، والنظرة الحزبية الضيقة في معالجة الخلافات والطروحات فيما بينها، واحتكارالسلطة، مما تؤدي بلا شك الى تشتت في طاقاتنا وامكانياتنا الكبيرة المتواجدة في الخارج. وان الاصرار في الاستمرار على ممارسة هذه النزعة، لا تخدم بالتاكيد القضية الكوردية، ولا تؤدي الى توحيد الصفوف التي نحن جميعا بامس الحاجة اليها في الوقت الحاضر ، ولا سيما في محنتا وغربتنا هذه.

ان توحيد الصفوف وجمع كل الطاقات المتواجدة في الخارج، هي مسئولية كل الاكراد المنتمين وغير المنتمين الى المنظمات السياسية ، والمهنية والثقافية، وذلك في سبيل ترميم البيت الكوردي ، وتوحيد الخطاب السياسي، وتوجيه الثقافة والتربية وفق مشروع تنويري حضاري. لقد حان الوقت ان نفكر وبطريقة عصرية في مجابهة خلافاتنا، التي لا نستطيع انهاءها الى الابد، بل محاولة تخفيف حدتها على الاقل ، من خلال ممارسة الديمقراطية الحقيقية في المناقشات والطروحات والحوارات. والخروج بحصيلة مشتركة، تعبر عن طموحات الجميع ، وتخدم مسيرة نضال شعبنا، وتدافع عن تراثنا وتقافتنا. ومن اجل زرع روح المحبة والتعاون والعمل المشترك. واستغلال كل المناسبات الثقافية والثراثية والدينية والقومية والسياسية بهذا الاتجاه. وان المشاركة الجماعية في اقامة فعاليات ونشاطات مختلفة في ذكرى نوروز، فهي خير تجربة في هذا المجال.

لنتعلم دروسا من تجاربنا السابقة ، ونفكر من الان بضرورة خلق اجواء ديمقراطية صحيحة في التعامل، وعدم الالتجاء الى التكتلات الحزبية الضيقة وتاجيج نبرات الخلافات واستخدام السلطة والنفوذ في الداخل، وحصة السفارات العراقية المقسمة على اسس المحاصصة والحزبية الضيقة، و تدار من قبل اعضاء الحزبين الحاكمين في الخارج، وحصرالاحتفال بعيد نوروز مع  الاعضاء وبالطريقة خاصة.العمل في تشكيل لجان تنسيق مشتركة من المنظمات المهنية والثقافية والسياسية والسفارات، وكذلك الاكراد المستقلين، من اجل اعداد برامج عمل مشتركة لاحياء المناسبات القومية والوطنية والدينية. التفاعل مع ثقافات العالم ، والعمل مع المنظمات السياسية والمهنية وحقوق الانسان التقدمية في العالم، من اجل كسب تعاطف الشعوب في تاييد قضيتنا ودعمها انسانيا وسياسيا، بغية حلها بشكل سلمي وديمقراطي وحضاري. ومحاولة تطوير نموذج الفيدرالية المكتسبة، والتي هي ثمار نضالنا المشترك، وممارستها بشكل ديمقراطي ، في ظل السلام الدائم والحقيقي، والادارة الموحدة فعليا في الاقليم، وتفعيل مؤسسات والسلطات القضائية والتشريعية والتنقيذية والاعلام، بعيدا عن التدخلات الحزبية المباشرة فيها، وحمايتها من مؤمرات الفئات الانتهازية والعميلة، وازلام النظام الديكتاتوري الصدامي المقبور والملطخة اياديها بدماء  شهداء وطننا في عمليات الانفال والحروب الكيمائية، والتدخلات الاقليمية. ومن اجل بناء مجتمع السعادة والتقدم والازدهار، تتحقق فيه العدالة الاجتماعية ، والقضاء على الفساد الاداري والمالي، وتصان فيه حقوق الانسان وكرامته".


77
الى أين تتجه حكومة المالكي؟!

د.صباح قدوري

 بعد مرور سنة على الانتخابات التشريعية، لا تزال طاقم الحكومة المؤلفة من 42 وزيرا غير مكتملة. ان السبب الرئيسي في ذلك هو اصرار المالكي على وضع الوزارتين الداخلية والامن والدفاع تحت امرته بشكل مطلق، وكأن الحكومة من منظوره الشخصي ، تمثل فقط في هاتين الوزارتين، بالاضافة الى اسباب المحاصصة وتقاسم السلطة بين اطراف المشاركة فيها. تنطلق حجة المالكي في هذه المسالة، بان الواجب الاساسي والاولي لهذه الحكومة،هو تحقيق الامن والاستقرار في العراق والقضاء على الارهاب. ونحن نسمع هذه النغمة منذ سقوط الصنم ولحد اليوم، مع صرف وتبذير وسرق مليارات من الدولارات تحت هذه التسمية، مقابل تحقيق بعض انجازات قليلة في هذا المجال.اما الواجبات الاساسية الاخرى الخدمية والصحية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، هي ليست من اختصاصاته ، وانما من اختصاصات نوابه الثلاث المسئولين على هذه الواجبات!.

 لقد سببت هذه الحالة الى تعقيد الوضع السياسي بين الاطراف المشاركة في الحكم. انعكست اثارها سلبا على اداء السلطات القضائية والتشريعية والتنقيذية وكذلك الاعلام.ارباك واضح ايضا في الاداء الحكومي وتعطيل كل اركانها ، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها ، والحالة هذه قد ادت الى تعميق الازمة الاجتماعية والاقتصادية في عموم البلاد وعلى كافة الاصعدة، ومن ثم الى عجز الحكومة  في تحقيق الحد الادنى من المطاليب الاقتصادية والاجتماعية للشعب.

واليوم بدلا من ان تنصرف الحكومة لاكمال هيكليتها، والتوجه لمعالجة الاوضاع المزرية والصعبة التي يعيشها الشعب العراقي، والتي اجبرته للخروج الى الشوارع بالتظاهرات السلمية ، مطالبا بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اصبحت تنشغل وتكرس كل جهودها، في تفرقة هذه التظاهرات واستخدام العنف والتهم الباطلة ضدها.اتهام بعض الاحزاب وعلى راسها الحزب الشيوعي العراقي ، بانه وراء هذه المسالة، وبذلك اقدمت الحكومة  وبامر قرقوشي من المالكي، باقتحام مقرات الحزب وجريدته المركزية طريق الشعب والطلب باخلاءهما باسرع وقت ممكن، كاجراء عقابي ضد الحزب ، لانه يؤيد ويدعم ويتضامن مع المطاليب المشروعة للمتظاهرين، ويدافع عنهم حتى تحقيق النصر النهائي.

ان الاستمرار في ممارسة مثل هذه الاجراءات التعسفية ، ليست بجديدة، واصبحت نهج ثابت لحكومة المالكي . سبق وان اقدم وبتنفيذ من عضو حزبه كامل الزيدي، الاعتداء على الحريات العامة والشخصية. المداهمة ولمرتين مقر اتحاد الادباء، وجمعية اشوربانيبال الثقافية في بغداد. الغاء المسارح والموسيقى وغلق المحلات والنوادي الاجتماعية التي تتعاطى مع المشروبات الحكولية. ازالة التماثيل والرسومات في معهد الفنون الجميلة في بغداد. ومنع المهرجانات الغنائية والفعاليات الثقافية الاخرى بحجج باطلة، دينية وغير شرعية.

على المالكي ومن ورائه من الاحزاب الاسلام السياسي، ان يدركوا جيدا ويتعلموا من التاريخ ويكتسبوا خبرة من الحياة ويفهموا، بان ادارة البلاد ليست لعبة الاطفال. انها تحتاج الى اجهزة كفوءة تتصف بالمسئولية العالية، وقادرة على لم شمل الخطاب العراقي على اسس المواطنة والوطنية. ان تكون مؤهلة لقيادة المرحلة نحو بناء العراق الجديد، وفق مبدأ الديمقراطية الحقيقية ، ويسود فيها حكم القانون والقضاء العادل، والامن والاستقرار، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، والحرية والعيش برفاهية. الا ان تجربة ثمانية سنوات من الحكم، اثبتت على عكس من ذلك، وبرهنت على عدم جدارتهم وقدرتهم على الاستمرار في سدة الحكم ، وتوجههم نحو اقامة نظام ديكتاتوري متخلف، والانفراد بالسلطة على اسس الشريعة الاسلامية ، وفرض ايدلوجيتهم المذهبية والمحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة على الشعب العراقي، المنتفض ضدهم.ولا رجعة لهذه التظاهرات والاحتجاجات، حتى تتحقق المطاليب المشروعة للجماهير الغاضبة.

 ان التظاهرات والاحتجاجات المتصاعدة والتي غطتت مختلف ارجاء البلاد من شماله الى جنوبه، هي ترجمة لغضب الجماهير على الاداء الحكومي الفاشل على مختلف الصعد منذ سقوط الديكتاتورية ولحد اليوم. المشاركة الجماعية من كل اطياف ابناء الشعب العراقي، ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والمثقفين، والبارز منها، المشاركة النشطة للشباب والنساء والفقراء ، مما يجسد الدور الواعد للقوى الجماهيرية الحية في عملية التغيير، مطالبين الحرية والديمقراطية والعيش برفاهية .ان هذه التظاهرات والاحتجاجات، هي في الحقيقة ثورة الشباب والتكنلوجيا المعلوماتية الكونية لا حدود لها، وستستمر حتى تحقق النصر الاكيد في ارجاء المعمورة.

مهما اشتدت الاجراءات التعسفية ، واستخدام اساليب الغير القانونية و الغير الشرعية، واللاخلاقية ضد الشيوعيين والديمقراطيين الحقيقيين والوطنين ، لايمكن النيل من نشاطاتهم ونضالاتهم وصمودهم اليومية، ووقفهم الى جانب مطاليب الشعب العراقي المشروعة، والتضامن معه في دعم واستمرارية هذه التظاهرات والاحتجاجات المطلبية والشرعية، حتى تحقيق النصر القادم.


78
نحن على موعد مع التظاهرة الشعبية في العراق

د.صباح قدوري

تهب هذه الايام رياح الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية على سماء كل البلدان العربية والاسلامية في منطقتنا، التي عاشت لسنوات طويلة تحت احكام حكومات دكتاتورية ، قمعية ، ارهابية، فاسدة ، عدوة شعوبها  . وقد تحررت قريبا كل من تونس ومصر. واليوم في طريق التحرير كل من ليبيا واليمن. وغدا ستنتصر ارادة الشعوب الاخرى في المنطقة تباعا، نحو تحقيق الحرية والديمقراطية الحقيقية. وقبل ذلك قد هب نسيم هذه الرياح على العراق وشعبه في 1990، لينتفض ضد النظام الديكتاتوري السابق، وفي 2003 ، ليتخلص من نظام الطاغية صدام واعوانيه . وسرعانا مع اخفق شعبنا في تحقيق طموحاته، عندما اصبح عملية تحرير العراق من النظام الديكتاتوري الى الاحتلال من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها.

 تسليم مصير العراق الجديد وشعبه بيد جماعات غير مؤهلة ولا قادرة على ادارة االبلاد . وتقاسمت هذه الجماعات السلطة بينها وبالتعاون مع المحتل على اسس المحاصصة والطائفية والمذهبية والمصالح الفئوية والحزبية والقومية الضيقة. وتحت مبادئ ومصطلحات مزيفة ، كالتوافقية والمصالحة الوطنية، وانهاء الاحتلال، والخطورة على العملية السياسية، وغيرها، والتي برهنت في واقع الحياة عدم جدوها ، وغير قادرة على تحقيق وتلبية طموحات شعبنا في بناء مجتمع حضاري، ينسجم مع روح العصر، ويستند على الديمقراطية الحقيقيقة وممارستها الفعلية في الحياة اليومية، وتوحيد كل اطياف ومكونات الشعب العراقي تحت مبدأ الولاء، للمواطنة وصيانة السيادة الوطنية، واحترام حقوق الانسان والقوميات والمذاهب، وبناء حكم ديمقراطي وفق القانون وسلطة القضاء، والمساوات والعدالة الاجتماعية .

اليوم وما يقارب من ثمانية سنوات، تحول هذا النسيم الى اعاصير تسونامي، وغطت سماء العراق بسحابة سوداء، تمطر اعاصرها بالقوة وتخرج منها رايحة الدم، وتنادي بكارثة هولاكو، وارجاع  عجلة تاريخ العراق الى عصور الجاهلية والتخلف وفرض مبادئ الاسلام السياسي على النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العراق. وخلف هذه الاعاصر بعد ما تحول الى طوفان نوح، مجتمعا بائسا ومتخلفا تتفاقم فيه الفقر المدقع، والبطالة والفساد المالي والاداري ، والارهاب المستمر وانعادم الاستقرار الامني، وتهجير جمهرة كبيرة من ابناء شعبنا الى خارج وفي داخل الوطن ، وتحطيم البني التحتية، وتوقف ماكنة الاقتصاد في كل قطاعاته، وانعدام الخدمات الاساسية من الماء والكهرباء والسكن والطرق والمواصلات والصحة والتعليم ...الخ

واليوم نحن امام هذه اللوحة الدرامية، يتتطلب من الشعب العراقي وخاصة شبابه وفقرائه والعاطلين رجالا ونساءا وكل الخيرين ، الذين يؤمنون بغد مشرق للعراق واجياله القادمة، وببناء وطن مزدهر ينعم الشعب العراقي فية بالحرية والسعادة والكرامة والامن والاستقرار والتطور والتماسك الوطني للنسيج العراقي، والدفاع عن سيادة الوطن وانهاء الاحتلال، والتخلص من افكار التخلف والشعوذة، وفرض ضيغة الاسلام السياسي والشريعة على المجتمع وابناءه بالقوة والارهاب.

 لقد حان الاوان لجمع شمل العراقين، تحت خطاب سياسي تنويري ينسجم مع روح العصر، والخروج الى الشوارع بتنظيم مظاهرات احتجاجية سلمية مدنية، بعيدة عن الفوضى واستخدام العنف، و بالتنسيق مع الشباب والشابات والطلاب والطالبات، ومنظمات المجتمع المدني، والمتقفين والاكاديميين، وكل فئات وشرايح الشعب العراقي من اقصى شماله الى اقصى جنوبه ،والنداء الى قوات الامن والشرطة والجيش، بان تقف صفا واحدا مع مطاليب شعبنا العادلة، وحمايتهم وممتلكات العامة والخاصة من اضرار المخربين  والبلطجية والمندسين والمحرضين ضد غضب جماهيرنا في تظاهراتها المشروعة. لنصرخ جميعا باعلى صوتنا، لا لحكومة المحاصصة والمذهبية، بل لحكومة الوحدة الوطنية، لا للفساد والارهاب ، بل للتطور والسلام ، فصل الدين عن الدولة،  تحقيق الخدمات الاساسية، صيانة حقوق الانسان وكرامته، تطبيق القانون والعدالة، الفصل بين السلطات وتفعيل دور مؤسساتها، ضمان حق الحرية والاراء وتطبيق الديمقراطية الصحيحة، احترام وتحقيق مطالب القوميات العادلة في العراق ، تعجيل في اجراء الانتخابات التشريعية والمحلية مبكرا قبل موعدها المحدد، بعد اصدار قانون تنظيم الاحزاب السياسية في العراق. وتعديل قانون الانتخابات الحالية  وعلى اساس القوائم المفتوحة ، وجعل العراق دائرة انتخابية واحدة للانتخابات التشريعية، والعدالة في طرق احتساب الاصوات ،والاستقلالية الحقيقية للمفوضية العليا للانتخابات، وعدم التدخل في شؤونها، وذلك لضمان تحقيق سلامة ونزاهة الانتخابات القادمة.

 نحن على الموعد جميعا احزابا ،ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية، وجمعيات حقوق الانسان. شبيبة وشيابا، نساءا ورجالا، وكل اطياف الشعب العراقي وطبقاته وشرائحه المتضررة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا من سياسات الحكومات المتعاقبة منذ سقوط الصنم ولحد اليوم. المشاركة الفعالة في هذه المظاهرات الاحتجاجية كل يوم على، فيسبوك ، تويتر، اتنرنيت، يوتوب. والموعد المحدد للمظاهرة الكبرى، هو يوم 25 المصادف الجمعة من الشهر الجاري في ساحة التحرير- بغداد، ويتضامن ايضا ابناء شعبنا في المهجر مع  هذه المظاهرات في الخارج، ويعبر عنها بوسائل واشكال مختلفة من المظاهرات، وتقديم المذكرات الاحتجاجية للسفارات العراقية في الخارج، والكتابات على المواقع الالكترونية ووسائل الاتصالات المعلوماتية الاخرى، واقامة الندوات وغيرها..... والى اللقاء.. والربيع قادم.........


79
 

هل هب رياح ثورة الشعب التونسي على الشعب المصري؟
د.صباح قدوري
نعم... واخيرا وليس اخرا، قد هب هذا الرياح على انتفاضة الشعب المصري البطل. ودخلت هذه الانتفاضة المجيدة يومها الخامس على التوالي، لتشمل معظم محافظات مصر الكبرى، وخاصة في قلب العاصمة القاهرة. لقد حشد وتجمع في ميدان التحرير والاماكن الاخرى مئات الالوف من الشعب المصري. معظمهم من الشباب وبمشاركة النساء وفئات اخرى من الجماهير الغاضبة، ليطلقوا بصيحاتهم عالية ضد حسني مبارك وازلامه في السلطة الديكتاتورية. قادوا هؤلاء، البلاد الى المجاعة والاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، من خلال حجب الحريات العامة والديمقراطية عن الشعب ، وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي بنطاق واسع في كافة المستويات الادارية والحزب الحاكم، وفرض قانون الطواري منذو سنة 1981 ولحد اليوم ، والتزوير والغش في الانتخابات التشريعية والراسية ومجالس المحلية.

تصرخ الجماهير المصرية في انتفاضتها المباركة ، لتقل كلمتها الاخيرة، ضد الفقر والقهر والقمع وهدرالكرامات ونهب الاموال والممتلكات العامة ، مطالبا بالتغير والاصلاح الجذري في السلطة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، والاعلامية، وبرحيل حسني مبارك ورؤوس نظامه، وايداعم رهن العدالة لمحاكمتهم، وانزال عقاب الشعب العادل بحق مرتكبي الجرائم.

ان الاجراءات المتاخرة التي قام بها الديكتاتور حسني مبارك واجهزته القمعية بعد ثلاثة ايام من اندلاع شرارة الانتفاضة، لمعالجة الوضع الثوري الملتهب في الشارع المصري، وذلك في اعلان حالة منع التجوال في الشوارع لساعات عديدة( من 3 بعد الظهر الى 8 صباحا)، وقطع وسائل الاتصالات من التلفونات النقال والانترنيت والفيسبوك والتويتر واليويتوب عن المواطنين، وحجب مواقع الصحف الالكترونية، ومنع اخذ الصور وتغطية الاخبار عن الانتفاضة، وما يجري من التظاهرات والاحتجاجات في شوارع المدن المصرية من قبل الصحفيين والقنوات الفضائية المختلفة، والتعتيم الاعلامي بكل وسائل عن الانتفاضة . وتعين رئيس جهازه القمعي-الاستخباراتي عمر سليمان نائبا له ، واحمد شفيق رئيسا للحكومة الجديدة والمكلف بتشكيلها، والايعاز الى الجيش باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، للانتشار الواسع في الشوارع واماكن التجمع والتظاهرات، ، وذلك لمنع الجماهير من استمرراها في الاحتجاجات والتظاهرات والتعبير عن غضبها من اجل انهاء الحكم الحالي، واقامة حكومة وطنية بديلة، قادرة على تلبية وتحقق تطلعات ومطاليب الشعب المطروحة، في انهاء النظام الديكتاتوري، واجراء الاصلاحات الجذرية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولتحقيق الحياة الحرة الكريمة للشعب المصري.

ان هذه الاجراءات الترقيعية التي اقدم عليها حسني مبارك ومن معه من حاشيته في السلطة، والسكوت النسبي من الولايات المتحدة الامريكية ومن قبل دول الغرب الكبرى الحليف الاستراتجي للنظام ،على رغم من دعمها الضمني لهذه الاجراءت الشكلية ، لا تلبي بسقف الطلبات والطموحات التي ينتفض الشعب المصري من اجلها، واصراره وتواصله على التغير الجذري في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفي مقدمته ازاحة براس النظام واجهزته القمعية ومؤسساته الغير الشرعية، والمسلط عليها ظاهرة التزوير والغش والفساد والمحسوبية، وابعاد ممثلي الشعب الحقيقيين في المشاركة والادارة.

ان التظاهرات والاحتجاجات الحاشدة لا تزال مستمرة بالقوى في معظم مدن مصر الكبرى، ولا رجعة عنها، رغم انتشار الواسع للجيش والانسحاب النسبي لقوات الشرطة، وهناك تعاون بين المجالس الشعبية التي شكلت من الجماهير المنتفضة والجيش لحماية اموال وممتلكات الخاصة والعامة، الا ان لا يزال هناك خوف من مواجهتها بالقوة او تشويه اهدافها النبيلة من قبل بلطجية النظام المقهور، ولا يزال هناك سقوط عشرات من الشهداء ومئات من الجرحة ، واندساس مجرمين ومخربين ولصوص من اجهزة الامنية والقمعية للسلطة الحاكمة في صفوف المتظاهرين، والقيام باعمال الشغب والسلب ومحاولة تحريف الانتفاضة وترعيب وتهديد المواطنين، وكذلك المساندة الضمنية من الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب الكبرى للنظام، وتقديم كل اشكال المساعدات والخدمات له، من اجل ترحيل مبارك واستمرار بقاء النظام في مصر وتغيره بوجه اخرى  يبقى ان يكون مواليا ومنفذا لسياستها في المنطقة مستقبلا. وعلى رغم من كل ذلك، اذ لا بد ان تهدف هذه الانتفاضة بضربتها القاضية ضد النظام الديكتاتوري، وتحقق المكاسب الاساسية والمهمة في ضمان الحرية وحقوق المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتعددية في السلطة، وتكافأ الفرص وازالة التميز والتفرقة الطبقية والدينية، والشفافية والنزاهة، وضمان العيش ايضا بكرامة، من خلال تامين الخبز والعمل والمساواة الحقيقية للشعب المصري

تحية اكبار من دجلة  والفرات ومن اعالي جبال كردستان الى النيل الغاضب، ومن الشعب العراقي المناضل الى الشعب المصري التائير، حتى يحقق كلمته الاخيرة في نصرالقريب.... فالربيع قادم                                                                                                   

 



80
ليبقى الشعب التونسي رمزا للثورة الشعبية في المنطقة والعالم

د.صباح قدوري

انطلقت ما يقارب من شهر شرارة الانتفاضة المجيدة بقيادة الشعب التونسي المناضل تحت شعار " خبز وحرية وكرامة وطنية".لتواجه النظام الديكتاتوري في مدن وشوارع وعاصمة البلد بمظاهرات صاخبة. انخرط في صفوفها مئات الاف من مختلف طبقات الشعب التونسي، وخاصة الفقيرة والساحقة منها، والفئات والمنظمات المهنية، ومن جميع الاعمار والاعراق. تطالب في عملية التغير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في التونس، ولتعبرعن غضبها واستنكارها للحكم الطاغية الدكتاتور ابن علي ونظامه حديدي امني قمعي  فاسد مستبد،الذي سلطه على رقاب شعبه منذو 23 سنة.

بلغت هذه الانتفاضة في يومها التاريخي 14 يناير/كانون الثاني/2011 ذروتها، وعلى اثرها اضطر الرئيس التونسي المخلوع ترك البلد والهروب الى الخارج لايجاد ملجأ ليحمي نفسه وعائلته وبعض من اقرب اقربائه ، الذين كانون يحكمون البلد بالحديد والنار والفساد الاداري والمالي، وترك بقية ابناء الشعب التونسي في المجاعة والبطالة عن العمل والفقر المدحق، وحجب الحريات العامة، وتحت وطأة القمع وسحق الحريات الشخصية والديمقراطية والتميز، والفوضى العارمة في الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لذا نجد ان شعارات الانتفاضة،هي تعبيرا صادقا عن هذه الحالة التي تمربها تونس وشعبها المنتفض. وجاءت الانتفاضة ايضا تتويجا لروح شعر الشاعر التونسي الخالد ابو قاسم الشابي ، الذي استهل في مقدمة قصيدته الوطنية الشهيرة
                            أذا الشعب يوما اراد الحياة….فلا بد ان يستجيب القدر

ان هذه الانتفاضة هي بحق ثورة وطنية شعبية، وتعبيرا لاسترداد حقوق الشعوب العادلة المهضومة والمسلوبة.موجهة ضد الجياع والانظمة الديكتاتورية القمعية، وزعزعة لنفوسها اينما اوجدوا في الارض المعمورة، وخاصة من روؤساء الدول العربية، وادخال الرعب والخوف في قلوبهم، حتى يتعدلوا عن مواقفهم اللانسانية والقمعية، وسلب الحريات ونهب الاموال العام،والتقرب من شعوبهم وادراك احترام ارادتها العادلة في العيش السعيد، وتحقيق الحريات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية ، والا فان مصيرهم ان اجلا ام عاجلا لا يكون احسن ممن سبقهم من امثال صدام وغيره.وكما قال ايضا الشاعر الخالد ابوقاسم الشابي في البيتين الاتيين، بذلك
ولا بد لليلي أن يـنجـلـي.... ولا بـد للقيد أن ينكســر 
 ومن يتهيَّبْ صعود الجبال.... يعش أبد الدهر بين الحفر 
                              
 اليوم اعطا الشعب التونسي للعالم وخاصة لحكام العرب، درسا بليغا لقدرة وجبروة وحدة الشعب في تحقيق مطاليبه العادلة، فعليهم الاستفادة منها قبل فوات الاواني ، لان طوفان الاظرابات والاحتجاجات الجماهيرة اتيت اليهم من كل جوانب، تطالب بالتغير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كفيضانات موسمية تغرق كل ما لديهم من القصور والعرش والممتلكات والاموال المسروقة من قوة الشعب، والسجون المملوءة بالوطنيين والمخلصين والشرفاء والتقدمين والمناضلين، من اجل تحقيق طموحات شعبهم في الديمقراطية، وضمان حماية حقوق المواطنة، وسيادة البلد ومبداء العدالة الاجتماعية.

اتمنى للشعب التونس العظيم الاستمرار في مسيرته الثورية تحت الشعار الذي رددته الجماهير البطلة "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام" ،حتى يحقق النصر النهائي في اقامة جمهورية شعبية ديمقراطية. وتقديم روؤس وازلام النظام السابق واجهزته القمعية الى العدالة، لينالوا جزاءهم العادل عن كل الجرائم التي ارتكبوها بحق شعبهم وسرقتهم لاموال العام. وعلى كل الشرفاء في العالم، والمنظمات الانسانية والمجتمع المدني، والاحزاب السياسية الديمقراطية واليسارية والتقدمية، والانظمة التقدمية ، وكل محبي السلم والديمقراطية والحريات العامة والازدهار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي اينما كانوا، ان يشارك كل من موقعه في فرحة الشعب التونسي، واسناده ودعمه وتضامنه مع هذه الثورة الفتية في تحقيق الانتصار العظيم.

81
الحكومة العراقية... وصلاحيات كامل الزيدي

د.صباح قدوري
بعد تحقيق حلم حزب الدعوى برئاسة نوري المالكي المنضوي تحت اسم التحالف الوطني العراقي ، ليتربع مرة اخرى على رئاسة الحكومة القادمة، قد يطرح السؤال نفسه، وهو:كيف يكون المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه الحكومة؟.الجواب على ذلك وهو، ان كل المعطيات تشيرعلى استمرارية النهج السابق في اعادة ايدولوجية المحاصصة الطائفية والمذهبية والدينية والسياسية والقومية الضيقة عليها.وانعدام الرؤية والبرامج الاستراتيجية في اعادة وبناء الهيكيلة الاقتصادية المنهارة، وعلى راسها البني التحتية، وانعدام الخدمات الاساسية والضرورية لابناء الشعب ، وتفشي ظاهرة البطالة والفقر،  والتفكك الاجتماعي والازمة الاقتصادية الخانقة، ونظام الفساد المالي والاداري على كافة المستويات السياسية والادارية للدولة.

تعميق النهج الديني/السياسي للشريعة الاسلامية في كل اوجه من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وظهرت على اعيان بوادر تطبيقاتها من جديد مرة اخرى بعد اصدار القرارات القرقوشية المجحفة المتهورة والمتخلفة من رئيس مجلس محافظة بغداد، المنضم الى حزب المالكي كامل الزيدي، لتضييق الخناق والاعتداء على الحريات العامة والشخصية، ونشاطات النقابات ومنظمات المجتمع المدني، والثقافة المتنورة والعصرية بكل فروعها الادبي والفني , والغاء المسارح والموسيقى  وازالة التماثيل  في معهد الغنون الجميلة باعتبارها تمثل الاصنام , وهذه هي جاءت بعد قرض الحريات في البصرة  وعدم السماح لسيرك مونتيكارلو، بحجة ان الارض تابعة للوقف الشيعي وهذا لايجوز شرعا ، ومن ثم قبلها في بابل ومنع المهرجان العالمي من استخدام الموسيقى ، فهذه الخناقات كلها هي لاحتواء ازمة الحكومة المتكررة منذ سيطرتها على الحكم بعد2003.

كل هذه الامور هي مؤشرات واضحة لمحاولة اعادة انتاج ايدولوجية النظام البعث الصدامي المقبور واحياءها في الاطارالديني الشيعي السياسي المهيمن على دست الحكم منذو سقوط الصنم في 2003 والحد اليوم. وقد تلتقي مع ايدولوجية البعث اليوم، المتمثلة بقيادتها الجدد الذين سينضمون الى الحكومة القادمة تحت مايسمى بحكومة الشراكة الوطنية،وبذلك تتوحد الايدولوجية القومية المتعصبة مع الايدولوجية الاسلام السياسي، لاعادة الديكتاتورية وقمع حقوق العامة والشخصية، واعادة عجلة الحكم في العراق الى الخلف مرة اخرى ، والبدء بمحاربة الوطنيين والمثقفين والمتنورين والمبدعين والمخلصين لقضايا شعبهم ووطنهم، وكل الذين يدعون بحقوقهم السياسية والدينية والثقافية والقومية العادلة، ويرفضون الانضمام تحت خيمة هذه السلطة الطائفية الغيرالمؤهلة لقيادة العراق بهذه الايدولوجية، والقضاء على الارهاب وبناء العراق الجديد.

اليوم يحتاج الشعب العراقي الى حكومة تؤمن وتوحد خطابها السياسي على اسس ومبادئ المواطنة وصيانة واستقلال السيادة الوطنية ، وتحقيق الامن والاستقرار ، ومحاربة الارهاب باشكاله المختلفة، وحماية حقوق المواطن، وتحرير المراة من القوانين الجائرة والاظطهاد والافكار المتخلفة التي تسبب الى التفرقة بينها وبين الرجل، وتقليل من شانها ودورها كعنصر الاساسي في المجتمع. تفعيل دور كل من السلطات الاساسية القضائية والتشريعية والتنفيذية، والفصل بينها وابعادها عن هيمنة وطغيان الحزبية والمصالح الذاتية الضيقة والمحاصصة بالوانها المختلفة عليها. ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال استراتيجية واضحة وشفافة في التنمية الاقتصادية-الاجتماعية البشرية المستدامة. تطبيق مبداء الديمقراطية وممارستها في الحياة اليومية، والاقرار بالتعددية الحزبية وتقاسم السلطة، حماية المكتسبات والحقوق المشروعة لجميع اقليات واطياف ومكونات العراق بما فيه الشعب الكردي، والتعاون والتنسيق مع الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، وتطويرها باتجاه يخدم الشعب الكردي والعراقي معا.الوقوف وبحزم تجاه هيمنة الدين السياسي على الخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي للاسلام السياسي منذ سطوه على الحكم بعد 2003، وامتلاكه كل امكانيات المالية والامنية للدولة، من خلال السيطرة على كافة القنواة الاعلامية المرئية والسمعية والمقرية، وتكريسها ضد الاعلام المتنورالحضاري وقمع اصواتها.

اليوم ونحن امام صورة غاية في التعقيد والمزرية للوضع العراقي السياسي، وازمته الطاحنة والشاملة وبنيوية في جوهرها السياسية والاقتصادية- الاجتماعية والثقافية، وفي كل اوجه الحياة اليومية، وبنتيجة الصراعات السياسية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة بين اطرافها المتصارعة على السلطة والمصالح الذاتية الضيقة والنفوذ والمال. واليوم امام هذه اللوحة الدرامية يقع على عاتق قوى التيار الديمقراطي العراقي مهمة وطنية وتاريخية في جمع الشمل، وتوحيد الخطاب الجماهيري وفق المهمات المذكورة اعلاه، لتحل محل الخطاب الحالي للاسلام السياسي والقومية المتعصبة المبنية على الاسس التي ذكرناها في مقدمة المقال، والتي تقود العراق اليوم الى مستنقع عميق لا يمكن الخروج منه بسهولة ، ويكلف الشعب العراقي واجياله القادمة تكاليف باهضة مادية ومعنوية وبشرية ، وهدركبير للقدرات المادية والبشرية والاقتصادية التي تملكها العراق، ويجب ان تكون في ايادي امينة تستثمر من اجل البناء والتقدم والازدهار.
ويوجد امام المالكي خيارين لا ثالث لهما، اما الاستمرار على النهج السابق في تطبيق مبادئ شريعة الاسلام السياسي، وجعل من العراق ولاية الفقيه على غرار حليفته وداعمته ايران في استمرارية حكمه، ام ينظم الى جانب مصلحة الشعب، وتوجيه حكومته المرتقبة في خدمة ابناء العراق وتحقيق طموحاتهم في الحقوق والواجبات، وخلاصهم من القهر والقمع والتخلف والجهل والويلات والتشريد والفقر والفساد، وايصالهم الى شاطئ الامان.الايام القادمة سوف تحكم على نتائج امتحان المالكي وحكومته، اما بنجاح باهر او بفشل ذريع؟! عيش وشوف!!!


82
الاحصاء السكاني بين واجب الحكومي والوطني ومزاج الكتل السياسية


د.صباح قدوري


من المعروف ان عملية احصاء السكان العام ، اصبحت اليوم نظاما حضاريا تتبعها كل بلدان العالم على اختلاف مستوياتها ودرجة تطورها. اصبحت من وظائف الدولة الاساسية، وواجب وطني ايضا. ويتم اعدادها وفق المعاير الفنية والعلمية والمهنية القياسية التي تعتمدها بلدان العالم، وكذلك الامم المتحدة.وتنفذ عن طريق الاجهزة المختصة التي تكون مسئولة عنها، الجهاز المركزي للاحصاء،كجهاز مستقل او ضمن وزارة التخطيط والانماء، بعيدا عن التدخلات السياسية. يجب الاهتمام بها واجراءها على الاقل مرة كل عشرة سنوات، وهذا ما اقره ايضا الدستور العراقي الجديد. يقع على عاتق الدولة وبالتعاون مع المواطنين انجاز هذه المهمة، ووضعها في اولويات واجباتها، وذلك لاهمية هذا الموضوع في تزويد الدولة بالبيانات الاساسية والمهمة عن المواطن والمجتمع.وتساهم ايضا في توعية المواطن تجاه مسؤليته والشعور بالمشاركة الوطنية في بناء الوطن،من خلال ادائه بالبيانات المهمة والاساسية والصحيحة لهذه العملية.
ان البيانات التي تنتجها عملية الاحصاء السكاني تكون اساسا للدولة ومؤسساتها وعلى ضوءها تبني خطط وبرامج في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية، وكل اوجه نشاطات الدولة والخدمات التي تقدمها الى المواطنين. يجب ابعاد هذه المهمة عن تاثيرات السياسية والحزبية،حتى لن تكون رهن المحاصصة الطائفية والمذهبية والدينية والحزبية والقومية الضيقة، كما هو الحال في رئاسات الثلاث، البرلمان والحكومة والدولة،وفي تشكيلة الحكومة الجديدة المرتقبة ايضا.
فرض هذه  الصفات على عملية الاحصاء السكاني المزمع اجراءها في وقت لاحق، ستنسحب بلا شك اثرها على نتائجها سلبا، مما يترتب عليها من خسارة مادية ومعنوية واخلاقية، وتصبح في الاخيرالنتائج والبيانات التي تنتجها عديم الاهلية، ولا يمكن الاستفادة منها بشكل صحيح في عملية اعداد الخطط والبرامج الاستراتجية والمرحلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة، والتي نحن بامس الحاجة اليها في وضعنا الراهن. وبالعكس من ذلك فيجب ان تنصب نتائجها ايجابيا في صالح العراق والعراقيين باختلاف مكوناتها واطيافها الطائفية والدينية والقومية.
منذو عام 2007 هناك طلب بضرورة اجراء عملية الاحصاء السكان العام ، وذلك لاعادة بناء الهيكلية الادارية الجديدة والاعمار في العراق الجديد بعد سقوط الديكتاتورية.كان من المزمع اجراء هذه العملية في هذه السنة. وحدد لها يوم 24 تشرين الاول/اوكتوبر الجاري، وتم تاجيلها الى 5 كانون الاول/ديسمبرالجاري، وقد اجل هذا التاريخ مرة اخر الى اجل غير مسمى، من دون اعطاء اية مبررات مقنعة لذلك، في الوقت الذي تشيركل المعلومات الرسمية، بان جميع المستلزمات المادية والادارية والبشرية والتعبوية والامنية الى حد ما، عدى السياسية والحزبية الضيقة متوفرة لذلك.
المحاججة في تاجيل هذه العملية مرة تلو اخرى، ومحاولة جرها وتدويلها سياسيا.افتعال اشكاليات في معناها ومحتواها واهدافها التطبيقية، وابعادها عن اهدافها الحقيقية، واللعب بها حسب مزاجية الكتل والاحزاب السياسية المهيمنة في حكم العراق الجديد ، وفرض مصالحها الفئوية الضيقة،من خلال انتهاج المحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية الضيقة على هذه المسالة، وتفريغها من اهدافها الحقيقية، ووضع الصعوبات والعراقيل لا ضرورة لها امام تاخير انجازها.هذا بالاضافة الى عدم امكانية الاعتماد الكلي على البيانات الاحصائية السكانية السابقة، والتي اجريت في ظل الحكم الديكتاتوري السابق في اعوام 1987 و1997، وفي الاخيرة لم تشارك كردستان العراق فيها لظروف حروب النظام المجنونة في حينه، اوالاستعانة ببطاقات التموين وفي بعض الحالات الالتجاء الى التخمين، وهي مقايس ايضا غير دقيقة لا يمكن تعويل عليها لتعداد السكاني الصحيح .
وفي نهاية المطاف ستعكس كل هذه الامور نتائجها على تاخير في حل كثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والامنية والبيئية والثقافية والهيكلية الادارية للدولة المتراكمة منذو فترة طويلة تمتد جذورها الى النظام الديكتاتوري السابق ، وتركها بدون ايجاد حلول ايجابية لها لحد الان.ان الاسراع في انجازالعملية الاحصائية باقرب فرصة ممكنة كاحدى الادوات المهمة، قد تساهم بلا شك في مساعدة حل هذه المعضلات في المستقبل المنظور. تعبية الجماهير من خلال الحملات الدعاية على الصحف وقنواة التلفزيون والراديو، واصدار البوسترات واشكال دعاية اخرى ، لتوعية الجماهير للمشاركة الفعالة بالتعاون مع الجهات الحكومية المسئولة في انجاح هذه العملية، لما لها من مردود اقتصادي، اجتماعي، سياسي، معنوي وثقافي على المواطن العراقي ، وفي بناء عراق ديمقراطي فيدرالي مزدهر، من خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع لاطياف الشعب العراقي، وتنميته وتطويره.

83
توجهات القائمة العراقية من تشكيل الحكومة المرتقبة

د.صباح قدوري
بعد فوز القائمة العراقية بالمرتبة الاولى في الانتخابات الاذارية لهذه السنة، المزورة، كما اكدها رئيس البرلمان الاوربي للعلاقات مع العراق ستروان ستيفنسون عندما انتقد الحملة الانتخابية الاخيرة بقوله" بان الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة ليس الا وهما"، وذلك لاسباب عديدة على سبيل المثال(  دون الدخول في التفاصيل)، منها قانون الانتخابات، عدم اصدار قانون الاحزاب، التأثيرالاعلامي والمالي للدولة، التدخلات الاجنبية من الدول االاقليمية على سبيل المثال(ايران، سعودية، سوريا، الجامعة العربية) والتدخل الامريكي، قد اظهرت القائمة نفسها ومن منطلقات القوة، بنهج البعث ، وذلك من خلال التصريحات النارية الاستفزازية والتحدي لبعض قادتها من داخل وخارج العراق بخصوص عملية تشكيل الحكومة. تحركت قادة هذه القائمة ايضا ومباشرة بعد الانتخابات بجولاتها المكوكية والماراتونية الى دول جامعة الدول العربية، وفي مقدمتها العربية السعودية، الداعمة الاولى لهذه القائمة وسوريا ومصر والاردن وبعض بلدان الخليجية، والتواصل والتشاور مع امريكا لنيل دعمها في الادعاء بحقها القانوني والدستوري في تشكيل الحكومة العراقية،وعلى الاخرين المشاركة فيها.

 ومنذو ثمانية اشهر من الانتخابات، واكمال الجولات الخارجية والبدء بالاتصالات الداخلية مع الكتل، التحالف الوطني العراقي والتحالف الكردستاني ودولة القانون الفائزة هي الاخرى في الانتخابات، لاقناعم بانها لها الحق الدستوري في تشكيل الحكومة. وبعد القرار الذي صدر من المحكمة الدستورية العليا،حول تحديد مفهوم القائمة التي لها الحق في تشكيل الحكومة، وهي القائمة التي تشكل اكبر عددا في البرلمان وليست في الانتخابات، اذ اصبح هذا التفسيرمعوقا امام تلبية رغبات القائمة العراقية في حقها لتشكيل الحكومة.

ومنذ ذلك الوقت ولحد كتابة هذه الاسطر، تحاول القائمة العراقية بارجاع مطالبها وفرضها على الاخرين، ووضع العراقيل امام تشكيل الحكومة الجديدة، مستخدما حجج وذرائع مختلفة، منها التهديد بعدم المشاركة في الحكومة يتراسها المالكي، او بالانسحاب من البرلمان، اوالطلب من الامم المتحدة للتدخل في انقاذ الموقف بحجة كون العراق لا يزال تحت بند السابع، او جامعة دول العربية، او بتهديد اندلاع الحرب الاهلية واحياء مشروع بايدين في تقسيم العراق الى فيدراليات( ولايات) شيعية في الجنوب والسنية في الوسط والاكراد في الشمال-اقليم كردستان. المحاولة لكسب قائمة التحالف الكردستاني وقائمة الائتلاف الوطني المنضم الى التحالف الوطني العراقي مع دولة القانون لدعمهما لها في تشكيل الحكومة برآستها. لم تفلح كل هذه المحاولات، واخيرا استسلمت الى الامر الواقع، وتغيرنهجها الاولي الذي استخدمت فيه اشكال مختلفة من اللعب السياسية والتحديات والتهديدات والمصارعات والمباريات، والتخلي عن موقع رئاسة الحكومة الذي اصبح قاب قوسين او ادنى لصالح المالكي عن التحالف الوطني العراقي،مع اصرارها وطموحها الان على موقع رئيس الجمهورية،الذي هو من حصة القائمة الكردستانية بالتوافق واعتباره ايضا استحقاق قومي لا يمكن التنازل عنه.
ومن اجل تحقيق هذا المطلب ، بدأ قادة القائمة باستخدام ورقتم الاخيرة مرة اخرى في جولاتهم المكوكية الى دول الجوار، بعد ان اجرت الكتل الفائزة اجتماعاتها اكثر من اسبوعين بين اربيل وبغداد، لتلبية مبادرة رئيس الاقليم مسعود البرزاني،لخروج القوائم الفائزة بقاسم مشترك تؤهلها للمشاركة الجماعية في حكومة الوحدة الوطنية. محاولة منها الاستفادة من مبادرة العاهل السعودي لعقد اجتماعات في المملكة السعودية وباشراف جامعة الدول العربية الداعمة منذ البداية للقائمة العراقية،لاجراء التشاورات بين القوائم الفائزة في جولة اخرى، لتضمين موقع رئيس الجمهورية للقائمة العراقية، وبالضغط والدعم من امريكا ايضا، حيث طلب كل من بايدن واوباما من جلال طالباني للتنازل عن هذا الموقع للقائمة العراقية، ولكن الاكراد متمسكين بحقهم هذا، ولن يتنازلون عنه.
وعلى ضوء المعطيات السابقة، وارتباطا بقرار المحكمة الدستورية العليا الاخيرة بضرورة استئناف مجلس البرلمان في عقد جلساته بشكل منتظم، واعتبر بان انعقاد جلسة البرلمان القادم لن تظل مفتوحة، ويجب ان تعقد باقرب فرصة ممكنة، وذلك لانتخاب رئيس مجلس البرلمان ورئيس الجمهورية ، والاخير بدوره يكلف الكتلة البرلمانية الاكبر عددا لتشكيل الحكومة في غضون شهر واحد من تاريخ التكليف. قد يطرح السؤال نفسه، وهو: ماهي خيارات او توجهات القائمة العراقية بعد ما اصبحت اخيرا امام الامر الواقع؟ الجواب على ذلك واضحا، وهو اما ان تشارك في الحكومة وقبولها لرئاسة البرلمان ، والذي يجب ان يكون سنيا، والمشاركة في البرلمان كمعارضة قوية وتفعيل دوره بالتنسبق مع الكتل الاخرى، واستلام رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجبة ، كمشروع امريكي بعد اعادة احياءه من قبل جوزيف بايدن، نائب الرئيس الامريكي بمسودة جديدة ، وتفعيل دوره وتحديد اختصاصاته بالدقة والتنسيق مع الاختصاصات الحكومة،من خلال الاشراف على الشئون السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية وغيرها من الشئون العراقية الاستراتجية. او رفض كل هذه الامور والانتقال الى المعارضة من خارج الحكومة،على غرار ما اقدمت عليه في حكومة2005، والتجأت الى المعارضة من عمان.
اختيار اسلوب المعارضة السلمية او اي خيار اخر قد يتماشى مع نهجها وبرامجها المستقبلية ، لتصبح رقيبا امينا على تصرفات السلطات الحكومية والدفاع عن مطاليب الجماهير العادلة وصيانة حقوق الانسان ومحاربة نظام الفساد الاداري والمالي وسياسة المحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية التي تنتهج في العراق اليوم، وانهاء الاحتلال، حتى تستطيع ان تبرهن للجماهير بانها لم تكن تطمع فقط بالسلطة والنفوذ، ولا تهدف الى ارجاع نفوذ حزب البعث المنحل الى السلطة مرة اخرى، والمرفوض بالقوة من عامة الشعب العراقي، بل ستساهم في بناء العراق الجديد قادرا على اعادة الامن والاستقرار ويؤمن بالديمقراطية وممارستها الفعلية في الحياة اليومية، وبالتعددية في تداول السلطة ، والنهوض والتقدم على المسارات السياسية  والاقتصادية والاجتماعية، وتوجيه العراق نحو شاطئ الامان والسلام، وتعزيز العلاقة مع دول الجوار وفي المحافل الاقليمية والدولية والعالمية بما فيه خير للعراق وشعبه.


84
الحكومة العراقية المرتقبة،وافاقها المستقبلية

د.صباح قدوري

لو فرضنا جدلا، بانه بعد مضي اكثر من ستة اشهر على الانتخابات التشريعية الآذارية،قد انفرجت اخيرا الازمة الحالية بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة السيد نوري المالكي، الممثل عن الكتلة الشيعية، التي توحدت لهذا الغرض مع قائمة الاتلاف الوطني تحت اسم التحالف الوطني العراقي، وبمباركة من الجارة ايران و الاحتلال الجاثم على رقاب الشعب العراقي الى اجل غير مسمى للواقع العراقي المزري منذ سقوط حكم الطاغية في 2003 ولحد اليوم.
والسؤال الذي يطرح نفسه  بهذا الصدد،هو: ما هي هذه الحكومة وماهو الممكن ان تعمله، من خلال ثلاثة سنوات ونيف من بقاء حكمها، وما  يتوقع منها انجازها في تطويرالعملية السياسية والنهوض بالواقع الاقتصادي – الاجتماعي في بناء العراق الجديد الذي هو حلم ابناء شعبنا؟. الجواب على هذه السؤال المقسوم الى ثلاث فروع، ومن منظوري الشخصي اراه كالاتي:

اولا:تكون هوية هذه الحكومة كسابقتها في 2005، والتي تشكلت ايضا بعد فترة طويلة من الصراعات الداخلية بين الكتل الشيعية نفسها، حصرت في حينها بين الجعفري والمالكي، وحسمت لصالح الاخير. وهذه المرة يدور الصراع النهائي بين المهدي والمالكي، وفرضنا قد حسمت ايضا لصالح الاخير. وبهذا يعني اعادة ايدولوجية المحاصصة المذهبية والطائفية والقومية والسياسية على تشكيلة الحكومة المرتقبة، اي كما يقول المثل( عادت حليمة الى عادتها القديمة). وهذا يعني ايضا ابعاد مفهوم المواطنة العراقية عنها، واعادة ايضا مفهوم تعزيز دور الدين في الدولة ،ومحاولة اعادة كتابة الدستور الحالي من جديد مرة اخرى، والتاكيد على تعزيز النهج الديني/ الشريعة الاسلامية في الكتابة الجديدة له، بحجة ان كثير من فقراته يجب اعادة النظر فيها، وجرى كتابته مستعجلا، ولا يتلائم مع واقع العراق الحالي. وهذا يعني ابعاد الفكر العلماني الحضاري في ادارة الحكومة الفيدرالية مستقبلا. ان هذا التوجه الذي سيسلط على ادارة هذه الحكومة المرتقبة، قد يعطينا فكرة واضحة بان قيادتها  وبرامجها غير مؤهلين لتحقيق التحرر الوطني،من خلال التاكيد على ولاء تهم وعمالتهم للخارج- ايران والمحتل، وكذلك التحرر الاقتصادي- الاجتماعي، اي تقديم رؤية واستراتيجية واضحة وشفافة في اعادة وبناء الاقتصاد العراقي المنهار، من خلال اعتماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة. فعليه نجد ان العملية السياسية والوضع الاقتصادي ،سيتراوحان في مكانهما في  السنوات القادمة الباقية من هذا الحكم.

ثانيا: على ضوء المعطيات السابقة يتوقع تصعيد الارهاب من قبل تنظيم القاعدة، التي تعزز قوتها وموقعها في العراق منذ فترة،وذلك بعد ان سحبت الولايات المتحدة الامريكية بعض من قواتها القتالية في نهاية شهراب/اغسطوس 2010 ، وبالتعاون مع بقايا ازلام السلطة البعثية البائدة، الذين يدعون بالمقاومة ضد الحكومة العراقية الشيعية في عهدها الجديد،ورفضهم للاحتلال الامريكي لبلدنا. التدخل الاقليمي من البلدان المجاورة  تزداد، وخاصة من ايران المشاركة بالقوى في تشكيل وتزكية هذه الحكومة المرتقبة، وعلى رئاسة الوزراء، وابعاد الكتل الاخرى ،وخاصة العراقية من مركز اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية في الشؤون الامنية والاقتصادية،وخاصة النفطية ،والعلاقة بين المركز والادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق. نجد ايضا التدخل المماثل من جانب الولايات المتحدة الامريكية من خلال الاتفاقية الامنية المبرمة معها، ومن خلال الامم المتحدة، المهيمنة عليها امريكا،و حيث ان العراق لا يزال تحت االبند السابع.احتمال استمرار بقاء قوات الاحتلال الاجنبي في العراق ، وتعديل الاتفاقية الامريكية العراقية؟!

ثالثا: لن ينتظر حدوث اي تطور ملحوظ في مجال الاقتصادي خلال هذه الحكومة، وذلك لانعدام الرؤية والبرامج الاستراتجية،التي ينتظرها بفارق الصبر الشعب العراقي في مجالات ،اعادة وبناء الهياكل الاقتصادية الاساسية وعلى راسها البني التحتية، وتقديم الخدمات في مجالات الكهرباء والماء والوقود والادوية والنقل والمواصلات والصحة والتعليم، والضمان الاجتماعي، وتوفير السلع الضرورية والاساسية للمواطنين ، وتخفيف حدة البطالة التي وصلت بحدود 50% من القوة العاملة القادرة على العمل، ومحاربة الفقر الذي اوصل30% من الشعب العراقي الى تحت مستوى خط الفقر. وبمقابل ذلك نجد استمرارية نظام الفساد الاداري والمالي المستشري على كافة المستويات الادارية والسياسية في عموم العراق،وبحدة اكثر واوسع في ظل هذه الحكومة. استمرارية انشغال الحكومة في الملف الامني على حساب الملفات الاخرى الساخنة ، وخاصة السياسية والاقتصادية-الاجتماعية منها، والحالة هذه ستؤدي الى استنزاف الموارد النفطية في هذا الملف ، من خلال تخصيص مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة، في اعادة وبناء الجيش والشرطة والامن وشراء الاسلحة والمعدات الخاصة بها من الولايات المتحدة الامريكية، وتصاعد نفقات تدريب الجيش العراقي على هذه الاسلحة والمعدات بشكل كبير،حيث ان انسحاب الجزئي للقوات الامريكية القتالية، ستتحول الباقي منها في الفترة القادمة الى القوات الاستشارية العسكرية والامنية والاستخباراتية ،وانشاء الشركات المتخصصة لها في هذه المجالات،ولتدريب القوات العراقية،والتي قد تكلف الميزانية العراقية مليارات من الولارات، على حساب النفقات التشغيلية الاخرى، والميزانية الاستثمارية. وتشجع هذه الحالة على استمرارية نهج اللبرالية الجديدة في السياسة الاقتصادية العراقية في الفترة التي اعقبت سقوط الصنم ، ومن خلال تطبيق اقتصاد السوق- الحر ،والحالة هذه تساعد على مزيد من الفساد الاداري والمالي في الاجهزة الادارية ، واصبح العراق اليوم سوقا استهلاكيا مفتوحا لاستيراد البضائع الصناعية والزراعية والخدمات من الخارج، وخاصة دول الجوار.وعلى حساب بناء البني التحتية، التي تساعد وتخدم على تفعيل وتنشيط القطاعات الاقتصادية الانتاجية ،وخاصة الصناعية والزراعية والخدمية منها،وتوفير البضائع محليا.

لا نتوقع للعملية السياسية ان تتقدم مستقبلا ، ما لم تجري الاصلاحات الجذرية في اسس وتركيبة الحكومة، التي بنيت على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والدينية والقومية ، وغياب مفهوم المواطنة والسيادة الوطنية في الخطاب السياسي العراقي، والانشغال باشاعة مفاهيم الفكر الديني التخلفي والصراع المذهبي، وابعاد قدرات الفرد العراقي، وعدم تحفيزه للاندماج في العملية الانتاجية، وتطوير القوة البشرية للاسراع في العملية التنمية الاقتصادية- الاجتماعية والبشرية المستدامة،والقضاء على الفقر، وتحقيق المساواة بين المواطنين ومنع التميز،والتي هي مفتاحا لانقاذ مجتمعنا من التخلف والجهل، ووضعه على المسار الصحيحح،في عملية بناء العراق الجديد. يتطلب قبل كل شئ الى بناء مؤسسات الدولة على اسس الديمقراطية ، وتطبيق القانون الاساسي في فصل واجبات وصلاحيات السلطات الثلاثة القضائية، والتشريعية، والتنقيذية. اجراء تعديل في قانون الانتخابات التشريعية والمحلية ورئاسة الجمهورية للدورة الانتخابية القادمة، بحيث يواكب هذا القانون مرحلة تطور المسيرة العراقية على كافة اصعدتها، ويتماشى مع مبدأ الديمقراطية الحقيقية وممارستها الفعلية، ووفق اسس الحضارية المتقدمة، تجسد فيها روح العصر، والتحرر الوطني والاجتماعي، وصيانة وكرامة وحقوق الانسان وتنميته.والكف عن عملية تزوير الانتخابات ، واستخدام كل نفوذ القوى المهيمنة على الحكم في ذلك. وفي هذا الاطار وجه رئيس الوفد البرلماني الاوروبي للعلاقات مع العراق ستروان ستيفنسون في حينه انتقاده لحملة الانتخابات العراقية ، وقال"ان الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة ليس الا وهما، ويستخدم فيها الحيل القذرة والقتل والفساد والابتزاز والتخويف، وقال ايضا "ان النخبة الحاكمة مصممة على تدمير خصومها، بدلا من العمل على هزيمتها، عبر السعي من اجل الحصول على دعم الناخبين لها". اصدار قانون الاحزاب، وتفعيل دور المنظمات المهنية والنقابية والمدنية،وتنظيم اليات تفعيل دورها التثقيفي في توعية الجماهير بالمبادئ التنويرية والاخلاق السامية، وكذلك تعديل كثير من بنود الدستور،الذي ينتظر ذلك منذ اقراره في الاستفتاء الشعبي، لعام2005 ولحد اليوم.

واستخلاصا مما تقدم ، يمكن القول، بان في غياب الممارسات الديمقراطية الحقيقية، في ظل النظام الطائفي ، وتعميق نهج اندماج الدين بالدولة، وتهميش مفهوم المواطنة والتحرر الوطني والاجتماعي من الخطاب السياسي، وطغيان الفكر الطائفي والمذهبي  والقومي والحزبية الضيقة في العلاقات السياسية بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية العراقية، وتزايد تدخلات الدورالاقليمي،وخاصة ايران وتركيا وامريكا في شؤون العراق الداخلية ،مما ادى الى صعوبة حل المعظلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق اليوم،وفي المحافل الدولية.
 كل هذه الامور تقف اليوم حجر عثرة في تطوير المسيرة السياسية والاقتصادية - الاجتماعية في العراق الجديد - القديم. لا يمكن التكهن في بناء العراق الجديد بكل معنى الكلمة، ما لم يتم انتزاعه من كل هذه المشكلات والنكبات والتخلف المتراكمة منذ الحكم الديكتاتوري المقبور ولحد اليوم، واصبحت هذه المشاكل تدور في حلقة مفرغة، من دون ايجاد اي حلول جذرية لمعالجتها وانهاءها الى الابد.


85
تهريب النفط العراقي من كردستان العراق
د.صباح قدوري

افادت المصادر الصحفية ووكالات الانباء المختلفة ، بانه يجري على قدم وساق، وبشكل منظم ومخطط تهريب النفط العراقي ومشتقاته من كردستان العراق الى دول الجوار، وخاصة الى ايران وتركيا. ان هذه الظاهرة ليست جديدة في العراق، وكانت تمارس بشكل علني في عهد النظام السابق، وباشرف من عدي ومافيته ، وكانت هناك تعاون مع المافية الكردية في هذه العملية. اشتدت ممارسة هذه الظاهرة بعد سقوط النظام الديكتانوري المقبور في 2003 ، ومستمرة الى يومنا هذا، وهي جزء من نظام الفساد الاداري والمالي المستشري في معظم اجزاء العراق، وعلى كافة المستويات الادارية والحزبية، واصبحت اليوم كوباء يعاني منها العراق وشعبه، من دون اتخاذ اية اجراءات اللازمة وضرورية لا من الادارة الفيدرالية ولا من الحكومة المركزية، لايقاف هذه الظاهرة التي تحولت اليوم الى النظام ومكافحتها ووضع حد لانهاءها واقلاع جذورها الى الابد.
ان تهريب وسرقة النفط العراقي تجري عبر قنواة مختلفة في استباحة ابارنا النفطية في الجنوب ولصالح ايران والكويت من دول الجوار. تدفق مبيعات نفط العراقي بدون رقيب او اية حسابات،او حتى وجود عدادات حقيقية لقياس كمية النفط المستخرج من الابار والموجود في الانابيب الناقلة وأحتساب قيمتها. كذلك رفض وزارة النفط العراقية تطبيق نظام المراقبة الالكترونية عبر الاقمار الصناعي على توزيع المشتقات النفطية التي تجري لصالح الدولة الجارة، لان ذلك يكشف المستور من اعمال السرقات.وجود (صهاريج عائمة) يجري تهريب النفط العراقي بها، وكذلك ثقب الانابيب وسحب النفط الى برك ثم يسحب من هذه البرك الى الصهاريج العائمة ثم الى البواخر المرابطة عند مرافئ غير شرعية في شط العرب.اما في اقليم كردستان العراق تجري هذه العملية عن طريق مئات من الناقلات العملاقة ، التي تزيد حمولة كل واحد منها عن الخمسين الف لتر من المشتقات النفطية المختلفة.وتؤكد الانباء التي تناقلها المواطنين في اقليم كردستان العراق، بان قسم من هذه الناقلات النفطية التي تمتلكها الادارة الفيدرالية في الاقليم،هي حصيلة غنيمة- (سرقة) الحرب الاخيرة على العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها بالمشاركة مع القوات الكردية اثناء دخولها الى بغداد، مع حوالي 8000 الاف من سيارات لاندكروسر،التي سميت فيما بعد بسيارات (علوج)،نسبة الى المصطلح الذي استخدمه الصحاف وزير الاعلام في النظام السابق اثناء هذه الحرب. وكانت هناك مشكلة لادارة الاقليم في كيفية تسجيل هذه السيارات المسروقة، وقد تم توزيع قسم منها على المسؤولين الحزبيين والاداريين في الاقليم.
السؤال يطرح نفسه: كيف يتم هذه السرقة، ومن يقف وراءها، ولحساب من يتم؟.من المعروف ان تيسير اقتصاد اقليم كردستان الحالي يجري على اساس فلسفة الاقتصاد السوق- الحر، والمتحمس لها كل من السيدين، نيجرفان بارزاني، الذي كان رئيس الادارة الفيدرالية، وبرهم صالح الرئيس الحالي لهذه الادارة. ووفق هذه الفلسفة اصبح اقليم كردستان سوقا تجاريا حرا، تجري فيها كل المعاملات الاقتصادية بشكل ليبرالي- التجارة الحرة، موجها من قبل الحزبين الحاكمين، الديمقراطي والاتحاد الوطني،من دون وجود تخطيط استراتيجي شفاف للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والبشرية المستدامة، او اية رقابة برلمانية وتنفيذية وشعبية. وان الفساد الاداري والمالي في الاقليم يشمل كل القطاعات الاقتصادية ذات الطبيعة الخدمية الاستهلاكية، وحصة الاسد من هذا الفساد يتركز اليوم على القطاع النفطي، الذي هو في نموء السريع بفضل الشركات المتعددة الجنسيات التي دخلت ميدان الاستثماري في الاقليم، وبشراكة واشراف المباشر من الشركات الامريكية الخاصة، التي يشرف عليها السفير الامريكي السابق في العراق زلماي خليل زاده.
ان حساب ايرادت النفط والمشتقات النفطية تدخل حصة منها لا يمكن معرفة نسبتها في حساب الحزبين الحاكمين بدلا من المال العام-الشعب، وذلك بسبب نقص المعلومات الاحصائية الرسمية وانعدام الشفافية وضعف الرقابة الشعبية، وتنفذ من قبل المافية الخاصة بتجارة النفط على صعيد العراق وتحت اشراف والدعم المباشر من الحزبين الحاكمين.
منذ سقوط الديكتاتورية، لم يشهد العراق استقرارا في مجال ادارة الحكم وبناء المؤسسات الادارية ، التي توصف فيها بشكل واضح وشفاف اختصاصات السلطات الثلاثة الرئيسية، القضائية والتشريعية والتنفيذية.  ويلاحظ هذه المسالة بوضوح في ادارة الاقليم الحالي.اذ ان المحاصصة السياسية والحزبية الضيقة، هي التي مهيمنة على تشكيلة هذه المؤسسات ،التي افرغت من محتواها المؤسساتية وتطبيق نظام دولة القانون وصيانة حقوق الشعب،وتيسيرها وفق المصالح الذاتية والمحسوبية والحزبية والعشائرية بعيدة عن المصالح الوطنية والشعب.
على ضوء ماتقدم ان مشكلة محاربة الفساد الاداري والمالي ، تعتبر مسالة وطنية ، تقع على عاتق كل عراقي شريف الذي يعتز بمواطنته العراقية ويساهم باخلاص من اجل بناء العراق الجديد . ان يساهم كل حسب موقعه وامكانياته من اجل وضع حد لهذا الوباء وجمع الجهود وتوفير الاليات الممكنة للقضاء عليه الى الابد.على البرلمان الكردستاني تفعيل دوره وواجباته الوطني للنظر في مسالة معالجة هذا الوباء، وخاصة في هذه القضية التي اصبحت تتداول اليوم على صعيد الداخلي والشعبيى،والتدخل الامريكي فيها، وكانت في السابق تلتزم الصمد، اما اليوم وعلى لسان مسئول عسكري الرفيع المستوى يعمل في العراق يتم الكشف عن هذه السرقة ، وذلك تماشيا مع سياسة تشديد الحصار الاقتصادي الامريكي والاوروبي، بما فيه من النفط والغاز على ايران.ادراج هذه القضية في جلسة اعمال البرلمان،ومناقشتها بشكل شفاف وبدرجة من الاهمية ، وفتج الملف النفطي، وبحضور وزير الموارد الطبيعية ئاشتي هورامي، المسؤول الاول عن هذه الفضيحة والفضايح الاخرى التي تخص الشؤون النفط والغاز في الاقليم، واستجوابه بأدلاء المعلومات الشفافة والصحيحة بما يجري في وزارته بخصوص السياسة النفطية، والتصريحات المتناقضة التي يدل بها بين حين واخر بخصوص تصدير الفائض من المشتقات النفطية الى ايران، وليس نفط الخام. وجزء من هذه المشتقات النفطية يستلمها الاقليم من توزيعات الحكومة الاتحادية على المحافظات العراقية ، ويتم تهريبها الى دول الجوار، وتعاد هذه الدول بتصديرها الى العراق باسعار مرتفعة. وتجري هذه العملية بشكل مستمر من اقليم كردستان،وايضا عبر الحدود الجنوبية من العراق، واشكاليات عقود النفط والشركات العاملة في هذا المجال والاستثمارات الخاصة في القطاع النفطي في الاقليم، والتي يجب ان تتم بكل شفافية وبعلم مجلس الوزراء في الاقليم، وبالتنسيق مع الحكومة الاتحادية وبمصادقة البرلمان الكردستاني ،عن طريق اصدار القوانيين اللازمة حسب الاصول بذلك،بغية الكشف عن الحقيقة للمواطنين في الاقليم واجزاء اخرى من العراق.
 

86
الى متى استمرار العنف والارهاب وانتهاك حقوق المسيحيين في العراق؟!

د.صباح قدوري

ان الغرض من كتابة هذه الاسطر هو تبيان الحالة المزرية التي يعيشها المسيحيين الحاليين في العراق، وخاصة في مدينة الموصل، وكيفية ايجاد حلول امنيية وانسانية لها،والتضامن مع شعبنا المسيحي في حمايته وتحقيق حقوقه الدينية والقومية في العراق (الجديد)  .
بين فترة وفترة تعود ممارسة اضطهاد وقمع وارهاب وشن الهجمات الشرسة على المسيحيين والاديان الاخرى من الايزيديين والصابئة المندائيين والشبك وغيرها، خاصة في مدينة الموصل، من قبل الاسلاميين المتشددين والارهابين، الذين لا يعترفون مطلقا بوجود هذه الاديان منذ الازل في العراق – بلاد الرافدين، وهم من سكانه الاصليين. تجري هذه الهجمات بشكل مدروس ومنظم ومخطط لها ، تهدف بالاساس الى انهاء وجود مواطنيين هذه الاديان من العراق،وارغامهم الى ترك البلد واللجوء الى الاماكن الاخرى في داخل وخارج العراق. كان نفوس المسيحيين في العراق قبل 2003 اكثر من مليونين، منتشرين في كل انحاء العراق، وخاصة في المدن الكبرى مثل بغداد ، الموصل  ، والبصرة ، وكركوك وفي الاقليم الحالي لكردستان العراق، اما اليوم لا نجد منهم غير بحدود 300 الف نسمة ، اكثرهم يعيشون في سهل نينوى وفي اقليم كردستان العراق . عشرات الاف منهم ارغموا على ترك ديارهم واللجوء الى خارج وطنهم الاصلي، منتشرين في اوربا وامريكا وكندا واستراليا. يعانون صعوبات كثيرة في حياتهم الجديدة ، ويعشقون حنين بلدهم الاصلي. وكان لهم الدور المتميز في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر تاريخ العراق. وساهموا في بناء العراق الحديث، ووضعوا الاسس السليمة والحضارية في مجالات التربية والتعليم، والصحة، وادارة مؤسسات الدولة، والنهوض بالثقافة المنورة في مجالات الاعلام والموسيقى، والفن التشكيلي والمسرحي، والرياضة ونشر مبادئ السلام والمحبة والتسامح، والتعايش الاخوي مع بقية الاديان الاخرى. لا نجد في اية فترة من تاريخ العراق الحديث ، بان يوما ما ، قام المسحيين بنشر افكار الحقد او تفعيل الفتن او عدم قبول الاخرين من الاديان الاخرى التي تعايشت معها عبر التاريخ بالمحبة والاخوة والسلام الدائم.

تم زرع الفتنة وممارسة سياسة الاكراه والتعصب بين الاديان والقوميات التي كانت متعايشة بالمحبة والسلام منذ زمن قديم في ارض الرافدين ، بسبب السياسات الرعناء وتفرقة الصفوف التي مارسها النظام الديكتاتوري المقبور طيلة 35 سنة بين مكونات الشعب العراقي، وزج ابناءه في طاحونة حروبه المجنونة. استمرت هذه السياسة وبشدة بعد سقوط النظام البائد في 2003 ،واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامركية وحلفاءها والى حد كتابة هذه الاسطر.اخذت هذه الهجمات اشكال متعددة من قتل واغتيال القسس والمطران والشمامسة والمواطنين العاديين، والهجوم على الكنائس والمعابد وحرقها، وتشريد الاف من المسيحيين من ديارهم. تشهد مدينةالموصل على ايدي حركات الاسلام السياسي المتطرفة من ايتام تنظيم القاعدة وبقاية ازلام النظام الديكتاتوري البائد والسلفيين والارهابيين التي تصدرهم بعض بلدان المجاورة الى العراق باستمرار، الى ابشع انواع الممارسات الاجرامية واللانساتية بحق المسيحيين من قتل واغتيال وانتهاك اعراض عشرات من ابناء هذه الطائفة المتسامحة والملتزمة بالمواطنة وحبها للوطن تحت شعارات وافكار متخلفة ، فبقتل المسيحي تخضر يد القاتل، او قتل المسيحي يضمن القاتل لنفسه الجنة ، او قتل المسيحي يعتبر جهادا على الكفار ، وغيرها من هذه الشعارات المسمومة ، التي لا تدل الا عن الجهل والتخلف وعدم احترام قدسية الانسان واديانها.هل هناك توجه لجعل مصير المسيحيين الحاليين كمصير عائلة الجليلي في الموصل؟ الجواب كلا و كلا ومن ثم كلا. ان قصة عائلة الجليلي التي كانت ترويها الناس، قد حدثت في حقبة تاريخية معينة. ومورست من قبل بعض الافكار الاسلامية المتعصبة ضد المسيحيين،وارهابهم واذلالهم وتهديدهم  لترك ديانتهم او الدخول في الاسلام بالقوة. وقد حدث ذلك لعائلة الجليلي المشهورة في الموصل،  والتي كانت مسيحية واصبحت فيما بعد مسلمة.والقصة هي كما يقال : في فترة زمنية تاريخية ، عندما دخل الاسلام الى مدينة الموصل، كانت تسكن فيها عائلة مسيحية معروفة باسم الجليلي.صادف في احدى الايام ان احد رجال هذه العائلة كان عند الحلاق لترتيب شعره ، وفي هذه الاثناء دخل رجل مسلم الى محل الحلاق ليرتب ايضا شعره فلاحظ ان هذا المسيحي جالسا على كرسي الحلاق. وقد صاح المسلم على هذا الرجل وامره بان ينهض ويترك محله للمسلم ،لانه مسيحي كافر وانسان من درجة واطئة. فرد هذا الرجل المسيحي على المسلم فقال: اذا كان السبب هو هذا فقط،، فانا لا اترك محلي لك واستمر في ترتيب شعري الى ان انتهي وعليك الانتظار ، وقال: ومن هذه اللحظة وبشهود  الجالسين في المحل ، اعلن وعائلتي اسلاميتنا ، ولا يحق لك فيما بعد اذلالي واكراهي. هذه هي القصة الحقيقية التي سببت الى تغير عائلة الجليلي دينها الى الاسلام .

شهدت المدينة يوم 2/5/2010، حدث دامي بارتكاب جريمة قتل طلاب المسحيين من قره قوش(بغديدا)، في موقع بين نقطتين للتفتيش ، واثناء اداء واجباتهم العلمية في طريقهم الى جامعة الموصل، في تحصيل العلم والمعرفة، ولكي يساهموا في نشر مبادئ الانسانية والمحبة والتعايش السلمي بين مكونات واطياف الشعب العراقي، وبث الثقافة العصرية والتمدن والاخلاق السامية بين ابنائه، وتكريس علمهم في عملية بناء واعادة اعمار العراق. وهم  ناس بعيدين عن القتل والعنف والارهاب، مسالمين وابرياء بعمر الورود والبراعم واجيال مستقبل العلم والمعرفة للوطن.

نستنكر وندين مع كل قوى الخيرعلى الصعيدين الحكومي والشعبي ،التي تحترم وتقدس الحريات العامة وتدافع عن حقوق الانسان ، كل شكل من اشكال الارهاب . وعلى الشعب العراقي ان يقف صفا واحدا للتصدي الى خطط هؤلاء الارهابيين ، ويصرخ ويهتف بصوت عالي ، لا للخونة والمجرمين والعملاء والارهابيين، بل لوحدة العراق شعبا ووطنا ، حتى يصبح العراق بحق عراقا جديدا، حديثا، يؤمن بالديمقراطية الحقيقية،ويصان فيه كرامة وحقوق الانسان .
على السياسين المسيحيين واعضاء البرلمان في بغداد واقليم كردستان العراق و منظمات المجتمع المدني، وكل المؤسسات والمنظمات المعنية بحماية ارواح وحقوق الانسان في العراق والعالم ، التحرك السريع من اجل ايقاف هذا النزيف الدموي بحق الشعب المسيحي والاديان الاخرى، والضغط على المؤسسات القضائية والامنية من اجل الاسراع في القبض على المجرمين وتسليمهم الى العدالة،وتشكيل لجان تحقيقية ومحكمة خاصة للتحقيق معهم، وانزال اشد العقوبات بحق المتهمين منهم . نناشد ايضا كل القوى الخيرة من المنظمات الدولية ،الامم المتحدة ومجلس الامن ، الجامعة العربية، منظمة الوحدة الاسلامية، ومنظمات حقوق الانسان في العالم ، وكل محبي مبادئ السلام والتسامح والتقدم، والمنظمات والكنائس الدينية في العالم وعلى راسها دولة فاتكان ،والمبادرة بتنظيم الحملة العالمية ، للتضامن والوقوف امام الهجمات الشرسة التي تمارس باستمرار بحق المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى في كل انحاء العراق، والدفاع عنهم، ووضع حد لهذه المـأسي والنزيف الدموي الذي يعاني منهما الشعب المسيحي منذ فترة طويلة ، من دون ايجاد حل انساني لها حتى اليوم . 

87
في ذكرى يوم الشهيد الشيوعي-الخالد الشهيد عادل سليم

صباح قدوري

كثيرون هم الابطال الذين سطروا ملاحم بطولية على دروب الحرية والنضال، الابطال الذين جعلوا الحتوف جسرا الى الموكب العابر، الابطال الشهداء الذين تركوا علامة بارزة في سماء النضال والتضحية والفداء . أنهم بيارق عالية  وشامخة على مر العصور، بيارق مرفرفة عازفة أبدا، شعار الوطن الحر والشعب السعيد. وأحد هؤلاء الابطال الشهداء  الذين سجلوا لانفسهم ولشعبهم ولتاريخ الحركة اليسارية في العراق صفحة ناصعة، مكللة بحب الوطن والقومية والمبادئ ، ولم يحصدوا شيئا غير الشهادة ،وذكرى طيبة  في قلوب من عاصروه واحبوه وعملوا معه في سنين النضال الطويلة ، وخلودا ناصعا على مر التاريخ، أنه أحد الشيوعيين العراقيين الذي ظل صلبا يقاوم الظلم والاستغلال. انه الشهيد البطل عادل سليم.

تشرفت بمعرفة الشهيد عادل سليم في صيف عام 1975,  حينما تم نقل وظيفتي من محاسب في مديرية تنقيح التبغ في السليمانية الى محاسب في الامانة العامة للداخلية في المجلس التنفيذي للحكم الذاتي في اربيل حينذاك. واثناء وجودي في الوظيفة في اربيل ، التقيت المناضل الكبير والوجه البارز في الحركة الوطنية العراقية والتحررية الكردية الشهيد عادل سليم.الشهيد كان في حينه مرشحا للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وعضوا في لجنة اقليم كردستان ، التي كان مسؤولها المرحوم المناضل يوسف حنا يوسف( ابو حكمت) ، علاوة على ذلك كان يشغل منصب الامين العام للنقل والمواصلات ، اي بمنصب وزير في المجلس التنفيذي للحكم الذاتي  حينذاك.
كنتُ بمعية الشهيد حميد القاضي( ابو زكي ) والاخرين، قد تعرفت جيدا على الشهيد اثناء عملي الحزبي في المكتب الاقتصادي للاقليم .

كان الشهيد مثالا رائعا للشيوعي العراقي ،مناصرا في حياته لحقوق الانسان ، ومنتقدا بليغا وصريحا لانتهاكات البعثيين في العلاقات الجبهوية، ملتزما ومخلصا في عمله الحزبي والوظيفي ، ونموذجا راقيا في الاخلاق والمودة، والتصاقه بمبادئ الحزب واخلاصه للقضية الوطنية العراقية و القضية الكردية، شجاعا في طرح افكاره ودفاعه عن مبادئ حزبه، وصارما في قراراته. كان متواضعا جدا ، ومرنا في علاقاته الاجتماعية مع الرفاق في الحزب والوظيفة. كرس كل امكانياته الفكرية والثقافية والوظيفية في خدمة الناس. وبسبب افكاره التقدمية والانسانية والوطنية،ودفاعه عن مصالح الطبقة العاملة والشغيلة والجماهير الشعبية، وايمانه بمبادئ الحرية والديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبعدالة القضية القومية الكردية، لقد دفع ضريبة باهضة الثمن من حياته، حيث قضى الشهيد سنوات عديدة في السجون والمعتقلات والتعذيب والتشرد والابعاد.

كان الشهيد متفانيا ومخلصا في  وظيفته وفي عمله الحزبي وفي علاقاته الجبهوية، وكان ينال كل الاحترام من بقية الاطراف في الجبهة الوطنية مع حزب البعث المنحل ، لكنه في الوقت ذاته كان صارما شديدا في طرح  افكاره التي تخدم مصلحة الحزب والطبقة العاملة ، وقد واجه المقبور صدام حسين  وتحادثا سوية حول الخروقات التي كانت تحصل في بنود ميثاق الجبهة الوطنية. فكان دائما محل احترام وتقدير كبيرين.
كان الشهيد وبما يمليه عليه واجبه الوطني والثوري مدافعا لمبادئ الحكم الذاتي انذاك ،في المجلسين التشريعي والتنفيذي . علاوة على عمله الحزبي في الاقليم ومحلية اربيل.

وقف الشهيد بحزم وشجاعة كبيرين ضد سياسة التهجير القسري، التي مارسها النظام بعد فترة من اتفاقية الحكم الذاتي في مناطق كرميان وبهدينان والقرى المحاذية للحدود الايرانية، حيث تم تهجير اهلها الى المناطق الجنوبية من العراق. وقدم الشهيد في سياق هذه المسالة مداخلات عديدة و قيمة الى المجلسين ، وفضح الممارسات الاجرامية للبعثيين في القضاء على الجبهة الوطنية وزج الشيوعيين والوطنيين في السجون والمعتقلات،ونواياهم الخبيثة في ابادة الشعب الكردي، ونتيجة لذلك اعفي الشهيد من  وظيفته كأمين عام للنقل والمواصلات لاقليم كردستان.

ساهم الشهيد في تنظيم قوات الانصار الشيوعيين (البشمركة) في الحركة التحررية الكردية، وكان له دور متميز مع المناضل والشهيد توما توماس في تطوير الوضع الداخلي لحياة الانصار ، والتنسيق والعمل المشترك مع الاحزاب الكردية الاخرى التي  كانت لها دور كبير في الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق واجزاء اخرى منه.

دأب الشهيد ان يجعل من اسرته مثالا للروح الوطنية والثورية والتفاني في حب الوطن والمبادئ وعلى خطاه، ولذلك كانت أم شمال زوجة الشهيد التي رحلت عنا ايضا قبل مدة قصيرة، مناضلة شجاعة وعنيدة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، أفنت من عمرها الكثير ضد النظام الصدامي المقبور. وكان بيتها مفتوحا للمناضلين ايام النضال السري والعلني ومحبة للقضية الكردية، وناشطة في الجمعيات النسائية ومدافعة عن حقوق المرأة.

قبل ثلاثين عاما فارقنا الشيوعي الواهب والخالد على طريق الخالدين فهد وصارم وحازم وسلام عادل وجمال الحيدري.
وبذلك انظم الى لائحة الشهداء الشيوعيين ،واستشهد نتيجة لدس السم في أحشاءه من قبل جلادي النظام المقبور، فقد ظنوا بذلك انهم يسكتوا صوته، لكنه ظل عاليا مدويا في  صفحات التاريخ، فاضحا لممارساتهم الارهابية والقمعية ضد الشعب العراقي بكل مكوناته القوميه والعرقية. لقد قدم دمه الطاهر قربانا لفجر الاشتراكية الذي طالما حلم بمجيئه.

لقد غاب جسده عن محبيه واهله ورفاقه،لكنه بقي رمزا حيا للفخر والاعتزاز، رمزا للصمود والتضحية في سماءالحرية، رمزا للموت التراجيدي,  وسيظل من الاسماء التي لاتنسى طالما بقي ضمير حي وذاكرة تحتضن الاحرار،سيظل حيا بين ظهرانينا.

دانمارك/ شباط 2010




88
الرحلة الثانية الى الوطن الحبيب

د.صباح قدوري

غادرت العراق في ايلول/سبتمبر من عام 1977 ،للتمتع بزمالة دراسات عليا في بولندا.وقد تحقق هذا الهدف وحصلت على دكتوراه في الاقتصاد/محاسبة التكاليف في عام 1985 . وبسبب الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة في العراق اثناء نظام صدام المقبور، وخاصة ان الحرب العراقية الايرانية كانت في اوجها، مما اضطررت السفر الى ليبيا والعمل في جامعة الفاتح، كاستاذ محاضر في مدينة الغريان ولمدة اربعة سنوات.واصبحت الاوضاع في العراق سيئة ، وخاصة بعد احتلال الكويت في عام 1990، مما اضطررت الالتجاء الى اللجوء، وحصلت على ذلك في الدانمارك في عام 1993 . وقد سافرت في صيف عام 1995 للمرة الاولى الى الوطن الحبيب، وبالتحديد الى مدينتي الباسلة السليمانية، بعدما اصبح اقليم كردستان خارج سلطة النظام الديكتاتوري المقبور.كنت حاملا احلام كبيرة ، وكان تفكيري قد توصل الى بناء عمارة جميلة للواقع هناك، ربما سبب ذلك هي جفاف الغربة، بالرغم من كل "مغرياتها"، ولكن عندما وطات قدماي ارض الوطن ، وجدته محاصرا بحصارات عدة ، وان احلامي الجميلة لم تستمر طويلا، وكان الواقع الجديد بكل فوضاه يفرض وجوده . مدينتي بلغها الحزن وتسعى للملمة الامها وصمودها مرة اخرى ، ليس فقط لتواجه الديكتاتورية  انذاك ، والحصار الاقتصادي المزدوج ، وما حمله من كوارث والام ومحن ، بل لتواجه مجموعة جديدة من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي فرضها انذاك واقع الصراع بين "الاخوة الاعداء". بقيت في سفرتي هذه مدة اسبوعين، وقد تمرضت في الاسبوع الثاني، ولم يحالفني الحظ اللقاء بالمحبين والاهل والاقارب والاصدقاء، لقد باعدتني عنهم الظروف التي لم اخترها.

سافرت بتاريخ 2009.10.11، اي بعد 14 سنة من سفرتي الاولى، مرة اخرى الى الوطن العزيز وبالتحديد ايضا الى مدينتي المناضلة السليمانية. واتيحت لي فرصة جيدة للالتقاء بالاصدقاء والمحبين والاهل والاقارب . وبفضلهم قد تمتعت حقا بهذه السفرة الموفقة التي استمرت حوالي شهر، وزرت خلالها مدينة اربيل.من خلال مشاهداتي ومقابلاتي مع شرائح مختلفة من ابناء مدينتي ، تكونت لدي صورة عن الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ادرج ادناه انطباعاتي وملاحظاتي عن هذه السفرة. وبدون الدخول في التفاصيل لا ضرورة لها، اريد هنا ان اوشر الى بعض المشكلات التي اعتقد انها مهمة وبالاخص عن الجانب الاقتصادي ومنها:-

1- شاهدت مدينتي انها متغيرة تماما من جوانب كثيرة، حيث توسعة المدينة من كثرة الابنية والشوارع واقامة العمارات العالية وبناء شقق على شكل مدن صغيرة وفق التصاميم التركية والاوربية ،وبناء محلات واسواق تجارية والفنادق ذاث (3-5) نجوم والمطاعم والبارات والاندية الليلية التي تتزايد عددها يوما بعد يوم بشكل ملفت للنظر، مع توسع في عدد سكان المحافظة الى حوالي مليون ومائتان الف نسمة ،عندما كانت نفوسها حوالي سبعمائة الف في سفرتي الاولى.تجرى كل هذه الاموربشكل عشوائي، وبدون مخطط استراتيجي وواضح وشفاف للسياسة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المستدامة للاقليم.
2- الوضع السياسي مختلف، واليوم هناك الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. فازت قائمة تحالفهما في الانتخابات التشريعية الاخيرة في الاقليم ، التي جرت بتاريخ 25تموز/يوليو2009 ، كما تم تشكيل الادارة الفيدرالية-الكابينة السادسة براسة الدكتور برهم صالح من قائمة الكردستانية وتطعيمها ببعض من الوزراء من الاحزاب الاخرى، والتي لا تزال تعمل تحت خيمة هذين الحزبين الحاكمين. ان الحزبية وتقاسم السلطة بين الحزبين الحاكمين يجب ان لا تنحصر في المجال السياسي والامني اللذان يشهدان دائما حالات من المد والجزر، بل يجب ان تنصب على تحسن ادارة الاقليم في مجالات بناء المؤسسات الادارية والقضائية، وفي المجالات الاقتصادية والصحية والتربوية والتصنيع والتكنولوجيا، تبقى مهما تغيرت ظروف،رافدا للتخطيط التنموية وارضا خصبة للنمو المتجدد. ظهرت احزاب اخرى التي افرزتها الانتخابات البرلمانية الاخيرة في كردستان ولها ثقلها في المعارضة البرلمانية ، التي لم تكن ابدا في تاريخ اقامة الفيدرالية منذ 18 سنة من نشوءها. ونتمنى ان تلعب هذه المعارضة وبشكل بنـّاء في تقديم برامج واقعية للدفاع عن مكتسبات الشعب الكردي، وضمان حقوق المواطنة، وتطوير مسيرة الفيدرالية ،وتوسيع الممارسات الديمقراطية والحوار المتمدن بشكل فعلي في الحياة اليومية، وتنسيق العلاقة بشكل عقلاني مع الحكومة المركزية في بغداد بهدف تعميق العلاقة السياسية والاقتصادية ، التي تخدم ترسيخ الادارة الفيدرالية بمفهوها السياسي والقومي والاداري والجغرافي ،وضمن العراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي الموحد.
3- لا يزال هناك دور مميز لمجموعة من الناس "الهامشيين" على صعيد الادارة الفيدرالية والبرلمان . فقسم كبير منهم كان شريكا في الجرائم التي ارتكبها حكام الديكتاتورية المقبور ، ولكن " بقدرة قادر" اصبحوا اليوم شركاء مع "القادة السياسين" ، يلعبون دورا تخريبا في تسير الامور في الاقليم، تحت حجج وذرائع مختلفة من اهمها" حماية الفيدرالية". غير ان المهمة الرئيسة هي خداع الجماهير وتمرير جرائمهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذه فئة من الناس تتمتع بكل الامتيازات، في حين تعيش الفئات الاجتماعية الاخرى حياة شديدة القسوة اقتصاديا واجتماعيا.
4- تتخذ التحولات الهيكلية للنشاط الاقتصادي في أغلبها طبيعة استهلاكية، وان النشاط الانتاجي في حالة متدهورة.وان الهياكل الارتكازية في تخلف مستمر.ولعل جردة سريع لاي مراقب عادي تسمح بملاحظة جعل الاقليم سوقا استهلاكيا بكل معنى الكلمة، واصبحت الاسواق مغرقة بالبضائع المختلفة الاستهلاكية متعددة المنشأ وخاصة الصينية والكوريا والتركية والسورية والايرانية والهندية، وبنوعيات رديئة واسعار مرتفعة تضر بالمستهلك الاخير، والرابح الوحيد من هذه التجارة الداخلية والخارجية هم نخب من تجار الجدد المدعومين من قبل السلطات السياسية والادارية وما يدور حولهم من مافية السوق. وعلى اثر ذلك نشأت مجموعة من السماسرة للتعامل بالعملات الاجنبية"بورصة لاسواق العملات الاجنبية" ، وهي غير شرعية وغيرقانونية، مدعومة من قبل تجار السوق السوداء.وتحت حماية القوى المهيمنة في الاقليم ، يستطيع المرء وبكل سهولة بيع وشراء العملات الاجنبية المختلفة، ودفع الفواتير في المحلات والمطاعم والاندية الليلية بهذه العملات، من دون اية رقابة من طرف البنوك والمؤسسات المالية المختصة.انها تفتقر الى ابسط انواع التنظيم القانوني والاداري. لقد اقامت هذه "البورصة" "قانونها" الصارم ، وهو ان كل من يمتلك نقودا كثيرة يستطيع الحفاظ على مصالح تجار السوق السوداء والمهربين، وطبعا ضمان حصة "القادة الكبار" واصبح الاقليم بذلك سوقا للتجارة الحرة. وهو خارج القانون الاقتصادي او فوقه مما تنعكس هذه الحالة على الاسعار وتجعلها في تزايد مستمر، وتدني النوعية للبضائع المستوردة ، وتفاقم التضخم والاختلال في استقرار العملة المحلية الوطنية.
5- تزايد ظاهرة انتشار الشحاذين والمعوزين من مختلف الاعمار والاجناس، في شوارع مختلفة من المدن، او يطرقون الابواب طيلة الوقت .ومقابل ذلك تعاني الكثير من الفئات الاجتماعية صعوبات جدية في ترتيب اوضاعها المعيشية والاقتصادية، التي يحاصرها الغلاء الفاحش ، وارتفاع الاسعار بشكل صارخ ، وانخفاض الدخول الحقيقية الناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم وانتشار البطالة، وتصفية القطاع الصناعي، بحيث اصبحت الصناعة معدومة في الاقليم ، واستراد المعدات والسيارات والمكائن وقطع الغيار والمواد الانشائية وكل صغيرة وكبيرة من النشاط الانتاجي الصناعي من الخارج . وان اكثر من 90% من الطاقات الانتاجية الزراعية والقطاعات الاخرى الانتاجية الوطنية مهملة ومعطلة. ويعتمد مجمل النشاط الاقتصادي الانتاجي في الاقليم على الشركات الاجنبية المتعددة التي تعمل في الاقليم، وتزويدها بانتاج البضائع الصناعية، واستيراد معظم المنتوجات الزراعية، وحتي الايدي العاملة غير الماهرة التي تعمل في المجالات الخدمية في المطاعم والفنادق والاندية الليلية من الخارج، مع وجود عدد من كازينوات للمقامرة الكبيرة في محافظات الاقليم.يضاف الى هذه الحالة المزرية للقطاعات الانتاجية ، معانات الشعب من تفاقم البطالة وتدني الانتاجية في هذه القطاعات تكاد تكون معدومة في الاقليم، وذلك بنتيجة تطبيقات سياسة اقتصاد السوق فقط على اقتصاد الاقليم، حيث ان المؤسسات الانتاجية هي المصدر الرئيسي لتشغيل القوى العاملة.وهذا بدوره سبب الى الغاء اجراء الحماية والدعم للانتاج الوطني ، وفتح الاسواق على مصراعيها ازاء السلع المستوردة ، وهذه سوف تقضي على الانتاج الوطني بشكل نهائي في المستقبل المنظور.
6- الوضع  الامني مستقر، وهناك تحسن ملحوظ في مجال خدمات الكهرباء والماء بالقياس الى الفترات السابقة ،لآ زال هناك شحة في مشتقات الوقود والادوية. يحس المرء اليوم بتحسن نسبي في مستوى حياة الانسان بالمقارنة الى الفترات السابقة. وخاصة هناك مجموعة من الشركات الاجنبية التي تنفذ مشاريح خدمية استهلاكية متعددة، مما ساهمت في زيادة سيولة نقدية في الاقليم، وسببت في نفس الوقت في ظاهرة التضخم ورفع اسعار السلع والخدمات ، وخاصة ايجار دور السكن وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية والفندقية والمطاعم والاندية الليلية مع رداءة نوعيتها، مما انعكست هذه الحالة بشكل سلبي، خاصة في مجال توزيع واعادة توزيع الدخل القومي، وثاثيرها على الواقع المعاشي للطبقات الوسطى والفقيرة في الاقليم.
7- هناك فوضى كبيرة في مجال طرق والمواصلات الداخلية والخارجية، وانعدام تنظيم المرور مع تزايد مستمر في عدد السيارات، اذ توجد حوادث كثيرة ناجمة عن عدم اهتمام بتنظيم هذا الجانب المهم من حياة الموطن اليومية، وذلك بسبب ضعف المراقبة المرورية، عدم تنظيم امور سيارات الاجرة الداخلية والخارجية من حيث نصب العداد وتحديد التعريفة ومراقبة اجازات السوق وغيرها. نقص في اماكن وقوف السيارات وعدم تنظيمها ومعظمها اهلية وتعمل وفق مصالحها بدون تنظيم ولا قانون في مراكز المدن الرئيسية، وسوء تنظيم الشوارع والانفاق والجسور وغيرها من مرافق النقل والمواصلات. اي بمعنى اخر هناك خلل في اعادة تصميم المدن بحيث تستوعب المتغيرات الكبيرة التي حدثت في مجالات الاعمار والتزايد السكاني والمحافظة على البيئة، من خلال تقليل عدد السيارات وتشجير المدن وتخصيص اماكن للحدائق والمنتزهات.
8- النقص الحاد والتردي المريع في تقديم الخدمات الصحية لابناء الاقليم ، من طرف المستشفيات والمؤسسات الصحية الرسمية. اذ تعاني هذه المؤسسات من نقص كبير في عدد الاسرة والمعدات اللازمة للفحص والتشخيص واجراء العمليات الجراحية وشحة الادوية فيها واستيراد الادوية من دول الجوار ، وهي ذات نوعية رديئة وقديمة. ومقابل ذلك يلاحظ التزايد المستمر للمستشفيات الاهلية والصيدليات( التي اصبحت عددها يزيد على المستشفيات الرسمية!)، التي تتصف بانها تقدم خدمات رديئة وروتينية مقابل اسعار باهضة، ولا يصل اليها الا حفنة من ذوي الدخول العاليا من تجار السوق السوداء والمتنفذين السياسين والاداريين.هناك ايضا نقص كبير في عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية وردائة الابنية وساحات اللعب، وكثير من الطلبة مضطرين للدوام في اوقات المساء.
9- أنتشار الفساد الأقتصادي والأداري على كافة المستويات الحزبية والأدارية في الأقليم . ظهور مجموعة من الناس ما يسمى بتجار السوق السوداء والمدعومين من الأحزاب الحاكمة والادارة الفيدرالية، والمهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية وتهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى الدول المجاورة . يجب محاربة هذه الظاهرة بشكل جدي ، وذلك عن طريق القيام بحملة توعية شاملة لموظفي الاقليم وعلى كافة مستويات الادارة الفيدرالية ، وحملة مشابهة موجهة الى المواطنين، عن طريق نشرالوعي الفكري والأقتصادي والأجتماعي ، بغية رفع المستوى الحضاري للمجتمع ، الذي يساهم بلأشك في تقليل والحد من ظاهرة الفساد الأقتصادي في المستقبل المنظور. واوضحت رئيسة منظمة الشفافية العالمية هيوجيت لابيل إن هناك علاقة قوية بين الفساد والفقر "الملايين يقعون في مصيدة الفقر بنتيجة الفساد". تامين دخل ثابت ومتوازن لكافة ابناء الشعب ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، ايجاد نظام الضمان الأجتماعي ،الصحي والدراسي للجميع ، حتى يشعر الأنسان الكردي بالأمان ، ويبتعد عن الغش والسرقة والفساد والأجرام ، مع اصدار القوانين والتشريعات والضوابط الصارمة والرادعة للقضاء على هذه الظاهرة، وتحفيز الوزارات والادارات نحو الاصلاح.
10- ضعف واضح في اداء التشريعات المالية والنظام الضريبي للمؤسسات المالية والشركات والبنوك، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية.تراجع الايرادات الناجمة عن الضرائب، وذلك بسبب صعوبة الجباية، وانتشار الفساد الاداري والمالي في اجهزتها، وضعف الوعي الضريبي لدى المواطنين، ولم تتولد لديهم قناعة تامة بان دفع الضريبة هو جزء من عملية المساهمة في البناء الاقتصادي.
11- ان التوجه نحو بناء نظام العدالة ومن ثم الرفاه الاجتماعيين لهذا الجيل والاجيال القادمة(حق التعليم والعلاج والتامين الصحي والضمان الاجتماعي) ، هو من اساسيات واوليات وواجبات الدولة في كل العالم، ولا يتم فقط عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق.  ومن هنا تاتي ضرورة تدخل الدولة ونظام القطاع الحكومي العام في تخطيط وبرمجة الاقتصاد في الاقليم ، وايجاد نوع من الحوافز لتنشيط  دور القطاع الخاص ليساهم هو ايضا بدوره في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة.

ان تجربة السنوات السابقة بينت حقيقة مهمة جدا ، وهي ان بناء الديمقراطية هي عملية بالغة التعقيد وتحتاج الى التجربة ومستوى محدد من الثقافة السياسية وشروط واليات مختلفة ، لا يتسع المجال لمناقشتها في هذا المقال ، غير ان الشي المهم لتطوير الديمقراطية لا يتم من خلال الترويج لخيار الهيمنة والتسلط، بل من خلال التنوع واحترام هذا الموزائيك المتنوع في كردستان وتنميته وتطويره. والنتيجة المستخلصة هي الالتفاف حول الفيدرالية كحل عملي وشكل من اشكال حق تقرير المصير في الوقت الراهن، وصيانة وتطوير مكتسباتها، وبناء تجربة صحيحة ناجحة في المنطقة، لتكون مثالا جيدا لتعبر عن كفاءة شعبنا في بناء مجتمعه الحضاري، لكي ينهض بمستوى المسؤولية واتخاذ القرارات المصيرية الصائبة ، وتحمل المسؤلية التاريخية تجاه الحركة التحررية الكردية في كل اجزاء كردستان الغير المحررة، والدعم المتواصل وبدون المساهمات لها، بهدف تحقيق الهدف النهائي في حق تقرير المصير واقامة الدولة الكردية في المستقبل المنظور. ولا طريق اخر امام شعبنا سوى طريق الديمقراطية الحقيقية والتعددية والعلمانية وصيانة واحترام حقوق المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة، بكل ابعادها ومعاييرها الاساسية، والقضاء على الفساد الاداري والاقتصادي الى الابد . فهل يستطيع"القادة الكبار" في كردستان العراق هذه المرة استخلاص الاستنتاجات المطلوبة؟ . سؤال برسم الاجابة. ولكن حتى يتم الاجابة بشكل ملموس على هذا السؤال، تظل مدينتي السليمانية والمدن الاخرى يلفها الصمت والتخلف والفوضى على كافة الاصعدة وانتظار المجهول!!!

تشرين الثاني/نوفمبر2009
الدانمارك

 


89
على هامش فضيحة شركة النفط النرويجية (DNO )

د.صباح قدوري

ان تبني صيغة الادارة الفيدرالية ، جاء نتيجة نضالات الشعب الكردي، التي تكللت بانتفاضة الشعب العراقي المجيدة في اذار/مارس 1991. منذ تطبيق النظام الفيدرالي الذي أقره البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني،ولا في بناء مؤسسات راسخة للرقابة على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتنظيم العلاقة بينها، ولا  في ترسيخ مبدأ الديمقراطية الحقيقية ، وممارستها فعليا في الحياة اليومية،ولا في احترام  وصيانة حقوق الانسان، مع عدم استقرار النظام الاقتصادي حتى هذه اللحظة.ان ركود الحالة الاقتصادية في الاقليم وعدم تطويرها الى الامام ، هو نتيجة جملة من العوامل الموضوعية والذاتية،ونركزهنا على الاخيرة، ومنها على سبيل المثال:-

1- وجود حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته. وانعدام رؤية شفافة واستراتيجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.وطبيعة فلسفة النظام الاقتصادي الذي يستند على الاقتصاد السوق- الحر.
2- يدار الاقتصاد بالامر من قبل الحزبين الحاكمين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني. وهذه مشكلة تزداد تعقيدا اذا كان هذا الاقتصاد مطالبا باستيعاب التكنلوجيا الحديثة، والاستجابة مع حركة السوق.
3- تفشي ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي على كافة المستويات الادارية والحزبية.
4- غلبة نشاط الاقتصاد الاستهلاكي على نشاط الاقتصاد الانتاجي.
5- تفاقم حجم البطالة بين كافة فئات المجتمع.وتفضيل تشغيل العمالة الاجنبية غير الماهرة على حساب العمالة الوطنية.
6- انعدام الشفافية ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، ومراكز البحوث، مما أدى بهم ان يكونوا مجبرين على تنفيذ توصيات وممارسات صندوق البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية , السيئتا الصيت,  مما يؤدي الى الحاق الضرر بكافة الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
7-ان تحرير الأسواق والأسعار بأشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي، ساعد في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما أدى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء.
8- لا يزال هناك مركزين لرسم السياسة الاقتصادية والمالية في الاقليم ، وذلك بسبب عدم توحيد هذه السياسة في وزارة مالية موحدة، وماتميّزت به هذه المسالة من التعقيد والغرابة وفقدان الشفافية في تحديد المال العام ، بنتيجة خلط مال الحزبين الحاكمين بالمال العام.

ان توصيف ملامح اقتصاد الاقليم وفق المعطيات المذكورة اعلاه ، قد نجد انعكاساتها تماما على اغلب الصفقات التجارية التي ابرمت مع شركات النفط  وغيرها العاملة في الاقليم ، وفي مقدمتها الشركة النرويجية المذكورة اعلاه، صاحبة الفضيحة المالية الكبرى لنفسها وللاقليم، وذلك:

1- ان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية والشركة النرويجية المعنية تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. وفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركة المذكورة حصة تبلغ أربعين بالمئة من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقل في زاخو، فلو أرادت حكومة كوردستان تطوير حقول النفط  بإنتاج نصف مليون برميل يوميا المعلن عنه في حينه من قبل الشركة، وهذا ما ذكرته الكثير من المصادر، فإن هذه الشركة سوف تستثمر ما قيمته مليارين ونصف مليار دولار خلال ثلاث أو أربع سنوات، وذلك وفق أعلى التقديرات العالمية، لكن الشركة سوف تحصل على كميات نفط مقدارها مائتي ألف برميل يوميا، أي تجني من خلال هذا التوظيف بعد ثلاث سنوات من بدء العمل، ما مقداره خمسة مليارات ومئة مليون دولار سنويا، وذلك  وفق اسعارالنفط ،التي كانت  سائدة عند ابرام العقد في حينه .، أي أنها سوف تسترجع في السنة الأولى ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركة تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة، أو ما مقداره مئتي مليار دولار فترة التعاقد التي رشحت عن هذه العقود المجحفة.ان هذه العقود تتماشى مع مبداء العولمة الراسمالية،وذلك تمهيدا لالتحاق النخب الحاكمة في الآقليم بالفكر اللبيرالي الجديد. وتشجع هذه الحالة ايضا على مزيد من الفساد الاداري والمالي .
2- باعت الشركة المذكورة في السنة المنصرمة اسهما بقيمة 35 مليون دولار سرا، الى شخص وزير الموارد الطبيعية في الاقليم ، آشتي هورامي، واخفاء اسم مالكي الاسهم في البورصة النرويجية، وتعتبر ذلك خرقا واضحا لنظامها ولوائحها.واراد الدكتور خالد صالح مستشار رئيس حكومة الاقليم المنتهية ولايته، ان ينقذ الوزير آشتي هورامي من هذه الورطة ، ويضلل الجماهير في الافليم والعراق ،في بيان له بهذه المناسبة ، بان الوزير كان يتعامل مع هذه الصفقة بصفته الرسمية كوزير وليس على اساس الشخصي، ومن اجل مساعدة الشركة ماليا في تنفيذ مشاريعها في الاقليم؟!.
3- عقدت هذه الصفقة بامر من الاحزاب الحاكمة، من دون علم مجلس رئاسة الوزراء وبرلمان كر دستان، وبسرية وتعتيم اعلامي تام.
4- ان بضعة ملاين من هذه الاسهم المباعة الى السيد هورامي، قد تحولت الى شركة جيتيل التركية ، المشارك فيها الاقليم ب 75% من قيمة اسهمها، وبذلك اصبحت هذه الشركة التركية شريكا ايضا بحصتها في نفط كوردستان، وهذا ما كانت تحلم بها تركيا. ان القيمة السوقية لاسهم الشركة النرويجية قد هوت بنسبة 55% من قيمتها يوم الخميس 17 ايلول/سبتمبر2009 في بورصة اوسلو ، بسبب افتضاح امر الصفقة ، مما كلف كل من الشركة المذكورة وادارة الاقليم المساهم ب 75% من اسهم الشركة النرويجية للنفط، بخسارة كبيرة ، قدرت بحدود 500  مليون دولار امريكي، بنتيجة الهبوط في قيمة اسهمها.
5- على ضوء ماتقدم اعلاه ، لا نستغرب بوجود تستر وتعتيم تام وحتى الشكوك في تفاصيل بيانات وبنود معظم العقود المبرمة مع الشركات التجارية وبالخصوص النفطية منها ، وكذلك نقص في المعلومات والاحصائيات اللازمة في  متناول المختصين في الشؤن الاقتصادية والاجتماعية والاطلاع عليها من قبل الجهات الادارية والبرلمان والاعلام والشعب في الاقليم والعراق، وكذلك انعدام التنسيق بين الاقليم والحكومة المركزية بخصوص هذه العقود ، مما سببت الى تفاقم حجم ظاهرة تفشي الفساد الاداري والمالي على كافة الاصعدة الحزبية والادارية ، وبلغت ذروتها بشكل لا مثيل له في تاريخ الاقليم والعراق الجديد. واصبحت اليوم هذه المشكلة من اوليات مشاكل الاقليم ، التي يجب على الادارة الجديدة معالجتها ووضع حلول عملية لها.
6- ان التجاهل بالقوانين الاقتصادية ، وعدم استخدام الطرق والبحوث العلمية في اعداد البرامج الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة للاقليم،وتنسيق العمل في هذا الميدان مع الحكومة المركزية، سيبقى الاقليم يعيش على الاحلام والامال، وتركض وراء استنساخ بعض الموديلات الاقتصادية ، التي لا تتناسب ولا تتلائم مع البيئة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للاقليم في المرحلة الراهنة.
 
وفي الختام ،اريد ان اسجل ملاحظتي، وهي: عندما نريد بناء اقليم متطور حداثي وعصري، يجب الاستعانة بثورة المعرفة التكنولوجية ، من اقتصادية ، واجتماعية، وثقافية، والاطلاع على كل ما يجري من تغيرات اقتصادية عالمية كبيرة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الاقتصادي وليام اي. هلال، في كتابه "اقتصاد القرن الحادي والعشرون-افاق الاقتصادي والاجتماعي لعالم متغير مع زميله كينيث ب. تايلور، والمشارك معه في كتابة هذا الكتاب "اليوم اصبح واضحا كون المعرفة وخاصة اقتصاديات المعرفة هي الاصل الاكثر استراتيجية في المنشآت ومصدر الابداع والابتكار والقيم والتقدم الاجتماعي- اي المورد الذي لا ينضب". ويجب ان تنصب برامج الادارة الفيدرالية في خدمة مصالح ورفاهية الشعب الكردي والعراقي. ويصبح الاقليم نمودجا ، يلعب دوره الحقيقي على صعيد تطوير الفيدرالية  والحركة الكردية التحررية في كافة اجزاء كردستان والعراق والمحافل الاقليمية والدولية. يجب دراسة جميح التجارب السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية، وجميع الافتراضات التي تقوم عليها ، والاستفادة من كل ماهو يصلح ويتماشى مع اقليم كوردستان والعراق، واهمال سواها،والا فان التاريخ لن يكون رحيما في حكمه. وعلى المعارضة البرلمانية في دورتها الحالية، ان تلعب دورها التاريخي، وبذل قصار جهدها من اجل تشريع القوانين التي تخدم مصالحه، وتشديد الرقابة الفعلية على الادارة التنفيذية وقياس أدائها، ومعاقبة المقصرين فيها.كما عليها استدعاء الوزير هورامي للاستجواب في هذه القضية وتوضيحها للرأي العام الكردي والعراقي.واتباع نفس الطريقة مع غيره من المسؤلين الاداريين الذين يشتبه بهم بقضايا الفساد الاداري والمالي،او تسخير مناصبهم لمصالحهم الخاصة التي تضر بالادارة الفدرالية ومواطنها، والشعب العراقي بشكل عام .

90
الانتخابات التشريعة الثالثة في العراق

د.صباح قدوري

لم يتبقى امامنا للانتخابات التشريعية،المزمع اجراءها في النصف الثاني من شهركانون الثاني/يناير من السنة القادمة في العراق سوى بضعة اشهر قليلة..ستجري هذه الانتخابات بعد مرور ما يقارب من سبعة سنوات على سقوط النظام الديكتاتوري السابق.اذ لابد ان تكون طبيعة هذه الانتخابات قد تختلف عن سابقاتها،وذلك بسبب تغيرات كبيرة حصلت في الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق خلال هذه الفترة.

اولا : على الصعيد السياسي قد حصلت اصطفافات واستقطابات حزبية بين معظم الكتل السياسية التي لها الدور الرئيسي في العملية السياسية العراقية على صعيد ادارة الحكم  والبرلمان، وخاصة الائتلاف العراقي الموحد ، الذي تم اعادة تشكيله مجددا باسم الائتلاف العراقي الوطني، وخروج حزب الدعوة، جناح السيد نوري المالكي منه، والذي كان له ثقل كبير في هذا الائتلاف،والخوض في الانتخابات بقائمة مستقلة باسم دولة القانون، او بائتلاف مع قوائم اخرى.كما وان جبهة التوافق لم تبقى متماسكة،وهناك صراعات بين اجنحتها حول تقاسم السلطة بينها.اما القائمة العراقية بقيادة اياد علاوي،هي الاخرى اصابتها الزعزعة وعدم الاستقرار،وبعض من قيادتها الرئيسية قدم الاستقالة منها، وهي تعاني  من العزلة  والتفكك الان. اما بالنسبة الى كتلة التحالف الكردستاني،فان الانتخابات الاخيرة التي جرت في اقليم كردستان العراق بتاريخ 25/تموز-يوليو2009، افرزت نتائج مغايرة عن سابقتها، وذلك بظهور قوائم اخرى منافسة للتحالف الكردستاني، ولها ثقلها السياسي وتاثيرها على تغيير المعادلة السياسية ليس فقط على صعيد الاقليم ، بل كذلك على صعيد العراق. وتنوي هذه القوائم المساهمة بشكل مستقل او موحد مع القوائم الاخرى، مستقلا عن قائمة التحالف الكردستاني المتمثل فقط بالحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني.اما بالنسبة لتيار اليسار الديمقراطي الوطني،حيث جربت  احزابها من خلال قائمة (مدنيون) في الانتخابات 2005، ولم تفلح في تحقيق النتائج الايجابية فيها ، كما ولن تسجل لها الاستمرار بعد الانتخابات، وبذلك اصبحت اليوم في خبر كان.ان هذا التيار بكل فصائله يعاني اليوم من التشرذم ومصيره غير معلوم ، ولم يتوصل لحد الان الى التشخيص الحقيقي والفعلي لمكوناته ، حتى يتم اجراء المشاورات والتنسيق بينها من اجل الخروج من حالة الركود والتواجد في الظل ، الذي ظل فيه هذا التيار لفترة طويلة ،الى تبني برنامج انتمائي موحد لها وجمع شمل كل تياراتها ،بعد اخذ بنظر الاعتبار العوامل الذاتية والموضوعية التي تلعب دورها الرئيسي في هذه العملية ، وذلك استعدادا للخوض في المعركة الانتخابية هذه بشكل مشترك او منفرد ، و لضمان تحقيق بعض الانتصارات الممكنة في هذه العملية. ويقع على الحزب الشيوعي العراقي باعتباره فصيل متقدم وله دور طليعي ضمن هذا التيار، المسئولية الرئيسية في عملية جمع شمل هذا التيار. لا تزال ازمة العلاقات والخلافات بين الحكومة المركزية والادارة الفيدرالية في اقليم كردستنان العراق على اوجها، مع تراكم المشاكل وتركها من دون ايجاد حلول عملية ملائمة لها وفق الحوار البناء والدستور.علاقة العراق مع دول الجوار، وخاصة سوريا ، دول الخليج ، المملكة العربية السعودية وايران وتركيا غير مستقرة ، مما تسبب لها مشاكل كبيرة وخاصة في مسالة تحسين الوضع الامني والاقتصادي.تم تصديق الاتفاقية الامنية سيئة الصيت مع الولايات المتحدة الامريكية ،الا انها لاتزال تنتظر الاستفتاء من قبل الشعب العراقي. ومن الممكن اجراء هذا الاستفتاء ضمن الانتخابات التشريعية القادمة؟، ونتمنى رفضها من قبل الشعب!.
 
ثانيا:يمر العراق اليوم بحالة اقتصادية جدا صعبة، بسبب ضعف الاستثمارات في كافة القطاعات الاقتصادية ، نتيجة عدم استقرار الحالة الامنية ، وشحة مصادر الايرادات، عدم وجود الرؤية والاستراتيجية الواضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، تدمير البني التحتية، تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الادارية والحزبية، تفافم حجم البطالة ، وضعف نظام الضمان الاجتماعي الحقيقي ، وخاصة للفئات الفقيرة التي هي تحت مستوى خط الفقر ، وتصل نسبتها الى اكثر من 50% من الشعب العراقي. شحة الخدمات الضرورية من الماء والكهرباء والنقل والصحة والتعليم...الخ. عدم تاهيل القطاع النفطي لحد الان ، بحيث ممكن زيادة الطاقة الانتاجية للنفط الى مستويات معقولة بحدود 3 ثلاث ملاين/ برميل ، بدلا من حوالي 2مليونين/برميل الانتاج الحالي اليومي ، هذا بالاضافة الى انخفاض اسعار النفط ، مما يؤثر على انخفاض عائدات العراق من النفط وتاثير ذلك على الميزانية العامة للدولة ، والتي تساهم هذه العائدات في 90% منها، وتنعكس هذه الحالة على تقليص حصة الميزانية الاستثمارية فيها. استمرار تفاقم ظاهرة التلوث البيئي في العراق قبل وبعد سقوط النظام السابق ، وذلك نتيجة الحروب العبثية واحتلال العراق من قبل امريكا وحلفاءها.التلوث الشعاعي الناجم عن استخدام الاسلحة الكمياوية والبايلوجية و ذخائر اليورانيم في هذه الحروب،وتؤكد التقارير العلمية ،ان اضرارها قد طالت ارجاء العراق والمنطقة. ولم يجري حتى الان تنظيف العراق من اثار هذه الاسلحة الفتاكة. تتسارع في العراق ظاهرة التصحر، وتقدر نسبة الأراضي المعرضة لها بأنها تتجاوز92 % من مجموع المساحة الاجمالية ، وذلك بسبب الحروب وشحة المياه التي دمرت التربة والنباتات،ولها عواقب كارثية بيئية واقتصادية واجتماعية كبيرة على العراق.

ثالثا:اما على الصعيد الاجتماعي ، نجد اليوم التفكك واضح في البنية الاجتماعية العراقية وتشمل كل مكوناتها، وذلك نتيجة استمرار ذهنية وفكرة المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية المتطرفة والقومية المتعصبة،وتحويلها الى الصراع من اجل الاستيلاء على السلطة واحتكارها وتوسيع النفوذ ، وتقسيم العراق ، ونهب الثروة والمال العام ، ونشر افكار الجهل والخرافة باسم الدين،وسيطرة الاسلام السياسي بكافة فصائله على دفة الحكم منذو 2003 ولحد الان.وبسبب عدم استقرار الحالة الامنية في العراق ، وضعف ضمان حماية المواطنين ، اضطرت مئات الاف من العوائل العراقية الى ترك ديارها والالتجاء الى الهجرة في الدول الجوار او البلدان الاوربية ، لايجاد مأوى أمين لحماية ارواحها من الارهاب الغادر المستمر حتى الان في العراق.نتيجة الحروب العبثية التي جرت في زمن الطاغية صدام مع استمرارها على اثر غزو العراق واحتلاله،ظهرت انعكاس نتائجها السلبية بشكل خاص على النساء . حكمت على ملايين منهن بالترمل ،وفقدان الرجال،تركت وراءها ايضا ملايين الاطفال اليتامى المشردين والمحرومين من ابسط حقوق الطفولة.

واليوم نحن امام هذه اللوحة ، التي تعبر باختصار شديد عن الحالة العراقية، اذ لا بد للناخب العراقي ان يميز  بوعي وادراك اهمية هذه الانتخابات، ومد خطورة استمرار هذه الحالة على مستقبل التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق الحديث. ان هذه المعركة ساخنة ومصيرية هذه المرة ، يزداد فيها حدة الصراع من اجل رسم ملامح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي القادم. وتقديم افضل للمواطن العراقي ، الذي يتطلع بكل امل الى التغير المنشود نحو مستقبل افضل ، يتحقق فيه امنيات ابناء شعبنا في عيش كريم ، وفي ظل اقتصاد مزدهر يضمن العدالة الاجتماعية،ويرسخ السلام الدائم في كل اجزاء العراق.اذ مظاهر السلبية والارهاب واستخدام القوة والاعلام واموال الدولة واساليب اخرى من قبل الكتلة الحاكمة،وفي ظل انعدام الضوابط واحترام القانون والشفافية،وبسبب ضعف الثقافة الديمقراطية لضمان حرية الانتخاب في اجواء حرة،قد تؤدي الى عدم تحقيق نتائج مرضية للتيار اليساري الديمقراطي الوطني،ولكن يجب تحقيق نتائج افضل من الانتخابات السابقة!.ان المستلزمات اللازمة لتوحيد البرنامج الانتخابي لتيار اليسار الديمقراطي الوطني في المرحلة الحالية،اراها كما يلي:
1- يجب ان تستند على اساس المواطنة والولاء للعراق ، وليس على اسس الطائفية والمذهبية والقومية المتعصبة.
2- الايمان ببناء دولة عصرية مدنية علمانية، تستند على المفاهيم الحضارية التي تلائم جوهر عصرنا ، وتسود فيها القانون والعدالة وضمان حقوق المواطنة. تؤمن بالديمقراطية الحقيقية وتمارسها في الحياة اليومية.
3-الاقرارعلى مبدء فصل الدين عن الدولة، و فصل السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنقيذية ، وكذلك السلطة الرابعة الاعلام،وممارستها على ارض الواقع، والابتعاد عن احتكار السلطة وفرض الهيمنة والقوة واستخدام اساليب ديكتاتورية في حل القضايا المصيرية في العراق،ومن خلال احترام هذا الموزايك المتنوع في الاديان والمذاهب والقوميات التي يتصف بها الشعب العراقي، وجعل مفهوم الفيدرالية كصيغة سياسية لضبط العلاقة بين المركز والاقاليم،واتخاذ مبدأ الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة للمستقبل القريب والبعيد.

4- استخدام موارد البلاد الاقتصادية والبشرية في خدمة عملية اعادة بناء اقتصاد متين ومزدهر للعراق ، من خلال اقرار البرامج الشفافة والاستراتيجية الحقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

 على ضوء ذلك،على الناخب العراقي التوجه نحو صناديق الاقتراع حرصا بالمسئولية تجاه الشعب والوطن ،وأن يعطي صوته الى القوائم التي تؤمن بهذه المعطيات المنوه عنها اعلاه، والتي تتجسد مفاهيمها في قائمة اليسار الديمقراطي الوطني . والتي نأمل انطلاقها في الحملة الانتخابية القادمة.


91
مقترحات برنامج العمل لادارة فيدرالية كردستان العراق الجديدة

د.صباح قدوري

اولا: عن الانتخابات
تنافست20 من  الكيانات السياسية المتمثلة في خمسة ائتلافات في اقليم كردستان الحالي على 111 مقعدا، بضمنها 11 مقعدا تمثل (كوتا) للمكونات الاخرى في الاقليم،منها 5مقاعد للكلدان-الاشوريين-السريان، 5 مقاعد للتركمان ، ومقعد واحد للارمن في الانتخابات التشريعية والرئاسية ، والتي جرت بتاريخ 25تموز/يوليو2009.من المعروف ان قانون انتخابات برلمان كوردستان اعتمد القائمة المغلقة، واعتبر الاقليم دائرة انتخابية واحدة. وان (كوتا) النساء ، هي 30% من عدد الفائزين. وفي نفس اليوم تم انتخاب ولاول مرة، السيد مسعود برزاني رئيسا للاقليم،وحصل على 57و69% من اصوات الناخبين، وهو المنصب الذي تنافس عليه خمسة مرشحين . جرت الانتخابات في اجواء امنية و ديمقراطية وشفافية نسبية ، والمساهمة الملحوظة من قبل الجماهير في المشاركة الانتخابية ، التي وصلت نسبتها الى 78,5%، والمشاركة المميزة ايضا للمراة الكردستانية. وهي دلالة على تزايد الوعي والنضوج الفكري لدى الجماهير في الاقليم، تجاه المهمات التي تنتظرها في عملية بناء مجتمع متمدن وحضاري،وصيانة المكتسبات التي تحققت منذ الانتفاضة المجيدة في مارت/مارس1991 ولحد الان. وراقب هذه الانتخابات ايضا نحو 45 الف مراقب دولي ومحلي ، من بينهم ممثلو الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات، ومندوبون عن منظمات المجتمع المدني ، الى جانب عدد كبير من وسائل الاعلام المحلية والدولية. هذا بالاضافة الى ذلك، فقد حدثت بعض الخروقات المهمة اثناء الحملة الانتخابية وعملية الاقتراع، واتهمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالتواطؤ مع القائمة الكردستانية، ولم تسطيع الحفاظ على حياديتها.واسفرت نتائجها الاولية، اي بعد فرز 96% من الاصوات، كالاتي:-
 
القائمة الكردستانية                  34و57%  اي 57 مقعدا
قائمة التغير                           57و23%  اي 24 مقعدا
قائمة الخدمات والاصلاح          80و12%  اي 13 مقعدا
الاخرى و(كوتا)                     19و6%   اي 6   مقاعد
المجموع                                                100 مقعدا
 ( كوتا)                                                 11 مقعدا
المجموع العام                          100%     111 مقعدا

اهنئ بهذه المناسبة الكبيرة الشعب الكردستاني في نجاح مهمته هذه ، ونتامل المزيد من العطاء في سبيل تطوير مسيرة الفيدرالية وتوجيها بشكل صحيح، بما يخدم مصالح ابناء شعبنا في الاقليم والعراق والاجزاء الاخرى من كردستان.

ثانيا : حالة اقتصاد الاقليم
انطلاقا من المقولة( الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للتاريخ ) ، وصار قاطرة تجر وراءها السياسة والمجتمع بكل مكوناته ، بما فيها المعرفة والثقافة ،انتهز هذه الفرصة بان اقدم مسودة مقترحات برنامج  العمل على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للادارة الجديدة، التي ستشكل على ضوء النتائج التي افرزتها هذه الانتخابات، وبالتاكيد ستكون للقائمة الكردستانية  التي فازت بالمرتبة الاولى ،دور ملحوظ وبارز في تشيكل هذه الادارة، وربما قد تنفرد في تشكيلها . ونامل بانها قد استفادت من تجاربها السابقة ، وأن تلتزم بتعهداتها الانتخابية في تنفيذ برامجها ، وخاصة في مجالات ، فصل السلطة عن التسلط الحزبي الضيق ، وبناء اقليم على اساس الدستور واحترام القانون والقضاء ، وتطبيق مبدأ الديمقراطية وممارستها الفعلية في الحياة اليومية ، ومحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في كل المستويات الادارية والحزبية، وقطع جذورها الى الابد،وحل المشاكل العالقة مع الحكومة المركزية، وانتهاج سياسة واضحة وشفافة في عملية اعادة وبناء الاقليم. لذا اري من الضروري دراسة الافكار الواردة  في هذه الورقة، التي تتضمن اعادة قسم من فقراتها عن المقالات السابقة المنشورة لكاتب هذه السطور حول الوضع الاقتصادي في اقليم كردستان العراق، على مواقع الانترنيت المختلفة، والاهتمام بها بعناية فائقة عبر المناقشات واقامة الندوات ومشاركة الاكاديميين والمختصين في الشأن الاقتصادي فيها، من اجل اغناءها والخروج بنتائج مشتركة تخدم المسيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم.
بعد سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 ، واجه العراق بما فيه اقليم كردستان تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنذ الانتفاضة المجيدة في اب 1991، وعلى اثرها ولد النظام الفيدرالي في الاقليم الحالي ، وبعد انقضاء 18 سنة من عمر هذه المسيرة، شهد اقليم كردستان العراق بعض تطورات نوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكن ليست هذه التطورات في مستوى طموحات الشعب الكردستاني والامكانيات المالية والبشرية المتاحة للادارة الفيدرالية. يمكن حصر هذه التطورات النوعية(من دون الدخول في التفاصيل) كالاتي:
1- ، شهد الاقليم نسبيا بعد سقوط النظام الديكتاتوري بالقياس الى اجزاء اخرى من العراق، نوع من الاستقرار والامن الداخليين. تم ايقاف الاقتتال الداخلي واجراء المصالحة بين الحزبين المتنفذين منذ1998. واليوم هناك الاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ونامل ان لاتكون  فقط على مستوى قيادة الحزبين ، بل وصلت ايضا الى قواعدهما، ويجب الالتزام بها ، وتطبيق بنودها على ارض الواقع!. تم تصفية قواعد الحركات الارهابية التابعة للقاعدة في المناطق الحدودية المجاورة لايران(حركة جندي الاسلام) وفي مدن الاقليم الحالي .

2- اجريت ثلاث انتخابات للبرلمان في الاقليم،وانتخاب رئيس الاقليم للمرة الاولى في الانتخابات الاخيرة ،وكذلك مرة واحدة للانتخابات المحلية. والمشاركة ايضا مرتين في انتخابات البرلمان العراقي وتحقيق فوز جيد فيها. توحيد الادارة الموحدة، ولكن ليس بالشكل الكامل ، ولا تزال وزارة المالية خارج التوحيد النهائي حتى الان. المشاركة وبشكل فعال في ادارة الدولة العراقية، وانتخاب كردي كرئيس جمهورية العراق، وفي المرافق الاخرى من الجهاز التنفيذي كنائب رئيس وزراء العراق. ومن خلال ، المشاركة في عدد من الوزارات المهمة كالخارجية وغيرها.
3- المشاركة الفعالة في صياغة واقرار الدستور العراقي ، وكذلك اعداد مسودة دستور اقليم كردستان، وتحضيره للاستفتاء الشعبي في الاقليم.
 4- ان تحويل اقتصاد الاقليم من اقتصاد مركزي الى اقتصاد مفتوح ومتنوع وقائم على الإستفادة من آليات السوق ودور اكبر للقطاع الخاص ، فضلا عن ان هناك اتفاقا على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء اقتصاد الاقليم ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وبناء واعادة بناء البني التحتية .الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات.
5- الانفتاح غير المنضبط على اقتصاد السوق ،وهونهج السياسة الاقتصادية الحالية، والمتحمس لها كل من رئيس الحكومة نيجرفان بارزاني، والرئيس القادم المقترح من قائمة الكردستانية برهم صالح، وضعف اداء القطاع العام في عملية اعادة البناء(البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة)، والقطاع الخاص المحلي ضعيف، وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي، أرى ان الأعتماد على التخطيط المركزي في تسيير الأقتصاد حاليا ، هو أكثر فعالية من الأنظمة الأخرى، وذلك لأعادة الأهلية والهيبة لهيئات مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان في رسم الخطة المركزية وأعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الأستثمارية الموحدة ،ومن خلال اجراء التغيرات الجوهرية و طرح البرامج الاصلاحية الفعالة  في اعادة تركيبة البنية الاقتصادية والاجتماعية للاقليم، وطرحها للمناقشة على كافة المستويات الأدارية والمصادقة عليها . ضمان نمو معدلأت مقبولة للأداء الأقتصادي ، بهدف أشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنيين في المستقبل المنظور.أقامة سلطة على مستوى الأقليم ، تحل محل التسلط الحزبي والعشائري والقرابة والمحسوبية .أخذ بنظر الأعتبار الأنتقال التدريجي وخلأل فترة (5- 10 ) سنوات الى النظام اللأمركزي في التسيير الأقتصادي ، ووفقا للمتغيرات السريعة والأيجابية التي قد تحدث في الأقليم والعراق والمنطقة .
6- ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري في كافة اجهزة ومستويات الادارة الفيدرالية. تزداد حجم التعاملات في سوق الظل(السوق السوداء) يوما بعد يوم دون اي رقيب اوحساب لهذه القضية الخطيرة. الأنشغال والمبالغة بفهوم الخصخصة ، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، وقد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الأقتصادي والاداري.
7- ان اقتصاد الاقليم مهدد من طرف "اسماك القرش"الاجتماعية، وهي تتمثل في اعداد من اصحاب الاغنياء الجدد في عوالم الظل والسوق السوداء. انعدام الشفافية والديمقراطية الاقتصادية.ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، والى المساعي والخطط الرامية لتطبيق وصفات صندوق والبنك الدوليين سيئة الصيت والمؤذية للطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
8- غالبية النشاط الأقتصادي ذي طبيعة الأستهلأكية ، ويرافقه تدني النشاط الأنتاجي الذي يساهم في خلق القيمة الزائدة ،
وتكوين التراكم الراسمالي للأقتصاد المحلي  في المدى المنظور.تنفق الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق مبالغ كبيرة من ميزانيتها والمساعدات المقدمة اليها من الخارج على القطاعات الاقتصادية الاستهلاكية على حساب الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية الانتاجية من الصناعة والزراعة وبناء البني التحتية في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات، الامر الذي انعكس على اتجاهات التنمية البشرية ، وعدم تحقيق التنمية المتوازنة بين طبقات وفئات المجتمع ، وبين المدن والارياف،فنسبة كبيرة لا تزال بعيدة عن خدمات الحكومة المباشرة في مجالات القطاعات الانتاجية المشار اليها اعلاه،وتسبب هذه الحالة الى تفاقم مشاكل الامية والبطالة واتساع ظاهرة الفقر المدقع.
9- ضعف ومحدودية مصادر القوى العاملة المتطورة اللأزمة في العملية الأنتاجية.كذلك ضعف ايضا في البني التحتية ،الذي يعرقل عملية النمو والتطور الأقتصادي.
10- تفاقم حجم البطالة بين الشابات والشباب ، وخاصة في الوسط النسائي.اذ هناك اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب من الحكومة الأقليمية، في حين انه يفترض ان لأيزيد عدد موظفي الحكومة حسب مصدر حكومي عن 14% ولكن في كردستان نسبة تفوق الى 30%. وبذلك تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة ، التي تعتبر احد أوجه الفساد الأداري في الأقليم.عادة يتم تعين موظفي الحكومة وخاصة في المراكز القيادية بتزكية من الحزبين الحاكمين.
11- ان اقتصاد الاقليم هو خارج القانون واحيانا فوقه ، والاقتصاد اصبح يحتاج الى استقرار حقوقي. يقول لينين بان" الاقتصاد تستحيل ادارته بالامر". وهذه المشكلة تزداد تعقيدا اذ كان هذا الاقتصاد مطالبا باستيعاب التكنولوجيا الحديثة والاستجابة مع حركة السوق!!!.
12- تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري. واصبحت الحزبية الضيقة فوق كل مؤسسات المجتمع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي أفضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين أجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الآساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بالايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر ، بان الجهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها.
13- وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الأسواق والأسعار بأشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي، في تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما أدى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، مما سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا والتي تسيطر على الميول الاقتصادية والتوجهات السياسية.ضعف اداء الادارة الفيدرالية في توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء، وتوفير المشتقات النفطية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي ،وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البني التحتية وغيرها من المؤسسات التي لا تزال مهملة في اغلب مناطق محافظات اقليم كردستان الحالي. توسع في سوق المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتاثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم..  اتباع سياسة الأستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها  السلبي على زيادة  نسبة التضخم  المالي .
14- ان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق والشركات الاجنبية العاملة في عملية التنقيب تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. ووفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركات المذكورة حصة ارباح عالية من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقول في الاقليم .
15- منذ تطبيق النظام الفيدرالي المقرون من البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني ، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند  اللزوم.
16- ضعف واضح في اداء التشريعات المالية والنظام الضريبي والمؤسسات المالية وعلى راسها البنوك ، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية.

ثالثا: الاستنتاجات والمقترحات
ان القضية الكردية كظاهرة اجتماعية موضوعية ، وسيرورة تطور فيدراليتها المعبر عنها كشكل من اشكال حق تقرير المصير في المرحلة الراهنة ضمن الدولة العراقية، تتحرك باستمرار بين العاملين الداخلي والخارجي . وان الربط بينهما، مع ايجاد نوع من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المصيرية ، يعطي زخما في تطويرهذه القضية ، باتجاه سليم ويبعدها عن المخاطر والاخفاقات ، مع التاكيد على ان العامل الذاتي يلعب الدور الرئيسي في هذ العملية. ومن هنا يمكن ان يطرح السؤال نفسه ، هل ان الادارة الجديدة في الاقليم تسعي الى تقوية وتطوير العامل الذاتي ، وعدم الاعتماد فقط ، وكما عليه حتى الان على العامل الخارجي وبالذات الامريكي؟. الجواب برسم اداء الحكومة الجديدة، ومدى تجاوبها ونجاحها في  تلبية طموحات الشعب الكردي في تطوير مسيرة الفيدرالية ، وحماية حقوق مواطنها بالمعنى للكلمة، وبناء اقليم جديد!.وبناءا على ذلك، ارى من الضروري العمل من اجل تحقيق المهام الاتية:-.قضية الكردية
1- قبل كل شئ من الضروري توحيد وزارة المالية، واعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الاستثماري الموحدتين لسنة 2010 للاقليم.ونامل ان توحيد الوزارتين البيشمركة والداخلية قد جرى بشكل فعلي وحقيقي في اداء مهمتهما، وخاصة في القضايا التي تتطلب اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية فيهما.
2- اجراء الاصلاحات اللازمة والضرورية في تشكيلة الادارة الجديدة ، وذلك بهدف تفعيل اداء ها ، من خلال اعادة هيكليتها وتقليص عدد الوزارات الى حد معقول، ورفع الكفاءة الادارية والفنية والتنفيذية لهذه الوزارات ، بشكل تساعد على النهوض بشان التطوير الاقتصادي والاجتماعي في الاقليم، وبهدف تقديم احسن الخدمات الممكنة واللازمة للجماهير.
3- التزام بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في اختيار من يشغل أي موقع في جهاز الدولة، ويجب ان لاتعتمد فقط  على المعاير الحزبية الضيقة والقرابة والمحسوبية المعمول بها لحد الان. طلب من اعضاء البرلمان والوزراء الجدد، تقديم تصريحات مكتوبة ومفصلة عن حالأتهم المالية والأقتصادية ، من الودائع في البنوك المحلية والأجنبية ، قيمة الأسهم ، التي يمتلكونها والمستثمرة في الشركات المحلية والأجنبية ، الأبنية والعقارات والمصالح الأقتصادية مع الغير وخاصة الزوجة، اقرباء او اعضاء من العائلة . محاسبتهم بشدة في حالة الادلاء بالمعلومات غير الصحيحة ، او ممارستهم اي شكل من اشكال الفساد الأداري والأقتصادي، وحرمانهم من اهلية العضوية في البرامان او تنحية  الوزراء والمسؤولين الكبار من مناصبهم ، مع انزال العقويات المادية والقانونية والمعنوية بحقهم .
4- ارى من الضروري احداث وزارة جديدة باسم وزارة البني التحتية، تهتم باستراتيجية بناء البني التحتية المتخلفة لعموم الهيكل الاقتصادي في الاقليم.واهمية البني التحتية تكمن في كونها الركيزة الاساسية والفعلية والضرورية لتعجيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، وتساعد على فتح ابواب لدخول الاستثمارات التي تحتاجها الاقليم في المرحلة الراهنة وافاق تطورها المستقبلي.
5- من الضروري ايجاد معالجة جدية في حل المشاكل العالقة والمتفاقمة والمتروكة لفترة طويلة من دون حلها بين الاقليم والحكومة المركزية. وهي تتمثل حول المناطق( المتنازع) عليها، والادوار المناسبة لقوات الامن الاقليمية والجيش العراقي ومستقبلهما، تحديد صلاحيات ومهمات ومسؤليات كل من الادارة الفيدرالية والحكومة المركزية، وفق الدستور العراقي ودستورالاقليم بعد المصادقة عليه عبر الاستفتاء الشعبي، واللوائح القانوية التي تنظم هذه العلاقة. اما من الجانب الاقتصادي فابرزها ،حصة الاقليم من الميزانية العامة للحكومة العراقية، والنزاع حول النفط وقانونه ، وهو في الجوهر  نزاع حول وجهات النظر المتضاربة حول من لديه الحق في تطوير موارد العراق الطبيعية، وتحديد شروط الاستثمار الدولي وتوقيع العقود لتطوير حقول العراق النفطية، بغداد ، ام الاقليم،ام المحافظات ؟.اللجوء الى لغة الحوار في تطوير علاقات متوازنة بين الحكومة المركزية والادارة الفيدرالية في الاقليم، على اسس الدستور العراقي الدائم ، والمنتظر تعديله في الدورة الانتخابية القادمة للبرلمان العراقي،والمزمع اجراءها في نهاية الشهر الاول من السنة القادمة، ودستور الاقليم المنتظر.
6- اقرار قانون النزاهة و لجنة النزاهة في برلمان كوردستان الجديد، وتفعيل دور هيئة الرقابة المالية والشعبية في الادارة الفيدرالية، ووضع آليات الرقابة و الشفافية والمساءلة القضائية لمكافحة الفساد الاداري والمالي.ويجب استثمار الاموال العامة في تفعيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة،كي تعود فوائدها على الجماهير الكردستانية وتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية في المجتمع.
7- استحداث دائرة نوعية على شكل معهد مستقل ، تكون مهمتها أجراء بحوث علمية مختلفة في مجال التطوير ألأداري ، المالي ، المحاسبي ، الأنتاج والأنتاجية ،وتوفير البيانات والاحصائيات اللازمة لعملية التخطيط الاستراتيجي ، وأستخدام معاير علمية ومنطقية في قياس كفاءة الأداء لمؤسسات الحكم الفيدرالي. تقديم دراسات علمية وعملية في استثمارات الموارد المتوفرة  في المنطقة في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية ،مثل الحديد ،الرخام ، الأخشاب ، المرمر ، اليورانيوم ، النحاس ، المياه المعدنية وغيرها .وكذلك الأنتاج الزراعي والحيواني وتحويلها الى صناعة التعليب، مثل الجوز، العنب ، يمكن صناعة النبيذ منها وتصديرها الى الخارج ، الرمان ، التفاح، الأجاص ، الكمثري ، الخوخ ، التين، والطماطم وغيرها ، يمكن صناعة العصير منها. توجد ايضا امكانية اقامة صناعات مختلفة ، منها على سبيل المثال لأ الحصر ، الألبان ، الأحذية والجلود ، الغزل والنسيج  والألبسة الجاهزة، السمنت ، الأدوية وغيرها . يتضمن برنامج المعهد ايضا مساعدة وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في القطاعين الخاص والعام ، كي تاخذ دورها في تطوير الموارد الطبيعية والبشرية والقوى العاملة في الأقليم ، وفي مجال الموارد النفطية ايضا ضمن الأمكانيات المالية والتقنية والفنية المتوفرة في المنطقة وبالتنسيق مع المركز.
8-يحتاج تحريك اقتصاد الاقليم الى تبني سياسات اقتصادية وتنموية ناجحة لتحقيق مؤشرات نمو اقتصادية  ترقي الى معدل  النمو السكاني والرفاه الاقتصادي  والاجتماعي ، والانفتاح الذي تصبو اليه شرائح المجتمع المختلفة ،بما يضمن نسبة اعلى من النمو ، وبما يحقق توافر سلع وخدمات استهلاكية لاسواق جائعة واسعار فاحشة بشدة ونوعيات رديئة لمثل هذه السلع من حاجات الفرد الضرورية، كالماء والكهرباء والوقود والادوية والمنتوجات الزراعية والحيوانية وغيرها.وعليه بالتاكيد من وجود برنامج كامل للتحديث واعادة هيكلية النظام الاقتصادي،ومشكلته ان مثل هذا البرنامج يحتاج الى استثمارات كثيفة يمكن تامينها من :-
1- تمثل ميزانية الاقليم حاليا نسبة 17% من ميزانية العراق ، هذا بالاضافة الى تنفيذ بعض المشاريع من قبل الحكومة المركزية ، وكذلك من المساعدات الخارجية. وان مسالة بيع النفط موخرا من اقليم كردستان، لا تزال مسالة معقدة بين الاقليم والمركز ، مع وجود بدرجة عالية الفساد الاداري والمالي، والسياسة الاستثمارية المتمثلة بعقود المشاركة طويلة الامد قد تصل الى 50 سنة، وحصة ارباح عالية جدا لشركات المتعاقدة ، قد تصل بين 30-40%، في هذا القطاع، مما تشكل هذه الحالة اجحافا كبيرا في واردات النفط على صعيد العراق والاقليم، وتشكل خطرا على السيادة الوطنية مستقبلا . تمثل الرواتب والاجور حوالي 70% من الانفاق الاستهلاكي العمومي للميزانية، بسبب البطالة المقنعة ، والانفاق الاخرى بحدود 20%، والمتبقي لللانفاق الاستثماري بحدود 10% من ميزانية الاقليم. اي هناك اختلال واضح بين الانفاق الاستهلاكي العمومي والانفاق الاستثماري. عليه يجب تقليص حجم الانفاق الاستهلاكية وتوجيها نحو زيادة نسبة الانفاق الاستثماري في المشاريع الانتاجية وبناء البني التحتية.
2- ان نسبة كبيرة من الاستثمارات التي تجري في اقليم كردستان تتركز على قطاع الابنية والتشيد الغير مبرمج، وتشمل الاكثار من بناء فنادق ذات تصنيف عالي (4-5 نجوم)، وعمارات عالية، وفيلات للمسؤولين الحزبيين والاداريين ، الساحات والحدائق والابنية الحكومية المختلفة ، وجزء قليل في بناء المجمعات السكنية للموطنين، في الوقت الذي توجد ازمة حقيقية للسكن في الاقليم. هنا الاختلال واضح ايضا في نشاط هذا القطاع.من الضروري تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في هذا النشاط ، وتوجيه النشاط الحكومي نحو بناء المقومات الاساسية للبني التحتية ، كطرق للنقل  العام والسريع والجسور، والانفاق وشبكات التلفونات والتلفزيون والانترنيت،بغية ربط الاقضية والنواحي في المدن وتسهيل مهمة  التجارة ونقل البضائع والمسافرين .
3- ان توجه نحو بناء نظام العدالة ومن ثم الرفاه الاجتماعيين لهذا الجيل والاجيال القادمة(من حق التعليم والعلاج والتامين والضمان الاجتماعي) ، هو من اساسيات واوليات وواجبات الدولة في كل العالم، ولا يتم فقط عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق.  ومن هنا تاتي ضرورة تدخل الدولة ونظام القطاع الحكومي العام في تخطيط وبرمجة الاقتصاد في الاقليم ، وايجاد نوع من الحوافز لتنشيط دور القطاع الخاص ليساهم هو ايضا بدوره في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة.
4- فمن الضروري اعطاء الاولوية للاستثمارات التي تكون مؤثرة في الصناعات الاستهلاكية ، لتوفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين. وهذا يعني تخصيص جزء كبير من الرأسمال المحلي لخلق وتطوير وسائل الانتاج المادية التي تساهم في انتاج السلع والخدمات النهائية لتلبية احتياجات السكان.
5- محاربة ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي ، وذلك عن طريق القيام بحملة توعية شاملة لموظفي الاقليم وعلى كافة مستويات الادارة الفيدرالية ، وحملة مشابهة موجهة الى المواطنين، عن طريق نشرالوعي الفكري والأقتصادي والأجتماعي ، بغية رفع المستوى الحضاري للمجتمع ، الذي يساهم بلأشك في تقليل والحد من ظاهرة الفساد الأقتصادي في المستقبل المنظور. واوضحت رئيسة منظمة الشفافية العالمية هيوجيت لابيل إن هناك علاقة قوية بين الفساد والفقر "الملايين يقعون في مصيدة الفقر بنتيجة الفساد". تامين دخل ثابت ومتوازن لكافة ابناء الشعب ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، ايجاد نظام الضمان الأجتماعي ،الصحي والدراسي للجميع ، حتى يشعر الأنسان الكردي بالأمان ، ويبتعد عن الغش والسرقة والفساد والأجرام ، مع اصدار القوانين والتشريعات والضوابط الصارمة والرادعة للقضاء على هذه الظاهرة، وتحفيز الوزارات والادارات نحو الاصلاح.
6- ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق ، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته، ولا يتم ذلك الا عن طريق تبني رؤية شفافة واستراتجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي . وهذا ما يتطلب ايجاد نوع من التوازن في تسير الاقتصادي بين التخطيط ودور الفعال للقطاع الحكومي العام والاقتصاد السوق. اجراء الاصلاحات في القوانين والتشريعات المالية والضريبية. استخدام التكنولوجيا الحديثة في بناء منطق ونماذج(موديل) الاقتصادية الملائمة للبيئة الوطنية، ووفق مستوى تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي، ومن دون نقل اواستنساخ التجارب البعيدة عن هذه البيئة . الانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي  كما هو عليه الحال الى الاقتصاد الانتاجي . خلق وتنمية القوة البشرية المؤهلة للمساهمة في عملية الانتاج والانتاجية.مع تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفف حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين وتحقق نوع من العدالة  والرفاءالاجتماعي.
7- ضرورة توسيع المشاركة السياسية للتنظيمات والاحزاب والشخصيات المستقلة ، التي لها دورها على ساحة الاقليم وفي صنع القرارات المصيرية، وتفعيل ممارسات حقوق الانسان وحقوق القوميات والاقليات ، والممارسة الفعلية للديمقراطية ، وحل الاشكاليات عن طريق الحوارات وباسلوب عصري بعيدا عن القوة . مكافحة الارهاب باشكاله المختلفة . وبدون ذلك يصعب تصور اي سيناريو عقلاني لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الاقليم.
8- ان الفرضية التي تنطلق من اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الملموس، وملاحظة المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في تطور الفيدرالية ، هي فرضية تستدعي اعتماد تدريجي في مواجهة المتغيرات الجديدة،ويوفر امكانية تحديد الاوليات، وتطبيق برنامج الاصلاحات،على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء واعادة الاعمار في الاقليم.
9- ان الموارد المالية والامكانيات الفنية والتكنولوجيا المتقدمة والقوى البشرية المؤهلة للادارة الفيدرالية ، لا تقي بالحاجة الحقيقية التمويلية والتنظيمية لمشاريع التنمية المستدامة واعادة الاعمار، وخصوصا ان حجم الخراب والتدمير الذي تعاني منه البني التحتية وهياكل الاقتصادية في الاقليم ، تستلزم مبالغ مالية كبيرة وامكانيات اكثر ما هو عليه الان ، اضافة الى مكافحة البطالة . لذا ارى من الضروري الاستفادة العقلانية من تطوير القطاع النفطي والريع الناتج عنه ،بعد تنسيق مع الحكومة المركزية ، ومن المعونات الخارجية التي لا تزال شحيحة،والتي تلعب دورا مهما في دعم التنمية المستدامة وتطويرها ، شرط استثمارها باسلوب صحيح في المجالات الحيوية ، ووفق اولويات سليمة ، وكذلك ادارتها من قبل اليات محلية ودولية بصورة فعالة ومتناسقة.
10- يلمس المرء اليوم نوع من تحسن نسبي في مستوى حياة الانسان بالمقارنة الى الفترات السابقة .وخاصة وان هناك مجموعات من الشركات الاجنبية التي تنفذ مشاريع خدمية استهلاكية متعددة، مما ساهمت في زيادة سيولة نقدية في الاقليم ، وسببت في نفس الوقت في ظاهرة التضخم ورفع اسعار السلع والخدمات غيرمراقب، وخاصة الفندقية وايجارات دور السكن وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية مع رداءة نوعيتها ، مما انعكست هذه الحالة بشكل سلبي، خاصة في مجال توزيع واعادة توزيع الدخل القومي وتاثيرها على الواقع المعاشي للطبقات المتوسطة والفقيرة في الاقليم.
11- ان تفعيل دور الادارة الفيدرالية في الرقابة على بعض الانشطة الاقتصادية الاساسية، يتطلب اليوم التحرك نحو التخطيط المركزي،. والالتجاء الى التصنيع المكثف بالاعتماد على الاقتصاد الصناعي ، لوحده قادر على رفع انتاجية العمل ، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات تلبه الاحتياجات، وتخفيف حدة البطالة.
12- فرض حماية جمركية للصناعات، لمنع منافسة الانتاج المحلي – سبق وطبقت هذه السياسة في كثير من دول العالم وخاصة المتقدمة منها.
13- فرض الادارة الفيدرالية على الشركات لتحقيق متطلبات أهداف تصديرية كشرط للحصول على تراخيص التصنيع، وخاصة اذا كان تمويل تلك الشركات المساهمة في التصنيع وطنيا بالكامل. وذلك بهدف ضمان ارتباط العملات الاجنبية المنفقة ارتباطا مباشرا بالصادرات اللازمة للحصول على عملات اجنبية.وفي حالة عدم تمكن الشركات من تحقيق ارباحا من التصدير، يمكن الاعتماد على الارباح التي تجنيها من السوق المحلية ، بفعل الحماية ضد المنافسة الاجنبية.
14- الرقابة الفعالة على جميع البنوك، بهدف التحكم باستخدام الموارد المالية .اتباع سياسة فرض نسبة فوائد عالية على الاقراض العامة ، وتدني نسبتها على قروض للمشاريع الصناعية والانتاجية.
15- تحكم الادارة الفيدرالية بكيفية استخدام الشركات المحلية للعملات الاجنبية والقروض اللازمة لاستيراد التكنولوجيا، من اجل انشاء صناعات جديدة ، وكذلك للمدخولات المالية اللازمة للمصانع الى حين اكمالها وتصبح جاهزة الانتاج.
16- استثمار موارد ملأئمة في التعليم ، من اجل اعداد قوة عمل الأفضل تعليما وتخصصا، لكي تساهم في رفع انتاج وانتاجية العمل.
17- تفعيل القطاع الزراعي ، الذي يعاني من تخلف واهمال وضعف الادارة والتنظيم وبدائية في اساليب الانتاج الزراعي والحيواني والخدمات التسويقية، ومساهمته ضئيلة جدا في تركيبة الناتج الأجمالي. تنويع وتحديث وسائل انتاجه وادخال الادارة الحديثه في تسييره، واستخدام التقنيات الحديثه في العمل والانتاج والنقل والمواصلات والمخازن، واساليب الحديثه في تسويق المنتوجات الزراعية والحيوانية والثروة السمكية، بهدف رفع الانتاج والانتاجية. زيادة الموارد لادارة المياه، والطرق الريفية، والمرافق التخزين ، والبحوث والارشاد ، هذا اضافة الى ضخ رؤوس اموال كثيفة في الزراعة،وذلك من خلأل تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة، واشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها.  وبهدف تاهيل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي ، ويكون قادرا على اشباع الحاجات الداخلية الضرورية من السلع،وتصدير الفائض  مستقبلا الى الخارج.
18- ضعف الأستثمارات الداخلية من قبل القطاع الخاص ، حيث ان راس المال المحلي ليس في مستوى طلبات السوق، وخاصة المساهمة في المشاريع الأنتاجية ألزراعية ، الصناعية، والخدمية. ضعف ايضا حجم الأستثمارات الأجنبية بسبب عدم أستقرار المنطقة نتيجة الأقتتال والحروب الداخلية والخارجية وتصعيد العمليات الأرهابية . كما ان القوانين الخاصة بالأستثمارات الجمركية ليست بالمستوى المطلوب. وكذلك ضعف دور المؤسسات المالية والأدارية وخاصة البنوك منها لتلعب دورها في عملية الرقاية والتحكم بالموارد المالية ، والبورصات ، سعر صرف العملة، نسبة فوائد على القروض العامة والقروض للمشاريع الصناعية والتنموية الأخرى.
19- وجود استراتيجية واضحة وشفافة ، متوسطة وبعيدة المدى للتنمية البشرية ، التي تشكل قاعدة اساسية لبناء وتطوير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري ، ويساعد على تنمية الوعي لدى الجماهير وتوسيع الممارسات الديمقراطية في الحياة اليومية للاقليم.
20- الاهتمام بالسياحة والفندقة، نظرا لوجود المقومات الاساسية لهذه الصناعة في الاقليم ، من الطبيعة الجميلة والمناخ الملائم ، وعيون الماء وشلالات ، والامن والاستقرار ، والايدي العاملة التي تحتاج الى التدريب في هذا القطاع. وتتطلب هذه المسالة الى وجود عملية التخطيط الاقتصادي والسياسة الاستثمارية الرشيدة ، التي تساعد على منح المحفزات الضرورية لتنشيط القطاع الخاص المحلي والاجنبي ، لاستثمار رؤوس اموالهم في هذا القطاع الحيوي ، الذي سيعود بعائدات كبيرة لاقتصاد الاقليم .
21- استخدام سدي دوكان وده ربندخان بشكل امثل ، والتفكير ببناء مشاريع البيتروكيمياوية فيهما ، الأستفادة العقلأنية من الطاقة الكهرومائية ، ومن الأحواض المخصصة لتربية الأسماك  ، وبناء مجمعات السياحية والرياضية المتكاملة حولهما.
22- تنظيم امور الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وتشريع قوانين خاصة لها . توفير الوسائل اللأزمة الكفوءة والنزيهة في عملية جبايتها والرقابة عليها ، عن طريق استخدام الأجهزة المالية والأدارية في المنطقة . العمل على نشر الوعي الضريبي والثقة المتبادلة بين هذه الأجهزة والمواطنين، بحيث يتولد لديهم قناعة تامة ، بان دفع الضريبة هو جزء من عملية المساهمة في البناء الأقتصادي ، وتعود ريعها على المواطنين عبر المشاريع الصحية والتعليمية والأجتماعية والأعمار.ضرورة وضع قوانين صارمة بحق المخالفين والمتلأعبين والمهربين للأموال العامة ، واعتبارها جريمة يعاقب عليها بالحبس والحرمان من بعض الحقوق المدنية والأقتصادية .
23- تطوير وتوسيع الجامعات الموجودة في الأقليم ، وبشكل عقلأني على اسس المالية والعلمية والأكادمية المدروسة ، ووفق حاجة الأقليم الحقيقية الى فروع الجامعة واختصاصاتها ومستوى التطور الأقتصادي والأجتماعي فيه، اي بمعنى اخر الربط الضروري بين التنمية الاقتصادية والتنمية البشرية ونوعية التعليم والثقافة, مع أهمية التوسع الأفقي، وليس على مبدأ المنافسة الحزبية بين الحزبين الحاكمين ، كما حدث ذلك لجامعة كويىسنجق وتاسيس فروع لكليات الاقليم في زاخو، اذ ان الأولى كان من المفروض انشاءها في حلبجة المنكوبة، ونامل ان تتحول هذه البلدة الشهيدة الى محافظة ؟!، والحصول على المساعدات المالية والتقنية من الدول الصديقة الداعمة للقضية الكوردية سياسيا وانسانيا، ومنها خاصة في الأتحاد الأوروبي وغيرها لهذا الغرض.

ان مسالة الأهتمام بالتنمية الأقتصادية والأجتماعية المستدامة في الأقليم ، هي من الأوليات الأساسية للأدارة الموحدة الجديدة،حيث ان الأدارات السابقة، فهي لم تكن قادرة على إعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الأدارة القانونية والمؤسساتية، التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية. لذ يتطلب منها قبل كل شئ ان تكون لها رؤية واضحة في مستقبل التطور الأقتصادي في المنطقة . انتهاج سياسة أقتصادية شفافة ، تستند أسسها على الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها هذه الأدارة في السياسة الأقتصادية على اساس المقولة " السياسة هي تعبير مركز عن الأقتصاد". فعلى الأدارة الفيدرالية الجديدة، ان تتوجه نحو حل المشكلأت التي تعاني منها الجماهير الكادحة والفقيرة وخاصة المرتبطة بالمستوى الواطئ لمعيشة نسبة عالية من سكان الأقليم ، من النقص البارز في الخدمات،وخاصة الكهرباء والماء والوقود والخدمات الأساسية والضرورية، والتي تستثمر هي الأخرى حين يشار إلى أن المسؤولين يمتلكون الأموال لبناء القصور ودور الضيافة، ولكنهم لا يمتلكون ما يكفي من المال لتأمين الوقود والكهرباء والماء والتعليم ...الخ. المضئ قدما نحو تحقيق التنمية الأقتصادية الأجتماعية المستدامة ، من اجل حل المشاكل الأقتصادية المتراكمة ، وفي مقدمتها تخفيف معانات الشعب وتوفير الأمن الأقتصادي والسياسي والصحي والتعليمي والأجتماعي، والقضاء على البطالة ، وبناء اقتصاد متين يتحقق فيه مبداء العدالة الاجتماعية للجيل الحالي والأجيال القادمة في الأقليم، بما يعود ريعه وخيراته ايضا على الشعب العراقي في كل اجزاءه.

92
دستور اقليم كردستان العراق والانتخابات التشريعية

د.صباح قدوري

لا يخفى على احد ، بان اقليم كردستان العراق ، ومنذ 2005 ، منشغلا بصياغة مسودة  دستورالفيدرالية . اجريت عليها التعديلات واعيدت كتابتها عدة مرات من قبل اللجنة المشرفة على صياغتها. لم تطرح للمناقشة عن طريق القنوات الاعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة، وذلك من اجل مشاركة الجماهير في الاقليم وعلى صعيد العراق في ابداء الرأي بها، عن طريق الكتابة او اقامة ندوات مكثفة عنها، والمشاركة في مناقشتها واغناءها، بغية تعريف الجماهير على محتوياتها والتثقيف ببنودها والاهداف الواردة فيها، . خلال المدة البرلمانية الثانية،عرضت مسودات مشروع هذا الدستور عدة مرات على البرلمان لاقرارها ، ولكن لم يتم ذلك في حينه. بعد انتهاء البرلمان الكردستاني دورته وشرعيتة في 4.حزيران/يونيو 2009، صادق البرلمان الكردستاني وبشكل مفاجئ على مشروع دستور اقليم كردستان العراق في 24حزيران/يونيو من هذه السنة، ، وذلك ليجعل منه الدعاية الانتخابية للحزبين الحاكمين في الادارة الفيدرالية.استقبلت هذه المصادقة على اعتراضات كثيرة من الجهات الحكومية والشعبية والكيانات السياسية والشخصيات المستقلة،وحتى الاقليات القومية المتواجدة في الاقليم وخارجه .

واهم هذه الاعتراضات يمكن اجمالها بشكل مكثف بما يلي:
1- تحديد الرقعة الجغرافية والقومية والتاريخية للاقليم مسبقا ، من دون حسم موضوع المناطق المتنازع عليها والواردة في المادة 140 من الدستور العراقي المقر، وتعتبر هذه المادة الاطار القانوني والشرعي لحل هذه المعضلة.اللجوء الى لغة الحوار في تطوير علاقات متوازنة بين الحكومة المركزية والادارة الفيدرالية في الاقليم، على اسس الدستور العراقي الدائم ، والمنتظر تعديله في الدورة الانتخابية القادمة للبرلمان العراقي،والمزمع اجراءها في نهاية الشهر الاول من السنة القادمة.
2- جعل النظام السياسي للحكم في الاقليم بموجب هذا الدستور على الاساس الرئاسي ، اي توسيع في صلاحيات رئيس الاقليم ومنحه سلطة استخدام الفيتو في كثير من القرارات المهمة والمصيرية ، وبذلك قد تكون هذه القرارات فوق صلاحية البرلمان ، باعتباره الجهة التشريعية الوحيدة لها الحق في اصدار القرارات التشريعية المهمة والمصيرية.تركيز صلاحيات واسعة بيد شخص واحد المتمثل برئيس الاقليم ، وهذا مايحفز الى تحويل الاقليم من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي تتركز السلطة بيده، مما يمهّد الى احتمال ظهور الديكتاتورية في ادارة الاقليم مستقبلا.
3- لقد جاءت تسمية الكلدان ، والاشورين والسيريان ، ضمن هذا الدستور، كتعبير عن ثلاث قوميات صغيرة، في الوقت الذي تعتبر الكلدان والاشورين والسريان ، امة واحدة ، وكان من الاجدر تثبيت ذلك في دستور اقليم كردستان العراق بذلك، بدلا من تجزئتها، وتعقيدها. وتبين من ذلك عدم وجود نيات صادقة في معالجة مسالة الاقليات القومية المتواجدة في الاقليم على اسس صحيحة تتماشى مع طموحات وارادة ابناء هذه الاقليات.
4- ان اثارة موضوع الدستور في هذا الوقت ، واتخاذ قرار متسرع من البرلماني الكردستاني المنتهي شرعيته على المصادقة علية، ومن ثم طرحه مستعجلا على الجماهير الكردستانية لاجراء الاستفتاء عليه، وفي عشية يوم الانتخابات البرلمانية  في 25.تموز/يوليومن هذه السنة، ومن دون اغناء محتوياته بالمناقشات المطلوبة وتثقيف وتوعية الجماهير ببنوده واهدافه، هذا بالاضافة الى خلق مشاكل فنية وادارية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قد تسبب الى عدم تمكن المفوضية من انجاز هذه المهمة متزامنا مع عملية الانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس الاقليم في ان واحد ، لذا تقترح المفوضية تاجيل عملية الاستفتاء هذه الى يوم11.اب/اغسطس من هذه السنة، حتى لا يتم الطعن بها من قبل المنظمات الدولية في الامم المتحدة المهتمة بشأن الانتخابات والاستفتاءات الشعبية ، وكذلك من منظمات المجتمع المدني.ان هذه العجالة وعدم دراسة هذا الموضوع بحرص يتماشى مع مصالح الجماهيرالكردستانية صاحبة المصلحة الحقيقية من هذا الدستور ،لا يمكن ان يفسر، الا أداة دعائية للحملة الانتخابية التي تسبق موعد الانتخابات البرلمانية الثالثة ، والتي يقودها الحزبين الحاكمين في ادارة اقليم كردستان العراق ، من خلال سيطرتهما على كافة القنوات الاعلامية المختلفة ، مع وجود امكانيات مالية هائلة لديهما في ابراز مايسمى بالمنجزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية التي تحققت بفضل حكمهما وادارتهما للاقليم لمدة 18 سنة .

في ظل الظرف المعقد الذي يمر به الوضع السياسي ، والاقتصادي والاجتماعي في اقليم كردستان العراق ، ينتظر من الجماهير الكردستانية ،المساهمة النشطة والفعالة في  هذه الانتخابات ، والتي من المفروض ان تكون تختلف عن الانتخابات السابقة ، وذلك لدخول قوائم وكيانات حزبية وشخصيات مستقلة في تحالفات جديدة، بعد حدوث استقطابات في الحالة السياسية الكردستانية، وخاصة في صفوف الحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى التي كانت محسوبة وتعمل تحت خيمة هذين الحزبين. لذا نرى بان هذه الانتخابات لا بد ان تشكل نقطة انطلاقة جديدة، ويتطلب درجة عالية من المسؤولية تجاه صيانة مكتسبات الشعب الكردي في تطوير الادارة الفيدرالية  وافق مستقبلها. بناء النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق مبادئ الديمقراطية، المدنية، العلمانية، دولة القانون وتقوية المؤسساتية، و مبدأ فصل السلطات، والحفاظ على استقلالية القضاء، وعدم خلط بين العمل الحزبي والحكومي. وان تجري في اجواء من الديمقراطية الحقيقية والشفافية التامة ، وعدم استخدام القوة والسيطرة الحكومية للحد من المشاركة العامة في الانتخابات، عبر قمع اصوات المقترعين وتهديد الناخبين من القوائم الاخرى خارجة عن قائمة التحالف الكردستاني . استخدام اموال العامة من جباية الضرائب ، والمساعدات الدولية ،وحصة الاقليم من الميزانية العامة للعراق، واخيرا بيع النفط ، والمحسوبية والقرابة والعشائرية في شراء اصوات الناخبين ، كما جرى ذلك في الانتخابات السابقة ولحد الان. ونامل ان تكون نتائجها حقيقية تعبر عن ارادة الشعب الكردستاني في الاقليم الحالى،وبعيدا عن المخالفات والتزوير والتعتيم الاعلامي ، واستخدام القمع ، على غرار ما جرى ذلك في الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران. ويستطيع المواطن الكردستاني بان يمارس حقه في انتخاب الممثلين الحقيقيين، الذين سيعبرون بلاشك عن مصالحه وضمان حريته واحترام حقوقه وارادته في المشاركة الفعالة في صنع القرارات المصيرية والاستراتجية المهمة في بناء مجتمع تنويري وعصري وحضاري،تصب نتائجها الايجابية في مصلحة تعميق وتحقيق مكتسبات شعبنا في تطوير افاق الادارة الفيدرالية من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقضاء على التخلف وهيمنة السلطة الحزبية المطلقة، ضمان المساواة بين الرجل والمراة في جميع القوانين، والحفاظ على حقوق الطفل، ومكافحة جميع أشكال العنف و التمييز ضد المرأة والطفل. ومكافحة ظاهرة الفساد الاداري والمالي ، الذي ينخر في داخل الاجهزة الادارية والحزبية والمجتمع،وتقف حجر عثرة امام توحيد الوزارة المالية ، الوحيدة التي بقت لحد الان من دون توحيد ، وذلك لان كل من الحزبين الرئيسيين الحاكمين،لديهما الخوف في الافصاح عن ماليتهما، والتي تم سرقتها من الاموال العامة،وهي ملك ابناء الشعب الكردستاني واجياله القادمة ، اقرار قانون النزاهة و لجنة النزاهة في برلمان كوردستان القادم، ووضع آليات الرقابة و الشفافية والمساءلة القضائية لمكافحة الفساد الاداري والمالي.ويجب استثمار هذه الاموال العامة في تفعيل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة،كي تعود فوائدها على الجماهير الكردستانية وتحقق مبداء العدالة الاجتماعية في المجتمع.

93
لمزيد من التضامن مع طالبي اللجوء العراقيين في الدانمارك

د.صباح قدوري

اقدمت مؤخرا الحكومة العراقية ،والمتمثلة بوزارتها الخارجية،والتي يبدو انها غير قادرة على خدمة مصالح ابناء شعبها، على توقيع الاتفاقية مع الحكومة الدانماركية ، لارجاع طالبي اللجوء من العراقيين قسرا الى العراق  والموجودين في معسكر اللاجئين في العاصمة كوبنهاغن وعددهم 282 لاجئ ، بعد ان خيبت املهم من الحصول على الاقامة في الدانمارك ، مما اضطروا الالتجاء الى احدى الكنائس في المناطق الشعبية في العاصمة، من اجل حماية انفسهم وعوائلهم واولادهم من مطاردة الشرطة لهم وتسفيرهم الى العراق ، وليست حالة احتلال الكنيسة ، كما فسرها ذلك رئيس وزراء الدانمارك.

 كما هو معروف لدى الجميع ، بان هؤلاء اللاجئين قدموا طلب اللجوء والموجودين في المعسكر للفترات تتراوح بين 6-10 سنة ، قبل سقوط   الصنم، وتم معاملتهم بشكل غير انساني منذ البداية مما اسفرت نتائجها برفض طلبات لجوءهم. قبل ما يقارب  من ثلاث سنوات، وبعد رفض طلبات لجوءهم ،حاولت الحكومة الدانماركية ارجاعهم الى العراق ، وخاصة الى اقليم كردستان العراق، ولكن بفضل النشاطات والمحاولات التضامنية التي تمت معهم من قبل الدانماركيين واحزابها السياسية المتعاطفة مع الاجانب والمدافعين عنهم ، وبالضغط من المفوضية العليا للشؤون اللاجئين في الامم المتحدة ، والصليب الاحمر الدانماركي ، ومنظمة العفو الدولية/ امنستي انترناشنال/، ووقوف الجالية العراقية الى جانبهم في محنتهم هذه ، وبالتضامن من معظم القائمين على ادارة الكنائس الدانماركية ، وبمساعدة منظمات المجتمع المدني الدانماركي،ومنظمة حقوق الانسان العراقي وغيرها ،ولي شرف بمساهمتي مع زميل اخر عراقي، الاخ سالار طه ادريس، في تنظيم هذه الحملة في حينه في مدينة اودنسه، حال دون ارجاعهم ، ولكن لم يمنحوا لهم حق الاقامة لحد الان!.

والان وبعد هذه الاتفاقية، اصبحوا مهددين مرة اخرى بتسفيرهم الى العراق. تتعامل الحكومة الدانماركية بقيادة الاحزاب اللبرالية الجديدة المتحالفة مع حزب الشعب الدانماركي، وهو حزب قومي متعصب يمثل اقصى اليمين في رسم سياسة اللاجئين في الدانمارك ، اصبحت مسالة اللجوء في الدانمارك مسالة سياسية بحته ، من دون اعارة اية اهمية الى مسالة الانسانية وحماية مبادئ حقوق الانسان واحترام اتفاقيات واللوائح الدولية وعلى راسها اتفاقية جنيف الخاصة بشؤون اللاجئين، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمات حقوق الانسان الدانماركية والدولية وغيرها ، والتي تقف كلها ولحد اليوم مع اللاجئين العراقين ، بغية ايجاد حلول انسانية تنسجم مع مصلحة طالبي اللجوء والوضع السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي الغير المستقر في العراق، وفي سبيل ضمان حق حصولهم على الاقامة في الدانمارك، ولكن من دون جدوى.

ان معظم هؤلاء اللاجئين قد طلبوا اللجوء قبل سقوط الديكتاتورية ، هربا من القمع وارهاب النظام السابق ، او شاركوا في الانتفاضة المجيدة عام 1991 ، وهربوا من العراق ومن ثم توجهوا الى الدول الاوربية المختلفة، منها الدانمارك ، لايجاد ملجأ وحماية لهم ولعوائلهم واولادهم. الاخرين اتوا بعد سقوط الصنم ،بسبب الوضع الماساوي الذي يمر به الشعب العراقي ، بنتيجة الحرب واحتلال العراق ، وقد ساهمت الدانمارك فيها ، وبسبب الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال ، والتي تاسست على اسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية والقومية والحزبية الضيقة ، مما ادت هذه الحالة الى تدمير العراق، وقتل وتشريد ملاين من ابناءه والهروب الى الخارج، اوالالتجاء الى المناطق الامنة نسبيا فى العراق كاقليم كردستان العراق.

ان هولاء اللاجئين اصبحوا اليوم ضحية سياسة الأحزاب اليمينية المتمثلة بحزب الليبرالي الدانماركي ، والمحافظين وحليفهما في العمل السياسي، الشعب الدانماركي، وتحكم الدانمارك منذ سنة 2001 و لحد الأن .تتميز سياسة هذه الكتلة اليمينية ازاء المهاجرين واللأجئين ، باستمرار في مزيد من التشديدات على قوانين اللجوء  واللأجئين ، وخاصة في مجال منح اللجوء ، جمع شمل الأسرة ، سوق العمل ، المساعدات الأجتماعية ، قانون الجنسية الدانماركية ، التفكير الجدي في ارجاع طالبي اللجوء وحث الذين لديهم الأقامة الدائمة وليس لديهم حتى الأن المواطنة الدانماركية الى بلدانهم الأصلية. كذلك سياسة الحكومة العراقية التي لاتخدم مصالح الشعب العراقي في الداخل والخارج ، لذا نجد اليوم بان مسالة الدفاع عن حقوق المواطن العراقي ضمن الحالة السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها العراق،والوضع الدولي المعقد بنتيجة سيطرة الايدولوجية اللبرالية الجديدة والعولمة الراسمالية الشرسة على العالم، والتي هي ضد الانسانية ، وحماية حقوق الانسان وكرامته ، لا يمكن ان تتم، الا عبر طريق ابتكار وسائل نضالية فعالة تستند على مزيد من النشاط الجماهيري والتضامن مع ابناء شعبنا .

ان هؤلاء اللاجئين الذين هم جزء من هذا الشعب ، يحتاجون اليوم اكثر من اي وقت مضى الى مزيد من التضامن والوقفة الانسانية والوطنية معهم ، وذلك لانقاذهم وعوائلهم واطفالهم الصغار ، قسم منهم ولدوا في المعسكر ودخلوا في المدارس وتعلموا اللغة واندمجوا مع المجتمع الدانماركي ، بغية مزيد من الضغط على الجانب الدانماركي والعراقي ، وباستخدام شتى وسائل الممكنة ، من جمع تواقيع التضامن، والخروج بالمظاهرات واقامة الندوات باللغة الدانماركية لتعريف الشعب الدانماركي بمآ سى الشعب العراقي ، والاتصالات الكثيفة بالقائم باعمال السفارة العراقية في الدانمارك، والسفارة العراقية في السويد، وبمقر الامم المتحدة، ومكتب الوحدة الاوربية. تنظيم عمل مشترك مع الاحزاب المتعاطفة والداعمة لسياسة اللجوء، والمنظمات الانسانية والخيرية والكنائس والمجتمع المدني في الدانمارك، وكذلك تفعيل دور منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان العراقي، ووزارة شؤون اللاجئين والجهات المعنية بهذه المسالة في العراق، بغية تراجع عن هذه الاتفاقية المجحفة بحق هؤلاء اللاجئين وعدم اعادتهم الى العراق قسرا ، والطلب باعادة النظر في طلبات لجوءهم ، من اجل منحهم الاقامة الدائمة في الدانمارك متعاطفا مع وضعهم الانساني وحماية اسرتهم واطفالهم، وضمان مستقبل حياة كريمة لعوائلهم. ففي حالة تسفيرهم قسرا لا سمح الله، تعتبر العملية كارثة انسانية ومنافية لابسط اسس الديمقراطية وحرية الفرد والاخلاق والقيم الانسانية ، وتتحمل الحكومة العراقية وصانعي سياستها وقراراتها بدرجة اساسية، المسؤولية الاولى والاخيرة تجاه هؤلاء الشرفاء وعوائلهم الكرام. لذا مزيد ومزيد من التضامن معهم حتى تتحقق امالهم وضمان استقرارهم والعودة الى مزاولة حياتهم الطبيعية في العمل والدراسة والعطاء، وخدمة عوائلهم وتوفير العيش الرغيد لهم، بما ينسجم مع واقع وحالة المجتمع الدانماركي.   

94
الانتخابات البرلمانية الثالثة في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

ان جماهيراقليم كردستان العراق على موعد مع الانتخابات البرلمانية المقبلة ، والتي من المزمع اجراءها في نهاية حزيران/ يونيو او بداية تموز/ يوليو 2009 .ففي الانتخابات السابقة كانت توجد فقط القوائم التقليدية المتعارف عليها  في الائتلاف الكردستاني ، والمتمثلة بالحزبين الحاكمين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وتتضمن كذلك الحزب الشيوعي الكردستاني، وكادحي والاشتراكي الكردستاني ، كل هذه الاحزاب، تعمل لحد الان تحت خيمة الحزبين الحاكمين،هذا بالاضافة الى منح عدد محدود من المقاعد للاقليات المتواجدة في الاقليم ، وقائمة اخرى مستقلة تمثل الاحزاب الاسلامية الكردستانية-الاتحاد الاسلامي الكردستاني. وبنتيجة حدوث اصطفافات في صفوف الحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى،اذ من المتوقع ولاول مرة  ظهور قوائم جديدة على الساحة الانتخابية القادمة ، منها على سبيل المثال، قائمة نوشيروان مصطفى امين وجماعته ، القيادي السابق والمنشق عن الاتحاد الوطني الكردستاني ،وتفرغ لادارة مؤسسة اعلامية في السليمانية ،تضم صحيفة يومية وموقعا الكترونيا واذاعة عالمية وقناة فضائية ومركز للاستفتاء، وتحمل اسم مؤسسة "وشه" وتعني بالعربية-الكلمة، وكذلك قائمة عبد المصور بارزاني ، ابن عم السيد مسعود برزاني، باسم حركة الاصلاح الكردستاني ، ومن المتوقع دخول كل من الحزبين كادحي والاشتراكي الكردستاني هذه المرة بعد ان اجريت تغيرات في قياداتهما، بقائمة موحدة مستقلة عن الائتلاف الكردستاني، ومن المستحسن ان ينظم اليهما ايضا الحزب الشيوعي الكردستاني ، هذا بالاضافة الى قائمة اخرى مستقلة وتمثل الاتحاد الاسلامي الكردستاني، ممكن ان تنظم ايضا مع كادحي والاشتراكي والشيوعي الكردستاني في قائمة ائتلافية موحدة؟.وحسب مكتب المفوضية المستقلة للانتخابات، لقد سجلت رسميا لديها لحد الان ثمانية كيانات سياسية. فاذا اتيحت لهذه القوائم فرصة حقيقية للمنافسة والخوض في المعركة الانتخابية على اسس الديمقراطية الحقيقية، تعتبر ذلك نقطة تحول بارزة في المسيرة السياسية للاقليم! .

تجري هذه الانتخابات في اجواء يتعاظم تذمر شعبي واسع النطاق من قبل الجماهير تجاه الوضع الحالي والعملية السياسية والاقتصادية الجارية في الاقليم.ممارسة سياسة الاستبداد والظلم والحيف بحق مواطني كوردستان، وذلك بسبب الهيمنة الفعلية للحزبين الحاكمين على كل مرافق الحياة والمؤسسات الاداريةالفيدرالية. تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري الأمر الذي أفضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين أجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الآساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بالايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر، بان الجهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها. تفاقم الاوضاع المعيشية بسبب الغلاء الفاحش وانتشار البطالة ، وخاصة في صفوف النساء والشباب.تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم مجالات الحياة اليومية ، نتيجة لانعدام التخطيط والرؤية الاستراتيجية الواضحة والشفافية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وافاق تطورها المستقبلي. وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الأسواق والأسعار بأشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على الصعيدين الاداري والشعبي، تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما أدى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، مما سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا والتي تسيطر على الميول الاقتصادية والتوجهات السياسية.ضعف اداء الادارة الفيدرالية في توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء، وتوفير المشتقات النفطية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي ،وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البني التحتية وغيرها من المؤسسات التي لا تزال مهملة في اغلب مناطق محافظات اقليم كردستان الحالي. توسع في سوق المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتاثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم. اتباع سياسة الأستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها  السلبي على زيادة  نسبة التضخم  المالي . ضعف اداء البرلمان الحالي المقسوم فعلا على اسس المناصفة بين الحزبين الحاكمين، من ناحية مراقبة اعمال الحكومة وتشريع قوانين مهمة في صالح تطوير الفيدرالية بمفهومها السياسي والاداري، وذلك لطغيان ظاهرة الممارسة الحزبية الضيقة على وظائف هذا البرلمان وفي اداءه الحقيقي لمهامه. تهميش دور الاحزاب السياسية الاخرى الممنوح لها بعض المقاعد وتعمل تحت خيمة الحزبين، من المشاركة الفعلية في عملية صنع واتخاذ القرارات المهمة والمصيرية التي تخص الادارة الفيدرالية ومستقبل تطورها. ان اغلبية اعضاء هذا البرلمان ، لا يملكون الارادة الحقيقية للمشاركة في اتخاذ قرارات مستقلة ، ومصيرهم مرتبط بشكل مباشر او غير مباشر بما يتخذها هذين الحزبين من الاجراءات السياسية الفوقية، وعليهم  التنفيذ من دون مراعات الى ابسط انواع الممارسات الديمقراطية، وحتى احترام ارادتهم وارادة الشعب الذي انتخبهم.ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية والشعبية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري في كافة اجهزة ومستويات الادارة الفيدرالية والحزبية. تزايد حجم المعاملات في ( السوق السوداء) من دون اي رقيب وحساب، او اتخاذ الاجراءات اللازمة لهذه القضية الخطيرة والحد منها.تفاقم الاجواء السياسية بين الاقليم والحكومة المركزية الى اسوء حالاتها في المرحلة الحالية، وذلك بسبب تعمق الخلافات بينهما وتراكم المشكلات من دون حلها، منها على سبيل المثال، الصلاحيات الادارية ، تقاسم الثروة ، عقود النفط المبرمة من قبل الاقليم من دون التنسيق مع المركز، توسيع دائرة مكاتب وقنصليات التمثيل الدبلوماسي الخارجي في الاقليم، تراوح مسالة تطبيق المادة 140 من الدستور حول قضية كركوك  ومناطق اخرى (المتنازع) عليها في مكانها، وعدم حسم امرها لحد الان.وتسبب هذه الحالة في كثير من الاحيان الى زعزعة الثقة بينهما ونشوب مشاكل الامنية والمالية والتوتر وعدم السيطرة على الاحداث الامنية بشكل جيد في هذه المناطق ، وتوجيه التهم الى الاقليم بممارسته الارهاب تجاه اقليات اخرى التي تعيش في هذه المناطق. اما على صعيد الحركة التحررية الكردية ، فان الحزبين الحاكمين منذ توليهما السلطة قبل 17 سنة في الادارة الفيدرالية، لم يقدما ائ شئ ملموس يذكر بهذا الخصوص. ، بل بالعكس فان العلاقة النضالية التي كانت تربط بين الاحزاب الكردية في اجزاء اخر من كردستان تركيا، ايران ، وسوريا، باتت معدومة ودخلت في طور السبات الطويل. محاولة شراء قادتها ، كما هو معمول به حاليا مع بعض قادة الاحزاب الكردية من سوريا وايران ، والموجودين في الاقليم، ويعملون تحت خيمة الحزبين الحاكمين ، وهم يعيشون مع عوائلهم برفاهية اسوة برفاقهم من الحزبين، ويحتلون بعض مناصب قيادية في الاجهزة الاعلامية الكردية والادارية المختلفة. وقد ذهب هذين الحزبين الى ابعد من ذلك ، وهي محاربة جماهير هذه الاحزاب الكردية،المساومة والتعاون مع امريكا وانظمة الحكم في العراق وايران وسوريا للحد من نشاطاتها السياسية والنضالية ، واتهامها بالارهاب وعدم التعامل معها ، في الوقت الذي تناضل هذه الاحزاب في بلدانها تحت ظروف صعبة، ارهابية ، وقمعية ، التي تمارس ضدها من هذه الانظمة ،وبتاييد وبدعم من جماهيرها التي تطالب، بتحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في هذه البلدان.

ان الاصلاحات التي يعلن عنها الحزبين الحاكمين بين حين واخر ، لا تشمل تطوير الموضوعات التي تخص مفهوم الديمقراطية الحقيقية ، وممارستها فعليا في الحياة اليومية، ولا تشمل تطوير مفهوم الادارة  الفيدرالية من خلال بناء مؤسساتها العصرية للسلطات الثلاث ، القضائية والتشريعية والتنفيذية والفصل بينها، وعدم التدخل في شؤنها وتسليط الطغيان الحزبي الضيق  عليها، ولا تشمل تطوير مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها ودعمها ، كي تساهم في عملية تثقيف وتوعية الجماهير وتدريبها للمساهمة في صنع واتخاذ القرارات المصيرية والمهمة، ولا تشمل ايضا تطوير وجهة نظرهما تجاه حقوق المراة في كردستان ومساوتها بالرجل في كل اوجه الحياة ، وخاصة اشراكها في المناصب القيادية في الحزب اولا وثم في السلطات الثلاث وفي مجال السلك الدبلوماسي، اذ بدلا من ذلك فقد شرع البرلمان الكردستاني في الاونة الاخيرة قانون تعدد الزوجات، تزايد مشكلة الانتحار في صفوف المراة، وكذلك مشكلة تفشي ظاهرة ختان المراة، بشكل لا مثيل لها في المنطقة واكثر من مصر، حسب ما اشاراليها بعض الكتاب مؤخرا، وعدم التصدي والحد من هذه الظواهر المتخلفة في الاقليم. الاصلاحات بمفهوم الحزبين يعني فقط الحد من ظاهرة الفساد الاداري والمالي، بعد ان تفاقمت هذه الظاهرة واصبحت مادة يتداول بها بعض القيادين في الحزبين لقلة حصتهم من هذا الفساد ، ويريدون تفعيل دورهم للحصول على حصة اكثر اسوة برفاقهم الاخرين،وكما ان الشارع الكردي يطالب بألحاح وضع الحد لهذه الظاهرة، واتخاذ الاجراءات الاصولية بحق  ممارستها.

وخلاصة القول ، نجد اليوم ان الحالة التي تمر بها الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، تشبه الى حدما القصص الروسية ، التي كانت ترويها الناس ايام بيروسترويكا ، وهي : رجل ذهب يسال عن اختصاصي يعالجه، وطلب اختصاص اذن وعين. وقيل له ان هذا الاختصاص غير موجود، فهناك اختصاص انف واذن وحنجرة ، وهناك اختصاص عين ،وكلاهما فرع من الطب مستقل. واصر الرجل على مايريد، وسالوه :"لماذا"؟ وقال:" لان مرضي اني اسمع شيئا وارى شيئا غيره"!!!.
منذ تطبيق النظام الفيدرالي المقرون من البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني ، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند  اللزوم. وبغض النظر من النتائج التي تفرزها الانتخابات القادمة ،فان ممارسة  عمليتها ، هي ظاهرة من ظواهر تطبيق الديمقراطية، وتعطي نتائجها الايجابية الملموسة ، كلما اتيحت فرصة لمشاركة اوسع الجماهير لانتخاب ممثلها الشرعي بكل حرية، والذي يعبر عن طموحاتها ويضمن حقوقها المشروعة. وان المساهمة الواسعة فيها ، تدل على نهوض الوعي السياسي والثقافي والديمقراطي لدى الناخب الكردي. وتكون ايضا تجربة اولى في ظل دخول القوائم المعارضة لمنافسة القوائم القديمة ، التي فرضت نفسها منذ ذلك التاريخ. نامل ان تجري الانتخابات القادمة بطريقة ديمقراطية ونزيهة وشفافة ، ويتاح للناخب الكردي فرصة وحرية تامة لانتخاب ممثله الحقيقي ، الذي يعبر عن امانيه وطموحاته وحقوقه، وينهض بالاقليم، من خلال فتح ابواب الحرية الاقتصادية التي تواكبها حريات ديمقراطية اوسع .ثم يجي الدور بعدها على الحرية السياسية لا بد ان تتوافر لها سلع وخدمات اكثر! ،وذلك عبر تشريع قوانين مهمة، تضمن حق الشعب في ان يقول رايه، ويشارك بشكل فعلي في عملية صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة والمصيرية، التي تصب في عملية تطوير مفهوم الفيدرالية وافاقها المستقبلية بشكلها الحقيقي والفعلي..
 

95
في ذكرى فاجعة المناضل شاكر الدجيلي

د.صباح قدوري

في 31 اذار/مارس2009، تمر الذكرى الرابعة لفاجعة اختطاف او تصفية الصديق والزميل والرفيق المناضل شاكر الدجيلي. منذ ذلك الحين ولحد اليوم ليس هناك اي جواب او معلومات حول مصيره. كرس هذا الانسان طيلة حياته النضال في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، من اجل خدمة الانسانية والسلم والديمقراطية وصيانة حقوق الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار والتطور وتامين غدا مشرقا لابناء العراق . بتاريخ 20ايار/ماي2005 ، اي بعد مضي اقل من شهرين على هذه الفاجعة الانسانية بحق هذا الانسان المناضل، اذ كتبت بعض الاسطر المتواضعة حول الملابسات والتعقيدات والغموض الذي لازم قضية مجهولية مصيره، وكذلك التضامن معه من اجل الكشف عن ذلك. ادناه الرابط بهذه الاسطر للتذكير ، والتي نشرت في حينه في موقع الحوار المتمدن والمواقع الاخرى. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=37731

واليوم وبعد مرور هذه الفترة الطويلة اصبح مصير هذا الانسان المناضل في ذاكرة النسيان وخبر كان . لا تعرف زوجته واصدقاءه ورفاقه اية نتيجة عن مصيره . ولم تصدر اية تفسيرات أكيدة لا من منظمته الحزبية في السويد ولا من رفاقه في قيادة الحزب او الجهات العراقية والسويدية الحكومية ، او البرلمان العراقي، وكذلك منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان . ماذا حل بمصير هذا المناضل الغيور، هل هو لايزال على قيد الحياة وموجود في احدى سجون سوريا ، ام تم تصفيته من قبل المنظمات الارهابية التي كانت تعمل حينذاك بين الحدود العراقية والسورية وبدعم من هذه الاخيرة، او اي شئ اخر حول مصير ه؟!. من الواجب الوطني والانساني والرفاقي لقيادة الحزب الشيوعي العراقي ان يكونوا حريصين على مصيرهذا المناضل وكل المناضلين الاخرين الذين لاقوا مصيرا كمصير شاكر الدجيلي من امثال، الرفيق سعدون وكامل الشياع وعشرات آخرين،  ومطالبة الجهات الحكومية المسؤولة بفتح ملفات التحقيق، والكشف عن المسببين لهذه الجرائم التي يندى لها  الجبين، واتخاذ الاجراءات اللازمة  لالقاء القبض على الجناة وايداعهم رهن العدالة
لا نزال اشد العقوبات بحقهم، وكذلك تعويض اهل هولاء الابطال ماديا ومعنويا وتحديد راتب تقاعدي لائق بهم اسوة ببقية شهداء الشعب العراقي الذين ناضلوا على نفس الدرب، واحياء ذكراهم في مناسبات مختلفة والكتابة عنهم تخليدا لتاريخهم النضالي وتضحياتهم، من اجل تحقيق شعار ومبادئ الحزب السامية في الوطن الحر والشعب السعيد.
تحية لك من اعماق قلوبنا بمناسبة العيد الخامس والسبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي ولكل رفاق دربك ، وهو نفس اليوم قبل اربعة سنوات الذي كنت فيه مستعجلا ومندفعا للتوجه الى العراق ومشتاقا لخدمته والمشاركة في احياء ذكرى العيد الواحد والسبعين لميلاد حزب الشهداء ، ومنذ ذلك اليوم انقطعت اخبارك  عنا وعن  محبيك  واهلك  الذين فجعوا لمصيرك المجهول.  ستظل كبيرا وشامخا شموخ الحزب . كلنا عيون شاخصة  ورقاب مشرئبة تنتظر اشراقة عودتك الينا والى حزبك والى اهلك . وكلنا على دربك الطويل سائرون.

96
في ذكرى شهداء حلبجة

د.صباح قدوري

في يوم 16اذار/ مارس من الشهر الجاري ،مرت علينا الذكرى الحادية والعشرين للفاجعة الكبيرة، وهي قصف قضاء حلبجة ، التي تبعد 83 كم جنوب شرق مدينة السليمانية. تم ضرب هذه البلدة بالاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا،وبامر مباشر من الدكتاتور المقبور صدام حسين، ونفذها مجموعة من ازلامه . بعد سقوط النظام تم سوق بعض منهم الى العدالة وتجري الان محاكمتهم لينالوا جزاءهم، والبعض الاخر لازال هاربا من قبضة العدالة ،وخاصة الطيارين الذين ساهموا في عملية قصف حلبجة، وكانوا في وقت قريب موجودين في سجون الادارة الفيدرالية وفروا منها بقدرة قادر!، واخرين يعيشون بحرية تامة ،ويحظون بحماية ، وينعمون بالعيش الكريم ، ويساهمون في صنع القرار السياسي في ادارة فيدرالية كردستان العراق، من خلال اشغال المناصب المختلفة في هذه الادارة!،في الوقت الذي كانوا رؤساء فرق (جاش) لدى الطاغية، وساهموا معه في هذه المجزرة في حينه!.سببت هذه الكارثة المفجعة الى مقتل خمسة الاف من اهالي هذه البلدة ، معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ، وجرح عشرات الاف اخرين. وان نسبة كبيرة من سكانها ،لا زالوا يعانون ايضا من مشاكل صحية، منها امراض سرطانية ، وضيق النفس ، وتشوهات خلقية للولادات، وان نسبة كبيرة من النساء يعانين من مشكلة الاجهاض. وعلى اثر هذه الفاجعة ، وبهذه الطريقة الهمجية والوحشية انتقم النظام السابق من ابناء هذه البلدة ، واصبحت مقبرة كبرى لجثث الاطفال الابرياء والامهات والشيوخ والكثير منهم قد تسمموا بغازات  مختلفة. لا تزال اثار واضرار هذه الكارثة الاجرامية البشرية والنفسية والمادية باقية في نفوس سكانها وفي ضمير الشعب الكردي والعراقي والعالم اجمع. لابد للمجتمع الدولي ان يدرج هذه المجزرة الكبرى على لائحة ابادة الجنس البشري ، على غرار الجرائم الاخرى التي ارتكبت عبر التاريخ بحق البشرية في اجزاء اخر من كوكبنا ، من هيروشيما وناكازاكي في اليابان، ورواندا في افريقا وكمبوديا في جنوب شرق اسيا ، والبوسنة في اوربا ودارفور في السودان ، وصبرا وشتيلا في لبنان، وغزة في فلسطين، وهولوكوست اليهود وغيرها. كانت حلبجة تعتبر قبل هذه الفاجعة من الاقضية المتقدمة على صعيد العراق وكردستان، من حيث مساحتها الجعرافية وكثافة سكانها وعمرانية ابنيتها وطرقها وشوارعها، وتطورها من الجوانب الاجتماعية والفنية, من الموسيقى والغناء والمسرح ودور المراة المتقدمة في مجتمعها ، ومركزا للثقافة والادباء ، وهي مسقط راس الشاعر الكبير كوران وعشرات اخرين ، ومركزا تنويريا حيث ان ابناءها من المتحمسين للتعليم والتربية والحضارة والحداثة ، وكانت اراضيها ذات طبيعة جميلة، وغزيرة وغنية بانتاجها الزراعي، وتتمتع ايضا بانتعاش اقتصادي في المجالات التجارية والصناعية والسياحية والبناء.  رغم مرور عقدين وسنة على هذه الكارثة الانسانية التي دمرت كل معالمها وبنيتها التحتية ، ولاتزال هذه البلدة وسكانها بحاجة الى المساعدات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية . فمن الجانب الانساني ، لم تعطي لهذه الكارثة الانسانية حجمها الحقيقي سواء على صعيد العراق او الدول الاقليمية او العالمية . ولاتزال المساعدات الانسانية من المعالجات الطبية وفتح مستشفيات خاصة لمعالجة اثار هذه الكارثة وتاهيل ابناءها ، ليست في مستوى المطلوب. وكثير من المساعدات الدولية الانسانية والمادية التي قدمت لهذه البلدة ، لم تصل الي سكانها بشكل كامل ، بسبب اهمال المسؤولين المحليين وتفشي مرض الفساد الاداري فيهم. اما على الصعيد الاقتصادي ، رغم ان حلبجة تعتبر من اكبر الاقضية في الاقليم الحالي ، لم تجري فيها اعادة اعمار واعادة بناء حسب الاولوية والضرورة، لما خربه النظام السابق من البيوت والطرق والمواصلات والمؤسسات بشكل مريع . لم يتم مراعاة لعوائل الشهداء واقامة المشاريع الصناعية والزراعية لامتصاص البطالة المتفاقمة، بل تم بناء متنزهات وحدائق، واقامة بعض مشاريع صغيرة، ونصب تذكاري رمزا لشهداء ابنائها ،الذي تم حرقه نتيجة غضب الجماهير ومعاناتها الاقتصادية. اما من الجانب الاجتماعي ، فان البلدة لم تنتعش ولم تشهد تطورا في الفعاليات الاجتماعية المختلفة ، مثل المجالات الفنية والادبية والموسيقى والمسرح  والثقافة والادب ، كما ان هذه البلدة عانت ايضا الخراب على ايدي جماعة انصار ومجاهدي الاسلام من اتباع القاعدة ، الذين تمركزوا على هذه البلدة في منطقة هاورامان لفترة من الزمن، الى ان تم تصفيتهم بعد سقوط النظام السابق من قبل القوات الامريكية وفروا الى ايران.لم يلمس ابناء هذه البلدة اي تغير جذري في حياتهم بعد هذه الكارثة وحتى يومنا هذا ، وقد عبروا مرارا عن معاناتهم وبطرق مختلفة للمسؤولين الاداريين والحزبيين، ولكن من دون جدوى، هذا رغم ان الموارد المالية التي تمتلكها الادارة الفيدرالية في الاقليم اليوم ،هي هائلة بالقياس الى السابق . وهي كافية لتحسين الخدمات من الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وبناء المدارس والمستشفيات ومراكز التاهيل الصحية والبدنية ودور الرعاية الاجتماعية، ودورالثقافة والفنون والشبيبة والنشر، وفتح الجامعة بفروعها المختلفة والمعاهد التابعة لها، وتبليط الشواريع وفتح الطرق وتحسين النقل والمواصلات، وتوفير المساكن اللائقة لابناء هذه البلدة ، واقامة المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية، واجراء تغيرات ضرورية، حتى يستطيع ابناء هذه البلدة ان يخففوا من معاناتهم وحزنهم الطويل والمستمر بسبب نتائج هذه الكارثة الكبرى. ولا يمكن اكرام هذه البلدة من دون توفير وتقديم هذه الخدمات لها وتضميد جراحها واعادة بناءها مجددا، واخذ بيد ابناءها نحو مستقبل زاهر. 
 

97
على هامش انتخابات مجالس المحليات في العراق

د.صباح قدوري

لم يبقى الا اياما قليلة ومعدودة لاجراء انتخابات المجالس المحلية التي ستجري في 31 كانون الثاني /يناير الجاري.  والسؤال الذي يمكن ان يطرح نفسه بهذا الخصوص ، هو :كيف يمكن ان تكون نتائجها بعد مرور اربعة سنوات على الانتخابات السابقة؟. للاجابة على ذلك ، لا بد من سرد سريع لمجريات الاحداث المهمة  التي وقعت فيها، اذ نجد ان تطورات كثيرة حدثت على الساحة العراقية السياسية خلال هذه الفترة سواء على  الصعيد الداخلي او الخارجي. فعلى الصعيد الداخلي نجد:

1- تحسن الوضع الامني نوعا ما بعد اضعاف دور القاعدة والميلشيات المتمثلة بفرق الموت في زعزعة الامن في عموم العراق .
 2- اكتسب الشعب العراقي شئ من الخبرة والتجربة عن وضع العراق وعملية الانتخابات وممارسة الديمقراطية، منذ  سقوط الصنم في 2003 واحتلال العراق من قبل امريكا.اي الانتقال من الديكتاتورية الى فهم الديمقراطية ، وفي طريق ممارستها فعليا.
3- حدثت انشقاقات واصطفافات بين  معظم الكتل السياسية وخاصة الائتلاف الموحد وجبهة التوافق المهيمنتين مع كتلة التحالف الكردستاني على دست الحكم في العراق اليوم ، سواء في رئاستي الحكومة والوزراء او في الجمعية العمومية العراقية ، وكذلك في ادارة مجالس المحافظات.
4- برز نوع من التعاون والتنسيق بين كتل اليسار والديمقراطي العراقي ، مما اسفر نتائجها الي توحيد جهودها في قائمة "مدنيون" والخوض في الانتخابات المحلية بشكل مشترك او منفصل، وذلك لمنافسة الكتل المنوه عنها في هذه المعركة الانتخابية.
5- ضعف اداء الاجهزة التنفيذية على كافة المستويات الادارية ، كذلك الحال بالنسبة الى دور البرلمان مما اسفر الى ابعاد رئيسه وخلق صعوبات في تنسيق العمل داخل البرلمان واختيار الرئيس الجديد له وتفعيل دوره في اداء واجبه واتخاذ القرارات اللازمة بصدد عشرات من المواضيع مهمة ومصيرية التي تنتظر اجراءها ضمن عملية تعديل الدستور واصدار القوانين اللازمة لتنفيذ ما يمكن تنفيذه من فقرات هذا الدستور.
6- استمرار ذهنية وفكرة المحاصصة الطائفية  والعرقية والمذهبية والدينية والقومية الشوفينية وتحويلها الى صراع في تقسيم السلطة والفساد الاداري والمالي،وقادت العراق الحديث الى الجهل والخرافة والفقر والمرض وانتشار الجرائم والارهاب، وشمل كل مرافق الحياة اليومية، ولم يهدأ حتى اليوم، واصبح اليوم ابناء الشعب العراقي اكثر وعيا من اي وقت مضى، ومدركا بان الاستمرار في هذا الصراع بالشكل القائم اليوم بين احزابها الطائفية،سوف يقود مستقبل مسيرة التطور السياسي في العراق الى الدمار ومزيد من الضحايا وتدهور في الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجلب للعراق الحديث  وشعبه غيرالتخلف والانهيار على كافة الاصعدة، فعليه ان مسالة تغيرالمسار السياسي العراقي الى حكم ديمقراطي علماني تعددي فدرالي موحد هي مسئولية الاحزاب اليسارية، وفي نفس الوقت مهمة وطنية .
7- شكلت ما يسمى بقوات الصحوات، وهي اليوم تعتبر نفسها قوة سياسية ، وقررت خوض الانتخابات بقوائم مستقلة.
8-  تعميق الخلافات بين الحكومة المركزية وادارة اقليم كردستان العراق وتراكم المشاكل بينها وتركها من دون ايجاد حلول ملائمة لها وفق الدستور.
9- الظروف الاقتصادية صعبة بسبب توقف الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، نتيجة الوضع الامني. تدمير البني التحتية قبل وبعد سقوط الديكتاتورية. تفاقم حجم ظاهرة الفساد الاداري والمالي. تفاقم البطالة ، وانعدام نظام الضمان الاجتماعي الحقيقي ، وخاصة للفئات الفقيرة التي هي تحت مستوى خط الفقر وتصل نسبتها الى 50% من الشعب العراقي. شحت الخدمات الضرورية من الماء والكهرباء والنقل والصحة والتعليم...الخ.
اما على الصعيد الخارجي  نجد
1- الانفراج النسبي للعلاقات العربية العراقية .
 2- تحسن نسبي للعلاقات الدولية الدبلوماسية مع العراق، ومبادرة كثير من الدول الاوربية الى اعفاء العراق من ديونها
3- تعزيز العلاقة مع دول الجوار وخاصة ايران، وتركيا.
 4- انجاز الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الامريكية، وترجمتها الى واقع التطبيق مع الادارة الجديدة من حيث تحديد فترة الانسحاب الامريكي من العراق وانهاء الاحتلال، وكذلك مشروع بايدن بخصوص الفيدرالية ومدى ملائمتها مع وضع العراق بعد الانتخابات المحلية وكذلك الانتخابات البرلمانية المزمع اجراءها في نهاية السنة الجارية
كل هذه المتغيرات وغيرها يجب ان يقدرها ابناء الشعب العراقي باجابياتها وسلبياتها، ومدى تاثيرها على مستقبل التطور السياسي في العراق الجديد. ان قدرة ابناء الشعب العراقي لاعطاء تقيم واستنتاجات صحيحة ومنطقية تخدم مسيرة العراق اليوم والمستقبل ، تتوقف على مدى مساهمة الاحزاب اليسارية والديمقراطية والوطنية(مدنيون) في توعية وتثقيف الشارع العراقي ، لكي يرفعه الى مستوى المسئولية واداء واجبه في العملية الانتخابية ، كذلك الالتزام بحرية الناخب والمقترع وتوفير الاجواء المناسبة له ، وتامين كافة مستلزماته ، بغية ممارسة حقه بكل حرية ، ويدلي بصوته بمحض ارادته، وانتخابه قائمة مدنيون وقائمة الحزب الشيوعي العراق والفوز بها.
ان هذه المعركة ساخنة ومصيرية في المرحلة الراهنة. يزداد فيها حدة الصراع من اجل رسم ملامح النظام السياسي والاقتصادي القادم،وتقديم افضل للمواطن العراقي الذي يتطلع بكل امل الى التغير المنشود نحو مستقبل افضل يتحقق فيه امنيات ابناء شعبنا في عيش كريم ، وفي ظل اقتصاد مزدهر يضمن العدالة الاجتماعية، ويرسخ السلام الدائم في كل اجزاء العراق. اذ مظاهر السلبية من الارهاب واستخدام القوة والاعلام واموال الدولة واساليب اخرى من قبل الكتل الحاكمة، وفي ظل انعدام الضوابط واحترام القانون والشفافية لضمان جريان الانتخابات في اجواء حرة بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية ، قد تؤدي الى عدم تحقيق النتائج المطلوبة للقوى الديمقراطية العلمانية، ولكن يجب ان تحقق نتائج افضل من سابقتها.!
والسؤال يطرح نفسه ، الى متى تبقى سياسة العراق محل الشكوك والتساولات عن الحاضر والمستقبل والمصير ، وعن المحاصصة والعنف والارهاب ، وعن الوحدة والتقسيم والفيدرالية ، وعن علمانية الحكم والعمائم؟ الاجابة برسم نتائج انتخابات المحلية ، وكذلك انتخابات الجمعية الوطنية ، التي ستجري في نهاية هذا العام.ورغم كل النتائج التي قد تفرزها العملية الانتخابية، الا انها تبقى تجربة ديمقراطية لممارسة المواطن العراقي حقه في الانتخابات ، وتكون ايضا تجربة كبيرة امام القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية للتعلم والاستفادة منها في تعاملها مع الجماهير وتوعيته وتدريبه على المشاركة في صنع القرارات المصيرية . ومن نتائجها يجب تعلم الدروس وايجاد اليات عملية ومنطقية في وسائل النضال الطبقي واستثمارها في تحقيق برامجها وتثبيت نهجها من اجل تحقيق امنيات الشعب العراقي وتامين مستقبل مزدهر له وللاجيال القادمة، والتحضير من الان للخوض  في المعركة الانتخابية القادمة للجمعية العمومية العراقية ، التي ستجري في نهاية هذا العام.
 

 

98
الازمة الاقتصادية والفكرية العالمية لللبرالية الجديدة

د.صباح قدوري

صعود الهيمنة الامريكية على مقدرات الكون السياسية والاقتصادية والعسكرية ، على اثر الانتكاسة التي اصابت النظام السياسي والاقتصادي في الاتحاد السوفيتي السابق، والبلدان التي كانت مرتبطة به في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. تحاول امريكا منذ ذلك الوقت السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم ، مستندة على الطروحات التي تطرحها اللبرالية الجديدة ومعلمها الاول الكاتب والاقتصادي فرنسيس فوكوياما الذي اعتبر هذه الانتكاسة بمثابة نهاية التاريخ للفكر الماركسي وبداية عهد النظام اللبرالي،وهو كذلك انتصارا لاقتصاد السوق وهيمنة امريكا على العالم في كافة مجالات الحياة. في بداية صعود جورج بوش الابن الى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، كان هناك حاجة الى تفعيل النشاط الاقتصادي وتحفيزه في المجتمع قبل ان يصل الى نقطة الركود. اصبح مؤشر نمو البطالة وقلة الاستهلاك في المجتمع ظاهر للعيان. وكثير من الاقتصاديين توقعوا حدوث ركود كبير في الاقتصاد الامريكي ، وممكن ان يتحول الى الازمة الفعلية وذلك لاسباب سوء السياسة الضريبية التي انتفعت منها الفئات الغنية، وعجزت عن توفير المال بين ايدي الفئات الفقيرة في المجتمع، نقل اماكن العمل الى الخارج على حساب تدنيها في البلد، نقص في المعلومات لمقارنة ومراقبة معدلات النمو والتحقق الفعلي الملموس في النشاط الاقتصادي، حرب افغانستان والعراق وتصاعد نفقاتها، زيادة المديونية التي بلغت هذا العام 70 ترليون دولار، وعجز في الموازنة العامة بحدود 750 مليار دولار، تصاعد حدة المضاربات العقارية. قوة السوق الداخلي اصبحت تعمل باقل ماهو مطلوب فعليا ، ويتحرك بشكل فعلي على اساس قانون العرض والطلب ، وفق اقتصاد السوق- الحر ، بلا حدود ولا ضوابط، بعيدا عن رقابة الدولة .
بعد احداث 11 سبتمر/ايلول 2001 ، ظنت الادارة الامريكية برئاسة بوش الابن ومساعده ديك تشيني ومستشاريه من اللبراليين الجدد ، بانها قادرة على قيادة العالم ، باعتبارها القطب الاوحد. واعلنت الحرب العالمية على الارهاب وباشرت بحماس بتصدير الديمقراطية اللبرالية الى مجتمعات العالم الثالث . وسرعان ما انتهت طموحاتها بالكارثة الاقتصادية العالمية ،وبعدها السياسي يتصل بهيكل وموازين العلاقات القائمة في النظام الدولي الحالي، وكذلك على مستقبل النظام الراسمالي نفسه، ولايمكن الخروج منها بسهولة. وقد افقدت قدرتها على التحكم في الساحة الدولية السياسية والاقتصادية ، مع انشغالها وفشلها لحد الان في حرب افغانستان وغزوها للعراق ، وفقدان مصداقيتها امام الري العام الامريكي ، وانعكاس مردودها السلبي المعنوي والنفسي على المواطن والمجتمع الامريكي.   

 يتابع العالم اليوم بعناية، تطورات الازمة الاقتصادية والمالية التي خرجت من قلب عاصمة المال نيويورك. وهي امتداد ركود سوق العقارات وانهياره  في اواسط 2007 ، وسبب الى عجز ملاين المقترضين عن سداد قروضهم التي حصلوا عليها بضمان شركات العقارات .سببت هذه الحالة الى تراجع اسهم الشركات العقارية في البورصات العالمية مما ادت الى هزة مالية كبرى . انتقلت العدوى الى البنوك الدائنة لهذه الشركات ، مما ادت الى افلاس بعض منها ، واثرت على تدني اسهم البنوك المرتبطة بهذه الشركات ، وبذلك انتقلت الازمة من قطاع العقارات الى القطاع المالي والمصرفي ، وثم انتقل الى بقية القطاعات الاقتصادية الاخرى في امريكا وسرعان ما وصلت مآسيها الى البلدان الاوروبية واجزاء كبيرة من العالم. بلغت تاثيرها بدرجة كبيرة على الاقتصاد الاوروبي المرتبط بعمق بالاقتصاد الامريكي من حيث حجم المعاملات وعولمت شركاتها، وخاصة المملكة المتحدة ، المانيا ، وفرنسا،ايسلند واليابان والصين في اسيا. وانعكس ايضا وضعها الماساوي على البلدان الفقيرة والنامية، بسبب التصاعد الكبير والسريع لاسعار المواد الغذائية الاساسية والمحروقات والادوية، وتقليص النفقات الاجتماعية.ادت هذه الازمة الى انخفاض حاد في مستوى انفاق الاستهلاكي ، والى نقص حاد في السيولة النقدية لدى البنوك وشركات التامين ، والشركات العقارية ،والمؤسسات المالية الاخرى،وصعود مؤشرات البطالة على الصعيد العالمي،انخفاض قيمة الدولار في المعاملات الدولية ، انخفاض اسعار النفط المرتبط بالدولار، عدم استقرار تعاملات في اسواق الاسهم والاوراق المالية.
اي بمعنى اخر حدوث فوضى في القوانين الاقتصادية، مما تسبب الحالة هذه الى (كساد طويل).

اثبتت هذه الازمة ، بان المقولات الاقتصادية  التي ادع بها الاقتصاديون الراسماليون من امثال ملتون فريدمان ، ادم سميث ، ساي وغيرهم ، بانه يجب ترك الاقتصاد يعمل ميكانزمه فقط وفق قانون العرض والطلب في ظل سوق الحر قد فشل في واقع العملي ، ليس بسبب هذه الازمة فقط ، بل عبر التاريخ والازمات الاخرى التي اصابها الاقتصاد الراسمالي منذ 1929، حتى يومنا هذا. وقد اضطر اخيرا الاقتصادي الانكليزي الكبير كينز بالوقوف الى هذه المسالة والاعتراف بضرورة تدخل الدولة وواجب عليها لمواجهة الازمات الاقتصادية ، وذلك لوقوف الفوضى التي تنجم عن سوء فهم واستخدام اللبرالية الاقتصادية. وبهذا الصدد، انتقد االاقتصادي الامريكي المعروف بول كروغان ، استاذ في جامعة برتستون ، والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد هذا العام2008 . واشتهر بنظريته في التجارة الدولية، نظرية التوازن التلقائي في التبادل التي تستند اليها الاطروحة اللبرالية التقليدية واثرها على التنافس المختل في العلاقات الاقتصادية الدولية ، ونقده الجذري ايضا لسياسة الرئيس بوش الاقتصادية ، وكتب عام 2005 محذرا "الامريكيون يتاجرون بالعقارات ، تمولها قروض صينية".

ان سبب الازمة تكمن في النظام الراسمالي نفسه ، وترك السوق يعمل ميكانزمه من دون رقيب بلا حدود ولا ضوابط. وما حدث في قطاع العقارات ليست الا ظاهرة بيع وشراء ديون اي (قرض عقاري) بين المشترين وشركات رهن العقاري والبنوك وشركات التامين والمؤسسات المالية الاخرى، وكذلك الحال بالنسبة الى الديون في قطاعات الاقتصادية الاخرى. جرىالافراط بهذه الديون ، وتجاهل اصول الاقراض والاقتراض المتعقل بين المقترض والمؤسسات المالية ، بعيدا عن الرقابة والمسؤلية الشخصية لهذه القروض ، وضمان اعادتها ، والقدرة على سداد قيمتها في مواعيد استحقاقها . يوجد مثل امريكي شائع يقول" اذا اقترضت من البنك مبلغ مئة دولار ، ولم تستطيع الوفاء به ، فانها مشكلتك ، ولكن اذا اقترضت من البنك مبلغ مئة مليون دولار ، ولم تستطيع ارجاعه ، فانها مشكلة البنك" .ان الضرورة الموضوعية تقتضي بوجود سياسة معقلة للنقد في اي بلد . المسؤل عن رسم هذه السياسة بالدرحة الرئيسية ، هو البنك المركزي باعتباره بنك البنوك وبالتنسيق مع وزارة المالية . وهي مؤسسات حكومية . وتتضمن هذه السياسة ، تحديد سعر النقد ، الكمية المطروحة منه في التعامل الاقتصادي ، سعر الفائدة في البنك ، التي تعتبر معيار اساسي تقاس عليها الاداء الاستثماري، كمية احتياطي العملة لدى البنك المركزي والبنوك الاخرى ، سعر صرف النقد الى العملات الاخرى ، وغيرها من السياسات التي تهدف الى استقرار سعر العملة في المدى البعيد ، ومراقبة ظاهرة التضخم الاقتصادي واثاره على القوة الشرائية للنقد.ان ما جرى في الولايات المتحدة الامريكية بخصوص هذه السياسة ، هو اطلاق العنان للسلطات المالية لطبع ما تشاء من الاوراق الخضراء، بعد تراجع الولايات المتحدة الامريكية عام 1971 عن تطبيق مبادئ نظام"بريتون وودز" ، الذي كان يضمن سياستي مراقبة راس المال والعملة.وبموجبه منح الحكومات الحق من الحد من حركة راس المال، وارتباط العملة بقاعدة الذهب ، وعدم اطلاق حرية اصدار النقود الورقية من دون غطاء انتاجي حقيقي. تخفيض سعر الفائدة الحاد والافراط في الاقتراض دون التدقيق في الجدارة الائتمانية للمقترضين، كل ذلك في سبيل تحفيز الاستهلاك والائتمان، وبدات الاموال الفائضة تتجمع في القطاع المالي ، حيث كانت تنتفخ"الفقاعات المالية"، وتنفجر احيانا، كما حدث عام 2001 ، عندما انهارت سوق المعلوماتية للشركات الامريكية العامة في تقديم خدمات الانترنيت. اي بمعنى اخر ضخ السيولة في النظام المالي ، بدلا من الاشراف على تنظيم سداد الديون.الانفاق المقامر اطلق العنان لهذه الفوضى المالية ، فان تدخل الحكومي المعقول  في تنظيم الشؤن الاقتصادية وحماية قوانينها في البلد ، وتوفير الضمانات للرهن العقاري ، تنظيم المؤسسات من خلال الادارة الحكيمة وحسن اداءها ، وقابلية وقدرة العاملين على امرها وادارتها ، وابعادها عن الفساد ، خاصة (غسيل الاموال) منها ،هي ضمانة اكيدة لحماية الاقتصاد الوطني من الازمات ، وابعاده عن الفوضى .
ما يزال النظام المالي في مواجهة خطر محدق ،وتقدر المعالجة الاولية لهذه الازمة والموافق عليهامن قبل الكونغريس الامريكي بحدود 700 مليارا من الدولارات في شراء الديون المعدومة. سوف تجمع قسما من هذه الاموال من جيوب المواطنين كضرائب والاخر يتم طبعه كعملة ورقية . تؤدي هذه الحالة بلاشك في المدى البعيد على تفاقم ظاهرة التضخم النقدي وانخفاض مستمر في سعر الدولار. اما بخصوص سوق الاسهم ، فقد تركت الازمة بصماتها اجتماعيا ونفسيا ، التي تكون خسارتها ليست اقل من الخسائر المالية التي سوف يتكبدها المودعون الصغار ، الذين حلموا بتحسين ظروفهم المعيشية ، وغامروا بمدخراتهم المتواضعة ، وفوجئوا باالافلاس ودخلوا في جيوش الفقراء، من دون تقديم يد عون اليهم.

من المعروف ان اثار هذه الازمة العالمية ستنعكس على العراق ، وذلك لوجود ارتباط العسكري والسياسي والاقتصادي بينه وبين امريكا، لكون الاخيرة محتل العراق. يمكن تلخيص اثارها من (دون دخول في التفاصيل) كالاتي:
1- انخفاض عائدات العراق من النفط ، بسبب تراجع كبير في سعر النفط ، وانخفاظ سعر الدولار الامريكي الذي يشكل الغطاء الرئيسي للدينار العراقي . عدم استقرار العملة العراقية ، وبالتالي عدم تمكن السيطرة على ظاهرة التضخم ، التي لا تزال مرتفعة.
2- استمرار ضغوط الادارة الامريكية على العراق بمطالبتها بدفع القسم الاعظم من نفقات قوات الاحتلال.
3- الاستحواذ على اموال العراق الكبيرة المودعة في البنوك الامريكية والمقدرة بعشرات المليارات دولار ، واستخدام ذلك ايضا كورقة الضغط لاجبار العراق بقبول الاتفاقية الامنية الامريكية-العراقية المزمع عقدها.
4- لا تزال هناك بعض عراقيل  في الغاء بعض مديونية العراق عن حروبها العبثية في هذا الظرف.
5- استمرار ظاهرة الفساد الاداري والمالي ، وعدم اتخاذ الاجراءات الصارمة للحد منها.
6- زيادة معدلات البطالة ، بسبب تخفيض برامج الاستمارية ، نتيجة تقليص حجم الاعتمادات المرصدة لها في الميزانية العامة والاستثمارية .وتقدر الميزانية العامة 2009، من 80 مليارد دولار الى 67 مليار دولار، بسبب تغير تقدير سعر البرميل الواحد المحتسب بموجبه الميزانية، من 80 دولار الى 62 دولار.
7- تفاقم المشاكل المعيشية ، وخاصة للكادحين والفقراء والطبقة الوسطى في مجالات الرواتب ، الخدمات الاجتماعية ، الصحة ، التعليم، الماء ، والكهرباء ، والمحروقات ،والمواد الاساسية الغذائية والادوية، والبني التحتية.
8- والحالة هذه ستساعد بلا شك ،على بيئة ملائمة لاطالة عمر الاحتلال في العراق.

وخلاصة القول، ان الراسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي مرت بادوار مختلفة عبر تاريخها.استطاعة ان تكيف نفسها وتعالج مشكلاتها وازماتها،ونجد اليوم بان التناقضات الداخلية الاساسية في الراسمالية المعولمة تتعمق وتزداد حدة، اذ لابد ان تنفجر في لحظة ما وستقضي عليها ، ويحل محلها نظام اقتصادي واجتماعي جديد. ان الطريق الى عالمية الراسمالية ، كنظام اقتصادي اجتماعي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ، لم يجلب للانسانية غير الفقر والدمار والماسي والتخلف ، وخاصة بالنسبة للطبقات الاكثر فقرا والطبقة العاملة والوسطى.ان التطور المتراكم في وسائل الانتاج يؤدي الى تغيرات نوعية في علاقات الانتاج ، وما تفرزه من اوضاع طبقية ، يساهم في تشديد الصراع الطبقي بين البرجوازية  اللبرالية والطبقات المتضررة منها. ان حتمية الانتصار التاريخي هو للطبقة الاخيرة في، ظل العولمة الانسانية الاجتماعية العادلة بدلا من العولمة الراسمالية الشرسة، التي سوف تصحح مسار تطور البشرية ، وتقود العالم نحو شاطئ الامان والاستقرار ، وستزدهر فيها العدالة والتقدم والتطور ، وتكون قادرا على التعامل مع مستجدات الالفية الثالثة وعصر ثورة التكنولوجيا المعلوماتية.

99
لمصلحة من اضطهاد المسحيين والاقليات الاخرى في بلدهم الاصلي؟!

د.صباح قدوري

ان ما يجري اليوم في العراق (الجديد، الحديث) من اضطهاد وقمع وارهاب المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين والشبك وغيرها،هو جزء من المخطط المدروس ، يهدف بالاساس الى تدمير العراق شعبا ووطنا. تم زرع الفتنة وممارسة سياسة الاكراه والتعصب بين الاديان والقوميات التي كانت متعايشة بالمحبة والسلام منذ زمن القديم في ارض الرافدين ، بسبب سياسة الرعناء وتفرقة صفوف التي مارسها النظام الديكتاتوري المقبور طيلة 35 سنة بين مكونات الشعب العراقي، وزج ابناءه في طاحونة حروبه المجنونة. استمرت هذه السياسة بعد سقوط النظام البائد في 2003 ،واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامركية وحلفاءها. ادت هذه الحالة الى قيام الفوضى في العراق ، شملت كل مجالات الحياة اليومية ،وذلك بسبب الانفلات الامني وتدمير ونهب الاقتصاد العراقي، وايداع السلطة بحوزة الاحزاب الاسلام السياسي والقوميين،التي تقاسمها فيما بينها على اسس المحاصصة الطائفية والدينية والقومية المتعصبة . تركت هذه السلطة الاقليات الدينية والقومية من المسحيين، والايزيديين، والصابئة المندائيين والشبك وغيرها على حالهم من دون اعارة اي اهتمام بهم وبثقافتهم وحضارتهم الاصيلة وحقوقهم المدنية والدينية والقومية ، بل اطالة ايادي الملطغة بالدماء عليهم، ومورسة بالاستمرار سياسة العنف والارهاب بحقهم ، مما ادى الى قتل واغتيال مئات، من بينهم رؤساء ومسؤولي الاديان من القسس والمطران والشمامسه وغيرهم ، بعد الهجوم على الكنائس والمعابد وحرقها. تشريد الآلف المسحيين وارغامهم على ترك ديارهم واللجوء الى ملاجئ امنة في داخل وخارج العراق . تلتقي هذه السياسة من حيث الجوهر والاهداف مع سياسة حركات الاسلام السياسى المتطرفة من ايتام تنظيم القاعدة والوهابيين والسلفيين، وبالتعاون مع جيش (القدس) الايراني المصدر للارهاب خارج بلده، وبقايا ازلام النظام الديكتاتوري المقبور، والفرق الموت المتشكلة من المليشيات العائدة لاحزاب السلطة وخارجها، وبمباركة من الاحتلال . تهدف كل هذه المجاميع الى تركيع العراق وتدمير ما تبقى من حضارتة الاصلية الرصينة وثقافته واقتصاده المريض وارجاعه الى ماقبل 50 سنة ، لكي يصبح بلدا مهجورا ضعيفا متخلفا غير قادرا على حكم بنفسه.ويصبح دائما خاضعا ومعتمدا على المحتل، الذي يطمح به، ولديه مصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية فيه وفي المنطقة.وفي النهاية ربط العراق بحلفه المشؤم سيئة الصيت والمزمع اقراره في الايام القادمة، وبمباركة من المرجعيات الاحزاب الاسلام السياسي والقوميين المتعصبين.وربط  مصير العراق (الجديد، الحديث) ايضا بالعولمة الراسمالية المتوحشة التي تعيش هذه الايام ازمتها المالية والاقتصادية والاخلاقية الخانقة، لا تجد حلول لها في المدى القريب،وستنسحب ايضا اثارها الاقتصادية على العراق،كما ويبقى العراق ايضا ناقص السيادة الوطنية الى اجل غير مسمى.

في الاونة الاخيرة ازدادت حدد ممارسة الارهاب والعنف ضد المسحيين في مدينة موصل الحدباء،وعلى اثرها تم قتل واغتيال وانتهاك اعراض عشرات من ابناء هذه الطائفة المتسامحة والملتزمة بالمواطنة، والتي تقدم خدمات جلية وكثيرة لابناء المدينة ولعموم العراق وفي شتى مجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية،كذلك تفجير ثلاتة منازل العائدة للعوائل المسيحية . وعلى اثر هذه الهجمة الشرسة ، اضطرت الاف من عوائل المسيحية التي تلقت تهديدات بتصفيتها، الى ترك ديارها مرة اخرى والالتجاء الى الهجرة لايجاد ماوي امينة لحمية ارواح عوائلها من هذا الارهاب الغادر. ولابد هنا ان نشيرالى الموقف اللامسؤول للحكومة او السلطة الاتحادية، التي من واجباتها الاساسية والانسانية والوطنية ان تحافظ على ارواح وممتلكات ابناء الشعب العراقي بكافة اطيافه. وبهذا الخصوص، لن تقدم الحكومة الاتحادية لحد الان باية اجراءات الملموسة والعملية اللازمة، عدى ما ارسل موخرا الافواج الخاصة لحماية الاحياء المسيحية، وذلك لتحديد ومعرفة هوية المجرمين والجهات التي تقف وراء هذه الهجمة الشرسة والعمليات الارهابية المنظمة والمبيته والظاهرة للاعيان كطلوع الشمس.والسؤال يطرح نفسه ،لماذا توقيت هذه الاعمال الارهابية الان، في الوقت الذي تكون الحكومة والشعب منشغيلان في مواضيع ساخنة تخص مصير العراق، وعلى راسها انتخابات مجالس المحافظات، والمعاهدة الامنية طويلة الامد السيئة الصيت مع الولايات المتحدة الامريكية وانجازهما قبل انتهاء السنة الحالية؟!الجواب واضحا،وهو التخويف والتهديد والتاثير على ابناء شعبنا المسيحي والاقليات الاخرى، بهدف ابعادها عن المشاركة الحقيقية في عملية انتخابات مجالس المحافظات، وعزلها ايضا عن المشاركة الفعلية في العملية السياسية، حتى تضمن لها قسط من حقوها المشروعة.

الاسراع في تشكيل لجنة خاصة رفيع المستوى للمتابعة والملاحقة والكشف عن المجرمين والارهابيين في المدينة، والقاء القبض عليهم وايداعهم الى العدالة، ومحاسبتهم وفق القوانين، لينالوا عقابهم العادل، وليصبحوا عبر للاخرين حتى لا تكرار هذه مرة اخرى.ونؤكد ونقول مرة اخرى بان الحكومة المركزية والسلطات الاتحادية قاصرة وغير قادرة على تامين الامن وحماية مواطنها من الارهاب وخاصة في الاونة الاخيرة وبعد تصاعده مرة اخرى. وهي مفتعلة من اجل استمرار الفوضى في العراق . والمستفيد من ذلك هو امريكا وحلفاءها في المنطقة ، ايران ، وبعض دول جوار الاخرى منها ، السعودية ، القطر، سوريا ، تركيا ، والمنظمات الارهابية وغيرها.

تستنكر وتدين بصراحة  كل قوى خيرة على صعيدين الحكومي والشعبي ،التي تحترم وتقدس الحريات العامة وتدافع عن حقوق الانسان ، كل شكل من اشكال الارهاب . وعلى الشعب العراقي ان يقف صفا واحدا للتصدي الى خطط هؤلاء الارهابيين ، ويصرخ ويهتف بصوت عالي ، لا للخونة والمجرمين والعملاء والارهابيين، بل لوحدة العراق شعبا ووطنا ، حتى يصبح العراق بحق عراقا جديدا، حديثا، يؤمن بالديمقراطية الحقيقية،ويصان فيه كرامة وحقوق الانسان .
نناشد ايضا كل قوى الخيرة من المنظمات الدولية ،الامم المتحدة ومجلس الامن ، الجامعة العربية، منظمة الوحدة الاسلامية، ومنظمات الحقوق الانسان في العالم ، وكل محبي لمبادئ السلام والتسامح والتقدم، والمنظمات والكنائس الدينية في العالم وعلى راسها دولة فاتكان ،والمبادرة بتنظيم الحملة العالمية في احدى الدول الاوربية، على سبيل المثال السويد ، لوجود جاليات كبيرة فيها من الاقليات العراقية، وخاصة الجالية المسيحية، وذلك للتضامن والوقوف امام الهجمات الشرسة التي تمارس باستمرار بحق المسيحيين في كل انحاء العراق والدفاع عنهم، ووضع حد لهذه الماسئ .

وبهذه المناسبة،نود ان نؤكد مرة اخرى ، بانه من الضروري على البرلمان والاحزاب المتالفة فيه، اعادة النظر بالمادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات ، واعطاء فرصة حقيقية وعملية ملموسة للاقليات، بان تضمن وجودها في مجالس المحافظات وفي البرلمان القادم ، بغية ايصال صوتها الحقيقي وتفسح لها المجال للممارسة والدفاع عن حقوقها المهضومة.

100

اين وصلت السياسة الامريكية بعد احداث 11 سيبتمر 2001


د.صباح قدوري

استقبل الامريكيون بالم وحزن شديدين الذكرى السابعة لاحداث الحادي عشر من ايلول/2001، التي ادت الى تدمير برجي مركز التجارة العالمية . وبهذه المناسبة اقيم حفل تدشين رسمي وشعبيي لنصب تذكاري للضحايا "الابطال" في البنتاغون . ورغم مرور فترة سبع سنوات على هذه الكارثة الانسانية الكبيرة، التي راحت ضحيتها اكثر من 3000 انسان قتيل ومئات من الجرحى، اذ ما زال هناك غموض في تحديد مسؤولية تدبير وتخطيط وتنفيذ هذه العملية بين تنظيم القاعدة وامريكا واسرائيل. هناك من يقول ان القاعدة تنفرد في المسؤولية، والاخرين ينسبونها بان فكرتها وتخطيطها تعود الى كل من امريكا واسرائيل وتم تنفيذها من جانب الكوادر في تنظيم القاعدة الذين درسوا وتدربوا في الولايات المتحدة الامريكية على اساليب الطيران واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصالات الالكترونية . وعلى اية حال، لا تزال تعيش امريكا في حالة حرب مع ما يسمى بالارهاب الاسلام السياسي، وعليه لابد من استمرار الحرب على الارهاب حتى يتم اقتلاع جذوره بالقوة ، وبذلك ترى في حرب العراق حرب عادلة ،واصبح الارهاب السبب الرئيسي في استمرارها. والسؤال يطرح نفسه وهو: لماذا تم اختيار بالذات العراق لهذه المهمة العالمية،ويشهد كل يوم احداث شبيهة باحدات 11 سيبتمبر، وعدم اختيار على سبيل المثال كل من المملكة العربية السعودية،التي تعتبر مركز قوة الوهابية لتخريج الاسلامين السلفيين والمتشددين تجاه الاديان الاخرى ،اوجمهورية اليمن ، التي لا تزال هناك قواعد لتدريب وتخريج مقاتلي تنظيم القاعدة ، وارسالهم  الى شبكاتها المنتشرة حول العالم لتنفيذ العمليات الارهابية، او جمهورية مصر التي تعتبر مركز نشاط الاخوان المسلمين، او باكستان بمدارسها الدينية ، والتي تعتبر بؤرة الارهاب والتعاون مع تنظيم القاعدة او السودان او اسرائيل... او...او...، في الوقت الذي تشير كل الدلائل بان العراق لم يتعاون ولم يفسح المجال لبروز مثل هذه الحركات الاسلام السياسي المتطرف منذ تاسيسه في سنة 1921 ولحد سقوط الصنم، عدا تواجود بعض المسلحين من "جندى الاسلام او  جندي المجاهدين" الذين تسللوا الى اراضي كردستان العراق من الحدود الايرانية المحاذية لمنطقة " احمد ئاوة وهورامان وحلبجة"، وتم القضاء عليهم بمساعدة امريكا بعد الاحتلال، وفروا الى ايران ، ولايزال لديهم مقرات هناك؟؟!!. وبعد سقوط الصنم ظهرت وبالمباركة من الاحتلال، فرق الموت والمليشيات المسلحة التي قسمت العراق على اسس الطائفية والمذهبية والاثنية والدينية والشوفينية، وتم تصعيد الارهاب في المنطقة وخصوصا في العراق "الجديد". الجواب على هذا السؤال بسيط جدا وهو، من المعروف لدى الجميع ، بان الأدارة الأمريكية الحالية او سواء تم انتخاب اوباما او ماكين للرئاسة الجديدة ، لها قائمة طويلة من (دون الدخول في التفاصيل) ، من المصالح والطموحات السياسية والأقتصادية من عملية احتلأل العراق ، وتأثيرها الأستراتيجي على المنطقة.
ويمكن تلخيص هذه المصالح كالأتي :-
- تامين عملية ضخ النفط بالمعدلأت والأسعار الملأئمة والمناسبة للولأيات المتحدة الامريكية والدول الأوربية  واليابان. توسيع الأستثمارات الأقتصادية ، من أجل التعجيل في أنشاء الكتلة الاقتصادية في المنطقة ، بحيث تستطيع أسرائيل ان تلعب الدور المميز فيها ، وربط هذا الكتلة بالعولمة الراسمالية وفق النموذج الأمريكي ، والسير قدما نحو تثبيت الفكر النيولبرالي في المنطقة ، بحيث يشمل كل مجالأت الحياة وليس فقط الأقتصاد.
- توفير الأمن والأستقرار من خلأل محاربة الأرهاب بكل اشكاله ، وجعل العراق مركزا لذلك ، مع متابعة سيرورة الحل السلمي للقضية الفلسطينية ولربما الكردية في المستقبل المنظور ، وذلك لأيجاد الحل السلمي لهذه القضايا وأشراك جميع الأطراف المعنية فيها ، وذلك بعد ترتيب الأوضاع في كل من أيران ، سوريا ولبنان  وبعض دول العربية، وذلك بهدف اجراء تغيرات الجيوسياسية في المنطقة ، بحيث تعود مردودها كتغذية عكسية في خدمة الفقرة اعلاه.

جاءت احداث 11 سيبتمبر  بكوارث كبيرة على شعوب البلدان العربية والاسلامية منها، افغانستان ، العراق،لبنان ، الفلسطين وغيرها. المستفيد من ذلك هو كل من امريكا التي استطاعت ان تحقق طموحاتها في توسيع نفوذها العسكري وتثبيت وجودها الفعلي وهيمنة سياستها في منطقة الشرق الاوسط، حاملة معها مشروعا كبيرا  باسم "الخارطة الجديدة للشرق الاوسط "، الذي يخدم بالدرجة الاولى مصالحها الاقتصادية والعسكرية، وايضا اسرائيل ،التي تؤمن لها سلامها واستقرارها تجاه الدول العربية والجوار، وتحقيق طموحاتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة . اصبحت احداث 11 سيبتمبر اساسا وتربة خصبة وذريعة مطلقة لدى الولايات المتحدة الامريكية للاستمرار في  ممارسة سياسة العنف والغطرسة تجاه البلدان التي لا تزال لاتوافق على نهجها وسياستها ، ولا تلتزم بتنفيذها، ولا تقر بها بانها القطب الاوحد تقود العالم ، ولا تقبل بفرض عولمتها الراسمالية على ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي تبلور وظهر لللعيان خاصة بعد زوال خطر الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية للاتحاد السوفيتي والاطراف التابعة لها في نهاية الثمانينات من القرن الماضي . بعد مرور سبع سنوات من احداث 11 سيبتمبر ، هناك تراجع واضح في السياسة الامريكية المبنية على استخدام القوة والسيطرة على العالم في مجال العلاقات الدولية مع كثير من بلدان العالم من الامريكا اللاتينية وبعض الدول الاوربية والافريقية والاسيوية ومع بلدان الشرق الاوسط  واخيرا مع روسيا الفيدرالية، التي بدات تظهر للوجود،وتعيد عافيتها وقوتها العسكرية والسياسية وتاثيرها في صنع القرارات والاحداث العالمية، واظهارها كقطب ثاني منافس للولايات المتحدة الامريكية في المحافل الدولية. في الوقت الذي نجد ان السيدة رايس وزيرة خارجية امريكا تناولت الافطار مع القذافي في خيمته ، نجد ان السعودي الامير بندر بن سلطان غارق في المحادثات مع الرئيس ميدفيديف في موسكو!!. التراجع الملحوظ في االوضع الاقتصادي الامريكي مما سبب الى انكماشه ، وممكن تحويله الى الازمة الفعلية في حالة عدم التوجه الفعلي في حل المشكلات القائمة في مجال السياسة الاستثمارية ،والضرائب وحماية العمالة، وتراكم الديون الخارجية، وتفاقم مشكلة تلوث البيئة، كما واسهمت حربي العراقية والافغانية، في تباطؤ الاقتصاد الامريكي و تاخر انتعاشه، بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف هاتين الحربين المادية والبشرية.

من المفروض ان تكون الاستراتيجية الامريكية والعراقية مبنية على بناء عراق جديد حر قادر على حماية مواطنه ، يسود فيه الامن والاستقرار والتعايش والسلام ، يزدهر فيه الآقتصاد وتتحسن فيه الوضع الاجتماعي والخدمي من الماء والكهرباء والوقود والتعليم والصحة والثقافة، اعادة بناء البني التحتية، تضمن الحقوق القومية والدينية بين اطياف الشعب العراق ، تفعيل دور المراة في المجتمع من خلال حماية وتحقيق حقوقها الكاملة من دون التميز، في بيئة ديمقراطية تمارس بشكل فعلي في الحياة اليومية. ولكن حالة العراق اليوم كما وصفه في حينه جيمس بيكر وزيرالخارجية الأسبق، والذي كان يرأس لجنة (الحالة العراقية) مع الديموقراطي لي هاملتون ومهمتها تقديم تقييم (واقعي وواضح) للوضع في العراق من اجل المساعدة على وضع السياسة الأميركية في هذا البلد وخصوصا عبر محادثات مع مسؤولين أميركيين كبار ومسؤولين سابقين وخبراء وكذلك مسؤولين عراقيين ومن الشرق الأوسط . يصف الوضع في العراق بأنه «كارثي» و يقترح انسحاباً منظماً بدلاً من الانسحاب المفاجئ  لحفظ ماء الوجه الامريكي . الاقتراح تحت عنوان (انسحاب واحتواء) اي وضع ترتيبات داخلية عراقية وتفاهم مع دول الجوار (ايران وسوريا) .نجد اليوم وبعد مرور خمس سنوات  ونصف على احتلال العراق وجعل منه مركزا لمحاربة الارهاب الدولية، فان التطرف ما زال قائما ، مع تحسن نسبي في الوضع الامني.اذ تحول هذا البلد من جراء الأرهاب منذ سقوط الصنم وحتى الأن، الى بركة من الدماء، ويصل معدل اليومي لضحايا الأرهاب فيه الى اكثر من 50 قتيل، عندما كان قبل سنة بحدود100 قتيل، والحالة ليست احسن في افغانستان. مع استمرار تأزم وانهيار الوضع الأقتصادي في العراق ، وتدني ايراداته من بيع نفط الخام، والتوجه نحو تصفية القطاع العام ، وخاصة في مجال الصناعي، التجاري والخدمي ، مما عمت حالة البطالة في المجتمع، واصبحت نسبة اكثر من 60%  من السكان عاطلة عن العمل، و85 % من النساء بلأ عمل،او تحاول الحصول على بعض اعمال هامشية لتامين لقمة عيش، انخفاض كبير في حجم الأنتاج،ارتفاع الأسعار بشكل فاحش مما ادى الى ارتفاع كبير في نسبة التضخم الذي وصل في الأشهر الأخيرة الى اكثر من 50% ، مع بقاء مستوى مدخولأت العاملين منخفضة ، كل ذلك ادى الى انخفاض القوة الشرائية لدى الناس ، تشجيع على مزيد من الفساد الأداري والأقتصادي ونهب الثروات العامة ، وخلق الفوضى في قوانين ومبادئ العمل الأقتصادي باسم الخصخصة. تقاسم السلطة والنفوذ على اسس الحزبية الضيقة والمحاصصة الطائفية والمذهبية والشوفينية. استخدام العنف من خلال المليشيات المسلحة لحل الخلافات بين مكونات الشعب العراقي المساهمة في العملية السياسية، بدلا من الالتجاء الى اسلوب الحواري والديمقراطي في العلاقات وحل القضايا الراهنة والمشاكل السياسية الخطيرة والمصيرية ، التي يفرزها الواقع العراقي الراهن.
تستنكر وتدين بصراحة قوة من العالمين الرسمي والشعبي ، التي تحترم وتقدس الحريات العامة، وتدافع عن حقوق الأنسان كل شكل من اشكال الأرهاب على الصعيدين المحلي والعالمي ،باعتبارها جريمة لأ يمكن تبريرها على الأطلأق، سواء على يد الحكومات والأنظمة الديكتاتورية ،او تلك التي تدعي الديمقراطية بدون الممارسة ، او اذ امتد هذا الأرهاب الى خارج حدود الدول ، او مخططات البنتاغون والمخابرات المركزية ، ليشمل ارواح الألأف من الأبرياء ، بحجة محاربة "الأعداء" كما يحصل ذلك يوميا في العراق وافغانستان، وعلى يد الأرهابين في الحكومة الأسرائلية ضد الشعب الفلسطيني و الشعب الكردي في تركيا ،ايران، وسوريا  والشعوب الأخرى التي تدافع عن حقها  ، وتتطلع الى الأمن والأستقرار ، والعيش الكريم في ظل الحرية والديمقراطية .اليوم تقع على الأدارة الأمريكية مسؤولية جسيمة، اتجاه ما يحدث من العنف والأرهاب ، والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول، واستهتارها بمصير ومقدرات شعوب العالم ، جاعلة من قواتها درعا دوليا متغطرسا في بلأد الأخرين . على الأدارة القادمة ، ان تعيد النظر في حساباتها ، عن طريق مراجعة سياستها العدوانية وغطرستها ، والأحتكام الى العقل والحكمة ، واتخاذ الأجراءات الكفيلة باجتثاث الأسباب الحقيقية للأرهاب وهي الفقر والجوع والجهل والاستبداد السياسي واهمال حقوق الانسان والتجاوز على سيادة الدول وغيرها ، وتجفيف منابعه ، والتاكد من هوية المجرمين والأرهابين ، ومتابعتهم قانونيا وبشتى الطرق السلمية ، قبل الدخول الى عالم القوة والحرب.

101
البرلمان العراقي والكردستاني اداتان حزبية ضيقة لا يعبران عن ارادة الشعب

د.صباح قدوري

جاء برلمان العراق الحالي عبر الانتخابات التي جرت قبل ثلاثة سنوات. ان هذا البرلمان منذ المباشرة بوظائفه ولحد اليوم لم يثبت جدارته واهليته، وقد اخفق في اداء كثير من واجباته الوطنية ، وذلك بسبب عدم توفر الحدالادنى من الصفات البرلمانية المتعارف عليها في معظم بلدان العالم. كما هو معروف لدى الكل، بان البرلمان مؤسسة تشريعية وفي نفس الوقت رقابية على السلطة التنفيذية. ولها مكانتها وهيبتها لدى الشعب وفي المحافل الدولية، فعليها ان تؤدي وظائفها ومهامها على احسن وجه. ان اعضاء هذه المؤسسة يجب ان يمثلون الشعب الذي انتخبهم ، ولابد ان يتمتعون بصفات مميزه عن الاخرين من حيث النزاهة  والصدق والخبرة والكفاءة في مهامهم ، ودرجة من الثقافة والتعلم، والقدرة على الاداء، والجراة في اتخاذ القرارات الصائبة التي تعبر عن مصالح الشعب والوطن . مع شديد الاسف،ان المؤسسة البرلمانية عندنا منذ تاسيس الدولة العراقية والى بعد سقوط الديكتاتورية اي في العراق (الحديث، الجديد) ، فهى اداة من خلالها تجري  تقاسم السلطة والنفوذ، وتعزز فيها مبدء المحاصصة والمذهبية والشوفينية تحت اسم ( مبداء التوافق ) ،وعقد الصفقات بين الاحزاب الرئيسية المتمثلة بالائتلاف العراقي والائتلاف الكردستاني وجبهة التوافق المسيطرة على اغلب مقاعد في هذا البرلمان ، و لم تنجح رئاسته ايضا في ادارة هذا البرلمان،وخاصة المتمثل بشخص رئيسها ، الذي ينقصه اللياقة والخبرة والثقافة السياسية في ادارة الجلسات، وذلك لعدم معرفتها بمبادئ واصول النظام الداخلي للبرلمان والدستور العراقي، واعداد وترتيب اوليات المواضيع والتي تضم جدول اعمالها في كل اجتماعاتها، وخلق اجواء ديمقراطية وممارستها الفعلية، وهي الاخرى مسيطر عليها طغيان الحزبية الضيقة، وتطبق مبادئ المحاصصة والعنصرية والمصالح الذاتية في اداء مهامها. وتوجد ايضا نفس بعض هذه الصفات في البرلمان الكردستاني.ان ما جرى عشية اجتماع يوم 22-تموز/يوليو 2008 في قبة مجلس البرلمان، بخصوص اقرار قانون المحافظات والاقضية والنواحي، والالتجاء الى استخدام اسلوب التصويت السري من دون اعداد اجواء ملائمة واصولية له على فقرة اربعة وعشرين المتعلقة بمسالة الانتخابات في مدينة كركوك من مجموع 24 فقرة من مواد القانون التي كانت مطروحة للتصويت ،هذا مع اهمال التاكيد على نسبة 25% التي يجب تخصيصها للنساء من الكوته، مما يعتبر اجحافا واضحا بحقوق المراة في الانتخابات المحلية ، وكذلك الحال بخصوص حصص الاقليات القومية الصغيرة، يجسد طبيعة هذه المؤسسة ، وتحالفات هشة بين اطرافها الرئيسية،وهو لخير مثال على مدى سذاجة  وقصر الرؤية السياسية لدى اعضاء ورئاسة هذا البرلمان تجاه المهمات  الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي وافاق تطوره المستقبلي في اصدار القرارات المهمة والمصيرية التي تخص مصالح الشعب العراقي بكافة اطيافه ومكوناته. وكل مرة ينتظر الشعب بان يتحرك هذا البرلمان ويلعب دوره الحقيقي في توجيه ورسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية وتوحيد الصف بين القوى المشاركة في العملية السياسية ، الا انه يفاجئ عكس من ذلك، فانه يساهم في تمزيق الصف الوطني ويستخدم المراوغة والديماغوغية في العمليه السياسية ، بدلا من  متابعة ومعالجة  المشروعات المهمة المقدمة اليه بهدف تصحيح المسار السياسي والنهوض بالعراق من الجوانب السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية. كثرة الحديث واختلاف وجهات النظر بخصوص عملية التصويت واقرار المواد القانونية، وما حدث من المشاجبات الكلامية بين اعضاء البرلمان ورئاستة ، مما ادت الى انسحابات من الاجتماع كل من كتلة التحالف الكردستاني وبعض اعضاء الاخرين من البرلمان ، منهم احد اعضاء رئاسته، ومقاطعة الاشتراك في التصويت، والاخرون ابدوا تحفضاتهم تجاه هذه المسالة ، وهناك من يشك،بان هناك صفقات مقايضة ومساومة وتاثيرات دولية وخارجية من الدول الجوار على اقرار هذا القانون.كما ظهرت ايضا وبنفس الاتجاه مقالات مختلفة على الصحف وخاصة الالكترونية منها بخصوص الموضوع.
لسنا بصدد مناقشة هذه الحالة، ولا اراء الكتاب، ولا حتى ابداء راي بمسالة كركوك، والذي اتمنى من هذه المسالة، هو معالجة مادة 140 الخاصة بها ، وايجاد حل عادل لها، بحيث تنسجم مع روح العصر، الذي يستند على مبادئ الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي من خلال تنوع واحترام هذا الموزاييك الاثني في هذه المدينة، ووفق اسس الحوار الهادء البناء، واحترام ارادة ابناءها، بقدر ما نريد بيان وظيفة هذه المؤسسة ومدى التزامها باهدافها في ادارة البلد وعلاقتها بالديمقراطية وممارستها في الحياة اليومية. من خلال متابعتنا لمسيرة العراق السياسي ودور البرلمان في هذه المسيرة ومدى توفيقه في اداء مهامه الوطنية ، يمكن اجمال تقيمنا وباختصار شديد كالاتي:-
1- ان اغلب اعضاء البرلمان العراقي وكذلك الكردستاني، لأيملكون الأرادة الحقيقية في اتخاذ القرارات،اذ لا حول ولاقوة لهم.ان مصير مهام هؤلاء الاعضاء مرتبطة وبشكل المباشر بما تتخذها الاحزاب من الأجراءات السياسية الفوقية، من دون الرجوع الي ابسط انواع الممارسات الديمقراطية، واحترام ارادة الشعب العراقي في اتخاذ القرارات المصيرية.
2- ان نمط المحاصصات العرقية والطائفية وتقسيم النفوذ ومصالح الحزبية والشخصية الضيقة ، هي صفات بارزة في كل حالة يتم فيها مناقشة واقرار المواد القانونية المطروحة عليه.
3- ان البرلمان بصفاته وسياسته هذه ، يهدف الى تمزيق الوحدة الوطنية، التي ما تزال في بداية طريقها.وتعتبر هزيمة لاسس ومبادئ الديمقراطية، والتفرقة واضحة في الخطاب السياسي الوطني.
4- اخفق البرلمان في حسم القضايا المهمة المطروحة عليه في مسائل كثيرة ومتعدد منها مسالة انجاز واصدار قانون نفط والغاز الضروري على اسس تخدم مصلحة العراق وتصون سيادته . كذلك اجراء التعديلات اللازمة في كثير من بنود الدستور العراقي الذي ينتظر الشعب العراقي بفارغ الصبر من البرلمان لاتخاد الاجراءات الاصولية اللازمة بصددها بما تخدم مصالح الوطن والشعب منها: قانون الاحوال الشخصية بما يحمي حقوق المراة والمواطنة . معالجة مادة 140 وكذلك الخلافات الموجودة بين المركز واقليم كردستان العراق من الجوانب الادارية والمالية وتوزيع الصلاحيات والعمل المشترك بينهما. قانون العمل والضمان الاجتماعي ومعالجة المشاكل الاجتماعية منها مشكلة الارامل والاطفال والضمان الصحي والدراسي ومشكلة الفقر والبطالة. قانون التربية والتعليم العالي . معالجة المشاكل والكوارث البيئية الموجودة في العراق منذ فترة من دون حل.مسالة المهجرين والمهاجرين وكيفية معالجة مشاكلهم المتفاقمة يوما بعد يوم. الرؤية الاستراتيجية والشفافة في قانون التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية من خلال اعادة البنية الهيكلية والادارية والفنية لقطاعات الاقتصاد الوطني وبناء واعادة اعمار العراق. محاربة ظاهرة الفساد الاداري والمالي المتفشى بشكل لا نظير له في تاريخ العراق واقرار قوانين صارمة بحق مرتكبي وممارسه هذه الظاهرة الارهابية والحد منها ، ومن الضروري البدء اولا ببعض اعضاء البرلمان وبعض الوزراء والمسؤولين الحزبيين والادارين. حل مشكلة الميلشيات المسلحة بكافة انواعها واصدار قانون صارم بذلك من قبل البرلمان مع متابعة تنفيذه بكل جدية، وغيرها من المسائل المهمة تنتظر من البرلمان العراقي تقديمها حسب اولويتها ومناقشتها ومعالجتها بروح وطنية صادقة، يتجسد فيها ممارسة الديمقراطية الحقيقية في ايجاد الحلول واصدار القوانين اللازمة بصددها.
5- واخيرا وليس اخرا ، بان البرلمان وقبل مغادرة اعضائه ليتمتعوا بالعطلة البرلمانية الصيفية ، قد ترك انتكاسة للعملية السياسية العراقية ، وغير علاقات وموازين القوى بين اطرافها المتحالفة، ووصلت حد التخوين والتشكيك بالنيات والاهداف والاتفاقيات التكتيكية التي برزت الى الساحة بعد سقوط الصنم، والتهديد باستخدام وسائل اخرى غير الحوار الهادئ في معالجة الاوضاع السياسية، وبذلك قد رجعت حالة العراق السياسية مرة اخرى الى المربع الاول، وشكوك الشعب العراقي بمصداقية الاحزاب المتنقذة والمتسلطة على دفة الحكم من نياتها في معالجة الاوضاع المزرية التي يمر بها العراق شعبا ووطنا ، وهو متشائم من ذلك.وقد نفاجئ من البرلمان عندما يعرض عليه مستقبلا، بان يتبع نفس الاسلوب والنهج المتبع من قبله لحد الان في ادارة الجلسات، في المعالجة واتخاذ القرار بصدد مشروع المعاهدة الاستراتيجية الامنية- العسكرية والتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي طويلة الامد المقترحة بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية سيئة الصيت.
عيش وشوف!!!


102
في ذكرى اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز الخالدة

د.صباح قدوري

في الرابع عشر من تموز هذا العام ، تمر علينا ذكرى عزيزة على قلوبنا ، الا وهي العيد الستين  لثورة تموز المجيدة ، التي حررت الوطن والشعب العراقي من حكم الاستعمار الانكليزي ، واقامت الجمهورية ، وغيرت واقع مجرى تاريخ العراق  السياسي الحديث ومهامه المستقبلية. قد تطرح بعض الاحيان تساؤلات بصدد: هل كان حدث الرابع عشر من تموز 1958 مجرد انقلاب عسكري ام هو ثورة ، وهل ان هذا الحدث هو سبب اساسي في جلب المأسي والويلات الى الشعب العراقي منذ ذلك التاريخ ولحد اليوم ؟. الجواب على هذين السؤالين هو، ان حدث 14 تموز ، الذي نحن بصدد الاحتفال به في العيد الستين ، هو ثورة بكل المعايير، اذ ادخلت تحولات جذرية في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العراقي. قام بهذه الثورة مجموعة من الضباط الاحرار، الذين كانوا منضمين انفسهم داخل حركة الضباط الاحرار ، وكانوا في الاتصال المباشر مع الشعب العراقي من خلال التنظيمات السياسية العراقية الموحدة في جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957، والتي كانت معارضة للنظام الحكم الملكي المباد ،وتناضل من اجل انهاء هذا الحكم واقامة الجمهورية ، تتحقق فيها الاستقلال الوطني والحريات السياسية والاقتصادية والفردية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. قامت هذه المجموعة من الضباط  الاحرار بالتنسيق مع هذه الجبهة عبر احزابها. وتحققت الثورة في صبيحة 14 تموز1958 بقيادة الراحل الزعيم عبد الكريم قاسم. واسندت وادعمت هذه الثورة في الحال من قبل الشعب في عموم العراق، وعبرت عنها بالمظاهرات والمسيرات والاحتفالات والشعارات والقاء الخطب والقصائد وتوزيع البيانات وغيرها من الوسائل التي تمجد بالثورة والتاييد لها من قبل الشعب العراقي،والدفاع عنها في تحقيق المسالة الوطنية والاجتماعية واعادة السيادة الى العراق، ومنها:
1- حررت الوطن والشعب العراقي من حكم الكونيال الانكليزي ، وحلف بغداد العسكري ، بالغاء معاهدة 1930 الاستعمارية ، والمعاهدات التي اعتبرت مذلة وغير متكافئة، ومن تبعية الاقتصادية – كتلة الاسترليني وتحرير العملة العراقية، ومن احتكارات شركات النفط البريطانية.
2- تعزز فيها النهج الوطني والتقدمي، والاهتمام بالتنمية الاجتماعية الاقتصادية ، وخاصة في السنوات الاولى من عمرها ، وذلك من خلال تعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي ، ومنها سن قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 ، وقانون العمل،الوقوف الى جانب ذوي الدخول المحدودة والفيئات المهمشة اجتماعيا واقتصاديا والمقصية سياسيا وثقافيا .
3- سن قانون 80 لسنة 1961، والذي بموجبه تم تأميم 5 ،99% من اراضي استثمار النفط الاجنبي في العراق.
4- توفير العمل والرعاية الصحية ، وتامين الضمان الاجتماعي للعاملين.ضمان حرية المراة وحقوقها المشروعة من خلال تشريع قانون تقدمي للاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
5- ابداء الاهمية في رفع مستوى التعليم، وانشاء اول جامعة في العراق باسم جامعة بغداد.
6- اطلاق حريات الديمقراطية واجازة الاحزاب وحرية الرأي والتعبير، واقامت الجمعيات والنقابات والمنظمات المهنية والثقافية.
7- اصدارعفو عام والغاء أوامرالفصل لاسباب سياسية واعادة المشمولين الى وظائفهم واعمالهم.
8- بناء علاقة حديثة مع الشعب الكردي في العراق ، والاعتراف به دستوريا كشريك مع اخوته العرب في وطن واحد ، والحل التقدمي للعلاقة مع بقية الانتماءات القومية الاخرى.
9- انتهاج سياسة عدم الانحياز في السياسة الدولية ، مع تعزيز العمل المشترك مع البلدان العربية والدول الجوار ، وفي كسر القطعية الاقتصادية مع البلدان الاشتراكية انذاك ، وخاصة الاتحاد السوفيتي والمانيا الديمقراطية السابقين والصين الشعبية.

ان المسالة الاساسية بعد نجاح الثورة ، تمحورت بشكل عام حول مسالة الثورة الاجتماعية في العراق، التي نضجت مستلزماتها الموضوعية وتبلورة ديناميكية الصراع الطبقي الاجتماعي والسياسي ، الا ان عديد من العوامل الذاتية والموضوعية قد سببت الى تغير احداث هذه الثورة ، وعدم مواصلتها في تحقيق اهدافها في جميع معطياتها وجوانبها المختلفة.
ومن هذه الاسباب الذاتية هي:
1- مسالة نظام الحكم، وترد السياسة القاسمية في تعزيز الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي، واطلاق الحريات العامة، وانفراده بالسلطة .
2- اطالت الفترة الانتقالية، وتاخير تشريع الدستور الدائم .
3- سيادة روح القومية الضيقة والشوفينية لدى بعض الاحزاب العراقية ومطالبتهم بأنظمام الفوري للعراق الى الجمهورية العربية المتحدة.التجأت الحركة الكردية التحررية العراقية الى اسلوب الحرب كوسيلة الضغط في تجسيد حقوقها القومية،مما ادت الى تعقد القضية الكردية بنتيجة الاصرار على تجاهل طبيعتها القومية والسياسية، والوهم بامكان حلها بالقوة المجردة ، وتجاهل صلتها العضوية بالمسالة الديمقراطية والابتعاد عن بند الدستور الذي اقر بان العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن. وقد سببت هذه الاحداث الى تفكيك وحدة الشعب وتعطيل جبهة الاتحاد الوطني من اداء مهامها الاساسية في تطوير المجتمع العراقي على اسس المدني الحديث.
4- تنشيط عملاء الاستعمار المنتشرين في شركات النفط والشركات المالية الكبرى التي كانت مرتبطة بروؤس الاموال الاجنبية ، بالتعاون مع الاقطاعيين ورؤساء بعض العشائروبقايا النظام البائد في الداخل، وتيسيره للاجهزة الادارية والامنية الذي كان يقمع الشعب العراقي في حينه.
وكذلك الاسباب الموضوعية، والمتمثلة في :
1- التدخلات الاجنبية البريطانية وحلفاءها،واستفحال المؤمرات الاستعمارية في المنطقة العربية والشرق الاوسط،وتنسيق النشاطات المضادة للثورة مع الانظمة الرجعية الداخلية والعربية وغيرها ، لتنفيذ مخططات الاستعمارية والصهيونية في المنطقة ، وعزل الثورة في العراق عن أطرها وأبعادها الدولية ومحاربتها سياسا واقتصاديا.
2- ولا ننسى بان ثورة 14 تموز قد قامت في زمن التحولات الدولية والاقليمية الكبيرة . اذ ان الحرب الباردة كانت في اوج ذروتها . تفاقم الصراعات السياسية والفكرية بين المنظومتين الراسمالية والاشتراكية . الخلافات بين المراكز الراسمالية ومحاولة الولايات المتحدة الامريكية الهيمنة على النفوذ والطاقة النفطية ، وخاصة في منطقة الشرق الاوسط  ، مما ساهمت هذه الاجواء بالتحريض العالمي ضد هذه الثورة .
3- تغير المواقع الطبقية بعد تموز، قيادة البرجوازية وبعض مراتب البرجوازية الصغيرة لحركة الردة الفكرية ، التي هي اداة من ادوات المعركة الاجتماعية ، وتطلعها للسيطرة السياسية المطلقة في ظل الاستعمار الجديد، واعتمادها على جبهة رجعية واسعة تضم اليمين الرجعي القديم ( الاقطاع ، البرجوازية العقارية الكبيرة ، البرجوازية الكومبرادورية) والوسط الرجعي ( البرجوازية الوسطى او الوطنية)، وبعض مراتب البرجوازية الصغيرة المتخلفة المتقنعة بالاقنعة القومية. لكن المؤسف ان الثورة بدات تتراجع عن نهجها الثوري بعد دخول عامها الثاني ، وذلك لتغلغل القوى المضادة في اجهزتها الادارية والتعليمية والعسكرية والامنية ، والتي تمكنت في نهاية المطاف تدبير انقلاب رمضان الدموي ، وبالتوجيه والاشراف المباشر  من الدوائر الامبريالية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا واجهاض الثورة.
وعلى ضوء ما تقدم اعلاه ، يمكن ان يستنتج المرء اليوم وبعد مضى 60 عاما على ثورة 14 تموز العظيمة ، بان كوارث كبيرة قد حلت بشعب العراقي وشملت كافة اطيافه ومكوناته، وذلك نتيجة:
1- أرتكاب اخطاء جسيمة من جانب الراحل عبد الكريم قاسم والاحزاب الديمقراطية التي كانت ملتفة حول الثورة ، بسبب فقدان العمل المشترك مع البعض من الجهة ومع راس السلطة التي كانت متمثلة بشخص عبد الكريم قاسم من جهة اخرى.
2- عدم ادراك المسالة القومية للشعب الكردي ، وايجاد حل سلمي لها.
3- عدم ادارة الصراع الطبقي والفكري بشكل ديمقراطي وحواري بين الاحزاب الوطنية ، وعل عكس من ذلك التجأت هذه الاحزاب الى تعميق الخلافات بينها ، ونسيان الصراع مع القوى المضادة للثورة.وبهذا الصدد اذكر احدى الحوادث التي كنت قريبا عنه.ففي عشية انعقاد المؤتمر العالمي للاتحاد الطلبة العام في سنة 1959 في بغداد، اذ ظهرت بعض نزعات الشغب والتهديد ضد بعض اعضاء الاتحاد العام لطلبة العراق من بعض قيادي اتحاد طلبة الكردستاني في مدينة السليمانية . اتهمت هذه العناصر قيادة الاتحاد العام لطلبة العراق ، بان البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر،يعتبر الاكراد بانهم من قبائل برابرا ، ولا يتوفر فيهم مقومات وخصوصيات القومية الكردية. حيث تم في الحال ايفاد الزميل مهدي حافظ رئيس الاتحاد في حينه بعد انتهاء اعمال المؤتمر الى مدينة السليمانية ، وفي حالة وصوله تم في الحال عقد اجتماع الهيئة الادارية لفرع الاتحاد العام لطلبة العراق معه ، والذي كان رئيسها المناضل القدير العزيز والصديق والرفيق على صالح غفور، وكنت عضوا في هذه الهيئة في بيت احدى اعضاء الاتحاد. بعد شرح ومناقشة مضمون البيان ، لم نجد اية دلالة تشير الى هذه التهمة. وفي يوم الثاني رافقنا الزميل حافظ  للقاء مع مدير تربية السليمانية . قدم له شرحا وافيا بخصوص المؤتمر والبيان الختامي.كان بعض من عناصر اتحاد طلبة الكردستاني في انتظارنا امام مبنة مديرية التربية، حاملين معهم مسدسات وخناجر وسكاكين لتهديدنا، وخاصة اطلاق رصاص امامنا وتهديد رئيس الفرع. وبعد ايام اسفرت هذه التهديدات الى اغتيال شقيق احد زملائنا من الاتحاد ، الشهيد حسن فرج، الذي كان يعمل اوسط في ترميم بناية مدرسة ثانوية السليمانية، كنت ممثلا عنها في الهيئة الادارية لفرع الاتحاد. وتم تشيع الشهيد بمسيرة جماهيرية كبيرة لم تشهدها المدينة الا نادرا. وجهاز الامن والاستخبارات في المدينة الذي كان رئيسه حسين شيرواني ، ومواليا لحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) في حينه ، يراقبون ويسجلون اسماء الذين ساهموا في مراسيم التشيع ، وخاصة الشيوعين والتقدمين البارزين في المدينة. واسفر هذا الحدث والحوادث الاخرى فيما بعد الى تشكيل فرق الاغتيالات من قبل الحزب ( البارتي)، وكانت انذاك المعروف منها باسم (كاني ماسي) ، مما اسفرت الى اغتيال عدد من اعضاء ومؤيدي الحزب الشيوعي العراقي في المدينة.
4- عدم تهيئة الاجواء على صعيدين الجماهيري والحكومي في الداخل لمواجهة خطورة الصراع مع شركات النفط ، بعد ان اقدم النظام الى اصداره القانون 80 لسنة 1961 ، والهادف الى اعادة الاستقلال الوطني والثروة النفطية العراقية .
5- استمرار المؤسسات التي ورثت من الحكم المباد ، ولم يجري اصلاح البرلمان والدستور ، وارساء اسس المؤسساتية المدنية ، بمايخدم مصلحة الشعب العراقي .
إن القيمة الحقيقية لهذه الذكرى الوطنية تتجسد اليوم في دلالاتها السياسية، بوجهيها، الايجابي والسلبي، و فيما تقدمه من عبر  ودروس، و تشيعه من مناخات تعزز إرادة الوحدة والمصالحة الوطنية، من خلال تقيم الفترة منذ ثورة تموز ولحد الان تقيما صحيحا واستيعاب كامل دروس احداثها الكبرى. تشخيص خصائص الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المرحلة الراهنة وبعد سقوط الديكتاتورية.الامساك بالحلول الجذرية على اسس العلمية والمنطقية ، وذلك للخروج من المازق السياسي  والاقتصادي والاجتماعي الحاضر، ومتابعة مسيرة العراق الحديث الى امام من خلال بلورة رؤية واضحة وشفافة في صياغة برامج استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة ، تهدف الى تحسين الخدمات العامة ، ومعالجة مشكلة الفقر والبطالة . تاهيل واعادة هيكلة لمقومات الأقتصاد،وتطبيق واحترام القانون والاستمرار في تامين الاوضاع الامنية والاستقرار وبناء الدولة العصرية تزدهر فيها القيم الثقافية وسمة العصر الحضارية، ويتحقق فيها كافة حقوق المواطنة وصيانة السيادة الوطنية.

 في الوقت الذي نحتفل بمناسبة اليوبيل الذهبي لهذه الثورة ، نرى اليوم ان المعانات التي توارثنها عن النظام السابق المقبور، والمتراكم لسنوات الخمسة الماضية بعد سقوطه، بان العراق الحديت شعبا ووطنا مهدد بالكوارث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والثقافية . وهو محتل بعد غزوه من الامبريالية الراسمالية وعولمتها الشرسة وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها.اصبح العراق مشهدا للنزاعات الطائفية والحزبية والعرقية، ومركزا لارهاب القاعدة وبعض الاطراف الاقليمية. تدمير اقتصاده بحيث اصبح اكثر من 50% من الشعب العراقي تحت مستوى الفقر، وكذلك نسبة البطالة اكثر من 50%، وتدمير بنيته التحتية وتوقف ماكنته الاقتصادية عن العمل. قتل وموت وتهجير ملاين من ابناء الشعب العراقي مما اثرت هذه الحالات على تغير بنية التركيبة الاجتماعية للمجتمع العراقي، وظهور نزعات الهيمنة والطغيان للافكار الرجعية والتخلف والسلفية والتعصب الديني والمذهبي والقومي المتعصب ، ومحاربة الديمقراطية الحقيقية والحداثة والقيم الحضارية واحترام حقوق الانسان، وخاصة اضطهاد النساء وتعرضن الى ابشع اشكال القهر والاستغلال والتميز والارهاب،وترك ملاين من الارامل على حالهن من دون تقديم اية مساعدات لهن،وأنتشارهذه النزعات في كل المرافق الحياتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية. وبالمقابل نجد اليوم تراجعا وضعفا واضحين لقوى اليسار الوطني والديمقراطي العراقي بمختلف عناوينها وبرامجها ومكونتها من اقصى يسارها الى وسطها، في المساهمة الجادة لصنع القرارات المهمة والمصيرية في العراق الحديث ، كانهاء الاحتلال واعادة السيادة الوطنية للعراق. حماية الثروة النفطية الوطنية من طموحات العولمة الراسمالية،التي تحاول امرار مسودة قانون النفط والغاز،والتي تحتوي على بعض المواد تمنح امتيازات للمستثمرين الاجانب ، بما يضعف ويستبعد السيادة الوطنية، والمجحف بحق الشعب العراقي في رسم سياسات الانتاج والتسويق في حقل النفطي .امرار مشروع المعاهدة الاستراتيجية الامنية- العسكرية والتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي طويلة الاجل بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية سيئة الصيت،والتي لا تضمن استعادة السيادة الوطنية،وتهدف الى تطويع وترويض شعوب المنطقة للقبول بالهيمنة الامريكية، وبالتسوية مع الاسرائيل حسب شروطها، وطبقا لمشروع الامريكي لشرق الاوسط الجديد.الرجوع الى الشعب العراقي صاحب القرار الاخير في اية المعاهدة اوالاتفاقية التي تمس بالسيادة الوطنية وبحقوق الشعب العراقي،التي تبرم اوستبرم مع اية دولة في العالم مستقبلا،حتى لن يصبح التاريخ مراوغا، وتدور عجلتة مرة اخرى الى الوراء الى كارثة مشابهه بحلف بغداد اوالكتلة الاسترلينية اوالمعاهدات المجحفة والمذلة والمقبورة الى الابد بفضل ثورة 14 تموز. تاخير العراق اقتصاديا، وذلك لانعدام الرؤية والشفافية والاستراتجية الواضحة بخصوص التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.عدم معالجة كثير من بنود الدستور المقر، التي تنتظر الى اجراء التعديلات اللازمة عليها ، وخاصة ما يتعلق منها بمسالة الفيدرالية ولامركزية المحافظات وتطبيقها على الارض الواقع وفق الظرف العراقي الحالى، وكذلك قانون الاحوال الشخصية. المادة 140 الخاصة بمسالة كركوك ، وايجاد حل عادل لها، بحيث تنسجم مع روح العصر، الذي يستند على مبادئ الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي من خلال تنوع واحترام هذا الموزاييك الاثني في هذه المدينة، ووفق اسس الحوار الهادء البناء، واحترام ارادة ابناءها.الوقف بحزم ضد التدخلات الدولية والاقليمية، وخاصة من دول الجوار ايران،وسوريا والمملكة العربية السعودية، ومن قوى قومية واسلامية متطرفة وارهابية،وميلشيات مسلحة داخليا وايرانيا، ومتحالفة في ما بينها، وتدخلاتها السافرة في الشأن العراقي ، من خلال مساهمتها في تعميق ازمة الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية الى اسوء، بدلا من تقديم يد المساعدة والعون لشعبنا في هذا الوقت العصيب الذي يمر به العراق، ومن دون اتخاذ اية مواقف محددة بهذا الشأن.
آن الأوان لاستفاقة الاحزاب الديمقراطية واليسارية، رغم تاخرالوقت ، بان تنهض بمسؤليتها التاريخية تجاه الشعب والوطن،وذلك عبر جمع شمل صفوفها واجراء مصالحة يسارية حقيقية فيما بينها. معتمدا على الشارع العراقي وتعبئته وتحفيزه، مستخدما كافة الوسائل النضالية الممكنة من المظاهارات والاظرابات والاحتيجاجات ، ووسائل الاعلام المختلفة ،واقامات الندوات وادارة المناقشات، والعمل المشترك مع منظمات المجتمع المدني، واشراك الجماهير في كافة الفعاليات للتعبير عن اراءها  والدفاع عن حقوقها، وذلك بهدف توحيد صفها في جبهة يسارية واسعة ، حتى لو تم الاتفاق على حد ادنى من الاهداف المشتركة . الخوض معا بالانتخابات المحلية والبرلمانية القادمتين، وبغية وقوف وبحزم امام بعض القوى المهيمنة حاليا والمنشغلة في توسيع اجندتها ونزعاتها الطائفية والدينية والشوفينية وانفرادها في السلطة، وهي السبب الرئيسي مع وجود المحتل، في معانات الشعب العراقي ، ووضع حد لها ، وانقاذ ما يمكن انقاذه من الخسائر المادية والبشرية والاقتصادية والحضارية والثقافية التي اصابها ويصيبها الشعب العراقي بكافة مكوناته واطيافية. وبالخصوص مطلوب من الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني ان ينهضا بمسؤوليتهما التاريخية، ويؤديان دورهما الحقيقي والفعلي في العملية السياسية الجارية في العراق اليوم ، بامل ان يسترد العراق عافيته، وينهض مرة اخرى ويتطلع الى العالم المعاصر الحضاري ، ويسير قدما الى الامام لمواكبة مسيرته في السيادة الوطنية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وبناء مجتمع السعادة والرفاء ، يتحقق فيه الديمقراطية الحقيقية وحماية حقوق الانسان.

103
ورقة عمل بخصوص الشأن الاقتصادي في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

ينتظر ابناء الشعب الكردي في اقليم كردستان العراق وبفارغ الصبر، الى نبأ اعلان تشكيلة الكابينة الرابعة لمجلس الوزراء ، وعلى اساس حل اشكالية التوحيد النهائي للوزارات في الادارة الموحدة . اجراء الاصلاحات اللازمة والضرورية بهدف تفعيل اداء الوزارات ، ومن خلال اعادة هيكليتها من حيث تقليص عدد الوزارات الى حد معقول، ورفع الكفاءة الادارية والفنية والتنفيذية لهذه الوزارات بعد اعادة تشكيلها ، وذلك بهدف تقديم احسن الخدمات الممكنة واللازمة ، والتي تساعد على النهوض بشان التطوير الاقتصادي والاجتماعي في الاقليم.الاقتصاد صار قاطرة تجر وراءها السياسة والمجتمع بكل مكوناته ، بما فيها المعرفة والثقافة.ومن هذا المنطلق،انتهز هذه المناسبة،بان اقدم ورقة عمل هذه بخصوص تصوراتي عن الحالة الاقتصادية الحالية والمستقبلية في الاقليم. وهي كمقترح للدراسة وحث المعنيين بالشأن الاقتصادي  للمشاركة في اغناء محتوياتها ، بهدف الوصول الى صيغة مقبولة وملائمة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المزمنة والمتروكة لفترات طويلة من دون المعالجة، وايجاد حلول علمية ومنطقية لها، انسجاما مع الوضع السياسي في عموم العراق وخصوصيات الاقليم حاليا وافاق تطوره المستقبلي .

بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، واجه العراق بما فيه اقليم كردستان تركة ثقيلة ومتعددة الابعاد في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.ومنذ الانتفاضة المجيدة في اب 1991، وعلى اثرها ولد النظام الفيدرالي في الاقليم الحالي ، وبعد انقضاء 17 سنة من عمر هذه المسيرة، شهد اقليم كردستان العراق بعض تطورات نوعية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولكن ليست هذه التطورات في مستوى طموحات الشعب الكردستاني .
يمكن حصر هذه التطورات النوعية(من دون الدخول في التفاصيل) كالاتي:-
1- بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، شهد الاقليم نسبيا بالقياس الى اجزاء اخرى من العراق نوع من الاستقرار والامن الداخليين. تم  اقاف الاقتتال  الداخلي واجراء المصالحة بين الحزبين المتنفذين منذ1998.تم تصفية قواعد الحركات الارهابية التابعة للقاعدة في مناطق الحدودية المتلازمة مع ايران(حركة جندي الاسلام) وفي مدن الاقليم الحالي .
2- اجريت الانتخابات للبرلمان في الاقليم،بعد ان اصبح عمر البرلمان السابق10 سنوات وعطل عن الاداء ،وكذلك الانتخابات المحلية. المشاركة في ادارة الحكم ، والمشاركة ايضا مرتين في انتخابات البرلمان العراقي وتحقيق فوز جيد فيها. توحيد الادارة الموحدة، ولكن ليس بالشكل الكامل ، واصبحت الوزارات العدل والمالية والداخلية وشؤون البيشمركة خارج التوحيد النهائي في الكابينة الثالثة ولحد الان. المشاركة وبشكل الفعال في ادارة الدولة العراقية، وانتخاب كردي كرئيس جمهورية العراق، وفي المرافق الاخرى من الجهاز التنفيذي كنائب رئيس وزراء العراق. ومن خلال ، المشاركة في عدد من الوزارات المهمة كالخارجية وغيرها.
3- المشاركة الفعالة في الصياغة واقرار الدستور العراقي ، وكذلك دستور اقليم كردستان.
4- ان تحويل اقتصاد الاقليم من اقتصاد مركزي الى اقتصاد مفتوح ومتنوع وقائم على الإفادة من آليات السوق ودور اكبر للقطاع الخاص ، فضلا عن ان هناك اتفاقا على معظم الاوليات الواجب تنفيذها لازالة التخلف وانماء اقتصاد الاقليم ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وبناء واعادة بناءالبني التحتية .الا ان الخلاف كما يبدو انعكس في المقاربة الواجب اعتمادها بلوغ هذه الغايات.
5- ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري في كافة اجهزة ومستويات الادارة الفيدرالية. تزداد حجم التعاملات في سوق الظل(السوق السوداء) يوما بعد يوم دون اي رقيب اوحساب لهذه القضية خطيرة. الأنشغال والمبالغة بفهوم الخصخصة ، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، وقد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الأقتصادي والاداري.
6- ضعف ومحدودية مصادر القوى العاملة المتطورة اللأزمة في العملية الأنتاجية.كذلك ضعف ايضا في البني التحتية ،الذي يعرقل عملية نموء والتطور الأقتصادي.
7- ان اقتصاد الاقليم مهدد من طرف "اسماك القرش"الاجتماعية، وهي تتمثل في اعداد من اصحاب الاغنياء الجدد في عوالم الظل والسوق السوداء. انعدام الشفافية والديمقراطية الاقتصادية.ونقص في المعلومات والاحصائيات والبرامج ، والى المساعي والخطط الرامية لتطبيق وصفات صندوق والبنك الدوليين سيئة الصيت والمؤذية للطبقات والفيئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.
8- تفاقم حجم البطالة بين الشابات والشباب ، وخاصة في الوسط النسائي.اذ هناك اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب من الحكومة الأقليمية، في حين انه يفترض ان لأيزيد عدد موظفي الحكومة حسب مصدر حكومي عن 14% ولكن في كردستان نسبة تفوق الى 30%. وبذلك تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة ، التي تعتبر احد أوجه الفساد الأداري في الأقليم.عادة يتم تعين موظفي الحكومة وخاصة في المراكز القيادية بتزكية من الحزبين الحاكمين.
9- غالبية النشاط الأقتصادي ذي طبيعة الأستهلأكية ، ويرافقه تدني النشاط الأنتاجي الذي يساهم في خلق القيمة الزائدة ،
وتكوين التراكم الراسمالي للأقتصاد المحلي  في المدى المنظور.
10- ان اقتصاد الاقليم هو خارج القانون واحيانا فوقه ، والاقتصاد اصبح يحتاج الى استقرار حقوقي. يقول لينين بان" الاقتصاد تستحيل ادارته بالامر". وهذه المشكلة تزداد تعقيدا اذ كان هذا الاقتصاد مطالبا باستعاب التكنولوجيا الحديثة والاستجابة مع حركة السوق!!!
11- ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بالايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر ، بان حهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين،وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة- الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها.
12- المضي قدما في تعميق سياسة اقتصاد السوق،قد نجم عنها فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء . غياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي ، مما سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا.ضعف اداء الادارة الفيدرالية في توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء وتوفير المشتقات النفطية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي. توسع في سوق المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتاثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم.  اتباع سياسة الأستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتاثيرها  السلبي على زيادة  نسبة التضخم  المالي .
13- ان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق والشركات الاجنبية العاملة في عملية التنقيب تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. ووفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركات المذكورة حصة قد تبلغ الى 40% أربعين بالمئة من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقول في الاقليم .
14- منذ تطبيق النظام الفيدرالي المقرون من البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني ، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رايه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند  اللزوم.
15- ضعف واضح في اداء النظام الضريبي والمؤسسات المالية وعلى راسها البنوك ، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية.

الاستنتاجات والمقترحات:-
تحتاج تحريك اقتصاد الاقليم بما يضمن نسبة اعلى من النمو ، وبما يحقق توافر سلع وخدمات استهلاكية لاسواق جائعة واسعار فاحشة بشدة ونوعيات رديئة لمثل هذه السلع من حاجات الفرد الضرورية، كالماء والكهرباء والوقود والادوية والمنتوجات الزراعية والحيوانية وغيرها.وعليه بالتاكيد من وجود برنامج كامل للتحديث، ومشكلته ان مثل هذا البرنامج يحتاج الى استثمارات كثيفة يمكن تامينها من :-
1- تقليص الانفاق اللاستهلاكي العمومي ، التي تمثل الرواتب والاجور حوالي 70% منها، بسبب البطالة المقنعة ، والانفاق الاخرى بحدود 20%، والمتبقي لللانفاق الاستثماري بحدود 10% من ميزانية الاقليم التي بلغت بحدود 7 مليار دولار في سنة 2007 ، وهي تمثل نسبة 17% من ميزانية العراق التي بلغت في نفس السنة بحدود 41 مليارد دولار، و تنفيذ بعض المشارع من قبل المركز، وكذلك من المساعدات الخارجية. اي هناك اختلال واضح بين الانفاق الاستهلاكي العمومي والانفاق الاستثماري.
2- ان نسبة كبيرة من الاستثمارات التي تجري في اقليم كردستان تتركز على قطاع الابنية والتشيد الغير مبرمج، وتشمل الاكثار من بناء فنادق ذات تصنيف عالي (4-5 نجوم)، وعمارات عالية، وفيلات للمسؤولين الحزبيين والاداريين ، الساحات والحدائق والابنية الحكومية المختلفة ، وجزء قليل في بناء المجمعات السكنية للموطنين، في الوقت الذي توجد ازمة حقيقية للسكن في الاقليم. هنا الاختلال واضح ايضا في نشاط هذا القطاع.من الضروري تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في هذا النشاط ، وتوجيه النشاط الحكومي نحو بناء المقومات الاساسية للبني التحتية ، كطرق للنقل  العام والسريع والجسور، والانفاق وشبكات التلفونات والتلفزيون والانترنيت،بغية ربط الاقضية والنواحي في المدن وتسهيل مهمة  التجارة ونقل البضائع والمسافرين .
3- ان توجه نحو بناء نظام العدالة ومن ثم الرفاء الاجتماعيين لهذا الجيل والاجيال القادمة(من حق التعليم والعلاج والتامين والضمان الاجتماعي) ، هو من اساسيات واوليات وواجبات الدولة في كل العالم، ولا يتم فقط عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق.  ومن هنا تاتي ضرورة تدخل الدولة ونظام القطاع الحكومي العام في تخطيط وبرمجة الاقتصاد في الاقليم ، وايجاد نوع من الحوافز لتنشيط دور القطاع الخاص ليساهم هو ايضا بدوره في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة.
4- فمن الضروري ايلاء ايضا على الاستثمارات التي تكون مؤثرا الى الصناعات الاستهلاكية ، لتوفير السلع اللازمة والضرورية للمواطنين. وهذا يعني تخصيص جزء كبير من الرأسمال المحلي لخلق وتطوير وسائل الانتاج المادية التي تساهم في انتاج السلع والخدمات النهائية لتلبية احتياجات السكان.
5- محاربة ظاهرة الفساد الاداري والاقتصادي ، وذلك عن طريق قيام بحملة توعية شاملة لموظفي الاقليم وعلى كافة مستويات الادارة الفيدرالية ، وحملة مشابهة موجهة الى المواطنين ، مع اصدار القوانين والتشريعات والضوابط الصارمة والرادعة للقضاء على هذه الظاهرة، وتحفيز الوزارات والادارات نحو الاصلاح.
6- ان التحدي الاكبر الذي يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق ، هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته، ولا يتم ذلك الا عن طريق تبني رؤية شفافة واستراتجية واضحة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وطبيعة فلسفة النظام السياسي . وهذا ما يتطلب ايجاد نوع من التوازن في تسير الاقتصادي بين التخطيط ودور الفعال للقطاع الحكومي العام والاقتصاد السوق. اجراء الاصلاحات في القوانين والتشريعات المالية والضريبية. استخدام التكنولوجيا الحديثة في بناء منطق ونماذج(موديل) الاقتصادية الملائمة للبيئة الوطنية، ووفق مستوى تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي، ومن دون نقل اواستنساخ التجارب البعيدة عن هذه البيئة . الانتقال من الاقتصاد الاستهلاكي  كما هو عليه الحال الى الاقتصاد الانتاجي . خلق وتنمية القوة البشرية المؤهلة للمساهمة في عملية الانتاج والانتاجية.مع تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفف حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين وتحقق نوع من العدالة  والرفاءالاجتماعي.
7- ضرورة توسيع المشاركة السياسية للتنظيمات والاحزاب والشخصيات المستقلة ، التي لها دورها على ساحة الاقليم وفي صنع القرارات المصيرية، وتفعيل ممارسات حقوق الانسان وحقوق القوميات والاقليات ، والممارسة الفعلية للديمقراطية ، وحل الاشكاليات عن طريق الحوارات وباسلوب عصري بعيدا عن القوة . مكافحة الارهاب باشكاله المختلفة . وبدون ذلك يصعب تصور اي سيناريو عقلاني لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الاقليم.
8- ان الفرضية التي تنطلق من اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية في الواقع الحي،وتفهم وملاحظة المتغيرات الجديدة والرؤية المستقبلية في تطور الفيدرالية ، هي فرضية تستدعي اعتماد تدريجي في مواجهة المتغيرات الجديدة،ويوفر امكان تحديد الاوليات، وتطبيق برنامج الاصلاحات،على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية وبناء واعادة الاعمار في الاقليم.
9- ان الموارد المالية والامكانيات الفنية والتكنولوجيا المتقدمة والقوى البشرية المؤهلة للادارة الفيدرالية ، لا تقي بالحاجة الحقيقية التمويلية والتنظيمية لمشاريع التنمية المستدامة واعادة الاعمار، وخصوصا ان حجم الخراب والتدمير الذي تعاني منه البني التحتية وهياكل الاقتصادية في الاقليم ، تستلزم مبالغ مالية كبيرة وامكانيات اكثر ما هو عليه الان ، اضافة الى مكافحة البطالة . لذا ارى من الضروري الاستفادة من المعونات الخارجية التي لا تزال شحيحة،والتي تلعب دورا مهما في دعم التنمية المستدامة وتطويرها ، شرط استثمارها باسلوب صحيح في المجالات الحيوية ، ووفق اولويات سليمة ، وكذلك ادارتها من قبل اليات محلية ودولية بصورة فعالة ومتناسقة.
10- يلمس المرء اليوم نوع من تحسن نسبي في مستوى حياة الانسان بالمقارنة الى الفترات السابقة .وخاصة وان هناك مجموعات من الشركات الاجنبية التي تنفذ مشاريع خدمية استهلاكية متعددة، مما ساهمت في زيادة سيولة نقدية في الاقليم ، وسببت في نفس الوقت في ظاهرة التضخم ورفع اسعار السلع والخدمات غيرمراقب، وخاصة الفندقية وايجارات دور السكن وارتفاع اسعار المواد الغذائية والادوية مع رداءة نوعيتها ، مما انعكست هذه الحالة بشكل سلبي، خاصة في مجال توزيع واعادة توزيع الدخل القومي وتاثيرها على الواقع المعاشي للطبقات المتوسطة والفقيرة في الاقليم.
11- ان تفعيل دور الادارة الفيدرالية في الرقابة على بعض الانشطة الاقتصادية الاساسية، يتطلب اليوم التحرك نحو التخطيط المركزي،. والالتجاء الى التصنيع المكثف بالاعتماد على الاقتصاد الصناعي ، لوحده قادر على رفع انتاجية العمل ، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات تلبه الاحتياجات. ومن ثم ايجاد نوع من التوازن  بين الانشطة الحكومية والسوق، وبعد تحقيق تطورات الايجابية في البنية الاقتصادية والاجتماعية.
12- فرض حماية جمركية للصناعات، لمنع منافسة الانتاج المحلي – سبق وطبقت هذه السياسةفي كثير من دول العالم وخاصة المتقدمة منها.
13- فرض الادارة الفيدرالية على الشركات تحقيق متطلبات أهداف تصديرية كشرط للحصول على تراخيص التصنيع، وخاصة اذا كان تمويل تلك الشركات المساهمة في التصنيع وطنيا بالكامل. وذلك بهدف ضمان ارتباط العملات الاجنبية المنفقة ارتباطا مباشرا بالصادرات اللازمة للحصول على عملات اجنبية.وفي حالة عدم تمكن الشركات من تحقيق ارباحا من التصدير، يمكن الاعتماد على الارباح التي تجنيها من السوق المحلية ، بفعل الحماية ضد المنافسة الاجنبية.
14- الرقابة الفعالة على جميع البنوك، بهدف التحكم باستخدام الموارد المالية .اتباع سياسة فرض نسبة فوائد عالية على الاقراض العامة ، وتدني نسبتها على قروض للمشاريع الصناعية والانتاجية.
15- تحكم الادارة الفيدرالية بكيفية استخدام الشركات المحلية للعملات الاجنبية والقروض اللازمة لاستيراد التكنولوجيا، من اجل انشاء صناعات جديدة ، وكذلك للمدخولات المالية اللازمة للمصانع الى حين اكمالها وتصبح جاهزة الانتاج.
16- استثمار موارد ملأئمة في التعليم ، من اجل اعداد قوة عمل الأفضل تعليما وتخصصا، لكي تساهم في رفع انتاج وانتاجية العمل.
وخلاصة القول ، نجد اليوم ان الحالة التي تمر بها الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، يمكن تشبها الى حدما باحدى قصص الروسية ، التي كانت ترويها الناس ايام بيروسترويكا ، وهي : رجل ذهب يسال عن اختصاصي يعالجه، وطلب اختصاص اذن وعين. وقيل له ان هذا الاختصاص غير موجود، فهناك اختصاص انف واذن وحنجرة ، وهناك اختصاص عين ،وكلاهما فرع من الطب مستقل. واصر الرجل على مايريد، وسالوه :"لماذا"؟ وقال:" لان مرضي اني اسمع شيئا وارى شيئا غيره"!!!.
نامل باعادة الثقة بين ابناء الشعب الكردي وقيادته الحاكمة ، من خلال فتح ابواب الحرية الاقتصادية ، الني تواكبها حريات ديمقراطية اوسع .ثم يجي الدور بعدها على الحرية السياسية لا بد ان تتوافر لها سلع وخدمات اكثر!

 



104
مفاجئات في الحملة الانتخابية الامريكية للرئاسة!

د.صباح قدوري

لاول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية يتضمن المرشحين للانتخابات التمهيدية للرئاسة ،احدهما امراة عضوة مجلس الشيوخ ، وكانت السيدة الاولى هيلاري كلينتون ، والاخر رجل من اصل اسود براك اوباما، وذلك عن الحزب الديمقراطي .وبعد المناظرات والمناقشات والتصفيات التي جرت بين المرشحين، لا يزال هؤلاء الاثنين يتنافسان فيما بينهما، حتى يتم تسمية احدهما كمرشح نهائي عن الحزب ، وذلك تمهيدا لخوض المعركة الانتخابية الرئاسية  ضد مرشح حزب الجمهوري جون مكاين، الذي اصبح المرشح الوحيد، بعد فوزه على منافسه مايك هوكابيي.
السؤال يطرح نفسه ، هل ان هذا الحدث هو شئ اعتيادي وطبيعي بالارتباط مع مفهوم ممارسة الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية ، ام هو مفاجئة ولعبة في نفس الوقت ، وتقف وراءها اللوبي اليهودي ، الذي له نفوذ وتاتير كبير على السياسة الامريكية ، وقد يصعب الامرعلى مرشح الديمقراطيين في تحقيق الفوز على مرشح الجمهوريين، وبذلك يضمن للجمهوريين فرصة فوز اكبر في هذه الانتخابات، الذي يحضى بالتايد المطلق من هذا اللوبي. اذ في حالة اخفاقهم هذه المرة في هذه الانتخابات، قد تترك تاثيرها على مستقبل هذا الحزب ويبعده عن السلطة لسنوات عديدة ؟!.
كما هو معروف ان الامريكيين رغم قلة نسبة مساهمتهم في مثل هذه الانتخابات ، قد لا تتجاوز في احسن الاحوال على 50% ، الا انهم على العموم ليسوا متعودين لحد الان لانتخاب امراة او من اصول سوداء لهذا المنصب العالي في الولايات المتحدة الامريكية ، وامام هذه الحالة ، قد يكون لمرشح الجمهوريين حظ اكثر للفوز ، وارجاع السلطة مرة اخرى اليهم واكمال مشاريع وسياسات بوش على الصعيدين الداخلي والخارجي . بعد ان حققت المرشحة هيلاري كلينتون التفوق والفوز في كل من ولايتي تكساس واوهايو ، ارجحت كف ميزانها مرة اخرى  لتقف امام منافسة زميلها براك اوباما ، مما تشكل هذه الحالة  صعوبات امام الحزب الديمقراطي لتسمية مرشحه النهائي ، في الوقت الذي تم تسمية المرشح الجمهوري جون مكاين، الذي ضمن لنفسه وقت كافي للتركيز والتهيئة في غوض المعركة الانتخابية الرئاسية التي تجري في الخريف القادم. ولكن التساؤل يبقى مفتوح ، من من المرشحين يمكن ان ينقذ الوضع الاقتصادي الصعب قد يصل الى طور الانكماش في الولايات المتحدة الامريكية؟. ان افضل البرامج الاقتصادية التي يقدمها اي من مرشحي الحزب الديمقراطي،هذا بالاضافة الى العوامل الاخرى التي تتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية وعلى راسها حرب العراق، سيساهم في ترجيح كف احدهما على الاخر، وسيحسم مسالة تسمية المرشح النهائي للديمقراطيين الذي سيخوض المعركة الانتخابية ضد خصمه من الحزب الجمهوري. ان الجولة القادمة من الانتخابات التمهيدية لمرشحي الحزب الديمقراطي ستكون في ولاية بنسيلفانا في 22 نيسان، والتصويت على المرشحين تستمر الى يوم 7 تموز. تماشيا مع التقليد الحزبي، سيتم تسمية المرشح الاخيرللرئاسة من الحزب الديمقراطي في اب 2008 . من المتوقع ان تصبح هيلاري في نهاية المطاف المرشح النهائي عن الديمقراطيين.وهذه العملية بحد ذاتها هي ايضا مفاجئة اخرى في مرحلة انهاء الترشيحات.ويمكن ان نتفاجئ ايضا اكثرمن ذلك في حالة عدم فوزها بالرئاسة على خصمها من الحزب الجمهوري جون مكاين، الذي يحظي بتايد كبير من حزبه ، ومؤيد لسياسة بوش الخارجية وبالخصوص في مسالة حرب العراق ، ويستمرفي تنفيذ السياسات والبرامج الاستراتيجية المخططة لها في المحافل الدولية ، وخاصة ما يتعلق منها بمسالة الخارطة الجديدة للشرق الاوسط،. وهو من المحاربين القدماء، وله خلفية عسكرية ، وحارب في حرب فيتنام لسنوات طويلة ، وله خبرة في مسائل الحروب واستخدام القوة في حل النزاعات الدولية على غرار زميله بوش الذي يمارس هذه السياسة حتى انتهاء ولايته في هذه السنة. ان مسالة الاقتصادية وكذلك الحرب في العراق تشكلان عاملان مهمان في موضوع الانتخابات الرئاسية القادمة. طرحت هيلاري كلنتون في مدينة اوهايو مسالة تحسين الوضع الاقتصادي للطبقة المتوسطة في امريكا ، مما ساعد ذلك على تحقيق الفوز في هذه الولاية . ان مسالة البطالة هي نقطة أكثر ضعفا في السياسة الاقتصادية الامريكية ، وليست  فقط حالة الفوضى السائدة وعلى كافة الأصعدة في العراق .أن هذه السياسة قد تسببت الى أختفاء اكثر من 2 مليونين مكان للعمل ونقل الى خارج الولايات المتحدة الامريكية، وتركت أثرها سلبا على التقدم والتطور الأقتصادي ، الذي أزدهر ابان عهد كلينتون . ارتفاع اسعار الوقود والمواد الغذائية ، كذلك الركود في سوق العقارات. يحتاج المجتمع الأمريكي اليوم الى تحسين الظروف المعيشية للفئات الفقيرة من السكان ، رفع كفاءة الخدمات والضمانات الصحية والدراسية والمساعدات الأجتماعية. بناء قطاع حكومي كفوء ، بعيدا عن البيروقراطية . أيجاد أستثمارات عن طريق زيادة حصتها من الاعتمادات التي تخصص لها في الميزانية العامة وتوضيفها في هذا القطاع ، لكي ياخذ على عاتقه تامين هذه الخدمات للجمهور، وفي نفس الوقت يخلق بعض فرص عمل جديدة في هذا المجال. أذ ان كل دولأر الذي يستثمر في هذه المجالأت ، لأبد ان يرجع ريعا اجتماعيا في الدورة الأقتصادية بشكل أيجابي وحيوي ، وخاصة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، بدلأ من السياسة الحالية في تسهيل الضريبة لتنتفع منها فقط الفئات الغنية. هناك أمكانيات كبيرة لتنشيط الأقتصاد فيما أذ أستخدمت سياسة عقلأنية وبناءة في الأستثمارات والضرائب وحماية العمالة، والتوجهة الفعلي في حل المشكلأت القائمة وابعادها من مخاطر تحويلها الى الأزمة الفعلية.ومن هذه الأمكانيات ، هي قبل كل شئ على الحكومة القادمة ان تتوجه فعليا نحو المشكلة القائمة ، وأعطاء الأولوية لها في جدول العمل السياسي اليومي . التفهم التام في مسالة كيف تستطيع الحكومة والسوق ان تخلقان الحد الأعلى من فرص عمل جديدة . ان اكثر المبادرين في هذه القضية يجدون ، بان سياسة التدخل الحكومي الحالي ، لأ تنفع لأنقاذ الوضع، ولأتساعد في عملية التنشيط الأقتصادي. ان قوة السوق الداخلي تعمل ألأن باقل ماهو مطلوب فعليا ، هناك نقص في المعلومات للمقارنة ومعدلأت النمو والتحقق الفعلي الملموس في النشاط الأقتصادي. ان السوق يتحرك بشكل فعلي على أساس قانون العرض والطلب ، ويشمل ذلك ايضا سوق العمل ، وبالتالي أصبحت الحالة أمام أمر الواقع ، يجب الأعتراف بها ، وفحواها ان التدخل الحكومي وميكانيزم حالة السوق يجب ان تعملأن بحيث أحدهما تكمل الأخر ، وبهذه الطريقة ممكن عندئذ أيجاد سياسة متوازنة وحكيمة ، والتي تؤثر فعلأ على تنشيط الدورة الأقتصادية.واوضحت جريدة واشنطن بوست ، بان ما يشغل فكر الشباب اليوم في امريكا ، هي الحرب العراقية . وقال الاقتصادي جوزيف ستيجليتز الفائز بجائزة نوبل ان حرب العراق أسهمت في تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وانها تؤخر الانتعاش الاقتصادي.وكتب ستيجليتز وليندا بيلمز في كتابهما "حرب الثلاثة تريليونات دولار" المقرر طرحه في الأسواق في الشهر الجاري، ان الحكومة الأمريكية في نفس الوقت تهون بشدة من تكلفة الحرب. وفي وقت ما كانت الحرب المستمرة منذ حوالي خمس سنوات توصف بأنها تسدد تكلفتها ذاتيا من الناحية الفعلية من خلال زيادة صادرات النفط العراقي لكن الحرب كلفت الخزانة الأمريكية 845 مليار دولار بصورة مباشرة.
وقال ستيجليتز في مقابلة "ساد الاعتقاد بأن الحروب جيدة للاقتصاد. لم يعد الاقتصاديون يعتقدون بذلك فعليا."
ويجادل ستيجليتز وبيلمز بأن التكاليف الحقيقية تبلغ ثلاثة تريليونات دولار على الاقل بموجب ما يقولان انه تقدير متحفظ جدا وانها يمكن ان تتجاوز تكلفة الحرب العالمية الثانية التي قالا انها تبلغ خمسة تريليونات دولار بعد تعديلها على أساس التضخم. هذا ما جاء في نيويورك(رويترز)2اذار/مارس2008. فان استقرار الوضع في العراق والافغانستان، قد يساعد في توظيف المبالغ التي تنفق في الحرب ، في بناء مزيد من البنية التحتية والمدارس، وايجاد وسائل تمويلية اللازمة لوضع خطة اقتصادية متقدمة في البلد. المرشحان يتعهدان باستخدام النظام الضريبي في خدمة تحقيق مزيد من الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وليس في تغطية نفقات الحرب، واجراء اصلاحات في نظام الضمان الصحي ، وتفعيل دور القطاع العام في هذا المجال. وترى هيلاري كلينتون بهذا الخصوص، بانه من الضروري تشريع قانون نظام الضمان الصحي، ويجب ان يشمل به كل الشعب، اما  براك اوباما يرى من الضروري ان يشمل هذا النظام  كل اطفال امريكا.
اما بخصوص الحرب ، فان هناك اختلاف واضح بين مرشحي الحزب الديمقراطي. ان براك اوباما منذ البداية كان ضد الحرب العراقية الاخيرة . والان يطالب بالانسحاب الكامل من العراق وانهاء الاحتلال، بينما هيلاري كلينتون منذ البداية كانت مع هذه الحرب ووافقت عليها في حينها بصفتها عضوة مجلس الشيوخ،ومنذ فترة حدث بعض التراجعات في موقفها تجاه هذه الحرب . تنادي الان بالانسحاب من العراق وبشكل تدريجي وخلال 16 اشهر ، مع بقاء جزء خاص من القوات في العراق الى اجل غير مسمى. ان الامريكيين لهم أجندتم المعينة في السياسة الخارجية، واليوم اصبحت سياستهم الاستراتيجية اكثر تبلورا ووضوحا للعيان في العالم ومنطقة الشرق الاوسط ، وهي ليست انية ،بل لها بعدها، ولابد من تحقيقها في سيرورتها . بغض النظر عن من سيفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة التي تتوقع فيها مفاجئات كثيرة، جمهوريين كانوا ام ديمقراطيين، فان السياسة الامريكية وخاصة الخارجية منه تبقى ثابتة،ولا تواجه تغيرات كبيرة فيها.

105
انشاء سوق الاوراق المالية( البورصة) في اقليم كردستان العراق

د.صباح قدوري

في الاونة الاخيرة وردت بعض الانباء من اقليم كردستان العراق ، بان هناك توجه لدي الادارة الفيدرالية في انشاء مؤسسة الاوراق المالية/البورصة/ في الاقليم ، ومن دون ذكر تفاصيل اسباب ومبرارات وتداعيات ضرورة انشاء هذه المؤسسة المالية ، وماهي اهدافها ومهامها ووظائفها في المرحلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الاقليم في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور. ان التفكير بالمستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاقليم يجب ان يبني على الاسس العلمية ووفق الامكانيات المادية والفنية، من البنية التحتية،والقوى البشرية ،والمصانع والمؤسسات الانتاجية والمالية التي تمتلكها الادارة الفيدرالية في الاقليم، وبوجود سياسة اقتصادية تؤمن بالتنمية الاقتصادية المستدامة،والتي تلبي الحاجات الاساسية ورغبات الافراد والمجموعات الاجتماعية في الاقليم ، وكونها عملية تحتاج الى ان تكون متعددة الجوانب، وتصنيف اقامة وتنفيذ المشاريع على اساس اولياتها، ووفق خطة متوسطة وطويلة الامد لتحديد المجالات الحيوية والضرورية وكيفية النهوض بها، وتوفير الاجواء والاليات من خلال اصلاحات الاقتصادية والتشريعية ، التي تترك اثرها الكبير في محاربة الفساد الاداري والمالي ،وينقل اقتصاد الاقليم من الاقتصاد الاستهلاكي الى الاقتصاد الانتاجي ، ومن خلال فسح المجال للقطاع غير الرسمي المحلي والاجنبي، بان يلعب دوره الحقيقي  في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والتعامل مع متطلبات الصناعة ، بحيث تكون قادرة على رفع الانتاج والانتاجية وتحسين مستويات المعيشة ، وتوفير السلع والخدمات  وتخفيف من حدة ظاهرة البطالة المتزايدة ، مع تقدير دور مجتمع الاعمال ومنظماته في عملية المشاركة في صنع القرارات الاستراتجية التي تؤثر وتعجل في النمو الاقتصادي، وتقلل الفوارق الطبقية وتخفف حدة الفقر، وتقضي على البطالة ، وترفع المستوى المعيشى للمواطنين وتحقق نوع من العدالة الاجتماعية. بسبب غياب الرؤية الاستراتجية في عملية تطوير نشاطات قطاعات الاعمال المختلفة والتداخل في متطلباتها، من الصناعة، الزراعة ، البني الارتكازية ، الاسكان والمباتي ، التامين ، تكنولوجيا المعلوماتية ، النقل والمواصلات الخاصة ، السياحة والفنادق ، التجاري الخاص ، الصحة والتعليم الخاص ،  لا تزال تعاني هذه القطاعات من مشاكل مختلفة لم يتم تصنيفها حسب اولويتها ، وتشخص الجهة ذات العلاقة بالمشاكل المطروحة وكيفية حلها، هذا بالاضافة الى ضعف واضح في اداء النظام الضريبي والمؤسسات المالية وعلى راسها البنوك ، وعدم استقرار قيمة العملة المحلية. ان الامن النسبي والمناخ الاستثماري الجديد التي يتمتع بها الاقليم، اضافة الى  بعض الاصلاحات واصدار قانون الاستثمار، لاشك بانه حافزا كبيرا في تحديد هوية النظام  والهدف الرئيسي للنشاط الاقتصادي بوضوح. ان بناء نهضة اقتصادية في الاقليم تحتاج قبل كل شيء الى تكوين بنى ارتكازية مناسبة اضافة الى بناء وحدات انتاجية عصرية كالمزارع والمصانع ومنشأت الانتاج كي يكون بامكانها تأمين السلع والخدمات الضرورية، وهذا يعني تخصيص جزء كبير من الرأسمال المحلي لخلق وتطوير وسائل الانتاج المادية التي تساهم في انتاج السلع والخدمات النهائية لتلبية احتياجات السكان. والسؤال يطرح نفسه لاي اقتصاد تنوي الادارة الفيدرالية في انشاء سوق الاوراق المالية في الوقت الراهن في الاقليم؟!. لا يوجد في اقليم كردستان في الوقت الحاضر قطاع صناعي بالمعنى الدقيق للكلمة ، اذ ان الصناعات الموجودة للقطاعين الرسمي والخاص لا تتعدد اصابع اليدين، وهي صناعات صغيرة. تعاني من تخلف كبير سواء كان من ناحية الموارد البشرية، او من ناحية التكنولوجيا واساليب الانتاج وحجمها وتمويلها، او من ناحية التشريعات القانونية والاجراءات التنظيمية الموجودة في اقليم كردستان ، وان اغلب المشاريع الصناعية لا تخدم في تاهيل وتطوير البني الارتكازية الضرورية في المرحلة الاقتصادية الحالية . ولا تحقق مستويات دخل مرتفعة ناجمة عن الانتاج والصادرات، بحيث يساهم في دفع عجلة التنمية والتقدم الى الامام وهو المدخل المناسب لاستيعاب التقنيات الحديثة التي تساهم في تحديث وتنمية كل القطاعات الاقتصادية الاخرى وتكاملها، بسبب عدم قدرة المنتوجات المحلية على منافسة المنتوجات المستوردة.اما في مجال القطاع الزراعي، هناك مجموعة من المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع منها: قلة المشاريع الزراعية والمعامل التي تعتمد على الانتاج الزراعي المحلي، وصعوبة اقامة المشاريع الزراعية من قبل القطاع الخاص ووجود صعوبات امام الاستثمار الخاص في هذا القطاع . عدم استخدام المكننة والتكنولوجيا الحديثة في الانتاج. ضعف الخدمات التسويقية والسيطرة على المنتوجات المحلية ، وحمايتها من  التهريب الى الخارج. اشكاليات الاراضي الصالحة للزراعة وتزويد المزارعين بالاسمدة والبذور المحسنة وتسليف المزارعين وحماية الاراض المغطاة بالغابات، ومشاكل المياه والسدود وكل ما يتعلق بالري والسقي. كذلك تعاني الثروة الحيوانية ايضا من نفس هذه المشكلات ، هذا بالاضافة الى نقص حاد في الموارد البشرية ، التي تعيق تقدم وتطور هذا القطاع.عليه يجب تفعيل القطاع الزراعي،الذي مساهمته ضئيلة جدا في تركيبة الناتج الأجمالي، من خلأل تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة، واشراك القطاع الخاص والتعاوني فيها. يشهد اقليم كردستان نموا في قطاع المباني والاسكان من خلال دخول عدد من شركات المقاولات والاسكان المحلية والاجنبية في هذا المجال ، مستفيدين من الاستقرار الامني وبعض التسهيلات المقدمة لها من الادارة الفيدرالية، وخاصة في الجانب المالي ، الا انه لا يزال يعاني من بعض المشاكل ، كمثيله من القطاعين الصناعي والزراعي منها : التوزيع العشوائي للاراضي السكنية على المواطنين وللمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص. عدم وجود تخطيط سليم للمدن يعتمد على مسوحات طبوغرافية جديدة. غياب الاحصائيات السكانية من حيث معدلات النمو السكاني ، ودخل الفرد والعائلة ، والهجرة السكانية الى الاقليم. ضعف القوانين الحالية في تصنيف الاراضي بين السكنية والزراعية وتحقيق نوع من التوازن بينها وغيرها .
الاهمال الملحوظ في بناء البني الارتكازية، وادخال تكنولوجيا حديثة في هذا المجال، لذا ارى من الضروري، الاهتمام بتاهيل واعادة بناء البنية التحتية في مجال ،الاتصالأت الهاتفية والتلفونات المتطورة ،الانترنيت والفضائيات ،انظمة امن العمل، والوسائل المعلوماتية والتكنولوجيا الأخرى،النقل والمواصلأت، وبناء المصافي وتامين الطاقة الكهربائية والماء والوقود والمشاريع المائية الاروائية ، والتي هي من اوليات بناء الأقتصاد الصناعي والزراعي المتقدم، توسيع وبناء شبكات الطرق السريعة، وكذلك الجسور وربط الأقضية والأرياف بالمدن ، بهدف تامين نقل السلع والخدمات ونقل المسافرين، وبناء المدارس والمستشفيات وتامين الادوية والمعدات الطبية. وانشاء مراكزالدراسات ومعاهد تاهيل، وتامين البيانات الاحصائية في كل القطاعات الانتاجية، والتي هي ضرورية ولازمة في عملية التخطيط وتقيم الاداء،وتاهيل القوى البشرية وغيرها.وبهذه المناسبة ارى من الضروري استحداث وزارة جديدة باسم وزارة البنية الارتكازية، التي تاخذ على عاتقها هذه المهمات ،ولما لها من الاهمية لاستراتجية التنمية وبناء اقتصاد متين ومتطور حاليا وفي المستقبل المنظور في الاقليم. ان عدد وحجم الشركات التجارية للقطاع الخاص المحلي والاجنبي ليس في مستوى الطموح، ومساهمتها في النشاط الاقتصادي لا يزال ضعيف، وهي بحاجة الى ادخال التنظيم والادارة الحديثة في هيكلتها واداءها. اجراء اصلاحات قانونية وتشريعية في مجال التجارة الداخلية والخارجية.وقف التدفق العشوائي للسلع والبضائع الأجنبية، والكف عن انتهاج سياسة الأستيراد المفتوح للسلع والايدي العاملة المعمول بها حاليا، وذلك بهدف توفير الحماية من الأنتاج المحلي،التي تتوافر مثيلأتها من الصناعة الوطنية. وخاصة في المجال الزراعي، واستخدام العمالة المحلية بعد تاهيلها. توفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، من خلأل تشديد الرقابة الفعلية على السوق .اصدار قانون بانشاء قسم حماية المستهلك في وزارة الأقتصاد ، يكون مهمته، حماية المستهلك عن طريق مراقبة اسواق بضائع المستهلك ، منع حدوث الأحتكار ، واستقبال شكاوي المستهلكين ، مراقبة دقيقة للأرتفاع في الأسعار ، بغيته احتواء التضخم وحماية المستهلك من الأستغلأل، ومحارية المافية المحلية ، مما يسمى بتجار السوق السوداء والمدعومين من الأحزاب الحاكمة ، والمهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية وتهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى الخارج .
بعد هذا العرض المكثف( من دون الدخول في التفاصيل،حيث سبق وان كتبنا مرارا) على الحالة الاقتصادية الحالية للادارة الفيدرالية في الاقليم ، ارى انه من السهولة الجواب على السؤال المطروح اعلاه، وهو لا يوجد اليوم مفهوم التنمية الاقتصادية المستدامة بالمعنى العلمي والمتعارف عليه في علم الاقتصاد، لا في الاقتصاد اقليم كردستان ولا في الاقتصاد العراقي الحالى ولا على المدى القريب ، ويعاني الاقتصاد العراقي بما فيه اقليم كردستان العراق من الامراض المزمنة طيلة عقود طويلة ولحد اليوم.وان عملية اعادة الاعماروارجاع الاقتصاد عافيته لا يزال في بداية الطريق ويزحف كالسلحفاة ، ما لم يتم ترتيب ومعالجة الاوضاع السياسية والامنية في البلاد، بعيدا عن المحاصصة والمذهبية والشوفينية والضيق الحزبي والمصالح الذانية والفئوية مع تفاقم الفساد الاداري والمالى بشكل لا مثيلة له في تاريخ العراق ، اذن بماذا يتم التعامل في هذا السوق للاوراق المالية-البورصة- ؟!، ام هي بورصة لللذين اصبحوا اغنياء في الاقليم بقدرة القادر، ويمتلكون اموال كثيرة، ولا يعرفون ماذا يفعلون بها ، ووجدوا في فكرة انشاء هذه البورصة مكانا امينا في شراء وبيع الاسهم، من خلال استثمار اموالهم الفائضة في اسهم الشركات التي في طريق تاسيسها في الاقليم وخارجه؟!.  لاتوجود لدينا شركات كبيرة وفعالة لا في الصناعة، ولا في الزراعة، ولا في البنية التحتية، ولا في التكنولوجيا الحديثة، ولا عملة مستقرة، ولا نظام ضريبي ومؤسسات المالية وبالاخص البنوك، ولا القوانين والتشريعات والانظيمة الادارية، وحتى صادرات نفط  العراق لا يتجاوز حدوده2 مليونين برميل يوميا في احسن الظرف ، وهي نفس الحالة في كل القطاعات الانتاجية الرسمية وغير الرسمية. اذن كيف يمكن التداول او تسهيل عمليات شراء وبيع الاسهم لهذه الشركات الضعيفة التي ليست لها نشاط اقتصادي حيوي في مثل هذا السوق للاوراق المالية. ويمكن ان يتصور المرء بان يكون هذا السوق بمثابة سوق هرج يجري فيه مزايدات  الطيور والحيوانات  وعلوى الخضر، اواموال بيوت مهجومة، ومثل هذه الاماكن موجودة بكثرة في العراق اليوم، وتسمى اليوم وفق المصطلح العراقي الجديد  ب"سوق الاوراق المالية/ البورصة/.!!!. عيش وشوف الثورة التكنولجية الجديدة في العراق الجديد!!!. ان انشاء مثل هذه المؤسسة في الوقت الحاضر سابق لاوانه.على الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق ان تنصرف في معالجة الفوضى الموجودة في الحالة الاقتصادية التي يعاني منها الاقليم ، والتفكير بشكل عقلاني في ادارة الاقليم سياسيا ،اقتصاديا واجتماعيا ، وعدم التفكير بمثل هذه المشاريع التي مازلنا بعيدين عنها،وعدم القفز على المراحل والقوانين الاقتصادية،اواستنساخ تجارب بعض الدول التي تتميز سياستها واقتصادها بشئ من الاستقرار، ولديها التراكم الكمي في هذه المجالات، وهي تحصد ثمارها النوعي ،نحو غد مشرق لجيلها والاجيال القادمة .

106
متى يتم القضاءعلى وباء الفساد الاداري والمالي في العراق؟
د. صباح قدوري

ان المحاولات الجارية لتحسين الوضع الامني في العراق وتحقيق بعض التقدم في هذا المجال ، لايمكن ان يدوم ويستمر الى حالة احسن ، مالم يقترن ذلك بالاصلاحات الفورية والجذرية للقضايا المهمة والملتهبة التي تهم عامة الشعب العراقي على الاصعدة السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية ، وعلى راس هذه القضايا الملتهبة ، هي تفاقم ظاهرة الفساد الاداري والمالي في عموم العراق ،بضمنه اقليم كردستان وعلى جميع المستويات الادارية ، بحيث اصبح العراق اليوم يحتل المرتبة الاولى في تعميق سياسة هذه الظاهرة واصبحت كوباء من الصعب القضاء عليه وايجاد حلول سريعة لها. توازي خطورتها خطورة تصعيد الارهاب وقتل العراقيين بالمئات يوميا،ومن دون وجود امل كبير في وقف هذا النزيف في الامد القريب. تفيد المعلومات الواردة من هيئة النزاهة العراقية ، بان مجموع قيمة الفساد المالي في العراق بلغت بحدود8- 10 مليارات  دولار، مشاركة فيه عدد كبير من الوزارات منها التجارة ، النفط  والصحة الداخلية ، الدفاع، والتعليم العالي ، والوزارات الثلاثة الاخيرة ، هي اكثر فسادا، ومن مستويات الادارية الحكومية وغير الحكومية المختلفة. لقد توطن الفساد في العراق واصبحت له بيئة ترعاه وتساعد على استشراءه وإستفحاله، وأصبحت الدولة والمجتمع معا تشرعان للفساد.منح قانون رقم (57) الدوائر الثلاث (النزاهة والرقابة المالية والمفتش العام) الصلاحيات في تدقيق وتفتيش وتحقيق كل اوراق الوزارة، خاصة التي عليها شبهة فساد او مجانبة للقانون، من حيث النتيجة تصب في عمل واحد وهو مكافحة الفساد في العراق. اسست هيئة النزاهة في الشهر الثالث من عام (2004) وبدأ عملها منذ ذلك الوقت وتعمل وفق قانون (55) لسنة (2004)،الذي لا يزال مطروح على الحكومة ومجلس النواب باقراره وتشريعه ، ولم يتم ذلك لحد الان، ولها صلاحيات تستند الى مبدأ سيادة القانون ولا احد فوق القانون. ولديها (36) لجنة تحقيقية وكل لجنة تتألف من (3) محققين ويوجد في الهيئة (75) محققا متخصصين بحسب القضايا. وتنتشر هذه اللجان في الوزارات وطبقا للاخبار الواردة تقوم بجمع الادلة وحين تكتمل الادلة تنقلها الى التحقيق بين رئيسها وبين المحقق وقاضي التحقيق الذي هو تابع الى مجلس القضاء وحين يقرر قاضي التحقيق استقدام مسؤول او القاء القبض عليه هنا تثار ضجة كبيرة على النزاهة.
بعد هروب رئيس هيئة النزاهة القاضي راضي الراضي الى خارج العراق ، قد اثارة فضائح كبيرة تثبت تورط الكثير من المسوؤلين والجهات الحكومية في عمليات فساد كبرى، وعلى اثر ذلك تم احالته على التقاعد من قبل رئيس الوزراء، وإسناد رئاستها بالوكالة للسيد موسى فرج النائب السابق لرئيس، وبذلك اصبح عمل الهيئة مشلولا وان قضايا كبيرة وعديدة من الفساد المالي التي تخص اكثر من 17 وزيرا وغيرهم اصبحت مجمدة، وليست لهذه الهيئة اية نشاط يذكر لها في مجال الفساد المالي والاداري في الوقت الحاضر. هناك شعارا في مجلس الوزراء والبرلمان ومجلس القضاء ودوائر الدولة بمكافحة الفساد ولكن في الواقع لا يمارس بشكل عملي، وهذا يعرقل عمل هيئة النزاهة بالاضافة الىمعوقات المادة (136) التي تقول »عند احالة الموظف قبل المحكمة الى الجنايات او الجنح فعليها ان تأخذ رأي الوزير«. لذا من الضروري تفعيل دور هيئة النزاهة، من خلال اجراء الاصلاحات اللازمة في هيكلتها الادارية والفنية ،وتعهد برئاسة هذه الهيئة إلى الرجل المناسب، الذي يتميز بالاخلاص والوطنية الصادقة والنزاهة الحقيقية، ويتوفر فية المؤهلات المهنية المطلوبة لتشغيل هذا المركز المهم والحساس  ،ويمنح صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارت، وان تكون حقا هيئة مستقلة، بعيدا عن المحاصصة والصفقات الحزبية ، التي سادت في كل شي، وتكون مرهونة فقط بالقانون،الذي يجب ان يكون دائما فوق الجميع.  توثق تقارير هيئة النزاهة العراقية بوجود سرقات النفط واستباحة ابارنا النفطية في الجنوب ولصالح ايران والكويت من دول الجوار. يستخرج نفط العراق من حقل مجنون، وعملية سحب النفط من جهة واحدة فقط تحت مبرر الملكية المشتركة!. استيلاء ايران على 15 بئراً نفطية في منطقة الطيب الحدودية, وان هناك تقارير موثقة عن عمليات الحفر المائل وصولاً الى الابار العراقية ثم سحب النفط من هذه الابار وطرد الكوادر الهندسية العراقية والعاملين فيها ، وهناك حالات مماثلة مع جارنا الكويت على الحدود المرسومة بيننا ودولة الكويت بعد حرب الخليج الثانية!.عدم جدولة انتاج النفط العراقي خلال السنوات الاربع الماضية، والذي يتراوح بين 100 ـ 300 الف برميل يومياً وبما يساوي 5ـ15 مليون دولار يومياً ، محسوبا سعر البرميل بالمعدل 50 دولاراً. تدفق مبيعات نفط العراقي بدون رقيب او اية حسابات،او حتى وجود عدادات حقيقية لقياس كمية النفط المستخرج من الابار والموجود في الانابيب الناقلة وأحتساب قيمتها. كذلك رفض وزارة النفط العراقية تطبيق نظام المراقبة الالكترونية عبر الاقمار الصناعية على توزيع المشتقات النفطية لان ذلك يكشف المستور من اعمال السرقات التي تجري لصالح الدولة الجارة. وجود (صهاريج عائمة) يجري تهريب النفط العراقي بها وكذلك ثقب الانابيب وسحب النفط الى برك ثم يسحب من هذه البرك الى الصهاريج العائمة ثم الى البواخر المرابطة عند مرافئ غير شرعية في شط العرب، وحزب الفضيلة هو المتهم الاول بالفساد مع المليشيات الاخرى في البصرة، وخصوصا في مجال النفط.هذا ما تقوله التقارير الرسمية المرفوعة من هيئة النزاهة. في خصوص سرقات النفط ، اود ان ابين بان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق والشركات الاجنبية العاملة في عملية التنقيب تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. ووفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركات المذكورة حصة قد تبلغ الى 40% أربعين بالمئة من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقول في الاقليم . ومع شديد الأسف لأتزال تمارس ايضا ظاهرة الفساد الاداري والمالي في ادارة اقليم كردستان العراق وعلى كافة المستويات الأدارية ، مما ادت الى ظهور مجموعة من تجار سوق السوداء المهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية ، وعمليات بيع وشراء العملأت الأجنبية بعيدة عن كل اجراءات القانونية والرقابة المالية . تهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى المناطق المجاورة ، أحالة المشاريع الأستثمارية الحكومية والخاصة اليهم،وهم مدعومين من بعض العناصر المسؤولة في الأحزاب الحاكمة، مقابل تقاضى الرشاوي منهم .افتعال ظاهرة المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتاثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم. محاولأت لأغراء المواطنين بالمسائل المادية والمالية ، على سبيل المثال توزيع الأراضي عليهم مجانا،او احالة المقاولأت اليهم مباشرة من دون الدخول في العطاءات والمنافسة مقابل العمولات، او في التعينات وخاصة في المناصب القيادية في مؤسسات ودوائر الاقليم ، وذلك لكسب تايدهم وولأءهم للأحزاب الحاكمة ، التي لأتزال تصارع من اجل السلطة والنفوذ في الأقليم . هناك انباء تحدثت عن مبلغ 30 او 40 مليون دولار صرف في موسم الحج واثيرت حوله الشبهات، ولم يتم فتح تحقيق كامل به  بسبب ان المشكلة تنحصر بين السعودية ولجنة الحج وبين وزارة المالية والجهات التي تتفق معها كالخطوط الجوية فهذه الجهات الاربع عليها ان تعطي او تزود الجهات المسؤولة بالتدقيق بالمعلومات حتى يتم البث بالامر!. هناك تزوير في الشهادات في معظم الوزارات على سبيل المثال لا الحصر، وكيل وزارة الاتصالات حكم عليه بالتزوير وحكم عليه بسبعة سنين.تم احالةبعض المسؤولين، ولكن عدم موافقة الوزراء لاحالتهم مما ادى الى اعاقة محاكمتهم،وكذلك ان المادة (136) تعرق ايضا عمل هيئة النزاهة، ورئاسة الوزارة شكلت لجنة لدراسة هذه القضايا بخصوص عدم موافقة الوزراء على احالة المتهمين وفق المادة نفسها. هناك تبذير كبير في مجال الأنفاق العمومية في رواتب المسؤولين للاجهزة الحكومية على مستوى الوزارات واعضاء البرلمان العراقي ونفقات حمايتهم واسكانهم وتجوالهم ، كذلك نفقات السلك الدبلوماسي في الخارج ، دعم الأحزاب المشاركة في الحكومة وميلشياتها باموال ضخمة،تفاقم مشكلة سياسة الدعم والمديونية الخارجية ، مع اتساع وتفاقم ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي على كافة المستويات الأدارية وغياب الضمانات الكفيلة بحماية الثروة الوطنية والمال العام.ان الامثلة كثيرة على ظواهر الفساد الاداري والمالى في العراق اليوم ، الا انه حاولت التركيز والقاء الضوء في هذا المقال المتواضع على تلك الظواهر التي تخص القطاع االنفطي والتبذير الكبير في الانفاق الحكومي ونهب الثروة الوطنية والمال العام. حيث بلغ حجم الفساد الاداري والمالي في هذه المجالات الى درجة من الخطورة قد يهدد الاقتصاد الوطني ، ويترك اثاره التخريبي عليه وعلى الشعب والمجتمع العراقي الحالي والمستقبلي .
على ضوء ماتقدم ان مشكلة محاربة الفساد الاداري والمالي ، تعتبر مسالة وطنية ، تقعع على عاتق كل عراقي شريف الذي يعتز بمواطنته العراقية ويساهم باخلاص من اجل بناء العراق الجديد ، ان يساهم كل حسب موقعه وامكانياته من اجل وضع حد لهذا الوباء وجمع الجهود وتوفير الاليات الممكنة للقضاء عليه الى الابد. ومن هذه الاليات على سبيل المثال لا الحصر، هي:-
1- الاسراع في تفعيل هيئة النزاهة ، وتعين رئيس جديد لها باسرع وقت ممكن ، مع تطوير امكانيات ديوان الرقابة المالية و المفتش العام في الوزارات بعد اجراء الاصلاحات الهيكلية والفنية وعلى كوادرها القيادية من المحسوبين على الجهات السياسية المتنفذة في الحكومة العراقية الحالية، حتى تبقى هذه الدوائر مستقلة وحيادية، وهي تملك امكانات كبيرة من المدققين والخبراء يدققون اموال الدولة العراقية السنوية ويبينون رأيهم في صحة عقود الدولة ومقاولاتها ومناقصاتها من عدمها والعمل المشترك مع هيئة النزاهة.
2- وضع الية سريعة وحاسمة لوقف الفساد الأداري والأقتصادي ، والتلأعب بثروات البلأد ، في الوزارات وعلى مستويات اخرى من اجهزة الدولة .
3- اعتماد معايرونظم لتوظيف المستخدمين،تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والإنصاف والأهلية، واتخاذ إجراءات مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة،وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء.
4- طلب من اعضاء البرلمان والوزارات ، تقديم تصريحات مكتوبة ومفصلة عن حالأتهم المالية والأقتصادية ، من الودائع في البنوك المحلية والأجنبية ، قيمة الأسهم ، التي يمتلكونها والمستثمرة في الشركات المحلية والأجنبية ، الأبنية والعقارات والمصالح الأقتصادية مع الغير وخاصة الزوجة، اقرباء او اعضاء من العائلة . محاسبتهم بشدة في حالة ادلأء بالمعلومات غير الصحيحة ، او ممارستهم اي شكل من اشكال الفساد الأداري والأقتصادي  ، وحرمانهم من اهلية العضوية في البرامان او تنحية  الوزراء والمسؤولين الكبار من مناصبهم ، مع انزال العقويات المادية والقانونية والمعنوية بحقهم .
5- تامين رقابة شعبية فعالة وفق قواعد سليمة ، لمراقبة ومحاسبة موظفي الدولة على المستويات الأدارية المختلفة ، وكذلك على نشاطات المؤسسات والشركات المحلية والأجنبية .
6- الرقابة الفعالة على بعض الشركات ، التي تبرم معها صفقات تجارة الأسلحة ، اذ هناك بحوث تاكد ، على ارتفاع نسبة ظاهرة الفساد الأقتصادي فيها، اكثر من الشركات التجارية الأخرى .
7- نشرالوعي الفكري والأقتصادي والأجتماعي للمواطنين ، بغية رفع المستوى الحضاري للمجتمع ، الذي يساهم بلأشك في تقليل والحد من ظاهرة الفساد الأقتصادي في المستقبل المنظور. واوضحت رئيسة منظمة الشفافية العالمية هيوجيت لابيل إن هناك علاقة قوية بين الفساد والفقر "الملايين يقعون في مصيدة الفقر بنتيجة الفساد".
8- حدد التاسع من كانون الأول/ديسمبر من كل عام ، يوما عالميا للكفاح ضد الفساد ، عليه يجب توظيف هذا اليوم مع الرقابة الشعبية المستمرة من قبل المواطنين على اجهزة الدولة ، لتكثيف الحملة الوطنية الواسعة ضد الفساد في العراق .
9- تامين دخل ثابت ومتوازن لكافة ابناء الشعب ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، ايجاد نظام الضمان الأجتماعي ،الصحي والدراسي للجميع ، حتى يشعر الأنسان العراقي بالأمان ، ويبتعد عن الغش والسرقة والفساد والأجرام .
10- مكافحة هذه الظاهرة ، من خلأل وضع قوانين صارمة بحق المخالفين والمتلأعبين والمهربين للأموال العامة ، واعتبارها جريمة يعاقب عليه بالحبس والغرامات المالية ، والحرمان من بعض الحقوق المدنية والأقتصادية .

إن ضعف السلطة المركزية ووجود سلطة وقوات الاحتلال لا يجعل من السهل التصرف بصورة مستقلة بالقرار الاقتصادي وبالموارد المالية بما يتجاوب مع مصالح الاقتصاد العراقي. وهي إشكالية سيبقى يعاني منها ما دام الإرهاب مستمراً وما دامت قوات الاحتلال موجودة في البلاد وتعمل بالطريقة السيئة الراهنة, وما دام القرار الاقتصادي في أيدي غيرعراقية أو أيدي منسجمة مع سلطة الاحتلال، التي تشجع على مزيد من الفساد اللاداري والمالي، وفي كل ما تريده وتسعى إليه في العراق.إن تغيير الحالة الراهنة أمر ممكن إذا ما التقت إرادة القوى اليسارية الديمقراطية والمدنية والجماعات المتفتحة والمتنورة من المسلمين ومن أتباع بقية الديانات المتعايشة في العراق والمنحدرة من قوميات عديدة. باتجاه  بناء دولة القانون والحياة الدستورية والديمقراطية ، وتامين فصل الفعلي بي السلطات الثلاث ، وحماية السلطة الرابعة ( الاعلام) لتمارس وظيفتها بكل شفافية وصدق، تنصب في بناء مجتمع عصري تنويري،يتحقق فيه كافة حقوق المواطنة،وصيانة السيادة الوطنية.

107
على هامش جولة بوش الاخيرة في الشرق الأوسط


د.صباح قدوري

لا يخفى على احد، بان الولايات المتحدة الامريكية ومنذ السبعينيات من القرن الماضي لها سياسات استراتيجية متعددة تخص بعض بلدان العالم ، ومنها بالطبع منطقة الشرق الاوسط . وان زيارة بوش الاخيرة للمنطقة والتي قضى فيها اسبوعا كاملا قد حمل معه بعض هذه السياسات ، التي تعبر عن ضرورات معينة في الاستراتيجية الامريكية في المنطقة . انها تمحورت حول اسس معينة ولاغراض استراتيجية تنصب في مسالة مشروع الشرق الاوسط الكبير اوالجديد ، ذات الاهمية حاليا  ولمستقبل السياسة الامريكية والاوربية في المنطقة. بدأت هذه الاستراتيجية تتبلور وتتجلى وتظهر اكثر فاكثر للعيان في الثمانينات من القرن السابق ، وخاصة بعد الحرب العراقية الايرانية. كما وساهمت وبشكل فعال في نهاية الثمانينات الى القضاء على النظام السابق في الاتحاد السوفيتي وملحقاتها من البلدان التي كانت تابعة للسياسة السوفيتية أنذاك ، بعد محاربتها بضرب الحصار السياسي والاقتصادي عليها لعقود طويلة. ظهرت قوة هذه السياسة الاستراتيجية اكثر نتيجة انزلاق الطاغية صدام حسين ونظامه  الديكتاتوري المقبور ، وبايعاز من امريكا لغزو الكويت 1990 ، مما خلق اجواء وارضية ملائمة للتواجد الامريكي بالمنطقة، وتليها احداث 11 سيتمبر/ايلول2001، واتخاذ من هذه المسائل ذريعة لمحارية الارهاب الدولي وابعاد شبحه عن الشعب الامريكي وتدويله في منطقة الشرق الاوسط ،واختيار العراق مركزا لمحاربة هذا الارهاب عالميا ، وبذلك شنت الولايات المتحدة الامريكية وبالتعاون مع المملكة المتحدة وحلفاءهما حربا على كل من أفغانستان ومن ثم العراق واحتلاله في التاسع من نيسان 2003 .
بعد انهيار المنظومة الأشتراكية في نهايـة الثمانينات من القرن الماضي ،ومنذ حرب الخليج الثانية، دخل العالم في مرحلة جديدة من الصراع والعنف. اذ اعلنت الولأيات المتحدة الأمريكية ، بانها تقود العالم ولو من الناحية (النظرية ) ، نحو مايسمى بالنظام العالمي الجديد، مبنيا على اسس ما يسمى، حماية مبأدئ حقوق الأنسان ، بناء مؤسسات المجتمع المدني ،وتطوير مفهوم الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي في الحياة اليومية ، مع المضي قدما نحو العولمة الأقتصادية ، وفرض سياسة اقتصاد السوق- الحر بدون قيد وشرط، تمهيدا للألتحاق بدعاة الفكرالنيوليبرالي ، وتطبيقه في كافة مجالأت الحياة . ومن اجل ترجمة هذه الأيدولوجية، ووضعها قيد التنفيذ ومن ثم التحقيق ، اذ تلجأ الولايات المتحدة الامريكية الى استخدام القوة،وبذلك تصاعد حملأت المطالبة بتوسيع رقعة الحرب ضد ما يسمى "بالأرهاب" من قيل الدوائر المعنية في الأدارة الأمريكية، مباشرة بعد الحرب على افغانستان ، وهو ما اشار اليه بوضوح في حينه نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني، عندما قال بان ما يجري في افغانستان، انما هو المرحلة الأولى من الحرب، وما اكده رئيس الأركان الأمريكي بعد شهر ونصف من الهجمات، اى بالتحديد في 22/ 10/2001 على امتدادها الى " الحرب الشاملة" ، وانها ليست فقط ضد الأرهاب ، بل ايضا ضد اسلحة الدمار الشامل.ان الذريعة على وجود هذه الأسلحة في العراق ، كان سببا مباشرا الذي حمل كل من الرئيس بوش ورئيس وزراء توني بلير ، لأتخاذ قرارهما السياسي في اذار2003، بخصوص شن وتنفيذ الحرب على العراق واحتلأله ، بينما صرح وزير خارجية امريكا في حينه صراحة بان "بعد الأنتهاء من القاعدة سنولي اهتماما للأرهاب في جميع انحاء العالم. واكد الرئيس بوش، في خطاب له في حينه، بانه سيغير طريقة معالجته للفوضى السياسية المتفاقمة في العراق، ومنع وقوع اي هجوم اخرعلى بلأده ، عن طريق توسيع رقعة الحرب ضد الأرهاب. وفي حينه صدر تقرير من الكونغرس الأمريكي ، يوكد على ان العراق لم يمتلك اسلحة الدمار الشامل ، وان صدام حسين ، لم يكون على العلأقة مع جماعة القاعدة في حينه . وبهذا النهج ايضا ،تؤكد وزيرة الخارجية الأمريكية كندوليزا رايس ، بان بلدها لأتتخلى عن المعركة ضد الأرهاب في العراق ،اواي مكان اخر ، وهي تعني ايضا ، بان بلدها اليوم في امان اكثر من قبل ، ولكن لأيزال ليس على وجهة المطلوب .
ان الامريكيين لهم أجندتم المعينة، واليوم اصبحت سياستهم الاستراتيجيةاكثر تبلورا ووضوحا للعيان في منطقة الشرق الاوسط ، وهي ليست انية ،بل لها بعدها، ولابد من تحقيقها في سيرورتها ، سواء كانوا جمهوريين ام ديمقراطيين ، ويمكن تلخيصها  كالاتي:-
1- جعل من المنطقة وخاصة العراق مركزا لمحاربة الأرهاب الدولي .تطويق كل من ايران وسوريا وكل حركات الأسلأم السياسى واليساري الماركسي ، التي تنهض في المنطقة . متابعة سيرورة الحل السلمي للقضية الفلسطينية ، ولربما الكردية في المستقبل المنظور، وذلك بعد ترتيب الأوضاع في كل من ايران ، سوريا ، لبنان وبعض دول العربية الأخرى ، بهدف اجراء تغيرات الجيوسياسية في المنطقة ، بحيث تعود مردودها كتغذية عكسية في خدمة الفقرة التالية.
2- تامين عملية ضغ النفط بالمعدلأت والأسعار الملأئمة والمناسبة للولأيات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية واليابان .توسيع الأستثمارات الأقتصادية ، من اجل التعجيل في انشاء الكتلة الأقتصادية في المنطقة ، بحيث تستطيع اسرائيل ان تلعب الدور المميز فيها من خلأل شركاتها المتعددة الجنسيات، وربط هذه الكتلة بالعولمة الراسمالية وفق النموذج الأمريكي ، والسير قدما نحو تثبيت الفكر النيولبرالي في المنطقة بحيث يشمل كل مجالأت الحياة وليس فقط الأقتصاد.
على صعيد الامني، اكد بوش للبلدان التي زارها في جولته هذه، بان امنها محفوظة، وعليها ان تتعاون مع السياسة الامريكية في محاربة الارهاب وترتيب العلاقة بين العرب واسرائيل وفق المشاريع المقترحة بخصوص اقامة دولة فلسطين مع اسرائيل. الا ان هذا المشروع لا يزال في بداية طريقه ويتحرك كزحف السلحفاة . ان قضية الشعب الفلسطيني، لا يمكن حلها فقط عبر العامل الموضوعي ووفق النصائح الامريكية ، التي يمكن الاستفادة العقلانية والواعية منها، ما لم يقترن ذلك بالعامل الذاتي الذي يلعب الدور الرئيسي في هذا المشروع، وذلك من خلال توحيد الخطاب السياسي بين كافة الفصائيل الفلسطينية ذات المصلحة الحقيقية في هذه العملية ، وبذل جهود استثنائية من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة بامكانها ان تؤثر بصورة افضل على العامل الموضوعي وبوسعها وحدها ادارة الدولة الفلسطينية المزمع اقامتها  في المستقبل المنظور. وعلى راس المشاكل الاخرى الملتهبة ايضا في المنطقة، هي النظامين الأيراني والسوري والأوضاع في لبنان. لم يتلقى بوش استجابة جيدة لدعم سياسته تجاه المشروع النووي الايراني وتاثيره الامني على المنطقة والعالم، والعلاقة المتينة بين النظام الايراني والسوري وتدخلهما في شؤون السياسة الداخلية في لبنان  من خلال العمل المشترك مع حزب الله وفصائل الموالية لسوريا في لبنان وحماس في الفلسطين ، وكذلك تدخلهما السافر في شؤون العراق الداخلية وتصعيد الارهاب فيه، ومن دول المنطقة بخصوص هذه المواضيع، وخاصة الدول الخليجية منها لا تريد الدخول في المجابهة مع ايران من خلال برنامجه النووي،اذ هناك نوع من العلاقات الاقتصادية الجيدة بينها وبين ايران في المجالات الاستثمارية واقامة المشاريع المشتركة.ان منطقة الخليج منشغلة حاليا في قضايا الاقتصادية فيما بينها ، من خلال مجلس التعاضد الاقتصادي الخليجي، في تكوين سوق خليجي مشترك والتجارة الحرة بينها وتوحيد العملة بغية مجابهة الاضرار التي تصيبها من جراء انخفاض وعدم استقرار سعر صرف الدولار في الاونة الاخيرة ، مما سببت لها خسائر كبيرة في المعاملات التجارية مع الولايات المتحدة الامريكية وخاصة اثمان بيع النفط .
 اما على صعيد الاقتصادي،فمن المعروف ان الأقتصاد الأمريكي كان في نمو مستمر، ولعدة سنوات . واليوم أصبح في ظل سياسة الرئيس بوش يعاني مشكلأت كثيرة ونجد انه في مازق ودخل فعلا في طورالازمة .تفاقم نفقات الحروب ، انخفاض حاد في السيولة النقدية ، زيادة المديونية قد تصل الى تريليونات دولار، تراجع ملحوظ في دور القطاع العام لتوفير الخدمات والضمانات الصحية والدراسية والمساعدات الاجتماعية للشعب الامريكي، ان النقطةالاكثر ضعفا في هذه السياسة ، هي مشكلة تفاقم البطالة في البلد ، وليست حالة الفوضى السائدة وعلى كافة الأصعدة في العراق .أن هذه السياسة قد تسببت الى أختفاء اكثر من 2 مليونين مكان العمل. وتركت أثرها سلبا على التقدم والتطور الأقتصادي ، الذي أزدهر ابان عهد كلينتون.
 من المعروف ان الطاقة تعتبر المصدر الاساسي بجانب عوامل الانتاج الاخرى في تطور وتقدم القطاعات الاقتصادية المختلفة. وبالنسبة الى الولايات المتحدة الامريكية يعتبر اقتصادها عملاقا، وخاصة في مجالات التكنولوجيا الحديثة والاسلحة المتطورة وطغيان سياسة عولمتها على العالم ، ومن جانب اخر نجد اليوم ان كل من الهند والصين تشهدان نموا اقتصاديا كبيرا ، ويزداد طلبهما على الطاقة وبجانب البلدان الاخرى مثل اليابان وبعض بلدان جنوب شرقي اسيا وكذلك بلدان الاوربية. ومن المتوقع ان تصبح الصين من الدول المنافسة لامريكا  اقتصاديا، وممكن ان تحتل المرتبة الاولى في العالم، في المستقبل المنظور. لذلك هناك خوف من الولايات المتحدة الامريكية لهذا التطور الاقتصادي السريع الذي يشهده اليوم الصين ، مما اصبحت الولايات المتحدة الامريكية مديونة للصين بمليارات دولارات سنويا. بغية وضع حد لهذا التطور الاقتصادي الذي يجري في الصين ، وتزايد طلبه على النفط بشكل عام وخاصة النفط المنتج في الشرق الاوسط ، اذ تحاول امريكا وباستخدام القوة كلما اقتضى الامر الى ذلك، وذلك للسيطرة على حقول النفط  في منطقة الشرق الاوسط ، لكونها تملك اكبر احتياطي النفط  العالمي، ونوعيته اجود واحسن ، واسعاره ادنى في العالم ،بغية ضمان وتامين احتياجاتها من عنصر الطاقة والتصرف بها تجاه الاخرين وفق سياستها وفرض شروطها الاقتصادية على العالم من منظور عولمتها وحكر تطوير العملية الاقتصادية بها، وخاصة في مجال التكنولوجيا المتطورة ، والتصرف بنفط الشرق الاوسط وفق هذه السياسة في المستقبل، مادامت وحدها اليوم في الساحة العالمية من دون منافس لها !.ان منطقة الشرق الاوسط  مقبة على ان تشهد في خضون السنوات القليلة القدامة مفاجئات وتطورات  جيوسياسية واقتصادية سريعة في كيانها وقوامها الاقليمي،ووفق السياسات الاستراتيجية المرسومة لها من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، رغم انف زعماء وشعوب المنطقة !.


108
الانتخابات البرلمانية في الدانمارك،واستمرار حكم تألف اليمين


د.صباح قدوري

جرت يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2007،الانتخابات البرلمانية في الدانمارك.اذ وجدت الحكومة اليمينية الحاكمة،بان الوقت من صالحها لاجراء الانتخابات مبكرا، اى قبل سنة ونصف من انتهاء مدتها الاعتيادية، وهى عادة اربع سنوات،منذ انتخاب البرلمان الاخير في سنة2005. وذلك خوفا من تفاقم الاوضاع، المتمثلة بتصاعد غضب واستياء الفئات الفقيرة والمتوسطة، نتيجة سوء اوضاعهم المعيشية،وتدني رواتبهم، وارتفاع المستمر في اسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، مما أدى الى قيام مظاهرات من قبل العاملين في القطاع الصحي( الممرضات والممرضين ، والعاملين في دور رعاية المسنين او في بيوتهم)، وكذلك في قطاع التعليم( المعلمات والمعلمين للمدارس المختلفة) ، مطالبين بزيادة الرواتب، التي جاءت بالرفض من الحكومة.وكذلك سوء احوال طالبي اللجوء، والمتواجدين لفترات طويلة قد تتراوح مابين 5-10 سنوات في المعسكرات، من دون النظر في قضاياهم ومعالجة مشاكلهم ، وتهديدهم بالتسفير الى بلدانهم، وخاصة العراقيين منهم . هذا بالاضافة الى فشل الحكومة في تحقيق سياستها الضريبية،الهادفة الى تخفيض الضريبة ، والمستفيد منها بالدرجة الرئيسية الفئات الغنية ، وذلك بسبب عدم تمكن الحكومة من تحقيق الاكثرية في البرلمان لتنفيذ هذه السياسة.
شارك في التصويت اكثرمن86% من الناخبين، مقابل 82% في الانتخابات السابقة، وهي اعلى نسبة في غضون 20 سنة. اسفرت نتائجها بفوز كتلة اليمين - الزرقاء، والمتمثلة بالاحزاب: الليبرالي(Venstre) الذي حصل على 46 مقعدا اي بنقص 6 مقاعد عن الانتخابات السابقة، والمحافظين 18 مقعدا،اي بنقص مقعد واحد ، والشعب الدانماركي(اقصى اليمين) 25 مقعدا، بزيادة مقعد واحد. وشارك لاول مرة حزب جديد، التحالف الجديد، بقيادة احد الدانماركيين من اصل عربي، الذي انشق مؤخرا عن حزب اليسار الراديكالي، وحصل على 5 مقاعد، والديمقراطي المسيحي، الذي لم يحضى باي مقعدا . وبذلك حصلت كتلة اليمين مجتمعا على 94 معقدا، زائدا 2 مقعدين من الجزرتين(غريلآند و فيؤرنه) وذلك من اصل 179 مقعد، وهي تمثل نسبة53%،على كتلة اليسار - الحمراء ، والمتمثلة بالاحزاب: الاشتراكي الديمقراطي، الذي حصل على 45 مقعدا ، اي بنقص2 مقعدين عن الانتخابات الاخيرة، والشعب الاشتراكي 23 مقعدا، اي بزياد 12 عن الانتخابات السابقة، واليسار الراديكالي 9 معقدا، اي بنقص 7 مقاعد عن الدورة السابقة، والقائمة الموحدة 4 مقاعد،فاز باحدها دانماركية من اصل عربي،
وبنقص2 مقعدين عن السابق. اصبح مجموع مقاعد هذه الكتلة مجتمعا 81 مقعدا، زائدة 2 مقعدين من الجزرتين (غريلآند و فيؤرنه)، ومن اصل 179 مقعدا، وهي تمثل نسبة 47%. وتستمر كتلة اليمين الفائزة في الانتخابات في الحكومة المتالفة من الحزبين، الليبرالي والمحافظين،
ولكي نتعرف على اهداف ومسيرة الحكومة القادمة، التي قد تحكم الدانمارك لمدة اربع السنوات القادمة ، اذ نحاول وباختصار شديد عرض اهم برامجها ، وهي كما مبينة ادناه:-

1- في المجال الاقتصادي ، تاكيد على ضرورة تحقيق معدلات نموعالية في  الناتح الوطني الاجمالي ، الذي يعتبر اساس للاستمرار في البرامج التي تساعد على تحقيق مزيد من الرفاهية للمجتمع.تستمر كتلة اليمين في تعميق فكرة الليبرالية الجديدة ، بحيث تشمل كل مرافق الحياة ، وخاصة  في خصخصة الاقتصاد ، عبر الاستمرار في تطبيق وممارسة اقتصاد السوق ، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص واعطاء الدور القيادي له في كافة فروع الاقتصاد الوطني ، وخاصة في مجالات الخدمات باشكالها المختلفة ، الصحة والتعليم والنقل والمواصلات.هناك كثير من الصناعات لشركات صغيرة في طريق غلقها وتصفيتها، او اصبحت ملكا لاصحاب الشركات الكبرى القابضة. نقل كثير من الشركات الوطنية الكبيرة الى الخارج ، وكذلك تشديد على الاستخدام في مؤسسات القطاع الحكومي، مما تركت هذه الاجراءات اثرها على تقليص مقاعد العمل في البلد، وتسريح عمالها من العمل، مما سببت الى تزايد نسبة البطالة وتفاقمها في صفوف المهاجرين واللاجئين، والتي تبلغ بحدود20-25%، مقابل 10 للدانماركيين .تدعو كتلة اليمين الى تخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الشعب ، قد تساعد ذلك على امكانية زيادة ادخار الفرد ، ومن تم توجهه اوجه نفقاته بشكل  حر، وعدم اعتماده على الدعم المادي من قبل الدولة في المجالات الصحية والتعليمية والخدمات الاجتماعية التي تقدمها عادة البلديات الى المواطنين، وبالتالي يكون له خيارات اكثر لاشباع خدماته وحاجاته ، وبنوعية افضل في القطاع الخاص حسب مفوهمها. وفي الحقيقة ان هذه السياسة الضريبية تهدف بالاساس الى تخفيض  كاهل الضريبي عن الفيئات الغنية من الشعب ، التي ساهمت وبامكانيتها المادية وبشكل نشط  في الدعاية الانتخابية لكتلة اليمين، وفوزها بالانتخابات واستمرارها في الحكم .

2- في مجال السياسة الخارجية،استمرار في تطبيق نهج السياسة الخارجية المؤيدة للمواقف الامريكية ،والتي تستند على منطق القوة في تحكم العالم، واستخدام القوة العسكرية والتهديد والوعيد لدول اخرى اتجاه الاحداث العالمية، وخاصة في منطقةالشرق الاوسط ، وتقديم الدعم العسكري لها ، لكون الدنمارك عضوا في حلف الناتو. الاسراع في التحاق الدانمارك بدعاة الفكر النيوليبرالي والعولمة الراسمالية، في شتى مجالات الحياة ، ووفق النموذج الامريكي .تراجع دور الدانمارك في تعزيز الوحدة الاوربية ،وعدم حماسه للانظمام الى النظام النقدي(اليورو) ، وتاجيل اعادة الاستفتاء الشعبي لهذه المسالة لفترة لاحقة.

3- في مجال سياسة المهاجرين واللاجئين، استمر على مزيد من التشديدات وبالتعاون مع حزب الشعب الدانماركي حليف كتلة اليمن، من دون مشاركته في الحكومة، على قوانين اللاجئين، وجمع شمل العائلة ، وصعوبة الحصول على المواطنة الدانماركية ووضع شروط مايسمى ب (Greencart) ، وهي شروط معقدة من حيث المدة،اصبحت من6 الى 10 سنوات في الاقامة الدائمة ، اداء الامتحانات في لغة وتاريخ المجتمع الدانماركي، مع الزام وجود العمل لطالبي المواطنة مدة لا تقل عن اربع سنوات عند تقيم الطلب بذلك.انتهاج سياسة تعقيد في برامج الاندماج الاجتماعي وفي سوق العمل.التفكير الجدي مع التطبيق الفعلي في ارجاع معظم اللاجئين والمهاجرين، وخاصة هناك مايقارب من 600 لاجئ عراقي مهددين بالتسفير الى العراق، ممكن ارجاعهم الى كردستان العراق!.

4- الاستمرا في السياسة اللبرالية في كافة مرافق الحياة وليس فقط الاقتصاد ، وهي تشمل لبرالية الثقافة ،الحرية،الدين،اختيار المدارس بين الحكومي والخاص، وكذلك في المجال الصحي،الديمقراطية اللبرالية ودعمها على الصعيد العالمي. محاربة التطرف والارهاب باشكاله المختلفة داخل البلد وفي المحافل الدولية.التاكيد على تقليل استخدام الوقود التي تسبب الثلوث وارتفاع في درجة حرارة الجو ، وتعويض عنها باستخدام وسائل المائية والمروحيات الهوائية وغيرها. كذلك عدم الاعتماد في استيراد مصادر الطاقة من البلدان التي لا تطبق الديمقراطية في انظمتها السياسية.

وبهذه المناسبة ، لابد من وقفة سريعة ومختصرة على بعض الاسباب التي اعتقد انها ادت الى فشل كتلة اليسار في العودة الى دست السلطة منذ ثلاثة دورات انتخابية واعتبارا من 2001 .ويمكن ايجازها كالاتي:
1-ضعف مشاركة كتلة اليسار في الحملة الانتخابية من الدعاية الاعلانية ، اقامة الندوات والمشاركة في المناقشات وعرض برامجها بشكل محدد وواضح، والاتصالات بالاجانب.كذلك عدم قدرتها في اختيار البرامج الاصلاحية الضرورية لمعالجة مشاكل البطالة المتزايدة .حل مشكلة طالبي اللجوء واللاجئين والمهاجرين ، وذلك من خلال طرح برامج عملية وواقعية لعملية الاندماج الاجتماعي وسوق العمل في المجتمع.
2- عدم مواجهة الحكومة اللبرالية طيلة مدة ست سنوات من حكمها ، وتم اعادة انتخابها ايضا هذه المرة ولمدة اربع سنوات قادمة. تؤكد الحكومة المستمرة من جديد، على مواصلت نهجها تجاه تقليل  اهمية دور القطاع العام في تقديم الخدمات الاساسية والضرورية للشعب في المجالات الاجتماعية ، الصحية ، التعليمية والاقتصادية ، وذلك من خلال تخفيض الاعتمادات المرصدة لها في الميزانية العامة للدولة.
3- لا تزال نسبة مشاركة الاجانب في الانتخابات البرلمانية ضعيفة ومنخفضة ، وهي ظاهرة سلبية تعكس اثرها على نتائج الانتخابات لصالح كتلة اليمين ، التي مستمرة في سياستها المعادية للاجانب وفي كافة المجالات.

109
أدب / مرثية سرجون بولص
« في: 00:31 11/11/2007  »
مرثية سرجون بولص

محمد صديق محمود




قيل: في غابر الزمن
مات سرجون الملك
هكذا كان،
قبل خمس وأربعون قرن
من الآن،
كان ملكا لمملكة أكد
وقيل أخيرا، مات سرجون ملك الشعر
انها بداية لنهاية سلالة ابن نوح
وسمفونية الرافدين دون صدى!
في طريقها الى الصمت
واخر،غير مصدق موته!
قال، انه مسافر لأمد!

ان الشعر كائن أزلي لن يموت
وعصا المايسترو،
تبقى موجهة للعازفين
على بقايا نياط قلب متعب
لشاعر، لم تغسل دموع الغربة
عبق الجورية العراقية عن شعره
ولم تنفض عنه غبار الطلع
آه... يا سرجون
يا أبا الكلمة والشعر
ويا عاشقا للحرية التي لم تنالها!
فيما مضى من الدهر!
أهذا هو قدرنا؟
أتدري يا سرجون؟
ان لون الجورية البغدادية
من سيل دماء أهلنا غدت قانية الحمر
كالياقوت
وهل تدري؟ انها بدلت رائحتها مكرهة
برائحة البارود!!



سليمانية - العراق


   

110
الانتخابات البرلمانية البولندية الاخيرة، وتوجهات حكومتها المرتقبة



د.صباح قدوري

منذ سنة 1989 ، شهدت بولندا صراعات ايديولوجية في الانتخابات البرلمانية بين كتلة التضامن وكتلة اليسار، مما نجم عنها عدم استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلد. جرت يوم الاحد المصادف 19 تشرين الاول/اوكتوبر2007 ،الانتخابات الاخيرة للبرلمان، وشارك فيها 50% من الناخبين مقابل 40% في الانتخابات 2005 ، وذلك للمشاركة الزائدة من الشباب لتحمسهم الى الوحدة الاوربية ، ويتطلعون الى اوضاع اقتصادية واجتماعية احسن في المستقبل. واسفرت  نتائجها بفوز حزب المنبر المدنىPlatforma (الليبرالي) بقيادة دونالد توسيك، ومن خلفية حزب العمال البولوني السابق والموالي للسياسة الامريكية ، على حزب الاخوين التوأمين كاجينسكي ( القانون والعدالة)PiS- التضامن . وعلى حد قول دونالد توسيك، زعيم حزب المنبر المدني،" بان نتائج الانتخابات الاخيرة،تساعده على تشكيل حكومة قوية بالتعاون مع كل من الحزبين( تحالف اليسار والديمقراطي) LiD ،وحزب الشعب البولوني
( الفلاحين) PSL، ذات توجهات يسارية ، وتكون قادرة على معالجة المشاكل الموروثة والمتراكمة لفترة طويلة من دون حلها،وبذلك نكون قد دخلنا في بداية
عهد جديد لبولندا، على غرار ايرلندا الجديدة".
من المتوقع ان يجتمع البرلمان المنتخب يوم الاثنين المصادف 5 تشرين الثاني/ نوفمبر ، وكذلك تشكيل الحكومة في المدة اقصاها 3 كانون الاول/ديسمبير من هذه السنة . ننتظر من الحكومة القادمة خطط عمل كبيرة على عموم البلد وفي الاصعدة المختلفة يمكن تلخيصها بالشكل التالي.....

1- على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي ، محاربة البيروقراطية، ومعالجة ظاهرة البطالة المقنعة التى لا تزال مهيمنة على القطاع الحكومي . معالجة ظاهرة تدني كبير في حجم الانتاج،وكذلك البطالة الفعلية المتفاقمة وفي كافة القطاعات الاقتصادية، والتي تؤدي الى هجرة مئات من الشباب الى الخارج، سعيا وراء العمل  . الحد من ظاهرة ارتفاع الاسعار ومعالجة التضخم الناتجة عنها.الحد من ظاهرة الفساد المالي والاداري ونهب الثروات العامة ومدخرات المواطنين، التي انتشرت بشكل كبير في زمن حكومة الاخوين التوام ، والذي يعتبر من احدى الاسباب التي أدت دون فوز حزبيهما في هذه الانتخابات .اجراء الاصلاحات في السياسة الضريبية وجعل نسبة الضريبة على الدخل للعاملين والمؤسسات 15% ، كذلك تحسين مستوى دخول العاملين وخاصة للعوائل ذات الاطفال. تقييد الحدود في مجال التقاعد المبكر كلما امكن ذلك ، وتقديم مساعدات مالية واجتماعية احسن للمجموعات الضعيفة في المجتمع .الاستمرار في سياسة الخصخصة للقطاعات الصناعية المختلفة. اجراء اصلاحات ضرورية للمؤسسات التعليمية والنقل والمواصلات والضمان الاجتماعي، وخاصة النظام الصحي ،والذي يعاني من مشكلات حادة متشعبة ، من بينها مسالة التمويل اى نقص فى الموارد المالية اللازمة لتوفير المعدات والادوات والادوية الضرورية للمستشفيات، وتحسين الاوضاع المعيشية للعاملين في هذا القطاع.

2- في مجال الاتحاد الاوروبي ، تعزيز دور بولندا داخل الاتحاد ،على اساس تقوية المعاملات معه، وتقليل من النزعات القومية والدينية التي مارستها حكومة الاخوين،وذلك بطلب من البرلمان الاوروبي اضافة فقرة تخص تراث الدين المسيحي في دستوره ، والتي لقيت بالرفض من لدن معظم دول الاتحاد الاوروبي، كذلك المطالبة بمزيد من الدعم المالي ، كتعويض عن الاضرار التي تسببت لها بولندا من جراء الحرب العالمية الثانية. وقد سببت هذه السياسة كاحدى العوامل في عدم نجاح حكومة الاخوين في هذه الانتخابات. من المتوقع انظمام بولندا الى كتلة( يورو) في عام 2011، وكذلك استضافة دوري كرة القدم الاوربية بالمشاركة مع اوكرانيا في عام 2012 ، ويتمنى دونالد توسيك الذي سيراس الحكومة الجديدة، بان المشاركين في العاب كرة القدم لتلك الدورة سيتعاملون ب( يورو) في بولندا.

3- في مجال السياسة الخارجية ، انتهجت الحكومة السابقة نوع  من سياسة الحرب الباردة تجاه روسيا الفيدرالية ،منها اسناد الثورة البرتقالية في اوكرانيا نكاية بروسيا، ثم احتضان ناشطين شيشان معادين لروسيا على اراضيه. لذلك تحاول الحكومة الجديدة القادمة تصحيح هذا المسار وتحسين العلاقة مع الحليف القديم ، والاستفادة من مشروع الروسي-الالماني لامداد انبوب الغاز الممتد حاليا في اعماق مياه بحر البلطيق عبر بولندا الى بلدان جنوب شرق اوربا، وذلك لرفض الحكومة اليمينية السابقة هذا العرض من روسيا. هذا بالاضافة الى محاولة الولايات المتحدة الامريكية تنفيذ مخططها بخصوص نصب المنظومة الدفاعية الصاروخية في بولونيا وتشيك،التي تعتبر تهديدا واضحا ضد روسيا الفيدرالية، وتكون للحكومة الجديدة موقف واضح وشفاف تجاه هذه المسالة ، وذلك بالزام الولايات المتحدة الامريكية بتقديم ضمانات امنية دولية لا تهدد امن روسيا الفيدرالية، في حالة موافقة الحكومة البولندية على هذا المشروع.سحب القوات البولنديه الموجودة ضمن قوات متعددة الجنسية في العراق ، وذلك خلال السنة القادمة ، وهو كذلك مطلب جماهيري.
والسؤال يبقى مطروحا في بولندا وهو: متى تزول تاثير السلطة الكنيسية الكاثوليكية، المسلطة على اذهان فئات مختلفة من الشعب البولندي وخاصة بين المسنيين والنساء ، وتنتقل بولندا نحوى انتهاج الطريق الصحيح في بناء مجتمع عصري متقدم ومتطور؟ الجواب برسم الحكومة الجديدة المرتقبة ، ومدى نجاحها في بناء بولندا الجديدة!!!
 

111
خبر

"يوم الجمعة المصادف 12تشرين الاول/2007 ، خرج المرحوم نجاح سلمان اللوس ، من ابناء الطائفة الكلدانية ، الساكن في مدينة بغداد/ بغداد الجديدة، من بيته متوجها الى عمله ، وهويقود سيارته على طريق خط السريع الذي يربط بغداد الجديدة بالدورة،وفجأة تم  مهاجمته من قبل المجموعات الارهابية المسلحة، واطلق عليه عدة رصاصات، واردف قتيلا . وترك على الخط السريع ، وعثر على جسمانه بعد تلاثة ايام من عملية القتل الغادر بحقه، حسب ادعاء الشرطة."
المرحوم من مواليد تلكيف سنة 1960 ، متزوج وله خمس اطفال ، وكان خريج ثانوية الصناعة /الميكانيك ، وحاليا كان من سكنة بغداد الجديدة.
نشارك زوجته واولاده والعائلة باحزانهم ، ونطلب من الرب ان يغمد المرحوم برحمته الواسعة ، ويسكنه فسيح جناته ، وللعائلة والاقرباء والاصدقاء والمحبين الصبر والسلوان.

اخ المغدور
لطيف سلمان اللوس


112
مشروع بيدن للتقسيم ام للفيدرالية؟!


د.صباح قدوري

بتاريخ 26 ايلول/سبتمبر2007 ، اقر مجلس الشيوخ الامريكي وباغلبية 75 صوتا مقابل 23 صوت بالرفض، على مشروع قرار غير ملزم  للادارة الامريكية ولا للاطراف الاخرى ذات العلاقة بالموضوع، وتقدم به السيناتور الديمقراطي المرشح للرئاسة الامريكية ( جوزيف بيدن ) ، حول خطة لتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات حسب الانتماء العرقي ، الطائفي والقومي (اقليم كوردستان ، واقليم شيعي ، واقليم سني) ، وذلك على حساب وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته وهويته الوطنية الجامعة ، ويعتبرخرقا صارخا لاسس ومبادئ ممارسات الديمقراطية، وتدخل سافر في عملية اتخاذ القرارات المصيرية بشأن العراق الداخلي. اعتبار هذا المشروع من وجهة نظر صانعي القرار في  الكونغرس الامريكي،بمثابة الحل الاسلم للحالة الماساوية السياسية ، الامنية، الاقتصادية ، والاجتماعية التي يمر بها العراق اليوم ، ويعتبرايضا ضمانة لابعاد شبح وقوع الحرب الاهلية ومن دون ان تخلف الفوضى من وراء عملية الانسحاب التدريجي والمبكر للقوات الامريكية من البلاد. يعتبر القرار خطأ اخرا من سلسلة الاخطاء الكثيرة التي ترتكبها قيادات الادارة الامريكية بحق العملية السياسية في العراق منذو الغزو واحتلال العراق ولحد يومنا هذا.وقد صدرت مواقف رفض لهذا المشروع من قبل اغلبية الكتل السياسية ،ومنظمات المجتمع المدني، وعدد كبير من الشخصيات الحكومية والمستقلة، مع ترحيب عابر من كتلة الائتلاف الموحد الداعمة لفكرة فيدرالية(الجنوب والوسط) ، كذلك تصريحات متعارضة بالرفض من بعض قادة الاكراد، وترحيب حارمن رئاسة اقليم كردستان العراق بهذا القرار، واعتباره بانه مطابقا للنظام الفيدرالي،ويتجسد فيه بنود الدستور العراقي الجديد المقر عبر استفناء شعبي  عام 2005 ، حول انشاء اقاليم فيدرالية في العراق على اسس السكانية ، والمناطقية وليس على الاسس العرقية والطائفية. وهنا يطرح السؤال نفسه وهو : هل ان القيادة الكردية الحاكمة في الادارة الفيدرالية ملزما بهذا الاستعجال ، باصدار موقف مؤيد لهذا المشروع باعتباره دعما سياسيا لتثبت النظام الفيدرالي في العراق ، ام كان الاجدر بها التريث ودراسة هذا القرار من جميع جوانبه، ومدى مصلحة هذا التقسيم وفق هذا القرار على القضية الكردية في العراق، ومطابقته لمفهوم الفيدرالية القائم فعليا على الارض الواقع في اقليم كردستان ، وقد تكرست في واقع العراق وترسخت في وعي الناس، قبل مجئ الادارة الامريكية الى العراق  واحتلاله؟ للجواب على هذا السؤال لابد من الرجوع الى مفهوم الفيدرالية من وجهة نظر القيادة الكردية واسباب تبنيه. . ان الفيدرالية ، كمفهوم ، يقصد بها في هذه المرحلة نوع من الحكم في المنطقة يضمن لها الادارة المحلية بقدر أكبر من الاستقلالية الذاتية في بناء وتكوين ادارة ممركزة(على مستوى الاقليم) ، توجه من خلالها السياسة الاقتصادية ، الاجتماعية والثقافية في المنطقة باستقلال نوعا ما عن المركز. ويمكن ان تاخذ اشكالا اخرى متطورة عبر سيرورة تطبيقها وممارستها . واعتقد انه لا توجد حاليا اية عوامل ذاتية اوموضوعية تشجع على دفع مفهومها باتجاه النزعة الانفصالية . وهو ما اكدته القيادة الكردية الحاكمة ، وكذلك ايضا كافة الاحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والاجتماعية المستقلة الكردية والعربية مرارا وفي مناسبات عديدة وضمن برنامجها. ان تبني صيغة الفيدرالية جاء نتبجة العامل الداخلي ، حيث أعلنت ولادتها بعد انتفاضة الشعب العراقي المجيدة في اذار1991 . وبقوة هذا العامل حينذاك ، تمكن الشعب الكردي من تخليص جزء من العراق من نير النظام الديكتاتوري المقبور ، وفرض نفسه على هذه البقعة التي هي جزء من كردستان ، واقترن هذا الاجراء بتاييد الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وبهذا نشأ نوع من التوازن بين العاملين الداخلي والخارجي ، ولكن يمكن اعتبار العامل الذاتي هو الذي كان بارزا في هذه العملية. ان مقترح البرلمان الكردي الصادر في 4 تشرين الاول/ اوكتوبر 1992 ، المستند الى برامج كل الاحزاب السياسية في الاقليم الذي طرح الصيغة الفيدرالية وفق هذا المفهوم ، ينطلق من ان الطابع القومي لكردستان العراق والاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره، وبث الوعي لدى الجماهير الكردية لتاخذ قضيتها بيدها ، هو الذي حدد وطور صيغة الحكم الذاتي السابق
( المعترف بها قانونيا ولكن بدون محتوى ديمقراطي)، الى صيغة الفيدرالية ، كضيغة سياسية لضبط العلاقة بين المركز والاقليم ، على أساس ممارسة الديمقراطية أسلوبا للحكم، حاليا ومستقبلا ، بغية حماية الشعب الكردي من الظلم المستمر والابادة الجماعية التي تعرض لها على أيدي الحكام الشوفينيين والديكتاتورية، لكي يعيش على ارضه ويضمن حق تطوير مختلف اوجه حياته في جميع المجالات على هذه الرقعة التي تسمى ، تاريخيا وجفرافيا ، كردستان ، مع حرصه ايضا على بقاء الكيان العراقي موحدا قويا عن طريق ارساء اسسه على الارادة الحرة والرغبة المشتركة في العيش المشترك.واليوم نجد ايضا ان بعض قوى عربية قومية متعصبة واخرى اسلامية سياسية مختلفة ، وكذلك بعض الدول الاقليمية(تركيا وايران)  ، تخشى من وجود فيدرالية كردستان وتحاول بشتى الطرق مستخدما كل اساليب ممكنة لعرقلة تثبيتها والاجهاض على مسيرتها وافاق تطورها المستقبلي .ان القيادة الكردية الحاكمة مدعوة اليوم للاستفادة العقلانية من الخبرات السابقة بشكل ايجابي ، معتمدا بالدرجة الاساسية على العامل الذاتي وليس فقط "الانصات" الى "النصائح" الامريكية والاقليمية ، وذلك لتصحيح مسارات العملية السياسية المعقدة التي يمر بها العراق اليوم ، ومنها مسالة الفيدرالية. النضال من اجل تكوين فيدراليتيين فقط (العربية والكردية) بحيث يتساوا الشعب العراقي بكافة قومياته واديانه في الحقوق والواجبات ، والتعامل فيما بينهم على اسس ممارسة الديمقراطية في العلاقات والتعددية في الحكم ، وحل المسائل المطروحة داخليا بشكل عقلاني وواعي بعيدا عن التشنجات والمؤامرات والتعصب القومي او الديني. المطلوب من القيادة الكردية المنخرطة وبثقل كبير في العملية السياسية على صعيد العراق وفي الاقليم، بذل جهود استثنائية في سبيل ترتيب البيت الكردي ،من خلال توحيد وبشكل فعلي الخطاب السياسي الداخلي والخارجي ، وخاصة في اتخاذ القرارات المصيرية التي تخص مستقبل النظام الفيدرالي على صعيد العراق وفي الاقليم وافاق تطوره المستقبلي . المبادرة الجدية نحو اكمال كل مراحل توحيد الادارتين بشكل نهائي، وتثبيت الشرعية الدستورية للفيدرالية الكردستانية من خلال الاستفتاء الشعبي،بعد اكمال الاجراءات الدستورية اللازمة لضم الاجزاء الاخرى المفروض ضمها الى بقعة الاقليم،والتي لا تزال هي خارج عن الفيدرالية الحالية، وعلى اسس المعالجة الديمقراطية والعصرية للمادة 140 من الدستور العراقي المقر، مع ضمان حقوق الاقليات الكردستانية من تركمان والكلدواشور الاصليين فعلا في المنطقة. على الادارة الامريكية اذا كانت صادقة في نياتها تجاه الشعب العراقي ، عليها مساعدة العراقين على القيام بالعمل الفيدرالي من خلال الاتفاق على التوزيع العادل لعائدات النفط على اساس الكثافة السكانية ومدى حرمانها من التطورالاقتصادي منذ ازمنة طويلة ، وتامين عودة اللاجئين ، ودمج عناصر الميلشيات بقوات الامن المحلية او ايجاد عمل لهم،وتنمية المصالحة المشتركة لبلدان اخرى في عراق مستقر، واعادة التركيز على قدرات الاعمار والمساعدات في المحافظات والمناطق وذلك بعد تامين الامن والاستقرار والقضاء على الارهابيين،وليس اخافتهم بمساواة الفيدرالية مع التقسيم والطائفية والتسلط الاجنبي.

113
الجامعة الامريكية في اقليم كردستان العراق
د.صباح قدوري
ان تاسيس الجامعة الامريكية وافتتاحها في بداية شهر ايلول/سبتمبر2007 في مدينة السليمانية،وتحت اشراف المسؤولين  في الادارة الامريكية وبحضور كل من رئيس جمهورية العراق ورئيس وزراء اقليم كردستان ورئيس وزراء العراق السابق اياد علاوي بالاضافة الى نائب رئيس وزراء العراق برهم صالح،هو تنفيذ جزء من مخططات الاستراتيجية الامريكية في العراق والمنطقة. ان اسباب اختيار اقليم كردستان لهذا المشروع وبالتحديد مدينة السليمانية وليست اربيل عاصمة الاقليم الحالى ولا بغداد ، هي ان مبادرة الفكرة لقيام مثل هذا المشروع ، جاءت من قبل قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، المتمثل بشخص الدكتور برهم صالح ، ولكون اقليم كردستان وبالخصوص مدينة السليمانية آمنه نسبيا اكثر من بقية اجزاء اخرى من العراق ، وتعتبرايضا هدية استثمارية من الادارة الامريكية الى اقليم كردستان العراق. تدار الجامعة من قبل النخب الاكاديمية الامريكية والمحلية ، وتكون تحت الاشراف المباشر للدوائر الامريكية ومنها CIA بمثابة احدى مراكز البحوث والقنوات لتقصي المعلومات التي تساعد على الرقابة المباشرة وتوسيع النفوذ الامريكي في العراق والمنطقة مستقبلا، وبهدف نشر وايصال الفكر والمنهج اللبرالي الجديد وفق النموذج الامريكي الى الاجيال الحالية والقادمة ، وذلك على غرار نفس الوظائف التي تؤديها الجامعة الامريكية في لبنان ومصر. يتم اختيار الدارسين في فروع هذه الجامعة وفق المقايس الامريكية ، وخاصة في فروع  العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية . ومن الاهداف الاساسية لهذه الجامعة ، هي تخريج الكوادر والنخب المؤهلة التي توكل اليها المهام القيادية في الادارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية،وترتبط مباشرة بالخطط والتوجهات التي تصدر اليها من الدوائر الامريكية المختصة بشؤون الشرق الاوسط ، وتكون قادرة على تنفيذ  وترجمة السياسة والمصالح الامريكية في كردستان والعراق والمنطقة في المستقبل المنظور. وتعزيزا للعلاقة الاستراتيجية التي تربط بين الادارة الامريكية والقيادة الكردية الحاكمة في الاقليم قبل وبعد سقوط النظام الديكتاتوري، هناك توجه من قبل نجل الرئيس مام جلال السيد قباد طالباني، الذي هو ممثل لكل من الاتحاد الوطني الكردستاني والادارة الفيدرالية في الولايات المتحدة الامريكية، بتشكيل لوبي كردي للعمل المشترك بين النخب الامريكية المتنفذة والنخب الكردية المتواجدة في الولايات المتحدة الامريكية والقيادة الكردية الحاكمة، وتم تخصيص 300مليون دولار لهذا الغرض.وان المحاولة الجارية لانظمام العراق الى حلف الناتو كما صرح بذلك قبل مدة قصيرة وزير خارجية العراق هوشيار زيباري، تنصب هي الاخرى في نفس المجرى، وبحجة ضمان حماية وتامين سلامة العراق بعد الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة الامريكية والقواة الدولية. 
ان فكرة انشاء الجامعات والاهتمام بتطوير المعرفة والعلم والاستفادة االعقلانية من التكنولوجيا الحديثة ، شئ ممتاز يجب ان يقدر عاليا كل المبادرات والتوجهات التي تنصب في هذا الاتجاه ،على ان يتم الاختيارات وفق المعاير العلمية  والاسس المدروسة من الجوانب العلمية والامكانيات ومصادر المالية، وحسب الاولوية وحاجة البلد، ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع وضمان السيادة الوطنية.
يعتمد مسار تطور العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق على العاملين الداخلي والخارجي. وان الربط بينهما ، وايجاد صيغة من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المهمة والمصيرية ، يعطي للمسالة الكردية زخما وابعادا في تطوير هذه المسار. ولابد من التاكيد ، بان العامل الذاتي مهم بحيث يجب ان يلعب الدور الرئيسي والاساسي في هذه العملية.الا انه في الواقع العملي نجد ان كل المؤشرات تدل وتؤكد ، بان السياسة التي تمارسها القيادة الكردية الحاكمة في المرحلة الحالية ادت الى طغيان العامل الخارجي على العامل الداخلي ، واصبحت هذه القيادة ملزمة بهيمنةالسياسة الامريكية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الاقليم والعراق والمنطقة . لقد آن الآوان  لهذه القيادة بان تعيد النظر في حساباتها وتنهض بمهامها ومسؤولياتها التاريخية. وان الأنصات الى "النصائح" الدولية وخاصة الأمريكية والأقليمية، في هذا الظرف العصيب الذي تمر به المنطقة والعراق بشكل العام، وافاق تطور مستقبل الفيدرالية في الأقليم بشكل خاص ، تتطلب من القيادة الكردية استخدام  الحكمة والخبرة السابقة بشكل ايجابي ، والأستفادة العقلانية والواعية من العامل الخارجي كعامل مساعد لصالح تقوية العامل الداخلي ، الذي أعتقد بانه يعطي صغة الديمومة في بلورة المسائل المستعصية ، وايجاد الحلول والمعالجات الصحيحة للمشاكل المتروكة لفترة طويلة من دون حل .
ارى من الضروري الاهتمام بالمسائل التالية:-
اولا في المسار السياسي:
- تطوير مسيرة الفيدرالية بمضمونها السياسي والاداري والجغرافي والقومي ، وذلك من خلال احياء العامل الداخلي وتقويته والاعتماد بالدرجة الرئيسية على الجماهير الكردستانية، وذلك عن طريق مساهمة الاحزاب في عملية تعبئة وتوعية الجماهير ورفع مستواه الثقافي ، وتحفيزه للمشاركة عن طريق ممارسة الحوار الديمقراطي، وتدريبه للمساهمة في عملية اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية. اجراء عملية الاستفتاء الشعبي بخصوص تثبيت الشرعية الدستورية للفيدرالية.
- العمل الجاد في سبيل جمع شمل البيت الكردي والتفكير بشكل جدي في تكوين لجان تنسيق ، بهدف توسيع الحوار الكردي/الكردي ، والحوار الكردي/العربي.وضع برنامج عمل مشترك من اجل عقد مؤتمر وطني كردي ، وبمشاركة كافة الأطراف المعنية ، وذلك لأعطاء زخم اكبر لهذه القضية ، وتقع على الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق بشكل خاص ،النهوض بمهامها الوطنية والقومية ، وان تلعب دورها الحقيقي اكثر في الوقت الحاضر، من خلأل توحيد الخطاب السياسي الكردي ،واقناع الجهات الدولية والأقليمية ، بان تغير موقفها تجاه القضية الكردية والاهتمام الدولي بها باعتبارها قضية سياسية وليست انسانية فقط.
- استمرار الحزبين المتنفذين في اقليم كردستان العراق على احتكار وتقاسم السلطة بالمناصفة بينهما. تهميش مهام ووظائف الاحزاب الاخرى، المتواجدة فعليا في الاقليم بان تلعب دورها الحقيقي في العملية السياسية وممارستها بشكل فعلي، وفرض نزعات الهيمنة والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية ، وابعاد مشاركة الجماهيرالكردية فيها ، مع ممارسة العنف والأرهاب في حل الخلأفات والنزعات ، لقد أدت هذه الحالة الى تفريغ الهيئات الأدارية لمؤسسات الأدارة الفيدرالية من وضائفها ، واضعاف دور البرلمان في اتخاذ القرارات السياسية ، الأقتصادية والأدارية ، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق على كافة المرافق في الاقليم. بذل جهود استثنائية من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة بامكانها ان تؤثر بصورة أفضل على العامل الخارجي ، وبوسعها وحدها ادارة الكيان الفيدرالي على احسن وجه.
- توحيد الادارات التي لم توحد لحدن الان رغم مرور فترة طويلة عليها، وهي ( المالية ، الداخلية ، وشؤؤن البيشمركة)

ثانيا في المسار الاقتصادي:
- يجب انتهاج سياسة أقتصادية شفافة ، تستند أسسها من الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها أدارة الحكم الفيدرالي ، وأقامة سلطة مركزية واحدة في أقليم موحد . ان السياسة الحالية السائدة في الأفليم تحث وتشجع نظام الأقتصاد السوق-الحر ، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ومنها الأقليم بدعاة الفكر النيوليبرالي ،التي تفرضها حكومات البلدان الصناعية المتقدمة ، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن
-  تتميز التحولأت الهيكلية للنشاط الأقتصادي ، بالطبيعة الأستهلأكية ، يرافقه تدني النشاط الأنتاجي . ولعل جردة سريعة لأي مراقب عادي تسمح بملأحظة ( التطور) في النشاط الخدمي كالمطاعم والبارات والفنادق والأندية الليلية ، زيادة أستهلأكات السيكاير والمشروبات الكحولية والمضاربات العقارية... الخ ، يرافقه ذلك الأهمال الملحوظ للمؤسسات التعليمية، الصحية ، النقل والمواصلأت ، الضمان الأجتماعي والأهتمام بالعاجزين والمسنيين والمعوقين..ألخ . وخلأصة القول بان الهيكل الأرتكازية في تخلف مستمر.
- ضرورة وجود ميزانية عامة للأقليم ، وكذلك للخطة الأستثمارية من خلأل التقسيم العادل للموارد المالية العراقية ونصيب الأقليم من ذلك، على اساس النسب السكانية وأحتياجات المنطقة، والتعويض عن تخلفها من جراء الحصار الأقتصادي وممارسة سياسات الشوفينية من هدم القرى والتهجير القسري واستخدام الاسلحة الكيمائية والفتاكة تجاه الشعب الكردي لفترة طويلة وخاصة خلأل فترة النظام الديكتاتوري المقبور.
    - تنشيط دور الادارة الفيدرالية في مجالات لا يستطيع القطاع الخاص ولوجها, أو أنها تمس أمن وسلامة وثروات الإقليم والمجتمع بشكل عام، وفي شؤون الإدارة والأمن وحماية البيئة والثروة الوطنية. التطوير المتواصل للبنية التحتية التي تعتبرركيزة اساسية في عملية التنمية الاقتصادية المستدامة ، مع اهتمام بتنمية الكوادر المناسبة لهذه المجالات وغيرها.
- ضعف الأستثمارات الداخلية من قبل القطاع الخاص ، حيث ان راس المال المحلي ليس في مستوى طلبات السوق، وخاصة المساهمة في المشاريع الأنتاجية ألزراعية ، الصناعية والخدمية. ضعف ايضا حجم الأستثمارات الأجنبية بسبب عدم أستقرار المنطقة نتيجة الأقتتال والحروب الداخلية والخارجية وتصعيد العمليات الأرهابية . كما ان القوانين الخاصة بالأستثمارات والجمركية ليست بالمستوى المطلوب. وكذلك ضعف ايضا دور المؤسسات المالية والأدارية وخاصة البنوك منها لتلعب دورها في عملية الرقاية والتحكم بالموارد المالية ، والبورصات ، سعر صرف العملة، نسبة فوائد على القروض العامة والقروض للمشاريع الصناعية والتنموية الأخرى.
- تقليص صلأحيات ومهمات الهيئات الأدارية لمؤسسات الحكم الفيدرالي ، ضعف مشاركتها في عملية صنع القرار الأقتصادي أنعدام دور البرلمان في عملية رسم وتوجيه السياسة القتصادية ، عدم الفصل بين السلطات التشريعية، القضائية والتنفيذية ، مع الهيمنة الحزبية المباشرة في أعمالها.
- أنتشار الفساد الأقتصادي والأداري على كافة المستويات الأدارية في الأقليم . ظهور مجموعة من الناس ما يسمى بتجار السوق السوداء والمدعومين من الأحزاب الحاكمة، والمهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية وتهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى الدول المجاورة .
- تاميم جميع البنوك ،حتى يتم الرقابة على تداول النقد ، وسعر صرفه ونسبة التضخم النقدي. التحكم باستخدام الشركات المحلية للعملأت الأجنبية والقروض اللأزمة لأستيراد التكنولوجيا في أنشاء صناعات جديدة ، وكذلك المدخولات المالية اللأزمة للمشاربع الى حين أكمالها وتصبح جاهزة الأنتاج ، مع ألأستخدام الأمثل للموارد المالية المتاحة للأقليم .
- أستحداث دائرة نوعية على شكل معهد مستقل ، تكون مهمتها أجراء بحوث علمية مختلفة في مجال التطوير ألأداري ، المالي ، المحاسبي ، الأنتاج والأنتاجية ، أستخدام معاير علمية ومنطقية في قياس كفاءة الأداء لمؤسسات الحكم الفيدرالي.
 تقديم دراسات علمية وعملية في استثمارات الموارد المتوفرة  في المنطقة في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية ، وفي مجال الموارد النفطية ايضا ضمن الأمكانيات المالية والتقنية والفنية المتوفرة في المنطقة .
- المبالغة بمفهوم الخصخصة ، مما نجم عنه فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء ، توسع في سوق المضاربات العقارية ، اتباع سياسة الأستيراد المفتوح وتاثيرها على زيادة  نسبة التضخم  المالي ، تفاقم حجم البطالة المكشوفة والمقنعة ، غياب وانعدام المحاسبة والشفافية على صعيدي الاداري والشعبي ، وتعميق نهج ظاهرة الفساد المالي والاداري على كافة مستويات الادارة الفيدرالية، سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا.

ثالثا في المجال الاجتماعي
- تقديم الخدمات الأقتصادية والأجتماعية وتوفير الأمن ومطاليب الحياة المتنامية للجماهير ، وضمان مستقبل زاهر للأجيال القادمة. العمل الواسع والمنظم في عملية تثقيف الجماهير وخاصة بين الشبيبة والطلبة،وتحفيزهم على المساهمة في عملية بناء المجتمع  سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، بحيث يشعرون  بان لديهم مستقبل زاهر في الأقليم .
- تفعيل دور المنظمات غير الحكومية ، من خلأل تعميق الممارسات الديمقراطية ، بحيث تستطيع ان تساهم في دعم جهود المجتمع لضمان حقوقه وحماية واجباته منها حق التظاهر والأظرابات والتعبير عن الرى وممارسة النقد البناء وحرية النشر والكتابة وغيرها ، وان تنظم ذلك بقواتين عصرية وعقلأنية، تسمح  للمجتمع دون عقبات بممارسته .
- ضمان وحماية الحقوق الدينية للاقليات المسيحية والايزدية والشبك والصابئة وكذلك القومية من كلدوواشور وتركمان المتواجدين في المنطقة على اسساس الكردستانية واحترام حقوق المواطنة.
- أدخال المعرفة ووسائل الاتصالات الحديثة  في عملية توعية الجماهير وتقدم المجتمع . تغير المناهج الدراسية على كافة المستويات ، بحيث تنسجم وتتلائم مع روح العصر، والاهتمام بنمو العلاقات الديمقراطية والتربوية على اسس صحيحة بين الطلاب والمدرسين ، وبناء جسور التعاون والعمل المشترك مع اسر الطلبة والمؤسسات المعنية بالشؤون االتربوية.
- نشر المكتبات العامة والمراكز الثقافية والشبابية ، ودعم الابداعات الفنية بفروعها المختلفة.اكثار من اصدار الصحف والمجلات المتنوعة ، ودعم نشر الكتب الثقافية والعلمية والاجتماعية، والاهتمام بالترجمة من اللغات الاجنبية ، وتفعيل دور الاعلام المختلف، من خلال اقامة الندوات والمؤتمرات وبرامج التلفزيونية وتشجيع المناقشات البناءة على اسس الحوار الحضاري واحترام الاراء والاكثار من البحوث العلمية.
- معالجة ظاهرة الهجرة المستمرة الى الخارج ، ومن مختلف فئات المجتمع ، وخاصة القوى العلمية والاكاديمية والثقافية ، وتريث الكثير من المغتربين في العودة الى الاقليم في الوقت الحاضر.
- ان الدور الفعلي للمراة في الادارة الفيدرالية ومركز القرار ما زال مشروطا وتجميليا، ومشاركتها اتسمت بالطابع الرمزي، من دون مد التمكن الى القاعدة العريضة من النساء، سواء في البرلمان او في المناصب القيادية للحكومة، اوتوليها للوظائف في مجال السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية في الخارج، او في النشاط السياسي والعمل في منظمات المجتمع المدني، او في التعليم والقضاء غلى محوالامية المنتشرة بنسبة عالية في صفوفه، لاتزال ضعيفة وفي تراجع مستمر، ولا تتناسب مع طموحاتها وقدراتها الحقيقية.
- تامين دخل ثابت ومتوازن لكافة ابناء الشعب ، وتوفير فرص العمل للمواطنين ، ايجاد نظام الضمان الأجتماعي ،الصحي والدراسي للجميع ، وحماية الاطفال من الأستغلأل، والحق في الأستقرار الحياتي، حتى يشعر الأنسان العراقي بالأمان ، ويبتعد عن الغش والسرقة والفساد والأجرام.
- ارساء الأمن السياسي والأجتماعي  والأقتصادي، والقضاء على الأرهاب المحلي والدولي باشكاله المختلفة .العمل على تعزيز سيادة القانون في المجالأت الكافة.

يقاس نجاح اي مشروع تطلقها الادارة الفيدرالية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، على مدى استجابته لمطاليب الجماهير الشعبية ، وقدرته على تلبية االاحتياجات المعيشية والحياتية الملحة والضرورية ، ويساعد على انتشال الاقليم من التخلف والازمات المزمنة المتنوعة ، وتطمين تطلعاتها الى بناء مجتمع متطور ومستقر على اسس العدالة الاجتماعية ، وترسيخ الممارسة الديمقراطية ، وضمان صيانة كرامة الانسان وحقوقه المشروعة.

114
محنة الاقليات الدينية والاثنية في العراق اليوم

د.صباح قدوري

تتفاقم يوما بعد اليوم الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق نحو الاسوا. وتتصاعد فيه موجات العنف والجرائم الارهابية المنظمة ، والتي تشارك فيها كل من تنظيم القاعدة ، بقايا ازلآم النظام الديكتاتوري المقبور ، ومجموعة الاسلام السياسي المتطرفة ، و المدعومة من بعض الانظمة الاقليمة ، وعلى راسها النظام الايراني والسوري والسعودي وبعض الدول الخليجية. تمارس هذه المجموعات الارهابية ابشع اساليب العنف والجرائم بحق الشعب العراقي ، وخاصة ضد الاقليات المسيحية والايزيدية والصابئة والشبك . استمرار موجات العنف الطائفي والديني بين المليشيات المسلحة المختلفة ، وذلك بهدف الهيمنة على السلطة والانفراد في ممارسة مزيد من الفساد المالي والاداري ونهب الثروات العامة ، وتكريس سياسة المحاصصة والطائفية والنزعة الشوفينية بين اطياف ومكونات الشعب العراقي ، وفي نهجها لادارة الدولة ، التي تستند اسسها على الافكار الرجعية المتخلفة وتعصب الديني الاعمى والغاء الممارسات الديمقراطية والتعامل مع الاخرين وتاجيج الصراعات بين مكونات الشعب العراقي . في ظل هذا المشهد العنيف والمعقد للحالة العراقية ، تتفاقم اليوم الصراعات والخلافات الفكرية والسياسية بين الاحزاب المشاركة فى العملية السياسية ، التي اخذت على عاتقها مسؤولية ادارة الدولة بعد سقوط الديكتاتورية ، وافاق تطورها المستقبلي للعراق الجديد. تتعمق ازمة قيادة الدولة يوما بعد يوم ،بسبب عجزها في تقديم الحلول الصحيحة لمعالجة الاوضاع الامنية ، استمرار الازمات الاقتصادية في تقديم الخدمات الاساسية في مجالات الكهرباء والماء وشحة السلع الضرورية مع تصاعد المستمر لظاهرة التضخم وتفشي البطالة وتدني الخدمات الصحية والتعليمية مع انهيارات المتعاقبة لما تبقى من البنية التحتية للاقتصاد العراقي المنهار اصلا وفق كل المقايس المعروفة وفي كل فروع منه ، وبذلك اصبح دور هذه الاحزاب ضعيفة جدا ومنشغلة في المشاكل والصراعات الداخلية ، وترك الامور للارهابين بان يفعلوا ما يشأوون بمقدرات الشعب العراقي ، الذي هو الخاسر الوحيد من العملية السياسية الدائرة في العراق بعد الاحتلال. بالامس القريب نفذ الارهابيون ولمرات عديدة جرائم نكراء من القتل والاختطاف وفرض التهجير القسري والاعتداء على الطائفة المسيحية والصابية والشبك وغيرها ، واليوم عادوا مرة اخرى بهجماتهم الجبانة، استهدفت بنات وابناء الطائفة الايزيدية بمجزرة التي تمت يوم 15/8/2007 ،باستخدام تفجير 3-4 سيارات مفخخة في قرى تابعة الى محافظة موصل وبالتحديد في تل عزيز وسيبا شيخدري في قضاء شنكال( سنجار)، والتي يسكنها الاخوة الايزيدية، راح ضحيتها اكثر من 500 ضحية من الرجال والنساء والاطفال والشيوخ ، ومئات اخرى من الجرحة،وتحويل مساكن اهاليها الطيبين الى أنقاض. وفي وقت قريب ، قتل ايضا منهم اكتر من 20 سخص على طريق الموصل.وحدث ايضا جريمة مماثلة لرجلين من ابناء هذه الطائفة في مدينة كركوك ، ولكن هذه المرة بطريقة (رجم) حتى الموت وليست السيارات المفخخة.ان القائمين على هذه العمليات الاجرامية ، يهدفون الى الابادة الجماعية للاقليات الدينية والقومية التي تهدد وجودهم وبقاءهم في ارضهم التاريخية الاصلية ، ومحاولة ارغامهم اما على الاستسلام والانظمام الى صفوف هؤلاء القتلة والمجرمين ، وهم يرفضون ذلك بالتاكيد، او ترك اماكن سكناهم والالتجاء للتفتيش الى اماكن الهادة في داخل وخارج العراق ، وذلك من اجل البقاء وحماية انفسهم وعوائلهم من هذا الطغيان والارهاب الدموي التي تمارس ضدهم بشكل مستمر ومنظم.ان هؤلاء القتلة والمجرمون ليس لديهم اى قدر من الحس الوطني تجاه العراق ، ولا يمتلكون ذرة من الاخلاق والقيم الانسانية او الدينية ، عملاء بيد الاخرين مخدوعين ومظللين من قبل اسيادهم في تنفيذ هذه العمليات والهجوم الانتحارية ضد الشعب العراقي المجروح ، الذي يعاني منهم ومن المحتلين في ان واحد ، وهو برئ منهم. على الشعب العراقي ان يدين كل الجرائم الارهابية التي تنفذها هؤلاء الخونة والعملاء والمؤجورين واصحاب الضمائر الميته والبعيدين عن كل القيم الانسانية والدينية والحضارية ، وان يقف صفا واحدا للتصدي الى خطط هؤلاء الارهابيين،ويصرخ ويهتف بصوت عالى ، لا للخونة والمجرمين والارهابيين ، بل لوحدة العراق شعبا ووطنا. نحمل الحكومة كامل المسؤولية تجاه ما يجري من الاوضاع الماساوية في العراق اليوم، ونطالب بحماية الاقليات والطوائف الدينية والقومية من هذا الارهاب المسلط على رقاب الشعب العراقي وانقاذه من محنته هذه ، مع تامين ضمان كامل حقوقهم المشروعة ، ومحاسبة المشاركين والمنفذين لهذه العمليات الارهابية الدنيئة ، وتقديمهم الى العدالة لينالوا عقابهم العادل.تقديم كل العون والمساعدات الفورية اللازمة وبالتعاون مع الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق للمجروحين، ووضع كل الوسائل والمستلزمات اللازمة من النقل والاسعافات والمستشفيات لمعالجتهم ، ومساعدة عوائل الشهداء ماديا ومعنويا من الدفن واقامة مراسيم العزاء في مناطقهم.نعلن تضامننا مع الايزديين وكل ضحايا الارهاب مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وشبك وكل انسان شريف. ونطالب من كل الاحزاب الوطنية والتقدمية في العراق واقليم كردستان العراق ومنظمات المجتمع المدني  والعالمية والعالم باجمعه ، الوقوف مع ماساة شعبنا العراقي الصابر، وتقديم يد العون اليه لتخليصه من براكين الارهاب الدولي والداخلي ومن الاحتلال الذي طال امده، وتفعيل دور منظمات الامم المتحدة في اعادة الاستقرار وبناء الاقتصاد والمجتمع المتحضر لابناء هذا الشعب الجريح.

115
مرة اخرى حول معاناة اطفال العراق
د.صباح قدوري

بمناسبة مرور عيد الطفل العالمي في الاول من حزيران ، كانت لنا مقالة مختصرة على موقع الحوار المتمدن وغيرها، بهذه المناسبة العزيزة على قلوب اصحاب الضمائر ومحبي الانسانية والمهتمين بقضايا الاطفال ، والذين يعانون شتى انواع المشاكل والخروقات القانونية والاخلاقية في العراق اليوم . وقد وضحنا ان المسؤول الاول والمباشر لمحنة اطفالنا في العراق ، هو الحكومة العراقية والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني المتدهورالذي يعيشه الشعب العراقي في ظل استمرار الاحتلال وتصاعد الارهاب وتدني الخدمات على كافة الاصعدة وخاصة في مجالات الماء والكهرباء والوقود وشحة المواد الضرورية للحياة وغيرها. وفي  بداية الشهر المذكور من كل سنة تقام عادة في مختلف بلدان العالم فعاليات من المهرجانات والحفلات والسفرات المختلفة، وتقديم الهدايا وغيرها تكريما ليوم الطفل العالمي. اما في عراقنا اليوم نجد انه بدل من الابتهاج  والاحتفال بهذه المناسبة وتقديم ما يمكن تقديمه الى اطفال العراق من النشاطات والفعاليات الايجابية ، تفاجئنا بفضيحة وجريمة تجاه اطفال شديدي العوق في دار الحنان للاطفال، والتي هزت بقلوب وضمائر كل المحبين للاطفال والمدافعين عن حقوقهم. في الوقت الذي نجد ان المسؤولين والمشرفين على هذا الدار ضميرهم خالي من اي حنان تجاه الاطفال!، والتي كشفت عنها مؤخرا احدى شبكات ووسائل الاعلام الامريكيةCBS،وكتبت عنها الصحف الغربية قبل العراقية،مقابل صمد وكتم تام من جانب الحكومة العراقية.تأتي هذه الفضيحة الجديدة في ظل معاناة مروعة لاطفال بلادنا، والذين يحتاجون الى رعاية وعطف كبيرين ومستمرين، وهم مهددين بالجوع والعطش وعراة ومكبلين على الاسرة، بعضهم كانوا ينامون تحت حرارة الشمس المحرقة ، وبعضهم تعرض حتى للاعتداء الجنسي.متروكين وبدون اية الرعاية من حيث التغذية والسكن والصحية، وأهمالهم من كل جوانب ومطتلبات الحياة  اليومية، والذي يذكرنا بمشهد فضيحة ابي غريب. حاول وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي انكار هذه الجريمة وتدويلها بانها مجرد دعاية واساءة بوزارته ، وانتقد الاعلام الغربي والعربي والمحلي بشد ، بانها تلعب الدور التخريبي في الحالة العراقية ، وتحاول تضخيم هذه الفضيحة واظهارها باكثر من حجمها الحقيقي !.لن نستغرب من الرد الفعل هذا الصادر من الوزير المعني بخصوص هذه المسالة. ان امثال هذا الوزير ماشاه اللة كثير في الحكومة الحالية ، منهم على سبيل المثال ، وزير الثقافة المتهم بفضيحة تدبير عمليات القتل تجاه بعض المواطنين العراقيين ، وهروبه الى الخارج. وكذلك الحال بالنسبة الى بعض الوزراء واعضاء في البرلمان العراقي ، المتهمين ايضا بالتواطؤ والعمل المشترك مع الارهابيين، وكذلك تفشي الفساد الاداري والاقتصادي بينهم.ان مثل هذه الجرائم مروعة عديدة في عراقنا اليوم . وفقا لصندوق رعاية الطفولة (اليونيسيف) التابع للامم المتحدة ، بانه منذ احتلال العراق عام 2003 ، فر اربعة ملايين عراقي من بيوتهم ، نصفهم من الاطفال. هؤلاء يتعرضون الى اشكال مختلفة من العنف والجرائم والاخطتاف والاختصاب والتعذيب..الخ ، وقد ادت هذه الحالة الى عشرات الالاف من الايتام ، ويعانون عشرات الالاف اخرى من الامراض الجسدية والعقلية والقلق والكأبة.السبب يعود الى غياب الحكومة والبرلمان والقانون( اى السلطات الثلاث). وان مصير العراق بعد سقوط الصنم ، انتقل بقدرة قادر وبارادة المحتلين الى ايدي الملشيات وفرق الموت ومرتزقة الاجانب والارهابيين والمؤسسات الدينية، وبعض الاحزاب السياسية الاسلامية والقومية والدينية التي لا تؤمن الا بسياسة المحاصصة والطائفية والمذهبية ومحاولة الهيمنة والانفراد على السلطة ومراكز صنع القرار السياسى بالقوة واستخدام العنف. ويكاد المرء لا يجد فارق بين النظامين السابق في عهد الطاغية والحالي، او بعبارة اخرى ممكن القول، بان النظام الحالى ليس الا امتداد للنظام السابق، بل اكثر منه تخلفا وديكتاتوريا من حيث النهج والهيمنة والانفراد بالسلطة والنفوذ ، وولاءه للانظمة الدينية والايدولوجية المتخلفةوالرجعية، التي لا تفكر الا بالقوة والارهاب ومعاداة ممارسة الديمقراطية والاسلوب الحضاري في معالجة كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي خلفتها النظام السابق ، وهو مسؤول بالدرجة الاولى وبالمشاركة من قوات الاحتلال والارهابيين وايتام النظام السابق، عن كل الجرائم التي يشهدها الساحة العراقية منذو سقوط الصنم ولحد الان. على الحكومة ان تمارس مبداء الحوار المتمدن والصادق في عملية المصالحة الوطنية . ايجاد آليات وحلول جذرية سريعة في معالجة الوضع العراقي المنهار على كافة الاصعدة. وضرورة فتح مرحلة جدية بغية انتقال العراق فعلا الى عراقا حديثا بكل معنى الكلمة ، يزدهر فيه الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصان فيه حقوق الانسان ، ويرفع من شانه كدولة عصرية في المحافل الدولية ذات السيادة الوطنية، وتأمن بالديمقراطية وممارستها فعليا في الحياة اليومية، وبالتعددية والتطور والتقدم والرفاهية والمواطنة لابناء الشعب العراقي. ينبغي ان لا تمر مثل هذه جريمة نكراء دون حساب وعقاب المسؤولين المتورطين فيها بعد اجراء تحقيق معهم، بغية ان ينالوا عقابهم العادل ،وانزال اقصى العقوبات الادارية والجنائية بحقهم ، حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة او غيرها في المستقبل. وانقاذ ما يمكن انقاذه من هولاء الاطفال، وبذل اقصى الجهود لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوقين في دور الدولة ، وتوفير السبل الكفيلة بالعناية وكل متطلبات الحياة السعيدة واللائقة بالطفولة لهم ، من المسكن والملبس والطعام  والرعاية الصحية والاجتماعية  والنفسية والحنان والحب، حتى تعود الابتسامة على وجههم والسعادة والفرح في قلوبهم.

116
مرة اخرى حول معاناة الطفولة في العراق
د.صباح قدوري

بمناسبة مرور عيد الطفل العالمي في الاول من حزيران ، كانت لنا مقالة مختصرة على موقع الحوار المتمدن وغيرها، بهذه المناسبة العزيزة على قلوب اصحاب الضمائر ومحبي الانسانية والمهتمين بقضايا الاطفال ، والذين يعانون شتى انواع المشاكل والخروقات القانونية والاخلاقية في العراق اليوم . وقد وضحنا ان المسؤول الاول والمباشر لمحنة اطفالنا في العراق ، هو الحكومة العراقية والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني المتدهورالذي يعيشه الشعب العراقي في ظل استمرار الاحتلال وتصاعد الارهاب وتدني الخدمات على كافة الاصعدة وخاصة في مجالات الماء والكهرباء والوقود وشحة المواد الضرورية للحياة وغيرها. وفي  بداية الشهر المذكور من كل سنة تقام عادة في مختلف بلدان العالم فعاليات من المهرجانات والحفلات والسفرات المختلفة، وتقديم الهدايا وغيرها تكريما ليوم الطفل العالمي. اما في عراقنا اليوم نجد انه بدل من الابتهاج  والاحتفال بهذه المناسبة وتقديم ما يمكن تقديمه الى اطفال العراق من النشاطات والفعاليات الايجابية ، تفاجئنا بفضيحة وجريمة تجاه اطفال شديدي العوق في دار الحنان للاطفال، والتي هزت بقلوب وضمائر كل المحبين للاطفال والمدافعين عن حقوقهم. في الوقت الذي نجد ان المسؤولين والمشرفين على هذا الدار ضميرهم خالي من اي حنان تجاه الاطفال!، والتي كشفت عنها مؤخرا احدى شبكات ووسائل الاعلام الامريكيةCBS،وكتبت عنها الصحف الغربية قبل العراقية،مقابل صمد وكتم تام من جانب الحكومة العراقية.تأتي هذه الفضيحة الجديدة في ظل معاناة مروعة لاطفال بلادنا، والذين يحتاجون الى رعاية وعطف كبيرين ومستمرين، وهم مهددين بالجوع والعطش وعراة ومكبلين على الاسرة، بعضهم كانوا ينامون تحت حرارة الشمس المحرقة ، وبعضهم تعرض حتى للاعتداء الجنسي.متروكين وبدون اية الرعاية من حيث التغذية والسكن والصحية، وأهمالهم من كل جوانب ومطتلبات الحياة  اليومية، والذي يذكرنا بمشهد فضيحة ابي غريب. حاول وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي انكار هذه الجريمة وتدويلها بانها مجرد دعاية واساءة بوزارته ، وانتقد الاعلام الغربي والعربي والمحلي بشد ، بانها تلعب الدور التخريبي في الحالة العراقية ، وتحاول تضخيم هذه الفضيحة واظهارها باكثر من حجمها الحقيقي !.لن نستغرب من الرد الفعل هذا الصادر من الوزير المعني بخصوص هذه المسالة. ان امثال هذا الوزير ماشاه اللة كثير في الحكومة الحالية ، منهم على سبيل المثال ، وزير الثقافة والاعلام المتهم بفضيحة تدبير عمليات القتل تجاه بعض المواطنين العراقيين ، وهروبه الى تركيا. وكذلك الحال بالنسبة الى بعض الوزراء واعضاء في البرلمان العراقي ، المتهمين ايضا بالتواطؤ والعمل المشترك مع الارهابيين، وكذلك تفشي الفساد الاداري والاقتصادي بينهم.ان مثل هذه الجرائم مروعة عديدة في عراقنا اليوم . وفقا لصندوق رعاية الطفولة (اليونيسيف) التابع للامم المتحدة ، بانه منذ احتلال العراق عام 2003 ، فر اربعة ملايين عراقي من بيوتهم ، نصفهم من الاطفال. هؤلاء يتعرضون الى اشكال مختلفة من العنف والجرائم والاخطتاف والاختصاب والتعذيب..الخ ، وقد ادت هذه الحالة الى عشرات الالاف من الايتام ، ويعانون عشرات الالاف اخرى من الامراض الجسدية والعقلية والقلق والكأبة.السبب يعود الى غياب الحكومة والبرلمان والقانون( اى السلطات الثلاث). وان مصير العراق بعد سقوط الصنم ، انتقل بقدرة قادر وبارادة المحتلين الى ايدي الملشيات وفرق الموت ومرتزقة الاجانب والارهابيين والمؤسسات الدينية، وبعض الاحزاب السياسية الاسلامية والقومية والدينية التي لا تؤمن الا بسياسة المحاصصة والطائفية والمذهبية ومحاولة الهيمنة والانفراد على السلطة ومراكز صنع القرار السياسى بالقوة واستخدام العنف. ويكاد المرء لا يجد فارق بين النظامين السابق في عهد الطاغية والحالي، او بعبارة اخرى ممكن القول، بان النظام الحالى ليس الا امتداد للنظام السابق، بل اكثر منه تخلفا وديكتاتوريا من حيث النهج والهيمنة والانفراد بالسلطة والنفوذ ، وولاءه للانظمة الدينية والايدولوجية المتخلفةوالرجعية، التي لا تفكر الا بالقوة والارهاب ومعاداة ممارسة الديمقراطية والاسلوب الحضاري في معالجة كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي خلفتها النظام السابق ، وهو مسؤول بالدرجة الاولى وبالمشاركة من قوات الاحتلال والارهابيين وايتام النظام السابق، عن كل الجرائم التي يشهدها الساحة العراقية منذو سقوط الصنم ولحد الان. على الحكومة ان تمارس مبداء الحوار المتمدن والصادق في عملية المصالحة الوطنية . ايجاد آليات وحلول جذرية سريعة في معالجة الوضع العراقي المنهار على كافة الاصعدة. وضرورة فتح مرحلة جدية بغية انتقال العراق فعلا الى عراقا حديثا بكل معنى الكلمة ، يزدهر فيه الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصان فيه حقوق الانسان ، ويرفع من شانه كدولة عصرية في المحافل الدولية ذات السيادة الوطنية، وتأمن بالديمقراطية وممارستها فعليا في الحياة اليومية، وبالتعددية والتطور والتقدم والرفاهية والمواطنة لابناء الشعب العراقي. ينبغي ان لا تمر مثل هذه جريمة نكراء دون حساب وعقاب المسؤولين المتورطين فيها بعد اجراء تحقيق معهم، بغية ان ينالوا عقابهم العادل ،وانزال اقصى العقوبات الادارية والجنائية بحقهم ، حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة او غيرها في المستقبل. وانقاذ ما يمكن انقاذه من هولاء الاطفال، وبذل اقصى الجهود لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوقين في دور الدولة ، وتوفير السبل الكفيلة بالعناية وكل متطلبات الحياة السعيدة واللائقة بالطفولة لهم ، من المسكن والملبس والطعام  والرعاية الصحية والاجتماعية  والنفسية والحنان والحب، حتى تعود الابتسامة على وجههم والسعادة والفرح في قلوبهم.

117
حقوق الطفولة في العراق اليوم !

د. صباح قدوري

لقد حظيت مسالة حقوق الطفولة ولا يزال الاهتمام الكبير من جانب الراي العام العالمي. اعتمد الاول من حزيران من كل عام يوما عالميا للطفل. تحتفل الاسرة في العالم بهذا اليوم الجميل والعزيز على القلوب ، ليس فقط لاظهار مباهج العيد ، بل ولتشديد النضال من اجل حماية الطفولة ، وكذاك تقوية التضامن مع اطفال العالم . وهو ثمرة نضال طويل للامهات والنساء وكل المناضلين من اجل طفولة سعيدة.ووضعت المنظمات النسائية هذه المهمة في برنامجها.ففي عام 1952 عقد اول مؤتمر نسائي في فينا برعاية الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي ، وتحت شعار: (حماية الطفولة من مخاطر الحروب والقنابل الذرية وتامين حياة سعيدة للاطفال). ومن قراراته اعتبار الاول من حزيران "يوم الطفل العالمي " .وقد شكل اعلان حقوق الطفل الصادر في 20. 11. 1959 اساسا قانونيا هاما للقيام بالعديد من الفعاليات التي ترمي الى تعزيز حقوق الطفل كاعلان عام 1979 عاما دوليا للطفل، ومبادرة بولندا بتقديم مشروع لاتفاقية دولية لحقوق الطفل عام 1978، وهو ما عمل بدوره على اتخاذ منظمة الامم المتحدة جملة من الاجراءات(كتشكيل اللجان القانونية مثلا)، والتي تكللت بصياغة واقرار اتفاقية حقوق الطفل يوم (20 من تشرين الثاني- نوفمبر) عام 1989، والتي اصبحت سارية المفعول في 20 /ايلول- سبتمبر/1990 .كما وصادقت عليها كل الدول العربية، باستثناء الصومال التي لا تزال متحفظة على عدد من موادها. تتكون اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 من 54 مادة، يمكن ان تصنف حسب الابواب:
 الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية، الحقوق الاجتماعية ، الحقوق الثقافية ، والحقوق القانونية.
وفي( 20- 30/9 / 1990 ) اجتمع اكبر عدد من قادة دول العالم في نيويورك لمناقشة جدول اعمال مشروع اسمه
( الاطفال اولا ) ، وكان عددهم 71 رئيسا و88 ممثلا رسميا ، وكان هدفهم من المشروع الالتزام ببقاء الطفل وحمايته وتنميته. ووضعوا خطة عمل لتنفيذ بنود القمة ومنها:
- لكل طفل حق اصيل في الحياة ، وتكفل الدول الاطراف الى اقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه
- تكفل الدولة ان يتمتع كل طفل بكامل حقوقه دون تعرض للتميز او التفرقة ايا كان نوعها
- حماية الطفل من قبل الدولة من الضرر والاهمال البدني والعقلي
- يجب ان يكون التعليم الآبتدائي الزاميا ومجانيا. وللطفل المعوق الحق في الحصول على العلاج والتربية والرعاية
- ان يتمتع اطفال الاقليات والشعوب الاصلية بثقافتهم ودينهم ولغتهم بكل حرية
- تكفل الدولة حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي والعمل الذي يعرقل تعليمه ويضر بصحته او رفاهيته… الخ.

ان النظام السياسي المتبع اليوم في كل مؤسسات الدولة العراقية، والقائم على اسس الطائفية والمذهبية والقومية والمحاصصة وتقسيم النفوذ الحزبي والمصالح الذاتية، وتفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري والتخلف والعنف والقتل العشوائي والتهجير والتشريد والانفلات الامني بكل معنى الكلمة، واستمرار الاحتلال الى اجل غير مسمى وما تتبعها من الانهيارات في كل مناحي الحياة ، لم يجلب للعراق اليوم غير الويلات والمآسي التي انعكست اثارها الكارثي على كل مكونات الشعب العراقي، وللطفل العراقي نصيب كبير من هذه الكوارث. تشير احدى المنظمات التابعة للامم المتحدة، التي تعنى بحماية المراة ،عكفت على دراسة واقع المرأة العراقية بعد سقوط النظام 2003 ، وخرجت بمؤشرات تتلخص بشعورهن المتنامي بعدم الأمان لا سيما ان اغلب العراقيين يشعرون بان امنهم مفقود.وان المرأة اقل قدرة على مواجهة هكذا نوع من التحديات، التي باتت تعصف بالمجتمع العراقي. وهناك خوف عام على مستوى الذات وعلى مستوى الاسرة، ومحاولة الهروب باية وسيلة كانت، وذلك بهدف الخروج من العراق لتحقيق اعلى درجات الامن.هناك (هجرة عراقية اسرية) بدل ان يسافر فرد من العائلة بغرض مساعدة اسرته مادياً، الان باتت الاسرة باكملها تنوي السفر والخروج من الوضع الامني والاقتصادي المتردي.امام هذه الظاهرة المعقدة للحياة ، والتي ادت الى زيادة الضغط المسلط على المرأة من جراء الوضع الاقتصادي وانعكاساتها على الطفل ، وذلك لان السنوات الاولى من عمره هي الاساس لبناء شخصيته. أضطرت شرائع كبيرة من الاسرة العراقية الى زج اطفالهم للتفتيش عن العمل الذي يهدد نموهم الجسمي وصحتهم النفسية وتطورهم الاجتماعي وتخلفهم عن الدراسة. ومن هذه الاعمال مثلآ العمالة في البناء ، بيع المواد المستعملة والاكياس البلاستكية، صباغة الاحذية، الحمالة، بيع الخمور والسيكاير والمخدرات والعقاقير المختلفة وغيرها، وذلك لتامين مصدر رزق اليومي للاسرة . يشير تقرير لليونسيف لسنة 2006، والذي يقدر، انه يوجد 246 مليون طفل في العالم يعملون، ويُعتقد ان حوالي 180 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 17 سنة (يمثلون 73 في المائة من جميع الاطفال الذين يعملون) . يعملون في ظل اسوأ اشكال عمل الاطفال، منها العمل في ظروف خطيرة، كالعمل في المناجم واستخدام آلات خطرة ومن هؤلاء الاطفال يُرغم 5.7 ملايين طفل على العمل بالسخرة بموجب صك دين، او يخضعون لاشكالا اخرى من العبودية، ويُرغم 1.8 مليون طفل اخر على ممارسة البغاء، او الظهور في مواد إباحية، ويمارس 000 600 طفل انشطة محظورة اخرى.وهناك 1.3 مليون طفل عراقي مشرد في خرائب المدن وساحاتها وشوارعها، وقسم كبير منهم يعيشون بلا مأوى،حفاة، عراة ، ويواجهون اخطار الاضطراب الامني والفقر. وقسم غير قليل منهم جرفه اصحاب الرذيلة وأرباب الجريمة وشوهوا نقاء طفولتهم وبراءتها. هناك واقع يقول ان ملاين من اطفل العراق مصابون بسوء التغذية. وأظهرت النتائج الأولية لمسح الأمن الغذائي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أن نقص التغذية يهدد حياة طفل بين كل أربعة أطفال في العراق.ولا يحصل الطفل العراقي على التلقيحات الضرورية وااللازمة للامراض المعدية ، وازدادت نسبتها وارتفعت الى 80% بما فيها شلل الاطفال. وتشير احصائيات اليونيسيف بان نسبة وفيات الاطفال تتصاعد بشكل كبير جدا.انتشار ظاهرة الادمان على المخدرات بين الشباب ،والصبيان،والاطفال. وتؤكد ارقام وزارة الصحة على وجود اكثر من 2000 طفل يتعاطون المخدرات،والناتجة بسبب الانفلات الامني، وضغف الرقابة الحدودية، وكذلك تفشي البطالة في المحتمع. وتشير المعلومات ايضا الى وجود 40-50 الف متسرب من الدراسة ،بسبب الانفلات الامني، وتردي الحالة الاقتصادية والمعيشية بشكل عام للاسرة العراقية ، وخاصة اسر الارامل واليتامى.ويؤكد تقرير الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية وجود 8 ملايين ارملة عراقية. والواقع المزري لكثير من المدارس وتفتقر الى ابسط المستلزمات الاساسية اللازمة لتوفير التعليم اللائق للاطفال. وكذلك تفاقم حجم الامية، وبلغت نحوى 50% من مجموع شريحة المجتمع المدرسي، التي صارت امية بالكامل، وطالت اكثر من70% من النساء. وان نسبة المتسربين من المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات في تصاعد مستمر وبلغت حدا مذهلا تنذر بكارثة تعليمية حقيقية، لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق حتى في سنوات الحصار.من المسؤول عن هذه الكوارث التي تحل بالاطفال العراق اليوم؟اليس السياسة الحكومية والميليشيات وفرق الموت وقوات الاحتلال ومرتزقتها من تدفعهم للتدريب على ادوات الموت اوالمتسبب في تسربهم من المدارس لحاجة عوائلهم  للدخل الذي يحصلون عليه ان كان عملا اوتسولا،وذلك للتامين الجزئي  لمعيشتهم؟!، فكيف اذن ممكن ضمن هذه الحالة التي تسود فيها الفوضى في كل مرافق الحياة ان نتغاضى عن الوضع العام للاسرة العراقية التي تسلط عليها الخوف والرعب والفقر والازمة النفسية وفقدان الامل بالمستقبل ، اذ لابد ان تنعكس ذلك سلبا على عملية النمو الاجتماعي والتربوي للطفل، وتكيفه في المجتمع. فأية احاسيس تحس بها الحامل لتنعكس على الجنين؟ الرعب ام الخوف والقلق على صحتها، ام قلة الدواء وسوء التغذية؟ كيف لها ان توفر الامان والراحة لنفسها كي يحس بهما طفلها؟ من سيقدم الرعاية للطفل اذا كانت الدولة نفسها قد حرمت المواطنين من ممارسة حقوقهم ومبداء الديمقراطية بشكل عصري، فمن سوف يتطوع للاطفال؟ وماذا بقى لنساء العراق من الاعداد لكي يكن مدرسة؟ هل بالتسرب من المدارس، ام العمل الليلي، ام الوقوف بالمسطر للحصول على المشتقات النفطية او الادوية او الخبز اوالعمل اوالبحث بين النفايات لسد الرمق  او او او؟، ام الضياع؟ او خدش مشاعر الطفل يتبادر الى ذهن الطفل الذي ذبحت امه امامه؟.السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بمناسبة عيد الطفل العالمي- هو ماذا فعلت الحكومات ، على طريق جعل المرأة في بلدنا محفوفا بالامان، لتهب شعبنا حياة جديدة ،طبيعية وسليمة؟ وماذا حققت لانتشال الطفولة الغارقة في الفقر والجوع والامراض والامية والاستغلال؟.. ولكن حتى تتم الأجابة بشكل ملموس على هذا السؤال، يظل يموت ملايين من اطفال العراق بسبب الحروب، والفقر والجوع والمرض وسوء التغذية والرعب والجهل... وأنتصارالمجهول!!!.
ان انتهاكات حقوق الطفل العراقي هي من الفظاعة والكثرة ومتنوعة والشمولية بحيث الكلام عنها لا يمكن التطرق اليها بهذه السطور المتواضعة ، فهي تحتاج الى اصدار كتاب بذلك.تكفي الاشارة في هذا الاطار الى تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان ومناشداتها المتكررة الى الحكومة العراقية السابقة في زمن الطاغية ولحد اليوم ، كمنظمة العفو الدولية (امنستي انترنشنال) ومنظمة مراقبة حقوق الانسان ولجنة حقوق الانسان الدولية وغيرها.واليوم تطالب الحكومة العراقية بان تنهض بمهامها وواجباتها الوطنية والاقتصادية والاجتماعية وعلى الصعد المختلفة ، وقبل كل شئ  تامين الامن والاستقرار في ربوع الوطن ، وحماية حقوق الانسان ، والاهتمام برعاية و حماية الطفولة  من الأستغلأل الأقتصادي والعمل الذي يعرقل تعليمه ويضر بصحته او رفاهيته . لاننا ننشغل بحماية أطفالنا من التعرض للاذى، نفشل غالبا في التواصل معهم وهم في أشد الحاجة لاهتمامنا . بالاضافة الى ما يتعرض له أطفالنا من ضغوط لتحقيق الانجازات والسلوك والاستهلاك مثل الكبار وهم في سن مبكرة . لنجعل من يوم الطفل العالمي تظاهرة عالمية من اجل تشديد النضال لحماية الطفولة ، وضمان مستقبل مشرف لهم، تجسيدا لأتفاقية حقوق الطفل لعام 1989. فليكون شعار كل انسان ان يتطوع للطفل مجانا،وذلك لانهم براعم حاضر ومستقبل الشعب العراقي ، وكونهم ثروة وطنية التي تعتير سندا اساسيا لبناء عراق مزدهر خالي من كل انواع الاضطهاد  والقمع والفقر والجهل، ويصان فيه حقوق الانسان، وليأخذ مكانه الحقيقي في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لما فيه تطور وطننا واستعادة سيادته الوطنية، وسعادة شعبنا العراقي، بحيث يتطلع ابناءه نحو الغد المشرق .

118
المدينة الاعلامية العالمية في أربيل
د.صباح قدوري

ورد مؤخرا من بعض المصادر الرسمية وغير الرسمية في اقليم كردستان، خبر انشاء المدينة الاعلامية العالمية في مدينة اربيل مركز الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق.ويمول هذا المشروع من قبل الشركة الامارتية بالمشاركة مع ادارة اقليم كردستان .وينفذ من قبل الشركات الخاصة- الالمانية والاسبانية وعلى مرحلتين، تنجز المرحلة الاولى خلال ستة اشهر من تاريخ بدء العمل .تقدمت كثير من الفضائيات ووسائل الاعلام  العراقية والاجنبية، وخاصة التركية منها، وكذلك الفضائتين العربية والجزيرة ، طلبا بحجز مكاتب لها ضمن هذه المدينة الاعلامية. تبلغ كلفة المشروع بحدود 1 مليارد دولار امريكي ، وهي كلفة مرتفعة جدا بالقياس مع الاسعار القياسية العالمية لمثل هذه المشاريع ، والتي لا تتجاوز كلفتها بحدود نصف هذه المبلغ، بضمنها كلفة اعداد الكوادر المحلية لادارة وصيانة هذا المركز. ان تنشيط ودعم الاستثمارات الخاصة المحلية والاجنبية في اقليم كردستان، وكذلك تفعيل دور الاعلام في التعريف وربط كردستان بشبكات اعلامية عالمية والمساهمة في توعية  وتثقيف الجماهير،هي مسائل مهمة وايجابية ، ولكن اهم من ذلك يجب اعطاء الاولوية للنشاط الانتاجي ،الذي يساهم في عملية تاهيل وبناء البنية التحتية التي تعتبر اساسا لبناء الركائز الاقتصادية الاخرى، والتي تساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الاقليم. وفي سياق هذا الموضوع قد يطرح المرء سؤالا، وهو: هل ان هذا المشروع ذات اهمية اقتصادية في الظرف الحالي وملائم  مع مرحلة التطور الاقتصادي الذي يمر به الاقليم ، ام هناك سياسات ومشاريع اقتصادية اهم من ذلك؟!. واترك الامر للمسؤوليين الحزبيين والاداريين في الادارة الفيدرالية لاقليم كردستان العراق، باقرار الحقيقة بانفسهم.  ويمكن اجمالها على سبيل المثال وليس الحصر كالاتي:-
1-  ان مسالة توحيد الكلي والنهائي للادارتين لا تزال قائمة ، وخاصة ما يتعلق بوزارة المالية.فمن الضروري توحيدها باسرع وقت ممكن ،  والاعتماد على التخطيط المركزي في رسم الخطة المركزية واعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الاستثمارية الموحدة للاقليم.
2- مهمة تعديل السياسة الاقتصادية الحالية ، المبنية على المبالغة بمفهوم الخصصة ، وانتهاج سياسة اقتصاد السوق فقط ، والتي تفرضها سياسات وتوجهات المؤسسات الدولية( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن. وقد تشجع هذه الحالة على المزيد من الفساد الاقتصادي والاداري، وتخلق فوضى في المبادئ والقوانين الاقتصادية في ادارة الاقليم.
3- معالجة أثار الفجوة الكبيرة التي حصلت بين الاغنياء والفقراء من جراء اتباع هذه السياسة ، التي ادت الى تفاقم حجم البطالة، ،وتخلف مستمر في الهياكيل الارتكازية،حيث الاهمال الملحوظ للمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات وغيرها.
4- يوجد تفاوت كبيرفي الهياكل الاقتصادية بين القطاعين الانتاجي والاستهلاكي. اذ ان معظم الاستثمارات جاءت في مجال الخدمات الاستهلاكية وليست الانتاجية ، حيث بقى قطاع الخدمات يشكل نسبة كبيرة في اقتصاد الاقليم ، والخدمات الحكومية تحتل الجزء الكبير من هذا القطاع ، وكان من الاجدر تحفيز وتنشيط القطاع الخاص في هذا المجال.وعلى اهمية نمو قطاع الخدمات عامة كان من الضروري ان يترافق معه تطوير القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني، مستفيدين من الأستثمارات والتدفقات المالية، لاعطاء صفة الديمومة للنمو والتطورالاقتصادي، ومعالجة الفقر ومشكلة البطالة، بانشاء مجمعات انتاجية مستفيدين من الثروات الغنية في المنطقة. بدلأ من ذلك تم استنزاف لاموال بمشاريع لا تحتل الاولوية لبلد فقير، وبذلك زاد الاعتماد على الخارج في توفير الحاجيات الاساسية والمواد الاستهلاكية، وتعمقت الازمة الاقتصادية ، وحملت الادارات المتعاقبة الفئات الشعبية اعباء هذه الازمات بزيادة الضرائب غير المباشرة وخاصة ضريبة المبيعات.
5- معالجة ظاهرة التضخم النقدي الناتجة بسبب الارتفاع في الرقم القياسي لمجاميع السلع الاساسية والضرورية ، وخاصة المستوردة منها ، وذلك من خلأل اجراء الزيادة النسبية في مدخولأت العاملين لمواجهة حدوث اي ارتفاع في نسبة التضخم . اصدار قانون بانشاء قسم حماية المستهلك في وزارة الأقتصاد ، يكون مهمته، حماية المستهلك عن طريق مراقبة اسواق بضائع المستهلك، ومنع حدوث الأحتكار، واستقبال شكاوي المستهلكين ، ومراقبة دقيقة للأرتفاع في الأسعار ، بغية احتواء التضخم وحماية المستهلك من الأستغلأل . وكذلك معالجة ظاهرة تصاعد حدة المضاربات في القطاع العقاري .
6- الاهتمام بتاهيل واعادة بناء البنية التحتية في مجال الاتصالأت الهاتفية والتلفونات المتطورة ،والانترنيت والفضائيات ، امن العمل، والوسائل المعلوماتية والتكنولوجيا الأخرى،النقل والمواصلات، وبناء المصافي وتامين الطاقة الكهربائية والمشاريع المائية ، والتي هي من اوليات بناء الاقتصاد الصناعي والزراعي المتقدم،وتوسيع وبناء شبكات الطرق السريعة، وكذلك الجسور وربط الاقضية والارياف بالمدن ، بهدف تامين نقل السلع والخدمات ونقل المسافرين.ايجاد حل لمعالجة ازمة السكن المتفاقمة بسبب الهجرة المتزايد الى المدن من داخل وخارج الاقليم، والتوزيع العشوائي للاراضي السكنية، وغياب نظام علمي وصحيح لتخطيط المدن في الاقليم.
7- اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور، من خلال اعتماد سياسة اقتصادية حكيمة تضمن معدلأت نمو مقبولة للأداء الأقتصادي.
8- معالجة ظاهرة الهجرة المستمرة الى الخارج ، ومن مختلف فئات المجتمع ، وخاصة القوى العلمية والاكاديمية والثقافية ، وتريث الكثير من المغتربين في العودة الى الاقليم في الوقت الحاضر.
و امام هذه المهمات وغيرها ، يمكن لإقليم كردستان الذي يسود فيه الهدوء النسبي، اعطاء تقدير سليم للتطورات الجارية على الواقع الاقتصادي الحالي في الاقليم ، وربط ذلك بالمتغيرات الجديدة التي قد تحصل في عملية تعميق وتطوير مفهوم الادارة الفيدرالية في الامد المنظور، واعتماد نهج تدريجي في مواجهة المهمات الجديدة وتطبيق برنامج الاصلاحات، وأن ينهض بأعباء إقامة مشاريع اقتصادية تدخل في إطار التصور التنموي الاستراتيجي مع التركيز على المشاريع الانتاجية والخدمات العامة ومكافحة البطالة في المرحلة الأولى..وضع برنامج اقتصادي- اجتماعي يتضمن عملية إعادة أعمار كردستان وتحقيق التنمية المادية والبشرية المترابطة وفق أسس عقلانية تساهم في رفع وتسريع معدلات النمو السنوية وتأخذ بالاعتبار حماية البيئة. أن كل المعلومات المتوفرة تشير إلى وجود جهود خيرية وصادقة ولكنها مبعثرة وغير منظمة ومع غياب التنسيق وسيادة العفوية في إقامة المشاريع والبذخ في الصرف وانعدام الرقابة المحاسبية والرقابة النوعية واحترام قانون اقتصاد الوقت والانتاجية وتفاقم البيروقراطية وغياب دور الإنسان المبادر والناقد والمشاركة الديمقراطية للجماهير في التحولات الجارية على  كافة الاصعدة في الاقليم .
اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الاقتصادية .وهي من الاوليات الاساسية للادارة الموحدة،حيث ان الادارات السابقة، لم تكن قادرة على إعادة بناء الوطنية السياسية التي تشكل روح الادارة القانونية التي تساوي بين المواطنين وتجمع بينهم وتوحدهم في إطار واحد يتجاوز الولاءات الجزئية العقائدية والحزبية والعشائرية والمحسوبية،اذ يتطلب منها قبل كل شئ ان تكون لها رؤية واضحة في مستقبل التطور الاقتصادي في المنطقة . ، تستند أسسها على الخلفية الايدولوجية والفكرية التي يجب ان تعتمدها هذه الادارة في السياسة الأقتصادية على اسس علمية وواقعة، ومن دون تطبيق وصفات (جاهزة)، واستنساخ تجارب دول اخرى،كما يصرح بعض المسؤولين الاداريين والسياسيين القياديين في مناسبات مختلفة ، بانهم سيجعلون من الاقليم شبيها بالنموذج الاماراتي ، او كوريا الجنوبية ، او يابان وغيرها!!!.انتهاج برنامج اصلأحي معلن، تحدد فيها الأهداف والاوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الاقتصاد المتوازن، تبرز فيه دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية، و من خلال اعادة الاهلية والهيبة لهيئات مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان، وأقامة سلطة على مستوى الاقليم ، تحل محل ظاهرة التسلط الحزبي والعشائري والقرابة والمحسوبية والفساد الاداري والمالي المستمرة حتى الان. تنشيط الوزارات لإنجاز مهماتها بهمة ومسؤولية وثقة بالنفس وبالشعب وإلى المشاركة الديمقراطية للناس فيها. خلق بيئة مناسبة ومحفزة للأستثمار على مستوى المؤسسات وادارة الفيدرالية في شكل صحيح .. تنسيق التوجهات وتوحيد ألاجراءات لتشجيع التقنية كثيفة العمل المناسبة للمشاريع ألاقتصادية المتوسطة والصغيرة، ومن اجل ان توظف اكبر عدد ممكن من قوة العمل في الأقليم.اذ يتطلب الوضع الحالي حيث تشكل البطالة فيه معضلة اقتصادية واجتماعية مركبة، وخاصة هناك البطالة المقنعة المرتبطة باغراض المنافسة السياسية بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين، على ان يجري تفضيل المشروعات الاقتصادية التي تعتمد اساليب انتاجية كثيفة العمل على تلك الكثيفة الرأسمال،لاتاحة ألمزيد من فرص العمل في الاقتصاد، والتخفيف من الضائقة الاقتصادية التي يرزح تحت تبعاتها غالبية الشرائح الاجتماعية في الاقليم. والكف عن سياسة استراد الايدي العاملة من الخارج، على سبيل المثال من اندونسيا ، باكستان، فيلبين، تركيا ، لبنان وغيرها، لما لهذه الظاهرة من الخطورة والتاثير السلبي والتخريبي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الاقليم. أعداد برنامج أنمائي شامل للأقليم، للخروج من الحالة الحالية لللتردي ألأقتصادي الشامل. على ان ينطوي البرنامج ألأنمائي على سياسةالتدخل المباشركما سياسة التدخل غير المباشر، للمباشرة بنهضة أستثمارية شاملة، في كافة حقول النشاط ألأنتاجي،وخاصة التحويلية منها، في  مجالأت الزراعة والصناعة والخدمات،وبناء واعادة بناء البنية التحتية، وازالة التشوهات البنيوية التي انتجتها السياسات البيروقراطية السابقة. اعتماد سياسة الأقتصاد الصناعي ، القادرعلى رفع انتاجية العمل، بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات وامتصاص البطالة.ان تنفيذ المشاريع المشتركة عن طريق المعونات الخارجية ، لا شك تلعب دورا مهما في دعم التنمية المستدامة وتطويرها ، شرط استثمارها باسلوب صحيح في المجالآت الحيوية ووفق أولويات سليمة ، وكذلك ادارتها من قبل آليات محلية ودولية بصورة فعالة ومتناسقة.

119
حول مشروع قانون النفط والعازالعراقي
د.صباح قدوري

يعتبر النفط ثروة وطنية مهمة في العراق. وله ابعاد سياسية واقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي . ويحتل العراق المرتبة الثانية من حيث الاحتياطي العالمي للنفط . ويتميز بالجودة وانخفاظ  كلفته الانتاجية ، التي لاتتجاوز دولار واحد ، في الوقت الذي نجد ان هذه الكلفة قد تتراوح بين 7- 20  دولار في بقية البلدان العالم المنتجة للنفط . يعتمد العراق بالدرجة الرئيسية على ريع القطاع النفطي ، وهو عصب اقتصاده الوحيد الذي يحرك ماكنته في الوقت الراهن . تبلغ نسبة القطاع النفطي بحدود 70% من التاتج المحلي الاجمالي،وتشكل عائدات النفط 90% من موارد الميزانية العامة للدولة، بما في ذلك موازنة البرنامج الاستثماري.يجب التحكم بهذه الثروة بشكل عقلاني ومنطقي ، بحيث ينصب ريعها المالي في خدمة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ، التي تساهم بالتاكيد في تحسين المستوى المعيشى والخدمي والاجتماعي للجيل الحالي والاجيال القادمة.تعاني البنية التحتية في العراق ومنها القطاع النفطي من التخريب والاهمال والشلل والفساد منذو الحكم الديكتاتوري المقبور،على اثر فرض العقوبات الدولية في اعقاب عزو الكويت، وتعاني ايضا المصافي العراقية اوضاعا مزرية ، حيث لم تجدد لعدة عقود والتقنية المستخدمة فيها قديمة جدا.تفاقمت مشاكل القطاع النفطي بعد الحرب واحتلال العراق، بسبب عمليات التخريب وتهريب النفط من قبل مافيات خاصة شكلت لهذا الغرض، والتي الحقت اضرار جسيمة بهذا القطاع من الجوانب الانتاجية والتصديرية. يبلغ انتاج العراق من النفط حاليا بحدود مليوني برميل يوميا ، ويمكن ان يرفع الى ثلاثة ملاين في الامد القريب ، ولكن المشكلة تكمن في ايصال هذا الانتاج الى موانئ التصدير، حيث ان ثلث الانتاج  يصعب ايصاله حاليا الى الاسواق العالمية.
تناول كثير من الخبراء في مجال النفط والاقتصاد ، وكذلك الباحثين والسياسيين مسودة مشروع قانون النفط والعاز في العراق ، وذلك من خلال كتابة العديد من المقالات وعقد الندوات والمؤتمرات والمناقشات على بعض الفضائيات ، عالجوا فيها الجوانب القانونية والفنية والاقتصادية والسياسية لهذه المسودة . وقد خرجوا باراء وافكار ومقتراحات وحلول بناءة ومتقاربة . وانا بدوري اضم ايضا وجهة نظري بخصوص هذه المسالة الى تلك الاراء، ويمكن اجمالها في المحاورالاتية:-
1- وجود حاجة ضرورية وملحة لاصدار قانون خاص ،ينظم نشاطات ووظائف القطاع النفطي .ويجب ان يخدم بالدرجة الرئيسية المصالح الوطنية ،الاقتصادية والاجتماعية للعراق، بعيدا عن المصالح الفئوية  والمحاصصة الطائفية والمذهبية والقومية والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة .
2- العراق مازال يعاني من نزاعات داخلية ، ولم تتوافر له بعد اسباب الامن والاستقرار على نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية واعادة الاعمار، مما يؤدي الى التريث وعدم الاستعجال  في اصدار القانون الهادف الى جلب الاستثمارات الاجنبية الى القطاع النفطي بالشكل الوارد في مسودته في الظرف الراهن ، واعطاء مزيد من الوقت لدراستة ومناقشته من جميع جوانبه الفنية والمهنية والاقتصادية. ان اعطاء الاولوية في معالجة الوضع الامني وفرض سلطة القانون والدولة، يعتبر اساسا لمعالجة القضايا الاخرى ، وفي مقدمتها تحسين الوضع الاقتصادي العراقي ورفع المستوى المعيشى والخدمي والاجتماعي للشعب .
3- هناك مهمات امام الحكومة الحالية قبل اصدار قانون النفط الموضوع للبحث ، وعلى راسها  اجراء تعديلات منتظرة وبسقف زمني قريب على عدد من فقرات الدستور،وهناك كتل في البرلمان تحبذ هذا الاجراء، وخاصة مايخص منها بالثروة النفطية وتوزيع الموارد المالية للمناطق/الاقاليم .
4- ضرورة اجراء تنسيق تام بين المركز والاقاليم ،وخاصة اقليم كردستان القائم حاليا ، في التنفيذ والاشراف والسيطرة على النشاطات النفطية ، والالتزام بالخطط المقررة من قبل وزارة النفط ، مع تحديد وبشكل واضح ومحدد صلاحيات الاقاليم في عمليات التنقيب والتطوير والانتاج والتسويق مستقبلا.
5- ان الامكانيات المالية والفنية والادارية متوفرة في العراق،ويمكن الاعتماد على الكوادر الوطنية والاستعانة بخبراتها الطويلة والاستفادة منها في مختلف المراحل الفنية لهذا القطاع . في ضوء الصعود التدريجي لمعدلات الانتاج لعموم العراق ، يمكن تامين الاحتياجات المالية لاعادة تأهيل وبناء هذا القطاع خلال السنوات العشرة القادمة ، اذ لا تتجاوز كلفتها عن 30 مليارد دولار، اي تخصيص بمعدل 3 ملياردولار سنويا في الموازنة الاستثمارية لهذا الغرض. اما بخصوص التكنولوجيا الحديثة التي تستخدم في القطاع النفطي ، فيمكن استيرادها بالاستفادة من هذه التخصيصات اوالاستعانة بقروض ميسرة.تدريب وتعليم الكادر العراقي لاستخدامه في عملية الاستكشاف والتطوير والانتاج ، وبذلك يمكن رفع القدرة الانتاجية  للنفط العراقي خلال هذه المدة من6 -10 مليون برميل يوميا.
6- اعادة هيكلية وزارة النفط بما يتماشى مع المتطلبات والمهمات المنتظرة لها، وتنسجم مع اصدار القانون الخاص بالنفط . مع التاكيد على استمرار دور العراق في منظمتي الأوبك والاوابك.والتاكيد على ضرورة اعادة استحداث شركة النفط العراقية ، واصدار قانون خاص بها يتماشى مع متطلبات قانون النفط  والغاز عند اصداره .
7- حيث الحكومة منشغلة حاليا في تطبيق الخطة الامنية وفرض سلطة النظام والقانون، يتم الالحاح على فرض مسودة القانون بالضغوطات من الجهات الخارجية على راسها الولايات المتحدة الامريكية وبالتعاون مع المنظمات الدولية ،( كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، المستعجلة في مسالة تثبيت نظام الاقتصاد الحر، وفرض سياساتها وتوجوهاتها في كل المرافق الاقتصادية والحياتية في العراق الجديد ، الذي لا يستطيع ان يكون فاعلا في نظام العولمة ، فلا انتاج وطني لديه يدخل به الى السوق ، ولا نظام سياسي واجتماعي وديمقراطي وثقافي نابع من ارادة الشعب حتى يستطيع حماية هويته الوطنية والتربوية والثقافية امام الهجمة الشرسة للراسمالية المعولمة ، مما يفتح الطريق امام رؤوس الاموال الاجنبية لفرض هيمنتها على النشاط الاقتصادي الوطني .
8- ان مشروع مسودة قانون النفط والغاز المقدم الى الحكومة العراقية ، يهدف بالأساس الى فرض مبدء الخصخصة في القطاع النفطي بكامله. لذلك نرى بان انشطة العمليات الانتاجية للنفط ، وكذلك امتلاك البنية التحتية لهذا القطاع ، يجب ان تكون بيد الدولة وتحت اشرافها وتصرفها ، وهو ايضا مطلب جماهيرى بالاضافة لمعظم المتخصصين في حقل النفط والاقتصاد ، ، يمكن اسهام ومشاركة القطاع الخاص في بعض مراحل صناعة النفط ، الا ان المشكلة في الوقت الحاضر هي ، ان القطاع الخاص المحلي لايملك الامكانيات الفنية والمالية والتقنية المتطورة والحديثة للقيام بذلك ، اذ لا بد من الاستعانة بالقطاع الخاص الاجنبي، وفق الشروط والمواصفات التي تحقق المصالح الاقتصادية للعراق.
9- ان ممارسة الضغوطات السياسية من قبل امريكا وبالتعاون مع المؤسات المالية الدولية ، يهدف الى فرض مسودة قانون
النفط والغاز على العراق وفي ذلك دلاله واضحة ، بان امريكا وشركاءها يطمحون في شراكة انتاج النفط العراقي ، وهو ما يضمن تدفق النفط بشكل مستمر الى الولايات المتحدة الامريكية ، اوربا واليابان ، وتحقيق ارباح خيالية من ذلك ، وبالتالي التحكم باهم مصدر للطاقة في العالم من حيث حجم الاحتياطي والانتاج مستقبلآ.
10- تتضمن مسودة قانون النفط والغاز منح عقود للتطوير والانتاج والتي يسميها البعض عقود المشاركة بالانتاج ، بان تعطي في الفترة الاولى للانتاج حقا للمستثمر باستقطاع نسبة عالية قد تتراوح بي 70-90% من قيمة النفط المستخرج ، حتى انتهاء فترة استرجاع كامل المبالغ المنفقة على التطوير ، ومن ثم المشاركة بنسبة تمثل 20% او اكثر من النفط المستخرج خلال فترة العقود قد تصل الى 50 سنة.اما في واقع الحال والمنطق،يكون استرجاع المبلغ بان يحسب على اساس كلفة المشروع المنجز في النهاية،وليس في فترة زمنية قصيرة جدا، وعلى الشكل الموضح اعلاه. وهذا استنزاف كبير للموارد وغبن في حق تصرف الدولة ولفترة الطويلة بالنفط ، ويعتبر ايضا نوع من الهيمنة على السيادة الوطنية .
11- من الضروري ايضا اصدار قانون خاص بالقطاع التحويلي والخدمي لفرض معالجة الاختناقات الحالية والمستمرة التي يعاني منها عموم الشعب.
12- يجب ان يرفق مع القانون نماذج من العقود الاخرى عند العرض والمناقشة من قبل المجلس الوطني ، عند المصادقة على عقود الاستثمار الاجنبي.الاستعانة بالخبرات والكفاءات العراقية والاستفادة منها في كل الحلقات التي تخص هذه المسالة ، حتى يحقق المصلحة الوطنية .

120
                                                  وجهة نظر بخصوص مشروع مجلس الجالية العراقية في الدانمارك

د.صباح قدوري

ان التحرك والعمل في انجاز مشروع  تاسيس مجلس الجالية العراقية في الدانمارك واظهاره الى حيز الوجود، بعد ان طال أمده ، يعتبر مسالة حيوية ومهمة وطنية. يتطلب من الجميع بذل جهود جدية في العمل والنهوض بمستوى المسؤولية،اخذين بنظر الاعتبار المصلحة الحقيقية لهذه الجالية في المقام الأول، ووضعها فوق كل الاعتبارات الاخرى . يجب ان لا نفكر بطريقة أستنساخ تجربة النظام السياسي المتبع اليوم في كل مؤسسات الدولة العراقية، والقائم على اسس الطائفية والمذهبية والقومية وتقسيم النفوذ الحزبي والمصالح الذاتية ، وفق كوتا المحاصصة، سيئة الصيت، ولم يجلب للعراق اليوم غير الماسئ والتخلف والعنف والقتل العشوائي والتهجير والتشريد والانهيار في كل مرافق الحياة ، وخاصة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والبنية الأقتصادية ، وكذلك الخناق على مبادئ الديمقراطية وعدم ممارستها في الحياة اليومية، هذا مع استمرار الاحتلال الى اجل غير مسمى . محاولة نقل هذه التجربة الفاشلة وفرضها على مجلس الجالية العراقية، من اجل الهيمنة وفرض القرار على اداء هذا المجلس لمهامه الاجتماعية والثقافية والوطنية والعمل مع الاطراف الاخرى، وهو ما يزال في طور التكوين. تكاد ان تكون هذه الظاهرة كمرض ، يمكن ان يعدي لا سمح الله السفارة العراقية في كوبنهاكن، وهي لاتزال ايضا في طور تكوينها.ونامل ان تكون معايير المواطنة والكفاءة والمؤهلأت والنزاهه، اساسا في الاختيار ونيل الوظائف الدبلوماسية والعامة فيها؟!!! .
منذ طرح فكرة تاسيس هذا المجلس عام 2005 ، تم حصر نشاطات الهيئة التحضيرية في كوبنهاكن.اهمال المحافظات الاخرى، وخاصة الكبيرة منها مثل اغوس، اودنسه والبورك من المشاركة الفعلية في اعطاء تصوراتها واراءها ومقترحاتها بخصوص تركيبة المجلس، وأليات عقد المؤتمر ، وانتخاب عدد اعضاء مجلس الجالية وغير ذلك . تم انتخاب الهيئة التحضيرية ،وديباجة مسودة النظام الداخلي ، ولم يشارك اى شخص من ابناء الجالية العراقية في هذه المدن الكبيرة في هذه الأمور، ناهيك لم يدعى اى شخص من هذه المدن للحضور حتى في بعض الاجتماعات التحضيرية التي عقدت خلال السنتين للتباحث والمداولة في مشروع تشكيل هذا المجلس . ان ماتم انجازه لحد الان ضمن مرحلة انشاء هذا المجلس، يعبر فقط عن راي مجموعة من الاشخاص اكثرهم محسوبين على الكتل الحزبية، ومن الذين يساندون مبداء المحاصصة والطائفية وتقسيم النفوذ و فرض الهيمنة، من خلال السيطرة على المجلس، وبالتعاون مع عدد قليل من المستقلين لاحولة ولا قوة لهم، ولا يتجاوزعددهم اصابع اليد الواحدة والموجودين في كوبنهاكن. وهم متفقون ومصرون على تشكيل المجلس في مرحلته الأولى، حتى على حساب الديمقراطية  وضمان حقوق اعضاء الجالية في هذه العملية، وتقسيم وظائفه وفق نظام كوتا المحاصصة المشار اليه اعلاه. ويستند مضمون هذا النظام على ان تعقد الاحزاب اجتماعات لها في المدن لانتخاب ممثلها ، واجتماع اخر لمنظمات المجتمع المدني  لانتخاب ممثليهم لهذا المؤتمر، ومن هؤلاء يتم انتخاب اعضاء مجلس الجالية العراقية . وهذا يعني دون عملية انتخابات عامة ومشاركة فعالة لكل ابناء الجالية العراقية المتواجدة في الدانمارك . ويبررون ذلك، بعدم توفرالامكانيات الفنية والمالية اللازمة في الوقت الحاضر لاجراء انتخابات تشارك فيها كل الجالية العراقيية.
فعليه ارى ان هذه الآليات تتنافى مع مفاهيم العمل الديمقراطي والحياة الديمقراطية وممارستها في اطار المجتمع الذي نعيش فيه. ونرى ان فتح الابواب امام الجميع والإعلان المكثف عن مشروع العمل والدعوة التي لا تستثني احد، هي شرط أساسي في تمثيل المجلس لابناء الجالية، على ان تجري عملية انتخابية بكل شفافية وعلى اسس ومبادئ الديمقراطية، واعطاء فرص لكل من يتوفر فيه الشروط المطلوبة وفق مسودة النظام الداخلي بعد اجراء تعديلات عليها بخصوص شروط الانتخابات وغيرها، فمثلا(كتابة  السيرة الذاتية والمهنية، وحسن السلوك، وعدم المحكومية بقضايا المخلة بالشرف والغش والاختلاس والفساد المالي ) ، وان يرشح نفسه الى الهيئة الادارية للمجلس الذي يتم انتخابه.
ان اجراء مزيد من الاتصالات والمشاورات من دون الاستعجال ، ومواصلة اقامة الندوات واللقاءات في العاصمة وكذلك في المدن الكبيرة ، ستساعد بلاشك على بلورة وانضاج مقترحات بناءة، والتي ستنصب بالتاكيد في ايجاد احسن سبل الممكنة لتوحيد الجهود، وتضمين حقوق كل مواطن من الجالية العراقية، وتحفيزه للمشاركة في هذه العملية ، حتى ينطلق هذا المجلس ببداية حسنة ويرتقي بمستوى مسؤلياته، اذ لابد سيرافقه النجاح المتواصل في  تحقيق اهدافه  ومهماته مستقبلا ، والتي يجب ان تنصب على ادارة شؤون الجالية العراقية في المجالات على سبيل المثال لا الحصر: الاجتماعية والثقافية، وأوضاع العائلة العراقية، ونشر الوعي في صفوف الجالية، والاهتمام بشؤن الشابات والشباب ، ومتابعة الحالة الدراسية لبنات وابناء الجالية، ومتابعة عملية الاندماج في المجتمع الدانماركي ، وكذلك متابعة شؤون طالبي اللجوء من العراقيين، والتنسيق والعمل المشترك مع السفارة العراقية والجهات الدانماركية ، ومن الضروري ايجاد اليات اللازمة لتوطيد علاقة قوية بين الجالية والوطن ، وغيرها من المهام الاخرى.

121
معاناة المرأة في العراق اليوم
د.صباح قدوري

في الوقت الذي نحتفل بيوم المرأة العالمي في 8 آذار/ مارس من كل سنة، نجد ان معاناة المرأة العراقية لاتزال متواصلة ومتفاقمة وتواجه صعوبات وتحديات كبيرة.ان وتيرة التقدم في مجالات المساواة بينها وبين الرجل ما زالت بطيئة جدا وفي تراجع مستمر،وبذلك اصبحت هي المتضررالأول في بنية المجتمع العراقي . تعرضت المرأة العراقية خلال العقود الماضية وخاصة في فترة النظام الديكتاتوري المقبور الى ابشع اشكال الاضطهاد والارهاب والقمع والتفرقة والقتل والحروب والحصارات والمعانات اليومية. واليوم يستطيع اي مراقب للوضع العراقي التأكيد، بان البلاد غارقة في صراعات طائفية وعرقية ومذهبية ودينية بالاضافة الى موجات العنف والقتل والاختطاف الاعشوائي، حيث وتشارك فيها مليشيات، وفرق موت، وقوات مرتزقة، وبقايا ازلام النظام السابق، وتنظيم القاعدة، واستخبارات دول تطمع الى توسيع نفوذها في العراق، مع استمرار حالة الاحتلال الى اجل غير مسمى،هذا بالاضافة ايضا الى ضعف في اداء  الحكومة لمهامها السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية في العراق الممزق.ان عشرات الارواح الذين يختفون يوميا ويخلفون ورائهم زوجات محطمات،عليهن ان يكافحن لاطعام عوائلهن ويفرضن احترامهن. كما تسبب عمليات التهجير القسري الطائفي، في نزوح الآف الاسر العراقية من بيوتها ومدنها بحثا عن الامان في مناطق اخرى داخل وخارج العراق، ويؤثر ذلك على جوانب الحياة في الاسرة العراقية ، التي تتحمل المرأة فيها المسؤولية اللأولى . لقد تحملت المرأة العراقية نتائج ما يحدث على الساحة العراقية من قتل على مستويات عديدة ابتداء من البيت الى العمل والمدرسة والجامعة. لقد ترملت الكثير من النساء ، وفقدن الازواج والابناء والاباء والاخوة، وازدات من الضغوطات النفسية عليهن وكذلك في اعباء الحياة ، فضلأ عن عمليات الاغتيال التي تعرض لها النساء من قبل بعض الحركات المتطرفة . ان النظرة الضيقة في العلاقات بينها وبين الرجل في الحياة الخاصة والعامة،لاتزال سائدة في المجتمع العراقي، وخاصة في المناطق النائية، رغم ان القوانين تنص على المساواة الافتراضية بين الجنسين، لكن الواقع يعكس تهميش تام للنساء ولا يترك لهن اي خيار في اتخاد القرار بخصوص حياتهن،واصبحت كثير من الارامل مجبرات على الزواج باشقاء ازواجهن،او فرض الحجاب الاجباري،اومنع الخروج الى الشوارع وحرمان من الذهاب الى المدارس واماكن العمل،وامام أنظار أسرهن وأطفالهن تم قتل واغتصاب وقطع روؤس ورمي جثث في الشوارع والاحياء السكنية وغيرها. لقد تفاقم مؤشرالعنف المنزلي والنفسي ضد المرأة، والذي يقع في خانة الحوادث غير مسجلة،وذلك بسبب ضعف التشريعات والتعتيم الواضح على هذه الظاهرة،سواء من قبل الموسسات الحكومية او من مؤسسات المجتمع المدني المعنية، هذا بالاضافة الى عدم تملك المرأة العراقية ضمن الوضع الراهن،وعي تام والقدرة المعنوية والمادية والثقافة القانونية، لجمع الادلة والوثائق اللازمة لاثبات ذلك والدفاع عن نفسها.لازال تتهم المرأة وتحمل المسؤولية في قضايا الانفصال والطلاق، وبذلك تصبح الضحية الأولى في هذه العملية، ويالتالي لا تضمن لها فعليا كافة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بسبب ذلك. هذا بالاضافة الى محاولة التقليل من شخصيتها الاجتماعية والنظرة الاستخفافية اليها من قبل المجتمع ، وتحميلها كل النتائج السيئة الناتجة من جراء عملية الانفصال والطلاق.لاتزال فكرة تعدد الزوجات قائمة في المجتمع العراقي، ومتفاوته بين الريف والمدن، لكنها اصبحت ظاهرة شائعة في الاونة الاخيرة ،ولا تنسجم مع  روح العصر ومبدء المساواة بين الرجل والمرأة.وهي ظاهرة تؤدي الى تفكك في الاسرة من النواحي كافة منها الاسرية والتربوية والاخلاقية.فلابد من حصرهذه الظاهرة،وذلك عبر الارشادات والتوجية والتوعية التربوية، كي نصل الى نتائج ايجابية اساسية لنجاح الحياة الزوجية المستقبلية.في مجال العمل، ما زال الوضع بائس، وان نسبة تفشى البطالة في صفوف المرأة العراقية، لاتزال عالية وشروط العمل غير متساوية، منها في مجال الاجور والرواتب والمناصب القيادية في العمل،وخاصة في القطاع الخاص،هذا عدا عن ظاهرة التحرش الجنسي التي تمارس وتعرض النساء اللاتي يتقدمن بالشكاوي الى الملاحقة والحصار وغيرها من المضايقات والاجراءت التعسفية ضدها، فابسطها مثلأ، انهاء عملها.ان عدم ضمان مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، يعوق نمو ورخاء المجتمع والاسرة،ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة، وبالتالي نرى النساء في حالات الفقر،لا ينلن الا ادنى نصيب من الغذاء والصحة والتعليم والتدريب وفرص العمالة والحاجات الاخرى.
كشف "تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2005 " الذي اصدره برنامج الامم المتحدة الانمائي،ان اوضاع النساء في المنطقة العربية شهدت "تقدما جزئيا" لكنها لا تزال تعاني تميزا في غالبية المجالات.واشار التقرير الذي حمل عنوان " نحو نهوض المرأة في العالم العربي" الى "فجوة معرفية" بين الاناث والذكور في المنطقة بسبب التميز بين الجنسين في التعليم. تعاني المراة العراقية تفرقة واضحة في مجال التعليم .ان نسبة تفشي الامية بينها هي اكبر بكثير من الرجل، لذا يجب ان تعامل المرأة بنفس مستوى الرجل،من خلال تخصيص مقاعد دراسية كافية لها، في جميع  مراحل الدراسية المختلفة ، وتحفيزها للدراسة من خلال الدعم المادي، وضمان تامين العمل لها بعد اكمال الدراسة ، وخاصة في مستوى التعليم الجامعي والدراسات والزمالات العليا في الداخل والخارج .واكد التقرير ان النساء لا يحصلن على رعاية صحية كاملة ، كما ان مشاركتهن السياسية "رمزية" على رغم التقدم في هذا المجال.كما واشارملخص التقرير الذي عرضه كبير معديه عالم الاجتماع الدكتور نادر فرجاني، الى ان "العمليات السياسية في البلدان العربية ما زالت بعيدة عن تمثيل المرأة ومتطلباتها وشواغلها"على رغم ان " الضغط الاجتماعي ادى الى تحفيز تغيرات ايجابية معينة".غير ان "دور المرأة في الحكومة ومركز القرار ما زال مشروطا وتجميليا، ومشاركتها اتسمت بالطابع الرمزي، من دون مد التمكن الى القاعدة العريضة من النساء". رغم ان الدستور أقر ضمان حقوق المرأة في المشاركة السياسية وغيرها بشكل يتساوى مع حقوق الرجل في المجتمع باسره،وحدد نسبة مشاركة المرأة في الجمعية الوطنية العراقية بحد ادنى لا يقل عن 25%من مجموع اعضاء الجمعية ، الا ان دور الفعلي للمراة ، سواء في البرلمان او في المناصب القيادية للحكومة، اوتوليها للوظائف في مجال السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية في الخارج، او في نشاط السياسي والعمل في منظمات المجتمع المدني، لاتزال ضعيفة وفي تراجع مستمر، ولا تتناسب مع طموحاتها وقدراتها الحقيقية.
ان الانظمة الديكتاتورية القمعية عملت على تلاعب بقضايا المرأة العراقية حسب مصالحها السياسية، واليوم تعاني المراة ايضا من صعود حركات الاسلام السياسي الى السلطة، وان ازمة مع الاسلاميين لا تربط فقط بخطابهم ونظرتهم المحافظة ازاء مكانة المرأة، وانما في ايديولوجيتهم الاوسع.
وضمن هذا المشهد الماساوي الذي تمر بها المرأة العراقية، وتهميش دورها في المجتمع والتي تشكل اكثر من نصفه، فان النساء نلن نصيبا مزدوجا من الانتهاكات الجسيمة تحت وطاة الاغتيلات والخطف والاغتصاب التي تتعرض لها على يد جماعات مسلحة وفي مناطق مختلفة من العراق، هي حربا ضد المرأة والانسانية. كما ان التركيبة القبلية والعشائرية للمجتمع وعقل الرجل العراقي لا يعطيها هامشا كبيرا،ولاتزال تسود فيها عادة قتل المرأة على خلفية( الاخلال بالشرف )، وتدين بهذه العادة وتمارسها كاسلوب تربوي يهدف الى ما يسمى بالحفاظ على سمعة العشيرة او العائلة ومكانتها في المجتمع!!!،وغيرها،هذا بالاضافة الى وطاة الاحتلال وزج مئات منهن في السجون العراقية والامريكية،ويتعرضن الى اشكال مختلفة من التعذيب والاغتصاب.
واليوم تتزايد بشكل مستمر ومنتظم هجمات وحملات التفرقة بين المرأة والرجل من قبل بعض رجال الدين من الخطباء في الجوامع وفي المناسبات الدينية،ومدعومة بالمقالات من قبل مؤيدي الفكر السلفي.وذلك باعتبار المراة "بانها مخلوقة فقط لانجاب الاطفال والقيام بالاعمال المنزلية"،و يؤكدون على، "بان مسالة المساواة بينها وبين الرجل اصلأ غير موجودة،والذين يدعون بذلك،هم من اناس البعيدين عن مشيئة وارادة الخالق، الذي خلق الانسان من الجنسين الذكر والانثى،المختلفين بيولوجيا ووظيفيا وفي الحقوق والواجبات، ويبقى هذا الخلاف الى ابد الابدين"!!!.ويؤكدون ايضا " بان الحجاب فرض من فروضه(عز وجل)،وانه لابد منه ولا غنى عنه لتفادي الفسق والرزيلة والزنى وغير ذلك من محرمات (سبحانه وتعالى)...، وهو رمز اخلاق المرأة، ويعبرعن الهوية الدينية والقيم الاسلامية!!!"، وغير ذلك من الأفكار والاقاويل الباطلة التي لا تمس باية حقيقة دينية اوقانونية اوانسانية اواخلاقية تجاه هذه المسالة. بالتاكيد لا تمت افكار اصحاب هولأء الى الدين بصلة، وهي تدل وتعبر عن فكر التخلفي والثقافي والسياسي والاجتماعي السلفي لدى هؤلأء الناس تجاه قضية المرأة العادلة والفارضة نفسها ضمن متطلبات وجوهر العصر، والتي يجب الاهتمام بها ومعالجتها على صعيد الدولة والدين والمنظمات المعنية.
وبهذه المناسبة نتذكرالابيات الشعرية الخالدة للشاعر الكردي جميل صدقي الزهاوي ، قالها قبل اكثر من سبعين عاما، ولاتزال تشكل منعطفا تاريخيا ثوريا في مجال الدفاع وتحرير المرأة العراقية ، عندما قال:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
واسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه واحرقيه بلا ريث
فقد كان حارسا كذابا
متى يتم رفع الظلم والتبعية والتفرقة عن المرأة التي تعاني من كل هذه المأسي وعدم الاحترام؟!.
يجب ان تقوم المؤسسات الثقافية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة النسوية وحقوق الانسان منها بدورها ومسؤوليتها الاخلاقية والانسانية والتاريخية،على رفع المستوى الثقافي والوعي للمرأة ، لكي تتحصن من اي هجمة ثقافية تحجم من دورها في المجتمع.التخلص من العادات والتقاليد البالية التي تثقل كاهل المجتمع،واعادة النظر في السياسات المتبعة نحو تاهيل الاسرة ومساعدتها في القضايا الأجتماعية والأقتصادية والثقافية، فضلأ عن التعاون والتنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة لوضع الحلول اللازمة من خلال اجراء المسوحات والاحصائيات لما تعانيه المرأة والاسرة العراقية. من الضروري ايضا تعديل المادة 41 من الدستور العراقي الجديد والخاصة بالاحوال الشخصية،والمهيمن عليها روح المحاصصة والطائفية والدينية،وخاصة ما يخص منها بحقوق المرأة العراقية،ورفض لمبداء مساواة المرأة بالرجل،من خلال جعل الشريعة الاسلامية اساسا في معالجة قضايا الزواج والطلاق والميراث والنشوز والنفقة والمهر والحجاب وغيرها.من الضروري التاكيد على ضمان بقاء قانون الاحوال الشخصية(188) لسنة1959 المعدل وتفعيله، لكونه شاملأ ويعزز روح المواطنة لدى الجميع، ويتضمن على الضمانات الاكيدة لحقوق المرأة العراقية. كذلك ضمان جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، وجميع الوثائق الدولية التي تقر بمساواة المرأة بالرجل في كل حقوقها. والاخذ بشكل جدي في حل مشاكلها،وتفعيل دورها في المجتمع من خلال اشراكها في صنع القرار السياسي والاجتماعي والنشاط الاقتصادي.
اجمل واحر التهاني القلبية الى المرأة العراقية ونساء العالم اجمع ، بمناسبة عيدها العالمي. فلننتهز هذه الفرصة وكل المناسبات الاخرى،لنشارك ونحتفل ونعلن فيها جميعا، تضامننا مع نضلات المرأة العراقية،ومن اجل الحرية والمساواة والسلام وحقوق الانسان والديمقراطية وحماية المرأة والاسرة والدفاع عن حقوقها المشروعة ،وانهاء كل اشكال العنف والارهاب والقمع والتميز ضد النساء، في اية بقعة من الكرة الارضية.واتمنى ان تصبح مسالة حقوق المرأة في عراقنا الحديث ، موضوع اهتمام كل الخيرين والمهتمين بشؤون المرأة ،وجعل قضيتها في المقام الأول، وذلك من اجل الاقرار بدورها الفعلي من خلال مشاركتها في صنع القرارات لبناء عراق جديد ينهض بمهامه الوطنية، وتوحيد الجهود والحفاظ على السيادة الوطنية، والقضاء على العنف والارهاب باشكاله المختلفة، وبناء واعادة بناء الاقتصاد الوطني في اطار (استراتيجية التنمية الوطنية المستدامة)، ورفع شان العراق في المحافل، الاقليمية، والدولية، والعالمية.[/b][/font][/size]

122
الموازنة الحكومية ... والأستحقاقات الأقتصادية والأجتماعية
[/color]
د.صباح قدوري

يعتبر مشروع قانون الموازنة الأداة الرئيسية لتنفيذ التوجهات العامة للدولة. وهو المعيار الحقيقي لسياساتها في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ان اتباع اسس والمعاير العلمية المتعارف عليها في النظام المحاسبي من الأصول والقواعد والمبادئ والقوانين المحاسبية في تبويب وأعداد الميزانية العامة ، يعتمد بدرجة كبيرة على فهم وشرح ومناقشة المواد التي تحتويها. بالقدر الذي يعتبر الجانب الفني مهم في اعداد وصياغة وديباجة الموازنة ، فان الأرقام الواردة فيها هي الأهم ، وذلك لأنها تعبرعن السياسة الأقتصادية والمالية للعراق في امد المنظور. لذا يجب أعطاء الأهمية الفائقة في تقدير هذه الأرقام ، على اسسس العلمية معتمدا على الأحصائيات الدقيقة لفترات زمنية مختلفة ، واستخدام معاير علمية ومنطقية في قياس كفاءة الأداء والأنتاجية في ميزانيتي2005 و2006 المتحققتين، ولكل مؤسسة أو دائرة حكومية، وقياس نسب التبذير والنفقات غير الضرورية والزائدة عن الحاجة،والرقابة الصارمة على الفساد المالي والأداري وحساب كلفتها وانتاجها المادي والمعنوي ضمن موقعها من المخطط الأقتصاد الوطني ، والتحكم بالموارد المالية المتاحة بشكل عقلأني ومنطقي حتى تكون تقديرات ميزانية 2007 أقرب الى الواقع .الأستعانة بالأساتذة والمختصين الجامعيين والباحثين المهتمين في هذا المجال، بغية وضع الدراسات عنها، لغرض التقيم والمحاسبة وتطوير العمل والأنتاجية ، وعلى ضوئها يجب ان تتم احتساب نسبة النمو في ميزانية 2007. من الضروري اشباعها بالمناقشات على كافة المستويات الأدارية، ومن ثم احالتها الى البرلمان لمناقشتها ايضا واغناءها والموافقة عليها واصدارها بشكل قانون الميزانية لسنة 2007 الى السلطات التنفيذية ، واجراء المتابعة والرقابة على تنفيذها من الجهات والهيئات الرقابية والنزاهة المعتمدة. 
ان الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها الحكومة العراقية في السياسة الأقتصادية الحالية والمتمثلة في مشروع الموازنة لعام 2007، تحث وتشجع وتدعم فقط نظام اقتصاد السوق، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ، ومنها العراق بدوعاة الفكر النيوليبرالي ، التي تفرضها سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن، مما يفتح هذه الحالة الطريق امام رؤوس الأموال الأجنبية لفرض هيمنتها على النشاط الأقتصادي الوطني.من الضروري التوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية. اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستدامة، والرؤية الأستراتيجية الواضحة بخصوص افاق التطورالأقتصادي في المرحلة الراهنة .
تتضمن بنية الموازنة المالية لسنة 2007 ، كالأتي :

أولأ :الأيرادات العمومية للدولة، تكون تركيبتها كالأتي :
(عائدات النفط ، المساعدات الخارجية النقدية وتنفيذ المشاريع ، الضرائب ،الديون الخارجية ، ايرادات اخرى )
الأعتماد بالدرجة الأولى على الريع النفطي ، وبقاء بنية الموازنة الأحادية الجانب للأقتصاد العراقي على هذا الريع بدلأ من التفكير في استراتيجية واضحة لتنشيط القطاعات الأنتاجية الأخرى وخاصة الصناعية منها.اما المساعدات الخارجية وخاصة الأمريكية والتي هي بحدود 10مليار دولآر للأعمار والوظائف ، وكذلك تنفيذ بعض المشاريع بشكل المباشر من قبل الدول المانحة للمساعدة، تكرس نوع من تبعية واعتماد الأقتصاد العراقي على الخارج في تحديد اتجاهات اعادة هيكليته، وبالتالي يشكل تدخلا مباشرا في شؤون العراق وانتقاصا لسيادته الوطنية. اما الأيرادات الناجمة عن الضرائب فهي في تناقص مستمر، بسبب صعوبة الجباية وانتشار الفساد الأداري والمالي في اجهزتها ،كذلك ايرادات الرسوم الجمركية تخضع لشروط المنظمات المالية والنقدية الدولية منها منظمة التجارة الدولية التي تهدف الى ازالة الحواجز الجمركية بمرور الزمن.

ثانيا :اعتمادات النفقات العمومية،وتشمل (النفقات الجارية- التشغيلية لوزارات وادارات الدولة ، النفقات الجارية للمجلس الوطني العراقي ، مجلس الوزراء ورئاسة الدولة، الموازنة التخطيطية للأدارات والشركات ذات التمويل الذاتي والتابعة لوزارتي الصناعة والتجارة ، وكذلك البنوك والمصارف وشركات التامين المؤممة وغير ذلك)

ثالثا : موازنة الخطة الأستثمارية لمدة 5 سنوات
تفتقر الموازنة الى التفاصيل وكذلك الملحقات التابعة لها ، لذا اكتفي بقراءة أولية لهذه الموازنة واثرها على بعض الجوانب الأقتصادية والأجتماعية ،ومن دون التطرق الى الأرقام اللأزمة للتحليل والمقارنة ، وذلك بسبب عدم أستطاعتي الأطلأع عليها وأحاول أختصرها كالأتي:
1- العراق ما زال يعاني من نزاعات داخلية، ولم تتوافر له بعد أسباب الأمن والأستقرارعلى نحو يسمح بوضع برامج واقعية وطموحة للتنمية واعادة الأعمار.ففي ظروف انعدام استراتيجية تنموية واضحة وخلل امني كبير بشكل أساسي، سيتم التوجه إلى القطاعات ذات الربحية السريعة دون إعطاء أية أهمية للقطاعات المنتجة.
2- سياسة تمويل بالعجز، اذ ترك النظام الديكتاتوري أثارا كارثيا وعبا ثقيلأ على الأقتصاد العراقي . زاد الطين بلة  بعد الحرب واحتلأل العراق، وبذلك اصبح يعاني من خلل جسيم في تركيب نشاطاته الأقتصادية الحيوية ، والأستمرار بالأعتماد على القطاع النفطي وحده والذي يشكل نسبة 70% من الناتج المحلي الأجمالي للبلد.وهو عصب الأقتصاد العراقي الوحيد الذي يحرك ماكنتة حاليا ، على رغم من قدراته الأنتاجية القائمة والبالغة 1.7 مليون برميل يوميا ، متوقعا ان يصل هذا الأنتاج الى 2.2 مليون برميل يوميا الصيف المقبل ؟!، مقارنة باحتياطاته الضخمة المؤكدة ولأسباب تعود للظرف الأمني الحالي ، غير ان تحسن اسعاره العالمية ، ساهم في تعظيم العوائد المحققة هذا بالأظافة الى المساعدات الخارجية  ساعد على عملية اسناد الموازنة العامة . وهي موازنة معونة ، تحول  العمال والموظفين الى أدوات عاطلة خارجة عن النشاط الأقتصادي . ان الدعم باشكاله المباشر وغير المباشر، يشكل 80% من تلك الموازنة ، في وقت تتشتت فيه صنوف العمل وطغيان ظاهرة الأستخدام غير النظامي ، الذي يستحوذ على نسبة 22% من أفضل قوة العمل المنتجة ، سواء من حيث القبول باجور دون مستوى الأنتاجية او العمل بساعات تقل عن 39 ساعة في الأسبوع ، وهوالحد المعترف به عالميا، وبذلك اذا ما أضفنا البطالة الفعلية البالغة 18% ، فيصبح الرقم 40% ، ويمكن ان يصل الى 50%، وهو ما وصلت اليها حالة اليوم ، وقد جعل من أرصفة الشوارع مجالأ للبحث عن فرص العمل ، وهي حالة مخيفة وما يترتب عليها من امراض ومختلف صنوف الأنحراف الأجتماعي وتصعيد من حوادث الأجرام والقتل والنهب والسلب والسرقة ودعم الأرهاب ، واصبح 20% من الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر.
3- هناك خلل بنوي في تركيبة الموازنة، وذلك  بسبب تفاوت كبير في نسبة توزيع نفقات الموازنة بين الأنفاق العام التشغيلي التي تمثل بنسبة اكثر من 80% والأنفاق العام الأستثماري وتشكل بحدود 20% من مجموع الموازنة التي تمثل 41 مليار دولأر.تسبب هذه الحالة الى عجز الموازنة في خلق ديناميكية على مستوى النمو الأقتصادي على اساس 10% ، والمزمع تحقيقه في هذه الموازنة ، والذي يشترط وجود استثمارات ضخمة تحتاجها البلد وخاصة في مجال بناء واعادة بناء البنية التحتية ، تأهيل القطاع النفطي الى 2.5 مليون برميل يوميا في المستقبل المنظور ، كذلك الأنهاض بالقطاعات الأنتاجية ، وفي مقدمتها القطاع الصناعي .
بنية نفقات جارية- التشغيلية العمومية ، يمكن تصنفها كالأتي:
- نفقات اقتصادية، وتشمل(الطاقة ،والماء ، والصناعة ، والزراعة ، والتجارة ،النقل والمواصلأت ، الأنشاءات والبناء،والتكنلوجيا الحديثة، والبنية التحتية، وغيرها)
- نفقات اجتماعية، وتشمل( الصحة ، والتعليم ،التشغيل والتنمية الأجتماعية ، والضمان الأجتماعي والشيخوخة، والمراة ، والثقافة، والأوقاف، والشباب والرياضة والسياحة ، والغابات ، والبيئة، وغيرها)
- نفقات سياسية وامنية، وهي مهيمنة في الموازنة ، وتشمل( الدفاع ، والأمن ،والخارجية ، والداخلية ، والعدل ، الأنفاق العسكري الأخرى، والبرلمان ، ورئاستي الوزراء والدولة ، وغيرها).
ان سياسة التمويل بالعجز لهذه النفقات العمومية ، لأ تؤدي الي خلق الزيادة في تراكم راس المال الثابث كما يذهب اليه البعض ، وكم هو الحال في الأنفاق العام الأستثماري ، بل تشكل وسيلة لمراكمة الثروات في أيدي الأقلية ، وبالتالي زيادة المديونية وتفاقم عجز الميزانية العامة وتتحول الى حالة مزمنة ترافقها ارتفاع معدلأت التضخم و الكساد والبطالة وارتفاع العبء الضريبي، وكل هذه النتائج تعكس على الحقوق الأقتصادية والأجتماعية للطبقات المسحوقة.
4- ان الأنسحاب التدريجي من سياسات الدعم والغاءها، ستكون الأولوية في ميزانية لعام 2007 ، وهي مطاليب صندوق النقد الدولي، لها نتائج السلبية على مجمل الحالة الأقتصادية والأجتماعية ، والمتمثلة بسياسة البطاقة التموينية ونظام دعم اسعار بيع المشتقات النفطية . ومقابل ذلك هناك مشروع يسمى بشبكة الأعانات الأجتماعية ، والتي من المتوقع شمول حوالي 2 مليون عائلة عراقية بمساعدات وضمانات الأجتماعية خلأل سنة الموازنة ، اي شمول بحدود 10 مليون عراقي عاطل عن العمل،ومن الذين يستحقون المساعدات الأجتماعية. ان هذا السلوب من المعالجة تكون وقتية،وستأثر بالتاكيد بشكل سلبي على الحالة الأقتصادية والأجتماعية، ولأ تساهم في حل المشكلة بل تؤدي الى تعقيدها في المستقبل المنظور. بدلأ من التفكير بهذ الشبكة وترصيد اعتمادات ضخمة لها ، من الأجدر ترصيد مبالغ في الأنفاق الأستماري لقطاعات الأنتاجية وخاصة الصناعية منها ، مما تساعد في المدى المنظور تخفيف حدة البطالة وزيادة مدخولأت العاملين نتيجة حصولهم على العمل بدلأ من الأعتماد على المساعدات الأجتماعية ، وبالتالي يزيد مساهماتهم في دفع الضريبة التي يجب ان تشكل موردا مهما لأيرادات العمومية مستقبلأ.
5- ان الأستراتجية المعتمدة في الموازنة لعام 2007 ، لن تساهم في عملية الأصلأح الأقتصادي ولأ تدفعه نحو بناء اقتصاد متطور وعصري ، حيث ستبقى الأعتمادات بالدرجة الأولى على العوامل الخارجية ، على راسها اسعار النفط الخام ، من خلأل رفع طاقة انتاج وتصدير النفط الخام ، وكذلك سياسة المنظمات والمؤسسات المالية والنقدية الدولية في فرض شروطها على تحديد اتجاهات تطور هيكلية الأقتصاد العراقي ، من خلأل الأعتماد الكلي على اقتصاد السوق وابعاد دور الحكومة ومساهمتها في تنشيط الأقتصاد العراقي.
6- يؤشر مشروع قانون الموازنة الى سياسات انكماشية ، سوف تعمق الفجوة بين الفيئات والشرائع الأجتماعية ، زيادة الضرائب على المواطنين ، الغاء الدعم عن بطاقات التموين والمحروقات ، وتدهور الخدمات العمومية ، و زيادة البطالة ، واستمرار ارتفاع نسبة التضخم .

والخلأصة يمكن القول ، بان مشروع الميزانية بشكلها الحالي ، لأيمكن ان يؤدي مهامه في عملية انتعاش الأقتصادي في العراق الجديد  ضمن اوضاع امنية منفلتة،وفشل السياسات الأقتصادية للحكومات قبل وبعد سقوط الديكتاتورية، ومادام هناك التاكيد وبشكل مستمر على زيادة الأنفاق العسكري والأمني مما تسبب الى زيادة النفقات العمومية بمعدلأت كبيرة .هناك تبذير كبير في مجال الأنفاق العمومية في رواتب المسؤولين لأجهزة الحكومية على مستوى الوزارات واعضاء البرلمان العراقي ونفقات حمايتهم واسكانهم وتجواليهم ، كذلك نفقات السلك الدبلوماسي في الخارج ، دعم الأحزاب المشاركة في الحكومة وميلشياتها باموال ضخمة،تفاقم مشكلة سياسة الدعم والمديونية الخارجية ، مع اتساع وتفاقم ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي على كافة المستويات الأدارية وغياب الضمانات الكفيلة بحماية الثروة الوطنية والمال العام.
والبديل لهذه السياسة هو اعتماد على سياسة مالية تستند الى استراتيجية تنموية ، من خلأل وجود رؤية مهمة في ما يتعلق بأولويات واهداف التنمية  ضمن (استراتيجية التنمية الوطنية) ، وتوسيع اطار هذه الأستراتيجية بما يكفل صياغة برامج قطاعية محددة واعادة ترتيب الأولويات بشكل يتناسب والتطورات الجديدة في الحالة العراقية ، بحيث تضمن معدلأت مقبولة للأداء الأقتصادي ،وتهدف الى اسباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور ، والقضاء على البطالة ، وبعث الحيوية في قدرة الدولة على اداء مهامها بأحسن وجه ممكن.[/b][/font][/size]

123
لم البكاء والعويل على اعدام صدام
[/color]

بعد تنفيذ حكم الأعدام بحق صدام حسين ، افرز هذا الحادث، كثير من كتاب العراقيين والعرب وكذلك بعض الأجانب الذين نشروا كتابات عديدة  في الصحف وعلى المواقع  الكترونية ، بين التأيد والشجب لقرار الحكم،عملية  الأعدام واسلوب ووقت تنفيذها، او حتى اعتبارها كقضية اولى على اثرها نفذ هذا الحكم. منهم من أعتبر صدام حسين مجرما بحق البشرية  ونال عقابه العادل  في هذه الدنيا ويطلبون من الله ان يعاقبه عن الجرائم التي ارتكبها تجاه الشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة ومحاسبته وتعذيبه في جهنم. اما الأخرون يعتبرونه شهيدا وبطلأ من ابطال العراق والأمة العربية والأسلأمية ، ويدعون له بالرحمة وان يسكنه الله في فسيح جناته. وهي وجهات نظر معبرة عن اصحابها في هذا الموضوع . وانا شخصيا من مؤيدي الأتجاه الأول ، علما انه اخذ معه اسرار كثيرة الى القبر، تخص شركاءه من بعض رؤساء الدول العربية والأجنبية وخاصة  من امريكان وحلفاءها، والتى لأتزال لم يفصح عنها حتى اليوم . وعلى اية حال  فان امر محاسبته اصبح في العالم الأخر وليس في عالمنا الأرضي!!!
 صدام حسين لم يكن شخصا عاديا ، بل حكم العراق زهاء 35 سنة ، يا ترى ماذا خلف هذا الشخص من وراءه للشعب العراقي وكذلك للشعوب العربية والأقليمية والدولية ؟. هل خلف الأزدهار والتقدم للبلد ، بحيث ينعم الشعب العراقي من ذلك ، ام انه ترك وراءه الخراب والدمار والفقر والتخلف والجهل والقبور الجماعية وعداء شعوب الجوار، وزرع فتنة الطائفية والمذهبية والقومية في صفوف ابناء الشعب العراقي ؟. من الملأحظة السريعة  والذكية ، نجد في مقدمتها الخسائر البشرية التي شملت كل الطبقات ، والقوميات ،والأديان من شريحة المجتمع العراقي، أبتداءا بالأحزاب السياسية المعارضة للنظام ، حرب الأبادة ضد الشعب الكردي في حملأت الأنفال السيئة الصيت ، التهجير القسري والقصف الكيمياوي لأبناء حلبجة الشهيدة . القبور الجماعية التي عثرت عليها بعد أسقاط النظام ، وشن الحروب التي أدت الى ملأيين من الضحايا بين موتى وجرحى ومفقودين ، بسبب حربي الخليج واخيرا الحرب الأمريكية البريطانية وحلأفاءهما ، ومن ثم أحتلأل العراق . هذا مع أستمرار العمليات ألأرهابية المختلفة لحد ألأن ، حيث ضحيتها يوميا مئات من ألأبرياء العراقيين .
أما الخسائر المادية ، متمثلة بتدمير الكامل للبنية التحتية ، تدني في الأنتاج والأنتاجية ، بسبب تعطيل الطاقات الأنتاجية في كل القطاعات الأقتصادية ، شحت السلع والخدمات في الأسواق ، والأعتماد على الأستراد من الخارج ، مع أستمرار فرض الحصار الأقتصادي على العراق لمدة 12 سنة ، مما سبب ايضا الى أنخفاض في عائدات النفط وتأثيرها السلبي على عملية التنمية الأقتصادية الأجتماعية في البلد . بيع النفط مقابل الغذاء وتوزيعيها على المواطنيين ، وفق نظام البطاقات التمونية، وتحديد حصة الفرد من الأستهلأكات الضرورية . أثرت هذه الحالأت في تدني معدلأت النمو ، وأنخفاض الدخل القومي ومن ثم دخل الفرد ، الذي أصبح في مستوى معدلأت دخله في الخمسينيات من القرن الماضي . واوجدت أيضا زيادة في معدلأت البطالة ، وارتفاع معدلأت التضخم النقدي ، أنخفاض سعر صرف الدينار العراقي ، ونفاذ أحتياطيات العملة الصعبة التي كانت تمتلكها الدولة بحدود 35-40 مليار دولأر، من جراء تاميم النفط وزيادة عائدات العراق من مبيعات النفط قبل حرب العراقية الأيرانية ، والتي ذهبت كلها هدرا ، بدلأ من أستثمارها في عملية التنمية الأقتصادية وألأجتماعية الحقيقية. حدث كذلك تغيرا جذريا في التركيبة الأجتماعية للشعب العراقي ، نتيجة الهجرة والتهجير القسري وتغير الطابع القومي وأسكان المصريين والفلسطينيين وألأيرانيين ، ليس لمساعدة هذه الشعوب والتضامن معها بل بهدف تغير التركيبة الجغرافية والثقافية لأبناء الشعب العراقي . أضطر النظام الديكتاتوري الأستعانة بالقروض من الدول المختلفة ، ولأسيما من بعض البلدان العربية ، التي وقفت بجانب النظام في تغطية نفقات حربه المجنونة ضد أيران ، والتي أصبحت فيما بعد مستهدفة بعد أنتهاء هذه الحرب ، حيث أقدم على غزو الكويت بدلأ من أرجاع ديونها . وكما معروف ان مبالغ الديون أصبحت تزداد نتيجة تراكم الفائدة عليها ، وكذلك دفع تعويضات هذه الحروب مع أستمرار العقوبات الأقتصادية.
سبب النظام الديكتاتوري الى تشريد وتهجير ملأيين من أبناء الشعب العراقي ، والذي بلغ عددهم أكثر من 3 ملأيين من الأيدي العاملة الماهرة والمتعلمة والمدربة ، واصحاب الكفاءات والشهادات العالية ، ومواطنيين من مختلف الأعمار والعوائل المضطهدة من الأكراد والتركمان وكلدواشور والصابئة والشيعة والسنة وغيرهم. هؤلأء المشردين والمهاجرين عانوا ولأزالوا من القسوة والحالأت النفسية والتفكك العائلي، ومشاكل البطالة في المهجر ، حرمان أبناءهم من اكمال الدراسات الجامعية الأولية وغيرها ، مع تفشي الأمراض الأجتماعية في صفوف بعض من الشابات والشباب. أعتماد مجموعات كبيرة منها على المساعدات الأجتماعية في تدبير نقمة عيشهم وأمور عائلأتهم، ومعانات قبولهم كلأجئين، ناهيك ان قسم كبير منهم يرغبون الرجوع الى البلد وخاصة بعد أسقاط النظام ، والأنخراط في العمل والمساهمة في بناء العراق الحديث ، الأ ان هناك لأتزال كثير من المشاكل والعوائق تقف أمامهم ، وتحول دون تحقيق مساعيهم وامانيهم . ان عملية الهجرة مستمرة حتى الأن سوا في داخل العراق او الى خارج العراق
تركزت سياسة النظام المقبور الى تشديد القمع والأرهاب والحروب . مما اقتضت هذه الحالة الى انشاء جهاز أمني وعسكري قوي، وتخصيص أعتمادات خيالية في الميزانية العامة على حساب ألأعتمادات الصحية ، الدراسية  والأجتماعية وتحقيق التنمية  التنمية المستدامة. وأهمال وعدم الأعتناء بالبيئة وحمايتها من التلوث ، التي حدثت من جراء الحروب واستخدام الأسلحة الكيمياوية والبايلوجية ، أنشاء مفاعيل النوؤية ، لتطوير الأسلحة وخاصة المدمرة منها . كذلك حرق العشرات من أبار النفط ، على أثر حرب الكويت ، والتي تسببت الى زيادة نسبة غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء وتلوثه. كذلك تجفيف منطقة الأهوار ، وتشريد أهالها والقضاء على عدة ملأيين من أشجار النخيل الجميلة والمثمرة والصحية للبيئة في وسط وجنوب العراق. ان مجمل هذه السياسات اللأانسانية ، واللأقانونية وأللأاخلأقية وقفت حجر عثرة امام التطور والتقدم وبناء مؤسسات المجتمع المدني وأقرار الديمقراطية وممارستها في الحياة اليومية ، وحل المسائل القومية وألأقليات ، مما اخر العراق وأرجعه الى عهد ما كان عليه قبل 50 سنة، وأصبح التخلف اليوم ظاهرا واضحا في كل مجالأت الحياة،وخاصة في بناء التكنولوجيا الحديثة ، حتى يستفاد منها الجيل الحالي والأجيال القادمة وأستخدامها في خدمة بناء العراق الجديد ، وارجاع عافيته بالسرعة الممكنة .
 اما على صعيدالشعوب العربية والأقليمية والدولية، حاول النظام وبكل الوسائل ، ان يبرز هيبته وقوته في المحافل الدولية . أنفق لهذا الغرض مبالغ طائلة في الدعاية وشراء الذمم ودفع الرشاوي وأبرام العقود التجارية في مجال أستثمارات النفط ، وشراء الأسلحة وتطوير القدرة العسكرية ، وذلك لتخويف الدول المجاورة وخاصة الخليجية والعربية منها ، مع أعتماد النهج الديماغوغي في السياسةالدولية تجاه قضايا العادلة للشعوب ، مع تنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة ، وخاصة تجاه أيران وسوريا ، بعد غزو الكويت ، أصبح النظام وراسه مطلوبا من قبل الولأيات المتحدة الأمريكية .وبذلك اصبح العراق منعزلأ عن معظم الدول العربية والمنطقة عدى المملكة الأردنية والسلطة الفلسطينية وتركيا ، وكانت لها مصالح اقتصادية وسياسية مع العراق في حينه.  ففي السياسة العربية ، فان النظام كان يدعي نظريا ، بانه حريص على قضية الوحدة العربية وتعزيز التعاون الأقتصادي والثقافي ، وتوحيد الخطاب العربي في مواجهة المؤمرات وتدويل هذه القضية لصالح الأمريالية والصهيونية . كل ذلك كان مجرد عبارة عن صرخات وأقاويل ووعود كاذبة بعيدة عن الواقع العملي الملموس ، ولم يقدم اي شئ بهذا الأتجاه ، وخاصة في القضية الفلسطينية الملتهبة اليوم وبحاجة الى التضامن الفعلي ، وبذل الجهود الحقيقية لحلها بشكل سلمي.بل نجد بالعكس ان النظام السابق قد مارس السياسة العدوانية تجاه معظم بلدان العربية وضد دول الجوار، وراهن على القضية الفلسطينية ، بل وحتى قدم بعض المساعدات المالية لها ، بشروط وقيود ، كانت تنصب قبل كل شئ في خدمة سياسة النظام وجعل من هذه الجهات واجهة دعائية لها في المحافل الدولية.
 اما على الصعيد الدولي ، فان نظام صدام حسين سبب الى مجئ قوات الأمريكية والبريطانية وحلفاءهما الى العراق واحتلأل العراق، اصبحت حجج وذرائع مختلفة لدى هذه الأطراف من غزوها للعراق وجعله مركزا لمحاربة الأرهاب الدولي ، وتنفيذ طموحات هذه الأطراف في مشروعها الكبير المعروف(بالشرق الأوسط الكبير) ، وكل ذلك على حساب الشعب العراقي .هل هذه الأعمال التي قام بها صدام حسين واعوانه يمكن ان يكافأ عليها  كما ذهب بعض الكتاب بتمجيده؟! ، اما انها حقا اعمال تنافي كل المقايس الحضارية والأنسانية والدينية والأخلأقية ،ويجب ادانتها وينال مرتكبها العقاب العادل ، حتى تكون عبرة للأخرين وحتى لأ يعيد التاريخ نفسه مرات عديدة بنفس العهد والنهج والقيم والعقيدة التي أعتمدها الطاخية صدام حسين طيلة فترة حكمه الأسود.
لنجعل من هذه المناسبة نقط الأنطلأق من اجل جمع شمل الخطاب السياسي للحكومة تعبر عن اماني وتطلعات وطموحات الشعب في العراق الجديد ، يتحقق فيه الحرية والعدالة الأجتماعية والمساواة والقيم الأنسانية النييلة وصيانة القانون وحقوق الأنسان، والديمقراطية الحقيقية للشعب العراقي والحكم الفيدرالي الحقيقي للشعب الكردي ، وضمان حقوق القومية المشروعة  للأقليات المختلفة في العراق الموحد على اسس المواطنة والأنتماء والأخلأص وحب الوطن والنزاهة والهوية العراقية المتساوية لأبنائه والأنتصار على الأرهاب. الأستمرار في النضال الدؤب من اجل وحدة البلأد على اساس السيادة الوطنية للعراق وانهاء الأحتلأل.[/b][/font][/size]

124
الجمعيات المهنية الدولية واثرها على تطويرالنظام المحاسبي
[/color]


لقد تطور مفهوم عمليات تسجيل المعاملأت التجارية ، خلأل المراحل التاريخية المختلفة ، من مفهوم ضيق اي مسك الدفاتر الى ان اصبح اليوم معروف بمفهوم النظام المحاسبي . ويصنف النظام المحاسبي بمعناه الواسع ، بانه احد فروع علم الأقتصاد
( الأقتصاد القياسى او الكمي). يرتبط ارتباطا واسعا بعلم الرياضيات والأحصاء.ان نظرية المحاسبة الحديثة ( نظام القيد المزدوج )، وضعها الرياضي الربان( لوكا باتشيولو) في
 (اي مبادئ(Geometria, Proportion et Proportionalita )كتاباته تحت العناوين( Summa di Arithmatica) الحساب,الهندسة ، التساوي ، اي المعادلة والنسب)، والتي صدرت في مدينة البندقية(فينسيا) في ايطاليا سنة 1494، كما تأسس في عام 1581 اول معهد للمحاسبة في المدينة نفسها.تعتمد على جوهر هذه النظرية في مبداء المدين والدائن ، جاءت كاحدى اكتشافات الرياضية،التي تقول ، ان لكل قيد حسابي مدين يقابله قيد حسابي دائن ، اي بمعنى اخر ان المجموع الجبري لجانب المدين يساوي المجموع الجبري لجانب الدائن ، وان الفرق بينهما يساوي صفر، وبذلك تحتفظ عمليات تسجيل المعاملأت الأقتصادية بالموازنة في كل مراحلها حتى اعداد التقارير المالية الختامية المتعارف عليها بتقرير النتيجة اي الأرباح والخسائر والميزانية العمومية التي تعبر عن وسائل انتاج الوحدة الأقتصادية ومصادرتمويلها، معبرا عنها بوحدة النقد وفي وقت محدد، مع اخذ بنظر الأعتبار تعديل هذين التقريرين، في حالة كون نسبة التضخم المالي عالية عند اعداد هذين التقريرين.
تعتبر المحاسبة جزء من النظام المعلومات الأقتصادي- العلم الكمي والمعلوماتي (سبيرنتيك وانفورماتيك). تهدف الى تجميع وتصنيف البيانات ، تسجيلها ومعاملتها وتفسيرها وتحليلها وعرضها وتقديمها بشكل تقارير ومعلومات ، معبرتا عنها بوحدة نقدية وفي وقت محدد . تزود المستويات الأدارية المختلفة بهذه المعلومات ، لستفيدة منها في عملية أتخاذ القرارات الأقتصادية والأدارية.من أجل أنجاز هذه المراحل من العمليات المحاسبية ، لأبد من وجود الوسائل اللأزمة لتجميع وتسجيل وتفسير وتحليل وعرض هذه البيانات ، وهي ما تسمى بالمستندات والمجموعة الدفترية والتقارير المحاسبية ، والتي بمجموعها تشكل نظاما متكاملأ للمحاسبة.
المحاسبة كنظام من ناحية ، وفن من الناحية الأخرى . لها جانب نظري وجانب اخر تطبيقي. فالأول يتمثل في النظرية المحاسبية ومبادءها وقواعدها، والجانب الأخر يتكون من شقين،الأول يتضمن القوانين والأعراف والأنظمة، والثاني هو الجانب الفني-القيد المزدوج، المستخدم في عملية انتاج البيانات الأقتصادية وقياس الأداء وتقيمها.
ان تركيب النظام المحاسبي ، هو الذي يحدد وظائفه،اذ يمكن تقسيم تركيب النظام المحاسبي الى الأنظمة الفرعية التالية:-
قسم التبويب وتسجيل المعاملأت الأقتصادية – مسك الدفاتر.
قسم الأحتساب، قياس الموارد الأقتصادية للمنشاة – محاسبة التكاليف
التقارير المحاسبية، تمثل في انتاج البيانات ، وعرضها. تزويد المستويات الأدارية المختلفة داخل وخارج المنشاة بهذه المعلومات ، للأستفادة منها في عملية اتخاذ القرارات الأقتصادية والأدارية .
التحليل المالي ، ترجمة هذه البيانات بشكل عملي ، لتسهل على عملية اتخاذ القرارات الأقتصادية والأدارية النهائية.
 يمكن تعبير عن هذه الوظائف بالشكل التالي:-

النظام المحاسبي                     
التقارير المالية        المحاسبة القومية                   
(الأقتصاد الكلي )
مسك الدفاتر                                           
محاسبة الوحدات

( الأقتصاد الجزئي )
[/color]

                 
محاسبة التكاليف                                             


ان النظام المحاسبي نظريا وعمليا اصبح له المكان الملموس في مختلف النشاطات البشرية العلمية والعملية. اخذ يحتل مكانه الأساسي بين كافة العلوم، وانه حصيلة تفاعلأت اقتصادية واجتماعية وقانونية متطورة وحسب متطلبات العلم وحاجات المجتمع، ونتيج عن ذلك ظهور فروع متخصصة له ، شملت كل اشكال النشاط الأقتصادي البشري ، منها المحاسبة المالية ، التكاليف ، الأدارية، الشركات ، الحكومية ، القومية ، الزراعية ،المحاسبة المعضلية(وقاية البيئية،عوامل الأنتاج،الرقابة النوعية وحماية المستهلك) ، التعاونية ، النفط ، الضريبية ، البنوك ،المراجعة والتدقيق، وغيرها من الفروع . واليوم يطبق النظام المحاسبي عن طريق البرامج الألكترونية المتقدمة التي تلبي متطلبات تطور وتقدم المجتمع في مجال التكنولوجيا المعلوماتية.
ان منهجية التسجيل وعملية الأحتساب وعرض التنائج على شكل التقارير المالية ومن ثم تفسيرهذه النتائج وتقديمها الى المستويات الأدارية المختلفة للأستفادة منها في عملية اتخاذ القرارات الأقتصادية والأدارية، تشكل بمجموعها النظام المحاسبي ،الذي يؤدي الوظائف التالية:-
  1- تزويد المسؤولين في مختلف المستويات الأدارية للأقتصاد الوطني بالمعلومات الجارية والزمنية ، معبرا عنها بالأرقام والتي تعتبر ضرورية في عملية اتخاذ القرارات اللأزمة لتوجيه النشاط الأقتصادي الكلي والجزئي، ويتم ذلك من  خلأل وسائل التسجيل وتقديم التقارير المالية، التي تهدف خدمة الأغراض الثلأث الرئيسية، وهي:-
ا-اعداد التقاريرالأدارية الداخلية للأدارة،التي تشمل على البيانات اللأزمة للتخطيط ورقابة الوظائف الروتينية الدورية
ب-اعداد التقاريرالأدارية الداخلية للأدارة،التي تشمل على البيانات اللأزمة لأتخاذ قرارات غيرالروتينية، واعداد الخطط والسياسات الهامة-الأستراتجية للوحدة الأقتصادية
ج-اعداد التقارير المطلوبة للجهات الخارجية ، وخاصة لأصحاب الوحدات الأقتصادية في القطاعين الخاص والعام  والجهات الضريبية والبنوك، وغيرها من الجهات الخارجية الأخرى
2- خلق الظروف اللأزمة لأداء عملية الرقابة الداخلية والخارجية للأنشطة الأقتصادية ، وتحديد الحالة المالية للوحدة الأقتصادية من خلأل قياس الأداء، وتحديد درجة تحقيق الأهداف الموضوعة في البرمجة او الخطة ، ومقارنتها بالمتحقق وبيان الأنحرافات واسبابها والمسؤولين عنها. وتتم الرقابة الداخلية من قبل الجهاز الأداري لقسم المحاسبة والمالية في الوحدة الأقتصادية، اما الرقابة الخارجية ، فتجري من قبل الجهات الخارجية كمكاتب المحاسب القانوني المعترف بها والمسجلة عند الجهات الحكومية الرسمية،اومن قبل الأدارة الحكومية المتمثلة بالجهاز المركزي للرقابة المالية
3- خلق الأسس اللأزمة لأجراء المقارنة الجارية والزمنية بين الوحدات الأقتصادية ، عن طريق تحليل وتفسير البيانات المحاسبية ، وتظهر هذه الوظيفة من خلأل تطبيق النظام المحاسبي للتكاليف
4- اعطاء صورة واضحة عن الوضع المالي للوحدة في الأقتصاد الكلي والجزئي ، عن طريق عرض البيانات الموحدة والمستحصلة من عمليات التسجيل والأحتساب والتحليل ، والتعبير عنها بالحسابات الختامية والمتمثلة بحسابات النتيجة والميزانية العمومية على صعيد الوحدة الأقتصادية للأقتصاد الجزئي ، وكذلك اعدا الميزان القومي على صعيد الأقتصاد الكلي ، والأخيرة تعتمد على مدى درجة وجود النظام المحاسبي الموحد الذي يساعد على عملية انتاج البيانات اللأزمة لهذا الغرض.
حدث في السنوات الأخيرة نمو كبير في الأقتصاد العالمي ، مما ادى الى عولمة الشركات، والأسواق المالية ، والأستثمارات الراسمالية عبر القارات واندماجها مع الشركات الوطنية،وكذلك التطور السريع التي تشهدها التكنولوجيا المتقدمة وخاصة في مجال الأتصالأت والمعلوماتية، مما انتجت صعوبات امام الشركات والمستثمرين في كثير من بلدان العالم في تفسير البيانات المحاسبية والمالية واستخدامها في عملية المقارنة.رغم ان كثير من البلدان تستخدم معاير قياسية واعراف محلية في النظام المحاسبي، وهناك جمعيات مهنية وطنية تعني بتطوير مهنة المحاسبة، الأ انها تستخدم  طرق ومبادئ مختلفة لأنتاج هذه البيانات وتفسيرها لأغراض التقيم والأداء والمقارنة، مما سبب الى ظهور مشاكل كبيرة في عملية الرقابة والفهم المختلف بين الشركات في حالة حدوث النزاعات المالية والقانونية، وعدم اقرار البيانات الحسابية والتقارير الناتجة عنها.امام هذه المشكلة وصعوبة الرقابة وتدقيق حسابات والسيطرة على الأرباح الكبيرة التي تحققها الشركات العالمية الكبرى وخاصة الأمريكية والأوربية منها، اصبحت الحاجة الى ايجاد نوع من النظام المحاسبي القياسى العالمي ، الذي يعتبر من الضروريات الأساسية لتطوير علم المحاسبة وللأبتعاد عن كافة السلبيات المحاسبية التي كانت تواجه الطرق المحاسبية المطبقة في البلدان المختلفة،بحيث يتم بموجبها تامين عملية ضمان وسلأمة المعاملأت الأقتصادية وتفسير المعلومات المالية وعملية التقيم والمقارنة وتوحيد المبادئ والأصول المحاسبية التي تجري بين هذه الشركات في ظل تعقيد العلأقات الأقتصادية نتيجة لتطور السريع الذي يحدث في مجال تكنولوجيا الأتصالأت والمعلوماتية، كذلك التوجه نحو لبرالية العلأقات الأقتصادية العالمية من خلأل الأنفتاح المتزايد لمبداء الأقتصاد الحر .
ان انبثاق جمعيات اقليمية وعالمية مختلفة في مجال المحاسبة منها،قواعد المالية والمحاسبية لدول الوحدة الأوربية ،قواعد تنظيم المحاسبة للجمعيات الوطنية، النظام المحاسبي الموحد للأمم المتحدة ، الدليل المحاسبي الأحصائي الموحد والتصانيف السلعية للجامعةالعربية،الأتحاد العام للمحاسبين والمراجعين العرب، الجمعية العالمية لدارسة التطور التاريخي للمحاسبة، هيئة المحاسبة القياسية العالمية(IASC)*.تحاول الأخيرة الى ايجاد مبداء التوافق بين الأنظمة المحاسبية والتقارير المالية التي تنظم امورها مصادر مختلفة، كقانون التجاري، الضريبي،قانون اصول ميزانية الدولة، قانون اصول محاسبات الشركات التجارية والصناعية والجمعيات وغيرها. والخروج بالمعاير القياسية بحيث تكون مقبولة على صعيد العالمي، وتهدف الى تحقيق النتائج التالية:-
1- تقييم الكفاءة والأداء والحالة المالية للشركات الأجنبية التابعة والمشتركة
2- تقييم اهلية فرص الأستثمار وامكانية تحقيقها
3- التوافق في التركيبة التجارية والمعاملأت المالية ، باسلوب يحقق اكثر نفعا في المجالين الضريبي والتقرار المالية المختلف عليها
4- تقيم المعلومات المالية الخاصة بالمنافسين الأجانب ، رغم وجود تباينات كبيرة في التطبيق العملي لهذه المعلومات   حول العالم، وذلك بسبب تعدد الأنظمة المحاسبية وقواعد اعداد هذه المعلومات .

منذاكثر من العقدين، تجري محاولأت جادة من قبل كثير من الجمعيات والمنظمات المحاسبية المشار اليها اعلأه، والتي تساهم في عملية تطوير النظام المحاسبي، من خلأل عقد المؤتمرات الدولية ، وتنظيم السمينارات،وكتابة البحوث واثارة المناقشات، وذلك لتوحيد المبادئ والأسس والقواعد المحاسبية المختلف عليها في هذه الجمعيات، بغية الوصول الى النظام المحاسبي القياسي العالمي، يكون المقبول من قبل الجميع ، الأ انه مايزال هناك اختلأفات كثيرة في المعاير القياسية المتبعة محليا في كثير من بلدان العالم ، وذلك بنتيجة اختلأف البيئة الوطنية والجهات التي بحاجة الى هذه المعلومات المالية لأستخدامها في عملية اتخاذ القرارات من قبل المستثمرين والمالكين وحاملي الأسهم والبنوك وغيرهم من الجهات.
ان اكثر مفاهيم المحاسبية التي هي موضوع الأختلأف بين هذه الجمعيات التي تتبع معايرالمحلية،
يمكن اجمالها كالأتي :-
1- المعالجة المحاسبية للموجودات غير الملموسة، والتي تشمل:-
- شهرة المحل:اما اعتبارها من الموجودات(راسملتها)،ومن ثم تخضع للأندثار خلأل فترة اقصاها 40 عاما، اوتستهلك مقابل تخصيص الأحتياطي لها ، او معالجتها بالطريقتين معا ، واندثارها في فترة لأتزيد عن5 سنوات
- الأختراعات ، براءة التسجيل ، الأمتيازات وعلأمات الفارقة:تعالج الى حد ما بنفس الطريقة السابقة
- تكاليف البحوث والتطوير والدعاية: اما ان تضاف مباشرة الى حساب الأرباح والخسائر باعتبارها نفقات تستخدم لغرض كسب المال ، اواعتبارها موجودات( نفقات مصروفة مقدما) تخضع للأندتار-الأطفاء خلأل 5 سنوات
2- استخدام طرق مختلفة في تقيم البضاعة اوموجودات اخر المدة
3- استخدام طرق مختلفة في احتساب الأندثار، ويجب استقرارعلى اتباع الطريقة الواحدة من دون التغير
4- فرق تخفيض او زيادة قيمة الأوراق النقدية ، اما تحويلها الى حساب الأرباح والخسائر، او تعتبر موجودات تخفض بها قيمة الأوراق
5- استخدام الكلفة التاريخية في عمل الحسابات الختامية(حساب الأرباح والخسائر ، والميزانية العمومية)
6- معالجة التضخم للحسابات الختامية وتعديلها
7- طرق معالجة الأخطاء وتسوية الحسابات الختامية
8- تقيم الأستثمارات بكلفة الأنتاج
9- شركات التجارية تتبع طريقة محاسبة المشتريات فى تسجيلأتها
10- الشركات التي تخضع للتدقيق ، هي شركات كبار ومتوسطة وبعض شركات صغار . ان مبداء تصنيف هذه الشركات يكون على اساس ،الحد الأقصى لمجموع الميزانية العمومية ، الحد الأقصى لحجم المعاملأت الأقتصادية( حجم المبيعات) ، حجم راس المال، متوسط عدد العاملين ،مثلأ 25 ،50 ، وغيرذلك.
ان فاعلية تاثير وجود النظام المحاسبي القياسي العالمي، هي خلق الحالة التوافقية بين الشركات العالمية التي تستخدم انظمة محاسبية قياسية محلية مختلفة حول العالم ، والتي يمكن اجمالها كالأتي:-
1- زيادة الفوائد الناجمة من البيانات والمعلومات والتقارير المحاسبية ، بسبب استخراجها وفق اسس ومعاير القياسية العالمية ووضعها في اطار موحد
2- يخدم على عملية مقارنة الحالة المالية والتنائج للشركات في البلدان المختلفة
3- تقليل من مخاطر الأستثمارات الراسمالية في الأسواق العالمية والناتجة عن اختلأف استخدام النظام المحاسبي والتقاريرالناتجة عنها،بسبب تطبيق القواعد القانونية المحلية
4- ان توحيد الأسس والطرائق ومفاهيم المحاسبية ، يتطلب توحيد اسس وطرائق العمل وتطوره ، مما يزيد من امكانية تحقيقه،بعكس تعدد الأسس والطرائق المحاسبية الذي يستدعي تعدد طرق العمل وطرق التنفيذ ووسائله، مما يؤدي الى تشتت الجهود وتشعبها وضياع وقت التنفيذ والجهود المبذولة لأجلها ، ويسبب ايضا الى تزايد كلفة تصديق التقارير القانونية التي تتطلبها البلدان المختلفة.
والخلأصة يمكن القول ، بان النظام المحاسبي القياسي العالمي ، اصبح يعمل به اليوم بشكل واسع في كثير من البلدان الأوربية التي هي ضمن الوحدة الأوربية ، الولأيات المتحدة الأمريكية ، كندا ، استراليا، نيوزلأندا، يابان ، جنوب افريقا كوريا الجنوبية،نيجيريا، سنكابورا ،هونك كونك، سويسرا ، اسلأند وغيرها. ولأ تزال تبذل هيئة النظام المحاسبي القياسي العالمي جهود كبيرة وبالتعاون مع هيئة الدليل المحاسبي الموحد لللأمم المتحدة ، وهيئة توحيد النظام المحاسبي والقواعد والقوانين والمفاهيم في بلدان الوحدة الأوربية ، من اجل ايجاد نوع من التوافقية بين الأنظمة المحاسبية المختلفة التي تتبع لحد الأن في كثير من البلدان العالم . وفي هذا المجال ، ارى بانه من الضروري لكل من  هيئة الدليل المحاسبي الأحصائي الموحد والتصانيف السلعية للجامعة العربية ، والأتحاد العام للمحاسبين والمراجعين العرب ، من خلأل مشاركتهما في عضوية هيئة النظام المحاسبي القياسي العالمي، ايجاد نوع من التنسيق والعمل المشترك مع هذه هيئة، والأستفادة من خبراتها العلمية والمهنية والعملية في مجال توحيد المفاهيم والمبادئ والقواعد والقوانين واعداد الحسابات الختامية والتقارير المالية ، وذلك بهدف اًصلأح النظام المحاسبي في البلدان العربية ، بحيث يرتقي الى مستوى القياسي العالمي ، مما يعود ذلك بفوائد كبيرة على توثيق المعاملأت التجارية الداخلية للشركات الوطنية والأجنبية او الشركات العالمية المشتركة.   

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

* International Accounting Standards Committee ( IASC                                           (
المصادر :
1- Intermediate Accounting Comprehasive, Volum Fifth adition, Simons U.S.A
2- International Accounting Summaries, Aguiet for interpretation and              comparison,Coopars & Lybrand (International ) 1991
3- صباح قدوري/ تحديث محاسبة التكاليف في وحدات القطاع الصناعي الحكومي في العراق، رسالة دكتوراه غير منشورة ، جامعة لودذ- بولندا 1985، باللغة البولندية
4- عبد اللطيف حافظ ، موريس واسيلى ، فؤاد العشرى/ النظرية والتطبيق في النظام المحاسبي الموحد،الطبعة الثالثة 1976 ، دار الفكر العربي- القاهرة .[/b][/font][/size]

125
أفضل مشتريات في أوربا*[/color]

اوليفة موسوريس
ت.د.صباح قدوري


في الوقت الذي اصبح (Euro) العملة الموحدة في معظم بلدان الوحدة الأوربية ’ وذلك اعتباراً من كانون الثاني-يناير1999 ’ فأن عملية مقارنة الأسعار بالنسبة للمستهلك فيها’ أصبحت  هي أيضا سهلة .
فقد جرى بهذا الخصوص بحث ميداني ل (25 ) سلعة مختلفة ’ التي تتاجر بها في 11 بلد داخل الوحدة الأوربية ’ بلدان الاسكندنافية ’ سويسرا وكذلك بريطانيا .

كل صيف ’ تسافر روزينة مع زوجها متياس آلى برشلونة في أسبانيا’ في زيارة عائلية .قبل آن يصلوا الى المكان في شهر تموز-يوليو ’في طريقهما الى مدينة توبيجينفي ألمانية .أتخذ متياس قراراً في شراء بنطلون كاوبوى ’ بينما قالت له روزينة ’ أنتظر واشتري ذلك من أسبانيا .فآنا متأكدة ’ بان سعره ارخص من هنا .ولكن متياس لم أخذ بنصحتها ’ واشترى بنطلون ليفايز 501 في شتوتكارد بسعر 87,78 (Euro)  آي حوالي (650 كرون دانماركي )  بمعدل 7,50 كرون لكل (Euro) .
في إحدى محلات صغيرة ’ بجانب سوق سانت انطوني ’ وجدوا نفس ماركة ذلك البنطلون ’ بسعر 47,88 (Euro) ’ وهذا يعادل (355 كرون دانماركي ) .روزينة قالت له: انتظر ’ والمرة القادمة اشتري بنطلونات كاوبوى من برشلونة .
في نفس هذا الوقت ’ كانت ريتفة تورونين من هلسنكي ’ في عطلتها الصيفية في بورتيموي في برتغال ’ رغبت في شراء قنينة ويسكي جوني ووكر ’ لتأخذها معها كهدية آلى البيت .نظرت الى إحدى محلات بيع المشروبات الروحية ’ ووجدت بان سعرها 8,47 (Euro) ’ وتعجبت كثيراً من رخص سعرها ’ وذلك لان سعر القنينة نفسها في هلسنكي هو 27,7 (Euro )
اليوم أصبحت عملة (Euro ) سهلة وملحوظة التداول ’ اذ يجري تداولها لحد ألان من290 مليون نسمة في 11 دولة
من دول الوحدة الأوربية .
تقول مارتي لوكو من اتحاد المستهلكين الفيلنديين ’ بان " لEuro)) نفس مميزات النظام المتري ’ حيث يستخدم كوحدة قياس من قبل كل من المنتج والمستهلك في آن واحد.

ألان يطرح السؤال نفسه ’ كيفه تكون علاقة الأسعار مع بعضها ؟
وللجواب على هذا السوال ’ قامت المجلة (Reader’s Digest Det Bedste) بتفحص ميداني لاسعار نفس السلع من السيارات ومكائن غسل المواعين آلى مناديل الجيب و كورن فلكس في أوربا ’.ثلاثة دول من الوحدة الأوربية ’ وهي دانمارك ’ سويد و بريطانيا ’ والتي لم تنضم لحد ألان الى الوحدة النقدية الأوربية ’ وكذلك الأسعار في كل من نرويج وسويسرا ’ لاتزالان خارج الوحدة الأوربية حتى هذه اللحظه .
فقد دخلنا في أسواق عادية ’ مخازن كبيرة ’ وبيوتات تجارية موثوقة لبيع السيارات والكومبيوترات ’ التي تتاجر في فترات اعتيادية ’ آي دون أوقات التنزيلات اوالبيع بأسعار منخفضة ’ وبعد مقارنة أسعار هذه السلع’ التي تم احتسابها وفق الأسعار المحلية في تلك البلدان ’ ومن ثم تحويلها الى (Euro) على أساس سعر الصرف المستخدم فيها ’ وجدنا بان الأسعار في فيلندة ’ هي أعلى من كل البلدان الأوربية ’ تليها أيرلندا .بينما أسبانيا وبرتغال ’ تعتبر الأسعار فيهما أدنى في كل أوربا .في الوقت الذي نجد ’ بان بريطانيا ’ التي لم تنضم لحد ألان آلى الوحدة النقدية الأوربية ’ فتعتبر الأسعار فيها أعلى ضمن دول الوحدة الأوربية .
آن دراستنا تؤكد ’ بان هناك فروقات كبيرة في الأسعار بين هذه البلدان .عندما كانت تينة فارمار من روما في زيارة أمها في باريس .رغبت في شراء عطر فرنسي جنال رقم 5 من إحدى محلات تجارية كبيرة في باريس ’ وجدت بان قنينة ذات 35 مليليتر من هذا العطر بسعر 43,51 (Euro) ’ في الوقت الذي وجدت نفس هذا العطر في إحدى محلات صغيرة في روما بسعر 34,70 (Euro) .بينما وجدت سعرها 44،42 , 79، 46 (Euro) ’في كل من ألمانيا وايرلندا على التوالي .

.
آن علبة ورق كلنيكس ’تبلغ سعرها 2,35(Euro) في أيرلندا ’بينما سعرها 0,99(Euro) في أسبانيا .في برتغال ممكن شرائها ’1,72 ’وفي لكسمبورغ’ 1,61 (Euro) .كذلك زوج حذاء رياضي للركض نايك سعره 168 (Euro) في هلسنكي ’ بينما في المدريد يباع نفسه’108,18 (Euro) .فلم فيدو تايتانيك ’ يبلغ سعره 24,67 (Euro) في بروكسل ’ بينما سعره 16,21في لشبونة .
تبينت الدراسة التي قام بها أحد مكاتب المحاسب القانوني المعروف ب KPMG ’ بان ثلثي شركات الكبار في أوربا ’ تبيع نفس منتجاتها بأسعار مختلفة في كل بلد..ممكن آن تصل اختلاف الأسعار في33 منتج قياسي آلي اكثر من 57% .
تستند هذه الاختلافات في الأسعار على القواعد ’ وليست استثناء .
فعلي آذن ’ ماهي أسباب وجود هذه الاختلافات الكبيرة في الأسعار ؟
يمكن تلخيص هذه الأسباب ’ في النقاط التالية :-
1- اختلاف في الضرائب:
هناك تباين كبير في ضريبة القيمة المضافة ’ التي تفرض على السلع الاستهلاكية (انظر جدول رقم 1) .آن معظم هذه البلدان ’ تستخدم نوعين من هذه الضريبة ’ الضريبة المنخفضة ’ التي تترواح نسبتها من 2,3-12.5 بالمئة’والضريبة القياسية ’ التي تختلف نسبتها من 15-25%
في تموز -يوليو من هذه السنة ’ كان جهاز كومبيوتر  Apple’s iMac 333’ سعره 1119 (Euro)  في جميع بلدان (Euro) ’ قبل ضريبة القيمة المضافة .ولكن بمجرد عبره للحدود من بلجيكا آلى ألمانيا ’ ممكن ادخار 50 (Euro) ’ وذلك لاختلاف ضريبة القيمة المضافة بين البلدين ’ حيث نسبتها 21% في بلجيكا ’ بينما 16% في ألمانيا .
في كثير من البلدان الأوربية’ أصبحت  مثلاً السيارات تفرض عليها الرسم الجمركي فوق ضريبة القيمة المضافة وبشكل مختلف
من 2% في بلجيكا آلىا لضريبة جداً عالية ’ قد تصل الى 193% في الدانمارك..حافلات ووسائل نقل الأخرى ’ أصبحت من أعلى مصادر الضربية في بلدان الوحدة الأوربية .ففي سنة 1997 ’بلغت عائداتها من هذه الضريبة ’ 274 مليارد (Euro) .
شراء سيارة ذات 1,6 لتر محرك في كل من لكسمبورغ ’ ألمانيا’ إيطاليا وكذلك فرنسا ’ تدفع عليها فقط ضريبة القيمة المضافة ’ بينما في بلجيكا ’ أسبانيا تصل مجموع رسم الجمركي عن صافي كلفة السيارة الى 23% ’ في فلندا الى 90% .
VW فوكس وكن كولف 1,6 ’ تبلغ كلفتها 14265 (Euro) في بلجيكا ’ 15771 في أسبانيا ’ ةليست أقل من 21427 (Euro) في فيلندا.


2- مصرفات النقل:
يوضح جيمس إنسور ’ المدير العام لشركة (Stratagic Vision) الاستشارية في لندن ’ويقول" بان مصروفات النقل تمثل بين 1-15% من أسعار المحلات ’التي تتاجر بسلع المواد الغذائية .ممكن آن تؤثر هذه بنسبة 5% على اختلاف الأسعار .
كذلك ايفا ماكنانة ’ من (Publicis Consultants) والمستشارة لمشروبات مياه المعدنية الفرنسية المعروفة ’(Perrier)
تقول " لو آخذنا على سبيل المثال إنتاج مشروبات مياه المعدنية من المصدر الواحد ’ ولحين وصله الى محلات المتاجرة ’ فان سعر القنينة اصبح أعلى "..وعلى ضوء ذلك يبدو ’ آن قنينة ذات ليتر من (Perrier) ’تكلف 0,7 (Euro) في فرنسا ’ 1,72 في ايطاليا ’ 1,87 في الدنمارك ’ وكذلك 2,21 (Euro) في فيلندا .

3- أختلاف سلوك المستهلك:
يمكن ان يتاثر النظام (Euro) على سلوك المستهلك الاوروبي’.ولكن لحد الان لم يخلق نوع من المستهلك النمطي على صعيد كل اوربا الاوربيون يختلفون فيما بينهم ’ في اسلوب آكل واعداد الطعام ’ في العمل ’وفي الحياة المعتادة .
تنتج(Levi Strauss) لاسواق شمال أوربا ’ كثير من أنواع البنطلونات ذات مقايس طويلة ’ وذلك لان الناس هناك يتميزون بطول القامة اكثر من بقية الدول الأوربية الأخرى . كذلك لو أخذنا يوكرد (Yoghurt) مثلاً ’ إذ يقول فرانك ريبوود ’ المدير في شركة المواد الغذائية الفرنسية (Danono) " عند إنتاج هذه السلعة لللاسواق ألمانية ’ يجب آن توضع داخل العلبة ملعقة ’ التي تستخدم لفصل القشطة ’ لان نوعها دسم ’ بينما اليوكرد الذي ينتج لاسواق جنوب أوربا لا يحتاج الي ذلك ’ لكونه خفيف وسال".

4- العرض والطلب:
المنتجون عندما يحددون الأسعار في مستوى معين ’ يحتسبون بان المستهلك على استعداد بان يدفع ذلك .
تأكد الدراسة الحديثة ’ التي أجريت على 200 منتج ’ ذات ماركات خاصة في أوربا ’ بان الأسعار تميل الى حد بعيد نحو التغير ’ عندما تدخل السلعة في السوق الجديد .
بهذا الصدد تقول لورا تلني من شركة (Zanussis) ’ قسم التسويق " بان سعر جهاز منزلي ’ لايعتمد فقط على خاصيته وكفاءته ’ بل كذلك على القوة الشرائية للبلد المعني".
فإذا ماركة ما مشهورة ومقبولة ’ فالمنتج لايزال يعمل وباستثناء كبير ’ حتى يرفع السعر .ولكن تحت ظروف معينة ’ يمكن آن يخفض السعر حتى يروج البيع .
كذلك يقول ارونا كاروناذيلاكا المحلل في شوؤن السيارات من (Dresdner Kleinwort Benson) (DKB) في لندن " أختارت معامل صنع السيارات في أسبانيا متعمداً تخفيض أسعارها في السوق المحلي ’ وذلك لترويج بيعها في البلد "..

ما هي دلائل مستقبل الأسعار ؟
الجواب على ذلك ’ يقول الخبير روجر هيرست ’ رئيس قسم التامين الأوربي عند (DKB) " آني متفق على ’ بان الأسعار ’ سوف تميل الى التقارب مع بعضها ’ عندما يجري الإصلاح الاقتصادي في البلدان .كذلك يقول الاقتصادي الأقدم بيتر فاندين هوؤتا من البنك البلجيكي (BBL) " على الرغم من ذلك ’ ان الأسعار لن تصبح تماماً متساوية . حيث من 100 سنة ’ تكونت سوقاً وعملةً مشتركة ل 270 مليون نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية ’ إلا آن الأسعار لازال فيها ليست موحده . فعلى آية حال ’ فان العملية تحتاج الى قوة الدفع ولفترة طويلة ’حتى تتقارب الأسعار مع بعضها " .

المستهلك الأوروبي ’ اصبح اليوم في حالة اكثر من أي وقت مضى’ يستطيع آن يقارن الأسعار في كل بلد من خلال أنترنيت .يقول فاندين هوؤتا " ان انترنيت التجاري اصبح اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية يشتهر اكثر ’ رغم آن ضريبة القيمة المضافة عليه عالية .ومن المتوقع بان الدول الأوربية ’ستتاجر كذلك من خلال انترنيت ’ في حالة تخفيض في ضريبة القيمة المضافة عليه" .هناك احتمال كبير في القريب العاجل ’ بان بعض اصناف السلع مثل (CD) ’ والكتب وكذلك كومبيوتر -(software) ’ تتم بيعها في اوربا من خلال أنترنيت .الأمريكيون يستطيعون ألان شراء السيارات من خلال أنترنيت ’ ويعملون ذلك فعلاً .
التجارة عبر الحدود ’ هي ايضاً عامل أخر لكي تميل الأسعار نحو التقارب مع بعضها .على غرار آلاف الإنكليزيين ’ سافرت ينيسة مورتيمير البالغة من العمر 34 سنة من (Sittingbourne) في (Kent) ’ مع زوجها مارك ’ وهو رئيس المحاسبين ’ ولمرات عديدة  الى فرنسا عبر القناة الواصل بينهما ’ حتى يحصلون على التنزيلات في الأسعار من (Calais) في فرنسا .ففي السفرة الأخيرة ’ حملوا سيارتهم بالنبيذ والبيرة ’ لان نسبة الضريبة على المشروبات الروحية في فرنسا ’ هي اقل منها في بريطانيا .كذلك يسافر كل من ميخائيل وجوسيلينا مارليير مرة كل شهر من مدينة (Charleroi) البلجيكية الى سوبيرماركيت (Auchan) في (Maubeuge) ’ الذي يبتعد عنهما 60 كيلومتر ’ ويقع مباشرةً عند الحدود الفرنسية ’ حيث يشترون سلع ’ خاصة النبيذ والجبن وكذلك مشروبات مياه المعدنية .يقول جوسيلينا " عند مقارنة أسعار مشترياتنا هذه مع نظيرتها في بلجيكا ’ وجدنا هناك وفر من هذه الصفقة بحدود 600 فرانك بلجيكي ’ أى ما يعادل 14,87 (Euro) .
بمرور الزمن ’ تكون كل من تجار المفرد وكذلك الحكومة ’ مرغماً ’عندما تضعا الأسعار والضرائب على السلع ’آن تأخذا في الحسبان ’ بان المستهلك الأوربي واعي ومتطلع على نمو الأسعار وتطورها ’ ويشتري الأرخص دائماً.


أوربا أعلى الأسعار.
تبينت الدراسة التي أجرتها مجلة (Det Bedste) في 11 بلد داخل منطقة (Euro) ’ سويسرا’ بريطانيا وكذلك الدول الاسكندنافية ’ بان الأخيرة وفي مقدمتها ’ الدانمارك والنرويج ’ تقع في القمة من حيث أرتفاع الأسعار .
فمثلاً كلفة قنينة كوكاكولا 1,5 ليتر ’ هي 2,15 (Euro) في الدنمارك ’ بينما تكلف 0,99في أسبانيا .كومبيوتر (Apple iMac) يكلف 1594 (Euro) في النرويج ’ نفسه يكلف 1252,81 في سويسرا .تسجل كل من النرويج والدنمارك ’ الرقم القياسي لاسعار بنطلون ليفايز 501 .بعد البريطانيا ’تأتي السويد في ارتفاع الأسعار .وتعتبر الأخيرة من أغلى الأماكن لشراء زجاجة (Chanal 5) وكذلك فلم كوداك .عموماً أسعار هذه السلع ’ هي أعلى في الدول الاسكندنافية منها في بقية أوربا .
بالمقابل نجد آن السويد أرخص من النرويج إذ آن ست علب بيرة (Heinoken) ’ تكلف 8 (Euro) في السويد ’ مقابل 13,18 في النرويج و10,46 (Euro) في الدنمارك .كما تعتبر كل من النرويج والدنمارك في القمة من حيث أرتفاع أسعار السيارات ’ بينما السويد’ هي في مستوى بقية الدول الأوربية .تعتبر النرويج ’ قمة أسعار البنزين في أوربا ’ سعره 1,11 (Euro) ’بينما نفس البنزين سعره 0,68 في لوكسمبورغ .زوج حذاء ركض الرياضي نأيك (Air Max) سعره 112,89 (Euro) في السويد ’ ممكن حصول عليه أرخص فقط في كل من ألمانيا وأسبانيا .
   
* قنينة في نمسا ’فلندا وألمانيا .** ريد لايبل  (1) (Futur) في فلندا’بلجيكا’ايرلندا’والمانيا 35 مليليتر(#) .
      
*ابيض (اسود في إيطاليا) ’3 درجات الحرارة ’ خمس برنامج’1-9 .                        

*المقال مترجم من اللغة الدانماركية ’ عن مجلة Det Bedeste Reader’s Digest)ا) العدد 12 كانون الثاني/ديسيمبر1999[/b]

126
اشكالية النفط بين اقليم كردستان والحكومة المركزية
[/color]

د.صباح قدوري

بعد سقوط النظام الديكتاتوري، بدأ الحفر في اول بئر اكتشافية في اقليم كردستان العراق. وان الشركة النرويجية(دي ان او) هي احدى ابرز شركات النفط الاجنبية في اقليم كردستان التي تقوم بهذا المشروع وتمكنت من تحقيق النجاحات والعثور على النفط في بئر زاخو ، وبذلك اصبح الأن بئرا انتاجيا
تشير التقديرات الأولية الى ان الطاقة الأنتاجية لهذا البئر قد تبلغ بحدود 5000 برميل نفط الخام يوميا. وعلى ضوء التطورات الجارية في الأكتشافات الناجحة للنفط في هذه المنطقة والمناطق الأخرى منها حقلي توكي وطق طق من الأقليم ، بادرت الأدارة الفيدرالية باعداد مسودة قانون النفط لأقليم كردستان، ولم تقدم رسمياً الى البرلمان الكردي بعد، والتي تاكد بان الكورد لا يرغبون أن يكون الإنتاج مركزيا في مناطق كوردستان كما كان سابقا ، ولا يرغبون أيضا أن تجري عمليات استكشاف في الأراضي الكوردية ، بل يقدمون سياسة أخرى في الاستكشاف والتطويرغير التي كانت متبعة سابقا. وهي وجوب التركيز في المرحلة القادمة على خلق حالة من التوازن في عمليات الاستكشاف والتطوير، والتي تنتهي بتطوير حقول في المناطق التي لم يتم التطوير فيها سابقا لأسباب السياسية والقومية ، ومن ثم يتم تفعيل سياسة الإنتاج بإدارة الأقاليم بالتعاون مع المركز، وهذا ما أكدت عليه المادة الدستورية109. بمعنى اخر ان الية ابرام عقود الأستكشاف والتطوير والأنتاج في مجال السياسة النفطية هي من حق واختصاصات الأدارة الفيدرالية، باعتبار النفط الموجود في المنطقة يعتبر ملكا للأقليم والتصرف به على اساس العمل والتنسيق المشترك مع المركز.أقر الدستور العراقي أن النفط أينما كان في العراق هو ملك للشعب العراقي عموما.ان النفط  المتدفق في بئر زاخو هو عراقي كما هو أيضا لكوردستان، فيجب معاملته على اساس صياغة قانون النفط العراقي الجديد، تكرس فيه فقرات دستورية، تؤكد ملكية النفط والغاز تحت الأرض للشعب العراقي إضافة إلى ملكية البنى التحتية للصناعة الاستخراجية ،إضافة على تشريع قوانين خاصة بحماية الثروة النفطية من الهدر وضمان حسن استثمارها للصالح العام . تنظيم الأشكاليات التي تحدث في هذا القطاع الأقتصادي الهام ، واخذ واقع الحالة الأدارية الموجودة في فيدرالية كردستان وافاق تطورها المستقبلي بنظر الأعتبار، وعدم تدويلها سياسيا اوقوميا ، واعتبارها كمقدمات لنزعات الأنفصالية من قبل الأكراد ، كما يبرر ذلك البعض في الحكومة والأواسط الحزبية. كما هو معروف ان العلأقة بين القيادة الكردية في ادارة الفيدرالية والمركز دخلت الأن في دورة السبات ، بالقياس الى تلك التي كانت  في السنوات الثلاث التي أعقبت زوال النظام العراقي السابق وتميزة بدأب وحماس في المسارالسياسي العراقي.
هناك عدة اسباب ادت الى هذه الحالة، والتي تتعلق بظاهرة المماطلة في تطبيق البنود الخاصة بالحقوق الكردية في الدستور(دون الدخول في التفاصيل) التأخير الحاصل في التنفيذ الحكومي لبرامج التطبيع الخاصة بمدينة كركوك النفطية المتنازع عليها ، التلاعب الحاصل في الميزانية المالية المخصصة للمنطقة الكردية من عائدات النفط العراقي وتقليص نسبتها المتفق عليها وهى 17 في المئة المخصصة للأقليم الحالى من عائدات النفط العراقي الى 8 في المائة ،التشكيك في فهم ممارسة الأكراد للفيدرالية واتهامهم بانهم يهدفون الى النزعة الأنفصلية التي تؤدي في نهاية المطاف الى تمزيق وحدة العراق شعبا ووطنا ، هذا بالأضافة الى النقاش الذي تثيره وزارة النفط العراقية، حول عدم شرعية العقود التي توقعها حكومة إقليم كردستان العراق مع شركات أجنبية لاستخراج النفط في مناطق غير مستثمرة في كردستان. في هذا الإطار، تؤكد السلطات الكردية أن وزارة النفط في بغداد تعرقل، من جهة، حق السلطات الكردية في التوقيع على عقود نفطية يجيزها الدستور. وفي هذا السياق، أقر نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح المكلف برئاسة لجنة صياغة قانون النفط العراقي الجديد، بوجود "مشاكل" فيما يتعلق بمسودة قانون النفط لاقليم كردستان. وقال في اتصال مع (الشرق الأوسط) انه «على الرغم من المشاكل الحالية، انني واثق بأن ارادة الخيرين ستتغلب على هذه المشاكل وسنأتي بقانون يضمن تطوير الثروة والاستفادة من الاستثمارات الخاصة بما يؤمن مصالح كل الاطراف».من جهته، أكد الناطق باسم حكومة اقليم كردستان خالد صالح ايضا لـ(الشرق الأوسط) عزم الحكومة الكردية على المضي قدماً بتطبيق قانونها، موضحاً: "القانون يتماشى مع الدستور العراقي الذي يقر بوضوح تفوق قانون الاقليم (على قانون الحكومة الفيدرالية) في هذه المسألة". ويذكر ان مسودة القانون تعتمد على المادة 115 من الدستور العراقي التي تنص على ان "كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما".
ان الخلأفات والمشاكل الموجودة في مسودة قانون النفط لأقليم كردستان مع المركز ، يمكن حصرها في النقاط التالية:-
1- مشكلة توزيع الثروة :بالرغم من ان مسودة سابقة لقانون النفط العراقي حدد 3 اشهر لحل الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومة اربيل حول القانون الكردي منذ تاريخ اقراره، إلا ان المسودة الاخيرة لا تحدد فترة زمنية لذلك. ويوضح البند 24 من مسودة القانون انه في حال عدم التوصل الى اتفاق بين حكومة العراق وحكومة الاقليم لاتفاق حول تقاسم الثروات وإدارة النفط، فان حكومة الاقليم ستسير كلياً على العمليات النفطية، بما فيها السيطرة على الايرادات النفطية.لأ يوجد لحد الأن اي قانون في كيفية تنفيذ بنود الدستور بخصوص نسبة تقاسم الثروة بين الأقليم والمركز، إلا ان مسودة القانون حددت بأن 10 في المائة من جميع الايرادات ستوزع سنوياً على (كل مواطن في اقليم كردستان)، بالإضافة الى تخصيص 7 في المائة لـ(صندوق استثمارللاجيال القادمة من مواطني إقليم كردستان)، بالإضافة الى تخصيص ما لا يقل عن 1.5 في المائة من ايرادات النفط لـ(مواطني اقليم كردستان الذين عانوا أو ما زالوا يعانون من مصاعب بسبب سياسات النظام العراقي السابق). وبالنسبة الى الضرائب المستحقة للعمليات المتعلقة بالصناعة النفطية، ينص الجزء الخامس من البند 49 لمسودة القانون الكردي، على ان (ضرائب الحكومة الاقليمية ستكون الضرائب الوحيدة) المطبقة على العمليات النفطية.وفي هذا الأطار قال برهم صالح ل (البيان الأماراتية)
"ان عوائد النفط حيوية لاقتصاد العراق الذي يضم ثالث أكبر احتياطيات من النفط الخام في العالم وان  طريقة توزيع تلك العوائد في البلاد هي التي ستحدد هل ستبقى البلاد موحدة او تتفكك تحت وطأة العنف".
2- حق منح العقود للشركات: قال وكيل وزير المالية الاميركي روبرت كيميت لـ(الشرق الاوسط) في وقت سابق، "ان الجدل بين بغداد واربيل ليس حول توزيع الثروات، وانما على الحق في منح العقود للشركات الدولية للتنقيب واستخراج النفط في اقليم كردستان". وأضاف: "هناك اتفاق عام على توزيع الايرادات، ولكن ما زالت هناك بعض النقاشات على مسؤولية الحكومة والاقليم حول العقود واية شركات دولية تنقب وتستكشف آبار النفط". ورأى ان هذه المناقشات "تأتي في سياق المناقشات العامة حول الفيدرالية في العراق". ويؤكد الجزء الثاني من البند السابع لمسودة القانون الكردي، ان وزير اقليم كردستان هو المسؤول عن التفاوض والموافقة على اية اتفاقات نفطية، وتنفيذها. كما تنص المادة 80 من المسودة انه يجب مراجعة اية اتفاقات من قبل الحكومة العراقية تتعلق بالنفط في اقليم كردستان، وانه يجب (ادخال هذه الاتفاقات تحت سيطرة الحكومة الاقليمية).
3- نقل النفط وتصديره: بالنسبة الى تصدير النفط من اقليم كردستان، انه يجب نقل النفط عبر انابيب النفط العراقية، وحتى تصديره عبر الشاحنات بكميات قليلة يجب ان يكون بالتعاون مع دول الجوار. لفتت فالري مارسيل المختصة بشؤون النفط في (المعهد الملكي للشؤون الدولية) في بريطانيا لجريدة (الشرق الأوسط)، الى ان "نقطة القوة الاكبر للحكومة العراقية في مفاوضاتها مع حكومة اقليم كردستان هي سبل نقل النفط". وشرحت ان "نقل النفط لتصديره سيتم اما عبر الاراضي العراقية (خارج اقليم كردستان) أو عبر تركيا (الى ميناء جيهان)، وكلا الطرفين له مصلحة في تأخير استقلال الاقليم، ولذلك قد يعرقلان تصدير النفط اذا لم يتم بالاتفاق معهما". وقالت مارسيل ان هناك "عدة نقاط تثير الخلافات" حول النفط في العراق. وقالت ان أولى تلك النقاط هي "عن الحقول الحالية والحقول المستقبلية، فالتفسير الدستوري للحقول الحالية والمستقبلية غير واضح". وأضافت: "من الممكن حل مشكلة آلية تقاسم الايرادات، ولكن المشكلة هي اية ايرادات بالضبط ستعود الى أي طرف".
4- سعر النفط : من المعروف ان سعر برميل النفط يتحدد عالميا على ضوء عوامل كثيرة. ان منظمة الدول المصدرة للنفط"اوبك" تلعب دورا كبيرا في تحديد كمية الأنتاج والتسويق واسعار النفط . بما ان العراق عضوا في هذه المنظمة ، فعليه ان مسالة انتاج وتسويق واسعار النفط العراقي يتم مركزيا من قبل الحكومة العراقية التي تتعامل معها "اوبك". لذلك ستواجه الأدارة الفيدرالية في الأقليم مشاكل وصعوبات في السعر كالتي تواجهها في عملية تسويق وتصدير النفط،، ويجب ان يتم عبر الحكومة المركزية في بغداد.

في سياق هذه الأشكاليات بخصوص النفط ، اود ان ابين بان العقود المبرمة بين الأدارة الفيدرالية والشركة النرويجية المعنية تشكل اجحافا كبيرا بالجانب العراقي والكردي. وفق بعض البيانات الأولية، أن هذه العقود تمنح الشركة المذكورة حصة تبلغ أربعين بالمئة من النفط المستخرج بكلفة زهيدة لهذه الشركة مقابل تطوير الحقل المشاراليه في زاخو، فلو أرادت حكومة كوردستان تطوير حقول النفط  بإنتاج نصف مليون برميل يوميا المعلن عنه من قبل الشركة، وهذا ما ذكرته الكثير من المصادر، فإن هذه الشركات سوف تستثمر ما قيمته مليارين ونصف مليار دولار خلال ثلاث أو أربع سنوات، وذلك وفق أعلى التقديرات العالمية، لكن الشركات سوف تحصل على كميات نفط مقدارها مائتي ألف برميل يوميا، أي تجني من خلال هذا التوظيف بعد ثلاث سنوات من الآن ما مقداره خمسة مليارات ومئة مليون دولار سنويا، أي أنها سوف تسترجع في السنة الأولى ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركات تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة، أو ما مقداره مئتي مليار دولار فترة التعاقد التي رشحت عن هذه العقود المجحفة وذلك فيما لو بقيت أسعار النفط على ما هي عليه الآن، لذا أدعو حكومة كوردستان مراجعة هذه العقود والتوقف عن التعاقد بهذه الطريقة التي تعتبر بكل المقاييس نهبا غير مشروع لثروات الشعب.
عندما نتحدث عن النفط في اقليم كردستان العراق، لأبد ان نميز بين مرحلة اكتشاف وتنقيب واستخراج النفط وبين مرحلة صناعته بعد الأنتاج . ارتباطا بالوضع العراق الحالى وكذلك لخصوصية الوضع في كردستان ،ارى انه من الضروري بالنسبة لأدارة الأقليم التنسيق التام مع المركز في المرحلةالأولى بغية الوصول الى صياغة بقانون يضمن تطوير الثروة والاستفادة من الاستثمارات الخاصة بما يؤمن مصالح كل الاطراف. وعلى ان تنصرف في المرحلة الثانية لتشجيع توسيع الأستثمارات في مجال صناعة النفط وبناء المصافي  والمستودعات والتوزيع والتكرير وما الى ذلك من الأنشطة المتعلقة بالقطاع النفطي، ومن خلأل ادخال مساهمات الراسمال الوطني والأجنبي فيها، على ضوء قانون الأستثمارالجديد المقر من قبل البرلمان الكردستاني، توفيرالكوادر المحلية المختصة لهذه الصناعة ، والأستفادة من التكنلوجيا المتقدمة في هذا النشاط الأقتصادي.ان تطوير هذه الصناعة في الأقليم،بالتاكيد ستساهم في حل معضلة البطالة وتوفير فرص العمل للعاطلين، كما تساهم في عملية البناء التحتي التي بحاجة اليها الأقليم لتطوير وتيرة اقتصاده في الأمد المنظور[/b].

127
لجنة بيكر...والمسار السياسي العراقي
د.صباح قدوري

  في السابع من الشهرالقادم تجري الانتخابات النصفية للكونغرس الامريكي. ويتوقع المراقبون أن يفقد فيها الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش السيطرة على الكونغرس لأسباب أهمها القلق الشعبي العميق بخصوص الملف العراق. وقبل ثلاثة أيام صرح بوش:    بانه سيقاوم الضغوط التي تقترن بفترة الانتخابات لاجراء تعديل كبير للاستراتيجية في العراق ،رغم تنامي الشكوك بين الامريكيين بشأن أسلوب ادارة الحرب". وقد أدت حرب العراق( التي لقي فيها 2750 جنديا أمريكيا ومئات الآلاف من العراقيين حتفهم) الى تدني شعبية بوش قبل هذه الانتخابات التي يسعى فيها حزبه الجمهوري الحفاظ على سيطرته  في الكونغرس.
 ومن مهازل السياسة الامريكية الديماغوجية في العراق والمنطقة ،ان الرئيس بوش يعترف بأن الوضع العراقي «صعب جدا»،رغم انه كان يشدد دائما على صموده وانتصاره في العراق. والجديد والمهم في الامر هو اعترافه بان ما يجري في العراق للامريكيين يشبه ما جرى لهم في فيتنام فقد قال: «ان التشابه بين الحالتين قد يكون صائبا ودقيقا»!!. و في تصريحات الى وكالة «اسوشييتد برس» قال :انه سيستشير القادة العسكريين ليرى إذا كان تغيير التكتيك ضرورياً لوقف العنف المتزايد،رغم  تاكيده على عدم سحب قواته من ساحة المعركة والمضي في اكمال المهمة في العراق حتى تحقيق النصر. كما ان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت صرحت في حينه لصحيفة (نيو يورك تايمز ) قائلة: اعتقد ان العراق سيكون في نهاية الأمر واحدة من أسوأ الكوارث في السياسة الخارجية الأمريكية ".  أما قائد الجيش البريطاني الجنرال سير ريتشارد دانات، فقد أعترف بان وجود القوات البريطانية في العراق (عددهم 7100 ) مسؤولاً عن اسالة الدماء في الداخل والخارج ونصح بسحبهم "قريبا". وقال البرتو فرنانديز، مدير مكتب شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية السبت"حاولنا ان نقوم بالأحسن(في العراق)، لكن اعتقد ان هناك مجالأ كبيرا للأنتقاد الشديد ، لأنه من دون شك كانت هناك غطرسة وكان هناك غباء من الولأيات المتحدة في العراق". واضاف " يجب ان نمارس نوعا من التواضع في موضوع العراق، من دون شك وهناك اعتراف امريكي بذلك، وكانت هناك اخطاء في السياسة الخارجية في العراق".
جيمس بيكر وزيرالخارجية الأسبق، والذي يرأس لجنة (الحالة العراقية) مع الديموقراطي لي هاملتون يصف الوضع في العراق بأنه «كارثي» و يقترح انسحاباً منظماً بدلاً من الانسحاب المفاجئ  لحفظ ماء الوجه الامريكي . الاقتراح تحت عنوان «انسحاب واحتواء» اي وضع ترتيبات داخلية عراقية وتفاهم مع دول الجوار (ايران وسوريا) . في الوقت الذي تؤكد وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس: بان ادارة الرئيس جورج بوش لا تعتزم اجراء مراجعة شاملة لاستراتيجيتها، بل تغيرات تكتيكية محتملة في العراق حيث يتزايد العنف الطائفي". ورغم كل هذا فان المؤشرات الميدانية تشيرالى،ان إدارة بوش تسعى الى الخروج من المستنقع العراقي بأقل خسائر ممكنة. ولعل اللجنة الديمقراطية ـ الجمهورية ( تضم أعضــاء بـــارزين من الحزبيــــن الجمهوري والديمقراطي) التي شكلها الكونغرس خير دليل على هذا المأزق العسكري والسياسي. وهدف هذه اللجنة هو انقاذ سمعة الولايات المتحدة وليس سمعة الرئيس بوش الذي أكد انه سيكون مرناً في التعاطي مع توصياتها التي ستقدم بعد فترة وجيزة من اجراء الأنتخابات، حتى لاتؤثر على نتائجها. ومنذ مارس/آذار الماضي فان هذه اللجنة تضع وتناقش مجموعة من الحلول والبدائل بخصوص تغيير المسار السياسي والعسكري في العراق.
خلال الفترة الماضية جرت عدة مقابلات مع جيمس بيكر(رئيس لجنة مجموعة دراسة الحالةالعراقية)، طرح فيها مجموعة من الأفكارحول هذا الموضوع، يكمن تلخصها في المحاور التالية:-

   1ـ على الادارة الامريكية فتح الحوار المباشر مع المقاومة العراقية الوطنية ، التي هي ضد الاحتلال واشراكها في الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها بديلأ عن حكومة المالكي، التي تدل كل المؤشرات الى تحول الوضع في ظلها من السيئ الى الكارثي في حالة استمرارها، ومع ذلك  تمنح لها فرصة الى نهاية هذا العام وبداية السنة الجديدة . وان مثل  هذا الأجراء قد يساعد على عزل هذه الفئات عن مجاميع القاعدة والفصائل الأسلأمية الأرهابية الأخرى،ويعتقد بان معظم قادة هذه المقاومة هم من العناصرالقيادية لحزب البعث المنحل، والتي كانت لها مناصب عالية  وبارزة في الجيش العراقي السابق المنحل. 

2- في حالة تحقيق النجاح في المسالة الأولى، يمكن ان تباشر الأدارة الأمريكية في الانسحاب التدريجي من العراق تحت عنوان" انسحاب واحتواء" والقيام بانشاء قواعد عسكرية خارج العراق ، بهدف تقديم الدعم الكامل للحكومة الجديدة عسكريا وسياسيا، واعطاء دور لكل من ايران وسوريا وتركيا والاردن لكي تساهم بقسط في عملية تعزيز الأمن والأستقرار في العراق. ايران بحسب هذا التصور تستطيع التأثير في الموقف الشيعي من خلال «المجلس الأعلى للثورة الاسلامية» . ومن خلال نفوذها لدى حزبي «الدعوة» و «الفضيلة» وتيار مقتدى الصدر. أما سورية فباستطاعتها مرة أخرى بحسب التصور الاميركي منع تسلل المقاتلين عبر حدودها والتأثير في موقف بعض القوى العشائرية والبعثية. وستمارس تركيا تاثيرها على الأكراد،أما الأردن فمن خلأل اعتدال دوره في المسار السياسي العراقي. لكن أحداً لا في هذه اللجنة ولا في خارجها مستعد للبحث في الثمن الذي يمكن ان تطلبه دمشق وطهران مقابل هذه الأدوار والخدمات السخية!                                         
 3ـ هناك آراء تدعوا الى  تقسيم العراق الى ثلاثة  اقاليم على اساس طائفي وعرقي ،الأكراد في الشمال ،الشيعة في الوسط والجنوب، والسنة في الغرب، بغية تفادي اندلأع حرب اهلية في العراق.حيث ان انفراد كل من الأكراد والشيعة في الحكم الحالي، ادت الي فقدان الثقة بها من قبل الشعب العراقي. يوجد في الساحة الأميركية والدولية من يسخر من فكرة تقسيم العراق، ان أصحاب فكرة التقسيم هم بالاساس المحافظون الجدد من الجمهوريين الذين ورطوا الولايات المتحدة في حرب العراق خدمة لاسرائيل، واعتبروا ان التقسيم هدف يخدمها لأنه يمزق دولة عربية اساسية في المعادلة الاستراتيجية العربية - الاسرائيلية، ومن ثم يؤدي الى تقسيم دول مجاورة وتفتيت تدريجي للمنطقة العربية. ويرى هؤلاء ان المصلحة الأميركية النفطية مضمونة أكثر من خلال تقسيم العراق ومحاولة شركات النفط الاميركية السيطرة على منابعه في المنطقة وصولا الى ايران. وهناك رأى آخريقول ان مصلحة الشركات النفطية والشركات العسكرية الكبرى ليست في التقسيم وانما في استمرار الوجود العسكري الأميركي هناك لغايات استراتيجية أمنية كما لغايات مالية. هؤلاء يعتقدون ان ادارة جورج بوش لا تجد التقسيم لمصلحتها لأنه يعطي ايران وتركيا فرص التهام أجزاء من العراق، ولذلك لن تسمح به. ويضيف أصحاب هذا الرأي ان بوش لن يوافق على سحب القوات الأميركية من العراق لأن ذلك يعني فسح المجال لإيران للسيطرة الكاملة على العراق وبالتالي ان ما تحتاجه الولايات المتحدة في هذا المنعطف هو اعتراف جورج بوش بفشل ما سماه مشروعه للديموقراطية والحرية في العراق كنموذج للتغيير في المنطقة. وفي الادارة الامريكية، ربما هناك من يدعو الى إحياء الديكتاتورية أو «الصدامية» في العراق عبر صدام آخر ومن بين شخصيات على نسق صدام ،لغرض  الحفاظ على وحدة العراق وعدم تمزقه ،وفي هذا المجال هناك اخبار تتردد عن حوارات ولقاءات بين قادة عسكريين سابقين وبين أطراف امريكية. 
وازاء السياسة الأمريكية  في العــراق، وما يدورحــول الأنتخابات القادمة، هناك سؤال يطرح نفسه : هل ان بوش سياخذ بنصائح مجموعة دراسة العراق، اذا لحقت بحزبه هزيمة في الانتخابات، ام انه سينفرد في الأستمرار في نهجه السياسي الحالي حيال العراق والمنطقة(الشرق الأوسط الجديد) ؟.أم انه سيأخذ بنصايح الخبير السياسي المخضرم هنري كيسنجرالذي يلتقية في كل مرة عند تواجده في واشنطن ؟ .وكيسنجر (عراب الخارجية الامريكية سابقا ) معروف بنصائحه وتشجيعه للرئيس بوش على استمرارالسياسة الامريكية الحالية في العراق، لأن الأنسحاب سيؤدي الى فشل الولايات المتحدة في المنطقة على غرار ماحصل في فيتنام. وبالتالي فقدان نفوذها وهيبتها في المحافل الدولية ،ولاسيما انها تعتبر  نفسها بانها تقود العالم نحو مايسمى بالنظام العالمي الجديد. وان مثل هذا الانسحاب يعتبر انتصارا كبيرا للأرهابيين من القاعدة والحركات الأسلأمية المتطرفة. ولكن حتى تتم الأجابة بشكل واضح على مثل هذه التسؤالات، يبقى الشعب الأمريكي يعيش في ظل الخوف والقلق وأنتصارالمجهول، بسبب فقدان الحماية الأمنية الكافية له من الهجمات الأرهابية المحتملة القادمة ، وكذلك من تفاقم حجم البطالة بسبب نفقات الحرب الباهضة التي تتكبدها امريكا من جراء حروبها في افغانستان والعراق. أما الشعب العراقي فهو الآخر ينتظر المجهول في السياسة الامريكية ، في ظل حكومة ومسيرة سياسية أبرز معالمها ، القتل والدمار والنهب والسلب والفساد والتخلف الأقتصادي والأجتماعي وتفكيك البناء الأنساني للمجتمع العراقي .[/b]  [/size][/font]   

 

128
مرة اخرى حول المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي
د.صباح قدوري

سبق وان كتبت مداخلة قصيرة تحت عنوان "التحضير الى المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي" ونشرت في بعض المواقع الألكترونية ،منها الحوارالمتمدن ، صوت العراق والناس وغيرها، بخصوص المؤتمر الثامن، المزمع عقده خلأل الفترة القليلة القادمة ، وذلك قبل علمي واطلأعي على الوثائق، التي تم نشرها مؤخرا ايضا على بعض المواقع الألكترونية .
بعد قراءتي واطلأعي عليها ، اود ان اضيف الى مداخلتي السابقة ، بعض الملأحظات بخصوص هذه الوثائق ،ارى من الضروري ان يكون للحزب موقف واضح وصريح منها ، وعدم امرارها مرور الكرام ،  وهي كالأتي:-

1- يصف بعض المعنيين في قيادة الحزب ، ومن الذين شاركو في صياغة وديباجة مشروع سياستة وبرامجه الحاضر والمستقبل في هذه الوثائق ، بان الحزب  يمثل كل طبقات المجتمع، وليس حصرا على( الطبقة العاملة والفلأحين والمثقفين والشغيلة ) ، لذا سيضم في صفوفه ايضا كل طبقات و شرائح المجتمع العراقي ، بما في ذلك البرجوازية التجارية ، الصناعية ، بقايا الأقطاع (الطبقة الراسمالية)، واللبراليين والأسلأمين والقوميين وغيرهم ، وبذلك يتحول الحزب من الحزب الشيوعي الى حزب وطني ديمقراطي او حزب ديمقراطي اشتراكي وغيرها من هذه التسميات المتعارف عليها في القاموس السياسي ، وان الدعوات الموجه الى الحزب لتبديل اسمه، يتلأئم مع هذه التوصيفة للحزب، بدلأ من التفكير في توسيع قاعدته الأجتماعية من منظور الطبقي السليم،على اساس الفكر والمنهج الماركسي – اللينيني ، بحيث يصبح قادراعلى جمع تحت رايته، تلك الطبقات والشرائح المتضررة من الهجمة الشرسة للعولمة اللبرالية الراسمالية الأمريكية واللبرالية الجديدة .

2- لم يتوسع الحزب في طروحاته بشكل واضح في هذه الوثائق، بخصوص مفهوم الفيدرالية وتطبيقاتها على الأرض الواقع في ظرف العراق الحالي والمستقبلي ، بالرغم من كونها من احدى المواضيع المهمة التي جاءت في الدستور العراقي الجديد والمقر. فمن المعروف هناك مفاهيم عديدة، وتفسيرات متباينة بشان هذا الموضوع ، من الفيدرالية وكونفيدرالية والفيدرالية السياسية والجغرافية ، كالتي قائمة الأن في اقليم كردستان العراق ، وكذلك الفيدرالية على اساس المحافظات،اى الأدارية . ضمن هذه المفاهيم، على الحزب ان يوضح بكل شفافية ، بان المقصود من الفهوم الفيدرالية في العراق الجديد ، هي الفيدرالية السياسية والجغرافية لكردستان العراق، ضمن الجمهورية العراق الفيدرالي الموحد ، ويمكن ان تاخذ اشكال متطورة في سيرورتها، والفيدرالية الأدارية على اساس  توسيع اللأمركزية في توزيع السلطات والثروات بين المحافظات والمركز.اما الأشكال الأخرى من الفيدراليات الطائفية اوالمذهبية التي تطرح بين حين واخر، والتي تهدف بالحقيقة الى تفكيك كيان العراق ووحدته  ، فعلى الحزب ان يقف بشكل علني ومبدئي وواضح وبجراءة ضدها، وعدم اعطاء المجال لأمرارها على حساب الوطنية والمواطنة ووحدة العراق شعبا وارضا. فعليه ارى من الضروري تخصيص فقرة خاصة لهذة المسالة ضمن مشروع البرنامج لأهميتها المستقبلية.

3- في مجال السياسة الأقتصادية –الأجتماعية. إن تحديد وظائف الدولة الاقتصادية ، ومهام القطاع الخاص ، وما تشترطه من أشكال للملكية ينطلق من روح أيديولوجية تجد تعبيراتها في المرحلة الانتقالية للثورة الاشتراكية، وبهذا قللت الوثيقة البرنامجية من اهمية التطورات الجديدة التي أفرزتها العولمة الرأسمالية، والتي تتجلى في كثرة من التجليات السلبية على الدول الوطنية. يتطلب من الحزب قبل كل شئ ان يكون له رؤية نقدية حقيقية وواضحة ازاء الوضع الأقتصادي العراق الجديد  ، الحالي وافاق تطوره المستقبلي . ، تستند أسسها على الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي يعتمدها الحزب لأدارة السياسة الأقتصادية،على اساس مقولة الماركس" السياسة هي تعبير مكثف عن الأقتصاد" ان السياسة الحالية السائدة في المنطقة تحث وتشجع نظام الأقتصاد السوق ، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ، ومنها العراق، الذي اصبح ينتهج هذه السياسة بثبات، منذ سقوط الديكتاتورية ولحد الأن ، وكذلك في اقليم كردستان ،  بدوعاة الفكر النيوليبرالي ، التي تفرضها سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن. الأنشغال والمبالغة بفهوم الخصصة ، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، وقد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الأقتصادي،المتفشي في كافة المستويات الأدارية والحزبية، مع غياب الضمانات الكفيلة بحماية الثروة الوطنية والمال العام، فضلأ عن ان هذه الظاهرة الشائنة امتدت الى ميدان المشاريع والعقود المملوكة دوليا ، كما يشير بعض التقارير الصادرة عن مؤسسات الدول المانحة. فعلى الحزب اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأقتصادية-الأجتماعية المستدامة، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن،ذات استراتيجية شاملة ، تحدد فيها الأهداف والأوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية، مستند بذلك  الى اسلوب التحليل العلمي لأتجاهات التطور الهيكلي للأقتصاد العراقي. ابراز اهم المشاكل التي يعاني منها الأقتصاد العراقي في، مجالأت البطالة والتضخم وفقدان الخدمات بكل اشكالها والصعوبات التي يواجها القطاع النفطي، واعادة تاهيله، وافاق تطوره المستقبلي، واعتماد الميزانية العامة للدولة، والخطة الأستثمارية ،وكيفية توزيع الأيرادات ونفقاتها على مناطق العراق ، اقليم كردستان والمحافظات، توزيع الدخل والثروة، وتنمية الموارد البشرية، والعناية بالفئات الاجتماعية. إعادة الأعمار، توفير الشروط والضوابط المناسبة للاستعانة بالأستثمارات الخارجية واجتذابها كي تسهم في استنهاض الاقتصاد الوطني وتطويره وتحديثه ، وغيرها من المواضيع.ارى ان هذه الروية يجب ان تثبت بشكل مفصل في نقطة المجال السياسة الأقتصادية-الأجتماعية قبل الدخول في تفاصيل القطاعات الأقتصادية وافاق تطورها المستقبلي .

4- ان مسودة مشروع البرنامج الواردة في الوثائق المؤتمر ، خالية من اية اشارة حتى ولو موجزة، الى دور الحزب في الأنتخابات التشريعية والمحلية القادمة ، ولم يتم حتى تقيم اسباب الذاتية والموضوعية التي ادات الى اخفاقات كبيرة للحزب حال دون تحقيق نتائج ايجابية في الجمعية الوطنية للدورتين المتتاليتين. وبما ان الحزب يتبين فقط اسلوب النضال السلمي  للوصول الى السلطة من خلأل الأنظمة الديمقراطية ، التعددية  والجمعية العمومية ، عليه  ان يعار اهمية فائقة لهذه المسالة ، من خلأل وضع برنامج عملي جماهيري، يحدد فيه مسار التطور السياسي ، الأقتصادي والأجتماعي الحالي والمستقبلي للعراق والمنطقة ، يبرز فيه الموقف من الأحتلأل والسيادة الوطنية، المقاومة الوطنية والحقيقية، الأرهاب باشكالها المختلفة ،التحالفات والجبهات،العمل مع منظمات المجتمع المدني ، التعديلأت يمكن اجرها على الدستور المقر، الفيدرالية ،الوضع في اقليم كردستان من خلأل الية العمل مع الحزب الشيوعي الكردستاني ، مطاليب الجماهير اليومية، السياسة الخارجية، ومسائل اخرى. و يتهياء نفسه لخوض المعركة الأنتخابية القادمة ، حتى يضمن له بعض الأنتصارات، ينسجم مع تراث وحجم وجماهيرية وتاريخ ودور الحزب الحقيقي في الساحة العراقية .

اتمنى ان يكون هذا المؤتمر، نقطة انطلأقة نحو تعزيز وتعميق الديمقراطية وممارستها فعليا في حياة الحزب الداخلية ومع الجماهير، وخاصة في سير العملية الأنتخابية لقيادة الحزب الجديدة في المؤتمر، على الأسس الصحيحة. وان يقترن بتحقيق امال كل العراقين من اجل تعزيز الأمن والقضاء على الأرهاب، وعودة الأستقرار والسلأم والطمائنينة الى قلوب العراقيين ، وتحقيق مشروع التنمية الأجتماعية-الأقتصادية المستدامة ، بما يعود بخيرعلى الشعب العراق، وفي تطوير مسيرته المستقبلية، نحو عراق الأمل والسلأم.[/b][/size][/font]


129
الذكرى الخامسة لهجمات11 سبتمبر...واستمرارية الأرهاب
د.صباح قدوري

بالرغم من مرور فترة  خمس سنوات على هجمات مركزي التجارة الدولية في نيويورك ،الذي اصبح اليوم مكان للذكرى وكذالك المتحف، ووزارة الدفاع/بنتاغون في واشنطن، في 11ايلول/سبتمبر 2001، الأ ان لأتزال الرعب والخوف وعدم الطمانينة، مسلطة  في اذهان عامة الناس، وبشكل خاص على الشعب الأمريكي ،الذي اقام احتفالأت رسمية وشعائر دينية وتقليدية على نطاق البلد بهذه المناسبة . منذ قيام الولأيات المتحدة الأمريكية بشن الهجمات على افغانستان، وفق ما اسمته واشنطن ولندن والدول الغربية الأخرى في حينه "بالحرب على الأرهاب "، ومن ثم شن الحرب ايضا على العراق واحتلأله. فان التطرف ما زال في ازدياد. العراق اليوم هو افضل ميثال على ذلك ، اذ تحول هذا البلد من جراء الأرهاب منذ سقوط الصنم وحتى الأن، الى بركة من الدماء، ويصل معدل اليومي لضحايا الأرهاب فيه الى اكثر من 100 قتيل، والحالة ليست احسن في افغانستان. وحذر ديك شيني في المقابلة التلفزيونية له ، بان الأرهاب القادم على بلده ، يكون نتائجها اخطر من الذي حدث في 11 سبتمبر قبل خمس سنوات.اليوم تشكل المجموعات الأرهابية، شبكة عالمية ، تقوم بتنفيذ مخططات ارهابية بشكل منسق ومنتظم ومستمر، في كثير من البلدان العالم. أن ازدياد التطرف في الأعوام الأخيرة يرجع في بعض الاحيان عن انحراف الحرب على الإرهاب عن أهدافها. اذ ان بعض القيم التي يسعى الغرب ، وخاصة الولأيات المتحدة الأمريكية إلى نشرها من خلال الحرب على الإرهاب ، مثل العدالة والديمقراطية وكرامة الإنسان، تعرضت لهزة بالغة، اثر افتضاح أمر تعذيب السجناء في سجن أبو غريب، وفشل مخططات الأمريكية وحلفاءها لحد الأن في حربها واحتلألها للعراق وافغانستان. فعلى الرغم من أن الدعوة إلى التطرف لاقت بعض الآذان الصاغية، إلا ان غالبية المسلمين ما زالوا يتحلون بالاعتدال، وخصوصا في الدول التي تعرضت للعنف من قبل جماعات متطرفة مثل السعودية والأردن والعراق وغيرها. تشير صحيفة الأوبسرفر إلى الأستطلاع للرأي اجري مؤخرا في مصر يمثل مفارقة. فعند سؤال المشاركين في الاستطلاع عن أكثر الدول التي يكرهونها وأكثر الدول التي يطمحون السفر إليها ، كانت الولايات المتحدة هي الأولى في الحالتين. وتستدل الصحيفة من ذلك إلى ان الغرب ما زال يحظى بتقدير الكثيرين.
بعد انهيار المنظومة الأشتراكية في نهايـة الثمانينات من القرن الماضي ،ومنذ حرب الخليج الثانية، دخل العالم في مرحلة جديدة من الصراع والعنف. اذ اعلنت الولأيات المتحدة الأمريكية ، بانها تقود العالم ولو من الناحية (النظرية ) ، نحو مايسمى بالنظام العالمي الجديد، مبنيا على اسس حماية مبأدئ حقوق الأنسان ، بناء مؤسسات المجتمع المدني ،وتطوير مفهوم الديمقراطية وممارستها بشكل فعلي في الحياة اليومية ، مع مضي قدما نحو العولمة الأقتصادية ، وفرض سياسة اقتصاد السوق- الحر بدون قيد وشروط ، تمهيدا للألتحاق بدعاة الفكرالنيوليبرالي ، وتطبيقه  في كافة مجالأت الحياة . من اجل ترجمة هذه الأيدولوجية، ووضعها قيد التنفيذ ومن ثم التحقيق، اذ تصاعد حملأت المطالبة بتوسيع رقعة الحرب ضد ما يسمى "بالأرهاب" من قيل الدوائر المعنية في الأدارة الأمريكية، مباشرة بعد الحرب على افغانستان ، وهو ما اشار اليه بوضوع في حينه نائب الرئيس الأمريكي ديك شيني، عندما قال بان ما يجري في افغانستان، انما هو المرحلة الأولى من الحرب، وما اكده رئيس الأركان الأمريكي بعد شهر ونصف من الهجمات، اى بالتحديد في 22/ 10/2001 على امتدادها الى " الحرب الشاملة" ، وانها ليست فقط ضد الأرهاب ، بل ايضا ضد اسلحة الدمار الشامل، ان الذريعة على وجود هذه الأسلحة في العراق ، كان سببا مباشرا الذي حمل كل من الرئيس بوش ورئيس وزراء توني بلير ، لأتخاذ قرارهما السياسي في اذار2003، بخصوص شن وتنفيذ الحرب على العراق واحتلأله ، بينما صرح وزير خارجية امريكا في حينه صراحة بان "بعد الأنتهاء من القاعدة سنولي اهتماما للأرهاب في جميع انحاء العالم. واكد الرئيس بوش، في خطاب له قبل اسبوع ، بانه سيغير طريقة معالجته للفوضى السياسية المتفاقمة في العراق، ومنع وقوع اي هجوم اخرعلى بلأده ، عن طريق توسيع رقعة الحرب ضد الأرهاب.  وفي هذا الوقت ،صدر في الأسبوع الماضي تقرير جديد من الكونغرس الأمريكي ، يوكد على ان العراق  لم يمتلك اسلحة الدمار الشامل ، وان صدام حسين ، لم يكون  على العلأقة مع جماعة القاعدة في حينه . وبهذا النهج ايضا ،تؤكد وزيرة الخارجية الأمريكية كندوليزا رايس ، بان بلدها لأتتخلى عن المعركة ضد الأرهاب في العراق ،اواي مكان اخر ، وهي تعني ايضا ، بان بلدها اليوم في امان اكثر من قبل ، ولكن لأيزال ليس على وجهة المطلوب .

 اليوم يطرح السؤال نفسه، اين كان واشنطن من الأرهاب المحلي والعالمي ، واين يقف اليوم؟. بعد ان ساعد النظام العراقي في حينه في الحرب ضد ايران وضخه باسلحة الدمار الشامل وخصوصا الأسلحة الكيمياوية ،التي ضربت بها حلبجة الشهيدة ،الوقوف بوجه انتفاضة الشعب العراقي في اذار1991، ومساعدة بن لأدن وطالبان في المقاومة الأفغانية ضد الحكومة الشرعية في كابول ، ومد تلك التشكيلأت بالمال والسلأح والمعلومات واقامة المعسكرات على حدود باكستان- افغانستان وتوسعت فيما بعد لتشمل سودان واليمن واقليم كردستان العراق وغيرها ، والأن ادرجت هذه القواعد وغيرها ضمن قائمة الأرهاب! ، وقف بجانب اسرائيل في حربها القذرة ضد الشعب الفلسطيني ومنظماته بالأمس واليوم، واعلأن الحرب مؤخرا على لبنان، بحجة تصفية حزب الله ، الذي هو اليوم ايضا ضمن قائمة الأرهاب، ومساعدة الجنرالأت وعصابات الكونترا بالأسلحة والمال والخطط لضرب الأنظمة الوطنية في كل من تشيلي عام 1973 ، نيكاراغوا ، بوليفا ، واليوم كوبا ، وفنزويلى ، سوريا، وايران من "محورالشر" وبحجة استخدام الأخيرة مفاعلها النووي في صنع القنبلة النووية ، ومساعدة تركيا لضرب عناصر الحزب العمال التركي، وهو ايضا مدرج ضمن قائمة الأرهاب، نشر ثقافة الأرهاب والعنف والعدوان، والمحاصصة والتفرقة الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية والحزبية والقومية الشوفينية بين ابناء الشعب العراقي . وتقف اليوم حلفاء الولأيات المتحدة وراء فرق الموت والتطهير العرقي، وكذلك ترك الحدود مفتوحة ، مما تقود هذه الحالة البلأد الى أبواب حرب اهلية. بعد ان تبخر احلأم الديمقراطية والأستقلألية والسيادة، والشرعية الدولية، وحرية الأنسان والرفاهية والأزدهار والتقدم الأقتصادي والأجتماعي .
ان اقدام الأدارة الأمريكية على خيار نهج الحرب ، ردا على الهجمات الأرهابية ، تشكل كارثة كبيرة ، ستعود على شعبها وشعوب العالم بعواقب وخيمة ، وهي تهدف لبسط هيمنتها وتوسيع رقعتها ، خدمة لمصالها الأستراتيجية من جهة، وتشجيع بن لأدن واعوانه لمعاودة الهجوم مرة اخرى لأسمح الله ، مستخدما بذلك اساليب الكيمياوية ،وذلك لحيازتهم على كميات كافية من المواد المشعة يمكن استخدامها في صنع قنبلة نووية،واستخدام متفجرات تقليدية من جهة اخرى. وتؤكد اكثر كتاب الأمريكيين ، بان بلدهم لأيزال على راس القائمة لتعرضه الى العمليات الأرهابية ، وتلي بعد ذلك في التسلسل كل من المملكة المتحدة ، الدنمارك وفرنسا وغيرها.اليوم تعيش الشعوب العالم في حالة من  القلق والرعب والهيستريا ، ازاء احتمالأت تعرضعها لهجوم باسلحة بيولوجية ، كيماوية او سامة وغيرها، مستخدما بذلك طائرات رش المحاصيل بالمبيدات في هجمات جرثومية.

تستنكر وتدين بصراحة قوة من العالمين الرسمي والشعبي ، التي تحترم وتقدس الحريات العامة، وتدافع عن حقوق الأنسان كل شكل من اشكال الأرهاب على الصعيدين المحلي والعالمي ،باعتبارها جريمة لأ يمكن تبريرها على الأطلأق، سواء على يد الحكومات والأنظمة الديكتاتورية ،او تلك التي تدعي الديمقراطية بدون الممارسة ، او اذ امتد هذا الأرهاب الى الخارج حدود الدول ، او مخططات البنتاغون والمخابرات المركزية ، ليشمل ارواح الألأف من الأبرياء ، بحجة محاربة "الأعداء" كما يحصل ذلك يوميا في العراق وافغانستان، وعلى يد الأرهابين في الحكومة الأسرائلية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى التي تدافع عن حقها  ، وتتطلع الى الأمن والأستقرار ، والعيش الكريم في ظل الحرية والديمقراطية .اليوم تقع على الأدارة الأمريكية مسؤولية جسيمة، اتجاه ما يحدث من العنف والأرهاب ، والتدخل السافر في شؤون الداخلية للدول، واستهتارها بمصير ومقدرات شعوب العالم ، جاعلة من قواتها دركيا دوليا متغطرسا في بلأد الأخرين . على هذه الأدارة والأدارة القادمة ، ان تعيد النظر في حساباتها ، عن طريق مراجعة سياستها العدوانية وغطرستها ، والأحتكام الى العقل والحكمة ، واتخاذ الأجراءات الكفيلة باجتثاث الأسباب الحقيقية للأرهاب ، وتجفيف منابعه ، والتاكد من هوية المجرمين والأرهابين ، ومتابعتهم قانونيا وبشتى الطرق السلمية ، قبل الدخول الى عالم القوة والحرب .وبهذا الصدد يقول الملياردير والشخصية السياسية ورجل الأعمال الأمريكي جورج سوروس في كتاب صدر له حديثا حول العولمة "ان على امريكا ان لأ تعتز بقوتها كثيرا ، فالقوة لأ تدوم دائما ينبغي عليها ان تفكر باتباع سياسة اخلأقية فيما يخص العلأقة مع العالم الخارجي ، اذ ما ارادت النجاح في القضاء على الأرهاب . هذه السياسة الأخلأقية تتمثل في محاربة جذور الأرهاب واسبابه ، اى الفقر والجوع والجهل والأستبداد السياسي، فهل ستعي امريكا ان مصلحتها تكمن في اتباع سياسة اخلأقية لأ سياسة مكيافيلية او ذرائعية ؟ هذا هو السؤال الأساسي المطروح في المستقبل ، والأجابة عنه سلبا او ايجابا سوف تحسم مصير العالم " . [/b] [/size]  [/font] 

130
هل الأن، وقت العلم أم العمل!؟
د.صباح قدوري

يعتبر موضوع تغير العلم العراقي ، من أحدى المواضيع التي جاءت في الدستور العراقي الجديد، والمعتمد في تشرين الأول/اكتوبر الماضي ،على اعتماد علم جديد ، لكن البرلمان لم يتمكن من التوصل الى توافق حول هذه المسالة، ولم تجد لها حلول صحيحة لحد الأن ، رغم اثارته عددة مرات، وقدم بعض المقترحات بصدده ، الأ انه  تم تجاهلها .
ان طرح هذا الموضوع من قبل السيد مسعود البرزاني مرة اخرى في هذا الوقت ، أعتقد ان توقيته لم يكون صحيحا . وهو قرار فردي ، لم يتم دراسته بعناية وعمق، ولم يتم التنسيق حتى بحد الأدنى مع زميله السيد جلال الطلباني رئيس الجمهورية، مما اصبح سيادته في موقف حرج، ويتغبط في تصريحاته ،محاولا تبرير التصرف الفردي !!!
تارة يقول أن ألسيد مسعود البرزاني تشاور معه ومع السيد رئيس الوزراء ، وتارة اخرى يقول ان القرار جاء لينزل اعلام الاحزاب ويرفع بدلا عنها علم ألدولة العراقية لثورة 14 تموز. ولم تقيم بما يترتب عليه من النتائج السلبية على العراق والمسالة الكردية، وهو بالتالي قرار سريع وارتجالي، وذلك لأنعدام  اسلوب الديمقراطي في اصدار مثل هذه القرارات المهمة والمصيرية بخصوص المسائل الأساسية، التي تنصب في عملية تطويرالمسار السياسي وافاقه المستقبلي على العراق والأقليم ، وكذلك لم يحسب الظرف الصعب والبالغ التعقيد ، الذي يمر به العراق الجديد، وتراكم مشاكله وتركها من دون ايجاد حلول لها، وهي قائمة كبيرة من المشاكل ، التي تعتبر من حيث أولياتها اكثر أهمية من مشكلة العلم في الوقت الحاضر . كمشكلة الأمن والأستقرار ، تحسين الوضع الأقتصادي والمعيشي للمواطنين ، من خلأل تقديم الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والوقود ، أى تامين الأمن السياسي ،الصحي ،الأجتماعي والأقتصادي لهم . ان قرار ادارة الحكم الفيدرالي في اقليم كردستان، حول أعتماد بعلم اخر بدلأ من العلم الحالي، الذي يرمز الى النظام الديكتاتوري المقبور ، تم استغلأله من قبل بعض الجهات والأشخاص، من اجل تعميق الخلأفات وافتعال الضجة ومزيد من المشاكل  ، بدلأ من تركيز على متابعة تنفيد وتحقيق مشروع المصالحة الوطنية المطروح حاليا ، مما اثارة موجة من الجدل على صعيد الداخلي  والأقليمي والدولي، الى حد وصلت تفسير هذه الحالة من قبل بعض الأوساط والقوة السياسية ، بانه محاولة عن طريق أستقلأل كردستان ، مما يشكل خطرا جديا بوحدة العراق ومستقبله ، وهي مجرد اوهام، ليست لها اية ارضية او صلة بواقح وحقيقة المسيرة السياسية التي تمر بها العراق الجديد بشكل عام واقليم كردستان الحالي بشكل خاص .

بعد اناطة مسؤولية رئاسة اقليم كردستان بالسيد مسعود البرزاني ، وتوحيد القسم الأكبر من الأدارتين فيه ، واناطة ايضا مسؤوليتها الى السيد نيجرفان البرزاني ، اصبحت أدارة الحكم الفيدرالي أمام مسؤوليات جسيمة . تنتظر منها مهمات كبيرة ومبادرات جدية للعمل، من اجل حل كثير من المشاكل المتراكمة منذو فترة طويلة ، والباقية من دون حل. يمكن تشخيص بعض هذه المشاكل على سبيل المثال لأ الحصر ، (من دون الدخول في التفاصيل)، وحصرها في المجالأت التالية :-
1- الوضع السياسي والأداري : رغم اجراء الأنتخابات الحرة لبرلمان الأقليم ، والجهود المبذولة في توحيد الأدارتين بالشكل الحالي ،وتاكيد القادة السياسين مرارا، بارجاع الهيبة الى مؤوسسات ادارة الحكم الفيدرالي ،الأ ان لأتزال ظاهرة الطغيان الحزبي الضيق من الحزبين المتنفذين اوك و حدك، واضحة في تركبتها .
ولا يمكن لأي مراقب عادي ان يميز، بان هناك فصل في السلطات الثلأث القضائية ، التشريعية والتنفيذية، والى حد ما ، حتى في مايسمى بالسلطة الرابعة( الأعلأمية) ، كل هذه المؤسسات تم احتكارها، وتسلط القرارات الحزبية عليها ، مما فقدت هيبتها وقوتها في اداء دورها بشكل مطلوب، وتهميشها في عملية صنع القرارات المصيرية ، بحيث اصبح من الصعب على الشارع الكردي ان يميز بين تسلط الحزبي على هذه المؤسسات، والسلطات الفعلية التي يجب ان تتمتع بها هذه المؤسسات.
2- يبدو ان مطاليب الشعب الكردستاني ، ظلت هاجسا تورق ويقض مضاجع حلفاء القيادة الكردية الحاكمة ، منذ سقوط الصنم وحتى يومنا هذا. أصبحت هذه القيادة اسيرة العامل الموضوعي ، وتعول علية في تحقيق سياستها ، وتركت العامل الذاتي يضعف يوما بعد يوم ، وبذلك اصبح الشعب الكردستاني، المطالب بضمان حقوقة المشروعة في وادي والقيادة الكردية في وادي اخر.
أخذت القيادات الكردية ، والتي تعطي الشرعية لنفسها ، بالتتفاوض مع المركز، في تحديد صيغة الفيدرالية القائمة حاليا ومستقبلأ ، وثبتت ذلك في الدستور العراقي الجديد وفق طروحاتها. اصبح الشعب الكردستاني بعيدا في صنع القرارات المصيرية ، بخصوص شكل ومحتوى الفيدرالية، وافاق تطورها المستقبلي ودستورها ، خطة التنمية الأقتصادية والأجتماعية المستدامة ، مسالة العلم والنشيد الوطني الكردستاني والعراقي ، الريفرندوم ، مصير كركوك وخانقين ومناطق اخرى المتحررة بعد سقوط الطاغية ، و قوات البيشمركة ، تقاسم السلطات والصلأحيات والثروة والمياه  وغيرها، كل هذه الأمور أجلت الى اجل غير مسمى .
3- ان سوء الأدارة الأقتصادية في الأقليم ، بسبب قصر الرؤية في استراتيجية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستدامة، واختلأل في البنية الهيكلية للنشاط الأقتصادي ، وغلبة النشاط الأقتصادي ذي طبيعة الأستهلأكية على الأنتاجية ، اهمال ملحوظ في تاهيل واعادة وبناء البنية التحتية الضرورية لتطوير وانتعاش الأقتصادي، وفي مقدمتها توفير مياه صالحة للشرب، الكهرباء والوقود ، والنقل والمواصلأت، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والأجتماعية...الخ، حدثت فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، مع تفاقم حجم البطالة، والبطالة المقنعة، اذ هناك اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب من الحكومة الأقليمية ، وعادة يتم تعين موظفي الحكومة بتزكية من الحزبين الحاكمين.
وان التظاهرات الأخيرة التي شملت معظم مدن كردستان، خير دليل على تعبير الشعب ،عن تذمره ازاء نهج السياسة الأقتصادية غير شفافة ، والتي تستند أسسها على الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها هذه الأدارة، ومبنية على ترويج وتشجع نظام الأقتصاد السوق ، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ، ومنها الأقليم بدعوات الفكر النيوليبرالي ، التي تفرضها سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن.
اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستدامة، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية، و من خلأل اعادة الأهلية والهيبة لهيئات  مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان، أقامة سلطة على مستوى الأقليم ، تحل محل ظاهرة التسلط الحزبي والعشائري والقرابة والمحسوبية والفساد الأداري والمالي المستمرة حتى الأن.
رغم توحيد معظم مؤوسسات الأدارتين ، الأ انه لأتزال هناك ميزانيتي العامة لأقليم  ، بسبب عدم توحيد وزارتين المالية لحد الأن ، مما تؤدي هذه الحالة الى أرباك في الأمور المالية العامة، وموازنة الخطة الأستثمارية ،اذ من الضروري توحيد الوزارتين باقرب فرصة ممكنة، واعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الأستثمارية الموحدة  للأقليم ، وطرحها للمناقشة على كافة المستويات الأدارية واقرارها من قبل البرلمان واصدارها للتنفيد على شكل قانون الميزانية  لكل سنة، وعدم تسيس هذه القضية، والوزارات الأخرى غير موحدة اكثر من ذلك .
4- تفشي ظاهرة الفساد الأداري والمالي في ادارة اقليم كردستان العراق وعلى كافة المستويات الأدارية ، مما ادت الى ظهور مجموعة من تجار سوق السوداء المهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية ، وعمليات بيع وشراء العملأت الأجنبية، تصاعد حدة المضاربات في القطاع العقاري ، من جراء بيع وشراء وتاجيرالأبنية والأراضي ،الى درجة لم تشهدها تاريخ المنطقة حتى الأن، وبعيدة عن كل اجراءات القانونية والرقابة المالية .
تهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى المناطق المجاورة ، أحالة المشاريع الأستثمارية الحكومية والخاصة اليهم ، وهم مدعومين من بعض العناصر المسؤولة في الأحزاب الحاكمة ، مقابل تقاضى الرشاوي منهم .
محاولأت لأغراء المواطنين بالمسائل المادية والمالية ، على سبيل المثال توزيع الأراضي عليهم مجانا ، او احالة المقاولأت اليهم مباشرة من دون الدخول في العطاءات والمنافسة ، وذلك لكسب تايدهم وولأءهم للأحزاب الحاكمة ، التي لأتزال تصارع من اجل السلطة والنفوذ في الأقليم .
كل هذه الأمور وغيرها تحتاج الى دراسة عميقة ، وتقتضي ان تكون ادارة حكم الفيدالية الموحدة ومؤساتها وخاصة البرلمان في مستوى الأحداث والمهمات التي من اجلها تم انتخابها من قبل الجماهير الكردستانية . يجب ان تتصف بالمعرفة والخبرة والحكمة والنزاهة، مع بذل جهود استثنائية ، في سبيل أخذ بملفات هذه المشاكل وجدولتها وتصنيفها حسب أولويتها، من خلأل رسم سياسة واضحة وصائبة وشفافة ، تستند على الرؤية الواضحة للأحداث، وتوسيع الديمقراطية من خلأل ممارستها اليومية، والعمل المشترك مع الجماهير وأحترام اراءها ، وزجها في العملية السياسية لتمارس حقها الطبيعي في عملية اتخاذ القرارات وخاصة المهمة والمصيرية منها.
وامام هذه اللوحة المصغرة والتوصيفة المركزة والبسيطة للحالة السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي تمر بها الأقليم ، اضع امام القراء الكرام وابناء الشعب الكردستاني وكل العراقيين الخيرين ، ان تقرروا بانفسكم ،هل اليوم، ان موضوع طرح مشكلة العلم هو اهم، من المبادرة الى العمل، لحل تلك المشاكل الأساسية المشارة اليها اعلأة ؟
سؤال برسم الأجابة . ولكن حتى يتم الأجابة بشكل ملموس على هذا السؤال، يظل الشعب العراقي، والجماهير الكردستانية  يلفها الصمت والمعانات من الأرهاب والقتل والجوع والموت والفساد، وانتضار المجهول. [/b] [/size][/font]

131
لن نسمح ،بان يفلت أى مجرم بدون العقاب
د.صباح قدوري

تعتبر جريمة حلبجة في السادس عشر من اذار عام 1988 ، والتي اودت  بحياة 5000 مواطن كردي ، جلهم من الشيوخ والنساء والأطفال، والى جرح الأف اخرين ، وهروب البقية من ديارهم.وحملأت الأنفال السيئة الصيت عام 1987-1988 ، بقيادة المجرم على حسن المجيد، الملقب ب (على كيمياوي)، والتي اودت ايضا بحياة 182 الف مواطن من الأكراد والأقليات الأخرى من كلدو واشور وغيرهم . وتهجير الأف المواطنين من الأكراد الفيليين الى ايران، بحجة التبعية الفارسية ، واحتجاز مئات منهم في مطلع الثمانينات، وتصفية عدد كبير منهم جسديا .
استمرار عمليات التهجير عبر مراحلها المختلفة قبل تحرير أقليم كردستان الحالي ، وذلك بترحيل الأكراد الساكنين بالقرب من المناطق الحدودية مع ايران ، او بالقرب من المنشأة النفطية في كركوك ومناطق كرميان، او الساكنين في منطقة سهل بيخمة ، الى مناطق وسط وجنوب العراق ، وذلك بذرائع وحجج باطلة عن الواقع والحقيقة. كذلك محو وفقدان اثر اكثر من 2000 عائلة برزانية ولحد اليوم ، كلها من جرائم الأبادة . وهي اكثر الجرائم انتهاكا لحقوق الأنسان ، ويرمي الى افناء شامل او جزئي لأحدى المجموعات القومية او العنصرية او الدينية.
أقرت الحمعية العامة للأمم المتحدة أقتراحا في 11 كانون الأول 1946 يدين"جريمة الأبادة باعتبار انها ترفض حق الوجود لمجموعات بشرية ، كجريمة القتل التي تسلب هذا الحق عن الأنسان الفرد". وجاء في هذا القرار ان الأبادة تعتبر من الجرائم التي ترتكب ضد حقوق الأنسان ، لذلك يجب معاقبة مرتكبيها بشدة ، فاعلين أصليين كانوا ام شركاء ، أفرادا كانوا ام موظفين عموميين ام رجال دولة، وايا كان الغرض من ارتكاب الجريمة ، اجتماعيا كان ام سياسيا ام  دينيا ام اي غرض اخر.
عرض هذا المقترح على الجمعية العامة في جلستها المنعقدة في التاسع من كانون الأول 1948في باريس ، كمشروع اتفاقية دولية ، وتم اقراره مع تكمن نقطة الضعف البارزة في الأتفاقية في اعتبارها الجرائم الواردة فيها بمثابة جرائم ترتكب من قبل الأفراد دون السلطة الحاكمة 1
استخدم النظام الديكتاتوري المقبور ، كل انواع من الأسلحة الفتاكة، وخاصة الكيمياوية منها والقنابل العنقودية والغازات السامة والمحرمة الدولية، ولأتزال اتارها المادية والصحية موجودة لحد اليوم ، وانعكاساتها على الأطفال الذين ولدوا بعد هذه الكارثة ، وظهور التشويهات الخلقية والأعراض المرضية الخطيرة عليهم ، من مشاكل التنفس والنظر، وامراض الجلد وعاهات واضطرابات عصبية، وتخلف عقلي وشلل دماغي وغيرها .
كما لأ يخفى على احد ، بان الافواج الخفيفة ( الجحوش المرتزقة)، وبلغ عدد منتسبيها اكثر من (450 ) الف مسلح2
اي اكثر من 50 فوج حسب تصريح المتهم سلطان هاشم المتورط في جريمة الانفال .  شاركوا هؤلاء جنبا الى جنب مع قوات النظام الفاشي، و بدور  مشهود في عمليات الانفال ، مما الحقوا اضررا بالغة بالحركة الكردية التحررية ، من خلأل التصدي لقوات البشمركة، والأخبار عن اهليهم ، وتوجيه وارشاد القوات الحكومية للدخول الى قرى و قصبات واقضية و نواحي كوردستان . لولاهم ، لما كانت الخسائر بهذه الحجم . وفي سياق هذه المسالة ، اوضح وزير العدل في حكومة اقليم كردستان فاروق جميل ان «لا صلاحية للحكومة الكردية على المحكمة الجنائية الخاصة بمحاكمة صدام وستة من اعوانه في قضية الانفال لعرض اسماء اكراد شاركوا النظام السابق مجازره ويحتلون اليوم مناصب مهمة»، واضاف ان للمحكمة الحق في استدعاء اي شخص يرد اسمه اثناء جلساتها سواء في الادلة والوثائق المقدمة او على لسان الشهود.
واكد جميل لـ «الحياة» ان الوزارة لم تتخذ اي اجراء رسمي بشأن تجهيز قوائم باسماء قادة «افواج الدفاع الوطني» من الاكراد المتحالفين مع النظام السابق الذين شاركوا في عمليات الانفال العسكرية التي بدأت المحكمة الجنائية الخاصة النظر فيها في 21 آب (اغسطس) الماضي. وقال «لم نتلق اي مذكرة او طلب رسمي من حكومة الاقليم بهذا الخصوص».

وكانت عائلات ضحايا حملة الانفال (1988) طالبت في وقت سابق الحكومة الكردية بضرورة مقاضاة مسؤولي «افواج الدفاع الوطني»، وهو تنظيم شكله الرئيس العراقي السابق من الاكراد الذين كانوا يعملون كسند للجيش العراقي في قمع الاحزاب الكردية في مرحلة كفاحها المسلح ضد نظام بغداد.

غير ان جميل أكد أن البعض من رؤساء تلك الافواج هم الان من «المتنفذين» في السلطة ومقربون الى الزعماء والرؤساء الكرد، مشيراً الى أن التنافس الذي شهدته العلاقة بين الحزبين الكرديين بعد انتفاضة آذار (مارس) عام 1991 ادى الى محاولة استمالة اولئك العناصر، واغلبهم من رؤساء العشائر. وكانت الجبهة الكردية التي تشكلت عام 1992 وضمت جميع الاحزاب الكردية، اصدرت عفوا عاما عن عناصر «الافواج» في حينها.
ومن احد المتهمين الرئسيين والبارزين في جرائم الأنفال ايضا ،هو الفريق الركن نزار الخزرجي.فهو من اللأعبين الأساسين في الحرب العراقية الأيرانية  في ايلول 1980، لعب دور المتميز فيها وخاصة في عملية تحرير الفاو ، قلده صدام حسين  بما يسمى وسامي الرافدين والشجاعة . كما ساهم بفعالية في عمليات التصدي للأنتفاضة الشعبية المجيدة ، التي اندلعت في اذار 1991 .
في اذار 1996 هرب الخزرجي من العراق بمساعدة بعض القوى الكردية ، حيث وصل كردستان العراق ، ومن هناك نقل بطائرة امريكية الى تركيا، ومن ثم الى الأردن . وفي حزيران1999 دخل الخزرجي الى الدنمارك برفقة عائلته، ورغم محاولة جمعية حقوق الأنسان في الدانمارك في حينه، بافهام الجانب الدانماركي، بان المومى اليه، هو احد المتهمين بجرائم الأنفال، وتقديم الوثاق الثبوتية بذلك، ومع ذلك فأن المخابرات الدنماركية لم تقم باجراء تحقيق معه ومع احد ابنائه ،الذي كان ضابطا ايضا في المخابرات العراقية وخريج كلية الأمن القومي ، الأمر الذي حدا ببعض الصحف الدلنماركية ، الى اعتبار ذلك بمثابة خدمة لزملأءهم في المخابرات الأمريكية .
ان الحكومة العراقية معنية بمطالبة الخزرجي ، وبذلك اعلمت الأنتربول لألقاء القبض عليه وتسليمه الى بغداد ، ليحاكم مع المتهمين الأخرين في قضية جرائم الأنفال. ويشتبه بوجوده في امارة ابو ظبي ، وهناك اشاعات اخرى حول وجوده في كندا او أمريكا .

وعلى ضوء ما تقدم اعلأه ، ارى من الضروري والمهم ، بان يبادروا ذوي ضحايا عمليات الأنفال والجرائم الأخرى ، بتنظيم حملة جماهيرية كبيرة ، عن طريق جمع التواقيع، واتباع اساليب اخرى كمظاهرات سلمية، وارسال الوفود وتقديم المذكرات الى البرلمان الكردستاني ومنظمات المجتمع المدني وغيرها،كاداة الضغط تمارس على الأدارة الفيدرالية والبرلمان في الأقليم ، لأصدار قانون خاص باحالة هؤلأء المجرمين من منتسبي (افواج الدفاع الوطني) المنحل، الذين شاركوا في حملأت ابادة الشعب الكردي في حينه، واحالتهم الى المحاكم المختصة .
نداء الى كافة دول العالم ، بتسليم الخزرجي الى العراق للمحاكمة . كذلك الأستفادة من 1150 ملف، مع الوثائق التي تم جمعها بشأن ملف بيع 18 فتاة كردية الى دولة مصر، والموجودة لدى نقابة المحامين في اقليم كردستان ، بغية ايصالها الى المحاكم المختصة ، لينال المجرمون العقاب العادل . مطالبة الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان الموحدة بمقاضاة الدول والشركات والجماعات التي ساهمت بتزويد النظام الدكتاتوري بالأسلحة الكيماوية التي استخدمها في ضرب مدينة حلبچة، ومناطق أخرى من كردستان والعراق بشكل عام، وتقديم
التعويضات التي تقرر إلى ضحايا الأنفال وحلبچة.
امام هذه الجرائم البشعة ، التي لم يشهدها تاريخ كردستان الحديث، والعالم اجمع،بعد هيروشيما وابادة هنود الحمر في امريكا ، اذ لم يعمل المجتمع الدولي شيئا تجاه هذه الكوارث ، ان حجب وتعتيم اعلأمي دوليا عليها في حينه ، كان تنصب في خدمة دعم ومساندة النظام الديكتاتوري المقبور ، بينما ان العدل والأنصاف يتطلب الموقف الحازم من المجرمين وتقديمهم الى العدالة ، باعتبارهم مرتكبي جرائم ضد الأنسانية، وفقا للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة المشاره اليها اعلأه والمحكمة الجنائية الخاصة في العراق، لمحاكمة ازلأم الحكم البائد، الذين ساهموا في الجرائم ضد الأنسانية  ، وعلى رأسهم المجرم والسفاح وعدو الأنسانية ومهندس ومنفذ الحروب المجنونة وصاحب المقابر الجماعية ،صدام حسين واعوانه،  لينالوا جزاءهم العادل والمعاقبة على جرائمهم هذه.
كذلك ان مساهمة الأدارة الفيدرالية لحد الأن في ابراز هذه الجرائم على مستوى المحافيل الأقليمية والدولية،  ليست في المستوى المطلوب ، مم يتطلب بذل جهود كبيرة ، من خلأل انشاء مراكز البحوث، وتغعيل دور الأعلأم بمختلف قنواته ،وتعبية الجماهير، وجعل من محكمة اركان النظام الديكتاتوري، من الذين ساهموا في تلك الجرائم ، تظاهرة عالمية ، وجمع مزيد من المعلومات والأدلة والحقائق والوثائق ، والقيام بنشاطات وفعاليات مختلفة، بغية عدم افلأت اى من هؤلأء المجرمين من العقاب العادل ، وبغية تحريك الراى العام العالمى لمزيد من التضامن والمساندة مع قضية شعبنا .

كما هو معروف ، ان محكمة الأنفال وضحاياها ، قد باشرت منذ فترة قصيرة  بعملها ، بطاقم جديد ، وبرئاسة قاضي عبد الله العامري ، ونتمنى من هذه المحكمة ، أعطاء هذه القضية حقها القانوني وبعدها الأنساني ، مستفيدا من بعض نواقص والثغرات، التي رافقت المحكمة السابقة ، والتي كانت خاصة بضحايا الدجيل ، وعدم تكرارها ، وذلك من حيث سير المحكمة بشكل صحيح عن اتجاهها في القضية الأساسية ، من  مداخلة المرافعات، ودور القاضي والشهود،وهيئة الدفاع والأدعاء ، بغية خروج بقرارات عادلة، تلبي طموحات ومطاليب أهل الضحاية والضمير الأنساني .

1. انظر : د. نوري طالباني – حول المحاكمة الدولية لمرتكبي جرائم الأبادة في يوغسلأفيا السابقة- الثقافة الجديدة العدد 276 مايس- حزيران 1997 ص:68-69
2. صحيفة الثورة الصدامية في 21 /3/ [/b] 1985 [/size] [/font]

132
على هامش التدخل العسكري، تركي-ايراني في شؤون اقليم كردستان العراق
د.صباح قدوري

ان القضية الكردية كظاهرة اجتماعية موضوعية ، تتحرك باستمرار بين العاملين الداخلي والخارجي . وان الربط بينهما ، مع ايجاد نوع من التوازن في الممارسات واتخاذ القرارات المصيرية ، يعطي زخما في تطور هذه القضية باتجاه سليم ، ويبعدها عن المخاطر والأخفاقات ، مع التاكيد على ان العامل الذاتي يلعب الدور الرئيسي والأساسي في مسار تطور هذه العملية.
 من المعروف بان مسالة تحقيق الأمن والأستقرار، ومن ثم السلأم الدائم في المنطقة ، لأيمكن ان يتم بمعزل عن الحل السلمي العادل لهذه القضية، وكذالك القضية الفلسطينية ، على اسس الديمقراطية والتفهم لمسالة حق تقرير المصير لهذه الشعوب ، وايجاد الصيغة العملية الملأئمة ، وفي الوقت المناسب للتعبير عن ذلك، واقرارها من قبل هذه الشعوب عن طريق الريفرندوم .
ان الطابع القومي لكردستان العراق  ودرجة نضوجه ، يختلفان اليوم عن بقية الأجزاء الأخرى من كردستان ، اذ قطع اكراد العراق شوطا كبيرا في هذه العملية ، فالحقوق الأدارية والثقافية ، بيان 11 اذار 1970 ، صيغة الحكم الذاتي سابقا( المعترف بها قانونيا ولكن بدون محتوى ديمقراطي) ، وصولأ الى صيغة الفيدرالية الحالية ، كصيغة سياسية وادارية لتنظيم وضبط العلأقة بين المركز والأقليم الحالي والمستقبلي، على أساسس ممارسة الديمقراطية اسلوبا للحكم حاليا ومستقبلأ في اطار العراق الجديد . ومن هنا نستنتج حقيقة يجب اقرارها ، بان افاق تطور هذه المسيرة، هو سيرورة  تاخذ اشكال اخرى متطورة في مراحل تطبيقها وممارستها ، وتتوقف على عوامل عديدة على سبيل المثال( دون الدخول في التفاصيل)، المستوى الثقافي ، الوعي لدى الجماهير الكردية ، درجة مساهمة أحزابها في تعبئة وتوعية الجماهير ، مدى ممارسة الديمقراطية او عدمها ، مسار التطور السياسي والأقتصادي في العراق الجديد،تاثير العامل الدولي والأقليمي على مجمل الأحداث في منطقة الشرق الأوسط . ان درجة ومستوى نضوج هذه العوامل تتوقف بدرجة كبيرة وبشكل مباشر على مدى تطور وتقدم عناصرها في سيرورتها .
 ان استمرار الحزبين المتنفذين في اقليم كردستان العراق على تقاسم السلطة بالمناصفة بينهما، وفرض نزعات الهيمنة والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية ، وابعاد مشاركة الجماهيرالكردية فيها ، مع ممارسة العنف والأرهاب في حل الخلأفات والنزعات ، لقد أدت هذه الحالة الى تفريغ الهيئات الأدارية لمؤسسات الأدارة الفيدرالية من وضائفها ، واضعاف دور البرلمان في اتخاذ القرارات السياسية ، الأقتصادية والأدارية ، مع هيمنة الطغيان الحزبي الضيق ، ومقابل ذلك تعاني غالبية الفئات والشرائح الأجتماعية صعوبات جدية في تدبير أوضاعها المعاشية ، فيحاصرها ارتفاع معدلأت التضخم ، وانتشار البطالة ، والجوع ، والفقر ، وسوئ الخدمات ، ، وتوقف معظم المؤسسات الصناعية عن الأنتاج ، وان التظاهرات والأحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت معظم مناطق الأقليم ، خير دليل على وجود مشكلأت كبيرة من دون ايجاد حلول عملية لها، هذا بالأضافة  الى السيطرة العشائرية والمحسوبية والحزبية ، مع تفاقم ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي على كل مستويات الأدارية ، وبنتيجة ذلك ظهرت مجموعة من الناس "الهامشيين" فهم الذين يقرون مصير الشعب ويتحكمون به ، مما اثر ذلك على اضعاف العامل الداخلي وسحب البساط من تحت القيادات الكردية ، واصبحت اسيرة العامل الخارجي ، والأعتماد الرئيسي على الولأيات المتحدة الأمريكية وحلفاءها  في اتخاذ القرارات السياسية الداخلية والخارجية.
هناك وجهات نظر متفاوتة للعامل الأقليمي تجاه القضية الكردية ، والذي يتمثل بمدى تاثير البلدان التي تشكل الأكراد فيها قومية وارضهم مقسمة في داخل الحدود الجغرافية لهذه البلدان على القضية الكردية والأعتراف بها كقضية سياسية ، يجب حلها بشكل يضمن حق تقرير المصير للشعب الكردي ، بما في ذلك الأنفصال مستقبلأ . غير ان تركيا هي من هذه الدول الأقليمية التي تعتبر القضية الكردية فيها ملتهبة اكثر من غيرها . ان اصرار حكام تركيا في اتباع سياسة عدم أقرار الحقوق القومية للشعب الكردي ، وتعمق أزمة المواجهة بين الأكراد المطالبين بحقوقهم والسلطات التركية . التعامل مح حزب العمال الكردستاني وعناصره كمنظمة ارهابية ، كان في السابق يمارس العنف، ولكن الان يحاول حل القضية بالطرق السلمية والمشاركة بالعملية السياسية في تركيا، ويريدون العودة الى تركيا، وبأنه غير مؤهل للمطالبة بالقضية الكردية التي تنكر هذه السلطات وجودها أصلأ ، اوحتى لوجود شعب كردي قوامه بين 16-20 مليون يعيش داخل اراضيها ،وافتعال هذه القضية كلما اصبحت المنطقة ملتهبة بالنزعات السياسية، منها حرب اسرائيل على لبنان ، الملف النووي الأيراني، مجابهة سياسة النظام السوري ، تصعيد الأرهاب وبوادراندلأع حرب اهلية في العراق ، تصعيد المظاهرات في اقليم كردستان العراق ، لذا ليس من الغرابة على حكام تركيا اتباع اسلوب عسكري دموي وهذه المرة وبالتعاون مع ايران . وباشرت منذو فترة بأجتياح اراضي كردستان العراق ودخول 20 كم في العمق من جهة زاخو ودهوك ، وقصف في يوم  06.08.15  القرى الحدودية في المدينة الأخيرة ، والتي تبعد نحو 4 كم عن الحدود، بدلأ من الحوار الحضاري والمصالحة في معالجة هذه القضية العادلة لشعب فرض عليه ان يعيش في اطار الدول الأخرى ، وان يكافحوا من اجل حقهم في تقرير المصير واختيار العلأقة والأرادة الحرة والرغبة في العيش مع شعوب تلك الدول. ان وجهة نظر تركيا هذه تجاه القضية الكردية الموجودة فعلأ ، والتي فرضت نفسها كظاهرة اجتماعية موضوعية، لأيمكن ان تقدم اي حل واقعي لها ، ولأيمكن ان تخدم الشعب التركي ولأ الشعب الكردي . ان الخيار الوحيد امام حكام تركيا ،التي تنوي منذ فترة طويلة للأنضمام الى الوحدة الأوربية ، وتعميق علأقتها مع الأكراد في كردستان العراق،وحسن الجوار مع العراق الجديد ، ان تقوم باجراء بعض الأصلأحات السياسية والأجتماعية في بلدها ، وخاصة ما يتعلق بحقوق الأنسان وانتقال مركز قرارات السلطة ، الذي هو فعليا في الجيش الى المؤسسات المدنية ، بحيث تتفاعل مع الأوضاع الأقليمية والدولية ، انطلأقا من المنظور العصري ، الذي يستند على توسيع القاعدة الديمقراطية في المنطقة ،واحترام الشرعية الدولية ، وخلق الأسس لأنبثاق ارضية صحيحة مبنية على الحوار الحضاري مع القيادة الكردية، وايجاد حلول سلمية للمنازعات الداخلية والأقليمية ، ومنها القضية الكردية . ان القرار الأخير من الحكومة العراقية  بغلق مقرات حزب العمال الكردستاني في العراق واستخدام الضغوطات على الجانب الكردي في الأقليم لأتخاذ الأجراءات مماثلة بهذا الخصوص .وفي سياق هذه القضية، قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي زار تركيا مؤخرا ، إن حكومته "ستغلق" مقر حزب العمال الكوردستاني في بغداد، وان العراق "يرفض" أن يقوم حزب العمال الكردستاني بنشاطه في العراق لأنه "حزباً غير عراقي", و"ليس من حقهم أن يكون لهم مقرات في العراق". وأكد زيباري انه يأخذ الأمور بجدية واضاف زيباري التي تأتي زيارته في اطار بحث هذا الموضوع مع المسؤولين الاتراك انه "سيتم إغلاق مقرات الجهات والأحزاب التي تعمل ضمن حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان", وليس لهذه الأحزاب "الحق أن تعمل وتؤدي نشاطاتها بالاستفادة من الأراضي العراقية".أعرب وزير الخارجية التركي عبدالله غول عن تفاؤل وسرور الحكومة التركية تجاه القرار الذي إتخذته الحكومة العراقية بإغلاق مقرات حزب العمال الكوردستاني في العراق, وطلب الدعم والإسناد من حكومة إقليم كوردستان حول ذلك الموضوع لمنع عناصر PKK من تنفيذ نشاطاتها ضد تركيا.
 ارى ان قرار الحكومة العراقية غير سليم ويتنافى مع دستورها المقر، لكون عناصر هذا الحزب لأجئين في العراق، بسبب اضطهادهم من قبل حكام تركيا وعدم اقرار حقوقهم المشروعة المطالبين بها عبر نضالهم الطويل. على القيادة الكردية في كردستان العراق ، دراسة هذه المسالة من جميع جوانبها، وبالتنسيق مع الحكومة المركزية ، بغية عدم انزلأقها في تكرار الأخطاء السابقة تجاه هذا الحزب ،الى درجة محاربتهم بالسلأح اواستخدام وسائل اخرى، اوتسليم الناشطين منهم الى السلطات التركية ، بل يجب عليها حماية حقوق عناصر هذا الحزب ، والأصرار على بقاءهم ووجودهم بشكل شرعي في العراق، لأكتسابهم صفة لأجئين .لديهم حقوق وواجبات في الأحتفاظ  بمقراتهم ومزاولة نشاطاتهم السياسية والأجتماعية والثقافية في اصدار الصحف والجرائد والنشريات، واصدار الكتب والوسائل الأعلأمية الأخرى، اقامة الندوات والمؤتمرات والمشاركة في الأنشطة المختلفة ضمن فعاليات اقليم كردستان العراق واجزاء اخرى منه، اتباع اسلوب نضالي  سلمي لأيتنافى مع القواعد والقوانين بلد لجوءهم . ان الأنصات الى "النصائح" الدولية وخاصة الأمريكية والأقليمية، في هذا الظرف العصيب الذي يمر به المنطقة والعراق بشكل العام، وافاق تطور مستقبل الفيدرالية في الأقليم بشكل خاص ، تتطلب من القيادة الكردية استخدام  الحكمة والخبرة السابقة بشكل ايجابي ، والأستفادة من العامل الخارجي كعامل مساعد لصالح تقوية العامل الداخلي ، الذي أعتقد بانه يعطي صغة الديمومة في بلورة المسائل المستعصية ، وايجاد الحلول والمعالجات الصحيحة للمشاكل المتروكة لفترة طويلة من دون حل.لقد حان الوقت للمنظمات والأحزاب السياسية الكردية في كل أجزاء كردستان وخارجه ، بان تعمل جاهدا في سبيل جمع شمل البيت الكردي والتفكير بشكل جدي في تكوين لجان تنسيق ، بهدف توسيع الحوار الكردي/الكردي ، والحوار الكردي/العربي، ووضع برنامج عمل مشترك من اجل عقد مؤتمر وطني كردي ، وبمشاركة كافة الأطراف المعنية ، وذلك لأعطاء زخم اكبر لهذه القضية ، وتقع على الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق بشكل خاص ،النهوض بمهامها الوطني والقومي ، وان تلعب دورها الحقيقي اكثر في الوقت الحاضر، من خلأل توحيد الخطاب السياسي الكردي ،واقناع الجهات الدولية والأقليمية ، بان تغير موقفها تجاه القضية الكردية، والمبادرة في تاسيس مراكز بحوث متخصصة ، لوضع دراسات وخطط تقافية واعلأمية ، والتفاعل مع ثقافات العالم ، وتاكيد الطابع الأنساني والسياسي لقضايا الشعوب ، وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية والوحدة الأوربية ، بغية عقد مؤتمر دولى لطرح حلول سلمية وسياسية لحل القضية الكردية .[/b][/size][/font]


133
قمع المظاهرات في اقليم كردستان العراق ، بدلأ من حل المشكلأت
د.صباح قدوري

شهد اقليم كردستان العراق هذه الأيام ، مظاهرات جماهرية واسعة في بعض مدنه، وبالتحديد في كفري، جمجمال ، دربنديخان ، كلأر بمنطقة كرميان في السليمانية. وكان المنتظاهرون يطالبون بتحسين الخدمات وتوفير الطاقة الكهربائية وتامين مياه صالحة للشرب،وارتفاع اسعار السلع والخدمات وكذلك شحة الوقود لمناطقهم .وعلى اثر هذه المظاهرات ، تدخلت قوات من شرطة وامن الأقليم بالرد على المتظاهرين ، مما اسفر عن اعتقال نحو 200 شخص . وان اغلبية المعتقلين تتراوح اعمارهم بين 12 و16 عاما . وان عدد منهم من  طلأب المدارس ، ولديهم امتحانات الدور الثاني في الأيام القليلة القادمة ، ويعشون ظروف نفسية سيئة ومتأزمة . اسفرت نتيجة المواجهات بين المتظاهرين وقوات من الشرطة والأمن ايضا ، عن مقتل شخص واحد واصيب اكثر من 30 اخرين بجروح ، والأخرون لأيزالون رهن الأعتقال قي السجون المنتشرة في الأقليم .
ان اتباع مثل هذه الأجرات مرة اخرى بعد التظاهرات والأحتجاجات التي شهدتها الحلبجة الشهيدة في حينه ، لمجابهة مطاليب الجماهير ، قد تنعكس بالتاكيد على اضعاف افاق تطور مسيرة الفيدرالية ، وتؤثر سلبا على تعميق نهج الديمقراطية والشفافية في الممارسات اليومية والتعامل مع المواطنين ، وتمد الطريق امام اعداء الشعب الكردي من الشوفينيين والأرهابين ومافية السوق، لضرب المكاسب الحقيقية التي حققتها الجماهير الكردية المناضلة في مسيرتها التاريخية الحافلة بالبطولأت والشهداء ، في بلورة واقامة وتجسيد مفهوم الفيدرالية الحقيقية لكل اجزاء اقليم كردستان الحالية والمستقبلية.
هذا واعلنت مجموعة (حملة الراى العام في السليماتية ) ، ان 41 محاميا ابدو استعدادهم للدفاع عن معتقلي هذه المظاهرات وغيرهم بغية ضمان حقوقهم ونبذ العنف ضدهم .
وكما معروف لدى الجميع ، بان ابناء هذه المنطقة ، لهم تاريخ نضالي حافل بالأمجاد والشهداء ، ودور بارز في حركة التحرر الكردية ضد الأنظمة الشوفينية والدكتاتورية . ساهموا ولعبوا دورا بارزا في انتفاضة اذار1991 المجيدة ، والتي على اثرها تحقق مشروع الفيدرالية والقائمة حاليا تحت المناصفة في توزيع الحكم بين الحزبين المحتكرين والمتنفذين في الأقليم ان ظاهرة حدوث المظاهرات الجماهرية ، ليست شئ جديد في الأقليم ، حيث سبق وان اندلعت  ولمرات عديدة، مظاهرات متشابه ، تطالب فيها الجماهير بالحرية والمسواة والعدالة الأجتماعية والديمقراطية،وتحسين حياة المعيشة للمواطنين ، وصيانة حقوق الأنسان ، وتفعيل دور المراة الكردية واقرار حقوقها الشخصية الأقتصادية والأجتماعية والسياسية ، وممارستها بشكل فعلي من خلأل مشاركتها في صنع القرار السياسي والأداري وعلى كافة المستويات ، وليس عكس من ذلك كما هو عليه الأن، اذ مساهمتها في برلمان والأدارة الفيدرالية الحالية تمثل تراجعا كبيرا في هذه المسالة ، وتثبيت شرعية الأدارة الفيدرالية من خلأل اقررها عن طريق الريفردوم ، توحيد الأدارتين سابقا واحلأل السلأم والأمن الحقيقي في الأقليم ، مكافحة ظاهرة الفساد الأداري والمالي والمحسبوية والبيروقراطية والطفيلية والسيطرة الحزبية الضيقة المتفشية في كل مستويات الأدارية .
ان سوء الأدارة الأقتصادية في الأقليم ، بسبب قصر الرؤية في استراتيجية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستديمة، واختلأل في البنية الهيكلية للنشاط الأقتصادي ، وغلبة النشاط الأقتصادي ذي طبيعة الأستهلأكية على الأنتاجية ، اهمال ملحوظ في تاهيل واعادة وبناء البنية التحتية الضرورية لتطوير وانتعاش الأقتصادي وفي مقدمتها توفير مياه صالحة للشرب، الكهرباء والوقود ، والنقل والمواصلأت، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والأجتماعية...الخ .
المبالغة بمفهوم الخصخصة ، مما نجم عنه فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء ، توسع في سوق المضاربات العقارية ، اتباع سياسة الأستيراد المفتوح وتاثيرها على زيادة  نسبة التضخم  النقدي ، تفاقم حجم البطالة ،اذ هناك اكثر من مليون موظف يستلمون الرواتب من الحكومة الأقليمية، في حين انه يفترض ان لأيزيد عدد موظفي الحكومة حسب مصدر حكومي عن 14% ولكن في كردستان نسبة تفوق الى 30%. وبذلك تعاني المؤسسات من البطالة المقنعة ، التي تعتبر احد أوجه الفساد الأداري في الأقليم.عادة يتم تعين موظفي الحكومة بتزكية من الحزبين الحاكمين .
ان اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأجتماعية والأقتصادية المستديمة، هي المفتاح الأساسي  لحل كثير من المعضلأت الأقتصادية والسياسية المتراكمة منذو مدة طويلة من دون ايجاد حلول صحيحة لها، ولها تاثير كبير على تنمية الفكر والوعي لدي الجماهير وتاثير نتائجها بشكل ايجابي ايضا على تطوير مسار العملية الديمقراطية في الأقليم ، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية، و من خلأل اعادة الأهلية والهيبة لهيئات مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان، أقامة سلطة قوية ومؤهلة على مستوى الأقليم ، تحل محل ظاهرة التسلط الحزبي والعشائري والقرابة والمحسوبية والفساد الأداري والمالي المستمرة حتى الأن ، الى درجة بان الشارع الكردي يقول" ان الحزب هوالأدارة الفيدرالية والأخيرة هي الحزب" .
كما هو مفهوم ، ان الديمقراطية هي نتاج تطوير عملية سياسية ، اقتصادية ، واجتماعية وتقافية وتوعوية في المجتمع . لها اصولها ومبادئها النظرية وجانبها التطبيقي، تمارس بشكل فعلي من قبل الجماهير . فهي ليست مظاهر تجميلية اذ جاز التعبير ، ولأ تقيم فقط بكثرة الصحف والمجلأت والكتب والنشر ووسائل الأعلأمية الأخرى ، بل بممارسات عملية وقبول واحترام اراء والنقد البناء من كل الأطراف الحزبية وغيرها ، والأستفادة منها بحيث تنصب في عملية تطوير المجتمع وبحيث تكون اداة لتعلم وتعويد الفرد للمشاركة في ادارة المناقشات وطرح الأراء واعطاء الصوت في الأنتخابات ، وخاصة في المسائل المهمة والمصيرية ، وليس اللجوء الى استخدام القمع والعنف والسجون ضدها .
فعلى الأدارة الفيدرالية الموحدة والجديدة، ان تتوجه نحو حل المشكلأت التي تعاني منها الجماهير الكادحة والفقيرة وخاصة المرتبطة بالمستوى الواطئ لمعيشة نسبة عالية من سكان الأقليم ، من النقص البارز في الخدمات, وخاصة الكهرباء والماء والوقود وغيرها, والتي تستثمر هي الأخرى حين يشار إلى أن المسؤولين يمتلكون الأموال لبناء القصور ودور الضيافة, ولكنهم لا يمتلكون ما يكفي من المال لتأمين الوقود والكهرباء والماء والتعليم ...الخ .
وفي سياق هذه القضية، بادر السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق بشكل ايجابي للسماع الى مشكلة المتظاهرين، وتطويق الحوادث بغية عدم توسيعها وتحويلها الى اعمال العنف والشغب ، والتي تؤثر على الحالة الأمنية في المنطقة والمستفيد منها اعداء الشعب الكردي وعموم الشعب العراقي ، وأعلن ان على حكومة اقليم كردستان اتخاذ الأجراءات اللأزمة لمعالجة مطاليب المتظاهرين في ازمة الوقود وغلأء الأسعار ومشكلة الماء والكهرباء وسوء الخدمات.
وفي تصريح صحفي ادلى به في مصيف صلاح الدين عقب اجتماعه مع اعضاء المكتبين السياسيين للحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وقال" العمل على ايصال حصة الاقليم من الوقود ومراقبة كيفية توزيعها والغاء الحصص الخاصة والعمل على ايصال الكهرباء بشكل منتظم من الشبكة الوطنية الى الاقليم" .
تقديم الخدمات الأقتصادية والأجتماعية وتوفير الأمن ومطاليب الحياة المتنامية للجماهير ، وضمان مستقبل زاهر للأجيال القادمة
العمل الواسع والمنظم في عملية تثقيف الجماهير وخاصة بين الشبيبة والطلبة،وتحفيزهم على المساهمة في عملية بناء المجتمع  سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، بحيث يشعرون  بان لديهم مستقبل زاهر في الأقليم . تفعيل دور المنظمات غير الحكومية ، من خلأل تعميق الممارسات الديمقراطية ، بحيث تستطيع ان تساهم في دعم جهود المجتمع لضمان حقوقه وحماية واجباته منها حق التظاهر والأظرابات والتعبير عن الرى وممارسة النقد البناء وحرية النشر والكتابة وغيرها ، وان تنظم ذلك بقواتين عصرية وعقلأنية، تسمح  للمجتمع دون عقبات بممارسته .[/b][/size][/font]

134
سوء الأدارة الأقتصادية ، واثرها على الأجيال القادمة في العراق
د. صباح قدوري

من المعروف لدى الكل، بان النظام الديكتاتوري المقبور ، قد ترك أثارا كارثيا وعبا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلأ على الشعب والمجتمع العراقي ، من خلأل ممارسته سياسة الحروب المجنونة . وعلى اثرها تم فرض الحصار الجائر في حينه والذي دام 13 عاما. انعكست تاثير هذه السياسة على المجتمع العراقي بكل مكوناته ، مع استمرارها بعد غزو العراق واحتلأله من قبل الأدارة الأمريكية وبالتعاون مع الأدارة ألبريطانية . ظهرت انعكاس نتائجها بشكل خاص على النساء . حكمت على ملأين منهن بالترمل والنكل ، واصبح عددهن في العراق اليوم يزيد على ثمانية ملأين امراة ، اي ثلث عدد سكان العراق ، وبذلك حدث اختلأل التوازن بين عدد النساء والرجال ، واصبحت اليوم نسبة الأول 60% من التركيبة السكانية  للمجتمع العراقي . ان فقدان النساء لرجالهن، تركت وراءها ايضا ملأين الأطفال اليتامى والمشردين والمحرومين من ابسط الحقوق. وامام الحالة الأقتصادية المزرية ، التي يمر بها الشعب العراقي في عهده الحديث ، نتيجة لفلتان الحالة الأمنية في البلد، وفرض سياسة اقتصاد السوق من قبل المحتلين ومؤسساتهم  الدولية ، مع استمرار تأزم وانهيار الوضع الأقتصادي في العراق ، وتدني ايراداته من بيع نفط الخام، والتوجه نحو تصفية القطاع العام ، وخاصة في مجال الصناعي، التجاري والخدمي ، مما عمت هذه الحالة البطالة في المجتمع، واصبحت نسبة اكثر من 50%  من السكان عاطلة عن العمل،او تحاول الحصول على بعض اعمال هامشية لتامين لقمة عيش، انخفاض كبير في حجم الأنتاج ، ارتفاع الأسعار بشكل فاحش مما ادى الى ارتفاع كبير في نسبة التضخم المالي الذي وصل في الأشهر الأخيرة الى اكثر من 50% ، مع بقاء مستوى مدخولأت العاملين منخفضة ، كل ذلك ادى الى انخفاض القوة الشرائية لدى الناس ، تشجيع على مزيد من الفساد الأداري والأقتصادي ونهب الثروات العامة ، وخلق الفوضى في قوانين ومبادئ العمل الأقتصادي باسم الخصخصة. حاولت كثير من النساء بعد ان صبحت دون المعيل اوفي وضع يرثي له ، ان تجد د فرص عمل ، بغية الحصول على المورد تمكن به سد رمق افراد الأسرة الذي اصبح اليوم من بالغ الصعوبة والتعقيد الحصول عليه، ولكن من دون جدوى ، وذلك بسبب تفاقم حجم البطالة، وسوء الحالة الأمنية وتصاعد الأرهاب بحقهن ، والتي من جراءها فرض منع العمل على النساء والخروج من بيوتهن بالأضافة الى القيود الأخرى المعروفة لدى الجميع، والتي تخص حياتهن الخاصة والعامة .امام هذه الظاهرة المعقدة للحياة ، التجاءت شرائع كبيرة من الأسرة العراقية الى زج اطفالهم للتفتيش عن العمل ، وذلك لتامين مصدر رزق يومي للأسرة . وبذلك انخرط كثير من الأطفال والصبية من البنات والأولأد بعد التسرب ومن مراحل دراسية مختلفة من المدارس تفتيشا عن العمل في شوارع وأزقة المدن العراقية ،او قيام باعمال شاقة في مجال البناء اوالخدمات لأ تتناسب مع اعمارهم وجهودهم العضلي، واصبحت هذه الحالة ظاهرة عامة في كل مناطق العراق بدون استثناء. وكذلك في اقليم كردستان العراق رغم وجود نوع من الأستقرارالأمني والأنتعاش الأقتصادي افضل، قياسا الى المناطق الأخرى من العراق . لأشك تعكس اثار انتشار هذه الظاهرة بين الأطفال والصبية من الجنسين بشكل سلبيي عليهم ، وتسبب الى انتشار الأمراض النفسية والأجتماعية في صفوفهم ، وتقود هذه الحالة الى تفاقم حجم ظاهرة العنف والقتل والأرهاب والتعويد على السرقة والتهريب ، تعاطي وبيع المخدرات،ممارسة الأنحراف الجنسي ، وتفشي الجهل والحرمان من المعرفة والتحصيل الدراسي . وان سوء الحالة المعيشية والأجتماعية ، قد يعرقل هذا الجيل الصاعد، من المشاركة في عملية بناء واعادة العراق الجديد،حاليا ومستقبلأ . حان الوقت للتفكير في مسقبل هؤلأء الأطفال وحمايتهم من أهوال ومخاطر الحروب والظرف الأستثنائي المعقد الذي طال عمره ويمر به العراق في ظل الأحتلأل وتصاعد الأرهاب . ايجاد اليات فعالة وضرورية للأرتقاء بمستوى المسؤولية الأجتماعية والأخلأقية والأنسانية تجاهم،وذلك من خلأل:-
1- وضع المنظمات النسائية برامج حماية الأطفال من مهماتها الأساسية .
2- جعل من يوم الطفل العالمي تظاهرة عالمية من اجل تشديد النضال لحماية الطفولة وتامين مستقبل لأئق بهم وفق ميثاق حقوق واتفاقيات الطفل العالمي .
3- حماية الطفل من قبل الدولة من الضرر والأهمال البدني ، العضلي والعقلي .
4- تلزم الدولة بحماية الطفل من الأستغلأل الأقتصادي والعمل الذي يعرقل تعليمه ويضر بصحته او رفاهيته .
5- معالجة ظاهرة ارتفاع نسبة المتسربين من المدارس الأبتدائية والثانوية والجامعات ، وتشخيص اسبابها وايجاد حلول مناسبة لها .
6- تامين الضمان الأجتماعي للأسرة العاطلة عن العمل، وحماية اطفالهم من الأستغلأل، والحق في الأستقرار الحياتي .
7- ضمان الحقوق الثقافية ، كالحق التعليم وخاصة ان يكون التعليم الأبتدائي على عموم العراق الزاميا ومجانيا مع الرعاية الخاصة لأطفال المعوقين في الصحة والتربية والتاهيل.
8- ضمان الحقوق القانونية كالضمان الواجب الألتزام بها عند تعرض الأطفال لأجراءات التحقيق او المحاكمة او عند تنفيذ تدابير المسؤولية والعقوبات بحقهم .
9- الأهتمام بوظائف ومهام دور رعاية الأحداث . السهر على عملية تربية الأطفال ، من خلأل توطيد العمل المشترك بين البيت ، المدرسة بما فيها (المدارس الدينية) والشرطة والجهات الأخرى ذات العلأقة بالطفل.
10- ايجاد بعض اعمال خدمية خفيفة لصبيان الذين تتراوح اعمارهم عن 14 سنة ، في مجال على سبيل المثال ، توزيع الصحف والدعايات،او تنظيم الحدائق والمنتزهات ، او ساعات عمل محدودة 3-4 ساعة في اليومين من الأسبوع ، في المطاعم والمنشاة السياحية ، محلأت البيع ، المتاجر الكبيرة– سوبرماركيت ، او في جني محاصيل الفواكه اتناء المواسيم ، وغيرها من الخدمات، ووفق القوانين والقواعد التي تعد خاصيصا بذلك، على ان تعفى هذه الأعمال من الضرائب .

تتحمل الحكومة العراقية المركزية، وكذلك الأدارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، مسؤولية جسيمة تجاه ما يجري اليوم وعلى كافة الأصعدة، من الظروف المعقدة والصعبة التي يمر بها العراق اليوم. لذا تنطلبت والحالة هذه ، بذل جهود أستثنائية  وجدية وصادقة والأعتماد على الشعب من اجل ضمان الأمن الأقتصادي ، الصحي ، الدراسي، والأجتماعي ، من خلأل محاربة الأرهاب وباشكاله المختلفة ، بغية تامين الأمن والأستقرار في ربوع الوطن . البداء بعملية اعادة وبناء العراق الجديد من خلأل اعتماد الخطة المركزية للتنمية الأقتصادية والأجتماعية الحقيقية ، التي تساهم في تخفيف حدة ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة المتفشية في كل انحاء العراق بدون استثناء . ايجاد فرص العمل لأبناء الشعب ، وتحسين أوضاع الشرايع الفقيرة في المجتمع ، لكي لأ تجبر على ارسال الأبناء الى سوق العمل ، وابعاد شبع ظاهرة اجبار الأطفال على الأعمال الشاقة ، وتامين المستلزمات الضرورية واللأزمة لأعادة الأطفال الى مقاعد الدراسة ، والتمتع بحياة طفولة ضرورية ولأئقة بهم ،وظهور البسمة والتفاؤل على وجوهم ، وضمان مستقبل مشرف لهم، تجسيدا لأتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، ولكونهم من  الجيل الصاعد ، عليهم ستقع مهمة ومسؤولية بناء مستقبل البلد.

135
افاق التطورالأقتصادي في الأدارة الفيدرالية الموحدة لكردستان العراق
د. صباح قدوري

ظهرت في الأونة الأخيرة بعض الكتابات على شكل التقارير والريبورتاجات في الصحف المختلفة، منها على سبيل الميثال جريد الحياة ، حول ما يسمى بالأزدهار الأقتصادي التي تشهدها الأدارة الفيدرالية في اقليم كردستان. توكد معظم هذه الكتابات، على هيمنة الطبيعة الخدمية على الأنتاجية في التحولأت الهيكلية للنشاط الأقتصادي. مما لأشك فيه ، بان الأدارة الفيدرالية في الأقليم ، قد شهد تطورا كميا ونوعيا من الناحية الأقتصادية ، خلأل فترة 15 سنة المنصرمة ، رغم شمول المنطقة بالأحصار الأقتصادي المزدوج لفترة طويلة ، ومحدودية المصادر المالية والأمكانيات الأدارية والفنية فيها، الأ ان احدى العوامل المهم التي ساعد على ذلك ، هي الحالة الأمنية المستقرة نسبيا في المنطقة وخاصة بعد سقوط الديكتاتورية في العراق، بالقياس الى الحالة الأمنية والأقتصادية في عموم العراق. من خلأل دراسة التحولأت الهيكلية للنشاط الأقتصادي ، نجد ان هناك غلبة للنشاط الأقتصادي ذي طبيعة الأستهلأكية ، ويرافقه تدني النشاط الأنتاجي الذي يساهم في خلق القيمة الزائدة ، و تكوين التراكم الراسمالي للأقتصاد المحلي  في المدى المنظور. لعل جردة سريعة لأي مراقب عادي تسمح بملأحظة( التطور) في النشاط الخدمي كتشيد الفنادق والمطاعم والبارات والأندية الليلية ، وعلى مستوى القياسي العالمي من حيث البناء المعماري والخدمات والأسعار .أنشاء ايضا الأبنية الضخمة-الفيلأت من قبل رجال الأعمال والمسوؤلين الحزبين والأداريين، وكذلك لأغراض الخدمية والمكتبية والأسواق التجارية الأستهلأكية الكبيرة- سوبرماركيتات، كذلك كثرة الحدائق والمنتزهات العامة  ودور السينما، زيادة أستهلأكات الدخان والمشروبات الكحولية والسيارات الشخصية والسلع الكمالية وترويج تجارة الذهب من قبل أصحاب الدخول العالية. تصاعد حدة المضاربات في القطاع العقاري ، من جراء بيع وشراء الأبنية والأراضي،الى درجة لم تشهدها تاريخ المنطقة حتى الأن، بسبب وجود كميات كبيرة من النقد الأجنبي وخاصة الدولأر الأمريكي في التداول.الأنشغال والمبالغة بفهوم الخصصة ، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، وقد تشجع هذه الحالة على مزيد من الفساد الأقتصادي. ومن جراء ذلك تم بيع بعض المشاريع الصناعية  الكبيرة والمهمة في الأقليم الى القطاع الخاص، منها معامل الأسمنت ، السيكاير والتبوغ وتعطيل معمل السكر عن العمل منذ فترة طويلة، وتركه من دون التهيل لحد الأن، اما المعامل الأخرى، على سبيل المثال صناعة الألبسة الجاهزة ، ان 50% من طاقتها الأنتاجية معطلة ، نتيجة النقص فى المواد الأولية وقطع الغيار الضرورية، مما تستورد المنطقة الألبسة الجاهزة من الصين وتركيا والبلدان الأخرى. حدوت فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، مع تفاقم حجم البطالة . يرافق ذلك الأهمال الملحوظ للمؤسسات التعليمية والصحية والأجتماعية والنقل والمواصلأت وغيرها ، وخلأصة القول بان الهياكل الأرتكازية في تخلف مستمرعلى حساب النشاط الأقتصادي الأستهلأكي . ان مسالة الأهتمام بالتنمية الأقتصادية والأجتماعية الحقيقية في الأفليم ، هي من الأوليات الأساسية للأدارة الموحدة، اذ يتطلب منها قبل كل شئ ان تكون لها رؤية واضحة في مستقبل التطور الأقتصادي في المنطقة . انتهاج سياسة أقتصادية شفافة ، تستند أسسها على الخلفية الأيدولوجية والفكرية التي تعتمدها هذه الأدارة في السياسة الأقتصادية على اساس المقولة " السياسة هي تعبير مركز عن الأقتصاد" . ان السياسة الحالية السائدة في الأقليم تحث وتشجع نظام الأقتصاد السوق ، وذلك تمهيدا لألتحاق المنطقة ، ومنها الأقليم بدوعاة الفكر النيوليبرالي ، التي تفرضها سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ) على الأقتصاديات المتخلفة في الوقت الراهن. اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأقتصادية ، وذلك من خلأل برنامج اصلأحي معلن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية، و من خلأل اعادة الأهلية والهيبة لهيئات  مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان، أقامة سلطة على مستوى الأقليم ، تحل محل ظاهرة التسلط الحزبي والعشائري والقرابة والمحسوبية والفساد الأداري والمالي المستمرة حتى الأن ، الى درجة بان الشارع الكردي يقول" ان الحزب هوالأدارة الفيدرالية والأخيرة هي الحزب". الأعتماد على التخطيط المركزي، في رسم الخطة المركزية ، واعداد الميزانية العامة وموازنة الخطة الأستثمارية الموحدة  للأقليم ، وطرحها للمناقشة على كافة المستويات الأدارية واقرارها من قبل البرلمان واصدارها للتنفيد على شكل قانون الميزانية  لكل سنة ، بحيث تضمن معدلأت نمو مقبولة للأداء الأقتصادي ، مع اخد بنظر الأعتبار الأنتقال التدربجي وخلأل فترة (5-10) سنوات الى النظام اللأمركزي في التيسير الأقتصادي ، ووفق المتغيرات السريعة والأيجابية التي قد تشهدها المنطقة، على ان تتضمن هذه الخطة المركزية، الأهداف والمهام الأتية:-
1- اشباع الحاجات الملحة والمتنامية للمواطنين في المستقبل المنظور، من خلأل اعتماد سياسة الأقتصاد الصناعي ، لوحده قادر على رفع انتاجية العمل بما يساعد على رفع مستويات المعيشة وتوفير السلع والخدمات .
2- الأهتمام بتاهيل واعادة بناء البنية التحتية في مجال الأتصالأت الهاتفية والتلفونات المتطورة ،الأنترنيت والفضائيات ، امن العمل، والوسائل المعلوماتية والتكنولوجيا الأخرى،النقل والمواصلأت، وبناء المصافي وتامين الطاقة الكهربائية والمشاريع المائية ، والتي هي من اوليات بناء الأقتصاد الصناعي والزراعي المتقدم، توسيع وبناء شبكات الطرق السريعة، وكذلك الجسور وربط الأقضية والأرياف بالمدن ، بهدف تامين نقل السلع والخدمات ونقل المسافرين.
3- معالجة البطالة المتفاقمة ، من خلأل اعادة هيكلية القطاع الصناعي ، وضرورة بناء مجمعات صناعية متطورة ومتكاملة البني التحتية ، واعادة هيكلة المناطق الصناعية القديمة. تفعيل دور القطاع الخاص، من خلأل توفير التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة . حماية المشاريع الصناعية واعفائها من الضرائب لمدة تتراوح بين 5-10 سنوات .وهي مطاليب القطاع الخاص، مع اصدار قانون تشجيع الأستثمارات، وتقديم التسهيلأت اللأزمة لهذا القطاع ، بعد دراستها حسب أوليتها واحتياجات المنطقة وظروف تطورها ، وبالتعاون مع المصرف الصناعي وغرفة التجارة المتواجدتين في المنطقة ، من خلأل ان تكون نسبة الفائدة على القروض للمشاريع الصناعية منخفضة جدا، وعالية نسبيا على الأقراض العامة.
4- وقف التدفق العشوائي للسلع والبضائع الأجنبية، والكف عن انتهاج سياسة الأستراد المفتوح المعمول بها حاليا، وذلك بهدف توفير الحماية من الأنتاج المحلي،التي تتوافر مثيلأتها من الصناعة الوطنية. وخاصة في المجال الزراعي، . توفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، من خلأل تشديد الرقابة الفعلية على السوق .
5- تفعيل القطاعات الأقتصادية الأخرى وخاصة الزراعة ، الذي مساهمته ضئيلة جدا في تركيبة الناتج الأجمالي ، من خلأل تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة واشراك القطاع الخاص  والتعاوني فيها.
6-  تشجيع قطاعات البناء مما يساعد على حل ازمة السكن. النهوض بمشاريع السياحية ، وتحفيزالقطاع الخاص المحلي والأجنبي للأستثمار فيه.
7- تفعيل دور البنوك ،المصاريف والمؤسسات المالية ، شركات التامين، بعد اجراء ألأصلأحات الهيكلية وألأدارية والفنية اللأزمة فيها. وتشديد الرقابة المالية عليها ، وخاصة الغير الحكومية منها، بغية التحكم باستخدام الموارد المالية بشكل عقلأني .
8- محاربة ظاهرة الفساد ألأقتصادي والمالي والأداري المنتشر على كافة المستويات الأدارية في الأقليم ، نتيجة لظهور مجموعة من الناس-مافية محلية ، مما يسمى بتجار سوق السوداء والمدعومين من الأحزاب الحاكمة ، والمهيمنين على التجارة الداخلية والخارجية وتهريب السلع والمحاصيل الزراعية والعملة الى الخارج .
9- تحكم الأدارة الفيدرالية ، بكيفية استخدام الشركات المحلية للعملأت الأجنبية والقروض اللأزمة لأستيراد التكنولوجيا ، من اجل انشاء صناعات جديدة ، وكذلك للمدخلأت المالية اللأزمة للمصانع الى حين اكمالها وتصبح جاهزة الأنتاج .
10- استثمار موارد ملأئمة في التعليم ، من اجل اعداد قوة عمل الأفضل تعليما ومتخصصا، لكي تساهم في رفع انتاج وانتاجية العمل.
11- معالجة ظاهرة التضخم النقدي، اذ ان مؤشرات التضخم السنوي في ارتفاع مستمر، نتيجة لأرتفاع في الرقم القياسي للمجاميع السلع الأساسية والضرورية، وخاصة المستوردة منها، وذلك من خلأل اجراء الزيادة النسبية في مدخولأت العاملين لمواجهة حدوث اي ارتفاع في نسبة التضخم .
12- استخدام سدي دوكان وده ربندخان بشكل امثل ، والتفكير ببناء مشاريع البيتروكيمياوية فيهما ، الأستفادة العقلأنية من الطاقة الكهرومائية ، ومن الأحواض المخصصة لتربية الأسماك  ، وبناء مجمعات السياحية والرياضية المتكاملة حولهما.
13- استحداث معهد مستقل للأبحاث العلمية ، تكون مهمته اجراء بحوث علمية في مجال التطوير الأداري ، المالي ، المحاسبي ، ادارة المخازن ، الأنتاج والأنتاجية . يقوم بدراسات علمية في مجال استثمار الموارد غير النفطية المتوفرة بكثرة في المنطقة مثل الحديد ،الرخام ، الأخشاب ، المرمر ، اليورانيوم ، النحاس ، المياه المعدنية وغيرها .وكذلك الأنتاج الزراعي والحيواني وتحويلها الى صناعة التعليب، مثل الجوز، العنب ، يمكن صناعة النبيذ منها وتصديرها الى الخارج ، الرمان ، التفاح، الأنجاص ، الكمثري ، الخوخ ، التين، والطماطم وغيرها ، يمكن صناعة العصير منها. توجد ايضا امكانية اقامة صناعات مختلفة ، منها على سبيل المثال لأ الحصر ، الألبان ، الأحذية والجلود ، الغزل والنسيج  والألبسة الجاهزة، السمنت ، الأدوية وغيرها . أيلأء الأهمية في مجال استثمار الموارد النفطية الموجودة في المنطقة، وذلك ضمن الأمكانية المالية والفنية والتكنولوجية المتوفرة في المنطقة او الأستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال ضمن الأستراتجية الواضحة والشفافة في هذا القطاع على صعيد العراق والأقليم ، وتخصيص الأعتمادات اللأزمة لهذا الغرض في الميزانية العامة للأقليم والخطة الأستثمارية، وبالتنسيق مع الحكومة المركزية في هذا المجال.
14- تنظيم امور الضرائب المباشرة وغير المباشرة ، وتشريع قوانين خاصة لها . توفير الوسائل اللأزمة الكفوءة والنزيهة في عملية جبايتها والرقابة عليها ، عن طريق استخدام الأجهزة المالية والأدارية في المنطقة . العمل على نشر الوعي الضريبي والثقة المتبادلة بين هذه الأجهزة والمواطنين، بحيث يتولد لديهم قناعة تامة ، بان دفع الضريبة هو جزء من عملية المساهمة في البناء الأقتصادي ، وتعود ريعها على المواطنين عبر المشاريع الصحية والتعليمية والأجتماعية والأعمار.ضرورة وضع قوانين صارمة بحق المخالفين والمتلأعبين والمهربين للأموال العامة ، واعتبارها جريمة يعاقب عليها بالحبس والحرمان من بعض الحقوق المدنية والأقتصادية .
15- تطوير وتوسيع الجامعات الموجودة في الأقليم ، وبشكل عقلأني على اسس المالية والعلمية والأكادمية المدروسة ، ووفق حاجة الأقليم الحقيقية الى فروع الجامعة واختصاصاتها ، وليس على مبداء المنافسة الحزبية بين الحزبين الحاكمين ، كما حدث ذلك للجامعتين كوىسنجق وزاخو، اذ ان الأولى كان من المفروض انشاءها في الحلبجة الشهيدة ؟!،والحصول على المساعدات المالية والتقنية من الدول الصديقة الداعمة للقضية الكوردية سياسيا وانسانيا، ومنها خاصة في الأتحاد الأوروبي وغيرها لهذا الغرض.

أنتهز مناسبة توحيد الأدارتين ، وتشكيل الحكومة المركزية الموحدة في الأقليم الحالي ، بان أقدم اجمل واحر التهاني القلبية للشعب الكردي وعموم العراق ، والمضئ قدما نحو تحقيق التنمية الأقتصادية الأجتماعية الحقيقية ، من اجل حل المشاكل الأقتصادية المتراكمة ، وفي مقدمتها تخفيف معانات الشعب وتوفير الأمن الأقتصادي والسياسي والصحي والتعليمي والأجتماعي، والقضاء على البطالة ، وبناء اقتصاد متين للجيل الحلي والأجيال القادمة في الأقليم.

136
السفرة العلمية لطلأب الجامعة
د.صباح قدوري

قرأءت بصدفة على موقع راديو دجلة الألكتروني، خبر منشور تحت عنوان " طلأب في جامعة السليماتية ، يضربون على الدوام ، بنتيجة حرمانهم من السفرة العلمية" وفي نفس الخبر وجدت تصريح مقرر قسم الأدارة في كلية الأدارة والأقتصاد
كارزان غفور اذ يقول " ان السفرات العلمية ليست ضرورية حسب رايه الشخصي ، حيث تصرف فيها مبالغ طائلة ، وليس منها اية فائدة للطالب غير المرح وتمضية الوقت ."
قبل ان ادخل في صلب هذا الموضوع ، اود ان اوضح، بانه في حالة حدوث الخلأفات ومن ثم بلوغها لحد المشكلة ، يجب ان تعالج بروح علمية وثقافية ، مبنيا على مبدأ الحوار البناء بين الطلأب وادارة الكلية، وعدم اللجوء الي الأجراءات التعسفية والحدية كاضراب اوامتناع عن الدوام من قبل الطلأب هذا من جهة ، ومن جهة اخرى يجب ان لأ تنظر الى هذه المسالة بشكل مبسط وتقليل من اهمية السفرات العلمية التي تمارسها معظم الجامعات في العالم كما جاء في تصريح المسوؤل اعلأه .
من المتعارف عليه في العمل الجامعي مع الطالب، او بتعبير ادق التربية الجامعية ، انها تنصب في المجالين:العلمي وتنمية شخصية الطالب ومعرفته. وبشكل عام ان العمل في المجال الأول اكثر من الثاني في المرحلة الجامعية ، الأ انه لأيجوز طغيان الأول على الثاني ، وذلك لأن جانب الشخصي للطالب يعتبر عاملأ مهما ومكملأ للجانب العلمي في الحياة العملية . ففي الدول المتقدمة يتم العمل بشكل متكافئ مع الأثنين في المرحلة الدراسية المبكرة ، في الوقت الذي نجد ان ألأهتمام بجانب تطوير وتنمية معرفة وشخصية الطالب في بلدنا غير كافية في مراحل الدراسية الأبتدائية الى الثانوية ، لذلك يجب أنتباه الى هذا الجانب عند انتقال الطالب الى المرحلة الجامعية.
من المعروف ان تنظيم السفرات العلمية لطلأب الجامعات وخاصة للصفوف المنتهية منها ، اصبح تقليد مألوف تمارسها اكثر جامعات العالم ، لما لها من الفوائد العديدة على تطوير الجانب الشخصي والعلمي والأجتماعي لدى الطالب . ومما لأشك فيه ، بان كل جامعة والأقسام التابعة لها ، تخصص كل سنة اعتمادات في ميزانيتها لغرض صرفها على الأنشطة العلمية والأجتماعية والثقافية ، منها السفرات الداخلية ، الزيارات الميدانية للمؤسسات الأقتصادية المختلفة ، اقامة اسبوع ندوات الثقافية والعلمية والفنية والرياضية ، الحفلأت الطلأبية المتنوعة ، بمناسبة بداء وانتهاء السنة الدراسية  وغيرها، ايجاد مواقع تطبقية لأطلأب كل حسب اختصاصه حتى يستطيع ان يربط بين الجانب النظري والتطبقي ، وتعلم على اسلوب التعامل مع الأخرين ، السفرات العلمية الخارجية  وغيرها من الأنشطة الأجتماعية. ان السفرات الخارجية هي احدى هذه الأنشطة الأجتماعية والعلمية والشخصية المهمة والضرورية لطلأب الجامعات،التي تساهم بقسط كبير في تطوير الجانب الشخصي والأجتماعي للطالب اثناء وجوده في المرحلة الدراسية، من خلأل الأطلأع على الحضارات والأنجازات الدول التي يتم اختيارها للسفر ، ويتم ذلك عادة بان تدرج  في بداية السنة الدراسية ،هذه السفرة ضمن الخطة السنوية للجامعة واقسامها المختلفة ، وذلك بالتنسيق بين الطلبة وألأدارة والجهة المزمع السفر اليها ، وذلك بهدف تبادل المعلومات والمعرفة والتجارب بين البلدين بشكل عام وبين الجامعات واقسامها بشكل خاص . تخصيص الأعتمادات اللأزمة لها ضمن الميزانية الخاصة بالجامعة او الكلية التابعة لها . ممكن مشاركة الطالب بقسط رمزي لتغطية جزء من نفقات هذه السفرات ، على ان تتحمل الكلية مسؤولية تنظيم كل متطلبات السفر من النقل والأقامة واعداد برنامج العلمي والأجتماعي والثقافي، وبمشاركة الفعالة من قبل الطلأب ، بحيث يضمن هذا البرنامج على اعطاء فرصة لهم لزيارة الأماكن الأثرية والمتاحف والمناطق السياحية والمكتبات ودور الموسيقى والرياضة وغيرها، وترتيب لقاءات مع وسط الجامعي او المثقفين في بلد الزيارة او ايجاد نوع من التبادل في الزيارات مستقبلأ وغير ذلك من الأنشطة الأجتماعية والشخصية والعلمية ، التي تساعد على توسيع امكانيات الطالب في المجال الأجتماعي والثقافي وعلى ابراز وتقوية الجانب الشخصي لديه ، والشعور بنوع من الأستقلألية والتمكين من تدبير اموره عندما يبتعد عن وسطه الأجتماعي ، ويساعده ايضا على كسب المعرفة والخبرة في التعامل مع الأخرين اثناء الأقامة والتجوال والمعاشرة مع الأخرين  والأندماج في النشاطات الترفيهية ، هذا بالأضافة الى ان مثل هذه السفرات ستعطي للطلأب فرصة التعرف على بلد غير بلده ، في الوقت الذي قد لأيستطيع تحقيقها بمفرده ، وذلك بسبب تكلفة السفر عالية وتقتضي اجراءات اخرى ضرورية من الجواز والحجز والتذاكر والأقامة، قد تكون اسهل انجازها بشكل جماعي عنه بشكل فردي .فعليه ارى ان السفرات الجامعية هي مسالة ضرورية ، لأيمكن تبسيطها والأستغناء عنها بمبررات مالية كعدم وجود تخصيصات كافية لها او تقليل من فوائدها الأجتماعية والشخصية والعلمية ، وان المرح وتمضية الوقت،تعتبر من الأشياء الضرورية ، على عكس من ظن المسؤول اعلأه، ويجب على الطالب ان يتمتع بها كأي نشاط اجتماعي اخر . لأ يمكن الطالب ان يحقق النجاح العلمي ، ما لم يكن يقترن ذلك بنجاح الطالب في مجال تطوير قابلياته الشخصية والأجتماعية وكسب الخبرة بالتفاعل مع الأخرين والأطلأع الى الحضارات والثقافات العالم وتعويده وتدريبه لأبراز شخصيته، من خلأل المشاركة والعمل والأندماج وفق المقولة  (التعلم بالأداء)
Learning by doing
ان التطورات السريعة التي تشهدها المجتمع  بسبب التطور السريع والهائل التي تجري اليوم في حقل التكنولوجية المعلوماتية وخاصة الأنترنيت منها . هذا بالأضافة الى ان ارباب العمل يفرضون اليوم شروط كفاءة عالية علميا وشخصيا على سوق العمل ،لأبد ان تنعكس اثرها بشكل المباشر على الطالب ، مما يتطلب ضرورة الأهتمام بتطوير شخصيته اثناء الدراسة الجامعية ، لكي تساعده على ربط الجانب النظري بالعملي الملموس في تعامله مع الأخرين ومسايرة المجتمع.

                   
 

137
ليتوحد نضال الحركة العمالية والجماهير الشعبية، للتصدي للنيولبرالية والعولمة الراسمالية
د.صباح قدوري

يمر علينا في اول ايار من كل سنة ، ذكرى عيد العمال العالمي . في الوقت الذي نحتفل بهذه المناسبة التاريخية العظيمة ، نجد ان خمس عدد سكان العالم البالغ 6.5 مليار، يعيشون تحت مستوى خط الفقر: اى باقل من دولأر في اليوم الواحد.ان الدول الأفقر في العالم،التي تضم حوالي الملياري شخص، نسبة كبيرة منها من الشرائح الفقيرة والعمال، يمكن ان تصبح هامشية وتخرج من دورة الأقتصاد العالمي. وان تدهور الأوضاع السياسية ،الأمنية ،الأقتصادية،الأجتماعية والثقافية في العراق، وهو دخل عامه الرابع من الأحتلأل، قد بلغ ذروته.اليوم تهدد اللبرالية الجديدة والعولمة الراسمالية المصالح الوطنية لشعوب العالم.احدثت فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء وتوزيع الدخل القومي المحلي .وبهذا الصدد قال الأب الروحي للشعب الهندي، الفيلسوف الراحل غاندي " ان الراسمالية كنظام متقدم، فاذا لم تخضع للرقابة ، فالفقير يزداد فقرا والغني يزداد غناء". تدمر مكاسب التنمية الأقتصادية المستقلة، من خلأل فرض سياسات وتوجيهات المؤسسات الدولية( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية)،التي تحدد قواعد السلوك الأقتصادي- الأجتماعي لكافة دول العالم وقواها الأقتصادية. تمثل هجوما شرسا على المكاسب الأجتماعية لعمال العالم ، من خلأل عبودية العمل الماجور على البلدان الفقيرة ، بقصد مايسمى جلب الأستثمارات الأجنبية، والتي تعمم هشاشة العمل ومرونة التشغيل والأجهاز على النضال التاريخي لفاتح ايار العالمي ، من اجل يوم عمل من ثماني ساعات .
في شهر مارس، وبالتحديد 20/منه،مرت الذكرى السنوية الثالثة لأعلأن الرئيس الأمريكي جورج بوش وبالتعاون مع توني بلير في اندلأع الحرب الكارثية على العراق.وفي 9/4 سقط الصنم وديكتاتوريته، وتم احتلأل العراق.والتي ادت بحياة اكثر من مئات الألأف شخص بين قتيل وجريح ومفقود اثناء الحرب وخلأل هذه الفترة، وكلفت نفقاتها اكثر من 250مليار دولأر، هذا بالأضافة الى تكلفة الرعاية الصحية للجنود وتكلفة اعادة الأعمار في العراق، قد تصل الى الأف ملياردات دولأر . كتبت جريدة كارديان الأنكليزية بهذا الصدد، في عددها الصادر يوم 20 مارس2006 في مقال لها تحت عنوان "العراق يسيل فيه النقد. نحن نلعب كرة القدم بفيئة نقدية 100دولأر" اذ تقول:"خصصت الأمم المتحدة في بداية الحرب، مبلغ 23 بليون دولأر من مبيعات نفط العراق ، واودعتها باسم الحساب الأحتياطي الفيدرالي في نيو يورك ، تحت تصرف الولأيات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، من اجل اعادة بناء واعمار العراق الجديد ، وادخل بشكل نقدي بعد الأحتلأل مبلغ بحدود 12 بليون منها عن طريق شحن 363 طن من فئة 100 دولأر جديدة الى العراق.اين ذهبت هذه الأموال !؟ الجواب على ذلك لأيزال مجهولأ!! .قامت القوات الأمريكية والبريطانية ب 28 خروقات للأتفاقات الدولية الخاصة بجرائم الحرب خلأل هذه المدة. منها على سبيل المثال لأ الحصر، الممارسات اللأنسانية التي اقدم عليها العسكريون الأمريكيون تجاه سجناء العراقيين في سجن ابو غريب ، من اساليب التعذيب النفسي والجسدي والأذلأل الجنسي، والتي تعتبر خرقا صارخا لأبسط مبادئ حقوق الأنسان والقوانين واللوائح والميثاق والأعراف الدولية ، ومخالفا لمفهوم المجتمع المدني المتحضر والديمقراطية.وعن الأف الأخطاء التكتيكية،اعترفت بها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ، مع سلسلة من الأخطاء الأستراتيجية والعملية، قادت العراق وشعبه الى افجع كارثة البشرية والأقتصادية والأجتماعية،وهي كارثة ثانية في تاريخ العراق الحديث، بعد كارثة النظام الديكتاتوري المقبور. وفي هذا السياق قالت ايضا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت لصحيفة نيو يورك تايمز" اعتقد ان العراق سيكون في نهاية الأمر واحدة من أسوأ الكوارث في السياسة الخارجية الأمريكية ".
من المعروف لدى الجميع ، بان للأدارة الأمريكية  وشركائها لها قائمة طويلة( من دون الدخول في التفاصيل) ، من المصالح والطموحات السياسية والأقتصادية من عملية أحتلأل العراق ، وتاثيرها الأستراتيجي على تحقيق مايسمى  بمشروع
( الشرق الأوسطي الكبير)، ويمكن تلخيص وباختصار شديد هذه المصالح كالأتي :-
1-  تامين عملية ضغ النفط بالمعدلأت والأسعار الملأئمة والمناسبة للولأيات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية واليابان .توسيع الأستثمارات الأقتصادية ، من اجل التعجيل في انشاء الكتلة الأقتصادية في المنطقة ، بحيث تستطيع اسرائيل ان تلعب الدور المميز فيها من خلأل شركاتها متعددة الجنسيات، وربط هذه الكتلة بالعولمة الراسمالية وفق النموذج الأمريكي ، والسير قدما نحو تثبيت الفكر النيولبرالي في المنطقة بحيث يشمل كل مجالأت الحياة وليس فقط الأقتصاد.
2- جعل من المنطقة وخاصة العراق مركزا لمحاربة الأرهاب الدولي .تطويق كل من ايران وسوريا وكل حركات الأسلأم السياسى واليساري الماركسي ، التي تنهض في المنطقة . متابعة سيرورة الحل السلمي للقضية الفلسطينية ، ولربما الكردية في المستقبل المنظور، وذلك بعد ترتيب الأوضاع في كل من ايران ، سوريا ، لبنان وبعض دول العربية الأخرى ، بهدف اجراء تغيرات الجيوسياسية في المنطقة ، بحيث تعود مردودها كتغذية عكسية في خدمة الفقرة الأولى .

ترك النظام الديكتاتوري المقبور أثارا كارثيا وعبا ثقيلأ على الأقتصاد العراقي . زاد طين بلة  بعد الحرب واحتلأل العراق، وبذلك اصبح يعاني من خلل جسيم في تركيب نشاطاته الأقتصادية الحيوية ، والأستمرار بالأعتماد على القطاع النفطي وحده والذي يشكل نسبة 70% من الناتج المحلي الأجمالي للبلد.وهو عصب الأقتصاد العراقي الوحيد الذي يحرك ماكنتة حاليا ، على رغم من قدراته الأنتاجية القائمة والبالغة 1.5 مليون برميل يوميا ، متوقعا ان يصل هذا الأنتاج الى 2.2 مليون برميل يوميا الصيف المقبل ؟!، مقارنة باحتياطاته الضخمة المؤكدة ولأسباب تعود للظرف الأمني الحالي ، غير ان تحسن اسعاره العالمية ، ساهم في تعظيم العوائد المحققة هذا بالأظافة الى المساعدات الخارجية  ساعد على عملية اسناد الموازنة العامة . وهي موازنة معونة ، تحول  العمال والموظفين الى أدوات عاطلة خارجة عن النشاط الأقتصادي . ان الدعم باشكاله المباشر وغير المباشر،              يشكل 80% من تلك الموازنة ، في وقت تتشتت فيه صنوف العمل وطغيان ظاهرة الأستخدام غير النظامي ، الذي يستحوذ على نسبة 22% من أفضل قوة العمل المنتجة ، سواء من حيث القبول باجور دون مستوى الأنتاجية او العمل بساعات تقل عن 39 ساعة في الأسبوع ، وهوالحد المعترف به عالميا، وبذلك اذا ما أضفنا البطالة الفعلية البالغة 18% ، فيصبح الرقم 40%  وهو ما وصلت اليها حالة اليوم ، وقد جعل من أرصفة الشوارع مجالأ للبحث عن فرص العمل ، وهي حالة مخيفة وما يترتب عليها من امراض ومختلف صنوف الأنحراف الأجتماعي وتصعيد من حوادث الأجرام والقتل والنهب والسلب والسرقة ودعم الأرهاب ، واصبح 20% من الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر.تدمير وتردي ما تبقى من البنية التحتية،التي قدرت قيمة الثروة الراسمالية فيها بحدود 30 مليار دولأر وفق اسعار عام 1980 ، فان تجديدها يعطي حتمية مضاعفة هذا الرقم للنهوض باعادة وبناء التنمية الحقيقة. سرق ونهب وتخريب ممتلكات الدولة، تدفق مبيعات نفط العراقي اوتهريبه تحت اشراف مافيات محلية بدون رقيب أواية حسابات،أو حتى وجود اية عدادات لقياس كمياتها واحتساب عائداتها، مما تسبب هذه الحالة الى ضياع بحدود 18 بليون دولأر سنويا من الريع النفطي. أستمرار ظاهرة الفساد الأداري وألأقتصادي على كافة المستويات الأدارية لأجهزة الدولة والمسؤولين العسكريين لقوات الأحتلأل ، مما ادت الى فقدان مليارات من الدولأرات من جراء هذه الحرب.الأنشغال والمبالغة بفهوم الخصخصة ، وانتهاج فقط سياسة اقتصاد السوق، قد تشجع على مزيد من الفساد الأداري والأقتصادى،التي بلغت 70% بالمئة، وهناك هدر كبير لثروات البلأد،هذا ما جاء في تقرير عمل مفوضية النزاهة الأخير .
مر ابناء الطبقة العاملة العراقية قبل وبعد الأطاحة بالديكتاتورية، ولأتزال في ظل حكم الأحتلأل، بظروف شاقة وعصيبة، بسبب الحروب العبثية، تفاقم البطالة في صفوفهم. قتل العمال واشاعة العنف والأرهاب ضد الناشطين منهم في معركة النضال من اجل تامين الحياة الأمنية،المعيشية،الصحية،التعليمية،الأقتصادية والأجتماعية لهم ولأفراد عوائلهم . وقد زاد طين بلة بعد انتهاج سياسة الأستيراد المفتوح ، مما ادت الى تفاقم حجم البطالة في العراق . تجميد معاير العمل الدولية في مجال الحقوق والحريات النقابية والأتفاقيات ، ومنها حق التنظيم المتمثلة باتفاقية 87 وحق التنظيم والتفاوض الجماعي المتمثلة باتفاقية 98 . وان هذه الأتفاقيات تتعارض والقرار الذي اصدره مجلس الوزراء  8750  لسنة 2005 ، في حكومة الجعفري فيما يخص وضع اليد على ممتلكات الأتحاد والمنظمات المهنية ، لأ سيما وان العراق مصادق على عدد كبير من اتفاقيات منظمة العمل الدولية ، وان عدم التزام الحكومة بتطبيق هذه الأتفاقيات، هو انتهاك صارخ للحقوق النقابية . هناك معوقات كثيرة تعترض العمل النقابي في العراق ، وان من تلك المعوقات ، استمرار العمل بالقرار150 لسنة 1987 ، والذي حول العمال في القطاع العام الى الموظفين ، وكذلك توجهات السلطة الحالية ضد العمل النقابي، مما ادى الى اضعاف دور الطبقة العاملة في العراق.والحالة هذه تفرض على اليسار الديمقراطي العراقي وخاصة الماركسي، التزامات طبقية ووطنية كبيرة ومسؤوليات جسيمة في تحديد الشعار الأستراتيجي للمرحلة التي يمر بها العراق بوجود الأحتلأل،وعلى ضؤها قيادة مسيرة التقدم والتطورالأقتصادي- الأجتماعي. وقد آن الأوان بان ينهض بمهامه التاريخية ، وقبل كل شئ توسيع قاعدته الأجتماعية ، من خلأل تعبية وتوعية الجماهير، من منظورالطبقي السليم، بحيث يصبح فعلأ اداة مدافعا عن مصالح الطبقات والشرائع الأجتماعية الواسعة والمتضررة من نهج اللبرالية الجديدة والعولمة الراسمالية. خلق اساليب جديدة، قادرة على تفعيل نشاطات مختلف منظمات المجتمع المدني ، واعادة بناءها وتوحيدها في صفوف الجماهير الواسعة ،ومنها الطبقة العاملة العراقية ، وجعلها قوة فاعلة في الحركة الوطنية العراقية والأممية،وتأهيلها للقيام بالأضرابات،الأعتصامات ،التظاهرات، والأحتجاجات الجماهيرية، وذلك من خلأل ابتكار اليات عمل جديدة وفعالة بحيث تجمع بين اهداف وبرامج ومنهجية فكر اليسار ومصالح الجماهير والمجتمع والوطن.
حان الوقت لينتفض الشعب العراقي بكافة اطيافيه ومكوناته وفي مقدمته الطبقة العاملة لما لها من مكانتها ودورها المتميز المشهود في النضال الوطني وضد الأستعمار، وصاحبة مسيرة أول ايار لعام 1959، التي خرجت فيها حوالي مليون من ابناء الشعب العراقي في حماية ثورة 14 تموز الخالدة. كما عمت المسيرات والمظاهرات التي شارك فيها الألأف من مناهضي الحرب  والعولمة،العديد من مدن العالم ، وذلك تزامنا مع حلول الذكرى الثالثة للغزو الأمريكي، مطالبة بخروج قوات التحالف التي تقودها الولأيات المتحدة  الأمريكية من العراق، واستنكار سياسة بوش وحلفائه تجاه العراق وشعبه . لنصرخ جميعا وبصوة واحد بوجه المحتلين في رفض سياستهم المتمثلة بالعولمة الراسمالية ، ونشر الفساد الأداري والمالي والأقتصادي ، امتداد تاثير عولمتهم هذه الى تغير في التركيبة الأجتماعية والثقافية والأقتصادية ، والتاثير السلبي على البيئة والفرد العراقي ، من خلأل الدمار الملحق بالبنية التحتية وتشويهه صورة النمو الأقتصادي والأجتماعي الحقيقي للعراق. اصبحنا نحلم بلحظة امان ،أو ساعة كهرباء ، أو ماء نظيف أومشتقات نفطية أو أو... ، بعد ان تبخر احلأم الديمقراطية والأستقلألية والسيادة، والشرعية الدولية، وحرية الأنسان والرفاهية والأزدهار والتقدم الأقتصادي والأجتماعي . محاولة تفريغ العراق من الكفاءات النادرة والعقول العلمية ،تستند البلأد في اعمارها وبناء مستقبلها وتحقيق طموحاتها المشروعة، وذلك من خلأل خطف واغتيال مئات العلماء والأكادميين والأطباء والأدباء والمثقفين والفنانين والصحفيين ، مما اضطر مئات منهم ايضا مغادرة الوطن بحثا عن الحياة والمعيشة، وذلك بهدف تدمير ماضي العراق ومستقبله ، بعدما محاولة طمس ماضيه وتراثه بنهب متحف. نشر ثقافة الأرهاب والعنف والعدوان، والمحاصصة والتفرقة الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية والحزبية والقومية الشوفينية بين ابناء الشعب العراقي . وتقف اليوم حلفاء الولأيات المتحدة وراء فرق الموت والتطهير العرقي، وكذلك ترك الحدود مفتوحة ، مما تقود هذه الحالة البلأد الى أبواب حرب اهلية. ونطالب باقامة حكومة وطنية تعبر عن اماني وتطلعات وطموحات الشعب في العراق الجديد ، يتحقق فيه الحرية والعدالة الأجتماعية والمساواة والقيم الأنسانية النييلة وصيانة القانون وحقوق الأنسان، والديمقراطية الحقيقية للشعب العراقي والحكم الفيدرالي الحقيقي للشعب الكردي ، وضمان حقوق القومية المشروعة  للأقليات المختلفة في العراق الموحد على اسس المواطنة والأنتماء والأخلأص وحب الوطن والنزاهة. الأستمرار في النضال الدؤب من اجل تحقيق الطموحات التالية على صعيد العراق، وفي الأدارة الفيدرالية لأقليم كردستان:-
1- ارساء الأمن السياسي والأجتماعي  والأقتصادي، والقضاء على الأرهاب المحلي والدولي باشكالها المختلفة .العمل على تعزيز سيادة القانون في المجالأت الكافة . محاربة الفساد الأقتصادي والأداري ، كل هذه الأمور تشكل المفتاح الأساسي لعملية التنمية الأقتصادية الحقيقية في العراق.
2- اعتماد منهجية اقتصادية شفافة وواضحة لعملية التنمية الأقتصادية ، من خلأل برنامج اصلأحي معلن، تحدد فيها الأهداف والأوليات، والتوجه نحو تطبيق نوع من الأقتصاد المتوازن، تحدد دور ومهام كل من القطاع العام والخاص والمشترك والتعاوني في هذه العملية. ياخذ على عاتقه مهام مختلفة ، في مقدمتها معالجة البطالة المتفاقمة واعادتها الى معدلأت الطبيعية وهي 4% . اعدا د موازنة ذات بعد اجتماعي . السير في برنامج التطوير للقطاع النفطي ، ورفع الأنتاج الى اكثر من 5.3 مليون برميل يوميا ، مع التاكيد على مشاريع استحداث المصافي، وتامين الطاقة الكهربائية التي هي من اوليات بناء العراق الجديد ، بغية تحويل العراق من بلد مستورد الى بلد مصدر.
3- اعادة هيكلية القطاع الصناعي ، وضرورة بناء مجمعات صناعية متطورة ومتكاملة البني التحتية ، واعادة هيكلة المناطق الصناعية القديمة. تفعيل دور القطاع الخاص، من خلأل توفير التمويل الميسر للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
4- حماية المشاريع الصناعية واعفائها من الضرائب لمدة تتراوح بين 5-10 سنوات .وهي مطاليب القطاع الخاص، مع اصدار قانون تشجيع الأستثمارات يلبي طموحات ومتطلبات التنمية الأقتصادية الأجتماعية الحقيقية.
5- وقف التدفق العشوائي للسلع والبضائع الأجنبية  بهدف توفير الحماية من الأنتاج المحلي،التي تتوافر مثيلأتها من الصناعة الوطنية.توفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، من خلأل تشديد الرقابة الفعلية على السوق .
6- تفعيل القطاعات الأقتصادية الأخرى وخاصة الزراعة ، الذي مساهمته ضئيلة وهي 7% في تركيبة الناتج الأجمالي ، من خلأل تاسيس شركات ضخمة متخصصة بهذا المجال من دون ان يؤثر ذلك على الوحدات الزراعية الصغيرة واشراك القطاع الخاص فيها.كذلك تشجيع قطاعات البناء مما يساعد على حل ازمة السكن. النهوض بمشاريع السياحية وخاصة في اقليم كوردستان، وتحفيزالقطاع الخاص المحلي والأجنبي للأستثمار فيه. تفعيل دور البنوك والمصاريف والمؤسسات المالية بعد اجراء ألأصلأحات الهيكلية وألأدارية والفنية اللأزمة فيها ، وذلك للنهوض بمهامها في عملية التنمية الحقيقية، بغية عدم استمرار اعتماد الأقتصاد فقط على النفط .
7- معالجة ظاهرة التضخم النقدي، اذ شهدت مؤشرات التضخم السنوي ارتفاعا خلأل الفترة من اذار/2005 ولغاية اذار/2006 بنسبته( 53.4%)،وذلك نتيجة لأرتفاع في الرقم القياسي للمجاميع السلع الأساسية والضرورية، وذلك من خلأل سعي البنك المركزي لأيجاد نوع من الأستقرار في سعر صرف الدينار مقابل العملأت الأجنبية مع ثبات النسبي في الأسعار، وكذلك اجراء الزيادة النسبية في مدخولأت العاملين لمواجهة حدوث اي ارتفاع في نسبة التضخم .تدهورايضا توزيع مواد البطاقة التموينية على المواطنين ، يمكن ان يؤشر بداية ألغاء تدريجي لها،وهي التي مازالت تسد قسطا كبيرا من احتياجات المواطنين للسلع الضرورية وألأساسية، وتسهم في وقف التدهور الشامل في مستوى المعيشة.

في الوقت الذي نتضامن مع الطبقة العاملة العراقية في محنتها ، ونحي نضال الشغيلة العالمية للتصدي للراسمالية وهمجية عولمتها ،اذ نساند معركتها المتواصلة من اجل العولمة الأنسانية والأجتماعية ، كبديل عن العولمة الراسمالية ، لنذكر الى اذهننا كتابات الملياردير والشخصية السياسية ورجل الأعمال الأمريكي جورج سوروس في كتاب صدر له حديثا حول العولمة اذ يقول"ان على امريكا ان لأ تعتز بقوتها كثيرا ، فالقوة لأ تدوم دائما ينبغي عليها ان تفكر باتباع سياسة اخلأقية فيما يخص العلأقة مع العالم الخارجي ، اذ ما ارادت النجاح في القضاء على الأرهاب . هذه السياسة الأخلأقية تتمثل في محاربة جذور الأرهاب واسبابه ، اى الفقر والجوع والجهل والأستبداد السياسي، فهل ستعي امريكا ان مصلحتها تكمن في اتباع سياسة اخلأقية لأ سياسة مكيافيلية او ذرائعية ؟ هذا هو السؤال الأساسي المطروح في المستقبل ، والأجابة عنه سلبا او ايجابا سوف تحسم مصير العالم " .   

138
الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية ، ونتائجها السياسية
د. صباح قدوري

نشر كثير من الكتاب والمعنيين بشوؤن الأديان وحرية الفرد وحقوق الأنسان والديمقراطية....، مقالأت حول قضية الرسوم الكاريكاتيرية ، التي نشرت في صحيفة يولأندس بوستن الدانمركية في شهر ايلول/سبتمبر2005، ومن ثم تم اعادة نشرها في بعض الصحف ألأوربية كفرنسية ، نروجية ، المانية وغيرها. تناولت كثير من هذه المقالأت المسالة ، كقضية ظهرت الى حيز الوجود بسبب هذه الرسوم ، من دون التطرق وبشكل التفصيلي الى اسباب تدويل هذه القضية وتحويلها الى ضجة كبيرة، كانها حرب معلن بين الأسلأم والمسحيين، رغم مرور فترة اكثر من 5 اشهر على نشرها . ان ظهور هذه القضية وبالشكل الذي رأينا وسمعنا وقراءنا عن احداثها ، هي نتيجة لعوامل مختلفة، التي تتعلق بشكل النظام السياسي الحاكم في الدانمارك من جهة ، والنظام الحكم الموجود في معظم البلدان الأسلأمية من جهة اخرى . كما هو معروف ان الأحزاب اليمينية المتمثلة بحزب اليبرالي الدانماركي ، والمحافظين وحليفهما في العمل السياسي، الشعب الدانماركي، وهو حزب شوفيني يمثل اقصى اليمين ، تحكم الدانمارك منذ سنة 2001 و لحد الأن .تتميز سياسة هذه الكتلة اليمنية ازاء المهاجرين واللأجئين ، بالأستمرار في مزيد من التشديدات على قوانين اللجوء  واللأجئين ، وخاصة في مجال منح اللجوء ، جمع شمل الأسرة ، سوق العمل ، المساعدات الأجتماعية ، قانون الجنسية الدانماركية ، التفكير الجدي في ارجاع طالبي اللجوء وحث الذين لديهم الأقامة الدائمة وليس لديهم حتى الأن المواطنة الدانماركية الى بلدانهم الأصلية . هذا بالأضافة الى زيادة الكراهية تجاه اللأجئين من البلدان الأسلأمية بعد احدات 11 سبتمبر2001. استمرار هذه الكتلة في تطبيق نهج السياسة الخارجية المؤيدة للمواقف الأمريكية ، تجاه الأحداث الدولية ،منها على سبيل المثال، شن الحرب على العراق واحتلأله.المضي قدما في تعميق فكرة لبرالية الأقتصاد والمجالأت الأخرى السياسة والأجتماعية والثقافية ، تمهيدا لأسراع في التحاق الدانمارك بدوعاة الفكر النيوليبرالي في شتى مجالأت الحياة ووفق النمودج الأمريكي .

ان ما حصل في العالم العربي والأسلأمي، وخاصة النظام السوري والأيراني وفي الفلسطين، كرد الفعل تجاه هذه القضية ، هي تدويل القضية الى مسالة سياسية، وتوقيتها الأن كمناسبة لأعلأن عن تظاهرها وانشغال الجماهير بمثل هذه الأحداث ، بهدف  الأستفادة منها لمواجهة أزماتها الداخلية  وعزلتها التي تعاني منها على الأصعدة السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية . كما هو المعروف ان النظام الأيراني، وخاصة بعد مجئ أحمد نجاد الى الحكم ، اصبح اكثرمحاصرا من قبل امريكا وحلفاءها ، وذلك بسسب صراعه الراهن حول تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية ، شن حمله ضد اسرائيل، والأدعاء بمحو اثرها من الوجود، تدخله المباشر في شوؤن العراق وزعزعة استقراره .كذلك ان النظام السوري مهدد من قبل امريكا وحلفاءها، وخاصة بعد اقدامه على التنسيق والعمل المشترك مع ايران ضد سياستها. والمطالب باجراء الاصلأحات السياسية والأقتصادية واقرار الديمقراطية وحماية حقوق الأنسان وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في البلد، والأستجابة والتعاون التام في مسالة تحقيق قضية اختيال الحريري ، وعدم التدخل في شوؤن لبنان وكذلك العراق وخاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية.كما وان الحماس الذي وصل مؤخرا الى السلطة في الفلسطين ، هو الأخر ايضا مرفوض من قبل امريكا وحلفاءها ، والمطالب بالأعتراف باسرائيل والعمل المشترك معها ، وفق مبادئ المقرة لحل القضية الفلسطينية بطريقة السلمية. ان بعض القوى الأسلأمية السياسية المتطرفة ، واتباع القاعدة من انصار بن لأدن والظواهري والزرقاوي وانصار الأسلأم الكرد والسلفيين ، تمارس العنف واشاعة العداء ضد الأديان الأخرى في حرق الكنأس والسفارات والقنصليات والمراكزالثقافية والأفراد ودور الأحياء السكنية ...الخ ، وذلك للوصول الى السلطة ، واستغلأل كل الفرص في سبيل اشاعة الفوضى والتخريب والقتل ، وكأن حكومات بلدانها عاجزة عن حفظ النظام، وتعبر عن غضبها تجاه السياسة الأمريكية وحلأفاءها في المنطقة.

ان ايجاد الحل لمثل هذه الأحداث ، لأيمكن ان يتم بهذه الطريقة .اذ لأبد من الألتجاء الى خلق حوار ديمقراطي حضاري ،ينسجم مع متطلبات عصرنا الراهن، على اساس العمل والمصالح المشتركة بين الشعوب والأديان . لأيمكن تحقيق ذلك في حالة استمرار مزيد من الكراهية والعنف والتشديد في القوانين ضد اللأجئين في اوربا ، وخاصة في الدنمارك . التدخل الأمريكي المباشر في شوؤن الشعوب تحت ايدولوجية العولمة الراسمالية وقيادتها للعالم وفق ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، واشاعة الأوهام الفكرية حول فعالية النيوليبرالية في السياسة الدولية ، تحويل الصراع الفكري الى استخدام القوة وتهميش الشرعية في العلأقات الدولية ، وذلك تحت حجج وذرائع مختلفة ، وعلى  راسها محاربة الأرهاب الدولي ، الأدعاء بالديمقراطية وبناء مؤسسات المجتمع المدني ، واخضاع ذلك لهيمنتها بالحرية المطلقة لأحدود لها في التوسع الراسمالي وعولمة العلأقات الأجتماعية والتقافية. كذلك على الأنظمة والشعوب الدول العربية والأسلأمية ، ان تعيد النظر في نفسها، واجراء الأصلأحات اللأزمة من اجل اقامة مجتمعات مدنية ،من خلأل ، أقرار بالمبادئ الديمقراطية وممارستها في الحياة اليومية ، الفصل بين الدين والدولة ، محاربة الأرهاب بكل انواعها ، تحقيق التنمية الأقتصادية الأجتماعية الحقيقية في بلدانها ،ترسيخ علأفات التبادل التجاري مع العالم ، وفق المنافع والمصالح المتبادلة ، تمتين علأقات المحبة والسلأم بين الشعوب والحضارات والقيم الدينية والأخلأقية والحضارية والأديان والمذاهب والأفكار المختلفة.تأسيس مراكز بحوث متخصصة لوضع دراسات وخطط ثقافية واعلأمية ، والتفاعل مع ثقافات العالم ، والتاكيد الطابع الأنساني والسياسي لقضايا الشعوب ، وايجاد صيغة عمل مشترك مع المنظمات الدولية والعربية والوحدة الأوربية.

139
منتدى دافوس ، وقمة الفقراء بكاركاس
د.صباح قدوري
بداء منتدى دافوس الأقتصادي العالمي اجتماعه في 25 كانون الثاني/يناير2006 ،ويستمر لغاية 29/منه في منتجع دافوس بسويسرا.ينعقد هذا المنتدى سنويا منذ عام 1970 ، تحت عنوان المنتدى الأقتصادي العالمي . ولأ يطرح فقط القضايا الأقتصادية  كما يفهم من تسميته ، بل تشمل كذلك طرح قضايا سياسية وفكرية وثقافية . يستعد منتجع دافوس هذه السنة لأستقبال 2340 ضيفا  من الرؤساء والزعماء والمشاهير في شتى الميادين السياسية والأقتصادية والأجتماعية والفكرية من 89 بلد ، من بينهم 15 رئيس دولة ، و60 وزيرا و735 رئيسا لكبريات الشركات والمؤسسات المالية والأقتصادية في العالم. ليس للمنتدى اي سلطة يعتمد عليها اعتمادا مباشرا او غير مباشر ، ولأ يخرج بقرارات ملزمة ، ولأ بيان معتمد، ومناقشاته تتحول الى سياسات فعلية تطبقها دول الغنية على الدول الفقيرة .ينعقد المنتدى هذه السنة  تحت شعار "فرص الأبتكار"، حيث سيتم التركيز على تحسين قدرات ابداع المتميزين، وفرض روح البحث والأبتكار لدى الفئات المهنية والأكادمية المختلفة ، لحل المشكلأت الدولية . سيتم في هذه الدورة التركيز بشكل خاص على اسيا ، نظرا للنمو الأقتصادي الكبير الذي يشهده الصين والهند، وما يحمله من تغيرات على الخريطة السياسية العالمية ، مع القاء الضوء على المخاوف من تاثير هذا النمو على الموارد الطبيعية واسعار الطاقة-النفط وتغيرات في معاير الربح والخسارة وحركة الراسمال ، والنظام العالمي الجديد وافاق العولمة، وانعكاسات ذلك كله على مستويات المعيشة والبيئة على العالم.ومن المواضيع الأخرى التي سيتطرق اليها في المنتدى تامين امن خطوط التموين بالنفط والغاز والطاقة وحمايتها من كوارث هجمات ارهابية على خطوط انابيب نفط او مصاف ، مما سيتسبب بارتفاع اسعار النفط الى اكثر من 120 دولأر للبرمل. وعلى الصعيد الدبلوماسي ، يتوقع ان تطرح مسالة البرنامج النووي الأيراني ، والتغيرات التي حصلة على المسار الفلسطيني،على اثر الفوز الساحق لمجموعة الحماس في الأنتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في يناير2006 ، كذلك مواضيع اخرى متنوعة على صعيد الرياضة والفن والثقافة.وقد بدات المظاهرات السلمية مع   تركيز على المسيرات  وتوزيع المنشورات  في وسط العاصمة السويسرية برن ، وفي كثير من المدن الأخرى، شارك فيها حزب الخضر بالتعاون مع النقابات العمالية والمهنية ، تحت شعار حل المشكلأت الأجتماعية قبل التفكير في جني الأرباح، والتعبير عن القلق من انتشار سلبيات العولمة وتوجه النيوليبرالي التي تفرضها اميريكا وتسايرها كثير من المجتمعات الأوربية وتاثيرها على مستوى معيشة الشعوب وخاصة الفقيرة منها .
ويجب على المنتدى ان يوسع في التوجه الفكري الجديد ليشمل مجال السلم والأمن الدوليين- بحيث لأ نفكر في السلم بالطريقة التقليدية فقط مركزين على منع نشوب الحروب بين الدول ، ولكن ايضا على انه يتضمن حماية شعوب العالم من التهديدات التي اصبحت تمثل للكثيرين اليوم امر اكثر الحاحا وقربا من الواقع. واحد هذه التهديدات هو خطرالأبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الأنسانية، الفقر والأمراض المعدية –الأيدز وانفلونزا الطيور والتدهور البيئي ، الصراع داخل الدول، وفيما بينها ، انتشار الأسلحة النووية والأشعاعية والكيميائية والبيولوجية ، الأرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وغيرها من المواضيع التي تخص الشعوب الفقيرة.

مقابل قمة دافوس ، بدات ايضا بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير 2006 في العاصمة الفينزويلية- كاركاس ، اعمال القمة الأقتصادية المناهضة لها ، بمظاهرات كبيرة امام حامعة كاركاس لتسير عبر شوارع العاصمة . شارك فيها العديد من الشخصيات السياسية الدولية والحركات السياسية والثقافية واكثر من مائة الف متظاهر من مختلف انحاء العالم ومن الوان مختلفة من الناس المؤمنين والواقعيين والمعروفين بنهجهم المناهض للعولمة والنيوليبرالية وتزائد الفقر. شجب سياسة الرئيس جورج بوش وحربه على العراق ، واللأفتات ضد الأمبرالية الأمريكية.تحت شعار "عالم اخر ممكن"، وهذا امر غير مستبعد في الوقت الذي نجد في بوليفيا يجلس حاليا في القصر الجمهوري ايفو موراليس وهو فلأح فقير، وكذلك الفلأح الفرنسي جوزيف بوفي ، الذي يعتبر من ابرز مؤسسي حركة  اتاك  ويتمنى بان العولمة يجب ان تتوقف عن المراهنة بتجارة المواد الغذائية المحلية ، وتحميها من المضاربات. والأخرون يتمنون الديمقراطية الحقيقية لمنظمات العولمة ، وخلق نوع من العلأقات الأجتماعية الطبيعية في سوق العمل العالمي ، والبعض الأخر ضد الراسمالية ، والأخرون هم الأشتراكيون الديمقراطيون او مجموعة الخضر ، الذين ينادون الى الأصلأح الأقتصادي والأجتماعي والبيئي .وتنهي اعمال القمة يوم 29/من الشهر الجاري باعلأن ختامي.   
 تشكل هذه الفعالية احدى وسائل الضغط على الحكومات ومؤسسات المنظمة الدولية والمؤسسات المالية والأقتصادية العالمية وكذلك منظمات المجتمع المدني ، لكي تقوم بمبادرة متعددة الأطراف والتوصل الى فهم افضل للأعباء الأجتماعية للعولمة والعمالة الكاملة ، والعلأقة بين التجارة والتنمية والفقر وقضايا العمل .ان دعم ومساندة هذه الفعاليات والنشاطات الجماهيرية، كلما امكن ، وباشكال مختلفة ، قد تنصب بالتاكيد في مجرى التضامن العالمي ، نحو عالم افضل للجميع .

140
الحرية للكاتب الدكتور كمال سيد قادر
د.صباح قدوري

حكم على المواطن النمساوي من اصل كردي، الكاتب والأكاديمي الدكتور كمال سيد قادر ، بحكم لمدة 30 ثلأثين سنة من قبل  قضاء الحزبيين الحاكمين في الأدارة الفيدالية لأقليم كردستان العراق ، وذلك بسبب كتابته بعض المقالأت التي تعبر عن أفكاره واراءه وموقفه من الخروقات التي تمارس تجاه مبادئ الديمقراطية وحماية حقوق الأنسان والمساواة بين المواطنين، و ممارسة ظاهرة الفساد الأداري والأقتصادي في الأقليم . ينادي فيها بالأصلأحات السياسية والأقتصادية وتطبيق وممارسة الديمقراطية في الحياة اليومية على اسس الحضارية والعصرية. ينتقد فيها سياسة الهيمنة والطغيان الحزبي المسلط  على جميع مرافق الحياة في الأدارة الفيدرالية ، بما فيها المؤسسات القضائية.  اذ لأتوجد اليوم في هذه الأدارة اي حدود فاصل بين السلطات القضائية ،التشريعية والتنفيذية ، وان ظاهرة تسلط الحزبين الحاكمين هي القائمة . وهما اصحاب القرارات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والمصيرية في الأقليم . ان منادات قيادة الحزبين المتنفذين بالحرية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين ، ليست الأ شعارات نظرية ورنانة ، بعيدة كل البعد عن الممارسة والتطبيق العملي على ارض الواقع وفي الحياة اليومية.
لأ يخشى الغيورون على الوطن ومستقبل اجياله ، والمناضلون من اجل الحرية والديمقراطية ، صوتا جريئا مثل الكاتب كمال سيد قادر، ناقدا لبعض الظواهر السلبية الحقيقية الموجودة فعليا في ادارة اقليم كردستان العراق ، بل بالعكس يجب الأستفادة منها وتقبلها بروح مبدأية عالية ، وتكريسها في معالجة وايجاد الحلول السريعة والمستعجلة لهذه الظواهر، وان اصدار مثل هذا الحكم على الكاتب المذكور، لهو دليل على استمرار القيادة الكردية واصرارها  في  تعميق ومواصلة هذا التهج القديم في الأقليم .

ارفع صوتي الى جانب اصوات كل الشرفاء ، الذين تضامنوا مع الكاتب ، واناشد كل احرار العالم والخيرين واصحاب الضمائر  والحكومة النمساوية ، للتضامن مع الكاتب والتدخل فورا لكشف وبيان حيثيات القضية الجنائية وتفاصيل الشكوى ضده ، ولوقف الأجراءات التعسفية بحقه ، في الوقت الذي عرفنا الكاتب من خلأل كتاباته على الأنترنيت والصحف المحلية التي تصدر في الأقليم ، بانه مخلصا ، نزيها، وطنيا ومدافعا عن الديمقراطية ، حقوق الأنسان وقضايا الشعوب ، وخاصة القضية الكردية.

اطلقوا سراحه كيما ينعم بحريته ، ومزاولة مهنته والأستفادة من معرفته وقابليته واخلأقه ونزاهته ، وتكريسها لخدمة تطوير مسيرة الأدارة الفيدرالية . توعية وتدريب المواطن من اجل المشاركة  والمساهمة في سيروة التطور السياسي والقومي ، التي يجب ان تشهدها المنطقة والأقليم في عصرتا الراهن . التعويد على العمل مع الجماهير، من اجل تحقيق وتثبيت كافة حقوق شعبنا المناضل .

141
توحيد الأدارتين ، خطوة نحو البناء في كردستان العراق
د.صباح قدوري

أستقبل الشعب الكردي وأصدقاءه ، بفرحة وبهجة كبيرتين نباء أعلأن أتفاق توحيد الأدارتين بين الحزبين الحاكمين حدك واوك ، والذي جرى بتاريخ7 /كانون ألأول- يناير 2006 في منتجع صلأح الدين . وبموجبه سيكون السيد نيجيرفان البرزاني ، رئيس ادارة اقليم كوردستان حتى عام 2007 . وستكون رئاسة برلمان كوردستان للأتحاد الوطني الكردستاني بالأضافة الى وزارات: الداخلية ، العدل ، التخطيط ، النقل ، المصادر المائية ، الصحة ، حقوق الأنسان ، التربية، الأعمار ووزير الدولة. وستكون نصيب الحزب الديمقراطي الكردستاني : المالية ، البيشمركة ، التعليم العالي ، الزراعة ، شؤون الشهداء، الكهرباء والبلديات. ستعطي الوزارات المتبقية، البيئة ، الصناعة ، الأوقاف وغيرها للجهات والأحزاب السياسية الأخرى .

 ان أقدامهما على هذا العمل النبيل ، ولو جاء متاخيرا جدا ، وبغياب الرئيس طالباني في مراسيم الأعلأن ، ألأ انه خير دليل على وجود نيات صادقة وصافية لدى الطرفين في معالجة الأوضاع السياسية والأقتصادية في المنطقة. العمل الجاد باتجاه بلورة مفهوم الفيدرالية في جوهره السياسي والأداري والرقعة الجغرافية الحقيقية للأقليم ، ومبداء حق تقرير المصير، معبرا عنه بالشكل الذي ينسجم مع تطور سيرورة القضية الكردية في كردستان العراق واجزاءه الأخرى، وتثبيت شرعيتها من خلأل تصويت الشعب الكردي على هذه الأخيارات. تعميق وتوسيع الممارسات الديمقراطية في الحياة اليومية ، من خلأل التنوع وأحترام هذا الموزائيك المتنوع في كردستان وتنميته وتطويره، وبالتالي احلأل استقرار وسلأم راسخ في ربوع كردستان الى الأبد . ان هذه الأجراءات كفيلة في تطويرالوضع الأقتصادي والأجتماعي في الأقليم ، ويمهد الطريق لأعادة الثقة والشرعية والحياة الأدارية الى مؤسسات الحكم الفيدرالي ، اتاحة الفرصة لها بان تزاول اعمالها بشكل عادي وطبيعي ، بعيدا عن الطغيان والتدخلأت الحزبية الضيقة في امورها. الفصل بين العمل الحزبي ووظائف هذه المؤسسات ، بحيث يصب الأول في خدمة الثاني وليس العكس ، كما جرى ويجري حتى الأن. تحديد وظائف السلطات الثلأثة التشريعية ، التنفيذية والقضائية والفصل بينها في الممارسة والتطبيق على نطاق ادارة الحكم الفيدرالي.

ان تطبيق جوهر هذا الأتفاق واظهار قوته الى حيز الوجود، مرهون بدرجة كبيرة ، بمدى فعالية العامل الذاتي للأسراع في ترجمة بنوده ، تاثرا بخصوصيات الوضع الداخلي وتفهم عوامله بشكل عميق، وربط ذلك بمجرى التطور السياسي ، الذي يشهده العراق الجديد ضمن الوضع الداخلي والأقليمي والدولي االبالغة التعقيد، من الجوانب الأمنية وتدخلأت العامل الموضوعي، ورصد تاثيراتها على العملية السياسية الجارية في العراق الحديث، وليس الأعتماد فقط على السياسة الأمريكية من خلأل تولي سفارتها مهمة مراقبة تنفيد بنود اتفاق التوحيد هذا!. التفكير بطريقة عصرية في معالجة الأوضاع ، وان تخطو خطوات مستعجلة في ازالة اثار عدم الثقة بين الحزبين من الجهة والشعب من الجهة اخرى ، وتقسيم النفوذ والتخلف الأقنصادي . العمل الفوري في تفعيل الأليات الضرورية واللأزمة لتشكيل ادارة فيدرالية ائتلأفية تشارك فيها الأحزاب الأخرى والشخصيات المستقلة في الأقليم على اسس الكفاءة والنزاهة والأخلأص وخدمة الجماهير، بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة والمحسوبية .
وضع برامج العمل لأداء الأدارة الموحدة اعمالها عند انتهاء من تشكيلها ،وذلك من خلأل:-

1- توحيد وتطوير الخطاب الوطني الديمقراطي على صعيد الداخلي ، لأبد سيعكس اثاره الأيجابي على تشكيل حكومة وحدة وطنية على صعيد العراق والأقليم ، محاربة الأرهاب بكافة انواعها ,اجتثاث البعث وتعزيز النظام الفيدرالي في العراق، وكذلك الخارجي من خلأل التصدي الى كل التدخلأت السلبية في شؤون الأقليم والعراق من اية جهة كانت.

2- انتهاج سياسة مالية واقتصادية شفافة وحكيمة، معتمدا على التخطيط المركزي في التيسير الأقتصادي حاليا ، وذلك من خلأل اعداد الميزانية العامة الموحدة للأقليم لسنة 2006 ، ايلأء الأهمية الأستثنائية في حل المشاكل الأقتصادية المتراكمة في الأقليم ، وفي مقدمتها تخفيف معانات الشعب وتوفير الأمن الأقتصادي والصحي والأجتماعي،وتخفيف حدة البطالة المتزايدة .

3- ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية ، تقف وراء الفساد الأداري والأقتصادي المنتشر في كافة اجهزة ومستويات الأدارة الفيدرالية. هناك حاجة للقيام بحملة توعية شاملة لموظفي هذه الأدارة ، وحملة مشابهة موجهة الى المواطنين ، مع اصدار القوانين والتشريعات والضوابط الصارمة والرادعة للقضاء على هذه الظاهرة، وتحفيز الوزارات والأدارات نحو الأصلأح.

142
عودة اليمين البولندي الى دست الحكم

د.صباح قدوري

بتاريخ 25 أيلول/ سيبتمبر2005، جرت الأنتخابات البرلمانية، وكذلك المجلس الشيوخ في بولندا ، وذلك لأختيار460 مقعدا . أسفرت نتائجها بالفوزالكبير لكتلة اليمين ، التي دخلت هذه المرة باسماء جديدة ، لم تكن معروفة في الأنتخابات السابقة 2001 . وهي : حزب القانون والعدالة ، الذي من المتوقع بان يحصل بحدود 35% ، يليه حزب المنتدي اليمين الليبرالي بحدودة 33%.، ويحاول توحيد نظام الضريبي على اساس 15% بالنسبة الى رجال الأعمال والموظفين.
يضم هذين الحزبين ، المحافظين والليبرالين من حركة التضامن سابقا. مؤيدين بقوة للسياسة الأمريكية ، ومتحفضين تجاه الوحدة الأوربية، والعداء للشيوعية، وفي برامجهما الأقتصادية يهدفان الى تطبيق الأقتصاد السوق والأسراع في التحاق البولندا بدعاة الفكرالنيوليبرالي.
اما حزب " عصبة العائلأت البولونية " الكاثوليكي القومي المتطرف ، من المرجح ان يحصل على حوالي9%. وبذلك ستكون لهذه الكتلة مجتمعة حوالى نسبة 77% ، وتضمن لها تشكيل حكومة يمنية قوية .
يتوقع ان يتراسها ممثل عن حزب القانون والعدالة ، وهو ليخ كازينسكي. اما كتلة اليسار ، المتمثلة بحزب اتحاد اليسار الديمقراطي ، الذي قاد البلأد منذو عام 2001 ، ولعب دورا كبيرا في انظمام البولندا الى الوحدة الأوربية ، واستمراره في انتهاج السياسة الديمقراطية الليبرالية.
وقد بنى علأقات جيدة مع الولأيات المتحدة ، ودعم سياستها في المحافل الدولية ، منها على سبيل المثال الحرب على العراق في 2003 . يحصل بحدود 9% من المقاعد . اما حزب منظمة الدفاع الذاتي-"ساموبرونا"/حزب الرجل الواحد-اندرية ليبيز ، حزب راديكالي يدعم مطاليب المزارعين ، اجراء اصلأحات الأجتماعية من خلأل تضمين حق العمل والدراسة والعناية الصحية المجانية ، وتثبيت ذلك في الدستور بعد تعديله. يقف ضد عضوية بلأده في الأتحاد الأوروبي، ويحصل بحدود 10% من المقاعد.
ومن المتوقع ان يدخل اما حزب الفلأحين او الشعب الى البرلمان ، اذا نجحا في الحصول على نسبة5%. ويتوقع انخفاض عدد الأحزاب التي ستدخل البرلمان من عشرة الى ستة احزاب.
بين نتائج هذه الأنتخابات الى ظهور واقع سياسى جديد ، المتمثل في تحكم اليمين بمفاصل السلطة الأساسية ، مقابل تراجع كبير في شعبية اليسار وضعف تمثيله في الحكومة المقبلة.
لأبد من وقفة سريعة ومركزة الى بعض الأسباب التي ادت الى رجوع اليمين مرة اخرى الى دست الحكم .
يمكن تلخيص هذه الأفكار ( من دون الدخول في التفاصيل) كالأتي :-
1-اصاب الأقتصاد البولوني بمرض مزمن ، بسبب السياسات السابقة ولحد اليوم. اصبح حقلأ لتجارب سياسات الخصخصة والعولمة، التي سببت في انهيار القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية، على حساب مايسمى بتطوير القطاع الخدمي ، المتمثل بالنشاط ذي الطبيعة الأستهلأكية ، مما تركت هذه الحالة ارتفاع نسبة البطالة بشكل مستمر وتصل اليوم الى اكثر من 18% من الأيدي العاملة ، انخفاض الأنتاج والأنتاجية في كافةالقطاعات الأقتصادية، انخفاض القوة الشرائية للعملة ، بسبب استمرار التضخم المالي ، الذي يبلغ اكثر من 10% ، انخفاض نسبة نمو الناتج القومي الأجمالي.
تحميل ميزانية الدولة نفقات كثيرة بسبب أنضمام بولندا الى حلف الناتو، وفي مقدمتها تحديث الجيش ومؤسساته وفق شروط هذا الحلف، مما ادى ذلك الى تراكم ديونه الخارجية وفوائدها، في الوقت الذي نجد ان هناك أوليات كثيرة يجب الأهتمام بها في قانون الميزانية، في مجالأت النشاط الأنتاجي، المؤسسات التعليمية، والصحة ، والنقل والمواصلأت، الضمان الصحي والأهتمام بالمتقاعدين والمعوقين، الأصلأح الأداري والتكنولوجية المعلوماتية وغيرها . اذ اتبتت التجارب السابقة، على عدم قدرة اليسار البولوني ، في أختيار وتطبيق البرامج الأصلأحية الملأئمة لمعالجة المشاكل الأقتصادية والأجتماعية المزمنة التي يعاني منها هذا البلد ، وذلك بسبب عدم استفادتها من الأخطاء والتجارب التي مرة بها طيلة فترة وجودها في الحكم.
2-المبالغة والأسراع في الأنضمام الى الوحدة الأوربية ، وفق شروطها التعسفية ، من بينها استمرار بولندا في سياستها الأقتصادية بما يسمى ببرنامج الأصلأح الأقتصادي ، من خلأل تعزيز دور اقتصاد السوق فقط واعتماد سياسة الخصخصة كنهج اقتصادي ثابت لبولونيا.
3- لم تكن لدى كتلة اليسار رؤية واضحة في السياسة الخارجية ، تجاه الأحداث الدولية، خاصة فيما يتعلق بالفكر النيوليبرالي ومايسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا، مع استمرار في تطبيق نهج السياسة الخارجية المؤيدة للمواقف الأمريكية، تجاه الأحداث العالمية والدولية ، كما حدث ذلك على سبيل المثال، في مشاركة حكومة اليسار البولوني ، في حينه مع الولأيات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق.
4-ان فضائح السياسية والأدارية والمالية في بولندا ، هي ظاهرة تمد جذورها الى عقود طويلة. وهي تمارس من قبل بعض قيادات اتحاد اليسار الديمقراطي الحاكم ، وعلى كل المستويات الأدارية لأجهزة الدولة، هذا بالأضافة الى ظاهرة الصراعات الحزبية، وحدوث أنقسامات حادة في صفوفها ، مما عبر 65% من البولندين قبل الأنتخابات ، عن أستياءهم وعدم رضاهم عن التطورات القائمة ،في ظل هذه الفوضى والظروف العصيبة ، التي يمر بها البلأد ، وعبروا عن ذلك ، بضعف مشاركتهم في هذه الأنتخابات ، التي تقل عن 50% من الناخبين .
5-ان طبيعةالعوامل الأخرى التي واجهت كتلة اليسارالحاكم ، متمثلة قبل كل شئ في استمرار النهج البيروقراطي، والنظام التكنوقراطي المعقد ،وتشابك المهام في ادارة البلأد. ان نظام السوق الأقتصادي ، المعول عليه في البرامج الأصلأحي، وان كان احد العوامل في هذا المجال ، فانه يبقى غير كاف وقادر في تحقيق الطموحات.
المهم هنا وجود الوعي في ادارة البلأد، الأستفادة من التكنولوجيا، وخلق تلك الأساليب الجديدة القادرة على أستثمارمنجزات العلم والثقافة ، والمساهمة الأبداعية في تطور الحضاري ، وخلق الظروف الممكنة لربط البلأد بالمركز الحضاري العالمي المتقدم والخروج من حالة الركود والتواجد في الظل ، الذي ظلت فيه بولندا لعقود طويلة . الدخول الواعي وبوتيرة سريعة الى صلب المركز الحضاري وليس التحرك على حدوده .[/b][/size][/font]

143
الأكادمية العربية المفتوحة في الدانمارك
 
سبق وان أوضحت، وبالتحديد بتاريخ 19/ من الشهر الجاري، موقفي من الأكادمية المفتوحة في الدانمارك. ارسلت بذلك رسالة الكترونية الى كافة الأساتذة الأفاضل والعاملين ، مبينا فيها وجهة نظري بخصوصها ، من الجوانب العلمية والأدارية والمالية . أدرج ادناه محتوى هذه الرسالة
 
مع كل تقديري واحترامي للزملأء الأساتذة د. المقدادي ، الألوسي ، الأنصاري ، الوكيل ,وغيرهم ، وحرصهم على استمرارية الأكاديمية ومتابعة افاق تطورها المستقبلي، الأ انه بالنسبة آليه ، فقد أتخذت القرار النهائي بأستقالتي من مهمة رئيس قسم المحاسبة في هذه الأكادمية ، وذلك لتعذري من الأستمرار في العمل المهني ، حيث هناك انعدام الرؤية والألتزام الأخلأقي والأخلأص والثقة ، في كيفية التعامل مع هذه المؤسسة العلمية . ان العلأقة بين رئيس الأكاديمية ومجلسها من جهة وبينه وبين رؤساء الأقسام من جهة اخرى تسودها أجواء من التوتر والأنفراد بالسلطة في اتخاذ القرارات المهمة ، تهميش دور رؤساء الأقسام من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تخص الجانب العلمي ، هذا بالأضافة الى تعتيم تام بخصوص الحالة المالية والنظام المالي للأكادمية ، العددالحقيقي للطلأب المسجلين ، كيفية تم توزيعهم على فروع الأكادمية، تكاليف الدراسة المدفوعة من قبلهم. اى أنعدام أية المعلومات التي تخص مصادر تمويل الأكادمية، من راس المال الخاص ، المساعدات ، التبرعات ، تكاليف الدراسة وغيرها . اذ من المفروض ان توجد ميزانية مخططة بهذه المصادر، وتعرض للمناقشة قبل بداء العمل. أرسل رئيس الأكادمية الأمس ، مقترحا اليه لدراستها، بخصوص طريقة توزيع ايرادات الجامعة من دون الأشارة الى ماهية هذه الأيرادات ومبالغها ومصادرها ، عدا ما تخص تكاليف الدراسة المدفوعة من قبل الطلأب المسجليين ،( من دون ذكر مبالغها )، ويقترح توزيعها كالأتي
الأقسام العلمية 20% اعضاء ومسششاري
المجلس العلمي ورئيس الأكاديمية 10% رؤساء الأقسام 5% الأدارين5% المجموع العام 40% ، الصافي اي 60% تخصص كأحتياطي للتوسعات
واعتبار هذا التقسيم نظاما ماليا  للأكاديمية ، لحين أصدار النظام المالي الدائم !! بناءا على ما ذكرى اعلأه ، اذ تكونت لدي قناعة شخصية ، بان المعلومات الواردة على صفحات موقع الأكادمية ، من حيث عدد الطلبة ، الكتب والمصادر العلمية ، الأساتذة ،  فروعها ، الهيكلية العلمية والأدارية- الأخيرة تنقصها قسم المالي ، عدى ما اشير اليه في الموقع الأكادمية عبارة واحدة فقط( المدير المالي-منتدب ؟!) ، مبالغ بها بدرجة كبيرة ، محاولة أظهار هذه الأكادمية اعلأميا اكثر من حجمها العلمي الحقيقي ، في الوقت الذي أوكد ، بان الجانب المالي يعتبر العمود الفقري والمحرك الأساسي في ديموة هذه الأكاديمية او من عدمها في المستقبل المنظور كما جاء في مقالتي( الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك ، وافاق تطورها المستقبلي )  الموجود في صفحة المقالأت من الموقع الألكتروني للأكادمية . هذا بالأضافة الى عدم أستقرار اسم هذه المؤسسة ، اذ تسخدم تارة الجامعة العربية المفتوحة ، وتارة اخرى الأكادمية المفتوحة، ولم يعرف انها مسجل عند الجهات الرسمية الدانماركية، وخاصة لدى الجهاز الضريبي الدانماركي
باي من الأسمين اواسم اخر؟!. سبق وان اقترحت على رئيس الجامعة ، بتبديل اسمها الى اسم اخر على سبيل المثال جامعة سومر ، وادي الرافدين ( مسيوبوتاميا) ، بحيث تكون اكثر شمولية وتلبي طموحات كافة القوميات من العرب والأكراد والتركمان وغيرهم من الناطقين باللغة العربية ، ولم استلم اى جواب محدد بهذا الخصوص ، ما عدى بعد مقترحي هذا تحول الأسم فجأة  من الجامعة المفتوحة الى الأكاديمية . واليوم تستخدم الأسمين معا على صفحات الموقع
 هذا بالأضافة الى كثير من الأمور الأخرى ، فيها غموض وعدم الوضوح بخصوص هذا المشروع العلمي الكبير، الذي هومحل اعتزاز وطموحات الجميع من اجل تحقيقه والسير به قدما الى الأمام ، وتباحث كل هذه الأمور مع رئيس الأكادمية ، ولكن من دون جدوى أو استلأم اجوبة محددة وواضحة بخصوصها
واتمنى للعاملين في هذه الأكادمية النجاح الباهر على الصعيدين العلمي والشخصي بما يخدم العراق الجديد والمنطقة
تقبلوا فائق احتراماتي وتمنياتي
د. صباح قدوري
 
واود بهذه المناسبة ان اعلن الى كافة ذوي العلأقة بهذه الأكادمية من الأساتذة الأفاضل والعاملين المحترمين والطلأب الأعزاء وغيرهم ، بانه واعتبارا من التاريخ المذكور اعلأه ، اعتبر نفسي مستقلأ من هذه الأكادمية ورئاسة قسم المحاسبة فيها ، علما كنت من الأوائل الذي ساهمت طوعيا في بلورة هذا المشروع ووصوله الى حيز الوجود. ولتوضيح هذه المسالة ، كتبت هذه الأسطر لنشرها في الصحف الألكترونية الموقرة ، التي انا من كتابها . أشكر سلفا على هذا النشر. ارجو للجميع النجاح المتواصل على كافة الأصعدة ، بما يخدم مسيرة بناء العراق الجديد

144
حركة من اجل الريفرندوم ، وأنقاذ الموقف

د. صباح قدوري

تحاول الحركة الجماهيرية من أجل الريفريندوم في اقليم كردستان العراق ، احياء نشاطها مرة اخرى، من اجل انقاذ الموقف الكردي المتأزم بخصوص تثبيت كامل لحقوق الشعب الكردستاني في الدستور العراقي الدائم، والذي يطرع للأستفتاء في تشرين الأول/ اكتوبر من هذه السنة. انيثقت هذه الحركة بعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور في العراق ، كحركة جماهيرية في اقليم كردستان العراق ، من اجل توعية وتثقيف الجماهير الكردستانية على طريقة تفكير لمطالبة بحق تقرير مصيرها ، واجراء الأستفتاء الشعبي لتثبيت هذا الحق المعبرعنه في هذه المرحلة بصيغة الفيدرالية ، وحق الخيار في تحديد نوع العلأقة المستقبلية مع المركز. اسفرت نتائج نشاطاتها الى جمع مايقارب الى مليونين من التواقيع لهذا الغرض ، الأ انها حفظت هذه التواقيع  في حينه. حاولت الحركة مرة اخرى احياء مشروعها وتفعيل هذه المسألة من خلأل المحافل الدولية ، بعد اخفاقها في تحقيق مهمتها في الداخل. ولكن لم تفلح هذه المرة ايضا، واصبحت  اليوم مسالة الريفرندوم في خبر كان . وقد يبدو ان نشاطات هذه الحركة تتسم بالموسمية ، وتظهر للأعيان كلما هناك شعور متعاظم بالقلق يساور أبناء الشعب الكردستاني ، بان الدستور العراقي الجديد لن يكون منصفا لهم ، ولن تجري تثبيت حقوقة بسبب مواقف المماطلة والتاجيل والأسراع في طرح المسودة على الجمعية الوطنية ، مع بقاء قضايا المهمة معلقة من دون حلها . تتعرض اليوم الحركة الكردية التحررية ، المطالبة بحقوق المشروعة للشعب الكردستاني ، الى مخاطر الجدية في تعاملها مع الأوضاع السياسية البالغة التعقيد في العراق الحديث من جهة ، مع استمرارية التازم السياسي ايضا في اقليم كردستان العراق من جهة اخرى، وذلك على اثر استمرار تقاسم النفوذ والسلطة بين الحزبين الحاكمين اوك و حدك.اخذت القيادات الكردية ، والتي تعطي الشرعية لنفسها ، بان تتفاوض مع حلفاءها الوقتين  بمن فيهم يؤيد أقامة الفيدرالية الطائفية في الجنوب، وعدم أقرار بالفيدرالية كشكل من أشكال العلأقة بالدولة العراقية مع الحكم في كردستان العراق ، والقائمة منذ 13 عاما ، والتي أصبحت اليوم حقيقة واقعية. وكذلك الأنصات الى النصائح الأمريكي-البريطاني  التي طمنتا مرارا  القيادة الكردية الحاكمة ووعدتا، بانهما( لن تتخلا عن الأكراد ) ، تدعما وتساندا  في تثبيت صيغة الفيدرالية الجغرافية والأدارية القائمة حاليا ومستقبلأ ، في الدستور العراقي الدائم ، ولكن من دون توضيح عن ماهية الأليات الضرورية والضامنة داخليا او دوليا  لتحقيق تثبيت حق تقرير المصير للشعب الكردي ، المعلن عنه بصيغة الفيدرالية في المرحلة الحالية، وعلأقة المركز بالأقليم من حيث تقاسم السلطات والثروة وصلأحيات رئيس الأقليم السيادية ، وتحديد الرقعة الجغرافية الحقيقية للأقليم  وكذلك مصير قوات البيشمركة، كل هذه القضايا اجلت الى اجل غير مسمى. ويبدو ان مطاليب الشعب الكردستاني ، ظلت هاجسا تورق ويقض مضاجع حلفاء القيادة الكردية الحاكمة ، منذ سقوط الصنم وحتى يومنا هذا. أصبحت هذه القيادة اسيرة العامل الموضوعي ، وتعول علية في تحقيق سياستها ، وتركت العامل الذاتي يضعف يوما بعد يوم ، وبذلك اصبح الشعب الكردستاني، المطالب بضمان حقوقة المشروعة في وادي والقيادة الكردية في وادي اخر.

 قد تصدر بعض التصريحات هنا وهناك من بعض قيادين هذه الحركة التي تقود مظاهرات سلمية في كل انحاء اقليم كردستان ،  والتي تاكد على مبداء ضرورة اجراء الأستفتاء الجماهيري في الأقليم الجغرافي الحقيقي لكردستان العراق ، من اجل تثبيت حق تقرير المصير المعبر عنه في المرحلة الحالية بصيغة الفيدرالية، مع اقامة كيان سياسي  قومي لأدارة هذه الفيدرالية واعطاء للشعب الكردي في العراق حق خيار اية صيغة اخرى بما في ذلك حق الأنفصال . وقد يطرح السؤال نفسه ، هل ان الحركة تنجح هذه المرة وتستطيع ان تقود الجماهير الكردستانية الى نهاية المطاف ، من خلأل ارغام القيادة الكردية الحاكمة في الأقليم الحالي لتلبية مطالبها في اجراء عملية الأستفتاء الفعلى ، والتعامل مع القضية باعتبارها قضية داخلية يقرها الشعب الكردستاني ويعود له وحده حق أقرار شكل ومحتوى الفيدرالية من النواحي الدستورية ، والأقتصادية ، وعلى اساس بناء كيان سياسي قومي على الرقة التي تعتبر تاريخيا وجغرافيا كردستان ، ومن ثم أختيار الصيغة الملأئمة للعمل مع الحكومة المركزية العراقية القادمة بعد اجراء الأنتخابات البرلمانية في 15/كانون الأول/ديسمبير 2005 ؟!. وفي حالة عدم تمكن الحركة من تحقيق النجاح في مهمتها هذه ، ارى من الضروري ان  تستخدام النضال السلمي باشكاله  المختلفة والأستمرار فى التظاهرات  والنشاطات الجماهرية  ،تكثيف الدور الأعلأمي بكل اشكالها، و من خلأل اصدار صحيفة خاصة بها ، واقامة الندوات الجماهرية في كل انحاء الأقليم والمشاركات الكثيفة في المناقشات لمواضيع الديمقراطية وحقوق الأنسان  ودعم نشاطات مؤسسات المجتمع المدني  من اجل توعية وتثقيف الجماهير بمفاهيم  تنسجم مع تقافة  وحضارة روح العصرمن اجل تثبيت هذه المفاهيم وممارستها الفعلية في الحياة اليومية . ولتحقيق ذلك ارى انه لأبد ان تتحول هذه  الحركة في المستقبل القريب الى حزب سياسي تستند على قاعدة جماهيرية واسعة  تجمع كل مكونات الشعب الكردستاني، وتقود مسيرة وسيرورة تطور الحركة الكردية التحررية على صعيد كردستان العراق، مع العمل والتنسيق مع الحركة الكردية التحررية على صعيد كل كردستان  واخذ المبادرة من الأن لتحضير نفسها لخوض في الأنتخابات القادمة وتحفيز الشعب على اختيار ممثله الحقيقي وايصاله الى البرلمان الجديد ،  الذي لأبد ان يحل مشكلة تقاسم السلطة الشمولية ، التي لأتزال قائمة في ادارتي الأقليم ، وتقف حجر عثرة أمام تطور القضية الكردية وحركتها التحررية ومستقبلها المنظور.

صفحات: [1]