كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً / الجزْء الثَاني ( 39 )
( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحث وإِعْداد وتَقْديم : شذى توما مرقوس الخميس 1 / 5 / 2014 ــ والعَمَل مُسْتَمِّر
طَابِع المَوْضُوع :
بِطاقَة تَعْرِيفِيَّة بِكُتَّاب وكاتِباتِ القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً ، والفنُون المَسْرَحِيَّة ، وأَدب الطِفْل مِنْ الوَسَطِ المَسِيحيّ العِراقيّ .
في الجٌزْءِ الثَاني / من ( 1 ) ــ ( 38 ) مِنْ السِلْسِلَة تَعَرَّفْنا على عَدَدٍ مِنْ كُتَّاب القِصَّةِ القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً ( مُضَافاً إِلى ذَلِك فَنّ التَأْلِيف المَسْرَحِيّ وكُتَّابَهُ ، وأَدَب الطِفْل ) ، نُواصِلُ هُنا التَعْرِيف بِهم ، وفي هذِهِ الوَرَقَة ــ الجُزْء الثَاني ( 39 ) ــ نَقْرأُ عَنِ الكاتِب يوسف الصائغ .
أَتَقَدَّمُ بِخالِص شُكْرِي وتَقْديري لِكُلِّ المُتَابِعاتِ والمُتَابِعين ، وكُل الشُكْر لِجَميعِ المَواقِع الالِكتْرونِية ( تللسقف كوم ، عنكاوا كوم ، بحزاني نت ، نالا فور يو ، ....... ) والَّتِي تَتَعاونُ معي بِنَشْرِ وتَقْدِيمِ هذِهِ السِلْسِلَة ، وأَتَمنَّى لَهُم المَزِيد مِنْ الازْدِهارِ والتَألُق .
د ــ كُتَّاب القِصَّة القَصِيرَة والقَصِيرَة جِدَّاً والفنُون المَسْرَحِيَّة وأَدب الطِفْل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( يوسف الصائغ )
هو يوسف نعوم داؤود الصائغ
يَكْتُبُ الشِعْر ، الرِوايَة ، المَسْرَحِيَّة ، ومِنْ أَفْضَلِ كُتَّابِ الخَاطِرَة في العِراق ، وخَواطِرَهُ في مَجَلَّة ( أَلِف بَاء ) تَحْتَ عُنْوان ( على نَارٍ هادِئَة ) تَدُلُّ لِذَلِك ، كما كتَبَ السِيناريو ، إِضَافَةً لِكوْنِهِ رَسَّام تَشْكِيليّ ، والرَسْم إِحْدَى الهِوايَات الَّتِي رَافَقَتْهُ مُنْذُ طفُولَتِهِ المُوْصِلِيَّة ، وهو الَّذِي رَسَمَ سَقْفَ كنِيسَةِ ( الطَاهِرَة ) في المَوْصِل على غِرارِ رسُومِ مايكل أنجلو لِسَقْفِ كنِيسَةِ ( سيكتين ) في الفاتِيكان .
ولِدَ في المَوْصِل عام 1933 م ، في أُسْرَةٍ دِينِيَّة مَسِيحِيَّة ، حَيْثُ كانَ والِدَهُ شَمَّاساً وعَمَّهُ ( سليمان الصائغ ) مَطْراناً ، وتَرْبِيتَهُ المَسِيحِيَّة الَّتِي تَرَبَّى عَلَيْها بَقِيَتْ تُلازِمُ فَنَّهُ ، فيهوذا ومريم المَجْدَلِيَّة والصَلْب والقَرابِين مِنْ بَيْنِ رمُوزِهِ الخَفِيَّة والظَاهِرَة في كِتَابَاتِهِ والَّتِي لا تَحْتَاجُ إِلى تَأَمُّلٍ كبِيرٍ لِيُدْرِكها القَارِئ بِمِغْزَاها .
وهكذَا يَقُولُ يوسف الصائغ في صَدَدِ الحدِيثِ عَنْ تَجْرُبَتِهِ في الكِتَابَةِ المَسْرَحِيَّة الآتي :
[ المَسْرَح أَقْرَبُ الفنُون إِلى نَفْسي ... إِنَّ جذُورَهُ تَمْتَدُّ في تَارِيخي إِلى طفُولَتي ، وبِالذَات إِلى طقُوسِ العِبادَةِ الَّتِي لَمْ أَلْبَثْ أَنْ أكْتَشَفْتُ مَدَى قُرْبِها مِنْ جَوْهرِ الإِبْداعِ المَسْرَحيّ عِبْرَ مُفْرَداتٍ عدِيدَةٍ " المَذْبَح = المَسْرَح " ، " الكاهِن والشَمامِسَة = بَطلُ المَسْرَحِيَّة والمُمَثِّلون " ، ثُمَّ الإِضاءَة والمُوسِيقَى والدِيكور والمَلابِس ... إلخ ، إِضَافَةً إِلى ذَلِك الكورس والجمْهُور ... حتَّى السِتَارة ، ولَقَدْ زَادَ مِنْ إِحْسَاسِي بِهذِهِ القَرابَة ، إِنَّني فَتَحْتُ عيْنيّ على نَمُوذَجِ الفَنِّ المَسْرَحِيّ ، أَنا على عتَبَةِ مُرَاهقَتي فشغفْتُ ، بِما يَتَضَمَّنَهُ الحِوار مِنْ " شِعْر " ... والدِيكور مِنْ الفنُونِ التَشْكِيلِيَّةِ والمُوسِيقَى .... لَقَدْ كانَ ذَلِك أَقْرَبُ إِلى السِحْر ... وكثِيراً آسِراً مِنْ طقُوسِ العِبادَةِ بِسَبَبِ " التِكْرار " وهكذا ، أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُول بِأَنَّني رُحْتُ أَقْتَرِبُ مِنْ الفَنِّ المَسْرَحِيّ ، عِبْرَ مُمارَسَةِ مُفْرَداتِهِ إِبْتِداءً بِالرَسْمِ ، ثُمَّ الشِعْر ، ثُمَّ القِصَّة ، ثُمَّ المَسْرَحِيَّة " مَكْتُوبَة " ، ثُمَّ المَسْرَحِيَّة وهي تَتَجسَّدُ على المَسْرَح ] .
أَنْهى دِرَاسَتَهُ الابْتِدائِيَّة في مَدْرَسَةِ شمعون الصفا المَسِيحِيَّة ، ودِرَاسَتَهُ المُتَوَسِّطَة في المُتَوَسِّطَةِ الشَرْقِيَّة ، ودِرَاسَتَهُ الإِعْدَادِيَّة في المَدْرَسَةِ المَرْكزِيَّة بِالمَوْصِل .
دَخَلَ دار المُعلِّمين العالِيَة / قِسْم اللُغَةِ العرَبِيَّة وتَخَرَّجَ مِنْها عام 1955 م .
عُيَّنَ في المَوْصِل مُدَرِّساً في الإِعْدَادِيَّة المَرْكزِيَّة .
في عام 1963 م أُودِعَ السِجْن لِنَشَاطِهِ السِيَاسيّ وبَقِيَ فيه حَتَّى بِدايَةِ السَبْعِينَات .
انْتَقَلَ إِلى بَغْداد واشْتَغَلَ في الصَحافَةِ والإِعْلام .
حاصِلٌ على ماجِستير أَدَب عرَبيّ حدِيث مِنْ جامِعةِ بَغْداد عَنْ أُطْرُوحتِهِ ( الشِعْر الحُرّ في العِراق مُنْذُ نَشْأَتِهِ حَتَّى عام 1958 م ) في عام 1976 م ، وهي دِرَاسَة نَقْدِيَّة تَمَّ نَشْرَها عام 1978 م ، عدَدُ صَفَحاتِها : 292 صَفْحَة ، حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 24 سم .
عمِلَ مُحرِّراً في مَجَلَّةِ أَلِف بَاء ، كما عمِلَ في جرِيدَةِ الثَوْرَة كاتِباً لِزَاويَةٍ بِعُنْوان ( جُهينَة ) في الصَفْحَةِ الأَخِيرَة ، وهي امْتِدادٌ لِزَاوِيتِهِ الشَهِيرَة في مَجَلَّةِ ( أَلِف بَاء ) والَّتِي كانَتْ تَحْتَ عُنْوانِ ( أَفْكارٌ بِصَوْتٍ عالٍ ) .
في الثَمانِينَات عُيِّنَ مُدِيراً عاماً لِلمُؤَسَّسَةِ العامَّة لِلسِينما والمَسْرَح .
أُحِيلَ على التَقَاعُد عام 1996 م .
عُضو اتِحَادِ الأُدَبَاءِ والكُتَّابِ في العِراق .
عُضو جمْعِيَّة الفَنَّانِين العِرَاقِيّين .
عُضو نَقَابَةِ الصُحُفِيّين العِراقِيّين .
حضَرَ مِهْرَجان جرَش في الأُرْدن ، ومِهْرَجان قرْطاج في تُونس .
تُوُفِّيَ في دِمَشق في 12 / 12 / 2005 م .
مُؤَلَّفَاته /
ــ في مَجَالِ الشِعْر /
1 ــ قَصَائدٌ غَيْر صَالِحةٍ لِلنَشْر / مَجْمُوعة شِعْرِيَّة مُشْتَرَكة مَعَ عبد الحليم اللاوند ، هاشم الطعان وشاذل طاقة / 1957 م .
2 ــ السُودان / ثَوْرَةٌ وشُهداء / ( قَصِيدَة نَثْر سِياسِيَّة ) / 1970 م .
3 ــ انْتَظريني عِنْدَ تخُومِ البَحْر / قَصِيدَة طَوِيلَة / 1970 م / عَدَدُ الصَفَحات : 32 صَفْحَة / رسُوم : ضياء العزاوي .
4 ــ اعْتِرافَات مالك بن الريب / مَجْمُوعة شِعْرِيَّة / 1971 م / عَدَدُ الصَفَحات : 139 صَفْحَة / حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 21 سم / اسْتَعانَ الصائغ في أَدَبِهِ بِرمُوزٍ وأَسْمَاءٍ مِنْ التَارِيخِ العرَبيّ القَدِيم أَوْ الحِكايَة التَارِيخِيَّة أَوْ الدِينِيَّة لِصُنْعِ قَصِيدَةٍ مُعاصِرَة ، وفي هذِهِ القَصِيدَة يَلْبَسُ الشَاعِر المُعاصِر ( الصائغ ) شَخْصَ الشَاعِرِ العرَبيّ القَدِيم ( مالك بن الريب ) الَّذِي قَالَ يَائيَّة يُرْثي فيها نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ لَدَغَتْهُ أَفْعى وهو في الصَحْرَاء ، وأَحسَّ بِسَرَيانِ السُمِّ في جَسَدِهِ ، فأَخَذَ قَلَمَهُ وكتَبَ يَائيَّتَهُ الحزِينَة المَشْهُورَة مُخاطِباً في مَقَاطِعِها مَنْ مَعَهُ في الرِحْلَة .
5 ــ سَيّدَة التُفَاحات الأَرْبَع / مَجْمُوعة شِعْرِيَّة / 1976 م .
6 ــ اعْتِرافَات / مَجْمُوعة شِعْرِيَّة / 1978 م / عَدَدُ الصَفَحات: 95 صَفْحَة / حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 17 سم .
7 ــ المُعلِّم / مَجْمُوعة شِعْرِيَّة / عام 1987 م / تَمَّ الاسْتِفَادَة مِنْ نصُوصِها في عَمَلٍ مَسْرَحِيّ بِعُنْوان ( الَّذِي ظَلَّ في هذَيانِهِ يَقِظاً ) لِلمُخْرِج غانم حميد عام 1992 م .
8 ــ قصائد يوسف الصائغ / المَجْمُوعة الشِعْرِيَّة الكامِلَة / صَادِر عَنْ وِزَارَةِ الثَقَافَةِ والإِعْلام ــ دار الشؤونِ الثَقَافِيَّة العامَّة في بَغْداد / عام 1992 م / عَدَدُ الصَفَحات : 496 صَفْحَة / لَوْحةُ الغِلاف لِيوسف الصائغ / التَخْطِيطَاتُ الدَاخلِيَّة في المَجْمُوعة : إيمان عبدالله / رَقْمُ الإِيداع في دارِ الكُتُبِ والوَثَائق بِبَغْداد ( 465 ) لِسَنَةِ 1992 م / المُقَدِّمَة بِقَلَمِ محمد مبارك ، وتَحْتَ عُنْوان ( قِراءَة في شِعْرِ الصائغ ) ، وكذَلِك هُنَاك قِراءَة لِحاتم الصكر بِعُنْوان ( الحُبُّ الغالِب والحُبّ المَغْلُوب ) مِن صَفْحَة 475 ولِغايَةِ صَفْحَة 486 .
في مَجَالِ الرِوايَة /

1 ــ اللُعْبَة / أَوَّل رِوايَة لِيوسف الصائغ ، كتَبَها في شِتَاء عام 1965 م / وصَدَرَتْ عام 1970 م ، الطَبْعة الأُولَى / فَازَتْ بِجائزَةِ أَفْضَلِ رِوايَةٍ عِرَاقِيَّة / أَخْرَجَها لِلسِينما العِرَاقِيَّة المُخْرِج محمد شكري جميل / الطَبْعة الثَانِيَة عام 1987 م / عَدَدُ الصَفَحات : 180 صَفْحَة / تَصْمِيم الغِلاف : رياض عبد الكريم / تَصْوِير : هيثم فتح الله / رَقْمُ الإِيداع في المَكْتَبَةِ الوَطَنِيَّة بِبَغْداد ( 1365 ) لِسَنَةِ ( 1983 م ) / مَطْبَعة الأَدِيب البَغْدادِيَّة .
2 ــ المَسَافَة / رِوايَة / صَادِرَة عَنْ اتِحَادِ الكُتَّابِ العرَب في دِمَشْق / عام 1974 م / تَصْمِيم الغِلاف : الفنَّان العِرَاقيّ ضياء العزاوي / عَدَدُ الصَفَحات : 107 صَفْحَة / طُبِعَتْ في مَطْبَعةِ الأَدِيب بِدِمَشْق / رِوايَةٌ تَدُورُ حَوْلَ مَوْضُوع الخيَانَةِ السِيَاسِيَّة والإِنْسَان الَّذِي يُواجِهُ العذَاب الجَسَدِيّ ، فيَضْطَّرُ إِلى تَغْييرِ طَبِيعتِهِ البَشَرِيَّة ، والشَخْصِيَّتين الرَئيسيَّتين في الرِوايَةِ هما المَدْخَل لِلبَحْثِ في فِكْرَةِ البطُولَةِ والخيَانَة ، الشَخْصِيَّة الأُولَى هو الخَائن ، والشَخْصِيَّة الثَانِيَة الشَامِخ أَيْ البَطَل الَّذِي يَسْتَشْهِد تَحْتَ تَعْذِيب جلادِيهِ ، بَعْدَ أَنْ وَشَى بِهِ صَاحِبه وسَاهمَ في تَعْذِيبِهِ حَتَّى المَوْت / 1974 م .
3 ــ السرْداب رَقْم 2 / رِوايَة / صَدَرَتْ عَنِ الهَيْئَةِ العامَّة لِقصُورِ الثَقَافَة في مِصر / عام 1997 م / عَدَدُ الصَفَحات : 215 صَفْحَة / تَتَحدَّثُ عَنْ تَجْرُبَةِ مَجْمُوعةٍ مِنْ سُجنَاءِ الرَأْي في العِراق ، حُشِرُوا في سرْداب ، وتَعرَّضُوا لِلعذَابِ الجَسَدِيّ والنَفْسِيّ ، ما أَفْضَى بِبَعْضِهِم إِلى المَوْتِ أَوْ الجنُون ، وتُرِكَ مَنْ تَبَقَّى نَهْباً لِعلاقَاتٍ تَتَراوحُ بَيْنَ أُخُوَّةٍ وعدَاءٍ ، تَصَادُمٍ وتَنَافُرٍ .
في مَجَالِ فَنِّ التَأْليف المَسْرَحِيّ /
1 ــ البَاب / مَسْرَحِيَّة /تَارِيخ النَشْر : 1986 م / عَدَدُ الصَفَحَات : 92 صَفْحَة / حَجْمُ الوَرَقِ المُسْتَعْمَل : 24 سم / فَازَتْ بِجائزَةِ أَفْضَلِ نَصٍّ مَسْرَحِي ّفي مِهْرَجانِ قرْطاج عام 1987 م / وهي أَطْوَل مِنْ المَسْرَحِيَّتين ( ديزدمونة ) و ( العوْدَة ) ، ويَرْبُو عَدَدُ صَفَحَاتِها على السَبْعِين صَفْحَة / قَامَ بِإِخْرَاجِ المَسْرَحِيَّة : قاسم محمد .
اسْتَلْهَمَ يوسف الصائغ فِكْرَة مَسْرَحِيَّة ( البَاب ) مِنْ إِحْدَى حِكايَاتِ أَلْفِ لَيْلَةٍ ولَيْلَة ، إِذْ وَرَدَ ذِكْرَها في اللَيْلَتينِ ( الثَالِثَةِ والخَمْسِين والرَابِعةِ والخَمْسِين بَعْدَ الخَمْسُمائة ) ، لِيَصُوغها في نَصٍّ مَسْرَحِيٍّ قَرِيبٍ مِنْ رُوحِ العَصْرِ ، إِذْ تَتَلَخَّصُ حِكايَة المَسْرَحِيَّة في أَنَّ رَجُلاً وزَوْجَتَهُ تَعاهدا على أَنْ يُدْفنَا مَعاً ، حَيْثُ يُدْفنُ أَحَدَهما حيَّاً مَعَ الآخَرِ الَّذِي مَات ، وحَدَثَ أَنْ تُوُفِّيَتْ زَوْجَتَهُ قَبْلَهُ ، فَرَفَضَ أَنْ يُدْفنَ مَعها حيَّاً ، وتَنَصَّلَ عَنْ عَهْدِهِ لَها ، فيُحالُ إِلى المَحْكمَةِ مُتَّهماً ، ويُحاوِلُ الحاكِم إِقْنَاعهُ بِالعُدُولِ عَنْ رَفْضِهِ وتَمَرُّدِهِ ، لكِنَّه يَفْشَلُ إِزَاء إِصْرَارِهِ وقُوَّةِ مَنْطِقِهِ ، فيَلْجَأُ المُدَعِي العامّ إِلى الحِيلَةِ حَتَّى لا يَكُونُ هذَا الرَفْض سَابِقَة خَطِيرَة في التَنَصُّلِ مِنْ تَطْبِيقِ القَوانِينِ ، ويُحاوِلُ المُدَعِي العامّ إِقْنَاعَ الزَوْجِ بِالمُوافَقَةِ على الدَفْنِ مُقَابِلَ تَعَهُّدٍ مِنْ المُدَعِي العامّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ المَقْبَرَةِ بَعْدَ يَوْمينِ بِسِرِيَّةٍ تَامَّة وتَسْفِيرِهِ خَارِجَ المَدِينَةِ ، وأَخِيراً يَرْضَخُ الزَوْجُ ويَقْتَنِعُ بِالنزُولِ إِلى القَبْرِ مَعَ جُثَّةِ زَوْجَتِهِ المُتَوَفَّاة ، فيَنَامُ في أَحَدِ أَرْكانِ المَقْبَرَةِ ، وأَثْنَاءِ نَوْمِهِ ، يُفْتَحُ بَابُ المَقْبَرَةِ ليُدْفنَ فيها رَجُلٌ مَيْت وإِمْرَأَة حيَّة ، وهُنا يَلْتَقِي الإِثْنَان ، وتَجْرِي بَيْنَهُما حِواراتٌ طَوِيلَة ، ويَكْتَشِفُ الزَوْجُ إِنَّ المُدَعِي العامّ قَدْ خَدَعهُ ، وأَنَّ لا أَحَداً سيَأْتي لإِخْرَاجِهِ ، ويُولَدُ بَيْنَهُما الحُبُّ ، ويَنْمو داخِلَ المَقْبَرَةِ الَّتِي يَسُودها الظَلامُ والخَوْفُ والجُثَثُ المُتَعفِّنَةِ .
تَتَكوَّنُ مَسْرَحِيَّةُ البَاب مِنْ فَصْلٍ واحِدٍ ، ومِنْ أَرْبَعِ شَخْصِيَّاتٍ اخْتَارَ لَها المُؤَلِّف أَسْماءً ذاتَ دلالاتٍ عامَّة ، وهي شَخْصِيَّة ( هو ) ، وشَخْصِيَّة ( هي ) ، وشَخْصِيَّة ( الحاكِم ) ، وشَخْصِيَّة ( المُدَعِي العامّ ) ، إِذْ تَقْتَرِبُ هذِهِ الشَخْصِيَّات مِنْ الشَخْصِيَّاتِ في المَسْرَحِيَّةِ التَعْبِيرِيَّة ، ويُمْكِنُ أَنْ يُقَسَّمَ النَصّ إِلى أَرْبَعةِ مَشَاهِد اعْتِماداً على الانْتِقَالِ المَكانِيّ وفِكْرَةِ كُلِّ مَشْهَدٍ :
المَشْهَدُ الأَوَّل : يَبْدأُ بِمثُولِ ( هو ) في قَاعةِ المُحاكمَةِ كمُتَّهمٍ أَمامَ الحاكِم إِلى اتِّفَاقِهِ مَعَ المُدَعِي العامّ على النزُولِ مَعَ زَوْجَتِهِ المُتَوَفَّاة إِلى القَبْرِ
المَشْهَدُ الثَاني : يُصَوِّرُ الاحْتِفَالَ بِهِ ومُرَافَقَتَهُ لِلنزُولِ إِلى المَقْبَرَةِ .
المَشْهَدُ الثَالِث : يُصَوِّرُ حالَةَ الخَوْفِ والرُعْبِ الَّتِي هو فيها داخِلَ المَقْبَرَةِ .
المَشْهَدُ الرَابِع : يَبْدأُ عِنْدَما يَلْتَقِي ( هو ) بـ ( هي ) داخِلَ المَقْبَرَةِ حَتَّى نِهايَةِ النَصِّ .
وقَدْ أَعْطَى المُؤَلِّف لِنَفْسِهِ حُرِيَّةَ التَصَرُّفِ بِمَتْنِها الحكائيّ خَارِج سِيَاقِ النَصِّ التُرَاثِيّ ، لِيَصُوغها بِأُسْلُوبٍ آخَر اعْتِماداً على مَرْجعِيَّاتِهِ الفِكْرِيَّةِ والفَلْسَفِيَّة ، ويَقْتَرِبُ بِفِكْرَتِها وحِواراتِها مِنْ العَصْرِ الحدِيثِ لِيَكُونَ نَصَّاً أَكْثَر شمُولِيَّة وأَنْضَج فِكْراً وأَقْرَب حدَاثَة .
أَدَّى دَوْر ( هو ) الفَنَّان محمود أبو العباس .
رَابِط مَسْرَحِيَّة ( البَاب ) على اليوتيوب :
https://www.youtube.com/watch?v=xZvM2gh1fEM2 ــ العوْدَة / مَسْرَحِيَّة / 1988 م / مِنْ إِخْرَاج : قاسم محمد / حازَتْ على جائِزَةِ أَفْضَلِ نَصٍّ مَسْرَحِيّ مِنْ مَرْكزِ المَسْرَحِ العِراقِيّ عام 1987 م / وقَدْ نُشِرَتْ في مَجَلَّةِ الأَدِيب العرَبِيّ / وهي أَقْصَرُ مِنْ المَسْرَحِيَّتين ( ديزدمونة ) و ( البَاب ) ، ولا يَتَعدَّى عَدَدُ صَفَحاتِها الثَلاثِين ، مِنْ قَطْعِ الحَجْمِ المُتَوَسِّط / تَتَكوَّنُ المَسْرَحِيَّة مِنْ فَصْلينِ ، وتَضُمُّ خَمْس شَخْصِيَّات هي : الأَبّ حسين العِرَاقي الَّذِي لا يَظْهَرُ إِلاّ كشَبَحٍ في بِدايَةِ ونِهايَةِ المَسْرَحِيَّة ، حَيْثُ يُفْتَحُ بَابَ غُرْفَتِهِ في نِهايَةِ المَسْرَحِيَّة والضِياءُ على وَجْهِهِ الوَقُور والدمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْهِ ، الأُمّ ( زَوْجَتهُ ) ، محمود ( إِبْنهُ الأَكْبَر ) ، سميرة ( زَوْجَة محمود ) ، أَبُو الشَهِيد ( أَبُو سميرة وأَخُو الأُمّ ) ، وقَامَتْ بِدَوْرِ ( سميرة ) الفَنَّانَة هديل كامل ، و بِدَوْرِ ( محمود ) الفَنَّان محمود أبو العباس.
ورَكِيزَة المَسْرَحِيَّة هي في المَعْنَى إِنَّ حُبَّ الرَجُلِ لِلمَرْأَة يَلْعبُ الدَوْر الرَئيس في مُعالَجةِ المُشْكِلَة بِالخرُوجِ مِنْ السرْداب الَّذِي يَرْمِزُ إِلى العفُونَةِ والخِسَّة .
كتَبَ الصائغ هذِهِ المَسْرَحِيَّة عام 1986 م وتَحْدِيداً في نِهايَةِ حُزْيران ، أَيْ بَعْدَ عامٍ مِنْ كِتَابَةِ مَسْرَحِيَّةِ ( البَاب ) الَّذِي كتَبَها في نِهايَةِ تَمْوز عام 1985 م ، ومَسْرَحِيَّة ( العوْدَة ) هي كديزدمونة تَتَناولُ مَوْضُوع ( الخِيانَة ) عِبْرَ شَخْصِيَّةِ ( محمود ) الَّذِي يَفِرُّ مِنْ جَبْهَةِ القِتَالِ ، إِلاَّ أَنَّهُ خَوْفَاً مِنْ انْضِباطِ والِدِهِ العسْكرِيّ القَدِيم في الجيْشِ العِرَاقِيّ وصَرَامَتِهِ إِزَاء الَّذِين يَتَقَاعسُونَ في أَداءِ واجِبِهِم الوَطَنِيّ ، يَلْجأُ لِلاخْتِباءِ في دُورِ الأَقْرِبَاءِ والأَصْدِقَاء ، ولكِنَّهُ سُرْعان ما يَعْجَز ويَدِبُّ في نَفْسِهِ اليَأْس والمَلَل فيَضْطَّرُ لِلالْتِجاءِ إِلى دارِ والِدِهِ حَيْثُ يَسْكُنُ مَعَ زَوْجَتِهِ غَرْفَةً في الطَابِقِ الثَانِي ، إِذْ بِدخُولِ الدارِ تَحْدِيداً حَيْثُ غُرْفَة زَوْجَتِهِ تَبْدأُ المَسْرَحِيَّة .
ارْتَأَى المُؤَلِّفُ وَضْعَ المَدْخَل إِلى يَمِينِ المَسْرَح يُجاوِرَهُ بَاب السرْدابِ القَدِيم ، وارْتَأَى أَنْ يكُونَ هذَا البَاب بَاباً حدِيدِيَّاً قَدِيماً وصَغِيراً ، ويَرْمِزُ إِلى أَنَّ الأَبّ يَمْنَعُ دخُولَ إِبْنِهِ الدَار ، ذَلِكَ أَنْ اليَمِين كما هو مَعْرُوفٌ في المَسْرَحِ إِيحاءٌ إِلى الجانِبِ السَلْبِيّ مِنْ المَوْقِفِ والشَخْصِيَّة ، ويُجاوِرُ المَدْخَل بَابَ السرْدابِ القَدِيم ، والسرْداب رَمْزٌ لِلسقُوطِ والانْحِدار ، ومكانٌ لِمَأْوَى الزَواحِفِ والحشَرَاتِ ولِلنَاسِ الفَارِين عَنْ وَجْهِ العدَالَةِ كإِبْنِهِ محمود ، وتَمْنَحُ جُمْلَةُ غُرْفٍ أُخْرَى ( تَدُلُّ علَيْها أَبْوابٌ مُغْلَقَةٌ في الطَابِقينِ ) مَعْنَى أَنَّ الَّذِين يَعِيشُون في هذَا البَيْت يُعانُون مِنْ مُشْكِلَةٍ كبِيرَة ، ومُشْكِلتهم هي فِرَارُ محمود مِنْ جَبْهَةِ القِتَال ، وعلى هذَا الأَساس فإِنَّ الغُرَفَ الأُخْرَى تَبْدو مُغْلَقَة ، وبِالرَغْمِ مِنْ ذَلِكَ ، فثَمَّةَ ضِياءٌ خَافِت في غُرْفَة محمود ، حَيْثُ تَنامُ زَوْجَتهُ ، وهذَا الضَوْءُ الخَافِت يَرْتَبِطُ بِمُحاولاتِ سميرة في إِعادَةِ زَوْجِها إِلى جَبْهَةِ القِتَالِ .
يَظْهَرُ الأَبّ في بِدايَةِ المَسْرَحِيَّة لِمُتَابَعةِ خُطُواتِ دخُولِ إِبْنِهِ محمود الدَار ، وتَوَجُّهَهُ نَحْوَ الغَرْفَةِ الَّتِي تَنامُ فيها زَوْجَتهُ سميرة مُلَثَّماً وبِخُطُواتٍ حذِرَةٍ ، ودخُولِهِ بِهذَا الشَكْل هو تَشْبِيهه بِاللِصِّ والخَوْف مِنْ والِدِهِ ، واكْتِشَافِ بَابِ الغُرْفَةِ مُغْلَقاً يُشيرُ إِلى حلُولِ مُصِيبةٍ كبِيرَة بِزَوْجَتِهِ حَيْثُ بَذَلَ شَقِيقُها ( مهند ) نَفْسَهُ في جَبْهَةِ القِتَالِ فِداءاً لِلوَطَن ، ومِنْ خِلالِ صَوْتِ القَصْفِ الدَّال على الحَرْبِ يُشِيرُ لَنا المُؤَلِّف بِأَنَّ ما تُعاني مِنْهُ سميرة مِنْ حالاتِ المَرَضِ إِنَّما هي نَتِيجة الحَرْب ، حَيْثُ لَدَيها أَدْوِيَة عِدَّة : لِلنَوْمِ ، لِلخَوْف ، والشَرَاب الَّذِي في العُلْبَةِ لِلنِسْيَان ، فسميرة تُعاني مِنْ مُشْكِلَةِ فُقْدانِ شقِيقِها مهند ، وتَخَافُ فُقْدانَ زَوْجِها كذَلِكَ بِفِعْلِ فِرَارِهِ مِنْ جَبْهَةِ القِتَالِ والانْتِقَالِ خِفْيَةً مِنْ مَكانٍ وبَيْتٍ إِلى آخَر ، ورَغْمَ رَفْضِها لِمَوْقِفِ زَوْجِها ( هرُوبِهِ مِنْ الجَبْهَة ) فهي تُحِبُّهُ وحرِيصةٌ على حيَاتِهِ ، وتَخَافُ علَيْهِ مِنْ والِدِهِ الَّذِي هدَّدَ بِقَتْلِهِ ، فهي قَلِقَةٌ مِنْ نَتَائجِ فِرَارِهِ الوَخِيمَة ، وقَلِقَةٌ مِنْ تَهْدِيدِ والِدِهِ ، والثَالِثَة أَلَمها العميق لِفُقْدانِها شَقِيقِها ، وتُحاوِلُ سميرة إِقْنَاعَهُ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلقُوَّاتِ العسْكرِيَّة والْتِحاقِهِ بِالجَبْهَةِ وتَحَمُّلِ نَتَائج فِرَارِهِ وخِيَانَتِهِ لِلوَطَنِ رَغْمَ حُبِّها العمِيقِ لَهُ ، ويَظُنُّ الزَوْج ( محمود ) إِنَّها تُرِيدَهُ يُقْتَل وتَتَبَاهى بِمَوْتِهِ ، ويَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ ما كانَ يَصُحُّ أَنْ يَجِيءَ لِلبَيْت غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِأَمْرِ شَقِيقِها ، وعِنْدَما يَهُمُّ بِالانْصِرَافِ تُحذِّرُهُ مِنْ أَبِيهِ لأَنَّهُ إِنْ لَقِيَهُ فلَسَوْفَ يَقْتَله ، فيُسِئُ فِهْمَ هذِهِ الجُمْلَة أَيْضاً ويَتَصوَّرُ إِنَّها حاقِدَةٌ علَيْهِ لِذَلِكَ يُحاوِلُ ابْتِزَازَ مَشَاعِرِها عِبْرَ سُؤَالِهِ إِنْ كانَتْ ستَغْدو أَسْعدَ حَظَّاً لَوْ قَتَلُوهُ وجَعلُوا مِنْها أَرْمَلَة ؟
ويُحاوِلُ أَنْ يَشْرَحَ لَها أَسْبَابَ هرُوبِهِ وإِقْنَاعَها بِها ، وتَدُورُ بَيْنَهُما حِوارَاتٌ طَوِيلَة ، ويَفْشَلُ في إِقْنَاعِها فيَدِبُّ في قَلْبِهِ اليَأْس فيُخْرِجُ مُسَدَّسَهُ ويَفْتَحُ مِسْمَارَ الأَمَان ويُلْقِمهُ إِطْلاقَة ، ويَضَعُ المُسَدَّس على رَأْسِهِ وهو يُراقِبُ زَوْجَتَهُ الَّتِي تَنْهارُ بَاكِيَةُ تَصِيحُ : أوه .. يَا لِتَعاستي ، فيُبْعِدُ المُسَدَّس عَنْ رَأْسِهِ ويَعْرِفُ إِنَّها لا تُرِيدُ لَهُ المَوْت .
يَبْدأُ الفَصْلُ الثَانِي مِنْ المَسْرَحِيَّة بَعْدَ يَوْمينِ في الصَالَةِ ، ومُعْظَمُ الحِوارَاتِ الدَائرَةِ فيهِ تَكادُ تَنْحَصِرُ بَيْنَ سميرة وأُمُّ محمود بِاسْتِثْنَاءِ مَشْهَدِ حُلُمِ سميرة ، حَيْثُ يَظْهَرُ فيهِ محمود ، وقَبْلَ نِهايَةِ المَسْرَحِيَّة بِصَفْحتينِ تَقْرِيباً ، يَشْتَرِكُ والِدُ سميرة مَعَ أُمِّ محمود وسميرة في بَعْضِ الحِوارَاتِ لِلعثُورِ على مفْتَاحِ السرْدابِ ، ظَنَّاً مِنْ أُمِّ محمود وسميرة، بِأَنَّ محمود قَدْ اخْتَبَأَ في السرْداب ، وإِنَّ والِدَهُ الَّذِي كانَ قَدْ أَقْسَمَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِذَا ما رَآهُ ، قَدْ أَغْلَقَ بَابَ السرْداب علَيْهِ وأَخَذَ المفْتَاح ، وتَفْكِير سميرة بِهذَا الاتِجاه لا غُبَار علَيْهِ ، لأَنَّ والِدَهُ كانَ قَدْ رَأَى محمود أَثْنَاءَ دخُولِهِ الدَار ، إِلاَّ أَنَّ أُمّ محمود تَنْفِي حدُوثَ شَيْءٍ مِنْ هذَا ، بِدَعْوَى أَنَّهُ لَوْ أَرادَ ذَلِكَ لكانَ بِإِمْكانِهِ أَنْ يَدْخُلَ علَيْهِ السرْداب ويَقْتُلهُ مُبَاشَرةً .
ولِمرُورِ يَوْمينِ على عَدَمِ ظهُورِ محمود ، واخْتِبائهِ على الأَغْلَب في السرْدابِ ، لأَنَّهُ عِنْدَما كانَ صَغِيرَاً ، ما يَفْتأُ أَنْ يُعبِّرَ عَنْ غَضَبِهِ بِاللجُوءِ إِلى نَفْسِ المَكانِ ، تُصِرُّ الإِثْنَتان على فَتْحِ بَاب السرْداب ، حِرْصاً على حيَاةِ محمود وخَوْفَاً علَيْهِ مِنْ المَوْتِ فيهِ ، ولكِنَّ المفْتَاح لَيْسَ بِحَوْزَتِهِما ، ولا تَعْرِفان مَكانَ وجُودِهِ ، لِذَا تُقَرِّران ، وبِالأَحْرَى تُقَرِّرُ سميرة كسْرَ الخِزَانَة الخَاصَّة بِوالِدِ محمود ظَنَّاً مِنْها بِأَنَّهُ قَدْ أَخْفَى فيها المفْتَاح ، وتُحَذِّرُ أُمُّ محمود سميرة مِنْ مَغَبَّةِ ذَلِك إِنْ عادَ الأَبُّ ووَجَدَ خِزَانَتَهُ العزِيزَة مَكْسُورَة ، وتَرَى سميرة إِنْ كسْرَ الخِزَانَة لَيْسَ أَسْوأُ مِنْ فَتْحِ بَاب السرْداب ورُؤْيَةِ محمود مَيِّتاً ، وهي الَّتِي تَتَحَمَّلُ مَسْؤُولِيَّة ما تَقُومُ بِهِ ومُوَاجهَةِ الأَبّ ، وبَعْدَ أَنْ تَكْسرَها لا تَعْثَرُ على المفْتَاحِ فيها .
المفْتَاح هُنا هو رَمْزٌ لِكيْفِيَّةِ خرُوجِ محمود مِنْ مَأْزقِهِ ، وطَرِيقَةِ الْتِحاقِهِ بِجَبْهَةِ القِتَالِ .
وعِنْدَما لا تَعْثَرُ سميرة على المفْتَاح ، تُحاوِلُ غَلْقَ الخِزَانَة لكِنَّها لا تَتَمكَّنُ مِنْ ذَلِك فتَطْلُبُ مِنْ أُمِّ محمود المُسَاعدَة وأَيْضاً تَرْجُوها عَدَمَ التَخَلِّي عَنْ محمود وحَثِّهِ على تَسْلِيمِ نَفْسِهِ حالَ صدُورِ قَرَارٍ بِالعفوِ مِنْ السُلْطَّات ، وتُؤَكِّدُ أُمُّ محمود إِنَّ زَوْجَها مُحِقٌّ في لَوْمِهِ إِيَّاها إِذْ أَفْسَدَتْ إِبْنَهما محمود ، حَيْثُ كانَ كُلَّما ارْتَكبَ خَطأً اسْتَحَقَّ غَضَبَ والِدِهِ علَيْهِ ، وهو طِفْلٌ صَغِير لَجأَ إِلى السرْداب نَفْسِهِ ، واصِفَةً السرْداب الحالِيّ مَعَ إِنَّهُ نَفْس السرْداب بِالقَبْر ، حَيْثُ يَنْزلُ ( محمود ) إِلى السرْداب لِئَلا يُعفِّنُ نَقَاءَ العِشِّ الزَوْجِيّ ، وتَبْقَى العفُونَة عالِقَةً بِجِسْمِهِ إِلى صبَاحِ اليَوْمِ التَالِي حَيْثُ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ ، ولكِنْ كما يَبْدُو إِنَّ محمود لَمْ يَنْزِلْ إِلى السرْداب بَعْدَ أَنْ نَامَتْ سميرة وأَخْبَرَها بِأَنَّهُ سيَنَامُ فيهِ ، وإِنَّما ذَهَبَ حالاً لِيُسَلِّمَ نَفْسَهُ ، ولِذَلِكَ فإِنَّ بَابَ السرْداب لَمْ يَكُنْ مُغْلَقَاً بَلْ مَفْتُوحاً ، ويَنْفَتِحُ على يَدِ والِد سميرة ( أَبُو مهند ) ( مهند شقيق سميرة الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِداءاً لِلوَطن ) ، بِما مَعْنَاهُ إِنَّ النَصْر لا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ على يَدِ أَمْثَالِ هؤُلاءِ المُضَحّين مِنْ أَجْلِ الوَطَنِ .
أَبُو مهند : ( يَذْهَبُ إِلى بَابِ السرْداب ... يَتَفَحَّصُهُ ... يَضْرِبُ بِقبْضَةِ يَدِهِ علَيْهِ ... يَهُزُّهُ .... مَرَّة .. مَرَّتين ... فجْأَةً يَنْفَتِحُ البَاب .. يَرْجَعُ أَبُو مهند إِلى الخَلْف ... لَحْظَةً ... يَصْرخُ ! ) البَاب مَفْتُوح ... إِنَّهُ مَفْتُوح ... إِنَّهُ مَفْتُوح ... أَيُّها المَسَاكِين ... ( يَفْتَحُ بَابَ غُرْفَةِ الأَبّ ، ويُرَى لأَوَّلِ مَرَّة والضِياءُ على وَجْهِهِ الوَقُور والدمُوعُ تَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْهِ ... )
