فيدرالية اليسار الديمقراطي: واقع التجربة، في أفق الاندماج.
محمد الحنفيإلــــــــــــــــــى:
ــ مناضلي اليسار المناضل، الذي لم يتلوث بالريع المخزني، لا من قريب، ولا من بعيد.
ــ كل أعضاء الهيأة التنفيذية الذين أخذوا على عاتقهم إنجاح تجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي، وصولا إلى محطة تشكيل الحزب الاشتراكي الكبير، كإطار لاندماج مكونات فيدرالية السار الديمقراطي.
ــ إلى كل أعضاء الهيأة التقريرية، نظرا لدورهم في الحرص على السير بتأن، في اتجاه الوصول إلى محطة الاندماج، على أسس علمية دقيقة، ومن أجل الحرص على تحقيق الأهداف المرحلية / الإستراتيجية، المتمثلة في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.
إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارهم المستفيدين من عمل اليسار بصفة عامة، وعمل مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، وسيكونون مستفيدين من عمل الحزب الاشتركي الكبير، بعد تحقق الاندماج المأمول، على أسس صحيحة.
ــ من أجل العمل الدؤوب، على تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.
ــ من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية الاشتراكية، بعد القضاء على الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
محمد الحنفي
مقدمة:
تعتبر فيدرالية اليسار الديمقراطي، من إنجازات أحزاب اليسار الديمقراطي، الساعية إلى الوحدة الاندماجية، التي لا زال تصورها الاندماجي لم يتحدد بعد، من خلال تصور الوحدة الأيديولوجية، حتى تصير أساسا للوحدة التنظيمية، مع العمل على تطوير الوحدة السياسية، لتشمل كل قضايا المجتمع، الاققتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى جانب مختلف القضايا، في أبعادها المغاربية، والعربية، والدولية، والإنسانية.
وإذا كانت فيدرالية اليسار الديمقراطي، قد تم إنضاجها، والتحكم في مسارها، والعمل على إنضاج الخطوات، والتحكم في إنجازها، فإن أفق اندماج الأحزاب الثلاثة، وعلى أي أساس أيديولوجي، أو تنظيمي، أو سياسي، لا زال لم ينضج بعد، خاصة وأن الأحزاب الثلاثة، على مستوى الأقاليم، والجهات، تعتبر ضعيفة، ونموها التنظيمي، يسير سير السلحفاة، وأن يكون جمودا، بل تراجعا إلى الوراء، الأمر الذي يترتب عنه ضعف التواصل، أو انعدام الأداء الحزبي في معظم أيام السنة، ولا تتحرك الأحزاب اليسارية، ولا يحرص كل فرد منها على على حضور الاجتماعات الحزبية، على مستوى مكاتب الفروع، وعلى مستوى المكاتب الإقليمية، وعلى مستوى المكاتب الجهوية، إن وجدت، ولا تحرص على المحافظة على المقرات، وعلى اجتماعات هيئات فيدرالية اليسار الديمقراطي، إلا في شروط معينة، فرضتها الانتخابات، التي يتم الترشح إليها باسم فيدرالية اليسار الديمقراطي، سواء كانت لوائح الترشيح مشتركة، أو كانت من حزبين، أو من حزب واحد، إذا لم يتوفر الشرط التنظيمي للحزب الثالث، والثاني.
وإذا كانت الفروق واضحة، بين القيادات الحزبية لمكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، وبين انعدام ذلك السعي، أو ضعفه، على مستوى الأقاليم، والفروع، والجهات؛ لأن حرص القيادات الحزبية، وسعيها الحثيث، إلى الاندماج، يقابله عدم الحرص على بناء فيدرالية اليسار الديمقراطي أولا، وعلى الاندماج على مستوى الفروع، والجهات. وهو ما يعني أننا أمام يسار يحبذ الوحدة الاندماجية، بلا اقتناع، ولكن لأن قيادات الأحزاب الثلاثة، تسعى إلى ذلك، وهو ما يطرح علينا العمل على تسييد:
1) قوة التنظيم الحزبي وطنيا، وجهويا، وإقليميا، وفرعيا.
2) الخطاب الحزبين في إطار كل تنظيم حزبي، وطنيا، وجهويا، وإقليميا، وفرعيا.
3) وحدة العمل الحزبي، وطنيا، وجهويا، وإقليميا، وفرعيا.
4) التفكير المشترك بين الأحزاب الثلاثة، في بناء فيدرالية اليسار الديمقراطي، كتنظيم ما قبل الاندماج، وخاصة في القضايا المشتركة، المتعلقة بالقضية الوطنية، والدستورية، والانتخابات.
5) الإشراك الفعلي للتنظيمات المحلية، والإقليمية، والجهوية، على المستوى الوطني، وفي إطار هيأة موسعة، يحضرها ممثلان من كل جهة، وممثل عن كل لجنة إقليمية، وممثل عن كل لجنة محلية، لا تندرج ضمن لجنة إقليمية معينة، من أجل خلق التماسك التام، بين تنظيمات أحزاب اليسار الثلاثة، وطنيا، وجهويا، وإقليميا، ومحليا، من منطلق أن المسؤولية في أفق الاندماج، تكون مشتركة، بين ما هو وطني، وما هو جهوي، وما هو إقليمي، وما هو محلي، سعيا إلى الوصول إلى إيجاد تصور أيديولوجي، وتنظيمي، وسياسي، يمكن اعتماده في أجرأة عملية الاندماج، عبر عقد مؤتمر وطني، بعد حل الأحزاب الثلاثة، ثم بعد ذلك تعمل أجهزة حزب الاندماج الوطني، على هيكلة الفروع، والأقاليم، والجهات، طبقا لما هو مدون في القوانين الحزبية الاندماجية.
وفي أفق الوصول إلى مرحلة الاندماج، نرى ضرورة:
1) قيام كل حزب بإعادة هيكلة الفروع، والأقاليم، والجهات.
2) قيام أعضاء الهيأة التقريرية، بإعادة هيكلة اللجن المحلية، والإقليمية، والجهوية، حتى تتحمل مسؤوليتها كاملة، في أفق بناء الحزب المندمج.
3) الالتزام بتنفيذ القرارات، سواء كانت صادرة عن الحزب أو عن التنظيمات الفيدرالية، كيفما كانت، لأن الهدف ليس هو التنظيم من أجل التنظيم، بل من أجل الالتزام بتنفيذ القرارات الحزبية، والفيدرالية.
4) إحكام التنظيم أيديولوجيا، وسياسيا، وبرنامجيا، مهما كان هذا التنظيم حزبيا، أو فيدراليا، من أجل إحكام الأبواب الموصودة، أمام العناصر التي تسيء إلى التنظيم، حتى لا تتسبب في عرقلته على جميع المستويات، ومن أجل أن نصل إلى مرحلة الاندماج، ونحن متمرسون على إحكام التنظيم اليساري.
وفي أفق الوصول إلى الحزب المندمج، نرى ضرورة طرح الأسئلة، التي يقتضي طرحها السعي في اتجاه الاندماج، بعد استنفاذ فيدرالية اليسار الديمقراطي لدورها.
وهذه الأسئلة التي تفرض نفسها هي:
ـ هل الحرص على وحدة اليسار يتجسد من خلال:
ـ التنسيق الآني في قضايا طارئة؟
ـ التنسيق المرحلي، الذي تفرضه رغبة اليسار في العمل المشترك المرحلي؟
ـ التحالف انطلاقا من برنامج محدد، ومن أجل الالتزام بقضايا محددة؟
ـ بناء وتقوية فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
ـ العمل على الاندماج بدون إنضاج الشروط؟ أم لا بد من العمل على إنضاج الشروط؟
ـ ما المراد بمفهوم فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
ـ هل قوة فيدرالية اليسار الديمقراطي من قوة مكوناتها؟
ـ هل الحرص على قوة المؤتمر الوطني الاتحادي مساهمة في قوة فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
ـ هل الحرص على قوة الاشتراكي الموحد، مساهمة في قوة فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
ـ هل الحرص على قوة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، مساهمة في قوة فيدرالية اليسار الديمنقراطي؟
هل الحرص على قوة فيدرالية اليسار الديمقراطي، يشكل قوة داعمة لمكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
هل العمل الوحدوي في فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمل تنظيمي، في أفق الاندماج، وعمل سياسي، في أفق تطابق وحدة الموقف، وعمل فكري، في أفق قيام وحدة أيديولوجية؟
هل تقوم علاقة جدلية بين العمل الحزبي، في مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، وبين فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
لماذا يجب أن يصب العمل الحزبي في اتجاه قوة فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
لماذا يجب أن يصب العمل الفيدرالي، الساعي إلى الاندماج، في اتجاه الحفاظ على قوة الأحزاب المكونة لفيدرالية اليسار الديمقراطي؟
لماذا يجب أن يصب العمل الفيدرالي، في اتجاه قيام علاقة جدلية بين فيدرالية اليسار الديمقراطي، وبين العمل الجماهيري النقابي / الحقوقي / التربوي / الثقافي / التنموي؟
هل يجب أن تقوم وصاية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، على أي تنظيم جماهيري؟
هل يجب أن يرتبط مناضلو فيدرالية اليسار الديمقراطي، في أي منظمة جماهيرية، كيفما كانت، أم أنه لا بد أن تتوفر شروط معينة، في الإطار الجماهيري؟
هل تحرص فيدرالية اليسار الديمقراطي على:
ـ مبدئية الإطارات الجماهيرية النقابية / الحقوقية / التربوية / الثقافية / التنموية؟
ـ احترام مبادئ مختلف الإطارات الجماهيرية، سواء كانت نقابية، أو حقوقية، أو تربوية، أو ثقافية، أو تنموية؟
هل لفيدرالية اليسار الديمقراطي الحق، في فرض وصايتها على أي تنظيم جماهيري؟
وهل لأي حزب من الأحزاب اليسارية الثلاثة، الحق في فرض أي حزب منها، على أي تنظيم جماهيري، تلك الوصاية؟
وهل تحرص فيدرالية اليسار الديمقراطي على:
ـ مبدئية الإطارات الجماهيرية، الثقافية / الحقوقية / التربوية / التنموية؟
ـ احترام مبادئ مختلف الإطارات الجماهيرية: نقابية / حقوقية / تربوية / ثقافية / تنموية؟
هل ترفض ممارسة الوصاية الحزبية على الإطارات الجماهيرية، مهما كانت، وكيفما كانت؟
هل تعمل فيدرالية اليسار الديمقراطي على ربط النضال الجماهيري: النقابي / الحقوقي / التربوي / الثقافي/ التنموي، بالنضال السياسي؟
فما العمل من أجل النهوض بالعمل الفيدرالي على المستوى المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني؟
وما العمل من أجل تقوية تنظيمات مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي على المستوى المحلي، والإقليمي، والجهوي، والوطني؟
هل القيام بالالتزامات الحزبية العادية، مقوية لأي مكون، من مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي؟
وهل قيام كل حزب بالتزاماته تجاه فيدرالية اليسار الديمقراطي، مقو لتلك المكونات، وللفيدرالية؟
وهل الالتزام بما تقرر في إطار فيدرالية اليسار الديمقراطي: وطنيا، وجهويا، وإقليميا، ومحليا، واجب على فيدرالية اليسار الديمقراطي، وواجب حزبي فيدرالي أم لا؟
هل الالتزام بالدعاية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، بالموازاة مع الدعاية للحزب، الذي ينتمي إليه كل واحد منا، واجب حزبي؟
وهل الحرص على العمل الوحدوي، في إطار فيدرالية اليسار الديمقراطي: وطنيا، وجهويا، وإقليميا، ومحليا، يشكل قوة لفيدرالية اليسار الديمقراطي؟
وهل المحافظة على مقرات فيدرالية اليسار الديمقراطي، باعتبارها هي المعبر عن وجود الفيدرالية في أي جهة، وفي أي إقليم، وفي أي فرع من فروع فيدرالية اليسار الديمقراطي، وفي أي فرع حزبي؟
والعمل على مقاربة الأجوبة، على الأسئلة التي طرحناها، سيجعلنا نمتلك تصورا، لما يجب أن يكون عليه اليسار المناضل بصفة عامة، واليسار المكون لفيدرالية اليسار الديمقراطي بصفة خاصة، ولما يجب أن تكون عليه فيدرالية اليسار الديمقراطي، باعتبارها تنظيم ما بعد التحالف، وما قبل الاندماج.
ففيدرالية اليسار الديمقراطي، يجب أن تتطور على مستوى الأداء، الذي لا يجب أن يبقى رهينا بالانتخابات، بل يجب أن يشكل كل أيام السنة، فكل مناسبات الأحزاب الثلاثة، على المستوى الوطني، والجهوي، والإقليمي، والمحلي، ويجب أن تعمل فيدرالية اليسار الديمقراطي، على تكوين مناضليها، ويجب أن تعمل فيدرالية اليسار الديمقراطي على تكوين مناضليها المنتمين إلى المكونات الثلاثة، تكوينا فيدراليا، وأن يعمل كل حزب، حتى يتفاعل التكوين الفيدرالي مع التكوين الحزبي، والتكوين الحزبي مع التكوين الفيدرالي، على أن يخرج هذا التكوين عن المركز، وعن الدار البيضاء، ليستفيد منه مناضلو ومناضلات فيدرالية اليسار الديمقراطي جهويا، وإقليميا، ومحليا، حتى يساهم ذلك في تطور، وتطوير أداء مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، في اتجاه الأداء الفيدرالي، والأداء الحزبي، على حد سواء، خاصة، وأن تواجد الشباب الذي أصبح يسبح في أنشطة الجمعيات، التي تمول من أموال الشعب، عن طريق ما ترصده الجمعيات، التي يتحول كل أعضائها، عن طريق ذلك التمويل، إلى عملاء، إما للحزب الذي يقود الجماعة الترابية، أي جماعة، وإما عملاء للسلطات التي يقودها العامل، على مستوى كل إقليم، مما يجعل عقلية الشباب شيئا جديدا، لا علاقة له لا بالماضي، ولا بالمستقبل، بقدر ما له علاقة بالانتهازية، التي يمارسها في اللحظة الراهنة، عن طريق انتمائه لجمعية معينة، أو عن طريق ممارسته للعمالة، تجاه جماعة ترابية معينة، باعتبارها ممولة للجمعية، التي ينتمي إليها، أو عن طريق ممارسة العمالة تجاه السلطات الإقليمية، التي تتحكم في أموال المبادرة الوطنية، على المستوى الإقليمي، حتى يكون مستفيدا، أو حتى تكون استفادة الجمعية التي ينتمي إليها مضاعفة أكثر من غيرها، مما يضمن مضاعفة استفادته من الجمعية، التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى شيوع أدلجة الدين الإسلامي، في صفوف الشباب، الذين ينتمون إلى هذا الحزب الذي يدعي وصايته على الدين الإسلامي، أو ذاك الذي يدعي وصايته على الدين الإسلامي كذلك، والذين يصيرون جميعا مستفيدين من التمويلات التي يتلقاها هذا الحزب، أو ذاك، من هذه الجهة، أو تلك، من هذه الدولة الخليجية، أو تلك، بالإضافة إلى ما يجنيه الحزب المؤدلج للدين الإسلامي، المتواجد في الحكومة، وفي البرلمان، وفي الإشراف على الجماعات الترابية المحلية، والإقليمية، والجهوية، والتي يجني منها أموالا طائلة، لا حدود لها.
فهل يمكن اعتبار وحدة اليسار ضرورة تاريخية؟
وهل يمكن اعتبار فيدرالية اليسار الديمقراطي ضرورة مرحلية، في أفق تحقيق تلك الوحدة، التي لا تتحقق إلا بالاندماج؟
وهل تأخذ مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، العمل الفيدرالي، في أفق الاندماج على محمل الجد؟
أم أن الانتماء إلى فيدرالية اليسار الديمقراطي، هو بمثابة ممارسة للهواية، المفضلة، التي قد يتخلى عنها في يوم من الأيام؟
وهل تحترم فيدرالية اليسار الديمقراطي بناء الحزب الاندماجي، على أسس أيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية؟
مفهوم اليسار:
إننا عندما نتكلم عن مفهوم اليسار، نجد أنفسنا مضطرين إلى استحضار مفهوم اليمين، من منطلق أن اليسار نقيض اليمين، وأن التضاد القائم بينهما، يجعل اليمين يخدم أهدافا معينة، ترتبط بالحكم، وبكافة الطبقات المستغلة، باعتبارها مشكلة لليمين، مما يجعل اليسار يسعى إلى تحقيق أهداف معينة، لا تخدم مصالح الحكم، ولا تخدم مصالح المستغلين، مهما كان جنسهم، أو لونهم، بقدر ما تخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لا يمكن أن يستفيدوا إلا في إطار تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، والعدالة الاجتماعية، بمضمون التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، على مجموع كادحي المجتمع، بعد تأميم مختلف المشاريع الاقتصادية، والاجتماعية، التي يمتلكها الخواص.
وانطلاقا مما سبق، فإن مفهوم اليسار، يتحدد من طبيعة الانتماء، ومن طبيعة البرنامج، ومن طبيعة الأهداف، التي يسعى إلى تحقيقها على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.
فطبيعة انتماء اليسار المنظم، في إطار أحزاب سياسية مناضلة، ذات طبيعة شعبية، وطبيعة عمالية، وطبيعة خدماتية، وطبيعة كل الفئات الكادحة في المجتمع، التي يمكن جمعها في عبارة الشعب الكادح، الذي من مصلحته وجود اليسار المناضل، الساعي إلى تحقيق الأهداف، التي يستفيد منها الشعب الكادح، على المدى القريب، أو على المدى المتوسط، أو على المدى البعيد.
وطبيعة البرنامج الذي يلتزم به اليسار، تتمثل في كونه برنامجا توعويا، بالقضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بهدف العمل على تحقيق الأهداف القريبة، والأهداف المتوسطة، والأهداف البعيدة، التي يمكن أن تندمج كلها في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، التي يستفيد منها الكادحون: عمالا، وأجراء، وفلاحين فقراء، ومعدمين، وتجارا صغارا، وغيرهم، ممن لا يملكون إلا قوة عملهم الفكرية، أو العلمية، من أجل أن يعيشوا.
أما الأهداف التي يسعى اليسار إلى تحقيقها، فتتمثل في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.
فتحرير الإنسان، مهما كان هذا الإنسان، لا يكون إلا من العبودية، عبودية الحكم، وعبودية الاستغلال، وعبودية الاحتلال، وعبودية الاغتصاب؛ لأنه بدون التحرير من العبودية، لا يكون هناك وجود، لا للشعب، ولا للعمال، ولا لباقي الأجراء، ولا لسائر الكادحين، بالإضافة إلى تحرير الأرض، من الملكية الفردية الواسعة، ومن سيطرة الاحتلال الأجنبي، الذي يجعل الإنسان الذي يعيش على الأرض، في خدمته، وفي خدمة مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فالإنسان المحرر من كل أشكال العبودية، تصير له مكانة معينة، والأرض المحررة من الاحتلال الأجنبي، ومن الاغتصاب، تصير لها كذلك مكانة معينة، لتصير الأرض في خدمة الشعب، ويصير الشعب في خدمة الأرض، وعطاء الشعب سيكون بدون حدود.
أما تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعيةن والثقافية، والسياسية، فتعتبر تعبيرا عن كون الشعب يمتلك وعيا ديمقراطيا، وكون الديمقراطية بالمضامين المذكورة، وتساهم بشكل كبير، في جعل الشعب، يمتلك وعيه المتطور، والمتفاعل مع واقعه، الذي يلتزم بجعل الالتزام بالممارسة الديمقراطية، كوسيلة، للتمتع بمعظم الحقوق الإنسانية، مهما كانت، وكيفما كانت.
أما الاشتراكية، فتقتضي قيام الدولة الوطنية، الديمقراطية، العلمانيةن الاشتراكية، التي تشرف على التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، على جميع أفراد المجتمع الاشتراكي، مهما كان لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو معتقدهم، ما داموا يخضعون لقوانين الدولة الاشتراكية، سعيا إلى جعل المجتمع الاشتراكي، يتطور في اتجاه الأرقى، من منطلق أن التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية، المنبثقة عن تشكيلة ما قبل السلطة الذي يتزامن مع الانتقال إلى التشكيلة الشيوعية، التي يصير فيها الإنسان حاكما نفسه بنفسه، تجسيدا للتحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، التي يلتزم الإنسان بتفعيلها في المجتمع الاشتراكي، دونما حاجة إلى السلطة المادية، والمعنوية.
واليسار لا يستحق أن يكون يسارا، إذا لم يسع إلى التحرير، وإلى الديمقراطية، وإلى الاشتراكية. وإذا لم يسع إلى بناء مجتمع متطور، في اتجاه قيام التشكيلة الشيوعية، ولا يستحق أن ينعت باليسار، ويمكن وصفه بالمتياسر، والمتياسر هو المدعي لليسارية، والتي لا يجمعه بها إلا جعل الإسم الذي لا ينسجم مع ما يسعى إليه المتياسر، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، سعيا إلى جعل الحياة قائمة على تكريس ما هو قائم، دونما حاجة إلى التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
وبالتالي، فإن مفهوم اليسار، يقود المقتنع به إلى الانحياز إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أي إلى الشعب الكادح، لا إلى الحكم، ولا إلى الطبقة الحاكمة، ولا إلى المستغلين، كيفما كان لونهم، أو جنسهم، أو جنسيتهم؛ لأن الانتماء إلى الشعب الكادح، يقطع حبل الصرة مع الحكم، ومع المستغلين، ومع المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، حتى لا يسعى اليسار المناضل إلا إلى خدمة مصالح الشعب اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، سعيا إلى تحقيق الأهداف المشار إليها.
وإذا كان الإنسان اليساري المناضل، مرتبطا بالشعب، فإنه يجب أن ينتظم في إطار حزب يساري مقتنع بالأيديولوجية القائمة، على الاقتناع بالاشتراكية العلمية، التي هي أيديولوجية الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإذا لم يرتبط اليسار بالكادحين، وبالعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإنه يصير يسارا، لا يرتبط إلا بعناصر البورجوازية الصغرى، أو يتزلف إلى البورجوازية الكبرى، والمتوسطة، ليصير ساعيا إلى تحقيق التطلعات الطبقية. وبالتالي، فإن علاقته باليسار المناضل، هي علاقة منعدمة، وانتماءه إلى الشعب الكادح، صار انتماء منعدما، واقتناعه بأيديولوجية الكادحين، صارت منعدمة، وحرصه على تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، صار غير وارد.
أما إذا التزم اليساري المناضل، بالارتباط بالشعب، وبالكادحين، وباليسار الذي يتجنب، باستمرار، أن يصير تحريفيا، يرفض أن يرتبط بعناصر البورجوازية الصغرى، فإذا انتحرت البورجوازية الصغرى طبقيا، فإنه يرتبط بها، لأنها، بانتحارها، تصير جزءا لا يتجزأ من الطبقة العاملة، ومن الكادحين، خاصة، وأنها تخلت عن سعيها إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية، وصارت تسعى إلى تحقيق أهداف اليسار المناضل، المتمثلة في التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.
واليسار، عندما يرتبط بالجماهير الشعبية الكادحة، فإن ارتباطه يصير جدليا / عضويا.
فالاتباط الجدلي، هو الذي يعمل على تجسيد التفاعل بين اليسار، وبين الجماهير الشعبية الكادحة، وفي إطار ذلك التفاعل، يتطور اليسار، وتتطور الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، فإذا كان اليسار متطورا، والجماهير الشعبية الكادحة متخلفة، عمل على تطويرها، حتى تصير في مستوى المواجهة. وإذا كانت الجماهير الشعبية الكادحة في مستوى تطور اليسار، تفاعلت معه، من أجل تطويره، حتى تصير العلاقة الجدلية في مستوى التقدم، والتطور.
أما إذا كان الارتباط عضويا، بين اليسار المناضل، وبين الجماهير الشعبية الكادحة، فإن اليسار يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، والجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، والجماهير الشعبية الكادحة، تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من اليسار، وفي تطور ما يحصل في الواقع يستهدفهما معا، نظرا للارتباط العضوي الذي يجمع بينهما: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
فالبرنامج الذي يستلزم به اليسار المناضل، يصير جماهيريا، وأي أهداف يحرص اليسار على تحقيقها، هي أهداف جماهيرية، وما هو ذو طابع جماهيري، يجب أن تنخرط الجماهير الشعبية الكادحة في تفعيله، أو في العمل على تحقيقه، من أجل الارتقاء بالمجتمع إلى مستوى أعلى، حتى تتحقق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، التي تضمن التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، الذي يضمن سعادة المجتمع ككل.
قوة اليسار من قوة الأحزاب اليسارية:
ويمكن أن نعتبر أن قوة اليسار من قوة الأحزاب اليسارية؛ لأن اليسار لا يصير يسارا مناضلا، إذا لم يصر قويا. وقوته من قوة أحزابه، وقوة أحزابه قوة أيديولوجية، وقوة تنظيمية، وقوة سياسية، وقوة برنامجية، وقوة هدفية، نظرا لدور الأهداف المتحققة، في تحقيق التغيير المنشود، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأنه بدون السعي إلى تحقيق التغيير المنشود، لا معنى لوجود اليسار، وإلا فإنه لا يتجاوز أن يكون إصلاحيا.
وإذا كانت قوة الأحزاب، من قوة اليسار، فإن على الأحزاب اليسارية، أن تحرص على أن تقوم أيديولوجيتها، على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، وأن تكون هذه الأيديولوجية معبرة عن مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أو كما سماها الشهيد عمر بنجلون، في تقديمه للتقرير الأيديولوجي، أمام المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية الأصيلة، بأيديولوجية الكادحين، ليجمع بذلك كل كادحي المجتمع، بمن فيهم الفلاحون الصغار، والمعدمون، والتجار الصغار، والعاطلون، والمعطلون، وكل الأجراء، وطليعتهم الطبقة العاملة، المنتجة للخيرات المادية، والمعنوية؛ لأن الحزب بدون أيديولوجية الكادحين، لا يسعى إلى التغيير أبدا، ولا يناضل من أجل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا يسعى إلى تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، ولا يناضل من أجل التغيير المادي، والمعنوي، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. وحزب كهذا، هو حزب منتسب إلى اليسار، وليس حزبا يساريا، هو حزب يعمل على حل أي عضو في الحزب، يتطلع طبقيا، لا يهمه إلا ما يحققه هو، وليس ما يحققه هو نفسه، كعمل نضالي، من أجل الآخر.
فقوة الأحزاب اليسارية، إذن، هي قوة أيديولوجية؛ لأنه بدون حصانة أيديولوجية، يصير الحزب مفتوحا أمام كل من هب، ودب، وتصير الوجوه الحزبية متغيرة باستمرار، على مستوى العضوية، وعلى مستوى المسؤوليات الحزبية، الأمر الذي لا يمكن أن يعبر بالفعل، إلا عن إرادة الميوعة الحزبية، التي لا يمكن أن تنتج إلا يسارا ضعيفا، واليسار الضعيف، أيديولوجيا، لا يمكن أن يعمل على توسيع القاعدة الحزبية أولا، ولا يمكن، كذلك، أن يعمل على إيجاد حزام جماهيري حول الحزب، باعتباره الوسيلة التي تغذي الحزب بالمتعاطفين، والنصيرين، الذين يتطورون إلى مناضلين حزبيين.
وأنا، شخصيا، أرى أن أي حزب يساري، أو يدعي أنه حزب يساري، لا بد له من:
برنامج أيديولوجي، أولا، محدد الفقرات، والمراحل، والأهداف، ويعمل على تفعيل ذلك البرنامج، في صفوف المتعاطفين، والنصيرين، الذين يتم إعدادهم للالتحاق بالتنظيمات الحزبية، التي يتربون فيها على الممارسة الحزبية، مهما كانت هذه الممارسة، حتى يتأتى الوصول إلى تحمل المسؤولية المحلية، ثم الإقليمية، ثم الجهوية، سعيا إلى تحمل المسؤولية الوطنية، التي تعتبر ضمانا للحرص على اعتبار الأيديولوجية، هي الحصانة التنظيمية لليسار، وهي المناعة ضد التحريف، وضد الانحراف، وهي أساس بناء المناضل، وبناء الموقف السياسي للحزب، وهي المعيار الذي ننطلق منه لتطبيق الالتزام الحزبي، أو عدمه، أو لجعل الحزب يتطور، أو يتراجع، أو لجعل البرنامج الحزبي، في مستوى مواجهة التحديات، أو عدم مواجهتها.
فالأيديولوجية، هي المنطلق، وهي الوسيلة لتغيير الواقع، وتغيير الواقع هو الهدف، من أجل أن يتحرر العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ومن أجل أن تتحقق الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل تحقيق الاشتراكية، كإطار للتوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية، لتجسيد العدالة الاجتماعية، على أرض الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
وعلى الأحزاب اليسارية المعنية، ببناء فيدرالية اليسار الديمقراطي، في أفق الاندماج في حزب واحد، أن تنطلق من أيديولوجياتها، القائمة على أساس التحليل الملموس، للواقع الملموس، انطلاقا من التوظيف العلمي، لقوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية؛ لأنه بدون توظيف قوانين الاشتراكية العلمية، في التحليل الملموس، للواقع الملموس، لا نستطيع أن نصف التحليل اليساري، بأنه تحليل علمي، يمكن اعتباره تحليلا غير ملموس، لواقع غير ملموس.
فقوة الحزب، في قوة استيعاب مناضليه للاشتراكية العلمية، وضعفه، في ضعف ذلك الاستيعاب، والحزب الذي لا يحرص على تكوين مناضليه، تكوينا علميا دقيقا، على مستوى استيعاب مختلف القضايا المطروحة، وموقف الحزب منها، والموقف الذي يجب أن تتخذه الفيدرالية، وموقف الحزب، كإطار تندمج فيه الأحزاب الثلاثة.
والحزب المندمج، هو حزب يلخص، ويختصر ما هو إيجابي، في الاشتراكي الموحد، وفي المؤتمر الوطني الاتحادي، وفي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. وما هو جميل في الأحزاب الثلاثة، لا يتجاوز أن يكون إلا أيديولوجيا، وتصورات تنظيمية، ومواقف سياسية رائدة، ولا يمكن أن يتناقش اثنان حول صحته.
وإذا كان الحزب المندمج ضعيفا أيديولوجيا، وغير مؤسس تنظيميا، ومواقفه السياسية غير مبنية على التحليل الملموس، للواقع الملموس، فإنها تبقى مواقف ضعيفة، لا تستجيب أبدا للمستهدفين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وإذا كانت الأحزاب الثلاثة تعتبر نفسها ضعيفة، تسعى إلى بناء حزب مندمج ضعيف، فمن الأفضل أن تحافظ على وجود الأحزاب الثلاثة، وعلى الإطار الذي يوجد عملها، في القضية الوطنية، وفي الموقف من الدستور القائم، وفي الانتخابات، وفي نفس الوقت، العمل على إنضاج شروط الاندماج المتمثلة بالخصوص في:
أولا: إعادة بناء الأحزاب الثلاثة، مما يجعلها في مستوى الإعداد، والاستعداد، للاندماج في في حزب ما بعد حل نفسها.
ثانيا: إعداد الشروط الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، لبناء الحزب المندمج.
لأن قوة الأحزاب الثلاثة، شرط ضروري للاندماج، والإعداد الجيد للاندماج، شرط.
وعندما يتوافر شرط شرط القوة، وشرط الاندماج، تكون الأحزاب الثلاثة قد ربحت الرهان، وقامت بإنجاز طفرة تاريخية رائدة، وعملت فعلا على إيجاد حزب اشتراكي كبير، مفتوح على كل الأطراف اليسارية، التي ترغب في الالتحاق بالحزب الاشتراكي الكبير، ليصير اليسار، بذلك، شيئا آخر، مما يجعل الجماهير الشعبية الكادحة، تلتف حوله، وتعمل على تقويته، وتدعمه بأصواتها، من منطلق أنه هو الحزب الذي يعبر عن طموحاتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وباعتباره يسعى إلى تغيير الواقع لصالحها، على المدى القريب، أو المتوسط، أو البعيد.
التحالف انطلاقا من برنامج محدد، ومن أجل الالتزام بقضايا محددة:
وقبل قيام فيدرالية اليسار الديمقراطي، قام تحالف بين الأحزاب اليسارية الثلاثة، وكان هدف هذه الأحزاب الثلاثة من التحالف، هو العمل بشكل مشترك، في المحطات الانتخابية، الجماعية، والبرلمانية، ومن منطلق العمل على مواجهة الممارسات المسيئة إلى العملية الانتخابية، على أساس أن المشاركة في الانتخابات، لا تهدف إلا إلى الحصول على المقاعد الانتخابية، بقدر ما تهدف إلى النضال من أجل انتخابات حرة، ونزيهة، بهدف بناء ديمقراطية حقيقية، على جميع المستويات، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، جماعية، أو برلمانية، أو مهنية، أو عمالية، لا وجود فيها إلا لبرامج الأحزاب الانتخابية، على مستوى الجماعات الترابية، وعلى مستوى البرلمان بغرفتيه، حتى يتأتى للناخبين الاهتمام بالأفكار، لا بالأشخاص.
فالاهتمام بالأفكار، اهتمام بالأيديولوجية المعبرة عن مصالح معينة، والاهتمام بالبرامج الحزبية المطروحة للنقاش، والوصول إلى تحديد البرنامج الأصلح، حتى يتقرر التصويت عليه، وصولا إلى فرز أشخاص معينين، يخلصون في عملهم الجماعي، أو في عملهم الوطني، من أجل تطور، وتطوير الجماعات الترابية، حتى تستجيب لحماية سكان الجماعات الترابية. واهتمام من هذا النوع، يمكن الناخبين من الاختيار الحر، والنزيه، الذي يعطي تصورا بأن الانتخابات صارت حرة، ونزيهة.
أما عندما ينحصر الاهتمام بالأشخاص، وما يتوفرون عليه من إمكانيات مادية، فإنه يجر إلى تسييد بيع الضمائر، وتسييد التزوير، وإقامة الولائم، وازدهار السمسرة في ضمائر الناخبين، وتأصيلا للفساد الإداري، وجعل الفساد السياسي، هو التمكن في الحياة، جملة، وتفصيلا. وهو ما يعطي انطباعا بأن الانتخابات غير حرة، وغير نزيهة.
والفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، عندما يمتد إلى الانتخابات، من أجل إفسادها. وإفساد الانتخابات معناه: إفساد الحياة الجماعية على مستوى كل الجماعات الترابية، وعلى مستوى البرلمان، لنسجل بتسييد الفساد الإداري، والسياسي، أن أي انتخابات فاسدة، لا تقدم المغرب، بقدر ما تجعله يتراجع يتراجع إلى الوراء؛ لأن العقلية المتخلفة لا تنتج إلا التخلف، على جميع المستويات.
وإذا أضفنا إلى الفساد الإداري، والسياسي، الذي يسود في الانتخابات، ما يمكن تسميته بتعمد الإفساد الديني، الذي تمارسه الأحزاب المسماة دينية، والتي تربط الدين بالسياسة، بجعل الدين مسيسا، أو بجعل السياسة متدينة، فإن القيم الاجتماعية النبيلة، التي تستند إلى الدين، فاسدة، ويصير الدين وسيلة للوصول إلى الحكم، وإلى مخزنة المؤسسات المنتخبة، كالجماعات الترابية، والبرلمان، بغرفتيه: مجلس النواب، ومجلس المستشارين.
وربط الدين بالسياسة، أو ربط السياسة بالدين، غالبا ما يكون مصحوبا بالهجوم على العاملين، الذين يصير تكفيرهم مباحا، بالنسبة لكل منتم إلى الأحزاب الدينية، أو الأحزاب، والتوجهات التي تفرض وصايتها على الدين الإسلامي.
والفساد عندما يمتد إلى القيم، التي يكتسبها الناس عن طريق إيمانهم بالدين الإسلامي، يكون قد بلغ مبلغه، بجعل المتدين يعطي لنفسه الحق، بالنيل من المنتمين إلى الأحزاب التي ليست دينية، فيصبح التصويت قائما على أن هذا المرشح مومن، وهذا المرشح كافر، وعندما يصبح التصويت قائما على أساس: هذا مومن، وهذا كافر، فإن المصيبة العظمى قد عمت، لتصير الانتخابات مرتبطة بعذاب القبر، وبيوم القيامة، وغير ذلك، مما يعتمد عليه المنتمون إلى الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي.
ولذلك فالتحالف اليساري، الذي انعقد قبل تأسيس فيدرالية اليسار الديمقراطي، لم يستطع الوصول إلى نيل أي مقعد انتخابي، في مجلس النواب، وبما ناله التحالف في انتخابات الجماعات الترابية، لا يتجاوز العشرات، التي لا تستطيع تمكين التحالف من الوصول إلى مجلس المستشارين، نظرا لسيادة الفساد السياسي، والإداري، وما يمكن تسميته بالفساد الديني، إلى أن أوصل الناهبين الجدد، الذين يبالغون في عملية النهب، كما أثبتت الظروف ذلك. وهو ما يعني أن على أحزاب التحالف، المكونة حاليا لفيدرالية اليسار الديمقراطي، أن تربط بين محاربة الفساد، بما فيه الفساد الديني، الذي يجب أن يضاف إلى الفساد الإداري والسياسي، وبين حرية ونزاهة الانتخابات.
بناء وتقوية فيدرالية اليسار الديمقراطي:
وإذا كان التحالف بين الأحزاب الثلاثة، وبعد نقاش عميق، وطويل، أفضى إلى الإعلان عن تأسيس فيدرالية اليسار الديمقراطي، فإن فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي تعتبر مرحلة ما بعد التحالف بين الأحزاب اليسارية الثلاثة: حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وما قبل الاندماج في الحزب اليساري الكبير، الذي يقتضي من الأحزاب اليسارية الثلاثة، إنضاج الشروط المفضية إلى الاندماج، والتي تتمثل في:
1) تقوية الأحزاب الثلاثة: أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، معينة، لأن الحزب لا يكون إلا طبقيا، والحزب الطبقي، هو المعبر عن مصالح الطبقة التي يحمل أيديولوجيتها، والأحزاب اليسارية الثلاثة، لا يمكن أن تحمل إلا أيديولوجية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وإلا، فإنها تحمل أيديولوجية البورجوازية الصغرى. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاندماج لا يعني في عمق الممارسة السياسية، إلا إقبار يسارية الأحزاب الثلاثة، التي يصبح أعضاؤها منشغلين بتحقيق التطلعات الطبقية، التي نعرف جميعا، إلى أين تذهب، من أجل أن تصير تطلعاتها الطبقية متحققة اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.
وتقوية الحزب أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، يفرض:
أولا: استيعاب القوانين العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، سعيا إلى امتلاك القدرة على توظيف تلك القوانين، في التحليل الملموس، للواقع الملموس، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، حسب تواجد تنظيمات الأحزاب الثلاثة، حتى تدرك الأحزاب الثلاثة: كيف تتعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق تطويره، وفي أفق تمكينه من التطور الذاتي، سعيا إلى تغييره تغييرا جذريا، من أجل أن يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ثانيا: ضبط التنظيم الحزبي، انطلاقا من القوانين الأساسية، والداخلية، من أجل جعل المحاسبة الفردية، والجماعية، والنقد، والنقد الذاتي سائدين في كل حزب، بالإضافة إلى تتبع الممارسة الفردية، والجماعية، من قبل التنظيمات المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، سعيا إلى بناء كل حزب بناء قويا، يجعله قادرا على المساهمة في بناء فيدرالية اليسار الديمقراطي.
ثالثا: أن تصير المواقف السياسية، لكل حزب على حدة، قادرة على المواجهة بين الأحزاب اليسارية، الحاملة لأيديولوجية الكادحين، وبين الأحزاب المعبرة عن مصالح المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، بقيادة الحكم، الذي يحميها من اليسار، ومن الكادحين، بممارسة القمع الهمجي، وضرب الممارسة الديمقراطية في العمق، والصمود في وجه التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، وفي مواجهة التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، وفي مواجهة التحالف مع الحكم، في أفق ضرب ذلك التحالف، وتفكيكه، سعيا إلى جعل الكادحين يشقون طريقهم في اتجاه تحقيق أهداف اليسار المسطرة.
2) وحتى تصير الأحزاب الثلاثة، مساهمة من منطلق قوتها، في فيدرالية اليسار الديمقراطي، وفي قوتها، وفي بناء تنظيماتها، وفية لإشراك قواعدها المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، في عملية البناء. نرى ضرورة:
أولا: العمل عللى إنضاج الشرط الأيديولوجي، عن طريق فتح حوار واسع بين التنظيمات اليسارية الثلاثة، حول الصيغة الأيديولوجية، التي يمكن أن تعبر عن المشترك الأيديولوجي، بين التنظيمات اليسارية الثلاث. وهذا النقاش، يجري بين مختلف المستويات التنظيمية الثلاثة، حتى تكون هناك مساهمة واسعة في النقاش الأيديولوجي، الذي تتأسس عليه أيديولوجية، تعتمد في قيام الحزب المندمج، الذي تتأسس عليه أيديولوجية، تعتمد في قيام الحزب المندمج، الذي لا يمكن أن يقوم بدون أيديولوجية، لأن الحزب المندمج، بدون أيديولوجية، هو حزب ميت. وإذا كان على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، ونظرا للاختلاف القائم بين الأحزاب اليسارية الثلاثن فإن فتح الحوار الواسع، يهدف إلى الوقوف على ما هو مشترك، بين الأحزاب اليسارية الثلاثة، حتى يصير منطلقا لتطوير أيديولوجية الحزب المندمج، إلي يصير مكتملا بأيديولوجيته التي تؤهل مناضليه، من أجل امتلاك تصور تنظيمي رائد، انطلاقا مما هو وطني، في أفق المحلي، والإقليمي، والجهوي.
ثانيا: العمل على إنضاج الشرط التنظيمي، الذي يترجم إلى أي حد يلزم المناضلون بالأيديولوجية، وإلى أي حد هم مخلصون لما يقتنعون به، على جميع المستويات التنظيمية، لأن الإخلاص لأيديولوجية اليسار، المتبلورة عبر النقاشات الواسعة، التي أنتجت، أو تنتج أيديولوجية مشتركة، معبرة عن العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بشكل، أو بآخر، سعى إلى جعل الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
وإنضاج الشروط القائمة على جميع المستويات التنظيمية، يعتبر مساهمة فعالة ،في جعل التنظيم الفيدرالي يأخذ مجراه، في اتجاه بناء فيدرالية اليسار الديمقراطي أولا، وصيرورتها قوية بقوة مكوناتها، وقوة مكوناتها في قوتها ثانيا، من أجل إنضاج الشرط التنظيمي، في أفق الاندماج في الحزب اليساري، أو الاشتراكي الكبير. ولكن إذا لم تكن التنظيمات اليسارية الثلاثة قوية، فإن الإعلان عن اندماجها، لا يمكن أن ينتج إلا حزبا يساريا ضعيفا؛ لأن الضعف لا يمكن أن ينتج إلا الضعف، والقوة لا تولد إلا القوة، ولا يمكن أن ننتج بالأحزاب الضعيفة إلا الضعف، كما انه لا يمكن أن ننتج بالأحزاب اليسارية القوية، إلا حزبا يساريا كبيرا.