المحرر موضوع: قرار ضبط المنافذ الحدودية وانعكاسات تطبيقه السلبية على مناطق سهل نينوى  (زيارة 498 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذار عناي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 607
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قرار ضبط المنافذ الحدودية وانعكاسات تطبيقه السلبية على مناطق سهل نينوى

(سيدي القاضي 27 مليون دينار خلوني ادفع, يعني هي مبينه, كوة كوة يريدون المسيحيين يطلعون من العراق) قالها تاجر مسيحي -صاحب محل سكائر- أمام قاضي التحقيق في الموصل كان يوقع على قرار إطلاق سراح سيارته وبضاعته القادمة من اربيل الى بغديدا بعد أسبوع من الحجز. وهو كان قد أطلق سراحه سابقا بعد يومين توقيف في مركز…….. في الجانب الايسر!!!

في البدء يجب أن نعلم بأن قرار (ضبط المنافذ الحدودية) كانت الغاية منه السيطرة على الحركة التجارية وليس الامنية لذلك فأن ذلك القرار ليس قرارا سياسيا ولا علاقة له بهيبة الدولة وغيرها من التأويلات السياسية - إلا في الأنظمة السياسية التي تقوم بتسييس كل ما تطاله يد النظام - إنما في الحقيقة هو قرارا اقتصاديا بحتا. كيف ذلك؟. لكون الدول لا تستطيع منع التجار من استيراد البضاعة التي تحتاجها السوق المحلية طالما تكلفتها معقولة ومنافسة قياسا إلى شبيهاتها في السوق وتجلب الارباح للتاجر, ولأن الحكومات وبغية تشجيع المنتجات المحلية من أجل دفع عجلة الاقتصاد للبلاد والقضاء على البطالة وتشغيل الإنتاج والأيدي العاملة لشعبها وكذلك من أجل تقليل المستورد وتشجيع المصدر من البضاعة المحلية لذلك تقوم بالسيطرة على المنافذ الحدودية وفرض التعرفة الكمركية على البضائع المستوردة من اجل ان يرتفع سعرها في السوق المحلية مقابل البدائل من الصناعة الوطنية (دعم وتشجيع المنتج المحلي), من ناحية ومن ناحية أخرى تعتبر هذه الرسوم مدخولات الى الخزينة المركزية للدولة والتي كانت قبل هذا القرار في العراق تذهب إلى جيوب مافيا الميلشيات  المسيطرة على هذه المنافذ. وفي نفس السياق تأخذ السياسة المالية للدولة دورها برفع قيمة العملة المحلية أو خفضها لتقليل الاستيراد ورفع مستوى الصادرات لأجل المحافظة على الأرصدة الاجنبية في المؤسسة المالية المركزية للدولة

لنأخذ مثالا الازمة التي أحدثها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بين الولايات المتحدة والصين بسبب رفع التعرفة الكمركية على الواردات الصينية الى امريكا (وهي عملية شبيهة بالسيطرة على المنافذ الحدودية كما سمتها الحكومة العراقية) اذ ان السوق الأمريكية تعتبر من اكبر الاسواق العالمية  الاستهلاكية وارتفاع القوة الشرائية للفرد الأمريكي قياسا بالدول الأخرى, لذلك أصبحت تثير شهوة الشركات العالمية للدخول الى السوق  الامريكية ومنها المنتجات الصينية لانخفاض كلفة إنتاجها لرخص العمالة في الصين. فلذلك كان قرار الرئيس ترمب برفع التعرفة للحد الذي يجعل أسعار البضائع الصينية أعلى من المنتجات الامريكية في السوق وبذلك تتسبب بخسارة كبيرة لعائدات العملة الأمريكية إلى الصين ويزيد من إنتاج الشركات الامريكية المحلية حيث تصبح منتجاتها من دون منافسة سعرها تقريبا (بالطبع هنالك تعامل بالمثل وايضا تبعات اخرى لسنا في صدد مناقشتها هنا)

انما قرار الحكومة العراقية انف الذكر له بعد سياسي (ضمني) في ما يخص اقليم كردستان وذلك لأن الإقليم رغم صعوبة تطبيق ذلك الا أنه يحاول خلق ما يشبه منطقة تجارة حرة (ورغم القرارات والاتفاقات مع حكومة حيدر العبادي اثر الاستفتاء الكردي على استقلال الإقليم) ومع الالتفافات القانونية والسياسية لدى الإقليم سيطرة مباشرة على منافذه البرية, وكيفية ادارة الاقليم للمنافذ الحدودية معروفة وليست خفية عن الحكومة المركزية.
مايخص موضوعنا من هذا الامر هو: إن مجمل هذه العملية (أي تطبيقات قرار ضبط المنافذ الحدودية) تركت أثرا بسيطا على المواطنين وحركة التجارة في مناطق العراق الوسطى والجنوبية لعدم تأثر البضائع الداخلة الى اسواقها بالتعرفة الكمركية والضرائب المرافقة لها, وايضا المناطق الغربية حيث بعد طرد عصابات داعش من تلك المناطق اختفت (تقريبا) حالة الإتاوات التي كانت مفروضة في المنطقة, ولم يكن لها أثر سلبيا على سكنة الإقليم بل على العكس كان له تأثيرا ايجابيا حيث سمح للتجارة عبر الاقليم ان تكون اكثر نشاطا. إنما الأثر السلبي الكبير والخطير هو تأثيره على المناطق ذات  الاغلبية من المسيحيين وخاصة في مناطق سهل نينوى. الممارسات التي انبثقت انعكاسا لتنفيذ قرار الحكومة المركزية هذا جعلت المؤسسة القابضة على مصدر القرار في السيطرات (الرسمية وغير الرسمية) والتي تحمل صفة مشتركة بين الجيش العراقي والحشد الشعبي وبعض الجهات الاستخباراتية - هذه السيطرات التي وضعت بين الاقليم ومناطق العراق الاخرى - ان تترجم قرارات الحكومة المركزية هذه في البدء حسب أهواء ومصالح المنتسبين ولكن بعد ذلك أصبحت بحسب مصدر المنتوج. نظريا وبحسب المتعارف عليه يجب أن تكون البضائع المحلية الصنع معفية من التعرفة الكمركية وأية ضرائب لاحقة. أما البضائع الغير وطنية فيجب أن تخضع للتعرفة الكمركية التي تحددها الحكومة المركزية. ولكن عمليا أي ما يحدث على أرض الواقع فهو أن البضائع الغير وطنية لاتوجد تعرفة رسمية محددة ومقررة من قبل الحكومة المركزية لكي تلزم السيطرات (المنافذ) بين الاقليم والمناطق الأخرى بها. لذلك فإن السيطرات التابعة لقوات البشمركة لا تمانع خروج البضائع مهما كان منشأها الى خارج الاقليم اما السيطرات المشتركة بين الجيش العراقي والحشد فهي لا تملك مكاتب إخراج كركي لكي يدفع التاجر او المواطن تعرفة رسمية لغرض السماح بعبور بضاعته تلك السيطرات.  لذلك فأن ممارسات هذه السيطرات أصبحت غير واضحة وقد تسمح بعبور البضائع الغير وطنية بحسب المنشأ وتتعامل مع أخريات وكأنها بضائع مهربة داخلة الى البلاد بطريقة غير شرعية!
وكنتيجة لهذه الممارسات, فأن حركة التجارة وعجلة الاقتصاد في مناطق سهل نينوى وخاصة في ما يخص المنتجات التي تحتاجها أسواق مناطق تواجد المسيحيين في سهل نينوى تأثرت سلبا  وبذلك تعتبر من ممارسات التضييق الاقّتصادي لأجل التغيير الديمغرافي على المنطقة, وذلك لعدم وجود البديل من المناطق الأخرى الغير تابعة للاقليم في غرب وجنوب سهل نينوى.
نكرر هنا ما كنا قد ذهبنا اليه في كتابات اخرى من انه للوصول الى غاية التهجير القسري وتغيير الخارطة السكانية لمنطقة ما هنالك عدة أساليب تعتمدها الجهات القائمة على هذا العمل المرفوض انسانيا ودوليا وعالميا, وأكثرها التضييق الاقتصادي والامني والخدمي. التضييق الاقتصادي نلاحظه بوضوح في ممارسات هذه السيطرات (المنافذ) في التحكم بالحركة التجارية بدون مهنية وحسب اجندات لاتبدو نظيفة. والتضييق الأمني هو ما تقوم به من حجز البضائع ومالكيها لفترات زمنية طويلة وعدم إطلاق سراحها إلا بعد تقديم تضحيات جسيمة قد تصل الى اربعة اضعاف كلفة البضاعة المنقولة.  أما التضييق الخدمي فهو أكثر خطورة بدلالة غياب دور الحكومة في توفير هذه الخدمات الى المواطنين, ولولا قيام منظمات الدعم الإنساني بأعمار البنية التحتية من تعبيد الطرق وتوصيل الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات الى المواطنين لكان الان اغلب سكان هذه المناطق في محطات الهجرة الداخلية والخارجية.


إن تسييس الاقتصاد هو وسيلة غير نبيلة تعتمدها الأنظمة السياسية التي ليس لها ولاء للوطن والمواطن كما يجري في العراق اليوم. ولا يقتصر هذا على النظام السياسي المركزي ولكن حتى على نطاق الإقليم. فإن نجاح بعض الأطراف من اعتبار هذه المناطق (متنازع عليها) يسمح لكلا القوتين (المركزية والاقليم) من القيام بشتى النشاطات وحتى الغير نبيلة منها (اقتصاديا وماليا وخدميا وامنيا وعلميا وثقافيا ) من أجل ابتلاع هذه المناطق لتحقيق اجنداتها السياسية ورسم الخارطة الجيوسياسية بحسب مشتهاها

من الصعب ان نصدق ان المؤسسات السياسية المسيحية وخاصة تلك التي تدعي بأن لها قاعدة جماهيرية واسعة في مناطق سهل نينوى ان تكون غير مطلعة وواعية ومدركة لهذه الأمور وأن سكوتهم عنها لهو مثار ريبة واستغراب.
في الوقت الذي نفرح ونثمن قيام الحكومة المركزية باتخاذ قرارات اقتصادية صحيحة تصب في مصلحة البلاد مثل قرار ضبط المنافذ الحدودية, نلفت الانتباه الى الطرق والأساليب المتبعة لتنفيذ هذه القرارات, وعلى الجهات المتضررة من الممارسات الغير قانونية والغير عادلة ومنصفة أو من يمثلها سياسيا اتخاذ الإجراءات الكفيلة برفع الضرر عن الشريحة التي يمثلونها في المجتمع. لذلك على السياسيين الشرفاء الصادقين سواء الذين يدعون تمثيل المسيحيين ومن غير المسيحيين اي الذين يهمهم أمرهم وحاضرهم ومستقبلهم التقصي لطريقة تنفيذ قرار ضبط المنافذ الحدودية في السيطرات الفاصلة بين الاقليم ومناطق سهل نينوى وثم التصرف بالشكل الذي يعالجها.
نختم هذا الموضوع بالتذكير بأن المسيحيين وبعد المآسي التي عانوا منها في الازمنة الاخيرة والاضطهادات والممارسات التي كانت غايتها التهجير القسري والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في مناطق تواجدهم ليس بإمكانهم احتمال المزيد من هذه الممارسات وهم في حاجة الى إعادة الأمل لدى الفرد بوجود صوت يحافظ على شعلة الأمل لديهم بمستقبل أفضل له