انفال عائلة توما ريس من كوندي كوسا المنسية
ابناء توما وابن خالهم امير
مقدمةجرائم البعث كثيرة رغم ان البعض منها في خضم الجرائم المتتالية التي قامت بها اطراف متعددة في العراق "الجديد" بدأ الناس بنسيانها رغم بشاعتها. الكثير يربط الانفال بالشعب الكردي لكنه في الحقيقة فقد شمل المسيحيين الكلدان الاشوريين السريان ايضا.
بعد ان وضعت الحرب مع ايران اوزارها توجه صدام الى بسط نفوذه على جميع انحاء العراق بكل الوسائل ومنها ضرب المعارضة العراقية بالاسلحة الكيمياوية او ما سمي بالانفال. ففي ٢٥ آب عام ١٩٨٨ وجه صدام حسين قواته نحو منطقة بهدينان التي كان تسيطر عليها قوات المعارضة العراقية.
ما اتحدث عنه الان هو تسليط الضوء على ابادة لعائلة باكملها متكونة من ٣٣ شخصا كانت ساكنه في قرية كوندي كوسا الواقع شرق نهر الخابور في الجهة المقابلة لقرية ليفو. والعائلة الضحية هي عائلة مختار القرية توما باكوس المعروف توما ريس.
لقد التقيت توما عام ١٩٨٣ عندما كنت بيشمرغة ضمن مفرزة تابعة للحركة الديمقراطية الاشورية حيث بتنا ليلتين متتاليتين هنالك. لقد ترك الرجل انطباعا جميلا عندي . فبالاضافة الى شبابه وحيويته فقد وجدته مليئا بمشاعر المحبة والتعاطف معنا. كانت معاملته لنا كأخ وصديق منذ الوهلة الاولى وقد شعرت براحة كبيرة في بيته حيث كنا نبات الليل في القرية ونخرج الى الوديان والهضاب القريبة من القرية في النهار.
لقد حزنت كثيرا عند سماع خبر مقتله في التسعينات مع معظم افراد عائلته لكنني حزنت من جديد حينما حوكم صدام واعدم بتهم اقل بشاعة من دون ان يذكر احدا دماء توما وعائلته والعشرات من الكلدان الاشوريين السريان وكأننا نحن لم يصبنا شيئا من بطش الحزب الشوفيني وجلاوزته.
ذهبت الى العراق عام ٢٠٠٩ لمراقبة انتخابات برلمان اقليم كردستان وقررت حينها ان ازور القرية التي اكلت يوما من زادها ونمت في كنف اصحابها ولاعرف اكثر عن مأساة ابناء القرية.
لقد تم بناء القرية من جديد ببيوت اسمنتية وتغيرت الكثير من ملامح القرية لكنني استطعت تذكر بعض المواقع في القرية رغم مرور خمسة وعشرون عاما على رؤيتها آخر مرة وقد شعرت بان الحزن لا زال يخيم عليها, فالمأساة كانت كبيرة. عند وصولنا القرية انا وثلاثة اصدقاء التقينا السيد تيدي برخوالذي استقبلنا بترحاب كبير فعرفنا بانفسنا عليه وسألناه عن المختار فاخبرنا انه غير موجود في القرية وعندما اخبرناه عن اننا نطلب معلومات عن المفقودين من القرية وان كان بامكانه الاجابة على بعض الاسئلة, وافق على ذلك برحابة صدر هو وزوجنه الكريمة ورفضوا مغادرتنا قبل تناول الغداء .
هل لك ان تحدثنا عن ظروف الاختفاء؟تيدي: قبل ان يأتي الجيش جاءت مفرزة من زوعا وبلغت اهالي القرية بان عليهم ان يهربوا بينما البيشمركة الكردية اوصت اهالي المنطقة بالبقاء في قراهم. خرجت انا اولا وفي اليوم الثالث خرج كل اهالي المنطقة منهم اهالي كوندي كوسا. اتجهوا الى تركيا ووصلوا الى كلي دهي حيث عم الظلام. احدى العوائل لم تتوقف وعبرت الشارع العام شمالا بينما توما وعائلته وعوائل اخرى لم يعبروا الشارع. وفي الليل حوطت المنطقة من قبل الجيش العراقي واخذوا جميعا اسرى وعددهم 33 شخصا. وقد نقلوا اولا الى معسكر انتقالي في باهركى وهنالك اطلق سراح طفلين لانهم كانوا مرضى وسلموا الى عمتهم التي كانت تعيش في الموصل.
سألت تيدي عن السبب في عدم عبور توما وعائلته الشارع مثل الباقين, اجاب تيدي بانه تساءل دوما عن اسباب توقف عائلة توما ريس عن المسير وعدم الاستمرار لحين الوصول الى مناطق امنة لكنه يعتقد ان السبب قد يكون لان توما نفسه كان مطمئنا نوعا ما.
لماذا لم يهربوا قبل ذلك؟
قبل اربعة ايام من الهجوم جاء البيشمرغة وطلبوا ان لا يتحرك احدا من القرية ولكن توما بدا خائفا جدا, حسب اهل القرية. لكنه اتخذ قراره عندما رأى ان الاكراد ينهزمون.
لماذا لم يحذره الكرد رغم انه كان صديقا لهم؟
ـ لا ادري.
سألت تيدي ان كان له صلة قرابة مع الضحايا.
ـ توما كان ابن عمي , شمشون ابن اختي (خوارزايا) وكلهم كانوا اقاربي.
وما الذي حصل لهم بعد ذلك؟
ـ لا ندري ,
وما هي آخر معلوماتكم؟
ـ كل ما سمعناه انهم ارادوا فصل الرجال عن النساء لكن النساء طالبن بالبقاء مع ازواجهن. لكننا لا نعرف ماذا حصل بعد ذلك.
وهل هنالك مصدر اخر للمعلومات ؟
مركز الانفال هو المصدر الرئيسي وتوجد اسماء الذين فقدوا في هذه العملية.
من بقي من العائلة؟
ـ بنت اخت توما كانت عند عمتهم. وبنت لتوما كانت مريضة في باهركى وهي الان في استراليا.
ولماذا لم يطلقوا سراح نساء واطفال العائلة؟
قال تيدي: في الانفال اختفى البيشمرغة فقط بينما اختفى الجميع من ابناء قريتنا, الاطفال والنساء والشيوخ .حتى الرجال لم يكونوا مسلحين عدا رجل واحد ورغم ذلك فقد تم قتلهم.
ثم يضيف :السبب قد يكون انهم(اي الحكومة العراقية) اعتبروا المسيحيون واليزيدية خونة لانه وحسب السلطات فانهم عرب متعاونين مع الكورد.
وما هي علاقة توما مع الاحزاب السياسية
ـ حسب معرفتي فان توما كان احد الذين ساعدوا على تاسيس زوعا ثم يضيف, عام 84 اراد ان يكون قياديا في زوعا لكنه لم يفلح فافترق عن زوعا والكلام لازال لتيدي. كان توما مختارا للقرية لذلك كان متعاونا مع الجميع فكانت علاقته جيدة مع البيشمرغة ومع الحكومة ايضا.
واستطرد يقول:
ـ كانت مصلحة القرية تتطلب ان يتعاون مع الاثنين.
ثم عدت الى تيدي وسألته: ما الذي نستطيع فعله لمعرفة مصير العائلة؟
ـ كل صرخة او كتابة اوسؤال هو مهم ... السكوت لا يفيدنا
وماذا تطالبون ان يعمل من اجل الشهداء؟
ـ نطالب باقامة نصب تذكاري لشهداء الانفال في القرية.
وفي الختام يذكرنا تيدي بانه عام ١٩٩١ بعد حرب الكويت رجع بعض اهالى القرية وكان هو ( اي تيدي) من اول الراجعين بامر الحركة الديمقراطية الآشورية ويضيف : بقيت ليلة في قرية باختمى تم رجعت الى القرية واخبرت زوعا عن الوضع المتحسن فرجعوا جميعا الى مناطق مختلفة.

اطفال القرية المفقودين
مريم الباقية الوحيدةوبعدما عرفت ان البنت الوحيدة التي بقيت من العائلتين موجودة في استراليا سالت عنها احد اقاربي في سدني والذي لحسن احظ كان صديقا لزوجها سامي. اتصلت بها قبل عدة ايام وكانت مريم مليئة بالاحاديث والذكريات التي حكتها بسرعة وبشكل عفوي وكانها كانت حدثت بالامس. الحقيقة لم تكن من السهولة بالنسبة لسماع شخص يتحدث وعايش مثل هذه الجريمة المروعة دون التأثر بها فكيف وهي التي عاشتها وعانتها ولا زالت جروحها دامية في قلبها. من شدة تأثري لم استطع تدوين ملاحظاتي في البداية لذلك اعدت عليها معظم الاسئلة مرة اخرى.
ومريم التي كان عمرها سبع سنوات في وقت الانفال تقول حول ايام الهجرة:
لقد تركنا القرية مثلما تركها الاخرون وسرنا مشيا عائلتنا وعائلة خالي وعائلة ابرم الذي كان والدي قد ساعدها في البقاء في قريتنا نحو الحدود التركية . وعند وصولنا الى حافة جبل كنا متعبين جاء شخصان ملثمان وتكلموا بالكردية مع والدي وقالوا له بانهم ان سلمنا انفسنا فانه لن يحدث لنا شيئا. ابرم الذي كان معنا قال لابي بانه لن يئتمن النظام حتى لو جاء صدام بنفسه واعطاه الامان لذلك فانه لم يبقى الليل على سفح الجبل بل عبر الى الجهة المقابلة للجبل. بينما والدي امن بالمرسلين واعتقد بانه سيعود الى قريته او الى اقاربه في منكيش. لكنه في الليل احاط بنا الجنود من كل صوب واسرونا هناك.
ولماذا تعتقدين ان والدك آمن بهم؟
ـ لاننا لم نفعل شيئا غير الخير للناس, وابي كانت علاقاته طيبة مع الجميع وكان له اصدقاء كثيرون.
وتستمر مريم بسرد ما حصل لهم فيما بعد:
ـ هنا عزلوا مباشرة والدي وخالي واخي سركون ولم نراهم بعد ذلك. وبعد ان بقينا سبعة ايام في سجن القلعة في دهوك حيث ضربونا وعصبوا اعيننا تم نقلنا الى الى مخيم في عنكاوا. وسالتها هل كان معسكرا؟.
ـ لا ادري لكنه كان مسيجا وفيه الكثير من النساء والاطفال وكانت تفتقد الى اية خدمات.
وكيف تخلصت انت من المخيم؟
ـ عندما زارتنا عمتي في المعسكر وكنا وانا وابن خالي امير واخي آشور مرضى فارادت عمتي ان تخرجنا وتعرضنا على الطبيب في الخارج فوضعتنا في السيارة(باص) واخفتنا تحت الكراسي الى عبرنا السيطرات. ومضت تضيف, وبعد ان شفي اخي اشور عاد الى المخيم اما انا وابن خالي فقد تأخرنا حوالي شهر لكن المفاجأة كانت انه عندما رجعنا لم نرى احدا من اهلنا.
وهل اختفى الجميع؟
ـ كلا فالعوائل الكردية التي كانت هناك قد اسكنت في القرى القريبة من عنكاوا اما العوائل المسيحية واليزيدية فقد اختفت.
وماذا تعتقدين السبب. قالت مريم وبالم:
ـ لا اعرف, فقد يكون احدا قد اوشي بنا.
وماذا جرى لجدك؟
ـ بفي هو وجدتي في سجن القلعة في ظروف تعيسة جدا كما سمعنا, ولا نعرف ماذا جرى لهم.
هل سالتم الجهات المسؤولة في العراق عن مصيرهم؟
ـ عمتي ذهبت الى العراق وسالت عنهم واعطت السلطات اسمائهم ومواليدهم لكن الجواب كان: لا تسألوا عنهم فقد اختفوا.
الفصل الاخير من المأساةماذا جرى لابن خالك امير الذي بقي من عائلة خالك شمعون؟
ـ انه الفصل الاخير من المأساة كما قالت. ففي عام ١٩٩٥ حاول مع ٣٠ شابا الذهاب الى تركيا وطلب اللجوء في الخارج لكنهم تعرضوا الى اطلاق نار من ربايا الجيش. وكان المصاب الوحيد هو ابن خالي الذي اصيب في فكه. وعلى اثر ذلك نقل الى مستشفى دهوك لكن لا اعلم بالضبط لماذا لكنه تعرض الى مضاعفات خطيرة اثرت على دماغه وساءت احواله جدا. وكان اخ خالي في المملكة المتحدة استطاع ان ينقل امير الى الولايات المتحدة الامريكية لكن بعد فوات الاوان حيث لم يستطيعوا انقاذه وتوفي هناك وهو شاب يافع.
اسخريا آدم الهوزي الذي رافقني الى القرية كان عسكريا في دهوك بعد الانفال يقول:
ـ عام 1988 رأيت والد توما العجوز في قلعة دهوك حيث كانت سجنا لاعداد كبيرة من العوائل من مختلف الاثنيات عندما كنت جنديا هناك وكان حاملا قصعة وواقفا في الدور لاخذ الطعام. ويضيف اسخريا سالته بهدوء ـ عمي هل تعلم ماذا جرى لتوما؟ فنظر الي وبدأت الدموع تنهمر من عينيه وقال : لقد انتهى توما
وما هي ذكرياتك عن كوندي كوسا؟
ـ كنت هاربا من الجيش.في القرية وقد قام اهل القرية بالواجب ورحبوا بنا وقدموا لنا كل الخدمات حتى خبزنا كانت نساء القرية يخبزنه لنا. واضاف لقد بقيت في القرية 5 اشهرا وكان في القرية ما يقارب الاربعون هاربا.
و سالت السيد اسخريا ايضا ما هي ذكرياتك عن توما؟
كان طيبا جدا معنا ويوفر لنا كل ما نحتاجه. ثم يضيف:
ـ اتذكر عندما قررت تسليم نفسي للحكومة عند صدور عفو عن الهاربين قال لي, انك مرحب بك دائما وانت دوما في عيوننا.
وفي مقر زوعا المتواجد في عنكاوا سألت السيد نينوس بثيو احد قياديي ومؤسسي زوعا عند زيارتي الى شمال العراق لتغطية انتخابات برلمان اقليم كردستان ٢٠٠٩ والذي كان يتردد على كوندي كوسا منذ تأسيس زوعا فيقول عن توما ريس:
ـ كان رجلا مخلصا وشجاعا ومساعدا لنا جدا.ثم يستطرد فيقول بانه كان يساعدنا في الكثير من القضايا حتى انه كان يحمل احيانا بريدنا الحزبي وياخذه الى بغداد.
سألت مريم ان كان احدا من الاحزاب الكردية قد اتصل بهم وتحدث اليهم, قالت مريم:
ـ كلا, لكن عندما ذهبت عمتي الى العراق طلب اصدقاء ابي من الكرد ان اتصل بهم وقالوا انهم يريدون سماع صوتي لان والدي كان عزيزا عليهم جدا. وهل اتصلت بهم؟ قالت مريم:
ـ كلا لانني لا اعرف الكردية ولا العربية.
وفيما اذا كانت الاحزاب الاشورية قد اتصلت بها قالت والحسرة تظهر من نبرات صوتها:
ـ كلا لم يتصل بنا احدا رغم انهم كانوا يبيتون عندنا شهرين او حتى سته اشهر وكان والدي يعطيهم كل شئ تم يضعهم على الفرس ويرسلهم الى الوجهة التي يريدونها.
وفي الختام أتساءل ما الذي فعلناه للبحث عن رفاة الشهداء والمطالبة بمعرفة ما جرى لهم ومحاسبة الفاعلين الذي لا يختلف اثنان على انها الحكومة العراقية.
كما واراه من الخطأ ايضا ان احدا لم يقدم دعوى ضد اركان النظام البائد رغم ان هذه الجريمة لبشاعتها كان من الممكن قطع رأس النظام نفسه لو توفر جزء يسير من العدالة. حيث كان حريا باحزابنا خاصة الحركة الديمقراطية الاشورية ان تقدم الحقائق والمستندات الى محكمة الانفال التي حوكم اركان النظام البائد فيها اولا احتراما لارواح الابرياء التي ازهقت ووفاءا للعوائل التي اخذت من افواه اطفالهم لاطعام رجالاتها, بالاضافة الى ان ذلك كان من الممكن ان يجعل مشرعي الدستور ان يذكروا تضحيات المسيحيين من الاشوريين والكلدان والسريان اسوة بالقوميات والطوائف الاخرى في ديباجة الدستور.
ملاحظة:هنالك الكثير من المعلومات لازالت غير مؤكدة لذا يرجى من يعرف المزيد اضافته في الموقع اوارساله الى بريدي الالكتروني:iskandero57@gmail.com
اسماء المفقودين او الشهداء الذين قضوا في انفال كوندي كوسا واعمارهم عند القاء القبض عليهم: حسب موقع الانفال
باكوس توما باكوس اكثر من 70
70 مارغريت دنخا كوريل اكثر من
58 توما باكوس توما
54 الشوا موشي عوديشو
16 شوشن توما باكوس
14 سركون توما باكوس
9 سنحاريب توما باكوس
13 اشور توما باكوس
11 شموني توما باكوس
56 شمعون موشي عوديشو
43 يسمي هارون
23 مريم موشي عوديشو
3 شيرين موشي عوديشو
3 يونيه موشي عوديشو
11 سمير شمعون موش
7 سامي شمعون موشي
1 داني شمعون موشي
9 اميرة شمعون موشي
5 سميرة شمعون موشي
10 داليا شمعون موشي
3 موشي شمعون موشي
12 شمايل ايوب خان خوشابا
20 ماركريت يلدا هارون
2 والتر شمايل ايوب خان
1 ناديا شمايل ايوب خان
19 يوسف ايوب خان خوشابا
70 مريم طوبيا ميخائيل
56 شمعون كوركيس يوالاها
54 ايوب شمعون كوركيس
48 ايشو شمعون كوركيس
39 عوديشو شروين عوديشو
25 شليمون شروين عوديشو
25 شوشن شروين عوديشو