بتأزم الأحوال وسط جائحة فيروس كورونا، فإن البشر الهائل الذين يعيشون تحت ضوابط الحجر الصحي يشكل تحدياً غير مسبوق. وان العيش في عزلة يشكل تهديداً فريداً يتعارض والغريزة البشرية الأساسية للتواصل والترابط الاجتماعي. (عالم النفس الاجتماعي غيليوم يقول: عندما يشعر الناس بالخوف فإنهم يبحثون عن الأمان في الجمع، ولكن هذا الامر في الوضع الحالي سيشكل تهديداً من خطر العدوى لنا جميعا. هذه هي العقدة التي نواجُها). وفي دراسة الباحثون يتوقعون الاستمرار في تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي حتى عام 2022 سيكون له نتائج سلبية عميقة الامر اقتصادياً والعالم سيواجه الانهيار. فيروس كورونا ما هو إلا سلاح بيولوجي مصنّع مختبرياً هندسته وراثياً. فالخوف من المرض وليس المرض نفسه له تداعيات كبيرة. وان الدولة المنتصرة في المعركة ستدير أزمتها بنجاح لا ظهار جلي قدرتها على ان يكون الفاعل الأبرز بالنظام العالمي الجديد. فعالم ما بعد كورونا؛ بعد ان تبدت فكرة ان العالم بات (قرية صغيرة) بوضوح، ولكنها في الوقت ذاته بدت متهافتة في مواجهتها، عولمة بانتشار المرض وأنانية في المواجهة والعلاج. النظام الدولي بات مكشوفاً ويحتاج الى إعادة النظر. والبشرية أدركوا هشاشة الحالة الإنسانية من خلال حاجز الكمامة على الوجه والتباعد الاجتماعي. بعد ان توصلت البشرية جمعاء الى أهمية الجماعة، والعائلة والأمور الجادة في حياتنا وأكثر من ذلك برزت مفردات ميزت القاموس اللغوي لفئات واسعة بين الناس، أهمها مفردة (أخوة، تعاون، ومحبة). أليست هذه كانت نعمة من نِعم الله علينا؟ الوباء البيولوجي أصاب الجميع من الأديان، فأصاب اليهودي والمسيحي والمسلم والبوذي وغيرهم. ولا اعتقد ان حدثاً كهذا استطاع ليجمع البشرية حوله كما فعل كورونا فلم يعد بهم أين تسكن، ما عملك، اصلك او فصلك؟ إلا وكانت أزمة كورونا العالمية هي المركز الذي يدور حوله الجميع. إذاً إننا جمعاء وسواسية، لا فرق بين غني وفقير ولا بين اسود وابيض فالشعوب التي لا تتعلم من درسها لا تستحق الحياة. لنتذكر انه ليس هناك شعب مختار ومحض من الموت. كورونا اجتاحت شعوب العالم واختراق كل الحدود والأجواء والبحار والمحيطات. ولم تمنعه الجيوش ولا الطائرات والصواريخ والاقمار الصناعية، لا بل انه قَزّم دور الأسلحة التقليدية والنووية وأفقد (الهاي تيك) مكانته في الثورة الصناعية، وأظهر للعالم بكل مكوناته أباطرة المال والذهب والحكومات العالمية التي يديرونها، ويحددون من خلالها الاجندة السياسية والدينية والاقتصادية، كم هم ضعفاء امام عدو غير مرئي، رغم انه من انتاجهم وجزء من مخططهم لتدمير اعدائهم، لأنهم (شعب الله المختار). وان هذا الشعب، حبّاها الله من دون البشر بنعمة الرفعة والتسيّد على بني الإنسان وان الله كفيل بحمايتهم وانقاذهم من كل الشرور. مع ان المتابع لحركة التاريخ (القديم والوسيط والحديث) يشهد ان الله ابتلى بهم بعظيم الشرور والحروب يصاحب ذلك الغرور والتباهي والانا. وهو ما يشير الى ان (شعب الله المختار) ليس مختاراً، بل هم شعباً اسوة ببني البشر. النتيجة لا شعب مختار عند الله: فكل شعوب العالم هم شعب الله، ولها المكانة والقيمة، وما يميز إنسان عن آخر هو محبته للسلام والعدل والحرية وخدمة البشرية. وصيانة السلم والامن في المعمورة لإثراء الحضارة البشرية بعالم متساوٍ لا فرق بين شعب وآخر. الكتاب المقدس الذي أعلن حب الله اللامتناهي اتجاه الإنسان، والله لا يكيل بمكيالين ولا يزن بميزانين، الشعب المختار هو أداة لتقدس الاختبار الإلهي الجزئي، ولا يكتمل بمجرد اختيار شعب ما، إنما كما له هو بقداسة الأمم. قال المسيح لتلاميذه: (ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر. وقال أيضاً: اختار الله جُهال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله ادنياء العالم والحقير وغير الموجود ليبطل الموجود. كيلا يفتخر كل ذو جسدٍ أمامهُ). وليس معنى ان الله اختار بني إسرائيل شعباً له أنه أغمض عينيه عن خطاياهم وتعدياتهم، إنما سقطوا تحت تأديبيات الله الشديدة، وعندما رفضوا المخلّص، رفضهم الله، وتحقق فيهم القول: (إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطي لأمةٍ تعمل أثمارها). كورونا كشف طوفان مشاعر الحقد والكراهية والفرص لنشر قيم المحبة والمودة والطيبة. كورونا كشف حالة (الأكزنوفوبيا المقيتة، أي كراهية الغير)، فتتمثل بتحطيم المعايير (الإكسيولوجيا أي القيمية). كورونا إنما هو اختبار للأديان ومستقبل الإيمان. الباحث خادم الرب/ ســـــمير عســـــكر